نزهة المالك والمملوك في مختصر سيرة من ولي مصر من الملوك
العباسي الصفدي
كلمة المحقق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كلمة المحقّق يعتبر عصر المماليك من أغنى العصور في المؤلّفات التي صنّفت على أيدي مؤلّفين لم يتركوا فنّا إلاّ أحاطوا به وكتبوا عنه. وكنت من القائلين - ولا أزال -: إن العصر المملوكيّ هو عصر الموسوعات الضخام، وعصر المؤلّفين العمالقة الكبار، والموسوعيّين الأفذاذ، أمثال: ابن حجر، وابن منظور، وابن تيمية، وابن كثير، والذهبي، والصفدي، والمقريزي، والعيني، والسخاوي، والسيوطي. ورغم أنّ عشرات المخطوطات لكبار المؤرّخين قد حقّقت وطبعت ونشرت، فلا تزال خزائن المكتبات في العالم تحتفظ بالعشرات، إن لم يكن بالمئات من المخطوطات التاريخية لمؤرّخين مشاهير، وآخرين مغمورين. وكتابنا هذا، المحفوظة نسخته الخطّية في المتحف البريطاني، على صغر حجمه، وعدم شهرة مؤلّفه، لا يقلّ أهمّيّة في مادّته ومعلوماته عن أمّهات المؤلّفات الكبيرة، لما يتضمّنه من معلومات وأخبار تاريخية نادرة لا نجدها في غيره، وهو بذلك يضيف إلى مخزون المصادر الأخرى صفحات جديدة تؤرّخ للمراحل الأولى من قيام دولة المماليك، ليس في مصر فحسب، بل لبلاد الشام أيضا، وكذلك لآسية الصغرى، وبلاد الحجاز، واليمن، وغيره. لهذا، رأيت - بعد الاتكال على الله تعالى - أن أقوم بتحقيق هذا الكتاب، ليكون في متناول الباحثين، والقرّاء، ومحبّي التاريخ، وخدمة لإحياء تراث الأمّة. والله من وراء القصد، وله الحمد في الأولى والآخرة. طرابلس الشام المحروسة الثلاثاء 10 صفر 1423 هـ. 23 نيسان - إبريل 2002 م. خادم العلم وطالبه عمر عبد السلام تدمري أبو غازي
التعريف بالمؤلف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ التعريف بالمؤلّف هو الحسن بن عبد الله أبي محمد بن عمر بن محاسن بن عبد الكريم بن عبد المحسن بن عبد الكريم بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، رضي الله عنه. هكذا كتب اسمه واسم أبيه وأجداده ووصل بنسبه إلى العبّاس، عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم، ابن عبد المطّلب، وذلك في آخر كتابه: «آثار الأول في ترتيب الدول» (¬1) فهو، إذا، عبّاسيّ، هاشميّ، من قريش، ومن أهل مدينة صفد بشمال فلسطين، ولذلك عرف بالعبّاسي الصفدي. ومن ذراري هارون الرشيد. فالخليفة العباسي هو جدّه التاسع. لا يعرف متى ولد، ولا متى مات، فالمصادر لم تترجم له، إذ لم يذكره «الصفدي» في «أعيان العصر وأعوان النصر» الذي ترجم فيه لأعلام عصره ومعاصريه، ولم يذكره الحافظ «ابن حجر العسقلاني» في «الدرر الكامنة»، مع أنه من المتوفّين في المئة الثامنة، وهو من شرطه، فهو كان موجودا حتى سنة 717 هـ. / 1317 م. على الأقلّ، ما يعني أنه من مواليد القرن السابع، ويحتمل أنه ولد في منتصف القرن السابع، أو قبل ذلك بقليل، أو بعده بقليل. أرّخ بعضهم وفاته بسنة 710 هـ. / 1310 م.، وهذا غير صحيح (¬2). وذكر «كحّالة» (¬3) وغيره، أنه كان حيّا قبل سنة 716 هـ. / 1316 م.، بينما ذكر الدكتور «شاكر مصطفى» (¬4) أنه توفّي بعد سنة 716 هـ. / 1316 م. ونحن نؤكّد أنه كان حيّا في سنة 717 هـ. / 1317 م. بدليل أنه يروي حادثة السّيل الذي خرّب بعلبك في السنة المذكورة في آخر هذا الكتاب الذي بين أيدينا. ¬
معارفه الثقافية
ذكره الدكتور «شاكر مصطفى» مرّتين في كتابه (¬1)، ففي المرّة الأولى ذكره باسم: «الحسن بن عبد الله بن محمد بن عمر العباسي بن عبد المطّلب»، وفي المرة الثانية ذكره باسم «الحسن بن أبي محمد عبد الله الهاشمي العباسي الصفدي»، وبذلك أخطأ مرتين، أولا: أخطأ بقوله: «الحسن بن عبد الله بن محمد. . .»، والصواب: «الحسن بن عبد الله أبو محمد»، وثانيا: فرّق بين الإسمين، وهما لشخص واحد. ... معارفه الثقافية نشر له الدكتور «عبد الرحمن عميرة» كتاب «آثار الأول في ترتيب الدول»، وقال تحت عنوان: «المؤلّف. نسبه وحياته» ما يلي: «تتجاهل كتب التراجم هذا الرجل تجاهلا كاملا. فلا تتعرّض لحياته من قريب أو من بعيد، فنحن لا نعرف شيئا عن طفولته، ولا عن شبابه، ولا أين عاش، وتعلّم هذا العلم، واكتسب هذه المعرفة والتجربة، وكل ما عرف عنه هو ما سجّله بنفسه على مخطوطة الكتاب الذي بين أيدينا والتي تحمل رقم 2733/ 42689 تاريخ. إنّ القارئ لكتابه الوحيد «آثار الأول في ترتيب الدول» لا يتصوّر مطلقا أنّ هذا الرجل الألمعيّ، لم يصنّف غير هذا الكتاب، لأنّ المادّة العلمية، والخبرة الواسعة التي ضمّنها كتابه، مع ما فيه من سلاسة العبارة، وقوّة الألفاظ، وسلامة التركيب، تدلّ على أنّ هذا الرجل العملاق له أكثر من مصنّف وأكثر من كتاب، وله باع طويل في مجال التصنيف والتأليف. ولكنّ البحث والتقصّي وراء نتاج هذا الرجل لم يعد بفائدة تذكر، وبقيت علامات الاستفهام حائرة، أين نتاج هذا الرجل» (¬2)؟ ويقول طالب العلم وخادمه، محقّق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري»: لقد أصاب الدكتور «عميرة» في بعض تساؤلاته، من حيث تجاهل كتب التراجم للمؤلّف، فلم نعرف شيئا عن طفولته ولا عن شبابه، وعلى من تعلّم هذا العلم، واكتسب تلك المعرفة والتجربة؟ ونحن نؤيّده في وصفه له بالألمعيّ، وبالرجل العملاق، وأنّ شخصا مثله لا بدّ أن يكون له نتاج أكثر من كتاب واحد. وإنّ تحقيقنا ونشرنا لهذا الكتاب يؤكّد أنّ «آثار الأول» ليس الكتاب الوحيد ¬
للمؤلّف، بل إنّ له كتابا ثالثا، أيضا، بعنوان: «التذكرة الكاملية في السياسة الملوكية»، سنذكره بعد قليل. ومن خلال مطالعتنا لكتابيه: «آثار الأول» و «نزهة المالك والمملوك» يمكن الوقوف أمام ومضات سريعة تضيء لنا بعض معارفنا عنه، حيث يظهر أنه كان يعيش في مصر، في الفترة التي صنّف فيها مؤلّفاته على الأقل، وأنه كان كاتبا متمرّسا في ديوان الإنشاء، وكان شاعرا له نظم في المديح، وهذا يقتضي أن يكون كاتبا أديبا، عارفا باللغة، والنحو، والصرف، والبلاغة، والبيان، والعروض، وما يتّصل بذلك من معارف أدبية، كما كان مؤرّخا، ومصنّفا، بدليل كتبه التي وصلتنا، وهو إلى جانب هذا وذاك، كان شديد الولاء لسلاطين عصره المماليك، يمالئ كلّ من تولّى السلطنة، ويصنّف كتابا باسم كل واحد منهم، ويغيّر عواطفه، ويلوي عنق قلمه مع تغيّر السلاطين، فهو يكتب للملك العادل زين الدين كتبغا المنصوري (694 - 696 هـ. / 1295 - 1297 م.)، ثم يؤلّف كتابا آخر يكيل فيه المديح والثناء للسلطان «بيبرس المنصوري الجاشنكير» (708 - 709 هـ. / 1308 - 1309 م.) وينشد فيه قصيدة من 33 بيتا من نظمه (¬1)، ثم يؤلّف كتابا ثالثا في سلطنة الناصر «محمد بن قلاوون» - وهي سلطنته الثانية (709 - 741 هـ. / 1309 - 1340 م.)، فيشيد به وبسياسته، وينشد فيه شعرا (¬2)، مع أنه سبق أن أثنى على «بيبرس المنصوري» الذي أخذ السلطنة من «الناصر محمد» عند ما اعتزل بالكرك، وعند ما عاد «الناصر» إلى السلطنة قبض على «بيبرس» مع جملة أمراء آخرين. إذا، فولاء المؤلّف واضح للسلطان، أيّا كان هذا السلطان، طالما هو على كرسيّ السلطنة. أمّا قول الدكتور «شاكر مصطفى» إنّ «الصفديّ» كان مقرّبا من السلطان الناصر ¬
مادة الكتاب
محمد بن قلاوون ومن ندمائه (¬1)، فهو غير دقيق، إذ ليس في مصادره ما يدلّ على أنه كان نديما للسلطان، بل كان يعمل كاتبا في ديوان المملكة بمصر، وقد أشار إلى ذلك بنفسه في كتابنا هذا أثناء حوادث سنة 694 هـ. / 1295 م. حين قال إنّ «ابن الخليلي الوزير» رسم له أن يتوجّه إلى «فاقوس» لتخضير أراضي الخاصّ (أي أراضي السلطان) في تلك السنة، فخرج وبصحبته القاضي، وناظر المعاملة، وغيره (¬2). مادّة الكتاب إنّ أهمّ ما يلفت في الكتاب الذي بين أيدينا خلوّه من مقدّمة للمؤلّف، فهو يكتفي بوضع ما يقرب من العنوان، فيقول بعد البسملة والاستعانة بالله تعالى: «وهذا كتاب تاريخ يذكر مصر وفضلها، ولم سمّيت مصر، وما كان اسمها من قبل». هذا ما ورد في نسخة المتحف البريطاني ذات الرقم (23662). أمّا العنوان الكامل: «نزهة المالك والمملوك في مختصر سيرة من ولي مصر من الملوك» فورد في مخطوطة باريس ذات الرقم (1706)، وفي باريس مخطوطة ثانية برقم (1931/ 22) وهي تحمل عنوان: «فضائل مصر». وقد اخترنا عنوان مخطوطة باريس الأولى ليكون عنوانا للكتاب، فهو أقرب دلالة على مادّته ومضمونه، إذ يعرّف المؤلّف أولا باسم مصر قبل الطوفان وبعده، وبفضلها كونها ذكرت في القرآن الكريم في أكثر من موضع، وورود عدّة أحاديث شريفة بشأن القبط والوصيّة بهم، ثم يذكر خصائص مصر وما فيها من خيرات، وواحات، وآبار، وبعد ذلك يستعرض أسماء ملوك مصر قبل الطوفان، ثم يأتي على ذكر ملوكها في عهد الأنبياء نوح، ويوسف، وموسى، عليهم السلام، وما كان في أيامهم من أحداث مشهورة، وينتقل بعد ذلك إلى ذكر خراج مصر، ومصالحة الروم والفرس على مصر، والإشارة إلى كنوزها، ليصل إلى مولد النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابه إلى المقوقس، وبداية دخول عمرو بن العاص مصر في الجاهلية، إلى أن فتحها وفتح بلادها الداخلية والساحلية. وبعد ذلك يستعرض أسماء العمّال على مصر وولاتها دون توسّع، فيكتفي بذكر تاريخ الولاية ومدّتها لكلّ منهم، وذلك في العهدين: الأمويّ، والعبّاسيّ، ولم يسلم هذا العرض من نقص لأسماء بعض الولاة سقطت منه سهوا، ويتوقّف قليلا عند الخليفة «المأمون» ودخوله الهرم، ثم يواصل بعده سرد أسماء الولاة حتى ولاية «أحمد بن طولون»، فيروي عنه حكاية تدلّ على حزمه وتيقّظه، ثم ¬
مصادر المؤلف
يذكر أولاده الذين تعاقبوا على حكم مصر، والولاة العبّاسيّين من بعدهم مجدّدا، ثم دولة الإخشيد، وصولا إلى الدولة الفاطمية، بدءا من دخول «جوهر الصقلّي» وتخطيط القاهرة. وفي هذا الفصل لا يقتصر المؤلّف على ذكر أسماء الخلفاء الفاطميّين ومدد خلافة كلّ منهم، بل يذكر أسماء الخلفاء العبّاسيّين أيضا، وتواريخ خلافة كلّ منهم، ومدّتها، وتاريخ وفاته. وهو يدمج الخلفاء من الطرفين معا في سياق واحد حسب التتابع التاريخي. ومثل ذلك في عهد سلاطين بني أيوب، ولكنه في هذا الفصل يتوسّع في ذكر ما جرى بين الملكين الصالحين، نجم الدين أيوب، وإسماعيل، إلى أن يصل إلى سلاطين دولة المماليك الترك، ومن هنا ينزع المؤلّف إلى التوسّع حتى نهاية الكتاب، فيقدّم لنا مادّة غزيرة ليس عن مصر وسلاطينها فحسب، بل يتناول حوادث ووقائع كثيرة في أنحاء بلاد الشام، وبلاد الأرمن في آسية الصغرى، وبلاد الحجاز، واليمن، ويعرض لعلاقات المماليك والتتار، وعلاقات المماليك بعرب الصعيد، والسودان، وعلاقات المماليك بملوك الفرنج، إلى أن ينتهي الكتاب فجأة بعد حادثة السيل الذي خرّب مدينة بعلبك في سنة 717 هـ. / 1317 م. مصادر المؤلّف يصرّح المؤلّف بأسماء ثلاثة مصادر فقط اعتمد عليها في كتابه، هي: «التاريخ الكبير» لعليّ بن محمد بن عبد الله بن حنّون الطبري، المعروف بأبي الحسن المدائني» المتوفّى سنة 225 هـ. / 839 م. ولعلّ المراد هو «تاريخ الخلفاء الكبير» (¬1). والمصدر الثاني هو كتاب «فتوح مصر وأخبارها» لابن عبد الحكم، أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله القرشي المصريّ، المتوفّى سنة 257 هـ. / 871 م. أمّا المصدر الثالث، فهو كتاب «العجائب» الموضوع للخليفة المأمون، ولا نعرف من هو مؤلّفه. أمّا المصادر التي اغترف منها ولم يصرّح بها، فمنها على وجه التأكيد كتاب «الإنباء بأنباء الأنبياء» للقضاعيّ، حيث ينقل كلماته حرفيا في بعض المواضع (¬2)، كما تتّفق رواية المؤلّف مع روايات «المسعودي» في كتابه «مروج الذهب»، وروايات «الكنديّ» في كتابيه: «الولاة القضاة»، و «ولاة مصر». ¬
أهمية الكتاب
هذا، فضلا عن أنّ المؤلّف ينقل عن كتابه «آثار الأول» عدّة أخبار، وفيه يذكر أنه ينقل عن كتاب «الألوف» لأبي معشر (¬1). وفي المقابل، اتّخذ المؤرّخون من «نزهة المالك والمملوك» مصدرا لموادّ مصنّفاتهم، وإن كان الكثير منهم لم يصرّحوا بذلك، إلاّ أنّ مجرّد المقارنة بين مادّة المؤلّف التي حشدها في «النزهة»، والموادّ التي نراها في كتب المؤرّخين المعاصرين له، أو المتأخّرين عنه، يدعم وجهة نظرنا. فأغلب المادّة في القسم الأول من كتاب «نزهة المالك» نراه يتردّد عند «القلقشندي» في «صبح الأعشى»، وعند «المقريزيّ» في «المواعظ والاعتبار» المعروف بخطط المقريزي، وعند «ابن تغري بردي» في «النجوم الزاهرة»، وعند «السيوطي» في «حسن المحاضرة». أمّا القسم الثاني من مادّة الكتاب فنرى أكثره مكرّرا في عدّة مصادر معاصرة ولا حقة، مثل: «نهاية الأرب» للنويري، و «زبدة الفكرة» و «التحفة الملوكية» لبيبرس المنصوري، و «تاريخ سلاطين المماليك» الذي نشره «زتر ستين» ولا يعرف مؤلّفه، و «المقتفي» للبرزالي، و «الدرّة الزكية» و «الدرّ الفاخر» وهما لابن أيبك الدواداري، و «الجوهر الثمين»، و «النفحة المسكية» وهما لابن دقماق، و «السلوك» للمقريزي، و «بدائع الزهور» لابن إياس. أهمّيّة الكتاب لا تنحصر أهميّة كتاب «نزهة المالك» بأنه اعتمد مصدرا لدى المؤرّخين فحسب، بل إنّ أهمّيته تتضاعف حيث نجده ينفرد بذكر عدّة أخبار لا نجدها عند غيره من المؤرّخين، وبذلك يضيف إلى معارفنا معلومات تاريخية نادرة نضيفها إلى ما لدينا من مخزون متداول ومنشور، فلقد هيّأ موقع المؤلّف في ديوان المملكة بمصر فرصة الاطّلاع بنفسه على نصوص المعاهدات بين ملوك مصر والفرنج، وبيانات الإحصاء التي كانت ترد إلى ديوان الإنشاء، وغير ذلك من نصوص نقلها من مصادر نادرة لم نقف عليها، ومن أخبار عن وقائع شاهدها بنفسه، وشارك فيها وعايشها. فمن المعلومات والأخبار النادرة التي ينفرد بها كتابنا هذا، ما ذكره المؤلّف من محاسن مصر (¬2)، وخيرات مصر (¬3)، ونصّ الهدنة بين الملك الصالح نجم الدين أيوب والفرنج، في سنة 626 هـ. / 1228 م. وتشمل جبل بيروت وصيدا وأعمالهما وأراضيهما وحدودهما، وقلعة الشقيف وأعمالها، وقلعة تبنين وأعمالها، وقلعة هونين ¬
لغة الكتاب
وأعمالها، والحيط وبلاده - ويقصد به جبل الشوف أو بلاد الدروز - واسكندرونة وإقليمها - وهي حصن اسكانداليون الواقع على ساحل البحر بين مدينة صور ورأس الناقورة - وتشمل أسماء مدن وقرى وضياع كثيرة في فلسطين، لم تذكر في الهدن الأخرى بين المسلمين والفرنج (¬1)، وخبر حيلة الملك الصالح إسماعيل مع البعلبكيّين ودخولهم دمشق في سنة 640 هـ. / 1242 م (¬2). وخبر الغلاء العظيم والفناء الذي شهدته مصر، ومعايشة المؤلّف للمجاعة الهائلة والفظاعات التي جرت في سنة 694 هـ. / 1295 م. ومشاهدته عيانا لإحدى النساء وهي تأكل من لحم زوجها بعد أن صرعته وقامت بشيّه (¬3). وقد ذكر «ابن أيبك الدواداري» (¬4) ما يشبه هذا الخبر من مشاهداته الشخصيّة أيضا، وهو يعزّز ويؤيّد صدق رواية المؤلّف «العبّاسي الصفدي»، الذي يضيف إلى معلوماتنا جديدا عن عرب الصعيد وما غنمه عسكر السلطان الناصر محمد بن قلاوون من خيولهم وجمالهم في أواخر سنة 701 هـ (¬5). / 1301 م. وينفرد بوصف مدينة ملطية بعد فتح عساكر المماليك لها في سنة 715 هـ (¬6). / 1315 م. وأضاف بعض المعلومات عن حادثة السيل الذي طغى على بعلبكّ في سنة 717 هـ. / 1317 م (¬7). علما بأنّ هذا الحادث لم يرد في المخطوطتين الباريسيّتين، وانفردت به نسخة المتحف البريطاني التي بين أيدينا. لغة الكتاب ممّا يثير التساؤل أنّ المخطوط الذي نحقّقه مليء بالأغلاط والأخطاء اللغويّة والنّحويّة، وهذا يتعارض مع كون المؤلّف أديبا وكاتبا وشاعرا، وله موقعه في ديوان المملكة، ويزداد تساؤلنا وحيرتنا إذا قارنّا لغة هذا الكتاب «نزهة المالك» بكتاب «آثار الأول» وهو للمؤلّف نفسه، حيث نلمس فارقا واضحا بين لغة الإثنين، فكتاب «الآثار» كتب بلغة سليمة ومتينة لا تشوبها شائبة، بعكس كتابنا هذا «النزهة» الذي وردت فيه أغلاط كثيرة، وخاصّة عند كتابة السنوات والأعداد التي تأتي بالعشرات أو المئات، مثل قوله: سنة ستّ عشر، وسبعة وعشرون سنة، وكان الجميع ما يتي ألف ¬
آثار المؤلف
وأربعين ألف ومايتي واثنين وخمسين إنسانا، وقوله: أربع أيام، وخمس عشر ذراعا، وعشرة سنين. ومثل هذا كثير. ويقلب الألف المقصورة إلى ألف ممدودة في كثير من الكلمات، مثل: تسرّا - تسرّى، وقرا - قرى، وبنا - بنى، وأعلا - أعلى، وطغا - طغى، وأوفا - أوفى، ويجمع: جمال على: أجمال، ويحذف الهمزة من وسط الكلمة، مثل: نساها - نساؤها، وباساة - بإساءة، ويقلب الهمزة في آخر الكلمة إلى هاء، مثل: صحراه - صحراء، ويضيف ألف الجمع في آخر الكلمة للمفرد، مثل: تشكوا - تشكو، ويضيف الألف على كلمة «بن» الواقعة بين اسمين «علمين، ويقلب أحيانا الظاء ضادا، مثل: أضرفهم - أظرفهم، وكتب: «الأغنام. . أغلاهم ثمنا»، و «نزلوا الغطّاسون»، و «الذي أنشئت»، و «ينزلوه في البير يجلسوه على الصخر» و «كان على رأس الهرم صنما عظيما كبيرا»، و «فوافقوه الباقين»، ومثل ذلك كثير. وقد يقال: لعلّ الأغلاط والأخطاء من الناسخ؟ ولكن، هل يغلط الناسخ كلّ هذه الأغلاط وهو ينسخ عن أصل المؤلّف المتمكّن من اللغة؟ وبمقارنة مخطوطتي المؤلّف: «آثار الأول» و «نزهة المالك» نرى تشابههما في الخطّ بحيث لا يمكن التفريق بين خطّ هذه وتلك، ما يعني أنهما لكاتب واحد. فكيف يكون أحد الكتابين جيّد اللغة، والآخر سيّئها؟ وهل اختلاف موضوع الكتاب ومادّته له تأثير على لغة الكتابة وأسلوبها؟ أسئلة محيّرة، لم نجد لها إجابة قاطعة. آثار المؤلّف 1 - آثار الأول في ترتيب الدول: هكذا سمّاه المؤلّف في آخر مقدّمته (¬1)، ويسمّيه الدكتور شاكر مصطفى: «آثار الأول في تدبير الدول» (¬2). وقد نشره د. عبد الرحمن عميرة - طبعة دار الجيل، بيروت 1409 هـ. / 1989 م. 2 - التذكرة الكاملية في السياسة الملوكية: قال الدكتور شاكر مصطفى: لعلّه كتبه للملك العادل زين الدين كتبغا الذي ولي مصر ما بين 694 - 696 هـ. / 1295 - 1297 م. ولم يذكر أين يوجد هذا المخطوط. 3 - نزهة المالك والمملوك في مختصر سيرة من ولي مصر من الملوك: كتابنا هذا، منه نسخة في المكتبة الوطنية بباريس، برقم (1706) وتحمل العنوان المذكور. ¬
وصف المخطوط
ومنه نسخة ثانية في المكتبة نفسها، برقم (1931/ 22) تحمل عنوان «فضائل مصر». ومنه نسخة ثالثة محفوظة بالمتحف البريطاني، برقم (23662)، وهي التي اعتمدنا تحقيقها، وهي أكمل من نسختي باريس، حيث ليس فيهما حادثة سيل بعلبك. وصف المخطوط تتألّف النسخة التي بين أيدينا من (174 صفحة)، حسب ترقيمنا، وحسب ترقيم المتحف البريطاني (88 ورقة) - 176 صفحة، والفرق بين ترقيمنا وترقيم المتحف صفحتان، وهما ساقطتان من المخطوط بين ورقتي (11 ب - 12 أ) أو (22 - 23) حسب ترقيمنا، ولم يتنبّه صاحب الترقيم إلى النقص. قياسها 24 × 17 سم. في الصفحة الواحدة (15) سطرا، وفي السطر الواحد ما معدّله (9) كلمات، كتبت بخط النسخ المملوكي الجميل الواضح، والمشكول. وكتبت العناوين بخطّ أكبر، قليلة الحواشي، ليس عليها تاريخ النسخ. أوّلها: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وبه نستعين. وهذا كتاب تاريخ يذكر مصر وفضلها، ولم سمّيت مصر، وما كان اسمها من قبل. فأمّا ما قرأته في التاريخ الكبير أنّ اسمها كان قبل الطوفان مصريم. . .». يتّضح ممّا تقدّم أنّ الكتاب ليست له مقدّمة كما جرت العادة. وينتهي الكتاب بقول مؤلّفه: «والحمد لله وحده. تمّ الكتاب، وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم». دون ذكر كاتبه، أو تاريخ كتابته. أمّا توثيق الكتاب ومعرفة مؤلّفه، فقد ورد اسمه في وسط المخطوط، ضمن حوادث سنة 694 هـ. / 1295 م. إذ يقول ما نصّه: «ومن جملة ما جرى أن رسّم ابن الخليلي الوزير للفقير إلى الله الحسن ابن أبي محمد الصفدي، جامع هذا التاريخ، بالتّوجّه إلى فاقوس وما معهما لتخضير أراضي الخاص في تلك السنة. . .» (¬1). مراجع ترجمة المؤلّف - تاريخ آداب اللغة العربية، لجرجي زيدان - ج 3/ 273. - دائرة المعارف الإسلامية، لكرنكو - ج 4/ 56. - دائرة المعارف الإسلامية، الطبعة العربية - ج 14/ 224. - تاريخ الأدب العربي، لكارل بروكلمان - ج 2/ 161. ¬
- تكملة تاريخ الأدب العربي، لبروكلمان - ج 2/ 33، 34. - معجم المؤلفين، لعمر رضا كحّالة، ج 3/ 240، 241. - فهرست المكتبة الخديوية، بمصر - ج 5/ 2. - التاريخ العربي والمؤرّخون، للدكتور شاكر مصطفى - ج 3/ 209 رقم 17 وج 3/ 210، 211 رقم 19.
نُزهة الْمَالِك وَالمملوك فِي مُخْتَصر سِيرة مَن ولي مصر مِن الْمُلُوك «يؤرّخ مِن عَصر الفراعنَة وَالأنبيَاء حَتّى سَنة 717 هـ» تأليف الْحسَن بن أبي محمّد عَبد الله الْهَاشِمِي العبّاسي الصَّفَدِي تُوفّي بُعَيدَ 717 هـ - 1317 م مخطوطَة المتحف البريطاني رَقم 23662
[لوحات من المخطوط]
[لوحات من المخطوط] الصفحة الأولى من «نزهة المالك والمملوك» نسخة المتحف البريطاني
الورقة 46 أمن «نزهة المالك والمملوك»
الورقة 62 ب
الورقة 64 أ
الورقة 69 ب
الورقة 76 أ
الصفحة الأخيرة من «نزهة المالك والمملوك»
جزء من مقدّمة المؤلّف لكتابه «آثار الأول في ترتيب الدول»
آخر كتاب «آثار الأول في ترتيب الدول» وفيه اسم المؤلّف ونسبه كاملا
[مقدمة المؤلف]
[مقدمة المؤلف] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه نستعين وهذا كتاب تاريخ بذكر مصر وفضلها، ولم سمّيت مصر، وما كان اسمها من قبل؟ فأمّا ما قرأته في «التاريخ الكبير» (¬1) أنّ اسمها كان قبل الطوفان «مصريم»، لأنّ الذي بناها وسكنها مصريم بن قفطريم بن راويل بن عاويل بن قابيل بن آدم (¬2) عليه السلام (¬3)، فسمّيت باسمه. وكان اسم أمّ الإقليم أمسوس (¬4) وهي مدينة كانت كرسيّ الملك، ومقام الملك فيها. [الإسكندرية] والإسكندرية لمقام خليفة الملك. وكانت سبع مداين بسبعة أسوار، أعني الإسكندرية. وسمّيت الإسكندرية باسم الإسكندر بن فيلبّس اليونانيّ لأنه الذي جدّدها. و [من] تاريخ وفاة الإسكندر إلى سنة ستّ عشر (¬5) وسبع ماية: ألف وستماية (وسبعة) (¬6) وعشرون سنة. ¬
[اسم مصر]
وما زال اسمها «الإسكندرية» قديما وحديثا وإلى الآن. ويقال: إنّ اسمها كان «دريّا». وسكنها خليفة الملك شرناق الأنطاكيّ، وهو شرناق ابن (¬1) شهلوق بن عاويل بن قابيل بن آدم عليه السلام (¬2)، فسأل شرناق عن خليفته، فقيل له: سكن دريّا، فاستعربت بهذا الاسم وعرفت به. والله أعلم. وأمّا أمسوس، فقد دخلت تحت بحيرة الإسكندرية التي هي الآن من البحر المالح الذي أفلته على البلاد إلى سور الإسكندرية. والله أعلم. [اسم مصر] وأمّا اسم مصر فإنه اسم محدث من قبل الطوفان، لأنّ الذي بناها اسمه مصر (¬3) بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام. وسيأتي ذكره في مكانه إن شاء الله تعالى، وهي مصر القديمة التي في برّ الجيزية. وأمّا مصر الآن فهي التي خطّها عمرو ابن (¬4) العاص حول القصر، والصحيح أنّ اسمها «مصر» في اللوح المحفوظ، ودليل ذلك تسميتها في الكتاب العزيز. قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} (¬5) وهو اسم قديم وحديث. [فضل مصر] وأمّا ما نزل في فضل مصر وذكرها في القرآن الحكيم، فقوله تعالى في سورة البقرة (¬6) وغيرها في أماكن متفرّقة وسور كثيرة كثير (¬7). وما ذكر الله مدينة باسمها إلاّ ¬
مكة شرّفها الله تعالى، ويثرب، والواد (¬1) المقدّس، ومصر، والمدينة. وقيل: جاء في بعض التفسير المدينة أنطاكية. وأمّا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذكر مصر والوصيّة بأهلها، فقد أخبر عليّ بن الحسن، يرفعه إلى ابن مالك (¬2) في: «فتوح مصر وإفريقية» (¬3)، تأليف أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، رحمه الله تعالى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإنّ لهم ذمّة ورحما» (¬4). وقال ابن شهاب: إنّ هاجر أمّ إسماعيل منهم (¬5). وقد ورد عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله سيفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيرا فإنّ لكم منهم صهرا وذمّة» (¬6). قيل: وهاجر أمّ إسماعيل منهم من قرية تعرف بأمّ العرب أمام الفرما (¬7). وقيل: هي من أمّ ذنين (¬8) بالشرقية. وأمّا ما رواه القصّاص قال: صاهر القبط من الأنبياء ثلاثة: إبراهيم الخليل صلوات الله عليه، تسرّا (¬9) بهاجر، وولدت منه إسماعيل عليه السلام. ويوسف الصّدّيق عليه السلام، تزوّج ببنت صاحب (عين) (¬10) شمس. ونبيّنا محمد صلى الله عليه وعليهم وسلّم. تسرّا (¬11) بمارية القبطية، وولدت منه إبراهيم عليه السلام. ¬
[نسبة مصر من الدنيا]
وهي من قرية من قرا (¬1) أنصنا يقال لها: جقن أهداها وأختها ريحانة للنبيّ صلى الله عليه وسلم المقوقس ملك مصر (¬2). وقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أيضا أنه قال: «من سرّه أن ينظر إلى بحبوحة الجنّة فلينظر إلى مصر في زمن الربيع إذا أحدقت بنباتها وزهورها» (¬3). والأحاديث في ذلك كثيرة، وإنّما اختصرنا (لأن) (¬4) لا يفوت الغرض. [نسبة مصر من الدنيا] وأمّا نسبة مصر من الدنيا، فقد أخبر أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدّثنا محمد بن إسماعيل الكعبيّ، حدّثني حرملة بن عمران (¬5) التجيبي (¬6)، عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: خلقت الدنيا على خمس صور، على صورة الطير برأسه وصدره وجناحيه وذنبه، فالرأس: مكة، والمدينة، واليمن. والصدر: الشام، ومصر. والجناح الأيمن: العراق. وخلف العراق أمّة يقال لها: «واق»، وخلف واق أمّة يقال لها: «واق واق»، وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ. والجناح الأيسر: السند، وخلف السند الهند، وخلف الهند أمّة يقال لها: «تاسك» (¬7)، وخلف تاسك (7) أمّة يقال لها: «منسك»، وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ. والذنب من ذات الحمام إلى مغرب الشمس. «وأشرّ ما في الطير الذنب» (¬8). فهذه نسبة مصر. [خصائص مصر وملوكها] وأمّا خصائصها، وملوكها، وخيراتها فكثير. فمن ذلك أنّ ملكها أكبر الملوك قدرا، وأعظمهم منزلة، وجميع ملوك البرّ ¬
والبحر يخافونه، ويهادوه (¬1)، ويهادنونه، لحسن جيشه وقوّتهم وخيولهم وعددهم وعددهم، ولا سيما في زماننا هذا (¬2)، فإنهم أحسن أجناد الدنيا، وعسكره وموكبه أفخر العساكر والمواكب وأحشمهم، وفيهم الصلحاء، والرجال، وفرسان الخيل، ومن مرّت به التجارب، وحضر الحصارات والمصافّات، وقد أيّده الله تعالى بالنصر. وقد ورد عن عمرو بن العاص، عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فتح الله عليكم بمصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض». فقال له أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه: ولم يا رسول الله؟ قال: «لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة» (¬3). ولو أراد ملك مصر أن يجمع جيوشا لم يسعها سهل ولا وعر خارجا عن جيوشه الشاميّة لجمع، فإنّه لا يوجد في سائر البلاد والأقاليم خلقا مجتمعة (¬4) كما اجتمع في وادي مصر، عمّرها الله تعالى ببقاء مالكها. وأدلّ الدلايل على ذلك أنّ السّحرة الذين آمنوا مع نبيّ الله تعالى موسى بن عمران عليه السلام، كما حدّثنا علي، حدّثنا عبد الرحمن، والخولانيّ، ويزيد بن حبيب المالكيّ، وغيرهم، وابن لهيعة، قالوا: إنّ السّحرة الذين آمنوا جميعا في ساعة واحدة كانوا اثني عشر ساحرا رؤساء، تحت يد كل واحد منهم عشرون عريفا سحرة، تحت يد كل عريف منهم ألف ساحر. وكان الجميع مايتي ألف وأربعين ألف (¬5) ومايتي (¬6) واثنين وخمسين إنسانا (¬7)، وما كان فيهم من عمره دون الأربعين سنة، ولا فوق الستين سنة. وقد أخبر الله تعالى عنهم في القرآن الكريم: {إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ} (¬8) حكاية عن قول فرعون. فعند ذلك أمر فرعون بإحضار شاة وأمر بذبحها وقال: لا يفرغ من سلاخها حتى يجتمع إليّ خمسماية ألف خلاف القلب والمجنّبتين، فحضروا أسرع من طرفة العين، وغرّق الله الجميع، وكانوا ما فيهم من بلغ الأربعين سنة (¬9) ولا دون العشرين سنة، فلذلك قوله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ} (¬10). والذين كانوا في ¬
القلب والجنبتين (¬1) نيّف (¬2) عن ألف ألف وخمس ماية ألف إنسان، وغرّق الله الجميع وهم نيّف عن ألفي ألف إنسان، فهذا من أقوى الدلائل على كثرة أهل مصر. والآن، فيها الناس أكثر لاجتماع الناس فيها من سائر أقطار الأرض. وأمّا عجائبها وخيراتها ومن فيها من العوالم فرجالها أفصح الرجال، ونساها (¬3) أحسن نساء سائر الأقاليم، وأضرفهم (¬4)، وألطفهم، وأعذبهم منطقا، وأرقّهم حاشية، ولا سيما في زماننا هذا. وأمّا خيلها فأحسن الخيول وأجود خيول الدنيا، تساق إلى خدمة صاحب مصر، ولا سيما مولانا السلطان الملك الناصر ابن المرحوم السلطان الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاون الصالحيّ، فإنه جمع من الخيول الأصايل المثمنة ما لا قدر عليه مثله (غيره) (¬5)، ممّن كان قبله من الملوك لخاصّه ولحاشيته ومماليكه. فأمّا خيوله وبغاله وجماله البخاتيّات وغيرها فما يحصر ذلك، فحول عربيّات، وحجورة منوّعات، وأكاديش، روميّات، وتتريّات، وسيس (¬6)، وغير ذلك من سائر الأصناف، وخيل القمر، ومن البغال كذلك، هذه الجملة لخاصّه. ولقد وقع داغه على آلاف خيول وبغال وجمال ما لا ملكه غيره له خاصّة. وأمّا خيول مماليكه وحاشيته وجيشه بالديار المصرية والشامية فما تحصر. وأمّا بغال الديار المصرية فإنها أطرز البغال، وحميرها أكيس الحمير، وأنبلها، وأسرعها، وأكثرها ثمنا، فيبلغ ثمن الحمار الفاره مايتي دينار وأكثر. وأبقارها فأجمل أبقار الدنيا، وأغنامها فأملح الأغنام، وأكبر (¬7) خلقة، وألدنهم (¬8) لحما، وأغلاهم (¬9) ثمنا، والماعز فيها أنبل المواعز، وأدرّهم لبنا، وأزيدهم ثمنا. وأجمالها (¬10) أصبر الجمال، وأثقلها أحمالا، وأدومها على ذلك. وزرعها أخصب زرع الأرض وأنجبه. ¬
ذكر الواحات وعجائبها
وقراها أكثر من سائر البلاد غلالا. ونيلها أعجب الأنهار في زيادته ونقصانه وعمومه على الأرض، وتقسيمه، وتصريفه، وحلاوته، وخفّته، فإنّ ماءه أخفّ المياه وأحلاها، وأسرعها هضما، وأطيبها سمكا، وأكثرها نزهة وصيدا، فإنه يصطاد من نيلها السمك الطريّ، وعن حافاته سائر أصناف الطير. وفي صحاريها سائر أنواع الوحش، فهذا ما يوجد في إقليم غيره. وذهبها أجود الذهب. وفيها معدن الزّمرّد بصحراء عيذاب، والشبّ الأبيض ببلاد الواحات. ... وكان في زمن الملك الكامل (¬1)، والصالح نجم الدين أيّوب (¬2) ولده مرتّب على مقطعي الواحات أن يحملوا إلى الأبواب الشريفة في كل سنة (ألف) (¬3) قنطار شبّ أبيض، بحكم أنهم أطلقوا لهم الجوالي بالواحات برسم أجرة حملها للشبّ، فأهمل وبطل، وتقادمت عليه السنين (¬4) إلى الآن. والله أعلم. ذكر الواحات وعجائبها وهي أربع الواحات (¬5). مسيرة كل واح إلى الآخر ثلاثة أربعة (¬6) أيام. وكذلك مسيرة الواح الخارجة من أسيوط إليها، ومن منفلوط أربع (¬7) أيام. وبين أسيوط وبين الواح الخارجة وادي (¬8) عظيم، طويل من القبلة إلى بحريّ جميعه نخيل وأشجار وغيره، وعيون ماء، وقرى خراب تنتهي إلى الطرّانة وتروجه، وهو بلا ساكن. وكان في الزمان ¬
ذكر (آبار) الواحات وعيونها
الأول عامرا، والآن يأوي إليه بعض العربان في أيام التمر، يأكلوا (¬1) تمره ويرحلوا (¬2) عنه، وهو مقطع الطريق. ذكر (آبار) (¬3) الواحات وعيونها وهو أنه لها آبار تحفر، طول ما فيها عمقه ماية وثمانون ذراعا، وأقصره خمس (¬4) عشر ذراعا، والجميع تسرح منها المياه نبعا فائضا جاريا على وجه الأرض يسقي الزرع، وينتفع به دائما مدرارا لا ينقطع أبدا. صفة حفر آبارها وهو أنه له حفّارون وغطّاسون (¬5) لذلك، فيحفروا (¬6) البير مربّعا على قدر اتساع ما يرونه، ولا يزالون يحفرون وهم نازلون إلى أن يصلوا إلى الصخر مهما كان عمقه من الطويل والقصير، فإذا وصلوا إلى الصخر عملوا تابوتا مربّعا مقلفطا، سفل (¬7) على طول البير، وينزلوه (¬8) في البير يجلسوه (¬9) على الصخر، ويقلفطوا بينه وبين الصخر، فإذا استوى على الصخر نقروا الصخر ونزلوا فيه على حكم التربيع إلى أن يحسّوا بالنداوة، ويعلم أنهم قربوا من الماء، فعند ذلك يبطلوا الحفر في الحجر. ولهم وتد من حديد مربع يشبه السّكّة، وسع أربع خمس (¬10) أصابع، في مثله من الأربع (¬11) وجوه. وفي ذنب السكة أربع حلق من حديد، ويربط فيها أطناب ليف سلب ملآن طول الحفر، ويضربوا (¬12) السكة في الصخر ويسمّروها (¬13) فيه إلى أن يتخرّق الصخر وينفجر الماء من خلال السكة، فعند ذلك يقلفطوا (¬14) السكة ويمنعوا (¬15) الماء من الخروج، ويطلع الحجّار إلى رأس البير ويخرج منه. ثم يسلّطوا (¬16) على البير ماء من بير آخر يصبّ في البير إلى أن يمتلئ نصفه أو ثلثه. ثم يقعدوا (¬17) الرجال في السلب ¬
[خيرات مصر]
ويخلخلوا السكة فيقلعوها (¬1)، فعند ذلك يخرج الماء من مكان السكة ويطلع بزخم يفور إلى أن يمتلئ البير ويفيض ويسرح على وجه الأرض بقدرة الله تعالى مدرارا لا ينقطع أبدا. وجميع عيونها على هذه الصورة، فهذه من أغرب العجايب وأعجب الغرايب، فسبحان القادر على كل شيء. وذكروا أيضا أنّ لهذه الآبار قلافطة وغطّاسين، إذا فسد شيء منها من الخشب في طول المدّة نزلوا غيّروه وقلفطوه بالعدّة والمساق، ويقعد القلفاط غاطس (¬2) نصف نهار. وإن وقع في البير حجر أو طوب سدّ النقب نزلوا (¬3) الغطّاسون نظّفوه وأصلحوه. [خيرات مصر] والشّبّ (¬4) بوادي (¬5) يعرف بالأسيوطي قبالة أنفوا على طريق الواحات. وفيها كيزان الفقّاع من بلاد قوص والبرام بقنا. وفيها حجر السّنباذج والنفط (¬6). وفيها النّطرون (¬7) والقلقند في وادي الطرّانة. وفيها الحجر الصمّ المانع بجزائر أسوان. وفيها الرخام الأبيض، معدن بصحراء قوص. والرخام الأسود بجبل مصر. وأمّا النّفط (¬8) فإنه معدن على طريق عيذاب ببركة يقشط من على وجه الماء شبه الزيت الحارّ. وفيها الجبس الأسود، والطابق، والزجاجيّ أنواع. وفيها الطوب القادح، والجير، والقراطيس، والحطب السّنط الذي ما يوجد في سائر الدنيا مثله، لأنه يوقد منه ما عسى أن يوقد من القناطير في طول المدّة، فلا يرى له دخان كدخان سائر الأحطاب، ولا رماد إلاّ النّزر اليسير. وفيها دهن البلسان (¬9)، وزيت الفجل، والكتّان، والقرطم، والسّلجم، والخيس. ¬
وفيها معمل الفرّوج الذي ما يوجد إلاّ في إقليم مصر خاصّة. وفيها اللبن الحليب، والحامض دائما، ولبن الراس، والحلو، والجبن الطريّ، والمقلي دائما لا ينقطع. وكذلك الموز، والزهور الدائمة، والخضراوات، والمحمّضات، والليمون، والنارنج في الصيف والشتاء والربيع والخريف وكذلك الملوحات. ولا توجد في سائر الدنيا مثل أعنابها ولا سيما عنب سخا ونقائه. وكذلك جزائر الرمّان والذي (¬1) أنشئت بفارس كور، وغيرها، وكرومها وما ينقل في كل يوم إلى مصر من الرمّان في المراكب ما لا صفة له من كثرته في زمانه، ولا أكثر من بطّيخها الأصفر والأخضر في زمن الصيف والشتاء. ولا مثل ما فيها من الخيار شنبر، والحنّا، والكتّان. ولا مثل ربيع خيلها في البرسيم الذي ترعاه الدوابّ. ولا مثل الرطب العال، والبسر الفخر، والبيراف، والنّيدة. وقيل: إنّ أول من صنع النّيدة مريم ابنة عمران أمّ عيسى عليه السلام، فإنّها عزّ لبنها، فشكت إلى الله تعالى من ذلك فأوحى الله إليها أن اصنعي النّيدة، فصنعتها، وأكلت منها، فدرّ لبنها بقدرة الله تعالى، ولعقت منها لعيسى عليه السلام. وفيها القماش الإسكندري الحريري، والشرب، والدمياطي، والمقابير، والمقانع السّقلابي، والأطراف الشاشات الخليفتية، والأبراد الأبيارية، المحرّر والغزل، وغير ذلك ما لا نظير له في سائر البلاد. ولا مثل عسلها النحل وشمعه، وسكّرها القفطيّ، والمكرّر، والنبات وقطره، وعسله، وقصبه. ولا يوجد في الدنيا مثل خمرها، وخلّها، ولحومها، وجميع خيراتها. وكذلك القلقاس دائما لا ينقطع أبدا، لأنه يدرك الجديد والعتيق في المخازن يستعمل. وقال السليماني: طفت البلاد، ودرت الأقاليم بأسرها، فما رأيت مثل رطب توت (¬2)، ورمّان بابه (¬3)، وموز هتور (¬4)، وسمك كيهك (¬5)، وماء طوبه (¬6)، ¬
وخروف (¬1) أمشير (¬2)، ولبن برمهات (¬3)، وورد برموده (¬4)، ونبق بشنس (¬5)، وتين بؤونه (¬6)، وعسل أبيب (¬7)، وعنب مسرى (¬8). وحسبك من مدينة يطحن فيها في كل يوم نيّف عن خمسة آلاف ومايتي إردبّ قمح مونة، خارجا عن الأرياف وما ينقل إليها من الدقيق، وما يطحن بالرحى. وأمّا ما حرّرته من ذلك، ففيها ألف ومايتي (¬9) وتسعون حجر طاحون علامة وخشكار، تفصيله، بالقاهرة المعزّيّة خاصّة: ستماية وثلاثون حجرا، علامة مايتا حجر، وخشكار أربع ماية وثلاثون حجرا بمصر علامة وخشكار مايتا حجر. وبالضواحي أربع ماية وستّون حجرا، معدّل ذلك ما يطحنه كل حجر في اليوم والليلة إذا كانت دوابّا جيادا خمسة أرادب بالمصري، عن الجميع في اليوم ستة آلاف وأربع ماية وتسعين (¬10) إردبّا. في الشهر ماية ألف [و] أربع وتسعين ألف (¬11) وسبع ماية إردّبا (¬12). في السنة ألفي (¬13) ألف وثلاثماية ألف وثمان وعشرون ألف إردبا (¬14). وذلك خارجا عن علوفات الخيول من الشعير، والدوابّ، والجمال، والبقر من الفول، فسبحان رازق العباد بغير حساب. ¬
[أسماء ملوك مصر قبل الطوفان]
[أسماء ملوك مصر قبل الطوفان] وأما أسماء ملوكها ومن عمّرها من قبل الطوفان، بما شاء الله وإلى الآن، فإنه قال صاحب «التاريخ الكبير» وهو ابن حنّون (¬1) الطبريّ (¬2): إنّ أول من عمّر مصر وسكنها قبل الطوفان رجل يقال له قفطريم بن راويل بن عاويل بن قابيل بن آدم عليه السلام. ثم ولده مصريم، ثم انتقلت إلى شهلوق (¬3). ثم (إلى) (¬4) شرناق (¬5) الأنطاكيّ. وله قصّة عجيبة، فملكها ماية وثلاثين سنة. وكان قد أتقن أمرها بالسحر. ومن جملة ذلك أنه عمل على باب كل مدينة من مدائن مصر بطّة من نحاس مجوّفة، فأيّ غريب دخل من باب تلك المدينة صفرت البطّة وصفّقت بجناحيها، فيبادر إليه فيمسك (¬6). ثم مات شرناق (¬7)، فملكها ولده شهلوق (¬8) ستّ (¬9) وتسعين سنة، وخلع نفسه، وانعكف على العبادة وخدمة بيوت النيران (¬10). وملكها ولده شونتير (¬11)، فأقام اثنا عشر (¬12) سنة. وهلك أبوه شهلوق، واستمرّ ¬
ولده شونتير في الملك بعده ماية وعشرين سنة (¬1). وهو الذي بنا (¬2) الإهرام والبرابي. وكان فيهما اثنين وسبعين (¬3) ألف فاعل وصانع تعمل (¬4)، وكان حفر أساسها وتحريره في ستّ سنين (¬5)، وتكمّلت عمارتها في ستين سنة. وإنّها من أسفل كما هي من فوق. وذكر أنّ من تاريخ عمارتها وإلى سنة ستّ عشر (¬6) وسبع ماية: أربعة آلاف سنة وسبع ماية سنة وستّ وسبعين (¬7) سنة. وأنّ الثلاثة أهرام (¬8) آزاج (¬9) وقبور لا غير. فالهرم الشرقيّ دفن فيه شونتير، وبابه من بحري، وهو مدوّر، وقد طبّقوا عليه حجرا واحدا، وأتقنوا أمرها بالسحر، وسحرها عمّال إلى الآن. كما وكان على رأس الهرم صنما عظيما كبيرا (¬10) يسمّى بهوه، فأفسده الطوفان ورماه، وقد بقي أثره ورأسه إلى الآن. ويسمّونه (¬11) الناس: «أبو الهول». وقيل: إنّ هذا الرأس المسمّى أبو الهول نحتوه من أصل الجبل الذي هو فيه. وقيل: إنه لما وقع من طول السنين تمادت عليه واضمحلّ البدن، واختلط مع الجبل، وصار كما يرى. والقدرة صالحة لكل شيء. والهرم الغربيّ دفن فيه «هرجنت» (¬12) أخو شونتير. والهرم الصغير دفن فيه «أفروس» (بن) (¬13) شونتير (¬14). (وكان سبب ¬
عمارتها (¬1) أنّ الملك شونتير) (¬2) رأى في منامه رؤيا هالته وأزعجته، وهو أنه رأى على ثلاثة (¬3) دفعات: الأولى: رأى كأنّ الأرض انقلبت بأهلها، والناس يهوون منها سفلا على روسهم (¬4)، وكأنّ الكواكب تتساقط ويصدم بعضها بعض (¬5) بأصوات هائلة. ثم بعد سنة رأى ثانية كأنّه في هيكل له يعرف بدقياوس (¬6)، وخمسة من الكواكب محصورة في عقدة الذنب، وكأنّ الجوزهر هابطا (¬7). والشمس قد انكسفت ولم يبق منها إلاّ القليل، وكأنّ القمر (قد) (¬8) انحدر من السماء في صورة امرأة باكية تشكوا (¬9) زوالها (¬10) عن بيتها. ثم بعد شهر رأى الثالثة، وكأنّ الكواكب الثابتة في صور طيور بيض وكأنّها تختطف العالم (الذي بينها وتلقيهم بين جبلين عظيمين، والجبلين قد انطبقتا (¬11) على العالم الذي بينهما) (¬12) وكأنّ الكواكب النيّرة كلها مظلمة (¬13). ففسّرها «أفليمون» الكاهن والسحرة الذين كانوا في زمانه أنها تدلّ على حادثة الطوفان (¬14). وكذلك كان، والله أعلم. وقصّته عجيبة ما أمكن شرحها هنا لئلاّ نطوّل الكتاب. وإنّما فسّر الرؤيا أيضا أفليمون رئيس سحرة زمانه أنها تدلّ على حادثة تقع من السماء وتطلع من الأرض، وهو عنصر الماء، يفسد كلّما (¬15) على وجه الأرض إلاّ قليل (¬16) من الناس. فشرع في عمارة الأهرام لتكون مثوى لأجسامهم وذخائرهم حتى لا يفسدها وتفسد (¬17) آثارهم الطوفان (¬18). ¬
فلما مات شونتير تملّك بعده أخوه «هرجيت» (¬1) فمكث ماية وثلاثون (¬2) سنة، ومات (¬3). فملك بعده «أفروس» (¬4) بن شونتير ماية وخمس عشر (¬5) سنة، ومات (¬6). فملك بعده ولده «مياوس» (¬7). وظهر الطوفان في زمانه، وغرقت الأرض وكلّ من فيها وعليها إلاّ نبيّ الله تعالى نوح عليه السلام وأولاده وأولاد أولاده والذين آمنوا معه، وركبوا في السفينة كما أخبر الله تعالى من سائر الخلق. فلما أنّ كفّ الله الطوفان وجفّت الأرض لم يكن في سائر الدنيا إلاّ نوح عليه السلام وأولاده ومن معه، فاستقرّت على جبل جوديّ، فقسّم نوح عليه السلام الأرض لأولاده. وكان قد عاش نوح عليه السلام من العمر ألف (¬8) وأربع ماية وخمسون (¬9) سنة. ودليله ما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنه قال: لما أرسل نوح عليه السلام إلى قومه كان عمره مايتي سنة وخمسين سنة، ومكث في قومه ينذرهم، كما أخبر الله تعالى في الكتاب العزيز، ألف سنة إلاّ خمسين عاما، وعاش بعد الغرق مايتي (¬10) وخمسين سنة. وكان قد ولد لنوح عليه السلام خمسة من ولد: سام، وحام، ويافث، ويخطون (¬11)، ويام الغريق. فأمّا «يخطون» فإنه ما أعقب. وأمّا سام، وحام، ويافث، فجميع البشر منهم ومن أولادهم، فقسّم نوح عليه السلام الأرض لأولاده الثلاثة، فأعطى سام: اليمن، والحجاز، والشام، والروم، والعراق، فهو أبو العرب، والروم، وفارس. وأعطى حام: مصر، والغرب، وبلاد السودان، فهو أبو القبط، والبربر، والسودان. وأعطى يافث: بلاد الترك وما وراء السدّ، ويأجوج ومأجوج، فهو أبو الترك. وولد ¬
ذكر دعاء نوح عليه السلام لمصر ولد ولد ولده
لكل ولد من هؤلاء الأولاد الثلاثة أولاد. وولد لسام ثلاثة أيضا، ولد له لاوذ، ويقال له لود، وهو أبو العمالقة. وإرم وهو أبو شدّاد بن عاد بن عاد، ويقال له: ثمود وأولادهم، وأرفخشذ وهو أبو الأنبياء وسائر العرب. وأمّا حام ولد له أربعة: كنعان، وهو أبو السودان، لأنه جبل في الرجز فخرج أسودا (¬1). وابنه الثاني كوش وهو أبو السند والهند. وابنه الثالث: قوط، فهو أبو البربر. وابنه الرابع: بيصر، فهو أبو القبط. وكان بيصر هو الذي ساق أباه حام وإخوته وأولادهم إلى مصر فنزلوا بها وعمّروها وسكنوها. وكانوا ثلاثين نفسا. فأول ما نزلوا منها منف فعمّروها، فسمّيت مافه، ومافه بلسان القبط: ثلاثين (¬2). فاستعربت الآن لمنف. وكان اسمها قبل الطوفان «مزنه»، وهي أول مدينة عمّرت بمصر بعد الطوفان (¬3). وقيل: إنّ أول مدينة عمّرت بالديار المصرية قبل الطوفان بدو من الشرقية، وفي الشام: أنطاكية. والله أعلم. ثم ولد لبيصر بن حام بن نوح عليه السلام أربعة: مصر، وفارق، وماح، وباح (¬4). وكان مصر أكبر أولاده، وهو الذي دعا له نوح عليه السلام، فجاز بيصر لأولاده قطعة من الأرض، وهي من بين الشجرتين خلف العريش إلى أسوان طولا، ومن برقة إلى أيلة عرضا (¬5). ذكر دعاء نوح عليه السلام لمصر ولد ولد ولده وسبب ذلك أن نوحا عليه السلام رغب إلى الله تعالى وسأله أن يرزقه الإجابة في أولاده وذرّيته حتى يتكاملوا بالنّماء والبركة، فوعده الله بذلك، فنادى نوح عليه السلام ولده وهم نيام عند السحر، فأجابه سام وهو يسعى إليه، وصاح سام لأولاده، فلم يجبه منهم إلاّ أرفخشذ، فانطلق به إلى نوح عليه السلام، فوضع يده اليمنى على سام، ويده اليسرى على أرفخشذ، وسأل الله تعالى أن يبارك في سام أفضل البركة، وأن يجعل النبوّة في ولد أرفخشذ، ثم نادى نوح، عليه وعلى نبيّنا ¬
[بناء مصر القديمة]
أفضل الصلاة والسلام، ولده حام، فلم يجبه وتقلّب يمينا وشمالا، ولا أحد من أولاده. فدعا نوح عليه السلام على حام أن يجعل أولاده أذلاّء عبيدا لولد سام. وكان مصر نائما إلى جانب جدّه حام، فلما سمع دعاء نوح على جدّه قام يسعى إليه وقال: يا جدّي قد أجبتك إذ لم يجبك أبي ولا أحد من أولاده، فاجعل لي دعوة من دعائك. ففرح به نوح عليه السلام ووضع يده على رأسه وقال: اللهم إنه قد أجاب دعوتي فبارك فيه وفي ذرّيته، وأسكنه الأرض المباركة التي هي أمّ البلاد وغوث العباد التي نهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخّر له ولولده الأرض وقوّاهم (¬1) عليها وذلّلها لهم (¬2). فملك مصر وأعمالها بيصر بن حام. [بناء مصر القديمة] فلما توفّي بيصر استخلف ولده مصر، فبنا (¬3) مصر القديمة وسمّيت به. [ملوك مصر] ثم إنّ مصر ولد له أربعة (من الولد) (¬4). . عزّ وجلّ خلق ملكا في غامض علمه، رجله الواحدة بقدر السماوات والأرض والعرش والكرسيّ. ورجله الأخرى مشتالة في غامض علم الله، وتسبيحه: «يا ربّ أين أضعها». فسبحان الله الكبير المتعال. ثم ملكها بعد الوليد بن دومغ (¬5) ولده الريّان (¬6) صاحب يوسف الصّدّيق عليه السلام. وكان الريّان قد رأى رؤيا في منامه فعبّرها يوسف عليه السلام وهو في السجن، ¬
نكتة يوسف عليه السلام
فأرسل إليه الريّان وأخرجه من السجن وقيّده بقيد من ذهب وطوّقه بطوق من ذهب، وألبسه ثيابا جددا، وأعطاه دابّة مسرجة ملجمة مزيّنة من دوابّ الملك، وقلّده خلافة الملك، وركب، وضرب له بالطبل وبوقين بمصر، ونودي له أنّ يوسف خليفة الملك (¬1)، وجعله متسلّما خزائن الأرض، كما أخبر الله تعالى في الكتاب العزيز (¬2). ثم أشرط الريّان على يوسف عليه السلام أن يكون كرسيّه أعلا (¬3) من كرسيّ يوسف عليه السلام بأربع (¬4) أصابع. فقال له يوسف: نعم (¬5). وقلّده ملك مصر. وكان عمر يوسف عليه السلام ثلاثين سنة. وملك مصر ماية سنة، فكان عمره ماية وثلاثين سنة (¬6). نكتة يوسف عليه السلام جرى منه اثنتين (¬7): إحداهما أنه قال له أبوه يعقوب عليه السلام: {لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ} (¬8) الآية. فخالفه وقصّها، فكانت جناية ذلك (رميه) (¬9) في الجبّ وبيعه ورقّه وفراق أبيه. فهذه ثمرة مخالفة الوالد وإفشاء السرّ. والثانية: قوله وهو في السجن لرسول الملك: {اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} (¬10) فكان جناية ذلك مكثه في السجن بعد ذلك سبع سنين. فهذه ثمرة من يسأل المخلوق ويرجوه (¬11). وممّا رواه الليث بن سعد (¬12) عن مشايخه أنه قال: اشتدّ الجوع على أهل مصر فاشتروا الطعام من يوسف عليه السلام بالذهب حتى لم يجدوا ذهبا، فاشتروا بالفضّة حتى لم يجدوا فضّة، فلم يزل يبيعهم يوسف عليه السلام الطعام حتى لم يبق لهم ذهب ولا فضّة ولا غنم ولا شاة ولا بقرة في تلك السنين، فأتوا إليه فقالوا له: لم يبق لنا شيء إلاّ أنفسنا وأهلونا وأرضنا، فاشترى يوسف عليه السلام منهم أرضهم وأنفسهم بالطعام، ثم أعطاهم الطعام يزرعونه، على أن يكون للريّان ¬
الخمس. وصارت سنّة من ذلك الوقت وصاروا عبيدا ليوسف (¬1). قال هشام بن إسحاق: فلما عظمت منزلة يوسف عليه السلام عند الريّان بن الوليد وجاوز عمره ماية سنة حسدوه (¬2)، وزراء الملك الريّان، فقالوا للريّان: أيّها الملك إنّ يوسف قد ذهب علمه وتغيّر عقله ونفدت حكمته، فنهرهم الريّان وردعهم وردّ عليهم القول بإساءة (¬3) لفظ. - وكان يطلق عليه اسم فرعون، واسم العزيز ليوسف عليه السلام، فكلّ من ملك مصر من الكفرة والظلمة كان فرعون (¬4). ومن ملكها من المؤمنين كان العزيز. - فأعادوا القول لفرعون ثانيا بعد سنين، فقال: هلمّوا ما شئتم من أيّ شيء اخترتوه (¬5) حتى نختبره به. وكانت الفيّوم يومئذ تدعى الجوبة (¬6)، فكانت لمصالة (¬7) فضالة ماء الصعيد (¬8)، فاجتمع رأيهم على أن تكون هي المحنة التي يمتحنون بها يوسف عليه السلام، فقالوا لفرعون: اسأل يوسف أن يصرف ماء الجوبة عنها فتزداد بلدا إلى بلادك وخراجا إلى خراجك. فدعا فرعون ليوسف عليه السلام وقال له: قد تعلم مكان ابنتي فلانة منّي، وقد رأيت إذا بلغت أن أطلب لها بلدا، وإنّي أصب لها إلاّ الجوبة، وذلك أنه بلد بعيد قريب لا يؤتى إليه إلاّ من غابة أو صحراة (¬9) ومفازة، وهي كذلك لا يؤتى إليها من ناحية من النواحي من مصر وغيرها إلاّ من مفازة أو صحراة (¬10). وقال آخرون: الفيّوم وسط مصر. كما إنّ مصر وسط البلاد. وقال الرّيان: وقد أقطعتها إيّاها فلا تتركنّ وجها من الوجوه ولا نظرا إلاّ أبلغته. فقال يوسف عليه السلام: نعم متى أردت ذلك فابعث إليّ فإنّي فاعله إن شاء الله تعالى. قال: فأعجله الملك على ذلك. فأوحى الله عزّ وجلّ إلى يوسف عليه السلام أن تحفر ثلاث خلج، خليجا من أعلى الصعيد من موضع كذا إلى موضع كذا، وخليجا من موضع كذا إلى موضع كذا، وخليجا غربيا من موضع كذا إلى موضع كذا. وأرسل الله تعالى إليه جبريل عليه السلام فخطّ له بجناحه مكان الحفر، فرتّب ¬
يوسف عليه السلام العمّالين فحفروا خليج المنهى (¬1) من أعلى أشمون إلى اللاهون (¬2)، وحفر مكان القنطرة، وأمر البنّائين أن يبنوا قنطرة اللاهون. وحفر خليج الفيّوم (¬3) وهو الخليج الشرقي (¬4). وحفر خليجا بقرية يقال لها تنهمت من قرى الفيّوم، وهو الخليج الغربيّ، فخرج ماؤها من الخليج الشرقيّ يصبّ في النيل، وخرج من الغربيّ يصبّ في صحراء تنهمت إلى الغرب. وهي الآن بحيرة يصاد منها السمك البلطيّ، فلم يبق في الجوبة ماء. ثم أدخل الفعلة لقطع ما فيها من القصب والطرفاء، ففعلوا ذلك، وأخرجه منها. وكان في ابتداء جري النيل، وقد صارت الجوبة أرضا نقيّة تربة (¬5)، فارتفع ماء النيل عليها، فدخل من رأس المنهى يجري فيه حتى انتهى إلى اللاهون، فوجد القنطرة والسدّ، فتحوّل الماء [و] دخل خليج الفيّوم فسقاها، فصارت لجّة من ماء النيل، فعند ذلك خرج إليها الملك ووزراؤه يبصرونها فتعجّب منها. وكان ذلك كلّه في سبعين يوما، فلما نظر إليها الملك قال لوزرائه: هذا عمل ألف يوم. وأقامت تزرع كما تزرع كور مصر، فسمّيت الفيّوم (¬6). ثم إن الملك أمر يوسف أن ينقل إليها من كل كورة من كور مصر أهل بيت، وأمر أهل كلّ بيت أن يبنوا لهم بيوتا لأنفسهم قرية، فبنوا وسكنوها، وسمّيت كل قرية باسم الذي نزل بها وبناها. فكانت قرى الفيّوم على عدد كور مصر، فلما فرغوا من البناء صيّر لهم من الماء شربا بقدر ما يحتاجوا (¬7) إليه ليسقي أرضهم، لا يكون زيادة في ذلك ولا نقصانا (¬8) في زمان لا ينالهم الماء إلاّ فيه، وعمل مطاطيا للمرتفع، ومرتفعا للواطي بأوقات من الساعات في الليل والنهار وصيّرها قضبانا، فلا يقصر بأحد دون حقّه، ولا يزاد فوق قدره. فقال فرعون: هذا من ملكوت السماء؟ فقال يوسف عليه السلام: نعم. ثم بنا (¬9) قرية يقال لها شبانة (¬10)، وهي التي كانت بنت الريّان تنزلها، ومن يومئذ أحدثت الهندسة ولم يكن الناس يعرفونها قبل ذلك (¬11). ¬
[مقياس النيل]
[مقياس النيل] قال: كان أول من قاس النيل بمصر يوسف عليه السلام، ووضع له مقياسا بمنف (¬1). ووضعت دلوكة بنت ريّا العجوز صاحبة حائط العجوز الذي أعقابه بالشرق والغرب من الصعيد مقياسا بأنصنا (¬2)، وهو إلى الآن، لكنّه لم يستعمل. ووضع (¬3) بإخميم مقياسا (¬4) فخرب (¬5). ووضع عبد العزيز بن مروان (¬6) مقياسا صغيرا بحلوان وخرب (¬7). ووضع أسامة بن زيد (¬8) مقياسا كبيرا بالجزيرة (¬9)، وعمله مستمرّ إلى الآن (¬10). وقيل: إنّ هذا المقياس وضعه المأمون. ... ثم رجعنا إلى ملوك مصر. وفي زمان الريّان دخل يعقوب عليه السلام وأولاده إلى مصر، وأنزلهم يوسف عليه السلام ما بين طرا التي هي عين شمس إلى الفرما، وهي أرض تربة ¬
ذكر وفاة يعقوب عليه السلام ودفنه بمصر، ثم نقله إلى حبرون
نقيّة (¬1). وكان عدّتهم ثلاثة وتسعين إنسانا، ما بين رجل وامرأة. وخرجوا منها وهم ستماية ألف (¬2). ثم توفي الرّيان بن الوليد بن دومغ، فملكهم ولده دارم (¬3). وفي زمانه توفّي يوسف الصّدّيق عليه السلام. ثم إنّ دارم طغا (¬4) بعد يوسف وتكبّر، وأظهر عبادة الأصنام، فركب في سفينة يتفرّج، فأرسل الله تعالى عليه ريحا عاصفة، فغرق هو ومن معه، ما بين حلوان إلى طرا. ذكر وفاة يعقوب عليه السلام ودفنه بمصر، ثم نقله إلى حبرون عن كعب الأحبار، قال: دخل يعقوب عليه السلام إلى مصر وعاش فيها عشرة (¬5) سنين، فلما حضرته الوفاة قال ليوسف عليه السلام: لا تدفنّي بمصر، وإذا أنا متّ فاحملوني وادفنوني في مغارة في جبل حبرون (¬6). وحبرون بينها وبين بيت المقدس ثمانية (¬7) عشر ميلا. فلما مات لطّخوه بمرّ وصبر، فكانوا يفعلون ذلك به في كل أربعين يوما حتى كلّم يوسف لفرعون وأعلمه أنّ أباه قد مات، وأنه سأله أن يقبره في أرض كنعان، فأذن له بذلك، وخرج معه أشراف مصر حتى دفنه وانصرف، وذلك بعد أن دفن في مصر ثلاث سنين، ثم حمل إلى حبرون (¬8)، ودفن عند إبراهيم الخليل وإسحاق عليهم السلام (¬9). ذكر وفاة يوسف عليه السلام ودفنه قال الحسن: إنّ يوسف عليه السلام ألقي في الجبّ وهو ابن سبع عشر (¬10) ¬
سنة (¬1)، ومكث إلى أن لقي يعقوب عليه السلام وأهله ثمانين سنة، ثم عاش بعد ذلك ثلاث (¬2) وعشرين سنة، فمات وهو ابن ماية وعشرين سنة (¬3)، وقيل: ابن ماية وثلاثين سنة (¬4). وكان قد أوصى عند موته أن يحملوه معهم إلى حبرون (¬5). فلما مات جعلوه في تابوت، ودفنوه في الجانب الغربيّ من مصر، فأخصب الجانب الغربيّ، وأجدب الجانب الشرقيّ، فنقلوه إلى الجانب الشرقيّ فأخصب، وأجدب الجانب الغربيّ، فعند ذلك وضعوه في صندوق حديد، وعملوا فيه سلسلة من حديد، وألقوه في البحر، وألزموه بوتد من حديد، فأخصب الجانبان جميعا، وما برح إلى أن نقله معه موسى ابن عمران عليه السلام (¬6). وسيأتي ذكره في مكانه إن شاء الله تعالى. ثم ملكها بعد دارم: كاشم (¬7)، ثم هلك كاشم بن معدان، وكان من الجبابرة، فملك بعده فرعون موسى عليه السلام (¬8). وكان اسم فرعون لعنه (الله) (¬9): الوليد بن مصعب بن أشمير بن الكوين بن عملاق (¬10). وقيل: عمليق بن لاود بن سام بن نوح عليه السلام. ويقال: إنّ اسمه كان ظلما (¬11). ¬
وقيل: إنه من قرية يقال لها: فرّان بلى (¬1). وقيل: إنه كان يكنّى بأبي مرّة (¬2). وملك خمس ماية عام (¬3). وقيل: أربع ماية عام (¬4). ولما ملكها كان عمره مائة عام. والله أعلم. وكان سبب ملكه أنّ أهل مصر لما هلك كاشم اختلفوا على من يملكّوه من أيّ بيت، وكانوا اثنا (¬5) عشر بيتا، كل بيت يقولون: الملك منّا. فاتفقوا جميعهم وأجمعوا رأيهم على (¬6) أنهم يركبوا ويخرجوا (¬7) إلى الفجوة (¬8)، وأيّ من وجدوه مقبلا سألوه: ممّن يكون الملك؟ فمن قال لهم عنه ارتضوا (¬9) به الجميع، ولا يخرجوا عن هذا الحكم، فلما خرجوا وجدوا فرعون وهو مقبلا (¬10) راكبا على جمل بين عدلي (¬11) نطرون، فقالوا: هكذا يحكم بيننا، فأنزلوه وقالوا له: إننا قد اتفقنا وتحالفنا على أيّ من قلت إنّه الملك ملّكناه علينا، ولا نخرج عنه. فقال: أخاف ما تسمعوا منّي، احلفوا قدّامي، فحلّفهم بين يديه، وأكّد عليهم، فقال لهم: إنني أرى أن أملّك نفسي عليكم وتحسموا المادّة في ذلك، لأني أيّ من قلت: يكون الملك من البيت الفلانيّ، يبقى في نفوس الباقين. وأنتم على أماكنكم ومراتبكم، وأنا واحد منكم بين أيديكم إله. فوافقوه (¬12) الجميع على ذلك، وملّكوه عليهم، وألبسوه ثياب الملك، وركّبوه، ودخلوا به البلد. فلما تمكّن من الملك أسرّ إلى غلمان الكبراء وقال لهم: أيّ من قتل أستاذه أعطيت له مكانه وأزوجته بزوجته، ودفعت له جميع ما يملكه. وواعد الجميع إلى يوم واحد، ففعلوا ذلك، وأوفا (¬13) لهم بما وعدهم، حتى تمكّن وزاد تمكّنه، قتل الغلمانّ أولا فأولا (¬14). واستمر في الملك، وطال عمره، واغترّ، وادّعى الربوبية. وجرى له مع نبيّ الله موسى بن عمران عليه السلام ما جرى (¬15). ¬
[سيرة فرعون في رعيته]
[سيرة فرعون في رعيّته] وأمّا سيرة فرعون مع رعيّته فإنّه كان عادلا لا ينظر إلى ما في أيديهم (¬1). وقد قيل: الملك يدوم مع الكفر والعدل، ولا يدوم مع الظلم والإيمان. وأما فضيلة العدل، فقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إذا كان يوم القيامة جمع الله عزّ وجلّ الأولين والآخرين في صعيد واحد ثم يناديهم بصوت يسمعه البعيد كما يسمعه القريب: أنا الملك، أنا الديّان إن حازني ظلم ظالم» (¬2). وقال عليه السلام: «ما من أمير عشرة إلاّ يؤتى به يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه فلا يفكّها إلاّ عدله» (¬3). ومما ورد في العدل فقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} (¬4) الآية. وما من ملك تردّا (¬5) برداء العدل إلاّ وكان وقاية له من جميع الآفات. وقال أزدشير: الملك والعدل أخوان توأمان لا يصلح لهما أن يفترقا ولا غناء لأحدهما عن صاحبه، ولا يتمّ الملك إلاّ بالعدل. وأمّا ما ذكر عن نزاهة فرعون عمّا في أيدي الناس من رعيّته، فقد ورد عن عمرو بن العاص: أنّ فرعون استعمل هامان على حفر خليج السردوس فلما شرع في حفره أتاه أهل كل قرية يسألونه أن يجري الخليج تحت قريتهم ويعطونه مالا. قال: فكان يذهب به إلى هذه القرية من نحو المشرق، ثم يردّه إلى قرية من نحو دبر القبلة. ثم يردّه إلى قرية في المغرب، ثم يردّه إلى قرية في القبلة، ويأخذ من أهل كل قرية مالا حتى اجتمع إليه في ذلك ماية ألف دينار، فأتى بذلك يحمله إلى فرعون، فسأله فرعون عن ذلك، فأخبره بما فعل في حفره، فقال له فرعون: ويحك، ينبغي للسيد أن يعطف على عبيده ويفيض عليهم، ردّ على أهل كل قرية ما أخذت منهم. فردّه كلّه على أهله (¬6). فلما طغى فرعون وادّعى الربوبية وجرى منه ما جرى، كما أخبر الله تعالى في ¬
القرآن، سلّط الله عليه وعلى من اتبّعه الغرق فغرق هو وأشراف مصر ووجوههم نيّف (¬1) عن ألفي ألف نفس، وتركوا مصر كما أخبر الله تعالى عنهم في الكتاب العزيز: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ} [الدخان:25 - 28]. ونجّا (¬2) الله تعالى موسى عليه السلام والذين آمنوا معه، وكان عدّتهم ستماية ألف نفس (¬3). فلما عزم موسى عليه السلام على المسير بهم نقل معه عظام يوسف عليه السلام، ودفنه في حبرون (¬4). والسبب في ذلك ما روى سماك بن حرب، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل وهو قافل ومعه زيد بن حارثة، فمرّ ببيت شعر فرد وقد أمسى، فدنا من البيت فقال: «السلام عليكم». فردّ ربّ البيت السلام. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ضيف». فقال: انزل. فبات في قرّى. فلما أصبح وأراد الرحيل، فقال له الشيخ: أصيبوا من بقية قراكم، فأصابوا. فلما أراد الرحيل قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعت بنبيّ قد ظهر من تهامة فأته، فإنّك تصب منه خيرا». وارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما ظفر النبي صلّى (الله) (¬5) عليه وسلم جاء الشيخ على راحلته حتى أناخ بباب المسجد ودخل يتصفّح وجوه الرجال. فقالوا له: ها ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (¬6). قال: والله ما أدري، إلاّ أنه نزل بي رجل فأكرمت قراه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإنّك لفلان»؟ فقال: نعم. فقال له: «فكيف أمّ فلان»؟ قال: بخير. قال: «فكيف حالكم»؟ قال: بخير. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تمنّ ما شئت فإنّك لن تتمنّ اليوم شيئا إلاّ أعطيتك». قال: فإنّي أسألك ضأنا ثمانين. قال: فضحك (¬7) رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا عبد الرحمن بن عوف وفّها إيّاه. ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وقال: «ما كان أحوج هذا الشيخ أن يكون مثل عجوز موسى». قال: قلنا: يا رسول الله صلّى الله عليك، وما عجوز موسى؟ قال: بنت يوسف الصّدّيق عليه السلام، عمّرت حتى صارت عجوزا كبيرة ذاهبة البصر، فلما أسرى موسى عليه السلام ببني إسرائيل غشيهم ضبابة حالت بينهم وبين الطريق أن يبصروها. وقيل لموسى: لن تعبر إلاّ ومعك عظام يوسف. قال: ومن يدري أين موضعها؟ قالوا: ابنته عجوز كبيرة ذاهبة البصر تركناها في ¬
[موسى بن عمران]
الديار. قال: فرجع موسى. فلما سمعت حسّه قالت: موسى. قال: موسى. قالت: وما ردّك؟ قال: أمرت أن أحمل عظام يوسف. قالت (¬1): وما كنتم لتعبروا إلاّ وأنا معكم. قال: فدلّيني على عظام يوسف. قالت: لا أفعل إلاّ أن تعطيني ما سألتك. قال: فلك ما سألت. قالت: فخذ بيدي. فأخذ بيدها، فانتهت به إلى عمود على شاطئ النيل في أصله سكّة من حديد مؤتدة فيها سلسلة، وقالت: إنّا كنّا قد دفنّاه من ذلك الجانب فأخصب، وأجدب ذلك الجانب، فلما رأينا ذلك جمعنا عظامه فجعلناها في صندوق من حديد، وألقيناه في وسط النيل، فأخصب الجانبان جميعا. قال: فحمل الصندوق على رقبته وأخذ بيدها وألحقها بالعسكر، وقال لها: سل (¬2) ما شئت. قالت: فإني أسأل أن أكون أنا وأنت في درجة واحدة في الجنّة، ويردّ الله عليّ بصري وشبابي حتى أكون شابّة كما كنت. قال: فلك ذلك» (¬3). [موسى بن عمران] وأمّا موسى بن عمران فإنه ابن (¬4) عمران بن قاهث. وبالعبرانية: قوهث. واسم أمّه يوخافلظ (¬5). وقاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام. فلما هلك فرعون بقوا دهرا طويلا بلا ملك، حتى اتفقوا أن أملكوا (¬6) عليهم امرأة يقال لها دلوكة بنت زبّاء، وهي امرأة كبيرة عمرها ماية وستّون سنة، وهي صاحبة الحائطين الذي (¬7) آثارهما بالصعيد من الشرق والغرب إلى الآن (¬8). وكان سبب عمارتها للحائطين أنها كانت تخشى من الأعداء، فعملتها على مصر حصنا من الأعداء، من أسوان إلى البحر. وكانت قد عملت فيهما أبراجا، وعملت من البروج إلى البرج أجراسا، وعليها حرّاسا (¬9)، فمن أيّ جهة دهمها العدوّ حرّكوا (¬10) الأجراس الحرّاس، فتعلم به وهي في منف، فتركب في جيشها وتلاقيه. ¬
وكان في زمانها عجوز ساحرة من بنات السحرة تسمّى تذورة (¬1)، فقالت لها دلوكة الملكة: إعملي لنا بربا (¬2) تمنع عنّا الأعداء. فقالت: نعم، على شرط أنكن تتزوّجن بعبيدكنّ وأجرائكن (¬3). ولا تقطعوا النسل، فقطعن ذلك على شرط أن لا يفعلوا شيئا إلاّ بمؤامرتهنّ في ذلك. وبقيت سنّة في القبط إلى يوم القيامة، فعند ذلك عملت (¬4) لهم بربا بمنف، وصوّرت فيها جميع أصناف الناس إن جاؤوا على خيل أو على جمال أو دوابّ أو رجّالة أو في مراكب من أيّ جهة كان (¬5)، وجعلت عليها حرّاسا ينظرون إلى الصّور بالنّوبة، فإذا قصد مصر عدوّ على صفة من هذه الصفات تحرّكت الصور التي تشبه العدوّ، فيعمدوا إليها يقطعوا رؤوسهم (¬6) وأيديهم وأرجلهم بالسيوف، ويفقّوا (¬7) أعينهم بالرماح، فيصيب ذلك بالعدوّ وهو في مكانه. فاستمرّت مصر ممتنعة بتدبير العجوز تدوره أربع ماية سنة (¬8). فملكتهم دلوكة بنت زبّا عشرين سنة وهلكت (¬9). فبلغ صبيّ من أبناء القبط الأكابر يقال له دركون بن بلطوبس (¬10) فملّكوه عليهم. ثم مات (¬11). فاستخلف ولده توذش (¬12)، ثم هلك (¬13). ¬
فملك بعده أخوه لقاش (¬1) مدّة ثلاثين سنة، ومات (¬2). فملك بعده أخوه مرينا (¬3) ومات (¬4). فملك بعده ولده استماذس (¬5)، وطغا (¬6) وتكبّر، وأظهر الفاحشة، فقتلوه بعد خلعه (¬7). وتملّك بعده رجل يقال له بلوطس ابن ميكائيل (¬8) أربعين سنة، ومات (¬9). فملك بعده ولده مالوس (¬10)، ثم أخوه مناكيل زمانا طويلا، ومات (¬11). فاستخلف ولده بوله (¬12)، فملك ماية وعشرين سنة، وهو الأعرج الذي سبا (¬13) ملك بيت المقدس وقدم به مصر (¬14). وكان بوله (¬15) قد تمكّن في البلاد وبلغ مبلغا لم يبلغه أحد ممن كان قبله من ¬
الملوك بعد فرعون - لعنه الله - فلما طغى قتله الله تعالى، صرعته دابّته دقّت عنقه فمات (¬1). وممّا جرى له ما أخبر عنه عليّ، عن عبد الرحمن، عن أسد بن موسى يرفعه إلى كعب في كتاب: «فتوح مصر وإفريقية» (¬2) أنه قال: لما مات سليمان بن داود عليهما السلام ملك بعده مرحب عمّ سليمان، فسار إليه بوله (¬3) ملك مصر فقاتله وأصاب الأترسة الذهب التي عملها سليمان عليه السلام (¬4) (ببيت (¬5) المقدس) (¬6)، فذهب بها (إلى مصر) (¬7). وأخبر عبد الرحمن (¬8) أيضا أنّ المخلوع الذي خلعه أهل مصر إنما هو بوله (¬9)، وذلك أنه لما دعا بوله (¬10) للوزراء ومن كانت الملوك من قبله أجرت عليهم الأرزاق والجوائز، وكأنّه استكثر ذلك، فقال لهم إنّي أريد أن أسألكم (¬11) عن أشياء، فإنّ أخبرتموني بها زدت في أرزاقكم ورفعت أقداركم، وإن لم تخبروني بها ضربت أعناقكم، فقالوا له: سل عمّا شئت. فقال لهم: أخبروني ما يفعل الله تبارك وتعالى في كل يوم؟ وكم عدد نجوم السماء؟ وكم مقدار ما تستحق الشمس على ابن آدم في كل يوم؟ فاستأجلوه فأجّلهم في ذلك شهرا. وكانوا يخرجون في كل يوم إلى خارج المدينة، مدينة منف، فيقفون في ظلّ قبر موسى يتباثّون ما هم فيه ثم يرجعون، والقرموس ينظر إليهم. فقال يوما فسألهم عن أمرهم، فأخبروه بحالهم. فقال: عندي علم ما تريدون إلاّ أنّ لي قرموس ولا أستطيع أن أعطّله، فليقعد رجل منكم مكاني يعمل فيه، وأعطوني دابّة من دوابّكم، وألبسوني من ثيابكم، ففعلوا له ما أراد. وكان في المدينة ولد لبعض ملوكهم قد ساءت حالته، فأتاه القرموسيّ وسأله عن القيام بملك ابنه. فقال: وكيف ذلك؟ وهذا الرجل الملك لم يخرج من مدينة منف! فقال القرموسي: أنا أخرجه لك. فجمع له مالا. ثم ولّى القرموسيّ حتى دخل على بوله: إنّ عنده علم ما سأل عنه. فقال له: أخبرني كم عدد نجوم السماء؟ فأخرج له القرموسي جرابا فيه رمل كان معه، فنثره بين ¬
[خبر بخت نصر]
يديه وقال: مثل عدد هذا. قال: وما يدريك؟ قال: مر من يعدّه. قال: فكم مقدار ما تستحق الشمس كل يوم على ابن آدم؟ قال: قيراطا، لأنّ العامل يعمل يومه إلى الليل فيأخذ ذلك في أجرته. قال: فما يفعل الله عزّ وجلّ كل يوم؟ قال له: أريك ذلك غدا. فخرج معه حتى أوقفه على أحد وزرائه الذي أقعده القرموسيّ مكانه، فقال: إنه يفعل الله عزّ وجلّ في كل يوم كما فعل بهذا يعزّ أقواما ويذلّ أقواما، ويحيي قوما ويميت قوما، ومن ذلك: إنّ هذا وزيرا (¬1) من وزرائك قاعدا (¬2) يعمل على قرموسي، وأنا على دابّته من دوابّ الملوك وعليّ لباس من لباسهم. وهذا فلان بن فلان - عن ولد ذلك الملك - قد أغلق عليك مدينة منف، فرجع مبادرا، (فإذا) (¬3) مدينة منف قد أغلقت ووثبوا مع الغلام على بوله فخلعوه، فبقا موسوس (¬4)، ويقعد على باب مدينة يتوسوس ويهذي، فلذلك قول القبط إذا تكلّم أحدهم بما لا يريد ويزيد في الكلام قال: شحناك من بوله. يريد بذلك الملك لوسوسته. والله أعلم. ثم لما خلعوه وهلك ملّكوا ولده مرينوس (¬5) زمانا، ومات (¬6). فملك ولده قرقورة ستين سنة، ومات (¬7). فملك أخوه لقاش (¬8) دهرا طويلا، ثم هلك لقاش ابن مرينوس، فملك بعده قوميس ابن لقاش (¬9) دهرا طويلا. وهو الذي غزاه بخت نصّر وقتله وأخرب ديار مصر (¬10). [خبر بخت نصّر] وكان سبب ذلك دخول بخت نصّر إلى مصر أنه قدم إلى بيت المقدس، وهو من ولد إفريقين ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهما السلام. ¬
وهو بخت نصّر بن خودرز بن منوب بن استخسرين ابن فيرخسر بن خسروان بن أسروا بن يحيى بن يعد بن يعدن بن وايدبخ بن رعّ بن ماي شواشوابن بوذر بن متوشهر بن متشجر بن أفريقس ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام. وكان إرميا ابن جنان نازلا بأرض بابل في إيليا وهي خراب ينوح على أهلها ويبكي، فاجتمع إلى إرميا بقايا من بني إسرائيل كانوا متفرّقين، فقال لهم إرميا: أقيموا بنا في أرضنا نستغفر الله تعالى ونتوب إليه، فلعلّه يتوب علينا. فقالوا: نخاف أن يسمع بنا بخت نصّر فيبعث إلينا ونحن شرذمة قليلون، ولكنّا نذهب إلى ملك مصر فنستجير به وندخل في ذمّته. فقال لهم أرميا: ذمّة الله عزّ وجلّ أوفا (¬1) الذمم لكم، ولا يسعكم أمان أحد إن أخافكم. فانطلق أولئك النفر من بني إسرائيل، ولم يقبلوا من إرميا إلى قوميس بن لقاش ملك مصر، واعتصموا به لما يعلمون من منعته، وشكوا إليه شأنهم. قال: أنتم في ذمّتي. فأرسل إليه بخت نصر: إنّ لي قبلك عبيدا أبقوا منّي، فابعث بهم إليّ، فكتب إليه قوميس: ما هم بعبيدك، هم أهل النبوّة والكتاب، وأبناء الأحرار، واعتديت عليهم وظلمتهم. فحلف بخت نصّر: لئن لم تردّهم لأغزونّ بلادك والخا. . .؟ جميعا. وأوحى الله تعالى إلى إرميا: إنّني مظهر بخت نصّر على هذا الملك الذين (¬2) اتّخذوه حرزا من دوني، وإنّهم لو أطاعوك وأطبقت السماء والأرض لجعلت لهم من بينهما مخرجا، وإنّي أقسم بعزّتي لأعلمنّهم أنهم ليس لهم محيص ولا ملجأ إلاّ طاعتي واتّباع أمري. فلما سمع إرميا رجمهم وبادر إليهم. وقال: إذا (¬3) لم تطيعوني أسركم بخت نصّر وقتلكم، وآية ذلك أنّي رأيت موضع سريره الذي يضعه فيه ما يظفر بمصر ويملكها. ثم عمد إلى مكان السرير فدفن أربعة أحجار تحت قوائم السرير الذي يجلس عليه بخت نصّر، وقال: تقع كلّ قائمة من سريره على حجر من هذه الأحجار، فلجّوا في رأيهم. فسار بخت نصّر بقوميس فقتله، وسبا (¬4) جميع أهل مصر، وردم بلادها، وقتل من قتل، وأسر من أسر. ولما أراد قتل الكبراء منهم وضع سريره في الموضع الذي وضع إرميا فيه فوقعت كل قائمة من سريره على حجر من تلك الحجارة التي دفنها إرميا. ¬
فلما أتا (¬1) بالأسارى أتا (¬2) معهم إرميا، فقال له بخت نصّر: ما لي أراك مع أعدائي بعد أن أمّنتك وأكرمتك؟ فقال له إرميا: إنّما جئتهم محذّرا، وأخبرتهم بخبرك، وقد وضعت لهم علامة تحت سريرك وأريتهم موضعه. قال بخت نصّر: وما مصداق ذلك؟ قال إرميا: إرفع سريرك، فإنّ تحت كل قائمة حجر دفنته. فلما رفع سريره وجد الحجارة، وتحقّق مصداق ذلك. قال: يا إرميا، لو علمت أنّ فيهم خيرا أوهبتهم لك. فقتلهم، وأخرب مدائن مصر وقراها، وسبا (¬3) جميع أهلها، ولم يترك بها أحدا، حتى بقيت أربعين سنة خرابا ليس فيها ساكن، يجري نيلها ويذهب ولا ينتفع به. فأقام إرميا بمصر، واتخذ فيها جنينة وزرعا يعيش به. فأوحى الله تعالى إلى إرميا: إنّ لك عن الزرع والمقام بمصر شغلا، فكيف تسعك أرض وأنت تعلم سخطي على قومك؟ فالحق بأيليا (¬4) حتى يبلغ كتابي أجله. فخرج منها حتى بيت المقدس. ثم إنّ بخت نصّر ردّ أهل مصر إليها بعد أربعين سنة فعمّروها وسكنوها، فلم تزل مقهورة من يومئذ (¬5). وأمّا ما نسخ قهرها، فقد روي عن عبد الرحمن بن غنم الأشعريّ أنه قدم من الشام إلى مصر، إلى عند عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال له عبد الله: ما أقدمك إلى بلادنا؟ قال: أنت. قال: لماذا؟ قال: كنت تحدّثنا أنّ مصر أسرع البلاد خرابا، ثم أراك قد اتخذت فيها الرباع، وبنيت فيها القصور، واطمأننت فيها. فقال عبد الله: إنّ مصرا وقت خرابها حطمها بخت نصّر فلم يدع فيها إلاّ السباع والضياع، وقد مضى خرابها، وهي اليوم أطيب الأرض ترابا، وأبعدها خرابا، ولم تزل البركة فيها ما دام في شيء من الأرض بركة (¬6). ¬
ذكر خراج مصر
ذكر خراج مصر وذلك ما روي عن مشايخ مصر في كتاب «فتوح مصر وإفريقيّة» (¬1). قيل إنّ الذين كانوا يقرّون القرى في أيدي أهلها كلّ قرية بكراء معلوم لا ينقص عليهم إلاّ في كل أربع سنين من أجل الضمان (¬2) وتنقل اليسار، فإذا مضت أربع سنين نقص ذلك وعدّل تعديلا جديدا، فيرفق بمن استحقّ الرفق، ويزاد على من استحق الزيادة، ولا يحمل عليهم من ذلك ما يشقّ عليهم إلاّ يسلك معهم طريق العدل والإنصاف، فإذا جبي الخراج وجمع كان للملك من ذلك لنفسه الربع من جميع خراج مصر لخالصه وخاصّه يصنع فيه ما يريد. والربع الثاني لجنده، ومن تقوّى به على حرب أعدائه وجباية خراجه. والربع الثالث يصرف في مصلحة الأرض وما يحتاج إليه من عمارة جسورها، وحفر خليجها، وتنضيف (¬3) تراعها (¬4)، وبناء قناطرها، وتقاوي مزارعينها، وعمارة أرضها، والربع الرابع من خراج كل قرية فيصرف ذهبا، ويدفن ذلك في القرية لنائبة تنزل أو جائحة بأهل القرية. وكانوا على ذلك. وهذا الربع الذي يدفن في كل قرية من خراجها في كل سنة هي كنوز فرعون التي تتحدّث الناس بها أنها كنوز تظهر في زماننا هذا فيطلبها الذين يبتغون الكنوز. والله أعلم. وأخبر عليّ، يرفعه إلى ابن لهيعة، عن أبي قبيل قال: خرج وردان من عند مسلمة بن مخلد وهو أمير على مصر، فمرّ على عبد الله بن عمرو (¬5) مستعجلا، فناداه: أين تريد يابا (¬6) عبيد؟ قال: أرسلني الأمير مسلمة أن آتي منفا، فأحفر له عن كنز فرعون، فارجع إليه واقرئه (¬7) منّي السلام، وقل له: كنز فرعون ليس لك ولا لأصحابك، إنما هو للحبشة، إنهم يأتون في أنفسهم (¬8) يريدون الفسطاط، فيسيرون (¬9) حتى ينزلوا منفا فيظهر لهم كنز فرعون، فيأخذون منه ما يشاؤون (¬10) فيقولون: ما نبغي غنيمة ¬
ذكر مصالحة الروم وفارس على مصر
أفضل من هذه، فيرجعون، ويخرج المسلمون في آثارهم فيدركونهم، فيقتتلون، فينهزم الجيش (¬1)، فيلحقونهم (¬2) المسلمون ويقتلوا (¬3) منهم، ويستأسوا (¬4) منهم، حتى إنّ الحبشيّ ليباع بالكساء (¬5). ذكر مصالحة الروم وفارس على مصر قال عثمان بن صالح وغيره: ظهرت الروم وفارس على سائر الملوك في وسط الأرض، فقاتلت الروم أهل مصر ثلاث سنين يحاصرونهم، وصابروهم القتال في البرّ والبحر. فلما رأى ذلك أهل مصر صالحوا الروم على أن يدفعوا إليهم شيئا مسمّى في كل عام، على أن يمنعوهم ويكونوا في ذمّتهم. ثم ظهرت (¬6) فارس على الروم. فلما غلبوهم على الشام رغبوا في مصر وطمعوا فيها، فامتنع أهل مصر، وأعانتهم الروم، وقامت (¬7) دونهم، وألحّت عليهم فارس. فلما أحسّوا ظهورهم عليهم صالحوا فارسا، على أن يكون ما صالحوا به الروم بين الروم وفارس. فرضيت الروم بذلك حين خافت ظهور فارس عليها. فكان ذلك الصلح على أهل مصر. وأقامت مصر بين الروم وفارس نصفين سبع سنين. ثم استجاشت (¬8) الروم وتظاهرت على فارس، وألحّت بالقتال والمدد حتى ظهروا عليهم وأخربوا مصانعهم أجمع، وديارهم بالشام ومصر (¬9). وكان ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، وبعد ظهور الإسلام، فصارت الشام كلّها وصلح أهل مصر كلّه خالصا للروم، ليس لفارس في شيء من الشام ومصر (¬10). ¬
وممّا حدّث به الليث بن سعد، يرفعه إلى ابن شهاب قال: كان المشركون يجادلون المسلمين بمكة فيقولون: الروم أهل كتاب وقد غلبتهم المجوس، وأنتم تزعمون أنكم ستغلبون بالكتاب الذي معكم، الذي أنزل على نبيّكم فسنغلبكم كما غلبت فارس الروم، فأنزل الله عزّ وجلّ: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (¬1). وأخبر ابن شهاب قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة (¬2) بن مسعود قال: لمّا أنزلت هاتان الآيتان باحث (¬3) أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه بعض المشركين على شيء قبل أن يحرّم القمار، إنه لم يغلب الروم فارس في سبع سنين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل ما دون العشرة بضع». وكان ظهور فارس على الروم في سبع سنين. ثم أظهر الله عزّ وجلّ الروم على فارس زمان الحديبية، ففرح المسلمون بنصر [أهل] (¬4) الكتاب (¬5). وممّا رواه الليث بن سعد، قال: كانت الفرس قد أسّست بناء الحصن الذي يقال له باب اليون (¬6)، هو الحصن الذي بفسطاط (مصر) (¬7) اليوم. فلما انكشفت جموع فارس عن الروم، وأخرجتهم الروم من الشام (¬8) أتمّت الروم بناء ذلك الحصن وأقامت به، فلم تزل مصر في ملك الروم حتى فتحها الله عزّ وجلّ على المسلمين (¬9). يقال: إنّ فارس والروم قريش العجم (¬10)، والله أعلم. فهذا ما جرى. ¬
[كنوز مصر]
[كنوز مصر] وأمّا حديث الكنوز التي بمصر، ومن ذهب من هؤلاء البطّالين الذين يقولون إنهم مطالبيّة (¬1) وهم ضالّين (¬2) فيما زعموه أنّ المطالب في جبل المقطّم، وإنه (¬3) في المساجد، فقد افترى وكذب، ولا يوشك (¬4). إلا أنّ المطالب ما كنزها إلاّ الروم والقبط، كما ذكر في كل بلدة مما اجتمع من ربع خراجها في كل سنة. والمساجد فما بناها إلاّ المسلمون من بعد الفتح. والمسلمون فكانوا فقراء ما كانوا أصحاب أموال. وإنّما ثمّ رهبان ونصارى يحسدوا (¬5) المسلمين على جبل المقطّم لشرفه وفضله، وكونهم بنوا المساجد بالقرب من دياراتهم، وضيّقوا عليهم، صنّفوا كتبا وأوراقا وعتّقوها: إنّ في قبلة المسجد الفلانيّ، بالمكان الفلانيّ، بجبل المقطّم كنز (¬6) صفته كذا وكذا، وأوقعوا الكتب في أيدي البطّالين من المسلمين المغاربة وغيرهم العديمين (¬7) العقل، فخرجوا للطمع أخربوا المساجد التي في جبل المقطّم وأخافوا المقيمين بها حتى أخلوها وخربت. وبالأولى: إنّه إن كان ثمّ كنوز فتكون بالديارات لأنها أقدم من المساجد، والذين عمّروها كانوا ذوي أموال، وهي أنسب لذلك. والله أعلم. [العودة إلى ملوك مصر] ثم رجعنا إلى ملوك مصر. فلما أرسل بخت نصّر القوم الذين بقوا من بني إسرائيل إلى مصر سكنوها وعمّروها، واستخرجوا أراضيها، وتوالدوا فيها وكثروا، هم بقايا القبط، فوثب عليهم الروم كما ذكرنا، فأرسل هرقل للمقوقس ملكا فيها. ¬
[مولد الرسول صلى الله عليه وسلم]
[مولد الرسول صلى الله عليه وسلم] وفي زمان الروم ولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد أشرف خلق الله، عام الفيل بعد قدومه (¬1) إلى مكة بخمسين يوما. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة ويوما أرسله الله عزّ وجلّ إلى الناس كافّة بشيرا ونذيرا. وذلك ما رواه الشيخ عبد الرحمن بن نصر البصريّ الشهرزوريّ، عرف بابن الصلاح، رحمة الله عليه. وما رواه أبيّ [بن] (¬2) كعب رضي الله عنه، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث يوم السابع والعشرين من رجب. والله أعلم. [كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس] ثم إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كتب إلى المقوقس كتابا وسيّره مع حاطب بن أبي بلتعة في سنة ستّ من الهجرة، وكان قد رجع صلى الله عليه وسلم [من] (¬3) الحديبية، فمضى حاطب بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى إلى الإسكندرية وجد المقوقس في مجلس مشرف مطلّ على البحر، فركب حاطب في مركب، فلما حاذا (¬4) مجلسه أشار بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس، وهو بين إصبعيه، فلما رآه أمر بإحضار الكتاب، وقبض حاطب وأوصل إليه، فلما قرأه قال: ما منعه إن كان نبيّا أن يدعوا (¬5) عليّ؟ فقال له حاطب: ما منع عيسى بن مريم عليه السلام أن يدعو على من أبا (¬6) عليه؟ فوجم ساعة، ثم أعادها، فأعاد عليه حاطب، فسكت. فقال له حاطب: إنه قد كان قبلك رجل زعم أنه الربّ الأعلى فانتقم به، ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك، وإنّ لك دينا لن تدعه إلاّ لما هو (خير) (¬7) منه، وهو الإسلام الكافي الله به فقد ما سواه. وما بشارة موسى بعيسى إلاّ كبشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم ¬
وعليهما، وما دعاؤنا إيّاك إلى القرآن إلاّ كدعاية أهل التوراة إلى الإنجيل، ولسنا ننهاك عن دينك، ولكنّا (¬1) نأمرك به. ثم قرأ الكتاب، فإذا فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المقوقس عظيم القبط. سلام على من اتّبع الهدى. أمّا بعد. فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرّتين. {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اِشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ} (¬2). فلما قرأه أخذه وحطّه في حقّ من عاج وختم عليه (¬3). ثم في وقت آخر عند فراغه أرسل المقوقس إلى حاطب فأحضره وهو [في] خلوة (¬4) وليس عنده إلاّ ترجمان له، فقال: ألا تخبرنّي عن أمور أسألك عنها، فإنّي أعلم أنّ صاحبك قد تخيّرك (¬5) حين بعثك؟ قال: لا تسألنّ (¬6) عن شيء إلاّ صدقتك. وقال: قال: إلى ما يدعو محمد عليه السلام؟ قال: إلى أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا، ونخلع ما سواه؛ ويأمر بالصلاة. قال: فكم تصلّون؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة، وصيام شهر رمضان، وحجّ البيت، والوفاء بالعهد. وينهى (عن المنكر) (¬7) وأكل الميتة والدم. قال: ما (¬8) أتباعه؟ قال: الفتيان من قومه وغيرهم. ¬
قال: فهل يقتل قومه؟ قال: نعم. قال: صفه لي. قال: فوصفه بصفة من صفاته (¬1). قال: بقيت أشياء لم أرك ذكرتها. أفي عينيه حمرة قلّ ما تفارقه، وبين كتفيه خاتم النّبوّة، [و] يركب الحمار، ويلبس الشملة (¬2)، ويتحرّى (¬3) بالثمرات والكسر من الخبز، لا يبالي بمن لاقا (¬4) من عمّ ولا ابن عمّ. قال حاطب: هذه صفته. قال: قد كنت أعلم أنّ نبيّا قد بقي، وقد كنت أظنّ أنّ مخرجه من الشام، وهناك مخرج الأنبياء من قبله، فأراه قد خرج من الحجاز، وفي العرب، وهي أرض جهد وبؤس. والقبط لا تطاوعني في اتّباعه، ولا أحبّ [أن] (¬5) يعلم أحد بمحاورتي (¬6) إياك إليّ، وسيظهر على البلاد، وينزل أصحابه من بعده بساحتنا هذه حتى يظهروا على ما هاهنا، وأنا لا أذكر للقبط من هذا حرفا، فارجع إلى صاحبك. وكتب له جوابا: «لمحمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - من المقوقس عظيم القبط. سلام. أمّا بعد. قد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرته وما تدعوا (¬7) إليه، وقد علمت [أنّ] (¬8) نبيّا قد بقي، وقد كنت أظنّه أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، وكسوة (¬9)، وأهديت لك بغلة أن تركبها، وحمارا. والسلام» (¬10). ثم سرّحه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانت الجاريتين (¬11) إحداهما: مارية أمّ إبراهيم، والأخرى: ريحانة، وهبها ¬
النبيّ (صلى الله عليه وسلم) (¬1) لجهم (¬2) بن قيس العذريّ (¬3)، فهي أمّ زكريّا أمّ ابن جهم (¬4). ويقال: بل وهبها لحسّان بن ثابت (¬5). ويقال: بل وهبها لدحية (¬6) الكلبيّ (¬7). وقال آخرون، عن أبي حبيب: إنّ المقوقس لما أتاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمّه إلى صدره وقال: هذا زمان يخرج فيه النبيّ الذي نجد نعته وصفته في كتاب الله عزّ وجلّ. وإنّا نجد صفته أنه لا يجمع بين أختين في ملك عين ولا نكاح، وإنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، وإنّ جلساؤه (¬8) المساكين، وإنّ بين كتفيه خاتم النّبوّة. ثم دعا رجلا يحسن [الكتابة] (¬9) بالعربية، فكتب له الجواب، ثم لم يدع بمصر أحسن، ولا أجمل من مارية وأختها، وهما من أهل حفن من كورة أنصنا، فبعث بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهدى له بغلة شهباء، وحمارا أشهبا (¬10)، وثيابا من قباطيّ مصر، وعسلا من عسل نحل بنها، وبعث إليه بمال صدقة، وأمر رسوله أن ينظر من جلساؤه (¬11)، وينظر إلى ظهره هل يرى فيه شامة كبيرة ذات شعرات. ففعل ذلك الرسول. فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّم إليه الأختين والدّابّتين والعسل والثياب، وأعلمهم أنّ ذلك كلّه هديّة. فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يردّ الهدية على أحد من الناس، فلما نظر إلى مارية وأختها أعجبتاه، فكره أن يجمع بينهما، وكانت إحداهما تشبه الأخرى، فقال: «اللهم اختر لنبيّك»، فاختار الله تعالى له مارية، وذلك أنه قال لهما: «قولا أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله». فبدرت مارية ¬
[سنة 11 هـ]
فتشهّدت وآمنت قبل أختها. ومكثت أختها ساعة ثم تشهّدت. فوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم أختها لمحمد بن مسلمة (¬1). وقال بعضهم: بل وهبها لدحية (¬2) الكلبيّ (¬3). فأقامت مارية تحت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فولدت منه إبراهيم. وتوفّي إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو بقي إبراهيم ما تركت قبطيّا إلاّ وضعت عنه الجزية» (¬4). [سنة 11 هـ]. ثم توفّي النبيّ صلى الله عليه وسلم سنة إحدى عشرة للهجرة، عند تقضّي شهران (¬5) منها بعد أن غزا تسع عشرة غزوة (¬6). [سنة 15 هـ]. وتوفّيت مارية في شهر المحرّم سنة خمس عشرة من الهجرة، ودفنت بالبقيع، وصلّى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه (¬7). [سنة 18 هـ]. ذكر سبب دخول عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى وادي مصر وذلك أنّ عمروا (¬8) قال لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه لما قدم الجابية في سنة ¬
ثمان عشرة، خلا به واستأذنه في المسير إلى مصر، وكان عمرو دخل مصر في الجاهلية وعرف طرقها، ورأى كثرة ما فيها. وكان سبب دخول عمرو إليها أنه قدم إلى بيت المقدس في تجارة له في نفر من قريش، وإذا هم بشمّاس من شمامسة الروم من أهل الإسكندرية قدم للصلاة في بيت المقدس، فخرج في بعض جبالها يسبّح (¬1). وكان عمرو يرعى إبل أصحابه وإبله، وكانت رعية الإبل نوبا بينهم. فبينا عمرو يرعى الإبل، إذ مرّ به ذلك الشماس وقد أصابه العطش في يوم شديد الحرّ، فوقف على عمرو فاستسقاه، فسقاه عمرو من قربته، فشرب حتى روي، ونام الشمّاس مكانه. وكان إلى جنب الشمّاس حيث نام حفرة، فخرج منها حيّة عظيمة، فأبصرها عمرو، فنزغ (¬2) لها بسهم فقتلها. فلما استيقظ الشمّاس نظر إلى حيّة عظيمة نجّاه الله تعالى منها، فقال لعمرو: ما هذه؟ فأخبره أنه رماها فقتلها، فأقبل إلى عمرو فقبّل رأسه وقال: (يا عربيّ) (¬3) قد أحياني الله بك مرّتين، مرّة من شدّة العطش، ومرّة من هذه الحيّة، فما أقدمك إلى هذه البلاد؟ قال: قدمت مع أصحاب لي نطلب الفضل في تجارتنا. فقال له الشمّاس: وكم ترى (¬4) ترجوا (¬5) أن تصيب في تجارتك؟ قال: رجائي أن أصيب في تجارتي ما أشتري به بعيرا، فإنّي لا أملك إلاّ بعيرين، أملي أن أصيب بعيرا آخر ليبقى لي ثلاثة أبعرة. فقال له الشمّاس: أترى دية أحدكم كم هي؟ فقال عمرو: ماية من الإبل. فقال الشمّاس: لسنا أصحاب إبل، إنّما نحن أصحاب دنانير. قال: تكون الدّية ألف دينار. فقال له الشمّاس: إنّي رجل غريب في هذه البلاد، وإنّما قد قدمت أصلّي في كنيسة بيت المقدس، وأسبّح (¬6) في هذه الجبال شهرا، جعلت ذلك نذرا على نفسي، ¬
وقد قضيت ذلك، وأنا أريد الرجوع إلى بلادي، فهل لك أن تتبعني إلى بلادي، ولك عليّ عهد الله وميثاقه أن أدفع لك ديتين، لأنّ الله عزّ وجلّ أحياني بك مرّتين. فقال له عمرو (¬1): وأين بلادك؟ قال: مصر، في مدينة يقال لها الإسكندرية. فقال عمرو: لم أعرفها ولم أدخلها قطّ. فقال له الشمّاس: لو دخلتها لعلمت أنّك لم تدخل قطّ مثلها. فقال عمرو (¬2): وتفي لي بما تقول وعليك بذلك العهد والميثاق. فقال له الشمّاس: نعم عليّ عهد الله وميثاقه أن أفي لك بما أقول، وأن أردّك إلى أصحابك. فقال عمرو: وكم يكون مكثي في ذلك؟ قال: شهر (¬3). تنطلق معي ذاهبا عشرا (¬4)، وتقيم عندنا عشرا، وترجع في عشر، وأن أحفظك (¬5) ذاهبا، وأبعث معك من يحفظك راجعا. فقال له عمرو: أنظرني حتى أشاور أصحابي في ذلك. فانطلق عمرو إلى أصحابه فأخبرهم بما عهد (¬6) عليه الشمّاس، وقال: تقيموا حتى أرجع (¬7) إليكم، ولكم عليّ العهد أن أعطيكم شطر ذلك، على أن يصحبني رجل منكم آنس به (مع الشمّاس إلى مصر) (¬8) فقالوا: نعم. وبعثوا معه رجلا منهم. فانطلق عمرو وصاحبه مع الشمّاس إلى مصر حتى أتوا إلى ثغر الإسكندرية، فرأى عمرو عمارتها وكثرة خيراتها وأهلها وما بها من الأموال والخيرات ما أعجبه. فقال: [ما رأيت] (¬9) مثل مصر أبدا وكثرة ما فيها من الأموال. ¬
ونظر إلى الإسكندرية وعمارتها وجودة بنائها وأموالها فازداد بها عجبا. ووافق دخول عمرو إلى الإسكندرية عيد فيها عظيم، يجتمع فيه ملوكهم وأشرافهم، ولهم أكرة من ذهب مكلّلة يتراموا (¬1) بها وهم يتلقّونها بأكمامهم، وفيها (¬2) اختبروا من تلك الأكرة على ما وضعته الحكماء لهم، على أنّها من وقعت الأكرة في كمّه واستقرّت [فيه] (¬3) لم يمت حتى يملكهم. وكان الشمّاس كسا عمرا (¬4) ثوب ديباج، وأكرمه إكراما تامّا، وأجلسه إلى جانبه بين الناس يتفرّج في ذلك المجلس حيث يترامون بالأكرة وهم يتلقّونها بأكمامهم، فرما (¬5) بها رجل منهم، فأقبلت تهوي حتى وقعت في كمّ عمرو، فتعجّبوا من ذلك وقالوا: ما كذبتنا هذه الأكرة إلاّ هذه الدفعة (¬6)، أنّى (¬7) هذا الأعرابيّ يملكها، هذا ما يكون أبدا (¬8). وإنّ ذلك الشماس مشى في أهل الإسكندرية، وأعلمهم أن عمرو (¬9) أحياه من الموت مرّتين، وأنه ضمن له ألفي دينار، وسألهم أن يجمعوا له ذلك فيما بينهم، ففعلوا له ذلك، ودفعوها له، فأعطاها لعمرو (¬10)، فانطلق عمرو وصاحبه راجعين. وبعث معهم الشمّاس دليلا رسولا، وزوّدهما وأكرمهما (¬11) حتى رجعا إلى أصحابهما، فبذلك عرف عمرو مدخل مصر ومدخلها، ورأى منها ما علم به أنها أفضل البلاد وأكثرها مالا. فلما رجع إلى أصحابه دفع لهم فيما بينهم ألف دينار، وأمسك لنفسه ألف دينار، ثم انصرفوا (¬12). ¬
[سنة 19 هـ]
[سنة 19 هـ]. [فتح مصر] فلما فتح عمر ابن الخطاب رضي الله عنه الشام، ووصل إلى الجابية (¬1)، وذلك في سنة ثماني عشرة للهجرة أعلمه عمرو ابن العاص بأمر مصر، واستأذنه في الدخول إليها، فجيّش له جيشا وأرسله إلى مصر، وأردفه بجيش آخر وآخر، حتى تكمّل مع عمرو اثنا عشر ألف فارس وراجل، ففتح مصر وملكها في سنة تسع عشر (¬2) والإسكندرية في سنة عشرين (¬3) من الهجرة النبويّة، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فمكث فيها خمس سنين. [فتح الفرما] وكان أول مكان قوتل فيه عمرو ابن العاص من الديار المصرية الفرما، قاتله فيها الروم مدّة شهر، وفتح الله بها عليه (¬4). وكان بالفرما قبطا أعوانا (¬5) لعمرو على فتحها بأمر أسقف الإسكندرية، وإرساله إليهم أن لا يقاتلوا المسلمين، فقد نفد ملكهم. وكان اسم الأسقف يومئذ ميامين (¬6). ¬
[فتح القواصر]
[فتح القواصر] ثم فتح عمرو القصير، ويقال لها القواصر، وأقصيريا (¬1). وقيل: إنها كانت أحسن من دمياط، وأكثر موزا وخيرا. [فتح بلبيس] ثم حاصر بلبيس، مكث عليها شهرا، وفتح الله عليه بها (¬2). [فتح دنين] ثم أمّ أذنين (¬3)، قاتل عليها قتالا شديدا، وأبطأ عليه فتحها، فبعث إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستمدّه بالعساكر (¬4)، فأمدّه بأربعة آلاف لتكملة ثمانية آلاف (¬5). [سنة 20 هـ]. [فتح قصر اليون] وبعد فتحها حاصر القصر الذي [يقال له باب] (¬6) اليون حينا (¬7)، والآن بقصر الشمع والمعلّقة، قاتل عليه قتالا شديدا صباحا ومساء، فلما أبطأ عليه الفتح كتب إلى عمر رضي [الله] عنه، فأرسل إليه أربعة آلاف لتكملة اثني عشر ألفا (¬8). فلما أبطأ عليه الفتح أشفق عمر رضي الله عنه على المسلمين، فأرسل إليه الزبير بن العوّام في اثنا (¬9) عشر ألف فارس، وأردفه، فيسّر الله عليهم بالفتح في سنة عشرين للهجرة النبويّة (¬10)، على سيّدنا ونبيّنا محمد أفضل الصلاة والسلام. ¬
[فتح الكريون والإسكندرية]
وكان أول من نصب سلّما إلى الحصن وطلع عليه الزبير بن العوّام رضي الله عنه، وكبّر وكبّر المسلمون، فانهزمت الروم، وفتحها بعد السيف صلحا على الجزية، عن كل نفس دينارين (¬1). شريفها ووضيعها، إلاّ الشيخ الفاني، ومن لم يبلغ الحلم، ولا النساء (¬2). وكان عدّتهم يومئذ ممّن يزن الجزية ستة آلاف ألف نفس، فكانت فريضتهم في كل سنة اثنا (¬3) عشر ألف ألف دينار (¬4). وقيل: كانت عدّتهم ثمانية آلاف (¬5) ألف، في حديث آخر (¬6). [فتح الكريون والإسكندرية] ثم غدر الروم، وقاتلهم، وفتح الكريون (¬7)، ثم الإسكندرية، وتمّ الصلح بينهم وبين القبط. وكان القبط يمدّوا (¬8) المسلمين بالأطعمة والقوّة، وغير ذلك، حتى فتح الله على المسلمين بديار مصر وإفريقية في سنة عشرين. وقيل: في سنة ثمانية عشر (¬9)، كان أول ما جيّش المسلمين إلى مصر عمر رضي الله عنه. [سنة 23 هـ]. [وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه] وفي سنة ثلاث وعشرين لأربع بقين من ذي الحجة منها توفّي عمر بن الخطاب (¬10) رضي الله عنه، ودفن عند صاحبيه (¬11)، صلّى الله على محمد وآله، ورضي الله عنهما. ¬
[العمال على مصر وولاتها]
[العمّال على مصر وولاتها] وبويع عثمان بن عفان رضي الله عنه في التاريخ. [سنة 25 هـ]. واستمرّ عمرو بن العاص عاملا بمصر إلى سنة خمس وعشرين، وعزله عثمان رضي الله عنه. [ولادة أبي يحيى العامريّ] وقلّدها لأبي يحيى العامري (¬1)، فمكث أحد عشر (¬2) سنة. [سنة 35 هـ]. [مقتل عثمان رضي الله عنه] وفي سنة خمس وثلاثين، في ثامن ذي الحجّة منها، قتل عثمان رضي الله عنه، فكانت خلافته أحد عشر (¬3) سنة، وأحد عشر شهرا، وستة وعشرين [يوما] (¬4). وبويع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، في التاريخ. [سنة 36 هـ]. [ولاية قيس الخزرجي] وتوفي أبو يحيى العامريّ (¬5) في سنة ستّ وثلاثين، [سنة 37 هـ]. ثم ولّي مصر قيس بن سعد الخزرجيّ، في أول سنة سبع وثلاثين (¬6)، من جهة عليّ رضي الله عنه (¬7). ¬
[ولاية مالك النخعي]
[ولاية مالك النخعيّ] ثم وليها مالك بن الحارث النخعيّ (¬1)، من جهة عليّ رضي الله عنه، في وسط سنة سبع وثلاثين (¬2)، فوصل إلى القلزم، فسمّ ومات قبل دخوله إلى مصر (¬3). [محمد بن أبي بكر الصّدّيق] ثم وليها محمد بن أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، من جهة عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، في آخر سنة سبع وثلاثين، فمكث دون السنة (¬4). [سنة 38 هـ]. [عمرو بن العاص] ثم عمرو (¬5) بن العاص ثانيا، أرسله معاوية بن أبي سفيان من الشام، في سنة ثمان وثلاثين، مكث خمس سنين (¬6). [سنة 43 هـ]. [عتبة بن أبي سفيان] ثم وليها عتبة بن أبي سفيان في سنة ثلاث وأربعين، من جهة معاوية، فمكث دون السنة (¬7). [سنة 44 هـ]. [عقبة بن عامر الجهنيّ] ثم وليها عقبة بن عامر الجهنيّ في سنة أربع وأربعين. مكث ثلاث سنين وكسور (¬8). ¬
[سنة 47 هـ]
[سنة 47 هـ]. [مسلمة الخزرجيّ] ثم مسلمة بن مخلد الخزرجيّ سنة سبع وأربعين. مكث خمسة عشر (¬1) سنة (¬2). [سنة 62 هـ]. [سعيد الأزدي] ثم وليها سعيد بن يزيد (¬3) بن علقمة الأزديّ في سنة اثنتين وستين. مكث سنتين وكسر (¬4). [سنة 64 هـ]. [عبد الرحمن الفهريّ] ثم وليها عبد الرحمن الفهريّ سنة أربع وستين، مكث اثنتين و (¬5) عشرين سنة (¬6). [سنة 86 هـ]. [عبد الله بن عبد الملك] ثم وليها عبد الله بن عبد الملك (¬7) في أول سنة ستّ وثمانين. مكث خمس سنين (¬8). [سنة 90 هـ]. [قرّة بن شريك] ثم ولّي قرّة بن شريك العبسيّ في سنة تسعين. مكث سبع سنين (¬9). ¬
[سنة 97 هـ]
[سنة 97 هـ]. [عبد الملك بن رفاعة] ثم ولّي عبد الملك بن رفاعة في سنة سبع وتسعين. مكث ثلاث سنين وكسور (¬1). [سنة 99 هـ]. [أيوب بن شرحبيل] ثم ولّي أيوب بن شرحبيل الأصبحي في سنة تسع وتسعين. مكث سنتين ونصف (¬2). [سنة 101 هـ]. [بشر بن صفوان الكلبيّ] ثم تولّى [بشر بن] (¬3) صفوان الكلبيّ سنة إحدى وماية. مكث سنتين ونصف (¬4). [سنة 103 هـ]. [حنظلة بن صفوان] ثم ولّي حنظلة (بن) (¬5) صفوان في سنة ثلاث ومائة. ومكث سنتين ونصف (¬6). [سنة 105 هـ]. [محمد بن عبد الملك بن مروان] ثم ولّي محمد بن عبد الملك أخو هشام (¬7) في سنة خمس وماية. مكث أشهرا (¬8). ¬
[الحر بن يوسف]
[الحرّ بن يوسف] ثم ولّي الحرّ (¬1) بن يوسف الثقفيّ في ذي الحجّة سنة خمس وماية. مكث أربع سنين ونصف (¬2). [سنة 109 هـ]. [عبد الملك بن رفاعة] ثم ولّي عبد الملك [بن رفاعة] (¬3) في سنة تسع وماية، وعزل (¬4). [الوليد بن رفاعة] ثم ولّي الوليد أخوه بعده في سنة تسع وماية، وتوفّي سنة تسع عشر (¬5) وماية. مكث عشر سنين وكسر (¬6). [سنة 119 هـ]. [عبد الرحمن الفهريّ] ثم ولّي عبد الرحمن بن خالد الفهريّ في آخر تسع عشر (¬7) وماية، وأقام سبعة أشهر (¬8). [سنة 120 هـ]. [حنظلة بن صفوان] ثم ولّي حنظلة (بن) (¬9) صفوان مرّة ثانية، سنة عشرين وماية. مكث أربع سنين (¬10). ¬
[سنة 124 هـ]
[سنة 124 هـ]. [حفص بن الوليد] ثم تولّى حفص بن الوليد سنة أربع وعشرين وماية، مكث ثلاث سنين وكسور (¬1). [سنة 127 هـ]. [حسّان بن عتاهية التجيبيّ] ثم ولّي [حسّان بن عتاهية] (¬2) التجيبيّ سنة سبع وعشرين وماية. مكث سنة ودونها (¬3). [سنة 128 هـ]. [حفص بن الوليد] ثم ولّي حفص بن الوليد ثاني مرّة سنة ثمان وعشرين وماية. مكث ثلاث سنين ونصف (¬4). [سنة 131 هـ]. [الفزاريّ] ثم ولّي الفزاريّ (¬5) سنة إحدى وثلاثين وماية. مكث سنة واحدة (¬6). ¬
[سنة 132 هـ]
[سنة 132 هـ]. [عبد الملك بن مروان] ثم ولّي عبد (الملك) (¬1) بن مروان مولى لخم (¬2) سنة اثني (¬3) وثلاثين وماية (¬4). ¬
[الدولة العباسية]
[الدولة العبّاسية] وفي سنة اثنين (¬1) وثلاثين وماية بويع السّفاح [عبد الله] (¬2) بن محمد الكامل (¬3) ببغداد. وهو أول الخلفاء العبّاسيّين (¬4). واستمرّت الخلافة في بني العباس بالعراق إلى الآن. [مدّة الخلافة الأموية] وفي سنة اثنين (¬5) وثلاثين وماية المذكورة (قتل) (¬6) مروان بن محمد بن مروان الملقّب بحمار الجزيرة لثلاث (¬7) بقين منها، واستمرّ بدمشق خمس سنين وشهرا (¬8). وهو آخر خلفاء بني أميّة. تكون مدة بني أميّة في الخلافة من معاوية إلى مروان المذكور إحدى وتسعين سنة وتسعة أشهر ويومين. فمكث عبد الملك مولى لخم (¬9) بمصر سنة واحدة (¬10). [سنة 133 هـ]. [صالح بن عليّ] وولّي صالح بن عليّ بن عبد الله سنة ثلاث وثلاثين وماية. مكث أشهرا قليلا (¬11). ¬
[عبد الملك مولى الأزد]
[عبد الملك مولى الأزد] ثم ولّي عبد الملك (¬1) مولى الأزد (¬2) سنة ثلاث وثلاثين ومايتين. مكث ثلاث سنين (¬3). [سنة 136 هـ]. [صالح بن عليّ] ثم ولّي صالح بن عليّ ثانيا سنة ستّ وثلاثين وماية (¬4). [وفاة السّفّاح] في عاشر ذي الحجة (¬5) منها توفّي السفّاح إلى رحمة الله تعالى بالأنبار (¬6). وقيل في ثالث عشره. وبويع أخوه عبد الله المنصور، الثاني من الخلفاء العبّاسيين، رضي الله عنهم في آخر ذي الحجّة سنة ستّ وثلاثين وماية. فمكث صالح بمصر ثلاث سنين ونصف (¬7). [سنة 139 هـ]. [عبد الملك بن يزيد] ثم ولّي عبد الملك [بن يزيد] (¬8) سنة سبع (¬9) وثلاثين وماية. مكث ثلاث سنين (¬10). ¬
[سنة 141 هـ]
[سنة 141 هـ]. [النقيب التميميّ] ثم ولّي النقيب التميميّ (¬1) سنة إحدى وأربعين وماية. مكث سنتين (¬2). [سنة 143 هـ]. [حميد الطائيّ] ثم ولّي حميد الطائيّ (¬3) سنة إحدى وأربعين وماية. مكث سنة واحدة (¬4). [سنة 144 هـ]. [يزيد المهلّبيّ] ثم ولّي يزيد (¬5) المهلّبي سنة أربع وأربعين وماية. مكث تسع سنين (¬6). [سنة 152 هـ]. [عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية] ثم ولّي عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية في سنة اثنين (¬7) وخمسين وماية. مكث سنتين ونصف (¬8). [سنة 154 هـ]. [محمد بن عبد الرحمن بن معاوية] ثم ولّي أخوه محمد بن عبد الرحمن (¬9) في سنة أربع وخمسين وماية. مكث سنة واحدة (¬10). ¬
[سنة 155 هـ]
[سنة 155 هـ]. [موسى بن علي اللّخمي] ثم ولّي موسى بن علي اللّخميّ سنة خمس وخمسين وماية. مكث ستّ سنين ونصف (¬1). [سنة 158 هـ]. [وفاة المنصور] وفي [سنة] (¬2) ثمان وخمسين وماية توفّي عبد الله المنصور (¬3)، الثاني من الخلفاء العبّاسيّين، وهو محرما (¬4) على أميال من مكة. وكانت مدّته اثنين (¬5) وعشرين سنة (¬6). وبويع ولده محمد المهديّ في السنة المذكورة. [سنة 161 هـ]. [عيسى الجمحيّ] ثم ولّي عيسى (¬7) (الجمحيّ) (¬8) سنة إحدى وستين وماية. مكث سنة (¬9). [سنة 162 هـ]. [واضح مولى المنصور] ثم ولّي واضح مولى المنصور سنة اثنين (¬10) وستين وماية (¬11). ¬
[منصور بن يزيد]
[منصور بن يزيد] ثم ولّي [منصور بن] (¬1) يزيد (¬2) بن منصور الرعيني (¬3) في وسط سنة اثنين (¬4) وستين وماية (¬5). [يحيى أبو صالح] ثم ولّي يحيى أبو صالح (¬6) في ذي الحجّة سنة اثنين (¬7) وستين وماية (¬8). [سنة 164 هـ]. [سالم بن سوادة] ثم ولّي سالم بن سوادة التميميّ سنة أربع وستين وماية (¬9). [سنة 165 هـ]. [إبراهيم العباسي] ثم ولّي إبراهيم العبّاسي (¬10) في سنة خمس وستين وماية (¬11). [سنة 167 هـ]. [الخثعميّ] ثم ولّي موسى بن مصعب الخثعمي (¬12) في سنة سبع وستين وماية (¬13). ¬
[سنة 168 هـ]
[سنة 168 هـ]. [عسّامة المعافريّ] ثم ولّي عسّامة (¬1) بن عمرو (¬2) المعافريّ (¬3) في سنة ثمان وستين وماية (¬4). [سنة 169 هـ]. [الفضل بن صالح العبّاسيّ] ثم ولّي الفضل بن صالح العبّاسيّ في سنة تسع وستين وماية (¬5). [وفاة الخليفة المهديّ] وفي المحرّم سنة تسع وستين وماية المذكورة، توفّي محمد المهديّ بماسبذان (¬6)، وبويع ولده موسى الهادي يوم وفاة أبيه. [سنة 170 هـ]. [وفاة الهادي] وتوفّي ببغداد في رابع عشر ربيع الأول سنة سبعين وماية (¬7). [بيعة الرشيد وولادة المأمون] ثم بويع هارون الرشيد بن المهديّ ليلة مات أخوه موسى الهادي. وولد فيها المأمون بن هارون الرشيد (¬8). فهذه ليلة بويع فيها لخليفة، ومات فيها خليفة، وولد فيها خليفة. [سنة 169 هـ]. [علي بن سليمان العبّاسيّ] ثم ولّي مصر عليّ بن سليمان (¬9) العبّاسيّ آخر سنة تسع وستين وماية (¬10). ¬
[سنة 172 هـ]
[سنة 172 هـ]. [موسى العبّاسيّ] ثم ولّي موسى العبّاسي (¬1) سنة اثنين (¬2) وسبعين وماية (¬3). [مسلمة البجليّ] ثم ولّي مسلمة بن (يحيى البجليّ) (¬4) في آخر سنة اثنين (¬5) وسبعين وماية (¬6). [سنة 173 هـ]. [محمد بن زهير الأزدي] ثم ولي محمد بن زهير الأزديّ سنة ثلاث وسبعين وماية (¬7). [سنة 174 هـ]. [داوود المهلّبيّ] ثم ولّي داود بن يزيد (¬8) المهلّبيّ سنة أربع وسبعين وماية (¬9). [سنة 175 هـ]. [موسى العبّاسيّ] ثم ولّي موسى بن عيسى العبّاسيّ سنة خمس وسبعين وماية (¬10). وفيها مات (¬11). ¬
[سنة 177 هـ]
[سنة 177 هـ]. [ابن المسيّب الضبّيّ] ثم ولّي (¬1) عبد [الله بن] (¬2) المسيّب الضبّيّ في أول سنة سبع وسبعين وماية (¬3). [إسحاق بن سليمان] ثم إسحاق بن سليمان العبّاسيّ في آخر سنة سبع وسبعين وماية (¬4). [سنة 178 هـ]. [هرثمة بن أعين] ثم ولّي هرثمة (¬5) بن أعين سنة ثمان وسبعين وماية (¬6). [عبد الملك العبّاسيّ] ثم ولّي عبد الملك العبّاسيّ (¬7) في سلخ ذي الحجّة سنة ثمان وسبعين وماية (¬8). [سنة 179 هـ]. [عبيد الله بن المهديّ] ثم ولّي عبيد (¬9) الله بن المهديّ العبّاسيّ في سنة تسع وسبعين وماية (¬10). ¬
[سنة 180 هـ]
[سنة 180 هـ]. [موسى العبّاسيّ] ثم تولّى موسى بن عيسى العباسي (¬1) في آخر سنة ثمانين وماية (¬2). [سنة 181 هـ]. [عبيد الله بن المهديّ] ثم ولّي عبيد (¬3) الله بن المهديّ ثانيا، سنة إحدى وثمانين وماية (¬4). [سنة 182 هـ]. [إسماعيل بن عيسى] ثم ولّي إسماعيل (¬5) بن عيسى بن إسماعيل (¬6) في سنة اثنين (¬7) وثمانين وماية (¬8). [الليث البيورديّ] ثم ولّي الليث (¬9) الأبيوردي (¬10) في آخر سنة اثنين (¬11) وثمانين وماية (¬12). [سنة 187 هـ]. [أحمد بن إسماعيل] ثم ولّي أحمد بن إسماعيل في سنة سبع (¬13) وثمانين وماية. ¬
[سنة 190 هـ]
[سنة 190 هـ]. [عبد الله بن محمد العباسيّ] ثم تولّى عبد الله بن محمد العباسيّ المعروف بابن زينب في سنة تسعين وماية (¬1). [سنة 192 هـ]. [مالك بن دلهم الكلبيّ] ثم ولّي (¬2) مالك بن دلهم الكلبيّ سنة اثنين (¬3) وتسعين وماية (¬4). [الحسين بن التختاخ] ثم ولّي الحسين بن التختاخ (¬5) سنة ثلاث وتسعين وماية (¬6). [وفاة هارون الرشيد] وفي سنة ثلاث وتسعين وماية، في ثالث جمادى الآخرة منها، توفّي أمير المؤمنين هارون الرشيد بمدينة طوس (¬7). وبويع ولده الأمين محمد ليلة وفاة أبيه. [سنة 195 هـ]. [حاتم بن هرثمة] ثم ولّي مصر حاتم بن هرثمة (¬8) بن أعين سنة خمس وتسعين وماية (¬9). ¬
[جابر بن الأشعث]
[جابر بن الأشعث] ثم ولّي جابر بن الأشعث الطائيّ (¬1) في آخر سنة خمس وتسعين وماية (¬2). [سنة 196 هـ]. [عبّاد مولى كندة] ثم ولّي عبّاد (¬3) - وهو أبو نصر مولى كندة - سنة ستّ وتسعين وماية (¬4). [سنة 198 هـ]. [المطّلب بن عبد الله الخزاعيّ] ثم ولّي المطّلب بن عبد الله الخزاعيّ في سنة ثمان وتسعين وماية (¬5). [مقتل محمد الأمين] وفي خامس المحرّم سنة ثمان وتسعين وماية قتل محمد الأمين بن هارون الرشيد (¬6). وبويع أخوه المأمون. [العباس بن موسى] ثم ولّي مصر العبّاس بن موسى سنة ثمان وتسعين وماية (¬7). [سنة 199 هـ]. [المطّلب الخزاعيّ] ثم ولّي المطّلب ثانيا في سنة تسع وتسعين وماية (¬8). ¬
[سنة 200 هـ]
[سنة 200 هـ]. [السّريّ بن الحكم] ثم ولّي السّريّ بن الحكم في سنة مايتين (¬1). [سنة 201 هـ]. [سليمان بن غالب] ثم ولّي سليمان بن غالب في سنة إحدى ومايتين (¬2). [سنة 205 هـ]. [أبو النصر بن السريّ] ثم ولّي (¬3) [أبو] (¬4) نصر محمد بن السّريّ في سنة خمس ومايتي (¬5). [سنة 206 هـ]. [عبيد الله بن السريّ] ثم ولّي عبيد (¬6) الله (¬7) في سنة ستّ ومايتين (¬8). [سنة 210 هـ]. [عبد الله بن طاهر] ثم تولّى عبد الله بن طاهر مولى خزاعة في سنة عشرة (¬9) ومايتين (¬10). ¬
[سنة 213 هـ]
[سنة 213 هـ]. [عيسى الجلوديّ] ثم ولّي عيسى الجلوديّ (¬1) في سنة ثلاث عشر (¬2) ومايتين (¬3). [سنة 214 هـ]. [عمير بن الوليد] ثم ولّي عمير (¬4) بن الوليد التميميّ في سنة أربع عشر (¬5) ومايتين (¬6). [عيسى الجلوديّ] ثم ولّي عيسى الجلوديّ (¬7) ثانيا في آخر سنة أربع عشر (¬8) ومايتين (¬9). [سنة 215 هـ]. [عبدويه بن جبلة] ثم ولّي عبدويه (¬10) بن جبلة سنة خمس عشر (¬11) ومايتين (¬12). [سنة 216 هـ]. [ابن منصور] ثم ولّي ابن منصور (¬13) مولى بني نصر في سنة ستّ عشر (¬14) ومايتين (¬15). ¬
[دخول المأمون الهرم]
[دخول المأمون الهرم] وفي هذه السنة دخل المأمون إلى مصر وفتح الثغرة التي في الهرم الشرقيّ. وكان السبب في ذلك أنّ المأمون كان عنده حكمة ومعرفة وله عقل وتمييز، فركب إلى الأهرام يتفرّج فيها، فاطّلع على ذخايرها، فقصد فتحها وهدمها، فقال له شيخ من مشايخ مصر يقال له: «عفير»: إنّ في هذا مشقّة، وهو غير ممكن يا أمير المؤمنين لأنّها مبنيّة بالحديد والرصاص، ممتنعة بكلّ ناحية، وهي عظيمة بلا نهاية، ولا يحسن بمثل مولانا أمير المؤمنين طلب شيئا (¬1) ولا يناله. فقال المأمون: لا بدّ لي من ذلك. فاتّفق الأمر على الهرم البحريّ، ففتح من جانبه البحريّ لأجل وقوع الشمس على رؤوس (¬2) الفعلة والذين يعملون في فتحه، فكانوا يوقدون النار عند الحجر، فإذا حمي رشّوا عليه الخلّ ورموه بالمنجنيق، حتى فتح منه الثلمة التي يدخل منها إلى الهرم الآن، فوجدوا بنايته (¬3) على ما ذكر، ووجدوا عرض الحائط قريبا من عشرين ذراعا (¬4). وكان حفرهم له موازنا متوسّطا. فلما وصلوا إلى آخر الفتح وجدوا جرنا أخضرا (¬5) من الرخام، فيه مال مصبوب على شبه الدنانير العراض، وكان وزن كل دينار منها تسع (¬6) وعشرين مثقالا ونصف (¬7)، فعرض ذلك على المأمون، فأمرهم بوزن الجميع من الذهب، فوجدوا ذلك مالا مغلولا، فقال لهم المأمون: ارفعوا إليّ حساب ما أنفق على فتح الأهرام، فرفعوا له ذلك الحساب، فوجدوه موازنا لما وجده من المال في الهرم سواء بسواء من غير زيادة ولا نقصان (¬8). فتعجّب المأمون من ذلك عجبا شديدا، وعجب من معرفتهم بالموضع الذي يفتح منه الهرم على طول الزمان (¬9). فازداد المأمون عند ذلك رغبة في علم الفلك ويقينا بأمر النجوم. ثم أمر بالبحث والتفتيش. ¬
[سنة 219 هـ]
ثم ركب المأمون حتى نظر إلى الفتح ودخل إلى آخر النقب، فوجد عند ذلك صنما أحمرا (¬1) مادّا يديه وهو قائم. ثم نظر إلى الزّلاّقة والبير، فأمرهم أن ينزلوا فيها، فنزلوا من واحدة إلى واحدة، حتى انتهوا إلى صنم آخر، وعيناه (¬2) جزعتان، سواد في بياض، كأنهما حدقتا إنسان يبصر بهما، فهالهم ذلك، وفزعوا أن يمسّوه أو يحرّكوه، فلا يأمنوا أن يكون له حركة فيهلكوا، فخرجوا وعرّفوا المأمون بذلك. فأمرهم أن لا يمسّوه ولا يتجاوزوه. ثم أخذ المأمون ما وجده فيه، ووجد فيه عجائبا (¬3) كثيرة. وقد شرح ذلك في «كتاب العجائب» الموضوع للمأمون. وخلاّها وانصرف، وشرع في عمارة المقياس (¬4) الذي بقلعة الجزيرة الآن. ثم أمر المأمون بقياس الأهرام طولا وعرضا، وسمكا وتربيعا، من ركن إلى ركن، فوجدوا سمكها أربع ماية دراعا (¬5)، وطولها مثله، وعرضها مثله. والهرم الغربيّ مثله. والصغير فهو دونهما. [سنة 219 هـ]. [العودة إلى ولاة مصر] ثم رجعنا إلى ملوك مصر. ثم ولّي مصر بعد مولى بني نصر السعودي (¬6) في سنة تسع عشرة ومايتين (¬7). [وفاة المأمون] وفي ثامن رجب من السنة المذكورة توفّي المأمون (¬8) بالبدندون (¬9)، ببلاد الروم، ودفن في طوس. وبويع محمد المعتصم في التاريخ. ¬
[المظفر بن كيدر]
[المظفّر بن كيدر] ثم ولّي مصر المظفّر [بن] كيدر (¬1) في وسط سنة تسع عشرة ومايتين أشهرا (¬2). [أبو العباس الحمقيّ] وولّي بعده أبو العباس (¬3) الحمقيّ (¬4) في آخر السنة المذكورة (¬5). فهؤلاء ثلاثة ولّوا مصر في سنة واحدة. [سنة 224 هـ]. [مالك بن كيدر] ثم ولّي مالك ابن كيدر (¬6) في سنة أربع وعشرين ومايتين (¬7). [سنة 224 هـ]. [علي بن يحيى] ثم ولّي علي بن يحيى (¬8) في سنة ستّ وعشرين ومايتين (¬9). [سنة 227 هـ]. [وفاة المعتصم] وفي ثامن عشر ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومايتين توفي محمد المعتصم إلى رحمة الله تعالى بسرّ من رأى (¬10). وبويع ولده هارون الواثق بالعراق. ¬
[سنة 229 هـ]
[سنة 229 هـ]. [عيسى بن منصور] ثم ولّي مصر عيسى بن منصور ثانيا (¬1) - وهو الجلوديّ (¬2) - في سنة تسع وعشرين ومايتين (¬3). [سنة 232 هـ]. [وفاة الواثق] وفي سنة اثنين (¬4) وثلاثين ومايتين توفّي هارون الواثق إلى رحمة الله تعالى في آخر ذي الحجّة منها بسرّ من رأى (¬5). وبويع أخوه جعفر المتوكّل بالعراق. [سنة 233 هـ]. [حاتم بن هرثمة] ثم ولّي (¬6) مصر حاتم ابن (¬7) هرثمة في آخر سنة ثلاث وثلاثين ومايتين (¬8). [سنة 234 هـ]. [علي بن يحيى] ثم ولّي علي ابن يحيى (¬9) ثانيا في سنة أربع وثلاثين ومايتين (¬10). ¬
[سنة 235 هـ]
[سنة 235 هـ]. [إسحاق الجبليّ] ثم ولّي إسحاق (¬1) الجبليّ (¬2) سنة خمس وثلاثين ومايتين (¬3). [سنة 236 هـ]. [خوط] ثم ولّي خوط (¬4) في سنة ستّ وثلاثين ومايتين (¬5). [سنة 238 هـ]. [عنبسة الضبيّ] ثم ولّي عنبسة (¬6) الضبّيّ (¬7) في سنة ثمان وثلاثين ومايتين (¬8). [سنة 242 هـ]. [يزيد بن عبد الله] ثم ولّي يزيد (¬9) بن عبد الله في سنة اثنين (¬10) وأربعين ومايتين (¬11). [سنة 247 هـ]. [وفاة المتوكل] وفي ثالث ربيع الآخر سنة سبع وأربعين ومايتين توفّي جعفر المتوكّل مسموما (¬12). وبويع ولده محمد المنتصر. ¬
[سنة 248 هـ]
[سنة 248 هـ]. [وفاة المنتصر] وتوفّي سنة ثمان وأربعين ومايتين (¬1). [سنة 252 هـ]. [بيعة المستعين وخلعه] وبويع المستعين أحمد بن المعتصم، وخلع في رابع المحرّم سنة اثنين (¬2) وخمسين ومايتين. وقتل آخر السنة المذكورة (¬3). [بيعة المعتزّ] وبويع المعتزّ بن المتوكّل في المحرّم سنة اثنين (¬4) وخمسين ومايتين بالعراق. [سنة 253 هـ]. [مزاحم بن خاقان] ثم ولّي مصر مزاحم بن خاقان في سنة ثلاث وخمسين ومايتين (¬5). [سنة 254 هـ]. [أحمد بن مزاحم] ثم ولّي أحمد بن مزاحم في سنة أربع وخمسين ومايتين (¬6). [وفاة المعتزّ] ثم في صفر سنة أربع وخمسين ومايتين توفّي المعتزّ (¬7) إلى رحمة الله تعالى، ¬
[سنة 255 هـ]
[سنة 255 هـ]. [بيعة المهتدي ومقتله] وبويع محمد المهدي (¬1) بالله بن هارون، الواثق في آخر رجب سنة خمس وخمسين ومايتين. وقتل بعد إحدى عشر شهرا (¬2). [سنة 256 هـ]. [بيعة المعتمد] وبويع المعتمد في أول رجب (¬3) سنة ستّ وخمسين ومايتين. ¬
[ولاية ابن طولون مصر]
[ولاية ابن طولون مصر] [سنة 264 هـ]. وولي مصر أحمد بن طولون سنة أربع وستين ومايتين (¬1). [سنة 265 هـ]. وبنا (¬2) الجامع الطولوني في سنة خمس وستين ومايتين (¬3). وكان له عبيد كثيرة (¬4)، وكان حازما، شجاعا. ومن جملة ما جرى أنّ أخته أهدت إليه عشرة (¬5) جوار أبكارا لم ير أحسن منهنّ، فأخذهنّ ودفعهنّ لعشرة عبيد من عبيده، فعزّ ذلك على أخته وعتبته (¬6) في ذلك، فقال لها: أسود يقاتل عنّي وعنك أحبّ إليّ منهن (¬7). وهو أول من دخل بالترك إلى ديار مصر. والسبب في ذلك أنّه كان من أجناد الخليفة أبو (¬8) العباس أحمد المعتمد بن المتوكل أميرا تركيّا مقدّما، فسيّر إليه أحمد بن طولون وأرغبه إلى أن نزل بغداد، وحضر إلى مصر، فأقبل عليه أحمد بن طولون وأعطاه وأحسن إليه، وزاده فوق ما كان له، إلاّ أنه استمرّ في خدمته، وأخباره منطوية عن أحمد بن طولون. وكان لأحمد بن طولون عند جميع كبراء دولته عيون من غير أن يعلم به أحد، ¬
فيطالعوه (¬1) بأخبارهم في كل صباح وبما هم عليه، إلاّ التركيّ لم يطّلع على ما هو عليه، فأحضر أحمد بن طولون رجلا من بعض غلمانه وقال له: رح اكتري (¬2) دارا إلى جانب دار فلان التركيّ أو اشتريها (¬3)، وخذ ثمنها منّي، وتحيّل على أن تطّلع على أحواله وما هو عليه، وتعرّفني به يوما بيوم. ففعل ذلك، واكترى دارا إلى جانب دار التركيّ وسكن فيها، وطلع إلى سطح الدار، فوجد زربا يطلّ إلى دار التركيّ، ففتح فيه كوّة صغيرة ينظر منها جميع ما في البيت الذي فيه التركيّ. وكان التركيّ ما عنده في داره سوى جارية صغيرة عوّادة، وخادم صغير لا غير. فلما كان في بعض الليالي قعد التركيّ يشرب وجاريته تغنّي له، وما عنده أحد. فلما راق الليل سكر التركيّ وقام إلى سيفه جرّده من غمده وقال: من يكون هذا الفاعل الصانع أحمد بن طولون حتى يستخدمنا، ويكون مثلي في خدمته؟ والله لأضربنّ عنقه بسيفي هذا. فقامت إليه الجارية وقالت له: يا سيّدي، نحن في طيبة عيش، أيش جاب أحمد على قلبك؟ ولا زالت تترفّق به وتتلطّف إلى أن أخذت السيف منه وأسقته أقداحا مترعة، سكر ونام. فأصبح صاحب الخبر من السحر عند أحمد بن طولون وأخبره بذلك. وأمّا ما كان من التركيّ فإنه [لما] أصبح ركب الموكب على عادته، ودخل الخدمة. فلما رسم بالدستور للناس، قال أحمد لحاجبه: لا تخلّ فلان التركيّ يخرج، فإنّ لنا به شغل، فعوّقه الحاجب حتى خرج الناس، فاستدعى به أحمد، وقال: يا فلان. قال: لبّيك. قال: ألم يكن إقطاعك بالعراق كذا وكذا؟ وأعطيتك زائدا عنه؟ قال: نعم. قال: ألم تكن تقدمتك بالعراق كذا وكذا؟ قال: نعم. [قال] (¬4): وزدتك هنا كذا وكذا؟ ¬
[سنة 279 هـ]
قال: نعم. وجعل يعدّ صنائعه معه، وإحسانه إليه، وهو يعترف بها. فقال أحمد: فما الذي فعلته في ليلتك، وتقول: كيت وكيت. وأخبره بجميع ما جرى منه. وقال: لقد أحسنت إلينا جاريتك إذ ردعتك عنّا. فسكت التركيّ زمانا مطرقا، ورفع رأسه إلى السماء، وقال: يا ربّ قد ملّكته البلاد والعباد، وحكّمته في رقابنا، فما كانت هذه الكليمة الصغيرة حتى قلتها له؟ فلما علم أحمد منه سلامة الباطن قال: من تظنّ أنه أعلمني بذلك؟ قال: الله تعالى. لأنّ ما عندي أحد إلاّ جويرية صغيرة ولا يخرج (¬1) ويدخل بيتي غيري، وبابي مغلوق (¬2)، والمفتاح في صولقي، فمن أعلمك غيره؟ فلما علم أحمد من التركيّ سلامة الصدر قال: ألم تعلم أنّ (¬3) نحن الملوك يطلعنا الله تعالى على سراير ما في القلوب وضماير ما في النفوس، ويظهر لنا ذلك إذا ضمر (¬4) لنا أحدا (¬5) أمرا في أسارير وجهه، وفلتات لسانه، وما خفي علينا يطلعنا الله عليه، ولكن ما نؤاخذك. فقال التركيّ: أنا تائب. فخلع عليه أحمد وأحسن إليه، وصفح عنه، وأعطاه حليّا وجوهرا وقماشا فاخرا، وقال: هذا لجاريتك فقد ردّت غيبتنا. ثم انصرف (¬6). [سنة 279 هـ]. [وفاة المعتمد] وفي رجب سنة تسع وسبعين ومايتين توفّي المعتمد (¬7) إلى رحمة الله، وبويع المعتضد يوم وفاته. ¬
[سنة 289 هـ]
[سنة 289 هـ]. [وفاة المعتضد] وتوفّي المعتضد (¬1) في ربيع الآخر سنة تسع (¬2) وثمانين ومايتين. وبويع المكتفي بالله في التاريخ. [العودة إلى ملوك مصر] ثم رجعنا إلى ملوك مصر. [سنة 282 هـ]. [خمارويه] ثم ملكها بعد أحمد ابن (¬3) طولون بعد وفاته، ولده أبو الجيش خمارويه (¬4) في أول سنة سبعين (¬5) ومايتين، وقتلوه (¬6) عبيده (¬7). [سنة 283 هـ]. [جيش بن خمارويه] ثم ولي جيش بن خمارويه (¬8) وقتلوه (¬9) جنده أيضا في سنة ثلاث وثمانين ومايتين (¬10). [سنة 292 هـ]. [أبو موسى هارون] ثم ولّي أبو موسى هارون (¬11)، وقتله عمّاه في سنة اثنين (¬12) وتسعين ومايتين، وهو ابن خمارويه (¬13) أخو جيش (¬14). ¬
[سنة 292 هـ]
في آخر سنة ثلاث وثمانين ومايتين. [سنة 292 هـ]. [شيبان بن أحمد] ثم ولي شيبان بن أحمد بن طولون، ويكنّى أبو المقانب، في سنة اثنين (¬1) وتسعين ومايتين مدّة اثنا (¬2) عشر يوما واعزل (¬3). [محمد بن سليمان] ثم ولّي محمد بن سليمان الواثق في آخر سنة اثنين (¬4) وتسعين ومايتين (¬5). [سنة 295 هـ]. [عيسى النوشري] ثم ولّي عيسى النوشريّ في سنة خمس وتسعين (¬6) ومايتين. [وفاة المكتفي بالله] وفي ثالث عشر ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومايتين توفّي المكتفي بالله ببغداد (¬7). وبويع المقتدر. [سنة 297 هـ]. [أبو منصور تكين] ثم ولي مصر يوسف بن أبي منصور تكّين (¬8) في سنة سبع وتسعين ومايتين، وعزل (¬9). ¬
[ظهور المهدي برقادة]
[ظهور المهدي برقادة] وفيها ظهر المهديّ - واسمه أبو تميم بن محمد القائم - ودعي له برقّادة من أرض القيروان (¬1). [سنة 302 هـ]. ثم تمّ ظهوره في سجلماسة بالغرب، وبنى المهديّة في سنة اثنين (¬2) وثلاثماية. وملك المغرب، وأخرج الأغالبة (¬3) منها. وهو أبو الخلفاء الفاطميّين. [سنة 303 هـ]. [أبو الجيش] ثم ولّي أبو الجيش (¬4) في سنة ثلاث وثلاثماية. [سنة 307 هـ]. [أبو منصور تكين] ثم ولّي أبو منصور تكّين الخاصّة ثانيا سنة سبع وثلاثماية، وعزل (¬5). [سنة 309 هـ]. [هلال بن بدر] ثم ولّي هلال سنة تسع وثلاثماية (¬6). [إحراق الحلاّج] وفي ذي القعدة سنة تسع وثلاثماية أخذ حسين الحلاّج (¬7) وقطعت يداه ورجلاه، وحزّ رأسه، وأحرق (¬8). ¬
[سنة 311 هـ]
[سنة 311 هـ]. [أحمد بن كيغلغ] ثم ولّي مصر أحمد بن كيغلغ في سنة إحدى عشر (¬1) وثلاثماية (¬2). [تكين] ثم ولّي تكين ثالثا في أواسط (¬3) سنة إحدى عشر (¬4) وثلاثماية (¬5) [سنة 317 هـ]. [انتزاع القرمطيّ الحجر الأسود] وفي سنة سبع عشر (¬6) وثلاثماية بطل الحاجّ، وأخذ القرمطيّ (¬7) في يوم التّروية الحجر الأسود، وقتل الحجّاج ورمى بجثثهم (¬8) في زمزم، وأعرى الكعبة، وقلع بابها. وبقي الحجر الأسود عندهم اثنين (¬9) وعشرين سنة إلاّ شهرا، ثم ردّه على [يد محمد بن] (¬10) سنبر (¬11) في أيام المعتضد لخمس خلون من ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثماية. وكان الحاكم (¬12) قد بذل في ردّه، على ما ذكر، خمسين ألف دينار، فما فعلوا. وقالوا: أخذناه بأمر وما نردّه إلاّ بأمر (¬13). ¬
[سنة 321 هـ]
[سنة 321 هـ]. [ابن طغج الفرغاني] ثم ولّي مصر محمد بن طغج الفرغانيّ في سنة إحدى وعشرين وثلاثماية (¬1). [سنة 323 هـ]. [أحمد بن كيغلغ] ثم ولّي أحمد بن كيغلغ ثانيا في سنة إحدى (¬2) وعشرين وثلاثماية (¬3). [سنة 320 هـ]. [مقتل المقتدر بالله] وفي سابع وعشرين شوّال سنة عشرين وثلاثماية قتل المقتدر الخليفة ببغداد (¬4). [القاهر] وبويع القاهر محمد بن المعتضد، وخلع وسملت (¬5) عيناه بالعراق بعد ستة أشهر وثمانية أيام (¬6). [بيعة الراضي بالله] وبويع الراضي بالله بن المقتدر في التاريخ. ¬
[سنة 329 هـ]
[سنة 329 هـ]. وتوفّي (¬1) في سنة تسع وعشرين وثلاثماية (¬2). [سنة 333 هـ]. [المتّقي لله] وبويع في التاريخ المتّقي لله (¬3) إبراهيم، وخلع وسملت (¬4) عيناه في عاشر صفر (¬5) سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة. [سنة 334 هـ]. [المستكفي بالله] وبويع المستكفي (¬6) بالله أبو القاسم بالتاريخ. وخلع وسملت (¬7) عيناه في جمادى الآخر سنة أربع وثلاثين وثلاثماية (¬8). [المطيع لله] وبويع المطيع لله (¬9) في رجب (¬10) سنة أربع وثلاثين وثلاثماية، وخلع نفسه. ¬
[سنة 336 هـ]
[سنة 336 هـ]. [الطائع] وولّى ولده، وسمّاه الطائع في عاشر ذي القعدة سنة ثلاث وستين (¬1) وثلاثماية (¬2). ¬
[الدولة الإخشيدية]
[الدولة الإخشيدية] [سنة 335 هـ]. [الإخشيد] ثم ولّي مصر أبو القاسم [أنوجور بن] (¬1) الإخشيد في سنة خمس وثلاثين وثلاثماية (¬2). [سنة 339 هـ]. [عليّ الإخشيدي] ثم ولّي عليّ الإخشيدي سنة تسع وثلاثين وثلاثماية (¬3). [سنة 357 هـ]. [كافور الإخشيدي] ثم ولّي كافور الإخشيديّ سنة خمس (¬4) وخمسين وثلاثماية (¬5). ¬
[الدولة الفاطمية]
[الدولة الفاطمية] [سنة 358 هـ]. [جوهر المعزّي] ثم ولّي جوهر المعزّي في العشر الأول من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثماية، وبنا (¬1) جوهر القصر، وخطّ المعزّية القاهرة في سنة تسع وخمسين وثلاثماية، وبنا (¬2) جامع الأزهر، وتكمّلت عمارته في سنة ستين وثلاثماية. وانقطعت الخطبة بمصر للعبّاسيّين من حينئذ، واستمرّت للفاطميّين بمصر وأعمالها، خاصّة، بالتاريخ. [سنة 362 هـ]. [دخول المعزّ القاهرة] ودخل أبو تميم قصره بالمعزّية القاهرة في يوم الثلاثاء سابع (¬3) رمضان المعظّم سنة اثنين (¬4) وستين وثلاثماية (¬5). [مدّة الخلافة العباسية بمصر] تكون مدّة الخلافة للعبّاسيّين بمصر خاصّة من زمن السفّاح وإلى حين انقطاعها بمصر على هذا الحكم مايتي سنة وأحد (¬6) وثلاثين سنة ونصف سنة وستة أيام. ¬
[سنة 364 هـ]
[سنة 364 هـ]. [وفاة المطيع] وفي سنة أربع وستين وثلاثماية، في المحرّم منها، توفّي المطيع (¬1)، [سنة 381 هـ]. [خلع الطائع] وخلع ولده الطائع في سنة إحدى وثمانين وثلاثماية (¬2). وتوفّي في رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثماية (¬3). [سنة 381 هـ]. ودفن بالرّصافة. [بيعة المقتدر] وبويع أحمد [بن] (¬4) المقتدر ببغداد في ثالث وعشرين شهر رمضان سنة إحدى وثمانين وثلاثماية (¬5). [نكتة] تولّى المعزّ ديار مصر وله من العمر اثنان وعشرون (¬6) سنة (¬7). وكانت مدّة خلافته بالمغرب وديار مصر ثلاث (¬8) وعشرين سنة وخمسة أشهر وثلاث (¬9) وعشرين يوما (¬10). ¬
[سنة 365 هـ]
[سنة 365 هـ]. وتوفّي في يوم الجمعة ثالث ربيع الآخر (¬1) سنة خمس وستين وثلاثماية، ودفن بقرافة مصر (¬2). يكون جملة عمره خمس (¬3) وأربعين سنة وخمس (¬4) شهور وثلاث (¬5) وعشرين يوما. [خلافة العزيز] ثم ولّي مصر العزيز ولده يوم وفاة أبيه المعزّ في ثالث ربيع الآخر (¬6) سنة خمس وستين وثلاثماية، وهو أبو المنصور. ولد بالمهدّية في ثالث عشرين المحرّم سنة اثنين (¬7) وأربعين وثلاثماية (¬8). ولّي وله من العمر ثلاث وعشرون سنة وثلاث (¬9) شهور وستّ (¬10) وعشرون يوما. وتوفّي في ثامن ليلة خلت من رمضان (¬11) سنة ستّ وثمانين وثلاثمائة، بحمّام بلبيس، وله من العمر أربع وأربعين (¬12) سنة وثمان (¬13) شهور، وخمسة أيام (¬14). ¬
[سنة 375 هـ]
ومدّة خلافته أحد (¬1) وعشرون سنة، وخمس (¬2) شهور، وخمس وعشرين (¬3) يوما (¬4). [سنة 375 هـ]. [الحاكم بأمر الله] ثم ولي ولده الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور. ولد بالقاهرة لثلاث وعشرين ليلة خلت من ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلاثماية (¬5). ولي وله عشرة (¬6) سنين وستّة شهور وستّة أيام (¬7). وكانت ولايته ليلة وفاة أبيه. [سنة 393 هـ]. وفي أيامه بني الجامع الحاكم (¬8) بالقاهرة المعزّية في رجب سنة ثلاث وتسعين وثلاثماية. [سنة 411 هـ]. وفارق قصره وغاب في سلخ شوّال (¬9) سنة إحدى عشر (¬10) وأربع ماية. تكون مدّة خلافته ثمان وعشرين سنة وشهرا واحدا (¬11) ويومان (¬12). ¬
[الظاهر لإعزاز دين الله]
يكون عمره إلى أن غاب ستة (¬1) وثلاثين سنة وستة أشهر وعشرون (¬2) يوما (¬3). ولم يعد. [الظاهر لإعزاز دين الله] ثم ولي ولده الظاهر لإعزاز (¬4) دين الله أبو الحسن عليّ في التاريخ الذي طالت فيه غيبته. ولد بالقاهرة لعشر خلون من رمضان سنة خمس وتسعين وثلاثماية (¬5). ولي وله من العمر ستة عشر (¬6) سنة، وعشرون يوما (¬7). [سنة 427 هـ]. وتوفّي في نصف شعبان سنة سبع وعشرين وأربع ماية، بالدّكة من المقسم (¬8). [سنة 422 هـ]. [المقتدر بالله] وتوفّي أحمد القادر (¬9)، أبو العباس لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجّة سنة اثنين (¬10) وعشرين وأربع ماية، وله ستّ وثمانون سنة (¬11). وكانت خلافته أحد (¬12) وثلاثين سنة، وثلاث (¬13) شهور، ويوم واحد (¬14)، ¬
[القائم بأمر الله]
[القائم بأمر الله] وبويع القائم يوم وفاة المقتدر أبيه ببغداد (¬1). [المستنصر بالله] ثم ولي مصر المستنصر بالله أبو تميم معدّ ولد الظاهر لإعزاز (¬2) دين الله يوم وفاة والده، وله من العمر سبع سنين (¬3). وكان مولده بالقاهرة سنة عشرين وأربع ماية. [سنة 487 هـ]. وتوفّي ليلة الغدير (¬4) سنة سبع وثمانين وأربع ماية (¬5). تكون مدّة خلافته ستين سنة وأشهر (¬6). [سنة 422 هـ]. وفي سنة ثمانين وأربع ماية أمر بتجديد صور (¬7) القاهرة المعزّية. [سنة 422 هـ]. [القائم بن المقتدر] وفي شهر ذي الحجّة سنة اثنين (¬8) وعشرين وأربع ماية بويع القائم ولد القادر (¬9) من الخلفاء العبّاسيّين ببغداد. [سنة 467 هـ]. [المستعلي بالله] وولي مصر المستعلي بالله أبو القاسم أحمد يوم وفاة أبيه المستنصر. ولد بالقاهرة لعشرين ليلة خلت من المحرّم سنة سبع وستين وأربع ماية. ¬
[سنة 487 هـ]
[سنة 487 هـ]. وولي في ذي الحجّة سنة سبع وثمانين وأربع ماية. [سنة 495 هـ]. وتوفّي لسبع عشر (¬1) ليلة خلت من صفر سنة خمس وتسعين وأربع ماية. يكون مدّة خلافته سبع سنين وشهران (¬2). [سنة 487 هـ]. [وفاة القائم بأمر الله] وفي ذي القعدة سنة سبع وستين (¬3) وأربع ماية توفّي القائم بأمر الله (¬4). [المقتدي بالله] وبويع المقتدي بالله، بالذخيرة ببغداد. وتوفّا (¬5) سنة سبع وثمانين وأربع ماية. [المستظهر بالله] وبويع المستظهر بالله ولده في التاريخ. [سنة 495 هـ]. [الآمر بأحكام الله] ثم ولي مصر الآمر بأحكام الله أبو علي المنصور في سابع عشر صفر سنة خمس وتسعين وأربع ماية. ولي وله من العمر خمس سنين، وشهر، وخسمة أيام (¬6). ولد بالقاهرة لاثني (¬7) عشر (¬8) ليلة خلت من المحرّم سنة تسعين وأربع ماية، ¬
[سنة 524 هـ]
[سنة 524 هـ]. وقتل بجزيرة مصر في الثالث (¬1) من ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمس ماية (¬2) فكانت خلافته بمصر ثلاثين سنة، وثمانية أشهر، وعشرين يوما (¬3). [سنة 522 هـ]. [وفاة المستظهر] وفي سنة اثنين (¬4) وعشرين (¬5) وخمس ماية توفّي المستظهر ببغداد (¬6)، [المسترشد] وبويع ولده المسترشد بالله بالعراق (¬7). [سنة 530 هـ]. [المقتفي بالله] ثم بويع عمّه المقتفي بالله سنة ثلاثين وخمس ماية (¬8). [سنة 555 هـ]. [المستنجد بالله] ثم بويع المستنجد بالله المظفّر يوسف، ولده، سنة خمس وخمسين وخمس ماية، يوم وفاة أبيه المقتفي (¬9). [سنة 524 هـ]. [الحافظ لدين الله] ثم ولي مصر الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم ¬
[سنة 544 هـ]
محمد، أخو المستعلي لأبيه المستنصر، في رابع ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمس ماية (¬1). ولي وله من العمر ثمان وخمسين (¬2) سنة، وشهر واحد، وتسع (¬3) عشر يوما. [سنة 544 هـ]. وتوفّي يوم السبت لأربع خلون من جمادى الآخرى سنة أربع وأربعين وخمس ماية (¬4). وكان مولده بعسقلان، في نصف رمضان سنة ستّ وستين وأربع ماية. فكانت خلافته تسع عشر (¬5) سنة، وسبع (¬6) شهور (¬7). [الظافر بأمر الله] ثم ولي الظافر بأمر الله إسماعيل يوم السبت رابع جمادى الآخر سنة أربع وأربعين وخمس ماية. [سنة 549 هـ]. وقتل في سلخ المحرّم سنة تسع وأربعين وخمس ماية (¬8). تكون خلافته أربع سنين، وثمان (¬9) شهور (¬10). [الفائز بنصر الله] ثم ولي الفائز بنصر الله ولده أبو القاسم عيسى، صبيحة وفاة أبيه، في مستهلّ صفر سنة تسع وأربعين وخمس ماية. ¬
[وزارة ابن رزيك]
وعمره خمس سنين ونصف (¬1). [وزارة ابن رزّيك] ولما كان في يوم الإثنين تاسع عشر ربيع الآخرة سنة تسع وأربعين وخمس ماية وزر له طلائع بن رزّيك، ولقّب بالملك، وكان نائبا بمنية بني خصيب (¬2) والصعيد بكماله، وينسب إلى بني غسّان، وله قصّة مشهورة. وكان رجلا، بليغا، فصيحا، شاعرا، ذا سطوة وشجاعة. [سنة 553 هـ]. وهو الذي بنا (¬3) جامع بني زويلة المعروف بجامع الصالح، ومشهد الحسين عليه السلام في سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة. [سنة 555 هـ]. [وفاة الفائز] وتوفّي الفائز في يوم الجمعة سابع عشر رجب (¬4) سنة خمس وخمسين وخمس مائة. تكون مدّة خلافته ستّ سنين ونصف (¬5)، وسبع (¬6) عشر يوما (¬7). [العاضد لدين الله] ثم ولي العاضد لدين الله الأمير [أبو] (¬8) محمد عبد الله بن يوسف في ثامن عشر رجب سنة خمس وخمسين وخمس ماية. ¬
[سنة 556 هـ]
[سنة 556 هـ]. [مقتل ابن رزّيك] وقتل الصالح بن رزّيك في سنة ستّ وخمسين (¬1) وخمس ماية. [سنة 567 هـ]. [وفاة العاضد] وتوفّي العاضد في يوم عاشورا سنة سبع (¬2) وستين وخمس ماية. وكانت خلافته اثنين (¬3) وعشرين سنة (¬4). وهو آخر الخلفاء الفاطميّين (¬5). فكانت عدّتهم بمصر خاصّة، من المعزّ إلى العاضد أحد عشر خليفة، ومدّتهم مايتين (¬6) وسبع سنين. [سنة 566 هـ]. [وفاة المستنجد بالله] وفي سنة ستّ (¬7) وستّين وخمس ماية توفّي الإمام المستنجد بالله يوسف (¬8). [المستضيء بالله] وبويع المستضيء بالله ببغداد. [سنة 558 هـ]. [ولاية العادل بن طلائع] وفي زمان العاضد بعد وفاة الصالح بن رزّيك تولّى ولده العادل، وعزل نفسه، وتوجّه إلى بغداد (¬9). ¬
[سنة 559 هـ]
[سنة 559 هـ]. [ولاية شاور] ثم تولّى مصر شاور السّعديّ، وأصله من بني سعد من إثميدة (¬1) بالأعمال الشرقية، وكان غلاما للصالح بن رزّيك ونائبا له بمنية بني خصيب. فلما سمع بموت الصالح ركب على طريق العبد، وما زال إلى تروجة (¬2)، ثم شرّق إلى الشام، فوصل إلى دمشق، ودخل على نور الدين محمود بن زنكي، وعرّفه بقتلة الصالح، وطلب منه جيشا ليملك به مصر، فجهّز معه عشرة آلاف فارس، وجعل مقدّمهم أسد الدين شركوه، ويوسف (¬3)، وأبو (¬4) بكر، أولاد أيوب (¬5). فلما وصلوا إلى مصر ترك العادل بن الصالح الملك ولم يضرب في وجوه المسلمين بسيف، وراح إلى العراق (¬6). [سنة 562 هـ]. [شاور بمصر] فتملّك مصر شاور السعديّ في آخر سنة اثنين (¬7) وستين وخمس ماية، وأعطا (¬8) عسكر نور الدين الشهيد دستورا، وتوجّهوا إلى الشام. فلما وصلوا إلى الجسورة بظاهر دمشق التقاهم نور الدين بن زنكي وسألهم عمّا فعلوه، فقالوا له: أخذنا مصر ¬
[سنة 604 هـ]
وسلّمناها إلى شاور، فزمجر عليهم وقال: ارجعوا، فمن دخل منكم دمشق قتلته، وخذوا مصر من شاور، سيّروا عرّفوني، وليقعد مكانه أسد الدين (¬1). [سنة 604 هـ]. [ولاية أسد الدين] فرجعوا إلى مصر، وقتلوا شاور (¬2)، وجلس أسد الدين فيها في سنة أربع (¬3) وستين وخمس ماية. وتوفّي العاضد كما ذكرنا في المحرّم سنة أربع وستين وخمس ماية. فجلس أسد الدين ستّ (¬4) شهور، وكسر (¬5)، وقتل أسد الدين شركوه (¬6). ¬
[الدولة الأيوبية]
[الدولة الأيّوبية] وتملّك الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب مصر في ربيع الآخر سنة أربع وستين وخمس ماية (¬1)، واستمرّ الحال. [سنة 569 هـ]. [وفاة نور الدين محمود] وتوفي نور الدين الشهيد محمود بن زنكي (¬2) بدمشق في سنة تسع وستين وخمس ماية. [سنة 570 هـ]. ذكر فتوحات صلاح الدين يوسف ملك الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب دمشق بعد وفاة الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي سنة سبعين وخمس ماية (¬3). وكان قد ملكها نور الدين محمود المذكور في سنة تسع وأربعين وخمس ماية (¬4). ¬
[سنة 589 هـ]
ثم ملكها ولده الملك الصالح في سنة تسع وستين وخمس ماية (¬1). ثم ملكها الملك الناصر يوسف في سنة سبعين وخمس ماية، كما ذكرنا. [سنة 589 هـ]. ثم الملك الأفضل في سنة تسع وثمانين وخمس ماية (¬2)، [سنة 592 هـ]. ثم العادل أبو بكر بن أيوب في سنة اثنين (¬3) وتسعين وخمس ماية (¬4). [سنة 576 هـ]. ثم ملك (الملك) (¬5) الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب حمص في سنة سبعين (¬6) وخمس ماية (¬7). [سنة 578 هـ]. وملك الرّها، وسنجار في سنة ثمان (¬8) وسبعين وخمس ماية (¬9). ¬
[سنة 579 هـ]
[سنة 579 هـ]. وملك حلب، وآمد، وبنى قلعة الجبل بمصر في سنة تسع وسبعين وخمس ماية (¬1). [سنة 583 هـ]. وكسر الفرنج على تلّ حطّين، وأسر ملوكهم، وفتح طبريّة، والقدس، وصيدا، وعكا، وصور (¬2)، وصفد، والقلاع الفرنجية، والساحل جميعه، في سنة ثلاث وثمانين وخمس ماية (¬3). [سنة 584 هـ]. ثم فتح جبلة (¬4)، واللاذقيّة (¬5)، وصهيون (¬6)، والكرك (¬7) في سنة أربع وثمانين وخمس ماية. ¬
[سنة 585 هـ]
[سنة 585 هـ]. وفتح ال [شقيف] (¬1) في سنة خمس وثمانين وخمس ماية. [سنة 589 هـ]. [وفاة صلاح الدين] ثم توفّي صلاح الدين (¬2) إلى رحمة الله تعالى بدمشق، ودفن في تربة بجوار الجامع في سنة تسع وثمانين وخمس ماية. [سنة 592 هـ]. [الملك العزيز] ثم ملك مصر ولده الملك العزيز بعد وفاة أبيه، وملك دمشق (¬3)، وسلّمها إلى عمّه الملك العادل أبي بكر في سنة اثنين (¬4) وتسعين وخمس ماية (¬5). [سنة 595 هـ]. [وفاة الملك العزيز] وتوفّي الملك العزيز (¬6) في سنة خمس وتسعين وخمس ماية. ¬
[الملك الأفضل]
[الملك الأفضل] ثم تملّك مصر الملك الأفضل في التاريخ (¬1). [سنة 596 هـ]. وتوفّي في سنة ستّ وتسعين وخمس ماية (¬2). [الملك العادل] ثم ملك مصر، ودمشق، والفتوحات، والشام جميعه، الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب أخو الملك الناصر صلاح الدين في ربيع الأول سنة ستّ وتسعين وخمس ماية (¬3). [سنة 615 هـ]. [وفاة العادل] وتوفّي بدمشق في سنة خمس عشرة وستماية (¬4). واستمرّ في ملكه عشرين سنة. [الملك المعظّم بدمشق] وفي سنة خمس عشر (¬5) وستماية ملك الملك المعظّم دمشق ابن الملك العادل (¬6). ¬
[سنة 622 هـ]
[سنة 622 هـ]. [وفاة الناصر لدين الله] ثم توفّي الإمام الناصر لدين الله (¬1) الخليفة في سنة اثنين (¬2) وعشرين وستماية. [سنة 623 هـ]. [الإمام الظاهر] وبويع الإمام الظاهر في التاريخ (¬3)، [و] توفّي [في سنة ثلاث وعشرين وستماية] (¬4). [المستنصر بالله] وبويع الإمام المستنصر بالله في رجب سنة ثلاث وعشرين وستماية (¬5). [سنة 630 هـ]. [فتوحات الملك الكامل] ثم فتح الملك الكامل محمد: آمد (¬6)، وحرّان (¬7)، وبلاد الشرق، ¬
[مقتل ملك خوارزم]
وسلّم حرّان، والرّها إلى الطواشي صواب (¬1)، وسلّم إليه ديار بكر (¬2). وكسر الملك الكامل الخوارزميّة (¬3). [مقتل ملك خوارزم] وقتل هناك السلطان جلال الدين ملك خوارزم شاه (¬4). وكانت أخته مزوّجة بالسلطان علاء الدين ملك الروم. وكانت أيامه أسعد الأيام وأكثرها أمنا ورخاء ممّن تقدّمه (¬5). [كتاب الهدنة بين الملك الصالح والفرنج] ثم إنه كتب الهدنة بينه وبين الفرنج على ما بأيديهم من القلاع التي استملكها بعد فتح صلاح الدين (¬6). وتاريخ الهدنة إلى أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب. وهادنهم الملك الصالح على ذلك (¬7). ¬
والبلاد التي وقعت عليها الهدنة التي بيد الفرنج، وهي بين القومص (¬1) زنجرت بن الملك النكلتر (¬2)، وبين الدوك (¬3) ديركون (¬4) أوك، والمرشال (¬5) الأنبكور (¬6) زنجرت فليخر (¬7) كفيل المملكة القدسية، وممّن هو لائذ بهم وتحت طاعتهم في البرّ والبحر، في أن يكون للفرنج: جبل بيروت، وصيدا، وأعمالها وأراضيهما وحدودهما، وقلعة الشقيف وأعمالها، وقلعة تبنين وأعمالها، وقلعة هونين وأعمالها، والحيط (¬8) وبلاده، وإسكندرونة (¬9) وإقليمها، والبطيحة وأعمالها، وطبرية وأعمالها شرقيّ النهر وغربيّه، بجميع حدوده، وقلعة صفد وأعمالها، وقلعة الطّور وأعمالها، واللّجّون وأعماله، وقلعة كوكب وأعمالها، ومجدل يابا وأعمالها، ولدّ وأعمالها، والرملة وأعمالها، سهلها وجبلها، ومدينة الأطرون (¬10) خاصّة، وأرضها المعروفة بها، بحدودها، وعمواس (¬11)، ويالو، وقلعة يبنا (¬12) وأعمالها، وعسقلان وأعمالها، وبيت جبريل وأعمالها (¬13)، وجميع الضياع التي تختص ببيت ¬
الاسبتار (¬1) صير (¬2) جوان، ويعرف به في أعمال القدس الشريف، وبيت لحم، والطريق من بيت لحم إلى القدس، ومن القدس إلى لدّ. يكون بيد الفرنج أيضا أراضي مدينة [القدس] (¬3) الشريف المحيطة بها، الفاصلة بينها وبين حدود أراضي الضياع التي يأتي ذكرها، المجاورة للقدس الشريف، وهي: المعادرية بدمع الصسال (¬4) والمعيناويات، ودير صاباط، وبيت حنينا، وبيت فيقا، ولفيا، وطلما، وعين حاووت، وبيت لهيا، وبيت صفافا، وطبليّة، وصوريّا. وعلى أن يكون للفرنج أيضا من النواحي التي يأتي ذكرها من أعمال القدس الشريف المجاورة الطريق، بأراضيها وحدودها، وهي ركوبس، وبيت لقيا، وبيت عنان، وبيت سقايا، ودير صمويل، وبيت حنينا، وبين قيطا، وبيت كيسا، وبيت صوريك، وقطنا، وعدّة هؤلاء عشرة (¬5) ضياع. وعلى أن يكون الحرم الشريف، والصخرة المباركة، والأقصى بيد المسلمين ومفاتحها (¬6) معهم، بحيث يمكّنون النصارى من الدخول من أبواب الحرم، والزيارة على حكم اختيارهم، بشرط تعظيم المكان وتفخيمه. ويكون للفرنج بها قسّان، فإذا حضر الحجّاج والزّوّار يقبلون صدقاتهم ويعرّفونهم طريق الزيارة وشرف المكان، ويطلق للنصارى الحجّ إلى نهر الأردنّ والخليل عليه السلام، وجميع المزارات بلا درهم ولا دينار. وعلى أن يكون الشرط إذا حضر المسلمون لزيارة القدس الشريف لا يدخلون من باب المدينة إلاّ ماية نفر بعد ماية، بلا سلاح. وكان الحال على ذلك إلى الأيام الصالحية، حتّى استقلعها منهم الملك المعظّم (¬7)، رحمه الله تعالى، المعروف بالكريديّ (¬8). ¬
[العودة إلى ملوك مصر]
[العودة إلى ملوك مصر] [الغلاء زمن الكامل] ثم رجعنا إلى ملوك مصر. وفي زمن الكامل بلغ سعر الغلّة بديار مصر جميعها القمح الزريع كلّ إردب بخمسة دراهم ورق، والذي دونه بأربعة دراهم، والفول والشعير كلّ إردبّ بدرهمين ورق، وانتها (¬1) الغلاء في زمانه إلى ثلاثين درهما ورقا الإردبّ. [سنة 635 هـ]. [وفاة الكامل] ثم توفّي الملك الكامل (¬2) إلى رحمة الله تعالى في سنة خمس وثلاثين وستماية، ودفن بدمشق في تربته بجوار الحائط الشماليّ من جامع بني أميّة. [الملك العادل] ثم ملك بعده مصر ولده الملك العادل في سنة خمس وثلاثين وستماية، [سنة 637 هـ]. وقبض عليه بظاهر بلبيس في العشر الأوسط من شهر ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستماية (¬3). ¬
[سنة 638 هـ]
[سنة 638 هـ]. [الملك الصالح] وملك الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل مصرفي أوائل سنة ثمان وثلاثين وستماية (¬1). [سنة 640 هـ]. [وفاة المستنصر بالله] وفي سنة أربعين وستماية توفّي الإمام المستنصر بالله (¬2). [المستعصم بالله] وبويع المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله ببغداد (¬3). [دعوة الصالح لدخول مصر] وأمّا الملك الصالح نجم الدين أيوب فإنّه كان مالك (¬4) دمشق مقيما بها، وكان له أيضا حصن كيفا وآمد. فلما قبض أخوه بظاهر بلبيس كما تقدّم ذكره أرسلوا المصريّين (¬5) إلى أخيه الملك الصالح ليحضر إليهم ويتولّى ملك مصر عوض أخيه، فركب من دمشق ومعه عسكره، وترك ولده الملك المغيث مقيما بقلعة دمشق (¬6). [دخول الصالح إسماعيل دمشق] وكان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل أخو الكامل ببعلبكّ مالكها، فلما تحقّق ما جرى، وتوجّه نجم الدين أيّوب بالعساكر إلى مصر، واقعه الطمع في أخذ دمشق، فأرسل إليها من جبليّة بعلبكّ مايتي نفر في زيّ تجار أصناف بعلبكّ، وواعدهم على أن يلاقوه يوم الجمعة وقت الصلاة عند باب قلعة دمشق. ¬
[حبس الملك الصالح بالكرك]
وسرا (¬1) الملك الصالح إسماعيل من بعلبكّ أصبح يوم الجمعة بالقرب من دمشق في وادي بردا (¬2) كمن إلى أن قربت الصلاة، وهجم على قلعة دمشق وهم في الصلاة. وكانت أبواب القلاع والمدائن لا تغلق وقت صلاة الجمعة، والتفّ إليه الجبليّة الذين أرسلهم وواعدهم، فدخل قلعة دمشق، ومسك الملك المغيث، وقتل والي القلعة (¬3). ومن حينئذ غلّقت أبواب القلاع والمدائن بسائر الشام وغيره. فوصل الخبر إلى عسكر دمشق وقد وصلوا قصير معين الدين بالغور (¬4)، فركبوا جميعهم، وتركوا الملك الصالح نجم الدين أيوب، ورجعوا إلى دمشق، وحلفوا لإسماعيل. [حبس الملك الصالح بالكرك] وأمّا الملك الصالح فإنه رحل هو ومماليكه البحرية، فنزل إليه داود صاحب الكرك وأخذه حبسه في الكرك (¬5). فلما بلغ المصريّين ذلك أرسلوا إلى الملك الناصر داود يستدعوه (¬6) إلى مصر ليملكها، فلما وصل إليه رسل المصريّين بادر ورسم بنزول بركه (¬7) وخزانته وسلاحه وبيوته وجنده، ولم يبق في الكرك غيره حتّى يصبح يركب ويتوجّه. [الإفراج عن الملك الصالح] وكان مولعا بالشراب، فاستدعى بآلة الشرب، واستعمل، فلما سكر قام وأخذ سيفه وتمشّى إلى السجن للأمر المقدّر، فأمر بفتح السجن، وطلب الملك الصالح أيوب، فلما مثل بين يديه، وهو موثق بالحديد قال له أيوب: أتعرفني؟ قال: نعم. ¬
[دخول الصالح وداود مصر]
قال: من أنا؟ قال: الملك الناصر داود. فقال له: بس رجلي، فباس رجله. فقال له: رح، قد ولّيتك مصر. فترك عنه الحديد، وألبسه ثياب الملك، وأمر بركوبه في تلك الساعة، فنزل من الكرك، وركب، ونادى الجاويش، والتفّت عليه مماليكه البحرية، وحرّكت الكوسات (¬1)، وركب، وسرا (¬2) من أول الليل، فما أصبح له الصباح إلاّ في أرض بعيدة (¬3). [دخول الصالح وداود مصر] وأمّا ما كان من الناصر داود فإنّه ما أفاق من سكره إلى وقت صلاة الظهر، فطلب الركوب مع المصريّين، فقيل له ما جرى منه، فندم، واستدعى بالهجن، وركب ولحق الملك الصالح بغزّة وقد اشتدّت شوكته وتمكّن. فقال الملك الصالح: داود ما جاء بك؟ قال: جئت أسلّم لك ملك مصر، لا يجري عليك ما جرى على أخيك. فرحل معه، فلما وصلوا إلى موضع فيه العسكر، خرج العسكر لملتقاه، وملك مصر، واستحضر أخاه الممسوك من الزّردخاناه إلى بين يديه بالدهليز، فقال له: من مسكك؟ فقال: مماليك أبي. فردّه إلى مكانه ورحل، طلع قلعة مصر، وكشف (¬4) الخزائن، فلم يجد بها درهما فردا ولا دينارا. فسأل عن ذلك، فقيل له: أخوك أنعم به على الأمراء. فقال: اعملوا لي ورقة بجملته ومصروفه، ولا تخلّوا شيء (¬5) منه. فعملوا له ذلك. ¬
[سنة 648 هـ]
فلما أصبح الموكب ودخلوا له للخدمة على العادة، والقضاة عنده، قال: يا أمراء لم مسكتم ابن أستاذكم؟ قالوا: يا خوند (¬1) كان سفيها. فقال للحكّام: السفيه يجوز تصرّفه في المال؟ قال الحكام: لا يجوز تصرّفه. فقال الملك الصالح: أقسم بالله، من أخذ منه مالا ولم يردّه اليوم إلى الخزانة قتلته. فخرجوا (¬2) الجميع وردّوا جميع ما أخذوه من الخزانة، فما فرغ النهار إلاّ والخزائن مملوءة كما كانت (¬3). [سنة 648 هـ]. [أعمال الملك الصالح] واستمرّ الملك الصالح على حاله في سنة ثمان وثلاثين وستماية، وأمّر مماليكه البحرية وغيرهم، وقويت شوكته، وغزا الفرنج على المنصورة وكسرهم، وأسر ملكهم فرنسيس (¬4)، [سنة 638 هـ]. وبنا (¬5) بين القصرين المدارس والتربة. وبنى قلعة الجزيرة بمصر، وبنى المناظر بالميادين، واللّوق، ومنظرة الطيور، ومنظرة السّدّ المشرفة على الخليج. وبنا (¬6) منظرة العلاقمة، وعمّر الصالحية، وبنا (¬7) منظرتها (¬8). ¬
[سنة 645 هـ]
[سنة 645 هـ]. ثم تسلّم طبريّة، وعسقلان على يد ابن (¬1) الشيخ (¬2) في سنة خمس وأربعين وستماية (¬3). [سنة 646 هـ]. ودخل دمشق في شعبان سنة ستّ وأربعين وستماية (¬4). [سنة 642 هـ]. [وقعة الجماميز] وكان في سنة اثنين (¬5) وأربعين وستماية قد وقعت وقعة الجماميز بغزّة (¬6). [كسرة الفرنج] وكان إسماعيل أبو الجيش أباع (¬7) القلاع للفرنج، مثل صفد وغيرها، ثم اتّفق مع الفرنج على أن ينجدوه على عسكر مصر، فاتفق اجتماع العسكر المصريّ بغزّة، والشاميّ مع الملك الصالح إسماعيل، وعسكر الفرنج تحشدته (¬8). فلما وقعت العين بالعين خامر الشاميّين (¬9) واتفقوا مع المصريّين، ولطموا الفرنج فقتلوهم عن آخرهم، ولم ينج منهم إلاّ القليل، وانهزم إسماعيل (¬10). ¬
[سنة 643 هـ]
[سنة 643 هـ]. [امتلاك الصالح دمشق] وملك الملك الصالح نجم الدين أيوب دمشق مرة أخرى على يد ابن الشيخ (¬1) في سنة ثلاث وأربعين وستماية (¬2). [سنة 647 هـ]. [وفاة الصالح أيوب] ثم توفّي الملك الصالح نجم الدين أيوب (¬3)، بعد أن قتل عمّه إسماعيل (¬4). وكانت وفاته بالمنصورة، وحمل إلى القاهرة، ودفن بتربته بين القصرين في شعبان (¬5) سنة سبع وأربعين وستميّة (¬6). [الملك المعظّم] وملك مصر بعده الملك المعظّم في شهور سنة سبع وأربعين وستماية (¬7). [سنة 648 هـ]. [كسرة الفرنج عند المنصورة] وكسر الملك المعظّم الفرنج على المنصورة بعد ما حصر في برج خشب، وأحرق البرج، ورمى روحه من البرج إلى البحر، فقتلوه بالنّشاب، وذلك في ثامن وعشرين المحرّم سنة ثمان وأربعين وستماية (¬8). ¬
[شجرة الدر]
[شجرة الدّرّ] ثم ملك مصر أمّ خليل شجرة (¬1) الدّرّ في صفر سنة ثمان وأربعين وستميّة، مدّة ثمان (¬2) شهور (¬3). [الملك الأشرف] ثم الملك الأشرف مظفّر الدين موسى بن (¬4) الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن (4) الملك المسعود بن (4) الملك الكامل (¬5)، في شوّال (¬6) سنة ثمان وأربعين وستميّة (¬7)، وانفصل لوقته. ¬
[دولة المماليك الترك]
[دولة المماليك التّرك] ثم الترك ودولتهم. ذكر دولة الترك وفتوحاتهم. المماليك الصالحية أوّلهم، تملّك الملك المعزّ أيبك التركماني ديار مصر في آخر شوال سنة ثمان وأربعين وستميّة (¬1). [الحرب بين صاحب دمشق والملك المعزّ] توجّه الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز محمد صاحب دمشق وحلب إلى ديار مصر وصحبته عساكره، فلما وصل إلى العبّاسة التقى مع عسكر مصر الملك المعزّ، فكسرهم الملك الناصر، وأشرف على أخذ ملك مصر، فخامر عليه المماليك من عسكره مع المعزّ، وحنّ الجنس إلى بعضه بعض (¬2) للأمر المقدّر بانتشاء (¬3) دولة الترك المماليك. والسبب في مخامرة العسكر من المماليك الناصرية أنه لما انكسروا المصريّين (¬4) صاح الجاويش: شاباش يا قيمريّة. فغار المماليك من ذلك وقالوا: نحن كسرنا العسكر، والسمعة للقيمريّة الأكراد. فقفز الجميع وجرى ما جرى. فرجع الملك الناصر إلى الشام فتح الصبيبة (¬5)، ودخل دمشق. ¬
[سنة 652 هـ]
وكان ملتقاه مع عسكر مصر في شهر ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وستميّة (¬1). [سنة 652 هـ]. [مقتل الفارس أقطاي] وقتل الفارس أقطاي (¬2). [خروج البحرية إلى دمشق] وخرجوا (¬3) البحريّة وأحرقوا باب المحروق (¬4)، وتوجّهوا [إلى] (¬5) دمشق في سنة اثنين (¬6) وخمسين وستميّة (¬7). ¬
[سنة 655 هـ]
[سنة 655 هـ]. [مقتل المعزّ] قتل الملك المعزّ بحمّام القلعة بمصر بعد زواجه بشجرة الدّر (¬1). [الملك المنصور عليّ] وملك ولده عليّ، ولقّب بالملك المنصور في سنة أربع وخمسين وستميّة (¬2). وهو ثاني ملوك الترك. [مقتل شجرة الدرّ] وقتلت شجرة الدرّ (¬3). رميت من صور (¬4) القلعة. ¬
[وفاة المنصور]
[وفاة المنصور] وعدم الملك المنصور عليّ. [سنة 657 هـ]. [المظفّر قطز] وملك قطز، وهو الثاني من ملوك الترك المماليك، والثالث من الملوك، ولقّب بالملك المظفّر في سنة سبع وخمسين وستميّة (¬1). [سنة 656 هـ]. [سقوط بغداد ومقتل المستعصم] فتح هلاون (¬2) ملك التتر بغداد، وقتل الخليفة المستعصم في سنة ستّ وخمسين وستميّة (¬3). [سنة 658 هـ]. [اجتياح هولاكو بلاد الشرق] وفتح بلاد الشرق، وأخرب حرّان، وفتح حلب في سنة سبع ¬
[سنة 658 هـ]
وخمسين وستميّة (¬1)، وملك دمشق بعد هروب الملك الناصر (محمد) (¬2) منها متوجّها إلى مصر (¬3). [سنة 658 هـ]. [موقعة عين جالوت] في أوائل المحرّم سنة ثمان وخمسين وستميّة خرج الملك المظفّر قطز وصحبته عساكر مصر، واجتمع معه عساكر الشام، والتقى جيوش التتار على عين جالوت (¬4). وكان مقدّمهم كتبغا. وكسرهم الملك المظفّر والجيوش الإسلامية في شهر رمضان سنة ثمان (وخمسين) (¬5) وستميّة، وفتح الشام جميعه واستقلعه من أيدي التتار (¬6). ¬
[مقتل قطز]
[مقتل قطز] ورجع طالبا ديار مصر وهو مؤيّدا منصورا (¬1)، فقتل وهو في الصيد بالقرب من قصير الصالحية (¬2). [الظاهر بيبرس] وملك بعده الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداريّ في شهر ذي القعدة (سنة) (¬3) ثمان وخمسين وستميّة ديار مصر والشام. وهو ثالث ملوك الترك من المماليك، ورابع الملوك (¬4). [سنة 659 هـ]. [مقتل المستنصر بالله] وفي سنة تسع وخمسين وستميّة بايع الملك الظاهر الخليفة الأسود، وهو المستنصر ¬
[سنة 660 هـ]
بالله أبو القاسم أحمد بن الإمام الظاهر (¬1)، وسيّره الملك الظاهر ركن الدين بيبرس إلى بغداد وصحبته جماعة من العساكر الإسلامية فقتلهم بأسرهم هلاون (¬2). [سنة 660 هـ]. [الخلافة العباسية بمصر] ثم أرسل الملك الظاهر إلى بغداد من أحضر له أبو (¬3) العباس أحمد الملقّب بالإمام الحاكم، وهو ابن خمس عشرة سنة إلى مصر، فالتقاه بدمشق وبايعه، وسيّره إلى مصر، وهو الإمام الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد [بن محمد] (¬4) بن الأمير الحسن بن الأمير أبي بكر بن الأمير أبي علي القبّي بن الحسن بن الراشد بن المسترشد بالله أمير المؤمنين. وكان (¬5) مبايعته في سنة ستين وستميّة (¬6). وملك البيرة (¬7) في الشهر المذكور. [سنة 661 هـ]. ذكر فتوحات الملك الظاهر رحمه الله تعالى أول خروج الملك الظاهر من مصر نزل على الطّور (¬8)، ومسك الملك المغيث صاحب الكرك (¬9)، ¬
[سنة 662 هـ]
وتملّك الكرك في سنة إحدى وستين وستميّة (¬1). [سنة 662 هـ]. وتوفّي الملك الأشرف صاحب حمص (¬2)، وملكها الملك الظاهر في آخر سنة اثنين (¬3) وستين وستميّة (¬4). [سنة 663 هـ]. [و] فتح الملك الظاهر قيساريّة، وأرسوف، وأسر أهلها في سنة ثلاث وستين وستميّة (¬5)، ¬
[سنة 664 هـ]
[سنة 664 هـ]. وفتح صفد وأباد أهلها في سنة أربع وستين وستميّة (¬1). [و] غارت عساكره على بلاد سيس، وأسر بن (¬2) صاحب سيس ومعه خلقا كثيرا (¬3) في السنة المذكورة (¬4). [سنة 666 هـ]. وفتح يافا (¬5)، والشقيف (¬6) وأسر أهلها، ¬
[سنة 667 هـ]
وفتح أنطاكية (¬1) في شهر شعبان سنة ستّ وستين وستميّة. [سنة 667 هـ]. [حجّ الملك الظاهر] حجّ الملك الظاهر إلى بيت الحرام، وكانت وقفة الجمعة في سنة ستّ وستين وستميّة (¬2). [إراقة الخمور] [و] رسم بإبطال الخمر والمسكرات، وأراق الخمور بديار مصر والشام في سنة سبع وستين وستميّة (¬3). [سنة 669 هـ]. [فتح عدّة حصون] وفتح حصن الأكراد (¬4)، ¬
[سنة 671 هـ]
وحصن عكار (¬1)، وصافيتا (¬2)، والقرين (¬3) في سنة تسع وستين وستمية. [سنة 671 هـ]. [كسرة التتار] [و] كسر التتار على البيرة (¬4) بعد ما غزا الفراة (¬5) خوضا بعساكره في سنة إحدى وسبعين وستميّة. [سنة 673 هـ]. [فتح بلاد سيس] وغارت عساكره مرة ثانية على سيس (¬6)، وفتح قلاعا وبلادا منها في سنة ثلاث وسبعين وستميّة. ¬
[سنة 675 هـ]
[سنة 675 هـ]. [مقتل مقدّم التتار] وكسر التتار على أبلستين (¬1)، وقتل مقدّمهم تداون وخلقا كثيرا، وأسر منهم جماعة (¬2)، وجلس على كرسيّ (ملك) (¬3) الروم بقيسارية (¬4). ¬
[سنة 675 هـ]
[سنة 675 هـ]. [وفاة الملك الظاهر] ورجع إلى دمشق في أواخر سنة خمس وسبعين وستمية، وتوفّي (إلى) (¬1) رحمة الله تعالى الملك الظاهر بدمشق، [سنة 676 هـ]. ودفن في تربته بدار العقيقي في المحرّم من شهور سنة ستّ وسبعين وستميّة (¬2). تكون مدّة ملكه سبع عشرة سنة وشهرين (¬3). [إبطال مظلمة] وفي أيّامه - رحمه الله تعالى - أبطل الأمدا (¬4) عن بساتين دمشق، وكانت مظلمة شنيعة. ¬
[الملك السعيد بركة]
[الملك السعيد بركة] ثم ملك مصر والشام ولده الملك السعيد ناصر الدين بركة في صفر سنة ستّ وسبعين وستميّة. وهو خامس ملوك الترك (¬1). [سنة 677 هـ]. ونزل إلى دمشق. ودخلت عساكره إلى سيس، غاروا (¬2) عليها وهو مقيم بدمشق، فخامر عليه كندك (¬3)، وطلّب طلبه (¬4) وطلع إلى سفح جبل الصالحية (¬5). [سنة 678 هـ]. [خلع السعيد بركة] فلما وصل العسكر من سيس راح إليهم، ونزلوا المرج ولم يدخلوا دمشق، واتفقوا (¬6) العساكر جميعهم وخامروا عليه، وتوجّهوا إلى مصر. وكان مقدّم الجيوش الأمير سيف الدين قلاون الألفي الصالحيّ، فخلعوا الملك السعيد من الملك بعد ما لحقهم، وطلع قلعة مصر، وحاصروه ونزلوا به، وسيّروه إلى الكرك وأخاه خضر معه (¬7). ¬
[العادل سلامش]
[العادل سلامش] وملّكوا أخاه سلامش. وهو سادس ملوك الترك. ولقّب بالملك العادل في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وستميّة (¬1). [سلطنة المنصور قلاوون] وقلع الملك العادل سلامش، وملك الملك المنصور سيف الدين قلاون الألفيّ ديار مصر والشام في رجب سنة ثمان وسبعين وستميّة (¬2). [تسلطن سنقر الأشقر بدمشق] وسيّر سنقر الأشقر إلى دمشق نائبا بها في السنة المذكورة، فخرج وسلطن نفسه بدمشق، ولقّب بالملك الكامل في ذي الحجّة سنة ثمان وسبعين وستميّة (¬3). ذكر فتوحات الملك المنصور رحمه الله تعالى [كسرة سنقر الأشقر] سيّر السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاون علم الدين سنجر الحلبي وصحبته ستة آلاف فارس من عسكر مصر، وضرب مصافّا مع سنقر الأشقر وعساكره الشاميّين، وكان عدّتهم أربع (¬4) عشر ألف فارس على الجسورة بظاهر ¬
[سنة 679 هـ]
دمشق، فانكسر سنقر الأشقر، وخامر أكثر العساكر عليه مع المصريّين. وانهزم الملك الأفضل أمير علي أخو صاحب حماه إلى حماه، وهرب سنقر الأشقر إلى صرخد، ثم إلى صهيون، أقام بها. [سنة 679 هـ]. ودخل الأمير علم الدين سنجر الحلبيّ إلى دمشق، ونودي فيها للملك المنصور رحمه الله تعالى في شهر صفر سنة تسع وسبعين (¬1) وستميّة (¬2). واستمرّ الملك بمصر والشام للملك المنصور. وهو سادس ملوك الترك، ورابع المماليك (¬3). [انتصار قلاون على التتار بظاهر حمص] وفي سنة تسع وسبعين وستميّة غارت عساكر التتار على حلب وأحرقوا جامعها، وأخربوا ما قدروا عليه ورجعوا (¬4). [سنة 680 هـ]. ثم حضر منكوتمر مقدّم جيوش التتار، وكان جمعا كثيرا لم يحضروا [بمثله] (¬5) إلى الشام، فخرج إليهم السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاون وصحبته عساكره المنصورة، المصريّين والشاميّين (¬6)، ووافاهم بظاهر حمص وضرب معهم مصافّا، فلم يكن بأسرع ما نصره الله عليهم، وانكسر منكوتمر وجرح، وولّوا (¬7) التتار منهزمين بقدرة الله تعالى (¬8). ¬
[إبطال زكاة الدولبة]
وذكر أنّ الذي جرحه (¬1) منكوتمر: أزدمر (¬2) أحد الأمراء الشاميّين، وقتل لوقته، رحمه الله تعالى، وذلك في يوم الخميس خامس عشر رجب سنة ثمانين (¬3) وستميّة. ورجع [السلطان] (¬4) إلى مصر مؤيّدا منصورا. [إبطال زكاة الدولبة] ورسم السلطان الملك المنصور رحمه الله تعالى بإبطال زكاة الدولبة (¬5) من الديار (المصرية) (¬6). وكان الناس منها في جهد وبلاء عظيم، وسطّر أجرها له، ووزرها على من أحدثها على الناس (¬7). ¬
[سنة 683 هـ]
[سنة 683 هـ]. [وفاة صاحب حماة] ثم في سنة ثلاث، وثمانين وستميّة توفّي صاحب حماة الملك المنصور محمد بن الملك المظفّر (محمود) (¬1) بن محمد بن عمر (¬2) بن شاهنشاه بن أيوب إلى رحمة الله تعالى (¬3). [تولية المظفّر حماة] وأنعم مولانا السلطان المنصور سيف الدين قلاون بحماه على الملك المظفّر تقيّ الدين محمود ولد المرحوم الملك المنصور محمد (¬4). [سنة 684 هـ]. [مولد محمد بن قلاون] ولد لمولانا السلطان الملك المنصور ولد مبارك وهو يحاصر قلعة المرقب في يوم السبت سادس عشر المحرّم سنة أربع وثمانين وستميّة، وسمّاه محمد (¬5) ولقّبه ناصر الدين، وكنّاه بالملك الناصر (¬6). ¬
[فتح حصن المرقب]
[فتح حصن المرقب] ثم بعد أيام قلائل فتح الله عليه بفتح حصن المرقب في ثامن عشر ربيع الأول سنة أربع وثمانين وستميّة (¬1). [سنة 686 هـ]. [تسلّم صهيون من سنقر] وتسلّم صهيون من سنقر الأشقر، ونزل تحت الطاعة في سنة ست وثمانين وستميّة (¬2). [سنة 685 هـ]. [تسلّم الكرك] وتسلّم مملوكه طرنطاي الكرك بعد موت الملك السعيد من أولاد الملك الظاهر، ونزلوا منها تحت الطاعة في سنة خمس وثمانين وستميّة (¬3). ¬
[سنة 687 هـ]
[سنة 687 هـ]. [وفاة الملك الصالح بن قلاون] توفّي ولده الملك الصالح (¬1) إلى رحمة الله تعالى علاء الدين عليّ في شعبان سنة سبع وثمانين وستميّة. [سلطنة الأشرف خليل] [و] سلطن ولده الملك الأشرف خليل، وعهد إليه، وركب وشقّ المدينة القاهرة، ولبس خلعة مولانا الخليفة الحاكم، وهي فرجيّة سوداء، ومقيار (¬2) أسود، وجبّة، وآلة الملك في المدرسة المنصورية، وطلع القلعة والأمراء في خدمته، وكان يوما مشهودا (¬3)، في شوال سنة سبع وثمانين وستميّة (¬4). [سنة 688 هـ]. [فتح طرابلس الشام] وفتح طرابلس في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وستميّة (¬5)، ¬
[سنة 689 هـ]
[سنة 689 هـ]. [وفاة المنصور قلاون] وتوفيّ الملك المنصور إلى رحمة الله تعالى في الدّهليز بظاهر القاهرة المحروسة، وهو عازم على الغزاة في سبيل الله تعالى في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستميّة، ودفن بتربته بين القصرين (¬1). ¬
[الملك الأشرف]
[الملك الأشرف] وملك ولده مصر والشام الملك الأشرف صبيحة وفاة أبيه رحمه الله (¬1). [مقتل طرنطاي] وقتل طرنطاي (¬2) في اليوم المذكور، والتاريخ المذكور. وهو سابع ملوك الترك (¬3). [سنة 690 هـ]. ذكر فتوحات الملك الأشرف رحمه الله تعالى فتح السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل، رحمه الله تعالى، عكّا (¬4)، ¬
وصيدا (¬1)، وبيروت (¬2)، وصور (¬3)، وعثليث (¬4)، والساحل جميعه، في شهر جمادى الأول سنة تسعين وستميّة. ¬
[سنة 691 هـ]
[سنة 691 هـ]. [فتح قلعة الروم وبهسنا] وفتح قلعة الروم (¬1)، وبهسنى (¬2)، وأسر كلّ من فيهما في سنة إحدى وتسعين وستميّة. [سنة 692 هـ]. [اعتقال مهنّا بن عيسى] [و] توجّه إلى الكرك وإلى دمشق، وراح إلى مهنّا بن عيسى بن مهنّا قبضه من سلمية (¬3) وجابه إلى مصر واعتقله في شهور سنة اثنين (¬4) وتسعين وستميّة (¬5). [طهور الناصر محمد] وفيها أعرض (¬6) الجيوش المصرية المنصورة ملبّسين بالعدد. وعمل طهور ¬
[سنة 693 هـ]
السلطان الملك الناصر، أسعده الله. وكان فرحا عظيما ويوما مشهودا (¬1). [سنة 693 هـ]. [اغتيال الملك الأشرف] خرج السلطان الملك الأشرف إلى الصيد بالبحيرة. فلما كان في تروجة وهو متصيّد هجم عليه بيدرا ولاجين، وقراسنقر، ومن معهم، فقتلوه في شهر المحرّم محرما في العشر الأوسط منه سنة ثلاث وتسعين وستميّة (¬2). [مقتل بيدرا] ثم في صبيحة ذلك النهار التقا (¬3) كتبغا والخاصكيّة (¬4) مع بيدرا على الطّرّانة (¬5)، فقتلوا بيدرا، وانهزم الباقون (¬6). ¬
[مقتل الشجاعي]
[مقتل الشجاعيّ] وطلع العسكر إلى مصر والشجاعيّ في القلعة، فحاصروا الشجاعيّ وقطعوا رأسه، ونزلوا به إلى كتبغا على رمح، وداروا به القاهرة ومصر (¬1). [تملّك الناصر محمد] وطلع كتبغا والخاصكيّة إلى القلعة وملّكوا السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاون بعد ما قتلوا الموصليّ آقش الحاجب، وبهادر رأس نوبة الجمداريّة (¬2) في سوق الخيل، وأحرقوهم بالمحاير (¬3). [الانتقام من الأمراء] ومسكوا الأمراء المخامرين على الملك الأشرف، قطّعوا أيديهم وعلّقوها في خلفهم، وأسمروهم (¬4) على الجمال، وداروا بهم القاهرة. وكان عدّتهم ثمان (¬5) نفر، وهم: ¬
[قتل ابن السلعوس]
طرنطاي الساقي، وألطنبغا الجمدار، ومحمد خواجا، وألناق المنصوريّ، وأروس، ونوغيه، وإيران (¬1)، وآق سنقر الحساميّ (¬2). [قتل ابن السلعوس] وقتلوا ابن السّلعوس الوزير بالمقارع إلى أن مات (¬3). [قتل الشجاعي] وبعد يومين قتل الشجاعيّ بالقلعة كما تقدّم ذكره. [نيابة كتبغا للناصر] وتملّك الملك الناصر، وقعد كتبغا نائبه، وذلك في شهر صفر سنة ثلاث وتسعين وستميّة (¬4). [الملك العادل كتبغا] ثم بعد مدّة تملّك كتبغا ولقّب بالملك العادل. وهو ثامن الملوك (¬5) وخامس الملوك من المماليك. ومسك البرجيّة، حبسهم بثغري دمياط والإسكندرية، وقتل جماعة من المماليك الخاصكيّة وغيرهم على باب القلعة، وشتّت المماليك السلطانية، وسيّرهم إلى الشام والولاة بديار مصر (¬6). ¬
[نيابة لاجين]
[نيابة لاجين] وقعد نائبه لاجين (¬1). [سنة 694 و 695 هـ]. [الغلاء العظيم بمصر] وكان في زمانه غلاء عظيم وفناء، وهلك خلق كثير، وأكلوا (¬2) الناس الميتة، والكلاب، والقطط، وخربت الحكورة بمصر والقاهرة، وبلغ سعر إردبّ القمح مايتي درهم. وهلك بديار مصر، والصعيد، والأرياف خلق كثير (¬3)، [مشاهدة المؤلّف] ومن جملة ما جرى أن رسّم ابن الخليلي الوزير (¬4) للفقير إلى الله الحسن ابن أبي محمد الصفدي جامع هذا التاريخ بالتّوجّه إلى فاقوس (¬5) وما معها لتخضير أراضي الخاصّ في تلك السنة. فخرجت من فاقوس وصحبتي قاضي الحكم، وناظر المعاملة، وزين الدين ابن العادلي، ونور الدين قرطيباي، ومجد الدين الطّوخي ¬
شاهدي الخاصّ، والعامل، وجماعة من المسلمين إلى ناحية طنيجير (¬1) الجارية في الخاصّ، فوجدت امرأة في قبّة لطيفة، وبين يديها دمس نار، وفي النار ساقي (¬2) رجل وهي تشويه وتأكل منه، فأخرجها الغلمان. وسألتها عن ذلك، فقالت: هذا زوجي، وكان لنا ولدين (¬3)، أجهدنا الجوع، فأكلنا الولدين، ثم أجهدنا الجوع، فطلب قتلي وأكلي، وكنت أقوى منه، فقويت عليه فقتلته وشويته، وأكلته، وهذا باقيه ورجلاه في النار. فكتبنا بذلك محاضرا (¬4)، وطالعنا بها، وبلّغناها بشيء من الزاد وتركناها وانصرفنا. فهذا من أغرب ما جرى عيانا، وذلك في سنة أربع وتسعين وستميّة، وبعض سنة خمس وتسعين وستميّة (¬5). ¬
[عزل كتبغا]
[عزل كتبغا] ثم توجّه كتبغا إلى الشام ودخل دمشق (¬1)، وانتهى إلى حمص في شهور سنة خمس وتسعين وستميّة (¬2)، ورجع طالب (¬3) الديار المصرية. فلما وصل إلى بدّ عرش خرج عليه لاجين، وخامر عليه العسكر، واتّفقوا مع لاجين، وركبوا وهجموا عليه، فانهزم كتبغا، وقتلوا مملوكاه (¬4): بتخاص، وبكتوت الأزرق (¬5). [سنة 696 هـ]. [سلطنة لاجين] وتسلطن لاجين، ولقّب بالملك المنصور، وذلك في خامس عشر صفر ¬
[إمساك قراسنقر الحاج بهادر]
(سنة) (¬1) ستّ وتسعين وستميّة، ونفق في العساكر، وتوجّه إلى مصر والجيوش صحبته، ودخل قلعة الجبل في ربيع الأول من السنة المذكورة. وهو سادس الملوك من المماليك، وتاسع (¬2) ملوك الترك (¬3). [إمساك قراسنقر الحاج بهادر] وقعد نائبه قراسنقر مدّة، ومسكه (¬4)، ومسك الحاج بهادر (¬5)، وأخرج البرجيّة من الحبوس. [نيابة منكوتمر] ورتّب مملوكه منكوتمر نائبا في سنة ستّ وتسعين وستميّة (¬6). [تجديد جامع ابن طولون] وفيها جدّد عمارة جامع [ابن] (¬7) طولون (¬8). ¬
[تسيير الناصر محمد إلى الكرك]
[تسيير الناصر محمد إلى الكرك] وسيّر لمولانا السلطان الملك الناصر إلى الكرك في شهر جمادى الأول سنة ستّ وتسعين وستميّة (¬1). [سنة 697 هـ]. [ناظر الجيوش بمصر] ومسك القاضي بهاء الدين ابن الحلّي ناظر الجيوش المنصورة، وأجلس عوضه القاضي عماد الدين ابن المنذر ناظر الجيش المنصور بالديار المصرية (¬2)، [الروك بمصر] [و] غيّر الإقطاعات بمصر خاصّة، وعمل الرّوك (¬3) المبارك في رجب سنة سبع وتسعين وستماية (¬4). [إبطال نصف السمسرة] وفيها أبطل نصف السمسرة التي أحدثها ناصر الدين الشيخي (¬5) على الصعاليك عند ما كان واليا بالقاهرة المحروسة. [إبطال المكوس بالقدس] وأبطل سائر المكوس بمدينة القدس الشريف. ¬
[هرب أمراء إلى ملك التتار]
[هرب أمراء إلى ملك التتار] وفيها هرب قبجق (¬1) من دمشق، وبكتمر السّلحدار، وعزّاز (¬2)، وألبكي نائب السلطنة بصفد، ومن معهم مقفّزين إلى غازان ملك التتار (¬3). [سنة 698 هـ]. [مقتل المنصور لاجين] وفي ليلة الجمعة حادي عشر شوّال (¬4) منها قتل الملك المنصور لاجين وهو قاعد يلعب بالشطرنج. [مقتل منكوتمر] وقتل نائبه منكوتمر (¬5) في تلك الليلة. [مقتل طغجي وكرجي] وأصبح قعد طغجي نائب السلطنة، وكرجي مقدّم المماليك مدّة ثلاثة أيام، وخرجوا (¬6) لملتقى الأمير سلاح (¬7) عند ما حضر من الشام، ¬
[سنة 698 هـ]
فقتل طغجي بالقرب من الركبة عند طرف المقابر. وهرب كرجي، فأدركوه عند بساتين الوزير وقتلوه (¬1). [سنة 698 هـ]. [عودة الملك الناصر إلى السلطنة] وطلعوا (¬2) الأمراء إلى القلعة، وبقي الأمر بينهم شورى مدّة يسيرة، وسيّروا خلف الملك الناصر يسألوه (¬3) الحضور إلى ملك مصر، فحضر، ووصل إلى مصر من الكرك، وتملّك مرّة ثانية، وحلفوا (¬4) له العساكر والعالم. وجلس على سرير ملكه في حادي عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وستّمية (¬5). ذكر غزواته وما جرى في زمانه وخصائص خصّ بها وظفره بأعدائه فمنها أنّه مؤيّد منصور من عند الله تعالى، ما أضمر له أحد سوءا (¬6) إلاّ ظفّره الله به، وسلّطه الله عليه. ومنها أنه خلقه الله ملكا في الأزل من يوم {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} (¬7). ثم إنه تنقّل من الأصلاب والقنوات إلى أن استقرّ في بطن أمّه. ¬
[سنة 699 هـ]
وأبوه ملك الإسلام، وولد وأبوه ملك، وفتح عليه بفتح حصن المرقب. ونشأ (¬1) وأبوه ملك، وأخوه ملك، وظهر بعدهما ملك. فهو - أدام الله أيّامه - ملك، ابن ملك، أخو ملك، أستاذ المماليك. مماليكه: كتبغا، ولاجين، وبيبرس (¬2) معلّم الطرفين. بدايته نهاية غيره، كما (قلت (¬3)): مليك بدايته نهاية غيره ... كالبدر أول ما يكون هلالا كمل الشجاعة والفصاحة والحجى ... فالله يكفيه الزمان كمالا ومنها أنه موفّق في سائر حركاته، سعيد في آرائه، سديد في مشورته، حازم في أموره، مقدام في مقاصده، شجاع في حروبه، يغضب غضب الولد، ويأخذ أخذ الأسد، لا تزعجه الأراجيف، ولا توهمه التّصانيف. ثابت الجأش، كثير المعرفة، صحيح العبارة، سالم الذهن، حسن التدبير، مليح الفكرة، قويّ العزم، شديد الحزم، محروس المقام، مؤيّد منصور، عدوّه مقهور. [سنة 699 هـ]. [وقعة تلّ العجول] ومنها أنّه خرج بعساكره المنصورة من الديار المصرية طالبا للغزاة في سبيل الله تعالى، فلما نزل على تلّ العجول هجم الأويراتيّة (¬4) على سلاّر، وبيبرس (¬5) الجاشنكير. وقصد برلطاي (¬6) إقامة الفتنة، فركب السلطان ووقف بباب الدهليز، وركبت العساكر، وركب سلاّر، وبيبرس (¬7)، ووقفوا حزبين، فأخمد الله الفتنة (¬8). ¬
[قتل برلطاي]
[قتل برلطاي] وأمضى حكمه في برلطاي، ووسّط بين الصّفّين، وقتل، وأحضروه على جمل (¬1). وكان برلطاي قد قتل كندغدي النقيب (¬2) في باب الإصطبل من الدهليز. [تآمر الأويراتيّة] وكانوا (¬3) الأويراتيّة مخامرين مع برلطاي، وقطلوبرس العادلي (¬4)، فعند ذلك هرب قطلوبرس، ومسكوا الأويراتيّة، وشنّقوا منهم تحت تلّ العجول أحد (¬5) وأربعين إنسانا، وذلك في صفر سنة تسع وتسعين وستميّة (¬6). [وقعة الخزندار] ثم توجّه طالبا للغزاة في سبيل الله تعالى، وضرب مصافّا مع التتار وغازان بوادي الخزندار (¬7) ببعض جيشه، ورجع سالما في يوم الأربعاء سابع (¬8) وعشرين ربيع الأول سنة تسع وتسعين وستميّة (¬9). فوصل إلى مصر ربّع خيله ونفق في عساكره نفقاتا (¬10) كثيرة، وخرج على الفور إلى الغزاة، وأخذ الثأر، فلما وصل الصالحيّة هرب غازان، ورحل عن دمشق في سابع عشر جمادى الآخر (¬11) سنة تسع وتسعين وستّماية (¬12). ¬
[هرب بوليه من دمشق]
[هرب بوليه من دمشق] وترك بوليه (¬1)، وقبجق، وبكتمر، وألبكي بدمشق، فنزل السلطان الملك الناصر، عزّ نصره، بالصالحية، وسيّر العساكر مع سلاّر، فلما سمع بذلك بوليه عمل حجّة أنه ينهب بعلبك، ورحل من دمشق منهزما (¬2). [دخول الأمراء في طاعة السلطان] وأمّا قبجق، وبكتمر السّلحدار، وألبكي، فإنهم حضروا تحت الطاعة يستمطروا (¬3) صدقات مولانا السلطان الملك الناصر، والتقاهم سلاّر والعساكر ما بين سكرير (¬4) وعسقلان في نصف شعبان من السنة المذكورة (¬5). [استرجاع بلاد الشام من أيدي التتار] ثم وصل سلاّر والعساكر إلى دمشق، ونزلوا بمرج الزنبقية، واستقلع الشام جميعه من أيدي [التتار] (¬6). وسيّر عسكر حلب إليها، وعسكر حمص وحماه إليها، ¬
[عودة العسكر إلى مصر]
وعسكر الساحل إليه في العشر الآخر (¬1) من شعبان سنة تسع وتسعين وستميّة. ورتب أمراء الشام (¬2). [عودة العسكر إلى مصر] ورحل العسكر المنصور طالب (¬3) ديار مصر، ودخلوها في خدمة الملك الناصر في شوّال منها (¬4). [سنة 700 هـ]. [تراجع التتار] ثم تحرّك العدوّ المخذول، ونفق السلطان الملك الناصر في عساكره، وخرج لملتقا (¬5) العدوّ، فلما وصل بدّعرش (¬6) رجع العدوّ المخذول من لطمين (¬7) منهزمين إلى بلادهم (¬8). [عودة السلطان إلى مصر] فأقام السلطان في بدّعرش بالعسكر خمس (¬9) وخمسين يوما، ورجع إلى مصر ¬
[سنة 701 هـ]
في شهر رمضان، ومولانا الخليفة الحاكم (¬1) صحبته سنة سبع ماية. وكان دخوله في يوم الإثنين ثالث وعشرين جمادى الأول سنة سبع ماية (¬2). [سنة 701 هـ]. [وفاة الخليفة الحاكم بأمر الله] وفي سنة أحد (¬3) وسبعمية توفّي الإمام الحاكم بأمر الله (¬4) أمير المؤمنين، وبويع ولده الإمام المستكفي بالله أبو الربيع سليمان يوم وفاة أبيه (¬5). [سنة 702 هـ]. [فتح جزيرة أرواد] وجّه السلطان الملك الناصر مملوكه كهرداش مقدّم الزّراقين وبعض العسكر في البحر على الشواني (¬6) إلى جزيرة أرواد التي أنشأها الفرنج بالقرب من أنطرطوس (¬7)، ¬
[فتح خيبر]
وبنوا بها قلعة، فأخذوها بالسيف وأخربوها وأحضروا كلّمن (¬1) فيها أسارى إلى مصر، في شهور سنة اثنتين (¬2) وسبعميّة (¬3). [فتح خيبر] ثم سيّر كهرداش إلى خيبر حاصرها ثلاث (¬4) أيام فتحها، وأحضر منها مكاسبا (¬5) كثيرة في السنة المذكورة (¬6). [سنة 701 هـ]. [خبر عرب الصعيد] ثم بلغ السلطان الملك الناصر، عزّ نصره، نفاق عرب الصعيد وما يفعلوه (¬7) بالناس، ونفاقهم وقطعهم الطريق، وقتلهم النفس، وتعبّثهم بالأجناد، فوجّه إليهم العساكر مع نائبه سلاّر، وبيبرس (¬8) الجاشنكير، فوقعوا عليهم، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وأحضروا أموالهم، فكان عدّة المحضر من ذلك إلى الإصطبلات والمناخات والجوايح خاناه (¬9) السلطانية بمصر المحروسة ما عدّته، خارجا عمّا نهب وذبح: مائة ألف رأس وسبع وعشرين (¬10) ألف رأس، ومايتي (¬11) رأس. ¬
[توجه السفارة إلى غازان]
تفصيل ذلك: خيل: أربعة آلاف وستماية فرس واصلة إلى الإصطبلات. جمال: اثنين وعشرين (¬1) ألف جمل، وستماية جمل إلى المناخات. أغنام: ماية ألف رأس، واصلة إلى الباب الشريف. وذلك خارجا عمّا أكل وذبح ونهب في أواخر سنة أحد (¬2) وسبعميّة (¬3). [توجّه السفارة إلى غازان] ثم وجّه المجيريّ (¬4)، وابن السّكّري (¬5) رسلا إلى غازان، فأعاقهما غازان، وتوجّه إلى الشام ولم يدخله، [سنة 702 هـ]. [مسير عساكر غازان إلى الشام] وسيّر عساكر التتار مع مقدّمهم قطليجا (¬6)، وبوليه (¬7)، وجوبان، وغيرهم. وكان إرسالهم في نصف ربيع الأول سنة اثنين (¬8) وسبعميّة (¬9). ¬
[ظهور دابة في النيل]
[ظهور دابّة في النيل] وفي شهر جمادى الآخر سنة اثنين (¬1) وسبعميّة ظهرت دابّة من بحر النيل المبارك في ساحل من سواحل الأعمال المنوفيّة، وقتلها آقش الروميّ (¬2) ومن معه، وجابوا جلدها إلى القلعة ورأسها، ووجدوا في جوفها ثلاث (¬3) كروش، الكرش الواحد فيه زلط وحجارة، والكرش الثاني فيه سمك، والكرش الثالث فيه حشيش. وكان عرض ظهرها ثمانية أشبار على حكم أنه مصطّحت (¬4) كالمصطبة، وطول ظهرها من ذنبها إلى عجزها ثلاثة عشر شبرا، وقعدتها ثلاثة أشبار، وطول وجهها إلى الفرطوس ثلاثة أشبار، وهو مدوّر يشبه الرحا (¬5)، ودوره ثلاثة أشبار. وكان ارتفاعها من الحافر إلى الظهر اثني عشر شبرا، ومن بطنها إلى ظهرها مثل عرضها ثمانية أشبار. وطول زندها شبرين (¬6) ونصف. وكان لها في كلّ كفّ أربع أصابع، طول كلّ إصبع على هذه الصفة، والإصبع الرابعة لحم. ولها نابين طوال (¬7) في الحنك السفلاني، وفي كلّ ناب في وسطه من داخل الفم طرسان (¬8). العظم في العظم، ورأسه محرّف مثل قطّة القلم. وفي الحنك الفوقاني ضرسان فوقهما، تقرض بهما. وعينها تشبه عين الفرس، وأذنها كأذن الفرس (¬9). ¬
[ظهور دابة عند قوص]
[ظهور دابّة عند قوص] وظهر في بحر النيل، عند معبر قوص (¬1) مثلها في آخر سنة ستّ عشر (¬2) وسبعميّة. وقد شاهدوها (¬3) عالم كثير من أهل قوس (¬4)، ولم يقدر عليها. ولونها مثل لون الدرفيل (¬5). فتبارك الله أحسن الخالقين. [موقعة مرج الصّفّر] ثم خرج السلطان الملك الناصر، نصره الله تعالى، وعساكره إلى الغزاة في سبيل الله تعالى، وملتقى غازان وجيوشه من مصر في شعبان سنة اثنين (¬6) وسبعميّة، ومولانا الخليفة أبو الربيع سليمان صحبته، فالتقى التتار على جبال الفنيدق، بسفح مرج الصّفّر من القبلة بشرق، وهزموهم بإذن الله تعالى. وحاصرهم على الجبال يومين وليلة، وانكسروا (¬7) التتار وولّوا منهزمين، وقتل منهم خلق كثير، وأسر منهم خلقا كثيرا (¬8). وهرب الباقون. وقتل من المسلمين الأمير حسام الدين لاجين (¬9) أستاذ الدار، وابن قرمان (¬10)، والقشّاش (¬11)، وأيدمر النقيب (¬12)، وجماعة من المسلمين إلى رحمة الله تعالى. ولم ينج من التتار إلاّ القليل، وذلك في يومي السبت والأحد ثاني وثالث رمضان المعظم سنة اثنين (¬13) وسبعميّة. ¬
[تزيين القاهرة لعودة السلطان]
ودخل السلطان الملك الناصر [دمشق] (¬1) مؤيّدا منصورا في يوم الثلاثاء خامس شهر رمضان من السنة المذكورة (¬2). [تزيين القاهرة لعودة السلطان] ثم خرج من دمشق متوجّها إلى مصر مع سلامة الله وعونه في العشر الأول من شهر شوّال منها، ودخل القاهرة وشقّ المدينة وقد زيّنت زينة عظيمة لم ير مثلها في ثالث وعشرين شوّال سنة اثنين (¬3) وسبعميّة (¬4). [سنة 703 هـ]. [الزلزلة العظيمة بمصر] وفي ثالث وعشرين من ذي الحجّة يوم الخميس وقعت زلزلة عظيمة بديار مصر، وخرب منها آدر والجوامع وبعض أسوار المدينة، وأعمروها (¬5) الأمراء. الأمير سيف الدين سلاّر عمّر جامع مصر الكبير العمريّ (¬6). وبيبرس (¬7) الجاشنكير عمّر جامع الحاكم بالقاهرة. والأمير شمس الدين الأعسر عمّر جامع الأزهر. ¬
[الغارة على بلاد سيس]
والأمير سيف الدين بكتمر عمّر جامع الصالح بظاهر باب زويلة. وذلك في أول سنة ثلاث وسبعميّة (¬1). [الغارة على بلاد سيس] غارت عساكر السلطان الملك الناصر على بلاد سيس، ودخلوا ونهبوا وكسبوا مرّة ومرّة ومرّة في أول السنة، في ربيع الأول منها. ثم دخل الأمير سيف الدين كجك (¬2) وصحبته عساكر الشام وبعض عسكر مصر، وغاروا عليها، وأخذوا برج اسكندرونة في رمضان من السنة المذكورة، وفتحوا تلّ حمدون في ذي القعدة منها، واستمّر الحال على ذلك (¬3). [سنة 704 هـ]. [عودة الحاجّ] وفي مستهلّ صفر سنة أربع وسبعميّة وصل سلاّر من الحجاز الشريف والمحمل صحبته، والحجّاج وصنع في الحجاز معروفا كثيرا على ما ذكر (¬4). [سنة 705 هـ]. [قطعة الزّمرّد] وفي سنة خمس وسبعميّة ظهر في معدن الزّمرّد قطعة زمرّد مطاولة (¬5) بتربيع ¬
[سنة 706 هـ]
غشيم، وزنها مايتي وخمس (¬1) وأربعون مثقالا محرّرا، وجهها الواحد ذبابيّ (¬2)، والآخر سلقي، وذلك ممّا نقله كرجي البريديّ في العشرين من شوّال منها، وعاينها، وتوجّه في طلبها (¬3). [سنة 706 هـ]. [خروج بيبغا التركماني إلى الشام] وفي سنة ستّ وسبعميّة توجّه بيبغا التركماني (¬4) ورفقته إلى الشام (¬5). [خروج السلطان إلى الصيد] وخرج السلطان، عزّ نصره، إلى الصيد المبارك بالأعمال الشرقية والوجه البحريّ، وأقام على فاقوس أربع (¬6) وعشرين يوما، ورجع إلى القاهرة سالما بحمد الله تعالى (¬7). [سنة 707 هـ]. [الصيد بالصعيد] وفي سنة سبع وسبعميّة توجّه السلطان الملك الناصر إلى الصيد المبارك بالصعيد بعد أن حضر إلى خدمته مهنّا ابن (¬8) عيسى بن مهنّا (¬9)، وأنعم عليه، وردّه إلى بلاده. ورجع مولانا السلطان من الصيد وطلع القلعة في آخر شعبان سنة سبع وسبعميّة المذكورة (¬10). [سنة 708 هـ]. [خروج السلطان الكرك] ثم إنه رأى من نوّابه وأركان دولته ما لا يعجبه من حجرهم عليه، فقصد الحجاز الشريف، وقد دبّره الله تعالى بلطفه فيما يفعله. ¬
[سلطنة بيبرس الجاشنكير]
وكان خروجه يوم السبت خامس وعشرين رمضان سنة ثمان وسبع ماية. فتوجّه إلى الكرك ودخلها في يوم الأحد رابع شوال منها. وكان يوما عظيما. ثم سيّر إلى العقبة ردّ أهله ودرره (¬1) الكريمة إلى الكرك، وردّ العصايب إلى مصر حردا وغضبا على نوّابه ومماليكه بمصر (¬2). [سلطنة بيبرس الجاشنكير] فعند ذلك قاموا (¬3) البرجيّة وملّكوا بيبرس (¬4) وسلطنوه، وركّبوه من دار سلاّر إلى داخل القلعة، وأجلسوه على كرسيّ الملك في يوم السبت تاسع ساعة منه، الثالث وعشرين (¬5) من شوّال سنة ثمان وسبع ماية المذكورة، وحلّفوا الناس، وتمّموا على الخليفة، وكتبوا عنه كتبا وقرأوها على المنابر في يوم الجمعة تاسع وعشرين شوال المذكور، بتولية بيبرس (¬6) الجاشنكير، وعزل الملك الناصر، ولم يأمر الخليفة بشيء من ذلك، ولو قال: لا، ما أبقوه، فإنه محكوم عليه. ثم استمرّ بيبرس (¬7) في الملك، ولقّب بالملك المظفّر مدّة عشرة شهور وثلاث (¬8) وعشرين يوما، كلّها أراجيف (¬9). [إقامة الناصر بالكرك] وأمّا مولانا السلطان الملك الناصر، فإنه استمرّ بالكرك في صيد وفرحة ونزهة، بلا همّ، مع الله تعالى، مسلّما أمره إلى خالقه. ذكر ما جرى في صيده وعوده إلى ملكه ثالث مرّة، وظفره بأعدائه، أعزّ (الله) (¬10) أنصاره. ¬
[سنة 709 هـ]
[سنة 709 هـ]. منها أنه ضرب حلقة (صيد) (¬1) في البرّ، في سادس عشر المحرّم سنة تسع وسبع ماية، فاصطاد نيّف (¬2) عن أربعين حمار وحش (¬3)، ثم رجع إلى الكرك مع سلامة الله وعونه. ثم رجع دفعة ثانية للصيد في خامس صفر منها، فأخذ صيدا، ومن جملته أنه اصطاد حمار وحش صغير (¬4)، مسكه بقوسه حيّا بلا جرح، وهو سائق خلف الجمّاز، ورجع إلى الكرك في يوم الإثنين ثاني وعشرين من جمادى الأول منها. ثم خرج إلى الصيد فاصطاد بومة وعقابا كانا تماسكا، ورجع إلى الكرك. ثم توجّه إلى الصيد في يوم الثلاثاء ثاني عشر جمادى الآخرة منها سنة تسع وسبع ماية [فصاد] (¬5) كركيّين، وأحضرهما معه إلى الكرك. وكان ذلك إشارة من الله تعالى أن يظفر بأعدائه على عدد صيده (¬6). [خروج الناصر من الكرك إلى دمشق] ولما كان في أول الليل من ليلة الأربعاء خامس عشر جمادى الآخر سنة تسع وسبع ماية، ركب نوغيه القبجاقي، وطقطاي، ومغلطاي القازاني، وثلاثماية مملوك من المماليك (¬7) السلطانية من مصر، وقفّزوا طالبين الكرك إلى خدمة مولانا السلطان الملك الناصر، ورجفت الناس تلك الليلة، وركب بعض العسكر، وخاف بيبرس (¬8)، وما لحقهم أحد، ووصلوا إلى الكرك في العشر الآخر (¬9) من جمادى الآخر من سنة تسع وسبع ماية، فأقبل عليهم الملك الناصر. ولم تزل العساكر المنصورة، المصريّين والشاميّين (¬10) تترادف إلى خدمته أوّلا فأوّلا، حتى نزل من الكرك، وتوجّه إلى دمشق، فخرجت له العصائب والكوسات (¬11)، ¬
[حضور الأمراء لطاعة السلطان]
والغاشية (¬1)، والجاويشية (¬2) إلى الكسوة (¬3) وسائر عسكر دمشق. وهرب آقوش الأفرم من دمشق، ودخلها مولانا السلطان الملك الناصر مالكها في يوم الثلاثاء ثامن عشر شعبان من السنة المذكورة (¬4). [حضور الأمراء لطاعة السلطان] ثم حضر إلى خدمته أقوش الأفرم تحت الطاعة في يوم السبت ثاني عشر شعبان المذكور. ثم حضر إلى خدمته قبجق نائب السلطنة بحماه، وأسندمر نائب طرابلس، وقراسنقر من حلب، وكراي من صفد، وأحضروا له التقادم، وخلع عليهم. ثم سيّر كراي إلى غزّة مجرّد (¬5) لحفظ الطرقات (¬6). ¬
[سفر الملك الناصر من دمشق إلى مصر]
[سفر الملك الناصر من دمشق إلى مصر] ثم خرج السلطان الملك الناصر من دمشق والعساكر صحبته طالب (¬1) ديار مصر في يوم الثلاثاء تاسع شهر رمضان سنة تسع وسبع ماية (¬2). [هرب بيبرس الجاشنكير] فلما وصل إلى بيسان (¬3) في خامس عشر رمضان المذكور هرب بيبرس (¬4) وخلا ملك مصر، وانهزم طالب (¬5) الصعيد، وراح معه بكتوت الفتاح (¬6)، والخطيري (¬7)، وبشّاش (¬8). [قدوم الأمراء لخدمة الملك الناصر] فحضرت (¬9) الأمراء من مصر إلى الخدمة وهم ساطي (¬10) وبعض العساكر. فلما وصل إلى غزّة في يوم الجمعة العشرين من رمضان وصل إلى خدمته برلغي (¬11)، وبيبرس (¬12) الدوادار، وأرغون الجمقدار (¬13)، وصحبتهم أربع (¬14) آلاف فارس من عسكر مصر. ¬
[عودة الملك الناصر إلى السلطنة]
وفي يوم السبت حادي عشر رمضان المذكور وصل كرجي نقيب المماليك السلطانية والبحرية (¬1) صحبته إلى الخدمة، وكان قد انهزم تباكز (¬2) إلى الكرك، واستجار بالآدر الكريمة. ورحل السلطان الملك الناصر من غزّة إلى الزّعقة (¬3)، [و] وصل إليه أمير موسى (¬4)، وبتخاص (¬5)، وأيبك الروميّ (¬6). [عودة الملك الناصر إلى السلطنة] وفي يوم السبت ثامن عشر رمضان نزل الصالحية، وحضرت إلى خدمته عساكر مصر، ورحل نزل البركة في سلخ رمضان، وجاء إلى خدمته سلاّر. وفي يوم العيد العصر ركب وطلع إلى قلعة الجبل، وملك مصر ثالث مرة. وكان يوما مشهودا. وجلس على سرير ملكه، وحلّف الناس. واستمرّ في مملكته وممالكه (¬7). [القبض على الأمراء العصاة على الملك الناصر] فما كان بالقرب ما ظفّره الله بسلاّر، بعدما كان سيّره إلى الشوبك (¬8)، وظفر ببيبرس (¬9) بعدما كان توجّه إلى الشام، وببرلغي، وحبس الفتاح (¬10)، ونفذ فيهم أمر الله تعالى. ومسك الخطيري، وبشّاش، وتباكز، ومماليك بيبرس (¬11)، وجميع من كان معه، وبعض مماليك سلاّر. ¬
[سنة 710 هـ]
[سنة 710 هـ]. [تعيينات النوّاب] ثم خلع على بكتمر الجوكندار (¬1) وقلّده نيابة السلطنة بالديار المصرية، وسيّر أسندمر إلى حماه، ثم إلى حلب، وقبجق إلى حماه، ثم إلى حلب، وقراسنقر إلى دمشق، ثم إلى حلب، وأقوش الأفرم إلى صرخد، ثم إلى طرابلس، وكراي إلى دمشق. وقطلبك (¬2) إلى صفد. وقطلقتمر إلى غزّة، والحاجّ بهادر إلى طرابلس، وتوفّي بها. وجميع ذلك في سنة عشر وسبع ماية (¬3). [سنة 711 هـ]. [إمساك أمراء] ثم إنه لما كان في مستهلّ المحرّم سنة إحدى عشر (¬4) وسبع ماية مسك بتخاص، وهرب أمير موسى، وطلب، فأحضره وسيّره إلى الوجه القبليّ، وعدم (¬5). [إطلاق أمراء محبوسين] ثم أطلق من المحبّسين: ساطي، والخطيري، وطشتمر الجمقدار، وصاروجا، ومن معهم (¬6). ¬
[قتل الأمير أسندمر]
[قتل الأمير أسندمر] وسيّر المجرّدين صحبة الأمير شمس الدين سنقر الكمالي الحاجب إلى حلب، مسكوا أسندمر وأحضروه مقيّدا إلى مصر، فنفذ أمر الله فيه (¬1). [مملكة حماة] ثم تصدّق على أمير إسماعيل بن الملك الأفضل أمير علي أخو (¬2) صاحب حماه بحماه، وملّكه إيّاها على ما كان عليه عمّه وابن عمّه (¬3). [عمارة جامع بمصر] وفي سنة أحد عشر (¬4) وسبع ماية رسم السلطان الملك الناصر بعمارة جامع بساحل مصر (¬5) بأرض شونة التّبن وبستان ابن (¬6) العالمة، وتكمّلت عمارته، وأول جمعة صلّوا فيه تاسع صفر سنة اثني عشر (¬7) وسبع ماية (¬8). [حبس عدّة أمراء] وفي يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأول سنة أحد عشر (¬9) وسبع ماية بعد الصلاة مسك السلطان الملك الناصر: بكتمر الجوكندار النائب، ومنكوتمر الطبّاخي، وأيدغدي العثماني (¬10)، وألكتمر الساقي، وأيدمر الصفدي الخطّائي، وحبس الجميع (¬11). [نيابة السلطنة] وخلع على بيبرس (¬12) الدوادار لوقته، وقلّده نيابة السلطنة المعظّمة بمصر (¬13). ¬
[إمساك نائب دمشق]
[إمساك نائب دمشق] وسيّر الأمير سيف الدين [أرغون] (¬1) الدوادار الناصري إلى دمشق مسك كراي النائب بها، وذلك في يوم الخميس ثالث وعشرين جمادى الأول سنة أحد عشر (¬2) وسبع ماية (¬3). [إمساك نائب صفد] وسيّر سنجر الجمقدار إلى صفد مسك قطلبك في يوم الجمعة رابع وعشرين من شهر جمادى الأول سنة أحد عشر (¬4) وسبع ماية (¬5). [إمساك نائب غزّة] وسيّر قولي المحمّدي (¬6) إلى غزّة قبض [على] (¬7) قطلقتمر نائب غزّة. وسيّر الثلاثة إلى الكرك حبسوهم (¬8). [نيابة غزّة] وخلع على الأمير علم الدين الجاولي، وسيّره إلى غزّة نائب السلطنة (¬9). [نيابة دمشق] والأمير جمال [الدين] (¬10) نائب الكرك كان إلى دمشق نائب السلطنة (¬11). [نيابة صفد] وبهادر آص نائبا إلى صفد، وذلك في جمادى الأول سنة أحد عشر (¬12) وسبع ماية. ¬
[سفر نائب دمشق]
[سفر نائب دمشق] ولبس الأمير جمال الدين آقوش الخلعة، وتوجّه إلى دمشق في يوم السبت من الميدان ثاني جمادى الآخر سنة أحد عشر (¬1) وسبع ماية (¬2). [استعراض الملك الناصر مماليكه] وفي يومي الأربعاء والخميس سادس وسابع جمادى الآخر سنة أحد عشر (¬3) وسبع ماية أعرض (¬4) جميع مماليكه بنفسه واحدا واحدا، وأخرج منهم جماعة إلى الحلقة (¬5) المنصورة، واستمرّ بالباقين (¬6). [حبس أميرين] وسيّر بكتمر الجوكندار النائب إلى حبس الكرك (¬7)، وأسندمر أيضا سيّره إلى حبس الكرك، وما يعلم ما جرا (¬8) لهما (¬9). [خروج الملك الناصر للصيد] ثم توجّه إلى الصيد المبارك نحو الصعيد في يوم الخميس سادس رجب سنة أحد عشر (¬10) وسبع ماية. [إقامة أرغون بالقلعة] وسيّر الأمير سيف الدين أرغون الدوادار الناصري إلى القلعة المنصورة مقيما بها ¬
[عودة السلطان من الصيد]
مع الأمير ركن الدين [بيبرس] (¬1) الدوادار نائب السلطنة المعظّمة (¬2). [عودة السلطان من الصيد] ورجع السلطان الملك الناصر، نصره الله تعالى، من الصيد، وطلع القلعة المنصورة سالما في يوم الخميس ثامن عشر شعبان المبارك سنة أحد عشر (¬3) وسبع ماية. [نقض إيوان بالقلعة] وفي مستهلّ شوّال منها أمر بنقض الإيوان الشرقيّ (¬4) الذي بالقلعة المنصورة واختصار عمارته (¬5). [إمساك أصحاب الدواوين] وفي سادس شوال منها مسك الصاحب أمين الدين، والتاج الطويل، وسائر الدواوين، وأطلقهم عن قريب (¬6). [خروج التجريدة بسبب قراسنقر] وفي العشر الأوسط من شوال المذكور سيّر المجرّدين إلى الشام المحروس صحبة قرا لاجين، وأرغون الدوادار، ولاجين الجاشنكير، ومن معهم بسبب قراسنقر وعصيانه ونفاقه (¬7). [التجريدة الثانية] وفي العشر الأول من ذي القعدة سنة أحد عشر (¬8) وسبع ماية سيّر تجريدة ثانية. [هرب قراسنقر إلى بلاد التتار] وفي رابع عشر ذي القعدة المذكورة هرب قراسنقر من حلب، وعدّا (¬9) نهر ¬
[وصول رسول من اليمن]
الفراة (¬1) طالبا بلاد الشرق بعد أن قعد خمس (¬2) شهور من ذا البرّ وذاك البّر، وبين الجزائر في الفرات يستمطر عفو السلطان على ما ذكر. فلما أيس منه توجّه إلى بلاد التتار (¬3). [وصول رسول من اليمن] وفي شهر ذي الحجّة منها وصل رسول صاحب اليمن إلى الديار المصرية، وأحضر على يده تقادما (¬4) كثيرة أطلعوها القلعة على أقفاص الحمّالين، وعدّتها أربع ماية وتسع (¬5) حمّالين، وعلى كل قفص كرّ يمنيّ، ومن تحت الكرّ التحف، وستّ وستّين جمل (¬6) عليها أبنوس، وعاج، وصندل، وغيره. وستين جمل (¬7) رماح قنا، وفيل سباعيّ السنّ، ونمرين (¬8) وأربع (¬9) فهود، وعشرة أرؤس (¬10) خيل، وعليها بركصطوانات (¬11)، وعشرين (¬12) خادما (¬13). [سنة 712 هـ]. [هديّة ملك السودان] وفي سادس المحرّم سنة اثني عشر (¬14) وسبع ماية حضر ملك السودان وعليه تقادم ألف رأس رقيق وجمال وبقر وغير ذلك (¬15). [خروج السلطان للفرجة] وفي ذلك النهار ركب السلطان الملك الناصر، عزّ نصره، إلى الجامع الجديد بساحل مصر بموردة الحلفا يتفرّج ويبصر، وطلع القلعة. ¬
[استقبال المحمل]
وفي يوم الثلاثاء ثامن المحرّم سنة اثني عشر (¬1) وسبع ماية نزل إلى الميدان، وركب محروس المقام (¬2). [استقبال المحمل] ويوم الأحد سادس وعشرين المحرّم سنة اثني عشر (¬3) وسبع ماية ركب (¬4) السلطان والتقى الأمير سيف الدين الأبو بكري عند قدومه من الحجاز الشريف والمحمل صحبته (¬5). [نيابة السلطنة بحلب] وفي سابع صفر سنة اثني عشر (¬6) وسبع ماية خلع على سودي الجمدار وقلّده نيابة السلطنة بحلب وأعمالها (¬7)، وتوجّه إليها في يوم الثلاثاء تاسع عشره على الهجن (¬8). [هروب أمراء] وتحرّر هروب قراسنقر، والزّردكاش (¬9)، والأفرم، وبلبان الدمشقي، ومن معهم (¬10). [الجامع الجديد] وتكمّلت عمارة الجامع الجديد بمصر في يوم الجمعة تاسع صفر المذكور، وصلّوا فيه الجمعة، وخطب فيه القاضي بدر الدين بن جماعة (¬11) قاضي ¬
[نيابة طرابلس والفتوحات]
القضاة، وصلّى السلطان في الجامع الجديد، وهي أول خطبة خطب فيه، آجره الله وضاعف له الثواب (¬1). [نيابة طرابلس والفتوحات] وفي يوم الإثنين تاسع عشر صفر من السنة المذكورة خلع على تمر الساقي، وقلّده نيابة طرابلس والفتوحات (¬2). [تجريد العساكر] وفي سلخ صفر المذكور رسم بتجريد بعض العساكر مع بهادر المعزّي وغيره، ومماليك السلطان، ونفق فيهم نفقة كبيرة، وأعطاهم بغالطيق (¬3) وهجن (¬4) وعدّتهم مايتي (¬5) مملوك (¬6). ¬
[عمارة الإيوان]
[عمارة الإيوان] وفي يوم السبت تاسع ربيع الأول سنة اثني عشر (¬1) وسبع ماية تكمّلت عمارة الإيوان، وجلس فيه السلطان على سرير ملكه. يكون نقض الإيوان وعمارته في خمس (¬2) شهور وتسعة أيام. [خلعة نائب الشام] وفي التاريخ حضر جمال الدين آقوش نائب الشام وخلع عليه (¬3). [ناظر الجيوش] وفي عاشر شهر ربيع الأول انفصل القاضي فخر الدين ناظر الجيوش المنصورة، وباشر القاضي قطب الدين بن (¬4) شيخ السلاميّة نظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية (¬5). [وصول المجرّدين من الشام] وفي مستهلّ ربيع الآخر سنة اثني عشر (¬6) وسبع ماية وصل المجرّدون من الشام المحروس (¬7). [حبس أمراء بالكرك] وفي ثانيه مسك بيبرس (¬8) الدوادار النائب، وآقوش نائب الكرك ودمشق، وألدكز صهر الشجاعي، ولاجين الجاشنكير، وسنقر الكمالي الحاجب. وكان مغلطاي المسعودي، وباينجار، ولاجين العمري، وعدّتهم ثمان (¬9) نفر، وسيّرهم إلى الكرك (¬10). ¬
[حضور مماليك]
[حضور مماليك] وفي يوم الإثنين ثاني ربيع الآخر حضر خمس (¬1) وخمسون مملوكا من مماليك الأفرم وقراسنقر. [تأمير أمراء] وفي يوم الخميس خامس ربيع الآخر سنة اثني عشر (¬2) وسبع ماية أمّر السلطان الملك الناصر ستة وأربعين أميرا، منها (¬3) أمراء طبلخاناة تسع وعشرين (¬4) أميرا، وأمراء عشرات، سبع (¬5) عشر أميرا (¬6). [نيابة تنكز بدمشق] وفي يوم الجمعة سادس ربيع الآخر توجّه الأمير سيف الدين تنكز إلى دمشق المحروسة نائب السلطنة المعظّمة بالشام المحروس (¬7). [وصول صاحب حماه] وفي يوم الإثنين تاسع الشهر المذكور وصل المقام العماديّ عماد الدين إسماعيل صاحب حماه إلى الأبواب الشريفة، وخلع عليه عادته (¬8). [عرض رجال الحلقة] وفي خامس عشر ربيع الآخر شرع في عرض الحلقة المنصورة بالديار المصرية واحدا واحدا، وسأل السلطان عن أخبارهم، وزاد من زاده الله، وقطع من قطعه الله، واستمرّ بمن اختاره الله (¬9). ¬
[صحبة ديوان الجيوش]
[صحبة ديوان الجيوش] وفي الخامس والعشرين من ربيع الآخر عطّف الله السلطان الملك الناصر على القاضي فخر الدين وخلع عليه ورتّبه صاحب ديوان الجيوش المنصورة، وجلس مع السلطان في العرض (¬1). [نيابة السلطنة بمصر] وفي مستهلّ جمادى الأول سنة اثني عشر (¬2) وسبع ماية خلع السلطان على الأمير سيف الدين أرغون الدوادار الناصريّ وقلّده نيابة السلطنة بالديار المصرية، وجلس وحكم (¬3). [عودة صاحب حماه إلى مملكته] وفي ثالث الشهر المذكور توجّه الملك عماد الدين إسماعيل صاحب حماه مع سلامة الله وعونه إلى حماه، بعد أن قبل السلطان تقادمه وأقبل عليه، واستمرّ به على حاله. [عرض الحلقة] وفي عاشر جمادى الأول من السنة المذكورة فرغ من عرض الحلقة. وفي خامس عشره أعرض (¬4) المماليك السلطانية وأخرج منهم جماعة إلى (¬5) الحلقة. [نيابة صفد] وفي ثالث وعشرين من جمادى الأول توجّه الأمير المذكور سيف الدين بلبان طرنا أمير جاندار إلى صفد نائب السلطنة بعدما خلع عليه (¬6). [وصول المجرّدين] وفي (يوم) (¬7) الأربعاء خامس وعشرين جمادى المذكور وصل المجرّدون من الشام. ¬
[تأمير أمراء]
[تأمير أمراء] وفي سلخ رجب سنة اثني عشر (¬1) وسبعماية أمّر السلطان الملك الناصر سبع (¬2) عشر أميرا طبلخاناة، من جملتهم: علم الدين سنجر الخازن والي القاهرة، وأميرا واحدا (¬3) أمير عشرة. [استخدام الأجناد المنفصلين] وفي سادس رجب سنة اثني عشر (¬4) وسبع ماية رسم السلطان باستخدام البطّالين الأجناد المنفصلين من الحلقة، واستمرّ ببعضهم، وأعطاهم أخباز (¬5) على ساحل الغلّة (¬6). [خروج السلطان إلى الأهرام للصيد] وفي ثامن رجب المذكور توجّه السلطان إلى الصعيد، وغدا إلى الأهرام، وشرع الأمير سيف الدين أرغون النائب في تنزيل البطّالين كما رسم له، وحضر من الصيد في ثامن شعبان سنة اثني عشر (¬7) وسبعماية. [تقدمة رسل الأشكري] وفي عاشر شعبان استحضر السلطان الملك الناصر، نصره الله تعالى، رسل الأشكري في الإيوان الجديد بالقلعة المنصورة، وقدّموا تقادمهم على رؤوس (¬8) الحمّالين، وعدّتهم اثنين وأربعين (¬9) حمّال: جوخ، وسنجاب، وأطلس، وغيره، وخمس (¬10) شواهين، وصقرا واحدا (¬11). ¬
[نفقة العسكر]
[نفقة العسكر] وفي يوم الأحد ثامن رمضان سنة اثني عشر (¬1) وسبع ماية شرع السلطان في نفقات العساكر المنصورة، كلّ فارس ثلاثماية درهم (¬2). وكانت البداية في النفقة في ألفي (¬3) الخطيريّ، وبهادر المعزّيّ. [خروج العساكر إلى الشام] وفي يوم الإثنين تاسع رمضان طلّبوا وخرجوا (¬4) أول العساكر طالبين الشام المحروس، (عندما سمع السلطان بتحريك العدوّ المخذول وقصده الشام) (¬5). ونفق في ذلك اليوم في ألفي ابن الوزيري، وبكتوت الشمسي، وطلّبوا، وخرجوا في يوم الثلاثاء عاشر رمضان المذكور. [حصار الرحبة] وتواترت الأخبار أنّ التتار، وقراسنقر، والأفرم عدّوا الفرات، ونزلوا يحاصروا (¬6) الرحبة. [النفقة على الأمراء والمماليك] وفي يوم الثلاثاء المذكور نفق في ألفي سنجر الجمقدار، وقلّى، وطلّبوا، وخرجوا يوم الخميس ثاني عشر رمضان المذكور. وفيه نفق على المماليك قدّام السلطان والنائب في القلعة. ويوم الجمعة، ثالث عشره، توجّهوا (¬7) أول المجرّدين طالبين الشام. وفي يوم الإثنين سادس عشر رمضان المذكور نفق في ألفي قرا لاجين، وإسلام، وطلّبوا، وخرجوا يوم الثلاثاء سابع عشره. وفيه نفق في ألطنبغا الحاجب والملك، وطلّبوا، وخرجوا يوم الخميس تاسع عشره. ونفق في ذلك اليوم في ألفي أمير حسين ابن (¬8) جندر، وأيبك الروميّ، وخرجوا في يوم السبت حادي وعشرين منه. ¬
[خروج الملك الناصر لغزو التتار]
وفيه نفق في ألفي كستيه، وبكتمر الحاجب، وخرجوا في يوم الإثنين ثالث وعشرين منه. وفي ذلك اليوم نفق في ألفي منكلي بغا، وطغاي، وخرجوا في يوم الثلاثاء رابع وعشرين منه. وفيه (¬1) نفق في ألفي بيبرس (¬2) الأحمدي، وأيدغدي شقير، وتوجّهوا في يوم الخميس سادس وعشرين منه. وفيه نفق في ألف النائب أرغون الناصريّ، وخرج يوم السبت ثامن وعشرين الشهر المذكور (¬3). [خروج الملك الناصر لغزو التتار] وفي ثاني شوّال خرج السلطان الملك الناصر، خلّد الله ملكه، من القلعة، طالب (¬4) الغزاة في سبيل الله تعالى. وفي نهار العيد، وهو مستهلّ شوال المبارك، كان أول المجرّدين في غزّة، وجاءت (¬5) الأخبار أنّ التتار رحلوا من على الرحبة منهزمين راجعين إلى بلادهم. وكان ذلك في ثامن وعشرين رمضان المعظّم من السنة المذكورة. وكان مدّة حصارهم للرحبة ثلاث (¬6) وعشرين يوما. ورحلوا (¬7) المجرّدون من غزّة ودخلوا دمشق في حادي عشر شوال المذكور (¬8). [دخول الملك الناصر دمشق] وفي ثامن عشره نزل السلطان غزّة، ورحل نزل اللّجون في يوم الجمعة تاسع عشره، ورحل دخل دمشق في يوم الثلاثاء ثالث عشر شوال المذكور. وكان يوما مشهودا، وزيّنت دمشق زينة عظيمة، ودخل معه بعض العساكر، ونزل الباقين (¬9) مقيمين في غزّة، والروحاء، والساحل، وغيره (¬10). ¬
[توزيع العساكر المجردين في بلاد الشام]
[توزيع العساكر المجرّدين في بلاد الشام] وفي يوم الخميس خامس عشر شوال سنة اثني عشر (¬1) وسبع ماية رسم مولانا السلطان، عزّ نصره، للأمراء المجرّدين من عسكر مصر أن يرحلوا من دمشق بتقادمهم وينزلوا حمص، وحصن الأكراد، وساحل عكا، وساحل طرابلس، ودمشق، فتوجّه ابن الوزيري، وسنجر الجمقدار [إلى] (¬2) بقيعة حصن الأكراد، وبهادر المعزّي [إلى] (¬3) حمص، والخطيري، ونائب السلطنة بدمشق (¬4). [تحصيل الأموال بدمشق] وفي يوم الأربعاء مستهلّ ذي القعدة سنة اثني عشر (¬5) وسبعماية وصل الصاحب أمين الدين إلى دمشق من مصر على خيل البريد حسب ما رسم له به، وشرع في تحصيل الأموال. [سفر السلطان إلى الحجاز] وفي يوم الخميس ثاني شهر ذي القعدة توجّه السلطان الملك الناصر إلى الحجاز الشريف وصحبته بعض الأمراء من المماليك وغيرهم، كتب [الله] (¬6) سلامته (¬7). [إقامة النائب بدمشق] واستقرّ نائب السلطان الأمير سيف الدين أرغون، والعساكر، والصاحب بدمشق (¬8). [ناظر النظّار بدمشق] ورسم السلطان قبل سفره بأن يرتّب شمس الدين غبريال ناظر النظّار بدمشق والشام المحروس، فرتّب بعد سفر السلطان بيومين (¬9). ¬
[سنة 713 هـ]
[سنة 713 هـ]. [عودة السلطان إلى الكرك] وفي يوم السبت مستهلّ المحرّم سنة ثلاث عشر (¬1) وسبع ماية جاءت (¬2) الأخبار بأنّ السلطان الملك الناصر وصل إلى قلعة الكرك المحروس من الحجاز الشريف، ودقّت البشائر فرحا بسلامته، ولله الحمد (¬3). [وصول السلطان إلى دمشق] وفي يوم الثلاثاء حادي عشر المحرّم سنة ثلاث عشر (¬4) وسبع ماية وصل السلطان الملك الناصر، نصره الله، من الحجاز الشريف إلى دمشق المحروسة سالما بحمد الله تعالى. وكان يوما مشهودا ما رؤي (¬5) مثله، ولا حصل لأحد من الملوك ما حصل له من التأييد والنصر والفوز برضوان الله تعالى، بخروجه إلى الغزاة في سبيل الله تعالى، والحجّ إلى بيت الله الحرام في عام واحد، والجمع بين الفضيلتين في سفرة واحدة (¬6). وكان توجّهه من دمشق إلى الحجاز الشريف ورجوعه إلى دمشق في مدّة ثمانية وستين يوما (¬7). ومن جملة بركاته وقبول حجّه أنه دخل إلى دمشق، وسعر الحمل التبن ثلاثين (¬8) درهما (¬9)، والغرارة (¬10) الشعير بستة وخمسين درهما، فأصبح في يوم الأربعاء ثاني عشر المحرّم المذكور بيع (¬11) الحمل التبن بستّ (¬12) عشر درهما (¬13)، والشعير بأربعين درهما الغرارة. وأصبح في يوم الخميس ثالث عشر المحرّم حمل التبن بعشرة دراهم، والشعير بثمانية وعشرين درهم (¬14) الغرارة (¬15). فهذه من جملة بركاته. ¬
[توجه بعض الحلقة إلى مصر]
[توجّه بعض الحلقة إلى مصر] وفي يوم الخميس المذكور برزت المراسيم (¬1) الشريفة لبعض الحلقة المنصورة بالتّوجّه إلى مصر المحروسة. [حضور صاحب حماه إلى دمشق] وفي يوم السبت خامس عشر المحرّم حضر المقام العمادي صاحب حماه المحروسة إلى الخدمة الشريفة بدمشق، وقدّم تقادمه، وخلع عليه مولانا السلطان، وردّه إلى حماه. [نائب الرحبة] وحضر ابن الأزكشي نائب الرحبة، وخلع عليه. [نائب حلب] وحضر سودي نائب السلطنة بحلب المحروسة، وخلع عليه، وردّه إلى حلب. [تقادم التركمان بطرابلس] وفي يوم الإثنين سابع عشر المحرّم حضرت تقادم أمراء التركمان بطرابلس، وهي اثنان وستّون إكديشا (¬2). [توجّه العساكر إلى مصر] وتوجّهت العساكر إلى مصر أولا فأولا. وفي يوم الأحد ثالث وعشرين المحرّم شالت الخزانة العالية على الجمال، وتوجّهوا إلى الديار المصرية مع سلامة الله وعونه. [خروج السلطان من دمشق] وفي يوم الخميس سابع وعشرين المحرّم سنة ثلاث عشر (¬3) وسبع ماية ركب السلطان الملك الناصر من دمشق متوجّها إلى الديار المصرية مع سلامة الله وعونه (¬4). ¬
[توزيع الصدقات في القدس والخليل]
[توزيع الصدقات في القدس والخليل] وفي يوم الخميس رابع صفر سنة ثلاث عشر (¬1) وسبع ماية نزل السلطان على تلّ العجول بعساكره، وتوجّه بكتمر الحاجب، والقاضي كريم الدين، ومعهم صدقات من السلطان يتصدّقوا (¬2) بها في القدس الشريف وفي الخليل عليه السلام، في كل مكان عشرة آلاف درهم. ورحل من تلّ العجول يوم الجمعة خامس صفر متوجّها إلى مصر. [دخول السلطان القاهرة] وفي يوم الثلاثاء تاسع صفر نزل الصالحية. وفي يوم الجمعة ثالث ساعة منه الثالث عشر من صفر المذكور دخل القاهرة، وطلع القلعة سالما بحمد الله وعونه (¬3). [عمارة قناة الماء بالقدس] وفي مستهلّ ربيع الأول سنة ثلاث عشر (¬4) وسبع ماية رسم السلطان بسياقة الماء من قناة عين عروب إلى القدس الشريف على ما كانت عليه في زمن الفرنج، وبرزت المراسم الشريفة بذلك للأمير علم الدين سنجر الجاولي، فنزل عليها وفتح ينابيع العين من ثلاث (¬5) أماكن، ووجدها مبنيّة مقنطرة لم يوجد مثلها. وكان ذلك في اختراق (¬6) المياه بالشام وزيادة النيل، وشرعوا في سياقة الماء وعمارة القناة، ونزل الأمير علم الدين عليها، ورسم بسخرة أهل البلاد في عمارتها، فشقّ ذلك على الرعيّة من الصخرة، فعملوا محاضرا (¬7) أنها ما يصل الماء، وأبطلوها، ونرجوا (¬8) من الله عمارتها وأجرها لمولانا السلطان، عزّ نصره (¬9). ¬
[إطلاق آقوش من الحبس]
[إطلاق آقوش من الحبس] وفي ربيع سنة ثلاث عشر (¬1) وسبع ماية أطلق آقوش من الحبس وخلع عليه (¬2). [إمساك الصاحب أمين الدين] وفي يوم الخميس ثامن عشر جمادى الأوّل، أول النهار، مسك السلطان الملك الناصر للصاحب أمين الدين وجماعة من الدواوين، وولّى الشدّ والحكم للأمير بدر الدين بن التركماني، وخلع عليه في يوم الخميس سادس عشر جمادى الآخر سنة ثلاث عشر (¬3) وسبع ماية (¬4). [إمساك عرب الصعيد] وفي يوم السبت ثامن وعشرين رجب الفرد سنة ثلاث عشر (¬5) وسبع ماية توجّه مولانا السلطان الملك الناصر إلى الصيد بالوجه القبليّ، ومسك عرب الصعيد بأجمعهم وأحضرهم إلى مصر مخشّبين، واعتقلهم، واستعملوهم في جسور الجيزة، وأخذ أموالهم، وخيلهم، وجمالهم، وأغنامهم، وتمهّد الصعيد وخلا من العرب المفسدين. ووصل السلطان إلى القلعة في يوم الثلاثاء ثالث عشر رمضان سنة ثلاث عشر (¬6) وسبع ماية. [تجريد عساكر إلى الحجاز] وفي شهر شوال سنة ثلاث عشر (¬7) وسبع ماية رسم (¬8) بتجريد بعض العساكر صحبة الأمير سيف الدين طقصبا (¬9) إلى الحجاز الشريف مجرّدين صحبة الشريف أبي الغيث (¬10) صاحب مكة، حرسها الله تعالى، وتوجّهوا صحبة الركب إلى مكة، ورسّم لهم بالإقامة بمكة (¬11). ¬
[عمارة جسر بالجيزة]
[عمارة جسر بالجيزة] وفي يوم الخميس ثالث عشر شوال المذكور رسّم السلطان بتجديد عمارة جسر مستجدّ بالجيزة، وأمر لجميع عسكر مصر أن يخرجوا يعملوا فيه بالمساحي والقفف. [إمساك أيبك الرومي] وفي يوم الإثنين رابع وعشرين شوال المذكور مسك السلطان لأيبك الروميّ. [عمارة البرج الأبلق] وفي ربيع الأول سنة ثلاث عشر (¬1) وسبع ماية رسم السلطان الملك الناصر بعمارة البرج الأبلق المسمّى ببرج السعادة، وشرعوا في عمارة أساسه في ثالث عشر الشهر المذكور، وشرعوا في عمارته بالحجر الأبيض والأسود، وتفسيره القصر الأبلق، عمّره الله تعالى ببقاء مالكه وهنّأه به (¬2). [نزول رسل أولاد بركة بالكبش] وفي خامس عشر ذي الحجّة سنة ثلاث عشر (¬3) وسبع ماية حضر المعشى ومن معه من رسل أولاد بركة، وهم في جمع كبير، ونزلوا بالكبش مدّة شهر وكسور، وتوجّهوا إلى بلادهم في أول شهر المحرّم سنة أربع عشر (¬4) وسبع ماية. [سنة 714 هـ]. [اكتمال عمارة البرج] وتكمّلت عمارة البرج الأبلق في آخر شهر جمادى الآخر سنة أربع عشر (¬5) وسبع ماية (¬6). ¬
[وفاة سودي نائب حلب]
[وفاة سودي نائب حلب] وتوفّي إلى رحمة الله تعالى سودي نائب السلطنة بحلب وأعمالها في العشر الآخر من رجب سنة أربع عشر (¬1) وسبع ماية (¬2). [نيابة السلطنة بحلب] وفي آخر رجب المذكور تولّى مكانه الأمير علاء الدين ألطنبغا، ولبس التشريف وأخذ التقليد، وتوجّه إلى حلب على خيل البريد (¬3). [خروج السلطان للصيد] خرج السلطان، عزّ نصره، إلى الصيد المبارك بنواحي الحمّامات، وعدا (¬4) في يوم الأحد مستهلّ شعبان سنة أربع عشر (¬5) وسبع ماية. ورجع السلطان من الصيد، ونزل الأهرام وأقام به في سابع وعشرين شعبان سنة أربع (عشر) (¬6) وسبع ماية. وطلع السلطان الملك الناصر، نصره الله، إلى القلعة المنصورة يوم الجمعة بعد صلاة العصر الحادي عشر من شهر رمضان المعظّم سنة أربع عشر (¬7) وسبع ماية (¬8). [إطلاق أمراء من السجن] وفي يوم الثلاثاء خامس عشر رمضان المذكور أطلق السلطان الملك الناصر، عزّ نصره، من السجن أمراء برجيّة جماعة، وابن صبح أطلقه من السجن، وسيّره إلى الشام وخلع عليه وعلى الأمراء. ¬
[وصول رسل ملك الكيتلان]
[وصول رسل ملك الكيتلان] وفي يوم الخميس ثاني شهر شوال استحضر السلطان الملك الناصر، خلّد الله ملكه، رسل الفرنج الواردين إلى الأبواب الشريفة في البحر من جهة ملك كيتلان (¬1)، وقبل تقادمهم من الطيور وغيرها. [صيد السلطان] وأصبح في ثالث شوال توجّه إلى الصيد. [خروج المحمل إلى الحجاز] وفي يوم الإثنين ثالث عشر شوال خرج المحمل إلى الحجاز الشريف، وأمير الركب كوكاي الناصريّ مع سلامة الله وعونه (¬2). [عودة السلطان من الصيد] وطلع السلطان إلى القلعة بعد مجيئه من الصيد يوم السبت ثامن عشر شوال سنة أربع عشر (¬3) وسبع ماية. [عمارة البرج بالقلعة] ورسم بعمارة البرج الجديد عند باب القلعة، وشرعوا في عمارة أساسه في يوم السبت خامس وعشرين شوال المذكور. [تجريد ثلاثة مقدّمين] وفي يوم الخميس ثامن وعشرين شهر ذي القعدة سنة أربع عشر (¬4)، وسبع ماية جرّد من العساكر المنصورة، وخرجوا مطلّبين، وهم ثلاث (¬5) مقدّمين: ألكتمر (¬6)، وابن الوزيري، والأبو بكري، ومضافيهم (¬7). ¬
[خروج مجردين آخرين]
[خروج مجرّدين آخرين] وفي يوم السبت مستهلّ شهر ذي الحجّة سنة أربع عشر (¬1) وسبع ماية، خرجوا (¬2) بقيّة المجرّدين، وهم ثلاث (¬3) مقدّمين تتمّة ستّ (¬4) مقدّمين، وهم: قلّى، وبيبرس (¬5) الحاجب، وسنجر الجمقدار، ومضافهم (¬6) من الأمراء والحلقة المنصورة، وتوجّهوا إلى الشام المحروس في العشر الأول من ذي الحجّة منها (¬7). [وفاة بركة ابن الخليفة المستكفي بالله] وفي يوم الأحد سادس عشر ذي الحجّة منها توفّي إلى رحمة الله تعالى بركة (¬8) المهتدي بالله ابن مولانا الإمام المستكفي بالله أبي الربيع سليمان الخليفة أمير المؤمنين. [الخلعة على الصاحب أمين الدين] وفي يوم الخميس ثامن وعشرين ذي الحجّة منها خلع السلطان على الصاحب أمين الدين، وولاّه ناظر النّظّار، عوض الصاحب ضياء الدين النشائي، ورتّبه ناظر الخزانة العالية. [وصول المجرّدين إلى دمشق] ووصلوا (¬9) المجرّدون من عسكر مصر إلى دمشق المحروسة في يوم السبت تاسع وعشرين من ذي الحجّة سنة أربع عشر (¬10) وسبع ماية. خرجوا نزلوا مرج الزنبقية، وخرج قبلهم عسكر دمشق. ¬
[سنة 715 هـ]
[سنة 715 هـ]. [فتح ملطية] وخرج الأمير سيف الدين تنكز نائب السلطنة بالشام، وتوجّه (¬1) إلى بلاد الشمال، واجتمعت العساكر المصرية، والدماشقة، والحمصيّين، والحمويّين، والطرابلسيّين (¬2)، الجميع في خدمة مقدّمهم الأمير سيف الدين تنكز الناصري نائب السلطنة بالشام المحروس، وتوجّهوا إلى ملطية وحاصروها، وفتحوها في يوم واحد، وهو يوم الإثنين ثالث وعشرين (¬3) المحرّم سنة خمس عشر (¬4) وسبع ماية بالسيف الأحمر، وسهّل الله فتحها على المسلمين. ولم يحصرها (¬5) عسكر حلب. ورحلوا عنها، وكسبوا مكاسبا (¬6) كثيرة وغلمانا وجوارا (¬7). ونزلوا مرج دابق مؤيّدين منصورين (¬8). وتوجّه بالبشارة إلى الأبواب الشريفة الأمير سيف الدين قجليس (¬9)، وناصر الدين محمد (¬10) الدوادار، [و] السيفي تنكز. [إرسال رسول إلى سيس] وسيّروا يغمر مملوك الأمير سيف [الدين] (¬11) تنكز، ورفيقه مملوك الأمير علاء الدين ألطنبغا نائب السلطنة بالأعمال الحلبية إلى سيس رسلا من جهة نواب مولانا السلطان عزّ نصره (¬12). ¬
[ثناء السلطان على نوابه بالنصر]
[ثناء السلطان على نوابه بالنصر] وفي يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة خمس عشرة وسبع ماية بعد الصلاة حضر إلى مرج دابق إلى العسكر المنصور الأمير سيف الدين قجليس من الأبواب الشريفة، وناصر الدين الدوادار الناصرية، وعلى أيديهم جواب مولانا السلطان الملك الناصر إلى نوّابه وإلى الأمراء بالشكر والثناء. [وصول رسل صاحب سيس] ووصل عند وصولهما يغمر ورفيقه المتوجّهين (¬1) إلى سيس، وصحبتهما رسل صاحب سيس. [احتفال النواب بالنصر] وفي يوم السبت ثاني عشر صفر المذكور عمل الأمير سيف الدين تنكز خوانا (¬2) كبيرا، وركب في موكب عظيم، وركب نائب حلب، وصاحب حماه، والأمراء المصريّين والشاميّين (¬3)، والعساكر المنصورة، وكان موكبا عظيما، ونزلوا في الخدمة، وترجّل الأمراء المصريّين والشاميّين (¬4) في خدمة نائب السلطنة بالشام المحروس، وضرب شقّة عظيمة، ورتبّوا مرتبة كبيرة لمولانا السلطان الملك الناصر، وعملوا عليها ملاءة (¬5) حريرا (¬6)، ووضعوا عليها نمجة (¬7) سنيّة. وجلس نائب الشام عن يمين المرتبة، وإلى جانبه عماد الدين صاحب حماه، وإلى جانبه قلّى والأمراء على الترتيب. وجلس نائب حلب عن يسار المرتبة، وإلى جانبه الأبو بكري، وإلى جانبه كجكل، وسنجر الجمقدار، والأمراء على الترتيب، ومدّ لهم خوانا (¬8) كبيرا كفّى المصريّين والشاميّين. وبعد ذلك حضروا (¬9) رسل سيس، وكان يوما مشهودا، وأعادوهم إلى مكانهم، ¬
ثم شرعوا وقرأوا (¬1) كتب السلطان وهم قيام، وباسوا الأرض ثلاث مرات (¬2)، الكتاب الجامع للأمراء المصريّين والشاميّين، وللأمراء الكبار كلّ واحد كتاب مخصّص. ثم أرسلوا إلى سيس بأجوبتهم أوران حاجب دمشق ورسل سيس، ورجع توجّه إلى الأبواب الشريفة. ثم توجّه الأمير سيف الدين قجليس وصحبته الأسارى إلى الباب الشريف بالديار المصرية وجميع طلبه في العشر الأول من ربيع الأول سنة خمس عشر (¬3) وسبع ماية. ثم رحل العسكر جميعه نزلوا حلب ينتظروا (¬4) ما ترد به المراسم الشريفة (¬5). ¬
صفة ملطية وطريقها التي توجهوا فيها العساكر المنصورة
صفة ملطية وطريقها التي توجّهوا (¬1) فيها العساكر المنصورة ففيها ماية وخمس وعشرين (¬2) عقبة كبار، خطرة، دقيقة (¬3) المسلك، صعبة المرتقى، تقدير ما طول كل عقبة ما نسبته مسير ثلاث ساعات من النهار وأقلّ وأكثر. وذلك أنهم لما توجّهوا من عين تاب (¬4) سلكوا الطرقات، ومهّدوا الأعقاب، وعملوا القناطر، وأتقنوا مقاطع الطرق التي في الجبال على الوداة (¬5) بالأخشاب في عقبتين خاصّة، طول المقطع الذي جسّروا عليه بالخشب تقدير ثلاثين ذراعا بالنجار، ذراع العمل، وعرض الجسر الخشب ذراع وأقلّ من ذراع. وأمّا الوداة (¬6) فأعمق ما يكون من الوداة (¬7)، وأشجار تلك الوداة والجبال جميعها كثيرة وعفص، ومنها عقبتين (¬8) ثلج (¬9). [كيفيّة فتح ملطية] وقاسوا شدّة عظيمة إلى أن وصلوا (¬10) إليها من العساكر قيران نائب حمص، وبعض العساكر صحبته، فحاصروها ثلاثة أيام، ثم وصل إليهم العسكر بجملته، وزحفوا عليها جملة واحدة في ساعة واحدة، فخرجوا لهم بالمفاتيح وطلبوا الأمان، فأمّنوهم من جانب، وهجموا عليهم من الجانب الآخر، وأخربوا أسوارها، وأحرقوا ونهبوا وأسروا وقتلوا ما وصلت القدرة إليه. وكان الزحف في يوم الأحد بعد صلاة الظهر ثاني وعشرين المحرّم سنة خمس عشر (¬11) وسبع ماية، ورحلوا عنها يوم الإثنين العصر في يوم الأربعاء ثاني صفر من السنة المذكورة (¬12). ¬
[وصف ملطية]
واستعبروا الأسارى، فكلمن (¬1) ظهر أنه مسلم أو مسلمة أخذوه وأعطوه لأهله، ومن لا له أهل (¬2) أودعوه للحاكم، ورتّبوا له نفقة وكسوة، وزوّجوا بعضهم، وأطلقوا الجميع من المسلمين، ولم يبق في الأسر سوى الأرمن. [وصف ملطية] وأمّا صفة ملطية، فإنّها مدينة مرجّلة في وطاة مقدار مسيرة ساعة زمان من نهار، وتنتهي (¬3) إلى جبال إلى جهات كركر وكختا، ومن الشمال وطاة مثلها تنتهي إلى نهر الفرات. ومن الغرب وطاة مثلها تنتهي إلى أودية. وفيها أنهر وأودية عميقة. تقدير الوطاة إليها نصف ساعة، وتنتهي إلى ذبا دراه مدينة خراب. ومنها تفترق الطرق إلى بهسنا (¬4) وغيرها. ومن الشرق وطاة تقدير ساعة، وتنتهي إلى جبال عالية، متّصلة بجبال صعبة ما يعلم لها حدّ. وفي المدينة قناة تخترق البلد، وتعبر إلى الدّور من جهة القبلة، وعليها سورين (¬5) حجر، البرّاني بخندق، والجوّاني بلا خندق. وفيها دور مليحة، مزخرفة، وما لها قلعة، لكن فيها صفة دار سلطنة من قبليّها تشبه القلّة. وفي ظاهر المدينة من حولها بساتين كثيرة، فيها من سائر الفواكه. وفيها أنهار تجري، وقنى، وفساقي، وغير ذلك (¬6). [إمساك أمراء] ولما كان في العشر الآخر من صفر سنة خمس عشر (¬7) وسبع ماية مسك السلطان الملك الناصر لبكتمر الحاجب، وأيدغدي شقير، وبهادر المعزّي، وأودعهم الإعتقال، وأخذ خيولهم وأموالهم وغلالهم (¬8). [تسمير نجيم الحطّيني] ولما كان في يوم الأربعاء سادس ربيع الآخر سنة خمس عشر (¬9) وسبع ماية، ¬
[إمساك نائب طرابلس]
مسك السلطان الملك الناصر، خلّد ملكه، نجيم (¬1) الحطّيني، وسمّره على جمل بسبب ما وقع منه من الفضول، وقتل النفس، ورسم بتسييره إلى دمشق مستمرّا على حاله، فسيّر من وقته على جمل، ومن جمل إلى جمل (¬2) والرجال حوله، إلى أن دخل إلى دمشق ميّتا مصبّرا في يوم السبت سادس عشر شهر ربيع الآخر المذكور، فكانت مدّة سفره من مصر إلى دمشق تسعة أيام، ودفن بدمشق (¬3). [إمساك نائب طرابلس] وفي ليلة السبت المذكور توجّه الأمير سيف الدين قجليس من دمشق على خيل البريد المنصور بعد قدومه من مصر، فلما وصل الناعم من أراضي حمص وجد الأمير سيف الدين تمر الساقي نائب السلطنة بطرابلس والفتوحات نازل (¬4) بها يتصيّد، فمسكه الأمير سيف الدين قجليس وأحضره إلى دمشق في ليلة الإثنين ثامن عشر الشهر المذكور. وأصبح نهار الإثنين بعد الموكب ونزلهم بدار السعادة مسك بهادر آص، وقيّدهما، واعتقلوهما بقلعة دمشق (¬5). [حبس بهادر آص وبكتمر الساقي] وفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر الشهر المذكور توجّهوا بهما بهادر آص إلى الكرك واعتقل به. وتوجّهوا بتمر الساقي صحبة الأمير سيف الدين قجليس إلى مصر واعتقل (¬6) بها. [نيابة السلطنة بطرابلس] وفي يوم الجمعة تاسع وعشرين ربيع الآخر توجّه الأمير سيف الدين كستاي إلى طرابلس نائب السلطنة الشريفة بالفتوحات الطرابلسية، بعد ما خلع عليه. وأخذ تقليده بذلك، وتوجّه على الهجن مع سلامة الله وعونه (¬7). ¬
[إطلاق سراح داود وجبا]
[إطلاق سراح داود وجبّا] وفي العشر الآخر من ربيع الآخر أطلق السلطان الملك الناصر، عزّ نصره، من الاعتقال لداود وجبّا أخوي سلاّر وبشاس. [قدوم رسول اليمن] وفي يوم السبت حادي [و] عشرين جمادى الأول سنة خمس عشر (¬1) وسبع ماية حضر رسول اليمن، وأحضر صحبته تقادما (¬2) كثيرة من القنا، والعدد، والشاشات، والأكراد، والخيل، والبركصطوانات، وغير ذلك (¬3). [حضور رسول العرب] وقبل تاريخه بأيام يسيرة حضر رسول العرب، وهو أخو ملك العرب أبو سعيد عثمان من أولاد عبد المؤمن. [حضور رميثة من الحجاز] وفي التاريخ حضر الشريف رميثة من الحجاز الشريف بعد أن قتل أخوه أبو الغيث بمكة، هجم عليه عبد من عبيد حميضة، فقتله، قاتل الله قاتله (¬4). [الإفراج عن نائب الكرك] وفي يوم الثلاثاء ثامن وعشرين من شهر رجب سنة خمس عشر (¬5) وسبع ماية أخرج السلطان الملك الناصر الأمير جمال الدين نائب الكرك والشام كان، من السجن وخلع عليه، ولله الحمد. وكان مكثه في السجن ثلاث سنين وثلاث (¬6) شهور وستّ (¬7) وعشرين يوما، وفرّج الله عنه (¬8). ¬
[نيابة الشريف رميثة بمكة]
[نيابة الشريف رميثة بمكة] وفيه خلع على الشريف رميثة، وقلّده نيابة مكة، وخلع على المجرّدين معه إلى الحجاز الشريف، وهم: الأمير نجم الدين دمر خان بن قرمان، وطيدمر الجمدار، ومنّ الله على رميثة بذلك. [سفر الشريف رميثة] وفي مستهلّ شعبان من السنة المذكورة سافر الشريف رميثة والمجرّدين (¬1) معه من الأمراء والأجناد إلى الحجاز الشريف، وعدّتهم مايتا فارس، خارجا عن المجرّدين من الشام. [سفر رسول اليمن] وفي ذلك النهار سافر رسول اليمن، وهو الأمير بدر الدين حسن مع السلامة إلى بلاده. [وفاة قرا لاجين] (وفي) (¬2) يوم الأربعاء ثالث عشر شعبان المذكور توفّي قرا لاجين أستاذ الدار إلى رحمة الله تعالى (¬3). [خروج السلطان للصيد] وتوجّه السلطان الملك الناصر إلى الصيد المبارك مع سلامة الله وعونه إلى الوجه القبليّ، وعدّا (¬4) إلى برّ الجيزة، في يوم الجمعة ثاني عشر من شهر شعبان سنة خمس عشر (¬5) وسبع ماية، وتوجّه إلى الصعيد في يوم السبت ثالث [و] عشرين شعبان المذكور (¬6). [حريق قلعة القاهرة] وفي ليلة الجمعة تاسع وعشرين شعبان المذكور احترق بالقلعة المنصورة حريقا ¬
[وصول الرسل]
عظيما (¬1) بالبرج المنصوري، وطباق الجمدارية، وظلّت النار تعمل تلك الليلة إلى طلوع الشمس. وكان لها دخانا عظيما (¬2)، ثم صفت النار واحمرّت، وبلغت الأفق، فأحرقت (¬3) أربع طباق وانطفت، ومنّ الله تعالى بذلك. وكانت الطباق التي احترقت هي التي رسم السلطان بهدمها وإضافتها إلى طباق البرج الجديد (¬4). [وصول الرسل] وفي العشر الآخر من رمضان المعظّم سنة خمس عشر (¬5) وسبع ماية وصلت (¬6) الرسل الذين سيّرهم مولانا السلطان الملك الناصر إلى قيدوا (¬7) في البحر المالح، وهم: سيف الدين أرج، وحسام الدين حسين ابن صاروا (¬8) ومن معهم من الرسل والمماليك والجوار (¬9) من جهة قيدو (¬10)، وتوجّه أرج وحسين بن صارو (¬11) إلى مولانا السلطان بالصعيد، واستحضرهم في منزلة ضهروط (¬12) من الأعمال البهنساويّة وهو راجع إلى القلعة (¬13). [ركب الحجّاج المغاربة] وفي مستهلّ شوّال من السنة المذكورة وصل من المغرب حجّاج ركب عظيم تقدير ثلاثين ألف راحلة، وبنت صاحب المغرب متوجّهين إلى الحجاز الشريف. وتوجّه الركب. ¬
[خروج المحمل]
[خروج المحمل] وخرج المحمل (¬1) إلى الحجاز الشريف في يوم السبت ثالث عشر شوال المذكور (¬2). [عودة السلطان من الصيد] ووصل السلطان من الصيد وطلع القلعة في يوم الخميس ثامن وعشرين شوال سنة خمس عشر (¬3) وسبع ماية. [إحضار السلطان للرسل أمامه] وفي يوم السبت العشرين من شوال المذكور استحضر السلطان الملك الناصر رسل طقطاي، ورسل الروم من القسطنطينية، ورسل الأشكري، ورسل صاحب ماردين (¬4). [سفر الرسل إلى بلادهم] وفي يوم الإثنين رابع المحرّم (¬5) سنة ستّ عشر (¬6) وسبع ماية توجّه رسل القسطنطينية ورسل طقطاي، ومعهم علاء الدين كندغدي (¬7) الخوارزميّ، وحسام الدين حسين بن صاروا إلى البلاد (¬8) طقطاي في البحر في المهمّات الشريفة (¬9). وتوجّه أيضا رسل الروم والجميع معزوزين مكرومين، والله الموفّق. [قياس الديار المصرية وروكها الثاني] وقبل التاريخ في سنة خمس عشر (¬10) وسبع ماية رسم السلطان الملك الناصر بقياس الديار المصرية في شهر شعبان منها، وتوجّهوا (¬11) الأمراء المقدّمين (¬12) لذلك. وتكمّل القياس في الأعمال جميعها. ¬
[تفرقة المثالات]
وشرعوا في عمل مقترح الروك على حكم القياس، وتكمّل في العشر الآخر من ذي الحجّة منها. [تفرقة المثالات] وشرع في تفرقة المثالات على الأمراء والحلقة المنصورة والمماليك السلطانية في يوم الإثنين سادس وعشرين شهر ذي الحجّة منها (¬1). [سنة 716 هـ]. وفرغ من تفرقة الأخباز، وعرض الجيوش المنصورة في يوم الإثنين حادي عشر المحرّم سنة ستّ عشر (¬2) وسبع ماية. وأخذ كل أحد ما قسم الله له. وهو الروك الثاني الناصريّ (¬3). [إبطال جهات] ورسم السلطان الملك الناصر، نصره الله تعالى، بإبطال أربع وعشرين جهة من جهات القاهرة والأعمال، وهي ما بين المسامحة بحقوق ساحل الغلال، والعرصات، والأخصاص، بالقاهرة، ومصر المحروستين. المسامحة بنصف السّمسرة التي أحدثت (على) (¬4) الدلاّلين (¬5). المسامحة بإبطال رسوم الولاية (¬6) والمقوّمين. وروسم كتّاب الولاية ونوّابهم، ومقرّر السجون. ¬
والمسامحة بالدراهم التي تستأدّى (¬1) عن الجراريف (¬2) التي كانت تثمّن (¬3). المسامحة برسم الخولة (¬4) والمهندسين، والقش، والمدامسة، وبطل (¬5) الجمع (¬6). المسامحة بالبغال والحوايص (¬7). والمسامحة بحقوق السجون وضمانها (¬8). والمسامحة بمقرّر الفرسان (¬9) عند البياكير المنصورة. المسامحة بقود الخيل. المسامحة بزكاة الرجّالة. المسامحة بعداد النحل. المسامحة بثمن العبي (¬10). المسامحة بمقرّر العبيد الحصنية. ¬
[البرق والرعد والمطر بالقاهرة]
المسامحة بحماية المراكب (¬1). المسامحة بمقرّر أتبان المعاصر على البلاد، وتستقرّ أتبان المعاصر الخاصّ على بلاد الخاص (¬2). المسامحة بطرح الفرّوج من المعامل على البلاد (¬3). المسامحة بعجز الجوالي. المسامحة بمقرّر الملاهي على من يعمل فرحا بغير مغاني (¬4). المسامحة بمقرّر ماء شطّنوف (¬5). [البرق والرعد والمطر بالقاهرة] وفي يوم السبت، بعد العصر ثالث وعشرين المحرّم سنة ستّ عشر (¬6) وسبع ماية وقعت هذه [الحادثة] (¬7) العظيمة: برق ورعد مزعج يشبه الصاعقة ومطر كبير، وبرد في القلعة والقاهرة وضواحيها، ولم يقع بمصر والأرياف شيء من ذلك. وكان ¬
[السيل ببلبيس]
مجيء ذلك من الغرب على الجيزة من ناحية بولاق وبحريّة على منية الشيرج، وشرّقت إلى الجبل والبرّ. ثم وقع مطر عظيم في تلك الساعة إلى أن سال من الجبال سيل عظيم، ووصل إلى سور القاهرة من جهة البرقيّة إلى باب النصر. وسلمت القاهرة من الغرق (¬1). [السيل ببلبيس] وجاء بمدينة بلبيس سيل من الجبل والبرّ الذي يليها من ذلك المطر إلى أن غرق حاصر بلبيس، ووصل الجسر، وحفروا في الجسر ترعة عند جامع السابق خرج منها ماء السيل إلى بحر بلبيس تصرّف الماء فيه، ولولا ذلك لغرقت بلبيس بأسرها بعد ما خرّب بحاضر بلبيس دورا كثيرة، وانقطعت طريق الشارع إلى بلبيس من باب مصر إلى باب الشام. وكان ذلك جميعه في ساعة واحدة ونصف ساعة رمليّة من اليوم المذكور (¬2). ووافقه من الشهر الروميّ سابع عشر نيسان، ومن شهور القبط ثاني عشر برمودة، والشمس في برج الثور قد قطعت خمس درج واثنين (¬3) وأربعين دقيقة، والقمر في برج الدالي واتصال النهار، مقارنه زحل على أحد عشر (¬4) ساعة، وحريق عطارد على ساعتين من تلك الليلة. فسبحان مدبّر الليل والنهار بحكمته ولطفه ورحمته. [وفاة مولود السلطان] وفي يوم الجمعة تاسع وعشرين المحرّم سنة ستّ عشر (¬5) وسبع ماية توفّي ولد السلطان المولود الجديد، عاش من العمر أحد (¬6) وخمسين يوما، و [زيد] (¬7) في موازين والده. [الأمطار والسيول ببلاد الشام] وفي أوائل صفر سنة ستّ عشر (¬8) وسبع ماية مطر الشام مطرا عظيما في جبال قارة (¬9)، ¬
وبعلبكّ، وبلاد حمص، وبلاد المناصف، وحماه، وحلب، وإعزاز، وبرد (¬1) لم ير بأكبر منه، مثل البردة كالنّارنجة وأصغر، وسال من ذلك المطر سيل من جهة بعلبك وقارة إلى جهة قاع المحدثة، ومشا (¬2) السيل إلى جوسية، إلى الناعم، وقدس، وفاضت منه بحيرة حمص، وأخذ ضيعة تسمّى [جسمل] (¬3) بالقرب من الناعم (¬4) بكل ما فيها، غرق الجميع، ولم يسلم من تلك الضيعة سوى رجلين ورجل وصغير [و] ابنته، نجّاهم الله بثور، وكان ذلك الثور عائم (¬5) في الماء، فمسك (¬6) الرجلان بقرنيه، والرجل وابنته على كتفه مسك (¬7) بذنب الثور، وعام بهم إلى أن أوصلهم الرقراق، وثبّت أقدامهم على الأرض، وتقاصر السيل فنجّاهم الله تعالى. وأمّا (¬8) ما أخذ السيل من خراكي (¬9) التركمان النازلين بتلك الأرض بكلّ من فيها فكثير ما يحصر، أرما (¬10) الجميع في البحيرة بأغنامهم وأموالهم، وتعلّق في بستان جوسية في أشعاره مواعز (¬11) كثيرة بقرونها، أخذها السيل من الجبل. وذكر أنّ البرد الذي وقع برد عظيم، وزن البردة من بعض ذلك البرد نصف رطل بالحلبيّ (¬12)، رطلان ونصف بالمصريّ، وأقلّ وأكثر. ووقع أكثر ذلك البرد بين جبلين، وامتلأ حتى سدّ الطرق، وهبّ عليه ريح خمّده، ثم انفتح فيه طريق من أسفله، فبقي البرد مثل القبو، والسفّارة تمرّ من تحت ذلك القبو البرد أياما قلايلا (¬13)، وذاب ونسف كأنه لم يكن. ¬
[طاعة الأمير ابن مهنا]
وأمّا المطر الذي وقع ببلاد إعزاز، فذكر أنه أوقع معه سمكا أحمرا (¬1)، صغارا وكبارا، وشاهدوه (¬2) الناس. فسبحان القادر على كل شيء (¬3). [طاعة الأمير ابن مهنّا] وفي شهر ربيع الآخر سنة ستّ عشر (¬4) وسبع ماية حضر الأمير فضل بن عيسى ابن (¬5) مهنّا إلى الأبواب الشريفة صحبة الأمير بهاء الدين أرسلان الدوادار الناصري تحت الطاعة بعد عصيان مهنّا، وبعض أولاده، ومحمد أخوه (¬6) وتوجّههم إلى خربندا ملك التتار. وخلع السلطان على فضل وأنعم عليه بإمرة مهنّا وأحسن إليه، وتوجّه إلى الشام (¬7). [وصول صاحب حماه بهديّته للسلطان] وفي يوم الإثنين تاسع عشر جمادى الأول سنة ستّ عشر (¬8) وسبع ماية وصل الملك عماد الدين صاحب حماه، حرسه الله تعالى، إلى الديار المصرية، ودخل إلى خدمة مولانا السلطان الملك الناصر، خلّد الله ملكه، وأقبل عليه، وقبل تقادمه السنيّة الوافرة النفيسة، والخيول المسوّمة، التقدمة التي لم يسبقه إليها أحد من أمثاله، أخلف الله عليه (¬9). [إقطاع معرّة النعمان لصاحب حماه] ثم إنّ السلطان الملك الناصر أخلع (¬10) على الملك عماد الدين وأحسن إليه، وأقطعه معرّة النعمان وضواحيها وحقوقها، وما هو منسوب إليها، دربستا زيادة على ¬
[وفاة كستاي نائب طرابلس]
حماه، وكتب منشوره القاضي جمال الدين بن الأثير في السابع والعشرين من جمادى الأول سنة ستّ عشر (¬1) وسبع ماية (¬2). [وفاة كستاي نائب طرابلس] وفي يوم الأربعاء تاسع شهر جمادى الأول سنة ستّ عشر (¬3) وسبع ماية توفّي الأمير سيف الدين كستاي (¬4) نائب السلطنة المعظّمة بالمملكة الطرابلسية والفتوحات إلى رحمة الله تعالى. [نيابة قرطاي بطرابلس] وفي شهر رجب من السنة المذكورة رسم مولانا السلطان، خلّد الله ملكه، أن يتوجّه الأمير شهاب الدين قرطاي نائب السلطنة بحمص إلى طرابلس (¬5). [تعيين الحاج رقطاي نائبا بحمص] وحضر الأمير سيف الدين بهادر الإبراهيمي الناصري بالتقاليد من الأبواب الشريفة إلى الشام على خيل البريد المنصور، فوصل إلى دمشق وأخذ الحاج رقطاي (¬6) الناصريّ منها، وألبسه تشريفه، وأعطاه تقليده بنيابة حمص، وتوجّه به إليها (¬7). [تسلّم قرطاي نيابة طرابلس] وأعطا (¬8) الأمير شهاب الدين قرطاي خلعته وتقليده بنيابة السلطنة بالمملكة الطرابلسيّة والفتوحات، وأخذه من حمص، وتوجّها إلى طرابلس وسلّمها إليه، ورجع ¬
[الإفراج عن بكتمر وتقليده نيابة صفد]
إلى الديار المصرية، عمّرها الله تعالى بحياة مولانا السلطان الملك الناصر، خلّد الله ملكه، وجعل الأرض كلّها ملكه (¬1). [الإفراج عن بكتمر وتقليده نيابة صفد] وفي شوال سنة ست عشر (¬2) وسبع ماية، في يوم الخميس رابع عشره أخرج السلطان الملك الناصر، خلّد الله ملكه، بكتمر (¬3) الحاجب من السجن، وخلع عليه، وقلّده نيابة السلطنة بالمملكة الصفدية والفتوحات العكاوية وما معها، وسيّره إليها (¬4). [خروج التجريدة إلى دنقلة] وفي شهر شوال سنة ستّ عشر (¬5) وسبع ماية توجّه المجرّدون إلى دنقلة (¬6) وإلى عيذاب (¬7). [سفر الحجّاج] وتوجّهوا (¬8) الحجّاج إلى الحجاز الشريف مع سلامة الله وعونه (¬9). [سفر أرغون الناصري إلى الحجاز] وفي يوم الإثنين ثاني ذي القعدة سنة ستّ عشر (¬10) وسبع ماية توجّه الأمير سيف الدين أرغون الناصري كافل الممالك الشريفة إلى الحجاز الشريف على الهجن، كتب الله سلامته (¬11). ¬
[القبض على أولاد مندو]
[القبض على أولاد مندو] وفي آخر سنة ستّ عشر (¬1) وسبع ماية هجموا (¬2) رجال قلعة كركر على قلعة أرنقين (¬3) وسرقوها وملكوها، وأخذوا كلمن (¬4) فيها، وقتلوا منها سبعة عشر رجلا من الأرمن، وأسروا الأرمن الذين كانوا فيها مع أولاد الشيخ مندو وعياله وزوجته، وجميع ما يملكه مندو بها. وكان الشيخ مندو غائبا لم يقعوا به، وأخربوا باب القلعة، وأحضروا الجميع إلى حلب. وأحضروا ابن (¬5) الشيخ مندو من حلب إلى الأبواب الشريفة صحبة المقدّمين رجال كركر (¬6) الذين أخذوا القلعة التي كانوا فيها، واستحضرهم مولانا السلطان الملك الناصر، أعزّ الله أنصاره، بمنزلة الأهرام، وخلع على المقدّمين، وأعطى للمقدّم محمد إمرة عشرة بحلب، وأنعم (على) (¬7) الباقين. وأودع ولد مندو الاعتقال (¬8). [موت ملك التتار] وفي آخر سنة ستّ عشر (¬9) وسبع ماية جاءت (¬10) الأخبار بموت خربندا (¬11) ملك التتار، وجلوس ولده مكانه. ولم يتحرّر (¬12). ¬
[سنة 717 هـ]
[سنة 717 هـ]. [انتقام السلطان من جماعة متآمرين] وفي يوم الخميس ثالث المحرّم سنة سبع عشر (¬1) وسبع ماية مسك السلطان الملك الناصر، خلّد الله ملكه، لأقبغا الحسني، ووسّط خزنداره، وقطع ألسنة جماعة، وأكحل (¬2) جماعة بسبب أوجبه الله عليهم، وما ضمروه (¬3) في أنفسهم من المكر، وأطلعه الله عليه، وظفّره بهم. [إطلاق آقبغا الحسني] ثم بعد يومين أطلق آقبغا الحسني وخلع عليه، فلله درّه من ملك ما أسعده وما أرشده، سلّم أمره إلى الله، فسلّمه الله، وتوكّل عليه، فكفاه وظفّره بأعدائه وحماه. [وصول نائب السلطان من الحجاز] وفي يوم الثلاثاء رابع عشر المحرّم سنة سبع عشر (¬4) وسبع ماية وصل الأمير الحاج سيف الدين أرغون الناصري نائب السلطان من الحجاز الشريف إلى مصر المحروسة، وحضر بين يدي مولانا السلطان، خلّد الله ملكه، وخلع عليه. وكان (¬5) مدّة سفره رواحا ومقاما [و] مجيئا اثنين وسبعين يوما، منها مقام أربع ¬
[الموقعة بين ابن عيسى وحميضة بمكة]
وعشرين يوما في مكة حرسها الله تعالى خمس (¬1) عشر يوما، وفي مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة أيام، وفي البقيع يوم واحد، وفي الشوبك ثلاثة أيام، والسفر رواحا وعودا ثمان وأربعين (¬2) يوما. تقبّل الله منه وبلّغ كلّ مشتاق. [الموقعة بين ابن عيسى وحميضة بمكة] وفي العشرين من المحرّم حضر رسول مهنّا بن عيسى على خيل البريد المنصور يخبر بأنّ حميضة أخذ معه أربع ماية فارس من التتار، ومقدّمهم شخص من التتر يعرف بالدربندي، مع من اجتمع معه من العربان، وتوجّه بهم إلى مكة، شرّفها الله تعالى، ليضرب مصافّا مع الحجّاج، ويقتلع مكة من رميثة، فوقع عليهم محمد بن عيسى ضرب معهم مصافّا، فأسكرهم محمد وقتل منهم جماعة من التتر والعرب، وما بلغ حميضة (¬3) ما قصده، وكسب محمد وأصحابه منهم مكسبا عظيما لم يحصر. [وصول الحجّاج] وفي الحادي والعشرين من المحرّم المذكور وصلوا (¬4) الحجّاج أولا فأولا. [وصول المحمل] وفي يوم الإثنين سابع وعشرين المحرّم المذكور من سنة سبع عشر (¬5) وسبع ماية وصل المحمل، وأمير الركب، وسائر الحجّاج إلى القاهرة المحروسة، وأحضروا معهم الشريف منصور بن جمّاز صاحب مدينة الرسول، عليه أفضل الصلاة والسلام، ومعه ولده كبش (¬6)، وولده كبيش هرب. [حضور فيّاض بن مهنّا للطاعة] وفي ذلك النهار حضر فيّاض ابن (¬7) مهنّا بن عيسى بن مهنّا تحت الطاعة، وخلع عليه. [الخلعة لابن جمّاز] وفي يوم الخميس مستهلّ صفر سنة سبع عشر (¬8) وسبع ماية خلع السلطان الملك الناصر على السيد الشريف منصور بن جمّاز صاحب المدينة، على ساكنها ¬
[الإمرة بطبلخاناة]
أفضل الصلاة والسلام، خلعة سنيّة فرجيّة أطلس أحمر، بتركيبة زركش، ومن تحتها أطلس أصفر، وشاش خليفتي، وطيّب قلبه وأوعده بكلّ خير. [الإمرة بطبلخاناة] وفي يوم السبت ثالث شهر صفر سنة سبع عشر (¬1) وسبع ماية أمّر السلطان الملك الناصر لشهاب الدين أحمد بن أقوش المعزّي المهمندار (¬2)، [و] أمّر زين الدين قراجا التركماني بطبل خاناة. [خروج السلطان للصيد] خرج السلطان الملك الناصر، نصره الله تعالى، إلى الصيد بناحية البرّية بالوجه البحري في حسب الله، في باكر نهار الخميس ثامن صفر سنة سبع عشر (¬3) وسبع ماية، ونزل المنصورية من أعمال الجيزيّة. ورحل نصف الليل، ليلة الجمعة تاسع الشهر المذكور دخل البرّيّة قاصد (¬4) الديارة والكحيليّات، كتب الله سلامته، فاصطاد ثلاث نعامات، وعدّة غزلان، وتفرّج ورجع طلع إلى قلعة الجبل بالقاهرة المحروسة، في يوم الأحد ثامن عشر صفر سنة سبع عشر (¬5) وسبع ماية. [الخلعة لرجال البيرة] وفي يوم الإثنين تاسع عشر صفر المذكور خلع السلطان على رجال (¬6) البيرة الذين أحضروا الأسارى التتر. وأمّا ما جرى من أمر هؤلاء الأسارى. فلما كان في شهر ذي الحجّة سنة ستّ عشر (¬7) وسبع ماية قصدوا (¬8) التراكمين النازلين (¬9) ببلاد التتر الرحيل إلى بلاد المسلمين. وكان بالقرب منهم تتر نازلين، فلم يقدروا التراكمين (¬10) على الرحيل من التتر، فسيّروا إلى نائب السلطنة المعظّمة بقلعة البيرة يطلبوا (¬11) منه عسكرا يحمونهم من التتر عند رحيلهم، فجهّز إليهم الأمير سيف الدين بهادر السّنجريّ نائب السلطنة ¬
[قدوم عرب نجد البحرين]
بثغر البيرة المحروس مايتي فارس ومايتي راجل، فرحلوا (¬1) التركمان، فلحقوهم (¬2) التتر في أرض قرا مذيق (¬3) برأس مرج سروج، وضربوا معهم رأسا، فأكسروا (¬4) التتر، وقتلوا منهم خمسين ستين نفسا، وأسروا منهم ثمان (¬5) وأربعين إنسانا. ثم توجّهوا بالتركمان والأسارى إلى البيرة، وجهّزوا الأسارى إلى أبواب (¬6) الشريفة. وكان وصولهم إلى القاهرة في يوم الخميس ثامن شهر صفر سنة سبع عشر (¬7) وسبع ماية. وخلع السلطان على الذين أحضروهم في يوم الإثنين تاسع عشر صفر المذكور (¬8). [قدوم عرب نجد البحرين] وفي يوم الخميس ثاني وعشرين صفر المذكور حضر إلى خدمته جماعة من عرب نجد البحرين، وخلع عليهم وأنعم عليهم، وأحسن إليهم (¬9). [شفاء وكيل السلطان] وفي يوم السبت رابع وعشرين صفر عوفي القاضي كريم الدين وكيل مولانا السلطان الملك الناصر، أعزّ الله أنصاره، وطلع القلعة، وأخلع (¬10) على الحكماء، وزيّنت القاهرة فرحا بعافيته، وأوقدوا الشمع بالنهار. [ركوب وكيل السلطان والاحتفال به] وفي ليلة الثلاثاء سابع وعشرين صفر سنة سبع عشر (¬11) وسبع ماية ركب القاضي كريم الدين، وطلع مصر، وزيّنت مصر، وأوقدوا له آلاف شموع وقناديل (¬12)، وعملت الأفراح تلك الليلة. وأصبح نهار الثلاثاء اجتمعت الخلق وأوقدوا الشمع، وكان يوما مشهودا. وركب وتوجّه إلى البستان مع سلامة الله وعونه. وكان (¬13) مدّة توعّكه عشرة أيام، ثلاثة وهو في الصيد مع السلطان، وسبعة في أيام البستان. والحمد لله على السلامة والعافية. ¬
[وصول الأمير ابن مهنا إلى مصر]
[وصول الأمير ابن مهنّا إلى مصر] وفي يوم الإثنين رابع ربيع الأول سنة سبع عشرة وسبع ماية وصل الأمير محمد بن عيسى بن مهنّا إلى مصر المحروسة، وحضر بين يدي مولانا السلطان الملك الناصر، خلّد الله ملكه. [واقعة السيل ببعلبك] ولما كان بتاريخ يوم الثلاثاء سابع عشر شهر صفر سنة سبع عشر (¬1) وسبع ماية، بين الظهر والعصر، أرسل الله تعالى سحابة عظيمة ذات رعد وبرق ومطر وودق، فسالت منها الأودية شرقيّ بعلبكّ المحروسة، وحملت كلّ ما مرّت عليه من أشجار العنب وغيره، فانفرقت على البلد فرقتين، فرقة في الناحية الشرقية بقبلة، وسالت حتى انتهت إلى مجرى النهر، وبحّرت بحيرة (¬2) عظيمة على السور، حتى كادت تبلغ شرافاته (¬3) ارتفاعا، وزادت وتزايدت حتى لطف الله عزّ وجلّ، وثبت السور، فتصرّف مع جريان الماء في النهر، ولم يحصل بحمد الله تعالى بسببها كبير أمر ولا فساد. والفرقة الثانية ركبت البلد من باب دمشق إلى باب نحلة (¬4) شرقيّ البلد، وانزجرت هناك على السور، فلما اجتمعت وثقلت خرقت من السور ما مساحته في الطول أربعين (¬5) ذراعا، مع أنّه محكم البنيان. وحصل لما يليه التصدّع، مع أنّ سمكه نحو خمسة أذرع، فأخذت برجا على التمام والكمال، وبعض بدنة عن الشمال. وهذا البرج ذرعه من كلّ جانب خمسة عشر ذراعا، فحمله الماء وهو على حلّه (¬6) لم ينتقض حتى مرّ على فسحة عظيمة نحو خمس ماية ذراع من الأرض. وأخذ السيل في البلد إلى جهة الغرب جاريا، فما مرّ على شيء في طريقه إلاّ جعله خاويا، ولا على شاخص من البناء وغيره إلاّ جعله للأرض مساويا، فخرّب المساكن، وأذهب الأموال، وغرّق الرجال والحريم والأطفال، وأثكل الأمّهات والآباء. ثم لم يزل حتى دخل الجامع الأعظم والمدرسة التي تليه، وانزجر بها حتى كادت تبلغ رؤوس (¬7) العمد في بنائه، فأتلف فيهما من المصاحف والرّبعات والكتب، وشعّث فيها وخرّب وغرّق، وانفجر من الجدار الغربي بالجامع فهدمه، وأخذ ما عليه من البنيان. وهذا كلّه مشاهد بالعيان، حتى بلغ خندق القلعة المنصورة، وخرق من ¬
سور البلد الغربيّ الملاصق لها ما مقداره خمس وعشرين (¬1) ذراعا، فما مرّ على بستان إلاّ وأجابته أشجاره سراعا، ولا {وَقِيلَ يا أَرْضُ اِبْلَعِي [ماءَكِ] (¬2)} وَيا سَماءُ أَقْلِعِي (¬3)، حتى صارت ذو (¬4) المساكن على الطرقات، وأصحاب الأموال يستحقّون الصدقات. وتهدّمت المساجد، وتعطّلت الصلوات. ولقد جرى في هذا اليوم من العجايب ما يعدّ، ومن الغرايب ما لا يحدّ، حتى أخبر الثقات أنه نزل من السماء عمود عظيم من نار في أوائل السيل، وورد من الدخان ما سمع (¬5)، فأسمع الصرخات في الأكوان ما يضعف الحيل، وسلم في مظنّة العطب من كتبه الله سالما على ضعفه، وعطب في مظنّة السلامة من قضى الله بحتفه. وكانت مساحة ما أخذ من البنيان في العرض نحو مساحة ما انخرق من السور المقدّم ذكره، يزيد في بعض الأماكن، وينقص في بعض الأماكن. وطول ما خرقه السيل المذكور من السور إلى السور. وأمّا ما على جنبات مجرى الماء من المساكن القريبة إليه والبناء الذي يحكم الماء عليه فتشعّث في ذلك ما لا يحدّ، وتلف من الأموال والغلال والأثاث والمتاع ما لا يعدّ. وهلك في بعض الحمّامات من النساء والأطفال سبعة نفر، مع سلامة خلق كثير وجد في الأماكن المستقلّة من الغرق جمع كبير. وتعطّلت بعض الطواحين، والأوقاف، والحمّامات، وتشعّث البيمارستان. هذا صورة ما ثبت على قاضي بعلبكّ جمال الدين الرضيّ (¬6)، وكتب خطّه ¬
عليه: «إنّي شاهدت أكثر ذلك، والشهود خلق كثير» (¬1). وهذه كلّها أنذار وأعذار، وتخويف وتنبيه، والناس في تغافل: فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. والحمد لله وحده. تمّ الكتاب وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم (بعون الله وتوفيقه، تمّ تحقيق هذا الكتاب على يد خادم العلم وطالبه، عمر عبد السلام تدمري، الأستاذ الدكتور، عضو الهيئة العربية العليا لإعادة كتابة تاريخ الأمة في اتحاد المؤرّخين العرب، أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة اللبنانية، المشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه، الطرابلسيّ مولدا وموطنا، وذلك بمنزله بساحة الأشرف خليل بن قلاوون (النجمة سابقا) من مدينة طرابلس الشام المحروسة، حفظها الله وسائر بلاد العرب والمسلمين، وأبقاها ثغرا ورباطا إلى يوم الدين. وكان الفراغ من التحقيق بعد ظهر يوم الإثنين الثالث من شهر صفر الخير سنة 1423 هـ. / الموافق للخامس عشر من شهر نيسان / إبريل سنة 2002 م. والحمد لله أولا وآخرا). ¬
فهرس المصادر والمراجع المعتمدة في التحقيق
فهرس المصادر والمراجع المعتمدة في التحقيق حرف المدة - آثار الأول بترتيب الدول، للعباسي. - آثار البلاد وأخبار العباد، للقزويني. حرف الألف - إتّعاظ الحنفا بأخبار الأئمّة الفاطميّين الخلفا، للمقريزي. - أخبار الأيوبيّين، لابن العميد. - أخبار الدول وآثار الأول، للقرماني. - أخبار مصر، لابن ميسّر. - الإستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البرّ. - الإشارة إلى وفيات الأعيان، للذهبي. - الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة، لابن شدّاد. - الأعلام، للزركلي. - الإعلام بوفيات الأعلام، للذهبي. - الإعلام والتبيّين بخروج الفرنج الملاعين، لابن الحريري. - أعلام النساء، للزركلي. - أعلام الورى بمن ولي من الأتراك بدمشق الكبرى، لابن طولون. - أعيان القصر وأعوان النصر، للصفدي. - إغاثة الأمة بكشف الغمّة، للمقريزي. - الإلمام بالإعلام فيما جرت به الأحكام والأمور المقضيّة في واقعة الإسكندرية، للنويري السكندري. - الإنباء بأنباء الأنبياء، وتواريخ الخلفاء وولايات الأمراء، للقضاعي (بتحقيقنا).
حرف الباء
- الإنباء في تاريخ الخلفاء، لابن العمراني. - الانتصار لواسطة عقد الأمصار، لابن دقماق. - الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، للعليمي الحنبلي. حرف الباء - البحرية في مصر الإسلامية، للدكتورة سعاد ماهر. - بدائع الزهور في وقائع الدهور، لابن إياس. - البداية والنهاية في التاريخ، لابن كثير. - البدء والتاريخ، لأبي طاهر المقدسي. - البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان، المنسوب للعماد الأصفهاني (بتحقيقنا). - البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، لابن عذاري. حرف التاء - تاريخ ابن أبي الهيجاء. - تاريخ ابن خلدون - العبر في ديوان المبتدا والخبر. - تاريخ ابن الراهب. - تاريخ ابن سباط - صدق الأخبار (بتحقيقنا). - تاريخ ابن الفرات - تاريخ الدول والملوك. - تاريخ ابن قاضي شهبة - الإعلام بتاريخ أهل الإسلام. - تاريخ ابن الوردي - تتمة المختصر في أخبار البشر. - تاريخ أخبار القرامطة، لابن سنان. - تاريخ الأزمنة، للدويهي. - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، للذهبي (بتحقيقنا). - تاريخ الأنطاكي - صلة تاريخ أوتيخا (بتحقيقنا). - التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، لابن الأثير. - تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي. - تاريخ بيروت، لصالح بن يحيى. - تاريخ الحروب الصليبية، لستيفن رنسيمان.
- تاريخ حلب، للعظيمي. - تاريخ حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه، لابن الجزري (بتحقيقنا). - تاريخ الخلفاء، للسيوطي. - تاريخ خليفة بن خيّاط. - تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس، للديار بكري. - تاريخ الرسل والملوك، للطبري. - تاريخ الزمان، لابن العبري. - تاريخ سلاطين المماليك، نشره زترستين. - تاريخ طرابلس السياسي والحضاري عبر العصور (تأليفنا). - التاريخ العربي والمؤرّخون، للدكتور شاكر مصطفى. - التاريخ الغياثي. - تاريخ مختصر الدول، لابن العبري. - تاريخ مصر وفضائلها، منسوب لابن زولاق، وهو لمؤرّخ من القرن العاشر الهجري. - تاريخ الملك الظاهر، لابن شدّاد. - تاريخ مغلطاي. - التاريخ المنصوري، لأبي الفضائل. - تاريخ اليعقوبي. - تالي كتاب وفيات الأعيان، للصقاعي. - تبصرة أرباب الألباب، للطرسوسي. - تجارب الأمم وتعاقب الهمم، لابن مسكويه. - تحفة الأحباب، للسخاوي. - التحفة الملوكية، لبيبرس المنصوري. - تحفة الناظرين في تاريخ أخبار الماضين، للطول كرمي. - تحقيق النصرة بتلخيص معالم الهجرة، للمراغي. - تذكرة النبيه في أيام الملك المنصور وبنيه، لابن حبيب الحلبي.
حرف الجيم
- ترويح القلوب في مناقب بني أيوب، للزبيدي. - تسمية أزواج النبي وأولاده، لأبي عبيدة. - تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور، لابن عبد الظاهر. - تكملة تاريخ الطبري، للهمداني. - التكملة لوفيات النقلة، للمنذري. - التنبيه والإشراف، للمسعودي. حرف الجيم - الجامع الصحيح، للترمذي. - جامع التواريخ، للهمداني. - الجوهر الثمين في سير الملوك والسلاطين، لابن دقماق. - حدائق الياسمين، لابن كنان. حرف الحاء - حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، للسيوطي. - حسن المناقب السريّة، لشافع بن علي. - الحوادث الجامعة والتجارب النافعة، المنسوب لابن الفوطي. حرف الحاء - خطط جبل عامل، للأمين. حرف الدال - الدارس في تاريخ المدارس، للنعيمي. - درر التيجان وغرر تواريخ الزمان، لابن أيبك (مخطوط). - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر. - الدرّ الفاخر في سيرة الملك الناصر، لابن أيبك. - درّة الأسلاك في دولة الأتراك، لابن حبيب الحلبي (مخطوط). - الدرّة الزكية في تاريخ الدولة التركية، لابن أيبك. - الدرّة السنيّة في تاريخ الدولة العباسية، لابن أيبك. - الدرّة المضيّة، لابن صصرى. - الدرّة المضيّة في أخبار الدولة الفاطمية، لابن أيبك.
حرف الذال
- الدليل الشافي، لابن تغري بردي. - دول الإسلام، للذهبي. - دول الإسلام الشريفة، للقدسي. - ديوان الإسلام، للغزّي. حرف الذال - ذخيرة الأعلام، للغمري. - ذيل تاريخ دمشق، لابن القلانسي. - ذيل تجارب الأمم، للروذراوري. - ذيل التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد، لقاضي مكة. - الذيل على الروضتين في أخبار الدولتين، لأبي شامة. - ذيل مرآة الزمان، لليونيني. حرف الراء - رحلة ابن بطّوطة. - الروضتين في أخبار الدولتين، لأبي شامة. - الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر، لابن عبد الظاهر. حرف الزاي - زبدة الحلب في تاريخ حلب، لابن العديم الحلبي. - زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة، لبيبرس المنصوري. حرف السين - السلوك لمعرفة دول الملوك، للمقريزي. - سير أعلام النبلاء، للذهبي. - سنا البرق الشامي، للعماد الأصفهاني. حرف الشين - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي. - شفاء القلوب في مناقب بني أيوب، للحنبلي.
حرف الصاد
حرف الصاد - صبح الأعشى في صناعة الإنشا، للقلقشندي. - صحيح مسلم. - صلة تاريخ الطبري، لعريب القرطبي. حرف الطاء - الطالع السعيد الجامع لأسماء الفضلاء والرواة بأعلى الصعيد، للأدفوي. - طبقات الأمم، لصاعد الأندلسي. - طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة. - طبقات الشافعية، للإسنوي. - طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي. - الطبقات الكبرى، لابن سعد. - طبقات المفسّرين، للداوودي. حرف الظاء - الظاهر بيبرس، للدكتور سعيد عاشور. حرف العين - العبر في خبر من غبر، للذهبي. - عرائس المجالس، للثعالبي. - العسجد المسبوك والجوهر المحكوك، للخزرجي الأنصاري. - العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، لقاضي مكة. - عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، لبدر الدين العيني. - عيون التواريخ، لابن شاكر الكتبي. - العيون والحدائق في أخبار الحقائق، مجهول المؤرّخ. حرف الغين - غربال الزمان، لابن الأهدل (مخطوط). حرف الفاء - الفتح القسّي في الفتح القدسي، للعماد الأصفهاني.
حرف القاف
- فتوح البلدان، للبلاذري. - فتوح مصر، لابن عبد الحكم. - فتوح النصر في تاريخ ملوك مصر، لابن بهادر (مخطوط). - الفخري في الآداب السلطانية، لابن طباطبا. - الفضائل الباهرة في محاسن مصر والقاهرة، لابن ظهيرة. - الفضل المأثور من سيرة السلطان الملك المنصور، لشافع بن علي (بتحقيقنا). - الفهرست، لابن النديم. - فوات الوفيات، لابن شاكر الكتبي. حرف القاف - القاموس الإسلامي، لأحمد عطية الله. - قاموس الألبسة، لدوزي. - القدّيس لويس حياته وحملاته على مصر والشام، ترجمة د. حسن حبشي. - قطف الأزهار، للبكري (مخطوط). حرف الكاف - الكامل في التاريخ، لابن الأثير (بتحقيقنا). - كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة، للسيوطي. - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجّي خليفة. - الكواكب الدرّية في السيرة النورية، لابن قاضي شهبة. حرف اللام - لبنان من السقوط بيد الصليبيّين حتى التحرير، (تأليفنا). - لحظ الألحاظ، لابن فهد. - لويس التاسع، لمحمد مصطفى زياده. - مآثر الإنافة في معالم الخلافة، للقلقشندي. - مجمع الزوائد، للهيثمي. - المحبّر، لابن حبيب. - محيط المحيط، للبستاني. - المختار من تاريخ ابن الجزري، للذهبي.
- مختصر التاريخ، لابن الكازروني. - مختصر تاريخ الإسلام، لابن الملاّ (مخطوط). - مختصر التواريخ، للسلامي (مخطوط). - المختصر في أخبار البشر، لأبي الفداء. - المختصر من الكامل في التاريخ وتكملته، للمسروري (بتحقيقنا). - مذكرات جوانقيل. - مرآة الجنان وعبرة اليقظان في حوادث الزمان، لليافعي. - مرآة الزمان في تاريخ الأعيان، لسبط ابن الجوزي. - مروج الذهب ومعادن الجوهر، للمسعودي. - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (دولة المماليك الأولى)، لابن فضل الله العمري. - المسالك والممالك، لابن خرداذبه. - المسند، للإمام أحمد. - مشارع الأشواق إلى مصارع العشّاق في فضائل الجهاد، لابن النحاس الدمياطي. - مشيخة قاضي القضاة، لابن جماعة. - المصنّف، لعبد الرزاق الصنعاني. - مضمار الحقائق وسرّ الخلائق، لابن شاهنشاه الأيوبي. - معجم الأدباء، لياقوت الحموي. - معجم الألفاظ الفارسية، لأدّي شير. - معجم الشيوخ، للذهبي. - المعجم الكبير، للطبراني. - المعجم المختصّ بالمحدّثين، للذهبي. - معجم المصطلحات والألقاب التاريخية، للخطيب. - معجم المؤلّفين، لكحّالة. - المعرفة والتاريخ، للفسوي. - معركة عين جالوت، لعماد عبد السلام رؤوف. - المغرب في حلى المغرب، لابن سعيد المغربي. - مفرّج الكروب في أخبار بني أيوب، لابن واصل.
حرف النون
- المقتفي، للبرزالي (مخطوط). - المقفّى الكبير، للمقريزي. - مملكة صفد، للطراونة. - مناقب عمر بن الخطاب، لابن الجوزي. - مناهل الصفا، للسيوطي (مخطوط). - منتخب الزمان، لابن الحريري. - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، لابن الجوزي. - المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي، لابن تغري بردي. - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، للمقريزي. - مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة، للسخاوي. - موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي، (تأليفنا). حرف النون - الناصر محمد بن قلاوون، لمرزوق. - النبراس، لابن دحية. - نثر الجمان في تراجم الأعيان، للفيّومي (مخطوط). - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لابن تغري بردي. - نزهة الأنام في تاريخ الإسلام، لابن دقماق. - نزهة الناصر في سيرة الملك الناصر، لليوسفي. - نصوص تاريخية عن السيل الجارف في بعلبك، (تأليفنا). - النفحة المسكية في الدولة التركية، لابن دقماق (بتحقيقنا). - النكت العصرية في أخبار الوزراء المصرية، لعمارة اليمني. - نهارية الأرب في فنون الأدب، للنويري. - النهج السديد والدرّ الفريد فيما بعد تاريخ ابن العميد، للمفضّل ابن أبي الفضائل. - النوادر السلطانية في المحاسن اليوسفية، لابن شدّاد. - النور اللائح والدرّ الصادح في اصطفاء الملك الصالح، لابن القيسراني (بتحقيقنا). حرف الهاء - هدية العارفين، للبغدادي.
حرف الواو
حرف الواو - الوافي بالوفيات، للصفدي. - وفيات الأعيان، لابن خلّكان. - ولاة مصر، للكندي. - الولاة والقضاة، للكندي.