نزهة الأنام فى تاريخ الإسلام
ابن دُقْماق، صارم الدين
تقديم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تقديم أتقدم بالشكر الجزيل لكل من أسهم معي في إنجاز هذا العمل، وأخصّ بهذا الشكر، الدكتور ناصح ميرزا، الذي أشرف على رسالتي هذه في جامعة ملبورن - أوستراليا (قسم الدراسات الشرق الأوسطية). وكذلك أتقدم بالشكر في لبنان، لكل من الدكتور محمد حمادة الذي استحصل لي على نسخة من هذا المخطوط من المكتبة الوطنية في باريس، وأيضا الدكتور عمر تدمري الذي أعطاني من وقته القيّم لإطلاعي على بعض المصادر الهامة. كما أتقدم بشكري إلى الدكتور محمد أبو علي، الذي ساعدني في عملية ضبط الأوزان الشعرية في النص. وكذلك شكري العميق إلى الأستاذ العالم الدكتور إحسان عباس الذي اطّلع على رسالتي وأفادني بالكثير من إرشاداته وملاحظته المخلصة. كما لا يفوتني في الختام أن أتقدم بالشكر إلى زوجتي التي ساهمت معي في إنجاز هذا العمل من خلال دعمها وتشجيعها لي. سمير طباره
تمهيد
تمهيد من المميزات التي اتّسم بها عصر الدولة الأيوبية في الفترة الممتدة بين سنة 628 و 659 هـ / 1230 و 1261 م - وهي الفترة التاريخية التي تضمّنتها أحداث المخطوطة - الصراع بين سلاطين الأسرة الأيوبية في مصر، وبين ملوك بلاد الشام الأيوبيين، والتي تمثّلت بالصراع في أكثر الأحيان بين الإخوة بعضهم مع بعض على السلطة. وكذلك الخطر الخارجي الذي تهدد الدولة الأيوبية متمثلا بأطماع الفرنجة الصليبيين بالاستيلاء على مدن الساحل الشامي وتهديدهم لمصر بالذات، متجسدا بحملة لويس التاسع على دمياط في سنة 647 هـ / 1249 م، وأيضا في غزو التتار لمدينة بغداد في سنة 656 هـ / 1258 م وتدميرهم لها، وزحفهم على بلاد الشام وتخريبهم لمدنه، حتى باتوا يشكلون خطرا داهما على مصر. فكان أن تصدى لهم سلطان مصر المملوكي الظاهر قطز على، «عين جالوت» في سنة 658 هـ / 1261 م وردّهم على أعقابهم، موقفا ذلك الزحف الهمجي المخرّب لبلاد المسلمين. وبعد، تلك هي السمات التي تميزت بها الفترة التاريخية لعهد الدولة الأيوبية من خلال مخطوطة «نزهة الأنام» والتي ذكرها مؤرخنا ابن دقماق في مؤلفه سنة بعد سنة، مما يعرف بالتأريخ الحولي. ومن هذا المنطلق عمدت الى وضع دراسة شاملة لفحوى هذا المخطوط من خلال الكثير من المصادر المعاصرة للفترة الأيوبية، بالإضافة الى وضع مقدمة من ثلاثة فصول، تتضمن دراسة عن هذا المخطوط على النحو التالي:
الفصل الأول: يتضمن هذا الفصل دراسة عن حياة ابن دقماق ومكانته العلمية بين معاصريه من المؤرخين في مصر، كما يتضمن وصفا للمخطوط وأجزائه. الفصل الثاني: ويتضمن دراسة للمصادر التاريخية للفترة الزمنية الممتدة ما بين سنة (628 و 659 هـ / 1230 - 1261 م)، وهي الفترة الزمنية المعاصرة لأحداث هذا المخطوط، كما يتضمن هذا الفصل دراسة للعديد من المصادر المتأخرة التي أرّخت لتلك الحقبة. الفصل الثالث: يتضمن هذا الفصل دراسة عن العصر الذي عاش فيه ابن دقماق من خلال النشاطات العلمية والأدبية التي شهدتها مصر في عهد المماليك.
الفصل الأول ابن دقماق ونزهة الأنام
الفصل الأول ابن دقماق ونزهة الأنام (دراسة عن حياة المؤلف والمخطوط) التعريف بالمؤلف هو صارم الدين إبراهيم بن محمد بن أيدمر العلائي المعروف بابن دقماق القاهري الحنفي، مؤرخ الديار المصرية. ومصدر كلمة دقماق مشتق من الكلمة التركية «تقماق» ومعناها المطرقة (¬1). ولقد أخطأ الكثيرون من المؤرخين عندما أشاروا الى أنّ دقماق هو جده لأبيه، وأن مؤرخنا هو إبراهيم بن محمد بن دقماق (¬2). أما والده محمد بن أيدمر فإننا نجهل حقيقة أمره، حيث لا تطالعنا المصادر بمعلومات وافية عنه، سوى ما وجدناه عند العسقلاني (¬3) من أن والد ابن دقماق محمدا، كان «دوادار» بدر الدين ابن خالة القلانسي وأنه توفي في الحادي والعشرين من شوّال سنة 761 هـ / 1359 م بالعقيبة. وأما جده أيدمر العلائي الذي لقبه دقماق فإننا أيضا لم نجد الشيء الكثير عن حياته وأثره سوى ما ذكره لنا ابن حجر العسقلاني من أنه كان متوليا نقابة العساكر المصرية آنذاك وكان من خيرة المتولين، وظل كذلك الى أن توفي في رجب سنة 734 هـ / 1333 م (¬4). ونعود إلى مؤرخنا ابن دقماق صارم الدين إبراهيم، حيث أجمعت المصادر التاريخية على ¬
نشأته
أنه ولد في حدود سنة 750 هـ / 1349 م وتوفي في حدود سنة 809 هـ / 1406 م (¬1). ولم نجد من خالف هذا التاريخ سوى السيوطي وحاجي خليفة، حيث ذكرا تاريخ وفاته في حدود سنة 790 هـ / 1388 م (¬2). وإن كان حاجي خليفة يعود ليستدرك فيشير في كتابه أكثر من مرة الى وفاته في سنة 809 هـ / 1406 م (¬3). نشأته: لم نقع في أغلب المصادر التي ترجمت لابن دقماق على مبدأ حياته العملية أو العلمية بشيء من التفصيل، بل كل ما وجدناه عنه هو شذرات يسيرة تعطينا فكرة واضحة عن خلفيات نشأته، وتشير تلك المصادر في أغلبها إلى أنّ ابن دقماق مؤرخنا كان في بداية أمره متزييا بزيّ الجند، ثم حبب إليه العلم فطلبه وتفقه يسيرا بجماعة من فقهاء الحنفية واتجه الى الادب، ثم حبب إليه التاريخ ومال اليه بكليته (¬4). ولقد ذكره السخاوي (¬5) وقال عنه: «إن تصانيفه في التأريخ كانت مفيدة وجيدة واطلاعه كثير واعتقاده حسن، ولم يكن عنده فحش في كلامه ولا في خطه». وذكره المقريزي فقال عنه: «إنه أكب على التاريخ حتى كتب فيه نحو مئتي سفر من تأليفه وغير ذلك. وكتب تاريخا كبيرا على السنين وآخر على الحروف وأخبار الدولة التركية في مجلدين، وسيرة للظاهر برقوق وطبقات الحنفية امتحن بسببها، وكان عارفا بأمور الدولة التركية مذاكرا بجملة أخبارها مستحضرا لتراجم أمرائها، يشارك في غيرها مشاركة جيدة» (¬6). ولقد وقعت لابن دقماق فتنة قاسى منها بسبب ما نسب إليه في وقوعه بحق الإمام الشافعي، وتفصيل الأمر أنه في سنة 804 هـ / 1401 م وجد بخط ابن دقماق كلام بحق الإمام الشافعي فاستجوب بذلك في مجلس القاضي الشافعي، فذكر أنه نقله من كتاب عند أولاد الطرابلسي، فكان أن حكم القاضي جلال الدين عليه بالضرب والحبس، وقيل إنه لم ¬
ثقافته
يكن المذكور يستأهل ذلك (¬1). ثقافته: لم يكن صارم الدين ابن دقماق ضليعا بثقافة أدبية ولغوية تجعلان منه مؤرخا على قدر من البلاغة ومتانة في اللغة العربية، وإن كان كما ذكره بعض المؤرخين غزير الإنتاج في كتاباته التاريخية، حيث قال عنه السخاوي نقلا عن المقريزي: إنه كتب ما يزيد على مائتي سفر منها (¬2). ولا شك أن مؤرخنا هذا الذي عاش في العصر المملوكي وكان عارفا بأمور الدولة التركية ومتأثرا بطابعها، تأثر أيضا وإلى حد بعيد بثقافة ذلك العصر التي غلب عليها طابع العامية في الكتابة عند أكثر المؤرخين، وانتشار اللغة التركية في تلك الحقبة. ورغم ذلك فلقد وصف بعض المؤرخين ابن دقماق بأنه لم يكن عنده فحش في كلامه ولا في خطه (¬3)، غير أنه رغم اشتغاله بالأدب كان عريا عن العربية فلهذا وقعت عبارته خارجة عن قواعد العربية. وقال عنه السخاوي: «كان يحب الأدبيات مع عدم معرفته بالعربية» (¬4). أخلاقه: لقد أجمع المؤرخون على أن صارم الدين إبراهيم ابن دقماق كان جميل العشرة كثير الفكاهة، حسن الود، قليل الوقيعة في الناس (¬5). قال عنه ابن العماد نقلا عن المقريزي: «كان جميل العشرة فكه المحاضرة كثير التودد، حافظا للسانه من الوقيعة في الناس، لا تراه يذم أحدا من معارفه بل يتجاوز عن ذكر ما هو مشهور عنهم مما يرمي به أحدهم ويعتذر بكل طريق» (¬6). ¬
حياته العملية
حياته العملية: ذكرت بعض المصادر أنه في آخر أيامه تولى إمرة دمياط، فلم يفلح بها ولم تطل مدته فيها ورجع الى القاهرة، فمات بها في ذي الحجة سنة 809 هـ / 1406 م وقد جاوز الستين (¬1). مكانته بين علماء عصره: مما لا شك فيه أن ابن دقماق كان من أبرز مؤرخي عصره، نظرا لوفرة تصانيفه في كتابة التاريخ وتنوعه في موضوعاته، ومما كان يعزز هذا الرأي ما أشار اليه كل من المقريزي (ت 845 هـ / 1441 م) وابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ / 1448) وابن تغري بردي (ت 874 هـ / 1469 م)، إلا أن العديد من مؤرخي ذلك العصر قد أخذوا عنه ونقلوا من كتبه وخطه الشيء الكثير. ويذكر شمس الدين السخاوي (¬2) (ت 902/ 1496 م) أن شيخه، ويقصد به ابن حجر العسقلاني، اعتمد ابن دقماق وأن غالب ما نقله من خطه ومن خط ابن الفرات عنه، مما يعني أيضا أن ابن الفرات (ت 807 هـ / 1404 م) أخذ عن ابن دقماق وكذلك البدر العيني (ت 855 هـ / 1451 م)، ويضيف أن البدر العيني يكاد يكتب منه الورقة الكاملة متوالية (¬3). ويؤكد ابن حجر العسقلاني ما جاء سابقا أنه اجتمع بصارم الدين إبراهيم ابن دقماق كثيرا وغالب ما ينقله من خطه ومن خط ابن الفرات عنه (¬4). ولا يفوتنا ذكر المقريزي عن صحبته لابن دقماق ومجاورته وملازمته له سنين كثيرة (¬5)، وإذا ما نظرنا إلى ما جاء في دائرة ¬
مؤلفاته
المعارف الاسلامية لوجدنا أن المقريزي قد تتلمذ على يد ابن دقماق مدّة من الزمن كما أثبته «فولرز» في مقدمة كتاب ابن دقماق «الانتصار لواسطة عقد الامصار»، حيث أشار إلى أنه رغم أن المقريزي قد تتلمذ على يد ابن دقماق فإنه لم يستطع أن يستفيد من مصنفات استاذه، وأن ابن دقماق قد استمد من مصادر أهم من التي اعتمد عليها المقريزي (¬1)، كما أن السيوطي (ت 911 هـ) ذكر في مقدمة كتابه «حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة» بأنه اعتمد في تأليف هذا الكتاب على مؤلفات كثيرة ومنها كتاب طبقات الحنفية لابن دقماق (¬2). مؤلفاته: مما لا شك فيه أن مؤرخنا إبراهيم بن محمد بن أيدمر الملقب بابن دقماق، كان من أبرز مؤرخي الديار المصرية في وقته، كتب نحو مئتي مؤلف في التاريخ من تأليفه ومنقوله. وكان معروفا بالانصاف في تواريخه. وبالرغم من غزارة كتاباته في التاريخ وغيره فإنه لم يبق منها إلا القليل المبعثر في مكتبات العالم، منها: - الانتصار لواسطة عقد الأمصار: ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون مشيرا إلى أنه في عشرة مجلدات، لخص منه كتابا سمّاه: «الدرة المضية في فضل مصر والإسكندرية» (¬3). والجدير بالذكر أن كتاب الانتصار قد نشر منه «فولرز» المجلدين الرابع والخامس عن نسخة بخط مؤلفها تحتفظ بها دار الكتب المصرية تحت الرقم 1244 تاريخ، طبع بمصر سنة 1309 و 1310 هـ / 1891 - 1892 م مع فهارس مطولة للأعلام وفيهما وصف مطول للفسطاط وأسواقها وجوامعها ومدارسها وسائر أبنيتها وشوارعها، وكذلك الإسكندرية وضواحيها وجانب كبير من قرى مصر وبلادها (¬4). - ترجمان الزمان في تراجم الأعيان: كتاب في التاريخ مرتب على الحروف ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 396 ¬
- الجوهر الثمين في سير الملوك والسلاطين
وكحالة في معجم المؤلفين 1/ 87 ودائرة المعارف الإسلامية بالعربية 1/ 160. - الجوهر الثمين في سير الملوك والسلاطين: كتاب عن تاريخ مصر الى سقوط السلطان برقوق. حققه مؤخرا محمد كمال الدين عز الدين علي ونشره في جزأين من منشورات عالم الكتب - بيروت 1983. - الدرّة المنضّدة في وفيات أمة محمد: ذكره كحالة في معجم المؤلفين 1/ 87. - الدرة المضية في فضل مصر والاسكندرية: ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 174 وهو كما ذكرنا سابقا مقتطف من كتاب الانتصار لواسطة عقد الأمصار. - عقد الجواهر في سيرة الملك الظاهر: ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 1151 وكحالة في معجم المؤلفين 1/ 86. - فرائد الفوائد: كتاب في تفسير الأحلام، ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 1243 ودائرة المعارف الإسلامية بالعربية 1/ 160. - الكنوز المخفية في تراجم الصوفية: له ذكر في دائرة المعارف الإسلامية 1/ 160. - نظم الجمان في طبقات أصحاب إمامنا النعمان: كتاب في ثلاثة أجزاء يتناول الأول منها مناقب الإمام أبي حنيفة والثاني والثالث أصحابه. ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 1961 والزركلي في الأعلام 1/ 64 وكحالة في معجم المؤلفين 1/ 86. - ينبوع المزاهر في سيرة الملك الظاهر: ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 378 وأيضا دائرة المعارف الاسلامية 1/ 160 وهو كتاب مختصر عقد الجواهر.
- نزهة الأنام في تاريخ الإسلام
- نزهة الأنام في تاريخ الإسلام: وهو موضوع دراستنا وتحقيقنا وهو كتاب تاريخ مرتب على السنين انتهى به مؤلفه عند سنة 779 هـ / 1377 م ويقع في حوالى 12 مجلدة (¬1)، منه قطعة من سنة 436 الى سنة 552 هـ في «غوطا» بخط المؤلف وقطعة أخرى من سنة 628 الى سنة 659 هـ في باريس (وهي التي اعتمدناها في تحقيقنا) ومن سنة 701 الى سنة 742 هـ ومن 768 الى سنة 779 هـ في معهد «غوطا» وفي دار الكتب المصرية قطعة في 80 صفحة تبدأ بسيرة الملك المنصور علي من سنة 778 الى سنة 804 هـ (¬2). أجزاء المخطوطة وأماكن وجودها: منذ أن استحصلت على نسخة مصورة «ميكرو فيلم» لجزء من أجزاء هذا المخطوط نزهة الأنام لابن دقماق، وهو الجزء الموجود في المكتبة الأهلية في باريس تحت الرقم 597 أو الذي يتعرض لحوادث ووفيات من سنة 628 هـ / 1231 م وحتى سنة 659 هـ / 1261 م، وهي الفترة الممتدة من الثلث الأخير من العصر الأيوبي وحتى بداية عصر المماليك في مصر، وهي فترة هامة من تاريخ مصر وبلاد الشام لامتلائها بالأحداث الهامة والمؤثرة، آليت على نفسي أن أتتبع أجزاء هذا المخطوط وأماكن انتشارها قدر المستطاع، ومعرفة ما إذا كان هناك أكثر من نسخة مشابهة للنسخة التي استحصلت عليها من المكتبة الأهلية في باريس. وفي الواقع بدأت البحث ضمن إطار يتبعه عادة أغلب الباحثين وهو الاطلاع على فهارس ومصنفات متخصصة في هذا الحقل أو موسوعات تشير إلى أماكن وجود مثل هذه المخطوطات، إلا أنه لم تكن هناك أيّة معلومات تفيد سوى ما وجدناه في الموسوعة الإسلامية بالعربية والإنكليزية عن ذكر لاسم المخطوط نزهة الأنام مع ذكر عدد مجلداته من دون أي تفاصيل (¬3). إلا أننا وقعنا على تفاصيل وافية وجدناها في تاريخ آداب اللغة العربية لجورجي زيدان أفادتنا كثيرا وأضاءت لنا طريق بحثنا عن حقيقة المخطوط. وفي الواقع إن هذه التفاصيل هي ¬
النسخة التي اعتمدنا عليها للتحقيق
في الأصل مأخوذة عن ملحق كتاب بركلمان (¬1)، وفيها وصف للمخطوط وما يتضمنه من أجزاء منتشرة في العالم وأن نزهة الأنام أكثره عن تاريخ مصر مرتب على السنين الى سنة 779 هـ في 12 مجلد، منه قطعة من سنة 436 الى سنة 552 هـ في معهد «غوطا» بألمانيا بخط المؤلف وقطعة أخرى من سنة 628 الى سنة 659 هـ في باريس وقطعتان من سنة 701 الى سنة 742 ومن سنة 768 الى سنة 779 هـ في معهد «غوطا» أيضا، وفي دار الكتب المصرية قطعة من 80 صفحة تبدأ بالملك المنصور علي من سنة 778 الى سنة 804 هـ كما أسلفنا. وباطلاعنا على مقدمة الجزء الأول من كتاب الجوهر الثمين لابن دقماق الذي حققه محمد كمال الدين عز الدين علي سنة 1983 وجدناه يشير إلى كتاب نزهة الأنام على أنه ما يزال مجلدا مخطوطا بخط مؤلفه تحتفظ به المكتبة الوطنية في باريس تحت الرقم 1597. وخلاصة الأمر أن نزهة الأنام في تاريخ الإسلام الجزء الذي يبدأ من سنة 628 وينتهي بسنة 659 هـ والذي تحتفظ به المكتبة الأهلية في باريس تحت الرقم 1597 هو النتيجة الوحيدة المتوفرة وهي بخط مؤلفها، ونحن بدورنا قد أخذنا صورة شمسية من ميكرو فيلم استحصلنا عليه من المكتبة المذكورة. وفي الختام يظل دائما هناك المزيد من الدقة والتحري قد نكون قصّرنا عنهما أو فات إستدراكهما. ولكننا في الوقت نفسه حاولنا جاهدين بقدر الإمكان أن نلم بشيء من الحقيقة في كشف اللثام عن هذا المخطوط وأجزائه وأماكن انتشارها في مكتبات العالم، غير مدعين أننا بلغنا غاية الكمال في ذلك، فإنه يظل ينقص الباحث جوانب كثيرة لا تتضح معالمها إلا مع مرور الزمن أو أن يكون قد غاب عنه ذلك فاستدركه الآخرون، ونرجو أن يعذرنا المطلعون على كل نقص والله ولي التوفيق. النسخة التي اعتمدنا عليها للتحقيق: بعدما أشرنا سابقا إلى أجزاء المخطوط وأماكن انتشاره وأثبتنا أنّ النسخة التي اعتمدنا تحقيقها من نزهة الأنام في تاريخ الإسلام والموجودة في المكتبة الوطنية في باريس تحت الرقم 1597 هي النسخة الوحيدة بخط مؤلفها لذلك اعتمدناها كنسخة وحيدة. ¬
وصف المخطوطة
وصف المخطوطة: عدد ورقات هذه المخطوطة 134 ورقة وعدد الأسطر في كل صفحة 17 سطرا ومعدل كلمات السطر الواحد عشر كلمات تقريبا، الخط نسخي تتخلله عناوين السنين بخط كبير. ويبدو أن أول صفحات من المخطوط ناقصة بدليل وجود ذكر لأحداث ووفيات سنة 627 هـ وقعنا على ذكر آخرها وهو ترجمة لعبد السلام اللخمي المعروف بابن برجان. وما قبله من أحداث ووفيات تلك السنة ناقص من صفحات المخطوط. ونعود إلى أولى صفحات المخطوط حيث توجد ورقة مضافة تشير في بداية المخطوط باللغة الفرنسية الى انتقال ملكية هذا المخطوط الذي وجد بالمنصورة الى المكتبة الوطنية بباريس بتاريخ 2 كانون الأول 1871 وعلى الزاوية العليا من الجهة اليسرى للورقة نفسها توجد عبارة كتبت بالعربية تشير الى عنوان الكتاب وهي. «نزهة الأنام في تاريخ الاسلام بخط مؤلفه ابراهيم بن محمد بن أيدمر دقماق، كما ذكر بآخره، أوله من سنة 628 الى سنة 659». وفي الصفحة الأخيرة 134 ب يوجد بياض ربما هي الصفحة التي تشير إلى مؤلف الكتاب وخاتمته. أسلوب المؤلف في الكتابة والنقد التأريخي: قبل أن نخوض في أسلوب المؤلف في الكتابة ونقله للأحداث من خلال مؤلفه «نزهة الأنام» لا بد أن نشير إلى أن مؤرخنا ابن دقماق اعتمد في كتابة مصنفه على الاسلوب الذي درج عليه الكثير من المؤرخين العرب في العصور الوسطى، فنقل الأحداث وتراجم الوفيات سنة بسنة وهذا ما يعرف بالتأريخ الحولي. إن المتفحص المطلع على لغة المخطوط وأسلوبه الانشائي ليجد في كثير من الأحيان أنّه لا يعنى من قريب أو بعيد بقواعد اللغة العربية، بل توجد فيه الكثير من الألفاظ العامية، وهذا ليس بالغريب لأن ابن دقماق لم يكن مضطلعا بثقافة أدبية ولغوية تجعلان منه مؤرخا على قدر من البلاغة والمتانة في اللغة العربية، كما أشرنا سابقا عندما تعرضنا لذكر ثقافته. ومن السمات المميزة أيضا في أسلوب ابن دقماق الكتابي عدم تقيّده بقواعد كتابة الهمزة، فإنه لا يشير إليها في كثير من الأحيان في مواضعها من الكلمة، سواء كانت الهمزة على كرسي الياء مثل بوايقها بدلا من بوائقها، أيمة بدلا من أئمة، أو كانت الهمزة في الوسط مثل سال
النقد التأريخي
بدلا من سأل، روسا بدلا من رؤساء، أو كانت الهمزة على الألف الممدودة أو المقصورة في آخر الكلمة مثل التجا بدلا من التجأ، ابتدا ليلا من ابتدأ نجي بدلا من نجئ وهكذا - وهذا أسلوب سار عليه أكثر المصنفين في عصر المماليك. ومن الأخطاء الإملائية خلاف قواعد كتابة الهمزة استعماله الألف الممدودة بدلا من الألف المقصورة في آخر الكلمة، مثال اعطا بدلا من أعطى، نفا بدلا من نفى، لاقا بدلا من لاقى وكذلك سقوط الألف في الاعداد مثل ثلثين بدلا من ثلاثين وكذلك سقوط الألف في بعض الاسماء مثل اسمعيل بدلا من اسماعيل، عبد السلم بدلا من عبد السلام، هرون بدلا من هارون وهكذا. النقد التأريخي: بعد أن قدمنا لأسلوب المؤلف في الكتابة وما أشرنا اليه من ملاحظات لغوية، لا بد لنا من الإشارة الى النقد التأريخي للمؤلف فنشير هنا الى عدّة أمور منها: أولا: تنوع طرقه في النقل من المصادر ما بين النقل الحرفي أو التلخيص بعبارة الأصل أو بعبارته. ثانيا: التداخل في النقل بين المصادر المختلفة المعنية بالحدث أو بالشخصية المترجم لها في موضوع واحد، فيما يعرف بالجمع التأليفي. ثالثا: عدم إشارته الى مصادر النقل عن المصادر في بعض الأحيان. رابعا: عدم إشارته للحدث في زمان وقوعه، فأحيانا يورده مسبقا وأحيانا أخرى متأخرا، وسوف نورد بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر. أ - في إيراده الخبر مسبقا: مثال: ذكره لزواج ابنة السلطان الكامل عاشوراء من الملك الناصر داوود (¬1). وكذلك ذكره خبر انقلاب الخوارزمية على الملك نجم الدين أيوب ابن السلطان الكامل، مسبقا لأن هذه الواقعة حصلت بعد وفاة السلطان الكامل، فأشار اليها ابن دقماق قبل ذلك (¬2). وأيضا ¬
ب - إيراده الخبر متأخرا
إيراده خبر وصول إبنة السلطان علاء الدين كيقباذ صاحب الروم مسبقا عن غيره من المؤرخين (¬1). ب - إيراده الخبر متأخرا: مثال ذكره لخبر استشهاد نجم الدين ابن شيخ الاسلام، أورده متأخرا عن ما ذكره أغلب المؤرخين (¬2). خامسا: عدم دقته في تحري الخبر وفهمه للنص في بعض الأحيان. مثال ذكره لزواج الملك الناصر صاحب حلب من ابنة السلطان الكامل، والصواب هو زواج الملك الناصر داوود صاحب الكرك منها (¬3). وكذلك إشارته الى حرق العقيبة والطواحين من قبل السلطان الكامل، والصواب هو من قبل الملك الصالح اسماعيل (¬4). وأيضا إشارته الى خطبة الأمير فارس الدين آقطاي ابنة الملك المظفر صاحب حماه من والدها وهو خطأ لأن المظفر كان متوفّى قبل ذلك الوقت بكثير (¬5). سادسا - التكرار: وقع ابن دقماق في بعض الأحيان في خطأ التكرار كأقرانه من بعض المؤرخين، مثالا على ذلك ذكره ترجمة السلطان علاء الدين ابن كيخسروا مرتين، واحدة في سنة 634 هـ / 1236 م وأخرى في سنة 635 هـ / 1237 م (¬6). وكذلك إيراده خبر اتفاق «منكوخان» مع أخيه هولاكو للتوجه لقصد بلاد الملاحدة في سنة 650 هـ ثم عاد وأشار الى مثل هذا الخبر في سنة 651 هـ / 1253 م (¬7). سابعا: عدم ربط الخبر وتجزئته: مثالا على ذلك إيراده خبر اختلاف عسكر مصر على الملك الصالح نجم الدين أيوب كخبر منفصل (¬8). كذلك إيراده خبر وصول التتار الى قرب بغداد وإلزام الناس بالمبيت بالأسواق، أشار إليهما ابن دقماق كأنهما خبرين منفصلين (¬9). ¬
النقد التحليلي للمخطوط
ثامنا: خلط ابن دقماق بين الروايات: مثالا على ذلك خلطه بين ثورة الأمير عز الدين أيبك الأفرم الصالحي بصعيد مصر وبين ثورة العربان بقيادة حصن الدين بن ثعلب (¬1). وكذلك نسب خطأ الى زين الدين ابن الزبير تولي الوزراة بعد مقتل الوزير شرف الدين الفائزي (¬2). النقد التحليلي للمخطوط: إن المتفحص المدقق لما تحتوي عليه مخطوطة نزهة الأنام من مواضيع، ليجد أن مضمونها يقسم الى ثلاثة مواضيع رئيسية تتلخص بما يلي: أولا - وجود تراجم كثيرة لأعلام من ملوك وسلاطين وأمراء وأعيان وفقهاء وعلماء وأدباء وشعراء، ترجم لها المؤلف ضمن سياق التأريخ الحولي حسب سنة الوفاة. ومن الملاحظ من خلال الكثير من هذه التراجم أن فيها مادة شعرية غزيرة دوّنها المؤلف في مخطوطته بعد ما استقاها من المصادر التي أخذ عنها هذه التراجم أو من دواوين أشعارهم التي يذكر أنه ملكها وأخذ عنها تلك الأبيات الشعرية. ثانيا - ذكر للأحداث السياسية الهامة التي تناولها ذلك العصر من سنة 628 هـ / 1230 م الى سنة 659 هـ / 1260 م، وما تخللها من صراعات وحروب بين ملوك وأمراء الدولة الأيوبية في مصر والشام وما واجهته من أخطار خارجية تمثلت بمواجهة الخطر الصليبي الزاحف نحو بلاد المشرق الإسلامي، وغزو التتار لبلاد المسلمين وتدميرهم مركز الخلافة الإسلامية في بغداد وتخريبهم بلاد الشام، وما واجهته أيضا من خطر داهم كان وبالا على الدولة الأيوبية وعجّل في سقوطها، ألا وهو بروز عنصر جديد تمثل بظهور المماليك في مصر وقتلهم للسلطان الأيوبي تورنشاه واستيلائم على الحكم في مصر ومن ثم تهديدهم لبقايا الدولة الأيوبية في بلاد الشام. ومن الملاحظ أن ابن دقماق تناول ذكر كل هذه الأحداث سنة بعد سنة كأخبار وحوادث متفرقة، ليس فيها عامل الربط التاريخي لوحدة الموضوع، وهو ما يعد من مساوئ التأريخ الحولي إن جاز التعبير، حيث إن هذا النمط من التأريخ يفكك من وحدة الخبر ويضيّعه بين ¬
ثنايا لأحداث الكثيرة والمتراكمة ضمن أحداث السنة الواحدة. ثالثا - ذكر أخبار الطرائف والعجائب والكوارث الطبيعية والأوبئة. ومن أمثلة أخبار الطرائف والعجائب ما ذكره ابن دقماق في سياق سنة 634 هـ / 1236 م عن قصد جماعة في بغداد لزيارة صديق لهم مريض ليعودوه على سطح داره، وكانوا سبعة أشخاص فوقع السقف الذي هم عليه وماتوا جميعا ما خلا المريض (¬1). وأيضا ذكره لخبر امرأة ولدت في بغداد أربعة أولاد في بطن واحد، توفي واحد منهم وأحضر الثلاثة الباقون الى دار الخلافة فاستعجبوا لها واعطيت ما قيمته الف دينار (¬2). وكذلك ما ذكره عن وصول شخص صغير الخلقة جدا الى بغداد، يقال له أبو منصور الأصبهاني، طوله ثلاثة أشبار ولحيته طويلة، وعمره إذ ذاك خمس وأربعون سنة، فأحضر الى الخليفة، فأنعم عليه وأجري له راتب (¬3). ومن الملفت للنظر أن جميع هذه الطرائف والعجائب قد وقعت في بغداد، وأن ابن دقماق ربما يكون قد استقاها من مصادر بغدادية مباشرة أو نقلها عن نقلتها من مصادرها الأصلية البغدادية. (راجع ما علقنا عليه في الحواشي عندما تعرضنا لتحقيق هذه الطرائف والعجائب في أماكنها من المخطوط). ومن أمثلة الكوارث الطبيعيّة ذكره للزلزال الذي وقع في بغداد ثلاث مرات في سياق أحداث سنة 641 هـ / 1243 م، فنظم الشعراء بهذه المناسبة أشعارا كثيرة (¬4). وأيضا ذكره لظهور النار بأرض عدن في سياق سنة 652 هـ / 1254 م في بعض جبالها يطير منها شرار في البحر في الليل ويصعد منها دخان بالنهار (¬5). وذكره في سياق سنة 654 هـ / 1256 م الغرق العظيم ببغداد الذي هلك فيه خلق عظيم تحت الردم وبقيت المراكب تمشي في أزقة البلد (¬6). ومن أمثلة الأوبئة ما ذكره ابن دقماق في سياق سنة 633 هـ / 1235 م، حصول وباء عظيم بمصر والقاهرة مات فيه خلق كثير واستمر ثلاثة شهور (¬7). وأيضا ما ذكره في سياق سنة ¬
الخطة التي اعتمدتها في التحقيق
645 هـ / 1247 م عن تعرض الناس في بغداد لأعراض أمراض الحلق والخوانيق ومات بهذا من الخلق ما لا يحصون وما فشا بين الناس من إشاعات حول هذا المرض (¬1). الخطة التي اعتمدتها في التحقيق: لقد اعتمدت في تحقيق لنزهة الأنام الخطوات التالية: أولا - لقد حافظت على النص الوارد كما هو في الأصل من دون التدخل في تصويب الأخطاء النحوية أو الألفاظ العامية الواردة في المتن، حتى لا نغيّر من جوهر النص ونحافظ على طابعه الأصيل وهو طابع سمة ذلك العصر، وأشرنا الى كل هذه التصويبات في تعليقاتنا في الحواشي. ثانيا: تدخلنا في تصويب الأخطاء الإملائية فيما يختص بقواعد الهمزة التي أهملت في الأصل سواء كانت في وسط الكلمة أو على كرسي الياء أو في آخر الكلمة مثال: سأل بدلا سال ورؤي بدلا من روي وبوائقها بدلا من بوايقها وذخائر بدلا من ذخاير ورؤساء بدلا من روسا الخ. . . . وتدخلنا كذلك بالنسبة لوضع الألف المقصورة في آخر الكلمة بدلا من الألف الممدودة مثل أعطى بدلا من اعطا ونفى بدلا من نفا ولاقى بدلا من لاقا الخ. . . ثالثا - ثبّتنا أسماء الأعلام المحذوفة ألفها كما تكتب اليوم، مثلا سليمان بدلا من سليمن حارث بدلا من حرث، هارون بدلا من هرون الخ. . . وكذلك بالنسبة للاعداد فقد فصلتها مثال ثلاثين بدلا من ثلثين، ثلاث مائة بدلا من ثلثماية الخ. . . هذا بالنسبة الى تصويب الأخطاء الإملائية، ونشير هنا أيضا إلى أننا تدخلنا في تصويب الكلمات المبهمة في النص أو التي تشكل التباسا أو تشويها بالمعنى أو خطأ في التسميات سواء في أسماء الأعلام أو المدن أو المصطلحات أو في ذكر التواريخ في غير موضعها، وأشرنا الى هذه الأخطاء في الحواشي. ولقد اعتمدت على الأسلوب العلمي المتبع في تحقيق كتب التراث من حيث استخدام المصطلحات الفنية من ترقيم لصفحات المخطوط واستخدام الرموز المصطلح عليها في حال إضافة بعض الألفاظ على النص الأصلي، الفصل بين الحوادث والوفيات، شرح المصطلحات والألفاظ، والتعريف بالأماكن والبلدان وبأسماء الأعلام التي تعرض في النص من غير ¬
الرموز المستعملة في التحقيق
التراجم، كما عرّفت بأسماء بعض المصنفات الواردة في المخطوط وتصويب بعض الألفاظ التي فيها لبس. ولقد استعنت في التحقيق بمجموعة من المصادر الأساسية التي تؤرخ للدولة الايوبية مع ذكر اسم المصدر والجزء والصفحة التي أنقل عنها، فحشدت أكبر قدر ممكن من المصادر التي تتفق مع التراجم الواردة في المخطوط وجمعتها في قائمة مفصلة في آخر المخطوط من حيث اسم المؤلف وعنوان المصدر وتاريخ ومكان طبعه. وبعد، فإنني أسأل الله التوفيق والسداد، آملا أن يكون عملي هذا نافعا، وأن يكون قد ساهم في جزء يسير من نشر تراثنا العربي الإسلامي الغنيين. الرموز المستعملة في التحقيق: () القوسان المزهران يحصران الآيات القرآنية. «» الفاصلات المزدوجة تحصر أسماء الكتب إذا وردت في النص. - - الخطان القصيران يحصران الجمل المعترضة. [] القوسان المربعان يحصران كل ما أضفناه زيادة. أو تكملة من نصوص ثانية نقلت النص أو استشهدت به، وما يضاف من عناوين جديدة أضفناها من عندنا عند الاقتضاء مثل ذكر أوزان أبيات الشعر والوفيات. () القوسان داخل النص يحصران رقم ورقة المخطوطة وجه وظهر، فيكتب مثلا (30 أ) و (30 ب). ¦ ¦ الخطان العموديان يحصران كل زيادة تضاف على أصل النص الذي نقله المؤلف من مصدره الأساسي.
هذه الورقة المضافة على المخطوط تشير إلى المكان الأصلي لوجود المخطوطة وهو مدينة المنصورة في مصر، وانتقالها بعد ذلك الى المكتبة الوطنية في باريس في كانون الأول من سنة 1871 وعلى الزاوية الشمالية من أعلى الورقة يوجد بالعربية عنوان المخطوطة.
الورقة الأولى من المخطوط.
الورقة الأخيرة من المخطوط.
هذه الورقة مضافة على المخطوط في بدايته تشير إلى انتقال ملكية الكتاب من شخص إلى آخر كما هو مبين أعلاه.
الفصل الثاني دراسة المصادر التاريخية للمرحلة الواقعة بين 628 - 659 هـ / 1230 - 1261 م
الفصل الثاني دراسة المصادر التاريخية للمرحلة الواقعة بين 628 - 659 هـ / 1230 - 1261 م. التي اعتمد عليها ابن دقماق أو أشار إليها في نزهة الأنام والتي لم يشر إليها (مقارنة وتحليل) تتنوع المصادر التي أشار اليها ابن دقماق في مؤلفه، بين مصادر تعتمد على كتب الطبقات. وكتب التاريخ العام التي تتميز بالسرد التاريخي لحوادث السنين وتجمع ما بين ذكر لحوادث وتراجم لوفيات، وهو نفس الأسلوب الذي اتبعه مؤرخنا ابن دقماق في مصنفه نزهة الأنام. ومن خلال استعراضنا المؤرخين الذين نقل عنهم ابن دقماق في نزهة الأنام نجد أنه اعتمد كثيرا على سبط ابن الجوزي وعلى شمس الدين بن خلكان وصلاح الدين الصفدي بالنسبة لأخذه عنهم تراجم الأعلام. وبنسبة أقل تكاد تكون حالات فردية، اعتمد على شهاب الدين أبو شامة وشمس الدين الذهبي ومحيي الدين ابن عبد الظاهر والكمال ابن العديم ومحب الدين ابن النجار وعز الدين ابن شداد في نقله لبقية الحوادث والتراجم. أما بالنسبة لذكره للحوادث التاريخية فالمصدر الوحيد الذي يطلعنا عليه في نقله للأحداث هو ابو المظفر سبط ابن الجوزي، وهذا الأمر ليس يعني بالضرورة أن ابن دقماق قد اعتمد فقط على هذه المصادر التي أشار اليها، لأنه في كثير من الأحيان لا يشير الى مصادر النقل التي اعتمدها في مصنفه. وحتى تلك الاشارات التي أشار اليها ابن دقماق لمصادره لم تكن صريحة العبارة، تشير إلى أنه نقل عنها مباشرة، بل كانت كلها إشارات غير مباشرة ذكرها ابن دقماق في تراجمه وأخباره بعبارات لا يستدل منها أنه نقلها من مصدر ما. فبدلا من أن يشير مباشرة الى مصادر نقله مثلا بعبارة: نقلت عن شمس الدين ابن خلكان أو سبط ابن
الجوزي أو غيرهما، نجده يستشهد في سياق الخبر أو الترجمة بأقوالهم بعبارة: قال شمس الدين ابن خلكان أو ذكر أبو المظفر ابن الجوزي وهكذا. وهذا الكلام يسوقنا الى الحديث عن أسلوب ابن دقماق في نقله عن المصادر، وهو أسلوب تنوع فيه في النقل عن المصادر ما بين النقل الحرفي أو التلخيص بعبارة الأصل أو بعبارته أو التداخل في النقل بين المصادر المختلفة المعنية بالحدث أو الشخصية المترجم لها في موضوع واحد، مما يعرف بالجمع التأليفي، ثم إنه في أغلب الأحيان لا يشير الى مصادر النقل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فيترك للمحقق المتفحص عناء اكتشاف ذلك بنفسه. ونظرا لكثرة الأمثلة على ذلك، فإننا سوف نذكر بعضا منها لنشير الى أسلوب المؤلف وطريقة نقله عن المصادر المختلفة وهي تقسم الى نوعين هما: اولا - المصادر التي أخذ عنها ابن دقماق أو أشار اليها بطريقة غير مباشرة مثال ذلك في ترجمته لشهاب الدين ابن الشواء. لقد نقل ابن دقماق ترجمته عن ابن خلكان، ولم يشر بصراحة الى ذلك، بل اكتفى بذكره حين أشار الى ذكر له في آخر الترجمة بعبارة: «فمن نظمه ما ذكره الشيخ شمس الدين ابن خلكان» (¬1). وكذلك في ذكره لترجمة عبد العزيز المصري رئيس الأطباء بمصر، فإنه أيضا نقل ترجمته حرفيا عن صلاح الدين الصفدي من دون أن يشير الى ذلك مباشرة بل اكتفى بعبارة: قال صلاح الدين الصفدي (¬2). وأيضا بالنسبة لذكر الواقعة التي جرت بين الخوارزمية والفرنج في سنة 642 هـ / 1244 م، فإن ابن دقماق ينقل بتصرف هذا الخبر عن ابن الجوزي، ويكتفي فقط بذكر عبارة له قالها ابن الجوزي يوم كان بالقدس في سياق تلك الفترة الزمنية (¬3). ومثال آخر عن ترجمة الشيخ تاج الدين ابن حموية، حيث نجد أن ابن دقماق ينقل ترجمته بتصرف عن ابن الجوزي ويشير فقط الى عبارة له في سياق الترجمة كان فيها ابن الجوزي ملازما للمترجم له ويعرفه عن قرب (¬4). ¬
دراسة تحليلية للمصادر التي أخذ عنها ابن دقماق في نزهة الأنام
ثانيا - المصادر التي أخذ عنها ابن دقماق والتي لم يشر اليها تتعدد هذه المصادر وتتنوع، فمنها ما هو معاصر للأحداث التي ذكرها ابن دقماق في مصنفه، ومنها ما هو غير معاصر ولكنه يغطي الحقبة التاريخية التي تكلم عنها مؤرخنا وهي الفترة الأيوبية. فمن المصادر الأيوبية التي ربما نقل عنها ابن دقماق ولم يشر اليها على الاطلاق، ابن العميد (¬1) (602 - 672 هـ / 1205 - 1273 م)، ومما جعلني أعتقد أنه نقل عنه هو تشابه العبارة عند ابن دقماق مع ما جاء عند ابن العميد، ورغم ذلك لم أجزم بالأمر بل علقت بالحواشي على كل خبر جاء مشابها للنص مع ابن العميد بعبارة: تشابه بالإيراد، أو قارن ما جاء عند ابن العميد. وكذلك بالنسبة للمقريزي (ت 845 هـ / 1441 م)، الذي عاصر مؤرخنا ابن دقماق بل إنه كان ملازما له في بعض الأحيان، فإن كثيرا من التشابه في العبارة والمضمون نجده واضحا وجليا في كثير من الأحيان عند ابن دقماق مع ما جاء عند المقريزي في السلوك، وأشرنا اليه في حينه في الحواشي بعبارة: تشابه بالعبارة أو الإيراد أو قارن ذلك الخبر في السلوك. دراسة تحليلية للمصادر التي أخذ عنها ابن دقماق في نزهة الأنام أولا: المصادر الأيوبية المعاصرة: ونقصد بها تلك المصادر التي عاصر مؤلفوها أحداث ووقائع العصر الأيوبي، ومنهم من شارك في تك الأحداث بشكل أو بآخر أو كان شاهد عيان لما جرى من وقائع. من هذه المصادر: - مرآة الزمان في تاريخ الأعيان لابن الجوزي (582 - 654 هـ / 1186 - 1256 م) وهو أبو المظفر يوسف بن قزأغلي التركي البغدادي ثم الدمشقي الحنفي المعروف بسبط ابن الجوزي. كان من المؤرخين المعاصرين للعهد الأيوبي، ومشاركا في بعض أموره السياسية في بلاد الشام ومصر، وكان له حظوة عند ملوكهم وخاصة في دمشق مع الملك المعظم عيسى. ¬
وله مصنفات عديدة من أبرزها مصنّفه في التاريخ «مرآة الزمان» وهو في عدّة أجزاء نشر قسم منها، والذي يعنينا هنا هو القسم الثاني من الجزء الثامن (¬1). وهو يشتمل على وقائع وأحداث وتراجم لوفيات من سنة 590 وحتى سنة 654 هـ / 1193 - 1256 م - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلكان (608 - 681 هـ / 1211 - 1282 م) وهو شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن خلكان البرمكي الإربلي الشافعي، قاضي قضاة دمشق ومؤرخها. ويشتمل معجمه وفيات الأعيان على أكثر من ثمانمائة ترجمة مرتبة ترتيبا أبجديا وبه أعلام من عصور مختلفة وطبقات مختلفة ويمتاز بالضبط والدقة وهو في ثمانية أجزاء منشورة (¬2). - الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة لابن شداد (الحلبي 613 - 684 هـ / 1216 - 1285 م) وهو الصاحب عز الدين ابو عبد الله محمد بن علي بن شداد الأنصاري الحلبي (¬3). كان فاضلا مشهورا، معتنيا بالتاريخ له مؤلفات كثيرة، ولقد ترقى في مناصب الدولة الأيوبية، وبعث رسولا في أكثر من مهمة سياسية، ومن أهم هذه المهام سفارته في عهد الملك الناصر يوسف صاحب الشام في سنة 657 هـ / 1258 م، الى التتار في ميّافارقين. وكتاب الأعلاق الخطيرة منشور في عدّة أجزاء وأقسام، والذي يعنينا هنا هو الجزء الثالث - القسم الثاني (¬4)، الذي يشتمل على أحداث ووقائع جرت في بلاد الجزيرة الفراتية إبان الغزو المغولي لهذه البلاد. - زبدة الحلب من تاريخ حلب لابن العديم (588 - 660 هـ / 1192 - 1261 م) وهو كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله أبي جرادة العقيلي الحلبي الفقيه الحنفي، المعروف بابن العديم (¬5). كان إماما فاضلا وهو أحد العلماء المشهورين. ¬
عاصر أبرز الأحداث في عهد الدولة الأيوبية، وكان مشاركا في أمورها السياسية من خلال سفارته. ومن أهم هذه السفارات سفارته الى مصر التي بعثه بها الملك الناصر يوسف في سنة 657 هـ / 1258 م ليستنجدهم على قتال التتار الذين اقتربوا من بلاد الشام. ويتناول كتاب زبدة الحلب في أجزائه الثلاث (¬1) تاريخ مدينة حلب منذ القدم الى أيام الملك الناصر صلاح الدين ابن الملك العزيز في عهد الدولة الأيوبية، ويقف عند حوادث سنة 642 هـ / 1244 م، ويعتبر كتاب زبدة الحلب المصدر الاساسي والهام لتاريخ المدينة السياسي زمن المؤلف وحتى خروجه عنها عام 657 هـ / 1258 أي بعد غزو التتار. والذي يعنينا من هذه الأجزاء هو الجزء الثالث الذي يشتمل على حوادث ووقائع من سنة 569 وحتى سنة 642 هـ / 1173 - 1244 م. - الذيل على الروضتين (¬2) لأبي شامة (605 - 665 هـ / 1208 - 1266 م)، وهو عبد الرحمن بن اسماعيل بن إبراهيم بن عثمان، شهاب الدين أبو شامة المقدسي الشافعي. وهو كتاب تراجم رجال القرنين السادس والسابع الهجريين مرتب على السنين. - الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر (¬3) لابن عبد الظاهر (620 - 692 هـ / 1223 - 1292 م) وهو محيي الدين بن عبد الظاهر بن نشوان المصري، الكاتب والناظم والناثر، ولقد اشتهر بعمله بديوان الإنشاء وبتأليفه سيرة الملك الظاهر بيبرس. - المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (¬4) لابن النجار المتوفى في سنة 643 هـ / 1245 م، وهو الحافظ المحب أبو عبد الله محمد بن محمد بن الحسن المعروف بابن النجار البغدادي. - الأول من ذيل تاريخ بغداد (¬5) للحافظ محب الدين ابن النجار أيضا. ¬
ثانيا: المصادر الأيوبية غير المعاصرة التي أخذ عنها ابن دقماق في نزهة الأنام
ثانيا: المصادر الأيوبية غير المعاصرة التي أخذ عنها ابن دقماق في نزهة الأنام ونقصد بها تلك المصادر التي لم يكن أصحابها معاصرين للأحداث التي جرت في عهد الدولة الأيوبية وإنما كتبوا عن تلك الحقبة - ومن الذين أخذ عنهم ابن دقماق في نزهة الأنام من أصحاب تلك المصادر: صلاح الدين الصفدي وشمس الدين الذهبي وسوف نستعرض مصنفاتهما التي نقل عنها ابن دقماق في نزهة الأنام، وهي: - الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي (696 - 764 هـ / 1297 - 1263 م)، وهو خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي الشافعي، مؤرخ، أديب، ناثر، ناظم لغوي له مصنفات كثيرة من أبرزها كتابه الوافي بالوفيات، وهو كتاب تراجم يعتمد على الترتيب الأبجدي في ذكره للأعلام، وهو في أجزاء كثيرة نشر منه ما يقارب 17 جزءا (¬1). - دول الإسلام للحافظ الذهبي (673 - 748 هـ / 1274 - 1347 م) وهو كتاب يشتمل على أخبار وتراجم لوفيات، ويقع هذا الكتاب في جزأين (¬2). وهو مختصر في التاريخ العام للدول الإسلامية من الهجرة حتى عام 740 هـ / 1339 م. - العبر في خبر من غبر (¬3) للحافظ الذهبي أيضا وهو تاريخ عام مقتطف من كتابه الكبير تاريخ الاسلام، وهو ومرتب حسب السنين وفيه أشهر الحوادث والوفيات من أول الهجرة وحتى عام 740 هـ / 1339، دراسة للمصادر التي لم يشر إليها ابن دقماق في نزهة الأنام والتي استفدنا منها في عملنا في التحقيق وهي مصادر تتناول العهد الأيوبي وإن يكن أكثر مصنّفيها لم يعاصروا تلك الفترة، وسوف نذكر بعضا من هذه المصادر نظرا لأهميتها في هذه الدراسة، ولقد صنفناها حسب مضمونها التأليفي من كتب التاريخ العام الى كتب التراجم الى كتب الخطط والآثار والبلدان. أولا: كتب التاريخ العام: ونعني بها تلك التي تناولت تاريخ الدول الإسلامية وغيرها عربية أو غير عربية وتناولت ¬
أحداثها السياسية وذكر ملوكها. ومن مميزات هذه الكتب الطابع السردي لحوادث السنين متتابعة كل سنة على حدة، ومن هذه الكتب: - المختصر في أخبار البشر (¬1)، للملك المؤيد اسماعيل المعروف بأبي الفداء، المتوفى سنة 732 هـ / 1331 م، وهو كتاب يشتمل على ذكر للتاريخ العام منذ بدء الجاهلية ثم الإسلام حتى عام 729 هـ / 1328 م، وهو في أربعة أجزاء ولقد استفدنا من الجزء الثالث والرابع في تحقيقنا. - تتمة المختصر في أخبار البشر (¬2)، لزين الدين عمر بن الوردي المتوفى سنة 749 هـ / 1348 م، وهو تكملة وتذييل لكتاب أبي الفداء السابق ذكره كتب فيه التاريخ العام بإيجاز من سنة 749 هـ في جزأين، ولقد استفدنا من الجزء الثاني في تحقيقنا. - البداية والنهاية (¬3)، لأبي الفداء المعروف بابن كثير المتوفى سنة 774 هـ / 1372 م وهو مطول في التاريخ العام يبلغ أربعة عشر جزءا، ولقد استفدنا من الجزئين الثالث عشر والرابع عشر في تحقيقنا. - مرآة الجنان وعبر اليقظان (¬4)، لأبي محمد عبد الله اليافعي المصري المتوفى سنة 766 هـ / 1364 م، وهو في التاريخ العام الى سنة 750 هـ / 1349 م، ولقد استفدنا من الجزء الرابع في تحقيقنا. - السلوك لمعرفة دول الملوك (¬5)، للمقريزي، تقي الدين المتوفى سنة 845 هـ / 1441 م وهو تاريخ مصر من سنة 577 الى سنة 844 هـ / 1181 - 1440 م، مرتبا حسب السنين، وهو في عدّة أجزاء. ولقد استفدنا من الجزء الأول، القسم الأول والثاني والثالث منه. ¬
ثانيا: كتب الطبقات
- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (¬1)، لأبي المحاسن بن تغري بردي المتوفى سنة 874 هـ / 1469 م، وهو في عدّة مجلدات في تاريخ مصر والقاهرة وأعلامهما وفيضان النيل من الفتح الاسلامي الى سنة 857 هـ / 1453 م، ولقد استفدنا في تحقيقنا من الأجزاء 6 - 12. - حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة (¬2)، لجلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هـ / 1505 م وهو في جزأين، وبه تراجم موجزة لكثير من الأعلام ومختصرات عن حوادث مصر من قديم الزمان حتى عهد المؤلف. - مفرج الكروب في أخبار بني أيوب (¬3)، لجمال الدين بن واصل المتوفى سنة 697 هـ / 1297 م وهو في تاريخ الدولة الأيوبية في عدّة أجزاء ولقد استفدنا من الجزء الرابع والخامس منه. ثانيا: كتب الطبقات: - فوات الوفيات (¬4)، لمحمد بن شاكر الكتبي المتوفى سنة 764 هـ / 1362 م وهو تذييل على كتاب وفيات الأعيان ومرتب على حروف المعجم على نمط كتاب الوفيات وهو في خمسة أجزاء. - عيون التواريخ (¬5)، لابن شاكر الكتبي أيضا وهو مجموع تراجم مرتب على السنين انتهى فيه الى سنة 760 هـ / 1358 م، وهو في عدّة أجزاء ولقد استفدنا من الجزء العشرين في تحقيقنا. - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (¬6)، لابن حجر العسقلاني المتوفى 852 هـ / 1448 م وهو في أربعة أجزاء مرتب حسب الحروف الابجدية. ¬
ثالثا: كتب الخطط والآثار
- طبقات الشافعية (¬1)، للأسنوي المتوفى سنة 772 هـ / 1370 م. يشتمل هذا الكتاب على دراسة لتراجم العلماء والأدباء والمشهورين من أهل المذهب الشافعي وهو مرتب حسب الحروف الأبجدية ويقع هذا الكتاب في جزأين. - طبقات الشافعية الكبرى (¬2)، للسبكي، وهو تاج الدين عبد الوهاب السبكي ولد في مصر سنة 727 هـ / 1326 م، وكتابه طبقات الشافعية الكبرى يقع في ستة أجزاء ويشتمل على مقدمة وسبع طبقات رتبها حسب الزمن ويروي صاحب الكتاب أن كتابه هو: «حديث وفقه وتاريخ وأدب ومجموع فوائد». - المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي (¬3)، لأبي المحاسن ابن تغري بردي، وهو تزييل للوافي بالوفيات للصفدي، ولقد استفدنا من الجزء الأول المنشور منه. - عيون الأنباء في طبقات الأطباء (¬4)، لموفق الدين ابن أبي أصيبعة المتوفى سنة 668 هـ / 1269 م وهو فريد في بابه ومن خيرة كتب التراجم - - الجواهر المضية في طبقات الحنفية (¬5)، لعبد القادر بن محمد أبي الوفاء القرشي المتوفى سنة 775 هـ / 1373 م، يعتبر هذا الكتاب أول تراجم الحنفية ولقد رتب هذا الكتاب على طريقة الحروف الأبجدية مع ذكر الأنساب والألقاب والكنى ويقع في جزأين. - ذيل طبقات الحنابلة (¬6)، لابن رجب، زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي، المتوفى سنة 795 هـ / 1392 م، ولقد استفدنا من الجزء الثاني منه في تحقيقنا. ثالثا: كتب الخطط والآثار: وهي كتب تتحدث عن البلاد والمدن والمواضع، فتصف بناءها وتاريخ هذا البناء وما ¬
اعتوره من زيادة أو نقص على مر العصور ومن هذه الكتب: - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (¬1): لتقيّ الدين المقريزي المتوفى سنة 845 هـ / 1441 م، وهو في وصف الخطط المصرية وبه تراجم عدّة. - الانتصار لواسطة عقد الأمصار (¬2): لابن دقماق المتوفى 809 هـ / 1406 م وهو كتاب في عدّة أجزاء نشر منها الجزء الرابع والخامس، وهما في وصف الفسطاط وأسواقها وجوامعها ومدارسها وأبنيتها وشوارعها، والإسكندرية وبعض قرى مصر. ¬
الفصل الثالث الحياة العلمية والأدبية في عصر ابن دقماق
الفصل الثالث الحياة العلمية والأدبية في عصر ابن دقماق تمهيد إن دراسة مؤرخ أو أديب ما، من خلال نتاجه العلمي فقط، قد لا تفي بالغرض المطلوب، فلا بد من إلقاء الضوء على العصر الذي نشأ فيه ذلك المؤرخ، أو الأديب من خلال النشاط العلمي والأدبي العام لذلك العصر، باعتبار أن المجتمعات العلمية والأدبية هي انعكاس لصورة المجتمع الثقافي الذي خرج منه. ومن هنا أفردت هذا الفصل عن الحياة العلمية والأدبية في العصر المملوكي الذي نشأ فيه مؤرخنا ابن دقماق لكي نلقي الضوء على فترة زاهية من النشاط العلمي والأدبي الذي كان مزدهرا في ذلك العصر. ولقد تمثل هذا النشاط العلمي والثقافي في العصر المملوكي من خلال اهتمام السلاطين والأمراء الماليك في إنشاء المدارس والمساجد والمكتبات ورصد الأوقاف لهذه المنشآت التعليمية، ومن خلال تشجيع سلاطين مصر للعلماء وتكريمهم لهم، مما ساعد في ازدهار الحركة العلمية والأدبية في مصر وساهم في ازدياد عدد الطلاب الدارسين والاساتذة وازدهار الحركة التأليفية في البلاد. إنشاء المدارس: كان لإنشاء المدارس ودور التعليم المختلفة في مصر في العصر المملوكي الأثر الأكبر في إرساء النهضة العلمية والأدبية في ذلك العصر. وهذه المدارس المنشأة كانت على نوعين: منها المدارس المستقلة التي كانت مخصصة للتدريس فقط، ومنها المساجد الجامعة التي كانت بالإضافة إلى أنها دور عبادة وتقرب من الله، كانت من المراكز التعليمية الهامة التي يقصدها الدارسون للاستفادة من شتى العلوم الدينية والدنيوية. ويبدو أن إنشاء المدارس والمساجد الجامعة في مصر لم يقتصر بناؤها في القاهرة أو
المدرسة الظاهرية
الاسكندرية فقط. بدليل ما ذكره ابن دقماق في كتابه الانتصار، حيث أشار الى الكثير من المدارس التي أنشئت في القرى والأقاليم البعيدة (¬1). وسوف نستعرض بعضا من المدارس والمساجد الجامعة التي أنشئت في العصر المملوكي أو ما قبل هذا العصر وظلت موضع عناية واهتمام من قبل سلاطين وأمراء المماليك فيما بعد، معتمدين في دراستنا في أكثر الأحيان على ما ذكره المقريزي في خططه. المدرسة الظاهرية: بناها الأمير جمال الدين يغمور بأمر من السلطان الظاهر بيبرس البندقداري الذي كان مقيما آنذاك في الشام، فأرسل الى الأمير جمال الدين كتابا يدعوه فيه إلى بناء هذه المدرسة «وأن لا يستعمل فيها أحدا بغير أجرة، ولا ينقص من أجره شيئا». فشرع في بنائها في سنة 660 هـ / 1261 م، وانتهى منها في سنة 662 هـ / 1263 م. ولم يبدأ في بنائها حتى رتب السلطان وقفها. وبعد الانتهاء من بنائها أقيم احتفال كبير بهذه المناسبة، حضره القراء والعلماء من كل طائفة، فتناظروا في علومهم، وفي نهاية المناظرة مدت الأسمطة لهم فأكلوا وقام الأديب أبو الحسن الجزار فأنشد قصيدة بهذه المناسبة. ولقد كان بهذه المدرسة خزانة كتب عظيمة تشتمل على أمهات الكتب من سائر العلوم، وبجانبها مكتب لتعليم الأيتام المسلمين كانت تصرف لهم المعونات من أموال وألبسة (¬2). المدرسة المنصورية: كان موقع هذه المدرسة في داخل باب المارستان الكبير المنصوري بخط القصرين بالقاهرة، أنشأها هي والقبة والمارستان الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي على يد الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، ورتب فيها دروسا على المذاهب الأربعة، وأيضا درسا في الطب ورتب بالقبة درسا للحديث النبوي الشريف ودرسا لتفسير القرآن الكريم «وكان لا يليها في التدريس إلا أجلّ الفقهاء المعتبرين» (¬3). ¬
المدرسة الصاحبية البهائية
المدرسة الصاحبية البهائية: كانت تقع هذه المدرسة بزقاق القناديل في مدينة مصر قرب الجامع العتيق، أنشأها الوزير الصاحب بهاءالدين علي بن محمد بن سليم بن حنا سنة 654 هـ / 1256 م، وسمي زقاق القناديل بهذا الاسم لأنه كان يسكنه الأشراف، فكانوا يعلقون القناديل على أبواب منازلهم. أول من درس بهذه المدرسة الصاحب فخر الدين محمد ابن بانيها الوزير الصاحب بهاء الدين، وظل يدرس فيها إلى أن مات في سنة 668 هـ / 1265 م فتولى التدريس بعده ابنه الصاحب زين الدين أحمد الذي استمر بالتدريس بالمدرسة الصاحبية لحين وفاته سنة 704 هـ / 1301 م. وكان يوجد بهذه المدرسة خزانة كتب جليلة (¬1). جامع عمرو: أنشأه عمرو بن العاص بمدينة فسطاط مصر في سنة 21 هجرية، ويقال له تاج الجوامع، وهو أول مسجد أسس بديار مصر، ويقال له أيضا الجامع العتيق (¬2). عني به في عصر المماليك الكثير من السلاطين والأمراء والوجهاء منهم: السلطان الظاهر بيبرس، فقد أمر بترميم ما تهدم منه وتجديد بعض أجزائه وذلك في سنة 666 هـ / 1267 م، والسلطان المنصور قلاوون الذي أمر بتجديده في سنة 687 هـ / 1288 م والأمير سلار نائب السلطنة، فقد أمر بتجديده بعد الزلزال الذي وقع في مصر في سنة 702 هـ / 1302 م، ورئيس التجار برهان الدين إبراهيم بن عمر سنة 804 هـ / 1401 م في عهد الظاهر برقوق. ويبدو أنه كان لهذا الجامع دور ثقافي وتعليمي ناشط بدليل أن المقريزي ذكر نقلا عن الأديب المؤرخ شهاب الدين الأوحدي ما ملخصه: «أن العلامة شمس الدين محمد بن الصائغ أدرك بجامع عمرو بمصر قبل الوباء في سنة 749 هجرية بضعا وأربعين حلقة لإقراء العلم لا تكاد تبرح» (¬3). ¬
جامع ابن طولون
جامع ابن طولون: بناه أحمد بن طولون بالقطائع في سنة 263 هـ / 876 م، وانتهى من بنائه في سنة 266 هـ / 879 م، ويقع هذا الجامع بالقاهرة في طريق العابر بين حي السيدة والقلعة. وممن عني به في العصر المملوكي: السلطان لاجين، فإنه بعد قتله السلطان الأشرف خليل بن قلاوون هرب واختفى في منارة هذا الجامع، فنذر لله إن سلّمه من هذه المحنة، أن يجدد عمارته، فكان ان نجا السلطان لاجين من هذه المحنة وآلت اليه سلطة مصر، فأمر بتجديد هذا الجامع ووكل أمر تجديده إلى الأمير علم الدين سنجر الدواداري، فأزال كل ما فيه من خراب وبلّطه وبيّضه ورتب فيه مدرسا لإلقاء الفقه على المذاهب الأربعة، كما عيّن مدرسين لتدريس التفسير والحديث والطب فيه (¬1). الجامع الأزهر: هو أول مسجد أسس بالقاهرة والذي أنشأه القائد جوهر الصقلي، مولى الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، شرع في بناء هذا الجامع في سنة 359 هـ / 969 م وتم بناؤه في سنة 361 هـ / 971 م. جدد في أيام الملك الظاهر بيبرس البندقداري، وسبب ذلك أنّ الأمير عز الدين إيدمر الحلي كان جار هذا الجامع، فأراد أن يكسب ثوابا في الآخرة، فقام بالنظر بأمره واسترجع له أشياء مغصوبة كان قد استولى عليها جماعة، وتبرع عز الدين بالكثير من ماله لهذا الجامع واستحصل له من السلطان على جملة من المال وشرع في تجديده (¬2)، فعمّر ما تهدم من أركانه وجدرانه وبيضه وأصلح سقوفه وبلّطه وفرشه وكساه، ولما انتهى من تجديده، دعى لإعادة صلاة الجمعة والخطبة فيه، فاعيدت اليه صلاة الجمعة وخطبتها بناء على رغبة السلطان وفتوى من قاضي قضاة الحنفية، بعد انقطاع دام ما يقارب مائة سنة؛ بناء على أمر السلطان صلاح الدين الأيوبي وفتوى من قاضيه الشافعي صدر الدين درباس (¬3). وممن عني به أيضا في العصر المملوكي، الأمير سيف الدين سلار، فجدد مبانيه بعد ما ¬
رصد الأوقاف على المدارس
أصابه من تصدع إثر الزلزال الذي أصاب مصر في سنة 702 هـ / 1302 م. وفي سنة 761 هـ / 1359 م في عهد السلطان الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، قام الأمير سعد الدين بشير الجمدار الناصري بإصلاح الأزهر، فأقام جدرانه وسقفه وبيّضه وبلّطه حتى عاد جديدا (¬1). وبعد، فإنه يتبين لنا أن الجامع الأزهر كان له مركز مرموق عند سلاطين مصر المماليك، الذين اهتموا بهذا الصرح الديني والعلمي الكبير، وبذلوا في خدمته الشيء الكثير، فكان منارة للعلم يقصده الدارسون من كل صوب ومكان من أرجاء العالم الإسلامي. رصد الأوقاف على المدارس: لا بد من الإشارة هنا الى دور الأوقاف وأهميتها في إرساء النهضة العلمية والأدبية في العصر المملوكي، نظرا لما لها من أهمية في المحافظة على الكثير من المدارس والمنشآت التعليمية، لأنه بدونها لا يمكن لأي مؤسسة تعليمية الاستمرار «وبخاصة في عصر كعصر المماليك، لم تتخذ فيه للتعليم سياسة عامة عليا تكفلت الدولة بتنفيذها والإنفاق عليها من أموالها العامة» (¬2). ولقد كان للعامل الفردي والأهواء الشخصية لكثير من الأمراء والسلاطين المماليك وبعض الوجهاء، الأثر الأكبر في تشييد المدارس ودور التعليم الأخرى كالمساجد والزوايا والخوانق على نفقتهم الخاصة - ويذكر محمد رزق سليم في كتابه عصر سلاطين المماليك: أن ظاهرة إنشاء المدارس ووقف الأوقاف عليها من قبل حكام المماليك بأنها «ظاهرة كانت الى باب الجود والإحسان أقرب منها الى باب التعليم الذي هو حق للشعب واجب أداؤه» (¬3). على أن هذا التنافس وحب الظهور بين السلاطين والأمراء المماليك في بناء المؤسسات التعليمية ووقف الأوقاف عليها ساهم الى حد كبير بتأسيس عدد كبير من دور التعليم. وخلاصة القول، إن إنشاء المدارس من قبل حكام المماليك وتعيين المدرسين ورصد ¬
الأوقاف للإنفاق عليها قد انعكست نتائجه إيجابا على الحركة العلمية والأدبية في البلاد، وبرزت ظاهرة للعيان في النواحي التالية: أولا - إقبال الطلاب على التعليم: وفي هذا المجال ذكر محمد رزق سليم في كتابه عصر سلاطين المماليك ما ملخصه: «أن افتتاح المدارس، وتعيين العلماء فيها للتدريس، والعناية باختيارهم ورصد الأوقاف للانفاق عليها، وإجراء الرواتب على طلابها، وتهيئة المساكن لنومهم وتزويدهم بالطعام والكسوة وما إلى ذلك، كان من شأنه أن يجذب الكثير من الطلاب ويحببهم في الانتظام في سلكها بل والى الانقطاع الى طلب العلم فيها» (¬1). ثانيا - كثرة عدد العلماء والأدباء: من أهم نتائج النشاط العلمي أيضا بروز الكثير من العلماء والفقهاء والمجتهدين في شتى ميادين العلم في العصر المملوكي، ويهمنا أن نذكر بعضا من هؤلاء العلماء والأدباء الذين برزوا خاصة في علم التاريخ والأدب والاجتماع وغيره خلال عصر مؤرخنا ابن دقماق من مصريين أو غيرهم ممن كان لهم الأثر الأكبر في النهضة العلمية في مصر وسائر الأقطار الإسلامية، فنذكر منهم: ابن حجر العسقلاني (773 - 852 هـ)، البدر العيني (762 - 855 هـ) ابن الفرات (735 - 807 هـ) والمقريزي (769 - 845 هـ) وابن خلدون (732 - 808 هـ) (¬2). ثالثا: إزدهار الحركة التأليفية: لعل من أبرز نتائج النهضة العلمية في مصر في العصر المملوكي أيضا؛ النشاط التأليفي الذي بلغ عدة آلاف من المجلدات والكتب، كانت ثمرة لهذا النشاط العلمي الذي شجعه حكام المماليك، ويذكر محمد رزق سليم في عصر سلاطين المماليك: أن بعض المؤلفين في ذلك الزمان ألف مئات الكتب والرسائل كالسيوطي، فقد قيل إن مؤلفاته زادت على مائة وخمسين وهكذا. . . كما يشير الى أن الكثير من هذه المؤلفات قد استولى عليها العثمانيون عندما فتحوا مصر في سنة 923 هـ / 1516 م وأزالوا حكم المماليك عن البلاد (¬3). على أن عددا من هذه البقية الباقية من المؤلفات، التي حفظت من عبث العثمانيين ¬
موجودة الآن في دور الكتب بالقاهرة وغيرها والقسم الأكبر منها ما يزال مخطوطا، وهو بحاجة الى النشر ونفض غبار النسيان عنه (¬1). وبعد، فهذا هو ما كان عليه الوضع العلمي والأدبي من نشاط وازدهار في العصر المملوكي وهو العصر الذي نشأ فيه مؤرخنا ابن دقماق وعاصر فيه العديد من المؤرخين والأدباء البارزين، كما أشرنا اليه سابقا. ولا بد من التنويه هنا بحكام المماليك الذين لولا سياستهم المنفتحة على العلم وتشجيعهم للعلماء لكان الوضع مختلفا تماما عما هو عليه الحال من ازدهار للحركة العلمية والأدبية في تلك الحقبة. ¬
[الوفيات]
بالقصبة الحاكمية (¬1)، وأقام العمل فيه من مستهل شعبان وإلى آخر شوّال من هذه السنة. وفيها توجه السلطان جلال الدين خوارزم شاه، وجمع جيشا والتقى عساكر التتار، فكسروه كسرة فاحشة، فهرب إلى آمد (¬2) فلم يمكّنوه من الدخول إليها، وعساكر التتار خلفه يقتلون في جماعته فساق الى بلاد ميّافارقين (¬3)، (2 ب) والتجأ الى قرية من أعمالها بمفرده، فحضر جماعة عرفوه، وكان قد قتل منهم جماعة، فاتفقوا على قتله، فقتلوه (¬4) وأخذوا قماشه الذي كان عليه وفرسه. ثم بعد أيّام أرادوا بيع قماشه فعرف ذلك عليهم في مدينة ميّافارقين، فأنكر عليهم الوالي ومسكهم، وأحضرهم الى الملك المظفر شهاب الدين غازي [بن الملك العادل] (¬5) فأمر أن يقررهم، فأنكروا قتله، ثم اعترفوا بقتله، وأن هذا قماشه. فأمر السلطان شهاب الدين بشنقهم وأحضر أكابر القرية وأهل القرية جميعهم فقتل الجميع، وأمر بخراب القرية وجعلها دكا، وقال: هؤلاء تطاولوا لقتل مثل هذا الملك العظيم والله لو أحضروه عندي حيا أعطيتم القرية ملكا. [الوفيات] وفيها مات الأمير شجاع الدين جلدك التقوى (¬6)، مملوك تقي الدين عمر، صاحب حماه، سمع من الحافظ السلفي (¬7)، وحدّت عنه وعن مولاه تقي الدين عمر بن شاهنشاه ابن أيوب بشيء من شعره، وولي ثغر الاسكندرية ودمياط، وولي شدّ (¬8) الدواوين. وكان كثير الاحسان للعلماء، وحضر مواقف كثيرة في الجهاد، وكان يكتب القرآن بخطه في كل بلد يتولاّه. كتب بخطه أربعا وعشرين ختمة، وكان يعرف كتاب الصحيح، وعمّر قريب ثمانين ¬
سنة ومات في ثامن عشرى شعبان بالقاهرة وله شعره، فمنه قوله: [السريع] هذا قريضي حين حرّرته ... علمت أني لست من أهله كتبته لا لغرامي به ... لكن عسى أذكر من أجله (3 أ) روى عنه المولى بهاء الدين زهير (¬1) في غلام يتعلم الهندسة: [الطويل] وذي هيئة يزهى (¬2) بوجه مهندس ... أموت به في كل يوم وأبعث محيط بأشكال الملاحة وجهه ... كأن به إقليدسا يتحدّث فعارضه خط استواء وخاله ... به نقطة والصّدغ شكل مثلث وتنسب هذه الأبيات الى أبي العلوي (¬3) المصري والله أعلم. وفيها مات الملك الأمجد بهرام شاه (¬4) بن فروخ شاه ابن شاهنشاه ابن أيوب، ابن شادي بن مروان صاحب بعلبك. كان فيه فضل وأدب، أخذ الملك الأشرف موسى ابن العادل منه بعلبك، فانتقل الى دمشق فأقام بها مدة قليلة، وقتله مملوكه في داره ليلة الاربعاء ثامن عشر شوّال من هذه السنة. له ديوان شعر ملكته في مجلدة الغالب عليه الجودة. ولما مات رؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: [المديد] كنت من ذنبي على وجل ... زال عنّي ذلك الوجل أمنت نفسي بوائقها ... عشت لما متّ يا رجل وذكر شهاب الدين القوصي في معجمه، فقال: أنشدني الأمجد لنفسه: [البسيط] طوبى لقيّمنا أحنى على قمر ... يجلو براحته عن وجهه الكلفا ¬
ثم دخلت سنة تسع وعشرين وستمائة
أو درّة (¬1) كمنت في خدرها فغدا ... يفضّ باللطف عن أنوارها الصّدفا وله: [الطويل] (3 ب) طلبت (¬2) بماء في إنا فجاءني ... غلام بها صرفا فأوسعته زجرا فقال هو (¬3) الماء القراح وإنّما ... تجلّى لها خدّي فأوهمك الخمرا وفيها مات أبو الحسن يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزّواوي (¬4)، الملقب زين الدين النحوي الحنفي. كان أحد أئمة عصره في النحو واللغة. سكن دمشق زمانا طويلا، واشتغل عليه خلق كثير، وصنف تصانيف مفيدة، ثم دخل الى مصر وتصدر لإقراء الأدب، ومات في سلخ ذي القعدة من هذه السنة. ثم دخلت سنة تسع وعشرين وستمائة فيها استولوا (¬5) التتار على خلاط (¬6) واقليم أرمينية، وعلى جميع ما كان بيد السلطان جلال الدين خوارزم شاه من الأقاليم (¬7). وفيها دخل السلطان الملك الأشرف موسى الى الديار المصرية الى خدمة أخيه الكامل، وأخبر الكامل أن آمد وحصن كيفا (¬8) خاليين (¬9) من العساكر، وأن صاحبهم مشتغل باللعب واللهو والطرب والأكل والشرب [والنكاح] (¬10)، وسأل أخاه الكامل في الخروج اليها، ¬
[الوفيات]
فتجهز السلطان الملك الكامل للخروج، وخرج (¬1) في شهر جمادى الآخره. فلمّا بلغ السلطان الملك المسعود ابن الصالح ابن ارتق، أن السلطان الملك الكامل خرج لقصد بلاده، جهز تقادم صحبة وزيره شرف العلا، الى الملك الكامل، ليستعطف قلبه عليه ويسأله العفو عنه، ويدبر أمره عند السلطان. فلما وصل شرف العلا إلى السلطان، عمل بضدّ ما قاله أستاذه (4 أ) وقال جميع ما غير خاطر السلطان الملك الكامل على أستاذه، وذكر سوء سيرة صاحبه، وزاد فيما قال، لقاه الله تعالى. فحنق السلطان عليه وقوى طمع السلطان في أخذها، وسار السلطان ونزل عليها في أواخر ذي الحجة من هذه السنة ولم يزحف عليها. [الوفيات] وفيها مات القاضي تاج الدين عبد الرحمن بن عبد المحسن ابن الخطيب، أبي الفضل، عبد الله بن أحمد الطوسي (¬2)، ثم الموصلي، خطيب الموصل وابن خطيبها. كان ورعا صالحا متواضعا شاعرا، توفي في هذه السنة وقيل في سنة ست ومن شعره: [مجزوء الكامل] ما لاح مقلة ناظريه ... [م] لناظر إلا وشامه للصبح يشبه والظلام ... [م] إذا بدا خدا وشامه فلقت محاسنه الحسان ... [م] عراقة فينا وشامه يا ليته (¬3) مثلي يقول ... [م] لمن إليه بي وشى مه قال الشيخ صلاح الدين الصفدي (¬4): «شعر جيد صنع». ثم دخلت سنة ثلاثين وستمائة للهجرة فيها ابتدأ السلطان الملك الكامل في أول يوم من محرّمها بالزحف على مدينة آمد ولم يزل عليها حتى ملكها، واستولى على ما بها من الحواصل والذخائر وقبض على صاحبها الملك ¬
[الوفيات]
المسعود [ابن ارتق] (¬1)، واعتقله الى أن سلم له جميع الحصون التي كانت بيده، ومن جملتهم حصن كيفا، وقيل أنه علقه تحت حصن كيفا (4 ب) بعد العقوبة القوية، واستولى على جميع أعماله (¬2). وفيها رتب السلطان الملك الكامل المظفر [بن] (¬3) شمس الملوك، شهاب الدين غازي [بن الملك العادل] (¬4)، نائب السلطنة بآمد، ومعين الدين ابن الشيخ، وزيره بتلك الأعمال، والطواشى (¬5) شمس الدين صواب، متولي تدبير المملكة (¬6) وفيها أنعم السلطان الملك الكامل على ولده الملك الصالح، نجم الدين أيوب بحصن كيفا وأعمالها، وأخلع (¬7) عليه وسيّره إليها، ثم أن السلطان رحل بعساكره ورجع الى الديار المصرية وصحبته الملك المسعود تحت الحوطة، فلمّا دخل السلطان إلى الديار المصرية، أفرج عنه وأحسن إليه وأعطاه إمرة كبيرة بالديار المصرية. [الوفيات] وفيها كانت وفاة السلطان مظفر الدين كيكبوري (¬8) ابن زين الدين، صاحب إربل (¬9) ¬
في شهر رمضان، وبعد وفاته استولى نواب خليفة بغداد على إربل وصارت مضافة لمملكة بغداد. وكان مظفر الدين المذكور ملكا كريما، رحيما، كثير الخير والبر والصدقة، وكان ينزل بنفسه الى البيمارستان ويتفقد المرضى. وفيها مات الشيخ الإمام العلامة أبو الحسن علي ابن أبي الكرم، محمد بن عبد الكريم ابن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير (¬1) الجزري، الملقّب عز الدين. مولده بالجزيرة (¬2)، ونشأ بها، ثم سار الى الموصل مع والده واخوته وسكن الموصل، وسمع بها من أبي الفضل عبد الله بن أحمد الخطيب الطوسي ومن طبقته، وقدم بغداد مرارا (5 أ) حاجا ورسولا من صاحب الموصل، وسمع بها من الشيخين أبي القاسم يعيش ابن صدقة، الفقيه الشافعي، وأبي أحمد بن عبد الوهاب الصوفي، وغيرهما، ثم رحل الى الشام والقدس وسمع هناك من جماعة، ثم عاد الى الموصل ولزم بيته منقطعا الى التوفر على النظر في العلم والتصنيف. وكان بيته يجمع مجمع الفضل لأهل الموصل والواردين عليها وكان إماما في حفظ الحديث ومعرفة ما يتعلق به، وحافظا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، وخبيرا بأنساب العرب وأخبارهم وأيامهم ووقائعهم. صنف في التاريخ كتابا كبيرا سماه «الكامل» ابتدأ فيه من أول الزمان الى سنة ثمان وعشرين وستمائة، وهو من خيار التواريخ. واختصر كتاب الأنساب (¬3) لأبي سعد عبد الكريم ابن السمعاني، واستدرك عليه فيه مواضع، ونبه على أغاليط، وزاد أشياء أهملها، وهو كتاب مفيد جدا، وأكثر ما يوجد اليوم بأيدي الناس هذا المختصر، وهو في ثلاثة مجلدات، والأصل في ثمانية، وهو عزيز الوجود. قال الشيخ شمس الدين ابن خلكان (¬4): «ولم أره إلا مرة واحدة، بمدينة حلب ولم يصل الى الديار المصرية إلا المختصر المذكور». وكانت ولادته في رابع جمادى الأول سنة خمس ¬
وخمسين وخمسمائة بجزيرة ابني عمر (¬1)، وهم من أهلها، ومات في شعبان بالموصل رحمه الله تعالى. وفيها مات أبو الرضىّ عبد الرحيم بن محمد بن محمد بن ياسين ابن أبي البركات، سبط (5 ب) أبي القاسم يحيى بن علي بن فضلان (¬2). قرأ الفقه على جده، ثم سافر الى الموصل، وقرأ على أبي حامد بن يونس، وأقام عنده مدّة، وحصل طرفا صالحا من المذهب والخلاف فصار حسن المناظرة وعاد الى بغداد، وتولى الاعادة بالمدرسة النظامية، وولي النظر بديوان الزمام وعزل ثم رتب ناظر الوقف العام مدّة، ولم يزل كذلك الى أن مات. وفيها مات أبو المحاسن، شرف الدين محمد بن نصر الله بن الحسين بن عنين (¬3) الأنصاري الكوفي الأصل، الدمشقي المولد، الشاعر المشهور، كان خاتمة الشعراء لم يكن في عصره مثله، ولم يكن شعره مع جودته مقصورا على معنى واحد. وكان غزير المادة من الأدب مطلعا على معظم أشعار العرب، وكان مولعا بالهجاء وثلب أعراض الناس، وله قصيدة طويلة جمع فيها خلقا من رؤساء الناس من أهل دمشق سمّاها: «مقراض الأعراض». وكان السلطان صلاح الدين قد نفاه من دمشق بسبب وقوعه في الناس، فلمّا خرج منها عمل قوله: [الكامل] فعلام أبعدتم أخا ثقة ... لم يجترم ذنبا ولا سرقا إنفوا المؤذّن من بلادكم ... إن كان ينفى كلّ من صدقا وطاف البلاد من الشام والعراق، والجزيرة، وأذربيجان، وخراسان، وغزنة (¬4)، ¬
وخوارزم (¬1)، وماوراء النهر، ثم الهند واليمن، وملكها يومئذ، سيف الإسلام، طغتكين ابن أيوب، أخو السلطان صلاح الدين، وأقام (6 أ) بها مدّة، ثم رجع الى الحجاز والى الديار المصرية، ثم عاد الى الشام، واستوطن دمشق، وكان يتردد منها الى البلاد، ويعود اليها. وكتب من بلاد الهند الى أخيه وهو بدمشق هذين البيتين والثاني منهما لأبي العلاء المعرّي، استعمله مضمنا، فكان أحق به، وهما: [الكامل] سامحت كتبك في القطيعة عالما ... أن الصحيفة لم تجد (¬2) من حامل (¬3) وعذرت طيفك في الجفاء لأنه ... يسرى فيصبح دوننا بمراحل لله دره فما أحسن ما وقع له هذا التضمين. وكان له في عمل الألغاز وحلّها اليد الطولى، ولم يكن له غرض في جمع شعره، فلذلك لم يدوّنه، فهو يوجد مقاطيع في أيدي الناس، وقد جمع له بعض أهل دمشق ديوانا صغيرا لا يبلغ عشر ما له من النظم، ومع هذا ففيه أشياء ليست له. وكان من أظرف الناس وأخفّهم [روحا] (¬4) وأحسنهم مجونا، وله بيت عجيب من جملة قصيدة [يذكر فيها أسفاره ويصف توجهه الى جهة الشرق] (¬5) وهو: [الطويل] أشقّق قلب الشرق حتى كأنني ... أفتّش في سودائه (¬6) عن سنا الفجر وله: [البسيط] (¬7) ¬
الله يعلم ما حلّلت من دمها ... وسفكه مستحلا بعدما (¬1) حرما لكن رأيت ذوي الجاهات تشربها (¬2) ... سرا وتتعب (¬3) في تحصيلها العلما وله: (¬4) لم أخّرتني وقدّمت غيري ... أنا حال وغيري استفهام (6 ب) وله: [الكامل] (¬5) حاشا (¬6) لمجدك ان الوذ بظلّه ... وأكون في أتباعه صلة لما وله: [الوافر] (¬7) كأنك (¬8) في الزمان اسم صحيح ... جرى (¬9) فتحكّمت فيه العوامل وله في الغزل: [الطويل] وأهيف يحكي الغصن لين قوامه ... وتغرق في ماء النعيم غلايله إذا ما بدا من شعره في ذوايب ... رأيت غزالا لم ترعه حبايله وبالجملة فمحاسن شعره كثيرة، وكان وافر الحرمة عند الملوك، وتولى الوزارة بدمشق في آخر دولة الملك المعظم، ومدة ولاية الملك الناصر ابن المعظم، وانفصل منها لما ملك ¬
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وستمائة
دمشق، الملك الأشرف، وأقام في بيته، ولم يباشر بعدها خدمة. وكانت ولادته بدمشق يوم الإثنين تاسع شعبان سنة تسع وأربعين وخمسمائة. ومات عشية نهار الإثنين العشرين من ربيع الأول من هذه السنة بدمشق، ودفن من الغد بمسجده الذي أنشأه بأرض المزة، وله يتغزل في بيطار: [الكامل] لله بيطار بحمص مارنا ... إلا وسلّت مقلتاه مخذما أحنى على سرد (¬1) النعال فخلته ... بدرا يصوغ من الأهلّة أنجما وله في الصاحب بن شكر (¬2): [الخفيف] (7 أ) فعل إحسانه بغير قياس ... لازم وهو عامل (¬3) يتعدّى ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وستمائة فيها اجتمع الملك الأشرف موسى بأخيه الملك الكامل محمد، وكان الأشرف قد عاين ملك الروم، فرغب الملك الكامل في التوجه لأخذه، فصغى (¬4) السلطان الكامل الى قوله وتجهز وخرج في شهور هذه السنة (¬5). فلما وصل إلى دمشق، وكان قد أرسل الى ملوك الشام والشرق بتجهزهم، فاجتمعوا على دمشق، فلما تكاملوا، رحل السلطان بمن معه من عساكر مصر والشام وغيرهم فعبر الفرات ونزل الجانب الشرقي من عند قلعة البيرة (¬6)، واجتمعوا (¬7) الملوك من بني أيوب الى خدمته. وكان عدة الملوك الذين حضروا الى خدمته ثمانية عشر ¬
ملكا (¬1) بعساكرهم ودهاليزهم (¬2)، فأعرضهم الملك الكامل، فأعجبه ما رأى منهم وعزت نفسه، وبعد ذلك قعد السلطان مع جماعة من خواصه فقال: إن ملك الروم إن صار لنا وملكناه، عوضنا ملوك الشام والشرق عما بأيديهم وأقطعناهم الروم وجعلت الشام والشرق مضافا الى ملك مصر. فلما قال ذلك، اتصل الخبر الى ملوك الشام، فأول من ابتدأ بالنفور كان الملك المجاهد أسد الدين شيركوه، صاحب حمص، فإنه ركب وتوجه الى السلطان الأشرف موسى، صاحب دمشق، واجتمع به وعرفه ما قاله السلطان الملك الكامل، عند ذلك سير (7 ب) الأشرف وأحضر اليه بني عمه وأهله وأقاربه ملوك الشام والشرق، فلمّا اجتمعوا أخبرهم الخبر، فقالوا كيف نفارق أماكن ولدنا فيها وأباؤنا وأجدادونا (¬3) ونجيء الى ملك الروم. فاتفقوا وكتبوا كتب (¬4) الى عند السلطان علاء الدين كيقباذ ابن كيخسرو ملك الروم، فوقعت الكتب في يد السلطان الملك الكامل، عند ذلك رحل من مكانه وخرج من الدربند (¬5) وعاد إلى إقليم السويداء (¬6) من بلاد الشرق وخيم عليها. وفيها كان السلطان الملك الكامل قبل دخوله الى الدربند، جهّز الملك المظفّر صاحب حماه، والطواشي شمس الدين صواب، وجماعة من الأمراء والعساكر الى خرتبرت (¬7) ليملكوها (¬8) ويدخلوا منها إلى بلاد الروم، وكان بخرتبرت عساكر كثيرة من عساكر الروم ¬
[الوفيات]
فالتقوهم (¬1) العساكر المصرية والشامية فكسروهم (¬2) واستأسروا منهم خلق كثير، وجهّزهم الملك المظفر والطواشي صواب الى عند السلطان الملك الكامل، ثم ردّت عساكر الروم على عساكر الشام والشرق، فانكسروا واستأسروا الملك المظفر والطواشي صواب وحملوهم عند السلطان علاء الدين صاحب الروم، فعند قدومهم عليه أخلع عليهم وأطلقهم جميعا وأعطاهم خيولا (¬3) وجميع ما عدم لهم رده عليهم. فلمّا بلغ السلطان الملك الكامل كسر عساكره وما جرى (¬4) على أمرائه (¬5)، تزايد حنقه على الملوك أهله، وتغيّر خاطره وزادت الوحشة، عند ذلك رحل الى الديار المصرية، فلمّا وصل اليها مسك المسعود صاحب آمد واعتقله [بحكم انه من جملة من كاتب الروم] (¬6). [الوفيات] وفيها مات أبو أحمد عبد الحق بن عبد الله بن عبد الحق الأنصاري (¬7) (8 أ) المغربي المهدوي، قاضي الجماعة بمراكش وبإشبيلية. كان أولا ولي قضاء غرناطة وامتحن في قضاء مراكش بالفتنة، قال ابن الآبار: كان من العلماء المتفنين، فقيها مالكيا حافظا للمذهب، نظارا بصيرا بالأحكام، صليبا في الحق مهيبا معظما، وله كتاب في الرد على أبي محمد بن حزم، دلّ على فضله وعلمه وأفاد بوضعه. قال صلاح الدين الصفدي (¬8): ولا أعلم له رواية. ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وستمائة فيها جهّز صاحب الروم جيشا كبيرا الى حرّان (¬9) والى الرّها (¬10)، فنازلوهما وملكوهما بعد ¬
[الوفيات]
الحصار الشديد، واستولوا على كل ما بهما من الأموال والخزائن، وخلوا بهما عساكر تحفظهما من عساكر الشام، فلمّا بلغ ذلك السلطان الملك الكامل تجهز بعساكره وخرج الى الشرق (¬1). [الوفيات] وفيها مات عمر بن محمد بن عمّويه (¬2)، واسمه عبد الله أبو حفص البكري، الملقب شهاب الدين السهروردي الصوفي وقد تقدم نسبه الى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، في ترجمة الشيخ أبا (¬3) نجيب السهروردي، فأغنى عن إعادته. كان المذكور شافعي المذهب، شيخا صالحا، ورعا، كثير الاجتهاد في العبادة والرياضة تخرج عليه خلق كثير من الصوفية، ولم يكن في آخر عمره في عصره مثله. صحب عمه أبا النجيب (¬4) وعنه أخذ التصوف والوعظ والشيخ عبد القادر الجيلي، وانحدر الى البصرة الى الشيخ أبي محمد ابن عبدون (¬5) وغيرهم من الشيوخ، وحصل طرفا صالحا من الفقه والخلاف، (8 ب) وفن الأدب وعقد [مجلس] (¬6) الوعظ سنين وكان شيخ الشيوخ ببغداد، وكان له مجلس وعظ وعلى وعظه قبول كثير، وله نفس مبارك. حكى بعض من حضر مجلسه أنه أنشد يوما وهو على الكرسي: [الكامل] لا تسقني وحدي فما عوّدتني ... أني أشحّ بها على جلاسي أنت الكريم ولا يليق تكرّما ... أن يعبر الندماء دون الكاسي فتواجد الناس لذلك وقطعت شعور كثيرة، وتاب جمع كثير، وله تواليف حسنة منها ¬
كتاب «عوارف المعارف» وهو أشهرها، وله شعر فمنه قوله: [مخلّع البسيط] تصرّمت وحشة الليالي ... وأقبلت دولة الوصال وصار بالوصل لي حبيب (¬1) ... من كان في هجركم رثى لي وحقّكم بعد إن حصلتم ... بكل ما فات لا أبالي عليّ ما في الورى (¬2) حرام ... وحبكم في الحشا حلالي تشربت أعظمي هواكم ... فما لغير الهوى ومالي أحييتموني وكنت ميتا ... وبعتموني بغير غالي تقاصرت دونكم (¬3) قلوب ... فيا له موردا حلالي فما على عادم أجاجا (¬4) ... وعنده أعين الزلال وكان قد وصل رسولا إلى إربل من جهة الديوان العزيز (¬5) وعقد بها مجلس (¬6) (9 أ) وعظ وكان كثير الحج وربما جاور (¬7) في بعض حججه، وكان أرباب الطريق من مشايخ عصره يكتبون إليه من البلاد صورة فتاوى يسألونه عن شيء من أحوالهم، سمعت أن بعضهم كتب إليه «يا سيدي إن تركت العمل أخلدت الى البطالة، وإن عملت داخلني العجب، فأيهما أولى؟» فكتب جوابه: «اعمل واستغفر الله تعالى من العجب». وله من هذا شيء كثير. وكان صحب عمه أبا النجيب زمانا وعليه تخرج، ومولده بسهرورد (¬8) أواخر رجب أو أوائل شعبان والشك منه، سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، ومات في مستهل المحرم من هذه ¬
السنة ببغداد، ودفن من الغد بالوردية رحمه الله تعالى. وفيها مات أبو يحيى عيسى بن سنجر بن بهرام ابن جبريل ابن خمارتكين ابن طاشتكين الإربلي، الملقب حسام الدين الشهير بالحاجري (¬1) الشاعر هو جندي ومن أولاد الأجناد وله ديوان شعر صغير ملكته ويغلب على شعره الرقة، وهو مشتمل على الشعر والدوبيت (¬2) والمواليا (¬3)، وقد أحسن في الجميع، وله أيضا «كان وكان» (¬4)، واتفقت له فيه مقاصد حسان، فمن شعره، وهو معنى جيد: [الكامل] ما زال يحلف لي بكل أليّة ... أن لا يزال مدى الزمان مصاحبي لما جفا نزل العذار بخده ... فتعجبوا لسواد وجه الكاذب وله دو بيت: (9 ب) حيّا وسقى الحمى سحاب هامي ... ما كان ألذ عامه من عام يا علوه ما ذكرت أيامكم ... إلا وتظلّمت على الأيام وله: [مجزوء الخفيف] لك خال من فوق عر ... ش شقيق قد استوى بعث الصّدغ مرسلا ... يأمر الناس بالهوى ¬
وله، وكان بينه وبين أحد الأعيان (¬1) مودة، فكتب إليه من الموصل في صدر كتاب، وكان صاحبه بإربل: [البسيط] الله أعلم (¬2) ما أبقى سوى رمق ... منّي فراقك يا من قربه الأمل فابعث كتابك واستودعه تعزية ... فربما متّ شوقا قبل ما (¬3) يصل وكان قد أصابته محنة، وحبس في قلعة إربل لأمر يطول شرحه، وله في ذلك أشعار فمنها قوله من أبيات أولها: [الكامل] قيد أكابده وسجن ضيق ... يا ربّ (¬4) شاب من الهموم المفرق ومنها: [الكامل] يا برق إن جئت الديار بإربل ... وعلا (¬5) عليك من التداني رونق بلّغ تحيّة نازح حسراته ... أبدا بأذيال الصّبا تتعلّق قل يا جعلت لك الفداء أسيركم ... من كل مشتاق إليكم أشوق والله ما سرت الصّبا بخديه ... إلا وكدت بدمع عيني أغرق [البسيط] (10 أ) ما ألفت بين طرفي والسهاد سوى ... تلك المهى النافرات الجوذريات وبارق لاح نحو الجزع هيّج لي ... بالرقمتين صبابات قديمات يا برق أنت قديم العهد من إضم ... قف بث لي خبرا حييت من آتي سقى الحمى ودهورا بالحمى سلفت ... سحب الغمام سكوبات مطيرات ملاعبا كان فيها الدهر يجمعنا ... وموسما فات في أهنى اللذاذات من لي بذاك الزمان الحاجري فوا ... لهفي وتلك الليالي الكافليّات ويا زمان عشيّات الحمى قسما ... الا أعدت لنا تلك العشيّات ¬
وقال: [مجزوء الرمل] لمع البرق اليماني ... فشجاني ما شجاني ذكر دهر وزمان ... بالحمى أيّ زمان يا وميض البرق هل تر ... جع أيام التداني وترى يجتمع الشم ... ـل وأحظى بالأماني هذه أطلال سعدى ... والحمى والعلمان حيث مجرى اللهو رحب ... والهوى طلق العنان والأماني في أمان ... من صروف الحدثان ذهبت تلك البشاشا ... ت مع الغيد الحسان وأمرّ العيش عيش ... ذاهب بالبعد فان (10 ب) من لمأسور طليق ... ¦ م ¦ الدمع مرعوب الجنان دايم الحزن فريد ... بأعالي حفتيان حكمت فينا بما تختار ¦ م ¦ أولاد الرّواني كلما قلت نقضّي ... حادثا أقبل ثاني وله مواليا: ظبي بدا يوم جرعاء الحمى راشق ... حشاشتي كيف لا أبدو له عاشق للسبع في كفله شبعه وللواشق ... فصله وخصريه ما فيها غدا باشق وقال: جاوزت في الحسن يا كلّ المنا جدّك ... وقد تعجبت ¦ ايش ¦ عشق هيف قدّك حاجبك ناظرك سالفك النقي خدّك ... كلّك مليح حلو عندي سوى صدّك وفيها مات الملك الزاهر أبو سليمان مجير الدين داود (¬1) بن السلطان صلاح الدين يوسف ¬
ابن أيوب، كان المذكور صاحب قلعة البيرة التي على شاطئ الفرات، كان يحب العلماء وأهل الأدب ويقصدونه من البلاد. ولما ولد بالقاهرة كان والده بالشام وكان هو الثاني عشر من أولاد أبيه، فكتب القاضي الفاضل الى السلطان صلاح الدين يبشره بمولده، ومن جملة ما كتب إليه (¬1): وهذا الولد المبارك هو الموفّى لأثني عشر ولدا بل لاثني عشر نجما متقدا، فقد زاد الله سبحانه وتعالى في أنجمه على أنجم يوسف نجما، ورآهم (¬2) المولى (11 أ) يقظة ورأى تلك الأنجم حلما ورآهم المولى ساجدين له ورأينا الخلق لهم سجودا وهو تعالى قادر على أن يزيد جدود المولى إلى أن يراهم آباء وجدودا. قال الشيخ شمس الدين ابن خلكان (¬3) وقد ألّم القاضي في آخر الكلام بقول البحتري (¬4) في مدح الخليفة المتوكل على الله وقد ولد له المعتز من جملة قصيدة (¬5): [الكامل] وبقيت حتّى تستضيء برأيه ... وترى (¬6) الكهول الشّيب من أولاده وحكي عنه أنه كان يقول: من أراد أن يبصر صلاح الدين فليبصرني، أنا أشبه أولاده به. وكانت ولادته لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وهو شقيق الملك الظاهر غازي المقدم ذكره، وتوفى في ليلة التاسع من صفر من هذه السنة، فتوجه الملك العزيز ابن الظاهر، صاحب حلب الى القلعة وملكها رحمهم الله تعالى. وفيها مات شهاب الدين أبو العباس عبد السلام ابن المطهّر ابن قاضي القضاة أبي سعد عبد الله بن أبي السري ابن هبة الله بن المطهّر ابن جماعة (¬7)، وكان فقيها جليل القدر وافر ¬
الديانة، ترسّل من حلب الى بغداد والى الأطراف، وانقطع في الآخر بمكانه في الجبل عند حمام النحاس بدمشق، وكان منهمكا في التمتع كان له أكثر من عشرين سريّة (¬1) حتى فنيت أعضاؤه وتولّدت عليه أمراض رحمه الله تعالى. وفيها مات الشيخ الصالح الورع (11 ب) الزاهد المحقق شرف الدين أبو حفص وأبو القاسم عمر بن علي بن المرشد بن علي، الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة المعروف بابن الفارض (¬2). وله ديوان شعر لطيف وأسلوبه فيه رائق ظريف ينحو فيه منحى طريقة الفقراء ومنهجهم (¬3) وإشاراتهم وله القصيدة الجيمية على اصطلاحهم وما ألطف قوله: [البسيط] أهلا بما لم أكن أهلا لموقعه ... قول المبشر بعد اليأس بالفرج لك البشارة فاخلع ما عليك فقد ... ذكرت (¬4) ثمّ على ما فيك من عوج قلت والبيت الثاني له حكاية لطيفة تدل على حسن اعتقاده وعلوّ درجته، قيل لما حجّ الشيخ شهاب الدين السهروردي، شيخ الصوفية المقدّم ذكره، قدس الله روحه، في سنة ثمان وعشرين وستمائة وكانت وقفة الجمعة، حج معه خلق كثير من أهل العراق، فلمّا رأى كثرة ازدحام الناس عليه في الطواف بالبيت والوقوف بعرفة واقتدائهم بأقواله وأفعاله فقال في سره: هل أنا عند الله كما يظن هؤلاء القوم فيّ ويا ترى هل ذكرت في حضرة الحبيب في هذا اليوم؟ فظهر له الشيخ شرف الدين [ابن الفارض] (¬5)، وقال له يا سهروردي: [البسيط] لك البشارة فاخلع ما عليك فقد ... ذكرت ثمّ على ما فيك من عوج ¬
فصرخ الشيخ شهاب الدين، وخلع كلّ ما كان عليه. وطلب الشيخ فلم يجده، فقال الشيخ شهاب الدين: هذا إخبار من كان في الحضرة، ثم اجتمعا بعد ذلك في الحرم الشريف وأعتنقا وتحدثا سرا زمانا طويلا. قال على سبط الشيخ، [قال كمال الدين ابن الشيخ] (¬1) (12 أ) شرف الدين: واستأذن (¬2) والدي أن يلبسني ويلبس أخي عبد الرحمن خرقة الصوفية على طريقته، فأذن له. قال الشيخ شرف الدين كنت في أول تجريدي (¬3) أستأذن والدي وأطلع إلى وادي المستضعفين بالجبل الثاني من المقطّم وآوي فيه وأقيم به ليلا ونهارا، ثم أجيء الى والدي لأجل برّه ومراعاة قلبه، وكان والدي يومئذ خليفة الحكم العزيز (¬4) بالقاهرة ومصر المحروستين، وكان من أكابر أهل العلم والعمل، فيجد سرورا برجوعي اليه ويلزمني بالجلوس معه في مجالس الحكم ومدارس العلم، ثم أشتاق الى التجريد واستأذنه وأعود الى السياحة (¬5)، وما برحت أفعل ذلك مرة بعد مرة إلى أن سئل (¬6) والدي أن يكون قاضي القضاة فامتنع ونزل عن الحكم واعتزل الناس وانقطع الى الله تعالى في جامع الأزهر الى أن مات رحمه الله تعالى، فعاودت التجريد والسياحة وسلوك طريق الحقيقة فلم يفتح عليّ بشيء، فحضرت يوما من السياحة الى المدينة (¬7) ودخلت المدرسة السيوفية (¬8)، فوجدت رجلا شيخا بقالا على باب المدرسة يتوضأ وضوءا غير مرتب، غسل يديه ثم غسل رجليه، ثم مسح رأسه (¬9)، ثم غسل وجهه، فقلت له: يا شيخ أنت تتوضأ وضوءا خارجا عن الترتيب الشرعي، وأنت في هذا السن في دار الاسلام على باب المدرسة بين فقهاء المسلمين، فنظر إليّ وقال: أنت يا عمر ¬
ما يفتح عليك في مصر، وإنما يفتح عليك في مكة (12 ب) فاقصدها فقد آن لك وقت الفتح. فعلمت أنّ الرجل من أولياء الله تعالى، وأنه يتستر بالمعيشة واظهار الجهل بترتيب الوضوء فجلست بين يديه وقلت له: يا سيدي وأين أنا وأين مكة ولا أجد ركبا ولا رفقة في غير أشهر الحج؟ فنظر إليّ وأشار [بيده] (¬1) وقال: هذه مكة أمامك، فنظرت معه فرأيت مكة - شرفها الله تعالى - فطلبتها، وتركته، فلم تبرح أمامي إلى أن دخلتها في ذلك الوقت، وجاءني الفتح حين دخلتها وترادف (¬2) ولم ينقطع. قلت (¬3) والى هذا أشار رحمه الله في قصيدته الدالية (¬4) بقوله: [الخفيف] يا سميري (¬5) روّح بمكّة روحي ... شاديا إن رغبت من إسعادي كان فيها أنسي ومعراج قدسي ... ومقامي المقام والفتح بادي قال: ثم شرعت (¬6) في السياحة في أوديتها وجبالها، وكنت أستأنس فيها بالوحوش ليلا ونهارا، قلت (¬7) والى هذا أشار رضي الله عنه - بقوله في القصيدة التائية (¬8): [الطويل] وجنبني حبيك وصل معاشري ... وحببنّي ما عشت قطع عشيرتي وأبعدني عن أربعي بعد أربع ... شبابي وعقلي وارتياحي وصحتي فلي بعد أوطاني سكون الى الفلا ... وبالوحش أنسي إذ من الإنس وحشتي قال: وأقمت بواد كان بينه وبين مكة عشرة أيام للراكب المجدّ، وكنت آتي منه كل يوم وليلة وأصلي في الحرم الشريف الصلوات الخمس، ومعي سبع عظيم الخلقة يصحبني في ذهابي وإيابي وينخّ لي كما ينخّ الجمل ويقول: يا سيدي (13 أ) اركب فما ركبته قط. ثم بعد ¬
خمس (¬1) عشرة سنة سمعت الشيخ البقّال يناديني، يا عمر تعال الى القاهرة واحضر وفاتي، فأتيته مسرعا، فوجدته قد احتضر، فسلّمت عليه وسلم علي، وناولني دنانير ذهب وقال: جهّزني بهذه وافعل كذا وكذا واعط (¬2) حملة نعشي الى القرافة كل واحد دينارا واتركني على الأرض في هذه البقعة وأشار بيده إليها، فلم تزل بين عينيّ أنظر إليها، وهي بالقرافة تحت المسجد المعروف بالفارض بالقرب من مراكع موسى بسفح المقطّم. قال: وانتظر قدوم رجل يهبط إليك من الجبل، فصلّ انت وهو عليّ، وانتظر ما يفعل الله في أمري. ومات فجهّزته كما أشار وطرحته في البقعة المباركة كما أمرني، فهبط إليّ رجل من الجبل كما يهبط الطائر السريع، لم أره يمشي على رجليه، فعرفته بشخصه، كنت أراه يصفع قفاه في الأسواق، فقال: يا عمر تقدم فصل بنا على الشيخ، فتقدمت وصليت إماما، ورأيت طيورا خضرا وبيضا صفوفا بين السماء والأرض، يصلون معنا، ورأيت طائرا منهم أخضر عظيم الخلقة قد هبط عند رجليه وابتلعه وارتفع اليهم وطاروا جميعا ولهم زجل [عظيم] (¬3) بالتسبيح إلى أن غابوا عنا [فسألته عن ذلك] (¬4) فقال: يا عمر أما تعلم أنّ أرواح الشهداء في جوف طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، هم شهداء السيوف، وأما شهداء المحبة فكلهم أجسادهم وأرواحهم في جوف طيور خضر، وهذا الرجل منهم، وأنا كنت منهم، وإنما وقعت في هفوة، فطردت عنهم، فأنا أصفع قفاي في الأسواق ندما وتأديبا على تلك الهفوة. (13 ب) ثم ارتفع الرجل الى الجبل كالطائر الى أن غاب عنّي، قلت (¬5): وفي هذه البقعة المباركة دفن الشيخ حسب وصيته وضريحه بها معروف، وفي ذلك قال بعض الفضلاء (¬6): [الكامل] لم يبق صيّب (¬7) مزنة (¬8) إلا وقد ... وجبت عليه زيارة ابن الفارض لا غرو أن يسقى ثراه وقبره ... باق ليوم العرض تحت العارض (¬9) ¬
وكان الشيخ شرف الدين في غالب أوقاته لا يزال داهشا وبصره شاخصا لا يسمع من يكلّمه ولا يراه، فتارة يكون واقفا، وتارة يكون قاعدا، وتارة يكون مستلقيا على قفاه ومسجّى كما يسجّى الميت، وتمر عليه عشرة أيام متواصلة وأقل من ذلك وأكثر لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم ولا يتحرك، ثم يستفيق وينبعث من هذه الغيبة ويكون أول كلامه أنه يملي من القصيدة التائية «نظم السلوك» ما فتح الله عليه. وكان قاضي القضاة تقي (¬1) الدين عبد الرحمن ابن بنت الأعز، لما قلد الوزارة أيام المنصور قلاوون (¬2)، وقع في حق شيخ الشيوخ شمس (¬3) الدين الأيكي، في مجلس حقل بالخانقاه الصلاحية وقال له: أنت تأمر الصوفية بالاشتغال «بنظم السلوك» قصيدة ابن الفارض، وهو يميل فيها الى الحلول (¬4) وأهانه بالكلام، فدعا عليه وقال له: مثّل الله بك كما مثّلت بي، فعزل عقيب ذلك من الوزارة في أواخر الدولة المنصورية بسؤاله، ثم عزل من القضاء في الدولة الأشرفية (¬5) وصودر ومثّل به وحبس مدة، ونسب الى سوء الاعتقاد والى أنه وقع في كلام يفسق به وشهد عليه بالزور (14 أ) في ذلك من لا خلاق له، وذلك لأجل غرض الصاحب ابن السلعوسي (¬6)، وكان يرسل (¬7) في الباطن إلى من يسعى في خلاصه من الأمراء ومشايخ الصوفية والفقراء، وكان إذا اشتد عليه الخناق يقول: اشتدى أزمة تنفرجي، فلمّا منّ الله تعالى عليه بالخلاص [من هذه النكبة] (¬8) حضر (¬9) الى عند الشيخ ¬
سعد الدين الحارثي المحدث، وكان من أعز أصحابه، جعل يحمد الله ويشكره ويستغفره، فعرض له بذكر واقعته مع الشيخ شمس الدين الأيكي ووقوعه في حقه وحق الشيخ شرف الدين وكيف نسبهما الى الحلول وهما بريئان منه وقال: كيف يتصوّر أن الشيخ يميل في قصيدة نظم السلوك الى الحلول، وقد نزّه عقيدته بقوله فيها: [الطويل] وكيف (¬1) وباسم الحقّ ظل تخلّقي ... تكون أراجيف الضّلال مخيفتي وها دحية وافى الأمين نبيّنا ... بصورته في بدء وحي النبوّة أجبريل قل لي كان دحية إذ بدا ... لمهدى الهدى في صورة بشرية وفي علمه عن حاضريه مزيّة ... بما هيّة المرئي عن غير مزية يرى ملكا يوحى اليه وغيره ... يرى رجلا يدعى اليه بصحبة ولي من أتمّ الرؤيتين اشارة ... تنزه عن رأى الحلول قصيدتي (¬2) وفي الذكر ذكر اللبس ليس بمنكر ... ولم اعد عن حكمي كتاب وسنة فقال (¬3): أنا أحب الناس في نظم الشيخ، وحفظت ديوانه وأنا شاب، وانتفعت بحفظه، وهذه الأبيات ما كأني قط سمعتها إلا في هذه الساعة، وقد زال (14 ب) الآن من ذهني ما كنت أعتقده من الشيخ في قصيدته من الحلول وأنا أستغفر الله تعالى مما جرى مني [من الكلام في حقه] (¬4) وأنا تائب الى الله من الوقوع في حق أهل هذه الطريقة، فمنهم أصبت، وبالتوسل الى الله ببركاتهم سلمت. ثم فوض اليه القضاء، وما برح متوليه الى أن مات. وأراد السلطان الملك الكامل زيارته (¬5)، فنزل إليه الى الجامع الأزهر، وكان الشيخ مقيما بدار الخطابة، فخرج الشيخ من الباب الذي بظاهر الجامع هاربا ولم يجتمع بالسلطان. وكان للشيخ [ابن الفارض] (¬6) أربعينات متواصلة ¦ لا يأكل ولا يشرب ولا ينام (¬7)، قال ¬
الشيخ ابراهيم الجعبري (¬1) كنت في السياحة بجعبر (¬2) أو قال بالفرات، وأنا أخاطب روحي [بروحي] (¬3) فمر رجل كالبرق وهو يقول: [الطويل] فلم تهوني ما لم تكن فيّ فانينا ... ولم تفن ما لم تجتلي فيك صورتي فعلمت أن هذا نفس محب، فوثبت الى الرجل، وتمسكت به، وقلت له: من أين لك هذا النفس؟ فقال: هذا نفس أخي الشيخ شرف الدين ابن الفارض، فقلت وأين هذا الرجل؟ فقال كنت أجد نفسه من جانب الحجاز، وأنا الآن أجد نفسه من جانب مصر، وهو محتضر، وقد أمرت بالتوجه اليه، وأن أحضر انتقاله الى الله تعالى وأصلي عليه وها أنا ذاهب. فلما التفت [الرجل] (¬4) الى جانب مصر التفت معه، فشممت أثر الرجل فتبعت أثر الرائحة الى أن دخلت عليه وهو محتضر، فقلت له السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال: وعليك السلام يا ابراهيم، اجلس وأبشر، فأنت من أولياء الله تعالى، فقلت [له] (¬5): يا سيدي هذه البشرى (15 أ) جاءتني من الله على لسانك وأريد [أن] (¬6) أسمع منك دليلا يطمئن به قلبي، فان اسمي ابراهيم ولي من سر مقام الاسم الابراهيمي نصيب حين (¬7) قال: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (¬8) فقال: نعم سألت الله تعالى أن يحضر وفاتي وانتقالي اليه جماعة من الأولياء، وقد أتى بك أوّلهم فأنت منهم. قال (¬9) ثم رأيت الجنة وقد تمثلت له، فلمّا نظر إليها قال: آه وصرخ صرخة عظيمة مادا بها صوته، وصرخ صراخا عظيما [وبكى بكاء شديدا] (¬10) وقال: [البسيط] إن كان منزلتي في الحب عندكم ... ما قد رأيت فقد ضيّعت أيامي ¬
فقلت له: يا سيدي هذا مقام كريم، فقال: يا إبراهيم رابعة العدوية (¬1) تقول وهي امرأة: وعزتك ما عبدتك خوفا من نارك ولا شوقا (¬2) الى جنتك، بل كرامة لوجهك الكريم ومحبة فيك وليس هذا المقام الذي كنت فيه أطلبه، وقضيت عمري في السلوك إليه. ثم بعد ذلك سكن قلقه وتبسم وسلّم علي وودّعني وقال: احضر وفاتي وتجهيزي مع الجماعة وصل عليّ معهم، واجلس عند قبري ثلاثة أيام بلياليهن وبعد ذلك توجه الى بلادك، ثم اشتغل عني بمخاطبة ومناجاة، فسمعت قائلا يقول [بين السماء والأرض] (¬3) أسمع صوته ولا أرى شخصه: يا عمر فما تروم فقال: أروم وقد طال المدى منك نظرة ... وكم من دماء دون مرماي طلت ثم تهلل وجه وتبسم وقضى نحبه، فعلمت أنه قد أعطي مرامه، وكان عنده جماعه (15 ب) كثيرة من الأولياء، منهم من أعرفه ومنهم من لا أعرفه، ومنهم الرجل الذي كان سبب المعرفة به. وحضرت غسله وجنازته ولم أر في عمري جنازة أعظم منها، وازدحم الناس على حمل نعشه، ورأيت طيورا بيضا وخضرا ترفرف عليه، وصلينا عليه عند قبره، ولم يتجهّز حفره الى آخر النهار، والناس مجتمعون حوله وهم مختلفون فيه (¬4)، فقال قوم: هذا تأديب في حقه، فإنه كان يدّعي في المحبة مقاما عظيما، وقال قوم: بل هذا آخر ما يلقى الولي من أعراض الدنيا، وكلهم محجوبون عن مشاهدة مقامه، إلا من شاء الله، وأنا أنظر بما فتح الله به عليّ من الكشف الى الروح المقدسة المحمّدية، عليها أفضل الصلاة والسلام والرحمة، وهي تصلي إماما وأرواح الأنبياء والملائكة والأولياء [من الإنس والجن] (¬5) يصلّون عليه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، طائفة بعد طائفة، وأنا أصلي مع كل طائفة الى آخرهم، فتجهز القبر ودفن فيه وأقمت عنده ثلاثة أيام [بلياليهن] (¬6) وأنا أشاهد من حاله ما لا يحتمل عقولكم شرحه. ¬
وكانت وفاته بالقاهرة المحروسة بجامع الأزهر بقاعة الخطابة وذلك في ثاني جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن من الغد بالقرافة، بسفح الجبل المقطّم عند مجرى السيل (¬1) تحت العارض (¬2)، ومولده بالقاهرة رابع ذي القعدة سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وكان الشيخ معتدل القامة جميل الوجه حسنه، مشرّبا بحمرة ظاهرة (16 أ) وكان إذا استمع وتواجد وغلب عليه الحال يزداد وجهه جمالا ونورا، وكان عليه خفرا (¬3) وجلالة وهيبة، وكانت ثيابه حسنه (¬4) ورائحته طيبة، وأما شعره فهو الغاية والنهاية، فمنه قصيدته الفائية (¬5) وما أحسن قوله فيها: [الكامل] لم أخل من حسد عيك فلا تضع ... سهري بتشنيع الخيال المرجف واسأل نجوم الليل هل زار الكرى ... جفني وكيف يزور من لم يعرف وما ألطف قوله منها: وعلى تفنن واصفيه (¬6) بحسنه ... يفنى الزّمان وفيه ما لم يوصف وقد خمس هذه القصيدة جماعة من الفضلاء. وله (¬7): [الطويل] أشاهد معنى حسنكم فيلذّ لي ... خضوعي لديكم في الهوى وتذلّلي واشتاق للمعنى الذي أنتم به ... ولولاكم ما شاقني ذكر منزلي فلله كم من ليلة قد قطعتها ... بلذّة عيش والرّقيب بمعزل ¬
ونقلي مدامي والحبيب منادمي (¬1) ... وأقداح أفراح المحبّة تنجلي ونلت مرادي فوق ما كنت راجيا ... فوا طربا لو تمّ هذا ودام لي لحاني عذول ليس يعرف ما الهوى ... وأين الشّجيّ المستهام من الخلي فدعني ومن أهوى فقد مات حاسدي ... وغاب رقيبي عند قرب مواصلي وله (¬2): [المجتث] (16 ب) أنتم فروضي ونفلي ... أنتم حديثي وشغلي يا قبلتي في صلاتي ... اذا وقفت أصلّي جمالكم نصب عيني ... إليه وجّهت كلّي وسرّكم في ضميري ... والقلب طور التّجلي آنست في الحيّ نارا ... ليلا فبشّرت أهلي قلت امكثوا فلعلّي ... أجد هداي لعلّي دنوت منها فكانت ... نار المكلّم قبلي نوديت منها كفاحا ... ردّوا ليالي وصلي حتّى إذا ما تدانى ... الميقات من جمع شملي صارت جبالي دكّا ... من هيبة المتجلّي ولاح سرّ خفي ... يدريه من كان مثلي وصرت موسى زماني ... مذ (¬3) صار بعضي كلي انا الفقير (¬4) المعنّى ... رقّوا لحالي وذلّي فالموت فيه حياتي ... وفي حياتي قتلي وله (¬5): [الكام] زدني بفرط الحبّ فيك تحيّرا ... وارحم حشى بلظى هواك تسعّرا ¬
وقد ذكرت هذه القصيدة بكاملها في تاريخي الكبير المرتب على حروف المعجم المسمّى (17 أ) بترجمان الزمان (¬1)، وله دو بيت: عرّج بطويلع (¬2) فلي ثمّ هويّ (¬3) ... واذكر خبر الغرام واسنده إلي واقصص قصصي عليهم وابك عليّ ... قل مات ولم يحظ من الوصل بشي وله: أهوى قمرا له المعاني رقّ ... من صبح جبينه أضاء الشرق تدري بالله (¬4) ما يقول البرق ... ما بين ثناياه وبيني فرق وله: ما أحسن ما بلبل منه الصّدغ ... قد بلبل عقلي وعذولي يلغو ما بتّ لديغا (¬5) من هواه وحدي ... من عقربه في كل قلب لدغ وله: روحي للقاك يا مناها اشتاقت ... والأرض عليّ كاحتيالي ضاقت والنفس لقد ذابت غراما وأسى ... من جنب رضاك في الهوى ما لاقت وله الغاز ومواليا، وقد أوردت جملة من ذلك في كتابي «ترجمان الزمان» في تراجم الأعيان، وله القصيدة التائية المسماة «نظم السلوك»، تقدير ستمائة بيت، وكان مولده في رابع ذي القعدة سنة ست وسبعين وخمسمائة بالقاهرة، ومات بها يوم الثلاثا ثاني جمادى الأولى سنة ¬
اثنتين وثلاثين ودفن بسفح المقطّم، والفارض هو الذي يكتب فروض النساء على الرجال والله أعلم. (17 ب) وفيها مات بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم بن عتبة بن محمد بن عتّاب الأسدي قاضي حلب، المعروف بابن شدّاد (¬1) الفقيه الشافعي. مولده بالموصل ليلة العاشر من شهر رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، ومات والده وهو صغير ونشأ عند أخواله بني شداد فنسب اليهم، وشداد جده لأمه، وحفظ القرآن العظيم بالموصل واتقن القراءات السبع على جماعة من المشايخ وسمع الحديث الكثير واتقن الخلاف وباحث فيه، وانحدر الى بغداد ونزل بالمدرسة النظامية وترتب فيها معيدا بعد وصوله اليها بقليل، وأقام بها أربع سنين، ثم أصعد الى الموصل في سنة تسع وستين فرتب مدرسا في المدرسة التي أنشأها القاضي كمال الدين أبو الفضل محمد الشهرزوري (¬2) ولازم الاشتغال وانتفع به جماعة، وحج في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وزار بيت المقدس والخليل عليه السلام بعد الحج والزيارة، ودخل دمشق فسمع السلطان صلاح الدين بوصوله فاستدعاه إليه، فلمّا دخل عليه قابله بالاكرام التام وسأله عن الطريق ومن كان فيه من المشايخ، وسأله أن يسمع عليه جزء (¬3) من الحديث وقرأه عليه بنفسه. وجمع كتابا يشتمل على فضائل الجهاد يحتوي ثلاثين كراسا وقدمه للسلطان، فاتصل بخدمته في مستهل جمادى الأول سنة أربع وثمانين، ثم ولاه قضاء العسكر والحكم بالقدس الشريف، ولما مات السلطان صلاح الدين كان حاضرا عنده. ثم اتصل بخدمة السلطان الملك الظاهر (18 أ) ابن صلاح الدين في سنة إحدى وتسعين (¬4)، وقدم إليه الى حلب وولاه قضاءها وأوقافها (¬5). وكانت حلب في ذلك الزمان قليلة المدارس، فاعتنى القاضي بهاء الدين بتدبير أمورها وترتيبها وجمع الفقهاء بها، وعمرت في أيامه مدارس كثيرة وكان الملك الظاهر قد قرر له إقطاعا جيدا يحصل منه جملة مستكثرة، ولم يكن عليه خرج ¬
[الوفيات]
كثير، ولم يرزق ولد ولا كان له أقارب فتوفر له شيء كثير، فعمّر مدرسة بالقرب من باب العراق في مقابل مدرسة نور الدين ابن زنكي. وذلك في سنة إحدى وستمائة ثم عمّر بجوارها دارا للحديث النبوي وجعل بينهما تربة برسم دفنه ولها بابان الى المدرسة والى دار الحديث، وجعلهما متقابلتان (¬1) بشرط أن الذي يقف في إحدى (¬2) المكانين يرى من يكون في المكان الآخر. وكان القاضي هو المشار اليه في تدبير الدولة بحلب، ولم يزل على هذه الحالة إلى أن كبر وطعن في السن وعجز عن الحركة، واستولت عليه البرودات والضعف حتى صار كفرخ الطائر، وكان كلما نظر الى نفسه على تلك الحالة ينشد: [السريع] من يتمنّ العمر فليدّرع ... صبرا على فقد أحبائه ومن يعمّر ير (¬3) في نفسه ... ما يتمناه لأعدائه وهذا المذكور هو الذي جمع سيرة (¬4) السلطان صلاح الدين، وتوفي في هذه السنة، ودفن بتربته التي أنشأها. وفيها توجه الأمير أسد الدين جفريل، أحد مماليك السلطان الكامل الى مكة وصحبته سبعمائة فارس، فتسلمهما وهرب منها راجح بن قتادة (¬5) ومن كان معه من عسكر [الى] (¬6) اليمن في شهر رمضان. (18 ب) وفيها أقطع السلطان الملك الكامل لابن صلاح الدين الإربلي صنافير (¬7) بالقيلوبية خاصا له، وجعل أقارب والده ومماليكه معه، وعدتهم سبع عشرة (¬8). [الوفيات] وفيها مات أبو حفص عمر بن محمد بن عمر بن عمر بن محمد ابن أبي نصر ¬
الفرغاني (¬1)، الفقيه الحنفي، كان شيخا دينا، عارفا بمذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، قدم بغداد وسكنها، وكان متعبدا صالحا، وتنقل من حال الى حال إلى أن فتحت المدرسة المستنصرية فرتّب بها مدرسا للطائفة الحنفية، ولم يزل كذلك إلى أن مات بها يوم الأحد عاشر جمادى الآخرة ودفن بظاهر مشهد الإمام أبي حنيفة. وكان له معرفة بعلوم شتى، وله نثر ونظم فمن ذلك، وقد دخل عليه بعض أصحابه في وقت المساء فصبّحه فأنشد: [الطويل]. أتاني مساء نور عيني ونزهتي ... ففرّج عني كربتي وأزاحا فصبّحته عند المساء لأنه ... بطلعته ردّ المساء صباحا وفيها مات (¬2) الطواشي شمس الدين صواب، مقدم عسكر الملك العادل الذي كان أسره ملك الروم، وكان خادما عاقلا شجاعا جوادا، وكان العادل والكامل يعتمدان عليه، وكان له الحكم على الشرق، وخلّف مائة خادم مشتراه أكثرهم تعينوا بعد وفاته وأمّروا، من جملتهم بدر الدين الصوابي وشبل الدولة خازندار (¬3) دمشق وغيرهم، تسلموا القلاع وحكموا، وكان له بر وصدقة وشجاعة، وكان إذا حمل في الحرب يقول: أين أصحاب الحصا. وكانت وفاته في العشر (19 أ) الأخير من رمضان بحرّان، وكان مقيما بها وهي مضافة إليه مع ديار بكر (¬4) وما معها من البلاد. وفيها مات أبو زكريا يحيى بن المظفّر بن شهاب ابن موسى بن طلحة الهاشمي الواسطي، المعروف بابن الصابوني (¬5) الواعظ. كان فقيها أديبا شاعرا، وعظ الناس وسافر في طلب الحديث إلى الحجاز والعراق ومصر، وعاد الى بلده، ومن شعره: [الكامل] ¬
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وستمائة
يا من على ضعفي يجور تعمدا ... ويرى الضلال بقتلي محضى الهدى ومن الملاحة كلّها في أسره ... قد حازه دون الورى متفرّدا بضياء وجهك إنّه لو يهتدي ... بضيائه في التيه موسى لاهتدى وبطرفك الغنج الذي لولاه ما ... أمسيت مسلوب الرقاد مسهّدا لا تصغينّ (¬1) الى الوشاة فما لهم ... شغل سوى تفريقنا وهم العدى وفيها مات الصاحب تاج الدين أبو اسحاق يوسف ابن الصاحب الوزير ابن شكر، صفي الدين أبي محمد عبد الله، ابن القاضي المخلص أبي الحسن علي الشيبي المالكي بمدينة حرّان ودفن هناك، ومولده بمصر في شوّال سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. تفقه على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، وقرأ الأدب وأخذ بدمشق عن العلامة أبي اليمن الكندي، وسمع الحديث بالقاهرة ودرس بمدرسة والده بالقاهرة وناب عن والده في الوزارة بالديار المصرية والشام، وتولى الوزارة بعد وفاة والده مدة شهرين وأصرف عنها، واستخدم في التوقيع ثم تولى نظر الدواوين بالديار المصرية، ثم عزل واعتقل، ثم أفرج عنه في سنة خمس وعشرين وستمائة (19 ب) ثم ولي الجزيرة وديار بكر وحرّان في الدولة الكاملية، ولم يزل حتى مات في حادي عشر رجب الفرد (¬2) سنة تاريخه. ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وفيها نزل السلطان الملك الكامل على الرها وملكها، ثم نزل على حرّان وملكها بعد حصار شديد، وأخرب (¬3) قلعة الرّها ومسك جميع من كان بها من عساكر الروم وقيدهم (¬4) وسيرهم الى الديار المصرية، ونزل على دنيسر (¬5) وأخربها إلا الجامع، وبينما هم على دنيسر إذ ¬
[الوفيات]
جاءهم كتاب بدر الدين لؤلؤ (¬1) يقول: قد قطع التتار دجلة في مائة طلب، كل طلب خمسمائة فارس ووصلوا الى سنجار (¬2)، فخرج اليهم معين الدين ابن كمال الدين ابن مهاجر فقتلوه على باب سنجار، ثم رجعوا فقطع الكامل والأشرف الفرات ورجعوا طالبين دمشق. وفيها توجهوا (¬3) العساكر وحاصروا آمد، وخرجت السنة وهم على حصار آمد. وفيها في ربيع الأول وصل الخبر الى الخليفة ببغداد من إربل، بأنّ التتار - خذلهم الله تعالى - اجتازوا لقصد الموصل، فواقعهم عسكر إربل وجرى بينهم قتال شديد ثم افترقوا وتوجهوا نحو الموصل، ونهبوا وقتلوا وأكثروا الفساد، ففرق الخليفة (¬4) حينئذ الأموال والسلاح، فلمّا علم التتار بذلك رجعوا الى بلادهم. وفيها حصل بمصر والقاهرة وباء (¬5) عظيم، مات فيه خلق كثير واستمر ثلاثة شهور. [الوفيات] وفيها مات خطيب جامع مصر الشيخ الفقيه أبو طاهر محمد بن الحسين ابن عبد الرحمن الحياري، من ولد جابر ابن عبد الله الانصاري رضي الله عنه واشتهرت نسبته بالمحلي وكان من أصحاب الشيخين الجليلين الكبيرين، الشاطبي والقرشي. وفيها مات أبو الخطاب (¬6) عمر بن الحسن بن علي ابن محمد الجميّل ابن فرح ابن خلف بن قومس ابن مزلال ابن ملاّل ابن بدر ابن أحمد بن دحية، ابن خليفة بن فروة الكلبي، المعروف بذي النسبين الأندلسي البلنسي الحافظ. كان أبو الخطاب المذكور من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء متقنا لعلم الحديث النبوي وما يتعلق به، عارفا بالنحو واللغة وأيام العرب ¬
وأشعارهم، اشتغل بطلب الحديث في أكثر بلاد الاندلس الاسلامية، ولقي بها علماؤها (¬1) ومشايخهم، ثم رحل (¬2) منها إلى بر العدوة، ودخل مراكش واجتمع بفضلائها ثم ارتحل إلى إفريقية ومنها إلى الديار المصرية، ثم إلى الشام والشرق والعراق ودخل إلى عراق العجم وخراسان وما والاها ومازندران (¬3)، كل ذلك في طلب الحديث والاجتماع بأئمته والأخذ عنهم، وهو في تلك الحالة يؤخذ عنه ويستفاد منه. وقدم مدينة إربل سنة أربع وستمائة وهو متوجه الى خراسان، فرأى صاحبها الملك المعظم مظفّر (¬4) الدين ابن زين الدين مولعا بعمل مولد النبي صلّى الله عليه وسلّم، عظيم الاحتفال به، فعمل كتابا سماه «التنوير في مولد (20 ب) السراج المنير» وقرأه عليه بنفسه فأعطاه ألف دينار، وله عدّة تصانيف. وكانت ولادته في مستهل «ذو القعدة» سنة ست وأربعين وخمسمائة، ومات في رابع عشر ربيع الأول من هذه السنة بالقاهرة، ودفن بسفح المقطّم، وكان الكامل ولاّه دار الحديث الكاملية بالقاهرة، ثم عزله عنها وولى أخوه (¬5)، أبا عمرو والآتي ذكره مكانه. وفيها في سلخ ربيع الآخر، مات الأمير، أبو التقي صالح بن الأمير المكرم أبي الطاهر اسماعيل بن أحمد بن الحسن اللمطي، بمنية خصيب من صعيد مصر، وصلي عليه على ساحل البحر ووضع من فوره في مركب واحدر الى مصر فوصل بعد صلاة العصر من مستهل جمادى الأول، فدفن بتربته بسفح المقطّم، يقال إنه قارب الستين. سمع ببغداد من جماعة كبيرة وبنيسابور، مرو، وهراه وهمذان ودنيسر وجال في البلاد ودخل ماوراء النهر ولم يحصل من مسموعاته إلا اليسير، رحمه الله تعالى. وفيها مات القاضي، صدر الدين عبد الرحمن ابن أبي الحسن القرميسني (¬6) السكندري من بيت رئاسة وحشمة ولأبي الحسين الجزار فيه أمداح جيدة وتولى نظر جهات من الديار ¬
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وستمائة
المصرية، منها: نظر الاسكندرية، وكان وجيها عند الكامل وله شعر فمنه قوله: [الوافر] فلان والجماعة عارفوه ... وظاهره التنسك والزهاده (21 أ) يموت على الشهادة وهو حي ... إلهي لا تمته على الشهاده ومنه: [الخفيف] قل لعمري أخطأت يا ابن عباده ... في ترقيك جاهلا بالشهاده لو تصديت للقيادة قلنا ... انت علق وما بلغت القياده ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وستمائة فيها نزل التتار على إربل بالفارس والراجل، وحاصروها مدة ونصبوا المناجيق (¬1) ونقبوا سورها (¬2) ودخلوا عنوة وقتلوا كل من فيها، وسبوا ونهبوا ونتنت المدينة من كثرة القتلى، وكان باتكين (¬3) مملوك الخليفة بالقلعة، فقاتلهم فنقبوا القلعة وجعلوها سردابا (¬4) وطرقا، وقلت عندهم المياه، ومات أكثرهم عطشا، وصارت الآبار والدور قبور أهلها ولم يبق سوى أخذ القلعة، فمن الله تعالى على من بقي من أهلها، فرحل التتار عنها في ذي الحجة وقد عجزوا عن حمل ما أخذوا من الأموال والغنائم، ثم هرب بعد ذلك باتكين واستخدم الملك الصالح نجم الدين أيوب الخوارزمية الذين بقوا من أصحاب جلال الدين خوارزم شاه، فانضموا اليه وانفصلوا عن ملك الروم (¬5). وفيها بدأت الوحشة بين الأشرف والكامل، وسببه أنّ الأشرف طلب من الكامل ¬
الرّقة (¬1)، وقال: الشرق قد صار لي كله وأنا في خدمته فتكون هذه برسم عليق (¬2) دوابي، وجعل الفلك (¬3) المسيرى واسطة (21 ب) فكتب الفلك الى الملك الكامل يخبره، فكتب الملك الكامل الى الفلك كتابا غليظا شنيعا، وكان الأشرف قد أرسل يقول له: أخذت منّي الشرق وقد افتقرت بهذه البواكير، ودمشق فشتان (¬4) مالي فيها شيء، فبعث الكامل إليه عشرة آلاف دينار فردها وقال: أنا أدفع هذه لأميرين (¬5)، فغضب الكامل وقال: أيش يعمل بالملك، يكفيه عشرة المغاني وتعلمه لصنائعهم، فتنمّر (¬6) الأشرف وقال: والله لأعرفنه قدره، فأرسل الى حلب وحماه وبلاد الشرق، وقال: قد عرفتم بخل الكامل وطمعه في البلاد، فحلفوا عليه واتفقوا معه، ولما وصل الكامل الى قلعة القاهرة [باس العتبة وقال: رأيت روحي في قلعتي] (¬7) واتفق الملك الناصر مع الأشرف ثم انفصل عنه (¬8). وفيها في يوم الأحد ثامن عشر المحرم، اتفقوا (¬9) جماعة وقصدوا صديقا لهم مريضا ليعودوه، فوافوه على سطح داره وكانوا سبعة نفر فصعدوا إليه وجلسوا عنده فوقع السقف الذي هم عليه فماتوا جميعا خلا المريض (¬10)، فسبحان مقسم الآجال. وفيها في تاسع عشر ذي الحجة زوّج السلطان الملك الكامل إبنته عاشوراء شقيقة ولده العادل من الملك الناصر صاحب الكرك (¬11). ¬
[الوفيات]
وفيها استعد السلطان الملك الكامل لقتال الأشرف ومن معه، ثم بلغ الكامل ان الاشرف استمال الناصر صاحب الكرك، فكتب (¬1) اليه الكامل وأوعده بسلطنة دمشق وأوعده بمواعيد كثيرة، فركب الناصر داوود من الكرك وحضر إلى مصر خدمة للكامل، فلمّا بلغ الأشرف ذلك أوقع الحوطة (22 أ) على نابلس وأخذ جميع ما للناصر بها. ولما بلغ الكامل حضور الناصر ركب والتقاه بأحسن ملتقى وحمل اليه جميع ما يحتاج إليه من النفقة والرواتب والعليق وغيره، ثم سلطنه بالقاهرة وقلده دمشق وألبسه الخلعة وحملت قدامه الغاشية (¬2)، ومشى الملك الكامل قدامه وجميع الأمراء وكان يوم عظيم (¬3) وكل ذلك من الكامل خداع ومكر وحيلة عملها على استمالته. [الوفيات] وفيها مات السلطان العزيز محمد (¬4) بن السلطان صلاح الدين يوسف بن السلطان الملك الظاهر غازي بن السلطان صلاح الدين صاحب حلب، وملك بعده ولده الملك الناصر صلاح الدين يوسف يوم وفاته وقعد على كرسي المملكة وعمره سبع سنين، وقام بتدبير ملكه جدته لأبيه وهي الست المصونة ضيفة خاتون بنت الملك العادل، ورتبت الأمير شمس الدين لؤلؤ أتابكه (¬5) ثم زوّجه السلطان الملك الكامل بابنته كما تقدم ذكره (¬6)، وكان مولد الملك العزيز في ذي الحجة سنة تسع أو عشر وستمائة، ومات أبوه وهو طفل فنشأ تحت حجر ¬
الطواشي شهاب الدين [طغرل] (¬1)، فرتب أموره أحسن ترتيب وقام بدولته القيام العجيب إلى أن ترعرع في سنة تسع وعشرين فاستقل بالأمر وفك عن نفسه الحجز ومات بحلب في يوم الأربعاء رابع عشري (¬2) ربيع الأول رحمه الله تعالى (¬3). وفيها توفي الشيخ العلامة المحدث الزاهد الملك المحسن، أحمد (¬4) بن السلطان (22 ب) الكبير الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيوب وله سبع وخمسون سنة رحمه الله تعالى. وفيها مات السلطان علاء الدين كيقباذ (¬5) بن كيخسرو ابن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج ابن سليمان بن قتلمش ابن سلجوق ملك الروم، كان عاقلا شجاعا ميمونا، كسر الخوارزمي وعسكر الكامل واستولى على بلاد الشرق، وزوّجه الملك العادل إبنته وأولدها، وكان عادلا مهيبا ما وقف له مظلوم إلا وكشف ظلامته، ونقل بعض مؤرخي بغداد قال: أخبرت أنه لما ملك كيكاوس (¬6) بلاد الروم حبس لهذا كيقباذ بعد أن قيّده، ولما حضرته الوفاة أحضره من محبسه وفك قيده وأحسن إليه وعهد له بالملك بعد وفاته وأوصاه على أولاده، وكانوا صغارا، وأخذ له المواثيق والإيمان على العسكر وأعيان دولته، وكانت وفاة السلطان كيقباذ في سابع شوال من هذه السنة. وفيها مات أبو داوود سليمان (¬7) بن مسعود ابن الحسن ابن أحمد الطوسي الحلبي الشاعر، كان لطيف الروح مقتدرا (¬8) على النظم فمن ذلك قوله: [الطويل] ألا زد غراما بالحبيب وداره ... وإن لجّ واش فاحتمله وداره ¬
وإن قدح اللوام فيك بلومهم ... زناد الهوى يوما فأورى فواره عسى زوره تشفى بها منك خلسة ... فإنك لا يشفيك غير ازدياره (23 أ) ووجه يضاهي البدر عند كماله ... بعيد المدى من نقصه وسراره فلا بدر إلا ما بدا من جيوبه ... ولا غصن إلا ما انثنى في إزاره فسبحان من أجرى الطلا من رضابه ... ومن انبت الريحان في جلّناره وقد دبّ عنها صدغه بعقارب ... وناظره من سيفه بشفاره وكانت وفاته بحلب تاسع عشر صفر سنة تاريخه. وفيها مات الشيخ الإمام العالم، ناصح الدين عبد الرحمن (¬1) ابن نجم [الدين] (¬2) بن عبد الوهاب الحنبلي، مولده بدمشق ونشأ بها وقرأ القرآن وقدم بغداد، فتفقه على أبي الفتح (¬3) ابن المنى، وسمع الحديث من شهدة (¬4) وطبقتها، وعاد الى دمشق ووعظ وصنف الكتب. قال أبو (¬5) المظفر: ورأيت بخط ابنه (¬6) فهرست تصانيفه، الإيجاد في الجهاد و «المقامة الدمشقية» و «الإجماع والنص والقياس في فضائل بني العباس» و «الفروق في التفسير والفروق في اللغة»، و «الحدائق في الوعظ»، و «الجدل والأقيسة والخطب»، و «شرح اسماء الله الحسنى»، و «أسباب الحديث»، و «مختارات من المسند والبخاري ومسلم» وغير ذلك. وكانت وفاته غرّة المحرم ودفن بقاسيون رحمه الله تعالى. ¬
وفيها مات أبو الحسن علي بن كثير (¬1) العامري الشاكري من أهل قرية من قرى واسط له شعر فائق ونظم رائق، فمن ذلك قوله: [الكامل] أيروم هذا القلب بئر (¬2) جراحه ... وسيوف لحظك تنتفي لكفاحه يا مستبيح دم المتيّم عامدا ... أنسيت يوم البعث حمل جناحه (23 ب) نظري الذي بالحسن قد أفسدته ... إفساده في الحسن غير صلاحي حتّام تطرف طرف عيني بالبكا ... وإلآم طرفي مولع بطماحه يا ويح مودع سرّه في جفنه ... فلقد أراد الستر من فضّاحه ليت الحبيب غداة أثمر خدّه ... لم ينه عيني عن جنى (¬3) تفاحه يا لائم المشتاق تبغي نصحه ... مر بالهوى لتكون من نصّاحه أو ما هو الرّشأ الذي خلخاله ... يشكو به (¬4) اضطراب وشاحه يفتر عن شنب تلألأ نوره ... كالروض لاح إليك نور أقاحه ويدير ناظره فيسكرنا فقل ... رشا ينوب بعينه عن راحه ومولده سنة تسع وستين وخمسمائة، وتوفي في جمادي الأولى من هذه السنة. وفيها مات أبو العباس محمد بن قراطاي (¬5) بن عبد الله الإربلي، كان شابا حسن الصورة، مهيبا من أمراء مظفر الدين صاحب إربل، أقام بإربل إلى أن مات مظفر الدين فرحل عنها ورحل الى حلب فأكرمه الملك العزيز وأقرّه على الإمره وأحسن إليه غاية الإحسان. اشتغل بالأدب فحصل منه طرفا جيدا، وله نظم فمنه قوله: [المنسرح] بورد خدّيك إنه قسم ... صلني فقد شفّ جسمي السّقم يا صنما ظل فيه عابده ... كم من دم قد أرقت يا صنم منحتني بالخيال مختلسا ... يا ليت عمري بأسره حلم (24 أ) لله من غادر محاسنه ... متى من العاشقين ينتقم ¬
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وستمائة
يقول قوم كأنه غصن ... من أين للغصن ربقه الشم أفديه نشوان فوق وجنته ... نور ونار في القلب يضطرم يا لائمي خلّ ويك عن عذلي ... فإن لومي في حبّه ألم وقوله: [الكامل] يا أيها الشاكي السلاح وطرفه ... عن سهمه وحسامه يغنيه الصبّ أولى أن يكون مدرّعا ... لسهام مقلتك التي ترميه وفيها مات محيي الدين أبو عمرو عثمان (¬1) بن الحسن بن علي بن محمد الجميّل بن فرح بن خلف بن موسى بن مزلال من ملاّل ابن بدر ابن أحمد دحية بن خليفة ابن فروة الكلبي المعروف بذي النسبين الأندلسي البلنسي الحافظ، في يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الأول بالقاهرة ودفن بسفح المقطّم، وكان أسن من أخيه أبي الخطاب عمر المقدم ذكره، كان حافظا للغة العرب إماما فيها ولما عزل الملك الكامل أبو (¬2) الخطاب عن دار الحديث التي أنشأها بالقاهرة رتب مكانه أخاه أبا عمرو المذكور، فلم يزل بها إلى أن مات. (24 ب) ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وستمائة وفيها اختلف الخوارزمية على الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الكامل وأرادوا القبض عليه، وكان على الفرات فهرب الى سنجار (¬3) وترك خزائنه وأثقاله، فنهبوا الجميع (¬4)، ولما صار في سنجار، سار إليه بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، فحصره في ذي القعدة فأرسل الصالح الى لؤلؤ يسأله الصلح، فقال: لا بد من حمله الى بغداد في قفص حديد. وكان بدر الدين لؤلؤ والمشارقة يكرهون مجاورة نجم الدين أيوب وينسبونه الى التكبر والتجبر والظلم، فألجأت (¬5) الضرورة أن بعث الصالح قاضي (¬6) سنجار بعد أن حلق لحيته ¬
وحطّه من الصور (¬1) الى الخوارزمية وشرط لهم كلّ ما أرادوا (¬2)، فساقوا جرائد (¬3) من حرّان فكبسوا بدر الدين والمواصلة على سنجار، فنجا بدر الدين وحده منهم على فرس سابق، فنهبوا أمواله وخزائنه وخيله والخيام وجميع ما كان في عسكره واستغنوا بهذه الحركة (¬4). وفيها في شهر رجب وصل خبر التتار الى بغداد، أنهم قاصدين (¬5) إربل وكذلك منهم طائفة قاصدون بغداد، فجرّد الأمير جمال الدين بكلك (¬6) الناصري في سبعة آلاف فارس، فسار الى لقاء التتار وكانت الوقعة بينهم وبين التتار في ثالث ذي القعدة، وكان التتار قد أكمنوا لهم كمينا وأظهروا الهزيمة، فتبعهم العسكر فخرج الكمين عليهم وكانوا خمس (¬7) عشرة ألف فارس فانهزم المسلمون بعد أن قتلوا من (25 أ) الكفار خلقا كثيرا والذي سلم من المسلمين طلب بغداد وهلك الأكثرون، وأما المقدّم جمال الدين بكلك فشوهد بعد الوقعة وقد جهده العطش وجماعة من الكفار يتبعون أثره، ويقال إنه قتل في المحاربة والله أعلم (¬8). وفيها وصل من بغداد رسل أمير المؤمنين وصحبتهم مال الى الملك الكامل ليستخدم به عساكر، فإن أمير المؤمنين بلغه أنّ عساكر التتار عازمين (¬9) على الحضور الى بغداد وطلب أيضا نجدة من عساكر الشام (¬10). فلمّا قدم الرسول وأعطى السلطان كتب أمير المؤمنين، قام السلطان قائما وقبّلها ووضعها على رأسه، وكان جملة المال الذي حضر مائة ألف دينار مصرية، عند ذلك أمر السلطان الملك الكامل أن يخرج من بيت المال مائتي ألف دينار يستخدم بها عساكر وأن يجرد من عساكر مصر والشام عشرة (¬11) آلاف نجدة لأمير المؤمنين وأن ¬
[الوفيات]
يكون مقدّم العساكر الملك الناصر داوود، وأنّ المال الذي حضر من عند أمير المؤمنين لا يصرف منه شيء وأن يعاد الى خزانة أمير المؤمنين. وتولى استخدام عساكر الجدد الأمير ركن الدين الهيجاوي والأمير عماد الدين ابن موسك وأن يكونا أمراء مع المتوجهين في خدمة الناصر داوود، فاستخدم العسكر وتوجه الى بغداد. وفيها تولى الشريف شمس الدين الأرموي (¬1) الشافعي قضاء (¬2) العساكر المنصورة ونقابة الأشراف بالديار المصرية يوم الثلاثاء سلخ (25 ب) ذي القعدة، وقرئ أسجاله بجامع مصر وحضر قراءته الأمير جمال الدين يغمور والفلك المسيري. وفيها في ذي القعدة تولى قاضي القضاة شمس الدين بن الخليل الخويّي (¬3) قاضي قضاة دمشق، وهو أول قاضي رتب مراكز الشهود بدمشق وكانوا (¬4) أولا ورّاقين يورقوا (¬5)، فإذا فرغوا من الوراقة مشوا الى بيوت العدول يستشهدوهم (¬6) في حقوقهم. [الوفيات] وفيها مات الملك الأشرف أبو الفتح موسى شاه أرمن (¬7) بن السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب، مولده بالقاهرة وقيل بقلعة الكرك في سنة ست وسبعين وخمسمائة، وقيل إنه ولد قبل أخيه المعظم بثلاثة أيام، وكان في مبدأ أمره بالقدس تحت حكم ابن الزنجبيلي عثمان وتقلبت به الأحوال حتى صار شاه أرمن وكسر المواصلة والروم والخوارزمي. وكان جوادا عادلا سخيا، لو كانت الدنيا بيده ودفعها لأقل الناس ما استكثرها له. وكان ميمون ¬
الطلعة (¬1) ما كسرت له راية قط، ولما أيقن بالموت أخذ بعض مماليكه صنجقه (¬2) فكسره وقال: ما يحمله غيره، فقال: لا تفعل فو الله ما كسر قط. قال أبو المظفر ابن الجوزي (¬3): أعتق مماليكه وجواريه وكان عفيفا عن المحارم ما خلا بامرأة قط إلا أن تكون زوجته أو جاريته، وبنى (¬4) مسجد أبي الدرداء بقلعة دمشق وزخرفه، وكان عاقدا مقامه فيه، والمسجد (¬5) الذي خارج باب النصر، وجامع العقيبة (¬6) وكان خان فسق (26 أ)، فاشتراه وهدمه وبناه جامعا، ومسجد القصب (¬7) خارج باب السلامة، وجامع بيت الآبار (¬8)، ودار الحديث الاشرفية (¬9) وأوقف عليها الأوقاف وزاد وقف دار الحديث النورية (¬10) وغير ذلك. وكان حسن الظن بالفقراء يحسن اليهم ويزورهم ويتفقدهم بالمال، وكان طول [ليالي] (¬11) رمضان لا يغلق باب القلعة وجفان (¬12) الحلوى خارجة الى الجامع والزوايا والربط والى الجبل وغيره، وكان إنعامه شاملا للخاص والعام. وكان مرضه في رجب من مرضين مختلفين في الأعالي والأسافل، وقوى عليه الذّرب (¬13) [فكان يتحامل إلى ¬
أن غلب، فلما أيس من نفسه] (¬1) قال (¬2) لوزيره جمال الدين ابن جرير: في أي شيء تكفنوني؟ فقال: حاشاك [من ذلك] (¬3) فقال: دعني من هذا [فما بقي فيّ قوة تحملني أكثر من نهار غد وتواروني] (¬4)، وكان عماد الدين ابن موسك حاضرا فقال له: قم وأحضر الوديعة، فقام عماد الدين ومضى وعاد ومعه مئزر صوف أبيض يلوح منه أنوار الرضى، ففتحه فإذا فيه خرق الفقراء [الشيوخ] (¬5) [وطواقي الأولياء] (¬6) وكان في الثياب إزار الرضى، ففتحة فإذا في قراطيس (¬7)، فقال هذا يكون على جسدي، فإن صاحبه كان من الأبدال (¬8). ومات يوم الخميس رابع المحرم، ودفن بالقلعة، ثم نقل الى تربته بالكلاسة في جمادى الأول. قال أبو المظفر (¬9): وحكى لي الفقيه محمد اليوناني (¬10) ببعلبك قال: حكى لي فقير صالح من جبل لبنان قال: لما مات الأشرف رأيته في المنام وعليه ثياب خضر وهو يطير بين السماء والأرض مع جماعة من الأولياء؛ فقلت له: يا موسى إيش تعمل مع هؤلاء أنت كنت تفعل في الدنيا وتصنع فالتفت اليّ وتبسم وقال: الجسد الذي كان يفعل تلك الأفاعيل [في الدنيا] (¬11) تركناه عندكم والروح التي كانت تحب هؤلاء قد صارت معهم. وكان له نظم حسن فمنه ما كتبه للديوان العزيز وقد مات علي ولده، يعزيه بهذه الأبيات: [السريع] خليفة الله اصطبر واحتسب ... فما وهى البيت وانت العماد ¬
أنت سماء طلعت زهرها ... لا ينقص الأمل منها عداد ولا يضر البحر يوما إذا ... ما سال من نحو نواحيه واد وله في مملوك يلقب بالقاضي [الدوبيت] يا من درس العلم على مذهبنا ... قد جئتك في مسألة ممتحنا ما قولك في خمر إذا حلّلها ... قاض وأدارها بكفيه لنا وله في مملوك واقف في الشمس [البسيط] وغصن بان قلوب الناس في خطر ... من وصل مقلته إن مال أو خطرا راعته شمس بدا من حرّها لهب ... في صحن وجنته فانحاز مستترا فقلت حسبك لا يخشى اجتماعكما ... فالشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا وله دو بيت: لولا هيف القدّ وغنج المقل ... ما كنت تجرعت كؤوس العذل في حب مقرطق من الترك يلي ... أمري وأناله وإن أصبح لي وقوله: أهوى (¬1) قمرا تحار فيه الصّفة ... يسخو بدمي وهو أمين ثقة (27 أ) ماذا عجب يحوط مالي ويرى ... روحي تلفت به ولا يلتفت ولما مات الأشرف، ركب الصالح اسماعيل وتسلطن (¬2) بدمشق ومشت الأمراء في ركابه وأسد الدين (¬3) صاحب حمص الى جانبه وعز الدين أيبك (¬4) قد حمل الغاشية بين يديه واستمر ¬
ملكه، وجاءت الأخبار بوصول التتار الى دقوقاء (¬1) فصادر الصالح اسماعيل جماعة من أهل دمشق اتهمهم بالميل للملك الكامل وأخذ جميع مالهم وحبس [أولاد] (¬2) مزهر ببصرى (¬3) [فأقاما مدة سنين ومات أحدهما في الحبس] (¬4) مقيدين وأخرج الشيخ علي الحريري [من قلعة عزاز] (¬5) ومنعه من دخول دمشق. وفيها حضر فخر الدين ومحيي الدين أخوه الملك الاشرف الى عند الكامل وأخبروه أن أخوهم الصالح اسماعيل تملك دمشق بوصية من الأشرف، فتجهّز السلطان الملك الكامل بعساكره وخرج لأخذ دمشق (¬6)، فلما قرب إليها قسّم الصالح اسماعيل الأبراج على الأمراء وحصنها وغلقت أبوابها، ووصل عز الدين أيبك من صرخد وجاء الكامل فنزل عند مسجد القدم وقطع المياه عن دمشق، واشتد الحصار (¬7) وغلت الأسعار، ونصبوا على الأبواب المناجيق وسدّوا الأبواب جميعا إلا باب الفرج وباب النصر وردّ الكامل ماء بردى (¬8) الى ثورا (¬9)، وأحرق الصالح (¬10) العقيبة والطواحين (¬11)، وزحف الناصر داوود الى باب توما (¬12) وعلق النقوب فيه، ولم يبق إلا فتح البلد، وقتل الأمير سيف الدين أبو بكر بن جلدك على حصار دمشق، فأرسل الصالح اسماعيل يسأل أخاه (¬13) الكامل أن يعطيه بعلبك وأعمالها مع ¬
[الوفيات]
خزه المتقرر (¬1) (27 ب) بيده من أيام والده وهو بصرى وأعمالها والسّواد (¬2) وبلاده فأجابه الى ذلك وحلفا جميعا، فتسلم السلطان الملك الكامل دمشق ودخل إليها في العشر الأول من شهر جمادى الأولى (¬3) من هذه السنة، وأمر بنقل الأشرف من دار رضوان الى تربته بالكلاسة، وتوجه الصالح اسماعيل الى بعلبك. وفيها توجه السلطان الملك الكامل لحصار حماة وحمص، فلما بلغ المجاهد (¬4) صاحب حمص، أرسل رسولا الى سيف الدين ابن قليج (¬5) وكان من أكابر أمراء الدولة وعظمائها، وهو يسأله أن يتلطف بالسلطان ويعطفه أن يحسن في تدبير أمره وأن يضمن عنه كلّ ما يختاره الكامل وأن يقرر عليه مالا في كل سنة ثم سير ولده الصالح والحريم يدخلون على الملك الكامل، وسير صحبتهم تقادم كثيرة، فلما وصل الى ابن قليج الخبر، نهض وقام وتدخل وعمل جهده ووصل ولد صاحب حمص والنساء، فلم يصلوا حتى قضى الأمير ابن قليج الشغل وأصلح الحال على أنّه يحمل في كل سنة إلى خزانة السلطان ألفي ألف درهم، فعفا (¬6) عنه واستقر الحال على ذلك. [الوفيات] وفيها مات السلطان علاء الدين كيقباذ ابن كيخسرو ملك الروم، كان ملكا عظيما ملك الروم بأجمعه (¬7)، وكان مهابا حازما عادلا حسن العقيدة كثير الخير، مقبلا على من يقصده لين الجانب لرعيته، وتسلطن بعده ولده السلطان غياث الدين وحلفت له الأمراء وأكابر الدولة واستمر أمره. (28 أ) وفيها دخلوا (¬8) التتار أطراف بلاد الروم وقتلوا بها خلقا (¬9) كثيرا ¬
وأخربوا وأخذوا أموالا عظيمة (¬1). وفيها مات السلطان الكامل (¬2)، محمد بن السلطان الملك العادل، أبو بكر بن أيوب صاحب البلاد المصرية والشامية والشرق واليمن، في آخر نهار الأربعاء حادي عشري (¬3) رجب من هذه السنة بقلعة دمشق، ودفن باكر النهار، ولم يبلغ قصده من حلب وحماة، وكان مدة ملكه عشرين سنة وخمسة وأربعين يوما. وكان ملكا مهابا حازما شجاعا فصيحا أديبا محبا للعلم والعلماء، يحضر مجلسه في كل ليلة جمعه جماعة من الفقهاء والعلماء ويتحدث معهم ويشاركهم في فنونهم، وكان كثير السياسة حسن التدبير، وكانت الأعمال في أيامه آمنة والطرق آمنة، لا يخاف تاجر على ماله، لكنه محب لجمع المال، وله شعر فمنه قوله: [البسيط] إذا تحققتم ما عند عبدكم (¬4) ... من الغرام فذاك القدر يكفيه أنتم سكنتم بقلبي وهو منزلكم ... وصاحب البيت أدرى بالذي فيه وكان ولده الملك العادل أبو بكر نائبه بالديار المصرية، وكان الكامل يباشر أكثر أموره، بنفسه بعد وفاة الصاحب صفي الدين ابن شكر، وكان يحضر الدواوين قدامه ويحاسبهم. وفيها تولى مصر السابع من بني أيوب، وهو السلطان الملك العادل أبو بكر ابن السلطان الملك الكامل محمد، ملك بعد وفاة والده باتفاق من يذكر من الأمراء وهم: الأمير سيف (¬5) الدين علي بن قليج (28 ب) والأمير عماد الدين ابن الشيخ (¬6)، وجماعة من الأمراء الأكابر (¬7) تجمعوا في قلعة دمشق وتحالفوا جميعا واستحلفوا العساكر والأمراء المصرية والشامية للسلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر، وذلك في يوم الخميس ثاني عشري رجب (¬8) وكان العادل بمصر. ¬
وفيها اجتمعت أراء الأمراء المذكورين على ترتيب الملك الجواد مظفر الدين يونس ابن ممدود (¬1) نائب السلطنة بدمشق والشام، واتفق رأيهم على إخراج الناصر داوود من دمشق بحكم أنه حضر اليها صحبة السلطان الملك الكامل، على أنّ السلطان إذا ملكها يملكه إيّاها، فلمّا مات السلطان اتفقوا (¬2) الأمراء على خلاف ذلك وأخرجوا الناصر من دمشق خوفا من وقوع فتنة (¬3)، فأرسلوه الى الكرك (¬4) وصحبته جماعة مقدمهم الأمير نور الدين علي بن الأمير فخر الدين عثمان استادار (¬5) صاحب المدرسة التي بسويقة للصاحب (¬6) داخل القاهرة. فلما خرج الناصر داوود وتوجهوا (¬7) الى الكرك وتملك الجواد دمشق، توجهوا (¬8) الأمراء المصريين الى الديار المصرية، ولما وصلوا قرب الديار المصرية ركب العادل وتلقاهم بمن عنده من الأمراء والعساكر والتقى الواردين وأكرم ملتقاهم، وأرسل الى بيوتهم بعد نزولهم الأموال والخلع والخيل ثم حضروا بعد ذلك الى خدمته وجددوا الإيمان والعهود، واستمر له الأمر فلما تمكن بدأ في إبعاد أمراء دولته عنه، وقطع رواتب أرباب الدولة وما بقي يقرّب أحدا من الأمراء الأكابر إلا من أنشأهم. عند ذلك (29 أ) تفرقت قلوب الأمراء الكبار والصغار منه، وأقبل هو على شرب الخمر واللهو والفساد (¬9). وفيها لما سار الناصر الى الكرك، جمع عساكره وسار من عجلون الى غزة وملك الساحل، فخرج اليه الجواد في عسكر الشام وقال للأشرفيه كاتبوه وأطمعوه فكاتبوه واغتر بهم ¬
وساق من غزة في سبعمائة فارس الى نابلس بأثقاله وخزائنه وأمواله، وكانوا على سبعمائة جمل، ونزل العساكر منقطعة خلفه وضرب دهليزه على صبصطية (¬1) والجواد على جينين (¬2)، فساقوا إليه وأحاطوا به، فساق في نفر يسير نحو نابلس وترك الخزائن فأخذوا الجميع وما فيها من جواهر وأموال واستغنوا وافتقر الناصر وسار الى الكرك، ورجع الجواد الى دمشق وفتح الخزائن وفرّق المال (¬3). قال أبو المظفر (¬4): فبلغني انه فرق ستمائة ألف دينار وخلع خمسة آلاف خلعة وأبطل المكوس والخمور ونفى الخواطئ. وفيها لما تحقق الناصر داوود ما عليه الملك العادل من اللعب وتأخر الأمراء عنه والتهاه (¬5) بما هو فيه، حدثته نفسه بملك مصر وأنه إذا حضر، مالوا (¬6) الامراء اليه، فقصد مصر وصحبته هدايا وتقادم يصلحوا (¬7) للسلطان، مثل جوار جنكيات (¬8) وعوديات ورواقص وأواني مشروب، فلما وصل الناصر خرج إليه العادل والتقاه أحسن ملتقى ورتب له جميع ما يحتاج إليه، ثم أنه أحضر إلى العادل ما كان أحضره بسببه فأعجبه، وعوضه عنه عشرة أمثاله (¬9). وكان الناصر مظهرا أنّه ملازم (29 ب) خدمته ولا يفارق بابه ويعمل قدامه حاجبا أو استادارا أو دوادار (¬10)، وكان يتدخل عنده بكل خدمة، وأنّه أوهم السلطان الملك العادل من الأمير فخر الدين ابن الشيخ، أنّه قد اتفق مع الملك المعز مجير الدين [يعقوب] (¬11) عمه وقد استمال إليه جماعة من الأمراء، وأشار على السلطان بالقبض عليه وإخراج الملك المجير من الديار المصرية فقبل منه وقبض على الأمير فخر الدين ابن الشيخ واعتقله بقلعة ¬
[الوفيات]
الجبل وأخرج مجير الدين من الديار المصرية مع الملك الأمجد تقي الدين عباس أخوه (¬1). ثم ان الناصر داوود أوهم السلطان الملك العادل من الملك الجواد يونس نائبه بدمشق والشام وقال له: إن الأمراء اتفقوا على نيابته بدمشق وأنهم معه في الباطن، وكان من جملتهم الأمير عماد الدين ابن الشيخ، فبلغه ذلك فقال في نفسه: متى تهاونت رحت كما راح أخي، فحضر الى عند السلطان الملك العادل والتزم له أنه يحضر الجواد الى طاعته الى مصر، فأمره بالتوجه، فخرج عماد الدين من مصر لإحضار الجواد (¬2). [الوفيات] وفيها مات القاضي شمس الدين أبو نصر محمد (¬3) بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن يحيى بن بندار بن مميل الشيرازي. مولده بدمشق في أواخر ذي القعدة سنة تسع وأربعين وخمسمائة وسمع الحديث الكثير وناب في القضاء مدة سنتين ودرس بمدرسة ست الشام، ومات ليلة الخميس ثاني جمادى الآخرة ودفن بقاسيون (¬4) في تربته. سمح الحافظ ابن عساكر وأبا يعلي حمزة ابن علي الحبوبي وأبا البركات الخضر بن شبل ويعرف بإبن عبد [الله] (¬5) خطيب جامع دمشق (30 أ) وأبا المعالي مسعود بن محمد، الملقب بالقطب النيسابوري وخلقا كثيرا، وكان إماما فقيها عالما فاضلا كيّسا لطيفا حسن الأخلاق كريم الطباع حميد الآثار، حفظة للحكايات الحسان والأخبار وأيام العرب والأشعار رحمه الله تعالى. وفيها مات الخطيب جمال الدين محمد بن أبي الفضل بن زيد بن ياسين الدولعي (¬6)، كان حريصا على الخطابة أخذها بعد عمه، ولم يحج حجة الإسلام خوفا على المحراب أن يخرج ¬
من يده وكان الملك المعظم (¬1) منعه من الفتيا، وكانت وفاته في رابع عشر جمادى الأول ودفن بالمدرسة التي أنشأها بجيرون (¬2)، وكان قليل سماع الحديث، سمع عمه عبد الملك الدولعي ومحمد بن صدقة الحرّاني، وكان له أخ جاهل فولي الخطابة بعده. وفيها مات أبو محمد عبد الله (¬3) ابن عبد الرحمن ابن عبد الله ابن علوان بن عبد الله بن علوان بن نافع الأسدي الحلبي قاضي القضاة بحلب، أسمعه والده من الشيوخ الكبار والأئمة ثم سمع هو بنفسه كثيرا وكتب كثيرا بخطه، حفظ القرآن في صباه وتفقه على مذهب الإمام الشافعي وصحب أبا المحاسن يوسف بن رافع بن تميم قاضي حلب وقرأ عليه المذهب والخلاف والجدل والأصلين وعنى به عناية جيدة لما رأى من نجابته وذكائه وقدرة إدراكه وحسن طريقه، فاتخذه ولدا وصاهره وعهد إليه في جميع أحواله حتّى برع في العلم وصار معيدا في مدرسته وله نيف وعشرون سنة. ثم ولي التدريس بعده بمدارس ونبل وتقدم عند (30 ب) الملوك والسلاطين، وعلا جاهه وارتفع شأنه وروسل به الى ملوك الشام ومصر مرات، ثم أنّه ناب في القضاء بحلب مدة حياة القاضي، فلما مات ولي القضاء مكانه وأرسل رسولا الى دار الخلافة، فقدم بغداد في شهر رمضان سنة أربع وثلاثين وستمائة فأكرم مورده وجمع له الفقهاء فقهاء مدينة السلام ومدرسوها بدار الوزارة وأحضر وتكلم مع الفقهاء بحضرة الوزير، واستحسن الحاضرون كلامه. وكانت له معرفة حسنة بالحديث ويد باسطة في الأدب، وكان محبا لأهل الدين والصلاح وأرباب الزهد والفقر، كثير الإقبال عليهم والزيارة لهم والتبرك بهم، وله تطلع كثير الى من يصل الى بلده من الغرباء وطلبة العلم ومبالغة في إكرامهم والقيام بما يحتاجون اليه. وكان مع ما خصه الله به من الورع والدين المتين والتمسك بسير السلف والرزانة والثبات والحرمة والوقار وحسن الخلق والخلق، لطيفا مزاحا ظريفا بساما، طيّب المعاشرة حلو المحاضرة مقبولا محببا الى من يراه لا يمل جليسه منه. ¬
قال الشيخ محب الدين ابن النجار (¬1): اجتمعت به بدمشق عند شيخنا أبي (¬2) اليمن الكندي ثم بحلب مرات كثيرة، وله عليّ أياد يعجز عن حصرها قلمي ويقصر عن شرحها كلمي، وسمعت منه بحلب وسمع مني وحدث ببغداد بكثير من عواليه، وكان ثقة نبيلا ما رأت عيناي مثله ولا أكمل منه وسألته عن مولده، فقال: في جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وبلغني أنّه توفي في شعبان من هذه السنة في ليلة السبت (31 أ) سادس عشرة. وفيها مات قاضي القضاة شمس الدين أبو البركات يحيى بن هبة الله بن الحسن، المعروف بابن سني الدولة (¬3). كان فقيها إماما فاضلا نبيلا نزيها عفيفا عادلا منصفا حافظا (¬4) لقوانين الشريعة، لا تأخذه في الله لومة لائم. ولي القضاء زمانا بالبيت المقدس ثم وليه بدمشق مدة، وكانت وفاته يوم الأحد سادس ذي القعدة، وصلى عليه ولده (¬5) القاضي صدر الدين بجامع دمشق وحمل الى قاسيون، وكانت له جنازة عظيمة وتأسف عليه الناس. سمع الحديث من جماعة منهم: أبو عبد الله ومحمد بن صدقة الحرّاني وغيره (¬6). وفيها مات أبو المحاسن يوسف ابن اسماعيل بن علي ابن أحمد بن الحسين بن إبراهيم، المعروف بالشّواء (¬7) الملقب شهاب الدين، الكوفي الأصل الحلبي المولد والمنشأ والوفاة. كان أديبا فاضلا متقنا لعلم العروض والقوافي، شاعرا جيد يقع له في الشعر معان بديعة، وله ديوان شعر في أربع مجلدات، فمن نظمه ما ذكره الشيخ شمس الدين ابن خلكان (¬8)، قال أول شيء أنشدني: [السريع] ¬
هاتيك يا صاح ربى لعلع ... ناشدتك الله فعرّج معي وانزل بنا بين بيوت النقا ... فقد غدت آهلة المربع حتى تطيل اليوم وقفا على ال ... ـساكن أو عطفا على الموضع (¬1) قال: وأنشدني أيضا: [الكامل] ومهفهف عني الزمان بخده ... فكساه ثوبي ليله ونهاره (31 ب) لا مهدت عندي محاسن وجهه ... إن غضّ عندي منه غضّ عذاره وله في غلام أرسل إحدى صدغيه وعقد الآخر [السريع] أرسل صدغا ولوى قاتلي ... صدغا فأعيا (¬2) بهما واصفه فحلت ذا في خده حية ... تسعى وهذا عقربا واقفه ذا ألف ليست لوصل وذا ... واو ولكن ليست العاطفة وله في غلام ختن: [الكامل] هنأت (¬3) من أهواه عند ختانه ... فرحا وقلبي (¬4) قد عراه وجوم [يفديك من ألم ألّم بك أمرؤ ... يخشى عليك إذا ثناك نسيم] (¬5) أمعذّبي كيف استطعت على الأذى ... جلدا وأجزع ما يكون الريم؟ لو لم تكن هذي الطهارة سنّة ... قد سنّها من قبل ابراهيم لفتكت جهدي بالمزيّن إذ غدا ... في كفه موسى وأنت كليم وكان مولده سنة اثنتين وستين وخمسمائة، ومات ليلة الجمعة تاسع عشر المحرم من هذه السنة، ودفن بمقابر أنطاكية غربي حلب رحمه الله تعالى. ¬
وفيها مات عبد الرحمن بن أبي القاسم بن غنائم بن يوسف، الأديب بدر الدين الكناني العسقلاني، الشاعر المعروف بابن المسجّف (¬1)، مولده سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ومات في هذه السنة (¬2) ودفن عند والده بالمزة. كان أديبا ظريفا خليعا مات فجأة وخلف خمسمائة ألف درهم فأخذها الملك الجواد صاحب دمشق، وله أخت عمياء فقيرة فمنعها حقها من ميراثها، وكان أخوها (¬3) بدر الدين (32 أ) يتجر وله رسوم على الملوك وأكثر شعره في الهجو. قال صلاح الدين الصفدي (¬4): نقلت من خط شهاب الدين القوصي في معجمه، قال: كان السيد الشريف [شهاب الدين ابن الشريف] (¬5) فخر الدولة ابن أبي الحسن الحسيني رحمه الله تعالى لما ولاّه، السلطان الملك الناصر النقابة على الطالبيين من الأشراف اجتمع في دار جماعة للتهنئة من القضاة والصدور، وسألني الشريف والجماعة إنشاء خطبة [تقرأ] (¬6) أمام قراءة المنشور، فذكرت خطبة على البديهية بآية جمعت فيها بين ذكر فضل أهل البيت وبين شكر السلطان على توليته وما أولاه من الإحسان، فحضر بدر الدين ابن المسجف رحمه الله المجلس وأنشد هذه الأبيات الثلاثة لنفسه: [الكامل] دار النقيب حوت بمن قد حلّها ... شرفا يقصّر عن مداه المطنب أضحت كسوق عكاظ في تفضّلها ... وبها شهاب الدين قسّ يخطب الفاضل القوصيّ أفصح من غدا ... عن فضله في العصر يعرب معرب (¬7) وأنشد المذكور لنفسه في الشرف الحلّي (¬8) الشاعر: [الطويل] يقولون لي ما بال حظك ناقصا ... لدى راجح رب الفهاهة (¬9) والجهل ¬
فقلت لهم اني سميّ ابن ملجم ... وذلك إسم لا يقول به حلي قال وأنشدني لنفسه هذين البيتين، وكان قالهما ببغداد وقد جاء مطر يوم عاشوراء في فصل الصيف: [الكامل] مطرت بعاشوراء وتلك فضيلة ... ظهرت فما للناصبيّ المعتدي (32 ب) والله ما جاد الغمام وإنما ... بكت السماء لرزء (¬1) آل محمد وأنشد لنفسه يمدح الكمال القانوني [الكامل] لو كنت عاينت الكمال وجسّه ... أو تار قانون له في المجلس لرأيت مفتاح السرور بكفّه ال ... ـيسرى وفي اليمنى حياة الأنفس وله: [الكامل] ولقد مدحتهم على جهل بهم ... وظننت فيهم للصنيعة موضعا فرجعت بعد الإختبار أذمّهم ... فاضعت في الحالين عمري أجمعا قلت ومثل هذا قول سبط التعاويذي (¬2): [السريع] قضيت شطر العمر في مدحكم ... ظنا بكم أنكم أهله وعدت أفنيه هجاء لكم ... فضاع عمري فيكم كله ومن شعر ابن المسّجف [الكامل] يا رب (¬3) كيف بلوتني بعصابة ... ما فيهم فضل ولا إفضال متنافري الأوصاف يصدق فيهم ال ... ـهاجي وتكذب فيهم الآمال غطّى الثراء (¬4) على عيوبهم وكم ... من سوءة غطّى عليها المال ¬
جبناء ما استنجدتهم لملمة ... لؤماء ما استرفدتهم بخّال فوجوههم عوذ على أموالهم ... وأكفهم من دونها أقفال هم في الرّخاء إذا ظفرت بنعمة ... آل وهم عند الشدائد آل (33 أ) ومن شعره في الغرس (¬1) خليل والي دمشق [الرمل] ما خليل بخليل لا ولا ... صحبه (¬2) أهل صلاح بل فساد لقبوه الغرس (¬3) لا جهلا به ... صدقوا لكنّه غرس جراد (¬4) وقال يمدح الكامل: [المتقارب] إذا لبس الدّرع مستلئما ... وكرسيّه صهوة الصّاهل ترى الأرض محمرّة بالدما ... ومخضّرة اللون بالنائل وقال على لسان بنت الملك الأشرف في دار السعادة: [البسيط] قالت مليكة هذي الدار حين ثوى ... من شيّد (¬5) الدار بعد الملك بالترب لا تحسدوني على دار السعادة بل ... دار السعادة كانت في زمان أبي وصل ابن المسجّف في بعض سفراته الى الموصل بما معه من تجارة، فباع الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ متملك الموصل شيئا مما معه ومدحه، فتقدم إلى نائبه الأمير أمين الدين لؤلؤ عتيقة بقضي (¬6) اشغاله، فتوقف في أمره فقال له بعض أصحاب الباب: لو طاب قلب الأمين لمشى الحال وحصل المقصود، فقال: [المتقارب] يقولون ان طاب قلب الأمين ... رجعت بشيء نفيس ثمين ¬
ثم دخلت سنة ست وثلاثين وستمائة
فقلت أعود بلا حبّة ... ولا طيّب الله قلب الأمين وفيها مات أبو الفضائل، صدر الدين عبد الرزاق بن عبد الوهاب ابن (33 ب) علي بن عبيد الله شيخ الشيوخ ابن سكينة (¬1) البغدادي، مولده في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وخمسمائة. سمع من ابن البّطي (¬2) وغيره وهو من بيت رواية ومشيخة، كتب عنه الكبار وولي مشيخه رباط جدّه أبي القاسم وروسل به الى الأطراف وسمع من شهدة بنت الإبري وغيرها وجاور بمكة سنتين مع والدته وولي بعد وفاة والده نظر البيمارستان العضدي مدة. وفيها مات أبو محمد عبد العزيز (¬3) ابن أبي الحسن الحكيم أسعد الدين المصري رئيس الاطباء بمصر، سمع ابن عساكر أبا القاسم وشهد عند القضاة وأخذ الطب عن أبي زكريا [البيّاسي] (¬4)، وخدم الملك المسعود اقسيس باليمن وحصّل أموالا وعاش خمسا وستين سنة وله كتاب «نوادر الألباء في امتحان الأطباء». قال صلاح الدين الصفدي (¬5): وأظنه الذي عناه ابن عنين بقوله (¬6): [الطويل] فراري (¬7) ولا خلف الإمام (¬8) جماعة ... وموتي (¬9) ولا عبد العزيز طبيب ثم دخلت سنة ست وثلاثين وستمائة وفيها وصل عماد الدين ابن الشيخ الى دمشق واجتمع بالملك الجواد وقال: إن السلطان ¬
يقصد حضورك إلى خدمته، فلم يوافق (¬1) الجواد على التوجه الى الديار المصرية، فلمّا آيس منه الأمير عماد الدين، خرج إلى دار الضيافة، فطلب الجواد مقدّم الفداوية (¬2) وأمره أن يقتل الأمير عماد الدين ابن الشيخ، فقتلوه (¬3) على باب جامع دمشق، وأعطى مقدم الفداوية قرية (¬4) بكاملها، فبلغ ذلك الملك العادل (34 أ) صاحب مصر، فبقي عنده منه أمر عظيم، وأصل هذا الناصر [داوود] (¬5). وفيها خرج السلطان الملك العادل الى الشام بالعساكر ليأخذ دمشق من [ابن] (¬6) عمه الملك الجواد، فأشار عليه الناصر داوود قبل سفره أن يسيّر الى الجواد رسل (¬7) ويوعده ويحلف له ويعطيه مكان (¬8) غير دمشق، فما قبل إلا التوجه لأمر يريده الملك العلاّم، ثم أنّ الأمراء أشاروا عليه أنّ يرسل اليه رسول (¬9) ويوعده (¬10) بقلعة الشّوبك (¬11)، فقبل وأرسل رسول (¬12)، فأجاب الى ذلك، ثم أنّ جماعة (¬13) أشاروا على الجواد أنه لا يجيب، فامتنع وخرج السلطان ¬
ببعض العساكر إلى ظاهر القاهرة، فكاتب الجواد الملك الصالح نجم الدين أيوب بالشرق يسأله أن يتصدق عليه بسنجار وأعمالها ويأخذ دمشق. فلما وصل الكتاب الى الصالح أجابه الى ما سأله وحضر الى دمشق (¬1)، وأرسل الجواد له نائب (¬2) يتسلم سنجار، وتسلم الصالح دمشق وأقام بها ورتب له نواب (¬3) على بقية أعمال دمشق، ورتب له بأعمال الشرق نواب (¬4) يعتمد عليهم. ذكر سبب اتصال الخوارزمية بالملك الصالح نجم الدين أيوب، وذلك لما كسرت عساكر السلطان خوارزم شاه، وجرى عليه ما قدره الله تعالى، تفرقوا فحضر جماعة منهم الى حصن كيفا وبه السلطان الملك الصالح، وكانوا جماعة كثيرة، فأقطعهم السلطان حرّان وأعمالها والرّها وأعمالها والرّقة (¬5) وأعمالها، واستقر ذلك بأيديهم (¬6). وفيها (34 ب) هرب جماعة من أمراء مصر الى الشام الى عند الملك الصالح نجم الدين أيوب، وهم: الأمير علاء الدين ابن الأمير فخر الدين عثمان أستادار (¬7) العالية، والأمير علاء الدين ابن الشهاب أحمد، والأمير عز الدين أيبك الكردي العادلي، والأمير عز الدين قضيب البان العادلي، والأمير شمس الدين سنقر الدنيسري الكاملي، والأمير عز الدين بلبان المجاهدي، والأمير حسام الدين لؤلؤ المسعودي، والأمير سيف الدين سبطر (¬8) الخوارزمي، وجماعة عدتهم سبع عشرة أمير (¬9) خارجا عن اتباعهم، وخارجا عمن هرب من مقدمي الحلقة (¬10) والمماليك السلطانية (¬11). وخرجوا من الديار المصرية على حمية وتوجهوا الى ¬
دمشق، وكان وصولهم اليها في شهر شوال فالتقاهم السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب وخرج اليهم الى خربة اللصوص، وسر بهم سرورا كثيرا، وعرّفوه ان أكثر أهل مصر معه وفي طاعته وخارجين (¬1) عن طاعة أخيه. وفيها توجه الملك الصالح الى نابلس وخيم عليها وأنّ أكابر دولته أشاروا عليه أن يقطع نابلس وأعمالها الى الأمراء الذين قدموا عليه فقبل منهم وأقطع المذكورين نابلس وأعمالها. وكان الناصر داوود في ذلك الوقت بالديار المصرية في خدمة السلطان الملك العادل، فلما بلغه أنّ الصالح أقطع نابلس للأمراء الذي قدموا عليه وأمسك نوابه وأخذ أمواله وخرج من مصر وسار إلى الكرك. وكان السلطان الملك الصالح مقيم (¬2) على نابلس (35 أ) وهو يتحيّل على وقت يتوجه بعساكره إلى مصر. وفيها اتفق الملك الصالح اسماعيل عم العادل والصالح نجم الدين أيوب، وكان يومئذ صاحب بعلبك مع الملك المجاهد صاحب حمص، على أخذ دمشق من السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب، فحضرا بعساكرهما الى دمشق وأخذوها (¬3) وذلك أنّ الصالح اسماعيل خرج بعساكره من بعلبك نصف الليل وساق الى قرب دمشق، كمن هنالك وكان ذلك اليوم نهار الجمعة، فكمن الى وقت صلاة الجمعة وساق، ودخلها ولم يعلم به أحد وهجم باب القلعة وملكها ومسك الملك المغيث ابن الملك الصالح وحبسه وقتل (¬4) نائب القلعة، واحتاط على بيوت الأمرا وعلى أولادهم وأموالهم، وألزم استادار كل أمير أن يكتب الى أستاذه، يعرّفه أنّه تحت الحوطة، وكتب لهم الصالح اسماعيل أنّ كل من حضر كان إقطاعه له وماله وزيادة ومن تأخر نهب ما له وسبى حريمه، وسير الكتب. فلما بلغ الأمراء ذلك، ركبوا يد (¬5) واحدة وساروا الى دمشق ولم يبق عند الصالح غير مماليكه (¬6). فلما بلغ ¬
الناصر داوود ذلك ركب بعساكر الكرك وكبس الملك الصالح نجم الدين أيوب فأخذه أسير ذليل (¬1) وأخذ جميع ما كان معه، ومسك كل من معه وتوجه الى الكرك، فحبسه بها (¬2). فلما بلغ العادل ذلك سرّ به سرورا عظيما وأظهر الفرح، وعمل سماطا (¬3) في الميدان الأسود الذي تحت (35 ب) قلعة الجبل، وعمل قصور حلاوة، وملأ أحواض سكر وليمو (¬4) وعمل ألف وخمسمائة رأس غنم شواء ومثلها أطعمة، وقيل أنه أصرف في المهم خمسة (¬5) آلاف أبلوج سكر، وأمر لسائر الناس بحضور الطعام، ونادى (¬6) بذلك في العوام، فحضروا (¬7) الناس وأكلوا وحملوا ولم يمنع أحد (¬8)، وكان ذلك المهم مهول (¬9)، فلمّا فعل ذلك، بلغ السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب جميع ما اتفق. وفيها أرسل السلطان الملك العادل إلى عند ابن عمه السلطان الملك الناصر داوود يسأله أن يرسل اليه الملك الصالح نجم الدين أيوب في قفص حديد ويعطيه عوضه أربعمائة ألف دينار، ويأخذ دمشق من عمه الصالح اسماعيل ويعطيه إياها وحلف على ذلك إيمانا عظيمة فلمّا وصل الكتاب الى عند الناصر داوود وفهم ما فيه حضر بنفسه الى عند ابن عمه الملك الصالح نجم الدين وأوقفه على الكتب (¬10) التي حضرت من عند أخيه العادل وعرّفه جميع ما سأل فيه، وأحضر القاصد الذي حضر بالكتب، ثم أنّ الناصر داوود كتب جواب الكتب للملك العادل يقول: وصل كتاب السلطان وهو يطلب أخيه (¬11) الى عنده في قفص حديد وأنك تعطيني أربعمائة ألف دينار مصرية وتأخذ دمشق ممن هي بيده وتعطيني إياها، فأما الذهب فهو عندك ¬
[الوفيات]
كثير، وأما دمشق فإذا أخذتها ممن هي معه وسلمتها إلي سلمت أخوك (¬1) إليك (36 أ) وهذا جوابي والسلام. فلما بلغ العادل الجواب عزم على الخروج الى الشام وأمر بتجهيز العساكر. وفيها وقع الغلاء بدمشق وبيعت كل غرارة (¬2) قمح بمائتي وثلاثين (¬3) درهم. [الوفيات] وفيها مات الشيخ الإمام العالم جمال الدين أبو المحامد محمود ابن أحمد بن الحصيري (¬4) الحنفي، أصله من بلاد بخارا من قرية يقال لها حصير (¬5). تفقه في بلده وسمع الحديث الكثير وقدم الشام ودرس بالنورية (¬6) وانتهت إليه رئاسة أصحاب الإمام أبي حنيفة، وقرأ عليه الملك المعظم (¬7) «الجامع الكبير» (¬8) وغيره وصنف الكتب الحسان وشرح «الجامع الكبير» وكان كثير الصدقة غزير الدمعة فاضلا عاملا نزها عفيفا. حج من الشام وكانت وفاته يوم الأحد ثامن صفر، ودفن بمقابر الصوفية عند المنيبع (¬9) على الجادة، وكان المعظم يحترمه ويكرمه وكذا ولده الناصر (¬10). وفيها مات الوزير جمال الدين ابن جرير (¬11) وزير الملك الأشرف (¬12) وأصله من الرّقة، وكان يتردد الى خانقاه الرّقة في سنة إحدى عشرة وثلاث عشرة وستمائة ولم يكن يعرف الأشرف ¬
حينئذ، فما زال يتوصل حتى استوزره بدمشق، ولما مات الأشرف استوزره الصالح نجم الدين أيوب دون شهر. وكانت وفاته يوم الجمعة سابع عشري جمادى الآخرة بالخوانيق (¬1)، ودفن بمقابر الصوفية عند المنيبع. سمع الحديث وكان يتردد الى زيارة الصالحين وفيه يقول (¬2) نصر بن محمد الحنفي: [الكامل] من قال أهل الشام عندي كلهم ... بقر، فليس عليه فيه جناح لو لم يصح مقاله فيهم لما ... أضحى يسوس أمورهم فلاح (36 ب) وفيها مات أبو منصور عبد الواحد بن إبراهيم بن الحسن بن نصر الله المعروف بإبن الدسكري (¬3). كان المذكور فاضلا ويكتب خطا مليحا يحكي فيه طريقة ابن البواب (¬4) وله نظم رقيق فمنه: [البسيط] بيض المسرات في حمر الكؤوس إذا ... دارت على الهم انفلّت جحافله قم عاطني من شموس الراح غير ضحى ... من كف بدر دجى حلو شمايله مورّد الخد داجي الفرع فاحمه ... عبل الروادف واهي الخصر ناحله يسيل من بين جفنيه لسفك دمي ... مهند فوق خدّيه حمايله ما سحر هرون إلا من لواحظه ... يسبي القلوب وفي الأجفان نايله تخال نور الأقاحي من مقبّله ... والغصن ما ضمنت منه غلايله ما زلت أبذل روحي في رضاه كما ... جود الخليفة مبذول ونايله وفيها مات الحافظ زكي الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد ابن أبي يداس البرزالي (¬5) المحدث الاشبيلي في رابع عشري رمضان بحماة. وكان معتنيا بعلم الحديث مفيدا ¬
لأصحابه متواضعا. أقام بدمشق سنين كثيرة بمسجد فلوس وغيره، ثم سافر في هذه السنة الى حلب ورجع الى حماه فمات بها. وفيها مات أبو الوفا مودود (¬1) ابن مسعود بن محمد بن مرامل الواسطي، كان شاعرا محسنا كثير الشعر فمنه قوله: [الرمل] وهو أجفانك المرضى الصحاح ... لم يمل سمعي الى واش ولاح (37 أ) يا غزالا حكم الحسن له ... بعد صوني في هواه بافتضاحي لست أدري إذ بدا ثغرك لي ... أهو الأحسن ام نور الأقاحي ورضاب فيه هل يشفى به ... ظمأي يوما فقد طال التياحي كم ليال بتّ فيها أجتني ... ورد خدّيه بجدّ ومزاح وفيها مات النجم هلال ابن أبي الفضل المعروف بابن الحلاوي (¬2) الشاعر، كان شاعرا مجيدا فمن نظمه: [الطويل] وأغيد ممشوق القوام مهفهف ... أغنّ غضيض الطرف طاوي الحشى أحوى أخفّ على قلبي متى أدع باسمه ... وأكرم عندي من سليمى ومن علوى من الترك ألمي لا تدانى صفاته ... سعاد ولا تسموا الى حسنه اروى جفا فجفا أجفان عيني رقادها ... على علمه أنّي على البين لا أقوى ومولده في سنة ثمان وستين وخمسمائة ومات في هذه السنة، وكان شاعر ملوك حلب. وفيها مات أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد المجيد بن اسماعيل بن عثمان بن يوسف بن الحصين بن حفص، الإمام جمال الدين بن الصفراوي (¬3) الإسكندري المالكي المقرئ المفتي. كان من الأئمة الأعلام، إنتهت اليه رئاسة الأفراد والفتوى ببلده، وحدث ببلده وبمصر وبالمنصورة، وكان قرأ القراءات على أبي القاسم عبد الرحمن بن خلف ابن محمد بن ¬
ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وستمائة
عطية القرشي وعلى أبي العباس أحمد بن جعفر الغافقي وأبي يحيى اليسع (¬1) ابن عيسى بن حزم (37 ب) وأبي الطيب عبد المنعم ابن الخلوف، وتفقه على العلاّمة أبي طالب صالح ابن اسماعيل بن بنت معافى وسمع السلفي واسماعيل ابن عوف وأبا العثماني وجماعة، وهو آخر من قرأ على الأربعة المذكورين وخرج لنفسه مشيخة، وكان صاحب ديانة وجلال. وفيها مات صاحب ماردين وهو الملك المنصور ناصر الدين أرتق (¬2) ابن إرسلان ابن ألبي ابن آل غازي ابن تمرتاش ابن ألبي ابن أرتق التركماني الارتقي. وكان المعظم (¬3) قد صاهره في سنة ثماني عشرة وستمائة، وكان ناصر الدين هذا شجاعا مقداما جوادا، ما قصده قاصد فخيبه، وكانت وفاته بماردين (¬4) قتله ولده خنقا وهو سكران (¬5). ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وستمائة فيها اتفق (¬6) الناصر داوود والصالح نجم الدين أيوب وأخرجه من الحبس، لكنه كان عنده لا يركب إلا ومعه جماعة موكلين به، فبلغ الملك العادل ذلك فأمر بخروج الدهليز وخروج العساكر، وخرج السلطان الملك العادل الى بلبيس (¬7) وخيم عليها، وكان قصده التوجه الى حصار الكرك لعله ينال قصده من أخوه (¬8) ومن ابن عمه. فلما نزل السلطان بلبيس أتفق جماعة من الأمراء ومماليك (¬9) السلطانة الكبار والخدم على خلع السلطان الملك العادل، والذي قام في ذلك الأمر عز الدين أيبك الفائزي (¬10) والطواشي، صفي الدين جوهر النوبي، ووافقهم على ذلك جماعة كثيرة، وهجموا على السلطان وقبضوا عليه وقيّدوه وخلوه ¬
داخل خركاه (¬1)، وشرعوا الدهليز ورتبوا حول الدهليز جماعة رجالة وخيالة يحفظوه (¬2) ليل نهار، فبلغ ذلك الى الأمراء الأكابر والأكراد، فأرادوا النهوض في خلاصة، عند ذلك ركب الخدام ومن معهم (38 أ) وقصدوا نهب الأمراء وطاقاتهم. فلما رأوا (¬3) الأمراء ذلك كاسروا عما أرادوا يفعلوه. وفيها كتبوا (¬4) الخدام ومن كان معهم، كتابا الى السلطان الملك نجم الدين أيوب يسألوه (¬5) سرعة الحضور، وعرفوه ما جرى جميعه وحلفوا له جميعا، وكتبوا الى السلطان الملك الناصر داوود يسألوه حضوره صحبة السلطان. فلما وصلت الكتب الى الكرك ووقف الناصر داوود على ذلك، أوقف عليه السلطان الملك الصالح وتحالفا على ما اتفقا عليه وتعاهدا وركبا بجماعة كثيرة وتوجهوا نحو الديار المصرية. قال أبو المظفر (¬6): حكى الي الصالح نجم الدين، قال: ما قصدت بمجيء الناصر معي إلا خوفا أن تكون معمولة (¬7) علي ومنذ فارقنا غزة تغير علي، ولا شك أنّ بعض أعدائي أطمعه في الملك، فذكر لي جماعة من مماليكي أنّه تحدث معهم في قتلي، وليلة نزلنا بلبيس، شرب وشطح الى العادل، فخرج من الخركاه، وقبّل الأرض بين يديه، فقال له: كيف رأيت ما أشرت عليك ولم تقبل مني. فقال يا خوند (¬8) التوبة، فقال: طيب قلبك الساعة أطلقك، ثم قال الصالح وجاء ودخل علي الخيمة ووقف فقلت له: بسم الله اجلس، فقال ما أجلس حتى تطلق العادل، فقلت له: اقعد وهو يكرر الحديث [فسكت] (¬9) ولو أطلقته لضرب (¬10) رقابنا كلنا، فنام، فما صدقت بنومه، فقمت في باقي الليل فأخذت العادل في ¬
محفة ودخلت به القاهرة. ولما دخلت القاهرة بعثت إليه بعشرين ألف دينار، فعادت إلي مع غلماني (38 ب) وكان وصول الصالح الى بلبيس يوم الأحد رابع عشري ذو القعدة، فنزل في خيمة العادل والعادل محبوس في خركاه. وفيها تملك الثامن من بني أيوب وهو السلطان الصالح نجم الدين أيوب ابن السلطان الملك الكامل ناصر الدين محمد بن السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر ابن أيوب بن شادي ابن مروان. تملك الديار المصرية وما أضيف اليها يوم الجمعة (¬1) وجلس على التخت وحلفوا (¬2) له الأمراء واستقر أمره، أحضر أخوه العادل وسأله عن موجب خلعه ومن كان السبب فيه، ثم أدخله القاهرة في محفة كما تقدم. ثم أن السلطان لما تقرر أمره بقلعة الجبل أعرض الخزانة وبيت المال فلم يجد غير دينار واحد وألف درهم، فسأل عن المال، فقالوا أخوك فرقه على الأمراء فسكت وأخلع وأعطى، ثم أنه بعد ذلك قعد وأحضر القضاة والأمراء الذين كانوا السبب في مسك أخيه وقال: لأي شيء مسكتم سلطانكم، قالوا كان سفيه (¬3)، قال الصالح: يا قضاة من يكون سفيه يجوز تصرفه في بيت مال المسلمين قالوا: لا، قال: أقسم بالله متى لم تحضروا ما أخذتموه من المال كانت أرواحكم عوضه، فخرجوا جميعا وأحضروا المال، فكان جملة ما أحضروه سبعمائة ألف وخمسة وثمانين ألف دينار وألفي ألف وثلاثمائة ألف درهم. ثم بعد ذلك أمهلهم قليلا ومسكهم على التدريج (¬4). وفيها أخذ بدر الدين لؤلؤ صاحب (39 أ) الموصل سنجار من الملك الجواد بموافقة من أهلها لسوء سيرته، فإنه صادرهم وأخذ أموالهم، وخرج يتصيد ويحج في البرية، فبعثوا الى بدر الدين فجاء، ففتحوا له [الأبواب] (¬5) ومضى الجواد الى عانة (¬6)، فأقام بها ثم باعها للخليفة. وفيها تولى الشيخ عز الدين (¬7) ابن عبد السلام الخطابة بجامع دمشق في ربيع الآخر. ¬
[الوفيات]
وفيها أمر الملك الصالح اسماعيل للخطباء بدمشق وبلاد الشام، أن يخطبوا لصاحب الروم وبطل الخطبة لصاحب مصر. وفيها تولى رفيع الدين عبد العزيز ابن عبد الواحد ابن اسماعيل ابن عبد الهادي ابن عبد الله الجيلي الشافعي قضاء الشام، وكان قاضي بعلبك قبل ذلك فظهر منه سوء سيرة وعسف وضيق وجور، ومصادرة للناس في الأموال (¬1). وفيها ولدت شجر الدر سرية السلطان الصالح، ولدا ذكرا فسماه السلطان خليل ولقبه بالملك المنصور، ونالت شجر الدر منه من السعادة والجاه ما لم ينله غيرها من نساء الملوك. وفيها نازل الملك الناصر داوود صاحب الكرك والشوبك، البيت المقدس وحاصره وشدد عليه الحصار بنفسه أحدا وعشرين (¬2) يوما وفتحه عنوة بالسيف (¬3) وذلك في يوم الإثنين تاسع جمادى الأول، وفي ذلك يقول (¬4) الصاحب جمال الدين ابن مطروح: [السريع] المسجد الأقصى له عادة ... سارت فصارت مثلا سائرا (¬5) إذا غدا بالكفر (¬6) مستوطنا ... أن يبعث الله له ناصرا فناصر طهّره أولا ... وناصر طهّره آخرا [الوفيات] (39 ب) وفيها مات الملك المجاهد، أسد الدين شيركوه (¬7)، ابن محمد بن شيركوه ¬
ابن شادي ابن مروان. كان قد تولى مملكة حمص يوم وفاة والده يوم عيد الفطر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. وكان مولده سنة تسع وستين وخمسمائة، ومات يوم الثلاثاء تاسع عشر رجب من هذه السنة بحمص ودفن بتربته داخل البلد رحمه الله تعالى. وكان يحب جمع المال، وكان فيه عسف لرعيته، وجعل على التجار حقوقا محدثة، ومات في حبسه خلق كثير من الرجال، وكان شجاعا شهما، مقداما يباشر الحروب بنفسه. حفظ المسلمين من الفرنج والعرب، وبنى الأبراج على محايض العاصي ورتب فيها الرجال والطيور، وكان الفرنج إذا خرجوا أطلقوا الرجال الطيور، فيخرج بنفسه فيسبق الفرنج إلى المخاضة، فيقتل ويأسر وكذى كان يفعل بالعرب (¬1). قال أهل التواريخ: كانت بلده مطهرة من الخمور والخواطئ والمكوس. وكانوا (¬2) بنو أيوب يتقونه ويخافونه لأنه كان يرى أنه أحق بالملك منهم لأجل جده أسد الدين شيركوه وفتحه مصر. وكان الكامل قد استوحش منه واتهمه أنّه هو الذي أوقع بينه وبين الأشرف. وكان قد منع النساء أن يخرجن من باب حمص مدة ولايته (¬3)، ولما تسلطن ولده الملك المنصور محمد ناصر الدين ابراهيم يوم وفاة والده، فلما استقر أمره مسك أخيه (¬4) الملك المسعود واعتقله في مطمورة بقلعة تدمر وهرب (40 أ) أخوه الآخر، وهو الملك الصالح نور الدين علي، الى الديار المصرية، واتفق الملك المنصور مع الملك الصالح اسماعيل صاحب دمشق وتحالفا على المعاضدة لبعضهم بعضا، وصارت كلمتهم واحدة (¬5). وفيها وصل السلطان الملك الناصر داوود لاستنجاز وعده له بدمشق فحمل اليه الملك الصالح نجم الدين أيوب المال، وهو أربعمائة ألف دينار، فسأله الناصر ان يجرد معه عساكر ليفتح دمشق فماطله السلطان ودافع به. وفيها مات قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن الخليل ابن سعادة بن جعفر بن عيسى ¬
الخويّي (¬1) الشافعي بالمدرسة العادلية (¬2)، ودفن من الغد بقاسيون، وكان مولده سنة اثنتين (¬3) وثمانين وخمسمائة. كان رحمه الله حسن الأخلاق، لطيفا كثير الإنصاف عالما فاضلا في علوم متعددة، محققا عفيفا متواضعا، كثير المداراة محببا الى الناس، وكانت جنازته حفلة وصنف التصانيف المفيدة. قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة (¬4): وكان عندي من تصانيفه عروض فعملت فيه شعرا منه: [الخفيف] أحمد بن الخليل أرشده [الله] (¬5) ... ¦ م ¦ لما أرشد الخليل بن أحمد ذاك مستخرج العروض وهذا ... مظهر السرّ (¬6) منه والعود أحمد وتولى القضاء بعده رفيع الدين الجيلي (¬7). وفيها مات أبو البركات المبارك ابن أبي الفتح، أحمد بن المبارك موهوب بن عنيمة بن غالب اللخمي الملقب شرف الدين (40) ابن المستوفي (¬8) الإربلي. كان رئيسا جليل القدر كثير التواضع، واسع الكرم، لم يصل الى إربل أحد من الفضلاء إلا وبادر الى زيارته وحمل إليه ما يليق بحاله، وتقرب الى قلبه بكل طريق، وخصوصا أرباب الأدب كانت سوقهم لديه نافقة، وكان جم الفضائل عارفا بعدة فنون، منها: الحديث وعلومه وأسماء رجاله وجميع ما يتعلق به، وكان إماما فيه ماهرا في النحو واللغة والعروض والقوافي وعلم البيان وأشعار العرب وأخبارها وأيامها ووقائعها وأمثالها، وكذلك علم الديوان وحسابه وضبط قوانينه على الأوضاع المعتبرة عندهم. جمع لإربل تاريخا (¬9) في أربع (¬10) مجلدات وله كتاب «النظام في شرح ¬
المتنبي وأبي تمام» في عشر (¬1) مجلدات [وكتاب إثبات المحصل في نسبة أبيات المفصل في مجلدين] (¬2) تكلم فيه عن الأبيات التي استشهد بها الزمخشري في المفصّل، وله كتاب «سر الصنعة» وله كتاب سماه «أبا قماش» جمع فيه أدبا كثيرا ونوادر وغير ذلك. قال القاضي شمس الدين ابن خلكان: سمعت منه كثيرا وسمعت بقراءته [على المشايخ الواردين على إربل شيئا] (¬3) كثيرا، وله ديوان شعر أجاد فيه فمن شعره بيتان فضل فيهما البياض على السمرة وهما: [الكامل] لا تخدعنّك سمرة غرّارة ... ما الحسن إلا للبياض وجنسه فالرمح يقتل بعضه من غيره ... والسيف يقتل كلّه من نفسه وقد أخذ هذا المعنى من قول أبي الندى، حسان ابن نمير الكلبي المعروف (41 أ) بعرقلة (¬4) الدمشقي الشاعر: [البسيط] إن كنت بالأسمر الزيتي مفتتنا ... فسل عن الأبيض الفضيّ بلبالي إن كان في الرمح شبر قاتل أبدا ... ففي المهنّد شبر غير قتّال ومن أشعار أبي البركات المذكور قوله: [الكامل] يا ليلة حتى الصباح سهرتها ... قابلت فيها بدرها بأخيه سمح الزمان بها فكانت ليلة ... عذب العتاب بها لمجتذبيه أحييتها وأمتها عن حاسد ... ما همّه إلا الحديث يشيه ومعانقي حلو الشمائل أهيف ... جمعت ملاحة كلّ شيء فيه يختال معتدلا فأن عبث الصبا ... بقوامه متعرّضا يثنيه نشوان تهجم بي عليه صبابتي ... ويردّني ورعي فاستحييه علقت يدي بعذاره وبخدّه ... هذا أقبّله وذا أجنيه ¬
لو لم تخالط زفرتي أنفاسه ... كانت تنمّ بنا الى واشيه حسد الصباح الليل لما ضمّنا ... غيظا ففرق بيننا داعيه وله، وكان يقول عملتها (¬1) في نومي: [المتقارب] وبتنا جميعا وبات الغيور ... يعضّ يديه (¬2) علينا حنق نود غراما لو انّا نباع (¬3) ... سواد الدجى بسواد الحدق وانتقل الى الموصل، واستمر إلى أن مات يوم الأحد لخمس خلون من المحرم سنة سبع (41 ب) وثلاثين، ومولده في نصف شوال أربع وستين وخمسمائة بقلعة إربل، وهو من بيت كبير بها. وفيها مات أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي سعيد بن أبي طالب يحيى بن يحيى بن أبي الحسن علي بن الحجاج بن محمد بن الحجاج، المعروف بابن الدّبيثي (¬4)، الفقيه الشافعي، المؤرخ الواسطي. سمع الحديث كثيرا وعلق التعاليق المفيدة، وكان له محفوظات حسنة كان يوردها ويستعملها في محاوراته، وكان في الحديث وأسماء رجاله والتواريخ من الحفاظ المشهورين، والنبلاء المذكورين. وصنف كتابا وجعله ذيلا على تاريخ أبي سعيد عبد الكريم ابن السمعاني الحافظ المقدم ذكره، المذيل على تاريخ بغداد (¬5)، وذكر فيه ما لم يذكره السمعاني ممن أغفله، وهو في ثلاث (¬6) مجلدات وصنف تاريخا لواسط، وصنف غير ذلك، وذكره ابن المستوفي في تاريخ إربل وقال: ورد علينا في ذي القعدة سنة إحدى عشرة وستمائة، ¬
وهو شيخ حسن، وقال: أنشدني لنفسه (¬1): [الطويل] خبرت بني الأيام طرا فلم أجد ... صديقا صدوقا (¬2) مسعدا في النوائب وأصفيتهم منّي الوداد فقابلوا ... صفاء ودادي بالقذى والشوائب وما اخترت منهم صاحبا وارتضيته ... فأحمدته في فعله والعواقب ولم يزل أبو عبد الله المذكور على اجتهاده وجمعه وتعليقه حتى مات. وكانت ولادته يوم الإثنين سادس عشري رجب الفرد سنة ثمان وخمسين (42 أ) وخمسمائة بواسط ومات يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الآخر من هذه السنة ببغداد، ودفن بالوردية من الغد رحمه الله تعالى، والدّبيثي نسبه الى دبيثا، وهي قرية بنواحي واسط، وأصله من كنجة (¬3) وقدم جده دبيثا وكان قد أحضر في آخر عمره. وفيها مات الفقيه أبو المعالي محمد بن الفقيه أبو الفضل يوسف ابن الفقيه سعيد الدولة أبي محمد عبد المعطي بن منصور بن نجا المخيلي الأصل الإسكندراني المولد والدار المالكي العدل المنعوت بالتاج، كان توجه رسولا الى حمص فمات بها. تصدر بثغر الإسكندرية ودرّس بها وأفتى وتولى الوكالة السلطانية، وتنقل في الخدم بالديار المصرية وكان الكامل قبل خروجه من الديار المصرية ولاه نظر الدواوين، وبقي إلى أيام ولده الملك العادل، ومولده في سلخ ذي القعدة سنة سبع وثمانين وخمسمائة بالاسكندرية. ومخيل بضم الميم وكسر الخاء المعجمة وسكون آخر الحروف بعدها لام، بليدة من أعمال برقة. وفيها مات الشيخ أمين الدين أبو الغنايم، سالم (¬4) ابن الشيخ الإمام الحافظ، محدث الشام بهاء الدين أبي المواهب الحسن بن هبة الله بن محفوظ ابن الحسن بن محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسين بن صصري الربعي التغلبي البلدي (¬5) المحتد، الدمشقي الدار والوفاة والمولد، مولده في جمادى الآخره سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، ومات في ثالب جمادى الآخر منها. ¬
(42 ب) وفيها مات أبو الفتح نصر الله بن أبي الكرم، محمد بن محمد بن عبد الكريم ابن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير (¬1) الجزري، الملقب ضياء الدين، كان مولده بجزيرة ابني عمر في العشرين من شعبان سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، ونشأ بها وانتقل مع والده الى الموصل، واشتغل بها، وحصّل العلوم وحفظ كتاب الله العزيز وكثيرا من الأحاديث النبوية، وطرفا صالحا من النحو واللغة وعلم البيان وشيئا كثيرا من الأشعار. ولما كملت لضياء الدين المذكور الآداب، قصد جناب الملك الناصر صلاح الدين تغمده الله برحمته، وكان يومئذ شابا فاستوزره ولده الملك الأفضل نور الدين علي وحسنت حاله عنده. ولما مات السلطان صلاح الدين واستقل ولده الأفضل بمملكه دمشق، استقل (¬2) ضياء الدين المذكور بالوزارة وردت أمور الناس إليه، وصار الاعتماد في جميع الأحوال عليه. ولما أخذت (¬3) دمشق من الملك الأفضل وانتقل إلى صرخد، كان ضياء الدين المذكور قد أساء العشرة على أهلها وهموا بقتله، فأخرجه الحاجب محاسن [بن عجم] (¬4) مستخفيا في صندوق. ولما قصد الملك العادل الديار المصرية وأخذها (¬5) من ابن أخيه، وتعوض الملك الأفضل البلاد الشرقية وخرج من مصر، لم يخرج ضياء الدين في خدمته لأنه خاف على نفسه من جماعة كانوا يقصدونه، فخرج منها مستترا وله في كيفية خروجه رسالة طويلة، شرح فيها حاله، وهي موجودة في ديوان رسائله، وغاب عن مخدومه (43 أ) الملك الأفضل مدة، ثم أتاه ثم فارقه وأتصل بخدمه أخيه الظاهر صاحب حلب، فلم يطل مقامه عنده، فخرج وعاد الى الموصل فلم يستقم حاله، فورد إربل، فلم يستقم حاله، فسافر الى سنجار ثم عاد الى الموصل واتخذها دار إقامته. ولضياء الدين من التصانيف الدّالة على غزارة فضله كتابه الذي سماه «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» في مجلدين جمع ولم يترك شيئا بفن الكتابة إلا وذكره. وله كتاب «الوشي المرقوم في حل المنظوم» وهو مع الوجازة في غاية الإفادة، وله كتاب «المعاني ¬
المخترعة في صناعة الإنشاء» وهو أيضا في نهاية الحسن، وله ديوان ترسّل في عدّة مجلدات والمختار منه في مجلد [واحد] (¬1)، فمن رسائله رسالة يصف فيها الديار المصرية، وهي طويلة فمن جملتها فصل في صفه نيلها وقت زيادته، وهو من المعاني البديعة وهو: «[وعذب] (¬2) رضابه فضاهى جنى النحل، وأحمر صفيحه فعلمت أنه قد قتل المحل». وهذا المعنى في نهاية الحسن، وله كل معنى بديع في الترسّل. وكان يعارض القاضي الفاضل في رسائله، فإذا أنشأ رسالة أنشأ مثلها، وكان بينهما مكاتبات ومحاربات ولم يكن له في نظمه شيء حسن، وكان كثيرا ما ينشد: [الكامل] قلب كفاه من الصبابة أنّه ... لبّى دعاء الظاعنين وما دعي ومن الظنون الفاسدات توهّمي ... بعد الفراق بقاءه في أضلعي (43 ب) وفيها مات القاضي جمال الدين أبو الحجاج، يوسف ابن القاضي علم الدين اسماعيل بن عبد الجبار بن يوسف بن عبد الجبار بن شبل بن علي الجدامي الصويتي، المقدسي الأصل، المصري المولد والدار، العدل الفاضل البارع، مولده ليلة الأحد العشرين من شهر رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة سمع الحديث وقرأ القرآن المجيد والنحو واللغة وله تصانيف، وقرأ الأدب وقال الشعر وولي ديوان الجيوش مع أخيه ضياء الدين، وكان الملك الكامل يكرّمه وأرسله مع ولده الملك المسعود الى اليمن، فلم يقدر على أخلاق المسعود، وصنف كتابا سماه «البرق اليماني» عارض به البرق الشامي للأصبهاني وذكر فيه أحوال اليمن وما فيها من العجائب وشيئا من تاريخها وما جرى للمسعود فيها. وكانت وفاته ليلة الرابع والعشرين من شهر رمضان المعظم سنة تاريخه. وفيها مات أبو محمد عبد العزيز بن دلف (¬3) بن أبي طالب البغدادي، المقرئ الناسخ الخازن. كان عدلا ثقة له صورة كبيرة. ولي خزانة كتب المستنصرية وغيرها، سمع (¬4) وروى (¬5) رحمه الله تعالى. ¬
وفيها مات أبو بكر عبد الحميد بن عبد الرشيد بن علي بن بنيمان القاضي الشافعي الحداد، سبط الحافظ أبي العلاء الهمذاني، مولده سنة أربع وستين وخمسمائة. سمع وله أربع سنين من جده، وناب في القضاء بالجانب الغربي، وكان صالحا دينا ورعا على طريقة السلف، كثير المحفوظ روى عنه جماعة. (44 أ) وفيها مات الشيخ الإمام العارف المكاشف، نجم الدين أبو المعالي، محمد (¬1) بن سوار بن اسرائيل بن الخضر بن إسرائيل بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسن الشيباني، الفقير الحريري (¬2) الدمشقي، مولده يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة ثلاث وستمائة بدمشق. ومات بها ليلة الأحد رابع عشر ربيع الآخر من هذه السنة وصلي عليه يوم الأحد بجامع دمشق، خارج باب توما داخل قبّة الشيخ رسلان قدس الله روحهما (¬3). وله شعر حسن فمنه في مليح لابس أخضر: [الكامل] ومهفهف الاعطاف معسول اللمى ... فتن الأنام بحسنه وبهائه لم يرض ان سلب القضيب قوامه ... حتى حكى أوراقه بقبائه وله دو بيت: يا محتجبا تصده الاعداء ... عنّي ولقلبي نحوه ايماء هل يمكن أن تحجب عن مكتيب ... تجلوك على ناظره الأشياء وله: [الكامل] (44 ب) عبد العزيز إذا تثنى أو شدا ... فتن القلوب بقامة وغناء يشذو ويثني لينة اعطافه ... طربا فقل للغصن والورقاء وقال دو بيت: يا الطف من سلافة الصهباء ... خلقا وأدق من زلال الماء ¬
جسما واعز من على الغبراء ... قدرا لقد احتكمت في معناء وقال: [الطويل] ونشوان قد اضمرت في السر عتبه ... ويعرض أحيانا فأسكت مبهوتا حشا أذني درا بطيب حديثه ... وصدّ فأجراه من العين ياقوتا وقال: وما صدّعني أنه لي مبغض ... ولا أنّ قتلي في الهوى من مراده ولكن درى انّ البعاد يزيدني ... غراما فأحيا مهجتي ببعاده وقال: [الكامل] ومعشّق غنج اللواحظ قد غدا ... في خده الآس النضير مجعّدا لو لم تكن عيناه كأسي قهوة ... ما كان صفو بياضها متورّدا وقال: [الطويل] وناد منا فيها غزال لحسنه ... جميع ملاح الكائنات عبيد غرير سقت أعطافه خمرة الصبا ... فاعطافه مثل الغصون تميد وقال: [البسيط] (45 أ) وأهيف فترت أجفانه سنة ... وذبّلت منه غصنا وهو أملود فقد تعجبت من سيف لناظره ... إذ صار يجرح قلبي وهو مغمود وقال: [السريع] وأخضر العارض قد زانه ... من وجنتيه وردها الأحمر يرقص كالغصن ثنته الصبا ... وهو بدر طالع مثمر وقال: [الكامل] ديباج خدّك بالعذار مطرز ... وشبيه حسنك في البرايا معجز وبوجهك الورد النضير فورده ... المحمر بالآس الجني مغرّز
ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وستمائة
وقال: [الكامل] يا مخجل الظبي الغرير بحسنه ... ولعطفه عطف القضيب المايس لو لم يكن بستان خدّك كاملا ... ما كان فيه الخال أكبر حارس وله أشياء مليحة وشعر على طريقه القوم رحمه الله تعالى. ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وستمائة فيها كرر الملك الناصر داوود القول على السلطان الملك الصالح بسبب دمشق، فماطله أشهرا، فجعل الناصر يتكلم بالكلام الفاحش والكلام ينقل الى السلطان الملك الصالح، وأن الناصر فرق المال الذي أخذه من السلطان (45 ب) الملك الصالح على الأمراء المصرية. فبلغ السلطان الملك الصالح ذلك، فأخرج (¬1) الناصر داوود من القاهرة، ووكل به جماعة يوصلوه إلى الكرك، وأخرج معه الأمير سيف الدين ابن قليج، فتوجه الناصر داوود الى الكرك، وأقطع بن قليج قلعة عجلون وأعمالها بيسان وأعمالها. وفيها شرع الصالح في تدبير أمور مملكته. وفيها عاد الملك الجواد من سنجار الى خدمة السلطان الملك الصالح، صاحب مصر، فلم يمكّنه من العبور الى الديار المصرية، ورده من الرمل فعاد خايبا، حزينا الى غزّة، وكان بها الملك الناصر داوود، فأظهر له البشاشة والمسرة بقدومه إليه (¬2)، وأمر أن تضرب له خيمة كبيرة وأن يرتب له كلّ ما يحتاج إليه، فضرب له دهليز كما يضرب للملوك. وكان في نفس الناصر من الجواد أمور عظيمة وحقد عظيم، فقصد الناصر قتل الجواد، فعلم بذلك فهرب (¬3) الى دمشق مستجيرا بصاحبها الملك الصالح اسماعيل عمه، فلم يمكّنه من العبور الى ¬
دمشق بل أرسل اليه ذهب كثير، وقماش (¬1) وجرد معه خمسمائة فارس تكون في خدمته، ورسم له أن يجتمع بملوك الفرنج وأن يجعل بينه وبينهم مودّة، وصحبة. عند ذلك توجه الملك الجواد الى الساحل ودخل الى مدينة عكا، واجتمع بمقدم الداوية وبملوك الفرنج، ثم خرجوا جميعا الى قيساريّة (¬2) ورتب الملك الجواد مع الفرنج ما قاله الصالح اسماعيل، وسألهم نجدة له على صاحب مصر وأوعدهم إعادة ما أخذ من السواحل، وعادوا (¬3) الفرنج (46 أ) وخلوا الملك الجواد على قيساريّة، وأعطوه الفرنج مال كثير (¬4). وفيها لما بلغ الصالح نجم الدين أيوب بتوجه الجواد الى عند الفرنج، وما تقرر له معهم، كتب إليه يستميله اليه ويوعده بمواعيد جليلة، وسأله أن يستميل قلب الفرنج إليه. فلما وصلته مكاتبة صاحب مصر، مال إليه وصغا الى قوله واستمال الفرنج إليه، وكتب الى صاحب مصر أخبره بما عمله وأنّه قد مال إليه. فلما وصل كتابه الى صاحب مصر، زادت أفراحه وجهّز رسولا وصحبته مال وقماش الى الملك الجواد، وأنّه بحلف كبراء الفرنج، وسيّر الى ملوك الفرنج أيضا من مفتخرات الديار المصرية. فلما سافر الرسول، ما وثق (¬5) به الملك الصالح، فأرسل الأمير ركن الدين الهيجاوي ومعه جماعة الى عند الملك الجواد بيافا، واجتمع به، وبعد أيام وصل كتاب السلطان الملك الصالح إلى الأمير ركن الدين الهيجاوي بمسك الملك الجواد وتقييده وتجهيزه الى مصر وذلك على حين غفلة منه، فعند ذلك اتفق الهيجاوي مع الجواد أن يرحلوا من يافا وينزلوا على غزّة، فرحلوا جميعا ونزلوا على مدينة غزة. فوصل كتاب السلطان الملك الصالح الى الملك الجواد بمسك الأمير ركن الدين الهيجاوي، فعند ذلك أخبر كل منهما صاحبه بما وصل اليه من المرسوم واتفقا جميعا على مفارقة خدمته، وأن يتوجه الملك الجواد الى الفرنج، فركب ودخل عكّا وأقام بها، والركن الهيجاوي ترك العسكر المصري على غزّة وأشغلهم وأظهر (46 ب) أنه يتوجه الى الصيد وتوجه الى دمشق والتجأ إلى صاحبها الملك الصالح عماد الدين اسماعيل وأقام في خدمته (¬6). ¬
وفيها عاد العسكر المصري من غزة الى مصر. وفيها عزم (¬1) الصالح اسماعيل صاحب دمشق على أخذ الديار المصرية، فكتب الى الفرنج واستمالهم إليه (¬2)، وكتب الى صاحب حمص والى ملك حلب والى سلطان حماه، فحضرت إليه العساكر، وكتب الى الملك الجواد وعتب عليه لمقامه عند الفرنج بعكا، وطالبه أن يخرج إليه بمن معه، فخرج الجواد وحضر الى خدمته. فخرج الصالح اسماعيل من دمشق ونزل على نهر العوجاء (¬3)، فبلغه أنّ الناصر داوود مخيم على البلقاء (¬4)، فما أمكنه التوجه الى مصر وهذا الداهية خلفه، فسار إليه والتقاه وتقاتلا، فانكسر الناصر داوود وهرب الى الكرك، وأسر الأمير شمس الدين سنقر الحلبي وهو من أكابر امراء دولته، ثم رجع صاحب دمشق الى نهر العوجاء وكتب الى الفرنج يطلب منهم نجدة، وأنّه يعطيهم جميع ما فتحه السلطان صلاح الدين. وكان حصل عند الجواد تقلّب خاطر من صاحب دمشق، فكتب الى الفرنج يحذّرهم منه، وأن الكتاب وقع في يد صاحب دمشق، فأحضر الجواد وأوقفه على الكتاب، فاعترف أنّه كتابه، فقبض عليه وقيّده ونقله الى قلعة دمشق، حبسه بها فمات بها، وقيل خنقه بوتر قوس (¬5). وفيها رحل الصالح صاحب دمشق من نهر العوجاء ونزل على تل العجول، أقام به أياما (¬6) ولم يجد فرصة في العبور الى (47 أ) الديار المصرية فرجع (¬7) الى دمشق. ¬
وفيها كانت وقعة (¬1) بين الحلبيين والخوارزمية، وكان صاحب حمص (¬2) مع الخوارزمية، فقصدوا حلب، ونزلوا على وادي (¬3) بزاعة في خمسة (¬4) آلاف فارس، فخرج اليهم عسكر حلب في ألف وخمسمائة فارس، فكسروهم كسرة عظيمة وأخذوا أموالهم ونهبوا أثقالهم وساقوا الى حيلان (¬5)، وقطعوا الماء عن حلب وضايقوهم، ثم عادوا الى منبج (¬6) فنهبوها وقتلوا أهلها، وفضحوا النساء، وعادوا الى حرّان. وكان الملك المنصور صاحب حمص نازلا على شيزر (¬7)، فاستدعاه الحلبيون، فجاء الى حلب ونزل بظاهرها ومعه عسكر حمص وحلب. وفيها سلم الملك الحافظ (¬8) قلعة جعبر (¬9) الى الحلبيين وعوّضوه عزاز (¬10)، وكان قد ضربه الفالج، وكان ولده قد مضى الى الخوارزمية يطلب عسكرا ليحاصره، فخاف، فجاء الى حلب (¬11). وفيها ظهر بالروم رجل تركماني يقال له البابا، وادعى النبوة، وكان يقول: «قولوا لا إله إلا الله البابا ولي الله» واجتمع إليه خلق كثير، فجهز اليه صاحب الروم جيشا، فالتقوا، فقتل بينهم أربعة آلاف رجل وقتل البابا (¬12). ¬
وفيها وصل رسول التتار من ملكهم خاقان (¬1)، الى عند صاحب ميّافارقين، السلطان شهاب الدين غازي ومعه كتاب إليه والى ملوك الإسلام، يأمرهم بالدخول في طاعته، وكان في عنوان الكتاب: «من نائب رب السماء، ماسح وجه الأرض، ملك الشرق والغرب قاقان» (¬2)، وقال لشهاب الدين وقد جعلك سلاح داره (¬3) وأمرك أن تخرب أسوار بلادك (¬4)، فقال له (47 ب) شهاب الدين: أنا من جملة الملوك وبلادي حقيرة بالنسبة الى الروم والشام ومصر، فتوجه إليهم فمهما فعلوه فعلته. وكان هذا الرسول شيخا لطيفا مسلما من أهل أصبهان. وفيها جاء عسكر حلب الى حرّان ومعهم الملك المنصور إبراهيم صاحب حمص، فالتقوا مع الخوارزمية، فانكسروا (¬5) الخوارزمية، وأنكى الحلبيون فيهم قتلا وأسرا، وهرب بركة خان الى الخابور (¬6)، وأخذ المنصور صاحب حمص حرّان، وعصت عليه القلعة. وفيها اختلف عسكر مصر على الملك الصالح نجم الدين أيوب، فقبض على جماعة كثيرة (¬7). وفيها تسلم عسكر الروم. آمد بعد حصار شديد (¬8). وفيها في يوم الأربعاء خامس شعبان، حفر أساس قلعة الجزيرة بمصر تجاه الفسطاط، ¬
وفي آخر الساعة الثالثة من يوم الجمعة سادس عشر شعبان بني فيها، وفي عاشر ذو القعدة شرعوا في هدم الدور (¬1) التي بالجزيرة وتحول الناس منها. ولما كمل بناء القلعة قال في ذلك علي بن سعيد الغماري (¬2) الأندلسي: [الطويل] تأمل لحسن الصالحيّة إذ بدت ... وأبراجها مثل النجوم تلالا [وللقلعة العزاء كالبدر طالعا ... تفرج صدر الماء عنه هلالا (¬3)] ووافى اليها النيل من بعد غاية ... كما زار مشغوف يروم وصالا وعانقها من فرط شوق لحسنها ... فمدّ يمينا نحوها وشمالا [جرى قادما بالسعد فاختطّ حولها ... من السعد أعلاما فزاد دلالا] (¬4) وفيها في شهر ربيع الآخر، رتب السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب (48 أ) نوابا عنه، بدار العدل يجلسون به لإزالة المظالم عن الرعية، فجلس لذلك الافتخار ياقوت الجمالي وشاهدان عدلان، وجماعة من الفقهاء، منهم: الشيخ الإمام السيد الشريف، شمس الدين الأرموي نقيب الأشراف وقاضي العسكر ومدرس الناصرية [بمصر] (¬5) والقاضي فخر الدين ابن السكري، والفقيه عز الدين عباس (¬6)، فصار الناس يهرعون لدار العدل من كل جانب ويتظلمون، وتكشف ظلاماتهم، فاستراح السلطان من وقوف الناس إليه واستمر هذا الأمر (¬7). وفيها في يوم الاثنين تاسع المحرم عزل عن حسبة (¬8) القاهرة عبد المهيمن ووليها شرف الدين محمد بن الفقيه عباس، خطيب القلعة. ¬
وفيها في رابع عشر المحرم، شرع في بناء القنطرة التي على الخليج المجاورة لبستان الخشاب، وهي المعروفة في وقتنا هذا بقنطرة السد (¬1). . وفيها رسم السلطان بتجهيز زردخاناه (¬2)، وشواني (¬3) وحراريق (¬4) الى القلزم (¬5) لقصد ملك اليمن، وجرد جماعة من الأمراء والجند بسبب ذلك في سادس عشر المحرم (¬6). وفيها في يوم السبت تاسع ربيع الآخر وقيل في خامس عشرة ولد للسلطان ولد (¬7). وفيها في خامس رمضان قبض السلطان الملك الصالح على الجماعة الأشرفية، الذين كانوا بالقاهرة، لما بلغه عنهم ما عزموا عليه من الفساد، ونودي في القاهرة من أخفى عنده أحدا من الأشرفية نهب ماله. وغلق أبواب القاهرة ثلاثة أيام، خلا باب زويلة (48 ب) حرصا على مسكهم وخوفا من هروبهم، وقيّد (¬8) من قبض منهم وحبس (¬9). وفيها في خامس رمضان حضرو (¬10) العسكر الذين كانوا قصدوا التوجه الى اليمن، الى القاهرة، خوفا من الأشرفية المقبوضين ومن تابعهم، لأنهم كانوا عزموا على خروجهم من البلد ونهب العسكر الذين بالبركة (¬11) على طريقهم، وبطل سفر العسكر لليمن. ثم وجه ¬
السلطان منهم ثلاثمائة مملوك الى مكة لفتحها والإقامة بها (¬1)، وذلك في آخر شهر رمضان، ووصلوا الى مكة ودخولها في ذي قعدة، وهرب من كان بها من العسكر اليمني. وفيها قبض السلطان الملك الصالح على الأمير عز الدين أيبك الأسمر الأشرفي بالاسكندرية وعلى الخدام الذين وافقوا على قبض أخيه، وهم: جوهر النوبي وشمس الخواص مسرور بدمياط، وعلى شبل الدولة كافور الفائزي بالشّرقيّة، وأحضروا الى القلعة. وقبض أيضا على جماعة من الأتراك ومن الحلقة (¬2) ونفى جماعة. وفيها في سابع عشري ربيع الأول، تولى (¬3) بدر الدين باخل الاسكندرية، وكان حينئذ واليا بمصر. وفيها وفي ربيع الأول وردت الأخبار بأن الملك الصالح اسماعيل صاحب دمشق، صالح الفرنج وسلم اليهم الشقيف (¬4) وكان بيده، ونائبه فيه الحاج موسى، وكان أولا مشارفا على مطبخه. فلما أرسل اليه يأمره بتسليم الحصن امتنع وقال: والله لا أسلمته للفرنج، فأدّى الحال الى أن خرج اليه الصالح من دمشق وحاصره، وتسلم الحصن وقتل الحاج موسى وأخذ أمواله. وفيها (49 أ) وردت الأخبار بأنّ الناصر داوود ابن المعظم عيسى صاحب الكرك قد اصطلح وتحالف هو والصالح اسماعيل صاحب دمشق واتفقا مع الفرنج، وذلك أنّ الصالح إسماعيل خاف على نفسه من الملك الصالح نجم الدين أيوب، فكاتب الفرنج واستنصر بهم واتفق معهم على معاضدته، وأعطاهم قلعة صفد وبلادها، وقلعة الشقيف وبلادها، ومناصفة صيدا وطبرية وأعمالها، وجبل عاملة، وجميع بلاد الساحل (¬5)، ومكنهم من دخول دمشق لابتياع السلاح. فشق ذلك على المسلمين، واستفتى المتدينون ممن يبيع السلاح، ¬
الشيخ عز الدين ابن عبد السلام في مبايعة الفرنج السلاح، فأفتاهم أنه يحرّم عليهم بيعه للفرنج. وتوقف عن الدعاء للملك الصالح اسماعيل على المنابر بعد الخطبة الثانية، وعوض الدعاء له بهذا الدعاء: «اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشيدا (¬1) يعز فيه أولياءك (¬2) ويذل فيه عدوك (¬3)، ويعمل فيه بطاعتك، وينهى فيه عن معصيتك»، والناس يصيحون بالتأمين والدعاء للمسلمين. وكان الصالح اسماعيل غائبا عن دمشق، فكوتب بذلك، فورد كتابه بعزل الشيخ عز الدين واعتقاله واعتقال الشيخ أبي عمرو بن الحاجب (¬4) أيضا لموافقته الشيخ على الإنكار. ثم وصل الصالح اسماعيل بعد ذلك الى دمشق فأفرج عنهما، واشترط على الشيخ عز الدين أنّه لا يفتى ويلزم بيته ولا يجتمع بأحد، فسأله الشيخ أن يفسح له في صلاة الجمعة والاجتماع بطبيب أو مزيّن دعت الحاجة اليهما وفي دخول الحمام، فأذن له (49 ب) في ذلك، ثم انتزح الشيخان عز الدين وأبو عمرو عن دمشق الى الديار المصرية (¬5) على ما نذكره، إن شاء الله تعالى، وولي مكان الشيخ عز الدين ابن خطيب بيت الآبار (¬6). وفيها في ليلة الخامس والعشرين من المحرم، نزل خمس نفر من الحرامية ليلا الى مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها، وأخذوا منه ست (¬7) عشرة قنديل فضة، وكان نزولهم من الطاقات الزجاج. فظهروا (¬8) الحرامية المذكورين (¬9) من الفيّوم (¬10)، فأحضروهم الى مصر في رابع صفر وصحبتهم القناديل، فاعترف أحدهم بأنه هو الذي نزل وأخذ القناديل وأبرأ الباقين، فشنق على خشبة في عاشر صفر قبالة المشهد، وأقام مدة متطاولة وعملت جثته في فرد (¬11) حتى صار عظاما. ¬
[الوفيات]
وفيها رحل الصالح اسماعيل ومعه عساكر الفرنج لقصد الديار المصرية، فجرد السلطان الملك الصالح العساكر والتقاهم، فلما وقعت العين على العين ساقوا العساكر الشامية الى عند العساكر المصرية وعادوا يدا واحدة على الفرنج، فكسروهم ونصر الله المسلمين، وأسر من الفرنج خلق لا يحصون، فكان عمارة المدرسة التي أنشأها الملك الصالح نجم الدين بين القصرين وقلعة الروضة على رقاب أسراء الفرنج. [الوفيات] وفيها مات القاضي نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد خلف بن راجح المقدسي الشافعي المعروف بابن الحنبلي (¬1) بدمشق في يوم الجمعة سادس شوال، ودفن بقاسيون. وكان شيخا فاضلا (50 أ) دينا، بارعا في علم الخلاف والفقه، حافظا للجمع بين الصحيحين [للحميدي] (¬2) وكانت له رحلة لطلب العلم الى خراسان والعراق، وكان متواضعا حسن الأخلاق. وتولى قضاء دمشق نيابة عن يونس ابن بدران (¬3) المصري، الملقب جمال الدين وعن القاضي شمس الدين الخويّي (¬4) وعماد الدين ابن الحرستاني (¬5) وشمس الدين ابن سني الدولة (¬6) والرفيع (¬7) الى أن مات، ودرس بالعذراوية (¬8) والصارمية (¬9) والحسامية (¬10) ¬
والصالحية (¬1) رحمه الله تعالى. وفيها مات الشيخ العالم العارف المحقق، محيي الدين أبو عبد الله محمد بن علي العربي الحاتمي الطائي المعروف بابن العربي (¬2) الأندلسي. مولده ليلة الاثنين تاسع عشر رمضان سنة ستين وخمسمائة بمرسية من بلاد الأندلس، ونشأ بها وانتقل الى أشبيلية في سن ثمان وسبعين (¬3) ثم دخل بلاد الشرق وطاف بلاد الشام ودخل بلاد الروم. وكان قد صحب الصوفية وأرباب القلوب وسلك طريق الفقر وحج وجاور، وصنف الكتب الكثيرة في علم القوم وأخبار مشايخ المغرب وزهّادها، قالوا ولما صنف كتاب الفتوحات المكية كان يكتب في كل يوم كرّاسين وثلاثة من غير كتب عنده ولا مسودات. وكان له القبول من الناس حيث كان من البلاد، وحصل له بدمشق الفتوحات والدنيا المتسعة، ومع ذلك فما كان يدخر منها شيئا، وذكر أنّ صاحب حمص رتب له في كل يوم مائة درهم، فكان يتصدق بها، (50 ب) ورتب له محيي الدين ابن الزكي ثلاثين درهما في كل يوم فكان ينفقها عليه. وأشغل الناس بمصنفاته خصوصا أهل اليمن، ولها عندهم الصيت العظيم والشهرة الكبيرة ولعل أكثر اشتغالهم بها فيما ذكروا، وكذلك أهل الروم، وينذرون له النذور، وكان من عجائب الزمان وغرائبه. وله نظم كثير فمن ذلك قوله: [مجزوء الرجز] حقيقتي همت بها ... وما رآها بصري ولو رآها لغدا ... قتيل ذاك الحور فعندما أبصرتها ... صرت بحكم النظر فبتّ مسحورا بها ... أهيم حتى السحر يا حذري من حذري ... لو كان يغني حذري (¬4) والله ما هيّمني ... جمال ذاك الخفر يا حسنها من ظبيبة ... ترمي بذات الجمر ¬
إذا رنت أو عطفت ... تسبي عقول البشر كأنما أنفاسها ... أعراف مسك عطر كأنها (¬1) شمس الضحى ... في النور أو كالقمر إن سفرت (¬2) أبرزها ... نور صباح مسفر أو (¬3) سدلت غيّبها ... سواد ذاك الشعر (51 أ) يا قمري تحت دجى (¬4) ... خذي فؤادي أو ذري عيني لكي أبصركم ... ان كان حظي نظري وقال أيضا: [الطويل] علقت بمن أهواه عشرين حجة ... ولم أدر من أهوى ولم أبصر الصبرا وما نظرت عيني الى حسن وجهها ... ولا سمعت أذناي قطّ لها ذكرا الى أن ترآاء البرق من جانب الحمى ... فنعّمني يوما وعذّبني شهرا وقال أيضا: [البحر الطويل] علقت من أهواه من حيث لا أدري ... ولم أدر من هذا الذي ظلّ لا يدري فبينا أنا من بعد عشرين حجة ... أترجم عن حبّ تعاسة (¬5) سرّي ولم أدر من أهوى ولم أعرف اسمه ... ولا أدر من هذا الذي ضمّه صدري الى أن بدا لي وجهها وجمالها ... كمثل سحاب الليل أسفر عن بدر فقلت لهم من هذه قيل هذه ... بثينة عين القلب بنت أخي الصّدر فكبّرت إجلالا لها ولأصلها ... فليلي بها أربي على ليلة القدر ومن لطائف ما حكى عنه الشيخ كمال الدين ابن العديم رحمه الله، قال: أخبرني أبو عبد الله بن العربي، وذكر نسبه، قال: كنت أطوف بالليل فطاف قلبي وهو في حال كنت أعرفه فخرجت من البلاط لأجل الناس، وطفت على الرمل وذلك في الليل، فحضرتني أبيات فأنشدتها أسمع بها نفسي ومن يليني لو كان هناك أحد (51 ب): [مجزوء الرمل] ¬
ليت شعري هل دروا ... أيّ قلب ملكوا وفؤادي لو درى ... أيّ شعب سلكوا أتراهم سلموا ... أم تراهم هلكوا حار أرباب الهوى ... في الهوى وارتبكوا فلم أشعر إلا وضربة بين كتفي بكف ألين من الحرير، فالتفت، فإذا أنا بجارية من بنات الروم لم أر وجها أحسن منها ولا أعذب منطقا ولا أرق حاشية، ولا ألطف معنى، ولا أرق إشارة، ولا ألطف محاورة منها، قد فاقت أهل زمانها ظرفا وأدبا وجمالا ومعرفة، فقالت: يا سيدي كيف قلت؟ فقلت: ليت شعري هل دروا ... أي قلب ملكوا فقالت: عجبا منك وأنت عارف زمانك تقول مثل هذا، أليس كل مملوك معروف (¬1). وهل يصبح الملك إلا بعد المعرفة، وتمني السعود يؤذن بصدمها، والطريق لسان صدق، فكيف تتجاوز مثلك، قل يا سيدي ماذا بعده، فقلت: وفؤادي لو درى ... أي شعب سلكوا فقالت: يا سيدي، الشعب الذي بين الشغاف والفؤاد وهو المانع له من المعرفة، فكيف يتمنى مثلك ما لم يتمكن أو يمكن الوصول إليه، والطريق لسان صدق. قل ما بعده يا سيدي فقلت: أتراهم سلموا ... أم تراهم هلكوا (52 أ) قالت: أما هم فسلموا ولكن عنك ينبغي أن تسل نفسك، هل سلمت أو هلكت؟ فما قلت بعده، فقلت: حار أرباب الهوى ... في الهوى وارتبكوا ¬
فصاحت، وقالت: واعجبا، كيف يبقى للمعشوق (¬1) فضلة يحار بها واللهو شأنه التنغيم يخدّر الحواس ويذهب العقول ويدهش الخواطر ويذهب بصاحبه في الذاهبين، فأين الحيرة هنا والطريق لسان صدق، والتجوز من مثلك غير لائق، قلت: يا ابنة الخالة ما اسمك؟ قالت قرة العين، فقلت: [سلمت] (¬2) لي ثم سلمت وانصرفت، قال: ثم أني عرفتها بعد ذلك وعاشرتها، فرأيت لها من لطائف المعارف ما لا يصفه واصف. وكان الشيخ محيي الدين من محاسن الزمان، ومن تصانيفه: «الفتوحات المكية»، عشرون مجلدة، و «التدبيرات الإلهية» و «فصوص الحكم» و «الإسراء الى المقام الأسرى»، و «خلع النعلين» والاجوبة المسكتة [عن سؤالات الحكيم الترمذي] (¬3). و «منزل المنازل [الفهوانية]» (¬4) و «تاج الرسائل ومناهج (¬5) الوسائل» و «كتاب العظمة»، و «كتاب السبعة» (¬6) و «كتاب التجليات» و «مفاتيح الغيب» و «العبادات» و «الخلوة» و «كتاب الشأن» و «كتاب مقام القربة» و «كتاب الحق» و «كتاب الأزل»، و «كتاب الجلالة» و «كتاب النقباء» و «كتاب حضرة الحضرات»، و «كتاب علوم الوهب»، وكتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام»، وكتاب القرآن في عالم الانسان: وكتاب عنقاء مغرب [في ختم الأولياء وشمس المغرب] (¬7) و «كتاب الهو». وغير ذلك، وقد عظمه الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني (¬8) في مصنفه الذي عمله في الكلام (¬9). ومن شعره أيضا: إذا حلّ ذكركم خاطري ... فرشت خدودي مكان التراب واقعدني الذل في بابكم ... قعود الأساري لضرب الرقاب ¬
(52 ب) وكانت وفاته بدمشق في الثامن والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة، ودفن بقاسيون رحمه الله تعالى. وفيها مات الملك المظفر تقي الدين عمر، ابن الملك الامجد صاحب بعلبك، بأرض نوى، وحمل الى دمشق ودفن بترتبته (¬1). وفيها مات أبو العز يوسف (¬2) ابن أبي الفضل ابن أبي السعود الإربلي، المعروف بشيطان الشام، بالموصل في سادس [عشر] (¬3) رمضان، ومولده بإربل سنة ست وثمانين وخمسمائة، ومن شعره ما رثى به أبو (¬4) البركات الإربلي (¬5): [الوافر] أبا (¬6) البركات لو درت المنايا ... بأنك فرد عصرك لم تصبكا كفى الإسلام رزأ فقد شخص ... عليه بأعين الثقلين يبكى وفيها في ليلة الثاني من جمادي الأول، مات بمصر القاضي الفقيه الأديب، الفاضل برهان الدين أبو اسحاق إبراهيم (¬7)، ابن القاضي زكي الدين أبي الفتح نصر بن ظافر بن هلال الشافعي الحموي الأصل، المصري الدار والمولد. مولده سنة إحدى أو اثنين وسبعين وخمسمائة. أجاز له الحافظ ابن الجوزي البغدادي وغيره من الشاميين، وله الترسل الحسن، والشعر الجيد. ولي ديوان الأحباس مرة وغيره من الولايات، وكان متصلا هو ووالده بالملك الكامل، وأخذ الكامل جارية من جواري والده واستولدها الملك العادل، فلأجل ذلك مسكه الملك الصالح واعتقله وسلمه لشمايل، وكان (53 أ) لقب شمايل هذا علم الدين، وكان بينهما عداوة فسقاه الملح وغيره الى أن مات، فعظم قتله على الصالح. وله شعر فمنه في الهدية: [الكامل] ¬
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وستمائة
أهدي لمجلسه المكرّم دائما ... أهدي له ما حزت من نعمائه كالبحر تمطره السحاب وما له ... فضل عليه لأنه من مائه وله: [المجتث] لا تحسبن أنّ غيظي ... يذكيه شين وحقد فالله أخبر عني ... بأنّ ناري برد ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وستمائة شرع الملك الصالح نجم الدين أيوب في عمارة المدارس (¬1) التي بين القصرين بالقاهرة، والمكان الذي عمّرها فيه من جملة القصر. وفيها بلغ القمح الأردبّ (¬2) بدينارين ونصف. وفيها في يوم الأحد تاسع عشري (¬3) ربيع الأول، قريب العصر، كسفت (¬4) الشمس في جميع جرمها، وأظلم الجو، وظهرت الكواكب، وأوقد السرج [في النهار] (¬5). وفيها في ثالث عشري ذو القعدة تولى القضاء بالقاهرة والوجه البحري، القاضي بدر الدين السنجاري (¬6)، وذلك بعد وفاة القاضي شرف الدين ابن عين الدولة. وفيها قدم الشيخ عز الدين ابن عبد السلام الشافعي الى الديار المصرية وحصل له من ¬
الصالح أيوب القبول العظيم، لأن الصالح اسماعيل قد نفاه من دمشق. (53 ب) فلما قدم على الصالح نجم الدين أيوب ولاّه الخطابة (¬1) بمصر والقضاء بها بالوجه القبلي. وكانت ولايته يوم عرفة ثم عزل نفسه مرتين وانقطع في بيته حتى مات (¬2). وفيها أصرف قاضي القضاة شرف الدين ابن عين الدولة عن القضاء بمصر والوجه القبلي، وذلك في يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر، كتب الملك الصالح اليه كتابا من جملته: «إن القاهرة المحروسة لما كانت دار الملك وأمراء الدولة وأجنادها مقيمون بها، وحاكمها مختص بحضور دار العدل، تقدمنا أن يتوفر القاضي على القاهرة وعملها لا غير» (¬3). وفوّض السلطان قضاء القضاة بمصر والوجه القبلي للقاضي بدر الدين أبي المحاسن يوسف السنجاري، قاضي سنجار (¬4)، ثم مرض القاضي شرف الدين المذكور في أثر ذلك ومات في هذه السنة، وهو شرف الدين أبو المكارم محمد (¬5) بن عين الدولة أبي الحسن عبد الله بن القاضي الرشيد أبو المجد الحسن بن علي بن صدقة بن حفص، الصفراوي الأصل الشافعي المذهب الإسكندراني المولد، المصري الدار. كانت وفاته يوم الخميس تاسع ذي القعدة، ودفن من يومه بسفح المقطّم، ومولده يوم السبت مستهل جمادي الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. كان فاضلا، عالما، ذا أدب وكيس ونوادر، وذو (¬6) يد مطبوعة، وكان مع ذلك ما يحكم إلا بما يقتضيه الشرع الشريف، ولا يراعي أحدا في الحق، حتى كان السلطان الملك الكامل وأكابر الأمراء يشفعوا (¬7) عنده ويسألوه (¬8) في أمور لا تسوغ (54 أ) فما يوافقهم وينهرهم ومتى غصبوه بأمر يخرج عن الشرع الشريف يعزل نفسه حتى يسألوه على الولاية ويطلبوا رضاه بكل وجه. وله نظم يدل على قوة فهمه وغزارة فضله فمن ذلك وقد سأله ¬
السلطان الملك الكامل عن شيء فجاوبه بغيره لقلة سمعه، فقال له الصلاح الإربلي: السلطان يقول لك كيت وكيت، وفهّمه الكلام، فأنشد هذه الأبيات: [البسيط] يا سائلي عن قوى جسمي وما فعلت ... فيه السنون خذ التحقيق (¬1) تبيينا ثاء (¬2) الثلاثون أدركت (¬3) الفتور (¬4) بها ... فكيف حالي في ثاء الثمانينا يا رب (¬5) لطفا (¬6) بشيخ مدنف (¬7) هرم ... أسير ضعف أعنه رب آمينا وركب يوما لتلقي السلطان الملك الكامل، فلما سلم عليه قال له السلطان: يا قاضي سلم على السلطان الملك الناصر، فسلم عليه وقال: [البسيط] وكثره النور يغشى ناظر المقل فأعجب به لسرعة اعتذاره ولطف جوابه. وأرسل اليه بعض الأمراء رسالة في حق شخص يسمى موسى بأن يسمع كلامه ويستشهده فقال: سلّم على الأمير وقل له هذا زمان محمد لا موسى ولا عيسى، وكان الملك الكامل اسمه محمد. قال رحمه الله دخلت مصر في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وناب في الحكم عن قاضي القضاة ابن أبي عصرون وعن قاضي القضاة زين الدين علي بن يوسف الدمشقي وعن قاضي القضاة عماد الدين عبد الرحمن بن عبد العلي (¬8) الشافعي (54 ب) ثم استقل بالحكم بالقاهرة والوجه البحري في سنة ثلاث عشر وستمائة وفي سنة سبع عشرة تولى القضاء بجميع الديار المصرية وأضيف اليه أيضا بلاد من البلاد الشامية، وكان عارفا بالأحكام، مطّلعا على غوامضها، وكتب الخط الجيد، وله النظم والنشر ويحفظ من شعر المتقدمين والمتأخرين جملة. ¬
[الوفيات]
[الوفيات] وفيها مات أبو عبد الله أحمد بن الحسين بن أحمد بن معالي ابن منصور بن علي الضرير النحوي، عرف بابن الخبّاز (¬1) الموصلي، علاّمة أهل زمانه في النحو واللغة والعروض والحساب، وله المصنفات المفيدة العديدة، وله الأشعار الرائقة الفائقة فمنها قوله: [الكامل]: سقت الغصون الراح من حركاتها ... وتعلّم الملكان من لحظاتها ونضت عن الوجه النقاب فأشرقت ... شمس الضحى والبدر من قسماتها سمراء يحمي بالملاحة طرفها ... كسنانها وقوامها كقناتها سمراء لو أنصفتها في وصفها ... لحكمت أن الحسن بعض صفاتها وعدت فهام المستهام لخلفها ... وحياته انجازه وحياتها وكفاه ضرّا أنّه في بعدها ... لم يخل من رقبائها ووشاتها فأسرّ شكوى حاله متخوفا ... منهم وأخفت نفسه خطراتها يا من غرست لها المودة في الحشى ... وسقيتها من أدمعي لبناتها ثمر المودة أينعت من سقيها ... فإلى متى لا أجتني ثمراتها (55 أ) لا تحسبي طول النوى ينسي الهوى ... حتى تردّ النفس عن صبواتها حكم السّقام وقد هجرت فجار في ... أحكامه ورضاك في إثباتها وله غير ذلك من الأشعار الفائقة، وكانت وفاته في الموصل عاشر رجب من هذه السنة. وفيها مات الشيخ الإمام، العالم كمال الدين أبو الفتح موسى (¬2) بن أبي الفضل يونس بن محمد بن منعة بن مالك، فقيه الموصل ومفتيها. له المصنفات العديدة المفيدة منها: «شرح التنبيه» للشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وله مصنف في الفرائض وغيره، وله أشعار ¬
لطيفة. وكانت وفاته بمدينة الموصل في النصف من شعبان. وفيها مات أمير المؤمنين المستنصر بالله، أبو جعفر (¬1) عبد الله بن محمد، في الثاني والعشرين من شهر جمادي الآخرة من هذه السنة (¬2)، وقيل من سنة ثمان والله أعلم. وكان مدة خلافته خمس (¬3) عشرة سنة وأحد عشر شهرا وخمسة أيام على فراسة ببغداد. وكان ملكا حازما، جيد السياسة، كثير العدل والإحسان، وكانت الرعيّة تحبه لعدله. وفي أيام خلافته قصدوا (¬4) عساكر التتار بغداد، فاستخدم العساكر وكسرهم وأفنى منهم خلقا، ومات وعمره إحدى وخمسون سنة وأربعة أشهر وسبعة أيام. عمّر المدرسة المستنصرية ووقفها على المذاهب الأربعة، وليس في الدنيا مثل هذه المدرسة ولا بني مثلها في سالف الأعوام وهي في العراق كجامع دمشق. (55 ب) خلافة المستعصم بالله عبد الله بن الخليفة المستنصر بالله وكنيته أبو أحمد (¬5) وهو السابع والثلاثون من الخلفاء العباسيين، بويع بالخلافة في التاريخ المذكور. وفيها مات صاحب المغرب الرشيد بالله عبد الواحد (¬6) ابن السلطان المأمون أبي العلاء ادريس بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن صاحب المغرب وأمير المؤمنين به. ولي الأمر سنة ثلاثين وستمائة بعد أبيه، وكان أبوه قد قطع خطبة المهدي ابن تومرت (¬7) فأعاد الرشيد ذكرها ¬
ثم دخلت سنة أربعين وستمائة
واستمال بها قلوب جماعة، وبقي كذلك إلى أن مات غريقا في بحيرة ببستانه بمراكش، وكان قد عمل في البحيرة مركبا تقذف به جواريه فانقلب بهن فغرقوا وذلك في سنة أربعين وستمائة (¬1)، وكتموا موته شهرا، وولي بعده أخوه السعيد علي بن ادريس، وقد تقدم ذكر والده وسيأتي ذكر أخيه علي السعيد. ثم دخلت سنة أربعين وستمائة فيها استولى صاحب الروم (¬2) على آمد وبلادها. وفيها غارت الخوارزمية على أعمال الرّها وحرّان وأخربوا وقتلوا خلق كثير ونهبوا مال عظيم (¬3). وفيها قام بتدبير المملكة الحلبية شمس الدين لؤلؤ أتابك الملك الناصر صاحب حلب بحكم وفاة صاحبة حلب ابنة الملك العادل الآتي ذكر وفاتها. وفيها وصل لشهاب الدين غازي منشور بخلاط وأعمالها مع شمس الدين [الأصبهاني] (¬4) نائب الروم (¬5)، فتسلم غازي خلاط وما معها. [الوفيات] وفيها (56 أ) ماتت الست ضيفة (¬6) خاتون بنت السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب، زوجة الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين صاحب حلب. كانت امرأة حازمة كثيرة التدبير، دبرت الملك بعد زوجها الملك الظاهر في مدة حياة ولدها العزيز، ثم دبرت الملك بعد وفاة ولدها في مدة حياة ولد ولدها الملك الناصر ابن العزيز، ولما قربت وفاتها أوصت الى الأمير شمس الدين لؤلؤ أتابكة، فدبر الملك أحسن تدبير وعدل في الرعية، وكان ¬
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وستمائة
يجلس الملك الناصر على طراحة الملك ويجلس لؤلؤ بين يديه ويقضي حوائج الناس. ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وستمائة فيها قصد السلطان الملك المظفر [شهاب الدين غازي] (¬1) صاحب ميافارقين المجيء إلى حلب وأخذها، ووافقه صاحب ماردين على ذلك، وكتب الى ملوك الخوارزمية الذين تقدم ذكرهم، وأطمعهم بالأموال وأخذ البلاد، فاجتمعوا إليه في عشرين ألف فارس، وجمع من التركمان ثلاثين ألف فارس وسار بهم، فخرج اليهم عسكر حلب ومقدمهم الملك المنصور صاحب حمص والتقوا [في الخابور] (¬2) وتقاتلوا قتل شديد (¬3)، فانهزم الملك المظفر صاحب ميافارقين والخوارزمية والتركمان، واستولوا الحلبيين (¬4) على أموالهم. وفيها جاءت الزيادة الكبرى (¬5) بدمشق التي ما عهد مثلها، فوصلت الى حائط جامع العقيبة (¬6). وفيها (56 ب) أخذوا (¬7) التتار سيواس (¬8) وقيساريّة (¬9) بالسيف وأخذوا الروم وقرروا على صاحبها في كل سنة أربعمائة (¬10) ألف دينار. وفيها ترددت الرسل بين السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب وعمه الصالح ¬
اسماعيل في الصلح، وقدم الشرف ابن التيتي (¬1) والأصيل الاسعردي الخطيب، واطلق المغيث ابن الصالح وركب وخطب للصالح نجم الدين أيوب بدمشق، ولم يبق إلا أن يتوجه المغيث الى مصر، ورضي الصالح أيوب ببقاء دمشق على الصالح اسماعيل بعد أن سلّم اليه ولده المغيث عمر، فأفسد السامري وزير الصالح اسماعيل الحال (¬2) وقال للصالح اسماعيل هذا خاتم سليمان ولا تخرجه من يدك، فتقدم الملك، فتوقف الأمر ولم ينتظم الصلح، ومنع المغيث من الركوب وحبس في برج بالقلعة وفسدت الأحوال، فكتب الصالح أيوب الى الخوارزمية فعبروا الفرات وانقسموا قسمين، قسم جاء الى بقاع بعلبك وقسم على غوطة دمشق، ونهبوا وسبوا وقتلوا، وسد الصالح اسماعيل أبواب دمشق وجاء (¬3) الخوارزمية فنزلوا غزة. قال أبو المظفر (¬4) كنت في سنة إحدى وأربعين بمصر عند الصالح أيوب فاستأذنته في السفر الى الاسكندرية، فأذن لي، فقدمت الاسكندرية فوجدتها كما قال الله ذات قرار ومعين، معمورة بالعلماء، معمورة بالأولياء [الذين هم في الدنيا شامة] (¬5) مثل الشيخ محمد القباري، والشاطبي، وابن أبي شامة، ووجدتها [أولى] (¬6) بقول ابن القيسراني (¬7) رحمه الله في [وصف] (¬8) دمشق، حيث يقول: [البسيط] (57 أ) أرض تحلّ الأماني من أماكنها ... بحيث تجتمع الدنيا وتفترق إذا شدا الطير في أغصانها وقفت ... على حدائقها الأسماع والحدق ¬
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وستمائة
وفيها في يوم الجمعة بعد الصلاة، صبيحة عيد الأضحى قبض على أعوان القاضي الرفيع الجيلي الظلمة، وكان كبيرهم الموفق حسين بن عمر بن عبد الجبار الواسطي (¬1)، ثم بعد أيام قبض عليه، وصارت (¬2) أعوانه في العذاب والعصير والمصادرات الى سنة اثنتين وأربعين، الى أن خنق الرفيع وسيأتي ذكر ذلك في مكانه. وفيها في ثاني شوال يوم الأحد زلزلت الأرض ثلاث مرات ببغداد (¬3)، فنظموا الشعر في ذلك كثير، فمن شعر الأمير ركن الدين ابن قراطاي قوله: [الطويل] أيا حامي الإسلام والمالك الذي ... محبته فينا من الواجب الفرض هنيئا لك الجيش الذي رمت عرضه ... فزلزلت الدنيا به ليلة العرض وكنت ترى في كورة الأرض رعبه ... وقد زلزلت من خوفه كرة الأرض وفيها في يوم عيد النحر ولي السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب القاضي أفضل الدين الخونجي (¬4) الحكم بمصر والوجه القبلي، وذلك بعد عزل القاضي صدر الدين موهوب الجزري (¬5). ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وستمائة وفيها كانت الوقعة العظيمة بين الخوارزمية والفرنج، وذلك لما نزل الخوارزمية غزة، (57 ب) بعث اليهم الصالح أيوب الأموال والخلع والخيل والقماش والعساكر، وأمرهم بالنزول على دمشق. فاتفق الصالح اسماعيل والناصر داوود والمنصور صاحب حمص مع ¬
الفرنج على الخوارزمية وعسكر مصر. وكان الصالح اسماعيل قد أعطى للفرنج الشقيف (¬1) من بلاد المسلمين وصفد وكانت خرابا، فخرج اسماعيل من دمشق ونزل الشقيف [وسلمه إليهم بنفسه] (¬2) وجهّز الناصر داوود عساكره من نابلس مع الظهير بن سنقر الحلبي والوزيري. قال أبو المظفر (¬3): وكنت يومئذ بالقدس [والناصر بالكرك] (¬4) واجتمعوا بأسرهم على يافا والخوارزمية وعسكر مصر على غزة. وصار (¬5) عسكر دمشق تحت أعلام الفرنج، وعلى رؤوسهم الصلبان والقسوس في الاطلاب يصلّبون على المسلمين وبأيديهم كاسات الخمر [يسقونهم] (¬6). وساقوا الخوارزمية وعسكر مصر والتقوا على مكان يقال له أريحا (¬7) بين عسقلان (¬8) وغزة، وكانت الفرنج في الميمنة وعسكر الملك الناصر في الميسرة وابن صاحب حمص في القلب، وكان يوما عظيما لم يجر في الإسلام مثله، فأول ما كسرت الميسرة وهرب الوزيري و [أسر] (¬9) الظهير بن سنقر الحلبي وجرح في عينه، وأخذ جميع ما له وأصبح فقيرا، وانهزم ابن صاحب حمص ومالت الميمنة بالفرنج فرأوا القلب والميسرة قد انكسروا وأحاطت بهم الخوارزمية. وكان عسكر مصر قد انهزموا الى قريب العريش ورموا كوساتهم (¬10) وأثقالهم وثبتت الخوارزمية وحصدوا الفرنج حصدا وأسروا (58 أ) منهم ثمان مائة أسير ووصلوا الأسارى الى مصر والظهير معهم وعلقت الرؤوس على أبواب القاهرة وامتلأت الحبوس من الأسرى (¬11). ¬
وجهز الصالح أيوب معين الدين بن الشيخ (¬1) لحصار دمشق وأقامه مقام نفسه، وأمره أن يقعد على رأس السماط وفي الركوب، وأن يقف الطواشي شهاب الدين رشيد في خدمته استادار، وأن يقف أمير جاندار (¬2) والحجاب في خدمته على السماط وفي الركوب. وكتب الى ملوك الخوارزمية أن يسيروا جميعا في خدمته (¬3)، فسارت العساكر الى دمشق وحاصروها حصار شديد (¬4)، ثم أنّ الصلح وقع على أنّ يسلموا مدينة دمشق والقلعة للصاحب معين الدين على شرط أن يمكنهم من الخروج ولا يتعرض أحد اليهم ولا لشيء من أموالهم، وأن يكون للملك الصالح اسماعيل ما كان له أولا وهي: بعلبك وأعمالها وبصرى وأعمالها [وبلاد السواد جميعه وللملك المنصور مملكته وهي حمص] (¬5)، وتدمر وأعمالها والرحبة وأعمالها (¬6). فوقع الاتفاق على ذلك وحلف الصاحب معين الدين ابن الشيخ، ومنعوا الخوارزمية من العبور الى دمشق، وتوجه الصالح والمنصور كل منهم إلى أعماله. وفيها ولي وزارة العراق، بعد ابن الناقد (¬7)، الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي (¬8) الرافضي. وفيها جاء ابن الجوزي (¬9) ومعه خلعة للسلطان نجم الدين أيوب، وهي عمامة سوداء وفرجية (¬10) مذهّبة، وثوبان ذهب وسيف مسقط بذهب وعلمان [حرير] (¬11)، وحصان وترس ذهبية (¬12). ¬
وفيها عزل القاضي الرفيع [الجيلي] (¬1) عن مدارسه، وكان ذلك (58 ب) في أواخر السنة الماضية، وسبب عزله وقتله، الوزير السامري (¬2)، فإن الرفيع كتب الى الصالح اسماعيل: «قد حملت الى خزانتك ألف ألف دينار من أموال الناس»، فقال السلطان «ولا ألف ألف درهم»، وأوقف السامري على ورقة الرفيع، وكان الله تعالى قد سخر الصالح اسماعيل للسامري فلو قال له مت لقال لداعي الموت أهلا ومرحبا ليكون سببا لهلاكه ودماره، فأنكر السامري، فقال الرفيع أنا أقابله، فقال السامري للصالح اسماعيل هذا الرفيع قد أكل البلاد وأقام علينا الشناعات والمصلحة عزله ليتحقق الناس أنك ما أمرته بهذه الأشياء، فعزل عن القضاء أول السنة، وأخذت مدارسه وفوّض أمرها الى الشيخ تقي الدين ابن الصلاح (¬3) وأعطى العادلية للقاضي كمال الدين عمر ابن بندار التفليسي (¬4) صهر الخوئي، والشامية [البرانيّة] (¬5) للشيخ تقي الدين ابن زين الدين الحموي، والعذراوية لمحيي الدين ابن الزكي، والأمينية (¬6) لابن عبد الكافي، وغيّب الرفيع فلا يدري ما فعله به، واستقل محي الدين ابن الزكي بالقضاء واستناب الصدر بن سني الدولة (¬7)، وحكم محيي الدين بإسقاط شهادات أصحاب الرفيع، العز ابن القطان والزين ابن الحموي والجمال ابن سيدة والموفق الواسطي [والنصير ابن قاضي بعلبك] (¬8) وسالم المقدسي وابنه محمد، لما فعلوه بالمسلمين وأكلهم أموال الناس بالباطل. قال (¬9): وكانت المحنة الكبرى والطامة العظمى بالواسطي (¬10) ¬
[الوفيات]
الملقب بالموفق، فإنه أهلك الحرث والنسل، فأهلك الله ذلك الرهط (59 أ) عن آخره. وفيها ورد كتاب بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل يقول بأنني قررت على أهل الشام قطيعة [للتتار] (¬1) في كل سنة، على الغني عشرة دراهم وعلى المتوسط الحال خمسة دراهم وعلى الفقير درهمان. وقرأ محيي الدين ابن الزكي الكتاب على الناس، وشرعوا في الجباية. وفيها في ثامن ربيع الأول استدعي استاذ الدار، مؤيد الدين محمد العلقمي وولي الوزارة ببغداد عوضا عن ابن الناقد بحكم وفاته، وكان هذا الوزير فاضلا، لكن كان السبب في مكاتبة التتار، وفعل في حق المسلمين ما لا يمكن شرحه (¬2) فنسأل الله حسن الخاتمة. وفيها في سابع عشري ذي الحجة، وصلت الأخبار الى بغداد على أجنحة الطيور أنّ الملاعين التتار دخلوا شهرزور (¬3)، وخرج عنها صاحبها فلك الدين محمد بن سنقر (¬4). [الوفيات] وفيها مات الوزير نصير الدين أبو الأزهر، أحمد (¬5) بن محمد بن علي بن الناقد أحد أولاد التجار المشاهير وذوي الثروة واليسار. مولده في ليلة الجمعة حادي عشري شوال سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، ونشأ في رباض الاشتغال بالكتابة ففوض إليه نظر أوقاف والده ¬
الإمام الناصر في سنة ثلاث عشرة وستمائة، وبقي مدة ثم صرف، ثم استقر في وكالة أولاد الإمام الظاهر، ثم لما تولى الإمام المستنصر ولاّه استاداريته بعد وفاة عضد الدين أبي نصر المبارك ابن الضحاك في محرّم سنة سبع وعشرين وستمائة، فقام بأمور الخدم أحسن قيام، ثم ولي الوزارة في سابع عشر شوال (59 ب) سنة تسع وعشرين وستمائة. وعرض له ألم مفاصل بعد خمس سنين من ولايته، امتنع بها من القيام والحركة، ولم يزل مبجلا مكرما الى حين وفاته في ليلة الجمعة سادس ربيع الأول، فتقدم الأمر لكبار الدولة وأعيان الأمراء والقضاة، ومشايخ الصوفية والربط والصدور والحجاب والأعيان والأماثل بالحضور الى جامع القصر، فحضروا ثم غسل الوزير المذكور وتولى غسله المدرس بالنظامية، نجم الدين عبد الله البادرائي (¬1)، ثم حمل تابوته مغشّى وبين يديه القرّاء والحجاب والنواب والكتّاب والدوادارية، ثم صلى عليه أبو طالب الحسين ابن المهتدى (¬2) نقيب النقباء، ثم حملت الجنازة وأدخلت باب العربة (¬3) المستجدة، وجعلت في شباره (¬4) وشيعها كافة أرباب الدولة والصدور، واستاذ الدار مؤيد الدين ابن العلقمي، ودفن بتربته بالمشهد الكاظمي (¬5). وكان أديبا فاضلا كاتبا مترسلا للرعايا حافظا وللعلماء رافعا. وكان صالحا عفيفا متواضعا دينا قارئا للقرآن رحمه الله تعالى. وفيها مات نجم الدين ابن سلام (¬6)، واسمه الحسن بن سالم ابن سلام. كان أبوه من أكابر عدول دمشق، يدعى بالشيخ الأمين، ونشأ نجم الدين على ما كان أبوه [أولا] (¬7)، وكان ذا مروءة وعصبية، وكان جوادا [سخيا] (¬8) كريم الأخلاق حسن العشرة، يحب الصالحين ويزورهم ويبرهم. وله في شهر رمضان دار ضيافة لا يمنع منها أحدا. وتغيرت أحواله في آخر عمره، فإنه دخل في أشياء (60 أ) لا تليق بأبناء جنسه للطمع في الدنيا. ¬
وكانت وفاته في ذي الحجة ودفن بقاسيون. وفيها مات الشيخ تاج الدين الملقب بشيخ الشيوخ، وهو [أبو] (¬1) محمد عبد الله ابن عمر بن علي بن محمد بن علي بن حموية بن محمد بن محمد ابن أحمد بن أبي نصر بن حموية ابن علي في سادس [عشر] (¬2) صفر وصلى عليه بجامع دمشق، ودفن بمقابر الصوفية عند المنيبع. كان شيخا حسنا متوضعا عالما فاضلا نزها أديبا، صحيح الاعتقاد شريف النفس عالي الهمة، قليل الطمع لا يلتفت الى أحد من خلق الله لأجل الدنيا لا من أهله ولا من غيرهم. صنف تاريخا مليحا. قال أبو المظفر (¬3)، وكان يحضر مجالسي ويزورني، وأنشدني لنفسه: [البسيط] لم ألق مستكبرا إلا تحوّل لي ... عند اللقاء له الكبر الذي فيه ولا حلالي من الدنيا ولذتها ... إلا مقابلتي للتيه بالتّيه قال أبو المظفر: ونقلت من خط ولده سعد الدين ¦ مسعود ¦ (¬4)، قال: ولد والدي [تاج الدين] (¬5) يوم الأحد رابع عشر شوال سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وكان مفننا في العلوم، عالما بالأصلين، [والفروع والترسل والتواريخ والهندسة والطب] (¬6). وتاج الدين هذا هو عم الأمير فخر الدين ومعين الدين وعماد الدين وكمال الدين أولاد شيخ الشيوخ صدر الدين. ومن مصنفاته كتاب «السياسة الملوكية» صنفه للكامل صاحب مصر، و «المسالك والممالك» وعطف الذيل (¬7) في التاريخ»، وله «أمالي وتخاريج» وغير ذلك. وسافر الى الغرب في سنة ثلاث وتسعين (60 ب) وخمسمائة، ووصل الى مراكش واتصل بالملك المنصور يعقوب بن يوسف ابن عبد المؤمن، فأحسن إليه وقدمه على جماعة وأقام في خدمته حتى مات يعقوب المذكور، وعاد الى الشام في سنة [ستمائة وحج تاج الدين] (¬8) سنة أربع وستمائة مع ¬
أخيه صدر الدين وولد له سعد الدين مسعود في سادس عشر ربيع الأول سنة إثنتين وتسعين وخمسمائة [وولد شرف الدين أبو بكر في المحرم سنة ثمان وستمائة] (¬1)، ومات (¬2) وله خمس وسبعون سنة، وكان مرضه بالسعال والإسهال. وفيها مات القاضي الرفيع عبد العزيز بن عبد الواحد بن اسماعيل أبو حامد الجيلي (¬3)، الذي فعل بأهل دمشق تلك الأفاعيل، ففعل به. وبأصحابه أشد مما فعل. قال أبو المظفر (¬4)، حكي لي جماعة من أعيان أهل دمشق أنّه كان فاسد العقيدة مستهترا بأمور الشريعة وأنه كان يخرج يوم الجمعة الى الجامع سكرانا وكذلك كان يجلس في مجلس الحكم وأنّ داره كان مثل الخانات [النساء بالرجال مختلطات] (¬5)، وقال أبو المظفر: وحكي لي جماعة من العدول من أعيان أهل بعلبك ان السامري (¬6) بعث به في الليل الى قلعة بعلبك على بغل بعض النصارى ببرذعة فاعتقله ثم بعد ذلك بعثه الى مغارة أفقه في جبل لبنان من ناحية الساحل، ثم بعث إليه عدلين من عدول بعلبك، شهدوا (¬7) عليه أنّه باع جميع أملاكه للسامري. قال أبو المظفر: حكى لي أحد العدلين، قال: رأيته وعليه قندورة (61 أ) صغيرة وعلى رأسه تخفيفة، فبكى وقال لنا معكم شيء آكل، فلي ثلاثة أيام ما أكلت شيئا، قال فأطعمناه من زادنا، وشهدنا عليه ببيع أملاكه [للسامري] (¬8) ونزلنا من عنده فبلغنا أنّ داوود [النصراني] (¬9) سيف النقمة جاء اليه وقال له قم، فقد أمرنا بحملك الى بعلبك، فأيقن الهلاك وخرج معه، وقال: دعوني أصلي ركعتين فقال داوود، صلي (¬10)، فقام يصلي وأطال، فرفسه داوود من رأس شقيف مطل على نهر إبراهيم فوقع، فما وصل الى الماء إلا وقد تقطع. قال أبو المظفر: وحكى لي أنّه تعلق ذيله بسن الجبل، فما زال داوود يضربه بالحجارة حتى ¬
مات (¬1). وفيها مات الملك المغيث عمر بن الملك الصالح أيوب، كان ولدا حسنا عاقلا دينا، لم يحفظ عنه كلمة فحش. أسره الصالح إسماعيل في سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وحبسه في بعض أبراج قلعة دمشق وتخلى عنه أبوه بعدما بالغ واجتهد في خلاصه، فلم يقدر. وما كان السبب في موته إلا السامري، فإنه ضيّق عليه وآذاه، فمات غما وغبنا ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر، وحمل الى تربة جده الكامل فدفن بها (¬2). وفيها مات الشيخ مهذب الدين أبو طالب محمد بن أبي الحسن علي بن علي بن علي بن المفضل ابن القامغار المعروف بابن الخيمي (¬3). كان إماما في اللغة، راوية للشعر والأدب. مولده الثامن والعشرين من شوال سنة تسع وأربعين وخمسمائة بالحلّة المزيدية (¬4). وله نظم حسن (61 ب) فمنه قوله: [الكامل] قالت معاشر من نحاة بلادنا ... إذ قلت لم صرتم عليّ مع العدا رفع الجميل وكان مبتدأ به ... أو ليس قد أمروا برفع المبتدأ وله: [البسيط] الحمد لله في حلّي وفي ظعني ... أنّ الزمان غليظ القول أسمعني كأنني بيت شعر لا يقام له ... وزن وكان عروضيا فقطّعني سمع بالموصل من أبي الفضل الطواسي الخطيب وغيره وبدمشق من أبي المظفر أسامة بن منقذ (¬5) وغيره، وسمع بالقاهرة من البوصيري (¬6) وغيره. وكانت وفاته يوم الأربعاء عشرى ¬
ذي القعدة (¬1) سنة تاريخه. حكي عنه أنّه كان يقول: كنت كثير الجواز على قبور بني أيوب، في قدم الزمان، فأصابني ضيق، فرأيت في النوم كأن من قبورهم قبر شمس الدولة [توران شاه بن أيوب] (¬2)، فقصدت إليه، فوجدت قبرا عظيما مفتوح الباب، وهو فيه مسجى بكفنه ومعي قصيدة أمتدحه بها، فأنشدته إياها فلما فرغت من إنشادي أستتر عني في زاوية القبر فيما أظنه، وخلع كفنه فرمى به اليّ فيما بدا لي، فرأى في وجهي أثر النوم والانكسار، فأنشدني: [البسيط] لا تستقلّنّ معروفا سمحت به ... ميتا وأمسيت منه عاري البدن (¬3) ولا تظننّ جودي شأنه (¬4) بخل ... من بعد بذلي ملك الشام واليمن (62 أ) اني خرجت من الدنيا وليس معي ... من كل ما ملكت كفّي سوى كفني وفيها مات الملك المظفر تقي الدين محمود (¬5) بن السلطان الملك المنصور، ناصر الدين أبو المعالي، محمد ابن الملك المظفر تقي الدين عمر ابن الأمير نور الدولة شاهنشاه ابن أيوب، صاحب حماه. مولده يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان سنة تسع وتسعين وخمسمائة. وتملك حماة في سنة ست وعشرين وستمائة عندما انتزعها السلطان الملك الكامل ابن العادل صاحب مصر من الناصر قليج أرسلان أخو تقي الدين محمود المذكور، وسلمها الكامل اليه، فلم يزل بها حتى مات يوم السبت ثامن جمادى الأولى من هذه السنة. وفيها مات السلطان أرسلان (¬6) شاه بن عز الدين مسعود ابن قطب الدين مودود، ابن عماد الدين زنكي ابن أقسنقر. كان محبوبا الى والده، ولما ملك شهرزور وحضرته الوفاة، أخذ له العهد على الأمراء والأجناد والأعيان، وساعده جده ولاقى التتار مرارا عديدة. وكانت وفاته يوم الأحد رابع عشر شعبان. ¬
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وستمائة
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وستمائة وفيها استقر معين الدين ابن الشيخ على دمشق وأعمالها وحصونها وبلادها، ودبرها أحسن تدبير (¬1)، وأقطع ملوك الخوارزمية في بلاد دمشق والساحل بمناشيره. فلما بلغ هذا السلطان الملك الصالح [نجم الدين أيوب] (¬2)، وأيضا خروج الصالح اسماعيل الى بعلبك، أرسل ينكر على الصاحب معين الدين (62 ب) وعلى الطواشي شهاب الدين رشيد الكبير وعلى الأمراء المصريين. فلما وصلت كتب السلطان الى الأمراء، كتبوا له الجواب: إننا نحن في خدمة من قدّمه مولانا السلطان وأمرنا بامتثال أمره، وأنّه حلف على الشروط، وأرسلوا الكتب للسلطان، فرجع الجواب من السلطان، أن الصاحب معين الدين حلف وأنتم ما حلفتم، فلو مسكتموه ما كان عليكم فيه إثم. و [أمر] (¬3) أن يجهّز اليه الى مصر تحت الحوطة الركن الهيجاوي وأمين الدولة (¬4) وزير صاحب بعلبك، فسيروهم كما رسم فأعتقلهم بالقلعة. وفيها نزل الأمير سيف الدين علي بن قليج من قلعة عجلون، وسلمها الى نواب السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر، ورحل المذكور الى دمشق وأقام بها. [الوفيات] وفيها مات الصاحب معين (¬5) ابن الشيخ بدمشق ليلة الأحد ثاني عشري رمضان، وصلي عليه بجامع دمشق ودفن بقاسيون. وكان مرضه بالإسهال والدم، ومولده في المحرم سنة ست وثمانين وخمسمائة وقيل سنة ثمان وثمانين. ودفن الى جانب أخيه عماد الدين، وكان بين بلوغ أمنيته وحلول منيته أربعة أشهر وخمسة عشر يوما. وكان جوادا كريما دينا صالحا. وفيها أفرج السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب عن الأمير فخر الدين ابن ¬
الشيخ، وكان قد اعتقله أول ما تملك لأمر بلغه عنه (¬1). وفيها بلغ السلطان الملك الصالح عماد الدين اسماعيل صاحب بعلبك (63 أ) ما ورد على الأمراء من الإنكار بسببه، كونهم مكّنوه من الخروج من دمشق ولم لا مسكوه (¬2). فلما بلغه ذلك وتحققه، خاف على نفسه وكاتب الأمير عز الدين صاحب صرخد والى ملوك الخوارزمية، وأوعدهم وأعطاهم واتفقوا جميعا على قصد دمشق ورحلوا إليها وحاصروها حصارا شديدا، وشنوا الغارات في الأعمال وأخربوها، وقطعوا الميرة عن مدينة دمشق، فغلت بها الأسعار، وبلغت كل غرارة قمح ألف وستمائة درهم، واستمر ذلك مدة ثلاثة شهور، ورحلوا عنها ولم ينالوا منها غرضا (¬3). وفيها ماتت ربيعة خاتون (¬4) بنت أيوب أخت السلطان صلاح الدين والعادل. تزوجها أولا سعد الدين مسعود بن معين الدين [أنر] (¬5) ثم مات سعد الدين، فزوّجها العادل (¬6) لمظفر الدين صاحب إربل، فأقامت بإربل، ثم قدمت دمشق وخدمتها أمة اللطيف العالمة، إبنة الناصح بن الحنبلي، فحصل لها منها أموال جمّة. وبنت للحنابلة بقاسيون مدرسة (¬7). وتوفيت بدمشق بدار العقيقي، ودفنت بقاسيون وقد جاوزت ثمانين (¬8) سنة لأن أباها أيوب مات في سنة ثمان وستين وخمسمائة. وكان لها أموال جمة، وأما العالمة (¬9) فإنها قاست بعد موت ربيعة خاتون شدائد عظيمة من الحبس والمصادرة وأخذ المال، وأقامت محبوسة ثلاث سنين بقلعة دمشق. قال أبو المظفر (¬10)، ودخلت مع نواب الصالح في قضيتها وبالغت في أمرها (63 ب) ¬
حتى أطلقت من الحبس وتزوجت بابن صاحب حمص (¬1) الملك الأشرف، وسافر بها الى الرحبة وتلّ باشر، فتوفيت هناك سنة ثلاث وخمسين وستمائة. وظهر لها بدمشق من المال والذخائر والجواهر واليواقيت وغير ذلك ما يساوي ستمائة ألف درهم غير الأملاك والأوقاف، ومع هذا كانت فاضلة صالحة دينة عفيفة. لها تصانيف ومجاميع وتواليف وغير ذلك رحمها الله تعالى. وفيها مات الشيخ الإمام العالم العلاّمة، تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن ابن عثمان ابن الصلاح (¬2)، الفقيه المحدث المفتي. كان مقيما بالقدس الشريف ثم قدم دمشق لما خرب القدس، وأقام بدمشق، ودرس بها وسمع الحديث وأسمعه. وولاه الأشرف دار الحديث الأشرفية، وكان يفتي ويناظر. وله التصانيف الكثيرة من جملتها «علوم الحديث» و «أشكال الوسيط» (¬3) وغيره. مولده سنة سبع وسبعين وخمسمائة هجرية بشهرزور. ومات ليلة الأربعاء خامس عشري ربيع الآخر وصلي عليه بجامع دمشق، ودفن بمقابر الصوفية. وكان قد سافر البلاد، فسمع بنيسابور، منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد ابن أبي الفضل الفراوي، وكان ابن الصلاح يقول للفراوي ثلاث كنى: أبو الفتح وأبو القاسم وأبو بكر. وسمع أيضا المؤيد ابن محمد بن علي الطواسي، وأبي بكر القاسم ابن الإمام أبي سعد عبد الله بن أحمد بن (64 أ) عمر الصفّار ومحمد وأبا المظفر عبد الرحيم ابن أبي سعيد عبد الكريم بن محمد السمعاني وعمر بن طبرزد وغيرهم. قال أبو المظفر (¬4) وزارني يوما بتربة حسن (¬5)، على نهر ثورا في أيام المعظم (¬6)، وقال إسأله أن يعطيني مدرسة، قال وكان المعظم يكرهه، فما زلت حتى استصلحته له، وأنشدني في ذلك اليوم لغيره. [مجزوء الكامل] ¬
احذر من الواوات أر ... بعة فهنّ من الحتوف واو الوصية والوكا ... لة والوديعة والوقوف وكان أوحد عصره في التفسير والفقه وأسماء الرجال، وما يتعلق بعلم الحديث، ونقل اللغة، وكان له مشاركة في فنون عديدة. قرأ الفقه على والده، وكان من جلّة المشايخ الأكراد المشار اليهم، ثم نقله والده الى الموصل واشتغل بها، وتولى الإعادة عند الشيخ أبي حامد ابن يونس بالموصل، ثم سافر الى خراسان وأقام بها زمانا، وحصّل علم الحديث هناك، ثم رجع الى الشام وتولى التدريس بالمدرسة الرواحية التي أنشأها الزكي هبة الله بن رواحة (¬1) الحموي. وكان من العلم والدين على قدر عظيم. وكانت وفاته يوم الأربعاء وقت الصبح، وصلي عيه بعد الظهر خامس عشري ربيع الآخر بدمشق، ودفن بمقابر الصوفية خارج باب النصر. ومولده سنة سبع وسبعين وخمسمائة بشرخان، وشرخان قرية من قرى إربل قريبة من شهرزور، رحمه الله. (64 ب) وفيها مات أبو العباس، أحمد بن سيد الفضلاء والوزراء، القاضي الفاضل مجير الدين عبد الرحيم، وزير الملك الناصر صلاح الدين الملقب بها الدين المعروف بالقاضي الأشرف (¬2). رسل به للديوان العزيز ببغداد مرارا، وكان الإمام المستنصر والناصر يحترمانه إذا قدم لذاته ووالده وبيته. عرض عليه الكامل الوزارة مرارا فلم يفعل، وتوفر على الرسلية والمشورة والاقتداء برأيه. وكانت وفاته بمصر سابع ربيع الآخر من هذه السنة ومولده في المحرم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، ودفن بالقرافة بتربتهم. وكان صالحا نزها عفيفا. سمع الحديث واسمعه ورواه وروى عنه. وله نظم فمنه ما أنشده الوزير ابن الناقد، قوله: [الكامل] يا أيها المولى الوزير ومن له ... منن حللن من الزمان وثاقي من شاكر عني نداك فإنني ... من عظم ما أوليت ضاق نطاقي منن تخفّ على يديك وإنما ... ثقلت مؤونتها على الأعناق ¬
وفيها مات الشيخ الإمام العالم الورع المقرئ المفتي، علم الدين أبو الحسن، علي بن محمد بن عبد الصمد المصري السّخاوي (¬1). قرأ القرآن بالروايات على الشاطبي، وشرح قصيدته، وشرح «المفصل» للزمخشري، وله تصانيف وقصائد (¬2) في مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم. وكان إماما فاضلا زاهدا عابدا ورعا مقتنعا من الدنيا باليسير. وكانت له حلقة بجامع دمشق يقرأ عليه فيها (65 أ) القرآن العظيم والعربية والحديث، فإذا خرج من الجامع الى قاسيون، ركب حمارا والطلبة يقرأون عليه [القرآن] (¬3) في الطريق، وانتفع به خلق كثير. وكانت وفاته ليلة الأحد ثاني عشر جمادى الآخرة بدمشق، ودفن بقاسيون. سمع الحافظ السلفي وأبا القاسم هبة الله ابن البوصيري وأبي (¬4) الطاهر بن عوف وأبا الفضل محمد ابن يوسف الغزنوي وغيرهم. وله نظم كثير وتصانيف مفيدة ومدائح نبوية. ملكت ديوانا من مدائحه النبوية وقد أثبت له الشيخ شمس الدين ابن خلكان (¬5) قطعة من شعره، فمنه ما أنشده حين حضرته الوفاة: [السريع] قالوا غدا نأتي ديار الحمى ... وينزل الركب بمغناهم وكل من كان مطيعا لهم ... أصبح مسرورا بلقياهم قلت فلي ذنب فما حيلتي ... بأيّ وجه أتلقّاهم قالوا أليس العفو من شأنهم ... لا سيما ممن (¬6) ترجّاهم وكانوا يقرأون عليه ثلاثة أنفس في دفعة واحدة، كل واحد في ميعاده وهو يرد على كل منهم إذا غلط. وله كتاب لطيف في مشتبه القراءات (¬7) سماه «السخاوية» رحمه الله. وفيها مات الحافظ، ضياء الدين محمد (¬8) بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن ¬
الحنبلي، المقدسي الذي عمّر دار الحديث بقاسيون عند الجامع المظفري. كان إماما فاضلا، زاهدا عابدا، ورعا. كانت (65 ب) وفاته في جمادى الآخرة، ودفن بقاسيون. سمع الكثير من الحديث وأسمعه. وفيها مات الفلك المسيري (¬1)، وزير العادل بمصر يوم الجمعة تاسع رجب، وكانت له عنده المنزلة العالية. وكان صدرا كبيرا محتشما، وافر الحرمة ظاهر الحشمة، كثير التيه والصلف، رسم الملك الأشرف عليه واحتاط على موجوده في سنة أربع وثلاثين وستمائة لكونه نقل إليه عنه أنّه يكاتب أخاه الكامل (¬2). وكان له عنده حظ وافر مع أنه كان يستجهله وفيه يقول القائل: صعب القيادة يا فلك ... تنقاد لك أيش هو فلك وأيش هي مسير ... حتى يجي منها وزير والله ولا راعي حمير ... كنت أجعلك ترضي غلامك بالنهار ... مرات وباليل ذا مرار بالصاحب أزعق لي جهار ... قع طز في جوف لحيتك اسمك مقار ما تعر به ... والمال بالقول تحسبه والسرج بالصاد تكتبه ... ما أجهلك (66 أ) لو كان في الدنيا خبير ... كان ركبك فوق الحمير والبوق خلفك والنفير ... وأنا انذلك خلي القيادة والفضول ... كم ذا تخاصم كم تصول وتدعي أنك رسول ... من أرسلك لو كنت أملك يا قبق ... أمرك جعلتك في الحلق عريان وفي عنقك حلق ... وأنا أنطلك وفيها مات عبد الله بن نصر بن علي التنوخي، أبو محمد الدمشقي الصوفي نزيل الفيوم ¬
ثم دخلت سنة أربع وأربعين وستمائة
من ديار مصر. سمع من جماعة كأبي محمد عبد الصمد أبي علي الأصبحي وغيره بعد الثمانين، وأجاز له أبو اليمن الكندي وغيره، وغلب عليه الأمراء من بني أيوب ومعهم قوم الفيوم. نبذ الكتابة وراءه، وأقبل على العلم وتحصيله وكتابة الحديث وتحصيل أصوله. كتب إليه الشيخ جمال الدين يوسف بن محمد بن أحمد الفيومي، صاحب «نثر الجمان في وفيات أعيان الزمان» رقعة يلتمس حضوره، فصادف الرسول عنده بعض الرسل في شغل، فكتب على ظهرها من نظمه قوله: [الطويل] (66 ب) كتبت ولو أني ملكت إرادتي ... لسارعت سعيا نحو من أنا رقّه ومولده بدمشق في شوال سنة إثنتين وثمانين وخمسمائة، ومات بمدينة الفيوم في شوال من هذه السنة رحمه الله تعالى. ثم دخلت سنة أربع وأربعين وستمائة فيها في ثامن المحرم انكسروا (¬1) الخوارزمية بحمص على الحبيرة (¬2) بها، لما استمال الملك الصالح أيوب، المنصور صاحب حمص إليه، واقتطعه عن الصالح اسماعيل. كتب الى الحلبيين يقول: هؤلاء الخوارزمية قد أخربوا البلاد والمصلحة أن نتفق عليهم، فأجابوه، وخرج شمس الدين لؤلؤ بالعساكر من حلب، وجمع صاحب حمص العرب والتركمان، وخرج إليهم عسكر دمشق واجتمعوا كلهم على حمص، واتفق الصالح اسماعيل والخوارزمية والملك الناصر داوود وعز الدين أيبك، واجتمعوا على مرج الصّفّر (¬3)، ولم ينزل الناصر من الكرك وإنما بعث عساكره وبلغهم أن صاحب حمص يريد قصدهم، فقال بركة خان ما تفوتنا والمصلحة أن تسير إليهم، فساروا والتقوا على بحيرة حمص يوم الجمعة سابع المحرم أو ثامنه وكانت الدايرة عليهم، قتل (¬4) بركه خان وهرب الصالح اسماعيل وعز الدين أيبك، ومن ¬
سلم من العسكر رجعوا عرايا جياعا ونهبت أموالهم ووصلوا الى حوران، وساق صاحب حمص الى بعلبك وأخذ الربض وسلمه (67 أ) الى ناصر الدين القيمري وجمال الدين هارون، وعاد الى حمص وودّع الحلبيين وساروا الى حلب، وجاء الملك المنصور الى دمشق في خدمة الصالح أيوب، ومضت طائفة من الخوارزمية الى البلقاء (¬1) فنزل اليهم الملك الناصر من الكرك وصاهرهم واستخدمهم وأطلع عائلتهم الى الصلت، وكذى فعل عز الدين أيبك، وساروا فنزلوا نابلس واستولوا عليها. ومرض صاحب حمص بدمشق ومات بالنيرب (¬2)، وحمل الى حمص. وجهز الصالح أيوب، فخر الدين ابن الشيخ بالعساكر الى الشام، فلما وصل الى غزة، عاد من كان بنابلس من الخوارزمية الى الصلت، فقصدهم ابن الشيخ وقاتلهم، فكسرهم وبدد شملهم وكان الناصر معهم، فسار الى الكرك ومعه الخوارزمية، فلم يمكّنهم من طلوع القلعة ولا الربض، وأحرق ابن الشيخ الصلت وساق، فنزل على الكرك، وطلع عز الدين أيبك، الى صرخد، وكان مع الناصر فتحصن بها. وكان كسر الخوارزمية على الصلت في سابع عشر ربيع الآخر. ونزل ابن الشيخ على الكرك (¬3) في الوادي، وقاتل الناصر فكتب الناصر إليه: [الطويل] عدوت على قيس لخفر (¬4) جواره ... لا منع عرضي إنّ عرضي ممنّع وكان عند الناصر داوود صبي أمرد من الخوارزمية مليح يقال له طاش بورك، ابن خان [فطلبه ابن الشيخ] (¬5)، فقال الناصر هذا صوته طيب، وقد أخذته ليقرأ عندي القرآن، فكتب إليه ابن الشيخ كتابا غليظا شنيعا وذكره غدره وإيمانه الخائنة، (67 ب) وغير البيت الذي كان أرسل اليه، فقال: لأبدل عرضي إن عرضي مقطّع ثم قال لا بد من الصبي الخوارزمي، وأنا أبعث اليك رجل أعمى يقرأ بصوت أطيب ¬
منه فبعثه اليه. وكان حسام الدين أبو علي [الهذباني] (¬1) بدمشق، فسار الى بعلبك، فتسلم قلعتها باتفاق من الساماني (¬2)، مملوك الصالح اسماعيل، وكان حاكما عليها، وبعث أولاد اسماعيل وعياله الى مصر، وتسلم نواب الصالح أيوب بصرى وكان بها الشهاب غازي (¬3) واليا، فأعطوه حرستا (¬4). وفيها في ربيع الآخر قدم الصالح اسماعيل في طائفة من الخوارزمية، منهم: كشلو خان الى حلب، هاربين من الصالح أيوب، ولم يبق للصالح اسماعيل في الشام مكان يأوي اليه، فتلقاهم الملك الناصر يوسف صاحب حلب، وأنزل الصالح اسماعيل في دار جمال الدولة الخادم، وقبض على كشلو خان والخوارزمية وملأ بهم الحبوس. قال أبو المظفر (¬5): ولما التقى الناصر صاحب حلب الصالح اسماعيل، قال شمس الدين لؤلؤ للناصر: أنظر عواقب الظلم كيف تكون. وفيها في يوم الخميس سابع (¬6) عشر ذي القعدة، قدم الصالح أيوب دمشق، فأحسن الى أهلها، وكان يوما عظيما، وأقام بها خمس عشرة يوما ثم وصل الى بعلبك وكشفها، [ثم رجع ومضى نحو صرخد] (¬7) ومشى ناصر الدين القيمري، وجمال الدين ابن مطروح بين عز الدين أيبك وبين الصالح في الصلح بواسطة (68 أ) شمس الدولة ابن العميد، وخرج الصالح أيوب من دمشق ومضى الى بصرى وصعد صرخد، ونزل إليه عز الدين أيبك برأي ابن العميد وتسلم الصالح صرخد، وأقام عز الدين أيبك في ميدانها أياما، وقدم دمشق في ذي الحجة، فنزل بالنيرب وكتب له منشورا بقرقيسياء (¬8) والمجدل (¬9) وبضياع في الخابور، فلم يحصل له منها شيء. وأحسن الصالح أيوب الى أهل دمشق، وتصدق على المدارس ¬
والربط وأرباب البيوت بما جملته أربعون ألف درهم، وببعلبك بعشرين ألف، وببصرى كذلك. وخلع على أعيان أهل دمشق الخلع السنية، وتوجه الى مصر وتصدق في [القدس] (¬1) بألفي دينار مصرية وأمر بعمارة سور القدس وذرعه، فكان ستة آلاف ذراع بالهاشمي، فقال: اصرفوا مغل القدس في عمارته، وإن احتاج الزيادة على ذلك أرسلت اليه من مصر. وفيها أرسل الناصر داوود الى فخر الدين ابن الشيخ يستعطفه ويخضع له، فوقع الاتفاق على أن يسلم من عنده من الخوارزمية وحضر أكابر الخوارزمية الى خدمة الامير فخر الدين، فلما وصلوا إليه أخلع عليهم وأحسن إليهم، ورحل عن الكرك في الوقت، وكبار الخوارزمية في خدمته، فحصل له ضعف، فحمل في محفة الى الديار المصرية (¬2). وفيها بعث الصالح نجم الدين أيوب، الصاحب جمال الدين ابن مطروح الى دمشق وزيرا وأميرا، وأنعم عليه بسبعين فارس بالشام (¬3). (68 ب) وفيها ختن الإمام المستعصم ولديه، وانفق على الطهور ماية ألف دينار، كان فيه من الخراف الشواء، ألف وخمسمائة رأس. وفيها أخذوا (¬4) الفرنج مدينة شاطبة من بلاد الاندلس، ثم أجلوا عنها أهلها. وفيها وصلت الاخبار من البحر صحبة مركب وصل من صقلية الى الاسكندرية، أن البابا غضب على الابرور (¬5)، وعامل خواصه الملازمين على قتله، وكانوا ثلاثة، وقال قد خرج الأبرور عن دين النصرانية ومال الى المسلمين فاقتلوه وخذوا بلاده لكم. وأقطع كل واحد منهم مملكة (¬6)، فكتب أصحاب الأخبار بذلك الى الابرور، فعمد الى مملوك له فجعله مكانه على التخت وأظهر أنه شرب دواء، وأرسل الى الثلاثة، فجاءوا والمملوك نائم على ¬
[الوفيات]
التخت، فظنوه الأبرور. وكان الأبرور قد اختفى في مكان ومعه مائة فارس، فلما دخلوا على المملوك، مالوا عليه بالسكاكين فقتلوه، فخرج عليهم الابرور فذبحهم بيده، وسلخهم وحشا جلودهم تبنا وعلقهم على باب القصر. ولما بلغ البابا ذلك، صار الخلف واقعا بينهم. وكان هذا الأبرور هو الذي أعطاه الكامل القدس، وكان من ملوك الفرنج المعتبرين عندهم. وفيها تسلم [نواب] (¬1) الصالح أيوب (¬2) حصن الصّبيبة (¬3) من الملك (¬4) السعيد في سابع عشر ذي الحجة، والملك السعيد هذا هو ابن العزيز ابن العادل أبو بكر، وهو ابن عم (69 أ) الصالح أيوب. وفيها قبض الناصر داوود على عماد الدين ابن موسك بالكرك، واحتاط على موجوده (¬5). [الوفيات] وفيها مات الملك المنصور ابراهيم ابن شيركوه (¬6) بن محمد بن شيركوه صاحب حمص. كان شجاعا مقداما، موافقا للصالح اسماعيل ومصاهرا له، ثم أوقع بينهم الصالح نجم الدين أيوب واصطفاه لنفسه، وقدم دمشق فنزل بستان أسامة. قال أبو المظفر (¬7): وحدثني جماعة من الدماشقة أنه عامل على دمشق ولو عاش أياما لأخذها، فمرض وحمل الى النيرب، فنزل بستان الأشرف فمات به يوم الأربعاء حادي عشر صفر، وحمل في تابوت الى حمص، وتولى مكانه ولده الملك الأشرف موسى. وفيها قتل بركة خان الخوارزمي، الملقب حسام الدين، أحد الخانات الأربعة، وكان أصلحهم في الميل الى الخير والرفق بالناس، وكان الصالح أيوب قد صاهره وأحسن إليه، وجرى عليه منه ما جرى. ولما قتل اختل نظام الخوارزمية وتفرق جمعهم وأمنت البلاد. ومما ¬
يحكى عنه، أنه كان له منجّم ينجم له على عادة التتار بلوح الكتف من عظم الخروف، والخوارزمية أكثرهم يعرفوا (¬1) هذا العلم وهو عندهم مثل الرمل عند العرب، حتى أنهم يخرجوا (¬2) منه الضمير، ويخبروا (¬3) بأشياء يمكن وقوعها، فكان من جملة ما أخبره المنجم، أنه يملك مدينة حلب ويطلع إليها في الشهر الفلاني من السنة الفلانية، فاطمأن بركة خان (69 ب) لذلك، ثم حرر عليه المسألة فقال له في اليوم الفلاني، قال المخبر: فو الله كان في ذلك اليوم بعينه طلوع رأس بركة خان في قلعة حلب وعلقت على الباب (¬4). وفيها مات الأمير عماد الدين داوود ابن الأمير عز الدين موسك. كان فخر الدين ابن الشيخ قد شفع فيه الى الناصر داوود، فأخرجه من الحبس، وكان في حلقة خراجة، فبطّوها بغير اختياره، فمات بالكرك وحمل الى مسجد جعفر ابن أبي طالب، فدفن هنالك. قال أبو المظفر (¬5) رحمه الله: لقد جمع بين الأصالة والجلالة والفتوة والعصبية، والنفس الطاهرة الزكية، وكان الناصر قد اتهمه بالرواح الى مصر. وفيها مات الإمام العالم، صائن الدين محمد (¬6) بن حسان ابن رافع العامري، إمام المصلى بقصر حجاج بدمشق. كان له سماعات كثيرة، سمع الخشوعي والحافظ أبا محمد، وأبا اليمن الكندي والقاضي أبا القاسم وأبا حفص ابن طبرزد، وحنبلا وغيرهم. وسمع منه خلق، رحمه الله تعالى. وفيها مات السلطان الملك العادل (¬7)، وسببه أنه كان محبوسا بقلعة الجبل في برج العافية، وأراد الصالح أيوب الخروج الى الشام وخاف أن يخرج ويخليه بالقلعة، يخاف من عائلته، فقصد إرساله الى قلعة الشوبك، فأرسل اليه فامتنع من الخروج، فأمر الصالح جماعة من الخدام أن يتوجهوا اليه ويخنقوه، فتوجهوا وخنقوه، وأشاع (70 أ) الخبر أنه مات وأظهر عليه الحزن وأخرج ولده الملك المغيث عمر وأرسله الى قلعة الشوبك واعتقله بها. ¬
ثم دخلت سنة خمس وأربعين وستمائة
وفيها عزل (¬1) الأمير حسام الدين [بن أبي علي الهذباني] (¬2) عن نيابة السلطنة بدمشق، وتولى عوضه الأمير مجاهد الدين ابراهيم. ثم دخلت سنة خمس وأربعين وستمائة فيها جهز السلطان الملك الصالح، الأمير فخر الدين ابن الشيخ، وجرد معه عساكر وأمره بالمسير الى الساحل ليأخذه من الفرنج، فسار ونزل على عسقلان وفتحها بعد الحصار الشديد وأخربها، ورحل عنها الى طبرية، ففتحها وأخربها (¬3). ثم أن الأمير فخر الدين كتب الى السلطان يستأذنه في الدخول الى دمشق ويقيم بها لأمر بلغه عن الناصر صاحب حلب، فأذن له بالتوجه إليها، فدخلها ونزل بدار أسامة. وكان الطواشي شهاب الدين والصاحب جمال الدين (¬4) يترددوا إليه ويشاوروه (¬5) في سائر الأمور. وفيها هرب جماعة من عسكر حلب الى دمشق، فأحسن إليهم الأمير فخر الدين وأعطاهم، وكان من جملتهم الأمير صارم الدين أزبك الوزيري (¬6). وفيها خرج السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بعساكر مصر ثاني مرة، وقيل إنّ ذلك في سنة ست كما قيل وهو الأصح، وسيأتي [ذكر] (¬7) ذلك. وفيها في شعبان أخذوا (¬8) (70 ب) الفرنج أشبيلية من بلاد الأندلس صلحا بعد أن ¬
حوصرت سنة ونصف. وفيها نزل عسكر حلب على حمص وحاصرها (¬1). وفيها في ثالث عشر (¬2) ذي القعدة من هذه السنة، أعتقل عز الدين أيبك المعظّمي في دار فروخ شاه، وكان اعتقاله بتواطؤ (¬3) من ابن مطروح وغيره، وذلك أنهم صنعوا كتابا (¬4) ذكروا أنه جاء اليه من حلب من عند اسماعيل، فكتبوا الى الصالح أيوب وأخبروه، فأمر أن يحمل الى القاهرة تحت الحوطة، فأنزل دار صواب واعتقل فيها ورافقه ولده. قال أبو المظفر (¬5): وبلغني أن ولده قال لنجم الدين أيوب إن أموال والدي جميعها قد بعث بها الى الحلبيين، وأنه أول ما نزل بها من صرخد كانت ثمانين خرجا (¬6)، فأودعها عند ابن الجوزي. وبلغ عز الدين اجتماع ولده بالسلطان نجم الدين فمرض ووقع الى الأرض، وقال هذا آخر العهد، ولم يتكلم بعدها حتى مات، ودفن بباب النصر. قال أبو المظفر (¬7): كان عز الدين أيبك المعظمي كثير الصدقات، غزير الصلات، اشتراه المعظم في سنة سبع وستمائة ونحن بالطور (¬8) وفوض إليه استاداريته، وظهر منه من وفور العقل والسداد ما أوجب تقديمه على الأولاد، فأعطاه قلعة صرخد، فأقام بها يضاهي الملوك، ولا فرق عنده بين الغني والصعلوك رحمه الله تعالى. وفيها عمر البستان المعروف بالكافوري داخل القاهرة وهو الذي أنشأه كافور الاخشيدي بالقاهرة، وحكر دور واسطبلات وسمي الكافوري (71 أ) وكافور هو الذي بدأ بانشائه، ¬
[الوفيات]
ولم يزل على أحسن هيئة حتى عمر فيه العمائر المذكورة (¬1). وفيها في جمادى الآخرة عرض للناس أمراض يعقبها أمراض الحلق والخوانيق، ومات بهذا من الخلق ما لا يحصون كثرة (¬2)، وفشا بين الناس أنّ امرأة رأت في منامها أنّ امرأة خاطبتها من بير ملاصقة السور بسوق السلطان تقول لها: «أنا جنية أعرف بأم عنقود، وأنّ ابني عنقود مات ولم يعزّوني فيه، وأنا غضبت من ذلك، وهو ذا أخنق الناس»، فأشاعت المرأة هذه الرؤيا وعرفت الناس البير فقصدها خلق كثير لا سيما النساء ونصبوا الخيم هناك، وصاروا ينوحون على البير ويقولون ما صورته: [الرجز] [أي] (¬3) أم عنقود أعذرينا ... [قد] (¬4) مات عنقود وما درينا لما (¬5) درينا كلنا (¬6) جينا ... لا تحردي منا فتخنقينا وما يناسب من هذه الهذيانات، وشاع ذلك وكثر، وقصدت تلك البير من سائر محال بغداد وألقوا فيها المآكل على سبيل الهدية، والدراهم والثياب، وعلّق عندها السرج والشموع، فتكلم العقلاء في ذلك وأهل العلم، وأنكروا ذلك على فاعليه، فتقدم الأمر من الديوان الى الشحنة بالمضي الى هناك، ومنع النساء من النياحة، وسد البير وطرد من كان هناك. نعوذ (71 ب) بالله من تلاعب الشيطان، وإشاعة مثل هذا الهذيان. [الوفيات] وفيها مات النقيب قطب الدين أبو (¬7) عبد الله الحسين بن الحسن بن علي بن حسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن محمد بن الحسين ابن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ¬
أبي طالب، كرم الله وجهه، النقيب الطاهر بن النقيب الطاهر الكوفي الأصل والمولد والمنشأ، البغدادي الدار والوفاة، المعروف بابن الأقساسي. مولده في ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. اشتغل بالأدب وقال الشعر وبلي بمحنة أوجبت له الاعتقال وذلك أنه وقعت منه كلمة على سبيل الدعابة في أيام الإمام الناصر وهي قوله: «نريد حليفه (¬1) جديد» وتصحيف ذلك. «نريد خليفة جديد»، فنقلت الى الإمام الناصر، فقال [لا يكفي حلقه] (¬2) بل حلقتان، فقيد بقيدين، وحبس بالكوفة، فبقي سنين حتى مات الناصر وبويع ولده الظاهر، فأمر بإخراجه والإفراج عنه. وأحضروه فرتبه مشرف دار التشريفات وذلك في شوال سنة اثنتين وعشرين وستمائة، ثم قلده الإمام المستنصر بالله نقابة الطالبيين وذلك في شهر ربيع الأول سنة أربع وعشرين، وحظي عنده ونفق عليه الى آخر أيامه، ولما بويع ولده المستعصم بالله أقره على ولايته، فلم يزل على ذلك إلى أن مات في المحرم سنة تاريخه، وصلي عليه ودفن بجامع القصر وحضر جنازته الصدور والأكابر والأعيان، وحمل الى الكوفة بمقبرة السهيلية بوصية منه لذلك. وترك من العين عشرين ألف دينار سوى ما يقارب ذلك من الأغراض والأملاك (72 أ) وكان شيخا لطيفا جميلا، ذا كيس وتواضع، طيب العشرة لذيذ المفاكهة، لا يمل جليسه منه، وله قصائد رائعة وأشعار فائقة، ورثاه جماعة من الفضلاء. وفيها في يوم الجمعة سابع عشر المحرم، مات القاضي محيي الدين أبو إسحاق ابراهيم ابن منتجب الدين أبي عبد الله محمد بن أبي نصر، المعروف بابن النحاس الحلبي، ودفن من يومه. ومولده تقريبا في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. تفقه على مذهب الإمام الشافعي، وسمع الحديث من جماعة وحدث وأعاد في الخلاف بالمدرسة النورية، وبرز في الحساب والفرائض. ومحيي الدين هذا هو والد الشيخ بهاء الدين شيخ النحاة. وفيها مات الشيخ الصالح القدوة، علي الحريري (¬3) المقيم بقرية بسر (¬4)، هو أبو ¬
الحسن علي ابن أبي الحسن ابن منصور. كانت زاويته ببصرى، وكان يتردد إلى دمشق، وتبعه طائفة من الفقراء وهم المعروفون بالحريرية، وله زاوية بالشرف الأعلى بدمشق جوار جوسق ابن العديم في طريق المزة. وكان الشيخ رحمه الله من القيّام بواجب الشريعة، ما لم يعرفه أحد من المتشرعين ظاهرا وباطنا، ومن أمور الحقيقة ما لم يكن لأحد في عصره من المحافظة على محبة الله تعالى وذكره والدعاء اليه والمعرفة به. وأكثر الناس يغلطون في أمره في الظاهر وفي الباطن. ولقد أفتى فيه جماعة من مشايخ العلماء وما بلغوا منتهى فتاويهم وبلغ هو فيهم ما كان يريد، ولقد كان مكاشفا لما يضمروه (¬1) وله كلام في الحقائق ونظم (72 ب) فمن ذلك دو بيت: كم تتبعني بصحبة الاجساد ... كم تسهرني بلذة الميعاد جد لي بمدامة تقوي رمقي ... والجنة جد بها على الزهاد وكثر بعض كراماته. حكي أنّ جماعة من أهل دمشق، منهم العدل، عماد الدين يحيى بن السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن السراج الحسيني، والعدل مؤيد الدين علي بن شرف الدين، خطيب عقربا (¬2)، قالا: اتفق أنّ الوزير فلك الدين المسيري اشترى قرية في عمل نوى (¬3) وعمّرها وزرعها، فلما أراد قسمتها أخذ دستورا من الملك الأشرف له ولجمال الدين خطيب عقربا ولابن التيتي (¬4) وابن سلام، وطلعوا وقسموا الضيعة. فلما وصلوا الى زرع قال بعضهم لبعض: دعونا نمشي إلى عند الشيخ علي الحريري ببسر، نبصره ونزوره فإن كان من الصالحين: فيطعم كل واحد ما يشتهيه، فقال أحدهم: أشتهي بسيسة سخنة بعسل وسمن وعليها سكّر [وقلب الفستق] (¬5)، وقال الآخر: أشتهي بطيخا أخضر، وقال الآخر أشتهي ¬
ثم دخلت سنة ست وأربعين وستمائة
فقاعا في دست نحاس مبيض وعليه ثلج منحوت. قال فلما وصلوا إليه تلقاهم أحسن ملتقى، وأحضر أشياء كثيرة وفي جملتها بسيسة بعسل وسمن وسكر [وقلب الفستق] (¬1)، وأشار إلى من اشتهاها، وقال كل، فلما فرغوا ورفع الطعام أشار الى من طلب [البطيخ بالأكل] (¬2)، ورفع الطعام، وتطلع الى صاحب الفقاع وقال له: يا أخي كان عندي [تحت الساعات أو] (¬3) باب (73 أ) البريد، ثم صاح يا فلان أدخل، فدخل بعض الفقراء وعلى رأسه دست نحاس مبيض، وفيه فقاع وعليه الثلج منحوت كما اشتهاه، وقال بسم الله اشرب، فشربنا الفقاع وبتنا عنده. فلما كان عند المغرب خرجنا الى خارج الزاوية، وإذا بدواب أهل الضيعة قد جاءوا من المرعى، وإذا بقطيع فيه بقر وغنم وفيه عجل سمين، فسألنا لمن هذا القطيع، فقالوا: للشيخ علي، فقال بعضهم الهريسة تحبيء بهذا (¬4) العجل عجب. فلما كان من الغد، أحضر الشيخ الطعام، ومن جملته هريسة، وقال هو لحم العجل الذي اشتهيته هريسة، فأكلنا وتعجبنا منه غاية العجب وودعناه وسافرنا، رحمه الله تعالى. ثم دخلت سنة ست وأربعين وستمائة فيها سافر السلطان الملك الصالح الى الشام، فوصل الى دمشق ونزل قلعتها، وعزل الطواشي شهاب الدين رشيد والصاحب جمال الدين ابن مطروح، وولى عوضهم الأمير جمال الدين ابن يغمور (¬5). وفيها قايض (¬6) الأشرف موسى بن المنصور صاحب حمص مع الملك الناصر يوسف بن العزيز، صاحب حلب، حمص بتل باشر. وفيها جهّز الصالح العساكر الى حمص مع فخر الدين ابن الشيخ، وسخّر الفلاحين لحمل المجانيق الى حمص، فكانوا يحملون كل عود قيمته عشرون درهما بألف درهم، فخرب ¬
[الوفيات]
الشام وهرب أهله. ونصبوا المجانيق على حمص، وخرج عسكر حلب الى لقاهم (¬1) (73 ب) وكان الشيخ نجم الدين البادراني (¬2) بالشام، فدخل بين الفريقين ورد الحلبيين الى حلب والدماشقة الى دمشق، وعاد الصالح أيوب الى مصر مريضا في محفة (¬3). وفيها احترق المشهد الحسيني بالقاهرة، وذكر من يتبع التواريخ أن الأماكن الشريفة إذا أحترقت لا يخلو من غلو في الاسعار أو وجلا من العدو (¬4). وفيها في ليلة الأحد خامس عشري رجب وقع الحريق في المأذنة الشرقية بجامع دمشق فاحترق أعلاها وجميع ما فيها من البيوت والمطالع، فإنها كانت سقالات خشب، وسلم الجامع بفضل الله تعالى (¬5). [الوفيات] وفيها مات (¬6) الملك المظفر، شهاب الدين غازي بن الملك العادل، صاحب الرها، وميّافارقين. وكان شجاعا، شهما جوادا، اجتمع فيه الفروسية والكرم. قال أبو المظفر (¬7): اجتمعت به في الرها [سنة 612 وأنا قاصد الى خلاط] (¬8) وكان لطيفا ينشد الأشعار ويحكي الحكايات. أنشدني لابن منقذ قوله: [الطويل] ولما التقينا للوداع تحدرت ... دموعي إلى أن كدت بالدمع أغرق ¬
فقلت لها يا عين هذا لقاؤنا ... فقالت ألسنا بعد ذا نتفرق وكتب على ظهر تقويم: [البسيط] إذا أردت اختيار السعد فيه فقل ... على الذي في يديه السعد أتّكل سلّم الى الله فيما أنت فاعله ... فما الى النجم لا قول ولا عمل ورثاه سعد الدين [فقال] (¬1): [الوافر] (74 أ) ألا روّى الإله تراب قبر ... حللت به شهاب الدين غازي وأسكنك المليك جنان عدن ... وكان لك المكافئ والمجازي فضلت الناس مكرمة وجودا ... فما لك في البرية من موازي وكنت الفارس البطل المفدى ... مبيد القرم في يوم البراز فتضربه بأبيض مشرفي ... وتطعنه بأشرف (¬2) ذي اهتزازي وترتب بعده ولده الملك الكامل ناصر الدين محمد. وفيها مات القاضي عماد الدين أحمد بن سديد الدين محمد بن سليم بن حنا، أخو الصاحب بهاء الدين. وفيها مات أبو عمرو عثمان ابن عمر بن أبي بكر ابن يونس الدوني ثم المصري، الفقيه المالكي المعروف بإبن الحاجب (¬3)، الملقب جمال الدين. كان أبوه حاجب الأمير عز الدين موسك الصلاحي، وكان كرديا واشتغل ولده أبو عمرو بالقاهرة وهو صغير بالقرآن الكريم ثم بالفقه على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، ثم بالعربية والقراءات، وبرع في علومه وأتقنها غاية الاتقان، ثم انتقل الى دمشق ودرس بجامعها في زاوية المالكية وأكب الخلق بالاشتغال عليه، والتزم لهم الدرس وتبحر في العلوم، وكان الأغلب عليه علم العربية. ¬
وكان من أحسن الناس ذهنا ثم عاد الى القاهرة وأقام بها ولازمه الناس للاشتغال عليه، ثم انتقل الى الاسكندرية للإقامة بها، فلم تطل مدته هناك. وصنف مختصرا في مذهبه ومقدمه وجيزة في النحو وأخرى مثلها في التصريف، وشرح المقدمتين، وصنف (74 ب) في أصول الفقه، وكل تصانيفه في نهاية الحسن والإفادة، وخالف النحاة في مواضع وأورد عليهم إشكالات والزامات تبعد الإجابة عنها، وكان من أحسن خلق الله ذهنا. ثم عاد الى القاهرة وأقام بها ولازمه الناس للاشتغال عليه، ومات بالاسكندرية ضحى (¬1) نهار الخميس سادس عشري شوال من هذه السنة، ودفن خارج باب البحر، وكان مولده في سنة سبعين وخمسمائة بأسنا من أعلى صعيد مصر. وفيها مات قاضي القضاة، أفضل الدين أبو عبد الله [محمد بن نامور] (¬2) بن عبد الملك. كان قاضي قضاة مصر قديما وكان حكيما منطقيا أصوليا فاضلا عالما بأكثر العلوم. وكان الحديث عنه في مدة ولايته القضاء حسنا جميلا، فإنه كان نزها عفيفا، أقام الأحكام أحسن قيام، وصنّف كتبا كثيرة أكثرها عقلية. وكانت وفاته في خامس رمضان المعظم من هذه السنة، وذكر الشيخ بهاء الدين ابن الجميزي (¬3)، أنّ أفضل الدين الخونجي (¬4) أخبره أن مولده سنة تسعين وخمسمائة، وتولى القضاء بعده ولده جمال الدين يحيى. وفيها مات الوزير أبو الحسن علي بن يوسف ابن إبراهيم ابن عبد الواحد بن [موسى] (¬5) بن أحمد بن محمد بن إسحاق القفطي، المعروف بالقاضي الأكرم (¬6)، وزير حلب، أحد الكتاب المشهورين المبرزين في النظم والنشر. مولده بمدينة قفط من أعمال الصعيد الأعلى بمصر. ¬
قال الحافظ (¬1) أبو عبد الله البغدادي: اجتمعت به بحلب، فوجدته جم الفضائل ذا فنون (75 أ) كثيرة، عظيم القدر، سخي الكف، طلق الوجه حلو الشمائل، مشاركا لأرباب كل علم في علمهم من النحو واللغة والفقه والحديث وعلم القرآن والأصول والمنطق والنجوم والهندسة والتاريخ والتعديل، يتكلم في كل علم مع أربابه أحسن كلام. أنشدني (¬2): [السريع] ضدّان عندي قصّرا همّتي ... وجه حيي ولسان وقاح إن رمت أمرا خانني ذو الحيا ... ومقولي يطمعني في النّجاح فأنثني في حيرة منهما ... لي مخلب ماض ومالي (¬3) جناح شبه جبان فرّ من معرك ... خوفا وفي يمناه عضب (¬4) الكفاح وله في أعور: [السريع] شيخ لنا يعزى الى منذر ... مستقبح الأخلاق والعين من عجب الدّهر فحدّث به ... بفرد عين ولسانين وله من التصانيف كتاب «الضاد والظاء» وهو ما اشتبه في اللفظ واختلف في الخط، وكتاب «الدّر الثمين في أخبار المتيّمين» وكتاب «من ألوت الأيام إليه فرفعته ثم التوت (¬5) عليه فوضعته» وكتاب «أخبار المصنّفين وما صنّفوه» وكتاب «أخبار النحويين» وكتاب «تاريخ مصر من ابتدائها الى حين ملكها صلاح الدين» في ست مجلدات، وكتاب «تاريخ المغرب ومن تولاها من بني تومرت» وكتاب «تاريخ اليمن منذ اختطت والى زمانه»، (75 ب) وكتاب «الحلي والشيات» (¬6) وكتاب «الإصلاح لما وقع من الخلل في كتاب الصّحاح» ¬
ثم دخلت سنة سبع وأربعين وستمائة
[للجوهري] (¬1)، وكتاب «الكلام على الموطّأ» (¬2) وكتاب «الكلام على صحيح البخاري» (¬3) وكتاب «تاريخ محمود بن سبكتكين وبنيه الى حين انفصال الأمر عنهم» وكتاب «تاريخ أخبار السلجوقية من ابتداء أمرهم الى انتهائه»، وكتاب «الإيناس في أخبار آل مرداس» وكتاب «الرد على النصارى» [وذكر مجامعهم] (¬4)، وكتاب «مشيخة زيد بن الحسن الكندي»، وكتاب «نزهة (¬5) الخاطر ونزهة الناظر في أحسن (¬6) ما نقل من [على] (¬7) ظهور الكتب». وكان جماعا للعلوم محبا للكتب، جمع منها ما لم يجمع أحد من أبناء جنسه في الدنيا على الإطلاق، فإنه اشتهر بالرغبة فيها والميل اليها فقصد بها من الآفاق، وغالى في أثمانها، فجمع منها ألوفا كثيرة بالخطوط المنسوبة، وما وقع في يده كتاب مليح فأمكن ردّه، بل يبالغ في ثمنه حتى يصير في ملكه، فإذا صار في ملكه قرأه جميعه ورده الى خزانته، فلا يكاد يظهر عليه أحدا، صيانة له وضنا به. وكان شديد الشغف بها ضنينا بإخراجها، ولم يكن له ولد ولا زوجة. وكانت وفاته في شهر رمضان ووصى بكتبه للملك الناصر يوسف ابن العزيز ابن الظاهر، وكانت تساوي خمسين ألف دينار، ودفن بحلب رحمه الله تعالى. وفيها ولدت امرأة ببغداد أربعة أولاد، فمات أحدهم وأحضرت ثلاثة الى دار الخلافة، فاستعجبوا، (7 أ) لها وأعطيت ما قيمته ألف دينار فاستغنت (¬8). ثم دخلت سنة سبع وأربعين وستمائة فيها عاد السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب من دمشق (¬9) الى مصر [في المحفة ¬
مريضا] (¬1) في المحرم ونادى في مصر، من كان له علينا أو عندنا حق فليحضر ليأخذ حقه، فطلع الناس وأخذوا ما كان لهم. وفيها ورد كتاب الصالح على نائبه بدمشق جمال الدين ابن يغمور، يأمره بخراب دار أسامة، وقطع شجر بستان القصر [الذي للناصر داود] (¬2) بالقابون (¬3)، وخراب القصر فتوقف مدة ثم جاءته كتب عدة، وأخرب الدار والقصر وقطع الشجر (¬4). وفيها مضى الملك الأمجد أبو علي الحسن ابن الناصر داوود من الكرك الى مصر، وسلم الكرك الى الصالح أيوب في جمادى الآخرة (¬5)، فأعطاه مالا وأخرج الصالح من الكرك بنات المعظم وعياله، وأم الناصر وجميع من كان فيه، وبعث إليه ألف ألف دينار وذخائر وأسلحة وجواهر وأشياء كثيرة (¬6). وفيها وصل ملك الفرنج إفرنسيس (¬7) الى دمياط بمراكب كثيرة، فسار السلطان ونزل قريب المنصورة، فبلغه أن عساكر الفرنج قد احتاطوا بدمياط (¬8). وفيها وصل كتاب (¬9) إفرنسيس ملك الفرنج الى السلطان الملك الصالح، ومضمونه بعد كلمة كفرهم، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله: أما بعد، فإنه لم يخف عنك أنني أمين الأمة العيسوية، وكما أنا أقول إنك أمين الأمة المحمّدية. وأنه غير خاف ¬
(76 ب) عنك أن عندنا أهل جزائر الأندلس وما يحملوا (¬1) إلينا من الأموال والهدايا، ونحن نسوقهم سوق البقر، ونقتل منهم الرجال ونرمّل النساء، ونستأسر البنات والصبيان، ونخلي منهم الديار. وأنا قد أبديت لك ما فيه كفاية وأبديت لك النصح الى النهاية. فلو حلفت لي بكل الإيمان، ودخلت على القسوس (¬2) والرهبان وحملت قدّامي الشمع طاعة للصلبان فإنني واصل إليك وقاتلك في أعز البقاع إليك، فإن كانت البلاد لي، فيا هدية حصلت في يدي، وإن كانت البلاد لك والغلبة عليّ، فيدك العليا ممتدة إليّ. وقد عرّفتك وحذرتك من عساكر حضرت في طاعتي، تملأ السهل والجبل، وعددهم كعدد الحصى، وهم مرسولين (¬3) إليك بأسياف القضا». قال المؤرخون، فلما وصل السلطان الكتاب وقرأه، تغرغرت عيناه بالدموع، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. عند ذلك قام القاضي بهاء الدين الزهير، كاتب الإنشاء واستأذن في كتب الجواب، فأذن له ذلك، فكتب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد، فإنه وصل كتابك وأنت تهدد فيه بكثرة جيوشك وعدد أبطالك، فنحن أرباب السيوف، وما قتل منا قرن إلا جددناه، ولا بغى علينا باغ إلا دمرناه. ولو رأت عيناك أيها المغرور حد سيوفنا وعظم حروبنا وفتحنا منكم الحصون (77 أ) والسواحل وأخربنا منكم ديار الأواخر والأوائل، لكان لك أن تعضّ على أناملك بالندم، ولا بد أن تزلزل بك القدم في يم أوله لنا وآخره عليك، فهنالك تسيء بك الظنون {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (¬4) فإذا قرأت كتابي هذا، [فكن] (¬5) فيه على أول سورة النحل: {أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} (¬6) وتكون على آخر سورة ص: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} (¬7) وتعود الى قول الله تبارك وتعالى، وهو أصدق القائلين: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصّابِرِينَ} (¬8) وقول الحكماء: «إن الباغي له مصرع، وبغيك ¬
يصرعك والى البلاء يقلبك، [والسلام] (¬1). ثم إنّ السلطان رحل ونزل على المنصورة، وتقدمت الفرنج الى السلطان والتقى الجيشان وتقابل الفريقان، فقتل الأمير صارم الدين أزبك الوزيري (¬2). وفيها خرج (¬3) الامراء الكنانية من ثغر دمياط، وتركوه، فاستولى (¬4) عليه الفرنج يوم الأحد ثالث عشري صفر. ولما وصلوا (¬5) الامراء الكنانية بباب الدهليز، رسم السلطان بشنقهم، كونهم خرجوا من دمياط وسلموها بغير إذنه، فشنقوا جميعا، وكانوا نيفا على خمسين أميرا، وقامت على العسكر القيامة، ودعوا على الصالح أيوب. قال أبو المظفر (¬6): وبلغني أن مماليكه أرادوا قتله، فقال لهم ابن الشيخ، اصبروا عليه، فهو على شفا، فإن مات فقد استرحتم منه، وإلا فهو بين أيديكم. فمات الصالح بالمنصورة (77 ب) في ليلة النصف من شعبان، وكانت أم خليل عنده، وهي المدبرة للأمور، فلم تغير شيئا، وصار الدهليز على حاله والسماط في كل يوم يمد والأمراء في الخدمة، وهي تقول السلطان مريض ما يصل إليه أحد. وقيل كان موته في ليلة الإثنين النصف من رمضان ودفن بالمنصورة، وكتم أمره. وقبل وفاته كتب وصية (¬7) لولده الملك المعظم تورنشاه، وكان مقيما بقلعة حصن كيفا. وكان مدة مملكة الصالح عشر سنين إلا خمسين يوما. وكان ملكا حازما، مهابا، شجاعا ذا سطوة عظيمة، وهيبة شديدة، وهمة عالية. وكانت البلاد في أيامه آمنة مطمئنة [والطرق سابلة] (¬8). عمّر قلعة الروضة قبالة مصر، وغرم عليها أموالا (¬9) عظيمة، واشترى ألف مملوك، وقيل ثمانمائة مملوك، وأسكنهم قلعة الروضة وسماهم البحرية. فهو أستاذ الترك الذي جلبهم لهذه البلاد. وهدم كنيسة النصارى ¬
اليعاقبة التي كانت إلى جانب المقياس وأدخلها في القلعة. وكان محبا لجمع المال عاقب أم أخيه (¬1) العادل وأخذ أموالها وجواهرها [وقتل أخاه العادل] (¬2). واعتقل جماعة من الأمراء المصريين، وأخذ أموالهم وذخائرهم. ومات في حبسه ما يزيد على خمسة آلاف [نفر] (¬3) وما كان أحد يجسر أن يشفع عنده شفاعة. وقتل جماعة كبيرة من الأمراء الكاملية والعادلية (¬4). وأوصى أن يكون نائب السلطنة لولده المعظم، الأمير فخر الدين ابن الشيخ، وحلف الأمراء على ذلك. ولما مات السلطان (78 أ) أرسلوا لولده المعظم تورنشاه ليحضره الفارس أقطاي، وكان رأس البحرية مماليك الصالح، فسافر الى حصن كيفا وأخذ المعظم وسلك به البرية، وخاطر بنفسه (¬5) وكاد يهلك من العطش. ووصل الى دمشق في آخر رمضان، وخلع على الدماشقة وأعطاهم الأموال وأحسن إليهم، وما سئل شيئا قط، فقال لا. قال أبو المظفر (¬6): وبلغني أنّه كان في دمشق ثلاثمائة ألف دينار، فأخرجها كلها واستدعى من الكرك مالا فأنفقه أيضا. وكان الأمير فخر الدين ابن الشيخ قد أشار بتحليف العساكر للمعظم تورنشاه، فحلفوا له وذلك كله مع إخفاء موت الصالح، وأطلق فخر الدين ابن الشيخ السكر والكتان الى الشام (¬7). وكانت أم خليل شجر الدر تكتب خطا يشبه خط الصالح أستاذها، وكانت تعلّم على المناشير والتواقيع. وكان الصالح قد فسد (¬8) مخرجه وامتد [الجرح] (¬9) الى فخذه اليمنى وأكل (¬10) جسمه، فعملت له محفة يركب فيها، وكان يتجلد ولا يطلع أحدا على حاله، ثم ¬
حمل الى الجزيرة، فعلق بسلاسل، ثم قبر في تربته الى جانب مدرسته بالقاهرة. وفيها في يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة، كانت الوقعة على المنصورة، ووصل الفرنج الى الدهليز، خرج فخر الدين ابن الشيخ، وقاتل حتى قتل، وانهزمت العساكر، ثم أن المسلمين انتخوا، فعادوا على الفرنج فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وملك الفرنسيس الجزيرة التي مقابل المنصورة (¬1). وفيها (78 ب) وصل السلطان الملك المعظم، وهو السلطان التاسع من بني أيوب بمصر، وهو تورنشاه ابن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب ودخل الى الديار المصرية (¬2) يوم الثلاثاء تاسع عشر ذي القعدة، فاستولى على المملكة في يوم الأربعاء، وسافر الى المنصورة، فنزلها فرحل الفرنسيس وعساكره طالبا دمياط. وفيها أسلم معين الدولة هبة الله بن حشيش، كاتب الملك المعظم تورنشاه، وكان نصرانيا فأوعده السلطان بالوزارة إن أسلم فأسلم (¬3). وفيها وصل الى بغداد، طائفة من التتار، كبسوا وقتلوا، ونهبوا الأموال بخانفين، وجفل الناس من طريق خراسان. فندب الخليفة عسكرا صحبة الأمير بلبان المستنصري (¬4). وفيها ألزم الناس في جمادى الأولى ببغداد بالمبيت في الأسواق، وإشعال الأضواء في البلد من الجانبين، وجميع المحال والذروب (¬5). وفيها وصل الى بغداد شخص صغير الخلقة [جدا] (¬6) يقال له أبو منصور الأصبهاني، طوله ثلاثة أشبار وثلاثة أصابع، ومن كعبه الى ركبته قبضة، ولحيته طويلة تزيد على شبر ¬
[الوفيات]
ونصف وعمره إذ ذاك خمس وأربعون سنة، [فحمل الى الخليفة] (¬1) فانعم عليه وأجرى له راتبا. وفيها في العشر الأخير من ذي القعدة، ملك مكة المشرفة أبو سعيد علي بن قتادة (¬2). وفيها قتل [الشريف] (¬3) شيحة صاحب المدينة النبوية، على ساكنها أفضل (79 أ) الصلاة والسلام والرحمة، وولي بعده ولده عيسى. وفيها في خامس عشر شوال، مات الطواشي شمس الخواص مسرور بالقاهرة ودفن بتربته بالقرافة. وفيها في يوم السبت عاشر شوال، مات سعد الدين مسعود ابن هنس رحمه الله تعالى. وفيها قتل نجم (¬4) الدين بن شيخ الاسلام وكان قد قفز من الكرك الى مصر. فقال الصالح لابن الشيخ (¬5) والعسكر: ما قدرتم [أن] (¬6) تقفوا بين يدي الافرنج لما دخلوا الى دمياط، وما قتل من العسكر إلا هذا الضعيف [ويعني ابن شيخ الاسلام] ولو عاش لأهلك ابن الشيخ وغيره. [الوفيات] وفيها ماتت من كانت سببا لإصلاح زوجها في الدنيا والآخرة، وهي ياسمين (¬7) والدة الأمير نوري ابن الأمير علي ابن قشتمر الناصري، المعروفة بجارية جميل. كانت مغنية مشهورة يحضرها مولاها في المشارب والمواضع المنكرة، فأحضرها ليلة عيد الأمير شرف الدين علي بن قشتمر، ليشرب عليها، فمال إليها وأحبها حبّا شديدا، وطلب منها الخلوة بها ورغّبها في المال، فامتنعت عنه، وقالت: هذا لا عادة لي به ولا يمكن هذا إلا بعقد نكاح شرعي. ¬
فشرط الإلتزام بما يلزم أمثاله وأمثالها من الزوجات الحرائر، وعقد عليها باذن مولاها بعد أن رغبه فيما أعطاه، وابتاعها منه وأعتقها، وكتب لها ألف دينار. وكان قبل أن يتزوج بها مشغولا باللهو، مواظبا على شرب الخمر وإتلاف المال في ذلك، فأخذت عليه العهود والإيمان بترك ذلك (79 ب) فالتزم بما ألزمته وحسنت حاله وكثر ماله. وكان قد حسب قدر ما يخرج منه في كل سنة في هذا الوجه فكان يزيد على عشرة آلاف دينار، فقالت له: اجعل نصف هذا المبلغ صدقة تؤجرها عند الله تكفّر بها ما سبق مني ومنك، ففعل ذلك وأجرى الجرايات من الصدقات على الأرامل والأيتام والفقراء وأرباب البيوت وصار من أعيان الناس في فعل الخير، وحسنت طريقته، وحمدت سيرته. ولم يزل على ذلك حتى مات. وكانت المذكورة عاقلة، صارمة الرأي، وبعد وفاة سيدها رغب جماعة من الأمراء الأكابر في التزوج بها، فلم ترغب وأبت، ولم تزل مواظبة على العبادة وفعل الخير الى أن ماتت. وبنت رباطا للنساء، وأوقفت عليه وقفا جيدا، ولم تزل على ذلك حتى ماتت في شهر رمضان من هذه السنة. وفيها مات (¬1) السلطان الملك المنصور نور الدين عمر ابن علي ابن رسول صاحب اليمن، وابن صاحبها. وثب عليه جماعة من مماليكه فقتلوه باتفاق بينهم وبين أولاد أخيه بدر الدين حسن. وملك اليمن بعده ولده الملك المظفر شمس الدين يوسف. وفيها مات الشيخ الصالح العارف الزاهد، أبو الحسن علي بن أبي القاسم ابن عرى (¬2) ابن عبد الله الدمياطي، المعروف بابن قفل. مات يوم الأحد رابع عشري ذي الحجة برباطه بالقرافة الكبرى ودفن به. ومولده بدمياط سنة خمس أو ست وخمسمائة. وفيها ماتت (80 أ) بنت الخليفة الإمام المستعصم بالله، في العشرين من شعبان ودفنت في دار الخيش (¬3) من الدار المذهبة، وعمل (¬4) الشعراء فيها المراثي. ¬
ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وستمائة
ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وستمائة في أول ليلة منها كان المصاف (¬1) بين المسلمين والفرنج على المنصورة. وبعد وصول الملك المعظم تورنشاه الى المخيم، مسك الفرنسيس وأخوه (¬2) وجماعة من الخيالة والرجالة، فاعتقل الفرنسيس وأخوه بدار لقمان فخر الدين، بالمنصورة، وقتل من الفرنج مائة ألف (¬3). ووصل كتاب المعظم تورنشاه إلى الأمير جمال الدين ابن يغمور بخط يده يقول [من] (¬4) ولده تورنشاه: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، وما النصر إلا من عند الله، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، وأما بنعمة ربك فحدث، وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها. نبشر المجلس السامي (¬5) الجمالي (¬6)، بل نبشر الإسلام كافة، بما منّ الله على المسلمين من الظفر بعدو الدين. فإنه قد استفحل أمره واستحكم شره، ويئس العباد من البلاد والأهل والأولاد، فنودي {لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ} (¬7). ولما كان يوم الأربعاء مستهل السنة المباركة تمم الله على الإسلام بركتها (¬8)، فتحنا الخزائن وبذلنا الأموال، وفرقنا السلاح (¬9)، وجمعنا العربان [والمطوعة] (¬10)، فاجتمع خلق [عظيم] (¬11) لا يحصيهم إلا الله تعالى، فجاءوا (¬12) من كل فج عميق. [ومكان بعيد سحيق] (¬13). فلما رأى العدو ذلك أرسل يطلب (¬14) ¬
الصلح على ما وقع [عليه] (¬1) الاتفاق بينهم وبين الملك الكامل، فأبينا. ولما كان [في] (¬2) الليل تركوا خيامهم وأموالهم (80 ب) وأثقالهم وقصدوا دمياط هاربين ونحن في آثارهم طالبين، وما زال السيف يعمل في أدبارهم عامة الليل، رحل بهم الخزي والويل، فلما أصبحنا نهار الأربعاء قتلنا منهم ثلاثين ألفا غير من ألقى نفسه في اللجج، وأما الأسرى فحدث عن البحر ولا حرج. والتجأ الفرنسيس الى المنية (¬3)، وطلب الأمان فأمناه وأخذناه وأكرمناه، وتسلمنا دمياط بعون الله تعالى وقوته وجلاله وعظمته». وذكر كلاما طويلا، وبعث [المعظم] (¬4) مع الكتاب بغفارة (¬5) الفرنسيس ملك الفرنج، فلبسها جمال الدين نائب دمشق، وهي أشكرلاط (¬6) أحمر بفرو سنجاب، فنظم في ذلك الشيخ نجم الدين ابن إسرائيل قوله [الخفيف] إنّ غفّارة الفرنسيس التي ... جاءت حباء لسيد الأمراء كبياض القرطاس لونا ولكن ... صبغتها سيوفنا بالدماء وقال: [الطويل] أسيّد أملاك الزمان بأسرهم ... تنجزت من نصر الإله وعوده فلا زال مولانا يبيح حمى العدى ... ويلبس أسلاب الملوك عبيده وفيها في العشرين من المحرم دخل الناس الى كنيسة مريم بدمشق فرحين بما جرى للفرنج ومعهم المغاني والمطربون، وهموا بهدمها. قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة في ذيل تاريخه (¬7): بلغني أن النصارى ببعلبك سودوا وجوه الصور التي في الكنيسة، وسخموها حزنا على ما جرى على الفرنج (81 أ) فعلم بهذه ¬
القصة الوالي فجنّاهم جناية شديدة، وأمر اليهود بصفعهم وضربهم وإهانتهم. وفيها وصل الملك السعيد فخر الدين حسن ابن الملك العزيز عثمان ابن العادل أبو بكر ابن أيوب صاحب بانياس منهزما من مصر: نفاه المعظم تورنشاه. [فلما طلع دمشق طلع الى عزتا واعتقل فيها] (¬1). وفيها بقي الملك المعظم يبعد أمراء والده وغلمانه، ويقرّب الذين حضروا معه، فجعل الطواشي شمس الخواص مسرور أستادار، وجعل الطواشي صبيح أمير جاندار، وكانت خادما حبشيا، وأمر أن يصاغ له عصا من ذهب، وأنعم عليه بأموال كثيرة وأقطاعات وخالف وصية والده جميعها. فاجتمع جماعة من الأمراء واتفقوا على قتله (¬2)، فلما كان الإثنين سادس عشري المحرم، جلس السلطان على مرتبة حكمه، ومد السماط، واجتمعوا (¬3) الأمراء، وأخذوا منازلهم وأكلوا السماط على ما جرت به العادة. فلما فرغ السماط أعطى دستور (¬4)، فلما خلي المكان تقدم إليه بعض مماليك والده (¬5) وضربه بالسيف فالتقى بيده الضربة وخرج المملوك هاربا، فقال السلطان قد عرفتك يا ملعون أين تروح. عند ذلك خاف الضارب على نفسه مما قد عمل واجتمع برفقته وعرفهم ما جرى، فدخلوا عند ذلك جميعا وسيوفهم بأيديهم مجردة. فلما أبصرهم السلطان المعظم هرب الى برج (¬6) الخشب الذي بالخيمة، وأغلق عليه الباب والدم خارج من يده. عند ذلك أحضروا نارا وأحرقوا (81 ب) البرج، فرمى بنفسه وهرب الى صوب البحر وهو يقول: ما أريد ملكا دعوني أرجع الى الحصن يا مسلمين، ما فيكم من يصطنعني ويجيرني، والعساكر كلها واقفة فما أجابه أحد والنشاب تأخذه، فتعلق بذيل [الفارس] (¬7) أقطاي، فما أجاره، فقطعوه قطعا وبقي على جانب البحر ثلاثة أيام حتى انتفخ ولا يجسر أحد أن يدفنه، حتى شفع فيه رسول الخليفة، فحمل الى ذلك الجانب، فدفن. ولما قتلوه كان الفرنسيس في حبسه، وكان الذي باشر قتل المعظم أربعة من مماليك والده. ¬
قال سعد الدين مسعود ابن تاج الدين ابن الشيخ، حكي لي [رجل] (¬1) صادق أنّ أباه الملك الصالح قال للطواشي محسن: اذهب الى أخي العادل الى الحبس وخذ معك من المماليك من يخنقه، فعرض محسن ذلك على جماعة من المماليك، فامتنعوا بأسرهم إلا هؤلاء الأربعة، فانهم مضوا معه وخنقوه، فسلطهم الله على ولده حتى قتلوه أقبح قتلة [ومثلوا به أعظم مثله مثلما فعل بأخيه] (¬2). قال أبو المظفر (¬3): وحكى لي الأمير حسام الدين ابن أبي علي، قال: كان تورنشاه متخلفا لا يصلح للملك، فإنا كنا نقول للملك الصالح: يا خوند ما نرسل نحضر المعظم إلى هاهنا، فيقول: دعونا من هذا، فلما ألححنا عليه يوما، قال: متى جاء الى هنا قتلته. قال أبو المظفر: حكي لي العماد ابن درباس، قال رأى جماعة من أصحابنا الملك الصالح أيوب في المنام وهو يقول: [مجزوء الرمل] قتلوه شر قتلة ... صار للعالم مثله (82 أ) لم يراعوا فيه إلاّ ... لا ولا من كان قبله ستراهم عن قليل ... لأقل الناس أكله فقتل المعظم تورنشاه حريقا قتيلا غريقا رحمه الله تعالى. فكانت (¬4) مدة مملكته بالديار المصرية سبعون (¬5) يوما. ووصل الخبر الى دمشق أول صفر لأنه قتل في سابع عشري المحرم. وفيها لما جرى ما ذكرناه اتفقوا (¬6) الأمراء وأكابر الدولة وأرباب المشورة على سلطنة الست شجر الدر أم خليل سرية السلطان الملك الصالح، وحلفوا لها لما يعلموا (¬7) منها أنها كانت أيام زوجها تدبر أمر السلطنة وتقضي حوائج الناس وتعلّم على المناشير والتواقيع، فحلف لها جميع العساكر المصرية والشامية وخطب لها على المنابر بمصر والقاهرة وكانت تعلّم ¬
على المناشير والتواقيع «والده خليل» (¬1). وفيها لما استمر أمرها رتبت الأمير عز الدين أيبك التركماني نائبا عنها، وأتابك العساكر المصرية والشامية في عاشر صفر. وفيها اتفقوا (¬2) الأمراء والست شجر الدر على إطلاق الفرنسيس ملك الفرنج وبيعه نفسه لأمور تقدمت اليهم في المراسلة، واشترطوا أنه يسلم دمياط للمسلمين ويحمل أموال تقررت عليه (¬3)، وحلّفوه، فحلف لهم وسلّم لهم دمياط في شهر صفر، وأطلقوا الفرنسيس وأخيه وزوجته (¬4) وتوجهوا الى بلادهم. فكانت مدة إقامة دمياط بيد الفرنج أحد عشر شهرا وتسعة أيام. (82 ب) وفيها تزوجت الست شجر الدر عز الدين أيبك التركماني الصالحي الجاشنكير (¬5) وذلك في تاسع عشرين ربيع الآخر. وفيها في مستهل ربيع (¬6) الآخر وصل الملك الناصر صاحب حلب الى قارا (¬7) يريد دمشق، فأرسل جمال الدين ابن يغمور والقيمرية [الى عزتا] (¬8) وأحضروا الملك السعيد ابن العزيز الى دمشق وأنزلوه في دار فرخشاه (¬9) وتقدم الناصر بعساكره، فنزل القصير (¬10) وانتقلوا ¬
الى داريا (¬1) يوم السبت سابع ربيع الآخر، وزحفوا على المدينة يوم الأحد ثامنه الى الباب الصغير، وكان مسلّما الى ضياء الدين القيمري والى باب الجابية وكان مسلّما لناصر الدين القيمري. وكان المجاهد إبراهيم (¬2) في القلعة، فلما وصلوا الى البابين كسرت الاقفال من داخل، وفتحت الأبواب، فدخلوا ونهبوا (¬3) دار جمال الدين ابن يغمور وسيف الدين المشد وعسكر مصر ودمشق، وأخذت خيولهم من اصطبلاتهم [وأموالهم وأثاثهم من دورهم] (¬4) ودخل ابن يغمور الى القلعة، ثم نودي بالأمان وانقضت أيام الصالح أيوب بدمشق [وكانت مملكته الأخيرة خمس سنين إلا أياما] (¬5) [وبني العادل] (¬6) ثم دخل الناصر القلعة وطيب قلوب الناس، ولم يغير على أحد شيئا. وكان الملك الناصر [داود] (¬7) بالعقيبة فجاءه ابن الملك العزيز، فبات عنده [تلك الليلة] (¬8) وهرب الى الصبيبة، وكان بها خادم من خدامه فكتب له، فلما وصل إليها فتح له الخادم. وتسلم الناصر بعلبك من الحميدي [وفيها تسلم الناصر] (¬9) بصرى وصرخد وغيرهما. وفيها في ليلة الأربعاء (¬10) ثاني شعبان، كان الناصر داوود في قصر القابون (83 أ) وكان الملك الناصر يوسف نازلا بالمزة مريضا، فبعث ناصر الدين القيمري ونظام الدين ابن المولى الى الناصر داوود فأحضراه الى المزة وضربوا له خيمة واعتقلوه بها. وأختلف أصحاب التواريخ في مسكه على أقوال، أحدها أنّه طلب الدستور (¬11) [الى بغداد] (¬12)، فأعطوه أربعين ألف درهم فأنفقها في الجند وعزم على قصد مصر والثاني أنّ الصالح اسماعيل جاءه كتاب من مصر فأوقف شمس الدين لؤلؤ عليه، وأخبر حامله أنّه أوصل الى الناصر داوود ¬
كتاب آخر، فسألوه فأنكر، [و] (¬1) الثالث أنّ الصالح اسماعيل أشار عليهم بقبضه وقال: أنتم ما تعرفوه (¬2) نحن نعرفه وأنتم على قصد مصر وما هو مصلحة يبقى خلفنا ولا يكون معنا فقبضوه وأقام في المزة معتقلا أياما ثم بعثوا [به] (¬3) الى قلعة حمص فاعتقل بها، وأسكن أهله وأولاده ووالدته خانقاه الصوفية التي بناها شبل الدولة عند ثورا. وفيها اتفقوا (¬4) الأمراء الصالحية على تولية الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك المسعود، المنعوت باقسيس ابن السلطان الملك الكامل ابن العادل، فأجلسوه على كرسي المملكة (¬5) يوم الأربعاء ثالث جمادى الأولى وركب وشق المدينة يوم الخميس تاسع جمادى الآخرة وهو العاشر من بني أيوب بمصر ومدبر دولته الأمير عز الدين أيبك التركماني الجاشنكير وفوضوا اليه تدبير المملكة وأضيف اسمه الى اسمه في التوقيع والمناشير وسكة الدنانير والدراهم، واستمر الحال على ذلك وأن يخطب لهما [على المنابر] (¬6) وكان عمر الأشرف يومئذ ست (¬7) سنين، فاستوزر شرف الدين هبة الله ابن صاعد المعروف بالأسعد الفائزي (¬8). (83 ب) وفيها بلغ الطواشي بدر الدين الصوابي، ما جرى بالديار المصرية وتقلباتها، فأطمعته نفسه بملك الكرك والشوبك، وتفكر في نفسه أنّ هذا الأمر ما يصعب معه، ركب من الكرك بجماعته الى الشوبك وكان بها الملك المغيث بن العادل ابن الكامل، محبوسا فأخرجه من الحبس، وأعلمه بما جرى بالديار المصرية وملّكه الكرك والشوبك وأعمالها وحلف له، وحلف أهل القلعتين ومدينتهما. وكان الملك المغيث طفلا صغيرا، فصار الحكم جميعه للطواشي بدر الدين الصوابي وليس للملك المغيث الا مجرد الاسم (¬9). ¬
وفيها حضر الناصر صاحب حلب الى دمشق بعساكره وملكها (¬1) باتفاق من الأمراء القيمرية، فلما استولى على البلد والقلعة، اعتقل الأمير جمال الدين ابن يغمور ثم أخرجه بعد قليل من الاعتقال، وأحسن اليه، ثم اعتقل جماعة من الأمراء الصالحية وأعطى اقطاعات والمعتقلين للأمراء القيمرية زيادة على ما كان بأيديهم. وفيها اتفق الناصر يوسف صاحب حلب ودمشق ومن عنده من الأمراء القيمرية على الدخول الى الديار المصرية وأخذها ممن قد استولى عليها ووافقه الأمراء الدمشقيون والحلبيون، وخرج بعساكره طالبا الديار المصرية بإشارة بدر الدين لؤلؤ وكان كثير الاستهزاء بعساكر الديار المصرية، ويقول أخذها بمائتي قناع (¬2). فلما بلغ عز الدين أيبك ذلك، جمع العساكر وجمع عربانا من الصعيد (¬3) وخرج بجموع كثيرة، فكان الملتقى على منزلة الكراع بالقرب من الخشبي (84 أ) بالرمل، يوم الخميس العاشر من ذي القعدة، فانهزم المصريون ونهبت أثقالهم ووصلت طائفة من البحرية الصعيد، ونهبوا (¬4). وخطب في ذلك النهار بالقاهرة للسلطان الملك الناصر وكذلك في القلعة ومصر وسائر البلاد. وبات جمال الدين ابن يغمور بالعباسة، وأحمى الحمام للسلطان الملك الناصر وهيأ (¬5) له الإقامة، هذا والملك الناصر على كراع ما عنده خبر، وهو واقف بصناجقه (¬6) وخزائنه وأصحابه، وذلك أنّ الشاميين كسروا ميسرة المصريين وساقوا خلفهم، وما علموا بما جرى بعدهم. وأنكسرت ميمنة الشاميين، وأما القلبين (¬7) فإنهم ثبتوا وتقاتلوا، أما ميسرة المصريين فإنهم لما انكسروا دخلوا القاهرة وبعضهم راح الى الصعيد، وأما ميمنة الشاميين فإنهم لما انكسروا قتل منهم المصريون خلق كثير في الرمل وأسروا خلق كثير (¬8). ولما ثبت القلبان استظهر الملك الناصر، فخاف أمراؤه منه فهربوا منه بأطلابهم الى عند عز الدين أيبك التركماني، وهم الأمير جمال الدين ايدغدي العزيزي، والأمير جمال الدين أقوش الحسامي، والأمير بدر الدين بكتوت الظاهري ¬
والأمير سليمان العزيزي وجماعة. فلما هربوا (¬1) هؤلاء ضعف قلب من بقي من جماعته، وأن الأمراء الذين حضروا الى عند عز الدين أيبك أشاروا عليه بالحملة يدا واحدة على صناجق الملك الناصر، فقبل مشورتهم وحمل على صناجق الملك الناصر، فلم يجدوه، وأنه حسب هذه الفعلة فخرج من تحت الصناجق بجماعة قليلة (84 ب) فلما لم يجده عز الدين، عاد خائبا فقوى عليه الشاميون وتبعوه بالقتل والنهب ففرحوا (¬2) الأمراء القيمرية بذلك، وأرادوا الحملة، فوجدوا جماعتهم تفرقوا للكسب والنهب. فلما نظر عز الدين الى ذلك حمل عليم، وصبروا (¬3) القيمرية وهم الأمير بدر الدين لؤلؤ والأمير حسام الدين والأمير ضياء الدين، والأمير تاج الملوك ابن الملك المعظم. وقتل الأمير شمس الدين الحميدي والأمير بدر الدين الزرزاري وأسر جماعة من أكابر دولة الملك الناصر، منهم المعظم تورنشاه ابن صلاح الدين وأخيه ناصر الدين محمد، والملك الصالح اسماعيل ابن العادل، والملك الأشرف صاحب حمص، والأمير شهاب الدين القيمري والأمير حسام الدين طرنطاي العزيزي. فلما عاين الملك الناصر ذلك أخذ معه نوفل الزبيدي وعلي السعيدي وانهزم الى دمشق، هذا ما جرى هنا. وأما الأمير جمال الدين ابن يغمور فإنه ضرب دهليز السلطان الملك الناصر على العبّاسة، وما علم بما جرى. وأما الأمير عز الدين عاد نحو الديار المصرية يوم الجمعة حادي عشري ذو القعدة ومعه الملوك والأمراء المأسورين (¬4)، فلما قرب من العباسية رأى دهليز الملك الناصر مضروب (¬5) وحوله جماعة من العساكر بخيامهم، فلما رأى ذلك تزايدت أفكاره، وما عرف السبب، وأنه خرج بمن معه من العساكر، وطلب طريق العلاقمة (¬6) خوف (¬7) من واقعة وقعت بالديار المصرية، وما مكن أحد من التوجه الى ذلك الدهليز خوف (¬8) أن يؤخذ خبره (85 أ) أين توجه. وأما أهل الدهليز فإنهم بلغهم ممن عبر عليهم من المصريين ما جرى، فأرموا الدهليز وساروا الليل والنهار الى مأمنهم، وأما الأمير عز الدين فإنه لما وصل العلاقمة قعد بها ساعة وتوجه الى بلبيس فنزل عليها ثم رحل ودخل الى الديار المصرية ومعه ¬
الأسارى والطبول المشققة والخيول، والأموال والعدد. ولما وصلوا الى تربة الملك الصالح نجم الدين أيوب أحدقوا بالصالح اسماعيل وصاحوا يا خوند أين عينك ترى عدوك، ثم طلعوا الى القلعة ورموا الأسارى في الجباب وبعد أيام نفى جماعة الى الشام. وفيها عدم الصالح اسماعيل ابن السلطان بن أيوب، وقد تقدم خبره وكيف ملك دمشق، وكيف أخذت منه مرتين وكيف أسره الأمير عز الدين أيبك وحبسه بالقلعة، وجمع بينه وبين أولاده أياما ثم غيّبه عنهم، فلم يعرفوا له خبر (¬1) والى هلّم جرّا. وقيل إنّ الأمير عز الدين أجمع رأيه على قتله، فرسم للأمير عز الدين أيبك الرومي الصالحي بقتله، فأخذه وراح الى القرافة فقتله ودفنه بها (¬2). وكان الصالح المذكور ملكا كريما حسن السياسة لين الجانب، غير أنّه ظلم رعيته وأخذ أموالهم، ورتب الرفيع الجيلي قاضيا بدمشق فصادر أهل دمشق وأخذ أموالهم وأعطاها له. وفيها مالوا (¬3) المماليك البحرية على المصريين قتلا ونهبا فأخذوا أموالهم وسبوا حريمهم وفعلوا ما لا تفعله (85 ب) الفرنج بالمسلمين (¬4). وفيها لما جاء الخبر الى القاهرة بأن الملك الناصر انتصر كان السامري وزير الصالح اسماعيل معتقلا بالقلعة في جب هو وناصر الدين ابن يغمور وسيف الدين القيمري والخوارزمي صهر الملك الناصر يوسف، فخرجوا من الجب وعصوا بالقلعة، فلم يوافقهم سيف الدين القيمري، بل جاء وقعد على باب دار الأمير عز الدين أيبك التي فيها عياله وحماها، فلم يدع أحدا يقربها، وأما الباقون فصاحوا الملك الناصر يا منصور. فلما جاء الترك وفتحوا باب القلعة ودخلوا، فشنقوا السامري وناصر الدين اسماعيل ابن يغمور والخوارزمي متقابلين (¬5). وفيها كثر العيارين (¬6) ببغداد وصار لهم مقدم يقال له غيث، وتنوع أقدامهم وفسادهم ¬
[الوفيات]
حتى أن واحدا منهم قصد شخصا من ذوي الهيئات في صورة ناصح وقال له: إنّ عندك في دارك امرأة تفتح الباب نصف الليل وتدخل رجلا أجنبيا فعظم ذلك على الرجل وأنكره، فقال قف في دهليزك فإذا دق الباب خفية فافتح وقد اتضح لك ذلك. فترصد الرجل وأظهر أنّ ضيفا يريد أن يجيء اليه وبات في دهليز داره هو وغلام له، فلما طرق الباب قام وفتح الباب فهجم عليه جماعة من العيارين وكتفوه هو وغلامه وأخذوا جميع ما كان عنده وفعلوا مثل ذلك في أماكن متعددة وأكثر ما فعلوا ذلك في دور الأتراك والأمراء. [الوفيات] وفيها (86 أ) مات أمين الدولة (¬1) أبو الحسن المتطبب السامري، وزير الملك الصالح وقد تقدم وظهر من الأموال والتحف والجواهر ما لا يوجد في خزائن الخلفاء والملوك، حتى قيل إنّ قيمة ما ظهر له ما قيمته ثلاثة آلاف ألف دينار غير الودائع التي كانت عند أصدقائه. ووجد له عشرة آلاف مجلد من الكتب النفيسة والخطوط المنسوبة (¬2). وفيها مات أبو محمد الإمام رشيد الدين عبد الظاهر (¬3) ابن نشوان ابن عبد الظاهر بن نجدة الجذامي المصري المقرئ الضرير من ذرية روح بن زنباع. قرأ القراءات على أبي الجود وغيره وسمع وتصدر للإقراء مدة، وتخرج به جماعة. وكان مقرئ الديار المصرية في زمانه. روى عنه الدمياطي والحفّاظ وهو والد القاضي محيي الدين ابن عبد الظاهر. قال الشيخ صلاح الدين الصفدي (¬4): نقلت من خط ولده محيي الدين يرثيه بقوله: [الطويل] فما ابن كثير الدّمع إن مات نافع ... ولا نافع حزن عليك يحتّم خزانة علم قبره فلذا غدا ... بها كل يوم بالتلاوة يختم وفيها مات شيخ مصر وخطيبها العلاّمة بهاء الدين علي ابن هبة الله ابن الجميزي (¬5) وله ¬
ثم دخلت سنة تسع وأربعين وستمائة
تسعون سنة، وقيل مات في السنة التي بعدها والله أعلم. وفيها ماتت أرغون الحافظية (¬1) عتيقة السلطان الملك العادل أبو بكر وأنها سميت الحافظية لأنها ربت الملك الحافظ صاحب قلعة جعبر. كانت امرأة عاقلة مدبرة صالحة. وكانت مدة (86 ب) حبس المغيث ابن الصالح أيوب في قلعة دمشق تهيء له الأطعمة والأشربة، وتبعث له الثياب فحقد عليها الصالح اسماعيل وصادرها وأخذ منها أموالا جمة، يقال إنه أخذ منها أربعمائة صندوق. وكان العادل قد. . . (¬2) بابن صاحب الروم فماتت البنت وعاد الجهاز الى أرغون المذكورة، وكان جهازا عظيما. وكانت هذه أرغون قد عمرت زمانا طويلا، وكانوا أولاد أيوب يحترمونها. ووقفت دارها بدمشق على خدامها، وبنت بالجبل تربة تحت ثورا على طريق عين الكرش كانت بستانا [لياقوت] (¬3) غلام الشيخ تاج الدين الكندي فاشترته وبنت فيه مسجدا وتربة على الطريق وأوقفت عليها وقفا. ثم دخلت سنة تسع وأربعين وستمائة فيها عاد الملك الناصر يوسف من غزة الى دمشق، وجاء عسكر مصر، فنزل غزة والساحل ونابلس، وحكموا على البلاد الى الشّريعة (¬4). وجهّز الملك الناصر صلاح الدين عسكره، وجاءته نجدة وساروا الى غزة، فعاد الترك الى مصر راجعين، وأقام العسكر على غزة مدة سنتين وشهور (¬5)، وترددت الرسائل بينهم. وخرجت هذه السنة ثم التي بعدها على هذا. وفيها أحدث بمصر ظلامات (¬6) كثيرة على الرعية، وذلك بإشارة [الوزير] (¬7) الأسعد الفائزي. ¬
[الوفيات]
وفيها خرّبوا (¬1) الترك دمياط ونقلوا أهلها (¬2) الى مصر، وأخربوا (87 أ) قلعة الجزيرة، وقيل أخلوها وهو الصحيح. وفيها عزل قاضي القضاة، عماد الدين أبو القاسم ابن أبي إسحاق ابن المقيشع (¬3) المعروف بابن القطب الحموي، وأضافوها الى قاضي القضاة بدر الدين السنجاري. وفيها حاصر الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، الملك المسعود ابن المعظم، صاحب الجزيرة، وهو يومئذ صهره زوج ابنته، وقبض عليه وأخذها منه قهرا وأنزله من القلعة، وأحدره الى الموصل في سفينة مقيدا، ثم في أثناء الطريق قبل وصوله الى الموصل غرّقه في الشط، وهو أخو الملوك الاتابكية بني آق سنقر (¬4). وفيها قصد جماز ابن شيحة المدينة النبوية - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والرحمة - وقبض على عيسى أخيه، وأقام بها. [الوفيات] وفيها مات الشيخ الإمام العالم العامل، بهاء الدين أبو الحسن، علي بن هبة الله بن سلامة بن المسلم بن أحمد بن علي اللخمي المصري المعروف بابن الجميزي (¬5). كان إماما كبيرا فاضلا عارفا بمذهب الشافعي، وكان يخالط الملوك. واتفق أنه حج في آخر عمره في سنة خمس وأربعين (¬6) فأهدى اليه صاحب اليمن هدية بمكة، فقبلها. فبلغ الملك الصالح أيوب ذلك، فأعرض عنه واستمر الأعراض، فلم يرض عنه بعدها. أخذ الفقه عن الإمام شهاب الدين الطوسي [بمصر] (¬7)، وشرف الدين ابن أبي عصرون [بالشام] (¬8) ومحمد بن ¬
يحيى (¬1). وتفقه بالشام على جماعة، وقرأ القراءات بالسبع (¬2) على الشاطبي والبطائحي (¬3)، وسمع الحديث الكثير وحدّث (87 ب) وكان قد سافر في عنفوان شبابه الى العراق. وسمع شهده وأقرانها. وسمع من الحافظ السلفي بمصر، وروى عنه، وكتب له بالفتيا والتدريس سنة خمس وسبعين وخمسمائة. وكان يلبس الطيلسان. ولم يمسك بيده ميزانا قط. ترسل من الملك الكامل الى الملك الأشرف، وتوجه أيضا رسولا الى بغداد هو وشجاع الدين ابن أبي زكريا. وكان يخطب في الجامع الحاكمي بالقاهرة. وله محفوظات ومحاضرات. وكان دمث الأخلاق كريم النفس كثير التواضع، قلّ أن يدخل عليه أحد ويناظره إلا قطعه، وما دخل عليه أحد من الناس إلا أطعمه شيئا. قال أبو المظفر (¬4): كنت أجتمع به بين القاهرة ومصر فيقف معي ويباسطني ويدعو لي [ويشكرني] (¬5). وكان مولد المذكور يوم النحر سنة تسع وتسعين وخمسمائة بمصر في دار عمرو الصغرى، قريبا من الجامع. ومات ليلة الخميس رابع عشري (¬6) ذي الحجة بمصر. ودفن يوم الخميس بالقرافة قريبا من السفح رحمه الله تعالى. وفيها مات الوزير جمال الدين أبو الحسن (¬7)، يحيى بن عيسى بن إبراهيم بن الحسين بن علي بن حمزة بن ابراهيم بن الحسن بن مطروح. أصله من أهل صعيد مصر، ونشأ هناك وأقام بقوص مدة، وتنقلت به الأحوال في (¬8) الخدم والولايات، ثم اتصل بخدمة الملك الصالح أيوب ابن الملك الكامل، وكان إذ ذاك نائبا عن أبيه بالديار المصرية (88 أ) ولما ¬
اتسعت مملكة الكامل بالبلاد الشرقية، وصار له آمد وحصن كيفا وحرّان والرّها والرقّة، ورأس عين وسروج وما انضم الى ذلك، أرسل اليهم (¬1) ولده الملك الصالح نائبا عنه وذلك في سنة تسع وعشرين وستمائة، وكان ابن مطروح المذكور في خدمته. ولم يزل [ينتقل في تلك البلاد] (¬2) الى أن وصل الصالح الى مصر مالكا لها وذلك يوم الأحد سابع عشري ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة. ثم وصل ابن مطروح في سنة تسع وثلاثين الى الديار المصرية، فرتبه السلطان ناظرا على الخزانة، ولم يزل يقرب منه ويحظى عنده إلى أن ملك الصالح دمشق في الدفعة الثانية سنة ثلاث وأربعين، فرتب الصالح لدمشق نوابا وجعل ابن مطروح في صورة وزير لها. فلما مضى إليها حسنت حاله وارتفعت منزلته، فلما توجه الصالح الى دمشق في شعبان سنة ست وأربعين وجهّز العسكر الى حمص لاستنقاذها من نواب الملك الناصر، فعزل ابن مطروح عن ولايته وسيّره مع العسكر المتوجه الى حمص. وأقام الصالح بدمشق إلى أن ينكشف له أمر حمص، فبلغه أنّ الفرنج قد اجتمعوا في جزيرة قبرص على قصد الديار المصرية، فعاد بالعسكر وابن مطروح في الخدمة والملك الصالح متغير عليه فتنكر له لأمور نقمها عليه (¬3)، وخيم الصالح على المنصورة لما أخذوا (¬4) الفرنج [دمياط] (¬5) (88 ب) وابن مطروح مواظب الخدمة مع الإعراض عنه. ولما مات الصالح دخل ابن مطروح الى مصر وأقام بها في داره حتى مات، هذه جملة حاله. وكانت أدواته جميلة وحالاته حميدة. جمع بين الفضائل (¬6) والمروءة والأخلاق المرضيّة (¬7)، والفتوة. وله ديوان شعر (¬8) ملكته وكله جيد، فمنه قوله: [الكامل] علقته من آل يعرب لحظه ... أمضى وأفتك من سيوف عريبه أسكنته بالمنحنى من أضلعي ... شوقا لبارق ثغره وعذيبه يا عائبا ذلك الفتور بطرفه ... خلوه لي أنا قد رضيت بعيبه ¬
لدن وما مرّ النسيم بعطفه ... أرج وما مرّ العبير بجيبه وله: [الكامل] يا ربّ ان عجز الطبيب فداوني ... بلطيف صنعك واشفني يا شافي أنا من ضيوفك قد حسبت وإنّ من ... شيم الكرام البرّ بالاضياف وله: [الكامل] وافى وأقبل في الغلالة ينثني ... فأراك حظ المجتلى والمجتني ورنا فما تغني التمايم والرقا ... وأبيك من لحظات تلك الأعين رشأ من الأتراك مسكنه الفلا ... ولكم له في مهجتي من مسكن أغناه دابل قده عن ذابل ... وبشعره عن بيت شعر قد غني قل للعواذل في هواه أقصروا ... لا أرعوي لا أنتهي لا أنثني (89 أ) حتى فؤادي خانني ووفى له ... وكذا الرقاد صبا إليه وملّني يا قلب ما آنست بعدك راحة ... فمتى أراك ويا كرى أوحشتني شعري ومحبوبي يعنيني به ... فهناك يحسن فتنه المتديّن وله: [الطويل] رأيت بخدّيه بياضا وحمرة ... فقلت لي البشرى اجتماع تولّدا حلا ريقه والدر فيه منضّدا ... ومن ذا رأى في العذاب ذرّا منضّدا وله: [الطويل] وقفت أحلي الأرض من در أدمعي ... فجاء العذارى يلتقطن المدامعا يغرن على تلك اللآلي لأنها ... بقية ما أودعن مني المسامعا وله: [البسيط] قالوا حبيبك ملسوع فقلت لهم ... من عقرب الصدع أو من حية الشعر
فقيل بل من أفاعي الأرض قلت لهم ... من أين ترقى أفاعي الأرض للقمر وقال مما يكتب على سيف: [مجزوء الخفيف] أنا سيف له السيوف على عزّها حدم ... شرفي أن صاحبي صاحب السيف والقلم وقال: [المجتث] أصبحت عبدك رقا ... لا أبتغي منك عتقا يا من تملك رقّي ... أما ترى أن ترقّا يا من تملك رقي ... تعيش أنت وتبقى (89 ب) من السهاد معافى ... من الغرام موقّى وقد لقيت من الصّ ... ـد فيك أعظم ملقى ردني قلى وصدورا ... أزدك حبا وعشقا لا عشت إن قلت يوما ... من فرط جورك أشقى يا ناعم الخد قلبي ... الى متى فيك يشقى وله: [الطويل] حدار سيوف العرب من أعين الترك ... فما (¬1) إلا لتؤذن بالفتك وإيّاك عن تلك القدود فإنها ... رماح أعدت للطعان بلا شك فإن كنت مقداما على البيض والقنا ... وإلا فقد عرّضت نفسك للهلك وربّ غزال بات منهم مضاجعي ... وقد عبقت منه المضاجع بالمسك وما بيننا أستغفر الله ريبه ... سوى رشفات من فم بارد ضنك إذا ما سقاني في الهجير رضابه ... تخيلت أني بين قاره والنبك وسرب أراقوا بينهم دم كرمة ... فباتت عليها عين راووقها تبكي وغنّاهم شاد أغن فزادهم ... سرورا بشعر رائق حسن السبك تلعبت فيه بالكلام تلعبا ... كما تلعب الأمواج في البحر بالفلك ¬
وأني لأصبو والخلاعة مذهبي ... وأجمع ما بين الخلاعة والنسك وقال: [مجزوء الرمل] (90 أ) بات في أثناء صدري ... قمر نيط ببدر بدويّ نازل من ... شعره في بيت شعر حامل نجدا وغورا ... منه في ردف وخصر حبذا ليلة وصل ... منه بل ليلة قدر أشرقت عن نور وجه ... وسنا كاس وثغر وتعانقنا فما ظن ... ـك في ماء وجمر وتعاتبنا فقل ما ... شئت من نظم ونثر ثم لما أدبر اللي ... ـل وجاء الفجر يجري قال إياك رقيبي ... بك يدري قلت يدري وقال لما مسك الفرنسيس وحبس في دار ابن لقمان فخر الدين: [السريع] قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال صدق عن قؤول فصيح آجرك الله على ما جرى ... من قتل عبّاد يسوع المسيح أتيت مصرا تبتغي ملكها ... تحسب أن الزّمر يا طبل ريح فساقك الحين الى أدهم ... ضاق به عن ناظريك الفسيح وكل أصحابك أودعتهم ... بحسن تدبيرك بطن الصريح تسعين ألفا لا يرى منهم ... إلا قتيل أو أسير جريح وفقك الله لامثالها ... لعل عيسى منكم يستريح (90 ب) إن كان باباكم بذا راضيا ... فرب غش قد أتى من نصيح فاتخذوه كاهنا إنه ... أنصح من شقّ لكم أو سطيح وقل لهم إن أضمروا عودة ... لأخذ ثأر أو لقصد صحيح دار ابن لقمان على حالها ... والقيد باق والطواشي صبيح ومولده يوم الإثنين ثامن رجب سنة اثنين وتسعين وخمسمائة بأسيوط. ومات ليلة الأربعا
ثم دخلت سنة خمسين وستمائة
مستهل شعبان من هذه السنة. ودفن بسفح المقطّم، وأوصى أن تكتب عند رأسه دو بيت نظمه في مرضه، وهو يقول: أصبحت بقعر حفرة مرتهنا ... لا أملك من دنياي إلا كفنا يا من وسعت عباده رحمته ... من بعض عبادك المسيئين أنا ثم دخلت سنة خمسين وستمائة فيها قويت شوكة البحرية واستفحلوا وزاد شرهم، وعلا ذكرهم واجتمعت كلمتهم، وكان كبيرهم ومقدمهم الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار (¬1) الصالحي، وكان كلما دعت حاجة (¬2) لأحد من البحرية أو قصد زيادة، دخل على الأمير فارس الدين وسأله في ذلك، والأمير فارس الدين يدخل بنفسه الى الأمير عز الدين [أيبك] (¬3) يأخذ له ما طلبه. وفيها طلب الأمير فارس الدين (91 أ) لنفسه ثغر الاسكندرية، فأعطيه، وكتب له به منشورا. واستطالوا (¬4) البحرية على الأمير عز الدين وتوثبوا عليه (¬5) وثوب الأسود على الضأن. وفيها كان مبتدأ ملك الترك ومبدأ أحوالهم، فأقول وبالله التوفيق: إن الله تعالى أخلاهم من بلادهم الشاسعة وأقطارهم الواسعة، وساقهم الى مملكة الديار المصرية بحكمته وقاد إليهم أمرها بأرمّته بأسباب مشتملة على حكم لا تدرك العقول أغوارها، ولا تبلغ الخواطر أسرارها، ومن المستضعفين منهم بتورثهم ممالك الإسلام. وذبّهم عن حوزة أهل بيته عليه السلام، تصديقا لأخباره وتحقيقا لآثاره، المنتقاة المدونة عن الثقات، أنه لا تزال فئة تقاتل عن هذا الدين ظاهره الى يوم القيامة. ولما انتهى ملك الديار المصرية بعد الدولة العبيديّة، الى الذرّية الأيوبية كما ذكرناه مساقا وأوردناه اتساقا، فلما شاء الله عز وجل بانقراضها، وقضى بانتقاضها، وسبق في علمه أنّ صلاح الناس في توليه أولي النجدة ¬
والبأس، وأنّ الأتراك أوفر الناس عقلا وحزما، وإن في هدايتهم الى الإيمان صلاحا عاما وخاصا، فشاءت قدرته أن ينقل طائفة منهم من أطلالها، بل من ضلالها ليشيد بها أركان دينه القويم. فاتفق من تقدير ظهور التتار واستيلاؤهم (¬1) على البلاد المشرقية والشمالية وتعديهم على الأتراك (91 ب) القفجاقية، فأوقعوا بهم، وسبوا ذراريهم، وبيعوا في الأسواق، وجلبهم التجار الى الآفاق، فسيق منهم الى الديار المصرية، والبلاد الشامية في أواخر الدولة الأيوبية، جموع من الشبان، وأواسط الفتيان، فاشتروهم (¬2) ملوك بني أيوب بأنفس الأثمان، واتخذوهم عدة في النوائب لما فيهم من الشجاعة والإقدام، ورمي السهام، ودربتهم برياضة الخيول، فصيروا منهم الأمراء الأكابر ومقدمي العساكر. وأول من اهتم بتحصيلهم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وأخوه الملك العادل أبو بكر، ثم أولاده الكامل والأشرف والمعظم. فلما أفضت المملكة الى الملك الصالح نجم الدين أيوب ولد الكامل، استكثر منهم وبذل المجهود في تحصيلهم، وبذل فيهم الأموال العظيمة، واعتمد عليهم لما جرب من حربهم ونصحهم وثباتهم، فتكمل عنده منهم العدة الوافرة. فلما انقضت أيامه وقضى نحبه فأساء ولده معهم التدبير وبذل لسانه في مذمتهم والتوعد بإزالة نعمتهم، فحملهم ما رأوه من نقص رأيه على ما ذكرناه من أخباره، فكان كالباحث عن حتفه بظلفه والجادع (¬3) مارن (¬4) أنفه بكفه، ولم يسمع قول القائل: [السريع] لا تنبش الشّر فتبلى به ... فقلّ من يسلم من نبشه إذا طغى الكبش بشحم الكلى ... أدرج رأس الكبش في كرشه (92 أ) ولعله لو أنصفهم لم تمتد أيدي النوائب اليه، لكن المقدور جرى بتلك الأمور، وأنشدوا في المعنى: [الطويل] إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأكثر ما يجني عليه اجتهاده ثم أنهم أقاموا الأمير عز الدين أيبك التركماني الجاشنكير الصالحي، وصيروا اليه حكم ¬
الأتابكية، فكان أول متملك من الطائفة التركية بالديار المصرية على ما سنذكره مبينا إن شاء الله تعالى. وهانا ذاكر ما جرى من الأسباب الموجبة لمجيء هؤلاء الأجلاب فأقول: إن هذه الطائفة التركية قوم سكناهم بالبلاد الشمالية، لا يتخذون جدارا ولا يستوطنون دارا، بل ينتقلون في أراضيهم من المشتا للمصيف، وهم قبائل متعددة، فمن قبائلهم: قبيلة «طقصبا» (¬1) و «يبتا»، و «برجي» (¬2) «أغلي»، و «البرلي» (¬3)، و «قنغر أغلي» (¬4) و «انجغلي» (¬5)، و «دروت» و «قلابا أغلي»، و «جرتان» (¬6) و «قرابر كلي» (¬7)، و «لتن» (¬8). ولم يزالوا مستقرين بأماكنهم الى أن اتفق خروج التتار كما ذكرناه. إتفق أنّ شخصا من قبيلة «دروت» خرج متصيدا فصادفه شخص من قبيلة «طقصبا» كان بينهما منافسة، فأخذه أسيرا ثم قتله وأبطئ خبره عن أبيه، فأرسل شخصا ليكشف خبره، فعاد إليهم بالخبر، فجمع أبوه قبيلته وسار اليه فلما بلغه [الخبر] (¬9) جمع أيضا أهله وقبيلته وتأهب لقتاله، فالتقت (¬10) الفئتان، فكانت الكسرة على قبيلة «طقصبا» فأرسل القاتل الى (92 ب) «دوشي خان» ابن جنكيز خان مستصرخا ومستعديا، فشكا اليه ما حلّ به وبقومه من قبيلة «دروت» القفجاقية، وأعلمه أنّه إن قصدهم لم يجد من دونهم مانعا، فأرسل «دوشي خان» شخصا من ثقاته ليتجسس له الأخبار، فتوجه القاصد الى منازلهم وحللهم وعاد الى دوشي خان فسأله عما رأى، فقال له: رأيت كلابا مكبة على الية (¬11) متى طردتهم عنها تمكنت منها، فسار اليهم في عساكره وأوقع بهم أشد الإيقاع وأتى على أكثرهم قتلا وسبيا (¬12)، وكان هذا السبب الحقير محركا لهذا التأثير. فلما سبتهم عساكر التتار باعوهم للتجار، فجلبوهم الى الأمصار، فهذا مبدأ إحضارهم. ¬
ذكر إنفراد الأمير عز الدين أيبك بالمملكة وجلوسه على تخت الملك. قد تقدم ذكر سلطنة الملك الأشرف موسى، وان الامراء البحرية قدّموا الأمير عز الدين وجعلوه أتابك العساكر، ودام الحال على ذلك الى هذه السنة، فامتدت أطماع ملوك الشام الى قصد الديار المصرية، ثم تبع ذلك الارجاف (¬1) بما تواتر من حركة التتار ودخول هولاكو بلد العراق (¬2). وكان الملك الأشرف مهتدم الجانب لصغر سنه فاجتمعت الأمراء واتفق الأمراء على استقلال الأمير عز الدين [أيبك] (¬3) بالملك وجلوسه على انفرادها، فتسلطن وسمي بالملك المعز، وانفرد بأمورها وقام بتدبيرها وأزيل عن الأشرف اسمها (¬4). ولما استقل الملك المعز شرع في تحصيل (93 أ) الأموال واستخدام الرجال، فاستوزر شرف الدين هبة الله بن صاعد الفائزي، فقدر أموالا على التجار وذوي العقار، ورتب مكوسا وضمانات وسماها حقوقا ومعاملات (¬5) واستقرت وتزايدت. وفيها أمّر الملك المعز أيبك جماعة من مماليكه. وفيها وصل من بغداد الى الديار المصرية، الشيخ نجم الدين البادرائي رسولا (¬6) من عند الخليفة المستعصم ليصلح ما بين الملك الناصر [يوسف] (¬7) صاحب الشام وبين الملك المعز صاحب مصر، فتقرر الصلح وترتب (¬8). وفيها وصلت ابنة السلطان علاء الدين كيقباذ ابن كيخسرو، صاحب الروم الى دمشق مخطوبة من الملك الناصر فبنى بها ودخل عليها (¬9). ¬
[الوفيات]
وفيها رتب الملك المعز الأمير سيف الدين قطز مملوكه نائبا عنه بالديار المصرية، وكان أكبر مماليكه وأقدمهم عنده هجرة. وفيها مات «باطوخان» وكان لقبه «صاين قان» ومعناه الملك المجيد. وكانت مدة مملكته ببلاد الشام ونواحي القفجاق عشر سنين وهو ثاني ملك تملكها من ذرية جنكيز خان وكرسي هذه المملكة «صراي». وخلف من الأولاد ثلاثة هم: «طغان» و «بركة» و «بركجار» فنازعهم أخوه المملكة واستبد بها دونهم، وكان اسمه «صرطق ابن دوشي»، فاستقر بالمملكة المذكورة (¬1). وفيها أرسل منكو (¬2) خان أخاه هولاكو لفتح بلاد العراق، فسار بمن معه من الجيوش الى بلاد الاسماعيلية (¬3) (93 ب) وهم يسمون عند العجم ومسلمة التتار، الملاحدة، فاستولى عليها وأباد أهلها قتلا وأسرا وسبيا. ووصلت غاراتهم الى ديار بكر وميّافارقين وسروج. [الوفيات] وفيها مات الشيخ أبو عمران موسى ابن الحصكفي (¬4)، وكان قد ولي القضاء بآمد. وفيها مات الشيخ أبو المكارم سعيد ابن أبي البقاء خالد الخالدي، المعروف بابن القيسراني. كان والده أبو البقاء قد وزر للملك العادل نور الدين محمود ابن زنكي، وسيره رسولا الى الديار المصرية وكان حسن الخط. ¬
وفيها مات الشيخ أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن ابن حيدر الصغاني (¬1) اللغوي. كان عالما باللغة وله فيها مصنفات. وفيها مات بمصر الشريف أبو عبد الله محمد ابن الحسين الأرموي (¬2) الفقيه الشافعي المعروف بقاضي العسكر، تولى نقابة الأشراف وقضاء العسكر، وترسل الى بغداد وغيرها، وصحب شيخ الشيوخ أبا الحسن ابن حموية وتفقه عليه. وكان من الرؤوسا المذكورين والفضلاء المشهورين. وفيها مات شمس الدين [محمد] (¬3) بن سعد المقدسي الكاتب، كتب للصالح اسماعيل وللناصر داوود. وكان دينا فاضلا شاعرا ومن شعره من أبيات ينصح بها الى الصالح اسماعيل ويحذره من بطانته: [البسيط] يا مالكا لم أجد لي من نصيحته ... بدّا وفيها دمي أخشاه منسفكا (94 أ) إسمع نصيحة من أوليته نعما ... يخاف كفرانها إن كفّ أو تركا والله لا امتدّ ملك مدّ مالكه ... على رعيته من ظلمه شبكا [ترى الحسود به مستبشرا فرحا ... مستغربا من بوادي أمره ضحكا] (¬4) وزيره ابن غزال والرفيع له (¬5) ... قاضي القضاة ووالي حربه ابن بكا وثعلب وفضيل (¬6) من هما وهما ... أهل المشورة فيما ضاق أو ضنكا (¬7) جماعة بهم الافات قد نشرت ... والشرع قد مات والإسلام قد هلكا ما راقبوا الله في سر وفي علن ... وإنما يرقبون النجم والفلكا ¬
[وإنما قلد الملك الخصيص به ... من همّه عزله عنه ومن فركا] (¬1) ومن عداوته أصليه وله ... من البطانة فيما يبتغي شركا والآن قد حكموا واستوثقوا حلفا ... وصيروك لهم في صيدهم شركا إن كان خيرا ورزقا واسعا فلهم ... أو كان شرا وأمرا سيئا فلكا [فقد نصحت فقم واقبل نصيحة من ... ما مان في قوله حرفا ولا إفكا] (¬2) فاستدرك الأمر واستر ما جنوه بهم ... تلق الرشاد وإن أصررت (¬3) منهمكا فعن قريب ترى آثار فعلهم ... فيهم وفيك إذا ما سترهم هتكا وكانت وفاته بدمشق، دفن بقاسيون. وفيها مات الأديب الفاضل، عبد الله بن فتيان العقيمي (¬4)، أصله من جزيرة ابني عمر، كان قصابا وكان عنده فضيلة، وله نظم حسن في مدح أهل البيت من غير تعصب، وكانت وفاته في ربيع الأول ودفن في مقابر الجزيرة. وفيها مات الحاج علي بن محمد بن علي الفهاد (¬5). كان يخدم السلطان سنجر (¬6) شاه، فلما مات انقطع الى بيته وبنى مسجدا ورباطا وأوقف عليهما وقفا وبقي هو يؤذن (94 ب) فيه احتسابا، فلما كان في بعض الأيام جاء وقت الظهر إلى المسجد، وفي المسجد بئر فأدلى السطل ليستقي ماء للوضوء وطلع (¬7) ماؤه ذهبا، فقال بسم الله مردود وأقلبه في البئر، ثم أنزل السطل مرة ثانية، فطلع مملوءا ذهبا، فقال كما فعل في الأولى، ثم أنزله ثالث مرة فطلع أيضا مملوءا من الذهب، فقال: يا رب لا تطردني عن بابك، أنا أروح الى الشط [أتوضأ] (¬8) وأنت قادر على كل شيء وقدرتك تجعله ذهبا وجوهرا، وليس قصدي سوى الماء لإداء ¬
ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وستمائة
فريضتك. ثم أنزل السطل رابع مرة، فطلع الماء فسجد شكرا لله، وقال: أي رب قربني إليك، فسمع صوتا يقول: ودع أهلك وأصحابك واستحلل منهم، فبعد صلاة الظهر نقبضك الينا وأعلم بما جرى لك. فتوضأ (¬1) ثم دخل على أهله فأعلمهم، ثم خرج من المسجد فودّع أصحابه وحاللهم وأخبرهم بما جرى له، فشرع أكثر الناس يضحكون منه، ويقولون ما طلع له إلا أسطال ذهب. فلما قارب الأذان، قام كجاري عادته فأذن، فقيل له: ما جاء الوقت، فقال: والله إني لأسمع الأذان من السماء، فزاد ضحك الناس عليه والتعجب منه، ثم أقيمت الصلاة، فصلى الظهر، فلما أن سلّم رفع يديه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم خرجت روحه، رحمه الله تعالى. فشرع الذين كانوا يضحكون من كلامه يستغفرون الله تعالى، ثم شرعوا في غسله وتكفينه، ودفن من يومه وشيّعه كل من في البلد. (95 أ) وحكى أبو المظفر (¬2) أن قبره يقبل النذر والدعاء عنده مستجاب. ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وستمائة فيها استفحل (¬3) أمر الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار الصالحي النجمي، بالديار المصرية، وانحازت إليه البحرية، وأرسل الى الملك المظفر (¬4) صاحب حماه يلتمس وصلته ويخطب ابنته، وكان الرسول إليه، الصاحب فخر الدين محمد بن الصاحب بهاء الدين [علي] (¬5) بن حنا، ولم يكن والده وزّر بعد، إنما كان مرشحا لذلك. فلما وصل الى حماه تلقاه بالإجلال وجهّز ابنته (¬6) بما يليق بمثلها، فسمت نفس الأمير فارس الدين، فأعمل الملك ¬
[الوفيات]
المعز الحيلة في قتله. ومضت هذه السنة والأمير فارس الدين والبحرية منهمكين (¬1) على اللذات، والمعز ينصب لهم الأشراك. وفيها كان اتفاق «منكو خان» مع أخيه هولاكو على أن يتوجه لقصد بلاد الملاحدة وما يليها، فجهّزه وجهّز معه خمس خانات فتجهز وسار. [الوفيات] وفيها مات الشيخ المسند أبو القاسم عبد الرحمن ابن أبي الحرم [مكّي] (¬2)، المعروف بابن الحاسب، سبط الحافظ أبي الطاهر السلفي بمصر. وفيها مات الشيخ الفاضل أبو الفضائل أحمد (¬3) بن يوسف المغربي القفصي التيفاشي بالقاهرة، وله شعر حسن ونثر جيد، ومصنفات في عدة فنون. وفيها مات الشيخ الأديب أبو إسحاق، ابراهيم بن سليمان بن حمزة الدمشقي الكاتب المعروف بابن النجار (¬4) بدمشق، وله شعر حسن، وكان (95 ب) أحد الكتاب المشهورين بجودة الخط وقوة الكتابة. سافر الى حلب والى ديار مصر وغيرهما. وفيها مات القاضي صدر الدين الحنفي (¬5) قاضي آمد. كان فاضلا عارفا بالمذاهب كيسا لطيفا، متعصبا، ذا مروءة، مات بالقاهرة. وفيها مات الشيخ سعد الدين محمد بن المؤيد ابن حموية (¬6) ابن عم (¬7) صدر الدين شيخ الشيوخ بخراسان. كان زاهدا، عابدا، ورعا، متكلما على الحقائق، وله مجاهدات ورياضات. وقدم مصر وحج وسكن الشام، وافتقر ولم يكن يتردد الى أحد ولا إلى بني عمه. فلما اشتد به الحال، سافر الى خراسان، فأكرمه التتار، وأسلم بعضهم على يده، وبنى ¬
ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وستمائة
خانقاه بآمد، وتوجه لزيارة جده حمويه بحراباد، فمات بها ودفن الى جانب جده. وفيها مات الشيخ عبد القادر بن الحسن بن محمد بن جميل، أبو محمد البندنيجي (¬1) المحتد البغدادي، أحد مشايخ شرف الدين الدمياطي. كانت وفاته في سابع ذي قعدة من هذه السنة ببغداد. وفيها مات الشيخ عبد القادر بن عبد الجبار بن عبد القادر أبو منصور ابن أبي نصر القزويني البغدادي المؤدب، المعروف بابن المديني، مولده ببغداد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة ومات بها يوم الجمعة خامس جمادى الأول من هذه السنة ودفن بباب حرب. وفيها مات عبد الكريم بن منصور ابن أبي بكر بن علي أبو محمد (96 أ) الموصلي الشافعي، المحدث الزاهد، المعروف بالأثري (¬2) نسبة الى إتباع الأثر. مولده في شهر رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ومات ببغداد في هذه السنة. وفيها مات الصاحب عماد الدين القاسم ابن الإمام شمس الدين محمد بن الندى الجزري العقيلي، في يوم الجمعة سابع عشر ذي القعدة، ودفن بالقرافة بتربته المقابلة لتربة قاضي القضاة، بدر الدين السنجاري، على باب مشهد الإمام أبي حنيفة. كان المذكور وزير الملك المعظم، معز الدين محمد بن سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي، صاحب الجزيرة، ثم انتقل الى الديار المصرية في آخر الدولة الكاملية، ولم يزل بها حتى مات في التاريخ المذكور. ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وستمائة فيها وقع الصلح بين السلطان الملك الناصر صاحب الشام وبين الفرنج الذين بالساحل ومدينة عكا، مدة عشر (¬3) سنين وست شهور، على أن تكون للفرنج من الماء مغرب (¬4) والماء ¬
هو الشريعة، وحلفوا على ذلك. وفيها ظهرت نار بأرض عدن في بعض جبالها، بحيث يطير بها شرار الى (¬1) البحر في الليل، ويصعد منها دخان بالنهار، فما شكوا أنها النار (¬2) التي ذكرها النبي صلّى الله عليه وسلّم، أنها تظهر في آخر الزمان، فتاب الناس وأقلعوا [عما كانوا عليه من المظالم والفساد] (¬3) وردت بذلك الأخبار من مكة. وفيها أقطع الملك المعز، الأمير علاء الدين إيدغدي العزيزي، دمياط زيادة على إقطاعه (96 ب) وارتفاعها يومئذ ثلاثون ألف دينار (¬4). وفيها وصلت الأخبار من المغرب باستيلاء إنسان (¬5) على إفريقية، وادعى الخلافة وتلقب بالمستنصر وأظهر العدل والانصاف. وفيها قدم الفارس اقطاي من الصعيد وقد أسر الشريف (¬6)، حصن الدين ابن ثعلب وجماعة من العربان ولم يلبث الفارس بعد ذلك أن جاءت منيته. وفيها قتل فارس الدين أقطاي (¬7) الجمدار الصالحي وذلك ان الملك المعز اتفق هو ومماليكه على ذلك وأرسل إليه يستدعيه موهما له أنّه يستشيره في مهمات من الأمور. وأكمن له كمينا من مماليكه (¬8) وراء باب قاعة الأعمدة بالقلعة وقرر معهم أنّه إذا مرّ مجتازا بالدهليز يبتدرونه بسرعة. فلما وردت إليه رسالة المعز بادر بالركوب في نفر يسير من مماليكه من غير أن ¬
يعلم أحدا من خشداشيته (¬1) لثقته بتمكن حرمته. وطلع القلعة آمنا ولم يدر بما كان له كامنا. فلما وصل الى باب القلعة منع مماليكه من الدخول معه، ووثب عليه المماليك المعزّية فأذاقوه كأس المنية وسبب ذلك أنّه قد طلب من المعز القلعة ليسكن بها زوجته الجديدة بنت صاحب حماة. وكان قتله يوم الاثنين (¬2) حادي عشرين شعبان. وأمر المعز بغلق باب القلعة، فركبت مماليكه وحاشيته وكانوا سبعمائة فارس ومعهم جماعة من البحرية وقصدوا قلعة الجبل بناء على أنّ المعز قبض عليه، فبينما هم كذلك أرمي لهم برأسه من فوق السور فالتفت بعضهم الى بعض (97 أ) وقالوا على من تقاتلوا فتفرقوا جميعهم. وفيها لما شاع الخبر بقتله، أجمعوا (¬3) البحرية على الخروج الى الشام. وكان من أعيانهم يومئذ ركن الدين بيبرس البندقداري، وقلاون الألفي، وسنقر الأشقر، وبيسري، وسكز وبرامق (¬4)، فشمروا ويلا وخرجوا ليلا فوجدوا باب المدينة الذي قصدوا الخروج منه مغلقا، فأضرموا فيه النار، وهو الباب المعروف بباب القراطين فأحرقوه، وخرجوا منه نحو الشام، فسمي من يومئذ الباب المحروق (¬5) وقصدوا (¬6) البحرية الملك الناصر صاحب الشام ليكونوا عنده (¬7). ولما أصبح المعز، بلغه هروبهم من المدينة فأمر بالحوطة على أملاكهم وأموالهم ونسوانهم وغلمانهم وأتباعهم. واستصفيت أموالهم وذخائرهم وشونهم وخزائنهم، واستتر من تأخر منهم. وحمل من موجود الأمير فارس اقطاي الجمل المستكثرة من الأموال. ونودي (¬8) على البحرية في الأسواق والشوارع. وتمكن الملك المعز من المملكة وارتجع ثغر الاسكندرية الى الخاص السلطاني، وأبطل ما قرره من الجبايات، وأعفى (¬9) الرعية من المصادرات والمطالبات. وأما البحرية فإنهم وفدوا على الملك الناصر، فأحسن اليهم، وأقبل عليهم وأعطى كلا منهم إقطاعا يلائمه، ثم عزم على قصد الديار المصرية، فجرد عسكرا صحبة ¬
البحرية، فساروا ونزلوا الغور واتخذوا العوجاء منزلا. وبلغ المعزّ مسيرهم اليه واتفاقهم عليه، فبرز بالعساكر (97 ب) المصرية ومعه جماعة ممن حضر اليه من العزيزية. فنزل الباردة بالقرب من العباسة وانقضت هذه السنة وهو مخيم بها. وفيها كانت وفاة صرطق خان ابن دوشي خان (¬1) بن جنكيز خان، صاحب البلاد الشمالية. وكانت ممكته سنة وشهورا، ولم يكن له ولد يلي المملكة بعده. وكانت براق سين زوجة طغان ابن أخيه، أرادت أن تولي ولدها تران منكو السلطنة، وكان لها بسطة وتحكم، فلم يوافقها أحد من الخانات أولاد «باطو» وبقية الأمراء على رأيها. فلما رأت أنهم لم يوافقوها راسلت هولاكو وأرسلت اليه نشابه بلا ريش وقباء بعير أسود، وبعثت تقول له: قد تفرغ الكاش من النشاب، وخلا القربان فتحضر لتسلّم الملك. وسارت في أثر الرسول لقصد هولاكو واحضاره، فأرسلوا في طلبها وأعادوها كارهة وغرّقوها جزاء بما فعلت. وجلس على كرسي المملكة بركة خان ابن باطوخان (¬2) ابن دوشي وأسلم وحسن اسلامه (¬3)، وأقام منار الدين وأظهر شرائع المسلمين، وأكرم العلماء والفقهاء وأدناهم وبرّهم ووصلهم واتخذ المساجد والمدارس بنواحي مملكته. وأسلمت زوجته «ججك» وأخذت لها مسجدا من الخيم [وذلك على يد الشيخ نجم الدين كبرا] (¬4). وفيها وصل الشريف المرتضى (¬5) من الروم ومعه بنت علاء الدين صاحب الروم التي خطبها الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام، فزفت عليه بدمشق واحتفل (98 أ) لها احتفالا كثيرا (¬6). وفيها مات القاضي أبو القاسم ابن المقيشع الشافعي، المنعوت بالعماد. ولي القضاء ¬
بحماه وترسل عن صاحب حمص الى بغداد مرارا ودخل مصر وولي القضاء بها ثم خرج الى الشام فمات به. وفيها مات الشيخ أبو شجاع بكبرس بن عبد الله التركي، الفقيه الحنفي المعروف بنجم الدين الزاهد، مولى الخليفة الإمام الناصر. ودفن بتربة الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه ببغداد. وفيها مات بحرّان الشيخ الفقيه العالم أبو البركات عبد السلام ابن عبد الله الحرّاني الحنبلي المعروف بابن تيمية (¬1). كان من أعيان العلماء وأكابر الفضلاء. وفيها مات بدمشق الشيخ الإمام شمس الدين أبو محمد عبد الحميد ابن عيسى ابن عمّوية (¬2) الخسرو شاهي [الشافعي] (¬3). كان من تلامذة الإمام فخر الدين [الرازي] (¬4) وكان أحد العلماء المشهورين الجامعين لفنون العلم. وفيها مات بمصر الأديب أبو الفتوح ناصر بن ناهض اللخمي المعروف بالحصري (¬5). كان شاعرا محسنا. ومن شعره المعشرات المشهورة التي مطلعها: [الطويل] أما لك يا داء المحب دواء ... بلى عند بعض الناس منك شفاء وله غير ذلك. وفيها حج القاضي بدر الدين السنجاري في البحر وعاد الى البر. (98 ب) وفيها أخذ قاع البحر (¬6) أربعة أذرع وست أصابع، وبلغت الزيادة ثمانية عشر ذراعا وثلاث أصابع (¬7). ¬
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وستمائة
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وستمائة فيها عاد الملك الناصر داوود من الأنبار الى دمشق، فأقام بها بعد أن حبسه الملك الناصر يوسف بقلعة حمص ثلاث سنين، وبعث (¬1) به الى بغداد، ثم عاد الى دمشق وحج وعاد فأقام بالحلّة وكان قد جرى بين الحاج العراقي وبين أهل مكة فتنة (¬2)، فأصلح بينهم. وفيها أرسل الناصر يوسف عساكر [الى جبهة ديار مصر] (¬3) وصحبتهم البحرية الذين كانوا قصدوه من مصر عند قتل الفارس أقطاي، وهم: الأمير سيف الدين بلبان الرشيدي، وعز الدين أزدمر السيفي، وشمس الدين سنقر الألفي الرومي، وشمس الدين سنقر الأشقر، وبدر الدين بيسرى، وقلاوون الألفي، وبلبان المسعودي، وركن الدين بيبرس البندقداري، وجماعة من البحرية وجماعة من مماليك الفارس أقطاي (¬4). وفيها عزل (¬5) القاضي بدر الدين السنجاري عن القضاء، وتولاه القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز. وفيها عصى بصعيد مصر الأمير عز الدين أيبك الأفرم الصالحي وتظاهر بالعصيان وجمع جماعة من العربان ووافقه الشريف، حصن الدين ابن ثعلب (¬6)، واعتمدوا نهب البلاد ووضعوا أيديهم في الأموال فأخذوها وجبوا الجزية (99 أ) فاقتضى الحال إرسال الصاحب شرف الدين الفائزي الوزير ليتدارك الخلل، وجرد معه جماعة من العسكر وأمروا له بالطاعة. فتحيل على الشريف حصن الدين فأمسكه وأحضره الى القلعة فاعتقل بها، ثم الى ثغر الاسكندرية، فاعتقل في جب تحت الأرض يعرف الى الآن بجب الشريف وظل به إلى أن كان ¬
من أمره ما سنذكره في مكانه (¬1). وفيها كانت وقعة بين بركة خان ابن باطو (¬2) وبين هولاكو ابن طلو (¬3) ملوك التتار. قد تقدم أنّ براق سين زوجة طغان لما لم يوافقوها (¬4) التتار على تمليك ولدها تران منكو، راسلت هولاكو وهو يومئذ بالعراق. فلما وصلت رسالتها تجهز وسار بجيوشه إليها، فكان وصوله بعد مقتلها وجلوس بركة على سرير الملك، فبلغ بركة وصول هولاكو، فسار بعساكره للقائه، وكان بينهما نهر يسمى نهر ترك وقد جمد ماؤه لشدة البرد، فعبر عليه هولاكو وعساكره متخطيا الى بلاد بركة. فلما التقى الجمعان واصطدم الفريقان، كانت الكسرة على هولاكو وعسكره، فولوا على أدبارهم وتكردسوا (¬5) على النهر الجامد، فانفقأ من تحتهم، فغرق منهم جماعة ورجع هولاكو الى بلاده. ونشأت الحرب بينهم من هذه السنة، وصارت العداوة بين هاتين الطائفتين. وفيها كانت وفاة السلطان أبو بكر ابن عبد الحق المريني صاحب فاس. مات حتف أنفه وقام بعده ولده عمرو وكان ولي عهده. وفيها فتح هولاكو (99 ب) قلعتين (¬6) من قلاع الاسماعيلية. وفيها مات «جرباون» (¬7) أحد مقدمي الخانات الذين معه وكان جاليشه (¬8). فرتب هولاكو مكانه «يجو» (¬9) جاليشا. ¬
[الوفيات]
[الوفيات] وفيها مات الشيخ الجليل اسماعيل ابن أبي الشكر (¬1)، من ولد عباده ابن الصامت الأنصاري الخزرجي، ومولده بمدينة قوص، ووفاته بدمشق، وكان فاضلا. وفيها مات الشيخ الأصيل أبو بكر ابن أبي الفوارس (¬2) ابن الأمير العضد، مرهف ابن الأمير مؤيد الدولة أسامة ابن منقذ الكناني الكلبي الشيزري الأصل، المصري الدار، وهو من بيت الإمارة والتقدم والفضيلة. وفيها مات الشريف أبو الفتوح المرتضى (¬3) ابن أبي طالب من ولد زين العابدين بن الحسين بن علي. وكان نقيب الأشراف بحلب ومات بها. وفيها مات بمصر الشيخ الصالح الجليل مجد الدين أبو المجد بن علي بن عبد الرحمن الاخميمي الخطيب، وكان أحد المشايخ المشهورين بالعلم والدين وله قبول تام من الخاص والعام. وكان كريم الأخلاق، ساعد (¬4) في قضاء حوائج الناس بنفسه وكان يوم وفاته يوما مشهودا ودفن بالقرافة، وقبره ظاهر يزار، رحمه الله تعالى. وفيها مات الشيخ الفاضل الصالح أبو العباس أحمد بن تاميت (¬5) المغربي اللواتي، بالقرافة بمصر، وقد جاوز مائة سنة. سئل يوما عن الحكم في تارك الصلاة فقال: أنشدني ابن الرمامة واسمه محمد بن جعفر العبسي الحافظ، قال: أنشدني أبو الفضل طاهر النحوي لنفسه هذه الأبيات: [الكامل] (100 أ) في حكم من ترك الصلاة وحكمه ... ان لم يقرّبها كحكم الكافر فإذا أقرّ بها وجانب فعلها ... فالحكم فيه للحسام الباتر وبه يقول الشافعيّ ومالك ... والحنبلي تمسكا بالظاهر ¬
ثم دخلت سنة أربع وخمسين وستمائة
وأبو حنيفة لا يقول بقتله ... ويقول بالضرب الشديد الزاجر هذي أقاويل الأئمة كلهم ... وأجلّها ما قلته في الآخر المسلمون دماؤهم معصومة ... حتى تراق بمستنير باهر مثل الزنا والقتل في شرطيهما ... وانظر الى ذاك الحديث الساتر ومعنى قوله تمسكا بالظاهر، يعني قوله عليه السلام، بين العبد والكفر ترك الصلاة، ومعنى قوله في الآخر يعني قوله لا يحل دم امرئ مسلم إلا بأحد ثلاث الحديث. وفيها قصد هولاكو بلاد الأكراد ففتحها جميعها (¬1). وفيها قصد بلاد التركمان ففتحها وقتل من كان بها (¬2). وفيها طلع بقاع البحر خمسة أذرع واثنتا عشرة إصبعا، وانتهت الزيادة الى ثمانية عشر ذراعا وإصبعا (¬3). ثم دخلت سنة أربع وخمسين وستمائة فيها رحل عسكر الشام الواصل من جهة الناصر من العوجاء، ونزلوا على تل العجول، فاتفق وصول رسول الخليفة وهو الشيخ نجم الدين البادراني (100 ب) من بغداد، ليجدد الصلح الأول، فقرر الصلح (¬4) وأعاد العساكر. وفيها شرع الملك الناصر [يوسف] (¬5) في عمارة التربة (¬6) بغربي قاسيون. وفيها قبض الملك المعز على الأمير علاء الدين إيدغدي العزيزي لأنه اتهمه، فأمسكه وسجنه (¬7). ¬
وفيها أرسل الملك المعز الى صاحبي حماة والموصل، وهما الملك المنصور ابن المظفر والملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ، يخطب ابنتيهما (¬1) لنفسه. وبلغ ذلك شجر الدر، أم خليل الصالحية، فأنكرته لأنه بها وصل الى ما وصل، فدبرت عليه وقررت قتله. وفيها أرسل الملك المعز الأمير شمس الدين سنقر الأقرع، أحد الأمراء، رسولا (¬2) الى الخليفة صحبه رسوله نجم الدين البادراني، يلتمس تشريفه بالتقليد والخلع والالوية، أسوة أمثاله، فوصل الى بغداد وأدّى الرسالة، فجهز له الخليفة ملتمسه، وأعاده مكرما. فلما وصل الى الحسا والقطيف (¬3)، كان المعز قد قتل، واتصل مقتله بالخليفة، فأرسل من بغداد من استعاد التقليد والخلع من سنقر الاقرع وتسييره الى الديار المصرية بغير خلع. وفيها دخل (¬4) التتار بلاد الروم (¬5) وهي يومئذ في يد السلطان غياث الدين كيخسرو (¬6)، صاحب الروم. وفيها ظهرت نار بمدينة النبي (¬7) صلّى الله عليه وسلّم، فكانت من الآيات الكبرى التي أنذر بها النبي صلّى الله عليه وسلّم بين يدي الساعة (¬8)، ولم يكن لها حر على كبرها وشدّة ضوها. ودامت أياما (¬9)، وظن أهل المدينة أنها الساعة، فابتهلوا الى (101 أ) الله تعالى بالدعاء والتوبة، وتواتر شأن هذا ¬
النار (¬1). وفيها كان الغرق (¬2) العظيم ببغداد، هلك فيه خلق عظيم تحت الردم، وبقيت المراكب تمشي في أزقة البلد. وفيها في رمضان احترق مسجد المدينة النبوية سائرة من مسرجة القيّم، وذهبت سقوفه، وذهب (¬3) بعض الأعمدة، واحترق سقف الحجرة الشريفة. وفيها كانت وفاة (¬4) السلطان غياث الدين كيخسرو، وخلف من الأولاد ثلاثة، هم: عز الدين كيكاوس، وركن الدين قليج أرسلان، وعلاء الدين كيقباذ. فلما مات والدهم استقروا في السلطنة ولم ينفرد بها أحد دون الآخر. وضربت السكة بأسمائهم مشتركة. وخطب لهم جميعا. وكان والدهم قد فوّض ولاية عهده لابنه علاء الدين كيقباذ ابن كرجي خاتون، فاتفقوا على أن يتوجه هو الى منكو قان يطلب منه الصلح والهدنة ليكف عساكره ويمنع جيوشه. وفيها استولوا التتار على قيسارية وأعمالها وما حولها، وصار لهم مسافة شهر من بلاد الروم، ثم أنهم أخربوا ذلك وعادوا الى بلادهم (¬5). وفيها سار أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني قاصدا أعمال سلا، فلقيه أقوام من العربان المقيمين ببلد مراكش يقال لهم الدشم، لهم عدّة كثيرة، فالتقوا على واد يسمى أم ربيع وكان عبد الله اليعجوب ابن يعقوب على مقدمة الجيش، فكانت الكسرة عليه فرجعوا بنو مرين واستقروا بفاس أعواما، ثم شرعوا في قصد مرّاكش (101 ب) وضايقوها، وبها ¬
[الوفيات]
صاحبها إدريس ابن أبي العلى الكومي وتابعوا عليها الغارات، حتى ضاق على أبي دبوس المجال، وخرج عن يده أطراف تلك الأعمال، وآل به المآل الى ما آل. [الوفيات] وفيها مات الشيخ الفقيه أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن عبد الوهاب ابن مناس الطرابلسي المالكي. ولي القضاء بطرابلس الغرب والمهدية، ثم استوطن الاسكندرية وكان شيخا صالحا. وفيها مات الأمير مجير الدين أبو اسحاق يعقوب (¬1) ابن السلطان الملك العادل أبي بكر ابن أيوب بدمشق. وفيها مات الشيخ أبو المظفر يوسف ابن قزأغلي ابن عبد الله البغدادي الحنفي، الواعظ المشهور سبط، الإمام أبي الفرج ابن الجوزي (¬2). كان له صيت عظيم وسمعه في مجالس وعظه وله قبول عظيم عند الملوك وغيرهم. وصنف تفسيرا للقرآن الكريم وتاريخا كبيرا في أربعين (¬3) مجلده، سماه «مرآة الزمان». وكانت وفاته ليلة الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي الحجة (¬4) ووالده قزأغلي، عتيق الوزير عون الدين [يحيى] (¬5) ابن هبيرة، فزوجه الحافظ ابن الجوزي ابنته، فولدت له شمس الدين المذكور، فلهذا ينسب الى جده لا لأبيه. وفيها مات الشيخ عماد الدين عبد الله بن النحاس (¬6) الزاهد العابد. خدم الملوك ووزراء (¬7) العجم، وانقطع في آخر عمره بجبل قاسيون وأقام ثلاثين سنة مشغولا بالله تعالى وبقضاء حوائج الناس بنفسه وماله. ولما مات دفن بقاسيون، وهو الذي قال له ابن شيخ الشيوخ فخر الدين: والله لاسبقنك الى الجنة بمده، فسبقه كما قال. (102 أ) وفيها مات ¬
ثم دخلت سنة خمس وخمسين وستمائة
أبو الحجاج يوسف بن محمد بن إبراهيم الأنصاري البياسي (¬1)، أحد فضلاء المغرب وحفاظها. كان أديبا فاضلا مطلعا على أقسام كلام العرب من النظم والنثر والوقائع والأيام، وكان يحفظ [كتاب] (¬2) الحماسة وديوان أبي تمام [الطائي] (¬3) والمتنبي والأشعار الستة و «سقط الزند» (¬4) وغير ذلك من أشعار الجاهلية والإسلام، وصنف كتابا سماه كتاب «الإعلام بالحروب الواقعة في صدر الاسلام» ابتدأ فيه من مقتل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وختمه بخروج الوليد ابن طريف الشاري (¬5) على الرشيد ببلاد الجزيرة الفراتية [وهو في مجلدين] (¬6) [وله أيضا كتاب] (¬7) سماه «الحماسة» في مجلدين. وكان مولده يوم الخميس رابع عشر ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. ومات يوم الأحد رابع ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وستمائة بمدينة تونس رحمه الله تعالى. وفيها أخذ قاع البحر أربعة أذرع وست عشرة إصبعا. وانتهت الزيادة الى سبعة عشر ذراعا وأربعة عشر إصبعا (¬8). ثم دخلت سنة خمس وخمسين وستمائة فيها فتح الناصر [يوسف بن محمد] (¬9) مدرسته (¬10) التي أنشأها بدمشق بباب الفراديس، وحضر الملك الناصر والأمراء والقضاة والفقهاء، ولم يتخلف أحد عن الحضور. وفيها في ليلة الخامس (¬11) عشر من جمادى الآخرة خسف القمر أول الليل، فكان شديد الحمرة ثم انجلى وكسفت الشمس في صبيحة غده، فاحمرت وقت طلوعها (102 ب) ¬
و [قريب] (¬1) غروبها وأقامت أياما متغيرة اللون ضعيفة النور. وفيها ملك هولاكو بلاد الروم جميعها، وحكى بعض المؤرخين أنّ هولاكو في هذه السنة دخل الى بغداد في زي تاجر عجمي ومعه مائة حمل حرير واجتمع بابن الدرنوس (¬2) نديم الخليفة والوزير (¬3) وبأكثر أرباب الدولة، وقرر معهم ما أراد، وأعطاهم الفرامين وأصلح حاله على ما أراد، وخرج منها بلا مال في قفل من قفول العجم، قال وصار هذا الأمر مستفاضا بين التجار المخالطين للعجم. وكان الوزير وأرباب الدولة قادرين على مسكه، لكنهم خافوا الله ورسوله والمسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وفيها وقعت الوحشة (¬4) بين البحرية والملك الناصر، صاحب الشام فخرجوا من دمشق الى نابلس وقصدوا المغيث صاحب الكرك في عاشر شوال. وفيها قصد الملك المغيث صاحب الكرك الديار المصرية وصحبته الأمراء البحرية (¬5). وفيها قتل الملك المعز عز الدين أيبك صاحب مصر بالحمام، وسبب ذلك أنّه كان قد خطب بنت صاحب الموصل ليتزوجها، واتفق الحال على ذلك. فلما تحققت شجر الدر ذلك، صبرت عليه حتى دخل الحمام، وذلك في يوم الثلاثاء رابع (¬6) عشري ربيع الأول. ركب من (¬7) الميدان [بأرض اللوق] (¬8) كعادته، وعاد الى القلعة من عشيته، فلما دخل الى ¬
الحمام أحاط به جماعة من الخدام، فقتلوه (¬1) وأشاعوا باكر النهار، أنه مات فجأة في جوف الليل، ودعوا بالثبور، وأعول النساء في (103 أ) في الدور، فلم تتم الحيلة على مماليكه لأنهم فارقوه بالعشي سليما. فعلموا أنّه قد قتل غيلة، فبادروا بهجم الدور على الحرم ومسكوا الخدم والجواري (¬2) وبسطوا عليهم العذاب، فأقروا بما جرى، فأمسكوا شجر الدر عند ذلك، وأمسكوا الطواشي محسن الجوهري (¬3) وصلبوه على باب القلعة، مسمرا على الخشب، وهرب نصر العزيزي الى الشام. وحملوا شجر الدر الى زوجة المعز أم ولده، نور الدين، فقتلتها الجواري (¬4) بالقباقيب الى أن ماتت ورميت من فوق السور الى الخندق، عريانة بثوب واحد ولباس، وقيل إنها بقيت في الخندق أياما، وقيل أنّ بعض الجرامكيش (¬5) نزل في ليل وأخذ تكتها التي كانت في لباسها، ثم بعد أيام شالوها، ودفنت في تربتها (¬6). وكان مدة مملكة المعز خمس (¬7) سنين وأشهر. وكان المعز ملكا حازما، شجاعا، كريما، حسن التدبير والسياسة، غير أنّه كان سفّاكا للدماء، قتل خلقا كثيرا وشنق جماعة من غير ذنب، وأحدث في أيامه مظالم كثيرة، وأخذ الجوالي (¬8) من النصارى واليهود مضاعفة، وأحدث التصقيع (¬9) والتقويم (¬10) وأشياء كثيرة من أصناف المظالم. وفيها تولى المملكة، الثاني من ملوك الترك وهو الملك المنصور نور الدين علي بن المعز عز الدين أيبك، ملك بعد والده في سادس عشري ربيع الأول [سنة خمس وخمسين وستمائة] (¬11) وعمره يومئذ نحو عشر (¬12) سنين. وسبب ذلك (103 ب) أن الأمراء المعزية مماليك والده ¬
اتفقوا جميعا على ذلك، وحلفوا له واستحلفوا له جميع العساكر، ورتبوا الأمير سيف الدين قطز أتابكه ومدبر دولته (¬1). وكان ذا بأس وشهامة وحزم وصرامة، واستمروا بالصاحب شرف الدين الفائزي في الوزارة، ثم بعد أيام مسك، وسبب ذلك أن الأمير سابق (¬2) الصيرفي والأمير ناصر الدين محمد بن الأطروش الكردي، أمير جاندار، شهدوا على الوزير أنه قال بعد وفاة المعز وسلطنة ولده: «أن المملكة لا تمشي بالصبيان إلا إن كان رأى يكون الملك الناصر صاحب الشام»، فعند ذلك مسك واحتيط على أمواله وأسبابه وذخائره. كان مثريا من المال وله ودائع كثيرة متفرقة فتتبعت واستخرجت من أربابها وحملت، واعتقل ثم قتل دفن في نخ (¬3). وقيل إن سبب ذلك والدة المنصور زوجة المعز، واستوزر بعده الصاحب زين الدين يعقوب ابن الزبير (¬4). وفيها قصد الملك المغيث (¬5) قصد الديار المصرية بمن معه من البحرية، فساروا وبلغ الأمير سيف الدين قطز والأمراء الخبر، فجردوا عسكرا الى الصالحية. فلما كان ليلة السبت الخامس عشر (¬6) من ذي القعدة تواقعوا (¬7) فانكسر البحرية ومن معهم من العسكر الكركي. وأسر الأمير سيف الدين قلاون الألفي والأمير سيف الدين بلبان الرشيدي وقتل الأمير سيف الدين يلغان الاشرفي، وانهزم الباقون. ولما حصل الأمير سيف الدين قلاون في الأسر ضمنه الأمير شرف الدين قيران المعزي، وهو يومئذ أستادار السلطنة المعظمة، فأقام بالقاهرة مدة يسيرة ثم تسحب واختفى في الحسينية عند سيف الدين قلطيجا الرومي، ثم قصد التوجه الى الكرك، فزوده وجهزه الى الكرك. وفيها حسّنوا البحرية للمغيث قصد الديار المصرية، وكاتبه بعض أمرائها وأوعده ¬
بانجادهم متى حضر بنفسه اليها، فقصدها في السنة التي تلي هذه. وفيها ولي الوزارة (¬1) القاضي تاج الدين عبد الوهاب بن خلف العلائي المعروف بابن بنت الأعز عوضا عن بدر الدين السنجاري. وفيها كتب ابن العلقمي، وزير بغداد للملك هولاكو، ملك التتار، أنك تحضر الى بغداد وأنا أسلمها لك. وكان قد داخل قلبه الكفر، فكتب اليه هولاكو، أن عساكر بغداد كثيرة، فإن كنت صادقا فيما قلته لنا وداخلا تحت طاعتنا، أعمل على تفريق عساكر بغداد، فإذا عملت ذلك حضرنا. فلما بلغ الوزير ما قاله هولاكو دخل الى أمير المؤمنين فقال له: إنّ جندك كثير وعليك كلف عظيمة، والعدو قد عاد من بلاد العجم وعندي من الرأي أنّ تعطي دستور (¬2) لخمس عشر ألفا من عسكرك وتوفر معلومهم (40 ب) من بيت المال، فأجابه الخليفة الى ذلك، فخرج وأعرض العساكر وتنقى منهم خمسة عشر ألف فارس، نقاوة العسكر وأعطاهم دستور (¬3)، ومنعهم من القيام ببغداد وأعمالها، وأخرج لهم أوراق الدستور من أمير المؤمنين، فتفرقوا في الأعمال. ثم أن الوزير بعد أشهر قلائل، دخل الى الخليفة، وفعل فعلته الأولى وأعطى دستور العشرين ألفا، وكانت هذه الخمسة وثلاثين ألف مقوّمة بمائة ألف (¬4). فلما فعل ذلك كتب الى الملك هولاكو بما فعله. فلما وصل كتابه إليه وتحقق صحة قوله، ركب وسار قاصدا بغداد، وكتب الى بايجو (¬5) أن يتقدم بالعساكر الذين معه الى بغداد، وكتب أيضا الى سونجونجاق (¬6) فقدم الى بغداد وضرب خيامه. فاجتمع أكابر بغداد وتحالفوا جميعا وخرجوا الى ظاهر بغداد والتقوا مع عساكر هولاكو وتقاتلوا قتال شديد (¬7)، وصبروا (¬8) المسلمين صبر الكرام، فانكسروا (¬9) عساكر هولاكو وساقوا المسلمين خلف أعداء ¬
[الوفيات]
الله، وأرموهم الى الأرض. ولما كان وقت العصر، عادت عساكر المسلمين مؤيدين منصورين ومعهم الأسارى ورؤوس القتلى، فنزلوا في خيامهم مطمئنين، فأرسل الوزير في تلك الليلة من يثق به الى شط الدجلة أطلق ماءها على عساكر بغداد. فما كان أحد منهم يقوم إلا وهو يخوض في الوحل. وغرقت خيولهم (105 أ) وعدمت أموالهم، والسعيد منهم من لحق فرسا ركبه، وانكسروا بعد النصرة. وكان الميعاد مع عساكر التتار، فحملوا وقتلوا من المسلمين خلقا كثيرا، وتملك التتار ظاهر بغداد وأحاطوا بها وحاصروها (¬1). [الوفيات] وفيها مات الملك الناصر داوود (¬2) ابن الملك المعظم عيسى ابن العادل، الذي كان سلطان دمشق، ثم استقر في الكرك والشوبك، ثم سلب ذلك كله وصار متنقلا في البلاد موكلا به، فتارة يكون في البراري وتارة في الشرق وبغداد. مات بالبويضاء قرية من قرى دمشق، كانت لعمه مجير الدين ابن العادل، وحمل منها فصلي عليه عند باب النصر ودفن بقاسيون عند أبيه بالتربة المعظمية. وخلف أولادا وأتباعا من أهله. وكان فاضلا، عالما، له اليد الطولى في النظم وعلم الأوائل، ومشاركة في كل فن. ولما سافر الى بغداد، استأذن العزيز في نزوله بالمدرسة المستنصرية، فأجيب سؤاله، ونزل بها ومعه جماعة من أعيان الدولة. وبحث مع الفقهاء، وأورد سؤالات جيدة، وأبان عن فضيلة تامة شهد له الفضلاء بذلك. وعمل في ذلك اليوم دعوة عظيمة بالمدرسة المستنصرية، كذا ذكره الشيخ تاج الدين ابن الساعي (¬3) في تاريخه. وله. شعر جيد؛ فمنه قوله: [الكامل] لمّا بدا في مرو زيّ قبائه ... وعليه من ثوب النهار تبهرج (105 ب) مثلته قمرا عليه سحابة ... من زوره (¬4) فيها البروق ترجرج ¬
وقال: [الطويل] عيون عن السحر المبين تبين ... لها عند تحريك القلوب سكون تصول ببيض وهي سود فرندها ... ذبول فتور والجفون جفون إذا ما رأت قلبا خليا من الهوى ... تقول له كن مغرما فيكون وقد طولنا ترجمته في كتابنا «ترجمان الزمان في تراجم الأعيان» في مكانه منه. وفيها مات بهاء الدين، أبو الفضل، زهير (¬1) بن محمد بن علي [بن يحيى] (¬2) بن الحسن بن جعفر بن منصور ابن عاصم المهلبي العتكي الكاتب. كان المذكور من فضلاء عصره وأحسنهم نظما ونشرا وخطا، ومن أكثرهم مروءة. وكان قد اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح أيوب، بالديار المصرية، وتوجه في خدمته الى البلاد الشرقية. قال الشيخ، شمس الدين ابن خلكان (¬3): كنت (¬4) يوم قدوم الملك الصالح نجم الدين أيوب الى الديار المصرية من الكرك وصحبته بهاء الدين زهير، وكنت أودّ لو اجتمعت ورأيته لما كنت أسمعه عنه، فلما وصل، اجتمعت به ورأيته فوق ما سمعت عنه من مكارم الأخلاق وكثرة الرياضة [ودماثة السجايا] (¬5)، وكان متمكنا من صاحبه كبير القدر عنده، لا يطلع على سره الخفي غيره، وكان لا يتوسط إلا بالخير ونفع خلقا كثيرا بحسن وساطته [وجميل سفارته] (¬6)، قال وأنشدني (106 أ) كثيرا من شعره، ومما أنشدني قوله: [مجزوء الرجز] يا روضة الحسن صلي ... فما عليك ضير فهل رأيت روضة ... ليس بها زهير وقال (¬7): [مجزوء الرجز] ¬
كيف خلاصي من هوى ... مازج روحي فاختلط وتائه أقبض في ... حبّي له وما انبسط يا بدر إن رمت به ... تشبّها رمت شطط ودعه يا غصن النّقا ... ما أنت من ذاك النّمط قام بعذري وجهه ... عند عذولي وبسط لله أيّ قلم ... لواو ذاك الصّدغ خطّ ويا له من عجب ... في خدّه كيف نقط يمرّ بي ملتفتا ... فهل رأيت الظبي قط ما فيه من عيب سوى ... فتور عينيه فقط يا قمر السّعد الذي ... نجمي لديه قد هبط يا مانعي حلو الرضا ... ومانحي مر السّخط حاشاك ان ترضى بأن ... أموت في الحب غلط وقال (¬1): (106 ب) وشعره كله لطيف، ومولده خامس ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بمكة. مات يوم الأحد رابع ذي القعدة من هذه السنة، وقيل في سنة ست وخمسين والله أعلم، ودفن بالقرافة الصغرى بالقرب من قبة الامام الشافعي من جهتها القبيلة. وقال الصاحب جمال الدين ابن مطروح: كتبت الى بهاء الدين زهير وكنت خصيصا به هذين البيتين وهما: [الوافر] أقول وقد تتابع منك برّ ... وأهلا ما برحت لكلّ خير (107 أ) ألا لا تذكروا هرما بجود ... فما هرم بأكرم من زهير وفيها مات الشيخ، أبو زكريا يحيى بن أبي الروح السبتي، في النصف من شعبان. وفيها مات الشيخ الإمام العلاّمة، أبو عبد الله محمد (¬2) بن عبد الله الأندلسي المرسي ¬
ثم دخلت سنة ست وخمسين وستمائة
بين الزعقة والعريش. وكان المذكور من أعيان العلماء بارعا في علم العربية وتفسير القرآن، وله مصنفات مفيدة ونظم رائق. وفيها مات الشريف الأديب، أبو الحسن علي بن محمد [بن الرضا] (¬1) الموسويّ، عرف بابن دفتر خوان، وله مصنفات كثيرة وشعر رائق فمنه (¬2): [الطويل] إذا لمت قلبي قال عيناك أبصرت ... وان لمت عيني قالت الذنب للقلب فعيني وقلبي قد تشاركن في دمي ... فيا ربّ كن عوني على العين والقلب وفيها مات الشيخ أبو جعفر (¬3) ابن الشيخ شهاب الدين أبي عبد الله عمر بن السهروردي الصوفي ببغداد. وفيها مات الشيخ نجم الدين أبو محمد عبد الله ابن أبي الوفاء البغدادي البادرائي (¬4) الشافعي ببغداد عند عوده إليها من الديار المصرية، فإنه كان يترسل عن الديوان العزيز الى الشام ومصر. ثم دخلت سنة ست وخمسين وستمائة فيها افتتحوا (¬5) التتار مدينة بغداد ودخلوها غدوة في العشرين من المحرم (¬6) (107 ب) فبذلوا في أهلها السيف، ولم يرحموا شيخا كبيرا ولا طفلا صغيرا، وأخذ الإمام المستعصم بالله أسيرا وأحضر الى هولاكو، فأنزله في خيمة صغيرة، فاتفق أن الخليفة جالس في خيمته بعد صلاة الظهر وإذا بطائر أبيض قد سقط على الخيمة التي فيها الخليفة، فأقام ساعة ثم حلّق ¬
طائرا، ففي تلك الساعة بعث إليه هولاكو وأحضره وكان له وهو قائم بين يديه يكلمه من أربع حجاب (¬1) على لسان الترجمان: ما هذا الطائر الذي أتاك؟ فقال: طائر سقط على الخيمة ثم طار، قال فما الذي قال لك وما الذي قلت له؟ فقال الخليفة: وهل يتكلم الطائر فقال له: لا بد أن تقر بالصحيح، ومن أين أتاك، وماذا قال لك، وما الذي قلت له؟ وجرى في ذلك كلام كثير ومحاورات كثيرة من جملتها، أنكم أهل سحر وهذا الطائر جاءك رسولا من بعض أعوانك، ثم جرى مع ولد الخليفة كلام كثير ما يشابه ذلك، فأمر بهما هولاكو، فأخرجا الى ظاهر العسكر، فوضعا في غرارتين وشدو عليهما، ولم يزالا يرفسان بالأرجل حتى ماتا (¬2) رحمهما الله تعالى. وسبوا كل من حواه قصره من نسائه وبناته (¬3)، واستولى العدو على ذخائر الخلافة وخزائنها وأموالها وجواهرها، ونهبت مدينة بغداد وما حوته من الأموال ما يتجاوز الإحصاء ويتعدى الاستقصاء. (108 أ) فكانت هذه الواقعة من أمرّ الوقائع فلله الأمر من قبل ومن بعد. قيل أن عدة من قتل ببغداد ما ينيف على ألفي ألف وثلاثمائة ألف وثلاثين ألف نفس (¬4). وكانت خلافة المستعصم بالله ست عشرة سنة وشهورا. وأنقضت الخلافة ببغداد وزالت أيامهم من تلك البلاد. [الكامل] خلت المنابر والأسرّة منهم ... فعليهم حتى الممات سلام وأصبحت بغداد أطلالا داثرة كما قيل: [الطويل] كأن لم تكن قصد السراج (¬5) ولم يكن ... بصحرتها الفيحاء حفل ومجمع ¬
ولا صهلت فيها الجياد لغارة ... ولا طاب مصطاف ولا لذّ مربع ولا ازدحمت فيها المواكب وارتقى ... مقام مقال في المحافل مصقع عظات لمرتاد وعبرة عاقل ... بها لذوي الرأي المؤيد مردع ثم أمر هولاكو برفع السيف، وأما الوزير ابن العلقمي، فإن الملك هولاكو استدعاه بين يديه وعنّفه على سوء سيرته وقبح سريرته، وممالأته على ولي نعمته، وإنه ما حفظ حق إحسانه اليه، ثم قال له: لو أعطيتك كلّ ما ملكناه، ما نرجو أنك تبقي علينا وأنت من خلاف مأمننا، فأنت لا حقّ الاحسان إليك أبقيت، ولا حق علو درجة كنت فيها، ولا حق أهل دينك، وأرميت حريمهم وأولادهم في أيدينا، فكيف تبقى أنت علينا؟ فما لنا فيك أكثر من أن نكافئك بقتلك ويستريح من بقي من المسلمين من شرّك (108 ب) وتستريح التتار من غائلتك. وأمر بقتله فقتل شر قتلة (¬1)، لقاه الله تعالى. وكان هذا الوزير هو السبب في خراب البلاد وقتل الخليفة، وذلك أنّ الملك هولاكو كان قد اتفق مع مع الخليفة على أنّ يكون له نصف البلاد وله النصف، واتفق الحال على ذلك، فقال الوزير للملك هولاكو: ما هذا مصلحة، المصلحة قتله وإلا ما يتم لكم ملك، فكان سبب قتله (¬2). وكان هولاكو بعد قتل الخليفة قد ولاّه الوزارة فقاسى فيها من الذل والهون ما لا يعبر عنه (¬3)، وقلت بعد ذلك ثم ندم على ما قدم، فنسأل الله حسن العاقبة، وسبب ذلك أن الوزير كان شيعيا وكان الشيعة يسكنون بالكرخ وهي محلة كبيرة بالجانب الغربي من بغداد، فأحدث أهلها حدثا أوجب خروج أمر الخليفة بنهبهم، فنهبوا، فأثّر ذلك عنده أثرا عظيما، وحملته الحميّة والعصبية على مكاتبة هولاكو. وفيها أرسل هولاكو طائفة من عساكره الى ميّافارقين صحبة صرطق (¬4) نوين وبها الملك ¬
الكامل، ناصر الدين محمد بن الملك المظفر، شهاب الدين غازي ابن العادل أبي بكر ابن أيوب، فحاصروها ونصبوا عليها المجانيق من كل ناحية، فقاتل أهلها وامتنعوا من تسليمها وصبّروا أنفسهم على الحصار الشديد (¬1) حتى أكلوا الميتة والدواب، واستولوا (¬2) التتار على المدينة (¬3) وملكوها وقتلوا وسبوا وأسر من بقي من الجند (¬4) وأخذ صاحبها في تسع نفر من مماليكه وأحضر بين يدي هولاكو (109 أ) فقتلوا (¬5) إلا مملوكا واحدا اسمه قراسنقر أبقاه هولاكو وذلك أنه سألهم عن وظائفهم، فذكر له ذلك المملوك انه «أمير شكار» (¬6) فسلم إليه شيئا من الطيور الجوارح. وكان الكامل صاحب ميافارقين، أديبا فاضلا وله نظم جيد فمنه قوله: [الطويل] ترى تسمع الدنيا بما أنا طالب ... فلي عزمات دونهن الكواكب وإن يكن الناعي بموتي معرّضا ... فأي كريم ما نعته النوائب ومن كان ذكر الموت في كل ساعة ... قرينا له هانت عليه المصاعب وما عجبي إلا تأسف عاقل ... على ذاهب من ماله وهو ذاهب وفيها أراد الملك هولاكو الرحيل من بغداد، فأمر بإطلاق النار فيها جميعها فأطلقت النيران وطار الشرار، فتقدم كتبغا وضرب جوك وقال: يا ملك ان هذه مدينة عظيمة وكرسي مملكة، وإذا أبقيتها حصل لك منها مال عظيم في كل سنة ويكون نوابك مقيمين بها، فمن المصلحة أن تطفئ النار ويرفع السيف، وتعطي من بقي فيها أمانا، ورتب بها لك نوابا. فسمع الملك هولاكو كلامه وأمر باخماد النار ورفع السيف، ونادى من كان مخبئا بالأمان (¬7). ¬
وفيها تسلم نواب هولاكو إربل وقلعتها (¬1). وفيها سار الملك الرحيم، بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل الى هولاكو مهادنا وللطاعة مذعنا واستصحب معه شيئا كثيرا من الهدايا النفيسة (109 ب) والأمتعة الجليلة والجواهر الثمينة ومفاتيح القلعة والمدينة، وإنما فعل ذلك شفقة على رعيته أن يحلّ بهم ما حل بأهل بغداد، فاختار أن يفديهم بنفسه ونفائسه، فشق على أهل الموصل فراقه وخافوا فقده، فجاء اليه الأعيان الأكابر وقصدوا تعويقه، فعرّفهم أن في مبادرته بالمسير إليه نفعا لهم وصيانة لحريمهم، فقالوا له: نخاف عليك منه، فقال لهم: لا تخشوا علي فإني راج أن أتمكن منه. وسار فلما وصل الى هولاكو وقف بين يديه حاملا كفنه على كتفيه، وقدم هداياه وتحفه، فقبلها منه وأقبل عليه، وقال لمن حضر من أكابر الخانات: هذا رجل عاقل ذو سياسة، ثم خلع عليه وكتب له بتفويض مملكة الموصل على قاعدته. وقد كان أرسل اليه في مبدأ خروجه ولده الملك الصالح اسماعيل بهدايا، فاجتمع به، ثم عاد الملك الرحيم من عند هولاكو محترما معظما (¬2). وفيها لما بلغ الملك الناصر صاحب الشام، أخذ بغداد، خاف خوفا كثيرا، وجهز ولده الملك العزيز بتقادم وتحف، وسير صحبته، الزين (¬3) الحافظي والأمير سيف الدين الجاكي، والأمير علم الدين قيصر الظاهري، وكتب كتابا الى الملك الرحيم صاحب الموصل ليقف مع ولده ويصلح أمره كيف قدر. فلما قدم على هولاكو أقبل عليه وقدم تقدمته وسأله عن سبب تأخير أبيه عن الحضور الى الأردوا، فاعتذر إليه بأنه لم يمكنه مفارقة (110 أ) البلاد خوفا عليها من عدو الاسلام الذين بالساحل فأظهر له أنه قبل عذره، وأن الملك الناصر أوصى ولده أن يسأل الملك هولاكو في نجدة من عساكره ليفتح بهم مصر، فأمر هولاكو أن يتوجه إليه [بعسكر فيه قدر] (¬4) عشرين ألف فارس، فشاعت هذه الأخبار وطارت في الأقاليم وأنّ البحرية الذين كانوا عند الملك الناصر بلغهم مجيء التتار نجدة له، فارقوا خدمته وتوجهوا الى خدمة المغيث [عمر] (¬5) صاحب الكرك [وحرّضوه على أخذ مصر] (¬6). ¬
[الوفيات]
وفيها وصل الشهرزورية من الشرق الى الشام (¬1). وفيها قصد الملك المغيث الديار المصرية بعد أن نفق واستخدم. فلما بلغ المنصور صاحب مصر ذلك جرّد العساكر صحبة نائبه، الأمير سيف الدين قطز، فالتقوا وتقاتلوا قتالا شديدا، فانكسر (¬2) المغيث الى الكرك ورجع المصريون الى الديار المصرية. وفيها نقل أن جماعة من الأمراء المصرية كاتبوا الملك المغيث، فمسكوهم وقيدوهم، وهم: الأمير عز الدين أيبك الرومي [الصالحي] (¬3)، والأمير سيف الدين بلبان الكافوري (¬4) الاشرفي والأمير بدر الدين بلغان الاشرفي، وجماعة من الأمراء، ثم ضربت رقابهم وذلك في سادس عشري ربيع الأول، [وأخذ أمولهم كلها] (¬5). وفيها في يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى، عزل عن القضاء القاضي بدر الدين السنجاري وتولاه القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز، استقلالا. وفيها في (110 ب) رابع رمضان وقعت إحدى مسال فرعون التي بأراضي المطرية (¬6) من ضواحي القاهرة، فوجدوا داخلها ما يقارب مائتي قنطار نحاس، وأخذ من رأسها عشرة آلاف دينار، ذكر ذلك، محمد بن ابراهيم الجزري (¬7) في تاريخه الذي ذيّله على تاريخ الأصبهاني. [الوفيات] وفيها مات الشيخ الإمام الأديب الفاضل العالم الصالح الزاهد، جمال الدين أبي زكريا، يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور بن المعمر ابن عبد السلام الصّرصري (¬8) ¬
البغدادي الحنبلي، قتل في وقعة بغداد. قال الشيخ شمس الدين الذهبي (¬1)، حكى لنا شيخنا ابن الدباهي (¬2)، وكان خال أمه، قال: بلغنا أنه دخل عليه التتار وكان ضريرا فطعن بعكازه، بطن واحد منهم فقتله، ثم قتل شهيدا. وهو صاحب المدائح النبوية السائرة، وشعره طبقة عليا (¬3) يدخل في [ثمان] (¬4) مجلدات. ومولده سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وتوفي في هذه السنة، ومن قوله: [الكامل] من غير سنة حبهم خد واترك ... وسوى طريقهم تعدّى واسلك واصبر على فتكات صارم حبهم ... لا فخر للهنديّ إن لم يفتك والبس بهم ثوب النحول فإنه ... ما يخلص الامرين ما لم ننسك شرف القلوب حلولها في رقهم ... والعبد يحوي الفخر بالمتملك قسما بعز جمالهم وبصوتهم ... وبذلتي في حبهم وتهتكي (111 أ) كيف السبيل الى حمى بان اللوى ... عن غير أهليه بعيد المسلك من دونه للصب أطراف القنا ... وقواضب البيض الرقاق البتّك إن صدني التقصير عن إدراكه ... ومعانق التقصير ليس بمدرك لأتممنّ نقائصي بتعلقي ... بالهاشمي المصطفى وتمسكي ذي الفضل والجاه العظيم المرتجى ... لسوي الموحد بن مهلك أنعمت في صفر علي وقد مضى ... وأتى ربيع شهر مولدك الزكي وله غير ذلك، وقد أوردنا ترجمته في كتابنا «ترجمان الزمان في تراجم الأعيان». وفيها مات الأمير سيف الدين علي بن سابق الدين عمر بن قزل بن يلمان بن صراقوش ¬
ابن جلدك التركماني الياروقي الأصل، المصري المولد والمنشأ، الدمشقي الوفاة، المعروف بالمشد (¬1). مات يوم الخميس يوم عاشوراء من هذه السنة، ودفن بسفح قاسيون، ومولده في شوال سنة اثنتين وستمائة. كان فاضلا أديبا وعنده مروءة ومكارم أخلاق وصدقة وبر الى الفقراء في كل ليلة جمعة، وفي كل ليلة يجتمع عنده جماعة من الأدباء والفضلاء والأعيان، ونظمه في غاية اللطافة والرقة، رآه مجد الدين الدولعي في منامه بعد وفاته بخمسة عشر يوما وهو ينشد هذه الأبيات: [الطويل] نقلت الى رمس القبور وضيقها ... وخوفي ذنوبي (¬2) أنها بي تعثر فصادفت رحمانا رؤوفا وأنعما ... حباني بها نقضا (¬3) لما كنت أحذر (111 ب) ومن كان حسن الظن في حال موته ... جميلا بعفو الله فالعفو أجدر وله: [الهزج] أيا من حسنه الأقصى ... ويا من قلبه الصخرة أما ترثي لمشتاق ... يقضّي بالمنى عمره إذا ما زمزم الحادي ... رمى في قلبه جمرة وأنى كان من يهوى ... يولي وجهه شطره وظبي من بني الأتراك ... في أخلاقه نفرة بدا في الذرع مثل الرم ... ـح في الأعطاف والسمرة فيا لله من بدر ... بأفق الطرف والنثرة وله: [السريع] تلاعب الشعر على ردفه ... أوقع في قلبي العريض الطويل وله غير ذلك أشياء غريبة، وملكت ديوانه في مجلدة لطيفة. ومن نظمه أيضا في وصف ¬
شعره: [الخفيف] إن نظمي إذا نظرت اليه ... أيها الفاضل البديع البيان ملح كالرياض تسرى الى الفه ... ـم بلا كلفة ولا ترجمان وهو مع ما حواه من كل فن ... توريات مستغربات المعاني جمع الطب والنجامة والنح ... ـو وعلم القريض والألحان (112 أ) والأصولين والخلاف مع الحك ... ـمة والمنطق المتين المباني ثم أني طرزته بالأحادي ... ـث ورصعته من القرآن فروته الرواة عني لما ... علموا ما أردت من تبياني فلهذا أبقيته بعد علمي ... أنني لست باقيا وهو فاني وهو ابن عم الأمير، جمال الدين ابن يغمور رحمهما الله تعالى. وفيها مات الشيخ الإمام العالم العلامة، حافظ الوقت، الزاهد المحدث الفقيه الشافعي، زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد المنذري (¬1)، الشامي المحتد، المصري الدار والمولد والوفاة. مولده بفسطاط مصر بكوم الجارح، في غرّة شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. ومات بالقاهرة في يوم السبت أول العاشرة، ثالث ذي القعدة أو رابعه من هذه السنة وصلى عليه يوم الأحد بعد الظهر في موضع تدريسه بدار الحديث الكاملية بالقاهرة المحروسة، وصلي عليه أيضا تحت القلعة ودفن بسفح المقطّم بساريه. انتهت إليه رئاسة أهل الحديث بالقاهرة في زمانه وبالديار المصرية، وهو يعرف بابن السميدع، سمع من ابن أبي نزار اليمني (¬2) وكان جار مسجده في حانوت هناك، واعتنى به الحنابلة الراحلون، فأسمعوه من أبي عبد الله ابن حمد الحذا، ولم يزل على حنبليته الى أن أقدم الصاحب ابن شكر (¬3)، الحافظ أبي الحسن ابن المقدسي (¬4) التدريس بمدرسته، ¬
(112 ب) فانتقل الناس إليه من جميع البقاع، وكان عبد العظيم هذا يتردد إليه ويقرأ بين يديه، فحدثه أبو الحسن المقدسي وإستتابه على رؤوس الأشهاد من مذهب الحنابلة الى مذهب الأشعري فقدمه الى الصاحب، فخلع عليه ونوه باسمه، وأمّ بالمدرسة الصاحبية (¬1) وصار شافعيا وفي كل ذلك يسمع من مشايخ مصر ويفيد ويستفيد، إلى أن تعين، فقدمه الملك الكامل بعد وفاة أبي عمرو بن دحية الى دار الحديث الكاملية فانقطع بها وقطع كل الأشغال، وأجاز له أبو القاسم البوصيري، وسمع بدمشق من أبي حفص ابن طبرزد (¬2) ومن غيره من شيوخها، ولما مات دفن بالقرافة وله شعر حسن فمنه قوله: [الكامل] اعمل لنفسك صالحا لا تحتفل ... بظهور قيل في الأنام وقال فالناس لا يرجى اجتماع قلوبهم ... لا بد من مثن عليك وقال وكان إمام عصره، واليه الرحلة، رحمه الله تعالى. وفيها مات تاج (¬3) الدين أبو الفتح يحيى ابن العديم الحلبي بحلب. وفيها مات الصدر الرئيس، عون الدين سليمان ابن عبد المجيد (¬4)، أبو المظفر، المعروف بابن العجمي (¬5)، ناظر الجيوش في الدولة الناصرية، في ثالث عشر ربيع الأول ودفن بقاسيون وله نظم، فمن قوله: [الوافر] لهيب الخدّ حين بدا لعيني ... هوى (¬6) قلبي عليه كالفراشي (113 أ) فأحرقه فصار عليه خالا ... وها أثر الدخان على الحواشي كان رئيسا جلاليا يخاطب بالصاحب، وله بيت مشهور بالعلم والحديث، والرئاسة ¬
والكتابة بحلب. سمع ابن شداد وغيره، وتوفي بدمشق، ودفن بقاسيون. وفيها مات مجد الدين أسعد (¬1) بن ابراهيم ابن الحسن بن علي النشابي، مولده بإربل في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وكان في أول عمره يعمل النشاب فنسب اليه، وسافر وتنقل في البلاد وعاد إلى إربل، وتولى كتابة الإنشاء لصاحبها، وبعث رسولا إلى الديوان العزيز. ولم يزل على كتابته ورئاسته حتى نقم عليه أستاذه المظفر (¬2)، فاعتقله في سنة تسع وعشرين وستمائة، ولم يزل محبوسا حتى مات مظفر الدين، فأرسل الخليفة عسكره، فأخذوا إربل وافرجوا عن المحابيس، فخرج وتوجه إلى بغداد وتنقل في خدمها حتى استولى عليها التتار، وكان في جملة من سلم من القتل، ومات بعد سكوت الفتنة في أواخر هذه السنة، وله نظم فمنه قوله: [الطويل] ولما رأى التركي هزلي (¬3) ورام أن ... يكتّم منه مهجة (¬4) لم تكتّم تشبّه بالأعراب عند التثامه ... بعارضه يا طيب لثم الملثّم شكى ردفه من خصره (¬5) فتراضيا ... بفصلهما بند القناة المكتم (¬6) وردّ جيوش العاشقين لأنه ... أتاهم بخط العارض المتحكم (113 ب) وله من أبيات: [الكامل] والبرق يخفق من خلال سحابه ... خفق الفؤاد لموعد من زائر وأشعاره كثيرة ونوادره غزيرة رحمه الله تعالى. وفيها مات الأديب الفاضل، شرف الدين أبو الطيب، أحمد بن محمد بن أبي الوفاء ابن الخطاب الربعي الموصلي المعروف بابن الحلاوي (¬7)، الشاعر المشهور. امتدح الخلفاء والملوك ¬
والأعيان، وأقام بالموصل في خدمة صاحبها بدر الدين لؤلؤ الأتابكي، ولبس زي الجند، وله شعر في غاية الحسن فمنه قوله: [البسيط] كن كيف شئت فإن الله ذو كرم ... وما عليك بما تأتيه من بأس إلا اثنتين فلا تقربهما أبدا ... الكفر بالله والاضرار بالناس وله: [الطويل] حكاه من الغصن الرطيب وريقه ... وما الخمر إلاّ وجنتاه وريقه هلال ولكن أفق قلبي محلّه ... غزال ولكن سفح عيني عقيقه واسمر يحكي الأسمر اللّدن قدّه ... غدا راشقا قلب المحبّ رشيقه على خدّه جمر من الحسن مضرم ... يشبّ ولكن في فؤادي حريقه أقرّ له من كلّ حسن جليله ... ووافقه من كلّ معنى دقيقه بديع التّثنّي راح قلبي أسيره ... على أنّ دمعي في الغرام طليقه (114 أ) على سالفيه للعذار جديده ... وفي شفتيه للسّلاف عتيقه يهدّد منه الطّرف من ليس خصمه ... ويسكر منه الريق من لا يذوقه على مثله يستحسن الصبّ هتكه ... وفي حبّه يجفو الصديق صديقه من التّرك لا يصبيه وجد الى الحمى ... ولا ذكر بانات الغوير يشوقه ولا حلّ في حيّ تلوح قبابه ... ولا سار في ركب يساق وسيقه ولا بات صبّا بالفريق وأهله ... ولكن الى خاقان يعزى فريقه له مبسم ينسي المدام بريقه ... ويخجل نوّار الافاحي بريقه تداويت من حرّ الغرام ببرده ... فاضرم من ذاك الحريق رحيقه إذا خفق البرق اليمانيّ موهنا ... تذكرته (¬1) فاعتاد قلبي خفوقه حكى وجهه بدر السماء فلو بدا ... مع البدر قال الناس هذا شقيقه رآني خيالا حين وافى خياله ... فأطرق من فرط الحياء طروقه وأشبهت (¬2) منه الخصر سقما فقد غدا ... يحمّلني في الحب (¬3) ما لا أطيقه فما بال قلبي كلّ حبّ يهيجه ... وحتّام طرفي كل حسن يروقه ¬
فهذا ليوم البين لم تطف ناره ... وهذا فبعد البعد ما جفّ موقه ولله قلبي ما أشدّ عفافه ... وإن كان طرفي مستمرّا فسوقه أرى الناس أضحوا جاهلية ودّه ... فما باله عن كل صبّ يعوقه فما (¬1) فاز إلاّ من يبيت صبوحه ... شراب ثناياه وفيها غبوقه (114 ب) وله في غلام قص شعره: [الكامل] قصّرت شعرك كي تقل ملاحة ... فكساك أبهى الحسن وهو مقصّر وقطعته ليقل عنا شره ... ولطالما قتل القصير الابتر وله: [الكامل] وافى يهز قوامه غصن النقا ... نشوان مجدول القوام مقرطقا ومنعم لولا مرارة هجره ... وصدوده لم أدر ما طعم الشقا دقّت معانيه ولكن خصره ... قد زاد في معنى النحول ودققا بمراشف منها الاماني تشتهى ... ولواحظ منها المنايا تتقى رشأ لبارق ثغره ولشعره ال ... ـملوي أحببت اللوى والابرقا لا غرو ان يصبي منازل رامه ... قلبي فأطرب نحوهن تشوقا وشفاه مبسمه العقيق وريقه ... ماء العذيب وثغره جزع النقا وكل شعره كثير المعاني، حسن الإيراد. ومولده في آخر سنة ثلاث وستمائة، وهو من أكابر بيوت الموصل، ولما توجه صاحب الموصل (¬2) الى بلاد العجم للاجتماع بهولاكو، كان في صحبته فلما وصلوا الى تبريز مرض ومات في ربيع الآخر أو جمادى الأول من هذه السنة، وقد ناهز الخمسين. وفيها مات سعد الدين محمد بن الإمام العارف المحقق محيي الدين محمد بن علي بن ¬
محمد بن أحمد بن عبد الله الطائي الحاتمي، المعروف بابن العربي (¬1) (115 أ) مولده يوم السبت سابع عشري شهر رمضان سنة ثمان عشرة وستمائة بملطية الروم ومات ثاني جمادى الآخرة بدمشق، ودفن بقاسيون. كان فاضلا أديبا أتقن الحساب والكتابة وله مشاركة في العلوم وشعر مدون، فمنه قوله في غلام قصاب: [الكامل] ناديت قصابا تروق صفاته ... قد أخجلت سمر القنا حركاته يا واضع السكين في فمه وقد ... أهدى بها ماء الحياة لهاته ضعها على المذبوح ثاني كرة ... وأنا الضمين بأن تعود حياته وله في غلام صوفي: [السريع] علقت صوفيا كبدر الدجى ... لكنه. في صلتي زاهد (¬2) يشهد وجدي بغرامي له ... فديت صوفيا له شاهد وفيها مات ببغداد شيخ الشيوخ، أبو الحسن ابن النيار (¬3) البغدادي، المنعوت بصدر الدين، شهيدا في وقعة التتار. كان أحد عظماء الدولة وكبرائها، انتخب لتعليم أولاد الخليفة المستعصم فكان أول مثال مثله لهم: [الكامل] ما طار بين الخافقي ... ـن أقل عقلا من معلم ولقد دخلنا في الصنا ... عة من قريب رب سلّم فوقف عليها الخليفة، فأمر له بتشريف وصله. وفيها مات شهيدا (115 ب) الشيخ أبو المحاسن، يوسف ابن أبي الفرج ابن الجوزي (¬4) ببغداد. ترسل عن الديوان العزيز الى الروم والشام ومصر، ومن ظريف ما جرى ¬
له في ترسله أنه عند وصوله الى الروم، صادف وفاه صاحبها فغسله، ثم فصل الى الشام فصادف عند وصوله حلب وفاة صاحبها فغسله، ثم صادفه عند وصوله الى مصر وفاة صاحبها فغسله فقيل فيه: [الخفيف] يا إمام الأنام يا صفوة الل ... ـه ومن ذكره الثناء الجميل ما جرى من رسولك الشيخ محيي ال ... ـدين في هذه البلاد قليل جاء والأرض بالسلاطين تزهى ... فغدا والربوع منهم طلوع أقفر الروم والشآم ومصر ... أفذا مغسّل أم رسول تولى استادارية الدار ببغداد وشهرة والده تغني عن الاطناب في أمره. وفيها مات الشيخ الإمام العارف، قطب الزمان، سيدي أبو الحسن علي بن عبد الله من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، المعروف بالشاذلي (¬1) الضرير، بصحراء عيذاب وهو قاصد الحجاز الشريف دفن بحميرا (¬2)، حيث توفي. كان أحد المشايخ المشهورين بمعرفة الطريق، وله في ذلك كلام كثير وتصانيف معروفة. وشاذلة قرية بافريقية ورد منها الى الاسكندرية وحج مرارا وصحبه جماعة فانتفعوا بصحبت (116 أ) وله أحزاب (¬3) يقرأها الناس، تشتمل على أدعية مباركة ولطائف حسنة يتبرك بهم. وفيها مات الشيخ الفقيه أبو المناقب محمود بن أحمد [الزّنجاني] (¬4) الشافعي شهيدا ببغداد في واقعة التتار وكان أحد الفقهاء المدرسين والعلماء العظيمين وكان رئيس الشافعية ببغداد. ¬
ثم دخلت سنة سبع وخمسين وستمائة
ثم دخلت سنة سبع وخمسين وستمائة وفيها كان تقرر بين المغيث وبين الناصر، أن المغيث يقبض على البحرية (¬1) فعلم الأمير ركن الدين البندقداري بذلك، فأرسل الأمير بهاء الدين أمير اخور (¬2) ليلا الى الملك الناصر يطلب منه الأذن في قدومه إليه وأن يستحلف له ولجماعته أن لا يغدر بهم فأجابه الملك الناصر الى ذلك وبعث إليه الشيخ يحيى برسالة مضمونها أن يحلف له ولعشرين من أصحابه ويقطعه خبز مائة فارس وشرط أن تكون قصبة نابلس وجنين وزرعين فيما يقطعه، فأجاب الى نابلس لا غير (¬3) وحلف له، وقدم الأمير ركن الدين البندقداري الى الناصر في العشر الأول من شهر رجب ومعه الجماعة الذين حلف لهم، وهم: بدر الدين بيسرى، وأيتمش المسعودي وطيبرس الوزيري، وأقوش الرومي، وبلبان (¬4) الدوادار الرومي، ولاجين الدوادار درفيل، وأيدغمش، وكشتغدي المشرقي، وأيبك الشيخي، وخاص ترك الكبير، وبلبان المهراني، وسنجر المسعودي، وسنجر الهمامي، وأياز الناصري (116 ب) وطمان، وأيبك العلائي، ولاجين الشقيري، وبلبان الاقسيسي، وسلطان الإلدكزي، وعز الدين بيبرس، فتلقاهم الملك الناصر وأكرمهم غاية الإكرام، وخلع عليهم. وفيها كان السلطان المنصور (¬5) صاحب مصر كثير اللعب وليس له تلفت الى مصالح الملك ولا يرجع الى قول من ينصحه، وكانت والدته تدبر أمر الملك تدبير النساء. فلما كان ذلك تفكر الأمير سيف الدين قطز واستشار جماعة من أصحابه وتفكر في حضور التتار الى الأعمال، فأعمل فكرة في حيلة على الأمراء المشتغلين مع السلطان باللهو والصيد، فعل الى أن أخرج الامراء الصيد وخلاله (¬6) الوقت ووجد الفرصة فقبض على الملك المنصور وعلى أخيه الصغير وعلى والدتهما وذلك في يوم السبت ثامن عشر ذي القعدة واعتقلهم في برج السلسلة في ¬
وسط البحر بدمياط (¬1)، فكان مدة مملكة المنصور سنتين وثمان شهور وثلاثة أيام. وفيها تولى المملكة السلطان الثالث من ملوك الترك بمصر وهو السلطان الملك المظفر قطز المعزي. تولى وجلس على سرير الملك يوم السبت [الثامن والعشرين في ذي القعدة] (¬2)، فلما حضر الأمراء المسافرين (¬3) أكثروا الكلام، فقبض على أعيانهم وهم: الأمير علم الدين سنجر [الغتمي] (¬4) المعظمي، والأمير عز الدين أيبك النجمي الصغير، والأمير شرف الدين قيران المعزي، والأمير سيف الدين ألدود (¬5)، والطواشي شبل (¬6) الدولة كافور اللالا (¬7)، والطواشي حسام الدين بلال المغيشي الجمدار، واستحلف باقي الأمراء (117 أ) والعساكر، واستقر بالأمير فارس الدين أقطاي الصالحي الصغير أتابك العساكر وفوض اليه تدبير الجيوش المنصورة، وزاد في استخدام الجند وأعطاهم وعظم أمور الدولة. وفيها استوزر القاضي، زين الدين ابن الزبير (¬8). وفيها بلغه مجيء عساكر التتار نجدة للملك الناصر صاحب الشام، فكتب إليه كتابا باتضاع وتذلل وبأيمان وعهود، أنه ليس أنا منازعا لك على الملك ولا مقاوما ولا مقاتلا وأنا نائب لك بالديار المصرية ومتى حللت بها أقعدتك على الكرسي وإن اخترتني خدمتك وما عملت هذا إلا طاعة لك، فإن أردت أن أكون أنا وعساكر الديار المصرية نجدة لك على القادم عليك جئت اليك، وإن كنت لم تأمر الى حضوري سيرت لك عساكر صحبة من اخترته أنت، يكونون بخدمتك وتحت أمرك. فلما وقف الملك الناصر على ذلك طاب قلبه قليلا وإنما ما ركن الى هذا القول. وفيها حصل بمصر وسائر الديار المصرية زلزلة عظيمة (¬9). وفيها كثرت الأراجيف بدمشق بمجيء التتار لأنهم قد قطعوا الفرات وأغاروا على بلاد ¬
حلب، فهرب كثير من أهل دمشق وباعوا حواصلهم [بأبخس ثمن] (¬1)، وخرجوا على وجوههم خائفين متفرقين في البراري والجبال، ومنهم من توجه الى الديار المصرية، وكان ذلك في قوة الشتاء فمات خلق كثير من البرد ونهب آخرون في الطريق. وفيها أرسل الملك المغيث من بقي عنده من البحرية الى الملك الناصر مقيدين (117 ب) على الجمال وهم تقدير خمسين نفر ومن جملتهم الأمير شمس الدين سنقر الأشقر (¬2). وفيها في ثاني عشر جمادي الآخرة جبي التصقيع (¬3) بالقاهرة ومصر. وفيها في شهر شعبان قبض على شخص يعرف بالكوراني، فضرب ضربا مبرحا وحبس على بدع ظهرت منه ثم جدد إسلامه على يد الشيخ عز الدين ابن عبد السلام الشافعي وأطلق من الاعتقال وأقام بالجبل الأحمر (¬4). وفيها أخذ قاع البحر أربعة أذرع وستة وعشرين إصبعا، وانتهت الزيادة الى ثمانية عشر ذراعا وأصبع واحدة (¬5). وفيها أرسل هولاكو الى ولديّ صاحب الروم وهما عز الدين كيكاوس وركن (¬6) الدين قليج أرسلان يستدعيهما، فسارا إليه وحضرا معه أخذ حلب كما سيأتي (¬7). وفيها نزل الملك هولاكو على حران ونصب عليها المجانيق، فعند ذلك جمع الناصر أمراءه واستشارهم فيما يفعله فأشاروا عليه بخروجه والعساكر في خدمته الى ظاهر دمشق وأن يعتدوا لقتال هولاكو بها وأن يكتب الى الملك المظفر صاحب مصر ويطلب منه العساكر كما أوعده وأن يكتب أيضا الى الملك المغيث صاحب الكرك ويطلب منه عساكره وأن يقرب الشهرزورية إليه. عند ذلك تقدم أمر الملك الناصر بخروج الدهليز وأن يضرب على قرية ¬
برزة (¬1)، وكتب (¬2) الى المظفر صاحب مصر والى المغيث صاحب الكرك. وكان الزين الحافظي لما قدم على هولاكو (118 أ) مع العزيز ابن الناصر، اتفق معه على أمور تظهر في أماكنها إن شاء الله تعالى. وبقي الملك الناصر كلما جمع أمراءه لمشورة يقول الملعون الزين الحافظي أي عساكر تقوى على ملتقى هولاكو وأي ملك بقي يقدر على مقاومته؟ فيوهم الملك الناصر وكذلك الأمراء إذا اجتمعوا وتحدثوا فيما بينهم يقول لهم الزين الحافظي: يا قوم ما أبصرتم ما أبصرت. قال إيدغدي القراسنقري في تاريخه «نزهة الثمر على الشجر في تواريخ البشر» إنّ الأمراء القيمرية والأمراء العزيزية والأمير ركن الدين [بيبرس] (¬3) البندقداري والزين الحافظي والأمير نجم الدين أمير حاجب اجتمعوا وتحادثوا، فقال الملعون الزين الحافظي: يا قوم من قال إنه بقي ملك يقدر على مقابلة بعض عساكر الملك هولاكو ما له عقل، كيف وقد ملك سائر الأقاليم ولكن إن أردتم المصلحة اعملوا على مداراته والتقرب إليه والدخول في طاعته، عند ذلك صاح عليه الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري وضربه بالمقرعة وشتمه وقال: «أنتم سبب هلاك المسلمين» وساق فرسه الى خيمته، وأما الزين الحافظي فإنه توجه الى الملك الناصر وشكا إليه ما فعله به الأمير ركن الدين وقال: يا خوند هؤلاء قوم أطراف وأنت ملك ابن ملك ما قدرك وقدرهم واحد ومولانا يداري عن نفسه ويدخل تحت طاعة هذا الملك الذي قد أهلك الملوك وقتلهم وكسر العساكر وقتل الخليفة، وأخرب بغداد، فأوقع الرعب في قلب الملك (118 ب) الناصر. وكان قد اتفق هذا الملعون مع الملك هولاكو أنه يخذل العساكر ويسلم إليه الأعمال بغير قتال، والذي أوعده قام به، فبطل عزم الملك الناصر عن ملتقى هولاكو. وكان الناصر له بستان ظاهر دمشق يبيت فيه في أكثر الأوقات (¬4) فاتفق مماليكه (¬5) على قتله وإقامة رجل لملتقى هولاكو، فصبروا الى أن خرج الى البستان على جاري عادته فهجموا عليه (¬6)، فلما تحقق الأمر نزل من حائط البستان ودخل القلعة بالليل، ولما طلع ¬
[الوفيات]
الصبح بلغ الأمراء الخبر فدخلوا (¬1) الى السلطان وأشاروا عيه أن يكتم هذا الأمر ويخرج الى المخيم فوافقهم على ذلك وخرج، وأما الأمير ركن الدين بيبرس فإنه خاف على نفسه مما جرى وخاف أن تنسب هذه الفعلة اليه، فركب خيله وهرب وفارق خدمة الناصر وتوجه الى الساحل، ودخل على ملك الشهرزورية، الأمير نور الدين بدلان، فتلقاه بأحسن ملتقى وأقام عنده إلى أن استوثق من صاحب مصر واستحلفه له الأمير نور الدين بدلان ثم توجه الى مصر واستمر في خدمة الملك المظفر قطز (¬2). وفيها أخذ الملك هولاكو قلعة البيرة (¬3). وفيها نازلت التتار «حلب» فخرج اليهم عساكر حلب وتقاتلوا قتالا شديدا، فانكسر عساكر التتار (¬4) وخاف الحلبيون من السوق خلفهم وقتل من التتار خلق كثير. فلما بلغ هولاكو ما جرى رحل بعساكره ونزل على (119 أ) حلب. [الوفيات] وفيها مات الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ (¬5) على فراشه بمرض أصابه بعد عوده من عند هولاكو، وكانت مملكته أربعين (¬6) سنة ممتعا بصفو عيشته، محببا الى رعيته، محسنا الى خاصته وعامته، عادلا في أهل مملكته. ولما مات استقر بعده ولده الملك الصالح اسماعيل وأما ولده علاء الدين علي فإنه فارق أخاه وحضر الى نحو الشام، وكان منهما ما نذكره في موضعه ان شاء الله تعالى. وكانت وفاة بدر الدين يوم الجمعة ثالث عشر شعبان من هذه السنة ودفن بها ونقل فيما بعد الى مشهد الامام علي رضي الله عنه، وتقدير عمره ثمانون سنة وقيل خمس وثمانون. ¬
وكان أصله أرمنيا مملوكا لرجل خياط فاشتراه منه العادل نور الدين (¬1)، وكان مليح الصورة، حسن التصرف وكان يبعث في كل سنة الى مشهد الإمام علي بقنديل ذهب [زنته] (¬2) ألف دينار وشمعدان مطعّم بالذهب والفضة، وذلك أنه قد رأى أوائل أمره انه كلما عاش سنة وهو ملك الموصل يكون عليه للمشهد قنديل من ألف دينار، ولم يزل على ذلك حتى مات، فحكي انه عدّ في المشهد من جهته أربعون قنديلا وأربعون شمعدانا وعليها اسمه، وكان يبعث بالصدقة الكثيرة. وفيها مات القاضي عز الدين محمد بن القاضي الأشرف، أبو العباس أحمد ابن القاضي محيي الدين عبد الرحيم البيساني المعروف بالقاضي الفاضل (¬3) بدمشق ودفن بقاسيون. (119 ب) وكان ينشد لوالده القاضي الأشرف: [البسيط] يا دولة لا الظلم لقّيت صالحة ... هل لانقراضك من وقت فينتظر وكيف يرجو صلاحا أو يرى فرحا ... وفيك طول وفي أعمارنا قصر وفيها في رابع المحرم مات الشيخ الصالح نجم الدين أبو العباس، أحمد بن تاميت اللواتي [الفاسي] (¬4) ودفن بالقرافة الكبرى بزاويته. وفيها مات منيف بن شيحة [الحسيني] (¬5) صاحب المدينة النبوية - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والرحمة - وملكها بعده أخوه جماز. وفيها في سادس شعبان مات بدمشق شخص يعرف بالشيخ يوسف الاقميني (¬6)، كان يأوي الى القمامين في أكثر أوقاته والمزابل وكان يلبس الثياب الطوال حتى أنها تكنس الأرض وهو حافي حاسر الرأس، طويل الصمت، قليل استعمال الماء والناس يعتقدون فيه الصلاح ويحكون عنه العجائب والغرائب وعقله ثابت وكثير من العوام يتقربون إليه بالمأكول ¬
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وستمائة
والمشروب، فيتناول منه بعد جهد مقدار حاجته وله أشياء غريبة أضربنا عن ذكرها خوف الإطالة. وفيها في ليلة الخميس رابع عشر رمضان، مات الشيخ الإمام الفاضل، فتح الدين أبو العباس (¬1)، أحمد بن الشيخ جمال الدين أبي عمرو عثمان بن عبد الله بن أحمد عقيل ابن أبي الحوافر (¬2)، رئيس الأطباء بالديار المصرية ودفن بالقرافة بالقرب من الشيخ المجد الاخيمي وأبي بكر الخزرجي، وكانت جنازته (120 أ) مشهودة، وكان شيخا حسنا فاضلا، والحمام التي بمصر بالقرب من الجامع الجديد تنسب اليه. ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وستمائة وفيها أرسل هولاكو بعض عساكره الى ماردين يحاصروها (¬3)، واستمر هو على حصار حلب فحصرها مدة عشرة أيام، ثم فتحها في المحرم (¬4) من هذه السنة واستأسر كل من بها وأخرب القلعة وأسوار المدينة، فلما بلغ ذلك الملك الناصر انقطع قلبه وجمع أمراءه واستشارهم فأشاروا عليه أن يرحل الى غزة ويكاتب ملك مصر ويستنصره وإذا حضرت العساكر يكون الملتقى. فجهز الناصر حريمه الى الديار المصرية (¬5)، فأضربت لذلك العساكر الشامية واحتمى كل منهم بأهله وعجز الناصر عن ردهم لتناقص حرمته. وفيها قدم الى دمشق مقدم من مقدمي التتار يسمى السّيان (¬6)، وصحبته شخص ¬
يسمى علاء الدين الكازي عجمي، ومعهما فرمان الأمان، فتلقاه كبراء دمشق ونفذوا إليه مفاتيحها (¬1)، وعصت (¬2) قلعة دمشق فحاصرها التتار وألحوا عليها ورموها بعشرين منجيق على برج الطارمة، فتشقق فطلب أهلها الأمان ونزلوا منها فسكنها نائب التتار. وتسلم التتار قلعة بعلبك. وفيها أخذ التتار نابلس وغيرها بالسيف وانقضت الدولة الناصرية من الشام، وبانقضائها انقضت الدولة الأيوبية. (120 ب) ودخل الملك الناصر البرية في نفر قليل من القيمرية وسار نحو الشوبك، فاطلع شخص يسمى حسين الكردي الطبردار عليه، فأخبر نائب التتار بأمره فأرسل من أمسكه وأرسله الى هولاكو وهو نازل على حلب، هو وولده العزيز (¬3). وعزم هولاكو على العود لأنه بلغه اختلاف أخوته (¬4)، فسأل الملك الناصر من بقي من العساكر في ديار مصر، فقال: لم يبق بها إلا نفر يسير من مماليك بيتنا وصغر أمرهم وهونه، فجرد هولاكو كتبغا نوين ومعه إثنا عشر ألف فارس وأمره أن يقيم بالشام، وعاد هولاكو واستصحب معه الملك الناصر وولده الملك العزيز. ولما سار الملك الناصر متوجها معه تذكر أوطانه فأنشد: [الطويل] يعز علينا أن نرى ربعكم يبلى ... وكانت به آيات حسنكم تتلى لقد مرّ لي فيه أفانين لذة ... فما كان أهنى العيش فيه وما أحلى أأحبابنا والله ما قلت بعدكم ... لحادثة الأيام رفقا ولا مهلا عبرت على الشهبا وفي القلب حسرة ... ومن حولها ترك يتابعهم مغلا وقد حكموا في مهجتي حكم ظالم ... ولا ظالم إلا سيبلى كما أبلى ¬
وأما الملك المظفر فإنه انفق في جيش مصر والشام الأموال وخرج للقاء التتار. وفيها شمخ (¬1) النصارى بدمشق ورفعوا الصليب في البلد، وألزموا الناس بالقيام له من الحوانيت، ونقضوا العهد، وذلك (121 أ) في ثاني عشري رمضان، وصاحوا: «ظهر الدين الصحيح، دين المسيح». وفيها وصل الى الملك المظفر صاحب مصر كتاب من عند هولاكو على يد كتبغا وبيدرا، نوابه، ومضمون الكتاب (¬2): من ملك الملوك شرقا وغربا القان الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض، ورافع السماء يعلم الملك المظفر قطز، الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا الى هذا الاقليم، يتنعمون (¬3) بانعامه ويقتلون من كان بسلطانه (¬4)، بعد ذلك يعلم الملك المظفر قطز، وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، أننا جند الله في أرضه خلقنا من سخطه وسلطنا على من أحل به (¬5) غضبه، فسلموا إلينا أمركم (¬6) تسلموا قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا، وقد سمعتم أننا فتحنا (¬7) البلاد وقتلنا العباد، فعليكم (¬8) منا الهرب، ولنا خلفكم الطلب، فما لكم من سيوفنا خلاص، خيولنا سوابق [وسهامنا خوارق] (¬9) وسيوفنا قواطع، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، ومن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم فلكم مالنا، وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم، فلا تهلكوا أنفسكم بأيديكم، فقد حذّر من أنذر، وقد ثبت عندكم أننا الكفرة وثبت عندنا أنكم الفجرة، فأسرعوا إلينا بالجواب قبل أن تضرم ¬
الحرب نارها وترميكم بشرارها فلا يبقى لكم جاه ولا عز ولا يعصمكم منا حصن ونترك (121 ب) الأرض منكم خالية، فقد أيقظناكم إذ حذرناكم، فمن بقي لنا مقصد سواكم، والسلام علينا وعليكم وعلى من أطاع الهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الملك الأعلى. فلما فهم الملك المظفر مضمونه عظم عليه وكبر لديه، وأحضر أمراءه واستشارم، وقال لهم: إن القوم لا دين لم ولا إيمان: ثم أنّ الملك المظفر أحضر الرسل وكانوا أربعة أنفس وأمر بهم الى الحبس واستشار أمراء دولته فيما يفعل، فاتفق معهم على أن يكون الملتقى بمنزلة الصالحية وما لهم قلوب تميل إلى الخروج الى الشام، فاحتاج لموافقتهم في الظاهر وباطنه كاره لذلك، ثم أنّه تخير جماعة من الأمراء واستحلفهم وجعلهم له عضدا، عند ذلك أمر الملك المظفر قطز بخروج العساكر. فلما كان يوم خروج (¬1) السلطان، أمر باحضار الرسل [وكانوا أربعة] (¬2) وأمر أن يوسط الواحد بسوق الخيل، والثاني بظاهر باب زويلة والثالث بظاهر باب النصر، والرابع بالريدانية، ثم إن السلطان أمر بالمناداة في مدينتي القاهرة ومصر وسائر اقليم مصر يأمر بالخروج الى الغزاة في سبيل الله ونصره دين محمد، صلّى الله عليه وسلّم وكان خروج السلطان من القلعة في شهر شعبان المكرم، ونزل السلطان بمنزلة الصالحية إلى أن تحقق تكمله وصول العساكر ورسم للولاة أي جندي وجد في مكان مختف (¬3) يمسك ويضرب بالمقارع، ثم أنّ السلطان الملك (122 أ) المظفر، جمع الأمراء وقال لهم: «يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال وأنتم للغزاة كارهين (¬4) وأنا متوجه الى طاعة الله ورسوله والذب عن عباد الله، فمن اختار منكم الجهاد يصحبني ومن لم يختر ذلك يرجع الى بيته، فإن الله مطلع عليه وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين». وتكلم (¬5) الأمراء الذين مع السلطان، فلما رأوا بقية الأمراء قد عضدوا السلطان احتاجوا (¬6) الى الموافقة على الرحيل، فركب السلطان وحوله أصحابه يحفوه (¬7) وصناجق النصر قد نشرت على رأسه، وكان على الطليعة الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري، فحال وصول الأمير ركن الدين الى مدينة غزة، وجد ¬
طليعة التتار عليها، فلما عاينوا عساكر المسلمين هربوا تحت ظلام الليل. ووصل الملك المظفر الى غزة وأقام بها يومه حتى تلاحقت العساكر وأصبح فساق وراءهم، وكانت عساكر التتار متفرقة في البلاد. فلما بلغ الخبر الى بيدرا وكتبغا، كتبوا (¬1) الى مقدمي العساكر وأمروهم (¬2) بالحضور، ولما رحل المظفر من غزة سلك طريق الساحل فاجتاز بمدينة عكا وهي يومئذ بيد الفرنج، فلما عاينوه، أرسلوا له الهدايا والتحف والضيافات، والتقاه ملوكها فأعرضوا عليه أن يأخذ معه نجدة فلاطفهم السلطان، وأخلع عليهم واستحلفهم أن (¬3) يكونوا (122 ب) لا له ولا عليه وما له حاجة بنصرتهم، وقال لهم: «والله العظيم ونبيه الكريم متى تبعه منهم (¬4) فارس أو راجل [يريد أذى عسكر المسلمين] (¬5) قتلتكم قبل ملتقاي التتار، وقد عرفتكم ذلك. عند ذلك كتب كل من الملوك الى قبائله بما سمعوه ثم أنّ السلطان جمع الأمراء [وحضهم على قتال التتر] (¬6) وقال لهم: يا مسلمين قد سمعتم ما جرى على أهل الأقاليم من القتل والسبي والحريق، وما منكم أحد إلا وله مال وحريم وأولاد، وقد علمتم أنّ أيدي التتار تحكمت في الشام وقد أوهنوا قوى دين الاسلام، وقد لحقني على نصرة دين الاسلام الحمية، فيجب عليكم يا عباد الله القيام في جهاد أعداء الله حق القيام، يا قوم جاهدوا في الله بصدق النية تجارتكم رابحة وأنا واحد منكم وها أنا وأنتم بين يدي رب لا ينام ولا يفوته فائت ولا يهرب منه هارب. قال، فعند ذلك ضجت الأمراء بالبكاء وتحالفوا أنهم لا بقاء لهم في الدنيا الى حين تنكشف هذه الغمة، فعند ذلك جرد السلطان، الأمير ركن الدين بيبرس وصحبته جماعة من العساكر وأرسله طليعة، فوقع على طليعة التتار فالتقى معهم وكسرهم (¬7)، فوصل الخبر الى الملك المظفر، فرحل ونزل مقابل عين جالوت من أرض كنعان، نهار الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان، منها، وتقدم بيدرا وكتبغا وتلاقى العسكران واقتتل الجيشان وتقدم الملك المظفر وسمح بنفسه وتكرم وصاح في العساكر (123 أ) الإسلامية فثبتوا، فلما علم الله من الملك المظفر صدق النية أنزل الله نصره على المؤمنين، وكسر العدو المخذول كسرة قوية الى قرب مدينة بيسان، ثم عادوا والتقوا مع المسلمين وكانت ¬
الثانية أعظم من الأولى، فقتل كتبغا مقدم جيوش التتار وأتى برأسه الى الملك المظفر قطز، وكانت الدائرة على الكفرة (¬1) ولله الحمد. وأسر المسلمون منهم خلق كثير. قال القاضي محيي الدين ابن عبد الظاهر (¬2): «بلغني ممن كان خلف السلطان الملك المظفر قطز لما رجعت عساكر التتار الثانية، أنه صرخ صرخة عظيمة سمعه معظم عسكره وقال: «وا سلاماه» ثلاث مرات، ثم قال: «يا الله انصر عبدك قطز على هؤلاء التتار ورمى (¬3) الخوذة من على رأسه وحمل بنفسه حملة الأسود، وأنّ الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري كان في ذلك اليوم من أعظم المجاهدين. ولما تصدق الله سبحانه وتعالى بنصرة دين الإسلام وكسر عساكر التتار ثانيا، ترجل الملك المظفر وباس الأرض شكرا لله تعالى ومرغ خديه على الأرض وصلى ركعتين ثم ركب، وأقبل الجند والأمراء بما معهم من المكاسب (¬4). قال الصاحب، صفي الدين يعقوب بن محمد الهمذاني (¬5): هذه الحادثة الردية والبلية النازلة والمصيبة العظمى، فلو قال قائل إنه من حين خلق الله آدم (123 ب) وظهرت الخلق والى هذا الزمان وهي سنة ثمان وخمسين وستمائة، لم ينل العالم مثل هذه المصيبة لكان صادقا في قوله، فإنّ التواريخ لم تتضمن بشيء مما يقارب هذه المصيبة (¬6) ولا ما يدانيها، ومما يذكره المؤرخون عن إسكندر بأنه فتح البلاد في مدة عشرين (¬7) سنة وكان يدعو الى طاعة الله، وإذا وعد وفى وإذا قال، صدق ومن أعظم ما يذكر في التواريخ ما فعله «بخت نصر» ببني إسرائيل من القتل وتخريب البلاد وتخريب بيت المقدس بالنسبة الى ما خربوه الملاعين من المدن ¬
والبلاد التي (¬1) كل مدينة قدر بيت المقدس مرات وأهل هذه المدائن بقدر بني إسرائيل مرات كثيرة، وأنّ الخلائق لم يكونوا رأوا ولا يرون بمثل هذه الحادثة، فإنّ هؤلاء الملاعين ما أبقوا على أحد بل قتلوا الرجال والنساء والأطفال، وشقوا بطون الحوامل، فإنا لله وإنا إليه راجعون. والذي ملكوه التتار من الأقاليم إقليم خراسان وكرسيه نيسابور، ومن مدنه المشهورة طوس وهراه، وتزرمذ، وبلخ، وهمذان، ونسا، وكنجة، ونهاوند، وعراق العجم وكرسيه أصبهان ومن مدنه قزوين وقم وقاشان وسهرورد وسجستان وطبرستان وكيلان وبلاد الاسماعلية وعراق العرب وكرسي مملكته بغداد ومن مدنه واسط والدينور والكوفة (124 أ) والبصرة وغيرهم وأذربيجان وكرسيها تبريز ومن مدنها خوى وسلماس، ونقجوان وغيرهم، وخوزستان وكرسيها شثتر ومن مدائنها الأهواز وغيرها، وبلاد فارس ومن مدنها شيراز، وكيش ونعمان وكازرون والبحرين وديار بكر وكرسيها الموصل ومن مدائنها ميّافارقين ونصيبين وسنجار واسعرد ورأس العين ودنيسر وحرّان والرها وجزيرة ابني عمر وبلاد الروم وكرسيها قونية وأعمالها فصلت قديما، وأقليم الخطا، وأقليم تركستان واقليم كاشغر واقليم الري واقليم كرمان واقليم بخارى واقليم همذان وأقليم سمرقند وأقليم مراغا وأقليم الغورية وأقليم بيلقان (¬2) والجزيرتين وأقليم الشام الى غزة. وكانت هذه المصيبة قد طبقت الأرض طولا وعرضا، إلى أن كسرهم السلطان السعيد الشهيد الملك المظفر سيد الدين قطز المعزي، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته وأحله دار كرامته. وفيها بعد كسرته التتار، سار [الملك المظفر بعساكره] (¬3) الى أن قدم دمشق فدخلها ونظر في أحوالها وجدد الاقطاعات بمناشيره، ورتب بها الأمير علم الدين سنجر الحلبي الصالحي نائبا ونجم الدين أبو الهيجاء ابن خشترين (¬4) الكردي، ورتب علاء الدين ابن صاحب الموصل (124 ب) نائب السلطنة بحلب، وأقر الملك المنصور محمد صاحب حماة بها (¬5) وحضر اليه الملك الأشرف صاحب حمص فأكرمه وأقرّه على ما بيده، ولم يؤاخذه (¬6) ¬
وأحضر حسين الكردي الطبردار (¬1) الذي وشى بالملك الناصر الى التتار وأمر بشنقه فشنق وأقام بدمشق نيفا وعشرين يوما ثم سار منها عائدا نحو الديار المصرية، فقال أحد الفضلاء الشاميين يذكر عزمته ويصف همته: [الخفيف] هلك الكفر في الشآم جميعا ... واستجدّ الاسلام بعد دحوضه بالمليك المظفر الملك الار ... وع سيف الإله عند نهوضه ملك جاءنا بعزم وحزم ... فاعتزرنا بسمره وببيضه أوجب الله شكر ذاك علينا ... دائما (¬2) مثل واجبات فروضه وفيها قتل (¬3) الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب، وسبب قتله أنه كان مقيما عند الملك هولاكو، ملك التتار وصار عنده من أعز خواصه وأوعده إذا فتحت مصر أضاف اليها ملك الشام وقلده المملكتين المصرية والشامية. فلما مضت عساكر هولاكو وغابوا عنه ستة أشهر واستولوا على المملكة الشامية، كتب له الملك هولاكو «فرمان» وقلد الملك الناصر (125 أ) المملكتين المصرية والشامية وأخلع عليه وأعطاه خيولا كثيرة وقماشا ومالا وجهزه. وسافر الملك الناصر مسيرة ثلاثة أيام بعد توديع الملك هولاكو وإذا قد حضرت الأخبار الى هولاكو بكسر عساكره، عند ذلك عظم عليه وكبر لديه وأمر برد الملك الناصر ومن معه محتفظا بهم فركب جماعة خواص الملك هولاكو وساقوا خلف الملك الناصر فلحقوه وردوه الى عند الملك هولاكو فأمر بقتله، فأخذوه (¬4) التتار فقتلوه وقتلوا سائر أولاده ومن معه (¬5) خلا ولده الصغير المسمى بالملك العزيز فإن خوند طقز خاتون زوجة الملك هولاكو شفعت فيه. ¬
وفيها رجع السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز قاصدا الديار المصرية وهو مضمر لبيبرس شرا، ونقل الصاحب عز الدين ابن شداد (¬1) «في الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر» أن الملك المظفر لما ملك دمشق كان عازما على التوجه الى بلاد حلب ليتفقد أحوالها، فوشى إليه واش بأنّ بيبرس البندقداري تنكر له وتغير عليه (¬2) وأنّه عازم على مسكه، فصرف وجهه وعزم على التوجه الى الديار المصرية مضمرا لبيبرس شرا أسره الى بعض خواصه، فاطلع عليه بيبرس وخرج من دمشق يوم الثلاثاء سادس عشري شوال. ولم تزل الضغائن والحقود في القلوب وكل منهما يحترس من صاحبه ويترقب فرصته (125 ب) الى أن أجمع رأي ركن الدين بيبرس البندقداري على قتل الملك المظفر، فاتفق مع الأمير سيف الدين بلبان الرشيدي والأمير سيف الدين بهادر المعزي والأمير بدر الدين بكتوت الجوكنداري المعزي والأمير سيف الدين بيدغان الرّكني، والأمير سيف الدين بلبان الهاروني والأمير بدر الدين أنس (¬3) الأصبهاني. فلمّا قرب الى القصير بين الغرابي والصالحية، انحرف عن الدرب للصيد، فلما قضى وطره (¬4) وعاد قاصدا الى الدهليز، سايره الأمير ركن الدين وأصحابه وطلب منه امرأة من سبي التتار، فأنعم له بها فأخذ الظاهر يده ليقبلها وكانت تلك اشارة بينه وبين من اتفق معه، فلما رأوه قد قبض على يده، بادره الأمير بدر الدين [بكتوت] (¬5) وضربه بالسيف على عاتقه فأبانه ثم اختطفه الأمير بدر الدين أنس وألقاه عن فرسه ثم رماه الأمير بهادر المعزي بسهم أتى على روحه وقيل إن أول من ضربه الأمير ركن الدين بيبرس وهو الصحيح، وذلك في يوم السبت خامس (¬6) عشر ذي القعدة، ثم ساروا الى الدهليز للمشورة بينهم على من يملكوه ويسلموا (¬7) اليه قيادتهم فوقع اتفاقهم على الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري، فتقدم الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب، المعروف بالأتابك فبايعه وحلف له ثم بلبان الرشيدي ثم الأمراء على طبقاتهم ولقب بالملك الظاهر، ثم في الساعة الراهنة قال الأمير ¬
فارس الدين أقطاي الأتابك له: لا يتم الملك الا بدخولك الى قلعة (126 أ) الجبل، فركب هو والأمير فارس الدين والأمير بدر الدين بيسرى وبلبان الرشيدي وقلاون [الألفي] (¬1) وبيليك الخازندار وجماعة من خواصه، وقصدوا القلعة، فلقي في طريقه الأمير عز الدين أيدمر الحلبي نائب السلطنة عند الملك المظفر، وكان خرج للقاء أستاذه، فاعلموه بصورة الحال وحلّفوه فحلف وتقدم بين يديه الى القلعة، فلم يزل على بابها ينتظره حتى وصل اليها، فدخلها وتسلمها (¬2). وكانت القاهرة قد زينت لقدوم الملك المظفر والناس في فرح وسرور بعوده وكسر التتار، فلما أسفر الصبح وطلع النهار وإذا مناد ينادي: «معاشر الناس ترحموا على الملك المظفر وادعوا لسلطانكم الملك الظاهر ركن الدين بيبرس»، فوجموا خوفا من عود البحرية إليهم، لما كانوا يعهدونه منهم من الجور والفساد، وكان الملك المظفر قد أحدث حوادث كثيرة لأجل تحصيل الأموال لأجل تحريك العدو، منها: تصقيع الاملاك وتقويمها، وزكاتها وعن كل انسان دينار وأخذ ثلث التركة الأهلية (¬3)، فبلغ ذلك في كل سنة ستمائة ألف دينار، فأبطله السلطان الملك الظاهر وكتب به توقيعا (¬4) قرئ على المنابر، فطابت قلوب الناس وحمدوا الله عز وجلّ وزادوا في الزينة، وقيل إنه أولا تلقب بالملك القاهر، فأشار عليه الصاحب زين الدين ابن الزبير بتغيير هذا اللقب، وقال، إنه ما لقّب به أحد فأفلح، لقّب به القاهر بن المعتضد فلم تطل مدته، ولقب به القاهر صاحب الموصل فسم، فعند ذلك (126 ب) وغيره وتلقب بالملك الظاهر (¬5) وهو السلطان الرابع من ملوك الترك، وصباح (¬6) يوم الأحد (¬7) سادس عشر ذي القعدة، جلس بالإيوان بقلعة الجبل وحلّف العساكر لنفسه، واستناب الأمير بدر الدين بيليك الخازندار، واستقر بالأمير فارس الدين اقطاي أتابكا على عادته، والأمير جمال الدين أقوش النجيبي استادارا والأمير عز الدين أيبك الأقرم الصالحي أمير جندار، والأمير حسام الدين لاجين الدرفيل، وبلبان الرومي دوادارية، والأمير بهاء الدين أمير آخور على عادته، ورتب في الوزارة الصاحب زين الدين يعقوب ابن الزبير (¬8) ¬
والأمير ركن الدين إياجي و [الأمير] (¬1) سيف الدين بكرجي حجاب (¬2)، ورسم باحضار البحرية الذين كانوا متفرقين بطالين، وكاتب الملوك والنواب بالمملكة الشامية يخبرهم بما جدد الله تعالى له من أمر السلطنة، وطلب منهم بذل الطاعة فأجابوه (¬3) الملوك والنواب بالسمع والطاعة [خلا الأمير سنجر الحلبي نائب دمشق] (¬4). وكان بدمشق الأمير علم الدين سنجر الحلبي، وكان المظفر قد استنابه بدمشق، فلما قتل المظفر وتولى الظاهر وبلغ الأمير علم الدين ذلك رغبت نفسه في الملك، فجمع من كان عنده من الأمراء وأعيان الدولة بدمشق وألزمهم بالحلف له، فأجابه بعض الأمراء ووافقه الباقون، فلما تم له الأمر ركب بشعار السلطنة ولقب نفسه بالملك المجاهد، وكتب الى النواب بالقلاع والى المنصور بحماه، والأشرف بحمص والى العزيزية يستميلهم ويرغبم في طاعته. فأجابه بعضهم (¬5) وخطب له على منابر دمشق، فلما بلغ الظاهر ذلك كتب إليه (127 أ) بتقبيح فعله ويسترجعه عنه فعادت أجوبته بالمغالطة (¬6). وأما ما جرى بحلب فإن المظفر كان قد استناب الملك المظفر علاء الدين بن بدر الدين [لؤلؤ] (¬7) صاحب الموصل، ولقبه الملك السعيد، فتوجه الى حلب وظلم أهلها وأخذ منها خمسون (¬8) ألف دينار، وكان المظفر قد أقطع جماعة من العزيزية والناصرية اقطاعات بالمملكة الحلبية، فلما اتصل بهم قتل المظفر، اتفقوا وقبضوا على السعيد (¬9) نائب حلب ونهبوا وطاقه، وكان قد برز للقاء التتار. وقدموا عليهم الأمير حسام الدين لاجين العزيزي الجوكندار (¬10)، فلما علم الحلبي بتوليته، كتب إليه يطلب منه المبايعة، فأبى الجوكندار أن يجيبه الى ما سأل، ¬
[الوفيات]
وأقام على طاعة الملك الظاهر، فبلغ الظاهر ذلك، فأرسل له تقليدا بنيابة المملكة الحلبية. وفيها هلك منكوقان ملك التتار، وكان يتمذهب بمذهب النصرانية، وكان موته فتحا للإسلام لأنه أوجب عودة هولاكو من بلاد الشام، فلما مات منكوقان استقر قبلاي قان فيها عوضه وطالت مدة قبلاي الى سنة ثمان وتسعين (¬1). وفيها اجتمع من السودان والرّكبدارية (¬2) والغلمان بالقاهرة، وخرجوا بليل في وسط المدينة ينادون يا آل علي، وفتحوا دكاكين السيوفيين بين القصرين وأخذوا ما فيها من السلاح وأخذوا خيل الجند من بعض الاسطبلات، وكان الباعث لهم عى ذلك شخص يعرف بالكوراني، تظاهر بالزهد وحمل السبحة وعمل له قبة على الجبل (127 ب) وأقام بها وتردد بعض الغلمان إليه وأقبلوا عليه فأجرى معهم هذا الأمر ووعدهم الإقطاعات، وكتب لبعضهم رقاعا ببلاد معينة وقد تقدم ذكر طرف من خبره، فثاروا هذه الثورة، فركب جماعة من العساكر وأحاطوا بهم وأخذوهم أخذا وبيلا، وأصبحوا مصلبين على باب زويلة وسكنت الثايرة وانطبقت النايرة (¬3). وفيها استشهد بحلب جماعة من الصلحاء والفضلاء والعلماء منهم: الشيخ أبو الفضل ابن أبي المكارم الطرسوسي والشيخ الفقيه، عمر بن عبد المنعم ابن أمين الدولة الحنفي، وأبو طالب عبد الرحمن ابن أبي صالح الكرابيسي (¬4) بمدرسته التي أنشأها بحلب. [الوفيات] وفيها مات الوزير المؤيد، أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف المقدسي، المعروف بان القفطي (¬5)، وزر في حلب بعد أخيه القاضي الأكرم. وفيها مات بمصر الأمير شهاب الدين عيسى بن موسى، المعروف بابن شيخ الإسلام ¬
الهكاري، كان شجاعا فاضلا. وفيها مات قاضي قضاة الشام أبو العباس ابن سني الدولة (¬1) ببعلبك. وفيها مات الإمام الحافظ الحسين (¬2) ابن عساكر، وجده الإمام أبو القاسم علي صاحب التصانيف المشهورة رحمهما الله تعالى. وفيها مات صاحب ميّافارقين الملك الكامل ناصر الدين محمد (¬3) ابن المظفر غازي ابن الملك العادل (¬4). كان شجاعا عادلا مجاهدا، حاصرته التتار سنة ونصفا حتى فني أهل بلده بالوباء والجوع ولم يبق في البلد (128 أ) مائة رجل، فأسرته التتار وضرب هولاكو عنقه وطافوا برأسه في البلاد (¬5). وفيها مات السلطان الملك السعيد (¬6) نجم الدين إيلغازي ابن الملك المنصور، ناصر الدين أرسلان ابن أرتق ابن نجم الدين ايلغازي ابن ألبي ابن تمرتاش ابن ايلغازي ابن أرتق صاحب ماردين وأعمالها، وذلك في سادس عشر صفر وقيل في ذي القعدة وهو الأصح في الوباء الواقع في أهل قلعته، وكان ملكا جوادا سمحا عادلا منصفا. وفيها مات الأمير حسام الدين ابن أبي علي بن محمد بن باساك ابن أبي علي الهذباني (¬7) في شهر رمضان المعظم، كان شجاعا كريما، بطلا هماما سمحا، ولي نيابة السلطنة بدمشق في أيام الصالح نجم الدين أيوب وما برح في دولة بني أيوب، معظما فيها لعقله ودينه، ودفن ¬
بتربة والده على الرصد بمصر، ومولده سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وله نظم فمن ذلك قوله: [الدوبيت] أهوى رشأ من خالص الترك رشيق ... في الصحو معربد وفي السكر مفيق في فيه لعاشقيه درّ وعقيق ... ما أحسنه عندي عدو وصديق وفيها مات الشيخ الصالح، نجيب الدين محمد بن علي بن محمد الخلاطي، بدمشق ودفن بقاسيون ول رواية عالية من شيوخ العراق والعجم. وفيها في يوم السبت سادس عشر جمادى الآخرة، مات الشيخ أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم بن قاسم الأرتاحي (¬1) المصري الانصاري (128 ب) بفسطاط مصر، ودفن من الغد بسفح المقطم ومولده تقديرا في سنة خمس وسبعين وخمسمائة. وفيها في ربيع الأول قتل الأمير مجير الدين إبراهيم ابن أبي بكر ابن أبي زكري (¬2) بنابلس، وكان نائب السلطنة بها وكان عنده الأمير [نور الدين] (¬3) علي ابن الشجاع الأكتع، وكان سبب قتله ان كتبغا مقدم التتار، بعث جيشا الى نابلس من التتار وقدّم عليهم كشلوخان، فمضى فصادف المذكورين في زيتون نابلس فقتلهم بأجمعهم (¬4)، وكان مجير الدين رحمه الله من الأبطال الشجعان وكان له المنزلة العلية عند الصالح نجم الدين أيوب وترقى عند الملك الناصر [صاحب الشام] (¬5) وكان حظيا عنده وله نظم فمن ذلك قوله: [الكامل] جعل العتاب الى الصدود سبيلا ... لمّا رأى سقمي عليه دليلا فظللت (¬6) أورده حديث مدامعي ... عن شرح جفني مسندا منقولا وفيها مات أبو عمرو عثمان ابن أبي حامد، محمد بن عبد الله بن القاضي أبي سعد محمد ¬
ثم دخلت سنة تسع وخمسين وستمائة
بن هبة الله بن المطهر ابن أبي عصرون (¬1) الشيخ شرف الدين التميمي الدمشقي الشافعي، مولده بدمشق ثاني عشر ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، كان رئيسا جوادا كبير الهمة كثير الافراط في الكرم، تحكى عنه من سعة صدره وكرم نفسه غرائب كثيرة، وكانت وفاته في أواخر شهر صفر. وفيها مات الشيخ محيي الدين أبو المعالي عبد العزيز ابن عبد القوي ابن المرتضى أبي عبد الله محمد ابن الجليس أبي المعالي ابن عبد العزيز ابن الحسين (129 أ) التميمي السعدي الأغلبي وهو ابن أخ الشيخ فخر القضاة أبي الفضل أحمد بن المرتضى. كانت وفاته بمنية بني خصيب بصعيد مصر في تاسع عشر ذي القعدة، ومولده في سلخ رمضان سنة خمس وتسعين وخمسمائة وهو من بيت مشهور بالرئاسة والسؤدد والنفاسة بمصر رحمه الله تعالى. وفيها أخذ قاع البحر خمسة أذرع وست عشرة اصبعا وانتهت الزيادة (¬2) الى ثمانية عشر ذراعا وسبعة عشر اصبعا. ثم دخلت سنة تسع وخمسين وستمائة وفيها غلت الأسعار بحلب (¬3) وقل القوت فبلغ رطل اللحم سبع عشرة (¬4) درهما، ورطل السمك ثلاثين درهما، ورطل اللبن خمس عشرة (¬5)، ورطل الشبرج سبعين درهما، ورطل الخل ثلاثين درهما، ورطل العسل ثلاثين درهما، ورطل الحب رمان ثلاثين درهما، ورطل السكر خمسين درهما، ورطل الشراب ستين درهما، والجدي بأربعين درهما، والدجاجة بخمسة، والبيضة بدرهم ونصف، والبصلة بنصف درهم، والحزمة البقل بدرهم، والتفاحة بخمسة دراهم، حتى أكل (¬6) الناس الميتة من شدة الغلاء. وفيها أرسل السلطان الملك الظاهر الى الامراء بدمشق يؤكد عليهم في مسك الحلبي ¬
فأجابوه الى ذلك وخرجوا من دمشق (¬1) وفيهم الأمير علاء الدين إيدكين البندقدار، والأمير [بهاء الدين] (¬2) بغدي الأشرفي فتبعهم الحلبي وحاربهم (129 ب) فألجأوه الى القلعة فغلقها ثم حمله الخوف إلى أن خرج منها في تلك الليلة وقصد بعلبك، ودخل علاء الدين البندقدار الى دمشق واستولى عليها وأعلن بشعار الظاهر وناب عنه بها مدة ثم عزل عنها ووليها الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري فعمل على علم الدين سنجر الحلبي ومسكه (¬3) وبعثه مع صاحبه الأمير بدر الدين ابن رحال الى الديار المصرية، فأدخل على السلطان الملك الظاهر ليلا بقلعة الجبل، فقام إليه واعتنفه وعاتبه عتابا طويلا ثم عفا عنه وخلع عليه ورسم له بخيل وبغال وجمال وقماش. وفيها في يوم الإثنين ثامن ربيع الأول مسك الظاهر جماعة من المعزية، فإنه حضر اليه جندي من أجناد [الأمير عز الدين] (¬4) الصيقلي وأخبره ان مخدومه فرق ذهبا على جماعة من خشداشيته وقرر معهم قتل السلطان، والذي اتفق معه علم الدين الغتمي وبهادر المعزي، والشجاع بكتوت، فقبض عليهم وعلى جماعة من اتفق معهم. وفيها أخذ الملك الظاهر الشوبك في شهر ربيع الآخرة، تسلمها (¬5) من نواب الملك المغيث فتح الدين عمر، بباطن كان بينه وبينهم. وفيها في ربيع الآخرة قبض على الأمير بهاء الدين بغدي [بدمشق] (¬6) وحمل الى القاهرة وحبس بالقلعة، ولم يزل محبوسا إلى أن مات (¬7) وفيها تجمع خلق كثير من التتار ممن نجا يوم عين جالوت ومن الذين بالجزيرة (130 أ) ¬
فأغاروا على حلب وساقوا الى حمص عندما سمعوا بقتل السلطان الذي كسرهم، فالتقاهم صاحب حمص الملك الأشرف وصاحب حماة [الملك المنصور] (¬1) وحسام الدين الجوكندار، فحمل المسلمون حملة صادقة فكان النصر ووضعوا السيف في الكفرة حتى حصدوهم (¬2)، والعجب أنّه ما قتل من المسلمين سوى رجل واحد. وفيها ولّى (¬3) السلطان الملك الظاهر الأمر، علم الدين سنجر الحلبي نيابة حلب، وجهز صحبته أمراء وجعل لكل منهم وظيفة، وهم الأمير شرف الدين قيران الفخري أستادار والأمير بدر الدين جمق (¬4) أمير جاندار، والأمير علاء الدين أيدمر الشهابي شاد الدواوين، وكان وصولهم الى حلب يوم السبت ثالث شهر شعبان. وفيها استقر الأمير جمال الدين أقوش النجيبي نائب السلطنة بدمشق. وفيها رسم السلطان الملك الظاهر بعمارة الحرم الشريف النبوي على ساكنه أفضل الصلاة والسلام والرحمة، على يد الأمير علم الدين ابن يغمور (¬5). وفيها عمر (¬6) قبة الصخرة بالقدس الشريف وكانت تداعت الى الخراب والوقوع. وفيها زاد (¬7) أوقاف الخليل عليه السلام. وفيها رسم بعمارة قناطر شبرامنت من الجيزة [لكثرة ما كان يشرق من الأراضي في كل سنة] (¬8). وفيها رسم بعمارة أسوار مدينة اسكندرية [ورتب لذلك جملة من المال في كل شهر] (¬9). ¬
وفيها رسم لثغر رشيد منارا لرؤية مراكب الفرنج. وفيها رسم بردم فم بحر ثغر دمياط وتوعيره بالقرابيص (¬1) [حتى تمتنع السفن الكبار من دخوله] (¬2). وفيها رسم بعمارة الشواني (130 ب) وعودتها الى ما كانت عليها أولا (¬3). وفيها رسم بحفر بحر أشموم طناح وندب لذلك الأمير سيف الدين بلبان الرشيدي (¬4). وفيها رسم بعمارة القلاع التي كانت أخربها هولاكو، وهم قلعة دمشق، وقلعة الصبيبة وقلعة بعلبك، وقلعة الصلط، وقلعة صرخد، وقلعة عجلون، وقلعة بصرى وقلعة شيزر وقلعة حمص [وقلعة شميميش] (¬5). وفيها وصل الى الديار المصرية الإمام أبو العباس، أحمد ابن الإمام الظاهر بالله ابن الإمام الناصر، من العراق وكان وصوله في التاسع من رجب وركب السلطان للقائه في موكب مشهود، وأنزله في القلعة، وبالغ في إكرامه وقصد إثبات نسبته وتقرير بيعته لأن الخلافة كانت قد شغرت منذ قتل الإمام المستعصم بالله، فأحضر السلطان الأمراء الأكابر ومقدمي العساكر وقاضي القضاة ونواب الحكم، والعلماء، والفقهاء والصلحاء وأكابر المشايخ وأعيان الصوفية فاجتمع المحفل بقاعة الأعمدة بقلعة الجبل المحروسة وحضر الخليفة وتأدب السلطان معه في الجلوس بغير مرتبة ولا كرسي، وأمر باحضار العربان الذين حضروا مع الخليفة من العراق فحضروا، وحضر خادم من البغاددة فسألوا عنه، هل هو الإمام أحمد بن الظاهر ابن الناصر، فقالوا إنّه هو، فشهدوا (¬6) جماعة بالاستفاضة، وهم: جمال الدين يحيى نائب الحكم بمصر، وعلم الدين ابن رشيق، وصدر الدين موهوب الجزري، ونجيب الدين (131 أ) الحراني، وسديد الدين التزمنتي نائب الحكم بالقاهرة عند قاضي القضاة، تاج الدين ابن بنت الأعز فأسجل على نفسه بالثبوت، فقام قاضي القضاة قائما وأشهد على نفسه ¬
بثبوت النسبة، ولقب بالإمام المستنصر بالله وبايعه السلطان على كتاب الله وسنة رسوله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله وأخذ أموال الله بحقها وصرفها في مستحقها، وبعد البيعة قلد الخليفة السلطان البلاد الإسلامية وما ينضاف اليها وما سيفتحه الله على يديه من بلاد الكفار، ثم بايع الناس الإمام على قدر طبقاتهم فتمت له الخلافة وصحت له الإمامة، وكتب السلطان الى النواب والملوك بأخذ البيعة وأن يخطب باسمه على المنابر وتنقش الصكة باسمه واسم الظاهر. ولما كان يوم الجمعة سابع عشر رجب خطب الخليفة بالناس في جامع القلعة وفي يوم الاثنين الرابع من شعبان ركب السلطان الى خيمة ضربت له بالبستان الكبير بظاهر القاهرة، ولبس الخلعة العباسية، وهي جبة (¬1) سوداء وعمامة (¬2) بنفسجية (¬3). وطوق ذهب وسيف بداوي وقيد ذهب (¬4)، وجلس مجلسا عاما حضره السلطان والخليفة والوزير والقضاة والأمراء والشهود، وصعد القاضي فخر الدين ابن لقمان كاتب السر، منبرا نصب له، وقرأ التقليد وهو بخطه وإنشائه، ثم ركب السلطان بالخلعة والطوق (131 ب) والقيد ودخل من باب النصر وشق المدينة وقد زينت له، وحمل الصاحب بهاء الدين الوزير التقليد على رأسه قدامه راكبا والأمراء يمشون بين يديه، وكان يوما مشهودا تقصر الالسنة عن وصفه، ونسخه التقليد هذا: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي ألبس (¬5) الإسلام ملابس (¬6) الشرف، وأظهر بهجة درره وكانت خافية بما استحكم عليها من الصدف، وشيّد ما وهى من علائه، حتى أنسي ذكر ما سلف، وقيض لنصرة ملوكا اتفق عليهم (¬7) من اختلف. أحمده على نعمه التي رتعت الأعين منها في الروض الأنف، والطافه التي وقف الشكر عليها فليس له عنها منصرف. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة توجب في المخاوف أمنا وتسهل من الأمور ما كان حزنا، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي جبر من الدين وهنا، و [رسوله الذي] (¬8) أظهر من المكارم فنونا ¬
لا فنا، صلّى الله عليه وعلى آله الذين أضحت مناقبهم [باقية] (¬1) لا تفنى، وأصحابه الذين أحسنوا في الدين، فاستحقوا الزيادة من الحسنى، وسلم تسليما، وبعد فإن أولى الأولياء بتقديم ذكره، وأحقهم ان (¬2) يصبح القلم راكعا وساجدا في تسطير مناقبه وبره، من سعى فأضحى (¬3) بسعيه الحميد (¬4) متقدما، ودعا الى طاعته فأجاب من كان منجدا ومتهما، وما بدت يد من المكرمات إلا كان لها زندا ومعصما، ولا استباح بسيفه حمى وغنى إلا أضرمه (132 أ) نارا وأجراه دما. ولما كانت هذه المناقب الشريفة مختصة بالمقام العالي (¬5) المولوي السلطاني الملكي الظاهري الركني، شرفه الله وأعلاه، ذكر الديوان العزيز (¬6) النبوي الإمامي (¬7) المتنصري أعز الله سلطانه، تنويها بشريف قدره، واعترافا بصنعه الذي تنفد العبارة المسهبة ولا تقوم بشكره، وكيف لا وقد أقام الدولة العباسية بعد أن أقعدتها زمانة الزمان، وأذهبت (¬8) ما كان لها من محاسن الاحسان، وأعتب دهرها المسيء لها فأعتب، وأرضى عنها زمانها وقد كان صال عليها صولة مغضب، فأعاده لها سلما بعد أن كان عليها حربا، وصرف إليها اهتمامه فرجع كل متضايق من أمورها (¬9) واسعا رحبا، ومنح أمير المؤمنين عند القدوم عليه حنوا وعطفا، وأظهر له من الولاء رغبة في ثواب الله ما لا يخفى، وأبدى من الاهتمام بأمر الشريعة والبيعة أمرا لو رامه غيره لامتنع عليه، ولو تمسك بحبله متمسك لانقطع به قبل الوصول اليه، لكن الله أدخر هذه الحسنة ليثقل بها ميزان ثوابه ويخفف بها يوم القيامة حسابه، والسعيد من خفف من حسابه، فهذه منقبة أبى الله إلا أن يخلدها في صحيفة صنعه، ومكرمة قضت لهذا البيت الشريف بجمعه بعد أن حصل الإياس من جمعه. وأمير المؤمنين يشكر لك هذه الصنائع، ويعترف أنه لولا اهتمامك لاتسع الخرق على الراقع، وقد قلدك الديار المصرية والبلاد الشامية، والديار بكرية (132 ب) والحجازية واليمنية والفراتية وما يتجدد من الفتوحات غورا، وفوض أمر جندها ورعاياها إليك (¬10) حين ¬
أصبحت بالمكارم (¬1) فردا، ولا جعل منها بلدا من البلاد ولا حصنا من الحصون مستثنى، ولا جهة من الجهات تعد في الأعلى ولا في الأدنى. فلاحظ أمور الأمة، فقد أصبحت لها حاملا، وخلّص نفسك من التبعات [اليوم] (¬2) ففي غد تكون مسؤولا عنها لا سائلا، ودع الاغترار بأمر الدنيا فما نال أحد منها طائلا، [وما رآها أحد بعين الحق إلا رآها خيالا زائلا] (¬3)، فالسعيد من قطع منها آماله الموصلة، وقدم لنفسه زاد التقوى فتقدمه (¬4) غير التقوى مردودة لا مقبولة، وأبسط يدك بالإحسان والعدل فقد أمر الله بالعدل وحث على الاحسان، كرر ذكره في مواضع من القرآن، وكفّر به عن المرء ذنوبا كتب عليه وأثاما، وجعل يوما واحدا منه كعبادة [العابد] (¬5) ستين عاما، وما سلك أحد سبيل العدل إلا واجتنيت ثماره من أفنان، ورجع الأمر [به] (¬6) بعد تداعي أركانه وهو مشيد الأركان، والسعيد من تحصن من حوادث الزمان، وكانت أيامه في الأيام أبهى من الأعياد، وأحسن في العيون الغرر في أوجه الجياد، وأحلى من العقود إذا حلي بها عطل الأجياد. وهذه الأقاليم المنوطة بك تحتاج الى نواب وحكام وأصحاب رأى من أرباب السيوف والأقلام، فإذا استعنت بأحد منهم في أمورك فنقّب عليه تنقيبا، واجعل عليه في تصرفاته رقيبا، وسل عن (113 أ) أحواله، ففي يوم القيامة تكون عنه مسؤولا وبما أجرم مطلوبا، ولا تول منهم إلا من تكون مساعيه حسنات لك ذنوبا، وأمرهم بالأناة (¬7) في الأمور والرفق، ومخالفه الهوى إذا ظهرت أدلة الحق، وأن يقابلوا الضعفاء في حوائجهم بالثغر الباسم والوجه الطلق، وأن لا يعاملوا أحدا على الاحسان والإساءة إلا بما يستحق، وأن يكونوا لمن تحت أيديهم من الرعايا إخوانا، وأن يوسعوهم برا وإحسانا، وأن لا يستحلوا حرماتهم إذا (¬8) استحل الزمان لهم حرمانا، فالمسلم أخو المسلم ولو كان أميرا عليه أو سلطانا، والسعيد من نسج ولاته في الخير على منواله، واستنّوا بسنته في تصرفاته وأحواله، وتحملوا عنه ما تعجز قدرته عن حمل أثقاله. ¬
ومما تؤمرون به أن يمحى ما حدث من سيء السنن، وجدد من المظالم التي هي من أعظم المحن، وأن يشترى بأبطالها المحامد فإن المحامد رخيصة بأغلى ثمن. ومهما جبي منها من الأموال فإنها باقية في الزمم حاصلة، وأجياد الخزائن، وإن أضحت بها خالية فإنما هي الحقيقة منها عاطلة، وهل أشقى ممن احتقب إثما، واكتسب بالمساعي الذميمة ذما، وجعل السواد الأعظم يوم القيامة ¦ له ¦ (¬1) خصما، وتحمل ظلم الناس فيما صدر عنه من أعماله وقد خاب من حمل ظلما. وحقيق بالمقام الشريف المولوي السلطاني الملكي الظاهري الركني أن تكون ظلامات الأنام (¬2) مردودة بعدله، وعزائمه تخفف ثقلا لا طاقة لهم بحمله، فقد (133 ب) أضحى على الاحسان قادرا، وصنعت له الأيام ما لم تصنعه [لغيره] (¬3) ممن (¬4) تقدم من الملوك وإن جاء آخرا. فأحمد الله على أن وصل الى جانبك إمام هدى يوجب لك مزية التعظيم، ونبه الخلائق على ما خصك الله به من هذا الفضل العظيم. وهذه أمور يجب أن تلاحظ وترعى، وأن يوالى عليها حمد الله فإن الحمد يجب عليها عقلا وشرعا، وقد تبين أنك صرت في الأمور أصلا وصار غيرك فرعا. ومما يجب أيضا تقديم ذكره أمر الجهاد الذي أضحى على الأمة فرضا، وهو العمل الذي يرجع به مسودّ الصحائف مبيضا. وقد وعد الله المجاهدين بالأجر العظيم، فأعد لهم عنده المقام الكريم، وخصهم بالجنة التي لا لغو فيها ولا تأثيم، وقد تقدمت لك في الجهاد يد بيضاء أسرعت في سواد الحساد، وعرفت منك عزمة هي أمضى مما تجنه ضمائر الاغماد، واشتهرت لك مواقف في القتال هي أشهر وأشهى الى القلوب (¬5) من الأعياد، وبك صان الله حمى الإسلام من أن يتبدل، وبعزمك حفظ على المسلمين نظام هذه الدول، وسيفك أثر في قلوب الكافرين (¬6) قروحا لا تندمل، وبك يرجى أن يرجع مقر (¬7) الخلافة الى ما كان عليه في الأيام الأول. فأيقظ لنصرة الإسلام جفنا ما كان غافيا ولا هاجعا، وكن في مجاهدة أعداء الله إماما متبوعا لا تابعا، وأيد كلمة التوحيد فما تجد في تأييدها إلا مطيعا سامعا. ¬
ولا تخل الثغور من (134 أ) اهتمام بأمر تبتسم له الثغور، واحتفال يبدل ما دجى من ظلماتها بالنور، واجعل أمرها مقدما، وشيد منها كلّ ما غادره العدو متهدما، فهذه حصون بها يحصل الانتفاع، وهي على العدو داعية افتراق لا اجتماع، وأولاها بالاهتمام ما كان البحر له (¬1) مجاورا، والعدو له ملتفتا ناظرا، ولا سيما ثغور الديار المصرية فإن العدو وصل إليها رابحا فعاد خاسرا، واستأصلهم الله فيها حتى ما أقال منهم عاثرا. وكذلك أمر الأسطول الذي (¬2) تزجى خيله كالاهلة، وركائبه سابقة بغير سائق مستقلة. وهو أخو الجيش السليماني فإن ذلك غدت الرياح له حاملة، وهذا تكفلت بحمله المياه السائلة. وإذا لحظها الطرف جارية في البحر كانت كالاعلام، وإذا شبهها قال هذه ليال تقلع بالايام. وقد سنى لك الله من السعادة كل مطلب، وأتاك من أصالة الرأي ما يريك المغيب، وبسط بعد القبض منك الأمل ونشط بالسعادة ما كان من كسل، وهداك الى منهاهج الحق وما زلت مهتديا اليها، وألزمك المراشد فلا تحتاج الى تنبيه عليها. والله يمدك بأسباب نصره ويوزعك شكر نعمه فإن النعمة ستتم بشكره». ¬
مصادر التحقيق
مصادر التحقيق المصادر الأولية - ابن أبي أصيبعة (أحمد بن القاسم، ت 668 هـ / 1269 م): عيون الانباء في طبقات الاطباء - تحقيق الدكتور نزار رضا - منشورات مكتبة الحياة - بيروت 1965. - ابن الأثير (عز الدين أبو الحسن علي بن محمد، ت 630 هـ / 1232 م): اللباب في تهذيب الانساب، دار صادر للنشر - بيروت - 1980 ثلاثة أجزاء. - ابن تغري بردي (جمال الدين أبو المحاسن يوسف، ت 874 هـ / 1467 م): النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي - طبعة مصورة عن دار الكتب 16 جزءا، القاهرة 1929 - 1972 (الأجزاء المستعملة 6 - 12). - المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي - تحقيق أحمد يوسف نجاتي القاهرة - مطبعة دار الكتب المصرية 1375 هـ / 1956 - الجزء الأول. - ابن الجوزي (أبو المظفر سبط يوسف بن قزأغلي، ت 654 هـ / 1256 م): مرآة الزمان في تاريخ الأعيان - القسم الثاني من الجزء الثامن الطبعة الأولى دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن، 1371 هـ / 1952 م. - ابن الجزري (شمس الدين أبي عبد الله محمد، ت 739 هـ / 1338 م): المختار من تاريخ ابن الجزري للذهبي، المسمى حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه. تحقيق خضير عباس محمد خليفة المنشداوي - دار الكتاب العربي - بيروت الطبعة الأولى 1988. - ابن حجر العسقلاني (شهاب الدين أحمد بن علي، ت 852 هـ / 1448 م): الدرر
الكامنة في أعيان المائة الثامنة - منشورات دار الجيل - بيروت، الأجزاء المستعملة 1 - 3. - إنباء الغمر بأنباء العمر - تحقيق الدكتور حسن حبشي - القاهرة 1389 هـ / 1969 م. - ابن خلكان (شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد، ت 681 هـ / 1282 م): وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - تحقيق د. إحسان عباس - بيروت دار صادر للنشر، 8 أجزاء. - ابن خلدون (عبد الرحمن محمد، ت 808 هـ / 1405 م): مقدمة ابن خلدون - تحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي - نشر وطبع لجنة البيان العربي الطبعة الأولى 1379 هـ / 1960 م - الجزء الثالث. - العبر وديوان المبتدأ والخبر - منشورات دار العلم للجميع - بيروت - لبنان، لا. ت. - الجزء الخامس. - ابن دقماق (ابراهيم بن محمد، ت 809 هـ / 1406 م): الانتصار لواسطة عقد الأمصار الجزء الخامس - تحقيق لجنة إحياء التراث العربي - دار الآفاق الجديدة بيروت، عن طبعة القاهرة 1893 م. - ابن رجب (زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن، ت 795 هـ / 1392 م): ذيل طبقات الحنابلة - مطبعة السنّة المحمدية القاهرة 1372 هـ / 1953 م الجزء الثاني. - ابن شداد (عز الدين محمد، ت 684 هـ / 1285 م): الأعلاق الخطيرة في ذكر امراء الشام والجزيرة - الجزء الثالث - القسم الثاني - تحقيق يحيى عبارة - منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي - دمشق 1978. - ابن عنين (محمد بن نصر الله، ت 630 هـ / 1233 م): ديوان ابن عنين - تحقيق خليل مردم بك - مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق 1946. - ابن العماد (عبد الحي بمن احمد، ت 1089 هـ - / 1679 م): شذرات الذهب في أخبار من ذهب - تحقيق لجنة إحياء التراث العربي منشورات دار الأفاق الجديدة - بيروت لا. ت، الجزء الخامس والسادس. - ابن العديم (كمال الدين ابي القاسم عمر، ت 660 هـ / 1262 م): زبدة الحلب من تاريخ حلب - تحقيق سامي الدهان - منشورات المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق
1968، الجزء الثالث. - ابن عبد الظاهر (محيي الدين، ت 692 هـ / 1292 م): الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر - تحقيق عبد العزيز الخويطر الرياض - طبعة أولى 1976. - ابن الفوطي (كمال الدين أبي الفضل عبد الرزاق، ت 723 هـ / 1323 م): الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة - مطبعة المكتبة العربية ببغداد، ت. ت. - ابن الفارض: شرح ديوان ابن الفارض - للشيخ حسن البوريني والشيخ عبد الغني النابلسي - طبع بالمطبعة المصرية بعناية خديو مصر اسماعيل بن ابراهيم سنة 1289 هـ / 1872 م. - ابن كثير (اسماعيل بن عمر، ت 774 هـ / 1373 م): البداية والنهاية - منشورات مكتبة المعارف - بيروت - الطبعة الرابعة 1982. الأجزاء المستعملة 13 - 14. - ابن المستوفي (شرف الدين ابي البركات أحمد، ت 637 هـ / 1239 م): تاريخ اربل، المسمى نباهة البلد الخامل بمن ورده من الاماثل نشر وتحقيق سامي بن الشيد خماس الصقار - منشورات وزارة الثقافة ببغداد 1980. - ابن النجار (الحافظ المحب أبي عبد الله محمد، ت 643 هـ / 1245 م): المستفاد من ذيل تاريخ بغداد، انتقاء ابن الدمياطي المتوفى سنة 749 هـ / 1348 م، تحقيق د. قيصر ابو فرج - دار الكتب العلمية - بيروت لبنان - الجزء التاسع عشر. - الأول من ذيل تاريخ بغداد - تحقيق د. قيصر أبو فرج - دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، الجزء السادس عشر. - ابن واصل (جمال الدين محمد بن سالم، ت 697 هـ / 1298 م): مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، الجزء الرابع والخامس - تحقيق د. حسنين محمد ربيع، القاهرة 1972 - 1977 - وزارة الثقافة، مطبعة دار الكتب. - ابن الوردي (زين الدين عمر، ت 749 هـ / 1348 م): تتمة المختصر في أخبار البشر - تحقيق أحمد رفعت البدراوي، منشورات دار المعرفة بيروت - لبنان، الجزء الثاني. - أبو شامة (شهاب الدين عبد الرحمن بن اسماعيل، ت 665 هـ / 1266 م): الذيل على الروضتين، منشورات دار الجيل - بيروت - لبنان. - أبو الفداء (عماد الدين اسماعيل، ت 732 هـ / 1331 م): المختصر في أخبار البشر -
المطبعة الحسينية المصرية - الطبعة الأولى لا. ت. الأجزاء المستعملة 3 - 4. - الاسنوي (جمال الدين عبد الرحيم، ت 772 هـ / 1370 م): طبقات الشافعية - تحقيق عبد الله الجبوري - بغداد، مطبعة الارشاد 1971 - جزءان. - الاصفهاني، العماد الكاتب: خريدة القصر وجريدة العصر - قسم شعراء الشام - الجزء الأول - تحقيق شكري فيصل - المطبعة الهاشمية - دمشق 1375 هـ / 1955 م. - الاوسي (أبو عبد الله محمد، ت 703 هـ / 1303 م): الذيل والتكملة لكتابي الموصل والصلة - تحقيق الدكتور إحسان عباس دار الثقافة - بيروت الطبعة الأولى 1973 - الجزء السادس. - البحتري: ديوان البحتري - تحقيق حسن كامل الصيرفي - طبع دار المعارف بمصر - الطبعة الثانية لا. ت. ونسخة ثانية - طبع رزق الله سركيس بيروت المطبعة الأدبية سنة 1911. - البغدادي، اسماعيل باشا: هدية العارفين وأسماء المؤلفين والمصنفين من كشف الظنون - دار الفكر - 6 أجزاء 1402 هـ / 1982. - الحنبلي (أحمد بن ابراهيم، ت 876 هـ / 1471 م): شفاء القلوب في مناقب بني أيوب - تحقيق ناظم رشيد - العراق 1978 وزارة الثقافة والفنون. - الدبيثي (الحافظ ابن عبد الله محمد، ت 637 هـ / 1239 م): ذيل تاريخ بغداد - أختصره الامام الذهبي - دار الكتب العلمية الطبعة الأولى بيروت 1985، الجزء الخامس عشر. - الذهبي (الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد، ت 748 هـ / 1347 م): العبر في خبر من عبر، الجزء الخامس - تحقيق صلاح الدين المنجد مطبعة الكويت 1966. - دول الاسلام - تحقيق فهيم محمود شلتوت ومحمد مصطفى ابراهيم منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974 في جزءين. - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والاعلام، الطبقة الرابعة والستون، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف والدكتور صالح مهدي عباس والشيخ شعيب الأرنؤوط، صادر عن مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1408 هـ / 1988 م. - زهير (بهاء الدين، بن محمد، ت 656 هـ / 1258 م): ديوان بهاء الدين زهير - دار صادر للنشر - بيروت 1964. - السبكي (تاج الدي أبي نصر عبد الوهاب بن علي، ت 771 هـ / 1370 م): طبقات
الشافعية الكبرى، منشورات دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان الأجزاء المستعملة 4 - 5، الطبعة الثانية لا. ت. - السيوطي (جلال الدين بن عبد الرحمن، ت 911 هـ / 1505 م): حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، الجزء الأول - طبع مطبعة الموسوعات باب الخلق بمصر لا. ت. - تاريخ الخلفاء - تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - مطبعة السعادة مصر - الطبعة الثانية 1378 هـ / 1959 م. - السخاوي (شمس الدين محمد، ت 902 هـ / 1496 م): الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت - لبنان لا. ت. الأجزاء 1 - 2 - 8 - 10. - السمعاني (أبي سعد عبد الكريم، ت 562 هـ / 1166 م): كتاب الأنساب - تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - منشورات محمد أمين دمج - بيروت 1980 - 1984، 12 جزءا. - الصقاعي (فضل الله بن أبي الفخر) تالي كتاب وفيات الأعيان، تحقيق جاكلين سوبلة، المعهد الفرنسي بدمشق للدراسات العربية، دمشق 1974. - الصفدي (صلاح الدي خليل أيبك، ت 764 هـ / 1262 م): الوافي بالوفيات - تحقيق جماعة من المستشرقين والعرب - منشورات دار النشر فرانز شتانير بفيسبادن - ألمانيا، الأجزاء 1 - 17. - العبري (غريغوريوس الملطي، ت 685 هـ / 1286 م): تاريخ مختصر الدول. - العيني (بدر الدين، ت 855 هـ / 1451 م): عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، تحقيق الدكتور محمد محمد أمين القاهرة 1987. - الفاسي (الحافظ تقي الدين أبي الطيب محمد). - أخبار مكة المشرفة، منشورات روائع التراث العربي - الجزء الثاني وهو مستخلص من كتاب شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام للفاسي. - القلقشندي (أحمد بن علي، ت 821 هـ / 1418 م): صبح الأعشى في صناعة الانشا، 14 جزءا، منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي بمصر - القاهرة 1963. - الكتبي (محمد بن شاكر، ت 764 هـ / 1362 م): فوات الوفيات، 5 أجزاء، تحقيق د. إحسان عباس، دار صادر للنشر، بيروت. - عيون التواريخ، تحقيق فيصل السامر ونبيلة عبد المنعم داوود - بغداد دار الرشيد للنشر 1980 الجزء العشرون.
- النعيمي (عبد القادر بن محمد، ت 927 هـ / 1521): الدارس في تاريخ المدارس، جزءان - دمشق 1948 - 1951. - المقريزي (أحمد بن علي ت 845 هـ / 1441 م): السلوك لمعرفة دول الملوك - تحقيق د. مصطفى زيادة - طبع بمطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر - القاهرة، الجزء الأول - القسم الأول الطبعة الثانية - الجزء الأول القسم الثاني طبعة ثانية منقحة، 1957، الجزء الأول القسم الثالث طبعة 1939. - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (المعروف بالخطط المقريزية) طبعة بالاوفست عن دار صادر بيروت في جزأين، ونسخة ثانية من الكتاب عن منشورات دار إحياء العلوم - بيروت لبنان، في ثلاثة مجلدات. - الملك الأشرف الغساني (ت 803 هـ / 1400 م): العسجد المسبوك في طبقات الخلفاء والملوك - تحقيق شاكر محمود عبد المنعم - طبعة دار البيان بغداد 1395 هـ / 1975 م. - الملك الأمجد الأيوبي (بهرام شاه، ت 628 هـ / 1230 م): ديوان الملك الأمجد - تحقيق د. ناظم رشيد، نشر مصورا عن طبعة الآلة الكاتبة منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالعراق 1403 هـ / 1983 م. - المقّري (الشيخ أحمد بن محمد، ت 1441 هـ / 1631 م): نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب - تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - الجزء الثاني الطبعة الأولى 1367 هـ / 1949 م، مصر مطبعة السعادة. - الهمذاني (رشيد الدين فضل الله، ت 718 هـ / 1318 م): جامع التواريخ - نقله الى العربية محمد صادق نشأت - محمد موسى هنداوي - فؤاد عبد المعطي الصياد - منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي - القاهرة 1960. - اليافعي (أبو محمد عبد الله، ت 768 هـ / 1366 م): مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان: منشورات مؤسسة الأعلمي للطباعة والنشر - بيروت - لبنان - الجزء الرابع. - ياقوت الرومي (ياقوت بن عبد الله الحموي، ت 626 هـ / 1229 م): معجم البلدان 6 أجزاء، ليبزج 1866 هـ / 1870 م. - معجم الأدباء - منشورات دار إحياء التراث العربي بيروت، لا. ت.، الجزء الخامس عشر.
المخطوطات
- اليونيني (الشيخ قطب الدين موسى بن محمد، ت 726 هـ / 1326 م): ذيل مرآة الزمان، المجلد الثالث، الطبعة الأولى، مطبعة دائرة المعارف العثمانية حيدر آباد الدكن الهند 1380 هـ / 1960 م. المخطوطات - الصفدي (صلاح الدين خيل أيبك، ت 764 هـ / 1362 م): الوافي بالوفيات، الجزء 18 عن مخطوطة المكتبة الأهلية بباريس تحت رقم 2066 بالمعهد الألماني في بيروت. الموسوعات والمعاجم - دائرة المعارف الاسلامية باللغة العربية - المجلد الأول 1352 هـ / 1933 م. - ابن منظور (جمال الدين محمد بن مكرم، ت 711 هـ / 1311 م): لسان العرب - 15 مجلدا - منشورات دار صادر - بيروت. - بطرس البستاني: محيط المحيط - مكتبة لبنان - طبعة جديدة 1983. - خير الدين الزركلي: الأعلام - المجلد الأول - دار العلم للملايين - بيروت - الطبعة الخامسة 1980. - عمر عبد السلام تدمري: موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان - الجزء السابع، طبعة المركز الإسلامي للإعلام والإنماء - بيروت 1984. - عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين - الناشر مكتبة المثنى ودار إحياء التراث العربي بيروت، المجلد الأول 1957. المجلات - مجلد المقاصد العدد 16 - 17، آب - أيلول 1983.
المراجع العربية
المراجع العربية - إبراهيم أنيس: موسيقى الشعر - الطبعة الثالثة 1965 - مكتبة الانجلو المصرية. - أمين سامي باشا: تقويم النيل وأسماء من تولوا أمر مصر مدة حكمهم عليها من السنة الأولى الهجرية وحتى 1332 هـ / 622 م - 1941 م. - جرجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية - دار الهلال - طبعة جديدة، راجعها وعلق عليها الدكتور شوقي ضيف. - سعاد ماهر: البحرية في مصر الاسلامية وآثارها الباقية - دار الكاتب العربي للطباعة والنشر 1967. - زامبادر (ادوارد فون): معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي، أخرجه زكي محمد حسن وحسن أحمد محمود جزءان، القاهرة 1951 - 1952. - علي مبارك: الخطط التوفيقية لمصر والقاهرة - المطبعة الأميرية بولاق، مصر 1305 - 1306 م. - محمد راغب الطباخ: إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - الطبعة لأولى 1343 هـ / 1925 م المطبعة العلمية في حلب - الجزء الرابع. - محمد رزق سليم: عصر سلاطين المماليك ونتاجه العلمي والأدبي - الجزء الأول، القسم الأول والقسم الثاني، والجزء الثاني - القسم الأول، الناشر مكتبة الآداب بالجماميز - مطبعة المتوكل - القاهرة 1947. - بحوث ندوة أبناء الأثير - منشورات جامعة الموصل - كلية الآداب 1982.
المراجع الأجنبية
المراجع الأجنبية - Brockelmann C .,Geschichte Der Arabischen Litteratur Supplementary Volume II - Leiden 1937 - 1942. - Browne Edward G ., A literary history of Persia,V .II, Cambridge University Press ,1951. - Dolzy,R ., Supplement Aux Dictionnaires Arabes ,2 vols .Leiden 1881. - Runciman S .Steven ., The Crusades V .II Cambridge University Press 1951 - 1954. - Stevenson W .B ., The Crusaders in the East CambridgeUniversity Press - Bulletin D'etudes Orientalles (B .E .O .,T .XV) Tome XV,Annees 1955 - 1957 Institut Francais de Damas 1958. - The Encyclopaedia of Islam (E .I .2) New Edition,Leiden - London .