نشر البنود على مراقي السعود

الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم

[مقدمة المحقق]

[مقدمة المحقق] يعتبر علم أصول الفقه الذي يعرف منه تقرير مطالب الأحكام الشرعية وطرق استنباطها -من العلوم الإسلامية العريقة، المنمة بموضوعاتها ومنهجها، عن خصائص أساسية في الفكر العلمي عند المسلمين، والمعبرة -بصفتها هذه -عن عمق استشفاف هذا الفكر، للمسائل -وشمولية استيعابه لها، وقدرته العبقرية على الغوص والاستنباط والتنظير والتقرير، والتبحر في ذلك، وارتياد أرحب الآفاق في مضماره. وقد تألق فكر المسلمين في فروع شتى من المعرفة كالرياضيات والطب وسواهما، واجتهدوا في بحوثهم حولها اجتهادات رائدة أدت بهم إلى الإسهام في تطوير محتواها والتمهيد -من ثم -لما أصابته مثل هذه الفروع العلمية في العصور الحديثة من باهر التقدم على الصعيد النظري والعملي سواء، أما فيما يخص العلوم الإسلامية الصرفة -فإنها تعد بطبيعة الحال -ثمرة كاملة للاجتهاد الفكري عند المسلمين، تختلف في هذا عن غيرها من العلوم التي أسهموا فيها مع غيرهم من الأمم، وتنفرد -بالتالي -بما تنطوي عليه من الدلالة على طبيعة تفكيرهم العلمي في إطاره الخاص، واتجاهاتهم الرائدة في بناء النموذج الثقافي المتسمة به حضارتهم المتميزة. ويستمد علم أصول الفقه -كما قال الشوكاني من ثلاثة أشياء: الأول علم الكلام لتوقف الأدلة الشرعية على معرفة الباري سبحانه وتعالى وصدق المبلغ، وهما مبينان فيه مقررة أدلتها في مباحثه. الثاني: العربية لأن فهم الكتاب والسنة والاستدلال بهما متوقفان عليها إذ هما عربيان. الثالث: الأحكام الشرعية من حيث تصورها لأن المقصود إثباتها أو نفيها. وباعتبار سعة الفنون العلمية التي يتطلب الحال -هكذا -الإلمام بها والتبحر فيها لإمكانية خوض لجج هذا العلم، والغوص على لآلئه، فإنه لم يتصد له في القديم والحديث إلا فطاحل العلماء كفقيه السنة الأكبر محمد بن إدريس الشافعي ومن على شاكلته من الجهابذة الأفذاذ.

وأول من ألف فيه كما هو معلوم الإمام الهاشمي المطلبي محمد بن إدريس رحمه الله تعالى 150/ 204 عندما أشار عليه شيخه عبد الرحمان بن مهدي فجمع بعض القواعد في كتابه المسمى الرسالة وهو مطبوع. ثم توالت فيه المؤلفات المختلفة ذات المناحي المتعددة فكتب أتباع الشافعي في منحاه. وأصحاب أبي حنيفة في منحاه، كذلك ومثلهم أصحاب الإمام مالك والإمام أحمد، وحاول آخرون الجمع بين الطريقة الشافعية والحنفية، وهما الطريقتان البارزتان في هذا العلم. وكانت الكتب ما بين مختصر، ومتوسط يأخذ اللاحق من السابق، ويناقشه ويرد عليه أحيانًا لاسيما إذا كان من غير مذهبه. ومن أهم المؤلفات في هذا الميدان، الرسالة للإمام الشافعي، وأحكام الأحكام لابن حزم الأندلسي والمستصفي للغزالي، وأصول البزدوى، وأوصل السرخيسي، وروضة الناظر لابن قدامة المقدسي والأحكام لسيف الدين الأمدي والموافقات لأبي إسحاق الشاطبي، وإرشاد الفحول للشوكاني، وجمع الجوامع لتاج الدين السبكي وغيرها. والملاحظ بصفة عامة أن كتب المتقدمين أجزل عبارة وأظهر معنى وأسهل موردًا، وغالبًا ما كانت كتب المتأخرين تلخيصًا واختصارًا أو نظمًا أو شرحًا لأعمال من سبقهم أو تعليقًا عليها، ولكل فائدته. ويعتبر المؤلف الذي بين أيدينا (نشر البنود على مراقي السعود) واحدً من المصنفات القيمة في هذا الفن. وقد تفضل مولانا أمير المؤمنين، جلالة الحسن الثاني نصره الله وأيده، فأمر بطبع هذا الأثر العلمي النفيس ونشره، وذلك في إطار اهتمام جلالته الشريفة -حفظه الله روعاه -بإحياء التراث الإسلامي، وإغناء نهضتنا العلمية بكنوزه، وذخائره، ومنح أوسع الفرص للطلبة والباحثين والدارسين، للنهل من موارده، والكرع من حياضه وصلا لماضينا العلمي المجيد، بحاضرنا العلمي الزاهر، وترسيخًا لأصالة النهضة الثقافية العظيمة، التي تشمل مختلف الآفاق في هذا البلد الأمين، تحت ظل قيادة جلالته الحكيمة النيرة. ومادة الكتاب عبارة عن شرح أرجوزة في هذا الفن، للمؤلف سيدي عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي واضع الأرجوزة والشرح معًا، وكما يلاحظ فقد كان يطل إطلالة العالم المتفتح الواعي على بقية المذاهب فيأخذ منها ويناقش ما أخذ ويرجح ويضعف كما ستراه، ولا ينسى مع كل هذا مالكيته التي ارتضاها واقتنع بها. ولهذا فقد جاء هذا العمل وسطًا بين الإطناب والاقتضاب، تشعر وأنت تقرؤه أنك تقرأ لعالم ضليع من علماء الملة المتأخرين فتعيش مع أسلوب.

عصره الذي يتميز بالمناقشة وسوق الردود للإحاطة بالنقط التي يتعرض لها من مختلف الجوانب، ومع تمحيصه -بهذه الصورة -للمسائل ومناقشته لها، فهو يشعرك أنك منصف في مناقشته، إيجابي الروح في نظرته إليها، فإذا ما وقف أمام خلاف لفظي، أو جدال جانبي عقيم ترفع عنه قائلًا: لا مساحة في الاصطلاح. ويستوقف فكرك وأنت تقرأ هذا المصنف الجامع، كثرة نقول المؤلف عن غيره، ولا غرابة في هذا، فقد بين منهجه في ذلك علمًا بتقيده بالنقل عن كبار علماء الإسلام بشكل عام وعلماء المذهب المالكي بشكل خاص، ذلك أن يجلي المسألة، ويقربها إلى القارئ بأسهل وأمتع ما يستطيع. ومما يتميز به، أمانته في النقل إذا نقل، حيث أنه يعزو كل عبارة إلى صاحبها بكامل النزاهة، وهذا ما كان يتسم به أسلافنا من العلماء رحمهم الله تعالى (يعزون الفضل لأهله والقول لصاحبه). وقد استعرض المؤلف رحمه الله تعالى في شرحه هذا مباحث الأصول كلها كباقة شهية، فدونكها أيها العالم والباحث والطالب وقد أخرجتها إليك وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في بهاء ورواء وحلة قشيبة وطبعة أنيقة بعد أن نفذت كل نسخ هذا الكتاب التي كانت مطبوعة بفاس بالمطبعة الحجرية، فلم يكن من اليسير الحصول عليه قبل أن يقدم في هذه المطبعة الجديدة المصححة. حفظ الله مولانا أمير المؤمنين، وأدامه ذخرًا لهذه الأمة يرعى نهضتها، ويصون تراثها، ويبعث مفاخرها العلمية وأمجادها الفكرية، موالاة لمأثرات العرش العلوي، في رعاية العلم والثقافة، ومناقبه الجلي في ترسيخ أصالة هذه البلاد، وإثراء مقومتها الحضارية. وأقر عين سيدنا الإمام بصاحب السمو الملكي ولي عهده الأمير الجليل سيدي محمد، وصنوه الأمير السعيد مولاي رشيد وكافة أفراد الأسر الملكية الشريفة أنه على ما يشاء قدير، وهو نعم المولى ونعم النصير.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد ذي الخلق العظيم، وعلى ءاله الرهط الكريم وأصحابه الذين بهم الدين أقيم. وبعد فيقول عبد الله بن إبراهيم بن الإمام العلوي أعلاه الله: لمن من الله تعالى علي بإتمام النظم المسمى مراقي السعود لمبتغى الرقي والصعود، ألهمني الله الاشتغال بشرحه فشرعت فيه مستعينًا بالله ومشيرًا بلفظ المحشي للكمال بن أبي شريف، وبزكرياء لشيخ الإسلام زكرياء، وبالمحشيين لهما، وباللقاني لعلامة عصره بلا نزاع وواحد وقته بلا دفاع ناصر الدين اللقاني، إلا ولأن شافعيان وهذا مالكي. وكلهم محشون على شرح المحلي لجمع الجوامع، وبحلولو لأبي العباس أحمد الشهير بابن حلولو القروي المالكي شارح جمع الجوامع، الشرح المسمى الضياء اللامع، وبالقاضي أبي بكر الباقلاني وبالرازي لفخر الدين الرازي صاحب كتاب المحصول. وحيث قلت قال في التنقيح، أو في شرح التنقيح فمرادي شهاب الدين القرافي وحيث قلت قال في الآيات البينات فالقائل أحمد بن قاسم الشافعي العبادي. والآيات البينات حاشية له على المحلي ثلاثة أسفار ابتداء الثاني من مبحث العام والثالث من الإجماع، وهو كتاب جمع فيه من التحقيق والتدقيق وكثرة الأبحاث والانتصار لصاحب جمع الجوامع وشارحه المحلي ما لا يأتي الزمان بمثله إن الزمان بمثله لبخيل فسميت هذا الشرح «نشر البنود على السعود» يسر الله تعالى لي إتمامه وأجزل علي فيه إنعامه فمرادي

فيه إن شاء الله أن أسهل ما استصعب وأجلب كل منتخب من بحث معقول وعلم منقول، حتى لا يعد له كتاب في الإيضاح وتحرير الصواب فإن هذا العلم مما ألوت به الصبا والدبور وصار يبلي على ممر الدهور ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. يقول عبد الله وهو ارتسما ... سمى له والعلوى المنتمى عبد الله المراد به المسمى ويرجع إليه الضمي المبتدأ باعتبار الاسم وارتسم بمعنى ثبت وسمى بتثليث السين لغة في الاسم حال من الضمير فاعل ارتسم، يعني أن اسمه عبد الله هو أفضل الأسماء لما فيه الحديث من أفضل الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وألحقوا بهما كل ما يدل على العبودية. قوله والعلوي المنتمى، المنتمى بصيغة اسم المفعول أي منتماه ونسبته يقال فيها العلوي بفتح العين واللام نسبه إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أو إلى آخر من ذريته. تنبيه: أعلم أن الله تعالى قد يسر لي الشروع في هذا الشرح بتججك حرسها الله تعالى من الآفات، ووقى أهلها من السيئات، وعمرها بالعلم والدين إلى يوم البعث والدين بعدما يسر لي نظم الأصل بها وذلك يوم الخميس في جمادى الأولى عام سبعة ومائتين بعد الألف وتمام النظم قبله بعام أسأل الله بإنعامه أن يعين على إتمامه وأن يجعله خالصًا، لوجهه للرضى والأمن بمنه، والفوز بالزيادة فالكريم من استزاده زاده. الحمد لله على ما فاضا ... من الجدى الذي دهورا فاضا يعني أن أحمد الله على ما أفاض أي أكثر من الجدى بفتح الجيم والدال أي النفع والخير الذي جاء به صلى الله عليه وسلم بعدما فاض أي قل وعدم دهورًا متطاولة قبله صلى الله عليه وسلم. وجعل الفروع والأصول ... لمن يروم نيلها محصولا. النيل بفتح النون المراد به التعلم ومحصولا بمعنى حاصلة في الكتب والصدور ويجئ المحصول بمعنى المصدر كالمسعور والمحلوف بالفاء المرأسة لا بالفاء الموحدة والمعقول والمجلود وقد نظمتها بقولي:

محلوفكم مجلودكم معقول ... مصادر يزنها مفعول كذلك المعسول والمحصول ... فاصغ ليتا أيها النبيل الليت بالكسر صفح العنق. وشاد ذا الدين بمن ساد الورى فهو المجلي والورى إلى ورا شاد الحائط علاه بالشيد بالكسر وهو الجص ونحوه كناية عن تحسينه وشاد كجعل معطوف على أفاض وهو قوله وهو يعني من قوله فهو المجلي عائدًا على من والمجلي السابق في الحلبة قال الشاعر: أتاني المجلي والمصلي وبعده الـ ... ــــــمسلي وتال بعده عاطف يسرى ومرتاحها ثم الحظى ومؤمل ... وجاء اللطيم والسكيت له يجرى فالمجلي بضم الميم وكسر اللام مشددة، والمصلي على وزنه هو الذي يتبع السابق في الحلبة والمسلي الثالث والتالي الرابع والعاطف الخامس والمرتاح السادس. وفي القاموس: إن المرتاح هو الخامس والخطي هو السابع والمؤمل هو الثامن واللطيم كأمير هو التاسع، والسكيت كزهير ويشدد العاشر وهو أخر خيل الحلبة بفتح الحاء وسكون اللام الدفعة من الخيل في الرهان، وورا في قوله إلى ورا بمعنى خلفه قصر للوزن. محمد منور القلوب ... وكاشف الكرب لذي الكروب محمد بالجر بدل من في قوله بمن، وتنويره صلى الله عليه وسلم للقلوب بالإيمان به وبمحبته والصلاة عليه وإتباعه وكاشف الكروب بشفاعته والاستغاثة بجاهه والكرب الحزن. وشفاعاته في الآخرة ست: الأولى في تعجيل الحساب وهي أعظمها وأعمها وهي مختصة به. والثانية في إدخال أقوام الجنة بغير حساب وهي مختصة به عند النووي، وتردد في ذلك ابن دقيق العيد والسبكي. الثالثة فيمن استحق النار أن لا يدخلها وتردد النووي في اختصاصها به وجزم

عياض بنفيه. الرابعة في إخراج الموحدين من النار ويشاركه فيها الأنبياء والملائكة والمؤمنون، إلا أن الاشتراك في مطلق الإخراج لا في قدره. الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لأقوام ولم ير نص في اختصاصها به. السادسة في تخفيف عذاب من استحق الخلود في النار كأبي طالب. اللهم بجاهه شفعه فينا وفي قرابتنا بدخول الجنة من غير حساب وبزيادة الدرجات في الفردوس بلا مشقة ولا عتاب. صلى الله عليه ربنا وسلما ... وآله ومن لشرعه انتمى الشرع: السنة والدين، والانتساب للشرع بالعمل به وتدوينه وتعليمه وتعلمه. هذا وحين قد رأيت المذهبا ... رجحانه له الكثير ذهبا وما سواه مثل عنقا مغرب ... في كل قطر من نواحي المغرب أردت أن أجمع من أصوله ... ما فيه بغية لذي فصوله هذا مبتدأ حذف خبره، والعكس أي هذا الأمر والأمر هذا يعني أن الذي حملني على هذا النظم في أصول مالك خاصة إني رأيت الكثير من العلماء ذهب إلى ترجيح مذهبه على سائر المذاهب للحديث الصحيح (يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم ولا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة)، أو لترجيح السلف الصالح له على مذهب غيره مع حسن تصرفه في كل فن من القرءان والحديث والعربية والأصول وغير ذلك، وأيضًا فإن ما سواه من المذاهب مفقود في كل قطر بالضم أي ناحية من نواحي المغرب فلا تكاد تجد من يحقق مسألة منها فضلًا عن باب ولا كتاب من كتبها كما اختصت أرض الروم وهي، سلاسول وما والاه بمذهب أبي حنيفة حتى أنه لم يكن في وقتنا هذا أحد فيه على غيره إلا رجل من الشيعة يقول في آذانه مكان حي على الصلاة حي على خير العمل، وكما اختص عراق العجم بمذهب الشافعي ولم يختص إقليم بمذهب أحمد.

وعنقاء كحمراء وزنًا مضاف إلى مغرب اسم فاعل من أغرب في البلاد أي أبعد فيها، قيل فيها ذلك لبعدها في طيرانها، ويجوز أن يكون مغرب وصفًا لعنقاء. وذكروا مغربا لإرادة النسبة كما قالوا ناقة ضامر وهو مثل يضرب للشيء الذي يوجد وهي طائر تخطف الأطفال فدعا عليها حنظلة بن صفوان نبي أصحاب الرس فأهلكها الله وقطع نسلها. وقيل ذهب بها إلى جزيرة، وهي جزيرة لا يصل إليها الناس في المحيط وراء خط الاستواء وانظر حياة الحيوان الكبرى تجد شفاء العليل. والبغية بضم الباء وكسرها المطلوب. والمراد بالفصول الفروع. منتبذا عن مقصد ما ذكرا ... لدى الفنون غيره محررا منتبذا حال من فاعل أجمع والموصول مفعوله ومحررا بصيغة اسم الفاعل حال منه أيضًا. يعني أني غير ذاكر في هذا النظم كل ما ذكر في الفنون غير الأصول من نحو كمعاني الحروف أو بيان كمسائل الحقيقة والمجاز مع كثرتها أو منطق كدلالة المطابقة والتضمن والالتزام مع تحريره أي سلامته من التطويل والحشو. سميته مراقي السعود ... لمبتغى الرقي والصعود يعني: أني سميت هذا النظام مراقي السعود بضم السين جمع سعد بمعنى السعادة لمن أراد الرقي إلى سماء الفقه وفهم موارده الشرع ومقاصده. والمراقي جمع مرقاة بالكسر ما يرقى به كالسلم والرقى بضم الراء وتشديد التحتية وهو والصعود بمعنى. استوهب الله الكريم المددا ... ونفعه للقارئين أبدا يعني: أني أسأل الله أن يهب لي المدد أي الزيادة في العقل والتأييد على إكمال هذا النظام وأسأله أن ينفع به كل من قرأه إلى يوم القيامة نفعًا كاملًا شاملًا.

مقدمة في علم الفقه

مقدمة أي في علم الأصول وهي بكسر الدال أفصح من فتحها، من قدم اللازم بمعنى تقدم، وهي ما يتوقف عليها الشروع في الفن. ومقدمة الكتاب أعم منها مطلقًا وهي ما قدم أمام المطلوب لارتباط بينهما توقف على معرفته الشروع في المطلوب أم لا، فمعرفة الأحكام الخمسة مقدمتها وخطبة ألفية بن مالك مقدمة الكتاب فقط. أول من ألفه في الكتب ... محمد بن شافع المطلبي يعني: أن أول من ألف علم الأصول في الكتب الإمام الشافعي وهو محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافع المطلبي، ألف فيه كتاب الرسالة الذي أرسل به إلى ابن مهدي وهو أيضًا أول من ألف في مختلف الحديث المشار إليه في طلعة الأنوار بقولنا أولا وجمع ممكن فمختلف ... يضيفه إلى الحديث المحترف وغيره كان له سليقه ... مثل الذي للعرب من خليقه يعني: أن غير الشافعي من المجتهدين كالصحابة فمن بعدهم كان معرفة علم الأصول سليقة له، أي مركوزًا في طبيعته كما كان علم العربية من نحو وتصريف وبيان خليقة أي مركوزًا في طبائع العرب فطرة فطرهم الله عليها. والألقاب كاسم المبتدأ والخبر والفاعل والمفعول وغير ذلك اصطلاحات وضعها أئمة النحو، وكذلك وضع أئمة الأصول الذين صنفوا فيه اسم المنطوق والمفهوم والفحوى، والمخالفة والعام والخاص والمطلق والمقيد وغير ذلك. الأحكام والأدلة الموضوع ... وكونه هذي فقط مسموع

يعني، أن مما يتوقف عليه الشروع في الفن معرفة موضوعه. وموضوع كل فن ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية كبدن الإنسان لعلم الطب، وعوارضه الذاتية الصحة والمرض اللذان لا يبحث الطبيب إلا عنهما. وموضع الأصول الأدلة الشرعية والأحكام. وعند بعضهم الأدلة الشرعية فقط. وإلى هذا أشار بقوله: وكونه .. الخ. وهذا مذهب الجمهور لأنه يبحث فيه عن عوارضها الذاتية كقولهم: الأمر يفيد الوجوب، ويتمسك بالعام في حياته صلى الله عليه وسلم قبل البحث عن المخصص، والعام المخصص حجة فيما يبقى. وحجة الأول: أن جميع مباحث الأصول راجعة إلى إثبات أعراض ذاتية للأدلة والأحكام من حيث إثبات الأدلة للأحكام وثبوت الأحكام بالأدلة. فالفن منحصر في الإثبات والثبوت وفيما له نفع في ذلك كالمرجحات فلا خلاف بين القولين في المعنى.

أصول الفقه

أصول الفقه الأصل لغة: ما يبنى الشيء عليه حسًا كالجدار للسقف، ومعنى كالحقيقة للمجاز والدليل للمدلول. ولما كان تصور المطلوب في النفس أو الشعور به شرطًا في تصور المطلب عقلًا جرت عادة المحققين في التصنيف بالبداءة بتعريف الحقيقة. فالشارع في فن لابد أن يتصوره أولا بوجه ما وإلا امتنع الشروع فيه. وأصول الفقه مركب إضافي، يطلق تارة على جزأي الإضافة، وتارة لقبًا لهذا العلم وعلمًا له. واختلف في المركب الإضافي هل يتوقف حده اللقبي على معرفة جزأيه أو لا؟ إذ التسمية به سلبت كلا من جزأيه عن معناه الإفرادي وصيرت الجميع اسمًا لمعنى آخر، وعلى الأول فلابد من معرفة جزأيه ولذلك قال: (أصوله دلائل الإجمال). يعني: أن أصول الفقه أدلته الإجمالية، لأن الأصل في الاصطلاح هو: الدليل، أو الأمر الراجح كما يأتي. والدليل الإجمالي هو، الذي لا يعين مسألة جزأيه كقاعدة مطلق الأمر والنهي، وفعله صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس والاستصحاب والعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والظاهر والمؤول والناسخ والمنسوخ وخبر الآحاد، فالتحقيق أن الأدلة نفسها ليست أصولًا، لأنها موضوع الفن وموضوع الشيء غيره ضرورة، وكذا معرفة الدلائل ليست هي الأصول على التحقيق. فمراد من قال: أن أصول الفقه معرفة دلائل الفقه الإجمالية، التصديق بتلك القواعد، أي العلم بثبوت المحمول للموضوع ومراد الأكثر القائلين أنها الأدلة: القواعد الباحثة عن أحوال الأدلة.

والقاعدة قضية كلية تعرف منها أحكام جزئياتها، نحو مطلق الأمر للوجوب ومطلق النهي للتحريم، والإجماع والقياس والاستصحاب حجة، والعام يقبل التخصيص والخاص يقضي على العام والمطلق يحمل على المقيد بشرطه، وخبر الآحاد يجب العمل به إلى غير ذلك مما يعلم في مواضعه واحترز بالإجمالية عن التفصيلية نحو ((أقيموا الصلاة)) ((ولا تقربوا الزنى)) وصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة، والإجماع على أن لابنة الابن السدس مع بنت الصلب حيث لا عاصب، وقياس الأرز على البر في امتناع ربا الفضل والنساء. قال العابدي في الآيات البينات، والشيخ زكرياء: ليس بين الإجمالية والتفصيلية تغاير بالذات بل بالاعتبار، إذ هما شيء واحد له جهتان فأقيموا الصلاة له جهة إجمال طي كونه أمرًا وجهة تفصيل هي كون متعلقة خاصًا. وهي: إقامة الصلاة. فالأصولي يعرف الدلائل من الجهة الأولى والفقيه من الثانية. تنبيه: اعلم أن أسماء العلوم كالفقه والبيان والأصول والنحو مثلًا يطلق كل واحد منها مرادًا به قواعد ذلك الفن وتارة مرادًا به إدراك تلك القواعد، وتارة مرادًا بها الملكة -بالتحريك -وهي سجية راسخة في النفس تحصل للمدرك بعد إدراك مسائل الفن وممارستها. فمن عرف أصول الفقه بأنه أدلة الفقه الإجمالية نظرًا إلى المعنى الأول ومن قال معرفة أدلة الفقه الإجمالية نظر إلى الثاني (وطرق الترجيح قيد تال). يعني: أن طرق الترجيح للأدلة عند تعارضها قيد تابع للدلائل الإجمالية في الاندراج في حقيقة الأصول. والمراد بالطرق وجوه الترجيح. (وما للاجتهاد من شرط وضح). ما مبتدأ، ووضح خبره. يعني: أن شروط الاجتهاد الآتي ذكرها في كتابه وضح، أي ظهر دخولها في مسمى الأصول. يعني: أن أصول الفقه هي الأدلة الإجمالية وكيفيات الترجيح وشروط الاجتهاد. وقيل: معرفة كل من الثلاثة. وقال ابن أبي شريف: أن التحقيق دخول مباحث الترجيح في مسمى الأصول دون مباحث الاجتهاد فإنما

هي تتمات. وعليه فيقال: أصول الفقه أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وقيل العلم بها اهـ. وأما مسائل الاجتهاد فبعضها فقهية موضوعها فعل المكلف محمولها الحكم الشرعي، كمسألة جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم ولغيره في عصره ومسألة لزوم التقليد لغير المجتهد، وبعضها اعتقاديه كقولهم: المجتهد فيما لا قاطع فيه مصيب، وقولهم: خلو الزمان عن المجتهد غير جائز، ونحوهما. قال القشيري: لكن جرت العادة بإدخال شروط الاجتهاد في الأصول وضعا فأدخلت فيه حدًا، وإنما أدخلت فيه وضعًا لأن غاية فن الأصول الإقدار عل الاستنباط، والاستنباط متوقف على شروط الاجتهاد، وليست داخلة في قواعد الفن بخلاف مباحث الترجيح، فإن البحث فيها عن أحوال الأدلة التفصيلية على وجه كلي باعتبار تعارضها، ولا يدخل في الأصول علم الخلاف، إذ لا يتوصل به إلى الفقه توصلًا قريبًا لأن الجدلي إما مجيب بحفظ حكم أو متعرض بإبطاله كان الحكم فقهًا أو غيره. لكن الفقهاء أكثروا فيه من مسائل الفقه وبنو أركانها عليها، حتى توهم اختصاصه بالفقه. وأصول الفقه، وإن كان أصلًا للفقه لاحتياجه إليه فرع لأصول الدين لاحتياج كون الأدلة حجة إلى معرفة الصانع وصفاته. (ويطلق الأصل على ما قد رجح) يعني: أن الأصل يطلق في الاصطلاح أيضًا على الأمر الراجح نحو: الأصل براءة الذمة، والأصل عدم المجاز والأصل إبقاء ما كان على ما كان عليه قاله القرافي في التنقيح.

فصل والفرع حكم الشرع

فصل والفرع حكم الشرع قد تعلقا ... بصفة الفعل كندب مطلقا يعني: أن الفرع هو حكم الشرع المتعلق بصفة فعل المكلف وتلك الصفة ككونه مندوبًا أو غيره من الأحكام الخمسة مطلقًا، أي سواء كان الفعل قلبيًا كالنية أو بدنيًا كالضوء، قال الناصر اللقاني عند قول خليل: فذلك لعدم إطلاعي في الفرع على أرجحية منصوصة. والفقه هو العلم بالأحكام ... للشرع والفعل نماها النامي أدلة التفصيل منها مكتسب الفقه لغة: الفهم والشعر والطب، واصطلاحًا هو: العلم بجميع الأحكام الشرعية العملية المكتسب من الأدلة التفصيلية. والمراد بالأحكام: النسب التامة التي هي ثبوت أمر لأخر إيجابًا أو سلبًا، احترازًا على العلم بالذوات والصفات والأفعال وعن النسبة التقييدية والشرعية المأخوذة من الشرع تصريحًا واستنباطًا احترازًا عن الأحكام العقلية والحسية والاصطلاحية كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، وإن النار محرقة، وإن الفاعل مرفوع وإن كان الحاكم في الحقيقة في الأخيرين إنما هو العقل على المشهور، ولكن بواسطة الحس والاصطلاح. والعملية المتعلقة بكيفية عمل قلبي كالعلم بوجوب النية في الوضوء وبدني كالعلم بسنية الوتر فيشمل العمل عمل غير المكلف لأن الفقه يبحث عن أفعال غير المكلف فالعلم بها من الفقه. لأنه يمنع من المحرمات كالزنى وشرب الخمر ويؤمر بالطاعات.

والمراد بكيفية العمل وجوبه أو ندبه أو ضدهما أو إباحته وهي المسماة عن المناطقة بالمادة وهي الدوام والضرورة وما يقابل الأمرين في نقضهما، فخرج العلم بالأحكام الشرعية الاعتقادية أي المتعلقة بحصول العلم في القلب كالعلم بأن الله تعالى واحد، وأنه يرى في الآخرة فعلمك بوجوب اعتقاد أن الله واحد فقه، وعلمك أن الله واحد ليس به، بل هو من علم الكلام، فالمتكلم يثبت الوحدة، والفقيه يثبت وجوبها. فالحق أن الاعتقاد وسائر الإدراكات انفعال لا فعل للنفس وإذا لم يكن فعلا فلا يكون عملًا إلا على سبيل التسامح قاله في الآيات البينات. واعترض بعضهم على التقييد بالعمل بأنه يخرج ما ليس بعمل كالطهارة الحاصلة باستحالة الخمر خلا والبيضة فرخا. وكالرق المانع من الإرث ولزوم التصرف وكالسفه المانع من لزوم التصرف مع أن الظاهر أن العلم بها من الفقه لأنه يبحث عنها فيه. وجوابه عندي: أن الطهارة تستلزم حلية تناول الشيء وهو عمل، والرق يمنع أخذ الإرث وهو عمل وانح ذلك النحو. ويقيد المكتسب خرج علمه تعالى لتعاليه عن الاكتساب والضرورة، وعلم كل نبي وملك بما ذكر، إذ هو ضروري حاصل مع العلم بالأدلة لا مكتسب عنها. فإن قيل: هل يدخل في التعريف علم النبي صلى الله عليه وسلم الحاصل عن اجتهاد بناء على الأصح من جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم فيسمى فقها أو لا يسمى فيكون التعريف غير مانع؟ فالجواب كما لابن أبي شريف: إن ذلك العلم دليل شرعي للحكم فبهذا الاعتبار لا يعد فقهًا بل هو من أدلة الفقه وباعتبار حصوله من دليل شرعي يصح أن يسمى فقهًا إلا أن يقال أنه بواسطة تقرير الله تعالى له عليه يكون ضروريًا فيكون بمنزلة الثابت بالوحي، وذكر الأدلة للبيان لا للاحتراز، إذ لا اكتساب إلا من الدليل. وبقيد التفصيلية خرج علم المقلد فإنه مكتسب من دليل إجمالي لأنه فتوى مجتهد وفتواه حكم الله في حقه. وقال المحلي يخرج به العلم بذلك المكتسب للخلافي من المقتضى، والنافي المثبت بهما ما يأخذه من الفقيه ليحفظه عن إبطال

خصمه؟ فعمله مثلًا بوجوب النية في الوضوء لوجود المقتضى أو بعدم وجوب الوتر لوجود النافي ليس من الفقه وهذا إذا قلنا أن الخلافي يستفيد علمًا بثبوت الوجوب أو انتفائه من مجرد تسليمه من المجتهد وجود المقتضي أو النافي إجمالًا، وإنه يمكنه بمجرد ذلك حفظه عن إبطال خصمه، والحق أنه لا يستفيد علمًا ولا يمكنه الحفظ المذكور حتى يتعين المقتضي أو النافي كأن يقول له: تجب النية في الوضوء لحديث (إنما الأعمال بالنيات) ولم يجب الوتر لحديث (خمس صلوات كتبهن الله على العباد) فيكون هو الدليل المستفاد منه ذلك وحينئذ إن كان الخلافي أهل للاستفادة منه كان فقيهًا قاله المحشيان وهما ابن أبي شريف وزكرياء. والخلافي صاحب علم الخلاف وهو علم الجدل. وأل في قوله: بالأحكام، للاستغراق وقوله نماها النامي: أي نسبها الناسب فيقول: الشرعية، الفعلية، أي العملية. (والعلم بالصلاح فيها قد ذهب). المراد بالعلم في حد الفقه ما يشمل الظن كما فسر به الرهوني كلام ابن الحاجب، وجعله القرافي على بابه واستشكل بأن الفقه كما سيأتي في تعريف الاجتهاد ظن لأن أدلته ظنية والمستفاد من الظن ظن فكيف عبر عنه بالعلم في التعريف؟ وأجيب: بأنه لما كان الفقه ظن المجتهد الذي يجب عليه وعلى مقلديه إتباعه كان لقوته بهذا الاعتبار قريبًا من العلم ويعبر عنه به، وأجاب القرافي بقوله: كل حكم شرعي فهو معلوم أي مقطوع به لثبوته بالإجماع، وكل ما يثبت بالإجماع فهو معلوم. وثبوت الإجماع فيه الحكم المختلف فيه هو الإجماع على أن ظن المجتهد حكم الله في حقه وحق من قلده. وأجاب بعضهم بقوله: مظنون المجتهد مقطوع بوجوب العمل به وكل مقطوع بوجوب العمل به فهو مقطوع به، فمظنون المجتهد مقطوع به. ابن أبي شريف. وهذا الدليل إنما يصح عند المصوبة أي القائلين كل مجتهد مصيب وإلا فهو ممنوع الكبرى عند غير المصوبة. يعني: أن المراد بالعلم بجميع الأحكام في تعريف الفقه العلم بمعنى

الصلاحية والتهيؤ لذلك بأن يكون له ملكة يقتدر بها على إدراك جزئيات الأحكام. وقد اشتهر عرفًا إطلاق العلم على هذه الملكة. فالكل من أهل المناحي الأربعة ... يقول لا أدري فكن متبعه يعني: أنه إذا كان المراد التهيؤ والصلاحية لا يقدح في أيمة المناحي الأربعة أي المذاهب قولهم لا أدري فأتبع ذلك القول فإنه يدل على الورع. ولله در القائل: ومن كان يهوى أن يرى متصدرا ... ويكره لا أدري أصيب مقاتله فقد سئل ملك رحمه الله عن أربعين مسألة، فقال في ست وثلاثين منها لا أدري. هذا ما اشتهر في كتب الأصول والذي رواه ابن عبد البر في مقدمة التمهيد على الموطأ أنه سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين منها لا أدري. وقال أبو حنيفة في ثمان مسائل لا أدري ما الدهر، ومحل أطفال المسلمين، ووقت الختان، وإذا بال الخنثى من الفرجين، والملائكة أفضل أم الإنسان، ومتى يصير الكلب معلمًا وسؤر الحمار ومتى يطيب لحم الجلالة. وكان أحمد يكثر من لا أدري. وسئل الشافعي عن المتعة أفيها طلاق أم ميراث أو نفقة تجب؟ فقال: والله ما أدري. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل. فسبحان من أحاط بكل شيء علما. كلام ربي أن تعلق بما ... يصح فعلا للمكلف أعلما فذاك بالحكم لديهم يعرف لما ذكر الحكم في تعريف الفقه شرع في تعريفه فتكون ال للعهد الذكرى والصواب تغايرهما لأن المذكور هنا الحكم المتعارف عند الأصوليين وهو خطاب التكليف وهو خطاب الله تعالى والحكم المذكور في تعريف الفقه ليس خطاب الله تعالى بدليل تقييده بالشرع وما هنا لا يكون إلا شرعيًا، وإنما ذكر هنا لكونه من المقدمات التي يتوقف عليها المقصود إذ الأصولي تارة يثبت الحكم وتارة ينفيه، والحكم على الشيء

فرع تصوره. يعني أن الحكم المتعارف عند الأصوليين هو كلام الله المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف به ومعنى تعلق الخطاب بشيء بيان حاله من كونه مطلوبًا أو غيره قاله في الآيات البينات. قولهم المتعلق يعني تلعقًا معنويًا قبل وجود المكلف متصفًا بشروط التكليف من البلوغ والعقل ومن العلم بالبعثة وبلوغ الأحكام وغير ذلك، وتنجيزيًا بعد ذلك قولهم بفعل المكلف يعني بما يصح أن يكون فعلًا للمكلف واخترتها على عبارتهم لما في عبارتهم من المجاز الذي لا يليق بالحدود إلا بقرينة واضحة وذلك لأن التكليف الأزلي لا يتعلق إلا بمعدوم يمكن حدوثه والمعدوم ليس بفعل في الحقيقة وتوضيحه أن لفظ الفعل يطلق على المعنى الذي هو وصف للفاعل موجود كالهيئة المسماة بالصلاة والهيئة المسماة بالصوم، ويقال له الفعل بالمعنى الحاصل بالمصدر وهذا هو متعلق التكليف، ويطلق لفظ الفعل على نفس إيقاع الفاعل هذا المعنى ويقال فيه: الفعل بالمعنى المصدري، الذي هو أحد مدلولي الفعل النحوي وليس هذا متعلق التكليف لأنه أمر اعتباري لا وجود له في الخارج، قاله ابن أبي شريف. والمكلف العاقل البالغ الذي ليس بغافل ولا ملجأ ولا مكره. قولهم: من حيث أنه مكلف بكسر الهمزة ويجوز فتحها على رأي الكسائي إضافة حيث إلى المفرد، أي: ملزم ما فيه كفلة أو مطلوب منه ووجه تناول الراجح للطلب غير الجازم والتخيير. وتناول الثاني التخيير إن اعتبار حيثية التكليف أعم من أن يكون بحسب الثبوت كما في الوجوب والتحريم أو بحسب السلب كما في بقية الأحكام، فإن تجويز الفعل والترك برفع الكلفة عن العبد قاله الأبهري فتناول الفعل ما كان قبليًا أو غيره قوليًا كتكبيرة الإحرام أو غيره كأداء الزكاة، والقبلي ما كان منه باب القصود والإرادات كالنية فهو من كسب العبد لأنه فعل لأن القصد إلى الشيء توجه النفس إليه، وما كان منه ما باب العلوم والاعتقادات كالإيمان وسائر الإدراكات فهو تجل وانكشاف يحصل عقب النظر في الدليل أو دونه كالضروري فليس من

كسب العبد لأنه ليس بفعل ولا تكليف إلا بفعل فالتكليف به التكليف بأسبابه كإلقاء الذهن وصرف النظر وتوجيه الحواس والاستسلام بالقلب له فتسمية التصديق الذي هو الاعتقاد فعلًا بهذا الاعتبار لكنه مجاز وإن وقع في كثير من العبارات. وأما خطاب الوضع فليس من الحكم المتعارف فلا يذكر في تعريفه. ومنهم من جعله منه فقال: خطاب الله المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع. والمراد بالتعلق الوضعي أعم من أن يجعل فعل المكلف سببًا أو شرطًا لشيء كجعل إتلافه سببًا للضمان أو يجعل شيء سببًا أو شرطًا له كالزوال فإنه سبب لوجوب فعل الظهر. قاله التفتازاني وغيره. وقد يرد هنا ما أورده ابن أبي شريف بقوله: قلنا: بتقدير تسليم ذلك في الزوال لا يتمشى في فعل غير المكلف كإتلاف الصبي والمجنون في كونه سببًا لوجوب الضمان وإن كان الصبي مكلف عندنا لكن بغير الوجوب والتحريم. فخرج بفعل المكلف كلامه المتعلق بذاته وصفاته وذوات العالم وأفعاله وصفاتهم كمدلول ((الله لا إلاه إلا هو خالق كل شيء)) ((ولقد خلقناكم)) ((ويوم نسير الجبال)) وخرج بما بعده مدلول ((وما تعملون)) من قوله تعالى ((والله خلقكم وما تعلمون)) فإنه متعلق بفعل المكلف من حيث إنه مخلوق لله تعالى بناء على أن ما مصدرية. وعلى تقدير إنها موصولة أي الذي تعلمونه فقد خرج بما قبله. تنبيه: قولهم من حيث كذا يراد به الإطلاق وعدم التقييد، كقولهم: الإنسان من حيث هو إنسان قابل للتعليم. وقد يراد التعليل والتقييد كقولهم: النار من حيث هي حارة تسخن. وقوله من حيث أنه مكلف يحتمل كلا من الأخيرين. قد كلف الصبي على الذي اعتمى ... بغير ما وجب والمحرم يعني: أن الصبي مكلف عندنا على ما صححه ابن رشد في البيان والمقدمات، وكذا القرافي في كتاب اليواقيت في أحكام المواقيت، وأن

البلوغ إنما هو شرط في التكليف بالواجب والمحرم لا في الخطاب بالندب والكراهة والإباحة فهو ووليه مندوبان إلى الفعل مأجوران، فإزالة النجاسة مثلًا يخاطب بها لا على وجه الوجوب أو السنية كالبالغ بل على سبيل الندب فقط وعند الشافعية ليس مكلفًا بحكم من الأحكام الخمسة فالأولى أن يقال في التعريف: بما يصح أن يكون فعلًا للعباد. وقد فرق القرافي بين انعقاد أنكحة الصبيان وعدم لزوم طلاقهم بأن عقد النكاح سبب إباحة الوطء وهم أهل للخطاب بالإباحة والندب والكراهة دون الوجوب والتحريم والطلاق سبب تحريم الوطء وليسوا أهلًا للخطاب به فلم ينعقد سببًا في حقهم دليل. الصحيح حديث الخثعمية التي أخذت بضبعي صبي وقالت يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر وقيل المأمور الولي وحده وقيل الصبي وحده وحيث قلنا أن الولي مأمور إما وحده أو مع الصبي هل الأمر على سبيل الوجوب أو الندب وهو المشهور فلا يأثم بترك الأمر. وعلى أن المأمور الولي وحده لا ثواب للصبي وإنما هو لوالديه؟ قيل: على السواء، وقيل: الثلثان للأم والثلث للأب. وقول خليل: وأمر صبي بها لسبع، يحتمل أن يكون الآمر له هو الولي أو الله تعالى بناء على أن الآمر بالأمر بالشيء آمر به. والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين وأضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع. وهو إلزام الذي يشق ... أو طلب فاه بكل خلق لكنه ليس يفيد فرعا ... فلا تضق لفقد فرع ذرعا يعني: إنهم اختلفوا في التكليف هل هو إلزام ما فيه مشقة وكلفة أو هو طلب ما فيه كلفة؟ فاه أي نطق وقال بكل من القولين خلق كثير فعلى الأول يكون المطلوب فعله أو تركه طلبًا غير جازم مكلفاً به. وعلى الثاني يخرج المباح وقال بعضهم المباح مكلف به من حيث وجوب اعتقاده تتميمًا للأقسام، وإلا فغيره مثله في وجوب الاعتقاد لكن الخلاف في كونه

إلزام ما فيه كلفة أو طلبه لا يفيد فرعًا من الفروع لعدم بناء حكم عليه قال أبو إسحاق الشاطبي فليست من أصول الفقه ولا عونًا فيه وكل ما كان كذلك فلا ينبغي ذكره في الفن. قوله فلا تضق .. الخ، الذرع بفتح الذال المعجمة تمييز محول عن الفاعل يقال ضاق به ذرعًا ضعفت طاقته ولم يجد من المكروه فيه مخلصًا. والحكم ما به يجيء الشرع ... وأصل كل ما يضر المنع يعني: إن الحكم التنجيزي هو ما جاء به الشرع أي البعثة فلا حكم تنجيزيا يتعلق بنا قبل البعثة لأحد من الرسل. والدليل على انتفاء وجوده انتفاء لازمه من الثواب والعقاب بقوله تعالى ((وما كنا معذبي حتى نبعث رسولا)) ولا مثيبين ولا فرق بين الحكم الأصلي والفرعي فاستغنى في الآية عن ذكر الثواب بذكر مقابله الذي هو العذاب الذي هو أظهر في تحقيق معنى التكليف لأن العقاب لا يكون إلا على شيء ملزم من فعل أو ترك والثواب يكون على ذلك تارة وعلى غيره. وحكمت المعتزلة العقل حيث جعلوه طريقًا إلى العلم بالحكم الشرعي يمكن إدراكه به من غير ورود سمع فالحكم الشرعي عندهم تابع للمصالح والمفاسد، فما كان حسنا عقلًا جوزه الشرع وما كان قبيحًا عقلًا منعه، ولهذا يقولون: إنه مؤكد لحكم العقل فيما أدركه من حسن الأشياء وقبحها. والحق عندنا أن الحسن ما حسنه والقبيح ما قبحه، وإنما قيدنا الحكم بالتنجيزي لأن الحكم الذي هو خطاب الله تعالى قديم وإنما الحادث التعلق التنجيزي عند وجود المكلف بصفة التكليف، وأما بعد مجيء الشرع إذا تعارضت الأدلة أو عدمت ولم يظهر لنا نص في شيء بخصوصه فالحكم الأصلي في الأشياء قبل عروض ما تخرج لأجله عن ذلك الأصل المنع كراهة أو تحريمًا في الضار على قدر رتبته في المضرة كأكل التراب وشرب تبعة وشمها لقوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) أي في ديننا.

والأصل في المنافع كأكل فاكهة لمجرد التشهي والتفكه الإذن ندبًا أو وجوبًا على قدر مصلحته لقوله تعالى في معرض الامتنان ((خلق ما في الأرض جميعا)) ولا يمتن إلا بجائز فيه نفع. قولنا قبل عروض .. الخ، كالأموال والدماء والأعراض الأصل فيها التحريم وقد يعرض لها ما يجوزها مع أن هذه ورد فيها نص وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام)) .. الحديث، والكلام فيما لا نص فيه. وذهب أبو الفرج المالكي وكثير من الشافعية إلى الحكم بالإباحة قبل وجود الشرع، والأبهري إلى المنع مستدلًا بقوله تعالى ((وما ءاتاكم الرسول فخذوه)) أي وما لا فلا. قال حلولوا في أكل التراب بعد ما ذكر أنه يضر: لكن يتردد النظر في مفسدته هل تنتهي إلى رتبة التحريم أو لا؟ وسكت القول المفصل عن الشيء إذا لم تكن فيه مصلحة ولا مفسدة ولعله لعدم وجوده. ذو فترة بالفرع لا يراع ... وفي الأصول بينهم نزاع راع كروع أفزع متعد، ولازم يعني: أن أهل الفترة لا يروعون أي يعذبون بسبب تركهم للفرع كالصلاة مثلًا لعدم تكليفهم بها. وهم من كان بين رسولين لم يرسل الأول لهم، ولا أدركوا الثاني. قاله في الآيات البينات، ثم قال: فلا خلاف بينهم أنها لا تثبت إلا في حق من أرسل إليهم، نعم من اتفق عليه الملل من الفروع هل هو كالإيمان حتى يجري فيه هذا النزاع؟ فيه نظر اهـ. والمتفق عليه نظمه الجزائري بقوله: قد أجمع الانبيا والرسل قاطبة ... على الديانة بالتوحيد في الملل وحفظ مال ونفس معهما نسب ... وحفظ عقل وعرض غير مبتذل واختلف في تعذيبهم بترك الأصول من الإيمان والتوحيد. ومثلهم من لم يسمع قط بدين ولا دعوة نبي ولا عرف أن في العالم من يثبت الاها.

قال العبادي: وما نرى أن ذلك يكون. قلت: يمكن في الأصم إذا لم يهتد بالإشارة والقرائن، ومبني الخلاف هل يجب الإيمان والتوحيد بمجرد العقل؟ أو لابد من انضمام النقل. العبادي. وهذا صريح في ثبوت تكليف كل أحد بالإيمان والتوحيد بعد وجود دعوة أحد من الرسل وإن لم يرسل إليه وفي تعذيب أهل الفترة بترك التوحيد. وهذا اعتمده النووي في شرح مسلم لإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الذين مضوا في الجاهلية في النار. وحكى القرافي في شرح التنقيح الإجماع على تعذيب موتى الجاهلية في النار وعلى كفرهم ولولا التكليف لما عذبوا. والذي عليه الأشاعرة من أهل الأصول والكلام أنهم لا يعذبون وأجابوا عن جماعة منهم صح تعذيبهم بأن أحاديثهم آحاد لا تعارض القاطع الذي هو ((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا)) وبأنه يحتمل أن يكون لأمر مختص به يقتضي ذلك، علمه الله ورسوله نظير ما قيل في الحكم بكفر الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام مع صباه وبأن ذلك خاص بمن بدل وغير بما لا يعذبه كعبادة الأوثان. ثم الخطاب المقتضي للفعل ... جزما فإيجاب لدى ذي النقل يعني: أن الخطاب الذي هو كلامه تعالى النفسي إذا اقتضى، أي طلب من المكلف فعل الشيء أي إيجاده اقتضاء جازمًا فذلك الخطاب يسمى إيجابًا، ومتعلقه واجب ومتعلق الندب مندوب، أو متعلق الكراهة مكروه، ومتعلق التحريم حرام، ومتعلق الإباحة مباح، قاله حلولوا. والمراد بذي النقل، الأصولي الذي ينقل مسائل الفن في الكتب أو يرويها دون تأليف. (وغيره الندب). يعني: أن الخطاب المقتضى من المكلف أو الصبي إيجاد الفعل اقتضاء غير جازم بأن جوز تركه فذلك الخطاب ندب أي يسمى به. فخرج بغير جازم الإيجاب لأنه لم يجوز تركه.

ما الترك طلب ... جزمًا فتحريم له الإثم انتسب الترك مفعول طلب قدم عليه. إن الخطاب الذي اقتضى الترك للشيء بمعنى الكف عنه طلبًا جازمًا فذلك الخطاب يسمى تحريمًا. قوله له أي لفعل المحرم انتسب الإثم كما ثبت الأجر في تركه. وجزمًا بمعنى مجزوم يعني طلبًا مجزومًا به. أولا مع الخصوص أولا فع ذا ... خلاف الأولى وكراهة خذا لذاك بسكون واو أولا. يعني: أن الخطاب الطالب للترك طلبًا غير جازم فإن كان مدلولًا عليه بالخصوص أي التنصيص على النهي عنه فهو الكراهة وإن كان غير مخصوص بل استفيد النهي من الأوامر إذ الأمر بالشيء نهى عن تركه فهو خلاف الأولى. قوله أولا الأول معناه أولا جزم لكن مع الخصوص كالنهي في حديث الصحيحين (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) والإشارة في قوله فع ذا للخطاب المدلول عليه بغير المخصوص وهو النهي عن ترك المندوبات المستفاد من أوامرها. والإشارة في قوله لذلك للخطاب المدلول عليه بالنهي المخصوص ولا يخرج عن المخصوص دليل المكروه حال كون الدليل إجماعًا أو قياسًا، لأن دليله في الحقيقة مستند الإجماع أو دليل المقيس عليه وذلك من المخصوص وكما يسمى الخطاب المدلول عليه بغير المخصوص خلاف الأولى يسمى متعلقة بذلك. وتسمية الخطاب بالكراهة أو خلاف الأولى بمعنى أنه مثبت لهما، وسواء كان متعلق خلاف الأولى فعلا كفطر مسافر لا يتضرر بالصوم أو تركا كترك صلاة الضحى إذ لم يرد فيه نهي مخصوص لكن الإنسان في الجملة منهي نهي تنزيه عن ترك مندوبات الشرع فالطلب في المطلوب بالمخصوص أشد منه في المطلوب بغير المخصوص فالاختلاف في شيء أمكروه هو أم خلاف الأولى، اختلاف في وجود المخصوص فيه كصوم يوم عرفة للحاج، فهو مكروه لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام عرفة بعرفة. وقيل خلاف الأولى لأنه صح أنه عليه السلام كان مفطرًا فيه. وزيادة قسم خلاف الأولى من صنع المتأخرين للفرق بين

ما هو أشد وغيره. وأما الأقدمون فيطلقون المكروه على القسمين. وقد يقولون في ذي النهي المخصوص مكروه كراهة شديدة وينبني عليهما كون الأحكام خمسة أو ستة وبعضهم يعبر بالنهي المقصود وغير المقصود وهو المستفاد من الأمر. وفسروا المقصود بالصريح وغير المقصود بغير الصريح فرارًا مما يقتضي غير المقصود من كون الشارع لم يقصد النهي في ضمن الأمر، ولا مانع أن يراد بالمقصود بالأصالة وبغير المقصود بالتبع. قاله في الآيات البينات. وقد يعبر عن المحرم بالمكروه فكثيرًا ما يقول المجتهد أكره كذا يعني أنه حرام. والإباحة الخطاب ... فيه استوى الفعل والاجتناب يعني: إن الإباحة التي هي القسم الخامس أو السادس من الأحكام الشرعية هي الخطاب المستوي بين فعل شيء وتركه كالاستمتاع بالمطعم والمأكل والمشرب المباحة. وذهب بعض المعتزلة إلى أن الأحكام أربعة بإسقاط الإباحة. قال الفهري: والصحيح إنها خطاب تسوية فهو حكم شرعي إذ هي التخيير بين الفعل والترك المتوقف وجوده كغيره من الحكم على الشرع، ورفع الإباحة نسخ، وقيل الأحكام اثنان التحريم والإباحة وفسرت بجواز الإقدام الشامل لبقية الخمسة وعليه يتخرج قوله صلى الله عليه وسلم (أبغض المباح إلى الله الطلاق) فإن البعض يقتضي رجحان طرف الترك والرجحان مع التساوي محال إلا أن ما أخذ من البراءة الأصلية ليس بحكم شرعي وإليه أشار بقوله: وما من البراءة الأصلية ... قد أخذت فليست الشرعية يعني: إن الإباحة المأخوذة من البراءة ليست حكمًا شرعيًا بخلاف ما أخذت من الشرع. فالأولى كشربهم للخمر في صدر الإسلام قبل أن يرد في إباحتها نص من تقريره أو غيره بل هي إباحة عقلية. وهي والجواز قد ترادفا ... في مطلق الإذن لدى من سلفا

يعني: إن لفظي الإباحة والجواز قد ترادفا عند بعضهم على معنى هو مطلق الإذن في الفعل، فعلى هذا يدخل فيهما المخير فيه والمندوب والواجب وتكون الأحكام اثنين باعتبار المنهي والمأذون فيه. والعلم والوسع على المعروف ... شرط يعم كل ذي تكليف يعني: إن الخطاب على قسمين خطاب وضع لا يشترط في أكثره علم المخاطب ولا قدرته، وخطاب تكليف يشترط في جوازه ذلك. فالغافل والساهي والنائم غير ملكفين عن الأكثر. وجوزه قوم، والقولان عن الأشعري بناء على أنها مانعة من الوجوب والأداء، وجه الأول أن الذي يطلب بالتكليف قصد إيقاع الفعل المأمور به على وجه الامتثال وذلك يتوقف على العلم بالتكليف به والغافل ومن في حكمه لا يعلم ذلك فيمتنع تكليفه، وإن وجب عليه بعد يقظته ضمان ما أتلفه من المال وقضاء ما فاته من الصلاة غافلًا لوجود سببيهما ودليل اشتراط العلم في التكليف قوله تعالى ((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)) وقوله تعالى ((مبشرين ومنذرين ليلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)) والفرق بين التكليف المحال كما هنا والتكليف بالمحال الآتي في الملجأ والمكره هو كما قال ابن العربي: إن الأول الخلل فيه من جهة المأمور، والثاني من جهة المأمور به. وما ذكره عياض في الشفاء من الاتفاق على خروج الساهي والنائم عن حكم التكليف، وقول ابن الحاجب في المنتهى المخطئ غير مكلف اتفاقًا، قال حلولوا: إنما ذلك في عدم المواخذة بالإثم. (واعلم) إن الشأن عند أهل الأصول أن يتكلموا أولًا في المسألة على الجواز العقلي فإن امتنع الشيء عقلًا علم ضرورة امتناع وقوعه، وإن جاز عقلًا نظروا بعد ذلك هل وقع في الشرع أو لا؟ فإذا قال في الأصولي: يجوز ذلك أو يمتنع فإنما مراده في العقل، وكذلك يشترط في خطاب التكليف القدرة على المكلف به فالعاجز عن شيء غير مكلف بفعله لقوله تعالى ((لا يكلف الله نفسًا إلى وسعها)) أي طاقتها فلا يجوز تكليف الملجأ وهو من لا مندوحة له عما ألجئ إليه كالملقى من شاهق جبل على شخص يقتله يمتنع تكليفه بالملجأ إليه أو بنقيضه لعدم

قدرته على ذلك، وقيل يجوز تكليف الغافل والملجأ بناء على جواز التكليف بالمحال، وكذا يمتنع تكليف المكره وهو من لا مندوحه له عما أكره عليه إلا بالصبر على ما أكره به يمتنع تكليفه بالمكره عليه أو بمقابله على الصواب لعدم قدرته على الامتثال فإن الفعل للإكراه لا يحصل به الامتثال ولا يمكن الإتيان معه بنقيضه. والمراد بالمكره الذي لا اختيار له بل صار مضطرًا وأما من له اختيار وتتحرك دواعيه فمذهب أهل الحق فيه إنه مكلف بالمأمورات والمنهيات. وأجازت المعتزلة أن يكره على فعل المنهي عنه ومنعوا أن يكره على فعل العبادات؟ وأما حكاية إمام الحرمين وغيره الإجماع على تكليف المكره بنقيض القتل فمحموله على التكليف من حيث إيثاره نفسه على المقتول بالبقاء على مكافئة الذي خيره بينهما المكره بقوله اقتل هذا وإلا قتلتك. فيأثم بالقتل من جهة الإيثار لا من جهة الإكراه. وقولنا: لإيثاره نفسه بالبقاء هو هكذا في عبارة المحلي، وتعقبه في الآيات البينات بما نصه (هذا لا يأتي إذا كان المكره به غير القتل كالقطع إذ لا يتحقق الإيثار بالبقاء إلا إذا كان المكره به مفوتًا لنفسه إلا أن يجاب إن هذا مفهوم بالأولى). وفيه أيضًا ما نصه (ربما يقال في غير المكافي يكلف بالمكره عليه ارتكابًا لأخف الضررين هذا إذا كان المقتول غير مكافي للمكره وإما إذا كان المكره مكافئًا للمقتول فعلى قياس ذلك ربما يقال يكلف بنقيض المكره عليه صابرًا على العقوبة ارتكابًا لأخف الضررين لأن قتل المكره أخف لأن المأمور بقتله أعظم حرمة) بقى إن هذا كله واضح إذا كان كل من المكره به والمكره عليه القتل إما إذا كان المكره عليه القتل والمكره به القطع مثلًا فلا يظهر هذا التوجيه. قال ابن العربي: والمشهور قتل المكره بفتح الراء وكسرها. حلولوا: ولعله فيمن يصح منه الإكراه كالسلطان والسيد لا مطلقًا ويشترط مع العلم والقدرة شروط أخرى يختص بكل عبادة شروط منها. والامتثال: هو افتعال من مثل بوزن ضرب أي قام وانتصب فمعناه القيام والانتصاب للإتيان بالمأمور به أو من المثل بمعنى الشبه فمعناه على هذا: الإتيان بمثل المأمور به، والمندوحة: السعة كالمنتدح من ندحت الشيء إذا وسعته.

ثم خطاب الوضع هو الوارد ... بأن هذا مانع أو فاسد أو ضده أو أنه قد أوجبا ... شرطا يكون أو يكون سببا هذا شروع منه في تعريف خطاب الوضع، سمي خطاب الوضع لأن متعلقه الذي هو كون الشيء سببًا مثلًا ثابت بوضع الله تعالى أي جعله، فمعناه أن الله تعالى قال إذا وقع هذا في الوجود فاعلموا أني حكمت بكذا. قال القرافي. يعني أن خطاب الوضع هو الخطاب النفسي الوارد بكون الشيء مانعًا من شيء آخر كالحيض فإنه مانع من صحة الصلاة أو بكون الشيء فاسدًا أو صحيحًا أو موجبًا لغيره سواء كان الموجب شرطًا أو سببًا فالشرط يلزم من عدمه العدم والسبب يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم، فإن في قوله أو أنه بالفتح والضمير يرجع إلى اسم الإشارة والمشار إليه الشيء، ووصف الخطاب النفسي بالورود مجاز والمراد به التعلق بقرينته استحالة الحقيقة والعلاقة اللزوم، فإن من لازم الوارد بالشيء تعلقه به. قاله في الآيات البينات. والشيء يتناول فعل المخاطب وقوله واعتقاده ولا يشترط في أكثر خطاب الوضع العلم ولا القدرة. وقد يعرض له أمر خارج يوجب اشتراط ذلك ككل سبب هو جناية بالنسبة إلى العقوبة دون الغرم وكذلك كل سبب في نقل الأملاك في المنافع والأعيان يشترط فيه العلم والرضى وكون الصحة والفساد من خطاب الوضع خلاف ما اختاره ابن الحاجب من أن الحكم بهما أمر عقلي. قال الرهوني: وهو الحق. لأنهما صفتان للفعل الحادث وحدوث الموصوف يوجب حدوث الصفة فلا يكونان حكمين شرعيين وإن توافقا على الشرع هـ. وعد القرافي من خطاب الوضع التقادير الشرعية وهي إعطاء الموجود حكم المعدوم وعكسه كتقدير الأثمان في الذمم والأعيان في السلم في ذمة المسلم إليه، والذمة نفسها هي من جملة المقدرات لأنها معنى شرعي مقدر في المحل قابل للإلزام والالتزام. قال:

والشرح للذمة وصف قاما ... يقبل الالتزام والالزاما وعد الآمدي الرخصة والعزيمة من خطاب الوضع (وهو من ذاك أعم مطلقًا) يعني: أن خطاب الوضع أعم مطلقًا من خطاب التكليف، يجتمعان في الزنى والسرقة والعقود فإنها أسباب تعلق بها التحريم والإباحة، وهي أسباب العقوبات وانتقال الأملاك. وكذلك الوضوء وستر العورة شرطان فهما خطاب وضع وواجبان فهما خطاب تكليف والنكاح واجب أو مندوب أو مباح وهو سبب في إباحة الوطء. والبيوعات مباحات وسبب لإباحة التصرف في ملك الغير وينفرد الوضع بأوقات الصلوات فإنها أسباب لوجوبها والحيض مانع ولا ينفرد التكليف إذ لا تكليف إلا له سبب أو شرط أو مانع. قاله القرافي في التنقيح، وشرحه. وجعلهما في الفروق بينهما عموم من وجه وهو الصواب. (والفرض والواجب قد توافقا). (كالحتم واللازم مكتوب .. ) يعني: أن الواجب والفرض يطلقان اصطلاحًا على ما الإثم في تركه ثبت بدليل قطعي أو ظني فعلي هذا يتراد فإن مع الحتم واللازم والمكتوب إن أريد به ذلك المعنى نحو (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) (وخمس صلوات كتبهن الله على العباد) وقد يطلق الواجب على مقابل الركن وقد يطلق الفرض أيضًا على الركن وعلى ما لابد منه. والفرض عند أبي حنيفة ما ثبت بدليل قطعي كقراءة القرءان في الصلاة الثابتة بقوله تعالى: ((فاقرءوا ما تيسر من القرءان)) والواجب ما ثبت بدليل ظني كقراءة الفاتحة فيها الثابتة بحديث (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وهو آحاد فيأثم بتركها ولا تفسد به الصلاة عنده. قوله (مكتوب) بالجر عطف على الحتم بعاطف محذوف. (وما فيه اشتباه للكراهة انتمى).

يعني: أن المشتبه ينسب للكراهة، أي يقال فيه مكروه قاله ابن رشد في المقدمات ومثل له بقوله صلى الله عليه وسلم (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات) أي مكروهات. وليس في الواجب من نوال ... عند انتفاء قصد الامتثال فيما له النية لا تشترط ... وغير ما ذكرته فغلط يعني: أن الواجب الذي لا يتوقف صحة فعله على نية لا نوال فيه أي أجر إذا لم ينو فاعله حين التلبس به امتثال أمر الله تعالى وذلك كالإمامة في الصلاة والإنفاق على الزوجات والأقارب والدواب ورد المغصوب والودائع والعواري ودفع الديون فهي وإن وقعت واجبة مبرئة للذمة لا ثواب فيها. قاله القرافي في التنقيح. إلا مسألة الإمامة. وإماما تتوقف صحة فعله على نية ففيه الثواب وإن لم ينو الامتثال. واحكم بالغلط على غير ذلك لمخالفته للقرافي وغيره أعني ما ذكر بعض شروح خليل من توقف الأجر على نية الامتثال توقفت صحة الفعل على نية أم لا وحقيقة النية وحكمتها وما تشترط فيه وما لا تشترط نظمناه بقولنا: والنية القصد لأن تميلا ... لصوب حكمه علا مفعولا حكمتها التمييز والتقرب ... فيما إلى التعبدات ينسب وغيره التمييز مثل الاشترا ... لبعض أيتام عليه حجرا فما نهى عنه وما لا يطلب ... لا نية فيه اتفاقا تجب كما تمحض من الأمر لما ... ليس عبادة كاعطا الغرما كقربة تعينت للرب ... كنية ذكر فعل القلب وأوجبنها لغير ما ذكر ... إما اتفاقا أو على الذي شهر

يعني: أن النية هي قصد إمالة الفعل إلى جهة الحكم الشرعي بأن ينوي إيقاع الفعل على الوجه الذي أمر الله به أو نهي عنه أو إباحة قاله القرافي. وحكمتها في العبادات التقرب إلى الله بها وتمييزها عما ليس بعبادة كالوضوء يكون للصلاة ويكون للتبرد والتنظيف والجلوس في المسجد يكون لتعمير المسجد وللصلاة فهو عبادة ويكون للفرجة ولتلقي الأخبار وتكون الحكمة أيضًا التمييز لنوع العبادة عن نوعها الآخر ككونها فرضًا أو نفلًا والفرض منه كفاية ومنه عين ومنذور وغيره. قوله: (وغيره التمييز -البيت -) يعني: أن حكمتها في غير العبادات التمييز فقط كوصي على أيتام لا ينصرف شراؤه لأحدهم إلا بالنية لأن التصرف إذا دار بين جهات لا ينصرف لأحدها إلا بالنية ومتى اتحدت الجهة انصرف لها دون النية لتعينها كتصرفه لنفسه، ولغيره بالوكالة لا ينصرف لغيره إلا بالنية لأن تصرف الإنسان لنفسه أغلب قاله القرافي. قوله: (فما نهى عنه -البيت) يعني أن النواهي لا يحتاج فيها إلى نية شرعا إذ يخرج الإنسان عن عهدة المنهي عنه لمجرد تركه وإن لم يشعر به فضلًا عن القصد إليه لكن إن نوى بتركها وجه الله تعالى حصل له الثواب وكان الترك قربة قاله القرافي وغيره. وقيل يشترط قصد الترك ولم أقف عليه في المذهب وغير المطلوب لا يتقرب به إلى الله فلا معنى للنية فيه لكن يقصد في المباح التقوي على مطلوب كما يقصد بالنوم التقوي على قيام الليل فمن هذا الوجه تشرع نيته لا من حيث هو مباح. قاله القرافي وغيره. قال السبكي والأصح أن المباح ليس بجنس للواجب وأنه غير مأمور به من حيث هو. قاله: (كما تمحض. البيت) يعني أن ما تمحض من الأوامر لغير العبادات لا تجب فيها النية كدفع الدين للغرماء ورد الودائع والعواري والمغصوبات لأن المصلحة المقصودة من هذه ونحوها انتفاع أربابها بها مع براءة المطلوب بها، وذلك لا يتوقف على النية. قوله: (كقربة -البيت -) يعني: أنه لا تجب النية فيما كان من الأوامر

عبادة لكنه متعين له تعالى لا يمكن أن يصرف لغيره لأنه صار كاللفظ النصي لا يحتاج إلى نية لانصرافه بصراحته إلى مدلوله وذلك كالنية وسائر أفعال القلب من الإيمان بالله تعالى وتعظيمه والخوف منه ورجائه والتوكل على كرمه والمحبة له وكذلك قراءة القرءان وسائر الأذكار لين الإنسان يثاب على نيته حسنة واحدة وعلى فعله عشرًا إذا نوى، لأن الأفعال مقاصد والنيات وسائل والوسيلة اخفض رتبة من المقصود. وذكر بالجر والعاطف محذوف وعدم وجوب النية في هذا القسم المتعين له تعالى محله حيث لم تكن له أنواع وإلا وجبت. قوله: (وأوجبنها -البيت -) يعني: أن النية واجبة في غير ما ذكر وهو ما كان من الأوامر محض عبادة فيها لبس لترددها بالنظر بين عبادته تعالى وبين غيرها تجب فيما تمحض للعبادة ليتميز ما لله من العبادة عما ليس له من العبادات. ولتمييز مراتب العبادات فيما له مراتب فالأول كالغسل يقع عبادة ويقع للتبرك والتنظيف بالتمييز يصلح الفعل للتعظيم والثاني كالصلاة تنقسم إلى نفل وفرض كفائي وعيني ومنذور وغيره وأدائي وقضائي فتجب فيها اتفاقًا وعلى المشهور فيما فيه شائبة العبادة وشائبة غيرها. قال ابن الحاجب: والمذهب افتقارها للنية ترجيحًا للعبادة وذلك كالطهارة لا الترابية فإنها محض تعبد والزكاة بالزاي والذال المعجمة فمن رأي أنه تعالى أوجب مجانبة الحدث والخبث في الصلاة كانت من المأمورات التي لا تكفي صورتها في تحصيل منفعتها فتجب فيها النية ومن رأي أنه تعالى حرم ملابستها فيها كانت من المنهيات فلا تجب فيها النية. والذكاة دائرة بين أصل الحل في الأكل وبين سبب التقرب إلى الله تعالى بالضحايا والهدايا وبين سبب براءة الذمة من الهدي أو فدية أو نذر حتى ينوي أحدهما فيرتب عليه الشرع حكمه ليعين سببه ودفع الزكاة للمساكين دائر بين سبب أصل التقرب إلى الله تعالى الذي هو صدقة التطوع وبين سبب براءة الذمة من الزكاة الواجبة. وعند تعارض الشائبيتين لا فرق في وجوب النية بين أن يغلب أحداهما أو يتساويا كما هو المذهب عند ابن الحاجب. وفي المنهج المنتخب تفصيل مخالف لذلك. ومثله الترك لما يحرم ... من غير قصد ذا نعم مسلم

يعني أن الواجب الذي لا تشرط فيه النية جعل الله تعالى ترك المنهي بقسميه في عدم الأجر عند عدم قصد الامتثال والتقرب إليه بذلك الترك نعم فاعل ذلك مسلم من الإثم وإن لم يشعر به أصلًا وذا مضاف إليه إشارة للامتثال ومسلم بتشديد اللام المفتوحة (فضيلة والندب والذي استحب ترادفت .. ) فضيلة مبتدا، واللذان بعده معطوفان عليه والخبر ترادفت يعني أن الثلاثة ترادفت على معنى هو ما فعله الشارع مرة أو مرتين بما في فعله ثواب ولم يكن في تركه عقاب. ( .. ثم التطوع انتخب). عيني: أن التطوع عندنا هو ما ينتخبه الإنسان أي ينشئه باختياره من الأوراد. وانتخب بالبناء للمفعول. رغيبة ما فيه رغب النبي ... بذكر ما فيه من الأجر جبى أو دام فعله بوصف النفل رغيبة مبتدأ خبره الموصول بعده وسوغ التفصيل الابتداء بالنكرة يعني إنما في فعله ثواب ولا عقاب في تركه يسمى رغيبة إذا رغب النبي صلى الله عليه وسلم في فعله بأن ذكره مقدار ما جبى فيه من الأجر أي جاء كقوله من فعل كذا وكذا فله كذا. قاله في المقدمات. أو دام صلى الله عليه وسلم على فعله بصفات النوافل لا بصفة السنة وانظر ما مراده بصفة النفل وصفة السنة هل هما القرينتان فصفة السنة هي القرينة الدالة على أن هذا متأكد والأخرى هي الدالة على أن هذا غير متأكد أو غير القرينتين. والظاهر أن المراد بصفة السنة الظهور في جماعة وجبى بالجيم والموحدة مبني للمفعول والجباية في الأصل الجمع يقال جبى الخراج أي جمعه. (والنفل من تلك القيود أخل). والأمر بل أعلم بالثواب ... فيه نبي الرشد والصواب والنفل مفعول أخل قدم عليه والأمر بالجر عطف على اسم الإشارة يعني أن النفل هو ما خلا عن القيدين المذكورين في الرغيبة وهما الترغيب

في فعله بذكر ما فيه والمداومة منه صلى الله عليه وسلم على فعله وما خلا من الأمر به أي لم يأمر به عليه السلام بل أعلم أن فيه ثوابًا من غير أن يأمر به أو يرغب فيه الترغيب المذكور أو يداوم على فعله. قاله في المقدمات. بخلاف الرغيبة فإنها أمر بها. وسنة ما أحمد قد واظبا ... عليه والظهور فيه وجبا يعني: أن السنة هي ما واظب عليه صلى الله عليه وسلم وأمر به دون إيجاب وأظهره في جماعة هذا معناها عند جل أصحاب مالك ومعنى وجب أنه يجب ذكره لتمام حقيقة السنة. وبعضهم سمى الذي قد أكدا ... منها بواجب فخذ ما قيدا يعني أن بعض أصحاب مالك سمي السنة المؤكدة واجبًا وعليه جرى ابن أبي زيد في الرسالة حيث يقول: سنة واجبة. قوله: (فخذ ما قيدا) أي خذ ما ذكر لك من الاصطلاحات في هذا النظم لما يترتب عليها من الأحكام كقولهم لا يسجد لفضيلة وإن سجد عمدًا بطلت صلاته، وفرقوا في السنة بين المؤكد وغيره إلى غير ذلك. قال خليل عاطفًا على ما يبطل الصلاة: بسجوده لفضيلة أو تكبيرة. قال شيخنا البناني: لم أر ما يشهد للمصنف فيما ادعاه من البطلان في السجود لتكبيرة وأما السجود لفضيلة ففي الحطاب عن ابن رشد صدر فيه بعدم البطلان. قلت الذي في الحطاب أن ابن رشد صدر بعدم البطلان في القنوت لا في كل فضيلة. والنفل ليس بالشروع يجب ... في غير ما نظمه مقرب يعني: أن النفل المراد به ما قابل الواجب لا يجب بالشروع فيه خلافًا لأبي حنيفة في قوله بوجوب إتمامه به، لقوله تعالى: ((ولا تبطلوا أعمالكم)) حتى يجب بترك إتمام الصلاة والصوم منه قضاؤهما. وأجيب بأن النفل يجوز تركه وترك إتمامه المبطل لما فعل منه ترك له وبان ما حمل عليه الآية هو أبعد الوجوه فيها بل الأظهر إن معناها لا تبطلوا أعمالكم بالكفر بعد الإيمان لقوله قبل ذلك في الكفار والمنافقين وسيحبط

أعمالهم فكأنه يقول يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا أعمالكم بالكفر مثل هؤلاء الذين أحبط الله أعمالهم بكفرهم وما ذكر معه وتؤولت أيضًا على أن معناها لا تبطلوا أعمالكم بالرياء والعجب وتأويل الزمخشري لا تبطلوا حسناتكم بفعل السيئات وذلك مخالف لمذهب أهل السنة من أن السيئات لا تبطل الحسنات. والنفل كالوضوء والقراءة والذكر والوقف إذا لم يقبله أهل للقبول فإنه يرد والسفر إلى الجهاد والصدقة كمن خرج إلى مسكين بكسرة فلم يجده قيل: لا أكلها، وقيل: لا، وقيل: يأكلها إن كان معينًا إلا ما استثناه بقوله: (في غير .. الخ) والمقرب بكسر الراء المشددة أي من يقرب المسائل للفهم والمراد به الحطاب شارح خليل وأشار إلى نظمه بقوله: قف واستمع مسائلًا قد حكموا ... بأنها بالابتداء تلزم صلاتنا وصومنا وحجنا ... وعمرة لنا كذا اعتكافنا طوافنا مع ائتمام المقتدى ... فيلزم القضا بقطع عامد يعني: إن هذه المسائل السبع هي التي يجب إتمامها بالشروع وتجب إعادتها على من قطعها عمدًا بلا عذر غير الائتمام قال الحطاب فإن الظاهر عدم لزوم إعادته وهو الدخول خلف الإمام فإنه يلزم بالشرع ولا يجوز له الانتقال لكنه إذا قطع لا تلزمه الإعادة مع الإمام. ما من وجوده يجيء العدم ... ولا لزوم في انعدام يعلم بمانع يمنع للدوام ... والابتدا أواخر الأقسام أو أول فقط على نزاع ... كالطول الاستبراء والرضاع ما نكرة موصوفة بالجملة بعدها وهي مبتدأ خبره جملة يعلم بمانع والفعل مبني للمفعول. أعلم أن الأحكام تتوقف على ثلاثة هي السبب والشرط وانتفاء المانع وهو ما يلزم من وجوده عدم الحكم ولا يلزم من عدمه وجود له

ولا عدم لذاته فبالأول احترز من السبب وبالثاني احترز من الشرط وبالثالث من مقارنة عدم وجود السبب فالمعتبر من المانع وجوده. قوله: (يمنع .. الخ) استيناف بياني وهو الجملة التي تكون جوابًا لسؤال مقدر كان سائلًا سال ما يمنع المانع؟ فأجيب بأنه على ثلاثة أقسام مانع يمنع دوام الحكم وابتداءه معًا ومانع يمنع ءاخر الأقسام أي القسمين الذي هو ابتداء الحكم فقط ومانع يمنع أول الأقسام الذي هو الدوام مع نزاع أي خلاف أي اختلف فيه هل يلحق بالأول أو بالثاني. فالأول كالرضاع يمنع من ابتداء النكاح واستمراره إذا طرأ عليه كان يتزوج صبية فترضعها أمه فتصير أخته فتحرم عليه، والثاني كالاستبراء المانع من ابتداء النكاح فقط ولا يبطل استمراره إذا طرأ عليه، والثالث كالإحرام بالنسبة إلى وضع اليد على الصيد فإنه يمنع من وضع اليد عليه ابتداء فإذا طرأ على الصيد فهل يجب نزع اليد عنه فيه خلاف، وكالطول يمنع من نكاح الأمة ابتداء فإذا طرأ عليه ففيه خلاف هل يبطله أو لا، وكوجود الماء يمنع من التيمم ابتداء فإن طرأ بعده فهل يبطله؟ فيه خلاف بناء على أن الدوام كالابتداء أم لا. قوله لزوم اسم لا أخت أن خبره في انعدام والاستبراء معطوف بمحذوف على مدخول الكاف. ولازم من انتفاء الشرط ... عدم مشروط لدى ذي الضبط كسبب وذا الوجود لازم ... منه وما في ذاك شيء قائم يعني أن الشرط هو ما يلزم من عدمه عدم الحكم كالطهارة شرط في صحة الصلاة، ويلزم من عدمها عدم صحة الصلاة، ولا يلزم من وجود الشرط وجود الحكم الذي هو صحة الصلاة، ولا عدمه، فالشرط هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم. فقوله ولازم من انعدام الشرط عدم مشروط مشار به للقيد الأول. وقوله وما في ذاك شيء قائم مشار به للقيد الأخير. أي: وما في وجود ذلك الشرط شيء قائم أي لازم من وجود أو عدم. قوله: (كسبب) يعني أن السبب كالشرط في كون كل منهما يلزم من عدمه العدم، فالسبب يلزم من عدمه عدم المسبب ويلزم من وجوده وجود المسبب وإلى هذا أشار بقوله: (وذا الوجود لازم منه) أي وهذا السبب وجوده وجود

المسبب لازم منه، فاسم الإشارة مبتدأ والوجود مبتدأ ثان ولازم منه خبره والجملة خبر المبدأ الأول. وما تقدم في تقرير قوله كسبب إنما هو على مذهب الفقهاء من دخول الكاف على المشبه إما على مذهب أهل البيان من دخولها على المشبه به فيجعل الشرط مشبهًا والسبب مشبهًا به والتشبيه بمعنى التشابه على كل من التقريرين. واجتمع الجميع في النكاح ... وما هو الجالب للنجاح يعني أن كلا من المانع والشرط والسبب قد يجتمع في شيء واحد كما في النكاح فإنه سبب في وجوب الصداق وشرط في ثبوت الطلاق ومانع من نكاح أخت المنكوحة وكما في الجالب للنكاح أي فوز الدنيا والآخرة أعني الإيمان فإنه سبب الثواب وشرط لصحة الطاعة أو وجوبها ومانع من القصاص إذا قتل المؤمن الكافر. والركن جزء الذات والشرط خرج ... وصيغة دليلها في المنتهج يعني أن الفرق بين الركن والشرط هو أن الركن هو جزء الذات أي الحقيقة الداخلة فيها، والشرط هو ما خرج عن ذات الشيء وحقيقته فالركن كالركوع من الصلاة والثاني كالطاهرة لها وإطلاق كل منهما على الآخر مجاز علاقته المشابهة في توقف وجود الماهية على كل منهما، والفرد يرادف الركن والشرط والفرض يوجد في النكاح والبيع مثلًا كما يوجد في الوضوء والصلاة لأن الفرض هو المتحتم ووجود أركان البيع والنكاح متحتم إذ لا توجد حقيقتها بدونهما. قوله: (وصيغة دليلها) يعني أن الصيغة كصيغة النكاح والبيع ونحوهما مما يحتاج لصيغة دليل على الماهية لا ركن من الأركان (في المنتهج) بفتح الهاء أي الطريق الصحيح رد به ابن عبد السلام على من يعدها من الأركان إذ الدليل غير المدلول وجعلها من الأركان موجود في كلام ابن الحاجب وخليل لكن ليس بصواب. ومع علة ترادف السبب ... والفرق بعضهم إليه قد ذهب

يعني أن السبب والعلة مترادفان عند جمهور الأصوليين فالمعبر عنه هنا بالسبب هو المعبر عنه في القياس بالعلة وذهب بعضهم الذي هو السمعاني تبعًا للنحاة وأهل اللغة إلى الفرق بينهما فقال السبب الموصل إلى الشيء مع جواز المفارقة بينهما ولا أثر له فيه ولا في تحصيله كالحبل للماء والعلة ما يتأثر عنه الشيء دون واسطة كالخمر للإسكار ويعبر عن السبب بالباعث. شرط الوجوب ما به مكلف [نكلف] ... وعدم الطلب فيه يعرف مثل دخول الوقت والنقاء ... وكبلوغ بعث الأنبياء يعني أن الشروط ثلاثة: شرط وجوب وشرط صحة وشرط أداء، قاله القاضي أبو عبد الله بردلة واستدل عليه بكلام الشيرازي على مختصر ابن الحاجب الأصلي ومثله للشيخ زكرياء في حاشيته على المحلي وهو التحقيق خلاف ما توهمه بعضهم كميارة في تكملة من أن شرط الأداء هو شرط الصحة، إذا تقرر ذلك فشرط الوجوب هو ما يكون الإنسان به مكلفا كدخول الوقت والنقاء من الحيض والنفاس وكبلوغ دعوة الأنبياء وإقامة أربعة أيام ولا يطلب المكلف بتحصيله كان في طوقه أم لا والمراد بالشرط في الأقسام الثلاثة ما لابد منه فيتناول السبب. ومع تمكن من الفعل الأدا ... وعدم الغفلة والنوم بدا يعني أن ما به يكون التمكن من الفعل مع حصول ما به يكون الإنسان من أهل التكليف هو شرط الأداء أي شرط التكليف بأداء العبادة أ .. فعلها، فالنائم والغافل غير مكلفين بأداء الصلاة مع وجوبها عليهما فالتمكن شرط في الأداء فقط (وقوله: بدا) أي بدا كونهما مثالين لشرط الأداء عند من يمكنه الاحتراز منهما، إذ شرط الأداء لابد أن يكون مقدورًا عليه مطلوبًا فعله. وفي التوضيح أن الفرق بين شرط الوجوب وشرط الأداء أن كل ما لا يطلب من المكلف كالذكورة والحرية يسمى شرط وجوب وما يطلب منه كالخطبة والجماعة يعني للجمعة يسمى شرط أداء. قال ميارة في التكميل:

ما ليس في طوق المكلف أعلما ... كالطهر من حيض ووقت قد سما أو هو في الطوق ولا به طلب ... شرط وجوب كإقامة فطب وغيره شرط لدى الأداء وذا ... كخطبة ستر وشبه احتذا قلت ظاهر قولهم ما به يكون من أهل التكليف إن المراد أن شرط في الإيجاب الإعلامي الذي المقصود منه اعتقاد وجوب إيجاد الفعل. والمراد من شرط الأداء حيث فسروا الأداء بالتكليف بأداء العبادة أي فعلها أنه شرط في الإيجاب الإلزامي الذي المقصود منه الامتثال الذي لا يحصل إلا بالاعتقاد والإيجاد معًا. وشرط صحة به اعتداد ... بالفعل منه الطهر يستفاد يعني أن شرط الصحة هو ما اعتبر للاعتداد بفعل الشيء طاعة كان أو غيرها كالطهارة بالماء أو بالتراب للصلاة والستر لها والخطبة للجمعة واستقبال القبلة. والشرط في الوجوب شرط في الأداء ... وعزوه للاتفاق وجدا يعني أن كل ما هو شرط في الوجوب فهو شرط في الأداء قاله بان عرفه، وحكى عليه السعد الاتفاق على ما نقله اللقاني في حاشيته على المحلي. وعليه فكل ما هو شرط في الوجوب كالبلوغ والعقل وبلوغ الدعوة فهو شرط في الأداء، ويزيد شرط الأداء بالتمكن من الفعل قاله القاضي بردلة. وصحة وفاق ذي الوجهين ... للشرع مطلقًا بدون مين وفاق مبتدا وللشرع متعلق به خبره صحة، يعني أن الصحة عند المتكلمين هي موافقة الفعل ذي الوجهين لأذن الشرع مطلقًا أي كان ذو الوجهين عبادة أو معاملة ووجهاه أن يقع تارة موافقًا للشرع لجمعه الشروط وانتفاء الموانع، وتارة مخالفًا لانتفاء شرط أو وجود مانع بخلاف ما لا يقع إلا موافقًا للشرع كمعرفة الله ورد الودائع لأن القاعدة أن العرب لا يصفون المحل بالشيء إلا إذا كان قابلًا لضده فمعرفة الله ليست معرفة إذا كانت مخالفة له بل جهلاً.

وفي العبادة لدى الجمهور ... أن يسقط القضا مدى الدهور يعني أن صحة العبادة عند جمهور الفقهاء هي سقوط القضاء بأن لا تحتاج إلى فعلها ثانيًا، فما وافق من عبادة ذات وجهين للشرع كصلاة من ظن أنه متطهر ثم تبين حدثه صحيحة عند المتكلمين باطلة عند الفقهاء فعلى الأول لا أثم فيها ولا قضاء. قال الزركشي ووصفهم إياها بالصحة صريح في ذلك فإن الصحة هي الغاية من العبادة، وروى عنهم وجوب قضائها، وعلى الثاني لا إثم فيها أيضًا لكن يجب القضاء. وصرح القرافي بالاتفاق على أنه، مثاب على تلك الصلاة المتبين فيها عدم الطهارة. وحكى ابن الكاتب في ذلك خلافًا، وقال عز الدين الشافعي: لا ثواب إلا فيما لا يفتقر إلى الطهارة كالتسبيح والتكبير والدعاء، وعلى هذا فهل يحصل له ثواب من قال ذلك في نفس الصلاة وهو أليق بالكرام، أو ثواب من قاله خارج الصلاة فيه احتمالان. والخلاف مبني على أن الصلاة هل من باب الكل وعليه لا ثواب، أو الكلية فيثاب. وقولنا: كصلاة: الخ إنما هو بناء على أن الحقائق الشرعية تصدق بالفاسد كالصحيح لا على أنها لا تتناول إلا الصحيح، ومذهب الفقهاء أنسب للغة لأن العرب لا تسمى الآنية صحيحة إلا إذا كانت لا كسر فيها البتة، وهذه الصلاة مختلفة على تقدير الذكر فهي كالآنية المكسورة من جهة قاله القرافي. تنبيه: معرفة الله لا توصف بالصحة بخلاف الإيمان لأن معرفة الله تعالى هي إدراكه على ما هو به، والإيمان التصديق بأمور مخصوصة بشروط مخصوصة، فتارة يستجمع ما يعتبر فيه شرعًا فيكون موافقًا، وتارة لا يستجمع فيكون مخالفًا قاله في الآيات البينات. يبنى على القضاء بالجديد ... أو أول الأمر لدى المجيد يعني أن الخلاف في تعريف الصحة مبني عند المجيد بضم الميم أي الممعن للنظر في علم الأصول على الخلاف في القضاء هل هو بأمر

جديد أو بالأمر الأول، فعلى الأول بنى المتكلمون مذهبهم في العبادة التي لم تفعل في وقتها من أنها موافقة الأمر فلا يوجبون القضاء لما لم يرد نص جديد به وعلى الثاني بنى الفقهاء. وهي وفاقه لنفس الأمر ... أو ظن مأمور لدى ذي خبر يعني أن الصحة عند ذي خبر بضم الخاء المعجمة أي معرفة بالفن وهو تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي موافقة ذي الوجهين نفس الأمر عند الفقهاء، وعند المتكلمين موافقة ظن المأمور، فهم متفقون على أن الصحة موافقة الأمر لكن الفقهاء يعتبرون الموافقة في نفس الأمر والمتكلمون يعتبرونها في ظن المكلف فكانت صلاته المذكورة صحيحة عند المتكلمين دون الفقهاء. قال السبكي تسمية الفقهاء لها باطلة ليس لاعتبارهم سقوط القضاء في حد الصحة كما ظنه الأصوليون بل لأن شرط الصلاة عندهم الطهارة في نفس الأمر، والصلاة بدون شرطها باطلة وغير مأمور بها، وكون الصلاة بدون شرطها باطلة وغير مأمور بها مبني على أن حصول الشرط الشرعي شرط في صحة التكليف ووقوعه (بصحة العقد يكون الأثر). يعني أن ترتب أثر العقد وهو ما شرع العقد له كالتصرف في البيع والاستمتاع في النكاح إذا وجد فهو ناشئ عن صحة العقد لا عن غيرها، وليس المراد أنه متى وجدت الصحة نشأ عنها الثمرات لأن بيع الخيار صحيح ولا ينشأ عنه قبل تمام عقده ثمرة. ولا يرد على ذلك الخلع والكتابة الفاسدان فإنه يترتب عليهما أثرهما من البينونة والعتق مع أنهما غير صحيحين لأن ترتب أثرهما ليس للعقد بل للتعليق وهو صحيح لا خلل فيه، ونظير ذلك القراض والوكالة الفاسدان فإنه يصح فيهما التصرف لوجود الإذن فيه وإن لم يصح العقد، فظهر لك أن الصحة منشأ الترتب لا نفسه، خلافًا لمن قال بذلك إذ لو كانت نفسه لم توجد بدونه. (وفي الفساد عكس هذا يظهر).

يعني أن فساد العقد عكس صحته في إنه لا يترتب عليه اثر العقد لأن النهي عندنا كالشافعي يدل على الفساد إلا لدليل، ويدل على الصحة عند أبي حنيفة قال إذا اشترى جارية شراء فاسدًا جاز له وطؤها وكذلك جميع العقود، وقالت الشافعية يحرم عليه الانتفاع مطلقًا وإن بيع ألف بيع وجب نقضه. قال: القرافي ونحن خالفنا أصلنا وراعينا الخلاف في المسألة وقلنا أن البيع الفاسد يفيد شبهة اللك فيما يقبل الملك، فإذا لحقه أحد أربعة أشياء تقرر الملك بالقيم وهي: حوالة الأسواق، وتلف العين، ونقصانها، وتعلق حق الغير بها، وإلى ذلك أشار بقوله: إن لم تكن حوالة أو تلف ... تعلق الحق ونقص يولف وتعلق الحق به: كرهنه وإجارته، ويترتب أيضًا على كونه يفيد شبهة الملك ضمان المبيع بالقبض. قوله: (يولف بالبناء للمفعول أي نقص موجود في ذاته. كفاية العبادة الأجزاء ... وهي أن يسقط الاقتضاء أو السقوط للقضا يعني أن الأجزاء من أوصاف العبادة كالصحة، فيقال صلاة صحيحة مجزئة، فأجزاء العبادة هو كفايتها، وتلك الكفاية أن يسقط طلب الشارع لها من المكلف لإتيانه بما يخرج به من عهد التكليف لموافقته الشرع وذلك هو الصحة وهو الامتثال أيضًا، ولا يشترط في الأجزاء إسقاط القضاء، فإجزاء العبادة صحتها لا ناشئ عنها كما يقتضيه كلام السبكي، وصرح به المحلي وإن خالفا في ذلك ابن الحاجب القائل: إن الإجزاء هو الصحة، ولعلهما اطلعا على ما قاله وخالفا قصدًا لعدم امتناع مخالفتهما له، خصوصًا من مثل السبكي لماله من الباع الواسع في الفن والتحقيق وكثرة الاستدراكات فيه على ابن الحاجب وغيره مع عدم انحصار كلام الأصوليين فيما ينقله ابن الحاجب، وهذا على جر العبادة في قول السبكي: والعبادة أجزاؤها، وأما إن رفعنا

العبادة فهو موافق لابن الحاجب قوله: (أو السقوط للقضاء أو للتنويع الخلاف يعني بعضهم ذهب إلى أن الإجزاء هو سقوط القضاء عليه فالصحة والإجزاء مترادفان على القول المرجوح فيهما عند السبكي يعني حيث قال وفي العبادة إسقاط القضاء، وأما على ما مشى عليه هو أعني الناظم فيترادفان على الراجح في الصحة والمرجوح في الإجزاء. ورده القرافي بأن من مات في وسط الوقت ولم يصل أو صلى صلاة فاسدة فقد وجد في حقه سقوط القضاء دون الإجزاء إذ القضاء إنما يتوجه بعد خروج الوقت وبقاء التكليف والميت ليس أهلًا للتكليف. وذا أخص ... من صحة إذ بالعبادة يخص ذا مشار به إلى الإجزاء، يعني أن الإجزاء أخص مطلقًا من الصحة وهي أعم مطلقًا لأن الإجزاء مختص بالعبادات لا يتجاوزها إلى المعاملات، والصحة توصف بها المعاملات كالعبادات، فيقال: عقد صحيح ولا يقال عقد مجزئي. والصحة القبول فيها يدخل ... وبعضهم للاستواء ينقل يعني أن الصحة يدخل فيها القبول والثواب لشملها لهما في أعم منهما مطلقًا عند الجمهور. قال السبكي فالجمهور تصح ولا يثاب، وبعضهم نقل استواء الصحة والقبول أي: ترادفهما فاللام في للاستواء زائدة وهي مفعول ينقل، وإنما لم يتعرض الأصوليون لذكر القبول وإن كان من أوصاف العبادة لأنه أمر مغيب عنا لا تدخله أحكامنا لأنهم إنما يذكرون ما تدخله أحكامنا بضوابط عندنا معلومة أو مظنونة وهو بناء على أنه ليس مرادفًا للصحة قال القرافي: وخصص الإجزاء بالمطلوب ... وقيل بل يختص بالمكتوب يعني أن الإجزاء إثباتًا كان أو نفيًا يختص بالمطلوب أعني العبادة واجبة كانت أو مندوبة لا يتجاوزها إلى العقد المشار له في الصحة وإن كان قد يكون عبادة حيث طلب، إذ المراد ما أصل وضعه التعبد لا ما يطرأ له

ذلك كالعقد قاله في الآيات البينات وهذا هو المشهور. وقيل إن الإجزاء مختص بالمكتوب أي الواجب من العبادة. ومنشأ الخلاف حديث ابن ماجه وغيره مثلًا، أربع لا تجزئ في الأضاحي، وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة: اذبحها ولن تجزئي عن أحد بعدك. ومعنى كونهما منشأ الخلاف أن من قال بوجوب ما وصف في كل منهما بالإجزاء لما قام عنده من دليل الوجوب قال لا يوصف بالإجزاء إلا الواجب، ومن قال بالندب لما قام عنده من دليل الندب قال يوصف به كل من الواجب والمندوب، ومن استعمال الإجزاء في الواجب اتفاقًا لا تجزئي صلاة لا يقرأ فيها بأم القرءان قاله المحلي بناء على أن الصلاة في الحديث هي الواجبة، وليس كذلك فإنها نكرة في سياق النفي تعم الواجب والمندوب فاستعمال الإجزاء فيها إنما هو على القول الآخر. تنبيه: جزأ الثلاثي إذا كان مهموزًا كان بمعنى الكفاية أيضًا، قال المازري. وقابل الصحة بالطلان ... وهو الفساد عند أهل الشان يعني: أن الصحة يقابلها البطلان، فهو مخالفة ذي الوجهين الشرع وقيل في العبادة عدم إسقاط القضاء والبطلان هو الفساد عند أهل هذا الشأن، أي الفن. قوله: قابل بكسر، الموحدة لأنه فعل أمر. وخال النعمان فالفساد ... ما نهيه للوصف يستفاد يعني أن النعمان وهو أبو حنيفة خالف الجمهور في تعريف الفساد، فقال مخالفة ما ذكر للشرع بأن يكون منهيًا عنه إن كانت لكون النهي عنه لأصله فهي البطلان كالمخالفة في الصلاة المفقودة منها بعض الشروط أو الأركان، إلا أن التمثيل للمخالفة لأصله بفقد الشروط فيه نظر لأن الشروط خارجة عن المشروط قاله في الآيات البينات. ثم قال اللهم إلا أن يراد بقولهم لأصله ما يتوقف عليه الأصل شرطًا كان أو ركنا هـ. وكبيع الملاقيح وهو ما في البطون من الأجنة لانعدام ركن من البيع وإن كان منهيًا عنه

لوصفه اللازم له، فهي الفساد كما في صوم يوم النحر للإعراض بصومه عن ضيافة الله تعالى للناس بلحوم الأضاحي التي شرعها فيه، والإعراض وصف لازم لصوم غير داخل في مفهومه، ومقتضى نقل التفتازاني أن الوصف هو إيقاع الصوم فيه. قال في الآيات البينات: يمكن حمل إحدى العبارتين على الأخرى بأن يكون جعل الوصف هو إيقاع لاعتبار ما تضمنه من الأعراض المذكور هـ. وكما في بيع الدرهم بالدرهمين لاشتماله على الزيادة فيأثم به، ويقيد بالقبض الملك الخبيث أي الضعيف لكونه مطلوبًا رفعه بالتفاسخ للتخلص من المعصية، فالباطل لا اعتداد به عنده ويعتد بالفاسد، فلو نذر صوم يوم النحر صح نذره لأن المعصية في فعله دون نذره ويؤمر بفطره وقضائه ليتخلص من المعصية ويفي بالنذر ولو صامه خرج عن عهدة نذره لأنه أدى الصوم كما التزمه فقد اعتد بالفاسد. فعل العبادة بوقت عينا ... شرعا لها باسم الأداء قرنا فعل مبتدأ، وبوقت يتعلق به، وجملة عين بالبناء للمفعول نعت وقت، وشرعا ظرف عامل فيه عين، وجملة قرن باسم الأداء خبرا لمبدأ، وقرن مبني للمفعول، واقترانه باسم الأداء اقتران الدال بالمدلول، قال القرافي في التنقيح في تعريف الأداء: وهو إيقاع العبادة في وقتها المعين لها شرعًا لمصلحة اشتمل عليها الوقت، فقولنا في وقتها احترازا من القضاء، وقولنا شرعا احترازا من العرف، وقولنا اشتمل عليها الوقت احترازا من تعيين الوقت لمصلحة المأمور به لمصلحة في الوقت، كما إذا قلنا الأمر للفور فإنه يتعين الزمان الذي يليه ورود الأمر ولا نصفه بكونه أداء في وقته ولا قضاء بعد وقته، وكمن بادر لإزالة منكرًا وإنقاذ غريق فإن المصلحة هنا في الإنقاذ سواء كان في هذا الزمان أو في غيره. وأما تعيين أوقات العبادات فنحن نعتقد إنها لمصالح في نفس الأمر اشتملت عليها هذه الأوقات وإن كنا لا نعلمها، وهكذا كل تعبد معناه إنا لا نعلم مصلحته لا إنه ليس في مصلحة طردا لقاعدة الشرع في عادته في رعاية مصالح العباد علي سبيل التفضل فقد تلخص إن التعيين في الفوريات لتكميل مصلحة المأمور به، وفي العبادات لمصلحة في الوقت، فظهر الفرق هـ.

قال في الشرح: قولي: إذا قلنا الأمر للفور فإنه يتعين الزمان الذي يلي ورود الأمر ليس كذلك، بل قال القاضي أبو بكر: لابد من زمان لسماع الصيغة وزمان لفهم معناها وفي الثالث يكون الامتثال هـ. قوله فعل العبادة أي فعل كلها، فالعقود لا توصف بالأداء. وكونه بفعل بعض يحصل ... لعاضد النص هو المعول يعني: أن كون الأداء حاصلًا بفعل بعض العبادة في وقتها هو المعول عليه عندنا والمشهور للنص العاضد له وهو حديث الصحيحين ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)). فالأداء عليه هو فعل بعض العبادة وقتها المقرر لها شرعًا مع فعل البعض الآخر في الوقت -صلاة كان أو صومًا -أو بعده في الصلاة، وهل البعض المفعول في الوقت من الصلاة يجب أن يكون ركعة فأكثر، وهو المشهور عندنا الذي مشى عليه خليل بقوله: وتدرك فيه الصبح بركعة لا أقل والكل أداء، أو يكون بأقل منها قولان. قال حلولو قال الشيخ ابن عبد السلام: وأما القول بأن الأداء فعل كل العبادة في الوقت فليس في المذهب، نعم ذكر البرزلي كونه في المذهب. وقيل ما في وقته أداء ... وما يكون خارجًا قضاء يعني أن سحنون قال: ما صلي من الصلاة في الوقت فهو أداء وما صلي بعده قضاء بناء على أنها من قبيل الكلية لا من قبيل الكل المبني عليه القولان السابقان، وما قاله سحنون مقابل للمشهور ويبنى على الخلاف حكم من صلت ركعة فغربت الشمس فحاضت فعلى أنها كلها أداء لا تقضي تلك الصلاة لأنها حاضت في وقت أدائها، وعلى أن بعضها قضاء تقضيها، إذ لم تحض إلا بعد خروج الوقت فتخلدت في ذمتها قال في التكميل: عليهما القضا لمن قد صلت أي ركعة فغربت فحاضت وينبني على الخلاف أيضًا جواز الاقتداء به في بقية الصلاة بعد خروج الوقت، قال في التكميل: وأجر الاقتداء بعد ما خرج ... وقت الضرورة على ذا لا حرج

فعلى أنها أداء لا يصح الاقتداء به لأن المأموم قاض الإمام مؤد، والمساواة في الأداء والقضاء واجبة، وعلى أن الركعة الأخيرة قضاء يصح وينوى القضاء وأحرى على القول الأول القائل أن كلها قضاء، والمذهب كما في الحطاب عند قوله: والكل أداء أن نية الأداء والقضاء كل منهما تنوب عن الأخرى، ونقل خليل في التوضيح عن سند وابن عطاء الله أنهما قالا: لا نعرف خلافًا في إجزاء نية الأداء عن نية القضاء في الصلاة، ونقل أن الباجي خرج قولًا بعدم الإجزاء فيهما من قولهم بعدم الإجزاء في مسألة صوم الأسير على أن التخريج المذكور بحث فيه في التوضيح باحتمال أن سبب عدم الإجزاء في الأسير أن رمضان عام لا يكون قضاء عن رمضان عام قبله، لأن الأداء لا ينوب عن القضاء بدليل أنه يجزئه اتفاقًا إذا تبين إنه صام ما بعد رمضان كما في ابن الحاجب قاله شيخنا البناني عند قوله: أو الأداء أو ضده قال في المنهج. هل نية الأداء والقضاء ... تنوب ذي عن ذي بالاستواء أي هل نية الأداء تنوب عن نية القضاء وعكسه أو لا، وفي المذهب قول، إن الصلاة إذا فعلت في الضروري من غير عذر كانت كلها قضاء، قال ميارة وعليه فتقضي إذا حاضت في الركعة الاولى هـ. يعني فيما إذا صلت ركعة قبل الغروب وأخرى بعده وأما ذو العذر إذ صلاه في الضروري فهي أداء. والوقت ما قدره من شرعا ... من زمن مضيقا موسعا لما ذكر الوقت في تعريف الأداء احتيج إلى تعريفه بأنه الزمان الذي قدره الشارع للعبادة موسعًا كان -كزمن الصلوات الخمس والوتر والفجر والعيدين والضحى -أو مضيفًا -كزمن صوم رمضان وأيام البيض. فما لم يقدر له زمان في الشرع كالنذر والنفل المطلقين وغيرهما وإن كان الزمان فوريًا -كالإيمان بالله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للقادر -لا يسمى فعله أداء ولا قضاء، وإن كان الزمان لازمًا له والوقت المقدر شامل للوقت الأصلي، والوقت التبعي كوقت أولى المجموعتين جمع تقديم بالنسبة للثانية، ووقت ثانية المجموعتين جمع تأخير بالنسبة

للأولى، والوقت التبعي هو الذي لا يقدر لغير صاحبة الوقت أولا، بل ثانيًا عند عروض مسوغ الجمع. ولا يرد على التعريف أنه غير مانع كما قال ناصر الدين اللقاني: بأن وقت الصلاة عند خروج وقت الأداء هو وقت تذكرها، لأنا نقول كما في الآيات البينات: أن المفهوم من المقدر هو المعين أوله وءاخره، فلا يصدق على زمان تذكر الفائتة فإنه ليس كذلك. وضده القضا تداركا لما ... سبق الذي أوجبه قد علما يعني أن القضاء ضد الأداء، والقضاء لغة: فعل الشيء كيف كان. قال تعالى: ((فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض))، واصطلاحًا: هو فعل العبادة كلها خارج الوقت المقدر لها على المشهور في الأداء، حال كون ذلك الفعل تداركا لشيء علم تقدم ما أوجب فعله في خصوص وقته، وتدارك الشيء واستدراكه وإدراكه: الوصول إليه. قوله تداركا. الخ خرج به الصلاة المؤداة في الوقت إذا أعيدت بعده في جماعة مثلًا بناء على جوازه فلو صلى شخص في الوقت وحده ثم وجد جماعة يصلون تلك الصلاة بعد الوقت، أو صلى منفردًا خارج الوقت ثم وجد جماعة فاتتهم تلك الصلاة فجمعوها وأعاد معهم فهل له الإعادة معهم، قال المشدالي ظاهر الكتاب يجوز، وعرضته على ابن عرفة فقال: ظاهر الكتاب ما قلت، والذي عندي أنه لا يفعل، لأن تعليلهم الإعادة بتحصيل فضيلة الوقت يقتضي تخصيصها بالوقت. المشدالي: إنما عللوا الإعادة لتحصيل فضل الجماعة. الحطاب: وقد رأيت لسند التصريح بأن الإعادة لتحصيل فضل الجماعة مختصة بالوقت. وخالفنا تعبير السبكي بما سبق له مقتض الشامل للوجوب والندب، لأنه راعى مذهبه فقط من قضاء النافلة التي لها أسباب عند الشافعية، ونحن لا يقضي عندنا غير الفرض إلا الفجر فتقضى إلى الزوال على المشهور، وقيل لا تقضى مطلقًا، وليس المراد بالاستدراك مجرد الوصول إلى ما سبق له موجب لفعله في الوقت، بل لابد مع ذلك أن يكون الوصول إليه مطلوبًا على وجه الجبرية للخلل الواقع، والخلل ما أخل بالإجزاء، وكون العلماء يقولون حجة القضاء ويسمون ما أدركه المسبوق من الصلاة أداء، وما يصليه بعد الإمام قضاء لا ينقض حد القضاء، لأن الحج لما أحرم به وتعين بالشروع بعد ذلك قضاء قاله القرافي

ويطلق القضاء على ما وقع على خلاف نظامه قال القرافي. وقال الرهوني: يرد على حد الأداء والقضاء مسالة، وهي: من صلى خارج الوقت يظن أن الوقت باق فإنه لا يتناوله حد الأداء ولا حد القضاء، قلت بل يتناوله حد القضاء ونية الأداء تنوب عن نية القضاء. من الأداء واجب وما منع ... ومنه ما فيه الجواز قد سمع يعني أن الأداء له ثلاث حالات. الأول: أن يكون واجبًا إذا جرى السبب ووجد الشرط ثم لم يتفق الفعل، كمن ترك الصلاة عمدًا فإطلاق القضاء في حق هذا حقيقة. الحالة الثاني: أن يكون ممنوعًا، كصوم الحائض فتسمته قضاء مجاز محض، والصحيح أنه أداء. الحالة الثالثة: أن يكون جائزًا، كالمريض والمسافر إذا كان الصوم يضر بالمريض ولا يهلكه فقد أبيح له الفطر كالمسافر، والصحيح أن تسميته في حقهما قضاء مجاز لثبوت التخيير، أما الذي يخشى الهلاك فصومه ممنوع، فإن صام فهل يكون مؤديًا للواجب قياسًا على الصلاة في الدار المغصوبة تصح، لأنه مطيع لله تعالى بصومه وجان على النفس بالفساد كما جنى الغاصب على منافع المغصوب؟ أو لا يكون مؤديًا له لأنه حرام والحرام لا يجزء عن الواجب؟ فيه احتمالان. واجتمع الأداء والقضاء ... وربما ينفرد الأداء (وانتفيا في النفل) يعني أن العبادة قد توصف بالأداء والقضاء معًا كالصلوات الخمس، وقد توصف بالأداء وحده كصلاة الجمعة والعيدين، وقد لا توصف بهما كالنوافل التي لا وقت لها. واستشكل وصف الجمعة بالأداء من جهة أن العرب لا تصف الشيء بصفة إلا إذا كان قابلًا

لضدها، وأجيب بأن الجمعة قابلة عقلًا أن يدخلها القضاء، لكن الشرع هو الذي منع منه. تنبيه: قال في التنقيح: لا يشترط في القضاء تقدم الوجوب بل تقدم سببه عند الإمام والمازري وغيرهما من المحققين، خلافًا للقاضي عبد الوهاب وجماعة من الفقهاء، فإن الحائض تقضي ما حرم عليها فعله في زمن الحيض، والحرام لا يتصف بالوجوب، وبسط ذلك ذكرته في الفقه في كتاب الطهارة، ثم تقدم السبب قد يكون مع الإثم المتعمد المتمكن، وقد لا يكون كالنائم والحائض، والمزيل للإثم قد يكون من جهة العبد كالسفر وقد لا يكون كالحيض، وقد يصح معه الأداء كالمرض، وقد لا يصح، أما شرعًا كالحيض، أو عقلًا كالنوم. قال في الشرح: قولي خلافًا للقاضي عبد الوهاب معناه: أنه قال أن الحيض يمنع من صحة الصوم دون وجوبه، فاشترط في خصوص هذه الصورة تقدم الوجوب مع السبب، ولم يجعل ذلك شرطًا عامًا. والعبادة ... تكريرها لو خارجا أعاده (للعذر .. ) يعني أن العبادة توصف بالإعادة وهي تكرير العبادة، أي، فعلها أولًا في الوقت، ثم فعلها ثانيًا حيث كان في الوقت، بل ولو كان الفعل الثاني خارجًا عن الوقت عندنا. والمخالف يشترط كون الثاني في الوقت أيضًا. قوله: للعذر، يعني أن التكرار لابد أن يكون لعذر من فوات ركن أو شرط، وذلك لا يختص بالوقت أو من تحصيل مندوب، وهو مختص بالوقت قاله القرافي، كالإعادة لتحصيل فضل الجماعة إذا بقى الوقت عند الجمهور، أو مطلقًا عند المشدالي وهو ظاهر الكتاب. والرخصة حكم غيرا ... إلى سهولة لعذر قررا (مع قيام علة الأصلي)

الرخصة لغة: السهولة واللين والمسامحة، واصطلاحًا: الحكم المتغير من حيث تعلقه بالمكلف، من صعوبة إلى سهولة لعذر مع قيام سبب الحكم الأصلي، كما إذا تغير من حرمة الفعل أو الترك إلى الحل. فخرج بالتغيير: ما كان باقيًا على حكمه الأصلي، كالصلوات الخمس، وبالسهولة: نحو الحدود والتعازير مع تكريم الآدمي المقتضي للمنع من ذلك وحرمة الاصطياد بالإحرام بعد إباحته قبله، وبالعذر: ما تغير إلى سهولة لا لعذر، كحل ترك تجديد الوضوء بعد حرمته، وبقيام السبب للحكم الأصلي: النسخ، كإباحة ترك ثبات الواحد من المسلمين لعشرة من الكفار في القتال بعد حرمته، وسببها قلة المسلمين في صدر الإسلام وقد زالت لكثرتهم بعد ذلك، وعذرها مشقة الثبات المذكور، وقلنا من حيث تعلقه، لأن تغير الحكم محال إذ هو كلام الله تعالى النفسي، القديم، ولابد أن يرد الدليل بتعلق الخطاب تلعقا ذا سهولة بالنسبة إلى ما كان له من التعلق، احترازًا عما إذا لم يرد دليل لكم سقط التعلق لسقوط محله، كما في العضو المقطوع يسقط غسله لسقوطه لكن لا يسمى رخصة. قاله ابن أبي شريف. واختلف هل التيمم عزيمة؟ أو عزيمة في حق العادم للماء، ورخصة في حق العاجز عن استعماله. قال الحطاب في شرح المختصر خليل: والحق أنه رخصة ينتهي في بعض الصور للوجوب، كمن لم يجد الماء، أو خاف الهلاك باستعماله أو شديد الأذى. فإن تغير إلى مماثل في السهولة أو الصعوبة كأن تغير من وجوب فعل إلى وجوب فعل مماثل للفعل الأول في قدر مشقته فالذي يظهر كما في الآيات البينات أن مثل ذلك من العزيمة فالحكم منحصر في الرخصة والعزيمة كما هو ظاهر كلامهم. وقال اللقاني: والحق أن الفعل لا يتصف بالعزيمة ما لم يقع في مقابلة الرخصة. قال في الآيات البينات فليتأمل المراد بالوقوع في مقابلة الرخصة وهل يطرد في أمثالهم؟ وتنبيه: الرخصة بضم الراء مع ضم الخاء وإسكانها قال الزركشي ويقال: خرصة بتقديم الخاء، قال: والظاهر أنها مقلوبة من الأولى

وغيرها عزيمة النبي يعني: أن غير الرخصة عزيمة وهو ما لم يتغير أصلًا أو تغير إلى سهولة لا لعذر أو لعذر لا مع قيام السبب للحكم الأصلي كما تقدمت أمثلته والعزيمة القصد المصمم لأنه عزم أمره أي قطع وحتم صعب على المكلف أو سهل. أعلم: أن بعضهم كالبيضاوي جعل الرخصة والعزيمة قسمين للحكم وجعلهما بعض كابن الحاجب قسمين للفعل الذي هو متعلق الحكم، قال ابن أبي شريف: والأول أقرب إلى اللغة إذ الرخصة لغة السهولة وشرعا على الأول التسهيل والترخيص بمعنى النقل إلى سهولة على وجه خاص وعلى الثاني الفعل الذي هو متعلق ذلك التسهيل والعزيمة القصد المصمم، وشرعا على الأول الطلب والتخيير وهو الفعل بالمعنى الشامل للكف والتسهيل أقرب إلى السهولة من متعلقه والطلب والتخيير على الوجه المذكور أقرب إلى القصد المصمم من متعلقهما. وتلك في المأذون جزما توجد ... وغيره فيه لهم تردد يعني: أن الرخصة أي متعلقها من فعل المكلف يكون مأذونًا فيه بأن يكون واجبًا كأكل المضطر للميتة أو مندوبًا كالقصر في السفر، والمشهور أنه سنة وإنما كان القصر راجح الفعل للجمع فيه بين الترخيص وبراءة الذمة بخلاف الفطر في السفر ولذا اختلف العلماء في الأرجح فيه هل هو الفطر أو الصوم أو هما سواء وهذا إذا كان الصوم لا يجهده بفتح الياء أو يشق عليه فإن شق كان الفطر أولى فإن لم يخف الهلاك بالصوم وإلا حرم ومباحًا كالسلم الذي هو بيع موصوف في الذمة، والأصل فيه المنع للغرر وكالعرايا. قوله: فيه .. يعني أن غير المأذون من مكروه بقسميه وحرام هل يكون متعلق الرخصة أو لا؟ فيه خلاف فلذلك اختلف في العاصي بسفره هل يباح له الترخص بناء على اختلاف المفسرين في قوله تعالى: ((غير باغ ولا عاد)) هل هو في نفس الأكل أو في السبب الموصل إلى

الاضطرار؟ فالمراد بالإباحة في قول خليل: وسفر أبيح مقابل الحرمة فيدخل المكروه والمطلوب ويخرج سفر المعصية فقط وقال عبد الباقي: وكره التيمم بسفر مكروه. وقال ابن الحاجب في التيمم: ولا يترخص بالعصيان على الأصح. على أن الحق هو ما رجحه سند والقرطبي وابن عبد السلام وابن مرزوق من الجواز مطلقًا واختلف في الصائد للهو على المشهور وهو الكراهة هل مباح له الترخص أو لا؟ فإن انقطعت المعصية كالعاصي بالوطء إذا لم يقدر على مس الماء أبيح له التيمم. قاله ابن رشد: والعزيمة تنقسم إلى الأحكام الخمسة وخصها ابن الحاجب في مختصره الكبير بالوجوب والقرافي بالوجوب والندب قال في التنقيح: والعزيمة طلب الفعل الذي لم يشتهر فيه مانع. وربما تجي لما أخرج من ... أصل بمطلق امتناعه قمن يعني: أن الرخصة قد تطلق على ما استثنى من أصل كلي يقتضي المنع مطلقًا أي سواء كان لعذر شاق أم لا؟ كالسلم وضرب الدية على العاقلة والقراض والمساقاة وبيع العرية ونحو ذلك، قاله حلولو لكن الظاهر لي أن العرية من الرخصة بالمعنى الأول كالسلم كما تقدم إلا أن يراد بالثاني ما يشمل بعض أفراد القسم الأول. قوله: بمطلق معلق بقمن بفتح الميم وكسرها أي حقيق ضمير امتناعه للمخرج وقمن نعت أصل. وما به للخبر الوصول ... بنظر صح هو الدليل لما وقع ذكر الأحكام والأدلة في تعريف الفقه بينت الأحكام وأقسامها وما يتعلق بها ثم احتيج إلى بيان دليل؟ قال زكرياء: قال إمام الحرمين: ويسمى دلالة ومستدلًا به وحجة وسلطانًا وتبيانًا وبرهانًا. إلا أن الأخير خاص بالقطعي. والدليل فعيل بمعنى فاعل وقد يأتي بمعنى الدلالة كما تأتي الدلالة بمعناه والدليل عند المتكلمين

ما يمكن التوصل به بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري لأن مطالبهم يقينية والموصل إلى اليقين لا يكون ظنيًا، ومطالب الفقهاء عملية والعمل لا يتوقف على العلم وأيضًا فإن موضوع أصول علم الفقه الأدلة السمعية وهي تعم العلم والظن فلذلك عرفه الأصوليون بما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري والمراد التوصل بالقوة كما دل عليه التعبير بالإمكان فقد لا ينظر في الدليل ولا يخرجه ذلك عن كونه دليلًا وصحة النظر بأن ينظر فيه من الجهة التي من شأنها أن ينتقل الذهن بها إلى ذلك المطلوب المسماة وجه الدلالة، والخبري ما يخبر به بأن يكون كلامًا يصح السكوت عليه، والنظر هنا الفكر لا بقيد المؤدي إلى علم أو ظن حذرًا من التكرار إذ يصير التقدير ما يمكن به علم المطلوب الخبري وظنه بصحيح الفكر فيه المؤدي إلى علم أو ظن، والفكر حركة النفس في المعقولات وأما في المحسوسات فيسمى تخييلًا. فالدليل القطعي كالعالم لوجود الصانع والظني كالنار لوجود الدخان. وأقيموا الصلاة لوجوبها وجه الدلالة الحدوث في الأول والإحراق في الثاني والأمر في الثالث تقول: العالم حادث وكل حادث له صانع فالعالم له صانع، والنار شيء محرق وكل محرق له دخان فالنار لها دخان، وأقيموا الصلاة أمر بالصلاة وكل أمر بشيء لوجوبه. واحترز بالصحيح عن الفاسد فإنه لا يمكن التوصل به إلى المطلوب إذ ليس هو في نفسه سببًا للتوصل ولا آلة له وإن كان قد يفضي إليه على وجه الاتفاق كوضع ما ليس بدليل مكانه كوضع المقدمات غير المناسبة للمطلوب إما كلها أو بعضها مثل أن يكون المطلوب كون العالم حادثًا فيوضع مكان الدليل العالم متعجب وكل متعجب ضاحك قال في السلم: وخطأ البرهان حيث وجدا ... في مادة أو صورة فالمبتدا أما ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب تصوري فليس بدليل بل هو المعرف بكسر الراء ويسمى حدًا: والنظر الموصل من فكر إلى ... ظن بحكم أو لعلم مسجلا

لما تقدم ذكر النظر في تعريف الدليل بينه هنا بأنه الفكر الموصل بكسر الصاد إلى ظن حكم أو الموصل العلم أي يقين سواء كان علمًا بحكم أو ذات ومسجلًا بصيغة اسم المفعول اسم مصدر والنظر لغة يطلب على الانتظار وعلى رؤية العين وعلى المقابلة يقال: دار فلان تنظر لدار فلان، وفي اصطلاح المتكلمين التفكر والاعتبار في المنظور فيه ليستدل به على جماله تعالى وجلاله فخرج الفكر غير المؤدي إلى علم أو ظن كأكثر حديث النفس فلا يسمى نظرًا، وشمل التعريف النظر الصحيح القطعي والظني والفاسد فإنه يؤدي إلى علم أو ظن بواسطة اعتقاد أو ظن ومنهم من لا يستعمل التأدية إلا فيما يؤدي بنفسه، قاله المحلي وأورد عليه أن النظر الفاسد لا يؤدي إلى علم بل يستلزم الجهل وأجيب: بأن ما قيل فيه ذلك خال عن الاعتقاد، والظن بخلاف ما هنا قال زكرياء: نعم لك أن تقول سيأتي أن العلم لا يقبل التغيير فإن كان العلم الحاصل بذلك لا يتغير بتبين فساد النظر فذلك وإلا فليس علمًا وهو المختار فشمول النظر الفاسد لشرطه المذكور إنما يأتي في تأديته إلى الاعتقاد أو الظن لا إلى العلم. الإدراك من غير قضا تصور ... ومعه تصديق وذا مشتهر الإدراك لغة: وصول غاية الشيء ومنتهاه ومنه الدرك الأعلى والدرك الأسفل يقال أدركت الثمرة إذا وصلت وبلغت حد الكمال والتصور الإدراك أي وصول النفس إلى المعنى بتمامه من نسبة أو غيرها بلا حكم معه من إيقاع النسبة أو انتزاعها. أما وصول النفس إلى المعنى لا بتمامه فيسمى شعورًا كعلمنا بأن الملائكة أجسام لطيفة نورانية من غير أن ندرك حقيقة تلك الأجسام التي هي عليها والإدراك للنسبة وطرفيها مع الحكم المسبوق بالإدراك لتلك النسبة وطرفيها يسمى تصديقًا كإدراك الإنسان والكاتب وكون الكاتب ثابتًا للإنسان وإيقاع أن الكاتب ثابت للإنسان أو انتزاع ذلك أي نفيه فلابد من تقدم التصورات الثلاث على الحكم كما لابد من تقدم إدراك طرفي النسبة الذين هما المحكوم عليه والمحكوم به على إدراكها وتفسير الحكم بما تقدم هو ما عليه متأخروا المناطقة فهو فعل للنفس صادر عنها.

وقيل: الحكم إدراك أن النسبة واقعة أو ليست بواقعة فليس الحكم فعلًا للنفس بل هو انفعال للنفس وإذعان وقبول للنسبة لأن العلوم والاعتقادات أنوار تشرق في النفس. وتفسير الحكم بما ذكر هو ما عليه متقدموا المناطقة قال بعضهم: وهو التحقيق. والإيقاع والانتزاع والإيجاب والسلب والإسناد عبارات وألفاظ. قوله (وذا مشتهر)، يعني: أن تفسير التصديق بما ذكر هو المشهور وقيل: التصديق هو الحكم وحده فتلخص أن في التصديق قولين أحدهما أنه إدراك النسبة بطرفيها مع الحكم وثانيهما أنه الحكم، وأن في الحكم قولين أحدهما أنه الإيقاع والانتزاع، وثانيهما: أنه إدراك أن النسبة واقعة أو ليست بواقعة، وعلى الثاني من كل منهما المحققون كالقطب الرازي والعضد والسعد التفتازاني والسيد، ووجه تسمية التصديق تصديقًا أن الحكم إذا عبر عنه مثلًا بقولنا: زيد كاتب أو ليس بكاتب لزمه احتمال أن يكون صادقًا أي مطابقًا للواقع وأن يكون كاذبًا فهو باعتبار أنه قد يصدق صادق في الجملة وبالنظر إلى ذلك سمي تصديقًا لا تكذيبًا اعتبارًا بأشرف قسمي لازم الحكم. (جازمه دون تغير علم * علما .. ) يعني أن جازم القضاء الذي هو الحكم إذا كان لا يقبل التغير بأن كان لموجب بكسر الجيم من حس أو عقل أو عادة يسمى علمًا وبعضهم يعبر بدل لا يقبل التغير بالثابت .. وأورد أنه إن أريد بالثبوت عسر الزوال على ما قيل ففيه أنه قد يعسر زوال التقليد أيضًا وإن أريد عدم الزوال أصلًا على ما هو المشهور ففيه أن العقلاء كثيرًا ما يعتقدون خلاف معتقدهم الأول، مع أن الحق هو الاعتقاد السابق وأجيب بأن المراد بالثبوت كونه مأخوذًا من ضرورة أو برهان. ومعنى الموجب هو الأمر المقتضي له بمعنى أن الله تعالى يخلق للعبد عنده العلم لا بمعنى التأثير أو التوليد. قولنا: من حس أو عقل أو عادة قال: الشيخ زكرياء أو مانعة خلو إذ قد يكون الموجب مركبا من حس وعقل كالتواتر ومن حس وعادة كالحكم بأن الجبل حجر لمن شاهده. والحس يشمل الظاهر

والباطن كعلمك بجوعك وعطشك ونحو ذلك من الوجدانيات. وأورد أن العلوم العادية تحتمل النقيض لجواز خرق العادة كانقلاب الحجر ذهبا. وأجيب بأن احتمالها للنقيض بمعنى أنه لو فرض نقيض العلوم لم يلزم محال لذاته لا بمعنى أنه محتمل للحكم بالنقيض في الحال كما في الظن أو المآل كما في الجهل المركب والتقليد، فإن منشأه ضعف الإدراك إما لعدم الجزم أو لعدم المطابقة أو لعدم استناده إلى موجب قاله في الآيات البينات وغيره اعتقاد ينقسم إلى صحيح أن يكن يطابق ... أو فاسد أن هو لا يوافق يعني: أن غير الحكم الجازم الغير القابل للتغير يسمى اعتقادًا والمراد بغير الحكم الخ. الحكم الجازم القابل للتغير بأن لم يكن لموجب طابق الواقع أم لا، إذ يتغير الأول بالتشكيك والثاني به أو بالإطلاق على ما في نفس الأمر والاعتقاد منه صحيح وهو ما يطابق الواقع كاعتقاد المقلد أن الضحى مندوب ومنه فاسد إن لم يطابقه كاعتقاد الفلاسفة قدم العالم ولا إشكال في إفادة التقليد للمقلد الاعتقاد، والدليل يفيد المجتهد الظن وهو أضعف من الاعتقاد والفرق أن المقلد خال من المتزاحمات والمجتهد ينظر في الأدلة المتعارضة عنده فغاية ما يتم له في الغالب ترجيح أحد الجانبين على الآخر بخلاف المقلد فإنه يأنس بمعتقده فلا يزال يقوي عنده ولذلك ترى عقيدة أهل الصلاح والتقى من العوام كالطود الشامخ لا تحركه الرياح وعقيدة أهل الجدل كخيط في الهواء تقلبه الرياح مرة هكذا ومرة هكذا قوله أو فاسد بالجر عطف على الصحيح وضمير هو للاعتقاد ويوافق بكسر الفاء. والوهم والظن وشك ما احتمل ... لراجح أو ضده أو ما اعتدل يعني: أن الحكم غير الجازم بأن كل معه احتمال نقيض المحكوم به من وقوع النسبة أو لا وقوعها ينقسم إلى وهم بسكون الهاء وظن وشك فالوهم هو الحكم بالشيء مع احتمال نقيضه احتمالًا راجحًا، والظن ضد بأن احتمالًا مرجوحًا والشك ما احتمل لما اعتدل

معه أي تساوى فالأول كاحتمال غلط العدل في خبره أو كذبه والثاني كالحكم بصدق العدل والثالث كالحاصل من خبر المجهول إذا لم يترجح منه أحد الطرفين فالشك بخلاف ما قبله حكمان لأنه اعتقادان يتقاوم سببهما وقيل أن الشك والوهم ليسا من التصديق إذا الوهم ملاحظه المرجوح والشك التردد في الوقوع وعدمه والجواب إن الشاك حاكم بجواز كل واحد من النقيضين بدلًا عن الآخر وأن الوهم حاكم بالطرق المرجوح حكمًا مرجوحًا والتحقيق في الشاك أنه إن نشأ شكه عن تعارض الأدلة فهو حاكم بالتردد أو لعدم النظر فهو غير حاكم ولهذا الخلاف اختلف في الوقف هل يعد قولًا أو لا؟ قوله: لراجح .. الخ، الثلاثة راجعة إلى الوهم والظن والشك على اللف والنشر المرتب والتاء في احتمل واعتدل مفتوحة قال الأبياري والأصل إتباع الظن مطلقًا حيث لا يشترط العلم ما لم يرد في الشرع منع من ذلك كمنع القضاء بشهادة الواحد وإن غلب على الظن صدقه وهذا مما قدم فيه النادر. أما الشك فساقط الاعتبار إلا في النادر كنضح من شك في إصابة النجاسة وغسل اليدين عند القيام من النوم وقد صرح المقري بحرمة إتباع الوهم. والعلم عند الأكثرين يختلف ... جزما .. يعني: أن العلم الحادث عند أكثر المتكلمين يتفاوت في جزئياته إذ العلم مثلًا أن الواحد نصف الاثنين أقوى في الجزم من العلم بأن العالم حادث وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بربه لا يساوي علم غيره وكذا غيره من الأنبياء وبعض المؤمنين في العرفان أقوى من بعض وقال علي رضي الله تعالى عنه: لو كشف الغطاء لما زادني يقينًا وجه الدليل أن نفي الشيء فرع ثبوته قال البوصيري: لم يزده كشف الغطاء يقينا ... بل هو الشمس ما عليه غطاء ولا شك أن حق اليقين أقوى من عين اليقين وعين اليقين أقوى من علم اليقين. (وبعضهم بنفيه عرف).

وإنما له لدى المحقق ... تفاوت بحسب التعلق يعني أن بعض المتكلمين ذهبوا إلى أن العلم لا يتفاوت في جزئياته إذ حقيقته الكشف فليس بعضها وإن كان ضروريًا أقوى في الجزم من بعض وإن كان نظريًا سواء قلنا باتحاد العلم عند تعدد المعلوم أو بتعدد وإنما يتفاوت بحسب التعلقات فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام علموا من صفات الله تعالى ما لم يعلمه غيرهم فالتفاوت بحسب المتعلقات وأيضًا فحضور الأنبياء لا يدانيه حضور فالتفاوت عروض الغفلة لغيرهم دونهم وكذا رجحان بعض المومنين في العرفان هو بحسب زيادة المعارف وقلة الغفلات عنها بعد حصولها قوله: وإنما له: يعني أن من نفى تفاوت العلم في نفسه وهم المحققون إنما يكون له التفاوت عنده بحسب التعلق بالمعلومات إذا العلم صفة واحدة متعلقها وهو المعلومات متعدد كما في علمه تعالى فالعلم على هذا القول لا يتفاوت إلا بكثرة المتعلقات كما في العلم بثلاثة أشياء والعلم باثنين وتفاوته بكثرة المتعلقات مبني على ما أشار له بقوله. لما له من اتحاد منحتم ... مع تعدد لمعلوم علم يعني: أن تفاوت العلم بكثرة المتعلقات كائن، لأجل ما علم من وجوب اتحاد العلم مع تعدد المعلومات، كما هو قول بعض الأشاعرة قياسًا على علم الله تعالى. وذهب الأشعري وكثير من المعتزلة إلى تعدده بتعدد المعلوم وطعنوا في القياس بالخلو عن الجامع وعلى كلا القولين فمطلق العلم جزئيات. قال في الآيات البينات: اعلم أن الجزئيات إما بحسب المحال التي يقوم بها العلم كزيد وعمرو فالقائم بزيد جزئي للعلم، والقائم بعمرو جزئي آخر. وإما بحسب المتعلقات كالعلم بشيء والعلم بشيء آخر فالأول جزئي العلم والثاني جزئي آخر فإن قلنا باتحاد العلم فالمراد الجزئيات باعتبار المحال كعلم زيد وعلم عمرو مثلًا ولا يتأتي إرادتها باعتبار المحل الواحد كزيد إذ لا يكون له إلا علم واحد ولا معنى لنفي التفاوت في العلم الواحد، وإن قلنا بتعدده فالمراد

الجزئيات باعتبار المحال كعلم زيد وعلم عمرو مثلًا وباعتبار المحل الواحد أيضًا كعلم زيد بهذا الشيء وعلمه بذلك الشيء الآخر. وعلى أن العلم يتعدد بتعدد المعلومات لا يتفاوت بكثرة المتعلقات لأن العلم حينئذ لا يتعلق بأكثر من معلوم واحد فكل متعلق معلوم بعلم خاص به نعم التفاوت على هذا يكون بقلة الغفلة عن معلوم دون غيره وهذا هو المراد بألف النفس أحد المعلوقين دون الآخر، قال ابن أبي شريف: وقد أشار صلى الله عليه وسلم بقوله في حديث الصحيحين (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا) إلى التفاوت بكثرة التعلقات إذ لو قصدت الإشارة إلى التفاوت في العلم الواحد لكانت العبارة لو تعلمون كما أعلم وأشار صلى الله عليه وسلم إلى التفاوت باعتبار عروض الغفلات بقوله في حديث مسلم (لو تدومون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة في الطرق). يبنى عليه الزيد والنقصان ... هل ينتمي إليهما الإيمان؟ يعني أن الخلاف في تفاوت العلم بنفسه في القوة والجزم يبنى عليه الإيمان بمعنى التصديق هل ينسب إلى الزيد والنقصان أولا، إما بالنظر إلى الأعمال فلا شك أنه يزيد بزيادة الأعمال وينقص بنقصانها. والجهل جا فى المذهب المحمود ... هو انتفاء العلم بالمقصود بقصر جا للضرورة يعني أن الجهل هو انتفاء العلم بالمقصود أي ما شأنه أن يقصد ليعلم بأن لم يدرك أصلًا ويسمى الجهل البسيط أو أدرك على خلاف هيئته في الواقع ويسمى الجهل المركب لأنه جهل الشيء وجهل أنه جاهل له كاعتقاد الفلاسفة قدم العالم، وخرج بالمقصود عدم العلم بالأرضين السفلي والسماوات العليا مثلًا فلا يسمى انتفاء العلم به جهلًا وقيل الجهل هو إدراك المعلوم على خلاف هيئته في الواقع وعليه فالبسيط ليس بجهل والقولان ذكرهما ابن مكي في قصيدته المسماة بالصلاحية قال:

وإن أردت أن تحد الجهلا ... من بعد حد العلم كان سهلا وهو انتفاء العلم بالمقصود ... فاحفظ فهذا أوجز الحدود وقيل في تحديده ما يذكر ... من بعد هذا والحدود تكثر تصور المعلوم هذا حرفه ... وحرفه الآخر يأتي وصفه مستوعبًا على خلاف هيئته ... فافهم فهذا القيد من تتمته سميت بالصلاحية لأنها نظمت لصلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي بشين معجمة وألف وذال معجمة مكسورة بعدها مثناة تحتية قال زكرياء: وهي من أحسن تصانيف الأشعرية في العقائد وكان صلاح الدين يأمر بتلقينها للصبيان في المكاتب. زوال ما علم قل نسيان ... والعلم في السهولة اكتنان يعني: أن النسيان هو زوال المعلوم عن الحافظة والمدركة فيستأنف تحصيله وأن العلم في السهولة اكتنان أي غيبة عن الحافظة فقط فهو الذهول عن المعلوم الحاصل فينتبه له بأدنى تنبيه وقيل النسيان غفلة عن المذكور والسهو غفلة عن المذكور وغيره، وقيل بالترادف بينهما. ما ربنا لم ينه عنه حسن ... وغيره القبيح والمتسهجن يعني: أن الحسن مع قطع النظر عن كونه فعل المكلف خصوصًا هو ما لم ينه عنه من مأذون فيه واجبًا كان أو مندوبًا أو مباحًا، ومن فعل غير المكلف كالساهي والنائم والبهيمة وكالصبي بالنسبة إلى الواجب والمحرم على الصحيح أو مطلقًا على غيره هذا هو الحسن الشرعي، والقبيح في الشرع وهو المستهجن بصيغة اسم المفعول: هو ما نهى تعالى عنه من مكروه وحرام ويدخل في المكروه خلاف الأولى، قال في التنقيح: فالقبيح ما نهى الله تعالى عنه والحسن ما لم ينه عنه، وقيل الحسن المأذون فيه والقبيح المنهي عنه ولو بالعموم وعليه يكون فعل غير المكلف واسطة. وقال إمام الحرمين: ليس المكروه قبيحًا لأنه لا يذم عليه ولا حسنًا لأنه لا يسوغ الثناء عليه بخلاف المباح فإنه يسوغ عليه وجعله

بعضهم واسطة لأن الحسن عنده ما أمر بالثناء عليه. وأما الحسن والقبح بمعنى ملائمة الطبع ومنافرته كحسن الحلو وقبح المر وبمعنى صفة الكمال والنقص كحسن العلم وقبح الجهل فعقلي إجماعًا وأهل العراق يطلقون القبيح في الشرع على المكروه والمحرم وما لا بأس بفعله وهو ما فيه شبهة قليلة وإن كان مباحًا كسؤر كثير من الحيوانات بخلاف الشرب من دجلة لا يقال فيه لا بأس به. هل يجب الصوم على ذي العذر ... كحائض وممرض وسفر يعني: أنه إذا انعقد سبب لوجوب شيء على مكلف ثم طرأ ما اقتضى جواز ترك ذلك الشيء لذلك المكلف كطرو الحيض أو المرض أو السفر أو السكر أو الإغماء بعد انعقاد سبب وجوب الصوم في حق من طرأ له ذلك أو طرأ قبل انعقاد سبب الوجوب ما منع انعقاده فهل يوصف الحال جواز تركه بالوجوب لأنه يجب عليهم القضاء بقدر ما فاتهم فكان المأتى به بدلا من الفائت والبدل واجب. فدل على أن الفائت واجب وإلا لم يكن بدلًا عنه لقوله تعالى ((فمن شهد منكم الشهر فليصمه)) وهؤلاء شهدوه وجواز الترك لهم لعذرهم الثابت في المريض والمسافر بقوله تعالى ((فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر)) وفي الحائض بالإجماع أو لا يوصف بالوجوب وإلا كان ممتنع الترك وقد فرض جائزه فلو ثبت أنه مع ذلك ممتنع لاجتمع النقيضان وأجيب بمنع ذلك لأن المنافي للوجوب هو جواز الترك مطلقًا لا جوازه وقت العذر فقط فاختلف زمن النفي والإثبات وأجيب عن الأول بأن شهود الشهر موجب عند انتفاء العذر لا مطلقًا فوجوب الصوم له سبب ومانع ولا يتحقق الوجوب إلا بوجود سببه وانتفاء مانعه وهو العذر المذكور فالاستدلال بالآية على الوجوب في محل العذر غير صحيح، وبأن وجوب القضاء بقدر ما فات المشعر بالبدلية لا يتوقف على سبق نفس الوجوب بل يكفي فيه سبق إدراك سبب الوجوب، قاله في الآيات البينات. وجوبه في غير الأول رجح ... وضعفه فيه لديهم وضح

يعني: أن ابن رشد ذكر في المقدمات أن الراجح عند المالكية في المرض والسفر وجوب الصوم وأنه في الأول الذي هو الحيض ضعيف. وهو في وجوب قصد للادا ... أو ضده لقائل به بدا هو مبتدأ خبره بدأ يعني أن الخلاف أي ثمرته تظهر عند من يقول بوجوب التعرض في البدل للنية فعلى ان الفائت واجب يقصد القضاء أي ينويه، وعلى الآخر ينوي الأداء فاللام في قوله بمعنى عند قال في الآيات البينات: ذهب الجمهور إلى أن الفعل في الزمان الثاني قضاء على أن المعتبر في وجوب القضاء سبق الوجوب في الجملة لا سبق الوجوب على ذلك الشخص فعلى هذا يكون فعل النائم والحائض ونحوهما قضاء وبعضهم يعتبر الوجوب عليه حتى لا يكون فعل النائم والحائض ونحوهما قضاء لعدم الوجوب عليهم بدليل الإجماع على جواز الترك وبعضهم يقول بالوجوب عليهم بمعنى انعقاد السبب وصلاحية المحل وتحقق اللزوم لولا المانع ويسميه وجوبًا بدون وجوب الأداء اهـ. ونفس الوجوب هو اشتغال الذمة بفعل أو مال ووجوب الأداء لزوم تفريغ الذمة عما اشتغلت به كذا ذكره في التلويح وبما ذكرنا من ظهور ثمرة الخلاف في نية الأداء أو القضاء يكون الخلاف معنويًا خلافًا للسبكي في جمع الجوامع من أنه لفظي لا فائدة فيه لأن تأخير الصوم حالة العذر جائز بلا خلاف والقضاء بعد زوال العذر واجب بلا خلاف، وجعل بعضهم من فوائده هل وجب القضاء بأمر جديد أو بالأمر الأول؟ ولا يكلف بغير الفعل ... باعث الأنبيا ورب الفضل يعني: أن الله تعالى لا يكلف أحدًا إلا بالفعل بناء على امتناع التكليف بالمحال لأن غير الفعل غير مقدور للمكلف والفعل ظاهر في الأمر لأنه مقتض للفعل غالبًا ومن غير الغالب نحو اترك ودع وذر والإطلاق بناء على الغالب واقع حتى في الكتاب والسنة مع أنها في معنى النهي والتكليف بالاعتقادات التي هي من الكيفيات النفسانية دون

الأفعال الاختيارية على الصحيح عند بعض المحققين تكليف بأسبابها كإلقاء الذهن وصرف النظر وتوجيه الحواس قال في الآيات البينات: على أنه وقع إطلاق فعل القلب على التصديق في عبارة المواقف والمقاصد وغيرهما. لكن كأنه باعتبار أنه يعتبر في الإيمان مع التصديق الذي هو التجلي والانكشاف إذعان واستسلام في القلب للأوامر والنواهي فتسمية التصديق الذي هو الاعتقاد فعلًا بهذا الاعتبار. وإما كون المنهي عنه فعلًا فقد أشار لبيانه بقوله: (فكفنا بالنهي مطلوب النبي .. ) يعني: أن الذي طلب منا أي كلفنا به في النهي الشارع المجازى الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم. الكف بمعنى الترك والانتهاء أي انصراف النفس عن المنهي عنه وذلك فعل يحصل بفعل الضد للمنهي عنه فالمقصود بالذات هو الانتهاء وإما فعل الضد فلا يقصد إلا بالالتزام بل قد لا يقصد أصلًا ولا يستحضره المتكلم ومتى قصد فعل الضد وطلب من حيث هو كان أمرًا لا نهيًا عن ضده قال السبكي في شرح المنهاج: أن الانتهاء مقدم في الرتبة في العقل على فعل الضد. فكان معه كالسبب مع المسبب ولكافر إذا أسلم فقد وجد منه ثلاثة أشياء، كفره أولًا المنهي عنه ثم انتهاؤه عنه والترتيب بينهما في الزمان ثم تلبسه بالإيمان والترتيب بينه وبين الانتهاء عن الكفر ليس في الزمان وإنما هو في الرتبة ترتب المعلول على العلة وهما في زمان واحد حتى لو فرض أن الانتهاء يحصل بدون فعل الضد حصل المطلب به ولم يكن حاجة إلى فعل الضد لكن ذلك فرض غير ممكن وهذا المعنى حاصل في جميع الأفعال وكل ما تلبس به الإنسان. قال السبكي في طبقاته: لقد وقفت على ثلاثة أدلة تدل على أن الكف فعل لم أر أحدًا عثر عليها، أحدها قوله تعالى: ((وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)). فإن الأخذ التناول والمهجور المتروك فصار المعنى تناولوه متروكًا أي فعلوا تركه. والثاني ما روى أنه صلى الله عليه وسلم (قال: أي الأعمال أفضل؟ فسكتوا ولم يجبه أحد فقال: هو حفظ اللسان) والثالث (قال قائل من المسلمين

والنبي صلى الله عليه وسلم يعمل بنفسه في بناء المسجد: لئن قعدنا والنبي يعمل لذلك منا العمل المضلل) فمعنى قعدنا تركنا الاشتغال ببناء المسجد. وقيل: المكلف به في النهي فعل الضد للمنهي عنه. قولنا وذلك فعل يحصل بفعل الضد، قاله المحلي واعترضه في الآيات البينات بأمرين، الأول: أنه وإن كان فعلًا إلا أنه من الأفعال الاعتبارية التي لا تحقق لها في الخارج فيكون عدميًا فكيف كلف به مع أنه غير مقدور لأن العدمي غير مقدور باعتبار حصوله بفعل الضد المقدور قلنا لا حاجة إلى العدول في المكلف به في النهي عن ما يتبادر من كونه النفي إلى كونه الانتهاء بل قد يمكنه التزام كونه النفي لأنه مقدور باعتبار ما يتحقق به من الضد. والثاني أنه قد يخفي المراد بحصوله بفعل الضد فإن المنهي عن شرب الخمر مثلًا إذا ترك الشرب وسائر الأفعال كالأكل وشرب الماء وغير ذلك أي ضد شرب الخمر بفعله حتى حصل به الانتهاء عن شربه فإنه لم يحصل به إلا انتفاء الشرب ولم يحصل هنا أمر وجودي مضاد للشرب حتى يتحقق وجود ضد يحصل بفعله اللهم إلا أن يراد بالضد ما يشمل النقيض الذي هو النفي. (والكف فعل في صحيح المذهب) قال أبو عبد الله المقري: قاعدة اختلف المالكية في الترك هل هو فعل أو ليس بفعل والصحيح أن الكف فعل وبه كلفنا في النهي عند المحققين، وغيره ضد فيقال هل الكف كالإتيان أو لا؟ وهل الكف كالفعل أو لا؟ وقال قوم منهم أبو هاشم المعتزلي: إن المكلف به في النهي الانتفاء بالفاء للمنهي عنه وذلك للمكلف بأن لا يشاء فعله الذي يوجد بمشيئته فإذا قيل لا تتحرك فالمطوب منه على أنه الانتهاء هو الكف عن التحرك الحاصل بفعل ضده الذي هو السكون وعلى الثاني فعل ضده وعلى الثالث انتفاؤه بأن يستمر عدمه الناشيء من السكون قال اللقاني: لا ينحصر تحقق الانتفاء في استمرار العدم إذ يمكن تحققه بتجدد العدم كما إذا نهى عن التحرك من هو متلبس به. فبالسكون يخرج من عهدة النهي على جميع الأقوال. له فروع ذكرت في النهج ... وسردها من بعد ذا البيت يجي

الضمير في له للخلاف في الكف هل هو فعل أو لا؟ يعني أنه ينبني عليه فروع ذكرها في المنهج المنتخب وجلبتها هنا على سبيل التضمين وهذا النوع يسمى استعانة وهي تضمين بيت فأكثر والمذكور هنا ثلاثة أبيات: من شرب أو خيط ذكاة فضل ما ... وعمد رسم شهادة .. قوله من شرب بيان للنفع الكامن المستتر في البيت قبله وهو: وهل كمن فعل تارك كمن ... له بنفع قدرة لكن كمن فشرب إشارة إلى من عنده فضل طعام أو شراب فلم يعطه مضطرًا حتى مات يضمن ديته على الأول دون الثاني وخيط إشارة إلى من به جائفة فطلب من شخص ما يخيط به فمنعه حتى مات هل عليه ديته أو لا؟ وذكاة إشارة إلى من مر بصيد لم تنفذ مقاتله وأمكنه تذكيته فلم يفعل حتى مات هل يضمنه أو لا؟ وكذلك الآيسة يخاف موتها. وفضل ما، إشارة إلى من عنده فضل ماء ولجاره زرع يخاف عليه فلم يمكنه منه حتى هلك هل يضمن أو لا؟ وكذلك الخلاف فيمن عنده عمد فطلبها صاحب جدار خاف سقوطه فلم يفعله حتى سقط، وفيمن أمسك وثيقة حق حتى تلف الحق. وهذا معنى قوله رسم شهادة، قال المنجور: ورسم شهادة بالإضافة، ويصح تنوين رسم ويكون قوله شهادة إشارة إلى أن من جحد شهادة هل يغرم إذا ضاع الحق. وما عطل ناظر وذو الرهن كذا ... مفرط في العلف فادر المأخذا قوله: وما عطل، إشارة إلى ما عطل ناظر اليتيم من ربعه أو جنانه أو أرضه فلم يكره مع إمكانه أو ترك الأرض حتى تبورت هل عليه غرم أم لا؟ وذو الرهن، إشارة إلى ما عطل المرتهن من كراء الرهن -ولكرائه خطر وبال -هل يضمنه أو لا؟ ومفرط الخ .. إشارة إلى من دفعت إليه دابة مع علفها وقيل له: علفها واسقها حتى أرجع إليك، فتركها بلا علف حتى ماتت، في ضمانه قولان لأبي الأصبغ

والشيخ أبي محمد، والعلف هنا بسكون اللام والمأخذ مأخذ هذه الفروع المبنية عليه. وكالتي ردت بعيب وعدم ... وليها وشبهها مما علم إشارة إلى ذات العيب يزوجها وليها القريب فيفلس، هل يرجع عليها الزوج بالصداق أو لا؟ وشبه هذه المسائل مما علم من هذا الأصل، كقتل شاهدي حق، وقتل المرأة نفسها قبل الدخول كراهية منها في زوجها هل لها صداق أم لا؟ إلا أن هاتين المسألتين ليستا من مسائل الترك، ويدخل في ذلك مسألة السجان، والقيد، والقفص، والسارق، والدواب، واللقطة، فيجري فيها الخلاف في الضمان. وهذه المسائل تتبنى أيضًا على قاعدة التعدي على السبب هل هو كالتعدي على المسبب. والأمر قبل الوقت قد تعلقا ... بالفعل للإعلام قد تحققا يعني أن الأمر وسائر أقسام التكليف يتعلق عند الجمهور بالفعل قبل المباشرة له قبل دخول وقته إعلامًا. وقوله الآتي: وبعد الإلزام، يعني به أن التكليف يتعلق بالفعل قبل المباشرة له بعد دخول وقته إلزامًا، فإعلامًا وإلزامًا حالان من ضمير الأمر المستتر في يتعلق، قاله اللقاني. قال العبادي: ويجوز أن يكون إلزامًا وإعلامًا مفعولًا مطلقًا على حذف مضاف، أي تعلق إلزام وتعلق إعلام. قال المحشيان وهما في اصطلاح العبادي زكرياء وابن أبي شريف: الفرق بين التعلقين أن تعلق الإعلام مقصوده اعتقاد وجوب إيجاد الفعل لا نفس الإيجاد، وتلعق الإلزام مقصوده الامتثال، ولا يحصل إلا بكل منهما، فإيجاد الفعل قبل اعتقاد الوجوب غير كاف في الخروج عن العهدة، واعتقاد الوجوب كذلك، فلابد معه من الإيجاد. قال في الآيات البينات والمتبادر من هذا الفرق وما تقدم في تفسير التعلق المعنوي تغاير التعلق المعنوي والتعلق الإعلامي، وإن

المعنوي أزلي والإعلامي حادث، وعلى هذا تكون التعلقات ثلاثة: تنجيزي، ومعنوي، وإعلامي، وأما الإلزامي فهو التنجيزي. قوله: الأمر مبتدأ خبره جملة قد تحققا وللإعلام متعلق به. وبعد للإلزام يستمر ... حال التلبس وقوم فروا يستمر حال من الإلزام، يعني أن التعلق الإلزامي يستمر عند الأكثر حال التلبس به أي المباشرة له، وقوم من أهل الأصول فروا أي ذهبوا إلى انقطاعه حال المباشرة خوف تحصيل الحاصل وهو عبث لا فائدة فيه. وأجيب بأن الفعل ذا الأجزاء كالصلاة لا يحصل إلا بالفراغ منه لانتفائه بانتفاء جزء منه. فليس يجزي من له يقدم ... ولا عليه دون حظر يقدم أي فعلى أن التكليف يتوجه على المكلف قبل المباشرة لا يجزئ المكلف ما أتى به من المأمورات قبل وقته لأنه آت بغير ما أمر به فلا تبرأ ذمته ولا يقدم عليه إقدامًا خاليًا من الحظر أي المنع أي لا يجوز الإقدام على فعله فيقدم مبني للفاعل وهو المكلف (وذا التعبد .. ) أي وهذا الذي لا يجزئ أن قدم على وقته ولا يجوز الإقدام عليه هو ما تمحض للتعبد كالصلاة والصوم وما تمحضا ... للفعل فالتقديم فيه مرتضى يعني: أن ما تمخض للمفعولية كأداء الديون ورد الوديعة ورد المغصوب يرتضى تقديمه قبل وقت لزومه وإنما ارتضى لجوازه وإبرائه الذمة ما لم يشتمل التقديم على أمر محرم فيمنع للمعارض. وما إلى هذا وهذا ينتسب ... ففيه خلف دون نص قد جلب يعني: أن المنتسب إلى شائبة التعبد وشائبة المفعولية كالزكاة والوضوء يختلف في جواز تقديمه وإبراء الذمة منه بناء على تغليب إحدى

الشائبتين على الأخرى دون نص أي دليل على جواز تقديمه كالوضوء فيجوز اتفاقًا أن يصلي به قبل دخول الوقت ما شاء. وقال إن الأمر لا يوجه ... إلا لدى تلبس منتبه منتبه فاعل قال، أي: قال بعض الأصوليين ذو انتباه أي فطنة: أن الأمر وغيره من أقسام التكليف لا يوجه بالبناء للمفعول أي لا يتعلق بالفعل إلزامًا إلا عند التلبس به وإما قبل ذلك فإعلام، وإنما كان لا يتعلق به إلزامًا إلا عند المباشرة له لأنه لا قدرة عليه إلا حينئذ. قال زكرياء أي لأنها القوة المستجمعة لشرائط التأثير فلا يكون إلا مع المباشرة. اعلم أن الأصوليين من الأشعرية والمعتزلة متفقون على أن المأمور بالفعل بقصد الامتثال إنما يتعلق به الأمر عند الاستطاعة لكن للمعتزلة أصل وهو أن الفعل لا يكون متعلقًا للقدرة حال حدوثه فالاستطاعة عندهم قبل الفعل لا معه، وأصل الأشعرية أن القدرة الحادثة تقارن المقدور لا تسبقه فالاستطاعة عندهم معه لا قبله لأن القدرة الحادثة عرض، وبقاء العرض محال عندهم، فلو تقدمت على وجود الحادث لعدمت عند وجوده فلا يكون الحادث متعلقًا لها، فلزم على أصل الأشعرية أن الأمر إنما يتعلق بالفعل تعلق إلزام حال حدوثه لا قبله، ولزم على أصل غيرهم تعلقه به قبله لا معه. فاللوم قبله على التلبس ... بالكف وهي من أدق الأسس هو جواب عن ما قيل إنه يلزم عدم العصيان بترك ما أمر به إذا قلنا: إن الأمر لا يتوجه إلا عند المباشرة. والجواب أن اللوم قبل التلبس بالفعل مرتب على التلبس بالكف عن الفعل وذلك الكف منهي عنه لأن الأمر بالشيء يفيد النهي عن تركه. واعترض بعضهم هذا التعليل بأن لا يفيد المطلوب وهو أن الكف منهي عنه لأن النهي يتوقف على وجود الأمر وهو متوقف على وجود التعلق الإلزامي وهو هنا منتف فينتفي الأمر فينتفي النهي وهو نقيض المطلوب. ومنعه في الآيات البينات بأن الأمر والنهي واحد عند السبكي، إذ مذهبه أن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده،

فبالنسبة إلى الفعل أمر، وبالنسبة إلى الترك نهي، فمن أين الفرعية. قوله: وهي الخ .. يعني أن هذه المسألة التي هي الكلام على وقت توجه التكليف بالفعل المباشرة أو حالتها. قال القرافي: إنها من أدق الأسس بضمتين جمع أساس أي من أغمض الأصول مع قلة جدواها إذ لم تظهر لها ثمرة في الفروع وفيه نظر لما يذكر في البيت بعده. وهي في فرض الكفاية فهل ... يسقط الإثم بشروع قد حصل يعني: أن الفائدة المسألة المذكورة تظهر في فرض الكفاية هل يسقط الإثم عن الباقين بالشروع فيه أو لابد من كمال العبادة بناء على انقطاع التكليف بالشروع واستمراره؟ وتظهر في مسائل أخر قاله: حلولو في شرح جمع الجوامع. للامتثال كلف الرقيب ... فموجب تمكنا مصيب الرقيب من أسمائه تعالى يعني أنهم اختلفوا في فائدة التكليف هل هي الامتثال فقط وعليه فمن جعل التمكن من إيقاع الفعل شرطًا في توجه التكليف فهو مصيب أو هي مترددة بين الامتثال والابتلاء كما أشار له بقوله: أو بينه والابتلا ترددا ... شرط تمكن عليه انفقدا فاعل تردد ضمير التكليف المفهوم من قوله كلف، وبينه متعلق بتردد، والابتلاء معطوف على الضمير المضاف إليه دون إعادة الخافض لجوازه عند ابن مالك. يعني أن التكليف أي فائدته مترددة عند بعضهم بين الأمرين، فتكون تارة للامتثال فقط وقد تكون للابتلاء أي الاختبار هل يعزم ويهتم بالعمل فيثاب أو يعزم على الترك فيعاقب. قال حلولو: والحق الثاني وأن التمكن إنما هو شرط في إيقاع الفعل لا في توجه التكليف وإليه أشار بقوله شرط تمكن، قوله عليه أي: على القول الأخير: عليه تكليف يجوز ويقع ... مع علم من أمر بالذي امتنع في علم من أمر

يعني أنه ينبني على الخلاف في فائدة التكليف الخلاف في التكليف هل يجوز عقلًا ويقع شرعًا معلومًا للمأمور أثر سماعه الأمر للدال على التكليف مع علم الأمر انتفاء شرط وقوعه عند وقته بناء على أن التمكن من الامتثال ليس بشرط، أو لا يعلم إلا بعد التمكن بناء على أنه شرط، والأول مذهب الجمهور. وحجة المخالف انتفاء فائدة التكليف من الطاعة والعصيان. وأجيب بوجودها بالعزم على الفعل فيترتب الثواب، والترك فيترتب العقاب. وقول المخالف لا يعلم المأمور بشيء إنه مكلف به عقب سماعه للأمر به، لأنه قد لا يتمكن من فعله لموته قبل وقته أو عجز عنه. جوابه أن الأصل عدم ذلك، وبتقدير وجوده ينقطع تعلق الأمر الدال على التكليف، كالوكيل في البيع غدا إذا مات أو عزل قبل الغد ينقطع التوكيل، وعلى الخلاف من أفطر متعمدًا في رمضان ثم جن أو مات بقية نهاره فتلزمه الكفارة على مذهب الجمهور، ولا تلزمه على المقابل. وقد أوجب مالك الكفارة على من أفطرت في أول النهار متعمدة ثم حاضت آخره. وأمر الأول مبني للمفعول، والثاني للفاعل، وقوله بالذي امتنع متعلق بتكليف، وفي علم متعلق بامتنع. (كالمأمور في المذهب المحقق المنصور) يعني أنه يصح التكليف ويوجد معلومًا للمأمور أثره مع علم الآمر والمأمور جميعًا انتفاء شرط وقوعه عند وقته، كأمر رجل بصوم يوم علم موته قبله، وكمن علمت بالعادة أو بقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنها تحيض في يوم معين من رمضان، هل يجب عليها افتتاحه بالصوم؟ فعندنا نعم، فإن المرخص في الإفطار لم يوجد، قال حلولو نعم لو علمت أنها تحيض قبل الفجر لم يتأت منها انعقاد الوجوب لفوات مقصد التكليف من العزم والاهتمام بالعمل. فإن قلت: إذا علم المأمور انتفاء شرط الوقوع انتفت الفائدة التي هي العزم على الامتثال، فالجواب إنها موجودة على تقدير وجود الشرط، كما يعزم الزاني المجبوب على أن لا يعود إليه بتقدير القدرة عليه، وكذا من نظر إلى محرم فعمى فلا يشترط في كل العزم على عدم اتفاقا، بل يكفي الندم وحده. وقال القرافي في الذخيرة وقد

يكون الندم وحده توبة في حق العاجز عن العزم والإقلاع. قال في الآيات البينات: عدم اشتراط ذلك في صحة توبته لا ينافي ذلك صحة نظيره فائدة لصحة التكليف، ولهم أيضًا أن يتأيدوا بجواز التكليف بالمحال ولو لذاته، ثم قال: ولا يسع عاقلًا أن يعترف بوجود الفائدة في المحال الذاتي وينكرها فيما نحن فيه هـ. وبهذا يظهر لك أن جواز للتكليف في المسألة هو التحقيق وهو الذي نصره السكبي وأن حكى الآمدي وغيره الاتفاق فيها على عدم صحة التكليف.

كتاب القرآن ومباحث الأقوال

كتاب القرآن ومباحث الأقوال: يعني أن هذا هو كتاب تعريف القرآن وذكر مباحث الأقوال المشتمل هو عليها من الأمر والنهي والعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم والناسخ والمنسوخ والحقيقة والمجاز وغير ذلك. والمباحث جمع مبحث، بمعنى مكان البحث، والبحث: إثبات المحمول للموضوع أو سلبه عنه، والتقدير، والأماكن التي يقع فيها البحث من الأقوال، فمثال إثباته له قوله السبكي: ومنه البسملة فيه البحث عن البسملة التي هي من الأقوال أي إثبات محمولها، وهو بعضيتها منه ثابت لها، ومثال السلب قول الناظم وليس للقرءان تعزى البسلمة، والقرءان في اللغة مصدر بمعنى القراءة، غلب في العرف العام على كتاب الله المثبت في المصاحف كما غلب عليه في عرف الشرع الكتاب من بين سائر الكتب كما غلب الكتاب على كتاب سيبويه في عرف النحاة، وكما غلب على المدونة في عرف أهل مذهب مالك، ولا ينافي علميته، قولهم: إن اللام فيه للعهد وإن لزم اجتماع معرفين لأن المعرف هنا بمعنى العلامة قال زكرياء ثم قال: فإن قلت: قد منع اجتماعهما أكثر النحاة إجراء للعوامل اللفظية مجرى المؤثرات الحقيقية، قلت: قد نقل ذلك الرضى كغيره، ومع ذلك اختاروا جوازه إذا كان في احدهما ما في الآخر وزيادة كما هنا قال بدليل يا هذا، ويا عبد الله، ويا الله، قال: وما قيل أن العلم كبقية المعارف لا يضاف إلا أن نكر ممنوع، بل يجوز عندي إضافته مع بقاء تعريفه، إذ لا مانع من اجتماع تعريفين إذا اختلفا هـ.

والصواب عندي هو الذي في الآيات البينات تجريد ال حينئذ من معنى العهد، بل صارت من حيث صار علمًا مما لا معنى له أصلًا. لفظ منزل على محمد ... لأجل الإعجاز وللتعبد يعني أن القرءان عند علماء العربية والفقه وأصوله هو: اللفظ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم لأجل الإعجاز بسورة منه ولأجل التعبد بتلاوته، أي: طلبه تعالى إياها من العباد لما فيها من الثواب لفاهم معناه وغيره، بل هو أفضل العبادات بعد الفرائض خلاف المعنى بالقرءان في أصول الدين من مدلول اللفظ القائم بذاته تعالى فيطلق القرءان على كل من الأمرين كما يطلق على كل منهما كلام الله، والكتاب. ووجه الإضافة في تسمية كلام الله بالمعنى الثاني إنه: صفة له، وبالأول أنه: أنشأه برقومه في اللوح المحفوظ، لقوله تعالى: ((بل هو قرءان مجيد في لوح محفوظ))، وبحروفه بلسان جبريل، لقوله تعالى: ((إنه لقول رسول كريم)) بناء على أن الرسول جبريل لا محمد صلى الله عليه وسلم، أو بلسان النبي صلى الله عليه وسلم بناء على إنه محمد، لقوله تعالى: ((نزل به الروح الأمين على قلبك)) لأن المنزل على القلب هو المعنى واللفظ له صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال. وهل إطلاق القرءان على الأمرين بالاشتراك، أو هو في الأول مجاز، مشهور الظاهر الاشتراك قاله ابن أبي شريف. وهل يعتبر في التسمية بالقرءان بالمعنى الأول خصوص المحل فهو اسم لا تأليف القائم بأول لسان اخترعه الله تعالى فيه، أو المعتبر خصوص التأليف الذي لا يختلف باختلاف المتلفظين؟ الصحيح الثاني وهذا الخلاف جار في كل تأليف وشعر ينسب إلى أحد فخرج عن أن يسمى قرءانًا بالمنزل على محمد الأحاديث غير الربانية وتسمى بالنبوية وجه خروجها أن ألفاظها لم تنزل وإنما أنزل معانيها والنبي صلى الله عليه وسلم عبر عنها بفلظه وكذلك ما كان عن اجتهاد فليس منزلًا لا لفظًا ولا معنى كما يخرج التوراة وسائر الكتب السماوية غيره، وخرج بالإعجاز

الأحاديث الربانية وتسمى الإلهية والقدسية وهي حكاية قول الرب كحديث الصحيحين (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء) فإن ظن خيرًا فله وإن ظن شرًا فله أو كما قال. والنبوية ما ليس كذلك، والإعجاز لغة إظهار عجز المرسل إليهم عن معارضته وفي عرف أهل أصول الدين إظهار صدق الرسول في دعواه الرسالة فهو لازم للمعنى اللغوي إذا المقصود من إظهار عجزهم إظهار صدقه في دعواه الرسالة والاقتصار على الإعجاز والتعبد بتلاوته وإن أنزل القرءان لغيرهما كالتدبر لآياته والعمل بما فيه لإنهما المحتاج إليه في التمييز لأن الأحاديث الربانية لم تنزل للإعجاز وإن كان منها ما هو معجز في نفسه قاله ابن أبي شريف. مع أن ابن الهمام اختار أن الإعجاز غير مقصود من الإنزال بل الإنزال للتدبر والتدبر والتفكير وإما الإعجاز فتابع وقد توقف فيه تلميذه ابن تلميذه ابن أبي شريف وخرج بالتعبد بتلاوته أبدًا ما نسخت تلاوته كآية (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) وتخرج به الأحاديث أيضًا لأنها ليست متعبدًا بتلاوتها وإن خرجت بما قبل قد يقال إن التعبد بالتلاوة حكم من أحكام القرآن والأحكام لا تدخل في الحدود لتوقف المحدود على الحد الذي من جملته التعبد بالتلاوة والحكم على الشيء فرع تصوره ففيه دور وهو من مبطلات الحدود، وجوابه أن الشيء قد يميز بذكر حكمه لمن تصوره بأمر شاركه فيه غيره كما إذا عرفت أن من اللفظ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ما نسخت تلاوته وما تعبد بتلاوته أبدًا ولم تعلم عين القرءان منهما فيقال لك هو اللفظ المنزل على محمد للإعجاز بسورة منه المتعبد بتلاوته. والذي يظهر لي أن محل كون التعريف بالحكم دورا حيث حكم على المحدود به قبل ثم عرفه به كان يقول النحوي: باب منصوبات الأسماء ثم ذكر منها الحال وعرفه بأنه وصف فضلة منتصب .. الخ، إما أن عرف به ابتداء فلا دور فيه لأنه من جملة خواص المحدود. تنبيه: إنما حد القرءان بما ذكر من الأوصاف مع تشخيصه ليتميز عما لا يسمى باسمه من الكلام وإن كان الجزء

الحقيقي لا يقبل الحد لأنه لا تمكن معرفته إلا بالإشارة ونحوها من المعارف لا تمكن معرفة حقيقة القرءان إلا بأن يقرأ من أوله إلى آخره ويقال هو هذه الكلمات بهذا الترتيب ثم كون القرءان شخصيًا ظاهر على القول باعتبار خصوص المحل في مسمى القرءان مرادًا به اللفظ المنزل إلى ءاخره وإما على الحق من أنه اسم للمؤلف المخصوص الذي لا يختلف باختلاف قارئه فقد قال في الآيات البينات: لمشاركته الشخصي الحقيقي في إنه لا يمكن معرفة حقيقته إلا بالإشارة إليه والقراءة من أوله إلى ءاخره، وحينئذ فمعنى مع تشخصه، إن له حكم المتشخص لعدم تعدده إلا بحسب المحال ولعدم إمكان معرفة حقيقته إلا بأن يقرأ من أوله إلى ءاخره. وكونه غير معتبر فيه خصوص المحل للقطع بأن ما يقرؤه كل واحد منا هو القرءان المنزل عليه صلى الله عليه وسلم بلسان جبريل أو غيره ولو كان عبارة عن الشخص القائم بلسان جبريل مثلًا لكان هذا مماثلًا له لا عينه ضرورة أن الأعراض تتشخص بمحالها فتتعدد بتعدد المحال وكذا الكلام في كل ما ينسب إلى أحد من كتاب أو شعر وكذلك التراجم، نحو باب يرفع الحدث. فالحاصل أن في ذلك ثلاثة أقوال: الأول إعلام شخصية سواء قلنا بخصوصية المحل وهو ظاهر أو قلنا اسم للمؤلف المخصوص الذي لا يتغير بتعدد محاله وقد تقدم بيانه. القول الثاني: إنها أعلام أجناس وضعت لأنواع من الألفاظ بقيد حضورها في الذهن. القول الثالث: أسماء أجناس لقبولها ال نحو الكافية الشافعية المدونة وانظر بسط ذلك في شرحنا فيض الفتاح عند قولنا وعلمية لأن توقعه .. الخ وإذا كان القرءان مرادًا به المعنى القائم بذاته تعالى فهو علم شخص قطعا .. وليس للقرءان تعزى البسملة ... وكونها منه الخلا في نقله

يعني: أن لفظة بسم الله الرحمن الرحيم ليست من القرءان عند أكثر الأصوليين والفقهاء والأئمة الثلاثة أعني غير ما في سورة النمل فهي منه إجماعًا، قال أبو طالب مكي وكان من أهل الفقه والقراءة والحديث: إجماع الصحابة والتابعين على أنها ليست ءاية منه إلا من سورة النمل وإنما اختلف القراء في إثباتها من أول الفاتحة خاصة فما وقع بعد الإجماع من قول فغير مقبول لأنه خارق للإجماع وخرقه حرام وإنما كتبت في الفاتحة للابتداء على عادة الله في كتبه ومنه سن لنا أن نبتدئ كل كتاب بها وفي غير الفاتحة للفصل بين السور قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم وليست منه أول براءة. قال النووي بإجماع المسلمين قوله وكونها منه .. الخ يعني: أن كون البسملة من القرءان نقله المخالف لمذهب مالك كالسبكي عن الشافعي لأنها مكتوبة بخط السور في المصاحف العثمانية مع مبالغة الصحابة في أن لا يكتب فيها ما ليس منه مما يتعلق به حتى النقط والشكل وقولنا بخط السور احترازًا عن أسماء السور فإنها مكتوبة في المصاحف بغير خط السور، والصحيح عن الشافعي إنها ءاية في جميع أوائل السور غير براءة وروى عنه إنها ءاية من الفاتحة وروى عنه إنه قال لا أدري هل هي ءاية من الفاتحة أو لا؟ وبعضهم إلى القراءة نظر ... وذاك للوفاق رأى معتبر يعني أن الحافظ ابن حجر قال: ينظر إلى القراءات وذلك أي النظر إلى القراءات رأي معتبر لما فيه من التوفيق بين كلام الأئمة فلا خلاف حينئذ قال بعض العلماء وبهذا الجواب البديع يرتفع الخلاف بين أئمة الفروع وينظر إلى كل قارئ بانفراده فمن تواترت في قراءته وجبت على كل قارئ بها في الصلاة وغيرها وتبطل بتركها أيًا كان وإلا فلا. ولا ينظر إلى كونه مالكيًا أو شافعيًا أو غيرهما وإنما أوجبها الإمام الشافعي لكونه قراءته قراءة ابن كثير، قال البقاعي: وهذا من نفائس الأنظار لكنه مخالف لما في تحصيل المنافع على الدرر اللوامع ولفظه لا يبسمل ملك في صلاة الفرض ولو قرأ برواية من يبسمل بخلاف النافلة قال أبو الحسن الحضري.

وإن كنت في غير الفريضة قارئًا ... فبسمل لقالون لدى السور الزهر وليس منه ما بالآحاد روى ... فللقراءة به نفي قوي كالاحتجاج يعني: أن ما روي عنه صلى الله عليه وسلم بخبر الآحاد على انه قرآن ليس من القرآن كأيمانهما في آية (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) لأن القرآن لإعجاز الناس عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه تتوفر أي تكثر الرواعي أي الأمور الحاملة على نقله تواترًا، وقيل: أنه من القرآن حملًا عن أنه كان متواترًا في العصر الأول لعدالة ناقله ويكفي التواتر فيه. قوله فللقراءة ... الخ يعني: أن عدم جواز القراءة بالشاذ لا في الصلاة ولا خارجها قوي لأنه المشهور من مذهب ملك والشافعي، والشاذ ما نقل بالآحاد على أنه قرآن بناء على أنه ليس من القرآن ومقابل المشهور جواز القراءة به وعزى لنقل ابن عبد البر. قال حلولو ومن لازم جواز القراءة به على أنه قرآن ثبوت بعض القرآن بنقل الآحاد، وأيضًا قد اختلف الناس فيما اختلف القراء السبعة فيه هل هو متواتر أو لا؟ ولا يعلم عن أحد إنكار القراءة بما اختلف فيه القراء من الحروف أو صفة الأداء اهـ ببعض تصرف. لكن إن أراد بما اختلف فيه القراء ما اختلف فيه عن بعضهم فمسلم وإن أراد ما اختلف فيه اثنان أو أكثر من السبعة مع الاتفاق على عزو كل قراءة إلى من نسبت إليه فلا، قوله كالاحتجاج، يعني: إنه كما لا تجوز القراءة بالشاذ لا يجوز الاحتجاج به ولا العمل في الأحكام الشرعية ولذا لم يوجب ملك ولا الشافعي في كفارة اليمين بالله تعالى التتابع مع قراءة ابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات ومقابل المشهور صححه السبكي حيث قال: إما إجراؤه مجرى الآحاد فهو الصحيح. غير ما تحصلا ... فيه ثلاثة فجوز مسجلا صحة الإسناد ووجه عربي ... وفق خط الأم شرط ما أبى

يعني: أن الشاذ يجوز مسجلًا أي قراءته وتلقي الأحكام منه إذا اجتمع فيه قيود ثلاثة: أولها: صحة إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم لاتصال سنده وثقة نقلته دون شذوذ ولا علة تقدح. الثاني: أن يوافق وجهًا جائزًا في العربية التي نزل القرآن بها. الثالث: موافقة خط الأم أي المصحف العثماني وإليه الإشارة بقوله ووفق .. الخ. وأبى مبني للمفعول بمعنى منع فكل قراءة جمعت الثلاثة فهي عند القراء وبعض الفقهاء قرآن تواترت أم لا، وما اختل منها شرط فشاذة لا يقرأ بها قال ابن الجزري. وكل ما وافق وجهًا نحوي ... وكان للرسم اتفاقًا يحوي وصح إسنادًا هو القرءان ... فهذه الثلاثة الأركان وحيثما يختل شرط اثبت ... شذوذه لو انه في السبعة مثال ما جمعها قراءة الثلاثة يعقوب وأبي جعفر يزيد بن القعقاع وخلف قال ابن عرفة: قراءة يعقوب داخلة في السبعة لأنه أخذها عن أبي عمرو، وقال السبكي: إن قراءة خلف ملفقة من السبعة إذ له في كل حرف موافق منهم وقال أبو حيان: لا نعلم أحدًا من المسلمين حظر القراءة بالثلاثة بل قرئ بها في سائر الأمصار والضابط عند الأصوليين وبعض الفقهاء في إثبات القرآن التواتر وما لا فشاذ. قال زكرياء: واشتراطهم التواتر في ذلك منتقض بإثبات قرآنية البسملة مع أنها لم تتواتر. لكن الاحتجاج به إنما هو على من أثبتها. مثل الثلاثة ورجح النظر ... تواترًا لها لدى من قد غبر تواتر السبع عليه أجمعوا

يعني: أن النظر أي العقل رجح عند بعض من غبر أي مضى أن الثلاثة متواترة قال السبكي في «منع الموانع»: أن القول بأنها غير متواتر وهو السبع وشاذ وهو ما سوى ذلك فلا يجوز عندهم القراءة تواتر القراءات السبع فالقراءات عند القراء وبعض الفقهاء ثلاثة أقسام متواترة وهو السبع ومختلف فيه بين التواتر والصحة كالثلاث وشاذ وهو ما اختل فيه شرط صحة، وعند الأصوليين وبعض الفقهاء متواتر وهو السبع وشاذ وهو ما سوي ذلك فلا يجوز عندهم القراءة بما زاد على السبع وقد خلط بعض شراح السبكي إحدى الطريقتين بالأخرى وبينهما تناف والمراد بالوجه العربي ما هو الجادة لا مطلق الوجه ولو كان فيه تكلف وخروج عن الأصل بدليل أن القراء يقولون بشذوذ قراءة ابن عامر (وكذلك زين لكثير من الشركين قتل أولادهم شركائهم) بضم زين ورفع قتل ونصب أولادهم. ولم يكن في الوحي حشو يقع يعني: إنه ممتنع عقلًا أن يقع في الكتاب والسنة لفظ له معنى لا يمكن فهمه لأن القرآن كله هدى وشفاء وبيان وكذلك السنة ولا فائدة أيضًا في الخطاب بما لا يصل أحد إلى فهمه خلافًا للحشوية في تجويزهم ورود ذلك في الكتاب قالوا: لوجوده فيه كالحروف المقطعة أوائل السور وفي السنة بالقياس على الكتاب. وأجيب بأن الحروف أسماء السور كطه ويس وفيها أقوال أخرى مذكورة في كتب التفسير. وأعلم أن الأدلة من الطرفين ظواهر لا تفيد القطع إذ للحشوية أن يقولوا فائدة إنزال المتشابهة إمساك عنان الراسخ في العلم عن الخوض فيه ومنعه منه، وهذا عندنا أشد تعبًا من بذل المجهود في استعلام الحكم من المحكم لأن النفوس مجبولة على طلب ما منعته قال الشاعر: منعت شيئًا فأكثرت الولوع به ... أحب شيء إلى الإنسان ما منعا واستشكل تخصيص الخلاف بالحشوية مع وقع المتشابه في القرآن وكون الجمهور منا على أن الوقف على قوله: ((إلا الله)) إما ما لا معنى له أصلًا فلا يجوز وقوعه فيهما باتفاق العقلاء لأن الكلام بما لا معنى له هذيان ونقص والنقص على الله تعالى محال، قال في

المحصول: وحكم الرسول في الامتناع كحكمه تعالى. قال الأصبهاني في شرحه لا أعلم أحدًا ذكر ذلك ولا يلزم من كون الشيء نقصًا في حق الله تعالى أن يكون نقصًا في حق الرسول فإن السهو والنسيان جائزان في حق الأنبياء. فلا يتجه تخصيص الخلاف هنا بالنسبة للسنة بالحشوية. قلت: يمكن الجمع بأن محل كلام المحصول ومن وافقه وهو الكثير ما إذا نطق به عمدًا لأنه عبث وهم معصومون من العبث لأنه إما حرام أو مكروه ومحل كلام الأصبهاني ما إذا أصدر منه سهوًا أو نسابًا والله تعالى أعلم. والحشوية بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة نسبة إلى الحاشلان الحسن البصري لما وجد كلامهم ساقطًا وكانوا يجلسون في حلقته إمامه وقال ردوهم إلى حشا الحلقة أي جانبهما ويجوز إسكان الشين نسبة إلى الحشو وهو الذي لا معنى له يمكن فهمه لقولهم بوجوده في الكتاب والسنة وبالوجهين ضبطها الزركشي والبرماوي وغيرهما. وما به يعني بلا دليل ... غير الذي ظهر للعقول ما عطف على حشو يعني: أنه لا يجوز عقلًا أن يقع في الكتاب والسنة حشو ولا لفظ يعني به غير ظاهره إلا بدليل عقلي أو غيره يبين المراد منه كما في العام المخصوص بمتأخر عنه احترازًا من المقارن أو المتقدم إذ لا يصدق عليه حينئذ أنه عني به غير ظاهرة فاندفع اعتراض زكرياء بأن تقييده بالمتأخر مضر قال: اللهم إلا أن يقال أنه المتفق عليه أو إن غيره مفهوم بالأولى خلافًا للمرجئة في تجويزهم ورود ذلك من غير دليل حيث قالوا المراد بالآيات والأخبار الظاهرة في تعذيب عصاة المومنين الترهيب فقط بناء على معتقدهم أن المعصية لا تضر مع الإيمان كما لا تنفع الطاعة مع الكفر قال في الآيات البينات لا يخفى أنه ينبغي أن يكون المراد في قوله يبين المراد منه المراد ولو بحسب الظهور إذ الأدلة المبينة لا يلزم أن تفيد المراد قطعًا. ويرد على المذهب غير المرجئة المتشابه بناء على قول الجمهور أن الوقف على ((إلا الله)) فإنه عنى به غير ظاهره ولا دليل يبين المراد منه إنما الحاصل الدليل الصارف عن ظاهره فكيف يمنع ذلك وينسب خلافه

للمرجئة مع لزوم القول به للجمهور؟ قال بعضهم اللهم إلا أن يخص الدعوى بما لم يصرف الدليل عن ظاهره فإن الدليل العقلي صارف عن ظاهره مبين لمعنى صحيح محتمل وسموا مرجئة لإرجائهم أي تأخيرهم المعصية عن الاعتبار في استحقاق العذاب عليها لأنهم يقولون لا عذاب مع الإيمان فلم يبق للمعصية عندهم أثر وهي بالهمز من أرجأه بمعنى آخره ومنه ((أرجئه وأخاه)) في قراءة ابني كثير وعامر وأبي عمرو وبتركه جمع مرج كمعط ومنه أرجه أخاه في قراءة الكوفيين ونافع وإن اختلفوا في إسكان الهاء وكسرها وقيل سموا مرجئة من الرجاء لرجائهم أن المعصية لا تضر مع الإيمان وعليه فينبغي كما قال ابن أبي شريف أن يقال مرجئة بفتح الراء وتشديد الجيم كمقدمة. والنقل بالمنضم قد يفيد ... للقطع والعكس له بعيد يعني أن مذهب الأكثر أن الدليل النقلي قد يكون قطعي الدلالة على المراد منه لما ينضم إليه من تواتر معنوي أو لفظي أو مشاهدة كما في أدلة وجوب الصلاة ونحوها فإن الصحابة علموا معانيها بالقرائن المشاهدة ونحن علمناها بواسطة نقل تلك القرائن إلينا تواترًا إلى غير ذلك من النقليات المعلومة المعاني من الدين ضرورة كالعلم بأمور المعاد من البعث والحساب والجنة والنار وسؤال الملكين والجواز على الصراط وغير ذلك وذهبت المعتزلة وجمهور الأشاعرة إلى أنها لا تفيد اليقين مطلقًا وإليه الإشارة بقولنا: والعكس له بعيد، وحجة من قال: إن الدليل النقلي لا يكون قطعًا ما يعارض القطع من مجاز وتخصيص ونقل وتقديم وتأخير ونسخ واشتراك وإضمار مع أنه لابد من العلم بعد المعارض العقلي إذ لابد معه من تأويل النقل لأنه فرع صحة النقل عليه ليس إلا العقل فهو أصل للنقل فإبطاله بتقديم النقل عليه إبطال للنقل أيضًا إذ في إبطال الأصل إبطل الفرع ثم عارض المعارض العقل لأن الطريق إلى إثبات الصانع ومعرفة النبوءة وسائر ما يتوقف العقلي غير يقيني فقيامه محتمل إذ غاية الأمر عدم الوجدان وهو لا يفيد القطع بعدم الوجود، ورد عليهم بأنها تفيده بتواتر أو غيره إما ترى أن لفظ السماء والأرض ونحوهما من الألفاظ المشهورة عند أهل اللغة متواترة يعلم أصالة أي بالذات من اللفظ والمعنى استعمالها في

زمنه صلى الله عليه وسلم في معانيها المرادة منها الآن وكذا صيغة الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل وغيرها معلومة الاستعمال في ذلك الزمان في المراد منها الآن وأما عدم المعارض العقلي فيعلم من صدق المخبر فإنه إذا تعين المعنى وكان مرادًا له فلو كان هناك معارض عقلي لزم كذبه وهو محال.

«المنطوق والمفهوم»

«المنطوق والمفهوم» ويقال للمفهوم منطوق إليه فلا يلتبس عليك المنطوق والمنطوق إليه وقد أكدوا في الوصية بمعرفة التمييز بين الاصطلاحات حذرًا من اللفظ. معنى له في القصد قل: تأصل ... وهو الذي اللفظ به يستعمل يعني: أن المنطوق هو المعنى الذي قصده المتكلم باللفظ أصالة أي بالذات من اللفظ والبيت تفسير لمحل النطق في قولهم المنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق بأن لا يتوقف استفادته من اللفظ الأعلى مجرد النطق سواء كان اللفظ حقيقة أو مجازًا ولا يقال أن المجاز غير دال بالوضع لأنا نمنع ذلك بل هو دال بالوضع النوعي، قال التفتازاني في شرح الشمسية إذ المراد بالوضع في دلالة المطابقة ما يشمل النوعي وقد صرح الكمال بأن المجاز من قبيل المنطوق الصريح وعزى ذلك لابن الحاجب أيضًا. وأعلم أن المنطوق قد يكون غير حكم بأن يكون محل الحكم معنى كان كالتأفيف في الآية وقد ذاتا كزيد وقد يكون حكمًا كتحريم التأفيف للوالدين الدال عليه قوله تعالى ((فلا تقل لهما أف)) وطريقة ابن الحاجب تخصيص المنطوق والمفهوم بالحكم وأما المدلول التضمني فإن قلنا أنه الجزء المفهوم في ضمن الكل كان منطوقًا كما نقل عن حواشي العضد على التلويح للسعد وإن قلنا أنه الجزء المفهوم قصدًا بعد فهم الكل كما نقل عن الرازي كان مفهومًا والدليل على أن المراد بقولنا معنى له .. الخ المنطوق سبقه في الترجمة مع قوله (وغير منطوق هو المفهوم) نص إذا أفاد ما لا يحتمل ... غيرا وظاهر أن الغير احتمل

يعني: أن اللفظ الدال في محل النطق يسمى نصًا أن أفاد معنى لا يحتمل غيره كزيد في نحو جاء زيد فإنه مفيد للذات المشخصة من غير احتمال لغيرها ولا يقال إن هذا يقتضي أن مفهوم الموافقة لا يسمى نصًا وإن قلنا الدلالة عليه لفظية لأنا نقول: دلالة الموافقة إذا كانت لفظية كانت من قبيل المنطوق فتدخل في ذلك قاله في الآيات البينات وفيه أيضًا قد يناقش في تمثيل النص به أي يزيد لاحتماله معنى مجازيًا بناء على جواز التجوز في العلم وقد صرح النحاة بأن التأكيد في نحو جاء زيد نفسه لدفع المجاز عن الذات واحتمال أن الجاءي رسوله أو كتابه مثلًا. اهـ ويجاب عندي عن الثاني بأن التوكيد إنما هو لدفع توهم إسناده المجيء إلى غير زيد فيصير في الكلام مضاف إلى زيد محذوف وأما زيد فلا يحتمل غيره من بكر وخالد مثلًا. قوله ظاهر بالرفع عطف على نص والغير مرفوع بفعل مبني للمفعول محذوف يفسره احتمل المذكور بعده، يعني أن اللفظ الدال في محل النطق ظاهر أي يسمى به أن احتمل بدل المعنى المفاد منه معنى مرجوحًا كالأسد في نجو رأيت اليوم الأسد فإنه مفيد للحيوان المفترس محتمل للرجل الشجاع بدله احتمالًا ضعيفًا لأنه معنى مجازي والأول الحقيقي والمتبادر إلى الذهن والمراد بالظاهر ما يتبادر الذهن إليه أما لكونه حقيقة لا يعارضها مقاوم لها أو لكونه مجازًا مشتهرًا صار حقيقة عرفية، وكذا إن لم يصر عند من يرجحه على الحقيقة المهجورة بخلاف الحقائق المشتركة فليست ألفاظها ظاهرة في شيء منها دون شيء وكذا المجازات الغير الراجحة بالنسبة لمعناه المجازي إما بالنسبة لمعناه الحقيقي فظاهر. والكل من ذين له تجلى ... ويطلق النص على ما دلا وفي كلام الوحى .. يعني: أن النص له أربعة اصطلاحات: أحدها: ما تقدم، وقد يطلق على ما يشمل النص بالمعنى المتقدم والظاهر فيقال لفظ أفاد معنى قطعًا احتمل غيره احتمالًا مرجوحًا أم

لا، وإليه الإشارة بقولنا: «والكل من ذين له تجلى»، أي ظهر النص أي إطلاقه على كل من هذين القسمين السابقين وهما المفيد لمعنى لا يحتمل غير أصلًا، والظاهر. وقد يطلق النص على اللفظ الدال على أي معنى كان وهو غالب استعمال الفقهاء سواء كان ذلك الدال كتابًا أو سنة أو إجماعًا أو قياسًا أو غير ذلك، يقولون: نص ملك وابن القاسم مثلًا على كذا، ويقولون نصوص الشريعة متضافرة، وقد يطلق النص في كلام الوحي أي: على كلام الوحي من كتاب أو سنة نصًا كان أو ظاهرًا ويقابله القياس والاستنباط والإجماع، ولذا يقولون لا يقاس مع وجود النص، وقسموا مسالك العلة إلى الإجماع والنص والاستنباط. وإلى القسم الذي قبل هذا أشار بقوله: «ويطلق النص على ما دلا». وإلى هذا الأخير أشار بقوله: «وفي كلام الوحي»، والنص لغة قيل وصول الشيء إلى غايته، وقيل بمعنى الظهور، ويقال: نص الحديث رفعه، ونصت الجارية رأسها رفعته. والمنطوق هل ... ما ليس بالصريح فيه قد دخل يعني أنهم اختلفوا فيما دل عليه بالاقتضاء أو الإشارة أو الإيماء هل هو داخل في المفهوم أو داخل في المنطوق؟ وعليه فالمنطوق صريح وهو ما تقدم، وغير صريح وهو الأقسام الثلاثة، قال في الآيات البينات: ودلالة الالتزام من المنطوق غير الصريح، قال العضد وغير الصريح بخلافه وهو: ما لا يوضع اللفظ له بل يلزم ما وضع له فيدل عليه بالالتزام. فعلى دخول غير الصريح في المنطوق تقول: المنطوق ما دل عليه اللفظ مطابقة أو تضمنا، حقيقة أو مجازًا، أو دل عليه بالالتزام، فدخل بقوله بالالتزام المنطوق غير الصريح. قال في الآيات البينات وهو شامل بلا شبهة للمجاز بطريق الكناية وغيره. لأن دلالة المجاز مطابقة كما للسعد وغيره وسمي بغير الصريح لأن دلالته لا بصريح صيغته ووضعه.

وهو دلالة اقتضاء أن يدل ... لفظ على ما دونه لا يستقل دلالة اللزوم .. ضمير هو للمنطوق غير الصريح، يعني أن غير الصريح ثلاثة أقسام دلالة الاقتضاء، ودلالة الإيماء والتنبيه، ودلالة الإشارة. سميت دلالة اقتضاء لأن المعنى يقتضيها لا اللفظ. فالأول هو: أن يدل لفظ بالالتزام على معنى غير مذكور مع أنه مقصود بالأصالة ولا يستقل المعنى أي لا يستقيم إلا به لتوقف صدقه أو صحته عقلًا أو شرعًا عليه وإن كان اللفظ لا يقتضيه وضعًا. مثال ما توقف صدقه عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». أي: المواخذة بها لتوقف صدقه على ذلك لوقوعها. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لذي اليدين حين قال له: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ «كل ذلك لم يكن» أي في ظني. ومثال ما تتوقف صحته عليه قلا قوله تعالى: ((وأسأل القرية التي كنا فيها)) أي: أهل القرية، إذ القرية وهي الأبنية المجتمعة لا يصح سؤالها عقلًا جريا على العادة، وإلا فيجوز لنبي سؤالها وتجيبه خرقًا للعادة. ومثال ما تتوقف صحته عليه شرعًا ما إذا أمر بالصلاة فإن ذلك يتضمن الأمر بالطهارة لا محالة، فاللفظ المتوقف صدقه أو صحته منطوق صريح، والمضمر الذي لابد للصدق أو الصحة منه منطوق غير صريح وهو من ضرورة المنطوق الصريح. قوله دلالة اللزوم مفعول مطلق لقوله يدل. مثل ذات ... إشارة كذاك الإيماآت مثل خبر مبتدأ المحذوف أي هي أي دلالة الاقتضاء مثل دلالة الإشارة في كون كل بالالتزام ومن المنطوق غير الصريح قوله كذاك الإيماآت، الإيما دون همزة اللام مع القصر للوزن مبتدأ خبره آت فاعل من أتى وكذلك الحال، يعني أن دلالة الإيماء أتت عندهم مثل دلالة الاقتضاء والإشارة في كون كل بالالتزام ومن المنطوق غير الصريح: فأول إشارة اللفظ لما ... لم يكن القصد له قد علما

أول مبتدأ خبر إشارة وعلمًا بالتركيب وألفه للإطلاق .. الخ يعني أن الأول من القسمين المذكورين في البيت قبله وهو دلالة الإشارة هو إشارة اللفظ لمعنى ليس مقصودًا منه بالأصل بل بالتبع مع أنه لم تدع إليه ضرورة لصحة الاقتصار على المذكور دون تقديره كدلالة قوله تعالى ((أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم)) على صحة صوم من أصبح جنبًا من الوطء للزومه للمقصود به من جواز جماعهن بالليل الصادق بآخر جزء منه قولنا: بآخر جزء منه هكذا هو في عبارة المحلى، ولا تغتر باعتراض اللقاني عليه فقد رده في الآيات البينات مع أن المناقشة في الألفاظ بعد فهم معناها ليست من شأن المحققين وربما قالوا المحصلين أو الفضلاء بدل المحققين بل شأنهم بيان محاملها الصحيحة ولا يشتغلون بذلك إلا على سبيل التبعية تدريبًا للمتعلمين وإرشادا للطالبين ومن أدلة دلالة الإشارة الحديث (إنكن ناقصات عقل ودين قيل: يا رسول الله ما نقصان دينهن؟ قال تمكث إحداهن شطر دهرها لا تصلي) فالكلام لم يسق لبيان مدة الحيض بالبيان نقصان الدين قال حلولوا ونعلم من جهة العادة أن من تحيض كذلك قليل ونعلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد الغالب بل النادر فلو أيقن أن فيهن من تحيض أكثر من ذلك لارتقى إليه عند قصد المبالغة في الذم قال الرهوني تمثيل بعضهم بهذا الحديث لا يصح لأن الحديث لم يصح بل نص السخاوي في المقاصد على أنه باطل لا أصل له مصحح بلفظ الشطر ولفظه عند مسلم تمكث الليالي لا تصلى. وقد أخذ علي كرم الله وجهه كون أقل أمد الحمل ستة أشهر من قوله تعالى ((وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا)) مع قوله تعالى ((والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين)) فإذا كان أمد رضاعة أربعة وعشرين شهرًا لم يبق للحمل إلا ستة أشهر وهذه دلالة إشارة. دلالة الإيماء والتنبيه ... في الفن تقصد لدى ذويه دلالة مبتدأ خبره جملة تقصد والفن فن الأصول الراجع إليه ضمير ذويه يعني أن الدلالة التي تسمى دلالة الإيماء ودلالة التنبيه مقصودة عند المتكلم بالأصالة لا بالتبع وإلى تعريفها أشار بقوله: إن يقرن الوصف بحكم أن يكن ... لغير علة يعبه من فطن

أي هي أن يقرن الوصف بحكم لو لم يكن الوصف علة لذلك الحكم عابه الفطن بمقاصد الكلام لأنه لا يليق بالفصاحة، وكلام الشارع لا يكون فيه ما يخل بالفصاحة والإيماء من مسالك العلة كقول الإعرابي واقعت أهلي في نهار رمضان فقال عليه السلام (اعتق رقبة). أعلم أن دلالة المنطوق الصريح أن تكون بصريح صيغة اللفظ ووضعه ولو نوعيًا وغير المنطوق الصريح لا يخلوا إما أن يكون مدلوله مقصودًا للمتكلم أو غير مقصود فإن كان مقصودًا فلا يخلوا إما أن يتوقف صدق المتكلم أو صحة الملفوظ به عليه أولًا فإن توقف سمي دلالة اقتضاء وإلا يخلوا إما أن يكون مفهومًا في محل تناوله اللفظ نطقًا أو لا، الأول دلالة الإيماء والتنبيه والثاني دلالة المفهوم وإن كان غير مقصود للمتكلم بالأصالة سميت دلالة اللفظ عليه دلالة الإشارة اهـ. من الآيات البينات. إذا تقرر هذا فالفرق بين المفهوم ودلالة الإشارة مصاحبة القصد الأصلي له دونها والفرق بينه وبين دلالة الاقتضاء توقف الصدق أو الصحة على إضمار فيها دونه والفرق بينه وبين دلالة التنبيه كونها مفهومة في محل تناوله اللفظ نطقًا دونه فاندفع استشكال التفتازاني الفرق بين غير الصريح من المنطوق والمفهوم، وفطن بتثليث الطاء لكن الأولى هنا الضم أو الكسر. وغير المنطوق هو المفهوم يعني: أن المفهوم هو ما قابل المنطوق وهو معنى دل عليه اللفظ لا في محل النطق بناء على دخول غير الصرح في المفهوم وإلا فتعريفه ما مر في شرح البيت قبله. أعلم أنهم يطلقون المفهوم على مجموع الحكم ومحله كتحريم ضرب الوالدين فالتحريم مثال للحكم وضرب الوالدين مثال لمحله ويطلق المفهوم على أحدهما دون الآخر وهو الشائع وإطلاقه على الحكم وحده هو الأكثر.

منه الموافقة قل معلوم الموافقة مبتدأ خبره يتعلق به منه والأمر اعتراض ويقال أيضًا مفهوم الموافقة وهو نوعان، أحدهما إثبات الحكم في الأكثر كالجزاء بما فوق الذرة في قوله تعالى ((فمن يعمل مثقال ذرةً خيرًا يره)) ((ولا تقل لهما أف)) فإنه يقتضي تحريم الضرب وهذا أشد. الثاني إثباته في الأقل كقوله تعالى ((ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يوده إليك)) فإنه يقتضي ثبوت الأمانة في الدرهم. وأما قوله ((ومنهم من أن تأمنه بدينار)) الآية فمن الأول. يسمى بتنبيه الخطاب وورد ... فحوى الخطاب اسمًا له في المعتمد يعني: أن مفهوم الموافقة يسمى تنبيه الخطاب ويسمى أيضًا فحوى الخطاب ومفهوم الخطاب ففيه خمس اصطلاحات في الرأي المعتمد وهو مذهب الجمهور ومقابلة مصطلح الحنفية فإنهم يسمونه دلالة النص وفحوى الخطاب معناه ما يفهم قطعًا تقول فهمت من فحوى كلامك كذا أي مفهومه. أعطاء ما للفظة المسكوتا ... من باب أولى نفيا أو ثبوتا إعطاء خبر مبتدأ محذوف والمبتدأ ضمير الموافقة وفاعل المصدر وهو المتكلم محذوف وما الموصل أضيف إليه ما قبله إضافة المصدر إلى مفعوله والمسكوت مفعول ثان ومن باب أولى متعلق بإعطاء ونفيًا أو ثبوتًا حالان من ما أي منفيًا أو ثباتًا يعني أن مفهوم الموافقة إعطاء ما ثبت للفظ من الحكم المنطوق به للمسكوت عنه بطريق الأولى والأخرى سواء كان ذلك الحكم المنطوق به منهيًا عنه أو موجبًا. الأول نحو ((فلا تقل لهما أف)) فإنه يقتضي النهي عن الضرب من باب أولى. والثاني كما لو قيل فلان بار بوالديه لا يقول لهما أف. والثالث نحو قوله تعالى ((ومن أهل الكتب من أن تأمنه بقنطار يوده إليك)) فإنه يقتضي ثبوت الأمانة في الدرهم بطريق الأولى وعليه

فالمساوي لا يسمي مفهوم موافقة وإنما هو خاص بالأولى وإن كان المساوي مثل الأولى في الاحتجاج به. وقيل ذا فحوى الخطاب والذي ... ساوى بلحنه دعا المحتذى يعني: أن بعضهم جعل الموافقة قسمي أحدهما فحوى الخطاب وهو ما كان المسكوت فيه أولى بالحكم من المنطوق، والآخر هو ما كان مساويًا له فيه ويسمى هذا لحن الخطاب مثال المساوي تحريم إحراق مال اليتيم الدال عليه نظرًا للمعنى أي العلة ((إن الذي يأكلون أموال اليتامى ظلمًا)) فهو مساو لتحريم الأكل لمساواة الإحراق للأكل في الإتلاف والمراد بالمعنى والعلة هنا ما علق به الحكم كالإيذاء في التأفيف والإتلاف في أموال اليتامى، قولنا نظرًا للمعنى أي دون ما وضع له اللفظ ولا يلزم أن يكون قياسًا لقوله في المختصر: إنا نقطع بفهم المعنى في محل السكوت لغة قبل شرع القياس. قال السعد أنه أشار بقوله قبل شرع القياس إلى أن المراد أنه ليس من القياس الذي جعله الشرع حجة وإلا فلا نزاع أنه إلحاق فرع بأصل بجامع إلا أن ذلك مما يعرفه كل من يعرف اللغة من غير افتقار إلى نظر واجتهاد بخلاف القياس الشرعي. قال اللقاني: تحريم الأكل غير منطوق على رأي السبكي والمحلي أعني في تفسيرهما المنطوق بما دل عليه اللفظ في محل النطق لأنه لم ينطق به بل بملزومه وهو التوعد فلا يصدق أن المفهوم موافق للمنطوق نعم هو منطوق غير صريح على رأي القوم لأنه حكم غير مذكور من أحكام محل النطق وهو أكل مال اليتيم وقد يجاب بأنه معناه مع جواز إرادته معه وقد يسمى مفهوم الموافقة على اختصاصه بالأولى بلحن الخطاب كما قد يسمى المساوي مفهوم المساواة وسكتنا عن مفهوم الأدون إذ ليس لهم مفهوم إلا دون وإن كان لهم قياسه كقياس الشافعي التفاح على البر في الربا ولحن الخطاب مفهومه ومنه ((ولتعرفنهم في لحن القول)) ويأتي اللحن بمعنى الفطنة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض) أي أفطن بها وذكر أهل اللغة أن اللحن بإسكان الحاء الخطأ وبفتحها الصواب وعند التنقيح أن لحن الخطاب هو دلالة الاقتضاء.

قوله ذا إشارة للأولى مبتدأ خبره فحوى الخطاب والذي ساوى مبتدأ خبره جملة دعاه المحتذى أي المتبع لأهل الأصول في اصطلاحاتهم لأنهم كذلك يسمونه وبلحنه متعلق بدعاه أي سماه لحن الخطاب. دلالة الوفاق للقياس ... وهو الجلي تعزى لدى أناس دلالة المضاف للوفاق مبتدأ خبره تعزي وللقياس متعلق به وكذا لدى وقوله وهو الجلي اعتراض يعني أن دلالة مفهوم الموافقة قياسية عند بعض الأصوليين منهم الشافعي أعني القياس الجلي وهو الأولي والمساوي كما سيأتي في كتاب القياس كما أشار إليه بقوله وهو الجلي أي القياس المعزوة إليه هو القياس الجلي فتحتاج إلى شروط القياس الآتية في كتابه. وقيل للفظ مع المجاز ... وعزوها للنقل ذو جواز أي قيل: تعزي دلالة المفهوم أي مدلوله للفظ والمجاز فيقال لفظية مجازية من إطلاق الأخص على الأعم قوله وعزوها للنقل أي عزو مدلول مفهوم الموافقة للنقل جائز عند بعضهم بمعنى أن العرف اللغوي نقل اللفظ من وضعه لثبوت الحكم في المذكور خاصة إلى ثبوته في المذكور والمسكوت عنه معًا وكل من القول بأنها قياسية أو لفظية مخالف لما تقدم من إنها مفهوم وهو مذهب الكثير. قال في الآيات البينات: قد يقال هي لفظية على القول بأنها مفهوم أيضًا كما يفيد قول المصنف يعني السبكي المفهوم ما دل عليه اللفظ فكيف يصح مقابلة هذا هذا القول لصدر كلام المصنف إنها مفهوم إلا أن يجاب بأن المراد هنا إنها لفظية على وجه خاص وهو ما تفصله بقية العبارة. يعني قوله وهي مجازية من إطلاق الأخص على الأعم وقيل: نقل اللفظ لها عرفًا وقد تقدم كونها منطوقًا على القول بأنها لفظية. وغير ما مر هو المخالفة ... وعزوها للنقل ذو جواز كذا دليل للخطاب انضافًا ما مر هو إثابت حكم المنطوق به للمسكوت عنه وغيره هو أن يتخالفا فيقال له المخالفة ويقال له أيضًا مفهوم المخالفة ومعنى التخالف كما

في "شرح التنقيح" لمؤلفه إثبات نقيض المنطوق به للمسكوت عنه احترازًا عما توهمه ابن أبي زيد وغيره إنه إثبات ضد الحكم المنطوق به للمسكوت ولذلك أخذوا من قوله ((ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا)) وجوب الصلاة على أموات المسلمين بطريق مفهوم المخالفة. قال القرافي: وليس كما زعموا فإن الوجوب هو ضد التحريم وعدم التحريم أعم من ثبوت الواجب فإذا قال الله تعالى حرمت عليكم الصلاة على المنافقين مفهومه أن غير المنافقين لا تحرم الصلاة عليهم وإذا لم تحرم جاز أن تباح فإن النقيض أعم من الضد وإنما يلزم الوجوب أو غيره بدليل منفصل. قوله: ثمت تنبيه .. الخ تنبيه مبتدأ خبره جملة خالفه أي رادفه وكذلك رادفه دليل الخطاب فالثلاثة بمعنى واحد وقد يطلق عليه أيضًا لحن الخطاب فلحن الخطاب يطلق بالاشتراك العرفي على كل من الأدلة الاقتضاء ومن المساوي من قسمي الموافقة ومن مفهوم المخالفة. «ودع إذا الساكت عنه خافا» هذا شروع في شروط تحقق مفهوم المخالفة أي اترك اعتبار مفهوم المخالفة لعدم تحققه إذا كان المسكوت عنه لم يذكر لخوف في ذكره بالموافقة أي لخوف محذور بسبب ذكر المسكوت بطريق موافقة للمنطوق بأن يعطف عليه كقول قريب عهد بالإسلام لعبده بحضور المسلمين: تصدق بهذا على المسلمين فنقول لا مفهوم للمسلمين من غيرهم لترك ذكرهم خوفًا من أن يتهم بالنفاق سواء خاف المتكلم على نفسه أو غيره «أو جهل الحكم». بصيغة الماضي عطفًا على خاف أي وكذا يترك اعتباره للاحتجاج به إذا جهل المتكلم الحكم المسكوت عنه وذلك إنما يتصور في غير كلام الله تعالى كقولك: في الغنم السائمة زكاة وأنت تجهل حكم المعلوفة. أو النطق انجلب ... للسؤال أي: دع اعتباره إذا كان النطق أي ذكر المنطوق لأجل السؤال عنه كما إذا سئلت عن الغنم السائمة فتقول في الغنم السائمة زكاة لأن تخصيص السائمة بالذكر إنما هو لأجل مطابقة السؤال.

جرى معطوف على السؤال أي دع اعتباره إذا كان ذكر المنطوق بخصوصه جاريًا على الغالب فإن ما خرج مخرج الغالب لا يحتج به نحو قوله تعالى ((وربابئكم اللاتي في حجوركم)) فلا يدل على إنها إذا لم تكن في الحجر لا تحرم لخروجه على الغالب هذا مذهب الجمهور وحكي عن علي رضي الله عنه إن البعيدة عن الزوج لا تحرم عليه وإما نسبته لمالك رحمه الله تعالى وإنه رجع عنه فقد قال حلولو: لا نعرفه لأحد من أهل المذهب أي كونه قاله حتى يرجع عنه. أو امتنان أو وفاق الواقع ... والجهل والتأكيد عند السامع امتنان بالجر معطوف على السؤال أي السؤال يعني: أنه لا يعتبر إذا كان تخصيص المنطوق بالذكر لأجل الامتنان كقوله تعالى ((لتأكلوا منه لحمًا طريًا)) فلا يدل على منع القديد، قاله المحشيان. وكذلك إذا كان تخصيصه بالذكر لموافقة الواقع كقوله تعالى ((لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين)) نزل في قوم والوا اليهود دون المؤمنين فموالاة الكافرين حرام على كل حال وإليه الإشارة بقوله أو وفاق الواقع وكذلك إذا كان التخصيص بالذكر لجهل السامع حكم المنطوق دون حكم المسكوت وإليه أشار بقوله: والجهل وكذلك إذا كان لتأكيد النهي عند السامع كحديث الصحيحين (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا) وإليه الإشارة بقوله والتأكيد .. الخ فعند السامع راجع للتأكيد، والجهل وكذلك إذا كان لحادثة واستشكل الفرق بين موافقة الواقع وخرج لحادثة بل قد يقال قوله ((لا يتخذ المؤمنين الكافرين)) الآية مما خرج لحادثة والفرق عندي وهو الذي يشير له كلام الآيات البينات إن ما خرج لحادثة أعم مطلقًا إذ يصدق بما إذا اختص الحدوث بها وبما إذا حدث غيرها أيضًا كما لو كان لزيد غنم سائمة ولعمر غنم معلوفة وقيل بحضرته صلى الله عليه وسلم لزيد غنم سائمة فقال في الغنم السائمة زكاة قال في الآيات البينات ولا يصح هنا كون التقييد لبيان الواقع لأن الواقع لم تختص بالسائمة، وفرق هو بأن المقصود في الحادثة بيان حكمها باعتبار حدوثها ولأجله والمقصود

في وفاق الواقع بيان الحكم بنفسه ليتعلق بصاحب الواقعة وكل أحد في ذلك الزمن وما بعده وإنما شرطوا للمفهوم انتفاء المذكورات لأنها فوائد ظاهرة وهو فائدة خفية فأخر عنها عند التعارض وإلا فلا يؤخر إن أمكن قصدهما معًا لا إن لم يمكن كما في جهل المتكلم بحكم المسكوت قاله في الآيات البينات بحثًا وظاهر كلام غيره تأخير المفهوم مطلقًا. ومقتضى التخصيص ليس يحظل ... قيسا وما عرض ليس يشمل هذا متعلق بقوله ودع إذا الساكت إلى قوله والتأكيد ومقتضى بصيغة اسم الفاعل مبتدأ خبره جملة ليس يحظل قيسًا أي قياسا يعني إن وجود ما يقتضي التخصيص بالذكر يمنع تحقيق المفهوم ولا يمنع إلحاق المسكوت بالمنطوق بطريق القياس عند وجود شرطه وهو العلة الجامعة لعدم معارضة مقتضى التخصيص بالذكر للقياس وعارضه بالنسبة إلى المسكوت عنه المشتمل على العلة كأنه لم يذكر قوله وما عرض .. الخ يعني أن المعروض وهو اللفظ المقيد بصفة أو نحوها وهو العارض لا يشمل المسكوت عنه على الصحيح فالغنم السائمة مثلًا قوله في الغنم السائمة زكاة لا يشمل المعلوفة حتى يستغنى بذلك عن القياس وقيل يعمه وعرض مركب والتعبير بالمعروض دون الموصوف وإن كان في المعنى موصوفًا لئلا يتوهم اختصاص ذلك بالصفات وقيل لا يعمه إجماعًا لوجود المعارض وإنما يلحق به قياسًا ويشمل يقرأ هنا بضم الميم كان فيه الفتح. وهو ظرف علة وعدد ... ومنه شرط غاية تعتمد يعني: إن مفهوم المخالفة بمعنى محل الحكم أنواع منها الظرف زمانًا كان أو مكانًا نحو ((الحج أشهر معلومات)) أي زمان الحج أو الحج ذو أشهر معلومات فالإحرام قبلها غير مشروع ((وأنتم عاكفون في المساجد)) فلا يصح الاعتكاف في غير المساجد عند من اشترطها في الاعتكاف قال حلولو لكن الظاهر عدم أخذ الاشتراط من الآية لأن الحكم إذا خرج في سياق لا يحتج به في غيره على الصحيح. يعني أنه خرج لتحريم مباشرتهن من المعتكف في المسجد ومنها العلة نحو أعط السائل

لحاجته أي المحتاج دون غيره وفرق القرافي بين الصفة والعلة بأن الصفة مكملة لا علة وهي أعم من العلة فإن وجوب الزكاة السائمة ليس للسوم وإلا لوجبت في الوحوش وإنما وجبت لنعمة الملك وهي مع السوم أتم منها مع العلف. ومنها العدد نحو ((فاجلدوهم ثمانين جلدة)) لا أكثر من ذلك، وحديث الصحيحين (إذا شرب الكلب من إناء أحدكم فليغسله سبع مرات) أي لا أقل منها كذا قدره المحلي فيهما. قال في الآيات البينات وإنما اقتصر الشارح هنا على نفي الأكثر لأنه ممنوع في نفسه بخلاف الأقل ليس ممنوعًا في نفسه بل هو مطلوب لأن كل جزء من الثمانين مطلوب وإنما الممنوع الاقتصار عليه وإنما اقتصر على نفي الأقل فيما بعده من حديث شرب الكلب لأن الأقل لا يحصل معه المقصود بخلاف الأكثر يحصل معه المقصود وزيادة، فالأقل لا يحصل المقصود والأكثر يحصله وليس ممنوعًا منه لذاته بل لخارج عنه كاعتقاد كون الأكثر مطلوبًا. ومنها الحال نحو أحسن إلى العبد مطيعًا أي لا عاصيًا. ومنها الشرط نحو ((وإن كن أولات حمل فانقوا عليهن)) مفهومه انتفاء المشروط عند انتفاء الشرط أي فغير أولات حمل لا يجب الإنفاق عليهن ونحو من تطهر صحت صلاته. ومنها الغاية نحو ((فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره)) أي فإن نكحته حلت للأول بشرطه ((ولا تقربوهن حتى)) المشهور الحرمة حتى تطهر بالماء وقيل حتى تطهر من الحيض. قوله وهو أي المفهوم ظرف قد يقال فيه أيضًا مفهوم صفة ومفهوم شرط ومفهوم غاية والمراد بمفهوم الشرط ما فهم من تعليق حكم على شيء بأداة شرط كان وإذا وبمفهومه الغاية ما فهم من تقييد الحكم بأداة غاية كإلى وحتى واللام، قوله تعتمد عليها في الاحتجاج بها جيء بها لزيادة الإيضاح والوزن وإلا فغيرها من المفاهيم مثلها. تنبيهان، الأول: إنما قلت مفهوم المخالفة بمعنى محل الحكم دون نفس الحكم وإن كان يطلق عليه أيضًا إضافة المفهوم إلى الصفة ونحوها فيقال مثلًا مفهوم الصفة ومفهوم الشرط إلى غير ذلك فإنها لا تدل على الحكم بل على محله لظهور إن لفظه سائمة إنما يدل على المعلوفة لا على نفي الزكاة إذ لا علقة بينه وبني نفي الزكاة إذ لا ينتقل

منه إليه قاله في الآيات البينات. الثاني: إنما جعلت العلة والظرف والعدد أقسامًا بنفسها ولم أدرجها في الصفة كما فعل في جمع الجوامع إتباعًا لأهل مذهبنا كالقرافي في التنقيح وكابن غازي حيث قال في نظمه. صف واشترط علل ولقب ثنيا ... وعد ظرفين وحصرا أغيا والحصر والصفة مثل ما علم ... من غنم سامت وسائم الغنم الحصر بالرفع معطوف على ظرف أي ومن مفهوم المخالفة الحصر نحو (إنما الماء من الماء) ((وإنما إلاهكم إلاه واحد)) والإلاه المعبود بالحق، فمعنى الآية إنما المستحق لعبادتكم هو الإلاه الواحد الذي لا شريك له وهو الله تعالى لا المعبود مطلقًا ومن طرقه غير إنما النفي قبل إلا نحو (لا يقبل الله الصلاة إلا بالطهور) منطوقه عند أهل الأصول نفي القبول عن كل صلاة بلا طهور ومفهومه إثبات القبول لصلاة بطهور في الجملة وعند البيانيين العكس ومنها تعريف المبتدأ والخبر نحو قوله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم) فالتحريم محصور في التكبير والتحليل محصور في التسليم) فالتحريم محصور في التكبير والتحليل محصور في التسليم. وكذلك ذكاة الجنين ذكاة أمه ومنها تقديم المعمول. قوله والصفة .. الخ يعني أن من مفاهيم المخالفة الصفة ويقال أيضًا مفهوم الصفة والمراد بها عند الأصوليين لفظ مقيد لآخر ليس بشرط ولا استثناء ولا غاية لا النعت فقط والمراد بالتقييد التخصيص الذي هو نقص الشيوع وتقليل الاشتراك فلا يرد النعت لمجرد المدح أو الذم أو التأكيد لأنها ليست للتخصيص وقولنا عند الأصوليين يرد قول زكرياء: إنه لا حاجة بل لا صحة لاستثنائها لأن كلًا منها إنما يحصل بآلته فهو لفظ مقيد لآخر. إذ لا مشاحة في الاصطلاح ولكل أحد أن يصطلح على ما شاء. قوله مثل ما علم ... الخ بتركيب علم يعني: أن مفهوم الصفة نحو (كل غنم سائمة فيها زكاة) (أو كل سائمة الغنم فيها زكاة وقد رويا بلفظ

(في الغنم السائمة زكاة) (وفي سائمة الغنم زكاة) والمعنى ثابت في حديث البخاري في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة قاله المحشي أما الأول فلم أره ولكن في النسائي عنه صلى الله عليه وسلم في كل إبل سائمة الحديث وهو نظيره في التمثيل به وأما الثاني فرواه أبو داوود وسكت عليه وروى أيضًا (في كل سائمة إبل) والتمثيل بالإبل بلفظ روايتي النسائي وأبي داوود أولى معلوفة الغنم أو ما يعلف ... الخلف في النفي لأي يصرف يعني أنهم اختلفوا في النفي عن محلية الزكاة في المثالين فبعضهم صرف النفي إلى معلوفة الغنم فقال: مفهومه أن معلوفة الغنم لا زكاة فيها نظرًا إلى السوم في الغنم وبعضهم صرفه إلى المعلوفة من حيث هي فقال لا زكاة في المعلوفة من إبل وغنم وبقر نظرًا إلى السوم فقط والخلاف جار في كل مقيد هل يرجع النفي والإثبات إلى مجموعهما أو إلى القيد فقط والثاني هو الذي في دلائل الإعجاز، معلوفة مبتدأ عطف عليه الموصول بعده ويعلف مركب وجملة الخلف .. الخ خبر والرابط محذوف أي لأي منهما يصرف بالتركيب. أضعفها اللقب وهو ما أبى ... من دونه نظم الكلام العربي يعني: أنا مفاهيم المخالفة أضعفها في الاحتجاج بهم مفهوم اللقب وهو ما أبى أي منع صحة التركيب دونه والقائل بحجته منا أبو عبد الله ابن خويز منداد بضم الخاء المعجمة وكسر الزاي وبالميم مفتوحة ومكسورة وسكون النون وذكر ابن عبد البر إنه بالموحدة المكسورة بدل الميم والدالان مهملتان بينهما ألف سواء كان اللقب علمًا بأنواعه الثلاثة من اسم وكنية ولقب أو اسم جنس جامدًا كان أو مشتقًا غلبت عليه الأسمية كالماشية أما ما لم تغلب عليه فإن ذكر موصوفه فهو ما تقدم أو لا نحو في السائمة زكاة فالأظهر عند السبكي إنه كاللقب لاختلال الكلام بدونه وقيل من الصفة وكاسم الجنس اسم الجمع كقوم ورهط وإنما ضعف الاحتجاج بمفهوم اللقب لعدم رائحة التعليل فيه فإن الصفة تشعر بالتعليل قاله القرافي مثاله حديث (لا

تبيعوا الطعام بالطعام) وحجة القائل به إنه لا فائدة في ذكره إلا نفي الحكم المسكوت عنه كالصفة. وأجيب بأن فائدته استقامة الكلام إذ بإسقاطه يختل بخلاف الصفة وقد أخذ بعضهم من احتجاج مالك عن الأضحية لا تجزئ بالليل بقوله تعالى ((ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)) القول بمفهوم اللقب، وجعله ابن رشد مفهوم الزمان ومن لم يقل باللقب لم يقل بمفهوميته فلا يعد من المفاهيم. (أعلاه لا يرشد إلا العلما). يعني أن أعلا أي أقوى مفاهيم المخالفة في الحجة مفهوم لا يرشد الناس إلا العلماء ونحوه من كل كلام يشتمل على نفي واستثناء منطوقه نفي الإرشاد عن غيرهم ومفهومه إثباته لهم عكس ما لا هل البيان وإنما كان أقوى لأنه قيل: إنه منطوق بالصراحة والوضع لسرعة تبادر الإثبات منه إلى الأذهان ورجحه القرافي، والصواب عندي في المسألة كون الإثبات منطوقًا كالنفي وعلى مذهب أهل البيان كيف يقال في لا إله إلا الله إن دلالتها على إثبات الألوهية لله بالمفهوم؟ وقال زكرياء: لا بعد فيه لأن القصد أولا وبالذات رد ما خالفنا فيه المشركون لا إثبات ما وافقونا عليه فكان المناسب للأول المنطوق وللثاني المفهوم. (فما لمنطوق بضعف انتمى). ما معطوف على قوله لا يرش إلا العلماء يعني أنه يلي النفي والاستثناء في القوة ما قيل إنه منطوق بالإشارة كمفهوم إنما والغاية بناء على أن المنطوق غير الصريح ليس من المفهوم وكذا قيل إنه منه لتبادره إلى الأذهان ومن القائلين أنه منطوق بالإشارة القاضي أبو بكر الباقلاني. فالشرك فالوصف الذي يناسب ... فمطلق الوصف الذي يقارب فعدد ثمت تقديم يلي ... وهو حجة على النهج الجلي يعني: أن مفهوم الشرط هو الذي يلي في القوة ما ذكر قبله إذا لم يقل أحد إنه منطوق ومثله في ذلك فصل المبتدأ فيلي ذلك الوصف المناسب للحكم نحو (في الغنم السائمة زكاة) وإنما أخرت الصفة

عن الشرك لأن بعض القائلين به خالف فيها وتأخر الشرط عما قيل: إنه منطوق بالإشارة لأن الغاية قد قال بها من أنكر الشرط كالقاضي منا ومناسبة السوم من حيث أن الموجب نعمة الملك وهي مع السوم أتم منها مع العلف فيما ذلك مطلق الصفة غير المناسبة نحو (في الغنم العفر زكاة) وقولنا: فمطلق الصفة مجاز من إطلاق اسم المطلق على المقيد لأن لفظ مطلق الصفة اسم لمفهوم الصفة الشامل للمناسبة وغير المناسبة وقد أريد به غير المناسبة فقط فيلي العدد ما ذكر لإنكار قوم له دونها فيليه التقديم لإفادته الاخصتاص عند البيانيين، وفائدة التفوات في القوة تقديم الأقوى عند التعارض قوله وهو حجة على النهج الجلي يعني أن مفهوم المخالفة حجة على المذهب المشهور وهو مذهب مالك وأصحابه وخالف في مفهوم الشرط القاضي منا وأنكر أبو حنيفة كل مفاهيم المخالفة وإن قال في السكوت بخلاف حكم المنطوق فلأمر آخر وأنكرها قوم في الخبر دون الإنشاء وأنكرها السبكي في غير الشرع وأنكر أمام الحرمين صفة لا تناسب، وقوم العدد دون غيره إما مفهوم الموافقة فمعمول به اتفاقًا عند بعضهم وذكر فيه أمام الحرمين عن قوم الفرق بين المقطوع به والمظنون. فصل من لطف ربنا بنا تعالى ... توسيعه في نطقنا المجالا يعني: إن من لطف الله تعالى بالناس توسيعه المجال لهم في التكلم بحديث الموضوعات اللغوية ليعبر كل واحد عما في نفسه مما يحتاج إليه في معاشه ومعاده لغيره حتى يعاونه عليه لعدم استقلاله به واللطف لغة الرأفة والرفق وهو في حقه تعالى بمعنى غاية إيصال الإحسان بناء على أنه صفة فعل ويعبر عنه بإرادة هذا الإيصال بناء على أنه صفة ذات. وما من الألفاظ للمعنى وضع ... قل لغة بالنقل يدري من سمع يعني: أن اللغة هي الألفاظ الموضوعات للمعاني سواء كان اللفظ مفردًا أو مركبًا على ما اختاره تاج الدين السبكي من وضع المركبات بالنوع والمراد بالمعنى ما عني باللفظ لفظًا كان أو معنى كما سيأتي

تقسيم المدلول إلى ذينك. ودخل الألفاظ المقدرة كالضمائر المستترة وخرج بها الدوال الأربعة وهي الخطوط والعقود والإشارة والنصب قال زكرياء وخرجت الألفاظ المهملة وعبارة بعضهم وهي الألفاظ الدالة على المعاني فتخرج الألفاظ المهملة. وقال اللقاني: إن خروجها فيه شيء لدلالتها على معنى كحياة اللافظ وقال فإن قيل المعنى ما يعني أي يراد باللفظ قلنا بل هو ما يفهم منه أريد أم لا كما صرحوا به وأجيب عنه بما للسيد في حواشي شرح الشمسية إن المعنى بفعل من عنى يعني إذا قصد وإنه لا يطلق على الصور الذهنية من حيث هي بل من حيث إنها تقصد من اللفظ وذلك إنما يكون بالوضع لأن الدلالة العقلية أو الطبعية ليست بمعتبرة ثم قال وقد يكتفي في إطلاق المعنى على الصور الذهنية بمجرد صلاحيتها لأن تقصد باللفظ سواء وضع لها لفظ أم لا. وهو صريح في أن المعنى باعتبار الإطلاق الكثير المشهور المتبادر خاص بما يقصد وعليه كلام المحلي قاله في الآيات البينات ويشمل قوله وما من الألفاظ .. الخ العربية وغيرها وإن كان الغالب انصراف إطلاق اللغة إلى العربية ويشمل الحقيقة الشرعية والعرفية والكناية والمجاز لأنه بوضع ثان وعرفت اللغة لأنها تنبني على معرفتها الأحكام فيقال الموضوع اللغوي كذا قوله بالنقل متعلق بيدري. والجملة استيناف بياني كأنه قيل بماذا تدري معاني الألفاظ؟ فقال: يدريها السامع لها بالنقل عن العرب مثلًا تواترًا نحو السماء والأرض بمعناهما المعروف أو آحادًا نحو القرء للحيض والطهر وباستنباط العقل من النقل نحو الجمع المعرف بال يصح الاستثناء منه وكل ما يصح الاستثناء منه بإلا وأخواتها مما لا حصر فيه فهو عام فيستنبط العقل أن الجمع المعرف بال عام ولا تعرف اللغة بمجرد العقل واحترز بما لا حصر فيه عن العدد فإنه يصح الاستثناء منه نحو له على ستة إلا ثلاثة وليست عامة. مدلولها المعنى ولفظ مفرد ... مستعملًا ومهملًا قد يوجد وذو تركب .. يعني: أن مدلول الألفاظ لما معنى جزئيًا كان أو كليًا وإما لفظ مركب وسيأتي أو مفرد ولا يخلوا أن يكون مستعملًا كالكلمة فإنها لفظ

مفرد مستعمل في معنى أو يكون مهملًا وهو ما لم يوضع لمعنى كمدلول أسماء حروف الهجاء كالجيم واللام والسين أسماء لحروف جلس أي جه له سه التي هي أجزاؤها والهاء بعد كل منها هاء السكت أتى بها للسكت على كل حرف قصدا بذلك إلى بيان كونه جزءا قوله: ((وذو تركب)) معطوف على مفرد يعني أن مدلول الألفاظ إما معنى وإما لفظ مفرد أو لفظ مركب مهملًا كان كمدلول لفظ الهذيان أو مستعمل كمدلول لفظ الخبر أي ما صدقه أي الأفراد التي يصدق عليها لفظ الخبر نحو قام زيد وجاء محمد وإطلاق المدلول على الماصدق كما هنا سائغ لأنه مدلول لغة إذ المدلول اسم مفعول أصله مدلول عليه فحذف الجار والمجرور تخفيفًا مع كثرة الاستعمال والأصل الاصطلاحي إطلاق المدلول على المفهوم أي ما وضع له اللفظ خاصة لكن أطلقه أهل الاصطلاح على الماصدق لاشتماله على المفهوم الذي وضع له وتسميته مفهومًا باعتبار فهم السامع له من اللفظ ومعنى باعتبار عناية المتكلم أي قصده إياه من اللفظ فهما متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار والمفهوم هنا مغاير لمقابل المنطوق ومدلول الخبر اصطلاحًا هو مركب يحتمل الصدق والكذب لذاته ولا يقال لا يصدق على المركب المهمل حد المركب إذ هو ما يدل جزؤه على جزء معناه دلالة مقصودة وهذا ما لا معنى له وإلا كان غير مهمل لأنا نقول كما في الآيات البينات إن المراد بالمركب هنا ما فيه كلمتان فأكثر. ووضع النكرة ... لمطلق المعنى فريق نصره وضع مبتدأ متعلق به لمطلق خبره جملة فريق نصره يعني أن اسم الجنس النكرة ذهب فريق من الأصوليين كالفهري منا إلى أنه موضوع لمطلق المعنى من غير تقييد بذهني ولا خارجي، وعليه فاستعماله في كل منهما حقيقي. وحجتهم أن دعوى اختصاصه بأحدهما تحكم أي ترجيع بلا مرجع، والخلاف في معنى له وجود في الذهن بالإدراك ووجود في الخارج بالتحقق كالإنسان أي كمعناه وهو الحيوان الناطق فإنه متحقق ذهنًا وهو ظاهر وخارجًا لأن الكلي يتحقق في ضمن جزئياته بخلاف ما لا وجود له في الخارج كبحر من زئبق وبخلاف المعرفة فإن

علم الشخص وضع لمعين خارجًا وعلم الجنس أي الحقيقة وضع لمعين ذهنًا وبقية المعارف وضعت لمعين في الخارج إلا المعرف بلام الحقيقة ولام الجنس العهدية الذهنية ففي الذهن قال زكرياء: وهي للذهن لدى ابن الحاجب ... وكم إمام للخلاف ذاهب يعني: أن النكرة التي لها معنى ذهني ومعنى خارجي ذهب ابن الحاجب منا والرازي من الشافعية إلى أنه موضوع للمعنى الذهني فقط لأنا إذا رأينا جسمًا من بعيد وظنناه صخرة سميناه بهذا الاسم فإذا دنونا منه وعرفنا أنه حيوان لكن ظنناه طيرًا سمينا به فإذا ازداد القرب وعرفنا أنه إنسان سميناه به فاختلف الاسم لاختلاف المعنى الذهني وذلك يدل على أن الوضع له. وأجيب من جهة القائلين بأنه للخارجي فقط بأن اختلاف الاسم لاختلاف المعنى لظن أنه في الخارج كذلك. فالموضع له ما في الخارج، والتعبير عنه تابع لإدراك الذهن له كيفما أدركه، وجعل زكرياء قول ابن الحاجب أوجه، لأن محققي أئمة العربية ذكروا أن الاسم النكرة موضوع لفرد شائع من الحقيقة وهو كلي لا يوجد مستقلًا إلا في الذهن إذ كل موجود خارجي جزئي حقيقي ولا ريب أن الإنسان أيضًا موضوع للحيوان الناطق وإن دلالته عليهما مطابقة وهي مفسرة بدلالة اللفظ على تمام ما وضع له وإن مجموعها صورة ذهنية والخارجي إنما هو الأفراد من زيد وبكر وعمرو وغيرهم وإن كانت الصورة منطبقة عليها فالموضوع له المعنى الذهني. قوله وكم إمام. الخ يعني: أن مذهب الجمهور أن النكرة المذكورة موضوعة للمعنى الخارجي فقط جاعلين هذا أصلًا في القياس في اللغة فإن الحقيقة الموضوع لها إذا فنيت وجاء مثلها إنما يطلق عليها بالقياس واتفقوا أن الأحكام إنما وضعت للأمور الخارجية المشخصة وهذا القول رحجة القرافي. وليس للمعنى بلا احتياج ... لفظ كما لشارح المنهاج يعني: أن شارح المنهاج وهو تاج الدين السبكي قال في جمع الجوامع: وليس لكل معنى لفظ بل لكل معنى محتاج إلى اللفظ يعني أن المعنى المحتاج إلى اللفظ احتياجًا قويًا يكون له لفظ مفرد خاص به.

قال المحلي: فإن أنواع الروائح مع كثرتها جدًا ليس لها ألفاظ لعدم انضباطها ويدل عليها التقييد كرائحة المسك فليست محتاج إلى ألفاظ وكذلك أنواع الألم. وعبارة المحصول لا يجب أن يكون لكل معنى لفظ بل لا يجوز، واقتصر في الحاصل على نفي الوجوب وفي المنتخب على نفي الجواز وعبارة السبكي تحتملهما. قوله لعدم انضباطها، أي فإنها منتشرة جدًا لا تدخل تحت ضابط فلا تتعقل للبشر عادة دفعة فيستحيل منهم الوضع لمصلحة تخاطب التعقل وإما على القول بأن اللغة توقيفية فالوضع لمصلحة تخاطب البشر ولا تخاطب فيما لا يعقلون فلا وضع لانتفاء المصلحة قاله المحشي. ولم يبينوا المعاني المحتاجة من غيرها لتعذر ذلك أو تعسره وقيدنا الاحتياج بالقوة لأنه كما في الآيات البينات ما من معنى إلا وهو محتاج في الجملة. واللغة الرب لها قد وضعا ... وعزوها للاصطلاح سمعا اللغة مبتدأ والجملة بعده خبره وعزوها مبتدأ خبره سمع بالبناء للمفعول يعين أن اللغة عربية كانت أو غيرها واضعها هو الله تعالى علمها عباده بالوحي إلى بعض الأنبياء وهو آدم عليه السلام أو خلق الأصوات في بعض الأجسام بأن تدل من يسمعها من بعض العباد عليها، أو خلق العلم الضروري في بعض الأجسام بها قال المحلي والظاهر من هذه الاحتمالات أولها لأنه المعتاد في تعليم الله تعالى، وكونها من وضعه تعالى هو مذهب الجمهور مستدلين بقوله تعالى: ((وعلم آدم الأسماء كلها)) أي الألفاظ والمراد بالأصوات جميع الألفاظ الموضوعة للمعاني وسواء كان البعض السماع لها واحدًا أو جماعة بحيث يحصل له أولهم العلم بأنها لتلك المعاني وسواء كان خلق العلم الضروري باللغات لواحد أو لجماعة بأن يعلم أو يعلموا أن الله قد وضعها لتلك المعاني المخصوصة. وقال أكثر المعتزلة وبعض أهل السنة أن اللغات اصطلاحية أي وضعها البشر واحدًا كان أو أكثر مستدلين بقوله تعالى ((وما أرسلنا

من رسول إلا بلسان قومه)) فهي سابقة على البعثة ولو كانت توقيفية والتعليم بالوحي كما هو الظاهر لتأخرت عنها وأجيب بأنه لا يلزم من تقدم اللغة على البعثة أن تكون اصطلاحية لجواز أن تكون توقيفية ويتوسط تعليمها بالوحي بين النبوءة والرسالة. فبالإشارة وبالتعين ... كالطفل فهم ذي الخفا والتبين فهم مبتدأ خبره بالإشارة المعطوف عليه بالتعين وكالطفل اعتراض بين المبتدأ والخبر يعني أن فهم الخفي من اللغة والواضح بناء على أنها اصطلاحية يكون بالإشارة وبالتعين بالقرينة كأن تقول هات الكتاب من البيت ولم يكن فيه غيره فيعلم أن لفظ الكتاب وضع له ومثال الإشارة أن تقول هات ذلك الكتاب وتشير إليه بيدك مثلًا قوله كالطفل أي كما يفهم الطفل لغة أبويه بالإشارة والقرينة. يبني عليه القلب والطلاق ... بكا سقني الشراب والعتاق يعني: أن الخلاف في اللغات هل هي توقيفية أو إصلاحية من فوائده جواز قلب اللغة كتسمية الثوب فرسا، قال المازري ما لم يتعير به حكم شرعي كلفظ تكبيرة الإحرام وألفاظ التشهد فيمنع اتفاقًا فإن قلنا توقيفية امتنع تسمية الثوب فرسا والإجاز وينبني عليه أيضًا لزوم الطلاق أيضًا لمن قصده باسقني الماء ونحوه من كل كناية خفية وكذا لزوم العتق لمن قصده بكل كناية خفية فمن قال بالأول لم يلزم شيء من ذلك عنده ومن قال بالثاني لزم والصحيح من مذهب مالك لزومهما لأن الألفاظ إنما وضعت أدلة على ما في النفس وهي اصطلاحية ولا يلزم من الاصطلاح الجريان على اصطلاح مخصوص ما لم يثبت من الشرع تعبد في ذلك خلافًا للأبياري القائل لا فائدة تتعلق بالخلاف لأن الله تعالى أمرنا بتنزيل الأحكام على ما يفهم من اللغة العربية ما لم يثبت للشرع تصرف في بعضها سواء كانت توقيفية أم لا، وقال قوم الخلاف فيها طويل الذيل قليل النيل وإنما ذكرت في الأصول لأنها تجري مجرى الرياضات التي يرقى من النظر فيها، وقال الماوردي من فائدة الخلاف إنه من قال بالتوقيف جعل التكليف مقارنًا لكمال العقل ومن

قال بالاصطلاح أخر التكليف عن العقل مدة معرفة الاصطلاح، قال في الآيات البينات ولعل هذا بالنسبة لأول طبقة من المكلفين. هل تثبت اللغة بالقياس ... والثالث الفرق لدى أناس يعني أنهم اختلفوا هل تثبت اللغة بالقياس وبه قال جمع من المالكية والشافعية أو لا تثبت به؟ وبه قال جمع من المالكية والشافعية أيضًا وعزى للحنفية وهو الراجح عند ابن الحاجب وغيره لأن اللغة نقل محض فلا يدخلها قياس والمجيزون منهم من أجازه من جهة اللغة ومنهم من أجازه من جهة الشرع والمحكي عن القاضي من المنع هو الموجود في تقريبه فنقل ابن الحاجب عنه الجواز مردود ولا فرق على القولين بين الحقيقة والمجاز. وثالث الأقوال إثبات الحقيقة دون المجاز لأنه اخفض رتبة منها قال في الآيات البينات: لو ذهب ذاهب إلى عكس ذلك كان مذهبًا أخذا من التعليل المذكور لأنه لما كان اخفض رتبة منها جازان يتوسع فيه بالقياس ما لا يتوسع فيها. فإذا استعملت العرب لفظًا في شيء غير موضوعه مجازًا فكذا استعماله في شيء آخر غير موضوعه مجازًا فلابد من علاقة وهي اتصال أمر بأمر في معنى إذ لا يصار إلى التجوز بدونها، فإن اعتبرت بين الشيء الثالث الذي تجوز باستعمال اللفظ فيه وبين الموضوع له وتحققت بينهما فهذا ليس من القياس في شيء لأن العرب أذنت فيه ابتداء كالأسد إذا استعمل في الرجل الشجاع وأن اعتبرت العلاقة بين ذلك الثالث الذي تجوز بالاستعمال فيه والثاني الذي تجوزت العرب بالاستعمال فيه، وتحققت بينهما دون الموضوع. له توجه القياس لكن لم يوجد شرطه وهو وجود علة الأصل في الفرع فلهذا منع ولعل المجيز جعل مشابه المشابه مشابهًا. محله عندهم المشتق ... وما عداه جاء فيه الوفق يعني أن محل الخلاف في إثبات اللغة إنما هو المشتق المشتمل على وصف كانت التسمية لأجله ووجد ذلك الوصف في معنى آخر كالخمر لمخمر العقل أي مغطيه من ماء العنب وأما الأعلام فلا يجوز فيها القياس اتفاقًا لأنها غير معقولة المعنى، إليه الإشارة بقوله وما عداه.

قال زكرياء فإن قلت ما الفرق بين هذا وما مر من أن الموضوعات اللغوية تعرف باستنباط العقل من النقل؟ قلت الغرض هنا استنباط اسم لآخر بقياس أصولي مختلف فيه وثم استنباط وصف لاسم بقياس منطقي متفق عليه ولا يلزم من جواز الإثبات به جوازه بالأول وبتقدير تسليم تساويهما لا يلزم من إثبات الوصف جواز إثبات الاسم لكونه أصلًا والوصف فرعًا. وفرعه المبني خلف الكلف ... فيما لجامع يقيسه السلف يعني أن فائدة الخلاف في إثبات اللغة بالقياس هي خفة الكلفه أي المشقة في كل ما يقيسه السلف أي المجتهدون لجامع فمن قال به أكتفى بوجود الوصف في المقيس ويثبت حكمه بالنص وهو أقوى من القياس فيجعل النبيذ ونحوه مندرجًا تحت عموم الخمر في آية ((إنما الخمر)) فثبت تحريمه بها فيستغنى بذلك عن الاستدلال بالسنة أو بالقياس الشرعي المتوقف على وجود شروط وانتفاء موانع، ومن منع القياس اللغوي احتاج إلى الاستدلال بقياس النبيذ على الخمر بشروط القياس، وكذا الكلام في تسمية اللائط زانيًا لإيلاج المحرم والنباش سارقًا للأخذ خفية. تنبيه: قال البخاري في صحيحة: إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل. تسميته لغير ما اشتد من ماء العنب خمرًا بناء على إثبات اللغة بالقياس وإلا فالخمر لغة ما اشتد من ماء العنب فقط والمراد باشتداده القوة المطربة.

فصل في الاشتقاق

فصل في الاشتقاق وهو لغة الاقتطاع وقد استشكل بعضهم الفرق بين الاشتقاق الاصطلاحي والعدل المعتبر في منع الصرف قال في الآيات البينات: فالأولى أن يقال العدل أخذ صيغة أخرى مع أن الأصل البقاء عليها والاشتقاق أعم من ذلك فالعدل قسم منه. والمراد بالاشتقاق عند الإطلاق الاشتقاق الصغير وهو المعقود له الفصل وأما الكبير والأكبر فإنما ذكرا استطرادا. والاشتقاق ردك اللفظ إلى ... لفظ وأطلق في الذي تأصلا يعني أن الاشتقاق هو أن ترد لفظًا إلى لفظ آخر بأن تحكم بأن الأول مأخوذ من الثاني أي فرع عنه قاله المحلي واعترضه اللقاني بما يعلم عدم صحته من طالع الآيات البينات، قوله: وأطلق في الذي تأصلا يعني: المشتق منه أي سواء كان اللفظ المردود إليه حقيقة أو مجازًا كما في الناطق من النطق بمعنى التكلم حقيقة وبمعنى الدلالة مجازًا كما في قولك الحال ناطقة بكذا أي دالة عليه وقد لا يشتق من المجاز كما في الأمر بمعنى الفعل مجازا لا يقال منه آمر ولا مأمور مثلًا بخلافه بمعنى القول حقيقة. وفي المعاني والأصول اشترطا ... تناسبا بينهما منضبطا يعني أنه يشترط في تحقيق ماهية الاشتقاق أن يتناسب اللفظ المردود والمردود إليه في المعنى والحروف الأصلية تناسبا منضبطا عند أهل الفن أي معروفا، فالتناسب في المعنى أن يكون المردود إليه في المردود وفي الحروف الأصلية أن تكون فيهما على ترتيب واحد كما في

الضارب من الضرب، فخرج بالمتناسب في المعنى نحو ملح ولحم وحلم مع أنه أيضًا يخرج بقيد المناسبة في الترتيب ونحو مقتل وقتل مصدرين لاتحادهما معنى فليس معنى أحدهما في الآخر، وبالحروف خرج المترادفان وخرج بالأصلية المزيدة فلا يحتاج للاتفاق فيها ولا يشترط في الأصلية أن تكون موجودة إذ قد يحذف بعضها لعارض كخف أمر من الخوف. لابد في المشتق من تغيير ... محقق أو كان ذا تقدير يعني أنه لابد في تحقق الاشتقاق من تخالف بين لفظ المشتق والمشتق منه تحقيقًا كضرب من الضرب أو تقديرًا كطلب من الطلب فتقدر فتحة اللام في الفعل غيرها في المصدر. وإن يكن لمفهم فقد عهد ... مطردا وغيره لا يطرد قال زكرياء: المشتق أن اعتبر في مسماه معنى المشتق منه على أن يكون داخلًا فيه بحيث يكون المشتق اسمًا لذات مبهمة انتسب إليها ذلك المعنى فهو مطرد لغة كضارب ومضروب وإن اعتبر فيه ذلك لا على أنه داخل فيه بل على أنه مصحح للتسمية مرجح لتعيين الاسم من بين الأسماء بحيث يكون ذلك الاسم اسمًا لذات مخصوصة يوجد فيها ذلك المعنى كالقارورة لا تطلق على غير الزجاجة المخصوصة فما هو مقر للمائع، وكالدبر إن لا يطلق على شيء فما فيه دبور غير الكواكب الخمسة التي في الثور وهي منزلة من منازل القمر فليس بمطرد. وكذلك إلا بلق للفرس المجتمع فيه البياض والسواد دون غيره من الحيوانات المجتمع فيها ما ذكر ما لم يمنع مانع من الاطراد، كالفاضل لا يطلق على الله تعالى مع إثبات الفضل له بناء على أن أسماءه توقيفية: والجبذ والجذب كثير ويرى ... للأكبر الثلم وثلبا من درى يعني: أن ما تقدم تعريف الاشتقاق الصغير المراد عند الإطلاق وهو رد لفظ لآخر ولو مجازًا لمناسبة بينهما في المعنى والحروف الأصلية ولابد من تغيير.

وذكر في هذا البيت الكبير والأكبر ويقال أيضًا أصغر وصغير فالاشتقاق الكبير ما اجتمعت فيه الأصول دون الترتيب مع مناسبة معنوية بينهما كالجبذ والجذب والاشتقاق الأكبر كالثلم والثلب ونحوهما مما فيه المناسبة في بعض الحروف الأصلية فقط ومنه قول الفقهاء الضمان مشتق من الضم لأنه ضم ما في الذمة إلى ذمة أخرى فلا يعترض بأنهما مختلفان في بعض الأصول. قال أبو حيان لم يقل بالاشتقاق الأكبر من النحاة إلا أبو الفتح وكان ابن البادش يأنس به. وأعلم أن المناسبة في الصغير بمعنى الموافقة، وفي الأخيرين أعم من الموافقة، وقد مثل العضد للكبير بنحو كنى وناك وليس في المشتق معنى المشتق منه بل بينهما تناسب في المعنى لأنهما يرجعان إلى الستر لأن في الكناية سترا للمعنى بالنسبة إلى الصريح والمعنى الآخر فيه ستر للآلة بتغيبها في الفرج. والجبذ مبتدأ عطف عليه الجذب والخبر كبير ويرى فاعله من في قوله من درى: والأعجمي فيه الاشتقاق ... كجبرئيل قاله الحذاق يعني: أن الأسماء العجمية قد تكون مشتقة قاله الأصفهاني في شرح المحصول والدليل ما روى (أنه صلى الله عليه وسلم سأل جبريل لم سميت جبريل؟ فقال: لأني آت بالجبروت)، وميكائيل سمي به لأنه يكيل الأرزاق، وإسرافيل سمي به لعظم خلقه، وما لا مصدر له من الأفعال ولا يتصرف كعسى وليس فهو مشتق فالمراد رد لفظ إلى آخر موجود أو مقدر الوجود فوصفها بالجمود لا ينافي الاشتقاق لأن جمودها بمعنى عدم التصرف قال في الآيات البينات لأنه رأى في كلامهم ما يدل على أنه لا يشترط وجود المصدر والاستعمال فتكون الأفعال المذكورة مشتقة: كذا اشتقاق الجمع مما أفردا ... ونفى شرط مصدر قد عهدا يعني: كما وقع الاشتقاق في الأسماء العجمية وقع أيضًا اشتقاق الجمع والتثنية من المفرد فرجلان ورجال مشتقان من رجل قاله الصفي

والهندي ولهذا قال الأصفهاني في شرح المحصول والمراد بالرد جعل أحدهما فرعا والآخر أصلًا والفرع مردود إلى الأصل. قوله ونمى شرط نفي مبتدأ مضاف لشرط وذلك مضاف لمصدر. وعهد بالتركيب خبر يعني: أنه عرف عندهم أنه لا يشترط في الاشتقاق وجود مصدر ولا استعمال، فالجمود لا ينافي الاشتقاق كما تقدم في شرح البيت الذي قبل هذا. وعند فقد الوصف لا يشتق ... وأعوز المعتزلي الحق يعني أن لا يجوز الاشتقاق عند عدم قيام الوصف بالمشتق فلا يقال ضارب لمن لم يقم به الضرب أصلًا بخلاف الأعيان فلا يجب في الاشتقاق منها قيام المشتق منه بالذات كما في لابن وتامر وحداد والمكي والمدني مثلًا لأنها كما قال الرازي مشتقة من أمور يمتنع قيامها بالمشتق وتبعه على ذلك شراح كتابه المحصول كالأصفهاني والقرافي. قوله وأعوذ الخ .. يقال: كما في القاموس أعوزه الشيء احتاج إليه يعني أن المعتزلة خالفوا منهج الصواب المحتاج إلى اتباعه حتى جرى بهم الخلاف إلى الخلاف في كفرهم حيث نفوا عن الله تعالى صفاته الذاتية كالعلم وسائر صفات المعاني ووافقوا على إثبات المعنوية فقالوا عالم مثلًا بذاته لا بصفة زائدة عليها فلزم من ذلك صدق المشتق على من لم يقم به معنى المشتق منه لكن لازم المذهب فيه خلاف هل يعد مذهبًا أم لا؟ وحيثما ذو الاسم قام قد وجب يعني: أنه يجب في اللغة الاشتقاق من كل معنى له اسم إذا قام ذلك المعنى بالمشتق كاشتقاق العالم من العلم لمن قام به معناه وإن قام به معنى ليس له اسم كأنواع الروائح فإنها لم يوضع لها اسم استغناء بالتقييد كرائحة كذا امتنع الاشتقاق.

وفرعه إلى الحقيقة انتسب لدى بقاء الأصل في المحل ... بحسب الإمكان عند الجل ثالثها الإجماع حيثما طرا ... على المحل ما مناقضا يرى ذهب الجمهور إلى أن الفرع أي المشتق يشترط في كونه حقيقة بقاء الأصل الذي هو المشتق منه في المحل إن أمكن بقاء ذلك المعنى كالقيام وإن كان يقتضى شيئًا فشيئًا كالمصادر السيالة نحو التكلم فالمشترط بقاء آخر جزء منه. وذهب ابن سينا وبعض المعتزلة إلى عدم اشتراط بقاء المشتق منه وإنه يصدق على من ضرب أمس ضارب حقيقة. والقول الثالث قال صاحبه: اجمع المسلمون وأهل اللسان على لأنه لا يجوز تسمية المحل بالمعنى بعد مفارقته حيث طرأ على المحل وصف وجودي يناقض الوصف الأول، كتسمية القاعد قائمًا لما سبق له من القيام وأنه يجوز مجازًا من إطلاق اسم أحد الضدين وإرادة الآخر فإن كان الاشتقاق باعتبار قيامه في الاستقبال فمجاز إجماعًا نحو ((إني أراني أعصر خمرا)) أي عنبًا يؤول إلى الخمر. عليه يبني من رمى المطلقة ... فبعضهم نفى وبعض حققه يعني: أنه ينبني على الخلاف المذكور مسألة ذكرها أهل المذهب وهي: من رمى زوجته المطلقة طلاقًا بائنًا بالزنا هلا يلاعن؟ فبعض أهل المذهب نفى اللعان بينهما لأنها ليست بزوجة، وبعضهم حقق اللعان بينهما أي أوجبه. ولابن المواز تفصيل راجع إلى القول الثالث وهو إن تزوجت غيره لم يلاعن وإلا لاعن فكأنه رأى زواجها الثاني مانعًا من صدق كونها زوجة للأول. فما كسارق لدى المؤسس ... حقيقة في حالة التلبس المؤسس بكسر السين المشددة صاحب الأصول والمراد به هنا السبكيان تاج الدين ووالده تقي الدين، يعني فبسبب ما ذكر من اشتراط بقاء المشتق منه في المحل في كون المشتق حقيقة كان اسم

الفاعل كسارق واسم المفعول كمضروب وحقيقة في حال التلبس بالمعنى أو جزئه الأخير لا حالة النطق به سواء كان مسندًا أم لا لأن معنى اسم الفاعل واسم المفعول ذات متصفة بمعنى المشتق منه من غير اعتبار زمان حدوث فهو حقيقة فمن قام به الوصف في الماضي أو الحال هذا الوصف الآن أو في الماضي أو المستقبل. وقد يقصد بهما دون الصفة المشبهة بمعونة القرائن الحدوث فالاسم وضع للثبوت وهو تحقق المحمول للموضوع ومن غير تعرض لحدوث ولا دوام وإنما يقصد به الدوام لأعراض تتعلق به كالمبالغة في المدح والذم كما اقتضاه كلام عبد القاهر والسكاكي هذا معناه عند السبكي ووالده وعلى الإطلاق بهذا المعنى تحمل الأوصاف في نصوص الكتاب والسنة نحو ((قاتلوا المشتركين)) ((والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)) ((والزانية والزاني فاجلدوا)) الآية معناه الحقيقي كما في الآيات البينات تعلق وجوب الجلد بكل ذات ثبت لها الزنا باعتبار حال ثبوته لها تأخر ثبوته لها عن حال النطق أي زمان النزول أو تقدم لأن الزمان غير معتبر في معنى ذلك اللفظ فيجب حده إذا اتصف به بمقتضى هذا الكلام وإن قصد به الحدوث كان قيل: الزاني، وأريد به الذي حدث زناه في الزمن الحاضر مثلًا يجب حده لم يتناول اللفظمن لم يحدث زناه في ذلك الزمان ولو باعتبار اتصافه بالزنا في غيره على سبيل الحقيقة وعلى أنه حقيقة في حال التلبس فلم لم يقتل صلى الله عليه وسلم من أشرك قبل النزول ولا حد من سرق أو زنى قبله لأنه إما أن يكون مشركًا قبل النزول فالإسلام يجب ما قبله؟ وإن كان مسلمًا فلأنه لم يحرم عليه إذ ذاك؟ بخلاف ما إذا قامت البينة عند الحاكم بأن زيدًا سارق في الزمان الماضي فإنه تقطع يده ولو عند القائل بأن مجاز في الماضي. فالحاصل أن اسم الفاعل والمفعول لهما استعمالان أحدهما وهو الأكثر ما عليه أهل المعاني من أنه ذات متصفة بالمشتق منه من غير اعتبار زمان ولا حدوث فهو حقيقة فيمن قام به الوصف في الماضي أو الحال أو الاستقبال. والثاني: وهو الأقل ما قاله أهل النحو من أنه يقصد به الحدوث فإذا قيل يحد الزاني دخل فيه حقيقة على الاستعمال الأول

كل من اتصف به في أي زمان كان. وعلى الثاني: أعني استعماله في الحدث الحاضر كان الحال فيه حال النطق فن لم يتصف به فيه فهو غير داخل فيه حقيقة بل مجازًا باعتبار اتصافه السابق أو اللاحق فمعنى بقاء المشتق منه في المحل بقاؤه هو أو آخر جزء منه في الحال الذي يكون الإطلاق باعتباره فعد بهذا تسلم كما أولوا النهي سلموا من الاعتراض على السبكي ظنًا أن الحال المعتبر بقاؤها منحصرة في حال النطق ومطلق الحال قال في الآيات البينات: وليس الأمر كذلك إذ بقى قسم آخر وهو الحال الذي يكون الإطلاق باعتباره وبالنظر إليه وهذا حال مخصوص لا يجب أن يكون حال النطق ولا هو مطلق الحال لشمول مطلق الحال للحال الذي لا يكون حال النطق ولا يكون الإطلاق باعتباره. والمراد التلبس العرفي فالمتكلم والمخبر حقيقة فمن يكون مباشرًا لهما مباشرة عرفية حتى لو انقطع كلامه بنفس أو سعال قليل لم يخرج عن كونه متكلمًا حقيقة وعلى هذا القياس أفعال الحال. أو حالة النطق بما جا مسندا ... وغيره العموم فيه قد بدا حالة بالجر عطف على حالة قبله وأو لتنويع الخلاف يعني أن القرافي قال في بيان معنى الحال في المشتق أن يكون التلبس بالمعنى حال النطق به إذا كان المشتق من اسم فاعل أو اسم مفعول مسندًا نحو زيد ضارب إذ هو للحدث الحاصل بالفعل، ويلزمه حضور الزمان فإن استعمل في الحدث الذي سيقع فهو مجاز وكذا في الماضي على الأصح أما إذا كان محكومًا عليه نحو ((الزانية والزاني فاجلدوا)) و ((السارق والسارقة فاقطعوا)) ((فاقتلوا المشركين)) فحقيقة في الماضي والحال والاستقبال واختلف المحققون بعده فمنهم من سلم له التخصيص ومنهم من منع وأبقى المسألة على عمومها. والمراد بالغير في قوله وغيره المحكوم عليه يعني أن المحكوم عليه عند القرافي للتلبس بالمعنى في أي وقت ماضيًا كان أو حاضرًا أو مستقبلًا.

فصل في الترادف

فصل في الترادف والمترادف اللفظ المتعدد المتحد المعنى: وذو الترادف له حصول ... وقيل لا ثالثها التفصيل يعني أن المترادف له حصول أي وقوع في الكلام وهذا أصح الأقوال خلافًا لثعلب وابن فارس والزجاج وأبي هلال العسكري في نفيهم وقوعه، قالوا: وما يظن مترادفًا كالإنسان والبشر متباين بالصفة، فالأول: باعتبار النسيان أو أنه يأنس، والثاني: باعتبار أنه بادي البشرة أي ظاهر الجلد وكذا القعود والجلوس فالقعود ما كان عن قيام والجلوس ما كن عن اضطجاع. قال الاصبهاني: وينبغي حمل كلامهم على منعه في لغة واحدة أما في لغتين فلا ينكره عاقل ورد في الآيات البينات على مانع الترادف بأنا نقطع أن العرب تطلق الإنسان حيث لا يخطر ببالها معنى النسيان أو الأنس والبشر حيث لا يخطر ببالها معنى بدو البشرة وذلك يقتضي عدم اعتبار ذلك المعنى والألم يتصور إطلاقهم له واستعماله في معناه من غير ملاحظة ذلك المعنى مع أنه جزء المعنى على هذا التقدير. ولا يمكن استعمال اللفظ في معناه من غير ملاحظة جزئه. ثالث الأقوال التفصيل أي يمنع في الأسماء الشرعية بخلاف غيرها فهو واقع في اللغة قاله الرازي في المحصول، لأن الترادف ثبت على خلاف الأصل للحاجة إليه في النظم والسجع وتيسر النطق بأحدهما دون الآخر كالبر والقمح في حق الالثغ في الراء وكالجناس فقد يقع بأحدهما دون الآخر نحو ((وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)) فإنه يقع به دون مرادفه الذي هو يظنون وتلك الحاجة منتفية في كلام

الشارع، واعترض عليه القرافي والسبكي بالفرض والواجب والسنة والتطوع وأجيب عن انتفائه في كلام الشارع بأن من فوائد الترادف أن أحد اللفظين قد يناسب الفواصل دون الآخر وذلك يناسب في كلام الشارع لاعتبار الفواصل في كلامه من غير محظور بل تقتضيها البلاغة، ويجاب عما قاله القرافي والسبكي بأن الفرض وما عطف عليه أسماء اصطلاحية لا شرعية إذ الشرعي ما وضعه الشارع. وهل يفيد التالي للتأييد ... كالنفي للمجاز بالتوكيد التالي: هو التابع يعني: إنهم اختلفوا في التابع هلي يفيد التأييد أي التأكيد للمتبوع أو لا؟ والحق أنه يفيد التأكيد له، وإلا لم يكن لذكره فائدة والعرب لا تتكلم بما لا فائدة له. وقيل: لا يفيده، والتابع والمتبوع كل لفظين على وزن واحد موضوعين أو المتبوع فقط لمعنى على وجه لا يذكر التابع دونه وقضيته التردد في أن التابع موضوع لمعنى الأول أو لا؟ قوله: كالنفي يعني كما وقع الخلاف في التوكيد هل ينفي المجاز، ويرفعه أولا؟ فعلى ما اختاره القرافي من كونه لا يرفع المجاز يكون مفاده كالتابع التقوية أي التأكيد فقط، وعلى ما للمازري من أنه يرفعه أفاد رفعه معها، والتابع والمتبوع نحو حسن بسن، وعطشان نطشان، وشيطان ليطان. والفرق بين التأكيد والتابع أن التأكيد يفيد مع تقوية الأول عدم إرادة المجاز على الراجح بخلاف التابع، وأن التابع يشترط فيه أن يكن على زنة المتبوع بخلاف المؤكد وأن يكون المؤكد له مطول في نفسه بخلاف التابع فإنه في نفسه مهمل أي لا مع غيره قاله في الآيات البينات. وقال الدماميني: أن التابع من قبل التأكيد اللفظي وهو مشكل لأن التأكيد اللفظي كما هو مقرر في علم المعاني يكون لدفع توهم التجوز أي التكلم بالمجاز نحو: قطع اللص الأمير الأمير لئلا يتوهم أن القاطع بعض غلمانه أو لدفع توهم السهو نحو جاء زيد زيد لئلا يتوهم أن الجاءي غير زيد وإنما ذكر زيد على سبيل السهو وقال في الآيات البينات: إلا أن يستثنى هذا من التأكيد اللفظي لأن نشطان لا يفرد ولو أفرد لم يدل على شيء بخلاف عطشان:

وللرد يفين تعاور بدا ... إن لم يكن بواحد تعبدا ببناء تعبد للفاعل، أي تعبدنا لله تعالى بلفظه، يعني أن المختار عن ابن الحاجب وغيره تعاور، أي تعاقب كل من الرديفين، أي وقوع كل منهما مكان الآخر لأنه بمعناه، ولا حجر في التركيب، فإن تعبد بلفظ واحد منهما لم يجز وقوع الآخر مكانه كلفظي تكبيرة الإحرام والسلام من الصلاة. وبعضهم نفى الوقوع أبدا ... وبعضهم بلغتين قيدا يعني: أن بعض الأصوليين كالرازي منع وقوع كل من الرديفين مكان الآخر أي منع وقوعه لغة منعًا مؤبدًا وعلى كل حال أي كانا من لغتين أو لغة واحدة تعبد بلفظه أم لا قال لأنك لو أتيت مكان من في قولك مثلًا خرجت من الدار بمرادفها بالفارسية أي أنز بفتح الهمزة وسكون الزاي لم يستقم الكلام لأن ضم لغة إلى أخرى بمنزلة ضم مهمل إلى مستعمل وإذا منع ذلك في لغتين فلا مانع من منعه في لغة وبعضهم قيد نفي وقوعه بما إذا كان ذلك في لغتين إما من لغة فواقع إما ما تعبد بلفظه كالقراءة والتكبير في الصلاة في حق القادر فلا يقوم عندنا مرادفه مقامه إلا أن المنع هنا من جهة الشرع لا اللغة التي الكلام فيها وهذا هو الفرق بين مسألتنا ومسألة الرواية بالمعنى فإنهما متشابهتان. وقولي: عندنا إشارة إلى أن الحنفية يلتزمون انعقاد الصلاة بمرادف تكبيرة الإحرام ولو من الفارسية. فإن قلت: كيف يتصور نفي وقوع كل من الرديفين مكان الآخر لأنه حينئذ يتعذر التكلم بمعنى له لفظان فإنه إذا عبر بأحدهما فقد عبر بالرديف مكان رديفه؟ قلت: والله تعالى أعلم أن ذلك يظهر في معنى لغتين قيسية وتميمية مثلًا فالتميمي لا يتكلم بالقيسية كالعكس لأن العربي لا ينطق بغير لغته والتميمية والقيسية لغة واحدة بالنسبة للعجمية وكذا الشامي مثلًا لا يأتي بلفظ مصري كعكسه. دخول من عجز في الإحرام ... بما به الدخول في الإسلام أو نية أو باللسان يقتدي ... والخلف في التركيب لا في المفرد

دخول مبتدأ خبره وقوله أو نية معطوف على ما المجرور بالباء يعني أن من عجز عن النطق بتكبيرة الإحرام لعجمية يقتدى أن ينبني الخلاف فيه المنقول عن المالكية على الخلاف في وقوع كل من الرديفين مكان الآخر. قيل: يكفيه الدخول بالنية بناء على النفي، وقيل: يدخل باللفظ الذي الذي يدخل به الإسلام. وقيل: يدخل بلسانه الذي يتكلم به بناء على الجواز ولو من لغتين والخلف في تعاقب الرديفين إنما هو في حال التركيب لا في حال الإفراد فلا خلاف في جوازه كما عند البيضاوي والذي يقتضيه كلام الإمام الرازي المنع مطلقًا. إبدال قرءان بالأعجمي ... جوازه ليس بمذهبي يعني أن إبدال القرءان في الصلاة بلسان عجمي جوزه إذا أدى المعنى ليس بمذهبنا بل هو مذهب أبي حنيفة وخالفه صاحباه والإجماع يرد عليه لأنه متعبد بلفظه.

المشترك

المشترك الاشتراك هو أن يتحد اللفظ ويتعدد معناه الحقيقي كالقرء بفتح القاف وضمها مع إسكان الراء للطهر والحيض، والجليل للحقير والخطير، والناهل للريان والعطشان. في رأي الأكثر وقوع المشترك ... وثالث للمنع في الوحي سلك يعني أن رأى الأكثر والمحققين وقوع المشترك في الكلام العربي من كتاب وسنة وغيرهما وهل وقوع المشترك في الكلام العربي من كتاب وسنة وغيرهما جائزًا واجب؟ الراجح الجواز وقيل لم يقع مع أنه جائز ومستنده الاستقراء قال قائله: وما يظن مشتركًا فهو إما حقيقة ومجاز أو متواطئ كالعين حقيقة في الباصرة مجاز في غيرها كالذهب لصفائه والشمس لضيائها، وكالقرء موضوع للقدر المشترك بين الطهر والحيض وهو الجمع من قرأت الماء في الحوض جمعته والدم يجتمع زمان الطهر في الجسد وزمان الحيض في الرحم. واعترضه في الآيات البينات بأن الجمع لا يصدق على واحد من الحيض والطهر إذ الحيض الدم المخصوص أو خروجه والطهر الخلو من ذلك والجمع غير كل من ذلك فقضية ذلك أن لا يطلق القرء حقيقة على واحد منهما عند هذا القائل. وبعضهم سلك أي ذهب إلى منع وقوعه في الكتاب والسنة لأنه لو وقع فيهما لوقع إما مبينًا فيطول بلا فائدة أو غير مبين فلا يفيد والوحي ينزه عن ذلك. وأجيب باختيار أنه وقع فيهما غير مبين ويفيد إرادة أحد معنييه الذين سيبين، ويترتب عليه في الأحكام الثواب أو العقاب بالعزم على الطاعة أو العصيان بعد البيان فإن لم يبين حمل على معنييه ونظر اللقاني في

قوله فيطول بأن البيان قد يتحقق بدون الطول إذا كان الحكم المنوط به خاصا بالمراد كقولك شربت من العين قال في الآيات البينات ولو سلم ففي لزوم عدم الفائدة نظر إذ في البيان فائدة الإجمال والتفصيل وهي من الفوائد المعتبرة والحاصل أنه لا نسلم لزوم الطول ولو سلم فلا نسلم عدم الفائدة نعم قد يريد الخصم الجزئية فقد يطول فلا يرد عليه نظر الشيخ. يعني بالشيخ اللقاني. وقيل المشترك ممتنع الوقوع لا خلاله بفهم المراد من القصد من الوضع وأجيب بأنه يفهم بقرينة، والمقصود من الوضع الفهم التفصيلي أو الإجمالي المستند إلى القرينة فإن انتقلت حمل على المعنيين. إطلاقه في معنييه مثلا ... مجازا أو ضدًا أجاز النبلا إطلاقه مفعول أجاز قدم وفي بمعنى على ومجازا أو ضدا بنقل حركة همزة أو إلى التنوين والنبلا جمع نبيل قصر للوزن يعني أن الأذكياء من أهل الأصول أجازوا لغة إطلاق المشترك على معنييه أو معانيه بأن يراد به المعنيان أو المعاني من متكلم واحد في وقت واحد مجازا عند جمهور المالكية لأن اللفظ لم يوضع للمجموع وحقيقة عند القاضي أبي بكر الباقلاني منهم والشافعي والمعتزلة لوضعه لكل منهما نحو ((أن الله وملائكته يصلون على النبي)) الآية والصلاة من الله تعالى الإحسان ومن الملائكة الدعاء وتقول: عندي عين وتريد الباصرة والجارية. وملبوسي الجون وتريد الأبيض والأسود وأقرأت هند وتريد طهرت وحاضت قولهم: لم يوضع للمجموع يعنون أنه إنما وضع لكل منهما من غير نظر إلى الآخر بأن تعدد الواضع أو وضع واحد الثاني نسيانا للأول أو قصد إبهام لأنه من مقاصد العقلاء قاله التفتازاني: أن يخل من قرينة فمجمل ... وبعضهم على الجميع يحمل يعني أن المشترك عند التجرد من القرائن المعينة أو المعممة مذهب مالك أنه مجمل لكن يحمل على معنييه أو معانيه احتياطا عند البلاقلاني كذا نقله عند الإمام الرازي لكن الذي تقريبه أنه لا يجوز حمله عليهما ولا على أحدهما إلا بقرينة

قال زكرياء: ويبعد أن يقال هذا مقيد لذلك، وقال الشافعي: إنه ظاهر فيها عند التجرد من القرائن فيحمل عليهما لظهوره فيهما. وقيل لم يجزه نهج العرب. يعني أن الغزالي وأبا الحسين البصري المعتزلي، والبيانيين وغيرهم قالوا: إن إطلاق المشترك على معنييه معًا مثلًا يجوز عقلًا لا لغة لا حقيقة ولا مجازًا لمخالفته لوضعه السابق إذ قضيته أن يستعمل في كل منهما منفردًا. وقيل: بالمنع لضد السلب. يعني أن الغزالي وأبا الحسين البصري المعتزلي، والبيانيين معنييه معا مثلا في الإثبات الشامل للأمر كقولك عندي عين فلا يراد بها إلا معنى واحد ويجوز في النفي ومثله النهي نحو لا عين عندي وتريد بها الباصرة والجارية مثلا لعموم النكرة في سياق النفي دون الإثبات والخلاف فيما إذا أمكن الجمع بين المعنيين فإن امتنع كما في صيغة افعل في طلب الفعل والتهديد عليه امتنع بلا خلاف. وفي المجازين أو المجاز ... وضده الإطلاق ذو جواز يعني: أنه يصح لغة أن يطلق اللفظ على مجازيه معا كقولك: والله لا أشتري وتريد السوم والشراء بالوكيل فإنه جائز عند المالكية فيحمل عليهما أن قامت قرينة على إرادتهما أو تساويا في الاستعمال ولا قرينة تعين أحدهما فإن رجح أحدهما تعين وشرط الحمل عليهما أن لا يتنافيا كالتهديد والإباحة وكذا يجوز عند المالكية غير القاضي أبي بكر وعند الشافعية إطلاق اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه معا وعليه يكون مجازا أو حقيقة ومجازا باعتبارين ومن ثم عم نحو ((وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)) الواجب والمندوب حملا لصيغة افعل على الحقيقة التي هي الوجوب وعلى المجاز الذي هو المندوب بقرينة كون متعلقها الذي هو الخير شاملا للواجب والمندوب وإطلاق الحقيقة، والمجاز هنا على المعنى مجاز من إطلاق اسم الدال على المدلول ومحل الخلاف حيث ساوى المجاز الحقيقة في الشهرة وإلا امتنع الإطلاق عليه معها قطعا.

الحقيقة

الحقيقة من حق الشيء يحق بالكسر والضم أي ثبت ووجب فهي فعيل بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول من حققته أثبته نقل إلى الكلمة الثابتة أو المثبتة في مكانها الأصلي، والتاء في الحقيقة عند صاحب المفتاح للتأنيث وعند الجمهور للنقل من الوصفية إلى الاسمية فهي علامة للفرعية كما أن المؤنث فرع المذكر. أعلم أن المقصود بالذات في علم البيان هو المجاز والحقيقة لما كان بينهما وبينه تقابل العدم والملكة تكلموا عليها قبله إذ الإعدام لا تعقل إلا بعد تعقل ملكاتها بخلافها عند أهل الأصول فهي مقصودة بالذات كالمجاز. منها التي للشرع عزوها عقل ... مرتجل منها ومنها منتقل يعني: أن الحقيقة منها لغوية ومنها عرفية ومنها شرعية أي وضعها الشارع عند الجمهور كالصلاة للعبادة المخصوصة وقال القاضي عرفية للفقهاء فإذا وجدت في كلام الشارع لفظة مجردة عن القرينة محتملة للمعنى الشرعي والمعنى اللغوي حملت على الشرعي عند الجمهور وعلى اللغوي عند القاضي قوله للشرع متعلق بعزو وعقل مركب، وقوله مرتجل مبتدأ سوغ الابتداء به التفصيل خبرة منها، يعني أن الحقيقة الشرعية منها ما هو مرتجل أي وضع ابتداء من غير نقل من اللغة ومنها ما هو منقول عن اللغة لعلاقة بينهما وغلب استعماله في الثاني حتى صار هو المتبادر منه نقله حلولوا عن الرهوني وقال الشرمشاحي في شرح ابن الجلاب أن الألفاظ الشرعية كلها منقولة من اللغة غير مسلوبة معناها الأصلي بل لابد فيها من

زيادة عليه أو قصر على بعضه هذا مذهب الجمهور خلافًا للقاضي القائل أن الألفاظ الشرعية على أصلها أي لم تنتقل عن معانيها لكن يشترط فيها زيادة لا تجزئ إلا بها فجعل الصلاة شرعا عن الدعاء لكن شرط فيها زيادة نح الركوع والسجود وفيه ما سيأتي. والخلف في الجواز والوقوع ... لها من الماثور والمسموع عطف المسموع على الماثور عطف تفسير يعني أنه نقل عن الأصوليين الخلاف في جواز الحقيقة الشرعية فنفى قوم إمكانها بناء على أن بين اللفظ والمعنى مناسبة مانعة من نقله إلى غيره قال زكرياء وهذا جار على قول المعتزلة دون غيرهم. وقضية هذا البناء نفي العرفية أيضا فلعل هؤلاء القوم يلتزمن نفيها أيضا. وكذلك نقل عنهم أيضا الخلاف في وقوع الشرعية والقائل بعدمه هو القاضي منا وابن القشيري فلفظ الصلاة مثلا مستعمل في الشرع في معناه اللغوي وهو الدعاء بخير لكن اشترط الشرع في الاعتداد به أمور زائدة كالركوع والسجود ورده أمام الحرمين في البرهان بالإجماع على أن الركوع والسجود من نفس الصلاة لا أنها شروط ورده غيره بأن فيه جعل الأعظم شرطا والأقل مشروطا وهو خلاف القياس وذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين والمعتزلة إلى أنها وقعت مطلقا، وقال قوم وقعت الفرعية وهي ما أجرى على الأفعال كالصلاة والصوم لا الدينية وهي ما دل على الصفات المعتبرة في الدين وعدمه اتفاقا كالإيمان والكفر والمؤمن والكافر قاله المحشى. قال السبكي: والمختار وفاقا لأبي إسحاق الشيرازي والإمامين وابن الحاجب وقوع الفرعية لا الدينية وما أفاد لاسمه النبي ... لا الوضع مطلقا هو الشرعي يعني أن المعنى الذي استفيد اسمه من جهة الشارع لوضعه ذلك الاسم لذلك المعنى دون مطلق الوضع غير الشرعي من لغة وعرف فهو الشرعي أي مسمى ما صدق الحقيقة الشرعية كالهيئة المسماة بالصلاة سواء كان الموضع له حقيقة شرعية أم مجازا شرعيا لأنه اللفظ المستعمل بوضع ثان وما صدق الشيء إفراده التي يصدق عليها

فمفهوم الحقيقة الشرعية ما صدق الجزئيات المعينة أعني الألفاظ المخصوصة الموضوعة شرعا. وربما أطلق في المأذون ... كالشرب والعشاء والعيدين يعني أنه قد يطلق الشرعي أي لفظ الشرعي على ما أذن فيه الشرع من واجب ومندوب ومباح فالشرعي في البيت قبله مراد به المعنى وهذا مرا به اللفظ ففيه استخدام، فالأول كصالة العشاء يقال العشاء مشروعة أي واجبة ومن الثاني قولهم من النوافل ما تشرع فيه الجماعة أي تندب كالعيدين ومن الثالث أن تقول في الشرب الجائز هذا الشرب مشروع.

المجاز

المجاز وتركت كثيرا من مباحثه لكونها مذكورة في علم البيان. ومنه جائز وما قد منعوا ... وكل واحد عليه اجمعوا يعني أن المجاز ثلاثة أقسام: قسم مختلف فيه وهو الجمع بين حقيقتين أو مجازين أو حقيقة ومجاز فهذا جائز عندنا كما تقدم وعند الشافعية وممنوع عند الغير، وقسم مجمع على منعه كما سيأتي، وقسم مجمع على جوازه وأشار له بقوله: ماذا اتحاد فيه جاء المحمل ... وللعلاقة ظهور أول المحمل بفتح الميمين والمراد به هنا المعنى الذي يحمل عليه اللفظ أي قصد به وما مبتدأ خبره أول وذا حال من المحمل وللعلاقة ظهور مبتدأ وخبره اعترض بهما بين المبتدأ والخبر والعلاقة اتصال أمر بأمر في معنى كاتصال الرجل الشجاع بالأسد في الشبه في الشجاعة، فاحترز باتحاد المحمل عما تعدد محمله بأن حمل على حقيقته أو مجازيه أو حقيقته ومجازه، واحترز بظهور العلاقة عن خفائها كما أشار له بقوله: ثانيهما ما ليس بالمفيد ... لمنع الانتقال بالتعقيد يعني أن ثاني القسمين المذكورين في قوله فمنه .. الخ وهو الثالث بحسب القسمة في الحقيقة ما كان غير مفيد للمقصود لأجل تعذر الانتقال من معنى اللفظ الحقيقي إلى المعنى اللازم المقصود وإنما تعذر الانتقال فيه بسبب التعقيد المعنوي وهو أن يقصد المتكلم

بالكلمة لازماً لها ليس من اللوازم التي تقصدها الناس بها فيتعذر بذلك فهم المقصود لأن تعارفهم على خلافه يمنع ذهن السامع له من فهم المراد منه فالمدار على خفاء القرينة لا على قلة الوسائط وكثرتها فلو اتضحت لم يكن تعقيدا وكذا إذا لم يكن للفظ لازم معهود استعماله فيه، وهذا النوع المنوع إجماعا يسمى مجاز التعقيد، وأهل البيان يسمونه التعقيد المعنوي والمراد بالانتقال من معنى إلى آخر توجيه النفس من المعنى الأصلي للفظ إلى المعنى المراد لعلاقة بينهما. وحيثما استحال الأصل ينتقل ... إلى المجاز أولا قرب حصل يعني: أنه حيث استحال حمل اللفظ على حقيقته وجب عندنا وعند الحنفية حمله على مجازه إن لم يتعدد وعلى الأقرب أن تعدد وسواء استحال عقلا أو شرعا أو عادة، قال الحطاب: عند قوله ولا ينقض ضفره رجل ولا امرأة إن مسحت على الوقاية أو حناء أو مسح رجل على العمامة وصلى لم تصح صلاته وبطل وضوءه إن كان فعل ذلك عمدا وإن فعل جهلا فقولان، ثم قال ذكر ابن ناجي أن ابن رشد حضر درس بعض الحنفية فقال المدرس الدليل لنا على مالك في المسح على العمامة أنه مسح على حائل أصله الشعر فإنه حائل فأجابه ابن شرد بأن الحقيقة إذا تعذرت انتقل إلى المجاز إن لم يتعدد وإلى الأقرب منه إن تعدد والشعر هنا أقرب والعمامة أبعد فيتعين الحمل على الشعر فلم يجد جوابا قائما وأجلسه بإزائه. فالحقيقة هي جلدة الرأس وقول الحنفي أصله الشرع يريد أنه مقيس عليه بجامع كون كل منهما حائلا بين المسح والجلدة والظاهر أن الحنفي موافق على وجوب الانتقال إلى الأقرب وإلا لما تأتي الاستدلال عليه بما ذكر لأن محل النزاع لا يستدل به كما هو معلوم. وقالت الشافعية: أن المجاز لا يتعين في العمل حيث استحالت الحقيقة بل هو لغو قاله السبكي وذكر كثير ممن تكلم عليه أن الشافعية لم يذكروا هذا الأصل. وليس بالغالب في اللغات ... والخلف فيه لأن جنى آت يعني أن المجاز ليس غالبا في اللغات أي المفردات والمركبات خلافا لابن جنى بكسر الجيم وسكون الياء معرب كنى بين الكاف والجيم

في قوله أنه غالب في كل لغة على الحقيقة أي ما من لفظ إلا واستعماله مجازا مقرونا بالقرينة أكثر من استعماله حقيقة بالاستقراء أما بالنسبة لكلام الفصحاء في نظمهم ونثرهم فظاهر لأن أكثرها تشبيهات واستعارات وكنايات وإسناد قول وفعل إلى من لا يصلح أن يكون فاعلا لذلك كالحيوانات والدهر والأطلال ولا شك أن كل ذلك تجوز وأما بالنسبة للعرف فكذلك تقول سافرت إلى البلاد ورأيت العباد ولبست الثياب وملكت العبيد والدواب وما سافرت إلى كل البلاد ولا رأيك كل العباد ولا لبست جميع الثياب ولا ملكت كل العبيد الدواب، وكذلك تقول ضربت زيدا وما ضربت إلا جزءا منه وكذلك إذا عنيت جزءا كان تقول ضربت رأسه وكذلك قولهم طاب الهواء وبرد الماء ومات زيد ومرض بكر بل إسناد الأفعال الاختيارية كلها إلى الحيوانات على مذهب أهل السنة مجاز لأن فاعلها في الحقيقة هو الله تعالى فإسنادها إلى غيره مجاز عقلي هذا الكلام من قوله بالاستقراء إلى هنا استدل به الصفي الهندي لمذهب ابن جنى ثم قال الصفي: أن الغلبة لو ثبتت للمجاز فإنما تثبت لمجموع مجاز الأفراد والتركيب أما مجاز الأفراد وحده فلا إلا أن إسناد الفعل في نحو مرض زيد ومات بكر مما قام فيه الفعل بذات الفعل فيما ظهر للسامع من حال المتكلم حقيقة لا مجاز عقلي كما هو معلوم في علم البلاغة، قوله ما من لفظ إلا واستعماله مجازا مقرونا بالقرينة يندفع به استشكال أن المجاز خلاف الأصل أي الغالب لأن المراد بما هو خلاف الأصل ما كان مجردا عن القرينة وبالغالب على قول ابن جنى ما كان مقرونا بها. وبعد تخصيص مجاز فيلي ... الإضمار فالنقل على المعول يعني: أن اللفظ إذا احتمل التخصيص والمجاز فالراجح حمله على التخصيص من وجهين: أحدهما أن اللفظ يبقى في بعض الحقيقة كلفظ المشركين في ((اقتلوا المشركين)) خرج أهل الذمة وبقى الحربيون وهم بعض المشركين فعلى أنه تخصيص فهو أقرب للحقيقة. الثاني: إذا خرج بعض بالتخصيص بقى اللفظ مستصحبا في الباقي من غير احتياج إلى القرينة، قال القرافي وهذان الوجهان لا يوجدان في غير التخصيص مثاله قوله تعالى ((ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله

عليه)) خص عند مالك وأبي حنيفة الناسي للتسمية فتوكل ذبحته وحمله بعضهم على المجاز أي مما لم يذبح. قوله فيلي الإضمار بالرفع على الفاعلية والمفعول محذوف أي فيلي الإضمار المجاز والمعنى أن المجاز مقدم على الإضمار عند احتمال اللفظ لهما فيلي الإضمار المجاز في الرتبة فيقدم على النقل عند احتماله لهما وإنما قدم المجاز على الإضمار لأن المجاز أكثر منه في الكلام. قال القرافي: والكثرة تدل على الجرحان وقيل الإضمار أولى من المجاز لأن قرينته متصلة به. قال اللقاني: لأن الإضمار هو المسمى سابقا بالاقتضاء وقد سبق أن قرينته توقف الصدق والصحة العقلية أو الشرعية عليه وتوقف صدق الكلام وصحته وصف له لازم وذلك غاية الاتصال، بخلاف قرينة المجاز فإنها منفصلة خارجة عنه اهـ. وقيل: سيان لاحتياج كل منهما إلى قرينة. واستواؤهما لا ينافي ترجيح أحدهما لمدرك يخصه، وكذا يقال في تقديم الإضمار على النقل لا ينافي ترجيح النقل في بعض الصور بمدرك يخصه وأيضا فقد تكون قرينة المجاز الاستحالة والاستحالة إن لم تكن من قبيل المتصلة كانت مثلها إن لم تكن أبلغ قاله في الآيات البينات وإنما قدم الإضمار على النقل لسلامته من نسخ المعنى الأول ولأنه من باب البلاغة بخلاف النقل وقيل يقدم النقل على الإضمار. مثال تعارض المجاز والإضمار قول السيد لعبده، الذي هو أكبر منه سنا: أنت أبي يحتمل المجاز من باب التعبير عن اللازم بالملزوم أي عتيق ويحمل الإضمار أي مثل أي عتيق ويحتمل الإضمار أي مثل أي في الشفقة والتعظيم فلا يعتق ومثال تعارض الإضمار والنقل قوله ((وحرم الربا)) قال الحنفي: أخذ الربا وهو الزيادة في بيع درهم بدرهمين مثلا فإذا أسقطت صح البيع وارتفع الإثم. وقال غيره نقل الربا شرعا إلى العقد فهو فاسد، وإن أسقطت الزيادة والإثم باق، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر) قال الشافعي: يجوز إبطال الصوم المتطوع به لأنه وكله إلى مشيئته بعد نقله الصوم عن معناه لغة وهو مطلق الإمساك. وقال المالكي: ليس منقولا والمراد الذي من شأنه أن يتطوع أمير نفسه سماع متطوعا باسم ما يؤول إليه.

قوله فالنقل على المعول راجع لتقديم الإضمار على النقل يعني أن النقل مقدم على الاشتراك لا خلال الاشتراك بالفهم اليقيني كلفظ الزكاة إذا استعمل في الجزء المخرج دار بين اشتراكه بين النماء وبين النقل: فالاشتراك بعده النسخ جرى ... لكونه يحتاط فيه أكثر يعني: أن يشترك مقدم على آخر المراتب الذي هو النسخ لكونه النسخ يحتاط فيه أكثر لتصييره اللفظ باطلا فتكون مقدماته أكثر قاله في التنقيح. وقد قال بعضهم: يقدم التخصيص مجاز ومضمر ... ونقل تلا والاشتراك على النسخ * * * وحيثما قصد المجاز قد غلب ... تعيينه لدى القرافي منتخب ومذهب النعمان عكس ما مضى ... والقول بالإجمال فيه مرتضى يعني: أنه إذا دار اللفظ بين الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح بأن كان استعمال الناس إياه في مجازه أكثر من استعماله في معناه الحقيقي تعين الحمل على المجاز عند أبي يوسف نظرا لرجحانه ولا يحمل على الحقيقة إلا بنية وقرينة واختاره القرافي، ومذهب النعمان أبي حنيفة الحمل على الحقيقة لأصالتها ولا يحمل على الأبنية أو قرينة. وقال الإمام واختاره السبكي في جمع الجوامع: أنه مجمل فلا يحمل على واحد منهما إلا بقرينة لرجحان كل واحد من وجه وعند التساوي تقدم الحقيقة عند الحنفية لأن الأصل تقديمها. وقال القرافي: الحق الواقف للإجمال لأن الحقيقة إنما قدمت لأنها أسبق للذهن من المجاز وهذا السبق هو معنى قولهم الأصل أي الراجح في الكلام الحقيقة إذا ذهب الراجح بالتساوي بطل تقديم الحقيقة، وتعين أن يكون الحق الإجمال. والتوقف وإن كان المجاز مرجوحا لا يفهم إلا بقرينة قدمت الحقيقة إجماعا، مثال المجاز الراجح لفظ الدابة حقيقة مرجوحة في كل مادب مجاز راجح في ذوات الحافر في أكثر البلاد وفي بعضها للحمار وفي بعضها للحية بالتحية، ومثال المساوى لو حلف لا نكح والنكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد:

أجمع أن حقيقة تمات ... على التقدم له الإثبات فاعل أجمع الإثبات جمع ثبت وإن شرطية يعني: أن الحقيقة إذا أميتت أي هجرت بالكلية قدم المجاز عليها باتفاق الإثبات أي العلماء كمن حلف لا يأكل من هذه النخلة فيحنت بثمرها دون خشبها الذي هو الحقيقة المهجورة حيث لا نية. وهو حقيقة أو المجاز ... وباعتبارين يجى الجواز يعني أن اللفظ المستعمل في معنى لا يخلو أما أن يكون حقيقة فقط أو مجازا فقط كالأسد للحيوان المفترس أو للرجل الشجاع ويجوز أن يكون حقيقة ومجازا معا باعتبارين، كأن وضع لمعنى عام ثم خصه الشرع أو العرف بنوع منه كالصوم في اللغة للإمساك خصه الشرع بالإمساك المعروف فاستعماله في العام حقيقة لغوية مجاز شرعي في الخاص بالعكس وكالدابة في اللغة لكل ما يدب على الأرض خصها العرف بذات الحافر ويمتنع كونه حقيقة ومجازا باعتبار واحد للتنافي بين الوضع ابتداء والوضع ثانيا. واللفظ محمل على الشرعي ... إن لم يكن فمطلق العرفي فاللغوي على الجلى يعني: أن اللفظ إذا كان المخاطب به بكسر الطاء صاحب الشرع فهو محمول على معناه الشرعي لأن اللفظ محمول على عرف المخاطب بالكسر شارعا كان أو أهل اللغة أو أهل العرف والشارع عرفه الشرعيات لأنه بعث لبيانها وإن كان عربيا وكذا لو أوصى إنسان بدابة قضى بما هو المتعارف عندهم في مسمى الدابة وإذا ورد لفظ الصلاة مثلا من صاحب اللغة حمل على الدعاء بخير ولا يحمل على الشرعي ولا العرفي لو كان. ثم إن كان المخاطب الشارع ولم يكن للفظ مدلول شرعي، أو كان وصرف عنه صارف حمل على معناه العرفي العام أي الذي يتعارفه جميع الناس واشتراط المحلى استمرار التعارف إلى وقت الحمل غير محتاج إليه لأنه لو اختص بزمن الخطاب ولم يوجد بعده كان عاما لأن العام قد ينقطع ويتغير. قال اللقاني وارتضاه في الآيات البينات ثم إن لم يكن له معنى عرفي عام أو كان وصرف عنه

صارف فالمحمول عليه المعنى اللغوي لتعينه حينئذ. قال زكرياء: لا ينتقل من معنى من المعاني الثلاثة إلى ما بعده إلا إذا تعذر حمله على حقيقته ومجازه والعرف الخاص كالعام في ذلك فإن اجتمعا فالظاهر تقديم العام على الخاص. لكن العرف لا يريده الشارع بل إنما يأتي في كلام غيره وتقديم العام على الخاص محله حيث لم يكن المتكلم له عرف خاص وتكلم فيما يناسبه كالنحوي يتكلم في مسألة نحوية فإن كان كذلك حمل على عرفه الخاص كما في الآيات البينات. قوله فمطلق العرفي يعني عاما كان أو خاصا قوليا كان أو فعليا على المشهور المراد بقوله على الجلي خلافا للقرافي بعدم اعتبار العرف الفعلي، وتبعه خليل في المختصر بقوله عرف قوله، وخلافا لمن قدم اللغوي على العرفي ولم أخر الشرعي في الجميع كما فعل خليل في مختصره، مثال الفعلي من حلف لا آكل خبزا وعادته أكل خبز البر فإنه يحنث عند القرافي بخبز الشعير وإن لم يأكله أبدا قال حلولو وقد اختلف عندنا يعني المالكية كالشافعية في تقديم العرفي على اللغوي في الأيمان ونحوها. ولم يجب ... بحث عن المجاز في الذي انتخب بالبناء للمفعول أي اختير يعني: أنه يجوز حمل اللفظ على معناه الحقيقي قبل البحث هل هو مستعمل في معناه المجازي لأن الأصل عدم المجاز بلا قرينة كما يدل عليه كلام الفهري وذكر القرافي أنه لا يصح التمسك بالحقيقة إلا بعد الفحص عن المجاز كالعام مع المخصص وكذلك كل دليل مع معارضه. يعني مع معارضه المرجوح وإلا وجب اتفاقا وإنما وجب عند القرافي البحث هل مستعمل في مجازه خوف أن يكون المجاز راجحا فيقدم على الحقيقة أو مساويا فالوقف. كذاك ما قابل ذا اعتلال ... من التأصل والاستقلال ومن تأسس عموم وبقا ... الافراد والاطلاق مما ينتقى كذاك ترتيب لا يجاب العمل ... بماله الرجحان مما يحتمل وعموم بالجر بمحدوف على التأصل والافراد مبتدأ عطف عليه الإطلاق خبره مما ينتقى بالباء للمفعول أي يختار تقدمه على

ضده يعني أنه كما يقدم الشرعي في كلام الشارع على العرفي والعرفي على اللغوي يقدم محتمل اللفظ الراجح الذي عارضه محتمل له مرجوح كالتأصل فإنه مقدم على الزيادة فيحمل عليه دونها كقوله تعالى: ((لا أقسم بهذا البلد)) قيل، لا زائدة وقيل: لا نافية وكذا يقدم الاستقلال على الإضمار كقوله تعالى: ((أن يقتلوا أو يصلبوا)) الآية قال الشافعي: يقتلون أن قتلوا وتقطع أيديهم إن سرقوا، ونحن نقول: الأصل عدم الإضمار أي الحذف وكذا يقدم التأسيس على التأكيد كقوله تعالى ((فبأي آلاء ربكما تكذبان)) من أول السورة إلى آخرها فتحمل الآلاء في كل موضع على ما تقدم قبل لفظ ذلك التكذيب فلا يتكرر منها لفظ وكذا يقال في سورة والمرسلات فيحمل على المكذبين بما ذكر قبل كل لفظ، وكذا يقدم العموم على الخصوص قبل البحث عن المخصص عند أكثر المالكية كقوله تعالى: ((وأن تجمعوا بين الأختين)) أي سواء كانتا حرتين أو مملوكتين ولا يختص بالحرتين دون المملوكتين، وكذا يقدم البقاء على النسخ كقوله تعالى: ((قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما)) الآية فحصر التحريم في الأربعة يقتضي إباحة ما سواها ومن جملته سباع الطير وورد نهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب ومخلب من الطير فاختلفوا فيه هل هو ناسخ للإباحة أو لا؟ والأكل مصدر مضاف إلى فاعله وذلك الأصل في إضافة المصدر فيكون الحديث مثل قوله تعالى ((وما أكل السبع)). ويقدم الإفراد على ضده الذي هو الاشتراك فجعل النكاح مثلا لمعنى واحد وهو الوطء أرجح من كونه مشتركا بينه وبين سببه الذي هو العقد ويقدم الإطلاق على التقييد كقوله تعالى ((لئن أشركت ليحبطن عملك)) فعند المالكية أن مطلق الشرك محبط، وقيده الشافعي بالموت على الكفر وأجيب بأن الأصل عدم التقييد، ويقدم الترتيب على التقديم والتأخير كقوله تعالى ((والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا)) الآية ظاهرها أن الكفارة لا تجب إلا بالظهار والعود معا وقيل فيها تقديم وتأخير تقديره والذين يظهرون من نسائهم فتحرير رقبة ثم يعودون لما قالوا قبل الظهار سالمين من الإثم بسبب الكفارة وعلى هذا لا يكون العود شرطا في كفارة الظهار وإنما قدم ما

ذكر لأجل إيجاب العمل بالراجح من محملات اللفظ وكون ما ذكر هو الراجح لأنه الأصل. وإن يجى الدليل للخلاف ... فقد منه بلا اختلاف يعني أن محل ترجيح المذكورات على مقابلاتها المرجوحة على الأصل حيث لا دليل يرجحه على الأصل والأرجح ووجب المصير إليه بلا خلاف. وبالتبادر يرى الأصيل ... إن لم يك الدليل لا الدخيل يرى بالبناء للمفعول، والدخيل معطوف على الأصيل يعني أنه يعرف الأصيل لا الدخيل أي الفرع الذي هو المجاز بالتبادر إلى الفهم حيث انفقد الدليل أي القرينة فالمعنى الذي يتبادر إلى الذهن من اللفظ عند عدم القرينة هو المعنى الحقيقي له وغيره وهو ما لا يتبادر إليه إلا بالقرينة هو المجازي. قال المحلى ويؤخذ مما ذكر أن التبادر من غير قرينة تعرف به الحقيقة. يعني أنه إذا كان المجاز يعرف بتبادر غيره الذي هو بحسب الواقع الحقيقة لولا القرينة فالحقيقة التي هي ذلك الغير تعرف بتبادرها من غير قرينة فإن قيل لا نسلم إن ذلك الغير ينحصر في الحقيقة بل منه اللفظ الموضوع قبل استعماله، فالجواب: أن اللفظ قبل الاستعمال لا يوصف بتبادر المعنى منه لأن تبادر المعنى من الألفاظ إنما يتصور حين استعماله في المعنى منه وأما معرفة معناه كذا للعلم بأنه وضع له فليس من قبيل تبادر المعنى من اللفظ فاللفظ الذي يتبادر منه المعنى لا يكون إلا الحقيقة وتنتقض هذه العلامة للحقيقة بالمشترك لأنه لا يتبادر شيء من معانيه وأجيب بأن العلامة لا يجب انعكاسها فلا يضر تخلفها عن المشترك وأيضا فلا نسلم انتفاءها عنه عند من يجعله عند تجرده من القرائن ظاهرا في معنييه أو معانيه وإذا علمت ذلك علمت بطلان اعتراض اللقاني على المحلى في قوله: ويؤخذ مما ذكر .. الخ قوله لا الدخيل أي الفرع فيعرف بضد العلامة المذكورة. وعدم النفي والاطراد ... ان وسم اللفظ بالانفراد

يعني: أنه يعرف الأصل وهو المعنى الحقيقي للفظ بعدم صحة نفيه في نفس الأمر لا لفظا ولا لغة وبه احترز عن قوله: ما أنت بإنسان لصحته لغة قاله العضد. مثال صحة النفي قولك للبليد ليس بحمار واعترض على هذه العلامة بأنه يلزم عليها الدور لتوقفها على أن المجاز ليس من المعاني الحقيقية وكونه ليس منها يتوقف على كونه مجازا وأجيب: بأن المراد صحة النفي بالنسبة إلى من لم يعرف أنه معنى حقيقي لذلك اللفظ وكذلك يعرف المعنى الحقيقي بوجوب الاطراد فيما يدل عليه أن وسم اللفظ بالانفراد أي عرف بعدم الترادف وإلا فلا يجب الاطراد لجواز التعبير بكل من المترادفين مكان الآخر مع أن كلا منهما حقيقة لا مجاز فما لا يطرد أصلا مجاز قال المحلى كما في ((واسأل القرية)) أي أهلها ولا يقال: واسأل البساط أي صاحبه. قال في الآيات البينات ثم الاطراد فيه ولو وقع إنما هو باستعمال نظائره في نظائر معناه لا باستعماله هو في أفراد معناه كما هو حقيقة الاطراد. وكذا ما يطرد لا وجوبا كما في الأسد في الرجل الشجاع فيصح في جميع جزئياته من غير وجوب الجواز أن يعتبر في بعضها بالحقيقة كالتعبير بالشجاع بدل الأسد في بعض ذوي الشجاعة قال المحشى ولا شك أن مثل ذلك يأتي في الحقيقة التي لها مجاز فإنه يصلح التعبير في بعض جزئياته مدلولها بالمجاز بدلها. يعني كالتعبير بالأسد بدل الشجاع وأجيب: بأن المراد بعدم الاطراد صحة إطلاق اللفظ على كل فرد من أفراد ذلك المعنى مع إمكان العدول في بعض الافراد إلى إطلاق يكون حقيقيا وبوجوب الاطراد صحة إطلاق اللفظ على كل فرد من أفراد ذلك المعنى مع عدم إمكان العدول في بعض الإفراد إلى إطلاق يكون حقيقيا واعترض بعضهم وجوب الاطراد في الحقيقة بأن منها ما لا يطرد كالفاضل والسخي حقيقتان في الإنسان ولا يطلقان في حقه تعالى، وكالقارورة والدبر ان الأول حقيقة في الزجاجة ولا يطلق في كل ما فيه قرار، والثاني في منزلة القمر لا في كل ما فيه دبور وأجيب بأن عدم إطلاق الأولين عليه تعالى لأمر شرعي وهو أن أسماءه تعالى توقيفية ولإيهام النقص، لأن الفاضل يطلق في محل يقبل الجهل والسخي في محل يقبل البخر وعدم إطلاق الآخرين على غير ما ذكر لعدم وجود المعنى فيه لأن المحل المعين قد اعتبر

في وضعهما ولم يوجد فيما ذكر وقول المحلى لا يقال واسأل البساط قال القرافي في شرح المحصول لا نسلم أنه يمتنع بل كلام سيبويه وغيره يقتضي الجواز. قال ابن مالك: وما يلي المضاف يأتي خلفا البيت، فإن امتنع استقلال المضاف إليه بالحكم فقياسي نحو واسأل القرية وإلا فسماعي. وما يقوي الإشكال أن المعتبر في العلاقة نوعها وهي متحققة هنا والاستحالة قرينة فما وجه الامتناع. والحاصل أن كلام الأصوليين مصرح بامتناع نحو واسأل البساط وكلام النحاة مصرح بجوازه مع ظهور وجهه والضد بالوقف في الاستعمال ... وكون الاطلاق على المحال يعني أنه يعرف المعنى المجازي بتوقف اللفظ في إطلاقه عليه على المسمى الآخر الحقيقي وهذا هو المسمى عند أهل البديع بالمشاكلة وهي التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته ولفظ المشاكلة مجاز نحو ((ومكروا ومكر الله)) أي جازاهم على مكرهم حيث تواطؤا وهم اليهود على قتل عيسى عليه السلام بأن ألقى شبهة على من وكلوا بقتله، وإطلاق اللفظ على معناه الحقيقي لا يتوقف على غيره يعني أنك إذا وجدت معنيين للفظة إطلاقها على أحدهما لا يتوقف على مسمى آخر. وعلى أحدهما يتوقف فاحكم على غير المتوقف بأنه حقيقي وعلى الآخر بأنه مجازي فقوله ((ومكروا حقيقة ومكر الله مجاز)). قوله وكون .. الخ يعني أنه يعرف المجازي بكون إطلاق اللفظ عليه إطلاقا على المستحيل عليه ذلك الإطلاق نحو ((واسأل القرية)) أطلق سؤال القرية على معنى هو استفهامها وهو مستحيل فاستحالته يعرف بها أن المراد استفهام أهلها. قوله والضد .. الخ الضد مبتدأ خبره بالوقف وكون الإطلاق معطوف عليه، يعني أن الضد الذي هو المجاز يعرف بالوقف أي التوقف.

وواجب القيد وما قد جمعا ... مخالف الأصل مجازا سمعا وواجب بالجر عطف على الوقف يعني: أن المجازى يعرف بلزوم تقييد اللفظ الدال عليه كجناح الذل ونار الحرب، الأول بمعنى لين الجانب والثاني بمعنى شدة الحرب فإنه التزم تقييد كل من الجناح والنار بما أضيف هو إليه وتلك الإضافة قرينة المجاز والتزامها علامة تميز المجاز عن الحقيقة وعلى هذا فالعلاقة المشابهة في الصفة الظاهرة وهي كون الجناح آلة يحفها الطائر على فرخه لئلا يؤذيه شيء وكون النار شديدة الإفناء. والظاهر كما قال السعد التفتازاني أنهما ليسا من قبيل الاستعارة الحقيقية بل من قبيل الاستعارة التخيلية كأظفار المنية، والحققون على أن اللفظ فيه مستعمل في معناه الموضوع له وإنما التجوز في الاستعارة في إثباته لما ليس له بخلاف المشترك من الحقيقة فإنه يقيد من غير لزوم وكالعين الجارية. قوله وما قد جمعا .. الخ ما مبتدأ وألف جمعا للإطلاق ومخالف الأصل حال من الضمير نائب فاعل جمع ومجازا حال من نائب فاعل سمع قدم وألفه للإطلاق أيضا وجملة سمع خبر يعني أن اللفظ جمعه على خلاف جمع الحقيقة مجاز كالأمر بمعنى الفعل مجازا يجمع على أمور بخلافه بمعنى القول فيجمع على أوامر وهذا مقيد، بما علم له معنى حقيقي، وتردد في معناه الآخر فيستدل على أنه مجاز باختلاف الجمع دفعا للاشتراك. قال زكرياء: وعليه فلا أثر لاختلاف الجمع في تمييز المجاز من الحقيقة مطلقا.

المعرب

المعرب بفتح الراء المشددة وإنما عقب به المجاز لشبهه به حيث استعملته العرب فيما لم يضعون له كاستعمالهم المجاز فيما لم يضعوه له ابتداء قاله المحلى وهو يدل على أنه ليس حقيقة لغوية إذ لم تضعه العرب بهذا المعنى ولا مجازا لغويا لأن العرب لم يستعملوه في هذا المعنى لعلاقة بينه وبين معنى آخر قاله في الآيات البينات: ما استعملت فيما له جا العرب ... في غير ما لغتهم معرب ما مبتدأ، والعرب فاعل استعملت ومفعوله محذوف ومعرب خبر، يعني أن المعرب هو لفظ استعملته العرب في معنى وضع له في غير لغتهم، فخرج الحقيقة والمجاز العربيان إذ كل منهما استعمل فيه اللفظ فيما وضع له في لغتهم. ما كان منه مثل اسماعيل ... ويوسف قد جاء في التنزيل إن كان منه .. يعني أن ما كان من المعرب علما مثل إسماعيل ويوسف بصرفهما في البيت للوزن وبتثليث سين يوسف فهو واقع في القرآن. ومثل إبراهيم وإسحاق وزكريا وغير ذلك. قوله: إن كان منه أي بناء على أن تلك الأعلام من المعرب لإجماع النحاة على أنه ممنوع من الصرف للعملية والعجمة ويحتمل أن لا تسمى معربا كما مشى عليه السبكي في جمع الجوامع حيث قال: المعرب لفظ غير علم وقد مشى في شرح المختصر على أنها منه ويجاب على الاحتمال الثاني بأن الإجماع المذكور لا يقتضي كونها

معرباً لجواز اتفاق اللغات فيها وإنما اعتبرت عجمتها حتى منعت من الصرف لأصالة وضعها أي سبقها في ذلك وكون وضعها أشبه بطريقة العجم في الوضع. قال في النقود والردود: وجعل الإعلام من المعرب محل مناقشة لأن العلم ليس من وضع الأعاجم إذ لا اختصاص له بلغة وشرط المعرب ذلك. (فائدة) أسماء الأنبياء كلها أعجمية إلا أربعة آدم وصالحا وشعيبا ومحمدا صلى الله عليه وسلم وأسماء الملائكة كلها أعجمية إلا أربعة منكرا ونكيرا ومالكا ورضوانا وقيل أن فتاني الكافر منكر ونكير وفتاني المؤمن مبشر وبشير وعليه فهم ستة. واعتقاد الأكثر ... والشافعي النفي للمنكر اعتقاد مبتدأ خبره النفي يعني أن رأي الأكثر والشافعي ومعتقدهم هو نفي وقع المعرب المنكر في القرآن إذ لو كان فيه لاشتمل على غير عربي فلا يكون كله عربيا وقد قال تعالى ((إنا أنزلنا قرآنا عربيا)) وقيل إنه فيه كاستبرق فارسية للديباج الغليظ وقسطاس رومية للميزان ومشكاة هندية للكوة التي لا تنفذ وأجيب بأن هذه الألفاظ ونحوها اتفق فيها لغة العرب ولغة غيرهم كالصابون. قال المحلى ولا خلاف في وقوع العلم الأعجمي في القرآن ولا ينافي ذلك كون القرآن كله عربيا نظرا إلى ما ذكره السعد وغيره أن الإعلام بحسب وضعها العلمي لا تنسب إلى لغة دون أخرى قال في الآيات البينات إلا أن لها مزية بغير العربية لكون الواضع من ذلك الغير وعلى طريقته في الوضع. وكونها لا تنسب إلى لغة دون أخرى يصحح نسبتها للعربية فيكون القرآن بجميع أجزائه عربيا لأنه إذا لم ينسب للغة دون أخرى فهو ينسب إلى الكل: وذاك لا يبنى عليه فرع ... حتى أبى رجوع صرع ذاك إشارة إلى ذكر المعرب في الأصول يعني أنه لا يبنى عليه فرع فقهي ولا يستعان به في علم الأصول حتى يعود الدر بفتح الدال وهو اللبن إلى الضرع كما هو الظاهر عند حلولو.

الكناية والتعريض

الكناية والتعريض قسم أهل البيان الكلام إلى صريح وكناية وتعريض فالكلام في هذه الأشياء لهم وإنما أخذه غيرهم منهم والمجاز من الصريح. مستعمل في لازم لما وضع ... له وليس قصده بممتنع أي هي أي الكناية لفظ مستعمل في لازم معناه الموضوع هو له مع جواز إرادة ذلك المعنى الحقيقي هذا مذهب صاحب التلخيص. فاسم الحقيقة وضد ينسلب .. يعني أنه على تعريف الكناية بما ذكر لا تكون حقيقة لاستعمالها في غير ما وضع له ولا مجازا لمنع صاحب هذا المذهب في المجاز إرادة المعنى الحقيقي مع المجازي وتجويزه ذلك فيها. وقيل بل حقيقة لما يجب .. من كونه فيما له مستعملا يعني أن بعضهم قال أن الكناية حقيقة إذ اللفظ عنده مستعمل فيما وضع له مرادا به الدلالة على لازمه: والقول بالمجاز فيه انتقلا .. لأجل الاستعمال في كليهما الضمير المجرور بفي للفظ الكناية يعني أن بعضهم قال أن الكناية مجاز إذ هي لفظ مستعمل في كلا المعنيين أعني الحقيقي ولازمه.

والتاج للفرع والأصل قسما مستعمل في أصله يراد ... لازمه منه ويستفاد حقيقة وحيث الأصل ما قصد ... بل لازم فذاك أولا وجد يعني أن تاج الدين السبكي اختار تبعا لوالده تقي الدين علي بن عبد الكافي انقسام الكناية إلى حقيقة ومجاز فالحقيقة منها هي اللفظ المستعمل في أصله أي ما وضع له مرادا منه لازمه نحو فلان طويل النجاد بكسر النون وهي حمائل السيف استعمل في طول الحمائل مقصودا به طول القامة لكن قصد المعنى الحقيقي لا ليتعلق به الإثبات والنفي ويرجع إلى الصدق والكذب بل لينتقل منه إلى لازمه فيكون مناط الإثبات والنفي ومرجع الصدق والكذب فيصح الكلام وإن لم يكن له نجاد قط، بل وإن استحال المعنى الحقيقي كما في قوله تعالى: ((والسماوات مطويات بيمينه)) والمجاز منها هو اللفظ المستعمل في لازم معناه الحقيقي فالمراد بالفرع المجاز وبالأصل الحقيقة، وبالأصل في قوله في أصله، وفي قوله وحيث الأصل، المعنى الذي وضع له اللفظ وعطف يستفاد على يراد عطف لازم على ملزوم فإنه يلزم إرادة المتكلم له استفادة السامع له، قوله فذاك أولا وجد أولا مفعول ثان لوجد والأول نائب الفاعل والمراد باولا المجاز وإنما كان مجازا لاستعماله في غير ما وضع له. وسم بالتعريض ما استعمل في ... أصل أو الفرع لتلويح يفي للغير من معونة السياق ... وهو مركب لدى السباق يعني: أن التعريض لفظ مستعمل في أصله أي معناه الحقيقي أو فرعه أي معناه المجازي ليلوح أي يشار به إلى غيره لكن لا من جهة الوضع الحقيقي أو المجازي بل من معونة السياق والقرائن وذلك الغير هو المعني المعرض به وهو المقصود الأصلي نحو قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه الصلاة والسلام ((بل فعله كبيرهم هذا)) نسب الفعل إلى

كبير الأصنام المتخذة آلهة كأنه غضب أن تعبد الصغار معه تلويحا للعابدين لها بأنها لا يصح أن تعبد لما يعلمون إذا نظروا بعقولهم من عجز الكبير عن كسر الصغار فضلا عن غيره والالاه لا يعجز عن شيء ولا كذب في الآية لأن الأخبار بخلاف الواقع إنما يكون كذبا إذا لم يقصد به الانتقال إلى غيره. ومنه من يتوقع صلة والله إني لمحتاج فإنه تعريض بالطلب مع أنه لم يوضع له حقيقة ولا مجازا بل إنما فهم المعنى من عرض اللفظ أي جانبه والكلام على الكناية والتعريض ذكر مستوفى في شرحنا (فيض الفتاح على نور الاقاح). تنبيهان: الأول ما ذكره السبكي من أن التعريض حقيقة خلاف ما في المفتاح وما حققه صاحب كشف الكشاف بل يكون حقيقة أو مجازا أو كناية لأنه في الأول أن يستعمل اللفظ في معناه الحقيقي مرادا منه لازمه ليلوح بغيره وفي الثاني أن يستعمل في معناه المجازي كذلك وأما ما في الكناية فبان يستعمل في معناه الحقيقي مرادا منه لازمة ليلوح لغيره. الثاني أن الكناية عند الفقهاء أعم منها في اصطلاح البيانين فإنها عند الفقهاء ما احتمل معنيين فأكثر سواء كان أحد المعنيين أو المعاني لازما لغيره منها أم لا، وأما التعريض فمعناه في اصطلاح الفقهاء والبيانيين واحد على الظاهر عند المحشي. قوله وهو مركب يعني أن لفظ التعريض لابد أن يكون مركبا قاله حائز واقصب السبق في الفن كابن الأثير يعني تركيبا إسناديا والله أعلم وقد يطلق التعريض على المصدر وهو ذكر اللفظ إلى آخره كالكناية.

الأمر

الأمر والمراد به في هذه الترجمة أعم من النفسي واللفظي. هو اقتضاء فعل غير كف ... دل عليه لا بنحو كفى يعني: أن الأمر النفسي هو اقتضاء أي طلب تحصيل فعل غير كف مدلول عليه بغير كف ودع وذر وخل وخل واترك. قوله مدلول عليه أي على الكف فتناول الاقتضاء ما ليس بكف نحو قم وما هو كف مدلول عليه بكف ونحوه بخلاف المدلول عليه بنحو لا تفعل فليس بأمر ويحد النفسي أيضا بالقول المقتضى لفعل غير كف مدلول عليه بغير كف والمراد بالقول القول النفسي ولا فرق في الاقتضاء بين الجازم وغيره وإن كان الأمر حقيقة في الجازم فقط على الصحيح لكن المراد بالأمر صيغة افعل وأما لفظ الأمر فحقيقة في الجازم وغيره كما حققه بعضهم والمراد بالفعل في قوله اقتضاء فعل الأمر والشان فيشمل فعل اللسان كالقول، والقلب كالقصد والجوارح كالضرب وأورد على الحد أنه غير مانع لأنه يشمل الطلب بالاستفهام لأنه طلب فعل غير كف مع أنه لا يسمى أمرا، بيانه أن المطلوب بالاستفهام تفيهم المخاطب وهو فعل قلت المراد ما يكون الدال عليه صيغة افعل والاستفهام ليس كذلك وأورد عليه أيضا أنه يلزم عليه عدم التمايز بين الأمر الذي هو طلب فعل هو كف والنهي الذي هو طلب ذلك الكف كما في كف عن ضرب زيد ولا تضرب زيدا إذ المميز بينهما كون الأول مدلولا لنحو كف، والثاني مدلولا لنحو لا تفعل ولا دلالة في الأزل لحدوث العبارة التي هي الدال ومع لازم الأقسام تمايزها فكيف تكون موجودة في الأزل حقيقة مع أن الخطاب ينقسم في الأزل إلى أمر ونهي وغيرهما حقيقة قال في الآيات البينات: ويمكن أن يجاب عن هذا بأن عدم التمايز باعتبار الدال لا

يستلزم عدم تمايزها مطلقًا لجواز أن تتمايز بأمر آخر. قوله دل بالبناء للمفعول وكف الأول مصدر والثاني أمر الواحدة. هذا الذي حد به النفسي ... وما عليه دل قل لفظي حد مبني للمفعول والنفسي نائب عن الفاعل ودل بالبناء للفاعل يعني أن ما ذكر من قوله اقتضاء الفعل هو الأمر النفسي واللفظ الدال على ذلك الأمر النفسي هو الأمر اللفظي فهو لفظ دال على اقتضاء فعل .. الخ. وليس عند جل الاذكياء ... شرط علو فيه واستعلاء ضمير للأمر يعني: لا يشترط في حده نفسيًا كان أو لفظيًا وجود علو ولا استعلاء بل يصح من المساوي وإلا دون على غير وجه الاستعلاء ومعنى العلو كون الطالب أعلى مرتبة من المطلوب منه الاستعلاء كون الطلب بغلظة وقهر قال القرافي وغيره: فالاستعلاء هيئة في الأمر بسكون الميم من الترفع وإظهار القهر والعلو راجع إلى هيئة الآمر بكسر الميم. من شرفه وعلو منزلته هذا مذهب جل الحذاق. والنهي مثل فيما فيه من الخلاف في اشتراط العلو والاستعلاء والصحيح فيه من ذلك الصحيح في الأمر وهو عدم اشتراطهما معًا. وخالف الباجي بشرط التالي ... وشرط ذاك رأي ذي اعتزال واعتبرا معًا على توهينِ ... لدى القشيري وذي التلقينِ اعتبر مبني للمفعول يعني أن الباجي خالف الجمهور في اشتراطه في حد الأمر الاستعلاء. واشتراط العلو فيه فقط هو مذهب المعتزلة فإن كان من المساوي سمي التماسًا ومن الأدون سمي دعاء وسؤالاً واعتبرهما معًا القشيري وصاحب التلقين في فروع مذهب مالك وهو القاضي عبد الوهاب مع أن قولهما مضعف كما أشار له بقوله «على توهين» أي مع تضعيف لقولهما وإطلاق الأمر دون ما اعتبر منهما أو من أحدهما فقط مجاز، فالحاصل أربعة مذاهب في اعتبار العلو والاستعلاء أصحها أنه لا يعتبر واحد منهما.

والأمر في الفعل مجاز واعتمى ... تشريك ذين فيه بعض العلما اعتمى بمعنى اختار وبعض فاعله ومفعوله تشريك يعني أن الأمر إذا استعمل في الفعل كان مجازا نحو ((وشاورهم في الأمر)) أي الفعل الذي تعزم عليه لتبادر القول دون الفعل من لفظ الأمر إلى الذهن والتبادر من علامات الحقيقة واختار بعض الفقهاء تشريك الاقتضاء المعرف بما ذكر والفعل في الأمر فيطلق عليهما حقيقة. وافعل لدى الأكثر للوجوب ... وقيل للندب أو المطلوب وقيل للوجوب أمر الرب ... وأمر من أرسله للندب. أما الأمر الذي مادته همزة وميم وراء فحقيقة في الطلب جازما كان أم لا كما تقدم وأما صيغة فعل الأمر وهو المراد بقوله افعل فمذهب الأكثر من المالكية وغيرهم أنه حقيقة في الوجوب فيحمل عليه حتى يصرف عنه صارف. وقيل في الندب لأنه المتيقن وقيل حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب وهو مطلب الطلب وبه قال الماتريدي. وقيل: أمر الله تعالى حقيقة في الوجوب، وأمر من أرسله الله تعالى حقيقة في الندب إذا كان مبتدءا من جهته بخلاف الموافق لأمر الله تعالى في القرآن أو المبين لمجمل القرءان فهو حقيقة في الوجوب أيضا والمبتدأ منه ما كان باجتهاده وإن كان بمنزلة الوحي إذ لا يقع منه خطأ أن لا يقر عليه قاله في الآيات البينات ومقتضاه أن الوحي الذي ليس من القرءان من القسم الأول لأنه ليس باجتهاده ومقتضى قولهم الموافق لأمر الله أو المبين له أنه من القسم الثاني وهذا القول الرابع حكاه القاضي عبد الوهاب عن الأبهري وذكر المازري رواية عنه بالندب مطلقا. تنبيه، قال الفهري: اتفقوا على أن صيغة افعل ليست حقيقة في كل ما وردت فيه من تهديد تسخير وغير ذلك من ستة وعشرين معنى ترد لها. فائدة: حجة من قال أن فعل الأمر حقيقة في الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل

صلاة) ولفظ لولا يفيد انتفاء الأمر لوجود المشقة، والندب في السواك ثابت فدل على أن الأمر لا يصدق على الندب بل على ما فيه مشقة وهو الوجوب وقوله تعالى ((ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك)) ذمه على ترك السجود المأمور به في قوله اسجدوا لآدم قال القرافي: والذم لا يكون إلا في ترك واجب أو فعل محرم وحجة الندب أن الأمر تارة يرد للوجوب كما في الصلوات الخمس وتارة للندب كما في صلاة الضحى والاشتراك والمجاز خلاف الأصل فجعل حقيقة في رجحان الفعل وجواز الترك لأنه الأصل من جهة إبراء الذمة وهذا بعينه هو حجة من قال: أن الأمر للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو مطلب الطلب قاله في شرح التنقيح. ومفهم الوجوب يدري الشرع ... أو الحجا أو المفيد الوضع يدري بالبناء للمفعول والشرع نائبه ومفهم مفعول ثان والحجا معطوف على الشرع وجملة المفيد الوضع معطوفة على الجملة قبلها يعني أنهم اختلفوا في الذي يفهم منه دلالة الأمر على الوجوب هل هو الشرع أو العقل أو الوضع أي اللغة أقوال: حجة الأول قوله تعالى لإبليس ((ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك)) الآية. وقوله ((أفعصيت أمري)) ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وأيضا المنقول عن الصحابة والأئمة المتقدمين التمسك بمطلق الأمر في إثبات الوجوب إلا بصارف عنه فترتب العقاب على الترك إنما يستفاد من أمر الشارع وأمر من أوجب طاعته وحجة من قال إنه العقل هي إن ما تفيده اللغة من الطلب يتعين أن يكون للوجوب لأن حمله على الندب يصير المعنى أفعل إن شئت وهذا القيد ليس مذكورا وقوبل بمثله في الحمل على الوجوب فإنه يصير المعنى افعل من تجويز ترك والقائل إنه اللغة يقول إن أهل اللغة يحكمون باستحقاق عبد مخالف أمر سيده مثلا بها للعقاب وأجيب بأن حكم أهل اللغة المذكور مأخوذ من الشرع لإيجابه على العبد مثلا طاعة سيده. وكونه للفور أصل المذهب ... وهو لدى القيد بتأخير أبي

يعني أن كون أفعل للفور هو أصل مذهب مالك رحمه الله تعالى دل على الوجوب أو الندب على الصحيح قال القاضي لكن بعد سماع الخطاب وفهمه أما اقتضاؤه الفور على القول بأنه يقتضي التكرار فحكى القاضي عبد الوهاب الاتفاق عليه كما سيأتي وعلى أنه لا يقتضي التكرار فالمروى عن مالك اقتضاؤه الفور، قال القاضي عبد الوهاب وهو الذي ينصره أصحابنا وأخذ لمالك من مسائل عديدة في مذهبه منها الأمر بتعجيل هدى الحج وإيجابه الفور في الوضوء بآيته ولا فرق في اقتضائه الفور بين أن يتعلق بفعل واحد أو بجملة أفعال وفاقا للحنفية في كونه للفور حجة من قال أنه للفور أنه الأحوط وقوله تعالى: ((ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك)) فلولا الفور لكان من حجته أن يقول أمرتني وما أوجبت على الفور فلا عتب علي. قوله: وهو أي الفور أبي أي منع دلالة فعل الأمر عليه إذا قيد بالتأخير نحو صم غدا فهذا محل وفاق وكذا لا خلاف إذا قيد بفور نحو قم الآن. وهل لدى الترك وجوب البدل ... بالنص أو ذاك بنفس الأول يعني: أنه على القول بالفور وأن الفور لا يتصور إلا إذا تعلق بفعل واحد إذا تركه هل يجب عليه الإتيان ببدله بنفس الأمر الأول وعليه الأكثر أو لا يجب إلا بنص آخر غير نفس الأمر الأول والبدل هو العزم على أدائه في الوقت ليغارق المندوب فهو بدل من التقديم وقيل بدل من نفس الفعل وقيل ليس ببدل وإنما هو شرط في جواز التأخير تقديره وهل إذا ترك الفعل يكون وجوب البدل منه بنص آخر غير نفس الأمر أو ذلك أي وجوب البدل يكون بنفس الأمر الأول. وقال بالتأخير أهل المغرب ... وفي التبادر حصول الإرب يعني أن أهل المغرب من المالكية قالوا إن فعل الأمر للتأخير وفاقا للشافعية واختلف هؤلاء القائلون بالتراخي أي التأخير هل يجوز التأخير إلى غير غاية على الإطلاق أو إلى غير غاية بشرط السلامة فإن مات قبل الفعل أثم وقيل لا يأثم إلا أن يظن فواته.

قوله وفي التبادر يعني: إنه على القول بالتراخي فمن بادر حصل له الإرب أي الامتثال بناء على أن التراخي غير واجب وقيل: ليس بممتثل بناء على أنه واجب وهل ذا القول بعدم الامتثال خلاف الإجماع أو الجمهور خلاف. والأرجح القدر الذي يشترك ... فيه وقيل أنه مشترك يعني أن الأرجح في الموضوع له فعل الأمر أنه القدر المشترك فيه حذرا من الاشتراك والجاز والقدر المشترك هو طلب الماهية من غير تعرض لوقت من فور أو تراخ وقيل إنه مشترك بين الفور والتراخي فيدل على كل واحد منهما حقيقة. وقيل للفور أو العزم وإن نقل بتكرار فوفق قد زكن يعني: أنه قيل إنه لواحد من الفور أو العزم، قال حلولو فالعزم بدل من التقديم قال القاضي عبد الوهاب وقيل بدل من الفعل وقيل ليس هو بدلا وإنما هو شرط في جواز التأخير. قوله وإن نقل، يعني: إنه على القول بأن الأمر يقتضي التكرار فالاتفاق على كونه للفور معلوم عندهم كما تقدم (وزكن) مركب بمعنى علم وكونه للفور أو العزم قال به القاضي والباجي في وقت الصلاة الموسع. وهل لمرة أو إطلاق جلا ... أو التكرر اختلاف من خلا جلا بالجيم فاعله ضمير الأمر يعني: إن مذهب أصحابنا أن فعل الأمر موضوع للدلالة على المدة الواحدة وقاله كثير من الحنفية ومن الشافعية لأن المرة هي المتيقن. وقال بعضهم: أنه لمطلق الماهية لا لتكرار ولا لمرة وعليه المحققون واختاره ابن الحاجب. قال الفهري: وعندي الآتي بمرة ممتثل والمرة ضرورية إذ لا توجد الماهية بأقل منها فيحمل عليها من حيث أنها ضرورية لا من حيث أنها مدلولة قال المحشيان. حجة هذا القول أنه ورد للتكرار كما في الصلوات الخمس وللمرة كما في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والأصل

عدم المجاز والاشتراك فوجب جعله حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو أصل الفعل قاله في شرح التنقيح ويحمل على التكرار على القولين بقرينة، وقال بعضهم أنه للتكرار واستقرأه ابن القصار من كلام مالك لكن مالكا خالفه أصحابه في ذلك قاله في التنقيح. حجة التكرار أنه لو لم يكن له لامتنع ورود النسخ عليه بعد الفعل قاله في شرح التنقيح وأيضا فإن التكرار هو الأغلب. قوله أو التكرار بالجر عطفا على مرة وقوله اختلاف من خلا مبتدأ خبره محذوف أي فيه اختلاف من خلا أي مضى من الأصوليين. أو التكرر إذا ما علقا ... بشرط أو بصفة تحققا التكرر مبتدأ خبره تحقيقا بالبناء للفاعل بمعنى حصلت حقيقته وعلق مبني للمفعول نائبه ضمير فعل الأمر يعني أن مالكا وجمهور أصحابه والشافعية قالوا أنه للتكرار أن علق بشرط أو بصفة خلافا للحنفية وبعض المالكية في أنه لا يفيد معهما التكرار أي يفيد التكرر حيثما تكرر المعلق به، نحو ((وإن كنتم جنبا فاطهروا)) ((والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)) و ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)) تتكرر الطهارة والقطع والجلد بتكرر الجنابة والسرقة والزنا ويحمل المعلق المذكور على المرة بقرينة كما في أمر الحج المعلق بالاستطاعة في قوله تعالى ((ولله على الناس حج البيت)) الآية وإن كان المراد بالأمر في هذا الباب صيغته لكن الآية في حكم الأمر لإفادتها ما يفيده ولا فرق على ظاهر كلام بعضهم بين كون الشرط والصفة علة كالأمثلة المذكورة أم لا وذكر ابن الحاجب وغيره أن محل الخلاف فيما كان غير علة. ثم التكرر عند القائل به وإن لم يعلق بشرط أو صفة حيث لا يبان لأمره يستوعب ما يمكن من زمان العمر لانتفاء مرجح بعضه على بعض. واحترز بقوله ما يمكن عن أوقات ضروريات الإنسان من أكل وشرب ونوم ونحوها ومما ينبني على مسألة الخلاف في الأمر هل يفيد التكرار تعدد السبب مع اتحاد المسبب هل يتعدد السبب أو لا؟ كحكاية الأذان فمن يقول بالتكرر مطلقا أو إن علق بشرط أو صفة تعددت

عنده ومن لا فلا ولفظ الحديث فيه (إذا أسمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) لكن مسائل الفروع منها ما يتعدد فيه المسبب بتعدد سببه اتفاقا ومنها ما لا يتعدد اتفاقا ومنها في تعدده به خلاف، قال ميارة في التكميل: أن يتعدد سبب والموجب ... متحد كفى لهن موجب كنا قض سهو ولوغ والفدا ... حكاية حد تيمم بدا وذا الكثير والتعدد ورد ... بخلف أو وفق بنص معتمد وقد نظمت ما تعدد اتفاقا أو على خلاف بقولي: وما تعدد فوقف غرة ... أو دية ومهر غصب الحرة عقيقة ومهر من لم تعلم ... والثلث من بعد الخروج فاعلم والخلف في صاع المصرات وفي ... كفارة الظهار من نسايفي وهدى من نذر نحر ولده ... غسل أنا الولغ يرى بعدده حكاية المؤذنين وسجود ... تلاوة وبعد تكفير يعود قذف جماعة وثلث قبل أن ... يخرج ثلثا قاله من قد فطن كفارة اليمين بالله علا ... لقصد تأسيس من الذي ائتلا قوله غرة أودية يعني إذا تعدد الجنين تعدد الواجب من غرة أودية وكذا إذا نذر ثلث ماله فأخرج ثم نذره أيضا وكذا تعدد الكفارة عن اليوم الواحد بعد التفكير. والأمر لا يستلزم القضاء ... بل هو بالأمر الجديد جاء لأنه في زمن معين ... يجي لما عليه من نفع بنى يعني: أن الأمر بالشيء موقتا لا يستلزم عند الجمهور القضاء له إذا لم يفعل في وقته لأن الأمر بفعل في وقت معين لا يكون إلا لمصلحة تختص بالوقت وإلى هذا التعليل أشار بقوله لأنه أي لأن الأمر بفعل زمن معين يكون لما بنى عليه من نفع للعباد أي مصلحة بل القضاء يكون بأمر جديد يدل على مساواة الزمن الثاني في المصلحة،

والأصل أي الظاهر، عدم المصلحة فضلًا عن المساواة، مثال الأمر الجديد حديث الصحيحين (من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها) وحديث مسلم (إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها) وتقضي المتروكة عمدا قياسا على ما ذكر بالأولى قاله في الآيات البينات وخرج بالوقت المطلق وذو السبب إذ لا قضاء فيهما اتفاقا. وخالف الرازي إذ المركب ... لكل جزء حكمه ينسحب يعني: أن أبا بكر الرازي من الحنفية وهو موافق لجمهورهم نظر إلى قاعدة أخرى وهي أن الأمر بالمركب أمر بأجزائه وإليه الإشارة بقوله إذ المركب .. الخ واللام في قوله لكل بمعنى على فالأمر بشيء مؤقت إذا لم يفعل في وقته يستلزم عند جمهور الحنفية القضاء لأنه لما تعذر أحد الجزئين وهو خصوص الوقت تعين الجزء الآخر وهو فعل المأمور به نحو صم يوم الخميس مقتضاه إلزام الصوم وكونه في يوم الخميس فإذا عجز عن الثاني لفوات بقى اقتضاء الصوم فهذه المسألة تجاذ بها أصلان أحدهما الأمر بالمركب أمر بأجزائه وإليه نظر الحنفية والثاني أن الأمر بفعل في وقت معين لا يكون إلا لمصلحة تختص بالوقت وإليه نظر الجمهور وهكذا كل مسألة تجاذ بها أصلان أو أصول يجرى فيها الخلاف بحسب الأصول قال في التكميل: وإن يكن في الفرع تقريران ... بالمنع والجواز فالقولان وليس من أمر بالأمر أمر ... لثالث إلا كما في ابن عمر والأمر للصبيان ندبه نمى ... لما رووه من حديث خثعم اللام في قوله الثالث زائدة وخثعم كجعفر بن انمار أبو قبيلة من معد يعني أن من أمر شخصا ثالثا بشيء لا يسمى آمرا لذلك الثالث لمن وقع بينهما التخاطب فهو كمن أمر زيدا أن يصيح على الدابة فإنه لا يصدق عليه أنه أمر الدابة كقوله صلى الله عليه وسلم (مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع وأضربوهم عليها وهم أبناء عشر) ليس أمر للصبيان وقوله تعالى ((وأمر أهلك بالصلاة)) إلا أن ينص الآمر على ذلك أو تقوم قرينة على أن الثاني مبلغ عن الأول فالثالث مأمور إجماعا كما في حديث الصحيحين (أن ابن عمر طلق زوجته وهي حائض فذكره عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال مره فليراجعها) والقرينة مجيء الحديث في رواية بلفظ

فأمره صلى الله عليه وسلم أن يراجعها مع لام الأمر في فليراجعها وقال بعض الحنفية أنه أمر لذلك الثالث وإلا فلا فائدة فيه لغير المخاطب ورد عليه زكرياء بأنه يلزم عليه أن القائل لغيره: مر عبدك بكذا متعد لكونه ءامرا للعبد بغير إذن سيده وإنه لو قال للعبد بعد ما ذكر لا تفعل يكون؟ ؟ ؟ ؟ ولم يقل بذلك أحد اهـ. ورد دليله وهو قوله وإلا فلا فائدة فيه؟ ؟ ؟ المخاطب بأنا لا نسلم انتفاء الفائدة لغير المخاطب إذ قد ينشأ المخاطب ولو في الجملة أمره لغيره وقد ينشأ عن أمره امتثال؟ ؟ ؟ وذلك كان في الفائدة قاله في الآيات البينات. (فائدة) قال في شرح التنقيح علم من الشريعة أن كل من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر غيره فإنما هو على سبيل التبليغ ومتى كان على سبيل التبليغ صار الثالث مأمورا إجماعا. وعليه فالخلاف إنما هو في غير أمر الشارع لكن ما قاله متناقض مع قوله في حديث مروهم بالصلاة إنه ليس بأمر للصبيان ومع تمثيل المحلى للمسألة بقوله تعالى: ((وأمر أهلك بالصلاة)) ومع قول الزركشي وأبي زرعة أن الأمر بالأمر بالرجعة في حديث (مره فليراجعها) ليس أمرا بها فالصواب جريان الخلاف في أمر الشارع كغيره ما لم تكن قرينة والأمر بالرجعة عندنا واجب لظهور الأمر في الوجوب وعند الشافعية مندوب لأن الأمر بها لا يزيد على الأمر بابتداء النكاح وهو مندوب. قوله والأمر للصبيان .. الخ، يعني أن أمر الصبيان بالمندوبات ليس منسوبا دليله لحديث (مروهم بالصلاة بناء على أن الآمر بالأمر بالشيء آمر به بل لما روى من حديث امرأة من خثعم (قالت يا رسول الله ألهذا حج قال نعم ولك أجر). تعليق أمرنا بالاختيار ... جوازه روى باستظهار يعني: أن في تعليق الأمر باختيار المأمور خلافا نحو افعل كذا إن شئت لكن الجواز استظهر المحلى فالباء في قوله باستظهار للمعية قال والظاهر الجواز والتخيير قرينة على أن الطلب غير جازم وقد روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال (صلوا قبل المغرب

قال في الثانية لمن شاء) أي ركعتين كما في أبي داوود وقيل: لا لما بين طلب الفعل والتخيير فيه من التنافي. وآمر بلفظه تعم هل ... دخل قصدا أو عن القصد اعتزل يعني أن الآمر بكسر الميم بلفظ يتناوله وغيره اختلفوا فيه هل يدخل في قصده لتناول الصيغة له وصحح ونسب للأكثرين أو لا يدخل في قصده لبعدان يريد الآمر نفسه وصحح ونسب للأكثرين أيضا كقول السيد لعبده أكرم من أحسن إليك وقد أحسن هو إليه وقد تقوم قرينة على عدم الدخول كقوله لعبده تصدق على من دخل داري وقد دخلها هو للقرينة فيه كما قال زكرياء إن التصدق تمليك وهو لا يتصور في المالك لما يتصدق به إذا المالك لا يملك نفسه وفعل عبده كفعله. أنب إذا ما سر حكم قد جرى ... بها كسد خلة للفقراء يعني أنه يجوز للمأمور أن ينيب غيره فيما كلف به على الأصح إذا حصل بالنيابة سر الحكم أي مصلحته التي شرع لها سواء كان ماليا كسد خلة الفقراء في المال المخرج في الزكاة أو بدنيا كالحج إلا لمانع من الحكمة كما في الصلاة. وخالفت المعتزلة فقال لا يدخل البدني لأن الأمر به إنما هو لقهر النفس وكسرها بفعله والنيابة تنافي ذلك إلا لضرورة كما في الحج فنحن نشترط للجواز عدم المانع وهم يشترطون له الضرورة فإذا انتفى المانع جازت بدون ضرورة عندنا دون المعتزلة ورد على المعتزلة بأنها تنافيه لما فيها من بذل المؤنة أو تحمل المنة والمانع في الصلاة هو أن المقصود بها من الخضوع والإنابة لله لا يحصل بالنيابة قاله حلولوا قال في الآيات البينات: إن المحلى لم يبين المانع في الصلاة ولا يصح أن يكون منافاة النيابة للمقصود من كسر النفس لأن هذا هو حجة المعتزلة في البدني مطلقًا وقد صرح بردها نعم يمكن أن يجعل المانع كون المقصود الكسر والقهر على أكمل الوجوه كما دل عليه تصرف الشرع وذلك لا يحصل مع النيابة وإن حصل فيها مطلق الكسر. ومما لا يقبل النيابة اتفاقا النية ولا يرد على ذلك نية الوالي عن الصبي فإنها على خلاف الأصل قولنا يجوز للمأمور نعني به الجواز العقلي وعلى أنه جائز عقلا فهو واقع شرعا والمعتزلة تمنعه عقلا فضلا عن الوقوع.

والأمر ذو النفس بما تعينا ... ووقته مضيق تضمنا نهيا عن الموجود من اضداد ... أو هو نفس النهى عن انداد يعني أن الأمر النفسي بشيء معين وقته مضيق يتضمن أي يستلزم عقلا النهي عن الوجود من اضداده وإليه ذهب أكثر أصحاب مالك وصار إليه القاضي في آخر مصنفاته والمشهور عنه أنه عينه واحدا كان الضد كضد السكون أي التحرك أو أكثر كضد القيام أي القعود وغيره. أما النقيض الذي هو ترك المأمور به فإنه عنه أو يتضمنه اتفاقًا فقوله قم يستلزم النهي عن ترك القيام بلا خلاف كذا قالوا إلا أن النهي عن الترك هو عدم الفعل ولا تكليف إلا بفعل ففي العبارة تجوز أو يقال ترك المأمور به هو الكف عنه وهذا ضد لا نقيض وجعلنا تقييد الضد بالموجود للاحتراز بناء على أن الضد لا يتقيد بالموجود وهو الذي في اللغة والمشهور في الاصطلاح أنه مقيد به قوله: أو هو نفس .. الخ أو لتنويع الخلاف والأنداد الأضداد يعني أن الأشعري والقاضي وجمهور المتكلمين وفحول النظار ذهبوا إلى أن الأمر النفسي بشيء معين ووقته ضيق هو نفس النهي عن ضده الواحد أو أضداده فالمعنى أن ما يصدق عليه أنه أمر نفسي هل يصدق عليه أنه نهى عن ضده أو مستلزم له سواء كان إيجابا أو ندبا فالنهي عن الضد في الواجب يكون على وجه التحريم وفي الندب على وجه الكراهية وبيان ذلك أن الطلب واحد هو بالنسبة إلى المأمور به أمر والي ضده نهى وقولنا بشيء معين احتراز عن المخير فيه من أشياء فليس الأمر به بالنظر إلى ما صدقه نهيا عن ضده منها ولا مستلزما له اتفاقا وبقوله ما صدقه أي فرده المعين احترز عن النظر إلى مفهومه وهو الأحد الدائر بين تلك الأشياء فإن الأمر حينئذ نهى عن الضد الذي هو ما عدا تلك الأشياء قاله في الآيات البينات مستصوبا له على ما لغيره واحترز بقوله ووقته مضيق عن الوسع فيه قال في شرح التنقيح ويشترط فيه أيضا أن يكون مضيقا لأن الموسع لا ينهى عن ضده. واستشكل القول الثاني بأن الطلب وأن اتحد في نفسه يلزم تغايره فيهما إذ يعتبر في الأمر تعلق بالفعل وفي النهي تعقله بالترك والطلب باعتبار تعلقه بالفعل غير الطلب باعتبار تعقله بالترك وإذا تباين ما يعتبر فيهما وجب تباينهما إذ مجموع

الطلب والتعلق بالترك يباين مجموع الطلب والتعلق بالفعل فكيف يصح الحكم بأن أحدهما هو الآخر ويجاب بأن كلا منهما عبارة عن مجموع الطلب والتعلق. وأما المتعلق الذي هو الفعل والترك فخارج عن حقيقتهما نظيره تفسيرهم العمى بعدم البصر مع ما حققه السيد أن حقيقته العدم والإضافة إلى البصر مع خروج المضاف إليه وهو البصر عن حقيقته قاله في الآيات البينات. واستشكل بعضهم تصوير هذه المسألة بأنه إن كان المراد الكلام النفسي بالنسبة إلى الله تعالى فالله عليم بكل شيء. وكلامه واحد بالذات وهو أمر ونهي وخبر واستخبار وغيرها باعتبار المتعلق، وحينئذ فأمر الله بالشيء عين النهي عن ضده بل وعين النهي عن شيء آخر لا تعلق له به فكيف يأتي فيه الخلاف بين أهل السنة ولهذا قال القرافي والغزالي هذا لا يمكن فرضه في كلام الله تعالى فإنه واحد هو أمر ونهي وغيرهما فلا تتطرق الغيرية إليه فليفرض في كلام المخلوق. وإن كان المراد بالنسبة إلى المخلوق فكيف يكون عين النهي عن ضده أو يتضمنه مع احتمال ذهوله عن الضد مطلقًا كما هو حجة من قال لا عينه ولا يتضمنه؟ وجوابه أن الكلام في التعلق أي فهل تعلق الأمر بالشيء هو عين تعلقه بالكف عن ضده بمعنى أن الطلب له تعلق واحد بأمرين هما فعل الشيء والكف عن الضد فباعتبار الأول هو أمر وباعتبار الثاني هو نهي أو أن متعلق ذلك التعلق الواحد هو الفعل ولكنه مستلزم لتعلق الطلب بالكف عن الضد كالعلم المتعلق بأحد شيئين متلازمين كيمين وشمال وفوق وتحت فيسلتزم تعلقه بالآخر ذكر المحشيان ومثله في الآيات البينات. ويتضمن الوجوب فرقا ... بعض وقيل لا يدل مطلقا يعني: أن بعضهم فرق بين أمر الوجوب وأر الندب فقال يتضمن الأول النهي عن ضده بخلاف الثاني فإنه لا عينه ولا يتضمنه لأن الضد فيه لا يخرج به عن أصله من الجواز بخلاف الضد في أمر الوجوب لاقتضائه الذم على الترك قوله: وقيل: لا يدل مطلقا، يعني: أن الإبياري منا وإمام الحرمين والغزالي من الشافعية قالوا أن الأمر المذكور ليس عين النهي ولا يتضمنه مطلقا أي أمر وجوب كان أو ندب

لأن جهة الأمر غير جهة النهي ومنعوا دليل القولين الأولين وهو أنه لما لم يتحقق المأمور به بدون الكف عن ضده كان طلبه طلبا للكف أو متضمنا لطلبه فإن الملازمة في الدليل ممنوعة لجواز أن لا يحضر الضد حال الأمر فلا يكون مطلوب الكف به أمر يأمر بالشيء من لا شعور له بضده؟ ففاعل في كالصلاة ضدا ... كسرقة على الخلاف يبدى إلا إذا النص الفساد أبدى ... مثل الكلام في الصلاة عمدا فاعل مبتدأ خبره يبدى بالبناء للمفعول أي يظهر ويبنى على الخلاف المذكور إتيان المكلف في العباد بضدها هل يفسدها أو لا؟ والمشهور في السرقة صحة الصلاة وأدخلت الكاف من صلى بحرير أو ذهب أو نظر لعورة إمامه فيها فعلى أن الأمر بالشيء نهى عن ضده بطلب الصلاة إذا قلنا أن النهي يدل على الفساد. قوله كسرقة بسكون الراء لأن فعلا بكسر العين يجوز فيه تكسينها قال حلولوا: ويحتمل أن يكون مثار الخلاف النظر إلى تعدد الجهة وصحة الانفصال كالصلاة في الدار المغصوبة اهـ. ومحل الخلاف حيث لم يدل دليل على الفساد كالكلام في الصلاة عمدا كما أشار له بقوله: ألا إذا النص الفساد أبدي: الخ .. والفساد مفعول أبدى مقدم عليه والنهي فيه غابر الخلاف ... أو أنه أمر على ائتلاف وقيل لا قطعا كما في المختصر ... وهو لدى السبكي رأي ما انتصر يعني: أن النهي النفسي عن شيء تحريما أو كراهة جرى فيه من الخلاف مثل ما في الأمر النفسي أي هل هو أمر بالضد أو يتضمنه أولا عينة ولا يتضمنه أو نهي التحريم يتضمنه دون نهي الكراهة فإن كان الضد واحد كضد التحرك فواضح أو أكثر كضد القعود أي القيام وغيره فالكلام في واحد من أيا كان بخلاف ما مر من أن الأمر بالشيء الذي له أكثر من ضد نهى عن أضداده الوجودية كلها إذ لا يتأتى الإتيان بالمأمور به إلا بالكف عنها كلها.

قوله أو أنه أمر .. الخ، بفتح همزة أنه عطفا على غابر يعني أن الهي يزيد على الأمر قولين. أحدهما هو أنه أمر بالضد اتفاقا وهي طريقة القاضي بناء على أن المطلوب في النهي فعل الضد وإنما أجرى القطع في جانب النهي دون جانب الأمر لأن النهي أهم لأنه من قبيل درء المفسدة بخلاف الأمر فإنه من قبيل جلب المصلحة ودرء المفاسد أهم- ولذا اشتهر أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. ولا يقال أن الأمر يتضمن النهي لأنا نقول المقصود بالذات في الأمر الفعل دون الترك بخلافه في النهي فإن المقصود بالذات فيه الترك قال في الآيات البينات وقد يقال لا حاجة إلى ذلك كله لأن القطع مبني على أن المطلوب في النهي فعل الضد ولا إشكال حينئذ في القطع لأنه إذا كان المطلوب فعل الذي لا يتصور إلا أن يكون أمرا به لكن يتوجه حينئذ أنه لم كان على هذا القول المطلوب في النهي فعل الضد ولم يكن المطلوب في الأمر ترك الضد؟ ويفرق بأن هذا القائل نظر إلى أنه لا تكليف إلا بفعل فيكون المكلف به فعل الضد كما تقدم حكاية هذا في مسألة لا تكليف إلا بفعل، وإن كان الصحيح كما تقدم أن المكلف به فيه هو الكف وهو الفعل. والقول الثاني: أنه ليس أمرا بالضد لا على وجه المطابقة ولا التضامن اتفاقا بناء على أن المطلوب فيه انتفاء الفعل هذا القول ابن الحاجب في مختصره، لكنه عند تاج الدين السبكي رأى أي قول غير منصور ولا مقبول ولذلك لم يذكره في جمع الجوامع لقوله أنه لم يقف عليه في كلام غيره لكن الناقل أمين والمثبت مقدم. وأما الأمر اللفظي والنهي اللفظي فليس كل منهما عين الآخر اتفاقا ولا يستلزمه على الأصح. الأمران غير المتماثلين ... عدا كصم نم متغايرين الأمران مبتدأ وغير حال منه أو نعت وعدا بالتركيب خبره ومتغايرين حال من ضمير عدا أن كا من العدد ومفعول ثان أن كان.

بمعنى الظن يعني أن الأمر إذا تكرر والثاني غير مماثل للأول كان الثاني مغايراً للأول تعاقبا بأن لا يتراخى ورود أحدهما عن الآخر، أم لا؟ فإن تراخى فيعمل بهما دون عطف كصم نم أو تعاطفا وهما غير ضدين نحو اركعوا واسجدوا أو تضادا، لأن الشيء لا يؤكد بضده ويشترط في ذلك أن يكونا في وقتين نحو أكرم زيداً وأهنه فإن اتحد حمل الكلام على التخيير ولا يحمل على النسخ لأن من شرطه التراخي حتى يستقر الأمر الأول ويقع التكليف به والامتحان وتكون الواو حينئذ بمعنى أو، قاله في «شرح التنقيح» لكن جعله للركوع والسجود خلافين غير ظاهرين في غير بعض حالات الإيماء للسجود بل الظاهر أنهما ضدان. وإن تماثلا وعطف قد نفي ... بلا تعاقب فتأسيس قفي بتركيب قفى يعني: أن الأمر إذا تكرر وكان الثاني مماثلا للأول من غير عطف ومن غير تعاقب (بل تراخى الثاني عن الأول فكون الثاني تأسيسا أمر مقفو أي متبع لأنه هو الذي ذهب إليه أهل الأصول وهو الصحيح لأن الخلاف لا يتصور إلا قبل صدور الفعل الأول فإذا قال له صم بعد أن صام يوما يتعين الاستئناف وأن تعاقب الأول. وإن تعاقبا فذا هو الأصح ... والضعف للتأكيد والوقف وضح إن لم يكن تأسس ذا منع ... من عادة ومن حجى وشرع يعني: أنه إذا كرر مع التماثل أو التعقيب نحو صل ركعتين صل ركعتين فالتأسيس هو الصحيح قل القاضي: فالصحيح أنه للتكرار أي التأسيس ويعمل بهما كان الأمر للوجوب أو الندب وعزاه لي الدين للأكثرين لأن الأصل التأسيس لا التأكيد وقيد للتأكيد لأن الأصل براءة الذمة وقيل بالوقف وكونه للتأسيس على الراجح ما لم يمنه منه مانع عادي نحو اسقنى ماء اسقني ماء فإن العادة باندفاع الحاجة بمدة في الأول ترجح التأكيد أو عقلي نحو اقتل زيدا اقتل زيدا لكن هنا التأكيد متعين قطعا وكذا إذا منه من التكرار مانع شرعي كتكرير العتق في عبد واحد وقد يكون المانع غير ما ذكر كما إذا كان الأمر الأول مستغرقا للجنس

والثاني يتناول بعضه نحو ((حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)) على تقدير كون الثاني ير معطوف وذهب بعضهم إلى أن الصلاة الوسطى ونحوها غير داخل تحت الصلوات فيفيد ما أفاده الأول، والصحيح عند القاضي أنه محمول على التأكيد لبعض مدلول العام المتقدم وإن كان الحض مقدما نحو صم يوم الجمعة صم كل يوم فهاهنا العام يحمل على عمومه يفيد غير ما أفاده الأول وهو مؤكد لمدلول الأول ضمنا. ومن موانع التأسيس أن يكون عهد نحو صل ركعتين صل الركعتين وكذا إذا دلت قرينة حال على التأكيد. وإن يكن عطف فتأسيس بلا ... منع يرى لديهم معولا تأسيس مبتدأ، وبلا منع نعته ويرى بالتركيب ومعولا بفتح الواو مفعوله الثاني وجملة يرى خبر يعني أنه إذا كرر الأمر مع التعاطف والتماثل فالمعمول عليه والمعتمد هو التأسيس عند عدم المانع منه كما المانع شرعيا أو عقليا أو عاديا كما تقدمت أمثلتها نحو صل ركعتين وصل ركعتين لأن العطف يقتضي التغاير واختاره القاضي. وقال القاضي عبد الوهاب وهو الذي يجري على قول أصحابنا وقيل تأكيد لأن الأصل براءة الذمة. تنبيه: التأكيد عند المانع العقلي نحو اقتل زيدا واقتل زيدا متعين وكذا يتعين مع الشرعي كاعتق سعد واعتق سعدا إذ لا يجوز أن يتزايد عتقه ويتوقف تمام حريته على عدد كالطلاق ويترجح التأكيد في غيرهما. والأمر للوجوب بعد الحظل ... وبعد سؤل قد أتى للأصل يعني أن الأمر أي افعل وكل ما يدل على الأمر إذا ورد بعد الحظر لمتعلقه فهو حقيقة في الوجوب عند قدماء أصحاب مالك والباحي وأصحاب الشافعي، خلافا لبعض أصحابنا وأصحاب الشافعي في أنه للإباحة فمن

استعماله في الوجوب قوله ((فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين)) ومن استعماله في الإباحة ((وإذا حللتم فاصطادوا)) ((فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض)) ((فإذا تطهرن فأتوهن)) فهذه الأمثلة الثلاثة حقيقة شرعية على الثاني مجاز على الأول والآية الأولى بالعكس قال في الآيات البينات ظاهر اقتصارهم على الخطر عدم جريان هذا الإخلاف في وروده بعد نهي التنزيه بل يتفق حينئذ على أنه للوجوب على أصله. والمراد بالأمر في وقله والأمر اللفظي لا النفسي. قوله وبعد سؤل أي سؤال واستفهام وبعضهم يعبر بالاستئذان مكان السؤال، يعني: أن الأمر اللفظي إذا ورد بعد سؤال فهو حقيقة في الوجوب كما يقال لمن قال أفعل كذا فعله ومنه في غير الوجوب قوله تعالى (فكلوا مما أمسكن عليكم) فأن سبب نزول الآية فيما روى سؤالهم عما أخذوه باصطياد الجوارح وفي حديث مسلم (أأصلي في مرابض الغنم قال نعم) فأنه بمعنى صل فيها قوله للوجوب متعلق بأتي وهو خبر عن الأمر وبعد الحظل حال من الأمر وبعد سؤل عطف عليه قوله للأصل علة لإتيانه للوجوب أي إنما أتي فيما ذكر للوجوب يناء على أن الوجوب هو مسمى الأمر حقيقة ولا فرق بين أن يتقدمه حظر أو استئذان أولا ومن قال للإباحة جعل تقدم الحظر أو الاستئذان قرينة صارفة عن الوجوب اللغوي بل هو عنده حقيقة شرعية أو عرفية في الإباحة فالقولان من الوجوب والإباحة مبنيان على أن أفعل حقيقة في الوجوب وبالإباحة قال المتأخرون من المالكية: أو يقتضي إباحة للأغلب ... إذا تعلق بمثل السبب إلا فذي المذهب والكثير ... له إلى إيجابه مصير يعني: أن القاضي عبد الوهاب نقل في المسألة تفصيلا عن بعضهم وهو أن الحظر السابق إذا كان معلقا على وجود علة أو شرط أو غاية وورد الأمر بعد ما زال ما علق عليه أفاد الإباحة عند جمهور أهل العلم لأن الغالب في عرف الشرع استعماله في ذلك كقوله تعالى (وإذا حللتم فاصطادوا) (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا) وقوله صلى الله عليه

وسلم (كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث من أجل الدافة التي دفت عليكم فالآن فادخروها) أو كما قال. وأن يكن غير ما ذكر فمذهب مالك وأصحابه أن الأمر للإباحة كما أشار له بقوله: إلا فذي المذهب أي إلا يكن معلقا فذي الإباحة هي مذهب مالك وأصحابه. وقال أكثر أهل الأصول: أنه للوجوب كما أشار له بقوله: والكثير له إلى إيجابه مصير إلا أنه عند الأكثر لا يتحتم كونه للوجوب بل هو عندهم محمل على ما كان يحمل عليه ابتداء من وجوب على مذهب الأكثر أو ندب على أنه حقيقة قيه أو من غير ذلك فتحصل في ورود الأمر بعد الحظر ثلاثة أقوال، قولان مطلقان وقول مفصل ذكره في شرح التنقيح وكذلك هو في الآيات البينات وفي شرح حلولوا على جمع الجوامع. بعد الوجوب النهي لامتناع للجل والبعض للاتساع وللكراهة برأي بانا ... وقيل لأبقا على ما كانا يعني: أن النهي أي لا تفعل إذا ورد بعد الوجوب فهو للامتناع، أي تحريم ذلك الواجب عند جل أهل الأصول كما في غير ذلك فتقدم الوجوب ليس قرينة صارفة له عن أصل وضعه الذي هو التحريم وذكر القاضي وغيره الاتفاق عليه وإنما فسرنا النهي بلا تفعل احترازا عن النهي النفسي إذ لا يتصور أن يكون للإباحة لأنه طلب الكف والطلب لا يكون إباحة وقضية اقتصار أهل الأصول على الوجوب أنه بعد الندب للتحريم بلا خلاف وهو غير بعيد لأنه الأصل قاله في الآيات البينات. وأما النهي بعد السؤال فيحمل على ما يفهم من السؤال من إيجاب أو ندب أو إرشاد أو إباحة أو على يفهم من دليل خارج. فمما ورد منه للتحريم خبر مسلم والبخاري عن المقداد قال (أرأيت أن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب أحدى يدي بالسيف ثم قطعها ثم لاذ عني بشجرة فقال أسلمت لله أفاقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال: لا) ومما ورد منه للكراهة حديث مسلم (أأصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا) وحديث أنس (قال رجل: يا رسول الله الرجل منا يلقي أخاه أينحني له؟ قال: ) وحديث سعد (في الوصية بجميع ما له فقال صلى حديث أنس (قال رجل: يا رسول الله الرجل منا يلقي أخاه أينحني له؟ قال: ) وحديث سعد (في الوصية بجميع ما لع فقال صلى

الله عليه وسلم: لا) حمله على التحريم من فهم أن السؤال عن الإباحة ويحتمل أن يكون السؤال عن الندب قوله والبعض .. الخ يعني أن بعضهم قال: النهي بعد الوجوب للاتساع أي الإباحة لأن النهي عن الشيء بعد وجوبه يرفع طلبه فيثبت التخيير فيه. قوله: والكراهة بأي بانا أي ظهر كون النهي بعد الوجوب للكراهة في رأي بعضهم قياسا على أن الأمر بعد الحظر للإباحة بجامع أن كلا من صيغة أفعل ولا تفعل تجمل على أدنى مراتبها إذ الكراهة أدنى مرتبتي صيغة لا تفعل كما أن الإباحة أدنى مراتب صيغة أفعل قاله زكرياء قوله وقيل للابقا .. الخ قصر الإبقاء للوزن يعني: أن بعضهم قال: أن النهي بعد الوجوب إنما هو لإسقاط الوجوب ويرجع الأمر إلى ما كان عليه قبله من تحريم لكون الفعل مضرة أو إباحة لكونه منفعة وإنما كان مذهب الجمهور في هذه المسألة التحريم وفي التي قبلها الإباحة لأن المقصود بالذات من النهي دفع المفسدة ومن الأمر تحصيل المصلحة واعتناء الشارع بالأول أشد وإنما قلنا بالذات لأن دفع المفسدة يتضمن تحصيل المصلحة وبالعكس كما قاله في الآيات البينات فأحفظه فأنه نفيس. تنبيه: إبقاء ما كان عليه أصل من الأصول وهو المعبر عنه باستصحاب الأصل. كالنسخ للوجوب عند القاضي ... وجلنا بذاك غير راضي بل هو في القوى رفع الحرج ... وللإباحة لدى بعض يجي وقيل الندب كما في مبطل ... أوجب الانتقال للتنقل يعني: أن القاضي عبد الوهاب قال: أنه إذا نسخ وجوب الشيء يبقى على ما كان عليه قبل الوجوب من تحريم أو إباحة وصار الواجب بالنسخ كان لم يكن لكن الجمهور المالكية لم يرض ما قاله القاضي وفاقا لغيرهم بل هو أي نسخ الوجوب معناه عند الجمهور رفع الحرج عن الفاعل في الفعل والترك من الإباحة والندب عند القرافي والكراهة أيضا عند المحلي وبيانه على ما قال في شرح التنقيح أن الأمر دل على جواز

الإقدام والنسخ على جواز الأحجام فيحصل مجموع الجوازين من الأمر وناسخه لا من الأمر فقط، وصورة المسألة أن يقول الشارع: نسخت وجوبه أو رفعته مثلا لا أن قال رفعت ما دل عليه الأمر السابق من جواز الفعل والمنع من الترك فأن هذه المسألة يرتفع فيها الجواز اتفاقا ويثبت التحريم ولا يرد أن نسخ استقبال بيت المقدس لم يبق معه الجواز لأن انتفاء الجواز من دليل آخر لا من مجرد النسخ، هذا أن لم يثبت أن النسخ له برمته وجوبا وجوازا وإلا فلا ورود مطلقا قاله في الآيات البينات. والمراد بالقاضي عنها عبد الوهاب كما رأيت لكن متى أطلق القاضي عند أهل الأصول فالمراد به القاضي أبو بكر الباقلاني. وقوله للإباحة .. الخ يعني: أن الأقوال الثلاثة غير الأول، اتفقوا على أن الوجوب إذا نسخ بقى الجواز لكن اختلفوا في معنى الجواز فحمله الجمهور على رفع الحرج لأن الجواز يأتي بمعنى الأذن في الفعل الشامل للإباحة والندب والوجوب لكن الوجوب نسخ فيبقى ما سواه وبعضهم حمله على الإباحة بمعنى استواء الطرفين كما هو اصطلاح المتأخرين وإنما حملوه على الإباحة لأنه بارتفاع الوجوب ينتفي الطلب فيثبت التخيير وفيه عندي نظر لأن الوجوب أخص من الطلب ولا يلزم من رفع الأخص رفع الأعم ولم أر من تعرض لجوابه. قوله وقيل: للندب يعني: أن بعضهم قال: أن الوجوب إذا نسخ بقى الجواز أي الاستحباب إذ المحقق بارتفاع الوجوب انتفاء الطلب الجازم فيثبت الطلب غير الجازم وهذا القول غريب من جهة النقل وأن كل ظاهرا من جهة العقل وظاهر كلام الغزالي وغيره يقتضي أنه لم يقل به أحد خلاف ما يقتضيه كلام ابن تيمية من وجوده. وفي مذهبنا مسائل تشهد له كما في طرو مبطل للصلاة أوجب الانتقال للتنقل أي السلام على نافلة أي شفع ووجهه كما في شرح حلولوا على جمع الجوامع أن الواجب مندوب وزيادة فإذا طرأ ما يبطله بقى المندوب ولم يبطله بالكلية. وجوز التكليف بالمحال ... في الكل من ثلاثة الأحوال

وقيل بالمنع لما قد امتنع ... لغير علم الله أن ليس يقع يعني: أنه يجوز عقلا أن يكلف الله تعالى عباده بفعل محال سواء كان محالا لذاته أي ممتنعا عادة وعقلا كالجمع بين السواد والبياض أم لغيره أي ممتنعا عادة فقط كالمشي من الزمن والطيران والبيضا أم لغيره أي ممتنعا عادة فقط كالمشي من الزمن والطيران معنى قوله في الكل من ثلاثة الأحوال. قوله وقيل بالمنع يعني أن أكثر المعتزلة وبعض أهل السنة منعوا التكليف بالمحال الذي امتنع لغير تعلق علن الله بعدم وقوعه لأنه لظهور امتناعه للمكلفين لا فائدة في طلبه منهم. وأجيب بأن فائدته اختبارهم هل يأخذون في المقدمات فيترتب الثواب أو لا فيترتب العقاب لكن هذا الجواب على سبيل التنزل أي أن سلمنا أنه لابد في أفعال الله تعالى من ظهور فائدة للعقل مع أنا لا نسلم ذلك (لا يسأل عما يفعل) وله أن لا يظهرها إذ لا يلزم الحكيم إطلاع من دونه على الحكمة. أما الممتنع لتعلق علم الله بعدم وقوعه فالتكليف به جائز وواقع إجماعا وذلك كإيمان أب جهل وهذا محال عقلا لا عادة لأن العقل يحيل إيمانه لاستلزامه انقلاب العلم القديم جهلا ولو سئل عنه أهل العادة لم يحيلوه كذا جرى عليه كثير، وكلام بعض المحققين ظاهر في أنه ليس محالا عقلا أيضا بل ممكن مقطوع بعدم وقوعه، والخلف لفظي إذ هو ممكن ذاتا محال عرضا فالكثير نظروا إلى استحالة بالعرض والبعض نظر إلى إمكانه ذاتا. تنبيه: أعلم أن هذه المسألة تكلم عليها أهل الأصلين وجه تعلقا بأصول الفقه أن الأصول عبارة عن العلم بأدلة الأحكام من حيث الإجمال وهو يستدعي البحث في المحكوم به وهو الأفعال، ومن شرط الفعل أن يكون مقدورا للمكلف. ووجه تعلقها بأصول الدين أن الأشعرية إذا أثبتوا عموم الصفات لله تعالى وبينوا أن كل حادث واقع بإرادة الله

تعالى وقدرته قالت المعتزلة هذا يلزم منه التكليف بالمحال لأن الله تعالى إذا أمر بفعل وهو من خلقه كان حاصل الأمر أفعل يا من لا يفعل له وأفعل ما أنا فاعله, وأجيب بإلزامهم على قواعدهم مثله فإن خلاف المعلوم مكلف به وفعله متوقف على خلق داع من الله تعالى وقد كلفه ولم يخلفه له, وأجيب أيضا بأن للعبادة في بعض الأفعال كسبا والتكليف إنما يقع بالمكسوب. وليس واقعا إذا استحالا ... لغير علم ربنا تعالى يعني: أن التكليف بالمحال غير واقع في الشريعة إذا كانت استحالته لغير تعلق العلم بعدم وقوعه بشهادة الأستقراء وقوله تعالى: ((لا يكف الله نفسا إلا وسعها)) , وأما وقوع التكليف بالثاني فلأن الله تعالى كلف الثقلين بالإيمان وقال: ((وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)) فامتنع أيما أكثرهم لعلمه تعالى بعدم وقوعه. وما وجود واجب قد أطلقا ... به وجوبه به تحققا وجود مبتدأ خبره به. وجملة وجوبه الخ .. خبر الموصول, وأطلق مبنى للمفعول. يعني أن الشيء المقدور للمكلف الذي لا يوجد الواجب المطلق إيجابه إلا به واجب بوجوب ذلك المطلق عندنا. وعند جمهور العلماء سببا كان أو شرطا إذ لو لم يجب لجاز ترك الواجب المتوقف عليه فاحترز بالمطلق عن الواجب المقيد وجوبه بسبب أو شرط فأسباب الوجوب وشروطه لا يجب إجماعا تحصيلها بوجوب ما توقف عليها من فعل وإنما الخلاف فيما يتوقف عليه إيقاع الواجب وصحته بعد تحقق الوجوب فالإجماع على أن ما يتوقف الوجوب عليه من سبب أو شرط وانتفاء مانع لا يجب تحصيله بوجوب ما توقف عليه كالنصاب يتوقف عليه وجوب الزكاة ولا يجب تحصيله إجماعا والإقامة يجب بها الصوم ولا تجب لأجله إجماعا, والدين يمنع وجوب الزكاة ولا يجب دفعه لأجلها إجماعا وإلى هذا الإشارة بقولنا وما وجود .. الخ والفرق بين قول السيد لعبده اصعد السطح, واصعد السطح إذا نصبت السلم ظاهر والضمير في به الأول وفي وجوبه للموصول وفي به الثاني للواجب المطلق.

والطوق شرط للوجوب يعرف ... إن كان بالمحال لا يكلف فاعل يكلف بكسر اللام ضمير الله تعالى, يعني: أن الجمهور اشترطوا في وجوب المتوقف عليه بوجوب الواجب المطلق شرطا معروفا وهو قدرة المكلف على ذلك المتوقف عليه احترازا عن غير المقدور فأنه لا يجب بوجوبه كتوقف فعل العبد بعد وجوبه على تعلق علم الله وإرادته وقدرته بإيجاده, فهذا القسم لا يوصف بالوجوب بل عدمه يمنع الإيجاب إلا على مذهب من يجوز التكليف بالمحال فلا يقيد بالقدرة عليه قاله حلولوا. كعلمنا الوضوء شرطا في أداء ... فرض فأمرنا به بعد بدا هذا مثال المقدور للمكلف يعني أنه إذا علمنا من الشارع أن الوضوء شرط للصلاة ثم أمرنا بالصلاة مطلقا فإنه يجب بوجوب مشروطه لأنه مقدور لنا قال في شرح التنقيح: فلو قال الله تعالى صلوا ابتداء صلينا بغير وضوء حتى يدل دليل على اشتراط الطهارة. إذ لا معنى لشرطيته سوى حكم الشارع أنه يجب الإتيان به عند الإتيان بذلك الواجب ولا فرق في الوجوب بين كون الشرط شرعيا كالوضوء أو عقليا كترك ضد الواجب أو عاديا كغسل جزء الرأس لتحقق غسل الوجه فلا يمكن عادة غسل الوجه بدون غسل جزء من الرأس ومنه إمساك جزء من الليل للصائم وفيه خلاف عندنا وكالإتيان بخمس صلوات لأجل منسية جهل عينها وكذا الحكم فيما إذا اختلط ثوب طاهر بثياب نجسة أو إناء طاهر بآنية نجسة فإنه يصلي بعدد النجس وزيادة طاهر وقيل يتحرى قاله حلولوا. وهل دلالة الواجب المطلق على سببه أو شرطه بالتضمن أو الالتزام أو من دليل خارجي؟ أقوال! قوله فأمرنا .. الخ أمر مبتدأ مضاف إلى مفعوله وخبره جملة بدا. وبعض ذي الخلف نفاه مطلقا أي سببا كان أو شرطا يعني: أن بعض المخالفين لمذهب مالك نفى وجوب المقدور الذي لا يوجد الواجب المطلق إيجابه إلا به بوجوب ذلك الواجب لأن الدال على الواجب ساكت عنه فالأمر عندهم

لا يقتضي إلا تحصيل المقصد لا الوسيلة ولم يعطو الوسيلة حكم مقصدها بدليل أنه إذا ترك المقصد كصلاة الجمعة والحج فإنه يعاقب عليهما دون المشي اليهما وإذا لم يستحق عقابا عليه لم يكن واجبا لأن استحقاق العقاب من خصائص الوجوب. قلت: ولعل هذين الدليلين غير مسلمين عند الجمهور وإلا لما تأتى لهم القول بوجوبه به والبعض ذو رأيين قد تفرقا يعني: أن بعض المخالفين لنا غير المطلقين ذهبوا إلى رأيين مختلفين فبعضهم قال أنه يجب بوجوبه إن كان سببا كمساس النار لمحل فإنه سبب إحراقه عادة بخلاف الشرط كالوضوء للصلاة, والفرق أن السبب لاستناد المسبب إليه أشد ارتباطا به من الشرط بالمشروط لأنه يلزم من وجوده وجود المسبب بخلاف الشرط مع المشروط وقال إمام الحرمين يجب إن كان شرطا شرعيا كالوضوء للصلاة لا عقليا كترك ضد الواجب أو عاديا كغسل جزء الرأس بغسل الوجه فلا يجب بوجوب مشروطة إذ لا وجود لصورة مشروطة عقلا أو عادة بدونه فلا يقصده الشارع بالطلب بخلاف الشرعي فإنه لولا اعتبار الشرع له لوجد صورة مشروطة بدونه فكان اللائي قصد الشارع له بطلب الواجب للحاجة إلى قصده به لعدم ما يقتضيه. والعقلي والعادي توقف وجود صورة الواجب عليهما مقتض لهما ومغن عن قصدهما, وسكت إمام الحرمين عن السبب وهو لاستناد المسبب إليه في الوجود كالعقلي والعادي فلا يقصده الشارع بالطلب فلا يجب كما أفصح به ابن الحاجب في مختصره الكبير وقول السبكي في دفعه السبب أولى بالوجوب من الشرط الشرعي منعه المحلي وأيد المنع بأن السبب ينقسم كالشرط إلى, شرعي كصيغة الإعتاق له, وعقلي كالنظر للعلم يعني عند من يجعل حصول العلم عقب صحيح النظر بطريق اللزوم العقلي لا العادي وعادي كجزء الرقبة للقتل أي ليس في وسعه إلا جزء الرقبة دون ترتب الموت. قال زكريا: وجه التأييد أن السبب إذا كان ينقسم كالشرط إلي شرعي وعقلي وعادي فالسبب العقلي والعادي كالشرط العقلي والعادي بالأول فلا يطلق القول بأن السبب أولى بالوجوب من الشرط الشرعي على أنه لا يخفي أن السبب الشرعي لشدة ارتباطه بمسببه كالشرط العقلي

والعادي أيضا لا كالشرط الشرعي والإجماع على أنه إذا وجب المسبب وجب السبب لكن وجوبه عند البعض متلقي من صيغة الأمر بالمسبب وعند البعض من دلالة الصيغة وعند البعض من دليل خارجي لا من الصيغة ولا من دلالتها وهذا هو الذي ذهب إليه ابن الحاجب ومن وافقه كما دل عليه كلامه في المنتهى والمختصر. والدليل الخارجي هو أنه لما لم يكن في وسع المكلف ترتيب المسبب على السبب كان القصد بطلب المسببات الإتيان بأسبابهما والمعنى أن الأسباب عي المقصودة بالمباشرة لأنها التي تمكن مباشرتها. قاله في الآيات البينات. واعلم أن الخلاف في الشروط العقلية والعادية إنما هو في وجوبها شرعا أو وجوب مستلزمها, وإما وجوبها عقلا أو عادة فلا نزاع فيه قاله حلولوا. وما وجوبه به لم يجب ... في رأي مالك وكل مذهب هذا مفهوم المطلق يعني: أنهم احترزوا بالمطلق عن المقيد وجوبه بما يتوقف عليه كالزكاة, وجوبها متوقف على ملك النصاب فلا يجب تحصيله في مذهب مالك وغيره, فهو أمر مجمع عليه, والواجب المطلق هو ما لا يتوقف وجوبه على مقدمة وجوده ويجوز أن يكون واجبا مطلقا بالنسبة إلى مقدمة ومقيدا بالنسبة إلى أخرى فإن الصلاة بل جميع التكاليف موقوفة على العقل والبلوغ فهي بالنظر إليهما مقيدة والصلاة بالنسبة إلى الطهارة واجبة مطلقة وما في قوله وما وجوبه به واقعة على المقدور للمكلف شرطا كان أو سببا والضمير في وجوبه للواجب المقيد كما يدل عليه سياق الكلام. فما به ترك المحرم يرى ... وجوب تركه جميع من درى يعني: أنه إذا تعذر ترك المحرم إلا بتجافي غيره الجائز وجب ترك ذلك الغير لتوقف ترك المحرم الذي هو واجب عليه كماء دون آنية وضوء وقع فيه بول على القول بنجاسته.

وسوين بين جهل لحقا ... بعد التعين وما قد سبقا يعني: لا فرق في وجوب الجائز الذي لم يميز عن المحرم بين المحرم بين جهل لحق بعد التعين كما لو طلق معينة من زوجاته ثم نسيها وبين جهل سابق على التعيين كما لو اختلطت منكوحة بأجنبية أو ميتة بما ذكى. وانظر ما الحكم في المندوب المطلق الذي لا يوجد إلا بعد وجود المقدور للمكلف كصلاة النافلة المتوقفة على الطهارة فالظاهر من فرضهم الكلام في الواجب أنه ليس كذلك والذي يقتضيه انظر التسوية بينهما فيجري فيه الخلاف الذي في الواجب فنقول المقدور الذي لا يتم المأمور المطلق إلا به له حكم ذلك المأمور به والله تعالى أعلم. هل يجب التخير في التمكن ... أو مطلق التمكين دو تعيين يعني: أن التمكن المشترط في التكليف هل يشترط فيه أن يكون ناجزا بناء على أن الأمر لا يتوجه إلا عند المباشرة أو يكفي التمكن في الجملة بناء على أنه يتوجه قبلها والتمكن الاستطاعة قولان والثاني هو الحق وينبني على هذا الخلاف ما يذكر في قوله: عليه في التكليف بالشيء عدم ... موجبه شرعا خلاف قد علم خلاف مبتدأ والجملة بعده نعته والخبر قوله في التكليف وعدم بالتركيب نعت الشيء لأنه نكرة معنى وموجبه بكسر الجيم وشرعا ظرف له يعني أنه ينبني على الخلاف في اشتراط التمكن الناجز في التكليف وعدمه الخلاف هل يجوز عقلا التكليف بالشيء من مشروط أو مسبب حال عدم موجبه شرعا من شرط أو سبب فمن اشترط التمكن بالفعل منع ذلك ومن اشترطه في الجملة جوز التكليف به فإنه يمكن الإتيان بالمشروط والتوسل إليه بالإتيان بالشرط وينبني على هذا الخلاف وجوب الشرط أو السبب بوجوب الواجب المطلق وينبني عليه أيضا ما أشار له بقوله: فالخلف في الصحة والوقوع ... لأمر من كفر بالفروع

يعني: أن الخلاف في التكليف بالمشروط أو المسبب حال عدم الشرط أو السبب تظهر ثمرته في تكليف الكافر بالفروع هل يجوز أولا؟ وعلى جوازه هل وقع في الشريعة أولا؟ قولان في كل منهما موجودان في المذهب من غير ترجيح. ومن شيوخ المذهب من يرجح عدم وقوع خطابهم بها وبه قال أكثر الحنفية وهو ظاهر مذهب مالك إذ المأمورات لا يمكن مع الكفر فعلها ولا يؤمر بعد الإيمان بقضائها والمنهيات محمولة عليها حذرا من تبعيض التكليف فدليل منع التكليف بالفروع هو تعذرها بانتفاء شرطها الذي هو الإيمان لكونه شرطا للعبادة منها لا لكل فرع على التفصيل إذ منها النواهي وقد مر أن الإيمان ليس بشرط في متعلقاتها ووجه كون الإيمان شرطا للعبادة أنه شرط للنية المعتبرة فيها ركنا أو شرطا والنية مشروطة بالإيمان إذ يمتنع قصد ايقاع الفعل قربة من جاهل بالمقترب إليه فالإيمان شرط للعبادة من حيث أنه شرط لركنها أو لشرطها فإن قيد الشرط قيد في المشروط. والقول الأول: وهو أنهم مخاطبون بفروع الشريعة هو ما صححه السبكي وعزاه ابن الحاجب للمحققين وذكره ولي الدين عن مالك والشافعي وأحمد وهو ظاهر المذهب عند الباجي وابن العربي وابن رشد وحجة هذا القول قوله تعالى ((وله على الناس حج البيت)) لأنه عام يتناول الكافر فإذا تناوله الأمر تناوله النهي من باب أولى لأن كل من قال بالأمر قال بالنهي بخلاف العكس وقوله تعالى: ((فويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة)) وقوله تعالى ((يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين)) وقوله ((والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس .. إلى ومن يفعل ذلك)) الآية، فذلك يتناول ما تقدم من الشرك والقتل والزنا فيعاقب على الأخيرين كما يعاقب على الأول واحتجوا على المانعين بقوله صلى الله عليه وسلم (الإسلام يجب ما قبله) فإن الجب القطع وإنما يقطع ما هو متصل فلولا القطع لاستمر التكليف. ثالثها الوقوع في النهي يرد ... بما افتقاره إلى القصد انفقد وقيل في المرتد

يعني: أن ثالث الأقوال هو وقوع تكليف الكافر بالنواهي دون دون الأوامر لا مكان امتثالها مع الكفر لأن متعلقاتها تروك لا تتوقف على نية التقرب المتوقفة على الإيمان لكن هذا القول مردود عند ابن رشد والفهري والإبياري وهم من المالكية بما لا يفتقر من المأمورات إلى القصد أي النية كقضاء الدين ورد الوديعة وكل ما لا يفتقر إلى النية يصح مع عدم الإيمان، والقول الرابع أن تكليفة بها واقع في المرتد باستمرار تكليف الإسلام دون الكافر الأصلي. فالتعذيب ... عليه والتيسير والترغيب التعذيب مبتدأ خبره عليه والتيسير والترغيب معطوفان على المبتدأ، يعني: أن مما ينبني على الخلاف في تكليف الكفار بالفروع تعذيبهم عليها وعلى الإيمان معا في الآخرة قال ابن عبد السلام: فإن قيل لم خاطب الله تعالى العاصي مع علمه بأنه شقي لا يطيعه؟ قلنا: أحسن ما قيل فيه: أن الخطاب له ليس طلبا حقيقة بل هو علامة على شقاوته وتعذيبه. ومن فوائده في الدنيا تيسر الإسلام عليه لأنه يستنبط من قوله صلى الله عليه وسلم أن المؤمن ليختم له بالكفر بسبب كثرة ذنوبه أن الكافر يختم له بالإيمان بسبب كثرة حسناته فيكثر من الحسنات فييسر له الإيمان وأن اتبع على أنه لا يثاب عليها في الآخرة بل يطعم في الدنيا كما ورد في الحديث ومنها الترغيب في الإسلام إذا سمع أنه يهدم ما قبله من الآثام ومنها أنه يتجه اختلاف العلماء في استحباب إخراج زكاة الفطر إذا أسلك يوم الفطر ومنها استحباب إمساك بقية اليوم لمن أسلم وقضاء ذلك اليوم فخلاف الصبي والحائض يزول عذرهما والفرق تقدم الخطاب في حق الكافر دونهما وكذا المسافر ومنها عدم تقدير وقت الاغتسال والوضوء إذا أسلك آخر الوقت بل تجب عليه الصلاة بادراك وقت يسع ركعة منها فقط على الخلاف في ذلك المخرج على الخلاف في كونهم مخاطبين أم لا؟ ومنها عقد الجزية يكون من جملة اثارة ترك الإنكار في الفروع وأنه سبب شرع لذلك أن قلنا يخاطبون وإلا فلا يكون شرع سببا إلا لترك إنكار الكفر خاصة. ثم أعلم أن الأدلة الواردة في أحكام الشريعة منها ما يتناول لفظة الكفار مثل يا أيها اناس فيتعلق بهم حكمه على القول بتكليفهم بالفروع ومنها

ما لا يشملهم لفظه مثل يا أيها الذين أمنوا وكتاب أنس الذي كتبه له أبو بكر وفيه هذه فريضة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي فرضها على المسلمين، فلا يثبت حكمه لهم، وأن قلنا إنهم مخاطبون بالفروع إلا بدليل منفصل أو بتبين عدم الفرق بينهم وبين غيرهم وإلا فلا خوف إثبات حكم بلا دليل. وعلل المانع بالتعذر ... وهو مشكل لدى المحرر في كافر ءامن مطلقا وفي ... كفره فعل كالقا مصحف يعني: أن اللمانعين القائلين بعدم تكليف الكفار بالفروع عللوا ذلك بتعذر الإيمان منهم وهولا يطيقه في الحال لأجل الاشتغال بالضلال أي الكفر كما تقدم وهو أي التعليل بالتعذر ومشكل عند المحرر بكسر الراء المشددة أي المحقق والمراد به القرافي لأنه استشكله في الكافر الذي آمن مطلقا أي بظاهره وباطنه لكن كفر بعدم التزام الفروع كأبي طالب فإنه كان يقو. إلا أبلغا عني على ذات بيننا ... لؤيا وخصا من لؤي بني كعب ألم تعلما أنا وجدنا محمدا ... نبيا كموسى خط في أو الكتب وقال أيضا: ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا وقال: لقد علموا أن أبننا لا مكذب ... لدينا ولا يعني بقول الأباطل إلى غير ذلك من شعره واستشكله أيضا فيمن كان كفره فعلا فقط كإلقاء مصحف في القذر وكالتردد إلى الكنيسة مع شد الزنا فإن هذا القسم والذي قبله لم يتعذر منهما الإيمان وإنما هو متعذر في القسمين الأخيرين من أقسام الكفر وهما الكفر بالظاهر والباطن كما في أبي جهل والكفر بالباطن كما في المنافق كذا قاله في "شرح التنقيح".

قلت: ومثلهما من كفر بلسانه وآمن بقلبه الذين قا الله تعالى فيهم ((وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)) ((فأنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بئايات الله يجحدون)). والرأي عندي أن يكون المدرك ... نفى قبولها فذا مشترك بفتح الراء من مشترك ومدرك مع ضم ميم الثاني وفتحها من الأول يعني أن الذي يظهر لي أن الأولى أن يعللوا منع تكليفهم بالفروع بعدم قبول الله تعالى إياها منهم لأجل كفرهم فلا يكلفهم بها كما ابداه في شرح التنقيح احتمالا وعدم قبولها قدر مشترك بين جميع أقسام الكفر. تكليف من أحدث بالصلاة ... عليه مجمع لدى الثقاة يعني: أن الثقاة أي المجتهدين اجمعوا على تكليف المحدث بالإتيان بالصلاة مع تعذرها في تلك الحالة لكنه مكلف بالطهارة قبلها ولا يشترط في التكليف تقدم الطهارة ولو اشترط التمكن الناجز لما صح التكليف بعبادة ذات إجزاء وما ذكر من الإجماع هو ما عليه أكثرهم ونقل البرماوي اخلاف فيه عن جماعة وهذا الإجماع حجة لمن قال يصح التكليف بالمشروط حال عدم الشرط. وربطه بالموجب العقلي ... حتم بوفق قد أتى جلى ربطة مبتدأ وبالموجب بكسر الجيم متعلق به وخبره حتم هذا محترز قوله موجبه شرعا يعني أن ربط التكليف لكل واحد بالموجب العقلي كالحياة للعلم وكفهم الخطاب واجب باتفاق واضح لا نزاع فيه وكالشرط العقلي الشرط اللغوي نحو أن دخلت المسجد فصل ركعتين فإن حصوله شرط لصحة التكليف اتفاقا وإما الشرط العادي كغسل جزء من الرأس لغسل الوجه فليس حصوله بشرط في صحة التكليف اتفاقا وإنما الخلاف في الشرط الشرعي كما رأيت والمراد بالموجب بكسر الجيم الشرط والسبب. دخول ذي كراهة فيما أمر ... به بلا قيد وفصل قد حظر

دخول مبتدأ خبره جملة حظر مبني للمفعول وأمر مبني له أيضا يعني أن المأمور به إذا كان بعض جزئياته منهيا عنه نهي تنزيه أو تحريم لا يدخل ذلك المنهي عنه منها في المأمور به إذا كان الأمر غير مقيد بغير المكروه، خلافا للحنفية في قولهم أنه يتناوله أما أن قيد بغير المكروه فلا يدخل اتفاقا ولا يجوز الأقدام عليه اتفاقا لقول الزركشي أن الأقدام على العبادة التي لا تصح حرام بالاتفاق لكونه تلاعبا ونعني بالمكروه الذي لم يدخل في مطلق الأمر المكروه الخالي من الفصل أي الانفصال والخالي منه ما كان له جهة أو جهتان بينهما لزوم وحجة الجمهور أن المكروه مطلوب تركه فلا يدخل تحت ما طلب فعله وإلا كان الشيء الواحد مطلوب الفعل والترك من جهة واحدة وذلك تناقض. فنفى صحة ونفى الأجر ... في وقت كره للصلاة يجري أي يجري على عدم الدخول الذي هو مذهب الجمهور يعني أن الصلاة لا تصح ولا يثاب عليها إذا وقعت في الأوقات امكروهة التي ذكرها خليل بقوله: ومنع نفل وقت طلوع شمس وغروبها وخطبة جمعة وكره بعد فجر وفرض عصر إلى أن ترتفع قيد رمح وتصلي المغرب. والصحة أعم من الثواب عند الجمهور وقيل بترادفهما وإنما لم تصح في الأوقات المنهي عنها فيها لخارج لازم وهو الأوقات دون الأماكن كما في الآيات البينات ومثله للمحشي أنه يمكن ارتفاع النهي عن الأمكنة قبل فعل الصلاة فيها بأن تجعل الحمامات مساجد ولا يضر زوال الاسم بأن الأمكنة باقية بحالها وأنه يمكن فيها حال إيجاد الفعل نقله من ذلك المكان إلى مكان آخر ولا يمكن واحد من هذين الأمرين في الزمان وقال بعضهم النهي في الأمكنة ليس لنفسها بل لخارج كالغصب في المكان ووسوسة الشيطان في الحمام وتشويش المرور في الطريق ونجاسة المجزرة بخلاف الأزمنة وأورد عليه النهي ساعة الطلوع والغروب فإن النهي فيهما لموافقة عباد الشمس فهو راجع لمعنى خارج لا لنفس الزمان وأجيب بأن موافقة عباد الشمس في سجودهم عبارة عن ايقاع الصلاة في هذا الزمان الخاص من حيث هو ايقاع فيه بخلاف الصلاة في الحمام مثلا فإن متعلق النهي فيها وهو التعرض لوسوسة الشيطان

لشغلها القلب وإخلالها عان كمتعلق النهي عن الصلاة في إمكان المغصوب وهو شغل ملك الغير ومعنى عمومه أنه يحصل بغير ذلك المهني عنه وهو الصلاة في غير الأمكنة المذكورة فليس النهي الخارج لازم حتى يقتضي الفساد لان المراد باللازم ما لا يحصل بغير ذلك الفعل فمرجع النهي للزمان أعم من أن يرجع إليه بنفسه أو بواسطة كونه متعلق المرجع اهـ. مع اختصار. وأن يك الأمر عن النهي انفصل ... فالفعل بالصحة لا الأجر اتصل يعني: أن الأمر إذا انفصل عن النهي بأن تعددت جهتها فالمفعول حينئذ صحيح وليس فيه الأجر لانفكاك جهة النهي عن جهة الأمر كالصلاة في الدار المغصوبة إذ الصلاة والغضب يوجد كل منهما بدون الآخر وتعدد الجهات كتعدد الذات فهي مأمور بها من جهة أنها صلاة ومنها عنها من جهة الغصب وكل من الجهتين منفصلة أي منفردة عن الأخرى ولا غرو في الحكم بالصحة مع نفي الثواب فقد قال زكرياء ذلك في الزكاة إذا أخذت قهرا فأنها تصح ولا ثواب فيها ويسقط عنه العقاب بل معاقبته كالمصلي في الأمكنة المكروهة الصلاة فيها حرمان الصلاة. وذا إلى الجمهور ذو انتساب يعني أن هذا الذي ذكر من الصحة وعدم الثواب هو مذهب الجمهور من المالكية وغيرهم. وقيل بالأجر مع العقاب وقد روى البطلان والقضاء ... وقيل ذا فقط له انتفاء يعني: أن بعضهم قال أن الصلاة في الأمكنة المكروهة صحيحة مثاب عليها من جهة أنها صلاة مأمور بها وأن عوقب من جعة الغضب ونحوه من كل منهي عنه نهي تحريم فقد يعاقب بغير حرمان الثواب أو بحرمان بعضه فلا خلاف في المعنى بين هذا ومذهب الجمهور قال القرافي: ينبغي أن يقابل بين الثواب والإثم فأن تكافئا قال زكرياء أي

أو زاد الاثم كما فهم بالأولي أحبط الإثم الثواب وأن زاد الثواب بقي له قدر منه. قوله (وقد روى) يعني أن الصلاة في الأمكنة المكروهة روي ابن العربي عن الأمام مالك رحمه الله تعالى أنها باطلة يجب قضاؤها وهو مذهب الأمام أحمد وأكثر المتكلمين قال إمام الحرمين وكان في السلف متعمقون في التقوى يأمرون بقضائها. قوله وقيل ذا .. الخ يعني. أن القاضي والإمام الرازي قالا بنفي هذا الأخير الذي هو القضاء فقط أي باطلة ولا قضاء فيها باطلة من جهة النهي والإقضاء فيها لأن السلف لم يأمروا بقضائها مع علمهم بها. مثل الصلاة بالحرير والذهب ... أو في مكان الغصب والوضو انقلب ومعطن ومنهج ومقبرة ... كنيسة وذي حميم مجزرة هذه أمثلة ما انفردت فيه جهة النهي عن جهة الأمر منها الصلاة بالحرير والذهب مأمور بها من جهة أنها صلاة ومنهي عنها من جهة الآخر وكذلك الصلاة في المكان المعصوب أو الثوب المغصوب وكذلك الوضوء المنقلب أي المنعكس مأمور به من جهة الطهارة منهي عنه من جهة مخالفة السلف الصالح وكذلك الصلاة في معطن الإبل منهي عنها لنفار الإبل أو لأن الناقة تحيض والجمل يمني والعرب تستتر بها والمعطن بكسر الطاء وكذلك الصلاة في المنهج بفتح الهاء أي الطريق لخوف النجاسة أو لتشويش المصلي بمرور الناس وكذا الصلاة بمقبرة مثلثلة الباء والكسر قليل إذا شك في نجاستها وكذا الصلاة في الكنيسة فأنها مكروهة خوف النجاسة وكذا الصلاة في ذي الحميم كشريف وهو الحمام لوسوسة الشيطان أو محل كراهتها فيه حيث شك في نجاسته وكذا الصلاة في المكان الشديد الحر أو البرد بحيث لا يتمكن فيه من الركوع والسجود وكذا في بطن الوادي كما في الجواهر لأن بطون الأودية مأوى الشياطين والمشهور عدم كراهتها. من تاب بعد أن تعاطي السببا ... فقد أتى بما عليه وجبا

وإن بقي فساده كمن رجع ... عن بث بدعة عليها يتبع أو تاب خارجا مكان الغصب ... أو تاب بعد الرمي قبل الضرب قال أو إسحاق الشاطبي: أن من تاب بعد أن تعاطي السبب على كماله كالخارج من المكان المغصوب تائبا أي نادما على الدخول فيه عازما على عدم العود إليه فقد أتى بواجب عليه لأن فيه تقليل الضرر بشرط الخروج بسرعة وسلوك أقرب الطرق وأقلها ضررا وبشرط قصد ترك الغصب سواء كان قبل وجود مفسدته أو بعده، وارتفعت بل وأن بقي فساده أي لم يرتفع مثاله من تاب من بدعة بعد ما بثها في الناس وقبل أخذهم بها أو بعده وقبل رجوعهم عنها إذ لا توجد حقيقة التوبة الواجبة إلا بما أتى به من الخروج وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وكذا من تاب حال خروجه من المكان المغصوب فهو ءات بواجب وكذا من تاب لعد رمي السهم عن القوس وقبل الضرب أي الإصابة أما لو قصد بالخروج التصرف في ملك الغير دون التوبة فهو عاص اتفاقا كالماكث وقال أبو هاشم وهو من أكابر المعتزلة كأبيه أبي علي الجيائي: أنه ءات كالمكث والتوبة إنما تحقق عند انتهائه إذ لا أقلاع إلا حينئذ والإقلاع ترك المنهي عنه وذلك عنده قبيح فهو منهي عنه لذلك ومأمور به لأنه انفصال عن المكث وهذا بناه على أصله الفاسد وهو القبح العقلي لكنه أخل بأصل له آخر فاسد وهو منع التكليف بالمحال فأنه قال أن خرج عسى وأن مكث عصى فقد حرم عليه الضدين جميعا وقال ذو البرهان أنه ارتبك ... مع انقطاع النهي للذي سلك البرهان لإمام الحرمين في الأصول يعني: أن الإمام الحرمين قال فمن تاب بعد تعاطي السبب على كماله كالأمثلة المذكورة أنه مرتبك أي مشتبك في المعصية مع انقطاع تكليف النهي الذي هو إلزام الكف عن الشغل وإنما انقطع لأجل أخذه في قطع المسافة للخروج تائبا المأمور به فلا يخلص به من المعصية لبقاء ما تسبب فيه بدخوله من ضرر المالك بشغل ملكه عدوانا الذي هو حكمة النهي فاعتبر أمام الحرمين في

الخروج جهة معصية وهي الإثم بحصول الضرر بالشكل المذكور وجهة طاعة وهي امتثال الأمر بقطع المسافة للخروج وإن لزمت الأولى الثانية إذ لا ينفك امتثال الأمر بالخروج عن الشغل بخروجه تائبا وإنما يكون ذلك من التكليف بالمحال إن لو تعلق الأمر والنهي معا بالخروج وتعلق النهي هنا وتعلق النهي هنا منتف لانقطاع تكليف النهي والجمهور ألغوا جهة المعصية التي هي الأضرار لدفعه ضرر المكث الأشد وإذا تقابل ضرران ارتكب أخفهما كما سيأتي كما ألغي ضرر زوال العقل في اساغة الخمر لغصة لم يوجد غيرها لدفعه ضرر تلف النفس الأشد قال الكمال فان قيل: لا معصية إلا بفعل منهي عنه أو ترك مأمور به فإذا سلم الإمام انقطاع تكليف النهي ثم يبق للمعصية جهة قلنا: أمام الحرمين لا يسلم إن دوام المعصية لا يكون إلا بفعل منهي عنه أو ترك مأمور بل يخص ذلك بابتداء المعصية ولهذا حكم ابن الحاجب وغيره على مذهب الإمام بأنه بعيد لا محال وكان مستند الاستبعاد إن استصحاب حكم النهي مع انقطاع تعلقه في صورة النزاع قول بما لا نظير له في الشرع وقد دفعوه بإبداء نظير وهو استصحاب حكم معصية الردة من انقطاع تعلق خطاب التكليف من النهي وغيره بالجنون وبيان قولهم إن ما قاله إمام الحرمين ليس من التكليف بالمحال ما قاله في الآيات البينات ولفظه وإنما يكون منه لو كانت المعصية هنا معصية حقيقية وهي فعل المنهي عنه مع قيام النهي عنه وعدن انقطاعه لأنه حينئذ يكون مأمورا بفعل ما منع منه وألزم بتركه وليس الأمر كذلك وإنما هي معصية حكمية بمعنى أنه استصحاب حكم السابقة تغليظا عليه لأضراره الآن بالمالك أضرارا ناشئا عن تعديه السابق مع انقطاع النعي الآن عنه وعدم إلزامه بالترك فالفعل مقدور له لأنه متمكن منه غير ممنوع عنه ولا مخاطب بتركه غاية الأمر أنه استصحب عصيانه ومجرد ذلك لا يقتضي عجزه عن الفعل حتى يكون ذلك من التكليف بالمحال. قوله مع انقطاع يعني أنه انقطع عنه لأجل ما فعل من خروجه بالفعل تائبا كما في الأرض المعصوبة أو بالعزم كما في غيرها.

وارتكب الأخف من ضرين يعني: إن ارتكاب أخف الضررين عند تقابلهما من أصول مذهبنا ومن ثم جبر المحتكر على البيع عند احتياج الناس إليه وجار المسجد إذا ضاق وجار الطريق والساقية إذا أفسدهما السيل وصاحب الجارية والفرس يطلبهما السلطان وكذا يجبر أهل السفينة إذا خاف الناس فيها الغرق على رمي ما ثقل من المتاع وتوزع قيمة ما طرح على ما معهم من المتاع ومثل الضررين المكروهان والمحظوران والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (إذا التقى الضرران نفى الأصغر للأكبر) وخيرن لدي استوا هذين كمن على الجريح في الجرحى سقط ... وضعف المكث عليه من ضبط يعني: أن المكلف مخير عند استواء الضررين ومن فروعها من سقط على جريح بين جرحى بحيث يقتله إذا بقي عليه وإن انتقل قتل كفؤا له في صفات القصاص لعدم موضع يعتمد عليه الأبدن كفء له وسواء كان السقوط باختيار أو بغير اختيار فهو مخير عند بعضهم لاستواء المقام والانتقال وقال قائلون يمكث وجوبا عند بعضهم لاستواء المقام والانتقال وقال قائلون يمكث وجوبا لأن الضرر لا يزال بالضرر مع إن الانتقال فعل مبتدأ بخلاف اللبث، وضعف هذا القول بعض من ضبط المسألة أي حققها بأن مكثه الاختياري كانتقاله ورجخه زكرياء بأن الانتقال استيناف فعل بالاختيار بخلاف المكث فإنه دوام ويعتفر فيه الابتداء قال في الآيات البينات بعد ما ذكر كلام زكرياء: ولا يبعد ترجيحه أيضا إذا كان السقوط باختياره ولأن الانتقال أو أحدهما لا حكم فيه من أذن أو منع لأن الأذن في الاستمرار والانتقال أو أحدهما يؤدي إلى القتل المحرم والمنع منهما لا قدرة على امتثاله مع استمرار عصيانه ببقاء ما تسبب فيه من الضرر بسقوطه إن كان باختياره وإلا فلا عصيان وقد سائل الغزالي أمام الحرمين عن قوله هنا لا حكم مع قوله لا تخلوا واقعة لله من حكم فقال له: حكم الله هنا أن لا حكم واعترض بأنه لو جاز أن يقال في الحكم

حكم لجاز ذلك قبل ورود الشرع وبعد وروده, وأجيب: بأن لا مانع من التزام جوازه قبل الشرع لاختلاف الحكم المثبت بقوله حكم الله والمنفي بقوله: أن لا حكم إذا المراد بالمثبت المعنى الأعم وهو الأمر الثالث والمراد بالمنفي أحد فرديه وهو إذن الشرع أو منعه وليس المراد بالأول هو الثاني فقط حتى يمتنع قوله قبل البعثة مع منافاته لقولهم لا حكم قبل البعثة الذي أريد به المعنى الثاني وعلى هذا فلا منافاة ولا تناقض في اثبات الحكم ونفيه إذ لا تناقض بين إثبات العام ونفي الخاص وبذلك يندفع جميع ما أعترض به الغزالي على إمام الحرمين كذا أجاب به في الآيات البينات. وقولي قتل كفؤا له في صفات القصاص كذا قالوه فظاهره ولو كان أحدهما إماما أعظم أو عالما أو وليا لله تعالى دون الآخر قال في الآيات البينات لكن لا يبعد استثناء الإمام إذا ترتب على قتله مفاسد عظيمة وعدم من يقوم مقامه في دفع تلك المفاسد العظيمة فيجب الانتقال عنه ويمتنع الانتقال إليه وكذا يقال في العالم إذا لزم على قتله وهن في الدين أو ضياع العلم اما حيث لم يترتب على قتلهما ضرر مطلقا لوجود من يقوم مقامها فهو محل نظر وظاهر إطلاق الضبط بمجرد صفات القصاص جريان الخلاف فيهما, أما غير الكفء كالكافر فيجب الانتقال عن المسلم إليه لأن قتله أخف مفسدة وقد يكون لا مفسدة كما إذا كان حربيا. الأخذ بالأول لا بالآخر ... مرجح في مقتضى الأوامر وما سواه ساقط أو مستحب ... لذاك الاطمئنان والدلك انجلب يعني: أنهم اختلفوا في مقتضى الأمر المعلق على أمر معنى كلي له جزيئات متباينة في القلة والكثرة هل هو الأول أي الأقل والأخف أو هو الآخر منها أي الأثقل والأكثر؟ والمرجح أي المختار عند القاضي عبد الوهاب كما في التنقيح أن الأمر المعلق على اسم يقتضي الاقتصار على أوله والزائد على ذلك إما مندوب أو ساقط أي غير معتبر فالساقط كزيادة الدلك فإن الشرع لم يندب زيادة الدلك والمستحب كزيادة

الطمأنينة حجة المختار في الاقتصار على أول الرتب الجمع بين دلالة الأمر على الوجوب وكون الأصل براءة الذمة وحجة الأخذ بالآخر الاحتياط وقيل بالتخيير قوله لذلك .. اللام بمعنى على والإشارة للخلاف المذكور أي ينبني على الخلاف الطمأنينة المأمور بها في الصلاة هل يقتصر فيها على أقل ما تطلق عليه والزائد على ذلك مستحب لأن الشرع ندب إلى زيادتها أو لابد من الإتيان بأعلاها وينبني عليه أيضا الدلك المأمور به في قوله صلى الله عليه وسلم (خللوا الشعر وانقوا البشر) هل يقتصر على أدنى مراتب الدلك وما زاد ساقط عن الاعتبار أو لابد من أعلاه وعليه من نذر صوم شهر أو حلف به وحنث وبدأ بغير الهلال هل يكفيه صوم تسعة وعشرين أو لابد من ثلاثين وكذا سائر الإيمان المحتملة كانت إيمان طلاق أو غيره كالحلف باليمين وبالحرام وغير ذلك هل تحمل على محصل الماهية وهو طلاق واحد رجعي أو تلزم الثلاث للاحتياط لاسيما في الفروج؟ وحل الخلاف حيث لم يكن عرف للحالف وإلا وجب الحمل عليه وليست القاعدة خاصة بالأمر فلذلك فرضها السبكي في أعم منه حيث قال: وهل يجب الأخذ بالأخف أو لا الأثقل أو لا يجب شيء أقوال فتخصيصها بالأمر إنما هو من باب الفروض وهو تخصيص بعض صور النزاع بالاحتجاج ومحل الخلاف فيما تعارضت فيه الاحتمالات أو تعارضت فيه مذاهب العلماء إما تعارض الأخبار في النظم بكسر الخاء. ومقتضى بفتح الضاد. وذلك في الحكم على الكلي ... مع حصول كثرة الجزئي يعني: أن الخلاف في الأخذ بالأخف أو الأثقل المذكور في الستين قبله محله في معنى كلي له جزيئات أكثر من واحد وتلك الجزيئات متفاوتة بالشدة والخفة كما رأيت وليس الخلاف في أجراء أحكام الجزيئات على الأجزاء كما غلط فيه بعضهم. قال رادا عليه في شرح التنقيح: ولا خلاف أن الحكم في الكل لا يقتصر به على جزئه فلا تجزئ ركعة عن ركعتين في الصبح, ولا يوم عن شهر رمضان في الصوم لأن الجزء لا يستلزم الكل والجزئي يستلزم الكلي.

وربما اجتماع أشياء انحظل ... مما أتى الأمر بها على البدل أو الترتب وقد يسن ... وفيه قل أباحة تعن يعني: أن الحكم قد بتعلق بأمرين فأكثر على البدل أو على الترتيب فيحرم الجمع بين تلك الأشياء في كل من الحالتين وقد يسن أي يستحب وقد يباح, فالصور ست: مثال ما حرم الجمع فيها مع أن الأمر بها على البدل تزويج المرأة من كفؤين ومثال ما يستحب فيها ستر المحرم عورته بهذين الثوبين لكن يندب له الجمع بينهما بأن يجعل أحدهما رداء والآخر إزاره ويباح ذلك لغير المحرم. ومثال ما حرم الجمع فيها مع أن الأمر بها على الترتيب أكل المذكي والميتة. ومثال ما يستحب فيها خصال كفارة رمضان عند الشافعية فإن كلا منها واجب الترتيب عندهم لا يجوز له الصيام إلا بعد الفجر عن الإعتاق ولا الإطعام إلا بعد العجز عن الصيام والجمع بينهما مستحب عندهم ومثال ما يباح فيها أيجاد صورة التيمم لا حقيقته مع الوضوء كأن يتيمم من جاز له التيمم بمرض ثم يتحمل المشقة فيتوضأ لكن تيممه باطل لانتفاء فائدته. والمعنى أنه أتى بكل منهما صحيحا وإن بطل التيمم بالفراغ من الوضوء قاله زكريا, وغيره. وكالجمع بين خصال كفارة اليمين.

الواجب الموسع

الواجب الموسع بفتح السين المشددة وهو راجع إلى الواجب المخير قاله الفهري ولذا ذكرت بعده مسألة الأمر بواحد مبهم من أشياء معينة وبيان ذلك أن المكلف مخير في أجزاء الوقت كتخييره في المفعول في خصال كفارة اليمين. ما وقته يسع منه أكثرا ... وهو محدودا وغيره جرى حد الواجب الموسع كما في التنقيح: أنه الذي يسع وقته المقدر له شرعا أكثر منه وذلك الوقت منه محدود كأوقات الصلاة ومنه ما هو غير محدود بل مقيد بالعمر كوقت الحج وقضاء الفوائت بناء على أنهما على التراخي لكن القول به في الفوائت للشافعية. فجوزوا الادا بلا اضطرار ... في كل حصة من المختار يعني: إن الذي ذهب إليه الأكثر من الفقهاء ومن المتكلمين وهو مذهب مالك القول بالواجب الموسع فجميع وقت الظهر ونحوه كالعصر وقت لأدائه لقوله صلى الله عليه وسلم لما بين الوقت ما بين هذين الوقتين وقت فيجوز إيقاع الواجب الموسع في كل جزء من مختاره دون اشتراط ضرورة كما في الضروري ولا يشترط في جواز التأخير العزم على الفعل لأن الأمر دل على وجوب الفعل والأصل عدم وجوب غيره والقول بالوجوب الموسع قول الباجي مع جمهور المالكية. وقائل منا يقول العزم ... على وقوع الفرض فيه حتم قائل: مجرور بواو رب أو برب ويصح رفعه مبتدأ والنكرة على كل للتعظيم والخبر يقول يعني: أن جمهور المالكية قائلون بالواجب الموسع وقته لكن منهم من قال بعدم اشتراط العزم على الفعل في وقت

الاختيار كالباجي مع غيره ومنهم من قال بوجوب الأداء أول الوقت والعزم أول الوقت على الأداء في المختار والعزم بدل عن التقديم لا عن الفعل, قال في الذخيرة وهو الذي تقتضيه أصول مالك لأن من توجه عليه الأمر ولم يفعل ولم يعزم على الفعل فهو معرض عن الأمر بالضرورة والمعرض عنه عاص والعاصي يستحق العقاب وفي ترك العزم أيضا عدم التمييز بين الواجب الموسع والمندوب في جواز الترك وأجيب بحصول التمييز بغيره وهو أن تأخير الواجب عن جميع الوقت المقدر يؤثم والقائل بوجوب العزم منا هو القاضيان عبد الوهاب والباقلاني. قال في التنقيح: ومذهبنا جوازه يعني: جواز التأخير وقال في شرحه والقول بالتوسعة واشتراط البدل مذهبنا ومذهب الشافعية قال في التنقيح, والخطاب عندنا متعلق بالقدر المشترك بين أجزاء الزمان الكائنة بين الحدين فلا جرم صح أول الوقت لوجود المشترك والأياثم بالتأخير لبقاء المشترك ويأثم إذا فوت جملة الوقت بتعطيل المشترك الذي هو متعلق الوجوب فلا ترد علينا مخالفة قاعدة البتة بخلاف غيرنا أنتهى. ثم ذكر في الشرح قولي هذه الفرقة باشتراط العزم وعدمه والضمير في قوله البيت فيه للمختار (فائدة) قال الكمال قال الأصحاب في جمع التأخير: أنه يجب على المسافر أن يقصد في وقت الأولى الإتيان بها في وقت الثانية جمعا لتمييز تأخير الواجب عن غيره. أو هو ما مكلف يعين يعني: أن وقت الأداء هو ما يعنيه المكلف للأداء لا تعيين له غير ذلك نقله الباجي عن بعض المالكية. وخلف ذي الخلاف فيه بين يعني: أنه نقل عن المخالفين لنا في المذهب الخلاف في الواجب الموسع وأشار إلى تفصيل ذلك بالبيت بعد فقال:

فقيل الآخر: بكسر الخاء يعني: أن الحنفية قالوا أن وقت الأداء هو الآخر من الوقت المختار لانتفاء وجوب الفعل قبله كذا علله المحلى وفيه عندي الاستدلال على الشيء بنفسه وذلك هو المصادرة وهي غير مقبولة عند أهل الجدل فإن قدم عليه بأن فعل قبله في الوقت فتعجيل للواجب مسقط له كتعجيل الزكاة قبل وجوبها والذي حكاه ابن الحاجب عن الحنفية أنه نفل ناب مناب الفرض والصحيح عندهم وهو قول الجمهور منهم القول بالواجب الموسع كما نقله الزركشي وغيره عنهم، ورد عليهم في شرح التنقيح بأنه إذا عجل لم يفعل الواجب على قولهم وأجزاء غير الواجب عنه خلاف الأصل والقواعد. وقيل الأول يعني: أن بعض الشافعية قالوا أن وقت أدائه هو أول الوقت لوجوب الفعل بدخول الوقت فإن أخر عنه فقضاء وأن فعل في الوقت فيأثم بالتأخير عن أوله قال الفهري لا يعرف هذا القول في مذهب الشافعي. وقيل مابه ... الادا يتصل يعني: أن المشهور عن الحنفية قول بعضهم أن وقت الأداء هو الجزء الذي اتصل به الأداء من الوقت أي لاقاه الفعل بأن وقع فيه وحيث لم يقع الفعل في الوقت فوقت أدائه الجزء الأخير من الوقت لتعيينه لفعل فيه حيث لم يقع فيما قبله. وقال الكرخي من الحنفية: أن قدم الفعل على أخر الوقت وقع واجبا بشرط بقائه مكلفا إلى أخر الوقت فإن مات أو جن قبله وقع ما قدمه نفلا. والأمر بالواحد من أشياء ... يوجب واحدا على استواء يعني أن الأمر بواحد مبهم من أشياء مختلفة معينة يوجب واحدا منها لا بعينه وهو القدر المشترك بينها في ضمن أي معين منها لأنه المأمور

به ولا فرق في ذلك الواحد المبهم بين المتواطئ كاعتق هذا العبد أو هذا العبد والمشكك كما في آية كفارة اليمين، فالواحد منها لا بعينه هو القدر المشترك بينها وأن اعترضه اللقاني بقوله في هذا الكلام وإن كان هو حاصل كلامهم نظر إذ المشترك بين أشياء ليس واحدا منها ضرورة بل ك منها واحد منه. وأجاب في الآيات البيانات بأن قولهم المذكور ليس معناه إلا أن مفهوم الواحد منها لا بعينه القدر المشترك بينها ضرورة تحقق هذا المفهوم في كل منها وصدقه عليه فيكون مشتركا بينها وليس معناه أن ذات الواحد منها القدر المشترك. وقولنا في ضمن أي معين هو ظاهر على مذهب ابن الحاجب من أن الأمر بالكلي أمر بجزئي مطابق له لامتناع وجود الكلي في الخارج، وأما على مذهب السيد من أن الواجب الأمر الكلي فإن المراد أن الواجب القدر المشترك لا من حيث تعيينه في بعض أفراده لكن التعيين من ضرورة تحققه. قاله في الآيات البينات. وذلك نظير أن الأمر لطلب الماهية لا لتكرار أو مرة والمرة ضرورية قال في الآيات البينات: بقي أنه هل المراد بالمفهوم الكلي الذي ذكر أنه الواجب أو هو الكلي المنطقي أو الكلي الطبيعي؟ والذي يظهر الثاني والكلي المنطقي هو ما لا يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه والطبيعي هو الحقيقة الكلية من حيث هي هي لا بقيد كلية فيها ولا جزئية وأن كانت في نفس الأمر كلية قاله اليوسي في نفائس الدرر وقولنا يوجب واحدا لا بعينه قال في الآيات البينات حيث كان للوجوب كما هو ظاهر فإن كان للندب كان المندوب واحدا لا بعينيه وقد صرح زكرياء بأنه القياس وهذه المسألة تعرف بمسألة الواجب المخير فالواجب هو القدر المشترك بينها وخصوصياتها متعلق التخيير فما هو واجب لا تخيير فيه وما هو مخير لا وجوب فيه قال في التنقيح قالت المعتزلة: الوجوب متعلق بجملة الخصال وعندنا وعند بقية أهل السنة بواحد لا بعينه ويحكى عن المعتزلة أيضا أنه متعلق بواحد متعين عند الله تعالى وهو ما علم أن المكلف سيوقعه وهم ينقلون أيضا هذا المذهب عنا. ثم قال يجزئه كل معين منها لتضمنه القدر المشترك وفاعل الأخص فاعل الأعم ولا يأثم بترك بعضها إذا فعل البعض لأنه تارك للمخصوص المباح فاعل المشترك الواجب ويأثم بترك الجميع لتعطيله المشترك بينها. ثم قال في شرحه أن القدر المشترك بين الخصال

المخير فيها متعلق خمسة أحكام الوجوب ولا يثاب ثواب الواجب إذا فعل الجميع إلا على القدر المشترك، ولا يعاقب عقاب تارك الواجب إذا ترك الجميع إلا على القدر المشترك ولا تبرأ ذمته إذا فعل إلا بالقدر المشترك ولا ينوي أداء الواجب إلا بالقدر المشترك. قوله: «على استواء» أي: يوجب من تلك الأشياء واحدًا لا بعينه فالأشياء المخير فيها مستوية في ذلك الواحد لا بعينه لأنه قدر مشترك بينها خلافًا للمعتزلة في إنكارهم إيجاد واحد لا بعينه. تنبيه: اعترض بعضهم الأمر بواحد من أشياء يوجب واحدًا لا بعينه بأن الأمر بواحد معناه إيجابه فيتحد الموضوع والمحمول. وأجيب بأن الموضوع مقيد بالواحد المبهم في الظاهر من أشياء والمحمول مقيد بواحد منها لا بعينه في الواقع وهما متغايران فكأنه قيل الأمر بواحد مبهم في الظاهر أمر بواحد لا بعينه في الواقع ويصح حمل الأمر على النفسي ولا يتعين حمله على اللفظي قاله في «الآيات البينات». فائدة: للتخيير والترتيب ألفاظ تدل عليهما في اللغة فإن الله تعالى إذا قال افعلوا كذا وكذا أو افعلوا إما كذا وإما كذا فهو للتخير وإذا قال فإن لم يجد كذا فليفعل كذا ونحوه فالأكثر فيه الترتيب وقد يأتي للحصر نحو «فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان» وإن لم يكن هذا العدد زوجًا فهو فرد ومعناه أن الحجة الشرعية الكاملة من الشهادة في الأموال منحصرة في الرجلين والرجل والمرأتين قال في «شرح التنقيح»: وأما الشاهد واليمين والنكول وغير ذلك فليس حجة تامة من الشهادة بل من الشهادة وغيرها وهو اليمين وكلها لا شهادة فيها كاليمين والنكول فتصير الآية دليلاً على عدم قبول أربع نسوة في الأموال كما نقل عن الشافعي. اهـ باختصار. إذا تقرر ذلك علمت أن الشارع إذا قال اعتق عبدا أو أخرج شاة في الزكاة مثلا لا يكون واجبا مخيرا لعدم الصيغة وإن كان الكلام لم يوجب خصوص عبد ولا شاة بل مفهوم كل منهما من غير تعيين.

ذو الكفاية

ذو الكفاية أي المطلوب على وجه الكفاية طلبا جازما كان أم لا وسمي به لأن البعض يكفي فيه وسمي ذو العين به لتعلقه بكل عين والخطاب متعلق في الأبواب الثلاثة بالقدر المشترك لكن في الواجب الموسع هو الواجب فيه وفي الكفاية الواجب عليه وفي المخير الواجب نفسه والقدر المشترك في الكفاية هو كون المطلوب فعل أحد الطوائف قاله في شرح التنقيح. ما طلب الشارع أن يحصلا ... دون اعتبار ذات من قد فعلا يحصل مبني للمفعول عكس فعل يعني: أن ذا الكفاية هو ما قصد الشارع بطلبه مجرد حصوله من غير نظر إلى ذات فاعله إلا بالتبع للفعل ضرورة أنه لا يحصل دون فاعل فيشمل ما هو ديني كصلاة الجنائز ودنيوي كالحرف وخرج بقوله من غير نظر بالذات إلى فاعله ذو العين فإنه قصد حصوله من كل عين أي واحد من المكلفين أو من عين مخصوصة كالنبي صلى الله عليه وسلم فيما فرض عليه دون أمته. وهو مفضل على ذي العين ... في زعم الأستاذ مع الجويني يعني: أن الأستاذ أبا إسحاق الاسفرايني وإمام الحرمين وأباه أبا محمد الجويني ذهبوا إلى أن المطلوب على وجه الكفاية أفضل من العين. وعبرت عن قولهم بالزعم تبعا للسبكي مشيرا به إلى أن فيه نظرا لأن زعم صيغة تضعيف وإنما كان القيام بذي الكفاية أفضل أي أكثر ثوابا لأنه يصان بقيام البعض الكافي في الخروج عن عهدته جميع المكلفين عن الإثم البعض القائم به فقط وسقوط الإثم بقيام البعض بالسنة موجود بناء على ما قاله أبو إسحاق الشاطبي من أن المندوب بالجزئي واجب بالكلي كالآذان في المسجد وصلاة العيدين فلو تمالأ أهل

بلد على ترك ذلك أجبروا ولو بالقتل. قال المحلى: والمتبادر إلى الأذهان وأن لم يتعرضوا له فيما علمت أن فرض العين أفضل لشدة اعتناء الشارع به بقصده حصوله من كل مكلف في الأغلب. واحترز بالأغلب عما خص به النبي صلى الله عليه وسم وغيره قال زكرياء: لم يتعرضوا له أي صريحا وإلا فقد تعرضوا له ضمنا كقول ائمتنا تبعا للإمام الشافعي: أن قطع طواف الفرض لصلاة الجنازة مكروه لأنه لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية فتعليلهم هذا يقتضي أفضلية فرض العين على فرض الكفاية وهو الأوجه ولا ينافيه تقديم انقاذ المشرف على الغرق على الصيام في حق صائم لا يتمكن من انقاذه إلا بالإفطار لأن هذا التقديم ليس للأفضلية بل لخوف الفوات وهو لا يدل عليها. قال في الآيات البينات لا يخفي ظهوره في المطلوب وإن أمكن أن يصدق هذا التعليل بتساويهما إذ لا يحسن قطع الشيء لمساويه إذ لا مزية له عليه. مزه من العين بأن قد خطلا ... تكرير مصلحته أن فعلا هذا تمييز أخر بين ما شرع على الكفاية وما شرع على الأعيان فالأول لا تكرر مصلحته بتكرره كإنقاذ الغريق فإذا شيل من البحر فالنازل فيه بعد ذلك لا يحصل مصلحته وكذلك إطعام الجائع وقتل الكافر والثاني تتكرر مصلحته فمصلحة الصلوات الخضوع وتفهم كلام الله تعالى ومناجاته وصلاة الجنازة مصلحتها ظن حصول المغفرة للميت وذلك حاصل بأول مرة لقوله تعالى ((ادعوني استجب لكم)) وتكريرها لا يحصل القطع بها والشرع إنما يكلف بالمصالح التي يمكن تحصيلها قطعا أو ظنا وهذا لا يمكن فيه القطع فلو م يكف الظن تعذر التكليف قاله في شرح التنقيح قوله حظل بمعنى منع وهو مبني للمفعول كفعل. وهو على الجميع عند الأكثر ... لاثمهم بالترك والتعذر يعني: أن ذا الكفاية فرضا أو ندبا مشروع على جميع المكلفين عند الجمهور لاثم الجميع بتركه ولتعذر خطاب المجهول وللفرار من

لزوم الترجيح بلا مرجح ولقوله تعالى ((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر)) وقوله ((فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة)) الآية وقوله ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير)) الآية فإن القرافي استدل بالآيتين الأخيرتين على أن الوجوب متعلق بالمشترك لأن المطلوب فعل إحدى الطوائف ومفهوم إحداها قدر مشترك بينها لصدقه على كل طائفة منها كصدق الحيوان على جميع أنواعه. ولو سلم أن الوجوب لم يتعلق بالمشترك وجب تأويل الآيتين ونحوهما بالسقوط بفعل الطائفة جمعاً بينه وبين ظاهر قوله تعالى ((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله)) الآية ونحوه قاله المحشيان: وما ذهب إليه الجمهور هو ظاهر نص الشافعي في الأم. وفعل من به يقوم مسقط يعني: أنه على مذهب الجمهور من كونه على الجميع لا يلزم منه أنه لا يسقط الطلب به والإثم إلا بفعل الجميع بل يسقطان بفعل البعض له قال حلولو: وعدم علم بعضهم به ليس بمانع من الوجوب بل من الأداء. وقيل: بالبعض فقط يرتبط معينا أو مبهما أو فاعلا ... خلف عن المخالفين نقلا يعني: أنه نقل عن المخالفين للجمهور خلاف هو أن ما كان على الكفاية أنه على البعض وفاقا للإمام الرازي فقيل: البعض معين عند الله تعالى مبهم عندنا يسقط بفعله أو بفعل غيره كما يسقط الدين عن الشخص بأداء غيره. وقيل: البعض مبهم إذ لا دليل على تعيينه واختاره الإبياري منا فمن قام به سقط الطلب بفعله وقيل البعض من قام به لسقوطه بفعله. ونقل الرهوني أنهم الذين شهدوا ذلك الشيء والشهود أعم من القيام، فأهل هذا القول قائلون بالتعيين عندنا واستدل السبكي لكونه على البعض بقوله تعالى ((ولتكن منكم أمة) الآية لكن قال ابن الحاجب يجب تأويلها بالسقوط بالبعض جمعاً بين الأدلة وقال الزركشي معترضاً على السبكي: في الاستدلال به نظر ثم جلب كلام القرافي المتقدم

وتبعه المحشيان على ذلك الاعتراض لكن انتصر في الآيات البينات للسبكي على عادته في الانتصار له وللمحلى فإنه جعل أكبر غرضه في الكتاب دفع ما أورد عليهما من الاعتراضات ذكر ذلك في أول ورقة منه ولفظه بعد ذكر تأويل ابن الحاجب المتقدم لا يخفى ما فيه فإن تأويلات أدلة المنصف الظاهرة في مطلوبه كما لا يخفى للجمع بينهما وبين قوله تعالى ((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله)) ونحوه ليس أولى من العكس لذلك. وأما قول شيخ الإسلام يعني زكرياء قال الزركشي: في الاستدلال به نظر وقد استدل به القرافي على أن الوجوب متعلق بالمشترك .. فلا يخفى ما فيه لأن هذا لا ينافي مختار المصنف لأن حاصله أنه على بعض مبهم والبعض المبهم هو القدر المشترك. قوله وقيل بالبعض .. فاعل يرتبط ضمير ذي الكفاية أي يرتبط ذو الكفاية أي التكليف به بالبعض حال كون البعض معيناً أو مبهماً أو فاعلاً. قوله خلف خبر مبتدأ محذوف أي ما ذكر خلف منقول عن المخالفين للجمهور. ما كان بالجزئي ندبه علم ... فهو بالكلي كعيد منحتم يعني: أن أبا إسحاق الشاطبي قال: إن ما كان مندوبا بالنظر إلى جزئياته أي آحاده فهو واجب بالنظر إلى كليه أي مطلقه يعني: مندوبا على الكفاية وواجبا عليها كالأذان في المسجد وصلاة الجماعة والعيدين ويدل لذلك قول الحطاب أن إقامة السنن الظاهرة واجبة على الجملة لو تركها أهل بلد قوتلوا وقول ابن عبد البر: لم يختلفوا أن الأذان واجب في الجملة على أهل المصر لأنه شعار الإسلام وقول ابن رشد: إن صلاة الجماعة فرض كفاية من حيث الجملة سنة في كل مسجد فضيلة للرجل في خاصته قوله سنة وكل مسجد يعني على الكفاية إذ لا نظر إلى ذات الجماعة المصلية في كل مسجد فلو أقامها عشر أهل البلد في كل

مسجد لكان ذلك محصلا سنتها وفرضها وإذا أقيمت في بعض دون بعض كان تركا لسنة الكفاية والمخاطب بها حينئذ البعض الآخر وإذا تركت بالكلية أثموا لتركهم الواجب الذي هو تحصيلها ولو مرة. وهل يعين سروع الفاعل ... في ذي الكفاية خلاف ينجلي يعني: أنهم اختلفوا فيما شرع على الكفاية هل يتعين بالشروع فيه تقصير فرض الكفاية فرض عين ومندوب الكفاية مندوب عين أو لا يتعين به؟ قال حلولو: والأقرب عندي أنه لا يتعين بالشروع أن كان هناك من يقوم به لأن المقصود حصول الفعل من غير نظر بالذات إلى فاعله إلا فيما قام الدليل على وجوب اتهامه بالشروع كصلاة الجنازة بخلاف تكفين الميت ودفنه. ويتعين عندنا بعض فروض الكفاية بتعيين الإمام كتعيينه طائفة للجهاد قال ابن عبد السلام: ولا يتعين عليه القضاء بتعيين الإمام وله الفرار منه لعظم خطره. وقال المحلى أن الاستمرار في صف الجهاد يجب اتفاقا لما في الانصراف من كسر قلوب الجند. فالخلف في الأجرة للتحمل ... فرع على ذلك الخلاف قد بلى يعني: أن الخلاف في جواز أخذ الأجرة على التحمل للشهادة فرع قد بلى بالبناء للمفعول أي علم بناؤه على الخلاف في تعيين ذي الكفاية بالشروع فمن قال يتعين منع لأن فرض العين لا تؤخذ عليه الأجرة ومن قال لا أجاز وبلى بالباء الموحدة الاختبار أي العلم. وغالب الظن في الإسقاط كفى ... وفي التوجه لدى من عرفا يعني: أن أهل المعرفة كالإمام الرازي والقرافي قالوا أنه يكفي في توجه الخطاب بذي الكفاية غلبة الظن أن غيره لن يفعله وكذلك يكفي في إسقاطه عمن لم يفعلوه غلبة الظن أنه قد فعله غيرهم. وخالف الفهري في السقوط وقال ما يتصور العلم بحصوله كميت خوطب بكفنه ودفنه فلا يسقط إلا العلم بالامتثال وما يتعذر العلم به كما في قيام طائفة بالجهاد لإعلاء كلمة الدين يكفي في سقوطه الظن. فمن لم يظن

حصول فعل الغير ولا انتفاءه لا يتعلق به الوجوب لأن التكليف في فرض الكفاية موقوف على حصول الظن الغالب فقبل حصوله لا يتعلق به تكليف قاله المحشي. وقال أيضا عن المحصول: وإن غلب على ظن كل طائفة أن غيرهم لا يقوم به وجب على كل طائفة القيام به وإن غلب على ظن كل طائفة أن غيرهم لا يقوم به وجب على كل طائفة القيام به وإن غلب على ظن كل طائفة أن غيرهم يقوم به سقط الفرض عن كل طائفة وإن كان يلزم منه أن لا يقوم به أحد لأن تحصيل العلم بأن غيرهم هل يفعل هذا الفعل أو لا غير ممكن إنما الممكن تحصيل الظن. ويشهد مفهوم هذا التعليل لما قال الفهري فلعل كلامه بيان لمرادهم لا خلاف وإن جعله حلولو خلافاً وقوفاً مع ظاهر إطلاق غيره مع أن الذي نقل عنه الإطلاق هو الرازي صاحب المحصول والقرافي وكلام المحصول قد رأيته والقرافي قد علل الاكتفاء بغلبة الظن بعظم مشقة العلم وأحرى عدم إمكانه والضابط عن القرافي، أن الجهل يغتفر في كل موضع يشق فيه العلم وقد نظم كلامه ميارة في التكميل في قوله. وضابط المعفو من جهل عرى ... ما شق الاحتراز أو تعذرا وعطف التعذر على المشقة من عطف الرديف. فروضه القضا كنهي أمر ... رد السلام وجهاد الكفر قوله: أمر رد السلام معطوفان على مجرور الكاف بمحذوف. هذا شروع في حصر فروض الكفاية بالعد بعد حصرها مع مندوباتها بالحد أولها القضاء بين الناس لدفع الخصام. والثاني والثالث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والندب من المعروف حيث لم ينصب لهما أحد وإلا تعين عليه كما يتعين الجهاد على من عينه الإمام. الرابع رد السلام. الخامس جهاد الكفار في كل سنة على السلطان والناس معه ومندوبه بعث السرايا وقت الغرة. فتوى وحفظ ما سوى المثاني ... زيادة الحرام ذي الأركان الفتوى هي السادس. وهي الإخبار بالحكم لا على وجه الإلزام عكس القضاء فيجب على من سئل عن أمر مهم يحتاج إلى بيانه أن يجيب

عنه وتتعين إذا كان السؤال عن واقعة دينية يخاف فواتها وانفرد المسؤول وإن اختل شرط كانت فرض كفاية. السابع حفظ القرآن سوى الفاتحة فإنها فرض عين وحفظ سورة معها سنة عين. الثامن زيارة بيت الله الحرام كل سنة إلا لعذر لا يستطاع معه الوصول إليه قوله ذي الأركان لمجرد المدح بالنسبة إلى نعت الأركان المحذوف للعلم به أي الأركان التي يتمسح بها ويتبرك. إمامة منه ودفع الضرر ... والاحتراف مع سد الثغر التاسع منه: الإمامة الكبرى وهي نصب الخليفة وإلا أثم بتركها أهل الحل والعقد والصالح للقيام بها. العاشر: دفع الضرر عن الأنفاس والأموال التي لا تستحقه شرعاً كفداء الأسارى ودفع الصائل عن الموصول إليه وإطعام الجائع وستر العورة. الحادي عشر: الاحتراف المهم كالحراثة والنجاة لا غير المهم كنقش الحيطان وتزويق البيوت. الثاني عشر: سد الثغور جمع ثغر بفتح فسكون وهو ما يلي دار الحرب وموضع المخافة من فروج البلدان. حضانة توثق شهادة ... تجهيز ميت وكذا العيادة الحضانة بكسر الحاء وفتحها وهي الثالث عشر والمراد بها حضانة اللقيط، ابن الحاجب والتقاطه فرض كفاية، خليل لأن حفظ النفوس واجب وكان على الكفاية لأن المقصود يحصل بواحد، ابن الحاجب وليس له رده بعده أخذه. خليل: لأن فرض الكفاية يتعين بالشروع فيه كالنافلة، إلا أنه قاس فرض الكفاية على النافلة وهي لا يتعين منها بالشروع إلا سبع تقدمت وحكم الأصل لا بد أن يكون مسلماً عند المستدل ولعل خليلا يقول بوجوب مطلق النافلة بالشروع وفاقا لأبي حنيفة. الرابع عشر: التوثق أي كتب الوثائق وينبغي كما في تبصرة ابن فرحون أن يكون كاتب الوثيقة حسن الكتابة قليل اللحن عالما بالأمور الشرعية عارفا بما يحتاج إليه من الحساب وغيره أمينا دينا عدلا ماشيا على منهاج العلماء الأجلاء إذ الكتابة صناعة شريفة بها يكون ضبط أمور الناس وحفظ دمائهم وأموالهم والاطلاع على

أسرارهم ومن لا يحسن وجوه الكتابة ولا يعرف فقه الوثيقة فلا ينبغي نصبه لذلك لئلا يفسد على الناس كثيرا من معاملاتهم. وهذا عندي فيمن قل منه الفساد أما من كثر فانتصابه حرام أن ذريعة الحرام حرام كما سيأتي في سد الذرائع. الخامس عشر: تحمل الشهادة كان فرضا لن تركه يؤدي إلى إتلاف الحقوق وكان على الكفاية لأن الغرض يحصل بالبعض. السادس عشر: تجهيز الميت كدفنه وفي وجوب غسله والصلاة عليه وسنيتها خلاف مشهور. السابع عشر: عيادة المرضى وتمريضهم لكن تمريضهم داخل في دفع الضرر عن المسلمين. ضيافة حضور من في النزع ... وحفظ سائر علوم الشرع الثامن عشر: الضيافة للوارد قال صلى الله عليه وسلم من كان يومن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة وضيافته ثلاثة أيام وما كان بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه قال مالك رضي الله تعالى عنه الضيافة إنما تتأكد على أهل القرى والبوادي ولا ضيافة في الحضر لوجود الفنادق وغيرها لأن القرى يقل الوارد إليها فلا مشقة بخلاف الحضر. قال القرافي في الذخيرة: وهذا في غير أهل المعرفة ومن بينهما مودة وإلا فالحضر والقرى سواء قال عيسى بن دينار: جائزته يوم وليلة يتحفه ويكرمه جهده أو تخص الجائزة بمن لم يرد المقام والثلاثة بمن أراده والزيادة صدقة غير متأكدة معنى قول مالك رحمه الله تعالى، اعلم: أن الفنادق ينزلون بها وغيرها وهو الأسواق يشترون منها طعامهم. التاسع عشر: حضور من كان في النزع وهو من احتضره الموت. الموفي عشرين: حفظ سائر علوم الشرع قال تعالى ((فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا)) الآية والعلم فرض عين وهو معرفتك بحالتك التي أنت عليها وفرض كفاية وهو ما عدا ذلك من علوم الشرع من تفسير وحديث وفقه وما كان وسيلة لها كعلوم الأدب وهي: النحو والبيان واللغة وكالأصول والطب والعروض والمنطق عند بعضهم وهو الصواب لكونه يؤدي إلى القوة على رد الشبه وحل الشكوك في علم الكلام الذي هو فرض كفاية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والعلوم الشرعية

أخص من علوم الشرع لأنها ثلاثة التفسير والحديث والفقه وحفظها يكون بتعلمها وتعليمها والتأليف فيها وكتبها والشرع ما سنه الله تعالى لعباده واجبا كان أو مندوبا أو مباحا ووسيلتها كل ما ينتفع به فيها من سائر علوم الشرع غيرها ولذا كان اللحم من فروض الكفاية لئلا تضعف العقول عن العلوم والأجساد عن ملاقاة الأعداء فتستأصل شأفة الإسلام وتفقد هداة الأنام، والتزم بعض كون الذكاة عبادة لاشتراط النية فيها وجعلها القرافي غير قربة مع وجوب النية فيها. تنبيهان: الأول: من فروض الكفاية تشميت العاطس قال في البيان هو فرض عين وقيل فرض كفاية وقيل ندب وإرشاد والأول أشهر. الثاني: كل ما ذكر من فروض الكفاية إنما هو إذا تعدد من يقوم به فإن انفرد كان فرض عين عليه وكذلك في المندوب. وغيره المسنون كالإمامة ... والبدء بالسلام والإقامة يعني: ان غير ما ذكر من فروض الكفاية مما يكتفى فيه بفعل بعض الناس مسنون والمراد به ما يشمل المندوب كالإمامة في الصلاة فهي سنة مؤكدة. وقيل: فرض كفاية وكالإقامة للصلاة والابتداء بالسلام قال في النتقيح: الكفاية والأعيان كما يتصوران في الواجبات يتصوران في المندوبات كالأذان والإقامة والتسليم والتشميت. وما يفعل بالأموات من المندوبات فهذه على الكفاية.

النهي (أي النفسي)

النهي (أي النفسي) هو اقتضاء الكف عن فعل ودع ... وما يضاهيه كذر قد امتنع يعني: أن النهي النفسي هو اقتضاء كف عن فعل لا بقول كف ونحوه كذر ودع وخل واترك. قوله وما يضاهيه .. أي ما يشابه دع كذر امتنع دخول مدلوله في النهي والمراد بالاقتضاء عندنا الجازم لأنه حقيقة في التحريم والمراد بالفعل نحو الأمر والشأن فيشمل القول والفعل المعروف والقصد وغيرهما قال في الآيات البينات ويحد اللفظي بالقول الدال على ما ذكر. وهو للدوام والفور متى ... عدم تقييد بضد ثبتا يعني أن النهي النفسي يدل على الدوام دلالة الالتزام لا مطابقة للزوم الدوام لامتثال النهي فإذا قلت لغيرك: لا تسافر فقد منعته من إدخال ماهية السفر في الوجود ولا يتحقق امتثال جميع ذلك إلا بامتناعه من جميع أفراد السفر فكان لازما للامتثال ينتفي بانتفائه الامتثال وكذا بدل على الفور إجماعاً أو على المشهور ما لم يقيد بالمرة أو التراخي فغن قيد بالمرة كانت مدلوله وضعاً. وقيل: مجازاً وإن قيد بالتراخي حمل عليه مثالهما لا تسافر غدا فإنه متراخ والسفر فيه مرة من السفر باعتبار سفر كل يوم. واللفظ للتحريم شرعا وافترق ... للكره والشركة والقدر الفرق يعني: أن صيغة النهي عندنا حقيقة في التحريم شرعا، وقيل: لغة، وقيل عقلا في التنقيح: وهو عندنا للتحريم نحو ((ولا تقربوا الزنا)) وافترقت مذاهب الفرق المخالفة لنا فمنهم من قال للكراهة نحو لا تأكل بشمالك ولم نقل خلاف الأولى لأنه مما أحدثه المتأخرون ولأنه إنما

يستفاد من أوامر الندب لا من صيغة النهي التي الكلام فيها ومنهم من قال مشترك بين التحريم والكراهة ومنهم من قال للقدر المشترك بين التحريم والكراهة وهو طلب الترك جازما أم لا؟ وهو عن فرد وعن ما عددا ... جمعا وفرقا وجميعا وجدا يعني: أن النهي قد يكون عن شيء واحد نحو لا تزن وقد يكون عن متعدد كالحرام المخير كالأختين نحو لا تتزوج هندا وأختها، فعليه ترك إحداهما فقط فلا مخالفة إلا بجمعهما وقد يكون عن متعدد فرقا كالنعلين تلبسان أو تنزعان، لا يفرق بينهما بلبس أو نزع إحداهما فقط فهو منهي عنه أخذا من حديث الصحيحين (لا يمشين أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا) وقد يكون عن متعدد جميعا كقوله تعالى ((ولا تطع منهم آثما أو كفورا)) فإن أو بمعنى الواو وقوله جمعا وفرقا وجميعا تمييزات محولات عن المضاف أي وعن جمع متعدد وفرقه وجميعه قاله في الآيات البينات قوله عن فرد متعلق بوجد المبنى للمفعول أي وجد النهي عن فرد. وجاء في الصحيح للفساد ... إن لم يجي الدليل للسداد بعدم النفع وزيد الخلل يعني: أن النهي لفظيا كان أو نفسيا تحريما كان أو تنزيها في العبادات والمعاملات مستلزم لفساد المنهي عنه والفساد ضد الصحة لكن المراد منه هنا لازمه وهو عدم الاعتداد بالمنهي عنه إذا وقع بمعنى الفساد في العبادات وقوعها على نوع من الخلل يوجب بقاء الذمة مشغولة بها ومعناه في المعاملات عدم ترتب آثارها عليها إلا أن يتصل بها ما يقرر آثارها على أصولنا في البيع وغيره. قال في التنقيح: ودلالته على الفساد إنما هي بالشرع إذ لا يفهم ذلك من غيره. وقيل: باللغة لفهم أهل اللغة لذلك من مجرد اللفظ، وقيل بالعقل لأن الشيء إنما ينهى عنه إذا اشتمل على ما يقتضي فساده وإنما يدل على الفساد إذا كان النهي لأمر داخل في الذات أو لازم لها لا إن كان لأمر منفصل كما تقدم ودلالته على الفساد مع إثباته شبهة الملك هو الصحيح من مذهبنا وقال القاضي منا:

لا يقتضي صحة ولا فسادا. وقيل: يقتضي الفساد فيلا العبادات دون المعاملات وقال أبو حنيفة: يقتضي الصحة كما سيأتي قال في التنقيح لنا أن النهي إنما يكون لدرء المفاسد الكائنة في المنهي عنه والمتضمن للمفسدة فاسد والخلاف في النهي المطلق الذي لم يقيد بما يدل على صحة أو فساد، أما ما قيد بما يدل على السداد أي الصحة فهو لها كالطلاق في الحيض يترتب عليه أثره الذي هو وقوع الطلاق وإنما يدل على الفساد لعدم النفع أي المصلحة في المنهي عنه أو لزيادة الخلل بالتحريك أي لزيادة المفسدة فيه على المصلحة. وملك ما بيع عليه ينجلي إذا تغير بسوق أو بدن ... أو حق غيره به قد اقترن يعني أنه ينبني على كون النهي يفيد الفساد، وشبهة الصحة ملك المشتري لما بيع بيعا حراما إذا تغير سوقه أو بدنه بهلاك أو غيره أو تعلق حق غير المشتري به كما إذا وهبه أو باعه أو آجره أو أعتقه فيملكه المشتري حينئذ بالقيمة إما على أن النهي يفيد الصحة فيترتب على نفس البيع الملك وسائر الآثار من جواز التصرف ووطء الأمة ابتداء وأكل الطعام قال القرافي: قاعدة أهل المذهب أن النهي يدل على الفساد وتفاريعهم تقتضي أنه يدل على شبهة الصحة. وبث للصحة في المدارس ... معللا بالنهي حبر فارس حبر بفتح الحاء وكسرها أفصح فاعل بث ومعللا بكسر اللام حال منه يعني أن حبر فارس وهو أبو حنيفة بث في مجالي درسه أن النهي يقتضي الصحة وعلل ذلك بأن النهي عن الشيء يقتضي إمكان وجوده شرعا وإلا امتنع النهي عنه ولهم في المسألة تفصيل أعرضت عنه إذ الغرض المهم عندنا في الشرح كأصله بيان أصول مذهب مالك وإن كنت أجلب غيرها مرارا استطرادا وتبعا. والخلف فيما ينتمي للشرع ... وليس فيما ينتمي للطبع

يعني: أن الخلاف بين من قال أن النهي يقتضي الفساد وأبي حنيفة القائل أنه يقتضي الصحة إنما هو في الصحة الشرعية التي قال في التنقيح أنها الإذن الشرعي في جواز الإقدام على الفعل وهو يشمل الأحكام الشرعية إلا التحريم فلا إذن فيه والأربعة الباقية فيها الإذن. قوله أنها الإذن لعل مراده أنها موافقة الإذن إذ الصحة كما تقدم موافقة ذي الوجهين الشرع أي الإذن. وفي العبادة لدى الجمهور ... أن يسقط القضا مدى الدهور وليس ذا الخلاف في الصحة الطبيعية أي العادية قال القرافي: اتفق الناس على أنه ليس في الشريعة منهي عنه ولا مأمور به ولا مشروع على إطلاق إلا وفيه الصحة العادية وكذلك حصل الاتفاق أيضاً على أن اللغة لم يقع فيها طلب وجود ولا عدم إلا فيما يصح عادة وإن جوزنا تكليف ما لا يطاق فذلك بحسب ما يجوز على الله تعالى لا بحسب ما يجوز في اللغات فاللغات موضع إجماع. وقال القرافي أيضا: قال مالك والشافعي واحمد رحمهم الله تعالى بأن النهي يدل على الفساد وقال أبو حنيفة هو يدل على الصحة فالكل طردوا أصولهم إلا مالكا. قال أبو حنيفة يجوز التصرف في المبيع فاسدا ابتداء وهذا هو الصحة يعني أثرها. وقال الشافعي ومن وافقه: بأن الملك لا يثبت أصلا ولو تداولته الملاك وهذا هو الفساد وقال مالك بالفساد في حالة عدم الأمور الأربعة المتقدم ذكرها وبعدمه وتقرر الملك إذا طرأ أحدها فلم يطرد أصله. والمراد بالأربعة المشار لها بقولنا إذا تغير بسوق .. وإنما كانت أربعة لن تغير البدن فيه عنده أمران الهلاك وغيره. الإجزاء والقبول حين نفيا ... لصحة وضدها قد رويا يعني: أن نفي الإجزاء قد روي فيه عن أهل الأصول قولان قيل: يفيد الفساد بناء على أن الإجزاء الكفاية في سقوط الطلب. وقيل: يفيد الصحة بناء على أن الإجزاء إسقاط القضاء قال المحلى فإن ما لا يسقطه بأن يحتاج إلى الفعل. ثانيا: قد يصح كصلاة فاقد الطهورين. قال في الآيات البينات قال شيخنا العلامة يعني ناصر الدين اللقاني: قد

يقال صحته إن حصلت من خارج فلا يفيدها نفي الإجزاء كما هو المدعى، وأقول: لعل مراد القائل بأنه يفيد الصحة أنه يجامعها ولا ينافيها كما يدل على ذلك التعبير بقد يصح لأنه تصريح بأن الصحة قد توجد معه وقد لا توجد ومعلوم أن ما هو كذلك لا يدل على أحد الأمرين بخصومه وحينئذ يندفع ما أورده الشيخ عليه وقد يجاب أيضا بظهور نفي إسقاط القضاء وهو معنى نفي الإجزاء على هذا القول في حصول الصحة أو بإشعاره بذلك فعلى جوابه الأول يكون قد في قوله يصح للتقليل وعلى الثاني يكون للتحقيق وكذلك روي عنهم قولان في نفي القبول. قيل: يدل على الصحة لظهور نفي القبول في عدم الثواب دون عدم الاعتداد وقيل يدل على الفساد لظهوره في عدم الاعتداد فمن أدلة نفي الإجزاء على الفساد حديث (لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن) ومن أدلة نفي القبول على الفساد حديث الصحيحين (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا احدث حتى يتوضأ) ومن أدلته على الصحة حديث (من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم يقبل الله صلاته أربعين يوما) وحديث (إذا أبق العبد من مواليه لم تقبل له صلاة حتى يرجع إليهم) رواهما مسلم (وحديث: من شرب الخمر فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا) رواه ابن حبان والحاكم وقال على شرطهما. قال المحشي والظاهر أن نفي القبول في هذه الأحاديث ونحوها لكون إثم المعصية المتوعد عليها يعدل ثواب الصلاة تلك المدة فكأنه أحبطه وذلك لا ينافي كون الصلاة نفسها صحيحة لاستجماعها الشرائط.

العام

العام ما استغرق الصالح دفعة بلا ... حصر من اللفظ كعشر مثلا يعني: أن العام لفظ يستغرق جميع المعاني الصالحة له أو الصالح هو للدلالة عليها دفعة من غير حصر. قوله: من اللفظ. بيان لما والمراد بالصالح له جميع الأفراد باعتبار الوضع الذي استعمل اللفظ باعتباره حتى لو استعمل اللفظ في معناه الحقيقي كان العبرة بإفراد المعنى الحقيقي أو في معناه المجازي كان العبرة بإفراده أو فيهما كان العبرة بإفرادهما لكن لو تحقق الاستغراق لإفراد أحدهما فقط تحقق العموم باعتباره فقط. وحينئذ فالمراد بما لا يصلح له ما يشمل أفراد الوضع الذي لم يستعمل اللفظ باعتباره ف يقدح في عمومه عدم تناولها وإن صح استعماله فيها وتحقق عمومه باعتبارها أيضا. قولنا والمراد بالصالح جميع الأفراد أعني ولو فرضنا ليدخل ما لم يتحقق معناه في الخارج وما لا يمكن تحققه فيه وما انحصر معناه فيه في بعض الأفراد كفرد الشمس والقمر والسماء والأرض فخرج بقوله ما استغرق الصالح دفعة النكرة في الإثبات مفردة أو مثناة أو مجموعة واسم عدد لا من حيث الآحاد فإنها تتناول ما تصلح له على سبيل البدل لا الاستغراق. قوله بلا حصر أي في اللفظ ودلالة العبارة، وليس المراد الحصر في الواقع، فالمراد أن لا يكون في اللفظ دلالة على انحصاره في عدد معين وإلا فالكثير نحو، كل رجل في البلد محصور وليس المراد بغير المحصور ما لا يدخل تحت العد فخرج بقيد نفي الحصر كألف ومثله النكرة المثناة من حيث الآحاد كرجلين وأما النكرة المجموعة كرجال فلا حصر فيها من جهة الآحاد مع أن فيها قولا بالعموم وبحث شهاب الدين عميرة في خروج اسم العدد من جهة الآحاد بان اللفظ لا يصلح لكل جزء من مدلوله فهو خارج بالصالح وإن أراد أي

السبكي أنه يصلح للمجموع فهذا لا يسمى استغراقاً فيخرج بالاستغراق، وأجاب في «الآيات البينات» ناقلاً عن التلويح، أن المراد بالصلاحية أعم من صلوح الكلي لجزئياته والكل لأجزائه فاعتبر الدلالة مطابقة وتضمناً وبهذا الاعتبار صار صيغ الجموع وأسمائها مثل الرجال والمسلمين والرهط والقوم بالنسبة إلى الآحاد مستغرقة لما تصلح له فدخلت في الحد. يعني بالحد قول السبكي: العام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر ومن العام اللفظ المستعمل في حقيقته أو حقيقتيه ومجازه أو مجازيه فيكون عموم هذه الأقسام بالنظر لشمول اللفظ أفراد الحقيقتين وما ذكر معهما ولا يمنع من ذلك تعدد الوضع كما يكون منه المشترك المستعمل في أفراد معنى واحد لأنه مع القرينة لا يصلح لغيره قاله المحلي. وبحث فيه في «الآيات البينات» بأن قرينة الواحد إنما تدفع إرادة غيره ولا تدفع تناول اللفظ له والمعتبر في التعريف تناول اللفظ للمعنى لا إرادته على ما اقتضاه تفسيره السابق وقياس هذا البحث دخول العام المراد به الخصوص كالعام المخصوص في تعريف العام وكونه من أفراده والحاصل أن اللفظ مع قرينة المعنى الواحد أو المعنى المجازي لا يصلح لإرادة غيره ولكنه يصلح للدلالة على غيره وفرق بين صلوح الإرادة وصلوح الدلالة اللهم إلا أن يكونوا أرادوا بالاستغراق في حد العام الاستغراق باعتبار المراد لا مطلقًا وهو في غاية البعد اهـ. باختصار. وهو من عوارض المباني ... وقيل للألفاظ والمعاني يعني: أن الصحيح عند السبكي أن العموم من عوارض المباني أي الألفاظ والذي اختاره ابن الحاجب والعضد وغيرهما أنه من عوارض المعاني أيضا حقيقة فكما يصدق لفظ عام يصدق معنى عام حقيقة ذهنيًا كان كمعنى الإنسان أو خارجيًا كمعنى المطر والخصب لما شاع من قولهم الإنسان يعم الرجل والمرأة وعم المطر والخصب وقيل بعروض العموم في المعنى الذهني حقيقة لوجود الشمول المتعدد فيه بخلاف الخارجي والمطر والخصب مثلا في محل غيرهما في آخر، فاستعمال العموم فيه مجازي من باب إطلاق الدال على المدلول وكون معنى الإنسان ذهنيا والمطر والخصب خارجيا فيه نظر ظاهر لأن كلا

من الإنسان والمطر والخصب له معنى ذهني وخارجي، فما معنى هذه التفرقة؟ قال في الآيات البينات: إلا أن يكون المقصود مجرد التمثيل مع صحة جريان ما قيل في كل في الآخر أو يقال أن شمول كل من المطر والخصب الخارجي للأماكن أظهر من شمول الإنسان الخارجي والمعنى أنهم اختلفوا هل يطلق لفظ العام على المعنى حقيقة لتحقق معنى العموم فيه بمعنى شمول أمر واحد لأمور متعددة وللاكتفاء في حقيقته بتحقق الشمول للمتعدد وإن لم يتحقق أمر واحد شامل للمتعدد أو لا يطلق لفظ العام حقيقة إلا على اللفظ ولا يطلق على المعنى حقيقة مطلقا أو يفصل في المعنى بين الذهني فيطلق عليه حقيقة لوجود أمر واحد شامل لأمور متعددة وبين الخارجي فلا يطلق عليه إلا مجازا لعدم وجود أمر واحد شامل لمتعدد وإن تحقق فيه الشمول في الجملة. واعلم أن منشأ الخلاف في كون العموم من عوارض المعاني الذهنية دون الخارجية هو الخلاف في وحدة الأمر الشامل لمتعدد، فمن اعتبر وحدته شخصية منع الإطلاق في المعاني الخارجية ومن فهم من اللغة أن وحدته أعم من الشخصية والنوعية أجاز الإطلاق حقيقة لقولهم مطر عام وخصب عام والوحدة فيهما نوعية وصوت عام والوحدة فيه شخصية واستشكل الفرق بين المطر والصوت حيث كانت وحدة الأول نوعية والثاني شخصية لأن كلا منهما كلي نظرا إلى مفهومه وجزئي نظرا إلى شخصه. وأجاب في الآيات البينات بأن الخارجي منهما لا يتصور أن يكون كليا إذ المطر الخارجي الواقع في المحال المتعددة أشخاص متعددة لكنها من نوع واحد بخلاف الصوت المسموع في المحال المتعددة فإنه شخص واحد عم جميع المحال التي يسمع فيها. هل نادر في ذي العموم يدخل ... ومطلق أو لا خلاف ينقل فما لغير لذة والفيل ... ومشبه فيه تنافى القيل يعني: أن في دخول الصورة النادرة في حكم العام والمطلق خلافا منقولا عن أهل المذهب والنادر هو ما لا يخطر غالبا ببال المتكلم لندرة وقوعه. ولذا قال بعضهم: لا تجوز المسابقة على الفيل وجوزها بعضهم

والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل) السبق بالتحريك المأخوذ في المسابقة جعل بعضهم الحديث مثالا للمطلق لأن الخف في قوله إلا في خف نكرة واقعة في الإثبات وجعله بعضهم عاما قال زكرياء: وجه عمومه مع أنه نكرة واقعة في الإثبات أنه في حيز الشرط معنى إذ التقدير إلا إن كان في خف والنكرة في سياق الشرط تعم اهـ. وكذا ينبني على الخلاف في دخول النادر في حكم المطلق والعام الخلاف الذي بين أهل المذهب في وجوب الغسل من المني الخارج لغير لذة أو لذة غير معتادة هو قاله ابن عبد السلام. وعدم وجوب الغسل من المني الخارج للذة غير معتادة هو المشهور. وقال سحنون وابن شعبان بوجوبه به وكذا من أوصى بعتق رقبة أجزأه عتق الخنثى بناء على دخوله لتناول اللفظ له وعدم إجزائه لأنه نادر لا يخطر ببال المتكلم وإلى الفرع الأخير وشبهه أشار بقوله: ومشبه بالرفع عطف على ما المبتدأ والضمير في قوله فيه أفرد باعتبار ما ذكر. وما من القصد خلا فيه اختلف بالبناء للفاعل أي اختلف قول الأصوليين أيضا في دخول غير المقصود في حكم العام وعدم دخوله حكى ذلك الخلاف القاضي عبد الوهاب، ومحل الخلاف في هذه وفي النادر حيث قامت القرينة على عدم قصدهما قامت قرينة على قصد النادرة دخلت اتفاقا أو قامت قرينة على قصد انتفاء صورة لم تدخل اتفاقا وعدم قصدها لا يستلزم قصد انتفائها فيلزم إخراجها عن الحكم وقد يقال أن المراد بقيام القرينة على عدم قصدها كون تلك الصورة مما شأنه أن لا يقصد لوجود ما يناسب عدم القصد مثال غير المقصودة ما لو وكله على شراء عبيد فلان وفيهم من يعتق عليه هل يصح شراؤه أو لا؟ والاختلاف في اعتبار غير المقصود مبني على الخلاف في تعارض اللفظ والقصد هل يعتبر اللفظ أو القصد قال ميارة في التكميل. وهذه قاعدة اللفظ إذا ... عارضه القصد فقيل ذا وذا ومال أبو إسحاق الشاطبي إلى عدم دخول النادر وغير المقصود.

فائدة: جعل بعضهم النادر وغير المقصود متحدين وليس بصواب إذ غير المقصود أعم مطلقا من النادر لأن ما لا يقصده المتكلم مما يتناوله اللفظ العام قد يكون عدم قصده لندوره فلا يخطر بالبال غالبا وقد يكون لقرينة دالة عليه وإن لم يكن نادرا كما يشير له كلام المحلى وكلام السبكي في منع يدل على أن بينهما عموما من وجه وصرح به البرماوي قال لأن النادر قد يقصد وقد لا يقصد وغير المقصود قد يكون نادرا وقد لا يكون. وقد يجيء بالمجاز متصف يعني أن اللفظ العام قد يكون مجازا كأن يقترن بالمجاز أداة عموم نحو: جاءني الأسود الرماة إلا زيدا خلافا لبعض الحنفية الزاعم أن المجاز لا يكون عاما لأنه خلاف الأصل فيقتصر به على محل الضرورة وهي تندفع بإرادة بعض الأفراد ورد بأنه ليس خاصا بمحل الضرورة. مدلوله كلية إن حكما ... عليه في التركيب من تكلما يعني: أن مدلول العام في التركيب من جهة الحكم كلية أي محكوم فيه مدلول العام على كل فرد مطابقة إثباتا أو سلبا والإثبات الخبر والأمر والسلب النفي والنهي نحو جاء عبيدي وما خالفوا فأكرمهم ولا تهنهم لأن الأول جمع معرف بالإضافة والضمائر الباقية عائدة عليه والعائد على عام عام، فالأمثلة الأربعة دلالة كل واحد منها على كل فرد من أفراده دلالة مطابقة لأن كل واحد في قوة قضايا بعدد أفراده أي جاء فلان وجاء فلان إلى آخر الأفراد. وهكذا في بقية الصيغ وكل منها محكوم فيه على فرده دال عليه مطابقة فما هو في قوتها محكوم فيه على كل فرد دال عليه مطابقة وهذا جواب للمحلى عن سؤال للقرافي وهو أن دلالة المشركين في قوله تعالى: ((اقتلوا المشركين)) على زيد منهم ليست مطابقة، لأن المطابقة دلالة اللفظ على تمام ما وضع له ولفظ العموم لم يوضع لزيد فقط ولا تضمنا لأن التضمن دلالته على جزء مسماه والجزء لا يصدق إلا إذا كان المسمى كلا ومدلول لفظ العموم ليس كلا بل كلية ولا التزاما لأن دلالة الالتزام على أمر خارج

لازم وزيد ليس خارجا عن معنى العام بل داخلا فإما أن يبطل انحصار دلالة اللفظ في الثلاث وإما أن لا يدل العام على شيء من أفراده. وأجاب الأصبهاني في شرح المحصول: بمثل ما أجاب به المحلى من أن القضية المحكوم فيها على العام في قوة قضايا كل منها يدل على حكم المفرد مطابقة والمراد بالعام في قولهم مدلول العام كلية كل عام استعمل في معناه من الأفراد الصالح هو لها قال في الآيات البينات: ومنه لفظ العام في نحو قولنا العام يقبل التخصيص بخلافه في نحو قولنا العام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر إذ لا حكم فيه على الأفراد حتى تتصور الكلية. وقولنا العام من موضوع أصول الفقه إذ لا حكم فيه على الأفراد حتى تتصور الكلية بخلاف العام المراد به الخاص إذ لا تتأتى فيه الكلية فظهر أن المراد بالعام هنا ما صدقاته أي أفراده وليس المراد به المفهوم المعرف بما سبق إذ لا يتصور كونه كلية. قولنا في التركيب إحرازاً عنه قبل التركيب إذ لا يتصور كونه حينئذ وليس معنى الاحتراز أنه قبل التركيب ليس مدلوله كل الأفراد. قولنا من جهة الحكم نعني به محكوما به نحو الساكن في الدار عبيدي أو محكوماً عليه ولو بحسب المعنى فيشمل المفعول به مثلا. قله كلية أي لا كل ولا كلي، والكل: هو الحكم على مجموع الأفراد من حيث هو مجموع، ومراد الأصوليين بالكلي المنفي هنا هو الماهية من حيث هي مع قطع النظر عن الأفراد والمعنى ليس محكوما فيه على الماهية من حيث هي من غير نظر إلى الأفراد وإنما لم يكن كليا لأن النظر في العام إلى الأفراد. وهو على فرد يدل حتما ... وفهم الاستغراق ليس جزما بل هو عند الجل بالرجحان ... والقطع فيه مذهب النعمان يعني: أن دلالة العام على أصل معناه وهو فرد واحد قطعية لوجوب بقائه في التخصيص والمراد بالفرد الواحد فيما ليس جمعاً ولا

تثنية، والاثنان في التثنية أو الثلاثة في الجمع وإليه الإشارة بقولنا: وهو على فرد، يدل حتما أي قطعا ويقينا وأما فهمنا من العام استغراقه لجميع أفراده فليس مقطوعا به بل هو أمر راجع أي مظنون لأن ألفاظه ظواهر فلا تدل على القطع إلا بالقرائن كما أنها لا تسقط دلالتها إلا بالقرائن وهذا هو المختار عند المالكية قاله الإبياري. وقال مشايخ العراق من الحنفية وعامة متأخريهم أن العام يدل على ثبوت الحكم في جميع ما تناوله من الأفراد قطعا للزوم معنى اللفظ له قطعا حتى يقوم الدليل على خلافه ومرادهم بالقطع عدم الاحتمال الناشئ عن الدليل لا عدم الاحتمال مطلقا كما صرحوا به ومشايخ سمر قند منهم موافقون للجمهور من المالكية وغيرهم في أن دلالته على كل فرد بخصوصه ظنية كما تقدم فعلى أن دلالة العام على جميع الأفراد قطعية يمتنع تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد وبالقياس وقال إمام الحرمين أن أدوات الشرط تدل على استغراق جميع الأفراد دلالة قطعية بخلاف غيرها. ويلزم العموم في الزمان ... والحل للأفراد والمكان يعني أن عموم العام لجميع أفراده يدل بالالتزام لا المطابقة على عموم الأزمان والأحوال والأمكنة إذ لا غنى للأفراد عنها وهذا مذهب السبكي ووالده والسمعاني ويدل عليه كلام المحصول كقوله تعالى ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد)) الآية، أي كل زان على أي حال كان من طول وقصر وبياض وسواد وغير ذلك وفي أي زمان كان وفي أي مكان وخص منه المحصن فيرجم، وقوله ((اقتلوا المشركين)) أي كل مشرك على أي حال كان وفي أي زمان ومكان كان وخص منه البعض كأهل الذمة وإنما عبرت بالأفراد دون الأشخاص لشموله المعاني كأفراد الضرب إذا وقع عاما نحو كل ضرب بغير حق فهو حرام. إطلاقه في تلك للقرافي ... وعمم التقي إذا ينافي يعني: أن القرافي والآمدي والأصبهاني شارح المحصول للإمام الرازي قالوا أن العام في الأفراد مطلق في الأحوال والأزمنة والبقاع

لانتفاء صيغة العموم فيها فما خص به العام على الأول مبين للمراد بما أطلق فيه على هذا وأورد القرافي على من قال أنه مطلق في المتعلقات أنه يلزم عدم العمل بجميع العمومات في هذا الزمان لأنه قد عمل بها في زمن ما والمطلق يخرج عن عهدة العمل به صورة ورده تقي الدين بن دقيق العيد بما أشرنا له بقولنا وعمم التقي إذا ينافي يعني أنه قال ما حاصله تخصيص الاكتفاء في المطلق بصورة محله فيما إذا لم يخالف الاقتصار عليها مقتضى صيغة العموم وإن كان العمل به مرة واحدة يخالف مقتضى صيغة العموم قلنا بالعموم محافظة على مقتضى صيغته لا من حيث أن المطلق يعم فإذا قال من دخل داري فأعطه درهما فدخل قوم في أول النهار وأعطاهم لم يجز حرمان غيرهم ممن دخل آخر النهار لكونه مطلقا فيما ذكر لما يلزم عليه من إخراج بعض الأشخاص بغير مخصص بمحل كونه مطلقا في ذلك في أشخاص عمل به فيهم لا في أشخاص آخرين حتى إذا عمل به في شخص في حالة ما في مكان ما لا يعمل به في غيره فيه مرة أخرى ما لم يخالف مقتضى صيغة العموم فلو جلد زان لا يجلد ثانيا إلا بزنى آخر انظر زكرياء ذكر ذلك تقي الدين في الكلام على حديث أبي أيوب من أهل اللسان والشرع وقد فهم العموم في الأمكنة من عموم النكرة في سياق النفي في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها" ويظهر الفرق بين القول الأول وقول القرافي فيما إذا ورد الحكم مطلقا ببعض أفراد المذكورات فعلى القول بالعموم لا يكون ذلك مخصصا لما سيأتي أن ذكر بعض أفراد العام بحكمه لا يخصصه وعلى القول بالإطلاق يكون ذلك مقيداً لما سيأتي من حمل المطلق على المقيد على التفصيل الآتي قاله في الآيات البينات، قوله وعمم التقى .. يعني: أنه قال بعموم الأفراد في المتعلقات إذا ينافي الإطلاق أي ما يلزم عليه من الاكتفاء بالعمل المطلق مرة واحدة أي ينافي الإطلاق العموم. صيغة كل أو الجميع ... وقد تلا الذي التي الفروع هذا شروع في الكلام على أدوات العموم قال في التنقيح وهي في نحو العشرين صيغة فمنها كل وهي أقوى صيغ العموم ولذا قدمت، والجميع

ولا بد من إضافة كل منهما للفظ حتى يحصل العموم فيه. وكذلك من صيغة الذي والتي وتثنيتهما وجمعهما المرادان بالفروع نحو أكرم الذي يأتيك والتي تأتيك أي كل آت وآتية لك حيث لم تكن الصلة للعهد وإلا فعموم. أين وحيثما ومن أي وما ... شرطا ووصلا وسؤالا أفهما يعني: أن أين وحيثما من صيغ العموم وهما للمكان شرطتين نحو أين وحيثما كنت آتيك، وتزيد أين بالاستفهام نحو أين كنت وأما مكانية حيثما تستقم يقدر .. البيت فاعتبارية بأن الأحوال قد تعد أمكنة ومن صيغ العموم من وأي وما سواء كان كل من الثلاثة شرطيا أو استفهاميا أو موصولا فشرطا مفعول أفهم واللفظان بعده عطف عليه أي أفهم اللفظ المذكور من من وأي وما الشرطية أو كونه موصولا أو مستفهما به وقد لا يعم أي ومن الموصولتان نحو مررت بأيهم قام ومررت بمن قام أي الذي قام ونحوه من العام الذي أريد يه الخصوص لقيام القرينة على إرادته بخلاف الخالي عنها نحو ((لننزعن من كل شيعة أيهم أشد)) فإنه عام في الأشد ونحو أحسن إلى من يمكنك الإحسان إليه، واستشكل جعل الموصول من صيغ العموم مع اشتراطهم في صلته أن تكون معهودة وأجيب بأن العهد ليس في الموصول بل في صلته وقيد العهد فيها لا يسقط عموم الموصول بل يخصصه قاله زكرياء، وفي الآيات البينات أن كون الموصولات معارف لا ينافي العموم بأن يكون الموضوع له الحقيقة الكلية المعنية المعهودة في ضمن كل فرد وإن خالف ظاهر كلام المصنف في أن دلالة العام كلية إلا أن الظاهر أن ذلك لا يوافق مرادهم ولا يطرد في جميع أمثلتهم. ووجه عموم ما ومن في الاستفهام أن معنى من في الدار مثلا السؤال عن كل أحد يتصور كونه في الدار سواء كان فردا أو أكثر وكذا ما وكذا أين ومتى سؤال عن كل مكان وزمان يتصور كونه فيه. متى وقيل لا وبعض قيدا ... وما معرفا بال قد وجدا أو بإضافة إلى المعرف ... إذا تحقق الخصوص قد نفى يعني: إن متى من صيغ العموم وهي للزمان المبهم فلا يقال متى زالت الشمس فاتني ولا فرق فيها بين الشرطية والاستفهامية

نحو متى تجئ ومتى تجئني أكرمك لكن هي وأين وحيث المعلق عليها مطلق فماذا قال متى أو حيثما دخلت الدار فأنت طالق فهو ملتزم مطلق الطلاق في جميع الأزمنة أو البقاع فإذا لزمه طلقة واحدة فقد وقع ما التزمه من مطلق الطلاق فلا يلزم طلقة اخرى بل ينحل اليمين كما لو قال أنت طالق في جميع الأيام طلقة فالظرف في هذا وغيمًا قبله عام والمظروف مطلق قاله في شرح التنقيح، وقيل: أن متى ليست للعموم بل معنى أن وإذا فمدخولها من القضايا مهملة وبعضهم قيد كونها للعموم بأن تكون معها ما. قوله وما معرفًا بال قد وجدو .. الخ، ببناء وجد للمفعول ومعرفًا بفتح الراء مفعوله الثاني وبال متعلق به يعني أن من صيغ العموم المعرف بال وبالإضافة نحو ((قد أفلح المؤمنون)) ((ويوصيكم الله في أولادكم)) سواء كان كل منهما مفردًا أو تثنية أو جمعًا ما لم يتحقق حصوص أي عهد فإن تحقق صرف إليه اتفاقا لانتقاء صيغة العموم عنه حينئذ وبهذا فارق العام إذا ورد على سبب خاص حيث لم ينتف به عمومه على الراجح لبقاء صيغته غايته انه هل يتخصص به أو لا قاله زكريا وإنما كان المعرف بقسميه للعموم لتبادره منه إلى الذهن والتبادر علامة الحقيقة وهذا مذهب أكثر أهل الأصول وعزاه القرافي للمذهب وقد احتج مالك على من قال أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد بنى بقوله ((وأنتم عاكفون في المساجد)) ولا فرق بين جمع التكسير والسلامة ومثاله في المضاف أيضا قوله صلى الله عليه وسلم في قول المصلي السلام علينا وعلى عباده الله الصالحين فإنه إذا قال ذلك أصابت كل عبد لله صالح السموات والأرض أو كما قال خلافًا لأبي هاشم من المعتزلة في نفيه العموم عن المعرف المذكور احتمل عهدًا أو لا فهو عنده للجنس الصادق ببعض الأفراد كما في ملكت العبيد لأنه المتيقن ... ما لم تقم قرينه على العموم فهو له كالأمثلة السابقة وخلافًا لإمام الحرميين في نفيه العموم عن المفرد إذا لم يكن واحدة بالتاء كالماء، زاد الغزالي أو تميز واحدة بالوحدة كالرجل إذ يقال رجل واحد

فهو في ذلك للجنس الصادق بالبعض ما لم تقم قرينة على العموم نحو الدينار خير من الدرهم أي كل دينار خير من درهم. وفي سياق النفي منها يذكر ... إذا بنى أو زيد من منكر يعني: أن المنكر في سياق النفي ذكر أهل الفن كونه من صيغ العموم إذا بني المنكر مع لا التي لنفي الجنس أو زيد من قبله نحو ما في الدار من رجل. أو كان صيغة لها نفس النفي لزم ... وغير ذا لدى القرافي لا يعم يعني: أن النكرة في سياق النفي لا يفيد العموم منها إلا ما ذكره في البيت قبله، وإلا النكرات الملازمة للنفي هذا مذهب القرافي فقال: أن أكثر اطلاقات النحاة والأصوليين أن النكرة في سياق النفي تعم باطل ونقل عن سيبويه وابن السيد ما يشهد له، وأن الجرجاني قال أن الحرف قد يكون زائدًا من جهة العمل دون المعنى كقولك ما جاءني من رجل فإن من هنا للعموم ولو حذفتها وقلت: ما جاءني رجل لم يحصل على العموم فهذه نكرة في سياق النفي ونقل عن الزمخشري وغيره في قوله تعالى: ((مالكم من الاه غيره)) لو قال ما لكم من الاه بحذف من لم يحصل العموم وكذلك قوله تعالى: ((وما تأتيهم من آية من آيات ربهم)) لو قال ما تأتيهم آية بحذف من لم يحصل العموم ونقل عن صاحب إصلاح المنطق وغيره أن الألفاظ الملازمة للنفي وهي نحو الثلاثين هي الموضوعة للعموم وما عداها لا يفيد العموم إلا بواسطة من. والصيغ الملازمة للنفي. أحد بمعنى إنسان لا بمعنى متوحد نحو ((قل هو الله أحد)) ووابر قال في القاموس ما به وابر أي أحد وصافر قال في القاموس: ما به صافر، أحد. قال القرافي من الصفير وهو الصوت الخاص وعريب من الأعراب الذي هو البيان أو من النسبة إلى يعرب بن قحطان، وقال في القاموس ما به عريب أو معرب أحد وكتيع من التكتع وهو التجمع ومنه ومنه أكتعون أبصعون وفي القاموس ما به كتيع وكتاع كغراب أحد وهو مشكول فيه بشكل المؤلف على وزن زبير بضم الزاي وفتح الباء ودبي بالضم وبكسر مع تشديد الموحدة من الدبيب

بمعنى أحد ودبيج كسكين وديار من الدار منسوب إليها وطوري بضم الطاء من الطور وهو الجبل يقال ما به طوري أي أحد ودوري من الدور جمع دار وهكذا داري وديوري وتموري بضم التاء والميم من التامور وهو دم القلب وداع ومجيب من الدعاء والإجابة يقال ما بها من داع ولا مجيب وناخر يقال ما بها ناخر من النخير وراغ وثاغ وشفرة وشفر وأرم محركة وأريم كأمير وأرمى بكسر الهمزة وفتح الراء مقصورًا ويرمى بفتح الهمزة وتكسر الراء مفتوحة مع القصر وصوات وطوى بضم الطاء وواو ساكنة بعدها همزة مكسورة فياء مشددة وطوي بإبدال الهمزة واوًا وطاوي بألف بعد الطاء فواو مكسورة وطاوي كجهني ودعوي كتركي وأوبن بموحدة كصاحب وعين بفتح العين المهملة سكون المثناة التحتية وأمر محركة وتامر وتومور ونمي بضم النون وكسر الميم المشددة وباليا المشددة أيضا وكراب كشداد وبد البد الانفكاك وكلها بمعنى أحد غير بد وثاغ وراغ يقال ما بها من راغ ولا ثاغ أي شاة وبعير وتختص هذه الأمثلة بعد نفي محض أو نهي أو شبههما بعموم من يعقل لازمة الأفراد والتذكير إلا راغيا وثاغيا وبدًا فليست للعاقل وقد يعني عن نفي ما قبلها نفي ما بعدها أن تضمن ضميره نحو أن أحدا لا يقول ذلك، قال سيبويه وهو ضعيف خبيث. وقيل بالظهور في العموم ... وهو مفاد الوضع لا اللزوم يعني: أن السبكي قال فيما قال القرافي لا يفيد العموم من النكرات في سياق النفي أنه ظاهر في العموم ويحتمل الوحدة مرجوحاُ ولفظه: والنكرة في سياق النفي أنه ظاهر في العموم فقولك: لا رجل في الدار بالرفع ظاهر في العموم ويحتمل الوحدة مرجوحا ولفظه: والنكرة في سياق النفي للعموم وضعًا وقيل لزومًا وعليه الشيخ الإمام نصًا أن بنيت على الفتح وظاهرا أن لم تبن. قوله وهو مفاد الوضع معناه أن عموم النكرة في سياق النفسي مدلول عليه بدلالة الوضع أي المطابقة بمعنى أن اللفظ وضع لسلب كل فرد من الأفراد وهذا هو مختار القرافي. وقيل: بالالتزام نظرًا إلى أن النفي أولًا للماهية ويلزم منه نفي كل فرد ضرورة وهو محكي عن

الحنفية واختاره والد السبكي. وشهد القول الثاني قول النحاة: أن لا في نحو لا رجل لنفي الجنس فإن قضيته أن العموم بطريق اللزوم دون الوضع. ويجلب أن مراد النحاة نفي الجنس في ضمن كل فرد واختار بعضهم أنه باللزوم في المبنية على الفتح بالوضع في غيرها ولا يخفى أن كونه بالوضع هو الموافق لما تقدم من أن دلالة العام كلية أي محكوم فيه على كل فرد مطابقة قاله في الآيات البينات وينبني على كون الخلاف في دلالة النكرة على العموم بالوضع أو بالالتزام ما أشار له بقوله: بالقصد خصص التزامًا ... قد أبى تخصيصه إياه بعض النجيان خصص فعل أمر وبالقصد متعلق به والتزامًا مفعوله وبعض الفاعل أبى وتخصيصه مفعوله مصدر مضاف إلى فاعله وإياه مفعوله يعني أنه يجوز أي يصح التخصيص بالقصد أي النية لما دل عليه اللفظ بالالتزام او بالتضمن واحرى بالمطابقة باتفاق المالكية والشافعية وقد منع بعض النجباء، وهم الحنفية تخصيص النية لما دل عليه بالالتزام وكذا التضمن فيما يظهر والتقييد كالتخصيص في الصحة والمنع فالحنفية عندهم عموم النكرة في سياق النفي وما هو بمعناه من نهي أو استفهام مراد به النفي بالزوم فلا يقبل التخصيص فرع العموم. لكن من العلماء المتعدي الواقع بعد نفي أو شرط دون تقييد بمفعول نحو والله لا أكلت. كالمحشيين من جعل خلاف الحنفية حيث لم تذكر النكرة صريحا كالفعل اما المصرح بها كلا أكلت طعامًا ونوي طعامًا مخصوصًا فتقبل اتفاقًا ومنهم من لم يفرق كالمحلي تبعًا لشيخه البرماوي ورد على الحنفية بقوله صلى الله عليه وسلم (وإنما لكل إمرء في ما نوى) وهذا قد نوى شيئا فيكون له. ولتعلم ان النكرة المذكورة عامة عندنا بالوضع ولا أشكال في تخصيصها حينئذ بالنية ولو فرضنا أنه بالالتزام لم يكن مانعًا من التخصيص بها عندنا أيضًا إذ لا مانع من صحة قصد نفي الماهية باعتبار وجودها في بعض أفرادها فقط.

تنبيه: النكرة العامة هي ما يتعلق الحكم بكل فرد من أفرادها دفعة سواء صلح حلول كل محلها أو لا كقوله تعالى: ((وإن أحد من المشركين استجارك فأجره)) فإن طلب الإجارة منه صلى الله عليه وسلم ثابت لأستجارة جميع الأفراد فمهما وجدت الاستجارة من الجميع أو البعض طلبت الإجارة منه ولو عبر بكل أحد لافهم الشرط عدم طلب الاجارة عند وجود الاستجارة من البعض وإنما عبر المحلي في هذه الآية بكل واحد منهم تنبيهًا على أن المراد تتعلق الحكم بكل فرد دفعة لا انه يشترط في عموم النكرة صلاحية حلول كل محلها كما توهمه بعضهم واعترض بذلك التوهم عليه. وأما نفسي السبكي وأقره المحلي العموم من مثال أمام الحرمين فالحق انه محل نظر قاله في الآيات البينات ولفظ أمام الحرمين: والنكرة في سياق الشرط للعموم نحو من يأتني بمال اجازه فلا يختص بمال. ونحو لا شربت أو ان شربا ... واتفقوا أن مصدر قد جلبا برفع نحو عطفًا على كل يعني أن من صيغ العموم كلا ونحو والله لا شربت أو أن شرب زيد فزوجتي طالق فيعمان جميع المشروبات وكذلك كل فعل متعد ليس مقيدًا بشيء وقع في سياق النفي وكذا في سياق الشرط عند ابن الحاجب والإبياري. ولا فرق بين الفعل المتعدي والقاصر عند القاضي عبد الوهاب وجماعة خلافا لمن خص الخلاف بالمتعدي كالغزالي. فقولك لا أكلت لنفي جميع المأكولات بنفي جميع أراد الأكل لأن الفعل يدل بالتضمن على نكرة واقعة في سياق النفي، وكذا أن أكلت فزوجتي طالق مثلًا فهو للمنع من جميع المأكولات عند ابن الحاجب والإبياري وكذا الفعل اللازم لأن نفي الفعل نفي لمصدره فإذا قلنا لا يقوم زيد عم النفي أفراد المصدر فكأنما قلنا لا قيام. قال بعض المصنفين أن جعل القاصر من محل الخلاف هو الحق وإذا قلنا الأمثلة المذكورة عامة صح تحصيص بعض أفراد العام فيما الحكم لإرادته باللفظ وإخراج ما عداه ويصدق في إرادة ذلك البعض على تفصيل مذكور في الفروع. وقال أبو حنيفة: لا تعميم في المسألتين وضعًا بل فيهما تعميم عقلي بطريق دلالة الالتزام فلا يصح التخصيص بالنية لأن النفي

في المنفى, والمنع في الشرط لحقيقة الأكل وإن لزم منه النفي والمنع لجميع المأكولات والنية لا تؤثر عندهم تخصيصا وتقييدا إلا فيما دل عليه اللفظ بالمطابقة لا بالالتزام. ورد عليهم القرافي بحديث (وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذا نوى شيئا فيكون له والأصل عدم المانع من النية حتى يدل عليه دليل ولا دليل لهم في هذه القاعدة بل هي دعوى مجردة اهـ بتقديم وتأخير. قوله واتفقوا يعني أن القرافي والرهوني وغيرهما نقلوا اتفاق الحنفية وغيرهم على العموم إذا ذكر المصدر, وقبول التخصيص بالنية نحو: والله لا أكلت أكلا ونوى به شيئا معينا فلا خلاف بين الحنفية وغيرهم أنه لا يحنث بغيره قال في شرح التفتيح: وأما استدلال أصحابنا عليهم بالمصدر إذا نطق به نحو لا أكلت أكلا فإلزام ظاهر لأن النحاة اتفقوا على أن ذكر المصدر بعد الأفعال إنما هو تأكيد للفعل والتأكيد لا ينشئ حكما بل ما هو ثابت معه ثابت قبله فإذا صح اعتبار النية معه وجب اعتبارها قبله فهذا كلام حق اهـ. وعموم الفعل المنفي إذا ذكر مصدره عند أبي حنيفة بالمطابقة لا بالالتزام لقبوله التخصيص بالنية عنده لكن من العجب قوله بالعموم في هذه بالمطابقة دون النكرة في سياق النفي. وقد نصر الإمام الرازي في محصوله مذهب أبي حنيفة في عدم عموم نحو لا أكلت أو أن أكلت بأشياء واهية لا يصح التمسك بها فضلا عن الترجيح بها فأنظرها في الآيات البينات مع ردودها. ونزلن ترك الاستفصال ... منزلة العموم في الأقوال يعني: أن ترك الشارع الاستفصال أي طلب التفصيل في حكاية الأحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في الأقوال والمراد بالحكاية الذكر والتلفظ وبالحال حال الشخص وشمل حكاية الحال كون الحاكي صاحب الحال أو غيره. وإنما قلنا ينزل منزلة العموم إشارة إلي أنه ليس من العام المصطلح لاختصاصه بالمقال كما في قوله صلي الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة الثقفي وقد أسلم على عشر نسوة (أمسك أربعا وفارق سائرهن) لم يستفصله عليه الصلاة والسلام هل

تزوجهن معا أو مرتبا فلولا أن الحكم يعم الحالين لما أطلق الكلام أي الجواب لامتناع الإطلاق في موضع التفصيل المحتاج إليه وكذلك كل من أسلم على أكثر من أربع نسوة كقيس بن الحارث الأسدي قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أختر منهن أربعا) وكعروة بن مسعود الثقفي وكنوفل بن معاوية الديلي, ومن ترك الاستفصال في حكاية الأحوال حديث فاطمة بنت أبي حبيش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وقد ذكرت له أنها تستحاض (أن دم الحيض أسود يعرف فإذا كان كذلك فامسكي عن الصلاة وإذا كان الأخر فاغتسلي وصلي) لم يستفصلها هل لها عادة في ذلك أم لا فيكون حكمه باعتبار التمييز شاملا للمعتادة وغيرها ومنه حديث بريرة رضي الله عنها عند مسلم أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم (إن أمي ماتت ولم تحج أفيجزئ أن أحج عنها قال نعم) ولم يستفصل هل أوصت بذلك أم لا فيعم الحالين عند الشافعية وقال أبو حنيفة أن ترك الإستفصال لا ينزل منزلة العموم بل يكون الكلام مجملا وقد تأول أمسك بابتدئ نكاح أربع منهن في الميعة واستمر على الأربع الأول في الترتيب لأن نكاح الخامسة ومن بعدها فاسد. قال في شرح التنقيح: ونحن نقول انكحه الكفار كلها باطلة وإنما يصححها الإسلام وإذا كانت باطلة فلا تقرر الأربع فيكون من عداهن يبطل عقده والحديث لم يفصل مع أنه تأسيس قاعدة وابتداء حكم وشأن الشارع في هذا رفع البيان إلى أقصى الغاية فلولا أن الأحوال كلها يعمها هذا الاختيار لما أطلق صاحب الشرع القول فيها كما لو قال صاحب الشرع: اعتقوا رقبة في الكفارة ولم يفصل استدللنا بذلك على عتق الطويلة والقصيرة والبيضاء والسوداء من جهة عدم التفصيل لا لأن اللفظ عام بل مطلق. قيام الاحتمال في الأفعال ... قل مجمل مسقط الاستدلال هذا تفسير للمراد من عبارة الشافعي وهي وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال فلا تعارض بينهما وبين قوله ترك الاستفصال في وقائع الأحوال مع قيام

الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال الذي نظمنا في البيت قبل هذا لأن الأولى محمولة غلى الوقائع التي فيها قول من النبي صلى الله عليه وسلم فتعم جميع الاحتمالات والثانية محمولة على الوقائع التي ليس فيها إلا مجرد فعله صلى الله عليه وسلم فلا تعم جميع الاحتمالات بل هي من المجمل فإن الفعل لا عموم له قاله المحشيان. ومحل العموم في الأولى والأجمال في الثانية حيث تساوت الاحتمالات فإن ترجح بعضها فالعمل بالراجح واجب اجماعا. فمن القسم الثاني الذي هو معنى قولنا قيام الاحتمال حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر فإنه يحتمل أن يكون لمرض وأن يكون جمعا صوريا قال المحشي وإذا احتمل كان حمله على بعض الأحوال كافيا ولا عموم له في الأحوال كلها. وما أتى للمدح أو للذم ... يعم عند جل أهل العلم يعني: أن العام الذي سيق للمدح أو للذم أو لغرض آخر لا يصرفه ذلك عن العموم وعزاه الرهوني للأكثر وأختاره ابن الحاجب قال في التنقيح: وذكر العام في معرض المدح أو الذم لا يخصص خلافا لبعض الفقهاء نحو ((إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم)) وقيل لا يعم وعزاه غير واحد للشافعي لأنه سيق لقصد المبالغة في الحث والزجر ولهذا منع التمسك بقوله تعالى ((والذين يكنزون الذهب والفضة)) الآية في وجوب زكاة الحلي وقيل يعم إلا أن يعارضه عام أخر لم يسق للمدح أو الذم فإن عارضه ما ذكر احتيج إلى مرجح كقوله تعالى: ((وأن تجمعوا بين الأختين)) مع قوله تعالى: ((أو ما ملكت أيمانكم)) فإن عارضه عام غير مسوق للمدح أو الذم أو نحوهما قدم ذلك المعارض عليه لأنه أقوى وإذا عارضه عام سيق لذلك تساوي معه لضعف كل منهما بالخلاف فيه فلا بد من الترجيح وعلى القول الأول ينظر عند المعارضة إلى المرجح على القول الأول. والثالث: إذا عارضه خاص سيق لذلك أم لا قدم الخاص عليه قياسا. وما به قد خوطب النبي ... تعميمه في المذهب السني

يعني: أن السني بفتح السين أي المشهور في مذهب مالك تعميم الخطاب الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم نحو ((يا أيها النبي أتق الله)) ((يا أيها المزمل)) فيتناول الأمة من جهة الحكم لا من جهة اللفظ إلا ما ثبت فيه الخاصية. قال الرهوني واختلف في تعميم القول الخاص به صلى الله عليه وسلم قول المالكية وظاهر قول مالك أنه عام واحتج في المدونة على أن ردة الزوجة مزيلة للعصمة بقوله تعالى ((لئن أشركت ليحبطن عملك)) وقال انكرت عائشة رضي الله عنها على من ذهب إلى أن نفس التخيير طلاق بقولها خير رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه فاخترنه فلم يعد ذلك طلاقا مع أنه ورد فيه خطاب خاص به صلى الله عليه وسلم أعنى قوله تعالى ((يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن .. )) الآيتين ومثال ما ثبتت فيه الخاصية تزويج تسع بالمثناة, وقال أحمد وأبوه حنيفة: أن ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم عام للأمة ظاهرا لأن أمر القدرة أمر لأتباعه معه عرفا كأمر السلطان أميرا بفتح بلد فيحمل على العموم إلا بديل خارجي يصرف ويوجب تخصصه به قال في الآيات البينات وقضية كون العموم ظاهرا والحمل عليه إلا بدليل أن المراد التناول لفظا ولعل المراد التناول لفظا بحسب العرف اهـ. وقال الشافعية لا يتناول الأمة من جهة الحكم لاختصاص الصيغة به وأجابوا عن كون أمر القدوة أمرا لأتباعه عرفا بأنه فيما يتوقف المأمور به على المشاركة وما نحن فيه ليس كذلك. اعلم أن محل الخلاف كما قال زكريا ما يمكن فيه إرادة الأمة معه ولم تقم قرينة على ارادتهم معه بخلاف ما لا يمكن فيه ذلك نحو ((يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)) وما أمكن فيه ذلك وقامت قرينة على إرادتهم معه نحو ((يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)) وليس من محل الخلاف أيضا ما لا تمكن في إرادة النبي صلى الله عليه وسلم بل المراد به الأمة. وما يعم يشمل الرسولا ... وقيل لا ولنذكر التفصيلا يعني: أن الأصح أن نحو يا أيها الناس مما ورد على لسان النبي صلى الله عليه وسلم من العمومات المتناولة له لغة شموله له صلى الله

عليه وسلم من جهة الحكم المستفاد من التركيب كما شمله لغة فخرج ما لا يتناوله نحو يا أيتها الأمة فلا يشمله بلا خلاف وقيل لا يشمله من جهة الحكم مطلقا لأنه ورد على لسانه للتبليغ لغيره وقيل أن أقترن بنحو بلغ وقل فلا يشمله لظهوره في التبليغ وإلا فيشمله. وأورد على هذا القول أن جميع الخطابات المنزلة عليه صلى الله عليه وسلم على تقدير قل فيلزم أن لا يدخل في شيء منها قال في الآيات البينات: ورد بالمنع ولو سلم فليس المقدر كالمذكور من كل وجه. والعبد والموجود والذي كفر ... مشمولة له لدي ذوي النظر يعني: أن الخطاب بنحو يا أيها الناس يتناول شرعا ثلاثة أصناف ما يتناولهم لغة الأول: العبد على الصحيح عند السبكي وإليه ذهب كثر المالكية والشافعية والحنفية لأنه من القياس لغة والأصل عدم النقل وكونه عبدا لا يصلح مانعا وإنما خرجوا من خطاب الحج والجهاد بدليل منفصل وقيل لا يتناول العبيد بل يختص بالأحرار وإليه ذهب بعض المالكية وبعض متأخري الشافعية وينبني على الخلاف صحة الاستدلال بنصوص التكليف على ثبوتها في حقهم حيث يقع النزاع فيها بين العلماء كصلاة الجمعة فقد أختلف في وجوبها عليهم وكذلك اقراره فيما يتعلق ببدنه. وحجة من قال بعدم دخولهم قوله تعالى ((والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)) والأمة لا يلزمها ذلك وقال الرازي من الحنفية: إن كان لحق الله اندرجوا وإن كان لحق ءادمي لم يندرجوا والخلاف في الفروع لا في وجوب معرفة الله تعالى ونحوها الثاني: الكافر وقيل: لا, بناء على عدم تكليفه بالفروع الثالث: الموجود في زمن الوحي دون من بعدهم إلا بنص أو إجماع أو قياس قال في التنقيح: وخطاب المشافهة لا يتناول من يحدث بعد إلا بدليل لأن الخطاب موضوع للمشافهة هو تناوله لمن بعدهم لا من اللغة بل للعلم من الدين بالضرورة أن الشريعة عامة قال تعالى ((لأنذركم به ومن بلغ)) وللإجماع على تكليفهم بما كلف به الموجودون وقال الحنابلة: يتناولهم بالصيغة أيضا لمساواتهم للموجودين في حكمه إجماعا وأجيب: بأن المساواة بدليل أخر وهو مستند الإجماع لا منه.

وما شمول من للأنثى جنف ... وفي شبيه المسلمين اختلفوا يعني: أن من شرطية كانت أو استفهامية أو موصولة تتناول الإناث عند الأكثر. وقال إمام الحرمين باتفاق كل من ينتسب للتحقيق من أرباب اللسان والأصول. وقالت شر ذمة من الحنفية لا تتناولهن فقالوا في قوله صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه) لا يتناولهن فالمرأة عندهم لا تقتل بالردة. ودليل الأكثر قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى} إذ لولا تناولها للأنثى وضعا لما صح أن يبين بالقسمين وقوله صلى الله عليه وسلم (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه فقالت أن سلمة كيف تصنع النساء بذيولهن) رواه الترمذي. ففهمت دخولهن في من واقرها صلى الله عليه وسلم على ذلك. وأن من قال من دخل دراي فهو جر فدخل الإماء عتقن إجماعا قاله المحشي. قوله وفي شبيه يعني أنهم اختلفوا في جمع المذكر السالم ونحوه هل يدخل فيه النساء ظاهرًا؟ قال في التنقيح: والصحيح عندنا اندراج النساء في خطاب التذكير قاله القاضي عبد الوهاب اهـ. وكذا الحنابلة وصححه بعض الشافعية لأن النساء شقائق الرجال في الأحكام إلا ما دل دليل على تخصيصه ولأن النحاة قالوا أن عادة العرب إذا قصدت الجمع بين المذكر والمؤنث ذكروا الجمع بصيغة المذكر ولا يفردون المؤنث بالذكر كما هو عادتهم في اغلب المتكلم على المخاطب والمخاطب علي الغائب والعقلاء على غيرهم وذلك مثل المسلمين، وفعلوا، وافعلوا. والأصح عند السبكي أن جمع المذكر السالم ونحوه لا يدخل فيه النساء ظاهرًا وإنما يدخلن فيه بقرينة تغليب الذكور وبعدم دخولهن فيه قال القاضي والباجي من المالكية وأكثر الأصوليين واختاره ابن الحاجب لقوله تعالى {إن المسلمين والمسلمات} الآية ولا نزاع في الصيغة المخصصة بالذكور بحسب المادة نحو الرجال فلا تتناول اتفاقًا ولا فيما هو موضوع للذكور والإناث مثل الناس ومن إنما النزاع فيما هو بحسب المادة موضوع لهما وبحسب الصيغة موضوع للذكور خاصة وحاصله أن تغليب الذكور على الإناث والقصد إليهما جميعًا ظاهر

ومبني على قيام القرينة ومن المتنازع فيه نحو صوام وقوام من جموع التسكير بخلاف صوم وقوم فأنه لا يخص المذكر قال ابن مالك: وفعل لفاعل وفاعلة ... وصفين نحو عاذل وعاذلة ومثله الفعال فيما ذكرا فعلى عدم الدخول لو وقف على بني زيد لا تدخل فيه البنات والخلاف في ظهور التناول لا في صحته وإذا أطلق اللفظ عليهما فهل هو حقيقة فيهما كما يدل على قول العضد كغيره أو مجاز خلاف قوله جنف بالتحريك يعني أنه ليس ميلا عن الصواب. وعمم المجموع للأنواع ... إذا بمن جر على نزاع كمن علوم الق بالتفصيل ... للفقه والتفسير والأصول يعني: أنه إذا اجتمعت صيغة تبغيض مع جمع معروف باللام أو بالإضافة على جميع أنواعه نظرا لمدلول العام من أنه كلية واسم العدد عام في المعنى. وإن كان لا يسماه اصطلاحا فقوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة} يقتضي الأخذ من كل نوع من مال كل واحد وقيل يقتضي الأخذ من نوع واحد من مال كل واحد واختاره ابن الحاجب والقرافي فصيغة التبغيض وهو يصدق ببعض مدخولها وهو نوع واحد وأجيب بأن من للتبغيض في العام أن يكون باعتبار كل جزء من جزئياته وينبني على الخلاف ما لو شرط على المدرس أن يلقي كل يوم ما تيسر من علوم ثلاثة وهي التفسير والفقه والأصول هل يجب عليه أن يلقي كل يوم من كل واحد منها أو يكفيه أن يلقي من واحد منها. والمقتضي أعم جل للسلف ... كذاك مفهوم بلا مختلف جل: فاعل أعم ومختلف بفتح اللام بمعنى اختلاف يعني: أن المقتضي قال جل للسلف أي أكثر المالكية والشافعية بعمومه كما حكاه عنهم القاضي عبد الوهاب والمقتضي بكسر الضاد كلام يتوقف صدقه

أو صحته على تقدير أحد أمور يسمى ذلك الواحد مقتضي بفتح الضاد فأنه يعم تلك الأمور حذرا من الأجمال وقال ابن الحاجب والغزالي وغيرهما أنه لا يعمها لاندفاع الضرورة بواحد منها ويكون مجملا بينها يتعين بالقرينة، قوله كذاك مفهوم يعني أنه لا خلاف في عموم المفهوم موافقة كان أو مخالفة نحو {فلا تقل لهما أف} {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} الآية. نقلها العرف إلى تحريم جميع الإيذاءات والاتلافات ونحو قوله صلى الله عليه وسلم ((مطل الغني ظلم)) أي بخلاف مطل غيره والحاصل أن اللفظ الدال على مفهوم الموافقة والمخالفة صار عاما فيهما بواسطة العرف في الأول وبواسطة العقل الثاني والخلاف في أن المفهوم مطلقا لا عموم له لفظي.

ما عدم العموم فيه أصح (أي من العموم)

ما عدم العموم فيه أصح (أي من العموم) منه منكر الجموع عرفا ... وكان والذي عليه انعطفا يعني: أن الجمع المنكر في الإثبات نحو جاء عبيد لزيد ليس بعام على الأصح وهو مذهب الجمهور فيحمل على أقل الجمع ثلاثة أو اثنين لأن أداة العموم هي لام التعريف أو الإضافة قال القرافي ولحصول الاتفاق أيضا على أنه لو قال عندي دراهم لم يلزمه أكثر من ثلاثة ولو حلف ليتصدقن بدراهم تصدق بثلاثة وكذلك الوصية والنذر وحمله الجبائي من المعتزلة على العموم لأنه حمل له على جميع حقائقه فهو أولى. قال في شرح التنقيح: جوابه أن حقيقته واحدة وهي القدر المشترك بين المجموع وأما أفراد المجموع فهي محال حقيقته لا أنها حقائقه فقوله جميع حقائقه كلام باطل. ويتفق مع الجمهور إذا منع مانع نحو رأيت رجالا فعلى أقل الجمع. قوله وكان يعني أن الأصح في كان في الإثبات أنها ليست صيغة عموم وأحرى غيرها من الأفعال النكرة المثبتة إلا أن تكون مسوقة للامتنان فأنها تعم كقوله تعالى {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} كما ذكره القاضي وغيره نحو (كان يجمع بين الصلاتين في السفر) لا يعم أقسامه من جمع التقديم والتأخير وكذا الفعل المثبت بدون كان كحديث بلال أنه صلى الله عليه وسلم (صلى داخل الكعبة) إذ لا يشهد اللفظ بأكثر من صلاة واحدة وجمع واحد ويستحيل وقوع الصلاة الواحدة فرضا ونفلا. اللفظ نصا ولا ظاهرا في تناول ما ذكر دفعه لكنه لما صدق بكل منهما واحتمله اثبت الحكم لهما جميعا وهل تفيد كان مع المضارع التكرار لغة؟ وهو قول القاضي وظاهر كلام المحصول اختياره أقوال. والتحقيق عند الكمال بن

الهمام وفاقا لسعد الدين التفتازاني أن المفيد للاستمرار لفظ المضارع وكان للدلالة على مضي ذلك المعنى هو التكرار غير العموم لأنهما لعموم في الأنواع وغاية ما يفيد التكرار الهموم في الأزمان وليس الكلام فيه بل في عموم الفعل لأقسامه وجهاته قاله في الآيات البينات عن العضد. قوله والذي عليه انعطفا يعني: أن الأصح في الذي عطف على العام عدم العموم قال في التنقيح: والعطف على العام لا يقتضي العموم نحو قوله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} ثم قال {وبعولتهن أحق بردهن} فهذا الضمير لا يلزم أن يكون عاما في جملة ما تقدم فأن العطف معناه التشريك في الحكم الذي سيق الكلام لأجله فقط اهـ. قال في الشرح الضمير خاص بالرجعيات لأن وصف الأجنبية بالأزواج إنما هو فيهن وإذا كان ضمير العام خاصا هل يتعين أن يكون المراد بالعموم الأول ما أريد بالضمير فقط لأن القاعدة استواء الظاهر والمضمر في المعنى أو يحمل الظاهر على عمومه لأن صيغته صيغة عموم والضمير على الخصوص لانعقاد الإجماع على استواء الزوج والأجنبي في البائن هذا هو الصحيح لأن الأصل عدم التخصيص فلا يكون الظاهر خاصا ولا المضمر عاما اهـ. وقالت الحنفية أن العطف على العام يوجب العموم في المعطوف لوجوب مشاركة المعطوف عليه وللمعطوف في الحكم وضفته. قلنا في الصفة ممنوع. وسائر حكاية الفعل بما ... منه العموم ظاهرا قد علما سائر بالرفع معطوف هو وحكاية بحذف العاطف على منكر والعموم مبتدا خبره جملة علم مبينا للمفعول ونصب ظاهرا على الظرفية يعني: أن من الأشياء التي عدم العموم فيها أصح لفظه سائر. قال في التنقيح: قال القاضي عبد الوهاب أن سائرا ليست للعموم فأن معناها باقي الشيء لا جملته وقال صاحب الصحاح وغيره من الأدباء أنها بمعنى جملة الشيء وهو مأخوذ من سور المدينة المحيط لا من السؤر الذي هو البقية فعلى هذا يكون للعموم وعلى الأول الجمهور والاستعمال اهـ. قوله حكاية الفعل ... الخ هذه المسألة تترجم بحكاية الصحابي فعلا بلفظ ظاهره العموم نحو قوله نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، وقضي بالشفعة للجار، وحكم بالشاهد واليمين. فلا يعم عند الأكثر كل غرر وكل جار

وكل شاهد لأن الحجة في المحكي لا في الحكاية. وقيل يعم وهو الذي أختاره الفهري، ونصره ابن الحاجب وغيره واستدلوا له بأنه هدل عارف باللغة والمعنى، فالظاهر أنه لا ينقل العموم إلا بعد ظهوره أو قطعه وأنه صادق فيما رواه من العموم وصدق الراوي يوجب أتباعه اتفاقا وأجابوا عن استدلال الجمهور باحتمال أنه نهى عن غرر خاص وقضي بشفعة خاصة فظن الهموم باجتهاده أو سمع صيغة خاصة فتوهم أنها للعموم فروى العموم لذلك والاحتجاج بالمحكي لا الحكاية فأن هذا الاحتمال وأن كان منقدحا فليس بقادح لأنه خلاف الظاهر من علمه وعدالته والظاهر لا يترك للاحتمال لأنه من ضروراته فيؤدي إلى ترك الظاهر وجوابه أن ظهور علمه وعدالته إنما يقتضي ظهور العموم في اعتقاده لا في الواقع والموجب للاتباع إنما يقتضي ظهور العموم في اعتقاده لا في الواقع والموجب للاتباع إنما هو ظهور العموم باعتبار الواقع في ظننا لا باعتبار ظن الراوي. وانتصر القرافي للعموم فقال في شرح التنقيح: هذا الموضع مشكل لأن العلماء اختلفوا في رواية الحديث بالمعنى فأن منعناها امتنع هذا الفصل لأن قول الراوي ليس لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن قلنا بجوازها فمن شرطها أن لا يزيد اللفظ الأول في معناه ولا في جلائه وخفائه فإذا روي العدل بصيغة العموم في قوله الغرر تعين أن يكون اللفظ المحكي عاما وإلا كان ذلك قدحا في عدالته حيث روي بصيغة العموم ما ليس عاما والمقرر أنه عدل مقبول هذا خلف فلا يتجه قولنا: الحجة في المحكي لا في الحكاية بل الحجة فيهمت لأجل قاعدة الرواية بالمعنى اهـ. ولا يقال نحو قضي بالشفعة للجار ليس من حكاية الفعل ولا من حكاية القول لأنا نقول مثل هذا القول ملحق عندنا بالفعل قاله في الآيات البينات ولهذا قال إمام الحرمين في الورقات: ولا يجوز دعوى العموم في الفعل وما يجرى مجراه اهـ. ومثلوا الثاني بالقضاء بالشفعة. تنبيه: حكي ابن رشد خلافا بين العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم (من قتل قتيلا له عليه بينة فله سبله) هل يحتاج سلب القتيل إلى تنفيذ الإمام بناء على أن الحديث حكم فلا يعم أو لا يحتاج إليه بناء على أنه فتوى؟ وكذا قوله لهند خذي منه ما يكفيك وولدك بالمعروف فيه خلاف هل هو حكم فلا يعم أو فتوى؟ قال في التكميل:

وفي حديث هند الخلاف هل ... حكم يخصها أو افتاء شمل خطاب واحد لغير الحنبلي ... من غير رعي النص والقيس الجلي خطاب مرفوع عطف على منكر يعني: أن خطاب الواحد نحو أفعل كذا الأصح أنه لا يعم والمراد بالخطاب الكلام المخاطب به وليس المراد العموم المصطلح بل مطلق التناول والواحد يشمل المرأة وكذا خطاب الاثنين والجماعة المعينة فكل من الخطابات لا يتناول الأمة عند الجمهور للقطع بأن خطاب الواحد لا يتناول غيره لغة قال حلولوا: نعم قد يعم الحكم بقياس أو نص يدل على مساواة الجميع نحو حكمي على الواحد حكمي على الجميع وذهبت الحنابلة إلى أن خطاب الواحد وما في معناه يعم الأمة عادة لجريان العادة بخطاب الواحد وإرادة الجميع فيما يتشاركون فيه قلنا: مجاز يحتاج إلى قرينة قال في الآيات البينات: أعلم أن حديث حكمي على الواحد حكمي على الجماعة لا يعرف له أصل بهذا اللفظ ولكن روي الترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن ماجه وابن حبان قوله صلى الله عليه وسلم في مبايعة النساء أني لا أصافح النساء وما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة اهـ. وحجة الحنابلة مع ما ذكر حكمي على الواحد حكمي على الجامعة وأجيب: بأنه أن صح محمول على أنه حكمي على الجمعة بالقياس لا أن خطاب الواحد خطاب الجميع.

التخصيص

التخصيص وهو لغة الأفراد قاله الأبياري. وهو مصدر خصص بمعنى خص فالتضعيف هنا بمعنى أصل الفعل دون دلالة على التكثير الذي تفيده هذه الصيغة غالبا. قصر الذي عم مع اعتماد ... غير على بعض من الأفراد يعني: أن التخصيص اصطلاحا هو قصر العام على بعض أفراده بأن لا يراد منه البعض الآخر بالحكم وذلك القصر على بعض الأفراد لابد أن يكون مع اعتماد على غير، أي دليل يدل على التخصيص. والتخصيص يدخل العام سواء كان عمومه باللفظ أو العرف أو العقل والعام بالعرف كاللفظ الدال على مفهوم الموافقة وبالعقل كاللفظ الدال على مفهوم المخالفة. وقولنا بأن لا يراد منه البعض الآخر لا فرق فيه بين أن يكون انتفاء إرادته باعتبار الحكم فقط دون التنازل وهو العام المخصوص أو باعتبارهما معا وهو العام المراد به الخصوص. واعترض تعريف التخصيص بما ذكر بأنه غير مانع لشموله فقصره بعد دخول وقت العمل به مع أنه نسخ لا تخصيص كما سيأتي وأجيب بأن التعريف بالأعم إجازة المتقدمون. جوازه بواحد في الجمع ... أتت به أدلة في الشرع يعني: أن التخصيص يجوز أن ينتهي إلى الواحد في الجمع لأن التحقيق والصحيح أن أفراده آحاد لا جماعات بدليل أن الجمع كثيرا ما يطلق ويراد به الواحد. قال في التنقيح: ويجوز عندنا للواحد هذا إطلاق القاضي عبد الوهاب وأما الإمام فحكي إجماع أهل السنة في ذلك في من

وما ونحوهما اهـ. أي من أسماء الشروط والاستفهام والمراد الإمام الرازي وهو شافعي ودللي التخصيص إلى الواحد قوله تعالى: {أم يحسدون الناس} أي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاز التخصيص في اسم الجمع المساوي للجمع وكذا قوله {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} المراد بالناس الأول نعيم بن مسعود الأشجعي وبالثاني أبو سفيان وقيل الناس في الآية الأولى العرب والناس القائلون في الآية الثانية وفد عبد القيس وإذا جاز تخصيص الجمع إلى الواحد فأخرى المفرد. وموجب أقله القفال ... والمنع مطلقا له اعتلال القفال: بتشديد الفاء مبتدأ خبره موجب وأقله مفعوله يعني أن القفال قال: أن لفظ العام إن كان جمعا كالمسلمين فلابد من إبقاء أقل الجمع اثنين كان أو ثلاثة وفي معنى الجمع اسم الجمع كقوم ونساء ورهط ووجه وجوب أقل الجمع عنده في الجمع المحافظة على معنى الجمعية معتبرة في الجمع قال المحشي: هذا في العام المخصوص أما العام المراد به الخصوص فيجوز أن يراد به واحد وأن كان لفظ العام جمعا كما ينبئ عنه تمثيل الشارح فيما بعد وغيره بقوله تعالى: {الذين قال لهم الناس} أي نعيم ابن مسعود الأشجعي قال في الآيات البينات: لكن لابد من فرق واضح من جهة المعنى اهـ. وقد أفاد كلام ابن الحاجب والعضد وغيرهما الاتفاق على جواز التخصيص إلى الواحد في الاستثناء حيث قالوا يجوز أكرم الناس إلا الجهال وإن كان العالم واحدا اتفاقا أما أن لم يكن لفظ العام جمعا فالتخصيص إلى الواحد عند القفال جائز. قوله والمنع الخ يعني أن القول بامتناع التخصيص إلى الواحد سواء كان لفظ العام جمعا أو لا وأن غاية جوازه أن يبقى أقل الجمع له اعتلال أي ضعف وأحرى بالضعف القول بمنع التخصيص إلا أن يبقى غير محصور وأصل هذا القول لأبي الحسين المعتزلي. قال في المحصول ومنع أبو الحسين ذلك الانتهاء في التخصيص إلى الواحد في جميع ألفاظ العام وأوجب أن يراد بها كثرة وأن لم يعلم قدرها ثم قال وهو الأصح وكذا صححه البيضاوي واختلفوا في تفسير هذا الكثير الذي يجب إبقاؤه

ففسره ابن الحاجب بأنه الذي يقرب من مدلوله قبل التخصيص قال الكمال ومقتضي هذا أن يكون أكثر من النصف وفسره السبكي بأن يكون غير محصور ومقتضاه إطلاق المنع إذا كانت أفراد العام محصورة في الواقع كرجال البلد وهم مائة مثلا قاله في الآيات البينات. أقل معنى الجمع في المشتهر ... الاثنان في رأي الإمام الحميري ذا كثرة أم لا وأن منكرا ... والفرق في انتهاء ما دق نكرا يعني: أن الاثنين هما أقل معنى الجمع الحقيقي وما في معناه من ناس وجيل ورهط وقوم ونحوها في رأي أي مذهب الإمام الحميري أعني مالكا قال في التنقيح: قال القاضي أبو بكر: مذهب مالك أن أقل الجمع اثنان ووافق القاضي على ذلك الأستاذ أبو الحسن وعبد الملك بن الماجشون من أصحابه وعند الشافعي وأبي حنيفة ثلاثة وحكاه القاضي عبد الوهاب عن مالك اهـ. ومن أدلة الأول ((وأطراف النهار)) ((أن تتوبا إلى الله فقد صعت قلوبكما)) وليس لهما إلا قلبان وأجيب بأن ذلك مجاز لتبادر الزائد على الاثنين دونهما إلى الزمن ومن أدلته أيضا قوله صلى الله عليه وسلم (الاثنان فما فوقهما جماعة) وأجيب بأن معناه لهما فضل الجماعة فالمراد الحكم الشرعي لا اللغوي لأنه عليه السلام إنما بعث لبيان الشرعيات وينبني على الخلاف بين ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والإمام مالك في قوله تعالى {فإن كان له أخوة فلأمه السدس} حملة مالك وقاطبة العلماء على أن المراد بالأخوة الاثنان فصاعدا فيجبان الأم للسدس بناء على أن أقل مسماه اثنان وحمله ابن عباس رضي الله تعال عنهما على أن المراد الثلاثة فأكثر فلا يحجبها اثنان للسدس وحجة القول بالثلاثة تفرقة العرب بين التثنية والجمع ضميرا كان أو ظاهر والأصل في الاستعمال الحقيقية والحق عند الأصبهاني في شرح المحصول وعند السعد التفتزاني في التلويح على التنقيح أن كون أقل الجمع ثلاثة أو اثنين لا فرق بين جمع القلة والكثرة قال التفتزاني: لم يفرقوا في هذا المقام يعني مقام التعريف المفيد للعموم بين جمع القلة وجمع الكثرة فدل بظاهره على أن التفرقة بينهما إنما هي بمعنى

إن جمع القلة مختص بالعشرة فما دونها وجمع الكثرة غير مختص لا أنه يختص بما فوق العشرة وهذا أوفق بالاستعمالات وأن صرح بخلافه بما فوق العشرة وهذا أوفق بالاستعمالات وأن صرح بخلافه كثير من الثقاة. قال الدماميني يريد أن العلماء لم يفرقوا بين اقتلوا المشركين وبين أكرم العلماء مثلا حيث جعلوا كلا منهما شاملا لثلاثة وما فوقها إلى غير النهاية فدل عدم الفرق بحسب الظاهر في هذه الحالة على أن التفريق بينهما حال كونها منكرين إنما هو في جانب الزيادة وحاصله أن الجمعين متفقان باعتبار المبتدأ مفترقان باعتبار المنتهى فمبدأ كل منهما الثلاثة ومنتهى جمع القلة العشرة ولا نهاية لجمع الكثرة وبهذا التقرير لا تحتاج أن تقول في محل من المحال هذا مما استعير فيه جمع الكثرة بجمع القلة أهـ. وفي حواشي التلويح الخسروية ما لفظه: وجه عدم التفرقة أن كلامهم في الجمع المعرف سواء كان جمع قلة أو جمع كثرة فلا بعد في أن لا يبقى بينهما فرق بعد التعريف حيث قصد بهما الاستغراق وهذا لا يخالف ما صرح به الثقاة لان تصريحهم في المنكر أهـ. فتحصل أنهما إذا كان منكرين افترقا في المنتهى، فمنتهى جمع القلة العشرة ولا منتهى لجمع الكثرة والي هذا أشرنا لقولنا: والفرق في انتهاء ما قد نكرا. وقد أشكل على القرافي نحو عشرين سنة وهو يورد السؤال على الفضلاء ولم يحصل له ولا لهم جواب. وسبب الأشكال أنه أن فرض قولهم أقل الجمع اثنان أو ثلاثة في صيغة الجمع التي هي جيم وميم وعين امتنع إثباته في غيرها وأن كان في كل ما يسمى جمعا، وصيغ الجموع قسمان: جمع قلة وجمع كثرة، وقد اتفق النحاة على أن جمع القلة موضوع بالعشرة فما دونها إلى الاثنين أو الثلاثة، وجمع الكثرة موضوع لما فوق العشرة فأن استعمل كل مكان الآخر كان مجازا، ونقول أن كان موضوع الخلاف جمع الكثرة لن يستقم لأن جمع الكثرة أقله على هذا التقدير أحد عشر والاثنان والثلاثة إنما يكون فيهما مجازا والبحث في المسألة ليس على المجاز وإن كان الخلاف في جمع القلة لم يستقم أيضاً لأنهم ليس على المجاز وإن كان الخلاف في جمع القلة لم يستقم أيضاً لأنهم ذكروا أمثلتهم في جموع الكثرة فدل على أن مرادهم عدم حصر المسألة في جمع القلة أهـ. قوله في رأي الإمام جواب عن سؤال دل عليه قوله

المشتهر فكأنه قيل غي أي رأي اشتهر فقال في مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى. وذو الخصوص هم ما يستعمل ... في كل الأفراد لدى من يعقل يعني: أن الفرق بين العام المخصوص والعام المراد به المخصوص هو أن الأول مستعمل في كل أفراده لكن عمومه مراد من جهة تناول اللفظ لجميع أفراده لا من جهة الحكم لأن بعض الأفراد لا يشمله الحكم نظرا لمخصص. قال الزركشي أن البحث عن التفريق بين العام المخصوص والعام المراد به الخصوص من مهمات هذا العلم ولم يتعرض له الأصوليون، وقد كثر بحث المتأخرين فيه كسبكي ووالده الشيخ الأمام. وقد استشكل في الآيات البينات قول السبكي: والعام المخصوص عمومه مراد تناولا لا حكما كيف جزم مع حكايته الخلاف بأنه حقيقة أو مجالا لأن مقتضى استعمال في جميع الأفراد أنه حقيقة لأنه اللفظ المستعمل في الموضوع له، وهذا كذلك وأجاب بأن كون عمومه كذلك بهذا المعنى شيء ذهب إليه تبعا لوالده لا منقول عن الأصوليين لأنهم لم يتعرضوا للفرق بينهما فما ذكر السبكي اختيار له لا ينافي اختلاف الأصوليين في ذلك لجواز أن لا يوافق جميعهم أو بعضهم المصنف ووالده فيما ذكر أهـ. بتلخيص. وما به الخصوص قد يراد ... جعله في بعضها النقاد النقاد: فاعل جعل وهو جمع ناقد والنقد في الأصل تمييز الجيد من الرديء، يعني أن السبكي ووالده جعلا أي اعتقدا في العام المراد به الخصوص أنه مستعمل في بعض أفراده فليس عمومه مرادا تناولا ولا حكما بل هو كلي من حيث أنه له أفراد في أصل الوضع لكن استعمل في حزئي أي بعض من تلك الأفراد كان البعض واحدا أو أكثر. - مثال الواحد: {الذين قال لهم الناس} أي نعيم، ومثال الثاني {أم يحسدون الناس} أي العرب على تأويل. وفرق غير السبكيين بأن قرينة العام المخصوص لفظية والثاني عقلية قاله زكرياء.

والثاني أعز للمجاز جزمًا يعني: أن العام المراد به الخصوص مجاز اتفاقا لاستعماله في غير موضوعه الأصلي الذي هو كل الأفراد. واستشكل في الآيات البينات القطع بمجازيته والاختلاف في مجازيه العام المخصوص فأي فرق بين العام المستعمل في جزئي ويبن العام الذي انتهى تخصيصه إلى جزئي إذ كلاهما في المعنى أريد به بعض المعنى وقصر الكلام عليه فالقطع بمجازية الأول والاختلاف في مجازية الثاني غير الظاهر إلا أن يفرق بأنه في العام المخصوص لم يرد البعض باستعمال يخصه بخلاف الذي أريد به الخصوص وأيده بكلام العضد وعلاقة هذا المجاز الجزئية والكلية. وذالك للأصل وفرع ينمي بالبناء للمفعول يعني أن العام المخصوص نماه الأكثر لفرع الحقيقة وهو المجاز مطلقا لاستعماله في بعض ما وضع له أولا والتناول لهذا البعض حيث لا تخصيص إنما كان حقيقيا لمصاحبته البعض الآخر وعزاه القرافي لبعض المالكية وبعض الشافعية وبعض الحنفية واختاره ابن الحاجب والبيضاوي والصفي الهندي ونصره الكمال بن الهمام وقال السبكي: الأشبه حقيقة أي في البعض الباقي بعد التخصيص وفاقا للشيخ الإمام والحنابلة وكثير من الخنفية وأكثر الشافعية وعزاه القرافي لبعض المالكية لأن تناول حقيقيا اتفاقا فليكن هذا التناول حقيقيا أيضا وأجيب من جهة الأكثر بأنه كان يتناوله مع غيره فقد استعمل في غير ما وضع له قال في الآيات البينات ويمكن الاعتذار عن هذا الجواب بأن ما كان من تناوله مع غيره بمنزلة تناوله وحده لأنه بمنزلة قضايا متعددة ولهذا كانت دلالته على كل فرد مطابقة اهـ. وقال القاضي أن خص بما لا يستقل بنفسه من شرط أو صفة أو استثناء أو غاية حقيقية وأن خص بما يستقل من سمع أو عقل فهو مجاز لأن ما لا يستقل جزء من المقيد به فالعموم بالنظر إلى ما لا يستقل فقط فقولك أكرم بني تميم العلماء عام في العلماء من بني تميم

فقط وقال أبو بكر الرازي من الحنفية حقيقة أن كان الباقي غير منحصر لبقاء خاصية العموم وإلا فمجاز قال العضد: قال أبو بكر الرازي: معنى العموم حقيقة كون اللفظ دالا على أمر غير منحصر في عدد وإذا كان الباقي غير منحصر كان عاما ومنع العضد كون معناه ذلك بل معناه تناوله لجميع ما يصلح له وكان للجميع وقد صار للبعض والبعض غير الكل فكان مجازا ولا يخفي أن هذا منشأ اشتباه كون النزاع في لفظ العام أو في الصيغة اهـ. قال في الآيات أي لان تقريره إنما هو في لفظ العموم لا في الصيغ التي للعموم والبحث إنما هو في الصيغ قال السعد: هذا من باب اشتباه العارض بالمعروض اهـ. وقال إمام الحرمين: حقيقة وجاز باعتبارين: تناوله والاقتصار عليه. وقال عبد الجبار من المعتزلة: أن خص باستثناء كان مجازا، وان خص بغيره كالصفة والشرط فهو حقيقة. ونقل هذا القول عن القاضي وقيل مجاز أن خص بغير لفظ كالعقل بخلاف اللفظ فالعموم بالنظر إليه فقط. ثم المحاشاة وحصر القصد ... من ءاخر القسمين دون جحد الجحد: بفتح فسكون إنكار الشيء مع علمه والمحاشاة إخراج الحالف شيئا يتناوله لفظه بالنية دون اللفظ فلذلك يانت عامل مرادا به الخصوص كقصر القصد أي التخصيص بالنية دون لفظ. قال الفراقي: المحاشاة هي التخصيص بعينه من غير زيادة ولا نقصان فليست المحاشاة شيئا غير التخصيص اهـ. يعني أن التخصيص بالنية لمن يشكل اتحادهما بأطلاق أهل المذهب في النية المخصصة أنها لا تقبل مع المرافعة حيث خالفت ظاهر اللفظ. وقالوا في الحلال عليه حرام تقبل المحاشاة ولو قامت البينة وجوابه ما قاله الشيخ مصطفى التلمساني من تخصيص المحاشاة بالحلال عليه حرام لكن قال شيخنا البناني: أنه لم يقم له دليل على ذلك التخصيص والصواب كما يدل عليه كلام الباجي أن المحاشاة قاعدة مطردة في كل محلوف بأي لفظ كان جون المحلوف عليه فيجري فيه التفصيل في تخصيص النية المعروف. ووجهه الباجي بأن ما يحلف به لا يقتضي الاستيعاب لأن أصل الأيمان هو اليمين بالله تعالى وهو مبني على التخصيص وكذا لو قال

الحالف علي الطلاق لجاز أن يقول أردت واحدة والمحلوف عليه يقتضي الاستيعاب لأنه إذا حلف لا كلمت رجلا عمل على العموم وأجرى أي الباجي إخراج العتق المعين بالنية من الإيمان اللازمة على الخلاف في محاشاة الزوجة من الحلال عليه حرام قال ابن رشد في سماع أصبغ القياس أن لا يصدق القائل الحلال عليه حرام أن ادعى محاشاة زوجته مع قيام النية لادعائه خلاف ظاهر لفظه كحالف لا أكلم زيدا وقال نويت شهرا وتصديقه في الزوجة استحسان لمراعاة الخلاف في أصل اليمين اهـ. قال شيخنا البناني فانظر قوله لمراعاة الخلاف في أصل اليمين فإنه ربما يفيد قبول النية في أصل كل يمين اهـ. فعلى هذا تكون المحاشاة في المحلوف به فقط وذلك تخصيصا أيضا وهو مقبول مطلقا وأما في المحلوف عليه فتخصيص فيه التفصيل ولا يسمى في اصطلاح الفقهاء محاشاة وأن كان يسماها لغة والذي أفاده ابن محرز ومن نبعه أن المحاشاة قاعدة مضطردة في المحلوف به والمحلوف عليه وعليه يصير الاشكال كالحجارة أو أشد قسوة اللهم إلا أن يقال أن ابن محرز واتباعه من القائلين أن اليمين على نية الحالف بالله أو غيره جلف على وثيقة حق أم لا ووثيقة حق مت يتوثق به المحلوف له من الحالف في حق له عليه فلا فرق عندهم بينهما في الأحكام فظهر الاتحاد. وأعلم أن نية التخصيص والعزل تنفع على المشهور ووقعت أولا أو في الأثناء قال ابن رشد وهي بعدها أي بعد اليمين ولو وصلت بها لغو بخلاف الاستثناء اهـ. وقول خليل إلا أن يعزل في يمينه أو لا مقابل المشهور فالصواب حذف أو لا كما قاله المحققون وعلى قول خليل إذا حدثت له المحاشاة في أثناء الكلام لم تدفعه قال الخطاب إلا أن يلفظ بها كالاستثناء ولو أدخله أولا بقلبه لم ينفعه إخراجه بلفظه اهـ. يعني أدخله في الحكم لا في تناول اللفظ فقط وآخر القسمين وهو العام المراد به الخصوص. وشبه الاستثنا لاول سما ... واتحد القسمان عند القدما يعني: أن شبه الاستثناء من كل مخصص متصل قرينته لفظية سما أي ظهر عندهم للأول أي العام المخصوص والقسمان اللذان هما العام المخصوص والعام المراد به الخصوص متحدان عند المتقدمين من

أهل الأصول كما يظهر من عدم تعرضهم للفرق بينهما وإنما فرق بينهما المتأخرون كالسبكي ووالده فكل من القسمين عند الأقدمين عام مخصوص وعام مراد بع الخصوص. وهو حجة لدى الأكثران ... مخصص له معينا يبن. يعني: أن العام الذي دخله تخصيص حجة عند الأكثر إن كان مخصصه بكسر الصاد معينا بفتح الياء نحو اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة لاستدلال الصحابة به من غير نكير بخلاف إلا بعضهم إذ ما من فرد إلا ويحتمل أن يكون هو المخرج فالمخصص بمبهم ليس بحجة اتفاقا خلافا للسبكي في جعله مذهب الأكثر الاحتجاج به مطلقا ثم قال وقيل أن خصص بمعين خلاف ما يظهر من كلام الأمدي وابن الحاجب وبه صرح الرهوني والقرافي: أن الخلاف إنما هو في التخصيص بالمعين وقال الإمام الرازي المختار أنه أن خص تخصيصا مجملا يجوز التمسك بع قال القرافي وهذا يوهم أن هذا المذهب قال به أحد ولا أعلم فيه خلافا ولا يمكن العمل بالعام المخصص أقوال ذكرها في جمع الجوامع لم أظفر بعزو شيء منها لأحد من أهل المذهب إلأا ما ذكر في النظم. وقس على الخارج للمصالح ... ورب شيخ لامتناع جانح يعني: أن القاضي إسماعيل من المالكية وجماعة من الفقهاء أوجبوا القياس على الخارج من العام بمخصص للمصلحة التي هي تكثير الأحكام فإذا استثنى الشارع صورة المحكمة ثم وجدن صورة أخرى تشاركها في تلك الحكمة وجب ثبوت ذلك الحكم فيها تكثيرا للحكم وأيضا فأن إبقاء اللفظ على عمومه اعتبار لغوي ومراعاة المصالح اعتبار شرعي والشرعي مقدم على اللغة قاله في شرح التنقيح ومذهب الأكثر منع ذلك القياس وإليه الإشارة برب التكثيرية في قولنا ورب شيخ ألخ .. لأن القياس عليه يقي إلى تكثير مخالفة الأصل كما لو خرج منع بيع البر متفاضلا من قوله تعالى {وأحل الله البيع} فهل يجوز قياس الأرز عليه بجامع القوت والادخار عندنا أو بجامع الطعم عند الشافعية أو الكيل عند الحنفية خلاف.

المخصص المتصل

المخصص المتصل المخصص عرفا: الدليل المفيد للتخصيص وفي الأصل المتكلم بالتخصيص والمتصل هو ما لا يستقل من اللفظ بنفسه بأن يقارن العام معنى بأن يحتاج إلى مقارنته لعدم تأتي انفراده عنه فيخرج ما لو قيل اقتلوا المشركين. حروف الاستثناء والمضارع ... من فعل الاستثناء وما يضارع أي: من المخصص المتصل حروف الاستثناء مثل إلا وسوى وغير وخلا وعدا إذا جرا مدخولهما وكذلك الفعل المضارع من الاستثناء كاستثنى وكذلك ما يضارع أي يشابهه من الماضي كخلا وعدا إذا نصبا ويكون المستثنى والمستثنى منه من متكلم واحد وقيل مطلقا فقول القائل إلا زيد عقب قول غيره جاء الرجال استثناء على الثاني، لغو على الأول، وإذا قال الله تعالى {اقتلوا المشركين} فقال النبي صلى الله عليه وسلم متصلا به (إلا أهل الذمة) فالذي رجح القاضي والفى الهندي أنه من المخصصات المنفصلات وجعله في المحصول محل تردد وقال المحلى أنه استثناء قطعا أي اتفاقا وأنه متصل لأنه ذكره في الكلام على استثناء المقتصد قال شهاب الدين عميرة ولعل هذا على القول بأنه لا يجوز له الاجتهاد. قال في الآيات البينات لكن الظاهر عدم اختصاصه بالتول المذكور لأن اجتهاده على القول بجوازه لا يكون إلا مطابقا للحق ولا يقر إلا ما هو الحق منه على الخلاف في المسألة فهو على هذا القول بمنزلة المبلغ بل هو مبلغ في المعنى فالاستثناء هنا أيضا من متكلم واحد بحسب المعنى وهو الله سبحانه اهـ. فائدة: الاستثناء مأخوذ من الثني كالضرب وزنا والثني: العطف تقول تثيت الحبل إذا عطفت بعضه على بعض وقيل من ثنيته على الشيء صرفته عنه قاله زكرياء.

والحكم بالنقيض للحكم حصل ... لما عليه الحكم قبل متصل الحكم الأول مبتدأ وبالنقيض متعلق به أي بنقيض الحكم وحصل فاعله ضمير الحكم بالنقيض وهو صفة الحكم ولما بكسر اللام متعلق بحصل والحكم بعده مبتدأ نعت بقبل وعليه خبره وهو متعلق بواقع محذوفا والجملة صلة ومتصل خبر الحكم الأول يعني أن الاستثناء المتصل هو أن تحكم بنقيض ما حكمت به أولا على جنس ما حكمت عليه أولا قاله في التنقيح وغيره منقطع يعني أن غير المتصل منقطع وهو أن تحكم على غير جنس ما حكمت عليه أولا أو بغير نقيض ما حكمت به أولا قال في التنقيح فأن قوله تعالى {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} منقطع على الأصح مع أن المحكوم عليه بعد إلا هو المحكوم عليه أولا وكذلك قوله تعالى {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة} الآية وإنما كان منقطعا في الآيتين للحكم فيهما بغير النقيض فأن نقيض لا يذوقون فيها الموت يذوقون فيها الموت ولم يحكم به بل بالذوق في الدنيا ونقي لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل كلوها بالباطل ولم يحكم به وعلى هذا الضابط تخرج أقوال العلماء في الكتاب والسنة ولسان العرب هـ. باختصار قال في شرحه فيكون الانقطاع على قسمين تارة يحصل بسبب الحكم على غير الجنس نحو رأيت أخوتك إلا زيدا لم يسافرهـ. ومعنى الآية: لا يدكون الموتة الأولى قائمة بهم في الجنة بل كان ذلك في الدنيا. ورجحًا ... جوازه وهو مجازًا واضحًا ببناء رجح للمفعول يعني أن الصحيح جواز وقوع الاستثناء المنقطع في لسان العرب وحكي الباجي عن ابن خويز منداد من المالكية منع وقوعه ونحوه لابن رشد في المقدمات واختار القاضي عبد الوهاب

أن المنقطع مجاز والاستثناء حقيقة في المتصل لتبادره إلى الذهن لانصراف اسم الاستثناء إليه عند الاطلاق ولا يطلق على المنقطع إلا مقيدا به. وجعل محل الخلاف لفظ الاستثناء هو صريح كلام المحلى ومقتضى كلام الجماعة كالشيرازي في شرح المختصر لكن أنكره التفتازاني في التلويح فقال: اشتهر فيما بينهم أن الاستثناء حقيقة في المتصل مجاز في المنقطع ومرادهم صيغ الاستثناء يعني: إلا وأخواتها. وأما لفظ الاستثناء فحقيقة اصطلاحا في القسمين بلا نزاع هـ. وما ذكره هو ظاهر كلام العضد. فلتنم ثوبا بعد ألف درهم ... للحذف والمجاز أو لتندم فلتنم جزم بلام الأمر من نماه أي نسبة يعني: أ، نحو قول القائل له على ألف درهم إلا ثوبا بالنصب للإضمار بناء على تقديمه على المجاز أي إلا قيمة فيكون الثوب على هذا مستعملا في موضوعه حقيقة وهذا أحد القولين عندنا أرتكب فيه الإضمار وهو خلاف الأصل ليصير متصلا فالكلام لا يحمل على المنقطع إلا عند تعذر المتصل. وقال القاضي أنه مجاز ولعله من استعمال المقيد الذي هو هنا الإخراج من الجنس في المطلق الذي هو مطلق الإخراج فالثوب مراد بع قيمته من غير حذف بناء على الراجح من تقديمه على الإضمار والمعنى على هذين القولين واحد، وحكي المازري قولا آخر أنه تلزمه الألف ويعج قوله إلا ثوبا ندما. وقيل بالحذف لدى الإقرار ... والعقد معنى الواو فيه جار يعني: أن في مسألة له على ألف درهم إلا ثوبا قولا رابعا بالتفصيل هو أن الاستثناء من غير الجنس يرجع في الإقرار إلى الحذف أي: إلا قيمته وفي العقد يكون بمعني الواو وكونه بمعنى الواو في المعاملات ذكره الأبياري عن مالك وفي كتاب الصرف من المدونة إذا قلت بعتك هذه السلعة بدينار إلا قفير حنطة كان القفير مبيعا مع السلعة لأنه لو

استثنى من الدينار قيمة القفير لفسد البيع للجهل بالثمن وهذا جار على أصل مالك من أنه لا يراعي مناسبة الألفاظ من جهة اللغة في صحة العقود إذا فهم المقصود قاله حلولو ولهذا يقولون المناقشة في الألفاظ ليست من دأب المحققين إذا فهم المقصود. بشركة وبالتواطي قالا ... بعض يعني: أن أبا الحسن الأبياري المالكي اختار أن الاستثناء المنقطع حقيقة وهو الظاهر من كلام أهل العربية وعلى أنه حقيقة فقيل الاستثناء متواطئ به وفي المتصل والمنقطع لأن الحقيقة هي الأصل في الاستعمال ويحمل المنقطع لأن الحقيقة هي الأصل في الاستعمال ويحمل المنقطع عليه بالمخالفة المذكورة من غير إخراج من المنطوق فلا ينافي الإخراج من مفهوم الكلام عرفا وهذا القيد لإخراج المتصل. وأجب فيه الاتصال وفي البواقي دون ما اضطرار ... وأبطلن بالصمت للتذكار يعني: أنه يجب على الأصح الاتصال عادة في الاستثناء وكذا يجب في البواقي من المخصصات المتصلة اتفاقا في غير الشرط عند بعضهم وقد حكي المازري وتاج الدين السبكي الاتفاق على وجوب اتصال الشرط أيضا وحكي المازري وجوبه في كل التوابع من نعت وعطف وتوكيد وبدل لجامع كون كل منها فضلة في الكلام غير مستقلة ووجب الاتصال في الاستثناء لقوله صلى الله عليه وسلم (من حلف على شيء ثم رأى غيره خيرا منه فيعمل به وليكفر عن يمينه) أو كما قال فلو جاز الانفصال لم يوجب التفكير عنه بل يقول فليستثن أو ليكفر لأنه لن جنث مع الاستثناء بل ذكره أولى لأنه أسهل قاله في الآيات البينات ثم قال

مع الاستثناء بل ذكره أولى لأنه أسهل قاله في الآيات البينات ثم قال وأيضاً لو جاز الانفصال لما ثبتت الإقرارات والطلاق والعتق لعدم الجزم بثبوت شيء منها بجواز الاستثناء المنفصل ولم يعلق صدق خبر ولا كذبه أصلا لجواز استثناء يرد عليه يصرفه إلى ما يصيره صادقا وبالعكس في العكس، وقال السعد: وما يقال أنه وجبت الكفارة لكونها أنفع وثبتت أحكام الإقرارات لوجود القرينة على عدم الاستثناء ليس بشيء هـ. أنظر دليله في الآيات البينات. قوله دون ما اضطرار يعني أنه لا يجب اتصال المستثنى بالمستثنى منه عند الاضطرار إلى الإنفصال بتنفس أو سعال أو عطف الجمل بعضها على بعض ثم يستثنى ونحوه مما لا يعد انفصالا عادة. قوله: وابطلن إلخ يعني أن السكوت لأجل التذكار مبطل للاستثناء قال ابن عرفه: ظاهر أقوال أهل المذهب أن سكتة التذكار مانعة مطلقا ومقابل الأصح في الاستثناء مروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مع انفصاله في المجلس وعن مجاهد إلى سنتين وقيل ما لم يأخذ في كلام آخر وقيل يجوز في كلام الله تعالى بأنه لا يعيب عنه شيء فهو مراد أولا بخلاف غيره ودليل جواز الانفصال قوله صلى الله عليه وسلم (من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف) أي قال إن شاء الله وذكر المفسرون أن قوله تعالى {غير أولى الضرر} نزل بعدما قبله في المجلس والاصل فيما روى عن ابن عباس قوله تعالى {وأذكر ربك إذا نسيت} أي إذا نسيت قول إن شاء الله ومثله الاستثناء وإذا تذكرت فاذكره ولم يعين وقتا فاختلف آراءه وآراء أصحاب الأقوال المذكورة. قال ابن رشد: ومن أهل العلم من شذ فأجاز الاستثناء في القلب بمشيئة الله تعالى وعلى هذا يحمل ما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من إجازة الاستثناء بعد عام أنه أظهر بعد عام من الاستثناء ما كان اعتقده حين اليمين منه إذ لا إختلاف بين احد من أخل العلم في أن الاستثناء لابد أن يكون موصولا باليمن بل قال ابن المواز لابد أن ينويه قبل آخر حرف من اليمين يريد من الكلام الذي تمت به اليمين هذا معنى قوله الذي يجب أن يحمل عليه كلامه هـ. من البيان.

فائدة قال ابن العربي: سمعت فتاة ببغداد تقول لجارتها لو كان مذهب ابن عباس صحيحا في الاستثناء ما قال الله تعالى {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) بل يقول استثن. وعدد مع كالا قد وجب ... له الخصوص عند جل من ذهب لما كان في الكلام الاستثنائي المتصل شبه الناقض حيث يثبت المستثنى في ضمن المستثنى منه ثم ينفي صريحا وبالعكس في النفي والتناقض غير جائز في كلام الله تعالى وكان ذلك أزهر في العدد لنصوصيته في آحاده اضطر العلماء إلى تقدير دلالة الاستثناء دون تناقض واختلفوا في ذلك على ثلاثة مذاهب فجل من ذهب أي مضي من العلماء قال أن العدد مع أداة الاستثناء يتعين كونه مرادا به الخصوص، فالمراد بعشرة في قوله عشرة على عشرة سبعة وإلا ثلاثة قرينة على تلك الإرادة لا للإخراج وإنما قيد شبه التناقض بالاستثناء المتصل لأنه لا يظهر في المنقطع نحو جاء القوم إلا الحمير ولا خصوصية للاستثناء المتصل لأنه لا يظهر في المنقطع نحو جاء القوم إلا الحمير ولا خصوصية للاستثناء دون سائر المخصصات المتصلة فقولك مثلا أكرم بني تميم إن جاءوك فيع شبه التناقض حيث يثبت غير الجاءي منهم في ضمن بني تميم ثم ينفي بمضمون الشرط. وقال بعض بانتفا الخصوص يعني: أن القول الثاني قول القاضي القائل أن له على عشرة إلا ثلاثة مثلا معناه بإزاء اسمين مفرد وهو سبعة ومركب وهو عشرة إلا ثلاثة ولا نفي أصلا على هذبن القولين فلا تناقض فالاستثناء على هذا القول ليس بتخصيص. والقول الثالث أن المراد بعشرة في قولك مثلا لع على عشرة إلا ثلاثة العشرة باعتبار الأفراد ثم أخرجت الثلاثة بقولك إلا ثلاثة فاسند لفظا إلى العشرة ومعنى إلى السبعة فكأنه قال له على الباقي من عشرة أخرج منها ثلاثة وليس في ذلك إلا إثبات ولا نفي أصلا فلا تناقض وهذا القول اختاره ابن الحاجب وتاج الدين السبكي لموافقته لما أجمع عليه النحاة من أن الاستثناء إخراج وعلى

هذا القول الثالث يحتمل كون الاستثناء تخصيصا نظرا إلى الحكم لأنه للعام في الظاهر والمراد الخصوص وكونه ليس بتخصيص إذ المفرد لم يرد به إلا العموم كما عند الأفراد قاله العضد. وكون الاستثناء لا نفي فيه أصلا مخالف لمذهب الجمهور من أن الاستثناء من الإثبات نفي وجوابه عندي أنه نفي بالنسبة لمستثنى منه قبل النطق به، وليس بنفي بالنسبة إلى مراد المتكام وخلاصة الكلام. والظاهر الابقا من النصوص معناه: أن الذي يظهر لي من النصوص، أي المذاهب الثلاثة المذكورة في الاستثناء أن المستثنى مبقى على الملك لا مشتري لأن عشرة إلا ثلاثة عند الأكثر عام مراد به الخصوص وعند القاضي بمعنى سبعة وعلى المختار فالعشرة وأن أريد بها جمع الأفراد فالعموم مراد تناولا لا حكما خلافا لما عند حلولو من أن المستثنى مبقى على قول القاضي مشترى على المختار. والمثل عند الأكثرين مبطل ... ولجوازه يدل المدخل يعني: أن استثناء المثل مبطل للاستثناء ويدل على جوازه على أحد القولين كلام المدخل لابن طلحة الأندلسي منا. وقال الرهوني: وقع للخمي من أصحابنا ما يقتضي صحته فعنده لو قال: أنت طالق واحدة إلا واحدة ونوي قبل انعقاد اليمين لم يلزمه شيء في الفتوى وفي القضاء خلاف فأن تعقبه استثناء آخر نحو أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين فالخلاف مشهور هل تلزمه واحدة بناء على إلغاءه أو اثنتان بناء على أعماله. وجوز الأكثر عند الجل يعني: أنه يجوز استثناء الأكثر عن الأكثر والقاضي عبد الوهاب قال في التنقيح لنا في قوله تعالى {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} ومعلوم أنه الأكثر هـ.

ومالك أوجب للأقل يعني: أن القول الثالث لمالك وهو وجوب استثناء الأقل من الأكثر، وغليه ذهب القاضي وغيره وهو مذهب البصريين وأكثر النحاة فاستثناء المساوي عندهم فضلا عن الأكثر لا يصح لغة فلا أثر لع في الحكم الواقع في المستثنى منه إذ هو لغو فلو قال له على عشرة إلا خمسة لزمه عشرة. ومنع الأكثر من نص العدد الأكثر نائب فاعل منع. يعني: أن اللخمي يمنه عنده استثناء الأكثر مما هو نص في العدد كله على ألف إلا سبعمائة والاجاز كعبيدي أحرار إلا الصقالبة والصقالبة أكثر وهذا هو القول الرابع والعقد منه عند بعض انفقد يعني: أن القول الخامس قول عبد الملك ابن الماجشون وهو أن العقد الصحيح من العدد ينفقد أي يمتنع استثناءه كمائة إلا عشرة فخرج بالعقد غيره كأثنى عشر وبالصحيح الكسر كنصف قاله زكرياء. فالمراد بذلك عقود كل مرتبة من مراتب الأعداد كالآحاد والعشرات والمئين والألوف فعلى هذا القول لا يقال: له على عشرة إلا واحدا ولا مائة إلا عشرة ولا ألفا إلا مائه لأن نسبة الواحد إلى العشرة منسبة العشرة إلى المائة والمائة إلى ألف ويقال له على عشرة إلا نصف واحد ونحوه ولو مع غيره ومائة إلا تسعة أو نحوها من الآحاد ولو مع العشرات، وألف إلا تسعين أو نحوها من العشرات ولو مع الآحاد، وحجة أهل هذا القول أنه لم يقع في الكتاب والسنة إلا هو قال الله تعالى {ألف سنة إلا خمسين عاما} وخمسون من ألف بعض عقد وقال صلى الله عليه وسلم (أن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا وحد) فاستثنى من المائة واحدا وهو بعض عقد المائة فأن عقدها عشرة. وذا تعدد بعطف حصل ... بالاتفاق مسجلا للأول ذا من قوله ذا تعدد مفعول حصل وبعطف حال من ذلك المفعول، أيحال كونه متعددا تعددا ملتبسا بعطف وللأول متعلق بحصل يعني

أن الاستثناءات المتعددة إن تعاطفت فهي عائدة للأول أي المستثنى منه لا للأول من الاستثناءات وجعلها للأول أمر متفق عليه مسجلاً أي سواء كان المستثنى مستغرقاً أو غيره فيصح في الثاني نحو: له عشرة إلا أربعة وإلا ثلاثة وإلا اثنين ويبطل في المستغرق مطلقاً إن قلنا بجمع مفرقه وإلا ففي الذي حصل به الاستغراق مع ما بعده دون ما قبله. قاله زكرياء، ومعنى تعاطفت أن يتوسط حرف العطف بين كل اثنين منهما. إلا فكل للذي له اتصل يعني: أن الاستثناء إذا تعدد دون عطف كل مستثنى على ما قبله فكل منها عائد لما يليه ما لم يستغرقه نحو له علي عشرة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة فيلزمه ستة لأن الثلاثة تخرج من الأربعة فيبقى واحد فيخرج من الخمسة تبقى أربعة تخرج من العشرة تبقى ستة فإن استغرق كل ما يليه بطل الجميع كما أشار له بقوله: وكلها عند التساوي قد بطل ... نحوله على عشرة إلا عشرة فتلزم عشرة إن كان غير الأول المستغرقا ... فالكل للمخرج منه حققا ببناء حقق للمفعول يعني: أن الاستثناء إذا تعدد واستغرق الأول عاد الكل إلى المخرج منه الذي هو المستثنى منه نحو له علي عشرة إلا اثنين إلا ثلاثة إلا أربعة فتلزم واحد فقط. وحيثما استغرق الأول فقط ... فالغ واعتبر بخلف في النمط يعني: أنه إذا استغرق الأول فقط نحو له علي عشرة إلا عشرة إلا أربعة فقيل يلغى ما بعد المستغرق تبعًا له فليزم عشرة وقيل يعتبر

ما بعده واختلف في نمط أي طريق اعتباره هل يستثنى الثاني من الاستثناء الأول فيلزم أربعة أو يتبعه الثاني دون الأول فتلزم ستة. وكل ما يكون فيه العطف ... من قبل الاستثنا فكلا يقفه دون دليل القعل أو ذي السمع ... والحق الافتراق دون الجمع يعني: أن الاستثناء الوارد بعد مفردات متعاطفات فهو عائد لجميعها حيث صلح له العدم استقلال المفردات واقتضى كلام الجماعة الاتفاق فيه وكذا الوارد بعد جمل متعاطفة يعود لكلها حيث صلح له لأنه الظاهر عند الإطلاق وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما والأكثر. مثال الوارد بعد المفردات قولك تصدق على العلماء والمساكين وأبناء السبيل إلا الفسقة منهم. ومثاله بعد الجمل وهو عائد إلى جميعه إجماعا قوله تعالى {والذين لا يدعون مع الله إلهاها آخر} إلى قوله إلا من تاب فهو عائد إلى جملة {يلق آثاما} وذلك عود إلى جميع ما تقدم من قوله لا يدعون إلى آخرها لتلق هذه الجملة بجميع ما تقدم بحسب المعنى لأن هذه الجملة بمنزلة أن يقال ومن يدعو مع الله إلاها آخر يلق آثاما ومن يقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق يلق آثاما وهكذا في الثالثة إلا من تاب ومثاله وهو عائد إلى الأخيرة فقط قوله تعالى {ومن قتل مؤمنا خطئا} إلى قوله {إلا أن يصدقوا} فهو عائد إلى الدية دون الكفارة فليس الخلاف في جواز رده إلى الجميع والأخيرة خاصة وإنما الخلاف في الظهور عند الإطلاق أما أن صرفه دليل عقلي أو سمعي إلا بعضها أولا أوسطا أو أخيرا اختص به والي هذه الإشارة بقولنا دون دليل إلخ وقبل الاستثناء يعود لكل المتعاطفات بالواو لأنها للجميع بخلاف الفاء وثم فللأخير فقط والصواب على هذا القول أن لا يختص بالواو بل الضابط عنده العاطف الجماع بالوضع الواو والفاء وثم وحتى بخلاف بل ولكن وأو ولا. وقال أبو حنيفة أن الاستثناء يعود للأخير فقط، وقيل: مشترك بين العود للكل والعود للأخير. قوله والحق الافتراق إلخ يعني: إذا قلنا يعود الاستثناء للجميع فالصواب عوده للجميع على تفريقه وقيل يعود إليه مجموعا قال حلولوا:

وتظهر ثمرته فيما إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا أربعا فأن قلنا أن المفرق لا يجمع وهو الأصح أوقعنا الثلاث لأن قوله إلا أربعا استثناء من كل منهما وهو باطل للاستغراق وأن جمعنا المفرق فكأنه قال ستا إلا أربعا فتقع اثنتان هـ. أما قران اللفظ في المشهور ... فلا يساوي في سوى المذكور يعني: أن القرآن بين لفظ الجملتين أو الجمل أو المفردين أو المفردات لا يوجب التسوية بينهما في غير الحكم المذكور هذا هو المشهور، ومذهب الجمهور خلافا لبعض أصحابنا والمزني من الشافعية وأبي يوسف من الحنفية في قولهم يقتضي التسوية في ذلك، وعليه تكون العمرة واجبة كالحج لقرانها معه في قوله تعالى {وأتمو الحج والعمرة لله} مع أن الحكم المذكور معهما وجوب الإتمام قال ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن وجوب العمرة: إنما لقرينته في كتاب الله تعالي، وقال ما من أحد إلا وعليه حجة وعمرة وإنما جعلت المفردات كالجمل وأن لم أر من تعرض إلا للجمل لتمثيلهم بالمفردات كالآية المذكورة مع أن التسوية بينهما أولى. والذي في كتب الحنيفة تخصص تسوية بالجمل الناقصة نحو (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف واسهدوا) فالجملتان كجملة واحدة والإشهاد في المفارقة غير واجب فكذا في الرجعة بخلاف نحو قوله أقيموا الصلاة وآتو الزكاة فأن كلا من الجملتين مستقلة فلا يقتضي ثبوت حكم في إحداهما ثبوته في الأخرى، أي فلا يقال لا تجب الزكاة فيما للصبي كما لا تجب عليه الصلاة. ومنه ما كان من الشرط اعد ... للكل عند الجل أو وفقا تفد يعني: أن من المخصص المتصل ما شابه من أدوات الشرط أن بكسر وسكون أي شابههما في تضمن معناها كذا ولو وجوازم فعلين فالمراد بالشرط اداته مع دخولهما لأنهما إلى الآن على التخصيص أو المراد به تعليق حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى.

اعلم أن الشرط المذكور هو الشرط اللغوي وهو المخصص المتصل لا الشرط العقلي كالحياة للعلم ولا شرعي كالطهارة لصحة الصلاة ولا العادي كنصب السلك لصعود السطح وإنما كان الأول لغويا لأن أهل اللغة وضعوا نحو أن دخلت الدار فأنت طالق يدل على أن ما دخلت عليه أن هو الشرط الآخر المعلق عليه هو الجزاء وتسمية الشرط اللغوي شرطا والشرط لا يلزم من وجوده وجود ولا عدم إنما هو بالنظر إلى أصل وضعه وهو شرط بحسب الأصل ثم غلب استعماله بالسببية فيلزم من وجوده الوجود وإنما خص الكلام هنا بالشرط اللغوي لأنه المخصص المتصل إذ غيره لا يكون إلا منفصلا وإن كان قد يخصص. واستشكل تعريف الشرط بأنه ما يلزم من عدمه ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم وذلك شامل للركن إذ يلزم من عدم تكبيرة الإحرام مثلا عدم الصلاة والا يلزم من وجودها، ودجودها فهو غير مانع وأجاب في الآيات البينات بأنه تعريف بالأعم وقد أجازه إلا قدمون وبأن ما بمعنى خارج بقرينة اشتهار الشرط للخارج لا الداخل. قوله أعد إلخ يعني أن الشرط يعود لكل الجمل المتقدمة عند الجمهور وقيل يعود لها اتفاقا ووجه عوده للكل أن الشرط له صدر الكلام فهو متقدم على مشروطه تقديرا لأن مشروطه دليل الجواب عند البصريين أو هو الجواب عند الكوفيين وضعف بأن الشرط مقدر تقديمه على ما يرجع إليه فلو كان للأخيرة قدم عليها فقط دون الجميع فلا يصح فارقا بين الشرط والاستثناء. مثاله أكره بني تميم وأحسن إلى ربيعة وأخلع على مضر إن جاؤك. أخرج به وأن على النصف سما ... كالقوم أكرم أن يكونوا كرما يعني: أنه يجوز الإخراج بالشرط وأن كان المخرج أكثر من النصف نحو أكرم القوم أن يكونوا كرماء واللؤماء أكثر قال السبكي ويجوز إخراج الأكثر به وفاقا وفي حكاية الوفاق تجوز لما قدمه من القول بأنه لابد أن يبقى قريب من دملوله العام. قال المحلى إلا أن يريد وفاق من خالف في الاستثناء فقط فالمراد حينئذ حقيقة الوفاق إلا

أنه وفاق مخصوص وعلى التحوز أراد بالوفاق قول الأكثر فهو قريب من الوفاق قال حلولو وإلا قرب في الجواب أن يحمل ما في التخصيص على ما سوى الشرط. وأن ترتب علي شرطين ... شيء فبالحصول للشرطين يعني: أنه إذا ترتب مشروط على شرطين على وجه الجمع بينهما فلا يحصل إلا بحصول ذينك الشرطين معا نحو إن دخلت الدار وكلمت زيدا فأنت طالق ولا مفهوم للتثنية فالشروط كذلك. وأن على البدل قد تعلقا ... فبحصول واحد تحققا يعني: أنه إذا علق مشروط على شرطين على سبيل البدل نحو أن كلمت زيدا أو أن دخلت الدار فأنت طالق فأن المعلق يحصل بحصول أحد الأمرين فقط قوله تحقق بالبناء للمفعول أي وجدت حقيقة. ذكر هذه المسألة والت قبلها في شرح التنقيح. ومنه في الإخراج والعود يرى ... كالشرط قل وصف وأن قبل جرى يعني: أن الوصف مخصص متصل نحو أكرم بني تميم الفقهاء خرج بالفقهاء غيرهم وهو كالشرط في جواز إخراج الأكثر وفي العود إلى جميع المفردات اتفاقا وإلى جميع الجمل المتقدمة على الأصح هذا حيث تأخر الوصف نحو وقفت هذا على أولادي وأولادهم المحتاجين بل وأن جرى الوصف أولا نحو وقفت هذا على محتاجي أولادي وأولادهم فيعود الوصف الأول للأولاد مع أولادهم وفي الثاني إلى أولاد الأولاد مع الأولا. وحيثما مخصص توسطا ... خصصه بما يلي من ضبحا

يعني: أن المخصص المتصل المتوسط من صفه واستثناء وشرط وغاية فقد خصصه بعضهم بما قبله كالسبكي قال في الصفة فالمتوسطة ما وليها أيضا والسبكي قال بعد أن تعود إلى ما وليها أيضا والسبكي قال ما قال بعد أن قال لا نعلم فيه نقلا. وقال في الآيات البينات: وسكت المصنف يعني السبكي عن بيان حكم المتوسط من غير الصفة كالاستثناء والشرط والغاية، والظاهر أن الحكم واحد هـ. وقد صار الشافعي إلى أن الطعام يعطي لمساكين الحرم عملا بقوله تعالى في الهدى {هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين} فقد جعل ما ذكر في الأول يجري فيما يعده وضبط الشيء حفظه. ومنه عاية عموم يشمل ... لو كان تصريح به لا يحصل حصل من باب مصر يعني: أن الغاية من قسم المخصص المتصل والغاية منتهى الشيء، والمراد بالغاية غاية صحبها عموم بحيث يشملها من جهة الحكم إذا لم تذكر سواء تقدمت الغاية كأن تقول إلى أن يفسق أولادي وقفت بستاني على أولادي إلى أن يفسقوا فلو لم تأت الغاية لكان وقفا عليهم فسقوا أم لا وكذا قوله تعالى {حتى يعطوا الجزية عن يد} قوله غاية عموم مضاف ومضاف إليه. وقولنا يشملها من جهة الحكم يعني: ومن جهة لتناول أيضا، وعند الآتيان فيها لا يشملها إلا من جهة التناول فقط لأنه عام مخصوص وما لتحقيق العموم فدع ... نحو سلام هي حتى مطلع أي دع التخصيص بالغاية المذكورة لتحقيق العموم فيما قبلها إذ ليست مخصصة والتي لتحقيق العموم فيما قبلها قد تكون غير مشمولة لما قبلها كقوله تعالى {سلام هي حتى مطلع الفجر} وقد تكون مشمولة له كما لو قيل: سلام هي إلى آخرها لأن الليلة شاملة لجميع أجزائها، فعلم أن المراد بالعام هنا أعم من العام المحدود أولا الذي هو لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر.

تنبيه مقتضى كلام شهاب الدين عميرة أن المراد بالغاية في قولهم ابتداء الغاية وانتهاء الغاية هو الفعل كالسفر في قولهم سافرت من البصرة إلى الكوفة لا محل الفعل من مكان أو زمان وقال الرضى أن المراد بالغاية المسافة. وهي لما قبل خلا تعود ... وكونها لما تلى بعيد يعني: أن الغاية تعود لجميع ما تقدمها مما يمكن عودها له على رأي الأكثر والقول بأنها تعود لما وليته فقط بعيد لضعفه وقولنا مما يكن إحترازًا عما لا يمكن عودها له فلا تعود له اتفاقًا كسائر المخصوصات. وبدل البعض من الكل يفي ... مخصصًا لدى أناس فاعرف يعني: أن بدل البعض من الكل ذكره من المخصصات المتصلة أناس من الأصوليين الإمام الشافعي وابن الحاجب، نحو أكرم الناس العلماء. وفي قصيدة أبي حيان التي امتدح بها الشافعي أنه الذي استنبط علم الأصول وأنه الذي يقول بتخصيص العموم ببدل البعض وبدل الإشتمال نحو أعجبني أهل المجلس حديثهم فإنه يرجع إلى بدل البعض. قال السبكي ولم يذكر الأكثرون وهو به الشيخ الإمام لأن المبدل منه في نية الطرح فلا تحقق فيه لمحل يخرج منه فلا تخصيص به فكأن المبدل منه معدوم حقيقة وكأن البدل ذكر ابتداء وهذا لا يجرى في الاستثناء لأن المستثنى منه ليس في نية الطرح بل هو المقصود بالذات. وسم مستقله منفصلاً ... للحس والعقل نماه الفضلا هذا هو القسم الثاني وهو المخصص المنفصل وهو ما يستقل بنفسه من لفظ أو غيره، ومعنى استقلاله بنفسه أنه لا يحتاج إلى ذكر

العام معه. وبدئنا بغير اللفظ لقلته وهو حسي ونعني به غير الدليل السمعي من المشاهد واللمس والذوق والسمع غير الدليل السمي كما في قوله تعالى في الريح المرسلة على عاد ((تدمر كل شيء)) فإننا ندرك بالمشاهدة ما لا تدمير فيه أي هلاك كالسماء. وعقلي كما في قوله تعالى ((الله خالق كل شيء)) فليس خالقًا لنفسه لاستحالته عقلاً. فالتخصيص بالعقل هو أن يكون العقل مانعًا من ثبوت الحكم لذلك المخصوص أي المخرج من العام. والتخصيص بالحسن هو أن يكون الحسن كالمشاهدة مانعًا مما ذكر؟ وخصص الكتاب والحديث به ... أو بالحديث مطلقًا فلتنتبه خصص أمر للإباحة يعني: أنه يجوز تخصيص كل من الكتاب والحديث بكل واحد منهما وهذا وما بعده هو قسم المخصص اللفظي المنفصل أما تخصيص الكتاب به فكما في قوله تعالى ((والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)) خص من جهة شموله للحوامل بقوله تعالى ((وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن)) ومن جهة شموله لغير المدخول بهن بقوله تعالى ((فما لكم عليهن من دة تعتدونها)) كما خص قوله تعالى ((والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا)) بقوله ((وأولات الأحمال)) الآية ومنع بعض الظاهرية تخصيص الكتاب به لأن التخصيص تبيين فلا يحصل إلا بالحديث لقوله تعالى ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)) ورد بأنه تبيينه يصدق لما نزل إليه من القرآن والحديث وكذا يجوز تخصيص الحديث متواترًا كان أو آحادًا كان قولاً أو فعلاً أو تقريرًا بالقرآن كما في خبر الحاكم وغيره (ما قطع من حي فهو ميت) خص عمومه بقوله تعالى ((ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها)) الآية وكذا يجوز تخصيص الحديث به كانا متواترين أو آحادًا أو مختلفين كما في حديث (فيما سقت السماء العشر) خص بقوله (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) وكذا يجوز تخصيص القرآن بالحديث ولو كان خبر آحاد قال في التنقيح: ويجوز عندنا وعند الشافعي وأبي حنيفة تخصيص

الكتاب بخبر الواحد، كما أشار له بقوله مطلقًا يعني متواترًا كان أم لا فيجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد عند الجمهور مطلقًا وقيل لا مطلقًا وإلا لترك القطعى بالظنى وأجيب بأن محل التخصيص دلالة العام وهي ظنية والعمل بالظنيين أولى من إلغاء أحدهما وبالوقوع أيضًا كتخصيص (يوصيكم الله في أولادكم) الشامل للأنبياء وللكافر بقوله صلى الله عليه وسلم (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة) وبقوله (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) ثالث الأقوال لابن أبان: يجوز أن خص بقطعي كالعقل. واعتبر الإجماع جل الناس ... وقسمي المفهوم كالقياس يعني: أن الجمهور جوزوا تخصيص الكتاب والسنة بالإجماع ومنع ذلك أهل الظاهر كقوله تعالى ((أو ما ملكت إيمانكم)) أخرج منه بالإجماع أخت الرضاع وموطوءة الآباء والأبناء قاله في التنقيح وشرحه، إلا أن هذه الأمثلة مخرجة بالكتاب أيضًا، إلا أن يقال يصح الاستشهاد بها من جهة كونها إجماعية مع أن التخصيص في الحقيقة بدليل الإجماع لا به ولذا لم يذكره السبكي. قوله وقسمي المفهوم يعني أنه يجوز تخصيص الكتاب والسنة بمفهوم الموافقة أي باللفظ الدال عليه وسواء كان أولى أو مساويًا. وقد نقل السبكي في شرح المختصر الإجماع على جوازه وصرح به الآمدي، ودليل جوازه أن أعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما وقد وقع في حديث البخاري (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) العرض بقوله مطلني والعقوبة بالحبس خص بقوله تعالى ((فلا تقل لهما أف)) ففحواه تحريم أذاهما بالحبس فلا يحبس الوالد بدين الولد ولا فرق بين الأب والأم قال في المدينة: ولا يحسبان في دينه وكذا يجوز التخصيص بمفهوم المخالفة في الأرجح أي باللفظ الدال عليه وقيل لا لأن دلالة العام على ما دل عليه المفهوم بالمنطوق وهو مقدم على المفهوم وهو الذي نقله الباجي عن أكثر أصحابنا ويجاب بأن المقدم عليه منطوق خاص لا ما هو من أفراد العام فالمفهوم مقدم عليه لأن

إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما كتخصيص حديث (في أربعين شاة) بمفهوم حديث في الغنم السائمة زكاة عند من لا يرى الزكاة في المعلوفة. قوله كالقياس يعني: أنه يجوز التخصيص لكتاب أو سنة بالقياس المسند إلى نص خاص ولو كان خبر واحد، وبه قال الأئمة الأربعة والأشعري والجمهور كتخصيص قوله تعالى ((الزانية والزاني)) الآية بقوله ((فإن اتين بفاحشة فعليهن)) الآية والحق العبد بالأمة في التشطير خلافًا للرازي من الشافعية من منعه مطلقًا وللجبائي من المعتزلة في منعه إن كان خفيًا، ولعيسى بن ابان من الحنفية أن لم يخص مطلقًا إلى غير ذلك من الأقوال. (والعرف حيث قارن الخطاب). العرف بالنصب معطوف على الإجماع يعني أن نصوص الشريعة لا يخصصها من العوائد إلا ما كان مقارنًا لها في الوجود عند النطق بها. أما الطارية بعدها فلا تخصصها. قال في التنقيح: وعندنا العوائد مخصصة للعموم. قال الإمام: إن علم وجودها في زمن الخطاب وهو متجه اه. وكذلك تخصص غير النصوص الشرعية فإذا وقع البيع حمل الثمن على العادة الحاضرة في النقد لا على ما يطرأ من العادة بعده، قال في شرح التنقيح وكذلك النذر والإقرار والوصية إذا تأخرت العوائد عنها لا تعتبر اه. (ودع ضمير البعض والأسبابا): أي اترك التخصيص برجوع الضمير إلى بعض أفراد العام لأنه لا يخصص في مذهب مالك والأكثر واختاره ابن الحاجب وغيره. وعن الشافي وأكثر الحنفية تخصيصه به وظاهر كلام ابن الحاجب أن إعادة ظاهرة الظاهر كإعادة الضمير وقال الرهوني: الظاهر أنه يحمل في الظاهر على المعهود كقوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ثم قال بعد ذلك: ((وبعولتهن أحق بردهن، فالضمير في بعولتهن وفي بردهن راجع للرجعيات ويشمل قوله: ((والمطلقات)) معهن البوائن وقيل: لا يشملهن ويؤخذ

حكمهن من دليل آخر، قوله: والا سبابًا، أي دع التخصيص بصور الأسباب التي ورد لأجلها العام فلا يختص العام بها بل يبقى على عمومه كما هو المشهور عن مالك والشافعي، وقيل: يقصر على سببه قال الأبهري وهو مذهب مالك ومحل الخلاف إذا لم تدل قرينة على قصره عليه وإلا اختص به بلا خلاف كقوله عليه الصلاة والسلام عند رؤية الرجل الذي ظلل عليه (ليس من البر الصيام في السفر) وكذا لا خلاف في عمومه إذا دلت قرينة على التعميم كقوله تعالى ((والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)) الآية، فإن سببها رجل سرق رداء صفوان ابن أمية فالإتيان بالسارقة معه قرينة دالة على التعميم ومثال المختلف فيه حديث الترمذي وغيره (قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة- وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن- فقال أن الماء طهور لا ينجسه شيء) أي مما ذكر وغيره وقيل مما ذكر وهو ساكت عن غيره فمن عمم نظر لظاهر اللفظ ومن قصره على السبب نظر لوروده فيه وبضاعة بالضم والكسر اسم لصاحب البير أو لموضعها والحيض بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة مخففة الخرق التي يمسح بها دم الحيض والملقى له السيول أو الريح أو المنافقون والنتن بمعنى المنتن وذكر ما وافقه من مفرده يعني: فلتترك أيضًا التخصيص بذكر بعض أفراد العام بحكم العام قال في التنقيح: وذكر بعض العموم لا يخصصه خلافًا لأبي ثور يعني: أنه قال يقصره على ذلك البعض بمفهومه إذ لا فائدة لذكره إلا ذلك، ورد بأن مفهوم اللقب ليس بحجة عند الجمهور وفائدة ذكر البعض نفي احتمال إخراجه من العام وهذه المسألة أعم من مسألة عطف الخاص على العام والعكس فالمراد على أن يحكم على الخاص بما حكم به على العام سواء ذكرا في لفظ واحد كقوله تعالى ((حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)) أو ذكر كل على حدته كحديث الترمذي وغيره (أيما أهاب دبغ فقد طهر) مع حديث مسلم (أنه صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال هلا أخذتم أهابها فدبغتموه فانتفعتم به فقالوا أنها ميتة فقال إنما حرم أكلها) قال بعضهم الانتفاع يستلزم الطهارة لأن إطلاق الانتفاع يستلزم ذلك إذ من أفراده ما يتوقف على الطهارة كالصلاة فيه أو عليه وإرادة بعض الانتفاعات من غير بيان مما لا فائدة فيه قاله في الآيات البينات وأبو

ثور نقل عنه في التمهيد أنه يخرج بالحديث الثاني ما لايؤكل لحمه وفي المحصول عنه انه يخرج به غير جلود الشياه. تنبيهان: الأول قول بعضهم أن قوله تعالى: ((فيهما فاكهة ونخل ورمان)) عطف خاص وهو الرمان على عام. إن أراد العام والخاص اللغويين فصحيح وإن أراد الاصطلاحين فلا لأن الأول مطلق والثاني مقيد، ورد القرافي في استدلال بعضهم بنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع ما لم يضمن ونهيه عن بيع الطعام قبل قبضه بأن الأول مطلق والثاني مقيد والمطلق يحمل على المقيد. قال القرافي: هذا غلط بل هذا من ذكر بعض أنواع العام وهو لا يخصص وإنما التقييد زيادة قيد على الماهية نحو (تحرير رقبة) وفي آية أخرى (تحرير رقبة مؤمنة). الثاني: ناظر إسحاق بن راهوية الشافعي وأحمد بن حنبل حاضر في جلود الميتة إذا دبغت فقال الشافعي دباغها طهورها واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم مر بشاه ميتة فقال هل انتفعتم بجلدها فقال إسحاق حديث ابن عليم كتب إلينا صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر لا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب أشبه أن يكون ناسخاً للحديث الأول لأن هذا قبل موته بشهر فقال الشافعي هذا الكتاب وذلك سماع فقال إسحاق: كتب صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وكان حجة عليهم عند الله فسكت الشافعي فرجع أحمد إلى حديث إسحاق وأفتى به ورجع إسحاق إلى حديث الشافعي أهـ. من الطبقات السبكية. (ومذهب الراوي على المعتمد). مذهب النصب معطوف هو وقوله وذكر والأسباب على ضمير البعض يعني: أن قول الراوي للعام بخلافه لا يخصصه ولو كان من الراوي صحابيا. قال في التنقيح: ومذهب الراوي لا يخضض عند مالك والشافعي خلافاً لبعض أصحابنا وبعض أصحاب الشافي هـ. وقيل: إن كان صحابياً خصص مذهبه بخلاف التابعي واختاره القرافي. ومعنى تخصيصه له قصره على ما عدا محل المخالفة، حجة القول الثاني أن المخالفة لا تصدر إلا عن دليل واجب من جهة أهل القول الأول الذين هم مالك والجمهور بأن الدليل في ظن

المخالف لا في نفس الأمر وليس ليغره إتباعه فيه لأن المجتهد لا يقلد مجتهدًا مع أن الأصل بقاء العام على عمومه وحجة التفصيل أن الصحابي إذا خالف مرويه دل ذلك على أنه أطلع منه صلى الله عليه وسلم على قرينة حالية دلت على تخصيص ذلك العام وأنه عليه السلام أطلق العام وأراد به الخاص وحده والتابعي الذي لم يشاهده لا يتأتي فيه ذلك مثاله حديث البخاري من رواية ابن عباس (من بدل دينه فاقتلواه) مع قوله أن ثبت عنه ان المرتدة لا تقتل. وقولنا أن ثبت عنه إشارة إلى تضعيفه فان في سنده عبد الله بن عيسي الجزري فانه كذاب يضع الأحاديث ويحتمل أنه يرى أن من الشرطية لا تتناول المؤنث فلا تكون مخالفة في المتدة أن ثبت من التخصيص لمرويه قاله المحشيان. واجزم بادخال ذوات السبب ... وأرو عن الإمام ظنا تصب أما كون العام لا يقصر على صورة السبب التي ورد عليها فقد تقدم والمراد هنا أنها تدخل في ذلك العام جزماً أي قطعا عند الأكثر لوروده فيها لكنها قطعية بالقرينة لا بالوضع والمراد القرينة القطعية وإلا فمطلق القرينة لا يفيد القطع. قوله وأرو أم من الراوية يعني: أن القرافي روى عن الإمام مالك أن دخول صورة السبب ظني ويعزي إلى الحنفية لدخولها في العام فعلى أنها قطعية لا تخرج منه بالاجتهاد وعلى القول الآخر بالعكس واستشكل محل الخلاف لأنه إن كان فرض المسألة وجود قرينة قطعية على ارادة السبب فكيف يسوغ القول بظن الدخول وإن كان غرضها انتفاء القرينة المذكورة فكيف يسوغ القول بالقطع وإن كان فرضها أعمل من وجود تلك القرينة وعدم وجودها فلا وجه لإطلاق واحد من القولين وأجاب في الآيات البينات بما لفظه اللهم إلا أن يكون منشأ الخلاف أن ورد العام بعد وجود ذلك السبب هل هو قرينة قطعية عادة على دخول أولا فادعي الجمهور الأول فلذا قالوا بقطعية الدخول والشيخ الإمام الثاني فلذا بظنيته.

واعلم أن قول أبي حنيفة أن ولد الأمة المستفرشة لا يظن إلا بالإقرار ليس إخراجا لصورة السبب من قوله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش في أمة ابن زمعة المختصم فيها عبد ابن زمعة وسعد بن أبي وقاص لا ن الفراش عند أبي حنيفة هو المنكوحة وأم الولد وإطلاق الفراش في الحديث على وليده زمعة بعد قول عبد ابن زمعة ولد على فراش أبي لا يستلزم كون الأمة مطلقاً فراشاً لجواز كونها كانت أم ولده وقد قيل به ويشعر به أيضا لفظه وليده فعلية بمعني فاعله من الولادة قاله الكمال بن الهمام خلافاً للمحلي من أنه يلزم على قول أبي حنيفة أنه لا يلحق إلا بالإقرار إخراج صورة السبب من العام بناء على أن لازم المذهب يعد مذهبا. وجاء في تخصيص ما قد جاورا ... في الرسم ما يعم خلف النظرا خلف فاعل جاء والنظر بمعنى: المتناظرين في العلم جمع نظير والجمع بضم ففتح يعني أن المالكية اختلفوا إذا ذكرت آية خاصة في القرآن ثم تبعها في الرسم أي الوضع عام وأن تأخر عنها النزول هل يبقي العام على عمومه او يقصر على الخاص المذكور قبله كما إذا ذكر الله فاعل محرم ثم يقول بعد ذكره إنه لا يفلح الظالمون أو يذكر فاعل مأمور ثم يقول بعد ذكره إن الله مع المحسنين قاله في شرح التنقيح. وعلى إبقاءه على عمومه قال تقى الدين السبكي: إنه يقرب من ورود العام على سبب الخاص بمقتضي المناسبة بين التالي والمتلو وعليه فهل يكون كالسبب في دعوى القطع او يكون كسائر العمومات قال: والحق أنه رتبه متوسطة دون السبب وفوق العموم المجرد بخلاف مالو تتقدم العام. قال في الآيات البيانات وكان وجهة انتفاء شبه الخاص حينئذ بصورة السبب إذ وضعها أن تتقدم هي على العام ثم يرد العام عليها بخلاف ما لو تأخرت عنه فيعمل به فيها لكن لا تكون قطعية الدخول لأن العام لم يرد لأجلها أهـ. وقال أيضاً لا يبعد أن التقييد بالقرآن ليس بشرط في هذا الحكم وإن ذلك يجرى أيضاً في السنة قلت: ويكون المراد المتلو في النزول لا في الرسم أو في الرسم بعد تدوين السنة وليس في هذه المسألة استدلال بالقرآن في الذكر

على توافق الأحكام وإن عدة الكوارني منه وقال بعضهم إن هذه المسألة قليلة الجدوى لأن النص على الخاص بخصوصه يعني عن إلحاقه بصورة السبب لأنه كما أن كون الشيء صورة السبب يمنع عند الجمهور من إخراجه بالاجتهاد من العموم فالنص عليه بخصوصه مانع من إلغائه وعدم العمل به بل هو أولى بذلك. وأجيب بأن في الجمع بينهما من القوة ما ليس لأحدهما حتى يقدم الخاص على خاص آخر عارضة لم يدخل في ذلك العام ولكن العام تالياً له في الرسم قاله في الآيات البيانات. وإن أتى ما خص بعد العمل ... نسخ والغير مخصصا جلى يعني: أنه إذا تعارض دليلان أحدهما خاص والآخر عام وتأخر الخاص عن أول وقت العمل بالعام نسخ الخاص العام بالنسبة إلى ما تعارض فيه وإنما لم يجعل مخصصاً له لأن التخصيص بيان المراد من العام وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع قاله المحشى وفي غير ذلك بأن تأخر الخاص عن الخطاب بالعام دون العمل أو تأخير العام عن الخاص مطلقاً أو تقارناً بأن عقب أحدهما الآخر أو جهل تاريخهما خصص الخاص العام. وإن يك العموم من وجه ظهر ... فالحكم بالترجيح حتما معتبر يعني: أن الدليلين إذا كان بينهما عوم وخصوص من وجه فالمعتبر الترجيح بينهما كحديث البخاري: ((من بدل دينه فاقتلواه)) وحديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم ((نهى عن قتل النساء)) فالأول عام في الرجال والنساء خاص في أهل الردة والثاني خاص في النساء عام في الحربيات والمرتدات، قلت يرجح الثاني باتفاق الشيخين عليه وكقوله تعالى ((وأن تجمعوا بين الأختين)) مع قوله ((أو ما ملكت أيمانكم)) فيترجح الأول بأنه لم يدخله تخصيص على الصحيح بخلاف الآخر فإنه مخصوص بالإجماع في ذات المحرم.

المقيد والمطلق

المقيد والمطلق إنما يذكر أهل الفن المطلق والمقيد عقب العام والخاص لشبههما بهما إذا المطلق عام عموما بدليل المقيد مع المطلق بمنزلة الخاص مع العام مع اتفاقهما فيما به التخصيص والتقييد عن كتاب وسنة وغيرهما كما سيأتي. فما على معناه زيد مسجلا ... معنى لغيره اعتقده الأولا. ما منصوب بفعل مضمر يفسره ما بعده وقوله على معناه متعلق بزيد، ومسجلا مفعول مطلق ومعنى نائب عن الفاعل بفعل نعت له يعني أن كل لفظ مفرد زيد على معناه أي مسماه معنى آخر لغير ذلك اللفظ فهو الأول أي المقيد نحو رقبة مؤمنة، وإنسان صالح وحيوان ناطق بخلاف إنسان حيوان قال في الآيات البينات: أن المسمي يطلق على المفهوم الذي هو لمعنى وعلى أما صدق الذي هو الإفراد ومعنى مسجلا أنه لا فرق بين ذكر القيد وتقديره قال التنقيح: والحاصل أن كل حقيقة اعتبرت من حيث هي فهي مطلقة وإن اعتبرت مضافة إلى غيرها فهي مقيدة هـ .. وما على الذات بلا قيد يدل ... فمطلق وباسم جنس قد عقل يعنى: أن المطلق واسم الجنس كل منهما هو اللفظ الدال على الماهية أي الجنس الشامل للجنس عند المناطقة والنوع والصنف عنده نحو حيوان وإنسان وعرب ولابد أن تكون دلالته على الماهية بلا قيد أي مقيد به من وحدة وتعيين خارجي أو ذهني عند اللقاني وعليه فعلم الجنس ليس من المطلق وهو عند صاحب الآيات البينات له حكم المطلق فقوله بلا قيد مخرج للمعرفة لأنها تدل عليها مع وحدة

معينة وللنكرة لأنها تدل عليها مع وحدة غير معينة فالمطلق لا يدل على شيء من قيود الماهية وإن تحققت في الواقع. (وما على الواحد شارع النكرة). ما مبتدأ وعلى الواحد متعلق بدل محذوف وجمله شاع نعت للواحد لأنه نكره في المعنى والنكرة خبر يعني أن النكرة هي لفظ دال على واحد شائع في جنسه أي في أفراد جنسه بمعني صدقه بكل واحد منها على البدل والمراد بالوحدة الشائعة فردية معنى اللفظ المنتشرة فيشمل المثني والمجموع أيضاً إذ المعنى كل منهما فردية لدلالة الأولى على شيئين منتشرين ودلالة الثاني على أشياء منتشرة فاللفظ في المطلق والنكرة واحد وإنما الفرق باعتبار القصد لأن الواضع وضعه مشتركا بين الماهية والفرد وعلى الفرق بينهما أسلوب المنطقين والأصوليين والفقهاء فالمطلق عند المنطقين موضوع القضية الطبيعية لأنه مطلق عن التقييد بالكلية والجزئية نحو الحيوان كلى والنكرة قد تكون موضوع الجزئية وقد تكون موضوع الكلية نحو بعض من الإنسان حيوان وكل إنسان حيوان وإما الأًصوليون فان اللفظ اذا اعتبرت دلالته على الماهية بلا قيد يسمي مطلقاً واسم جنس أو مع قيد الوحدة الشائعة في جنسه يسمى نكرة وأما الفقهاء فالفرق بينهما بما يذكر في البيت بعد هذا. مثال الشائع في جنسه رقبة في قوله تعالى: ((فتحرير رقبة)). والاتحاد بعضه قد نصره. يعني: أن بعض أهل الوصول قد نصروا يد قول ابن الحاجب والآمدى بالاتحاد بين المطلق ولانكرة في سياق الإثبات العارية من الاستغراق دونها في سياق النفي ودون دات الاستغراق نحو كل رجل فإنهما للعموم فالمطلق عندهما ما دل على واحد شائع في جنسه فخرج الدال على واحد شائع في نوعه نحو رقبة مؤمنة وينكر أن دلالته على الماهية بلا قيد وهو الموافق لكلام أهل العربية والتسمية عليه بالمطلق لمقابلة المقيد وسبب تعريفهما له بما ذكر أن الفرد هو

الموجود في الخارج والأحكام إنما تتعلق به دون الماهية إذ لا وجود لها في العقل ومراد الجمهور أن الماهية بلا قيد تصح أن تكون مناط التكليف إذ هي بلاه موجود بوجود أفرادها فلا فرق إلا من جهة الدلالة بالمطابقة أو الالتزام ومن ثم قالا: الأمر بالماهية أمر بجزئي وقيل بكل جزئي لأن إسقاط القيد يؤذن بالعموم وعليه يكون الأمر من صيغ العموم. عليه طالق إذا كان ذكر ... فولدت لاثنين عند ذي النظر يعني: أنه ينبني على الفرق بين المطلق والنكرة اختلاف الفقهاء فيمن قال لامرأته الحامل إن كل حملك ذكرا فأنت طالق فولدت ذكرين قيل لا تطلق نظراً للتنظير المشعر بالتوحيد وقيل تطلق حملاً على الإطلاق. بما يخصص العموم قيد ... ودع لما كان سواه تقتدي يعني: أنه يقيد المطلق بكل ما يخصص العام من كتاب وسنة وقياس ومفهوم وما لا فلا فيقيد الكتاب بالكتاب والسنة بالسنة والكتاب ويقيدان بالقياس وبالمفهومين وفعله صلى الله عليه وسلم وتقريره وتقرير الإجماع بخلاف مذهب الراوي وذكر بعض جزئيات المطلق على الأصح في الجميع غير مفهوم الموافقة فلا خلاف في التقيد به. وحمل مطلق على ذاك وجب ... أن فيهما اتحد حكم والسبب. يعني: أن المطلق والمقيد يزيدان على العام والخاص إنهما أن اتحد حكمهما وسببهما وجب حمل المطلق على المقيد لأن مفهوم المخالفة حجة عندنا والعمل بالدليلين أولى من إلغاء أحدهما كإطلاق الغنم في حديث ((في أربعين شاة شاة)) وتقييدها في حديث ((في الغنم

السائمة الزكاة)) فالمقيد مبين أنه المراد من ذلك المطلق وقال صلى الله عليه وسلم مرة ((لانكاح إلا بولي وشهود)) ومرة ((إلا بولي وشاهدي عدل)) وتقديم مالك رحمه الله تعالى المطلق على المقيد في الغنم إنما هو لدليل آخر وحمل المطلق على المقيد محله ما إذا تأخر المقيد عن وقت الخطاب بالمطلق دون العمل أو تأخر المطلق عن المقيد مطلقاً أو تقارنًا أو جهل تاريخهما وإلا فهو ما أشار له بقوله. وإن يكن تأخر المقيد ... عن عمل فالنسخ فيه يعهد. بالبناء للمفعول أي يعرف يعني: أن المقيد إذا تأخر عن وقت العمل بالمطلق والموضوع بحالة من اتحاد حكمهما وسبهما فالمقيد ناسخ للمطلق بالنسبة إلى صدقه بغير القيد كما لو قال عليه السلام في القتل اعتنق رقبة فأعتق كافرة ثم قال اعتق رقبة مؤمنة فقد نسخ جواز عتق الكافرة قال في الآيات البينات: أما إذا سبق أحدهما ولم يتعين ثم نسى فيحتمل التوقف ويحتمل حمل المطلق على المقيد لأنه يمكن الجمع بالحمل والأصل عدم السبب المقتضى لإلغاء احدهما كما هو لازم النسخ وإما إدخال ذلك في جهل التاريخ فبعيد. هـ. تنبيه: قال الابي: بضم الهمزة وتشديد الباء نسبة إلى أبة قرية من أعمال تونس أن الإطلاق والتقييد إنما هو في حديثين أما في حديث واحد بطريقين فمن زيادة العدل وهي مقبولة اتفاقا إذا علم تعدد المجلس أو جهل على طريقة الأبياري. وإن يكون أمر ونهي قيدا ... فمطلق بضد ما قد وجدا بالبناء للمفعول في الفعلين يعني أنه إذا كان أحد اللفظين أمراً والآخر نهياً نحو اعتق رقبة، لا تعتق رقبة كافرة، أعتق رقبة مؤمنة، لا تعتق رقبة، فالمطلق مقيد بضد الصفة في المقيد ليجتمعا فالمطلق في المثال الأول مقيد بالإيمان وفي الثاني بالكفر.

وحيثما اتحد واحد فلا ... يحمله عليه جل العقلا يعني: أنه إذا اتحد اللفظان في واحد من السبب والحكم دون الآخر فلا يحمل جل المالكية المطلق على المقيد فأل للعهد الذهني لتخصيص النظام بأصولهم سواء كان أمرين أو نهيين او متخالفين كاطلاق الرقبة في كفارة الظهار وتقييدها في القتل بالإيمان فيبقي المطلق على إطلاقه لاختلاف السبب، وكئاية الوضوء المقيدة بالمرافق وآية التيمم المطلقة لاختلاف الحكم من مسح المطلق وغسل المقيد بالمرافق. وقال بعض أصحابنا والشافعي يحمل المطلق على المقيد. تنبيهات: الأول اللفظ الواحد قد يوصف بالإطلاق والعموم من جهتين فيثبت له أحكام الإطلاق من جهته وأحكام العموم من جهته كلفظ الأيدي في الآية فانه مطلق من جهة مقدار اليد عام في أفرادها وإنما كان مطلقاً لأن الشارع أطلقها أي اليد في مواضع مع إرادة جميعها إلى المنكب تارة وبعضها أخرى. الثاني قال القرافى الإطلاق والتقييد إضافيان فرب لفظ مطلق بالنسبة إلى لفظ مقيد بالنسبة إلى آخر. الثالث الإطلاق والتقييد اسمان للألفاظ باعتبار معانيها لا أسماء للمعاني باعتبار ألفاظها فيقال لفظ مطلق ولفظ مقيد ولا يقال معنى مطلق أو مقيد قاله القرافي.

التأويل والمحكم والمجمل

التأويل والمحكم والمجمل كل منهما بصيغة اسم المفعول وثانيهما ساكن، والتأويل من المئال قال في التنقيح أما لأنه يؤول إلى الظاهرة بسبب الدليل العاضد أو لأن العقل يؤول إلى فهمه بعد فهم الظاهر هـ. أي يرجع، لأن آل بمعنى رجع ومئال الأمر مرجعه. (حمل لظاهر على المرجوح) هذا تفسير التأويل في الاصطلاح أي: هو حمل وقرينة جعل الضمير الأول، وإن كان الأصل رجوعه للأقرب ذكر كل واحد مما بعده يعني: أن التأويل هو حامل اللفظ الظاهر في معني على معنى آخر مرجوح أي ضعيف لدليل، كالأسد راجح في الحيوان المفترس مجاز في الرجل الشجاع فخرج حمل النص على معنى مجازي بدليل وحمل المشترك على أحد معنييه فلا يسميان تأويلا اصطلاح، وكذا حمل المجمل، وإنما عبر في التأويل بالمصدر وفي تالييه باسم المفعول جريا على غالب استعمال أهل الفن ولا يعترض على الحد بأن فيه حذف لفظة لدليل لأن الحذف لقرينة واضحة جائز في التعريف والقرينة ما يأتي من أن حمل لا لدليل لعب لا تأويل، وبذك تتضح صحة حد السبكي وفساد زعم الفساد، قال في الآيات البينات متصلا به على أن التعريف بالأعم أجازه إلا قدمون وغير واحد من محققي المتأخرين. (واقسمه للفاسد والصحيح). يعني: أن التأويل منقسم إلى تأويل صحيح وهو مقبول، وتأويل فاسد وهو مردود عند معتقد فساده. صحيحة وهو القريب ما حمل ... مع قوة الدليل عند المستدل

حمل مبنى للمفعول وعند متعلق بالدليل لا بقوة يعني: أن التأويل الصحيح وهو التأويل القريب هو ما كان فيه دليل إرادة المعنى الخفي قويًا في نفس الأمر اعتقد الحامل صحته أم لا والمراد بالخفي مقابل الظاهر فتارة يعبر عنه بالخفي وتارة بالمرجوح وتارة بالضعيف قوله: قوة الدليل عند المستدل، معناه قوة دليل المستدل. (وغيره الفاسد والبعيد). يعني: أن غير الصحيح وهو ما كان فيه دليل إرادة المعنى المرجوح ضعيفًا هو التأويل البعيد وهو التأويل الفاسد أعني ضعيفًا في نفس الأمر اعتقد الحامل قوته وصحته أم لا، وتعريف القريب والبعيد بما رأيت تبعث فيه البرماوي وعند المحلي والزركشي تبعًا للعضد أن القريب ما يترجح الخفي فيه على الظاهر بأدنى دليل أي أدنى أمر يدل على رجحانه عليه والبعيد ما لا يترجح على الظاهر إلا بأقوى منه أي من الظاهر بحيث يقدم على الظاهر إذا عارضه. مثال التأويل القريب تأويل قوله تعالى: ((إذا قمتم إلى الصلاة)) بالعزم على القيام إليها وجه قربه رجحانه بالتنظير بنحو قوله تعالى: ((فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله)). (وما خلا فلعبا يفيد) لعبا مفعول يفيد، يعني: أن ما كان الحمل فيه على المعنى المرجوح لغير دليل أصلا فهو لعب لا يسمى تأويلاً في الإصطلاح إن انتفى الدليل والواقع واعتقاد الحامل وكذا إن أنتفى في اعتقاده دون الواقع فهو لعب أيضًا بحسب اعتقاده، قاله في الآيات البينات ثم قال فيه أنه إن انتفى في الواقع دون اعتقاده فالمتجه فيه أنه لا يوصف باللعب لأن اللعب من أوصاف الحامل ولم يصدر منه ما يقتضيه بل هذا القسم داخل في قوله: أو لما يظن دليلاً ففاسد هـ. يعني قول السبكي. قلت من اللعب حمل بعض المبتدعة آيات من كتاب الله تعالى وأحاديث من أحاديثه صلى الله عليه وسلم على معان بعيدة بلا دليل، وذلك كفر لأنه لعب بجانب الربوبية والنبوءة ومدار الردة على

انتهاك حرمة الربوبية والرسالية والملكية مع أن الأخيرين داخلان في الأول. والخلف في فهم الكتاب صير ... إياه تأويلاً لدى المختصر الخلف بالنصب على الإشتغال وصير فعل أمر كسر للوزن وإنفصال إياه للضرورة والمختصر بلفظ اسم المفعول يعني أن صاحب المختصر وهو خليل ابن اسحاق المالكي يسمى اختلاف شراح المدونة في فهمها تأويلاً. أما تسمية حملها على المحتمل المرجوح تأويلاً فموافق لاصطلاح الأصوليين وذلك هو الغالب عند الفقهاء أي موافقة اصطلاحهم لاصطلاح أهل الأصول لأن علم الأصول إنما وضع ليبنى عليه علم الفقه وأما تسمية حملها على الظاهر تأويلاً بمجرد اصطلاح أصطلحه ولا مشاحة في الاصطلاح بناء على أن اللغات غير توقيفية والمراد بالكتاب المدونة لغلبتها على سائر الكتب عند فقهاء المالكية كما غلب القرآن على غيره في خطاب الشرع، وكما غلب كتاب سيبويه عند النحاة فإذا أطلق الكتاب في عرف كل من ذكر فالمراد به ما ذكر. فجعل مسكين بمعنى المد ... عليه لأئح سماة البعد جعل مبتدأ ولائح خبره، وسماة فاعل لائح. هذا شروع في ذكر أمثلة من التأويل البعيد يعني: أن من التأويل البعيد حمل الحنفية لفظ المسكين في قوله تعالى: ((فإطعام ستين مسكينًا)) على المد أي إطعام ستين مدا فيجوز إعطاؤه لمسكين واحد في ستين يوما كما يجوز إعطاؤه ستين مسكينا في يوم واحد لأن القصد بإعطائه دفع الحاجة ودفع حاجة الواحد في ستين يوما كدفع حاجة الستين في يوم واحد ووجه بعده عند المالكية والشافعية كما قال العضد أنهم جعلوا المعدوم وهو طعام ستين مذكورا بحسب الإرادة والموجود وهو إطعام ستين عدما بحسب الإرادة مع إمكان أن المذكور هو المراد لأنه يمكن أن يقصد إطعام الستين دون واحد في ستين يوماً لفضل

الجماعة وبركتهم وتضافر قلوبهم على الدعاء للمحسنين فيكون أقرب إلى الإجابة ولعل فيهم مستجابا بخلاف الواحد هـ. والتضافر بالضاد المعجمة الساقطة والظاء المعجمة المشالة كما في إضاءة الأدموس التعاون قوله للمحسن أي المكفر لعل الله يغفر ذنبه وإنما كان أقرب إلى الإجابة لأنه كما قال في النقود قلما يخلو جمع من المسلمين من ولي من أولياء الله تعالى مستجاب الدعوة مغتنم الهمة. كحمل مرآة على الصغيرة ... وما ينافي الحرة الكبيرة يعني: إن من التأويل البعيد حمل الحنفية قوله صلى الله عليه وسلم: ((أيما إمرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل ثلاث مرات، وفي رواية فإن أصاب فلها مهر مثلما بما أصاب منها))، وفي السنن الأربع بلفظ فنكاحها باطل فنكاحها باطل حملوه على الصغيرة أي الصبية وعلى ما ينافي الحرة الكبيرة من الأمة والمكاتبة، حمله بعضهم على الصغيرة لصحة تزويج البالغة نفسها عندهم قياسا على الرجل وقياسا على المال فاعترض بأن الصغيرة لا تسمى إمرأة في لسان العرب فحمله بعض آخر على الأمة فاعترض بقوله فلها مهر مثلها ومهر الأمة لسيدها فحمله بعضهم على المكاتبة لأن لها مهرها ووجه بعده على كل أنه قصر للعام المؤكد عمومه بما على صورة نادرة مع ظهور قصد الشارع عموه في كل مرأة لأن عقدها لنفسها لا يليق بمحاسن العادة ووجه ظهوره في العموم أن ترك الاستفسال ينزل منزلة العموم وإن لم يكن اللفظ صريحا فيه فكيف واللفظ هنا صريح فيه لأن أيا نكرة في سياق الشرط فتعم، وفي شرح البرهان للمازري أن تأكد العموم يمنع تخصيصه وهو هنا مؤكد بما الزائدة فيزداد بعده ويزداد البعد أيضا بتأكيد لفظ البطلان بتكريره ثلاثا لأنه يؤتى به لدفع إحتمال السهو والتجوز وقد حسن الترمدي الحديث وصححه ابن حبان ورد ما روى عن الزهري من تضعيف. وحمل ما روى في الصيام ... على القضاء مع الإلتزام

يعني: أن من التأويل البعيد حمل الحنفية حديث ((لا صيام لمن لم يبيت)) أي الصوم من الليل على القضاء والنذر وهو المراد بالالتزام، ولفظ أبي داوود: ((من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له)) ومن في قوله من الليل إبتدائية وبمعنى في لصحة النفل ورمضان بنية من النهار عندهم وإنما أولوه بذلك لمعارض صح عندهم في النفل في رمضان، أما النفل فما روى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها: ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال هل عندكم شيء فقلنا لا: فقال إني صائم))، وأما رمضان فحديث في كتب الحنفية أنه صلى الله عليه وسلم قال بعدما شهد الأعرابي برؤية الهلال: ((ألا من أكل فلا يأكل بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم)) وجه بعده بأنه قصر للعام النص في العموم على صورة نادرة لندرة القضاء والنذر بالنسبة إلى الصوم المأمور به في أصل الشرع مع أن حديث الأعرابي لم يجده ابن حجر وقد رواه الدارقطني وأبو يعلى على وجه لا يخالف حديث: ((لا صيام لمن لم يبيت)) وهو أنه لما شهد الأعرابي عنده صلى الله عليه وسلم ليلة شهر رمضان أمر أن ينادي مناد أن يصوموا غدا وحديث النفل يمكن حمله على الصوم اللغوي. (وذو وضوح محكم). يعني: أن المحكم هو اللفظ المتضح الدلالة على معناه وذلك المتضح إما نص وإما ظاهر ويأتي المحكم بمعنى غير المنسوخ ومنه: ((آيات محكمات)) ويأتي بمعنى المتقن ومنه: ((أحكمت آياته)) أي أتقنت فلا يتطرق إليها خلل من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى. والمجمل * هو الذي المراد منه يجهل. ذالمجمل ما له دلالة غير واضحة من قول أو فعل فخرج اللفظ المهمل إذ لا دلالة له وخرج المبين لأن دلالته واضحة وعرفه في التنقيح بأنه الدائر بين احتمالين بسبب الوضع وهو المشترك أو من جهة العقل كالمتواطئ بالنسبة إلى جزيئاته فكل مشترك مجمل وليس كل مجمل مشتركا هو قوله بين احتمالين يريد أو احتمالات والمجمل مأخوذ من الجمل وهو الخلط والجمع قوله كالمتواطئ إلخ ...

يعني أن لفظ الإنسان لا يتعين منه فرد مخصوص كزيد مثلا دون مخصوص آخر كعمرو مثلا وكون المشترك مجملا هو مذهب المالكية عند تجرده من القرينة المعممة أو المخصصة لكن يحمل على معنييه أو معانيه جميعا إحتياطا عند الباقلاني كذا نقله عنه الرازي والذي في تقريبه: أنه لا يجوز حمله عليهما ولا على أحدهما أما المشترك المقترن بالبيان والمجاز فخارجان عن المجمل على الإطلاق كما صرح به العضد ومثل ابن الحاجب الفعل المجمل بقيامه صلى الله عليه وسلم تاركا التشهد الأول يحتمل العمد فيكون غير واجب والسهو فلا يدل على عدم الوجوب، واعترض بأن ترك العود إليه يدل على الأول، وأجيب بأن ترك العود إليه بيان لإجماله وهو من البيان بالفعل لأن الترك كف النفس وهو فعل. وما به استأثر علم الخالق ... فذا تشابه عليه أطلق ذا من قوله ذا تشابه مفعول أطلق، يعني: أن اللفظ إذا استأثر أي اختص الله تعالى بعلم معناه فلم يتضح لنا يسمى متشابها وتقسيم اللفظ إلى محكم ومتشابه مأخوذ من قوله تعالى: ((آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات)) فمنهم من جعل القسمة ثنائية ولعله اقتداء بظاهر الآية، فاللفظ إما محكم، وإما متشابه، وعليه فالمراد بالظاهر ما يشمل الظاهر بالقرائن وحينئذ فالمجمل أن قامت عليه قرينة فهو من المحكم وإلا فمن المتشابه ومنهم من يجعلها ثلاثية كصاحب المنار في أصول الحنفية فإنه عد المجمل والمحكم والمتشابه من أقسام اللفظ وفسر شارحه وهو مؤلفه المجمل بما أدرك ببيان والمتشابه خلافه يعني ما لم يدرك أصلا، قلت وعليه فالمشترك المقترن ببيان من المجمل والمتشابه منه الآيات والأحاديث المثبتة للصفات المستحيلة عليه تعالى، والخلف يؤولونها بناء على القول الثاني من أن الوقف على ((في العلم)). وإن يكن علم به من عبد ... فذاك ليس من طريق العهد

يعني: أن المتشابه إذا حصل العلم به لعبد ولى فذلك العلم ليس من طريق العهد أي المعرفة المعهودة التي هي الاكتسابية فلا ينافي اختصاصه تعالى به على مذهب الجمهور من أن الوقف على قوله تعالى: ((إلا الله)) وعلى أن الوقف على ((في العلم)) يعلمه الراسخون في العلم بالاكتساب واستنظره ابن الحاجب وصححه النوور لأن الخطاب بما لايفهم بعيد، فالضمير المجرور بالباء للمتشابه ويطلق المتشابه مرادا به ما تماثلت أبعاضه والقرآن بهذا المعنى كله متشابه قال تعالى: ((الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها)) أي متشابه الإبعاض في الإعجاز وصحة المعنى والدلالة ونحو ذلك وقول السبكي وقد يطلع عليه بعض أصفيائه يحتمل أن يكون المراد بالاطلاع إنما هو من جهة الكشف لا بطريق الاكتساب ويكون ماشيا على مذهب الجمهور من أن المتشابه ما استأثر الله تعالى به فلا يعلمه أحد من جهة الاكتساب والتعلم ويحتمل أنه يريد الاطلاع عليه بالتعلم والاكتساب ويكون ماشيا على غير مذهب الجمهور. وقد يجي الإجمال من وجه ومن ... وجه يراه ذا بيان من فطن فطن مثلث الطاء لكن الأولى فيه حينئذ الكسر أو الضم، يعني: أن اللفظ قد يكون واضح الدلالة من وجه مجملا من وجه آخر كقوله تعالى: ((وآتوا حقه يوم حصاده))، فإنه واضح في الحق مجمل في مقداره لاحتماله النصف أو غيره والمأول متضح المعنى بالنسبة إلى المعنى الراجح غير متضحة بالنسبة إلى المعنى المرجوح هذا بالنظر إلى ذاته وقد يحتف به من القرائن ما يصيره راجحا على المعنى الراجح أولا. والنفي للصلاة والنكاح ... والشبه محكم لدى الصحاح الشبه بكسر فسكون بمعنى الشبه بالتحريك وهو مجرور معطوف على الصلاة ومحكم خبر النفي، يعني: أن اللفظ النافي لذات الصلاة أو ذات النكاح أو شبههما محكم أي متضح المعنى لا إجمال فيه لدى

الكتب الصحيحة أي عند أهلها لتحقيقهم كحديث الصحيحين: ((لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب)) وكحديث ((لا صلاة إلا بطهور)) وحديث ((لا صلاة لجار المسجد)) وكحديث صححه الترمذي وغيره ((لا نكاح إلا بولي)) لدلاتها على نفي الصحة لأنها المجاز الأقرب لنفي الذات ولظهور لا صلاة لجار المسجد في الكمال صرفت تلك الأمثلة عن الحقيقة لامتناعها لوجود الصلاة بلا فاتحة أو بلا طهور أو من جار المسجد في غيره أو النكاح حسا ووجه قرب نفي الصحة من نفي الذات أن ما انتفت صحته لا يعتقد به كالمعدوم بخلاف ما انتفى كما له فقد يعتد به وقال الباقلاني أن الجميع مجمل لتردده بين نفي الصحة ونفي الكمال ولا مرجح لواحد منهما والمرجح عند الجمهور هو قرب نفي الصحة من نفي الذات. والعكس في جداره ويعفوا ... والقرء في منع إجتماع فاقفوا العكس مبتدأ خبره قوله في جداره ويعفوا والقرء بالضم والفتح معطوفان على جداره، وقوله فاقفوا معناه اتبع القول بالعكس وهو الإجمال في الثلاثة يعني أن الإجمال ثابت في حديث الصحيحين ((لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره)) لتردد الضمير في جداره بين عوده إلى الجار وإلى الأحد روى خشبة بالإفراد منونا والأكثر على أنه بالجمع مضافا وعليه فالخاء والشين مضمومتان وعلى الإفراد فهو بالتحريك لكن إن صح ما رواه أحمد مرفوعا للجار أن يضع خشبة على جدار غيره وإن كره كان معينا للرجوع إلى الأحد فلا إجمال، وكذلك الإجمال ثابت في قوله تعالى: ((أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح)) لتردده بين الزوج والولي وقد حمله ملك على الولي، والشافعي على الزوج، لما قام عندهما على أن المراد أحد محملى اللفظ ولا يخرج اللفظ بذلك عن اتصافه بالإجمال وكذلك الإجمال ثابت في المشترك مثل القرء في منع إجتماع وفي بمعنى عند أي عند منع الجمع بين معنييه ولا قرينة لوضع القرء للطهر والحيض وقد حمله ملك والشافعي وفاقا لجماعة من الصحابة والتابعين على الطهر وحمله أبو حنيفة وفاقا لجماعة منا الصحابة والتابعين على الحيض.

البيان

البيان بمعنى التبين أي فعل المبين بكسر التحتية المشددة والمبين بفتح الياء نقيض المجمل فهو المتضح الدلالة قاله العضد، وللبيان معنيان آخران غير التبيين أحدهما أنه يطلق على ما حصل به التبيين وهو الدليل والثاني أنه يطلق على محل التبيين وهو المدلول وبالنظر إلى المعاني الثلاثة اختلف تفسير العلماء له. تصيير مشكل من الجلي. تصيير خبر مبتدأ محذوف وهو ضمير عائد إلى البيان يعني أن البيان بمعنى التبيين هو: إخراج شيء مشكل أي مجمل من قول أو فعل من حال أشكاله وعدم فهم معناه إلى حال إتضاح معناه وفهمه بنصب ما يدل عليه من حال أو مقال فالإتيان بالظاهر من غير سبق أشكال لا يسمى بيانا إصطلاحا وإن كان يسماه لغة فهذا الظاهر لا مجمل ولا مبين فثبتت الواسطة بينهما وهو التحقيق، قال في الآيات البينات ولا أشكال في إثبات الواسطة فإنها أمر إصلاحي لا مشاحة فيه. وهو واجب على النبي ... إذا أريد فهمه ... يعني: أن بيان المشكل واجب على النبي صلى الله عليه وسلم بناء على عدم جواز التكليف بالحمل لكن إنما يجب إذا أريد أي طلب من شخص فهمه المشكل ليعمي به كأحكام الصلاة أو ليفتى به كأحكام الحيض في جانب الرجال إذا كانوا مع نساء لا يتأتى منهن العلم بما كلفن به من الدليل وإلا وجب عليهن العلم بتحصيل ما كلفن به لأنهن حينئذ كالرجال في ذلك. تنيبه: أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم واجب عليه بيان المباح والمندوب كما يجب عليه بيان الواجب لوجوب تبليغ الجميع.

وهو بما ... من الدليل مطلقا يجلو العما يعني: أن البيان يكون بكل ما يجلو العمى أي الخلفاء والإشكال من الدليل مطلقا أي سواء كان عقليا أو حسيا أو شرعيا أو عرفيا أو قرينة مقال أو فعلا يشعر بالبيان. مثال البيان بالدليل العقلي قوله تعالى: ((خالق كل شيء)) بين العقل استحالة تعلق هذا النص بذاته تعالى وصفاته ومثاله بالحسي قوله تعالى: ((تدمر كل شيء)) بين الحس أن السماوات والأرض ونحوهما مما هو مشاهد أنها لم تدمره وهذان المثالان من البيان اللغوي لا الاصطلاحي لأنه إتيان بالظاهر من غير سبق أشكال. ومثاله بالقول قوله عليه السلام: ((فيما سقت السماء العشر)) بين قوله تعالى: ((وآتوا حقه يوم حصاده)) ومثاله بالفعل بيانه عليه الصلاة والسلام: (ولله على الناس حج البيت)) فحجه عليه الصلاة والسلام وبيان جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة بأن صلى به. ومثاله بالقرائن كما في أدلة وجوب الصلاة ونحوها فإن الصحابة علموا معانيها بالقرائن، والقرائن منها حال وهي داخلة في الأفعال، ومنها قرينة فقال وهي داخلة في القول. وبين القاصر من حيث السند ... أو الدلالة على ما يعتمد القاصر فاعل بين والسند والدلالة بالجر بناء على جواز إضافة حيث للمفرد، يعني أنه يجوز تبيين القاصر من جهة السند ما هو أقوى منه من جهته فيبين معلوم المتن كالمتواتر بمضمونه كالخبر الأحاد كبيان الأمر بالزكاة الوارد في القرآن بخبر الأحاد أعني قوله: ((فيما سقت الماء العشر)) الحديث وكذا يبين الأضعف دلالة ما هو أقوى منه دلالة كبيان المنطوق بالمفهوم قال حلولو أنه لا يشترط في المبين بكسر الياء أن يكون أقوى دلالة أو سندا من المبين بالفتح إما معلوم الدلالة فلا يتصور بيانه بمضمونها لأن معلومها لإخفاء فيه ليحتاج للبيان بل هو أوضح من المظنون قاله في الآيات البينات، قال الكوراني أن المبين إن كان عاما أو مطلقا فيشترط أن يكون بيانه أقوى لأنه يرفع العموم

الظاهر والإطلاق وشرط الرافع أن يكون أقوى وأما المجمل فلا يشترط أن يكون بيانه أقوى بل يحصل بأدنى دلالة لأن المجمل لما كان محتملا للمعنيين على السواء فإذا انضم إلى أحد الاحتمالين أدنى مرجح كفاه قلت هذا حسن إلا أنه فرض الكلام في أعم من بيان المجمل مع أن الكلام إنما هو فيه وما ذكر من بيتين القاصر الأقوى هو المعتمد ومذهب الجمهور، وقيل يجب أن يكون أقوى دلالة أو سندا وهو اختيار ابن الحاجب. وأجبن عند بعض علما ... إذا وجوب ذي الخفاء عما يعني: أن القاضي نقل عن بعضهم وهم العراقيون أن المبين بالفتح إذا عم وجوبه سائر المكلفين كالصلاة يجب أن يكون بيانه معلوما أي مقطوعا به بالتواتر وإلا قبل في بيانه خبر الآحاد وقال الآمدي لابد أن يكون المخصص أو المقيد أقوى من دلالة العموم عل صورة التخصيص ومن دلالة المطلق على صورة التقييد كما تقدم في كلام الكوراني. والقول والفعل إذا توافقا ... فأنم تلبيان للذي قد سبقا بفتح باء سبق يعني: أنه إذا ورد بعد المجمل قول وفعل كل منهما صالح للبيان فأن اتفقا أي لم يزد أحدهما على الآخر كما لو طاف بعد نزول قوله تعالى ((ولله على الناس حج البيت)) طوافا واحدا وأمر بطواف واحد فالمتقدم منهما هو البيان لحصوله به والثاني تأكيد له. وأن يزد فعل فالقول أنتسب ... والفعل يقتضي بلا قيد طلب بفتح سين أنتسب والفعل مبتدأ خبره جملة يقتضي وطلبا مفعوله وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة، تكلم في البيت وفيما بعده على

مفهوم قوله إذا توافقا يعني إذ زاد على مقتضى القول كما لو أمر بعد نزول آية الحج بطواف واحد وطاف طوافين فالبيان منسوب للقول والفعل الزائد يقتضي طلبا أي وجوبا أو ندبا في حقه صلى الله عليه وسلم دون أمته حال كون ذلك الفعل غير مقيد بتقدم أو تأخر أي سواء تقدم الفعل على القول أو تأخر جمعا بين الدليلين. تنبيه: ظاهر عبارة بعضهم أي الأول من الطوافين ليس بيانا ولا مؤكدا له بل أتى به لمحض الامتثال، ويحتمل أنه مؤكد له وهو ظاهر في تأخره قاله في الآيات البينات. والقول في العكس هو المبين ... وفعله التخفيف فيه بين يعني: أن القول إذ زاد على الفعل كأن طاف طوافا وأمر بائنين كان هو البيان والفعل الناقص تخفيف في حقه صلى الله عليه وسلم تأخر الفعل أو تقدم. تأخر البيان عن وقت العمل ... وقوعه عند المجيز ما حصل يعني: أن تأخير البيان لمجمل أو ظاهر لم يرد ظاهره عن وقت الفعل أي الزمان الذي وقته الشارع لفعل ذلك الفعل إلى حد لا يبقى بعد البيان من الوقت ما يسع الفعل مع ما يتوقف عليه غير واقع عند من إجازة بناء على جواز التكليف بالمحال وابن العربي بني جوازه على أنه من إسقاط الحكم في حق المكلف، قال في الآيات البينات لا يقال بل وقع كما في صبح ليلة الإسراء لأنا نقول صبح ليلة الإسراء لم يجب إطلاقا لأن وجوبها كان مشروطا بالبيان قبل فوات وقتها ولم نبين له صلى الله عليه وسلم ولهذا لم يفعلها أداء ولا قضاء، وأما لأن الوجوب إنما كان لظهر ذلك اليوم فيما بعده دون ما قبله ومن هنا يعلم أن الكلام في غير الوجوب المعلق على البيان أما هو فلا يتصور فيه تأخير البيان عن وقت الفعل ومن ثم قال ينبغي أن يراد بالفعل ما يشمل فعل اللسان

وهو القول وفعل القلب كالاعتقاد لظهور أنه قد يكلف بذلك في وقت معين. تأخير للاحتياج واقع .. يعني: أن تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الاحتياج إلى العمل به وهو المعبر عنه بوقت الفعل واقع عند الجمهور سواء كان للمبين بالفتح ظاهر كعام يبين تخصيصه ومعلق يبين تقييده ودال على حكم يبين نسخه أو لا، وهو المجمل، كمشترك بين أحد معنييه أو معانيه، وكمتواطئ يبين أحد ما صدقاته مثلا. أعلم أن المتواطئ أعم مطلقا من المطلق لأنه يدل على الماهية بلا قيد كالمطلق وعلى الفرد المنتشر كانكرة بناء على تغاير المطلق والنكرة فجعل المطلق من المجمل الذي له ظاهر مسلم وجعل المتواطئ من المجمل الذي ليس له ظاهر تبع فيه السبكي والمحلي المحصول وتعقبه الاصبهاني في شرحه بأن المتواطئ له ظاهر وهو القدر المشترك ولو في ضمن الأفراد من غير تعيين وعدم ظهور المتواطئ الذي من أفراده المطلق إنما هو بالنسبة للأفراد المعينة أما بالنسبة للقدر المشترك فكالمطلق. وبعضنا هو لذاك مانع الإشارة إلى تأخير البيان للحاجة يعني أن بعض المالكية مانع ذلك وفاقا للحنفية والمعتزلة وبعض الشافعية لإخلاله بفهم المراد عند الخطاب والمراد بالإخلال فهم غير المراد فيما له ظاهر وعدم فهم المراد فيما لا ظاهر له هذا في غير النسخ وأما فيه ففهم دوام الحكم، وقال الجمهور: أن لله تعالى أن يفعل في ملكه ما يشاء، ودليل الوقوع قوله في قصة بقرة بني إسرائيل ((أنها بقرة لا فارض ولا بكر)) ثم قال: ((أنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين)) ثم قال: ((أنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث، مسلمة لا شية فيها))،

وفيه تأخير بعض البيان عن بعض، فالبقرة مطلقة ثم بين تقييدها بما في أجوبة أسئلتهم، ومنع العضد كونها بقرة معينة بل هي بقرة ما فلا تحتاج إلى بيان فيتأخر بدليل: ((يأمركم أن تذبحوا بقرة)) وهو ظاهر في بقرة غير معينة فيحمل عليها، وبدليل قول ابن عباس وهو رئيس المفسرين لو ذبحوا أي بقرة أجزأتهم ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، المراد منه وعورض بأنها لو لم تكن معينة لكان إيجاب المعينة بعد إيجاب المطلقة نسخا للإيجاب الأول، وأهل العلم لم يجعلوا ذلك من قبيل النسخ، ومن أدلة الوقوع قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه الصلاة والسلام: ((إني أرى في المنام)) .. الخ أي أني أمرت بذبحك وهذا حكم ظاهر الدوام ثم بين نسخة بقوله: ((وفديناه بذبح عظيم)) أي بدلالته على النسخ لا أنه الناسخ. وقيل بالمنع بما كالمطلق .. الباء من قوله بما ظرفية القولان الأولان مطلقان فعند الجمهور يجوز تأخير البيان إلى وقت الفعل فيما له ظاهر أم لا، تقدم البيان الإجمالي كأن يقول هذا العام مخصوص وهذا المطلق، مقيد وهذا الحكم منسوخ أم لم يتقدم تأخر بعض البيان عن بعض أم لا والقول الثاني قانع في جميع الأحوال، وقال أبو الحسين البصري من المعتزلة: يمتنع أن لم يتقدم البيان الإجمالي فيما له ظاهر وهذا مبني على التحسين والتقبيح العقليين وذلك باطل عندنا وأبو الحسين يقول الجهل البسيط لا يخلو البشر عنه استحالة الإحاطة عليه والجهل المركب أعظم ففسره لتركيبه من جهلين مع إمكان السلامة منه فيجوز على الله تعالى إيقاع عبده في البسيط لخفته وعدم إمكان السلامة منه دون المركب لفرط قبحه مع إمكان السلامة منه فما لا ظاهر له إذا تأخر بيانه إلى الحاجة إنما يوقع العبد في الجهل البسيط وهو جهل مراد الله تعالى به وما له ظاهر كالعموم المراد به الخصوص فمتى تأخر اعتقد السامع أن مراد الله به ظاهره وليس مرادا فجهل وجهل أنه جهل باختصار قوله وقيل بالمنع الخ يعني أن كثيرا من الحنفية وبعض الفقهاء فرقوا بين أن يكون للمبين ظاهر فيمتنع تأخيره إلى وقت الحاجة وبين ما لا ظاهر له كمجمل فيجوز لإيقاعه المخاطب في

فهم غير المراد بخلافه في المجمل قال المحشي يقال عليه يندفع هذا المحظور باقتران البيان الإجمالي بالخطاب فلا يمتنع حينئذ تأخير البيان التفصيلي وهذا الكلام من المحشي واقع على سبيل الفرض وهو تخصيص بعض صور النزاع بالحجاج. ثم بعكسه لدى البعض انطلق. هذا قو آخر مفصل على عكس التفصيل السابق حكاه الابياري في شرح البرهان وهو أنه يجوز تأخير البيان إلى وقت الفعل فيما له ظاهر ولا يجوز فيما لا ظاهر له وعلله بأن للعام فائدة في الجملة بخلاف المجمل. تنبيه: إطلاقهم البيان على التخصيص والتقييد ونحوهما أما أن تقول سموه بيانا جريا على اللغة أو نقول هو اصطلاح لبعضهم كما يشير إليه كلام بعض حواشي المحلى ولا مشاحة في الاصطلاح نعم صرح القرافي في التنقيح بأن ذلك يسمى بيانا حيث قال المبين أما بنفسه كالنصوص والظواهر الخ وقال في موضع آخر فالمبين هو اللفظ الدال على معنى أما بالأصالة وأما بعد البيان فالظاهر أن هذا التعبير جار منه على الاصطلاح. وجائز تأخير تبليغ له. الضمير المجرور عائد على وقت العمل، يعني: أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم تأخير تبليغ ما يوحي إليه إلى وقت الاحتجاج للعمل به ولا فرق بين القرآن وغيره، وقيل لا يجوز لقوله تعالى ((بلغ ما أنزل إليك من ربك)) بناء على أن الأمر للفور لأن وجوب التبليغ معلوم بالعقل ضرورة فلا فائدة للأمر به إلا الفور، وأجاب الجمهور بأن فائدته تأييد العقل بالنقل، قلت: وبانا لا نسلم علم وجوب التبليغ بالعقل لأن ذلك مبني على أن العقل يحسن ويقبح وهو ضعيف وإنما أجاز المالكية وجمهور غيرهم تأخير التبليغ لانتفاء المحذور السابق فيه وهو الإخلال بفهم المراد منه عند الخطاب والمراد تأخير

تبليغ الأصل لا البيان فقد تقدم وكلام ابن لحاجب والإمام الرازي والآمدي يقتضي المنع في القرآن قطعا أي بلا خلاف لأنه متعبد بتلاوته ولم يؤخر صلى الله عليه وسلم تبليغه بخلاف غيره لما علم أنه كان يسأل عن الحكم فيجيب تارة مما عنده ويقف تارة حتى ينزل الوحي فقد كان ما يجيب به حاصلا عنده قبل السؤال وآخر تبليغه إلى السؤال ابحث فيه باحتمال أن تكون الإجابة عن اجتهاد فلا يدل. وأجيب بأن الاجتهاد يحتاج لزمن عقب السؤال، يقع فيه مع أنه كان يجيب فورا قبل مضي ذلك الزمن بل متصلا بالسؤال كما هو معلوم ولو في البعض قاله في الآيات البينات. ودرء ما يخشى أبي تعجيه درء بفتح الدال مبتدأ خبره جملة أبي تعجيله ويخشى مبني للمفعول، يعني أنه قد يمنع تعجيل التبليغ ويجب تأخيره إلى وقت الحاجة درء أي دفعا لمفسدة حاصلة في تعجيله فلو أمر صلى الله عليه وسلم بقتال أهل مكة بعد سنة من الهجرة وجب تأخير تبليغ ذلك للناس لئلا يستعد العدو إذا علم ويعظم الفساد ولذلك لما أراد عليه الصلاة والسلام قتالهم قطع الأخبار عنهم حتى دهمهم وكان ذلك أيسر لقتالهم وقهرهم. ونسبة الجهل لذي وجود ... بما يخصص من الموجود نسبة مبتدأ خبره من الموجود أي الواقع والذي وجود متعلق بنسبة، وبما متعلق بالجهل ويخصص بكسر الصاد، يعني أن المختار عند القائلين بمنع تأخير البيان إلى وقت الحاجة جواز وقوع أن يسمع المكلف الموجود عند وجود مخصص العام ولا يعلم بذات المخصص بكسر الصاد أولا بوصف أنه مخصص مع علمه بذاته وعدم علم المكلف بالمخصص شامل لما إذا علم بعض المكلفين به ولم يعلمه البعض الآخر إلا أنه تمكن من العلم فهو بمنزلة العالم لتقصيره وشامل لما إذا لم يبلغ أحدا من المكلفين لكنهم لما تمكنوا من البحث كانوا لتقصيرهم

بمنزلة من بلغه قاله في الآيات البينات. والمقيد والمبين بالكسر فيهما كالمخصص في جواز وقوع ما ذكر وخرج بالموجود من ليس موجودا من المكلفين حالة ورود المخصص فإنه لا يشترط علمه به اتفاقا ومقابل المختار، يقول: لا يجوز ذلك في المخصص والمقيد والمبين السمعيات لما فيه من تأخير الإعلام بالبيان، وأجيب بأن المحذور تأخير البيان وهو منتف هنا قال شهاب الدين عميرة لأنه بينه لبعض المكلفين أي لأن أكثر أحكام الشرع كانت كذلك فإنه صلى الله عليه وسلم لم يبلغ كل أحد بل بلغ البعض واكتفى بتمكن الباقي بقوله عليه السلام ليبلغ الشاهد الغائب وكذا رسله المبعوثون إلى النواحي لتبليغ الأحكام ولم يبلغوا كل فرد بل أبلغوا البعض واكتفوا بتمكن الباقي، ومحل الخلاف هو أن يمضي زمن يمكن فيه البحث عن المخصص، أما المخصص العقلي فجائزان لا يعلم المكلف ذاته أو يعلمها ولا يعلم أنه مخصص لذلك العام وجعل اللقاني الخلاف المذكور غير مختص بالمانعين تأخير البيان إلى وقت الحاجة بل وكذلك عند المجيزين أبطله في الآيات البينات ودليل الجواز والوقوع أن بعض الصحابة لم يسمع المخصص السمعي إلا بعد حين كفاطمة رضي الله تعالى عنها طلبت ميراثها منه صلى الله عليه وسلم لعموم قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم فاحتج عليها أبو بكر رضي الله تعالى عنه بقوله عليه السلام لا نورث ما تركناه صدقة.

النسخ

النسخ يكون لغة بمعنى الرفع والإزالة ومنه نسخت الشمس الظل ونسخت الريح آثار القوم وبمعنى النقل والتحويل ومنه تناسخ المواريث وتناسخ الأرواح وقيل حقيقة في الرفع مجاز في النقل واصطلاحا هو ما أشار له بقوله: رفع لحكم أو بيان الزمن ... بمحكم القرآن أو بالسنن رفع خبر مبتدأ محذوف أي هو رفع وبيان معطوف على خبر، والسنن جمع سنة بالضم، يعني: أن النسخ قال القاضي أبو بكر الباقلاني منا: أنه رفع الحكم الثابت بطريان الحكم اللاحق المضاد له مع تراخيه عنه لأن الله تعالى شرع الحكم السابق دائما على خلقه إلى قيام الساعة والحكم الثاني الناسخ اقتضى عدم دوام الحكم الأول فعدم الحكم الأول مضاف إلى وجود الحكم الثاني، واحترز بقوله مع تراخيه عما لو قال فعلوا لا تفعلوا مثلا فليس بنسخ مع أنه لا يكون في كلام الشارع التهافت واختار بعضهم هذا القول لشموله النسخ قبل التمكن من الفعل الذي هو جائز على الصحيح وذهب جمهور الفقهاء وغيرهم إلى أن النسخ بيان لانتهاء زمان الحكم السابق بالخطاب الثاني لا رافع لحكم الخطاب بل الخطاب الأول انتهى بذاته وخلف بدله الخطاب الثاني لأن الله تعالى شرع الحكم إلى وقت ورود الناسخ، فالخطاب الأول يدل بظهوره على الدوام فلما ورد الناسخ تبين عدم الدوام فعدم الحكم الأول ليس مضافا لوجود الحكم الثاني لأنه كان مغيبا إلى غاية معلةمة لله تعالى غير معلومة عندنا وإنما نعلمها نحن بورود الحكم المتأخر المضاد للحكم الأول فيرجع النسخ في هذا المذهب إلى التخصيص في الأزمان وهذا الخلاف هو فرع اختلافهم في أن زوال الأعراض بالذات أو بالضد فمن قال ببقائها قال أنما ينعدم الضد

المتقدم بطريان الطاري ولولاه لبقي، ومن لم يقل بالبقاء قال: ينعدم بنفسه ثم يحدث الضد الطاري قال في الآيات البينات: ونظيره الخلاف في الحدث هل الوضوء ينتقض به أو ينتهي بنفسه وجه شمول القول الأول للنسخ قبل حضور وقت العمل به وذلك يمنع كون النسخ عبارة عن انتهاء مدة العبادة لأن بيان انتهاء مدة العبادة إنما يكون بعد حصول المدة فقبل حصولها يستحيل بيان انتهائها .. فإن قيل: يتصور النسخ قبل التمكين على القول الثاني أيضا بأن يقع النسخ بعد دخول الوقت قبل مضي زمن يمكن فيه الفعل فالجواب كما في الآيات البينات أنه على تسليم صدقة بذلك يبقى النسخ قبل دخول الوقت، فكونه رفعا أعم مطلقا من كونه بيانا لانتهاء أمد الحكم كما رأيت وهو التحقيق خلاف ما ذهب إليه بعضهم من أن التعريفين متلازمان لأنه إذا رفع تعلق الحكم فقد بين انتهاؤه وإذا ببين انتهاؤه فقد رفع تعلقه. قوله بمحكم القرآن الخ المراد بالحكم المتضح المعنى فخرجت الإباحة الأصلية كشربهم الخمر في صدر الإسلام قبل أن يرد في إباحتها نص من تقرير أو غيره كما تقدم في قولنا: وما من البراءة الأصلية الخ، وخرج الرفع بالموت والجنون والغفلة ولا نسخ بالعقل وقول الإمام من سقط رجلاه نسخ غسلهما مدخول أي فيه دخل بفتح فسكون وبالتحريك فإن قيل: أن تفسير النسخ برفع الحكم لا يشمل نسخ بعض القرآن، تلاوة لا حكما إذ ليس رفعا لحكم فلا يكون جامعا فالجواب كما في حواشي العضد للسعد ومثله في الآيات البينات أن النسخ تلاوة فقط معناه نسخ حرفه قراءته على الجنب ومسه على المحدث ونحو ذلك وهذه أحكام فنسخ التلاوة كنسخ الحكم فيصدق عليه التعريف فإن قيل: ينافي ذلك قولهم نسخ تلاوة لا حكما أجيب بأن لا منافاة لأن مرادهم بالحكم المنفي حكم خاص وهو مدلول اللفظ لا مطلقا والمراد بقولهم رفع الحكم رفع تعلقه بالفعل لا رفعه في نفسه لأن الخطاب قديم فلا يرتفع.

(فلم يكن بالعقل .. ) يعني أن النسخ لا يكون بالعقل كما تقدم في شرح البيت قبل هذا. أو مجرد الإجماع بل ينمي إلى المستند. يعني أن الإجماع لا ينسخ به لأنه أنما ينعقد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إذ في حياته الحجة في قوله دونهم ولا نسخ بعد وفاته لكن ينسب النسخ غلى مستند الإجماع بفتح النون فالدليل الذي استند الإجماع إليه في مخالفتهم النص هو الناسخ، وكما أن الإجماع لا ينسخ به كذلك لا ينسخه هو غيره وكما لا ينسخ الكتاب والسنة بالإجماع كذلك لا يخصصان به ولا يقيدان فمعنى قولهم يجوز تخصيص الكتاب والسنة بالإجماع أنهم يجمعون على تخصيص العام بدليل آخر فالمخصص في الحقيقة هو سند الإجماع ثم يلزم من بعدهم متابعتهم وأن جهلوا المخصص فالمراد إجماع على التخصيص لا التخصيص بالإجماع من الآيات البينات ملخص. ومنع نسخ النص بالقياس ... هو الذي ارتضاه جل الناس يعني: أن نسخ النص بالقياس لا يجوز شرعا عند الأكثر واختاره القاضي والباجي وهو مذهب الشافعي حذرا من تقديمه على النص الذي هو أصل له في الجملة، ومقابل قول الجمهور ثلاثة أقوال، أحدها أنه يجوز شرعا مطلقا لإسناده إلى النص الدال على علية العلة مع حكم الأصل فكان ذلك النص هو الناسخ كما لو ورد نص بإباحة التفاضل في الأرز ثم ورد نص آخر بتحريم التفاضل في البر، فالقياس يمنع التفاضل في الأرز لوجود الطعم فيه الذي هو علة الربا عند الشافعية وهذا القول صححه السبكي لكنه خلاف ما عليه جمهور أصحابهم من المنع مطلقا منهم الصيرفي والكيا وابن الصباغ وسلم الرازي وأبو منصور البغدادي وابن السمعاني فأنهم قالوا أن القياس

لا ينسخ به نص ولا إجماع ولم يقل مجيز بنسخ النص بالنص في القياس مثل ما قالوا في الإجماع لأن نستند الإجماع صدر من الشارع قبل اتفاق المجتهدين وبمجرد صدوره عند تحقق النسخ وأن تأخر اطلاعنا عليه فلذلك قالوا أن الإجماع لا ينسخ به بخلاف القياس فإن مستنده الذي هو دليل أصله لم يدل على نقيص حكم النص المنسوخ ولا رفعه وإنما الدال على ذلك إلحاق ذلك الفرع الذي هو محل الحكم المنسوخ بذلك الأصل في حكمه فمع قطع النظر عن ذلك الإلحاق الذي هو القياس لا يثبت نقيض حكم النص المنسوخ ولا يتحقق رفعه ولهذا قالوا: أن نفس القياس ناسخ قاله في الآيات البينات. الثاني يجوز أن كان القياس جليا ومنه المساوي بخلاف الجنس لضعفه. الثالث يجوز أن كان القياس في زمنه صلى الله عليه وسلم والعلة منصوصة بخلاف ما علته مستنبطة لضعفه وما وجد بعد زمنه لانتفاء النسخ حينئذ. ونسخ بعض الذكر مطلقا ورد. يعني: أنه قد وقع في الشرع نسخ بعض الذكر آي القرآن تلاوة وحكما أحدهما فقط وقيل: لا يجوز نسخ بعضه شرعا ككله. الجمع على منع نسخ تلاوته أو أحكامه شرعا وهو جائز عقلا وحكم نسخ جميع السنة كحكم نسخ جميع القرآن، مثال نسخ التلاوة والحكم ما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها كان فيما نزل آي من القرآن عشر رضعات معلومات أي يحرمن فنسخن تلاوة وحكما عند مالك وتلاوة فقط عند الشافعي، ومثال منسوخ التلاوة وحكما عند مالك وتلاوة فقط عند الشافعي، ومثال منسوخ التلاوة فقط الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة والمراد بالشيخ والشيخة المحصنان لأمره صلى الله عليه وسلم برجم المحصنين وست وستون آية ناسخ ومنسوخ والمراد بنسخ الحكم نسخ العمل به واختلف في منسوخ التلاوة، فقال ابن الحاجب الأشبه جواز حمل المحدث له وقال الآمدي من الحنابلة إلا شبه المنع.

والنسخ بالنص لنص معتمد. أي قوى مشهور جوازا أو وقوعا على تفصي يأتي، أما نسخ القرآن بالقرآن فالصحيح جوازه ووقوعه كنسخ الاعتداد بالحول بأربعة أشهر وعشر وأما نسخ السنة متواترة أو آحادا بالسنة المتواترة أو نسخ الآحاد بالآحاد فجائز اتفاقا أو عند الأكثر وقال الأسنوي: احتلفوا في وقوعه على مذهبين وممن ذكر الاتفاق على جوازه الأمدي في الأحكام ومنتهى السؤال وعبارة السبكي وابن الحاجب توهم أن الخلاف في الجواز ويدل له أن القاضي حكى عن بعضهم أنه منعه عقلا ولا فرق في هذا كله بين القرآن والسنة المتواترة والخلاف في وقوع نسخ المتواترة بالآحاد يدل بالأولى على وقوعه بالمتواترة لمثلها أو للآحاد وأما نسخ القرآن للسنة متواترة أم لا فجائز وواقع على الصحيح ودليل الجواز قوله تعالى: ((ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)) وأن خص من عمومه ما نسخ أو بين بغير القرآن، ويجوز نسخ القرآن بالسنة المتواترة على الصحيح ومذهب الجمهور وقوعه ووجه منع نسخ المتواترة بالآحاد أن المتواتر مقطوع به والآحاد مظنون والنسخ إبطال وشرط المبطل أن يكون مساويا أو أقوى بخلاف الرفع فإنه يحصل لأدنى دافع وأجيب بوجهين: الأول أن محل النسخ الحكم ودلالة القرآن عليه ظنية، والثاني تضعيف القول بأن المبطل لابد أن يكون أقوى أو مساويا بأوجه منها ما ذكره القاضي في مختصر التقريب بأنا نقول وجوب العمل بخبر الواحد مقطوع فما يضرنا التردد في أصل الحديث مع أنا نعلم قطعا وجوب العمل به ومنها أنا لا نسلم أن المقطوع لا يدفع بالمظنون لأن انتفاء الأحكام قبل ورود الشرع مقطوع به عندنا وثبوت الحظر أو الإباحة مقطوع به عند آخرين ثم إذا نقل خبر عنه صلى الله عليه وسلم يثبت العمل به ويرتفع ما تقرر قبل ورود الشرع ذكره القاضي أيضا. فولنا ودلالة القرآن عليه ظنية فإن قيل يؤخذ منه منع نسخ التلاوة بالآحاد لأن نسخها يتضمن إسقاط قرآنيتها وهي ثابتة قطعا فلا تنسخ بالآحاد فالجواب منع ذلك كما في الآيات البينات بأن الثابت

بالقطع هو أصل قرآنيتها لا دوامها الذي ينسخ بالآحاد على تقدير القول به هو الثاني دون الأول. والنسخ بالآحاد للكتاب ... ليس بواقع على صواب يعني أن نسخ القرآن بخبر الآحاد وإن كان جائزًا فليس بواقع على الصواب أي الصحيح وهذا مستثنى مما دل عليه البيت قبله قال السبكي: والحق لم يقع إلا بالمتواترة بخلاف نسخ القرآن والسنة المتواترة بالآحاد كنسخ حديث «لا وصية لوارث» لقوله تعالى: (كتب عليهم إذا حضر أحدكم الموت) إلى (والأقربين) وكنسخ نهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع لقوله: (قل لا أجد فيما أوحي إلي) الآية وكنسخ حديث «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» لقوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) واحتج أيضًا القائلون بالوقوع بأنه يخصص فينسخ وأجاب النافون للوقوع بعدم تسليم كون ذلك ونحوه غير متواتر للمجتهدين الحاكمين بالنسخ لقرابتهم من زمان النبي صلى الله عليه وسلم قلت: وذلك لا يكفي بالنسبة إلى أهل الأعصار المتأخرة بكثير إذ التواتر يشترط في كل الطبقات كما هو معلوم إلا أن يقال المدار هنا في التواتر وغيره على زمانه عليه السلام. وممن قال بالوقوع الباجي منا وعليه مشى القرافي في «التنقيح» وأهل الظاهر والغزالي. (وينسخ الخف بما له ثقل) الخف بكسر الخاء المعجمة بمعنى الخفيف وثقل بكسر ففتح يعني أنه يجوز نسخ الخفيف من الأحكام ببدل أثقل منه وقال بعض المعتزلة لا يجوز إذ لا مصلحة في الانتقال من سهل إلى عسر وأجبت بأنه إن سلم رعاية المصلحة في مشروعية الأحكام فلا يسلم عدم المصلحة في ذلك لأن من فوائده كثرة الثواب وقد تكون له فائدة في علمه تعالى كما يسقمهم بعد الصحة ويضعفهم بعد القوة لا كنا لا نسلم رعاية المصلحة إلا تفضلا لا وجوبا وقد وقع كنسخ التخيير بين صوم رمضان والفدية بتعيين الصوم ومن النسخ

بالأثقل نسخ الحبس في البيوت بالجلد والرجم ووافق الظاهرية بعض المعتزلة في المنع محتجين بقوله تعالى: ((نأت بخير منها أو مثلها)) وبقوله ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)). وأجيب عن الأول بأن الأثقل قد يكون أفضل بكثرة الثواب وإصلاحه لأخلاقه ومعاده ومعاشه وعن الثاني بحمله على اليسر في الآخرة ولا خلاف في جواز النسخ بالأخف والمساوي. (وقد يجيء عاريا من البدل) يعني أن النسخ يجوز بلا بدل أصلا عند الجمهور خلافا لبعض المعتزلة في الجواز وللشافعي في الوقوع، حجة المعتزلة عدم المصلحة فيه وأجيب بأنها الراحة من التكليف مثال وقوعه نسخ وجوب تقديم الصدقة على مناجاة الرسول إذ لا بدل لوجوبه فيرجع الأمر إلى ما كان قبله مما دل عليه الدليل العام من تحريم الفعل أن كان مضرة وأباحته إن كان منفعة وأجيب من جهة المانع بعدم تسليم أنه لا بدل للوجوب بل بدله الجواز الصادق هنا بالإباحة والاستحباب فالقائل بالوقوع معترف بأن الأمر في نسخ الوجوب يرجع إلى مقتضى الدليل العام وأن ذلك المقتضى ليس من البدل المراد هنا وإلا كان مناقضا لقوله بالوقوع. والشافعي القائل أن النسخ لا يقع إلا ببدل لا يكفي عنده ما هو مقتضى الدليل العام بل لابد عنده أن يكون البدل مستفادا من النسخ نصا أو اقتضاء: ((إذا ناجيتم الرسول)) من قبيل الاقتضاء فإن قضية رفع الوجوب بقاء الجواز أي عدم الحرج الصادق بالإباحة والاستحباب بخلاف ما دل عليه الدليل العام فليس مفادا من النسخ لا نصا ولا اقتضاء بل هو أمر منفصل عنه البتة قاله في الآيات البينات. حاصلة أن النسخ لم يعد البدل نصا أو اقتضاء كما تقرر يكون محل الخلاف حتى يكون ممتنعا عند المعتزلة وأن ثبت حكم آخر بمقتضى الدليل العام لكن ما نقل السبكي في شرح المنهاج عن القاضي حيث قال واستدل القاضي في مختصر التقريب على تجويز نسخ الشيء لا إلى بدل بأنا نجوز ارتفاع التكليف عن المخاطبين جملة فلا نجوز

ارتفاع عبادة لا بعينها لا إلى بدل أولى والمخالفون في ذلك وهم المعتزلة لا يجوزون ارتفاع التكليف فلهذا خالفونا في المسألة فهذا مثار الخلاف في هذه المسألة قد يقتضي خلاف ذلك لأنه حيث ثبت حكم بمقتضى الدليل العام لم يلزم ارتفاع التكليف قاله في الآيات البينات، ومن حجج المانعين قوله تعالى: ((ما ننسخ من آية أو ننسهانات بخير منها أو مثلها)) وأجيب بأن الجواب لا يجب أن يكون ممكنا فضلا عن أن يكون واقعا نحو أن كان الواحد نصف العشرة فالعشرة اثنان. وانسخ من قبل وقوع الفعل ... جاء وقوعا في صحيح النقل النسخ مبتدأ، وجملة جاء وقوعا خبره، ووقوعا تمييز محول عن الفاعل. منهم من يعبر عن هذه المسألة بنسخ الفعل قبل التمكن منه ومنهم من يعبر بالنسخ قبل الفعل ومنهم من يقول قبل وقت الفعل أو قبل مجيء وقته يعني أنه يجوز على الصحيح نسخ الفعل قبل التمكن منه بأن أمر به فورا فنسخ قبل الشروع فيه أو غيره على التراخي ولم يدخل وقته أو دخل ولم يخص منه زمن يسع الفعل أو كان الفعل يتكرر مرارا ففعل ثم نسخ كنسخ القبلة وفاقا للمعتزلة في هذه الأخيرة لحصول مصلحة الفعل بتلك المرات الواقعة في الأزمنة الماضية ومنعوا الثلاث قبلها لعدم حصول المصلحة قال القرافي وأما بعد الشروع وقبل الكمال فلم أر فيه نقلا ومقتضى مذهبنا جواز النسخ فيه وفي غيره وتعليل المعتزلة المنع بعدم حصول المصلحة قريب من تعليل بعضهم له بعدم استقرار التكليف لأن هذا مبني على ذلك أي على وجوب ظهور المصلحة للعقل في أفعال الله تعالى وهو ممنوع عند أهل السنة ولهذا أجابوا بأنه يكفي للنسخ وجود أصل التكليف وأن لم يستقر والصواب في تفسير استقرار التكليف ما فسره به الكمال من أنه يكون بدخول الوقت ومضي زمن يسع الفعل قال في الآيات البينات وهو ظاهر لأن معنى استقرار التكليف من سقوطه مما يعرض من نحو جنون أن إغماء وذلك متوقف على مضي الزمن المذكور إذ بعد

مضيه تلزم العبادة وأن عرض ما ذكر قبل فعلها واستغرق الوقت بخلاف ما قبل مضيه فإن عروض ما ذكر يسقطها إذ استغرق الوقت ومن أدلة وقوع النسخ قبل التمكن قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه السلام ((يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك)) ثم نسخ بقوله تعالى ((وفديناه بذبح عظيم)) ومنها رفع الصلوات الخمسين ليلة الإسراء بالخمس والذبيح قول الأكثر أنه إسحاق لكنه سرى إليهم من أهل الكتاب حسدا للعرب أن يكون جدهم الذبيح والصواب أنه إسماعيل لأن البشارة بإسحاق معطوفة على البشارة بالغلام المذبوح ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((أنا ابن الذبيحين)) والأصل الحقيقة ولأن ذلك كان بمكة وكانا قرنا الكبش معلقين بالكعبة حتى احترقا أيام ابن الزبير ولم يكن إسحاق بمكة ويروي عن خلق كثير من الصحابة والتابعين وكونه إسحاق مردود بأكثر من عشرين وجها وأما نسخ الفعل بعد خروج وقته بلا عمل فمتفق على جوازه كما صرح به الآمدي في الأحكام لكن جزم ابن الحاجب بأنه لا يجوز واقتضى كلامه الاتفاق عليه قال في الآيات لبينات بعد ذكر تصريح الآمدي بالاتفاق على الجواز ما نصه وهذا يتأتى إذا صرح بوجوب القضاء أو قلنا الأمر بالأداء يستلزمه ويجوز النسخ في الوقت بعد مضي زمن يسعه عند الجميع إلا الكرخي من الحنفية فغنه قال لا يجوز النسخ قبل الفعل، سواء مضي من الوقت مقدار ما يسعه أم لا (وجاز بالفحوى) يعني أن النسخ بمفهوم الموافقة بقسميه جائز بالاتفاق عند الآمدي والرازي وحكي أبو إسحاق الشيرازي قولا بمنع النسخ به بناء على أنه قياس لمحل الفحوى على محل المنطوق والقياس لا يجوز النسخ به. ونسخه بلا ... أصل وعكسه جوازه انجلا ورأى الأكثرين الاستلزام نسخه مبتدأ وعكسه معطوف عليه وجوازه مبتدأ ثان وجملة جلا المبتدأ والثاني وخبره خبر عن الأول يعني أنه يجوز نسخ الفحوى أي مفهوم الموافقة بقسميه ولو بالفحوى دون نسخ أصله الذي هو

المنطوق وكذا عكسه وهو نسخ الأصل دونه على الصحيح فيهما لأن الفحوى وأصله مدلولان متغايران مجاز نسخ كل واحد منهما فقط كنسخ تحريم ضرب الوالدين دون تحريم التأفيف والعكي فلا ارتباط عقلا بين حكمين من هذه الأحكام بحيث يمتنع انفكاك أحدهما عن الآخر بل الارتباط بينهما إنما هو بمعنى التبعية في الدلالة والانتقال من المنطوق إلى الفحوى وهو لا يوجب اللزوم في الحكم قال سعد الدين التفتزاني ولو سلم فعند الإطلاق دون التنصيص كما إذا قيل اقتل فلانا ولا تستخف به قوله ورأى الأكثرين الاستلزام يعني أن ما مضي من جواز نسخ كل من المنطوق ومفهوم الموافقة دون الآخر مبني على عدم استلزام كل منهما الآخر وأن مذهب الأكثرين هو الاستلام فلا يجوز نسخ واحد منهما دون الآخر لن الفحوى لازم لأصله وتابع له ورفع اللازم يستلزم رفع الملزوم ورف المتبوع يستلزم رفع التابع أما نسخهما معا فجائز اتفاقا. (وبالمخالفة لا يرام) يعني أن النسخ بمفهوم المخالفة لا يقصد لعدم جوازه لضعفها عن مقاومة النص. وهي عن الأصل لها تجرد ... في النسخ وانعكاسه مستبعد يعني: أنه يجوز المخالفة أي الحكم المفهوم على طريق المخالفة دون نسخ الأصل وهو حكم المنطوق وأحرى في الجواز إذا نسخت مع أصلها مثال نسخها دونه حديث إنما الماء من الماء فإن المنسوخ مفهومه وهو عدم لزوم الغسل عند عدم الإنزال ومثال نسخهما معا أن ينسخ مثلا وجوب الزكاة في السائمة ونفيه في المعلوفة عند القائل به قوله وانعكاسه الخ يعني أن الأصل وهو حكم المنطوق دون المخالفة أمر بعيد فالظاهر منعه لأنها تابعة له فترتفع بارتفاعه ولا يرتفع هو بارتفاعها واستشكل منع نسخ الأصل دونها مع جواز نسخ الأصل دون الفحوى فلابد من التسوية بينهما في الجواز والامتناع أو من إبداء

فرق واضح بينهما فإن العلة المذكورة لمنع نسخ الأصل دونها غير مسلمة وما أراد بسط ذلك فليطالع الآيات البينات. وقيل يجوز نسخ الأصل دونها. ويجب الرفع لحكم الفرع ... أن حكم أصله يرى ذا رفع يعني: أن المختار أن حكم الأصل المقيس عليه إذا نسخ لا يبقى مع نسخه حكم الفرع المقيس لانتفاء العلة التي ثبت بها بانتفاء حكم الأصل وقالت الحنفية يبقى لأن القياس مظهر له لا مثبت مثاله على ما حكاه الباجي عنهم جواز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض بالقياس على شهادتهم على المسلمين في السفر ثم نسخت شهادتهم على المسلمين وبقي حكم شهادة بعضهم على بعض قال الإبياري والخلاف في المسألة مبني على الخلاف في حكم الأصل هذا يضاف إلى العلة أو المضاف إلى العلة إنما هو حكم الفرع كما يقوله الحنفية فنسخ حكم الأصل ليس نسخا للعلة المضاف إليها حكم الفرع وإسقاط حكم الفرع لنسخ حكم الأصل سماه بعضهم نسخا والأحسن أن لا يسماه وذلك لأن مورد النسخ حكم الأصل ثم يترتب انتفاء حكم الفرع وعلى أنه يسماه نقول كما في الآيات البينات تسلط الناسخ على الحكمين معا ورفعهما معا لكن على أن حكم الفرع لا يبقى مع نسخ حكم الأصل يشكل جواز نسخ الأصل دون الفحوى بناء على أن دلالتهما قياسية قال في الآيات البينات. ويمكن أن يجاب بأن ثبوت الحكم في الفحوى أقوى من ثبوته هنا بدليل انه قيل أنها منطوق. وينسخ الإنشا ولو مؤبدا ... والقيد في الفعل أو الحكم بداً مؤبدا بفتح الموحدة والقيد مبتدأ خيره جملة بدا وقوله في الفعل يتعلق بالخبر والحكم معطوف على الفعل يعني أنه يجوز نسخ الإنشاء ولا خلاف في جوازه ووقوعه في الجملة ولو قيد بالتأبيد وغيره عند الجمهور سواء كان القيد في الفعل نحو صوموا أبدا صوموا حتما أو في

الحكم نحو الصوم واجب مستمر أبدا أو واجب مستمر إذا قاله إنشاء لا خبرا فسيأتي ويتبين بورود الناسخ أن المراد أفعلوا إلى وجوده كما يقال لازم غريمك أبدا أي إلى أن يعطي الحق فإن قيل ذلك التقدير خلاف الظاهر فلابد له من قرينة، قلنا القرينة ظهور أن التكليف متوقف على مشيئة الشارع وأن له رفعه متى أراد حيث ثبت إمكان رفعه على أنه لا حاجة هنا إلى قرينة لأن المكلف مطالب بالمكلف به مطلقا إلى أن يعلم سقوطه عنه. وفي الأخير منع ابن الحاجب ... كمستمر بعد صوم واجب يعني أن ابن الحاجب من المالكية وفاقا لقوم من الحنفية منعوا النسخ في الأخير وهو ما كان التأبيد فيه قيدا للحكم كان يقول الشارع أمرتم بصوم واجب مستمر أو الصوم واجب مستمر أبداً إذا قاله على سبيل الإنشاء لا الخبر لأن القيد هنا للحكم وهو الوجوب والاستمرار فلا يجوز نسخه عند ابن الحاجب ومن تبعه ولعل وجهه أن الحكم كلام نفسي بخلاف صوموا أبدا فإن التأبيد قيد الواجب وهو الصوم الذي هو فعل المكلف فلذا جاز نسخه عندهم وأجيب من جهة الجمهور بعدم الفارق لأنه إذا كان المراد بقوله الصوم واجب مستمر الإنشاء كان بمعنى صوموا صوما مستمرا أو صوموا أبدا وإنما يظهؤ الفرق بين كون التأبيد قيدا للواجب أو لو كان المراد به الخبر وهو محل وفاق قاله المحشي. ونسخ الأخبار بإيجاب خبر ... بناقض يجوز لا نسخ الخبر يعني أنه يجوز نسخ إيجاب الأخبار بشيء بإيجاب الأخبار بناقض ذلك الشيء أي نقيضه قوله ونسخ الأخبار على حذف مضاف كما رأيت وقوله خبر آخر الشرط الأول بمعنى الأخبار كان يوجب الأخبار بقيام زيد ثم يوجب الأخبار بعدم قيامه قبل الأخبار كان يوجب الأخبار بقيام زيد ثم يوجب الأخبار بعدن قيامه قبل الأخبار بقيامه ومنعته المعتزلة فيما إذا كان المخبر به لا يتغير كحدوث العالم لأن الإخبار

المذكور كذب والتكليف بالكذب قبيح بناء على قاعدة التحسين والتقبيح ووجوب رعاية المصالح في أفعاله تعالى وجميع ذلك باطل عند أهل السنة مع أنه قد يدعو التكليف بالكذب غرض للمكلف صحيح فلا يكون قبيحا وقد ذكر الفقهاء مسائل يجب فيها الكذب وقد يندب وقد يكره ونظمها بعضهم بقوله: لقد أوجبوا زورا لإنقاذ مسلم ... وقال له إ هو بالجوز يطلب ويكره تطيبا لخاطر أهله ... وإما بإرهاب العدو فيندب وجاز لإصلاح ويحرم ما سوى ... أولاء فذا نظم لهن مهذب قوله بإيجاب الأخبار بنقيضه خرج به مجرد نسخة من غير إيجاب الأخبار لنقيضه كما لو قال أخبر وأعن العالم بأنه حادث ثم قال لا تخبروا عنه بشيء البتة فلا خلاف في جوازه قاله في الآيات البينات ومثله لحاولوا قوله لا نسخ الخبر أي لا يجوز نسخ مدلول الخبر بخلاف لفظه فجائز لقولنا ونسخ بعض الذكر مطلقا ورد، قال السبكي: ويجوز على الصحيح نسخ بعض القرآن تلاوة وحكما أو أحدهما فقط وإنما منعوا نسخ مدلول الخبر وإن كان مما يتغير لنه يوهم الكذب أي يوقعه في الوهم أي أن الذهن والكذب على الله تعالى محال واعترض بأن نسخ الأمر يوهم البدء أي الظهور بعد الخفاء وهو محال على الله تعالى أيضا فلو كان مجرد الإيهام مانعا لامتنع النسخ هنا أيضا قال في الآيات البينات فإن قالوا النهي الذي ينسخ الأمر دال على أن الأمر لم يتناول ذلك الوقت قلنا الناسخ للخبر أيضا دال على أن الخبر المنسوخ لم يتناول تلك الصورة. وأجيب بأن الإيهام الذي في الأمر هو الإيهام المنافي للتحقيق والذي في الخبر هو الإيهام المجامع للتحقق (وكل حكم قابل له).

يعني أنه يجوز عند الجمهور عقلا نسخ جميع الأحكام من وجوب وندب وتحريم وكراهة وإباحة شرعية ويبقى الأمر في الجميع على الإباحة الأصلية أي المأخوذة من براءة العقل وهي ليست بحكم شرعي كما تقدم ومنع الغزالي إلى نسخ جميع التكاليف لتوقف معرفة النسخ والناسخ وهو الله تعالى ومعرفة الدليل الدال على النسخ وهي من التكاليف فلا يتأتى نسخها وأجاب ابن الحاجب بأنه بحصول تلك المعرفة ينتهي التكليف بها فيصدق أنه لم يبق تكليف وهو المقصود بنسخ جميع التكاليف فلا نزاع في المعنى لأن الذي ادعاه الجمهور جواز ارتفاع جميع التكاليف عقلا بعضها بطريق النسخ وبعضها وهو وجوب معرفة النسخ والناسخ بالإتيان بالمأمور به والغزالي لا يخالف في ذلك والذي ادعاه الغزالي انه لا يمكن رفع جميعها بطريق النسخ بما فيه من التسلسل والجمهور لا يخالفون في ذلك ويدخل في نسخ كل الأحكام نسخ تلاوة جميع القرآن لما تقدم من رجوع نسخها إلى نسخ الحكم ولا ينافي ذلك الإجماع على منع نسخ كل القرآن لدى امتناع شرعي والمراد بالجواز الجواز العقلي قاله في الآيات البينات ومنعت المعتزلة نسخ ما كان حسنا لذاته أو قبيحا لها، الأول مثل معرفة الله تعالى وهو العلم بوجوده ووحدانيته واتصافه بصفاته ومثل العلة وسكر المنعم فهذا لا يجوز نسخ وجوبه والثاني مثل الظلم والكفر والكذب فهذا لا يجوز نسخ تحريمه لأن هذا لا يتغير بتغيير الأزمان بناء منهم على أصلهم الباطل أعني التحسين والتقبيح العلقيي. وفي ... نفي الوقوع الاتفاق قد نفى الاتفاق مبتدأ خبره جملة قفى بالبناء للمفعول والجار والمجرور يتعلقان بالاتفاق يعني أن الاتفاق أي الإجماع على عدم وقوع نسخ جميع التكاليف إجماع مقفو أي متبع مسلم. هل يستقل الحكم بالورود ... أو ببلوغه إلى الموجود

يعني أنهم اختلفوا هل يستقل الحكم في حق المكلفين بنفس وروده أي تبليغ جبريل النبي إياه صلى الله عليه وسلم وقبل بلوغه الأمة قيل: يستقل أي يثبت بمعنى الاستقرار في الذمة لا بمعنى طلب الامتثال كما صلاة ونحوها أولاً أما من يمكنه علم الشرائع فقضاؤها واجب عليه في النائم وقت الصلاة فإنها مستقرة في ذمته مع أنه غير مخاطب بها وقيل لا يثبت الحكم في حق المكلفين حتى يبلغه من النبي صلى الله عليه وسلم لعدم عملهم به أما قبل بلوغه النبي فلا يثبت في حقهم اتفاقا إذا كان قبل بلوغه جبريل فإن كان بين التبليغين فكذلك على الصواب وينبني على الخلاف رفع الخمسين صلاة ليلة الإسراء هل يسمى نسخاً أولاً والذي عليه الجمهور واختاره ابن الحاجب والسبكي أن الناسخ قبل تبليغه صلى الله عليه وسلم الأمة لا يثبت في حقهم. أعلم أن أن هذه المسألة فرضها بعضهم كالسبكي في ورود الناسخ قبل تبليغه صلى الله عليه وسلم الأمة وفرضها عياض في أول الوكالة من التنبهات فيما هو أعلم من النسخ وإياه تبعت في النظم تربية للفائدة. فالعزل بالموت أو العزل عرض ... كذا قضاء جاهل للمفترض المفترض بفتح الراء يعني أنه ينبني على الخلاف المذكور عزل الوكيل أو الخطيب هل يكون بنفس موت الموكل أو المولى إذا حصل موت وبمجرد العزل إذا عزل احدهما بناء على أن الحكم يثبت بنفس الورود قبل البلاغ أولاً يثبت العزول بمجرد ما ذكر بل حتى يبلغهما العزل فيه خلاف، فائدته هل يمضي تصرف الوكيل قبل علمه بالعزل أو يرد قال خليل: وانعزل بموت موكله أن علم- والأفتا ويلان وفي عزله بعزله ولم يعلم خلاف. قوله عرض معناه ظهر بناء الخلاف عليه وهو خبر العزل الأول لا الثاني فإنه معطوف على الموت قوله كذا قضاء الخ معناه ينبني على الخلاف أيضا هل يقضي الجاهل بالشرائع لكونه أسلم بدار الكفر أو نشأ على شاهق جبل ما فاته من الفرائض من صلاة ونحوها أولاً، أما من يمكنه علم الشرائع، فقضاؤها واجب عليه وإن لم تبلغه.

وليس نسخا كل ما أفادا ... فيما رسى بالنص الازديادا كل اسم وليس نسخا خبرها والازدياد مفعول أفاد يعني أن ملكا وأكثر أصحابه والشافعية والحنابلة لا يكون كل ما أفاد الازدياد أي الزيادة على ما ثبت بالنص نسخا عندهم للمزيد عليه لعدم منافاة الزيادة وما لا ينافي لا يكون ناسخاً أي رافعا للحكم الشرعي ومن شرط النسخ التنافي بحيث لا يمكن الجمع بين الناسخ والمنسوخ والمراد زيادة جزء من العبادة أو زيادة شرط لها مثال زيادة الجزء زيادة التقريب في حد الزنا وزيادة ركعتين بناء على أن الصلاة فرضت ركعتين ومثال زيادة الشرط زيادة الإيمان في صفات رقبة الكفارة خلافا للحنفية في قولهم أن تلك الزيادة نسخ واحتجوا بان السلام كان واجبا بعد الركعتين فبطل صلك وصار في موضع آخر وهو بعد الأربع فقد بطل حكم شرعي، وأجيب بان السلام يجب فيه أن يكون آخر الصلاة ثنائية كانت أو ثلاثية أو رباعية وكونه في آخر الصلاة لم يبطل، بل هو باق على حاله واحتجوا أيضا بأجزاء الركعتين الأوليين قبل والأجزاء حكم شرعي وقد ارتفع فيكون رفعه نسخا وبإباحة الأفعال بعد الركعتين ومع الزيادة بطلت هذه الإباحة والإباحة حكم شرعي ارتفع فيكون رفعه نسخا وأجيب عن الأول بأن معنى الأجزاء أنه لم يبق شيء آخر واجب على المكلف وذلك إشارة إلى عدم التكليف وعدم التكليف حكم عقلي لا شرعي والحكم العقلي رفعه ليس نسخا، بدليل أو وجوب العبادة ابتداء رافع للحكم العقلي رفعه ليس نسخا، بدليل أن وجوب العبادة ابتداء رافع للحكم العقلي الذي هو البراءة الأصلية وليس ذلك نسخا إجماعا قاله القرافي في شرح تنقيحه وأجيب عن الثاني بأن إباحة الاشتغال بعد الركعتين تابع لكونه ما وجب عليه شيء آخر وكونه ما وجب عليه شيء آخر إشارة إلى نفي الحكم الشرعي وبراءة الذمة التي هي حكم عقلي فلا يكون رفعه نسخا قاله فيه أيضا وكذا يقال أن زيادة التقريب رافعة لعدم وجوبة وعدم الوجوب حكم عقلي وتقييد الرقبة بالإيمان رافع لعدم لزوم تحصيل الإيمان فيها وذلك حكم عقلي فلا يكون رفعه نسخا كما تقدم وأما زيادة عبادة مستقلة مجانيسة كصلاة سادسة فليس محل خلاف للحنفية وإن خالف

فيه بعض أهل العراق وإنما جعل الحنفية الوتر ناسخًا حيث اعتقدوا وجوبه لما فيه من نسخ، قوله تعالى: (حافظوا على الصلاة الوسطى) فقد ذهبت المحافظة على الوسطى بصيرورتها غير وسطى لأن الصلاة صارت ستاً وكل عدد زوج لا توسط فيه وطلب المحافظة حكم شرعي قد ارتفع فيكون رفعه نسخًا وهذا بناء على أن تسميتها وسطى لتوسطها بين عددين وقيل لتوسطها بين الليل والنهار فهي الصبح وقيل لتوسطها بين الأعداد الثنائية الرباعية فهي المغرب، وأما زيادة عبادة مستقلة غير متجانسة كالحج زيد على العبادات في آخر الإسلام فليست نسخًا لما تقدمه من العبادات إجماعًا وقد صرح الآمدي وابن الحاجب في «المنتهى» بأن نسخ سنة من سنن العبادة لا يكون نسخًا لها ومثار الخلاف بين الجمهور والحنفية هل رفعت الزيادة حكمًا شرعيًا فعند الجمهور لا فليست بنسخ وعند الحنفية نعم نظرًا إلى أن الأمر بما دونها اقتضى تركها فالنص المثبت لها رافع لحكم ذلك المقتضى وأجاب الجمهور بعدم تسليم اقتضائه تركها والمقتضى الترك غيره كالبراءة الأصلية فعند الجمهور غير رافعة أبدًا لحكم شرعي وعند الحنفية رافعة أبدًا له وعند بعضهم ترفعه تارة وتارة لا، فلذلك قال إن غيرت حكم المزيد عليه شرعًا حتى صار وجوده وحده كالعدم كزيادة ركعة في الفجر فنسخ وإلا فلا كزيادة أربعين في حد الخمر واختاره القاضي هنا. والنقض للجزء أو الشرط انتقى ... نسخة للساقط لا للذبقى يعني أن نقص جزء العبادة كركعة من الصلاة ونقص الشرط كالطهارة مثلاً انتفى بالبناء للمفعول أي اختير كونه نسخًا للساقط دون الباقي لأن الساقط هو الذي يترك وهذا مذهب المالكية والجمهور وقيل أنه نسخ لهما إلى بدل هو ذلك الناقص لجوازه أو وجوبه بعد تحريمه والجمهور يقولون أن إثبات الحكم للكل كإثباته للعموم فكما أن إخراج صورة من العموم لا يقدح كذلك إخراج جزء أو شرط. الإجماع والنص على النسخ ولو ... تضمنا كلا معرفا رأوا

الإجماع مبتدأ خبره جملة رأوا والنص معطوف على المبتدأ وكلا مفعول رأوا الأول ومعرفا بكسر الراء مفعوله الثاني أي معرفا للناسخ هذا شروع فيما يعرف به النسخ وما لا يعرف به يتعين الناسخ للشيء بتأخره عنه مع أنه لا يمكن الجمع بينهما وإلا وجب الجمع والعلم بتأخره يحصل بالإجماع بأن يجمعوا على أنه متأخر عنه لما قام عندهم على تأخره يحصل بالإجماع بأن يجمعوا على أنه متأخر عنه لما قام عندهم على تأخره أو يجمعوا على أن هذا ناسخ لذلك ومثله ابن السماع بنسخ وجوب الزكاة غيرها من الحقوق المالية وكذا يحصل العلم بتأخره بنص الشارع على نسخه نصا صريحا بل ولو كان بدلالة التضمن والالتزام مثال الأول أن يقول هذا ناسخ لذلك ومثال النص عليه التزاما قوله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة أو هذا بعد هذا لكن في هذا الأخير بشرط أن لا يمكن الجمع ومنه النص على خلاف الأول بأن يذكر الشيء على خلاف ما ذكره فيه أولا بحيث لا يمكن الجمع حتى يصح النسخ كأن يقول في شيء أنه مباح ثم يقول فيه أنه حرام وإلا بمطلق الخلاف لا يقتضي المنافاة المصححة للنسخ كما لو قال في شيء أنه جائز ثم قال فيه أنه واجب فإن الوجوب خلاف الجواز مع أنه لا ينسخ لا مكان الجمع بينهما لأن الجواز يصدق بالوجوب قاله في الآيات البينات ومثله قول التنقيح يعرف أي النسخ بالنص على الرفع أو على ثبوت النقيض أو الضد. كذلك يعرف لدى المحرر ... فالمنع للجمع مع التأخر كقول رأوا سابق المحرر بكسر الراء معناه المحقق يعني أن النسخ يعرف عندهم بامتناع الجمع بين الدليلين مع العلم بالمتأخر منهما فالمتأخر ناسخ كقول رأو هذا سابق على ذلك وفي معناه ما لو رتب بثم كما في صحيح مسلم عن علي كرم الله وجهه قام النبي صلى الله عليه وسلم في الجنازة ثم قعد وقول جابر رضي الله تعالى عنه كان آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار.

والمحكي ... بما يضاهي المدني والمكي قوله والمحكي معطوف على قول رأو فهو من أمثلة ما علك المتأخر فيه يعني أن مما يعلم به التأخر ذكرهم الشيء بنحو هذا مكي وهذا مدني وهذا قبل الهجرة وهذا بعدها أو هذا كان عام ست والآخر عام سبع أو كان هذا في غزوة كذا والآخر غزوة كذا إذ الغزوات معلومات السنين لكن ما اختلف في ترتبه منها لا يدل ذكره على التأخر حتى يثبت به النسخ (وقوله الناسخ) يجر قوله عطفا على قول رأو والناسخ خبر مبتدأ محذوف أي هذا الناسخ يعني أن مما يعلم به التأخر ويثبت به النسخ قول الراوي فيما علم نسخه وجهل ناسخه هذا هو الناسخ لذلك سواء قاله بالتعريف أو التنكير بخلاف قوله هذا ناسخ أو الناسخ لما لم يعلم بنسخه فلا يثبت به النسخ خلافا لمن قال يثبت به مطلقا ولمن قال يثبت إذا قال هذا منسوخ فإن قال هذا ناسخ لهذا لم يثبت به النسخ وردهما الجمهور بأن قوله ذلك قد يكون عن اجتهاد لا يوافق عليه وفرق بين قبول قول الراوي هذا سابق على ذلك وعدم قبول قوله فيما لم يعلم نسخه هذا ناسخ على مذهب الأكثر بما ذكره في الآيات البينات ولفظه: قد يفرق بين قبول ذلك وعدم قبول. قوله: هذا ناسخ كما سيأتي بأن هذا أقرب إلى التحقيق لن العادة أن دعوى السبق لا تكون إلا عن طريق صحيح بخلاف دعوى النسخ يكثر كونها عن اجتهاد واعتماد قرائن قد تخطئ وقد لا يقول بها غير الراوي. ولا فرق بين الراوي الصحابي وغيره. والتأثير دع ... بوفق واحد للأصل تتبع التأثير مفعول دع وقوله بوفق متعلق بالتأثير وللأصل متعلق بوقف وتتبع بالبناء للمفعول مجزوم لأنه جواب الأمر أي أترك التأثير في التأخير بموافقة واحد من النصين للأصل أي براءة الذمة يعني أن كون أحد النصين على براءة الذمة لا يدل على كونه متأخرا عن المخالف لها حتى يثبت النسخ به لذلك المخالف لها خلافا لمن زعم ذلك نظراً إلى أن الأصل مخالفة الشرع لها ورد بأنه لا يلزم لجواز العكس.

وكون رواية الصحابي يكتفي كون بالجر عطفاً على قوله وفق والصحابي نعت رواية ويقتفي خبر لكون مفعوله محذوف أي يقتفي غيره ويتبعه في الإسلام، يعني أن كون أحد الراويين متأخر الإسلام لا يؤثر في التأخر فلا يكون حديثه متأخراً عن حديث متقدم الإسلام حتى ينسخه إذ لا يلزم من تأخر إسلامه تأخر مرويه كحديث أبي هريرة المتأخر الإسلام في الوضوء من مس الذكر مع حديث طلق ما لم تنقطع صحبة الأول قبل صحبة الثاني ولا تأثير أيضاً بحداثة سن الراوي. (ومثله تأخر في المصحف)؟ يعني أن تأخر أحد الآيتين في المصحف عن الأخرى مثل تأخر إسلام الراوي في كون كل منهما لا يثبت به التأخر حتى ينسخ الآخر كآية العدة بالحول مع آية العدة بأربعة أشهر وعشر خلافاً لمن زعم أن تأخر إسلام الراوي يؤثر في تأخر مروية وكذا ثبوت إحدى الآيتين في المصحف بعد الأخرى نظرا إلى أنه الظاهر في الأول وأن الأصل موافقة الوضع للنزول في الثاني وأجيب بعدم وجوب ذلك لجواز العكس قال في الآيات البينات قد يجاب بأنه يكفي أن ذلك هو الظاهر والنسخ يكفي فيه الظاهر بدليل النسخ بحبر الواحد إلا أن يمنع أن ذلك هو الظاهر. قلت لا يستطيع أحد أن يمنعه لأنه هو الغالب هو الظاهر الراجح كما يدل عليه كلام صاحب الآيات البينات ويحتمل أنه لا يثبت بالاحتمال ولو راجحاً كما يدل عليه كلام المحلي. كمل القسم الأول من كتاب نشر البنود بحمد الله تعالى وحسن عونه وتوفيقه الجميل ويتلوه بحول الله وقوته القسم الثاني وأوله. "كتاب السنة"

كتاب السنة

كتاب السنة وهي لغة الطريق وتطلق شرعًا على المشروع من واجب ومندوب ومباح وتطلق في اصطلاح فقهاء المالكية على ما أمر به صلى الله عليه وسلم وواظب عليه وأظهره ولم يوجبه وتطلق في اصطلاح الشافعية على ما كان نفلاً منقولاً عنه صلى الله عليه وسلم وفي اصطلاح الأصوليين على ما ذكره بقوله: وهي ما انضاف إلى الرسول ... من صفة كليس بالطويل والقول والفعل وفي الفعل انحصر ... تقريره كذي الحديث والخبر تقدمت مباحث الأقوال التي تشارك السنة فيها الكتاب والكلام هنا في غير ذلك يعني أن السنة هي ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من صفة ككونه ليس بالطويل ولا بالقصير ومن قول وفعل ومن الفعل الإشارة كإشارته صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك أن يضع الشطر من دين له على ابن أبي حدرد ومن الأفعال الهم إذ هو فعل نفس كالكف عن الإنكار فإذا هم بفعل وعاق عنه عائق كان مطلوباً شرعاً لأنه لا يهم إلا بحق كما هم بتنكيس الرداء في الاستسقاء فثقل عليه فتركه فلذلك استحبه الشافعي ومالك عملاً بما في الأثر من أنه جعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين ودخول الهم في الأفعال يقتضي دخول غيره من الأفعال القلبية كالقصود بخلاف الاعتقادات والعلوم (فليس) أفعالاً على التحقيق بل هي انفعالات

وقال القرافي أن الهم خفي فلا يطلع عليه إلا بقول أو فعل فيكون الاستدلال بأحدهما فلا يحتاج إلى ذكره وأجيب بعدم تسليم الحصر في قوله فلا يطلع عليه إلا بقول أو فعل بل قد يطلع عليه بقرائن حالية والاستدلال حينئذ إنما هو به مع إن الإطلاع عليه بأحدهما والاستدلال بأحدهما لا يمنع كونه من أفراد السنة وصحة الاستدلال به نفسه فإن قيل يمكن الاقتصار على الأفعال لشمولها الأقوال لأنها أفعال اللسان كما أن الهم فعل القلب أجيب إنما ذكروها لئلا يتوهم خروجها لعدم تبادرها عرفا من الأفعال قوله وفي الفعل الخ يعني أن تقريره صلى الله عليه وسلم داخل في الأفعال دخول انحصار بحيث لا يخرج شيء منه عنها وتقريره أن يعلم أن أحدا فعل شيئا ولم ينكره عليه قوله كذي الحديث والخبر يعني أن الحديث والخبر كذا أي السنة في كون كل منهما هو المضاف إليه صلى الله عليه وسلم من صفة أو قول وفعل قال في الآيات البينات عند قول السبكي وهو أقوال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله ظاهره أن مسمى السنة المجموع المتناول السائر الأقوال والأفعال وغيرهما مما قرروه وهذا نظير ما قدمه من جعل مسمى القرآن المجموع الشامل لسائر أجزائه وظاهره أنها أيضا كالقرآن تطلق على المفهوم الكلي الصادق بكل قول أو فعل أو غيرهما والمراد بغيرهما مما قدروه يعني به الهم والإشارة إلا أنهما داخلان في الأفعال لا غير لها والأنبياء عصموا مما نهوا ... عنه ببناء الفعلين للمفعول العصمة بالكسر تخصيص القدرة بالطاعة فلا يخلق له قدرة على المعصية وهي واجبة لجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقد أجمع أهل الملل والشرائع كلها على وجوب

عصمتهم من تعمد الكذب فيما دل المعجز القاطع على صدقهم فيه كدعوى الرسالة وما يبلغونه عن الله تعالى الخلائق وصدور الكذب عنهم فيما ذكر سهوا أو نسيانا منعه الأكثرون وما سوى الكذب في التبليغ فإن كان كفرا فقد اجتمعت الأمة على عصمتهم من الكبائر عمدا ومخالف الجمهور الحشوية واختلف أهل الحق هل المانع لوقوع الكبائر منهم عمدا العقل أو السمع وأما المعتزلة فالعقل وأن كان سهوا فالمختار العصمة منها وأما الصغائر عمدا أو سهوا فقد جوزها الجمهور عقلا لكنها لا تقع منهم غير صغائر الخسة فلا يجوز وقوعها منهم لا عمدا ولا سهوا والمراد بالصدور المنفي في قول السبكي الأنبياء معصومون لا يصدر عنهم الخ الوقوع. فائدة قال القرافي النقائص مستحيلة على الله تعالى والمعاصي مستحيلة على الأنبياء وعلى الملائكة وعلى مجموع الأمة المحمدية وأفراد الأمة كل واحد منهم قد استحال منه صدور المعاصي التي لم يقدر عليها فاشترك الجميع في امتناع صدور النقائص منهم ولكل واحد من هذه المواطن ضابط فأما امتناع النقائص عليه تعالى فاجتمع فيه أمور أحدها أنه لذاته وجب له ذلك غير معلل بشيء وثانيها أنه لما كان كذلك علم الله تعالى ذلك فوجب ذلك لأجل العلم ولما علمه أخبر عنه فصار واجبا لأجل الخير وأما عصمة الأنبياء والملائكة عليهم السلام ومجموع الأمة فالاستحالة في حقهم والعصمة من باب واحد وهو أن معناها أخبار الله تعالى النفساني واللساني أي الوارد على السنة الأنبياء عن جعلهم كذلك واجتمع مع ذلك علم الله تعالى بذلك وإرادته له فاستحالة المعصية

عليهم وعصمتهم نشأت عن الأمور الأربعة وأما عصمة الصحابة وآحاد الأمة الذين لم يصدر عنهم معاص فلأمور العلم والإرادة والخبر النفساني لأنه من لوازم العلم وهو معنى قولهم كل عالم مخبر عن معلومة وليس في حقهم خبر لساني أي لم ينزل الله تعالى نصا في أن فلانا لا يصدر منه كذا من المعاصي، بتصرف فيه، قوله مما نهوا عنه يعني ولو كان النبي للتنزيه لندور صدور المكروه من الولي فضلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولظاهر حاله قال ابن رشد والمازري أن المكروه لا يصدر منهم أصلا وقائل ذلك يؤدب وقاله ابن شعبان: ولم يكن لهم تفكه بجائز بل ذاك للتشريع ... أو نية الزلفى من الرفيع يعني أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يفعلون جائزا للتفكه أي التلذذ والميل إلى الدنيا بل إنما يفعلونه تشريعا لاممهم أو يفعلونه بنية الزلفى أي القرب من الرفيع جل وعلا كالأكل والشرب بنية التقوى على العبادة وإذا كان الأولياء الكمل لا يفعلون مباحا إلا بنية تجعله قربة ولذلك كان الشاذلي يقول أو ذي وردى من النوم فالأنبياء أولى وأحرى بذلك فالصمت للنبي عن فعل علم ... به جواز الفعل منه قد فهم الصمت مبتدأ وجواز مبتدأ ثاني وجملة فهم بالتركيب خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول وعلم بالبناء للفاعل يعني إذا ثبتت العصمة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام علم أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم لا يقر أحدا مميزا ولو غير مكلف على باطل من فعل أو قول

أو اعتقاد لأن الباطل قبيح شرعا وأن صدر من غير المكلف ولا يجوز تمكين غير المكلف منه وإن لم يأثم به ولأنه يوهم من جهل حكم ذلك الفعل بل لا يبعد أن المكروه وخلاف الأولى كذلك قاله في الآيات البينات وإنما كان صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل كغيره من الأنبياء لوجوب تغيير المنكر عليهم مطلقا ويسقط عن غيرهم إذا خاف على نفسه، وإذا كان الأمر كذلك فإذا فعل أحد فعلا وعلم به النبي صلى الله عليه وسلم برؤية أو غيرها علم منه جواز ذلك الفعل في حق الفاعل وغيره لأن الأصل استواء الناس في الأحكام حتى تثبت الخصوصية هذا مذهب الجمهور وقال القاضي في حق الفاعل فقط إذ لا صيغة للسكوت حتى يعم وقالت المعتزلة إلا في حق من يغريه الإنكار ورد بأنه يجب الإنكار عليه ليزول توهم الإباحة وقال إمام الحرمين من الشافعية إلا في حق الكافر ولو منافقا بناء على عدم تكليفهم بالفروع وسكت عما إذا كان اعتقادا وقيل إلا في حق الكافر غير المنافق لأنه عليه الصلاة والسلام كان ينكر على المنافقين والجواز المدلول عليه بالسكوت يحتمل الإباحة والندب والوجوب وحمله بعضهم على الإباحة فقط: وربما يفعل للمكروه ... مبينا أنه للتنزيه فصار في جانبه من القرب ... كالنهي أن يشرب من فم القرب يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يفعل المكروه المنهي عنه مبينا بذلك الفعل أن المنهي للتنزيه لا للتحريم فصار ذلك الفعل في حقه قربة يثاب عليها لما فيه من البيان وذلك كنهيه عن الشرب من أفواه القرب بكسر القاف وقد شرب منها:

وفعله المركوز في الجبلة ... كالأكل والشرب فليس ملة من غير لمح الوصف الجبلة بكسرتين وتشديد اللام الخلقة والملة بكسر الميم الشريعة يعني أن ما كان من أفعاله صلى الله عليه وسلم مركوزا في الجبلة التي لا يخلو الإنسان عنها كالقيام والقعود والأكل والشرب لا يعد ذلك ملة أي شريعة نتأسى به فيها بل هو عند الباجي للإباحة في حقنا لأنها القدر المحقق والحرام والمكروه منتفيان عنه وقال بعض أصحابنا أنه للاستحباب في حقنا لاستحباب التأسي به ومحل كونه ليس ملة إنما هو مع قطع النظر إلى صفة ذلك الفعل أما مع النظر إليها فمندوب كما حكاه الباجي عن بعض أهل المذهب ونعني بصفته الحالة الواردة عنه عليه الصلاة والسلام في ذلك كالأكل باليمين. والأكل مما يليه والذي احتمل ... شرعا ففيه قل تردد حصل فالحج راكبا عليه يجري ... كضجعة بعد صلاة الفجر ما تقدم الجبلي المحض وما هنا الجبلي غير المحض أعني به المحتمل للجبلي والشرعي بأن كانت الجبلة تقتضيه في نفسها لكنه وقع متعلقا بعبادة بأن وقع فيها أو في وسيلتها كالركوب في الحج والذهاب إلى العيد بأن وقع فيها أو في وسيلتها كالركوب في الحج والذهاب إلى العيد في طريق والرجوع في أخرى والضجعة بين صلاة الفجر وصلاة الصبح على شقه الأيمن كان صلى الله عليه وسلم يضجعها ودخوله مكة من كداء بالفتح والمد وخروجه من كدى بالضم والقصر ونزوله بالمصحب وقع في ذلك ونحوه تردد أي خلاف ناشئ عن القولين في تعارض الأصل الذي هو عدم التكليف والظاهر الذي هو بعثه للتشريع

والركوب أفضل عندنا على معروف المذهب إلا في السعي والطواف فالمشي فيهما واجب وقال سند واللخمي أن المشي في الحج أفضل للمشقة وركوبه صلى الله عليه وسلم فيه جبلي ومعروف مذهبنا أن الضجعة للاستراحة لا للتشريع ويستحب عندنا الرجوع في طريق غير الأولى في العيد وكذا دخول مكة من كداء بالفتح والخروج من كدى بالضم والقصر وكذا النزول بالمصحب بعد الانصراف من منى والضمير المجرور بعلى راجع إلى التردد: وغيره وحكمه جلى ... فالاستوا فيه هو القوى (من غير تخصيص) يعني أن غير الجبلي من أفعاله صلى الله عليه وسلم والحال أن حكمه من وجوب ونذب وإباحة جلى أي معلوم فاستواء الأمة فيه معه قوى مشهور لأنه مذهب الجمهور وغيره ضعيف وقال ابن خلاد من المعتزلة أنها مثله فيه إذا كان عبادة فقط وقيل لا مطلقا ويكون كمجهول الصفة الآتي أما ما كان مختصا به صلى الله عليه وسلم كزيادة في النكاح على أربع نسوة ووجوب التهجد والوتر والضحى والأضحى بحضر إلى غير ذلك من خصائصه التي ذكرها الشيخ خليل في مختصره فلسنا متعبدين به على الوجه الذي تعبد هو به وإلا فقد تعبدنا به نحن على وجه آخر كالضحى والمشاورة فإنه تعبد بهما على وجه الوجوب وتعبدنا بهما نحن على وجه النذب قاله زكرياء والمراد إنا لسنا متعبدين به من حيث فعله بمعنى أن فعله لا يكون سببا لتعبدنا فلا ينافي تعلق التعبد به باعتبار غير الفعل كالقول ففعله للضحى على وجه الوجوب لم يؤثر في تعبدنا به لكنه أمرنا به بالقول فتعبدنا به باعتبار قوله لا باعتبار فعله الذي الكلام فيه. قاله في الآيات البينات

وبالنص يرى ... وبالبيان وامتثال ظهرا يرى بالبناء للمفعول نائبه ضمير الحكم وبالنص متعلق يرى وقوله بالبيان متعلق بظهر وقوله وامتثال معطوف على البيان تكلم في البيت قبل هذا على أن الفعل الغير الجبلي إذا علم حكمه تستوي فيه الأمة معه صلى الله عليه وسلم وتكلم هنا على ما تعرف به صفته أي حكمه فذكر أنه يعرف بالنص على حكمه كقوله مثلا: هذا واجب وبالبيان والامتثال الدال على وجوب أو ندب أو إباحة فيكون حكمه حكم المبين أو الممتثل صورة البيان أن لا تعلم صفة المأمور به فيفعله فتعلم صفته كقطعه للسارق من الكوع المبين لمحل القطع وصورة الامتثال أن يكون المأمور به معلوما فيأتي به لامتثال الأمر به كما لو تصدق بدرهم امتثالا لإيجاب التصدق به فعلم وجوبه من وقوعه امتثالا ومن فوائد استفادة الحكم من الامتثال مع استفادته من الأمر أيضا تأكيد ثبوت الحكم حيث استفيد من كل من الأمر والفعل ومنها دفع توهم توقف أجزاء المأمور به على بعض الوجوه. وللوجوب علم النداء ... كذاك قد وسم بالقضاء علم بالتحريك مبتدأ خبره للوجوب والعلم بمعنى العلامة وإضافته للنداء الذي هو الأذان بيانية أي العلامة التي هي النداء يعني أن الآذان يعلم به وجوب الصلاة لأنه ثبت بالاستقراء أن ما يؤذن لها واجبة بخلاف ما لا يؤذن لها كصلاة العيدين والاستسقاء فعدم الآذان يدل على عدم الوجوب إلا لدليل كما في النذر قوله كذلك قد وسم بالبناء للمفعول وتخفيف السين أي ميز وعرف

الوجوب بعلامة هي القضاء إلا الفجر قال خليل: "ولا يقضي غير فرض إلا هي فللزول" خلافا للشافعي القائل بوجوب قضاء العيدين وكل نافلة لها سبب. والترك أن جلب للتعزير ... وسم للاستقرا من البصير يعني أن ترك الشيء إذا كان ذلك الترك فيه تعزير أي عقوبة للتارك مما يدل على وجوب فعل ذلك الشيء قوله واسم بفتح فسكون معناه علامة على الوجوب لاستقراء أهل البصر والخبرة أحواله صلى الله عليه وسلم فلم يروه يعزر إلا على ترك واجب لأن تركه معصية قال خليل وعزر الإمام لمعصية الله تعالى والمعصية هي فعل الحرام أو ترك الواجب. وما تمحض لقصد القرب ... عن قيد الإيجاب فيسمي الندب ما من قوله وما تمحض مصدرية يعني أن تمحض الفعل لقصد التقرب به إلى الله تعالى هو علامة تخص الندب عن غيره من الأحكام بأن تدل قرينة على قصد القربة بذلك الفعل مجردا عن قيد الوجوب بأن ينتفي دليل الوجوب وقرينته إذ لا يخفى أن جعل مجرد قصد القربة إمارة هو من حيث كونه مدلول القرينة وإلا فقصد القربة أمر باطن لا إطلاع عليه قاله المحشي والمتمحض لقصد القربة يكون صلاة أو صوما أو ذكرا أو غير ذلك من التطوعات. وكل ما الصفة فيه تجهل ... فللوجوب في الأصح يجعل تجهل ويجعل بالبناء للمفعول يعني أن ما كان من أفعاله صلى الله عليه وسلم مجهول الصفة أي مجهول الحكم فإنه يحمل على

الوجوب لأنه الأحوط وأبعد من لحوق الإثم إذ على احتمال الندب والإباحة لا يقتضي ترك الفعل إثما وعلى احتمال الوجوب يقتضي الترك الإثم ونعني أنه للوجوب في حقه صلى الله عليه وسلم وحقنا وكونه للوجوب هو الأصح وهو الذي ذهب إليه الإمام مالك والأبهري وابن القصار وبعض الشافعية وأكثر أصحابنا وبعض الحنفية وبعض الحنابلة وقد تعقب كونه للوجوب بمنع كونه موضع احتياط إذ الاحتياط إنما يشرع حيث تقدم وجوب كما في الصلاة المنسية من الخمس إذ لم يعلم عينها أو كان ثبوته هو الأصل كوجوب صوم اليوم الموفى الثلاثين إذا لم ير هلال شوال لأن الأصل بقاء رمضان وأما ماحتمل غير ذلك ولا وجوب ولا أصل فيه فليس موضع احتياط كصوم يوم الشك في هلال رمضان وللقول بالوجوب أدلة متعددة أوردها ابن الحاجب منها قوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه) أي ما دلكم عليه بالقول والفعل فاقبلوه ومنها قوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). وقيل مع قصد التقرب وإن ... فقد فهو بالإباحة قمن بكسر الميم وفتحها بمعنى حقيق يعني أن الباجي قال أن فعله صلى الله عليه وسلم الذي جهلت صفته يحمل على الوجوب أن ظهر قصد القربة وإن لم يظهر فهو للإباحة وذكر حلولوا عن بعض أصحابنا أنه أن ظهر قصد القربة فللنذب وإلا فللاباحة والقول الأول القائل بالوجوب وسواء عنده ظهر قصد القربة أم لا ومجامعة قصد القربة للوجوب يريدون به هنا قصد القربة بيان الفعل للأمة لا قصد القربة بنفس الفعل فإن ذلك من أمارات الندب كما تقدم قوله فهو بالإباحة أي لأن الأصل عدم الطلب وإنما دلت الآية

على حسن التأسي والمباح حسن شرعا وقد قرر السبكي في شرح المناهج أن الآية تدل لوجوب ولا ندب ولا إباحة (وقد روى عن مالك الأخير) بسكون ياء روى وعدم تنوين مالك للوزن يعني أن إمام الحرمين والأموي رويا عن إمامنا مالك رحمه الله تعالى إن مجهول الصفة يحمل على الإباحة (والوقف للقاضي نمى البصير) يعني أن البصير بعزو الأقوال إلى أهلها نمى ونسب التوقف عن القول بواحد من الأقوال المتقدمة إلى القاضي أبي بكر الباقلاني منا وجعلهم الوقف قولا بناء على أن الشك حكم والقول بالوقف محكي عن بعض الشافعية أيضا والناسخ الأخير أن تقابلا ... فعل وقول متكررا جلا الألف في تقابلا ألف الإطلاق ومتكررا حال من ضمير القول المستتر في جلا بمعنى ظهر يعني أن الناسخ في حقه صلى الله عليه وسلم هو المتأخر من القول والفعل عند تقابلهما أي تخالفهما إذا كان القول متكررا أي دل دليل على تكرر مدلوله والقول خاص به كان يقول يجب على صوم يوم عاشوراء ي كل سنة، وأفطر فيه وكون الناسخ هو المتأخر ظاهر في تأخر الفعل، وكذا في تقدمه لدلالة الفعل على الجواز المستمر، فإن لم يدل دليل على تكرر مقتضى القول فلا نسخ في تأخر الفعل دون تقدمه فإن القول يكون ناسخا له، لما تقدم من دلالة الفعل على الجواز المستمر، وقال العضد: إن دلالة الفعل لا عموم فيها، وغاية ما فيها إطلاق، فإن جهل المتأخر منهما فهو المذكور في قوله: والرأي عند جهله ذو خلف ... بين مرجح ورأى الوقف

يعني أن رأى الأصوليين عند جهل المتقدم من القول والفعل مختلف فمنهم من يرجح القول لأنه أقوى دلالة من الفعل لوضعه لها والفعل إنما يدل بقرينة لأن له محامل فلابد من أمر يعين بعضها ولأنه أعم دلالة من الفعل إذ يعم الموجود والمعدوم والمعقول والمحسوس بخلاف الفعل فإنه يختص بالموجود المحسوس ولأن دلالة الفعل متفق عليها ودلالة الفعل مختلف فيها، والمتفق عليه أولى بالاعتبار وقيل يرجح الفعل لأنه أقوى في البيان بدليل أنه يبين به القول وقيل بالوقف عن ترجيح واحد منهما، على الآخر في حقه لاستوائهما في احتمال تقدم كل منهما على الآخر ولا تعارض في حقنا حيث دل دليل على تأسينا به في الفعل لعدم تناول القول لنا قوله: مرجح بكسر الجيم. والقول أن خص بنا تعارضا ... فينا فقط والناسخ الذي مضى أن بالتأسي أذن الدليل ... والجهل فيه ذلك التفصيل يعني أن القول والفعل يتعارضان في حقنا دونه صلى الله عليه وسلم إذا كان القول خاصا بنا كان قال يجب عليكم صوم عاشوراء في كل سنة وأفطر فيه في سنة بعد القول، أو قبله، وإذا تعارضا في حقنا فالناسخ هو الذي مضى أي تقدم ذكره وهو المتأخر إذا علم وتعارضهما في حقنا مشروط بأن يدل دليل على وجوب تأسينا أي اقتدائنا به في الفعل فلا معارضة بينهما في حقنا، والتعارض بين شيئين هو تقابلهما على وجه يمنع كل منهما مقتضى الآخر أو بعض مقتضاه، قوله: والجهل الخ يعني أنه إذا جهل المتأخر منهما كان فيه التفصيل المتقدم من ترجيح بعض القول وبعض للفعل وذهاب بعض إلى الوقف وإن يعم غيره والاقتدا ... به له نص فما قبل بدا

فاعل يعم ضمير القول وغير مفعوله والجواب جملة ما قبل بدا وجملة الاقتدا به الخ معترضة يعني أن القول إذا عمه صلى الله عليه وسلم مع غيره فالحاصل هو ما ذكر قبل من نسخ المتأخر للمتقدم إذا علم ومن الخلاف عند جهله في حقنا بشرط أن يدل نص أي دليل على اقتدائنا به في ذلك الفعل مثاله أن يقول يجب على وعليكم صوم عاشوراء في كل سنة وأفطر فيه في سنة وإن لم يدل دليل على وجوب تاسينا به في الفعل فلا معارضة في حقنا والمعارضة في حقه ثابتة مطلقا. في حقه القول بفعل خصا ... أن يك فيه القول ليس نصا يعني أن الفعل يخصص القول في حقه أن يكن القول العام فيه ظاهرا فيه لا نصا كان قال يجب على كل أحد صوم عاشوراء وأفطر فيه في سنة تقدم الفعل أو تأخر وجهل التاريخ ولا نسخ حينئذ لأن التخصيص أهون منه لما فيه من أعمال الدليلين لأنه رفع للبغض والنسخ رفع للجميع فهو دونه في مخالفته أصل استصحاب حكم العام قولنا ولا نسخ حينئذ قيده المحشي بقوله إلا أن يكون العام سابقا وقد دخل وقته ثم جاء الفعل المخالف له أهـ. ولم يكن تعارض الأفعال ... في كل حالة من الأحوال يعني أن ابن الحاجب والرهوني وغيرهما صرحوا بأن لا تعارض بين الفعل والفعل في كل حالة من الحالات أي تماثل الفعلان أو اختلفا أمكن الجمع بينهما أولا إذ الفعل لا يقع في الخارج إلا شخصيا لا كليا حتى ينافي فعلا آخر فجائز أن يقع الفعل واجبا في وقت وفي وقت آخر بخلافه ومثله للعضد حيث قال أن دلالة الفعل لا عموم فيها

وغاية ما فيها إطلاق وما ذكره المحلى من دلالة الفعل على الجواز المستمر دون القول مخالف لما تقدم ومخالف لما قيد به السبكي في غير جمع الجوامع معارضة الفعل للقول فيما إذا كان الفعل متقدما بأن يدل دليل على تكرار الفعل بخلاف ما إذا كان متأخرا فإنه وإن لم يدل دليل على تكراره ينسخ عموم القول المتقدم وأيضا دلالة الفعل على الجواز المستمر ليست وضعية وبحث في قول المحلى لدلالة الفعل على الجواز المستمر بأنه لم دل ذلك عليه ولم يدل عليه القول مع إن كلا منهما ليس فيه صيغة عموم وعلى أن الفعل يدل على الجواز المستمر يحتمل جواز تعارض الفعلين أخذا بظاهر هذا الكلام ويحتمل خلافه قاله في الآيات البينات. وإن يك القول بحكم لامعا ... فآخر الفعلين كان رافعا قوله بحكم يتعلق بقوله لامعا أي واردا بثبوت الحكم يعني أن ما ذكر من عدم تعارض الفعلين إنما هو إذا لم يقترن بالفعلين قول يدل على ثبوت الحكم وإلا كان آخر الفعلين رافعا للأول أي ناسخا له على ما صححه الابياري كقوله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي" ورأوه صلى صلاة الخوف على صفات متعددة وهي سبعة فالحالة الأخيرة ناسخة لما قبلها (والكل عند بعضهم صحيح) هذا قول ثان في المسألة يعني أنه يصح الكل أي الإيقاع على كل وجه من تلك الوجوه عند بعضهم الذي هو القاضي وللشافعي ميل إليه وعليه يجوز أن تصلى صلاة الخوف على كل من تلك الصفات السبع ويجوز قبض اليدين في الفريضة وإرسالهما (ومالك عنه روى الترجيح) بإسكان ياء روى يعني إن مالكا والشافعي مثله قال يطلب الترجيح بين تلك الأفعال فيقدم ما هو أقرب لهيئة الصلاة ومن

الترجيح كون أحد الفعلين أقرب للعبودية والخشوع كوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة لكن مالكا رجح إرسالهما لما فيه من تقلييل الأفعال. وحيثما قد عدم المصير ... إليه فالأولى هو التخيير بضم عين عدم يعني إنه إذا عدم المصير إلى الترجيح بأن لم يوجد مرجح لأحد الفعلين على الآخر فالأولى والأفضل هو التخيير بين الفعلين فافعل أيهما شئت فإن ذلك خير من التعطيل وإلغاء العمل بواحد منهما. ولم يكن مكلفا بشرع ... صلى عليه الله قبل الوضع يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس مكلفا بفتح اللام بشرع من قبله من الأنبياء قبل الوضع أي نزول الوحي إليه عند مالك وأصحابه واختلف في النفي هل هو بالنقل أو بالعقل. وهو والأمة بعد كلفا ... إلا إذا التكليف بالنص انتفى يعني أنه هو وأمته مكلفون بعد نزول الوحي إليه بشرع من قبله عند مالك وجمهور أصحابه وأصحاب الشافعي وأبي حنيفة ما لم يرد دليل على عدم التكليف به فلا تكليف (وقيل لا) يعني أن بعضهم ذهب إلى عدم تكليفه هو وأمته بشرع من قبلهم بعد نزول الوحي فمشهور المذهب كما في المنتقى للباجي أن شرع من قبلنا شرع لنا والمشهور عند الشافعية أنه ليس شرعا لنا وهو اختيار السبكي.

والخلف فيما شرعا ... ولم يكن ذاع إليه سمعا ببناء شرع وسمع للمفعول يعني أن اختلافهم في شرع من قبلنا هل هو شرع لنا إنما هو فيما ثبت في شرعنا إنه شرع للأنبياء قبلنا ولم يكن داع إليه أي الأمر بالاقتداء بهم فيه مسموع ووارد في شرعنا أما ما لم يعلم أنه شرع للأنبياء إلا بقول أممهم فليس شرعا إنا اتفاقا وكذا لا اختلاف فيما أمرنا به في شرعنا كمدلول قوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها إن النفس بالنفس) الآية، لقوله صلى الله عليه وسلم لأنس كتاب الله القصاص فإن ذلك شرع لنا اتفاقا. والخلاف في مثل: ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) هل يستدل به على جواز الضمان والمشهور عندنا الجواز وهذه المسألة ذكرها السبكي ولفظه اختلف هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم متعبدا قبل النبوءة بشرع واختلف المثبت فقيل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وما ثبت أنه شرع أقوال إلى أن قال وبعد النبوءة المنع. ومفهم الباطل من كل خبر ... في الوضع أو نقص من الراوي انحصر يعني أن كل خبر عنه صلى الله عليه وسلم أفهم الباطل ولم يقبل التأويل فهو إما موضوع أو نقص منه من جهة راوية لفظ يزيل الباطل فمن الأول ما روى أن الله تعالى خلق نفسه فإنه يوهم حدوثه وقد دل العقل القاطع على استحالته عليه تعالى.

ومن الثاني ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام فقال أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقي ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد قال ابن عمر فوهل الناس في مقالته بفتح الهاء أي غلطوا حيث لم يسمعوا لفظه اليوم فظنوا انقراض جميع الناس على رأس مائة سنة ويوافقه في إثبات لفظة اليوم حديث مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: "لا يأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم" ومعنى منفوسة مولودة احترز به عن الملائكة وعن إبليس دون ذريته فإنها مولودة على الصحيح ويجاب عن الخضر وإلياس عليهما الصلاة والسلام بأن المراد من كان ظاهرا مثلكم ويتصرف تصرفكم. والوضع للنسيان والترهيب ... والغلط التنفير والترغيب يعني أن سبب الوضع للحديث بأن يكذب به على النبي صلى الله عليه وسلم يكون لأجل النسيان من الراوي لما رواه فيذكر غيره ظانا إنه المروي ويكون لأجل الترهيب عن المعصية والترغيب في الطاعة فقد وضعت الكرامية في ذلك أحاديث كثيرة ويكون لأجل الغلط من الراوي بأن يسبق لسانه إلى غير ما رواه أو يضع مكانه ما يظن أنه يؤدي معناه ويكون لأجل التنفير كوضع الزنادقة أحاديث تخالف المعقول لتنفير العقلاء عن شريعته المطهرة ومنه ما وضعته الباطنية في دخائل القرآن لكي يخبر بها ضعيف الإيمان فلا يحد تلك المنفعة فيسوء ظنه بصدق القرآن وذلك كفر، قوله: التنفير هو بحذف العاطف وهو أولى من قول السبكي أو افتراء لأن

الافتراء قسم من الوضع لا سبب له والكلام في أسبابه وقد يكون الوضع لغير ما ذكر فقد كان جماعة يضعون القصص المستغربة يتوصلون بذكرها أو كتابتها إلى أخذ شيء من الدنيا يعدون ذلك ارتزاقا قاله المحشي: وبعد أن بعث خير العرب ... دعوى النبوءة أمها للكذب يعني أن من الأخبار ما هو مقطوع بكذبه كادعاء النبوءة أو الرسالة بعد بعثته صلى الله عليه وسلم من غير أن يطالب بدليل لثبوت القاطع الذي هو الإجماع على أنه خاتم النبيين ولنص القرآن قال تعالى: "ولكن رسول الله وخاتم النبيين" وأما قبل نزول الآية فلا يقطع بكذب مدعيها إلا إذا لم يأت بمعجزة دالة على صدقه أو بخبر صادق أنه نبي أو رسول وما انتفى وجوده من نص ... عند ذوى الحديث بعد الفحص ما من قوله ما انتفى معطوف على الضمير مفعول إنم أي إنم للكذب كل نص أي حديث لم يوجد في بطون الكتب ولا في صدور الرجال بعد الفحص بفتح فسكون أي بحث رجال الحديث عنه وتفتيشهم لقضاء العادة بكذب ناقله وقيل لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدق ناقله وهذا بعد تدوين الأحاديث أما قبل ذلك كما في عصر الصحابة فيجوز أن يروي أحدهم ما ليس عند غيره (وبعض ما ينسب للنبي) بنصب بعض عطفا على مفعول انم أي أنسب بعض الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم للكذب قطعا أي لم يقلها لأنه روى أنه قال سيكذب على فإن قال ذلك فلابد من وقوعه وإلا فقد كذب عليه به وهذا حديث لا يعرف له إسناد ولهذا اشترط

الرواة العدالة وأسقطوا أحاديث كثيرة تنسب إليه صلى الله عليه وسلم ولولا أن بعضها مكذوب به لما حسن ذلك التحرز والتثبت قال السبكي فإن قلت لا يلزم وقوع الكذب في الماضي الذي هو المدعى لأنه قال سيكذب على بصيغة المضارع فيجوز أن يقع في المستقبل قلت السين الداخلة على يكذب وأن دلت على استقبال فإنما تدل على استقبال قليل بخلاف سوق كما نصوا عليه وقد حصل هذا الاستقبال القليل بزيادة هـ، قال في الآيات البينات ومراده بالماضي في قوله لا يلزم وقوع الكذب في الماضي ما تقدم على زمن المصنف يعني السبكي الذي هو زمن قطعه بكذب بعض المنسوب إليه صلى الله عليه وسلم وبالمستقبل في قوله فيجوز أن يقع في المستقبل ما تأخر عن زمن ذلك الخبر الصادق بأن يكون قرب الساعة هـ وخبر الاحاد في السنى حيث دواعى نقله تواترا ... نرى لها لو قاله تقررا بنصب خبر عطفا على الضمير مفعول أنم ودواعي مبتدأ وتواترا تمييز، وجملة: نرى لها تقررا أي حصولا وثبوتا خبر المبتدأ وقوله لو قاله معترض أي أنم للكذب الخبر المنقول بالآحاد إذا كانت الأمور الدواعي أي الحاملة على نقله تواترا موجودة على تقدير أخباره له كسقوط الخطيب عن المنبر يوم الجمعة ولم يخبر به إلا واحد فإنه مقطوع بكذبه لمخالفته للعادة وبهذا يثبت عندنا أن القرآن لم يأت أحد بمثله إذ لو كان لنقل إلينا تواترا مع أنه لم ينقل آحادا فضلا عن التواتر خلافا للرافضة في قولهم لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدقه وقد قالوا بصدق ما رووه منه في إمامة علي رضي

الله تعالى عنه نحو أنت الخليفة من بعدي مشبهين له بما لم يتواتر من المعجزات كجنين الجذع وتسبيح الحصى وتسليم الحجر واجبت بأنها كانت متواترة واستغنى عن تواترها إلى الآن بتواتر القرآن الذي وقع التحدي به بخلاف ما يذكر في إمامة علي فإنه لو كان ما خفي على الصحابة الذين بايعوا أبا بكر رضي الله تعالى عنه والأمور التي تحمل على نقله تواترا كونه غربيا أو مهما في الدين كوجوب الصلاة والصيام والزكاة وتحريم الخمر وكالإمامة. واقطع بصدق خبر التواتر وسو بين مسلم وكار واللفظ والمعنى يعني أن من الأخبار ما هو مقطوع بصدقه كالخبر المتواتر والتواتر لغة مجيء الواحد بعد الواحد بفترة بينهما ومن ذلك قوله تعالى: (ثم أرسلنا رسلنا تترا) أي واحدا بعد واحد بفترة، وقال بعضهم: مشتق من الوتر والوتر قد يتوالى وقد يتباعد واصطلاحا سيأتي بعد هذا البيت والقطع بصدق المتواتر ضروري لا نظري خلافا لإمام الحرمين والغزالي من الشافعية ولا فرق بين كون المخبرين مسلمين أو كفارا أو فاسقين أو صالحين وقيل يشترط الإسلام وقيل تشترط العدالة وكذا لا فرق بين التواتر اللفظي والمعنوي فإن اتفق الجمع الآتي ذكره في اللفظ والمعنى فهو اللفظي وإن اختلفوا فيهما مع وجود معنى كلي فهو المعنوي كما إذا أخبر واحد عن حاتم أنه أعطى دينارا وآخر أنه أعطى فرسا وآخر أنه أعطى بعيرا وهكذا فقد اتفقوا على معنى كلي هو الإعطاء وحجة الجمهور القائلين أن العلم الحاصل من الخبر المتواتر ضروري هي إنا نجد ذلك

العلم حاصلا من الصبيان والبله وممن ليس له أهلية نظر ولو كان نظريا لما حصل إلا ممن له أهلية النظر وذاك خبر ... من عادة كذبهم منحظر ... عن نمير معقول عادة منصوب على الظرفية وجملة كذبهم منحظر صلة من وقوله عن غير معقول متعلق بخبر يعني أن المتواتر هو خبر جمع يمتنع عادة تواطؤهم أي توافقهم على الكذب إذا كان خبرهم عن غير معقول ومن قال يمتنع عقلا مراده أن العقل لا يجوز من حيث الإسناد إلى العادة تواطؤهم وإلا فالتجويز للعقلي دون نظر إلى العادة لا يرتفع وإن بلغ العدد ما بلغ قاله المحشي ويشمل غير المعقول المحسوس بإحدى الحواس الظاهرة وهي خمس ويشمل الوجداني وهو ما كان مدركا بالحس الباطن فقولنا عن غير معقول هو بمعنى قولهم عن محسوس أعنى ولو بواسطة فيشمل متعدد الطباق أيضا فإنه يصدق عليه باعتبار ما يعد الطبقة الأولى أنه محسوس بواسطة الطبقة الأولى وقولهم عن محسوس احترزوا به عن المعقول لأن العقلي قد يشتبه على الجمع الكثير كحدوث العالم على الفلاسفة. وأوجب العدد ... من غير تحديد على ما يعتمد يعني أنه لابد في المتواتر من تعدد نقلته من غير تحديد بعدد معين بل المعتبر ما حصل به العلم على المعتمد وهو مذهب الجمهور قال الابياري جميع الأخبار إنما يعلم صدقها بأمر زائد على الخبر إلا المتواتر فإنه يحصل العلم بصدقه وإن لم يقترن به أمر آخر بناء على اطراد العادة هـ

وقيل بالعشرين أو بأكثرا ... أو بثلاثين أو اثني عشرا يعني أن ابن القاسم قال باعتبار العشرين في عدد التواتر فلا يكفي أقل من ذلك لأن الله تبارك وتعالى قال (أن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) فيتوقف بعث العشرين لمائتين على إخبارهم بصبرهم فكونهم على هذا العدد لبس إلا لأنه أقل ما يعيد العلم المطلوب في مثل ذلك قوله أو بأكثر يعني أن سحنون قال في عدد التواتر لابد أن يكون أكثر من عشرين فلا يكفي العشرون عنده قوله أو بثلاثين هو قول ابن أبي زيد لا يكفي عنده أقل منها قوله أو اثني عشرا يعني أن بعض أهل المذهب قال لابد في عدده من اثني عشر عدد نقباء موسى عليه الصلاة والسلام لا يكفي أقل منه قال أهل التفسير في قوله تعالى (وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا) بعثوا للكنعانيين بالشام طليعة لبني إسرائيل المأمورين بجهادهم ليخبروهم بحالهم الذي لا يرهب فكونهم على هذا العدد ليس إلا لأنه أقل ما يفيد العلم المطلوب في مثل ذلك قولهم بحالهم الذي لا يرهب يعني وأمرهم بكتم ما يرهب من أحوالهم عن قومهم فرأوا أجراسا عظيمة وبأسا شديدا فهابوا ورجعوا وحدثوا قومهم ونكثوا الميثاق إلا اثنين وبقيت أقوال أخر في عدد التواتر لم أذكرها في النظم لأني لم أراها معزوة لأهل المذهب كما هو عادتي في هذا النظم. إلغاء الأربعة فيه راجح ... وما عليها زاد فهو صالح يعني أن إلغاء الأربعة في عدد التواتر هو الراجح فليست عدد تواتر عند القاضي والسبكي لجزمهما باحتياجهم

إلى التزكية إذا شهدوا بالزنا ولا فائدة في تزكية ما علم ضرورة وما زاد على الأربعة عندهما فهو صالح لأن يكفي في عدد التواتر من غير اعتبار عدد معين وبحث فيه صاحب الآيات البينات باقتضائه عدم صلاح الأئمة الأربعة بل الخلفاء الأربعة وصلاحية خمسة ممن لم يعرف بالفسق من عوام زماننا ولا يخفى ما فيه وقضية المعنى عكسه اللهم إلا أن يراد عدم كفاية الأربعة من حيث مجرد الكثرة لا مطلقا فلا ينافي أن نحو الخلفاء الأربعة تكفي باعتبار أحوالهم هـ. وأوجبن في طبقات السند ... تواترا وفقا لدى التعدد يعني أن أهل خبر التواتر أن كانوا طبقة واحدة فالأمر واضح وإن كانوا أكثر من واحدة أشترط في كل طبقة شروط التواتر من كونه خبر جمع يمتنع تواطؤهم على الكذب إلى أن يصل إلى المخبرين به ليفيد خبرهم العلم كنقل القرآن العظيم بخلاف ما إذا لم يكونوا كذلك في غير الطبقة الأولى فلا يفيد خبرهم العلم ومن هنا يعلم أن المتواتر في الطبقة الأولى قد يكون آحادا فيما بعدها والصحيح أن العلم الحاصل من المتواتر لكثرة العدد متفق للسامعين فيحصل لكل منهم وللقرائن قد يختلف فيحصل لزيد دون عمرو ولا يفيد القطع ما يوافق ... الإجماع والبعض يقطع ينطق ما فاعل يفيد ويوافق مبني للفاعل والإجماع مفعوله وينطق بكسر الطاء يعني إن الإجماع على معنى موافق لمعنى خبر لا يدل على صدق معنى ذلك الخبر أي كونه صلى الله عليه وسلم قاله هذا هو الصحيح من ثلاثة أقوال قوله والبعض الخ يعني

أن بعضهم نطق أي صرح بأن ذلك يدل على صدق ذلك الخبر لأن الظاهر استنادهم إليه حيث لم يصرحوا بذلك لعدم ظهور مستند غيره ووجه دلالة استنادهم إليه على صدقه أنه لو لم يكن حينئذ صدقا بأن كان كذبا لكان استنادهم إليه خطئا وهم معصومون منه وأجبت بأن عصمة الأمة من الخطأ محمولة عند الأصوليين على عصمتهم من الخطأ الذي هو كون الظن أمرا باطلا لا يصح إتباعه بأن يستند ذلك الظن إلى ما لا يجوز الاستناد إليه بمعنى لا تجتمع أمتي على ضلالة إن اجتماع ظنونهم على شيء لا يكون إلا حقا لأنه المأمور بإتباعه قال في الآيات البينات خلافا لابن الصلاح ومن وافقه في حملها على عدم مخالفة الواقع أي مخالفة ما هو الحكم في نفس الأمر والأول يقول لا يلزم من الإجماع على حكم مطابقة حكم الله في نفس الأمر اللازم منه مطابقة حكم الله ولو باعتبار ظنهم. وبعضهم يفيد حيث عولا ... عليه هذا هو القول الثالث يعني أن بعضهم ذهب إلى التفصيل فقال أن ذلك الإجماع يدل على صدق ذلك الخبر أي القطع بأنه صلى الله عليه وسلم قاله حيث عول أي اعتمد الإجماع على ذلك الخبر بأن صرح المجمعون بالاستناد إليه ولا فلا يدل لجواز استنادهم إلى غيره مما استنبطوه من القرآن ولو كان مصرحا به في القرآن لا يكون الظاهر حينئذ استنادهم إلى الخبر بل للقرآن أو للظاهر وأنفه إذا ما قد خلا ... مع دواعي رده من مبطل كما يدل لخلافة على هذا مما لا يدل على صدق الخبر أي أنف القطع بصدق الخبر في هذه المسألة وهي أن يسلم الخبر من

إبطال مع توافر أي كثرة الأمور الدواعي أي الحاملة على رده أي إبطاله فكون ذوى الدواعي لم يبطلوه مع سماعهم له آحادا لا يدل على صدقه خلافا للزيدية في قولهم يل عليه للاتفاق على قبوله وأجبت بأن الاتفاق على قبوله إنما يدل على ظنهم صدقه ولا يلزم من ذلك صدقه في نفس الأمر لأن الضلال الذي لا يجتمعون عليه كما تقدم الأمر الذي لا يسوغ لهم إتباعه بأن يكون ظنهم أمرا باطلا وكل ما ظنوه ظنا صحيحا بأن بذلوا الوسع في الاجتهاد كان أمرا حقا لا باطلا مثاله قوله صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله تعالى وجهه (انعت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) فإن دواعي بني أمية من بغض وحسد وغيرهما وقد سمعوه متوفرة على إبطاله لدلالته على خلافة على كخلافة هارون عن موسى بقوله اخلفني في قومي وإن مات قبله ولم يبطلوه وكذا قوله صلى الله عليه وسلم (من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) كالافتراق بين ذي تأول ... وعامل به على المعول يعني أن افتراق العلماء في حديث إلى مؤول له ومحتج به لا يدل على صدقه على القول المعول عليه لأنه مذهب الأكثر خلافا لقوم في قولهم يدل على صدقه للاتفاق على قبوله وذلك لأن الاحتجاج به يستلزم قبوله وكذا تأويله يستلزم ذلك وإلا لم يحتج إلى تأويله قال في الآيات البينات نعم قد يقال: قد يكون التأويل على تقدير الصحة كما يقع لهم كثيرا يمنعون الصحة ثم يقولون على تسليم صحته فهو محمول على كذا إلا أن يقال التأويل من غير تصريح بتقدير التسليم لا يكون عادة إلا مع اعتقاد الصحة هـ.

ومذهب الجمهور بصدق مخبر ... مع صمت جمع لم يخفه حاضر يعني أن الذي اختاره ابن الحاجب وهو مذهب الجمهور صدق مخبر عن محسوس صدقا قطعيا إذا كان ذلك الإخبار بحضرة جمع عدد التواتر وهو مما لا يخفي عليهم عادة ولم يخف ذلك الجمع من ذلك المخبر ولم يرجه ولم يكن نحو ذلك مما يحمل على السكوت وهم سامعون لا يكذبونه لا من تواطئهم على الكذب وقيل يفيده ظنا لجواز أن يسكتوا لا لشيء فإن كان مما يحتمل أن لا يعلموه مثل خبر غريب لا يقف عليه إلا الإفراد لم يدل سكوتهم على صدقه. وموجع من النبي سمعا ... يفيد ظنا أو يفيد قطعا وليس حامل على الإقرار ... ثم مع الصمت عن الإنكار مودع بفتح الدال مبتدأ ونائب الفاعل ضمير الخبر وسمعا مفعول ثان ومن النبي متعلق به وجملة يفيد خبر يعني أن المخبر إذا كان بمكان يسمع منه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الخبر ولا حامل للنبي على التقرير ولا للمخبر على الكذب وصمت عن الإنكار عليه أفاد كونه كذلك صدق ذلك الخبر ظنا كما اختاره ابن الحاجب دينيا كان أو دنيويا وقال المتأخرون يفيده قطعا وذكر القولين هكذا حلولوا أما مع وجود الحامل على الكذب فلا يدل على صدقه أصلا كما إذا كان كذبا غير محرم كما يدفع به عن نفس معصوم أو ماله وكذا مع وجود الحامل على التقرير أي عدم الإنكار على المخبر المذكور ككونه ما سمعه لذهوله عنه باشتغاله بأهم منه أو ما فهمه لخلل في دلالة خبر المخبر وككذب

المخبر خوفاً من القتل إن كان بحيث إن لم يكذب قتل وكان إذا أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قتل وكان محترما ولم يكن يمكنه الدفع عنه ومثال ما إذا وجد حامل على الكذب والتقرير معا ما إذا كان المخبر ممن يعاند النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينفعه فيه الإنكار قال في الآيات البينات لا يلزم من انتفاء الحامل على الإقرار انتفاء الحامل على الكذب ولا من انتفاء الحامل على الكذب كأن يكون عبثا انتفاء الحامل على الإقرار بل قد يجامع انتفاء الحامل على الكذب وجود الحامل على الإقرار كما أن الحامل على أحدهما قد يجامع الحامل على الآخر وقد لا، وفيه ما لفظه يمكن أن يقال لا فائدة لهذه المسألة أي لا يتصور حصول العلم بالصدق لأحد لتوقفه على العلم بانتفاء كل حامل على التقرير ولا يتصور العلم بذلك لأن الحوامل لا تنحصر وقد يخفي الحامل وقد يشتبه الحامل فيه فيظن ما ليس بحامل حاملا وما هو حامل غير حامل وخبر الواحد مظنون عرى ... عن القيود فالذي تواترا يعني أن خبر الواحد مضنون صدقه ثم استأنف تعريفه بقوله عرى أي هو خبر عار عن قيود المتواترة التي هي خبر جمع الخ فإن كان خبر واحد أو جمع لا يمتنع تواطؤهم على الكذب كالاثنين بناء على أنه جمع والثلاثة والأربعة أو أكثر إذا لم يحصل العلم أو جمع يمتنع تواطؤهم على الكذب لكن على غير محسوس. فخبر الواحد هو ما لم ينته إلى حد التواتر فهو في ذاته مظنون الصدق وذلك لا ينافي أنه قد يفيد العلم بواسطة أمر خارج عنه والمستفيض منه وهو أربعة ... أقله وبعضهم قد رفعه عن واحد وبعضهم عما يلي ... وجعله واسطة قول جلي

يعني أن المستفيض من خبر الواحد فخبر الواحد منه مستفيض ومنه غيره والمستفيض عند ابن الحاجب ما زاد نقلته على ثلاثة وبعضهم قد رفعه عن واحد أي أقله اثنان وبعضهم رفعه عما يلي الواحد الذي هو الاثنان فأقله عنده ثلاثة وبعضهم جعل المستفيض واسطة بين المتواتر وخبر الآحاد فخبر الواحد ما أفاد الظن والمتواتر ما أفاد العلم الضروري والمستفيض ما أفاد العلم النظري قال الفهري ومثلوه بما تلقته الأمة بالقبول وعملت بمقتضاه كقوله صلى الله عليه وسلم في الرقة ربع العشر ولا تنكح المرأة على عمتها وخالتها وجعل المستفيض واسطة هو الذي عليه شرح عمليات فاس ولا تشترط فيه العدالة لأن الاعتماد فيه على القرائن لا عليها وقال ابن عبد السلام والتوضيح أن الخبر المستفيض هو المحصل للعلم أو الظن القريب منه وإن لم يبلغ عدد التواتر وقال ابن عبد الحكم المستفيض هو الخبر الحاصل ممن لم يكن تواطؤهم على باطل وهذا هو المتواتر المحصل للعلم واقتصر عليه ابن عرفة والأبي والمواق وهذا التفسير أخص وتفسير ابن عبد السلام أعم منه وفسر السبكي المستفيض بأنه الشائع عن أصل أي إسناد فخرج الشائع لا عن أصل ولا يفيد العلم بالإطلاق ... عند الجماهير من الحذاق يعني أن خبر الآحاد لا يفيد العلم ولو عدلا مطلقا أي احتفت به قرينة أم لا عند جمهور الحذاق أي الأصوليين. (وبعضهم يفيد أن عدل روى) عدل فاعل فعل محذوف يفسره ما بعده وروى حذف مفعوله يعني أن بعضهم وهو ابن خويز منداد

من المالكية قال أن خبر الواحد يفيد العلم إذا رواه عدل كما قيده ابن الحاجب وغيره (واختير ذا أن القرينة احتوى) القرينة مفعول احتوى يقال احتوى على الشيء واحتواه جمعه يعني أن ابن الحاجب اختار إفادة خبر الواحد العلم إذا أحتوى على قرينة منفصلة زائدة على العدالة كما في أخبار الرجل بموت ولده المشرف على الموت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن والنعش قال إلا ولأن إن ذلك قد يوجد مع الإغماء. ومن خبر الواحد الذي يفيد العلم بقرينة ما أخرجه الشيخان أو أحدهما لما أحتفه به من القرائن منها جلالتهما في هذا الشأن وتقديمهما في تمييز الصحيح على غيرهما وتلقى العلماء لكتابيهما بالقبول قال ابن حجر وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق وقولنا قرينة منفصلة احترزنا به عن القرائن اللازمة فإنها لا تفيد العلم في خبر الواحد والعلم المستفاد من خبر الواحد على هذين القولين لا يتعين كونه ضروريا أو نظريا بل قد يكون ضروريا فيحصل بعد حصول القرائن من غير احتياج إلى ترتيب مقدمات وأعمال نظر وقد يكون نظريا فيتوفق على ذلك قاله في الآيات البينات. وفي الشهادة وفي الفتوى العمل ... به وجوبه اتفاقا قد حصل كذاك جاء في اتخاذ الأدوية ... ونحوها كسفر والأغذية يعني أنه وقع الاتفاق أي الإجماع على وجوب العمل بكل من حكم الحاكم وفتوى المفتى وشهادة الشاهد بشرطه من العدالة

والحرية وغيرهما وإن لم يبلغوا حد التواتر عددا وغيره قال في الآيات البينات وليس المراد أن خبر الواحد الوارد عن الشارع يجوز العمل به في بابي الفتوى والشهادة كما قد يتوهم من العبارة هـ ثم قال وإنما المراد أن الإفتاء والشهادة خبر واحد ومع ذلك يجوز العمل به هـ وكذلك اجمعوا على وجوب العمل به في الدنيويات كاتخاذ الأدوية لمعالجة المرضى فإنه يجب أو يجوز الاعتماد فيها على قول عدل واحد إنها دواء مأمون من العطب ونحو ذلك كارتكاب سفر وغيره من الأخطار إذا أخبر عدل بأنها مأمونة وكاتخاذ الغذاء مأكولا أو مشروبا إذا أخبر عدل أنه لا يضر ولابد أن يكون العدل المخبر بالدنيويات عارفا وإلا لم يجز الاعتماد عليه ويضمن إذا نشأ عطب كما يدل عليه قول خليل مشبها بما فيه الضمان كطيب جهل قال في التنفيح اتفقوا على جواز العمل به في الدنيويات والفتوى والشهادة هـ وكذا عبر في المحصول بالجواز وابن الحاجب والسبكي عبر أبو جوب العمل به. (ومالك بما سوى ذاك نخع)، يعني أن مالكا رحمه الله تعالى نخع أي نطق وقال بوجوب العمل بخبر الواحد في سوى ما مر من باقي الأمور الدينية أعنى غير الفتوى والشهادة والحكم وفاقا للشافعي وأبي حنيفة وأحمد والفقهاء والأصوليين وهل وجوب العمل به ثابت بالشرع والعقل أو بالشرع فقط قولان حجة الأول قوله تعالى (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) فموجب التبيين كونه فاسقا فعند عدم الفسق يجب العمل به وقوله تعالى (فلولا نفر من كل فرقة) الآية، جعل تعالى الحذر بقول الطائفة الخارجة من الفرقة مع أن الفرقة تصدق على الثلاثة فالخارج منها يكون أقل منها فإذا وجب

الحذر عند قولهم كان قولهم حجة وقياسا على الفتوى والشهادة واستدلوا على وجوب العمل بخبر الآحاد بالإجماع السكوتي فإن الصحابة استدلوا بخبر الواحد وعملوا به وشاع ذالك عندهم من غير نكير وحجته من جهة العقل أنه لو لم يجب العمل به لتعطلت وقائع الأحكام المروية بالآحاد وهي كثيرة جدا ولا سبيل إلى القول بتعطيلها قال في الآيات البينات وذلك لأنا نقطع بأن الشارع شرع الواجبات مثلا على أنه يجب اعتقاد وجوبها والعمل بها فلو لم يجب العمل بخبر الآحاد التي اقتصر على بعثها فأتت الفائدة التي قصدها بشرع الأحكام هـ ومن قال أنه واجب بالشرع استدل بالآيتين والإجماع السكوتي لأن الدليل إذا كان بعض مقدماته نقليا كان نقليا كما هو مقرر عند أئمة الكلام وغيرهم والدليل العقلي لابد أن تكون مقدماته كلها عقلية والمراد بالعمل به اعتقاد ما دل عليه من الأحكام الخمسة وحبس النفس على ما دل عليه من فعل فقط أو ترك فقط أو إرسالها في الفعل والترك مع رجحان أحدهما أو استوائهما. وما ينافي نقل طيبة منع ... إذ ذاك قطعي يعني أن خبر الواحد إذا تعارض مع ما نقله جميع مجتهدي المدينة من الصحابة أو التابعين فإن مالكا منع العمل بخبر الواحد فيقدم عليه نقل أهل المدينة اتفاقا عندنا لأنه قطعي وسواء في ذلك ما صرحوا بنقله عنه صلى الله عليه وسلم وما كان له حكم الرفع بأن كان لا مجال للرأي فيه قوله منع أي منع العلم بالخبر المذكور المعارض للنقل المذكور وهذا من باب تقديم المتواتر على الآحاد حتى لو وجد ذلك في غير أهل المدينة لكان الحكم كذلك

وإن رأيا ففي ... تقديم ذا أو ذاك خلف قد قفي يعني أن خبر الآحاد إذا نافى رأى أهل المدينة الكائن عن اجتهاد منهم فاختلف المالكية أيهما يقدم، فقول أكثر البعداديين أنه ليس بحجة لأنهم بعض الأمة فيقدم عليه خبر الواحد، وذهب آخرون إلى أنه حجة، فيقدم على خبر الواحد، ومحل الخلاف في خبر لا ندري هل بلغ أهل المدينة أولا والمختار عدم التمسك بالآحاد حينئذ لأن الغالب عدم خفاء الخبر عليهم لقرب دارهم وزمانهم وكثرة بحثهم عن أدلة الشريعة أما ما بلغهم ولم يعملوا به فهو ساقط قطعا وما علم أنه لم يبلغهم فمقدم على عملهم قطعا. كذاك فيما عارض القياسا ... روايتا من أحكم الاساسا أحكم الأساس معناه أتقن القواعد والأصول، والمراد به مالك يعني أنه جاء عن مالك روايتان في عمل أهل المدينة المخالف للقياس أيهما يقدم ويبني عليه الخلاف في جريان القصاص في الأطراف بين الحر والعبد والمشهور عند عدم جريانه، وبه قال الفقهاء السبعة، وعنه قول آخر بجريانه وهو مقتضى القياس، لكن المشهور تقديم القياس كما يأتي في القياس. وقد كفى من غير ما اعتضاد ... خبر واحد من الآحاد يعني أن خبر الواحد لا يحتاج في وجوب العمل به إلى اعتضاد بتعدد أو بظاهر أو بعمل بعض الصحابة على وفقه وانتشار فيهم أو اجتهاد خلافا للجبائي في قوله لابد من اعتضاده بواحد مما ذكر والجبائي بضم الجيم وتشديد الباء والمد.

والجزم من فرع وشك الأصل ... ودع بجزمه لذاك النقل الجزم بالرفع معطوف على خبر فاعل كفى وشك بالنصب مفعول معه، وقوله لذاك مفعول دع واللام زائدة لتأكيد التعدية يعني أنه يكفي في قبول خبر الواحد جزم الفرع الذي هو الراوي مع شك أو ظن الأصل الذي هو المروى عنه في روايته عنه لأن الفرع عدل جازم بالرواية ولم يوجد من الأصل معارض له وأي راو يحفظ مع طول الزمن ما يرويه وقد روى سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين ونسيه فكان يقول حدثني ربيعة عني ولم ينكر عليه أحد ونقل مثله عن الزهري وهذا هو قول الأكثر من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة، قوله دع الخ أي دع ذلك النقل أي الحديث المروى أي قبوله فلا يجوز العمل به بسبب جزم الأصل بعدم رواية الفرع عنه جزم الفرع أم لا وصرح ابن الحاجب بالاتفاق على عدم قبوله والصفي الهندي بالإجماع واختار السبكي عدم السقوط وقال بالقبول أن لم ينتفي ... أصل من الحديث شيخ مقتفى أي منبع للحق شيخ فاعل قال يعني أن الباجي قال أن قال الأصل هذا الحديث في روايتي ولكن لم يروه عني قبل المروى وإن قال لم أرو هذا الحديث قطعا فلا خلاف في إسقاطه وكلام الباجي هذا قول ثالث في جزم الأصل بعد رواية الفرع عنه وليس ذا يقدح في العدالة ... كشاهد للجزم بالمقالة يعني أن مخالفة الأصل للفرع لا تقدح في عدالة كل من الراويين باتفاق القائلين بسقوط المروى وغيرهم ومن ثم لو اجتمعا في شهادة

لم ترد وكذا إن اجتمعا في رواية وأحرى في القبول لو أنفرد أحدهما بشهادة أو رواية قوله كشاهد معناه كشاهد عارض آخر لا يقدح في عدالة كل منهما لجزم كل من الفرع والشهود بمقالته وكما لو قال إحدى زوجتيه طالق إن كان ذلك الطائر غرابا وحلق الآخر على نقيضه وطار ولم يعرف فلا يقع به طلاق إذا ادعيا يقينا مع العلم بأنه لا يخرج عن أحد النقيضين قال ابن حجر الهيثمي إنما كان لا يطلق عليهما لأن كلا منهما متيقن الحاجة بالنظر إلى نفسه إذ لم يعارضه بالنظر إليه وحده شيء وإنما عارضه يقين التحريم بالنظر إلى ضم غيره إليه ولا مسوغ لهذا الضم لأن المكلف إنما يكلف بما يخصه على انفراده ومن ثم لو قالهما واحد في زوجتيه طلقتا هـ من شرحه على الأربعين النووية والرفع والوصل وزيد اللفظ ... مقبولة عند إمام الحفظ إن أمكن الذهول عنها عادة ... إلا فلا قبول للزيادة يعني أن الرفع مقدم عند إمام الحفظ الذي هو الإمام مالك على الوقف عند التعارض بينهما فإن رواه بعض الثقاة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورواه بعضهم موقوفا على الصحابي وكذا إذا اختلفوا فوصل بعضهم وأرسل بعضهم سواء كان الرافع والواصل أقل أم لا وتقديم الرفع والوصل هو الراجح في الفقه وأصوله لأنه من زيادة العدل وهي مقبولة عند مالك والجمهور مثال الأول حديث الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام فقد اختلف في رفعه ووقفه على ابن عباس وحديث أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة اختلف في رفعه ووقفه ومثال الثاني حديث لا نكاح إلا بولي رواه إسرائيل بن يونس عن

جده أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه شعبة وسفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عنه صلى الله عليه وسلم مرسلا فقضى البخاري لمن وصله مع كون شعبة وسفيان كالجبلين في الحفظ والإتقان ويجري في المسألتين ما يمكن جريانه من الأقوال الآتية في زيادة العدل. قوله وزيد اللفظ الخ يعني أن زيادة العدل على ما رواه غيره من العدول مقبولة عند مالك والجمهور وادعى بعضهم اتفاق المحدثين عليه بشرط أن يمكن عادة ذهول أي غفلة من لم يروها عن سماعها وإلا فلا تقبل وإليه الإشارة بقولنا إلا فلا الخ وقيل لا إن اتحاد قد علم ... والوفق في غير الذي مر رسم يعني أن بعض أهل الأصول قال لا تقبل زيادة العدل مطلقا أي أمكن الذهول عنها عادة أم لا ونقله الابهري عن بعض أصحابنا إذا علم اتحاد المجلس بأن لم يحدث المروى عنه بذلك الحديث إلا مرة واحدة فإن علم تعدد المجلس أو لم يعلم شيء قبلت عنده وهذا هو معنى قوله والوفق الخ ورسم بالبناء للمفعول معناه كتب في كتب الأصول. (وللتعارض نمى المغير)، نمى بالبناء للمفعول يعني أن أكثر أهل الأصول قالوا بالتعارض بين خبر الزيادة وخبر عدمها فيطلب الترجيح من خارج إذا غير خبر الزيادة إعراب الخبر الذي ليست فيه كما لو روى في خبر الصحيحين فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من ثمر إلى آخره نصف صاع وإلا تغيره قبلت وقال البطري من المعتزلة تقبل غيرت أم

لا، لأن موجب القبول زيادة العلم وهو حاصل غيرت أم لا وقيل لا تقبل الزيادة إلا إذا أفادت حكما وقيل نقبل في اللفظ دون المعنى. وحذف بعض قد رءاه الأكثر ... دون ارتباط لما كانت رواية بعض الحديث دون بعض تضاد زيادة العدل اتبعها بعض الأصوليين إياها لما بينهما من الجامع الوهمي يعني أن حذف بعض الخبر والاقتصار على بعضه جائز عند الأكثر حيث لا ارتباط بين المحذوف والمذكور كالغاية والمستثنى لأنه كخبر مستقل وقيل لا يجوز ولو لم يرتبط لاحتمال أن يكون للضم فائدة تفوت بالتفريق مثاله حديث أبي داوود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته فإنه يجوز روايته بحذف أحد جزءيه المذكورين عند ذكر البحر بخلاف نحو حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى تزهو وحديث لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء فلا يجوز حذف حتى تزهو ولا حذف المستثنى. وهو في التأليف ... يسوغ بالوفق بلا تعنيف يعني أن حذف بعض الخبر والاقتصار على بعضه الآخر جائز في التأليف اتفاقا إن لم يرتبط بعضه ببعض كالمستثنى والغاية قوله بلا تعنيف أي لا تشديد إنكار لذلك الجواز لأنه أجازه السلف وفعلوه كمالك وأحمد والبخاري والنسائي وأبي داوود وغيرهم وروى عن أحمد أنه لا ينبغي وقال ابن الصلاح لا يخلوا عن كراهة ومن فوائد تقطيعهم للحديث في الأبواب إذا اشتمل على أكثر من حكم واحد الفرار من التطويل وما لم يمكن تقطيعه لقصر وارتباط

وقد اشتمل على أكثر من حكم واحد فإنهم يعيدونه بتمامه حيث احتاجوا إلى ذكره بحسب الأحكام بغالب الظن يدور المعتبر ... فاعتبر الإسلام كل من غبر الباء في قوله بغالب بمعنى على والمعتبر بفتح الباء اسم مصدر يعني أن الاعتبار في قبول الخبر دائر على غلبة ظن صدقه فكل ما يخل بغلبة الظن فإنه مانع من القبول كخبر الكافر والفاسق وما لا يحل بوجه فلا يمنع اتفاقا وربما يختلف المجتهدون في أمر فيذهب كل على ما غلب على ظنه وإذا تقرر ذلك فكل أهل الأصول يعتبرون إسلام الراوي فلا يقبل خبر كافر إجماعا لسلبهم أهلية هذا المنصب وإن كان متحريا في دينه وكذا شهادته خلافا لأبي حنيفة القائل بقبول شهادة أهل الذمة في الوصية أو على بعضهم لقوله تعالى "أو آخران من غيركم" أي من غير أهل دينكم والجمهور يقولون من غير قبيلتكم وفاسق وذو ابتداع إن دعي ... أو مطلقا رد لكل سمعا فاسق مبتدأ وذو معطوف عليه وإن دعي قبل في ذي الابتداع أو مطلقا عامل فيه محذوف معطوف على دعي ورد وخبره الذي هو سمعا بالبناء للمفعول خبر للمبتدأ يعني أن الفاسق لا تقبل روايته إلا إذا كان يعتقد أنه على صواب لمستند عنده ونحن نظن بطلاق ذلك المستند ولا نقطع به وإما شارب النبيذ من غير اسكار فقال مالك أحده ولا أقبل شهادته فكأنه قطع بفسقه وقال الشافعي أحده وأقبل شهادته بناء على أن فسقه مظنون.

وأما المبتدعون فقد قبل الشافعي روايتهم وهم أرباب الأهواء إلا الخاطئة من الرافضة لتجويزهم الكذب الموافقة مذهبهم ومنع القاضي من قبولها لأنهم بمخالفتهم القاطع يندرجون في قوله تعالى "إن جاءكم فاسق بنبا فتبينوا" ولأن قبول روايتهم ترجيح لبدعتهم ومظنون الفسق هو معتقد الصواب لدليل عنده كالمخالف في الفروع، والي قول القاضي هذا أشرنا بقولنا: أو مطلقا، أي يرد مرويه مطلقا أي سواء دعا إلى بدعته أم لا، واختاره الابياري وتلميذه ابن الحاجب وعزى للأكثر وقيل يرد إن كان المبتدع من الداعين إلى بدعتهم إذ لا يؤمن أن يضع الحديث على وفقها وعزاه السبكي لمالك ورجحه ابن الصلاح وتبعه في ترجيحه النووي ناقلين له عن كثير أو الأكثر ونقل ابن حبان اتفاق أئمة الحديث على رد رواية الداعية ويقبل إن لم يكن داعية إذا كان يحرم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لا منه فيه مع تأويله في الابتداع إذا كان لا يكفر ببدعته وقيل يقبل المبتدع دعا إلى بدعته أم لا، إذا كان يحرم الكذب ولم يكفر ببدعته، وقد روى البخاري وغيره عن جماعة من المبتدعة وثوقا بصدقهم ومذهبنا عدم قبول شهادة المبتدع دعا أم لا قاله حلولوا. (كذا الصبي)، يعني أن الصبي المميز لا تقبل روايته إذا كان معروفا بالصدق والصلاح نظرا إلى غالب أحوال الصبيان لأن الصبي لعلمه بعدم تكليفه لا يحترز عن الكذب فلا يوثق به وهذا قول الأكثر وهو الصواب وقيل يقبل نظرا إلى خصوصية الحال إما غير المميز فلا يقبل اتفاقا كالمجنون وكذا الصبي المعروف بالكذب وسوء الحال.

وإن يكن تحملوا ... ثم أدى بنفي منع قبلوا الواو نائب عن فاعل قبل راجع إلى الكافر الدال عليه اشتراط الإسلام والفاسق والمبتدع والصبي، يعني أن الراوي إذا كان حال التحمل موصوفا بشيء مما ذكر ثم كان متلبسا حال الأداء بنفي ذلك المانع قبلت روايته وشهادته ولا تضر الحالة المقارنة للتحمل لقبول للصحابة رواية من ذكر إذا كان سالما حال الأداء وهذا هو مذهب الجمهور وقيل لا يقبل لأن الصبا والكفر والفسق مظنة عدم الضبط والتحرز عن الكذب ويستمر المحفوظ إذ ذاك قوله ثم أدى بضم ناء ثم وادي بالتنوين أي أداء بالمد لكنه قصر للوزن وهو منصوب على الظرفية من ليس ذا فقه أباه الجيل ... وعكسه أثبته الدليل يعني أن رواية غير الفقيه أباها أي ردها الجيل بكسر الجيم والجيل الصنف من الناس والمراد به أهل المذهب وهو المنقول عن مالك لأنه لسوء فهمه يفهم الحديث على غير معناه وربما نقله بالمعنى فيقع له الخلل في مقصود للشارع وقال أبو حنيفة لا تقبل رواية غير الفقيه إذا خالفت القياس كحديث المصراة قوله وعكسه الخ يعني أن الدليل أثبت قبول رواية غير الفقيه كقوله صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. ولم يشترط الفقه وقوله فرب حامل فقه ليس بفقيه. تنبيه: قال القرافي في التنفيح والمنقول عن مالك إن الراوي إذا لم يكن فقيها فإنه تترك روايته ووافقه أبو حنيفة وخالفه

الإمام أحمد وجماعة هـ قال حلولوا وعندي إن هذا المروى عن مالك لا يدل على أنه يقول باشتراط الفقه في الراوي بل لعله على جهة الاحتياط هـ. فلعله وجده عن القرافي في غير التنفيح. (وقوله في غيره تساهل) من مبتدأ خبره يقبل محذوف لدلالة ما بعده عليه والضمير في غيره للحديث يعني أن رواية المتساهل في غير الحديث مع تحرزه في الحديث وتشديده فيه مقبولة لأن المتصود ضبط الشريعة وأمن الخلل فيها بخلاف المتساهل في الحديث فيرد، وقيل ترد رواية المتساهل مطلقا والتساهل كتحمل الراوي حال نومه أو نوم شيخه. (ذو عجمة أو جهل منمى يقبل)، ذو مبتدأ وعجمة بضم العين مضاف إليه وجهل بالجر معطوف على عجمة ومنمي بفتح الميمين ويقبل خبر العطف إذا كان بأولا تجب فيه المطابقة، يعني أن عجمي اللسان ومن لا يحسن العربية روايتهما مقبولة لأن عدالته تمنعه أن يروى إلا كما سمع وكذا يقبل مجهول المنمى أي النسب، قال القرافي في التنفيح: قال الإمام ولا يخل بالراوي تساهله في غير الحديث ولا جهله بالعربية ولا الجهل بنسبه ولا مخالفة أكثر الأمة لروايته هـ. كخلفه لأكثر الرواة ... وخلفه للمتواترات يعني أن مخالفة الراوي لأكثر الرواة أو الحفاظ لا تمنع من قبولها إذ قد ينفرد بما لم يطلعوا عليه وكذلك لا تضر مخالفته للمتواتر من كتاب أو سنة فيصار إلى الجمع أو الترجيح

وكثرة وإن لقي يندر ... فيما به تحصيله لا يحظر بجر كثرة يعني أنه يقبل إكثار الرواية للحديث وإن ندرت مخالطته للمحدثين إذا أمكن تحصيل ذلك القدر الذي رواه من الحديث في ذلك الزمن الذي خالط فيه المحدثين فإن لم يكن لم يقبل شيء مما رواه لظهور كذبه في شيء لا نعلم عينه وإما الإقلال من الحديث فقال المازري إذا لم يرو من الحديث إلا حديثا واحدا فالذي عليه المحققون إن ذلك لا يقدح في روايته وربما أنكر بعض المحدثين روايته لأن إقلاله يدل على عدم اهتمامه بدينه وذلك قادح فيه، واللقى بضم اللام وتشديد الياء ويندر بضم الدال المهملة قوله فيما أي في زمن لا يمتنع تحصيل كل ما رواه من الحديث به أي فيه والكثرة هنا أمر نسبي فرب شيء يكون كثيرا بالنظر إلى راو وهو قليل بالنظر إلى آخر وإما المكثرون إذا أطلقوا فستة نظمتهم في طلعة الأنوار بقولي: والمكثرون بحرهم وأنس ... عائشة وجابر المقدس صاحب دوس وكذا ابن عمرا ... رب قني بالمكثرين الضررا والمراد بالبحر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وصاحب دوس هو أبو هريرة وجابر هو جابر ابن عبد الله بن عمر بفتح العين بن حرام عدل الرواية الذي قد أوجبوا ... هو الذي من بعد هذا الجلب والعدل من يجتنب الكبائرا ... ويتقى في الأغلب الصغائرا وما أبيح وهو في العيان ... يقدح في مروءة الإنسان

يعني إن الأصوليين اشترطوا في غير الحديث المتواتر أن يكون راوية عدل الرواية وهو المذكور في بيتين لابن عاصم بعد هذا البيت وهما قوله والعدل الخ يعني أن عدل الرواية هو من يجتنب كل كبيرة قلبية كانت أو بدنية كالزنا وشرب الخمر وكتمان الشهادة دائما ويتقى الصغائر في غالب الأحوال والنادر لا يعتد به إذ قد تقل السلامة منه ويتقى كل فرد من المباحات الخادمة للمروءة وهي كل ما يثين عرفا كالبول في الطريق والأكل في السوق لغير سوقي ومعاشرة الارذال وسخف الكلام المؤدي إلى الضحك والحرف الدنيئة كالدباغة اختيارا لا اضطرارا ولا لقصد كسر النفس فلا تقدح، وقيد خليل الصغائر التي تقدح بكونها صغائر خسة وعليه فلابد أن يجتنب كل فرد منها فبفعل فرد منها أو من الكبائر تنتفي العدالة فصغائر الخسة كتطفيف حبة وسرقة لقمة بخلاف صغائر غيرها ككذبة لا تضر مسلما ونظرة إلى أجنبية فلا يضر النادر منه واجتناب ما ذكر من الكبائر وما عطف عليه لابد أن يكون ملكة بالتحريك أي هيئة راسخة في النفس وهي التي لا تزول أصلا أو إلا بعسر قاله السبكي ونحوه لبعض المالكية كالابياري وهو شيخ ابن الحاجب وكالفهري فمن لم يحصل ذلك له ملكة لا يكون عدلا عندهم قال حلولوا وفيه نظر واعترضه أيضا في الآيات البينات بأن ظاهر كلام الفقهاء عدم اعتبار الملكة وأنه يكفي في تحقق العدالة بالنسبة للشهادة وغيرها مجرد اجتناب الأمور المذكورة هـ: وذو أنوثة وعبد والعدا ... وذو قرابة خلاف الشهدا الشهداء جمع شهيد، ذكر في هذا البيت ما تفرق فيه عدالة الرواية وعدالة الشهادة وهي اشتراط الذكورة في الشهادة في غير

الأموال ولا نشترط في الرواية واشتراط الحرية في الشاهد عند الأكثر بخلاف الراوي وليست العداوة والقرابة بمانعة في الرواية بخلاف الشهادة فلا يشهد العدو على عدوه ويشهد له والقريب مع قريبه بالعكس فعدل الراوية هو الموصوف باجتناب ما ذكر سواء كان عبدا أو امرأة أو عدوا أو قريبا أم لا، وذو أنوثة وعبد والعدا بكسر العين وذو قرابة مرفوعة متعاطفة خبرها خلاف الشهدا. تنبيه: العدالة لغة التوسط وفي الاصطلاح ما تقدم ذكره: ولا صغيرة مع الإصرار ... المبطل الثقة بالإخبار الثقة بالجر مضاف إليه ما قبله مصدر بمعنى الوثوق والإخبار جمع خبر يعني إن الإصرار على الصغيرة أي المواظبة والمداومة عليها يبطل الوثوق بصدق خبر ذلك المصر لأنه يصيرها كبيرة والمراد بالمواظبة أن لا تغلب طاعته على معاصيه قال في الآيات البينات والرجوع في الغلبة إلى العرف ولا يدخل المستقبل ولا ما ذهب بالتوبة وغيرها هـ ولا فرق في الصغائر بين كونها من جنس وبين كونها من أجناس قال في الآيات البينات فالآتي بواحدة من كل نوع مصر هـ أي فتبطل عدالته فلا تقبل روايته وفائدة هذا البيت جعل الإدمان على فعل الصغيرة كبيرة فيعد في الكبائر حيث عدت ولذلك ذكره السبكي عند عدها وإما بطلان العدالة بفعلها فقد تقدم في شرح بيتي إن ابن عاصم فدع لمن جهل مطلقا ومن ... في عينه يجهل أو فيما بطن بضم جهل ويجهل مبني للمفعول وبطن بفتح الطاء بمعنى خفي هذا متفرع على شرط العدالة فلا يجوز قبول شهادة ولا رواية إلا من

عدل يعني أنه يجب إجماعا رد رواية الراوي المجهول مطلقا أي ظاهرا وباطنا وحكي بعضهم الخلاف فيه وكذا مجهول العين نحو عن رجل أو امرأة أو شيخ فهو مردود إجماعا وحكي بعضهم الخلاف فيه أيضا ويلزم على جهل العين جهل عدالة الظاهر والباطن بمجهول العين من أفراده لكن جعلناهما مسألتين تبعا للمحلى ومن تبعه والصواب أن مجهول العين هو من لم يرو عنه إلا واحد وهو المذكور عن ابن عبد البر وعليه اصطلاح أهل الحديث ورده منقول عن أكثر العلماء إذا كان غير صحابي وقد قلت في بيان شرط البخاري: كذاك من دون الصحابي عددا ... من عنه يروى فخذن مسددا أما الصحابي فلا يشترط تعدد من يروى عنه قال العراقي في ألفيته: ففي الصحيح أخرجا المسيبا ... وأخرج الجعفي لابن XX ضمير الاثنين في أخرجا للبخاري ومسلم يعني .. أخرجا حديث المسيب ابن حزن ولم يرو عنه إلا ابنه سعيد وأخرج الجعفي وهو البخاري حديث عمرو بن تغلب ولم يرو عنه إلا الحسن البصري فيما قاله مسلم والمسيب وعمرو ابن تغلب صحابيان والمعروف أن نحو عن رجل وشيخ من المنقطع عند المحدثين إذ المبهم كالساقط الذي لم يذكر وفي عبارة غير واحد من أئمة الحديث أنه متصل في إسناده مجهول، قال المحشي ولعل هذا مستند ما في جمع الجوامع هـ يعني أن في جعله مسألة مجهول العين غير مسألة مجهول العدالة ظاهرًا وباطنا بناء على تفسير مجهول العين بأنه هو الذي لم يرو عنه إلا راو واحد ومن مجهول العين بناء على التفسير الأول ما قاله شهاب الدين عميرة ولفظه الظاهران منه ما لو قال الراوي عن رجل أعرفه لجهالته عند غيره هـ ومحل رد رواية من لم يرو عنه إلا واحد

حيث لم ينضم إليه توثيق إمام له وإلا اكتفى بذلك لأن من وثقه لم يوثقه إلا بعد معرفة عينه. قوله أو فيما بطن يعني أنه يجب رد رواية مجهول العدالة في الباطن وهو ظاهرها في الظاهر وهو المستور لانتفاء تحقق العدالة خلافا لأبي حنيفة وابن فورك وسليم الرازي وهما من الشافعية في قولهم بقبوله واستدلوا بأن الشرط ظن العدالة لا تحققها فإنه يظن من عدالته في الظاهر عدالته في الباطن، وقول المحلي اكتفاء بظن حصول الشرط أو ردوا عليه أن الشروط لابد من تحققها، قال في الآيات البينات وكون الشرط ظن العدالة وجيه جدا، وقال حلولوا مستدلا على رد رواية المستور بما لفظه وإذا ثبت اشتراط العدالة ورد رواية الفاسق فالمستور متردد بين الفسق والعدالة فلا تقبل روايته للشك في حصول الشرط هـ، يعني بالشرط العدالة، قال متأخروا الحنفية: إنما قال ذلك أبو حنيفة في صدر الإسلام حيث كان الغالب على الناس العدالة ولما غلب على الناس الفساد اشترطت العدالة فلابد من التزكية إلحاقا للنادر بالغالب هـ: ومثبت العدالة اختبار ... كذاك تعديل والانتشار يعني أن الأمور التي تثبت بها العدالة منها: الاختبار بالمعاملة والمخالطة التي تطلع على خبايا النفوس ودسائسها، ومنها التعديل، أي التزكية لمن ثبتت عدالته، قال القرافي في شرح التنفيح والتزكية نبأ العدول المبرزين عنه بصفات العدالة هـ. وقال في التنفيح وتثبت العدالة إما بالاختبار أو بالتزكية ومنها الانتشار أي السماع متواترا كان أمستفيضا، قال القرافي

ولهذا نقطع بعدالة أقوامٍ من العلماء والصلحاء من سلف هذه الأمة ولم نختبرهم بل بالسماع المتواتر أو المستفيض وهذا كاف هـ. وفي قضا القاضي وأخذ الراوي ... وعمل العالم أيضًا ثاوي يعني أن إثبات العدالة ثاوٍ بالمثلثة أي كائن في هذه الأمور الثلاثة ثابت في قضاء القاضي المشترط للعدالة في الشاهد بشهادة شخص إن كان القاضي لا يحكم بعلمه أو لم يعلم بالواقعة فإن احتمل أنه حكم بعلمه لا بالشهادة لم يكن تعديلاً وكون حكم القاضي المذكور تعديلاً حكى ابن الحاجب الاتفاق عليه، وكذلك التعديل ثابت أيضًا بأخذ الراوي أي رواية من لا يروي إلا عن العدول عن شخص بأن صرح بأنه لا يروي إلا عن العدول أو عرف من عادته بالاستقراء كالبخاري في صحيحه فإذا روى من هذا حاله عن شخص من غير تعرض له بجرح ولا تعديل كان تعديلاً له وقيل لا لجواز أن يترك عادته، قال السيوطي: وعليه أهل الحديث فلو صدر منه ما يدل على أنه لم يترك عادته كان تعديلاً اتفاقًا قاله في «الآيات البينات»، وكذلك يثبت التعديل بعمل العالم المشترط للعدالة في الراوي يثبت برواية شخص على الأصح وإلا لما عمل بروايته وقيل، ليس تعديلاً للراوي ولا تصحيحًا للمروي، والعمل بروايته يجوز أن يكون احتياطاً. قال في «الآيات البينات» قضيته أنه لو كان الاحتياط في ترك العمل به كما لو دلَّ المروي على جواز أخذ قال إنسان كان عمل العالم به تعديلاً قطعاً وليس بعيدًا هـ. قوله قطعًا معناه بلا خلاف أما عمل من لا يلتزم العدالة في الراوي وكذا روايته فليس تعديلا اتفاقاً فهذه المسائل الثلاث المذكورة في هذا البيت ثبت التعديل فيها بالالتزام لا بالتصريح:

وشرط كل أن يرى ملتزما ... ردا لما ليس بعدل علما بالبناء للمفعول يعني أنه يشترط في كون كل من الثلاثة المذكورة في البيت قبل هذا تعديلا أن يعلم كون من القاضي والعامل والراوي ملتزما رد من ليس بعدل وإلا لم يكن ما ذكر تعديلا اتفاقا كما تقدم في شرح البيت قبل هذا. والجرح قدم باتفاق أبدا ... إن كان من جرح أعلا عددا يعني أنه يجب تقديم الجرح عند التعارض على التعديل اتفاقا أي إجماعا إن كان الجارح أعلا أي أكثر عددا من المعدل لاجتماع موجب الترجيح في ذلك وهو الكثرة وكون متعلق التجريح إثباتا. وغيره كهو بغير مين ... وقيل بالترجيح في القسمين المين بالفتح: الكذب يعني أن غير القسم المذكور وهو ما استوي فيه عددهما أو كان عدد المعدل أكثر يقدم فيه التجريح لاطلاع الجارح على ما لم يطلع عليه المعدل لأن مدرك المعدل استصحاب الحال السابقة، قوله وقيل الخ .. يعني أن ابن شعبان من المالكية قال يطلب الترجيح في القسمين كما هو حاصل في الأول بكثرة عدد الجارح، قال المحلي وعلى وزانه قال بعضهم: إن التعديل في الثلاث مقدم. قال في التنقيح ويقدم الجرح على التعديل إلا أن يجرحه بقتل إنسان فيقول المعدل: رأيته حيا وقيل يقدم المعدل إذا زاد عدده هـ: كلاهما يثبته المنفرد ... ومالك عنه روى التعدد يعني أن التعديل والجرح يثبت كل منهما بواحد عند القاضي أبي بكر الباقلاني منا وهو المراد بالقاضي حيث أطلقه أهل الأصول

ولا فرق بين الرواية والشهادة وإثباتهما بواحد عزاه في البرهان للمحققين قال القاضي وهو قول القاضي وهو قول قريب لا شيء عندنا يفسده وإن كان الأحوط إن لا يقبل في تزكية الشاهد أقل من اثنين، قوله ومالك الخ يعني إن الإمام مالكا رحمه الله تعالى اشترط تعدد المعدل في الشهادة أيضا قال الابياري والذي يقتضيه قياس مذهبه اشتراطه في الرواية أيضا لأن كلا منهما شهادة فلابد من التعدد قال حلولوا مبينا وجه القياس ما لفظه: لأن اشتراط العدد في تعديل الشاهد وتجريحه إنما هو لأجل سلوكنا بذلك مسلك الشهادة للشخص وعليه فثبوت الاختصاص والعدد في الشهادة لازم ولا يحسن أن يقال التزكية في حق الشاهد شهادة وفي حق المخبر خبر لأن معقول الشهادة فيهما جميعا على حد واحد هو الأنباء بأمر يختص بالمشهود له أو عليه فالصواب إذن إن لا فرق هـ والقول باشتراط تعدد المعدل والمجرح في الرواية والشهادة عزاه الفهري للمحدثين والابياري لأكثر الفقهاء. وقال بالعدد ذو دراية ... في جهة الشاهد لا الرواية يعني أن بعض أهل الدراية والخبرة من أهل الأصول قال باشتراط تعدد معدل الشاهد ومجرحه ولا يشترط ذلك في معدل الراوي ومجرحه رعاية للتناسب فيهما فإن الواحد يقبل في الرواية دون الشهادة وعزا هذا القول غير واحد للأكثرين: شهادة الإخبار عما خص إن ... فيه ترافع إلى القاضي زكن وغيره رواية ... لإخبار بكسر اللام مبتدأ، وما بعده من البيت متعلق به خبره شهادة، وخص بفتح الخاء وزكن بالزاي بمعنى علم مبني للمفعول.

تكلم في هذا البيت على الفرق بين الرواية والشهادة وهو مما تشتد الحاجة إلى معرفته في الفقه وأصوله لافتراقهما في بعض الأحكام، قال القرافي أنه أقام أربع سنين يتطلب الفرق بينهما حتى ظفر به في شرح المازري للبرهان لإمام الحرمين في الأصول ثم ساق معنى ما ذكره السبكي بقوله الإخبار عن عام لا ترافع فيه الرواية وخلافه الشهادة وعرفت أنا الشهادة بأنها الإخبار عن خاص ببعض الناس يمكن الترافع فيه إلى حكام الشريعة، والرواية غير ذلك وهو الإخبار عن عام أو عن خاص لا يمكن الترافع في كل منهما إلى حكام الشريعة. مثال الأول حديث: "إنما الأعمال بالنيات"، ومثال الثاني كقوله صلى الله عليه وسلم "يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة" وقوله في أبي بردة: "ولن تجزئ عن أحد بعدك" يعني العناق ومن ذلك الأحاديث المثبتة لخصائصه صلى الله عليه وسلم وكذلك الإخبار عن زيد مثلا بأنه فعل كذا أو حاله كذا رواية لأنه إخبار عن خاص لا يمكن الترافع فيه وأورد على تعريف الشهادة بما ذكر أنه غير مانع لتناوله الدعوى والإقرار وأجيب بأنه تعريف بالأعم. وقد أجازه الأقدمون وبأن الغرض تمييز الشهادة عن الرواية وهو حاصل بما ذكر لا عن غيرها مطلقا فلا يتوجه إنه لا يميزها عن الدعوى والإقرار إذ الواجب في التعريف تمييز المعرف بالفتح عما قصد تمييزه عنه لا عن جميع ما عداه مطلقا قاله في الآيات البينات، فعرف أن الدعوى والإقرار ليسا رواية ولا شهادة وأورد على تعريف الشهادة أنه غير جامع لعدم تناوله ما لو كان المشهود به عاما كالوقف على جميع المسلمين فإن كل من منع من تناول الوقف ساغ له رفع الأمر إلى الحاكم

والدعوى بأن هذا وقف على عموم المسلمين وأنا منهم فاستحق وهذا يمنعني حقي وقد أجاب عنه في الآيات البينات بما رجع إليه بالإبطال وقول المحلي ونفى الترافع فيه لبيان الواقع معناه أن الإخبار عن عام لا يمكن الترافع فيه أبدا وهو مردود بما رأيت فالصواب أنه للاحتراز والضابط للإخبار بالحقوق أن الإخبار إن كان بحق للمخبر بالكسر على غيره فهو الدعوى أو لغير المخبر عليه فهو الإقرار ولغيره على غيره فهو الشهادة: والصحب ... تعديلهم كل إليه يصبو أي يميل أي يقول به يعني أن أصحابه صلى الله عليه وسلم ذهب كل السلف إلى كونهم كلهم عدولا فلا يبحث عن عدالتهم في رواية ولا شهادة لأنهم خير الأمة قال صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي قرني" رواه الشيخان وقد زكاهم الله تعالى بقوله: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس" بناء على أن المراد من هاتين الآيتين الصحابة فقط وعليه أكثر المفسرين ولا تعديل مثل تعديل الله تعالى ورسوله وما جرى بينهم فهو بالاجتهاد وكل مجتهد مصيب أو المصيب واحد والمخطئ معذور غير آثم ومن طرأ له قادح مثل زنى أو سرقة عمل بمقتضاه إذ ليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية عليهم بل المراد أنه لا يبحث عن عدالة واحد منهم فإذا قيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول كذا كان حجة كتعيينه باسمه، واستشكل الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم "خير أمتي قرني" لشموله غير الصحابة من قرنه ويؤيد إرادة الشمول قوله في الخبر

الآخر: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" فإن أثبت الحكم بالخيرية العدالة بمعنى أنه لا يبحث عنها في شهادة ولا رواية لزم إثباتها كذاك لغير الصحابة من أهل قرنه ولأهل القرنين الآخرين وليس كذلك فلا يثبت المطلوب قال في الآيات البينات اللهم إلا أن يجاب بأن الخيرية تقتضي ذلك إلا ما خرج لدليل وقد دل الدليل على عدم ثبوت العدالة بالمعنى المذكور لغير الصحابة وأنه لابد من البحث ولم يدل على ذلك بالنسبة للصحابة فأخذ فيهم بقضية هذا الدليل هـ. تنبيه معرفة عدالة الصحابة تشتد الحاجة إليها لأنهم نقلة الشريعة فلو لم تثبت عدالتهم لم تثبت عندنا الشريعة بحال وإذا كانوا كلهم عدولا اشتدت الحاجة أيضا إلى معرفة كل واحد منهم فجزى الله المدونين في جمعهم خيرا كابن عبد البر صاحب الاستيعاب وابن حجر صاحب الإصابة: واختار في الملازمين دون من ... رءاه مرة إمام مؤتمن يعني أن ما تقدم من تعديل كل الصحابة بناء على تفسير الصحابي بأنه من رءاه ولو مرة هو غير ما اختاره إما مؤتمن وهو القرافي من أن معنى قول العلماء الصحابة عدول يريدون به الذين كانوا ملازمين له صلى الله عليه وسلم المهتدين بهديه وهذا هو أحد التفاسير للصحابة وقيل الصحابي من رءاه ولو مرة وقيل من كان في زمانه وهذان القسمان لا يلزم فيهما العدالة مطلقا بل فيهم العدل وغيره بخلاف الملازمين له عليه السلام وفاضت عليهم أنواره وظهرت عليهم بركته وآثاره وهم المرادون بقوله عليه السلام أصحابي كالنجوم بأيهم أقتديتم أهتديتم هـ كلام القرافي.

وما اختاره القرافي سبقه إليه المازري في شرح البرهان حيث قال لسنا نعني بقولنا الصحابة عدول كل من رآه صلى الله عليه وسلم يوما ما أو زاره يوما أو اجتمع به لغرض وانصرف وإنما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه هـ. قال العلاءي وهذا قول غريب يخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة كوائل ابن حجر ومالك بن الحويرث وعثمان بن العاصي وغيرهم ممن وفد عليه ولم يقم عنده إلا قليلا وانصرف، وكذلك من لم يعرف إلا برواية الحديث الواحد ولم يعرف مقدار إقامته من إعراب القبائل والقول بالتعميم هو الذي صرح به الجمهور وهو المعتبر هـ. إذا أدعى المعاصر العدل الشرف ... بصحبة يقبله جل السلف يعني أن من علم أنه في عصر مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو عدل إذا أدعى الصحبة لنفسه أي الاجتماع به مؤمنا قبل عند الأكثر فتثبت صحبته بذلك وفاقا للقاضي أبي بكر الباقلاني لأن عدالته تمنعه من الكذب لتضمنها التقوى التي تنهى عن المعاصي وتمنع عادة منها فلا يرد أن العدالة لا تنافي مطلق الكذب لأنه صغيرة وقيل لا يقبل لإدعائه لنفسه رتبة هو متهم فيها كما لو قال أنا عدل: ومرسل قولة غير من صحب ... قال إمام الأعجمين والعرب يعني أن المرسل عند أهل الفقه وأهل الأصول هو قول غير الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا بإسقاط الواسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم وغير الصحابي شامل للتابعي ومن تحته فسافلا وخرج قول الصحابي قال صلى الله عليه وسلم فلا يوصف بالإرسال وإذا علم

أن الصحابي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم واسطة لا يدري أصحابي أم تابعي قبل لأن مراسيل الصحابة حجة عند الأكثر إذ الظاهر أن الساقط صحابي وجهالة الصحابة لا تضر لأنهم محمولون على العدالة: عند المحدثين قول التابعي ... أو الكثير قال خير شافع يعني أن المرسل في اصطلاح المحدثين قول التابعي كبيرا كان أو صغيرا قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم هو قول التابعي الكبير قال صلى الله عليه وسلم كابن المسيب فإن قاله تابعي صغير كالزهري فمنقطع والقول الأول هو المشهور والتابعي الكبير أكثر رواية عن الصحابة كبعد الله ابن عدى بن الخيار وقيس ابن أبي حازم، والصغير أكثر رواية عن التابعين وقال ابن حجر في فتح الباري: إن الكبير من أدرك الصحابة وإن لم يلقهم وعلى هذا يكون الزهري كبيرا إذ لقي ثلاثة عشر صحابيا قال السيوطي يرد على تخصيص المرسل بالتابعي من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر ثم أسلم بعد موته فهو تابعي اتفاقا وحديثه ليس بمرسل بل موصول لا خلاف في الاحتجاج به كالتنوخي رسول هرقل فقد أخرج حديثه الإمام أحمد وأبو يعلي في مسنديهما وساقاه مساق الأحاديث المسندة ومن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غير مميز كمحمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما فإنه صحابي وحكم روايته حكم المرسل لا الموصول ولا يجيء فيه ما قيل في مراسيل الصحابة لأن أكثر رواية هذا وشبهه عن التابعين بخلاف الصحابي الذي أدرك وسمع فإن احتمال روايته عن التابعين بعيد جدًا هـ.

قال في الآيات البينات ويجاب فإن المراد بالتابعي التابعي حقيقة وحكما أو حكما فقط والأول ليس تابعيا حكما بل هو صحابي حكما وقياس ما قاله في الثاني إن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو كامل لكن علمت روايته عن التابعين كان لها حكم المرسل هـ وهو حجة ولكن رجحا ... عليه مسند وعكس صححا يعني أن المرسل حجة عند مالك وأبي حنيفة قال عياض في المشهور عنهما وعند الإمام أحمد في أشهر الروايتين عنه والأمدي وأكثر من تكلم في الأصول قالوا لأن العدل لا يسقط الواسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو عدل عنده وإلا كان ذلك تلبيسا قادحا فيه ورده الأكثر منهم الشافعي والقاضي أبو بكر الباقلاني للجهل بعدالة الساقط. تنبيه عام مما مر أن المجهول مردود فما الفرق بينه وبين مرسل التابعي إذا لم يعلم أن الواسطة صحابي أو كان الإرسال من غيره فالجواب أن الراوي إذا قال في الإسناد فلان عن رجل أو عن شيخ فقال الحاكم منقطع ليس مرسلا وقال غيره مرسل القرافي كل من القولين خلاف ما عليه الأكثرون فإنهم ذهبوا إلى أنه متصل في سنده مجهول قال في الآيات البينات فعلى كل من قول الحاكم وقول الأكثرين يختلف ما هنا وما هناك في الاسم كما أنهما مختلفان في الحقيقة لأن ما هنا مع الإسقاط وما هناك مع الذكر على وجه الإبهام ثم قال أيضا جزم العدل بالعزو إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع إسقاط الواسطة لا يناسب إلا عند عدالة الواسطة عنده خصوصا مع ورود التغليط في الكذب عليه الذي قد يوقع فيه التساهل في الواسطة

ولا كذلك النسبة مع الإبهام فلذا أجمعوا على رده على ما قاله المصنف أي السبكي وإلا فقد سبق أن غيره حكي فيه خلافا هـ. فائدة علم من احتجاج مالك ومن وافقه بالمرسل إن كلا من المنقطع والمعضل حجة عندهم لصدق المرسل بالمعنى الأصولي على كل منهما ولا يحتج بواحد منهما عند الشافعي ومن وافقه قوله ولكن الخ يعني أن المرسل على الاحتجاج به أرجح منه المسند وأقوى فيقدم عليه عند التعارض والمسند هو ما اتصل سنده فلم يسقط منه أحد خلافا لقوم في قولهم أنه أقوى من المسند قالوا لأن العدل لا يسقط إلا من يجزم بعدالته بخلاف من يذكره فقد يحيل الأمر فيه على غيره وأجيب بمنع ذلك والنقل للحديث بالمعنى منع. يعني أن نقل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى منعه مالك فيما نقله عنه المازري وذكر ابن الحاجب عن مالك أنه كان يشدد النكير في إبدال الباء بالتاء والعكس من بالله وتالله قال وحمل على المبالغة، وفي جامع ابن يونس ما يشهد لهذا الحمل وروى المنع عن ابن عمر رضي الله عنهما لقوله صلى الله عليه وسلم نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه" فهذا يقتضي أنه أوجب نقل مثل ما سمعه لا خلافه فيمنع نقل الحديث بالمعنى مطلقا حذر أمن التفاوت وإن ظن الناقل عدمه فإن كثيرا من العلماء يختلفون في معنى الحديث المراد وأجيب من جهة المجيز بأن المراد بالمعنى الظاهر لا ما يختلف فيه وهو ما ليس ظاهر المعنى كالمتشابه والمشترك فلا تجوز روايته بالمعنى اتفاقا بل ينقل بلفظه ليقع الإيمان بذلك اللفظ من غير تأويل أو مع التأويل على

المذهبين فيلزم على ذلك إن كل ما كان مرويا بالمعنى فهو من الظاهر المعنى فالأحاديث الموجودة الآن لا يجب أن يكون كلها مرويا بالمعنى قال في الآيات البينات فما ذكره شيخنا الشهاب يعني شهاب الدين عميرة عن الدماميني من أن الأحاديث الموجودة الآن ليست من محل الخلاف لأنها مروية بالمعنى بدليل اختلاف الطرق في المروى والواقعة واحدة وإن ألفاظها لا تصلح للاحتجاج بها على لغة العرب إلا لفظا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوه وإنه استفتى علماء عصره كالبلقيني وابن خلدون وغيرهما فأفتوا بذلك هـ في إطلاقه نظر بل يتجه أن يقال يجوز الاحتجاج بها لأن الأصل لأنها لفظ النبي صلى الله عليه وسلم بناء على أن النقل باللفظ هو الغالب إلا أن يعلم أن النقل بالمعنى وأن الراوي مما لا يحتج بكلامه أو يقع الشك فيه لنحو اختلاف الطرق في الرواية مع العلم باتحاد الواقعة على أنه يمكن أن يقال أن مجرد اختلاف الطرق لا يستلزم الرواية بالمعنى لجواز أنه عليه الصلاة والسلام أجاب عن الواقعة الواحدة في أوقات مختلفة بألفاظ مختلفة فروى كل راو ما أطلع عليه نعم أن ثبت أن الغالب الرواية بالمعنى أو أنه لا غالب اتجه عدم الاحتجاج بها هـ. مثال ما لا يتفاوت كما إذا روى مكان قوله عليه الصلاة والسلام صبوا عليه ذنوبا من الماء أريقوا عليه دلوا ملئانا من الماء ولأجل جواز النقل بالمعنى ترك النحاة الاستشهاد بالحديث حتى جاء ابن مالك فأكثر الاستشهاد بالحديث في العربية وادعى أنه حاز منقبه لم يسبق إليها فردوا عليه بأن كثيرا من رواة الحديث عجم مع جواز رواية الحديث بالمعنى فلم يوثق بعربية كثير من الأحاديث.

(ومالك عنه الجواز قد سمع) بالبناء للمفعول يعني أن مالكا والأكثر وفاقا للشافعي وأبي حنيفة وأحمد أجازوا نقل الحديث بالمعنى لأن لفظ السنة ليس متعبدا به بخلاف لفظ القرآن فإذا ضبط المعنى فلا يضر فوات ما ليس بمقصود ولما رواه الطبراني وغيره من حديث عبد الله بن سليمان بن أكمة الليثي قال قلت يا رسول الله إني أسمع منك الحديث لا استطيع أن أؤديه كما أسمعه منك يزيد حرفا أو ينقص حرفا فقال إذا لم تحلوا حراما أو تحرموا حلالا وأصبتم المعنى فلا بأس فذكر ذلك للحسن فقال لولا هذا ما حدثنا فلان قيل هذا الحديث لا يدل على الجواز مع القدرة لأنه وقع جوابا لسائل عاجز بدليل قوله لا أستطيع فالجواب تعميم الخطاب بقوله إذا لم تحلوا الخ مع إن السائل واحد وعدم التقيد بالحانة المسئول عنها في الجواب وإطلاق قوله فلا بأس قرينة قوية على الجواز مطلقا. فائدة: الفرق بين مسألة نقل الحديث بالمعنى ومسألة جواز وقوع كل من المترادفين مكان الآخر هو أن الكلام في المترادفين في أمر لغوي وهو أعم من أن يقع في كلام راو للحديث أو غيره. فالمانع في هذه المسألة يقول اللغة تمنعه مطلقا ولا يتعرض للشرع هل يمنعه أو لا وهذا في أمر شرعي خاص وهو رواية حديث النبي صلى الله عليه وسلم والمانع يقول لا يجوز للاحتياط فيه إجازته اللغة أو منعته، وقال في الآيات البينات بعدما ذكر ما لفظه وأيضا فما نحن فيه شامل لإبدال اللفظ بمساوية وضعا وبأعم منه إذا قيد بحيث يساويه أو بأخص منه إذا بين أنه مثال وإن الضابط كذا وذكر ما يساويه بخلاف ما تقدم لاختصاصه بالمرادف هـ، ولجواز نقل الحديث بالمعنى شروط ذكرها بقوله: لعارف يفهم معناه جزم ... وغالب الظن لدى البعض أنحتم

يعني أنه إنما يجوز نقل الحديث بالمعنى لعارف بمدلولات الألفاظ أي مدلول اللفظ الوارد ومدلول ما يأتي به بدله بحيث لا يتفاوت مدلولهما ولابد أيضا أن يكون عارفا بمحال وقوع الكلام بأن يأتي بلفظ بدل آخر مساو له في المراد منه كسوقه للمدح أو الذم، قال في الآيات البينات وهل تشترط المساواة في كيفية أداء المراد منه فيعتبر نحو التأكيد والتقدم للاهتمام ولا يبعد اعتبار ذلك لأنه مما يؤكد الامتثال، نعم لا يخفى أنه لا يمكن مطابقة جميع ما اعتبره الشارع من الخواص على الوجه والحد الذي اعتبره الشارع من الخواص على الوجه والحد الذي أعتبره، فينبغي أن يكون الواجب مراعاة الخواص الظاهرة المؤثرة في الحكم هـ، قوله يفهم معناه جزم يعني أنه يشترط في جواز نقل الحديث بالمعنى أن يكون جازما أي قاطعا بفهم معنى الحديث وبأن العبارة التي عبر بها تدل على معناه، أما إن كان عن ظن فلا خلاف في المنع فإنه لا يتعين استواء ظن الناس فقد يظن إنسان شيئا ويظن آخر غيره وبعضهم بغلبة الظن يكتفي: والاستواء في الخفاء والجلا ... لدى المجوزين حتما حصلا الاستواء مبتدأ، خبره حصلا، وألفه للإطلاق، يعني: إن مجوزى نقل الحديث بالمعنى يشترط عندهم في الجواز مع ما ذكر معرفة استواء العبارتين في الخفاء والظهور فلا يبدل لفظ ظاهر الدلالة على معنى بلفظ خفي الدلالة على ذلك المعنى ولا يعكس لأنه ينشأ عن ذلك تقديم ما رتبته التأخير أو العكس لوجوب تقديم أجلا الخبرين المتعارضين على خلافه فالذي لا يعرف شيئا مما ذكر لا يجوز له تغيير اللفظ قطعا سواء نسى الراوي اللفظ أم لا.

وبعضهم منع في القصار ... دون التي تطول لاضطرار المراد بالبعض هنا القاضي عبد الوهاب، قال: المازري وانفرد القاضي عبد الوهاب بأنه يجوز النقل بالمعنى في الأحاديث الطوال للضرورة دون القصار، قال وفيه تفصيل: وهو أن الحديث الطويل إذا أورده غير قاصد نقله عنه لكونه لا يتعلق به حكم كحديث جريج الراهب ولا تحس الحاجة لنقله أو حكمه خاص بالسامعين لا يبعد جريان الخلاف في جواز نقله بالمعنى لعدم الحاجة لتغيير الألفاظ هـ من شرح حلولوا، والأحاديث الطوال كحديث الإسراء وحديث الإفك وحديث زمزم. وبالمرادف يجوز قطعا ... وبعضهم يحكون فيه المنعا يعني أن الأبياري من المالكية جعل من محل الاتفاق إبدال اللفظ بالمرادف بأن يؤتي بلفظ بدل مرادفه مع بقاء التركيب وبعضهم يحكون فيه المنع أي قولا بالمنع، فإذا غير التركيب لم يجز عند القائل بالجواز في المرادف فقط إذ قد لا يوفى بالمقصود، فلو كان الكلام فعلا وفاعلا مثلا فإبدال الفعل بمرادفه وأخره عن فاعله لم يجز، وإن صدق عليه إنه إبدال لفظا بمرادفه لأن التركيب لم يبق على حاله وكذا لو كان الفعل مؤخرا فقدمه لتفاوت المعنى بتقديم الفعل وتأخيره إذا الثاني يفيد تقوية الحكم والأول يفوتها، ولأن الجملة في الثاني اسمية تفيد الدوام والثبوت وفي الأول فعلية فلا تقيدهما وجوزن وفقا بلفظ عجمي ... ونحوه الإبدال للمترجم بكسر الجيم، يعني: إن الرهوني من المالكية وغيره حكيا الإجماع على جواز الترجمة عن الحديث بالفارسية ونحوها للضرورة في التبليغ للعجم، يعني ونحوها من لغات العجم والظاهر أنه يدخل

كيفية رواية الصحابي

فيه بالأولى لسان أهل الوقت لأنه صار لغة مع وجود الضرورة ومع إن جل مفرداته عربية والمقصود بالجميع التفسير لا أن هذا لفظه صلى الله عليه وسلم بل يجب عندي أن ينبه المبدل المخاطب على ذلك ومحل الجواز إذا كان الإبدال للإفتاء والتعليم لا للرواية فعلا. تنبيه: اعلم. إن محل الخلاف في جواز نقل للحديث بالمعنى إنما هو فيما لم يتعبد بلفظه أما ما تعبد بلفظه كالأذان والتشهد والتكبير في الصلاة والتسليم فلا يجوز فيه قطعا قال المحشي: واعلم إن من الشروط إن لا يكون ذلك المروى من جوامع الكلم التي اوتيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح نقلها بغير ألفاظها نحو الخراج بالضمان، البينة على المدعى، العجماء جبار، لا ضرر ولا ضرار، الآن حمى الوطيس، وأما اشتراط أن لا يكون المنقول من مصنفات الناس فقد جزم به ابن الصلاح في علوم الحديث وتعقبه ابن دقيق العيد بما يتحصل منه إنه إذا لم يؤد إلى تغيير ذلك التصنيف كان جائزا فتجوز روايته بالمعنى إذا نقلناه إلى أجزائنا وتاريخنا في أسانيدنا فإنه ليس فيه تغيير للتصنيف المتقدم هـ. كيفية رواية الصحابي أي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أربعها الصريح في السماع ... من الرسول المجتبي المطاع أرفعها بمعنى أقواها في الاحتجاج لأنه أبعد من الخلاف لعدم احتمال الواسطة التي يتوقع منها الخلل. منه سمعت منه ذا أو أخبرا ... شافهني حدثنيه صيرا

سمعت بتاء المتكلم مفعول صير، وذا مفعول سمع، وأخبر معطوف على سمعت، وألفه للإطلاق وكذا شافهني وحدثنيه بحذف عاطف كل منهما أي صير من اللفظ الصريح في السماع قول الصحابي سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم هذا، أو أخبرني به، أو شافهني به، أو حدثنيه، فهذا خبر يجب قبوله، (فقال عن)، يعني أنه يلي ما ذكر في القوة قول الصحابي قال صلى الله عليه وسلم كذا لأنه ظاهر في سماعه منه صلى الله عليه وسلم قال الفهري: أو يقول حدثنا أو أخبرنا فهو محمول على السماع عند الأكثر وبه قال جمع من المالكية، قال النووي والأكثر أنه متصل ويحتج به أيضا على أنه مرسل لقولنا في طلعة الأنوار. ومرسل الأصحاب قل متصل ... إذ غالبا عن الصحاب يحصل وقيل لا يحتج به لاحتمال أن تكون الواسطة تابعيا وكذا يحتج بقول الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا لظهوره في سماعه منه أيضا وإن كان دون الأول فهو مرتبة ثالثة فالأولى عطفه بالفاء التي تشير إلى أن كل صورة دون ما قبلها في القوة ومن ذلك تستفاد حكاية الخلاف الذي في الأولى في غيرها بالأولى وقيل لا يحتج به، واحتمال أنه سمعه من غيره صلى الله عليه وسلم أقرب من احتماله في قال. وخلاصة الكلام فيما الظاهر فيه السماع منه صلى الله عليه وسلم كما في الآيات البينات أنه لو علم أنه أسقط الواسطة فينبغي أن يقال أن علم أنه تابعي أو أحتمل احتمالا قويا كأن علم كثرة روايته عن التابعين كان كمرسل غير الصحابي وإن علم أنه صحابي أو ضعف احتمال غيره فإن بحثنا عن عدالة الصحابة ففيه خلاف

المرسل، وإن لم نبحث فله حكم المسند، وإن لم يوجد شيء من ذلك فينبغي الاحتجاج به لأن الظاهر إن الساقط صحابي والصحيح عدم البحث عن عدالته. ثم نهى أو أمرا ... إن لم يكن خير الورى قد ذكرا يعني أن مرتبة عن يليها مرتبة ما إذا قال الصحابي أمر بكذا أو نهى عن كذا ببنائهما للمفعول ومذهب المالكية قبوله ووجوب الاحتجاج به لظهوره في أنه عليه الصلاة والسلام هو الآمر والناهي لكنه دون ما قبله لاحتمال الواسطة مع احتمال الطلب الجازم وغيره وهل ذلك الأمر والنهي للكل أو البعض وهل دائم أو غير دائم وكذا أمرنا أو نهينا أو أوجب أو حرم وكذا رخص ببناء الجميع للمفعول فعندنا وعند الشافعي يحمل على أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم خلافا للكرخى من الحنفية، قال القرافي في شرح النتقيح: لكن العادة أن من له رئيس معظم فقال أمر بكذا أو أمرنا بكذا إما يريد أمر رئيسه ولا يفهم عنه إلا ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم هو عظيم الصحابة ومرجعهم والمشار إليه في أقوالهم وأفعالهم فنتصرف إطلاقاتهم إليه هـ. وحجة المخالف أن الفاعل إذا حذف احتمل النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الخلفاء فلا يثبت شرع بالشك وكذا يحتمل أن يكون الإيجاب والتحريم والترخيص استنباطا من قائله، وقولي: إن لم يكن خير الورى قد ذكرا. ببناء ذكر للمفعول مفهومه أنه إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بأن قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكذا مثلا لم يبق هناك احتمال الواسطة اتفاقا وبقى احتمال الثلاثة الأخر إذا قال أمرنا أو نهانا نمان لم يذكر

المفعول بقي احتمال ثبوت الواسطة أيضا، ومحل الخلاف ما لم يعرف من قرينة حال الراوي أو عادته أنه يعني الرسول عليه الصلاة والسلام فيكون ذلك كصريح عبارته بالسماع منه وذكر بعضهم أن الصحابي إذا قال أرخص لنا في كذا رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلا خلاف. (كذا من السنة يروى) بالبناء للمفعول يعني: أن قول الصحابي من السنة كذا كقول علي كرم الله وجهه: "من السنة أن لا يقتل حر بعبد" يحتج به عند الأكثر وهو مروى عن أهل المذهب لظهوره في سنته صلى الله عليه وسلم، وقيل لا لأن السنة تطلق على سنة الخلفاء، وسنة البلد، ولما قابل الفرض، ولما قابل الكتاب، وبه قال الكرخي من الحنفية والصيرفي من الشافعية وعزاه إمام الحرمين في البرهان للمحققين فإذا ظهر لعالم عادة في إطلاق السنة على غير سنته صلى الله عليه وسلم كما عرف عن مالك رحمه الله تعالى أنه يقول من السنة كذا ويريد ما استمر عليه عمل أهل المدينة عمل عليها بلا خلاف. تنبيه: الصيغ المتقدمة وهي من قال التي من السنة قول المالكية فيها إنها مرفوعة هو الصحيح عند الأصوليين وغيرهم وهو مذهب الجمهور ولا فرق بين قول الصحابي لها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده وقول التابعي لشيء مما ذكر مرسل قطعا والتحق. (كنا به إذا بعهده التصق)، يعني أنه يلي قول الصحابي من السنة قوله كنا إذا أتصل كنا بعهده صلى الله عليه وسلم أي حياته بأن قال كنا معاشر الناس نفعل في عهده صلى الله عليه وسلم أو كان

كيفية رواية غيره عن شيخه

الناس يفعلون في عهده فكنا نفعل في عهده فيلي ذلك كان الناس يفعلون فتليه كانوا لا يقطعون في الشيء التافه قالته عائشة رضي الله تعالى عنها، فأما ما أضيف إلى عهده فلظهوره في إطلاعه صلى الله عليه وسلم وتقريره وقيل لا لجواز أن لا يعلم به وأما ما لم يضف إليه فلظهوره في جميع الناس فهو إجماع، وقيل لا لجواز إرادة أناس مخصوصين. كيفية رواية غيره عن شيخه أي غير الصحابي للعرض والسماع والأذن أستوا ... متى على النوال ذا الاذن أحتوى استواء مصدر ممدود قصر للوزن واحتوى فعل ماض والنوال بالكسر بمعنى المناولة، يعني أن العرض وهو القراءة على الشيخ والسماع من لفظ الشيخ والاذن أي الإجازة مستوية في القوة عند مالك إذا كانت الإجازة معها المناولة كان يدفع إليه الشيخ أصل سماعه أو فرعا مقابلا به ويقول له أجزت لك روايته عني، وكون الإجازة المقرونة بالمناولة تساوي السماع هو ما ذهب إليه ابن شهاب وربيعة وخلق كثير، والسماع أقوى منها عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد وصححه النووي ولا يعمل بالمناولة المجردة عن الإجازة، قال القرافي في التنقيح وللسامع منه أي من لفظ الشيخ أن يقول حدثني وأخبرني وسمعته يحدث عن فلان أن قصد إسماعه خاصة أو ي جماعة وإلا فيقول سمعته يحدث وذكر في الشرح أن الفرق من جهة اللغة والعرض هو قراءتك على الشيخ أو قراءة غيرك عليه وأنت تسمع وهذا هو المراد بالعرض عند الإطلاق لا عرض المناولة فذاك يقيد بالمناولة سواء كانت قراءتك على الشيخ من كتاب أو حفظ وسواء

حفظ الشيخ ما قرأ عليه أم لا إذا أمسك أصله هو أوثقه غيره وهكذا إذا كان ثقة من السامعين يحفظ ما قرئ وهو مستمع غير غافل فذلك كان أيضا ولا فرق بين إمساك الثقة لأصل الشيخ وبين حفظ الشيخ لما يقرأ ويشترط في القارئ أن يكون وفي الشيخ أن يكون يبحث لو فرض تحريف أو تصحيف لرده. واعمل بما عن الإجازة روى ... إن صح سمعه بظن قد قوى يعني أن الرواية بالإجازة والعمل بالمروى بها جائز عندنا وعليه استقر العمل ومنع الرواية بها جماعة من أهل الأصول والمحدثين والفقهاء قال شعبة: لو جازت الرواية بها لبطلت الرحلة وقال بعض أهل الظاهر: لا يجب العمل به كالحديث المرسل والمراد بالإجازة هنا الإجازة المجردة عن المناولة سواء كانت مشافهة كان يقول الراوي لغيره قد أجزت لك أن تروي هذا الكتاب مثلا عني أو كانت كتابة كان يكتب إليه بذلك وإنما يعمل بالإجازة المجردة عن المناولة إذا صح عند المجاز سماع المجيز ما أجازه بظن قوى بأن كان يرويه بطريق صحيح لأن ذلك يقوم مقام المناولة والمقصود حصول اتصال السند بطريق صحيح كيف كان والمخاطب بقوله اعمل المجتهد في حق نفسه وفي حق غيره أما غير المجتهد فلا كما سيأتي في كتاب الاستدلال وفائدة الإجازة بقاء السلسلة والإجازة من جواز الماء الذي يسقاه الحرث والماشية تقول استجزت فلانا فأجازني إذا سقى حرثك وماشيتك كذلك طالب العلم يسأل العالم أن يجيزه علمه فيجيزه إياه فللمجيز على هذا أن يقول أجزت فلانا مسموعاتي وعلى أن الإجازة مأخوذة من الاذن والإباحة يقول أجزت له مسموعاتي بحرف الجر قال العراقي:

أجزته ابن فارس قد نقله ... وإنما المعروف قد أجزت له قال السيوطي في الإتقان: الإجازة من الشيخ غير شرط في جواز التصدي للاقراء والإفادة فمن علم من نفسه الأهلية جاز له ذلك وإن لم يجزه أحد وعلى ذلك السلف الأولون والصدر الصالح وكذلك في كل علم وفي الإقراء والإفتاء وإنما اصطلح الناس على الإجازة لأن أهلية الشخص لا يعلمها غالبا من يريد الأخذ عنه من المبتدئين والبحث عن الأهلية قبل الأخذ شرط فجعلت كالشهادة من الشيخ للمجاز هـ ثم قال لا يجوز أخذ الأجرة على الإجازة تنبيه: قل الشيخ أجزت فلانا جميع مسموعاتي هل يشمل ما سمعه بعد الإجازة بناء على أن الوصف حقيقة في حال التلبس لا حال التكلم أو لا بناء على الآخر؟ فيه نظر، قال في الآيات البينات: قوله أجزت لمن أدركني رواية مسلم هل يشمل من وجد بعد الإجازة بأن لم ينفصل إلا بعدها بناء على أن المراد أدرك زمني وهذا شامل لمن تأخر انعقاده عن الإجازة وإن لم ينعقد إلا بعد موته فيه نظر هـ. لشبهها الوقف تجى لمن عدم ... وعدم التفصيل فيه منحتم ببناء عدم للمفعول: يعني: إن الإجازة للمعدوم جائزة، قال عياض: أجازها معظم الشيوخ المتأخرين قال وبهذا استمر عملهم شرقا وغربا هـ وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، ولا فرق فيه أي في المعدوم بين المعدوم المحض والتابع للموجود قياسا على الوقف على المعدوم وإن لم يكن أصله موجودا حال الوقف ولأنها إذن فتصح وقد أجاز أصحاب الشافعي الإجازة للمعدوم التابع للموجود دون المعدوم وحده وقيل لا تجوز للمعدوم مطلقا لأن الإجازة في حكم الإخبار

بالمجاز فكما لا يصح الإخبار للمعدوم لا تصح الإجازة له نحو أجزت لفلان ولولده ما تناسلوا أو أجزت لك ولمن سيولد لك، وقال أبو داوود أجرت لك ولأولادك وحبل الحبلة، قال في الآيات البينات: ويبقي الكلام فيما لو قال أجزت لزيد ومن يوجد من نسل عمرو وينبغي أن الحكم كذلك ويؤيده شمول عبارتهم السابقة له هـ يعني أنها جائزة وعبارتهم السابقة هي التي فيها عطف المعدوم على الموجود والإجماع على منع الإجازة لكل من يوجد مطلقا أي من غير تقييد بالنسل قال الابياري اختلف قول مالك في إسناد الرواية إلى الإجازة والصحيح عندي عدم الجواز، وحكي الباجي الإجماع على جواز الرواية بها وذكر الخلاف في العمل بها والقول بالمنع محكي عن مالك وأبي حنيفة والشافعي: والكتب دون الأذن بالذي سمع ... إن عرف الخط وإلا يمتنع بجر الكتب عطفا على الإجازة في قوله: واعلم الخ وعرف مبني للمفعول يعني أنه يجوز لك أيها المجتهد أن تعمل بالكتب أي بكتب راو إليك بأن هذا سماعه ولم يأذن لك في روايته وإلا كان أجازه وإنما تعمل به إذا تحققته بنفسك أو ظننته أو شهدت بينة به وإلا فلا يجوز لعدم اتصاله قال القرافي ولا يقول سمعته ولا حدثني ويقول أخبرني لأن الإعلام والإخبار يصدقان بالرسائل وفي التحقيق هو مجاز لغوي حقيقة اصطلاحية فإن الإخبار لغة إنما هو في اللفظ وتسمية الكتابة إخبارا أو خبرا لأنها تدل على ما يدل عليه الإخبار والحروف الكتابية موضوعة للدلالة على الحروف اللسانية فلذلك سميت خبرا أو أخبارا من باب تسمية الدال باسم المدلول هـ:

والخلف في إعلامه المجرد ... واعملن منه صحيح السند يعني أنه وقع الخلاف في إعلام الشيخ لأحد بأن هذا سماعه أعني الإعلام المجرد عن الإجازة بأن يخبره أن هذا الكتاب أو هذا الحديث من سماعه عن فلان مثلا مقتصرا على ذلك هل تجوز الرواية به كما ذهب إليه كثير من المحدثين والفقهاء والأصوليين وإليه ذهب ابن حبيب وصححه عياض أو لا تجوز الرواية به قياسا على الشاهد إذا ذكر شهادته في غير مجلس الحكم لا يتحملها من سمعها دون إذن قاله غير واحد من المحدثين وغيرهم وقطع به الغزالي قال لأنه قد لا يجوز روايته عنه مع كونه سماعه لخلل يعرفه فيه هذا في الرواية وإما العمل به فواجب إن صح سنده كما جزم به ابن الصلاح وحكاه القاضي عن محققي الأصوليين، وادعى عياض الاتفاق عليه وإليه أشرنا بقوله: (واعملن منه) الخ. بقطع همزة أعملن أي اجعله معمولا به، قوله صحيح السند يعني وصحيح المتن أيضا لتوقف العمل به على ذلك وكذلك إذا كان حسنا يجب العمل به. واعلم أنه قد يصح السند أو يحسن لاستجماع شروطهما من الاتصال والعدالة والضبط دون المتن لشذوذ فيه أو علة وقد يصح المتن أو يحس دون السن كما في الصحيح لغيره والحسن لغيره، وانظرهما في منظومتنا؟ طلعة الأنوار وشرحنا لها. تنبيه: إنما لم أذكر المناولة المجردة عن الإجازة بأن يناوله الكتاب ولم يخبره أنه سماعه لأنه لا تجوز بها الرواية اتفاقا قاله الزركشي فليست من طرق التحمل خلافا للسبكي ونص ابن الصلاح على أن الرواية بها تترجح على الرواية بمجرد إعلام الشيخ لما في المناولة من الإشعار بالاذن في الرواية قال السيوطي وعندي إن كانت

المناولة جواباً لسؤال كأن قال له ناولن هذا الكتاب لأرويه عنك فناوله ولم يصرح بالاذن أي ولا أخبر بأنه سماعه كما هو ظاهر وكان وجهه الاكتفاء عن الإخبار بوقوعه في جواب لارويه عنك المتبادر منه إن المطلوب رواية مسموعاته صحت وجاز له أن يرويه كما تقدم في الإجازة بالخط بل هذا أبلغ وكذا إذا قال حدثني بما سمعت من فلان فقال هذا سماعي من فلان فتصح أيضا وما عدى ذلك فلا فان ناوله الكتاب ولم يخبره أنه سماعه لم تجز الرواية به بالاتفاق قاله الزركشي هـ. والأخذ عن وجادة مما انحظل ... وفقا وجل الناس يمنع العمل الوجادة بكسر الواو مصدر لوجد مولد غير مسموع من العرب يستعمله المؤلفون فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة. يعني أن الأخذ أي الرواية عما وجد مكتوبا من حديث أو كتاب بخط شيخ معروف محظول أي ممنوع عند معظم المحدثين والفقهاء المالكية وغيرهم وقد حكي عياض الاتفاق على منع الرواية بالوجادة وعن الشافعي ونظار أصحابه جوازه وقطع بعض محققي الشافعية بوجوب العمل بها عند حصول الثقة به وهذا أعنى ما وجد بخط شيخ معروف من باب المنقطع وفيه شائبة اتصال كما قاله النووي وغيره، وخرج بقولنا بخط شيخ معروف ما لو وجد حديث أو غيره في تأليف شخص وليس بخطه فهذا منقطع لا شوب من الاتصال فيه، والاعتماد على الخط حتى يعمل به أو يفتى إنما يجوز بحصول أحد أمور ثلاثة: أن يكون الكتاب مقابلا بمقابلة ثقة على نسخة صحيحة ويستحب تعدد النسخة المقابل عليها، وكذا تحصل الثقة

بنسخة غير مقابلة إذا كان كلاما منتظما وهو خبير فطن لا يخفى عليه غالبا مواقع الإسقاط والتغيير، وقال ابن فرحون في التبصرة وكذا تحصل الثقة بما يجده في نسخة غير موثوق بصحتها إذا وجده في عدة نسخ من أمثالها ويجري هذا كله في كتب الفقه وغيرها وإذا لم تحصل الثقة بالنسخة أصلا فقال ابن فرحون فإن وجده موافقا لأصول مذهبه وهو أهل التخريج مثله على المذهب لو لم يجده منقولا فله أن يفتى به فإذا أراد أن يحكيه عن إمامه فلا يقول قال الشافعي مثلا كذا أي ونحوه من صيغ الجزم وليقل وجدت عن الشافعي أو بلغني عنه كذا وما أشبهه، وأما إذا لم يكن أهلا لتخريج مثله فلا يجوز له أن يفتي به ويجوز له أن يذكره في غير مقام الفتوى مفصحًا بحاله فيه، نحو وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني: لا أعرف صحتها هـ ببعض اختصار. وأما الكتب الموثوق بصحتها بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة فيجوز أن تقول في شيء منها قال البخاري أو مالك أو خليل أو سبويه كذا لحصول الثقة بها وبعد التدليس عنها، ومن اعتقد أن الناس اخطأوا في ذلك فهو أولى بالخطأ ولولا جواز ذلك لتعطل كثير من المصالح المتعلقة بالطب والنحو واللغة والفقه في الشريعة، وقد رجع الشرع إلى قول الأطباء في مسائل وليست كتبهم في الأصل إلا عن قوم كفار، لكن لما بعد التدليس فيها اعتمد عليها. فإن لم تشتهر الكتب لغرابتها وكانت حديثة التصنيف لم يجز العمل والفتوى بما فيها حتى تعلم صحته بتضافر العلماء عليه أو بعزو نقولها إلى الكتب المعتمدة مع مقابلتها أو بعلمنا أن مصنفها يعتمد الصحة وهو موثوق بعدالته. وتجوز الفتوى بالطرر إذا كان ما فيها منسوبا بخط من يوثق به مع معرفتنا للخط وإلا فلا، وقد كان ايمة المذهب كعياض وابن سهل ينقلون ما في حواشي كتب الأئمة الموثوق

بعلمهم المعروفة خطوطهم وينسبونه إليهم ويدخلونه في كتبهم هـ جميع ذلك من تبصرة ابن فرحون. والطرر التي لا وثوق بها كشرح الجزولي وشرح يوسف ابن عمر كلاهما على الرسالة لأنهما ليستا بتأليف وإنما هما تقييد قيده بعض الطلبة زمن اقرائه فهو يهدي ولا يعتمد عليه ويؤدب من أفتى بمثله إذا خالف النصوص والقواعد قاله الحطاب في شرح خليل. وقد حذروا من الفتوى بما في تبصرة اللخمي لأن مؤلفها اخترمته المنية قبل تحريرها وتصحيحها، وكذلك أجوبة ابن سحنون، قال شارح عمليات فاس: لا تجوز الفتوى بما فيها ولا عمل عليه بوجه من الوجوه، وكذلك التقريب والتبيين لابن أبي زيد، وكذلك أجوبة القرويين، وكذلك أحكام ابن الزيات بالزاي والمثناة التحتية والمثناة الفوقية بعد الألف، وكذلك كتاب الدلائل والأضداد لأبي عمران الفاسي لأنها باطل وبهتان وغير صحيحة النسبة إلى من نسبت إليه. وما به يذكر لفظ الخبر ... فذاك مسطور بعلم الأثر يعني أن اللفظ الذي يردي به لفظ الحديث من نحو حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا مسطور مقرر في علم الحديث، قال السبكي وألفاظ الرواية من صناعة المحدثين أي لا من علم الأصول وإن تعرض لها بعض الأصوليين كابن الحاجب والفهري من المالكية. قال ابن حجر في فتح الباري: اعلم أن حدثنا وأنبأنا وأخبرنا بمعنى واحد في اللغة ومن أصرح الدلالة فيه قوله تعالى: "ولا ينبئك مثل خبير" "تحدث أخبارها" وإما في اصطلاح أهل الحديث ففيه خلاف فمنهم من مشى على موافقة اللغة وهو رأى الزهري ومالك وابن عيينة ويحيي القطان والبخاري وأكثر الحجازيين والكوفيين

كتاب الإجماع

وعليه عمل المغاربة ورجحه ابن الحاجب في مختصره ونقل عن الحاكم أنه مذهب الايمة، ومنهم من رأى التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل فيخصون التحديث بما يلفظ به الشيخ والإخبار بما يقرأ عليه وهذا مذهب ابن جريج والأوزاعي والشافعي وابن وهب وجمهور أهل المشرق، ثم أحدث أتباعهم تفصيلا آخر فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال: حدثني، ومن سمع مع غيره جمع فقال حدثنا، ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال أخبرني ومن سمع بقراءة غيره جمع، وكذا خصصوا الأنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه وكل هذا مستحسن وليس بواجب عندهم، وإنما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل وظن بعضهم أن ذلك على سبيل الوجوب فتكلفوا للاحتجاج له وعليه بما لا طائل تحته، نعم يحتاج المتأخرون إلى معرفة الاصطلاح فيحمل ما يرد من ألفاظ المتقدمين على محمل واحد بخلاف المتأخرين هـ ببعض اختصار، ومن أراد شفاء الغليل في معرفة ألفاظ الرواية مع الإيضاح والاختصار فعليه بمنظومتنا طلعة الأنوار. كتاب الإجماع والإجماع من الأدلة الشرعية ولا ينافيه كون المجمع عليه قد يكون شرعيا كحل النكاح ولغويا ككون الفاء للتعقيب وعقليا كحدوث العالم، ودنيويا كتدبير الجيوش لأن عده من الأدلة الشرعية لا ينافي عده من غيرها أيضا. وهو الاتفاق من مجتهد ... الأمة من بعد وفاة أحمد وأطلقن في العصر والمتفق عليه الإجماع لغة مشترك بين الأزماع

أي العزم على الشيء وبين الاتفاق، وفي الاصطلاح: اتفاق مخصوص وهو اتفاق مجتهدي أمة الإجابة بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في عصر علي أي أمر كان. والمراد بالاتفاق الاشتراك في الاعتقاد أو القول أو الفعل أو السكوت عند القائل بأنه إجماع أو في القدر المشترك بين الأربعة أو ثلاثة منها أو اثنين. قولنا في عصر هو المراد بقولنا وأطلقن في العصر، فلا يختص بعصر الصحابة وكذلك المراد من قولنا والمتفق عليه بالجر عطفا على العصر أنه يكون في أي أمر كان، أي سواء كان إثباتا أو نفيا شرعيا أو لغويا أو عقليا أو دنيويا، والمعتبر في الإجماع في كل فن أهل الاجتهاد في ذلك الفن وإن لم يكونوا من أهل الاجتهاد في غيره، فالعبرة في مسائل الكلام مثلا بالمتكلمين وإن لم يكونوا مجتهدين في غير الكلام ولا أثر للإجماع في العقليات عند إمام الحرمين لأن المعتبر فيها الأدلة القاطعة فإذا انتصبت لم يعارضها شفاق ولم يعضدها وفاق، واحترز عن اتفاق المجتهدين من الأمم السابقة فإنه وإن قيل إن إجماعهم حجة كما هو أحد المذهبين للأصوليين فليس الكلام إلا في الإجماع الذي هو حجة شرعية يجب العمل بها الآن وذلك وإن وجب العمل به فيما مضى على من مضى فقد انتسخ حكمه منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا بناء على أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا. (فالالغا لمن عم انتقى)، بفتح عين عم وبناء انتقى المفعول بمعنى اختير، يعني: إن المختار إلغاء العوام عن الاعتبار في الإجماع فلا يعتبر وفاقهم للمجتهدين بل المعتبر اتفاق المجتهدين فقط لإجماع الصحابة على عدم اعتبارهم وبه قال مالك والمحققون.

قال في "التنقيح": والمعتبر في كل فن أهل الاجتهاد من ذلك الفن وإن لم يكونوا من أهل الاجتهاد في غيره فيعتبر في الكلام المتكلمون وفي الفقه الفقهاء قاله الإمام وقال لا عبرة بالفقيه الحافظ للأحكام والمذاهب إذا لم يكن متمكنا، والأصولي المتمكن من الاجتهاد وغير الحافظ للأحكام خلافه معتبر على الأصح هـ. يعني غير الحافظ للأحكام بالفعل لكن فيه صلاحية لذلك بأن يكون له ملكة يقتدر بها على إدراك جزئيات الأحكام وذلك هو معنى تمكنه من الاجتهاد وقيل يعتبران وقيل لا يعتبر واحد منهما وقيل يعتبر الفقيه دون الأصولي لأنه أعرف بمواقع الاتفاق والاختلاق في علم الفروع وهو المقصود بالذات وممارسته تؤدي إلى معرفة قواعده وقيل لا، يعني أن القاضي قال بعدم إلغاء العوام فلابد من وفاقهم للمجتهدين في انعقاد الإجماع لدخولهم تحت عموم الأمة في قوله صلى الله عليه وسلم "لا تجتمع أمتي على ضلالة" ولفظ القرافي على خطأ وهم مؤمنون فتناولهم اللفظ فلا تقوم الحجة بدونهم قال القرافي وجوابه أن أدلة الإجماع يتعين حملها على غير العوام لأن قول العامي بلا مستند خطأ والخطأ لا عبرة به هـ. وقيل في الجلي ... مثل الزنا والحج لا الخفي يعني أن بعضهم اعتبر وفاق العوام في المسائل المشهورة كتحريم الزنا بالزاي وتحريم الطلاق للزوجة ووجوب الحج دون دقائق المسائل كالبيوع فيلغون قال في الآيات البينات: أن أريد بالعوام من عدى المجتهدين من العلماء أو من العلماء وغيرهم أشكل التفصيل بين المشهور والخفي مطلقا أو بالنسبة للعلماء لأن للعلماء خصوصا مجتهدي المذهب والفتوى من الأهلية التامة لإدراك الخفيات ما لا يخفي، وإن أريد بهم من عدى العلماء كما يدل عليه

بعض كلماتهم كقول المصنف في شرح المنهاج نقلا عن القاضي إذ لو قلنا إن خلاف العوام يقدح في الإجماع مع أن قولهم ليس إلا عن جهل أفضى هذا إلى اعتبار خلاف من يعلم أنه قال عن غير أصل هـ أشكل اعتبارهم دون من عدى المجتهدين من العلماء بل هم أولى بالاعتبار وقد نختار الأول ويجاب بأن من الخفيات ما لا يصلح له الصلاحية المعتبرة إلا المجتهدون هـ ويدل للاحتمال الثاني أيضا كلام القرافي: وقيل لا في كل ما التكليف ... بعلمه قد عمم اللطيف أي قيل لا إلغاء في كل الخ. يعني أن الباجي قال: ما كلفت الخاصة والعامة بمعرفته اعتبر فيه العامة وما كلفت الخاصة فقط بمعرفته كالبيوع وغيرها لم يعتبر فيه العوام قال وبهذا قال عامة الفقهاء والعامي لم يكلف بمعرفة نحو البيوع لمشتقها عليه قال ميارة في التكميل: وضابط المعفو من جهل عرا ... ما شق الاحتراز أو تعذرا وذكر القاضي عبد الوهاب قولين في اعتبار من لا يقول بالقياس واختار الابياري إن الظاهرية لا يعتد بخلافهم في المسائل لأن المقايسة من شرط الاجتهاد فمن لم يعتبرها لم يصلح للاجتهاد، قال القاضي عبد الوهاب وهذا غير صحيح فإنه لو لم يعتبر من لا يعتبر بعض المدارك لألغينا من لا يعتبر المراسيل والأمر للوجوب أو العموم أو غير ذلك وما من طائفة إلا وقد خالفت في نوع من الأدلة هـ واللطيف اسم من أسمائه تعالى وذا للاحتجاج أو أن يطلقا ... عليه الإجماع وكل ينتقي

يطلق وينتقي بمعنى يختار بنيان للمفعول، يعني أن هذا في قول القائلين باعتبار وفاق العوام في الإجماع هل هو للاحتجاج وهو ظاهر كلام الابياري والفهري منا، ومذهب الآمدي من الحنابلة فلا ينعقد الإجماع ولا يكون حجة حتى يوافقه العوام لاندراجهم تحت عموم الأمة ويؤيد هذا القول التفرقة بين المشهور والخفي لأن العوام يطلعون غالبا على المشهور دون الخفي، وعليه فالخلاف معنوي، أو قول القائلين باعتبار العوام إنما هو ليصح إطلاق إن الأمة أجمعت لا لافتقار الاحتجاج به إليهم فلا يقال أجمعت الأمة مع مخالفتهم بل يقال أجمع علماء الأمة وعليه فالخلاف لفظي إما على القول بعدم اعتبارهم وهو الذي عليه المحققون فيصح أن يقال أجمعت الأمة مع مخالفة العوام. قوله: وكل ينتقي، أي كل من القولين أي القول بتوقف إطلاق إن الأمة أجمعت على وفاقهم دون الحجية والقول بتوقف الحجية على ذلك وكل من ببدعة يكفر ... من أهل الأهواء فلا يعتبر البدعة بكسر الموحدة، ويكفر ويعتبر مبنيان للمفعول، يعني إن الإجماع علم اختصاصه بالمسلمين من إضافة المجتهدين للأمة التي هي أمة الإجابة فلا عبرة بقول الكافر وإن احتوى على علوم الشريعة كلها فخرج من نكفره ببدعته من أهل الأهواء أي مذاهب الزيغ في الاعتقاد، وإنما اختص بالمسلمين لأن الإسلام شرط في الاجتهاد فلا عبرة بوفاق الكافر ولا خلافه لأنه اعتبر في المجتهدين معرفة متعلق الأحكام من كتاب وسنة وما يتعلق بذلك كمعرفة الناسخ والمنسوخ وهذا لا يتصور في الكافر إذ لا يعتقد حقيقة الكتاب والسنة فكيف يعرف متعلق الأحكام منهما ولا ينافي ذلك ما دل عليه كلام السبكي في

مسألة المصيب في العقليات وأحد من تحقق الاجتهاد في الكافر لأنه بمعنى آخر غير ما قرره أولا مما هو المعتبر في الأحكام الشرعية قاله في الآيات البينات. فإن قيل يتصور في الكافر اعتقاد حقيقة الكتاب والسنة لكن بالنسبة إليه أيضا كمن كفر بإنكار رسالته صلى الله عليه وسلم بلسانه دون قلبه أو بنحو لبس الزنا. أجيب بأن اعتقاد الكافر ساقط الاعتبار لكفره فهو بمنزلة العدم، ألا ترى أن أخباره ساقط الاعتبار لكفره وإن تدين وتحرز عن الكذب، على أن لنا أن نقول المراد باتفاق المجتهدين على الحكم الذي هو معنى الإجماع اتفاقهم على ثبوته في حقهم وحق غيرهم وهذا لا يتصور ممن يعتقد تخصيص الرسالة إذ لا يمكن أن يأخذ من الكتاب والسنة حكما يتعلق به كغيره، قال الزركشي ولا يبعد أنه إذا كان الإجماع في أمر دنيوي أنه لا يختص بالمسلمين وارتضاه في الآيات البينات. والكل واجب وقيل لا يضر ... الاثنان دون من عليهما كثر بضم المثلثة، يعني: أن أصحاب مالك والجمهور قالوا لابد في الإجماع من اتفاق جميع المجتهدين فلا ينعقد الإجماع مع مخالفة مجتهد واحد كما يدل عليه إضافة مجتهد للأمة إذ هي تفيد العموم وهو مفرد لا جمع فيعم اتفاق الاثنين وغيرهما وإذا لم يكن في العصر إلا مجتهد واحد لم يكن إجماعا على المختار عند السبكي، وهو خارج بلفظ الاتفاق إذ لا اتفاق إلا من اثنين فأكثر. وقال ابن خويز منداد: لا تضر مخالفة الواحد والاثنين دون الثلاثة، وهنا أقوال أخر معزوة لغير أهل المذهب.

حجة القول الثاني قوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بالسواد الأعظم" ولأن اسم الأمة لا ينخرم بهما ولأنه إذا كان الإجماع حجة وجب أن يكون معه من وجب عليه الانقياد عليه. وأجيب عن الأول بأنه يفيد غلبة ظن أن الحق مع الأكثر، والمقصود القطع بحصول العصمة، وعن الثاني بأن اسم الأمة لا يصدق على بعضها إلا مجازا، وعن الثالث بأن المنقاد لإجماعهم من بعدهم ومن عاصرهم ممن ليس له أهلية النظر، والنزاع هنا فيمن له أهلية. وحجة القول الأول أن الأدلة إنما شهدت بالعصمة لمجموع الأمة والمجموع ليس بحاصل والأدلة كالحديث المتقدم وقوله تعالى "ويتبع غير سبيل المؤمنين" الآية. واعتبرن مع الصحابي من تبع ... إن كان موجودا وإلا فامتنع يعني أن التابعي الموجود متصفا بصفة الاجتهاد وقت اتفاق الصحابة لابد من اعتبار وفاقه لهم لأنه من مجتهدي الأمة في عصر وإلا يكن موجودا إذ ذاك متصفا بصفة الاجتهاد بأن كان غير متصف بها أو لم يوجد أصلا فلا اعتبار به بناء على مذهب الأكثر من عدم اشتراط انقراض العصر ثم انقراض العصر والتواتر ... لغو على ما ينتحيه الأكثر يعني أن انقراض عصر المجمعين بموت أهله ملغي لا يشترط في انعقاد الإجماع عند الأكثر من أهل الأصول الصدق تعريفه مع بقاء المجمعين ومعاصريهم، وخالف أحمد وابن فورك وسليم الرازي من الشافعية فشرطوا انقراض كلهم أو غالبهم أو علمائهم كلهم أو غالبهم أقوال اعتبار العامي والنادر. قال القرافي في التنقيح:

وانقراض العصر ليس شرطا خلافا لقوم من الفقهاء والمتكلمين لتجدد الولادة كل يوم فيتعذر الإجماع، وكذلك لا يشترط عند الأكثر بلوغ المجمعين عدد التواتر قال القرافي في التنفيح: ولا يشترط عند الأكثر بلوغ المجمعين إلى حد التواتر بل لو لم يبق إلا واحد والعياذ بالله لكان قوله حجة هـ. لقوله تعالى "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى" الآية لم يفصل بين قليلهم وكثيرهم، وحجة الأقل إنا مكلفون بالقطع بقواعد الشريعة فمتى قصر العدد عن التواتر لم يحصل العلم، وأجيب بأن التكليف بالعلم يعتمد سبب حصول العلم فإذا تعذر سبب حصول العلم سقط التكليف به ولا عجب في سقوط التكليف لعدم أسبابه أو شرائطه، وهو حجة. يعني إن الإجماع حجة عند الجميع خلافا للنظام والشيعة والخوارج لقوله تعالى "ومن يشاقق الرسول" الآية، وثبوت الوعيد على المخالفة يدل على وجوب المتابعة لهم في سبيلهم، وهو قولهم أو فعلهم ولقوله صلى الله عليه وسلم "لا تجتمع أمتي على ضلالة" أو على الخطأ "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله" "يد الله مع الجماعة "من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية" فهي وإن لم تتواتر لفظا فقد تواتر القدر المشترك وحصل العلم به وذلك التواتر المعنوي، والمخالفون احتجوا بأن اتفاق الجمع العظيم على الكلمة الواحدة محال عادة فكيف يوجد حتى يكون حجة، وأجيب بأن اتفاقهم زمن الصحابة ممكن ولا يكاد يوجد إجماع اليوم إلا وهو واقع في عصر الصحابة ومقصودنا أنه حجة إذا وقع ولم نتعرض للوقوع فإن لم يقع فلا كلام وإن وقع كان حجة. ولكن يحظل ... فيما به كالعلم دور يحصل

يحظل مبني للمفعول وهو بمعنى يمنع وفيما متعلق بيحظل والباء في به ظرفية والجار والمجرور متعلقان بيحصل. يعني أن الإجماع يمنع الاحتجاج به في كل عقلي يحصل الدور فيه إذا احتج عليه بالإجماع بأن تتوقف صحة الإجماع عليه، كعلم الصانع وقدرته ووجوده والرسالة والنبوءة لأن كون الإجماع حجة فرع ثبوت الرسالة له وفرع كون الله تعالى عالما فإن من لم يعلم بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا يرسله مؤيدا بالمعجزات الباهرات واختياره للرسالة دون غيره فرع ثبوت الإرادة والحياة لأن الحياة شرط في العلم والإرادة، فهذه شروط في الرسالة فلو ثبتت بالإجماع الذي هو فرع الرسالة لزم الدور وإنما كان الإجماع فرع الرسالة لأن ثبوت كونه حجة حصل بالكتاب والسنة اللذين لا يدركان إلا منه صلى الله عليه وسلم أما ما لا يتوقف حجية الإجماع عليه كخلق الأعمال وجواز الرؤية وحدوث العالم فيصح الاحتجاج عليه بالإجماع على الصحيح ويحتج بالإجماع في الأمور الدينية الشرعية كوجوب الصلاة اتفاقا وكذا يصح الاحتجاج به في الأمور الدنيوية كالآراء والحروب وتدبير الجيوش وأمور الرعية على الراجح فيجزم بأنه صواب مادامت المصلحة التي نيط بها الرأي قائمة فإذا تبدلت انتهى العمل بذلك الإجماع ولا يكون ذلك خرقا له ومقابل الراجح لا يتمسك به فإن الإجماع في الدنيوي لا يكون فوق صريح قول الرسول فيه وهو ليس بحجة فيه لقصة تلقيح النخل وقوله فيها "أنتم أعلم بأمر دنياكم" ولمراجعة الصحابة له ورجوعه إليهم في بعض الآراء كمنزل الجيش ببدر ويجاب بمنع كون قول الرسول ليس بحجة في مصالح الدنيا لأنه إن كان عن وحي فظاهر أو عن اجتهاد فهو الصواب على القول بأن اجتهاده لا يخطئ أو أنه لا يقر على

الخطأ على مقابله، وأما المراجعة فقد وقعت في اجتهاد قبل استقراره فاستقر على الصواب وأما تلقيح الدخل فإنه أمرهم فيه بترك التعلق بالأسباب فتركوا وفي قلوبهم تعلق بالأسباب من جهة اعتقادهم أنه لا يصلح إلا بذلك لما ألفوه من العادة لا من جهة النظر إلى مشيئة الله تعالى. (وما إلى الكوفة منه ينتمي)، أي يمتنع التمسك والاحتجاج بإجماع أهل الكوفة وكذا بإجماع أهل الكوفة والبصرة معا لأنه في الصورتين اتفاق بعض مجتهدي الأمة لا كلهم، وخالف في ذلك قوم لكثرة من سكنهما من الصحابة ونقله بعض الأصوليين في الكوفة فقط، قوله منه أي من الإجماع. (والخلفاء الراشدين فاعلم)، يعني لا يعتبر إجماع الخلفاء الأربعة منهم وذهب أحمد إلى أنه حجة لقوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" وأجيب بأنه محمول على إتباع السنة والكتاب لا على اتفاق من ذكر لأنه اتفاق بعض مجتهدي الأمة وأوجبن حجية للمدني ... فيما على التوقيف أمره بني وقيل مطلقا ... ) يعني أن إجماع أهل المدينة عند مالك فيما لا مجال للرأي فيه حجة لقوله صلى الله عليه وسلم "المدينة كالكير تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد"، والخطأ خبث فوجب نفيه عنهم ولأن خلفهم ينقل عن سلفهم فيخرج الخبر عن حيز الظن والتخمين إلى حيز اليقين. وقال بعض المالكية إن إجماعهم حجة مطلقا أي ولو كان فيما للاجتهاد فيه مجال خلافاً

للأكثر في قولهم أنه ليس بحجة مطلقا لجواز صدور الخطأ منهم لانتفاء عصمتهم فيحمل الحديث على أنها في نفسها فاضلة مباركة وإنما انتفت العصمة لأنهم بعض الأمة، ومفهوم قوله صلى الله عليه وسلم "لا تجتمع أمتي على خطأ" جواز وقوع الخطأ على بعض الأمة. وأجاب القرافي بأن منطوق الحديث المثبت أقوى من مفهوم الحديث النافي. تنبيه استدل ابن الحاجب للقول بأن إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين حجة عند مالك بأنهم أعرف بالوحي والمراد منه لمسكنهم محل الوحي وقد يؤخذ منه أن المراد بهم الصحابة الذين استوطنوا المدينة حياته صلى الله عليه وسلم وإن استوطنوا غيرها بعده والتابعون الذين استوطنوها مدة يطلعون فيها على الوحي والمراد منه بمخالطة أهلها الذين شاهدوا ذلك وهذا قد يقتضي أن تابع التابعين الذين سكنوا المدينة زمن التابعين الموصوفين بما ذكر مدة يطلعون فيها منهم على ما ذكر كذلك لكنه خلاف تقييده بالصحابة والتابعين. قال في الآيات البينات اللهم إلا أن يكون للغالب، ولا يتقيد الحكم بالساكنين بخصوص بيوت المدينة بل يشمل النازلين بالعوالي إذا كانوا يطلعون على ما ذكر، ولهذا كان العلماء مطلقا وخصوصا أهل الحديث يرجحون الأحاديث الحجازية على العراقية حتى يقول بعض أهل الحديث إذا جاوز الحديث الحرة انقطع نخاعه لأنها مهبط الوحي فيكون الضبط فيه أيسر وأكثر وإذا بعدت الشقة كثر الغلط والتخليط. (وما قد اجمعا ... عليه أهل البيت مما منعا) بالبناء للمفعول يعني أن إجماع أهل البيت من الإجماعات التي يمنع عند مالك الاحتجاج بها وهم على، وفاطمة، والحسنان رضي الله تعالى عنهم وحشرنا في زمرتهم والجمهور موافقون لمالك،

وذهب الشيعة إلى أنه حجة وحكي عنهم أن قول علي كرم الله وجهه وحده حجة لقوله تعالى: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت" الآية والخطأ رجس فوجب نفيه عنهم، وأجيب بمنع أن الخطأ رجس، والرجس قيل العذاب وقيل الإثم وقيل كل مستقذر ومنكر، وقول الشيعة بحجية إجماع أهل البيت مع إنكارهم حجية الإجماع أجاب عنه المحشي بأنهم إنما أنكروا كونه حجة على تفسيره المعروف لا مطلقا هـ يعني: بالمعروف اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في عصر علي أي أمر كان وما عرى منه على السنى ... من الإمارة أو القطعي ما معطوف على نائب فاعل منع يعني: أنه يمنع ما عرى منه أي من الإجماع من الاستناد إلى إمارة بفتح الهمزة أي دليل ظني ومن الاستناد إلى دليل قطعي إذ لابد لحجيته والتمسك به من مستند وإلا لم يكن لقيد الاجتهاد المأخوذ في تعريفه معنى بيان الملازمة إن الاجتهاد يقتضي الفحص عن شيء وهو هنا المستند سواء كان المستند قياسا أو دليلا ظنيا أو قطعيا كل منهما غير قياس أما استناده إلى القياس فالجمهور على جوازه وعزاه القرافي لمالك وقطع ابن الحاجب بجوازه وأما الوقوع فقال ابن الحاجب أنه الظاهر كإجماعهم على إمامة أبي بكر رضي الله تعالى عنه قياسا على إمامة الصلاة وكإجماعهم على تحريم شحم الخنزير قياسا على لحمه وقيل بعدم الوقوع وهو محجوج بما ذكر، وإما استناده إلى الإمارة وهي في عرف الأصول ما أفاد ظنا فهو مذهب مالك أيضا قال القرافي ومنهم من قال لا ينعقد عن إمارة بل لابد من الدلالة والدلالة في عرفهم ما أفاد علما حجة المجيز أنها تفيد الظن فأمكن اشتراك الجميع في ذلك الظن وحجة من قال لابد من الدلالة أن الظنون تتفاوت فلا يحصل

فيها اتفاق والدليل القاطع لا اختلاف فيه ورد بأن الدليل القاطع قد تعرض فيه الشبهات ولذلك اختلف العقلاء في حدوث العالم وكثير من العقليات القطعيات وكون الإجماع لابد له من مستند هو مذهب الجمهور وهو الصحيح وإلى تصحيحه أشار بقوله: علي السني، بفتح السين أي على القول السني وخالف قوم فقالوا: يصح الإجماع من غير مستند بأن يلهموا الاتفاق على الصواب وادعى قائله وقوع صور منه وقال القرافي: هو أمر جائز عقلاً غير أنه لابد له من دليل سمعي وقائلوه يقولون ذلك الدليل هو قوله صلى الله عليه وسلم «لا تجتمع أمتي على الخطأ» هو رد بأن فتياهم من غير مستند إتباع للهوى واتباع الهوى خطأ. وخرقه فامنع لقول زائد ... إذ لم يكن ذاك سوى معاند خرقه بالرفع معطوف على نائب فاعل منع أي منع خرق الإجماع بالمخالفة له وإنما حرم للتوعد عليه حيث توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين في الآية السابقة قال حلولو: أما كون خرق الإجماع حرامًا فأمر متفق عليه فيما علمت وقال ولي الدين: الاتفاق إنما هو إذا كان مستنده نصًا، فإن كان عن اجتهاد فالصحيح أنه كذلك وحكى القاضي عبد الجبار قولاً أنه يجوز لمن بعدهم مخالفتهم هـ وقال في «الآيات البينات» عند قول السبكي وخرقه حرام أقول هذا في القطعي وكذا في الظني بغير دليل راجح عليه كما هو ظاهره هـ وإذا كان خرق الإجماع حرامًا فاعلم تحريم إحداث قول زائد في مسألة اختلف فيها أهل عصر على قولين، وهذا القول بإطلاق المنع هو مذهب الأكثر وعزاه في البرهان لمعظم المحققين واختاره الأبياري منا وقال القائل بالحلية قد نفى الحرمة وبقية الأحكام والقائل بالحرمة قد نفى

الحلية وبقية الأحكام، فالفريقان متفقان على نفي ما سوى الحل والحرمة فانتفاء ما سواهما مجمع عليه فعندهم لا يكون أحداث الثالث إلا خارقا وإليه الإشارة بقولنا إذ لم يكن ذاك سوى معاند أي خارق أي لأجل أحداث الثالث لا يكون إلا خارقا منع بلا قيد. (وقيل إن خرق)، هذا قول ثان في أحداث قول ثالث وهو التفصيل بين أن يخرق أي يرفع ما اتفق عليه أهل العصر فيمنع أو لا يرفعه فلا يمنع بمجرد أحداث الثالث على هذا لا يكون خارقا بل تارة وتارة وإلى هذا القول ذهب الأمدي والفخر الرازي وابن الحاجب قال حلولو ووافق عليه الابياري وقال إذا وافق في كل صورة مذهبا فلا يكون خارقا قال اللهم إلا أن تكون الأمة قالت أن حكم المسألتين سواء عندنا بحيث لا يفترقان في الحكم على حال هـ. مثال الثالث الخارق ما حكي ابن حزم إن الأخ يسقط الجد وقد اختلف الصحابة فيه على قولين قيل يسقط بالجد وقيل يشاركه الأخ فإسقاطه بالأخ خارق لما اتفق عليه القولان من أن له نصيبا ومثال الثالث غير الخارق ما قال مالك وأبو حنيفة يحل متروك التسمية سهوا لا عمدا وقال الشافعي: يحل مطلقا وقيل يحرم مطلقا فالفارق بين السهو والعمد موافق لمن لم يفرق في بعض ما قاله بهذا مثل المحلى وهو خال من الأحداث إذ قول أبي حنيفة الظاهر أنه متقدم على قول الشافعي وأحرى إن كان أبو حنيفة مسبوقا بذلك القول وقال حلولو مثال ما لم يكن رافعا لو قال بعضهم يجوز فسخ النكاح بالعيوب الأربعة وقال بعضهم لا يفسخ بها فالقول بالفسخ بالبعض ثالث وليس برافع لما اتفقا عليه بل وافق في كل صورة مذهبا وقالت الظاهرية يجوز أحداث ثالث مطلقا أي خرق أم لا.

والتفصيل ... أحداثه منعه الدليل يعني أن أحداث التفصيل بين مسألتين لم يفصل بينهما أهل عصر حرام لما فيه من خرق الإجماع لأنه إتباع غير سبيل المؤمنين المتوعد عليه ولأن عدم التفصيل بين مسألتين يستلزم الاتفاق على امتناعه وقال بعضهم يمتنع إن خرق ويجوز إن لم يخرق ويلزم الخرق في صورتين: الأولى أن يصرحوا بعدم الفرق بينهما. الثانية أن يتحد الجامع بينهما الذي هو العلة كتوريث العمة والخالة فإن العلماء بين مورث لهما ومانع لهما والجامع بينهما الذي هو العلة عند الطائفتين كونهما من ذوي الأرحام فلا يجوز منع واحدة وتوريث أخرى فإن التفصيل بينهما خارق لإجماعهم في الصورة الأولى نصا وفي الثانية التزاما إذ توريث أحداهما دون الأخرى يستلزم أن العلة ليست كونهما من ذوى الأرحام وإلا لما استبدت به واحدة دون الأخرى وتلك العلة مجمع عليها وإن لم ينصوا على عدم الفرق ولم يتحد الجامع جاز التفصيل كقول مالك والشافعي بوجوب الزكاة في مال الصبي دون الحلي المباح وقد قيل تجب فيهما وقيل لا تجب فيهما فالمفصل موافق لمن لم يفصل في بعض ما قاله والعلة هنا متعددة إذ هي في الأولى مال صبي وفي الثانية حلى مباح والفرق بين مسألة أحداث القول الثالث وبين مسألة أحداث التفصيل هو أن متعلق الأقوال في الأولى واحد ومتعلق التفصيل متعدد وهذا هو المشهور وقال ولي الدين إن الأولى مفروضة في الأعم من كون المحل متحدا أو متعددا فلا يرد ما قاله شهاب الدين عميرة أن الأولى تغني عن الثانية كما اقتصر عليه ابن الحاجب لتوهمه اتحاد

المسألتين ولذلك احتيج إلى التصريح بهما دفعا لذلك التوهم وما يقصد به دفع التوهم من المطلوب المتأكد لاسيما إذا قوى كما هنا قال في الآيات البينات ويخرج منه جواب آخر وهو أنه لما اختلف تصوير المسألتين في كلامهم كان الاقتصار على أحداهما موهما أيهاما قويا ترك الأخرى وإن حكمها بخلاف حكم المذكورة وهذا يقتضي تأكد الجمع بينهما دفعا لذلك الإيهام هـ وردة الأمة لا الجهل لما ... عدم تكليف به قد علما بنصب ردة عطفا على مفعول منع والجهل معطوف على ردة وعدم مبتدأ خبره علم بالتركيب والجملة صلة ما يعني أن الدليل السمعي منع ارتداد الأمة كلها في عصر والدليل السمعي هو قوله صلى الله عليه وسلم "لا تجمع أمتي على ضلالة" وأيضا فإنهم أجمعوا على استمرار الإيمان فلو ارتدت كلها في عصر كان خرقا لذلك الإجماع وخرقه ممنوع والخرق يصدق بالقول والفعل كما يصدق الإجماع بهما وقيل بجواز ارتدادهم كلهم في عصر شرعا كما يجوز عقلا ولا يمنع الحديث من ذلك لانتفاء صدق الأمة حينئذ عليهم وأجيبت بأن معنى الحديث لا يجمعهم الله على أن يوجد منهم ما يضلون به الصادق بالارتداد قوله لا الجهل الخ أي لا يمنع الدليل السمعي كالعقلي اتفاق الأمة في عصر على جهل ما لم تكلف بمعرفته على الأصح لعدم الخطأ فيه كالتفصيل بين عمار وحذيفة رضي الله تعالى عنهما وقيل يمتنع وإلا كان الجهل سبيلا لها فيجب إتباعها فيه وهو باطل وأجيب بمنع كونه سبيلا لها إذ سبيل الشخص ما يختاره من قول أو فعل وعدم العلم بالشيء ليس من ذلك إما اتفاقها على جهل ما كلفت به فممنوع اتفاقا قال حلولو وقد تردد

الأئمة في الأدلة الدالة على عصمة الأمة من الخطأ في القول والفتيا هل تدل على عصمتهم في الفعل أولا رأى القاضي أنها لا تدل وليسوا بمعصومين في الفعل ورأى الإمام أنهم معصومون فيه كالعصمة في القول واختاره الأبياري ولكن قال الدلالة على ذلك ظنية لا قطعية هـ. والاتفاق على منع اتفاقها على جهل ما كلفت به ذكره المحلى وأورد عليه قول السبكي وفي بقاء المجمل غير معين، ثالثها الأصح لا يبقي المكلف بمعرفته أي ليعمل به فإنه يفيد قولا بجواز بقائه المستلزم للجهل به إلا أن يقال لا يلزم من عدم تبيينه الجهل به لجواز أن يعلم بطريق ما وإن لم يبينه الشارع أو يقال المراد هنا بما كلفت به ما تعلق بها على وجه التنجيز كما أجاب بهما في الآيات البينات، ولا يعارض له دليل، يعني أنه علم من جهة خرق الإجماع إن الإجماع بناء على الصحيح من أنه قطعي لا يعارضه دليل لا قطعي ولا ظني إذ لا تعارض بين قاطعين لا استحالة ذلك ولا بين قاطع ومظنون لإلغاء المظنون في مقابلة القاطع والمراد لا يعارضه معارضة يعتد بها بحيث توجب توقفا وإلا فلا مانع من وجود دليل ظني يدل على خلافه دلالة ظنية وقولنا بناء على الصحيح من أنه قطعي نحترز به عن الظني كالسكوتي فيعارضه الدليل كسائر الظنيات، ويظهر الدليل والتأويل، ببناء يظهر للمفعول يعني أنه علم من حرمة خرق الإجماع جواز أحداث أي إظهار دليل للحكم أو تأويل الدليل ليوافق غيره أو أحداث علة لحكم غير ما ذكروه من الدليل والتأويل والعلة لجواز تعدد ما ذكر ولو كان علة بناء على جواز تعددها ولا يحدث ما ذكر إلا إذا لم يخرق الإجماع لأن العلماء في كل عصر يستخرجون الأدلة والتأويلات من غير نكير وذلك إجماع سكوتي ولا يجوز الأحداث المذكور إذا كان خارقا بأن قالوا مثلا لا دليل ولا

علة ولا تأويل غير ما ذكرناه وقيل لا يجوز أحداث ما ذكر مطلقا لأنه من سبيل غير المؤمنين المتوعد على إتباعه وأجيب بأن المتوعد عليه ما خالف سبيلهم لا ما لم يتعرضوا له كما نحن فيه، ووجه الارتباط بين حرمة الخرق وجواز الأحداث المذكور حتى يكون الثاني معلومات من الأول أنه يفهم من حرمة الخرق جواز ما لا خرق فيه إلا لمقتض آخر ولا مقتضى هنا في الواقع أو بالنظر للأصل قاله في الآيات البينات والمراد بالأحداث المذكور الإظهار لا حقيقة الأحداث لوجود الدليل والعلة والتأويل في نفس الأمر وهو ظاهر أن حمل التأويل على وصف الدليل أعني كونه مؤولا أي مصروفا عن ظاهره فإن حمل على ما هو وصف المجتهد فحقيقة الأحداث متحققة بالنسبة إليه ويكون الأحداث مستعملا في معنييه نعم لو كان الدليل القياس وفسر بفعل المجتهد بالفعل كان أحداثا حقيقة. وقد منه على ما خالفا ... إن كان بالقطع يرى متصفا يعني أنه يجب تقديم الإجماع على ما خالفه من الأدلة إن كان الإجماع قطعيا قال في التنقيح وهو مقدم على الكتاب والسنة والقياس وقال في شرحه لأن الكتاب يقبل النسخ والتأويل وكذلك السنة والقياس يحتمل قيام المعارض وخفاؤه الذي مع وجوده يبطل القياس وفوات شرط من شروطه والإجماع معصوم قطعي ليس فيه احتمال هـ والإجماع القطعي فسره بقوله: وهو المشاهد أو المنقول ... بعدد التواتر المقول نعت للمنقول ومعناه الملفوظ به احترازا عن الإجماع السكوتي بأن الكتاب والسنة يقدمان عليه واحترز بعدد التواتر عما نقل

آحادا وإن كان حجة فإنه ظني قال القرافي في شرح التنقيح عقب كلامه السابق وهذا الإجماع المراد هنا هو الإجماع النطقي اللفظي المشاهد أو المنقول بالتواتر وأما أنواع الإجماعات الظنية كالسكوني ونحوه فإن الكتاب يقدم عليه هـ والإجماع المشاهد هو الذي لا واسطة فيه بينك وبين المجمعين وذلك قريب من التعذر في هذا القرن الثالث عشر وإن كانت الأرض لا تخلوا عن قائم مجتهد وما ذكره القرافي من تقويم الإجماع القاطع على ما ذكر يعضد ما في كلام ابن الحاجب وشراحه من التصريح بتقديم الإجماع على النص القاطع فإنه قال ومنها أي من الأدلة على أن الإجماع حجة قطعية أنهم أجمعوا على تقديمه على القاطع أي النص القاطع كما أفصح به الاصبهاني هـ قال في الآيات البينات أي أنهم أجمعوا على أن القاطع يقدم على غيره فلو لم يكن الإجماع الذي قدموه على النص القاطع قاطعا للزم تقديمه مع كونه غير قاطع على النص القاطع وحينئذ يكون الإجماع على تقديمه معارضا لإجماعهم على أن القاطع مقدم على غيره وذلك باطل ثم قال ولا يخفى أن تقديمه على النص القاطع فرع التعارض فهو قاطع عارضه قاطع وهو مناف لقول المصنف أي السبكي وأنه لا يعارضه دليل إذ لا تعارض بين قاطعين والجواب عندي أن كلام ابن الحاجب في نص قاطع المتن لتواتر سنده لا في قاطع الدلالة بناء على وجوده وإن الأدلة النقلية قد تفيد اليقين بانضمام تواتر أو غيره فالنص قطعي الدلالة لا يعارض الإجماع القطعي ويدل لما قلت قول القرافي المتقدم لأن الكتاب يقبل النسخ الخ وفي انقسامها لقسمين وكل ... في قوله مخط تردد نقل الضمير في انقسامها لامة الإجابة وقوله وكل مبتدأ خبره مخط منونا على الطاء بعد حذف الهمزة تخفيفا وفي قوله متعلق بمخط

وتردد مبتدأ ونقل بالبناء للمفعول صفة للمبتدأ وفي انقسامها خبره يعني أنه نقل عن الأصوليين تردد أي خلاف بالمنع والجواز في انقسام الأمة إلى فرقتين في كل من مسألتين متشابهتين كل من الفرقتين مخطئ في مسألة من المسألتين مثار الخلاف هل أخطأت الامة نظرا إلى ما في مجموع المسألتين فيمتنع ما ذكر لانتفاء الخطأ عنها بالأدلة السابقة وعليه الأكثر أو لم يخطأ إلا بعضها نظرا إلى كل مسألة على حدة فلا يمتنع وقال المحلى أنه الأقرب ورجحه الأمدي وقولنا متشابهتين تحرير لمحل النزاع فإن المسألة لها ثلاث حالات حالان متفق عليهما وحالة مختلف فيها فالمتفق عليهما اتفاقهم على الخطأ في المسألة الواحدة من الوجه الواحد لا يجوز إجماعا واتفاقهم على الخطأ في مسألتين متباينتين مطلقا يجوز إجماعا فخطأ المالكية والشافعية في مسألة من الجنايات والحنفية والحنابلة في مسألة من العبادات لم يقل أحد فاستحالته والمختلف فيه المسألة الواحدة ذات وجهين نحو المانع من الميراث غير أنه ينقسم إلى قسمين وقتل فهو يجوز أن يخطئ بعض في أحد القسمين فيقول القاتل يرث والعبد لا يرث فيخطئ في الأول دون الثاني ويقول الآخر العبد يرث والقاتل لا يرث فيخطئ في الأول دون الثاني فيكون القسمان من الأمة قد أخطأ في قسمين لشيء واحد فمن لاحظ اجتماع الخطأ في شيء واحد باعتبار أصل المانع المنقسم منع المسألة ومن لاحظ تنوع الأقسام وتعددها وأعرض عن المنقسم جوز ذلك فإنه في شيئين من نوع أنظره من قوله فإن المسألة لها ثلاث حالات إلى هنا في الآيات البينات وجعل من سكت مثل من أقر ... فيه خلاف بينهم قد اشتهر فالاحتجاج بالسكوت نمى ... تفريعه عليه من تقدما

يعني أن أهل المذهب وغيرهم اختلفوا في السكوت هل هو كالإقرار أولا وربما قالوا هل يعد السكوت رضي أولا عبارتان المراد منهما واحد ولذلك ذكر من تقدم وهم أهل الأصول تفريع الخلاف في الاحتجاج بالإجماع السكوتي على ذلك الخلاف الذي هو في السكوت هل هو رضي أولا. قال في التنقيح وإذا حكم بعض الأمة وسكت الباقون فعند الشافعي والإمام أي الرازي ليس بحجة ولا إجماع وعند الجبائي إجماع وحجة بعد انقراض العصر وعند أبي هاشم ليس بإجماع وهو حجة وعند أبي علي ابن أبي هريرة إن كان القائل حاكما لم يكن إجماعا ولا حجة وإن كان غيره فهو إجماع وحجة هـ. ولا أدري لم لم يعز قولا من تلك الأقوال لأهل المذهب مع أن كتابه موضوع بالذات لبيان أصول مالك ومع أن أهل المذهب لابد أن يقولوا ببعض هذه الأقوال اتفاقا أو اختلافا والخلاف في ذلك معروف في المذهب وقد ذكر حلولو إن كونه ليس بحجة ولا إجماع هو اختيار القاضي أبي بكر الباقلاني منا ثم قال القرافي في الشرح حجة. الأول أن السكوت قد يكون لأنه في مهلة النظر أو يعتقد أن قول خصمه مما يمكن أن يذهب إليه ذاهب أو يعتقد أن كل مجتهد مصيب أو هو عنده منكر ولكن يعتقد أن غيره قام بالإنكار عليه أو يعتقد أن إنكاره لا يفيد ومع هذه الاحتمالات لا يقال الساكت موافق للقائل وهو معنى قول الشافعي لا ينسب إلى ساكت قول وإذا لم يكن إجماعا فلا يكون حجة لأن قول بعض الأمة ليس بحجة وحجة الجبائي أن السكوت ظاهر في الرضى لاسيما مع طول المدة ولذلك قال عليه السلام في البكر وأذنها صماتها، وإذا كان الساكت موافقا كان إجماعا وحجة عملا بالأدلة الدالة على كون الإجماع حجة وحجة أبي

هاشم أنه ليس إجماعا لاحتمال السكوت ما تقدم من غير الموافقة وإما أنه حجة فإنه يفيد الظن والظن حجة لقوله عليه السلام أمرت أن أقضى بالظاهر، وقياسا على المدارك الظنية حجة أبي علي أن الحاكم يتبع أحكامه ما يطلع عليه من أمور رعيته فربما علم في حق بعضهم ما يقتضي عدم سماع دعواه لأمر باطن يعلمه وظاهر الحال يقتضي أنه مخالف للإجماع وكذلك في تحليفه وإقراره وغير ذلك مما انعقد الإجماع على قبوله وإما المفتى فإنما يفتى بناء على المدارك الشرعية وهي معلومة عند غيره فإذا رآه خالفها نبهه هـ وهو بفقد السخط والضد حرى ... مع مضى مهلة للنظر السخط بالضم والمهملة بالضم المدة بالضم يعني أن محل النزاع في سكوت من سكت إنما هو إذا فقد ما يدل على السخط والإنكار لقول المتكلمين وإلا فليس إجماعا اتفاقا وكذلك إذا ظهر منه الرضي بذلك فهو إجماع اتفاقا ولابد أن تمضى مهلة أي مدة يمكن فيها نظر الساكتين في المسألة وإلا فليس بإجماع اتفاقا وإنما فسرنا المهلة بالمدة لأنها عدة وآلة للنظر من حيث أنه لم يمكن إلا بمضيها ولابد من بلوغ الكل ولابد أن تكون المسألة تكليفية وإلا فليس برضى اتفاقا كالتفضيل بين عمار وحذيفة ومحل الخلاف أيضا إنما هو قبل استقرار المذاهب كما صرح به ابن الحاجب والرهوني لأن السكوت بعده لا يدل على الوافقة إذ العادة جارية بإنكار ذلك قوله وهو عائد إلى السكوت مبتدأ خبره حرى بمعنى حقيق ويفقد متعلق بحرى ولا يكفر الذي قد اتبع ... إنكار الإجماع وبيس ما ابتدع يعني أنه لا يكفر من اتبع واعتقد كون الإجماع ليس حجة لكن

ذلك بدعة شنيعة وهفوة فظيعة وقائل ذلك النظام من المعتزلة والشيعة والخوارج والقائلون بحجيته الجمهور وإنما لم يكفر منكر حجيته لأنه لم يثبت عنده الأدلة السمعية الدالة على وجوب متابعة الإجماع فلم يتحقق منه كفر لأنه لم يكذب صاحب الشريعة فحيث جحد كونه حجة بعدما ثبت عنده ورود خطاب الشرع بوجوب متابعة الإجماع كان مكذبا لتلك النصوص والمكذب كافر فلذلك كفر جاحد المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة وعليه نبه بقوله: والكافر الجاحد ما قد أجمعا ... عليه مما علمه قد وقعا عن الضروري من الديني يعني أنهم كفروا إجماعا جاحد الحكم المجمع عليه المعلوم أي المقطوع بكونه من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة والصوم والزكاة والحج ووجوب اعتقاد التوحيد والرسالة وتحريم الخمر والزنا ولو كان مندوبا أو جائزا كحلية البيع والإجارة لكن قيده عياض وابن عرفة وغيرهما بغير حديث عهد بالإسلام وأما هو فلا يكفر بإنكاره ما ذكر والمعلوم بالضرورة هو ما يعرفه الخواص والعوام من غير قبول للتشكيك فالتحق بالضروريات فبان لك أن الضرورة في قولهم المعلوم من الدين بالضرورة ليس معناها استقلال العقل بالإدراك دون الدليل لأن أحكام الشرع عند أهل السنة لا يعرف شيء منها إلا بدليل سمعي ولكن لما كان ما اشترك خواص أهل الدين وعوامهم في معرفته مع عدم قبول التشكيك شبيها بالمعلوم ضرورة في عدم قبول التشكيك وعموم العلم أطلق عليه أنه معلوم بالضرورة لهذه المشابهة وقولنا فالتحق بالضروريات أعني في إطلاق ما ذكر عليه وإنما كفر جاحد ما ذكر لأن جحده يستلزم تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فيه لأن سنده القطعي يصيره كمباشرة

السماع منه صلى الله عليه وسلم فالمجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة ليس التكفير بإنكاره لكونه إنكار مجمع عليه بل لكونه إنكار معلوم من الدين ضرورة فلم ينقل إلا مدى وابن الحاجب عن أحد عدم التكفير بإنكاره بل نقلا إنكار إسناد التكفير إلى كونه مجمعا عليه واتفقوا على أن إنكار حكم الإجماع الظني لا يوجب التكفير ولا يكفر جاحد المجمع عليه المعلوم من غير الدين بالضرورة اتفاقا كوجود بغداد ومثله المشهور في القوى ... إن كان منصوصا يعني أنه يكفر بإنكار الحكم المجمع عليه المشهور بين الناس المنصوص عليه بالكتاب والسنة على القول القوي أي الصحيح لما تقدم وقيل لا يكفر لجواز أن يخفي عليه مثاله عند المحلى حلية البيع والظاهر أنه مما علم من الدين بالضرورة كما عند حلولو واستدل المحشي لكونه لا يكفر بأن متكلمي أهل السنة عرفوا الكفر بأنه إنكار ما علم بالضرورة من دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما أنهم عرفوا الإيمان بأنه التصديق بما علم ضرورة أنه من دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولا واسطة عندهم بين الإيمان والكفر والتصديق والإنكار كلاهما أمر قلبي أقام الشارع ما يدل عليه من قول أو فعل مقامه ولو كان إنكارا المشهور الذي لم يعلم ضرورة كفرا لكان التعريف غير جامع هـ. وفي الغير اختلف ... إن قدم العهد بالإسلام السلف قدم بضم الدال والسلف فاعل اختلف يعني أن من سلف من أهل الأصول اختلفوا في تكفير جاحد المجمع عليه من الدين المشهور غير

كتاب القياس

المنصوص عليه قيل يكفر لشهرته وقيل لا يكفر لجواز أن يخفى عليه وهذا في قديم العهد بالإسلام أما حديث العهد به فلا يكفر إذا جحد المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة فضلاً عن غيره ولا يكفر جاحد المجمع عليه الخفي بأن لا يعرفه إلا الخواص كفساد الحج بالجماع قبل الوقوف بعرفة ولو كان الخفي منصوصاً عليه كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب فإنه قضى به النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري. كتاب القياس وهو الكتاب الرابع وهو لغة: التقدير والتسوية يقال قاس الجرح بالميل بالكسر أي المرود إذا قدر عمقه به ولهذا سمي الميل مقياسًا ويقال فلان لا يقاس بفلان أي لا يساويه والنظر في هذا الكتاب قال الفهري من أهم أصول الفقه إذ هو أصل الرأي وينبوع الفقه ومنه تتشعب الفروع وعلم الخلاف وبه تعلم الأحكام والوقائع التي لا نهاية لها فإن اعتقاد المحققين أنه لا تخلو واقعة من حكم ومواقع النصوص والإجماع محصورة روى ابن القاسم عن مالك أنه قال: الاستحسان أي الاجتهاد تسعة أعشار العلم والقياس اصطلاحا ذكره في قوله. بحمل معلومٍ على ما قد علم ... للاستوا في علة الحكم وسم وسم بالواو مبنياً للمفعول بمعنى ميز وعرف يتعلق به قوله مجمل وعلى ما قد علم يتعلق بحمل وكذا قوله للاستواء وقوله في علة الحكم يتعلق بالاستواء يعني أن القياس في الاصطلاح هو حمل معلوم على معلوم أي إلحاقه به في حكمه لمساواة المحمول للمحمول عليه في علة حكمه بأن توجد بتمامها في المحمول وذلك سر التعبير

بالاستواء دون الاشتراك الواقع في عبارة بعضهم لأن الاشتراك لا يستلزم وجود المعنى بتمامه وإنما عبرنا بالمعلوم دون الشيء ليتناول الموجود والمعدوم والمراد بالعلم مطلق الإدراك وإن كان ظنا قوله حمل معلوم أورد عليه أن الحمل فعل الحامل فيكون القياس فعل المجتهد مع أن القياس دليل نصبه الشرع نظر فيه المجتهد أم لا كالنص فلا ينطبق التعريف عليه ولا على شيء منه فاللائق تعريفه بما اختاره الأمدي وابن الحاجب من أنه مساواة فرع لأصل في علة حكمه قال المحشي وقد يجاب بأن كونه فعل المجتهد لا ينافي أن ينصبه الشرع دليلا إذ لا مانع أن ينصب الشرع حمل المجتهد من حيث هو أي الحمل الذي من شأنه أن يصدر عن المجتهد للاستواء في علة الحكم دليلا على أن حكم الفرع في حقه وحق مقلديه ما وقع الحمل فيه من حل أو حرمة هـ. ووجه العدول عن تعريف الأمدي وابن الحاجب أن الفرع والأصل إنما يعقلان بعد معرفة القياس فتعريف القياس بهما فيه دور والدور من مبطلات الحدود وقوله حمل معلوم الخ يحترز به عن ثبوت الحكم بالنص فلا يسمي قياسا وأورد أيضا على تعريف القياس بالحمل المذكور بأن فيه جعل الحمل جنسا للقياس مع أنه غير صادق عليه لأنه ثمرة القياس ولا شيء من ثمرة القياس بقياس. وأجاب السبكي بأنه اعتراض ضعيف لأن المراد بالحمل التسوية لا ثبوت الحكم في الفرع والتسوية نفس القيام لا ثمرته هـ وقد قال قيل ذلك بعد أن ذكر أن بعضهم قال القياس إثبات حكم معلوم لمعلوم وبعضهم قال إثبات مثل حكم معلوم لمعلوم ما نصه قال أبي رحمه الله تعالى وإذا تؤمل كل منهما وجد حد القاضي أولى منه لأن إثبات الحكم في الفرع نتيجة القياس لا عينه لأنك تقول الحق هذا بهذا

فأثبت حكمه له وحقيقة الإلحاق اعتقاد المساواة فأول ما يحصل في نفس القائس العلة المقتضية للمساواة ثم ينشأ عنها اعتقاد المساواة والقياس هو هذا الاعتقاد والحكم مستند إليه وهو حكم المعتقد في نفسه بما اعتقده من مساواة أحد الأمرين للآخر وهو إلحاقه به في الجهة المذكورة وهي ثبوت ذلك الحكم أو نفيه هـ. فالحمل والإلحاق عبارة عن وجوب المساواة كما للعضد أو عن المساواة كما للكرماني والسبكي صاحب جمع الجوامع أو عن اعتقاد المساواة كما تقدم عن والده وإن ثمرته والمستدل به عليه هو ثبوت الحكم في الفرع أنظره في الآيات البينات تنبيه تسمية الحمل المذكور قياسا من باب تسمية اللفظ ببعض مسمياته كتسمية الدابة بالفرس فالقياس على هذا حقيقة عرفية مجاز لغوي. وإن ترد شموله لما فسد ... فزد لدى الحامل والزيد أسد أي أصوب يعني أنه إذا خص المحدود بالقياس الصحيح اقتصر على ما ذكر في البيت قبل هذا لأن الماهية قد تحد بقيد كونها صحيحة وما ذكر لا يدل إلا على الصحيح لانصراف المساواة المطلقة إلى المساواة في نفس الأمر وإن أريد شموله للقياس زيد في الحد عند الحامل فقيل حمل معلوم على معلوم لمساواته في علة حكمه عند الحامل فإن الماهية قد تحد من حيث هي. قال القرافي في شرح التنقيح: ومعنى قولنا ليندرج القياس الفاسد أنا لو قلنا لاشتراكهما في علة الحكم لم يتناول ذلك إلا العلة المرادة لصاحب الشرع فالقياس بغيرها يلزم أن لا يكون قياسا لكن لما وقع الخلاف في الربا هل علته الطعم أو القوت أو الكيل أو غير

ذلك أي كالمالية من المذاهب في العلل وقاس كل إمام بعلته التي اعتقدها اجمعنا على أن الجميع أقيسة شرعية لأنا إن قلنا إن كل مجتهد مصيب فظاهر وإن قلنا المصيب واحد فلم يتعين أن يكون الجميع أقيسة شرعية مع أن جميع تلك العلل ليست مرادة لصاحب الشرع فالقائس بغير علة صاحب الشرع قياسه فاسد وهو قياس فلذلك قلنا عند المثبت ليتناول جميع العلل كانت علة صاحب الشرع أم لا هـ. وقد تبعنا في النظم للسبكي الماشي في تعريف القياس على مذهب المخطئة وهم القائلون أن المصيب واحد فالمعتبر عندهم في صحة القياس مساواته في نفس الأمر فإن لم يساو ما في نفس الأمر فهو فاسد وإن ساوى في ظن المجتهد وإما المصوبة وهم القائلون كل مجتهد مصيب فالصحيح عندهم هو ما حصلت فيه المساواة في نظر المجتهد سواء ثبتت في نفس الأمر أم لا فحقهم إن يقولوا في تعريف الصحيح هو مساواة فرع لأصل في نظر المجتهد حتى لو تبين غلط القياس ووجب الرجوع عنه لم يقدح عندهم في صحته بل ذلك انقطاع الحكم لدليل صحيح آخر حدث وكان قبل حدوثه القياس الأول صحيحا وإن زالت صحته بخلاف المخطئة فإنهم لا يرون ما ظهر غلطه ووجب الرجوع عنه محكوما بصحته إلى زمان ظهور غلطه بل مما كان فاسدا وتبين فساده فقد رأيت حد الطائفتين للقياس الصحيح فلو أريد إدخال الفاسد عندهما مع الصحيح في الحد لم تشترط المساواة لا في نفس الأمر ولا في نظر المجتهد وقيل أنه تشبيه فرع بأصل لأنه قد يكون مطابقا لحصول الشبه وقد لا يكون لعدمه وقد يكون المشبه يرى ذلك وقد لا يراه.

قوله والزيد أسد من السداد بالسين المهملة يعني أن زيادة عند الحامل أصوب لأنه لابد منه في تعريف الصحيح على مذهب المصوبة وأما على مذهب المخطئة فإنه لا يذكر لإدخال الفاسد والأكثر تعريف الشيء بما يشمل صحيحه وفاسده ولذا يقولون مثلا صلاة صحيحة وصلاة فاسدة لأنهم عرفوها بما يشمل الأمرين حيث قالوا قربة فعلية ذات إحرام وسلام أو سجود فقط. وقال ابن عرفة والمعرف حقيقته المعروضة للصحة أو الفساد فالمعرف مبتدأ وحقيقته مبتدأ ثان والمعروضة خبر. تنبيه: قال المحلى والفاسد قبل ظهور فساده معمول به كالصحيح هـ. لما قرر أنه يعتبر في القياس الصحيح المساواة في نفس الأمر خاف أن يتوهم أنه لا يجوز العمل بالقياس حتى تتحقق صحته بتحقق المساواة في نفس الأمر فبين أنه يكفى في العمل ظن صحته ويحتمل أن يكون الغرض منه بيان أنه من أفراد الصحيح ظاهرا دفعا لتوهم خروجه وهو ما فهمه شهاب الدين عميرة قال قوله معمول به أي فهو صحيح في الظاهر هـ. لكن كونه من أفراد الصحيح ليس مجزوما به كما فهمه بل فيه احتمالان. تنبيه آخر: قال في الآيات البينات ظاهره أي ظاهر كلام المحلى أنه ظهور فساده لا ينقض ما مضى من العمل به لكن يتجه فيه أن صدر من مجتهد تفصيل يعلم مما يأتي في مبحث تغيير الاجتهاد فإن صدر من غيره كمقاد مما يأتي في مبحث تغيير الاجتهاد فإن صدر من غيره كمقاد قاس على أصل أمامه ثم تبين فساد قياسه اتجه نقض ما مضى هـ.

والحامل المطلق والمقيد، بصيغة اسم المفعول فيهما يعني أن الذي يجوز له حمل معلوم على معلوم لمساواته في علة حكمه هو المجتهد المطلق وكذلك المجتهد المقيد والمراد به مجتهد المذهب وهو المتمكن من تخريج الوجوه على نصوص إمامه وستأتي أبحاث المجتهدين عند ذكرهم في كتاب الاجتهاد وهو قبل ما رواه الواحد يعني أنه إذا تعارض القياس وخبر الآحاد قدم القياس قال في التنقيح وهو مقدم على خبر الواحد عند مالك لأن الخبر إنما ورد لتحصيل الحكم والقياس متضمن للحكمة فيقدم على الخبر هـ. والمانع من ذلك يقول إن القياس فرع النص والفرع لا يقدم على أصله بيان كون القياس فرع النص أن القياس لم يكن حجة إلا بالنص وكون المقيس عليه لابد أن يكون منصوصا عليه وإما كون الفرع لا يقدم على أصله فلأنه لو قدم عليه لأبطل أصله وإذا بطل أصله بطل هو وأجيب بأن النصوص التي هي أصل القياس غير النص الذي قدم عليه القياس فلم يتقدم الفرع على أصله بل على غير أصله. وقبله القطعي من نص ومن ... إجماعهم عند جميع من فطن فطن مثلث الطاء لكن الأولى في البيت قراءته بالكسر أو الضم يعني أن كلا من النص والإجماع القطعيين يقدم على القياس الظني والقطعيان لا يتعارضان وسيأتي القطعي من القياس والظني. وما روى من ذمه فقد عنى ... به الذي على الفساد قد بني أفعاله الثلاثة مبنية للمفعول يعني أن ما روى عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم من ذم القياس محمول كما قال القرافي على

القياس الفاسد الوضع لمخالفته النص ومن شرط القياس أن لا يخالف النص والمروى منه ما هو في ذم خصوص القياس ومنه ما هو في ذم مطلق الرأي. فالأول كقول علي كرم الله تعالى وجهه كما في شرح التنقيح لو كان الدين يؤخذ قياسا لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره. وقوله صلى الله عليه وسلم تعمل هذه الأمة برهة بالكتاب وبرهة بالسنة وبرهة بالقياس فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا. ومثال الثاني ما ثبت أن الصحابة كانوا يذمون الرأي أي القياس كقول الصديق رضي الله تعالى عنه أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي وقال عمر رضي الله تعالى عنه إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث فضلوا وأضلوا، فالمراد الأقيسة الفاسدة والآراء الفاسدة، جمعا بينهما وبين ما جاء في الدلالة على العمل به كإجماع الصحابة على العمل به وكقول عمر لأبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما أعرف الأشباه والنظائر وما اختلج في صدرك فألحقه بما هو أشبه بالحق. قال القرافي وهذا هو عين القياس وقد نبه عليه الصلاة والسلام على القياس في مواضع. والحد والكفارة التقدير ... جوازه فيها هو المشهور التقدير معطوف على الحد بمحذوف يعني أن جواز القياس في الثلاثة والعمل به هو مشهور مذهبنا ومنعه أبو حنيفة فقد نقل القرافي عن الباجي وابن القصار من المالكية اختيار جريانه في الحدود والكفارات والتقديرات.

مثاله في الحدود قياس اللائط على الزاني بجامع إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا وقياس النباش على السارق في القطع بجامع أخذ مال الغير من حرز مثله خفية. ومثاله في الكفارات اشتراط الإيمان في رقبة الظهار قياسا على رقبة القتل بجامع إن كلا منهما كفارة. ومثاله في التقديرات جعل أقل الصداق ربع دينار قياس على إباحة قطع اليد في السرقة بجامع إن كلا منهما فيه استباحة عضو واحتج المانع بأنها لا يدرك فيها المعنى وأجيب بأنه يدرك في بعضها فيجري فيه القياس. ورخصة بعكسها والسبب مبتدأ خبره محذوف أي والسبب كذلك في كونه بعكسها يعني أن الرخصة والسبب أي الشرط والمانع بعكس الثلاثة المذكورة في البيت قبل هذا فإن المشهور فيها عندنا عدم جواز القياس فيها. قال في التنقيح المشهور أنه لا يجوز إجراء القياس في الأسباب كقياس اللواط على الزنا في الحد لأنه لا يحسن أن يقال في طلوع الشمس أنه موجب للعبادة كغروبها هـ ودليل المانع له في الأسباب جار في الشروط والموانع والدليل هو كون القياس فيها يخرجها عن أن تكون كذلك إذ قد يكون السبب والشرط والمانع هو المعنى المشترك بينها وبين المقيس عليه لا خصوص المقيس عليه والمقيس والمراد تعليل المنع باستلزام القياس نفي السببية وما عطف عليها عن خصوص المقيس والمقيس عليه لا نفي المعنى المشترك عن خصوص ما ذكر. قال في الآيات البينات صورة القياس في الشروط أن يشترط شيء في أمر فيلحق بذلك آخر في كونه شرطا لذلك الأمر فيؤول الحال

إلى أن الشرط أحد الأمرين ويظهر بالقياس أن النص على اشتراط الشيء الأول لكونه ما صدق الشرط في جزئية من جزئياته لا لكونه بعينه هو الشرط وهكذا في الباقي هـ أي في الأسباب والموانع مثال السبب قياس التسبب في القتل بالإكراه على التسبب فيه بالشهادة ومثاله في الشرط قياس استقصاء الأوصاف في بيع الغائب على الرؤية ومثاله في المانع قياس النسيان للماء في الرحل على المانع من استعماله حسا كالسبع واللص وأجرى القرافى الخلاف في الاستثناء بإرادة الله تعالى أو بقضائه هل يتنزل منزلة الاستثناء بالمشيئة أو لا على الخلاف في القياس في الأسباب وقال إن حجة الجواز أن السببية حكم شرعي فجاز القياس فيها كسائر الأحكام وأما الرخص فقد حكي المالكية عن مالك قولين في جواز القياس عليها والمشهور إنها لا تتعدى محلها وخرجوا على القولين فروعا كثيرة منها لبس خف على خف أعنى أنها لا تتعدى محلها إلى مثل معناه كقياس عادم الماء في الحضر على عادمه في السفر في جواز التيمم للنافلة وتعدى إلى أقوى منه اتفاقا وتمنع تعديتها إلى الأدنى اتفاقا قال القرافي في شرح التنقيح حجة المنع إن الرخص مخالفة للدليل فالقول بالقياس عليها يؤدى إلى كثرة مخالفة الدليل فوجب أن لا يجوز حجة الجواز أن الدليل إنما يخالفه صاحب الشرع لمصلحة تزيد على مصلحة ذلك الدليل عملا بالاستقراء وتقديم الأرجح هو شأن صاحب الشرع وهو مقتضى الدليل فإذا وجدنا تلك المصلحة التي لأجلها شرع الحكم في صورة وجب أن يخالف الدليل لها عملا برجحانها فنحن حينئذ كثرنا موافقة الدليل لا مخالفته هـ. وغيرها للاتفاق ينسب يعني أن جواز القياس والاحتجاج به في غير المذكورات أمر متفق عليه عند أهل المذهب ونعني بالغير الأمور

الدنيوية والأحكام الشرعية قال القرافي في التنقيح وهو حجة عند مالك وجميع العلماء خلافا للظاهرية وقال أيضا وهو حجة في الدنيويات اتفاقا كمداواة الأمراض أي والأغذية بأن يقاس أحد الشيئين على الآخر فيما علم له من إفادته دفع المرض المخصوص مثلا لمساواته له في المعنى الذي بسببه أفاد ذلك الدفع قال في الآيات ووجه كون القياس في نحو الأدوية قياسا في الأمور الدنيوية أنه ليس المطلوب به حكما شرعيا بل ثبوت نفع هذا الشيء لذلك المرض مثلا وذلك أمر دنيوي هـ. نعم يمكن أن يكون المطلوب به حكما شرعيا لأنه إذا ثبت كونه دواء جاز للعارف بذلك أن يداوي به غيره أي جاز شرعا وإذا نشأ عنه عطب لم يضمن. تنبيه: كون القياس من الأدلة الشرعية لا ينافي أن يكون في الأمور الدنيوية. وإن نمى للعرف ما كالطهر ... أو المحيض فهو فيه يجري يعني أن القياس يجوز جريانه في الأمور العادية إذا كانت منضبطة أي لا تختلف باختلاف الأحوال والأزمنة والبقاع كأقل الطهر وأكثر الحيض وأثله وأقل الحمل فهذه لانضباطها يجوز القياس عليها كما يجوز التعليل بها كما يأتي في قوله ومن شروط الوصف الانضباط فيقاس النفاس على الحيض في أنه أقله قطرة عندنا أو يوم وليلة عند الشافعية وإذا لم ينضبط العادي لا يجوز القياس عليه فيرجع إلى قول المخبر الصادق من ذوات الحيض والنفاس والحمل ومن له إطلاع على أحوالهن.

أركانه

وهذا القسم الثاني الذي قلنا لا يجوز القياس فيه هو الظاهر من مراد قول القرافي في التنقيح لا يدخل القياس فيما طريقه الخلقة والعادة كالحيض هـ. لأنه قال في شرحه لا يمكن أن تقول فلانة تحيض عشرة أيام وينقطع دمها فوجب أن تكون الأخرى كذلك قياسا عليها فإن هذه الأمور تتبع الطباع والأمزجة والعوائد في الأقاليم فرب إقليم يغلب عليه معنى لا يغلب على غيره من الأقاليم هـ. فأي وجه لمنعه إذا كان منضبطا وهذا التفصيل ذكره أبو إسحاق الشيرازي في شرح اللمع وقال الباجي لا يصح القياس في الأمور العادية إلا أن تكون عليها إمارة كالحيض فيجوز هـ. بخلاف ما لا إمارة فيه لأن أشباهه غير معلومة لا ظنا ولا قطعا. أركانه أي أركان القياس وهي أربعة مقيس ومقيس عليه ومعنى مشترك بينهما وهو العلة وحكم المقيس عليه وأركان الشيء أجزاؤه الداخلة فيه التي يتركب منها حقيقة كما تقدم والي عد أركانه الأربعة أشار بقوله: الأصل حكمه وما قد شبها ... وعلة رابعها فانتبها أي هي الأصل وسيأتي وحكم الأصل والمشبه وهو الفرع وهو المحل المشبه بالأصل وقيل حكم ذلك المحل قوله وعلة رابعها مبتدأ وخبره مقدم.

والحكم أو محله أو ما يدل ... تأصيل كل واحد مما نقل بالبناء للمفعول يعني أنهم اختلفوا في الأصل الذي هو أحد أركان القياس الأربعة فقبل الحكم أي حكم المشبه به وبه قال الإمام الرازي وقيل المحل أي محل الحكم أي المقيس عليه وهو قول الفقهاء وبعض المتكلمين وقيل أن الأصل هو دليل الحكم في المحل المشبه به وبه قال جمهور المتكلمين فالمحل هو الخمر مثلا وحكمه هو التحريم ودليله آية إنما الخمر والميسر قال ابن الحاجب الأصل ما بيني عليه غيره فلا بعد في الجميع لأن الفرع بيني على حكم الأصل وعلى دليله وعلى محله. وقس عليه دون شرط نص ... يجيزه بالنوع أو بالشخص يعني أنه يجوز القياس على الأصل الذي يقاس عليه دون اشتراط نص أي دليل على جواز القياس على ذلك الأصل لا باعتبار توعه فيجوز القياس في مسائل البيع مثلا دون دليل خاص يدل على جواز القياس فيه ولا باعتبار شخصه هذا مذهب الجمهور وخالف عثمان البتي فقال باشتراط أحد الأمرين مثاله باعتبار الشخص قياس أنت حرام على أنت طالق فإنه قد ثبت فيصح قياس خلية أو برية على أنت طالق في لزوم الطلاق به والبتي بفتح الموحدة بعدها مثناه فوقية نسبة إلى بيع البتوت جمع بت وهي الثباب كان يبيعها بالبصرة وذكر ابن الاثير أن نسبته إلى البت موضع بنواحي البصرة في زمن أبي حنيفة. وحكم الأصل قد يكون ملحقا ... لما من اعتبار الأدنى حققا وعلة وجودها الوفاق ... عليه يأبي شرطه الحذاق علة مبتدأ ووجودها مبتدأ ثان والوفاق مبتدأ ثالث وجملة يأبى

شرطه الحذاق خبر الثالث وهو وخبره خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول وعليه متعلق بالوفاق يعني أنه لا يشترط عند الحذاق أي المحققين من أهل الأصول الإجماع على وجود العلة في الأصل فيصح القياس على أصل اختلف في وجود العلة فيه خلافا لبشر المريسي في قوله لابد من الاتفاق على أن حكم الأصل معلل ومن الاتفاق على وجود العلة في الأصل ويقوم مقام الاتفاق على تعليل حكم الأصل النص على غير تلك العلة في الأصل والمريسي نسبة إلى مريس كشريف قرية من قرى مصر وهو بشر بن غياث بن أبي كريمة كان بشر من أكابر المبتدعة إلا أنه أخذ الفقه علي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة وحكم الأصل قد يكون ملحقا ... لما من اعتبار الأدنى حققا هذا شروع في الكلام على الركن الثاني من أركان القياس وهو حكم الأصل يعني أن ابن رشد ذكر في المقدمات أن مذهب مالك وأصحابه جواز كون حكم الأصل ملحقا أي مقيسا على أصل آخر لما حقق أي ثبت من وجوب اعتبار الأدنى أي الأقرب فلا يصح البناء على الأبعد فإذا ثبت الحكم في فرع صار أصلا يقاس عليه بعلة أخرى مستنبطة منه وكذا القول في الفرع الثاني والثالث وما بعده قال ابن رشد ولم يختلفوا فيه على ما يوجد في كتبهم من قياس المسائل بعضها على بعض فقول السبكي الثاني حكم الأصل ومن شرطه ثبوته بغير القياس خلاف مذهبنا. مستلحق الشرعي هو الشرعي ... وغيره لغيره مرعى الشرعي الأول بسكون الياء للوزن والأصل فيه التشديد كما في الذي بعده يعني أن حكم الأصل لابد أن يكون شرعيا لا لغويا ولا عقليا

غير شرعي إذا استلحق حكما شرعيا فإن كان المطلوب إثباته غير ذلك بناء على جواز القياس في العقليات واللغويات فلابد أن يكون حكم الأصل غير شرعي وهذا معنى قوله وغيره لغيره مرعى بفتح الميم أي محفوظ ومروى عن أهل الأصول والنفي الأصلي ليس بحكم شرعي على المختار كما تقدم في المقدمة وإنما قلنا ولا عقليا غير شرعي لأن العقليات قد تكون شرعية كجواز رؤيته تعالى قوله مستلحق هو بكسر الحاء. وما بقطع فيه قد تعبدا ... ربي فلحق كذاك عهدا تعبد بفتح الموحدة وما ملحق بالفتح وعهد بمعنى عرف مبني للمفعول يعني أن حكم الأصل إذا كنا متعبدين فيه أي مكلفين بالقطع أي اليقين كالعقائد لا يقاس على محله إلا ما يطلب فيه القطع بأن علم حكم الأصل وما هو العلة فيه ووجودها في الفرع خلافا للغزالي في قوله إنما تعبد فيه بالعلم لا يجوز إثباته بالقياس كمن يريد إثبات حجية خبر الواحد بالقياس على قبول الشهادة هـ أي شهادة الشاهدين ووجه الهندي كلام الغزالي بأن القياس التمثيلي لا يقيد به الظن إذ تحصيل العلم بكون هذا الحكم معللا بالعلة الفلانية وبحصول تمام تلك العلة في الفرع متعذر أو متعسر فإثبات المسألة العلمية به إثبات للعلمي بالظني وهو ممتنع فلو حصل العلم بالمقدمتين على الندور لم يمتنع إثباته بالقياس التمثيلي لكنه لا يكون قياسا شرعيا مختلفا فيه قال الهندي وهذا الاشتراط يستقيم إن أريد تعريف الحكم الذي هو ركن في القياس الظني الذي هو مختلف فيه فأما أن أريد تعريف الحكم الذي هو ركن في القياس كيف كان فلا يستقيم ذلك بل يجب حذف قيد العلم عنه هـ. فلا خلاف بيننا وبين الغزالي في المعنى.

وليس حكم الأصل بالأساس ... متى يحد عن سنن القياس لكونه معناه ليس يعقل أو التعدي فيه ليس يحصل يعقل مبني للمفعول ويحصل بضم الصاد يعني أنه يشترط في حكم الأصل أن لا يعدل عن سنن القياس بفتح السين، فإذا عدل حكم الأصل عن منهاج القياس لم يكن أساسا بفتح الهمزة أي أصلا يقاس عليه ومنهاج القياس هو أن يعقل المعنى أي علة الحكم ويوجد في محل آخر يمكن تعديته إليه والعدول عن ذلك على ضربين. أحدهما أن لا يعقل المعنى في الحكم كإعداد الركعات ومقادير نصب الزكاة ومقادير الحدود ومقادير الكفارات وجميع الأحكام غير معقولة المعنى. الثاني أن يعقل المعنى لكن لم يعتداه في محل آخر كضرب الدية على العاقلة وتعلق الأرش برقبة العبد وإيجاب الغرة في الجنين والشفعة في العقار وحكم اللعان والقسامة والرخص في السفر وقد جعل الأمدى ومن تبعه اختصاص خزيمة بكون شهادته كشهادة رجلين من الضرب الأول بناء على أن مفيد الاختصاص هو النص فقط وجعله بعضهم من الضرب الثاني بناء على أن مفيد الاختصاص هو التصديق وعلمه أنه لا يقول إلا حقا مع السبق إليه والانفراد به فإنه هو الذي قرن الحكم به ألا ترى وقوع قوله صدقتك الخ جوابا لقوله صلى الله عليه وسلم ما حملك الخ ومعلوم أن ما ذكر من العلة غير موجود في غير خزيمة من الصحابة وغيرهم حتى لو فرض أن أحدا شهد له بعد ذلك لم يكن سنده ما ذكر من العلة بل ما علمه من قصة خزيمة ولو سلم فلا يتصور أن يوجد فيه السبق إليه إذا من أوضح المحال بعد سبق خزيمة سبق غيره فالذي أفاد هذا المسلك

أعني المسلك المسمى بالإيماء والشبيه معنى لا يتصور أن يتعدى وذلك مما يحقق العدول عن سنن القياس فيمتنع القياس عليه وقصة شهادة خزيمة هي أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا يمسى المرتجز لحسن صهيله من أعرابي فحمد الأعرابي البيع وقال هلم شهيدا يشهد على فشهد عليه خزيمة بن ثابت دون غيره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما حملك على هذا ولم تكن حاضرا معنا فقال صدقتك بما جئت به وعلمت أنك لا تقول إلا حقا فقال صلى الله عليه وسلم من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه هذا لفظ ابن خزيمة ولفظ أبي داوود فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين. وحيثما يندرج الحكمان ... في النص فالأمران قل سيان يعني أن من شروط حكم الأصل أن لا يكون دليله أي دليل حكم الأصل شاملا لحكم الفرع فإذا اندرج حكمان لشيئين في نص من كتاب أو سنة فالشيئان سواء في ذلك النص فيستغنى عن القياس حجة بذلك النص أي الدليل سواء كان نصا أو ظاهرا مع أن أحدهما ليس أولى بالأصالة من الآخر كما لو استدل على ربوية البر بحديث مسلم الطعام بالطعام مثلا بمثل فيمتنع قياس الذرة عليه بجامع الطعم لأن لفظ الطعام الذي هو لفظ الدليل يشمل الذرة كالبر. والوقف في الحكم لدى الخصمين ... شرط جواز القيس دون مين يعني أنه يشترط في حكم الأصل أن يكون متفقا عليه بين الخمصين لأن البحث به يعدوهما وإلا فيحتاج عند منع الخصم له إلى إثباته فينتقل إلى مسئلة أخرى وينتشر الكلام فيفوت المقصود وقيل يشترط الاتفاق عليه بين جميع الأمة حتى لا يتأتى المنع بوجه

والأول هو الأصح ومذهب الجمهور لأنا لو شرطنا الاتفاق عليه بين جميع الأمة لزم خلو أكثر الوقائع عن الأحكام قوله وإلا فيحتاج عند منع الخصم الخ يؤخذ من قوله عند منع الخصم أن هذا الاشتراط بالنسبة لإيراده على وجه يقبل المنع فلو ذكر المستدل حكم الأصل مقترنا بدليله من نص أو إجماع ابتداء لم يشترط وفاق الخصم حجة. تنبيه: متى حصل الاتفاق على حكم الأصل انتفى الانتشار وإذا اختلفا فيه تحقق الانتشار ووجب قوله القيس بفتح القاف بمعنى القياس. وإن يكن لعلتين اختلفا ... تركب الأصل لدى من سلفا اسم كان ضمير راجع على اتفاق الخصمين على حكم الأصل أي إذا كان اتفاقهما عليه ثابتا لعلتين مختلفتين تركب الأصل ببناء تركب للفاعل أي فالقياس المشتمل على الحكم المذكور يسمى مركب الأصل لتركيب الحكم فيه أي بنائه على العلتين بالنظر إلى الخصمين بمركب في مركب الأصل ومركب الوصف من التركيب بمعنى البناء أي ترتيب شيء على آخر لا من التركيب ضد الأفراد وهذا أصله للأمدي وتبعه المحلي فيه وسيأتي توجيه العضد وغيره. مثاله قياس حلى البالغة على حلى الصبية في عدم وجوب الزكاة فإن عدمه في الأصل متفق عليه بيننا وبين الحنفية والعلة عندنا كونه حليا مباحا وعندهم كونه مال صبية وتذكير الضمير في قوله اختلفا باعتبار الوصف. مركب الوصف إذا الخصم منع ... وجود ذا الوصف في الأصل المتبع بفتح الموحدة أي الأصل المقيس عليه يعني أنه إذا كان حكم

الأصل متفقًا عليه بين الخصمين ثابتا لعلة عند المستدل بمنع الخصم وجودها في الأصل فالقياس المشتمل على الحكم المذكور يسمي مركب الوصف لتركب الحكم فيه أي بنائه على الوصف الذي منع الخصم وجوده في الأصل. مثاله قياس أن تزوجت فلانة فهي طالق على فلانة التي أتزوجها طالق في عدم وجود الطلاق بعد التزوج فإن عدمه متفق عليه بيننا وبين الشافعية وهم يقولون العلة تعليق الطلاق قبل ملك محله ونحن نمنع وجود تلك العلة في الأصل ونقول هو تنجيز لطلاق أجنبية وهي لا ينجز عليها الطلاق ولو كان فيه تعليق لطلقت بعد التزوج فالحاصل إن الاتفاق ثابت لعلتين مختلفتين فإن منع الخصم علية علة المستدل لا وجودها في الأصل فهو مركب الأصل وإن منع وجودها في الأصل فهو مركب الوصف ومنع الخصم وجودها في الأصل صادق مع قوله بها أو بعدمها فمنع المالكي وجود التعليق في الأصل لا يقتضي أنه علته عنده فإنه في الواقع غير علة لعدم الوقوع عنده وإلا لما خالف في الفرع في المثال قال في الآيات البينات وقد ظهر من هذا أن جملة ما يميز به مركب الوصف عن مركب الأصل إن المعترض لا يتعرض في مركب الأصل لمنع وجود العلة في الأصل بخلافه في مركب الوصف وقال العضد في مركب الأصل الظاهر أنه إنما سمى مركبا لإثباتهما الحكم كل بقياس فقد اجتمع قياساهما أي فيكون معنى التركيب الاجتماع أي اجتماع قياسيهما في حكم الأصل وإن اختلفت العلة وقال في مركب الوصف أنه إنما سمى بذلك اكتفاء بتمييزه عن صاحبه بأدنى مناسبة وهي اتفاقهما فيه على الوصف الذي يعلل به وإن أنكر أحدهما وجوده هـ. وقال بعضهم إن المراد بالوصف في قولهم مركب الوصف هو

وجود العلة في الأصل فإن وجودها فيه وصف لها ومعنى كونه مركبا أنه مختلف فيه فأحدهما يثبته والآخر ينفيه هـ. يعني أنه مركب من النفي والإثبات بالنظر إلى الخصمين واعلم أنه ليس المراد بالمركب أنه متى اختلف العلتان كان تركيبا قال حلولوا ولكن القياس المركب عبارة عن أن يستغنى المستدل عن إثبات حكم الأصل بالدليل لموافقة الخصم مانعا تعليله بعلة المستدل وذلك إما بمنعه لعلته ويسمى مركب الأصل وإما بمنعه وجودها فيه ويسمى مركب الوصف انتهى. ورده انتقى وقيل يقبل ... وفي التقدم خلاف ينقل انتقي بالبناء للمفعول بمعنى اختير خبر المبتدأ قبله ويقبل بالموحدة وينقل بالنون مبنيان للمفعول يعني أن القياس المركب بنوعيه غير مقبول المنع الخصم وجود العلة في الفرع في الأول وفي الأصل في الثاني هذا مذهب الجمهور ومعنى عدم قبوله أنه غير ناهض على الخصم أما مجرد ثبوت الحكم في حق القائس ومقلديه فيكفي فيه ثبوت حكم الأصل وعلته بطريق صحيح عنده قوله وقيل يقبل يعني أن المركب بقسيميه مقبول عند الخلافيين أي الجدليين نظرا لاتفاق الخصمين على حكم الأصل فهو مناهض على الخصم أي سالم من إبطاله من جهة المنع المذكور قوله وفي التقدم الخ. يعني أنهم اختلفوا في القياس المركب بناء على قبوله هل يقدم على غير ذي التركيب عند التعارض أو هما سواء أو يقدم غير المركب عليه الفرع وهو الثالث من أركان القياس. الحكم في زاي وما تشبها ... من المحل عند جل النبلاء

جمع نبيه بمعنى فطن والحكم خبر مبتدأ محذوف أي هو أي الفرع هو الحكم أي حكم المحل المشبه بالأصل وما عطف على الحكم والواو بمعنى أو المنوعة للخلاف أي وقيل الفرع هو ما تشبه من المحل أي المحل المشبه بالأصل والقول الثاني هو قول الأكثر ومذهب الفقهاء وبعض المتكلمين والأول قول الإمام ولا يتأتى فيه قول بأنه دليل الحكم كيف ودليله القياس والقياس لا يصح عده فرعا إذ الفرع من أركان القياس ويستحيل كون الشيء ركنا من أركان نفسه فالقول بكون الفرع المحل المشبه مبني على القول بأن الأصل هو حكم المحل المشبه به ويصح تفريعه أيضا على القول بأن الأصل دليل الحكم لأنه إذا صح تفرع الحكم عن الحكم صح تفرعه عن دليله لاستناد الحكم إليه ولكون حكم الفرع غير حكم الأصل باعتبار المحل وإن كان عينه بالحقيقة صح تفرع الثاني على الأول باعتبار ما يدل عليهما وباعتبار علم المجتهد به لا باعتبار ما في نفس الأمر فإن الأحكام قديمة ولا تفرع في القديم فلا يقال إن تفرع الحكم عن الحكم معناه ابتناؤه عليه وذلك يقتضي تغايرهما وتقدم ما يبني عليه منهما في الوجود وقد تقرر أن الحكم كلام الله النفسي القديم وهو وصف واحد لا تعدد فيه فكيف يتصور مع القديم تقدم ومع الوحدة تغاير وكون الأحكام قديمة مبني على عدم أخذ التعلق التنجيزي قيدا في مفهوم الحكم وعلى ما ذهب إليه بعضهم من أخذ ذلك كانت حادثة. وجود جامع به متمما شرط وجود مبتدأ خبره شرط والباء في قوله به ظرفية ومتمما بفتح الميم المشددة خال من جامع يعني إن من شروط إلحاق الفرع بالأصل وجود الوصف الذي في الأصل وهو الجامع والعلة به أي في الفرع بتمامه من غير زيادة كقياس النبيذ على

الخمر في التحريم بجامع الاسكار أو معها كقياس الضرب على التأفيف في التحريم بجامع الإيذاء فإنه أشد في الفرع وإنما اشترط ما ذكر ليتعدى الحكم إلى الفرع والمراد وجود مثل العلة التي في الأصل لا عينها وأشار بقوله متمما إلى أن العلة إذا كانت ذات أجزاء لابد من اجتماع الكل في الفرع وإلى أنه يشمل قياس الأولى والمساوي وإلا دون. (وفي القطع إلى القطع أنتما) يعني أن القياس يكون قطعيا إذا كانت العلة قطعية فإن قطع بعلية الشيء في الأصل وبوجوده في الفرع كالاسكار والإيذاء فيما تقدم فالقطعي كان الفرع فيه تناوله دليل الأصل فإن كان دليله ظنيا كان حكم الفرع كذلك فعلم أن قطعية حكم الفرع والقطعي يشمل قياس الأولى والمساوي. وإن تكن ظنية فالأدون ... لذا القياس علم مدون يعني أن عليه الشيء إذا كانت ظنية فعلم هذا القياس أي اسمه المدون أي المكتوب في كتب الفن هو الأدون أي القياس الأدون ويدخل فيه قياس الشبه إذ لا يتصور القطع بعليته وظنيتها حاصلة وإلا لم يتأت القول به قاله في الآيات البينات وظن العلية هو أن يظن علية الشيء في الأصل وإن قطع بوجوده في الفرع كقياس الشافعية التفاح على البر بجامع الطعم الذي هو علة الربى عندهم ويحتمل إنها القوت والادخار اللذان هما علتاه عند المالكية ويحتمل الكيل الذي هو علته عند الحنفية وليس في التفاح إلا الطعم فثبوت الحكم فيه أدون من ثبوته في البر المشتمل على الأوصاف الثلاثة فأدونية القياس من حيث الحكم لا من حيث العلة إذ لابد من تمامها كما تقدم هكذا قاله المحلى وهو واضح في المثال المذكور لكن قد يكون القياس ظنيا ويكون الحكم

في الفرع أولى منه في الأصل أو مساويا له لكون العلة أظهر في الفرع أو مساوية قال في الآيات البينات فالوجه إن القياس الظني قد يكون أولى أو مساويا فلا يختص الظني بالأدون كما في عكس المثال المذكور فقياس الأدون قد يراد به ما يكون ثبوت الحكم في الفرع دون ثبوته في الأصل من حيث احتمال أن تكون العلة غير ما ظن أنه العلة من الأوصاف الموجودة في الأصل دون الفرع وقد يراد بالأدون ما يكون ثبوت الحكم في الفرع دون ثبوته في الأصل من حيث أن المعنى المعلل به أتم وأقوى في الأصل منه في الفرع هـ. فالأدونية بالاعتبار الثاني تتصور في القطعي بأن يكون المعنى المقطوع بعليته في الأصل وبوجوده في الفرع أتم وأقوى في الأصل منه في الفرع فيكون ثبوت الحكم في الفرع دونه في الأصل. والفرع للأصل بباعث وفي ... الحكم نوعا أو بجنس يقتفى الفرع مبتدأ خبره يقتفى بفتح التحتية في أوله بمعنى يتبع ويساوي واللام في الأصل زائدة وهو مفعول الخبر وبباعث متعلق يقتفى وقوله في الحكم معطوف عليه ونوعا ظرف معمول يقتفى والباء في قوله بجنس ظرفية وهو معطوف على نوعا تقدم أنه يجب وجود علة الأصل بتمامها في الفرع وذكرت هنا أنه يجب مساواته له فيما يقصد من نوع العلة أو جنسها فلا تكرار وكذا يشترط أن يساوي حكم الفرع حكم الأصل فيما يقصد من نوع الحكم أو جنسه مثال المساواة في نوع العلة قياس النبيذ على الخمر في الحركة بجامع الشدة المطربة فإنها موجودة في النبيذ بعينها نوعا لا شخصا لأن العلة عرض لا يتشخص إلا بتشخص محله الذي هو هنا خصوص الخمر وهو مفقود في النبيذ ومثال المساواة في جنس العلة الطرق على

النفس في وجوب القصاص بجامع الجناية فإنها جنس لإتلافهما فعلم من قولنا بجامع الجناية إن علة الحكم في الأصل والفرع الجناية لا إتلاف النفس وإتلاف الطرف إذ لو كانت العلة في الأصل إتلاف النفس لم يتصور القياس لامتناع وجود العلة في الفرع ومثال المساواة في نوع الحكم قياس القتل بمثقل على القتل بمجرد في ثبوت القصاص فإنه فيهما واحد والجامع كون القتل عمدا عدوانا ومثال المساواة في جنس الحكم قياس بضع الصغيرة على مالها في ثبوت الولاية للاب بجامع الصغر فإن الولاية جنس لولايتي النكاح والمال. تنبيه: وإنما كانت الجناية جنسا للاتلافين بخلاف الشدة المطردة لأن إتلاف النفس وإتلاف الظرف مختلفان بالحقيقة فكان القول عليها جنسا بخلاف الشدة في الخمر والشدة في النبيذ فإنهما متفقان بالحقيقة فكان القول عليهما نوعا وكذا الكلام في كون الولاية جنسا لولايتي النكاح والمال وكون القتل نوعا للقتل بمحدد والقتل بمثقل هـ من الآيات البينات فإن قلت اشتراط كون المساواة فيما ذكر من نوع العلة أو جنسها معلوم من اشتراط المساواة كمفاد باشتراط وجود تمام العلة بل داخل فيه فالجواب كما في الآيات البينات أنه ممنوع لأنه لا يلزم أن يفهم من اشتراط وجود تمام العلة الاكتفاء بوجودها ولو باعتبار النوع والجنس بل قد يسبق الذهن إلى اعتبار المساواة في نوعها بل في صنفها لأن المتبادر من اعتبار وجود تمامها وجود شخصها لكنه لا يمكن لاعتبار المحل في الشخص فلا أقل من اعتبار الصنف لأنه أقرب إلى الشخص الذي هو المعنى. ومقتضى الضد أو النقيض ... للحكم في الفرع كوقع البيض مقتضى مبتدأ خبره كوقع البيض يعني أن معارضة حكم الفرع

بما يقتضي نقيضه أو ضده كائنة كوقع البيض أي كهدم السيوف للأجسام يعني أنها مبطلة لإلحاق ذلك الفرع بذلك الأصل وقيل لا تقبل وإلا انقلب منصب المناظرة إذ يصير المعترض مستدلا وبالعكس وذلك خروج عما قصد من معرفة صحة نظر المستدل في دليله وأجيب بأن قصد المعترض من المعارضة هدم دليل المستدل وإنما ينقلب منصب المناظرة لو كان قصد المعترض إثبات مقتضى المعارضة وليس كذلك إنما قصده هدم دليل المستدل وصورة المعارضة في الفرع أن يأتي الخصم بقياس يدل على نقيض أو ضد ما دل عليه قياس المستدل. مثال النقيض المسح ركن في الوضوء فيسن تثليثه كالوجه فيقول المعارض مسح في الوضوء فلا يسن تثليثه كالخف. ومثال الضد قول الحنفي الوتر واجب قياسا على التشهد بجامع مواظبته صلى الله عليه وسلم عليهما فيعارض بأنه مستحب قياسا على ركعتي الفجر بجامع إن كلا منهما يفعل في وقت من أوقات الصلوات الخمس ولم يعهد من الشارع وضع صلاتي فرض في وقت واحد. بعكس ما خلاف حكم يقتضى) خلاف مفعول يقتضى يعني أن المعارضة بمقتضى خلاف الحكم عكس المعارضة بمقتضى النقيض أو الضد فإنها لا تقدح في قياس المستدل اتفاقا لعدم منافاتها له كما يقال اليمين الغموس قول يأثم قائله فلا توجب الكفارة كشهادة الزور فيقول المعارض قول مؤكد للباطل فزن به حقيقته فيوجب التعزير كشهادة الزور.

ودافع بترجيح لذا المعترض) يعني أنه يجوز على المختار دفع اعتراض المعترض بمقتضى نقيض الحكم أو ضده بترجيح وصف المستدل على وصف المعارض بقطعيته أو الظن الأغلب لوجوده وكون مسلكه أقوى ونحوهما مما ذكر من مرجحات القياس في الكتاب السادس والمراد بالوصف العلة المعلل لتعين العمل بالراجح وقيل لا يقبل الترجيح لأن المعتبر في المعارضة حصول أصل الظن لا مساواته لظن الأصل لا شفاء العلم بها وأصل الظن لا يندفع بالترجيح ورد بأن حصول أهل الظن إنما اعتبر في قبول المعارضة لينظر بين وصفي المستدل والمعارض ولا يمنع قبولهما لذلك إن يرجح أحدهما فإذا رجح وصف المستدل اندفعت المعارضة وإلا فلو تم هذا الاستدلال لاقتضى منع قبول الترجيح مطلقا لأنه إنما يفيد رجحان ظن على ظن وهو خلاف الإجماع على قبول الترجيح فيكون باطلا هـ كلام المحشي. وعدم النص والإجماع على ... وفاقه أوجبه من أصلا منع الدليلين، يعني أن من أصل منع الدليلين على حكم واحد كموجب وجوب الشرط أن لا يوجد نص أو إجماع موافق لحكم الفرع خاص به غير دال على حكم الأصل والمجيز وهو الأكثر لا يشترط ذلك إلا الغزالي والأمدى فإنهما يشترطان إشفاءهما مع تجويزهما دليلين على مدلول واحد وأصل بتشديد الصاد المهملة يقال أصل الشيء إذا جعله أصلا أي قاعدة أما إذا كان حكم الفرع منصوصا عليه كحكم الأصل فقد اشتركا في النص عليهما وقد تقدم في قوله وحيثما يندرج الحكمان في النص الخ وحجة المجيز فيما إذا كان النص الدال على حكم الفرع غير الدال على حكم الأصل هي أن ترادف الأدلة على المدلول الواحد يفيد زيادة الظن بخلاف ما

إذا كان النص الدال على حكم الأصل والفرع واحدا لأن العلة المستنبطة من الحكم الذي هو ثابت في الأصل والفرع بمقتضى نص واحد على حد سواء فلا تقوية. وحكم الفرع ظهوره قبل يرى ذا منع) ببناء يرى للمفعول يعني أنه يشترط في حكم الفرع أن لا يكون ظهوره للمكلفين قبل ظهور حكم الأصل فإن ذلك ممنوع كقياس الوضوء على التيمم في وجود النية فإن الوضوء تعبد به عند مبدأ الوحي حين التكليف بالصلاة والتيمم تعبد به سنة خمس من الهجرة في غزوة بني المصطلق روى الطبراني إن نزول آية التيمم كان في غزوة بعد غزوة بني المصطلق وروى أبو أبي شيبة ما يدل عليه قال المحشي وهذا هو الأقرب إذ لو جاز تقدمه لزم ثبوت حكم الفرع عند المكلفين حال تقدمه من غير دليل عليه وهو ممتنع لأن ثبوت حكم الفرع محال على أمر متأخر وهو القياس على حكم الأصل المتأخر فيلزم تكليفهم بأمر غير معلوم لأنه لم يثبت حكم الأصل ولم تعلم علته ولا وجودهما في الفرع وإنما امتنع ما ذكر بناء على جواز عدم التكليف بالمحال العلة، وهي الرابع من أركان القياس مأخوذة من علة المريض التي تؤثر فيه عادة ومن الدواعي إلى الشيء تقول علة إكرام زيد لعمرو علمه وفن التكرار ومنه العلل بالتحريك للشرب بعد النهل وهي في اصطلاح المتكلمين ما اقتضى حكما لمن قام به كالعلم علة العالمية أي كون الشيء عالما وأشار إلى معناها اصطلاحا بقوله معرف الحكم بوضع الشارع) يعني أن العلة هي الوصف المعرف للحكم بوضع الشارع أي يجعلها علامة عليه فهذا هو معناها عند أهل السنة حيثما أطلقت على شيء في كلام أئمة الشرع أي أهل الفروع قال ابن رشد في المقدمات مثال ذلك إن السكر كان موجودا في الخمر ولم يدل على تحريمها حتى جعله صاحب الشرع علة في تحريمها

فليست علة على الحقيقة وإنما هي إمارة على الحكم وعلامة هـ واشتراط المناسبة في العلة دون السبب مع ترادفهما عند أهل الحق اصطلاح مخالف لما هم عليه وهذا التعريف مبين لخاصتها فمن عرفها كالسبب فإنها وصف ظاهر منضبط معرف للحكم فقد بين مفهومها قاله المحشي. والحكم ثابت بها فاتبع) يعني أن حكم الأصل ثابت بالعلة لا بالنص على صحيح مذهب مالك خلافا للحنفية في قولهم بالنص لأنه المفيد للحكم قلنا لم يفده بقيد كون محله أصلا يقاس عليه والكلام في ذلك والمفيد له العلة إذ هي منشأ التعدية المحققة القياس قولنا بقيد كون محله أصلا يقاس عليه معناه أنها تعرف كون الحكم منوطا بها حتى إذا وجدت بمحل آخر ثبت الحكم فيه أيضا والنص يعرف الحكم دون نظر إلى ذلك فليسا معرفين لشيء واحد من جهة واحدة وقد يقال معناه أنه إذا لوحظ النص عرف الحكم ثم إذا لوحظت العلة حصل التفات جديد للحكم ومعرفة كون محله أصلا يقاس عليه فمجموع ذلك الالتفات الجديد للحكم ومعرفة كون محله أصلا يقاس عليه مستفاد من العلة فأفادتها كذلك كون محله أصلا يقاس عليه. ووصفها بالبعث ما استبينا ... منه سوى بعث المكلفين يعني أنه وقع في كلام الفقهاء وصف العلة فإنها الباعث على الأحكام أي إظهار تعلقها بأفعال المكلفين أما بالكتابة في اللوح المحفوظ أو بالإلقاء إلى الملك المرسل بالوحي أو بالإيحاء إلى الرسول وقد بين تقي الدين السبكي أن المراد بالبعث بعث المكلفين على الامتثال لأن من شروط العلة أن تكون مشتملة على حكمة مرادة للشارع في شرع الحكم من تحصيل مصلحة للعباد أو تكميلها أو دفع مفسدة عنهم أو تقليلها

وهذا يحمل المكلفين على الامتثال لجلب الأول أو دفع الثاني وهذا قد جرت عادة الله تعالى به في شرع أحكامه تفضلا منه على عباده لا وجوبا عليه تعالى عما تقوله المعتزلة علوا كبيرا لا أنها باعثة للشارع لأن أفعاله لا تعلل بالأغراض فالمعلل فعل الكلف لا حكم الله تعالى فليس له تعالى مصلحة في شرع حكم ولا دفع مفسدة عنه وما ورد مما يخالف ذلك كقوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وقوله: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل) وقوله. (إنما نمى لهم ليزدادوا إثما) محمول على اشتمال الأفعال على المصالح التي تعود على العباد دون الغرض له تعالى ومعنى قول الفقهاء إن أحكام الله تابعة للمصالح ارتباطها بالمصالح لا إنها تابعة لها في الوجود قال المحشي أن الأولى في العبارة أن يقال منوطة أو مرتبطة بدل قولهم تابعة. للدفع والرفع أو الأمرين) قوله للرفع وما عطف عليه خبر مبتدأ محذوف أي هي أي العلة كائنة للدفع الخ يعني أن الوصف مع كونه علة الحكم قد يكون مانعا لحكم آخر وحجة فقد يكون دافعا لذا الحكم الآخر فقد أو رافعا له فقط أو دافعا ورافعا مثال العلة الدافعة فقط وهي التي تكون علة في ثبوت الحكم ابتداء لا انتهاء العدة فإنها علة في ثبوت حرمة النكاح ابتداء بمعنى أن عدة الزوج علة لحرمة نكاح غيره وليست علة في ذلك انتهاء بمعنى أن الزوجة إذا وطئت بشبهة لا ينقطع نكاحها فهي دافعة غير رافعة وإذا كانت علة في ثبوت حرمة النكاح كانت مانعا من حل النكاح لأنها وصف وجودي معرف نقيض الحكم ومثل العدة الإحرام بحج أو عمرة والعلة الرافعة ما كان علة في ثبوت الحكم انتهاء لا ابتداء كالطلاق فإنه علة لحرمة الاستمتاع انتهاء بمعنى أن الزوج إذا طلق

زوجته حرم عليه استمتاعه بها وليس علة لحرمته ابتداء بمعنى أنه لا يمتنع استمتاعه بها إذا تزوجها بعد الطلاق فهو رافع غير دافع عليه تعالى عما تقوله المعتزلة علوا كبيرا لا أنها باعثة للتسارع لأن دافعة رافعة للحكم كالحدث مع الصلاة فإنه يمنع الابتداء والدوام وكالرضاع علة لحرمة النكاح ابتداء بمعنى أنه يحرم عليه تزوج من بينه وبينها رضاع فهو دافع وعلة لحرمته انتهاء بمعنى أنه إذا طرأ رضاع بينه وبين زوجته انقطع نكاحها فهو رافع فأفاد هذا المصراع انقسام العلة إلى الأقسام الثلاثة فلو سكت عن التصريح بها لربما ظن أنها أبدا دافعة أو أبدا رافعة أو أبدا دافعة رافعة وأنها لا تكون مانعا مطلقا. واجبة الطهور دون مين) واجبة بالرفع معطوف على الخبر قبله بمحذوف يعني أن العلة سواء كانت وصفا حقيقيا أو لغويا أو عرفيا أو شرعيا لابد أن تكون ظاهرة كالطعم والاسكار لا خفية كالرضى والغضب فإنهما من أفعال القلوب والخفي لا يعرف الخفي. ومن شروط الوصف الانضباط) يعني أن من شروط الوصف المعلل به حقيقيا كان أو شرعيا أو عرفيا أو لغويا أن يكون منضبطا بأن لا يختلف بالنسب والإضافات والكثرة والقلة لأنه يراد لتعريف الحكم وغير المنضبط لا يعرف القدر الذي علق به الحكم كالمشقة في السفر وكالرضى في البيع عند بعضهم والمنضبط كالطعم في باب الربى. (إلا فحكمه بها يناط). وهي التي من أجلها الوصف جرى ... علة حكم عند كل من درا يعني أن الوصف إذا لم يكن منضبطا جاز التعليل بالحكمة وفيه

خلاف والحكمة عند جميع أهل الأصول هي التي لأجلها صار الوصف علة كذهاب العقل الموجب لجعل الاسكار علة والحكمة عبارة عن جلب مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تقليلها أي أن لا يكن الوصف منضبطا فحكمته جائز أن يناط الحكم بها بأن تجعل علته قال القرافي في شرح تنقيحه حجة الجواز أن الوصف إذا جاز التعليل به فأولى بالحكمة لأنها أصله وأصل الشيء لا يقصر عنه ولأنها نفس المصلحة والمفسدة وحاجات الخلق وهذا هو سبب ورود الشرائع فالاعتماد عليها أولى من الاعتماد على فرعها انتهى. ومن الحكمة اختلاط الأنساب فإنه سبب جعل وصف الزنى سبب وجود الحد وكضياع المتاع الموجب لجعل وصف السرقة سبب القطع لكن جميع ما ذكر حكم مع علل منضبطة. وهو للغة والحقيقة ... والشرع والعرف نمى الخليقة يعني أن الوصف المعلل به نماء الخليقة أي الناس الذين هم أهل الأصول إلى الأنواع الأربعة وهي اللغة كتعليل تحريم النبيذ المسكر بأنه يسمى خمرا لغة كالمشتد من ماء العنب بناء على ثبوت اللغة بالقياس والحقيقة فيقال فيه وصف حقيقي والحقيقي ما يتعقل في نفسه دون توقف على عرف أو شرع أو لغة فتندرج فيه الإضافيات لعدم توقفها على واحد من الثلاثة وإن توقفت على غيرها كالطعم والاسكار وتعريف الوصف الحقيقي للحكم لا يستفاد إلا من الشرع قاله المحشي وذلك لا ينافي تعقله في نفسه من غير توقف على الشرع ومن الأنواع الأربعة الشرع كتعليل جواز وهي المشاع بجواز بيعه وسواء كان المعلول حكما شرعيا كما ذكر أو حقيقيا كتعليل حياة الشعر بحرمته بالطلاق وحله بالنكاح كاليد وهذا

هو الراجح وقيل لا يكون حكما لأن شأن الحكم أن يكون معلولا لا علة ورد بأن العلة بمعنى المعروف ولا يمتنع أن يعرف حكم حكما أو غيره وإن فرض كون ذلك الحكم الأول معلولا لعلة أخرى تعرفه لأن جهة معلوليته غير جهة عليته وثالثها يمتنع التعليل بالحكم الشرعي إذا كان المعلول حقيقيا ويجوز إذا كان شرعيا ومن الأنواع الأربعة العرف وشرطه الاطراد بأن لا يختلف باختلاف سائر الأوقات كالشرف والدناءة في الكفاءة فإن اختلف باختلاف الأوقات بأن وجد في بعض الأوقات دون بعض لجواز أن يكون ذلك العرف في زمنه صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأزمنة فلا يعلل به لكن يشكل عليه التمثيل بالشرف والخسة إذ قد يعد الشيء شرفا أو خسة في وقت دون آخر وعند قوم دون قوم قال في الآيات البينات وقد يجاب بأنه له سلم ذلك فليس في كل شرف وخسة فلا لشكال هـ. (وقد يعلل بما تركبا) قال في التنقيح يجوز التعليل بالعلة المركبة عند الأكثرين كالقتل العمد العدوان هـ. أي لمكافئ غير ولد وكالاقتيات والادخار وغلبة العيش فإنها علة ربي الفضل عندنا على خلاف في اعتبار الثالث حجة الجواز إن المصلحة قد لا تحصل إلا بالتركيب وقيل لا لأن التعليل بالمركب يؤدي إلى محال فإنه بانتفاء جزء منه تنتفي عليته فبانتفاء جزء آخر يلزم تحصيل الحاصل لأن انتفاء الجزء علة لعدم العلية قلنا لا نسلم أن انتفاء الجزء علة لعدم العلية بل من قبيل عدم الشرط فعدم العلية لانتفاء شرط وجودها لا لوجود علة عدمها فلا يلزم تحصيل الحاصل إذا تكررت علته قال تاج الدين السبكي أن التعليل بالمركب كثير وما

أرى للمانع منه مخلصا إلا أن يتعلق بوصف منه ويجعل الباقي شروطا فيه ويئول الخلاف انتهى. (وامنع لعلة بما قد اذهبا) لما كانت العلة مشترطا فيها اشتمالها على حكمة تبعث المكلف على الامتثال وتصلح شاهدا لإناطة الحكم بالعلة اشترط في مانعها أن يذهب حكمتها أي يبطلها ولابد أن يكون المانع وصفا وجوديا كما هو مقرر في تعريف المانع قال السبكي والمانع الوصف الوجودي المعروف نقيض الحكم كالأبوة في القصاص مثاله الدين إذا جعل مانعا من وجوب الزكاة فإن حكمة السبب المعبر عنها بالعلة وهي الغنى مواسات الفقراء من فضل مال الأغنياء وليس مع الدين فضل يواسى به قولنا وتصلح شاهد الإناطة الحكم بالعلة قال المحشي أي من جهة أن الحكمة عبارة عن جلب مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تقليلها. والخلف في التعليل بالذي عدم ... لما ثبوتيا كنسبي علم بضم عين عدم وعلم يعني أنه وقع الخلاف في تعليل الحكم الثبوتي بالوصف العدمي أجاز ذلك الجمهور لصحة أن يقال ضرب فلان عبده لعدم امتثال أمره ولأن العلة بمعنى المعرف وخالف بعض الفقهاء فشرط في الإلحاق بها أن لا تكون عدما في الحكم الثبوتي وأجابوا بمنع صحة التعليل بالمثال المذكور وإنما يصح بالكف عن الامتثال وهو أمر وجودي لأن الوجودي عند الفقهاء ما ليس العدم داخلا في مفهومه والعدمي خلافه كعدم كذا أو سلب كذا واحتج المانعون بأن العدمى أخفى من التبوتي فكيف يكون علامة عليه وبأن شرط العلة الظهور ولا ظهور للعدمي وأجيب بأن المحتاج إليه في التعليل مجرد العلم بأنه علامة فحيث حصل العلم بذلك من الشارع

نصاً أو استنباطاً أمكن الاستدلال به في الجزئيات المعنية وكونه أخفى في ذاته لا يؤثر في ذلك والعدم يقبل الظهور بالمعنى المراد في المقام ولولا ذلك لمتنع تعليل العدمى بالعدم مع أنه ليس كذلك اتفاقا قال في التنقيح يجوز التعليل بالعدم خلافا لبعض الفقهاء والأمور النسبية ويقال لها الإضافية كالأبوة والنبوة والأخوة والعمية والخالية والتقدم والتأخر والمعية والقبلية والبعدية وجودية عند الفقهاء والفلاسفة عدمية عند المتكلمين غير أن وجودها ذهني فقط فهي موجودة في الأذهان مفقودة في الأعيان والأوصاف العدمية عدمية في الذهن والخارج قال القرافي فهذا هو الفرق بينهما واستوي القسمان في العدم في الخارج هـ فمن قال أنها وجودية علل بها الثبوتي ومن قال أنها عدمية فعلى الخلاف ويجوز اتفاقا تعليل العدمي لمثله أو بالثبوتي كتعليل عدم صحة التصرف بعدم العقل أو بإسراف كما يجوز اتفاقا تعليل الوجودي بمثله كتعليل حرمة الخمر بالاسكار ويجري الخلاف الوجودي بمثله كتعليل حرمة الخمر بالاسكار ويجري الخلاف في العلة المركبة من جزءين أحدهما عدمي كان يعلل وجوب الدية المغلظة في شبه العمد عند الشافعية بأنه قتل بفعل مقصود لا يقتل غالبا وإذا كان للمعنى الواجد عبارتان أحداهما نفي والأخرى إثبات فإذا عبر بالإثبات جاز تعليل الثبوتي به وإذا عبر بالأخرى فعلى الخلاف كالكفر فإنه قد يعبر عنه بعم الإسلام فتقول يقتل الكافر لكفره أو لعدم إسلامه وكالمجنون فإنه قد يعبر عنه بعدم العقل لم تلق في المعللات عله ... خالية من حكمة في الجملة تلق مبني للمفعول وعلة نائب عن الفاعل وخالية نعته يعني أن الأحكام الشرعية المعللة لا تخلوا علة من عللها ولو قاصرة عن حكمة

لكن في الجملة وإن لم توجد تلك الحكمة في كل محل من محال تلك العلة على التفصيل أما التعبدات فيجوز أن تتجرد عن حكم المصالح ودرء المفاسد ثم يقع الثواب عليها بناء على الطاعة والإذعان من غير جلب مصلحة غير مصلحة الثواب وإلا درء مفسدة غير مفسدة العصيان وربما يعوزنا إطلاع ... لكنه ليس به امتناع يعني أن كون العلة لا تخلوا عن حكمة في الجملة لا يلزم منه إطلاعنا على كل حكمة لكن عدم إطلاعنا لا يلزم منه منع التعليل بتلك العلة التي لم تظهر حكمتها كتعليل الربويات بالقوت والادخار عندنا وبالطعم عند الشافعية أو بالكيل عند الحنفية أو بالمالية عند الأوزاعي مع أنا لم نطلع على حكمة كل وكالتعليل باللمس وغيره من النواقض وجعل بعضهم حكمته الغفلة عن الله تعالى. تنبيه: أخذ الكرراني من جواز التعليل بما لا يطلع على حكمته إن الحكمة هي الباعثة للشارع على شرع الحكم لا للمكلف على الامتثال وهو ممنوع إذ لا يلزم من خفاء الحكمتان لا تكون الحكمة هي الباعثة للمكلف بل متى علم المكلف أن أحكام الشرع مقرونة بالحكم وإن لم تتعين تلك الحكم بعثه ذلك على الامتثال في الجملة ونظير ذلك أن من سمع متكلما بغير لسانه وعلم أنه واعظ أثر فيه في الجملة وإن لم يفهم كلامه كما يشهد له الوجدان ولهذا أجاب القاضي الحسين عن سؤال عن فائدة الخطبة بالعربية إذا لم يفهمها القوم بأن كانوا عجما بأن فائدتها العلم بالوعظ من حيث الجملة والعلم بالوعظ كذلك يؤثر في الجملة: وفي ثبوت الحكم عند الانتفا ... للظن والنفي خلاف عرفا

النفي بالجر معطوف على ثبوت الحكم يعني أنهم اختلفوا إذا قطع بانتقاء الحكمة في صورة هل يثبت الحكم فيها لمظنة حصول الحكمة أو ينتفي إذ لا عبرة بالمظنة مع تحقق انتفاء العلامة أعنى الحكمة لكن الفروع المبنية على هذه القاعدة منها ما رجح فيه ثبوت الحكم كاستبراء الصغيرة فإن حكمة الاستبراء تحقق براءة الرحم وهي متحققة بدون الاستبراء وكمن مسكنه على البحر ونزل منه في سفينة قطعت به مسافة القصر في لحظة من غير مشقة فإنه يجوز له القصر في سفره هذا ومنها ما يرجح فيه انتفاء الحكم لانتفاء حكمته قطعا إلغاء للمظنة من أصلها أو لدليل مخصوص اقتضى إلغاء المظنة فيها وعلى هذا يترجح كثير من المسائل كشرع الاستنجاء من حصاة لا بلل معها والغسل من وضع الولد جافا وعدم نقض الوضوء إذا لم توجد اللذة في اللمس بباطن الكف أو الأصابع والنقض بالقبلة على الفم إذا لم توجد اللذة. وعللوا بما خلت من تعديه ... ليعلم امتناعه والتقوية يعني أن المالكية والشافعية والحنابلة جوزوا التعليل بالعلة التي لا تتعدى محل النص وهي العلة القاصرة وذكر القاضي عبد الوهاب منع التعليل بالقاصرة مطلقا عن أكثر فقهاء العراق وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى منع المستنبطة دون المنصوصة والمجمع عليها فتعدية العلة شرط في صحة القياس اتفاقا والجمهور على أنها ليست شرطا في صحة التعليل بالوصف كتعليل طهورية الماء بالرقة واللطافة دون الإزالة وتعليل الربى في النقد بالنقدية أو بالثمنية أو بغلبة الثمنية والقائلون يمنع التعليل بالعلة القاصرة احتجوا بعدم فائدتها لأن فائدة التعليل التعدية للفرع وقد امتنعت واستشكل القول بمنع

وصف غير متعد لمعارضتها له فيتوقف عن القياس لأجل المعارضة إذ المنصوصة والمجمع عليها إلا أن يجاب فإن القائل بذلك إنما منع وجودها وأول النص أو الإجماع الدال عليها لا أنه مع تسليم ثبوتها بالنص والإجماع منع التعليل بها وللتعليل بها عند الجمهور فوائد منها علم امتناعه أي القياس على محل معلولها حيث يشتمل على يجوز أن يكون كل جزء العلة فلا تعدية وإن يكون كل منهما علة مستقلة فتحصل التعدية وإذا جاز الأمران فلابد من دليل يثبت به أن ذلك الوصف المتعدى مستقل بالعلية، جزء لتصح التعدية ولا يقال التعدية كافية في ترجيح الاستقلال على الجزئية لأن ذلك إذا لم تعارض بمرجح الجزئية ومرجحها هنا هو أن اجتماع علتين خلاف الغالب وموافقة الغالب من المرجحات فلا ترجيح فالتوقف باق كتعليل طهورية الماء بالرقة واللطافة دون الإزالة ومن الفوائد معرفة المناسبة بين الحكم ومحله فيتقوى الباعث على الامتثال لأن النفس أميل لما ظهر لها مناسبته وقد ظهر بهذا اشتراط المناسبة في العلة القاصرة وهو مقتضى كلام البرهان ومنها تقوية النص الدال على معلولها إذا كان نصا ظاهرا لأنه لقبوله التأويل يحتاج إلى مقو يصرف عنه التأويل وكذا إذا كان قطعيا بناء على أن اليقين يقبل التفاوت وهو الحق وجه التقوية إن العلة القاصرة كدليل آخر على إثبات الحكم ومنها زيادة الأجر لأن المكلف إذا فعل بنية تحصيل المصلحة ونية الامتثال كان له أجران قاله حلولو قال السبكي في عدة فوائد القاصرة وزيادة الأجر عند قصد الامتثال لأجلها أي لأجل العلة المحلى زيادة النشاط فيه حينئذ بقوة الإذعان لقبول معلولها وهو الحكم فزيادة النشاط علة لزيادة الأجر عند قصد الامتثال لأجل العلة وهذه الفائدة متفرعة عن الفائدة، الأولى لأن معرفة المناسبة سبب لقوة الإذعان وقوة الإذعان

سبب لزيادة النشاط والمراد من زيادة النشاط الإقبال على الامتثال بكمال الاهتمام وذلك سبب لزيادة الأجر قاله المحشي وكذا متفرعه عنها أيضا على جعل زيادة الأجر لقصد تحصيل المصلحة أو درء المفسدة فإن ذلك القصد ناشئ عن معرفة المناسبة كما هو مذكور في تعريف المناسب وتعقب الكوراني قول السبكي وزيادة الأجر الخ بأن امتثال الأمر في التعبد أشق على النفس من المعلل فزيادة الأجر فيه أوفق بأمر الشارع ورده في الآيات البينات بقوله إنما يزيد الأجر في الأشق إذا كانت أشقيته لمجرد صعوبته في نفسه بخلاف ما إذا كانت لعدم الإطلاع على حكمته إذ الأشقية حينئذ ليست إلا باعتبار غم النفس وانعقاد الصدر وإن سهل الفعل حدا وذلك يقتضى فوات تمام الاهتمام وكمال النشاط والرغبة والحاصل إن الكلام ليس باعتبار أشقية نفس الفعل وحينئذ يظهر فرق ما بين الأمرين لحصول تمام الاهتمام وكمال النشاط والرغبة الموجبين مزيد الأجر في المعلل وفواتهما في التعبد والأشقية الناشئة من غم النفس وانعقاد الصدر لا تقاوم تمام الاهتمام وكمال النشاط والرغبة كما لا يخفى انتهى قلت عظم المشقة لا يستلزم كثرة الأجر فكم من عمل سهل أكثر أجرا من عمل شاق ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم من وافق تأمينه تأمين الملائكة ففر له ما تقدم من ذنبه فكم من عمل أشق منه لا يحصل فيه ذلك قال زروق في قواعده وأما قوله صلى الله عليه وسلم (أجرك على قدر مشقتك أو على قدر تعبك) فقضية عين يعني أنه خطاب واحد وهو لا يعم من غير نص على التعميم ولعله لم يرد فيه نص كما هو ظاهر كلامه ومن غير قياس وفضائل الأعمال لا بالقياس. منها محل الحكم أو جزء ورد ... وصفا إذا كل لزوميا يرد

الضمير في منها للعلة القاصرة وجزء مرفوع بالعطف على محل ويرد بفتح المثناه التحتية ولزوميا حال من كل الذي هو فاعل فعل محذوف يفسره ما بعده يعني أن من صور العلل القاصرة أن تكون العلة محل الحكم أو جزؤه الخاص به بأن لا يوجد في غيره أو وصفه اللازم له والمحل ما وضع له اللفظ كالخمر والذهب والفضة كتحليل حرمة الخمر بالخمرية أي بكونه خمرا أو جريان الربى في الذهب والفضة بالذهبية أو الفضية ومثال التعليل بالجزء الخاص تعليل نقض الوضوء في الخارج من السبيلين بالخروج منهما فإن الخروج جزء معنى الخارج إذ معناه ذات متصفة بالخروج والمراد بالوصف اللازم هنا هو ما لا يتصف غير المحل به كالنقدية في الذهب والفضة أي كونهما أثمان الأشياء فإنها وصف لازم لهما في أكثر البلاد وقولي المراد بالوصف اللازم الخ إنما اخترت مثل عبارة المحلى بأن لا يتصف به غيره وقال ناصر الدين اللقائي هذا تفسير مفهوم الخاص أي القاصر لا اللازم فإن مفهومه الذي لا يفارق موصوفه أي لا ينفك عنه انتهى. وقد أجاب عن المحلى في الآيات البينات بأن هذا تفسير مراد اللازم لأنه المناسب للمقام فإن الكلام فيما يمنع تعدى العلة ومجرد عدم اتصاف المحل به غير مناف لذلك سواء أمكن مفارقته للمحل أو لا بخلاف مجرد عدم إمكان مفارقته المحل فإنه لا ينافي ذلك لصدقه مع اتصاف غيره به وحينئذ تتحقق التعدية فالصواب أن هذا تفسير اللازم هنا وكثيرا ما ينشأ الخلل من عدم المحافظة على السياق والتثبت باصطلاح لا يطابق المقام انتهى. وخرج بالخاص واللازم غيرهما فلا ينتفي التعدي عنه لكونه علة غير قاصرة كتعليل الحنفية النقض فيما ذكر وهو الخارج من

السبيلين بخروج النجس من البدن الشامل لخروج ما ينقض عندهم من القصد ونحوه من كل نجس فالخروج من البدن معنى الخارج لكنه غير خاص بالخارج من السبيلين إذ يصدق بخروج الدم بالقصد وغيره وكتعليل ربوية البر بالطعم فإن الطعم وصف غير لازم للبر إذ هو موجود في غيره من المطعومات. تنبيه: قال ناصر الدين اللقائي عند قول المحلي مثال الأول تعليل حرمة الذهب بكونه ذهبا ما نصه هذا الكون وصف لمحل الحرمة لا نفسه ففي التمثيل به نظر هـ وأجيب عنه بأن ذلك التعبير فيه مسامحة أي تعبير بالمجاز مشهورة معتادة قال في الآيات البينات وسرها الجرى على ما اعتيد عند التعليل فإنهم يعبرون حينئذ بقولهم مثلا يحرم الربى في الذهب لكونه ذهبا فتقع العلة بالحقيقة خبر الكون وسر ذلك أن قولنا يحرم الربى في الذهب للذهب لا يخلوا عن ثقل وركاكة فتأمل مقاصد الأئمة ما أحسنها هـ. وجه الثقل فيه والركاكة أي الضعف ما فيه من تعليل الشيء بنفسه فاحتيج إلى التعليل بصفة الحال بحسب الظاهر وإن كان في الحقيقة خبر الكون إذ كثيرا ما يعبر بالوصف مرادا به ملزومه وجاز بالمشتق دون اللقب ... وإن يكن من صفة فقد أبى بضم الهمزة أي منع يعني أنه يجوز التعليل بالاسم المشتق من الفعل عند الأكثر والمراد الفعل اللغوي وهو الحدث الصادر باختيار فاعله بدليل مقابلتهم له بنحو الأبيض الذي هو مأخوذ

من الصفة أي المعنى القائم بالموصوف من غير اختيار كالبياض للأبيض والسواد للأسود ونحوهما وليس المراد اشتقاقهما من الفعل النحوي والوصف النحوي كما توهمه البرماوي فاعترض على شيخه الزركشي بأن ما ذكره من الاشتقاق من الفعل ومن الصفة لا يوافق مذهب البصريين ولا مذهب الكوفيين يعني أن الاشتقاق عند البصريين من الصدر فقط وعند الكوفيين من الفعل فقط وجوز زكرياء إرادة الفعل النحوي والصفة النحوية قال ولا مانع إذ دائرة الأخذ أوسع من دائرة الاشتقاق انتهى. قوله دون اللقب يعني أن الاسم اللقب لا يجوز التعليل به والمراد باللقب العلم واسم الجنس الجامد الذي لا ينبئ عن صفة مناسبة تصلح لإضافة الحكم إليها والمراد بالوصف اللغوي فيما تقدم الشمسية بما ينبئ عن ذلك قال في التنقيح ومثله في المحصول للإمام الرازي اتفقوا على أنه لا يجوز التعليل بالاسم مثل تعليل تحريم الخمر بأن العرب سمتها خمرا قال في المحصول فأنا نعلم بالضرورة أن مجرد هذا اللفظ لا أثر له في حرمت الخمر فإن أريد به تعليله بمسمى هذا الاسم من كونه مخامرا للعقل فذلك يكون تعليلا بالوصف لا بالاسم والمراد بعض مسماها لإتمامه والوصف إذا لم يكن له تأثير في الحكم فإن دل الدليل على إلغائه فهو غريب وطرد فلا يعلل به وإن لم يدل على إلغائه ولا على اعتباره فهو المرسل ويعلل به عند المالكية وأما القرافي فقد صرح بأن مجرد الاسم طردي محض قال والشرائع شأنها رعاية المصالح ومظانها إماما لا يكون مصلحة ولا مظنة للمصلحة فليس من باب الشرائع اعتباره انتهى والذي اختاره السبكي جواز التعليل باللقب حيث قال ويصح التعليل بمجرد الاسم اللقب الخ كتعليل الشافعي نجاسة بول ما يوكل لحمه بأنه بول كبول

الآدمي وإنما كان تعليلا باللقب أي مجرد التسمية لا بالوصف لأن الصحيح عند السبكي وفاقا لأهل الحق إن العلة بمعنى المعرف والإمارة لا بمعنى الباعث ولا الموجب وظاهر أنه لا مانع أن ينصب الشارع مجرد الاسم اللقب أمارة على الحكم إذ ما من شيء إلا ويصلح أن يوضع أمارة على غيره إذ الإمارة الوضعية لا تتوقف على ربط عقلي ولا مناسبة معنوية بل تحصل بمجرد الجعل ولا ينافي ذلك ما ذكره من أن شرط الإلحاق بالعلة استمالها على حكمه تبعث المكلف على الامتثال وتصلح شاهدا لإناطة الحكم بالعلة والمشتمل على ما ذكر ليس نفس العلة بل ترتب الحكم عليها وهذا متصور فيما نحن فيه مثلا فإن ترتب الحكم وهو نجاسة البول على تسميته بولا يشتمل على حكمة هي النظافة بعدم مماسة هذا المستقذر وهذه العلة تبعث المكلف على الامتثال بأن يجتنب هذه النجاسة وتصلح شاهدا لإناطة التنجيس بتلك التسمية على أنه تقدم جواز التعليل بما لا يطلع على حكمته فلو فرض عدم ظهور حكمة في التعليل بالاسم للقب جاز أن يكون هناك حكمة خفيت علينا فالشرط احتمال الحكمة وعدمه بالقطع بانتفائها في نفس الأمر قوله وإن يكن من صفة الخ. يعني أن المشتق إذا كان مشتقا من صفة أي معنى قائم بالموصوف من غير اختياره كالبياض للأبيض والسواد للأسود ونحوهما من كل صفة غير مناسبة لا يجوز التعليل به بناء على منع قياس الشبه وهذا شبه صوري ووجه كونهما من الشبه الصوري أنه لا مناسبة فيهما ولا فيما هو بنحوهما لجلب مصلحة ولا لدرء مفسدة قاله المحشي وغيره أعلم أنه يحتمل أن يراد بالمشتق ونحو الأبيض اللفظ كما هو صريح عبارة الزركشي وظاهر عبارة السبكي والمحلي كان يقول في التعليل بذلك لأنه سارق أو قاتل أو أبيض أي لأنه يطلق

عليه ذلك الاسم لغة أو شرعا أو عرفا والحاصل أن التعليل بالاسم له ثلاث صور أحداها الاسم الجامد فإن علل به لمعنى مناسب جاز التعليل به وهو المتقدم وإن علل به لمجرد التسمية دون مناسبة فهو اللقب وهو المراد هنا. الثانية الاسم المشتق من فعل كالضارب والقائم وهو المراد بقولنا وجاز بالمشتق. الثالثة الاسم المشتق من الصفة كالأبيض والأسود وهو المراد بقولنا وإن يكن من صفة الخ يمنع بناء على منع قياس الشبه وسيأتي الكلام عليه ويحتمل أن يراد بالمشتق ونحو الأبيض المعنى ولا يتكرر مع ما سبق من التعليل بالوصف الحقيقي أو العرفي المطرد وإن كان المراد منهما واحدا لأنا نقول المراد بالوصف فيما سبق ما ليس بمشتق ويدل على جريان الخلاف في نحو الأبيض قول الاصبهاني والمراد به حيث أطلق عند الأصوليين شارح المحصول إن في التعليل بالاسم ثلاثة أقوال الجواز مطلقا والمنع مطلقا والتفصيل بين المشتق وغيره ويدخل في المشتق نحو الأبيض فإنه يشمله المشتق عند الإطلاق قاله في الآيات الينات. وعلة منصوصة تعدد ... في ذات الاستنباط خلف يعهد علة مبتدأ ومنصوصة نعت له وتعدد بحذف إحدى التاءين خبره ويعهد بمعنى يعلم مبنى للمفعول يعني أنه يجوز أن تكون لحكم واحد علتان فأكثر عند الجمهور سواء كانت العلة منصوصة أو مستنبطة متعاقبة أو على المعية وهو مذهب مالك ودليل جوازه وقوعه كإيجاب الوضوء من البول والغائط والمذى ولأن العلل الشرعية معرفات ولا

مانع من اجتماع معرفين فأكثر على شيء واحد وقولنا لحكم واحد أعني واحدا بالشخص وأما الواحد بالنوع فيجوز تعدد علله بحسب تعدد أشخاصه بلا خلاف كتعليل إباحة قتل زيد بالردة وعمر بالقصاص وبكر بالزنى وخالد بترك الصلاة وأما العلل العقلية فيمتنع تعددها بالنسبة إلى معلول واحد بالشخص بلا خلاف عند بعضهم والمختار عند بعضهم لأنها بمعنى تأثير كل استقلال واجتماع المؤثرات استقلالا في أثر واحد من المحال قال القرافي في شرح المحصول وقد جوزه الأقل أي جوز تعدد العلل العقلية قوله في ذات الاستنباط الخ. يعني أن العلة المستنبطة في جواز تعددها خلف قوى فلا ينافي ذلك الخلاف في جواز تعدد العلة المنصوصة لأنه ليس بقوى قوته في المستنبطة فقد قال ابن الحاجب بجوازه في المستنبطة دون المنصوصة لكن لم يذكره السبكي في جمع الجوامع لقوله لم أره لغيره وقد قال القاضي أبو بكر الباقلاني بمنعه عقلا وشرعا في المنصوصة والمستنبطة وجه قول ابن الحاجب أن المنصوصة قطعية فلو تعددت لزم المحال الذي هو اجتماع النقيضين أو تحصيل الحاصل بخلاف المستنبطة لجواز أن تكون العلة فيها عند الشارع مجموع الأوصاف والنقيضان هما الاستغناء وعدمه وتحصيل الحاصل لا يأتي إلا في التعاقب ووجه المنع مطلقا لزوم المحال من وقوعه كجمع النقيضين فإن الشيء باستناده إلى كل واحدة من علتين يستغنى عن الأخرى فيلزم استغناؤه عن كل وعدم استغنائه عنه ويلزم أيضا تحصيل الحاصل في التعاقب حيث يوجد بالثانية مثلا نفس الموجود بالأولى وأجيب من جهة الجمهور بأن اجتماع النقطتين وتحصيل الحاصل إنما يلزم إذا كانت العلل المستقلة عقلية وهي ما يفيد وجود أمر أما إذا كانت شرعية وهي ما يفيد العلم بوجود أمر فلا لأنها بمعنى الدليل ويجوز اجتماع

الأدلة على مدلول واحد وأورد على هذا الجواب أن إسناد المعرفة إلى أحد الأمرين مثلا، يلزم منه الاستغناء بها عن الآخر فيلزم الاستغناء عن كل واحد وعدم الاستغناء عنه وهذا اجتماع النقيضين ثم إذا عرف بأحدهما ثم عرف بالآخر لزم تحصيل الحاصل وأحسن أجوبته في الآيات البينات من أن الاشتغال بملاحظة الدليل يوجب الغفلة عن المعلوم أو قلة الالتفاف إليه ثم إذا تمت ملاحظة حصل الثقات جديد قوى على وجه خاص فلا يلزم تحصيل المعلوم وحينئذ فإذا حصلت المعرفة من أحد الأمرين أمكن تحصل من الآخر معرفة مغايرة للأولى في الكيف بأن يحصل التفات إليه جديد قوى على وجه خاص فلا يلزم تحصيل الحاصل لأن الالتفات الحاصل بالأمر الثاني مغاير للالتفات الحاصل بالأمر الأول في الكيف كما تقرر ولا اجتماع النقيضين لأنه إذا اختلف الحاصلان في الكيفية كان الحاصل بكل واحد من الأمرين غير مستغنى عنه بالآخر لأن شخص الحاصل بكل واحد منهما مغاير لشخص الحاصل بالآخر هـ. والمانع من التعدد يقول فيما يذكر المجيز من التعدد أن العلة مجموع الأمرين مثلا أو أحدهما لا بعينه أو يقول فيه بتعدد الحكم بتعدد العلة. وذاك في الحكم الكثير أطلقه ... كالقطع مع غرم نصاب السرقة ذاك إشارة إلى تعدد الحكم لعلة واحدة يعني أن تعدد الحكم لعلة واحدة جوزه الكثير منهم بل الأكثر جوازا مطلقا أي سواء كانت العلة منصوصة أم لا قال السبكي والمختار وقوع حكمين بعلة إثباتا كالسرقة للقطع والغرم أو نفيا كالحيض للصوم والصلاة وغيرهما كالطواف ودخول المسجد ومس المصحف أي لحرمتها والغرم بالضم

ومحل وجوب غرم نصاب السرقة إنما هو إذا استمر يسر السارق إلى يوم القطع أو الحكم قال ابن الحاجب إن قلنا أنها أمارة بذلك جائز باتفاق والمختار جوازه بمعنى الباعث إذ لا بعد في مناسبة وصف واحد لحكمين وقيل بالمنع مطلقا وقيل يجوز أن لم يتضاد الحكمان ويمتنع أن تضاد أكانتا بيد لصحة البيع وبطلان الإجارة لأن الشيء الواحد لا يناسب المتضادين بناء على اشتراط المناسبة في العلة بناء على أنها بمعنى الباعث لا الإمارة وهو مرجوح وجوابه من جهة المختار هو المنع وسنده أنه لا مانع من أن يناسب الوصف الواحد حكمين متضادين بجهتين مختلفتين كالتوقيت بأنه سبب لصحة الإجارة ولبطلان البيع مناسب أما مناسبته لصحة الإجارة فلأنه ضابط للمنفعة المعقود عليها مع بقاء ملك الرقبة وبضبطها يدرء التشاجر بين المتعاقدين وأما مناسبته لبطلان البيع فلأنه نقل الملك في الرقبة الذي هو أثر البيع يقطع تعلق البائع بها والتوقيت ينافيه لاقتضائه بقائه التعلق بها. وقد تخصص وقد تعمم لأصلها) بكسر الثالث من تخصص وتعمم مع التشديد يعني أن العلة يجوز تخصيصها للأصل الذي استنبطت منه وذلك هو الظاهر من مذهبنا على ما قاله حلولو وللشافعي فيه قولان مستنبطان من اختلاف قوله في نقض الوضوء بمس المحارم قال مرة ينقض نظرا إلى عموم قوله تعالى (أو لامستم النساء) ومرة لا ينقض لأن اللمس مظنة الاستمتاع أي الالتذاذ المثير للشهوة وعليه فقد عادت على الأصل المستنبطة منه الذي هو آية أو لامستم النساء) بالتخصيص إذ يخرج منها النساء المحارم والقولان في نقض الوضوء بمس النساء المحارم منصوصان في مذهب مالك والفرق بين هذا وبين قول وفي ثبوت الحكم عند الانتفا البيت أن

الكلام هناك فيما إذا وجدت العلة دون حكمة كما نص عليه السبكي والمحلي فإن العلة هي السفر وقد وجد قطعا لكن انتفت حكمته التي هي المشقة بخلاف ما هنا فإن العلة المستنبطة التي هي مظنة الاستمتاع والتلذذ لم توجد في المحارم إذ ليس مظنة لذلك فأين أحدهما من الآخر وإن أشتبه علي ناصر الدين اللقاني وشهاب الدين عميرة قال في الآيات البينات ومنشأ الغلط والاشتباه التعبير بالمظنة هنا وهناك وهو عجيب فإنها ذكرت هناك على أنها وصف العلة وهنا على أنها نفس العلة انتهى. قوله وقد تعمم لأصلها يعني العلة يجوز أن تعود على أصلها الذي استنبطت منه بالتعميم أي تجعله عاما اتفاقا كتعليل الحكم في حديث الصحيحين لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان) بتشويش الفكر فإنه يشمل غير الغضب لاكنها لا تخرم) بفتح الناء وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء يعني أنه يشترط في صحة الإلحاق بالعلة إن لا تخرم أي لا تبطل أصلها الذي استنبطت منه لأنه منشأها فأبطالها له إبطال لها كتعليل الحنفية وجوب الشاة في الزكاة بدفع حاجة الفقير فإنه يجوز الإخراج قيمة الشاة مفض إلى عدم وجوبها على التعيين بالتخيير بينها وبين قيمتها وذلك فيه إبطال لما استنبطت منه وهو قوله صلى الله عليه وسلم في أربعين شاة شاة) وأجيب من جهة الحنفية بأن هذا ليس عودا بالإبطال إنما يكون عودا به لو أدى إلى رفع الوجوب وليس كذلك بل هو توسيع للوجوب أي تعميم له والمراد بالإبطال هنا ما ليس بتخصيص ولا تعميم بدليل مقابلته بهما في كلام الأئمة وأيضا فإن الإبطال بالمعنى المقابل لهما لا يتصور إلا أن يكون إبطالا له

(وشرطها التعيين) يعني أنه يشترط في الإلحاق بالعلة أن تتعين أي تكون وصفا معينا وبه قال الجمهور لأن العلة منشأ التعدية المحققة للقياس الذي هو الدليل ومن شأن الدليل أن يكون معينا فكذا منشأ المحقق له خلافا لمن اكتفى بعلية منهم بين أمرين مثلا مشترك بين المقيس والمقيس عليه لأن ذلك المبهم المشترك يحصل المقصود والمراد بالتعدية في قوله لأن العلة منشأ التعدية الخ تعدية الحكم عن الأصل إلى الفرع قولهم المحققة للقياس اعترضه بعضهم بأن ذلك يقتضى أن التعدية المحققة من أركان القياس وليس كذلك إذ أركانه أربعة تقدم ذكرها وأجيب بأنا لا نسلم أن من لازم المحقق للشيء كونه من أركانه فإن شروط وجوب الشيء محققة له وليست من أركانه وكذا العلل العقلية محققة لمعلولها وليست من أركانه ويجوز عند الشافعية التعليل بمبهم من أمرين فأكثر إذا ثبتت عليه كل منهما أو منها كقولهم من مس من الخنثى غير المحرم بفتح الميم أحد فرجيه أحدث أي انتقض وضوءه لأنه إما ماس فرج آدمي أو لامس غير محرم لأن كلا من المس واللمس يثبت عليته للحدث عندهم وبعضهم جعل محل الخلاف في التعليل بمبهم غير مشترك وتصوره متعذر لأنهم إنما أرادوا بكون التعليل بالمبهم غير المشترك أنه لا أصل هناك يلحق به حتى يكون المبهم مشتركا بينه وبين ذلك الفرع لزم إثبات الأحكام بمجرد التعليل من غير أن يتحقق هناك قياس وهو في غاية الأشكال لأن مجرد التعليل خارج عن أدلة الفقه المقبولة والمردودة وإن أرادوا بذلك أن هناك أصلا يلحق به فكيف يصح الإلحاق مع عدم الاشتراك في العلة وأيضا فإن أرادوا بالمبهم القدر المشترك بين أمرين أو أمور من المحصور في عدد خاص فهذا معين لا مبهم وإن أرادوا به واحدا من أمور لم تثبت علية شيء منها لكن تحتمل عليه واحد منها

فقد قال في الآيات البينات فهذا مما لا ينبغي ذهاب أحد إليه إذ كيف يصح الإلحاق إلا بواسطة شيء ثبتت عليته وقد جعل الزركشي وغيره هذه المسئلة هي التي صورها الصفي الهندي في نهايته بقوله قال بعضهم يجوز الإلحاق بمجرد الاشتراك في الوصف المطلق العام وأطبق الجماهير على فساده من حيث أن ذلك يقتضى ثبوت أحكام متناقضة في أوصاف عامة فلو جاز إلحاق الفرع بالأصل بمجرد الاشتراك في الوصف لجاز إلحاق كل فرع بكل الأصول إذ ليس إلحاقه ببعضها أولى من إلحاقه بالبعض الآخر وحينئذ يلزم ثبوت الأحكام المتناقضة في كل واحد من الفروع ولأن ذلك يفضى إلى التسوية بين المجتهد والعاصي في إثبات الأحكام الشرعية في الوقائع الحادثة لأنه ما من عامي جاهل يفرض إلا ويعلم أن هذا الفرع يشبه أصلا من الأصول في وصف عام فيثبت حكمه فيه لاشتراكهما في ذلك الوصف العام واحتجوا بقول عمر رضي الله عنه أعرف الأشباه والنظائر وقس الأمور برأيك) ويكفي في كون الشيء شبها للشيء أو نظيرا له الاشتراك في وصف واحد وقوله وقس الأمور مرتب على ذلك فوجب أن يجوز القياس بكل وصف مشترك يتحقق به الشبه والنظائر وجوابه منع تحقق الشبه والنظائر بمجرد الاشتراك في الأوصاف العامة نحو الذكورية والمعلومية والخبرية بل لابد من الاشتراك بوصف خاص قال في الآيات البينات إن في مطابقة هذه المسألة لتصوير السبكي المسئلة بالمبهم وفي تعليل المحلي المذكور نظرا. (والتقدير لها جوازه هو التحرير) الضمير المجرور باللام للعلة والتقدير هو أن يفرض الشيء لا حقيقة له يعني أن جواز كون العلة وصفا مقدرا أي مفروضا لا حقيقة له هو التحرير أي التحقيق عند القرافي وفاقا لبعض الفقهاء مثاله قولهم الملك معنى شرعي مقدر

في المحل أثره إطلاق التصرف خلافا للإمام الرازي فإنه جعل من شروط الإلحاق بالعلة إن لا تكون وصفا مقدرا لأن الوصف المقدر لا يكون عنده علة بل منع أن يكون التقدير في الشرع تصدر فضلا عن التعليل به ورده القرافي قائلا لأن المقدرات في الشريعة لا تكاد يعرى عنها باب من أبواب الفقه وكيف يتخيل عاقل أن المطالبة تتوجه على أحد بغير أمر مطالب به وكيف يكون طالبا بلا مطلوب وكذلك المطلوب يمتنع أن يكون معينا في السلم وإلا لما كان متعين أن يكون في الذمة ولا نعني بالتقدير إلا هذا وكيف يصح العقد على أردب من الحنطة وهو غير معين ولا مقدر في الذمة فحينئذ هذا عقد فلا معقود عليه بل لفظ بلا معنى وكذلك إذا باعه بثمن إلى أجل هذا الثمن غير معين فإذا لم يكن مقدرا في الذمة كيف يبقى بعد ذلك ثمن يتصور وكذلك الإجارة لابد من تقدير منافع في الأعيان حتى يصح أن يكون مورد العقد إذ لولا تخييل ذلك فيها امتنعت إجارتها ووقفها وعاريتها وغير ذلك من عقود المنافع إلى آخره ومن التقدير قولهم في الحدث وصف مقدر قيامه بالأعضاء قيام الأوصاف الحسية واختار التبريزي جواز التعليل بالمقرر وقد يكون الملك معنى مقدرا بالمحل فقال الملك لا يمكن إنكاره ولا يجوز تفسيره بسبب الملك الذي هو الشراء لبطلان تفسير المسبب ولا بأثره الذي هو إطلاق التصرف إذ يستحيل كون الشيء غير أثره فلابد وأن يقدم في المحل معنى شرعي أي قرره الشرع وهو المطلوب انتهى. وتعقبه الاصبهاني في شرح المحصول فإنه يصح تفسير الملك دون حاجة إلى التقدير المذكور إذا الملك لغة القدرة ومنه ملكت فاسجح أي قررت فأحسن العفو وشرعا قدرة مخصوصة على تصرفات مخصوصة فالمالك هو المتصف بأنه قادر وهذه القدرة بنفسه أو بغيره

كالولي والوكيل والمملوك متعلق قدرته في إيقاع التصرف فيه فهذا تفسير للملك بغير أثره وبغير سببه وبه يظهر أن لا حاجة إلى تقدير معنى بالمحل انتهى. ومقتضى الحكم وجودة وجب ... متى يكن وجود مانع سبب مقتضى بكسر الضاد الساقطة المعجمة مبتدأ ووجوده مبتدأ ثان خبره جملة وجب والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول وسبب اسم يكن ووجود مانع خبر مقدم وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله يعني أنه إذا كان وجود مانع من ثبوت الحكم سببا أي علة لانتفاء الحكم لابد عند الجمهور من ثبوت المقتضى للحكم أي العلة الموجبة للحكم فلو لم يوجد المقتضى كان انتفاء الحكم حينئذ لانتفائه لا لما فرض من وجود المانع خلافا لابن الحاجب والإمام الرازي في قولهما لا يلزم من كون العلة وجود مانع من الحكم وانتفاء شرط لثبوته وجود المقتضى واستدل له ابن الحاجب بأنه إذا انتفى الحكم مع وجود المقتضى كان انتقاؤه مع عدمه أجدر انتهى. فانتفاء وجوب الزكاة لأجل المانع الذي هو الدين يكون من باب أولى إذا انتفى النصاب لأن نفى الحكم حينئذ لأمرين وجود المانع وفقد العلة بناء على جواز دليلين على مدلول واحد قال القرافي فلا نقول في الفقير أنه لا تجب عليه الزكاة لأن عليه الدين وإنما نقول لأنه فقير ولا نقول في الأجنبي أنه لا يرث لأنه عبد بل لأنه أجنبي. كذا إذا انتفاء شرط كانا ... وفخرهم خلاف ذا أبانا الألف للإطلاق واسم كان ضمير السبب وانتفاء شرط خبر كان يعني أن الجمهور قالوا أن انتفاء الشرط لثبوت الحكم إذا كان علة

مسالك العلة

لانتقائه لزم وجود المقتضى لذلك الحكم لأن المقتضى إذا لم يوجد كان انتفاء الحكم لانتفائه لا لانتفاء الشرط قوله وفخرهم الخ يعني أن الفخر الرازي أظهر خلاف ذلك بأن قال لا يلزم وجود المقتضى واختاره ابن الحاجب وأجابا بأنه يجوز أن يكون انتفاء الحكم لما فرض أيضا من انتفاء الشرط لجواز دليلين على مدلول واحد كتعليل انتفاء الرجم بعدم الشرط فيه الذي هو الإحصان وإن لم يوجد المقتضى الذي هو الزنى بأن نقول لا يرجم زيد حين لم يثبت عليه الزنى لعدم إحصانه والجمهور يمنعون ذلك ودليلهم الشريعة كما تقدم في مثالي وجوب الزكاة وعدم الإرث والعادة إذ لا يحسن فيها أن يقال للأعمى أنه لا يبصر زيادا للجدار الذي بينهما وإنما يحس ذلك في البصير. مسالك العلة ومسلك العلة ما دل على ... علية الشيء متى ما حصلا يعني أن مسلك العلة هو ما دل على كون هذا الشيء علة لهذا الحكم حيثما كان هذا الشيء بناء على اشتراط الاطراد في العلة، ويصح أن يكون قوله متى ما حصلا قيدا في المسلك. والمعنى أن مسلك العلة حيثما كان هو ما يد لعلى كون الشيء علة لا ما لا يدل. والمسلك لغة موضع السلوك أي المرور (الإجماع) أي من المسالك أي المواضع التي يؤخذ منها علية الشيء الإجماع وما ذكر بعده كالإجماع على أن العلة في حديث الصحيحين: "لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان" تشويش الغضب للفكر، والتشويش وصف ظاهر ضابط للحكمة وهي خوف الميل عن الحق إلى خلافه وهذه علة عائدة إلى أصلها الذي استنبطت منه بالتعميم كما تقدم، ولما كان مدار النهى على تشويش الفكر علمنا أن الغضب اليسير الذي

لا يمنع من استيفاء الفكر لا يمنع من القضاء وإن الجوع الشديد يمنع منه وقول من يقول العلة الغضب لكن لكونه مشوشا خطأ غذ لا ملزمة بني الغضب والتشويش لأن تشويش الفكر قد يوجد حيث لا غضب، والغضب قد يوجد حيث لا تشويش للفكر بل العلة التشويش للفكر فقط إلا أنه أطلق لفظة الغضب لإرادة التشويش إطلاقا لاسم السبب على المسبب. فالنص الصريح مثل ... لعلة فسبب فيتلوا من أجل ذا فنحو كي إذا العطف بالفاء أو بثم فيه إشارة إلى أن ما بعده دون ما قبله في القوة فيقدم عليه عند التعارض بخلاف العطف بالواو. يعني أن المسلك الثاني هو النص ومنه صريح بأن لا يحتمل غير العلية مثل افعل كذا لعلة كذا فيلي ذلك فلسبب كذا وبعض الأصوليين أسقط هذين المثالين لعزة وجودهما في الكتاب والسنة فيلي ما ذكر من أجل كذا نحو قوله تعالى: "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل" وكذا لأجل كذا كقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الاستئذان لأجل البصر" قاله حلولو فيلي ما ذكر نحو كي وإذا نحو قوله تعالى: "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" "إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات" فإن قيل: إن كي تأتي للتعليل وبمعنى أن المصدرية وهما متغايران فكيف عدها من الصريح مع احتمال كونها لغير التعليل؟ فالجواب إنها إذا كانت بمعنى أن المصدرية لزمتها لام التعليل ظاهرة أو مفردة فهي مؤكدة للام التعليل فلم تخرج عن كونها للتعليل بالأصالة أو التأكيد وفي الحقيقة مدخولها الذي هو الفعل باعتبار ما تضمنه من المصدرية مثبتا أو منفيا هو العلة هذا

الجواب للمحشي وقال زكرياء إن محل كونها للتعليل إذا لم تكن مصدرية. (فما ظهر لام ثمة البا علما) ما مبتدأ وظهر صلته ولام خبره وعلم مبني للمفعول ونائب الفاعل ضمير عائد على الباء والألف للإطلاق أي فيلي النص الظاهر جميع ما تقدم من أقسام النص الصريح. واعلم أن مجيء اللام للعلة مطرد لا يختص بظهورها عن تقديرها، فالظاهرة نحو "كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور" والمقدرة نحو قوله تعالى: "أن كان ذا مال وبنين" أي لأن والظاهر ما يحتمل غير العلية احتمالا مرجوحا وإطلاق النص على ما يشمل الصريح، والظاهر أحد الاصطلاحات الأربعة في معنى النص كما تقدم، قوله ثمة الخ زيادة التاء في ثم جائزة يعني أن الباء من النص الغير الصريح وهو بعد اللام في الرتبة ولذلك عطف بثم نحو "فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحات لهم" أي منعناهم منها لظلمهم. فالفاء للشارع فالفقيه ... فغيره يتبع بالشبيه الفاء بالرفع معطوف على الضمير نائب فاعل علم دون فاصل لوروده فاشيا في النظم أي علم الباء من النص الغير الصريح وعلم الفاء تاليا له في الرتبة ويقدم الفاء في كلام الشارع من كتاب وسنة ويكون فيه في الحكم نحو قوله تعالى "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" وفي الوصف المعلل به نحو حديث الصحيحين في المحرم الذي وقصته دابته "لا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه فإنه يبعثه يوم

القيامة ملبيا قوله فالفقيه بالجر عطفا على الشارع أي فيلي ما ذكر الفاء في كلام الراوي الفقيه قوله فغيره بالجر أيضا عطفا على الشارع أي فيلي ما ذكر الفاء في كلام الراوي غير الفقيه ويكون في هذين القسمين في الحكم فقط كقول عمر ابن حصين رضي الله تعالى عنه قال سهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد قاله المحلى ووجهه إن الراوي يحكى ما كان في الوجود على الوجه الذي وقع عليه والعلة بحسب الوجود تتقدم على المعلول الذي هو الحكم زمنا ورتبة فلم يدخل الفاء إلا على المعلول وفيه كما في الآيات البينات نظر لأن هذا لا يمنع إدخال الفاء على العلة إذا لو قال مثلا سجد فسهى أي لأجل سهوه لأفاد ترتب الحكم على العلة وأنها متقدمة زمنا أو رتبة وقد عبر في المنهاج بقوله ويكون الفاء في الوصف أو الحكم في لفظ الشارع والراوي انتهى. وقال الأسنوى في شرحه ويدخل الفاء على الثاني منهما أي الحكم والوصف سواء كان من كلام الشارع والراوي وهو صريح في دخولها على الوصف في كلام الراوي ولكن لم يظفروا له بمثال فقول المحلي ويكون ذلك في الحكم فقط قال في الآيات البينات لعله باعتبار الوجود فقط بحسب إطلاعهم وحينئذ يندفع النظر المذكور قوله يتبع بالشبيه ببناء يتبع للمفعول أي يتبع ما ذكر بما يشبهه في كونه الظاهر منه الدلالة على العلية كان المكسورة المشددة نحو لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا أنك) الآية، وكاذ نحو ضربت العبد إذا ساء أي لإساءته وكبير وحتى وعلى وفي ومن والمراد بظهور ما ذكر من الحروف والأسماء في العلية ظهورها فيها ولو بواسطة القرينة إذ معلوم أن لها معاني أخر غير التعليل كالإلصاق في الباء ومجرد العطف في الفاء ولا يخلو إما أن يكون كل منها حقيقة في جميع معانيها

بأن يكون مشتركا بينها اشتراكا لفظيا وإما أن يكون حقيقة في بعضها مجازا في الباقي وعلى كلا التقديرين لا يكون ظاهرا بنفسه بالعلية إذ المشترك لا يكون ظاهرا بنفسه في بعض معانيه واللفظ لا يكون بنفسه ظاهرا في معناه المجازي كيف وهو معناه المرجوح. تنبيه: اعلم أن كثيرا من الأصوليين يجعلون الفاء التعليلية من قبيل الإيماء لأن ثبوت الحكم عقب الوصف وترتبه عليه مشعر بعليته ولكل وجه ولا مشاحة في الاصطلاح. والثالث الإيما اقتران الوصف ... بالحكم ملفوظين دون خلف أي الثالث من مسالك العلة هو الإيماء يعني أن الإيماء المتفق على كونه إيماء هو اقتران الوصف الملفوظ بالحكم الملفوظ على الوجه الآتي وكون الوصف والحكم ملفوظا بكل منهما لا ينافي كون كل منهما وإحداهما مقدرا لأن المراد بالملفوظ خلاف المستنبط فيشمل المقدر كالمنطوق به بالفعل لأن المقدر كالمذكور مثال تقديرهما قوله تعالى: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) فإذا طهرن فلا مانع من قربانهن ومثال تقدير الحكم فقط قوله تعالى: "إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح" أي فلا شيء لهن أما إذا كان الوصف والحكم مستنبطين معا فليس بإيماء اتفاقا وإن كان أحدهما ملفوظا والآخر مستنبطا فقيل إيماء تنزيلا للمستنبط منزلة الملفوظ فيقدمان عند التعارض على المستنبط بلا إيماء وقيل ليس بإيماء والأصح إيماء إذا كان الوصف هو الملفوظ لاستلزام الوصف للحكم بخلاف العكس لجواز كون الوصف المستنبط أعم من الحكم لأجل كونه أعم من العلة في نفس الأمر لأجل خطأ، المستنبط في استنباطه لذلك الوصف الذي استنبطه، فالمراد بالوصف في قولنا لجواز كون الوصف الذي أثبته الاستنباط لا الوصف في الواقع بخلاف

الوصف في قولنا قبله لاستلزام الوصف الحكم قال في الآيات البينات فحاصل الكلام أنه يجوز أن لا يكون الوصف المستنبط هو الوصف الذي هو العلة في الواقع بل أعم منه فيكون أعم من الحكم لأن الأعم لا يستلزم الأخص فلا يتحقق الافتراق انتهى. وبهذا تعلم بطلان ما أورده بعض حواشي المحلي عليه هنا مثال الوصف الملفوظ فقط قوله تعالى (وأحل الله البيع) فحله وهو الوصف الملفوظ مستلزم لصحته وهو الحكم المستنبط من الآية ومثال العكس تعليل الربويات بالقوت والادخار أو غيرهما فحرمة التفاضل في بيع بعضها ببعض هو الحكم الملفوظ به في الحديث والقوت والادخار أو الطعم أو الكيل هو الوصف المستنبط. وذلك الوصف أو النظير ... قرانه لغيرها يضير كما إذا سمع وصفا فحكم سمع وحكم مبنيان للفاعل الذي هو ضمير الشارع المعلوم من سياق الكلام يعني أن الوصف الملفوظ المقترن بالحكم لابد أن يشعر اقترانه ذلك بكونه علة لذلك الحكم حتى لو كان لغيرها لضر ذلك أي أخل بفصاحة الشارع وإتيانه بالألفاظ في مواضعها وكذلك يشترط ذلك في اقتران نظير الوصف بنظير الحكم حيث يشار بالوصف والحكم إلى نظيرهما أي يشترط فيه الأشعار بكون الوصف النظير الذي لم يذكر حقيقة علة لنظير الحكم أعني بالنظير الحكم الذي لم يذكر حقيقة أيضا فمنشأ الدلالة على علية نظير الوصف لنظير الحكم الاقتران الحكمي بينهما الذي دل عليه الاقتران الحقيقي بين الوصف والحكم إذ في ذكرهما

إشارة إلى نظيرهما فالنظيران مذكوران حكما مفترقان كذلك قاله في الآيات البينات قوله كما إذا سمع الخ، يعني أن أمثلة الإيماء حكم الشارع بعد سماع وصف كما في حديث الأعرابي واقعت أهلي في نهار رمضان) فقال صلى الله عليه وسلم (أعتق رقبة) فأمره بالاعتاق عند ذكر الوقاع يدل على أنه علة له وإلا خلى السؤال عن الجواب وذلك بعيد فيقدر السؤال في الجواب فكأنه قال واقعت أهلك فاعتق، فالعلة المقدرة وهي الوقاع والحكم الذي هو وجوب الاعتاق ملفوظ ومثال النظير حديث الصحيحين أن امرأة قالت (يا رسول الله أن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها) قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدى ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك أي فإنه يؤدي عنها. سألته عن دين الله على الميت وجواز قضائه عنه فذكر لها دين الأدمى عليها وقررها على جواز قضائه فلو لم يكن جواز القضاء فيهما لكون الدين علة له لكان بعيدا فهذا المثال وإن نبه فيه على كون نظير الوصف علة لنظير الحكم فقد نبه فيه على أركان القياس الأربعة فالأصل دين العباد، والفرع دين الله، والحكم جواز القضاء، وعلته في كل منهما كونه دنيا قاله المحشى وإما إذا علم الشارع بفعل تجدد فيحكم عقبه بحكم فالصحيح عندنا عدم صحة استناد التعليل إليه لعدم تحقق التعليل فيه لأنه يحتمل أن يكون ذلك الحكم مبتدأ واتفق ذكره مع وقوع الفعل قال حلولو والظاهر الربط فإنه أبعد عن اللبس وأقرب إلى الفهم، انتهى. وذكره في الحكم وصفا قد ألم. (إن لم يكن علته لم يفد) ذكره مبتدأ خبره جملة، قد ألم يعني أن ذكر الشارع في الحكم وصفا لم يصرح بالتعليل به، قد ألم

أي وقع كونه إيماء لكن لو لم يكن ذلك الوصف علة لذلك الحكم لم يكن لذكره فائدة كحديث الصحيحين لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان، فتقييده المنع من الحكم بحالة الغضب المشوش للفكر يدل على أنه علة له وإلا خلى ذكره عن الفائدة وذلك بعيد من غير الشارع فضلا عن الشارع الذي هو أبلغ خلق الله تعالى ويصح أن يكون هذا مثالا لترتيب الحكم على الوصف فيكون إيماء من وجهين. (ومنعه مما يفيت) منعه مرفوع معطوف على فاعل ألم يعني أنه وقع من الإيماء منع الشارع المكلف من فعل قد يفوت ذلك الفعل فعلا آخر مطلوبا منه نحو قوله تعالى (فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) فإنه يفهم منه أن منع البيع وقت نداء الجمعة إنما هو لأجل أن البيع يفوت الجمعة فلو لم يكن لمظنة تفوقيتها لكان المنع بعيدا. (استفد ترتيبه الحكم عليه) أي استفد كون ترتيب الشارع الحكم على الوصف إيماء نحو أكرم العلماء فترتيب الإكرام على العلم لو لم يكن لعلية العلم له لكان بعيدا. (واتضح تفريق حكمين بوصف المصطلح) يعني أنه اتضح كون هذا القسم من الإيماء وهو تفريق الشارع بين حكين بالوصف في المصطلح أي اصطلاح أهل الأصول مع ذكر الحكمين أو ذكر أحدهما فقط. مثال الأول حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين وللرجل سهما) فتفريقه بين هاذين الحكمين بهاذين الوصفين لو لم يكن لعلية كل منهما لكان بعيدا والوصفان هما مفهوم

الفرس والرجل لا أسماؤها إذ هما لغتان لا مدخل للتسمية بهما في الحكمين. ومثال الثاني حديث الترمذي: «القاتل لا يرث» أي بخلاف غيره (المعلوم) إرثه فالتفريق بين عدم الإرث المذكور وبين الإرث المعلوم بصفة القتل المذكور مع عدم الإرث لو لم يكن لعليته له لكان بعيدًا والمراد بالوصف هنا الوصف الاصطلاحي وهو لفظ مقيد لآخر ليس (بشرط) ولا استثناء ولا غاية ولا استدراك بدليل مقاساته بها والمراد به في تعريف الإيماء ما يشمل المذكورات. أو غاية شرط أو استثناء (بجر غاية عطفاً على وصف) المصطلح وشرط معطوف عليه بعاطف محذوف واستثناء معطوف على غاية أيضاً يعني أن من الإيماء تفريق الشارع بين حكمين بشرط أو غاية أو استثناء أو استدراك. مثال الشرط حديث مسلم «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يدًا بيد فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد» فالتفريق بين منع البيع في هذه الأشياء متفاضلاً وبين جوازه عند اختلاف الجنس لو لم يكن لعلية الاختلاف للجواز لكان بعيدًا. ومثال الغاية قوله تعالى: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) فإذا طهرن فلا مانع من قربانهن فتفريقه بين المنع من قربانهن في الحيض وبين جوازه في الطهر لو لم يكن لعلية الطهر لكان بعيدًا.

ومثال الاستثناء قوله تعالى: (فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون) أي الزوجات عن ذلك النصف فلا شيء لهن فتفريقه بين ثبوت النصف لهن وبين انتفائه عند عفوهن عنه لو لم يكن لعلية العفو للانتفاء لكان بعيدًا. ومثال الاستدراك قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) فتفريقه بين عدم المؤاخذة بالإيمان وبين المؤاخذة بها عند تعقيدها لو لم يكن لعلية التعقيد بالمؤاخذة لكان بعيدا. تنيبه: صرح الغزالي وغيره بأن وجوه الإيمان كثيرة لا تنحصر في ما ذكر وإنما يذكرون تلك الوجوه تنبيها على ما لم يذكر. (تناسب الوصف على البناء) أعني أن الأكثرين لا يشترطون في الإيماء مناسبة الوصف اليومي إليه للحكم قال المحلي بناء على أن العلة بمعنى المعرف أي العلامة والإمارة وقيل تشترط بناء على أنها بمعنى الباعث انتهى. وعلل حلول عدم اشتراط المناسبة طريق مستقل والإيماء كذلك فلا يتوقف أحدهما على الآخر وعلل اشتراطها بأن الغالب من تصرفات الشرع أن يكون على وفق الحكمة فما لا مناسبة له ولا يوهم المناسبة يمنع التعليل به وعورض مذهب الأكثر بما سبق من أن شروط الإلحاق بها اشتمالها على حكمة تبعث المكلف على الامتثال وتصلح شاهدا لإناطة الحكم بها وبما سبق قريبا من أن الوصف يستلزم الحكم فكيف يستلزم مع عدم المناسبة واجب بالجمع بين الكلامين بأن ما تقدم هو اشتراط اشتمالها على الحكمة المذكورة ولو احتمالا

ومظنة وإن كان قد لا يطلع على حكمته إذ لا تخلو علة عن حكمة لكن في الجملة فقد يقطع بانتفائها في بعض الصور وبأن المراد هنا أنه لا يشترط مناسبة بحسب الظاهر وإلا فالمناسبة معتبرة في نفس الأمر قطعا للاتفاق على امتناع خلو الأحكام عن الحكمة فظاهر السبكي ومن وافقه اشتراط المناسبة في نفس الأمر وإن كانت العلة بمعنى الإمارة وقال العضد أن المناسبة لابد منها في نفس الأمر إذا كانت العلة بمعنى الباعث ولا تجب المناسبة في نفس الأمر إذا كانت بمعنى الإمارة المجردة وعلى كلام العضد وكلام المحلي السابق يحمل قولنا تناسب الوصف على البناء. (والسبر والتقسيم قسم رابع) أي من مسالك العلة السبر والسبر بالفتح لغة الاختبار ومنه سمى ما يعرف به طول الجرح وعرضه سبارا ككتاب ومسبار كمفتاح تقول العرب هذه القضية يسبر بها غور العقل أي يختبر والتقسيم لغة الافتراق ولذا عبر بعض الأصوليين عن التقسيم بالافتراق والأصل أن يقال التقسيم والسبر لأن الناظر يحصل ما بالمحل من الأوصاف بأن يقول مثلا العلة أما الاقتيات والاذخار والطعم أو الكيل وهذا هو التقسيم ثم يختبر الصالح للعلية من غير وهذا هو السبر فيعين الصالح للعلية وإذا كان ذلك هو الأصل فمقتضاه أن يقال التقسيم والسبر ليوافق ترتب اللفظين ترتب معنيهما لكن عدل عنه لما قال المحشي ولفظه قلنا مجموع اللفظين علم للمسلك وهو مفرد لا نظر فيه إلى ترتيب انتهى. وأظهر منه كلام القرافي وافظه لكن التقسيم لما كان وسيلة للاختبار والاختبار هو المقصد وقاعدة العرب تقديم الأهم والأفضل

قدم السبر لأنه المقصد الأهم وأخر التقسيم لأنه وسيلة أخفض رتبة من المقصد وهذه الطريق مفيدة للعلة لأن الحكم مهما أمكن أن يكون معللا فلا يجعل تعبدا وإذا أمكن إضافته للمناسب فلا يضاف لغير المناسب ولم نجد مناسبا إلا ما بقي بعد السبر فوجب كونه حجة وعلة بهذه القواعد انتهى. قال الرهوني ويسمي هذا المسلك بالسبر وحده وبالتقسيم وحده وبهما معا انتهى والجمع أكثر والسبر والتقسيم اصطلاحا هو ما أشار إليه بقوله: (أن يحصرا الأوصاف فيه جامع). ويبطل الذي لها لا يصلح ... فما بقى تعيينه متضح يعني أن السبر والتقسيم هو أن يحصر جامع أي شخص حافظ لجميع الأوصاف الموجودة فيه أي في الأصل المقيس عليه ويكون الحصر المذكور مع إبطال ما لا يصلح لها أي للعلية من تلك الأوصاف ويكون الإبطال بطريق من طرق إبطال العلية كعدم الاطراد أو عدم الانعكاس كان يحصر أوصاف البر في قياس الذرة عليه في كل من الاقتيات مع الادخار ومن الطعم ومن الكيل ومن المالية وغير ذلك من أوصافه فيبطل ما عدا الاقتيات مع الادخار بعدم الاطراد وهو وجودها مع انتفاء الحكم الذي هو ربوية الفضل فيتعين الاقتياب والادخار للعلية لربى الفضل قوله: (فما بقى الخ) بقى بفتح القاف وكسرها ومن طرق الإبطال كون الوصف الذي دخل للحصر طردا أي من جنس ما علم من الشارع إلغاؤه كما يأتي وبهذا بطل تقييد العضد الأوصاف بكونها صالحة للعلية إذ كيف يوصف وصف مع كونه طردا بالصلاح للعلية.

معترض الحصر في دفعه يرد ... بحثت ثم بعد بحثي لم أجد معترض مبتدأ خبره يرد بفتح الياء وفاعله الذي هو بحثت الخ على التأويل باللفظ وقوله في دفعه متعلق بيرد يعني أنه يكفي في دفع منع المعترض الحصر في الأوصاف التي يذكرها المستدل أحد أمرين. أولهما قول المستدل بحثت فلم أجد غير ما ذكرته من الأوصاف والثاني أشار له بقوله: (أو أنفقا دما سواها الأصل) الأصل مبتدأ خبره انفقاد يعني أنه يكفي في دفع ما ذكر قول المستدل الأصل عدم ما سواه وإنما اكتفى بقوله بحثت فلم أجد لعدالته مع أهلية النظر فيه فيندفع عنه بذلك منع الحصر وغير العدل لا يكفي قوله ما ذكر لأن قوله لا يقبل شرعا والمراد عدل الرواية لأن هذا أخبار محض وله الدفع بالاستدلال على الحصر مثاله أن يقول المستدل العلة في الإجبار في النكاح أما البكارة وأما الجهل بالمصالح فيمنع المعترض الحصر فيستدل على نفي التعليل بغيرهما بالإجماع. (وليس في الحصر لظن حظل) بالظاء المعجمة المثالة يعني أن ما تقدم من الاكتفاء في دفع منع الحصر بأحد الأمرين إنما هو في حالة مناظرة المجتهد مع غيره أما المجتهد الناظر لنفسه فيرجع في حصر الأوصاف إلى ظنه فيلزمه الأخذ به لأنهم لم يحظلوه من ذلك أي لم يمنعوه منه. (وهو قطعي إذا ما نميا للقطع) يعني أن هذا المسلك يكون قطعيا والاحتجاج به متفق عليه إذا كان كل من الحصر والإبطال قطعيا لأن اعتماد الدلالة فيه عليهما فألف الاثنين للحصر والإبطال.

(والظني سواه وعياً) بالبناء للمفعول وألفه للإطلاق خبر الظني وسواه حال من الضمير نائب وعي أي حفظ وعرف يعني أن الظني هو غير القطعي وهو ما كانا فيه أو أحدهما ظنيا. حجية الظني رأى الأكثر ... في حق ناظر وفي المناظر يعني أن الاحتجاج بالسبر والتقسيم الظني هو مذهب الأكثر واختاره القاضي منا قال الفهري منا وهو الأظهر لوجوب العمل بالظن لأن الحكم لا يخلو عن علة ظاهرة غالبا وار علته لا تعدو أوصاف محله وإذا ظهر بطلان ما سوى المستبقى غلب على الظن أنه علة ولقائل أن يقول أن وجوب العمل بالظن إنما هو في حق الظان ومقلديه دون غيره فكيف يكن حجة على المناظر وهو من حيث المناظرة لا يلزمه تقليد ذلك الظان ويجاب بما في الآيات البينات من أن هذا ليس من باب التقليد بل هو من باب إقامة الدليل على الغير وإن لم يفد إلا مجرد الظن لوجوب العمل بالدليل الظني ولا فرق في كون الظني حجة بين الناظر لنفسه والمناظر غيره ويقابل مذهب الأكثر ثلاثة أقوال أحدها أنه ليس بحجة مطلقا لجواز إبطال الباقي. ثانيها وبه قال إمام الحرمين من الشافعية أنه حجة أن أجمع على تعليل ذلك الحكم في الأصل يعني أنه من الأحكام المعللة لا التعبدية حرزا من أداء بطلان الباقي إلى خطأ المجمعين ومنع ذلك بأنه لا يلزم من إجماعهم على تعليل الحكم الإجماع على أنه معلل بشيء مما أبطل وإلا يجمع على تعليل الحكم في الأصل فلا يحتج به لاحتمال أن يكون تعبدا قال الفهري منا أن ما ذكره إمام الحرمين محتمل إلا أنه خلاف الأصل يعني أن الأصل في الأحكام أي الغالب فيها معقولية المعنى لا التعبد فالحاقة بالغالب أولى من إلحاقه بالنادر.

ثالثها أنه حجة للناظر لنفسه دون المناظر غير لأن ظنه لا يقوم حجة على خصمه وقد تقدم جوابه منقولا عن الآيات البينات. أن يبد وصفا زائدا معترض ... وفي به دون البيان الغرض يعني أن المعترض إذا أبدى أي أظهر وصفا زائدا على حصر المستدل وفي أي حصل بإبدائه غرض المعترض وهو ثبوت الاعتراض على المستدل ولا يكلف المعترض حينئذ بيان صلاحية ما أبداه للتعليل لأن بطلان الحصر بإبدائه كاف في الاعتراض فعلى المستدل دفعه بإبطال التعليل به لكنه لا ينقطع بمجرد إظهار المعترض الوصف الزائد على أوصافه حتى يعجز عن إبطال صلاحية ذلك الوصف للعلية. وقطع ذي السبر إذا منحتم ... والأمر في إبطاله منبهم الواو في قوله والأمر للحال يعني أن قطع المستدل على علية الوصف بالسبر قيل أنه يجب بإبداء المعترض وصفا زائدا على انبهام الأمر في إبطاله ذلك الوصف المبدي والمراد بانبهامه عدم تبين المستدل عدم صلاحيته للعلية فإن بينه لم ينقطع وثبت سبره لأن غاية ما في إبدائه منع مقدمة من الدليل والمستدل لا ينقطع بالمنع على الأصح كما تقدم ولكن يلزمه دفع منع المقدمة بدليل يبطل به علية الوصف. قوله إذا منون. (أبطل لما طردا يرى). مبني للمفعول وطردا مفعوله الثاني يعني أنه إذا حصل الحصر فللإبطال طرق منها ظهور كون الوصف طردا ويقال طردي بالياء المشددة أي من جنس ما علم من الشارع إلغاؤه ويعلم إلغاؤه باستقراء موارد الشريعة سواء كان الطرد في جميع الأحكام كالطول والقصر

فإنهما لم يعتبرا في القصاص ولا في الكفارة ولا في الإرث ولا العتق لا في المعتق بالكسر ولا في المعتق بالفتح ولا غير المذكورات فلا يعلل بهما حكم أصلا أو كان الطرد في الحكم المتنازع فيه كالذكورة والأنوثة في العتق فلا يعلل بهما شيء من أحكامه وإن اعتبرا في الشهادة والقضاء والإمامة والإرث وولاية عقد النكاح. (ويبطل غير مناسب له المنخذل) يبطل بضم الطاء والمنخذل فاعله وغير مناسب بكسر السين حال من المنخذل والضمير المجرور باللام للحكم يعني أن من طرق الإبطال بعد ثبوت حصر الأوصاف إن لا تظهر مناسبة الوصف المنخذل أي المحذوف وهو الوصف الذي يريد المستدل إسقاطه أي مناسبته للحكم بعد البحث عنها لانتفاء مثبت العلية بخلافه في الإيماء فلا يشترط فيه ظهور المناسبة عند الأكثر وإنما اشترط هنا لأنه لما تعددت فيه الأوصاف احتيج إلى بيان صلاحية بعضها للعلية بظهور المناسبة فيه فاشتراطه هنا لعارض لأبناء على أن العلة بمعنى الباعث فلا ينافي ما مر من ترجيح أنها بمعنى المعرف. (كذاك بالالغا وإن قد ناسبا). بقصر الإلغاء للوزن يعني ويحصل الإبطال بعد ثبوت الحصر بكون الوصف ملغي وإن كان مناسبا للحكم المتنازع فيه ويكون إلغاء باستقلال المستبقي بالحكم دونه في صورة مجمع عليها حكاه الفهري كاستقلال الطعم في ملء كفمن القمح بالحكم الذي هو حرمة ربي الفضل دون الكيل وغيره فإن ذلك لا يكال وليس فيه اقتيات في الغالب. (وبتعدي وصفه الذي اجتيا) الضمير في وصفه للمستدل يعني أن الإبطال يحصل بعد ثبوت الحصر بتعدي وصف المستدل الذي

اجتباه أي اختاره للتعليل والتقصير وقصور غيره من أوصاف المحل لأن تعدية الحكم محله أكثر فائدة من قصوره عليه. ثم الناسبة والإخالة ... من المسالك بلا استحالة بكسر همزة الإخالة وهذا هو المسلك الخامس يعني أن من الطرق الدالة على علية الأمر للحكم المناسبة بينهما فهذه الطريق تسمي المناسبة وتسمي أيضا الاخالة بكسر الهمزة وبالخاء المعجمة من خال بمعنى ظن سميت مناسبة الوصف بالاخالة لأن بالنظر إلى ذاتها يخال أي يظن علية الوصف للحكم والمناسبة لغة الملاءمة أي الموافقة وقيل المغاربة فصريح هذا النظم كالسبكي أن المسلك هو نفس المناسبة لا استخراجها قال في الآيات البينات وهذا وجيه جدا لأن المسلك دليل العلة وشأن الدليل كما هو جلي أن يكون ثابتا في نفسه مع قطع النظر عن نظر المستدل فيه سابق الوجود عليه انتهى. ويصح جعل استخراج المناسبة الذي هو تخريج الناط هو المسلك لأن السبكي أرتكب نظيره في السبر والتقسيم لأنه فسره بالحصر والإبطال وهما فعلان للمجتهد كما أن الاستخراج فعل له فكونه فعلا لا يمنع من كونه دليلا فيصح إطلاق المسلك على كل من المناسبة ومن تخريج المناط لأن المراد بالمسلك ما يثبت العلية ونسبة الإثبات لكل منهما صحيحة لأن المناسبة دليل والتخريج إقامة ذلك الدليل وكل منهما يصح أن ينسب إليه المسلكية. ثم بتخريج المناط يشتهر ... تخريجها وبعضهم لا يعتبر تخريجها بمعنى استخراجها فاعل بشتهر وبتخريج المناط متعلق بيشتهر ويعتبر مبني للفاعل يعني أن استخراج المناسبة الحاصل

بإبداء الوصف المناسب يسمي تخريج المناط بفتح الميم والمناط العلة التي نيط الحكم بها أي علق وأصل المناط مكان النوط أي التعليق قال الشاعر: بلاد بها نيطت على تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها سمي استخراج المناسبة بتخريج المناط لأنه استخراج ما نيط الحكم به وسمي الوصف بالمناط لأنه موضع له وتخريج المناط من أعظم مسائل الشريعة دليلا وتقسيما وتفصيلا وأنكره الظاهرية وغيرهم وإليه الإشارة بقولنا، وبعضهم لا يعتبر. وهو أن يعين المجتهد ... لعلة بذكر ما سيرد من التناسب الذي معه اتضح ... تقارب والأمر مما قد قدح هو ضمير هذا المسلك الذي هو المناسبة عند السبكي أو تخريج المناط عند ابن الحاجب يعني أن هذا المسلك الذي هو أحد الأمرين تعيين المجتهد العلة بإبداء مناسبة بين العلة المعينة والحكم مع الاقتران بينهما في دليل حكم الأصل ومع السلامة للوصف المعين من قوادح العلية والاقتران معتبر في كون الوصف المناسب علة لا في كون الوصف مناسبا وصورته أن يحكم الشارع في صورة بحكم ولا يتعرض لبيان علته فيبحث المجتهد عن علة ذلك الحكم، ويستخرج ما يصلح مناطا له كالأسكار في حديث مسلم (كل مسكر حرام) فهو لإزالته العقل المطلوب حفظه مناسب للحرمة وقد اقترن بها في دليل الحكم وهو الحديث وسلم ومن القوادح قال حلولو فيخرج بإبداء المناسبة تعيين العلة بالطرد أو الشبه أو الدوران انتهى.

وباعتبار المناسبة في هذا المسلك يمتاز عن ترتب الحكم على الوصف الذي هو من أقسام الإيماء وإن اشتركا في ارتباط الحكم بالوصف في كل منهما فحديث مسلم المذكور فيه الإيماء من جهة ترتيب الحكم على الوصف ولو فرضنا عدم ظهور المناسبة بينهما بناء على مذهب الأكثر من عدم اشتراطها وفيه المناسبة أي النوع المسمي بها جهة ظهور المناسبة الخاصة والسلامة عن القوادح قيد في تسمية التعين المذكور بتخريج المناط بحسب الواقع لا للاعتداد به إذ كل مسلك لا يتم بدونها فالسلامة جزء من مسمى هذا المسلك الذي هو المناسبة أو تخريج المناط أما بالنسبة إلى غيره فشرط خارج عن المسمى. وواجب تحقيق الاستقلال ... بنفي غيره من الأحوال يعني لابد أن يحقق استقلال الوصف المناسب بالعلية ويحقق الاستقلال بنفي غيره من الأحوال أي الأوصاف ونفي غيره يكون بالسبر بأن لا يجد مثله ولا ما هو أولى منه لا بقول المستدل (بحثت فلم أجد غيره) أو الأصل عدمه، فلا يكفي هنا بخلافه في السبر لأن المقصود هنا إثبات الوصف الصالح للعلية وهناك نفي ما لا يصلح للعلية من الأوصاف: ثم المناسب الذي تضمنا ... ترتب الحكم عليه ما اعتنا به الذي شرع من أبعاد ... مفسدة أو جلب في سداد المناسب مبتدأ خبره الذي وصلته وترتب فاعل تضمن ومفعوله هو ما من قوله ما اعتنى والسداد مفتوح السين المصلحة تقدم أن المناسبة لغة مطلق الملاءمة الموافقة وإما في الاصطلاح فهي ملاءمة

خاصة هي فرد من أفراد المعنى اللغوي وعليه فالمناسب المأخوذ منها أي من المناسبة الاصطلاحية هو الوصف المناسب الذي تضمن أي استلزم ترتب الحكم عليه ما اعتنى به الشارع في شرع الأحكام من حكمة لحصول مصلحة ودفع مفسدة ويدخل في المفسدة المشقة والمصلحة لذة أو وسيلتها والمفسدة ألم أو وسيلته وكلاهما نفسي أو بدني دنيوي أو أخروى قال في التنقيح والمناسب ما تضمن تحصيل مصلحة أو درء مفسدة. فالأول كالغنى علة وجوب الزكاة والثاني كالاسكار علة تحريم الخمر انتهى. فيلزم على ترتب وجوب الزكاة على الغنى المقصود الذي هو سد خلة الفقراء من ترتب تحريم الخمر على الاسكار المقصود الذي هو حفظ العقل الموجب زواله للوقوع في كثير من المهالك وقولنا استلزم ترتب الحكم عليه الخ قال جمع منهم الاصفهاني شارح مختصر ابن الحاجب ومنهم الزركشي وتبعهم زكرياء أنه احترز عن الوصف المستبقى في السبر والمراد في الدوران وغيرهما من الأوصاف التي تصلح للعلية ولا يحصل عقلا من ترتيب الحكم عليها المعنى المذكور من حصول مصلحة أو دفع مفسده ولا يلزم من ذلك خلو هذه الأوصاف عن اشتمالها على حكمة وبحث في الآيات البينات بأنه قد يشكل الإضرار المذكور بأن ما ذكر من الوصف المستبقى في السبر والمدار في الدوران وغيرهما من الأوصاف قد يشتمل على المناسبة ويحصل من ترتيب الحكم عليه ما ذكر غاية الأمر أن تلك المسالك لم يعتبر فيها المناسبة في دلالتها على العلية وذلك لا ينافي حصول المناسبة بتلك الأوصاف اللهم غلا أن يريدوا أن الأوصاف المثبتة عليتها بتلك

المسالك لا يحصل من ترتيب الحكم عليها ما ذكر فلو اشتملت على مناسبة لكان حصول ما ذكر من ترتيب الحكم عليها باعتبار مسلك المناسبة لا تلك المسالك الأخرى هـ. ويحصل القصد بشرع الحكم ... شكا وظنا وكذا بالجزم القصد بمعنى المقصود يعني أن الحكمة التي هي المقصود من شرع الحكم أي من ترتيب الحكم على علته قد تحصل شكا بأن يكون ثبوتها وانتفاؤها على حد سواء وقد تحصل ظنا بأن يكون ثبوتها أرجح من انتفائها وقد تحصل جزما أي يقينا. الأول كحد الخمر لأجل الاسكار فإن حصول المقصود من شرع حكمه وهو الانزجار عن شربها وانتفاؤه مستاويان لتساوي الممتنعين عن شربها والمقدمين عليه فيما يظهر للناظر إلى اللمتنعين وإلى المقدمين لا بالنسبة إلى ما في نفس الأمر لتعذر الإطلاع عليه ولهذا الاعتبار قال بعضهم أنه لا مثال له على التحقيق ثم حكم الناظر بالتساوي فيما يظهر له تقريبي لا حقيقي والثاني كالقصاص لأجل القتل العمد العدوان من مكافئ يحصل المقصود من شرع حكمه وهو الانزجار عن القتل ظنا فإن الممتنعين عنه أكثر من المقدمين عليه وإنما قلنا أكثر لأن الغالب من حال العاقل أنه إذا علم أنه متى قتل قتل كف عن القتل. والثالث كجواز البيع لأجل الاحتياج إلى المعارضة في الجملة يحصل المقصود من شرعه وهو الملك يقينا في الجملة فلا يقال قد يتخلف الملك عن البيع كما لو كان الخيار للبائع وحده لأن

ذلك لا ينافي حصوله يقينا في الجملة فإنه حاصل يقينا إذا لم يكن خيار وكذا إن كان خيار ولو بعذر من الخيار. وقد يكون النفي فيه أرجحا ... كئايس لقصد نسل نكحا النفي مصدر نفي الشيء بمعنى انتفى فإن نفى يستعمل متعديا ولازما والايس مقلوب اليائس فالياء فيه هي فاؤه والحكم هو جواز نكاح الايس لطول تجربة لمصلحة التوالد قال في الآيات البينات الظاهرات الوصف المعلل به هنا احتياج الناس إلى نكاح والمقصود هو التوالد وإن كان من جرحا هـ. فإن حصول الولد من الايس واليائسة ممكن عقلا لإعادة قال حلولو وفيه عندي نظر فإن العادة تفيد القطع في بنت التسعين هـ أي بالتاء الفوقية قبل السين قلت ولا حاجة له إلى ما ذكر لأنهم لم يمثلوا ببنت التسعين بل مرادهم الحالات التي الغالب فيها عدم التوالد من سر أو غيره كطول تجربة ولا يقال اليأس ينافي التوالد لانا لا نسلم ذلك إنما اليأس يبعده كما يستفاد من كلام الفقهاء قاله في الآيات البينات فإن قطع بانتفائه الحكمة في صورة فقد تقدم في قولنا: (وفي ثبوت الحكم عند الانتفاء) البيت بالطرفين في الأصح عللوا ... فقصر مترف عليه ينقل يعني أن الأصح عند أهل الأصول التعليل بالطرفين من الأقسام الأربعة أعني الوصف المناسب المشتمل على حكمة حاصلة من ترتيب الحكم على ذلك المناسب شكا أو وهما وأما التعليل بالثاني والثالث فجائز اتفاقا وظاهر هذا النظم كجمع الجوامع إن التعليل بنفس المقصود الذي هو الحكمة لكن الأولى تأويله بما ذكر أو

يقال ما قال زكرياء أنه مستثنى مما تقدم أنه لا يجوز التعليل بالحكمة انتهى. يعني أنه لا يجوز على قول قال في الآيات البينات قد يستشكل بأنه إذا جاز التعليل بالأربعة لم يبق شيء فما معنى الاستثناء فإن المعلل به لا يخرج عن هذه الأربعة إلا أن يقال هذه الأربعة أقسام المناسب أي ما ظهرت مناسبته والعلة لا تنحصر فيه فقد تكون فيما لم تظهر مناسبته ومنه الاسم اللقب والوصف اللغوي وما لم يطلع على حكمته هـ. وفي الآيات البينات ما لفظه وقد يستبعد ذلك أي جعل الحكمة علة لأن الحكمة هي ما يترتب على ثبوت الحكم فكيف يترتب الحكم عليها كما هو قضية جعلها علة إلا أن يراد أنها حكمة لحكم وعلة لأخر هـ قوله فقصد مترف بضم ميم مترف وفتح رائه وهو المترفه بسفره أي المنتعم به وببناء ينقل للمفعول يعني أن قصر المترفه بسفره أي المنتعم به وببناء ينقل للمفعول يعني أن قصر المترفه بسفره ينبني جوازه الذي هو المشهور على جواز التعليل بالطرفين فعلى الأصح يجوز القصر للمترفه في سفره المظنون فيه انتفاء المشقة التي هي حكمة شرع الترخص وإنما قلنا المظنون لأن الترفه لا ينافي قطعا وجود المشقة بل توجد معه كما هو مشاهد من بعض المسافرين برا في نحو محفة وبحرا في نحو سفينة مظللة وقد يقطع بانتفاء المشقة كمن مسكنه في البحر ونزل منه في سفينة قطعت به مسافة قصر في لحظة والحاصل من كلام المحلي أن المقصود من شرع الترخص المشقة وهو في الحقيقة انتفاؤها وقيل لا يجوز التعليل بالأول لأن المقصود فيه الذي هو الحكمة مشكوك الحصول ولا بالرابع لأنه فيه مرجوحة وعليه لا يجوز قصر المترفه بسفره

ثم المناسب عنيت الحكمة ... منه ضروري وجاتتمة هذا تقسيم للمناسب إلى ثلاثة أقسام ضروري وحاجي وتتمة ويقال له تحسيني والمراد بالمناسب هنا الحكمة المقصودة من الوصف المناسب ويصح أن يراد به هنا الوصف المناسب باعتبار الحكمة لا نفس الوصف المناسب فقط والمراد بالمناسب فيما سبق وفيما يأتي العلة قوله وجاتتمة بقصر جاء للوزن أي من المناسب ما هو تتمة التحسيني ما استحسن عادة من غير احتياج إليه ولم تلجئ إليه ضرورة وإنما استحسن عادة لأنه حث على مكارم الأخلاق وإتباع أحسن المناهج في العادات والمعاملات والضروري ما كان حفظه سببا للسلامة من هلاك البدن أو الدين. بينهما ما ينتمي للحاجي ... وقدم القوى في الرواج يعني أن بين مرتبة المناسب الضروري والمناسب التحسيني مرتبة ثالثة تسمي المناسب الحاجي فالمناسب ضروري فحاجي فتحسيني وقدم في الرواج أي الاعتبار القوى من الثلاثة عند تعارض الأقيسة فيقدم الضروري ثم الحاجي ثم التحسيني فبهذا يظهر ثمرة ترتبها والحاجي ما يحتاج إليه ولم يصل إلى حد الضروري دين ونفس ثم عقل نسب ... مال إلى ضرورة تنتسب يعني أن الضروريات وهي أصول المصالح منها حفظ الدين وهو الحكمة المقصودة من ترتب الحكم بمعنى المحكوم به وهو القتل على الوصف المناسب وهو الكفر وكذلك هو الحكمة المقصودة من قتل المرتد والزنديق وأصحاب البدع المضلة ومنها حفظ النفس وهو الحكمة المقصودة من ترتب القصاص على القتل ومنها حفظ العقل وهو الحكمة

المقصودة من ترتب الحد على الاسكار ومنها حفظ النسب وهو الحكمة المقصودة من ترتب حد الزنى على الزنى ومنها حفظ المال وهو الحكمة المقصودة من ترتب حد السرقة وحد قطع الطريق عليهما من ترتب الضمان على المتلفات وإنما كان حفظ المال من الضروريات لتوقف البنية عليه واشتراط عدالة الشهود ضروري صونا للنفوس والأموال وفي الإمامة حاجية وفيها خلاف لأنها شفاعة والحاجة داعية إلى إصلاح حال الشفيع وفي النكاح تتمة لأن الولي قريب ينزعه طبعه عن الوقوع في العار ورخص في البلد الذي يتعذر فيه العدول قبول شهادة أمثلهم حالا وكذا في القضاة وولاة الأمر. ورتبن ولتعطفن مساويا ... عرضا على المال تكن موافيا العرض بالكسر النفس وجانب الرجل الذي يصونه من نفسه وحسبه أن ينتقض ويثلب أو سواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره أو موضع المدح والذم أو ما يفتخر به من حسب وشرف وقد يراد به الآباء والأجداد والخليقة المحمودة إلى غير ذلك يعني أن ما ذكر من الضروريات مرتب فكل واحد منها دونما قبله في الرتبة فيقدم عليه عند التعارض الأحفظ المال وحفظ العرض فإنهما معا في آخر رتبة ومعنى تكن موافية بضم الميم تكن موافقا لأهل الأصول فحفظ العرض هو الحكمة المقصودة من ترتب جلد ثمانين على القذف وتسوية العرض والمال مذهب السبكي لكن الظاهر أن يفصل فيقال من فوائد حفظ الأعراض صيانة الأنساب عن تطرق الشك إليها بالقذف فيلحق بحفظ النسب فيكون بهذا الاعتبار أرفع من المال فإن حفظهما بتحريم الزنا تارة وبتحريم القذف المفضي إلى الشك في الأنساب أخرى وتحريم الأنساب مقدم على الأموال ومن الأعراض ما هو دون

جميع الضروريات وهو دون الأموال لا في رتبتها وهذا القسم من الأعراض هو ما عدا القسم الأول قاله بعضهم قال في الآيات البينات ولا يخفى أن للمصنف يعني السبكي أن لا يسلم أنه في الشق الأول أرفع في المال. وأنه في الشق الثاني دون المال فلا يرد عليه ذلك هـ واستشكل جعل حفظ المال من الضروري والبيع من الحاجي مع أن ضرورية المال إنما هي لتوقف البنية عليه وحجة. فأي فرق بين المال الذي في يده والمال الذي يراد تحصيله بالبيع ولم كان حفظ الأول ضروريا دون الثاني مع التوقف على كل منهما واحتمال الاستغناء عن البيع بنحو هبة أو إعارة أو تصدق فإن منع ضرورية البيع لإغناء ذلك عنه فليمنع ضرورية حفظ ما بيده كذلك هـ من الآيات البينات. فحفظها حتم على الإنسان ... في كل شرعة من الأديان الشرعة بالكسر بمعنى الشريعة وهي ما شرعه الله تعالى لعباده والمعنى أن حفظ الضروريات المذكورة واجب على كل إنسان مكلف بإجماع جميع الملل قال الجزائري: قد أجمع الأنبياء والرسل قاطبة ... على الديانة بالتوحيد في الملل وحفظ نفس ومال معهما نسب ... وحفظ عقل وعرض غير مبتذل قال التشيتي: العرض ضد الطول والعرض غدا ... ومفرد العروض فتحها بدا والعرض بالكسر بمعنى النفس ... والضم للجانب دون لبس

قوله والعرض غدا المراد بغدا يوم القيامة يعني عرض الأعمال فيه: الحق به ما كان ذا تكميل ... كالحد فيما يسكر القليل بالجر نعت لما من قوله فيما يسكر يعني أنه يجب أن يلحق بالضروري مكمله أي المؤكد له والمبالغ في حفظه بسببه كالحد في القليل من المسكر جنسه قال شهاب الدين عميرة الوصف المناسب في هذا المثال هو كون القليل يدعو إلى الكثير والحكم الحد المرتب عليه والمقصود من شرع الحد الحفظ من الدعاء إلى المفوت وهذا الحفظ مكمل لحفظ العقل أي مؤكد له ومبالغ فيه بسببه هـ. لم يبح الله تعالى النفوس ولا شيئا من الستة المذكورة في ملة من الملل بإجماع فالمسكرات حرام في جميع الملل وإن وقع الخلاف في اليسير الذي لا يسكر ففي الإسلام حرام وفي الشرائع المتقدمة هو حلال أما القدر المسكر فحرام إجماعا في جميع الملل والمراد من إلحاق مكمل الضروري به إنه في رتبته اعلم أن الضروريات أصول المصالح ولكل تكملة فيها من حيث هي تكملة شرط وهو أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال: وهو حلال في شرائع الرسل ... غير الذي نسخ شرعه السبل أباحها في أول الإسلام ... بداءة ليست من الأحكام هو ضمير راجع لقليل المسكر يعني أن قليل ما يسكر جنسه مما لا يسكر هو بنفسه مباح عند جميع السبل أي الملل المتقدمة وهو حرام في شريعته صلى الله عليه وسلم الناسخة لجميع

الشرائع والضمير في أباحها للخمر والبيت جواب عن اعتراض النووي على الأصوليين في قولهم أن الكليات الست مما علم التفات الشرع إليه قطعا في كل شريعة فإن الخمر كانت حلالا في أول الإسلام كان متعقلا من البراءة الأصلية وهي ليست بحكم شرعي على الصحيح كتناولهم لغيرها مما لم يرد فيه نص بتحريمه ونحو هذا لأبي إسحاق الشاطبي (والبيع فالإجارة الحاجي) الحاجي مبتدأ خبره البيع والإجارة معطوف عليه يعني أن الحاجي كالحكمة المقصودة من شرع البيع والإجارة وهي الملك للذات أو المنفعة والحكم هو جوازهما والعلة الاحتياج إلى المعاوضة واختلف أهل مذهبنا هل النكاح من باب الحاجيات بناء على أنه تفكه أو من باب الضروريات بناء على أنه من باب الأقوات وجه كونه من الضروريات أنه شرع لتحصين النفوس وقد يكون الحاجي في الأصل ضروريا كالإجارة لتربية الطفل وبهذا يعلم عدم انحصار الضروري في المذكورات قولنا كالإجارة أي كالحكمة المقصودة من الإجارة فإن ملك المنفعة فيها وهي تربيته يفوت بفواته لو لم تشرع الإجارة حفظ نفس الطفل وفواته يكون بعدم وجود جارية مملوكة تربيه وبعدم وجود متبرع. (خيار بيع لاحق جلي) لاحق خبر خيار بيع وجلي نعت لاحق يعني أنه يلحق بالحاجي مكمله فيكون في رتبته كالمقصود من الخيار في البيع المشروع للتروي كمل به الملك ليسلم عن الغبن وإنما قلنا كمل به الملك ولم نقل كمل به البيع لأن الملك هو الحاجي ومن مكمل الحاجي اعتبار الكفء في النكاح ومهر المثل في الصغيرة فإنهما داعيان إلى دوام النكاح ومنه اغتفار غرر يسير للحاجة وما يتمم لدى الحذاق ... حث على مكارم الأخلاق

يعني أن الحكمة المسماة تتمة هي ما كان فيه حث على مكارم الأخلاق وإتباع أحسن المناهج ويسمي تحسينا كما تقدم سمى به لأنه مستحسن عادة وسميت تتمة لأنها تتمة للمصالح. منه موافق أصول المذهب ... كسلب الاعبد شريف المنصب) يعني أن التحصين قسمان قسم موافق أصول المذهب أي قواعده وقسم مخالف لها. الأول كسلب الاعبد شريف المناصب كأهلية الشهادة والقضاء والإمامة وولاية النكاح لنقصه بيان الوصف المناسب والحكمة المقصودة منه والحكم أن يقال سلب العبد الأهلية لنقصه عن المناصب الشريفة ليحصل المقصود الذي هو الجري على ما عهد من محاسن العادة وكثيرا ما يمثلون لمطلق الحاجي والتحسيني مع قطع النظر عن استيفاء كل من الحكم والوصف المناسب الذي هو العلة ومن الحكمة التي هي المقصود من شرع الحكم فما لم يظهر لك فيه الاستيفاء من أمثلتهم فاحمله على الثاني فلا يصعب عليك فهم أمثلتهم والمنصب كمنبر في المصباح يقال لفلان تنصب كمسجد أي علو ورفعة المراد به الرتبة وهو في الأصل حديد ينصب عليه القدر والاعبد جمع عبد. وحرمة القذر والإنفاق ... على الأقارب ذوي الإملاق بجر حرمة الإنفاق عطفا على سلب يعني أن من التحسيني غير مخالف القواعد كالمقصود من تحريم بيع النجاسات لعدم طهارتها والمقصود هو الجري على ما عهد من محاسن العادة ومكارم الأخلاق لأن بيعه يستلزم جواز كيله أو وزنه وذلك غير لائق ومنه أيضا وجوب

الإنفاق على الأقارب الفقراء لأجل قرابتهم فيحصل الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادة ومن التتمة العتق بغير عوض. وما يعارض كتابة) بجر ما ويعارض بكسر الراء وهذا القسم الثاني من التحسيني وهو ما يخالف القواعد كالمقصود من شرع الكتابة لفك الرقبة والمقصود الجري على محاسن العادة من تكريم بني آدم فالكتابة غير محتاج إليها لأنها لو منعت ما ضر وهي خارمة لقاعدة امتناع بيع الشخص بعض ماله ببعض آخر إذ ما يحصله المكاتب في قوة ملك السيد له بناء على أن العبد لا يملك وإن الكتابة عقد معاوضة قال حلولو ولكن الكتابة عندنا ليست عقد معاوضة بحال بل قال مالك ما يؤديه المكاتب من جنس الغلة هذا هو الصحيح من المذهب انتهى. سلم ونحوه) أي وكذلك خولفت القواعد في السلم والمساقات وبيع الغائب والمغارسة والمجاعلة ونحوها مما فيه غرر وجهل كالقراض وأكل ما صيد يؤم) أكل مبتدأ خبره يؤم بالبناء للمفعول بمعنى يقصد يعني أن مما خالف القواعد أكل الصيد خولفت لبقاء الفضلات فيه وعدم تسهيل الموت على الحيوانات وإنما خالفت المذكورات لتتمة المعاني فإن من الناس من يحتاج في معاشه إلى أحد هذه الأمور فجعلت شرعا عاما لعدم الانضباط في مقادير الحاجات قاله القرافي في شرح التنقيح. من المناسب مؤثر ذكر) بكسر المثاثة وذكر بالبناء للمفعول يعني أن الوصف المناسب المعلل به ينقسم من حيث اعتبار الشرع له في ربط الأحكام به إلى أربعة أقسام مؤثر وملائم وغريب ومرسل

الأول مؤثر يسمى مؤثرا لظهور تأثيره بما اعتبره الشرع به من نص أو إجماع وأشار إلى تفسيره بقوله. بالنص والإجماع نوعه أعتبره في النوع للحكم) نوعه مبتدأ خبره أعتبر بالبناء للمفعول يعني أن الوصف المناسب. المؤثر هو ما اعتبر الشرع فيه غير الوصف في عين الحكم أي نوعه في نوعه بنص أو إجماع. مثال الاعتبار بالنص تعليل نقض الوضوء بمس الذكر فإنه مستفاد من حديث من مس ذكره فليتوضأ). ومثال الاعتبار بالإجماع تعليل ولاية المال على الصغير بالصغر فإنه مجمع عليه. (وإن لم يعتبر بذين بل ترتب الحكم ظهر على وفاقه فذا الملائم يعتبر مبنى للمفعول يعني وإن لم يعتبر الشرع نوع من الوصف في نوع الحكم بأحد الأمرين اللذين هما النص والإجماع بل اعتبر عين الوصف في عين الحكم بترتيب الحكم على وفقه أي وفق الوصف حيث ثبت معه فهذا الناسب يسمى ملائما بكسر الهمزة لملاءمته للحكم ... أقواه ما ذكر قبل القاسم. من اعتبار النوع في الجنس ومن ... عكس ومن نوع بآخر زكن القاسم فاعل ذكر يعني أن الملائم ثلاثة أقسام أقواها ما يذكرونه عند عدهم الأقسام أولا فالأول أقوى من الثاني والثاني أقوى من الثالث. أشار لأولهما بقوله: من اعتبار للنوع في الجنس أي نوع الوصف في جنس الحكم كتعليل ولاية النكاح التي هي الحكم بالصغر

الذي هو الوصف حيث ثبت معه وقيل علة الولاية البكارة وقيل هما معا وقد اعتبر الصغر في جنس الولاية حيث اعتبر في ولاية المال بالإجماع لأن الإجماع على اعتباره في ولاية المال إجماع على اعتباره في جنس الولاية الجامع لولاية النكاح وولاية المال فهذا المثال اعتبر فيه عين الوصف بسبب ترتيب الحكم على وفق الوصف دون نص أو إجماع على اعتبار العين في العين وإنما كان الإجماع على اعتبار الصغر في ولاية المال إجماعا على اعتبار في جنس الولاية لأنهم نظروا إلى مجرد تعليل الولاية للصغر مع قطع النظر عن المال إذ لو كان خصوص المال ملحوظا في المعلول لم ينهض هذا حجة على اعتبار الصغر في ولاية النكاح قاله شهاب الدين عميرة. وأشار لثانيها بقوله ومن عكس وهو اعتبار العين في العين بترتيب الحكم على وفق الوصف حيث ثبت الحكم معه والحال إن الشارع اعتبر الجنس في العين كتعليل جواز الجمع في الحضر ايلة المطر على القول به بالحرج الحاصل من المطر وقد اعتبر جنس الحرج عين الجواز في السفر بالنص. وأشار لثالثها بقوله ومن جنس الخ زكن بمعنى علم مبنى للمفعول وهو اعتبار العين في العين بترتيب الحكم على وفق الوصف حيث ثبت معه وقد اعتبر الشارع جنسه في جنسه كتعليل القصاص في القتل بمثقل بالقتل العمد العدوان حيث ثبت معه وقد اعتبر جنس القتل العمد العدوان إذ هو جنس للقتل بمثقل والقتل بمحدد في جنس القصاص إذ هو جنس للقصاص بالمحدد والقصاص بالمثقل قاله المحلي قال المحشي وفيه نظر لأن القتل العمد العدوان هو عين الوصف الجامع بين الأصل والفرع لا جنس الوصف الجامع فلا

يكون اعتباره من اعتبار الجنس وقد أوضح العضد هذا المحل فقال مثال الثالث وهو اعتبار جنس الوصف في جنس الحكم أن يقال يجب القصاص في القتل بالمثقل قياسا على القتل بالمحدد بجامع كونهما جناية عمد عدوانا فالحكم مطلق القصاص وهو جنس يجمع القصاص في النفس وفي الأطراف وغيرهما من القوى وفي المال وقد اعتبر جنس الجناية في جنس القصاص بالنص والإجماع هـ والباء في بآخر بفتح الخاء المعجمة ظرفية: اخص حكم منع مثل الخمر ... أو الوجوب لمضاهي العصر فمطلق الحكمين بعده الطلب ... وهو بالتخيير في الوضع اصطحب فكونه حكما) يعني أن الحكم له أجناس منها عال ومنها متوسط ومنها سافل فأخص أجناسه أي أقربها كونه مثلا تحريم الخمر أو إيجاب الصلاة كالعصر مثلا ويلي ذلك كونه مطلق إيجاب أو تحريم أو ندب مثلا فإن قلت كيف يذكر أحد الثلاثة غير مضاف لنحو العصر أو الخمر أو الفجر قلت كما في قول السبكي فإن اقتضى الخطاب الفعل اقتضاء جازما فإيجاب إلى آخره ويلي ذلك كونه طلبا أو تخييرا وإلى هذا الإشارة بقولنا وهو بالتخيير لخ إذ الطلب تساوي مع التخيير في الوضع أي في رتبة واحدة ويلي ذلك كونه حكما قوله أخص مبتدأ خبره منع الوجوب معطوف على الخبر وكذا مطلق وقوله بعده الطلب جملة من مبتدأ وخبره واصطحب بفتح الطاء وكونه مرفوع معطوف على الطلب وكذا مطلق وقوله بعده الطلب جملة من مبتدأ وخبره واصطحب بفتح الطاء وكونه مرفوع معطوف على الطلب أي بعد الطلب كونه حكما فكونه حكما هو أعلى الأجناس. . كما في الوصف ... مناسب خصصه ذو العرف

مصلحة وضدها بعد فما ... كون محلها من ألذ علما قوله كما في الوصف معناه أن أجناس الحكم أعمها وأبعدها كونه حكما وكذلك أجناس الوصف أعمها وأبعدها كونه وصفا تناط به الأحكام. قوله مناسب خصصه ذو العرف بضم العين المهملة يعني أن صاحب العرف الأصولي جعل كون الوصف مناسبا أخص وأقرب من مطلق الوصف. قوله مصلحة وضدها بعد مصلحة مبتدأ وضد معطوف عليه والخبر بعد بالبناء على الضم يعني أن كون الوصف مصلحة أو ضدها من المشقة والمفسدة بعد كونه مناسبا أي أخص وأقرب فيلي ذلك مصلحة أو مفسدة محلها مما علم أي من الضروريات والحاجيات والتتمات فيما رأيت يظهر لك الجنس العالي والمتوسط والقريب للأحكام والأوصاف. (فقدم الأخص) قدم فعل أمر للوجوب يعني أنه يجب تقديم الأخص من الأوصاف والأحكام فيقدم الجنس السافل على المتوسط والمتوسط على البعيد لأن ما كان الاشتراك فيه بالسافل فهو أغلب على الظن مما كان بالمتوسط وما كان بالمتوسط فهو أغلب على الظن مما كان بالجنس البعيد ولذلك قدمت البنوة في الميراث عى الأخوة والأخوة على العمومة وقدم ترك النجس على الحرير في الصلاة لأنه أخص بالصلاة من الحرير قال القرافي لأن تحريم الحرير لا يختص بالصلاة فكان تحريم النجس أقوى منه لأنه يختص بها ولذلك إذا لم يجد

المحرم إلا ميتة وصيدًا أكل الميتة دون الصيد لأن تحريم الصيد خاص بالإحرام فالقاعدة أن الأخص أبدًا مقدم هـ. وإذا علمت ذلك فتأثير النوع في النوع مقدم على تأثير النوع في الجنس وتأثير النوع في الجنس مقدم على تأثير الجنس في النوع وهو مقدم على تأثير الجنس في الجنس وجه تقديم تأثير نوع العلة في جنس الحكم على عكسه هو الإبهام في العلة أكثر محذورًا منه في المعلول الذي هو الحكم والأخوة نوع من الأوصاف والتقدم في الميراث نوع من الأحكام فهو من اعتبار نوع الوصف في نوع الحكم. والغريب ألغى اعتباره العلي الرقيب)) يعني أن الحكم المناسب المسمى بالغريب هو الذي ألغى العلي الرقيب وهو الله تعالى اعتباره أي لم يعتبره في ذلك الحكم بنص ولا إجماع ولا بترتيب الحكم على وفقه ويسمى الغريب طردًا فالطرد مشترك بين وصف مناسب ألغى الشارع اعتباره وبين مقارنة الحكم للعلة وبعضهم يجعل ما هنا بياء مشددة سمي غريبًا لبعده عن الاعتبار فلا يعلل به كما هو في مواقعة الملك فإن حاله يناسب التكفير ابتداء بالصوم كما هو مذهب الشافعي ليرتدع دون الإعتاق والإطعام لسهولة بذل المال عليه في شهوة الفرج وقد أفتى يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي صاحب مالك الإمام عبد الرحمان الداخل الأموي سلطان الأندلس لما واقع جارية له في رمضان ثم ندم ندمًا شديدًا فسأل الفقهاء عن توبته وكفارته بصوم شهرين متتابعين نظرًا إلى حاله المناسب لذلك لكن الشارع ألغاه بتخيير بينه وبين الإطعام والإعتاق من غير تفرقة بين ملك وغيره فلما قال يحيى ما قال سكت بقية الفقهاء إجلالًا له فلما خرجوا من عند الملك قالوا له لم لم تفته بمذهب مالك قال لو فتحنا

له هذا الباب لسهل عليه أن يطأ كل يوم ويعتق رقبة ولكن حملته على أصعب الأمور ليلًا يعود وليس هذا الإفتاء من التعليل بالمناسب الذي أعدده الشرع بل الدليل المعتمد عليه فيه غيره ولعله من باب سد الذريعة إلى الحرام بدليل قوله لو فتحنا له هذا الباب إلخ ووصف الغريب بالمناسبة من جهة كونه ملائمًا لأفعال العقلاء عادة وقد تنفي عنه المناسبة من جهة إلغاء الشارع له فلا تشتبه عليه الطرق. والوصف حيث الاعتبار يجهل ... فهو الاستصلاح قل والمرسل ببناء يجهل للمفعول والمرسل بصيغة اسم المفعول يعني أن الوصف المناسب إذا جهل اعتبار الشارع له بأن لم يدل دليل على إلغائه ولا على اعتباره يسمى بالاستصلاح وبالمرسل وبالمصالح المرسلة سمي بالاستصلاح لما فيه من مطلق المصلحة للناس وبالمرسل لإرساله أي لإهماله عما يدل على اعتباره وإلغائه. (نقبله لعمل الصحابة) يعني أنا معشر المالكية نجوز العمل بالمرسل رعاية للمصلحة حتى جوز مالك ضرب المتهم بالسرقة ليقر فجواز ضرب المتهم هو الحكم وتوقع الإقرار هو المصلحة المرسلة والمراد بالمتهم بالسرقة المعروف بها وإنما جوزه المالكية لعمل الصحابة به فإن من المقطوع به أنهم كانوا يتعلقون بالمصالح في وجوه الرأي ما لم يدل الدليل على إلغاء تلك المصلحة ورده الأكثر وقال لا يجوز ضرب المتهم بالسرقة ليقر لأنه قد يكون بريئًا وترك الضرب لمذنب أهون من ضرب بريء وقال القرافي أن جميع المذاهب موجود فيها العمل بالمصالح المرسلة لأنهم إذا جمعوا أو فرقوا بين مسألتين لا يطلبون شاهدًا بالاعتبار لذلك المعنى الذي به جمعوا أو فرقوا بل

يكتفون بمطلق المناسبة وهذه هي المصلحة المرسلة فهي حينئذ في جميع المذاهب ثم أن الشافعية يدعون أنهم أبعد الناس عنها وهم قد أخذوا بأوفر نصيب منها وقد ذكر أمام حرمين منهم أمورًا من المصالح المرسلة فلو قيل أن الشافعية هم أهل المصالح المرسلة دون غيرهم لكان صوابًا. (كالنقط للمصحف والكتابة) بفتح نون النقط يعني أن من أمثلة المرسل نقط المصحف وشكله وكتابته لأجل حفظه في الأولين من التصحيف وفي الثالث من الذهاب بالنسيان ومن أمثلته حرق عثمان رضي الله عنه للمصاحف وجمع الناس على مصحف واحد خوف الاختلاف. تولية الصديق للفاروق ... وهدم جار مسجد للضيق بجر تولية عطفًا على النقط يعني أن من أمثلة المرسل تولية أبي بكر لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما لكونه أحق بالخلافة ممن سواه فتوليته هو الحكم وكونه أحق هو الوصف ومن أمثلته أيضًا ترك عمر الخلافة شورى بين ستة لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض ومنها هدم وقف أو غيره إذا كان مجاورًا لمسجد عند ضيق مسجد لأجل توسعته. وعمل السكة تجديد الندا والسجن) بجر الثلاثة عطفًا على النقط إلا أن تجديد معطوف بمحذوف والسجن بكسر السين يعني أن من أمثلته عمل السكة للمسلمين فعله عمر رضي الله تعالى عنه لتسهل على الناس المعاملة ومنها تجديد عثمان رضي الله عنه النداء أي الآذان يوم الجمعة لكثرة الناس ومنها

اتخاذ عمر للسجن لمعاقبة أهل الجرائم السجن بفتح السين معناه الحصر وهو من العقوبات الشديدة ولذا قرن بالعذاب الأليم في قوله تعالى: (إلا أن يسجن أو عذاب أليم) ولم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر سجن فلما انتشرت الرعية في زمان عمر ابتاع بمكة دارًا وجعلها سجنًا يسجن فيها وفيه دليل جواز اتخاذ السجن وقد سجن عمر الحطيئة على الهجو وصبيغا على سؤاله عن المتشابه وسجن عثمان رضي الله تعالى عنه ظابيء بني حارثة وكان من لصوص بني تميم حتى مات في السجن وسجن علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في الكوفة وسجن ابن زبير في مكة وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم سجن ولم يكن ذلك في سجن متخذ للسجن. (تدوين الدواوين بدًا) جملة بدًا خبر تدوين يعني أن من أمثلة المصالح المرسلة تدوين الدواوين أول من دونها في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ولم يتقدم فيه ولا في شيء مما ذكر قبله ولا في نظيره أمر من الشارع وما نسبه أمام الحرمين لمالك من جواز قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين قال القرافي قد أنكر المالكية نسبته لمالك فلذلك لا يوجد في كتبهم وإنما هو في كتب المخالفين لهم وكذلك ما ذكره أن مالكًا يبيح قطع الأعضاء في التعزيزات لا تصح نسبته له لأنه مما دل الدليل على إهداره قاله الإبياري. أخرج مناسبًا بمفسد لزم ... للحكم وهو غير مرجوح علم مفسد من الرباعي وغير حال من نائب فاعل علم وهو راجع للمفسد يعني أن مناسبة الوصف تنخرم أي تبطل بمفسدة ملازمة للحكم إذ كانت المفسدة غير مرجوحة بل لابد أن تكون المفسدة إما

راجحة على مصلحة الحكم أو مساوية لها وإذا كانت كذلك لا يعلل بذلك الوصف المناسب إذ لا مصلحة مع المفسدة الراجحة أو المساوية خلافًا للإمام الرازي في قوله ببقاء المناسبة مع موافقته على انتفاء للحكم فهو عنده كوجود المانع وعلى الأول لانتفاء العلة ومن فروع هذه المسألة فك الأسارى من أيدي الكفار بالسلاح ونحوه ومنها مسافر له طريقان إحداهما مسافة قصر دون الأخرى فسلك البعيدة لا لغرض غير القصر لم يقصر لأن المناسب وهو السفر البعيد عورض بمفسدة هي العدول عن القريب لا لمعنى حتى كأنه حصر قصره في تفويت ركعتين من الرباعية قاله ولي الدين المحشي وقال حلولو أنه ليس منه لأن انخرام المناسبة هنا لم يكن لاستلزامه مفسدة بل لعدم حصول المعنى الذي شرع القصر لأجله وهو رفع الحرج عن المكلف بوجود السفر الذي هو مظنة المشقة هـ. وما يجب أن ينتبه له في هذه المسئلة النظر في مئالات الأمور فلا يحكم المجتهد على فعل من أفعال المكلفين بالإقدام عليه أو الإحجام إلا بعد نظره فيما يئول إليه فربما ظهر في فعل أنه مشروع لمصلحة تستجلب أو منهي عنه لمفسدة تنشأ عنه لكن مئاله على خلاف ذلك وقال ابن العربي أن العلماء متفقون على ذلك. السادس الشبه أي السادس من مسالك العلة الشبه بفتحتين ويطلق الشبه على الوصف في المسلك المسمى بالشبه فإذا أريد بالشبه المسلك الدال على العلية فهو اسم مصدر وإذا أريد به نفس العلة فهو وصف بمعنى المشبه بضم الميم والشبه بالمعنى الأول لابد له من وصفين يكون بينهما الشبه والوصف المسمى شبهًا هو أحدهما والمعرف بفتح الراء هو الوصف المشتمل عليه المسلك لا المسلك وحقيقة

هذا المسلك هو كون الوصف شبيهًا وتحقيق كون الشبة من المسالك أن الوصف كما أنه قد يكون مناسبًا فيظن بذلك كونه علة كذلك قد يكون شبيهًا فيكون ظنًا ما بالعلية وقد ينازع في إفادته الظن فيحتاج إلى إثباته بشيء من مسالك العلة إلا أنه لا يثبت بمجرد للمناسبة إذ لو ثبت به كان من المناسب بالذات لا من الشبه وقضية إثباته بشيء من مسالك العلة أن إثباته بالنص والإجماع لا يخرجه عن كونه شبهًا ولا يخرج قياسه عن كونه قياس شبه وقد استشكل جريان القول برده مع ورود النص أو الإجماع على العلية قال في الآيات البينات اللهم إلا أن يقال النص على العلية لا يستلزم تعديها حتى يتأتى القياس هـ. تنبيه: قال في الآيات البينات ينبغي أن يتأمل في نحو مجرد الاسم واللقب والوصف اللغوي مما تقدم أنه يجوز التعليل به هل يكون من المناسب بالذات حتى يكون من قياس المعنى أو من المناسب بالتبع حتى يكون من قياس الشبه أو لا يكون من واحد منهما فيكون قسمًا آخر غيرهما وغير الطرد أي مسلكه فيه نظر والأولان في غاية البعد وألهما أشد بعدًا هـ. (والشبه المستلزم المناسبا) الشبه مبتدأ خبره المستلزم بكسر الزاي والمناسب بكسر السين مفعول المستلزم يعني أن الشبه المراد به الوصف هو الوصف المستلزم الوصف المناسب للحكم بالذات فإن لم يناسب بذاته ولا استلزم المناسب فهو الوصف الطرد الملغي إجماعًا فالطرد يطلق على الوصف المذكور كما يطلق على المسلك الآتي بخلاف الطردي فهو مختص بالوصف قولنا (وأشبه المستلزم المناسبا) هو بمعنى قول القاضي هو المناسب بالتبع أي

بالاستلزام وتلك العبارتان يحتمل موافقتهما لما صدر به السبكي في تفسير الشبه أعني قوله منزلة بين المناسب والطرد إذا فسرت المنزلة بالمناسبة بالتبع ويكون الخلاف في مجرد العبارة لا في المعنى ويحتمل هو ظاهر السبكي والمحلي تفسير المنزلة بأعم من المناسبة بالتبع فيكون أعم من تفسير القاضي ويحتمل تفسيرها بما يوهم المناسبة من غير إطلاع عليها وهو ما رجحه الأمدي في أحكامه فيقال على ظاهر السبكي والمحلي يشبه الطردي من حيث أنه غير مناسب بالذات ويشبه الوصف المناسب بالذات من حيث التفات الشرع إليه في الجملة كالذكورة والأنوثة في القضاء والشهادة وعلى ما رجحه الأمدي يقال مشابه للمناسب في أنه غير مجزوم بنفي المناسبة عنه ومشابه للطردي في أنه غير مجزوم بظهور المناسبة فيه فهو دون المناسب وفوق الطردي ثم ذكر الأمدي أنه أقرب إلى قواعد الأصول وأنه الذي ذهب إليه أكثر المحققين قال ويليه في القرب وذهب القاضي أبي بكر وهذا المذهب مباين لمذهب القاضي. تنبيه: قال ناصر الدين اللقاني أن القياس بالمناسب بالتبع هو القياس المسمى بقياس الدلالة فهو الجمع بما يناسب العلة هـ. قال في الآيات البينات وفيه نظر لما يأتي عن شيخ الإسلام يعني زكرياء مما حاصله أن القياس بهذا المناسب قد يدخل في قياس العلة لشمول العلة في قياس العلة المناسب بالذات والمناسب بالتيع هـ. مثل الوضوء يستلزم التقربا) بقصر الوضوء للوزن هذا مثال للمناسب بالتبع يعني كتعليل وجوب النية في التميم بكونه طهارة فيقاس عليه الوضوء بجامع أنه طهارة فإن الطهارة من حيث هي لا تناسب اشتراط النية وإلا اشترطت في الطهارة من النجس لكن

تناسبه من حيث أنها عبادة وقربة والعبادة مناسبة لاشتراط النية لقوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله) الآية ويقال عليه إذا كان المناسب لاشتراط النية جهة العبادة فهلا اشترطت في الطهارة من النجس لتحقق تلك الجهة فيها لأنها عبادة إذ لا تكون إلا واجبة أو مندوبة والواجب والندوب عبادة وأجيب بأنها من حيث هي لم توضع للتعبد فقد لا تكون واجبة ولا مندوبة كإزالتك لها عن أرضك دفعًا للاستقذار بخلاف الوضوء مثلًا فإنه لا يقع إلا عبادة ولا ينافي ذلك غسل الأعضاء لمجرد التنظيف لأن غسلها على الوجه والترتيب الخاصين لا يكون إلا للتعبد: ؟ مع اعتبار جنسه القريب ... في مثله للحكم لا للغريب قال القرافي في التنقيح الرابع الشبه قال القاضي أبو بكر هو الوصف الذي لا يناسب لذاته ويستلزم المناسب لذاته وقد شهد الشرع بتأثير جنسه القريب في جنس الحكم القريب هـ. يعني ولا يكتفي بالجنس البعيد في ذلك كقولنا في الخل مائع لا تنبني القنطرة على جنسه فلا تزال به النجاسة كالدهن فقولنا لا تنبني القنطرة على جنسه ليس مناسبًا في ذاته غير أنه مستلزم للمناسب قال القرافي في شرح التنقيح فإن العادة أن القنطرة لا تبنى على الأشياء القليلة بل على الكثيرة كالأنهار فالقلة مناسبة لعدم مشروعية المتصف بها من المائعات للطهارة العامة فإن الشرع العام يقتضي أن تكون أسبابه عامة الوجود أما تكليف الكل بما لا يجده إلا البعض فبعيد عن القواعد فصار قولنا لا تبنى القنطرة على جنسه ليس بمناسب ولا هو مستلزم للمناسب وقد شهد الشرع بتأثير جنس القلة والتعذر في عدم مشروعية الطهارة بدليل أن

الماء إذا قل أو اشتدت إليه الحاجة فإنه يسقط الأمر به ويتوجه التيمم هـ: صلاحه لم يدر دون الشرع ... ولم ينط مناسب للسمع يعني أن صلاحية الشبه لما يترتب عليه من الأحكام لا يدركها العقل لو قدر عدم ورود الشرع قوله ولم ينط الخ ببناء ينط للمفعول ومناسب نائب الفاعل وبالسمع متعلق بينط يعني أن صلاحية الوصف المناسب لما يترتب عليه من الأحكام لا يتعلق إدراكها بالشرع بل يدركها العقل لو لم يرد الشرع باعتبارها حتى ظنت المعتزلة أن الحكم صفة لمحله وهذا الفرق بين المناسب والشبه ذكره الفهري فاشتراط النية في الطهارة لو لم يرد الشرع باشتراطها في التيمم لما أدرك العقل اعتبارها فيها. وحيثما أمكن قيس العلة ... فتركه بالاتفاق أثبت أثبت فعل أمر وترك مفعوله مقدم عليه يعني أن قياس العلة المشتمل على المناسب بالذات إذا أمكن وجب ترك قياس الشبه بالإجماع فالمراد بقياس العلة هنا ما قابل قياس الشبه وهو ما اشتمل على المناسب بالذات بخلاف المراد به آخر هذا الكتاب فهو ما كان الجمع فيه بنفس العلة كانت مناسبة بالذات أو بالتبع وإن جمع فيها بلازمها أو أثرها أو حكمها فهو قياس الدلالة وقد يسمى قياس الشبه بقياس الدلالة فقياس الدلالة مشترك بين قياس الشبه وبين القياس المجموع فيه بلازم أو أثرها أو حكمها. إلا ففي قبوله تردد) يعني أن قياس العلة إذا لم يوجد فقد تردد القاضي أبو بكر الباقلاني من في قبول قياس الشبه فقبله مرة

كالشافعي نظرًا إلى شبهه بالمناسب ثم استقر على رده كبعض الشافعية نظرًا إلى شبهه بالطرد قال في التنقيح وهو ليس بحجة عند القاضي منا هـ. وحاصل قول المحلي بأن لم يوجد غير قياس الشبه عند قول السبكي فإن تعذرت إن قياس الشبه مؤخر عن قياس المناسب بالذات سواء كان من قبيل قياس العلة أو من قبيل قياس الدلالة لكن يستشكل تقديم قياس الدلالة على قياس الشبه بالمعنى الذي قاله القاضي وكذا بالمعنى الذي تقدم عن الأمدي إذ لا فرق في المعنى بين الجمع بلازم المناسب كما في قياس الدلالة وبين الجمع بما يستلزم المناسب كما في قياس الشبه إذ مئال كل منهما هو الجمع بالمناسب لكنه لم يصرح به لكن دل عليه بلازمه أو ملزومه وأورد هذا الإشكال في الآيات البينات دون جواب عنه. غلبة الأشباه هو الأجود) أي الأقوى على القول بحجيته يعني أن قياس غلبة الأشباه هو أقوى القياسات المبنية على الشبه بمعنى الوصف وهو الذي جمع به فيها وهو إلحاق فرع متردد بين أصلين بأحدهما الغالب شبهه به في الحكم والصفة على شبهه بالآخر فيهما مثاله إلحاق العبد بالمال في إيجاب القيمة في قتله ولو زادت على الدية لأن شبهه بالمال في الصفة والحكم أكثر من شبهه بالحر فيهما لكونه يباع ويشترى ويوهب ويعار هذا من الحكم وأما من جهة الصفة فلتفاوت قيمته بحسب تفاوت أوصافه جودة ورداءة ويشبهه الحر في أنه آدمي مخاطب مثاب معاقب فقياس غلبة الأشباه إما قسم من قياس الشبه أو هو نفسه وعينه قال في الآيات البينات ولم يقل

أحد أنه قسيم لقياس الشبه بل الأمر منحصر في أمرين أحدهما أنه قسم منه والآخر أنه هو دون غيره هـ. فهذا ما عليه أئمة الأصول وهو الصواب وقال العضد أنه ليس نوعًا من المسلك المسمى بالشبه وأن حاصلة تعارض مناسبين بالذات رجح أحدهما فهو من مسالك المناسب بالذات وأن الشبه لفظ مشترك يطلق على كل منهما وكون قياس غلبة الأشباه أقوى قياسات الشبه إنما هو بالنظر إلى غير ماله أصل واحد لأن ماله أصل واحد هو أقوى قياسات الشبه مطلقًا لسلامة أصله من معارضة أصل آخر له وفي الآيات البينات أن المفهوم من غلبة الأشباه أن الأشباه متعددة في الجانبين فيعتبر أكثرها ويبقى ما لو لم تتعدد من الجانبين فإن تعدد الشبه في أحدهما واتحد في الآخر واتحد فيهما فهل يصدق عليه غلبة الأشباه ويسمى بذلك اصطلاحًا فيه نظر: في الحكم والصفة ثم الحكم ... فصفة فقط لدى ذي العلم يعني أن قياس غلبة الأشباه ثلاثة أنواع نوع يكون في الصفة والحكم معًا كما تقدم من قياس العبد على المال فالمشابهة معتبرة في عين العلة من الحكم أو الصفة المظنون كل منهما علة الحكم وكذا من الصورة المظنون كونها علة الحكم في الشبه الصوري وقال العضد أن شبه العبد بالحر فيهما أكثر من شبهه بالمال لأنه يشبهه في الصفات البدنية والنفسانية وفي أكثر الأحكام التكليفية قوله ثم الحكم يعني أن غلبة الأشباه فيهما يليها في القوة غلبة الأشباه في الحكم فقط وفائدة الزيادة في القول الترجيح بها عند التعارض ولم أظفر له بمثال قوله فصفة أي فيلي القسمين المذكورين غلبة الأشباه في الصفة فقط كإلحاق الأقوات بالبر والشعير في الربى والمراد بالصفة غير الصورة

بدليل تفسير الكمال وغيره الصفة في العبد بتفاوت قيمته بحسب تفاوت أوصافه جودة وضدها والظاهر أن الصفة بهذا المعنى غير الصورة ولو سلم أن الصفة هي الصورة لم يدخل الصوري الآتي في أقسام غلبة الأشباه لأنها مصورة بتعدد الأصل بخلاف الصوري وبقي غلبة الأشباه في الحكم والصورة أو في الصفة والصورة كيف رتبتها والظاهر عندي جريانه على ما تقدم من تقديمه في الحكم ثم الصفة وإذا تعددت أشباه أحد الأصلين في الحكم وتعددت أشباه الآخر في الصفة فقط فالظاهر تقديم أشباه الحكم ما لم تكن أشباه الصفة أكثر فيجوز اعتبار كل لأن لكل مرجحًا. وابن علية يرى للصوري ... كالقيس للخيل على الحمير يعني أن إسماعيل بن علية بضم العين وفتح اللام وتشديد الياء قائل بجواز العمل بقياس الشبه الصوري لأجل الشبه في الصورة التي يظن كونها علة الحكم والصوري ما كان الشبه فيه بالخلقة بالكسر كقياس الخيل على البغال والحمير في عدم وجوب الزكاة وفي حرمة الأكل للشبه الصوري بينهما وكقياس المني على البيض لتولد الحيوان الطاهر من كل منهما في طهارته وكقياس أحد التشهدين على الآخر في الوجوب أو الندب وكقياس الجلسة الأولى على الثانية في الوجوب لشبهها بها في الصورة وقد قال به بعض الشافعية في صور منها إلحاق الهرة الوحشية بالإنسية في التحريم على الأصح ومنها إعطاء الخل عوضًا عن الخمر في الصداق والبقرة عوضًا عن الخنزير على قول ومنها أن ما أكل نظيره في البر من صيد البحر فهو حل ومالا فلا والأصل في اعتبار الشبه الصوري جزاء الصيد الثابت بقوله تعالى: (فجزاء مثل ما قتل من النعم) الآية وبدل القرض المتقدم وهو

المثل صورة فقد اقترض صلى الله عليه وسلم بكرًا ورد رباعيًا رواه مسلم. تنبيه: اختلف القائلون بقياس الشبه فمنهم من اعتبره مطلقًا ومنهم من اشترط في اعتباره إرهاق الضرورة إلى الحكم في واقعة لا يوجد فيها إلا الوصف الشبهي ومنهم من شرط في اعتباره أن يجتذب الفرع أصلان فيلحق بأحدهما لغلبة الأشباه ويسمون هذا قياس غلبة الأشباه ومنهم من يعتبر الأشباه الحكمية ثم الراجعة إلى الصفة ومنهم من يسوي بينهما ومنهم من قال إنما يعتبر شبه الأحكام فقط دون شبه الصورة ولعله أراد بالصورة هنا الصفة بالمعنى الأعم من الصورة ومنهم من اعتبر شبه الصورة أيضًا كقياس الخيل على البغال والحمير في عدم وجوب الزكاة وحرمة أكل اللحم ولا يعنون بقياس الشبه أن يشبه الشيء الشيء من وجه أو أكثر لأنه ليس في العالم شيء إلا وهو يشبه شيئًا آخر من وجه أو أكثر بل يعنون أنه لا يوجد شيء أشبه به منه فلا يوجد شيء أشبه بالوضوء من التيمم فيلحق به. السابع الدوران الوجودي والعدمي وقد يسمى بالدوران فقط وبالطرد والعكس، وهذا هو السابع من مسالك العلة وسيأتي الكلام على الدوران الوجودي: أن يوجد الحكم لدى وجود ... وصف وينتفي لدى الفقود بضم الفاء مصدر فقد بالفتح يعني أن الدوران المذكور هو أن يوجد الحكم كلما وجد الوصف ويعدم كلما عدم.

والوصف ذو تناسب أو احتمل له) يعني أن الوصف في الدوران المذكور لا بد أن يكون ظاهر التناسب مع الحكم أو محتملًا للتناسب فإن قيل المناسبة بنفسها تثبت العلة فأي فائدة في الدوران فالجواب كما في الآيات البينات أن غاية ما في الباب أن تجتمع جهتان كل منهما تقيد العلية ولا محذور في ذلك. وإلا فعن القصد أعتزل) بفتح الزاي أي وألا تكن المناسبة ظاهرة ولا محتلمة فالصوف بمعزل عن القصد فلا يعلل به. وهو عند الأكثرين سند) بالتحريك أي حجة يعني أن الدوران المذكور حجة ظنية عند الأكثر من المالكية وغيرهم قال القرافي لأن اقتران الوجود بالوجود والعدم بالعدم يغلب على الظن أن المدار علة الدائر بل قد يحصل القطع به هـ. وقيل أنه قطعي في إفادة العلية ومذهب الأقل أنه لا يفيد لا قطعًا ولا ظنًا وهو اختيار ابن الحاجب تبعًا للإمام الرازي والغزالي وغيرهما لجوازان يكون الوصف ملازمًا للعلة لا نفسها كرائحة الخمر المخصوصة فإنها دائرة مع الإسكار وجودًا وعدمًا وليست علة له فإن الأحكام التعبدية قد يقارنها وصف وجودًا وعدمًا على سبيل الإتفاق من غير أن يكون علة لها. في صور أو صورتين يوجد) أي يوجد الدوران في صورة واحدة أو في صورتين الأول كالخمر فإن رائحته المخصوصة موجودة مع الإسكار وجودًا وعدمًا فإنها تعدم في العصير قبل الإسكار ثم لما حدث السكر فيه وجدت فيه ثم لما زال بصيرورته خلا زالت منه ومثال الثاني وهو دون الأول الحلي المباح تجب فيه الزكاة لكونه نقدًا

والنقد أحد الحجرين والنقدية يدور معها الوجوب وجودًا في المشكوك وعدمًا في نحو الثياب والعبيد والدواب. أصل كبير في أمور الآخرة ... والنافعات عاجلًا والضائرة برفع أصل خبر مبتدأ محذوف أي الدوران الوجودي والعدمي أصل كبير في أمور الآخرة وفي النافعات عاجلًا من أمور الدنيا والضائرة عاجلًا منها حتى جزم الأطباء بالأدوية المسهلة والغائضة وجميع ما يعطونه بسبب وجود تلك الآثار عند وجود تلك العقاقير وعدمها عند عدمها. الدوران الوجودي وهو الطرد. وجود حكم حيثما الوصف حصل ... والاقتران في انتفا الوصف انحظل هذا هو الثامن من مسالك العلة يعني أن الطرد هو مقارنة الحكم لوصف بأن يوجد الحكم مع الوصف في جميع صور حصوله غير صورة النزاع فإن في حصوله معه فيها النزاع قوله والاقتران الخ يعني أن الاقتران بين الحكم والوصف في حالة انتفا الوصف منحظل أي ممتنع فلا يعدم الحكم عند عدم الوصف وإلا كان دورانًا وجوديًا وعدميًا قوله وانتفا بالقصر للوزن: ولم يكن تناسب بالذات ... وتبع فيه لدى الثقات بتحريك تبع وجده عطفًا على الذات والضمير فيه للوصف والثقات بكسر المثلثة أهل التحقيق الموثوق برأيهم يعني أن الوصف في الطرد لا مناسبة بينه وبين الحكم لا بالذات وإلا كان قياس علة وقياس

العلة هو قياس المعنى قال في الآيات البينات أي الذي ينظر فيه للمعنى وهو المشتمل على الوصف المناسب بالذات ولا بالتبع وإلا كان قياس شبه كتعليل ربى الفضل بمجموع الإقتيات والإدخار فنفي المناسبة في الطرد يخرج بقية السالك حتى الدوران الوجودي والعدمي ورده النقل عن الصحابة) أي رد النقل عن الصحابة رضي الله عنه تعالى عنهم التعليل بالوصف الطردي فإن المنقول عنهم العمل بالمناسب دون غيره ورد أيضًا بأنه لا يعتبر في الشرع إلا المصالح ودرء المفاسد فما لم يعلم فيه واحد منهما وجب ألا يعتبر وكونه لا يعلل به هو مذهب أكثر الأصوليين. ومن رأي الأصل قد أجابه) مفعول رأي محذوف أي ومن رأى جواز التعليل بالوصف الطردي قد أجاب المانع له بالأصل أي بأن الأصل في هذه المقارنة كون هذا الوصف علة نفيًا للتعبد بحسب الإمكان لأن الاقتران في جميع الصور مع انتفاء ما يصلح للعلية غيره بالصبر والتقسيم يغلب على الظن عليته والعمل بالظن واجب فالطرد من المسالك على هذا القول فلا ينافي عده منها رده عند الأكثر فالحاصل أن من قال من العلماء بعدم حجية الطرد والعكس قال بعدم حجية الطرد من باب أولى والقائلون بحجية ذلك اختلفوا في حجية هذا والقائلون بحجية هذا بعضهم قال تكفي المقارنة في صورة واحدة والعكس هو الدوران العدمي ... ليس بمسلك لتلك فاعلم الإشارة بتلك للعلة والعكس مبتدأ خبره جملة ليس يعني أن هذا القسم الثالث يسمى بالدوران العدمي وبالعكس وإلى تفسيره الإشارة بقولنا:

أن ينتفي الحكم متى الوصف انتفى ... وما لدى الوجود أثره اقتفى بكسر همزة أثر وسكون المثلثة ويجوز فيه في غير البيت التحريك ونظيره في الوجهين قيب قوس وقيد رمح وقد قلت: أثر وقيب قوس قيد رمح ... يجوز فيها فعل بالفتح أي بفتح الأول والثاني أثر منصوب مفعول اقتفى يعني أن العكس هو أن ينتفى الحكم عند انتفاء الوصف ولا يوجد عند وجوده بالنسبة بين أنواع الدوران الثلاثة التباين ونعني بقولنا ولا يوجد عند وجوده أنه قد ينتفى الحكم مع وجود الوصف كما لو علل المالكية علة ربى الفضل في الطعام بالطعم فإن الحكم الذي هو الربى منتف مع وجود الوصف الذي هو الطعم في التفاح مثلًا. تنقيح المناط) بفتح الميم والمناط علة الحكم أي تهذيب علة الحكم بتصفيته وإزالة ما لا يصلح عما يصلح والمناط من الإناطة وهي تعليق الشيء على الشيء وإلصاقه به قال حسان: وأنت زنيم في آل هاشم ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد وقال أبو تمام: بلاد بها نيطت على تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها أحب بلاد الله ما بين منعجي ... إلي وسلمى أن يصوب سحابها سمي به لأن العلة ربط بها الحكم وعلق عليها مع ما في ذلك من التصفية المخصومة التي تذكر والتنقيح مأخوذ من تنقيح المنخل

وهو إزالة ما يستغنى عنه وإبقاء ما يحتاج إليه وكلام منقح أي لا حشو فيه وهذا هو المسلك التاسع وبه قال أكثر الأئمة: وهو أن يجيء على التعليل ... بالوصف ظاهر من التنزيل أو الحديث فالخصوص يطرد ... عن اعتبار الشارع المجتهد فاعل يجيء بالقصر ظاهر وفاعل يطرد المجتهد والخصوص مفعوله يعني أن التنقيح المناط هو أن يدل ظاهر من القرآن أو الحديث على التعليل بوصف فيحذف المجتهد خصوصه عن اعتبار الشارع له وينيط الحكم بالمعنى الأعم. مثاله في القرآن قوله تعالى: فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) فقد ألغوا خصوص الإناث في تشطير الحدود وأناطوه بالرق ومثال الثاني حديث جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يضرب صدره وينتف شعره يقول هلكت وأهلكت واقعت أهلي في رمضان) فألغى مالك وأبو حنيفة خصوص الأهل وأناط الكفارة بالإفطار عمدًا لما فيه من انتهاك حرمة رمضان ومن هذا القسم قوله صلى الله عليه وسلم لا يقضي القاضي وهو غضبان فإن ذكر الغضب مقرونًا بالحكم يدل على التعليل بالغضب لكن ثبت بالنظر والاجتهاد أنه ليس علة لذاته بل لما يلازمه من التشويش المانع من استيفاء الفكر فيحذف خصوص الغضب ويناط النهي بالمعنى الأعم فمنه ما كان بالغًا الفارق ... وما بغير من دليل رائق يعني أن إلغاء الفارق قسم من تنقيح المناط وأن جعله السبكي العاشر من مسالك العلة ويسمى حجة تنقيح المناط وإلغاء الفارق وهو

تبيين عدم تأثير الفارق المنطوق به في الحكم فيثبت الحكم لما اشتركا فيه لأنه إذا لم يفارق الفرع الأصل إلا فيما لا يؤثر ينبغي اشتراكهما في المؤثر فيلزم من ثبوت الحكم في الأصل ثبوته في الفرع ومن تنقيح المناط ما كان بغير إلغاء الفارق بل بدليل آخر ومعنى رائق معجب لصحته ويسمى حينئذ تنقيح المناط فقط قال المحشي عند قول السبكي العاشر إلغاء الفارق ما لفظه وهو عند التحقيق قسم من تنقيح المناط لأن حذف خصوص الوصف عن الاعتبار قد يكون بإلغاء الفارق وقد يكون بدليل آخر والقياس المستند إلى إلغاء الفارق قال به كثير ممن ينكر القياس هـ. نعم ذكر غيره أن تنقيح المناط قال به أكثر الأمة وإلغاء الفارق منه قطعي كإلحاق صب البول في الماء الراكد بالبول فيه في الكراهة ومنه ظني كإلحاق الأمة بالعبد في سراية العتق الثابت بحديث الصحيحين من اعتق شركًا له في عبد) فإن كان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه فاعتق فالفارق بين العبد والأمة الأنوثة ولا تأثير لها في منع السراية فتتبت السراية في الأنوثة لأجل ما شاركت فيه العبد من الأحكام غير السراية وإنما كان هذا المثال ظنيًا لأنه قد يتخيل فيه احتمال اعتبار الشارع في عتق العبد استقلاله في جهاد وجمعة وغيرهما مما لا مدخل للأنثى فيه قاله زكرياء ومنه إلحاق العبد بالأمة في تشطير الحد: من المناط أن تجي أوصاف ... فبعضها يأتي له انحذاف عن اعتباره وما قد بقيا ... ترتب الحكم عليه اقتفيا

الضمير في اعتباره للشارع والألف في بقيا لإطلاق القافية واقتفى بالبناء للمفعول خبر ترتب يعني أن هذا القسم من تنقيح المناط وهو قسيم للقسم الأول وهو أن تكون أوصاف في محل الحكم فيحذف بعضها عن الاعتبار بالاجتهاد ويناط الحكم بالباقي من الأوصاف وحاصله أن الاجتهاد في الحذف والتعيين كما تقدم في السبر ويمثل لذلك بحديث الصحيحين في المواقعة في نهار رمضان) ألغوا فيه كونه أعرابيًا يضرب صدره وينتف شعره وكون الموطوءة زوجة وكون الوطء في القبل لأنها لا تصلح للتعليل والباقي عند الشافعي هو المجامعة في نهار رمضان وعند مالك وأبي حنيفة الإفطار عمدًا لما فيه من انتهاك حرمة رمضان فقد نقحاه مرتين ونقحة الشافعي مرة واحدة فعلم أن أبا حنيفة يستعمل تنقيح المناط في الكفارة وإن كان يمنع القياس فيها قال المحشي واعلم أن الثاني من قسمي تنقيح المناط هو بعينه مسلك السبر والتقسيم كما نبه عليه في المحصول فله اسمان وفيه باعتبار المعنى تكرار تبع فيه المص أي السبكي المنهاج يعني للبيضاوي هـ. وقد نظم بعضهم مسالك بقوله: مسالك علة رتب فنض ... فإجماع فإيماء فسبر مناسبة كذا شبه فبتلو ... له الدوران طرد يستمر فتنقيح المناط فالغ فرقًا ... وتلك لمن أراد الحصر عشر (تحقيق علة عليها ائتلفا ... في الفرع تحقيق مناط ألفًا تحقيق مبتدأ خبره جملة ألفًا تحقيق مناط ببناء ألف بمعنى وجد للمفعول وتحقيق مفعوله الثاني وائتلف بمعنى اتفق مبني للمفعول وفي الفرع متعلق بتحقيق يعني أن تحقيق المناط أي العلة هو إثبات العلة

المتفق عليها في الفرع كتحقيق أن النباش الذي ينبش القبور ويأخذ الأكفان سارق فإنه وجد فيه العلة وهو أخذ المال خفية من حرز مثله فيقطع خلافًا لأبي حنيفة لكن تحقيق المناط ليس من المسالك بل هو دليل تثبت به الأحكام فلا خلاف في وجوب العمل به بين الأمة وإليه تضطر كل شريعة قال أبو إسحاق الشاطبي لابد من الاجتهاد فيه في كل زمن لابد من الاجتهاد فيه في كل زمن ولا ينقطع إذ لا يمكن التكليف إلا به هـ وإنما ذكرته هنا جريًا على عادة أهل الجدل في قرانهم بين الثلاثة تنقيح المناط وتخريج المناط وتحقيق المناط ولم أذكر تخريج- المناط هنا لتقدمه؟ والعجز عن إبطال وصف لم يفد ... علية على الذي اعتمد بالبناء للمفعول هذا البيت وما بعده في نفي مسلكين ضعيفين يعني أن عجز الخصم عن إبطال علية وصف لا يفيد عليته فلا يكون ذلك العجز مسلكًا على المعتمد وهو مذهب الجمهور وقال الشيخ أبو إسحاق أنه دليل على كونه علة كالمعجزة فإنها دلت على صدق الرسول للعجز عن معارضتها وأجيب بأن العجز في المعجزة من الخلق وهنا من الخصم: كذا إذا ما أمكن القياس ... به على الذي ارتضاه الناس يعني أن تأتي القياس على تقدير كون الوصف علة لا يفيد عليته على ما ذهب إليه الجمهور وقيل بدل عليه لأن القياس مأمور به في قوله تعالى (فاعتبروا) والعور لغة الخروج من شاطئ البحر إلى شاطئه الآخر والمراد به هنا خروج لنظر وانتقاله من الأصل إلى الفرع ماحقًا له به في الحكم على تقدير علية الوصف يخرج بقياسه عن عهدة

القوادح

الأمر فيكون الوصف عليته وأجيب بأنه إنما تتعين عليته أن لو لم يخرج عن عهدة الأمر إلا بالقياس المستند إليه وليس كذلك وبأن تأتي القياس به متوقف على كونه علة فإذا توقف كونه علة على تأتي القياس به لزم الدور وهو محال. القوادح أي هذا مبحث ما يقدح في الدليل من حيث العلية أو غيرها قال زكرياء الأوضح أن يقال علة كان الدليل أو غيرها يعني بدل قول المحلي من حيث العلة أو غيرها ووجه العلة الآيات البينات ما قاله المحلي بأن العلة ليست بمجردها دليلًا فإنها بنفسها بدون قياس لا تثبت الحكم ولذا لم تعد من الأدلة وإنما الدليل هو القياس المبني على العلة فالقدح في العلة قدح في الدليل من حيث العلة هـ. وقد ترجم القرافي المسئلة بقوله الفصل الرابع في الدال على عدم اعتبار العلة فالقدح من حيث العلة كما في تخلف الحكم عن وجود العلة والقدح من حيث غير العلة كما في بعض صور القول بالموجب قال في شرح التنقيح القول بالموجب يدخل في العلل والنصوص وجميع ما يستدل به وقال فيه أيضًا النقض قد يكون على العلة وعلى الحد وعلى الدليل فوجود العلة بدون الحكم نقض عليها ووجود الحد بدون المحدود نقض عليه ووجود الدليل بدون المدلول نقض عليه والألفاظ اللغوية كلها أدلة فمتى وجد لفظ بدون مسماه لغة فهو نقض عليه ويجمع الثلاثة وجود المستلزم بدون المستلزم هـ الأول بكسر الزاي بمعنى الملزوم والثاني بفتحه بمعنى اللازم وقد نظم شيخنا سيدي عمر الفاسي القوادح فقال:

القدح بالنقض وبالكسر معًا ... تخلف العكس وبالقلب اسمعا وعدم التأثير بالوصف وفي ... أصل وفرع ثم حكم فاقتفي والمنع والفرق وبالتقسيم ... وباختلاف الضابط المعلوم وقفو الانضباط والظهور ... والخدش في تناسب المذكور وكون ذاك الحكم لا يفضي إلى ... مقصود ذي الشرع العزيز فاقبلا والخدش في الوضع والاعتبارِ ... والقول بالموجب ذو اعتبار وابدأ بالاستفسار في الإجمال ... أو الغرابة بلا إشكال (منها وجود الوصف دون الحكم ... سماه بالنقض وعاة العلم) فالوعاة بالواو جمع واع يعني أن من القوادح في العلة تخلف الحكم عن الوصف بأن وجد في صورة مثلًا بدون الحكم وقولنا مثلًا تنبيه على أن تخلف الحكم في صورتين فأكثر من محل الخلاف في القدح به لكنه أولى في القدح عند القائل به ويصدق التخلف بوجود المانع وفقد الشرط وغيرهما وبكون العلة منصوصة قطعًا أو ظنًا أو مستنبطة وقد سماه حفاظ علم الأصول كالشافعي نقض العلة فهو قادح في العلة فلا يعلل بها واختاره السبكي وهو مذهب الشافعي وجل أصحابه وكثير من المتكلمين ومن قال لا يعرف للشافعي فيه نص فكأنه يريد نصًا صريحًا أو فيما اطلع عليه وإلا فمناظرات الشافعي لخصومه شاهدة بذلك وقد جعل أصحابه ذلك مرجحًا لمذهبه على غيره من المذاهب من حيث أن علل مذهبه سالمة من النقض فلابد فيها عنده من الاطراد وهو أن يكون كلما ثبت الوصف ثبت الحكم وحجة القائلين بالنقض أن العلة تستلزم الحكم فلابد أن يثبت معها في جميع الصور فإذا وجد الوصف وحده علمنا أنه ليس بعلة:

والأكثرون عندهم لا يقدحُ ... بل هو تخصيص وذا مصححُ بفتح الحاء يعني أن عدم اطراد العلة وهو تخلف الحكم عنها لا يقدح فيها عند أكثر أصحاب مالك وأكثر أصحاب أبي حنيفة وأكثر أصحاب أحمد وهذا القول صححه القرافي بقوله وهذا هو المذهب المشهور سواء كان التخلف لوجود مانع أو فقد شرط ولا فرق في ذلك بين العلة المنصوصة والمستنبطة واحتجوا بأنه تخصيص للعلة كتخصيص العام فإنه إذا خرجت عنه بعض الصور بقي حجة فيما عداها لأن تناول المناسبة لجميع الصور كتناول الدلالة اللغوية لجميع الصور مثال التخلف في المنصوصة تخلف القصاص في القتل العمد العدوان لمكافئ عن قتل الأب بولده فإن كون ما ذكر علة مستفاد من قوله تعالى ((ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا)) واستشكل القدح في المنصوصة بالتخلف إذ القدح فيما به رد للنص وجوابه منع كون القدح فيها بذلك ردًا للنص، فقد قال الغزالي في توجيه كون النقض قادحًا في العلة المنصوصة ما لفظه هو أنا نستبين بعد وروده أن ما ذكر لم يكن تمام العلة بل جزء منها كقولنا خارج فينقض الطهر أخذًا من قوله عليه الصلاة والسلام الوضوء مما خرج ثم أنه لم يتوضأ من الحجامة فيعلم أن العلة هي الخروج من المخرج المعتاد لا مطلق الخروج هـ قال في الآيات البينات ولا يخفى أن هذا التوجيه لا يمكن جريانه في المنصوصة وإن كان نصها قطعي المتن والدلالة فإن النص المذكور وإن أفاد القطع بأن العلة كذا لكنه لا يستلزم القطع بأن كذا بمجرده أو مطلقًا هو العلة لاحتمال أن يعتبر معه شيء كانتفاء مانع فإن فرض النص أفاد القطع بأن العلة مجرد كذا وأنه لا يعتبر معه شيء كان قال العلة كذا بمجرده ولا مانع له ولا شرط لم يتصور

تخلف ح حتى يتصور اختلاف في القدح به كما هو ظاهر ثم رأيت في شرح المنهاج للمصنف ما يفيد ذلك هـ: وقد روي عن مالك تخصيص ... إن يك الاستنباط لا التنصيص يعني أن القرافي نقل عن الأمدي أنه حكى جواز تخصيص المستنبطة دون المنصوصة وإن لم يوجد في صورة النقض مانع ولا عدم شرط عن مالك وأحمد وأكثر الحنفية قوله أن يك الاستنباط خبر كان فيه محذوف أي إن يك الاستنباط هو المثبت للعلة لا أن كانت ثابتة بالنص فيقدح التخلف كتخلف القصاص المذكور لأن دليل العلة اقتران الحكم بها ولا وجود له في صورة التخلف فلا يدل على العلية فيها بخلاف المنصوصة فإن دليلها النص الشامل لصورة التخلف وانتفاء الحكم فيها يبطله فيجب التوقف عن العمل به والمجيزون مطلقًا يقولون بخصوصه وأجيب من جهة القائل بأن التخلف يقدح في المتنبطة أيضًا بأن اقتران الحكم بالوصف يدل على علته في جميع صوره كدليل المنصوصة. (وعكس هذا قد رآه البعض) دخول آل على بعض وكل أجازه بعض النحاة يعني أن بعض أهل لأصول وهو الأكثر كما في البرهان لإمام الحرمين رأى أن التخلف قادح في المستنبطة دون المنصوصة عكس القول المذكور في البيت قبله لأن الشارع له أن يطلق العام ويريد بعضه مؤخرًا بيانه إلى وقت الحاجة بخلاف غيره إذا علل بشيء ونقض عليه ليس له أن يقول أردت غير ذلك لسده باب إبطال العلة وإنما كان الشارع له ذلك لوجوب الانقياد لنصه مع أنه أعلم بالمصالح فلا عبرة بصورة

التخلف لأن النص مقدم عليها وإذا لم يوجد نص تعين أن الوصف ليس بعلة لأنه لو كان علة ثبت الحكم معه في جميع صوره. (ومنتقى ذي الاختصار النقض). (إن لم تكن منصوصة بظاهر) منتقى بفتح القاف مبتدأ خبره النقض يعني أن مختار صاحب المختصر وهو ابن الحاجب النقض بالتخلف في العلة الثابتة بالنص القطعي بخلاف الثابتة بظاهر عام لقبوله التخصيص وبخلاف المستنبطة إذا كان التخلف لفقد شرط أو وجود مانع وإليه الإشارة بقوله: وليس فيما استنبطت بضائر). إن جاء لفقد الشرط أو لما منع) اسم ليس وفاعل جاء المقصور لوزن ضمير التخلف هكذا ذكر السبكي هذا القول غير معزو لأحد وجعله حلولو هو مختار وابن الحاجب وتبعه في النظم كما رأيت فالنقض على هذا القول إنما هو في المنصوصة غير الثابتة بظاهر عام لمحل التخلف وغيره وفي المستنبطة إن لم يكن التخلف لمانع أو فقد شرط وغير المنصوصة المذكورة، هو العلة الثابتة بدليل قطعي سواء عم المحال أو اختص بمحل النقض أو بغيره، ومثلها الثابتة بظاهر خاص بمحل النقض أو بغيره فيقدح النص في جميع ذلك وقال زكرياء وأنت خبير بأن هذا وهم لأن العلة إذا ثبتت بشيء من ذلك فلا نقض لاستحالة التخلف في القاطع العام وفي الخاص ولو ظاهرًا بمحل النقض وعدم التعارض في الخاص بغيره، فلا قدح في المنصوصة مطلقًا فعلم أن القدح على هذا إنما هو في المستنبطة إذا كان التخلف بلا مانع أو فقد شرط هـ ومثله للكمال بن الهمام والمحشي قائلًا أنه خلاصة ما في شرح المختصر لتاج الدين السبكي والعضد وأنه مختار

ابن الحاجب وقال في الآيات البينات أن التخلف مع ما ذكر ممكن لجواز أن تكون العلة التي دل عليها ذلك القطعي أو الخاص في ذلك الفرد المخصوص ناقصة يعتبر معها أمر آخر في ثبوت ذلك الحكم فيتصور تخلف الحكم فيه عند عدم وجود ذلك الأمر الآخر هـ وهذا هو تقدم قوله بظاهر أي بظاهر عام. والوفق في مثل العرايا قد وقع) يعني أنهم اتفقوا على أن التخلف لا يقدح إذا كان واردًا على جميع المذاهب كمسئلة العرية وهي بيع الرطب أو العنب قبل الجذ بتمر أو زبيب فإن جوازه وارد على كل قول في علة حرمة الربى من الطعم والقوت مع الادخار والكيل والمالية فقد نقل الإجماع على أن حرمة الربى لا تعلل إلا بأحد هذه الأمور الأربعة فلا يقدح وعلله في المنهاج بقوله لأن الإجماع أدل من النقض هـ. أي لأن النقض وإن دل على أن الوصف المنقوض ليس بعلة لكن الإجماع منعقد على كونه علة ودلالة الإجماع أقوى. جوابه منع وجود الوصف أو ... منع انتفاء الحكم فيما قد رووا يعني أن المروي عنهم في جواب التخلف على القول بأنه قادح مطلقًا أو مقيدًا أمور منها منع وجود الوصف أي العلة في صورة النقض كمنع وجود القتل العمد العدوان لمكافئ الذي هو سبب القصاص في الأب إذا رمى ولده بجريدة أو نحوها مما يحتمل أن يقصد به التأديب ومنها منع انتفاء الحكم كمنعنا نفي القصاص في الأب حالة ذبحه لولده أو شقه بطنه أو نحو ذلك مما لا يحتمل التأديب وشرط صحة الجواب بهذا أن لا يكون انتفاء الحكم في صورة النقض مذهب المستدل فإنه إذا كان كذلك لم يكن له منع انتفائه فيها

ومنها عند من يعتبر الموانع بالنفي في قدح التخلف حتى إذا وجدت كلها أو واحد منها لا يقدح بيانها أي بيان وجودها كلها أو واحد منها وعدم الشرط في معنى المانع (والكسر قادح). هذا هو الثاني من القوادح يعني أن الكسر قادح في العلة أي مبطل لها وإذا بطلت العلة بطل الحكم المرتب عليها. ومنه ذكرًا ... تخلف الحكمة عنه من درى من فاعل ذكر وتخلف مفعوله والضمير المجرور بعن للوصف أي العلة يعني أن بعض أهل المعرفة ذكر تخلف الحكمة عن العلة قسمًا من الكسر ومعنى تخلف الحكمة عنها أن توجد العلة دون حكمتها كمن مسكنه على البحر ونزل منه في سفينة قطعت به مسافة القصر في لحظة من غير مشقة فقد وجدت علة القصر وهي المسافة دون الحكمة وهي المشقة لكن القدح هنا في العلة إنما هو عند من يقول بانتفاء الحكم لانتفاء العلة أما من يقول بثبوت الحكم للمظنة فلا قدح فيها وقد تقدم بسط ذلك عند قولنا وفي ثبوت الحكم عند الانتفاء، ... للظن الخ. والقائل بأن تخلف الحكمة عن الوصف المعلل به قادح هو الفهري وغيره لاعتراضه المقصود الذي هو إثبات الحكم ورجح الأمدي وابن الحاجب عدم القدح به لأن النقض لم يرد على العلة التي هي السفر في المثال المذكور ولذا لم يذكره في التنقيح من القوادح. ومنه إبطال لجزء والحيل ... ضاقت عليه في المجيء بالبدل

يعني أن هذا قسم من الكسر وهو إبطال المعترض جزءًا من المعنى المعلل به ونقضه ما بقى من أجزاء ذلك المعنى المعلل به فعلم أنه إنما يكون في العلة المركبة والقدح به مقيد بأن يتعذر على المستدل الإتيان ببدل من المبطل فإن ذكر بدلًا يصلح أن يكون علة للحكم ألغى الكسر واستقام الدليل وإبطال الجزء بأن يبين المعترض أنه ملغى بوجود الحكم عند انتفائه والمراد بنقض الباقي عدم تأثيره في الحكم وله صورتان. إحداهما أن يأتي المستدل ببدل الوصف المسقط عن الاعتبار كما يقال في وجود أداء صلاة الخوف هي: صلاة يجب قضاؤها لو لم تفعل فيجب أداؤها قياسًا على صلاة إلا من فإنها كما يجب قضاؤها لو لم تفعل يجب أداؤها فوجوب القضاء هو العلة ووجوب الأداء هو الحكم المعلول لتلك العلة فيعترض بأن خصوص الصلاة ملغى ويبين بأن الحج واجب الأداء كالقضاء فيبدل المستدل خصوص الصلاة بوصف عام هو العبادة بأن يقول عبادة يجب قضاؤها الخ. ثم ينقض عليه المعترض أيضًا هذا البدل بصوم الحائض فإنه عبادة يجب قضاؤها ولا يجب أداؤها بل يحرم. والصورة الثانية أن لا يبدل المستدل الوصف الذي أبطله المعترض فلا يبقى للمستدل علة في المثال المذكور إلا قوله يجب قضاؤها فيقال عليه وليس كلما يجب قضاؤه يجب أداؤه دليله الحائض فإنها يجب عليها قضاء الصوم دون أدائه. وعدم العكس مع اتحاد ... يقدح دون النص بالتماد عدم مبتدأ خبره يقدح والعكس لغة رد أول الشيء إلى آخره

وآخره إلى أوله وفي اصطلاح المناطقة ما ذكره الأخضري في قوله، العكس قلب جزئي القضية، مع بقاء الصدق والكيفية وفي اصطلاح الأصوليين انتفاء الحكم لانتفاء العلة أعلم أن العلة إن كانت مطردة منعكسة فواضح والاطراد هو ثبوت الحكم لثبوت العلة والانعكاس انتفاؤه لانتفائها أبدًا فإن اعترض بأنها غير مطردة فهو للنقض وقد تقدم أو غير منعكسة فهو تخلف العكس بقدح عند القائل بوجوب اتحاد العلة ولا يقدح عند مجوز تعدد العلة لجواز وجود الحكم للعلة الأخرى لأن العلل الشرعية يخاف بعضها بعضًا كما لو قيل لإنزال سبب وجوب الغسل فينتقض بانقطاع دم الحيض فإن النسل واجب ولا إنزال ومحل القدح بعدم العكس ما لم يرد نص بالتمادي أي استمرار الحكم مع انتفاء العلة قاله الإبياري: والوصف أن يعدم له تأثير ... فذاك لانتقاضه يصير هذا نوع من القوادح يسمى عدم التأثير والضمير في انتفاضه للوصف المعلل به يعني أن الوصف المعلل به إذا كان لا تأثير له في الحكم انتقض ذلك الوصف فلا يصح التعليل به وعدم تأثير الوصف أن لا يناسب الحكم فالتأثير هنا أعم من التأثير بالمعنى المتقدم وهو أن يعتبر بنص أو إجماع غير الوصف في غير الحكم وصورة الاعتراض بعدم المناسبة كان يقول المعترض هذا الوصف الذي علل به غير مناسب للحكم. خص بذي العلة بائتلاف ... وذات الاستنباط والخلاف خص نائبه ضمير النقض بعدم التأثير يعني أن القدح بعدم التأثير خص اتفاقًا بقياس العلة أي قياس المعنى لاشتماله على

المناسب بخلاف غيره كقياس الشبه والطرد لعدم تعيين جهة المصلحة فيهما وبذات الاستنباط المختلف فيها من قياس المعنى فلا يتأتى في المبسوطة والمستنبطة المجمع عليها منه لعدم اشتراط ظهور المناسبة فيهما وقياس المعنى قال المحشي: هذا هو الذي تثبت نيه علية المشترك بين الأصل والفرع بالمناسبة فلا يكون قادحًا إلا فيه لاشتماله على المناسب بخلاف قياس الشبه والطرد فإنه لا يقدح في واحد منهما لانتفاء المناسبة انتهى. يجيء في الطردي حيث عللا ... به ببناء علل المفعول يعني أن القدح بعدم التأثير ثلاثة أقسام الأول أن يكون في الوصف الطردي إذا علل به المستدل والطردي هو ما لا مناسبة فيه ولا سبه كقول الحنفي في صلاة الصبح صلاة لا تقصر فلا يقدم إذ أنها كالمغرب فقدم القصر في عدم تقديم الآذان طردي أي لا مناسبة فيه ولا شبه إذ عدم التقديم موجود فيما يقصر وحاصل هذا القسم إنكار علية الوصف لكونه طرديًا (وقد يجيء فيما أصلًا): وذا بابدًا علة للحكم ... ممن يرى تعددًا ذا سقم هذا هو القسم الثاني من أقسام عدم التأثير يعني أنه قد يجيء القدح يعدم تأثير العلة فيما أصلًا بضم الهمزة وتشديد الصاد المكسورة أي في الأصل وذلك يكون بإبداء علة لحكم الأصل غير ما علل به إذا كان ذلك الإبداء صادرًا من معترض يرى تعدد العلة سقيمًا أي ضعيفًا ممتنعًا مثل أن يقال في بيع الغائب مبيع غير مرئي فلا يصح كالطير في الهواء فيقول المعترض لا أثر لكونه غير مرئي في الأصل فإن

العجز عن التسليم فيه كاف في عدم الصحة وعدمها موجود في الرؤية فهو معارضة للأصل بإبداء غير ما علل به بناء على منع التعليل بعلتين فأكثر وأما قول المحلي بناء على جواز التعليل بعلتين فهو سهو انقلب عليه والصواب كما في الأحكام للأمدي والمنهاج للبيضاوي وعليه المحشيان وغيرهما إن عدم التأثير في الأصل قادح إن منعنا التعليل بعلتين وغير قادح إن جوزناه قوله ذا سقم بضم السين وسكون القاف تنبيه: أعلم القدح في هذا القسم ليس لعدم مناسبة الوصف بل للاستغناء عنه بوصف آخر ويسمى عدم التأثير في الأصل فالمناسبة في هذا القسم موجودة إلا أنه استغنى عنه بوصف آخر وقد فسره الأمدي في منتهى السول وابن الحاجب والعضد وغيرهم بأنه إبداء وصف في علة الأصل مستغنى عنه في الأصل إما لكونه طرديًا محضًا ويسمى عدم التأثير في الوصف أو مؤثرًا استغنى عنه في حكم الأصل بغيره ويسمى عدم التأثير في الأصل الخ والوصف الطردي وجوده وعدمه سواء عندهم. وقد يجي في الحكم وهو ضرب ... فمنه ما ليس لفيد يجلب هذا هو القسم الثالث من أقسام القدح بعدم التأثير وهو القدح بعدم تأثير الوصف المعلل به في الحكم ووجه تسميته بذلك أنه لا مدخل له في الحكم ولا تعلق له به وهذا القسم ثلاثة أقسام: قسم منها أن لا يكون الوصف المشتمل عليه العلة مجلوبًا أي مذكورًا لفيد بفتح الفاء أي فائدة كقول الحنفي في المرتدين مشركون أتلفوا ما لا في دار الحرب فلا ضمان عليهم قياسًا على الحربي ودار الحرب عندهم طردي أي لا أثر له في الأصل ولا في الفرع إذ من نفي الضمان منهم نفاه وإن لم يكن في دار الحرب فلا فائدة لذكره فيرجع الاعتراض في

ذلك إلى القسم الأول لأن المعترض يطالب المستدل بتأثير كون الإتلاف في دار الحرب والذي عليه المحققون فساد العلة بذلك وذهب بعضهم إلى صحة التمسك به. (وما لفيد عن ضرورة ذكر) بالبناء للمفعول يعني أن القسم الثاني من القسم الثالث هو أن يكون الوصف الذي اشتملت عليه العلة مذكورًا لفائدة ضرورة أي لابد منها كقول معنبر العدد في الاستجمار بالأحجار وأحوها عبادة متعلقة بالأحجار ونحوها لم تتقدمها معصية فاعتبر فيها العدد قياسًا على رمي الجمار فقوله لم يتقدمها معصية عديم التأثير في الأصل والفرع لكنه مضطر إلى ذكره لئلا ينتقض ما علل به لو لم يذكر فيه بالرجم للمحصن فإنه عبادة متعلقة بالأحجار ولم يعتبر فيها العدد (أولًا وفي العفو خلاف قد سطر) أي كتب في كتب الفن قوله أولًا قسيم قوله عن ضرورة أي أو يكون مذكورًا لفائدة ليست بضرورية وفي العفو فهاتين الفائدتين أي العفو أن لا يصح الاعتراض بمحل تلك الفائدة وعدمه أن يصح الاعتراض بمحلها وما ذكر لفائدة غير ضرورية. هو القسم الثالث من القسم الثالث مثاله الجمعة صلاة مفروضة فلم تفتقر في إقامتها إلى إذن الإمام الأعظم من الظهر فإن مفروضة حشو إذ لو حذف مما علل به لم ينتقص الباقي منه بشيء لكن ذكر لتقريب الفرع من الأصل بتقوية الشبه بينهما إذ الفرض بالفرض أشبه به من غيره. والقلب إثبات الذي الحكم نقض ... بالوصف والقدح به لا يعترض الحكم مفعول نقض مقدم ويعترض مبني للمفعول يعني أن القلب من القوادح ويعترض به على القياس وغيره من الأدلة قال في

التنقيح وهو إثبات نقيض الحكم بعين العلة أي إثبات المعترض نقيض الحكم بعين العلة التي علل بها المستدل وإياه تبعنا في النظم. وهذا التعريف خاص بقلب القياس وعليه اقتصر البيضاوي وغيره وتعريف السبكي في جمع الجوامع تعريف للقلب بالمعنى الأعم قوله والقدح به الخ. يعني أن القلب مبطل للعلة من جهة أنه معارضة لأن القالب إذا أثبت بها نقيض الحكم في صورة النزاع بطلت العلة وإلا لزم اجتماع النقيضين وهو محال. فمنه ما صحح رأي المعترض ... مع أن رأي الخصم فيه منتقض رأى مفعول صحح والمعترض بكسر الراء ومنتقض بكسر القاف يعني أن القلب قسمان: أحدهما ما صحح فيه المعترض مذهبه وذلك التصحيح فيه إبطال مذهب المستدل وهو المراد بالخصم في البيت والضمير المجرور بفي للقلب أي الكلام الذي فيه القلب سواء كان مذهب المستدل مصرحًا به في دليله أولًا مثال ما كان مصرحًا به فيه قول الشافعي في بيع الفضولي عقد في حق الغير بلا ولاية عليه فلا يصح قياسًا على شراء الفضولي فلا يصح لمن سماه فيقال من جانب المعترض كالمالك والحنفي عقد فيصح كشراء الفضولي فإنه يصح لمن سماه إذا رضي ذلك المسمى له وإلا لزم الفضولي وهل إقدام الفضولي على البيع حرام كما في التنبيهات لعياض على المدونة أو جائز كما في الطراز بل ظاهر الطراز أنه مطلوب لأنه جعله من التعاون على البر

قال الحطاب في شرح خليل والحق أنه يختلف بحسب المقاصد وما يعلم من حال المالك وما هو الأصلح له انتهى. ومثال غير المصرح به فيقول قول المالكي والحنفي المشترطين للصوم في الاعتكاف لبث فلا يكون بنفسه قربة كوقوف عرفة يعنيان أنه قربة بضميمة الإحرام إليه فكذلك الاعتكاف إنما يكون قربة بضميمة عبادة إليه وهي الصوم إذ هو المتنازع فيه فمذهبهما وهو اشتراط الصوم في الاعتكاف غير مصرح به في دليلهما فيقال من جهة المعترض كالشافعي الاعتكاف لبث فلا يشترط فيه الصوم كوقوف عرفة ومنه ما يبطل بالتزام ... أو الطباق رأي ذي في الخصام هذا هو الثاني من قسمي القلب وهو ما كان الإبطال مذهب الخصم مصرحًا به أي بدلالة المطابقة أو غير مصرح به لكنه إبطال له الإبطال مصرحًا به أي بدلالة المطابقة أو غير مصرح به لكنه إبطال له بدلالة الالتزام مثال الأول أن يقول الحنفي في مسح الرأس عضو وضوء فلا يكفي في مسحه أقل ما يطلق عليه اسم المسح قياسًا على الوجه فإنه لا يكفي في غسله ذلك فيقال من جانب المعترض كالشافعي فلا يتقدر بالربع قياسًا على الوجه فإنه لا يتقدر غسله بالربع فالشافعي يقول له كونه عضو وضوء يقتضي نقيض مذهبك من جواز الاقتصار في مسح الرأس على الربع ولبس في قلب الشافعي هذا الدليل إثبات مذهبه الذي هو الاكتفاء بأقل ما يمكن من المسح بل يجوز أن يكون الواجب ذلك أو الجميع كما هو مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى ومثال الثاني وهو ما أبطل فيه مذهب المستدل بالالتزام قول الحنفي في جواز بيع الغائب عقد معاوضة فيصح مع الجهل بالعوض كالنكاح يصح مع الجهل بالزوجة أي عدم رؤيتها

فيقال من جانب المعترض كالمالكي والشافعي فلا يثبت به خيار الرؤية كالنكاح فقد أبطلا مذهبه بالالتزام لأن ثبوت خيار الرؤية لازم شرعًا عنده للصحة وإذا انتفى اللازم وانتفى الملزوم فأشهر قولي الشافعي عدم جواز بيع الغائب وصف أم لا ويجوز عند مالك على الصفة إذا أمن تغيره قبل قبضه وجوزه أبو حنيفة دون الوصف فإذا رآه كان له الخيار في الإمضاء والرد قاله حفيد ابن رشد في بداية المجتهد. قوله رأي ذي الخصام رأي مفعول ببطل والخصام بكسر الخاء مصدر خاصم. (ومنه ما إلى المساواة نسب) بالبناء للمفعول والضمير في منه عائد إلى القلب مطلقًا من باب إطلاق العام وإرادة الخاص أعنى أنه من نوعي القسم الثاني وهو القلب لإبطال مذهب المستدل بالالتزام كما في شرح المنهاج للسبكي وفي غيره ووجه تسميته بقلب المساواة واضح من قول المعترض أنه يجب المساواة بين الحكمين في الفرع كما أنهما متساويان في الأصل. وأشار إلى تعريفه بقوله: ثبوت حكمين للأصل ينسلب حكم على الفرع بالائتلاف ... وواحد من ذين ذو اختلاف فيلحق الفرع بالأصل فيرد ... كون التساوي واجبًا من منتقد أي هو ثبوت وحكم فاعل ينسلب وواحد من ذين ذو اختلاف مبتدأ وخبره ويرد بفتح المثاة التحتية وكسر الراء فاعله كون ومن منتقد متعلق بيرد والمراد بالمنتقد المعترض ويلحق بضم التحتية وكسر الحاء فاعله ضمير المستدل المدلول عليه بالسياق والفرع مفعول يلحق يعني أن قلب المساواة هو ثبوت حكمين للأصل المقيس عليه وأحد

الحكمين مناسب عن الفرع المقيس اتفاقًا والحكم الآخر وقع الخلاف في ثبوته لذلك الفرع فيلحق المستدل الفرع المختلف فيه بالأصل المقيس عليه فيرد من جهة المنتقد أي المعترض اعتراض هو كون التساوي بين الحكمين في الفرع واجبًا كاستوائهما في الأصل مثاله قول الحنفي في الوضوء والغسل طهارة بالمائع فلا تجب فيها النية قياسًا على غسل النجاسة لا تجب فيه النية بخلاف غير المائع كالتيمم تجب فيه النية فيقول المالكي والشافعي معترضين فيستوي جامد هذه الطهارة ومائعها كالنجاسة فإنها يستوي جامدها ومائعها في الحكم المذكور وهو عدم وجوب النية وقد وجبت النية في التيمم فتجب في الوضوء والغسل قال زكرياء: فأحد حكمي الأصل عدم وجوب النية في الطهارة في الجامد وهو منتف عن الفرع اتفاقًا والآخر عدم وجوب النية في الطهارة بالمائع وهو المختلف فيه فيثبته المستدل في الفرع فيقول المعترض فتجب التسوية بين الحكمين في الفرع كما وجبت بينهما في الأصل. قبوله فيه خلافًا يحكي ... بعض شروح الجمع لابن السبكي قبوله بالفتح والضم مبتدأ خبره جملة يحكي وبعض فاعل وخلافًا مفعول يحكي يعني أن بعض شروح جمع الجوامع حكوا الخلاف في قبول قلب المساواة ورده وقد ذكر في جمع الجوامع أن القائل برده هو القاضي أبو بكر الباقلاني من المالكية وحجة القائل برده أن وجه استدلال القلب فيه غير وجه استدلال المستدل، وبينه في الآيات البينات بن لمرد بوجه استدلال المستدل كون الجامع الطهارة بالماء وبوجه استدلال المعترض كونه مطلق الطهارة انتهى وقال الباجي لا يصح قلب القلب لأن القلب نقض

للعلة والنقض لا ينقض وقال بعض المالكية والشافعية يصح لأن القلب معارضة في الحكم والمعارضة تعارض فيصار إلى الترجيح فعلى أن القلب معارضة لا يقدح بمجرده بل حتى يعجز المستدل عن الترجيح وعلى أنه نقض يقدح بمجرده وهو الذي مشينا عليه في قولنا والقدح به لا يعترض وذكر بعضهم أن أقوى أنواع القلب ما بين فيه أنه على المستدل ثم يليه ما بين فيه أنه له وعليه وأقوى مراتب هذا النوع ما صرح فيه بإثبات مذهب المعترض ثم ما صرح به فيه بإبطال مذهب المستدل ثم ما بين فيه ذلك بطريق الالتزام والسبكي بضم السين وسكون الموحدة نسبة إلى سبك موضع بمصر. (والقول بالموجب قدحه جلًا) يعني أن من القوادح القول بالموجب بفتح الجيم أي ما أوجبه دليل المستدل والقول بالموجب يدخل في العلل والنصوص وجميع ما يستدل به. وهو تسليم الدليل مسجلًا. من مانع أن الدليل استلزما ... لما من الصور فيه اختصما) يعني أن القول بالموجب هو تسليم دليل المستدل أي ما يقتضيه دليله حال كون الدليل مسجلًا أي مطلقًا نصًا كان أو علة أو غيرهما من الأدلة حال كون ذلك التسليم كائنًا من معترض مانع استلزم ذلك الدليل لما اختصم أي تنازع هو والمستدل فيه من الصور قال القرافي في التنقيح. الرابع القول بالموجب وهو تسليم ما أدعاه المستدل موجب علته مع بقاء الخلاف في صورة النزاع انتهى.

لكن الأولى أن يقال موجب دليله لاعترافه في الشرح بدخوله في العلل وغيرها لكن حمله على ذلك إتباع عبارة المحصول ولذلك قال السبكي وهو تسليم الدليل مع بقاء النزاع المحلي بأن يظهر عدم استلزام الدليل لمحل النزاع. يجيء في النفي) يعني أن القول بالموجب يقع على أربعة أوجه منها النفي وهو أن يستنتج المستدل من الدليل إبطال أمر يتوهم منه أنه مبنى مذهب الخصم في المسئلة والخصم يمنع كونه مبنى مذهبه فلا يلزم من إبطاله إبطال مذهبه وأكثر القول بالموجب من هذا النوع لخفاء مأخذ الأحكام وهو قليل في نوع الثبوت لشهرة محل الخلاف كقول المالكي وغيره في وجوب القصاص بالمثقل التفاوت في الوسيلة من آلات القتل وغيره لا يمنع القصاص كالمتوسل إليه من قتل أو قطع وغيرهما لا يمنع القصاص تفاوت الآلات ككونه بسيف أو غيرهما وتفاوت القتل ككونه يحز عنق أو قطع عضو وتفاوت القطع ككونه يحز المفصل من جهة واحدة أو من جهتين أو بغير ذلك وفي ذلك رد على قول أبي زرعة أن المتوسل إليه النفس وأن تفاوتها باعتبار الصفات كالصغر والكبر والشرف والخسة فإنه يرد عليه أن التفاوت بالرق والحرية والإسلام والكفر تفاوت بالصفة وهو مؤثر في عدم وجوب القصاص فيقال من جانب المعترض كالحنفي سلمنا أن التفاوت في الوسيلة لا يمنع القصاص ولكن لا يلزم من إبطال مانع انتفاء جميع الموانع ووجود جميع الشرائط بعد قيام المقتضي وثبوت القصاص متوقف على جميع ذلك فقوله لا يمنع القصاص نفي ولأجل ما وقع فيه من الخلل ورد القول بالموجب فالحنفي يقول للمستدل ما توهمت أنه مبنى مذهبي في عدم القصاص بالمثقل ليس مبناه فلا يلزم من إبطاله إبطال مذهبي بل مبنى مذهبي أنه لا يلزم من ابطال

مانع انتفاء جميع الموانع ووجود جميع الشرائط والمقتضى (وفي الثبوت). هذا هو القسم الثاني من أقسام القول بالموجب يعني أنه قد يرد في جهة الثبوت وهو أن يستنتج المستدل من الدليل ما يتوهم منه أنه محل للنزاع أو ملازمه ولا يكون كذلك قاله المحشي كان يقال في وجوب القصاص بالقتل بالمثقل من جانب المستدل كالمالكي والشافعي قتل بما يقتل غالبًا لا ينافي القصاص فيجب فيه القصاص قياسًا على الإحراق بالنار لا ينافي القصاص فيقال من جانب المعترض كالحنفي سلمنا عدم المنافات بين القتل بمثقل وبين القصاص ولكن لم قلت أن القتل بمثقل يستلزم القصاص وذلك هو محل النزاع ولم يستلزمه دليلك وهو العلة أعني قوله قتل بما يقتل غالبًا لا ينافي القصاص فقوله سلمنا عدم الخ. قول بالموجب ورد على ثبوت القصاص فالمقصود من هذا النوع استنتاج ما يتوهم أنه محل الخلاف أو لازمه والمقصود من النوع الأول استنتاج إبطال ما يتوهم أنه مأخذ مذهب الخصم (ولشمول اللفظ). هذا هو القسم الثالث من أقسام القول بالموجب يعني أنه قد يرد لشمول لفظ المستدل لصورة من صور الوفاق فيحمله المعترض على تلك الصورة ويبقى النزاع فيما عداها كقول الحنفي في وجوب الزكاة في الخيل حيوان يسابق عليه فتجب فيه الزكاة كالإبل فيقول المعترض كالمالكي لقول به إذا كانت الخيل للتجارة إنما النزاع في إيجاب الزكاة في رقابها من حيث هي خيل قال الفهري إن هذا هو

أضعف أنواع القول بالموجب فإن حاصله مناقشة في اللفظ فتندفع بمجرد العناية انتهى بأن يقول الحنفي عنيت الخيل من حيث هي والسكوت) عما من المقدمات قد خلا ... من شهرة لخوفه أن تحظلا بالبناء للمفعول هذا هو القسم الرابع من أنواع القول بالموجب يعني أن القول بالموجب يجئ لأجل شمول اللفظ ولأجل سكوت المستدل عن مقدمة غير مشهورة مخافة منع الخصم لها لو صرح بها فيرد بسكونه عنها القول بالموجب كما يقول مشترط النية في الوضوء والغسل كالمالكي والشافعي ما هو قربة يشترط فيه النية كالصلاة ويسكت عن الصغرى وهي الوضوء والغسل قربة فيقول المعترض كالحنفي مسلم إنما هو قربة يشترط فيه النية ولا يلزم اشتراطها في الوضوء والغسل لأن المقدمة الواحدة لا تنتج فإن صرح المستدل بأنهما قربة بأن قال هما قربة وكل قربة تشترط فيها النية ورد عليه منع ذلك وخرج عن القول بالموجب لأنه إنما كان بتقدير السكوت عن الصغرى وقد زال بذكرها واحترز بقوله غير مشهورة عن المشهورة فهي كالمذكورة فلا يتأتى فيها القول بالموجب والمشهورة ما كانت ضرورية أو متفقًا عليها بين الخصمين وتبعت في التعبير بغير مشهورة ما في أكثر نسخ المختصر وعلى ذلك شرحه السبكي وتبعه في جمع الجوامع ووقع في بعض نسخ المختصر عن صغرى مشهورة وعلى هذا شرحه العضد وقال سعد الدين التفتازاني أن الأولى أقرب للقطع بأن كون الوضوء قربة ليست مشهورة ولأن الصغرى إذا كانت مشهورة كانت بمنزلة الذكورة فلا يرد القول بالموجب وعارضه الأبهري بأن ما جرى عليه العضد أولى لتنبيهه على الداعي إلى

الحذف وهو الشهرة ورد دعواه القطع بأن كون الوضوء قربة ليست مشهورة قال المحشي ورد الأبهري متجه لأن المراد الشهرة بحسب عرف الشرع والمتناظران من أهله ولا يخفي ما ورد في السنة الشريفة من كون الوضوء مكفرًا للخطايا ومن فضل إسباغه على المكاره فكونه قربة من المشهورات شرعًا بلا توقف هـ. تنبيه: اعلم أن الوضوء والغسل وسيلة إلى صحة الصلاة مثلًا فمن أعطى الوسيلة حكم ما يقصد بها جعلهما قربة فأوجب النية فيهما وهذا هو التحقيق ومن لم يعطها حكم مقصدها لم يجعلهما قربة فلم يوجب النية فيهما قال النقشواني القول بالموجب والقلب معارضة في الحكم لا قدح في العلة وجعلها الإمام الرازي من القوادح في العلة الخ. (والفرق بين الفرع والأصل قدح) فعل ماض خبر الفرق يعني أن من القوادح فرق المعترض بين الفرع والأصل على الصحيح بناء على منع تعدد العلة وإنما قدح لأنه يؤثر في جمع المستدل بين الفرع والأصل في العلة الذي هو مقصود المستدل في القياس ومما يجاب به منع كون المبدي في الأصل علة أو جزءًا من العلة ومنع كونه في الفرع مانعًا من الحكم وقيل لا يقدح فيه مطلقًا لأنه لا يؤثر فيه وقيل لا يقدح على القول بأن الفرق راجع إلى المعارضة في الأصل والفرع لأن جمع الأسئلة المختلفة غير مقبول. إبداء مختص بالأصل قد صلح (أو مانع في الفرع، يقرأ صلح هنا بفتح اللام وإن جاز فيه الضم لأجل فتح دال قدح ومانع بالجر معطوف على مختص أي هو

أي الفرق إبداء وصف مختص بالأصل غير الوصف الذي أبداه المستدل وذلك الوصف غير موجود في الفرع ولابد أن يكون ذلك الوصف المبدي صالحًا للتعليل به سواء كان مستقلًا بالتعليل كمعارضة من علل ربي أفضل بالطعم فيقيس التفاح على البر بالقوت مع الادخار أو بالكيل أو غير مستقل بالتعليل بأن يجعل جزءًا من على حكم الأصل كمعارضة من علل وجوب القصاص في القتل بالمثقل بالقتل العمد العدوان من مكافئ بالجارح أو إبداء وصف مانع من الحكم في الفرع فالمانع في الفرع وصف يقتضي نقيض الحكم الذي أثبته المستدل وذلك المانع منتف عن أصل المستدل كقياس الهبة على البيع في منع الغر فيفرق المالكي بأن البيع عقد معاوضة والمعاوضة مكايسة يخل بها الغرر والهبة محض إحسان مانع من إلحاقها بالبيع في حكمه وكان يقول الحنفي يقتل المسلم بالذمي كغير المسلم بجامع القتل العمد العدوان فيعترض المالكي والشافعي بأن الإسلام بالفرع مانع من القود. فالفرق باعتبار القسم الأول أن يدعي المستدل أن الوصف المشترك هو العلة ويدعي المعترض أن العلة وصف آخر وذلك الوصف مع خصوصية لا توجد في الفرع. وباعتبار القسم الثاني أن يظهر المعترض مانعًا في الفرع لا يوجد في الأصل مقتضيًا نقيض الحكم الذي أثبته له المستدل: والجمع يرى ... إلا فلا فرق أناس كبرا يعني أن بعض أهل الأصول ذهب إلى أن الفرق هو مجموع الأمرين من إبداء خصوصية في الأصل لا توجد في الفرع وإبداء مانع

في الفرع لا يوجد في الأصل لأنه أدل على الفرق ويكفى في تحقق المعارضتين كما في الآيات البينات كل واحد من إبداء الخصوصية في الأصل مع التعرض لانتفائها في الفرع ومن إبداء المانع في الفرع مع التعرض لانتفائه في الأصل كما يكفي في تحققهما إبداء الخصوصية في الأصل وإبداء المانع في الفرع وإن لم يتعرض لانتفاء كل عن الآخر والجمع مفعول يرى وفاعله أناس وكبرا جمع كبير نعت له وقوله إلا فلا فرق جملة اعتراضية أي أن لم يكن مجموع الأمرين فإن وجدت إحدى المعارضتين فقط فليس بفرق فلا يقدح. تعدد الأصل لفرع معتمد ... إذ يوجب القوة تكثير السند معتمد بفتح الميم خبر تعدد وتكثير فاعل يوجب والقوة مفعوله والسند بالتحريك يعني أن تعدد الأصل لفرع واحد هو المعتمد عليه عند ابن الحاجب لتصحيحه إياه لأن كثرة السند أي الدليل توجب قوة الظن وهذا خلاف ما صححه السبكي من منع ذلك التعدد لانتشار البحث في ذلك والمراد بتعدد الأصل تعدد أمور يصلح كل منها بانفراده للقياس عليه أعم من أن يقاس على كل منها بانفراده أو يقاس على مجموعها ورد على المانع بأنه قد لا يحصل انتشاره والظاهر أن مراده أي المانع عدم دعوى لزوم الانتشار ألا يسع أحدًا دعوى لزومه بل مراده أنه قد يحصل الانتشار فلا يدفع ما ذكر للاستدلال بالانتشار فالظاهر الاقتصار على الاستدلال بتكثير الأدلة لقوة الظن. فالفرق بينه وأصل قد كفى) يعني أنه على جواز التعدد فعلى تقدير وجوده إذا فرق المعترض بين الفرع وبين أصل واحد من تلك الأصول كفى في القدح فيها لأنه يبطل الجمع بين تلك الأصول وذلك الفرع في تلك العلة وذلك الجمع هو قصد المستدل سواء كان الإلحاق

بكل منها أو بمجموعها بقرينة المقابل الفصل وهذا ظاهر إذا كان الإلحاق بمجموعها أما إذا كان بكل منها فمحل خفاء قال شهاب الدين عميرة قضيته أنه بعد ذلك لا يصلح التمسك بشيء منها في ذلك الحكم وكأنه بالنظر لمناظره انتهى. بل بمجرد ذلك الفرق يبطل التمسك بشيء من تلك الأصول وينقطع المستدل ما لم يجب ووجهه في الآيات البينات بأن مستنده تلك الأصول لا بعضها وقد سقط ذلك المستند بالفرق المتعلق ببعضها انتهى. (وقال لا يكفيه بعض العرفا) جمع عريف والعريف رئيس القوم والمراد بالعرفاء هنا العلماء يعني أن بعض أهل الأصول قال إذا فرق المعترض بين الفرع وأصل واحد من تلك الأصول لا يكفي ذلك في القدح فيها لاستقلال كل منها بنفسه وإن قصد الإلحاق بمجموعها: وقيل أن الحق بالمجموع ... فواحد يكفيه لا الجميع ببناء الحق للفاعل وفاعله ضمير المستدل هذا قول مفصل وهو أن المستدل إن قصد إلحاق الفرع بمجموع الأصول كفى فرق واحد في القدح فيها لصيرورتها بقصده كالأصل الواحد وإن قصد الإلحاق بكل منها على انفراده لم يكفه فرق واحد في القدح فيها بل حتى يفرق بين الفرع وبين كل واحد منها فالتمسك ببعضها كاف في إثبات حكمه عند هذا القائل وإنما كان القياس على المجموع من تعدد لأصول لأن المراد من تعددها إلحاق بمجموع أمور يصلح كل منها بانفراده للقياس عليه كما تقدم فالإلحاق بالمجموع لا يكون من تعدد الأصول عرفًا إلا إذا لوحظ الجميع في القياس وإلا لزم تعدد الأصول في كل قياس كان للمقيس فيه أصول في الواقع لم يلاحظ منها إلا واحدًا فقط وهو

باطل قطعًا قاله في الآيات البينات والأصل إلحاقه بكل منها فيحمل عليه عند الجهل: وهل إذا اشتغل بالتبيان ... يكفي جواب واحد قولان فاعل اشتغل ضمير المستدل وجواب مضاف لواحد وهو فاعل يكفي وقولان مبتدأ خبره فيه محذوف يعني أن المستدل إذا تصدى أي تعرض للتبيان أي الجواب عما اعترض به المعترض من الفرق هل يكفيه جواب أصل واحد منها حيث فرعنا على أنه لابد من فرق المعترض بين الفرع وجميع الأصول أو لابد من الجواب عن الجميع في ذلك قولان: قيل يكفي لحصول المقصود بالدفع عن واحد منها وقيل لا يكفي لأنه التزم في الجميع فلزمه الدفع عنه. (من القوادح فساد الوضع) يعني أن من قوادح القياس فساد الوضع أي الحالة التي وضع عليها الدليل ولا يختص الاعتراض بفساد الوضع وفساد الاعتبار بالقياس بل يردان عليه وعلى غيره من الأدلة ولذلك قلت: (إن يجيء الدليل حائدًا عن السنن) بالتحريك الصالح لاعتباره في ترتيب الحكم عليه بأن يكون صالحًا لضد ذلك الحكم أو نقيضه: كالأخذ للتوسيع والتسهيل ... والنفي والإثبات من عديل قوله من عديل معناه من مقابل لكل من الأقسام الأربعة يعني أن فساد الوضع هو أن لا يكون الدليل قياسًا كان أو غيره على الهيأة الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم عليه كان يكون صالحًا لضد ذلك

الحكم أو نقيضه كأخذ التوسع من التضييق وأخذ التسهيل أي التخفيف من التغليظ وأخذ النفي من الإثبات وأخذ الإثبات من النفي. مثال اخذ التوسيع من مقابلة الذي هو التضييق قول الحنفية الزكاة واجبة على وجه الإرفاق لدفع حاجة المسكين فكانت على التراخي كالدية على العاقلة فالتراخي الموسع ينافي دفع الحاجة المضيق والمراد بالرفق الرفق بالمالك والمساهلة عليه أي عدم التشديد عليه ومن فوائد كونها على وجه الارتفاق به تجويز إخراجها من غير المال الذي وجبت فيه وامتناع أخذ الكريمة من غير طيب نفس. ومثال الثاني وهو أخذ التخفيف من مقابله الذي هو التغليظ قول الحنفية القتل عمدًا جناية عظيمة فلا تجب له كفارة كالردة فعظم الجناية يناسب تغليظ الحكم لا تخفيفه بعدم وجوب الكفارة به. ومثال الثالث وهو أخذ النفي من الإثبات قول الشافعي في معاطات المحقرات لم يوجد فيها سوى الرضى فلا ينعقد بها البيع كغير المحقرات فالرضى الذي هو مناط البيع يناسب الانعقاد لا عدمه. ومثال الرابع الذي هو أخذ الإثبات من النفي قول من يرى صحة انعقاد البيع في المحقرات وغيرها بالمعاطات كالمالكية بيع لم يوجد فيه صيغة فينعقد فإن انتفاء الصيغة يناسب عدم الانعقاد لا الانعقاد. منه اعتبار الوصف بالإجماع ... والذكر أو حديثه المطاع في ناقض الحكم بذا القياس: يعني أن من فساد الوضع كون الوصف الجامع ثبت اعتباره بالإجماع أو النص من كتاب أو سنة في

نقيض الحكم أو ضده في قياس المستدل أو غيره من الأدلة فالباء في قوله بذا ظرفية والمراد بالذكر القرآن العظيم والضمير في حديثه للنبي صلى الله عليه وسلم مثال الجامع ذي النص قول الحنفية للنبي صلى الله عليه وسلم مثال الهر سبع ذو ناب فيكون سؤره نجسًا كالكلب فيقال السبعية اعتبرها الشارع علة للطهارة حيث دعي إلى دار فيها كلب فامتنع وإلى أخرى فيها سنور أي هر فأجاب فسئل عن ذلك فقال السنور سبع هـ كلام المحلي قال في الآيات البينات ثم ينبغي التأمل في معنى السبع ما هو حتى كان السنور منه دون الكلب كما اقتضاه هذا الفرق وقد فسر في قوس السبع بالمفترس من الحيوان هـ. وفي حياة الحيوان الكبرى للدميري أن الكلب لا سبع ولا بهيمة ولكن في الحديث إطلاق البهيمة عليه هو قال بعضهم علة امتناعه كون الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب لا نجاسة سؤره قلت وهو أظهر لكن لا يقدح في المثال لأنه مما يكفيه الاحتمال. ومثال الجامع ذي الإجماع قول الشافعي في مسح الرأس في الوضوء مسح فيستحب تكراره كالاستنجاء بالحجر حيث يستحب الإيثار فيه كما إذا حصل الانفاء بحجرين مثلًا فلا يعترض بأن تثليث الاستنجاء واجب فيقال المسح على الخف لا يستحب تكراره إجماعًا فيما قيل فيبين هذا المعترض أن جعل المسح جامعًا فاسد الوضع إذ ثبت اعتباره إجماعًا في نفي الاستحباب وهو نقيض الاستحباب والوصف الواحد لا يثبت به النقيضان لأن ثبوت كل واحد منهما يستلزم انتفاء الآخر. قوله المطاع صفة لمجرد المدح أي الواجب طاعته والاقتداء به (جوابه بصحة الأساس) يعني أن جواب فساد الوضع بأقسامه

الخمسة يكون ببيان صحة الأساس بفتح الهمزة أي الدليل والمراد بصحته كونه صالحًا لترتيب الحكم عليه كأن يكون له جهتان ينظر المستدل فيه في إحداهما والمعترض من الأخرى كما في مسئلة الزكاة فإن المستدل نظر إلى المرفق بالمالك المناسب للتراخي والمعترض نظر إلى دفع حاجة المسكين المناسب للفورية ولذلك يجري قولان في كل ما تجاز به أصلان قال ميارة في تكميله. وإن يكن في الفرع تقريران ... بالمنع والجواز فالقولان ويجاب عن عدم وجوب الكفارة في قتل العمد بأنه غلط فيه بالقصاص فلا يغلظ فيه بالكفارة وعن المعاطات بأن عدم الانعقاد بها مرتب على عدم الصيغة لا على الرضى ويقدر كون الجامع معتبرًا في ذلك الحكم ويكون تخلفه عنه بأن وجد مع نقيضه لمانع كما في مسح الخف فإن تكراره يفسده كغسله وهذا الجواب الأخير فيه دفع فساد الوضع لكنه يلزمه النقص وهو وجود الوصف دون الحكم ولا يضر هذا اللزوم بناء على أنه لا قدح في العلة مطلقًا أو على القول بأنه لا يقدح إذا كان التخلف بفقد شرط أو وجود مانع وإن شئت رددت أقسام فساد الوضع الخمسة إلى قسمين: هما تلقي الشيء من ضده أو نقيضه وكون الجامع ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم أو ضده. (والخلف للنص أو إجماع دعي ... فساد الاعتبار كل من وعى) أي علم الأصول وكل فاعل دعي وفساد مفعوله الثاني والأول محذوف أي دعاه أي سماه يعني أن هذا النوع من القوادح يسمى فساد الاعتبار وهو أن يخالف الدليل نصًا من كتاب أو سنة أو إجماع

كان يقال في وجوب تبييت النية في الأداء صوم مفروض فلا يصح بنية من النهار كالقضاء فيعترض بأنه مخالف لقوله تعالى والصائمين والصائمات فإنه رتب فيه الأجر العظيم على الصوم كغيره من غير تعرض للتبييت فيه وذلك مستلزم لصحته دونه. قال في الآيات البينات يرد عليه أنه لو صح استلزام عدم التعرض للشيء الصحة بدونه استلزم عدم التعرض للنية أيضًا الصحة بدونها فإن قالوا عدم التعرض يستلزم بشرط عدم ثبوت ما يخالف وقد ثبت المخالف في النية قلنا لو سلم ذلك فقد ثبت المخالف أيضًا في التبييت وهو خبر من لم يبيت الصوم قبل الفجر فلا صيام له هـ. ومذهبنا وجوب التبييت في الفرض والنفل وكان يقال من جهة المخالف أيضًا في التبييت وهو خبر من لم يبيت الصوم قبل الفجر فيعترض المالكي بأنه مخالف لحديث مسلم أنه صلى الله عليه وسلم استسلف بكرًا ورد رباعيًا وقال أن خيار الناس أحسنهم قضاء وكان يقول الحنفي لا يجوز للرجل أن يغسل زوجته لحرمة نظره إليها كالأجنبية فيعترض بأنه مخالف للإجماع السكوتي في تغسيل علي فاطمة رضي الله تعالى عنهما فإن هذا الإجماع ينفي حرمة النظر إليها وذلك هو نفي وجود العلة في الفرع وجواز النظر إليها هو مذهب الشافعي إن لم تكن شهوة ومذهبنا استحباب ستر ما بين السرة والركبتين وكان محصول هذا القدح في القياس أن الكلام فيما إذا تحقق القياس بأن وجد ما يعتبر فيه لكنه خالف نصًا أو إجماعًا وهذا المثال ليس كذلك لأن العلة التي هي حرمة النظر دل الإجماع على انتفائها في الفرع فلم يتحقق القياس ويجاب بأنا لا

نسلم أن الكلام فيما إذا تحقق القياس لكنه خالف نصًا أو إجماعًا إذ لم يعتبروا في فساد الاعتبار سوى المخالفة المذكورة أعم من أن يصح القياس أولًا وحينئذ فليس الكلام إلا في القدح بمجرد مخالفة النص أو الإجماع أعم من أن يتحقق مع ذلك قادح آخر كانتفاء وجود العلة في الفرع فيتحقق القدح من جهتين أولًا يتحقق معه قادح آخر. (وذاك من هذا أخص مطلقًا) إشارة البعيد لفساد الوضع وإشارة القريب لفساد الاعتبار يعني أن فساد الاعتبار أعم من فساد الوضع مطلقًا وفساد الوضع أخص منه مطلقًا على ما صرح به أبو الحسن الأمدي في أحكامه وهو ظاهر السبكي في جمع الجوامع. قال الأمذي وعلى هذا فكل فاسد الوضع فاسد الاعتبار وليس كل فاسد الاعتبار فاسد الوضع لأن القياس قد يكون صحيح الوضع وإن كان فاسد الاعتبار بالنظر إلى أمر خارج كما سبق تقريره. ولهذا وجب تقديم سؤال فاسد الاعتبار على سؤال فاسد الوضع لأن النظر في الأعم يجب أن يقدم على النظر في الأخص لكون الأخص مشتملًا على ما اشتمل عليه الأعم وزيادة هـ. قوله لأن القياس قد يكون صحيح الوضع معناه أن يكون الدليل على الهيئة الصالحة لترتيب الحكم كتلقي التغليظ من التغليظ والتخفيف من التخفيف. (وكونه ذا الوجه مما ينتقا) بالبناء للمفعول أي يختار والضمير في كونه للعموم يعني أن كون النسبة بين فساد الوضع وفساد

الاعتبار العموم من وجه اختاره المحشيان أعلم أن فساد الوضع هو أن لا يكون الدليل على الهيئة الصالحة لاعتباره في ترتيب الحكم عليه وهو قسمان: تلقي الشيء من نقيضه أو ضده وكون الجامع ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم أو ضده وفساد الاعتبار أن يخالف الدليل نصًا أو إجماعًا إذا تقرر ذلك فالتحقيق ما قاله المحشيان من أن بينهما العموم من وجه لصدق فساد الاعتبار فقط حيث يكون الدليل على الهيئة الصالحة لترتيب الحكم عليه وصدق فساد الوضع فقط حيث لا يكون الدليل على الهيئة الصالحة لترتيب الحكم عليه ولا يعارضه نص ولا إجماع وصدقهما معًا حيث لا يكون الدليل على الهيئة المذكورة مع معارضة نص أو إجماع له. قال زكرياء بعد توجيه كون العموم بينهما من وجه كما رأيت ما لفظه فما قيل من أن فساد الوضع أعم ومن أنهما متباينان ومن أنهما متحدان فسهو هـ: وجمعه بالمنع لا يضير ... كان له التقديم والتأخير يعني أن للمعترض بفساد الاعتبار أن يجمعه مع المنع لمقدمة من الدليل أو مقدمتين أو أكثر سواء قدم فساد الاعتبار عن المنع أو أخر عنه لأن الجمع بينهما لفساد الدليل بالنقل ثم بالعقل أو العكس أما النقل فنقل النص أو الإجماع على خلافه وأما العقل فمنع المقدمات فلا يقال لا فائدة لمنع مقدمات الدليل بعد إفساد الدليل جملة بفساد الاعتبار. نعم إذا أخر فساد الاعتبار الذي هو أقوى كان فيه الترقي من الأدنى إلى الأعلى وهو من محسنات الكلام فينبغي تأخيره لذلك

ولأنه محتاج إليه للاحتياج للأقوى بعد الأضعف لعدم كفاية الأضعف أو لعدم تمام كفايته ومع التقديم لا يحتاج لغيره لعدم الحاجة إلى الأضعف بعد الأقوى وجواب الاعتراض بفساد الاعتبار يكون بالطعن في سند النص المخالف لدليل المستدل بإرسال فيه أو وقف أو انقطاع أو غير ذلك والطعن في الإجماع حيث يكون ظنيًا لكونه منقولًا بالآحاد فيطعن في سنده بضعف الناقل أو غير ذلك ويكون بالمعارضة بنص آخر مثله فيتساقطان ويسلم دليل المستدل من قياس أو غيره ويكون بمنع الظهور له في مقصد المعترض كدعوى إجماله ويكون بالتأويل له بأن يبين أنه مراد به غير ظاهره بتخصيص أو مجاز أو إضمار بدليل يصير ذلك الاحتمال راجحًا أو مساويًا. من القوادح كما في النقل ... منع وجود علة للأصل يعني أن من المنقول عن أهل الفن القدح بمنع وجود علة الأصل أي المقيس عليه في الفرع كان يقال في شهود الزور إذا قتل إنسان معصوم بشهادتهم تسببوا في القتل فيجب القصاص قياسًا على المكره غيره على القتل فيقول المعترض العلة في الأصل الإكراه وفي الفرع الشهادة فلا يتحقق التساوي بينهما لعدم الجامع بينهما وإن اشتركا في الإفضاء إلى المقصود وجوابه بأن الجامع بين الوصفين القدر المشترك الذي هو التسبب في القتل في المثال المذكور أو بأن إفضاءهما إلى المقصود سواء. ومنع علية ما يعلل ... به وقدحه هو المعول منع مرفوع لعطفه على منع في البيت قبله ويعلل مبنى للمفعول والمعول بفتح الواو أي المعول عليه أي المعتمد عليه يعني أن من القوادح على الأصح منع المعترض كون الوصف الذي علل به المستدل

علة ويسمى المطالبة بتصحيح العلة وإنما منع خوف تمسك المستدل بما شاء من الأوصاف إذا أمن منعه كان يقول الحنفي علة طعام الربى الكيل فيقول المالكي لا نسلم كونها الكيل لوجود الربى فيما لا يكال كالحفنة. ويقدح التقسيم أن يحتملا ... لفظ لأمرين ولكن حظلًا وجود علة بأمر واحد: هذا النوع يسمى التقسيم وهو من قوادح العلة سمي بالتقسيم لأن المعترض قسم أولًا مدلول اللفظ إلى قسمين أو أكثر ثم منع أحد القسمين أو الأقسام فالمنع إنما يتوجه بعد التقسيم وقد صرح المحلي بكون الممنوع ليس هو المراد عند المستدل ويكون المراد ليس بممنوع وقد جوز العضد كون الممنوع هو المراد فالحاصل أن التقسيم هو أن يحتمل لفظ مورد في الدليل بمعنيين أو أكثر بحيث يكون مترددًا بين تلك العاني على السواء لكن المعترض يمنع وجود علة الحكم في واحد من تلك المحتملات سواء كان الممنوع هو المراد أو غيره كما هو مذهب العضد وعند المحلي لا بد أن يكون الممنوع غير المراد وقولنا على السواء معناه من غير ظهور أحدهما على الآخر فلو ظهر اللفظ في أحدهما وجب حمله عليه لأن القاعدة في الظنيات التعويل على المعنى الظاهر وعدم الالتفات إلى غيره من المحتملات وقال القرافي ليس من شروط التقسيم أن يكون أحدهما ممنوعًا والآخر مسلمًا بل يجوز أن يكونا مسلمين لكن الذي يرد على أحدهما غير ما يرد على الآخر وإلا لم يكن للتقسيم معنى ولا خلاف أنه لا يجوز أن يكونا ممنوعين وقد جعل غيره ذلك أحد نوعي التقسيم قال حلولو وأظنه الفهري مثال التقسيم فيما إذا قيل الطهارة قربة فتجب فيها النية أن يقال الطهارة النظافة أو الأفعال المخصوصة التي هي الوضوء شرعًا الأول ممنوع كونه قربة التي هي علة وجوب النية

ومن أمثلته أن يستدل على ثبوت الملك للمشتري في زمان الخيار بوجود سببه وهو البيع الصادر من أهله فيقول المعترض السبب مطلق البيع والبيع الذي لا شرط فيه الأول ممنوع والثاني مسلم لكنه مفقود في محل النزاع ومنها ما إذا قيل في الصحيح الحاضر إذا فقد الماء وجد سبب التيمم وهو تعذر الماء فيجب التيمم فيقول المعترض ما المراد بتعذر الماء مطلق السبب أو في السفر أو المرض الأول ممنوع والثاني لا يجديك نفعًا. (وليس عند بعضهم بالوارد) يعني أن التقسيم ليس بوارد أي مقبول عند بعضهم والمختار عند السبكي قبوله لكن بعد أن يكون المعترض قد بين الأمرين اللذين تردد اللفظ بينهما أو الأمور لأن بيان ذلك عليه ولا يكلف بيان تساوي المحامل حجة القائل بقبوله عدم تمام الدليل معه لاحتماله لأمرين أحدهما ممنوع وبإبطاله يتعين الباقي وربما لا يمكن المستدل إتمام الدليل معه لعدم صلاحيته للعلة وحجة الآخران إبطال أحد محتملي كلام المستدل ليكون إبطالًا له إذ ربما لا يكون هذا المحتمل مراده. جوابه بالوضع في المراد ... أو الظهور فيه باستشهاد يعني أنه على قبول التقسيم يجب على المستدل أن يجيب بأن اللفظ موضوع في المراد وحده من الاحتمالين مثلًا وضعًا لغويًا أو شرعيًا أو عرفيًا أو أنه ظاهر فيه مع استشهاده أي استدلاله على وضعه له أو ظهوره فيه فعلم أن المراد بالاستواء الاستواء في نفس الأمر أو بحسب الظاهر أو عند المعترض فلا ينافي الاستواء بيان الظهور والظهور يكون بالقرينة وبغيرها كالشهرة كالمشترك إذا اشتهر في بعض معانيه والمجاز إذا اشتهر في معناه المجازي بناء على أن المراد

بالقرينة ما لا يشمل نحو الشهرة كما قد يتبادر منها كما أن المراد بالوضوع الموضوع للمراد وحده بقرينة أن الجواب بوضعه له ولغيره لا يفيد إذ هو حينئذ مجمل ومما يستدل به على ظهور اللفظ في المراد أن الإجمال خلاف الأصل. وللمعارضة والمنع معًا ... أو الأخير الاعتراض رجعًا الاعتراض مبتدأ خبره رجع وألفه الإطلاق القافية يتعلق به قوله للمعارضة والمنع أو الأخير يعني أن الاعتراضات أي سائر القوادح المذكورة ترجع عند ابن الحاجب كأكثر الجدليين إلى أحد الأمرين أعني المعارضة والمنع لمقدمة من الدليل والقضية مانعة خلو وترجع عند تاج الدين السبكي إلى المنع لمقدمة من الدليل فقط والمعارضة هي إقامة الدليل على خلاف ما أقام عليه الخصم دليله ويلزم منه منع جريان العلة مع أن كثيرًا من الاعتراضات ليس صريح معناه هو نفس المنع أو المعارضة كما هو في غاية الظهور فتأمل ما ذكروه في معانيها وإنما ترجع إلى أحدهما بنوع تأويل ولذا عبروا بالرجوع إليهما وإنما قال ابن الحاجب كأكثر الجدليين إنها راجعة إلى أحد الأمرين لأن غرض المستدل إثبات مدعاه بدليله وإنما يتم بصحة مقدماته ليصلح للشهادة وبسلامته عن المعارض لتنفذ شهادته وغرض المعترض هدم ذلك وإنما يحصل بالقدح في صحة الدليل بمنع مقدمة منه أو معارضته بما يقاومه وحجة الآخرين أن المعارضة منع للعلة عن الجريان ومقدم الاعتراضات الاستفسار وهو طلب ذكر معنى اللفظ حيث غرابة أو إجمال ثم فساد الاعتبار ثم فساد الوضع ثم منع حكم الأصل ثم منع وجود العلة ثم النظر في علية الوصف بالمطالبة بالتأثير وعدم التأثير والقدح في المناسبة والتقسيم وعدم ظهور الوصف وعدم انضباطه وكونه غير صالح للإفضاء إلى المقصود

ثم النقض والكسر ثم المعارضة في الأصل ثم بعده ما يتعلق بالفرع كمنع وجود العلة فيه ومخالفة حكمه لحكم الأصل في الضابط والحكمة والمعارضة في الفرع وسؤال القلب ثم بعده القول بالموجب هذا ترتيب الأمدي للاعتراضات ولغيره ترتيب يخالفه. والاعتراض يلحق الدليلا ... دون الحكاية فلا سبيلا يعني أن الاعتراض من منع أو معارضة إنما يلحق دليل المستدل الذي أقامه أو اختاره إما بعد تمامه أو قبله بأن ادعى حكمًا ولم يستدل عليه ومنعه حينئذ بمعنى طلب الدليل عليه ولا يلحق حكاية المستدل للأقوال في المسئلة المبحوث فيها حتى يختار قولًا ويستدل عليه فيلحقه حينئذ أي يعترضه أي يتوجه عليه وكذا لا يعترض على أدلة المسئلة المحكية فيها ما لم ينصب نفسه لاختيارها لأن الناقل من حيث أنه ناقل ليس بملتزم صحة ما نقله بل هذا ليس بدليل بالنسبة إليه من تلك الحيثية فإن التزم صحة الدليل الذي نقله أو أقام دليلًا برأيه على ما نقله صار حينئذ مستدلًا فيتوجه عليه حينئذ ما يتوجه على المستدل والاعتراض الذي يتوجه على حكاية الأقوال ما كان من جهة حكايتها فهو غير مسموع إذا ما كان الاعتراض منعًا بمعنى طلب تصحيح الحكاية فإنه يعترض الحكاية وكذا لا يسمع منع المدلول فلا إقامة دليل على ما يناقضه. والشأن لا يعترض المثال ... إذ كفى الفرض والاحتمال يعني أن المثال لا يعترض عليه لأنه يكفي فيه مجرد الفرض على تقدير صحته ويكفي فيه الاحتمال لأنه لإيضاح القاعدة بخلاف الشاهد لأنه لتصحيحها فيعترض عليه إذا لم يكن صحيحًا كما هو مقرر في كلام الأئمة.

(خاتمة) أي لكتاب القياس

(خاتمة) أي لكتاب القياس. يعني أن القياس فرض كفاية عند تعدد المجتهدين وفرض عين عند الاتحاد لأن الله تعالى أمر به في قوله فاعتبروا يا أولي الأبصار والأمر للوجوب ما لم يصرف عنه صارف حلولو والذي رأيته في كلام الأئمة أنه لا يتأدى فرض الكفاية بالمجتهد المقيد والذي يظهر أنه يتأدى به هـ. وقد تقدم قولنا والحامل المطلق والمقيد وقد صرح به زكرياء وهو ظاهر قول السبكي لمساواته في علة حكمه عند الحامل إن لم يخصه بالمجتهد المطلق ومحل كونه فرضًا إذا احتيج إليه بأن لم يوجد دليل غيره في واقعة وأراد العمل هو أو المقلد الذي طلب منه البيان أما لو أراد الإعراض عنه حيث جاز الإعراض عنه لم يجب فضلًا عن تعينه وأما لو وجد دليل فلا حاجة لوجوبه وإذا لم يرد العمل بأن ساغ الإعراض عنه لكونه سنة فهل يجب أيضًا إذا طلب منهم البيان لأن بيان المشروع واجب أو لا يجب لأن الطالب غير محتاج إلى البيان لقصده ترك السنة مع جواز تركها دون تهاون بها وجواز ترك تعلم ما يتعلق بها فيه نظر. قال في الآيات البينات ولعل الثاني أقرب ولو تعلق بواجب لم يدخل وقته أو دخل وكان موسعًا فينبغي أن لا يجب على الفور حيث تمكن منه بعد ذلك في وقت يتأتى فيه أداء جميع الواجب في وقته وقد يكون مباحًا إذا كان لتجربة النظر وقد يسن إذا ترتب عليه تطوع بخير يفوت بتركه ولم يترتب على تركه وقوع في محرم وقد يحرم إذا ترتب على سلوكه محظور كأن فوت الاشتغال به واجبًا فوريًا كإخراج الصلاة عن وقتها وقد يكره إذا ترتب عليه فوات خير

لا يجب وإن كان الظاهر من الاقتصار على كونه فرضًا أنه لا يكون سنة ولا غيرها من بقية الأحكام الخمسة لكنه محل نظر لما رأيت. قال في الآيات البينات وينبغي أن يعلم أن محل كونه فرض كفاية على المجتهدين بالنسبة للمقلدين إذا تعلق بواجب وكذا إذا تعلق بسنة وأراد العمل على ما تقدم أما بالنسبة لهم فينبغي أن يكون فرض عين على كل منهم لامتناع تقليد بعضهم بعضًا انتهى. لا ينتمي للغوث والجليل ... إلا على ضرب من التأويل يعني أن حكم المقيس يحرم نسبته إلى الغوث الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم وإلى الرب الجليل بأن يقال قال الله أو رسوله كذا لأنه مستنبط لا منصوص فنسبته إليهما كذب عليهما إلا على ضرب من التأويل بأن يقصد قائل ذلك أنه دل عليه بحكم المقيس عليه ودليله فيجوز حينئذ أن يقال مثلًا قال الله تعالى كذا لا إن قصد إن الله تعالى قال ذلك صريحًا بأن دل عليه بقول يخصه وإن لم يقصد هذا ولا ذاك فمحل نظر. قال في الآيات البينات على أنه قد يتوقف في التحريم في القسم الأول إذا قال ذلك بناء على ظنه لأن كل شيء لله فيه حكم فالمقيس حكم قاله الله ولهذا قالوا إن القياس مظهر للحكم لا موجد له غاية الأمر أنه قد لا يكون ما أظهره القياس هو حكم الله في الواقع فإذا ظن أحد أن حكم المقيس في الواقع هو ما أفاده القياس فقد ظن أن الله تعالى قال ذلك فينبغي أن لا يحرم لأن القول بالظن لا يحرم هـ. والكلام هنا يشبه الكلام في نسبة القول المخرج إلى مالك رحمه الله تعالى مثلًا دون تقييده بالتخريج.

وهو معدود من الأصول ... وشرعة الالاه والرسول بكسر شين شرعة بمعنى دين يعني أن القياس معدود من الأصول أي أصول الفقه كما عرف من تعريف أصول الفقه بأنه أدلة الفقه الإجمالية والقياس دليل إجمالي خلافًا لإمام الحرمين في قوله ليس منه وإنما يبين في كتبه لتوقف غرض الأصولي من إثبات حجيته المتوقف عليها الفقه على بيانه. قوله وإنما يبين معناه يبين مفهومه وشروطه وأركانه وأحكامه. قوله وشرعة الالاه هو بالجر عطفًا على الأصول يعني أن القياس معدود من دين الله ورسوله فيقال فيه دين الله وشرعه بمعنى إنا متعبدون به. قال الزركشي والحق أن عنوا أي بالدين الأحكام المقصودة لا نفسها بالوجوب والندب فليس القياس كذلك فليس بدين وإن عنوا ما تعبدنا به فهو دين هـ. وإنما كان من الدين لأنه مأمور به في قوله تعالى: (فاعتبروا يا أولي الأبصار). فالقياس مأمور به وكل مأمور به من الدين. دليل صحة الكبرى أن الدين ما يدان الله به أي يطاع فكل مأمور به يدان الله به لأنه بامتثال أمره به يكون مطيعًا له. ودليل صحة الصغرى الآية قال في الآيات البينات لكن في دليل الصغرى بحث لجواز أن يكون المراد بالاعتبار في الآية الاتعاظ فلا تدل على القياس هـ. وقيل ليس من الدين لأن اسم الدين إنما يقع على ما هو ثابت

مستمر والقياس ليس كذلك لأنه قد لا يحتاج إليه ومعنى مستمر متحقق الوقوع غير منقطع وقد يقال إن ذكر الأول مستدرك للزومه للثاني. قال في الآيات البينات إلا أن يقال إن ذكره مع ذلك إشارة إلى اعتباره في مفهوم الدين أو لدفع توهم أن المراد بالمستمر ما لو وجد استمر فيصدق بالمنعدم هـ. قوله والقياس ليس كذلك أي لم يجتمع فيه الثبوت والاستمرار لتخلف الثاني بتحقق الاستغناء عنه في الجملة وإن كان ثابتُا. قال في الآيات البينات واحتمال أن معنى ليس كذلك أنه ليس ثابتًا مستمرًا بمعنى انتفاء كل من الأمرين عنه لأنه قد لا يقع مطلقًا بالنسبة لبعض الأوقات أو بالنسبة لبعض الناس أو لبعض المسائل بعيد جدًا هـ. قال بقي هنا بحث وهو أنه إن أريد بالمستمر ما يكون فعله مستمرًا في وقت فمن الدين قطعًا ما لا يكون كذلك وإن أريد به ما يتكرر فعله فالقياس كذلك لأنه يتكرر بتكرر الحاجة فهو كركعتي الاستخارة مثلًا تتكرر بتكررها وإن أريد به ما يكون مشروعًا في كل واحد أو في حق الأكثر أو ما لو وقع دام فمن الدين قطعًا ما ليس كذلك وإن أريد به غير ذلك فليبين هـ. وقيل أنه من الدين حيث يتعين الاستدلال بأن لم يكن للمسئلة دليل غيره فيشمل حالتي كونه فرض عين وكونه فرض كفاية بل وحالة كونه غير ذلك من الأحكام الخمسة بخلاف غير المتعين لعدم الحاجة إليه وهذه الأقوال الثلاثة المعتزلة لكن لما كان كونه من الدين ظاهرًا

موافقًا لقواعد أهل الحق صححه السبكي وإياه تبعنا ولم نبال بكون ذلك منقولًا عن المعتزلة على أن السبكي يحتمل أنه رآه لأهل الحق أيضًا. ما فيه نفي فارق ولو بظن ... جلي وبالخفي عكسه استبن بحذف إحدى ياءي جلي وسكون الأخرى هذا تقسيم القياس باعتبار قوته وضعفه يعني أن القياس ينقسم إلى جلي وخفي فالجلي ما قطع فيه بنفي الفارق أو كان نبوت الفارق فيه احتمالًا ضعيفًا. الأول كقياس البول في الإناء وصبه في الماء على البول في الماء وقياس الأمة على العبد في تقويم حصة الشريك على شريكه المعتق الموسر وعتقها عليه كما تقدم في تنقيح المناط الذي هو أحد مسالك العلة هذا المثال الثاني ذكره المحلي هكذا هنا والظاهر أنه مما كان ثبوت الفارق فيه احتمالًا ضعيفًا كما تقدم في تنقيح المناط. والثاني كقياس العمياء على العوراء في المنع من التضحية الثابت بحديث أربع لا تجزئ في الأضاحي العوراء البين عورها الخ ووجه احتمال الفرق بينهما هو أن العمياء ترشد إلى المرعى الجيد فترعى أو يعتنى بعلفها أكثر فتسمن والعوراء يوكل أمرها إلى نفسها وهي ناقصة البصر فلا ترعى حق الرعي فيكون العور مظنة الهزال، والقياس الخفي عكس الجلي كما أشار إليه بقوله وبالخفي عكسه استبن ونصب عكس مفعولًا لاستبن يعني أن الخفي هو ما كان احتمال ثبوت الفارق فيه قوياً كقياس القتل بالمثقل كالعصى على القتل بالمحدد وهو المفرق للأجزاء في وجوب القصاص فالقتل بالمثقل عند أبي حنيفة شبه عمد لا قصاص فيه ويفرق بأن المحدد آلة موضوعة

للقتل والمثقل آلة موضوعة للتأديب ولا يخفى أن قوة الفرق لا تمنع إلغاءه ما لم يتساوى احتمال ثبوت الفارق وعدمه وإلا منع لأنه حينئذ ترجيح بلا مرجح والفارق هو الوصف المميز بين الأصل والفرع في إجراء حكمه في الفرع للفرق بينهما في العلة أما ثبوت مطلق الفارق فمن ضرورة التعدد إذ لو انتفى رأسًا انتفى التعدد وقد يراد بالفارق الوصف المميز بين ذاتي الأصل والفرع فيكون المراد بنفيه وإلغائه نفي تأثيره. كون الخفي بالشبه دابًا يستوي ... وبين ذين واضح مما روى كون مبتدأ ويستوي خبر لكون يتعلق به قوله بالشبه بكسر الشين ودابًا ظرف بمعنى أبدًا وما روي بالبناء للمفعول خبر المبتدأ وبين ذين واضح اعتراض يعني أن بعضهم قال أن الجلي هو ما تقدم والخفي هو قياس الشبه وما بينهما يسمى واضحًا. قال في الآيات البينات والمراد بما بينهما ما عداهما فيندرج فيه ما كان احتمال تأثير الفارق فيه قويًا ما عدى الشبه أن شمله على ما تقدم وما كان الجمع فيه بنحو مجرد الاسم اللقب والوصف اللغوي وقد يستشكل عد ذلك من الواضح مع عد الشبه من الخفي إلا أن يكون الكلام فيما عدى ما كان الجمع فيه بمجرد ما ذكر هـ. قيل الجلي وواضح وذو الخفا ... أولى مساو أدون قد عرفا مساو معطوف بمحذوف على أوى وأدون بالتنوين للوزن وهي أخيار عن الثلاثة قبلها على اللف والنشر المرتب فالجلي كقياس الضرب على التأفيف في التحريم والواضح كقياس إحراق مال اليتيم على أكله في التحريم وكقياس العسل الذي تقع فيه

فارة على السمن والخفي كقياس التفاح على البر في باب الربا قال الحلي ثم الجلي على الأول يصدق بالأولى كالمساوي فليتأمل انتهى. وقضيته أن الجلي على الثاني والثالث لا يصدق بما قاله وهو كذلك في الثالث لأن الجلي على الأول أعم منه على الثالث لأنه يتناول ويتناول الواضح فيه وأما الثاني فممنوع لاتحاد تعريف الجلي فيه وفي الأول وعليه فالمراد بالخفي فيهما والواضح في الثاني قياس الأدون لكنه في الخفي في الثاني أدون منه في الواضح قاله بعض محشيه وقد وجه ناصر الدين اللقاني أمر المحلي بالتأمل فقال إشارة إلى أن في صدقه بالأولى خفاء بنفي الفارق أو ثبوته مرجوحًا يتبادر منه المساواة إذ قولك لا فارق بينهما غايته أنهما سواء وذلك ظاهر في غير الأولى ووجه صدقه بالأولى أن معنى كونهما سواء المساواة في الحكم أي ثبوته لا في علته فقد تكون هي في الفرع أقوى منها في الأصل وإن كانا سواء في أصل ثبوت الحكم هـ. ويجاب أيضًا بأنه يتبادر من تعريف الجلي بما قطع فيه بنفي الفارق أي نفي وجوده أو نفي تأثيره عدم صدقه بالأولى للقطع بتأثير الفارق فيه ولولا ذلك ما كان ثبوت الحكم فيه أولى إلا أن تأثير الفارق تارة ينافي الحكم وتارة يؤكده ويقتضي أولويته فأمر بالتأمل ليلًا يتوهم إرادة الأول أو الإطلاق فيتوهم عدم صدقه بالأولى قاله في الآيات البينات. تنبيه: ذكر الباجي قولًا رابعًا هو أن الجلي ما ثبتت علته بالنص أو الإجماع والواضح ما ثبتت علته بظاهر والخفي ما كانت علته مستنبطة. وما بذات علة قد جمعا ... فيه فقيس علة قد سمعا

ببناء سمع وجمع للمفعول ونصب قيس على الحال هذا تقسيم آخر للقياس باعتبار علته فقياس العلة هو ما جمع فيه بعلة مصرح بها كان يقال يحرم النبيذ كالخمر للإسكار وقياس العلة هنا شامل لما كانت المناسبة في عليته ذاتية أو غير ذاتية فهو أعم من قياس العلة في قولهم ولا يصار إلى قياس الشبه مع إمكان قياس العلة قاله زكرياء. قال في الآيات البينات وقضيته شمول قياس العلة في هذا المقام الشبه بناء على أن فيه مناسبة بالتبع ثم قال نعم في كون المناسبة بالتبع موجودة في جميع أفراد الشبه توقف بأنه لا يظهر في نحو الشبه الصوري هـ. والظاهر ليظهر الانحصار في الأقسام المذكورة أن المراد بالتصريح بها مجرد الجمع ذكرت أو قدرت بدليل القابلة بقياس الدلالة المجموع فيه بلازمها الخ. والألم تنحصر الأقسام إذ يبقى ما جمع فيه بنفس العلة لكن لم يصرح بها بل قدرت جامع ذي الدلالة الذي لزم ... فأثر فحكمها كما رسم الذي لزم خبر جامع ولزم كعلم وأثر وحكم معطوفًا فإن على الخبر ورسم بمعنى ثبت مبني للمفعول يعني أن قياس الدلالة هو ما كان الجامع فيه هو لازم العلة فأثرها فحكمها ووجه تسمية كل من الثلاثة بقياس الدلالة هو كون الجامع بينهما دليل العلة. قال المحلي وكل من الأخيرين منها دون ما قبله كما دلت عليه الفاء يعني في كلام السبكي.

مثال الأول أن يقال النبيذ حرام كالخمر بجامع الشدة المطربة وهي لازمة للإسكار. ومثال الثاني أن يقال القتل بالمثقل يوجب القصاص كالقتل بمحدد بجامع الإثم وهو أثر العلة وهي القتل العمد العدوان. ومثال الثالث أن يقال تقطع الجماعة بالواحد كما يقتلون به بجامع وجوب الدية عليهم في ذلك حيث كان غير عمد وهو حكم العلة التي هي القطع منهم في الصورة الأولى والقتل منهم في الثانية وقياس العلة فيه أيضًا دلالة ولكنه بأمر خاص وهو الاقتضاء فكل ما يقتضي يدل وليس كل ما يدل يقتضي وإنما جعل الجمع بالإثم من باب الجمع بالأثر دون اللازم لأن المراد باللازم اللازم العقلي أو العادي والإثم لازم شرعي وبحث في الآيات البينات في الجمع بلازم العلة بأنه إن أريد بالجمع باللازم الجمع به استقلالًا بأن يقصد الإلحاق بواسطة نفسه من غير مراعات للعلة والإشارة به إليها فهو جمع بغير علة الحكم فكيف يصح القياس وإن أريد به الجمع من حيث دلالته على العلة حيث يكون الجمع في الحقيقة إنما هو بالعلة وإنما ذكر اللازم لدلالته عليها فالجمع إنما هو بالعلة فما معنى الترتيب الذي أشار إليه بالعطف بالفاء. قياس معنى الأصل عنهم حقق ... لما دعي الجمع بنفي الفارق قياس مفعول حقق وهو فعل أمر مكسور آخره الوزن يتعلق به لما بكسر اللام ودعي مبني للمفعول والجمع مفعوله الثاني وبنفي يتعلق بالجمع هذا آخر أقسام القياس باعتبار علته وهو المسمى بالقياس في معنى الأصل فالإضافة في قياس معنى الأصل بمعنى في

قال في "جمع الجوامع" والقياس في معنى الأصل الجمع بنفي الفارق كإلحاق العبد بالأمة في الحد وإلحاقها به في السراية ويسمى بإلغاء الفارق وبتنقيح المناط وبالجلي وهو ما قطع فيه بنفي الفارق أو كان ثبوت الفارق احتمالًا ضعيفًا. ومعنى الجمع بنفي الفارق الجمع بسبب انتفاء الفارق بين الأصل والفرع في حكمته فالظاهر أن الفاء في قولهم القياس في معنى الأصل سببية والمراد بالمعنى الحكمة والمعنى والقياس بسبب وجود حكمة الأصل في الفرع لأن وجودهما فيه مظنة وجود العلة فالجمع في هذا القياس بمظنة العلة لدلالة المظنة على العلة فهو في الحقيقة بالعلة إلا إنه أقيم مظنة العلة مقامها دلالة عليها قاله في الآيات البينات فحاصله الجمع بواسطة وجود الحكمة في حكم الأصل في الفرع ووجودها مظنة وجود العلة فالجمع في الحقيقة بالعلة إلا أنه استدل على وجودها بوجود الحكمة ووجه الحصر في المذكورات أن الجامع بين الأصل والفرع إما أن يكون جملة ما وقع الاشتراك فيه بين الأوصاف والفرع أو بعضه الأول القياس بنفي الفارق والثاني لا يخلو إما أن يكون نفس العلة أو ما يدل عليها الأول قياس العلة والثاني قياس الدلالة.

كتاب الاستدلال

كتاب الاستدلال الاستدلال لغة طلب الدليل ويطلق في العرف على إقامة الدليل مطلقًا من نص أو إجماع أو غيرهما وعلى نوع خاص من الدليل وهو المراد هنا ويطلق أيضًا على ذكر الدليل. ما ليس بالنص من الدليل ... وليس بالإجماع والتمثيل يعني أن الاستدلال المعقود له هذا الكتاب هو دليل ليس بنص من كتاب أو سنة وليس بإجماع جميع مجتهدي الأمة وليس بقياس التمثيل ويسمى القياس الشرعي وهو المتقدم وهو حمل معلوم على معلوم لمساواته في علة حكمه عند الحامل وهو المتعارف من إطلاق لفظ القياس عند الأصوليين وغير تلك الأدلة الأربعة من الأدلة الشرعية هو الاستدلال وذلك كإجماع أهل المدينة وإجماع أهل الكوفة عند بعضهم والقياس المنطقي بنوعيه الاقتراني والاستثنائي وقول الصحابي والمصالح المرسلة والاستصحاب والبراءة الأصلية والعوائد والاستقراء وسد الذرائع والاستحسان والأخذ بالأخف والعصمة وإجماع العشرة وإجماع الخلفاء الأربعة ذكر جميع تلك الأنواع في التنقيح وهذه الأدلة مختلف في الأكثر منها ومنها ما هو متفق عليه كالقياس المنطقي فلا خلاف في صحة الاستدلال به وكالاستقراء التام لأنه قطعي عند الأكثر. منه قياس المنطقي والعكس) يعني أن الاستدلال يدخل فيه قياس المنطقي المتقدم.

المتقدم ذكره ومنه قياس العكس وهو إثبات عكس حكم شيء لمثله لتعاكسهما في العلة كما في حديث مسلم أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه ووزر الحديث) ومنه احتجاج المالكية على أن الوضوء لا يجب من كثير القيء بأنه لما لم يجب من قليله لم يجب من كثيره عكس البول لما وجب من قليله وجب من كثيره وقال الفهري هو نقل للعلة من محل النزاع إلى محل الوفاق ونقل المازري وغيره الخلاف في قبوله وقال ابن محرز أنه أضعف من الشبه وقال أيضًا بعض الشافعية أنه ليس بدليل. ومنه فقد الشرط دون لبس) بفتح اللام بمعنى شك يعني أن فقد الشرط من الاستدلال فهو دليل على نفي الحكم لأن الشرط هو ما يلزم من عدمه عدم الحكم ولا يلزم من وجوده وجود للحكم أو عدم لذاته. ثم انتفا المدرك مما يرتضي) انتفا بالقصر للوزن مبتدأ والمدرك بفتح الميم والراء ومما يرتضي بالبناء للمفعول خبر يعني أن انتفاء مدرك الحكم أي دليله الذي يدرك به بأن لم يجده المجتهد بعد الفحص الشديد عنه دليل على انتفاء الحكم دلالة ظنية فعدم وجدانه المظنون به انتفاؤه دليل على انتفاء الحكم خلافًا للأكثر قالوا لا يلزم من عدم وجدان الدليل انتفاء الحكم. (كذا وجود مانع أو ما اقتضى) يعني أن وجود المانع دليل من أنواع الاستدلال كالذي قبله والذي بعده لأن المانع هو الوصف الوجودي المعرف نقيض الحكم كالأبوة في القصاص فوجود المانع دليل على انتفاء الحكم وكذلك وجود المقتضي بالكسر أي السبب دليل على وجود الحكم إذ السبب هو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم خلافًا للأكثر في قولهم ليس شيء من ذلك دليلًا بل دعوى دليل

وإنما يكون دليلًا إذا عين المقتضي بالكسر والمانع والشرط وبين وجود الأولين ولا حاجة إلى بيان فقد الشرط لأن الأصل عدمه ثم على القول بأنه دليل هل هو استدلال مطلقًا لأنه غير النص والإجماع والقياس أو إنما يكون استدلالًا إذا ثبت وجود المقتضي أو المانع أو فقد الشرط بغير النص والإجماع والقياس فيه نظر. ومنه الاستقراء بالجزئي ... على ثبوت الحكم للكلي يعني أن الاستقراء داخل في الاستدلال والاستقراء لغة التتبع من قولك استقريت البلاد إذا تتبعتها قرية فقرية وبلدًا فبلدًا وحاصله أن يستقري أي يستدل بإثبات الحكم للجزيئات الحاصل تتنبع حالها على ثبوته للكلي بتلك الجزيئات وبواسطة ثبوته للكلي بهذا الطريق يثبت للصورة المخصوصة المتنازع فيها. فإن يعم غير ذي انشقاق ... فهو حجة بالاتفاق يعني أن الاستقراء ينقسم إلى تام وغير تام فالتام هو أن يعم الاستقراء غير صورة الشقاق أي النزاع بأن يكون ثبوت الحكم في ذلك الكلي بواسطة إثباته بالسبع في جميع جزيئاته ما عدى صورة التنازع وهو دليل قطعي في إثبات الحكم في صورة النزاع عند الأكثر ولا خلاف في حجيته فيها كرفع الفاعل ونصب المفعول في لغة العرب ومنه في الفقه ما نسب إلى مالك من حجية خبر الواحد والقياس. وهو في البعض إلى الظن انتسب ... يسمى لحوق الفرد بالذي غلب يعني أن غير التام من الاستقراء هو أن يكون ثبوت الحكم في الكلي بواسطة إثباته بالتتبع في بعض الجزيئات الخالي عن صورة النزاع بشرط أن يكون ثبوت الحكم للبعض يحصل معه ظن عموم

الحكم ولا يتقيد البعض بكونه الأكثر وإن قيد به كثير من المناطقة ويشهد لما قلنا كلام التنقيح ولفظه وهو أي الاستقراء تتبع الحكم في جزئياته على حالة يغلب على الظن أنه في صورة النزاع كذلك ثم قال وهذا الظن حجة عندنا وعند الفقهاء وعدم التقييد بالأكثر وقع أيضًا في كلام المحصول وتبعه الأسنوي وأيضُا فعلى التقييد بأكثر الجزئيات يلزم خروج ما كان بنصف الجزئيات فأقل فلا يكون استقراء قال في الآيات البينات وحينئذ يستشكل الأمر بمسائل استند الفقهاء فيها إلى الاستقراء مع أنه لم يقع فيها استدلال بجميع الجزئيات ولا بأكثرها كما في كون أقل سن الحيض تسع سنين وإن أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر وغالبه ست أو سبع فإنهم صرحوا بأن مستند الشافعي في جميع ذلك هو الاستقراء ومعلوم أن الشافعي لم يستقرئ حال جميع نساء العالم في زمانه ولا حال أكثرهن بل ولا حال نصفهن ولا ما يقرب منه فضلًا عن نساء العالم على الإطلاق للقطع بعدم استقرائه حال جميع الإعصار المتقدمة عليه من لدن وجد الإنسان والمتأخرة عنه إلى قيام الساعة فالوجه ترك التقييد بالأكثر في الناقص هـ. وقوله يسمى لحوق الخ يعني أن الاستقراء الناقص يسميه الفقهاء إلحاق الفرد بالأغلب وجعلنا الاستقراء هو الاستدلال بثبوت الحكم للجزئي على ثبوته للكلي هو الموافق لاصطلاح المناطقة فإنه عندهم عبارة عن الاستدلال بالجزيئات على الكلي وعند الأصوليين الاستدلال بحال ما عدى صورة النزاع من الجزئيات المعلوم بالتتبع على صورة النزاع. ورجحن كون الاستصحاب ... للعدم الأصلي من ذا الباب بعد قصارى البحث عن نص فلم ... يلف وهذا البحث وفقًا منحتم

يعني أن الراجح عند المالكية كون استصحاب العدم الأصلي من هذا الباب أي باب الاستدلال فهو حجة والعدم الأصلي هو انتفاء الأحكام السمعية في حقنا قبل بعثته صلى الله وعليه وسلم لقوله تعالى: ((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا)) أي ولأن ثبوت العدم في الماضي يوجب ظن عدمه في الحال لكن إنما يحتج به بعد قصارى البحث أي غايته عن دليل يدل على خلافه فلم يوجد فإذا وجد عمل به وهذا البحث أي استفراغ الجهد في طلب الدليل وعدم وجوده واجب اتفاقًا في الاستصحاب وغيره. فالمراد بالنص مطلق الدليل كعدم وجوب صوم رجب لأن رجبا لم يثبت في صومه شيء إلا حديث صوموا من الحرم وافطروا وهو ضعيف لا يحتج به وخالف الأبهري وأبو الفرج منا وظائفه من الفقهاء فمنهم من قال الأصل الحظر لقوله تعالى: ((يسئلونك ماذا أحل لهم)) وقوله: ((أحلت لكم بهيمة الأنعام)) ومنهم من قال الأصل الإباحة لقوله تعالى: ((خلق لكم ما في الأرض جميعًا)) والفرق بين القول بأصالة العدم الأصلي إن الإباحة على أصالة العدم عقلية وعلى القول الآخر شرعية. وإن يعارض غالبا ذا الأصل ... ففي المقدم تنافي النقل يعني أن محل استصحاب العدم الأصلي ما لم يعارض الغالب الأصلي وإلا فقيل يقدم الأصل على الغالب وقيل يقدم الغالب عليه كاختلاف الزوجين في النفقة الغالب دفعها لها والأصل بقاؤها في ذمة الزوج إذ الأصل بقاء ما كان على ما كان واتفقوا في مسائل على تغليب الأصل على الغالب كالدعاوي فإن الأصل براءة الذمة

والغالب المعاملة واتفقوا في مسائل أخرى على تغليب الغالب على الأصل كالبينة فإن الغالب صدقها والأصل براءة الذمة. وما على ثبوته للسبب ... شرع يدل مثل ذاك استصحب على ثبوته متعلق بيدل والسبب متعلق بالمصدر قبله وقوله. استصحب فعل أمر مفعوله الموصول قبله. يعني أن استصحاب ما دل الشرع على ثبوته لوجود سببه حجة ودليل من الاستدلال مثل استصحاب ذلك العدم الأصلي المتقدم كثبوت الملك لثبوت الشراء وثبوت شغل الذمة بعد جريان الإتلاف أو الالتزام. وأما استصحاب العموم والنص إلى أن يوجد مخصص أو ناسخ فليسا من الاستصحاب بحال لأن الحكم مستند إلى الدليل لا إلى الاستصحاب قاله الإبياري منا وأما الحرمين قال الأمام الرازي وأن سمى هذا مسم استصحابًا بم يناقش. وما بماض مثبت للحال ... فهو مقلوب وعكس الحال هذا نوع من الاستدلال يسمى مقلوب الاستصحاب وهو إثبات أمر في الزمن الماضي لثبوته في الحال أي الزمن الحاضر فالباء في قوله بماض ظرفية وقوله فهو مقلوب الخ أي يسمى استصحًابا مقلوبًا يسمى أيضا معكوس الاستصحاب الخالي أي الماضي الذي هو ثبوت أمر في الزمن الحاضر لثبوته في الزمن الماضي لعدم ما يصلح للتغيير من الأول إلى الثاني.

مثال الاستصحاب المقلوب قال المحلي كان يقال في المكيال الموجود الآن كان على عهده صلى الله وعليه وسلم باستصحاب الحال في الماضي وقد يقال في الاستصحاب المقلوب ليظهر الاستدلال به لو لم يكن الثابت اليوم ثابتا أمس لكان غير ثابت أمس إذ لا واسطة بين الثبوت وعدمه فيقتضي استصحاب أمس الخالي عن الثبوت فيه بأنه الآن غير ثابت وليس كذلك لأنه مفروض الثبوت الآن عدل ذلك على أنه ثابت أمس أيضًا. كجري ما جهل فيه المصرف ... على الذي الآن لذاك يعرف يعني أن من أمثلة الاستصحاب المقلوب ما لبعض القرويين والأندلسيين من أهل مذهبنا من أن الحبس إذا جهل أصل مصرفه ووجد على حالة فإنه يجري عليها وراءوا أن إجراءه على هذه الحالة دليل على أنه كان كذلك في الأصل فهذا دليل على أنه حجة عندهم وظاهر كلام السبكي أنه حجة وقد احتج به الشافعية في بعض المسائل على زعم بعضهم. والأخذ بالذي له رجحان ... من الأدلة هو الاستحسان يعني أن الباجي نقل عن ابن خويز منداد من المالكية أن الاستحسان الذي قال به المالكية هو الأخذ بأقوى الدليلين وهذا لا خلاف فيه للإجماع على وجوب العمل بالراجح كتخصيص العرايا من منع بيع الرطب بالتمر لتجويز السنة ذلك وكتصديق مشتر وزوج أدعيا الأشبه في التنازع في قدر الثمن والصداق وكشهادة الرهن في قدر الدين.

معنى الاستحسان ما حسن في الشرع ولم ينافه فهو يستحسنه المجتهد بعقله ويميل غليه ودليل حجية الاستحسان قوله صلى الله وعليه وسلم ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن) وقول القاضي أياس بن معاوية قيسوا القضاء ما علم الناس فإذا فسدوا فاستحسنوا. (أو هو تخصيص بعرف ما يعم) بالبناء للفاعل يعني أن الاستحسان عند أشهب هو تخصيص هو تخصيص الدليل العام بالعادة لمصلحة الناس كما إذا أوصى لقرابته فالقياس دخول الوارث والاستحسان عدم دخوله كاستحسان جواز دخول الحمام من غير تعيين زمن المكث فيه وقدر الماء فإنه معتاد على خلاف الدليل وكذلك الشرب من السقاء من غير تعين قدره لأنه غرر يسير معفو عنه والمضايقة في ذلك بتعيينه قبيحة في العادة وقد قال صلى الله وعليه وسلم (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقال إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها) وهذه العادة إن جرت في زمنه صلى الله وعليه وسلم أو بعده من غير إنكار منه ولا من الأئمة عمل بها إجماعًا لقيام الدليل على ثبوتها من السنة والإجماع وإلا ردت إجماعًا. (ورعي الاستصلاح بعضهم يؤم) بعضهم مبتدأ خبره يؤم ورعي مفعوله مقدم عليه يعني أن الأبياري قال الذي يظهر من مذهب مالك في الاستحسان أنه استعمال مصلحة جزئية كما إذا اختار بعض ورثة المشتري بالخيار الرد وبعضهم الإمضاء فالقياس رد الجميع أن رد بعضهم لأنهم ورثوا عنه الخيار وهو أن رد البعض تعين رد الجميع لما في التلفيض عند الجمهور من دخول الضرر على البائع والاستحسان أخذ المجيز الجميع ارتكابًا لأخف الضررين فالاستحسان على هذا

القول الأخذ بمصلحة جزءية في مقابلة دليل كلي ويشهد له الرخص الواقعة في الشريعة فان حقيقتها ترجع إلى اعتبار المثال في جلب المصالح درء المفاسد على الخصوص وإن كان الدليل العام يقتضي ذلك. ورد كونه دليلًا ينقدح ... ويقصر التعبير عنه متضح رد مبتدأ خبره متضح يعني أن بعضهم فسر الاستحسان بأنه دليل ينقدح أي يظهر في نفس المجتهد تنصر عنه عبارته ورده ابن الحاجب بأن الدليل أن تحقق عند المجتهد فمعتبر ولا يصر القصور عبارته عنه اتفاقًا وإن لم يتحقق عنده فمردود اتفاقًا قال وتصوره عندي كالممتنع وهو ظاهر لأن من أوصاف المجتهد أن يكون ذا الرتبة الوسطى عربية وبلاغة والبليغ هو من له سجية على القدرة على التعبير عن كل معنى أراد التعبير عنه بلفظ بليغ سواء قلنا معنى قصر عبارته عنه العجز عن التعبير أصلًا أو قلنا أنه بعبر عنه ولكن لم تؤد تلك العبارة أصل المراد لما فيها من الإخلال اللفظي أو المعنوي لأنه تعقيد يخل بالفصاحة المشترطة في البلاغة عند الجمهور. ورأي الصحابي على الأصحاب لا ... يكون حجة بوفق من خلا يعني أن رأي الصحابي المجتهد ليس بحجة على صحابي آخر مجتهد باتفاق من خلا أي مضي من أهل الأصول أي جميعهم والمراد برأيه مذهبه في المسألة قولًا كان أو فعلًا أما ما كان أو حاكمًا أو مفتيًا أما قول الصحابي غير المجتهد فغير حجة على الصحابي وغيره اتفاقًا فلا يعمل بما جاء عنه إلا ما كان رواية صريحة أو كالصريحة بأن كان لا مجال للاجتهاد فيه.

في غيره ثالثها أن انتشر ... وما مخالف له قط ظهر يعني إنما ذكر هو قول الصحابي المجتهد بالنسبة للصحابي المجتهد وغيره هو قول الصحابي المجتهد في حق المجتهد غير الصحابي كالتابعي فمن بعده فالمشهور عن مالك أنه حجة في حق غير الصحابة من المجتهد لقوله صلى الله وعليه وسلم (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) وهذا قول الشافعي القديم والثاني المنع مطلقًا وهو مروي عن مالك أيضًا والثالث التفصيل وعزاه الباجي لمالك وهو أنه حجة بشرط أن لا يعلم له مخالف لأنه حجة إجماع وأن خولف فليس بحجة لأن القول الآخر يناقضه وكونه حجة أن انتشر ليس بمنزلة الإجماع السكوتي لأن اشتراط الانتشار لا يلزمه بلوغ الكل ومضي مهلة النظر عادة وتجرد السكون عن إمارة رضي أو سخط كما في صورة السكوتي. ويقتدي من عم بالمجتهد ... منهم لدى تحقق المعتمد يعني أن العامي وهو غير المجتهد يجوز له أن يقتدي بالمجتهد من الصحابة عند تحقق المعتمد بفتح الميم أي تحقق مذهب الصحابي في المسألة لأن مذاهب الصحابة لم تثبت حق الثبوت لأنها تفلت فتاوى مجردة فلعل لها مقيدًا أو مخصصًا أو مكملًا لو انضبط كلام قائله ظهر بخلاف تقليد أحد الأئمة الأربعة للثقة بمذاهبهم لتدوينها فالعامي مأمور بإتباع مذاهب الخلف لأجل ذلك وإن كان نظر الصحابة أعلى وأتم لأنهم شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل ووقفوا من أحواله صلى الله وعليه وسلم ومراده من كلامه على ما لم يقف عليه غيرهم فكان حال التابعي ومن بعده بالنسبة إليهم كحال العامي بالنسبة إلى المجتهد التابعي.

والتابعي في الرأي لا يقلد ... له من أهل الاجتهاد أحد يعني أن التابعي المجتهد فمن بعده لا يجوز لمجتهد أن يقلده في رأيه أي اجتهاده إذ اجتهد لا يخلصه من الله إلا الاجتهاد لا تقليد مجتهد إلا إذا كان المقلد بالفتح صحابيًا مجتهدًا والمقلد بالكسر مجتهد غير صحابي ففيه ثلاثة الأقوال المذهبية التي تقدمت وأكثر من ثلاثة بالنسبة إلى سائر المذاهب فالقائل بالجواز يخصص به قولهم لا يقلد مجتهد مجتهدًا غيره. ومن لم يكن مجتهدًا فالعمل ... منه بمعنى النص ما يحظل بالبناء للمفعول يعني غير المجتهد يظل له أي يمنع أن يعمل بمعنى نص من كتاب أو سنة وإن صح سندها لاحتمال عوارضه من نسخ وتقييد وتخصيص وغير ذلك من العوارض التي لا يضبطها إلا المجتهد فلا يخلصه من الله إلا تقليد مجتهد قاله القرافي فأياك وما يفعله بعض جهلة الطابة من الاستدلال بحديث لا يعلمون صحته فضلًا عن الإطلاع على ما ذكر من العوارض فضلوا وأضلوا ومن يحمل آية أو حديثًا على محمل غير ظاهر بلا دليل فهو كافر. سد الذرائع إلى المحرم ... حتم كفتحها إلى المنحتم الذريعة الوسيلة على الشيء ومعنى سدها حسم مادة وسائل الفساد دفعًا له فمتى كان الفعل السالم من المفسدة وسيلة إلى المفسدة منع من ذلك الفعل وهو مذهب مالك كذلك يجب فتح الذريعة إلى الواجب ويندب فتحها إلى المندوب ويكره إلى المندوب ويكره إلى المكروه وبباح إلى المباح كما أشار إليه بقوله.

(وبالكراهة وندب وردًا) أي السد والفتح فذريعة المكروه يندب سدها ويكره فتحها وذريعة المندوب يندب فتحها ويكره سدها ووسيلة الواجب واجبة كالسعي للحج والجمعة أعلم أن الأمة اجتمعت على أن سد الذرائع ثلاثة أقسام: أحدهما معتبرًا جماعًا كحفر الآبار في طرق المسلمين وإلقاء السم في أطعمتهم وسب الأصنام عند من يعلم أنه يسب الله عز وجل. وثانيهما ملغي وسيأتي في قولنا والغ أن يك الفساد الخ. وثالثهما مختلف فيه كبيوع الآجال اعتبرنا الذريعة في هذا القسم فالحاصل أنا اعتبرنا الذريعة أكثر من غيرنا لا أن اعتباره خاص بينا كما زعم بعضهم فالذريعة الأولى هي القريبة جدًا والثانية تأتي بقسميها. (والغ أن يك الفساد أبعدًا). أو رجح الإصلاح كالاسارى ... تفدي بما ينفع النصارى وانظر تدلي دوالي العنب ... في كل مشرق وكل مغرب الغ من الإلغاء هذا هو القسم الثاني من الذرائع وهو الملغي إجماعًا يعني أنه يجب أجماعًا إلغاء الذريعة إذا كان الفساد أبعد جدًا من المصلحة وأشرت إلى دليل ذلك بقولي وانظر الخ. يعني أنه مما يدل على إلغاء الذريعة التي الفساد فيها بعيد جدًا ما تشاهده في مشارق الدنيا ومغاربها من دوالي العنب المغروسة المتدلية العناقيد ولم يمنع أحد من غرسها خوف شرب الخمر لتي تكون من عنبها وكذا لم يمنع أحد من الشركة في الدور خشية الوقوع

في الزنى قوله أو رجح الإصلاح كالاسارى الخ هذا هو القسم الثاني من الملغي إجماعًا يعنى أه يجب إلغاء الذريعة إذا كان الفساد بعيدًا جدًا أو رجحت المصلحة على المفسدة والمصلحة اللذة أو سببها والمفسدة الألم أو سببه وكل منهما دنيوي وأخروي قال القرافي في التنقيح قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة كالتوسل إلى فداء الاسارى بدفع المال للعدو الذي هو محرم عليهم الانتفاع به كالانتفاع به لكونهم مخاطين بفروع الشريعة عندنا وكدفع مال الرجل ليأكله حرامًا حتى لا يزني بامرأة إذا عجز عن ذلك إلا به وكدفع المال للمحارب حتى لا يقتل هو صاحب المال. واشترط مالك فيه البشارة هـ. تنبيه: قال في التنقيح ينقل عن مذهبنا أن من خواصه اعتبار لعوائد والمصلحة المرسلة وسد الذرائع وليس كذلك أما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقراها وجدهم يصرحون بذلك فيها وأما المصلحة المرسلة فغيرنا يصرح بإنكارها ولكن عند التفاريع فيها نجدهم يعللون بمطلق المصلحة ولا يطالبون أنفسهم عند الفروق والجوامع بإبداء الشواهد لها بالاعتبار بل يعتمدون على مجرد المناسبة وهذا هو المصلحة المرسلة وأما سد الذرائع فقد اجتمعت الأمة على أنها ثلاثة أقسام هـ يعني الأقسام السابقة. وينبذ الإلهام بالعراء ... أعني به الهام الأولياء ينبذ فعل مبني لمفعول نائبه الإلهام بكسر الهمزة والعراء بالفتح وتخفيف الراء الفضاء الذي لا يستتر فيه بشيء أعلم أن الإلهام من الأدلة المختلف في العمل بها والإلهام إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر من غير استدلال بآبة ولا نظر في حجة يخص

به الله تعالى بعض أصفيائه وليس بحجة عدم ثقة من ليس معصومًا بخواطره لأنه لا يأمن دسيسة الشطان فيها وهذا هو معنى قولنا وينبذ الإلهام البيت. ويثلج بضم اللام مضارع ثلج بالفتح ويثلج بفتحها مضارع ثلج بالكسر وثلج الصدر أي القلب طمأنينته وسكونه قال الشاذلي ضمنت لنا العصمة في الشريعة ولم تضمن لنا في الخواطر وكذا من رأي النبي صلى الله وعليه وسلم في النوم يأمره وينهاه لا يجوز اعتماده وإن كان من رآه في النوم فقد رآه حقًا وإن كان على غير صفته المعروفة في الدنيا عند الجمهور لعدم ضبط الراءى فلا يحتج بالإلهام في دين الله تعالى ولا يعمل به إلا إذا فقد الدليل في باب ما أبيح فيه العمل بلا علم. وقد رآه بعض من تصوفا ...... وعصمة النبي توجب اقتفا يعنى أن بعض المتصوفة رآو الاحتجاج بالإلهام في حق نفسه دون غيره وبعض الجبرية رآه حجة في حق الملهم وحق غيره بمنزلة الوحي المسموع لقوله تعالى: ((فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام)) (ولخبر اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى) وكون النبي صلى الله وعليه وسلم معصومًا يوجب الاقتداء به في خواطره في حق غيره إذا تعلق بهم وكذا يجب عليه هو العمل به هو بمنزلة الوحي. لا يحكم الولي بلا دليل ... من النصوص ومن التأويل

حذفت إحدى ياءي الولي وسكنت الأخرى للوزن هذا البيت بيان لنبذ الهام الأولياء لأن معنى نبذ إلهام الأولياء إنهم لا يحكمون أي لا يثبتون حكمًا من أحكام الله تعالى إلا بدليل من الأدلة الشرعية من نص صريح ومؤول وغير ذلك من الأدلة الشرعية لانعقاد الاجتماع على أنه لا تعرف أحكامه تعالى إلا بأدلتها وقد كان صلى الله وعليه وسلم ينتظر الوحي وقال أبو سليمان الداراني وغيره ما قبلت واردًا إلا بشاهدين من الكتاب والسنة يعني بما استنبط منهما. في غيره الظن وفيه القطع ... لأجل كشف ما عليه نفع النفع بالفتح الغبار يعني أن غير حكم الله تعالى من فراسات الصالحين أي إلهاماتهم منع ما يكون ظنيًا ومنع ما يكون قطعيًا لم يقع لهم فيه من الكشف معاينة وإن كان الأولياء إنما يرون أمثال الأشياء عكس الأنبياء فإنهم يرون حقائق الأشياء ومن يخبره الولي بشيء فقد يحصل له القطع به لموجب من موجبات اليقين ككونه تكرر منه أنه لا يخبره بشيء إلا رآه كما أخبر به فمثل ذلك يحصل اليقين من غير الولي فضلا عنه. والظن يختص بخمس الغيب ... لنفي علمها بدون ريب يعني أن الظن يختص بالخمس التي هي مفاتيح الغيب لنفي للعلم بها في الحديث الصحيح ونفي العلم لا يستلزم نفي الظن وقال بعضهم أن نفي العلم بها إنما يكون قبل تكلم الملائكة بوقوع الأمر أنا بعده فقد يعلمه الولي وقال القرافي إن الذي اختص الله به علم الخمس بلا سبب أما به كالمنام فقد يحصل لغيره تعالى كقصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في حمل بنت خارجة حين أخبر بأنه أنثى.

(قد أسس الفقه على رفع الضرر) الفقه نائب أسس هذا الكلام إلى آخر البيت الثالث في قواعد ثبت مضمونها بالدليل فأشبه ارتباط جزئياتها في تعريف حكمها منها ارتباط الدليل بالمدلول في تعريف حكمه منه فناسب لذلك إيرادها خاتمة للكلام في الأدلة يعني أن بعض الأصوليين وهو القاضي حسين من الشافعية قد أسس الفقه أي بني مسائله على أربعة أصول. أحدها أن الضرر يزال ويشهد لهذه القاعدة قوله صلى الله وعليه وسلم لا ضرر ولا ضرار وأيضًا الشريعة مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد ومن مسائلها شرع الزواجر من الحدود والضمان ورد المغصوب مع القيام وضمانه بالتلف وارتكاب أخف الضررين والتطليق بالأضرار والإعسار ومنع الجار من أحداث ما يضر بجاره. (وإن ما يشق يجلب الوطر) بفتح الهمزة أن يعني القاعدة الثانية هي أن المشقة تجلب التيسير وهو المراد بالوطر لقوله تعالى ((وما جعل عليكم في الدين من حرج)) ومن مسائلها الأخذ بالأخف والرخص كالجواز القصر والجمع والفطر في السفر قال القرافي المشاق قسمان. قسم لا تنفك عنه العبادة كالوضوء في البرد والصوم في النهار الحامي والمخاطرة بالنفوس في الجهاد ونحوها فهذا لا يوجب تخفيفًا في العبادة لأنها قررت معه. والثاني ما تنفك عنه العبادة فإن كان في مرتبة الضروريات عفي عنه إجماعًا كما لو كانت طهارة الحدث والخبث تذهب النفس أو بعض

الأعضاء وإن كان في مرتبة التتمات لم يعف عنه إجماعًا كالطهارة بالماء البارد وما كان في المرتبة الوسطى وهي الحاجيات فمحل خلاف بين العلماء هـ. يعني كما إذا خاف باستعمال الماء مرضًا خفيفًا تنبيه: أعلم أن أهل الفروع كثيرًا ما يطلقون الضرورة على المشقة دون القسم الثالث من المناسب الذي هو أصل المصالح فلا يلتبس عليك الأمر. (ونفى رفع القطع بالشك) بجر نفي عطفًا على رفع هذه هي القاعدة الثالثة وهي أن اليقين لا يرفع بالشك ولا يخفي أن اليقين لاشك معه فالمراد استصحاب حكم الأمر المتيقن إذا طرأ الشك في حصول ضده الذي حكمه مضاد لحكمه ومن مسائلها إذا لم يدر أصلي ثلاثًا أم أربعًا بني على اليقين وقوله صلى الله وعليه وسلم للمدعى شاهداك أو يمينه لأن الأصل براءة الذمة وعمارتها مشكوك فيها قال حلولو والظاهر من إطلاقهم أن المراد بالشك ما استوي طرفاه كما هو المعلوم في الاصطلاح وذكر النووي في شرح مسلم أن أصحابهم أن المراد به عدم التحقق قال فيدخل فيه الظن فلو غلب على ظنه أنه أحدث لم يجب عليه أن يتوضأ وإنما رأى مالك الشك ناقصًا للوضوء في أحد قوليه لأنه شك في الشرط الذي هو الطهارة والأصل عدم الشرط والشافعي لا ينقض عنده الشك في الحدث لأن المتيقن الذي هو للطهارة لا يرفع بالمشكوك الذي هو الحدث. (وإن يحكم العرف) بفتح الهمزة أن عطفًا على رفع من قوله رفع الضرر وبفتح كاف يحكم مع التشديد وبضم عين العرف أي العادة

يعني أن القاعدة الرابعة هي أن العادة محكمة وشاهدها قوله تعالى ((خذ العفو وأمر بالعرف)) فمن هذا الأصل ما يختلف الحكم فيه باختلاف العوائد كطول الفصل في السهو وقصره واقل الحيض والنفاس وأكثر ومنها ما لم يختلف الحكم فيه باختلاف العوائد كالخسة والكفاءة في النكاح والأحكام المبنية على العوائد تتبدل بتبدل العوائد ويدخل في هذا القاعدة تخصيص عموميات ألفاظ الناس في الإيمان والمعاملات وتقييد مطلقها بالعرف فلا يجوز لحاكم ولا مفت أن يحكم لو يفتي في لفظة حتى يعلم معناها في عرف ذلك البلد ولذا قالوا الجمود على النصوص أبدًا ضلال وإضلال وهذه القاعدة محيطة بكثير من الفقه لا بكله (وزاد من فطن). (كون الأمور تبع القاصد) بتثليث طاء فطن وتحريك تبع يعني أن بعضهم زاد على الأمور الأربعة التي حصر القاضي الحسين فيها مذهب الشافعي أصلًا. خامسًا وهو أن الأمور بمقاصدها أي الوسائل تعطي حكم المقصود بها ومن مسائله وجوب النية في الطهارة التي هي وسيلة لصحة الصلاة والصلاة عبادة تجب فيها النية اتفاقًا وشاهد هذا الأصل إنما الأعمال بالنيات قال الشافعي إن هذا الحديث ثلث لعلم وقال بعضهم ربع الدين ويدخل في هذا الأصل تميز العبادات من العادات وتمييز أنواع العبادات بعضها عن بعض كالفرض من الندب والعكس والظهر من العصر مثلا والعكس ويدخل فيها أيضًا قاعدة سد الذرائع وهي الوسائل لأن المنع من الأمر الذي ظاهره الصحة إنما هو لأجل قصد الفساد ورد بعضهم هذه القاعدة إلى قاعدة أن اليقين لا يرفع بالشك لأن الشيء إذا لم يقصد فاليقين عدم حصوله شرعًا.

(كتاب التعادل والتراجيح)

(مع تكلف ببعض وارد) نعت لتكلف يعني أن أكثر الفروع لا ترجع إلي تلك الأصول الأربعة أو الخمسة إلا بواسطة وتكلف فلو أريد الرجوع بوضوح الدلالة لزادت تلك الأصول على الحين وقد حصر أبو طاهر الدبوسي مذهب أبي حنيفة في سبع عشر قاعدة ولا يخلو أيضًا هذا الحصر من تكلف واعتبار وسائط والمذاهب كلها متساوية في هذا الحصر سواء قلنا المحصور فيه أربعة أصول أو خمسة أو سبعة عشر بتقديم السير على الموحدة أو أكثر. (كتاب التعادل والتراجيح) لما فرغ الناظم من ذكر الأدلة شرع في بيان كيفية الاستنباط منها وهو الكتاب السادس وأفرد الأول أنه نوع واحد وجمع الثاني لأنه أنواع والتعادل والتكافى والتساوي بين الأدلة. ولا يجى تعارض إلا لما ... من الدليلين إلى الظن أنتما يعني أنه لا يجوز عقلا التعارض بين الدليلين إلا دليلين ظنيين أي ظنية دلالتهما على معناهما ويمتنع التعارض بين دليلين قطعيين أي قطعية دلالة كل منهما على معناه سواء كانًا عقليين كدال على قدم العالم ودال على حدوثه أو نقليين حيث لا نسخ بينهما أو مختلفين والتعارض أن يدل كل منهما على منافي ما يدل عليه الآخر إذا لو جاز ذلك لجاز ثبوت مدلولهما فيجتمع المتنافيان ومن شروط إفادة النقليات اليقين أن ينضم إلى اللفظ قرائن محسوسة أو متواترة على إرادة ذلك المعنى. (والاعتدال جائز في الواقع) يعني أن تعادل الدليلين الظنيين في الواقع أي في نفس الأمر جائز عند الأكثر والمراد بالتعادل تنافيهما

على حكمين متناقضين مع اتحاد الفعل من غير مرجح لأحدهما على الآخر إذ لا محذور في ذلك. وقال الأمام أحمد والكرخي من الحنفية بالمنع حذرًا من التعارض في كلام الشارع وإنما اشترطنا في الظنيين عدم المرجح لأحدهما ولم نشترطه في القطعيين لأن القطعيين لا يمكن الترجيح فيهما ولا التأويل. (كما يجوز عند ذهن السامع) يعني أن التعادل بين الظنيين في ذهن السامع لهما وهو المجتهد جائز وواقع اتفاقًا وهو منشأ تردده. وقول من عنه روى قولان ... مؤخر إذ يتعاقبان قول مبتدأ خبره مؤخر يعني أنه إذا نقل عن مجتهد قولان في مسألة متعاقبان وعلم المتأخر منهما فالمتأخر منهما هو قوله والمتقدم مرجوع عنده غالبًا فلا يفتى به ولا يعمل. قال القرافي بل هو كالنص المنسوخ فلا يعد من الشريعة وفيه عنده نظر لأن أقوال المجتهد لا تخرج عن عين الشريعة كما في «الميزان» للإمام الشعراني ولأنه يعمل به للضرورة وما عمل به فهو من الدين والشريعة ولأن من أصولنا مراعاة الخلاف ولذلك كان الفسخ من النكاح المختلف فيه طلاقًا وفيه الإرث ولا فرق بين اتحاد القائل واختلافه في جميع ذلك وكذلك البيع الفاسد المختلف فيه يمضي بالثمن إذا فات ولو كان الخلاف من واحد. (إلا فيما صاحبه مؤيد) أي وإن لم يتعاقبا بأن قالهما معًا كأن يقول في المسألة قولان أحدهما كذا والآخر كذا فقوله منهما المستمر ما ذكر فيه المشعر بتأييده أي بترجيحه على الآخر كأن يقول هذا

أشبه أو أحسن أو أولى وكتفريعه عليه وقول المجتهد في المسألة قولان لا يحمل على اعتقاده القولين لتناقضهما بل يحمل على أن فيها قولين للعلماء أو ما يقتضي قولين من أصلين أو أصل أو على معنى الأخبار بأنه تقدم له فيها قولان وذلك لتعادل الأدلة عنده ونحو ذلك ولا يجوز كما قال ابن الحاجب والعضد أن يكون للمجتهد قولان في المسئلة متناقضان في وقت واحد بالنسبة إلى شخص واحد قوله مؤيد هو بكسر الياء. (وغيره فيه لا تردد) يعني أن غير ما ذكر وهو ما لم يذكر معه مرجح فهو متردد بينهما وإنما ذكرت هذه المسئلة في التعادل والتراجيح لأن تعارض قولي المجتهد في حق من قلده كتعارض الأدلة في حق المجتهد لأن قول المجتهد بالنسبة إلى من قلده كتعارض الأدلة في حق المجتهد لأن قول المجتهد بالنسبة إلى من قلده كالدليل الشرعي بالنسبة إلى المجتهد ولذلك يحمل عام المجتهد على خاصة ومطلقه على مقيده وناسخه على منسوخة ومحتمله على صريحة كما يفعل مثل ذلك في نصوص الشارع قاله القرافي. وذكر ما ضعف ليس للعمل ... إذ ذاك عن وفاقهم قد انحظل ببناء ضعف للمفعول مشددًا يعني أن ذكر الأقوال الضعيفة في كتب الفقه ليس للعمل بها لأن العمل بالضعيف ممنوع باتفاق أهل المذهب وغيرهم إلا القاضي. إلا فيما سيأتي وإلا إذا كان العامل به مجتهدًا مقيدًا ورجه عنده الضعيف فيعمل به ويفتي ويحكم ولا ينقض حكمه به حينئذ وإنما يذكرونها في كتبهم لما أشار له بقوله: بل للترقي لمدارج السنا ... ويحفظ المدرك من له اعتنا يعني أن ذكر الأقوال الضعيفة في كتب الفقه يكون للترقي لمدارج السنا بفتح السين أي القرب من رتبة الاجتهاد حيث يعلم أن

هذا القول قد صار إليه مجتهد ولذا قال بالأقوال التي رجع عنها مالك كثير من أصحابه وممن بعدهم وليحفظ المدرك بفتح الميم أي الدليل من له اعتناء بحفظه وهو المتبصر إذ التبصر كما في تأسيس القواعد للشيخ زروق أخذ القول بدليله الخاص به من غير استبداد بالنظر ولا إهمال للقائل وهذه رتبة مشايخ المذاهب وأجاويد طلبة العلم مع أن الاقتصار على ذكر المشهور فقد أقرب للضبط. ولمراعات الخلاف المشتهر ... أو المراعات لكل ما سطر بالبناء للمفعول يعني أن ذكر الأقوال الضعيفة في كتب الفقه يكون لمراعات الخلاف المشهور أو لمراعات كل ما سطر من الأقوال أي ضعيفًا كان أو غيره بناء على القولين اللذين ذكرهما في التكميل بقوله: وهل يراعي كل خلق قد وجد ... أو المراعي هو مشهور عهد وكونه يلجى إليه الضرر ... إن كان لم يشتد فيه الخور وثبت العزو وقد تحققًا ... ضرا من الضربة تعلقًا يحركونه معطوفًا على الترقي يعني أن الضعيف يذكر في كتب الفقه لما ذكر ولكونه قد تلجأ الضرورة إلى العمل به بشرط أن يكون ذلك الضعيف غير شديد الخور أي الضعف وإلا فلا يجوز العمل به وبشرط أن يثبت عزوه إلى قائله خوف من أن يكون ممن لا يقتدي به لضعفه في الدين أو العلم أو الورع وإلا فلا يجوز العمل به وبشرط أن يتحقق تلك الضرورة في نفسه فلا يجوز للمفتي أن يفتي بغير المشهور لأنه كما قال المسناوى لا يتحقق الضرورة بالنسبة إلى غيره كما يتحققها من نفسه ولذلك سدوا الذريعة فقالوا تمنع الفتوى بغير المشهور خوف أن لا تكون الضرورة محققة لا لأجل أنه لا يعمل بالضعيف

إذا تحققت الضرورة يومًا ما ذكره شيخنا البناني عند قول خليل فحكم بقول مقلده قوله وقد تحقق ضرًا الخ من فاعل تحقق وجملة الضر به تعلق مبتدأ وخبره وهو صلة من. وقول من قلد عالمًا لقى ... الله سالمًا فغير مطلق بصيغة اسم المفعول يعني أنه إذا تقرر منع الفتوى والعمل بغير المشهور علم أن قول بعضهم من قلد عالمًا لقي الله سالمًا غير مطلق أي عام إنما يسلم إذا كان قول العالم راجحًا أو ضعيفًا عمل به للضرورة عند حصول الشروط المذكورة أو لترجيحه عند ذلك العالم إن كان من أهل الترجيح وهو مجتهد الفتوى وأحرى مجتهد المذهب وأما تقليد المفضول على القول به فلا يلزم منه ضعف جميع ما قلد فيه والظاهر أن المراد بالعالم المجتهد المطلق سواء قلنا كل مصيب أو المصيب واحد. إن لم يكن لنحو مالك ألف ... قول بذي وفي نظيرها عرف فذاك قوله بها لمخرج ... وقيل عزوه إليها حرج ألف بالبناء للمفعول نائبه قول ونائب عرف ضمير قول والباء في بذي وفي بها ظرفية وذاك مبتدأ خبره قوله والمخرج فعت الخبر يعني إنه إذا لم يوجد لنحو الأمام مالك من المجتهدين قول في هذه المسئلة لكن يعرف لذلك المجتهد قول في نظير تلك المسئلة فقوله ذلك في تلك المسئلة هو قوله المخرج في نطيرها أي مشابهتها أي أخرجه أصحاب ذلك المجتهد فيها إلحاقًا لها بنطيرها بناء على أن لازم المذهب يعد مذهبًا والأصل عدم الفارق كان يقال ثبتت الشفعة في الشقص من الدار فيقال قوله في الحانوت كذلك قوله وقيل عزوه الخ يعني أن

بعضهم قال أن عزو ذلك المخرج إلى المجتهد بالتحريك أي ذو حرج أي منع إذ لم يقل به لاحتمال أن يكون عنده فارق بين النظرين وهذا القول مبني على أن لازم المذهب نيس بمذهب. وفي انتسابه إليه مطلقًا ... خلف مضي إليه من قد سبقنا مضي بمعنى ذهب يعني أن أهل الأصول اختلفوا في نسبة القول المخرج إلى لمجتهد انتسابًا مطلقًا أي غير مقيد بأنه قول المخرج بناء على جواز عزوه وقيل لا يجوز إلا بقيد كونه مخرجًا بأن يقال قول مالك المخرج فيها كذا ليلا يلتبس بالمنصوص وقيل لا حاجة إليه لأنه جعل قوله: وتنشأ الطرق بين نصين ... تعارضًا في متشابهين يعني أن الطرق أي أقوال أصحاب المجتهد كمالك مثلا قد تنشأ أي ينشأ اختلافها من نصين للمجتهد متعارضين أي متخالفين في مسئلتين متشابهتين يعنى أن المجتهد قد ينص في المسئلة على شيء وفي نظيرها أي ما يشابهها على ما يعارضه أي يخالفه مع خفاء الفرق بينهما فمن أهل المذهب من يقرر النصين في محلهما ويفرق بينهما ومنهم من يخرج نص كل في الأخرى فيحكي في كل قولين منصوصًا ومخرجًا فتارة يرجح في كل نصها ويفرق بينهما وتارة يرجح في أحديهما نصها وفي الأخرى المخرج ويذكر ما يرجحه على نصها قوله الطرق جمع طريق وراؤه مسكنة لجواز ذلك نثرًا فإن فعلا بضمتين يجوز فيه ذلك كما يجوز فعل بضمتين في فعل بضم السكون. (تقوية الشق هي الترجيح) بكسر الشين المعجمة يعني أن الترجيح هو تقوية أحد الشقين أي الدليلين المتعارضين أي المتخالفين.

أي تقويته بوجه من الوجوه المرجحات المذكورة هنا وغيرها ولابد أن يكون الدليلان ظنيين إذ لا تعارض بين قاطعين ولا قاطع ومظنون والمراد بالطريقين في قول السبكي والترجيح تقوية أحد الطريقين الدليلان الظنيان سمى الدليل طريقًا لأنه يوصل إلى المدلول. (وأوجب الأخذ به الصحيح) يعني أن القول الصحيح الذي وقع عليه الإجماع هو وجوب الأخذ أي العمل بالدليل الراجح إذ العمل المرجوح ممتنع سواء كان قطعيًا كتقديم النص المتواتر على القياس أم ظنيًا كالترجيح بكثرة الرواة أو الأدلة الظنية أو غيرها من الوجوه الآتية: وعمل به أباه القاضي ... إذا به الظن يكون القاضي أي الحاكم يعنى أن القاضي أبا بكر الباقلاني من المالكية يجب عنده العمل بالراجح إلا ما رجح ظنًا فلا يجب العمل به إذ لا ترجيح عنده بظن فلا يعمل بواحد منهما لفقد المرجح ووافقه أبو عبد الله البصري من المعتزلة إلا أنه قال أن رجح أحدهما بالظن فالتخيير بينهما في العمل وإنما يجب العمل عندهما بما رجح قطعًا وهو مردود بالإجماع. (والجمع واجب متى ما أمكنا) يعنى أن الجمع بين الدليلين المتقابلين من كتاب أو سنة أو منهما أو من نصين للمجتهد ولو كان الجمع من وجه كتخصيص العام بالخاص وتقييد المطلق بالمقيد وتأويل الظاهر منهما بما يوافق الآخر الذي هو نص واجب ذكر الأمام الرازي في المحصول أن الجمع يكون تارة بالحمل على جزئيتين وتارة على حكمين وتارة على حالين فمن:

الأول قوله صلى الله وعليه وسلم في خير الشهداء أن يشهد قبل أن يستشهد وفي شر الشهداء من شهد قبل أن يستشهد فيحمل الأول على حقوق الله أو من يعلم المشهود له به والثاني على حقوق الآدمي والعالم به. والمثال الثاني والثالث قوله غسل الجمعة واجب على كل محتلم وقوله من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل له فيحمل الأول على الندب والثاني على نفي الحرج أو يحمل الوجوب على الحالة التي يتأذى الغير برائحة فيها والندب على غير ذلك وقيل لا يجب الجمع بل الواجب المصير إلى الترجيح. (إلا فللا خير نسخ بيننا) بالبناء للمفعول يعني أنه إذا لم يمكن الجمع ين الدليلين المتعارضين وجب كون المتأخر منهما ناسخًا للمتقدم إذا كان المتقدم قابلا للنسخ سواء كانًا قطعيين أو ظنيين إذا علم المتأخر منهما. (ووجب الإسقاط بالجهل) أي بالجهل للتاريخ أي أن لم يعلم بينهما تأخر ولا تفارق وأمكن النسخ وجب الإسقاط لهما والرجوع إلى غيرهما لتعذر العمل بواحد منهما لاحتمال كون كل منهما ناسخًا ومنسوخًا. وأن تقارنًا ففيه تخيير زكي أي وأن تقارنا المتعارضان في الورود من الشارع ففيه تخيير للمجتهد في العمل بأيهما شاء أن تعذر الترجيح بأن تعادلًا في ذهن المجتهد وإلا صير إلى الترجيح ويشترط في التخيير أيضًا أن يتعذر الجمع وإلا جمع بينهما وإن أمكن الجمع والترجيح فالجمع أولى منه لأن العمل بالدليلين ولو من وجه

أولى من إلغاء أحدهما قوله ففيه الضمير للتقارن المدلول عليه بالسياق. وحيثما ظن الدليلان معًا ... ففيع تخيير لقوم سمعًا ببناء ظن للمفعول يعني أن الدليلين إذا ظن المجتهد تعادلهما في نفس الأمر أو جزم بتعادلهما في نفس الأمر بناء على القول بجوازه فإنه يتخير في العمل بأيهما شاء قاله القاضي أبو بكر الباقلاني منا بناء على أنه لا سبيل إلى خلو الواقعة عن الحكمين وإذا كان التعارض بين الدليلين في نفس المر لم يتصور فيه ترجيح لأنه ينافي التعارض في نفس الأمر بخلاف التعارض في ذهن المجتهد ويلزم في التعارض في نفس الأمر بالوقف عن العمل بواحد منهما بناء على أن كل مجتهد فليس ذلك محل خلاف إذ لا خلاف في جواز التعارض في نفس الأمر مع النسخ بتقديم أحدهما وتأخر آخر بل ووقوع ذلك قاله في الآيات نفس الأمر بالوقف عن العمل بواحد منهما بناء على أن كل مجتهد التعارض في نفس الأمر. أو يجب الوقف أو التساقط ... وفيه تفصيل حكاه الضابط أو لتنويع الخلاف يعني أن بعضهم قال عند تعادل الدليلين في نفس الأمر بالوقف عن العمل بواحد منهما بناء على أن كل مجتهد مصيب والإصابة مترتبة على حصول غلبة الظن والظن مفقود هنا وقيل يجب التساقط لهما فيرجع لغيرهما وهو البراءة الأصلية قوله وفيه تفصيل الخ. يعني أن بعضهم قال بتفصيل كما حكاه الضابط للمسئلة كالسبكي في جمع الجوامع حيث قال عاطفًا على الأقوال الثلاثة المذكورة أو

(الترجيح باعتبار حال الراوي)

التخيير في الواجبات والتساقط في غيرها وإنما كان التخيير في الواجبات دون غيرها لأنه قد يخير في الواجبات كما في خصال كقارة اليمين. وأن يقدم مشعو بالظن ... فانسخ بآخر لدى ذي الفن ببناء يقدم للمفعول ومشعر بصيغة اسم الفاعل وكذا آخر يعني أنه إذا تقابل دليلان نقليان أحدهما قطعي والآخر ظني وعلم المتأخر من المتقدم فالمتأخر ناسخ للمتقدم إذا كان المتأخر هو القطعي فإن قدم القطعي لم ينسخه الظني بل يقدم القطعي وأما القطعي العقلي فلا يعارضه الظني لانتفاء الظن عند القطع بالنقيض. (ذو القطع في الجهل لديهم معتبر) يعني أن القطعي إذا تقابل مع الظني وجهل المتقدم منهما من المتأخر فالمعتبر القطعي. (وإن يعم واحد فقد غبر) يعني أن كل ما تقدم إنما هو فيما إذا تساوى الدليلان في العموم والخصوص فإن كان أحدهما أعم من الآخر مطلقًا أو من وجه فقد تقدم حكمه في التخصيص العام. (الترجيح باعتبار حال الراوي) هذا شروع في تعدد وجوه الترجيح والترجيح باعتبار حال الراوي معناه الترجيح باعتبار السند وقد تعرضت في جميع التراجيح التي أنكرها للترجيح بين ما اذكره وبين مقابله ولم أتعرض للترجيح بين المذكورات بعضها مع بعض لآن الدار في جميع ذلك على ما يغلب على ظن المجتهد ترجيحه قال في الآيات البينات ينبغي أن يحكم المجتهد ظنه إذ التنصيص على جميعها مما يمتنع للتطويل البالغ إلى الغاية هـ.

قد جاء في المرجحات بالسند ... علوه والزيد في الخط يعد بكسر جيم المرجحات وعلو فاعل جاء والزيد مبتدأ خبره يعد مبنيًا للمفعول أن العلو في السند مرجح على مقابلة قوله بالسند أي باعتبار السند والعلو فيه هو قلة الوسائط بين من رواه المجتهد عنه وبين النبي صلى الله وعليه وسلم فإن قلة الوسائط يقل معها احتمال النسيان والاشتباه والزيادة والنقصان وسند الحديث طريقه الموصلة إلى المتن ونعني بالطريق الرجال والإسناد ذكر تلك الطريق وقد يطلق كل من السند والإسناد على الآخر قوله والزيد الخ. يعني كون أحد الراويين أحفظ من الآخر من المعدود كونه مرجحًا عند تقابل مروييهما. والفقه واللغة والنحو ورع ... وضبطه وفطنة فقد البدع الفقد وما بعده معطوف على علوه أو على الضمير نائب مفعول يعد دون فاصل لجوزه في النظم يعني أن مما يرجح الراوي كونه فقيهًا في الباب المتعلق به المروي فإذا تعلق في البيوع مثلا قدم خبر الفقيه بها على خبر الفقيه بغيرها وكذا يقدم زائد الفقه على غيره فيقدم خبر رواه ابن وهب في الحج على ما رواه ابن القاسم فيه لأنه أفقه منه فيه وأن كان ابن القاسم أفقه منه في غيره. قال في الآيات البينات لو كان أحدهما فقيها بذلك الباب حالتي التحمل والأداء والآخر فقيهًا به حال الأداء فقط بالمتجه تقديم الأول انتهى. وإنما قدم خبر الفقيه على خبر غيره لتمييزه بالفقه بين ما يجوز إجراءه على ظاهره وما ليس كذلك فيقتل معه احتمال الخطأ.

بالنسبة إلى فن لا فقه له قال المحنسى وكما يقدم زائد الفقه على غير زائده يقدم الزائد في كل صفة يرجح بها كالعلم والغة والنحو والضبط والفطنة والورع قوله واللغة يعني أنه يرجح بكون أحد الراويين عارفًا باللغة وهي الكلمات المفردة لقلة احتمال الخطأ منه بالنسبة إلى من ليس كذلك لأنه أدرى بمقاصد ألفاظها قوله والنحو يعني أنه ترجح رواية الراوي النحوي ومن باب أولى العارف بعلم البيان علي غيرهما لحفظه عن الزلل في العبارة فيقل لذلك احتمال الخطأ في فهم معناه بالنسبة إلى عبارة من ليس كذلك قوله ورع معطوف بمحذوف يعني أن المتصف بالورع يرجح على غيره قوله وضبطه يعني أن الراوي ذا الضبط يرجح مرويه على مروى غيره والضبط كونه غير كثير الخطأ فيرجح خبر من لا خطأ له أو من خطاؤه قايل على خبر كثير الخطأ إلا أن كثير الخطأ وهو غير الضابط حديثه ضعيف لا يعمل به لفقط الضبط الذي هو شرط من شروط الصحة. نعم قد يقوى الضعيف بكثرة الطرق حتى يصير حسنًا لغيره أو صحيحًا لغيره فيعارض أو نقول المراد يرجح بزيادة الضبط. قوله وفطنة يعني أنه يرجح بها وهي الحذق قوله فقد البدع معطوف بمحذوف والمراد بعدم البدع هنا يكون حسن الاعتقاد وهو في الحقيقة أخص من عدم البدعة والمراد مطلق البدعة واحدة كانت أو أكثر وإنما رجح جميع من ذكر لأن الوثوق بهم أكثر من الوثوق بغيرهم وقد تقدم الكلام في كتاب السنة على قبول رواية البدعي.

(عدالة بقيد الاشتهار) برفع عدالة وهو معطوف بمحذوف يعني أن مشهور العدالة عند الناس يرجح مرويه على مروى عدل غير مشتهر العدالة لأنه أوثق وكذا شهرته بصفات من الصفات السابقة. (وكونه زكي باختيار) برفع كون يعني أنه يرجح الراوي بكونه مزكى باختبار من المجتهد على المزكى عنده فالإخبار إذ ليس الخبر كالعيان (صريحها) بالرفع معطوف بمحذوف والضمير للتزكية يعني أنه يقدم خبر من صرح بتزكيته على خبر حكم بشهادته وخبر من عمل روايته من غير وقوف منا على تفصيل الأمر هل كان ذلك بعد تزكية له أولًا وإذا كان من صرح بتزكيته مقدمًا على من هذا شأنه فليقدم على من علم الحكم بشهادته والعمل بروايته من غير تزكية بالأولى بل ينبغي أن يكون من حكم بشهادته وعمل بروايته من غير وقوف على تفصيل الأمر مقدمًا على هذا أيضًا قاله شهاب الدين عميرة. (وإن يزكى الأكثر) بفتح همزة أن وكسر كاف يزكي يعني أن أحد الراويين يرجح إذا كان أكثر مزكين والآخر أقل من مزكين لشدة الوثوق به لزيادة العدد. (وفقد تدليس كما قد ذكروا) مبتدأ وخبره اعترض بهما بين المتعاطفات يعني أن الراوي العدل غير المدلس يرجح حديثه على حديث المدلس المقبول والمعنى أن عدم التدليس كالمرجحات المذكورة في كونها يرجح بها حرية والحفظ علم النسب ... وكونه أقرب أصحاب النبي

يعني أن الحر يرجح مرويه على مروى العبد لأن الحر لشرف منصبه يتحرز عما لا يتحرز عنه العبد وضعف صاحب الغيث إلهًا مع، الترجيح بالحرية وكذا يرجح مروي الحافظ له على مروي من لم يحفظه لاعتناء الأول بمرويه فالمراد بغير الحافظ من بتخيل اللفظ ثم يتذكره ويؤديه بعد تفكر وتكلف ومن لا يقدر على النادية أصلا لكن إذا سمع اللفظ ثم يتذكره ويؤديه بعد تفكر وتكلف ومن لا يقدر على النادية أصلا لكن إذا سمع اللفظ علم أنه مرويه عن فلان كقول أبي محذورة رضي الله تعالى عنه لقنني صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشر كلمة ورواية عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه الأذان لا ترجيح فيه وهو لا يحكيه لفظًا عنه صلى الله وعليه وسلم ويحتمل أن يكون المراد من لم يحفظ لفظ الحديث معتمدًا على المكتوب والآخر حفظ لفظه هـ من الآيات البينات، والغيث الهامع، ويدخل في هذه المسئلة من علم أن شأنه التعويل على الحفظ من حين التحمل أو الأداء لما يرويه وأن لم نطلع على الحال في هذا المروي المعين بخصوصه وأن أحدهما رواه عن حفظ والآخر عن كتابة. قوله علم النسب يعني أن معروف النسب يرجح حديثه على حديث غير معروفة لشدة الوثوق به ومشهور النسب هو معلومه أو هو غيره بل هو أخص منه لكن حكمهما في الترجيح بكل منهما واحد خلافًا للسبكي حيث غاير بينهما وضعف تقديم مشهور النسب قوله وكونه أقرب الخ. يعني أن الصحابي يرجح حديثه إذا كان أقرب من مجلسه صلى الله وعليه وسلم والأقربون هم أكابر الصحابة أي رؤسائهم وقال بعضهم المراد القرب منه حالة السماع رئيسًا كان

أو غيره قدم حديثهم لشدة ديانتهم وقد كان علي رضي الله عنه تعالى عنه يحلف الرواة ويقبل رواية الصديق رضي الله عنه بلا تحليف. ذكورة أن حالة قد جهلا ... وقيل لا وبعضهم قد فصلا ببناء جهل للمفعول يعني أن الذكر الراوي يرجح مرويه على مروى الأنثى إذا جهل كونها اضبط منه فإن علمت أضبطية تلك الأنثى قدم خبرها وقال أبو إسحاق الأسفراني لا يقدم حديث الذكر قال وأخبطية جنس الذكر إنما تراعى حيث ظهرت في الآحاد وليس كذلك فإن كثيرًا من النساء أضبط من كثير من الرجال هـ قال في الآيات البينات كان مراد الأستاذ بالظهور في الآحاد الوجود في جميع الآحاد فلا ينافيه قوله وليس كذلك ويحتمل أنه أراد به الوجود في غالب الآحاد ويمتنع أنه كذلك لكثرة تخلفه في الآحاد كثرة تنافي الغلبة هـ قوله وبعضهم الخ يعني أن بعضهم قال يرجح الذكر في غير أحكام النساء بخلاف أحكامهن كالحيض والعدة فيرجحن فيها لأنهن أضبط فيها وتقديم الذكر على الأنثى معارض لتقديم صاحب الواقعة فإنه شامل للأنثى صاحبة الواقعة وقضية تمثيلهم بخبر ميمونة رضي الله عنها وعمل الفقهاء بمقتضاه دون خبر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المعتمد عندهم تقديم خبر الأنثى إذا كانت صاحبة الواقعة على الذكر قاله في الآيات البينات. ما كان أظهر رواية وما ... وجه التحمل به قد علمًا يعني أن ما كان من حديث أظهر رواية ن غيره قدم على ذلك المخالف كما حمل عليه المحلي قوله السبكي وظهور طريق روايته فالمراد بظهور طريق الرواية كونها واضحة في إفادة المروي وضبطه

وطريق الرواية المعارضة خفية في ذلك للإجمال فيها قال المحشى فالسماع مثلًا طريق واضح في إفادة المروي إذ يفيد تفاصيله بخلاف الإجازة لما فيها من الأجمال قال المحلي وقد تقدم ذكر طرق الرواية ومراتبها آخر الكتاب الثاني قوله وما وجه الخ يعني أنه تقدم رواية من علمت جهة تحمله من سماع لفظ الشيخ أو قراءة عليه أو غيرها على رواية من لم تعلم جهة تحمله وعلى هذا المعنى حمل أبو زرعة ولي الدين في الغيث الهامع، قول السبكي وظهور طريق روايته تأخر الإسلام والبعض اعتمي ... ترجيح من إسلامه تقدمًا برفع تأخر معطوفًا بمحذوف واعتمي بمعنى اختار يعني أنه يرجح خبر متأخر الإسلام على خبر متقدمه لظهور تأخر خبره وبعضهم رجح خبر متقدمه لأن متقدم الإسلام لأصالته فيه أشد تحرزًا من متأخره فالترجيح لمتأخر الإسلام ليس هو من جهة كونه وصفًا للروي لأنه ليس صفة شرف له بالنسبة إلى متقدم الإسلام فلا يرجح به بهذا الاعتبار بل باعتبار كونه قرينة خارجة لتأخر مرويه عن معارضه والترجيح لمتقدم الإسلام من حيث كونه صفة شرف للراوي يقتضي ترجيح روايته لإطلاعه من أمور الإسلام على ما لم يطلع عليه متأخر الإسلام (وكونه مباشرًا أو كلفًا) برفع كون معطوفًا على ما عطف عليه ما قبله يعني أنه يرجح خبر المباشر لمرويه على غيره لأنه أعرف بالحال من غيره كحديث الترمذي عن أبي رافع أنه صلى الله وعليه وسلم تزوج ميمونة رضي الله تعالى عنها حلالًا وبني بها حلالًا قال وكنت الرسول بينهما مع حديث الصحيحين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله وعليه وسلم تزوجها وهو محرم وفي رواية أخرى للبخاري أنه تزوج

ميمونة وهو محرم وبني بها وهو حلال وماتت بسرف لكن ما في الصحيحين أو أحدهما بقدم على ما في غيرهما من جهة كونه أقوى وأصح كما سيأتي قوله أو كلف يعني أنه يرجح المتحمل بعد البلوغ على المتحمل قبله للاختلاف فيه ولأن المتحمل بعده أضبط منه. (أو غير ذي أسمين للأمر من خفا) بنصب غير عطفا على مباشرا يعني أنه يقدم خبر من له أسم واحد على من له اسمان لأن صاحبهما يتطرق إليه الخلل لاحتمال أن يشاركه ضعيف فلا يشترط تحقق المشارك بل احتمال وجوده كاف قال في الآيات البينات فإن تحقق انتقاؤه فالوجه حينئذٍ أن لا يقدم خير غير ذي الأسمين قوله للأمر الخ أي قدم للأمر من أليس فيه بخلاف ذي الأسمين كما تقدم (أو راويا باللفظ) يعني أنه يقدم خبر الراوي إذا كان راويا له باللفظ وغيره راو له بالمعنى لسلامة المروى باللفظ عن احتمال وقع الخلل في المروى بالمعنى. (أو ذا الواقع) بنصب ذا عطفا على مباشرا يعني أنه يقدم خبر صاحب الواقعة المروية على غيره لأنه أعرف بالحال من غيره كحديث أبي داوود عن ميمونة رضي الله تعالى عنها تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف مع خبر ابن عباس أنه تزوجها وهو محرم قال سعيد بن المسيب وهم ابن عباس في ترويج ميمونة وهو محرم وقضية هذا إن المعتمد عندهم تقديم خبر الأنثى صاحبة الواقعة على خبر الذكر. (وكون من رواه غير مانع) برفع كون عاطفا على ما عطف عليه المرفوعات قبله وبتشديد الواو يعني أنه يقدم خبر الراوي عن شيخه

(الترجيح باعتبار حال المروي)

الذي لم يمنعه من روايته عنه بأن لم ينكر روايته عنه على خبر راو أنكر شيخه الذي رواه عنه روايته له عنه وأن قلنا بعدم قبول إنكاره لأن الظن الحاصل من الأول أقوى. وكونه أودع في الصحيح ... لمسلم والشيخ ذي الترجيح برفع كونه بناء أودع للمفعول وجر الشيخ عطفا على مسلم والمراد به البخاري أي ذي الترجيح على غيره في الصحة يعني أنه يقدم الخبر الواقع في الصحيحين لمسلم والبخاري أو في أحدهما على ما غيرهما لأن ما فيهما أو في أحدهما أصح مما في غيرهما وكذا ما لم يقع في أحدهما مما هو على شرطهما فيلي ذلك ما هو على شرط البخاري فما هو على شرط مسلم فما هو على شرط غيرهما وانظر زيادة بيان ذاك في شرحنا لطلعة الأنوار عند قولنا- أعلى الصحيح ما عليه اتفقا- الخ (الترجيح باعتبار حال المروي) .. وكثرة الدليل والرواية ... مرجح لدى ذوى الدراية أي المعرفة بالفن يعني أنه يرجح بكثرة الدليل الموافق لأحد المتعارضين وكذا بكثرة رواته لأن الكثرة تقيد قوة الظن ولا يبعد عنه تعارضهما تقديم كثرة الأدلة قاله في الآيات البينات. (وقوله فالفعل فالتقدير) معطوفة كلها على الضمير المستتر في مرجح يعني أنه يقدم الخبر الناقل لقوله صلى الله عليه وسلم على الناقل فعله الصريح وهذا على الناقل لتقريره وإنما كان القول أقوى من الفعل لاحتمال الفعل الاختصاص به صلى الله عليه وسلم ويؤخذ منه أن ليس كل قول أقوى بل الذي انتقى عنه هذا الاحتمال ونحوه فلا يرد قولهم أن

الإحرام في العمرة من ألجعرانه أفضل منه التنعيم تقديما لفعله صلى الله عليه وسلم على أمره لعائشة بالإحرام من التنعيم لأن أمره وإن كان قولًا يحتمل الخصوصية لعائشة فليس أقوى من فعله بل هو دونه كما قالوا لاحتمال أنه إنما أمرها بذلك لضيق الوقت لا لأنه أفضل قلت ويقاس على عائشة كل من كان له عذر. (فصاحة والغي الكثير) معطوف بواو محذوفة يعني أن الخبر الفصيح يقدم على غيره للقطع بأن غير الفصيح مروى بالمعنى سواء أريد الفصاحة التي هي شرط في البلاغة أو البلاغة نفسها لكن تلغي زيادة الفصاحة فلا يقدم الخبر الأفصح على الفصيح على الأصح وقيل يقدم عليه لأنه صلى الله عليه وسلم أفصح العرب قطعًا فيبعد نطقه بغير الأفصح فيكون مرويا بالمعنى فيتطرق إليه الخلل ورد بأنه لا بعد في نطقه بغير الأفصح وقد كان يخاطب العرب بلغاتهم. زيادة ولغة القبيل ... ورجح المجل للرسول برفع زيادة بالعطف بمحذوف يعني أن الخبر المشتمل على زيادة يقدم على غيره لما فيه من زيادة كخبر التكبير في العيد سبعًا مع خبر التكبير فيه أربعًا وأخذ بالثاني الحنفية تقديمًا للأقل قوله ولغة القبيل يعني أنه يرجح الخبر الوارد بلغة قريش على الوارد بلغة غيرهم لاحتماله الرواية بالمعنى فيتطرق إليه الخلل قوله ورجح الخ ببناء رجح للمفعول يعني أن الخبر المشعر بعلو شأن الرسول صلى الله عليه وسلم مقدم على ما ليس كذلك لأن علو شأنه كان يتجدد شيئًا

فشيئا فما أشعر بعلو شأنه فهو المتأخر كان يعلم من أحدهما أنه ورد في حال القوة والآخر في حال الضعف فيقدم ما علم أنه ورد في حال القوة وكذا يقدم المشعر بعلو شأن الصحابة على غيره. وشهرة القصة ذكر السبب ... وسمعه إياه دون حجب بضمتين جمع حجاب يعني أن الخبر ذا القصة المشهورة يقدم على ذي القصة الخفية لأن القصة المشهورة يبعد الكذب فيها قاله القرافي قوله ذكر السبب بالرفع معطوف بمحذوف على المجل يعني أن الخبر المذكور فيه السبب مقدم على ما ليس كذلك لاهتمام راوي الأول به قال المحشي اهتمامه دليل كمال ضبطه للمروى إذ يترتب عليه ذلك عادة انتهى وايضًا فان علم السبب يعين على فهم المراد ولذا أعتني المفسرون بذكر أسباب نزول الآيات قوله وسمعه الخ المصدر مضاف إلى فاعله والضمير المنفصل مفعوله يعني أن الخبر الذي سمعه راويه من غير حجاب مقدم عني ما سمع من وراء حجاب حيث أمن اللبس في الثاني وإلا فهو غير مقبول اتفاقًا كراوية القاسم بن محمد بن عائشة أبن بريرة رضي الله تعالى عنهما عتقت وكان زوجها عبدا رواه مسلم على راويه الأسود بن يزيد كان حرا لأن القاسم محرمها لكونها عمته وكان يسمع منها دون حجاب بخلاف الأسود وقد قال البخاري أن القائل بأنه كان حرًا الحكم وليس هو من قول عائشة والمدني والخبر الذي جمع ... حكمًا وعلة كقتل من رجع أي عن الإسلام يعني أن الخبر المدني مقدم على الخبر المكي لتأخره عنه والمدني ما روى بعد الشروع في الهجرة والمكي ما روي

قبل الشروع فيها فيشمل المدني ما ورد بعد الخروج من مكة وقبل الدخول في المدينة هذا هو الاصطلاح المشهور في المدني والمكي وما اقتضاه كلام بعضهم من أن المدني ما نزل بالمدينة والمكي ما نزل بمكة غير مرضى قوله والخبر لخ يعني أن الخبر المذكور فيه الحكم مع العلة مقدم على ما فيه الحكم فقط لأن الأول أقوى في الاهتمام بالحكم من الثاني كحديث البخاري من بدل دينه فاقتلوه مع حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان نيط الحكم في الأول بوصف الردة ولا وصف في الثاني فحملوا النساء فيه على الحربيات ولا يقال هذا جمع بينهما بحمل كل منهما على غير ما حمل عليه الآخر ففيه العمل بهما والكلام في التجريح الذي هو أعمال أحدهما وإلغاء الآخر لأنا نقول التعارض بينهما ليس إلا في المرتدات وقد ألغينا الثاني بالنسبة إليها فقد أعملنا أحدهما وألغينا الأخر بالنسبة لما تعارضنا فيه وذلك هو حقيقة الترجح قاله في الآيات البينات وما ذكر من تقديم المذكور فيه الحكم مع العلة استشكله بعضهم بتقديم النهي على الأمر المذكور معه العلة كما في الحدثين المذكورين وأجيب بأن الكلام المذكور في التراجيح إنما هو في كل واحد من المذكورات بالنظر لمجرد مقابلة من حيث أنه مقابله وما ذكر من باب تعارض اثنين من المذكورات وليس الكلام فيه بل لم يتعرضوا لتفاصيل ذلك إذ المدار على ما يغلب على ظن المجتهد ترجيحه كما يأتي في قولنا قطب رحاها قوة المظنة. (وما به لعلة تقدم) ما موصول معطوف على المجل والجملة بعده مبتدأ وخبره وبي صلته يعني أن الخبر المتقدم فيه ذكر العلة على الحكم مقدم على عكسه لأنه أدل على ارتباط الحكم

بالعلة من عكسه قال الإمام الرازي في المحصول وعكس النقشواني ذلك معترضًا له بأن الحكم إذا تقدم تطلب السامع العلة فإذا سمعها ركنت نفسه إليها ولم تطلب غيرها والوصف إذا تقدم تطلب النفس الحكم فإذا سمعته قد تكتفي في علته بالوصف المتقدم إذا كان شديد المناسبة كما في السارق الآية وقد تطلب علة غيره كما في (إذا قمتم إلى الصلاة فاغتسلوا) الآية ورده في الآيات البينات بأن الوصف إذا كان ظاهر المناسبة ركنت النفس تقدم أو تأخر وإلا لم تركن تقدم أو تأخر إذ لا فرق بين إذا قمتم فاغسلوا واغسلوا إذا قمتم. (وما بتوكيد وخوف يعلم) يعني أن الخبر الذي فيه تأكيد مقدم على الخالي عن ذلك كحديث صححه ابن حبان والحاكم على شرط الشيخين وهو أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، مع حديث مسلم الأيم أحق بنفسها من وليها فأنه لو سلمت دلالته للحنفية على أنها تزوج نفسها كان معارضًا والمشتمل على التأكيد مقدم عليه مع أنا لا نسلم دلالته على جواز ترويجها نفسها قال المحشي ولم لا يكون معنى كون التثبيت أحق بنفسها من وليها لأنه لا يزوجها إلا بإذنها الصريح بخلاف البكر فإن سكوتها كاف لاسيما وقد قام ما يمنع من الحمل على ما ذكروه وهو حديث ابن ماجة والدارقطني لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج نفسها فإن الثانية هي التي تزوج نفسها وكذا يقدم الخبر الذي فيه تهديد أي تجويف علي ما ليس كذلك لإشعار التهديد بتأكيد الأمر ومثله البرماوي الزركشي بما في البخاري من قول عمار رضي الله تعالى عنه من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه

وسلم فهو مقدم على الأحاديث المرغبة في صوم النفل ولا يقال هذا من كلام الراوي فليس ترجيحًا بحسب حال المتن لأن حكمه الرفع إذ لا يقال من جهة الرأي لكن في التمثيل به نظر من جهة أنه تقديم خاص على عام إلا أن يقال قدم الخاص على العام فيما تعارضًا فيه قوله يعلم بضم التحتية وبتأكيد وخوف متعلقان به. وما يعم مطلقًا إلا السبب ... فقد منه نقض حكمًا قد وجب الموصول معطوف على المجل يعني أن العام المطلق مقدم على العام ذي السبب لأن الثاني باحتمال أرادة قصره على السبب كما قيل بذلك دون المطلق في القوة إلا في صورة السبب فهو فيها أقوى لأنها قطعية الدخول في العموم عند الأكثر فالحاصل أن العام ذا السبب يعمل بحكمه في ذي السبب ويعمل بالعام المطلق فيما عداه والفرق بين هذه المسألة وما تقدم من ذكر السبب أن صورة ذلك أن الراوي ذكر السبب وصورة هذه أن الخبر ورد على سبب قاله في الآيات البينات. ما منه للشرط على المنكر ... وهو على كل الذي له درى يعني أن الذي من العام للشرط أي العام الشرطي كمن وما الشرطين مقدم على النكرة المنفية على الأصح لإفادة العام الشرطي التعليل غالبًا نحو من جامع فعليه الكفارة لا حيث لا يفيده نحو من فعل كذا فلا إثم وقيل العكس ليعد التخصيص فيها بقوة عمومها دونه قوله وهو الخ يعني أن العام المنكر مقدم على الباقي من صيغ العموم كالمعروف باللام والإضافة لأنها أقوى منه في العموم إذ تدل عليه بالوضع أي المطابقة في الأصح والباقي منها

إنما يدل عليه بالقرينة اتفاقًا فالمراد بالباقي ما يدل عليه بالقرينة بخلاف كل فأنها تدل عليه دون احتياج إلى قرينة فهي مقدمة على الفكرة اتفاقًا وما ذكر من أن الباقي إنما يدل بالقرينة اتفاقًا لا ينافي ما تقرر من أن الصيغ المخصوصة حقيقة في العموم عند الأكثر وقيل في الخصوص وقيل مشتركة وقيل بالوقف لأنا إذا قلنا أنها مشتركة أو حقيقة في الخصوص فلا أشكال في احتياجها في الدلالة على العموم إلى القرينة لأن دلالة المشترك على المراد من أحد معنييه أو معانيه ودلالة اللفظ على معناه المجازي مشروطة بالقرينة وكذا على الوقف وأما على أنها حقيقة في العموم دون الخصوص فإن اللفظ قد يشتهر استعماله في معناه المجازي حتى يعارض المعنى الحقيقي أو يكون المجازي أرجح لتبادره إلى الذهن ولا أشكال في احتياجه حينئذٍ في إرادة معناه الحقيقي إلى القرينة وهذه الصيغ كثر استعمالها في الخصوص حتى قيل أنها حقيقة فيه أو مشتركة بينهما نعم ينافي ذلك في المعروف باللام أو الإضافة إلى معرفة ما تقدم من حمله على العموم ما لم يتحقق عهد إذ قضية ذلك انصرافه عند الإطلاق للعموم وهذا ينافي الاحتياج إلى القرينة إلا أن تمنع المنافات بأنه إذا لم يتحقق عهد كان العموم بشرط القرينة فإن تحقق عارضها وصرفه إلى المعهود قاله في الآيات البينات وضمير هو للعام المنكر والضمير المجرور باللام للعموم ودرى بالبناء للمفعول. معرف الجمع على ما استفهما ... به من اللفظين أعنى من وما معرف مبتدأ خبره على ما استفهما به الخ ببناء استفهم للمفعول يعني أن الجمع المعرف باللام أو الإضافة مقدم على من

وما الاستفهاميتين لأنه أقوى منهما في العموم لامتناع أن يخص إلى الواحد دونهما على الراجح عند بعضهم في كل (وذي الثلاثة على المعرف ... ذي الجنس لاحتمال عهد قد يفي) يعني أن هذه الثلاثة التي هي الجمع المعرف باللام أو الإضافة ومن ما مقدمة على اسم الجنس المعرف باللام أو الإضافة لمفرد لقرب احتمال العهد فيه بخلاف من وما يحتملانه والجمع المعرف فيبعد فيه. تقديم ما خص على ما لم يخص ... وعكسه كل أتى عليه نص ببناء فعلى التخصيص للمفعول وتقديم مبتدأ وعكسه معطوف عليه وكل مبتدأ ثان وجملة أتى عليه نص خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول يعني أن تقديم العام الذي لم يدخله تخصيص على العام الذي دخله تخصيص هو رأي الأصوليين إلا صفى الدين الهندي والسبكي فإنهما قالا: بتقديم ما خص على ما لم يخص ولكل نص أي دليل على ما ذهب إليه فحجة الأولين ضعف المخصص بالخلاف في حجيته وإن المخصص مجاز في الباقي عند الأكثر والعام الذي لم يخص حقيقة في الإطلاق والتناول والحقيقة أولى من المجاز وحجة. القول الثاني أن ما يخص من العام هو الغالب والغالب أولى من غيره وحجته أيضًا أن ما دخله التخصيص يبعد تخصيصه مرة أخرى بخلاف لباقي على عمومه ويقدم العام الأقل تخصيصًا على العام الأكثر تخصيصًا لأن الضعف في الأقل دونه في الأكثر.

إشارة وذات الايما يرتضى ... كونهما من بعد ذات الاقتضا يعني أن الدال بالاقتضاء مقدم على الدال بالإشارة والدال بالإيماء لأن المدلول عليه بالاقتضاء مقصود يتوقف عليه الصدق أو الصحة والمدلول عليه بالإشارة غير مقصود بالأصالة بل بالتبع مع أنه لم تدع إليه ضرورة لصحة الاقتصار على المذكور دون تقديره والمدلول عليه بالإيماء مقصود لا يتوقف عليه الصدق أو الصحة كما تقدم في مبحث المنطوق ويستفاد من التعليل أن الإيماء أقوى من الإشارة لأن مدلوله مقصود للمتكلم قاله المحشي ويقدم ما كان في دلالة الاقتضاء لضرورة صدق المتكلم على ما كان لضرورة صحة وقوع الملفوظ به عقلا أو شرعا قاله حلول. (هما على المفهوم) يعني أن ما دل بالإشارة أو بالإيماء مقدم على ما دل بالمفهوم موافقة كان أو مخالفة لأن دلالة الأولين في محل النطق غير الصريح بخلاف المفهومين. والموافقة ... ومالك غير الشذوذ وافقه أي مفهوم الموافقة مقدم على مفهوم المخالفة وهو مذهب مالك والأكثر لضعف المخالفة بالخلاف في حجيته بخلاف الموافقة فإن الخلاف فيه في جهة الحجية هل هي أكون الدلالة قياسية أو لفظية فهمت من السياق والقرائن أو مجازية نقل اللفظ لها عرفا وقال بعضهم بتقديم مفهوم المخالفة على مفهوم على الموافقة لأن المخالفة تفيد تأسيسا بخلاف الموافقة وأعترض بأن كلا منهما يفيد تأسيسًا إذ غاية الأمر أن ما تفيده المخالفة مخالف للحكم المنطوق وما تفيده الموافقة موافق له قال في الآيات البينات ويمكن أن

الترجيح باعتبار حال المدلول

يجاب بأن المراد أن الموافقة تفيد تأكيدًا باعتبار النوع فأن نوع المنطوق والمفهوم فيها واحد فالنوع الذي أفاده المفهوم هو ما أفاده المنطوق كنوع الإتلاف في أن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا بخلاف المخالفة فإن نوع المنطوق غير نوع المفهوم كنوع وجوب الزكاة في السائمة فإنه غير نوع عدم الوجوب في المعلوفة في خبر في السائمة زكاة وأظن هذا مرادهم وبه يندفع الأشكال انتهى قوله ومالك لخ أي موافقة على تقديم الموافقة على المخالفة والشذوذ جمع شاذ على غير قياس. الترجيح باعتبار حال المدلول أي مدلول أحد الخبرين (وناقل ومثبت) بكسر الموحدة ورفع الصيغتين على الابتداء وخبر كان محذوف أي الناقل مقدم على مقابله ومثبت كذلك والمعنى أن الخبر الناقل عن الأصل الذي هو البراءة الأصلية مقدم على المقرر له عند الجمهور لأن الأول فيه زيادة على الأصل بإثباته حكمًا شرعيًا ليس موجودًا في الأصل وغير الناقل مضمونه مستفاد من البراءة الأصلية وليس حكمًا شرعيًا وقيل يقدم الموافق للأصل على الناقل عنه بأن يقدر مؤخرًا عنه ليفيد تأسيسًا كما أفاد الناقل فيكون ناسخًا له والعمل بالناسخ واجب كحديث من مس ذكره فليتوضأ صححه الترمذي وابن حبان والحاكم ورواه مالك والشافعي وأصحاب السنن كلهم مع حديث الترمذي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم سأله رجل مس ذكره أعليه وضوء قال لا إنما هو بضعة منك والأول هو الناقل قوله ومثبت يعني أن الخير المثبت لحكم شرعي مقدم على الخبر النافي له لاشتمال المثبت على زيادة علم وقيل يقدم النافي لاعتضاده بموافقة الأصل وقيل هما سواء

لتساوي مرجحهما وقيل يقدم المثبت إلا في الطلاق والعتاق فيقدم النافي لهما لأن الأصل عدمهما وحكى ابن الحاجب تقديم المثبت لهما والفرق بين مسألة الناقل ومسألة المثبت أن حاصل مسألة الناقل أن حكم أحد الخبرين موافق للأصل وحكم الآخر مخالف له وحاصل هذه أن أحد الخبرين نصب حصول شيء إلى الشارع والآخر نفى ذلك والتمايز بين هذين الحاصلين ظاهر وجعل زكرياء مسألة المثبت مستثناة من مسألة الناقل لأن المثبت قد يقرر الأصل كالمثبت للطلاق والعتاق إذ الأصل عدم الزوجية والرقية فيعمل بموافق الأصل حينئذٍ ومثلوا لمسألة المثبت والنافي بحديث بلال في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة حين دخلها ركعتين وحديث أسامة في مسلم أنه دعا في نواحي البيت حين دخله ولم يصل مع أن الأول يرجح بكونه في الصحيحين معًا والثاني في مسلم فقط ومثل الباجي لمسألة المثبت والنافي بحديث أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت بعد الفجر حتى فارق الدنيا وحديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم إنما قنت شهرًا يدعو على حي من أحياء بني سليم ثم لم يقنت بعد ومثل لمسألة الناقل وضده بما إذا اقتضى أحدهما الحظر والآخر الإباحة لأن الإباحة تستلزم نفي الحرج المأخوذ من البراءة الأصلية. (والأمر) بعد النواهي ثم هذا الآخر على الإباحة بكسر ميم الأمر يعني أن الخبر الدال على نهي التحريم مقدم على الخبر الدال على الأمر المراد به الوجوب لأن الأول لدفع المفسدة والثاني لجلب المصلحة واعتناء الشارع بدفع المفسدة أشد، قوله: ثم هذا الخ بكسر خاء الآخر يعني أن خبر الآخر الذي هو النهي مقدم على خبر الإباحة لأنه إذا قدم على الأمر "ذي يجلب

المصلحة فلان يقدم على ما خلى من ذلك أولى وهكذا الخ يعني أن خبر الأمر مقدم على خبر الإباحة للاحتياط بالطلب. (وهكذا الخبر ... عنى النواهي وعلى الذي أمر) بفتح ميم أمر يعني أن الخبر المتضمنين للتكليف مقدم على النهي وعلى الأمر لأن الطلب بالخبر وهو الصيغة الخبرية لتحقق وقوع الطلب أقوى منهما فالخبر وأن كان أمرًا في المعنى مقدم على النهي وعليه فمحل ما سبق من تقديم النهي على الأمر في غير الخبر وإنما كان الطلب بالخبر أقوى لأن ذلك الخبر يقتضي ثبوت مطولة في الواقع ويكون هو حكاية عنه إذا كان الخبر غير مراد به الإنشاء أما إذا أريد به الإنشاء كما هنا فلا يكون أقوى وفي الآيات البينات أنه يجوز أن يكون الكلام على التشبيه أي كأنه تحقق وقوعه حيث عبر عنه بصيغة الخبر إذ لا يعبر بصيغة الخبر إلا عما هو بمنزلة المحقق الثابت أو عن ما جعل بمنزلته لشدة قربه من الوقوع حتى كأنه وقع فيه أيضًا أنه يجوز أن تكون الأخبار الطالبة باقية على الخبرية مستلزمه للإنشاء ولا يلزم من بقائها على الخبرية الكذب في كلام الشارع لأنه إنما يلزم إذا حملت على ظاهرها إما إذا حملت على معنى الطلب. فلا مثلا والوالدات يرضعن الآية أن أبقى على خبرتيه وحمل على ظاهرة لزم الخلف لأنا رأينا كثيرًا من الوالدات لا يرضعن أولادهن وأن أبقى عليها وجعل بمعنى يطلب منهن الإرضاع فلا وكذا لا يمسه إلا المطهرون أن أبقى على خبرتيه وحمل على ظاهره لزم الخلف لمس كثير له من المطهرين وأن جعل معناه ألا يباح همه شرعًا إلا للمطهرين فلا.

في خبري أباحة وحظر ... ثالثها هذا كذاك بجري بفتح التحتية من يجري وإشارة القريب للحظر وإشارة البعيد للإباحة يعني أن في تعارض خبر الحظر وخبر الإباحة أقوالًا. الأول تقديم الحظر على الإباحة للاحتياط لأن فعله أن كان حرامًا كان فيه أثم وعقوبة وأن كان مباحًا لا أثم في فعله ولا في تركه واعتناء الشارع بدرء المفاسد أشد من اعتنائه بجلب المصالح فضلًا عمًا لا مصلحة فيه. والثاني تقديم الإباحة على الحظر لاعتضاد الإباحة بالأصل الذي هو نفي الحرج هذا القول القاضي عبد الوهاب في الملخص. ثالث الأقوال هما سواء لاستواء مرجحهما وصححه الباجي إلا أنه فرضه في العلتين إذا اقتضت أحداهما الحظر والأخرى الإباحة. (والجزم قبل الندب) يعني أن الدال على الوجوب مقدم على الدال على الندب احتياطًا البراءة الذمة. والذي نفى ... حدًا على ما لحد فيه ألفًا. ببناء ألف للمفعول بمعنى وجد يعني أن الخبر النافي للحد أو التعزيز مقدم على الموجب لذلك في نافية من اليسر الموافق لقوله تعالى: ((وما جعل عليكم في الدين من حرج)) ولقوله ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)) ولأن الحد يدرأ الشبهات والتعارض شبهة وهذا مستثنى من تقديم المثبت على النافي وقال المتكلمون بتقديم الموجب للحد أو التعزير على

النافي لذلك لأفادته التأسيس بخلاف النافي أي لأن الوجود غير مستفاد من البراءة الأصلية بخلاف النفي وأنه مستفاد منها قال في الآيات البينات ويجاب بأن النفي الشرعي غير مستفاد منها. (ما كان مدلولًا له معقولًا) يعني أن الخبر المعقول المعنى أي معلوم العلة مقدم على المتعبد به أي الذي لم تعرف علته لأن الأول أكثر ولأنه أدعى على الانقياد وأفيد بالقياس عليه قال حلول ويقيد هذا على أصل مالك بما إذا كان في غير باب التعبدات لأن الغالب فيها التعبد لا المعقولية. والغالب فيه التعبد كالصلاة واستشكل تصوير التعارض في هذه المسألة إذ لا يتصور التعارض إلا عند اتحاد متعلق الخبرين إذ مع اختلافه لا تعارض فإذا عقل المعنى من أحد الخبرين صار معقولًا مطلقًا فلا يتصور أن يكون معقولًا في أحدهما غير معقول في الأخر قال في الآيات البينات وقد يجاب بأنه قد يتصور ذلك بنحو أن يقال لا يلزم زيدًا في حال كذا إلا كذا ويذكر أمرًا معقول المعنى ولا يلزم زيدًا في حال كذا إلا كذا ويذكر أمرًا معقول المعنى ولا يلزم زيدًا في حالة كذا يعني الحالة المذكورة إلا كذا ويذكر أمرًا آخر غير معقول المعنى. (وما على الوضع أتى دليلًا) يعني أن الخبر الدال على الوضع مقدم على الدال على التكليف كان يدل أحد الخبرين مثلًا على كون الشيء شرطًا والخبر الآخر على النهي عن فعله في كل حالة وإنما قدم الدال على الوضع لأنه لا يتوقف على الوضع لأنه لا يتوقف على أهلية الخطاب وفهمه والتمكن من الفعل بخلاف الدال على التكليف وقيل يقدم هذا لترتب الثواب عليه دون الوضعي.

(ترجيح الإجماعات)

(ترجيح الإجماعات) أي ترجيح الإجماع على النص وترجيح بعض الإجماعات على بعض. رجح على النص الذي تد أجمعا ... عليه ببناء أجمع للمفعولات وألفه لإطلاق القافية يعني أن الإجماع غير ألسكوتي يقدم على النص عند التعارض لأنه يؤمن فيه النسخ بخلاف النص أما ألسكوتي فيقدم على النص لأنه تجوز مخالفته لدليل أرجح منه وما مر من أن الإجماع القطعي لا يعارضه دليل لا قاطع لاستحالة تعارض القاطعين ولا لإلغائه في مقابلة القاطع فالمراد لا يعارضه معارضه يعتد بها بحيث توجب توقفًا وإلا فلا مانع من وجود دليل ظني يدل على خلافة دلالة ظنية فإن علم دليل المجمعين بعينه وإنه لا دليل لهم غيره ووجد دليل آخر مخالف له يقدم عليه فهل يلزم تقديم النص في هذه الصورة وتقيد حرمة خرق الإجماع بغيرهما أو يلزم امتناع وقوع مثلها عادة لاستلزامه خطأ الإجماع وقد ظل الشرع على انتقائه تردد في ذلك في الآيات البينات وجزم زكرياء بالاحتمال الأول. والصحبي على من تبعا بحذف أحدى ياءي النسب للوزن وكسر الموحدة من تبع يعني أن إجماع الصحابة يقدم على إجماع التابعين وأخرى على من بعدهم لأنهم أشرف وللاتفاق على حجية إجماعهم والخلاف في حجية إجماع غيرهم وكذا يقدم إجماع التابعين على من بعدهم وهكذا قال صفي الدين الهندي تبعًا لابن الحاجب هذا إنما يتصور في الإجماعين

الظنيين لا في القطعيين انتهى نعم ولا في القطعي والظني إذ القطعي مقدم على الظني مطلقًا ورد عليهما الزركشي بأن تعارض الاجماعيين في نفس الأمر مستحيل سواء كانا ظنيين أو قطعيين وظن تعارض الاجماعيين ممكن سواء كانا قطعيين أو ظنيين وحاصله البحث معهما فيما قالاه بأن امتناع تعارض القطعيين في نفس الأمر مسلم وفي الظن ممنوع بل يتصور تعارضهما كالظنيين فلم لا يدخلهما الترجيح الذي هو فرع التعارض وقد سبقه الصفي الهندي إلى هذا البحث في القطعتين من غير تقييد بالاجماعيين وأما قول الغزالي لا ترجيح لعلم على علم فهو بحسب نفس الأمر أما بحسب الاعتقاد والاشتباه فلا مانع من الترجيح والحق أن العلم اليقيني يقبل النقص والزيادة عند الأكثرين كما تقدم قال البخاري في صحيحة قال ابن أبي مليكه أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم من أحد يقول أنا على إيمان جبريل وميكائيل. وقال في المواقف والحق أن التصديق يقبل الزيادة والنقصان بوجهين. الأول القوة والضعف قال السيد لأن التصديق من الكيفيان النفسانية وهي تختلف قوة وضعفًا قال بعضهم وظاهر أن وجود الظنيين إنما يتصور عند غفلة الجمعين، ثانيًا عن الإجماع الأول وإلا لم يجز لهم أن يجمعوا على خلافه لما فيه من خرق الإجماع ويحتمل جوازه بلا غفلة إذا أطلعوا على دليل أقوى من دليل الأوليين ويكون هذا مقيدًا لقولهم لا يجوز خرق الإجماع انتهى.

واعترض عليه قوله عند غفلة المجمعين ثانيًا عن الإجماع الأول بأنه يتبين بتقدم الإجماع عدم انعقاد الإجماع. الثاني لامتناع مخالفة الإجماع فليس هناك إجماع منعقد حتى يحصل التعارض بينه وبين الأول وأجيب بأنه يمكن أن يصور بما لذا كان كل من الاجماعيين سكوتيًا لأن ألسكوتي تجوز مخالفته لدليل بل لا يحتاج في مخالفته إلى إجماع فلكل مجتهد مخالفته وإن لم يحصل إجماع على خلافه. (كذاك ما افترض عصره) يعني أن الإجماع المنقرض عصر أهله مقدم على ما ليس كذلك لضعف الثاني بالخلاف في حجيته قال في الآيات البينات هذا ظاهر إذا استويا رتبة كأن يكونا سكوتيين أو صريحين ظنيين فلو كان المنقرض عصره سكوتيًا والآخر صريحا ففي تقديم الأول عليه وقفة بل لا يبعد العكس للاحتمال في ألسكوتي دون الصريح وانقراض العصر لا يقاوم انتقاء الاحتمال عن الصريح. وقال في الآيات البينات أنه أي ألسبكي سكت عن تعارض الإجماع المنقرض عصره مع سبقه فخلاف الإجماع الذي لم ينقرض عصره لكنه لم يسبق بخلاف وينبغي تقديم الأول لأن محذور السبق بخلاف أضعف من محذور عدم افتراض العصر بدليل جريان قول بأن المسبوق بخلاف أقوى من غير المسبوق به وآخر بتساويهما ولم يجر قول بأن من لم ينقرض عصره اقوي مما أنقرض عصره. (وما فيه العموم وافقوا من علما) بفتح عين علم يعني أن الإجماع الذي وافق فيه العوام مقدم على ما خالف فيه

ترجيح الأقيسة والحدود

العوام لضعف الثاني بالخلاف في حجيته هذا ظاهر عند استوائهما في الرتبة بأن يكونا سكوتيين أو غير سكوتيين لكنهما ظنيان أما لو اختلفا رتبة بأن يكون إجماع الكل سكوتيًا وما خالف فيه العوام غير سكوتي لكنه ظني ففي تقديم الأول عليه نظر لاحتمال ألسكوتي بخلاف الصريح ومجرد موافقة العوام ولا سيما وقد نزرع في ثبوت القول باعتبار موافقتهم لا تقاوم مزية التصريح فلا يبعد حينئذٍ تقديم الثاني قاله في الآيات البينات. ترجيح الأقيسة والحدود الترجيح مبتدأ يتعلق به قوله للقياس خبره بقوة المثبت بصيغة التراجيح بين نوع من المعقولان وهو القياس وبين التصورات نقليه كانت أم لا والترجيح في القياس يكون بما يرجع إلى الأصل أو العلة أو الفرع أو المحلول أو الخارج. بقوة المثبت ذا الأساس ... أي حكمه الترجيح للقياس الترجيح مبتدأ يتعلق بمعقولة للقياس خبره بقوة المثبت بصيغة أسم الفاعل ذا بمعنى صاحب وحكمه بالنصب تفسير له فهو عطف بيان منه يعني أن القياس يرجح بقوة الدليل المثبت حكم الأساس أي الأصل أي يكون دليل حكم الأصل في أحد القياسين أقوى من الآخر كان يدل في أحدهما بالمنطوق وفي الأخر بالمفهوم وكان يدل على حكم الأصل في أحدهما بنص وفي الأخر بظاهر أو بعموم لم يخص، وفي الأخر بعموم خص وغير ذلك مما تقدم في ترجيح الأدلة بحيث يكون دليل حكم أحد القياسيين مقطوعًا به أو أغلب ظن لقوة ظن الترجيح بقوة الدليل. (وكونه موافق السنن) يجر الكون عطفًا على قوة يعني أن القياس يرجح بكونه على سنن القياس بفتح السين أي فرعه من جنس أصله على قياس ليس كذلك لأن فرد الجنس أشبه بفرد الجنس كقياس التيمم على الوضوء في الانتهاء إلى المرفقين فهو أولى من قياسه على السرقة في

القطع من الكوعين ومثاله عند الباجي قياس المالكية قتل البهيمة الصائلة على الصائل من الآدمي في عدم الضمان فهو مقدم على قول الحنفية عليه الضمان لأن من أبيح له إتلاف مال غيره دون إذنه لدفع ضرر عنه يجب عليه الضمان لأن الأول قياس صائل على صائل بخلاف الثاني فالصائد عن سنن القياس هنا غير الصائد عنه المتقدم ذكره في قولنا وليس حكم الأصل بالأساس البيتين. عن بالقطع بالعلة أو غالب ظن عن بمعنى عرض وظهر يعني أن من الظاهر المشتهر عند الأصوليين ترجيح أحد القياسين على الآخر بكونه مقطوعًا بوجود علته في الأصل والأخر ليس كذلك وكذا يرجح بكون علته مظنونًا وجودها في الأصل ظنًا أغلب والأخر موجودة فيه بالظن غير الأغلب فلا يقدم أحدى العلتين المقطوع بهما وان استند القطع بها إلى الحس أو البداهة على الأخرى وان استند القطع بها إلى النظر والاستدلال عقلية كانت أو نقليه أو مركبة منهما وهذا مذهب الأكثر قياسًا على ما سبق في النص من كون الترجيح لا يجري بين المعلومات بناء على أنها لا تقبل احتمال النقيض فلا تقبل التقوية وحجة غير الأكثر إن الحق تفاوت مراتب اليقين في القوة فتقبل التقوية مثال العلة البديهة العلم بأن سم الأفاعي علة لضرر الحيوان في العادة ومثال الحسية إزالة العنق لأنه يعلم وجوده بالحس وهو علة للموت ومثال العقلية المحضة كون العلم علة العالمية ومثال النقلية نحو قوله تعالى كي لا يكون دولة ومثال المركبة منهما إذا دل السمع على إن القلتين من الماء يدفعان الخبث ودل العقل بالحرز أن هذا الماء قلتان أو أكثر بهذه الأمثلة مثل القرافي لقول المحصول العلم بوجود العلة قد يكون بديهيًا أو حسيًا أو استلالًا بعقل محض أو نقل محض أو مركب منهما (وقوة المسلك) بجر قوة عطفًا على قوة في قوله بقوة المثبت يعني أنه يرجح أحد القياسين على الأخر بكون مسلك علته أقوى من مسلك علة الآخر والمسلك الطريق الدال على علية العلة فالإجماع مقدم فأنواع النص فالإيماء فالسير فالمناسبة فالشبه فالدوران وقياس المعنى فأنواع قياس الدلالة وغير المركب عليه أن قبل وبعضهم رجح المركب على غيره.

ولتقدما ... ما أصلها تتركه معمما بصيغة اسم المفعول يعني أن العلة إذا كانت عامة الأصل تقدم على ما تعود على أصلها بالتخصيص لأنها لأكثر فائدة مع أن جواز التعليل بالعائدة على الأصل بالتخصيص قولين وليس المراد لعامة الأصل أن يعم أصلها بل المراد عامة ي أصلها أي عامة في جميع أفراد أصلها أي شاملة لجميعها بوجودها في جميعها فالأصل هو المعلل بها كالنهي الثابت عن بيع البر بالبر إلا متماثلًا علله الشافعي بالطعم وهو موجود في البر مثلًا قليلة وكثيرة فيبقى الدليل على عمومه في جميع جزءيات البر بخلاف الكيل العلة عند الحنفية فلا يوجد في قليله فجوزوا بيع الحفنة منه بالحفنتين فصار الدليل خاصًا بما يتأتى فيه الكيل عادة وأما المالكية المعللون فالظاهر أن مرادهم ما يقتات جنسه ومما تعود العلة فيه على أصلها بالتخصيص تعليل منع بيع اللحم بالحيوان الوارد في الحديث بالمزابنة وهو بيع المعلوم بالمجهول من جنسه فاقتضى ذلك حمل الحديث على الحيوان الذي يقصد للحمه فخرج بهذه العلة أكثر الحيوان وكذا تعليل منع بيع الحاضر للبادي بأن الأعيان عند أهل البادية تقوم بغير مال كالحطب والسمن ونحوه فاقتضى هذا التعليل أن تخرج الأعيان التي اشتراها البدوي وأن نصحه فيها جائز قاله القرافي في شرح التنقيع فإذا تعارض قياسان علة أحدهما عامة في جميع أقراد أصلها وعلة الآخر مخصصة لأصلها قدم الأول. وذات الانعكاس واطراد ... فذات الآخر بلا عناد أي بلا خلاف وذات بالنصب عطفا على ما مر قوله ما أصلها الخ ... وكذلك ذات المضافة للآخر بكسر الخاء المعجمة يعني أن القياس الذي علته مطردة منعكسة مقدم على القياس الذي علته مطردة فقط أو منعكسة فقط لضعف الثانية بالخلاف فيها ثم مطردها فقط على منعكسها فقط لأن ضعف الثانية بعدم الاطراد أشد من ضعف الأولى بعدم الانعكاس عند من قال أن عدم العكس غير قادح في صحة التعليل والصحيح خلافه:

وعلة النص وما أصلان ... لها كما قد مر بجريان علة مبتدأ وما موصول معطوف على المبتدأ صلته جملة أصلان لها وجملة بجريان خبر المبتدأ والكاف ومجروره متعلقان بيجر أي يجريان كما مر من المسائل في تقديم كل مذكور على مقابله فالقياس الذي علته منصوصة مقدم على ما علته مستنبطة لأن النص يدل على العلية أكثر من الاستنباط فإن اجتهاد غير الأنبياء يمكن فيه الخطأ بناء على أن المصيب واحد والنص صواب قطعًا وكذا يقدم القياس الذي علته مأخوذة من أصلين أي دليلين على العلة على ما علته مأخوذة من أصل واحد وكذا يرجح ما علته مأخوذة من ثلاثة أصول فما فوقها على المأخوذة على ثلاثة وهكذا كان يراه عن الشارع أمران فتستنبط علة من كل منهما وأمر آخر تستنبط كل علة منه مثاله أنه ورد عنه صلى الله وعليه وسلم تضمين الغاصب وتضمين المستعير من الغاصب وكل منهما يستنبط منه أن العلة في ضمان مال الغير وضع اليد عليه ولو لغير تلك فيرجح ذلك على ما قال أبو حنيفة من كون العلة وضع اليد للتملك وأن صح استنباط ذلك من تضمين مستلم السلعة والترجيح بكثرة الأصول من باب الترجيح بكثرة الأدلة ومن أمثلته أيضًا قياس الوضوء في وجوب النية على التيمم والصلاة والصوم وغير ذلك من العبادات بجامع أن كلا عبادة قياس الحنفي إياه في عدم وجوبها على غسل النجاسة بجامع الطهارة فالعلة الأولى أولى لأنها تشهد لها أصول كثيرة والثانية لا يشهد لها إلا أصل واحد. (في كثرة الفروع خلف قد ألم) يعني أنهم اختلفوا في العلتين المتعديتين إذا كانت أحدهما أكثر فروعًا فمن قال بالترجيح بالتعدية قال بالترجيح بكثرة الفروع ومن قال لا ترجح المتعدية على القاصرة قال لا يرجح بكثرة الفروع. (وما تقلل تطرق العدم) يعني أن العلة التي يقال فيها احتمال العدم بأن قلت أوصافها أو كانت ذات وصف واحد مقدمة على مقابلتها.

لأن المركب يسري إليه العدم أي البطلان فبطلان كل واحد من أوصافه التي تركب منها فما كان أقل أوصافًا كان أسلم وقيل بتقديم العكس لأن الكثرة أكثر شبهًا. (ذاتية القدم) قد فعل أمر مفعول ذاتية يعني أن العلة الذاتية مقدمة على العلة الحكمية لأن الذاتية ألزم والذاتية هي ما كانت صفة للمحل أي وصفًا قائمًا بالذات كالطعم والأسكار والحكمية هي الوصف الذي ثبت تعلقه بالمحل شرعًا كالطهارة والنجاسة والحل والحرمة. (وذات تعدية) معطوف على ذاتية يعني أن العلة المتعدية ترجح على العلة القاصرة وهو مذهب الجمهور لأنها أفيد للإلحاق بها أو للإجماع على صحة التعليل بها ورجح الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني القاصرة لآن الخطأ فيها أقل وقال القاضي أبو بكر الباقلاني هما سواء مثاله عند الباجي تعليل الملكي حرمة الخمر بالشدة المطربة مع تعليل الحنفي لها بكونها خمرًا فإن الأولى متعدية والثانية قاصرة. (وما احتياطًا عملت مقتضيه) ما موصول معطوف على ذاتية واحتياطًا مفعول مقتضية والمعنى قدم العلة التي تقتضي الاحتياط في الفرض أي الواجب ومن الواجب ترك الحرام على العلة التي لا تقتضي ذلك لأن مذهب أكثر الفقهاء أن الأحوط مرجح كتعليل الربي في البر بالطعم فإنه يقتضي أطراد الحكم في قليله وكثيرة بخلاف تعليله بالكيل فإنه لا يعم القليل منه الذي لا يكال وعلل المحلى تقديم المقتضية احتياطًا في الفرض بأنها أنسب به مما لا تقتضيه قال في الآيات البينات يمكن أن يمثل لذلك بما إذا دار الأمر بين أن تكون العلى في وجوب الطهارة طلق اللمس وإن لم يكن معه شهوة اكتفاء بكونها مظنتها أو اللمس بشهوة فيرجح الأول لأنه أحوط في تحصيل الطهارة التي هي فرض هـ. قال المحلى وذكر الفرض لأنه محل الاحتياط إذ لا احتياط في الندب وأن أحتيط به يعني كما في تقديم الندب على المباح وتعقب في الآيات البينات كون الندب لا يحتاط فيه بأن فعل الفرض يخلص من اللوم وأن لم يكن معه اثم

ولا عقاب فكما يحتاط في فعل الفرض ليتحقق الخلاص من الإثم والعقاب ينبغي ان يحتاط في فعل المندوب ليتحقق الخلاص من اللوم هـ. وتعقبه زكرياء أيضا بأن الاحتياط يجري في غير الفرض كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهية بعض البيوع أو الأنكحة فإنه يسن أن يتنزه عنه انتهى. وقد من ما حكم أصلها جرى ... معللًا وفقًا لدى من غبرًا معللًا بصيغة اسم مفعول حال من حكم ووفقًا متعلق بذلك الحال ولدى متعلق بوفقًا بمعنى الإنفاق والمراد بمن غير أي مضى من أهل العلم يعني أن العلة المتفق علي تعليل حكم أصلها مقدمة على العلة التي لم يتفق على تعليل حكم أصلها لأن الأخيرة في صحة التعليل بها خلاف فهي أضعف من الأولى لأجل الخلاف فيها والمراد بالأصل دليل الحكم قاله في الآيات البينات على الظن وقال شهاب الدين عميرة المراد بأصلها الحكم المعلل بها: بعد الحقيقي أتى العرفي .... وبعد هاذين أتى الشرعي يعني أن الوصف المعلل به إذا كان حقيقيًا يقدم على الوصف العرفي والعرفي مقدم على الوصف الشرعي والحقيقي وما يتعلق في نفسه من غير توقف على عرف أو شرع والحقيقي غير الذاتي الذي تقدم تقديمه على العلة الحكمية لأن المراد بالذاتي ما يكون قائمًا بذات الشيء كالاسكار القائم بذات المسكر والحقيقي لا يلزم أن يكون قائمًا بذات الشيء بل قد يكون خارجًا عنها. (وفي الحدود الأشهر المقدم) هذا شروع في ترجيح الحدود والمقصود هنا الحدود السمعية أي الشرعية كحدود الأحكام الشرعية لا حدود الماهية العقلية فإنها لا يتعلق بها هنا غرض فيقدم الأعراف منها أي الأوضح على الاخفى منها بالنسبة إلى الأعراف وإلا فالأوصاف الخفية.

يمتنع التعريف يها وإنما قدم الأعرف لأنه أفضى على المقصود من التعريف الذي هو معرفة المحدود من الأخفى. وقال العضد من وجوه الترجيح كون المعرف في أحدهما أعرف منه في الآخر قال اللقانى وذلك بأن يكون المعرف في أحدهما شرعيًا وفي الآخر حسيًا أو عقليًا أو لغويًا أو عرفيًا فالحسي أولى من غيره والعقلي من العرفي ومن الشرعي والعرفي من الشرعي كما في الآيات البينات وسميت حدودًا سمعية لأنها نفسها مسموعة من الشارع والحد عند أهل الأصول يشمل الحد والرسم عند أهل المنطق ومشينًا في قولنا والحد سائر الرسوم سبقًا على اصطلاح أهل المنطق. (وما صريحًا أو أعم يعلم) ببناء يعلم للمفعول ونائب المفعول ضمير مستثير راجع على ما الموصولة الواقعة على الحد يعني أن الحد الصريح والأعم يقدم كل منهما على مقابله أما صريح اللفظ فيقدم على غير الصريح بسبب تجوز أو اشتراك أو غرابة أو اضطراب أي اختلاف في معناه مع قرينة واضحة في كل واحد مما ذكر وليس ذلك مانعًا من تقديم الصريح على غيره لأن القرينة وغن اتضحت قد يطرقها الخفاء والاشتباه وكذا يقدم الحد الأعم على حد أخص منه لكونه يتناول ما يتناوله الأخص ويزيد عليه. (وما يوافق لنقل مطلقًا) يعني أن الحد الموافق للنقل يقدم على غيره سواء كان النقل شرعيًا أو لغويًا فالحد الموافق للمعنى الشرعي يقدم على مقابله وكذلك الموافق للمعنى الأول أي الذي وضع له اللفظ لغة يقدم على ما خالف الوضع اللغوي لأن التعريف بما يخالفهما غنما يكون لنقل اللفظ عن المعنى المقرر فيهما والأصل عدم النقل فالموافق لواحد منهما يكون أولى لبعده من الخلل لكونه أقرب إلي الفهم ولأنه أغلب على الظن وصورة المسألة كما في الآيات البينات أن يكون تعريف واحد يدور الأمر فيه بين حمله على المعنى الشرعي أو اللغوي وحمله على غيرهما فيحمل على غيرهما لأن الأصل عدم النقل عنهما وتصور أيضًا بان يكون هناك

تعريفان محتملان احدهما باعتبار المعنى الموافق لأحدهما والآخر باعتبار المعنى المخالف له ويقدم موافق نقل الشرع على موافق نقل اللغة والعرفي داخل في مقابل موافق الشرع واللغة وهذا إنما عند الاحتمال أو التردد وما تقدم في العلل من تقديم الحقيقي ثم العرفي ثم الشرعي إنما هو عند تحقق الحال من كونه شرعيًا أو غيره. (والحد سائر الرسوم سبقًا) الألف للإطلاق وسائر مفعول سبق يعني أن الحد تامًا كان أو ناقصًا مقدم على الرسم تامًا كان أو ناقصًا فالمعرف بالأمور الذاتية أولى لأنه مشارك للمعرف بالأمور العرضية في التمييز ومترجح عليه بتصوير معنى المحدود والرسم التام غير ذاتي لأن المركب من الذاتي وغير الذاتي غير ذاتي. وقد خلت مرجحات فاعتبر ... وأعلم بأن كلها لا ينحصر بكسر جيم المرجحات يعني انه تقدم ذكر مرجحات كثيرة في هذا النظم فاعتبرها فقد تركنا ذكرها هنا حذرًا من التكرار والتكثير منها تقديم بعض المفاهيم المخالفة على بعض وتقديم المعنى الشرعي على العرفي والعرفي على اللغوي وتقديم بعض ما يخل بالفهم على بعض كالمجاز على الاشتراك وتقديم القياس على خبر الواحد إلى غير ذلك وأعلم أن المرجحات لا تنحصر فيما ذكر في هذا الباب ولا فيما ذكر في غيره من أبواب النظم وأشار إلى ما تدور عليه في الغالب بقوله: قطب رحاها قوة المظنة ... فهي لدى تعارض مئنة يعني أن قطب رحى المرجحات الذي تدور عليه غالبًا هو قوة المظنة بكسر الظاء المشالة أي الظن في ترجيح أمر على مقابله أو ترجيح بعض المذكورات على بعض دون مقابلة فهو أي قوة الظن عند تعارض الأمرين مئنة أي علامة على الترجيح قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه تقصير الخطبة وتطويل الصلاة مئنة فقه الرجل مفعلة بفتح الميم وكسر العين من أن المشددة التأكيدية ومعناها مكان يقال فيه أنه كذا وقد يكون المرجح قطعيًا وقد يكون مجرد الظن دون غلبة فإذا حصل الظن بوجود مرجح لأحد المتعارضين اعتمد عليه قاله في الآيات البينات:

(كتاب الاجتهاد في الفروع)

(كتاب الاجتهاد في الفروع) وهو المراد بالاجتهاد عند الإطلاق والاجتهاد من الجهد بالفتح والضم بذل الطاقة فيما فيه مشقة يقال اجتهد في حمل الصخرة العظيمة ولا يقال اجتهد في حمل النواة وقال القرافي فرقت العرب بين الجهد بفتح الجيم وضمها فبالفتح المشقة وبالضم الطاقة ومنه والذين لا يجدون إلا جهدهم أي طاقتهم والاجتهاد في الاصطلاح ما أشار له بقوله: (بذل الفقيه الوسع أن يحصلًا ... ظنا بأن ذاك حتم مثلًا) يعني أن الاجتهاد في اصطلاح أهل هذا الفن هو بذل الفقيه وسعه بضم الواو أي طاقته في النظر في الأدلة لأجل أن يحصل عنده الظن أو بالقطع بأن حكم الله في في مسئلة كذا أنه واجب أو مندوب أو مباح أو مكروه أو حرام ولذلك قلنا مثلًا بالتحريك وخرج بالفقيه المقلد وخرج استفراغ غير الفقيه طاقته لتحصل ما ذكر والظن المحصل اللازم للاستفزاع المذكور هو الفقه المعرف أوب الكتاب واستفراغ الفقيه طاقته لتحصيل قطع بحكم عقلي. (وذاك مجتهد رديف) ذاك إشارة إلى الفقيه المذكورة في تعريف الاجتهاد يعني أن الفقيه والمجتهد مترادفان في عرف أهل الأصول والفقيه في عرف الفقهاء من تجوز له الفتوى من مجتهد ومقلد وفي العرف اليوم من مارس الفروع وأن لم تجز له الفتوى وتظهر ثمرة ذلك فيما كالوصية والوقف على الفقهاء ومن تجوز له الفتوى المجتهد المطلق والمجتهد المقيد مجتهد مذهب كان أو مجتهد فتيا وغير المجتهد إذا كان عالما بالأصول أو جاهلًا لها بشرطه الأتي في قولنا لجاهل الأصول البيت ولحقيقة المجتهد شروط ذكرها بقوله. (وما له يحقق التكليف) ما مبتدأ خبره التكليف ويحقق مبنى للفاعل والضمير المجرور للمجتهد يعني أن المجتهد لا يكون مجتهدًا إلا

إذا ثبتت له هذه الشروط التي منها التكليف لأن غير المكلف من صبى ومجنون لم يكمل عقله حتى يعتبر قوله وأحرى أن لم يكن له عقل أصلًا. (وهو شديد الفهم طبعا) يعني أن المجتهد لابد فيه أن يكون شديد الفهم طلعا أي سجية لمقاصد الشارع في كلامه لأن الفقيه المرادف له من فقه الإنسان بالضم إذا صار الفقه سجية له لأن غيره لا يتأتي له الاستنباط المقصود بالاجتهاد: (واحنلف ... فيمن بانكار القياس قد عرف) يعني أنه وقع الخلاف فيمن أنكر حجية القياس من المجتهدين كالظاهرية هل يعد من أهل الاجتهاد وهو اختيار السبكي والقاضي عبد الوهاب إذ لا يخرجه انكار القياس عن فقاهة النفس أولا يعد منهم وهو خارج بانكاره عنها أولا يعد إذا انكر القياس الجلى لخروجه بانكاره عنها لظهوره جموده. قد عرف التكليف بالدليل ... ذي العقل قبل صارف النقول يعني أن من شروط المجتهد أن يكون عارفا بأنه مكلف بالتمسك بالجليل العقلي أي البراءة الأصلية إلى أن يصرف عنه صارف من النقل أي الشرع فإن صرف عنه ذلك الصارف عمل بذلك الصارف كان ذلك الصارف نصًا أو إجماعًا أو قياسًا وسميت البراءة الأصلية دليلًا عقليا لأنها موجودة من العقل والنقول جمع نقل. والنحو والميزان واللغة مع ... علم الأصول وبلاغة جمع النحو مفعول جمع قدم عليه والاثنان بعده معطوفان عليه يعني أنه يشتط في المجتهد أن يكون عارفا بالنحو الشامل للتصريف وعارفًا بعلم المنطق وهو المراد بالميزان أي عارفًا بالمحتاج إليه منه كشرائط الحدود والرسوم وشرائط البراهين وعارفًا باللغة عربية كانت أو شرعية.

أو عرفية وعارفا بعلم الأصول وبعلم البلاغة من معان وبيان وكلما كمل معرفة واحد من تلك العلوم كان الاجتهاد أتم ولا يقال كيف تشترط معرفة علم الأصول مع أن جمهور المجتهدين كانوا متبحرين في الاجتهاد ولم يكن هذا العلم إذ ذاك مدونا بل يكفي كونه ذا فهم صحيح لأنا نقول ليس المراد معرفته بهذه الاصطلاحات الحادثة بل المراد معرفة ذات قواعده مدونة كانت أم لا عرفها بالطبع أو التعلم وإلا لزم عدم اشتراط العربية وغيرها فإن أكابر الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا في غاية في الاجتهاد ولم تكن إذ ذاك العربية ولا غيرها مدونة وقد تقدم هذا في قولنا أول من آلفه في الكتب الخ: وموضع الأحكام دون شرط ... حفظ المتون عند أهل الضبط بنصب موضع بالعطف على النحو يعني أنه يشترط في المجتهد أن يكون عارفا بمواضع الأحكام من المصحف والأحاديث ولا تنحصر آيات الأحكام في خمسمائة آية على الصحيح قال القرافي ولا يشترط حفظ المتون أي ألفاظًا تلك الآيات والأحاديث عند أهل الضبط أي الإتقان وهم أهل الفن وأن كان حفظها أحسن وأكمل بل يكفيه في الأحاديث أن يكون عنده من كتبها ما إذا راجعه فلم يجد فيه ما يدل على حكم الواقعة ظن أنها لا نص فيها ومثله الرافعي بسنن أبي داوود واعترض بأن سنن أبي داوود لم يستوعب الصحيح من أحاديث الأحكام ولا معظمه. قال المحلى أما علمه بآيات الأحكام وأحاديثها أي مواقعها وأن لم يحفظها فلأنه المستنبط منه وأما علمه بأصول الفقه فلأنه يعرف به كيفية الاستنباط وغيرها مما يحتاج إليه وأما علمه بالباقي فلأنه لا يفهم المراد من المستنبط منه ألا به لأنه عربي بليغ انتهى. وقال حلولو الخامس كونه عارفًا بالعربية من لغة وصناعة نحو وبلاغة على وجه يتيسر به فهم خطاب العرب وعادتهم في الاستعمال والتوصل إلى التمييز بين صريح الكلام وظاهره ومجمله ومجازه وعامه وخاصة وما في معنى ذلك انتهى.

(ذو رتبة وسطى في كل ما غبر) يعني أنه يشترط في المجتهد أن يبلغ الرتبة الوسطى في كل ما غبر أي مضى ذكره من العلووم فلا يكفيه الأقل ولا يحتاج إلى بلوغ الغاية وقيل يشترط التبحر فيما يختلف بسببه المعنى ويكتفي بالتوسط فيما عدى ذلك ويجب في معرفة اللغة الزيادة على التوسط حتى لا يشذ عنه المستعمل في الكلام في غالب الأوقات وعلى هذا لا تشترط معرفة الغريب الوحشي وهو منسوب إلى الوحش الذي يسكن القفاز استعير للألفاظ التي لم يعهد التكلم بها كقوله تكاكاتم على تكاكاكم على ذي جنة أفر نقعوا عنى. (وعلم الاجماعات مما يعتبر) علم مبتدأ خبره مما يعتبر يعني أن معرفة مواضع الإجماع شرط في إيقاع الاجتهاد كي لا يخرقه لا شرط في كونه صفة فيه بحيث لا يوصف الشخص بقيام الاجتهاد الذي هو الاقتدار على الاستنباط بدون معرفته لذلك وكذلك يشترط معرفة مواضع الخلاف خوف أحداث تفصيل أو قول ثالث كما تقدم في كتاب الإجماع والمراد بمعرفة مواضع الإجماع معرفتها ولو إجمالاً بأن يعرف أن مسئلته المجتهد هو فيها ليست من مسائل الإجماع. (كشرط الآحاد وما تواترا) الكاف للتشبيه يعني أنه يشترط في إيقاع الاجتهاد كونه عارفًا شروط الخبر المتواتر من كونه خبر جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب عن محسوس وعارفًا شروط خبر الآحاد وهو ما فقد فيه قيد من تلك القيود وإنما اشترط ذلك ليقدم عند التعارض المتواتر على خبر الآحاد وإذا لم يكن عارفًا ذلك فقد يعكس لكن معرفة ما ذكر من علم الأصول أنه شرط في اتصافه بالاجتهاد عند غير تقى الدين السبكى. (وما صحيحًا أو ضعيفًا قد جرى) جملة قد جرى صلة ما وصحيحًا حال من فاعل جرى وضعيفًا معطوف عليه يعني أنه يشترط ي إيقاع الاجتهاد كونه عارفا بالشروط التي يكون بها الحديث صحيحًا أو ضعيفًا فيقدم الصحيح على الضعيف إذا تعارضًا والحسن داخل في الصحيح كما هو اصطلاح الأقدمين وقد يعكس إذا لك يعرف ذلك.

(وما عليه أو به النسخ وقع) يعني أنه يشترط في إيقاع الاجتهاد معرفة ما وقع عليه النسخ وهو المنسوخ ومعرفة ما وقع به النسخ وهو الناسخ ليقدم الثاني على الأول وإلا فقد يعكس والمراد أن يعرف أن هذا ناسخ وهذا منسوخ وإلا فمعرفة حقيقة الناسخ والمنسوخ داخلة في علم الأصول. (وسبب النزول شرط متبع) يعني أن معرفة أسباب النزول في الآيات والأحاديث شرط متبع بصيغة اسم المفعول أي متفق عليه في إيقاع الاجتهاد فإن معرفة ذلك ترشد إلى فهم المراد. (كحالة الرواة والأصحاب) يعني أن معرفة أحوال رواة الحديث ومعرفة أحوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم شرط في إيقاع الاجتهاد أعنى أحوال الرواة من رد وقبول وزيادة في الثقة والعلم والورع فيعمل برواية المقبول دون غيره ويقدم الزائد على غيره ويكون الرد لكذبه أو تهمته بالكذب أو فحش غلطه أو غفلته أو فسقه أو مخالفته للثقات أو كونه مجهولًا أو بدعته أو سوء حفظه ولابد من معرفته أحوال الصحابة من أحكام وفتاوي وزيادة في الفقه والورع ومن الأكبر والأصغر فتقدم الفتوى لعمومها والحكم قد يخص ويقدم الزائد على غيره وكذا موافق قول الأعلم منهم يقدم على موافق غيره ورواية الأكابر مقدمة على رواية الأصاغر فظهر لك رد قول المحلى لا حاجة إليه أي معرفة أحوالهم وكثيرًا ما يعتمد الإمام مالك آثار الماضين في الترجيح بين الأحاديث وجعلي معرفة علم الاجماعات وما بعده إلى هنا شرطًا في إيقاع الاجتهاد لا لكونه صفة ذاتية له إنما هو تبع لتقي الدين السبكي وقال في الآيات البينات أن لقائل أن يقول لم كانت هذه الأمور معتبرة لإيقاع الاجتهاد لا لتحققه ومعرفة متعلق الأحكام من كتاب وسنة بالعكس انتهى. (وقلدن في ذا على الصواب) ذا إشارة إلى جميع ما ذكر من الشروط يعني أن معرفة الاجماعات إلى معرفة أحوال الصحابة يعني أنه يكفي في زمان تاج الدين السبكي فضلًا عما بعده تقليد أئمة كل من الشروط على الصواب فإن فقدوا فالكتب المصنفة في ذلك فيرجع في

الأحاديث إلى الكتب المشهورة بالصحة كصحيح البخاري ومسلم وصحيح ابن حبان وابن خزيمة وأبي عوانة وابن السكن وكذا المستخرجات وموطأ مالك وفي أحوال الصحابة إلى الاستيعاب لابن عبد البر وإلى الإصابة لابن حجر ونحوهما وفي أحوال الرواة إلى «المدارك» لعياض والميزان للذهبي ولسان الميزان لابن حجر وفي الإجماعات إلى إجماعات ابن المنذر وابن القطان ونحو ذلك وفي أسباب النزول إلى أسباب النزول للسيوطي. وهكذا ومقابل الصواب قول الإبياري لا يكفي التقليد فيما ذكر لأنه إذا قلد في شيء ما ذكر مقلدًا فيما يبنى عليه عليه لا مجتهدًا وفيه نظر إذ المدار على غلبة الظن: وليس الاجتهاد ممن قد جهل ... علم الفروع والكلام ينحظل يعني أن المجتهد يجوز أن يكون جاهلًا لعلم الفروع أي المسائل التي استخرجها غيره أو استخرجها هو بنفسه مع أن القسم الثاني يلزم في اشتراطه الدور. قال الإمام الرازي وأما تفاريع الفقه فلا حاجة إليها لأن هذه التفاريع يولدها المجتهدون بعد أن فازوا بمنصب الاجتهاد فكيف تكون شرطًا فيه انتهى. واشتراطه أبو إسحاق الاسفراييني وصحح بعضهم كونه شرطًا في إيقاع الاجتهاد وليس بصفة للمجتهد لكن الواقع بعد زمان الصحابة أن الاجتهاد إنما يكون بعد ممارسة الفقه بخلاف زمان الصحابة مع إمكان سلوك طريق الصحابة لغيرهم وليس عدم اشتراط معرفة الفقه منافيًا لقولهم الفقيه العالم بجميع الأحكام لأن المراد به المتهيئ والمنفي هنا العلم بالفعل وكذا يجوز أن يكون المجتهد جاهلًا لعلم الكلام لإمكان الاستنباط ممن يجزم بعقائد الإسلام تقليدًا بناء على صحة إيمان المقلد سواء قلنا أنه عاص بترك النظر أو غير عاص به وقال الإبياري من المالكية الصحيح عندنا اشتراطه ولعله على طريقة المتكلمين من معرفة البراهين الاقترانية والاستثنائية وإلا فلا خلاف وفيه نظر لأن كثيرًا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم مجتهدون ولا يعرفون براهين الكلام إلا أن يقال أنها مركوزة في عقولهم وإنما

الحادث بعدهم الألفاظ الاصطلاحية كما تقدم في معرفة علم الأصول قال شهاب الدين عميرة الظاهر أن جملة المتضايفين لقب لأصول الدين وحينئذ ففي كلامه مضاف محذوف أي معرفة علم الكلام فإن كان المضاف إليه هو اللقب فقط فلا حذف انتهى. (كالعبد والأنثى) يعني أنه كما لا يشترط في تحقق الاجتهاد علم الكلام وتفاريع الفقه لا يشترط عدم الأنوثة وعدم العبودية بل يجوز أن يكون المجتهد عبدًا أو أنثى لجواز أن يبلغ بعض النساء مرتبة الاجتهاد وقد وقع ذلك في عائشة رضي الله تعالى عنها وإن كن ناقصات عقل عن الرجال في الجملة لا في كل الأفراد وكذا يجوز في بعض العبيد ولا تمنعه خدمة سيده إذ قد ينظر حال التفرغ منها والأصح انه يشترط أن يعرف من الحساب ما تصح به المسائل الحسابية الفقهية ولا يشترط عدم العداوة وعدم القرابة إن كان مفتيًا قاله حلولو: كذا لا تجب ... عدالة على الذي ينتخب يعني أن أهل الأصول لا يجب عندهم في المجتهد أن يكون عدلًا وقد تقدم تعريفه في كتاب السنة لجواز أن يبلغ الفاسق مرتبة الاجتهاد وقيل تشترط ليعتمد على قوله كذا جعل المحلي تبعًا للزركشي هذا مقابل الأصح وقد تعقبهما فيه أبو زرعة بما حاصله أنه لا تخالف بينهما إذ لم يتواردا على شيء واحد فإن إشتراط العدالة لاعتماد قوله لا ينافي عدم اشتراطها للاجتهاد إذ الفاسق يلزمه الأخذ باجتهاد نفسه وإن لم يجز لغيره اعتماد قول قال المحشى وهو تعقب متجه قال حلولو والعدالة شرط في قبول فتواه لا أعلم في ذلك خلافًا. انتهى. (هذا هو المطلق) يعني أن المجتهد الذي تقدم ذكر شروطه هو المجتهد المطلق وهو الناظر في الأدلة الشرعية من غير التزام مذهب إمام معين كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وأما المجتهد المقيد فهو ما أشار إليه بقوله: والمقيد ... منسفل الرتبة عنه يوجد

المقيد بصيغة اسم المفعول مبتدأ خبره جملة يوجد بالبناء للمفعول ومنسفل مفعول ثان له وعنه متعلق بمنسفل يعني أن المجتهد المقيد دون المطلق بصيغة اسم المفعول في الرتبة لأن المطلق أصله وقد روته ورفعته على التابع في الفروع معلومة والمجتهد المقيد قسمان مجتهد المذهب ومجتهد الفتيا وأشار إلى تعريف المجتهد المقيد من حيث هو بقوله: ملتزم أصول ذاك المطلق ... فليس بعدوها على المحقق بصيغة اسم المفعول يعني أن المجتهد المقيد هو الملتزم مراعات مذهب معين فصار نظره في نصوص إمامه كمنظر المطلق في نصوص الشارع فلا يتعداها إلى نصوص غيره على المشهور خلافًا للخمي فإنه يخرج على قواعد غيره وقد عيب عليه ذلك حتى قال أبن غازي: لقد هتكت قلبي سهام جفونها ... كما هتك اللخمي مذهب مالك وبدأ بتعريف مجتهد المذهب لأنه أعلى رتبة من مجتهد الفتيا فقال: مجتهد المذهب من أصوله ... منصوصة أم لا حوى معقولة وشرطه التخريج للأحكام ... على نصوص ذلك الاعام أصوله مبتدأ والضمير للمذهب وجملة حوى معقولة خبره والجملة كلها صلة من وهو خبر مجتهد ومعقولة بمعنى عقله فاعل حوى ومفعوله محذوف أي حواها عقله وحفظه حال كون تلك الأصول والقواعد منصوصة للإمام المقلد بفتح اللام أو مستنبطة من كلامه فكثيرًا ما يستخرج أهل المذهب الأصول أي القواعد وفاقية أو خلافية من كلام إمامهم والشرط المحقق لمجتهد المذهب أن يكون له قدرة على تخريج الأحكام على نصوص إمامه الملتزم هوله فالوجوه هي الأحكام التي

يبديها على نصوص إمامه ومعنى تخريج الوجوه على النصوص استنباطها منها كان يقيس ما سكت عنه على ما نص عليه لوجود معنى ما نص عليه فيما سكت عنه سواء نص إمامه على ذلك المعنى أو استنبطه هو من كلامه وكان يستخرج حكم المسكوت عنه من دخوله تحت عموم ذكره أو قاعدة قررها وقد يستنبط صاحب الوجوه من نصوص الشارع لكن يتقيد في استنباطه منها بالجري على طريق إمامه في الاستدلال ومراعاة قواعده وشروطه فيه وبهذا يفارق المجتهد المطلق فإنه لا يتغير بمذهب غيره ولا بمراعاة قواعده وشروطه فيه فإذا قالوا فلان من أصحاب الوجوه فمرادهم أنه مجتهد المذهب وهو المتبحر المتمكن من تخريج الوجوه على نصوص إمامه: مجتهد الفتيا الذي يرجح ... قولًا على قول وذاك أرجح يعني أن مجتهد الفتيا بضم الفاء هو المتبحر في مذهب إمامه المتمكن من ترجيح قول له على آخر أطقهما ذلك الإمام بأن لم ينص على ترجيح واحد منهما على الآخر والمتمكن من ترجيح قول أصحاب ذلك الإمام على قول آخر أطلقوهما قوله وذاك أرجح يعني أن مجتهد المذهب أعلى رتبة من مجتهد الفتوى بفتح الفاء: لجاهل الأصول أن يفتي بما ... نقل مستوفي فقط وأمما هذه مرتبة رابعة ليست من الاجتهاد في شيء وهو أن يقوم بحفظ المذهب وفهمه في الواضحات والمشكلات ومعرفة عامة وخاصة ومطلقة ومقيدة لكن عنده ضعف في تقرير أدلته وتحرير أقيسته بجهله بالأصول فهذا يعتمد نقله وفتواه فيما يحكيه من مسطورات مذهبه وما لا يجده منقولًا إن وجد في المنقول معناه بحيث يدرك بغير كبير فكر أنه لا فرق وكذا ما يعلم اندراجه تحت قاعدة من قواعد مذهبه وما ليس كذلك يجب إمساكه عن الفتوى به ولا يجوز لأحد العمل به ويشترط في صاحب هذه المرتبة الرابعة أن يكون شديد الفهم ذا حظ كثير من الفقه قوله

مستوفى بصيغة اسم المفعول ومعنى استيفائه له حفظ ما فيه من الروايات والأقوال وعلم عامها وخاصها ومطلقها ومفيدها كما تقدم قوله فقط أي دون ما لم يستوفه فلا يجوز الاقتداء به فيه قوله وأمما فعل أمر أي اقتد به فيما نقل مستوفي وهذه الرتبة هي التي تلي رتبة المجتهدين الثلاثة: يجوز الاجتهاد في فن فقط ... أو في قضية وبعض قد ربط يعني أن الصحيح الذي عليه الأكثر جواز تجزي الاجتهاد بأنواعه الثلاثة في فن دون غيره من الفنون كالانكحة دون البيوع والعكس ومن عرف الفرائض مثلًا لا يضره جهله بعلم النحو ومن عرف القياس فله أن يفتي في مسئلة قياسية إذا علم عدم المعارض ولا يضره جهله بعلم الحديث وكذا يجوز أن يبلغ رتبة الاجتهاد في قضية أي مسئلة دون غيرها ووقع لأبن القاسم وغيره في مسائل معدودة خالفوا فيها مالكًا رحمه الله تعالى وبعضهم يقول إن المخالفة فيها باعتبار أصوله لا أنهم نظروا فيها نظرًا مطلقًا كما هو كثير من اللخمي وقيل لا يجوز لارتباط العلوم والمسائل بعضها ببعض لاحتمال أن يكون فيما لم يبلغ رتبة الاجتهاد فيه معارض لما بلغها فيه بخلاف من أحاط بالكل ونظر فيه وليس من تجزي الاجتهاد قول المجتهد في بعض المسائل لا أدري وأجابته عن البعض كما ظنه بعضهم لأنه متهئ لمعرفة ذلك إذ أصرف النظر إليه كما تقدم في قولنا والعلم بالصلاح إلخ ... وقد يتجزأ الاجتهاد لمن دون مجتهد الفتيا وهو صاحب المرتبة الرابعة قاله في الآيات البينات: والخلف في جواز الاجتهاد أو ... وقوعه من النبي قد رووا فاعل رووا ضمير أهل الأصول يعني أن متأخري الأصوليين كابن الحاجب والسبكي والقرافي نقلوا عن متقدميهم الخلاف في جواز اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه

وفي وقوعه بناء على جوازه فالصحيح وهو مذهب الجمهور جوازه وعداه بعضهم إلى سائر الأنبياء لوقوعه كما في الأدلة الآتية وقال بعض الشافعية والجباء وأبنه من المعنزلة بالمنع لقدرته على اليقين بالتلقي من الوحي بأن ينتظره والقادر على اليقين في الحكم لا يجوز له الاجتهاد فيه اتفاقًا ورد بأن إنزال الوحي ليس في قدرته وبعدم انحصار سبب اليقين في التلقي من الوحي لأن الصواب في اجتهاد أنه لا يخطئ فيكون الاجتهاد أيضًا سبب اليقين فلا يتم الدليل على منع الاجتهاد إلا إذا كان هذا المانع من القائلين بأن اجتهاده قد يخطئ وقال بعضهم يجوز اجتهاده في الآراء والحروب ويمنع في غيرهما جمعًا بين الأدلة وقال أكثر المحققين بالوقف وقال عياض لا خلاف أنه له ذلك في الأمور الدنيوية كترك تلقيح النخل وأن له الرجوع في ذلك إلى غيره وقال في الآيات البينات أن القرافي أدعى أن محل الخلاف في الفتاوي وأن الأقضية يجوز فيها من غير نزاع قال وقد يفرق بأن القضاء غالبًا يترتب على النزاع والخصومة والشارع ناظر إلى المبادرة إلى فصل ذلك بقدر الإمكان وفي وقوعه مذاهب الوقوع وهو مختار الأمدي وأبن الحاجب السبكي لقوله تعالى ((وشاورهم في الأمر)) ((وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث)) الآية ((ما كان لنبيء أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)) ((عفا الله عنك لم أذنت لهم)) عوتب على استبقاء أسرى بدر بالفداء وعلى الإذن لمن ظهر نفاقهم في التخلف عن غزوة تبوك ولا يعاتب فيما صدر عن وحي فيكون عن اجتهاده وقال بعضهم بعدم الوقوع وقال بعضهم بالوقف وصححه الغزالي. تنبيه: إذا قاس النبي صلى الله عليه وسلم فرعًا على الأصل جاز القياس على هذا الفرع عند الغزالي لأنه صار أصلًا بالنص قال وكذا لو اجتمعت الأمة عليه وخالفه الأبياري من المالكية ورأى أنه بمنزلة الفرع الثابت حكمه من المجتهد وعليه فمن يقيس على الفرع يقيس عليه ومن لا فلا.

(وواجب العصمة يمنع الجنف) بالتحريك الميل والخطأ يعني أن اجتهاده صلى الله عليه وسلم لا يخطئ لوجوب العصمة له بناء على جوازه هذا إذا قلنا أن المصيب واحد وأما إذا قلنا أن كل مجتهد مصيب فلا خلاف في ذلك وكونه لا يخطئ في اجتهاده هو الحق والمختار ومذهب المحققين ونقل الأمدي عن جماعة جواز مقابله وهو قول مستبشع إلا أن قائله يقول لا يقر عليه بل ينبه سريعًا والصواب امتناع الخطأ على غيره من الأنبياء إما مطلقًا وإما من غير تنبيه عليه سريعًا خلافًا للماوردي وأبن أبي هريرة في تجويزهما الخطأ عليهم دونه من غير تنبيه عليه ورد بأنه نقص لا يليق بمنصب النبوءة. (وصحح الوقوع عصره السلف) بنصب عصره على الظرفية يعني أن الصحيح أن اجتهاد غيره صلى الله عليه وسلم جائز وواقع في عصره مطلقًا وقيل لا وثالثها لم يقع للحاضر في قطره صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره وقيل بالوقف واستدل على الوقوع بأنه صلى الله عليه وسلم حكم سعد بن معاذ في بني قريظة فقال تقتل مقاتلهم وتسبي ذريتهم فقال صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بما حكم الله تعالى به ويقول أبي بكر يوم حنين لاها الله إذا لا يعتمد إلى أسد من أسود الله تعالى يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال صلى الله عليه وسلم صدق فأعطاه إياه والأحاديث في ذلك كثيرة جدًا يفيد مجموعها التواتر المعنوي. (ووحد المصيب في العقلي) وحد فعل أمر مفعوله المصيب يعني أن المصيب من المختلفين في العقليات وهي ما لا يتوقف على سمع واحد وهو من صادف الحق لتعينه في نفس الأمر ومعنى كونه واحدًا أنهم لا يصيبون جميعًا بل إما أن يخطأ جميعهم أو يصيب واحد منهم فقط والعقليات كحدوث العالم وثبوت الباري وصفاته سبحانه وبعثه الرسل وقولنا وهي ما لا يتوقف على سمع يشمل ما يمكن إثباته في السمع ككون الصانع ممكن الرؤية. (ومالك رآه في الفرعي) يعني أن الإمام مالكًا رحمه الله تعالى ذهب إلى توحيد المصيب من المجتهدين المختلفين في الفرعيات أي مسائل

الفقه التي لا قاطع فيها وهو الأصح من مذهبه وهو مذهب الجمهور حجة الجمهور أنه تعالى شرع الشرائع لتحصيل المصالح الخالصة أو الراجحة أو لدرء المفاسد كذلك ويستحيل وجودها في النقيضين فيتحد الحكم: فالحكم في مذهبه معين ... له على الصحيح ما يبين معين بصيغة اسم المفعول ويبين بالبناء للفاعل يعني أن حكم الله تعالى في الواقعة معين قبل حصول الاجتهاد فيها على مذهب مالك القائل بأن المصيب واحد لكنه غير معلوم لنا فمن أصاب ذلك الحكم المعين فهو المصيب ومن أخطاه فهو المخطئ ولذلك الحكم المعين ما يبينه أي يظهره للمجتهد من إمارة أي دليل ظني وقيل قطعي فإن أخطأه لم يأثم لغموضه ولم يذهب إلى التأثيم حالة الخطأ إلا المريسي من المعتزلة وقيل لا دليل على ذلك الحكم المعين لا قطعي ولا ظني أي ليس بينه وبين شيء ارتباط ينتقل به إليه بل هو كدفين يعثر عليه بالاتفاق والنصوص أسباب عادية للمصادفة كالمشي إلى محل الدفين والقول بأن عليه دليلًا هو الصحيح: مخطئه وإن عليه انحتما ... إصابة له الثواب ارتسمًا بالبناء للفاعل كالفعل قبله وله متعلق بارتسم بمعنى ثبت يعني أن المجتهد إذا أخطأ ذلك الحكم المعين يثبت له الأجر لبذله وسعه في طلبه قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) والأجر ثابت وإن قلنا إن المجتهد واجب عليه إصابة ذلك الحكم لإمكانها وأحرى في ثبوت الأجر له إذا مشينا على القول بأن المجتهد غير واجب عليه إصابة الحكم لغموضه فالحاصل أنهم اختلفوا في كون الثواب على القصد أو على الاجتهاد فعلى الأول يؤجر على قصده الصواب ولا يؤجر على الاجتهاد لأنه أفضى به إلى الخطأ.

وعلى الثاني يؤجر عليه وعلى الاجتهاد جميعًا وإنما كان المجتهد في الفروع لا يأثم إذا أخطأ لأنه أضاف إلى الله تعالى ما يجوز أن يكون شرعه بخلاف خطأه في العقليات فإنه يأثم لأنه أضاف إليه تعالى ما هو مستحيل عليه قاله القرافي: ومن رأى كلا مصيبًا يعتقد ... لأنه يتبع ظن المجتهد أو ثم ما لو عين الحكم حكم ... به لدرء أو لجلب قد ألم يعني أن بعض الأصوليين كالأشعري إمام أهل السنة والقاضي أبي بكر الباقلاني منا وقيل أن الأول شافعي وأبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة وأبن سريج من الشافعية قالوا إن كل مجتهد في المسألة التي لا قاطع فيها مصيب لقوله صلى الله عليه وسلم (اختلاف أمتي رحمة) ولو كان واحد مخطئًا لكان عذابًا ومعنى رحمة أنه توسعة على الأمة ولقوله (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) وأهل هذا المذهب يقال لهم المصوبة ومن يقول المصيب واحد يقال لهم المخطئة بتشديد الطاء ثم قال الأولان حكم الله فيها تابع لظن المجتهد فما ظنه فيها من الحكم فهم حكم الله تعالى في حقه وحق من قلده والتبعية باعتبار تعلق الحكم التنجيزي به ولمقلديه لا باعتبار ذاته لأن الحكم قديم فلا يتبع غيره والتعلق التنجيزي حادث وقال الثلاثة الباقون في المسألة شيء لو حكم الله فيها على التعيين لكان به وإلا فقد حكم لكن على الإبهام بأن جعل حكمه فيها ما يظنه المجتهد فالمعنى أنه ما من مسألة إلا ولها مناسبة خاصة ببعض الأحكام بعينه بحيث لو أراد الله الحكم على التعيين لكان بذلك البعض بعينه وتسمى هذه المقالة الأشبه والمناسبة تكون لكونه راجحًا في درء المفسدة أو جلب المصلحة والشريعة تعتمدهما وهذا القول حكم بالفرض والتقدير لا بالتحقيق ومعنى قد ألم قد حصل فيه ما ذكر من الدرء أو الجلب وبيان ذلك كما في شرح المحصول للقرافي إنا نقطع في زماننا هذا أن لا نبي لله تعالى ظاهر في الأرض لإخبار الله تعالى بذلك ومع ذلك نقول لو أراد الله أن يبعث نبيًا لكان فلانًا ونشير إلى من نعتقده خير زماننا

والمراد أن الأولين قالًا بمجرد التبعية لظن المجتهد من غير أن يكون هناك ما لو حكم الله لكان به والثلاثة زادوا على التبعية لظن المجتهد أن هناك ما لو حكم الله لكان به فقد صرح السبكي في شرح المنهاج بأن حكم الله تعالى عند الثلاثة أيضًا تابع لظن المجتهد فإن قلنا أن الثلاثة لا تقول أن حكم الله تعالى تابع لظن المجتهد كما يفهم منتمام قول السعد وذهب شرذمة من المصوبة إلى أن لله في الواقعة حكمًا واحدًا يتوجه إليه الطلب إذ لابد للطالب من مطلوب لكن لم يكلف المجتهد إصابته فلذلك كان مصيبًا وإن لم يصبه إذ المعنى بالمصيب أنه أدى ما كلف به لكان هذا بعينه مذهب القائلين بتخطئة البعض والضمير في لأنه للحكم واللام زائدة وقوله ثم أي في المسألة وفاعل عين ضمير الله تعالى: لذا يصوبون في ابتداء ... والاجتهاد دون الانتهاء والحكم فاعل يصوب للثلاثة القائلين أن هناك ما لو حكم الله لكان به يعني أنهم يصوبون من لم يصادف ذلك الشيء أي يقولون أصاب ابتداء لا انتهاء وبعبارة أخرى أصاب اجتهادًا لا حكمًا فهو مخطئ حكمًا وانتهاء أصاب اجتهادًا لأنه بذل وسعه اللازم في الاجتهاد ليس إلا بذل الوسع لأنه المقدور لا حكمًا لأنه لم يصادف الشيء الذي لو حكم الله لكان به وقولهم ابتداء لأنه بذل وسعه على الوجه المعتبر وهو إنما يبدأ ببذل وسعه ثم تارة يؤديه إلى المطلوب وتارة لا ولم يصب انتهاء لأن اجتهاده لم ينته به إلى مصادفة ذلك الشيء والخطأ في الحكم عند الثلاثة غير الخطأ فيه عند الجمهور لأن الخطأ هنا معناه عدم مصادفة ما لو حكم الله لكان به وإن كان لم يحكم به فعد مخطئًا لعدم مصادفة ما له المناسبة الخاصة وإن لم يحكم به والخطأ عند الجمهور معناه عدم مصادفة ما حكم الله به بعينه في نفس الأمر قاله في الآيات البينات فالحاصل أن عند الجمهور حكمًا معينًا قبل الاجتهاد وعند الثلاثة هناك ما لو حكم الله لكان به ولا حكم معينًا قبل الاجتهاد: وهو واحد متى عقل ... في الفرع قاطع ولكن قد جهل

ببناء الفعلين للمفعول يعني أن المصيب واحد في المسألة الفرعية التي دليلها قاطع من نص أو إجماع واختلف فيها المجتهدون لعدم علمهم بذلك القاطع ولابد أن يكون قاطعًا من جهة المتن والدلالة معًا بأن يكون صريحًا متواترًا فالمصيب فيما ذكر واحد اتفاقًا وهو من وافق ذلك القاطع وقيل على الخلاف في كون كل مجتهد مصيبًا أو المصيب واحد لا بعينه وقد يعلم كعلي كرم الله وجهه مع معاوية رضي الله تعالى عنهما فإن قلنا بالأول كانا مصيبين وإن قلنا بالثاني فالمصيب على كرم الله وجهه قطعًا إلا أن هذه ليست من القطعيات ولا يأثم المخطئ في المسألة الفرعية القطعية على الأصح بناء على أن المصيب فيها واحد والقولان لمالك في شارب النبيذ قال في الآيات البينات فإن قلت هذا يشكل بإثم المخطئ في العقليات بجامع القطع في كل منهما قلت الفرق ضعف هذا الدليل بدليل الإجماع على اتحاد الحق في العقليات والاختلاف في اتحاده هنا كما أشار إليه في التلويح. انتهى. والقول بإتحاد المصيب في الفرعية التي فيها قاطع يمكن توجيهه كما في الآيات البينات فإن القاطع يعين مدلوله قطعًا فلا يمكن تعدده وجعله تابعًا لظن المجتهد ويوجه القول الثاني بأن الدليل القاطع قد لا يعين مدلوله لمصاحبة عوارض وشبهات تمنع تعيينه ويرد على هذا التوجيه أن الخطأ ممكن أيضًا في العقليات كما تقرر في محله إلا أن يفرق بأن احتمال الخطأ في العقليات أقل وأضعف: وهو آثم متى ما قصرا ... في نظر وفقًا لدى من قد درى يعني أن المجتهد متى قصر في نظره في مسألة إثم اتفاقًا لتركه الواجب عليه من بذل وسعه فيه وعبرنا بقولنا في نظر بدل قول بعضهم في اجتهاده لأن النظر المقصر فيه لا يسمى اجتهادًا إذ الاجتهاد إستفراغ الوسع ولا إستفراغ مع التقصير: والحكم من مجتهد كيف وقع ... دون شذوذ نقضه قد امتنع يعني أن حكم المجتهد في الاجتهاديات يمتنع نقضه حيث ظهر له أن غيره أصوب منه كيف وقع المجتهد أي سواء كان مجتهدًا مطلقًا أو مقيدًا

بقسميه من مجتهد المذهب ومجتهد الترجيح وذلك الامتناع باتفاق الأصوليين إذا كان غير شاذ جدًا وصار إليه من غير ترجيح ووقع الخلف فيه بين الفقهاء ومشهور مذهبنا نقضه من الحاكم به قال خليل ونقضه هو فقط إن ظهر إن غيره أصوب وقيل لا ينقصه وهو المختار لأنه يؤدي إلى نقض النقض ويتسلسل فتفوت مصلحة نصب الحاكم وهي فصل الخصومات أما إذا لم يظهر أن غيره أصوب فلا ينقض اتفاقًا وقوله نقضه قد امتنع بغير ما ستأتي الإشارة إليه في قوله إلا إذا النص لخ ولا فرق في امتناع النقض بين أن يكون من الحاكم به أو من غيره ومفهوم المجتهد سيأتي في قوله أو بغير المعتلي لخ. إلا إذا النص أو الإجماع أو ... قاعدة خالف فيها ما رأوا فاعل خالف ضمير حكم المجتهد والنص مفعول قدم عليه والمذكور أن بعده معطوفان عليه وفاعل رأوا ضمير أهل الفن يعني أن حكم المجتهد المذكور يمتنع نقضه إلا إذا خالف نصًا من كتاب أو سنة متواترة أو ظاهرًا منهما أو خالف إجماعًا قطعيًا أو ظنيًا أو خالف قاعدة متفقًا عليها أو مشهورة من غير معارض أرجح فإنه ينقض وجوبًا لمخالفته الدليل المذكور ولا فرق في الظاهر بين الظاهر من جهة الدلالة كالعام أو من جهة المتن كخبر الواحد وعمل أهل المدينة مثال مخالف الإجماع ما لو حكم بأن الميراث كله للأخ دون الجد لأن الأمة على قولين قيل المال كله للجد وقيل يقاسم الأخ إما حرمان بالكلية فلم يقل به أحد ومثال مخالفة القواعد ما لو حكم حاكم بتقرير النكاح في حق من قال أن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثًا فطلقها ثلاثًا أو أقل والصحيح لزوم الثلاث له فإذا مات أحدهما وحكم حاكم بالتوارث بينهما نقضنا حكمه لأنه على خلاف القواعد لأن من قواعد الشرع اجتماع الشرط مع الشروط لأن حكمته إنما تظهر فيه فإذا كان الشرط لا يصح اجتماعه مع مشروطه فلا يصح أن يكون في الشرع شرطًا فلذلك نقض حكم الحاكم في هذه المسألة التي تعرف بالسريجية: أو اجتهاده أو القيس الجلي ... على الأصح

معطوفان على النص يعني أن حكم الحاكم المجتهد ينقضه هو لا غيره إذا ظهر له أنه خرج فيه عن رأيه وما يؤدي إليه اجتهاده بتقليد لغيره بالتزام أو بدونه وكذا ينقض إذا ظهر أنه لم يصدر منه اجتهاد أصلًا لكنه حكم بقول عالم آخر بتقليد له بالتزام أو بدونه وكذا ينقضه هو وغيره إذا خالف فيه القياس الجلي وهو الذي لا شك في صحته كالحكم بقبول شهادة النصراني فإن الحكم بقبول شهادته ينقض لأن الفاسق لا تقبل شهادته والكافر أشد منه فسوقًا وأبعد عن المناصب الشرعية في مقتضى القياس وحيث ما خالف القياس نقضه هو وغيره قوله على الأصح مقابل الأصح قول أبن عبد الحكم لا ينقض ما خالف نصًا أو إجماعًا وقاعدة أو قياسًا جليًا وهذه الأربعة نظمًا بعضهم فقال: إذا قضى حاكم يومًا بأربعة ... فالحكم منتقض من بعد إبرام خلاف نص وإجماع وقاعدة ... كذا قياس جلي دون إبهام والمراد بالحاكم المجتهد ... أو بغير المعتلي حكم في مذهبه وإن وصل ... لرتبة الترجيح فالنقض انحظل يعني أن المقلد بكسر اللام غير المجتهد المقيد إذا حكم بغير المعتلي أي المشهور من مذهب إمامه وقول أصحابه نقض حكمه لأن محض المقلد لا يحكم ولا يفتي بغير المشهور إلا لغرض فاسد من أتباع الهوى وقال الطرطوشي لا يلزم أحدًا ممن يعتزى إلى مذهب تقليد ذلك المذهب في الحكم والفتوى وهذا قريب من قول اللخمى القائل بجواز التخريج على أصول غير إمامه إلا أن هذا ناظر إلى الفروع لكنه لا يفتي به ولا يحكم به ولا يعمل به مع ضعفه عنده للإجماع على عدم جواز العمل بالضعيف فيما ذكر إلا لضرورة قال في العمليات: حكم قضاة العصر بالشذوذ ... ينقض لا يتم للنفوذ

لكنه إذا خرج عن مشهور مذهبه وحكم بغيره خطئًا ولم يثبت خروجه خطئًا ببينة نقضه هو لا غيره فإن ثبت ببينة نقضه هو وغيره قاله الخرشي قوله وإن وصل إلخ ... يعني أن محل نقض حكم الحاكم المقلد إذا حكم بغير مشهور مذهبه ما إذا لم يبلغ رتبة الترجيح وإما أن بلغها بأن كان مجتهدًا مقيدًا فلا ينقض حكمه لأنه يجوز له الحكم والعمل والإفتاء بالضعيف إذا ترجح عنده وهذا قليل في قضاة هذا الزمن في سائر أقطار الدنيا وإنما يحكم كثير منهم بالتخمين والشك: وقدم الضعيف إن جرى عمل ... به لأجل سبب قد أتصل يعني أنه يجب تقديم القول الضعيف في العمل به على المشهور إذا تخالفًا إذا ثبت العمل بشهادة العدول إذا كان العمل موافقًا لقول وإن كان شاذًا إلا كل عمل لكن يشترط في جريان العمل بالضعيف أن يكون لسبب أتصل بنا أي وجد عندنا من حصول مصلحة أو درء مفسدة وإلا فلا نعمل بالضعيف الجاري به عمل فأس مثلًا لجلب مصلحة أو درء مفسدة ليس كذلك موجودًا في بلادنا وجه الترجيح بالعمل أن لشيوخ المذهب المتأخرين تصحيحات لبعض الروايات والأقوال عدلوا فيها عن المشهور وجرى بتصحيحاتهم عمل الحكام والفتيا لما اقتضته المصلحة والأحكام تجري مع الأعراف قاله القرافي وأبن رشد فعمل ليس بتلك المثابة لا يجوز اعتباره لاسيما عمل بلادنا هذه فالمطلقة ذات الإقراء لابد عند أهل فأس أن تمضي لها ثلاثة أشهر ثم تسئل عن انقضاء عدتها فإذا قالت إنها أنقضت صدقت ولا تصدق في انقضاء عدتها قبل ثلاثة وإنما فعلوا ذلك لكثرة كذب النساء فإذا رأينا نساء بلد يكذبن ألزمناهن ما جرى به عمل فأس بناء على قول أبن وهب وإلا لزم إتباع المشهور من تصديقهن مطلقًا: وهل يقيس ذو الأصول إن عدم ... نص إمامه الذي له لزم مع التزام ما له أو مطلقًا ... وبعضهم بنصه تعلقًا

ببناء عدم للمفعول ونائبه نص وبكسر زاي لزم مبنيًا للفاعل وهو ضمير النص والذي نعت الإمام والمجرور باللام ضمير ذي الأصول وما موصول صلته الجار والمجرور بعده يعني أن المقلد العارف لعلم الأصول إذا عدم في مسألة نص أمامه اختلف فيه أهل المذهب على ثلاثة أقوال قيل يجوز له القياس مع التزام ما لإمامه من الأصول فلا يقيس على أصل الشافعي إذا كان مخالفًا لأصول مالك ولا لغير الشافعي من المجتهدين كذلك وهذا هو طريق أبن رشد والمازري والتونسي وأكثر المالكية وقيل يجوز له أن يقيس مطلقًا أي فلا يلزمه التعلق بأصول إمامه وهذا قول اللخمي وفعله ولذلك قال عياض في المدارك له اختيارات خرج بكثير منها عن المذهب وقال أبن غازي فيه: لقد هتكت قلبي سهام جفونها ... كما مزق اللخمي مذهب مالك وقيل يجوز له ذلك بشرط التعلق بنصوص إمامه فلا يفتى ولا يحكم إلا بشيء سمعه منه وهو نص أبن العربي وظاهر نقل الباجي أما إذا لم يجد المالكي في مسألة نصًا لإمامه ولا أصلًا ووجد فيها نصًا لغيره كالشافعي مثلًا أو أصلًا وجب عليه إتباع ذلك إذ لا يعمل بغير الأدلة الشرعية ويقدم نصه على أصله قياسًا على إمامه وغير العارف بالأصول لا يجوز له القياس أصلًا بل يقف مع نصوص مذهبه فإن لم يجد نصًا في مذهبه في مسألة ووجد نصًا في غيره وجب عليه إتباع مذهب الغير في تلك المسألة وإن وجد نصًا للشافعي مخالفًا لمذهب أبي حنيفة فقال بعض أهل المذهب يجب عليه العمل بمذهب الشافعي في تلك المسألة لأنه تلميذ مالك وقال بعضهم يجب عليه العمل بمذهب أبي حنيفة لقلة الخلاف بينه وبين مالك حتى حصر بعضهم الخلاف بينهما في أثنين وثلاثين مسألة فإذا عرفت أعيان تلك المسائل تحققت إن قول مالك فيما سواها كقول أبي حنيفة وإلا تعرفها عملت بالغالب الذي هو عدم الاختلاف والعمل بالراجح واجب. (قوله الذي له لزم) يعني أن نص إمام المقلد يلزمه أتباعه: ولم يضمن ذو اجتهاد ضيعًا ... إن يك لقاطع قد رجعا

فصل في التقليد في الفروع

ببناء يضمن للمفعول عكس ضيعا ورجعا وبتشديد يضمن يعني أن المجتهد إذا اتلف شيئًا بفتواه أو حكمه ورجع عن ذلك لا ضمان عليه في ذلك لبذله غاية طاقته الواجب عليه إذا كان رجوعه لغير دليل قطعي من نص قرآن في ذلك المعنى أو سنة متواترة نص فيه أو إجماع فإن كان رجوع قطعي وجب عليه الضمان لأشعار خفاء القاطع عليه بالتقصير ذكر ذلك الحطاب عند قول خليل مبينًا المراد به الفتوى: إلا فهل يضمن أو لا يضمن ... إن لم يكن منه تول بين يضمن مضارع ضمن كعلم يعني أن غير المجتهد إذا أتلف بفتواه أو حكمه شيئًا ولم يتول ذلك الفعل بنفسه كقطعه بيده يد سارق دون النصاب بل إنما أمر بذلك فقط فيه قولان الضمان كما عند المازري ويجب أن يؤدب ما لم يتقدم له اشتغال بالعلم وعدم الضمان كما عند أبن رشد لأنه غرور بالقول فإن تولى تنفيذ ذلك بنفسه ضمن باتفاق وهذا في غير المنتصب وإلا فقد أشار له بقوله: وإن يكن منتصبًا فالنظر ... ذاك وفاقًا عند من يحرر بكسر الراء يعني أن غير المجتهد إذا كان منتصبًا للفتوى أو القضاء واتلف شيئًا بواحد منهما ورجع فالذي يقتضيه النظر ذاك أي التضمين وفاقًا عند من يحرر المسائل أي يحققها وهو الحطاب شارح خليل قال لأن هذا يحكم بفتواه فهو كالشاهد يرجع عن شهادته. فصل في التقليد في الفروع: ولما فرغنا من الكلام على الاجتهاد أتبعناه بالكلام على التقليد لأنه مقابله والتقليد قال القرافي مأخوذ من تقليده بالقلاذة أي جعلها في عنقه قال غيره والمعنى جعل الفتوى في عنق السائل: هو التزام مذهب الغير بلا ... علم دليله الذي تأصلًا

يعني أن التقليد في عرف أهل الأصول هو التزام الأخذ بمذهب الغير من غير معرفة دليله الخاص وهو الذي تأصل أي صار أصلًا ومستند المذهب ذلك الغير سواء عمل بمذهب الغير أو لم يعمل به لفسق أو غيره وسواء كان المذهب قولًا أو فعلًا أو تقريرًا خلافًا للمحلي في تخصيصه المذهب بالقول دون الفعل وهو مردود بأن الزركشي ذكر أن السبكي ضرب على القول وأثبت بدله المذهب وقضية كلامه في منع الموانع إنكار وقوع التعبير بالقول منه وقد أنكر إمام الحرمين على من أخذ القول قيدًا في الحد وقال ينبغي الإتيان بلفظ يعم القول والفعل قوله من غير معرفة دليله الخاص يعني بحيث يكون مستنبطًا للحكم منه دون توقف على غيره بأن يعرف وجه الدلالة من الدليل وينتقل عنه إلى الحكم على الإطلاق من غير أن يتقيد بغيره في مقامات الدليل وشروطها وهذه المعرفة لا تكون إلا للمجتهد لأن العالم وإن أمكنه الاستنباط بأن يعرف الدليل ووجه الدلالة منه وينتقل منه إلى الحكم لكنه يحتاج في ذلك إلى ملاحظة قواعد المجتهد وشروطه في الاستدلال ولا يقدر على الخروج عنها فإن عرف بعض المسائل تلك المعرفة فهو مجتهد فيها فقط بناء على جواز تجزئ الاجتهاد إما مع معرفته أنه يجب عليه الأخذ بقول المجتهد المفتي فهي تلقيد وكذا يقال في الرجوع إلى الإجماع وقبول خبر الواحد والأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ القاضي بقول الشهود وليست تقليدًا على رأي الأمدي وأبن الحاجب وغيرهما القائلين إن التقليد هو أخذ القول من غير قيام حجة على الأخذ وقد قامت الحجة على أن جميع المذكورات دليل شرعي لوجود الحجة بالمعجزة وعصمة النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع ولوجوب قبول غيرها ومن مسائل التقليد أخذ عامي بقول عامي آخر وإنما قلت في تعريف التقليد التزام مذهب ولم نقل الأخذ بمذهب إلخ ... لأنه لا يشترط في التقليد العمل بمذهب الغير كما تقدم: يلزم غير ذي اجتهاد مطلق ... وإن مقيدًا إذا لم يطق فاعل يلزم ضمير التقليد ومطلق بفتح اللام نعت ذي أو اجتهاد والمقيد بفتح الياء يعني أن التقليد يلزم من ليس مجتهدًا مطلقًا وإن

كان غير المجتهد المطلق مجتهدًا مقيدًا بقسميه إذا عجز المجتهد المقيد عن الاجتهاد بناء على الراجح من جواز تجزيء الاجتهاد فيقلد في بعض مسائل الفقه وبعض أبوابه كالفرائض إذا لم يقدر على الاجتهاد في ذلك لقوله تعالى ((فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)). وقيل لا يقلد العالم وإن لم يكن مجتهدًا لأن له صلاحية أخذ الحكم من الدليل بخلاف العامي ولا فرق في لزوم التقليد بين المسائل الفقهية والعقلية نعم قد يستقل غير المجتهد بمعرفة البرهان العقلي كالأستاذ أبي إسحاق الأسفرايني والباقلاني وأبن فورك وشيخهم أبي الحسن الأشعري قال في الآيات البينات فإن الظاهر أنه لم يصل إلى رتبة الاجتهاد في الفروع الذي هو المراد هنا لأنه الذي يلزم تقليد صاحبه ولا يخفى أنه لا سبيل إلى إلزام مثل هؤلاء تقليد من ثبتت له رتبة الاجتهاد المذكور في العقائد بل لا يجوز له ذلك بل سيأتي الخلاف في صحة الإيمان مع التقليد. هـ. وقيل يشترط في جواز التقليد إن كان عالمًا لم يبلغ رتبة الاجتهاد أن يتبين له صحة اجتهاد من قلده بدليل بأن يبين مستنده ليسلم من لزوم أتباعه في الخطأ الجائز عليه ومنع الأستاذ أبو إسحاق التقليد في القواطع كالعقائد وكل مسألة فقهية مدركها قاطع كوجوب قواعد الإسلام الخمس: وهو للمجتهدين يمتنع ... لنظر قد رزقوه متسع بكسر السين نعت نظر يعني أن التقليد لا يجوز في الفروع لمن بلغ رتبة الاجتهاد لأجل ما عندهم من النظر الذي يسع جميع المسائل بالصلاحية فإن حصل له ظن الحكم باجتهاده بالفعل حرم عليه التقليد إجماعًا وإن صلح لذلك الظن لاتصافه بصفات الاجتهاد حرم عليه ذلك عند مالك وأكثر أهل السنة لتمكنه من الاجتهاد فيه الذي هو أصل التقليد ولا يجوز العدول عن الأصل الممكن إلى بدله كما في الوضوء والتيمم وذهب أحمد إلى الجواز لعدم علمه به الآن وقيل يجوز للقاضي لحاجته إلى فصل الخصومات المطلوب تعجيله بخلاف غيره وقال محمد ابن الحسن يجوز تقليد الأعلم منهم لرجحانه بخلاف المساوي والأدون

وقيل يجوز في خاصة نفسه دون ما يفتى به غيره وقيل يجوز عند ضيق الوقت لما يسئل عنه كالصلاة الموقتة بخلاف ما إذا لم يضق قاله أبن سريج قال حلولو وما ينبغي أن يختلف في هذا لأنه كالعاجز: وليس في فتواه مفت يتبع ... إن لم يضف للدين والعلم الورع ببناء يتبع للمفعول يعني أن المفتي يحرم على غيره العمل بفتواه إذا لم تجتمع فيه ثلاثة أمور الدين والعلم والورع لعدم الثقة بمن عدمت فيه خصلة من الثلاث ويعرف حصول تلك الأمور بالأخبار المفيدة للعلم أو الظن وكذلك إذا حصل العلم أو الظن باشتهاره بها كانتصابه والناس يستفتونه والعالم هو المجتهد بأقسامه الثلاثة ومن كان من أهل النقل الصرف بشرط أن يستوفي تلك المسألة بمعرفة أركانها وشروطها وكونها مطلقة أو مقيدة أو عامة أو خاصة مثلًا والمشهور فيها من الضعيف ومعرفة ما جرى به العمل المعتبر وذو الدين هو ممتثل الأوامر ومجتنب النواهي والورع متقي الشبهات كترك المندوب لأنه يجر إلى ترك السنة وترك السنة يجر إلى ترك الواجب وفعل المكروه لأنه يجر إلى فعل الحرام ومن اتقاء الشبهات ترك فعل الشيء حيث تعارضت الأدلة أو أقوال العلماء في جوازه وتحريمه وهي مستوية وإلا وجب العمل بالراجح ولابد أيضًا في المفتي من العدالة بلا خلاف وهي ملكة تمنع من اقتراب الكبائر وصغائر الخسة والرذائل المباحة كالبول في الطريق: ومن لم يكن بالعلم والعدل أشتهر ... أو حصل القطع فالاستفتا أنحظر يعني أنه لا يجوز لأحد أن يستفتى الأمر قطع بكونه من أهل العلم والدين والورع أو حصل له ظن ذلك لاشتهاره بتلك الأمور كانتصابه والناس مستفتون له ولم ينكر ذلك أهل العلم والدين والورع وإذا سئل ولم يكن من أهل الدين والعلم والورع فلا يجوز العمل بفتواه كما تقدم في البيت قبل هذا سواء علمنا اتصافه بعدم خصلة من الثلاث أو جهلنا ذلك لأن الأصل عدمها والأصح وجوب البحث عن علمه وعدالته

وورعه وقيل يكفي مجرد اشتهاره بها بين الناس وإن لم يحصل علم بها أو ظن وإلا صح الاكتفاء بظاهر العدالة وقيل لابد من البحث عنها والاكتفاء بخبر الواحد عن عمله وعدالته وورعه وقيل لابد من اثنين وفي جواز استفتاء من علم علمه وجهلت عدالته احتمالان وذكرهما النووي وجهين عند الشافعية وعلى الجواز يفرق بأن الناس كلهم عوام إلا القليل والعلماء كلهم عدول إلا القليل والمروي عن مالك أن القاضي لا يجوز له الإفتاء فيما تقع فيه الخصومات بين الناس وهو مشهور المذهب وعليه مشي خليل في قوله ولم يفت في خصومة وأبن عاصم في قوله: ومنع الإفتاء للحكام ... في كل ما يرجع للخصام وعن أبن عبد الحكم جوازه وبه جرى عمل فأس قال في العمليات: وشاع إفتاء القضاة في خصام ... مما يعد حكمهم له قوام وواجب تجديد ذي الرأي النظر ... إذا مماثل عدى وما ذكر للنص مثل ما إذا تجددا ... مغير ببناء عري بمعنى طرأ وذكر للفاعل مثل بالكسر على الحال يعني أن ذا الرأي أي الاجتهاد مطلقًا كان أو مقيدًا إذا وقعت له حادثة مرة أخرى يجب عليه تجديد النظر فيها لعلة يظهر له خطأ في الأولى لأن الله تبارك وتعالى خالق على الدوام فيخلق له إدراك علم أو مصلحة لم يكن عنده قبل وإهمال ذلك تقصير والمجتهد لا يجوز له التقصير بل يجب عليه بذل وسعه لكن إنما يجب عليه التجديد إذا لم يكن ذاكرًا للنص أي الدليل الأول أو تجدد له مغير أي دليل يقتضي الرجوع ولو احتمالًا لاحتمال اقتضائه خلاف المظنون أولًا لأن الدليل الأول لعدم تذكره في حالة التجرد وغيره لائقة ببقاء الظن الحاصل منه.

(إلا فلن يجددا) بالبناء للفاعل يعني أنه إذا وقعت الحادثة مرة أخرى وكان ذاكرًا للدليل الذي اعتمده في الأولى بالنسبة إلى أصل الشرع إن كان مستقلًا أو إلى مذهبه إن كان منتسبًا لم يجب عليه تجديد النظر إذا لم يتجدد له ما يقتضي الرجوع لعدم احتمال تغير حاله الأولى: وهل يكرر سؤال المجتهد ... من عم أن مماثل الفتوى يعد سؤال مفعول يكرر فاعله الموصول في قوله من عم ويعد مضموم العين من عاد يعود إذا رجع يعني أن العامي إذا استفتى مجتهدًا مستقلًا أو منتسبًا في حادثة ولو كان العالم المسؤول مقلد ميت بناء على جواز تقليد الميت وإفتاء المقلد ثم تقع له تلك الحادثة هل يعيد السؤال لمن أفتاه أولًا يجب عليه إعادته تردد فيه أبن القصار من المالكية وحكى أبن الصلاح فيه خلافًا ثم قال الأصح لا يلزمه ولأجل ما فيه من الخلاف عبرنا بالاستفهام وقال حلولو وخص صاحب الشامل الخلاف بما إذا قلد حيًا وقطع فيما إذا كان عن ميت أنه لا تلزمه الإعادة ومراده بصاحب الشامل إمام الحرمين وقال المحلي في العامي المستفتي المذكور ما لفظه أي حكمه حكم المجتهد في إعادة النظر فيجب عليه إعادة السؤال إذ لو أخذ بجواب الأول من غير إعادة لكان أخذًا بشيء من غير دليل وهو في حقه قول المفتي وقوله الأول لا ثقة ببقائه عليه لاحتمال مخالفته له بإطلاعه على ما يخالفه من دليل إن كان مجتهدًا أو نص لإمامه إن كان مقلدًا. انتهى. ولا تجب إعادة السؤال اتفاقًا حيث استند الجواب الأول إلى نص أو إجماع إذ لا حاجة إليه حينئذ. (وثانيًا ذا النقل صرفًا أهمل) ثانيًا منصوب على الظرفية أي ثاني مرة وذا مضاف للنقل مفعول أهمل أمر من الإهمال والترك وصرفًا بكسر الصاد حال من ذا والصرف الخالص من كل شيء والمراد هنا الخالص من الاجتهاد بأقسامه الثلاثة أشرنا بهذا الكلام إلى ما ذكر

القرافي عقب ذكر الخلاف في وجوب إعادة العامي المستفتي للعالم السؤال ولفظه إنما يتجه هذا إذا كان المفتي مجتهدًا أما المفتي بالنقل الصرف فإذا علم المستفتي ذلك فلا حاجة إلى سؤاله ثانيًا انتهى يعني لعدم احتمال تغير ما عنده في تلك الحادثة. (وخيرن عند استواء السبل) جمع سبيل يعني أن العالم إذا استفتاه عامي وفي المسألة أقوال مستوية فإنه يخير العامي في العمل بأي تلك الأقوال شاء إذا لم يكن بين قائلها تفاوت وبعضهم يقول يأخذ العامي بأغلظ الأقوال لما فيه من الاحتياط وإن كان فيها تفاوت من جهة فقد أشار له بقوله: وزائدًا في العلم بعض قدمًا ... وقدم الأورع كل القدما بعض مبتدأ خبره جملة قدم وزائدًا مفعول قدم يعني أنه إذا وقع التفاوت في العلم مع الاستواء في الدين والورع فإن بعض العلماء يوجب الأخذ بقول الأعلم قال الإمام الرازي وهو الأقرب ولذلك قدم في إمامة الصلاة زائد الفقه لأن المقدم في كل موطن من مواطن الشريعة من هو أقوم بمصالح ذلك الموطن ولذلك قدم في الصلاة الفقيه على القارئ وقدم في الحروب من هو أعلم بها على غيره وفي أموال الأيتام من هو أعلم بمصالحها على غيره وبعضهم يخير في الآخذ بين قول العالم والأعلم لأن كلا طريق إلى الجنة فإذا اختلف أبن رشد واللخمي في فرعية ولا مرجح قدم عندهم ابن رشد لأنه أعلم بناء على القول الأول وإن كان التفاوت في الورع والدين مع الاستواء في العلم تعين الأدين لأن لزيادة الدين والورع تأثيرًا في التثبيت في الاجتهاد وغيره قال في التنقيح فإن كان أحدهما أرجح في علمه والآخر أرجح في دينه فقيل يتعين الأدين وقيل الأعلم وهو الأرجح. هـ. ثم أعلم أن قوله وخيره عند استواء السبل، وقوله وزائدًا في العلم البيت في أخذ العامي بأحد أقوال مذهبه في مسألة اختلف فيها أصحاب الإمام مالك ومن بعدهم وقوله وجائز تقليد ذي اجتهاد، إلى قوله وموجب تقليد الأرجح في تقليد غير المجتهد المطلق له:

وجائز تقليد ذي اجتهاد ... وهو مفضول بلا استبعاد إضافة تقليد لذي إضافة مصدر لمفعوله يعني أنهم اختلفوا في جواز تقليد العامي للمجتهد المفضول في العلم والورع مع وجود الفاضل في ذلك فالأكثرون أجازوا ذلك وصححه الفهري منا والجمهور ورجحه أبن الحاجب لوقوعه في زمن الصحابة وغيرهم منتشرًا متكررًا من غير نكير وأشرنا إلى تعليل ذلك بقولنا: (فكل مذهب وسيلة إلى ... دار الحبور والقصور جعلًا) الألف للإطلاق ونائب الفاعل ضمير مذهب ووسيلة مفعول ثان لجعل يعني أن الله تعالى جعل كل مذهب من مذاهب المجتهدين وسيلة يتوصل بها إلى دخول الجنة التي هي دار الحبور أي النعيم والقصور العالية لأن كلا على هدى من ربهم وإن تفاوتوا في العلم والورع قال في التنقيح والمذاهب كلها مسالك إلى الجنة وطرق إلى الخيرات فمن سلك طريقًا منها وصلة إليها فالواجب على العامي أن يقلد واحدًا منهم لأنه أهل فإذا قلده فقد فعل الواجب عليه فعلى هذا القول لا يجب البحث عن الأعلم والأروع ولا يجوز لأحد التفضيل الذي يؤدي إلى نقص في غير إمامه قياسًا على ما ورد في تفضيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال الشعراني في الميزان: وموجب تقليد الأرجح وجب ... لديه بحث عن إمام منتخب يعني أن أبن القصار من المالكية وأبن سريج والغزالي من الشافعية والإمام أحمد منعوا تقليد المفضول مع وجود الفاضل لأن أقوال المجتهدين في حق المقلد كالأدلة في حق المجتهد فكما يجب الآخذ بالأرجح من الأدلة يجب الآخذ بالراجح من أقوال العلماء فيجب على العامي البحث عن إمام أي مجتهد منتخب بفتح الخاء المعجمة أي راجح في العلم والدين فيجب عليه تقليد أورع العالمين وأعلم الورعين فإن كان أحدهما أعلم والآخر أورع قدم الأعلم على الأصح وأورد عليه أنا لو

كلفنا العامي بمعرفة الفاضل من المفضول لكان تكليفًا بالمحال لقصوره عن معرفة مراتب المجتهدين وأجيب بمنع الاستحالة بأنه بمكنه هذا القدر من الاجتهاد بسؤال الناس وغيره من قرائن الأحوال كرجوع العلماء إلى قوله وعدم رجوعهم إلى قول غيره وكثرة المستفتين له وقلة المستفتين لغيره سواء كان المقلد بكسر اللام عاميًا أو عالمًا لجريان الخلاف في كل منهما. ثالث الأقوال وأختاره السبكي جواز تقليد المفضول لمعتقده فاضلًا أو مساويًا فإن أعتقد فيه أنه مفضول امتنع تقليده واستفتاؤه والفرق بين هذا والقول الثاني أن هذا يكتفي باعتقاد الأرجحية أو المساواة ولا يجب عليه البحث على الأرجح والثاني لا يكتفي بمجرد ذلك الاعتقاد بل يوجب البحث على الأرجح قاله في الآيات البينات فعلى هذا القول إن أعتقد العامي رحجان واحد منهم تعين تقليده ولو كان مرجوحًا في نفس الأمر عملًا باعتقاده المبني عليه تعين التقليد وإذا تبين بعد أنه مفضول في الواقع اعتد بالتقليد الماضي وعمل بمقتضى الاعتقاد الثاني في غير ذلك كما لو تغير اجتهاد المجتهد بجامع أنه يلزمه إتباع اعتقاده كما يلزم المجتهد إتباع اجتهاده قاله في الآيات البينات: إذا سمعت فالإمام مالك ... صح له الشاو الذي لا يدرك ببناء يدرك للمفعول أي إذا سمعت أيها الطالب لعلم هذه المسألة وجوب تقليد الأرجح من المجتهدين فأعلم أن الإمام مالكًا رحمه الله تعالى ثبت أن له الشاو أي السبق في العلوم والغاية التي لا يدركها مجتهد غيره من عصر التابعين فمن بعدهم: للأثر الصحيح مع حسن النظر ... في كل فن كالكتاب والأثر يعني أن مالكًا ثبت له الفضل على غيره ممن ذكر لأجل الحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم ولا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة مع ما ثبت

له من حسن النظر أي التصرف في كل فن من الفنون ككتاب الله العزيز وآثاره صلى الله عليه وسلم أي أحاديثه وكالعربية والأصول وغير ذلك مع جمعه لمسائل الاتفاق والاختلاف وهذا لا ينكره موالف ولا مخالف إلا من طبع الله على قلبه في التعصب وهو القدوة في الحديث وأول من ألف فأجاد ورتب الكتب والأبواب وضم الأشكال وأول من تكلم في غريب الحديث وشرح في الموطأ كثيرًا منه وله في تفسير القرآن كلام كثير قد جمع مع تجويده له وضبطه حروفه وروايته له عن نافع القارئ قال بعضهم ما رأيت أنزع بآية من مالك بن أنس مع معرفته بالمعمول به من الحديث والمتروك وسيرة الرجال قال بعضهم أن مالكًا هو المراد بالحديث المذكور من غير مرية إذ لم يوجد لغيره من علماء المدينة ممن تقدمه أو عاصره أو جاء بعده إلا بعض ما وجد له وكذا لم يشك السلف أنه المراد بالحديث وعد هذا الخبر من أعلام النبوءة وقال القاضي عبد الوهاب ما معناه أنه لا ينازعنا في هذا الحديث أحد من أرباب المذاهب إذ ليس منهم من له إمام من أهل المدينة فيقول المراد به إمامي ونحن ندعي أنه إمامنا بشهادة السلف له أنه إذا أطلق عالم المدينة أو إمام دار الهجرة فالمراد به مالك دون غيره من علماء المدينة رحمه الله تعالى ونفعنا به آمين: والخلف في تقليد من مات وفي ... بيع طروس الفقه الآن قد نفى الطروس جمع طرس بالكسر وهو الكتاب يعني أنه وقع الخلاف بين الأصوليين في جواز تقليد المجتهد الميت فالجواز قول الجمهور وعبر عنه الشافعي بقوله المذاهب لا تموت بموت أربابها ومنعه بعضهم مطلقًا. ثالثهما يجوز إن لم يوجد مجتهد حي ولا يجوز مع وجوده. ثالثها يجوز إن لم يوجد ... مجتهد حي ولا يجوز مع وجوده رابعًا يجوز فيمن نقل عنه أن نقله مجتهد في مذهبه لكن حكى أبن عرفة أن الإجماع اليوم منعقد على جواز تقليد الميت لفقدان

المجتهدين وإلا تعطلت الأحكام قال حلولو ولا خفاء في ثبوت الإجماع في ذلك إذ لم يرو عن أحد من أهل العلم إلا من مجتهد ولا من غيره بعد استقرار المذاهب المقتدي بها إظهار الإنكار على الناس في تقليدهم مالكًا أو الشافعي مع استمرار الأزمنة وانتشار ذلك في الأقطار والأمصار ويجرى عندي في هذه المسألة الكلام في بيع كتب الفقه فإن الخلاف الواقع فيها إنما هو حيث كان المجتهدون موجودين وأما اليوم فلا يختلف في بيعها كما ضرح به اللخمي قال في تعليل ذلك وإلا أدى إلى تعطيل الأحكام وهو جار على ما تقدم من انعقاد الإجماع اليوم على تقليد الميت وما ذكر أبن يونس وغيره في موجب الخلاف في بيع كتب الفقه حقًا وباطلًا بناء على أن المصيب واحد ليس بصحيح. انتهى. وقال اللخمي لا أرى أن يختلف اليوم في جواز الإجازة على تعليم العلم: لك أن تسئل للتثبت ... عن مأخذ المسؤول لا التعنت معطوف على التثبت يقال جاءه متعنتا أي طالبًا لزلته يعني أنه يجوز لك أيها العامي سؤال العالم عن بيان مأخذه أي دليله فيما أفتاك به إذا كان السؤال للتثبت أي زيادة الثبوت عنده بإذعان نفسه للقبول ببيان المأخذ لا إن كان للتعنت أي قصد إظهار عجزه أو حطاه فلا يجوز: (ثم عليه غاية البيان ... إن لم يكن عذر بالاكتنان) يعني أنه يجب على العالم بيان المأخذ لسائله المذكور تحصيلًا لإرشاده إن لم يكن عذر بالاكتنان أي خفاء مأخذه على السائل بأن كان كان يقصر فهمه عنه عادة فلا يبينه له صونًا لنفسه عن التعب فيما لا يفيد ويعتذر له بخفاء المدرك أي الدليل ومحل وجوب بيانه ما لم يشق مشقة لا تتحمل عادة: يندب للمفتي اطراحه النظر ... إلى الحطام جاعل الرضى الوطر متصفًا بحلية الوقار ... محاشيًا مجالس الأشرار

اطراحه بتشديد الطاء مصدر مضاف إلى فاعله والنظر مفعوله وإلى الحطام متعلق بالنظر وجاعل حال من الضمير فاعل الاطراح والوطر مفعول جاعل الثاني ومتصفًا ومحاشيًا حالان من صاحب الحال الأول والحطام المراد به الدنيا استعير لها ما تكسر من الأعواد والحشيش يعني أنه يستحب للمفتي أن يطرح النظر إلى الدنيا بأن يكتفي بما في يده عما في أيدي الناس ويجعل وطره أي حاجته التي له فيها هم وعناية رضي الله تعالى بهداية العوام ويستحب أن يكون متصفًا بالسكينة والوقار مجتنبًا لمجالس الأشرار أي السفهاء كما روي عن مالك أنه لم يجالس سفيها ومتى تلجأ المفتي ضرورة إلى مجالسة السفهاء فلا بأس حينئذ مع كفهم عمالًا يليق بحضرته: والأرض لا عن قائم مجتهد ... تخلو إلى تزلزل القواعد يعني أنه لم يقع في الأرض خلو الزمان عن مجتهد مطلق أو مقيد كما لولي الدين قائم ذلك المجتهد لله بالحجة على خلقه تفوض إليه الفتوى وينصر السنة بالتعليم والأمر بإتباعها وينكر البدعة ويحذر من ارتكابها سواء كان ذلك القائم محددًا أم لا ما لم تتزلزل قواعد الزمان أي يختل انتظام الدنيا كطلوع الشمس من مغربها ويحتمل أن يراد بالقواعد قواعد الدين وأحكام الشريعة وبتزلزلها تعطلها والأعراض عنها دليل عدم الوقوع حيث الصحيحين (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله) أي الساعة قال البخاري وهم أهل العلم فإن تزلزلت القواعد أي أركان الدنيا أو الدين خلا الزمان من المجتهد المذكور لحديث الصحيحين ... إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رءوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. وفي مسلم أن بين يدي الساعة أيامًا أيامًا يرفع الله فيها العلم وينزل فيها الجهل: وهو جائز بحكم العقل ... مع احتمال كونه بالنقل

يعني أن خلو الزمان من مجتهد قبل تزلزل القواعد جائز عقلًا كما يدل عليه ظاهر استدلال ابن الحاجب والآمدي وغيرهما ويحتمل أن يكون الجواز شرعيًا كما قال سعد الدين التفتازاني وكلما جاز الشيء شرعًا جاز عقلًا ولا ينعكس إلا جزئيًا: وإن بقول ذي اجتهاد قد عمل ... من عم فالرجوع عنه منحظل يعني أن العامي إذا عمل بقول مجتهد في مسألة لا يجوز له اتفاقًا الرجوع عنه إلى قول غيره في مثلها لأنه قد التزم ذلك القول بالفراغ من العمل به ونعني بهذا العامي الذي لم يلتزم مذهبًا معينًا وإلا فسيأتي في قوله وذو التزام مذهب إلخ ... فالمراد بقولنا التزام ذلك القول التزامه في تلك الحادثة فقط لا التزام جميع ما قال وإذا قلنا بوجوب تكرار سؤال المجتهد إذا عاد مثل ما أفتى به أولًا فسأله فتغير اجتهاده لم يجب عليه العمل بقوله الثاني لأنه لم يلتزمه بالفراغ من العمل به بل يتخير بينه وبين الآخذ بقول غيره إلا أن اعتقد أحدهما أرجح وأوجبنا إتباع الأرجح قاله في الآيات البينات: إلا فهل يلزم أو لا يلزم ... إلا الذي شرع أو يلتزم ببناء الأفعال الأربعة للفاعل يعني أنه إذا لم يعمل به بعدما أفتاه المجتهد فقيل يلزمه العمل به بمجرد الإفتاء لأنه في حقه كالدليل في حق المجتهدين وقيل يلزمه العمل به بالشروع في العمل به بخلاف ما إذا لم يشرع وقضية هذا القول أنه لو شرع في العمل به ثم تركه لم يجز له الرجوع عنه لحصول الشروع وقيل يلزمه العمل به أن التزم العمل به في تلك الحادثة قال في الآيات البينات ولعل المراد به أي بالالتزام العزم على العمل به وينبغي أن يكون الشروع في العمل به كالالتزام أو هو منه وأما الفراغ من العمل فالتزام بلا شبهة بدليل أنهم نقلوا الإجماع على منع الرجوع بعد العمل وأن الخلاف فيما قبل العمل انتهى.

رجوعه لغيره في آخر ... يجوز للإجماع عند الأكثر عند متعلق بيجوز يعني أن العامي يجوز له عند الأكثر الرجوع إلى قول غير المجتهد الذي استفتاه أولًا في حكم آخر لإجماع الصحابة رضي الله عنهم على أنه يسوغ للعامي السؤال لكل عالم ولأن كل مسألة لها حكم نفسها فكما لم يتعين الأول للإتباع في المسألة الأولى إلا بعد سؤاله فكذلك في المسألة الأخرى قاله الحطاب شارح مختصر خليل قال القرافي انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء من غير حجر وأجمع الصحابة على أن من استفتى أبا بكر وعمر وقلدهما فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما ويعمل بقولهم بغير نكير فمن أدعى رفع هاذين الاجماعين فعليه الدليل انتهى. وغير الأكثر يقولون أنه لا يجوز له الرجوع لأنه بسؤال المجتهد والعمل بقوله التزم مذهبه ومال إمام الحرمين إلى الجواز في عصر الصحابة والتابعين ومنعه في الإعصار التي استقرت فيها المذاهب: وذو التزام مذهب هل ينتقل ... أولًا وتفصيل أصح ما نقل اعلم أن الأصح عندهم أنه يجب على العامي والعالم الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد التزام مذهب معين من مذاهب المجتهدين وقيل لا يجب عليه التزام مذهب معين فله أن يأخذ فيما يقع له بهذا المذهب تارة وبغيره أخرى وهكذا واختلف أهل الأصح هل يجوز له الانتقال عن المذهب الذي التزمه إلى مذهب آخر أولًا عدم الجواز للحازري والغزالي لأنه التزمه وإن لم يجب التزام عينه ابتداء لجواز أن يلتزم غيره القول الثاني الجواز والتزام ما لا يلزم غير لازم ثالثها وهو الأصح عدم الجواز فيما عمل به والجواز في غير ما عمل به أخذًا مما تقدم في عمل غير الملتزم فإنه إذا لم يجز له الرجوع قال أبن الحاجب والآمدي اتفاقًا فالملتزم أولى بذلك لكن قال تقي الدين السبكي أن في دعوى الاتفاق نظرًا وإن في كلام غيرهما ما يشعر بإثبات خلاف بعد العمل:

ومن أجاز للخروج قيدًا ... بأنه لابد أن يعتقدا فضلًا له وأنه لم يبتدع ... بخلف الإجماع وإلا يمتنع يعني أن من أجاز خروج العامي من مذهب إلى مذهب آخر قيد الجاوز بثلاثة شروط. أحدها أنه لابد أن يعتقد فضل المنتقل هو إلى مذهبه ولو بوصول أخباره ولا يقلده في عماية ولعل المراد بكونه من أهل الفضل كونه من أهل الدين والورع والاعتقاد الحسن ومن أهل الفضل في العلم لثبوت كونه مجتهدًا. والشرط الثاني أن لا يبتدع المنتقل بمخالفته للإجماع كان يجمع بين مذهبين على وجه يخالف الإجماع كمن تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود فإن هذه الصورة لم يقل بجوازها أحد فإن انتقى واحد من الشرطين امتنع الخروج المذكور وأشار إلى: الشرط الثالث بقوله: وعدم التقليد فيما لو حكم ... قاض به بالنقض حكمه يؤم بجر عدم بالعطف على المجرور في قوله بأنه إلخ والمضاف في حكمه مبتدأ خبره بالبناء للمفعول وبالنقض متعلق به يعني أن من أجاز الخروج قيد الجواز بالقيدين المذكورين وبعدم تقليد المذهب المنتقل إليه فيما ينقض فيه حكم الحاكم وهو أربعة جمعها قوله: إذا قضى حاكم يومًا بأربعة ... فالحكم منتقض من بعد إبرام خلاف نص وإجماع وقاعدة ... كذا قياس جلى دون إيهام لأنه إذا لم نقره شرعًا مع تأكيده بقضاء القاضي المجتهد فأولى أن لا نقره إذا لم يتأكد به وهذا هو المراد بقولهم يمتنع تتبع الرخص

وفسر بعضهم تتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب ما هو أسهل عليه فيما يقع من المسائل وإن كان لا ينقض فيه حكم الحاكم وقد منع القرافي هذا التفسير بأن قوله صلى الله عليه وسلم (بعثت بالحنفية السمحة) أي السهلة يقتضي جواز ذلك ونقل عن أبي إسحاق المروزي جواز تتبع الرخص وجوزه بعضهم للموسوس دون غيره وهو قول حسن وامتناع تتبع الرخص شامل لملتزم مذهب معين وغيره: أما التمذهب بغير الأول ... فصنع غير واحد مبجل التمذهب بضم الهاء مصدر تمذهب يعني أن التمذهب بغير المذهب الأول الذي كان عليه بأن يصير مثلًا شافعيًا بعد أن كان مالكيًا وبالعكس فجائز لأنه فعله كثير من العلماء المبجلين عند الناس أي المعظمين لأن المذاهب كلها طرق إلى الجنة والكل على هدى من ربهم: كحجة الإسلام والطحاوي ... وأبن دقيق العيد في الفتاوي يعني أن حجة الإسلام أبا حامد الغزالي انتقل آخر عمره إلى مذهب الإمام مالك لأنه رآه أكثر احتياطًا وقد كان شافعيًا وكذلك أبو جعفر الطحاوي انتقل من مذهب الشافعي إلى مذهب أبي حنيفة وكان قد صعب عليه مذهب الشافعي حتى أنه خلف خاله المزني أن لا يحصل منه شيء فلما انتقل إلى مذهب أبي حنيفة وتفقه فيه كان يقول لو أدركني خالي لكفر عن يمينه وانتقل تقي الدين بن دقيق العيد من مذهب مالك إلى مذهب الشافعي وكان يفتي في المذهبين وإلى ذلك أشرت بقولي ذي الفتاوي جمع فتوى وقد كان أبن مالك النحوي صاحب الخلاصة والتسهيل والكافية وغيرها ظاهريًا مدة إقامته بالأندلس فلما توطن الشام انتقل إلى مذهب الشافعي لأمر اقتضي ذلك إلى غير ذلك من الجلة الإعلام: أن ينتقل لغرض صحيح ... ككونه سهلًا أو الترجيح

بالجر عطفًا على الكون يعني أنه إنما يجوز انتقال من مذهبه الملازم له إلى مذهب آخر يلازمه إذا كان الانتقال لغرض صحيح أي شرعي ككون المذهب المنتقل إليه سهلًا والمنتقل منه صعبًا فيرجو سرعة التفقه فيه فهذا يجب عليه الانتقال قال السيوطي وأظن هذا هو السبب في تحول الطحاوي ومن الغرض الصحيح الانتقال لرجحان المذهب المنتقل إليه عنده لما رآه من وضوح أدلته وقوتها وهل يجب على هذا الانتقال أو يجوز احتمالان قالهما الشعراني في الميزان: وذم من نوى الدنا بالقيس ... على مهاجر لأم قيس وذم فعل أمر والميم مثلث أي ذم لأنه ممنوع من قصد بانتقاله الدنيا كأخذه من أحباس على أهل المذهب المنتقل إليه وهو غير مضطر إليها مستدلًا على ذلك الذم بالقياس على من هاجر من مكة أو غيرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم قاصدًا بهجرته الدنيا كمهاجر أم قيس رجل هاجر من مكة إلى المدينة لأجل امرأة تسمى أم قيس فسمي مهاجر أم قيس والهجرة في اللغة الانتقال من دار وشرعا الانتقال من دار الكفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم لنصرة الإسلام قال صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) أي فهي مذمومة: وإن عن القصدين قد تجردا ... من عم فلتبح له ما قصدا ببناء قصد للفاعل أي بح للعامي الذي ليس بفقيه قصد الانتقال من مذهب إلى مذهب يلازمه إذا تجرد ذلك العامي عن القصدين المذكورين بأن لم يكن تحوله لغرض ديني ولا دنيوي وأما الفقيه فيكره له أو يمنع لأنه حصل فقه الأول فيحتاج إلى زمن طويل لتحصيل المذهب الثاني قاله السيوطي:

ثم التزام مذهب قد ذكرا ... صحة فرضه على من قصرا قصر ككرم والتزام مبتدأ خبره جملة قد ذكر صحة فرضه ببناء ذكر للمفعول وصحة بكسر الصاد نائب الفاعل وعلى من قصر متعلق بفرض يعني أنه يجب التزام مذهب معين على من قصر باعه عن بلوغ رتبة الاجتهاد المطلق وقيل لا يلزمه: والمجمع اليوم عليه الأربعة ... وقفو غيره الجميع منعه يعني أنه وقع الإجماع اليوم على وجوب تقليد المذاهب الأربعة أعني مذهب مالك ومذهب أبي حنيفة ومذهب الشافعي ومذهب أحمد ومنع جميع العلماء قفو أي أتباع مذهب مجتهد غيرهم من القرن الثامن الذي انقرض فيه مذهب داوود إلى هذا القرن الثاني عشر وهلم جرا سواء كان أتباع التزام أو مجرد تقليد في بعض المسائل وإنما وقع الإجماع عليها قال الحطاب في شرح خليل لأنها انتشرت حتى ظهر فيها تقييد مطلقها وتخصيص عامها وشروط فروعها فإذا أطلقوا حكمًا في موضع وجد مكملًا في موضع آخر وأما غيرهم فتنقل عنهم الفتاوي مجردة فلعل لها مكملًا أو مقيدًا أو مخصصًا لو انضبط كلام قائله لظهر فيصير في تقليده على غير ثقة. انتهى. ومن دون مذهبه كداوود فقد انقرض وصار كان لم يدون والظاهر أن مذهب مالك يتعين على جل أهل المغرب إذ لا يكاد يوجد فيه أحد يعرف فقه غيره من المذاهب الثلاثة الأخرى ولا كتاب مؤلف في ذلك وكذا يتعين مذهب أبي حنيفة في أرض الروم لما ذكر ومنع تقليد غير الأربعة مستمر إلى ما أشار إليه بقوله: حتى يجيء الفاطمي المجدد ... دين الهدى لأنه مجتهد يعني أنه إذا جاء الفاطمي وهو المهدي المنتظر لا يلزم تقليد الأربعة بل يجوز لمن تمذهب بمذهب من الأربعة أن ينتقل لمذهبه كما

خاتمة الكتاب

في غيره لأنه مجتهد مجدد ما عفى من رسم الدين وهو آخر المجتهدين يملأ الأرض عدلًا وقد وجدها ممتلئة جورًا وهو من ولد فاطمة وأمه من ولد العباس رضي الله تعالى عن الجميع اسمه محمد أبن عبد الله وكنيته أبو القاسم ولقبه المهدي والصحيح أنه يشبه النبي صلى الله عليه وسلم في الخلق بالضم لا في الخلق بالفتح ويقال أن على خذه الأيمن شامة وعيناه كأنهما كوكبان دريان: خاتمة الكتاب: أنهيت ما جمعه اجتهادي ... وضربي الأغوار مع الإنجاد مما أفادنيه درس البررة ... مما انطوت عليه كتب المهرة يعني أني أيها الناظم أنهيت أي أتيت بنهاية وخاتمة ما جمعه اجتهادي وبذل طاقتي في تحصيل علم الأصول وما جمعه ضربي أي خوضي في البلاد أغوارها وإنجادها لذلك وذلك المجمع متلقى من تدريس أي تعليم الأشياخ البارين بي أي المبالغين في الإحسان إلي ببذل مسائله من كتب الفقهاء الماهرين في الفن مجمع بتشديد الميم للسلامة من الخبل مع أنه أبلغ في المعنى وضربي مرفوع بالعطف على اجتهادي والأغوار جمع غور وهو ما انخفض من الأرض والإنجاد جمع نجد وهو ما ارتفع منها والبررة والمهرة بالتحريك فيهما جمعًا بار وماهر وأشرت إلى بعض الكتب التي تلقيت منها بقولي: كالشرح للتنقيح والتنقيح ... والجمع والآيات والتلويح التنقيح للقرافي المالكي وشرحه له فقد سمي التنقيح بتنقيح الفصول في علم الأصول وقد جمع فيه مسائل المحصول للإمام فخر الدين الرازي ومسائل كتاب الإفادة للقاضي عبد الوهاب المالكي وهو مجلدان وكتاب الإشارة للباجي وكلام ابن القصار في الأصول وهما مالكيان مع

أنه زاد كثيرًا على الكتب المذكورة قال في التنقيح المذكور وبينت مذهب مالك في الأصول لينتفع بذلك المالكية خصوصًا وغيرهم عمومًا والجمع المراد به جمع الجوامع لتاج الدين السبكي الوارد من زهاء مائة مصنف مع الإحاطة بزيدة ما في شرحيه على مختصر أبن الحاجب ومنهاج البيضاوي مع زيادات كثيرة على تلك الزبدة والمراد بالآيات: الآيات البينات للعباسي على المحلي وجمع الجوامع وهي حاشية لا يأتي الزمان بمثلها والتلويح لسعد الدين التفتازاني على التنقيح لصدر الشريعة الحنفي: مطالعًا لأبن حلولو اللامعا ... مع حواش تعجب المطالعا أي حال كونه في ذلك الاجتهاد مطالعًا شرح جمع الجوامع المسمى بالضياء اللامع لأبي العباس أحمد بن أبي زيد عبد الرحمان الشهير بابن حلولو القروي المالكي والقروي نسبة إلى القيروان ومستودعًا فوائده الجمة هذا النظم مع فوائد كثيرة اقتطفتها من حواشي على المحلي نفيسة تعجب من طالعها لنفاستها كحواشي أبن أبي شريف وحواشي الشيخ زكرياء الأنصاري وحواشي ناصر الدين اللقاني وحواشي شهاب الدين عميرة: فالحمد لله العلي المجزل ... المانح الفضل لنا المكمل المجزل المكثر العطايا المكمل لهذا النظم: لنعم عنها يكل العد ... لو كان ما في الأرض لي يمد من أمد الرباعي واللام في قوله لنعم جمع نعمة بالكسر بمعنى على ويكل بفتح المثناة التحتية وكسر الكاف بمعنى يعجز ويقصر ولو أمدني ما في الأرض شجرة وانس وجان وإمداد الشجر أن تجعل أقلامًا أكتب بها نعمة علي وإمداد الأنس والجن أن يلقوا على ماله على من النعم لقوله تعالى ((وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)). "ثم صلاة الله والسلام على الذي انجلى به الظلام":

ثم صلاة الله والسلام ... على الذي انجلى به الظلام محمد الذي سما فوق السما ... وأهله من بعد ما الأرض سما الظلام بفتح الظاء والمراد به الكفر والأرض مفعول سما قدم عليه أي سما على أهل الأرض الأحياء منهم والأموات الأنبياء وغيرهم: فاسئل الحسنى وزيدًا في الرضى ... واللطف في كل أمر قد قضي أي اسئل الله تعالى الختم بالحسنى أي الموت على دين الإسلام مع رضوانه الأكبر والزيادة التي هي النظر إلى وجهه الكريم واللطف أي الرفق في كل أمر قدره علي والحمد لله على إكمال هذا الشرح منتصف شوال عام أربعة عشر ومائتين وألف بالبادية وصلى الله على سيدنا محمد وسائر النبيئين وآل كل وسائر الصالحين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والله يغفر لنا ولوالدينا ولقرابتنا ومن تعلق بنا ولجميع المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. انتهى بحمد الله تعالى وحسن عونه وتوفيقه الجميل ويمنه جعله الله من الأعمال التي لا تنقطع. وهذه هي نهاية الجزء الثاني من الكتاب حسب تقسيمنا له بعد أن كان ثلاثة أجزاء بالطبعة الحجرية والحمد لله رب العالمين.

§1/1