نثر الدر في المحاضرات

الآبي

الجزء 1

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة الْمُؤلف بِحَمْد الله نستفتح أقوالنا وأعمالنا، وبذكره نستنجح طلباتنا وآمالنا، إِيَّاه نستخير وبعدله نستجير، وبحبله نعتصم، ولأمره نستسلم وَإِلَيْهِ نجأر، وفضله نشكر، وعفوه نرجو، وسطوه نرهب، وعقابه نخشى، وثوابه نأمل، وإياه نستعين، عَلَيْهِ نتوكل، وبنبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نتوسل. لَهُ الْحَمد على مواهبه الَّتِي لَا نحصيها عددا، وَلَا نَعْرِف لَهَا أمداً، حمداً نبلغ بِهِ رِضَاهُ، ونستدر بِهِ نعماه. وَله الشُّكْر على منائحه الَّتِي أولاها ابْتِدَاء، ووعد على شكرها جَزَاء، شكرا نبلغ بِهِ من جهدنا عذرا، ونرتهن بِهِ ذخْرا وَأَجرا، ونستديم بِهِ من نعْمَة الرَّاتِب الرَّاهِن، ونستدنى بِهِ الشاحط الشاطن، ونستجر بِهِ وعده بالمزيد، " وَمَا رَبك بظلامٍ للعبيد " اللَّهُمَّ كَمَا علمتنا بالقلم، وأنطقتنا بالسان الْأَفْصَح، وأريتنا لفم الطَّرِيق الأوضح، وهديتنا لصراطك الْمُسْتَقيم، وفقهتنا فِي الدّين، وعلمتنا من تأولي الْأَحَادِيث، فأوزعنا إِن نطلب الزلفى لديك، بِالْحَمْد لَك وَالثنَاء عَلَيْك، ووفقنا لارتباط آلَائِكَ بشكرها، وأعذنا من أَن يحل عقالها بكفرها، وأيدينا بأيدك، وأجرنا من كيدك، وسددنا لقَضَاء حَقك وَأَدَاء فرضك، وشكر نِعْمَتك، وَلُزُوم محجتك، والتزام حجتك، والاستضاءة بنورك الَّذِي لَا يضل من جعله معلما لدينِهِ، وعلماً يتلقاه بِيَمِينِهِ. اللَّهُمَّ أَنْت المأمول، وعدلك الْمَأْمُون، وفضلك المرجو. بإحسانك الملاذ، وَبِك من سخطك العياذ. أعوذ بك من الخطل فِي

القَوْل، كَمَا أعوذ بك من الْخَطَإِ فِي الْعَمَل. أعوذ بك من زلل اللِّسَان والقلم كَمَا أعوذ بك من ذلل الْقدَم، وَأَعُوذ بك من النُّطْق الفاضح، كَمَا أعوذ بك من العي الفادح. فَاجْعَلْ نطقنا ثَنَاء على عزتك، وصمتاً فكراً فِي قدرتك. وجنبنا فِي جَمِيع أحوالنا ومختلفات أقوالنا وأفعالنا مَا نستجلب بِهِ غضبك، ونحتقب بِهِ الشّرك بك، تَشْبِيها لَك بخلقك وتصويراً وتظليما لَك فِي فعلك، وتجويرا وعدولا فِي دينك عَن الجدد، وتنكبا للسنن الأرشد، الَّذِي هدَانَا إِلَيْهِ نبيّك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بوحيك الَّذِي أوحيته إِلَيْهِ، وكلامك الَّذِي أنزلته عَلَيْهِ، مبلغا لرسالتك، نَادِيًا إِلَى عبادتك، صادعا بِالدُّعَاءِ إِلَى توحيدك، مُعْلنا بتعظيمك وتمجيدك. ناصحاً لأمته وعبيدك. صلى الله عَلَيْهِ صلاتاً نامية زاكية وَسلم سَلاما طيبا كثيرا وعَلى أَصْحَابه وَأهل بَيته الَّذين أذهب عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِير. وَبعد فَإِنِّي رَأَيْتُك - أمتع الله بأدبك، وأمتع الْأَدَب وَأَهله بك - حِين سَمِعت بالمجموع الْكَبِير الَّذِي سميته " نزهة الأديب، ظننتني قصدت بِهِ قصد من يؤلف كتابا، فيصنفه أصنافاً ويبوبه أبواباً، حَتَّى يتَمَيَّز فِيهِ النشر عَن النّظم، وَالْجد عَن الْهزْل، والسمين عَن الغث، والبارع عَن الرذل، وتكثر فِيهِ الأشكال والنظائر، وتتشابه مِنْهُ الْأَوَائِل والأواخر، وَلم تعلم أَنه جرى مجْرى التَّعْلِيق، الَّذِي يحتوي على الْجَلِيل والدقيق، ويقرن بَين الْقَرِيب والسحيق، وَيكون كَاتبه كحاطب اللَّيْل يجمع نبعا وقتادا، وجارف السَّيْل يجمل مَنَافِع وأزبادا، وَيكون قارئه كغائص الْبَحْر يغوص مرّة على الدرة الثمينة، وَأُخْرَى على الصدفة المهينة، حَتَّى يخرج من الْجد الشريف إِلَى المزح السخيف، وَمن الجذل البديع إِلَى الْهزْل الشنيع، وَمن فصيح الْمقَال إِلَى العى الْمحَال وَمن الموعظة الَّتِي تدنى إِلَى الرب إِلَى النادرة الَّتِي تغرى بالذنب. وَرَأَيْت ميلك من جَمِيع ذَلِك إِلَى

الْكَلَام الموجز، وَاللَّفْظ الْمُخْتَصر، واليسير المستغرب، والنادر المستطرف دون الْكثير المبتذل، والشائع المشتهر، وَإِلَى الْخطب الْقصار دون الإسهاب والإكثار، وَإِلَى القرحة الواقفة من النثر دون الْغرَّة السائلة من الشّعْر، وتصورت إيثارك لِأَن يجمع كل شكل إِلَى شكله، ويقرن كل فصل إِلَى مثله حَتَّى يَأْخُذ بعض الْكَلَام برقاب كُله، ويتسق آخر الْبَاب على أَوله، فصنفت لَك هَذَا الْكتاب محتذيا لتمثيلك، مهتديا بدليلك. واقتصرت فِيمَا أوردته فِيهِ على الْفقر الفصيحة، والنوادر المليحة، والمواعظ الرقيقة، والألفاظ الرشيقة. . وأخليته من الْأَشْعَار، وَمن الْأَخْبَار الطوَال الَّتِي تجْرِي مجْرى الْأَسْمَاء. وسميته " نثر الدّرّ ". فَلَا يعثر فِيهِ من النّظم إِلَّا بِالْبَيْتِ الشارد، والمصراع الْوَاحِد الَّذِي يرد فِي أدراج الْكَلَام يتم بِهِ مقطعه، وأثناء خطاب يحسن مِنْهُ موقعه. وَهُوَ كتاب ينْتَفع بِهِ الأديب الْمُتَقَدّم، كَمَا ينْتَفع بِهِ الشادي المتعلم، ويأنس بِهِ الزَّاهِد المتنسك، كَمَا يأنس بِهِ الخليع المتهتك، وَيحْتَاج إِلَيْهِ الْملك فِي سياسة ممالكه، كَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمَمْلُوك فِي خدمَة مَالِكه، وَهُوَ نعم العون لِلْكَاتِبِ فِي رسائله وَكتبه، وللخطيب فِي محاوراته وخطبه، وللواعظ فِي إنذاره وتحذيره، وللقاضي فِي إذكاره وتبصيره، وللزاهد فِي قناعته وتسليه، وللمتبتل فِي نزاهته وتخليه. فَأَما النديم فَغير مستغنٍ عَنهُ فِي مسامرة رئيسه، وَأما الملهى فمضطر إِلَيْهِ عِنْد مضاحكته وتأنيسه. وَقد جعلته سَبْعَة فُصُول، يشْتَمل كل فصل على أَبْوَاب يتشابه مَا فِيهَا، وتتقارب مَعَانِيهَا، وَذكرت أَبْوَاب الْفُصُول فِي أوائلها، ليقرب الْأَمر فِيهِ على متناولها. الْفَصْل الأول وَهَذَا هُوَ " الْفَصْل الأول ". ويشتمل على خَمْسَة أَبْوَاب. الْبَاب الأول: يشْتَمل على آيَات من كتاب الله عز وَجل الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه، بِأَلْفَاظ متشابهة، ونظائر متشاكلة، يحْتَاج الْكَاتِب إِلَيْهَا ليوشح بهَا كَلَامه، ويزين برونقها أَلْفَاظه، وَيحسن بإيرادها - فِي أثْنَاء كتبه ومقاطع فصوله - بلاغته، بل يسد بجمالها خلته، ويتمم بكمالها

نقيصته، فَيخرج الْكَلَام عَن أَن يكون مخدجا بِلَا نظام، وأبتر عَن غير تَمام، وكالفتى العطل من حلية الْأَدَب، أَو كالفتاة العاطل من حلى الذَّهَب. فَقدما سميت الْخطْبَة الَّتِي تَخْلُو من آيَات الْقُرْآن بتراء، ولقبت - وَإِن كَانَت رشيقة - شوهاء، وَلَا غنى عَنْهَا فِيمَا ينشأ من الْفتُوح والعهود، والمواثيق والعقود، وَكتب الْأمان وَالْإِيمَان، وَسَائِر مَا يعبر بِهِ عَن السُّلْطَان من الْأَمر بالتقوى وَالطَّاعَة، وَإِقَامَة الصَّلَوَات وَحفظ الْجَمَاعَة، واستنزال النَّصْر عِنْد الْجِهَاد، وسد الثغور بِالْعدَدِ والأعداد، وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر، والتسوية فِي الحكم بَين الْأَقْوَى والأضعف، والأكبر والأصغر، وَقِسْمَة الصَّدقَات والمغانم، وتوخى الْعدْل وَاجْتنَاب الْمَظَالِم، وَمَا يجانس هَذِه الْأُمُور مِمَّا يَجعله الْكَاتِب وصلَة لكَلَامه، والخطيب توصلا إِلَى أقْصَى مرامه، والواعظ إذكارا للناسي، والقاصي استلانة للقلب القاسي، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق، وَمن عِنْده الْعِصْمَة، وَعَلِيهِ التكلان، وَإِلَيْهِ الْمَهْرَب والملجأ. الْبَاب الثَّانِي: يشْتَمل على أَلْفَاظ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موجزة فصيحة، وأغراض فِي تَأْدِيب الْخلف وإرشادهم صَحِيحَة، ينْتَفع بهَا الْإِنْسَان فِي معاشه ومعاده، ويستضيء بهَا عِنْد إصداره وإيراده، إِذْ كَانَت أفْصح الْكَلَام بعد الْقُرْآن الْعَظِيم، وأهداه إِلَى الطَّرِيق الْمُسْتَقيم، لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَنا أفْصح الْعَرَب بيد أَنى من قُرَيْش " الْبَاب الثَّالِث: يشْتَمل على نكت من كَلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام، إِذْ كَانَ صنو كَلَام الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتلوه، يقتفى أَثَره، ويحذو حذوه، من ضوئه اقتبس، وَمن نوئه استمطر، وَمن سنائه استمد، وَمن سمائه استنزل، فِيهِ اقْتِدَاؤُهُ واهتداؤه، وَإِلَيْهِ انتماؤه واعتزاؤه. الْبَاب الرَّابِع: يشْتَمل على نكت من كَلَام الْأَئِمَّة من وَلَده رضى الله عَنْهُم، والأشراف من أهل بَيته الَّذين هم سلالة النُّبُوَّة، وصفوة الْخلق، وأولو

الْأَمر وأرباب الْحق. فيهم محط الرسَالَة، ومقر الْإِمَامَة، ومهبط الْوَحْي، ومقتبس الْعلم، ومنار الْإِسْلَام، ومعلم الدّين، وشعار الْإِيمَان. الْبَاب الْخَامِس: يشْتَمل على نكت من كَلَام سادة بني هَاشم الَّذين هم عصبَة الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام، وَأولى الْخلق بِمد أَوْلَاده بِهِ، والمشاركون لَهُ فِي شرف منصبه، وكرم منتسبه، سوى مَا يخص بخلفائهم، فَإِن ذَلِك يُورد فِي بَاب يخْتَص بِهِ ويفرد لذكره. وَسَنذكر عِنْد ابتدائنا بِكُل فصل من فُصُول الْكتاب، تَرْجَمَة مَا يحتوي عَلَيْهِ من الْأَبْوَاب - بعون الله.

صفحة فارغة

الباب الاول فيه النظائر من القرآن الآيات التي ذكر فيها التقوي وهي اول ما تفتتح بها العهود ويصدر بالحث عليها المناشير والشروط

الْبَاب الأول فِيهِ النَّظَائِر من الْقُرْآن الْآيَات الَّتِي ذكر فِيهَا التَّقْوَى وَهِي أول مَا تفتتح بهَا العهود، ويصدر بالحث عَلَيْهَا المناشير والشروط : " وإياي فاتقون ". " وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا ". " واذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ". " وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ تفلحون ". " وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَن الله شَدِيد الْعقَاب ". " وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى واتقون يأولى الألبب ". " وَإِذا قيل لَهُ اتَّقِ الله أَخَذته الْعِزَّة بالإثم ". " وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَنكُمْ إِلَيْهِ تحشرون ". " وَالَّذين اتَّقوا فَوْقهم يَوْم الْقيمَة ". " وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَن الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير ". " وَأَن تعفوا أقرب للتقوى ". " يأيها الَّذين ءامنوا اتَّقوا الله وذروا مَا بقى من الربوا إِن كُنْتُم مُؤمنين ". " وَاتَّقوا يَوْمًا نرجعون فِيهِ إِلَى الله ". " وليتق الله ربه ". " يأيها الَّذين ءامنوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ ".

" وَإِن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عَظِيم ". " وَإِن تصبروا وتتقوا فَإِن ذَلِك من عزم الْأُمُور ". " وَإِن تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا ". " اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة ". " وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيباً ". " وَإِن تحسنوا وتتقوا فَإِن الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا ". " وَلَقَد وصينا الَّذين أُوتُوا الْكتب من قبلكُمْ وَإِيَّاكُم أَن اتَّقوا الله ". " وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان ". " وَاتَّقوا الله إِن الله عليمٌ بِذَات الصُّدُور ". " وَاتَّقوا الله إِن الله خبيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ". " وَاتَّقوا الله وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ ". " إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ ". " يأيها الَّذين ءامنوا اتَّقوا الله وابتغوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة وجهدوا فِي سَبيله لَعَلَّكُمْ تفلحون ". " فَاتَّقُوا الله يأولى الألبيب لَعَلَّكُمْ تفلحون ". " وَاتَّقوا الله واسمعوا وَالله لَا يهدي الْقَوْم الفسقين ". " فَاتَّقُوا الله وَأَصْلحُوا ذَات بَيْنكُم ". " وَاتَّقوا فتْنَة لَا تصيبن الَّذين ظلمُوا مِنْكُم خَاصَّة وَاعْلَمُوا أَن الله شَدِيد الْعقَاب ".

" يأيها الَّذين ءامنوا إِن تتقوا الله يَجْعَل لكم فرقاناً وَيكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ وَيغْفر لكم وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم ". " إِن الله يحب الْمُتَّقِينَ ". " وَاعْلَمُوا أَن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ ". " يأيها الَّذين ءامنوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصدقين ". " إِنَّه من يتق ويصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ ". " لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاتقون ". " أفغير الله تَتَّقُون ". " إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون ". " تِلْكَ الْجنَّة الَّتِي نورث من عبادنَا من كَانَ تقيا ". " ثمَّ ننجى الَّذين اتَّقوا وَنذر الظلمين فِيهَا جثيا ". " وصرفنا فِيهِ من الْوَعيد لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ ". " لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها وَلَكِن يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُم ". " أَفلا تَتَّقُون ". " وَاتَّقوا الَّذِي أمدكم بِمَا تعلمُونَ ". " وَاتَّقوا الَّذِي خَلقكُم والجبلة الْأَوَّلين ". " أَن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ ". " وأنجينا الَّذين ءامنوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ". " اتَّقِ الله وَلَا تُطِع الكفرين والمنفقين إِن الله كَانَ عليماً حكيماً ". "

يأيها الَّذين ءامنوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديداً ". " دلك يخوف الله بِهِ عباده يعباد فاتقون ". " وينجى الله الَّذين اتَّقوا بمفازتهم لَا يمسهم السوء وَلَا هم يَحْزَنُونَ ". " وَالْآخِرَة عِنْد رَبك لِلْمُتقين ". " وَإِن تؤمنوا وتتقوا يُؤْتكُم أجوركم ". " وَاتَّقوا الله إِن الله سميعٌ عليمٌ ". " إِن أكرمكو عَن الله أتقكم إِن الله عليمٌ خبيرٌ ". " فَلَا تركُوا أَنفسكُم هُوَ أعلمٌ بِمن اتَّقى ". " يأيها الَّذين ءامنوا اتَّقوا الله وءامنوا بِرَسُولِهِ يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ وَيغْفر لكم وَالله غفورٌ رحيمٌ ". " وتنجوا بِالْبرِّ وَالتَّقوى وَاتَّقوا الله الَّذِي إِلَيْهِ تحشرون ". " يأيها الَّذين ءامنوا اتَّقوا الله ولتنظر نفسٌ مَا قدمت لغدٍ وَاتَّقوا الله إِن الله خبيرٌ بِمَا تعلمُونَ ". " وَاتَّقوا الله الَّذِي أَنْتُم بِهِ مُؤمنُونَ ". " فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم ". " وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب ". " وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ من أمره يسرا ". " وَمن يتق الله يكفر عَنهُ سيئاته ويعظم لَهُ أجرا ". " فَاتَّقُوا الله يأولى الألبب ". " اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ".

الآيات التي فيها ذكر الصلاه

الْآيَات الَّتِي فِيهَا ذكر الصَّلَاة " الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ ويقيمون الصلوة وَمِمَّا رزقنهم يُنْفقُونَ ". " وَأقِيمُوا الصلوة وَآتوا الزكوة واركعوا مَعَ الركعين ". " وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ والصلوة وَإِنَّهَا لكبيرةٌ إِلَّا على الخشعين ". " وَأقِيمُوا الصلوة وءاتوا الزكوة وَمَا تقدمُوا لأنفسكم من خيرٍ تَجِدُوهُ عِنْد الله إِن الله بِمَا تَعْمَلُونَ بصيرٌ ". " يأيها الَّذين ءامنوا اسْتَعِينُوا بِالصبرِ والصلوة إِن الله مَعَ الصبرين ". " إِن الصلوة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتبا موقوتاً ". " وَإِذا قَامُوا إِلَى الصلوة قَامُوا كسَالَى ". " وَقَالَ الله إِنِّي مَعكُمْ لَئِن أقمتم الصلوة وأتيتم الزكوة وأمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا ". " إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين أمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصلوة وَيُؤْتونَ الزكوة وهم ركعون ". " وَأَن أقِيمُوا الصلوة واتقوه وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تحشرون ". " الَّذين يُقِيمُونَ الصلوة وَمِمَّا رزقنهم يُنْفقُونَ أُولَئِكَ هم الْمُؤْمِنُونَ حَقًا لَهُم درجتٌ عِنْد رَبهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ ". " فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصلوة وءاتوا الزكوة فإخونكم فِي الدّين ونفصل الآيت لقومٍ يعلمُونَ ". " قل لعبادى الَّذين أمنُوا يقيموا الصلوة وينفقوا مِمَّا رزقنهم سرا وَعَلَانِيَة ".

" أقِم الصلوة لدلوك الشَّمْس إِلَى غسق الَّيْلِ وقرءان الْفجْر إِن قرءان الْفجْر كَانَ مشهوداً ". " وَكَانَ يَأْمر أَهله بالصلوة والزكوة وَكَانَ عِنْد ربه مرضياً. " فخلف من بعدهمْ خلفٌ أضاعوا الصلوة وَاتبعُوا الشهوت فَسَوف يلقون غياً ". " وَأمر أهلك بالصولة واصطبر عَلَيْهَا ". " فأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة واعتصموا بِاللَّه هُوَ مولكم فَنعم الْمولى وَنعم النصير ". " قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ الَّذين هم فِي صلَاتهم خشعون ". " وَالَّذين هم على صلوتهم يُحَافِظُونَ ". " رجالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تجرةٌ وَلَا بيعٌ عَن ذكر الله وإقام الصلوة ". " وَأقِيمُوا الصلوة وءاتوا الزكوة وَأَطيعُوا الرَّسُول لَعَلَّكُمْ ترحمون ". " هدى وبشرى للْمُؤْمِنين الَّذين يُقِيمُونَ الصلوة وَيُؤْتونَ الزكوة وهم بِالآخِرَة هم يوقنون ". " اتل مَا أوحى إِلَيْك من الْكتب وأقم الصلوة إِن الصلوة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَلذكر الله أكبر وَالله يعلم مَا تَصْنَعُونَ ". " وَأقِيمُوا الصلوة وَلَا تَكُونُوا من الْمُشْركين ". " إِن الَّذين يَتلون كتب الله وَأَقَامُوا الصلوة وأنفقوا مِمَّا رزقنهم سرا وَعَلَانِيَة يرجون تجرةً لن تبور ". " وَالَّذين اسْتَجَابُوا لرَبهم وَأَقَامُوا الصلوة وَأمرهمْ شُورَى بَينهم وَمِمَّا رزقنهم يُنْفقُونَ ".

التحميدات

" فَإذْ لم تَفعلُوا وَتَابَ الله عَلَيْكُم فأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة وَأَطيعُوا الله وَرَسُوله وَالله خبيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ". " يأيها الَّذين ءامنوا إِذا نودى للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع ذَلِكُم خيرٌ لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ فَإِذا قضيت الصلوة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله ". " وَالَّذين هم على صلَاتهم يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ فِي جنتٍ مكرمون ". " فاقرؤا مَا تيَسّر مِنْهُ وَأقِيمُوا الصلوة وءاتوا الزكوة وأقرضوا الله قرضا حسنا ". " قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى ". " أرءيت الَّذِي ينْهَى عبدا إِذا صلى ". " وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين حنفَاء ويقيموا الصلوة ويؤتوا الزكوة وَذَلِكَ دين الْقيمَة ". " فويل للمصلين الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون ". " فصل لِرَبِّك وانحر ". التحميدات " الْحَمد لله رب العلمين ". " الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجعل الظلمت والنور ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ ". " فَقطع دابر الْقَوْم الَّذين ظلمُوا وَالْحَمْد لله رب العلمين ". " وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله ".

" وءاخر دعونهم أَن الْحَمد لله رب العلمين ". " الْحَمد لله الَّذِي وهب لي على الْكبر إِسْمَاعِيل وَإِسْحَق إِن رَبِّي لسميع الدُّعَاء ". " الْحَمد لله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ ". " وَقل الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا وَلم يكن لَهُ شريكٌ فِي الْملك وَلم يكن لَهُ ولى من الذل وَكبره تَكْبِيرا ". " الْحَمد لله الَّذِي أنزل على عَبده الْكتب وَلم يَجْعَل لَهُ عوجا ". " الْحَمد لله الَّذِي نجنا من الْقَوْم الظلمين ". " الْحَمد لله الَّذِي فضلنَا على كثيرٍ من عباده الْمُؤمنِينَ ". " قل الْحَمد لله وسلمٌ على عباده الَّذين اصْطفى ءآلله خيرٌ أما يشركُونَ. " وَقل الْحَمد لله سيريكم ءايته فتعرفونه وَمَا رَبك بغفل عَمَّا تَعْمَلُونَ ". " وَهُوَ الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمد فِي الأولى وَالْآخِرَة وَله الحكم وَإِلَيْهِ ترجعون ". " وَله الْحَمد فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وعشياً وَحين تظْهرُونَ ". " الْحَمد لله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَله الْحَمد فِي الْآخِرَة وَهُوَ الْحَكِيم الْخَبِير ". " الْحَمد لله فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض جَاعل الملئكة رسلًا أولى أجنحةٍ مثنى وَثلث وَربع يزِيد فِي الْخلق مَا يَشَاء إِن الله على كل شيءٍ قدير ". " " الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن إِن رَبنَا لغفورٌ شكورٌ ".

آيات فيها ذكر الله تعالي

" الْحَمد لله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ ". " وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي صدقنا وعده وأورثنا الأَرْض نتبوأ من الْجنَّة حَيْثُ نشَاء فَنعم أجر العملين ". " فَللَّه الْحَمد رب السَّمَوَات وَرب الأَرْض رب العلمين ". " لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شيءٍ قدير ". آيَات فِيهَا ذكر الله تَعَالَى " الَّذِي جعل لكم الأَرْض فرشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأنزل من السَّمَاء مَاء فَأخْرج بِهِ من الثمرات رزقا لكم فَلَا تجْعَلُوا لله أنداداً وَأَنْتُم تعلمُونَ ". " وَهُوَ الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ وَيَوْم يَقُول كن فَيكون قَوْله الْحق وَله الْملك يَوْم ينْفخ فِي الصُّور علم الْغَيْب والسهدة وَهُوَ الْحَكِيم الْخَبِير ". " وَهُوَ الَّذِي أنزل من السَّمَاء مَاء فأخرجنا بِهِ نَبَات كل شيءٍ فأخرجنا مِنْهُ خضرًا نخرج مِنْهُ حبا متراكباً وَمن النّخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ وجنتٍ من أعناب وَالزَّيْتُون وَالرُّمَّان مشتبهاً وَغير متشبه انْظُرُوا إِلَى ثمره إِذا أثمر وبنعه، إِن فِي ذَلِكُم لأيت لقومٍ يُؤمنُونَ ". " وَهُوَ الَّذِي جعلكُمْ خلئف الأَرْض وَرفع بَعْضكُم فَوق بعضٍ درجت ليَبْلُوكُمْ فِي مآءاتكم إِن رَبك سريع الْعقَاب وَإنَّهُ لغَفُور رحيمٌ ". " إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش يغشى الَّيْلِ النَّهَار يطليه حثيثاً وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب العلمين ". " وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرّيح بشرابين يدى رَحمته حَتَّى إِذا أقلت سحاباً ثقالاً سقنه لبلد ميتٍ فأنزلنا بِهِ المَاء فأخرجنا بِهِ من كل الثمرت كَذَلِك نخرج الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ ".

" هُوَ الَّذِي خَلقكُم من نفس وحدة وَجعل مِنْهَا زَوجهَا ليسكن إِلَيْهَا فَلَمَّا تغشها حملت حملا خَفِيفا فمرت بِهِ ". " هُوَ الَّذِي جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا وَقدر منَازِل لِتَعْلَمُوا عدد السنين والحساب ". " هُوَ الَّذِي جعل لكم الَّيْلِ لتسكنوا فِيهِ وَالنَّهَار مبصراً إِن فِي ذَلِك لأيت لقومٍ يسمعُونَ ". " الله الَّذِي رفع السَّمَوَات بِغَيْر عمد ترونها ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش وسخر الشَّمْس وَالْقَمَر كل يجْرِي لأجل مُسَمّى يدبر الْأَمر يفصل الآيت لَعَلَّكُمْ بلقاء ربكُم توقنون وَهُوَ الَّذِي مد الأَرْض وَجعل فِيهَا روسى وأنهراً وَمن كل الثمرت جعل فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يغشى الَّيْلِ النَّهَار إِن فِي ذَلِك لأيت لقومٍ يتفكرون ". " هُوَ الَّذِي يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا وينشىء السَّحَاب الثقال ويسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ والملئكة من خيفته وَيُرْسل الصوعق فَيُصِيب بهَا من يَشَاء وهم يجدلون فِي الله وَهُوَ شَدِيد الْمحَال لَهُ دَعْوَة الْحق ". " " الله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأنزل من السَّمَاء مَاء فَأخْرج بِهِ من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الْفلك لتجري فِي الْبَحْر بأَمْره وسخر لكم الْأَنْهُر وسخر لكم الشَّمْس وَالْقَمَر دآئبين وسخر لكم الَّيْلِ وَالنَّهَار وءاتكم من كل مَا سألتموه وَإِن تعدوا نعمت الله لَا تحصوها إِن الْإِنْسَان لظلومٌ كفارٌ ". " الله الَّذِي خلق سبع سموات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ يتنزل الْأَمر بَينهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَن الله على كل شيءٍ قديرٌ وَأَن الله قد أحَاط بِكُل شيءٍ علما ". " هُوَ الَّذِي أنزل من السَّمَاء مَاء لكم مِنْهُ شرابٌ وَمِنْه شجرٌ فِيهِ تسيمون ينْبت لكم بِهِ الزَّرْع وَالزَّيْتُون والنخيل والأعنب وَمن كل الثمرت إِن فِي ذَلِك لأية لقومٍ يتفكرون ".

" وَهُوَ الَّذِي سخر الْبَحْر لتأكلوا مِنْهُ لَحْمًا طريا وتستخرجوا مِنْهُ حلية تلبسونها وَترى الْفلك مواخر فِيهِ ولتبتغوا من فَضله ولعلكم تشكرون ". " الَّذِي جعل لكم الأَرْض مهداً وسلك لكم فِيهَا سبلاً وَأنزل من السَّمَاء مَاء فأخرجنا بِهِ أزوجاً من نباتٍ شَتَّى ". " وَهُوَ الَّذِي خلق اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر كل فِي فلكٍ يسبحون ". " وَهُوَ الَّذِي أنشأ لكم السّمع والأبصر والأفئدة قَلِيلا مَا تشكرون وَهُوَ الَّذِي ذرأكم فِي الأَرْض وَإِلَيْهِ تحشرون وَهُوَ الَّذِي يحيى وَيُمِيت وَله اخْتلف الَّيْلِ وَالنَّهَار أَفلا تعقلون ". " الَّذِي لَهُ ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلم يتَّخذ ولدا وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك وَخلق كل شيءٍ فقدره تَقْديرا ". " تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك جنتٍ تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهُر وَيجْعَل لَك قصوراً ". " وَهُوَ الَّذِي جعل لكم الَّيْلِ لباساً وَالنَّوْم سباتاً وَجعل النَّهَار نشوراً وَهُوَ الَّذِي أرسل الرّيح بشرا بَين يَدي رَحمته وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا ". " وَهُوَ الَّذِي مرج الْبَحْرين هَذَا عذبٌ فراتٌ وَهَذَا ملحٌ أجاجٌ وَجعل بَينهمَا برزجاً وحجراً مَحْجُورا وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهراً وَكَانَ رَبك قَدِيرًا ". " الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أيامٍ ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش الرَّحْمَن فَسئلَ بِهِ خَبِيرا ". " تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجاً وَجعل فِيهَا سرجاً وقمراً منيراً وَهُوَ الَّذِي جعل الَّيْلِ وَالنَّهَار خلقَة لمن أَرَادَ أَن يذكر أَو أَرَادَ شكُورًا ".

" الَّذِي خلقني فَهُوَ يهدين وَالَّذِي هُوَ يطعمني ويسقين وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين وَالَّذِي يميتني ثمَّ يحيين وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين ". " وَهُوَ الَّذِي يبدوأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ وَله الْمثل الْأَعْلَى فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم ". " الله الَّذِي خَلقكُم ثمَّ رزقكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ هَل من شَرّ كائكم من يفعل من ذَلِكُم من شيءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ ". " الله الَّذِي يُرْسل الرّيح فتثير سحاباً فيبسطه فِي السَّمَاء كَيفَ يَشَاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلله فَإِذا أساب بِهِ من يَشَاء من عباده إِذا هم يستبشرون ". " الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف ثمَّ جعل من بعد ضعف قُوَّة ثمَّ جعل من بعد قُوَّة ضعفا وَشَيْبَة يخلق مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيم الْقَدِير ". " الله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش مالكم من دونه من ولى وَلَا شفيعٍ أَفلا تتذكرون ". " الَّذِي أحسن كل شيءٍ خلقه وَبَدَأَ خلق الْإِنْسَان من طينٍ ثمَّ جعل نَسْله من سلسلةٍ من ماءٍ مهين ". " وَالله الَّذِي أرسل الرّيح فتثير سحاباً فسقنه إِلَى بلدٍ ميت فأحيينايه الأَرْض بعد مَوتهَا كَذَلِك النشور ". " وَهُوَ الَّذِي جعلكُمْ خلئف فِي الأَرْض فَمن كفر فَعَلَيهِ كفره وَلَا يزِيد الكفرين كفرهم عِنْد رَبهم إِلَّا مقتاً وَلَا يزِيد الكفرين كفرهم إِلَّا خساراً ". " الَّذِي جعل لكم من الشّجر الْأَخْضَر نَارا فَإِذا أَنْتُم مِنْهُ توقدون ". " وَهُوَ الَّذِي يريكم ءايته وَينزل لكم من السَّمَاء رزقا وَمَا يتَذَكَّر إِلَّا من ينيب ".

" الله الَّذِي جعل لكم الَّيْلِ لتسكنوا فِيهِ وَالنَّهَار مبصراً إِن الله لذُو فضلٍ على النَّاس وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يشكرون ". " الله الَّذِي جعل لكم الأَرْض قراراً وَالسَّمَاء بِنَاء وصوركم فَأحْسن صوركُمْ ورزقكم من الطَّيِّبَات ذَلِكُم الله ربكُم فَتَبَارَكَ الله رب العلمين هُوَ الْحَيّ لآ إِلَه إِلَّا هُوَ فَادعوهُ مُخلصين لَهُ الدّين الْحَمد لله رب العلمين ". " هُوَ الَّذِي يحي وَيُمِيت فَإِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون ". " الْحق من رَبك فَلَا تكن من الممترين ". " الله الَّذِي جعل لكم الأنعم لتركبوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ". " قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وتجعلون لَهُ أنداداً ذَلِك رب العلمين ". " الله الَّذِي أنزل الْكتب بِالْحَقِّ وَالْمِيزَان وَمَا يدْريك لَعَلَّ السَّاعَة قريبٌ ". " وَهُوَ الَّذِي ينزل الْغَيْث من بعد مَا قَنطُوا وينشر رَحمته وَهُوَ الْوَلِيّ الحميد ". " الَّذِي جعل لكم الأَرْض مهداً وَجعل لكم فِيهَا سبلاً لَعَلَّكُمْ تهتدون وَالَّذِي نزل من السَّمَاء مَاء بقدرٍ فأنشرنا بِهِ بَلْدَة مَيتا كَذَلِك تخرجُونَ وَالَّذِي خلق الْأزْوَاج كلهَا وَجعل لكم من الْفلك والأنعم مَا تَرْكَبُونَ ". " وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إلهٌ وَفِي الأَرْض إلهٌ وَهُوَ الْحَكِيم الْعَلِيم ". " الله الَّذِي سخر لكم الْبَحْر لتجري الْفلك فِيهِ بأَمْره ولتبتغوا من فَضله ولعلكم تشكرون ".

" هُوَ الَّذِي أنزل السكينَة فِي قُلُوب المؤمنيين ليزدادوا إيمناً مَعَ إيمنهم وَللَّه جنود السَّمَوَات وَالْأَرْض وَكَانَ الله عليماً حكيماً ". " هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَكفى بِاللَّه شَهِيدا ". " هُوَ الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أيامٍ ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش يعلم مَا يلج فِي الأَرْض وَمَا يخرج مِنْهَا وَمَا ينزل من السَّمَاء وَمَا يعرج فِيهَا وَهُوَ مَعكُمْ أَيْن مَا كُنْتُم وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بصيرٌ ". " هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عليم الْغَيْب والشهدة هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْملك القدوس السّلم الْمُؤمن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار المتكبر سبحن الله عَمَّا يشركُونَ هُوَ الله الْخلق البارئ المصور لَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى يسبح لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم ". " هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ ". " هُوَ الَّذِي خَلقكُم فمنكم كافرٌ ومنكم مُؤمن وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بصيرٌ ". " الَّذِي خلق الْمَوْت والحيوة ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا وَهُوَ الْعَزِيز الغفور الَّذِي خلق سبع سموات طباقاً مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفوت فَارْجِع الْبَصَر هَل ترى من فطورٍ ". " هُوَ الَّذِي جعل لكم الأَرْض ذلولاً فامشوا فِي مناكبها وكلوا من رزقه وَإِلَيْهِ النشور ". " الَّذِي لَهُ ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالله على كل شيءٍ شهيدٌ ". " الَّذِي خلق فسوى وَالَّذِي قدر فهدى وَالَّذِي أخرج المرعى فَجعله غثاءً أحوى ".

الامثال

الْأَمْثَال " مثلهم كَمثل الَّذِي استوقد نَارا فَلَمَّا أَضَاءَت مَا حوله ذهب الله بنورهم وتركهم فِي ظلمتٍ لَا يبصرون ". " إِن الله لَا يستحي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضةً فَمَا فَوْقهَا ". " مثل الَّذين بنفقون أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله كَمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل فِي كل سنبلة مائَة حبةٍ وَالله يضعف لمن يَشَاء وَالله واسعٌ عليمٌ ". " فَمثله كَمثل صَفْوَان عَلَيْهِ ترابٌ فَأَصَابَهُ وابلٌ فَتَركه صَلدًا لَا يقدرُونَ على شيءٍ مِمَّا كسبوا وَالله لَا يهدي الْقَوْم الكفرين ". " إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل ْادم خلقه من ترابٍ ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون ". " مثل مَا يُنْفقُونَ فِي هَذِه الحيوة الدُّنْيَا كَمثل ريحٍ فِيهَا صر أَصَابَت حرث قومٍ ظلمُوا أنفسهم فأهلكته وَمَا ظلمهم الله وَلَكِن أنفسهم يظْلمُونَ ". " إِنَّمَا مثل الحيوة الدُّنْيَا كماءٍ أنزلنه من السَّمَاء فاختلط بِهِ نَبَات الأَرْض مِمَّا يَأْكُل النَّاس والأنعم حَتَّى إِذا أخذت الأَرْض زخرفها وازينت وَظن أَهلهَا أَنهم قدرون عَلَيْهَا أتها أمرنَا لَيْلًا أَو نَهَارا فجعلنها حصيداً كَأَن لم تغن بالْأَمْس كَذَلِك نفصل الآيت لقومٍ يتفكرون ". " مثل الْفَرِيقَيْنِ كالأعمى والأصم والبصير والسميع هَل يستويان مثلا أَفلا تذكرُونَ ". " فَأَما الزّبد فَيذْهب جفَاء وَأما مَا ينفع فيمكث فِي الأَرْض كَذَلِك يضْرب الله الْأَمْثَال ". " مثل الَّذين كفرُوا برَبهمْ أعملهم كرماد اشتدت بِهِ الرّيح فِي يومٍ عاصفٍ لَا يقدرُونَ مِمَّا كسبوا على شيءٍ ذَلِك هُوَ الضلل الْبعيد ".

" ألم تَرَ كَيفَ ضرب الله مثلا كلمة طيبَة كشجرةٍ طبةٍ أَصْلهَا ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء تُؤْتى أكلهَا كل حينٍ بِإِذن رَبهَا وَيضْرب الله الْأَمْثَال للنَّاس لَعَلَّهُم يتذكرون وَمثل كلمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ اجتثت من فَوق الأَرْض مَا لَهَا من قرارٍ ". " ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شيءٍ وَمن رزقنه منا رزقا حسنا فَهُوَ ينْفق مِنْهُ سرا وجهراً هَل يستوون الْحَمد لله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ وَضرب الله مثلا رجلَيْنِ أَحدهمَا أبكم لَا يقدر على شَيْء وَهُوَ كل على موله أَيْنَمَا يوجهه لَا يَأْتِ بخيرٍ هَل يستوى هُوَ وَمن يَأْمر بِالْعَدْلِ وَهُوَ على صراطٍ مستقيمٍ ". " وَضرب الله مثلا قَرْيَة كَانَت ءامنة مطمئنة يَأْتِيهَا رزقها رغدا من كل مكانٍ فكفرت بأنعم الله فأذقها الله لِبَاس الْجُوع وَالْخَوْف بِمَا كَانُوا يصنعون ". " وَاضْرِبْ لَهُم مثلا رجلَيْنِ جعلنَا لأَحَدهمَا جنتين من أعنبٍ وحفصنهما بنخلٍ وَجَعَلنَا بَينهمَا زرعا كلتا الجنتين ءاتت أكلهَا وَلم تظلم مِنْهُ شَيْئا ". " وَاضْرِبْ لَهُم مثل الحيوة الدُّنْيَا كماءٍ أنزلنه من السَّمَاء فاختلط بِهِ نَبَات الأَرْض فَأصْبح هشيما تَذْرُوهُ الرّيح وَكَانَ الله على كل شيءٍ مقتدراً ". " وَلَقَد صرفنَا فِي هَذَا القرءان للنَّاس من كل مثل وَكَانَ الإنسن أَكثر شيءٍ جدلاً ". " يأيها النَّاس ضرب مثلٌ فَاسْتَمعُوا لَهُ إِن الَّذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً وَلَو اجْتَمعُوا لَهُ وَإِن يسلبهم الذُّبَاب شَيْئا لَا يستنقذوه مِنْهُ ضعف الطَّالِب وَالْمَطْلُوب ". " اله نور السَّمَوَات وَالْأَرْض مثل نوره كمشكوةٍ فِيهَا مصباحٌ الْمِصْبَاح فِي زجاجةٍ الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَب درى يُوقد من شجرةٍ مبركةٍ زيتونة لَا شرقية وَلَا غربية

يكَاد زيتها يضيء وَلَو لم تمسسه نارٌ نور على نور يهدي الله لنوره من يَشَاء وَيضْرب الله الأمثل للنَّاس وَالله بِكُل شيءٍ عليمٌ ". " وكلا ضربنا لَهُ الأمثل وكلا تبرنا تتبيرا ". " ضرب الله لكم مثلا من أَنفسكُم هَل لكم من مَا ملكت أيمنكم من شُرَكَاء فِي مَا رزقنكم فَأنْتم فِيهِ سَوَاء تخافونهم كخيفتكم أَنفسكُم كَذَلِك نفصل الآيت لقومٍ يعْقلُونَ ". " ذَلِك مثلهم فِي التورية وَمثلهمْ فِي الْإِنْجِيل كزرع أخرج شطه فآزره فاستغلظ فَاسْتَوَى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الْكفَّار وعد الله الَّذين ءامنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات مِنْهُم مغْفرَة وَأَجرا عَظِيما ". " اعلموا أَنما الحيوة الدُّنْيَا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخر بَيْنكُم وتكاثر فِي الْأَمْوَال والأولد كَمثل غيثٍ أعجب الْكفَّار نَبَاته ثمَّ يهيج فترته مصفراً ثمَّ يكون حطاماً وَفِي الْآخِرَة عذابٌ شديدٌ ومغفرةٌ من الله ورضوان وَمَا الحيوة الدُّنْيَا إِلَّا متع الْغرُور ". " كَمثل الشَّيْطَان إِذْ قَالَ للْإنْسَان اكفر فَلَمَّا كفر قَالَ إِنِّي برِئ مِنْك إِنِّي أَخَاف الله رب الْعَالمين ". " لَو أنزلنَا هَذَا القرءان على جبلٍ لرأيته خشعاً متصدعاً من خشيَة الله وَتلك الأمثل نَضْرِبهَا للنَّاس لَعَلَّهُم يتفكرون ". " مثل الَّذين حملُوا التَّوْرَاة ثمَّ لم يحملوها كَمثل الْحمار يحمل أسفاراً بئس مثل الْقَوْم الَّذين كذبُوا بأيت الله وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين ". " ضرب الله مثلا للَّذين كفرُوا امرأت نوح وامرأت لوط كَانَتَا تَحت عَبْدَيْنِ من عبادنَا صلحين فَخَانَتَاهُمَا فَلم يغنيا عَنْهُمَا من الله شَيْئا وَقيل " ادخلا النَّار مَعَ الداخلين وَضرب الله مثلا للَّذين آمنُوا إمرأة فِرْعَوْن " إِذْ قَالَت رب ابْن لى عنْدك بَيْتا فِي الْجنَّة ".

الامر بالعدل والاحسان

الْأَمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان " إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وإيتائ ذى الْقُرْبَى وبنهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر والبعي يعظمكم لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ ". " يأيها الَّذين ءامنوا كونُوا قوّمين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء الله ةلو على أَنفسكُم أَو الْوَلَدَيْنِ والأقربين " " قل أَمر ربّي بِالْقِسْطِ " " يأيها الَّذين ءامنوا كونُوا قوّمين لله شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلَا يجرمنهم شنئان قوم على ألّا تعدلوا اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى " " وَأمرت لأعدل بَيْنكُم الله رَبنَا وربكم لنا أعملنا وَلكم أعملكم لَا حجَّة بَيْننَا وَبَيْنكُم ". " ليقوم النَّاس بِالْقِسْطِ ". " وأقسطوا إِن الله يحب المقسطين ". الحكم " إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الأمنات إِلَى أَهلهَا وَإِذا حكمتم بَين النَّاس أَن تحكموا بِالْعَدْلِ إِن الله نعما يعظكم بِهِ إِن الله كَانَ سميعاً بَصيرًا ". " وَإِن حكمت فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ إِن الله يحب المقسطين ". " وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الكفرون ". " وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظلمون ". " وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الفسقون ". " وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله وَلَا تتبع أهوائهم ". " أَفَحكم الجهلية يَبْغُونَ وَمن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ".

ذكر الموازين

" الله يحكم بَيْنكُم يَوْم الْقِيَامَة فِيمَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون ". " يداوود إِنَّا جعلنك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله ". " خصمان بغى بَعْضنَا على بعض فاحكم بَيْننَا بِالْحَقِّ وَلَا تشطط واهدنا إِلَى سَوَاء الصِّرَاط ". " ذَلِكُم حكم الله يحكم بَيْنكُم وَالله عليم حَكِيم ". " أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحكمَيْنِ ". ذكر الموازين " وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحق فَمن ثقلت موزينه فأولشك هم المفلحون وَمن خفت مَوَازِينه فَأُولَئِك الَّذين خسروا أنفسهم بِمَا كَانُوا بأياتنا يظْلمُونَ ". " قد جَاءَكُم بينةٌ من ربكُم فأوفوا الْكَيْل وَالْمِيزَان وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم وَلَا تفسدوا فِي الأَرْض بعد إصلاحها ذَلِكُم خيرٌ لكم إِن كُنْتُم مُؤمنين ". " وَيقوم أَوْفوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَان بِالْقِسْطِ وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين ". " وأفوا الْكَيْل إِذا كلتم وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا ". " وَنَضَع الموزين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة فَلَا تظلم نفسٌ شَيْئا وَإِن كَانَ مِثْقَال حبةٍ من خردلٍ أَتَيْنَا بهَا وَكفى بِنَا حسبين ". " فَمن ثقلت مَوَازِينه فأولشك هم المفلحون وَمن خفت مَوَازِينه فَأُولَئِك الَّذين خسروا أنفسهم فِي جَهَنَّم خَالدُونَ ".

التكليف

" أَوْفوا الْكَيْل وَلَا تَكُونُوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين ". " أَلا تطغوا فِي الْمِيزَان وَأقِيمُوا الْوَزْن بِالْقِسْطِ وَلَا تخسروا الْمِيزَان ". " لقد أرسلنَا رسلنَا بالبينت وأنزلنا مَعَهم الْكتب وَالْمِيزَان ليقوم النَّاس بِالْقِسْطِ ". " ويلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذين إِذا اكتالوا على النَّاس يستوفون وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون ". " فَأَما من ثقلت مَوَازِينه فَهُوَ ي عيشةٍ راشيةٍ وَأما من خفت مَوَازِينه فأمه هاوية وَمَا أَدْرَاك مَاهِيَّة نارٌ حاميةٌ ". التَّكْلِيف " لَا يُكَلف الله نفساٌ إِلَّا وسعهَا لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت ". " لَا نكلف نفسا إِلَّا وسعهَا وَإِذا قُلْتُمْ فاعدلوا ". " وَلَا نكلف نفسا إِلَّا وسعهَا ولدينا كتابٌ ينْطق بِالْحَقِّ وهم لَا يظْلمُونَ ". " لَا يُكَلف الله نفساٌ إِلَّا ماءاتها سَيجْعَلُ الله بعد عسرٍ يسرا ". " فقتال فِي سَبِيل الله لَا تكلّف إِلَّا نَفسك وحرض الْمُؤمنِينَ ". التحذير من الظُّلم " وَالله لَا يحب الظَّالِمين ". " فَمن عَفا وَأصْلح فَأَجره على الله إِنَّه لَا يحب الظَّالِمين ".

" وَمَا للظالمين من أنصارٍ ". " وَلَا تركنوا إِلَى الَّذين ظلمُوا فتمسكم النَّار وَمَا لكم من دون الله من أَوْلِيَاء ثمَّ لَا تنْصرُونَ ". " وَمَا للظالمين من نصيرٍ ". " بل اتبع الَّذين ظلمُوا أهواءهم بِغَيْر علمٍ فَمن يهدي من أضلّ الله وَمَا لَهُم من ناصرين ". " والظالمون مَالهم من ولى وَلَا نصير ". " وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين ". " إِنَّه لَا يفلح الظَّالِمُونَ ". " فَانْظُر كَيفَ كَانَ عقبَة الظَّالِمين ". " وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي منقلبٍ يَنْقَلِبُون ". " فَتلك بُيُوتهم خاوية بِمَا ظلمُوا إِن فِي ذَلِك لآيَة لقوم يعلمُونَ ". " فَكَانَ عقبتهما أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدين فِيهَا وَذَلِكَ جزاؤا الظَّالِمين ". " وَإِن للَّذين ظلمُوا عذَابا دون ذَلِك وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ ". " الَّذين يظْلمُونَ النَّاس ويبغون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق أُولَئِكَ لَهُم عذابٌ أَلِيم ". " وَترى الظَّالِمين لما رَأَوْا الْعَذَاب يَقُولُونَ هَل إِلَى مرد من سَبِيل ". " أَلا إِن الظَّالِمين فِي عذابٍ مُقيم ". " فَاخْتلف الْأَحْزَاب من بَينهم فويلٌ للَّذين ظلمُوا من عَذَاب يومٍ أليمٍ ".

" والظالمين أعلهم عذَابا أَلِيمًا ". " وَمَا كَانَ رَبك ليهلك الْقرى بظلمٍ وَأَهْلهَا مصلحون ". " إِنَّا مهلكوا أهل هَذِه الْقرْيَة إِن أَهلهَا كَانُوا ظالمين ". " وَلَو ترى إِذا الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة باسطوا أَيْديهم أخرجُوا أَنفسكُم الْيَوْم تُجْزونَ عَذَاب الْهون ". " وَقيل للظالمين ذوقوا مَا كُنْتُم تكسبون ". " وَلَو أَن للَّذين ظلمُوا مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا وَمثله مَعَه لافتدوا بِهِ من سوء الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة وبدا لَهُم من الله مَا لم يَكُونُوا يحتسبون ". " وَالَّذين ظلمُوا من هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سيئات مَا كسبوا وَمَا هم بمعجزين ". " والظالمون مَا لَهُم من ولى وَلَا نصيرٍ ". " وَإِن الظَّالِمين لَهُم عذابٌ أَلِيم ترى الظَّالِمين مشفقين مِمَّا كسبوا وَهُوَ واقعٌ بهم ". " إِنَّا أَعْتَدْنَا للظالمين نَارا أحَاط بهم سرادقها ". " وَتلك الْقرى أهلكنهم لما ظلمُوا وَجَعَلنَا لمهلكهم موعداً ". " فكأين من قريةٍ أهلكناها وَهِي ظالمةٌ فَهِيَ خاويةٌ على عروشها وبشرٍ معطلة وقصرٍ مشيدٍ ". " وكأين من قريةٍ أمليت لَهَا وَهِي ظالمةٌ ثمَّ أَخَذتهَا وَإِلَى الْمصير ". " فجعلناهم غثاءً فبعداً للْقَوْم الظَّالِمين ".

" ثمَّ قيل للَّذين ظلمُوا ذوقوا عَذَاب الْخلد هَل تُجْزونَ إِلَّا بِمَا كُنْتُم تكسبون ". " أَلا لعنة الله على الظَّالِمين ". " وَقيل بعدا للْقَوْم الظَّالِمين ". " وَأخذت الَّذين ظلمُوا الصَّيْحَة فَأَصْبحُوا فِي دِيَارهمْ جثمين ". " وَكَذَلِكَ أَخذ رَبك إِذا أخذا الْقرى وَهِي ظلمةٌ إِن أَخذه أليمٌ شديدٌ ". " وَلَا تحسبن الله غفلاً عَمَّا يعْمل الظَّالِمُونَ ". " هَل يهْلك إِلَّا الْقَوْم الظَّالِمُونَ ". " وأخذنا الَّذين ظلمُوا بعذابٍ بئيسٍ بِمَا كَانُوا يفسقون ". " وَلَو يرى الَّذين ظلمُوا إِذْ يرَوْنَ الْعَذَاب ". " ومأواهم النَّار وَبئسَ مثوى الظَّالِمين ". " لَا ينَال عهدي الظَّالِمين ". " ذَلِك بِمَا قدمت أَيْدِيكُم وَأَن الله لَيْسَ بظلامٍ للعبيد ". " وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ ". " وَكَذَلِكَ نولى بعض الظَّالِمين بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ". " فَأذن مُؤذن بَينهم أَن لعنة الله على الظَّالِمين ". " وَلَو يُؤَاخذ الله النَّاس بظلمهم مَا ترك عَلَيْهَا من دابةٍ وَلَكِن يؤخرهم إِلَى أجلٍ مُسَمّى ". " وَنزل من القرءان مَا هُوَ شفاءٌ ورحمةٌ للْمُؤْمِنين وَلَا يزِيد الظَّالِمين إِلَّا خساراً ".

الجهاد

" فَأبى الظَّالِمُونَ إِلَّا كفوراً ". " وَقد خَابَ من حمل ظلما ". " فَقطع دابر الْقَوْم الَّذين ظلمُوا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين ". " وَإِن الظَّالِمين لفي شقاقٍ بعيدٍ ". " بل الظَّالِمُونَ فِي ضلل مُبين ". " وَإِن الظَّالِمين بَعضهم أَوْلِيَاء بعضٍ وَالله ولى الْمُتَّقِينَ ". الْجِهَاد " فَقتل فِي سَبِيل الله لَا تكلّف إِلَّا نَفسك وحرض الْمُؤمنِينَ عَسى الله أَن يكف بَأْس الَّذين كفرُوا وَالله أَشد بَأْسا وَأَشد تنكيً ". " يأيها الَّذين ءامنوا إِذا لَقِيتُم فِئَة فاتبتوا واذْكُرُوا الله كثيرا لَعَلَّكُمْ تفلحون وَأَطيعُوا الله وَرَسُوله وَلَا تنزعوا فتفشلوا وَتذهب ريحكم واصبروا إِن الله مَعَ الصابرين ". " وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لفسدت الأَرْض وَلَكِن الله ذُو فضلٍ على الْعَالمين ". " أذن للَّذين يقتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا وَإِن الله على نَصرهم لقديرٌ ". " يأيها الَّذين ءامنوا إِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا زحفاً فَلَا تولوهم الأدبار وَمن يولهم يَوْمئِذٍ دبره متحرفا لقِتَال أَو متحيزا إِلَى فئةٍ فقد بَاء بغضبٍ من الله ومأواه جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير فَلم تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِن الله قَتلهمْ وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى وليبلى الْمُؤمنِينَ مِنْهُ بلَاء حسنا إِن الله سميعٌ عليمٌ ذَلِكُم وَأَن الله موهن كيد الْكَافرين ". " وقتلوهم حَتَّى لَا تكون فتنةٌ وَيكون الدّين لله فَإِن انْتَهوا فَلَا عدوان إِلَّا على الظَّالِمين ".

" وقتلوهم حَتَّى لَا تكون فتنةٌ وَيكون الدّين كُله لله فَإِن انْتَهوا فَإِن الله بِمَا يعْملُونَ بصيرٌ وَإِن توَلّوا فاعلموا أَن الله مولكم نعم الْمولى وَنعم النصير ". " فإمَّا تثقفنهم فِي الْحَرْب فشرد بهم من خَلفهم لَعَلَّهُم يذكرُونَ " ز " كتب عَلَيْكُم الْقِتَال وَهُوَ كرهٌ لكم وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خيرٌ لكم وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شَرّ لكم وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ ". " وَقتلُوا فِي سَبِيل الله وَاعْلَمُوا أَن الله سميعٌ عليمٌ ". " كم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَثِيرَة بِإِذن الله وَالله مَعَ الصابرين ". " أم حسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة وَلما يعلم الله الَّذين جهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين ". " ولشن قتلتم فِي سَبِيل الله أَو متم لمغفرةٌ من الله ورحمةٌ خيرٌ مِمَّا يجمعُونَ ". " فَالَّذِينَ هَاجرُوا وأخرجوا من دِيَارهمْ وأوذوا فِي سبيلي وقاتلوا وَقتلُوا لأكفرن عَنْهُم سيئاتهم ولأدخلنهم جنتٍ تجْرِي من تَحْتَهُ الْأَنْهَار ". " فَإِن توَلّوا فخذوهم واقتلوهم حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُم وليا وَلَا نَصِيرًا ". " فضل الله المجهدين بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم على القاعدين دَرَجَة وكلا وعد الله الْحسنى وَفضل الله الْمُجَاهدين على القاعدين أجرا عَظِيما ". " يأيها الَّذين ءامنوا اتَّقوا الله وابتغوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة وَجَاهدُوا ي سَبيله لَعَلَّكُمْ تفلحون ".

" إِن الَّذين ءامنوا وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله وَالَّذين ءاووا ونصروا أُولَئِكَ بَعضهم أَوْلِيَاء بعضٍ وَالَّذين ءامنوا وَلم يهاجروا مالكم من وليتهم من شيءٍ ". " وَالَّذين ءامنوا وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله وَالَّذين ءامنوا ونصروا أُولَئِكَ هم الْمُؤْمِنُونَ حَقًا لَهُم مغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ وَالَّذين ءامنوا من بعد وَهَاجرُوا وجهدوا مَعكُمْ فَأُولَئِك مِنْكُم ". " أَلا تقاتلون قوما نكثوا أَيْمَانهم وهموا بِإِخْرَاج الرَّسُول وهم بدءوكم أول مرةٍ أتخشونهم فَالله أَحَق أَن تخشوه إِن كُنْتُم مُؤمنين قتلوهم يعذبهم الله بِأَيْدِيكُمْ ويخزهم وينصركم عَلَيْهِم ويشف صُدُور قومٍ مُؤمنين ". " الَّذين ءامنوا وَهَاجرُوا وجهدوا فِي سَبِيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم أعظم درجةٌ عِنْد الله وَأُولَئِكَ هم الفائزون ". " قل إِن كَانَ ءابآؤكم وأبناؤكم وَإِخْوَانكُمْ وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجاسرةٌ تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إِلَيْكُم من الله وَرَسُوله وجهادٍ فِي سَبيله فتربصوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره وَالله لَا يهدي الْقَوْم الفاسيقين ". " انفروا خفافاً وثقالاً ورجهدوا بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ فِي سَبِيل الله ذَلِكُم خيرٌ لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ ". " يأيها النَّبِي جهد الْكفَّار والمنفقين وَاغْلُظْ عَلَيْهِم ومأواهم جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير ". " لَكِن الرَّسُول وَالَّذين ءامنوا مَعَه جهدوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم وَأُولَئِكَ لَهُم الْخيرَات وَأُولَئِكَ هم المفلحون ". " إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة يقتلُون فِي سَبِيل الله فيقتلون وَيقْتلُونَ وَعدا عَلَيْهِ حَقًا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل والقرءان وَمن أوفى بعهده من الله ". "

الصبر

يأيها الَّذين ءامنوا قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار وليجدوا فِيكُم غلظةً وَاعْلَمُوا أَن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ ". " وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده هُوَ اجتباكم ". " وَمن جَاهد فَإِنَّمَا يجْهد لنسه إِن الله لَغَنِيّ عَن الْعَالمين ". " وَالَّذين جاهدوا فِينَا لنهدينهم سبلنا وَإِن الله لمع الْمُحْسِنِينَ ". الصَّبْر " اسْتَعِينُوا بِالصبرِ والصلوة إِن الله مَعَ الصابرين ". " وَإِن تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا إِن الله بِمَا يعْملُونَ محيطٌ ". " وَالله يحب الصابرين ". " يأيها الَّذين ءامنوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابطُوا وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ تفلحون ". " واصبروا إِن الله مَعَ الصابرين ". " واصبر حَتَّى يحكم الله وَهُوَ خير الْحَاكِمين ". " فاصبر إِن الْعقبَة لِلْمُتقين ". " واصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ ". " الَّذين صَبَرُوا وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ ". " وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهو خيرٌ للصابرين واصبر وَمَا صبرك إِلَّا بِاللَّه وَلَا تحزن عَلَيْهِم وَلَا تَكُ فِي ضيقٍ مِمَّا يمكرون ". " فاصبر على مَا يَقُولُونَ ".

النصر

" الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم وَالصَّابِرِينَ على مَا أَصَابَهُم ". " أُولَئِكَ يجزون الغرفة بِمَا صَبَرُوا ويلقون فِيهَا تَحِيَّة وسلما ". " الَّذين صَبَرُوا وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ ". " إِن فِي ذَلِك لأياتٍ لكل صبارٍ شكورٍ ". " إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب ". " فاصبر إِن وعد الله حق واستغفر لذنبك ". " وَمَا يلقاها إِلَّا الَّذين صَبَرُوا وَمَا يلقاها إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيم ". " وَلمن صَبر وَغفر إِن ذَلِك لمن عزم الْأُمُور ". " فاصبر كَمَا صَبر أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل وَلَا تسعجل لَهُم ". " ولنبلونكم حَتَّى نعلم الْمُجَاهدين مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ ونبلوا أخباركم ". " فاصبر لحكم رَبك ". " واصبر على مَا يَقُولُونَ واهجرهم هجراً جميلاً ". " وجزاهم بِمَا صَبَرُوا جنَّة وَحَرِيرًا ". النَّصْر " حَتَّى يَقُول الرَّسُول وَالَّذين ءامنوا مَعَه مَتى نصر الله أَلا إِن نصر الله قريبٌ ". " وَانْصُرْنَا على الْقَوْم الكفرين ". " وَالله يُؤَيّد بنصره من يَشَاء ".

" لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه ". " وَلَقَد نصركم الله ببدرٍ وَأَنْتُم أذلةٌ ". " وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله الْعَزِيز الْحَكِيم ". " بل الله مولكم وَهُوَ خير الناصرين ". " إِن ينصركم الله فَلَا غَالب لكم وَإِن يخذلكم فَمن ذَا الَّذِي ينصركم من بعده وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ ". " وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله إِن الله عزيزٌ حكيمٌ ". " فأواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطَّيِّبَات لَعَلَّكُمْ تشكرون ". " لقد نصركم الله فِي مَوَاطِن كثيرةٍ ". " وَلم تكن لَهُ فئةٌ ينصرونه من دون الله وَمَا كَانَ منتصراً ". " أم لَهُم ءالهةٌ تمنعهم من دُوننَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نصر أنفسهم وَلَا هم منا يصحبون ". " ونصرنه من الْقَوْم الَّذين كذبُوا بأياتنا ". " من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء ثمَّ ليقطع فَلْينْظر هَل يذْهبن كَيده مَا يغِيظ ". " ولينصرن الله من ينصره إِن الله لقوي عَزِيز ". " ذَلِك وَمن عاقب بِمثل مَا عُوقِبَ بِهِ ثمَّ بغى عَلَيْهِ لينصرنه الله إِن الله لعقو غَفُور ". " قَالَ رب أنصرني بِمَا كذبون ". " لَا تجأروا الْيَوْم إِنَّكُم منا لَا تنْصرُونَ ".

" وَقيل لَهُم أَيْن مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ من دون الله هَل ينصرونكم أَو ينتصرون ". " وَيَوْم الْقِيَامَة لَا ينْصرُونَ ". " فَمَا كَانَ لَهُ من فئةٍ ينصرونه من دون الله وَمَا كَانَ من المنتصرين ". " فانتقمنا من الَّذين أجرموا وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ ". " لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصرهم وهم لَهُم جندٌ محضرون ". " إِنَّهُم لَهُم المنصورون وَإِن جندنا لَهُم الغالبون ". " إِنَّا لننصر رسلنَا وَالَّذين ءامنوا فِي الحيوة الدُّنْيَا ". " وَمَا كَانَ لَهُم من أَوْلِيَاء ينصرونهم من دون الله ". " إِن تنصرُوا الله ينصركم وَيثبت أقدامكم ". " وينصرك الله نصرا عَزِيزًا ". " أم يَقُولُونَ نَحن جميعٌ منتصرٌ ". " وليعلم الله من ينصره وَرُسُله بِالْغَيْبِ إِن الله قوي عزيزٌ ". " يَبْتَغُونَ فضلاٌ من الله ورضواناً وينصرون الله وَرَسُوله أولشك هم الصادقون ". " لَئِن أخرجتم لَنخْرجَنَّ مَعكُمْ وَلَا نطيع فِيكُم أحدا أبدا وَإِن قوتلتم لننصرنكم وَالله يشْهد إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ ". " وَأُخْرَى تحبونها نصرٌ من الله وفتحٌ قريبٌ وَبشر الْمُؤمنِينَ ". " إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح "

الصدقات

الصَّدقَات " خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا وصل عَلَيْهِم إِن صلواتك سكنٌ لَهُم وَالله سميعٌ عليمٌ ". " إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والعاملين عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبهم وَفِي الرّقاب والغارمين وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل فَرِيضَة من الله وَالله عليمٌ حكيمٌ ". " إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ وَإِن تخفوها وتؤتوها الْفُقَرَاء فَهُوَ خيرٌ لكم وَيكفر عَنْكُم من سَيِّئَاتكُمْ ". " إِن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضعف لَهُم ". " والمتصدقين والمتصدقات ". " وَأَن تصدقوا خيرٌ لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ ". " فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كفارةٌ لَهُ ". " قَول مَعْرُوف ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتبعهَا أَذَى ". " لاتبطلوا صَدقَاتكُمْ بالمن والأذى كَالَّذي ينْفق مَاله رثاء النَّاس وَلَا يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ". " يمحق الله الربوا ويربى الصَّدقَات ". " لَا خير فِي كثيرٍ من نَجوَاهُمْ إِلَّا من أَمر بصدقةٍ أَو معروفٍ أَو إصْلَاح بَين النَّاس وَمن يفعل ذَلِك ابْتِغَاء مرضات الله فَسَوف نؤتيه أجرا عَظِيما ". " ألم يعلمُوا أَن الله هُوَ يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَأْخُذ الصَّدقَات وَأَن الله هُوَ التواب الرَّحِيم ". " وَتصدق علينا إِن الله يَجْزِي المتصدقين ".

النفقات

" إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة ذَلِك خيرٌ لكم وأطهر فَإِن لم تَجدوا فَإِن الله غفورٌرحيمٌ ءأشفقتم أَن تقدمُوا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صدقاتٍ ". " وَمِنْهُم من يلزمك فِي الصَّدقَات فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا إِذا هم يسخطون ". " الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات وَالَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا جهدهمْ فيسخرون مِنْهُم سخر الله مِنْهُم وَلَهُم عذابٌ أليمٌ ". النَّفَقَات " يأيها الَّذين ءامنوا أَنْفقُوا مِمَّا رزقناكم من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا بيعٌ فِيهِ وَلَا خلةٌ وَلَا شفعةٌ ". " وَمَا أنفقتم من شيءٍ فَهُوَ يخلفه وَهُوَ خير الرازقين ". " مثل الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالكُم فِي سَبِيل الله كَمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل فِي كل سنبلة مائَة حبةٍ ". " وَمثل الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم ابْتِغَاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كَمثل جنةٍ بربوةٍ أَصَابَهَا وابلٌ ". " الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم باليل وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوفٌ عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ ". " وَمَا أنفقتم من نفقةٍ أَو نذرتم من نذرٍ فَإِن الله يُعلمهُ ". " وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ ". " وأنفقوا مِمَّا جعلكُمْ مستخلفين فِيهِ فَالَّذِينَ ءامنوا مِنْكُم وأنفقوا لَهُم أجرٌ كبيرٌ ". " وأنفقوا خيرا لأنفسكم. وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون ".

" وأنفقوا من مَا رزقناكم من قبل أَن يَأْتِي أحدكُم الْمَوْت فَيَقُول رب لَوْلَا أخرتني إِلَى أجلٍ قريبٍ فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين ". " وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا ءاته الله لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا ماءاتاها سَيجْعَلُ الله بعد عسرٍ يسرا ". " وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا بأيدكم إِلَى التَّهْلُكَة وأحسنوا إِن الله يحب الْمُحْسِنِينَ ". " يسئلونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل مَا أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل وَمَا تَفعلُوا من خيرٍ فَإِن الله بِعْ عليمٌ ". " ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو ". " وَالَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم رئاء النَّاس وَلَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر وَمن يكن الشَّيْطَان لَهُ قريناً فسَاء قريناً وماذا عَلَيْهِم لَو ءامنوا بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وأنفقوا مِمَّا رزقهم الله وَكَانَ الله بهم عليماً ". " أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم وَمِمَّا أخرجنَا لكم من الأَرْض وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون ". " وَمَا تنفقوا من خيرٍ يوف إِلَيْكُم ". " الَّذين يُنْفقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء والكاظمين الغيظ وَالْعَافِينَ عَن النَّاس وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ ". " مثل مَا يُنْفقُونَ فِي هَذِه الحيوة الدُّنْيَا كَمثل ريحٍ فِيهَا صر أَصَابَت حرث قومٍ ظلمُوا أنفسهم فأهلكته وَمَا ظلمهم الله وَلَكِن أنفسهم يظْلمُونَ ". " إِن الَّذين كفرُوا يُنْفقُونَ أَمْوَالهم ليصدوا عَن سَبِيل الله فسينفقونها ثمَّ تكون عَلَيْهِم حسرةً ثمَّ يغلبُونَ ". " وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله فبشرهم بعذابٍ أليمٍ ".

العفو

" وأنفقوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سرا وَعَلَانِيَة ويدرءون بِالْحَسَنَة السَّيئَة أُولَئِكَ لَهُم عُقبى الدَّار ". " قل لَو أَنْتُم تَمْلِكُونَ خَزَائِن رَحْمَة ربى إِذا لأمسكتم خشيَة الْإِنْفَاق وَكَانَ الْإِنْسَان قتوراً ". " ويدرءون بِالْحَسَنَة السَّيئَة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ ". " وَإِذا قيل لَهُم أَنْفقُوا مِمَّا رزقكم الله قَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين ءامنوا أنطعم من لَو يَشَاء الله أطْعمهُ إِن أَنْتُم إِلَّا فِي ضللٍ مُبين ". " وَمَا لكم أَلا تنفقوا فِي سَبِيل الله وَللَّه مِيرَاث السَّمَوَات وَالْأَرْض ". " واسمعوا وَأَطيعُوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ". الْعَفو " فاعفوا واصفحوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره ". " وَأَن تعفوا أقرب للتقوى وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم ". " ثمَّ عَفَوْنَا عَنْكُم من بعد ذَلِك لَعَلَّكُمْ تشكرون ". " فَمن عفى لَهُ من أَخِيه شيءٌ فاتباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وأداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَان ". " والكاظمين الغيظ وَالْعَافِينَ عَن النَّاس وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ ". " وَلَقَد عَفا عَنْكُم وَالله ذُو فضلٍ على الْمُؤمنِينَ ". " وَلَقَد عَفا الله عَنْهُم إِن الله غفورٌ حليمٌ ". " فَاعْفُ عَنْهُم واستغفر لَهُم وشاورهم فِي الْأَمر فَإِذا عزمت فتوكل على الله إِن الله يحب المتوكلين ".

ذكر العهود والمواثيق والايمان

" فَأُولَئِك عَسى الله أَن يعْفُو عَنْهُم وَكَانَ الله عفوا غَفُورًا ". " إِن تبدوا خيرا أَو تُخْفُوهُ أَو تعفوا عَن سوء فَإِن الله كَانَ عفوا قَدِيرًا ". " فَاعْفُ عَنْهُم وَاصْفَحْ إِن الله يحب الْمُحْسِنِينَ ". " قد جاءتكم رَسُولنَا يبين لكم كثيرا مِمَّا كُنْتُم تخفون من الْكتب ويعفوا عَن كثيرٍ ". " عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم حَتَّى يتَبَيَّن لَك الَّذين صدقُوا وَتعلم الْكَاذِبين ". " عَفا الله عَمَّا سلف وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ وَالله عزيزٌ ذُو انتقامٍ ". " وليعفوا وليصفحوا أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم ". " وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده ويعفوا عَن السَّيِّئَات وَيعلم مَا تَفْعَلُونَ ". " وَمَا أَصَابَكُم من مصيبةٍ فبمَا كسبت أَيْدِيكُم ويعفوا عَن كثيرٍ ". " وجزؤا سيئةٍ سَيِّئَة شيءٌ مثلهَا فَمن عَفا وَأصْلح فَأَجره على الله ". " إِن الله لعفوٌ غفورٌ ". " وَإِن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فَإِن الله غفورٌ رحيمٌ ". ذكر العهود والمواثيق والأيمان " إِن الَّذين يُبَايعُونَك إِنَّمَا يبايعون الله يَد الله فَوق أَيْديهم فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه وَمن أوفى بِمَا عهد عَلَيْهِ الله فسيؤتيه أجرا عَظِيما ".

" الَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل ويفسدون فِي الأَرْض أُولَئِكَ هم الخاسرون ". " اذْكروا نعمتي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإيي فارهبون ". " اتخذتم عِنْد الله عهدا فَلَنْ يخلف الله عَهده أم تَقولُونَ على الله مَا لَا تعلمُونَ ". " وَمن أوفى بعهده من الله ". " أَو كلما عهدوا نبذه فريقٌ مِنْهُم بل أَكْثَرهم لَا يُؤمنُونَ ". " والموفون بعهدهم إِذا عهدوا وَالصَّابِرِينَ فِي البأساء وَالضَّرَّاء وَحين الْبَأْس أُولَئِكَ الَّذين صدقُوا وَأُولَئِكَ هم المتقون ". " بلَى من أوفى بعهده وَاتَّقَى فَإِن الله يحب الْمُتَّقِينَ ". " يأيها الَّذين ءامنوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ ". " وبعهد الله أَوْفوا ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ ". " وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهدٍ وَإِن وجدنَا أَكْثَرهم لفاسقين ". " الَّذين عَاهَدت مِنْهُم ثمَّ ينقضون عَهدهم فِي كل مرةٍ وهم لَا يَتَّقُونَ ". " إِلَّا الَّذين عاهدتم من الْمُشْركين ثمَّ لم ينقصوكم شَيْئا وَلم يظهروا عَلَيْكُم أحدا فَأتمُّوا إِلَيْهِم عَهدهم إِلَى مدتهم إِن الله يحب الْمُتَّقِينَ ". " كَيفَ وَإِن يظهروا عَلَيْكُم لَا يرقبوا فِيكُم إِلَّا وَلَا ذمَّة يرضونكم بأفواههم وتأبى قُلُوبهم وَأَكْثَرهم فَاسِقُونَ ".

" لَا يرقبون فِي مؤمنٍ إِلَّا وَلَا ذمَّة وَأُولَئِكَ هم المعتدون ". " وَإِن نكثوا أَيْمَانهم من بعد عَهدهم وطعنوا فِي دينكُمْ فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر إِنَّهُم لَا أَيْمَان لَهُم لَعَلَّهُم ينتهون ". " وَمِنْهُم من عهد الله لَئِن أَتَانَا من فَضله لنصدقن ولنكونن من الصَّالِحين فَلَمَّا ءاتاهم من فَضله بخلوا بِهِ وتولوا وهم معرضون ". " وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عهدتم وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا إِن الله يعلم مَا تَفْعَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُم دخلا بَيْنكُم أَن تكون أمةٌ هِيَ أربى من أمةٍ إِنَّمَا يبلوكم الله بِهِ ". " وأوفوا بالعهد إِن الْعَهْد كَانَ مسؤولاً ". " وَلَقَد عهدنا إِلَى ءادم من قبل فنسى وَلم نجد لَهُ عزما ". " لَا يملكُونَ الشَّفَاعَة إِلَّا من اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا ". " اطلع الْغَيْب أم اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا ". " وَالَّذين هم لأمناتهم وَعَهْدهمْ رعون ". " الَّذين يُوفونَ بِعَهْد الله وَلَا ينقضون الْمِيثَاق ". " وَالَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل ويفسدون فِي الأَرْض أُولَئِكَ لَهُم اللَّعْنَة وَلَهُم سوء الدَّار ". " وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم ورفعنا فَوْقكُم الطّور خُذُوا ماءاتيناكم بقوةٍ ". " وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم لَا تسفكون دماءكم وَلَا تخرجُونَ أَنفسكُم من دِيَاركُمْ ثمَّ أقررتم وَأَنْتُم تَشْهَدُون ".

" إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا أُولَئِكَ لَا خلق لَهُم فِي الْآخِرَة ". " وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما ءاتيتكم من كتبٍ وحكمةٍ ". " وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتب لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه فنبذوه وَرَاء ظُهُورهمْ واشتروا بِهِ ثمنا قَلِيلا فبئس مَا يشْتَرونَ ". " الَّذين قَالُوا إِن الله عهد إِلَيْنَا أَلا نؤمن لرسولٍ حَتَّى يأتينا بقربانٍ نأكله النَّار ". " وَإِذا أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم ومنك وَمن نوحٍ ". " وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل لَا تَعْبدُونَ إِلَّا الله ". " وَقد أَخذ ميثاقكم إِن كُنْتُم مؤمنيين ". " واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم وميثاقه الَّذِي واثقكم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سمعنَا وأطعنا ". " فِيمَا نقضهم ميثاقهم لعنهم وَجَعَلنَا قُلُوبهم قاسية ". " قَالَ لن أرْسلهُ مَعكُمْ حَتَّى تؤتون موثقًا من الله لتأتنني بِهِ إِلَّا أَن يحاط بكم فَلَمَّا ءاتوه موثقهم قَالَ الله على مَا نقُول وكيلٌ ". " ألم تعلمُوا أَن أَبَاكُم قد أَخذ عَلَيْكُم موثقًا من الله ". " وَلَا تُطِع كل حلافٍ مهين ". " وَلَا تجْعَلُوا الله عرضةً لأيمانكم ". " لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان ". " أَلا تقتلون قوما نكثوا أَيْمَانهم ".

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

" يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر وَكَفرُوا بعد إسْلَامهمْ وهمو بِمَا لم بنالوا ". " وسيحلفون بِاللَّه لَو استطعنا لخرجنا مَعكُمْ يهْلكُونَ أنفسهم وَالله يعلم إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ ". " سيحلفون بِاللَّه لكم إِذا انقلبتم إِلَيْهِم لتعرضوا عَنْهُم فاعرضوا عَنْهُم إِنَّهُم رجسٌ ومأواهم جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يحلفُونَ لكم لترضوا عَنْهُم فَإِن ترضوا عَنْهُم فَإِن الله لَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين ". " يحلفُونَ بِاللَّه لكم ليرضوكم وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه إِن كَانُوا مُؤمنين ". " وَلَيَحْلِفُنَّ إِن أردنَا إِلَّا الْحسنى وَالله يشْهد إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ ". " ويحلفون على الْكَذِب وهم يعلمُونَ ". " وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن جائهم نَذِير لَيَكُونن أهْدى من إِحْدَى الْأُمَم فَلَمَّا جَاءَهُم نَذِير مَا زادهم إِلَّا نفوراً ". " اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة فصدوا عَن سَبِيل الله فَلهم عذابٌ مهينٌ ". " يَوْم يَبْعَثهُم الله جَمِيعًا فَيحلفُونَ لَهُ كَمَا يحلفُونَ لكم وَيَحْسبُونَ أَنهم على شَيْء أَلا إِنَّهُم هم الْكَاذِبُونَ ". " ويحلفون بِاللَّه إِنَّهُم لمنكم وَمَا هم مِنْكُم وَلَكنهُمْ قوم يفرقون ". الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر " أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم وَأَنْتُم تتلون الْكتاب أَفلا تعقلون ".

" ولتكن مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر وَأُولَئِكَ هم المفلحون ". " كُنْتُم خير أمةٍ أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر ". " لَوْلَا ينهاهم الربنيون والأحبار عَن قَوْلهم الْإِثْم وأكلهم السُّحت لبئس مَا كَانُوا يصنعون ". " لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل على لِسَان دَاوُد وَعِيسَى ابْن مَرْيَم ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون كَانُوا لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ لبئس مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ". " فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ أنجينا الَّذين ينهون عَن السوء وأخذنا الَّذين ظلمُوا بعذابٍ بئيس بِمَا كَانُوا يفسقون ". " المُنَافِقُونَ والمنافقات بَعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وبنهون عَن الْمَعْرُوف ويقبضون أَيْديهم نسوا الله فنسيهم إِن الْمُنَافِقين هم الْفَاسِقُونَ ". " والمؤمنون وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر ويقيمون الصلوة ويؤثرون الزكوة ويطيعون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ سيرحمهم الله إِن الله عزيزٌ حكيمٌ ". " الأمرون بِالْمَعْرُوفِ والناهون عَن الْمُنكر والحفظون لحدود الله وَبشر الْمُؤمنِينَ ". " فلولا كَانَ من الْقُرُون من قبلكُمْ أولُوا بَقِيَّة ينهون عَن الْفساد فِي الأَرْض إِلَّا قَلِيلا مِمَّن أنجينا مِنْهُم ". " الَّذين إِن مكنهم فِي الأَرْض أَقَامُوا الصَّلَاة وءاتوا الزكوة وَأمرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونهوا عَن الْمُنكر وَالله عقبَة الْأُمُور ". " وَإِذا تتلى عَلَيْهِم ءاياتنا بيّنت تعرف فِي وُجُوه الَّذين كفرُوا الْمُنكر يكادون يسطون بالذين يَتلون عَلَيْهِم ءايتنا ".

ذكر الفساد والمفسدين

" وَمن يتبع خطوَات الشَّيْطَان فَإِنَّهُ يَأْمر بالفحشاء وَالْمُنكر ". " يبْنى أقِم الصلوة وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وانه عَن الْمُنكر واصبر على مَا أَصَابَك إِن ذَلِك من عزم الْأُمُور ". " وأتمروا بَيْنكُم بِمَعْرُوف ". " الَّذين يتبعُون الرَّسُول النَّبِي الأمى الَّذِي يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم والتوراة فِي الْإِنْجِيل يَأْمُرهُم بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن الْمُنكر وَيحل لَهُم الطَّيِّبَات وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبيث ". ذكر الْفساد والمفسدين " وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض قَالُوا إِنَّمَا نَحن مصلحون إِلَّا إِنَّهُم هم المفسدون وَلَكِن لَا يَشْعُرُونَ ". " كلوا وَاشْرَبُوا من رزق الله وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين ". " وَإِذا تولى سعى فِي الأَرْض ليفسد فِيهَا وَيهْلك الْحَرْث والنسل وَالله لَا يحب الْفساد ". " وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم إِن الله عزيزٌ حكيمٌ ".: فَإِن توَلّوا فَإِن الله عليمٌ بالمفسدين ". " ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا وَالله لَا يحب المفسدين ". " فاذكروا ءالاء الله وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين ". " واذْكُرُوا إِذْ كُنْتُم قَلِيلا فكثركم وانظروا كَيفَ كَانَ عقبَة المفسدين ". " إِن الله لَا يصلح عمل المفسدين ". " اخلفني فِي قومِي وَأصْلح وَلَا تتبع سَبِيل المفسدين ".

ذكر الشكر والشاكرين

" وَالَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل ويفسدون فِي الأَرْض أُولَئِكَ لَهُم اللَّعْنَة وَلَهُم سوء الدَّار ". " وَلَا تطيعوا أَمر المسرفين الَّذين يفسدون فِي الأَرْض وَلَا يصلحون ". " فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين ". " أم نجْعَل الَّذين ءامنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات كالمفسدين فِي الأَرْض أم نجْعَل الْمُتَّقِينَ كالفجار ". " إِنِّي أَخَاف أَن يُبدل دينكُمْ أَو أَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد ". " فَأَكْثرُوا فِيهَا الْفساد فصب عَلَيْهِم رَبك سَوط عَذَاب ". " رب انصرني على الْقَوْم المفسدين ". ذكر الشُّكْر والشاكرين " إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة قَانِتًا لله حَنِيفا وَلم يَك من الْمُشْركين شاكراً لأنعمه اجتبه وهداه إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم ". " ذُرِّيَّة من حملنَا مَعَ نوحٍ إِنَّه كَانَ عبدا شكُورًا ". " نعْمَة من عندنَا كَذَلِك نجزي من شكر ". " إِن هَذَا كَانَ لكم جَزَاء وَكَانَ سعيكم مشكوراً ". " أوزعني أَن أشكر نِعْمَتك الَّتِي أَنْعَمت على وعَلى وَالِدي ". " اعْمَلُوا ءال دَاوُد شكرا وقليلٌ من عبَادي الشكُور ". " أَلَيْسَ الله بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ ". " والبلد الطّيب يخرج نَبَاته بِإِذن ربه وَالَّذِي خبث لَا يخرج إِلَّا نكداً كَذَلِك نصرف الأيت لقوم يشكرون ".

" إِن فِي ذَلِك لأيتٍ لكل صبارٍ شكور ". " إِنَّا هديناه السَّبِيل مَا شاكراً وَإِمَّا كفوراً ". " مَا يفعل الله بعذابكم إِن شكرتم وءامنتم وَكَانَ الله شاكراً عليماً ". " ثمَّ عَفَوْنَا عَنْكُم من بعد ذَلِك لَعَلَّكُمْ تشكرون ". " واشكروا لله إِن كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ ". " ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ ولعلكم تشكرون ". " فَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تشكرون ". " وَمن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ فَلَنْ يضر الله شَيْئا وسيجزى الله الشَّاكِرِينَ ". " وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وليتم نعْمَته عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تشكرون " ز " فَخذ مَا ئاتيتك وَكن من الشَّاكِرِينَ ". " فأواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطَّيِّبَات لَعَلَّكُمْ تشكرون ". " وَإِذ تَأذن ربكُم لَئِن شكرتم لأزيدنكم وَلَئِن كَفرْتُمْ إِن عَذَابي لشديدٌ ". " فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوى إِلَيْهِم وارزقهم من الثمرات لَعَلَّهُم يشكرون ". " ولتبتغوا من فَضله ولعلكم تشكرون ". " وَجعل لكم السّمع والأبصر والأفئدة لَعَلَّكُمْ تشكرون ". " واشكروا نعمت الله إِن كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ ".

" وعلمنه صَنْعَة لبوسٍ لكم لتحصنكم من بأسكم فَهَل أَنْتُم شاكرون ". " كَذَلِك سخرناها لكم لَعَلَّكُمْ تشكرون ". " وَهُوَ الَّذِي جعل الَّيْلِ وَالنَّهَار خلفةً لمن أَرَادَ يذكر أَو أَرَادَ شكُورًا ". " قَالَ هَذَا من فضل رَبِّي لِيَبْلُوَنِي ءأشكر أم أكفر وَمن شكر فَإِنَّمَا يشْكر لنَفسِهِ وَمن كفر فَإِن رَبِّي غنى كريمٌ ". " أَن أشكر لي ولوالديك إِلَى الْمصير ". " كلوا من رزق ربكُم واشكروا لَهُ بلدةٌ طيبةٌ وَرب غفورٌ ". " وَلَهُم فِيهَا مَنَافِع ومشارب أَفلا يشكرون ". " إِن تكفرُوا فَإِن الله غنى عَنْكُم وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر وَإِن تشكروا يرضه لكم ". " بل الله فاعبد وَكن من الشَّاكِرِينَ ". " لَو نشَاء جعلنه أجاجا فلولا تشكرون ". " فابتغوا عِنْد الله الرزق واعبدوه واشكروا لَهُ إِلَيْهِ ترجعون ". " إِن الله لذُو فضلٍ على النَّاس وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يشكرون ". " وَإِن رَبك لذُو فضلٍ على النَّاس وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يشكرون ". " قل من ينجيكم من ظلمات الْبر وَالْبَحْر تَدعُونَهُ تضرعاً وخفيةً لَئِن أنجانا من هَذِه لنكونن من الشَّاكِرِينَ ".

ذكر الامانه

ذكر الْأَمَانَة " إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا ". " فَإِن أَمن بَعْضكُم بَعْضًا فليؤد الَّذِي أؤتمن أمنته ". " وَالَّذين هم لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدهمْ رعون ". " إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فأبين أَن يحملنها وأشفقن مِنْهَا وَحملهَا انسان إِنَّه كَانَ ظلوما جهولاً ". " وَمن أهل الْكتاب من إِن تأمنه بقنطار يؤده إِلَيْك وَمِنْهُم من إِن تأمنه بدينارٍ لَا يؤده إِلَّا مَا دمت عَلَيْهِ قَائِما ". ذكر الْخِيَانَة " لَا تخونوا الله وَالرَّسُول وتخونوا أماناتكم وَأَنْتُم تعلمُونَ ". " إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله وَلَا تكن للخائنيين خصيماً ". " إِن الله لَا يحب منكان خوانًا أَثِيمًا ". " وَإِمَّا نخافن من قومٍ خِيَانَة فانبذ إِلَيْهِم على سواءٍ إِن الله لَا يحب الخائنين ". " وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتك فقد خانوا الله من قبل فَأمكن مِنْهُم الله عليمٌ حكيمٌ ". " ذَلِك ليعلم أَنى لم خنه بِالْغَيْبِ وَأَن الله لَا يهدي كيد الخائنين ". " إِن الله يدْفع عَن الَّذين ءامنوا إِن الله لَا يحب كل خوانٍ كفور ". " كَانَتَا تَحت عَبْدَيْنِ من عبادنَا صالحين فَخَانَتَاهُمَا فَلم يغنيا عَنْهُمَا من الله شَيْئا ".

ذكر الموالاه والاولياء

ذكر الْمُوَالَاة والأولياء " الَّذين يتخذون الْكَافرين أَوْلِيَاء من دون الْمُؤمنِينَ أيبتغون عِنْدهم الْعِزَّة فَإِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا ". " يأيها الَّذين ءامنوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعضهم أَوْلِيَاء بعض وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم إِن الله لَا يعدي الْقَوْم الظَّالِمين ". " إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين ءامنوا الَّذين يُقِيمُونَ الصلوة وَيُؤْتونَ الزكوة وهم رَاكِعُونَ وَمن يتول الله وَرَسُوله وَالَّذين ءامنوا فَإِن حزب الله هم الغالبون يأيها الَّذين ءامنوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذين اتَّخذُوا دينكُمْ هزوا وَلَعِبًا من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَالْكفَّار أَوْلِيَاء وَاتَّقوا الله إِن كُنْتُم مُؤمنين ". " ترى كثيرا مِنْهُم يتولون الَّذين كفرُوا لبئس مَا قدمت لَهُم أنفسهم أَن سخط الله عَلَيْهِم وَفِي الْعَذَاب هم خَالدُونَ وَلَو كَانُوا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالنَّبِيّ وَمَا أنزل إِلَيْهِ مَا اتخذوهم أَوْلِيَاء وَلَكِن كثيرا مِنْهُم فَاسِقُونَ ". " إِنَّا جعلنَا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء للَّذين لَا يُؤمنُونَ ". " إِن وليى الله الَّذين نزل الْكتاب وَهُوَ يتَوَلَّى الصَّالِحين ". " إِن الَّذين ءامنوا وَهَاجرُوا وجهدوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله وَالَّذين ءاووا ونصروا أُولَئِكَ بَعضهم أَوْلِيَاء بعضٍ وَالَّذين ءامنوا وَلم يهاجروا مَا لكم من ولايتهم من شيءٍ حَتَّى يهاجروا وَإِن استنصروكم فِي الدّين فَعَلَيْكُم النَّصْر إِلَّا على قومٍ بَيْنكُم وَبينهمْ ميثاقٌ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بصيرٌ وَالَّذين كفرُوا بَعضهم أَوْلِيَاء بعضٍ إِلَّا تفعلوه تكن فتنةٌ فِي الأَرْض وفسادٌ كبيرٌ ". " يأيها الَّذين ءامنوا لَا تَتَّخِذُوا ءاياءكم وَإِخْوَانكُمْ أَوْلِيَاء إِن اسحبوا الْكفْر على الْإِيمَان وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ ".

ذكر التوبه

" فَلَنْ تَجِد لَهُ وليا مرشداً ". " وَمن يضلل فَلَنْ تَجِد لَهُم أَوْلِيَاء من دونه ". " أفتتخذونه وَذريته أَوْلِيَاء من دوني وهم لكم عَدو بئس للظالمين بَدَلا ". " أفحسب الَّذين كفرُوا أَن يتخذوا عبَادي من دوني أَوْلِيَاء إِنَّا اعتدنا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ نزلا ". " كتب عَلَيْهِ أَنه من تولاه فَأَنَّهُ يضله ويهديه إِلَى عَذَاب السعير ". " لبئس الْمولى ولبئس العشير ". " فَنعم الْمولى وَنعم النصير ". " نَحن أولياؤكم فِي الحيوة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة ". " وَإِن الظَّالِمين بَعضهم أَوْلِيَاء بعض وَالله وليٌ الْمُتَّقِينَ ". " ذَلِك بِأَن الله مولى الَّذين ءامنوا وَأَن الْكَافرين لَا مولى لَهُم ". " ألم تَرَ إِلَى الَّذين توَلّوا قوما غضب الله عَلَيْهِم مَا هم مِنْكُم وَلَا مِنْهُم ويحلفون على الْكَذِب وهم يعلمُونَ ". " يأيها الَّذين ءامنوا لَا تَتَّخِذُوا عدوى وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء تلقونَ إِلَيْهِم بالمودة ". " وَمن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ ". " يأيها الَّذين ءامنوا لَا تَتَوَلَّوْا قوما غضب الله عَلَيْهِم ". ذكر التَّوْبَة " إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم فاعلموا أَن الله غفورٌ رحيمٌ ".

" لَيْسَ لَك من الْأَمر شيءٌ أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ ". " إِنَّمَا التَّوْبَة على الله للَّذين يعْملُونَ السوء بجهلةٍ ثمَّ يتوبون من قريبٍ فَأُولَئِك يَتُوب الله عَلَيْهِم وَكَانَ الله عليماً حكيماً وَلَيْسَت التَّوْبَة للَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات حَتَّى إِذا حضر أحدهم الْمَوْت قَالَ إِنِّي تبت ألئن وَلَا الَّذين يموتون وهم كفارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُم عذَابا أَلِيمًا ". " فَإِن تبتم فَهُوَ خيرٌ لكم وَإِن توليتم فاعلموا أَنكُمْ غير معجزى الله ". " فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصلوة وءاتوا الزكوة فَخلوا سبيلهم إِن الله غفورٌ رحيمٌ ". " ثمَّ يَتُوب الله من بعد ذَلِك على من يَشَاء وَالله غفورٌ رحيمٌ ". " ألم يعلمُوا أَن الله هُوَ يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَأْخُذ الصَّدقَات وَأَن الله هُوَ التواب الرَّحِيم ". " وءاخرون اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وءاخر سَيِّئًا عَسى الله أَن يَتُوب عَلَيْهِم إِن الله غفورٌ رحيمٌ ". " وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله إِمَّا يعذبهم وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِم وَالله عليمٌ حكيمٌ ". " لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة من بعد مَا كَاد يزِيغ قُلُوب فريق مِنْهُم ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم ". " ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم ليتوبوا إِن الله هُوَ التواب الرَّحِيم ". " أَو لَا يرَوْنَ أَنهم يفتنون فِي كل عامٍ مرةٌ أَو مرَّتَيْنِ ثمَّ لَا يتوبون وَلَا هم يذكرُونَ ". "

ثمَّ إِن رَبك للَّذين عمِلُوا السوء بجهله ثمَّ تَابُوا من بعد ذَلِك وَأَصْلحُوا إِن رَبك من بعْدهَا لغفورٌ رحيمٌ ". " وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته وَأَن الله توابٌ حكيمٌ ". " وَإِنِّي لغفارٌ لمن تَابَ وءامن وَعمل صَالحا ثمَّ اهْتَدَى ". " وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أيه الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تفلحون ". " إِلَّا من تَابَ وءامن وَعمل عملا صَالحا فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حسناتٍ. وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما وَمن تَابَ وَعمل صَالحا فَإِنَّهُ يَتُوب إِلَى الله متاباً ". " وَأصْلح لي فِي ذريتي إِنِّي تبت إِلَيْك وَإِنِّي من الْمُسلمين ". " وَيَتُوب الله على الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما ". " غَافِر الذَّنب وقابل التوب شَدِيد الْعقَاب ذى الطول ". " فَاغْفِر للَّذين تَابُوا وابتعوا سَبِيلك وقهم عَذَاب الْجَحِيم ". " وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده ويعفوا عَن السَّيِّئَات وَيعلم مَا تَفْعَلُونَ ". " إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا وَإِن تظهرا عَلَيْهِ فَإِن الله هُوَ موله وَجِبْرِيل وَصَالح الْمُؤمنِينَ وَالْمَلَائِكَة بعد ذَلِك ظهيرٌ ". " تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا عَسى ربكُم أَن يكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ ". " وَاسْتَغْفرهُ إِنَّه كَانَ تَوَّابًا ". " فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّه هُوَ التواب الرَّحِيم ". " فتوبوا إِلَى بارئكم فَاقْتُلُوا أَنفسكُم ذَلِكُم خيرٌ لكم عِنْد بارئكم فَتَابَ عَلَيْكُم ".

ذكر الكبر والاستكبار

ذكر الْكبر والاستكبار " لقد استكبروا فِي أنفسهم وعتو عتواً كَبِيرا ". " واستكبر هُوَ وَجُنُوده فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وظنوا أَنهم إِلَيْنَا لَا يرجعُونَ ". " إِنَّه لَا يحب المستكبرين ". " وَأما الَّذين اسنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذَابا أَلِيمًا ". " ادخُلُوا أَبْوَاب جَهَنَّم خَالِدين فِيهَا فبئس مثوى المتكبرين ". " وَمن يسنكف عَن عِبَادَته ويستكبر فسيحشرهم إِلَيْهِ جَمِيعًا ". " إِلَّا إِبْلِيس أَبى واستكبر وَكَانَ من الْكَافرين ". " فاستكبروا وَكَانُوا قوما عالين ". " فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين بِهِ سمراً تهجرون ". " فاستكبروا فِي الأَرْض وَمَا كَانُوا سابقين ". " وَإِذا تتلى عَلَيْهِ ءاياتنا ولى مستكبراً كَأَن لم يسْمعهَا كَأَن فِي أُذُنَيْهِ وقرا فبشره بِعَذَاب أَلِيم ". " إِن الله لَا يحب كل مختالٍ فخورٍ ". " وسبحوا بِحَمْد رَبهم وهم لَا يَسْتَكْبِرُونَ ". " استكباراً فِي الأَرْض ومكر السَّيئ إِلَّا بأَهْله ". " فَكَذبت بهَا واستكبرت وَكنت من الْكَافرين ".

ذكر البغي

" أستكبرت أم كنت من العاليين ". " أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مثوى للمتكبرين ". " إنى عذت بربى وربكم من كل متكبرٍ لَا يُؤمن بِيَوْم الْحساب ". " كَذَلِك يطبع الله على كل قلب متكبر جَبَّار ". " وَإِذ يتحابون فِي النَّار فَيَقُول الضعفاؤا للَّذين استكبروا إِنَّا كُنَّا لكم تبعا فَهَل أَنْتُم مغنون عَنَّا نَصِيبا من النَّار قَالَ الَّذين استكبروا إِنَّا كل فِيهَا إِن الله قد حكم بَين الْعباد ". " إِن فِي صُدُورهمْ إِلَّا كبرٌ مَا هم ببالغيه فاستعذ بِاللَّه ". " إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي سيدخلون جَهَنَّم داخرين ". " فَأَما عادٌ فاستكبروا فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق ". " ويلٌ لكل أفاكٍ أثيمٍ يسمع ءايت الله تتلى عَلَيْهِ ثمَّ يصر مستكبراً ". " فاستكبروا وَكَانُوا قوما مجرمين ". " فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين ". " فَآمن وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين ". " فاليوم تُجْزونَ عَذَاب الْهون بِمَا كُنْتُم تستكبرون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَبِمَا كُنْتُم تفسقون ". " واله لَا يحب كل مختال فخور ". " وأصروا واستكبروا استكباراً ". ذكر الْبَغي " وَينْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر والبغى يعظكم لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ ".

ذكر الوعد

" وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم البغى هم ينتصرون ". " ثمَّ بغى عَلَيْهِ لينصرنه الله إِن الله لعفوٌ غفورٌ ". " فأتبعهم فِرْعَوْن وَجُنُوده بغياً وعدواً ". " إِن قَارون كَانَ من قوم مُوسَى فبغى عَلَيْهِم ". " وَلَو بسط الله الرزق لِعِبَادِهِ لبغوا فِي الأَرْض ". " خصمان بغى بَعْضنَا على بعض ". " وَإِن كثيرا من الخلطاء ليبغى بَعضهم على بعضٍ إِلَّا الَّذين ءامنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وقليلٌ مَا هم ". " وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا فَإِن بَغت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى فَقتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله ". " بئْسَمَا اشْتَروا بِهِ أنفسهم أَن يكفروا بِمَا أنزل الله بغياً أَن ينزل الله من فَضله على من يَشَاء من عباده ". " فَلَمَّا أنجاهم إِذا هم يَبْغُونَ فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق يأيها النَّاس إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم متع الحيوة الدُّنْيَا ثمَّ إِلَيْنَا مرجعكم فننبئكم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ ". ذكر الْوَعْد " إِن الله لَا يخلف الميعاد ". " فَلَا تحسبن الله مخلف وعده رسله ". " وَكَانَ وعدربي حَقًا ". " يعدهم ويمنيهم وَمَا يعدهم الشيطن إلّا غروراَ ". " وَإِن لَك موعداً لن تخلفه ". " ثمَّ صدقنهم الْوَعْد فأنجينهم وَمن نشَاء أهلكنا المسرفين ".

" ويستعجلونك بِالْعَذَابِ وَلنْ يخلف الله وعده ". " وعد الله لَا يخلف الله وعده وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعْملُونَ ". " كَانَ وعده مَفْعُولا ". " سبحن رَبنَا إِن كَانَ وعد رَبنَا لمفعولاً ". " إِنَّمَا توعدون لصَادِق ". " فاصبر إِن وعد الله حقّ وَلَا يستخفنك الَّذين لَا يوقنون ". " فاصبر إِن وعد الله حقّ واستغفر لذنبك ". " وعد الصدْق الَّذِي كَانُوا يوعدون ". " وَيلك ءامن إِن وعد الله حق ". " فَإِذا جَاءَ وعد رَبِّي جعله ذكاء وَكَانَ وعد رَبِّي حَقًا ". " فرددناه إِلَى أمه كى تقر عينهَا وَلَا تحزن ولتعلم أَن وعد الله حق ". وعد الله الَّذين ْامنوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصلحت ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض ". " وعد الله الْمُؤمنِينَ والمؤمنت جنت تجرى من تحتهَا الْأَنْهَار ". " وَإِذا يَعدكُم الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لكم ". " كَأَنَّهُمْ يَوْم يرَوْنَ مَا يوعدون لم يَلْبَثُوا إلّا سَاعَة من نَهَار ". " وَيَقُولُونَ مَتى هاذا الْوَعْد إِن كُنْتُم صديقين قل لكم ميعاد يومٍ لاّ تستئخرون عَنهُ سَاعَة وَلَا تستقدمون ".

ذكر التوكل

" وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْوَعْد إِن كُنْتُم صديقين مَا ينظرُونَ إِلَّا صَيْحَة وحدة تأخذهم وهم يخصمون ". " وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْوَعْد إِن كُنْتُم صديقين قل إِنَّمَا الْعلم عِنْد الله وَإِنَّمَا أَنا نَذِير مُبين ". ذكر التَّوَكُّل " وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه إِن الله بلغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا ". " وعَلى الله فَليَتَوَكَّل المتوكلون ". " وعَلى الله فتوكلوا إِن كُنْتُم مُؤمنين ". " وَمن يتوكل على الله فَإِن الله عزيزٌ حكيمٌ ". " إِن الحكم إِلَّا لله عَلَيْهِ توكلت وَعَلِيهِ فَليَتَوَكَّل المتوكلون ". " وَمَا لنا أَلا نتوكل على الله وَقد هدَانَا سبلنا ولنصبرن على مَا ءاذيتمونا وعَلى الله فَليَتَوَكَّل المتوكلون ". " الَّذين صَبَرُوا وعَلى رَبهم بتوكلون ". " وتوكل على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت ومسبح بِحَمْدِهِ ". " وتوكل على الْعَزِيز الرَّحِيم الَّذِي يراك حِين تقوم وتقلبك فِي الساجدين ". " فتوكل على الله إِنَّك على الْحق الْمُبين ". " وتوكل على الله وَكفى بِاللَّه وَكيلا ". " وَمَا عِنْد الله خير وَأبقى للَّذين ءامنوا وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ ". " قل حسبي الله عَلَيْهِ يتوكل المتوكلون ". " وَلَا تُطِع الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ ودع أذنهم وتوكل على الله وَكفى بِاللَّه وَكيلا ".

ذكر الشهاده والاستشهاد

" إِن كُنْتُم ءامنتم بِاللَّه فَعَلَيهِ توكلوا إِن كُنْتُم مُسلمين فَقَالُوا على الله توكلنا رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للْقَوْم الظَّالِمين ". " رَبنَا عَلَيْك توكلنا وَإِلَيْك أنبنا وَإِلَيْك الْمصير ". " الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ ". " قل هُوَ الرَّحْمَن ْامنا بِهِ وَعَلِيهِ توكلنا فستعلمون من هُوَ فِي ضللٍ مبينٍ ". " رب الْمشرق وَالْمغْرب لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فاتخذه وَكيلا ". ذكر الشَّهَادَة والاستشهاد " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فرجلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا ". " وَلَا تكتموا الشَّهَادَة وَمن يكتمها فَإِنَّهُ ءاثم قلبه ". " وَأقِيمُوا الشَّهَادَة لله ذَلِكُم يوعظ بِهِ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ". " يأيها الَّذين ءامنوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اثْنَان دوا عدل مِنْكُم أَو ءاخران من غَيْركُمْ إِن أَنْتُم ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض فأصبتكم مُصِيبَة الْمَوْت تحبسونهما من بعد الصلوة فيقسمان بِاللَّه إِن ارتبتم لَا نشتري بِهِ ثمنا وَلَو كَانَ ذَا قربى وَلَا نكتم شَهَادَة الله إِنَّا إِذا لمن الأثمين فَإِن عثر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا فأخران يقومان مقامهما من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الْأَوَّلين فيقسمان بِاللَّه لَشَهَادَتنَا أَحَق منن شَهَادَتهمَا وَمَا اعتدينا إِنَّا لمن الظَّالِمين ذَلِك أدنى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ على وَجههَا ". " فَإذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِك عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ ". " وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً ".

ذكر الظن

" ستكتب شَهَادَتهم ويسئلون ". " وَشهد شاهدٌ من بني إِسْرَائِيل على مثله ". " وَجَاءَت كل نفسٍ مَعهَا سائقٌ وشهيدٌ ". " وَأشْهدُوا ذوى عدلٍ مِنْكُم وَأقِيمُوا الشَّهَادَة لله ". " وَالَّذين هم بِشَهَادَتِهِم قائمون ". " قل كفى بِاللَّه شَهِيدا بينى وَبَيْنكُم ". ذكر الظَّن " اجتنبوا كثيرا من الظَّن إِن بعض الظَّن إثمٌ ". " وتظنون بِاللَّه الظنونا ". " وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا بَاطِلا ذَلِك ظن الَّذين كفرُوا ". " إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن وَإِن الظَّن لَا يغنى من الْحق شَيْئا ". " يظنون بِاللَّه غير الْحق ظن الجهلية ". " وظنوا أَنهم مَا نعتهم حصونهم من الله فَأَتَاهُم الله من حَيْثُ لم يحتسبوا ". " إِن تطن إِلَّا ظنا وَمَا نَحن بمستيقنين ". " لَا يعلمُونَ الْكتاب إِلَّا أماني وَإِن هم إِلَّا يظنون ". " مَا لَهُم بِهِ من علمٍ إِلَّا اتِّبَاع الظَّن ". " إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن وَإِن هم إِلَّا يخرصون ". " وَأَنَّهُمْ ظنُّوا كَمَا ظننتم أَن لن يبْعَث الله أحدا ". " وَأَنا ظننا أَن لن تَقول الْإِنْس وَالْجِنّ على الله كذبا ". " وَأَنا ظننا أَن لن نعجز الله فِي الأَرْض وَلنْ نعجزه هرباً ".

ذكر التثبت

" وَمَا ظن الَّذين يفترون على الله الْكَذِب يَوْم الْقِيَامَة ". " إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن وَمَا تهوى الْأَنْفس ". " بل ظننتم أَن لن يَنْقَلِب الرَّسُول والمؤمنون إِلَى أَهْليهمْ أبدا وزين ذَلِك فِي قُلُوبكُمْ وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بوراً ". ذكر التثبت " يأيها الَّذين ءامنوا إِن جَاءَكُم فاسقٌ بنبإ فَتَبَيَّنُوا أَن تصيبوا قوما بجهلةٍ فتصبحوا على مَا فَعلْتُمْ نادمين ". " وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاك لقد كدت تركن إِلَيْهِم شَيْئا قَلِيلا ". " إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل الله فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام لست مُؤمنا تَبْتَغُونَ عرض الحيوة الدُّنْيَا فَعِنْدَ اله مَغَانِم كثيرةٌ كَذَلِك كُنْتُم من قبل فَمن الله عَلَيْكُم فنبينوا إِن الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا " " ليثبت الَّذين ءامنوا وَهدى وبشرى للْمُسلمين ". ذكر السّمع وَالطَّاعَة " يأيها الَّذين ءامنوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأونى الْأَمر مِنْكُم ". " واسمعوا وَأَطيعُوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ". " إِنَّمَا كَانَ قَول الْمُؤمنِينَ إِذا دعوا إِلَى الله وَرَسُوله ليحكم بَينهم أَن يَقُولُوا سمعنَا وأطعنا وَأُولَئِكَ هم المفلحون ". " فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم واسمعوا وَأَطيعُوا ". " فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَلَا تطيعوا أَمر المسرفين ".

ذكر الصلح

" وَلَا تُطِع كل حلاف مهين ". " وَلَا تُطِع مِنْهُم ءائماً أَو كفوراً ". " وَلَا تُطِع من أَغْفَلنَا قلبه عَن ذكرنَا وَاتبع هَوَاهُ وَكَانَ أمره فرطا ". " فَلَا تُطِع الكفرين وَجَهْدهمْ بِهِ جهاداً كَبِيرا ". " وَلَا تُطِع الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ ودع أذنهم وتوكل على الله ". " فَلَا تُطِع المكذبين ودوا لَو تدهن فيدهنون ". " كلا لَا تطعه واسجد واقترب ". ذكر الصُّلْح " وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا فَإِن بَغت إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى فَقَاتلُوا الَّتِي تبعى حَتَّى تفئ إِلَى أَمر الله فَإِن فاءت فأصلحوا بَينهمَا بِالْعَدْلِ وأقسطوا إِن الله يحب المقسطين إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخوةٌ فأصلحوا بَين أخويكم ". " لَا خير فِي كثيرٍ من نَجوَاهُمْ إِلَّا من أَمر بصدقةٍ أَو معروفٍ أَو إصلاحٍ بَين النَّاس ". " فَمن خَافَ من موص جنفاً أَو إِثْمًا فَأصْلح بَينهم فَلَا إِثْم عَلَيْهِ إِن الله غفورٌ رحيمٌ ". " أَن تبروا وتتقوا وتصلحوا بَين النَّاس وَالله سميعٌ عليمٌ ". " فَاتَّقُوا الله وَأَصْلحُوا ذَات بَيْنكُم ". " وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك إِن أَرَادوا إصلاحاً ". " وَإِن خِفْتُمْ شقَاق بَينهمَا فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا إِن يريدا إصلاحاً يوفق الله بَينهمَا ".

ذكر الاعتصام والعصمه

" وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نشوراً أَو إعْرَاضًا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصلحا بَينهمَا صلحا وَالصُّلْح خيرٌ ". " إِلَّا الَّذين تَابُوا وَأَصْلحُوا وبينوا ". " إِن أُرِيد إِلَّا الْإِصْلَاح مَا اسْتَطَعْت وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه " ذكر الِاعْتِصَام والعصمة " وَمن يعتصم بِاللَّه فقد هدى إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم ". " واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا ". " إِلَّا الَّذين تَابُوا وَأَصْلحُوا واعتصموا بِاللَّه ". " واعتصموا بِاللَّه هُوَ مولاكم فَنعم الْمولى وَنعم النصير ". " فَأَما الَّذين ءامنوا بِاللَّه واعتصموا بِهِ فسيدخلهم فِي رحمةٍ مِنْهُ ". " وَالله يَعْصِمك من النَّاس إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الْكَافرين ". " يَوْم تولون مُدبرين مَالك من الله من عَاصِم ". " قَالَ سآوى إِلَى جيلٍ يعصمني من المَاء قَالَ لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله إِلَّا من رحم ". " قل من ذَا الَّذِي يعصمكم من الله إِن أَرَادَ بكم سوءا أَو أَرَادَ بكم رَحْمَة ". ذكر بَيت الله الْحَرَام وَالْحج " فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره ". " وَمن حَيْثُ خرجت فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام ".

" إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله فَمن حج الْبَيْت أَو اعْتَمر فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوف بهما وَمن تطوع خيرا فَإِن الله شاكرٌ عليمٌ ". " يأيها الَّذين ءامنوا لَا تحلوا شَعَائِر الله وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهدى وَلَا القلائد وَلَا ءامين الْبَيْت الْحَرَام يَبْتَغُونَ فضلا من رَبهم ورضوانا ". " جعل الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قيَاما للنَّاس والشهر الْحَرَام وَالْهدى والقلائد ذَلِك لِتَعْلَمُوا أَن الله يعلم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَأَن الله بِكُل شَيْء عليمٌ ". " وأذنٌ من الله وَرَسُوله إِلَى النَّاس يَوْم الْحَج الْأَكْبَر أَن الله برِئ من الْمُشْركين وَرَسُوله ". " أجعلتم سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام كمن ءامن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وجاهد فِي سَبِيل الله لَا يستوون عِنْد الله وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين ". " وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابةً للنَّاس وَأمنا وَاتَّخذُوا من مقامٍ إِبْرَاهِيم مصلى وعهدنا إِلَى إِبْرَاهِيم واسماعيل أَن طهرا بيتى للطائفين والعاكفين والركع السُّجُود وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيم رب اجْعَل هَذَا بَلَدا ءامناً وارزق أَهله من الثمرات من ءامن مِنْهُم بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر قَالَ وَمن كفر فأمتعه قَلِيلا ثمَّ أضطره إِلَى عَذَاب النَّار وَبئسَ الْمصير وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم رَبنَا واجعلنا مُسلمين لَك وَمن ذريتنا أمة مسلمة لَك وأرنا مناسكنا وَتب علينا إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم ". " وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله فَإِن أحصرتم فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهدى وَلَا تحلقوا رءوسكم حَتَّى يبلغ الْهدى مَحَله ". " الْحَج أشهر معلومت فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج وَمَا تَفعلُوا من خيرٍ يُعلمهُ الله وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى واتقون يسأولى الْأَلْبَاب لَيْسَ عَلَيْكُم جناحٌ أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم فَإِذا أَفَضْتُم من عرفاتٍ فاذكروا الله عِنْد الْمشعر الْحَرَام

واذكروه كَمَا هدَاكُمْ وَإِن كُنْتُم من قبله لمن الضَّالّين ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفرُوا الله إِن الله غفورٌ رحيمٌ ". " إِن أول بيتٍ وضع للنَّاس للَّذي ببكة مُبَارَكًا وَهدى للْعَالمين فِيهِ ءايتٌ بيناتٌ مقَام إِبْرَاهِيم وَمن دخله كَانَ ءامنا وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمن كفر فَإِن الله غنى عَن الْعَالمين ". " إِن الَّذين كفرُوا ويصدون عَن سَبِيل الله وَالْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي جعلنه للنَّاس سَوَاء العكف فِيهِ والباد وَمن يرد فِيهِ بإلحادٍ بظلمٍ نذقه من عذابٍ أليمٍ وَإِذ بوأنا لإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت أَن لَا تشرك بِي شَيْئا وطهر بَيْتِي للطائفين والقائمين والركع السُّجُود وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامرٍ يَأْتِين من كل فج عميق ليشهدوا مَنَافِع لَهُم ويذكروا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير ثمَّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق ذَلِك وَمن يعظم حرمت الله فَهُوَ خيرٌ لَهُ عِنْد ربه وَأحلت لكم الأنعم الا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور ". " ذَلِك وَمن يعظم شَعَائِر الله فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب لكم فِيهَا مَنَافِع إِلَى أجل مُسَمّى ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق ". " أولم يرَوا أَنا جعلنَا حرما ءامناً وَيُتَخَطَّف النَّاس من حَولهمْ أفبالباطل يُؤمنُونَ وبنعمة الله يكفرون ". " فَإِذا أمنتم فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهدى فَمن لم يجد فَصِيَام ثلثة أيامٍ فِي الْحَج وسبعةٍ إِذا رحعتم تِلْكَ عشرةٌ كاملةٌ ". " لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله ءامنين مُحَلِّقِينَ رؤسكم وَمُقَصِّرِينَ لَا تخافون فَعلم مالم تعلمُوا فَجعل من دون ذَلِك فتحا قَرِيبا ".

ذكر الحدود

ذكر الْحُدُود " وَمَا كَانَ لمؤمنٍ أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطأ وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رقبةٍ مؤمنةٍ ودية مسلمة إِلَى أَهله إِلَّا أَن يصدقُوا فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رقبةٍ مؤمنةٍ وَإِن كَانَ من قومٍ بَيْنكُم وَبينهمْ ميثاقٌ فديةٌ مسلمة إِلَى أَهله وتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين ". يأيها الَّذين ءامنوا كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى الْحر بِالْحرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمن عفى لَهُ من أَخِيه شَيْء فاتباع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَان ذَلِك تخفيفٌ من ربكُم ورحمةٌ فَمن اعْتدى بعد ذَلِك فَلهُ عذابٌ أليمٌ وَلكم فِي الْقصاص حَيْوَة ياأولي الْأَلْبَاب لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ". " إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا أَن يقتلُون أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلف أَو ينفوا من الأَرْض ذَلِك لَهُم خزيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُم فِي الْآخِرَة عذابٌ عظيمٌ ". " الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا كل واحدٍ مِنْهُمَا مائَة جلدةٍ وَلَا تأخذكم بهما رأفةٌ فِي دين الله إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وليشهد عذابهما طائفةٌ من الْمُؤمنِينَ ". " وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْديهم جَزَاء بِمَا كسبا نكالاً من الله وَالله عَزِيز حَكِيم ". " وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ وَالْعين بِالْعينِ وَالْأنف بالأنف وَالْأُذن بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ والجروح بِالْقصاصِ ". " وَالَّذين يرموان الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بِأَرْبَع شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثمنين جلدَة ولاتقبلوا لَهُم شهدةً أبدا وَأُولَئِكَ هم الفسقون إِلَّا الَّذين تَابُوا من بعد ذَلِك أصلحوا ".

ذكر القيامه

ذكر الْقِيَامَة " وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزى نفسٌ عَن نفس شَيْئا وَلَا يقبل مِنْهَا شفاعةٌ وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عدلٌ وَلَا هم ينْصرُونَ ". " وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزى نفسٌ عَن نفسٍ شَيْئا وَلَا يقبل مِنْهَا عدلٌ وَلَا تنفعها شفعةٌ وَلَا هم ينْصرُونَ ". " يومٌ لَا بيعٌ فِيهِ وَلَا خلةٌ وَلَا شفعةٌ والكافرون هم الظَّالِمُونَ ". " يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خيرٍ محضراً وَمَا عملت من سوء تودلو أَن بَينهَا وَبَينه أمداً بَعيدا ويحذركم الله نَفسه وَالله رءوفٌ بالعباد ". " يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه ". " يومٌ لَا بيعٌ فِيهِ وَلَا خلالٌ ". " يَوْم ترونها تذهل كل مرضعةٍ عَمَّا أرضعت وتضع كل داتٍ حملٍ حملهَا وَترى النَّاس سكرى وَمَا هم بسكرى وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد ". " يَوْم تشهد عَلَيْهِم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ يَوْمئِذٍ يوفيهم الله دينهم الْحق ويعلمون أَن الله هُوَ الْحق الْمُبين ". " وَيَوْم يحشرهم وَمَا يعْبدُونَ من دون الله ". " وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَني اتَّخذت مَعَ الرَّسُول سَبِيلا ". " يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون إِلَّا من أَتَى الله بقلبٍ سليمٍ ". " وَيَوْم نحْشر من كل أمةٍ فوجا مِمَّن يكذب بأياتنا فهم يُوزعُونَ ".

" وَيَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَفَزعَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله وكل أَتَوْهُ داخرين ". " وَيَوْم يناديهم فَيَقُول مَاذَا أجبتم الْمُرْسلين فعميت عَلَيْهِم الأنباء يَوْمئِذٍ فهم لَا يتساءلون ". " وَيَوْم تقوم السَّاعَة يبلس المجرمون ". " وَيَوْم تقوم السَّاعَة يَوْمئِذٍ يتفرقون ". " يومٌ لَا مرد لَهُ من الله يَوْمئِذٍ يصدعون ". " وَيَوْم تقوم السَّاعَة يقسم المجرمون مَا لَبِثُوا غير ساعةٍ كَذَلِك كَانُوا يؤفكون ". " واخشوا يَوْمًا لَا يَجْزِي والدٌ عَن وَلَده وَلَا مولودٌ هُوَ جازٍ عَن وَالِده شَيْئا إِن وعد الله حق فَلَا تغرنكم الحيوة الدُّنْيَا وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور ". " يَوْم يَأْتِ لَا تكلم نفسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمنهمْ شقى وسعيدٌ ". " يَوْم تقلب وُجُوههم فِي النَّار يَقُولُونَ يَا ليتنا أَطعْنَا الله وأطعنا الرسولا ". " وَأَنْذرهُمْ يَوْم الأزفة إِذْ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر كاظمين مَا للظالمين من حميمٍ وَلَا شفيعٍ يطاع ". " يَوْم هم بارزون لَا يخفى على الله مِنْهُم شيءٌ ". " يَوْم التناد يَوْم تولون مُدبرين مالكم من الله من عاصمٍ وَمن يضلل الله فَمَاله من هادٍ ". " يَوْم لَا ينفع الظَّالِمين معذرتهم وَلَهُم اللَّعْنَة وَلَهُم سوء الدَّار ".

" يَوْم لَا مرد لَهُ من الله مالكم من ملْجأ يَوْمئِذٍ ومالكم من نكيرٍ ". " يَوْم لَا يغنى مولى عَن مولى شَيْئا وَلَا هم ينْصرُونَ ". " واستمع يَوْم يُنَادي المناد من مكانٍ قريبٍ يَوْم يسمعُونَ الصَّيْحَة بِالْحَقِّ ذَلِك يَوْم الْخُرُوج ". " يَوْم تشقق الأَرْض عَنْهُم سرَاعًا ذَلِك حشرٌ علينا يسيرٌ ". " يَوْم هم على النَّار يفتنون ". " يَوْم يدعونَ إِلَى نَار جَهَنَّم دَعَا هَذِه النَّار الَّتِي كُنْتُم بهَا تكذبون ". " يَوْم لَا يغنى عَنْهُم كيدهم شَيْئا وَلَا هم ينْصرُونَ ". " يَوْم يَقُول المُنَافِقُونَ والمنافقات للَّذين ءامنوا انظرونا نقتبس من نوركم ". " يَوْم يجمعكم ليَوْم الْجمع ذَلِك يَوْم التغابن ". " يَوْم لَا يخزى الله النَّبِي وَالَّذين ءامنوا مَعَه نورهم يسْعَى بَين أَيْديهم وبأيمانهم ". " يَوْم يكْشف عَن ساقٍ وَيدعونَ إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ". " يَوْم تكون السَّمَاء كَالْمهْلِ وَتَكون الْجبَال كالعهن وَلَا يسئل حميمٌ حميماً ". " يَوْم يدع الداع إِلَى شيءٍ نكرٍ خشعاً أَبْصَارهم يخرجُون من الأجداث كَأَنَّهُمْ جرادٌ منتشرٌ ". " يَوْم يخرجُون من الأجداث سرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب يوفضون ". " يَوْم ترجف الأَرْض وَالْجِبَال وَكَانَت الْجبَال كثيباً مهيلاً ". " يَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ".

الدعاء

" يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا من أذن لَهُ الرَّحْمَن وَقَالَ صَوَابا ". " يَوْم ينظر الْمَرْء مَا قدمت يَدَاهُ وَيَقُول الْكَافِر يَا لَيْتَني كنت تُرَابا ". " يَوْم لَا تملك نفسٌ لنفسٍ شَيْئا وَالْأَمر يومئذٍ لله ". " يَوْم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ". " يَوْم يتَذَكَّر الْإِنْسَان مَا سعى وبرزت الْجَحِيم لمن يرى ". " يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه وَأمه وَأَبِيهِ وصاحبته وبنيه ". " يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين ". " يَوْم تبلى السرائر ". " يَوْم يكون النَّاس كالفراش المبثوث وَتَكون الْجبَال كالعهن المنفوش ". الدُّعَاء " رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الأخرة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار ". " رَبنَا أفرغ علينا صبرا وَثَبت أقدامنا وَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين ". رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا رَبنَا وَلَا تحمل علينا إصراً كَمَا حَملته على الَّذين من قبلنَا رَبنَا وَلَا تحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ واعف عَنَّا واغفر لنا وارحمنا أَنْت مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين ".

" رَبنَا لَا تزغ قولبنا بعد إِذْ هديتنا وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب رَبنَا إِنَّك جَامع النَّاس ليومٍ لَا ريب فِيهِ إِن الله لَا يخلف الميعاد ". " رَبنَا إننا ءامنا فَاغْفِر لنا ذنوبنا وقنا عَذَاب النَّار ". " رب هَب لى من لَدُنْك ذُرِّيَّة طيبَة انك سميع الدُّعَاء " " رَبنَا ءامنا بِمَا انزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فا كتبنَا مَعَ الشهدين " " رَبنَا افرغ علينا صبرا " " رَبنَا اغْفِر لنا ذنوبنا واسرافنا فِي امرنا وَثَبت اقدامنا وَانْصُرْنَا على الْقَوْم الكفرين " " رَبنَا مَا خلقت هَذَا بطلا سبحنك فقنا عَذَاب النَّار رَبنَا انك من تدخل النَّار فقد اخزيته وَمَا للظلمين من انصار رَبنَا اننا سمعنَا مناديا يُنَادى للايمن انءامنوا بربكم فامنا رَبنَا فَاغْفِر لنا ذنوبنا وَكفر عَنَّا سيئاتنا وتوفنا مَعَ الابرار رَبنَا وءاتنا مَا وعدتنا على رسلك وَلَا تخزنا يَوْم الْقيمَة انك لَا تخلف الميعاد " " رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَين قَومنَا بِالْحَقِّ وانت خيرالفتحين " " رَبنَا افرغ علينا صبرا وتوفنا مُسلمين " " رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للْقَوْم الظلمين ونجنا بِرَحْمَتك من الْقَوْم الكفرين " " رَبنَا اطْمِسْ على أمولهم وَاشْدُدْ على قُلُوبهم فَلَا يُؤمنُوا حَتَّى يرَوا الْعَذَاب الاليم " " رب اجْعَل هَذَا البلدءامنا واجنبني وَبنى ان نعْبد الْأَصْنَام رب انهن أضللن كثيرا " من النَّاس فَمن تَبِعنِي فَإِنَّهُ منى وَمن عَصَانِي فانك غَفُور رَحِيم رَبنَا

اني اسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم رَبنَا ليقيموا الصلوة فَاجْعَلْ افئدة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم وارزقهم من الثمرت لَعَلَّهُم يشكرون " " رب اجعلنى مُقيم الصلوة وَمن ذريتى رَبنَا وَتقبل دُعَاء رَبنَا اغْفِر لى ولولدى وَلِلْمُؤْمنِينَ يَوْم يقوم الْحساب " " رب ارحمنا كَمَا ربيانى صَغِيرا " " رب ادخلني مدْخل صدق واخرجني مخرج صدق وَاجعَل لى من لَدُنْك سلطنا " نَصِيرًا " " رَبنَا ءاتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيىء لنا من امرنا رشدا " " " رب إِنِّي وَهن الْعظم منى واشتعل الرَّأْس شيبا " وَلم اْكن بدعائك رب شقيا " وانى خفت الْمولى من وراءى وَكَانَت امرأتى عاقرا " فَهَب لى من لَدُنْك وليا يَرِثنِي يَرث من ءال يَعْقُوب واجعله رب رَضِيا " " رب اشرح لى صدرى وَيسر لى امرى واحلل عقدَة من لسانى يفقهوا قولى وَاجعَل لى وزيرا من أهلى هرون أخى اشْدُد بِهِ ازرى واشركه فِي امرى " " رب لَا تذرنى فَردا " واْنت خير الورثين " " رب احكم بِالْحَقِّ وربنا الرَّحْمَن الْمُسْتَعَان على مَا تصفون " " رب انصرنى بِمَا كذبون " " رب انزلنى منزلا " مُبَارَكًا " واْنت خير المنزلين " " رب اما ترينى مَا يوعدون رب فَلَا تجعلنى فى الْقَوْم الظلمين " " رب اعوذ بك من همزت الشيطين واْعوذ بك رب اْن يحْضرُون "

" رَبنَا ءامنا فَاغْفِر لنا وارحمنا واْنت خير الرحمين " " رب اغْفِر وَارْحَمْ واْنت خير الرحمين " " رَبنَا اصرف عَنَّا عَذَاب جَهَنَّم ان عَذَابهَا كَانَ غراما " " رَبنَا هَب لنا من اْزوجنا وَذُرِّيَّتنَا قُرَّة اْعين واجعلنا لِلْمُتقين اماما " " رب هَب لىحكما والحقنى بالصلحين وَاجعَل لى لِسَان صدق فىالاخرين واجعلنى من وَرَثَة جنَّة النَّعيم " رب إِن قومى كذبون فافتح بينى وَبينهمْ فتحا ونجنى وَمن معى من الْمُؤمنِينَ " " رب نجنى واْهلى مِمَّا يعْملُونَ " " رب اْوزعنى اْن اشكر نِعْمَتك الَّتِى ْانعمت على وعَلى ولدى وان عمل صلحا ترضه وادخنى بِرَحْمَتك فى عِبَادك الصلحين " " قَالَ رب إنى ظلمت نفسى فَاغْفِر لى فغفر لَهُ إِنَّه هُوَ الغفور الرَّحِيم " " رب نجنى من الْقَوْم الظلمين " " رب انى لما انزلت إِلَى من خير فَقير " " رب انصرنى على الْقَوْم المفسدين " " رَبنَا اْبصرنا وَسَمعنَا فارجعنا نعمل صلحا انا موقنون " " رَبنَا ءاتهم ضعفين من الْعَذَاب والعنهم لعنا كَبِيرا " " رب هَب لى من الصلحين فبشرنه بغلم حَلِيم " " رب اغْفِر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لَاحَدَّ من بعدى انك انت الْوَهَّاب "

" رَبنَا وسعت كل شىء رَحْمَة وعلما فَاغْفِر للَّذين تَابُوا وَاتبعُوا سَبِيلك وقهم عَذَاب الْجَحِيم رَبنَا وادخلهم جنت عدن الَّتِى وعدتهم وَمن صلح منءابائهم وازواجهم وذريتهم انك انت العزيزالحكيم وقهم السَّيِّئَات وَمن تق السَّيِّئَات يَوْمئِذٍ فقد رَحمته وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم " " رَبنَا اكشف عَنَّا الْعَذَاب انا مُؤمنُونَ " " رب اوزعنى ان اشكر نِعْمَتك الَّتِى انعمت على وعَلى ولدى وان اعْمَلْ صلحا " ترضه واصلح لى فىذريتى انى تبت اليك وانى من الْمُسلمين " " رَبنَا اغْفِر لنا ولاخوننا الَّذين سبقُونَا بالايمن ولاتجعل فى قُلُوبنَا غلا للَّذين ءامنوا رَبنَا انك رءوف رَحِيم " " ربناعليك توكلنا واليك انبنا واليك المصيبر رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للَّذين كفرُوا واغفر لنا رَبنَا انك انت الْعَزِيز الْحَكِيم " " رب لَا تذر على الأَرْض من الكفرين ديارًا انك ان تذرهم يضلوا عِبَادك وَلَا يلدوا الا فَاجِرًا " رب اغْفِر لى ولولدى وَلمن دخل بيتى مُؤمنا للْمُؤْمِنين والمؤمنت وَلَا تزد الظلمين الا تبارا " وآيات فِيهَا ذكر نجاة من شدَّة أَو خوف أَو مَا يشبه ذَلِك " واذا نجينكم من ءال فِرْعَوْن يسو مونكم سوء الْعَذَاب " " واذا فرقنا بكم الْبَحْر فانجينكم " " ثمَّ بعثنكم من بعد موتكم لَعَلَّكُمْ تشكرون " " اْلا ان نصر الله قريب " " لن يضروكم الا اذى وان يقتلوكم يولوكم الادبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ " " وَلَقَد نصركم الله ببدر وَأَنْتُم اذلة فَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تشكرون "

" وَمَا جعله الله الا بشرى لكم ولتطمئن قُلُوبكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْر الا من عِنْد الله الْعَزِيز الْحَكِيم " " وَلَا تهنوا وَلَا تحزنوا وَأَنْتُم الاعلون ان كُنْتُم مؤ منين " " اسْتَعِينُوا بِاللَّه واصبروا ان الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده والعقبة لِلْمُتقين " " عَسى ربكُم ان يهْلك عَدوكُمْ ويستخلفكم فِي الأَرْض فَينْظر كَيفَ تَعْمَلُونَ " " وأورثنا الْقَوْم الَّذين كَانُوا يستضعفون مشرق الأَرْض وَمَغْرِبهَا التىبركنافيها " " ان تستفتحوا فقد جَاءَكُم الْفَتْح " " واذْكُرُوا اذ أَنْتُم قَلِيل مستضعفون فى الأَرْض تخافون ان يتخطفكم النَّاس فأواكم وايدكم بنصره ورزقكم من الطيبت لَعَلَّكُمْ تشكرون " " هُوَ الذى ايدك بنصره وَبِالْمُؤْمِنِينَ والف بَين قُلُوبهم " " وينصركم عَلَيْهِم ويشف صُدُور قوم مُؤمنين " " لقد نصركم الله فى مَوَاطِن كَثِيرَة " " ثمَّ انْزِلْ الله سكينه على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ " " الا تنصروه فقد نَصره الله اذ أخرجه الَّذين كفرُوا ثانى اثْنَيْنِ اذ هما فى الْغَار اذ يَقُول لصحبه لَا تحزن ان الله مَعنا فَانْزِل الله سكينته عَلَيْهِ وأيده بِجُنُود لم تَرَوْهَا وَجعل كلمة الَّذين كفرُوا السُّفْلى وَكلمَة الله هى الْعليا وَالله عَزِيز حَكِيم "

" لَهُم الْبُشْرَى فى الحيوة الدُّنْيَا وفى الاخرة لَا نبديل لكلمت الله ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْعظم ". " فنجينه وَمن مَعَه فِي الْفلك وجعلنهم خلائف ". " وَلَقَد بوأنا بنى إِسْرَائِيل مبوأ صدقٍ ورزقناهم من الطَّيِّبَات ". " فلولا كَانَت قريةٌ ءامنت فنفعها إيمَانهَا إِلَّا قوم يُونُس لما ءامنوا كشفنا عَنْهُم عَذَاب الخزى فِي الحيوة الدُّنْيَا ومتعناهم إِلَى حينٍ ". " ثمَّ ننجى رسلنَا وَالَّذين ءامنوا كَذَلِك حَقًا علينا ننج الْمُؤمنِينَ ". " وَلما جَاءَ أمرنَا نجينا هوداً وَالَّذين ءامنوا مَعَه برحمةٍ منا ونجينهم من عذابٍ غليظٍ ". " فَلَمَّا جَاءَ أمرنَا نجينا صلحا وَالَّذين ءامنوا مَعَه برحمةٍ منا وَمن خزى يومئذٍ إِن رَبك هُوَ القوى الْعَزِيز ". " وَلما جَاءَ أمرنَا نجينا شعيباً وَالَّذين ءامنوا مَعَه برحمةٍ منا ". " وَكَذَلِكَ يجتبيك رَبك ويعلمك من تَأْوِيل الْأَحَادِيث وَيتم نعْمَته عَلَيْك وعَلى ءال يَعْقُوب ". " وَكَذَلِكَ مكنا ليوسف فِي الأَرْض يتبوأ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نصيب برحمتنا من نشَاء وَلَا نضيع أجر الْمُحْسِنِينَ ". " فَاسْتَجَاب لَهُ ربه فصرف عَنهُ كيدهن إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم ". " وَلَا تايئسوا من روح الله إِنَّه لَا يائيس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ ". " قَالَ أَنا يُوسُف وَهَذَا أخى قد من الله علينا إِنَّه من يتق وصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ ".

" فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير أَلْقَاهُ على وَجهه فَارْتَد بَصيرًا ". " وَقَالَ ادخُلُوا مصر إِن شَاءَ الله ءامنين ". " حَتَّى إِذا استيئس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا جَاءَهُم نصرنَا فنجى من نشَاء وَلَا يرد بأسنا عَن الْقَوْم الْمُجْرمين ". " وَإِن تعدوا نعمت الله لَا تحصوها إِن الانسان لظلوم كفارٌ ". " وَنَزَعْنَا مَا فِي صدرهم من غل إخْوَانًا على سررٍ مُتَقَابلين ". " قَالُوا لَا توجل إِنَّا نبشرك بغلامٍ عليمٍ قَالَ أبشرتموني على أَن مسنى الْكبر فَبِمَ تبشرون قَالُوا بشرنك بِالْحَقِّ فَلَا تكن من القانطين ". " وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها إِن الله لغفورٌ رحيمٌ ". " كَذَلِك يتم نعْمَته عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تسلمون ". " ثمَّ رددنا لكم الكرة عَلَيْهِم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أَكثر نفيراً ". " وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا ". " وألقيت عَلَيْك محبَّة منى ولتصنع على عينى ". " لَا تخَاف دركاً وَلَا تخشى ". " يبْنى إِسْرَائِيل قد أنجيناكم من عَدوكُمْ وواعدناكم جَانب الطّور الْأَيْمن ونزلنا عَلَيْكُم الْمَنّ والسلوى ". " ثمَّ صدقناهم الْوَعْد فأنجيناهم وَمن نشَاء وأهلكنا المسرفين ".

" قُلْنَا يَا نَار كونى بردا وسلماً على إِبْرَاهِيم وَأَرَادُوا بِهِ كيداً فجعلناهم الأخسرين ونجيناه ولوطاً إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا للْعَالمين ". " ولوطاًءَاتَيْنَاهُ حكما وعلماً ونجيناه من الْقرْيَة الَّتِي كَانَت تعْمل الْخَبَائِث إِنَّهُم كَانُوا قوم سوء فاسقين ". " ونوحاً إِذْ نَادَى من قبل فاستجبنا لَهُ فنجيناه وَأَهله من الكرب الْعَظِيم ". وَأَيوب إِذْ نَادَى ربه أَنى مسنى الضّر وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ فاستجبنا لَهُ فكشفنا مَا بِهِ من ضرّ وءاتيناه أَهله وَمثلهمْ مُهِمّ رَحْمَة من عندنَا وذكرى للعابدين ". " فاستجبنا لَهُ ونجيناه من الْغم وَكَذَلِكَ ننجى الْمُؤمنِينَ ". " فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى وأصلحنا لَهُ زوجه إِنَّهُم كَانُوا يسرعون فِي الْخيرَات ويدعوننا رغباً ورهباً ". " وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبادى الصالحون ". " ولينصرن الله من ينصره إِن الله لقوى عزيزٌ ". " قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ ". " وعد الله الَّذين ءامنوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ". " يَا مُوسَى لَا تخف إنى لَا يخَاف لَدَى المُرْسَلُونَ ". " وأنجينا الَّذين ءامنوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ". " ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض ونجعلهم أيمةً ونجعلهم الْوَارِثين ونمكن لَهُم فِي الأَرْض ".

" وَلَا تخافى وَلَا تحزنى إِنَّا رادوه إِلَيْك وجاعلوه من الْمُرْسلين ". " فرددناه إِلَى أمه كي تقر عينهَا وَلَا تحزن ولتعلم أَن وعد الله حق وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ ". " يَا مُوسَى أقبل وَلَا تخف إِنَّك من الأمنين ". " أَو لم نمكن لَهُم حرما ءامناً يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَات كل شيءٍ رزقا من لدنا وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ ". " فأنجيناه وَأَصْحَاب السَّفِينَة وجعلناها ءاية للْعَالمين ". " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَق وَيَعْقُوب وَجَعَلنَا فِي ذُريَّته النُّبُوَّة والكتب وءاتينه أجره فِي الدُّنْيَا وَإنَّهُ فِي الْآخِرَة لمن الصَّالِحين ". " فأنجاه الله من النَّار إِن فِي ذَلِك لأياتٍ لقومٍ يُؤمنُونَ ". " لَا تخف وَلَا نحزن إِنَّا منجوك وَأهْلك إِلَّا امْرَأَتك كَانَت من الغابرين ". " ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله ينصر من يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم ". " فَإِذا أصَاب بِهِ من يَشَاء من عباده إِذا هم يستبشرون ". " يأيها الَّذين ءامنوا اذْكروا الله عَلَيْكُم إِذْ جَاءَكُم جنود فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنوداً لم تَرَوْهَا وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيرًا ". " ورد الله الَّذين كفرُوا بغيظهم لم ينالوا خيرا وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَكَانَ الله قَوِيا عَزِيزًا وَأنزل الَّذين ظهروهم من أهل الْكتاب من صياصيهم وَقذف فِي قُلُوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً وأورثكم أَرضهم وديارهم وَأَمْوَالهمْ وأرضاً لم تطئوها وَكَانَ الله على كل شيءٍ قَدِيرًا ".

" مَا يفتح الله للنَّاس من رحمةٍ فَلَا مُمْسك لَهَا ". " وَلَقَد مننا على مُوسَى وَهَارُون ونجسناهما وقومهما من الكرب الْعَظِيم ". " فَأمنُوا فمتعناهم إِلَى حِين ". " وَلَقَد سبقت كلمتنا لعبادنا الْمُرْسلين إِنَّهُم لَهُم المنصورون وَإِن جندنا لَهُم الغاليون ". " فَلَا يحزنك قَوْلهم إِنَّا نعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون ". " قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرةٍ وَهُوَ بِكُل خلقٍ عليمٌ ". " فغفرنا لَهُ ذَلِك وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مأبٍ يداود إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ ". " ونجيناه وَأَهله من الكرب الْعَظِيم وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ ". " فأرادوا بِهِ كيداً فجعلناهم الأسفلين ". " وفديناه بِذبح عَظِيم وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين سلمٌ على إِبْرَاهِيم كَذَلِك نجزي المحسينين ". " اركض برجلك هَذَا مغتسلٌ باردٌ وشرابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم رَحْمَة منا وذكرى لأولى الْأَلْبَاب ". " أَلَيْسَ الله بكافٍ عَبده ". " وينجى الله الَّذين اتَّقوا بمفازتهم لَا يمسهم السوء وَلَا هم يَحْزَنُونَ ". " فوقاه الله سيئات مَا مكروا ". " إِنَّا لننصر رسلنَا وَالَّذين ءامنوا فِي الحيوة الدُّنْيَا وَيَوْم يقوم الأشهاد ".

" ورفعنا بَعضهم فَوق بعضٍ درجتٍ ". " يَا عباد لَا خوفٌ عَلَيْكُم الْيَوْم وَلَا أَنْتُم تَحْزَنُونَ ". " وَلَقَد نجينا بنى إِسْرَائِيل الْعَذَاب المهين ". " وَلَا تهنوا وَلَا تحزنوا وَأَنْتُم الأعلون إِن كُنْتُم مُؤمنين ". " فَلَا تهنوا وَتَدعُوا إِلَى السّلم وَأَنْتُم الأعلون وَالله مَعكُمْ ". " إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر وَيتم نعْمَته عَلَيْك ويهديك صراطاً مُسْتَقِيمًا وينصرك الله نصرا عَزِيزًا ". " لقد رضى الله عَن الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة فَعلم مَا فِي قُلُوبهم فَأنْزل السكنية عَلَيْهِم وأثابهم فتحا قَرِيبا ومغانم كَثِيرَة يأخذونها وَكَانَ الله عَزِيزًا حكيماً ". " فَأنْزل الله سكينته على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ وألزمهم كلمة التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا وَكَانَ الله بِكُل شيءٍ عليماً ". " فَجعل من دون ذَلِك فتحا قَرِيبا ". " وأحيينا بِهِ بَلْدَة مَيتا كَذَلِك الْخُرُوج ". " قَالُوا لَا تخف وبشروه بِغُلَام عليم ". " يُرِيدُونَ ليطفئوا نور الله بأفواههم وَالله متم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ ". " وحملناه على ذَات ألواحٍ ودسرٍ تجرى بأعيننا جَزَاء لمن كَانَ كفر ". " وَأُخْرَى تحبونها نصرٌ من الله وفتحٌ قريبٌ وَبشر الْمُؤمنِينَ ". " فأيدنا الَّذين ءامنوا على عدوهم فَأَصْبحُوا ظَاهِرين ".

اوامر ندب الله تعلي اليها

" وَللَّه الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ ". " سَيجْعَلُ الله بعد عسرٍ يسرا ". " فوقاهم الله شَرّ ذَلِك الْيَوْم ولقاهم نَضرة وسروراً ". " وينقلب إِلَى أَهله مَسْرُورا ". " ألم يجدك يَتِيما فأوى ووجدك ضَالًّا فهدى ووجدك عائلاً فأغنى ". " ألم نشرح لَك صدرك ". " فَإِن مَعَ الْعسر يسرا إِن مَعَ الْعسر يسرا ".؟ أوَامِر ندب الله تعلى إِلَيْهَا " وَقُولُوا للنَّاس حسنا ". " فاعفوا واصفحوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره ". " وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة وأحسنوا إِن الله يحب الْمُحْسِنِينَ ". " وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى ". " فَاعْفُ عَنْهُم واستغفر لَهُم وشاورهم فِي الْأَمر فَإِذا عزمت فتوكل على الله إِن الله يحب المتوكلين ". " فَأَعْرض عَنْهُم وعظهم وَقل لَهُم فِي أنفسهم قولا بليغاً ". " وتوكل على الله وَكفى بِاللَّه وَكيلا ". " وَإِذا حييتُمْ بتحيةٍ فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَو ردوهَا إِن الله كَانَ على كل شيءٍ حسيباً ". " وَلَا تجَادل عَن الَّذين يَخْتَانُونَ أنفسهم إِن الله لَا يحب من كَانَ خوانًا أَثِيمًا ".

" لَا يحب الله الْجَهْر بالسوء من القَوْل إِلَّا من ظلم وَكَانَ الله سميعاً عليماً ". " وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان ". " فاستبقوا الْخيرَات إِلَى الله مرجعكم جَمِيعًا فينبئكم بِمَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون ". " اتبع مَا أوحى إِلَيْك من رَبك لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَأعْرض عَن الْمُشْركين ". " خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نزغٌ فاستعذ بِاللَّه إِنَّه سميعٌ عليمٌ ". " وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قوةٍ وَمن رِبَاط الْخَيل ترهبون بِهِ عَدو الله وَعَدُوكُمْ ". " فاصفح الصفح الْجَمِيل ". " لاتمدن عَيْنَيْك إِلَى مَا متعنَا بِهِ أزوجاً مِنْهُم وَلَا تحزن عَلَيْهِم واخفض جناحك للْمُؤْمِنين ". " فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر وَأعْرض عَن الْمُشْركين ". " فَإِذا قَرَأت القرءان فاستعد بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم ". " ادْع إِلَى سَبِيل رَبك بالحكمة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن إِن رَبك هُوَ أعلم بِمن ضل عَن سَبيله وَهُوَ أعلم بالمهتدين وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهو خيرٌ للصابرين واصبر وَمَا صبرك إِلَّا بِاللَّه وَلَا تحزن عَلَيْهِم وَلَا تَكُ فِي ضيقٍ مِمَّا يمكرون ". " وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه وبالوالدين إحساناً إِمَّا يبلغن عنْدك الْكبر أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا فَلَا تقل لَهما أُفٍّ وَلَا تنهرهما وَقل لَهما قولا كَرِيمًا واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة وَقل رب ارحمهما كَمَا ربياني

صَغِيرا ربكُم أعلم بِمَا فِي نفوسكم إِن تَكُونُوا صالحين فَإِنَّهُ كَانَ للأوابين غَفُورًا وءات ذَا الْقُرْبَى والمسكين وَابْن السَّبِيل وَلَا تبذر تبذيراً إِن المبذرين كَانُوا إخْوَان الشَّيَاطِين وَكَانَ الشَّيْطَان لرَبه كفوراً وَإِمَّا تعرضن عَنْهُم ابْتِغَاء رحمةٍ من رَبك ترجوها فَقل لَهُم قولا ميسوراً وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك وَلَا تبسطها كل الْبسط فتقعد ملوماً محسوراً ". " وأوفوا بالعهد إِن الْعَهْد كَانَ مسئولاً ". " وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علمٌ إِن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسئولاً وَلَا تمش فِي الأَرْض مرحاً إِنَّك لن تخرق الأَرْض وَلنْ تبلغ الْجبَال طولا ". " وَقل لعبادي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أحسن إِن الشَّيْطَان ينزغ بَينهم إِن الشَّيْطَان كَانَ للْإنْسَان عدوا مُبينًا ". " وَلَا تُطِع من أَغْفَلنَا قلبه عَن ذكرنَا وَاتبع هَوَاهُ وَكَانَ أمره فرطا ". " وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إِلَى مَا متعنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُم زهرَة الحيوة الدُّنْيَا ". " فَلَا ينزعنك فِي الْأَمر وادع إِلَى رَبك إِنَّك لعلى هدى مستقيمٍ وَإِن جادلوك فَقل الله أعلم بِمَا تَعْمَلُونَ ". " وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة أَن يؤتوا أولى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِين والمهاجرين فِي سَبِيل الله وليعفوا وليصفحوا أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم وَالله غفورٌ رحيمٌ ". " فَإِذا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلمُوا على أَنفسكُم تَحِيَّة من عِنْد الله مباركة طيبَة ". " وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً ".

" وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين واخفض جناحك لمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ ". " وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم ". " أقِم الصلوة لدلوك الشَّمْس إِلَى غسق الَّيْلِ ". " يبْنى أقِم الصلوة وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وانه عَن الْمُنكر واصبر على مَا أَصَابَك إِن ذَلِك من عزم الْأُمُور وَلَا تصعر خدك للنَّاس وَلَا تمش فِي الأَرْض مرحاً إِن الله لَا يحب كل مختال فخور واقصد فِي مشيك واغضض من صَوْتك إِن أنكر الْأَصْوَات لصوت الْحمير ". " يَا نسَاء النَّبِي لستن كَأحد من النِّسَاء إِن اتقيتن فَلَا تخضعن بالْقَوْل فيطمع الَّذِي فِي قلبه مرضٌ وقلن قولا مَعْرُوفا وَقرن فِي بيوتكن وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى ". " يَا أَيهَا الَّذين ءامنوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي إِلَّا أَن يُؤذن لكم إِلَى طعامٍ غير ناظرين إناه وَلَكِن إِذا دعيتم فادخلوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشرُوا وَلَا مستأنسين لحديثٍ ". " وَلَا تُطِع الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ ودع أذاهم وتوكل على الله ". " ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن فَإِذا الَّذِي بَيْنك وَبَينه عداوةٌ كَأَنَّهُ ولى حميمٌ ". " وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نزغٌ فاستعذ بِاللَّه إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم ". " فَلذَلِك فَادع واستقم كَمَا أمرت وَلَا تتبع أهواءهم وَقل ءامنت بِمَا أنزل الله من كتبٍ وَأمرت لأعدل بَيْنكُم ". " فاصفح عَنْهُم وَقل سَلام فَسَوف يعلمُونَ ".

" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخوةٌ فأصلحوا بَين أخويكم ". " يَا أَيهَا الَّذين ءامنوا لَا يسخر قومٌ من قومٍ عَسى أَن يَكُونُوا خيرا مِنْهُم وَلَا نساءٌ من نسَاء ". " يَا أَيهَا الَّذين ءامنوا إِذا تناجيتم فَلَا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرَّسُول وتناجوا بِالْبرِّ وَالتَّقوى ". " يَا أَيهَا الَّذين ءامنوا إِذا قيل لكم تَفَسَّحُوا فِي الْمجَالِس فافسحوا يفسح الله لكم وَإِذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الَّذين ءامنوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات ". " يَا أَيهَا الَّذين ءامنوا لم تَقولُونَ مَا تَفْعَلُونَ كبر مقتاً عِنْد الله تَقولُوا مَالا تَفْعَلُونَ ". " وَمَا ءاتاكم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فانتوا وَاتَّقوا الله ". " فَإِذا قضيت الصلوة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله ". " وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون ". " لينفق ذُو سعةٍ من سعته وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا ءاته الله ". " فاصبر كَمَا صَبر أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل ". " فاصبر صبرا جميلاً إِنَّهُم يرونه بَعيدا ونراه قَرِيبا ". " واصبر على مَا يَقُولُونَ واهجرهم هجراً جميلاً ". " يَا أَيهَا المثر قُم فَأَنْذر وَرَبك فَكبر وثيابك فطهر وَالرجز فاهجر وَلَا تمنن تستكثر ولربك فاصبر ".

آيات التحدي

آيَات التحدي " وَإِن كُنْتُم فِي ريبٍ مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا فَأتوا بسورةٍ من مثله وَادعوا شهداءكم من دون الله إِن كُنْتُم صَادِقين ". " أم يَقُولُونَ افتراه قل فَأتوا بِعشر سورٍ مثله مفترياتٍ وَادعوا من اسْتَطَعْتُم من دون الله إِن كُنْتُم صَادِقين ". " قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا القرءان لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبعضٍ ظهيراً ". " أم يَقُولُونَ افتراه قل فَأتوا بسورةٍ مثله ".

الباب الثاني فيه كلام رسول الله صلي الله عليه وسلم

الْبَاب الثَّانِي فِيهِ كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِعشر كَلِمَات، حمد الله تَعَالَى وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: " أَيهَا النَّاس، إِن لكم معالم، فَانْتَهوا إِلَى معالمكم، وَإِن لكم نِهَايَة، فَانْتَهوا إِلَى نهايتكم، إِن الْمُؤمن بَين مخافتين، بَين أجلٍ قد مضى لَا يدْرِي مَا الله صانعٌ بِهِ، وَبَين أجلٍ قد بقى لَا يدْرِي مَا الله قاضٍ فِيهِ، فليأخذ العَبْد من نَفسه لنَفسِهِ، وَمن دُنْيَاهُ لآخرته، وَمن الشبيبة قبل الْكبر، وَمن الْحَيَاة قبل الْمَوْت، وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا بعد الْمَوْت من مستعتب، وَمَا بعد الدُّنْيَا من دارٍ إِلَّا الْجنَّة أَو النَّار ". وَمن كَلَامه الموجز عَلَيْهِ السَّلَام: " النَّاس كلهم سواءٌ كأسنان الْمشْط ". و " الْمَرْء كثيرٌ بأَخيه، وَلَا خير لَك فِي صُحْبَة من لَا يرى لَك مثل الَّذِي يرى لنَفسِهِ ". وَذكر الْخَيل فَقَالَ " بطونها كنزٌ وظهورها حرز ".

وَقَالَ: " نَهَيْتُكُمْ عَن عقوق الْأُمَّهَات، ووأد الْبَنَات، ومنعٍ، وهات ". وَقَالَ: " النَّاس كَالْإِبِلِ ترى الْمِائَة لَا ترى فِيهَا رَاحِلَة ". وَقَالَ: " لَا تزَال أمتى بخيرٍ مَا لم تَرَ الْأَمَانَة مغنماً وَالصَّدَََقَة مغرماً ". وَقَالَ: " لَا تجلسوا على ظُهُور الطّرق، فَإِن أَبَيْتُم فعضوا الْأَبْصَار، وردوا السَّلَام، واهدوا الضَّالة، وأعينوا الضَّعِيف ". وَقَالَ: " إِن الدُّنْيَا حلوةٌ خضرةٌ، وَإِن الله مستعملكم فِيهَا فناظرٌ كَيفَ تَعْمَلُونَ ". وَقَالَ: " لَا يؤمٌ ذُو سلطانٍ فِي سُلْطَانه، وَلَا يجلس على تكرمته إِلَّا بِإِذْنِهِ ". وَقَالَ رجل: " يَا رَسُول الله أوصني بِشَيْء يَنْفَعنِي الله بِهِ. قَالَ: أَكثر ذكر الْمَوْت يسْلك عَن الدُّنْيَا، وَعَلَيْك بالشكر، فَإِن الشُّكْر يزِيد فِي النِّعْمَة، وَأكْثر من الدُّعَاء، فَإنَّك لَا تَدْرِي مَتى يُسْتَجَاب لَك، وَإِيَّاك وَالْبَغي، فَإِنَّهُ من بغى عَلَيْهِ لينصرنه الله ". قَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم "، وَإِيَّاك وَالْمَكْر فَإِن الله قد قضى " " وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيئ إِلَّا بأَهْله ". وَسُئِلَ: أَي النَّاس شَرّ؟ قَالَ: " الْعلمَاء إِذا فسدوا ".

وَقَالَ: " دب إِلَيْكُم دَاء الْأُمَم قبلكُمْ " الْحَسَد والبغضاء، هِيَ الحالقة، حالقة الدّين لَا حالقة الشّعْر، وَالَّذِي نفس محمدٍ بِيَدِهِ، لَا تؤمنون حَتَّى تحَابوا، أَفلا أنبئتكم بِأَمْر إِذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السَّلَام بَيْنكُم ". وَقَالَ: " تهادوا تحَابوا ": وَقَالَ: " لَيْسَ من أَخْلَاق الْمُؤمن الملق إِلَّا فِي طلب الْعلم ". وَقَالَ: " قيدوا الْعُلُوم بِالْكتاب ". وَقَالَ: " لَوْلَا رجالٌ خشعٌ وصبيانٌ رضعٌ، وبهائم رتع لصب عَلَيْكُم الْعَذَاب صبا ". وَقَالَ: " ستحرصون على الْإِمَارَة، فَنعم الْمُرْضع وبئست الفاطمة ". وَقَالَ: " علق سَوْطك حَيْثُ يرَاهُ أهلك ". وَقدم السَّائِب بن أبي صَيْفِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أتعرفني؟ قَالَ: " كَيفَ لَا أعرفك؟ أَنْت شَرِيكي الَّذِي لَا يمارى وَلَا يشارى ". وكلمته جاريةٌ من السبى، فَقَالَ لَهَا: من أَنْت؟ قَالَت: أَنا ابْنة الْجواد حاتمٍ. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " ارحموا عَزِيزًا ذل، ارحموا غَنِيا افْتقر، ارحموا عَالما ضَاعَ بَين جهالٍ ".

وَجَاء إِلَيْهِ قيس بن عَاصِم، فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ قَالَ: " هَذَا سيد أهل الْوَبر ". فَقَالَ: يَا رَسُول الله، خبرني عَن المَال الَّذِي لَا يكون على فِيهِ تبعةٌ من ضيفٍ ضافني، أَو عيالٍ كَثُرُوا. قَالَ: " نعم المَال الْأَرْبَعُونَ، والاكثر السِّتُّونَ، وويلٌ لأَصْحَاب المئين، إِلَّا من أعْطى من رسلها ونجدتها، وأطرق فَحلهَا، وأفقر ظهرهَا، وَنحر سمينها، وَأطْعم القانع والمعتر " قَالَ: يَا رَسُول الله، مَا أكْرم هَذِه الْأَخْلَاق! وَمَا يحل بالوادي الَّذِي أكون فِيهِ غَيْرِي من كَثْرَة إبلي. قَالَ: فَكيف تصنع بالطروقة "؟ قَالَ: تَغْدُو الْإِبِل وتغدو النَّاس فَمن شَاءَ أَخذ بِرَأْس بعير فَذهب بِهِ. قَالَ: " فَكيف تصنع بالإفقار؟ " فَقَالَ: " إِنِّي لأفقر الْبكر الضَّرع والناب المسنة ". قَالَ: فَكيف تصنع بالمنيحة؟ " فَقَالَ: إِنِّي لأمنح كل سنة مائَة. قَالَ: " فَأَي المَال أحب إِلَيْك؟ مَالك أم مَال مَوْلَاك؟ " قَالَ: بل مَالِي. قَالَ: " فمالك من مَالك إِلَّا مَا أكلت فأفنيت، أَو لبست فأبليت، أَو أَعْطَيْت فأمضيت ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " حصنوا أَمْوَالكُم بِالزَّكَاةِ، وداووا مرضاكم بِالصَّدَقَةِ، واستقبلوا أَنْوَاع البلايا بِالدُّعَاءِ ". وَقَالَ: " الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر ". وَعَاد عَلَيْهِ السَّلَام مَرِيضا فَقَالَ: " اللَّهُمَّ آجره على وَجَعه، وعافه إِلَى مُنْتَهى أَجله ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لما زف فَاطِمَة إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا: " جدع الْحَلَال أنف الْغيرَة ". وَقَالَ: " لَا يرد الْقدر إِلَّا الدُّعَاء، وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر، وَإِن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يُصِيبهُ ".

وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِن الله تَعَالَى يحب الأتقياء الْأَبْرَار الأخفياء الَّذين إِذا حَضَرُوا لم يعرفوا، وَإِذا غَابُوا لم يفتقدوا، قُلُوبهم مصابيح الْهدى ينجون من كل غبراء مظْلمَة ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " ظهر الْمُؤمن مشجبه، وخزانته بَطْنه، وَرجله مطيته، ودخيرته ربه ". وَقَالَ: " أَسد الْأَعْمَال ثلاثةٌ: ذكر الله جلّ وَعز على كل حَال، ومواساة الْأَخ فِي المَال، وإنصاف النَّاس من نَفسك ". وَقَالَ: " إِن أسْرع الْخَيْر ثَوابًا الْبر، وَإِن أسْرع الشَّرّ عُقُوبَة الْبَغي، وَكفى بِالْمُؤمنِ عَيْبا أَن ينظر من النَّاس إِلَى مَا يعمى عَنهُ من نَفسه، ويعير من النَّاس مَا لَا يَسْتَطِيع تَركه، ويؤذي جليسه بِمَا لَا يعنيه ". وَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس: يَا رَسُول الله، فيمَ الْحمال؟ قَالَ: " فِي اللِّسَان ". وَقَالَ: " إِذا فعلت أمتِي خمس عشرَة خصْلَة حل بهَا الْبلَاء. إِذا أكل الْفَيْء أمراؤهم، وَاتَّخذُوا المَال دولاً، وَالْأَمَانَة مغنماً، وَالزَّكَاة مغرماً، وأطاع الرجل زَوجته وعق أمه؛ وبر صديقه وجفا أَبَاهُ، وَارْتَفَعت الْأَصْوَات فِي الْمَسَاجِد، وَأكْرم الرجل مَخَافَة شَره، وَكَانَ زعيم الْقَوْم أرذلهم، وَإِذا لبس الْحَرِير، وشربت الْخمر، واتخذت القيان وَالْمَعَازِف، وَلعن آخر هَذِه الْأمة أَولهَا، فليترقبوا بذلك ثَلَاث خِصَال: ريحًا حَمْرَاء ومسخاً وخسفا ".

وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول لنسائه: " أَسْرَعكُنَّ بِي لحَاقًا أَطْوَلكُنَّ يدا ". فَكَانَت عَائِشَة تَقول: أَنا تِلْكَ، أَنا أَطْوَلكُنَّ يدا. وَكَانَت زَيْنَب بنت جحش أَشد جوداً من غَيرهَا، وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَت امْرَأَة كَثِيرَة الصَّدَقَة، وَكَانَت صناعًا تصنع بِيَدِهَا، وتبيعه وَتَتَصَدَّق بِهِ ". وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْأَنْصَار: " إِنَّكُم لتكثرون عِنْد الْفَزع، وتقلون عِنْد الطمع ". وَقَالَ: " أَلا أخْبركُم بأحبكم إِلَى وأقربكم مني مجَالِس يَوْم الْقِيَامَة؟ أحاسنكم أَخْلَاقًا، الموطئون أكنافاً الَّذين يألفون ويؤلفون، أَلا أخْبركُم بأبغضكم إِلَى وأبعدكم مني مجَالِس يَوْم الْقِيَامَة؟ الثرثارون المتفيهقون ". وَقَالَ: " من بَاعَ دَارا أَو عقارا فَلم يردد ثمنه فِي مثله، فَذَلِك مالٌ قمنٌ أَلا يُبَارك فِيهِ ". وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَلا أخْبركُم بشراركم؟ من أكل وَحده، وَمنع رفده، وَضرب عَبده. أَلا أخْبركُم بشر من ذَلِكُم؟ من لَا يقيل عَثْرَة، وَلَا يقبل معذرةً. وَلَا يغْفر ذَنبا. أَلا أخْبركُم بشر من ذَلِكُم؟ من يبغض النَّاس ويبغضونه ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " ابْن آدم، إِذا كَانَ عنْدك مَا يَكْفِيك، فَلم تطلب مَا يُطْغِيك ". وَقَالَ: " من رزقه الله مَالا فبذل معروفه، وكف أَذَاهُ فَذَلِك السَّيِّد " وَقَالَ: " إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا جعل صنائعه فِي أهل الْحفاظ ".

وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا أَخَاف على أمتِي مُؤمنا وَلَا كَافِرًا؛ أما الْمُؤمن فيحجزه إيمَانه، وَأما الْكَافِر فيقدعه كفره، وَلَكِنِّي أَخَاف عَلَيْهَا منافقاً يَقُول مَا تعرفُون، وَيعْمل مَا تنكرون ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " نَحن بَنو النَّضر بن كنَانَة، لَا نقفو أمنا، وَلَا ننتقى من أَبينَا ". - أَي لَا نتهم أمنا. وروى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه وَجه عليا كرم الله وَجهه إِلَى بعض الْوُجُوه، فَقَالَ لَهُ فِي بعض مَا أوصى بِهِ: " يَا عَليّ، قد بَعَثْتُك وَأَنا بك ضنينٌ، فَلَا تدعن حَقًا لغدٍ، فَإِن لكل يومٍ مَا فِيهِ، وابرز للنَّاس، وَقدم الوضيع على الشريف، والضعيف على الْقوي، وَالنِّسَاء قبل الرِّجَال، وَلَا تدخلن أحدا يَغْلِبك على أَمرك، وشاور لِلْقُرْآنِ فَإِنَّهُ إمامك " قَالَ عَائِشَة: ذبحنا شَاة فتصدقنا بهَا، فَقلت: يَا رَسُول الله، مَا بقى مِنْهَا إِلَّا كتفها، فَقَالَ: " كلهَا بَقِي إِلَّا كتفها ". وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجل: " بَادر بِخمْس قبل خمس، بشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل مماتك ". وروى أَنه وقف بَين يَدَيْهِ رجل فارتعد، فَقَالَ صلى الله عيه وَسلم: " لَا تخف فَإِنِّي ابْن امرأةٍ من قريشٍ كَانَت تَأْكُل القديد ". وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " استعيذوا بِاللَّه من شرار النِّسَاء، وَكُونُوا من خيارهن على حذرٍ ".

وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " تزوجوا الزرق فَإِن فِيهِنَّ يمنا ". وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " خمسٌ من أَتَى الله عز وَجل بِهن أَو بواحدةٍ مِنْهُنَّ أوجب لَهُ الْجنَّة: من سقى هَامة صاديةً، أَو أطْعم كبداً هافيةً، أَو كسا جلدَة عَارِية، أَو حمل قدماً حافيةً، أَو أعتق رَقَبَة عانيةً ". روى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب بمنى، فَقَالَ للْأَنْصَار: " ألم تَكُونُوا ضلالا فَهدَاكُم الله بِي؟ ألم تَكُونُوا خَائِفين فآمنكم الله بِي؟ ألم تَكُونُوا أذلاء فَأَعَزكُم الله بِي؟ " ثمَّ قَالَ: " مَا لي أَرَاكُم لَا تجيبون "؟ قَالُوا: مَا نقُول؟ قَالَ: " تَقولُونَ: ألم يطردك قَوْمك فَآوَيْنَاك؟ ألم يكذبك قَوْمك فَصَدَّقْنَاك؟ " قَالَ فجثوا على الركب، فَقَالُوا: أَنْفُسنَا وَأَمْوَالنَا لَك يَا رَسُول الله، فَأنْزل الله تَعَالَى قَوْله: " قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " صنائع الْمَعْرُوف تقى مصَارِع السوء ". " وَصدقَة السِّرّ تُطْفِئ غضب الرب "، " وصلَة الرَّحِم تزيد فِي الْعُمر وتدفع ميتَة السوء ". وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَقُول الله تَعَالَى: " إِذا عَصَانِي من خلقي من يعرفنِي سلطت عَلَيْهِ من خلقي من لايعرفني ". وَقَالَ: " جعل عزى فِي ظلّ سَيفي، ورزقي فِي رَأس رُمْحِي ". وَقَالَ: " من وفى مَا بَين لحييْهِ وَمَا بَين رجلَيْهِ دخل الْجنَّة ".

وَمن كَلَامه صلى الله عيه وَسلم: " الْمُؤمن مألفةٌ، وَلَا خير فِيمَن لَا يألف وَلَا يؤلف ". " الْمَرْء مَعَ من أحب " " حبك الشَّيْء يعمي ويصم ". " الْمُؤمن مؤآة الْمُؤمن ". " حسن الْعَهْد من الْإِيمَان ". " دع مَا يريبك إِلَى مَا لَا يريبك ". " فَمن رعى حول الْحمى يُوشك أَن يَقع فِيهِ ". " لَا تنْزع الرَّحْمَة إِلَّا من شقى ". " من لَا يرحم لَا يرحم ". " الدُّنْيَا نعم مَطِيَّة الْمُؤمن ". " الدَّال على الْخَيْر كفاعله ".

" الْمُؤمن ينظر بِنور الله ". " إِنَّك لن تَجِد فقد شَيْء تركته لله ". " المنتعل راكبٌ ". " الْمَرْء كثيرٌ بأَخيه يكسوه يرفده يحملهُ ". " زر غبا تَزْدَدْ حبا ". " الْخَيْر عادةٌ وَالشَّر لجاجةٌ ". " الْخَيْر كثيرٌ وَمن يعْمل بِهِ قليلٌ ". " المستشار مؤتمنٌ ". " من حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَا لَا يعنيه ". " القناعة مالٌ لَا ينفذ ". " مَا عَال من اقتصد ". " أَي دَاء أدوى من الْبُخْل؟ ". " رَأس الْعقل بعد الْإِيمَان بِاللَّه التودد إِلَى النَّاس ". " إِذا أَتَاكُم كريم قومٍ فأكرموه ". " النَّاس معادن ".

" من صمت نجا ". " من رزق من شيءٍ فَيلْزمهُ ". " الْمُؤمن غر كريمٌ، والفاجر خب لئيمٌ ". " عَلَيْك باليأس مِمَّا فِي أَيدي النَّاس، وَإِيَّاك والطمع فَإِنَّهُ فقرٌ حاضرٌ ". " الصَّبْر عِنْد الصدمة الأولى ". " أفضل الْعَمَل أَدْوَمه وَإِن قل ". " سكان الكفور كسكان الْقُبُور ". " الشَّديد من غلب هَوَاهُ ". " الْوَلَد ريحانٌ من الْجنَّة ". " خَيركُمْ خَيركُمْ لأَهله ". " السّفر قطعةٌ من الْعَذَاب ". " المستشير معانٌ ". " خَيركُمْ من طَال عمره وَحسن عمله ". " حسن الْجوَار عمارةٌ للديار ". " الْأَنْصَار شعارٌ وَالنَّاس دثارٌ ". " لَا سهل إِلَّا مَا جعلته سهلاُ ". " خير النِّسَاء الْوَلُود الْوَدُود ". " الْإِبِل عز وَالْغنم بركةٌ ".

" مَا نحل والدٌ وَلَده أفضل من أدب حسن ". " الطاعم الشاكر بِمَنْزِلَة الصَّائِم الصابر ". " حسن الملكة نماءٌ ". " لَو كَانَ لِابْنِ آدم واديان من ذهب لابتغى إِلَيْهِمَا ثَالِثا، وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب، وَيَتُوب الله على من تَابَ ". " تَدْمَع الْعين ويحزن الْقلب وَلَا نقُول مَا يسْخط الرب ". " من عمل عملا أَدَّاهُ الله عمله ". " إِن الله يحب معالي الْأُمُور وَيكرهُ سفسافها ". " كَاد الْفقر أَن يكون كفرا ". " التمسوا الرزق فِي خبايا الأَرْض ". " ذُو الْوَجْهَيْنِ لَا يكون عِنْد الله وجيهاً ". " أفضل الصَّدَقَة على ذِي رحمٍ كاشحٍ ". " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ ". " إِنَّكُم لن تسعوا النَّاس بأموالكم، وَلَكِن سعوهم بأخلاقكم ". " اسْتَعِينُوا على حَوَائِجكُمْ بِالْكِتْمَانِ، فَإِن كل ذِي نعمةٍ مَحْسُود ". " من أحب أَخَاهُ فليعلمه ". " الْإِيمَان قيد الفتك ". " حلق الذّكر رياض الْجنَّة ". " أخوف مَا أَخَاف على أمتِي منافقٌ عليم اللِّسَان ". " رحم الله عبدا قَالَ خيرا فغنم أَو سكت فَسلم ". " صلَة الرَّحِم مثراةٌ لِلْمَالِ منسأةٌ فِي الْأَجَل ". " بعثت بالحنيفية السمحة ".

" أَصْحَابِي كالملح فِي الطَّعَام ". " مروا بِالْخَيرِ وَإِن لم تفعلوه ". " التَّوَاضُع شرف الْمُؤمن ". " لَا خير فِي الْعَيْش إِلَّا لسميعٍ واعٍ ". " استنزلوا الرزق بِالصَّدَقَةِ ". " انْظُر إِلَى من تَحْتك وَلَا تنظر إِلَى من فَوْقك ". " حسن السُّؤَال نصف الْعلم ". " الدُّعَاء سلَاح الْمُؤمن ". " الْمجَالِس بالأمانة ". " الْحِكْمَة ضَالَّة الْمُؤمن ". " أحب للنَّاس مَا تحب لنَفسك ". " داووا مرضاكم بِالصَّدَقَةِ، وردوا نائبة الْبلَاء بِالدُّعَاءِ ". " أَشْرَاف أمتِي حَملَة الْقُرْآن، وَأَصْحَاب اللَّيْل ". " صل من قَطعك، وَأعْطِ من حَرمك، واعف عَمَّن ظلمك ". " من يزرع شرا يحصد ندامةً ". " الْخلق الْحسن يذيب الْخَطَايَا ". " الْبلَاء موكلٌ بالْمَنْطق ". " نعم صومعة الرجل بَيته ". " مَا ساتودع الله عبدا عقلا إِلَّا استنقذه بِهِ يَوْمًا ". " من سَعَادَة ابْن آدم رِضَاهُ بِمَا قسم الله لَهُ ". " اللَّهُمَّ أعْط كل منفق خلفا. اللَّهُمَّ أعْط كل مُمْسك تلفاً ". " أَكْثرُوا ذكر هازم اللَّذَّات ".

" صُومُوا تصحوا، سافروا تغنموا ". " من خزن لِسَانه رفع الله شَأْنه ". " أَحْسنُوا جوَار نعم الله عز وَجل ". " لَا تَحْفِرُونَ من الْمَعْرُوف شَيْئا ". " لَو دخل الْعسر جحراً لدخل الْيُسْر حَتَّى يُخرجهُ ". " أعجل الطَّاعَة ثَوابًا صلَة الرَّحِم ". " طلب الْعلم فريضةٌ على كل مسلمٍ ". " فِي المعاريض مندوحةٌ عَن الْكَذِب ". " مطل الْغنى ظلمٌ ". " الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم ". " من ذب عَن عرض أَخِيه كَانَ ذَلِك حجاجاً لَهُ من النَّار ". قَالَ قيس بن عَاصِم الْمنْقري: وفدت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا: عظنا يَا رَسُول الله عظة ننتفع بهَا، فَإنَّا قوم نغير فِي الْبَادِيَة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " نعم يَا قيس. إِن مَعَ الْعِزّ ذلاً، وَإِن مَعَ الْحَيَاة موتا، وَإِن مَعَ الدُّنْيَا آخِرَة، وَإِن لكل شيءٍ حسابا، وَإِن على كل شيءٍ رقيباً، وَإِن لكل حسنةٍ ثَوابًا، وَإِن لكل شَيْء عقَابا، وَإِن لكل أجل كتابا، وَإنَّهُ لَا بُد لَك يَا قيس من قرينٍ يدْفن مَعَك وَهُوَ حَيّ، وتدفن مَعَه وَأَنت ميت، فان كَانَ كَرِيمًا أكرمك، وَإِن كَانَ لئيما أسلمك، ثمَّ لَا يحْشر إِلَّا مَعَك، وَلَا تبْعَث إِلَّا مَعَه، وَلَا تسْأَل إِلَّا عَنهُ. فَلَا تَجْعَلهُ إِلَّا صَالحا؛ فَإِنَّهُ إِن صلح أنست بِهِ، وَإِن فسد لم تستوحش إِلَّا مِنْهُ، وَهُوَ عَمَلك ". وَسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول فِي دُعَائِهِ: " اللَّهُمَّ لَا تحوجني إِلَى أحد من خلقك ". فَقَالَ لَهُ: " مهلا يَا عَليّ، إِن الله خلق الْخلق وَلم يغن بَعضهم عَن بعضٍ ". ودعا عَلَيْهِ السَّلَام وصيفةً لَهُ فأبطأت، فَقَالَ: " لَوْلَا مَخَافَة الْقصاص لأوجعتك بِهَذَا السِّوَاك ".

وَقَالَ: " الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا تطيل الْهم والحزن، والزهد فِي الدُّنْيَا راحةٌ الْقلب وَالْبدن ". وَقَالَ أنس: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَته الجدعاء وَلَيْسَت بالعضباء، فَقَالَ: " أَيهَا النَّاس كَأَن الْمَوْت فِيهَا على غَيرنَا كتب، وَكَأن الْحق فِيهَا على غَيرنَا وَجب، وَكَأن الَّذين نشيع من الْأَمْوَات سفرٌ عَمَّا قليلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُون، نبوئهم أجداثهم، وَنَأْكُل تراثهم، كأنا مخلدون بعدهمْ؛ قد نَسِينَا كل واعظةٍ، وَأمنا كل جائحةٍ، طُوبَى لمن شغله عَيبه عَن عُيُوب النَّاس، وَأنْفق من مالٍ كَسبه من غير معصيةٍ، ورحم أهل الذل والمسكنة، وخالط أهل الْفِقْه وَالْحكمَة. طُوبَى لمن أذلّ نَفسه، وَحسن خليقته، وَأصْلح سَرِيرَته وعزل النَّاس عَن شَره، طُوبَى لمن عمل بِعِلْمِهِ، وَأنْفق الْفضل من مَاله، وَأمْسك الْفضل من قَوْله، ووسعته السّنة وَلم يتعدها إِلَى الْبِدْعَة ". وَقَالَ: " إيَّاكُمْ والمشارة، فَإِنَّهَا تميت الْغرَّة وتحيي العرة " وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " أحسن النِّسَاء بركَة أحسنهن وَجها وأرخصهن مهْرا ". وَقَالَ: " الدُّنْيَا متاعٌ وَأفضل متاعها الزَّوْجَة الصَّالِحَة ". وَقَالَ: " مَا أَفَادَ الْمَرْء الْمُسلم بعد الْإِسْلَام كامرأة مُؤمنَة إِذا رَآهَا سرته، وَإِذا أقسم عَلَيْهَا برته، وَإِذا غَابَ عَنْهَا حفظته ". وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا مَال أَعُود من الْعقل، وَلَا وحدة أوحش من الْعجب، وَلَا عقل كالتدبير، وَلَا قرين كحسن الْخلق، وَلَا مِيرَاث كالأدب، وَلَا فَائِدَة كالتوفيق، وَلَا تِجَارَة كالعمل الصَّالح، وَلَا ربح كثواب الله، وَلَا ورع كالوقوف عِنْد الشُّبْهَة، وَلَا زهد كالزهد فِي الْحَرَام، وَلَا علم كالتفكر، وَلَا عبَادَة كأداء الْفَرَائِض، وَلَا إِيمَان كالحياء وَالصَّبْر، وَلَا حسب كالتواضع، وَلَا شرف كَالْعلمِ، وَلَا مُظَاهرَة أوثق من الْمُشَاورَة، فاحفظ الرَّأْس وَمَا حوى، والبطن وَمَا وعى، وَاذْكُر الْمَوْت وَطول البلى ". وَقَالَ: " إِن الله يحب أَن يُعْفَى عَن زلَّة السرى ".

وَقَالَ صلى الله عيه وَسلم: " من عَامل النَّاس فَلم يظلمهم، وَحَدَّثَهُمْ فَلم يكذبهم، وَوَعدهمْ فَلم يخلفهم فَهُوَ مؤمنٌ كملت مروءته، وَظَهَرت عَدَالَته، وَوَجَبَت أخوته، وَحرمت غيبته ". وَكتب عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى بني أَسد بن خُزَيْمَة وَمن يألف إِلَيْهِم من أَحيَاء مُضر: إِن لكم حماكم ومرعاكم، وَلكم مهيل الرمال وَمَا حازت، وتلاع الْحزن وَمَا ساوت، وَلكم مفيض السَّمَاء حَيْثُ استنهى، وصديع الأَرْض حَيْثُ ارتوى. وَقَالَ صلى الله عيه وَسلم: " مثل الَّذِي يعْتق عِنْد الْمَوْت كَمثل الَّذِي يهدي إِذا شبع ". وَقَالَ: " الاقتصاد نصف الْعَيْش، وَحسن الْخلق نصف الدّين ". ورى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَنه قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " أَنا الشَّجَرَة، وَفَاطِمَة فرعها، وعَلى لقاحها، وَالْحسن وَالْحُسَيْن ثَمَرَتهَا، والشيعة وَرقهَا ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا تديموا النّظر إِلَى أهل الْبلَاء فتحزنوهم ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " مثل الْفقر لِلْمُؤمنِ كَمثل فرسٍ مربوطٍ بِحِكْمَتِهِ إِلَى آخيةٍ كلما رأى شَيْئا مِمَّا يهوى ردته الْحِكْمَة ". روى عَن زيد قَالَ: تلقيت هَذِه الْخطْبَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتبوك، سمعته يَقُول: أما بعد. فَإِن أصدق الحَدِيث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التَّقْوَى، وَخير الْملَل مِلَّة إِبْرَاهِيم، وَخير السّنَن سنة مُحَمَّد، وأشرف الحَدِيث ذكر الله، وَأحسن الْقَصَص هَذَا الْقُرْآن، وَخير الْأُمُور عوازمها، وَشر الْأُمُور محدثاتها، وَأحسن الْهدى هدى الْأَنْبِيَاء، وأشرف الْمَوْت قتل الشُّهَدَاء، وأعمى الْعَمى الضَّلَالَة بعد الْهدى، وَخير الْعَمَل مَا نفع، وَخير الْهدى مَا اتبع، وَشر الْعَمى عمى الْقلب، وَالْيَد العيا خيرٌ من الْيَد السُّفْلى، وَمَا قل وَكفى خيرٌ مِمَّا كثر وألهى، وَشر الندامة ندامة يَوْم الْقِيَامَة، وَمن النَّاس من لَا يَأْتِي الْجُمُعَة إِلَّا نزرا، وَمِنْهُم من لَا يذكر الله إِلَّا هجرا، وَإِن أعظم الْخَطَايَا اللِّسَان الكذوب، وَخير الْغنى غنى النَّفس، وَخير الزَّاد التَّقْوَى، وَرَأس الْحِكْمَة مَخَافَة الله، وَخير مَا ألْقى فِي الْقلب الْيَقِين، والارتياب من الْكفْر، والنياحة من عمل الْجَاهِلِيَّة، والغلول من جَهَنَّم، وَالسكر من النَّار، وَالشعر من إِبْلِيس، وَالْخمر جماع الْإِثْم،

وَالنِّسَاء حبائل الشَّيْطَان، والشباب شعبةٌ من الْجُنُون، وَشر الْكسْب كسب الرِّبَا، وَشر المأكل أكل مَال الْيَتِيم، والسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ، والشقي من شقى فِي بطن أمه، وَإِنَّمَا يصير أحدكُم إِلَى مَوضِع أذرعٍ، وَالْأَمر إِلَى آخِره، وَشر الروايا روايا الْكَذِب، وكل مَا هُوَ آتٍ قريبٌ، وسباب الْمُؤمن فسقٌ وقتال الْمُؤمن كفرٌ، وَأكل لَحْمه من مَعْصِيّة الله، وَحُرْمَة مَاله كَحُرْمَةِ دَمه، وَمن يتأل على الله يكذبهُ، وَمن يغْفر يغْفر الله لَهُ، وَمن يصبر على الرزية يعوضه الله، وَمن يصم يُضَاعف الله لَهُ، وَمن يعْص الله يعذبه الله، اللَّهُمَّ اغْفِر لأمتي، اللَّهُمَّ اغْفِر لأمتي - ثَلَاث مَرَّات - أسْتَغْفر الله لي وَلكم. روى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " زوجوا أبناءكم وبناتكم ". قَالُوا: يَا رَسُول الله؛ هَؤُلَاءِ أَبْنَاؤُنَا نزوج، فَكيف بناتنا؟ فَقَالَ: " حلوهن بِالذَّهَب وَالْفِضَّة، وأجيدوا لَهُنَّ الْكسْوَة، وأحسنوا إلَيْهِنَّ النحلة يرغب فِيهِنَّ ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " أربعٌ من قواصم الظّهْر؛ إمامٌ تُطِيعهُ فيضلك، وزوجةٌ تأمنها فتخونك، وجارٌ إِن رأى حَسَنَة سترهَا وَإِن رأى قبيحةً أذاعها، وفقرٌ يتْرك الْمَرْء متلدداً ". قَالَ: " مَا خَابَ من استخار، وَلَا نَدم من اسْتَشَارَ، وَلَا افْتقر من اقتصد ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " اغْدُ عَالما أَو متعلماً أَو مجيباً أَو سَائِلًا، وَلَا تكن الْخَامِس فتهلك ". وَقَالَ: " يَا عجبا للمصدق بدار الخلود وَهُوَ يسْعَى لدار الْغرُور ". وَرووا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوصى عليا أَن يقْضِي دينه، وَلم يكن عَلَيْهِ دين، إِنَّمَا أَمر أَن يقْضِي عدته. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " الْعَالم والمتعلم شريكان فِي الْخَيْر، وَسَائِر النَّاس لَا خير فيهم ". وَقَالَ: " لَا خير فِيمَن كَانَ فِي أمتِي لَيْسَ بعالمٍ وَلَا متعلمٍ ". وَقَالَ: " خير سُلَيْمَان بَين الْملك وَالْمَال وَالْعلم فَاخْتَارَ الْعلم، فَأعْطى الْعلم وَالْمَال وَالْملك بِاخْتِيَارِهِ الْعلم ".

وَقَالَ: " فضل الْعلم خيرٌ من فضل الْعِبَادَة ". وَقَالَ: " أَربع خلال مفْسدَة: مجاراة الأحمق، فَإِنَّهُ يصيرك فِي مثل حَاله، وَكَثْرَة الذُّنُوب، فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: " كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ "، والخلو بِالنسَاء والاستمتاع مِنْهُنَّ وَالْعَمَل برأيهن، ومجالسة الْمَوْتَى ". قيل: يَا رَسُول الله، وَمن الْمَوْتَى؟ قَالَ: " الَّذين أطغاهم الْغنى وأنساهم الذّكر ". وَقَالَ: " من ابتلى بِالْقضَاءِ بَين الْمُسلمين فليعدل بَينهم فِي لحظه وإشارته ". وَقَالَ: " لَا يقْض القَاضِي بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان ". قَالَ عبد الله بن مَسْعُود: كُنَّا يَوْم بدر كل ثَلَاثَة على بعير. فَكَانَ عليٌ وَأَبُو لبَابَة زميلي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكَانَا إِذا دارت عقبتهما قَالَا: يَا رَسُول الله. اركب نمشي عَنْك، فَيَقُول: " مَا أَنْتُمَا بأقوى مني، وَلَا أَنا بأغنى عَن الْأجر مِنْكُمَا ". وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكْتب إِلَى أمْرَأَته: " إِذا أبردتم إِلَى بريداً فَاجْعَلُوهُ حسن الْوَجْه حسن الإسم ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " اضربوا الدَّوَابّ على النفار، وَلَا تضربوها على العثار ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " من بذل معروفه وكف أَذَاهُ فَذَاك السَّيِّد ".

وَقَالَ: " قلَّة الْحيَاء كفرٌ ". وَقَالَ: " أَيعْجزُ أحدكُم أَن يكون كَأبي ضمضمٍ؟ كَانَ إِذا خرج من منزله قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قد تَصَدَّقت بعرضي على عِبَادك ". وَقَالَ: " لَيْسَ الشَّديد بالصرعة، إِنَّمَا الشَّديد الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب ". وَقَالَ: " إِذا غضب أحدكُم وَكَانَ قَائِما فليقعد، وَإِن كَانَ قَاعِدا فليضطجع ". وَقَالَ رجل من مجاشع: يَا رَسُول الله. أَلَسْت أفضل قومِي؟ فَقَالَ: " إِن كَانَ لَك عقلٌ فلك فضلٌ، وَإِن كَانَ لَك خلقٌ فلك مروىةٌ، وَإِن كَانَ لَك مالٌ فلك حسبٌ؛ وَإِن كَانَ لَك تقى فلك دينٌ ". وَقَالَ: " لَيْسَ خَيركُمْ من ترك الدُّنْيَا للآخرة، وَلَا الْآخِرَة للدنيا وَلَكِن خَيركُمْ من أَخذ من هَذِه وَهَذِه ". وَقَالَ: " إِن قَامَت السَّاعَة على أحدكُم وَفِي يَده فسيلةٌ فاستطاع أَن يغرسها فَلْيفْعَل ". وَقَالَ رجل لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: إِنِّي أُرِيد سفرا. فَقَالَ: " فِي حفظ الله وكنفه، زودك الله التَّقْوَى، وَغفر ذَنْبك ووجهك للخير حَيْثُ كنت ". وَقَالَ: " تهادوا تحَابوا، إِن الْهَدِيَّة تفته الْبَاب المصمت، وتسل سخيمة الْقلب ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لأحد ابْني ابْنَته " إِنَّكُم لتجبنون، وَإِنَّكُمْ لتبخلون، وَإِنَّكُمْ لمن ريحَان الْجنَّة ". روى عَن جَابر قَالَ: جَاءَنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وعمرن فأطعمناهم رطبا، وسقيناهم مَاء، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " هَذَا من النعم الَّتِي تسْأَلُون عَنْهَا ". وروى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: " إيتوني برطبٍ سقيٍ وبعل ". فَجعل يَأْكُل من البعل. فَقيل لَهُ: لَو أكلت من هَذَا فَإِنَّهُ أصفى وَأطيب. فَقَالَ: " إِن هَذَا لم يعرق فِيهِ بدنٌ، وَلم تجع فِيهِ كبد ".

وروى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام زار أَخْوَاله من الْأَنْصَار وَمَعَهُ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، فقدموا إِلَيْهِ قناعاً من رطب، فَأَهوى عَليّ ليَأْكُل، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَأْكُل، فَإنَّك حَدِيث عهد بالحمى ". وَفِي حَدِيث آخر أَنه أكل رطبا وبطيخاً، فَقَالَ: " هَذَانِ الأطيبان ". روى عَن أنس أَنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " رَأَيْت فِي الْمَنَام كأنا دَخَلنَا دَار عقبَة بن نَافِع، فأتينا برطب من رطب ابْن طابٍ، فَأَوَّلْته أَن الرّفْعَة لنا فِي الدُّنْيَا وَالْعَاقبَة فِي الْآخِرَة ". وروى عَنهُ أَنه قَالَ - وَقد وعك -: أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: إِن شفاءك فِي عذق ابْن طَابَ، يجنيه لَك خير أمتك، فجَاء بِهِ عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام فَأكل فبرئ. وروى عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: " بَيت لَا تمر فِيهِ جِيَاع أَهله ". وروى عَنهُ أَنه قَالَ: " أطعموا الْمَرْأَة فِي شهرها الَّذِي تَلد فِيهِ التَّمْر، فَإِن وَلَدهَا يكون حَلِيمًا تقياً. جَاءَت فَاطِمَة بالْحسنِ وَالْحُسَيْن إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَت: انحلهما. فَقَالَ: مَا لأَبِيك مَال ينحلهما. ثمَّ أَخذ الْحسن فَقبله وَأَجْلسهُ على فَخذه الْيُمْنَى، وَقَالَ: ابْني هَذَا نحلته هيبتي وَخلقِي. ثمَّ أَخذ الْحُسَيْن فَقبله وَأَجْلسهُ على فَخذه الْيُسْرَى وَقَالَ: أما ابْني هَذَا فنحلته شجاعتي وجودي. وَقَالَ: " رحم الله والداً أعَان وَلَده على بره ". وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لعن الله الآمرين بِالْمَعْرُوفِ التاركين لَهُ، والناهين عَن الْمُنكر العاملين بِهِ ". وَبعث عَلَيْهِ السَّلَام أم سليم تنظر إِلَى امْرَأَة فَقَالَ: شمى عوارضها، وانظري إِلَى عقبيها. وروت أم سَلمَة عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " إِنَّكُم تختصمون إِلَيّ، وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض، وَإِنَّمَا أَنا بشرٌ أحكم على نَحْو مَا أسمع،

فَمن قطعت لَهُ شَيْئا من مَال أَخِيه فَلَا يأخذنه، فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من نَار جَهَنَّم ". وَقَالَ: " اكفلوا لي سِتَّة أكفل لكم الْجنَّة: إِذا حدث أحدكُم فَلَا يكذب، وَإِذا أؤتمن فَلَا يخن، وَإِذا وعد فَلَا يخلف، وغضوا الْأَبْصَار، وَكفوا الْأَيْدِي، واحفظوا الْفروج ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من جَار السوء فِي دَار المقامة؛ فَإِن جَار الْبَادِيَة يتَحَوَّل ". وَقَالَ: " تجافوا عَن عَثْرَة السخي، فَإِن الله آخذٌ بِيَدِهِ كلما عثر ". قَالَ بَعضهم: تتبعت خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فوحدت أَوَائِل أَكْثَرهَا: " الْحَمد لله، نحمده ونستعينه، ونؤمن بِهِ ونتوكل عَلَيْهِ، ونستغفر ونتوب إِلَيْهِ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا، من يهد الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده ". قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " الْأكل فِي السُّوق دناءة ". وَسُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَام: أَي الشَّرَاب أفضل؟ فَقَالَ: الحلو الْبَارِد " يَعْنِي الْعَسَل. وَالْعرب تصف الْعَسَل بالبرد قَالَ الْأَعْشَى: كَمَا شيب بماءٍ با ... ردٌ من عسل النَّحْل وَعنهُ عَلَيْهِ السَّلَام: " من اسْتَقل بدائه فَلَا يتداوين؛ فَإِنَّهُ رب دواءٍ يُورث الدَّاء ". وَعنهُ: " كل شيءٍ يلهو بِهِ الرجل بَاطِل إِلَّا تأديبه فرسه، ورميه عَن قوسه، وملاعبته أَهله ". وروى عَن أنس قَالَ: بَيْنَمَا أَنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ غشيه الْوَحْي، فَمَكثَ هنيهة ثمَّ أَفَاق، فَقَالَ لي: يَا أنس؛ أَتَدْرِي مَا جَاءَنِي بِهِ جِبْرِيل من عِنْد صَاحب

الْعَرْش عز وَجل؟ قلت: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: إِن رَبِّي أَمرنِي أَن أزوج فَاطِمَة من عَليّ ابْن أبي طَالب، انْطلق ادْع لي أَبَا بكرٍ وَعمر وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر، وعدتهم من الْأَنْصَار فَانْطَلَقت فدعوتهم فَلَمَّا أخذُوا مَقَاعِدهمْ، قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْحَمد لله الْمَحْمُود بنعمته، المعبود بقدرته، المرهوب من عَذَابه، المرغوب فِيمَا عِنْده، النَّافِذ أمره فِي سمائه وأرضه، الَّذِي خلق الْخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعرزهم بِدِينِهِ، وَأكْرمهمْ بِنَبِيِّهِ محمدٍ. ثمَّ إِن الله تَعَالَى جعل الْمُصَاهَرَة نسبا لاحقاً، وأمراً مفترضاً، وشج بِهِ الْأَرْحَام، وألزمه الْأَنَام قَالَ تبَارك اسْمه وَتَعَالَى ذكره: " وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهراً وَكَانَ رَبك قَدِيرًا " فَأمر الله يجْرِي إِلَى قَضَائِهِ وقضاؤه يجْرِي إِلَى قدره، وَلكُل قشاءٍ قدرٌ وَلكُل قدرٍ أجلٌ " يمحوا الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب ". ثمَّ إِن رَبِّي أَمرنِي أَن أزوج فَاطِمَة من عَليّ بن أبي طَالب، وَقد زوجتها إِيَّاه على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضةٍ إِن رضى بذلك عَليّ. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بعث عليا فِي حَاجَة، ثمَّ إِنَّه - عَلَيْهِ السَّلَام - دَعَا بطبقٍ من بسر فَوَضعه بَين أَيْدِينَا، ثمَّ قَالَ: انتبهوا، فَبَيْنَمَا نَحن ننتهب إِذْ دخل عَليّ؛ فَتَبَسَّمَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَجهه، ثمَّ قَالَ: يَا عَليّ، إِن رَبِّي عز وَجل أَمرنِي أَن أزَوجك فَاطِمَة. وَقد زَوجتك إِيَّاهَا على أَرْبَعمِائَة مِثْقَال فضةٍ إِن رضيت يَا عَليّ. قَالَ: رضيت يَا رَسُول الله. ثمَّ إِن عليا خر سَاجِدا لله شكرا، فَلَمَّا رفع رَأسه قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " بَارك الله عَلَيْكُمَا، وَبَارك فيكما، وأسعد جدكما، وَأخرج مِنْكُمَا الْكثير الطّيب ". قَالَ أنس: فوَاللَّه لقد أخرج مِنْهُمَا الْكثير الطّيب، وعَلى من يدْفع فضلهما - مَعَ مَحلهمَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا فضلهما بِهِ {} لعنة الله، ولعنة اللاعنين إِلَى يَوْم يبعثون. وَفِي حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام: " اعص هَوَاك وَالنِّسَاء واصنع مَا شِئْت ". وَفِيه: " من أَرَادَ الله بِهِ خيرا فقهه فِي الدّين، وعرفه معايب نَفسه " وَفِيه: " أَلا أخْبركُم بأشدكم؟ من ملك نَفسه عِنْد الْغَضَب "

وَفِيه: " الْمُشَاورَة حصن من الندامة، وأمنٌ من الْعَلامَة ". سَأَلَ عَلَيْهِ السَّلَام جَابر بن عبد الله: " مَا نكحت "؟ قَالَ: ثَيِّبًا، قَالَ: " فَهَلا بكرا تلاعبها وتلاعبك. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " كفى بِالْمَرْءِ حرصاً ركُوبه الْبَحْر ". وَفِي الحَدِيث: " حصنوا أَمْوَالكُم بِالزَّكَاةِ، وادفعوا أمواج الْبلَاء بِالدُّعَاءِ ". وَفِيه: رحم الله امْرأ صمت فَسلم، أَو قَالَ خيرا فغنم ". وَفِيه: " رحم الله امْرأ أمسك الْفضل من قَوْله، وَأنْفق الْفضل من مَاله ". وَفِيه: " لَا بَأْس بالشعر لمن أَرَادَ انتصافاً من ظلمٍ، واستغناءً من فقرٍ، وشكراً على إحسانٍ ". وَفِيه: " إِعْطَاء الشُّعَرَاء من بر الْوَالِدين ". وَفِيه: " مروا بِالْمَعْرُوفِ وَإِن لم تعملوا بِهِ، وانهوا عَن الْمُنكر وَإِن لم تنتهوا عَنهُ ". وَفِيه: " أجرؤكم على النَّار أجرؤكم على الْفتيا ". وروى عَن بَعضهم أَنه قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله تَعَالَى: " يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ " فَقَالَ: " ائْتَمرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهوا عَن الْمُنكر، فَإِذا رَأَيْت شحا مُطَاعًا وَهوى مُتبعا وَإِعْجَاب كل امْرِئ بِنَفسِهِ فَعَلَيْك نَفسك ودع عَنْك الْعَوام ". وَفِي الحَدِيث: " الطَّيرَة شركٌ، وَمَا منا إِلَّا ويجد ذَلِك فِي نَفسه، وَلَكِن الله يذهبه بالتوكل ". وَفِيه: " ثلاثةٌ لَا ينجو مِنْهُم أحدٌ: الظَّن، والطيرة، والحسد. فَإِذا ظَنَنْت فَلَا تحقق، وَإِذا حسدت فَلَا تَبْغِ، وَإِذا تطيرت فَامْضِ وَلَا تنثن ". وَفِيه: " اللَّهُمَّ لَا طير إِلَّا طيرك، وَلَا خير إِلَّا خيرك، وَلَا رب غَيْرك ". وَفِيه: " لن تهْلك الرّعية وَإِن كَانَت ظالمةً مسيئةً إِذا كَانَت الْوُلَاة هاديةً مهدية ".

وَفِيه: " مَا من أحد من الْمُسلمين ولي أمرا فَأَرَادَ الله بِهِ خيرا إِلَّا جعل مَعَه وزيراً صَالحا إِن نسى ذكره وَإِن ذكر أَعَانَهُ ". ويروى أَنه - عَلَيْهِ السَّلَام - كَانَ إِذا خرج من بَيته يَقُول: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من أَن أزل أَو أضلّ، أَو أظلم، أَو أظلم، أَو أَجْهَل أَو يجهل عَليّ ". وَعنهُ: " من سألكم بِاللَّه فَأَعْطوهُ، وَمن استعاذ بكم فأعيذوه، وَمن أهْدى إِلَيْكُم كُرَاعًا فاقبلوه ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " الأمل راحةٌ لأمتي، وَلَوْلَا الأمل مَا أرضعت الْأُم ولدا، وَلَا غرس غارسٌ شَجرا ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا خير فِي التِّجَارَة إِلَّا لست: تاجرٍ إِن بَاعَ لم يمدح، وَإِن اشْترى لم يذم، وَإِن كَانَ عَلَيْهِ أيسر الْقَضَاء، وَإِن كَانَ لَهُ أيسر الإقتضاء، وتجنب الْحلف وَالْكذب ". وَفِي الحَدِيث: " كفى بِالْمَرْءِ من الشُّح أَن يَقُول: آخذ حَقي حَتَّى لَا أترك مِنْهُ شَيْئا ". وروى أَن قوما قدمُوا عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِن فلَانا صَائِم النَّهَار، قَائِم اللَّيْل، كثير الذّكر؛ فَقَالَ: أَيّكُم يَكْفِي طَعَامه وَشَرَابه؟ فَقَالُوا: كلنا. فَقَالَ: " كلكُمْ خيرٌ مِنْهُ ". وَفِيه: " خَيركُمْ من لم يدع دُنْيَاهُ لآخرته، وَلَا آخرته لدنياه ". وَفِيه: " من رضى من الله باليسير من الرزق رضى الله مِنْهُ باليسير من الْعَمَل ". وَفِيه: " إِن الصفاة الزلاء الَّتِي لَا تثبت عَلَيْهَا قدم الْعلمَاء الطمع ". وَفِيه: " الود والعداوة يتوارثان ". وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يقبل الْحسن، فَقَالَ الْأَقْرَع بن حَابِس: إِن لي من الْوَلَد عشرةٌ مَا قبلت وَاحِدًا مِنْهُم، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " فَمَا أصنع إِن كَانَ الله قد نزع من قَلْبك الرَّحْمَة ".

وَقَالَ: " إِن الله يسْأَل العَبْد عَن جاهه كَمَا يسْأَله عَن مَاله، فَيَقُول: جعلت لَك جاهاً فَهَل نصرت بِهِ مَظْلُوما، أَو قمعت بِهِ ظَالِما، أَو أعنت بِهِ مكروباً ". وَعنهُ عَلَيْهِ السَّلَام: " أفضل الصَّدَقَة أَن تعين بجاهك من لاجاه لَهُ ". " الْخلق عِيَال الله، فأحبهم إِلَيْهِ أنفعهم لِعِيَالِهِ ". " أعدى عَدو لَك نَفسك الَّتِي بَين جنبيك ". " إيَّاكُمْ وخضراء الدمن. قيل: وَمَا خضراء الدمن؟ قَالَ: الْمَرْأَة الْحَسْنَاء فِي منبت سوءٍ ". " خير نِسَائِكُم الَّتِي إِذا خلعت ثوبها خلعت مَعَه الْحيَاء فاذا لبسته لبست مَعَه الْحيَاء ". " النِّسَاء شَرّ كُلهنَّ، وَشر مَا فِيهِنَّ أَن لَا اسْتغْنَاء عَنْهُن ". " من حفظ مَا بَين لحييْهِ وَرجلَيْهِ دخل الْجنَّة ". " عَلَيْكُم باصطناع الْمَعْرُوف فانه يدْفع مصَارِع السوء ". " إِذا دعى أحدكُم إِلَى طَعَام فليجب، فان شَاءَ طعم وَإِن شَاءَ ترك " " من آتَاهُ الله وَجها حسنا واسماً حسنا، وَجعله فِي موضعٍ غير شائن فَهُوَ من صفوة خلقه ". وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: " أعوذ بِاللَّه من الْكفْر وَالدّين ". وَقَالَ: " لَا يقبل الله صَلَاة بِلَا طهورٍ، وَلَا صَدَقَة من غلولٍ ". وَقَالَ: " من قدر على ثمن دابةٍ فليشترها فانها تَأتيه برزقها فتعينه على رزقه ". ويروى عَن عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أَنه قَالَ: لقد ضممت إِلَى سلَاح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَوجدت فِي قَائِم سَيْفه صحيفَة معلقَة فِيهَا: صل من قَطعك، وَأحسن إِلَى من أَسَاءَ إِلَيْك، وَقل الْحق وَلَو على نَفسك ". وَعنهُ - عَلَيْهِ السَّلَام: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من علم لَا ينفع، وقلبٍ لَا يخشع، ونفسٍ لَا تشبع ".

وَعنهُ: " من ازْدَادَ فِي الْعلم رشدا، وَلم يَزْدَدْ فِي الدُّنْيَا زهداً، لم يَزْدَدْ من الله إِلَّا بعدا ". وروى أَنه جَاءَهُ عَلَيْهِ السَّلَام رجل فَقَالَ: صف لي الْجنَّة، فَقَالَ: " فِيهَا فاكهةٌ ونخلٌ ورمانٌ ". وَجَاء آخر فَقَالَ مثل قَوْله فَقَالَ: " فِيهَا سدرٌ مخضورٌ، وطلحٌ منضود، وفرشٌ مرفوعةٌ، ونمارق مصفوفةٌ ". وَجَاء آخر فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك، فَقَالَ: " فِيهَا مَا تشْتَهي الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين ". وَجَاء آخر فَسَأَلَهُ. فَقَالَ: " فِيهَا مَا لاعينٌ رَأَتْ وَلَا أذنٌ سَمِعت، وَلَا خطر على قلب بشرٍ "؛ فَقَالَت عَائِشَة، مَا هَذَا يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " إِنِّي أمرت أَن أكلم النَّاس على قدر عُقُولهمْ ". وروى أَنه كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَام - يُجيب دَعْوَة الْمَمْلُوك، ويركب الْحمار ردفاً. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " اشتدى أزمة تنفرجي ". وَقَالَ: " من ستر أَخَاهُ الْمُسلم ستره الله يَوْم الْقِيَامَة، وَمن نفس عَن أَخِيه كربَة من كرب الدُّنْيَا نفس الله عَنهُ كربَة من كرب الْآخِرَة وَالله عز وَجل فِي عون العَبْد مَا دَامَ العَبْد فِي عون أَخِيه ". وَقَالَ: " انْتِظَار الْفرج عبَادَة ". وَقَالَ لعَلي رَضِي الله عَنهُ: " اعْلَم أَن النَّصْر مَعَ الصَّبْر، والفرج مَعَ الكرب، وَأَن مَعَ الْعسر يسرا ". وَعنهُ: " لِأَن أكون فِي شدةٍ أتوقع بعْدهَا رخاءً، أحب إِلَيّ من أَن أكون فِي رخاءٍ أتوقع بعده شدَّة ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لَو كَانَ الْعسر فِي كوةٍ لجاء يسران فأخرجاه ". وَعنهُ: " القناعة مالٌ لَا ينفذ ".

خطبته في حجه الوداع

خطبَته فِي حجَّة الْوَدَاع الْحَمد لله، نحمده ونستعينه، وَنَسْتَغْفِرهُ ونتوب إِلَيْهِ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا، وَمن سيئات أَعمالنَا، من يهد الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على الْعَمَل بِطَاعَتِهِ، وأستفتح الله بِالَّذِي هُوَ خيرٌ. أما بعد، أَيهَا النَّاس؛ اسمعوا مني أبين لكم، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لعَلي لَا ألقاكم بعد عَامي هَذَا فِي موقفي هَذَا. أَيهَا النَّاس؛ إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ عَلَيْكُم حرامٌ إِلَى أَن تلقوا ربكُم، كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا من شهركم هَذَا؛ أَلا هَل بلغت؟ اللَّهُمَّ اشْهَدْ. فَمن كَانَت عِنْده أمانةٌ فليؤدها إِلَى من ائتمنه عَلَيْهَا. وَإِن رَبًّا الْجَاهِلِيَّة موضوعٌ. وَأول رَبًّا أبدأ بِهِ رَبًّا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب. وَإِن دِمَاء الْجَاهِلِيَّة موضوعةٌ، وَأول دمٍ أبدأ بِهِ دم عَامر بن ربيعَة الْحَارِث بن عبد الْمطلب، وَإِن مآثر الْجَاهِلِيَّة موضوعةٌ غير السدَانَة والسقاية. والعمد قودٌ. وَشبه الْعمد مَا قتل بالعصا وَالْحجر، وَفِيه مائَة بعيرٍ. فَمن ازْدَادَ فَهُوَ من الْجَاهِلِيَّة. أَيهَا النَّاس؛ إِن الشَّيْطَان قد يئس أَن يعبد بأرضكم هَذِه، وَلكنه قد رضى أَن يطاع فِيمَا سوى ذَلِك مِمَّا تحقرون من أَعمالكُم. أَيهَا النَّاس " إِنَّمَا النسىء وزيادةٌ فِي الْكفْر يضل بِهِ الَّذين كفرُوا يحلونه عَاما ويحرمونه عَاما ليواطئوا عدَّة مَا حرم الله ". وَإِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَإِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا فِي كتاب الله يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض. مِنْهَا أربعةٌ حرمٌ؛ ثلاثةٌ متوالياتٌ، وواحدٌ فَرد: ذُو الْقعدَة، وَذُو الْحجَّة، وَالْمحرم، وَرَجَب الَّذِي بَين جمادي وَشَعْبَان. أَلا هَل بلغت؟ اللَّهُمَّ اشْهَدْ.

أَيهَا النَّاس؛ إِن لنسائكم عَلَيْكُم حَقًا، لكم عَلَيْهِنَّ حَقًا، فعليهن أَلا يوطئن فرشكم، وَلَا يدخلن أحدا تكرهونه بُيُوتكُمْ إِلَّا بإذنكم، وَلَا يَأْتِين بفاحشةٍ؛ فَإِن فعلن فَإِن الله قد أذن لكم أَن تعضلوهن وتهجروهن فِي الْمضَاجِع وتضربوهن ضربا غير مبرحٍ. فَإِن انتهين وأطعنكم فَعَلَيْكُم رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ؛ فَإِنَّمَا النِّسَاء عنْدكُمْ عوانٍ لَا يملكن لأنفسهن شَيْئا، أَخَذْتُمُوهُنَّ بامانة الله، واستحللتم فروجهن بِكِتَاب الله، فَاتَّقُوا الله فِي النِّسَاء وَاسْتَوْصُوا بِهن خيرا. أَيهَا النَّاس؛ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة، وَلَا يحل لامرئ مَال أَخِيه إِلَّا على طيب نفس مِنْهُ. أَلا هَل بلغت؟ اللَّهُمَّ اشْهَدْ. فَلَا ترجعن بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض؛ فَإِنِّي قد تركت فِيكُم مَا إِن أَخَذْتُم بِهِ لن تضلوا: كتاب الله. أَلا هَل بلغت؟ اللَّهُمَّ اشْهَدْ. أَيهَا النَّاس؛ إِن ربكُم واحدٌ، وَإِن أَبَاكُم واحدٌ. كلكُمْ لآدَم وآدَم من تُرَاب، أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم. وَلَيْسَ لعربي على عجمي فضلٌ إِلَّا بالتقوى. أَلا هَل بلغت؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب. أَيهَا النَّاس؛ إِن الله قد قسم لكل وارثٍ نصِيبه من الْمِيرَاث. وَلَا يجوز لوَارث وصيةٌ فِي أَكثر من الثُّلُث. وَالْولد للْفراش وللعاهر الْحجر. من ادّعى إِلَى غير أَبِيه وَمن تولى غير موَالِيه فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ، لَا يقبل مِنْهُ صرفٌ وَلَا عدلٌ، وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " من سنّ فِي الْإِسْلَام سنة فَعمل بهَا بعده كتب لَهُ مثل أجر من عمل بهَا وَلَا ينقص من أُجُورهم شَيْء، وَمن سنّ سنة سَيِّئَة فَعمل بهَا بعده كتب لَهُ مثل وزر من عمل بهَا وَلَا ينقص من أوزارهم شَيْء ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " مَا من عبدٍ إِلَّا وَله فِي السَّمَاء صيتٌ، فَإِذا كَانَ فِي السَّمَاء صيته حسنا وضع فِي الأَرْض حسنا. وَإِذا كَانَ صيته سَيِّئًا وضع فِي الأَرْض سَيِّئًا ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " من كف غَضَبه وَبسط رِضَاهُ وبذل معروفه وَوصل رَحمَه، وَأدّى أَمَانَته أدخلهُ الله عز وَجل يَوْم الْقِيَامَة فِي نوره الْأَعْظَم ".

وَقَالَ: " لكل أمة فتنةٌ، وفتنة أمتِي المَال ". وَقَالَ: " من غَدا فِي طلب الْعلم صلت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة، وبورك لَهُ فِي معاشه، وَلم ينتقص من عمره ". وَقَالَ: " فضل الْإِزَار فِي النَّار ". وَقَالَ لأبي تَمِيمَة: " إياك والمخيلة. فَقَالَ: يَا رَسُول الله؛ نَحن قوم عربٌ. فَمَا المخيلة؟ قَالَ: سبل الْإِزَار ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: من كَانَ آمنا فِي سربه معافىً فِي بدنه، وَعِنْده قوت يَوْمه، كَانَ كمن حيزت لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها ". وَفِي الحَدِيث: " لاتنظروا إِلَى صَوْمه وَصلَاته، وَلَكِن انْظُرُوا إِلَى ورعه عِنْد الدِّينَار وَالدِّرْهَم ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " من سره أَن يكون أغْنى النَّاس، فَلْيَكُن بِمَا فِي يَد الله أوثق مِنْهُ بِمَا فِي يَدَيْهِ ". وَقَالَ: " أَمرنِي رَبِّي بتسع: الْإِخْلَاص فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة، وَالْعدْل فِي الْغَضَب وَالرِّضَا، وَالْقَصْد فِي الْفقر والغنى، وَأَن أعفو عَمَّن ظَلَمَنِي، وأصل من قطعني، وَأعْطِي من حرمني، وَأَن يكون نطقي ذكرا، وصمتي فكراً، ونظري عِبْرَة ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " كفى بالسلامة دَاء ". وَقَالَ: " لاترفعوني فَوق قدري؛ فتقولون فِي مَا قَالَت النَّصَارَى فِي الْمَسِيح، فَإِن الله عز وَجل اتَّخَذَنِي عبدا قبل أَن يتخذني رَسُولا ". وَقَالَ: " إِن هَذَا الدّين متين فأوغل فِيهِ بِرِفْق، وَلَا تبغض إِلَى نَفسك عبَادَة رَبك، فَإِن المنبت لَا أَرضًا قطع، وَلَا ظهرا أبقى ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لَو تكاشفتم مَا تدافنتم ". يَقُول: لَو علم بَعْضكُم سريرة بعض لاستثقل تشييعه وَدَفنه. وَقَالَ: " اجتنبوا الْقعُود على الطرقات إِلَّا أَن تضمنوا أَرْبعا: رد السَّلَام، وغض الْأَبْصَار، وإرشاد الضال، وَعون الضَّعِيف ".

وَقَالَ: " افصلوا بَين حديثكم بالاستغفار ". وَقَالَ: " لاتزال أمتِي صَالحا أمرهَا مَا لم تَرَ الْفَيْء مغنما وَالصَّدَََقَة مغرماً ". وَقَالَ: " لست من ددٍ وَلَا ددٌ مني ". وَقَالَ يَوْم بدر: " هَذِه مَكَّة قد أَلْقَت إِلَيْكُم بأفلاذ كَبِدهَا ". وَقَالَ لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: " كَيفَ بك إِذا بقيت فِي حثالةٍ من النَّاس مرجت عهودهم وأماناتهم وَصَارَ النَّاس كَذَا - وَشَبك بَين أَصَابِعه " - قَالَ فَقلت: مرني يَا رَسُول الله. فَقَالَ: " خُذ مَا عرفت، ودع مَا أنْكرت، وَعَلَيْك بخويصة نَفسك، وَإِيَّاك وعوامها ". ووفد عَلَيْهِ رجل فَسَأَلَهُ فكذبه، فَقَالَ لَهُ: " أَسَالَك فتكذبنب. لَوْلَا سخاءٌ فِيك ومقك الله عَلَيْهِ، لشردت بك من وافدٍ قوم ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لعن الله المثلث ". فَقيل: يَا رَسُول الله، وَمن المثلث؟ قَالَ: " الَّذِي يسْعَى بِصَاحِبِهِ إِلَى سُلْطَانه، فَيهْلك نَفسه وَصَاحبه وسلطانه ". وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول عِنْد هبوب الرّيح: " اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رياحاً وَلَا تجعلها ريحًا "، وَالْعرب تَقول: لَا يلقح السَّحَاب إِلَّا من ريَاح، ومصدق ذَلِك قَول الله تَعَالَى: " وَالله الَّذِي أرسل الرِّيَاح فتثير سحاباً ". ويروى أَن سلمَان أَخذ من بَين يَدَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَمْرَة من تَمْكُر الصَّدَقَة، فوضعها فِي فِيهِ، فانتزعها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: " يَا عبد الله. إِنَّمَا يحل لَك من هَذَا مَا يحل لنا "

وَمن حَدِيثه - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رِوَايَة أبي عبيد " خير النَّاس رجلٌ ممسكٌ بعنان فرسه فِي سَبِيل الله، كلما سمع هيعةً طَار إِلَيْهَا، ورجلٌ فِي شعفةٍ فِي غنيماتٍ لَهُ حَتَّى يَأْتِيهِ الْمَوْت ". وَقَالَ: " مَا يحملكم أَن تتايعوا فِي الْكَذِب كَمَا يتتايع الْفراش على النَّار ". وَمر بناس يتجاذون مهراسا فَقَالَ: " أتحسبون الشدَّة فِي حمل الْحِجَارَة؛ إِنَّمَا الشدَّة أَن يمتلئ أحدكُم غيظاً ثمَّ يغلبه ". سَأَلَهُ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّا نصيب هوامى الْإِبِل. فَقَالَ: " ضَالَّة الْمُؤمن حرق النَّار ". وَقَالَ: " لَا عدوى، وَلَا هَامة، وَلَا صفر ". وَقَالَ: " لِأَن يمتلئ جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه خير لَهُ من أَن يمتلئ شعرًا ". وَقَالَ: " مَا زَالَت أَكلَة خَيْبَر تعاودني، فَهَذَا أَوَان قطعت أبهرى ". وَقَالَ: " مثل الْمُؤمن مثل الخامة من الزَّرْع تميلها الرّيح مرّة هَكَذَا وَمرَّة هَكَذَا، وَمثل الْمُنَافِق مثل الأرزة المجذية على الأَرْض حَتَّى يكون انجعافها مرّة ". وَقَالَ: " الْأَنْصَار كرشي وعيبتي، وَلَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت رجلا من الْأَنْصَار ". وَقَالَ: سَوْدَاء ولودٌ خيرٌ من حسناء عقيم ". وَقَالَ: " تراصوا بَيْنكُم فِي الصَّلَاة وَلَا يتخللكم الشَّيْطَان كَأَنَّهَا بَنَات حذف ". وَقَالَ: " الثّيّب يعرب عَنْهَا لسانها، وَالْبكْر تستأمر فِي نَفسهَا ". وَقَالَ: " إِذا دعى أحدكُم إِلَى طَعَام فليجيب، فَإِن كَانَ مُفطرا فليأكلن وَإِن كَانَ صَائِما فَليصل ".

وَقَالَ:: من نُوقِشَ الْحساب عذب ". كتب إِلَى وَائِل بن حجر الْحَضْرَمِيّ ولقومه: من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى الْأَقْيَال العباهلة من أهل حَضرمَوْت بإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة: على التيعة شَاة، والتيمة لصَاحِبهَا، وَفِي السُّيُوب الْخمس. لَا خلاط وَلَا راط، وَلَا شناق وَلَا شغار. فَمن أجبا فقد أربى. وكل مسكرٍ حرامٌ. كَانَ إِذا سَافر سفرا قَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من وعثاء السّفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، وَسُوء المنظر فِي الْأَهْل وَالْمَال " وَقَالَ: " إِذا مشت أمتِي الْمُطَيْطَاء وَخدمَتهمْ فَارس وَالروم كَانَ بأسهم بَينهم ". وَقَالَ: " خمروا آنيتكم، وأوكوا أسقيتكم، وأجيفوا الْأَبْوَاب، وأطفئوا المصابيخ، وأكفتوا صِبْيَانكُمْ؛ فَإِن للشياطين انتشارً وخطفةً ". وَقَالَ: " لَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، حَتَّى تَأْخُذُوا على يَدي الظَّالِم وتأطروه على الْحق أطراً ". وَخرج عَلَيْهِ السَّلَام يُرِيد حَاجَة، فَاتبعهُ بعض أَصْحَابه، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " تَنَح عني؛ فَإِن كل بائلة تفيخ ". وَقَالَ: " العجماء جبارٌ، والبئر جَبَّار، والمعدن جبارٌ. وَفِي الرِّكَاز الْخمس ". وَأَتَاهُ سعد بن عبَادَة بِرَجُل - كَانَ فِي الْحَيّ - مُخْدج سقيم وجد على أمة من إمَائِهِمْ يخْبث بهَا؛ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " خُذُوا لَهُ عثْكَالًا فِيهِ مائَة شِمْرَاخ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَة ".

وَقَالَ: " إِن روح الْقُدس نفث فِي روعي أَن نفسا لَا تَمُوت حَتَّى تستكمل رزقها. فَاتَّقُوا الله وأجملوا فِي الطّلب ". وَقَالَ: " من تعزى بعزاء الْجَاهِلِيَّة فاعضوه بِهن أَبِيه وَلَا تكنوا ". وَقَالَ: " لَا يعدى شيءٌ شَيْئا "؛ فَقَالَ أَعْرَابِي: يَا رَسُول الله؛ إِن النقبة قد تكون بمشفر الْبَعِير أَو بِذَنبِهِ فِي الْإِبِل الْعَظِيمَة فتجرب كلهَا. فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَمَا أجرب الأولى؟ ". وَقَالَ: " ثلاثٌ من أَمر الْجَاهِلِيَّة: الطعْن فِي الْأَنْسَاب والنياحة، والأنواء ". وَقَالَ: " لَا يدْخل الْجنَّة قَتَّات ". وَقَالَ: " لَا ترفع عصاك عَن أهلك ". وَقَالَ: " بلوا أَرْحَامكُم وَلَو بِالسَّلَامِ ". وَقَالَ: " خير المَال سكَّة مأبورةٌ، وفرسٌ مأمورةٌ ". وَقَالَ: " لَا يدْخل الْجنَّة من لم يَأْمَن جَاره بوائقه ". وروى بُرَيْدَة قَالَ: بَيْنَمَا أَنا ماش فِي طَرِيق فَإِذا برجلٍ خَلْفي، فَالْتَفت فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ بيَدي وانطلقنا، فَإِذا نَحن بِرَجُل يكثر الرُّكُوع وَالسُّجُود. فَقَالَ لي: " يَا بُرَيْدَة؛ أتراه يرائي؟ ". ثمَّ أرسل يَده من يَدي وَجعل يَقُول: " عَلَيْكُم هَديا قَاصِدا، إِنَّه من يشاد هَذَا الدّين يغلبه ". وَقَالَ: " يُؤْتى بِالرجلِ يَوْم الْقِيَامَة فَيلقى فِي النَّار، فتندلق أقتاب بَطْنه فيدور بهَا كَمَا يَدُور الْحمار بالرحا، فَيُقَال: مَا لَك؟ فَيَقُول: كنت آمُر بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتيه، وأنهى عَن الْمُنكر وآتيه ". وَقدم عَلَيْهِ السَّلَام من سفر فَأَرَادَ النَّاس أَن يطرقوا النِّسَاء لَيْلًا فَقَالَ: " أمهلوا حَتَّى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة، فَإِذا قدمتم فالكيس الْكيس ". وَقَالَ: " الطَّيرَة والعيافة والطرق من الجبت ".

سَأَلَهُ عدي بن حَاتِم فَقَالَ: إِنَّا نصيد الصَّيْد فَلَا نجد مَا نذكي بِهِ إِلَّا الظرار وشقة الْعَصَا، فَقَالَ: " أَمر الدَّم بِمَا شِئْت ". وَقَالَ: " عَلَيْكُم بِالْبَاء، فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ. فَمن لم يقدر فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وجاءٌ ". وَبعث مُصدقا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا تَأْخُذ من حزرات أنفس النَّاس شَيْئا، خُذ الشارف وَالْبكْر وَذَا الْعَيْب ". وَقَالَ: " إِن فِي الْجَسَد لمضغة إِذا صلحت صلح بهَا سَائِر الْجَسَد، وَإِذا فَسدتْ فسد بهَا سَائِر الْجَسَد، أَلا وَهِي الْقلب ". وَقَالَ: " إِن الله يحب معالي الْأُمُور وَيبغض سفسافها ". وَذكر عَلَيْهِ السَّلَام أَشْرَاط السَّاعَة فَقَالَ: " بيع الحكم، وَقَطِيعَة الرَّحِم، وَالِاسْتِخْفَاف بِالدَّمِ، وَكَثْرَة الشَّرْط، وَأَن يتَّخذ الْقُرْآن مَزَامِير، يقدمُونَ أحدهم لَيْسَ بأقرئهم وَلَا أفضلهم إِلَّا لِيُغنيَهُمْ غناء ". وَقَالَ: " لَا تسبوا الدَّهْر فَإِن الله هُوَ الدَّهْر ". وَقَالَ: " نعم الإدام الْخلّ ". وَقَالَ: " لَا تجوز شَهَادَة خائنٍ وَلَا خَائِنَة، وَلَا ذِي غمرٍ على أَخِيه، ظنين فِي وَلَاء وَلَا قرَابَة، وَلَا القانع مَعَ أهل الْبَيْت لَهُم ". وَقَالَ: " لي الْوَاجِد يحل عُقُوبَته وَعرضه ". وَقَالَ: " الصَّوْم فِي الشتَاء الْغَنِيمَة الْبَارِدَة:. وَقَالَ: " اتَّقوا الله فِي النِّسَاء فَإِنَّهُنَّ عنْدكُمْ عوان ". وَقَالَ: " بَيْنَمَا عَلَيْهِ السَّلَام فِي طَرِيق إِذْ مَال إِلَى دمثٍ قبال، وَقَالَ: " إِذا بَال أحدكُم فليرتد لبوله ".

وَسُئِلَ عَن اللّقطَة فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام " احفظ عفاصها ووكاءها فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فادفعها إِلَيْهِ " قيل: فضَالة الْغنم؟ قَالَ: " هِيَ لَك أَو لأخيك أَو للذئب. " قيل: فضَالة الْإِبِل؟ وَقَالَ: " مَا لَك وَلها مَعهَا حذاؤها وسقاؤها ترد المَاء وتأكل الشحر حَتَّى يلقاها رَبهَا ". وَلما توفّي ابْنه إِبْرَاهِيم فَبكى عَلَيْهِ قَالَ: " لَوْلَا أَنه وعدٌ حق وقولٌ صدقٌ وَطَرِيق ميتاءٌ لحزنا عَلَيْهِ يَا إِبْرَاهِيم أَشد من حزننا ". وَقد روى: " وَطَرِيق مأتي ". وَقَالَ: " من سره أَن يسكن بحبوحة الْجنَّة فليلزم الْجَمَاعَة؛ فَإِن الشَّيْطَان مَعَ الْوَاحِد، وَهُوَ مَعَ الْإِثْنَيْنِ أبعد ". وَقَالَ: " استعيذوا بِاللَّه من طمع يهدي إِلَى طبع ". وَقَالَ: " لَا يوردن ذُو عاهةٍ على مصح ". وَقَالَ: " من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يرى رعاء الْغنم رُءُوس النَّاس، وَأَن ترى العراة الْجُوع يتبارون فِي الْبُنيان، وَأَن تَلد الْأمة رَبهَا وربتها ". اسْتَأْذن عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَان فحجبه ثمَّ أذن فَقَالَ: " مَا كدت تَأذن لي حَتَّى تَأذن لحجارة الجلهمتين، فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَان؛ أَنْت كَمَا قَالَ الْقَائِل: كل الصَّيْد فِي جَوف الفرا ". وَقَالَ للنِّسَاء: " إنكن أَكثر أهل النَّار؛ وَذَلِكَ لأنكن تكثرن اللَّعْن وتكفرن العشير ". وَقَالَ: " المتشبع بِمَا لَا يملك كلابس ثوبي زورٍ ". وَذكر الْفِتَن فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَة: أبعد هَذَا الشَّرّ خير؟ قَالَ: " هدنةٌ على دخنٍ، وجماعةٌ على أقذاءٍ ".

وَقَالَ: " الْغيرَة من الايمان، والمذاء من النِّفَاق ". وَقَالَت: " من أزلت إِلَيْهِ نعْمَة فليكافئ بهَا، فَإِن لم يجد فليظهر ثَنَاء حسنا ". وَقَالَ: " لَا حمى إِلَّا فِي ثلاثٍ: ثلة الْبشر، وَطول الْفرس، وحلقة الْقَوْم ". وَقَالَ: " إِن الدُّنْيَا حلوةٌ خضرةٌ، فَمن أَخذهَا بِحَقِّهَا بورك لَهُ فِيهَا ". وَقَالَ: " تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ ". وَقَالَ: " إِذا تمنى أحدكُم فليكثر فَإِنَّمَا يسْأَل ربه ". وَقَالَ: " لَا يَمُوت لمُؤْمِن ثَلَاثَة أولادٍ فَتَمَسهُ النَّار إِلَّا تحله الْقسم ". وَقَالَ: " إِذا مر أحدكُم بطربالٍ مائلٍ فليسرع الْمَشْي ". وَقَالَ: " تَمسحُوا بِالْأَرْضِ فَإِنَّهَا بكم برةً ". وَقَالَ: " إِنِّي لأكْره أَن أرى الرجل ثائراً فريص رقبته قَائِما على مريته يضْربهَا ". وَقَالَ: " الْمُسلمُونَ هَينُونَ لَينُونَ كَالْجمَلِ الْأنف إِن قيد انْقَادَ، وَإِن أُنِيخ على صَخْرَة استناخ ". وَأَتَاهُ عمر فَقَالَ: " إِنَّا نسْمع أَحَادِيث من الْيَهُود تعجبنا، أفترى أَن نكتب بَعْضهَا؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " أمتهو كَون أَنْتُم كَمَا تهوكت الْيَهُود وَالنَّصَارَى؟ لقد جِئتُكُمْ بهَا بَيْضَاء نقية، وَلَو كَانَ مُوسَى حَيا مَا وَسعه إِلَّا اتباعي ". وَلما خرج من مَكَّة عرض لَهُ رجل فَقَالَ: " إِن كنت تُرِيدُ النِّسَاء الْبيض والنوق الْأدم فَعَلَيْك ببني مُدْلِج. فَقَالَ: إِن الله منع مني بني مُدْلِج بصلتهم الرَّحِم وطعنهم فِي ألباب الْإِبِل " وروى " فِي لبات الْإِبِل ".

وَقَالَ: " إِن مِمَّا أدْرك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة: " إِذا لم تستح فَاصْنَعْ ماشئت ". أَتَى عَلَيْهِ السَّلَام بوشيقةٍ يابسة من لحم صيد فَقَالَ: " إِنِّي حرامٌ ". وَقَالَ: " إِن الله يحب النكل على النكل ". قيل: وَمَا النكل على النكل قَالَ: " الرجل الْقوي المجرب المبدئ المعيد على الْفرس الْقوي المجرب المبدئ المعيد ". أَتَاهُ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله أكلتنا الضبع، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " غير ذَلِك أحوف عِنْدِي؛ أَن تصب عَلَيْكُم الدُّنْيَا صبا ". وَقَالَ: " من تعلم الْقُرْآن ثمَّ نَسيَه لقى الله وَهُوَ أجدم ". وَقَالَ: " فصل بَين الْحَلَال وَالْحرَام الصَّوْت والدفء فِي النِّكَاح ". وَقَالَ: " عَلَيْكُم بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ محسمة للعرق مذهبةٌ للأشر ". كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استفتح الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة قَالَ: " أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم، من همزَة ونفثه ونفخه. فَقيل: يَا رَسُول الله: مَا همزه ونفثه ونفخه " فَقَالَ: أما همزه فالموته، وَأما نفثه فالشعر، وَأما نفخه فالكبر ". قَالَ: " لاتقوم السَّاعَة حَتَّى يظْهر الْفُحْش وَالْبخل، ويخون الْأمين، ويؤتمن الخائن، وتهلك الوعول، وَتظهر التحوت ". كتب لحارثه بن قطن وَمن بدومة الجندل من كلب: إِن لنا الضاحية من البعل، وَلكم الضامنة من النّخل، لَا تجمع سارحتكم، وَلَا تعد فاردتكم، وَلَا يحظر عَلَيْكُم النَّبَات، وَلَا يُؤْخَذ مِنْكُم عشر الْبَتَات ". وَكَانَ يعوذ الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا: " أُعِيذكُمَا بِكَلِمَات الله التَّامَّة، من كل شَيْطَان وهامةٍ، وَمن كل عينٍ لامةٍ ". وَقَالَ: " من بنى مَسْجِدا وَلَو مثل مفحص قطاةٍ بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة ".

وَقَالَ: " مثل الْمُؤمن وَالْإِيمَان كَمثل الْفرس فِي آخيته يجول ثمَّ يرجع إِلَى آخيته، وَإِن الْمُؤمن يسهو ثمَّ يرجع إِلَى الْإِيمَان ". وَدخلت عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَجُوز؛ فَسَأَلَ وأحفى، وَقَالَ: " إِنَّهَا كَانَت تَأْتِينَا أزمان خَدِيجَة، وَإِن حسن الْعَهْد من الْإِيمَان ". سُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَام عَن الْبر وَالْإِثْم؛ فَقَالَ: " الْبر حسن الْخلق، وَالْإِثْم مَا حك فِي نَفسك وكرهت أَن يطلع عَلَيْهِ النَّاس ". وَقَالَ: " إِن من شَرّ مَا أعْطى العَبْد شح هالعٌ وجبنٌ خانع ". وَقَالَ: " مَا من أَمِير عشرةٍ إِلَّا وَهُوَ يجِئ يَوْم الْقِيَامَة مغلولةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقه، حَتَّى يكون عمله هُوَ الَّذِي يُطلقهُ أَو يوكفه ". وَقَالَ: " وَهل يكب النَّاس على مناخرهم فِي نَار جَهَنَّم إِلَّا حصائد ألسنتهم ". وَأهْدى إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَام هَدِيَّة؛ فَلم يجد شَيْئا يَضَعهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: " ضَعْهُ بالحضيض، فَإِنَّمَا أَنا عبد آكل كَمَا يَأْكُل العَبْد ". وَندب - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الصَّدَقَة؛ فَقيل لَهُ: قد منع أَبُو جهم وخَالِد بن الْوَلِيد وَالْعَبَّاس عَم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ: فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " أما أَبُو جهمٍ فَلم ينقم منا إِلَّا أَن أغناه الله وَرَسُوله من فَضله، وَأما خالدٌ فَإِن النَّاس يظْلمُونَ خَالِدا. إِن خَالِدا قد جعل رَقِيقه ودوابه حبسا فِي سَبِيل الله، وَأما الْعَبَّاس فَإِنَّهَا عَلَيْهِ وَمثلهَا مَعهَا ". وَكتب عَلَيْهِ السَّلَام لأكيدر: هَذَا كتابٌ من مُحَمَّد رَسُول الله لأكيدر حِين أجَاب إِلَى الْإِسْلَام، وخلع الأنداد والأصنام، مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد، سيف الله فِي دوماء الجندل وأكنافها، أَن لنا الضاحية من البعل، والبور والمعامى وأغفال الأَرْض والحقلة، وَلكم الضامنة من النّخل، والمعين من الْمَعْمُور

بعد الْخمس، لَا تعدل سارحتكم، وَلَا تعد فاردتكم وَلَا يحظر عَلَيْكُم النَّبَات، تقيمون الصَّلَاة لوَقْتهَا، وتؤتون الزَّكَاة بِحَقِّهَا، عَلَيْكُم بذلك عهد الله وميثاقه. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي الرجل الَّذِي اسْتَعْملهُ؛ فأهدى إِلَيْهِ شيءٌ فَقَالَ: هَذَا لي: " هلا جلس فِي حفش أمه؛ فَينْظر أَكَانَ يهدي إِلَيْهِ شيءٌ ". وَقَالَ: " إِذا وجد أحدكُم طخاءً على قلبه فَليَأْكُل السفرجل " وَمن حَدِيثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا رَوَاهُ ابْن قُتَيْبَة: " عَلَيْكُم بالأبكار فَإِنَّهُنَّ أعذب أفواها، وأنتق أرحاماً وأرضى باليسير ". " فَارس نطحةٌ أَو نطحتان، ثمَّ لَا فَارس بعْدهَا أبدا. وَالروم ذَات الْقُرُون، كلما هلك قرنٌ خلف قرنٌ، أهل صَخْر وبحرٍ، هَيْهَات آخر الدَّهْر ". " سموا أَوْلَادكُم أَسمَاء الْأَنْبِيَاء، وَأحسن الْأَسْمَاء عبد الله، وَعبد الرَّحْمَن، وَأصْدقهَا الْحَارِث وَهَمَّام وأقبحها حرٌ وَمرَّة ". " اللَّهُمَّ إِن عَمْرو بن الْعَاصِ هجاني وَهُوَ يعلم أَنِّي لست بشاعر فاهجه، اللَّهُمَّ والعنه عدد مَا هجاني ". " من تَوَضَّأ للْجُمُعَة فبها ونعمت، وَمن اغْتسل فَذَلِك أفضل، وَمن غسل واغتسل، وَبكر وابتكر، واستمع وَلم يلغ كفر ذَلِك مَا بَين الجمعتين ". " سيد إدام أهل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة اللَّحْم، وَسيد ريحَان أهل الْجنَّة الفاغية ". لما أَرَادَ الْأَنْصَار أَن يبايعوه، قَالَ أَبُو الْهَيْثَم بن تيهان: يَا رَسُول الله، إِن بَيْننَا وَبَين الْقَوْم حِبَالًا وَنحن قَاطِعُوهَا، فنخشى إِن الله أعزّك ونصرك أَن ترجع إِلَى قَوْمك، فَتَبَسَّمَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: " بل الدَّم الدَّم، وَالْهدم الْهدم، أَنا مِنْكُم وَأَنْتُم مني؛ أُحَارب من حَارَبْتُمْ، وَأُسَالِمُ من سَالَمْتُمْ ".

قَالُوا فِي معنى ذَلِك: إِنَّهُم كَانُوا ف يالجاهلية إِذا تحالفوا يَقُولُونَ: الدَّم الدَّم وَالْهدم الْهدم، يُرِيدُونَ: تطلب بدمى وأطلب بدمك، وَمَا هدمت من الدِّمَاء هدمت؛ أَي: مَا عَفَوْت عَنهُ وأهدرته عَفَوْت عَنهُ وأهدرته. وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول: هُوَ الْهدم الْهدم واللدم اللدم؛ أَي: حرمتي مَعَ حرمتكم وبيتي مَعَ بَيتكُمْ، وَأنْشد: ثمَّ الحقي بهدمي ولدمي وروى فِي حَدِيث آخر أَن الْأَنْصَار قَالُوا: ترَوْنَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا فتح الله عَلَيْهِ مَكَّة أرضه وبلده يُقيم بهَا؛ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " معَاذ الله، الْمحيا محياكم وَالْمَمَات مماتكم ". " مَا ينْتَظر أحدكُم إِلَّا هرماً مفنداً أَو مرشاً مُفْسِدا ". " المستبان شيطانان يتكاذبان ويتهاتران ". " غطوا الْإِنَاء، وأوكوا السقاء، وَأَغْلقُوا الْبَاب، وأطفئوا السراج، فَإِن الفويسقة تضرم على أهل الْبَيْت بَيتهمْ ". وروى أَن أم سَلمَة قَالَت: " يَا رَسُول الله أَرَاك ساهم الْوَجْه. أَمن عِلّة؟ قَالَ: لَا، وَلكنه السَّبْعَة الدَّنَانِير الَّتِي أَيَّتنَا بهَا أمس نسيتهَا فِي خصم الْفراش فَبت وَلم أقسمها ". خصم الْفراش: جَانِبه. " ويلٌ لأقماع القَوْل، ويلٌ للمصرين ". وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَعَوَّذ من خمس: من العيمة والغيمة، وَالْأَيمَة، والكزم، والقزم.

واستأذنه سعد فِي أَن يتَصَدَّق بِمَالِه، فَقَالَ: لَا، ثمَّ قَالَ: الشّطْر. قَالَ: لَا. قَالَ: فَالثُّلُث؟ قَالَ " الثُّلُث، وَالثلث كثيرٌ. إِنَّك إِن تتْرك أولادك أَغْنِيَاء خيرٌ من أَن تَدعهُمْ عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس. " أفضل الصَّدَقَة على ذِي الرَّحِم الْكَاشِح ". " الْحمى رائد الْمَوْت، وَهِي سجن الله فِي الأَرْض يحبس بهَا عَبده إِذا شَاءَ، ويرسله إِذا شَاءَ ". وَسُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَام عَن بني عَامر بن صعصعة، فَقَالَ: " جملٌ أَزْهَر متفاجٌ يتَنَاوَل من أَطْرَاف الشّجر "، وسألوه عَن غطفان، فَقَالَ: " رهوةٌ تنبع مَاء ". وَفِي حَدِيث آخر أَنه قَالَ فِي غطفان - وَقد ذكرهم -: أكمةٌ خشناء تنفى النَّاس عَنْهَا. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي حجَّة الْوَدَاع: " لَا يعشرن وَلَا يحشرن ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " كل رافعةٍ رفعت علينا من الْبَلَاغ فقد حرمتهَا أَن تعضد أَو تخبط إِلَّا بعصفورٍ قتبٍ أَو مسد محالةٍ أَو عَصا حديدةٍ ". قَوْله: كل رَافِعَة رفعت علينا، يُرِيد: كل جمَاعَة مبلغة تبلغ عَنَّا وتذيع مَا نقُوله. وَذكر عَلَيْهِ السَّلَام (يَأْجُوج وَمَأْجُوج) فَقَالَ: " عراض الْوُجُوه، صغَار الْعُيُون، صهب الشعاف، من كل حدبٍ يَنْسلونَ ".

الشعاف: جمع شعفة، وشعفة كل شَيْء أَعْلَاهُ. وَفِي الحَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا بِلَالًا بِتَمْر. فَجعل يجِئ بِهِ قبضا قبضا؛ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أنْفق بِلَال وَلَا تخش من ذِي الْعَرْش إقلالاً ". " من حفظ مَا بَين فقميه وَرجلَيْهِ دخل الْجنَّة ". " لَا زِمَام وَلَا خزام وَلَا رَهْبَانِيَّة وَلَا تبتل وَلَا سياحة فِي الْإِسْلَام " وَذكر الْمُنَافِقين، فَقَالَ: " متكبرون لَا يألفون وَلَا يؤلفون، خشبٌ بِاللَّيْلِ صخب بِالنَّهَارِ ". وَقدم وفدٌ من هَمدَان فَلَقوهُ مُقبلا من تَبُوك، فَقَالَ مَالك ابْن نمط: يار سَوَّلَ اله، نصية من هَمدَان من كل حاضرٍ وباد، أتوك على قلص نواجٍ مُتَّصِلَة بحبائل الْإِسْلَام، لَا تأخذهم فِي الله لومة لائمٍ، من مخلاف خارفٍ ويام. عَهدهم لَا ينْقض عَن شية ماحل وَلَا سوءاء عَن فَقير مَا قَامَت لعلع، وَمَا جرى اليعفور بصلع. فَكتب لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله لمخلاف خارف، وَأهل جناب الهضب وحقاف الرمل، مَعَ وَافد هادي المشعار مَالك بن نمط وَمن أسلم من قومه، على أَن لَهُم فراعها ووهاطها وعزازها مَا أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة، يَأْكُلُون علافها ويرعون عفاءها. لنا من دفئهم وصرامهم مَا سلمُوا بالميثاق وَالْأَمَانَة، وَلَهُم من الصَّدَقَة الثلب والناب والفصيل والفارض والداجن والكبش الحورين وَعَلَيْهِم فِيهِ الصالع والقارح. قَوْله: نصية من هَمدَان، أَي رُءُوسًا مختارين مِنْهُم. وخارف ويام قبيلتان. وَقَوله: عَهدهم لَا ينْقض عَن شية ماحل. الماحل: السَّاعِي بالنمائم. يَقُول لَيْسَ ينْقض عَهدهم بسعي ماحل. وَلَا سوءاء عَن فَقير يُرِيد: الداهلية، وَلَعَلَّه: جبل. واليعفور: ولد الْبَقَرَة. والصلع: الصَّحرَاء البارزة المستوية الَّتِي لَا نبت فِيهَا. والفراع: عالي الْجبَال. والوهاط: الْمَوَاضِع المطمئنة. والعزاز: مَا صلب من الأَرْض. والعلاف: جمع علف. والعفاء من الأَرْض: مَا لَيْسَ لأحد فِيهِ شَيْء. وَقَوله: لنا من دفئهم: يَعْنِي من إبلهم وشائهم، سميت دفئا لما يتَّخذ من

أوبارها وأصوافها من الأكسية والبيوت. والصرام: النّخل. والثلب من الْإِبِل: الذُّكُور وَالَّذِي قد تَكَسَّرَتْ أَسْنَانه. والناب: الهرمة من النوق. والفارض: المسنة. والداجن: الَّتِي يعلفها النَّاس فِي مَنَازِلهمْ. والصالع من الْغنم وَالْبَقر مثل اقارح من الْخَيل والحورى، مَنْسُوب إِلَى الْحور، وَهِي جُلُود حمر تتَّخذ من جُلُود الْمعز والضأن. وَكتب عَلَيْهِ السَّلَام لوفد كلب: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا الْكتاب من مُحَمَّد رَسُول الله؛ لعمائر كلب وأحلافها وَمن ظأره الْإِسْلَام من غَيرهم، مَعَ قطن بن حَارِثَة العيلمى بإقام الصَّلَاة لوَقْتهَا، وإيتاء الزَّكَاة بِحَقِّهَا فِي شدَّة عقدهَا ووفاء عهدها بحضرٍ من شُهُود الْمُسلمين: سعد بن عبَادَة، وَعبد الله بن أنيس، ودحية بن خَليفَة الْكَلْبِيّ عَلَيْهِم فِي الهمولة الراعية الْبسَاط الظؤار؛ فِي كل خمسين ناقةٌ غير ذَات عوار، والحمولة المائرة لَهُم لاغية، وَفِي الشوي الوري مسنةٌ حاملٌ أَو حائلٌ، وَفِيمَا سقى الْجَدْوَل من الْعين الْمعِين الْعشْر من ثَمَرهَا، وَمِمَّا أخرجت أرْضهَا. وَفِي العذى شطره بِقِيمَة الْأمين. لَا يُزَاد عَلَيْهِم وطيفه وَلَا يفرق. شهد الله على ذَلِك وَرَسُوله.

وَكتب ثَابت بن قيس بن شماس. العمائر: جمع عمَارَة وَهُوَ فَوق الْبَطن. قَوْله: ظأره الْإِسْلَام أَي عطفه. والظؤار: هِيَ الَّتِي مَعهَا أَوْلَادهَا وجمعت على فعال. والحمولة المائرة، يَعْنِي: الْإِبِل الَّتِي تحمل عَلَيْهَا الْميرَة. لاغية: أَي ملغاة. لَا تعد وَلَا يلزمون لَهَا صَدَقَة. والشوى: جمع شَاة، والورى: السمين فعيل بِمَعْنى فَاعل. وَلما قدمت عَلَيْهِ وُفُود الْعَرَب، قَامَ طهفة بن أبي زُهَيْر النَّهْدِيّ، فَقَالَ: أَتَيْنَاك يَا رَسُول الله من غورى تهَامَة على أكوارٍ الميس، ترتمي بِنَا العيس، نستحلب الصبير، ونستحلب الْخَبِير، ونستعضد البربر، ونستخيل الرهام، ونستحيل الجهام، من أَرض غائلة النطاء، غَلِيظَة الوطاء. قد نشف المدهن، ويبس الجعثن، وَسقط الأملوج، وَمَات العسلوج، وَهلك الْهدى، وَمَات الودى، بَرِئْنَا يَا رَسُول الله من: الوثن، والعنن وَمَا يحدث الزَّمن. لنا دَعْوَة السَّلَام وَشَرِيعَة الْإِسْلَام مَا طما الْبَحْر وَقَامَ تعار، وَلنَا نعم همل أغفالٌ، مَا تبض ببلال ووقيرٌ كثير الرُّسُل قَلِيل الرُّسُل، أصابتها سنيةٌ حَمْرَاء مؤزلة، لَيْسَ لَهَا عللٌ وَلَا نهلٌ. فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اللَّهُمَّ بَارك لَهُم فِي محضها ومخضها ومذقها، وَابعث راعيها فِي الدثر بيانع الثَّمر، وافجر لَهُ الثمد، وَبَارك لَهُ فِي المَال وَالْولد، من أَقَامَ الصَّلَاة كَانَ مُسلما، وَمن آتى الزَّكَاة كَانَ محسناً، وَمن شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله كَانَ مخلصا؛ لكم يَا بني نهد ودائع الشّرك ووضائع الْملك، لَا تلطط فِي الزَّكَاة، وَلَا تلحد فِي الْحَيَاة، وَلَا تثاقل عَن الصَّلَاة.

وَكتب مَعَه كتابا إِلَى بني نهد: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى بني نهد بن زيد: سلامٌ على من آمن بِاللَّه وَرَسُوله، لكم يَا بني نهدٍ فِي الْوَظِيفَة الْفَرِيضَة، وَلكم الْعَارِض والفريش وَذُو الْعَنَان الرّكُوب، والفلو الضبيس، لَا يمْنَع سرحكم وَلَا يعضد طلحكم، وَلَا يحبس دركم مَا لم تضمروا الإماق وتأكلوا الرباق، من أقرّ بِمَا فِي هَذَا الْكتاب فَلهُ من الله وَرَسُوله الْوَفَاء بالعهد والذمة، وَمن أبي فَعَلَيهِ الربوة. الميس: شجر تعْمل مِنْهُ الرّحال. والصبير: السَّحَاب الْأَبْيَض. ونستخلب: نحصد ونقطع، وَمِنْه قيل: المنجل مخلب، ومخلب الطَّائِر من ذَلِك، والحبير: النَّبَات. والبربر: ثَمَر الْأَرَاك، وهم يَأْكُلُونَهُ إِذا أجدبوا، وأصل الْعَضُد الْقطع. ونستخيل: من أخيلت السحابة إِذا رَأَيْتهَا فحسبتها ماطرة. والرهام الأمطار الضِّعَاف. ونستحيل الجهام نَنْظُر إِلَيْهِ. يُقَال: استحيل كَذَا وَكَذَا أَي نظر إِلَيْهِ. والجهام سحابٌ لَا مَاء فِيهِ. وَمن قَالَ: تستحيل فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنا نرَاهُ جائلا فِي الْأُفق. وَقَوله: من أَرض غائلة النطاء يُرِيد: فلاة تغول ببعدها من سلكها أَي تهلكة. والنطاء: الْبعد. والمدهن: نقرة وَاسِعَة فِي الْجَبَل يستنقع فِيهَا المَاء. والجعثن: أصل النَّبَات. والعسلوج: الْغُصْن. والأملوج: ورق كالعيدان يكون لضروب من شجر الْبر. وَالْهدى: الْإِبِل هَاهُنَا، وأصل الْهدى الْبدن الَّتِي تهدى إِلَى الْبَيْت. والودي: فسيل النّخل. والعنن: الِاعْتِرَاض والمخالفة. وتعار: جبل مَعْرُوف. ونعمٌ أغفال يُرِيد: لَا ألبان لَهَا، وَالْأَصْل فِي الغفل الَّتِي لَا سمة لَهَا. والوقير: الْغنم. وَالرسل: مَا يُرْسل مِنْهَا إِلَى المرعى. والرّسل: اللَّبن. يَقُول: هِيَ كَثِيرَة الْعدَد قَليلَة اللَّبن. والمؤزلة: الجائية بالأزل وَهُوَ الضّيق. والدثر: المَال الْكثير من الْإِبِل وَالْغنم بمرعى قد سلم وَتمّ حَتَّى ينعَت ثَمَرَته. والدثر: المَاء الْقَلِيل. يَقُول: يَقُول: أفجره لَهُم حَتَّى يصير كثيرا غزيرا. ودائع الشّرك: يُرِيد العهود. يُقَال: توادع الْفَرِيقَانِ إِذا أعْطى كل وَاحِد مِنْهُمَا الآخر عهدا أَلا يغزوه، وَكَانَ اسْم ذَلِك الْعَهْد وديعا. ووضائع الْملك: يُرِيد لكم الوضائع الَّتِي يوظفها على الملمين فِي الْملك لَا يتجاوزها، وَلَا يزِيد عَلَيْكُم

فِيهَا. وَالْفَرِيضَة: الهرمة وَهِي الفارض أَيْضا، يُقَال: فرضت إِذا هرمت. والعارض: الْمَرِيضَة. والفريش: هِيَ الَّتِي وضعت حَدِيثا كالنّفساء من النِّسَاء، يُرِيد لَا يَأْخُذ مِنْكُم ذَا الْعَيْب فيضرّ بِأَهْل الصَّدَقَة فهى لكم، وَلَا يَأْخُذ مِنْكُم ذَات الدّر فيضرّ بكم فهى لكم، وَلَكنَّا نَأْخُذ الْوسط. وَذُو الْعَنَان: الْفرس، وَالرُّكُوب الذلول. والفلوّ: الْمهْر. والضّبيس: الصعب. وَقَوله: لَا يمْنَع سرحكم: أَي لَا يدْخل عَلَيْكُم فِي مرعاكم أحدٌ يمْنَع سرحكم عَن شيءٍ مِنْهُ، وَلَا يحبس دركم، يُرِيد: ذَوَات اللَّبن، لَا تحْشر إِلَى الْمُصدق وتحبس عَن المرعى، إِلَى أَن تَجْتَمِع الْمَاشِيَة ثمَّ تعد، لما فِي ذَلِك من الْإِضْرَار بهَا. والإماق أَصله الإمآق بِالْهَمْزَةِ، وَهُوَ من المأقة، والمأقة: الأنفة والحدة والجرأة، يُقَال رجل مثق، وَإِنَّمَا أَرَادَ بالاماق النكث والغدر. والرياق: جمع ربق وَهُوَ الْحَبل وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْعَهْد. وَقَوله: فَمن أَبى فَعَلَيهِ الربوة يُرِيد: الزِّيَادَة. وَكتب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين قُرَيْش وَالْأَنْصَار كتابا، وَفِي الْكتاب: إِنَّهُم من أمةٍ واحدةٍ دون النَّاس، الْمُهَاجِرُونَ من قيس على رباعتهم يتعاقلون بَينهم معاقلهم الأولى، ويفكون عاتيهم بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ، وَأَن الْمُؤمنِينَ لَا يتركون مفرحاً مِنْهُم أَن يعينوه بِالْمَعْرُوفِ فِي فداءٍ أَو عقلٍ، وَأَن الْمُؤمنِينَ الْمُتَّقِينَ أَيْديهم على من بغى عَلَيْهِم، وابتغى دسيعة ظلم، وَأَن سلم الْمُؤمنِينَ واحدٌ، لَا يسالم مؤمنٌ دون مؤمنٍ فِي قتال فِي سَبِيل الله إِلَّا على سواءٍ وعدلٍ بَينهم، وَأَن كل غازيةٍ غزت يعقب بَعضهم بَعْضًا، وَأَنه لَا يجير مُشْرك مَالا لقريش، وَلَا يعينها على مؤمنٍ، وَأَنه من اعتبط مُؤمنا قتلا، فَإِنَّهُ قَود إِلَّا أَن يرضى ولى الْمَقْتُول بِالْعقلِ، وَأَن الْيَهُود يتفقون مَعَ الْمُؤمنِينَ مَا داموا محاربين، وَأَن يهود بني عوفٍ أنفسهم ومواليم أمةٌ من الْمُؤمنِينَ، للْيَهُود دينهم وَلِلْمُؤْمنِينَ دينهم، إِلَّا من ظلم وأثم فَإِنَّهُ لَا يوبغ إِلَّا نَفسه وَأهل بَيته، وَأَن يهود الْأَوْس ومواليهم وأنفسهم مَعَ الْبر المحبين من أهل هَذِه الصَّحِيفَة، وَأَن الْبر دون الْإِثْم، فَلَا يكْسب كاسبٌ إِلَّا على نَفسه، وَأَن الله على أصدق مَا فِي

هَذِه الصَّحِيفَة مِنْهُ وأبره لَا يحول الْكتاب دون ظلم ظالمٍ وَلَا إِثْم آثمٍ، وَأَن أولاهم بِهَذِهِ الصَّحِيفَة الْبر المحسن. قَوْله: رباعتهم يُرِيد: أَمرهم الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ، والمفرح: الَّذِي يلْزمه أَمر أثقله من دين أَو دِيَة، يُقَال: أفرحني الشَّيْء أَي أثقلني وَقَوله: دسيعة ظلم: من الدسع وَهُوَ الدّفع: وَفِي حَدِيثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه خرج فِي الاسْتِسْقَاء؛ فَتقدم فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ يجْهر فيهمَا بِالْقِرَاءَةِ. وَكَانَ يقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاء فِي الرَّكْعَة الأولى بِفَاتِحَة الْكتاب، و " سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى " وَفِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة بِفَاتِحَة الْكتاب، و " هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية " فَلَمَّا قضى صلَاته اسْتقْبل الْقَوْم بِوَجْهِهِ، وقلب رِدَاءَهُ، ثمَّ جثا على رُكْبَتَيْهِ، وَرفع يَدَيْهِ، وَكبر تَكْبِيرَة قبل أَن يستسقى، ثمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ اسقنا وأغثنا، اللَّهُمَّ اسفنا غيثاً مغيثاً، وَحيا ربيعا، وجدا طبقًا غدقاً مُغْدِقًا، مونقاً عَاما، هَنِيئًا مريئاً مربعًا مرتعاً، وابلاً سابلاً، مسبلاً مجللاً، ديماً درراً، نَافِعًا غير ضار، عَاجلا غير رائثٍ غيثاً اللَّهُمَّ تحيي بِهِ الْبِلَاد، وتغيث بِهِ العبا، وتجعله بلاغاً للحاضر منا والباد. اللَّهُمَّ أنزل علينا فِي أَرْضنَا زينتها، وَأنزل علينا فِي أَرْضنَا سكنها. اللَّهُمَّ أنزل علينا من السَّمَاء مَاء طهُورا؛ فأحيا بِهِ بَلْدَة مَيتا، وأسقاه مِمَّا خلقت لنا أنعاماً وأناسى كثيرا ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " خِيَار أمتِي أَولهَا وَآخِرهَا، وَبَين ذَلِك ثبج أَعْوَج ". " لَا بَأْس بالغنى لمن اتَّقى، وَالصِّحَّة لمن اتَّقى خيرٌ من الْغنى، وَطيب النَّفس من النَّعيم ". " إِن الكاسيات العاريات والمائلات المميلات لَا يدخلن الْجنَّة ". قَالُوا فِي تَفْسِير " الكاسيات العاريات " هن اللواتي يلبسن رقاق الثِّيَاب الَّتِي لَا تسترهن. والمميلات، قَالُوا: اللواتي يملن قُلُوب الرِّجَال، وَقيل: اللواتي يملن الْخمر ليظْهر الْوَجْه وَالشعر، وَقيل: هُوَ من الْمشْط الميلاء وَهِي معروفةٌ عِنْدهم.

وَمن حَدِيثه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: " إِن للرؤيا كنى، وَلها أَسمَاء فكنوها بكناها، واعتبروا بأسمائها، والرؤيا لأوّل عابرٍ ". وَذكر الْخَوَارِج، فَقَالَ: " يَمْرُقُونَ من الدّين كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية، وفينظر فِي قذذه فَلَا يُوجد فِيهِ شَيْء، ثمَّ ينظر فِي نضله فَلَا يُوجد فِيهِ شيءٌ، قد سبق الفرث وَالدَّم، آيَتهم رجلٌ أسود فِي إِحْدَى يَدَيْهِ مثل ثدي الْمَرْأَة أَو مثل الْبضْعَة تدَرْدر ". " يحْشر مَا بَين السقط إِلَى الشَّيْخ الفاني، مردا مُكَحَّلِينَ إِلَى أفانين ". " من اسْتمع إِلَى حديثٍ قوم وهم لَهُ كَارِهُون صب فِي أُذُنَيْهِ الآنك يَوْم الْقِيَامَة ". " لَا طَلَاق وَلَا عتاق فِي إغلاقٍ ". " إِن تهَامَة كبديع الْعَسَل حُلْو أَوله حُلْو آخِره ". البديع: الزق " مُضر صَخْرَة الله الَّتِي لَا تنكل ". " وَالَّذِي نفس محمدٍ بِيَدِهِ لَا يحلف أحدٌ وَإِن على مثل جنَاح الْبَعُوضَة إِلَّا كَانَت وكتةً فِي قلبه ". " الكباد من العب ". " اسْتَقِيمُوا وَلنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَن خير أَعمالكُم الصَّلَاة، وَلنْ يحافظ على الْوضُوء إِلَّا مؤمنٌ ". لن تُحْصُوا: لن تُطِيقُوا. كَانَ يُبَايع النَّاس وَفِيهِمْ رجل دحسمان، وَكَانَ كلما أَتَى عَلَيْهِ أَخّرهُ حَتَّى لم يبْق غَيره، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: " هَل اشتكيت قطّ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَل رزئت بشيءٍ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِن الله يبغض العفرية النفرية الَّذِي لم يرزأ فِي جِسْمه وَلَا مَاله "

" مثل الجليس الصَّالح مثل الدَّارِيّ، إِن لم يحدك من عطره علقك من رِيحه. وَمثل الجليس السوء مثل الْكِير؛ إِن لم يحرقك من شراره علقك من نَتنه ". " خير الصَّدَقَة مَا أبقت غنى، وَالْيَد العيا خيرٌ من الْيَد السُّفْلى، وابدأ بِمن تعول ". وَقَالَ فِي الْمَدِينَة: " اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي مدها وصاعها، وانقل حماها إِلَى مهيعة ". مهيعة الْجحْفَة، وغدير خم بهَا. قَالَ الْأَصْمَعِي: لم يُولد بغدير خم أحد فَعَاشَ بهَا إِلَى أَن يَحْتَلِم. وَفِي الحَدِيث أَنه مر عَلَيْهِ السَّلَام بِرَجُل لَهُ عكرة فَلم يذبح لَهُ شَيْئا، وَمر بِامْرَأَة لَهَا شويهات فذبحت لَهُ، فَقَالَ: " إِن هَذِه الْأَخْلَاق بيد الله، فَمن شَاءَ أَن يمنحه مِنْهَا خلقا حسنا فعل ". وَقَالَ لنسائه: " لَيْت شعري أيتكن صَاحِبَة الْجمل الأدبب، تسير أَو تخرج حَتَّى تنبحها كلاب الحوأب " - الأدبب: الْأَدَب. وَفِي حَدِيثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ أَن رعاء الْإِبِل ورعاء الْغنم تفاخروا عِنْده فأوطأهم رعاء الْإِبِل غَلَبَة، فَقَالُوا: وَمَا أَنْتُم يَا رعاء النَّقْد، هَل تخبون أَو تصيدون؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " بعث مُوسَى وَهُوَ راعي غنم، وَبعث دَاوُد وَهُوَ راعي غنم ويعثت أَنا وَأَنا راعي غنم أَهلِي بأجياد "؛ فَغَلَبَهُمْ عَلَيْهِ السَّلَام. " أغبط النَّاس عِنْدِي، مؤمنٌ خَفِيف الحاذ، ذُو حَظّ من صلاةٍ ". وَكتب فِي كتاب لَهُ ليهود تيماء: " إِن لَهُم الذِّمَّة، وَعَلَيْهِم الْجِزْيَة بِلَا عداءٍ، النَّهَار مدى، وَاللَّيْل سدى ".

المدى: الْغَايَة، أَي ذَلِك لَهُم أبدا مَا كَانَ اللَّيْل وَالنَّهَار. والسدى: التَّخْلِيَة. وَأهْدى لَهُ الرجل راوية خمر، فَقَالَ: " إِن الله حرمهَا ". قَالَ: أَفلا أكارم بهَا يهود؟ قَالَ: " إِن الَّذِي حرمهَا حرم أَن يكارم بهَا ". قَالَ: فَمَا أصنع بهَا؟ قَالَ: " سنّهَا فِي الْبَطْحَاء ". وَقَالَ: " لَيْسَ للنِّسَاء سروات الطَّرِيق ". وَقَالَ: " يَمِين الله سحخاء، لَا يغيضها شيءٌ اللَّيْل وَالنَّهَار ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " حجُّوا اقبل أَلا تَحُجُّوا ". قَالُوا: وَمَا شَأْن الْحَج؟ قَالَ: " يقْعد أعرابها على أَذْنَاب أَوديتهَا فَلَا يصل إِلَى الْحَج أحدٌ ". وَمن حَدِيثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رِوَايَة الحربى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " أَنا وامرأةٌ سفعاء الْخَدين كهاتين يَوْم الْقِيَامَة، وَامْرَأَة أيمت من زَوجهَا حبست نَفسهَا على يتاماها حَتَّى مَاتُوا أَو بانوا ". " الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر تستأذن، وإذنها صماتها " " ثلاثٌ لَا يؤخرن: الصَّلَاة إِذا أتتك، والجنازة إِذا حضرت، والأيم إِذا وجدت كفئاً ". أَتَى ابْن عمر أَبَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي قد خطبت ابْنة نعيم النحام، وَأُرِيد أَن تمشي معي فتكلمه، فَقَالَ: إِنِّي أعلم بنعيم مِنْك. إِن عِنْده ابْن أَخ لَهُ يَتِيما، لم

يكن لينقض لُحُوم النَّاس ويترب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلمفإن كنت فَاعِلا فَأذْهب مَعَك زيد بن الْخطاب، فَذهب إِلَيْهِ فَكَلمهُ، فَكَأَن نعيماً سمع مقَال عمر، فَقَالَ: مرْحَبًا بك وَأهلا، إِن عِنْدِي ابْن أَخ لي يَتِيما، وَلم أكن لَا نقض لُحُوم النَّاس وأترب لحمي. . فَقَالَت أمهَا من نَاحيَة الْبَيْت: وَالله لَا يكون هَذَا حَتَّى يقْضِي بِهِ علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أتحبس أيم بني عدي على ابْن لأخيك سفيهٍ أَو ضعيفٍ، ثمَّ خرجت حَتَّى أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَخْبَرته الْخَبَر، فَدَعَا نعيما، وَقَالَ: صل رَحِمك، وَأَرْض أيمك وَأمّهَا، فَإِن لَهما من أَمرهمَا نَصِيبا. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قلت يَا رَسُول الله، أَي النَّاس أَحَق بِحسن الصُّحْبَة؟ قَالَ: أمك، ثمَّ أمك، ثمَّ أمك، ثمَّ أَبوك ". قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: قلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَنحن فِي الْغَار -: لَو أَن أحدهم رفع قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرنَا تحتهما، فَقَالَ: " مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما؟ ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " الْمُؤمن غر كريمٌ، والفاجر خب لئيمٌ ". " تزوجوا الشواب فَإِنَّهُنَّ أغر أَخْلَاقًا ". " من طلب دَمًا أَو خبلا فَإِنَّهُ بِالْخِيَارِ: أَن يقْتَصّ، أَو يعْفُو أَو يَأْخُذ بِالْعَفو ". " مَا من قومٍ تعْمل فيهم الْمعاصِي يقدرُونَ أَن يُغيرُوا فَلَا يغيرون إِلَّا أَصَابَهُم الله بعقاب ". " شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم فأبردوا بِالصَّلَاةِ ". " قَالَ سراقَة بن جعْشم: قلت: " يَا رَسُول الله؛ الضَّالة تغشى حياضي، هَل لي أجرٌ إِن أسقها؟ قَالَ: " فِي كل كبدٍ حرى أجرٌ ". " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فليتحر الصَّوَاب ".

" أول دينكُمْ نبوةٌ ورحمةٌ، ثمَّ ملكٌ ورحمةٌ، ثمَّ ملكٌ وجبريةٌ، ثمَّ ملكٌ عض يسْتَحل فِيهِ الْخَزّ وَالْحَرِير ". " أعوذ بك من الْحور بعد الكور ". " الصَّوْم جنةٌ مَا لم تخرقها ". " أَلا لَا يجن جانٍ على نَفسه، لَا يجن والدٌ على وَلَده ". روى أَن رجلا من أهل الصّفة مَاتَ، فَوجدَ فِي شملته دِينَارَانِ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كَيَّتَانِ ". " استذكروا الْقُرْآن، فَلَهو أَشد تفصياً من صُدُور رجالٍ من النعم من عقله ". كَانَ عَامَّة وَصيته صلى الله عَلَيْهِ حِين حَضرته الْوَفَاة: " الصَّلَاة وَمَا ملكت أَيْمَانكُم، حَتَّى جعل يُغَرْغر بهَا، وَمَا يفيص بهَا لِسَانه ". " اسمح يسمح لَك ". " الْأَنْصَار كرشي؛ فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عَن مسيئهم " " المقة من الله، والصيت فِي السَّمَاء ". وَقيل: يَا رَسُول الله، الرجل يحب قومه، أعصبي هُوَ؟ قَالَ: " لَا: العصبي الَّذِي يعين قومه على الظُّلم ". " إِن الْخلق الْحسن ليذْهب الْخَطَايَا، كَمَا تذْهب الشَّمْس الجليد " وَمر بِهِ أَعْرَابِي جلد شابٌ، فَقَالَ أَبُو بكر وَعمر: وَيْح هَذَا لَو كَانَ شبابه وقوته فِي سَبِيل الله كَانَ أعظم لأجره! فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِن كَانَ يسْعَى على أَبَوَيْهِ فَهُوَ فِي سَبِيل الله ". " رجلَانِ من أمتِي لَا تبلعهما شَفَاعَتِي: إمامٌ ظلومٌ عسوفٌ، وَآخر غالٍ فِي الدّين مارٌق مِنْهُ ". " فَاطِمَة بضعَة مني يسعفني مَا أسعفها ".

" اللَّهُمَّ أَسأَلك الْعِفَّة والغنى ". " مَا بلغ عبدٌ حَقِيقَة الْإِيمَان حَتَّى يعلم أَن مَا أَصَابَهُ لم يكن ليخطئه، وَمَا أخطأه لم يكن ليصيبه ". " إيَّاكُمْ وَالظَّن؛ فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث ". وَأمر عَلَيْهِ السَّلَام مناديا، فَنَادَى: " لَا تجوز شَهَادَة ظنينٍ ". وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يدلع لِسَانه لِلْحسنِ، فَيرى الْحسن حمرَة لِسَانه فيهش إِلَيْهِ. وَقيل لَهُ: أَي الْجِهَاد أحب إِلَى الله؟ قَالَ: " كلمة حق عِنْد سلطانٍ جائرٍ ". " لَا يدْخل الْجنَّة سيء الملكة ". وَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: كَيفَ الْفَلاح بعد " من يعْمل سوء يجز بِهِ " قَالَ: " يَا أَبَا بكر أَلَسْت تمرض؟ أَلَسْت تحزن؟ أَلَسْت تصيبك اللأواء؟ ". " أعوذ بِاللَّه من الْجُوع فَإِنَّهُ بئس الضجيع ". " لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرةٍ سوى ". " لَيْسَ الْغَنِيّ عَن كَثْرَة الْعرض، إِنَّمَا الْغَنِيّ غَنِي النَّفس ". " الدُّنْيَا عرضٌ حاضرٌ يَأْكُل مِنْهَا الْبر والفاجر ". " لَا جلب وَلَا جنب وَلَا اعْتِرَاض ". " من بَات وَفِي يَده غمرٌ، فَعرض لَهُ عارضٌ فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه ". كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا استجد ثوبا قَالَ: " اللَّهُمَّ أَنْت كسوتني هَذَا الثَّوْب، فلك الْحَمد، أَسأَلك من خَيره وَخير مَا صنع لَهُ ". ذكرت الجدود عِنْده عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ قوم: جد بني فلَان فِي الْإِبِل، وَقَالَ آخَرُونَ: جد بني فلَان فِي الْغنم. فَلَمَّا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَالَ: " لَا مَانع لما أَعْطَيْت، وَلَا معطي لما منعت، وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد ". "

لَا تسبوا بني تميمٍ فَإِنَّهُم ذَوُو حد وجلدٍ ". وجد عمر حلَّة من استبرق، فَأتى بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: ابتع هَذِه تجمل بهَا للعيد والوفد، فَقَالَ: " إِنَّمَا يلبس هَذِه من لَا خلاق لَهُ ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " خير السَّرَايَا أربعمائةٍ ". قَالَت عَائِشَة: دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - مسروا تبرق أسارير وَجهه، فَقَالَ: ألم ترى أَن محرزا المدلجي رأى قدم زيد وأسماة؟ فَقَالَ: " هَذِه أقدامٌ بَعْضهَا من بعضٍ ". " من نفس عَن غَرِيمه أَو محا عَنهُ كَانَ فِي ظلّ الْعَرْش ". " الْبكر بالبكر جلد مائةٍ وَنفى سنةٍ ". " من انْتَفَى من وَلَده فضحه الله يَوْم الْقِيَامَة ". جَاءَت ارمأة إِلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَام - تَشْكُو زَوجهَا، فَقَالَ: " أَتُرِيدِينَ أَن تتزوجي ذَا جمةٍ فينانةٍ على كل خصلةٍ مِنْهَا شيطانٌ ". " من شرب الْخمر لم يرضى الله عَنهُ، فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ؛ فَإِن عَاد كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طينه الخيال ". " الطَّاعُون وخز أعدائكم من الْجِنّ ". كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أَرَادَ أَن يرقد، قَالَ: " اللَّهُمَّ قنى عذابك يَوْم تبْعَث عِبَادك ".

" مثلي وَمثل مَا يعثني الله بِهِ، كَمثل رجلٍ أَتَى قوما، فَقَالَ: يَا قوم إِنِّي رَأَيْت الْجَيْش بعيني وَأَنا النذير الْعُرْيَان ". قَالَ: " يَقُول الله إِذا شغل عَبدِي ذكرى عَن مَسْأَلَتي، أَعْطيته أفضل مَا أعْطى السَّائِلين ". قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لأسماء بنت عُمَيْس: " الْعيلَة تَخَافِينَ على بني جعفرٍ انا وليهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ". قَالَ للْأَنْصَار حِين أعْطى الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم: " أوجدتهم فِي قُلُوبكُمْ من لعاعة من الدُّنْيَا تألفت بهَا قوما أَسْلمُوا ووكلنكم إِلَى إيمَانكُمْ؟ ". قَالَ وائلة: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجْلِس عليا عَن يَمِينه، وَفَاطِمَة عَن يسَاره، وحسنا وَحسَيْنا بَين يَدَيْهِ، ولفع عَلَيْهِم يثوبه، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهلِي ". " لَو أمسك الله الْقطر عَن النَّاس، ثمَّ أرْسلهُ أَصبَحت طائفةٌ بِهِ كَافِرين، يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء المجدح ". جَاءَ رجلٌ يتخطى رِقَاب النَّاس وَالنَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام يخْطب. فَقَالَ: " اجْلِسْ فقد آنيت وَآذَيْت ". " المَال فِيهِ خيرٌ وشرٌ، فِيهِ حمل الْكل وصلَة الرَّحِم ". قَالَ عَائِشَة: " فقدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن فرَاشه، فَأخذت دِرْعِي، وَأخذت إزَارِي، فَتَقَنَّعت بِهِ، فَخرجت أَمْشِي، فَقَالَ: ترب جبينك أتخافين أَن يَحِيف الله عَلَيْك وَرَسُوله، أَتَانِي جِبْرِيل، فَأمرنِي أَن آتِي أهل البقيع فأستغفر لَهُم ". " أمرت بقريةٍ تَأْكُل الْقرى وَيبقى اسْمهَا، تنفى الْخبث كَمَا ينفى الْكِير خبث الْحَدِيد ". " من خرج على أمتِي يضْرب برهَا وفاجرها، لَا يتحاشى من مؤمنها، وَلَا يَفِي لذِي عهدها فَلَيْسَ مني ".

قَالَت عَائِشَة: " جَاءَت ارمأة وَمَعَهَا ابنتان لَهَا، فأعطيتهما تَمْرَة فشقتها بَين ابنتيها، فَدخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قفية ذَلِك فَحَدَّثته فَقَالَ: " من ابتلى بِشَيْء من هَؤُلَاءِ الْبَنَات كن لَهُ سترا من النَّار ". قَالَت أم سَلمَة: كنت أَنا ومَيْمُونَة عِنْده عَلَيْهِ السَّلَام، فجَاء ابْن أم مَكْتُوم، فَقَالَ: احتجبا، فَقُلْنَا: أَلَيْسَ أعمى لَا يُبصرنَا؟ قَالَ: اعميا وَإِن أَنْتُمَا؟ " لَا تَكُونُوا إمعين يَقُولُونَ إِن ظلم النَّاس ظلمنَا، وَإِن أَسَاءَ النَّاس أسأنا ". " أسفروا بِالْفَجْرِ، فَإِنَّهُ أعظم لِلْأجرِ ". " الماهر بِالْقُرْآنِ مَعَ السفرة الْكِرَام البررة ". " إِنِّي أكره أَن أرى الْمَرْأَة سلتاء مرهاء ". " يهرم ابْن آدم ويشب مَعَه اثْنَتَانِ: الْحِرْص على الْحَيَاة، والحرص على المَال ". " من احتكر على الْمُسلمين طَعَاما ضربه الله بجذامٍ أَو إفلاسٍ ". " بئس قومٌ يشْهدُونَ قبل أَن يستشهدوا وَلَهُم لغطٌ فِي أسواقهم. وَسُئِلَ: أَيَضُرُّ النَّاس الغيط؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: كَمَا يضر الْعضَاة الْخَيط. روى عَن ابْن أبي الحمساء قَالَ: " بَايَعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوعدته مكاتنا، فَنسيته يومي والغد، فَأَتَيْته الْيَوْم الثَّالِث، فَقَالَ: يَا فَتى، لقد شققت عَليّ، أَنا هُنَا مُنْذُ ثلاثٍ أنتظلاك ". كَانَ يَقُول عَلَيْهِ السَّلَام: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْجُبْن وَالْبخل ". " من خرج من بَيته فَقَالَ: اعتصمن بِاللَّه، وَآمَنت بِاللَّه، رزق خير ذَلِك الْمخْرج ". " إِن أربي الرِّبَا الاستطالة فِي عرض الْمُسلم ". " من أكل من ذَوَات الرّيح، فَلَا يقربن مَسْجِدنَا ". " من لم يسْتَطع التَّزَوُّج فالصوم لَهُ وجاءٌ ".

" من لعب بالنردشير فَكَأَنَّمَا غمس يَده فِي لحم الْخِنْزِير ". " اللَّهُمَّ بك أصُول، وَبِك أجول وَبِك أَسِير، اللَّهُمَّ بك أصاول وَبِك أقَاتل ". وَقَالَ فِي تَمِيم: " ضخم الْهَام رجح الأحلام ". " بئس العَبْد عبدٌ تخيل واختال، وَنسي الْكَبِير المتعال ". وأتى عَلَيْهِ السَّلَام بسارق، فَقَالَ: أسرقت؟ لَا إخالك فعلت. روى عَن بَعضهم قَالَ: بَينا أَنا أَمْشِي فِي بعض طرق الْمَدِينَة - وعَلى بردة ملحاء قد أرخيتها - إِذْ طعنني رجل، فَقَالَ: " لَو رفعت ثَوْبك كَانَ أتقى وأنقى "، فَإِذا هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. " تَحت كل شعرةٍ جَنَابَة، فبلوا الشّعْر، وانقوا الْبشر ". " يَكْفِي أحدكُم من الدُّنْيَا خادمٌ ومركبٌ ". " يمن الْخَيل فِي شقرها ". سُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَام عَن الْبَحْر، فَقَالَ: " هُوَ الطّهُور مأوه الْحل ميتَته ". كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا سمع الرَّعْد وَالصَّوَاعِق قَالَ: " اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلنَا بِغَضَبِك، وَلَا تُهْلِكنَا بعقابك ". من روع مُسلما لرضا سُلْطَان جِيءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة مغلولاً ". " من أدان دينا ينوى قَضَاءَهُ أَدَّاهُ الله عز وَجل عَنهُ ". " إِن الله مَعَ الدَّائِن حَتَّى يقْضِي دينه ". " أطعموا الطَّعَام، وصلوا وَالنَّاس نيامٌ تدْخلُوا الْجنَّة بِسَلام ". " يطلع الله إِلَى عباده فِي النّصْف من شعْبَان فَيغْفر للْمُؤْمِنين، ويملي للظالمين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حَتَّى يَدعُوهُ ". " من أَخذ هَذَا المَال بإشراف نفسٍ لم يُبَارك لَهُ "، يُرِيد: بِطَلَب وحرص.

" للْوُضُوء شيطانٌ يُقَال لَهُ: الولهان ". " يكون كنز أحدكُم شجاعاً أَقرع ذَا زبيبتين حَتَّى يلقمه يَده ". " الْعين وكاء السه؛ فَإِذا نَامَتْ الْعين اسْتطْلقَ الوكاء ". وَقَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: أعتتقني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ أجهش باكياً؛ قلت: مَا يبكيك؟ قَالَ: ضغائن قومٍ لَا يبدونها لَك إِلَّا من بعدِي ". مَا أذن الله لشيءٍ كَإِذْنِهِ لإِنْسَان حسن الترنم بِالْقُرْآنِ ". " لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الله ". أَتَتْهُ عَلَيْهِ السَّلَام امْرَأَة فَقَالَ: أَلَك بعل؟ فَقَالَت: نعم، قَالَ: كَيفَ أَنْت لَهُ؟ قَالَت: مَا آلوه، قَالَ، هُوَ جنتك ونارك ". وَلما صبح خَيْبَر قَالَ عَلَيْهِ السرم: " إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قومٍ فسَاء صباح الْمُنْذرين ". قَالَ أَبُو رَافع: استسلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - بكرا؛ فَأمرنِي أَن أقضيه، فَلم أجد إِلَّا جملا، قَالَ: " أعْطه؛ فَإِن خِيَار النَّاس أحْسنهم قَضَاء ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لَا يزَال العَبْد خَفِيفا معنقاً بِذَنبِهِ مَا لم يصب دَمًا، فَإِذا أصَاب دَمًا بلج ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِذا أويت إِلَى فراشك؛ فَقل: اللَّهُمَّ أسلمت نَفسِي إِلَيْك ووجهت وَجْهي إِلَيْك ". وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يتَعَوَّذ من ضلع الدّين. وَلَوْلَا أَن الْمَرْأَة تصنع لزوجا لصلفت عِنْده ". " إِذا حكم الْحَاكِم فاجتهد فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ، وَإِن أَخطَأ فَلهُ أجر واحدٌ ". " لَا تضرب أكباد الْإِبِل إِلَّا إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام، وطيبة وَبَيت الْمُقَدّس "

" فَاطِمَة شجنة منّى يقبضنى مَا قبضهَا ويبسطنى مَا بسطها " " من سره أَن يمثل لَهُ عباد الله قيَاما فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ". " مثل الْمُؤمن الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن مثل الأترجة؛ رِيحهَا طيبٌ وطعمها طيبٌ ". " تركُوا التّرْك مَا تركوكم ". " استغنوا عَن النَّاس وَلَو بشوص السِّوَاك ". وَقَالَ لَهُ الْحَكِيم بن حزَام: أُمُور كنت أتحنث بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة من عتاقةٍ وصلَة رحم، فَهَل لى فِيهَا من أجر؟ فَقَالَ عله السَّلَام: " أسلمت على مَا سلف من خير " " أكذب النَّاس الصّوّاغون والصباغون " قَالَ لَهُ رجل: مَا شيبك؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " هود وذواتها ". " من تعظم فِي نَفسه، واختال فِي مَشْيه لقى الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان ". " إِن الله لَا يقبض الْعلم انتزاعاً ينتزعه، وَلَكِن يقبض الْعلم بِقَبض الْعلمَاء ". " أَربع من كن فِيهِ كَانَ منافقاً: إِذا حدث كذب، وَإِذا عَاهَدَ غدر، وَإِذا وعد أخلف، وَإِذا خَاصم فجر ". " لَا ينظر الله إِلَى العائل الزهو ". وَقدم عَلَيْهِ جَعْفَر بعد فتح خَيْبَر، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنا أَشد فرخاً، بِفَتْح خَيْبَر أم بقدوم جَعْفَر.

لَا تسترضعوا أَوْلَادكُم الرسح وَلَا الحمش؛ فَإِن اللَّبن يُورث. " لَو أَن رجلا نَادَى النَّاس إِلَى عرق أَو مرماتين، لأجابوه وهم يتخلفون عَن هَذِه الصَّلَاة ". يَقُول الله عز وَجل: " خلقت عبَادي حنفَاء فأتتهم الشَّيَاطِين فاحتالتهم ". وَلحق رجلا يجر إزَاره؛ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام:: ارْفَعْ إزارك " فَقَالَ: إِنِّي أحف، فَقَالَ: " ارْفَعْ فَكل خلق الله حسنٌ ". " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك رَحْمَة تلم بهَا شعثى ". " إِن الله يملى للظالم فَإِذا أَخذه لم يفلته "، ثمَّ قَرَأَ: " وَكَذَلِكَ أَخذ رَبك إِذا أَخذ الْقرى وَهِي ظلمةٌ ". " إِنِّي أعوذ بك من الْفقر والذلة والقلة ". " إِذا طبخت فَأكْثر المرقة وتعاهد جيرانك ". وَسُئِلَ: مَا الحزم؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " تستشير أهل الرَّأْي ثمَّ تطيعهم ". كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أَرَادَ سفرا ورى إِلَى غَيره. وَقَالَ: " الْحَرْب خدعة ". قَالَ زيد: كساني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبطية، فَسَأَلَنِي عَنْهَا، فَقلت: كسوتها امْرَأَتي، فَقَالَ: " أَخَاف أَن تصف حجم عظامها ". وَذكر الْجنَّة فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " أَلا مشمر! يتلألأ وريحانةٌ تزهر ". كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أَرَادَ سفرا قَالَ: " اللَّهُمَّ أَنْت الصاحب فِي السّفر، والخليفة فِي الْأَهْل؛ اللَّهُمَّ اصحبنا بنصحٍ، واقلبنا بذمةٍ، اللَّهُمَّ ازو لنا الأَرْض، وهون علينا السّفر، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من وعثاء السّفر، وكآبة المنقلب ".

وَقَالَ لسعد بن معَاذ رَضِي الله عَنهُ: " لقد حكمت بِحكم الله من فَوق سَبْعَة أرقعةٍ ". وَقَالَ: " الْمُؤمن وادٍ راقعٌ، فسعيدٌ من هلك على رقعه ". " الْمَسْأَلَة لَا تحل إِلَّا من غرم مفظع أَو فقرٍ مدقعٍ ". " من أعَان غارماً فِي غرمه أظلهُ الله عز وَجل يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله ". " من كَانَت نِيَّته الآهرة جعل الله تبَارك وَتَعَالَى غناهُ فِي قلب، وأتته الدُّنْيَا وَهِي راغمةٌ ". " لَا يدْخل الْجنَّة ديوثٌ ". " من اقتبس علما من النُّجُوم اقتبس شُعْبَة من السحر ". قَالَ حُذَيْفَة، قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن كَانَ لله عز وَجل خليفةٌ فَضرب ظهرك، وَأخذ مَالك فأطعه، وَإِلَّا فمت وَأَنت عاض بجذل شجرةٍ ". كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يطوف بِالْبَيْتِ فَانْقَطع شسعه؛ فَأخْرج رجل شسعه من نَعله، فَذهب يشده فِي نعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " هَذِه أثرةٌ وَلَا أحب الأثرة ". " لايغني حذرٌ من قدرٍ، وَالدُّعَاء ينفع مِمَّا نزل وَمِمَّا لم ينزل ". وَقَالَ لَهُ رجل: أرسل رَاحِلَتي وَأَتَوَكَّل؟ فَقَالَ: بل اعقلها وتوكل ". " الصبحة تمنح الرزق " ز " لَا تجسسوا وَلَا تحسسوا ". " حسب ابْن آدم أكلات يقمن صلبه؛ فَإِن كَانَ لَا محَالة فثلث طعامٌ، وَثلث شرابٌ، وَثلث لنَفسك ".

عطس رجل عِنْده عَلَيْهِ السَّلَام فشمته، ثمَّ عطس فَقَالَ: " امتخط فَإنَّك مضنوكٌ ". " لَا يحرم من الرَّضَاع إِلَّا مَا أنبت اللَّحْم وأنشز الْعظم ". وَمِمَّا ذكره أَحْمد بن أبي ضاهر فِي كتاب (المنشور والمظلوم) : " لَا تجن يَمِينك على شمالك ". " اللَّهُمَّ انفعني بِمَا علمتني، وَعَلمنِي مَا يَنْفَعنِي وزدني علما ". " إيَّاكُمْ وَكَثْرَة الضحك؛ فَإِنَّهُ يُمِيت الْقلب وَيُورث النسْيَان ". " الْهَدِيَّة تذْهب السخيمة ". وَسُئِلَ أَي الْأَصْحَاب أفضل؟ فَقَالَ: " الَّذِي إِذا ذكرت أعانك، وَإِذا نسيت ذكرك ". " إِن الله كره لكم الْعَبَث فِي الصَّلَاة، والرفث فِي الصّيام، والضحك عِنْد الْمَقَابِر ". وَقَرَأَ عَلَيْهِ السَّلَام: " فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ ". فَقَالَ: " إِن النُّور إِذا دخل الْقلب انْشَرَحَ وَانْفَسَحَ، قيل: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا علامته الَّتِي يعرف بهَا؟ قَالَ: " التخلي من دَار الْغرُور، والإنابة إِلَى دَار الخلود، والاستعداد للْمَوْت قبل نزُول الْمَوْت ". " الْمُسلم أَخُو الْمُسلم، وَالْمُسلم نصيح الْمُسلم ". " حق الْمُسلم على أَخِيه سِتّ خِصَال: تَسْلِيمه عَلَيْهِ إِذا لقِيه، وتشميته إِذا عطس، وإجابته إِذا دا، وعيادته إِذا مرض، وشهادته إِذا توفى ".

" إِن الله يرضى لكم ثَلَاثًا: أَن تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا، وَأَن تعتصموا بحبله وَلَا تتفرقوا، وَأَن تناصحوا من ولاه الله أَمركُم، وَيكرهُ لكم قيل وَقَالَ، وَكَثْرَة السُّؤَال، وإضاعة المَال ". " خير نساءٍ ركبن الْإِبِل نساءٌ صوالح من قُرَيْش، أحناه على ولدٍ فِي صغره، وأرعاه على بعلٍ فِي ذَات يَده ". " مَا أظلت الخضراء، وَلَا أقلت العبراء أصدق لهجة من أبي در ". من لم يتَقَبَّل من متنصلٍ صَادِقا كَانَ أَو كَاذِبًا لم يرد على الْحَوْض ". " لايزال الْمَسْرُوق مِنْهُ فِي تُهْمَة من هُوَ بريءٌ حَتَّى يكون أعظم جرما من السَّارِق ". " لَو دعيت إِلَى كراعٍ لَأَجَبْت، وَلَو أهْدى إِلَى ذراعٌ لقبلت ". " الْجُمُعَة حج الْمَسَاكِين ". " من ذب عَن لحم أَخِيه بِظهْر الْغَيْب كَانَ حَقًا على الله أَن يحرم لَحْمه على النَّار ". " السِّوَاك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب ". " أربعٌ من جمعهن فِي يَوْم دخل الْجنَّة: من أصبح صَائِما، وَأعْطى سَائِلًا، وَعَاد مَرِيضا، وشيع جَنَازَة ". " من أحب أَن يسمع الله دَعوته ويفرج كربته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَلْينْظر مُعسرا ". وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أفطر عِنْد أهل بَيت قَالَ: " أفطر عنْدكُمْ الصوام، وَأكل طَعَامكُمْ الْأَبْرَار، وصلت عَلَيْكُم الْمَلَائِكَة ". " سؤوا بَين أَوْلَادكُم فِي الْعَطِيَّة؛ فَلَو كنت مؤثراً أحدا على أحد لآثرت النِّسَاء على الرِّجَال ".

وروى: أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، وَأَبا أَحْمد بن جحش خطبا فَاطِمَة بنت قيس؛ فَأرْسل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَهًا: أما مُعَاوِيَة فصعلوك، وَأما أَبُو أَحْمد فَهُوَ هراوةٌ، فانكحى أُسَامَة؛ فنكحت أُسَامَة. " الْأَيْدِي ثلاثةٌ: فيد الله الْعليا، وَيَد الْمُعْطى الْوُسْطَى، وَيَد الْمُعْطى السُّفْلى ". " النَّاس عاديان: فبائع رقبته فموثقها، أَو معاديها فمعتقها ". " لَا يدْخل الْجنَّة جسدٌ نبت من السُّحت النَّار أولى بِهِ ". " الْحَاج والعمار وَفد الله، يعطيهم مَا سَأَلُوا، ويخلف عَلَيْهِم مَا أَنْفقُوا ". " أَلا أخْبركُم بشر النَّاس؟ الَّذِي يسْأَل بِاللَّه وَلَا يعْطى ". وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا شرب المَاء قَالَ: " الْحَمد لله الَّذِي سقانا عذباً فراتاً برحمته، وَلم يَجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا ". " أَلا كلكُمْ راعٍ، وكلكم مسئولٌ عَن رَعيته، فالأمير على النَّاس راعٍ وَهُوَ مسئولٌ عَن رَعيته، وَالرجل راعٍ على أهل بَيته وَهُوَ مسئولٌ عَنْهُم، وَعبد الرجل راعٍ على مَال سَيّده وَهُوَ مسئول عَنهُ ". قَالُوا: يَا رَسُول الله؛ أخبرنَا بخصالٍ نَعْرِف بهَا الْمُنَافِقين، قَالَ: " من حلف ففجر، وَعَاهد فغدر، وَحدث فكذب ". " من سرته حسنته وساءته سَيِّئَة فَهُوَ مُؤمن ". وَكَانَ يَقُول إِذا لقى الْعَدو: " اللَّهُمَّ أَنْت عضدي ونصيري، بك أَحول، وَبِك أصُول، وَبِك أقَاتل ". " اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورها ". " لَا يدْخل الْجنَّة مدمن خمرٍ، وَلَا مؤمنٌ بسحرٍ، وَلَا قَاطع رحمٍ وَلَا كاهنٌ وَلَا منانٌ ". " من قَالَ: قبح الله الدُّنْيَا، قَالَت لَهُ الدُّنْيَا: قبح الله أعصانا لرَبه ".

" مثل أمتِي كَمثل الْمَطَر لَا يدْرِي أَوله خيرٌ أم آخِره ". " كل ولد آدم فِيهِ حسدٌ، فَإِذا وجد شَيْئا من ذَلِك فليعه فِي قلبه، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شيءٌ مالم يعده بقول وَلَا فعل ". " يغْضب الرب ويهتز الْعَرْش إِذا مدح الْفَاسِق ". " اترعبون عَن ذكر الْفَاجِر؟ اُذْكُرُوهُ بِمَا فِيهِ يحذرهُ النَّاس ". قَالَ لَهُ رجل: يَا رَسُول الله؛ نَحن قوم نتساءل أَمْوَالنَا، فَقَالَ: " يسْأَل الرجل فِي الْجَائِحَة والفتق لبصلح بَين قومه، فَإِذا بلغ أَو كرب استعف ". " الْمسَائِل كدوحٌ يكدح بهَا الرجل وَجهه؛ فَمن شَاءَ أبقى على وَجهه، وَمن شَاءَ ترك؛ إِلَّا رجلا يسْأَل ذَا سلطانٍ أَو فِي أَمر لابد مِنْهُ ". " من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم ضَيفه، وليحسن إِلَى جَاره ". " إِنَّمَا يَكْفِي أحدكُم من الدُّنْيَا مثل زَاد الرَّاكِب ". " خير فَائِدَة أفادها الْمُسلم بعد الْإِسْلَام امرأةٌ جميلةٌ: تسرهُ إِذا نظر إِلَيْهَا، وتعطيه إِذا أمرهَا، وَتَحفظه فِي غيبته فِي مَاله ونفسها ". " لَا وَفَاء لنذرٍ فِي مَعْصِيّة الله، وَلَا فِيمَا لَا يملك ابْن آدم ". " إِن المعونة تَأتي على قدر شدَّة المئونة، وَإِن الْفرج يَأْتِي على قدر شدَّة الْبلَاء ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لأبي بكر: " احفظ مني أَرْبعا؛ لَا يفتح عبدٌ بَاب مَسْأَلَة إِلَّا فتح الله عَلَيْهِ بَاب فقرٍ، وَلَا يفتح بَاب عفة إِلَّا فتح الله عَلَيْهِ بَاب غنى، وَلَا يرْتَفع إِلَّا وَضعه الله، وَلَا يدع مظْلمَة إِلَّا زَاده الله عزا، وَإِن عيرك امرؤٌ بِمَا لَيْسَ هُوَ فِيك فَلَا تعيره بِمَا هُوَ فِيهِ يكون لَك أجره وَعَلِيهِ وباله ". " كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يحدث بِكُل مَا يسمع ". " الدَّال على الْخَيْر كفاعله ". " وَالله يحب أَن يستغيث بِهِ اللهفان ".

و " كل مَعْرُوف صَدَقَة ". " رَأس الْعقل بعد الْإِنْسَان مداراة النَّاس ". " وَأهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا هم أهل الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة ". و " لن يهْلك رجلٌ بعد مشورة ". " إِن الله عباداً خلقهمْ لحوائج النَّاس يرغبون فِي الْأجر، يعدون الْجُود مجداً ". " وَالله يحب مَكَارِم الْأَخْلَاق ". " إِن لله عباداً خلقهمْ لحوائج النَّاس تفزع النَّاس إِلَيْهِم فِي حوائجهم؛ أُولَئِكَ الآمنون من عَذَاب الله ". وَعَن أبي هُرَيْرَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام: " مَا عَابَ طَعَاما قطّ؛ إِن اشتهاه أكله وَإِلَّا لم يعبه ". " اتَّقوا الظُّلم، فَإِن الظُّلم ظلماتٌ يَوْم الْقِيَامَة، وَاتَّقوا الشُّح؛ فَإِن أهلك من كَانَ قبلكُمْ؛ حملهمْ على أَن سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمهمْ ". " انصر أخالك ظَالِما أَو مَظْلُوما؛ فَقيل: يَا رَسُول الله، هَذَا نصرته مَظْلُوما فَكيف أنصره ظَالِما؟ قَالَ: امنعه من الظُّلم فَذَلِك نصرك إِيَّاه ". " خلَّتَانِ لَا تجتمعان فِي مُؤمن؛ الْبُخْل وَسُوء الْخلق ". " الْوضُوء قبل الطَّعَام وَبعده يَنْفِي الْفقر، وَهُوَ من أَخْلَاق النَّبِيين ". " إِن بني هاشمٍ فضلوا النَّاس بست خلال: هم أعلم النَّاس، وهم أسمح النَّاس، وم أصبح النَّاس، وهم أفضل النَّاس، وهم أَشْجَع النَّاس، وهم أحب النَّاس إِلَى نِسَائِهِم ". " نعم الْعمة لكم النَّخْلَة! تشرب من عينٍ خرارة، وتغرس فِي أرضٍ خوارةٍ ". " الْحمى فِي أصُول النّخل ".

" إِذا كَانَ هَذَا المَال فِي قريشٍ فاض، وَإِن كَانَ فِي غَيرهم غاض ". " أفشوا السَّلَام، وأطعموا الطَّعَام، وَكُونُوا إخْوَانًا كَمَا أَمركُم الله ". وَقَالَ لَهُ رجل: يَا رَسُول الله لي جارٌ ينصب قدره وَلَا يُعْطِنِي، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " مَا آمن بِي هَذَا قطّ ". " إِن الخازن الْأمين الَّذِي يُعْطي مَا أَمر بِهِ كَامِلا موفرا صيبةً نَفسه، حَتَّى يَدْفَعهُ إِلَى من أَمر لَهُ أحد المتصدقين ". " من اهتبل جوعة أَخِيه الْمُسلم فأطعمه غفر الله لَهُ ". " أحب الطَّعَام إِلَى مَا كثرت عَلَيْهِ الْأَيْدِي وَإِن قل ". " من كَانَ مِنْكُم بحب أَن تستجاب دَعوته وَتكشف كربته فلييسر على الْمُعسر ". " مَا من أحد أفضل منزلَة من إمامٍ إِن قَالَ صدق، وَإِن حكم عدل، وَإِن استرحم رحم ". وَقَالَ: " إِن السُّلْطَان ظلّ الله فِي الأَرْض يأوي إِلَيْهِ كل مظلوم من عباده، فَإِذا عدل كَانَ لَهُ الْأجر وعَلى الرّعية الشُّكْر؛ وَإِذا جَار كَانَ عَلَيْهِ الإصر، وعَلى الرّعية الصَّبْر ". و " إِذا جارت الْوُلَاة قحطت السَّمَاء ". " أفضل الْأَعْمَال عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة: إيمانٌ لاشك فِيهِ، وغزوٌ لَا غلُول فِيهِ، وَحج مبرورٌ يكفر خَطَايَا تِلْكَ السّنة ". لَيْسَ من لهوكم شيءٌ تحضره الْمَلَائِكَة إِلَّا النصال والرهان ". وَعَن عَليّ بن أَب يُطَالب - كرم الله وَجهه - قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " سَتَكُون فتنةٌ قلت: فَمَا الْمخْرج مِنْهَا يَا رَسُول الله قَالَ: كتاب الله، فِيهِ نبأ مَا قبلكُمْ، وَخير مَا بعدكم، وَحكم مَا بَيْنكُم، هُوَ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، من تَركه من

جبارٍ قصمه الله، هُوَ حَبل الله المتين، وَهُوَ الذّكر الْحَكِيم، وَهُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، وَهُوَ الَّذِي لَا تزِيغ بِهِ الْأَهْوَاء، وَلَا تَلْتَبِس بِهِ الْأَلْسِنَة، وَلَا يشْبع من الْعلمَاء، وَلَا يخلق عَن رد؛ وَلَا تنقضى عجائبه، هُوَ الَّذِي لم ينْتَه الْجِنّ حِين سمعته حَتَّى قَالُوا: " إِنَّا سمعنَا قرءاناً عجبا "، من قَالَ بِهِ صدق، وَمن عمل بِهِ أجر، وَمن حكم بِهِ عدل، وَمن خَاصم بِهِ فلج، وَمن اعْتصمَ بِهِ هدى إِلَى صراطٍ مستقيمٍ ". " إِن الله عز وَجل لم يبْعَث نَبيا إِلَّا مبلغا، وَإِن تشقيق الْكَلَام والخطب من الشَّيْطَان ". " كَبرت خِيَانَة أَن حدثت أخالك حَدِيثا هُوَ لَك مصدقٌ وَأَنت بِهِ كاذبٌ ". وَعَن قيس بن أبي غرزة قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَنحن نبتاع فِي السُّوق، وَكُنَّا ندعى السماسرة، فَقَالَ: يَا معشر التُّجَّار، فاشرأب الْقَوْم، فَقَالَ: أَلا إِن الشَّيْطَان وَالْإِثْم يحْضرَانِ البيع فشوبوا بيعكم بصدقه. قَالَ: ففرحنا بقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا معشر التُّجَّار، وَكَانَ أول من سمانا التُّجَّار. " رب أَشْعَث أغبر لَو أقسم على الله لَأَبَره ". " إِذا أَقبلت الرَّايَات السود من قبل الْمشرق فأولها فتنةٌ، وأوسطها هرجٌ، وَآخِرهَا ضَلَالَة ". " من ولع بِأَكْل الطين فكأنهما أعَان على قتل نَفسه ". " إِذا نظر أحدكُم إِلَى من فضل عَلَيْهِ فِي المَال والخلق، فَلْينْظر إِلَى من هُوَ دونه مِمَّن فضل هُوَ عَلَيْهِ ". وَكتب عَلَيْهِ السَّلَام لعبد الله بن جحش، وَكَانَ أخرجه فِي ثَمَانِيَة من الْمُهَاجِرين: من مُحَمَّد رَسُول الله، عَلَيْكُم بتقوى الله، سِيرُوا على بركَة الله حَتَّى تَأْتُوا نخيلة، فَعَلَيْكُم إِقَامَة يَوْمَيْنِ، فَإِن لَقِيتُم كيداً فَاصْبِرُوا، وَإِن غَنِمْتُم فوفروا، وَإِن قتلتم فأثخنوا، وَإِن أعطيتم عهدا فأوفوا، وَلَا تقبلُوا عهد الْمُشْركين.

وَقَالَ لعَمْرو بن الْعَاصِ لما أخرجه إِلَى ذَات السلَاسِل يَا عَمْرو؛ إِنِّي قد بعثت مَعَك الْمُهَاجِرين قبلك، واستعملتك على من هُوَ خيرٌ مِنْك. إِذا أذن مؤذنك للصَّلَاة فاسبقهم، فَإِذا جهرت بِالْقِرَاءَةِ فارفع صَوْتك وأسمعهم تكبيرك، وَلَا تقصر فِي الصَّلَاة فتضيع أجرهم، وَلَا تطول فتملهم، واسمر بهم فَإِنَّهُ أذكى لحراستهم وَلَا تحدثهم عَن مُلُوك الْأَعَاجِم فيتعلموا الْغدر، ورغبتهم فِي الْوَفَاء فَإِن ذَلِك الْملك أَخذ بِغَيْر الله، وَعمل فِيهِ بِمَعْصِيَة الله فدمره الله تدميراً. ثمَّ أمده بِأبي عُبَيْدَة، وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَغَيرهمَا. وَقَالَ لَهُ ... لَا تستأخرن عَن الله فتسبق إِلَيْهِ، قل مَا تفعل، واعمل مَا تَأمر وَلَا تشقق الْكَلَام تشقيق الْكُهَّان، وَلَا تبحث عَن الْمعْصِيَة، وَلَا تسْأَل عَن القالة. وتغمد مَا لم تكن الْبَيِّنَة، وَإِذا وَجب الْحَد فَلَا تقصر عَنهُ، وَإِذا قدمت على صَاحبك فَإِن عصاك فأطعه. وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا بعث سَرِيَّة أَو وَجه جَيْشًا قَالَ: اغزروا باسم الله وَفِي سَبِيل الله، لَا تغدروا وَلَا تميلوا، وَلَا تجبنوا وَلَا تغلوا، وَإِذا أَنْت لقِيت عَدوك من الْمُشْركين فادعهم إِلَى إِحْدَى ثلاثٍ خِصَال، مَا أجابوك إِلَيْهَا فاقبل: ادعهم أَن يدخلُوا فِي الْإِسْلَام؛ فَإِن فعلوا كَانَ لَهُم مَا للْمُسلمين، وَعَلَيْهِم مَا عَلَيْهِم؛ فَإِن أَبَوا فَإلَى أَن يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يدٍ وهم صاغرون، فَإِن أَبَوا فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِم بِاللَّه وَقَاتلهمْ، وَلَا تنزلوهم على حكم الله؛: فَإِنَّكُم لَا تَدْرُونَ أتصيبون حكم الله فيهم أم لَا، وَلَكِن أنزلوهم على حكمكم، وَلَا تعطوهم ذمَّة الله وَلَا ذمَّة رَسُوله، وَلَكِن أعطوهم ذممكم وذمم آبائكم فَإِنَّكُم إِن تخفروها خير من أَن تخفروا ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله. وَأول خطْبَة خطبهَا عَلَيْهِ السَّلَام بِمَكَّة حِين دَعَا قومه فَقَالَ بعد أَن حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ: إِن الرائد لَا يكذب أَهله، وَالله لَو كذبت النَّاس مَا كذبتكم وَلَو غررت النَّاس مَا غررتكم، وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِنِّي لرَسُول الله إِلَيْكُم حَقًا، وَإِلَى النَّاس كَافَّة، وَالله لتموتن كَمَا تنامون، ولتبعثن كَمَا تستيقظون، ولتحاسبن بِمَا

تَعْمَلُونَ ولتجزون بِالْإِحْسَانِ إحساناً، وبالسوء سوءا، وَإِنَّهَا للجنة أبدا أَو الناء أبدا، وَإِنَّكُمْ لأوّل من أنذر بَين يَدي عذابٍ شَدِيد. وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول فِي خطْبَة الْعِيد: يَا أَيهَا النَّاس؛ آمنُوا برَسُول الله، " وَقُولُوا قولا سديداً يصلح لكم أَعمالكُم وَيغْفر لكم ذنوبكم ". " وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب ". هَذَا يومٌ أكْرمكُم الله بِهِ وخصكم، وَجعله لكم عيداً؛ فاحمدوا الله كَمَا هدَاكُمْ لما ضل عَنهُ غَيْركُمْ، وَقد بَين الْحَلَال وَالْحرَام؛ غير أَن بَينهمَا شبها من الْأَمر لم يعلمهَا كثيرٌ من النَّاس، إِلَّا من عصم الله؛ فَمن تَركهَا حفظ عرضه وَدينه، وَمن وَقع فِيهَا كَانَ كَالرَّاعِي إِلَى جنب الْحمى أوشك أَن يَقع فِيهِ، فَعَلَيْكُم بِطَاعَة الله وَاجْتنَاب سخطه، غفر الله لنا وَلكم. وخطب عَلَيْهِ السَّلَام: فَقَالَ أما بعد أَيهَا النَّاس، اتَّقوا خمْسا قبل ان يحللن بكم؛ مانكث قوم الْعَهْد الا سلط الله عَلَيْهِم عدوهم ولابخس قوم الْكَيْل وَالْمِيزَان الااخذهم الله بِالسِّنِينَ، وَنقص من الثمرات، وَمَا منع قومٌٌ الزَّكَاة الاحبس الله عَنْهُم قطر السَّمَاء، وَمَا ظَهرت الْفَاحِشَة قطّ فِي قوم أَلا سلط الله عَلَيْهِم الطَّاعُون وخطب عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: أحذركم يَوْمًا لَا يعرف فِيهِ لخير أمد وَلَا يَنْقَطِع لشر أمد وَلَا يعتصم من الله أحد. وَكتب لخثعم: هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله. لولد خثعم حَاضر بيشة وباديتها؛ إِن كل دمٍ سفك فِي الْجَاهِلِيَّة فَهُوَ عَنْكُم موضوعٌ، من أسلم مِنْكُم طَوْعًا أَو كرها فِي يَده حريٌ أَو برثٌ فِي خيارٍ أَو عزازٍ تسقيه السَّمَاء أَو يرويهِ المَاء فزكا عمَارَة فِي غير أزمة وَلَا حطمةٍ، فلكم بسره وَأكله، عَلَيْكُم فِي كل سيحٍ الْعشْر وَفِي الغيل نصف الْعشْر، شهد حزمٌ وَمن حضر من الْمُسلمين. وَذكر ابْن عَبَّاس أَن أول خطْبَة صلى بهَا الْجُمُعَة:

الْحَمد لله أَحْمَده وَأَسْتَعِينهُ وأستغفره، وأستهديه، وأومن بِهِ وَلَا أكفره، وأعادي من يكفره. وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله؛ أرْسلهُ بِالْهدى والنور وَالْمَوْعِظَة على فترةٍ من الرُّسُل، وَقلة من الْعلم، وضلالة من النَّاس، وَانْقِطَاع من الزَّمَان، ودنو من السَّاعَة، وَقرب من الْآجَال، فَمن يطع الله وَرَسُوله فقد رشد، وَمن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالا مُبينًا. وخطب عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْأَحْزَاب فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: والّذي بَعَثَنِي بالحقّ، إنّهم لحزب الشَّيَاطِين يحدّثونهم فيكذبونهم، ويمنّونهم فيغرّونهم، ويعدونهم فيخلفونهم، واللهما حدّثتكم قكذبتكم، وَلَا منّيتكم فغررتكم، وَلَا وعدتكم فأخلفتكم. اللهمّ اضْرِب وُجُوههم، وأكلّ سِلَاحهمْ، وَلَا تبَارك لَهُم فِي مقامهم. اللَّهُمَّ مزّقهم فِي الأَرْض تمزيق الرّياح الْجَرَاد. وَالَّذِي بعثنى بالحقّ لَئِن أمسيتم قَلِيلا لتكثرنّ، وَلَئِن كُنْتُم أذلّةً لتعزّنّ، وَلَئِن كُنْتُم وضعاء لتشرفنّ حتىّ تَكُونُوا نجوماً يَقْتَدِي بواحدكم، يُقَال: قالفلان وَقَالَ فلَان. وَمن كَلَامه الموجز الَّذِي صَار مثلا. " يَا خيل الله ارْكَبِي ". " لَا ينتطح فِيهِ عنزان ". " لَا يلسع الْمُؤمن من حجر مرَّتَيْنِ "، " لَا يجنى على الْمَرْء إِلَّا يَده "، " الشَّديد من غلب نَفسه "، " لَيْسَ الْخَبَر كالمعاينة "، " الشهد يرى مَا لَا يرى الْغَائِب "، " لَو بغى جبل على جبل لدكّ الباغى "، " الْحَرْب خدعة "، " الْمُسلم مرْآة أَخِيه "، " الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى "، " الْبلَاء موكّل بالْمَنْطق "، " الْغنى غَنِي النَّفس "، " الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " " الْيَمين الْفَاجِرَة تدع الْبيُوت بَلَاقِع " " سيد الْقَوْم خادمهم " " إِن من الشّعْر حكما "، " إِن من الْبَيَان سحرًا "، " الصِّحَّة والفراغ نعمتان "، " مَا نقص مالٌ من صدقةٍ "، " اسْتَعِينُوا على الْحَوَائِج بِالْكِتْمَانِ "، " لَيْسَ منا من غَشنَا "، " الْمَرْء مَعَ من أحب "، " المستشار مؤتمنٌ "، " الدَّال على الْخَيْر كفاعله "، " حبك الشَّيْء يعمي ويصم "، " السّفر قطعةٌ من الْعَذَاب "، " الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم "، " جبلت الْقُلُوب على حب من أحسن إِلَيْهَا وَبَعض من أَسَاءَ إِلَيْهَا "، " عَفْو الْمُلُوك أبقى للْملك ".

وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لأصيل الْخُزَاعِيّ: يَا أصيل، كَيفَ تركت مَكَّة؟ قَالَ: تركتهَا وَقد أحجن ثمامها، وأمشر سلمهَا، وأعذق إذخرها. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " دع الْقُلُوب تقر ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " سرعَة الْمَشْي تذْهب ببهاء الْمُؤمن ". وَقَالَ: " من رضى رَقِيقه فليمسكه، وَمن لم يرض فَلَا تعذبوا عباد الله ". وَقَالَ: " إِن الله يحب الْجواد من خلقه ". وَقَالَ: " من أَخَاف أهل الْمَدِينَة فقد أَخَاف مَا بَين جَنْبي ". وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا دخل مَكَّة كبر ثَلَاثًا وَقَالَ: " لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده، لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شيءٍ قديرٍ، آيبون تائبون، عَابِدُونَ ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، وَنصر عَبده، وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده ". وَكَانَ فِي جَنَازَة فَبكى النِّسَاء فانتهرهن عمر رَضِي الله عَنهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " دَعْهُنَّ يَا عمر، فَإِن النَّفس مصابةٌ، وَالْعين دامعةٌ، والعهد قريب ". وَقَالَ: " إِنَّمَا بعثت رَحْمَة مهداةً ". وَقَالَ: " إسباغ الْوضُوء على المكارة، وإعمال الْأَقْدَام إِلَى الْمَسَاجِد، وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة تغسل الْخَطَايَا غسلا ". وَقَالَ: " من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يرفعن إِلَيْنَا عَورَة مسلمٍ ". وَقَالَ: " من أعْطى الذل من نَفسه فَلَيْسَ مني ". وَقَالَ: " كفك اللِّسَان عَن أَعْرَاض النَّاس صِيَام ". وَقَالَ: " القر بؤسٌ وَالْحر أَذَى ". وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا نزل بِهِ الضّيق فِي الرزق أَمر أَهله بِالصَّلَاةِ ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة: " وَأمر أهلك بالصلوة واصطبر عَلَيْهَا لَا نسئلك رزقا نَحن نرزقك ".

وَرَأى رجلا متغيرا فَقَالَ: مَا لهَذَا؟ قَالُوا: مَجْنُون يَا رَسُول الله، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " الْمَجْنُون من عصى الله، أما هَذَا فمصابٌ ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لاتغضبوا الْحُكَّام فيحتروا عَلَيْكُم الْأَحْكَام ". وَقَالَ: " الْعدة عطيةٌ ". وَسُئِلَ عَن أَصْحَابه فَذكرهمْ، ثمَّ سُئِلَ عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ: وَهل يسْأَل الرجل عَن نَفسه؟ وَرَأى عَلَيْهِ السَّلَام رجلا قد ذهب بَصَره فَقَالَ: يَا فلَان؛ مَتى ذهبت دنياك؟ وَقَالَ: " إِن قَامَت الْقِيَامَة وبيد أحدكُم فسيلة، فاستطاع أَن يغرسها فليغرسها ". وَقَالَ: " المغبون لَا محمودٌ وَلَا مأجورٌ ". وَقَالَ: " إِذا أَتَاكُم الْأَكفاء فالقوهن إِلْقَاء ". وَسُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَام عَن عمل يُحِبهُ الله، فَقَالَ: " ازهد فِي الدُّنْيَا يحبك الله، وازهد فِيمَا عِنْد النَّاس يحبك النَّاس ". وَقَالَ: " إِن الله عز وَجل يبغض الشَّيْخ الغربيب ". وَقَالَ: " خير الرزق مَا يَكْفِي وَخير الذّكر الْخَفي ". وَقيل لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: فلَان عالمٌ بِالنّسَبِ، فَقَالَ: علمٌ لَا ينفع، وجهلٌ لَا يضر.

الباب الثالث غرر من كلام امير المؤمنين علي عليه السلام وخطبه

الْبَاب الثَّالِث غرر من كَلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وخطبه حكى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: عقمت النِّسَاء أَن يَأْتِين بِمثل عَليّ بن أبي طَالب؛ لعهدي بِهِ يَوْم صفّين وعَلى رَأسه عمامةٌ بَيْضَاء، وَهُوَ يقف على شرذمةٍ من النَّاس يحثهم على الْقِتَال، حَتَّى انْتهى إِلَى وَأَنا فِي كنفٍ من النَّاس، وَفِي أغيلمة من بني عبد الْمطلب؛ فَقَالَ: يَا معشر الْمُسلمين تجلببوا السكينَة، وأكبروا اللأمة، وأقلقوا السيوف فِي الأغماد، وكافحوا بالظبا، وصلوا السيوف بالخطا، فَإِنَّكُم بِعَين الله، وَمَعَ ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعاودوا الْكر، واستحيوا من الفر؛ فَإِنَّهُ عارٌ فِي الأعقاب، ونارٌ يَوْم الْحساب، وطيبوا عَن الْحَيَاة نفسا، وسيروا إِلَى الْمَوْت سيراً سجحا؛ ودونكم هَذَا الرواق الْأَعْظَم، فاضربوا ثبجه؛ فَإِن الشَّيْطَان راكبٌ صعيديه. قد مد للوثبة رجلا، وَأخر للنكوص أُخْرَى، فصمداً صمداً حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله. " وَالله مَعكُمْ وَلنْ يتركم أَعمالكُم ". ثمَّ صدر عني وَهُوَ يَقُول: " قتلوهم بعذابهم الله بِأَيْدِيكُمْ ويخرهم وينصركم عَلَيْهِم ويشف صُدُور قومٍ مُؤمنين ".

وَمن كَلَامه عَلَيْهِ السَّلَام: أَيهَا النَّاس: إِن الصَّبْر عَن محارم الله أيسر من الصَّبْر عَن عَذَاب الله. وَمِنْه: كم بَين عمل قد ذهب تَعبه، وَبَقِي أجره، وَبَين عملٍ قد ذهبت لذته، وَبقيت تَبعته. وَسُئِلَ عَن بني هَاشم فَقَالَ: أطيب النَّاس أنفسا عِنْد الْمَوْت وَذكر مَكَارِم الْأَخْلَاق. وَعَن بني أُميَّة فَقَالَ: أشدنا حجزاً، وأدركنا للأمور إِذا طلبُوا، وَعَن بني الْمُغيرَة فَقَالَ: أُولَئِكَ رَيْحَانَة قُرَيْش الَّتِي تشمها. وَسُئِلَ عَن بطن آخر كنى عَنْهُم فَقَالَ: وَمن بقى من قُرَيْش. وَقَالَ: " خصصنا بِخمْس: فصاحةٍ، وصباحةٍ، وسماحةٍٍٍٍ، ونجة، وحظوة عَن النِّسَاء. وَقَالَ: " رأى الشَّيْخ أحب إِلَيْنَا من مشْهد الْغُلَام. وَقَالَ الجاحظ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أول خطْبَة خطبهَا عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَصلى على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: أما بعد. فَلَا يرعين مرعٍ إِلَّا على نَفسه؛ شغل من الْجنَّة، وَالنَّار أَمَامه، ساعٍ مجتهدٌ، وطالبٌ يَرْجُو، ومقصرٌ فِي النَّار. ثلاثةٌ. وَاثْنَانِ: ملكٌ طَار بجناحيه، وَنَبِي أَخذ الله بِيَدِهِ وَلَا سادس. هلك من ادّعى، وردى من اقتحم؛ فَإِن الْيَمين وَالشمَال مضلةٌ، وَالْوُسْطَى الجادة. منهجٌ عَلَيْهِ بَاقِي الْكتاب وَالسّنة وآثار النُّبُوَّة. إِن الله داوى هَذِه الْأمة بدوائين: السَّوْط وَالسيف، لَا هوادة عِنْد الإِمَام فيهمَا. استتروا ببيوتكم، واصطلحوا فِيمَا ينكم، وَالتَّوْبَة من وَرَائِكُمْ. من أبدى صفحته للحق هلك. قد كَانَت أُمُور لم تَكُونُوا فِيهَا عِنْدِي محمودين. أما إِنِّي لَو أَشَاء لَقلت عَفا الله عَمَّا سلف. سبق الرّجلَانِ ونام الثَّالِث؛ كالغراب همته بَطْنه. ويحه لَو قصّ جنَاحه وَقطع رَأسه لَكَانَ هيرا لَهُ. انْظُرُوا فَإِن أنكرتم فأنكروا وَإِن عَرَفْتُمْ فأقروا؛ حق وباطلٌ، وَلكُل أهل وَلَئِن أَمر الْبَاطِل

لقديماً فعل. وَلَئِن قل الْحق لربما وَلَعَلَّ ولقلما أدبر شَيْء فَأقبل وَلَئِن رجعت عَلَيْكُم أُمُوركُم إِنَّكُم لسعداء؛ وَإِنِّي لأخشى أَن تَكُونُوا فِي فترةٍ. وَمَا علينا إِلَّا الِاجْتِهَاد. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وروى فِيهَا جَعْفَر بن مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام: أَلا إِن أبرار عِتْرَتِي وأطايب أرومتي أحلم النَّاس صغَارًا وَأعلم النَّاس كبارًا. أَلا وَإِنَّا من أهل بَيت من علم الله علمنَا، وبحكم الله حكمنَا، وَمن قَول صَادِق سمعنَا، فَإِن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وَإِن لم تَفعلُوا بهلككم الله بِأَيْدِينَا. مَعنا راية الْحق. من تبعها لحق، وَمن تَأَخّر عَنَّا غرق. أَلا وبنا تدْرك ترة كل مُؤمن، وبنا تخلع ربقة الذل من أَعْنَاقكُم، وبنا فتح لابكم، وبنا يخْتم لَا بكم. وخطبة أُخْرَى لَهُ: أَيهَا النَّاس المجتمعة أبدانهم الْمُخْتَلفَة أهواؤهم. كلامكم يوهى الصم الصلاب. وفعلكم يطْمع فِيكُم عَدوكُمْ. تَقولُونَ فِي الْمجَالِس كَيْت وَكَيْت، فَإِذا جَاءَ الْقِتَال قُلْتُمْ حيدي حياد. مَا عزت دَعْوَة من دعَاكُمْ، وَلَا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل. وَسَأَلْتُمُونِي التَّأْخِير دفاع ذِي الدّين المطول، لَا يمْنَع الضيم الذَّلِيل، وَلَا يدْرك الْحق إِلَّا بالجد، أَي دارٍ بعد داركم تمْنَعُونَ أم مَعَ أَي إِمَام بعدِي تقاتلون؟ الْمَغْرُور وَالله من غررتمو، وَمن فَازَ بكم فَازَ بِالسَّهْمِ الأخيب، أَصبَحت وَالله لَا أصدق قَوْلكُم، وَلَا أطمع فِي نصركم. فرق الله بيني وَبَيْنكُم! وأعقبني من هُوَ خيرٌ لي مِنْكُم. وَالله لَو وددت أَن لي بِكُل عشرةٍ مِنْكُم رجلا من بني فراس بن غنمٍ، صرف الدِّينَار بالدرهم. وذمٌ رجل الدُّنْيَا عِنْده، فَقَالَ: الدُّنْيَا دَار صدق لمن صدقهَا، وَدَار نجاة لمن فهم عَنْهَا، وَدَار غنى لمن تزَود مِنْهَا. مهبط وَحي الله، ومصلي مَلَائكَته، وَمَسْجِد أنبيائه، ومتجر أوليائه، ربحوا فِيهَا الرَّحْمَة، واكتسبوا فِيهَا الْجنَّة. فَمن ذَا يذمها؟ وَقد آذَنت ببينها، وَنَادَتْ بفراقها، وشبهت بسرورها السرُور وببلائها الْبلَاء ترغيباً وترهيباً. فبأيها الذام للدنيا الْمُعَلل نَفسه، مَتى خدعتك الدُّنْيَا، أم

مَتى استذمت إِلَيْك. أبمصارع آبَائِك فِي البلى أم بمضاجع أمهاتك فِي الثرى، كم مَرضت بيديك، وعللت بكفيك، تطلب لَهُ الشِّفَاء، وتستوصف لَهُ الْأَطِبَّاء، غَدَاة لَا يغنى عَنهُ دواؤك، وَلَا يَنْفَعهُ بكاؤك. وَدعَاهُ رجلٌ إِلَى طَعَام فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: نَأْتِيك على أَلا تتكلف لنا مَا لَيْسَ عنْدك، وَلَا تدخر مِمَّا عنْدك. وَقَامَ إِلَيْهِ الْحَارِث بن حوط اللَّيْثِيّ وَهُوَ على الْمِنْبَر فَقَالَ: أتظن أَنا نظن أَن طَلْحَة وَالزُّبَيْر كَانَا على ضلال؟ فَقَالَ: يَا حَار؛ إِنَّك ملبوسٌ عَلَيْك؛ إِن الْحق لَا يعرف بِالرِّجَالِ، فاعرف الْحق تعرف أَهله. وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِن ذُنُوبِي لَا تَضُرك، وَإِن رحمتك إيَّايَ لَا تنقصك فَاغْفِر لي مَا لَا يَضرك، وَأَعْطِنِي مَا لَا ينْقصك. وَقيل لَهُ: كم بَين السَّمَاء وَالْأَرْض؟ فَقَالَ: دوةٌ مستجابةٌ وَقيل لَهُ: كم بَين الْمشرق وَالْمغْرب؟ فَقَالَ: مسيرَة يومٍ للشمس من قَالَ غير هَذَا فقد كذب. وَسُئِلَ عَن عُثْمَان، فَقَالَ: خذله أهل بدر. وَقَتله أهل مُضر، غير أَن من نَصره لَا يتسطيع أَن يَقُول خذله من أَنا خير مِنْهُ. وَوَاللَّه مَا أمرت بِهِ وَلَا نهيت عَنهُ، وَلَو أمرت بِهِ لَكُنْت قَائِلا، وَلَو نهيت عَنهُ لَكُنْت ناصراً. اسْتَأْثر عُثْمَان فأساء الأثرة، وجزعتم فأفحشتم الْجزع. وَسَأَلَهُ الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام عَن النذالة، فَقَالَ: الجرأة على الصّديق، والنكول عَن الْعَدو. وَذكرت عِنْده عَلَيْهِ السَّلَام الْخلَافَة، فَقَالَ: لقد تقمصها ابْن أبي قُحَافَة وَهُوَ يعلم أَن مَحل مِنْهَا القطب، ينحدر عني النسيل وَلَا تترقى إِلَى الطير. فَصَبَرت وَفِي الْحلق شجاً، وَفِي الْعين قذى، لما رَأَيْت تراي نهباً. فَلَمَّا مضى لسبيله صيرها إِلَى أخي عدي، فصيرها إِلَى ناحيةٍ خشناء تسنع مَسهَا، ويعظم

كَلَامهَا، فمنى النَّاس بتلوم وتلون، وزللٍ واعتذار، فَلَمَّا مضى لسبيله صيرها إِلَى سِتَّة زعم أَنِّي أحدهم. فيالله وللشورى! مَتى اعْترض فِي الريب فأقرن بِهَذِهِ النَّظَائِر؟ فَمَال رجلٌ لضغنه، وصغا آخر لصهره. وَقَامَ ثَالِث الْقَوْم نافجا خصييه بَين نثيله ومعتلفه، وَقَامَ مَعَه بَنو أَبِيه يهضمون مَال الله هضم الْإِبِل نَبَات الرّبيع، فَلَمَّا أجهز عَلَيْهِ عمله، وَمضى لسبيله مَا راعني إِلَّا وَالنَّاس إِلَى سرَاعًا كعنق الضبع، وانثالوا على من كل فج عميق، حَتَّى وطيء الحسنان، وَانْشَقَّ عطفاي؛ فَلَمَّا نهضت بِالْأَمر مرقت طائفىٌ، ونكثت أُخْرَى، وَفسق آخَرُونَ، كَأَن لَهُم يسمعُونَ الله يَقُول: " تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علو فِي الآرض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين ". بلَى وَالله قد سَمِعُوهُ، وَلَكِن احلولت الدُّنْيَا فِي عيونهم، وراعهم زبرجها. أما وَالله لَوْلَا حُضُور النَّاصِر، وَلُزُوم الطَّاعَة، وَمَا أَخذ الله على الْعباد أَلا يقرُّوا كظة ظالمٍ، وَلَا شغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرهَا بكأس أَولهَا، ولألفيت دنياكم هَذِه أَهْون عِنْدِي من عفطة عنز. شتان مَا نومي على كورها ... ونوم حَيَّان أخي جَابر فَقَامَ رجل من الْقَوْم فَنَاوَلَهُ كتابا شغل بِهِ، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: فَقُمْت إِلَيْهِ، وَقلت لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ لَو أبلغت مَقَالَتك من حَيْثُ قطعت. قَالَ: هَيْهَات إِنَّهَا كَانَت شقشقةً هدرت فقرت. وَقَالَ: إِن الله عز وَجل فرض فِي أَمْوَال الْأَغْنِيَاء أَوْقَات الْفُقَرَاء، فَمَا جَاع فقيرٌ إِلَّا بِمَا منع غَنِي. وعَلى الله أَن يسألهم عَن ذَلِك. وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: عَلَيْكُم بِالصبرِ:، فَإِن بِهِ يَأْخُذ الحازم وَإِلَيْهِ يَئُول الجازع. وَقَالَ: لَا خير فِي صُحْبَة من إِذا حَدثَك كَذبك، وَإِذا حدثته كَذبك. وَإِن ائتمنته خانك، وَإِن ائتمنك اتهمك، وَإِن أَنْعَمت عَلَيْهِ كفرك، وَإِن أنعم عَلَيْك منّ عَلَيْك.

وَمن كَلَامه عَلَيْهِ السَّلَام: أعجب مَا فِي هَذَا الْإِنْسَان قلبه، وَله مواد من الْحِكْمَة وأضدادٌ من خلَافهَا، فَإِن سنح لَهُ الرَّجَاء أذله الطمع، وَإِن هاج بِهِ الطمع أهلكه الحرس، وَإِن ملكه الْيَأْس قَتله الأسف، وَإِن هاج بِهِ الْغَضَب استبد بِهِ الغيظ، وَإِن أسعده الرِّضَا نسى التحفظ، وَإِن ناله الْخَوْف شغله الْحزن، وَإِن استع لَهُ الْأَمْن استلبته الْغرَّة، وَإِن عَادَتْ لَهُ نعمةٌ أَخَذته الْعِزَّة، وَإِن امتحن بمصيبةٍ فضحه الْجزع، وَإِن أَفَادَ مَا لَا أطغاه الْغنى، وَإِن عضته فاقةٌ أضرعه الْبلَاء، وَإِن أجهده الْجزع أقعده الضعْف، وَإِن أفرط فِي الشِّبَع كظته البطنة؛ فَكل تقصيرٍ، وكل إفراطٍ لَهُ مُفسد. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: يَأْتِي على النَّاس زمانٌ لَا يقرب فِيهِ إِلَّا الماحل، وَلَا يظرف فِيهِ إِلَّا الْفَاجِر، وَلَا يعف فِيهِ إِلَّا الْمنصف. يتخذون الْفَيْء مغنماً، وَالصَّدَََقَة مغرماً، وصلَة الرَّحِم منا، وَالْعِبَادَة استطالةً على النَّاس؛ فَعِنْدَ ذَلِك يكون سُلْطَان النساءئئن ومشاورة الْإِمَاء، وإمارة الصّبيان. وَقَالَ: عَلَيْكُم بأوساط الأمورن فَإِنَّهُ إِلَيْهَا يرجع الغالي، وَبهَا يلْحق التَّالِي. وخطب فَقَالَ: اتَّقوا الله الَّذِي إِن قُلْتُمْ سمع، وَإِن أضمرتم علم، واحذروا الْمَوْت الَّذِي إِن أقمتم أخذكم، وَإِن هربتم أدرككم. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: وَالله لكأن هَذَا الْكَلَام ينزل من السَّمَاء. وَقَالَ لَهُ رجل: عظني، فَقَالَ: لَا تكن مِمَّن يَرْجُو الْجنَّة من غير عملٍ، وَيُؤَخر التَّوْبَة لطول الأمل، وَيَقُول فِي الدُّنْيَا بقول الزاهدين، وَيعْمل فِيهَا بِعَمَل الراغبين، إِن أعْطى مِنْهَا لم يشْبع، وَإِن منع مِنْهَا لم يقنع. يعجز عَن شكر مَا أُوتى، ويبتغي الزِّيَادَة على مَا أولى وَلَا يَنْتَهِي. يَقُول: لَا أعمل فأتعنى؛ بل أَجْلِس فأتمنى؛ فَهُوَ يتَمَنَّى الْمَغْفِرَة، ويدب للمعصية. وَقد عمر مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر. وَإِلَى الله الْمصير.

وَقَالَ فِي وَصِيَّة: لَا يكبر عَلَيْك ظلم من ظلمك؛ فَإِنَّمَا يسْعَى فِي مضرته ومنفعتك. وَلَيْسَ جَزَاء من سرك أَن تسوءه. وَقَالَ لَهُ رجل: أوصني. فَقَالَ: لَا تحدث نَفسك بالفقر وَطول الْعُمر. وَقَالَ: الأمل على الظَّن آفَة الْعَمَل على الْيَقِين. وَقَالَ: مَا مزح أحدٌ مزحةً إِلَّا مج من عقله مجة. وخطب فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، كَانَ فِيكُم أمانان من عَذَاب الله، قَالَ الله عز وَجل: " وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم وَمَا كَانَ الله معذبهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ ". وَقد قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبَقِي الاسْتِغْفَار؛ فَتمسكُوا بِهِ. وَقَالَ: أَيْن من سعى واجتهد، وَأعد واحتشد، وَجمع وَعدد، وَبنى وشيد، وزخرف ونجد، وفرش ومهد ". قَالَ جَعْفَر بن يحيى - وَقد ذكر هَذَا الْكَلَام - هَكَذَا تكون البلاغة، أَن يقرن بِكُل كلمة أُخْتهَا، فتلوح الأولى بِالثَّانِيَةِ قبل ظلوعها، وتؤكد الثَّانِيَة الأولى قبل انفصالها، وتزيد كل وَاحِدَة فِي نور الْأُخْرَى وضيائها. وَمر فِي مُنْصَرفه من صفّين بمقابر، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، من الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات. يرحم الله الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم والمستأخرين منا، أَنْتُم لنا سلفٌ فارطٌ. وَنحن لكم تبعٌ؛ وَإِنَّا بكم عَمَّا قليلٍ لاحقون. اللَّهُمَّ اغْفِر لنا وَلَهُم، وَتجَاوز عَنَّا وعنهم. الْحَمد لله الَّذِي مِنْهَا خلقنَا، وَعَلَيْهَا ممشانا، وفيهَا معاشنا. طُوبَى لمن ذكر الْمعَاد، وَأعد لِلْحسابِ، وقنع بالكفاف. وَمن كَلَامه عَلَيْهِ السَّلَام: التجارب لَا تَنْقَضِي، والعاقل مِنْهَا فِي زيادةٍ. وَقَالَ من رضى عَن نَفسه كثر سخط النَّاس عَلَيْهِ.

وَأخْبر عَلَيْهِ السَّلَام بقول الْأَنْصَار يَوْم السَّقِيفَة لقريش: منا اميرٌ ومنكم أميرٌ. فَقَالَ: أذكرتموهم قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اسْتَوْصُوا بالأنصار خيرا، اقْبَلُوا من محسنهم، وتجاوزوا عَن مسيئهم "؟ قَالُوا: وَمَا فِي ذَلِك؟ قَالَ: كَيفَ تكون الْإِمَامَة لَهُم مَعَ الْوَصِيَّة بهم؟ لَو كَانَت الْإِمَامَة لَهُم لكَانَتْ الْوَصِيَّة إِلَيْهِم. فَبلغ ذَلِك عمر بن الْخطاب فَقَالَ: ذهبت وَالله عَنَّا، وَلَو ذَكرنَاهَا مَا احتجنا إِلَى غَيرهَا. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: كن فِي النَّاس وسطا، وامش جانبا. وَقَالَ: أفضل الْعِبَادَة الصمت وانتظار الْفرج. وَقَالَ: أوصيكم بأربعٍ لَو ضَرَبْتُمْ إِلَيْهَا أباط افبل لَكِن لَهَا أَهلا: لَا يجون أحدكُم إِلَّا ربه، وَلَا يخافن إِلَّا ذَنبه، وَلَا يستحين أحدٌ إِذا سُئِلَ عَمَّا لَا يعلم أَن يَقُول لَا أعلم، وَلَا يستحين أحدٌ إِذا لم يعلم شَيْئا أَن يتعلمه. وَقَالَ: جمال الرجل فِي كمته، وجمال الْمَرْأَة فِي خفها. وَقَالَ: خُذ الْحِكْمَة أَنى أتتك، فَإِن الْحِكْمَة تكون فِي صدر الْمُنَافِق فتتلجلج فِي صَدره، حَتَّى تخرج فتسكن مَعَ صواحبها. وَقَالَ: كل الدُّنْيَا علىالعاقل، والأحمق خَفِيف الظّهْر. وَقَالَ مُصعب الزبيرِي: كَانَ عَليّ بن أبي طَالب حذرا فِي الحروب، شَدِيد الروغان من قرنه، لَا يكَاد أحدٌ يتَمَكَّن منع؛ وَكَانَت درعه صَدرا لَا ظهر لَهَا. فَقيل لَهُ: أَلا تخَاف أَن تُؤْتى من قبل ظهرك؟ فَقَالَ: إِذا أمكنت عدوي من ظَهْري فَلَا أبقى الله عَلَيْهِ إِن أبقى عَليّ. وَسمع حرورياً يقْرَأ بِصَوْت حَزِين فِي اللَّيْل، فَقَالَ: نومٌ على يقينٍ خيرٌ من صلاةٍ فِي شكّ. وَقَالَ لَهُ يودي: مَا دفنتم نَبِيكُم حَتَّى اختلفتم. فَقَالَ: إِنَّمَا اخْتَلَفْنَا عَنهُ لَا فِيهِ؛ وَلَكِن مَا إِن جَفتْ أَرْجُلكُم من الْبَحْر حَتَّى قُلْتُمْ: " اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا ءالهةٌ قَالَ إِنَّكُم قومٌ تجهلون ".

وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لله امْرُؤ راقب ربه، وَخَافَ ذَنبه، وَعمل صَالحا، وَقدم خَالِصا. احتسب مذخوراً واجتنب محذوراً، رمى غَرضا، وَأخر عوضا. كَابر هَوَاهُ، وَكذب مناه. وَدخل عَلَيْهِ كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بلغك عَنَّا أمرٌ لَو كَانَ غَيْرك لم يحْتَملهُ، وَلَو كَانَ غَيرنَا لم يقم مَعَك عَلَيْهِ. مَا فِي النَّاس من هُوَ أعلم مِنْك، وَفِي النَّاس من نَحن أعلم مِنْهُ. وأوضع الْعلم مَا وقف عَلَيْهِ اللِّسَان، وأرفعه مَا ظهر فِي الْجَوَارِح والأركان. وَنحن أعرف بِقدر عُثْمَان من قاتليه، وَأَنت أعلم بهم وبخاذليه. فَإِن قلت إِنَّه قتل ظَالِما قُلْنَا بِقَوْلِك، وَإِن قلت إِنَّه قتل ظَالِما قُلْنَا بِقَوْلِك، وَإِن قلت إِنَّه قتل مَظْلُوما قلت بقولنَا، وَإِن وكلتنا إِلَى الشُّبْهَة أيأستنا بعْدك من إِصَابَة البنة. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: عِنْدِي فِي عُثْمَان أربعٌ: اسْتَأْثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الْجزع، وَللَّه عز وَجل حكم عادلٌ فِي المستأثر والجازع. قَالَ ابْن عَبَّاس: مَا انتفعت بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانتفاعي بِكَلَام عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. كتب إِلَيّ: أما بعد؛ فَإِن الْمَرْء يشره دَرك مَا لم يكن يفوتهُ، ويسوءه فَوت مَا لم يكن ليدركه، فَلْيَكُن سرورك بِمَا أدْركْت من الْآخِرَة، وَليكن أسفك على مَا فاتك مِنْهَا، وَمَا أَتَاك من الدُّنْيَا فَلَا تكن بِهِ فَرحا، وَمَا فاتك فَلَا تكن عَلَيْهِ جزعا، وَليكن همك لما بعد الْمَوْت وَالسَّلَام. وَقَالَ: لِسَان الْإِنْسَان يخْطر على جوارحه. وَقيل لَهُ: أَلا تخضب - وَقد خضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه. فَقَالَ: أَنا أعلم بشجر أرضي. كَانَ ذَلِك وَالْإِسْلَام قل. فَأَما إِذا اتَّسع نطاق الْإِسْلَام فامرؤ وَمَا اخْتَار.

وَقَالَ فِي خطبَته بصفين: قدمُوا الدراع. وأخروا الحاسر، وأميتوا الْأَصْوَات والتووا فِي أَطْرَاف الأسنة، واردعوا العجاج. وَقيل لَهُ: كَيفَ الرزق وَالْأَجَل؟ فَقَالَ: إِن لَك عِنْد الله رزقا، وَله عنْدك أَََجَلًا، فَإِذا وفاك مَالك عِنْده أَخذ مَاله عنْدك. وَنزل بِهِ رجل، فَمَكثَ عِنْده أَيَّامًا، ثمَّ تغوث إِلَيْهِ فِي خُصُومَة، فَقَالَ عَليّ: أخصم أَنْت؟ نعم. قَالَ: تحول عَنَّا. فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يُضَاف الْخصم إِلَّا وَمَعَهُ خَصمه. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لَيْسَ الْخَيْر أَن يكثر مَالك وولدك، وَلَكِن الْخَيْر أَن يعظم حلمك وَيكثر علمك. وَقَالَ: أَشد خلق رَبك عشرَة أَشْيَاء، فأشدها الْجبَال فَإِن الْحَدِيد ينحت الْجبَال، وَالنَّار تَأْكُل الْحَدِيد، وَالْمَاء يُطْفِئ النَّار، والسحاب يحمل المَاء، وَالرِّيح يفرق السَّحَاب، وَالرجل يَتَّقِي من الرّيح بِيَدِهِ فَيبلغ حَاجته، وَالسكر يغلب الْإِنْسَان وَالنَّوْم يذهب بالسكر، والهم يمْنَع النّوم، فأشد خلق رَبك الْهم. وَقَالَ: إِن الله أعَان الْكَذَّابين بِالنِّسْيَانِ. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: الْمدَّة قصيرةٌ وَإِن طَالَتْ، والماضي للمقيم عبرةٌ، وَالْمَيِّت للحي عظة، وَلَيْسَ لأمس إِذا مضى عودة، وَلَا الْمَرْء من غده على ثِقَة، وَالْأول للأوسط جابذٌ، والأوسط للْآخر آخذ، وكل لكل مفارقٌ، وكل بِكُل لاحقٌ، وَالْيَوْم الهائل لكل آزفٌ، وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي لَا ينفع فِيهِ مالٌ وَلَا بنُون، إِلَّا من أَتَى الله بقلبٍ سليمٍ. اصْبِرُوا على عملٍ لَا غنى بكم عَن ثَوَابه، واصبروا عَن عملٍ لَا صَبر لكم على عِقَابه، إِن الصَّبْر على طَاعَة الله أَهْون من الصَّبْر على عَذَاب الله. اعلموا أَنكُمْ فِي نَفسِي مَعْدُود، وأجلٍ مَحْدُود، وَلَا بُد للأجل أَن يتناهى، وللنفس أَن يُحْصى، وللسبب أَن يطوى: " وَإِن عَلَيْكُم لحافظين كراماً كاتبين يعلمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ". وَكَانَ إِذا نظر إِلَى الْهلَال قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا أهْدى من نظر إِلَيْهِ، وأزكى من طلع عَلَيْهِ.

وَقَالَ لَهُ الْحسن عَلَيْهِ السَّلَام: أما ترى حب النَّاس للدنيا؟ قَالَ: هم أَوْلَادهَا. أفيلام الْمَرْء على حب والدته؟ وَقَالَ فِي الْقُرْآن: خير من قبلكُمْ ونبأ من بعدكم وَحكم مَا بَيْنكُم وَكَانَ من دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ لَا تجْعَل الدُّنْيَا لي سجناً، وَلَا فراقها عَليّ حزنا. أعوذ بك من دنيا تحرمني الْآخِرَة، وَمن أملٍ يحرمني العملن وَمن حَيَاة تحرمني خير الْمَمَات. وَقَالَ: الْكَرِيم لَا يلين على قسرٍ، وَلَا يقسو على يسرٍ وَقَالَ: الدَّهْر يَوْمَانِ؛ يَوْم لَك ويم عَلَيْك؛ فَإِذا كَانَ لَك فَلَا تبطر، وَإِذا كَانَ عَلَيْك فاصبر، فبكليهما أَنْت مختبرٌ. وَقَالَ لَهُ رجل: مَتى أضْرب حماري؟ قَالَ: إِذا لم يذهب فِي حَاجَتك كَمَا ينْصَرف إِلَى الْبَيْت. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: النكبات لَهَا غاياتٌ لَا بُد أَن تَنْتَهِي إِلَيْهَا. فَيجب للعاقل أَن ينَام لَهَا إِلَى وَقت إدبارها. فالمكابرة لَهَا بالحيلة زيادةٌ فِيهَا. وَقَالَ: تعطروا بالاستغفار لَا تفضحكم رَوَائِح الذُّنُوب. وَمن كَلَامه الموجز عَلَيْهِ السَّلَام: قيمَة كل امْرِئ مَا يحسن. إِعَادَة الِاعْتِذَار تذكيرٌ بالذنب. النصح بَين الملإ تقريعٌ. إِذا تمّ الْعقل نقص الْكَلَام. الشَّفِيع جنَاح الطَّالِب. من كتم علما فَكَأَنَّهُ جَهله. أهل الدُّنْيَا كصورٍ فِي صحيفَة كلما نشر بَعْضهَا طوى بَعْضهَا. الْمَسْئُول حر حَتَّى يعد إِذا طرت فقع قَرِيبا لَا يرضى عَنْك الْحَاسِد حَتَّى يَمُوت أَحَدكُمَا. أكبر الْأَعْدَاء أخفاهم مكيدةً. السَّامع للغيبة أحد المغتابين. الصَّبْر على الْمُصِيبَة مصيبةٌ على الشامت بهَا. أتستبطئ الدُّعَاء بالإجابة وَقد سددت طَرِيقه بِالذنُوبِ؟ عبد الشَّهْوَة أذلّ من عبد الرّقّ. لَا أَدْرِي أَيهمَا أَمر، موت الْغَنِيّ أَو حَيَاة الْفَقِير. الْعلم لَا يَنْقَطِع وَلَا ينفذ كالنار لَا ينقصها مَا يُؤْخَذ مِنْهَا. من كثر حقده قل عتابه. كفى بالظفر شَفِيعًا للمذنب. السَّاعِي ظالمٌ لمن سعى بِهِ، خائنٌ لمن سعى إِلَيْهِ. التَّوَاضُع سلم الشّرف. التجارب عقلٌ مكتسبٌ.

إياك والكسل والضجر؛ فَإنَّك إِن كسلت لم تُؤَد حَقًا، وَإِن ضجرت لم تصبر على حق لَا ترج إِلَّا رَبك، وَلَا تخش إِلَّا ذَنْبك، وَكن بِمَا فِي يَد الله أوثق مِنْك بِمَا فِي يدك. كفى بِالْمَرْءِ شرا أَن يعرف من نَفسه فَسَادًا فيقم عَلَيْهِ، وَكفى بِهِ أدباً أَن يتْرك أمرا يكرههُ من غَيره. من سَاس نَفسه بِالصبرِ على جهل النَّاس صلح أَن يكون سائساً الْعقل يَأْمُرك بالأنفع، والمروءة تأمرك بالأجمل. مَا ضَاعَ امْرُؤ عرف قدر نَفسه. الْفقر يخرس الفطن عَن حجَّته. الْأَدَب حللٌ جددٌ. التثبت حزمٌ. الْفِكر مرْآة صافيةٌ. الِاعْتِبَار منذرٌ ناصحٌ. البشاشة فخ الْمَوَدَّة. تنقاد الْأُمُور فِي الْمَقَادِير، حَتَّى يكون الحتف فِي التَّدْبِير. الْقلب إِذا أكره عمى. من لانت كَلمته وَجَبت محبته. لَا رَاحَة لحسود، وَلَا وَفَاء لملول، وَلَا مُرُوءَة لكذوبٍ. الدُّنْيَا كلهَا يَد إِلَّا مَا سد جوعةً، وَستر عَورَة، وَهُوَ الَّذِي اسْتثْنى عز وَجل لآدَم حَيْثُ قَالَ: " إِن لَك أَلا تجوع فِيهَا وَلَا تعرى ". الدُّنْيَا والآخرى كالمشرق وَالْمغْرب، كلّما قربت من أحد بَعدت من الآخر. وَمن أَمْثَاله عَلَيْهِ السَّلَام: خسر مروءته من ضيّع يقينه، وأزرى بِنَفسِهِ من استشعر الطّمع، ورضى بالذلّ من كشف ضرّه، وهانت عَلَيْهِ نَفسه من أمّر عَلَيْهَا لِسَانه. وَلما فرغ - رضى الله عَنهُ - من حَرْب الْخَوَارِج مرّ بإيوان كسْرَى، فَقَالَ: " أتبنون بكلّ ريع ءاية تعبثون وتتّخذون مصانع لعلّكم تخلدون وَإِذا بطشتم بطشتم جبارين "، فَقَالَ رجل كَانَ مَعَه: دَار تخيره لطيب مقيلها ... كَعْب بن مامة وَابْن أم إياد جرت الرّياح على رسوم دِيَارهمْ ... فكأنّما كَانُوا على ميعاد فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: أَلا قلت كَمَا قَالَ الله عز وَجل: " كم تركُوا من جنّت وعيون وزروع ومقامكريم ونعمة كَانُوا فِيهَا فكهين كَذَلِك وأورثنها قوما آخَرين ".

ثمَّ قَالَ: إِن هَؤُلَاءِ كَانُوا وارثين فصاروا مورثين، وَلم يَكُونُوا شاكرين، فَأَصْبحُوا مسلوبين، وَلم يَكُونُوا حامدين، فَأَصْبحُوا محرومين، وَكَفرُوا النعم فحلّت بهم النقم. وَكتب إِلَى عَامل لَهُ: أما بعد، فاعمل بالحقّ ليَوْم لَا يقْضى فِيهِ إِلَّا بِالْحَقِّ وَالسَّلَام. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: ربّ حَيَاة سَببهَا التّعرض للْمَوْت، وربّ ميتَة سَببهَا طلب الْحَيَاة. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إيَّاكُمْ ومحّقرات الذُّنُوب، فَإِن الصَّغِير مِنْهَا يَدْعُو إِلَى الْكَبِير. أَتَى عَلَيْهِ السَّلَام - بفالوذج، فَقَالَ لأَصْحَابه: كلوا فوَاللَّه مَا اضْطربَ الغاران إِلَّا عَلَيْهِ. وَقَالَ: لَا يكون الرجل سيد قومه، حَتَّى لَا يُبَالِي أَي ثوبيه لبس. وَقَالَ لَهُ ابْن دودان الْأَسدي: كَيفَ دفعتهم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن هَذَا الْموضع وَأَنْتُم الأعلون نسبا، الأكرمون حسباً، الأتمون شرفاً، نوطاً لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقاربةً بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ: يَا ابْن دودان. إِنَّك لقلق الْوَضِين، ترسل عَن غير ذِي مسدٍ، وَلَك مَعَ ذَلِك حق الْقَرَابَة وذمام الصهر. وَقد استعلمت فَاعْلَم، كَانَت أمورٌ شحت عَلَيْهَا نفوس قومٍ وسخت بهَا نفوس آخَرين، وَنعم الحكم الْعدْل، وَفِي السَّاعَة مَا يؤفكون. " لكل نبإ مُسْتَقر وسوف تعلمُونَ ". ودع عَنْك نهيا صِيحَ فِي حجراته

وهلم إِلَى الْخطب الْجَلِيل، إِلَى ابْن أبي سُفْيَان، فَلَقَد أضحكني الدَّهْر بعد إبكائه، وَلَا غرو، يئس الْقَوْم من هيبتي، وجدحوا بيني وَبينهمْ شرباً وبيئاً؛ فَإِن تَكُ للإيام عاقبةٌ أحملهم من الْأَمر على محضه، وَإِن تكن الْأُخْرَى فَلَا تذْهب نَفسك عَلَيْهِم حسراتٍ، وَلَا تأس على الْقَوْم الْفَاسِقين. وَقَالَ: الْفَقِيه كل الْفَقِيه من لم يرخص فِي مَعْصِيّة الله، وَلم يوئس من رَحْمَة الله. وَأخذ قوما فِي سرقٍ فَأمر بحبسهم، فجَاء رجلٌ آخر، فَقَالَ: يَا أميرالمؤمنين؛ إِنِّي كنت مَعَهم، وَقد تبت، فَأمر بِأَخْذِهِ وَقَالَ متمثلا: ومدخلٍ رَأسه لم يَدعه أحدٌ ... بَين الْفَرِيقَيْنِ حَتَّى لزه الْقرن. وَقَالَ: الْحَاسِد مغتاظٌ على من لَا ذَنْب لَهُ. وَقَالَ: من ترفع بِعِلْمِهِ وَضعه الله بِعَمَلِهِ. وَقَالَ: من لم يحسن ظَنّه بالظفر لم يجد فِي الطّلب. وَقَالَ عَليّ السَّلَام: إِن أخيب النَّاس سعياً، اخسرهم صَفْقَة رجلٌ أتعب بدنه فِي آماله، وشغل بهَا عَن معاده، فَلم تساعده الْمَقَادِير على إِرَادَته، وَخرج من الدُّنْيَا بحسرته، وَقدم بِغَيْر زادٍ على آخرته. وَقَالَ: إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم إِذا تفقه لغير الدّين؛ وَتعلم لغير الْعَمَل، وَطلبت الدُّنْيَا بِعَمَل الْآخِرَة. وروى الشّعبِيّ عَنهُ أَنه قَالَ: تجنبوا الْأَمَانِي؛ فَإِنَّهَا تذْهب بهجة مَا خولتم، وَتَصْفَر مواهب الله عنْدكُمْ، وتعقبكم الحسرات على مَا أوهمتكم أَنفسكُم. وَقَالَ: الهيبة مقرونة بالخيبة، وَالْحيَاء مقرونٌ بالحرمان، والفرصة تمر مر السَّحَاب.

وَسمع رجلا يغتاب آخر عِنْد ابْنه الْحسن عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ: يَا بني نزه سَمعك عَنهُ؛ فَإِنَّهُ نظر إِلَى أَخبث مَا فِي وعائه فأفرغه فِي وعائك. وَقَالَ: أول عوض الْحَلِيم عَن حلمه أَن النَّاس أنصاره على الْجَاهِل. وَقَالَ: لَا تؤاخ الجاهلن فَإِنَّهُ يزين لَك فعله، وَيُحب لَو أَنَّك مثله، وَيحسن لَك أَسْوَأ خصاله، ومخرجه من عنْدك ومدخله عَلَيْك شينٌ وعارٌ؛ وَلَا الأحمق، فَإِنَّهُ يجْهد لَك نَفسه وَلَا ينفعك، ولربما أَرَادَ أَن ينفعك فضرك، فسكوته خيرٌ من نطقه، وَبعده خيرٌ من قربه، وَمَوته خيرٌ من حَيَاته؛ وَلَا الْكذَّاب؛ فَإِنَّهُ لَا ينفعك مَعَه عيشٌ، ينْقل حَدِيثك وينقل الحَدِيث إِلَيْك، حَتَّى إِنَّه ليحدث بِالصّدقِ وَلَا يصدق. لما كَانَ يَوْم الْجمل طَاف عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام على الْقَتْلَى فَبَصر بِعَبْد الله ابْن حَكِيم بن حزَام وَلَيْسَ لأبي غَيره، وبصر بِأبي سُفْيَان بن حويطب ابْن عبد الْعُزَّى وَلَيْسَ لِأَبِيهِ غَيره يَوْمئِذٍ، فَقَالَ: لقد اجْتمعت على قُرَيْش، حَتَّى هَذَانِ اللَّذَان لم يبْق من أجل كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا ظمء الدَّابَّة، ثمَّ أرسل إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا ودمعت عَيناهُ، ثمَّ قَالَ أَهْون عَليّ بشكل الشَّيْخَيْنِ! وروى عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام ي قَوْله تَعَالَى: " فاصفح الصفح الْجَمِيل ". قَالَ: صفحٌ بِلَا عتابٍ. ومرّ بدارٍ فِي مُرَاد تبنى، فَوَقَعت شظية مِنْهَا على صلعته فأدمته، فَقَالَ: مَا يومي من مُرَاد بواجد. فَقَالَ رجل: لقد رَأَيْت تِلْكَ الدَّار بَين الدّور كالشاة الجمّاء بَين العنم ذَوَات الْقُرُون. وَرَأى عَلَيْهِ السَّلَام رجلا مَعَه ابْنة فَقَالَ: من هَذَا مَعَك؟ فَقَالَ: اابني - قَالَ: أَتُحِبُّهُ؟ قَالَ: إِي واله حبا شَدِيدا. فَقَالَ: لَا تفعل فَإِنَّهُ إِن عَاشَ كدك. وَإِن مَاتَ هدك. وَذكروا أَنه مر بِقوم من الْأَنْصَار، فَسلم عَلَيْهِم ووقف؛ فَقَالُوا: أَلا تنزل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فنطعمك الخريزة. فَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: إِمَّا حلفتم علينا أَو انصرفنا.

وَقَالَ القناعة سيفٌ لَا ينبو، وَالصَّبْر مطيةٌ لَا تكبو، وَأفضل عدةٍ الصَّبْر على شدةٍ. وَقيل لَهُ: كَيفَ صرت تقتل الْأَبْطَال؟ قَالَ: لِأَنِّي كنت ألْقى الرجل فأقدر أَنِّي أَقتلهُ، وَيقدر أَنِّي أَقتلهُ، فَأَكُون أَنا وَنَفسه عونين عَلَيْهِ. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: من كَفَّارَات الذُّنُوب الْعِظَام إغاثة الملهوف، والتنفيس عَن المكروب. وَخرج عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْكُوفَة فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أما بعد يَا أهل الْعرَاق، فغنما أَنْتُم كَأُمّ مجَالد، حملت فَلَمَّا أتمت أملصت وَمَات قيمها، وَطَالَ تأيمها، وورثها أبعدها، وَالله مَا أتيتكم اخْتِيَارا مني، وَلَكِن سقت إِلَيْكُم سوقاً؛ وَإِن وراءكم عشرةٌ يهْلك دينكُمْ بَينهم ودنياكم، لَيْسَ الآخر بأرأف بكم من الأول؛ حَتَّى يستخرجوا كنوزكم من حجالكم. وَالله لقد بَلغنِي أَنكُمْ تَقولُونَ: يكذب، فعلى من أكذب؟ أَعلَى الله أكذب وَأَنا أول من آمن بِهِ؟ أم على نبيه وَأَنا أول من صدقه. كلا وَالله، وَلكنهَا لهجة غبتم عَنْهَا ويل أمة كَيْلا بِلَا ثمن! لَو كَانَ لَهُ وعاءٌ " ولتعلمن نبأه بعد حينٍ ". قَالَ بَعضهم: رَأَيْته عَلَيْهِ السَّلَام بِالْكُوفَةِ اشْترى تَمرا فَحَمله فِي طرف رِدَائه، فبادره النَّاس وَقَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، نحمل عَنْك. فَقَالَ: رب الْعِيَال أَحَق بِحمْل مَتَاعه. وَقَالَ: لن يهْلك امْرُؤ عرف قدره. وَقَالَ: نعم المؤازرة، وَبئسَ الاستعداد الاستبداد. وَقَالَ للأشعث بن قيس: " أد وَإِلَّا ضربتك بِالسَّيْفِ، فَأدى مَا كَانَ عَلَيْهِ،

فَقَالَ لَهُ: مَا كَانَ عَلَيْك لَو كُنَّا ضربناك بِعرْض السَّيْف. فَقَالَ: إِنَّك مِمَّن إِذا قَالَ فعل. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " عَلَيْكُم بالأبكار فَإِنَّهُنَّ أطيب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وَأَشد حبا، وَأَقل خباً ". وَمن كَلَامه عَلَيْهِ السَّلَام: توق مَا تعيب؛ لَا ات مَا تعيب، وَلَا تَعب مَا تَأتي. إِنَّمَا يسْتَحق السِّيَادَة من لَا يصانع وَلَا يُخَادع وَلَا تغره المطامع. وَقَالَ يَوْمًا: مَا أَحْسَنت إِلَى أحد قطّ، فَرفع النَّاس رُءُوسهم تَعَجبا، فَقَرَأَ: " إِن أَحْسَنْتُم أَحْسَنْتُم لأنفسكم وَإِن أسأتم فلهَا ". وَقَالَ: إِذا قدرت على عَدوك، فَاجْعَلْ الْعَفو شكر قدرتك. مرض عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالُوا: كَيفَ نجدك؟ فَقَالَ: بشر. فَقَالُوا: أَتَقول ذَلِك؟ قَالَ: نعم، إِن الله يَقُول: " ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة "؛ فالخير الصِّحَّة، وَالشَّر الْمَرَض. وَقَالَ: من تجر بِغَيْر فقهٍ فقد ارتطم فِي الرِّبَا. وَقَالَ: الْحلف ينْفق السّلْعَة ويمحق الْبركَة، والتاجر فاجرٌ إِلَّا من أَخذ الْحق وَأَعْطَاهُ. وَقَالَ: أنكأ الْأَشْيَاء لعدوك أَلا تعلمه أَنَّك اتخذته عدوا. وَقَالَ: لله در الْحَسَد {مَا أعدله} يقتل الْحَاسِد قبل أَن يصل إِلَى الْمَحْسُود. وَقَالَ: لَا يلقح الْغُلَام، حَتَّى يتفلك ثدياه، وتسطع إبطاه. وروى أَنه ملك أَرْبَعَة دَرَاهِم، فَتصدق بدرهم لَيْلًا؛ وبآخر نَهَارا، وبدرهم سرا؛ وبآخر عَلَانيَة؛ فَأنْزل الله تَعَالَى فِيهِ: " الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم باليل وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم ".

وَقَالَ: شَرّ الإخوان من يحتشم ويتكلف. وَقيل لَهُ: أَنْت محربٌ مطلوبٌ، فَلَو اتَّخذت طرفا. قَالَ: أَنا لَا أفر عَمَّن كرّ وَلَا أكر على من فر؛ فالغلة تكفيني. وَقيل لَهُ فِي بعض حروبه: إِن جالت فَأَيْنَ نطلبك؟ قَالَ: حَيْثُ تركتموني. وَمن كَلَامه عَلَيْهِ السَّلَام: الكفاف خيرٌ من الْإِسْرَاف. مَا أدْرك النمام ثاراً وَلَا محا عاراً. الْخيرَة فِي ترك الطَّيرَة. الاهتمام بِالْأَمر يثير لطيف الْحِيلَة. الرَّد الْجَمِيل خيرٌ من المطل الطَّوِيل. شَفِيع المذنب إِقْرَاره، وتوبته اعتذاره. الْمنية وَلَا الدنية. الْحِيلَة أبلغ من الْوَسِيلَة. لِسَان الْمَرْء من خدم عقله. أفضل الْأَعْمَال مَا أكرهت عَلَيْهِ النُّفُوس. كفى من أَمر الدّين أَن تعرف مَا لَا يسع جَهله. لَيْسَ النجاح مَعَ الأخف الأعجل. الْهوى عَدو الْعقل. وَقَالَ لَهُ رجل وَهُوَ يخْطب: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ صف لنا الدُّنْيَا. فَقَالَ: مَا أصف من دَار أَولهَا عناء، وَآخِرهَا فنَاء، فِي حلالها حسابٌ، وَفِي حرامها عقابٌ، من صَحَّ فِيهَا أَمن، وَمن مرض فِيهَا نَدم، وَمن اسْتغنى فِيهَا فتن، وَمن افْتقر حزن. وَقَالَ: لَا تحمل هم يَوْمك الَّذِي لم يَأْتِ على يَوْمك الَّذِي أَنْت فِيهِ؛ فَإِنَّهُ إِن يكن من أَجلك يَأْتِ فِيهِ رزقك وَاعْلَم أَنَّك لاتكتسب من المَال شئاً فَوق قوتك إِلَّا كنت فِيهِ خَازِنًا لغيرك. وَقَالَ: من سره الْغنى بِلَا مالٍ، والعز بِلَا سلطانٍ، وَالْكَثْرَة بِلَا عشيرة، فَليخْرجْ من ذل مَعْصِيّة الله إِلَى عز طَاعَة الله؛ فَإِنَّهُ واجدٌ ذَلِك كُله. وَقَالَ: ثلاثٌ لَا يعْرفُونَ إِلَّا فِي ثَلَاثَة مواشع؛ لَا يعرف الشجاع إِلَّا فِي الْحَرْب، وَلَا الْحَلِيم إِلَّا عِنْد الْغَضَب، وَلَا الصّديق إِلَّا عِنْد الْحَاجة.

وتمثل عَلَيْهِ السَّلَام فِي طَلْحَة بن عبيد الله: فَتى كَانَ يُدْنِيه الْغنى من صديقه ... إِذا مَا هُوَ اسْتغنى ويبعده الْفقر وَلما انْقَضى يَوْم الْجمل خرج فِي لَيْلَة ذَلِك الْيَوْم، وَمَعَهُ قنبر وَمَعَهُ شعلة نارٍ يتصفح وُجُوه الْقَتْلَى، حَتَّى وقف عَلَيْهِ، فَقَالَ: أعزز على أَبَا مُحَمَّد أَن أَرَاك معفراً تَحت نُجُوم السَّمَاء؛ وَفِي بطُون الأودية! شفيت نَفسِي وَقتلت معشري. إِلَى الله أَشْكُو عجري وبجري. وَقَالَ: الْعجب لمن يهْلك والنجاة مَعَه. فَقيل: مَا هِيَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: الاسْتِغْفَار. وَقَالَ: الدُّنْيَا دَار ممر لَا دَار مقرّ، وَالنَّاس فِيهَا رجلَانِ؛ رجلٌ بَاعَ نَفسه فأوثقها، وَرجل ابْتَاعَ نَفسه فَأعْتقهَا. وَقَالَ: مُكَابَرَة النكبات بالحيلة قبل انتهائها زيادةٌ فِيهَا. وَقَالَ لرجل: كَيفَ أَنْت؟ قَالَ: أَرْجُو الله وأخافه. فَقَالَ: من رجا شَيْئا طلبه، وَمن خَافَ شَيْئا توقاه. وَقَالَ: قَصم ظَهْري رجلَانِ: جاهلٌ متنسك، وعالمٌ متهتك. وَسمع حَالفا يَقُول: وَالَّذِي احتجب بِسبع، فَقَالَ: وَيلك. إِن الله لَا يَحْجُبهُ شيءٌ، فَقَالَ: هَل أكفر عَن يَمِيني؟ فَقَالَ: لَا، لِأَنَّك حَلَفت بِغَيْر الله. وَقَالَ: من وضع مَعْرُوفا فِي غير مَوْضِعه عَاد عَلَيْهِ وبالاً. وروى عَن الْمسيب بن نجبة الْفَزارِيّ قَالَ: خَطَبنَا عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ: أَلا أخْبركُم بِذَات نَفسِي؟ أما الْحسن ففتى من الفتيان صَاحب جفنةٍ وخوان. وَلَو قد الْتفت حلقتا البطان لم يعن عَنْكُم فِي الْحَرْب حبالة عصفورٍ.

وَأما عبد الله بن جَعْفَر فَصَاحب لهوٍ وظل باطلٍ. وَأما أَنا وَالْحُسَيْن فَنحْن مِنْكُم وَأَنْتُم منا، وَلَقَد خشيت أَن يدال هَؤُلَاءِ الْقَوْم عَلَيْكُم، وَلَيْسَ ذَاك: أَلا أَن تَكُونُوا أولى بِالْحَقِّ مِنْهُم، وَلَكِن بطاعتهم إمَامهمْ وعصيانكم إمامكم، وإصلاحهم فِي أَرضهم وإفسادكم فِي أَرْضكُم، واجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عَن حقكم، حَتَّى لَا يدعونَ بَيت مدرٍ وَلَا وبرٍ إِلَّا أدخلوه ظلمهم؛ حَتَّى يقوم الباكيان، باكٍ لدينِهِ وباكٍ لدنياه، وَحَتَّى لَا تكون نصْرَة أحدكُم مِنْهُم إِلَّا كنصرة العَبْد من سَيّده، إِن شهده أطاعه، وَإِن غَابَ عَنهُ سبه، فَإِن أَتَاكُم الله بعافيةٍ فاقبلوها، وَإِن ابتليتم فَاصْبِرُوا؛ فَإِن الْعَاقِبَة لِلْمُتقين. ويروى عَنهُ أَنه قَالَ: الْحِرْص مُقَدّمَة السّكُون. وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: " أكلون للسحت " هُوَ الرجل يقْضِي لِأَخِيهِ حَاجته ثمَّ يقبل هديته. قَالَ الْحَارِث الْأَعْوَر: مِمَّا رَأَيْت أحدا أحسن من عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، أَتَاهُ رجل فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ مَاتَ رجل وَخلف ابْنَتَيْن، وأبوين، وَزَوْجَة، فَقَالَ: صَار ثمنهما تسعا. هَذِه الْفَرِيضَة من أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما، للبنتين الثُّلُثَانِ، سِتَّة عشر سَهْما، وللأبوين السدسان ثَمَانِيَة أسْهم، وكمل المَال وعالت الْفَرِيضَة واحتيج للْمَرْأَة إِلَى ثمن الْأَرْبَعَة وَالْعِشْرين سَهْما، وَصَارَ الثّمن من أَرْبَعَة وَعشْرين تسعا من سَبْعَة وَعشْرين. هَذَا معنى قَوْله. وخطب فَقَالَ: أما بعد؛ فَإِن الْجِهَاد بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة. فَمن تَركه رَغْبَة عَنهُ ألبسهُ الله الذل، وسم الْخَسْف، وديث بالصغار وَقد دوتكم لِحَرْب هَؤُلَاءِ الْقَوْم لَيْلًا وَنَهَارًا، وسراً وإعلاناً، وَقلت لكم: اغرزوهم من قبل أَن يغزوكم؛ فو اللذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا غزى قومٌ قطّ فِي عقر دَارهم إِلَّا ذلوا؛ فتخاذلتم وتواكلتم، وَثقل عَلَيْكُم قولي، واتخذتموه وراءكم ظهريا؛ حَتَّى شنت عَلَيْكُم الغارات. هَذَا أَخُو غامد قد وَردت خيله الأنبار، وَقتلُوا حسان بن حسان ورجالاً مِنْهُم كثيرا وَنسَاء، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد بَلغنِي أَن كَانَ يدْخل على الْمَرْأَة الْمسلمَة والمعاهدة، فينزع حجالهما ورعثهما، ثمَّ انصرفوا موفورين لم

يكلم أحدٌ مِنْهُم كلما. فَلَو أَن ارمءاً مُسلما مَاتَ من دون هَذَا أسفا مَا كَانَ فِيهِ عِنْدِي ملوماً؛ بل كَانَ بِهِ جَدِيرًا. يَا عجبا كل الْعجب من تضافر هَؤُلَاءِ الْقَوْم على باطلهم وفشلكم عَن حقكم! إِذا قلت لكم اغزوهم فِي الشتَاء قُلْتُمْ هَذَا أَوَان قر وسر، وَإِن قلت لكم: اغزوهم فِي الصَّيف قُلْتُمْ: هَذِه حمارة القيظ، أنظرنا ينصرم الْحر عَنَّا؛ فَإِذا كُنْتُم من الحرّ وَالْبرد تفرّون، فَأنْتم وَالله من السَّيْف أفرّ. يَا أشباه الرِّجَال وَلَا رجال، وَيَا طغام الأحلام، وَيَا عقول ربّات الحجال، وَالله لقد أفسدتم علىّ رأيى بالعصيان، وَلَقَد ملأتم جوفى غيظا، حَتَّى قَالَت قُرَيْش: ابْن أَبى طَالب رجل شُجَاع، وَلَكِن لَا رأى لَهُ فِي الْحَرْب. لله درّهم، وَمن ذَا يكون أعلم بهَا منّى أَو أشدّ لَهَا مراسا؟ فوَاللَّه لقد نهضت فِيهَا وَبَلغت الْعشْرين، وَلَقَد نيّفت الْيَوْم على السِّتين. وَلَكِن لَا أرى لمن لاّ يطاع، لَا أرى لمن لاّ يطاع - يَقُولهَا ثَلَاثًا. وَمن كَلَامه رضى الله عَنهُ: من لانت كَلمته وَجَبت محبته. وَقَالَ لَهُ قَائِل: أَيْن كَانَ ربّنا قبل أَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض؟ فَقَالَ رضى الله عَنهُ: " أَيْن " سُؤال عَن مَكَان وَكَانَ الله وَلَا مَكَان. وَقَالَ: من أَكثر النّظر فِي العواقب لم يتشجّع. وَقَالَ لِابْنِهِ الْحسن رضى الله عَنهُ: لَا تبدأ بِدُعَاء إِلَى مبارزة، وَإِن دعيت إِلَيْهَا فأجب؛ فَإِن طالبها بَاغ والباغي مصروع. وَقَالَ: وَمَا ابْن آدم وَالْفَخْر، وإنّما أوّله نُطْفَة، وَآخره جيفة، لَا يرْزق نَفسه وَلَا يدْفع حتفه. جَاءَ الْأَشْعَث بن قيس إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ على عَلَيْهِ السَّلَام يتخطّى رِقَاب النَّاس، وعلىّ على الْمِنْبَر؛ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، غلبتنا هَذِه الْحَمْرَاء على قربك - يَعْنِي الْعَجم - قَالَ: فركض على الْمِنْبَر بِرجلِهِ، فَقَالَ صعصعة بن صوحان: مَا لنا وَلِهَذَا؟ - يَعْنِي الْأَشْعَث - ليَقُولن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْيَوْم فِي

الْعَرَب قولا لَا يزَال يذكر. فَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: من يعذرني من هَؤُلَاءِ الضياطرة؟ يتمرغ أحدهم على فرَاشه تمرغ الْحمار، ويهجر قومٌ الذّكر فيأمرونني أَن أطردهم. مَا كنت أطردهم فَأَكُون من الْجَاهِلين؛ وَالَّذِي فلق الْحبَّة، وبرأ النَّسمَة؛ ليضربنكم على الدّين عوداً، كَمَا ضربتموهم عَلَيْهِ بدءاً. وَسُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَام: كَيفَ كَانَ حبكم للرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: كَانَ وَالله أحب إِلَيْنَا من أَمْوَالنَا وَأَوْلَادنَا وَأُمَّهَاتنَا وَآبَائِنَا، وَمن المَاء الْبَارِد على الظمأ. وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: إِذا لَقِيتُم الْقَوْم فاجمعوا الْقُلُوب، وعضوا على النواجذ؛ فَإِن ذَلِك نَبِي السيوف عَن المهام. وروى أَنه كَانَ يتَمَثَّل إِذا رأى عبد الرَّحْمَن بن ملجمٍ الْمرَادِي بِبَيْت معد يكرب: أُرِيد حَيَاته وَيُرِيد قَتْلِي ... عذيرك من خَلِيلك من مُرَاد فَقيل لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: كانك قد عَرفته وَعرفت مَا يُريدهُ. أَفلا تقتله؟ فَقَالَ: كَيفَ أقتل قاتلي؟ . وَلما سمع بصفين نداءهم: لَا حكم إِلَّا لله، قَالَ: كلمة عادلةٌ يُرَاد بهَا جورٌ. إِنَّمَا يَقُولُونَ: لَا إِمَارَة، وَلَا بُد من إمارةٍ برةٍ أَو فاجرةٍ. وَكَانَ أَبُو نيزر من أَوْلَاد بعض مُلُوك الْأَعَاجِم. وَقيل: إِنَّه كَانَ من ولد النَّجَاشِيّ، فَرغب فِي الْإِسْلَام صَغِيرا؛ فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم وَكَانَ مَعَه. فَلَمَّا توفّي عَلَيْهِ السَّلَام صَار مَعَ فَاطِمَة وَوَلدهَا رَضِي الله عَنْهَا، فَقَالَ أَبُو نيزر: جَاءَنِي عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَأَنا أقوم بالضيعتين: عين أَب ينيزر والبغيبغة، فَقَالَ لي: هَل عنْدك من طعامٍ؟ فَقلت: طعامٌ لَا أرضاه لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ قرعٌ

من قرعٍ الضَّيْعَة صَنعته بإهالة سنخة فَقَالَ: عَليّ بِهِ، فَقَامَ إِلَى الرّبيع: وَهُوَ جدول فَغسل يَده، ثمَّ أصَاب من ذَلِك شَيْئا، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الرّبيع فَغسل يَدَيْهِ بالرمل حَتَّى أنقاهما، ثمَّ ضم يَدَيْهِ كل وَاحِدَة مِنْهُمَا إِلَى أُخْتهَا وَشرب بهما حسا من الرّبيع، ثمَّ قَالَ: يَا نيزر إِن الأكف أنظف الْآنِية، ثمَّ مسح ندى ذَلِك المَاء على بَطْنه وَقَالَ: من أدخلهُ بَطْنه النَّار فَأَبْعَده الله! ثمَّ أَخذ الْمعول وَانْحَدَرَ فِي الْعين وَجعل يضْرب، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ المَاء، فَخرج وَقد تفضج جَبينه عرقا، فانتكف الْعرق عَن جَبينه أَي أزاله، ثمَّ أَخذ الْمعول وَعَاد إِلَى الْعين، ثمَّ أقبل يضْرب فِيهَا وَجعل يهمهم، فانثالت كَأَنَّهَا عنق جزور، فَخرج مسرعاً، فَقَالَ: أشهد الله أَنَّهَا صَدَقَة. على بداوة وصحيفة، قَالَ: فعجلت بهما إِلَيْهِ فَكتب: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. هَذَا مَا تصدق بِهِ عبد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ: تصدق بالضيعتين المعروفتين بِعَين أبي نيزر والبغيبغة على فُقَرَاء أهل الْمَدِينَة وَابْن السَّبِيل؛ ليقي الله عز وَجل بهما وَجهه يَوْم الْقِيَامَة، لَا تباعان وَلَا توهبان حَتَّى يرثهما الله وَهُوَ خير الْوَارِثين، إِلَّا أَن يحْتَاج إِلَيْهِمَا الْحسن وَالْحُسَيْن، فهما طلقٌ لَهما وَلَيْسَ لأحدٍ غَيرهمَا. قَالَ: فَركب الْحُسَيْن دين، فَحمل إِلَيْهِ مُعَاوِيَة بِعَين أبي نيزر مِائَتي ألف دِينَار، فَأبى أَن يَبِيع، وَقَالَ: إِنَّمَا تصدق بهَا أبي ليقي الله بهَا وَجهه حر النَّار، وَلست بَائِعهَا بِشَيْء. وَلما ضربه عبد الرَّحْمَن بن ملجم لَعنه الله تَعَالَى دَعَا الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا، وَقَالَ: أوصيكما بتقوى الله وَالرَّغْبَة فِي الْآخِرَة، والزهد ف يالدنيا، وَلَا تأسفا على شَيْء فاتكما مِنْهَا، اعملا الْخَيْر، وكونا للظالم خصما وللمظلوم عوناً.

وَقَالَ فِي دُعَائِهِ: إلهي مَا قدر ذنوبٍ يُقَابل بهَا كرمك؟ وَمَا قدر أعمالٍ تقَابل بهَا نعمك؛ وَإِنِّي لأجور أَن تستغرق ذُنُوبِي فِي كرمك؛ كَمَا استغرقت أعمالي فِي نعمك. وَعنهُ - عَلَيْهِ السَّلَام - أَنه قَالَ: يجد البليغ من ألم السُّكُوت مَا يجده العيي من ألم الْكَلَام، وَكَانَ إِذا نعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لم يكن بالطويل الممغط، وَلَا الْقصير المتردد، وَلم يكن بالمطهم وَلَا المكلثم، أَبيض مشرب، أدعج الْعَينَيْنِ، أهدب الأشفار، جليل المشاش شئن الْكَفَّيْنِ والقدمين، إِذا مَشى تقلع كَأَنَّمَا يمشي فِي صبب، وَإِذا الْتفت الْتفت مَعًا، لَيْسَ بالسبط وَلَا الْجَعْد القطط، كَانَ أَزْهَر لَيْسَ بالأبيض الأمهق فِي عَيْنَيْهِ شكْلَة، شبح الذراعين. وَقَالَ: بَقِيَّة عمر الْمَرْء لَا قيمَة لَهَا يدْرك بهَا مَا فَاتَهُ، وَيحيى مَا أَمَاتَهُ. خطبَته الَّتِي خطب بهَا حِين زوج فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهُمَا: الْحَمد لله الَّذِي قرب من حامديه، ودنا من سائليه، ووعد بِالْجنَّةِ من يتقيه، وَقطع بالنَّار عذر من يعصيه، أَحْمَده بِجَمِيعِ محامده وأياديه، وأشكره شكر من يعلم أَنه خالقه وباريه، ومصوره ومنشيه، ومميته ومحييه، ومعذبه ومنجيه، ومثببه مجازيه. وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله شَهَادَة تبلغه وترضيه، وَأَن مُحَمَّدًا حبيب الله وَعَبده وَرَسُوله، صلى الله عَلَيْهِ صَلَاة تزلفه وتدنيه، وتعزه وتعليه، وتشرفه وتجتبيه.

أما بعد؛ فَإِن اجتماعنا مِمَّا قدر الله ورضيه، وَالنِّكَاح مِمَّا أَمر الله بِهِ، وَأذن فِيهِ. هَذَا محمدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد زَوجنِي فَاطِمَة ابْنَته على صدَاق أَرْبَعمِائَة دِرْهَم وَثَمَانِينَ درهما، ورضيت بِهِ، فَاسْأَلُوهُ، وَكفى بِاللَّه شَهِيدا. وَقَالَ: إِن الله تَعَالَى جعل مَكَارِم الْأَخْلَاق وصلَة بَينه وَبَين خلقه، فَحسب أحدكُم أَن يتَمَسَّك بخلقٍ متصلٍ بِاللَّه عز وَجل. قَالَ الْأَحْنَف: دخلت على مُعَاوِيَة، فَقدم لي من الْحَار والبارد، والحلو والحامض مَا كثر تعجبي مِنْهُ، ثمَّ قدم لي لوناً لم أدر مَا هُوَ، فَقلت: مَا هَذَا؟ قَالَ: مصارين البط محشوة بالمخ قد قلى بدهن الفستق وذر عَلَيْهِ الطبرزد. فَبَكَيْت. فَقَالَ: مَا يبكيك؟ قلت: ذكرت عليا رَضِي الله عَنهُ. بَينا أَنا عِنْده وَحضر وَقت إفطاره فَسَأَلَنِي الْمقَام، إِذْ دَعَا بجراب مختوم، قلت: مَا فِي الجراب؟ قَالَ: سويق شعير، قلت: ختمت عَلَيْهِ أَن يُؤْخَذ أَو بخلت بِهِ؟ قَالَ: لَا وَلَا أَحدهمَا، وَلَكِنِّي خفت أَن يلته الْحسن أَو الْحُسَيْن بسمنٍ أَو زيتٍ. قلت: محرم هُوَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِن يجب على أَئِمَّة الْحق أَن يعتدوا أنفسهم من ضعفة النَّاس؛ لِئَلَّا يطغي الْفَقِير فقره، فَقَالَ مُعَاوِيَة: ذكرت من لَا يُنكر فَضله. وَقَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: لَا يكون الصّديق صديقا، حَتَّى يحفظ صديقه فِي غيبته وَعند نكبته وَبعد وَفَاته فِي تركته. قيل لَهُ: كَيفَ يُحَاسب الله الْخلق على كَثْرَة عَددهمْ؟ قَالَ: كَمَا يرزقهم على كَثْرَة عَددهمْ.

وَلما خرج عَلَيْهِ السَّلَام يُرِيد الْعرَاق أَشَارَ عَلَيْهِ ابْنه الْحسن أَن يرجع، فَقَالَ: لَا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حَتَّى تخرج فتصاد. وَقَالَ: لَئِن وليت بني امية لأنفضنهم نفض القصاب الوذام التربة. وَمر بِعَبْد الرَّحْمَن بن عتاب بن أسيد مقتولا يَوْم الْجمل، فَقَالَ: هَذَا يعسوب قُرَيْش. وجائته امراة فَذكرت أَن زَوجهَا يَأْتِي جاريتها، فَقَالَ: إِن كنت صَادِقَة رجمناه، وَإِن كنت كَاذِبَة جلدناك، قَالَت: ردوني إِلَى أَهلِي غَيْرِي نغرة. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِن الْمَرْء الْمُسلم مَا لم يغش دناءةً يخشع لَهَا إِذا ذكرت وتغرى بِهِ النَّاس، كالياسر الفالج ينْتَظر فوزةً من قداحه أَو دَاعِي الله؛ فَمَا عِنْد الله خيرٌ للأبرار. وسافر رجلٌ مَعَ أَصْحَاب لَهُ فَلم يرجع حِين رجعُوا، فَاتَّهمهُمْ اهله بِهِ، ورفعوهم إِلَى شُرَيْح، فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَة على قَتله، فَارْتَفعُوا إِلَى عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، فأخبروه بقول شُرَيْح، فَقَالَ متمثلا: أوردهَا سعدٌ وسعدٌ مُشْتَمل ... يَا سعد لَا تروي بهذاك الْإِبِل ثمَّ قَالَ: " إِن أَهْون السَّقْي التشريع "، ثمَّ فرق بَينهم، وسألهم فَاخْتَلَفُوا، ثمَّ أقرُّوا بقتْله.

وَقَالَ: إِذا صلى الرجل فليخو، وَإِذا صلت الْمَرْأَة فلتحتفز. وَقَالَ كرم الله وَجهه: مَا أعظم التَّفَاوُت بَين العبر وَالِاعْتِبَار! فالعبر قد بلغت فِي الْكَثْرَة الْغَايَة، وَالِاعْتِبَار قد بلغ فِي الْقلَّة النِّهَايَة. وَقَالُوا: انْصَرف من صفّين وَكَأَنَّهُ رَأسه ولحيته قطنة، فَقيل لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو غيرت، فَقَالَ: إِن الخضاب زينةٌ، وَنحن قومٌ محزونون. وروى أَن الْحسن قَالَ لَهُ يَوْم الْجمل: أَشرت عَلَيْك ثَلَاث مراتٍ فعصيتني، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام، إِنَّك تحن حنين الْجَارِيَة، هَات مَا الَّذِي أَشرت بِهِ؛ وَمَا الَّذِي عصيتك فِيهِ؟ فَذكر أَشْيَاء، فَقَالَ لَهُ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: أَنا وَالله إِذا مثل الَّتِي أحيط بهَا فَقيل لَهَا: زباب حَتَّى دخلت جحرها، ثمَّ احتفر عَنْهَا فاجتر برجلها حَتَّى ذبحت. يُرِيد: الضبع. وروى أَنه اشْترى قَمِيصًا بِثَلَاثَة دَرَاهِم، وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي هَذَا من رياشه. وَقَالَ: لَا قَود إِلَّا بالأسل. وَقَالَ: من أَرَادَ الْبَقَاء - وَلَا بَقَاء - فليباكر الْغَدَاء، وليقلل غشيان النِّسَاء، وليخفف الرِّدَاء فِي الْبَقَاء، قيل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمَا خفَّة الرِّدَاء فِي الْبَقَاء؟ قَالَ: الدّين. وَرَأى رجلا فِي الشَّمْس، فَقَالَ: قُم عَنْهَا فَإِنَّهَا مبخرةٌ مجفرةٌ: تَتْفُل الرّيح، وتبلى الثَّوْب، وَتظهر الدَّاء الدفين. وأتى بِالْمَالِ فكوم كومةً من ذهب وكومة من فضَّة، وَقَالَ: يَا حَمْرَاء يَا بَيْضَاء احمرى وابيضي وغري غَيْرِي. وَقَالَ: من يطلّ أير أَبِيه ينتطق بِهِ.

وَقَالَ: ذِمَّتِي بِمَا أَقُول رهينةٌ وَأَنا بِهِ زعيمٌ لمن صرحت لَهُ العبر أَلا يهيج على التَّقْوَى زرع قومٍ، وَلَا يظمأ على التَّقْوَى سنخ أصلٍ. أَلا وَإِن أبْغض خلق الله إِلَى الله رجلٌ قمش علما، غَار بأغباش الْفِتْنَة، عميا بِمَا فِي غيب الْهُدْنَة، سَمَّاهُ أشباهه من النَّاس عَالما وَلم يغن فِي الْعلم يَوْمًا سالما، بكر فَاسْتَكْثر. مِمَّا قل مِنْهُ فَهُوَ خير مِمَّا كثر، حَتَّى إِذا مَا ارتوى من آجنٍ، واكتنز من غير طائلٍ، قعد بَين النَّاس قَاضِيا لتخليص مَا الْتبس على غَيره، إِن نزلت بِهِ إِحْدَى المبهمات هيأ حَشْوًا من رَأْيه، فَهُوَ من قطع الشُّبُهَات فِي مثل غزل العنكبوت، لَا يعلم إِذا أَخطَأ؛ لِأَنَّهُ لَا يعلم أَخطَأ أم أصَاب. خباط عشواتٍ ركاب جهالاتٍ، لَا يعْتَذر مِمَّا لَا يعلم فَيسلم، وَلَا يعَض فِي الْعلم بضرصٍ قَاطع، يذور الرِّوَايَة ذرو الرّيح الهشيم، تبْكي مِنْهُ الدِّمَاء وتصرخ مِنْهُ الْمَوَارِيث، ويستحل بِقَضَائِهِ الْفرج الْحَرَام. لَا ملئ وَالله بإصدار مَا ورد عَلَيْهِنَّ وَلَا أهلٌ لما قرظ بِهِ. وَكتب إِلَى ابْن عَبَّاس حِين أَخذ من مَال الْبَصْرَة مَا أَخذ: إِنِّي أَشْرَكتك فِي امانتي، وَلم يكن رجلٌ من أَهلِي أوثق مِنْك فِي نَفسِي، فَلَمَّا رَأَيْت الزمات على ابْن عمك قد كلب، والعدو قد حَرْب، قلبت لِابْنِ عمك ظهر الْمِجَن، بِفِرَاقِهِ مَعَ المفارقين، وخذلانه مَعَ الخاذلين، واختطفت مَا قدرت عَلَيْهِ من أَمْوَال الْأمة اختطاف الذِّئْب الْأَزَل دامية المعزى ضح رويدا، فَكَأَن قد بلغت المدى، وَعرضت عَلَيْك أعمالك بِالْمحل الَّذِي يُنَادي المغتر بالحسرةن ويتمنى المشيع التبوة، والظالم الرّجْعَة. وروى عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام - أَنه قَالَ يَوْم الشورى لما تكلم عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف بِمَا تكلم:

الْحَمد لله الَّذِي اتخذ مُحَمَّدًا نَبيا، وابتعثه إِلَيْنَا رَسُولا؛ فَنحْن بَيت النُّبُوَّة، ومعدن الْحِكْمَة، أمانٌ لأهل الأَرْض، ونجاةٌ لمن طلب. لنا حق إِن نعطه نَأْخُذهُ، وَإِن نمنعه نركب أعجاز الْإِبِل وَإِن طَال السرى. لَو عهد إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهدا لجالدنا عَلَيْهِ حَتَّى نموت، أَو قَالَ لنا قولا أنفذنا قَوْله على رغمنا، لن يسْرع أحدٌ قبلي إِلَى صلَة رحمٍ ودعوة حق. وَالْأَمر إِلَيْك يَا بن عَوْف على صدق الْيَقِين وَجهد النصح. اسْتغْفر الله لي وَلكم. وَقَالَ: " مَا من مُسلم إِلَّا لَهُ ذنبٌ يَعْتَرِيه الفينة بعد الفينة ". " يهْلك فِي رجلَانِ: محب مطرٍ وباهتٌ مفترٍ ". " يهْلك فِي رجلَانِ: محب غالٍ ومبغضٌ قَالَ ". وَقَالَ: لَا يذهب أَمر هَذِه الْأمة إِلَّا على رجل وَاسع السرم ضخم البلعوم، يَأْكُل وَلَا يشْبع. وَسُئِلَ عَن قتلاه وقتلى مُعَاوِيَة، فَقَالَ: يُؤْتى بِي يَوْم الْقِيَامَة وبمعاوية فنختصم عِنْد ذِي الْعَرْش، فأينا فلج فلج أَصْحَابه. وَقَالَ: إِن لبني أُميَّة مروداً يجرونَ فِيهِ، وَلَو قد اخْتلفُوا فِيمَا بَينهم ثمَّ كادتهم الضّيَاع لغلبتهم. وَذكر أهل النهروان، فَقَالَ: فيهم رجل مودن الْيَد، أَو مثدن الْيَد، أَو مُخْدج الْيَد، لَوْلَا أَن تبطروا لنبأتكم بِمَا وعد الله الَّذين يقاتلونهم على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ: إِذا كَانَ الْقلب لَا يعرف مَعْرُوفا، وَلَا يُنكر مُنكر أنكس، فَجعل أَعْلَاهُ أَسْفَله. وَقَالَ: ألم يَأن لبني أُميَّة أَن يقتلُوا، قتيلهم؟ قيل: مَا هَذَا الْقَتِيل؟ قَالَ: غرنوقٌ من غرانيق بني عبد الْمطلب. وَمر بقاضٍ، فَقَالَ: أترعف النَّاسِخ والمنسوخ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَلَكت وأهلكت.

وَقَالَ: لَا يَسْتَقِيم قَضَاء الْحَوَائِج إِلَّا بِثَلَاث، باستصغارها لتعظم، واستكتامها لتنسى، وتعجيلها لتهنؤ. وجاءه يَهُودِيّ، فَقَالَ: أَيْن كَانَ رَبنَا قبل أَن يخلق الْعَرْش؟ قَالَ: حَيْثُ هُوَ الْيَوْم، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ الْيَوْم؟ قَالَ: حَيْثُ كَانَ ذَلِك الْيَوْم، لَا تخطر عَلَيْهِ الْقُلُوب، وَلَا تقع عَلَيْهِ الأوهام " لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير ". وروى عَن نوف قَالَ: رَأَيْت عليا عَلَيْهِ السَّلَام قد خرج؛ فَنظر إِلَى النُّجُوم، فَقَالَ: أراقد أم رامقٌ؟ قلت: بل رامقٌ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: يَا نوف طُوبَى للزاهدين فِي هَذِه الدُّنْيَا، الراغبين فِي الْآخِرَة، أُولَئِكَ قومٌ اتخذو الأَرْض بساطاً، وترابها فراشا، وماءها طيبا، وَالْقُرْآن شعاراً ودثاراً، وقرضوا للدنيا قرضا على منهاج الْمَسِيح عيه السَّلَام. يَا نوف، إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَامَ سَاعَة من اللَّيْل، فَقَالَ: إِنَّهَا ساعةٌ لَا يَدْعُو عبد إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ فِيهَا إِلَّا أَن يكون عشاراً أَو عرييفاً أَو شرطياً أَو صَاحب عرطبةٍ - وَهُوَ الطنبور - أَو صَاحب كوبة - وَهُوَ الطبل. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِن الله فرض عَلَيْكُم فَرَائض فَلَا تضبعوها، وحد لكم حدوداً فَلَا تعدوها، ونهاكم عَن أَشْيَاء فَلَا تنتهكوها، وَسكت لكم عَن أَشْيَاء، فَلم يَدعهَا نِسْيَانا فَلَا تتكلفوها. وَقَالَ: لَا يتْرك النَّاس شَيْئا من إصْلَاح دينهم لاستصلاح دنياهم إِلَّا فتح الله عَلَيْهِم مَا هُوَ أضرّ مِنْهُ. وَقَالَ: لَيْسَ الْخَيْر أَن يكثر مَالك وولدك، وَلَكِن الْخَيْر أَن يكثر علمك، ويعظم حلمك، وتباهى النَّاس بِعبَادة رَبك؛ فَإِن أَحْسَنت حمدت الله، وَإِن أَسَأْت استغفرت الله؛ وَلَا خير ف يالدنيا إِلَّا لِرجلَيْنِ، رجل أذْنب ذنوباً فَهُوَ

يتدارك ذَلِك بتوبةٍ، وَرجل يُسَارع ف يالخيرات. وَلَا يقل عملٌ مَعَ تقوى، وَكَيف يقل مَا يتَقَبَّل؟ أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بالتواصل والتباذل، وَإِيَّاكُم والتقاطع والتدابر والتفرق. وَلَا تنكرن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر؛ فيولى الله عَلَيْكُم شِرَاركُمْ، ثمَّ تدعون فَلَا يُسْتَجَاب لكم. " وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب ". تجهزوا رحمكم الله، فقد نُودي فِيكُم بالرحيل، وأقلوا الفرحة على الدُّنْيَا، وانقلبوا بِصَالح مَا بحضرتكم من الزَّاد؛ فَإِن أمامكم عقبَة كئوداً، ومنازل مخوفةً لَا بُد من الْمَمَر عَلَيْهَا، وَالْوُقُوف عِنْدهَا، فإمَّا برحمة الله نجوتم من فظاعتها، وَشدَّة مختبرها، وَكَرَاهَة منظرها؛ وَإِمَّا بهلكة لَيْسَ بعْدهَا نجاةٌ. فيا لَهَا حسرةً على كل ذِي غفلةٍ! أَن يكون عمره عَلَيْهِ حجَّة، أَو تُؤَدِّيه أَيَّامه إِلَى شقوة. وخطب لما ورد عَلَيْهِ خبر مقتل مُحَمَّد بن أبي بكر، وَغَلَبَة أَصْحَاب مُعَاوِيَة على مصر، قَالَ بعد أَن حمد الله: أَلا إِن مصر أَصبَحت قد فتحت، أَلا وَإِن مُحَمَّد بن أبي بكرٍ قد أُصِيب رَحمَه الله، وَعند الله نحتسبه. أما وَالله إِن كَانَ لمن ينْتَظر الْقَضَاء، وَيعْمل للجزاء، وَيبغض شكل الْفَاجِر، وَيُحب هدى الْمُؤمن. إِنِّي وَالله لَا ألوم نَفسِي فِي تَقْصِير وَلَا عجز، إِنِّي بمقاساة الْحَرْب جد عالمٍ خبيرٍ، وَإِنِّي لأقدم فِي الْأَمر فأعرف وَجه الحزم، وأقوم فِيهِ بِالرَّأْيِ الْمُصِيب مُعْلنا، وأناديكم نِدَاء المستغيث فَلَا تَسْمَعُونَ لي قولا، وَلَا تطيعون لي أمرا؛ حَتَّى تصير بِي الْأُمُور إِلَى عواقب الْفساد، وَأتم لَا تدْرك بكم الأوتار، وَلَا يشفى بكم الغليل. دعوتكم إِلَى غياث إخْوَانكُمْ، فجرجرتم جرجرة الْجمل الْأسر، وتثاقلتم إِلَى الأَرْض تثاقل من لَيْسَ لَهُ نيةٌ فِي اجهاد عَدو، وَلَا احتساب أجرٍ. وَخرج جنيدٌ ضعيفٌ " كَأَنَّمَا يساقون إِلَى الْمَوْت وهم ينظرُونَ ".

وَقَالَ فِي خطبَته بِالْبَصْرَةِ: يَا أهل الْبَصْرَة يَا أهل المؤتفكة أئتفكت بِأَهْلِهَا ثَلَاثًا وعَلى الله تَمام الرَّابِعَة. يَا جند الْمَرْأَة، وَأَعْوَان الْبَهِيمَة، رغا فأجبتم وعقر فتفرقتم. وخطب فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى الدُّنْيَا نظر الزاهدين فِيهَا، فَإِنَّهَا وَالله عَن قَلِيل تزيل الثاوي السَّاكِن، وتبخع المترف الآمن، لَا يرجع مَا تولى مِنْهَا فادبر، وَلَا يدْرِي مَا هُوَ آتٍ مِنْهَا فينتظر، سرورها مشوبٌ بالحزن، وَآخر الْحَيَاة فِيهَا إِلَى الضعْف والوهن، فَلَا يَغُرنكُمْ كَثْرَة مَا يعجبكم فِيهَا لقلَّة مَا يصحبكم مِنْهَا. رحم الله رجلا تفكر فَاعْتبر، فأبصر إدبار مَا قد أدبر، وَحُضُور مَا حضر؛ فَكَأَن مَا هُوَ كائنٌ فِي الدُّنْيَا لم يكن، وَكَأن مَا هُوَ كَائِن فِي الْآخِرَة لم يزل. وَقَالَ جُنْدُب: دَخَلنَا عَلَيْهِ فَقَالَ: أما إِنَّكُم سَتَلْقَوْنَ بعدِي ثَلَاثًا؛ ذلاً شَامِلًا، وسيفاً قَاتلا، وأثرةً يتخذها الظَّالِمُونَ عَلَيْكُم سنة، فتودون عِنْد ذَلِك لَو رَأَيْتُمُونِي فنصرتموني وقاتلتم دوني، لَا يبعد الله إِلَّا من ظلم! . فَكَانَ جُنْدُب بعد ذَلِك إِذا رأى شَيْئا مِمَّا يكره يبكي وَيَقُول: أبعد الله الظَّالِم. وَقَالَ فِي خطْبَة لَهُ: وأيم الله إِنَّكُم لَو قد رَأَيْتُمْ الْمَوْت لَا نفرجتم عَن عَليّ ابْن أبي طَالب انفراج الْمَرْأَة عَن قبلهَا؛ فَقَالَ لَهُ رجل: أَفلا كَمَا فعل عُثْمَان، فَقَالَ: إِن الَّذِي فعل عُثْمَان مجزاةٌ لمن لَا نصْرَة لَهُ، وَلَا حجَّة مَعَه، فَأَما وَأَنا على بينةٍ من رَبِّي، ويقينٍ وعهدٍ من نبيي كلا وَالله: إِن أمرءاً يُمكن من نَفسه عدوة فيهشم عَظمَة، ويفرى جلده لعظيمٌ عَجزه، ضعيفٌ مَا ضمت عَلَيْهِ الأحشاء من صَدره، وَأَنت ذَاك إِن شِئْت. فَأَما أَنا فوَاللَّه لَأُعْطيَن دون ذَلِك ضربا بالمشرفي تطير لَهُ فرَاش الْهَام، وَالله يفعل مَا يَشَاء.

وَقَالَ لَهُ المُهَاجر بن خَالِد بن الْوَلِيد: مَا رَأْيك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي هَذِه الْمُعْتَزلَة سعدٍ وَأَصْحَابه؟ فَقَالَ: خذلوا الْحق وَلم ينصرُوا الْبَاطِل، كَمَا قَالَ أَخُو جشم: عَلَيْكُم بواديكم من الذل فارتعوا ... ونالوا بذل من ندى البقل وَالشَّجر فَمَا أَنْتُم بالمانعين ذماركم ... قَدِيما، ولستم فِي النفير إِذا نفر وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: اتْرُكُوا هَذِه الدُّنْيَا التاركة لكم، وَإِن لم تَكُونُوا تحبون تَركهَا، والمبلية لكم، وَإِن كُنْتُم تحبون تجديدها. فَإِنَّمَا مثلكُمْ وَمثلهَا كركبٍ سلكوا سَبِيلا، فكأنهم قد قطعوه وأموا علما، فكأنهم قد بلغوه. جعلنَا الله وَإِيَّاكُم مِمَّن لَا تبطره نعمةٌ، وَلَا تقصر بِهِ عَن طَاعَة ربه رغبةٌ، وَلَا يحل بِهِ الْمَوْت حسرةً؛ فَإِنَّمَا نَحن لَهُ وَبِه. وَقَالَ فِي خطْبَة: إيَّاكُمْ ومجالس اللَّهْو؛ فَإِن اللَّهْو ينسى الْقُرْآن، ويحضره الشَّيْطَان، وَيَدْعُو إِلَى كل غي. ومحادثة النِّسَاء تزِيغ الْقُلُوب، وَهِي من مصايد الشَّيْطَان. أَلا فاصدقوا؛ فَإِن الله مَعَ الصَّادِقين، وجانبوا الْكَذِب؛ فَإِنَّهُ مجانبٌ للْإيمَان، إِن الصَّادِق على شفا منجاةٍ وكرامة، وَإِن الْكَاذِب على شفا هوانٍ. قُولُوا الْحق تعرفوا بِهِ، وتكونوا من أَهله، وأدوا الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنكم، وصلوا أَرْحَام من قطعكم، وعودوا بِالْفَضْلِ على من حرمكم. وَإِذا عاهدتم ففوا، وَإِذا حكمتم فاعدلوا، وَلَا تفاخروا بِالْآبَاءِ وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ، أَلا وَلَا تمادحوا وَلَا تمازحوا وَلَا تباغضوا، أفشوا السَّلَام وردوا التَّحِيَّة على أَهلهَا بِأَحْسَن مِنْهَا، وارحموا الأرملة واليتيم، وأعينوا الضَّعِيف والمظلوم، " ونعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان " أَلا وَإِن الدُّنْيَا قد أَدْبَرت وآذنت بوداع. أَلا وَإِن الْآخِرَة قد أَقبلت وآذنت باطلاع، أَلا وَإِن الْمِضْمَار الْيَوْم، والسباق غَدا وَإِن السبقة الْجنَّة والغاية النَّار. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: خير النِّسَاء الطّيبَة الرّيح، الطّيبَة الطَّعَام، الَّتِي إِن أنفقت أنفقت قصدا، وَإِن أَمْسَكت أَمْسَكت قصدا، تِلْكَ من عُمَّال الله، وعامل الله لَا يخيب. وَقَالَ: الصمت فِي اانه خيرٌ من الْمنطق فِي غير أَوَانه.

وَقَالَ: إِذا رَأَيْت فِي رجلٍ خلةً رائعةً من خيرٍ أَو شَرّ فانتظر أخواتها. وَقَالَ: إِن الله تَعَالَى لَا يقبل من الْأَعْمَال إِلَّا مَا صفا وصلب ورق فَأَما صفاؤها فَللَّه، وَأما رقتها فللإخوان، وَأما صلابتها فللدين. وَقَالَ: الْفَقِيه كل الْفَقِيه الَّذِي لَا يقنط النَّاس من رَحْمَة الله، وَلَا يؤمنهم من مكر الله، وَلَا يرئسهم من رَحْمَة الله، وَلَا يرخص لَهُم فِي معاصي الله. وَدخل عَلَيْهِ قوم فَقَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لَو أَعْطَيْت هَذِه الْأَمْوَال، وفضلت بهَا هَؤُلَاءِ الْأَشْرَاف وَمن تخَاف فِرَاقه، حَتَّى إِذا استتب لَك مَا تُرِيدُ عدت إِلَى أفضل مَا عودك الله عز وَجل من الْعدْل فِي الرّعية، وَالْقسم بِالسَّوِيَّةِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: أتأمرونني أَن أطلب النَّصْر بالجور فِيمَن وليت عَلَيْهِ من أهل الْإِسْلَام! وَالله لَا أفعل ذَلِك مَا سمر بِنَا سمير، وَمَا آب فِي السَّمَاء نجم، فَلَو كَانَ هَذَا المَال لي لسويت بَينهم، فَكيف؟ وَإِنَّمَا هِيَ أَمْوَالهم، ثمَّ أرم طَويلا ثمَّ قَالَ: من كَانَ مِنْكُم لَهُ مالٌ فإياه وَالْفساد، فَإِن إِعْطَاء المَال فِي غير حلّه تبذير وإسرافٌ وفسادٌ، وَهُوَ يرفع ذكر صَاحبه، ويضعه عِنْد الله عز وَجل، وَلنْ يضع ارمؤٌ مَاله ف يُغير حَقه، وَعند غير أَهله إِلَّا حرمه الله شكرهم، وَكَانَ لغيره ودهم، فَإِن بَقِي مَعَه مِنْهُم من يُرِيد الود، وَيظْهر لَهُ الشُّكْر فَإِنَّمَا هُوَ ملق وَكذب؛ فَإِن زلت بِصَاحِبِهِ النَّعْل وَاحْتَاجَ إِلَى معونته ومكافأته فشر خليلٍ، وَالأُم خدين، فَمن آتَاهُ الله مَالا فَليصل بِهِ الْقَرَابَة، وليحسن مِنْهُ الضِّيَافَة، وليفك بِهِ العاني والأسير، وليعط مِنْهُ الْغَارِم وَابْن السَّبِيل، والفقراء والمجاهدين، وليصبر نَفسه على الْحُقُوق وابتغاء الثّواب، فإنّه ينَال بِهَذِهِ الْخِصَال مَكَارِم الدّنيا وفضائل الْآخِرَة إِن شَاءَ الله. وخطب عَلَيْهِ السَّلَام حِين كَانَ من أَمر الْحكمَيْنِ مَا كَانَ، فَقَالَ: الْحَمد لله وَإِن أَتَى الدَّهْر بالخطب الفادح، وَالْحَدَث الْجَلِيل، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله.

أما بعد، فَإِن مَعْصِيّة الشَّيْخ الْعَالم المشفق المجرّب تورث الْحَسْرَة، وَتعقب النّدامة، وَقد كنت أَمرتكُم فِي هَذِه الْحُكُومَة بأمرى، ونخلت لكم رأيى لَو كَانَ يطاع لقيصر أَمر {وَلَكِنَّكُمْ أَبَيْتُم، وَكنت أَنا وَأَنْتُم كَمَا قَالَ أَخُو هوزان أَمرتهم أمرى بمنعرج اللّوى ... فَلم يستبينوا النصح إِلَّا ضحى الْغَد فَلَمَّا عصوني كنت فيهم وَقد أرى ... غوايتهم أَو أنّنى غير مهتد أَلا إنّ هذَيْن الرّجلين اخترتموهما حكمين، وَقد نبذا حكم الْقُرْآن وَرَاء ظهورهما فأماتا مَا أَحْيَا الْقُرْآن، وأحييا مَا أمات، واتّبع كلّ وَاحِد مِنْهُمَا هواة، يحكم فِيهِ بِغَيْر حجّة بيّنة، وَلَا " 82 " سنة مَاضِيَة، وَاخْتلفَا فِي حكمهمَا، فكلاهما لم يرشده الله، استعدّوا للْجِهَاد، وتأهّبوا للسير، وَأَصْبحُوا فِي معسكركم يَوْم كَذَا. وخطب فَقَالَ: أما بعد؛ يَا أهل الْكُوفَة فإنّ أهل الشّام لَو قد طلعوا عَلَيْكُم أغلق كلّ امْرِئ مِنْكُم بَابه، وانجحر فِي بَيته انجحار الضّبّ فِي جُحْره والضّبع فِي وجارها الذّليل، وَالله مَا نصرتم، وَمن رمى بكم رمى بأضعف سهم. أفّ لكم} لقد لقِيت مِنْكُم برحاً، يَوْمًا أناديكم وَيَوْما أناجيكم، فَلَا أَحْرَار عِنْد النداء، وَلَا أنجاد عِنْد اللِّقَاء، أَنا لله ممّا منيت بِهِ مِنْكُم، صمّ لَا تَسْمَعُونَ، بكم لَا تعقلون، كمه لَا تبصرون، وَالْحَمْد لله ربّ الْعَالمين. وَكتب إِلَى سهل بن حنيف وَهُوَ عَامله على الْمَدِينَة: بلغنى أَن رجَالًا يخرجُون إِلَى مُعَاوِيَة؛ فَلَا تأسف على مَا فاتك مِنْهُم؛ فَكفى لَهُم غيّاً فرارهم من الْحق وَالْهدى، وإيضاعهم فِي الْجَهَالَة والعمى؛ إنّما هم أهل دنيا، مكبّون عَلَيْهَا، قد علمُوا أنّ فِي الْحق أُسْوَة فَهَرَبُوا مِنْهُ إِلَى الأثرة؛ فبعداً لَهُم وَسُحْقًا،

أما لَو قد بعثرت الْقُبُور، وَاجْتمعت الْخُصُوم، وَقضى بَين الْعباد لتبيّن لَهُم مَا يَكْسِبُونَ. وَكتب إِلَى مصقلة بن هُبَيْرَة: بَلغنِي عَنْك أَمر إِن كنت فعلته فقد أتيت شيناً؛ إِذْ بَلغنِي أنّك تقسم فئ الْمُسلمين فِيمَن اعتفاك من أَعْرَاب بكر بن وَائِل، فو الذّي فلق الحبّة، وبرأ النّسمة، لَئِن كَانَ ذالك حقّاً لتجدنّ بك علىّ هواناً. فَلَا تستهن بِحَق رَبك، وَلَا تصلح دنياك بمحق دينك فَتكون من: " الأخسرين أعمالاً " الْآيَة. وَكتب إِلَى زِيَاد - وَهُوَ خَليفَة ابْن عَبَّاس على الْبَصْرَة - وَكَانَ أخرج إِلَيْهِ سَعْدا مَوْلَاهُ يستحثه على حمل مالٍ فَعَاد وشكاه وعابه: أما بعد، فَإِن سَعْدا ذكر أَنَّك شتمته ظلما لَهُ، وتهددته وجبهته، تجبراً وتكبرا. فَمَا دعَاك إِلَى التكبر؟ وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الْكبر رِدَاء الله فَمن نَازع الله رِدَاءَهُ قصمه ". وَأَخْبرنِي أَنَّك تكْثر من الطَّعَام والألوان، وتدهن فِي كل يَوْم؛ فَمَا عَلَيْك لَو صمت لله أَيَّامًا؟ وتصدقت بِبَعْض مَا عنْدك محتسبا، وأكلت طَعَامك مرَارًا قتاراً؛ فَإِن ذَلِك دثار الصَّالِحين، أتطمع وَأَنت تتقلب فِي النَّعيم تستأثر بِهِ على الْجَار الْمِسْكِين، والضعيف الْفَقِير، والأرملة واليتيم أَن يجب لَك أجر المتصدقين؟ . وَأَخْبرنِي أَنَّك تَتَكَلَّم بِكَلَام الْأَبْرَار وتعمل عمل الْخَطَّائِينَ؛ فَإِن كنت تفعل ذَلِك فنفسك ظلمت، وعملك أحبطت؛ فتب إِلَى رَبك يصلح عَمَلك، واقصد فِي أَمرك، وَقدم الْفضل ليَوْم حَاجَتك إِلَيْهِ إِن كنت من الْمُؤمنِينَ، وادهن غبا فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " ادهنوا غبا وَلَا تدهنوا رفها ".

فَكتب إِلَيْهِ زِيَاد: أما بعد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن سَعْدا قدم فَعجل فانتهرته وزجرته. وَكَانَ أَهلا لأكْثر من ذَلِك. فَأَما مَا ذكر من الْإِسْرَاف، واتخاذ ألوان الطَّعَام، والتنعم؛ فَإِن كَانَ صَادِقا فأثابه الله ثَوَاب الصَّادِقين، وَإِن كَانَ كَاذِبًا فوقاه الله عُقُوبَة الْكَاذِبين. وَأما قَوْله: إِنِّي أصف الْعدْل وأخالفه إِلَى غَيره، فَإِنِّي إِذا لمن الأخسرين أعمالاً، فَخذه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بمقالٍ قلته فِي مقامٍ قمته. فَإِن أَتَاك بشاهدي عدلٍ، وَإِلَّا تبين لَك كذبه وظلمه. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " قبْلَة الْوَلَد رحمةٌ، وقبلة الْمَرْأَة شَهْوَة، وقبلة الْوَالِدين عبَادَة، وقبلة أَخِيك دينٌ، وقبلة الإِمَام الْعَادِل طاعةٌ ". وَقَالَ: بئس الْجَار الْغَنِيّ، يبْعَث عَلَيْك مَا لَا يعينك عَلَيْهِ. وَقَالَ: نعم الْبَيْت بَيت الْعَرُوس تذكر بِهِ الْجنَّة، وتحمد الله على النِّعْمَة. وَقَالَ: الْكَرِيم لَا يقبل على معروفه ثمنا. وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي للعاقل أَن يظْهر سُرُورًا برجاء، لِأَن الرَّجَاء غرور. وَقَالَ: الْمَعْرُوف زَكَاة النعم. وَقَالَ: إِزَالَة الرواسِي أيسر من تأليف الْقُلُوب. وَكتب إِلَى ابْن عَبَّاس: أَتَانِي كتابك تذكر مَا رَأَيْت من أهل الْبَصْرَة بعد خروجي عَنْهُم، وَإِنَّمَا ينقمون لرغبةٍ يرجونها، أَو عقوبةٍ يخافونها؛ فأرغب راغبهم، واحلل عقد الْخَوْف عَن خائفهم بِالْعَدْلِ عَلَيْهِ، والإنصاف إِلَيْهِ. وَكتب إِلَى سعد بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ: إِنَّك وفرت على الْمُسلمين فيئهم، فأطعت رَبك، وَنَصَحْت إمامك فعل المتنزه الْعَفِيف، فقد حمدت فعلك، ورضيت هديك، وَأُوتِيت رشدك، وَغفر الله ذَنْبك.

وَمَشى قوم خَلفه، فَقَالَ: عَنى خَفق نعالكم؛ فَإِنَّهَا مفْسدَة لقلوب نوكي الرِّجَال. وَقَالَ: أكبر الغي أَن تعيب رجلا بِمَا فِيك، وَأَن تؤذي جليسك بِمَا هُوَ فِيهِ عَبَثا بِهِ. وَقَالَ: اتَّقوا من تبْغضهُ قُلُوبكُمْ. وَدخل عَلَيْهِ السَّلَام الْمَقَابِر، فَقَالَ: " أما الْمنَازل فقد سكنت، وَالْأَمْوَال قد قسمت، والأزواج قد نكحت، فَهَذَا خير مَا عندنَا؛ فَمَا عنْدكُمْ؟ ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أذن لَهُم فِي الْكَلَام لأخبروا أَن خير الزَّاد التَّقْوَى. وخطب فَقَالَ: أما بعد فَإِن الدُّنْيَا قد أَدْبَرت وآذنت بوداع، وَإِن الْآخِرَة قد أَقبلت وأشرفت باطلاع، وَإِن الْمِضْمَار الْيَوْم وَغدا السباق. أَلا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّام أملٍ من وَرَائه أجلٌ؛ فَمن أخْلص فِي أَيَّام أمله قبل حُضُور أَجله نَفعه عمله، وَلَا يضرّهُ أمله، وَمن قصر فِي أَيَّام أمله قبل حُضُور أَجله فقد خسر عمله، وضره أمله. فاعملوا لله فِي الرَّغْبَة كَمَا نعملون لَهُ فِي الرهبة. أَلا وَإِنِّي لم أر كالجنة نَام طالبها، وَلم أر كالنار نَام هَارِبهَا، أَلا وَإنَّهُ من لم يَنْفَعهُ الْحق يضرّهُ الْبَاطِل، وَمن لم يستقم بِهِ الْهدى يخزيه الضلال. أَلا وَإِنَّكُمْ قد أمرْتُم بالظعن، ودللتم على الزَّاد. وَإِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم اتِّبَاع الْهوى وَطول الأمل. وَقَالَ لَهُ الأشتر: كَيفَ ود أُمِّي رالمؤمنين امْرَأَته؟ قَالَ: كالخير من امْرَأَة جباء قبَاء. قَالَ: وَهل يُرِيد الرِّجَال من النِّسَاء غير ذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى تدفي الضجيع، وتروي الرَّضِيع.

وَقَالَ: حسبي حسب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وديني دينه، فَمن أبْغض حسبي فَإِنَّمَا يبغض حسب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن يبغض ديني فَإِنَّمَا يبغض دين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ بعض قُرَيْش: أتيت الْكُوفَة فتبوأت بهَا منزلا، ثمَّ خرجت أُرِيد عليا عَلَيْهِ السَّلَام. فلقيني فِي الطَّرِيق وَهُوَ بَين الْأَشْعَث بن قيس، وَجَرِير بن عبد الله، فَلَمَّا رَآنِي خرج من بَينهمَا فَسلم عَليّ. فَلَمَّا سكت قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، من هَذَانِ؟ وَمَا رأيهما؟ فَقَالَ: أما هَذَا الْأَعْوَر - يَعْنِي الْأَشْعَث - فَإِن الله لم يرفع شرفاً إِلَّا حسده، وَلم يسن دينا إِلَّا بغاه. وَهُوَ يمنى نَفسه ويخدعها، فَهُوَ بَينهمَا لَا يَثِق بِوَاحِدَة مِنْهُمَا. وَمن الله عَلَيْهِ أَن جعله جَبَانًا، وَلَو كَانَ شجاعاً لقد قَتله الْحق بعد. وَأما هَذَا الأكشف - يَعْنِي جَرِيرًا - عبد الْجَاهِلِيَّة فَهُوَ يرى أَن كل أحد يحقره، فَهُوَ ممتلئ بأوا، وَهُوَ فِي ذَلِك يطْلب جحراً يؤويه، ومنصباً يُغْنِيه. وَهَذَا الْأَعْوَر يغويه ويطغيه، إِن حَدثهُ كذبه، وَإِن قَامَ دونه نكص عَنهُ، فهما كالشيطان " إِذْ قَالَ للْإنْسَان اكفر فَلَمَّا كفر قَالَ إِنِّي برِئ مِنْك إِنِّي أَخَاف الله رب الْعَالمين " قَالَ: فَقلت لَهُ: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لقد نزلت بشر منزل. مَا أَنْت إِلَّا بَين الْكَلْب وَالذِّئْب. قَالَ: هُوَ عَمَلكُمْ يَا معشر قُرَيْش، وَالله مَا خرجت مِنْكُم إِلَّا أَنِّي خفت أَن تجلوا فِي فألج بكم. وَقَالَ: أَشد الذُّنُوب مَا استخف صَاحبه بِهِ. روى عَن أبي اراكة أَنه صلى مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ - عَلَيْهِ السَّلَام - صَلَاة الْفجْر، فَلَمَّا سلم انْفَتَلَ عَن يَمِينه، ثمَّ مكث كَأَن بِهِ كابةً، حَتَّى طغت الشَّمْس على حَائِط الْمَسْجِد، ثمَّ قلب يَدَيْهِ وَقَالَ: لقد رَأَيْت أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا أرى الْيَوْم شَيْئا يشبههم، لقد كَانُوا يُصْبِحُونَ صفرا غبراً شعثاً، بَين أَعينهم مثل

ركب المعزى، قد باتوا لله سسجداً وقياماً، يَتلون كتاب لله، يواحون بَين أَقْدَامهم وجباههم، فَإِذا أصحبوا فَذكرُوا الله مادوا كَمَا يمد الشّجر فِي يَوْم الرّيح، وهملت أَعينهم حَتَّى تبل ثِيَابهمْ. وَالله لكأن الْقَوْم باتوا غافلين. ثمَّ نَهَضَ، ير مفترًّا حَتَّى ضربه عَدو الله ابْن ملجم لَعنه الله. وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام جَالِسا فِي أَصْحَابه، فمرت امْرأ جميلَة، فرمقها الْقَوْم بِأَبْصَارِهِمْ، فَقَالَ: إِن أبصار هَذِه الفحول طوامح، فَإِذا رأى أحدكُم المرئة تعجبه فلأتي أَهله حفإنما امْرَأَة بامرة،. فَقَالَ رجل من الْخَوَارِج: قَاتله الله كَافِرًا، مَا أفهمهُ {فَوَثَبُوا عَلَيْهِ ليضربوه، فَقَالَ رضى الله عَنهُ: مَه، فَإِنَّمَا هُوَ سبّ بسب، أَو عَفْو وَقد عَفَوْت. وَقَالَ: من أَبْطَأَ بِهِ لم يسْرع حَسبه. وَقَالَ: مَا أضمر أحد شياً إِلَّا ظهر فِي فلتات لِسَانه وصفحات وَجهه. وَقَالَ: إِذا كنت قي إدبار، وَالْمَوْت فِي إقبالٍ، فَمَا أسْرع الْمُلْتَقى} وَقَالَ: قلب الأحمق فِي لِسَانه، ولسان الْعَاقِل فِي قلبه. وَقَالَ: عجبت من الْبَخِيل يستعجل الْفقر الذى مِنْهُ هرب، ويفوته الْغنى الَّذِي إِيَّاه طلب، فيعيش فِي الدُّنْيَا عَيْش الْفُقَرَاء، وَيُحَاسب فِي الْآخِرَة حِسَاب الْأَغْنِيَاء. وَقَالَ: يَا أسرى الرَّغْبَة، أقصروا؛ فَإِن المعرج على الدُّنْيَا لَا يروعه إِلَّا صريف أَنْيَاب الْحدثَان. وَقَالَ: الْمَرْأَة عقربٌ حلوة اللسبة. وَقَالَ: أهل الدُّنْيَا كركب يسَار بهم وهم نيامٌ. وَقَالَ: احْذَرُوا نفار النعم، فَمَا كل شاردٍ مردودٌ. وَقَالَ: كفى بالأجل حارساً.

وَقَالَ فِي بعض كَلَامه: لقد اتلعوا أَعْنَاقهم إِلَى أَمر لم يَكُونُوا من أَله، فوصوا دونه. وَقَالَ: أَكثر مصَارِع الْعُقُول تَحت بروق المطامع. وَمن كَلَامه: وَلَقَد ضربت أنف هَذَا الْأَمر وعينه، وقلبت ظَهره وبطنه، فَلم أر إِلَّا الْقِتَال أَو الْكفْر. وَقَالَ: الولايات مضامير الرِّجَال. وَقَالَ: اللجاجة تسل الرَّأْي.

الباب الرابع فيه من كلام الائمه عليهم السلام وكلام جماعه من اشراف اهل البيت الحسن بن علي عليه السلام

الْبَاب الرَّابِع فِيهِ من كَلَام الْأَئِمَّة عَلَيْهِم السَّلَام، وَكَلَام جمَاعَة من أَشْرَاف أهل الْبَيْت الْحسن بن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام روى أَن أَبَاهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ: قُم واخطب لأسْمع كلامك، فَقَامَ فَقَالَ: " الْحَمد لله الَّذِي من تكلم سمع كَلَامه، وَمن سكت علم مَا فِي نَفسه، وَمن عَاشَ فَعَلَيهِ رزقه، وَمن مَاتَ فإليه معاده. أما بعد، فَإِن الْقُبُور محلتنا، وَالْقِيَامَة موعدنا، وَالله عَارَضنَا، إِن عليا بَاب من دخله كَانَ مُؤمنا، وَمن خرج مِنْهُ كَانَ كَافِرًا. فَقَامَ إِلَيْهِ عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَالْتَزمهُ، وَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي، " ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعضٍ وَالله سميعٌ عليمٌ ". وَمن كَلَامه عَلَيْهِ السَّلَام: إِن هَذَا الْقُرْآن فِيهِ مصابيح النُّور، وشفاء الصُّدُور، فليجل جالٍ بَصَره، وليلجم النصفة قلبه؛ فَإِن التَّكْفِير حَيَاة قلب الْبَصِير، كَمَا يمشي المستنير فِي الظُّلُمَات بِالنورِ.

واعتل عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام بِالْبَصْرَةِ، فَخرج الْحسن عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْجُمُعَة، فصلى الْغَدَاة بِالنَّاسِ، وَحمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ، وَصلى على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَالَ: إِن الله لم يبْعَث نَبيا إِلَّا اخْتَارَهُ نفسا ورهطاً وبيتاً. وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ بِالْحَقِّ لَا ينتقص أحدٌ من حَقنا إِلَّا نَقصه الله من عمله، وَلَا تكون علينا دولةٌ إِلَّا كَانَت لنا عَاقِبَة. " ولتعلمن نبأه بعد حِين ". وَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة بعد الصُّلْح: قُم فَاعْتَذر من الْفِتْنَة، فَقَامَ عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ: إِن أَكيس الْكيس التقى، وأحمق الْحمق الْفُجُور، وَإِن هَذَا الْأَمر الَّذِي تناوعنا فِيهِ أَنا وَمُعَاوِيَة إِمَّا حق رجلٍ هُوَ أَحَق بِهِ مني، وَإِمَّا حَقي تركته لصلاح أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ. " وَإِن أدرى لَعَلَّه فتنةٌ لكم ومتسع إِلَى حِين ". وَلما خرج حوثرة الْأَسدي وَجه مُعَاوِيَة إِلَى الْحسن عَلَيْهِ السَّلَام يسْأَله أَن يكون المتولى لمحاربة الْخَوَارِج، فَقَالَ: وَالله لقد كَفَفْت عَنْك لحقن الدِّمَاء؛ وَمَا أَحسب ذَلِك يسعني. أفأقاتل عَنْك قوما أَنْت وَالله بقتالي أولى مِنْهُم. وَلما قدم مُعَاوِيَة الْمَدِينَة صعد الْمِنْبَر، ونال من عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَامَ الْحسن فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: إِن الله لم يبْعَث نَبيا إِلَّا جعل لَهُ عدوا من الْمُجْرمين، فَأَنا ابْن عَليّ، وَأَنت ابْن صَخْر، وأمك هِنْد وَأمي فَاطِمَة، وَجَدْتُك قتيلة، وجدتي خَدِيجَة. فلعن الله ألأمنا حسباً وأخملنا ذكرا، وأعظمنا كفرا، وأشدنا نفَاقًا. فصاح أهل الْمَسْجِد: آمين، آمين، وَقطع مُعَاوِيَة خطبَته وَنزل وَدخل منزله. وَدخل إِلَى مُعَاوِيَة وَهُوَ مُضْطَجع، فَقعدَ عِنْد رجله، فَقَالَ مُعَاوِيَة: أَلا أطرفك؟ بَلغنِي أَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة تَقول: إِن مُعَاوِيَة لَا يصلح للخلافة. فَقَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ: وأعجب من ذَلِك قعودي عِنْد رجلك، فَقَامَ مُعَاوِيَة وَاعْتذر إِلَيْهِ.

وَقيل لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام: فِيك عَظمَة، قَالَ: لَا، بل فِي عزةٌ، قَالَ الله تَعَالَى: " وَللَّه الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ ". وَقَالَ لِأَبِيهِ عَلَيْهِمَا الرَّحْمَة: إِن للْعَرَب جَوْلَة. وَلَو قد رجعت إِلَيْهَا غوارب أحلامها، لقد ضربوا إِلَيْك أكباد الْإِبِل حَتَّى يستخرجوك وَلَو كنت فِي مثل وجار الضبع. وخطب مرّة فَقَالَ: مَا بَين جابلق وجابلص رجلٌ جده نَبِي غَيْرِي. وَقَامَ إِلَيْهِ رجل، فَقَالَ: سودت وُجُوه الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ: لَا تؤنبني رَحِمك الله؛ فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد رأى بني أُميَّة يصعدون على منبره رجلا رجلا. وروى عَن رجل من أهل الشَّام قَالَ: دخلت الْمَدِينَة، فَرَأَيْت رَاكِبًا على بغلة لم أر أحسن وَجها وَلَا سمتا وَلَا ثوبا وَلَا دَابَّة مِنْهُ، فَمَال قلبِي إِلَيْهِ، فَسَأَلت عَنهُ، فَقيل: هَذَا الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب. فَامْتَلَأَ قلبِي لَهُ بغضا، وحسدت عليا أَن يكون لَهُ ابنٌ مثله، فصرت إِلَيْهِ فَقلت: أَنْت ابْن أبي طَالب؟ فَقَالَ: أَنا ابْن ابْنه. قلت فبك وبأبيك. أسبهما. فَلَمَّا انْقَضى كَلَامي قَالَ: أحسبك غَرِيبا، قلت: أجل. قَالَ: فمل بِنَا، فَإِن احتجت إِلَى منزل أنزلناك، أَو إِلَى مالٍ آسيناك، أَو إِلَى حاجةٍ عاونك. قَالَ: فَانْصَرَفت عَنهُ وَمَا على الأأرض أحب إِلَيّ مِنْهُ. وَقَالَ مُعَاوِيَة: إِذا لم يكن الْهَاشِمِي جواداً لم يشبه قومه، وَإِذا لم يكن المَخْزُومِي تياهاً لم يشبه قومه، وَإِذا لم يكن الزبيرِي شجاعاً لم يشبه قومه، وَإِذا لم يكن الْأمَوِي حَلِيمًا لم يشبه قومه. فَبلغ ذَلِك الْحسن عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ: مَا أحسن مَا نظر لِقَوْمِهِ! أَرَادَ أَن يجود بَنو هَاشم بِأَمْوَالِهِمْ فيفتقروا، وتزهى بَنو مَخْزُوم فتبغض وتشنأ، ويحارب بَنو الزبير فيتفانوا، وتحلم بَنو أُميَّة فتحب. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لحبيب بن مسلمة: رب مسيرٍ لَك فِي غير طَاعَة الله. فَقَالَ: أما مسيري إِلَى أَبِيك فَلَا. قَالَ: بلَى. وَلَكِنَّك أَطَعْت مُعَاوِيَة على دنيا قَليلَة. ولعمري لَئِن قَامَ بك فِي دنياك لقد قعد بك فِي دينك. وَلَو أَنَّك إِذْ فعلت

شرا قلت خيرا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: " خلطوا عملا صَالحا وءاخر سَيِّئًا "؛ وَلَكِنَّك فعلت شرا وَقلت شرا فَأَنت كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: " كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ". قَالَ الشّعبِيّ: كَانَ مُعَاوِيَة كَالْجمَلِ الطِّبّ، قَالَ يَوْمًا وَالْحسن عَلَيْهِ السَّلَام عِنْده: أَنا ابْن بحرها جوداً، وَأَكْرمهَا جدودا، وأنضرها عودا. فَقَالَ الْحسن: أفعلي تَفْخَر؟ أَنا ابْن عروق الثرى، أَنا ابْن سيد أهل الدُّنْيَا، وَأَنا ابْن من رِضَاهُ رضَا الرَّحْمَن، وَسخطه سخط الرَّحْمَن. قل لَك يَا مُعَاوِيَة من قديم تباهى بِهِ، أَو أَب تفاخرني بِهِ؟ قل لَا أَو نعم، أَي ذَلِك شِئْت، فَإِن قلت لَا أثبت، وَإِن قلت نعم عرفت. قَالَ مُعَاوِيَة: فَإِنِّي أَقُول لَا تَصْدِيقًا لَك. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: الْحق أَبْلَج مَا يخيل سَبيله ... وَالْحق يعرفهُ ذَوُو الْأَلْبَاب وَأَتَاهُ رجل فَقَالَ: إِن فلَانا يَقع فِيك. قَالَ: ألقيتني فِي تَعب. أُرِيد الْآن أَن أسْتَغْفر الله لي وَله. وَجَاء عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى أبي بكر وَهُوَ يخْطب فَقَالَ: انْزِلْ عَن مِنْبَر أبي. قَالَ أَبُو بكر: صدقت. إِنَّه لمنبر أَبِيك لَا مِنْبَر أبي، ثمَّ أَخذه فأجلسه فِي حجره وَبكى، فَقَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: وَالله مَا كَانَ هَذَا عَن أَمْرِي. فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: صدقت وَالله مَا اتهمتك. وَقَالَ الْحسن عَلَيْهِ السَّلَام: من بَدَأَ بالْكلَام قبل السَّلَام فَلَا تجيبوه. وَسُئِلَ عَن الْبُخْل فَقَالَ: هُوَ أَن يرى الرجل مَا أنفقهُ تلفاً، وَمَا أمْسكهُ شرفاً. وَقَالَ: حسن السُّؤَال نصف الْعلم. وَقَالَ: التَّبَرُّع بِالْمَعْرُوفِ، والإعطاء قبل السُّؤَال من أكبر السؤدد.

الحسين بن علي عليهما السلام

الْحُسَيْن بن عَليّ عَلَيْهِمَا السَّلَام لما عزوم عَليّ الْخُرُوج إِلَى الْعرَاق قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: الْحَمد لله، وَمَا شَاءَ الله، وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، وَصلى الله على رَسُوله وَسلم. خطّ الْمَوْت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة. وَمَا أولهني إِلَى أسلافي! اشتياقي كاشتياق يَعْقُوب إِلَى يُوسُف، وخيرٌ لي مصرعٌ أَنا لاقيه. كَأَنِّي بأوصالي تتقطعها عسلا الفلوات بَين النواويس وكربلاء، فيملالأن مني أكراشاً جوفاً وأجريةً سغباً. لَا محيص عَن يومٍ خطّ بالقلم، رضَا الله رضانا أهل الْبَيْت. نصبر على بلائه، ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحْمَته؛ هِيَ مَجْمُوعَة لَهُ فِي حَظِيرَة الْقُدس، تقر بهم عينه، وينجز لَهُم وعده. من كَانَ باذلاً فِينَا مهجته، وموطناً على لقائنا نَفسه فليرحل، فَإِنِّي راحلٌ مصبحاً إِن شَاءَ الله. ةخطب عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: أَيهَا النَّاس. نافسوا فِي المكارم، وسارعوا فِي الْمَغَانِم، وَلَا تحتسبوا بمروف لم تعجلوه، واكتسبوا الْحَمد بالنجح، وَلَا تكتسبوا بالمطل مَا، فمهما يكن لأحدٍ عِنْد أحدٍ صنيعةٌ لَهُ رأى أَنه لَا يقوم بشكرا فَالله لَهُ بمكافأته، فَإِنَّهُ أجزل عَطاء، وَأعظم أجرا، وَاعْلَمُوا أَن حوائج النَّاس إِلِّكُمْ من نعم الله عَلَيْكُم، فَلَا تملوا النعم، فتحور نقما، وَاعْلَمُوا أَن الْمَعْرُوف يكْسب حمدا ويكسب أجرا، فَلَو رَأَيْتُمْ الْمَعْرُوف رجلا رَأَيْتُمُوهُ حسنا جميلاً يسر الناظرين، ويفوق الْعَالمين، وَلَو رَأَيْتُمْ اللؤم رجلا رَأَيْتُمُوهُ سمجاً مشوهاً تنفر مِنْهُ الْقُلُوب، وتغش دونه الْأَبْصَار. أَيهَا النَّاس. من جاد سَاد، وَمن بخل رذل. وَإِن أَجود النَّاس من

أعْطى من لَا يرجوه، وَإِن أعفى النَّاس من عَفا عَن قدرَة، وَإِن أفضل النَّاس من وصل من قطعه، وَالْأُصُول على مغارسها ففروعها تسمو. فَمن تعجل لِأَخِيهِ خيرا وجده إِذا قدم عَلَيْهِ غَدا، وَمن أَرَادَ الله تبَارك وَتَعَالَى بالصنيعة إِلَى أَخِيه كافأه بهَا وَقت حَاجته، وَصرف عَنهُ من بلَاء الدُّنْيَا مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ، وَمن نفس كربَة مؤمنٍ فرج الله عَن كرب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَمن أحسن أحسن الله إِلَيْهِ، وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ. وخطب فَقَالَ: إِن الْحلم زينةٌ، وَالْوَفَاء مروءةٌ، والصلة رَحْمَة، والاستكبار صلفٌ، والعجلة صفهٌ، والسفه ضعفٌ، والغلو ورطةٌ، ومجالسة الدناة شَرّ، ومجالسة أهل الْفسق ريبةٌ. وَلما قتل مُعَاوِيَة حجر بن عدي وَأَصْحَابه، لقى فِي ذَلِك الْعَام الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: أَبَا عبد الله هَل بلغك مَا صنعت بحجرٍ وَأَصْحَابه من شيعَة أَبِيك؟ فَقَالَ: لَا. قَالَ: إِنَّا قتلناهم وكفناهم وصلينا عَلَيْهِم، فَضَحِك الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام، ثمَّ قَالَ: خصمك الْقَوْم يَوْم الْقِيَامَة يَا مُعَاوِيَة. أما وَالله لَو ولينا مثلهَا من شيعتك مَا كفناهم وَلَا صلينَا عَلَيْهِم. وَقد بَلغنِي وقوعك بِأبي حسن، وقيامك واعتراضك بني هَاشم بالعيوب، وَايْم الله لقد أوترت غير قوسك، ورميت غير غرضك، وتناولتها بالعداوة م مكانٍ قريبٍ، وَلَقَد أَطَعْت امْرَءًا مَا قدم إيمَانه، وَلَا حدث نفَاقه، وَمَا نظر لَك، فَانْظُر لنَفسك أودع. يُرِيد: عَمْرو بن العاس. قَالَ أنس: كنت عِنْد الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام فَدخلت عَلَيْهِ جاريةٌ بِيَدِهَا طَاقَة ريحَان فحيته بهَا، فَقَالَ لَهَا: أَنْت حرةٌ لوجه الله تَعَالَى، فَقلت: تحييك بطاقة ريحَان لَا خطر لَهَا فتعتقها! قَالَ: كَذَا أدبنا الله جلّ جَلَاله. قَالَ: " وَإِذا

حييتُمْ بتحيةٍ فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَو ردوهَا "؛ فَكَانَ أحسن مِنْهَا عُنُقهَا. وَقَالَ يَوْمًا لِأَخِيهِ الْحسن عَلَيْهِمَا السَّلَام: يَا حسن. وددت أَن لسَانك لي، وَأَن قلبِي لَك. وَكتب إِلَيْهِ الْحسن عَلَيْهِ السَّلَام يلومه على إِعْطَاء الشُّعَرَاء، فَكتب إِلَيْهِ: أَنْت أعلم مني أَن خير المَال مَا وقى الْعرض. وَمن دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ لَا تستدرجني بِالْإِحْسَانِ، وَلَا تؤدبني بالبلاء. وَدعَاهُ عبد الله بن الزبير وَأَصْحَابه فَأَكَلُوا وَلم يَأْكُل الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام. فَقيل لَهُ: أَلا تَأْكُل؟ قَالَ: إِنِّي صَائِم، وَلَكِن تحفة الصَّائِم قيل: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: الدّهن والمجمر. وجنى غلامٌ لَهُ جِنَايَة توجب الْعقَاب عَلَيْهِ، فَأمر بِهِ أَن يضْرب، فَقَالَ: يَا مولَايَ " والكاظمين الغيظ " قَالَ: خلوا عَنهُ، قَالَ: يَا مولَايَ " وَالْعَافِينَ عَن النَّاس " قَالَ: قد عَفَوْت عَنْك. قَالَ: يَا مولَايَ " وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ " قَالَ: أَنْت حر لوجه الله، وَلَك ضعف مَا كنت أُعْطِيك. وَقَالَ الفرزدق: لَقِيَنِي الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام فِي منصرفي من الْكُوفَة فَقَالَ: مَا وَرَاءَك يَا أَبَا فراس؟ قلت: أصدقك. قَالَ: الصدْق أُرِيد. قلت: أما الْقُلُوب فمعك، وَأما السيوف فَمَعَ بني أُميَّة عَلَيْك. والنصر من عِنْد الله. قَالَ: مَا أَرَاك إِلَّا صدقت. إِن النَّاس عبيد المَال، وَالدّين لغوٌ على ألسنتهم، يحوطونه مَا درت بِهِ مَعَايشهمْ، فَإِذا محصوا للابتلاء قل الديانون. وَقَالَ الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام: من أَتَانَا لم يعْدم خصْلَة من أربعٍ؛ آيَة محكمَة، وَقَضِيَّة عادلةً، وأخاً مستفاداً، ومجالسة الْعلمَاء.

علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنه

وَكَانَ يرتجز يَوْم قتل السَّلَام وَيَقُول: الْمَوْت خير من ركُوب الْعَار ... والعار خير من ركُوب النَّار وَالله من هَذَا وَهَذَا جارى وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: صَاحب الْحَاجة لم يكرم وَجهه عَن سؤالك، فَأكْرم وَجهه عَن ردّك إِيَّاه. وَكَانَ يَقُول: حوائج النَّاس إِلَيْكُم. فَلَا تملّوا النّعم فتحور نقماً. وَلما نزل بِهِ عَمْرو بن سعد لَعنه الله وأيقن أَنهم قَاتلُوهُ قَامَ فِي أَصْحَابه خطييباً، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إنّه قد نزل من الْأَمر مَا ترَوْنَ، وَإِن الدُّنْيَا قد تَغَيَّرت وتنكّرت، وَأدبر معروفها واستمرّت، حتّى لم يبْق مِنْهَا إِلَّا صبابةٌ كَصُبَابَةِ الْإِنَاء، وَإِلَّا خسيس عَيْش كالكلإ الوبيل. أَلا ترَوْنَ الْحق لَا يعْمل بِهِ، وَالْبَاطِل لَا يتناهى عَنهُ؟ ليرغب الْمُؤمن فِي لِقَاء الله. فإنى لَا أرى الْمَوْت إِلَّا سَعَادَة، والحياة مَعَ الظّالمين إِلَّا برماً. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: علّمنا عبد الله بن جَعْفَر السّخاء. وَقيل: كَانَ بَينه وَبَين أَخِيه الْحسن عَلَيْهِمَا السَّلَام كَلَام، فَقيل للحسين: ادخل على أَخِيك فَهُوَ أكبر مِنْك؛ فَقَالَ: إنى سَمِعت جدّى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَيّمَا اثْنَيْنِ جرى بَينهمَا كَلَام فَطلب أَحدهمَا رضَا الآخر كَانَ سابقه إِلَى الْجنَّة، وَأَنا أكره أَن أسبق أخى الْأَكْبَر؛ فَبلغ قَوْله الْحسن رضى الله عَنهُ؛ فَأَتَاهُ عَاجلا. على بن الْحُسَيْن زين العابدين رضى الله عَنهُ نظر إِلَى سَائل يبكى، فَقَالَ: لَو أنّ الدُّنْيَا فِي يَد هَذَا، ثمَّ سَقَطت مِنْهُ مَا كَانَ ينبغى أَن يبكى عَلَيْهَا.

وَسُئِلَ رضى الله عَنهُ: لم أوتم النبى - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - من أَبَوَيْهِ؟ قَالَ: لِئَلَّا يُوجب عَلَيْهِ حقّ لمخلوقٍ. وَقَالَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآن: يأيّها الَّذين آمنُوا، إِلَّا وَهِي فِي التَّوْرَاة: يأيّها الْمَسَاكِين. وَقَالَ لِابْنِهِ: يَا بنى. إياك ومعاداة الرِّجَال، فَإِنَّهُ لن يعدمك مكر حَلِيم، أَو مفاجأة لئيمٍ. وَكَانَ رضى الله عَنهُ إِذا تَوَضَّأ للصَّلَاة احمرّ واصفرّ وتلوّن ألواناً، فَإِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رجفت أضلاعه؛ فَقيل لَهُ فِي ذَلِك؛ فَقَالَ: أَتَدْرُونَ بَين يَدي من أَنا قَائِم؟ . وَسقط ابْن لَهُ فِي بِئْر، فَفَزعَ أهل الْمَدِينَة لذَلِك حَتَّى أَخْرجُوهُ - وَكَانَ قَائِما يصلّى، فَمَا زَالَ عَن محرابه - فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: مَا شَعرت، إنى كنت أناجى ربّا عَظِيما. وَكَانَ لَهُ ابْن عَم يَأْتِيهِ بِاللَّيْلِ متنكرا، فيناوله شَيْئا " من الدَّنَانِير، فَيَقُول: لَكِن عَليّ بن الْحُسَيْن مايصلني، لَا جزاه الله عني خيرا، فَيسمع ذَلِك فيحتمله، ويصبر عَلَيْهِ وليعررفه نَفسه، فَلَمَّا ماتى عَليّ رضيى الله عَنهُ فقدها، فحينئذِِ علما أَنه هُوَ كَانَ، فجَاء إِلَى قَبره وَبكى عَلَيْهِ. وَكَانَ يُقَال لَهُ ابْن الخيرتين، لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن لله من عباده خيرنين؛ فخيرته من الْعَرَب قُرَيْش وَمن الْعَجم فَارس "، وَكَانَت امهِ ابْنة كسْرَى. وبلغه عَلَيْهِ الرَّحْمَة - قَول نَافِع بن جُبَير فِي مُعَاوِيَة حَيْثُ قَالَ: كَانَ يسكته الْحلم، وينطقه الْعلم، فَقَالَ: كذب، بل كَانَ يسكته الْحصْر، وينطقه البطر.

وَقيل لَهُ: من أعظم النَّاس خطراًِِ؟ قَالَ: من لم ير الدُّنْيَا خطراً لنَفسِهِ. وتزوجة امة لَهُ اعتقها، فلامه عبد الْملك بن مَرْوَان على ذَلِك وَكتب اليه: اما بعد فانه قد بَلغنِي عنكا انكا اعتقتا امتك وتزوجتها وَقد كَانَ لَك فِي اكفائك من قُرَيْش ماتستكرم بِهِ فِي الصهر وتستنجد بِهِ فِي الْوَلَد، فَلم تنظر لنَفسك ولالولدك ونكحت فِي اللؤم. فَكتب اليه. اما بعد فني اعتقتها بِكِتَاب الله، وارتجعتها بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وانه وَالله مافوق رَسُول الله مرتقى لأحد فِي مجد ان الله قد رفع بِالْإِسْلَامِ الخسيسة، وَأتم النقيصة وَأكْرم بِهِ من اللؤم فَلَا عَار على مُسلم. هَذَا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد تزوج امته وَامْرَأَة عَبده. فَقَالَ عبد الْملك: إِن على بن الْحُسَيْن يشرف من حَيْثُ يتضع النَّاس وروى لنا الصاحب - رَحْمَة الله - عَن أَبى محمدالجعفرى عَن أَبِيه عَن عَمه عَن جَعْفَر قَالَ: رجل لعلى بن الْحُسَيْن: مَا أَشد بغض قُرَيْش لأَبِيك! قَالَ لِأَنَّهُ اورد اولهم النَّار وألزم اخرهم الْعَار. قَالَ: ثمَّ جرى ذكر المعاصى فَقَالَ: أعجب لمن يحتمى من الطَّعَام لمضرته وليحتمى من الذَّنب لمعرته. وَقيل لَهُ: كَيفَ أَصبَحت؟ قَالَ: أَصْبَحْنَا خَائِفين برَسُول الله، وَأصْبح جَمِيع أهل الْإِسْلَام آمِنين بِهِ. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: لما وَجه يزِيد بن مُعَاوِيَة عسكره لاستجابة أهل الْمَدِينَة ضم على بن الْحُسَيْن - رَضِي الله عَنهُ - أَرْبَعمِائَة منا فِيمَن يعلونه إِلَى أَن يعلوهن إِلَى أَن انقرض جَيش مُسلم بنة عقبَة، فَقَالَت امْرَأَة مِنْهُنَّ: مَا عِشْت وَالله بَين أبوى بِمثل ذَلِك التتريف. وَقد حكى عَنهُ مثل ذَلِك عِنْد إِخْرَاج ابْن الزبير ابْن أُميَّة من الْحجاز. كتب الْوَلِيد بن عبد الْملك إِلَى صَالح بن عبد الله المرى عَامله على الْمَدِينَة: أبرز الْحسن بن الْحسن بن عَليّ - وَكَانَ مَحْبُوسًا - فَاضْرِبْهُ فِي مَسْجِد

رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - خَمْسمِائَة سَوط. فَأخْرجهُ إِلَى الْمَسْجِد، وَاجْتمعَ النَّاس وَصعد صالحٌ ليقْرَأ عَلَيْهِم الْكتاب ثمَّ ينزل فيأمر بضربه، فبنا هُوَ يقْرَأ الْكتاب إِذْ جَاءَ عَليّ بن الْحُسَيْن - رَضِي الله عَنهُ - فأفرج لَهُ النَّاس حَتَّى انْتهى إِلَى الْحسن، فَقَالَ: يَا بن عَم، مَالك؟ ادْع الله بِدُعَاء الكرب يفرج الله عَنْك، فَقَالَ: مَا هُوَ يَا بن عَم؟ قَالَ: قل لَا إِنَّه إِلَّا الله الْعلي الْعَظِيم، سُبْحَانَ رب السَّمَوَات السَّبع وَرب الْعَرْش الْعَظِيم، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. قَالَ: وَانْصَرف عَليّ بن الْحُسَيْن، وَأَقْبل الْحسن يكررها، فَلَمَّا فرغ صالحٌ من قِرَاءَة الْكتاب وَنزل، قَالَ: أرى سجنه. رجلٌ مظلومٌ، أخروا أمره وَأَنا أراجع أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي أمره؛ فأخروه ثمَّ أطلق بعد أَيَّام. قَالَ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - وَقد قيل لَهُ: مَا بالك إِذا سَافَرت كتمت نسبك أهل الرّفْقَة؟ قَالَ: أكره أَن آخذ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ملا أعْطى مثله. قَالَ رجل لرجل من آل الزبير كلَاما أقذع فِيهِ، فَأَعْرض الزبيرِي عَنهُ وَلم يجبهُ، ثمَّ دَار كلامٌ، فسب الزبيرِي على بن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فَأَعْرض عَنهُ وَلم يجبهُ، فَقَالَ لَهُ الزبيرِي: مَا يمنعك من جوابي؟ قَالَ عَليّ: مَا يمنعك من جَوَاب الرجل. وَمَات لَهُ ابنٌ فَلم ير مِنْهُ جزعٌ، فَسئلَ عَن ذَلِك، فَقَالَ: أمرٌ كُنَّا نتوقعه، فَلَمَّا وَقع لم ننكره. قَالَ طَاوس: رَأَيْت رجلا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد الْحَرَام تَحت الْمِيزَاب وَيَدْعُو ويبكي فِي دعئه، فتبعته حِين فرغ من صلَاته، فَإِذا هُوَ على بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا، فَقلت لَهُ: يَا بن رَسُول الله، رَأَيْتُك على حَالَة كَذَا، وَلَك ثلاثةٌ أَرْجُو أَن تؤمنك من الْخَوْف أَحدهمَا: أَنَّك ابْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالثَّانيَِة شَفَاعَة جدك، وَالثَّالِثَة رَحْمَة الله. فَقَالَ: يَا طَاوس؛ أما أَنِّي ابْن رَسُول الله

محمد بن علي الباقر رضي الله عنه

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلَا تؤمنني، وَقد سَمِعت الله يَقُول: " فَلَا أَنْسَاب بَينهم يومئذٍ " وَأما شَفَاعَة جدي فَلَا تؤمنني؛ لِأَن الله يَقُول: " وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى ". وَأما رَحْمَة الله، فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: إِنَّهَا " قريبٌ من الْمُحْسِنِينَ " وَلَا أعلم أَنِّي محسنٌ. وَسمع رَضِي الله عَنهُ رجلا كَانَ يَغْشَاهُ يذكر رجلا بسوءٍ، فَقَالَ: إياك والغيبة؛ فَإِنَّهَا إدام كلاب النَّاس. وَقَالَ: الْكَرِيم يبتهج بفضله، واللئيم يفتخر بِملكه. وَقَالَ: كل عينٍ ساهرة يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا ثَلَاثًا: عين سهرت فِي سَبِيل الله وَعين غضت عَن محارم الله، وعينٌ فاضت من خشيَة الله. مُحَمَّد بن عَليّ الباقر رَضِي الله عَنهُ قَالَ يَوْمًا لأحابه: أَيَدْخُلُ أحدكُم يَده فِي كم صَاحبه؛ فَيَأْخُذ حَاجته من الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فلستم إِذا بإخوانٍ. وَقَالَ لِابْنِهِ جَعْفَر رَضِي الله عَنهُ: يَا بني، إِن الله خبأ ثَلَاثَة أَشْيَاء فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء: خبأ رِضَاهُ فِي طَاعَته، فَلَا تحقرن من الطَّاعَة شَيْئا، فَلَعَلَّ رِضَاهُ فِيهِ. وخبأ سخطه ف يمعصيته، فَلَا تحقرن من الْمعاصِي شَيْئا، فَلَعَلَّ سخطه فِيهِ. وخبأ أولياءه فِي خلقه، فَلَا تحقرن أحدا، فَلَعَلَّ ذَلِك الْوَلِيّ. وَاجْتمعَ عِنْده قومٌ من بَين هَاشم وَغَيرهم، فَقَالَ لَهُم: اتَّقوا البله، شيعَة آل محمدٍ، وَكُونُوا النمرقة الْوُسْطَى، يرجع إِلَيْكُم الغالي، وَيلْحق بكم التَّالِي! قَالُوا لَهُ: وَمَا الغالي؟ قَالَ: الَّذِي يَقُول فِينَا مَا لَا نقُوله فِي أَنْفُسنَا. قَالُوا: فَمَا التَّالِي؟ قَالَ: الَّذِي يطْلب الْخَيْر فتزيدونه خيرا، إِنَّه وَالله مَا بَيْننَا وَبَين الله قرَابَة، وَلَا لنا على الله من حجَّة، وَلَا نتقرب إِلَيْهِ إِلَّا بِالطَّاعَةِ؛ فَمن كَانَ مِنْكُم مُطيعًا لله يعْمل

بِطَاعَتِهِ نفعته وَلَا يتنا أهل الْبَيْت، وَمن كَانَ مِنْكُم عَاصِيا لله يعْمل لمعاصيه لم تَنْفَعهُ ولايتناً. وَيحكم لَا تغتروا، وَيحكم لَا تغتروا. وروى أنعبد الله بن معمر اللَّيْثِيّ قَالَ لأبي جَعْفَر: بَلغنِي أَنَّك تفتى فِي الْمُتْعَة، فَقَالَ: أحلهَا الله فِي كِتَابه، وسنها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعمل بهَا أَصْحَابه. فَقَالَ عبد الله: فقد نهى عمر عَنْهَا، قَالَ: فَأَنت على قَول صَاحبك، وَأَنا على قَول صَاحِبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ عبد الله: فيسرك أَن نِسَاءَك فعلن ذَلِك؟ قَالَ أَبُو جَعْفَر: وَمَا ذكر النِّسَاء هَا هُنَا يَا أنوك؟ إِن الَّذِي أحلهَا فِي كِتَابه وأباحها لِعِبَادِهِ أغير مِنْك وَمِمَّنْ نهى عَنْهَا تكلفاً، بل يَسُرك أَن بعض حَرمك تَحت حاكة يثرب نِكَاحا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلم تحرم مَا أحل الله لَك؟ قَالَ: لَا أحرم، وَلَكِن الحائك مَا هُوَ لي بكفءٍ، قَالَ: فَإِن الله ارتضى عمله وَرغب فِيهِ وزوجه حوراً، أفترغب عَمَّن يرغب الله فِيهِ، وتستنكف مِمَّن هُوَ كفءٌ لحور الْجنان كبرا وعتواً؟ قَالَ: فَضَحِك عبد الله وَقَالَ: مَا أَحسب صدوركم إِلَّا منابت أَشجَار الْعلم، فَصَارَ لكم ثمره، وَلِلنَّاسِ ورقه. وَسُئِلَ لم فرض الله تَعَالَى الصَّوْم على عباده؟ فَقَالَ: ليحد الْغَنِيّ مس الْجُوع فيحنو على الضَّعِيف. وَقَالَ: إِن قوما عبدُوا الله رَغْبَة فَتلك عبَادَة العَبْد، وَإِن قوما عبدُوا الله شكرا فَتلك عبَادَة الْأَحْرَار. وَقَالَ أَبُو عُثْمَان الجاحظ: جمع محمدٌ - عَلَيْهِ السَّلَام - صَلَاح شَأْن الدُّنْيَا بحذافيرها فِي كَلِمَتَيْنِ، فَقَالَ: صَلَاح شَأْن التعايش والتعاشر مثل مكيالٍ، ثُلُثَاهُ فطنةٌ وثلثٌ تغافلٌ. هَنأ رجلا بمولود؛ فَقَالَ: أسأَل الله أَن يَجعله خلفا مَعَك وخلفاً بعْدك؛ فَإِن الرجل يخلف أَبَاهُ ف يحياته وَمَوته.

زيد بن علي رضي الله عنه

قَالَ الحكم بن عُيَيْنَة: مَرَرْنَا بِامْرَأَة محرمةٍ وَقد أٍبلت ثوبها، فَقلت: أسفري عَن وَجهك. قَالَت: أفتاني بذلك زَوجي مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن رَضِي الله عَنْهُم. وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ إِذا رأى مبتلي أخْفى الِاسْتِعَاذَة. وَكَانَ لَا يسمع من دَاره: يَا سَائل بورك فِيك، وَلَا يَا سَائل خُذ هَذَا، وَكَانَ يَقُول: سموهم باحسن أسمائهم. وَكَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ أَعنِي على الدُّنْيَا بالغنى وعَلى الْآخِرَة بِالْعَفو. وَقَالَ لِابْنِهِ: يَا بني، إِذا أنعم الله عَلَيْك نعْمَة فَقل: الْحَمد لله، وَإِذا حزبك أمرٌ فَقل: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، وَإِذا أَبْطَأَ عَلَيْك رزقٌ فَقل: اسْتغْفر الله. وَقَالَ: أدب الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أحسن الْأَدَب فَقَالَ: " خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين ". فَلَمَّا وعى قَالَ: " وَمَا ءاتاكم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا ". زيد بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ يُسمى فِي آل مُحَمَّد - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - الراهب. وَمن كَلَامه: إِن الَّذين كرمت عَلَيْهِم أنفسهم حفظوها بِطَاعَة الله من الْعَمَل بمعصيته، وأدبوها بِالْقُرْآنِ، وأقاموها على حُدُود الرَّحْمَن، فَلم يهتكوا حجاب مَا حرم الله عَلَيْهِم، وَلم يسأموا من الصَّبْر ومرارته فِي الله ابْتِغَاء مرضاته، فراقبوه فِي الخلوات، وبذلوا لَهُ من أنفسهم الْكثير من الطَّاعَات، حَتَّى إِذا

عرضت لقلوبهن الدُّنْيَا أَعرضُوا عَنْهَا بيقينٍ لَا يشوبه ريبٌ؛ فَهَؤُلَاءِ هم المؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصاصةٌ. وَقَالَ رَحمَه الله: لَا يسْأَل العَبْد عَن ثَلَاث يَوْم الْحساب؛ عَمَّا أنْفق فِي مَرضه، وَعَما أنْفق فِي إفطاره، وَعَما أنْفق فِي قرى ضَيفه. ةقال رَضِي الله عَنهُ: اطلب مَا يَعْنِيك ودع مَا لايعنيك؛ فَإِن فِي ترك مَالا يَعْنِيك دركاً لما يَعْنِيك، وَإِنَّمَا تقدم على مَا قدمت، وَلست قادماً على مَا أخرت، فآثر مَا تَلقاهُ غَدا على مَالا ترَاهُ أبدا. وَوَقع بَينه وَبَين عبد الله بن الْحسن بن الْحسن كلامٌ برصافة هشامٍ فِي صدقَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ لَهُ عبد الله: يَا بن السَّوْدَاء، فَقَالَ: ذَلِك لَوْنهَا، فَقَالَ: يَابْنَ النوبية. فَقَالَ: ذَلِك جِنْسهَا. فَقَالَ: يَا بن الخبازة. فَقَالَ: تِلْكَ حرفتها. قَالَ: يَا بن الْفَاجِرَة. فَقَالَ: إِن كنت صَادِقا فغفر الله لَهَا، وَإِن كنت كَاذِبًا فغفر الله لَك. فَقَالَ: عبد الله: بل أَنا كاذبٌ، يَقُولهَا ثَلَاث مَرَّات. وَقَالَ زيد رَضِي الله عَنهُ: كَانَ عَليّ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى إِذْ قَالَ لَهُ: " وَأصْلح وَلَا تتبع سَبِيل المفسدين ". فألصق عيٌ - عَلَيْهِ السَّلَام - كلكله بِالْأَرْضِ، لما رأى صلاحاً، فَلَمَّا رأى الْفساد بسط يَده وَشهر سَيْفه ودعا إِلَى سَبِيل ربه. وَدخل على هِشَام، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ: لَا سلم الله عَلَيْك. فَقَالَ زيد: اتَّقِ الله. فَقَالَ: أمثلك يَأْمُرنِي بتقوى الله؟ قَالَ: إِنَّه لَيْسَ أحدٌ فَوق أَن يُؤمر بتقوى الله، وَلَا أحدٌ دون أَن يَأْمر بتقوى الله. قَالَ: أَنْت الْمُحدث نَفسك بالخلافة وأمك أمك قَالَ: يَا أُمِّي رالمؤمنين إِن الْأُمَّهَات لَا يعن من الْأَوْلَاد، وَلَو وضعت أم من وَلَدهَا لوضعت أم إِسْمَاعِيل من إِسْمَاعِيل، فقدج جعله الله نَبيا وَدَرَأَ سيد الْأَوَّلين والآخرين مُحَمَّدًا - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - مِنْهُ. قَالَ: لقد أَعْطَيْت على رغمى جدلاً. أَخْرجُوهُ عني. فَلَمَّا خرج اتبع فَسمع يَقُول: مَا أحب الْحَيَاة أحدٌ إِلَّا ذل.

قارف الزهرى ذَنبا فاستوحش من النَّاس، وهام على وَجهه، فَقَالَ زيد رَحمَه الله: يَا زهرى، لقنوطك من رَحْمَة الله الَّتِي وسعت كل شيءٍ أَشد عَلَيْك من ذَنْبك. فَقَالَ الزُّهْرِيّ: الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته، وَرجع إِلَى أَهله وَمَاله وَأَصْحَابه. من خطبه لزيد رَضِي الله عَنهُ. أوصيكم - عباد الله - بتقوى الله، الَّتِي من اكْتفى بهَا كفته، وَمن اجتن بهَا وقته. هِيَ الزَّاد وَلها الْمعَاد؛ زادٌ مبلغٌ، ومعادٌ منجٍ. دَعَا إِلَيْهَا أسمع دَاع، ووعاها خير واعٍ، فأعذر داعيها، وفاز واعيها. عباد الله: إِن تقوى الله حمت أَوْلِيَاء الله مَحَارمه، وألزمت قُلُوبهم مخافته حَتَّى أَسهرت ليلهم، وَأَظْمَأت هواجرهم، فأحذوا الرَّاحَة بِالنّصب، والر بالظمإ، وقربوا الْأَجَل فبادروا الْعَمَل، وكذبوا الأمل، ولاحظوا الْأَجَل. " طُوبَى لَهُم وَحسن مآب ". ثمَّ إِن الدُّنْيَا دَار فناءٍ وعناء، وغيرٍ وَعبر، فَمن العناء أَن الْمَرْء يجمع مَا لايأكل، وَيَبْنِي مَالا يسكن، ثمَّ يخرج إِلَى الله عز وَجل لَا مَالا حمل وَلَا بِنَاء نقل. وَمن الفناء أَن الدَّهْر موترٌ قوسه ثمَّ لَا تخطئ سهامه، وَلَا تشوى جراحه، يرْمى الْحَيّ بِالْمَوْتِ، والحيح بالعطب، آكل لَا يشْبع، وشاربٌ لَا يرْوى. وَمن غَيرهَا أَنَّك تلقى المحروم مغبوطاً، والمغبوط محروماً، لَيْسَ ذَلِك إِلَّا نعيماً زَالَ وبؤسا نزل. وَمن عبرها أَن المشرف على أمله يقطعهُ أَجله، فَلَا أمل يدْرك، وَلَا مومل يتْرك، فسبحان الله، مَا أغر سرورها، وأظمأ ريها، وأضحى فَيْئهَا! فَكَأَن الَّذِي كَانَ من الدُّنْيَا لم يكن، وَكَأن الَّذِي هُوَ كائنٌ فِيهَا قد كَانَ، صَار أَوْلِيَاء الله فِيهَا إِلَى الْأجر بِالصبرِ، وَإِلَى الأمل بِالْعَمَلِ، جاوروا الله فِي دَاره ملوكاً خَالِدين.

إِن الله خلق موتا بَين حياتين؛ موتا بعده حَيَاة، وحياةً لَيْسَ بعْدهَا موتٌ. وَإِن أَعدَاء الله نظرُوا فَلم يَجدوا شَيْئا بعد الْمَوْت إِلَّا وَالْمَوْت أَهْون مِنْهُ، فسألوا الله عز وَجل الْمَوْت، فَقَالُوا: " بِمَالك ليَقْضِ علينا رَبك قَالَ إِنَّكُم مكثون ". وَإِن أَوْلِيَاء الله نظرُوا فَلم يَجدوا شَيْئا بعد الْمَوْت إِلَّا وَالْمَوْت أَشد مِنْهُ، فسألوا الله الْحَيَاة جزعاً من الْمَوْت، وَلكُل مِمَّا هُوَ فِيهِ مزِيد. فسبحان الله، مَا أقرب الْحَيّ من الْمَيِّت باللحاق بِهِ، وَمَا أبعد الْمَيِّت من الْحَيّ لانقطاعه مِنْهُ! . إِنَّه لَيْسَ شيءٌ بخيرٍ من الْخَيْر إِلَّا ثَوَابه، وَلَيْسَ شيءٌ بشر من الشَّرّ إِلَّا عِقَابه، وكل شيءٍ من الدُّنْيَا سَمَاعه أعظم من عيانه، وكل شيءٍ من الاخرة عيانه أعظم من سَمَاعه، فلكفكم من السماع العيان، وَمن الْغَيْب الْخَبَر. إِن الَّذِي أمرْتُم بِهِ أوسع مِمَّا نهيتم عَنهُ، وَمَا أحل لكم أَكثر مِمَّا حرم عَلَيْكُم، فذروا مَا قل لما كثر، وَمَا ضَاقَ لما اتَّسع، قد تكفل لكم بالرزق، وأمرتم بِالْعَمَلِ، فَلَا يكونن الْمَضْمُون لكم طلبة أولى بكم من الْمَفْرُوض عَلَيْكُم، مَعَ أَنه وَالله، قد اعْترض الشَّك، ووحل الْيَقِين، حَتَّى كَأَن الَّذِي ضمن لكم قد فرض عَلَيْكُم، وَكَأن الَّذِي فرض عَلَيْكُم قد وضع عَنْكُم؛ فبادروا الْعَمَل، وخافوا بَغْتَة الْأَجَل؛ فَإِنَّهُ لَا يُرْجَى من رَحْمَة الْحَيَاة مَا يُرْجَى من رَحْمَة الرزق؛ فَإِن مَا فَاتَ الْيَوْم من الرزق يُرْجَى غَدا زِيَادَته، وَمَا فَاتَ أمس من الْعُمر لم يرج الْيَوْم رجعته، الرَّجَاء مَعَ الجائي، واليأس مَعَ الْمَاضِي و " اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ ". وَمن خطْبَة لَهُ: أوصيكم بتقوى الله؛ فَإِن الْمُوصى بهَا لم يدّخر نصيحةً، وَلم يقصر فِي الإبلاغ؛ فَاتَّقُوا الله فِي الْأَمر الَّذِي لَا يصل إِلَيْهِ مِنْهُ شَيْء إِن أصبتموه، وَلَا ينقص مِنْهُ شيءٌ إِن جهلتموه، وأحملوا فِي طلب أُمُوركُم، وَلَا تستعينوا بِنِعْمَة الله - عز وَجل - على مَعْصِيَته. وَقَالَ زيد لِابْنِهِ رَضِي الله عَنْهُمَا: يَا بني ان الله - عز وَجل - لم يرضك لى فأوصاك بى ورضينى لَك فحذرنيك وَاعْلَم أَن خير الْآبَاء للأ بِنَاء من لم

جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه

تَدعه الْمَوَدَّة إِلَى التَّفْرِيط، وَخير الْأَبْنَاء للآباء من لم يَدعه التَّقْصِير إِلَى العقوق فاحفظ وصيتتى قَالَ ابْن كناسَة: لما صلب زيد بن على مَا أَمْسَى حَتَّى نسج العنكبوت على عَوْرَته. قَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش: بقى زيد أَربع سِنِين مصلوبا " فَلم تَرَ عَوْرَته. وَقيل لَهُ: الصمت أفضل أم الْكَلَام؟ فَقَالَ: أخزى الله المسا كتة فَمَا أفسدها للسان وأجلبها للحصر وَالله للمماراة أسْرع فى هدم العى من النَّار فى يبس العرفج. وَقَالَ: الْمُرُوءَة انصاف من دُونك والسمو إِلَى من فَوْقك وَالْجَزَاء بِمَا أَتَى من خير أَو شَرّ اليك. قَالَ: أقبل زيد داخلأ إِلَى الْمَسْجِد وَفِيه نفر من قُرَيْش قد لحقتهم الشَّمْس فى مجلسهم فَقَامُوا يُرِيدُونَ التَّحْوِيل فَلَمَّا توَسط الْمَسْجِد خَافَ أَن يفوتوه فحصبهم فوقفوه فحصبهم فوقفوا فَقَالَ لَهُم: أقتل يزِيد بن مُعَاوِيَة حُسَيْن بن على؟ قَالُوا: نعم قَالَ: ثمَّ مَاتَ يزِيد؟ قَالُوا: نعم قَالَ: فَكَأَن حَيَاة بَينهمَا لم تكن قَالَ: فَعلم الْقَوْم أَنه يُرِيد أمرا ". جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق رضى الله عَنهُ سُئِلَ: لم صَار النَّاس يكلبون أَيَّام الغلاء على الطَّعَام، وَيزِيد جوعهم على الْعَادة فِي الرُّخص؟ قَالَ: لأَنهم بَنو الأَرْض، فَإِذا قحطت قحطوا وَإِذا أخصبت أخصبوا.

وشكا إِلَيْهِ رجل جَاره، فَقَالَ: اصبر عَلَيْهِ، فَقَالَ: ينسبنى النَّاس إِلَى الذلّ فَقَالَ: إِنَّمَا الذَّلِيل من ظلم، إِنَّمَا الذَّلِيل من ظلم. وَقَالَ رَحمَه الله: أَرْبَعَة أَشْيَاء الْقَلِيل مِنْهَا كثير: النَّار، والعداوة، والفقر، وَالْمَرَض. وَسُئِلَ: لم سميت الْكَعْبَة الْبَيْت الْعَتِيق؟ قَالَ: لِأَن الله أعْتقهَا من الطوفان يَوْم الْغَرق. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور: إنّى قد عزمت على أَن أخرب الْمَدِينَة، وَلَا أدع بهَا نافخ ضرمة، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لَا أجد بدّاً من النّصاحة لَك، فأقبلها إِن شِئْت أَولا. قَالَ: إِنَّه قد مضى لَك ثَلَاثَة أسلاف؛ أَيُّوب ابتلى فَصَبر، وسلمان أعْطى فَشكر، ويوسف قدر فغفر، فاقتد بِأَيِّهِمْ شِئْت، قَالَ: قد غفرت. وروى أَنه قَالَ - وَقد قيل بِحَضْرَتِهِ: جاور ملكا أَو بحراً -: هَذَا كلامٌ محَال، وَالصَّوَاب: لاتجاور ملكا أَو بحرا؛ لِأَن الْملك بؤذيك وَالْبَحْر لايرويك. وَسُئِلَ عَن فَضِيلَة لأمير الْمُؤمنِينَ علىٍّ - رضى الله عَنهُ - لم يشركهُ فِيهَا غَيره، فَقَالَ: فضل الْأَقْرَبين بِالسَّبقِ، وَفضل الأبعدين بِالْقَرَابَةِ. وَعنهُ رضى الله عَنهُ: " بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " تيجان السّور. وَقَالَ رضى الله عَنهُ: صُحْبَة عشْرين يَوْمًا قرَابَة. وقف أهل الْمَدِينَة وَأهل مَكَّة بِبَاب أَبى جَعْفَر؛ فَأذن الرّبيع لأهل مَكَّة قبل أهل الْمَدِينَة، فَقَالَ جَعْفَر: عشّ وَالله طَار خِيَاره، وبقى شرارة. وَقيل لَهُ: لم حرّم الله الرِّبَا؟ قَالَ: لِئَلَّا يتمانع النَّاس الْمَعْرُوف

وَقيل لَهُ: إِن أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور لَا يلبس مُنْذُ صَارَت إِلَيْهِ الْخلَافَة إِلَّا الخشن، وَلَا يَأْكُل إِلَّا الجشب، فَقَالَ: لم يَا ويحه؟ مَعَ مَا قد مكن الله لَهُ من السُّلْطَان وجبى إِلَيْهِ من الْأَمْوَال، فَقيل لَهُ: إِنَّمَا يفعل ذَلِك بخلا وجمعاً، فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي حرمه من دُنْيَاهُ؛ مَا لَهُ ترك دينه؟ . لما قَالَ الْحَكِيم بن عَيَّاش الكلبى: صلبنا لكم زيدا على جذع نخلةٍ ... وَلم أر مهدياًّ على الْجذع يصلب وقستم بعثمان علياًّ سفاهةً ... وَعُثْمَان خيرٌ من علىٍّ وَأطيب بلغ قَوْله أَبَا عبد الله - رضى الله عَنهُ - فَرفع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء وهما ترعشان، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ عنْدك كَاذِبًا فَسلط عَلَيْهِ كلبك، فيعثه بَنو أُميَّة إِلَى الْكُوفَة فافترسه الْأسد، واتصل خَبره بالصادق - رَضِي الله عَنهُ - فَخر لله سَاجِدا ثمَّ قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أنجزنا مَا وعدنا. وَقَالَ لأبي ولاد الْكَاهِلِي: أَرَأَيْت عمي زيدا؟ قَالَ: نعم، رَأَيْته مصلوباً وَرَأَيْت النَّاس فِيهِ بَين شامتٍ حنق، وَبَين محزونٍ محترقٍ؛ فَقَالَ: أما الباكي فمعه فِي الْجنَّة، وَأما الشامت فشريكٌ فِي دَمه. وَقَالَ: إِذا أَقبلت الدُّنْيَا على الْمَرْء أَعطَتْهُ محَاسِن غَيره، وَإِذا أَدْبَرت عَنهُ سلبته محَاسِن نَفسه. وَمر بِهِ رجل وَهُوَ يتغذى فَلم يسلم، فَدَعَاهُ إِلَى الطَّعَام، فَقيل لَهُ: السّنة أَن يسلم ثمَّ يدعى، وَقد ترك السَّلَام على عمدٍ، فَقَالَ: هَذَا فقهٌ عراقيٌ فِيهِ بخل. وَقَالَ: الْقُرْآن ظَاهره أنيقٌ وباطنه عميقٌ. وَقَالَ: من أنصف من نَفسه رَضِي حكما لغيره. وَقَالَ: أكْرمُوا الْخبز؛ فَإِن الله تَعَالَى أنزل لَهُ كَرَامَة. قيل: وَمَا كرامته.

قَالَ: أَلا يقطع وَلَا يُوطأ، وَإِذا حضر لم ينْتَظر بِهِ غَيره. وَقَالَ: حفظ الرجل أَخَاهُ بعد وَفَاته فِي تركته كرم. وَقَالَ: مَا من شيءٍ أسر إِلَى من يدٍ أتبعتها الْأُخْرَى؛ لِأَن منع الْأَوَاخِر يقطع لِسَان شكر الْأَوَائِل. وَقَالَ: إِنِّي لأملق فأتاجر الله بِالصَّدَقَةِ. وَقَالَ: لَا يزَال الْعِزّ قلقاً حَتَّى يَأْتِي دَارا قد استشعر أَهلهَا الْيَأْس مِمَّا فِي أَيدي النَّاس فيوطنها. وَقَالَ: إِذا دخلت إِلَى منزل أَخِيك فاقبل الْكَرَامَة كلهَا مَا خلا الْجُلُوس فِي الصَّدْر. وَقَالَ: كَفَّارَة عمل السُّلْطَان الْإِحْسَان إِلَى الإخوان. واشتكى مرّة فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ أدباً لَا غَضبا. وَقَالَ: الْبَنَات حَسَنَات والبنون نعمٌ. والحسنات يثابٌ عَلَيْهَا، وَالنعَم مسئولٌ عَنْهَا، وَقَالَ: إياك وسقطة الاسترسال فَإِنَّهَا لَا تستقال. وَسُئِلَ: مَا طعم المَاء؟ فَقَالَ: طعم الْحَيَاة. وَقَالَ: إِنِّي لأسارع فِي حَاجَة عدوي خوفًا أَن أرده فيستغني عني. وَكَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنَّك بِمَا أَنْت أهلٌ لَهُ من الْعَفو أولى مني بِمَا أَنا أهلٌ لَهُ من الْعقُوبَة. وَقَالَ: من أكرمك فَأكْرمه، وَمن استخف بك فَأكْرم نَفسك عَنهُ. وَأَتَاهُ أَعْرَابِي - وَقيل بل أَتَى أَبَاهُ الباقر رَضِي الله عَنْهُمَا - فَقَالَ: أَرَأَيْت الله حِين عبدته؟ فَقَالَ: مَا كنت لأعبد شَيْئا لم أره. قَالَ: كَيفَ رَأَيْته؟ قَالَ: لم تره الْأَبْصَار مُشَاهدَة العيان، وَلَكِن رَأَتْهُ الْقُلُوب بحقائق الْإِيمَان، لَا يدْرك بالحواس، وَلَا يُقَاس بِالنَّاسِ، مَعْرُوف بِالْآيَاتِ منعوتٌ بالعلامات. هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ. فَقَالَ الْأَعرَابِي: الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته.

وَقَالَ: لَا يكون الْمَعْرُوف مَعْرُوفا إِلَّا باستصغاره وتعجيله وكتمانه. وَقَالَ: يهْلك الله سِتا بست؛ الْأُمَرَاء بالجور، وَالْعرب بالعصبية، والدهاقين بِالْكبرِ، والتجار بالخيانة، وَأهل الرستاق بالجهلن والفهاء بِالْحَسَدِ. وَقَالَ: المسترسل موقى والمحترس ملقى. وَقَالَ: منع الْمَوْجُود سوء ظن بالمعبود. وَقَالَ: صلَة الْأَرْحَام منسأة فِي الْأَعْمَار، وَحسن الْجوَار عمارةٌ للديار، وَصدقَة السِّرّ مثراةٌ لِلْمَالِ. وَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَر: أَلا تعذرني من عبد الله بن حسن وَولده، سبثون الدعاة، ويثيرون الْفِتْنَة. قَالَ: قد عرفت الْأَمر بيني وَبينهمْ، وَإِن أقنعك مني آيَة من كتاب الله تلوتها عَلَيْك، قَالَ: هَات. قَالَ: " لَئِن أخرجُوا لَا يخرجُون مَعَهم وَلَئِن قوتلوا لَا ينصرونهم وَلَئِن نصروهم ليولن الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ ". قَالَ: كفاني بَين عَيْنَيْهِ. وَقَالَ لرجل: أحدث سفرا يحدث الله لَك مِنْهُ رزقا، والزم مَا عودت مِنْهُ الْخَيْر. وَقَالَ: دَعَا الله النَّاس فِي الدُّنْيَا بآبائهم ليتعارفوا وَفِي الْآخِرَة باعمالهم ليجازوا، فَقَالَ: " يَا أَيهَا الَّذين ءامنوا " " ياأيها الَّذين كفرُوا ". وَقَالَ: من أيقظ فتْنَة فَهُوَ أكلهَا. وَقَالَ: إِن عِيَال الرجل أسراؤه، فَمن أنعم الله عَلَيْهِ نعْمَة فليوسع على أسرائه، فَإِن لم يفعل أوشك أَن تَزُول تِلْكَ النِّعْمَة. وَكَانَ يَقُول: السريرة إِذا أصلحت قويت الْعَلَانِيَة. وَقَالَ: مَا يصنع العَبْد أَن يظْهر حسنا وَيسر سَيِّئًا. أَلَيْسَ يرجع إِلَى نَفسه فَيعلم أَن لَيْسَ كَذَلِك، وَالله عز وَجل يَقُول: " بل الْإِنْسَان على نَفسه بصيرةٌ ".

وَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة: يَا أَبَا عبد الله، مَا أصبرك علىالصلاة! فَقَالَ: يَا نعما، أما علمت أَن الصَّلَاة قرْبَان كل تَقِيّ، وَأَن الْحَج جِهَاد كل ضعيفٍ، وَلكُل شيءٍ زكاةٌ، وَزَكَاة الْبدن الصيان، وَأفضل الْأَعْمَال انْتِظَار الْفرج من الله، والداعي بِلَا عملٍ كالرامي بِلَا وترٍ، فاحفظ هَذِه الْكَلِمَات: يَا نعْمَان، استنزلوا الرزق بِالصَّدَقَةِ، وحصنوا الْأَمْوَال بِالزَّكَاةِ، وَمَا عَال امْرُؤ اقتصد، وَالتَّقْدِير نصف العيس، والتؤدة نصف الْعقل، والهم نصف الْهَرم، وَقلة الْعِيَال أحد اليسارين، وَمن أَحْزَن وَالِديهِ فقد عقهما، وَمن ضرب بيدَيْهِ على فَخذيهِ عِنْد الْمُصِيبَة أحبط أجره، والصنيعة لَا تكون صَنِيعَة إِلَّا عِنْد ذى حسبٍ ودينٍ، وَالله ينزل الرزق على قدر المئونة، وَينزل الصَّبْر على قدر الْمُصِيبَة، وَمن أَيقَن بالخلف جاد بِالْعَطِيَّةِ، وَلَو أَرَادَ الله بالنملة خيرا مَا أنبت لَهَا جناحين. وَقيل لَهُ: مَا بلغ من حبك لمُوسَى؟ قَالَ: وددت أَن لَيْسَ لي ولدٌ غَيره كَيْلا يشركهُ فِي حبي أحد. وَقَالَ: ثَلَاثَة أَقسَام بِاللَّه إِنَّهَا لحق، مَا نقص مالٌ من صدقةٍ وَلَا زَكَاة، وَلَا ظلم أحدٌ بظلامةٍ فَقدر أَن يُكَافِئ بهَا وكظمها إِلَّا أبدله الله مَكَانهَا عزا، وَلَا فتح عبدٌ على نَفسه بَاب مسألةٍ إِلَّا فتح الله عَلَيْهِ بَاب فقرٍ. وَقَالَ: ثلاثةٌ لَا يزِيد الله الْمَرْء الْمُسلم بهَا إِلَّا عزا: الصفح عَمَّن ظلمه، والإعطاء لمن حرمه، والصلة لمن قطعه.

موسي بن جعفر رضي الله عنه

وَقَالَ: الطبائع أَربع: البلغم وَهُوَ خصمٌ جدلٌ، إِن سددته من جانبٍ انفجر من جَانب؛ وَالرِّيح وَهُوَ ملكٌ يدارى، وَالدَّم وَهُوَ عبدٌ، وَرُبمَا قتل العَبْد سَيّده، والمرة - وهيهات - تلكم الرض إِذا رجفت رجف ماعليها. وَقَالَ: من الْيَقِين أَلا ترْضى النَّاس بِمَا يسْخط الله، وَلَا تذمهم على مَا لم يؤتك الله، وَلَا تحمدهم على رزق الله، فَإِن الرزق لَا يَسُوقهُ حرص حريصٍن وَلَا يصرفهُ كره كارهٍ؛ وَلَو أَن أحدكُم فر من رزقه كَمَا يفر من الْمَوْت لأدركه الرزق كَمَا يُدْرِكهُ الْمَوْت. وَقَالَ: مُرُوءَة الرجل فِي نَفسه نسبٌ لعقبه وقبيلته. وَقَالَ: من صدق لِسَانه زكا عمله، وَمن حسنت نِيَّته زيد فِي رزقه، وَمن حسن بره بِأَهْل بَيته زيد فِي عمره. وَقَالَ: خُذ من حسن الظَّن بطرفٍ تروح بِهِ قَلْبك وتروج بِهِ أَمرك. وَقَالَ: الْمُؤمن الَّذِي إِذا غضب لم يُخرجهُ غَضَبه عَن حق، وَإِذا رضى لم يدْخلهُ رِضَاهُ فِي باطلٍ، ولاذي إِذا قدر لم يَأْخُذ أَكثر مِمَّا لَهُ. مُوسَى بن جَعْفَر رَضِي الله عَنهُ ذكر أَن مُوسَى الْهَادِي قد هم بِهِ، فَقَالَ لأهل بَيته: بن تشيرون؟ قَالُوا: نرى أَن تتباعد عَنهُ، وَأَن اغيب سخطك، فَإِنَّهُ لَا يُؤمن شَره، فَقَالَ: زعمت سخينة أَن ستغلب رَبهَا وليغلبن مغالب الغلاب ثمَّ رفع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء، فَقَالَ: إلهي، كم من عَدو لي قد شحذ لي ظبة مدسته، وأرهف لي شبا حَده، وذاف لي قواتل سمومه، وَلم تنم عني عين

حراسته، فَلَمَّا رَأَيْت ضعْفي عَن احْتِمَال الفوادح، وعجزي عَن ملمات الجوائح صرفت ذَلِك عني بحولك وقوتك، لَا بحولي وقوتي؛ فألقيته فِي الحفير احتفره لي، خائباً مِمَّا أمله فِي دُنْيَاهُ، متباعداً مِمَّا رجاه فِي آخرته، فلك الْحَمد على ذَلِك تدر استحقاقك. سَيِّدي؛ اللَّهُمَّ فَخذه بعزتك، وافلل حَده عني بقدرتك، وَاجعَل لَهُ شغلا فِيمَا يَلِيهِ، وعجزاً عَمَّن يُنَادِيه، اللَّهُمَّ واعدني عَلَيْهِ عدوي حاضرةٌ تكون من غيظي شِفَاء، وَمن حنقي عَلَيْهِ وَفَاء، وصل اللَّهُمَّ دعائي بالإجابة، وانظم شكايتي بالعبير، وعرفه عَمَّا قليلٍ مَا وعدت بِهِ الظَّالِمين، وعرفني مَا وعدت فِي إِجَابَة الْمُضْطَرين؛ إِنَّك ذُو الْفضل الْعَظِيم، والمن الْكَرِيم. قَالَ: ثمَّ تفرق الْقَوْم، فَمَا اجْتَمعُوا إِلَّا لقِرَاءَة الْكتاب الْوَارِد بِمَوْت مُوسَى الْهَادِي، فَفِي ذَلِك يَقُول بَعضهم فِي وصف دُعَائِهِ: وساريةٍ لم تسر فِي الأَرْض تبتغي ... محلا، وَلم يقطع بهَا السّفر قَاطع وَهِي أَبْيَات مليحةٌ مَا قيل فِي وصف الدُّعَاء المستجاب أحسن مِنْهَا. وَسَأَلَهُ الرشيد، فَقَالَ: لم زعمتم أَنكُمْ أقرب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - منا؟ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لَو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أنشر فَخَطب إِلَيْك كريمتك هَل كنت تجيبه؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ الله، وَكنت أفتخر بذلك على الْعَرَب والعجم، فَقَالَ: لكنه لَا يخْطب إِلَيّ وَلَا أزَوجهُ، لِأَنَّهُ ولدنَا وَلم يلدكم. وَقد روى أَنه قَالَ: هَل كَانَ يجوز أَن يدْخل على حَرمك وَهن فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: لكنه كَانَ يدْخل على حرمي كَذَلِك وَكَانَ يجوز لَهُ. وَقيل: إِنَّه سَأَلَهُ أَيْضا: لم قُلْتُمْ إِنَّا ذُرِّيَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجوزتهم للنَّاس أَن ينسبوكم إِلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: يَا بني رَسُول الله، وَأَنْتُم بَنو عَليّ؛ وَإِنَّمَا ينْسب الرجل إِلَى أَبِيه دون جده؛ فَقَالَ: أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم، بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. " وَمن ذُريَّته دَاوُد وَسليمَان وَأَيوب ويوسف ومُوسَى وَهَارُون وَكَذَلِكَ نجزي الْمُحْسِنِينَ وزَكَرِيا وَيحيى وَعِيسَى وإلياس ". وَلَيْسَ

علي بن موسي الرضا رضي الله عنه

لعيسى أَب، وَإِنَّمَا ألحق بذرية الْأَنْبِيَاء من قبل أمه، وَكَذَلِكَ ألحقنا بذرية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَزِيدك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ - قَالَ الله تَعَالَى: " فَمن حاجك فِيهِ من بعد مَا جَاءَك من اعْلَم فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم وَنِسَاءَنَا ونساءكم وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ ". وَلم يدع عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد مباهلة النَّصَارَى غير عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن والخسين وهم الْأَبْنَاء. وَمَات رَضِي الله عَنهُ فِي حبس الرشيد. وَقيل: سعى عَلَيْهِ جمَاعَة من أهل بَيته، وَمِنْهُم مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد أَخُوهُ، وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر ابْن أَخِيه وَالله أعلم. وَسمع مُوسَى رَضِي الله عَنهُ رجلا يتَمَنَّى الْمَوْت، فَقَالَ: هَل بَيْنك وَبَين الله قرابةٌ يحابيك بهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَل لَك حسناتٌ قدمتها تزيد على سيئاتك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَأَنت إِذا تتمنى هَلَاك الْأَبَد. وَقَالَ رَحمَه الله: من اسْتَوَى يوماه فَهُوَ مغبونٌ، وَمن كَانَ آخر يوميه شرهما فَهُوَ مَلْعُون، وَمن لم يعرف الزِّيَادَة فِي نَفسه فَهُوَ فِي النُّقْصَان، وَمن كَانَ فِي النُّقْصَان فالموت خير لَهُ من الْحَيَاة. وروى عَنهُ أَنه قَالَ: اتَّخذُوا القيان؛ فَإِن لَهُنَّ فطناً وعقولا لَيست لكثير من النِّسَاء؛ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ النجابة من أَوْلَادهنَّ. عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا رَضِي الله عَنهُ سَأَلَهُ الْفضل بن سهل فِي مجْلِس الْمَأْمُون، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحسن؛

الْخلق مجبرون؟ فَقَالَ: الله أعدل أَن يجْبر ثمَّ يعذب قَالَ: فمطلقون؟ قَالَ: الله أحكم، أَن يهمل عَبده ويكله إِلَى نَفسه. أَتَى الْمَأْمُون بنصراني قد فجر بهَا شمية، فَلَمَّا رَآهُ أسلم؛ فَغَاظَهُ ذَلِك؛ وسال الفهاء فَقَالُوا: أهْدر الْإِسْلَام مَا قبل ذَلِك. فَسَأَلَ الْمَأْمُون الرِّضَا رَضِي الله عَنهُ، فَقَالَ: اقتله؛ لِأَنَّهُ أسلم حِين رأى الْبَأْس؛ قَالَ الله عز وَجل: " فَلَمَّا رَأَوْا بأسنا قَالُوا ءامنا بِاللَّه وَحده " إِلَى آخر السُّورَة. قَالَ عَمْرو بن مسْعدَة: بَعَثَنِي الْمَأْمُون إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ لأعلمه مَا أَمرنِي بِهِ من كتابٍ فِي تقريظه، فأعلمته ذَلِك، فَأَطْرَقَ مَلِيًّا ثمَّ قَالَ: يَا عَمْرو إِن من أَخذ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحقيقٌ أَن يعْطى بِهِ. وَسُئِلَ رَضِي الله عَنهُ عَن صفة الزَّاهِد، فَقَالَ: متبلغٌ بِدُونِ قوته، مستعد ليَوْم مَوته متبرمٌ بحياته. وَسُئِلَ عَن القناعة، فَقَالَ: القناعة تجمع إِلَى صِيَانة النَّفس، وَعز الْقدر طرح مُؤَن الاستكثار والتعبد لأهل الدُّنْيَا، وَلَا يسْلك طَرِيق القناعة إِلَّا رجلَانِ: إِمَّا متقللٌ يُرِيد أجر الْآخِرَة، أَو كريمٌ متنزه عَن لئام النَّاس. امْتنع رجلٌ عَن غسل الْيَد قبل الطَّعَام؛ فَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: اغسلها، فالغسلة الأولى لنا، وَأما الثَّانِيَة فلك. إِن شِئْت فاتركها. أَدخل إِلَى الْمَأْمُون رجلٌ أَرَادَ ضرب عُنُقه وَالرِّضَا حَاضر؛ فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: مَا تَقول فِيهِ يَا أَبَا الْحسن؟ فَقَالَ: أَقُول إِن الله لَا يزيدك بِحسن الْعَفو إِلَّا عزا، فَعَفَا عَنهُ. حدث أَبُو الصَّلْت قَالَ: كنت مَعَ عَليّ بن مُوسَى رَضِي الله عَنهُ وَقد دخل نيسابور، وَهُوَ راكبٌ بغلة شهباء، فغدا فِي طلبه عُلَمَاء الْبَلَد: أَحْمد ابْن

حَنْبَل، وَيسن بن النَّضر، وَيحيى، وعدةٌ من أهل الْعَمَل؛ فتعلقوا بلجامه فِي المربعة، فَقَالُوا لَهُ: بِحَق آبَائِك الطاهرين حَدثنَا بِحَدِيث سمعته من أَبِيك؛ فَقَالَ: حَدثنِي أبي الْعدْل الصَّالح مُوسَى بن جَعْفَر، قَالَ: حَدثنِي أَب يباقر - علم الْأَنْبِيَاء - مُحَمَّد بن عَليّ، قَالَ: حَدثنِي أبي سيد العابدين عَليّ بن الْحُسَيْن، قَالَ: حَدثنِي أبي سيد شباب أهل الْجنَّة الْحُسَيْن بن عَليّ، قَالَ: سَمِعت أبي سيد الْعَرَب عَليّ بن أَب يُطَالب قَالَ: سَمِعت رَسُول الله سلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْإِيمَان معرفَة بِالْقَلْبِ، وإقرارٌ بِاللِّسَانِ، وعملٌ بالأركان. قَالَ: فَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: لَو قَرَأت هَذَا الْإِسْنَاد على مَجْنُون لبرئ من جُنُونه. وروى عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم مثلب ذَلِك يحكيه عَن أَبِيه، وَأَنه قَرَأَهُ على مصروعٍ فأفاق. وَلما عقد الْمَأْمُون اليعة لَهُ بعده قَالَ: يَا أُمِّي رالمؤمنين؛ إِن النصح وَاجِب لَك، والغش لَا يَنْبَغِي لمؤمنٍ، إِن الْعَامَّة تكره مَا فعلت بِي، وَإِن الْخَاصَّة تكره مَا فعلت بِالْفَضْلِ بن سهل، فَالرَّأْي لَك أَن تنجينا عَنْك حَتَّى يصلح أَمرك. فَكَانَ إِبْرَاهِيم الصولي يَقُول: كَانَ هَذَا وَالله السَّبَب فِيمَا آل الْأَمر إِلَيْهِ. حدث بَعضهم قَالَ: خطب الْمَأْمُون الْمَدِينَة، فَقَالَ: أَيهَا النَّاس؛ أَتَدْرُونَ من ولى عهدكم؟ هَذَا على بن مُوسَى بن جَعْفَر بن مُحَمَّد ابْن عَليّ بن الْحُسَيْن ين عَليّ: سِتَّة أباء هم مَا هم ... هم خير من يشرب صوب الْغَمَام

روى عَن الرِّضَا - رَحمَه الله - أَنه قَالَ: من شبه الله بخلقه فَهُوَ مُشْرك، وَمن نسب إِلَيْهِ مَا نهى عَن فَهُوَ كَافِر. وروى عَن بعض أَصْحَابه أَنه قَالَ: دخلت عَلَيْهِ بمرو فَقلت لَهُ: يَا بن رَسُول الله، روى لنا عَن الصَّادِق - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: لَا جبر وَلَا تَفْوِيض، أَمر بَين أَمريْن فَمَا مَعْنَاهُ؟ قَالَ: من زعم أَن الله يفعل أفعالنا ثمَّ يعذبنا فقد قَالَ بالجبر، وَمن زعم أنالله فوض أَمر الْخلق والرزق إِلَى خلقه، فقد قَالَ بالتفويض وَالْقَائِل بالجبر كَافِر، وَالْقَائِل بالتفويض مُشْرك. فَقلت: يَا بن رَسُول الله؛ فَمَا أَمر بَين أَمريْن؟ قَالَ: وجود السَّبِيل إِلَى إتْيَان مَا أمروا بِهِ وَترك مَا نهوا عَنهُ. وَقَالَ فِي قَول الله تَعَالَى: " فاصفح الصفح الْجَمِيل " - قَالَ: عفوٌ بِغَيْر عتاب. وَفِي قَوْله: " خوفًا وَطَمَعًا " خوفًا للْمُسَافِر وَطَمَعًا للمقيم. وَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: يَا أَبَا الْحسن؛ أَخْبرنِي عَن جدك عَليّ بن أَب يُطَالب بِأَيّ وجهٍ هُوَ قسيم الْجنَّة وَالنَّار؟ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، ألم ترو عَن أَبِيك عَن آبَائِهِ عَن عبد الله بن عَبَّاس أَنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " حب عَليّ إيمانٌ وبغضه كفرٌ ". فَقَالَ: بلَى. قَالَ الرِّضَا: فَقَسمهُ الْجنَّة وَالنَّار إِذا كَانَت على حبه وبغضه فَهُوَ قسيم الْجنَّة وَالنَّار. فَقَالَ الْمَأْمُون: لَا أبقاني الله بعْدك يَا أَبَا الْحسن، أشهد أَنَّك وَارِث علم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ أَبُو الصَّلْت الْهَرَوِيّ: فَلَمَّا رَجَعَ الرِّضَا إِلَى منزله أَتَيْته فَقلت: يَا بن رَسُول الله مَا أحسن مَا أجبْت بِهِ أُمِّي رالمؤمنين! فَقَالَ: يَا أَبَا الصَّلْت، إِنَّمَا كَلمته من حَيْثُ هُوَ، لقد سَمِعت أبي يحدث عَن آبَائِهِ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عَليّ، أَنْت قسيم الْجنَّة وَالنَّار يَوْم الْقِيَامَة، تَقول للنار هَذَا لي وَهَذَا لَك ". وَدخل عَلَيْهِ بخراسان قومٌ من الصُّوفِيَّة، فَقَالُوا لَهُ: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَأْمُون نظر فِيمَا ولاه الله من الْأَمر فرآكم - أهل الْبَيْت - أولى اناس بِأَن تؤموا النَّاس، وَنظر فِيكُم - أهل الْبَيْت - فرآكم أولى النَّاس بِالنَّاسِ، فَرَأى أَن يرد هَذَا

محمد بن علي بن موسي رضي الله عنه

الْأَمر إِلَيْك، وَالْأمة تحْتَاج إِلَى من يَأْكُل الجشب ويلبس الخشن، ويركب الْحمار، وَيعود الْمَرِيض. قَالَ: وَكَانَ الرِّضَا - رَضِي الله عَنهُ - مُتكئا فَاسْتَوَى جَالِسا، ثمَّ قَالَ: كَانَ يُوسُف نَبيا يلبس أقبية الديباج المزررة بِالذَّهَب، وَيجْلس على متكآت آل فِرْعَوْن وَيحكم؛ إِنَّمَا يُرَاد من الإِمَام قسطه وعدله؛ إِذا قَالَ صدق، وَإِذا حكم عدل، وَإِذا وعد أنْجز؛ إِن الله تالى لم يحرم لبوساً وَلَا مطعماً، وتلا: " قل من حرم زِينَة الله الَّتِي أخرج لِعِبَادِهِ والكيبات من الرزق ". مُحَمَّد بن عَليّ بن مُوسَى رَضِي الله عَنهُ تذكر المتَوَكل فِي عِلّة إِن وهب الله لَهُ الْعَافِيَة أَن يتَصَدَّق بِمَال كثير، فعوفى، فَاحْضُرْ الْفُقَهَاء واستفتاهم، فَكل مِنْهُم قَالَ شَيْئا إِلَى أَن قَالَ مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ: إِن كنت نَوَيْت الدَّنَانِير فَتصدق بِثَمَانِينَ دِينَارا، وَإِن كنت نَوَيْت الدَّرَاهِم فَتصدق بِثَمَانِينَ درهما. فَقَالَ الْفُقَهَاء: مَا نَعْرِف هَذَا فِي كتابٍٍ وَلَا سنة، فَقَالَ: بلَى. قَالَ الله عز وَجل: " لقد نصركم الله فِي مَوَاطِن كثيرةٍ ". فعدوا وقائع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفَعَلُوا فَإِذا هِيَ ثَمَانُون. هَذِه الْقِصَّة إِن كَانَت وَقعت للمتوكل فَالْجَوَاب لعَلي بن محمدٍ. فَإِن مُحَمَّدًا لم يلْحق أَيَّام المتَوَكل، وَيجوز أَن تكون لَهُ مَعَ غَيره من الْخُلَفَاء. وَأَتَاهُ رجل فَقَالَ: أَعْطِنِي على قدر مروءتك، قَالَ: لَا يسعني، قَالَ: فَقَالَ على قدري، قَالَ: أما ذَا فَنعم، يَا غُلَام؛ أعْطه مِائَتي دِينَار.

عبد الله بن الحسن بن الحسن رضي الله عنه

عبد الله بن الْحسن بن الْحسن رَضِي الله عَنهُ نظر إِلَيْهِ رجل وَهُوَ مغموم، فَقَالَ مَا غمك يَا بن رَسُول الله؟ فَقَالَ: كَيفَ لَا أغتم وَقد امتحنت بأغلظ من محنة إِبْرَاهِيم خَلِيل الله، ذَاك أَمر بِذبح ابْنه ليدْخل الْجنَّة، وَأَنا مأخوذٌ بِأَن أحضر ابْني ليقتلا فَأدْخل النَّار. وَلما أمعن دَاوُد بن عَليّ فِي قتل بني أُميَّة بالحجاز، قَالَ لَهُ عبد الله: يَابْنَ عَم؛ إِذا أفرطت فِي قتل أكفائك فَمن تباهى بسلطانك؟ أوما يَكْفِيك مِنْهُم أَن يروك غادياً رائحاً فِيمَا يَسُرك ويسوءهم؟ وَكتب إِلَى صديقٍ لَهُ: اتَّقِ الله؛ فَإِنَّهُ جعل لمن اتَّقَاهُ من عباده الْمخْرج مِمَّا يكره والرزق من حَيْثُ لَا يحْتَسب. قَالُوا: كَانَ عُثْمَان بن خَالِد المرى على الْمَدِينَة منن قبل الْوَلِيد بن عبد الْملك؛ فأساء بِعَبْد الله وَالْحسن ابْني الْحسن إساءةً عَظِيمَة وقصدهما، فَلَمَّا عزل أَتَيَاهُ، فَقَالَا: لَا تنظر إِلَى مَا كَانَ بَيْننَا؛ فَإِن الْعَزْل قد محاه، وكلفنا أَمرك كُله. فلجأ إِلَيْهِمَا، فبلغا لَهُ كل مَا أَرَادَ؛ فَجعل عُثْمَان يَقُول: الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسالاته. وَكَانَ عبد الله يَقُول: يَا بنى اصبر؛ فَإِنَّمَا هِيَ غدوةٌ أَو روحةٌ حَتَّى يَأْتِي الله بالفرج. وروى أَنه قَالَ لِابْنِهِ مُحَمَّد حِين أَرَادَ الاستخفاء: يَا بني، إِنِّي مؤد إِلَيْك حق الله فِي تأديبك وَنَصِيحَتِك، فأد إِلَى حَقه عَلَيْك فِي الِاسْتِمَاع وَالْقَبُول، يَا بني كف الْأَذَى، واقض الندى، واستعن على السَّلامَة بطول الصمت فِي الموطن الَّتِي تدعوك فِيهَا نَفسك إِلَى الْكَلَام؛ فَإِن الصمت حسن، وللمرء ساعاتٌ يضرّهُ فِيهَا خَطؤُهُ، وَلَا يَنْفَعهُ فِيهَا صَوَابه. وَاعْلَم أَن من أعظم الْخَطَإِ العجلة قبل الْإِمْكَان، والأناة بعد الفرصة. يَا بني: احذر الْجَاهِل وَإِن كَانَ لَك

ناصحاً كَمَا تحذر عَدَاوَة الْعَاقِل إِذا كَانَ لَك عدوا؛ فيوشك الْجَاهِل أَن يورطك بمشورته فِي بعض اغترارك، فَيَسْبق إِلَيْك مكر الْعَاقِل ومورط الْجَاهِل، وَإِيَّاك ومعاداة الرِّجَال؛ فَإِنَّهُ لَا يعدمك مِنْهَا مكر حليمٍ ومفاجأة جَاهِل. قَالَ بَعضهم: إِنِّي لعِنْد عبد الله بن حسن - رَضِي الله عَنهُ - وَهُوَ واقفٌ على نِهَايَة مَا يكون من الْخَوْف والجزع من مَرْوَان بن مُحَمَّد إِذْ اسْتَأْذن أَبُو عدي الْأمَوِي الشَّاعِر فَأدْخل، فبشره بِأَن الْبيعَة قد وَقعت بِالْكُوفَةِ لعبد الله ابْن مُحَمَّد أبي الْعَبَّاس السفاح، فوهب لَهُ عبد الله أَرْبَعمِائَة دِينَار، وَدفع إِلَيْهِ ابناه إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد مثلهَا، وَدفعت إِلَيْهِ أمهما مِائَتي دِينَار فَانْصَرف بِأَلف دِينَار. وَقَالَ السفاح يَوْمًا لعبد الله: أما وَعَدتنِي أَن تحضر ابنيك مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم؟ قَالَ: وَالله مَا أعلم علمهما. وَأعلم مني بأمرهما عَمهمَا حسن بن حسن. وَكَانَ حسن قد قَالَ لعبد الله: إِذا سَأَلَك عَنْهُمَا فارم بأمرهما إِلَيّ، فَوجه أَبُو الْعَبَّاس إِلَى حسن: إِن أَخَاك زعم أَن علم ابنيه عنْدك، وَمَا أريدهما إِلَّا لما هُوَ خير لَهما، فَوجه إِلَيْهِ حسن: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لم تنقص مَعْرُوفك عِنْد هَذَا الشَّيْخ؟ وَقد علمت أَنه إِن كَانَ فِي قدر الله أَن يَلِي ابناه أَو أَحدهمَا شَيْئا من هَذَا الْأَمر لم ينفعك ظهورهما، وَإِن كَانَ لم يقدر ذَلِك لم يَضرك استتارهما. فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: صدق وَالله حسنٌ، لَا ذكرتهما بعد هَذَا وَأمْسك عَن طلبهما وَلما أخرج الْمَنْصُور عبد الله بن حسن وَأهل بَيته من الْمَدِينَة مقيدين على جمالٍ فِي محامل أعرى كل وَاحِد مِنْهُم يعادله جندي، وَقعت عين عبد الله على أبي جَعْفَر فِي الطَّرِيق فناداه: يَا أَبَا جَعْفَر؛ مَا هَكَذَا فعلنَا بأسارئكم يَوْم بدرٍ. وَكَانَ عبد الله يَقُول فِي الْحَبْس: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا من سخطك فاشدد على حَتَّى ترْضى؛ فَبلغ ذَلِك جَعْفَر الصَّادِق - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ: رحم الله أَبَا محمدٍ؛ أما إِنَّه لَو سَأَلَ ربه الْعَافِيَة كَانَ خيرا لَهُ. وَمن كَلَام عبد الله: المراء يفْسد الصداقة الْقَدِيمَة، وَيحل الْعقْدَة الْوَثِيقَة، وَأَقل مَا فِيهِ أَن تكون المغالبة أَشد أَسبَاب القطيعة.

وَكَانَ يُقَال فِي ذَلِك الزَّمَان: من أكْرم النَّاس؟ فَيُقَال: عبد الله بن الْحسن، فَيُقَال: من أحسن النَّاس؟ فَيُقَال: عبد الله بن الْحسن، فَيُقَال: من أفضل النَّاس؟ فَيُقَال: عبد الله بن الْحسن. وَكَانَ أَوْلَاده يسمون حلي الْبِلَاد. مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن النَّفس الزكية وأخويه رضى الله عَنْهُم لما ظهر بِالْمَدِينَةِ كتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عبد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى مُحَمَّد بن عبد الله. أما بعد ف " إِنَّمَا جزؤا الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأَرْض ذَلِك لَهُم خزي فِي الدُّنْيَا وَلَهُم فِي الأخرة عذابٌ عظيمٌ إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم فاعلموا أَن الله غفورٌ رحيمٌ ". وَلَك ذمَّة الله عز وَجل وَعَهده وميثاقه، وَحقّ نبيه مُحَمَّد - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِن تبت من قبل أَن أقدر عَلَيْك أَن أومنك على نَفسك وولدك وإخوتك وَمن تابعك وبايعك وَجَمِيع شيعتك، وَأَن أُعْطِيك ألف ألف دِرْهَم، وأنزلك من الْبِلَاد شِئْت، وأقضي لَك مَا شِئْت من الْحَاجَات، وَأَن أطلق من فِي سجني من أهل بَيْتك وشيعتك وأنصارك، ثمَّ لَا أتبع أحدا مِنْهُم بمكروه؛ فَإِن شِئْت أَن تتوثق لنَفسك؛ فَوجه إِلَى من يَأْخُذ لَك من الْمِيثَاق والعهد والأمان مَا أَحْبَبْت وَالسَّلَام. فَكتب إِلَيْهِ مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ: من عبد الله مُحَمَّد الْمهْدي أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى عبد الله بن مُحَمَّد. أما بعد.

" طسم تِلْكَ ءايت الْكتاب الْمُبين نتلوا عَلَيْك من نبإ مُوسَى وَفرْعَوْن بِالْحَقِّ لقومٍ يُؤمنُونَ إِن فِرْعَوْن علا فِي الأَرْض وَجعل أَهلهَا شيعًا يستضعف طايفةً مِنْهُم يذبح أَبْنَاءَهُم ويستحي نسآءهم إِنَّه كَانَ من المفسدين ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض ونجعلهم أيمة ونجعلهم الْوَارِثين ونمكن لَهُم فِي الأَرْض ونرى فِرْعَوْن وهامان وجنودهما مِنْهُم مَا كَانُوا يحذرون ". وَأَنا أعرض عَلَيْك من الْأمان مثل الَّذِي أَعْطَيْتنِي؛ فقد تعلم أَن الْحق حَقنا، وأنكم إِنَّمَا طلبتمون بِنَا، ونهضتم فِيهِ بشيعتنا، وخطبتموه بفضلنا، وَأَن أَبَانَا عليا عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ الْوَصِيّ وَالْإِمَام، فَكيف ورثتموه دُوننَا وَنحن أَحيَاء؟ وَقد علمت أَنه لَيْسَ أحد من بني هَاشم يمت بِمثل فضلنَا، وَلَا يفخر بِمثل قديمنا وحديثنا، ونسبنا وسيينا، وَأَنا بَنو أم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة بنت عَمْرو فِي الْجَاهِلِيَّة دونكم، وَبَنُو بنته فَاطِمَة فِي الْإِسْلَام من بَيْنكُم. وَأَنا أَوسط بني هَاشم نسبا، وَخَيرهمْ أما وَأَبا، لم تلدني الْعَجم، وَلم تعرق فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد. وَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى لم يزل يخْتَار لنا؛ فولدني من النَّبِيين أفضلهم مُحَمَّد - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمن أَصْحَابه أقدمهم إسلاما، وأوسعهم علما، وَأَكْثَرهم جهاداً عليٌ ابْن أبي طَالب، وَمن نِسَائِهِ أفضلهن خَدِيجَة بنت خويلد أول من آمن بِاللَّه وَصلى الْقبْلَة، وَمن بَنَاته أفضلهن سيدة نسَاء أهل الْجنَّة، وَمن المولودين فِي الْإِسْلَام الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة. ثمَّ قد علمت أَن هاشما ولد عليا مرَّتَيْنِ، وَأَن عبد الْمطلب ولد الْحسن مرَّتَيْنِ وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولدني مرَّتَيْنِ من قبل جدي الْحسن وَالْحُسَيْن، فَمَا زَالَ الله عز وَجل يخْتَار لي حَتَّى اخْتَار لي فِي النَّار؛ فولدني أرفع النَّاس دَرَجَة فِي الْجنَّة وأهون أهل النَّار عذَابا، وَأَنا ابْن خير الأخيار، وَابْن خير أهل الْجنَّة، وَابْن خير أهل النَّار. وَلَك عهد الله، إِن دخلت فِي بيعتي، أَن أومنك على نَفسك وولدك وكل مَا أصبته إِلَّا حدا من حُدُود الله أَو حَقًا لمُسلم أَو معاهد. وَقد علمت مَا يلزمك فِي ذَلِك، وَأَنا أوفى بالعهد مِنْك، وَأَنت أَحْرَى بِقبُول الْأمان مني؛ فَأَما أمانك الَّذِي عرضته فَأَي الْأَمَانَات هُوَ؟ أَمَان ابْن هُبَيْرَة، أم عبد الله عمك، أم أَمَان أبي مُسلم؟ وَالسَّلَام.

وللمنصور جوابٌ - عَن هَذِه الرسَالَة - طَوِيل فِيهِ احتجاج كثير، وَطعن وقدح أمسكنا عَن ذكره. روى الصولى بإسنادٍ لَهُ عَن عبد الله بن جَعْفَر بن عبد الرَّحْمَن بن مسور ابْن مخرمَة قَالَ: اجْتمع رجال من بني هَاشم فِي منزلي مِنْهُم: إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد ابْن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس، وَعبد الله بن عَليّ وَغَيرهم من بني الْعَبَّاس. وَمن ولد أبي طَالب عبد الله وَالْحسن ابْنا الْحسن، وابنا عبد الله مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم، وجعفر بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنْهُم وَغَيرهم من أهلهم، وَكَانَ اجْتِمَاعهم لِلْحَجِّ، فخفي بذلك إِبْرَاهِيم، فابتدأ مُحَمَّد بن عبد الله؛ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أما بعد، يَا بني هَاشم، فَإِنَّكُم خيرة الله، وعترة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبَنُو عَمه وَذريته، فَضلكُمْ الله بِالْوَحْي، وخصكم بِالنُّبُوَّةِ، وَإِن أولى النَّاس بِحِفْظ دين الله، والذب عَن حرمه من وَضعه الله بموضعكم من نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد أَصبَحت الْأمة مغصورةً، وَالسّنة مبدلةً، وَالْأَحْكَام معطلة، فالباطل حَيّ، وَالْحق ميتٌ فأبلوا أَنفسكُم فِي طَاعَة الله، واطلبوا باجتهادكم رِضَاهُ، واعتصموا بحبله من قبل أَن تهونوا بعد كرامةٍ، وتذلوا بعد عز، كَمَا ذلت بَنو إِسْرَائِيل من قبلكُمْ، وَكَانَت أحب الْخلق فِي وَقتهَا إِلَى ربكُم، فَقَالَ فيهم جلّ وَعز: " كَانُوا لَا يتناهون عَن منكرٍ فَعَلُوهُ ". فَمن رأى مِنْكُم نَفسه أَهلا لهَذَا الْأَمر فَإنَّا نرَاهُ لَهُ أَهلا، وهذي يَدي لَهُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة، وَمن أحس من نَفسه ضعفا، أَو خَافَ مِنْهَا وَهنا وعجزاً فَلَا يحل لَهُ التولي على الْمُسلمين، وَلَيْسَ بأفقههم فِي الدّين، وَلَا أعلمهم بالتأويل. أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم لي وَلكم. قَالَ: فوَاللَّه مَا رد أحدٌ كلمة غير أبي جَعْفَر عبد الله بن مُحَمَّد، فَإِنَّهُ قَالَ: أمتع الله قَوْمك بك، وَكثر فيهم مثلك، فوَاللَّه لَا يزَال فِينَا من يسمو إِلَى الْخَيْر، ويرجى لدفع الضيم، مَا أبقاك الله لنا وَشد بك أزرنا. فَقَالُوا لعبد الله: أَنْت شيخ بني هَاشم وأقعدهم، فأمدد يدك حَتَّى نُبَايِعك؛ فَقَالَ: مَا أفعل ذَلِك، وَلَكِن هَذَا ابْني محمدٌ فَبَايعُوهُ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّمَا قيل لَك

هَذَا لِأَنَّهُ لم يشك فِيك، وَهَا هُنَا من هُوَ أَحَق بِالْأَمر من ابْنك، واختلطت الْأَصْوَات، وَقَامُوا لوقت صَلَاة. قَالَ عبد الله بن جَعْفَر؛ فتوكأ جَعْفَر بن مُحَمَّد على يَدي وَقَالَ: وَالله لَا يملكهَا إِلَّا هَذَانِ الفتيان - وَأَوْمَأَ إِلَى السفاح والمنصور - ثمَّ تبقى فيهم حَتَّى يتلعب بهَا خدمهم ونساءهم، وَإِن الرَّاد على مُحَمَّد بن عبد الله كَلَامه من العباسيين هُوَ قَاتله وَقَاتل أَبِيه وأخيه. ثمَّ افْتَرَقُوا، فَقَالَ لي ممد بن عبد الله الْمَنْصُور - وَكَانَ بيني وَبَينه خَاصَّة ود: مَا الَّذِي قَالَ لَك جَعْفَر؟ فعرفته ذَلِك، فَقَالَ: إِنَّه خيرنا آل مُحَمَّد، وَمَا قَالَ شَيْئا قطّ إِلَّا وَجَدْنَاهُ كَمَا قَالَ. قَالَ عبد الْعَزِيز بن عمرَان: وَبَلغنِي أَن الْمَنْصُور قَالَ: رتبت عمالي بعد جَعْفَر ثِقَة بقوله. قَالُوا: ولد مُحَمَّد - رضى الله عَنهُ - فِي سنة مائةٍ فِي شهر رَمَضَان، فَصَارَ عبد الله أَبوهُ إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز فَعرفهُ ذَلِك، فأثبته فِي شرف الْعَطاء، وَقَالَ لعبد الله: أقسم بِاللَّه لَئِن عدت إِلَى فِي حاجةٍ لاقينها، اكْتُبْ إِلَى فِيمَا تُرِيدُ حَتَّى أَفعلهُ. كَانَ مُحَمَّد يَقُول: إِن كنت أطلب الْعلم فِي دور الْأَنْصَار، حَتَّى إِنَّه لأتوسد عِنْد أحدهم، فيوقظني الْإِنْسَان فَيَقُول: إِن سيدك قد خرج إِلَى الصَّلَاة، مَا يحسبني إِلَّا عَبده. قَالَ إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن حسن: وجدت جَمِيع مَا يطْلب الْعباد من جسيم الْخَيْر عِنْد الله فِي ثَلَاث: فِي الْمنطق وَالنَّظَر وَالسُّكُوت؛ فَكل منطقٍ لَيْسَ فِيهِ ذكرٌ فَهُوَ لَغْو، وكل سكوتٍ لَيْسَ فِيهِ تفكرٌ فَهُوَ سهوٌ، وكل نظر لَيْسَ فِيهِ عِبْرَة فَهُوَ غفلةٌ. فطوبى لمن كَانَ مَنْطِقه ذكرا، وَنَظره عبرا، وسكوته تفكرا، ووسعه بَيته، وَبكى على خطيئته، وَسلم الْمُسلمُونَ مِنْهُ. وَقَالَ فِي خطبَته يَوْم الْفطر: اللَّهُمَّ إِنَّك ذاكرٌ الْيَوْم آبَاءَنَا بأبنائهم وَأَبْنَاءَنَا بآبائهم؛ فاذكرنا عنْدك بِمُحَمد - صلى الله عَلَيْهِ - يَا حَافظ الْآبَاء فِي الْأَبْنَاء احفظ ذُرِّيَّة نبيك. قَالَ: فَبكى النَّاس بكاء شَدِيدا.

محمد بن ابراهيم بن اسماعيل

قَالُوا: نَازع رجلٌ من بني عدي بن كَعْب، يُقَال لَهُ: مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، مُوسَى بن عبد الله بن حسن بن حسن - رَضِي الله عَنْهُم - فِي بِئْر احتفرها، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحسن، مَا وفقت فِيمَا صنعت، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: وَمن أَنْت حَتَّى تَقول هَذَا؟ قَالَ: أَنا من تعرف، قَالَ: أعرفك دنيا فِي قُرَيْش تحملك القوادم. فَلم يجبهُ الْعَدْوى، ثمَّ التقيا، فأحد مُوسَى النّظر إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْعَدْوى: أتحد النّظر إِلَى وتستطيل بالخيلاء عَليّ؟ أغرك حلمي وعفوي عَمَّا كَانَ مِنْك؟ الْخَيْر لَك أَن تربع على ظلعك، وتقيس شبرك بفترك، وتعرف حالك من حَال غَيْرك. فَقَالَ مُوسَى: مَا أعدك وَلَا أَعْتَد بك، وَإنَّك للغوى العيي، الْقَرِيب من كل شرٍ، الْبعيد من كل خيرٍ. وَأما ذكرك شبرى وفتري فَإِن فتري من شبري، وشبري من فتري، من كف رحبة الذِّرَاع طَوِيلَة الباع، بِقِيمَتِهَا مَا يقعدك ويرفعها مَا يخفضك، وَمهما جهلت مني فَإِنِّي عَالم بِأَنِّي خير مِنْك أما وَأَبا ونفساً وَإِن رغم أَنْفك، وتصاغرت إِلَيْك نَفسك. وروى أَن مُوسَى بن عبد الله دخل على الرشيد فعثر بالبساط، فَضَحِك الخدم؛ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّه ضعف صَوْم لَا ضعف سكرٍ. وَكَانَ الْمَنْصُور قد حبس مُوسَى مَعَ أَبِيه وعمومته، ثمَّ أفرج عَنهُ على أَن يظْهر أَخَوَيْهِ، فاستتر عَنهُ إِلَى أَن خرج مَعَ أَخَوَيْهِ، ثمَّ استتر أَيْضا، فظفر بِهِ الْمَنْصُور، وضربه ألف سوطٍ، فَمَا نطق بِحرف؛ فَقَالَ الرّبيع: مَا عجبي لصبر هَؤُلَاءِ الشطار، وَلَكِن عجبي من هَذَا الْفَتى الَّذِي لم تره الشَّمْس. وَسمع مُوسَى قَوْله فَقَالَ: الصَّبْر وَأَنت على الْحق أولى مِنْهُ وَأَنت على الْبَاطِل، وَأنْشد: إِنِّي من الْقَوْم الَّذين يزيدهم ... جلدا وصبراً قسوة السُّلْطَان مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم طَبَاطَبَا بن حسن بن حسن بن عَليّ - رَضِي الله عَنْهُم -

صَاحب أبي السَّرَايَا. خطب حِين انْتَهَت أَبُو السَّرَايَا قصر الْعَبَّاس بن مُوسَى ابْن عِيسَى، فَقَالَ: أما بعد، فَإِنَّهُ لَا يزَال يبلغنِي أَن الْقَبَائِل مِنْكُم تَقول: إِن بني الْعَبَّاس فَيْء لنا، نَخُوض فِي دِمَائِهِمْ، ونرتع فِي أَمْوَالهم، وَيقبل قَوْلنَا فيهم، وَتصدق دعوانا عَلَيْهِم، حكم بِلَا علم، وعزمٌ بِلَا روية. عجبا لمن أطلق بذلك لِسَانه، أَو حدث بِهِ نَفسه! أبكتاب الله حكم أم سنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ اتبع؟ أَو بسط يَدي لَهُ بالجور أمل؟ هَيْهَات هَيْهَات، فَازَ ذُو الْحق بِمَا نوى، وَأَخْطَأ طَالب مَا تمنى، حق كل ذِي حق فِي يَده، وكل مدعٍ على حجَّته، ويل لمن اغتصب حَقًا، وَادّعى بَاطِلا، فلح من رضى بِحكم الله، وخاب من أرْغم الْحق أَنفه. الْعدْل أولى بالأثرة وَإِن رغم الجاهلون، حق لمن أَمر بِالْمَعْرُوفِ أَن يجْتَنب الْمُنكر، وَلمن سلك سَبِيل الْعدْل أَن يصبر على مرَارَة الجورن كل نفس تسمو إِلَى همتها. وَنعم الصاحب القناعة. أَيهَا النَّاس؛ إِن أكْرم الْعِبَادَة الْوَرع، وَأفضل الزَّاد التَّقْوَى؛ فاعملوا فِي دنياكم، وتزودوا آخرتكم. " اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ ". وَإِيَّاكُم والعصبية وحمية الْجَاهِلِيَّة؛ فَإِنَّهُمَا تمحقان الدّين، وتورثان النِّفَاق، خلَّتَانِ ليستا من ديني وَلَا دين آبَائِي رَحْمَة الله عَلَيْهِم. تعاونوا على الْبر وَالتَّقوى، وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان، يصلح لكم دينكُمْ وتحسن الْمقَالة فِيكُم. الْحق أَبْلَج، والسبيل مَنْهَج، وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ، وَلكُل فِي الْحق سعةٌ، من حاربنا حاربناه، وَمن سالمنا سالمناه، وَالنَّاس جَمِيعًا آمنون قَالَ فِينَا يتَنَاوَل من أعراضنا قلت؛ وَلَكِن حسب امرءٍ مَا اكْتسب، وسيكفي الله.

جماعه من الاشراف العلويه

وَلما اشتدت بِهِ علته؛ قَالَ لَهُ أَبُو السَّرَايَا: أوصني يَابْنَ رَسُول الله؛ فَقَالَ: الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَصلى الله على مُحَمَّد وَآله والطيبين، أوصيط بتقوى الله فَإِنَّهَا أحصن جنَّة، وَأَمْنَع عصمَة، وَالصَّبْر فَإِنَّهُ أفضل منزلٍ وَأحمد معولٍ، وَأَن تستتم الْغَضَب لِرَبِّك، وتدوم على منع دينك، وتحسن صُحْبَة من اسْتَجَابَ لَك، وتعدل بهم عَن المزالق، وَلَا تقدم إذدام متهورن وَلَا تضجع تضجيع متهاونٍ، واكفف عَن الْإِسْرَاف فِي الدِّمَاء، مالم يوهن لَك دينا ويصدك عَن صَوَاب، وارفق بالضعفاء وَإِيَّاك والعجلة، فَإِن مَعهَا الهلكة وَاعْلَم أَن نَفسك موصولةٌ بنفوس آل مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام، ودمك مختلط بدمائهم؛ فَإِن سلمُوا سلمت، وَإِن هَلَكُوا هَلَكت؛ فَكُن على أَن يسلمُوا أحرص مِنْك على أَن يعطبوا؛ وقر كَبِيرهمْ، وبر صَغِيرهمْ، وَاقْبَلْ رَأْي عالمهم. وَاحْتمل هفوةً إِن كَانَت من جاهلهم يرع الله حَقك، واحفظ قرابتهم يحسن الله نصرك، وول النَّاس الْخيرَة لأَنْفُسِهِمْ فِيمَن يقوم مقامى لَهُم من آل عَليّ؛ فَإِن اخْتلفُوا فَالْأَمْر إِلَى عَليّ بن عبد الله؛ رضيت دينه ورضيت طَرِيقَته فارضوا بِهِ، وأحسنوا طَاعَته تحمدوا رَأْيه وبأسه. وخطب النَّاس يَوْمًا، فَقَالَ بعد أَن حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ: عباد الله، إِن عين الشتات تلاحظ الشمل بالبتات، وَإِن يَد الفناء تقطع مُدَّة الْبَقَاء، فَلَا يكبحنكم الركون إِلَى زهرتها عَن التزود لمقركم مِنْهَا؛ فَإِن مَا فِيهَا من عيمٍ بائد، والراحل عَنْهَا غير عَائِد. وَمَا بعْدهَا إِلَّا جنةٌ تزلف لِلْمُتقين، أَو نارٌ تبرز للغاوين. " من عمل صَالحا فلنفسه وَمن أَسَاءَ فعلَيْهَا وَمَا رَبك بظالمٍ للعبيد ". جمَاعَة من الْأَشْرَاف العلوية كَانَ يحيى بن الْحُسَيْن يُسمى ذَا الدمعة، وَكَانَت عينه لَا تكَاد تَجف من الدُّمُوع، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: وَهل ترك السهْمَان فِي مضحكا، يَعْنِي: السهْم الَّذِي رمى بِهِ زيد - رَحمَه الله - والسهم الَّذِي رمى بِهِ يحيى بن زيد. كَانَ عِيسَى بو زيد - رَحمَه الله - خرج مَعَ النَّفس الزكية مُحَمَّد بن عبد الله، وَأَشَارَ عَلَيْهِ لما كثر عَلَيْهِ الْجَيْش أَن يلْحق بِالْيمن، فَإِن لَهُ هُنَاكَ شيعَة، وَطَلَبه

يبعد، فَلم يقبل مِنْهُ؛ فَلَمَّا أحس بِالْقَتْلِ نَدم على ترك الْقبُول مِنْهُ، وَقَالَ لمن حوله من شيعته: الْأَمر من بعدِي لأخي إِبْرَاهِيم؛ فَإِن أُصِيب فلعيسى بن زيد. فَلَمَّا قتل مُحَمَّد استتر عِيسَى مُدَّة أَيَّام الْمَنْصُور وَفِي أَيَّام الْمهْدي، فَطلب طلبا شَدِيدا إِلَى أَن مَاتَ فِي الاستتار فِي آخر أَيَّام الْمهْدي. وَحدث شبيب بن شيبَة، قَالَ: كنت أجالس الْمهْدي فِي كل خَمِيس، خَامِس خَمْسَة، فَخرج إِلَيْنَا عَشِيَّة وَهُوَ غَضْبَان لخَبر بلغه عَن عِيسَى بن زيد، فَقَالَ: لعن الله كتابي وعمالي وَأَصْحَاب بردى وأخباري، هَذَا ابْن زيد قد غمض على أمره فَمَا ينجم لي مِنْهُ خبر، فَقلت: لَا تشكون مِنْهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَمَا يكربك من خبر ابْن زيد؟ فوَاللَّه مَا هُوَ بحقيقٍ أَن يتبع وَأَن يجْتَمع عَلَيْهِ اثْنَان. قَالَ: فَنظر إِلَى نظرة منكرٍ لقولي، ثمَّ قَالَ: كذبت، وَالله هُوَ وَالله الْحقيق بِأَن يتبع، وَأَن يجْتَمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ. وَمَا يبعده عَن ذَلِك؟ لقد حطبت فِي حُبْلَى، وَطلبت هواي بِفساد أَمْرِي. يَا فضل - للفضل بن الرّبيع - احجبه عَن هَذَا الْمجْلس. قَالَ: فحجبت عَنهُ مُدَّة. ولعيس بن زيدٍ شعرٌ حسن، وَمَات وَله سِتُّونَ سنة، كَانَ ثلث عمره عشْرين سنة فِي الاستتار. وَكَانَ ابْنه أَحْمد بن عِيسَى من أفاضل أهل الْبَيْت علما وفقها وزهدا، وَكَانَ الرشيد حَبسه ثمَّ أطلقهُ، ثمَّ طلبه لما بلغه كَثْرَة شيعته من الزيدية، فاستتر، فَلم يزل فِي الاستتار سِتِّينَ سنة، فَلَمَّا قتل المتَوَكل وَقَامَ بعده الْمُنْتَصر، وبلغه عطفه على العلوية وإحسانه إِلَيْهِم، أَرَادَ أَحْمد بن عِيسَى أَن يظْهر نَفسه، فاعتل وَتوفى بِالْبَصْرَةِ. قيل مَاتَت ابْنة لِأَحْمَد بن عِيسَى فَوجدَ بهَا وجدا شَدِيدا، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: إِنِّي أعلم النَّاس الصَّبْر وَآمرهُمْ بِهِ، وَمَا أنسيته وَلَا أغفلته، وَلَيْسَ جزعي لموتها، وَلَكِنِّي لَا أخبر الذّكر من أَوْلَادنَا بنسبه حَتَّى يبلغ خمس عشرَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِئَلَّا تبدر مِنْهُ بادرة يظْهر علينا، وَلَا الْأُنْثَى حَتَّى تبلغ عشْرين سنة، وَإِن

هَذِه الصبية توفيت وَلها سِتّ عشرَة سنة، وَلم تعلم النّسَب بَينهَا وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَقع بَأْس مِنْهَا فَأَخْبرهَا، حَتَّى مَاتَت وَهِي لَا تعلم بذلك؛ فَلهَذَا غمى وأسفى. وَأنْشد: أَلَيْسَ من العظائم أَن يورى ... حذار النَّاس عَن نسبٍ كريم يعمر ذُو الفخار وَلَيْسَ يدْرِي ... أيعزى للأغر أَو البهيم يذل بَنو النَّبِي حذار ظلمٍ ... ويحوي الْعِزّ ذُو النّسَب اللَّئِيم قَالَ الصولي: كنت يَوْمًا مَعَ الْغلابِي، وَنحن نقصد المربد، فمررنا بدربٍ يعرف بدرب الْحَرِيق، فَقَالَ لي: أَتَدْرِي لم سمي هَذَا بدرب الحري؟ قلت: لَا. قَالَ: كَانَ هَذَا الدَّرْب يُسمى الْمُعْتَرض، فَجَلَسَ اثْنَان على دكان بَين يَدي الدَّرْب مِمَّا يَلِي المربد، فطالب أَحدهمَا صَاحبه بِمِائَة دِينَار دينا لَهُ عَلَيْهِ، وَالرجل المطالب معترف، وَهُوَ يَقُول: يَا هَذَا: لَا تمض بِي إِلَى الْحَاكِم؛ فَإِنِّي قد تركت فِي منزلي أطفالاً قد مَاتَت أمّهم، لَا يَهْتَدُونَ لشرب المَاء إِن عطشوا، وَإِن تَأَخَّرت عَنْهُم سَاعَة مَاتُوا، وَإِن أَقرَرت عِنْد الْحَاكِم حَبَسَنِي فتلفوا؛ فَلَا تحملنِي على يمينٍ فاجرةٍ، فَإِنِّي وَالله أَحْلف لَك ثمَّ أُعْطِيك مَالك، وَصَاحبه يَقُول لَهُ: لَا بُد من تقديمك وحبسك أَو تحلف. فَلَمَّا كثر هَذَا مِنْهُمَا إِذا صرة قد سَقَطت بَينهمَا، وَمَعَهَا رقْعَة: يَا هَذَا، خُذ هَذِه الْمِائَة الدِّينَار الَّتِي لَك قبل الرجل، وَلَا تحمله على الْحلف كَاذِبًا، وَليكن جَزَاء هَذَا أَن تكتماه فَلَا يعلم بِهِ غيركما، وَلَا تسألا عَن فَاعله، فسرا بذلك جَمِيعًا وافترقا، فند الحَدِيث من أَحدهمَا فشاع، فَقيل: مَا يفعل هَذَا الْفِعْل إِلَّا أَحْمد بن عِيسَى، فقصدوا الدَّار لطلبه فوجدوا آثاراً تدل على أَنه كَانَ فِيهَا وَتَنَحَّى، وهرب صَاحب الدَّار، فَأحرق السُّلْطَان الدَّار، فَسُمي مُنْذُ ذَاك درب الْحَرِيق. كَانَ أَبُو السَّرَايَا لما مَاتَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن طَبَاطَبَا أَقَامَ مقَامه مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن زيد فَلَمَّا ظفر بِهِ حمل إِلَى مرو إِلَى الْمَأْمُون، فأظهر إكرامه وَعجب من صغر سنه، وحبسه حبسا جميلا، فَقيل لَهُ: كَيفَ رَأَيْت صَنِيع ابْن عمك أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي ظفره وَقدرته. فَقَالَ: وَالله لقد أغضى عَن الْعَوْرَة، وَنَفس الْكُرْبَة، وَوصل الرَّحِم، وَعَفا عَن الجرم وَحفظ النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي وَلَده، واستوجب

الشُّكْر من جَمِيع أهل بَيته، وَمَات بمرو من شَيْء سقيه، فَلَمَّا أحس بِالْمَوْتِ كَانَ يَقُول: يَا جدي، يَا أبي يَا أُمِّي: اشفعوا لي إِلَى رَبِّي؛ فَكَانَ ذَلِك هجيراه إِلَى أَن مَاتَ، وَكَانَت سنة يَوْم توفى عشْرين سنة. كَانَ يحيى بن عمر بن يحيى بن الْحُسَيْن شريفاً جَلِيلًا زاهدا أيدا شَدِيدا، جواداً حسن الْوَجْه محبيا إِلَى النَّاس، خرج إِلَى سر من رأى، وَكَانَ قد أضاق بِالْكُوفَةِ يستميح المستعين، فَرد عَلَيْهِ وصيفٌ ردا غليظاً، وَكَانَ يَلِي الْأَمر إِذْ ذَاك، فَخرج فِي سنة خمسين وَمِائَتَيْنِ، وَاجْتمعَ عَلَيْهِ النَّاس، وظفر بِالْكُوفَةِ بأصحاب السُّلْطَان، وأنفذ إِلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر من بَغْدَاد جَيْشًا، فَقتل، وَحمل رَأسه إِلَى بَغْدَاد، وَحمله مُحَمَّد إِلَى سر من رأى إِلَى المستعين، فنصب سَاعَة، ثمَّ كره المستعين ذَلِك، فَأمر برده إِلَى بَغْدَاد، فنصبه مُحَمَّد سَاعَة فَكثر النَّاس، وأثنوا على يحيى، وَقَالُوا: رجل صَالح منع الْقُوت فَخرج، فَمَا آذَى أحدا وَلَا ظلم، وَقتل فَمَا معنى صلب رَأسه؟ ولعنوا مُحَمَّد بن عبد الله فَأنْزل، وَقَالَ أَبُو هَاشم الْجَعْفَرِي لمُحَمد بن عبد الله - وَقد هنأه النَّاس بالظفر - إِنَّك لتهنأ بقتل رجلٍ لَو كَانَ رَسُول الله حَيا لعزى عَلَيْهِ، فَأخذ ذَلِك ابْن الرُّومِي فِي قصيدة رثاه بهَا: أكلكم أَمْسَى اطْمَأَن فُؤَاده ... بِأَن رَسُول الله فِي الْقَبْر مزعج وَقَالَ: ليهنكم يَا بني الْمَجْهُول نسبته ... فتحٌ تخرم أَوْلَاد النبلينا فتحٌ لَو أَن رَسُول الله حاضره ... كَانَ الْأَنَام لَهُ طرا معزينا وَقَالَ: بني طاهرٍ غضوا الجفون وطأطئوا ... رءوسكم مِمَّا جنت أم عَامر سمى مُحَمَّد بن عبد الله أم عَامر - وَهِي كنية الضبع - لِأَنَّهُ كَانَ أعرج، والضبع عرجاء. وَانْقَضَت دولة آل طَاهِر بعد قَتله، فَمَا انتعشوا بعد ذَلِك. لعنة الله على جَمِيع من ظلم آل مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام.

قَالَ الصولى: كَانَ يحيى بن عمر كثير الْمقَام بِبَغْدَاد، وَمَا شرب شرابًا يسكر قطّ، وَلكنه كَانَ مستهتراً بِالسَّمَاعِ يُحِبهُ ويوثره، وَكَانَ أسمح النَّاس أَخْلَاقًا. فَحكى من سَمعه يَقُول يَوْمًا لجاريةٍ غنت فأحسنت: غفر الله لَك مَا قلت، وَلنَا مَا سمعنَا. قَالَ الصولى: أعرق النَّاس فِي الشّعْر أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن زيد بن عَليّ بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب. وَهُوَ شاعرٌ، وآباؤه إِلَى قصي بن كلاب من مرّة، وَهُوَ الْمَعْرُوف بالحماني وَكَانَ ينزل فِي بني حمان ابْن كَعْب بن سعد بن زيد بن مَنَاة بن تيم؛ فَعرف بذلك. وَله شعرٌ كثير مليح. قَالَ بَعضهم: لقِيت عَليّ بن مُحَمَّد بِالْكُوفَةِ بعد خلاصه من حبس الْمُوفق. وَكَانَ حبس مرَّتَيْنِ، مرّة لكفالته بعض أَهله، وَمرَّة لسعاية لحقته، فهنأته بالسلامة، وَقلت لَهُ: قد عدت إِلَى وطنك الَّذِي تلذه، وإخوانك الَّذين تحبهم، فَقَالَ لي: يَا أَبَا عَليّ؛ ذهب الأتراب والشباب وَالْأَصْحَاب. وَأنْشد: هبني بقيت على الْأَيَّام والأبد ... ونلت مَا نلْت من امالٍ وَمن ولد من لي بِرُؤْيَة من قد كنت آلفه؟ ... وبالشباب الَّذِي ولى وَلم يعد؟ كَانَ الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن بن عبيد الله بن الْعَبَّاس بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم - شَاعِرًا عَالما محسنا فصيحا، وَكَانَ يُقَال: من أَرَادَ لَذَّة لَا تبعة فِيهَا فليسمع كَلَام الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن. وَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس: أَنْت وَالله يَا أَبَا الْفضل أشعر بني هَاشم، فَقَالَ: لَا أحب أَن أكون بالشعر مَوْصُوفا؛ لِأَنَّهُ أرفع مَا فِي الوضيع، وأوضع مَا فِي الرفيع. وَهَذَا يشبه مَا قَالَه الرشيد لِلْمَأْمُونِ فَإِنَّهُ قَالَ - وَقد كتب إِلَيْهِ بِشعر - يَا بني مَا أَنْت وَالشعر؟ أما علمت أَن الشّعْر أرفع حالات الدنى، وَأَقل حالات السنى؟ وصف الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن الْعلوِي رجلا بفصاحته، فَقَالَ: مَا شبهته يتَكَلَّم إِلَّا بثعبانٍ ينهال بَين رمال، أَو ماءٍ يتغلغل بَين جبالٍ.

كَانَ المعتصم قد قرر عِنْد الْمَأْمُون أَن الْعَبَّاس يبغضه، فحطه ذَلِك عِنْده، فَلَمَّا ركب الْمَأْمُون فِي اللَّيْل لقتل ابْن عَائِشَة رأى الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن قد ركب مَعَ أَهله ومواليه فِي السِّلَاح، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: سررت بالمخاض طَمَعا فِي الولاد، فَقَالَ: معَاذ الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن أكون عَلَيْك مَعَ عَدو، وَمَا أعلم فِي بني أبي أحدا لَو ملك كَانَ لي مثلك. قَالَ: فَمَا هَذِه الْعدة وَالْعدة؟ ، قَالَ: اتباعٌ لأمر الله وَقَوله: " مَا كَانَ لأهل الْمَدِينَة وَمن حَولهمْ من الْأَعْرَاب أَن يتخلفوا عَن رَسُول الله وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفسِهِم عَن نَفسه ". قَالَ: أَنْت الْمُصدق. فَلَمَّا قتل ابْن عَائِشَة وَانْصَرف، قَالَ لَهُ الْعَبَّاس: الله الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الدِّمَاء الَّتِي لَا بَقِيَّة مَعهَا، وَلَا عُقُوبَة بعْدهَا، والبس رِدَاء الْعَفو الَّذِي ألبسك الله إِيَّاه وجملك بِهِ، وأسعدك بِاسْتِعْمَالِهِ، فَإِن الْملك إِذا قتل أغرى بِالْقَتْلِ حَتَّى يصير عَادَة من عاداته، وَلَذَّة من لذاته، فَقَالَ: وَالله يَا أَبَا الْفضل لَو سَمِعت هَذَا مِنْك قبل قَتْلِي لِابْنِ عَائِشَة مَا قتلته. ولطفت حَاله عِنْد الْمَأْمُون بعد ذَلِك. وعزى الْعَبَّاس رجلا، فَقَالَ: إِنِّي لم أقل شاكاً فِي عزمك، وَلَا زَائِدا فِي علمك، وَلَا مُتَّهمًا لفهمك، وَلكنه حق الصّديق، وَقَول الشفيق؛ فاسبق السلوة بِالصبرِ، وتلق الْحَادِثَة بالشكر يحسن لَك الله الذخر، ويكمل لَك الْأجر. قَالَ إِسْحَاق: أتيت الْعَبَّاس مرّة فَسلمت عَلَيْهِ، ثمَّ تَأَخَّرت عَنهُ، فَقَالَ لي: أذقتنا، فَلَمَّا اشتقناك لفظتنا. وَقَالَ لَهُ رجل: كم سنك؟ فَقَالَ: خلفت الْخمسين، وَإِن التقاتي لطويل إِلَيْهَا. وَسَأَلَهُ الْمَأْمُون عَن رجل، فَقَالَ: رَأَيْت لَهُ حلماً وأناةً وَلم أر سفها وَلَا عجلة، وَوجدت لَهُ بَيَانا وإصابةً، وَلم أر لحنا وَلَا إِحَالَة، يَجِيء بِالْحَدِيثِ على مطاويه. وينشد الشّعْر على مَعَانِيه، ويروي الْأَخْبَار المتقنة، وَيَرْمِي بالأمثال المحكمة.

قَالَ أَبُو مُحَمَّد اليزيدي: كنت أَنا وَالْكسَائِيّ عِنْد الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن، فَجَاءَهُ غُلَامه، فَقَالَ: كنت عِنْد فلَان وَهُوَ يُرِيد أَن يَمُوت، فَضَحكت أَنا وَالْكسَائِيّ، فَقَالَ: مِم ضحكتما؟ قُلْنَا: من قَول الْغُلَام. وَهل يُرِيد الْإِنْسَان الْمَوْت؟ فَقَالَ الْعَبَّاس: قد قَالَ الله عز وَجل: " فوجدا فِيهَا جداراً يُرِيد أَن ينْقض " فَهَل للجدار إرادةٌ؟ وَإِنَّمَا هَذَا مَكَان " يكَاد " فنبهنا وَالله عَلَيْهَا. دخل أَبُو دلف العجلى على الرشيد، وَهُوَ فِي طارمة على طنفسة، وَعند بَاب الطارمة شيخٌ على طنفسة مثلهَا، فَقَالَ الرشيد: يَا قَاسم مَا خبر الْجَبَل؟ قَالَ: خراب يبابٌ، اعتوره الأكراد والأعراب. قَالَ: أَنْت سَبَب خرابه وفساده، فَإِن وليتك إِيَّاه؟ قَالَ: أعْمرهُ وَأَصْلحهُ. قَالَ بعض من حضر: أَو غير ذَلِك، فَقَالَ أَبُو دلف: وَكَيف يكون غير ذَلِك؟ وأمير الْمُؤمنِينَ يزْعم أَنِّي ملكته فأفسدته وَهُوَ عَليّ، أفتراني لَا أقدر على إِصْلَاحه وَهُوَ معي؟ فَقَالَ الشَّيْخ: إِن همته لترمي بِهِ وَرَاء سنه مرمى بَعيدا، وأخلق بِهِ أَن يزِيد فعله على قَوْله؛ فَقبل الرشيد وولاه، وَأمر أَن يخلع عَلَيْهِ، فَلَمَّا خرج أَبُو دلف سَأَلَ عَن الشَّيْخ: فَقيل لَهُ: هُوَ الْعَبَّاس بن الْحُسَيْن الْعلوِي، فَحمل إِلَيْهِ عشرَة آلَاف دينارٍ، وشكر فعله فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس مَا أخذت على

معروفٍ أجرا قطّ واضطرب أَبُو دلف وَقَالَ: إِن رَأَيْت أَن تكمل النِّعْمَة عِنْدِي، وتتمها على بقبولها، فَقَالَ: هَل لي عنْدك، فَإِذا لزمتني حُقُوق لقوم يقصر عَنْهَا مَالِي صككت عَلَيْك بِمَا تَدْفَعهُ عَلَيْهِم إِلَى أَن أستنفذها، فقنع أَبُو دلف بذلك، فَمَا زَالَ يصك عَلَيْهِ للنَّاس، حَتَّى أفناها من غير أَن يصل إِلَى الْعَبَّاس دِرْهَم مِنْهَا. وَسَأَلَ الْعَبَّاس الْفضل بن الرّبيع حَاجَة، فقضاها لَهُ سَرِيعا كَمَا أَرَادَ، فَقَالَ لَهُ: جَزَاك الله خيرا، فَمَا فِي دون مَا أتيت بِهِ تَقْصِير وَلَا نقصانٌ، وَلَا فَوْقه إحسانٌ وَلَا رجحانٌ. وَوصف رجلا ثقيلاً، فَقَالَ: مَا الْحمام على الْأَحْرَار، وحلول الدّين مَعَ الإقتار، وَشدَّة السقم فِي الْأَسْفَار بآلم من لِقَائِه. وذم أَبَا عباد - وَهُوَ وَزِير - فَقَالَ: الذَّلِيل من اعتز بك، والحائن من اعتزى إِلَيْك، والخائب من أملك، والسقيم من استشفاك. وَكَانَ ابْنه عبد الله شَاعِرًا فصيحاً يشبه بِأَبِيهِ، ووقف على بَاب الْمَأْمُون يَوْمًا فَنظر إِلَيْهِ الْحَاجِب ثمَّ أطرق، فَقَالَ عبد الله لقومٍ مَعَه: إِنَّه لَو أذن لنا لدخلنا، وَلَو صرفنَا لانصرفنا، وَلَو اعتذرنا لقبلنا. فَأَما الفترة بعد النظرة، والتوقف بعد التعرف فَلَا أفهمهُ. ثمَّ تمثل: وَمَا عَن ضاً كَانَ الْحمار مطيتي ... وَلَكِن من يمشي سيرضى بِمَا ركب وَانْصَرف؛ فَبلغ الْمَأْمُون كَلَامه فصرف الْحَاجِب، وَأمر لعبد الله بصلَة جزيلة وَعشر دَوَاب. وَكتب إِلَى الْمَأْمُون: النَّاس ثلاثةٌ: رجلٌ ورث خلَافَة أَو احتقب بِقرَابَة، فَهُوَ من قليلها فِي كثيرٍ، وَمن صغيرها فِي كبيرٍ، أَو رجلٌ ولي ولَايَة فَأطلق لَهُ من عمالته وأرزاقه مَا لَو سَأَلَ الْجُزْء مِنْهُ من أَجزَاء كَثِيرَة علىغيرها لما أُجِيب إِلَيْهِ. أَو رجلٌ خف عِيَاله وَقل مَاله، فصغر قدره عَن إساءة وإحسان. فَهُوَ كالخردلة تقع بَين طبقي الرحا، فَلَا الطَّحْن ينالها، وَلَا سلامتها يعْتد بهَا. فَأَما من كَانَ عِيَاله ثلثمِائة إِنْسَان، لَا يرجع إِلَى أثاثٍ وَلَا متجرٍ وَلَا صناعةٍ وَلَا

ضيعةٍ، تَقْتَضِيه الْأَيَّام لأَهله مئونة جَارِيَة فَمَا أَسْوَأ حَاله إِن لم يتداركه أَمِير الْمُؤمنِينَ بفضلٍ مِنْهُ {فَأمر لَهُ الْمَأْمُون بِخَمْسِمِائَة ألف دِرْهَم؛ فَأَتَاهُ عبد الله بن الْأمين وَالقَاسِم ابْن الرشيد، فَقَالَا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ أتأمر لعبد الله بن الْعَبَّاس بِمثل هَذَا المَال؟ فَمَا قصتنا وَنحن أمس بك رحما مِنْهُ؟ فَقَالَ: غلتكما فَوق غَلَّته، وخلتك مادون خلته، وعيالكما دون عِيَاله، وَقد أجلتكما شهرا؛ فَإِن تكلمتما بِمثل كَلَامه أضعفت لَكمَا مَا أمرت بِهِ لَهُ. وَكتب عبد الله إِلَى إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي: مَا أَدْرِي كَيفَ أحتال؟ أغيب فأشتاق، ثمَّ نَلْتَقِي فَلَا نشتفي، ويجدد لي اللِّقَاء الَّذِي طلبت بِهِ الشِّفَاء صنفا من تَجْدِيد الحرقة بلوعة الْفرْقَة. فَكتب إِلَيْهِ إِبْرَاهِيم: أَنا علمتك الشوق لِأَنِّي شكوته إِلَيْك فهيجته مِنْك. كَانَ الجمخي - القَاضِي بِبَغْدَاد بعد شريك للمنصور - متحاملا على الْحسن بن زيد بن الْحسن بن عَليّ - رَضِي الله عَنْهُم - فَقَالَ لَهُ الْحسن يَوْمًا فِي خصرمةٍ لَهُ: مَا أعرفني بتحاملك على يَا بن الْبَدنَة} يُرِيد أبي ابْن خلف جد الجُمَحِي؛ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشعره بالحربة كَمَا تشعر الْبَدنَة؛ فَبلغ ذَلِك الْمَنْصُور فأضحكه. وَكَانَ عبد الرَّحْمَن بن صَفْوَان قَاضِيا لهشام، فَلَمَّا قتل زيد - رَحمَه الله - صعد الْمِنْبَر ونال مِنْهُ، وَلعن حسنا رَضِي الله عَنهُ. وَكَانَ فصيحاً - لَعنه الله - فَمَا نزل عَن الْمِنْبَر حَتَّى عمى وفلج. وأتى الْحسن بن زيد - فِي ولَايَته الْمَدِينَة - بِرَجُل فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر بِهِ فَضرب، فَقَالَ لَهُ: أَسأَلك بِحَق الثَّلَاثَة لما عَفَوْت عني: يُرِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وصاحبيه؛ فَقَالَ الْحسن: بِحَق الْوَاحِد عَليّ، وحقي على الْإِثْنَيْنِ لأحسنن أدبك. لما ولي الْحسن بن زيد الْمَدِينَة، منع ابْن جُنْدُب أَن يؤم بِالنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الْأَمِير. لم تمنعني من مقَامي ومقام آبَائِي؟ قَالَ الْحسن: مَنعك مِنْهُ يَوْم

الْأَرْبَعَاء: يُرِيد قَول ابْن جُنْدُب: يَا للرِّجَال ليَوْم الْأَرْبَعَاء! أما ... يَنْفَكّ يحدث لي بعد النهى طَربا مَا إِن يزَال غزالٌ فِيهِ يفتنني ... يهوى إِلَى منزل الْأَحْزَاب منتقباً وَدخل ابْن جُنْدُب هَذَا على الْمهْدي فِي الْقُرَّاء وَفِي الْقصاص وَفِي الشُّعَرَاء وَفِي المغنين؛ فَأَجَازَهُ فيهم كلهم. وَقَالَ الْحسن لِابْنِ هرمه: إِنِّي لست كمن بَاعَ لَك دينه رَجَاء مدحك وَخَوف ذمك. فقد رَزَقَنِي الله بِوِلَادَة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الممادح وجنبني المقابح، وَإِن من حَقه على أَلا أغضى على تَقْصِير فِي حق ربه، وَأَنا أقسم لَئِن أتيت بك سَكرَان لأضربنك حدا للخمر، وحداً للسكر، ولأزيدن لموْضِع حرمتك بِي؛ فَلْيَكُن تَركك لَهَا لله تعن عَلَيْهِ، وَلَا تدعها للنَّاس فتوكل إِلَيْهِم. وَأخذ بعض الحرس زيد بن الْأَفْطَس - والأفطس: حسن بن عَليّ بن حُسَيْن ابْن عَليّ بن أَب يُطَالب - فِي شراب؛ فجَاء بِهِ إِلَى الْحسن بن زيد، فَقَالَ: قبحك الله؛ أيأخذك مثل هَذِه؟ ألم تستطع أَن تحمله فتطرحه فِي بِئْر؟ - وَكَانَ جلدا من الرِّجَال - فَقَالَ: الطَّاعَة للسُّلْطَان أصلحك الله. قَالَ: أما لأضربنك، وَلَا أضربك للشراب، وَلَكِنِّي أضربك للحمق، ثمَّ أَمر بِهِ فَضرب. وَلما قتل إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن حسن، وأتى بِرَأْسِهِ إِلَى أبي جَعْفَر. وَعِنْده حسن بن زيد، وَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد، هَذَا رَأس إِبْرَاهِيم، قَالَ: أجل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ وَالله كَمَا قَالَ الشَّاعِر: فَتى كَانَ يحميه من الضيم سَيْفه ... وينجيه من دَار الهوان اجتنابها. الْبَاب

الخامس كلام جماعه من بني هاشم المتقدمين منهم والمتاخرين

الْخَامِس كَلَام جمَاعَة من بني هَاشم الْمُتَقَدِّمين مِنْهُم والمتأخرين عبد الْمطلب لما تَتَابَعَت على قُرَيْش السنون، وَرَأَتْ رقيقَة بنت لبَابَة الرُّؤْيَا الَّتِي نذكرها من بعد خرج عبد الْمطلب حَتَّى ارْتقى أَبَا قبيس - وَمَعَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ غُلَام - فَقَالَ: اللَّهُمَّ سَاد الْخلَّة، وَكَاشف الْكُرْبَة، أَنْت عَالم غيرٌ معلمٍ، ومسئولٌ غير مبخلٍ. وَهَذِه عبداؤك وإماؤك بِعَذِرَاتٍ حَرمك يَشكونَ إِلَيْك سنتهمْ الَّتِي أكلت الظلْف والخف. فاسمعن اللَّهُمَّ، وأمطرن غيثا مريعاً مُغْدِقًا. قَالَت رقيقَة: فَمَا راموا الْبَيْت حَتَّى انفجرت السَّمَاء بِمَائِهَا، وكظ الْوَادي يثجيجه فَسمِعت شَيْخَانِ قُرَيْش وجلتها وَهِي تَقول: " هَنِيئًا لَك أَبَا الْبَطْحَاء هَنِيئًا لَك. أَي عَاشَ بك أهل الْبَطْحَاء ". وَكَانَت لعبد الْمطلب خمسٌ من السّنَن أجراها الله فِي الْإِسْلَام: حرم نسَاء الاباء على الْأَبْنَاء، وَسن الدِّيَة مائَة من الأبل، وَكَانَ يطوف بِالْبَيْتِ سَبْعَة أَشْوَاط، وَوجد كنزاً فَأخْرج مِنْهُ الْخمس، وسمى زَمْزَم حِين حفرهَا سِقَايَة الْحَاج. قيل: إِن عبد الْمطلب أَتَى فِي الْمَنَام. فَقيل: احْفِرْ زَمْزَم، بَين الفرث وَالدَّم، فَقَامَ مَا سمى لَهُ، فنحرت بقرةٌ فأفلتت من جازرها بحشاشة نَفسهَا حَتَّى غلبها فنحرت فِي الْمَسْجِد؛ فحفر عبد الْمطلب هُنَاكَ. روى عَن بعض موَالِي الْمَنْصُور قَالَ: أخرج إِلَى سُلَيْمَان بن عَليّ كتابا بِخَط عبد الْمطلب، وَإِذا هُوَ شبيهٌ بِخَط النِّسَاء فِيهِ: بِاسْمِك اللَّهُمَّ - ذكر - حق

عبد الْمطلب بن هَاشم من أهل مَكَّة على فلَان ابْن فلَان " الْحِمْيَرِي من أهل أول صنعاء. عَلَيْهِ ألف دِرْهَم فضةٍ كَيْلا بالحديد، وَمَتى دَعَاهُ بهَا أَجَابَهُ. شهد الله والملكان. وَلما سَار الأشرم صَاحب الْحَبَشَة مَعَ الْفِيل إِلَى مَكَّة لهدم الْبَيْت، وَسمعت بِهِ قُرَيْش لم يبْق بِمَكَّة أحدٌ مِنْهُم إِلَّا عبد الْمطلب، وَعَمْرو بن عَائِذ بن عمرَان ابْن مَخْزُوم، فَأرْسل الأشرم الْأسود بن مَقْصُود فِي خيل، وَأخذ إبِلا لقريش بِنَاحِيَة ثبير، فِيهَا مِائَتَا نَاقَة لعبد الْمطلب، وَأرْسل رَسُولا فَقَالَ: انْظُر من بقى من مَكَّة، فَأَتَاهَا ثمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: لم أر بهَا أحدا إِلَّا أَنى رَأَيْت رجلا لم أر مثل طوله وجماله - يَعْنِي عبد الْمطلب - وَرَأَيْت رجلا لم أر مثل قصره كَأَنَّهُ إِبْهَام الْحُبَارَى - يَعْنِي: عَمْرو بن عَائِذ؛ فَقَالَ: ايتنى بالطول، فَأَتَاهُ بِعَبْد الْمطلب، فَلَمَّا رَآهُ استجهره، وَأمر لَهُ بمنبر فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَكَلمه فازداد بِهِ عجبا، ثمَّ قَالَ لَهُ: سلني حَاجَتك. قَالَ: إِنَّك أخذت إبلي فارددها عَليّ، فَقَالَ الأشرم: لقد زهدت فِيك بعد عجبي بك. قَالَ: وَلم ذَاك أَبيت اللَّعْن؟ قَالَ: جِئْت لأهدم شرفك وحرمك، وتركتني أَن تَسْأَلنِي فِيهَا فسألتني إبلك. فَقَالَ: وَالله لحرمتى أعز عَليّ وَأعظم من مَالِي. وَلَكِن لحرمتي رب إِن شَاءَ أَن يمْنَعهَا منعهَا، وَإِن تَركهَا فَهُوَ أعلم. فَأمر برد إبِله، فَخرج عبد الْمطلب وَقَامَ بِفنَاء الْبَيْت يَدْعُو الله، وَيَقُول: لَا هم إِن الْمَرْء يم ... نع رَحْله فامنع حلالك فِي أَبْيَات وَكَانَ من أَمر الْفِيل والحبشة مَا قد قصه الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْكَرِيم، وعظمت قُرَيْش فِي أعين الْعَرَب، فسموهم أهل الله. وَكَانَ الْأسود بن مَقْصُود بن بلحارث بن كَعْب، وَكَانَ مَعَ جماعةٍ من قومه وَمَعَ خثعم نبعوا الأشرم، وَكَانُوا يسْتَحلُّونَ الْحرم، وَالْأسود هُوَ الَّذِي يَقُول:

الزبير بن عبد المطلب

يَا فرسي اعدي بيه ... إِذا سَمِعت التلبيه الزبير بن عبد الْمطلب قَالُوا: قدم الزبير بن عبد الْمطلب من أحدى الرحلتين، فَبينا رَأسه فِي حجر وليدة لَهُ وَهِي تَدْرِي ليمته إِذْ قَالَت لَهُ: ألم يرعك الْخَبَر؟ قَالَ: وَمَا ذَاك؟ قَالَت: زعم سعيد بن الْعَاصِ أَنه لَيْسَ لأبطحي أَن يعتم يَوْم عمته، فَقَالَ: وَالله لقد كَانَ عِنْدِي ذَا حجا وَقدر، وانتزع لمته من يَدهَا، وَقَالَ: يَا رعاث. على عمامتي الطول؛ فَأتى بهَا فلاثها على رَأسه، وَألقى ضيفيها حَتَّى لطخا قَدَمَيْهِ وعقبيه، وَقَالَ: على فرسي فَأتى بِهِ، فَاسْتَوَى عَن ظَهره، وَمر يخرق الْوَادي كَأَنَّهُ لَهب عرفج، فَلَقِيَهُ سُهَيْل بن عَمْرو فَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي يَا أَبَا الطَّاهِر، مَالِي أَرَاك قد تغير وَجهك؟ قَالَ: أَو لم يبلغك الْخَبَر؟ هَذَا سعيد بن الْعَاصِ يزْعم أَنه لَيْسَ لأبطحي أَن يعتم يَوْم عمته. وَلم؟ فوَاللَّه لطولنا عَلَيْهِم أظهر من وضح النَّهَار، وقمر التَّمام، وَنجم الساري، والآن تنثل كنانتها، فتعجم قريشٌ عيدانها فتعرف بازل عامنا وثنياته. فَقَالَ لَهُ سُهَيْل: رفقا. بِأبي أَنْت وَأمي فَإِنَّهُ ابْن عمك. وَلنْ يعييك شأوه، وَلنْ يقصر عَنهُ طولك. وَبلغ الْخَبَر سعيدا فَرَحل نَاقَته واغترز رَحْله، وَنَجَا إِلَى الطَّائِف. فَقيل لَهُ: أَتُرِيدُ الْجلاء؟ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت الْجلاء خيرا من الفناء. وَمضى قَصده. أَبُو طَالب خطب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي تَزْوِيجه خَدِيجَة بنت خوليد؛ فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي جعلنَا من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم، وَزرع إِسْمَاعِيل، وَجعل لنا بَلَدا حَرَامًا، وبيتاً محجوجاً، وَجَعَلنَا الْحُكَّام على النَّاس، ثمَّ إِن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن أخي من لَا يوازن بِهِ فَتى من قُرَيْش إِلَّا رجح بِهِ برا وفضلاً، وكرما وعقلاً، ومجداً ونيلاً، وَإِن كَانَ فِي المَال قل، فَإِنَّمَا المَال ظلّ زائلٌ، وعاريةٌ مسترجعةٌ، وَله فِي خَدِيجَة بنت خويلدٍ رغبةٌ، وَلها فِيهِ مثل ذَلِك. وَمَا أَحْبَبْتُم من الصَدَاق فعلى.

روى أَبُو الْحُسَيْن النسابة بِإِسْنَاد لَهُ قَالَ: قَالَ أَبُو رَافع مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -: سَمِعت أَبَا طَالب يَقُول: حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله - ابْن أخي - أَن ربه تبَارك وَتَعَالَى بَعثه بصلَة الرَّحِم، وَأَن يعبد الله وَحده وَلَا يعبد مَعَه غَيره، وَمُحَمّد عِنْدِي الصدوق الْأمين. قَالَ أَبُو الْحُسَيْن: قد قَالَ أَبُو طَالب من التَّوْحِيد نظما ونثرا مَالا خَفَاء بِهِ، فَمن ذَلِك قَوْله لابْنَيْهِ: جعفرٍ وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا: لَا تخذلا وانصرا ابْن عمكما ... أخي ابْن أُمِّي من بَينهم وَأبي وَالله لَا أخذل النَّبِي وَلَا ... يَخْذُلهُ من بني ذُو حسب فَسَماهُ النَّبِي وَقَالَ: عَلَيْهَا المراجيح من هاشمٍ ... هم الأنجبون مَعَ المنتجب فَسَماهُ المنتجب، وَقَالَ: أمينٌ صدوقٌ فِي الْأَنَام مُسَوَّم ... بخاتمٍ رب قاهرٍ للخواتم فَسَماهُ الْأمين والصدوق، وَقَالَ: وَحكم نَبِي جَاءَ يَدْعُو إِلَى الْهدى ... ودينٍ أَتَى من عِنْد ذى الْعَرْش قيم وَقَالَ: ألم تعلمُوا أَنا وجدنَا مُحَمَّدًا ... نَبيا كموسى خطّ فِي أول الْكتب وَقَالَ: وتلقوا ربيع الأبطحين مُحَمَّدًا ... على ربوةٍ من رَأس عنقاء عيطل فَسَماهُ ربيع الأبطحين وَلما استسقى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فسقى، قَالَ: من ينشدنا قَول أَب يُطَالب؟ فأنشده أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمةٍ للأوامل

العباس بن عبد المطلب

وَلما قتل أهل بدر وجر الْقَوْم إِلَى القليب؛ الْتفت صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَبى بكر، فَقَالَ: كَيفَ قَول أَب يُطَالب " بالأماثل " فَقَالَ: وَإِنَّا لعمر الله إِن جد جدنا ... لتلتبسن أسيافنا بالأماثل فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد التبست. وَقَالَ الْمَأْمُون: أسلم أَبُو طَالب بقوله: نصرنَا الرَّسُول رَسُول المليك ... بقضبٍ تلألأ مثل البروق ومشت إِلَيْهِ قُرَيْش بعمارة بن الْوَلِيد؛ فَقَالُوا: ادْفَعْ لنا مُحَمَّدًا نَقْتُلهُ لِئَلَّا يُغير ديننَا ويعرضنا لقِتَال الْعَرَب، وَأمْسك عمَارَة فاتخذه ولدا - وَكَانَ عمَارَة جميلاً جهيراً - فَقَالَ: مَا أنصفتموني يَا معشر قُرَيْش، أدفَع إِلَيْكُم ابْني تَقْتُلُونَهُ، وَأمْسك ابنكم أغذوه لكم. الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب سُئِلَ: أَنْت أكبر أم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: رَسُول الله أكبر، وَأَنا أسن. ولدت قبله بِثَلَاث سِنِين. أذكر وَقد قيل لأمي: إِن آمِنَة قد ولدت ابْنا؛ فأدخلتني إِلَيْهِ صَبِيحَة اللَّيْلَة الَّتِي ولد فِيهَا، وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمصع برجليه، وَالنِّسَاء يجبذنني عَلَيْهِ، يقن: قبل أَخَاك. قيل لما قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - اجْتمع عليٌ وَالْعَبَّاس وجماعةٌ من حفدتهم ومواليهم فِي منزل رجل من الْأَنْصَار لإجالة الرَّأْي، فبدر بهم أَبُو سُفْيَان فجَاء حَتَّى طرق الْبَاب؛ فَقَالَ: أنْشدكُمْ الله أَن تَكُونُوا أول من قطع رحم بني عبد منَاف، ثمَّ جَاءَ الزبير يهدج حَتَّى طرق الْبَاب، فَقَالَ: أنْشدكُمْ الله والخئولة، والصهورة، فَلَمَّا حضر أرم الْقَوْم عَن الْكَلَام، فَلَمَّا رأى أَبُو سُفْيَان ذَلِك قَالَ: مجدٌ قديمٌ أثل بشرف الْأَبَد، يَا بني عبد منَاف؛ ذبوا عَن مجدكم، وانصحوا عَن سؤددكم، وَإِيَّاكُم أَن تخلعوا تَاج كرامةٍ ألبسكم الله إِيَّاه، وفضلكم بهَا، إِنَّهَا عقب نبوةٍ، فَمن قصر عَنْهَا اتبع.

وَقَالَ الزبير: قد سَمِعْتُمْ مقَالَته، فابذلوا الشّركَة، وأحسنوا النِّيَّة؛ فَلَنْ يسْتَغْنى من اسْتحق هَذَا الْأَمر عَن مقَاتل يُقَاتل مَعَه، وموئلٍ يلجأ إِلَيْهِ، والمقاتل مَعكُمْ خيرٌ من الْمقَاتل لكم. فَقَالَ الْعَبَّاس: قد سمعنَا مَقَالَتَكُمْ، فَلَا لقلةٍ نستعين بكم، وَلَا لظنةٍ نَتْرُك آراءكم، وَلَكِن لالتماس الْحق؛ فأمهلونا نراجع الفكرة. فَإِن يكن لنا من الْإِثْم مخرجٌ يصر بِنَا وبهم الْحق صرير الجدجد، ونبسط أكفا إِلَى الْمجد؛ لَا نقبضها أَو تبلغ المدى؛ وَإِن تكن الْأُخْرَى فَلَا لقلةٍ فِي الْعدَد، وَلَا لوهن فِي الأيد. وَالله لَوْلَا أَن الْإِسْلَام قيد الفتك لتدكدكت جنادل صخرٍ يسمع اصطكاكها من مَحل الأثيل. قَالَ: فَحل عَليّ رَضِي الله عَنهُ حبوته، وَكَذَا كَانَ يفعل إِذا تكلم؛ وَجَثَا على رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ: الْحلم صبرٌ، وَالتَّقوى دين، وَالْحجّة محمدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالطَّرِيق الصِّرَاط. إيهاً رحمكم الله، شَقوا متلاطمات أمواج الْفِتَن، بحيازيم سفن النجَاة، وعرجوا عَن سَبِيل المنافرة، وحطوا تيجان الْمُفَاخَرَة، أَفْلح من نَهَضَ بجناحٍ، واستسلم فأراح. مَا آجن لقْمَة تغص آكلها! ومجتنى الثَّمَرَة لغير إيناعها كالزارع فِي غير أرضه أما لَو أَقُول مَا أعلم لتداخلت أضلاعٌ تدَاخل دوارة الرحا. وَإِن أسكت يَقُولُوا جزع ابْن أبي طَالب من الْمَوْت. هَيْهَات هَيْهَات بعد اللتيا وَالَّتِي. وَالله لعَلي آنس بِالْمَوْتِ من الطِّفْل بثدي أمه، وَلَكِنِّي أدمجت على مَكْنُون علمٍ لَو بحت بِهِ لاضطربتم اضْطِرَاب الأرشية فِي الطوى الْبَعِيدَة. ثمَّ نَهَضَ وفرقهم، وَأَبُو سُفْيَان يَقُول: لشيءٍ مَا فرقنا ابْن أَب يُطَالب. روى أَحْمد بن أبي طَاهِر فِي كتاب " المنثور والمنظوم " بِإِسْنَاد لَهُ عَن الْبَراء ابْن عازبٍ قَالَ: لم أزل لبني هاشمٍ محبا؛ فَلَمَّا قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تخوفت أَن تتمالأ قُرَيْش على إِخْرَاج هَذَا الْأَمر من بني هَاشم؛ فأخذني مَا يَأْخُذ الواله العجول مَعَ مَا فِي نَفسِي من الْحزن لوفاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد مَلأ الهاشميون بَيتهمْ، فَكنت أتردد بَينهم وَبَين الْمَسْجِد أتفقد وُجُوه قُرَيْش، فَإِنِّي لكذلك إِذْ

فقدت أَبَا بكر وَعمر، ثمَّ لم ألبث إِذْ أَنا بِأبي قد أقبل فِي أهل السَّقِيفَة، وهم يحتجزون الأزر الصنعانية، لَا يَمرونَ بِأحد إِلَّا خطبوه، فَإِذا عرفوه قدموه فمدوا يَده، فمسحوها على يَد أبي بكرٍ، وَقَالُوا لَهُ: بَايع. شَاءَ ذَلِك أَو أَبى، فأنكرت عِنْد ذَلِك عَقْلِي، وَخرجت مسرعاً حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى بني هَاشم - وَالْبَاب مغلقٌ - فَضربت الْبَاب عَلَيْهِم ضربا عنيفاً، وَقلت: قد بَايع النَّاس أَبَا بكر بن أبي قُحَافَة. فَقَالَ الْعَبَّاس: ترحت أَيْدِيكُم إِلَى آخر الدَّهْر؛ أما إِنِّي قد أَمرتكُم فعصيتموني. قَالَ الْبَراء: فَمَكثت أكابد مَا فِي نَفسِي، وَرَأَيْت فِي اللَّيْل الْمِقْدَاد بن الْأسود، وَعبادَة بن الصَّامِت، وسلمان الْفَارِسِي، وَأَبا ذَر وَأَبا الْهَيْثَم بن التيهَان، وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان. وَإِذا هم يُرِيدُونَ أَن يعود المر شُورَى بَين الْمُهَاجِرين، وَبلغ ذَلِك أَبَا بكر وَعمر فأرسلا إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح وَإِلَى الْمُغيرَة بن شُعْبَة، فسألاهما عَن الرَّأْي؛ فَقَالَ الْمُغيرَة: أرى أَن تلقوا الْعَبَّاس فتجعلوا فِي هَذَا الْأَمر نَصِيبا لَهُ ولعقبه؛ فتقطعوا بذلك نَاحيَة عَليّ بن أبي طَالب. فَانْطَلق أَبُو بكر وَعمر وَأَبُو عُبَيْدَة والمغيرة، حَتَّى دخلُوا على الْعَبَّاس فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة من وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَحَمدَ أَبُو بكر الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: إِن الله ابتعث لكم مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا، وَلِلْمُؤْمنِينَ وليا، فَمن الله عَلَيْهِم بِكَوْنِهِ بَين ظهرانيهم، حَتَّى اخْتَار لَهُ مَا عِنْده فخلى على النَّاس أُمُورهم، ليختاروا لأَنْفُسِهِمْ فِي مصلحتهم، متفقين لَا مُخْتَلفين، فاختاروني عَلَيْهِم والياً، ولأمورهم رَاعيا؛ فتوليت ذَلِك عَلَيْهِم، وَمَا أَخَاف بعون الله وتسديده وَهنا وَلَا حيرةً وَلَا جبنا، " وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب ". وَمَا انْفَكَّ يبلغنِي عَن طاعنٍ يَقُول بِخِلَاف عَامَّة الْمُسلمين، يتخذكم لجئاً فتكونوا حصنه المنيع، وخطبه البديع. فإمَّا دَخَلْتُم فِيمَا اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس، أَو صرفتموهم عَمَّا مالوا إِلَيْهِ، وَقد جِئْنَا وَنحن نُرِيد أَن نجْعَل لَك فِي هَذَا الْأَمر نَصِيبا، يكون لَك ويمون لمن بعْدك إِذْ كنت عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَإِن كَانَ

النَّاس قد رَأَوْا مَكَانك من رَسُول الله وَمَكَان أَصْحَابك فعدلوا هَذَا الْأَمر عَنْكُم، وعَلى رسلكُمْ بني هَاشم؛ فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منا ومنكم. فَقَالَ عمر: إِي واله وَأُخْرَى أَنا لم نأتكم حَاجَة إِلَيْكُم، وَلَكنَّا كرهنا أَن يكون الطعْن فِيمَا اجْتمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ مِنْكُم، فيتفاقم الْخطب بكم وبهم. فانظروا لأنفسكم ولعامتكم. فَحَمدَ الله الْعَبَّاس وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: إِن الله ابتعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَمَا وصفت - نَبيا. وَلِلْمُؤْمنِينَ وليا، فَمن الله بِهِ على كل حَتَّى اخْتَار لَهُ مَا عِنْده، فَخَل النَّاس على أَمرهم مختاروا لأَنْفُسِهِمْ، مصيبين للحق، لَا مائلين بزبغ الْهوى. وَإِن كنت برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طلبت فحقنا أخذت، وَإِن كنت بِالْمُؤْمِنِينَ طلبت فَنحْن مِنْهُم، مَا تقدمنا فِي أَمركُم فرطا، وَلَا حللنا وسطا، وَلَا برحنا سخطاً. وَإِن كَانَ هَذَا الْأَمر إِنَّمَا يجب لَك بِالْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجب إِذْ كُنَّا كارهين. وَمَا أبعد قَوْلك إِنَّهُم طعنوا عَلَيْك من قَوْلك إِنَّهُم مالوا إِلَيْك! وَأما مَا بذلت فَإِن يكن حَقك أعطيتناه فأمسكه عَلَيْهِ، وَإِن يكن حق الْمُؤمنِينَ فَلَيْسَ لَك أَن تحكم فِيهِ. وَإِن يكن حَقنا لم نرض مِنْك بِبَعْضِه دون بعض. وَمَا أَقُول هَذَا أروم صرفك، وَلَكِن للحجة نصِيبهَا من الْبَيَان. وَأما قَوْلك: إِن رَسُول الله منا ومنكم، فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ من شَجَرَة نَحن أَغْصَانهَا وَأَنْتُم جِيرَانهَا. وَأما قَوْلك: يَا عمر إِنَّك تخَاف النَّاس علينا، فَهَذَا الَّذِي تقدمتم بِهِ أول ذَلِك. وَالله الْمُسْتَعَان. لما خرج عمر بِالْعَبَّاسِ يَسْتَسْقِي بِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نتقرب إِلَيْك بعم نبيك، وقفية آبَائِهِ وكبير رِجَاله، فَإنَّك تَقول وقولك الْحق: " وَأما الْجِدَار فَكَانَ لغلامين يتيمين فِي الْمَدِينَة وَكَانَ تَحْتَهُ كنزٌ لَهما وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا "؛ فحفظتهما لصلاح أَبِيهِمَا، فاحفظ نبيك فِي عَمه، فقد دلونا بِهِ إِلَيْك مستشفعين ومستغفرين، ثمَّ أقبل على النَّاس فَقَالَ: " اسْتغْفر ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدراراً ".

قَالَ: رَأَيْت الْعَبَّاس وَقد طَال عمره، وَعَيناهُ تَنْضَحَانِ، وسبابته تجول على صَدره، وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ أَنْت الرَّاعِي، لَا تهمل الضَّالة، وَلَا تدع الكسير بدار مضيعةٍ، فقد ضرع الصَّغِير، ورق الْكَبِير، وَارْتَفَعت الشكوى، وَأَنت تعلم السِّرّ وأخفىز اللَّهُمَّ فأغثهم بغياثك من قبل أَن يقنطوا فيهلكوا؛ فَإِنَّهُ لَا ييأس من روحك إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ. قَالَ: فشأت طريرةٌ من سَحَاب. فَقَالَ النَّاس: ترَوْنَ، ترَوْنَ، ثمَّ تلامت واستتمت، ومشت فِيهَا ريح، ثمَّ هدت وَدرت، فوَاللَّه مَا برحوا حَتَّى اعتلقوا الْحذاء وقلصوا المآزر؛ وطفق النَّاس بِالْعَبَّاسِ يمسحون أردانه، وَيَقُولُونَ: هَنِيئًا لَك ساقي الْحَرَمَيْنِ. روى الشّعبِيّ قَالَ: قَالَ لي عبد الله بن عَبَّاس: قَالَ لي أبي الْعَبَّاس: يَا بني إِن أُمِّي رالمؤمنين قد اختصك دون منارى من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فاحفظ عني ثَلَاثًا وَلَا تجاوزهن: لَا يجربن عَلَيْك كذبا، وَلَا تغتب عِنْده أحدا، وَلَا تفشين لَهُ سرا. قَالَ: فَقلت يَا أَبَا عَبَّاس؛ كل واحدةٍ خيرٌ من ألف، فَقَالَ: كل وَاحِدَة خير من عشرَة آلَاف. قَالَ الْعَبَّاس: شهِدت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حنيناً، فَلَمَّا انهزم النَّاس قَالَ: نَاد: يَا أَصْحَاب السمرَة، فناديت؛ فوَاللَّه لَكَانَ عطفتهم حِين سمعُوا صوتي عطفة الْبَقر على أَوْلَادهَا. قَالَ أَبُو الْيُسْر: لقِيت الْعَبَّاس يَوْم أحد، فَقَالَ: أصَاب الْقَتْل مُحَمَّدًا؟ قلت: الله أعز لَهُ وَأَمْنَع، فَقَالَ: جلل مَا عدا مُحَمَّدًا. وَقَالَ الْعَبَّاس: يَا بني عبد الْمطلب اختضبوا بِالسَّوَادِ، فَإِنَّهُ أحظى لكم عِنْد نِسَائِكُم، وأهيب لكم فِي صُدُور عَدوكُمْ. وَقَالَ لِابْنِهِ: يَا بني تعلم الْعلم، وَلَا تعلمه لترائي بِهِ، وَلَا لتباهي بِهِ، وَلَا لتماري بِهِ؛ وَلَا تَدعه رَغْبَة فِي الْجَهْل، وزهادةً فِي الْعلم، واستحياء من التَّعَلُّم.

عقيل

عقيل قَالَ مُعَاوِيَة يَوْمًا: هَذَا أَبُو يزِيد، لَوْلَا أَنه علم أَنِّي خيرٌ لَهُ من أَخِيه لما أَقَامَ عندنَا وَتَركه، فَقَالَ لَهُ عقيل: أخي خير لي فِي ديني، وَأَنت خيرٌ لي فِي دنياي. وَقَالَ لَهُ مرّة: أَنْت مَعنا يَا أَبَا يزِيد، قَالَ: وَيَوْم بدرٍ كنت مَعكُمْ. وَقَالَت لَهُ ارمأته - وَهِي ابْنة عتبَة بن ربيعَة: يَا بني هَاشم؛ لَا يحبكم قلبِي أبدا، أَيْن أبي؟ أَيْن أخي، أَيْن عمي؟ كَأَن أَعْنَاقهم أَبَارِيق الْفضة تَرَ آنفهم قبل شفاههم المَاء. فَقَالَ لَهَا عقيل: إِذا دخلت جَهَنَّم فَخذي عَن شمالك. تزوج امْرَأَة، فَقيل لَهُ بالرفاء والبنين، فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِذا تزوج أحدكُم فَلْيقل لَهُ بَارك الله فِيك وَبَارك عَلَيْك ". مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الْحَنَفِيَّة رَضِي الله عَنهُ - ابْن حنفية - قيل لَهُ: من أَشد النَّاس زهدا؟ من لَا يُبَالِي الدُّنْيَا فِي يَد من كَانَت. وَقيل لَهُ: من أخسر النَّاس صَفْقَة؟ قَالَ: من بَاعَ الْبَاقِي بالفاني. وَقيل لَهُ: من أعظم النَّاس قدرا؟ قَالَ: من لايرى الدُّنْيَا قدرا لنَفسِهِ. وَقَالَ: من كرمت عَلَيْهِ نَفسه صغرت الدُّنْيَا فِي عَيْنَيْهِ. وَكَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ أَعنِي على الدُّنْيَا بالغنى، وعَلى الْآخِرَة بالتقوى. وَقَالَ المُنَافِقُونَ لَهُ: لم يغرر بك أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الْحَرْب وَلَا يغرر بالْحسنِ وَالْحُسَيْن؟ قَالَ: لِأَنَّهُمَا عَيناهُ، وَأَنا يَمِينه؛ فَهُوَ يدْفع بِيَمِينِهِ عَن عَيْنَيْهِ.

وَكتب إِلَى ابْن الْعَبَّاس حِين سيره ابْن الزبير إِلَى الطَّائِف: أما بعد، قد بَلغنِي أَن ابْن الزبير سيرك إِلَى الطَّائِف، فأحدث اله جلّ وَعز لَك بذلك ذخْرا حط بِهِ عَنْك وزراً. يَا بن عَم؛ إِنَّمَا يبتلى الصالحون، وتعد الْكَرَامَة للأخيار؛ وَلَو لم تؤجر إِلَّا فِيمَا تحب لقل الْأجر، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: " وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خيرٌ لكم وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شرٌ لكم ". عزم الله لنا ذَلِك بِالصبرِ على الْبلَاء، وَالشُّكْر على النعماء، وَلَا أشمت بِنَا عدوا وَالسَّلَام. وَقَالَ: مَالك من عيشك إِلَّا لَذَّة تزدلف بك إِلَى حمامك، وتقربك من يَوْمك، فأية أكلةٍ لَيْسَ مَعهَا غصصٌ، أَو شربةٍ لَيْسَ مَعهَا شرقٌ؟ فَتَأمل أَمرك؛ فكأنك قد صرت الحبيب الْمَفْقُود، والخيال المخترم. أهل الدُّنْيَا أهل سفرٍ لَا يحلونَ عقد رحالهم إِلَّا فِي غَيرهَا. وَقَالَ فِي قَوْله عز ذكره: " هَل جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان " هِيَ مسجلةٌ للبر والفاجر يَعْنِي مُرْسلَة. وَذكر رجلا يَلِي بعد السفياني، فَقَالَ: حمش الذراعين والساقين، مصفح الرَّأْس، غائر الْعَينَيْنِ، بَين شث وطباقِ. وَلما دَعَاهُ ابْن الزبير إِلَى الْبيعَة قَالَ: إِنَّمَا ابْن الزبير شيطانٌ كلما رفع رَأسه قمعه الله. وَقَالَ: إِنِّي أكره أَن أيسر هَذِه الْأمة أمرهَا وآتيها من غير وَجههَا. وَذكر أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: كَانَ إِذا تكلم بذ، وَإِذا كلم حذ. وَهَذَا مثل قَول غَيره: كَانَ عَليّ إِذا تكلم فصل، وَإِذا ضرب قتل. وَقَالَ غَيره: كَانَ إِذا اعْترض قطّ وَإِذا اعتلى قد. وَقَالَ مُحَمَّد: الْكَمَال فِي ثَلَاثَة: الْفِقْه فِي الدّين، وَالصَّبْر فِي النوائب، وَحسن تَقْدِير الْمَعيشَة.

ابن عباس

وَكَانَ محمدٌ قَوِيا شَدِيد الأيد، وَله فِي ذَلِك أَحَادِيث مِنْهَا: أَن أَيَّاهُ عَلَيْهِ السَّلَام اشْترى درعا فاستطالها، فَقَالَ: لينقص مِنْهَا كَذَا، وَعلم عِنْد موضعٍ مِنْهَا، فَقبض محمدٌ بِيَدِهِ الْيُمْنَى على ذيلها، وبالأخرى على فَضلهَا، ثمَّ جذبه، فقطعها من الْموضع الَّذِي حَده أَبوهُ. وَكَانَ عبد الله بن الزبير إِذا حدث بذلك غضب واعتراه أفكل، وَكَانَ يحسده على قوته. ابْن عَبَّاس قيل لعبد الله بن عَبَّاس: مَا منع عليا رَضِي الله عَنهُ أَن يَبْعَثك مَعَ عَمْرو يَوْم التَّحْكِيم، فَقَالَ: مَا مَنعه وَالله إِلَّا حاجز الْقدر ومحنة الِابْتِلَاء، وَقصر الْمدَّة. أما وَالله لَو وَجه بِي لجلست فِي مدارج نَفسه، نَاقِصا مَا أبرم، ومبرماً مَا نقص. أطير إِذا أَسف، وأسف إِذا طَار، وَلَكِن مضى قدرٌ وَبَقِي أسفٌ، وَمَعَ الْيَوْم غدٌ وَالْآخِرَة خيرٌ لأمير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: أَنِّي زيد بن ثَابت بدابته، فَأخذ ابْن عَبَّاس بركابه؛ فَقَالَ زيد: دَعه بِاللَّه؛ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هَكَذَا أمرنَا أَن نَفْعل بعلمائنا. فَقَالَ زيد: أخرج يدك؛ فأخرجها، فقبلها زيدٌ وَقَالَ: هَكَذَا أمرنَا أَن نَفْعل بِأَهْل بَيت نَبينَا عَلَيْهِ السَّلَام. وَكَانَ يَقُول: تواعظوا وَتَنَاهوا عَن مَعْصِيّة ربكُم؛ فَإِن الموعظة تنبيهٌ للقلوب من سنة الْغَفْلَة، وشفاءٌ من دَاء الْجَهَالَة، وفكاكٌ من رق ملكة الْهوى. وَدخل على مُعَاوِيَة؛ فَقَالَ لَهُ: أَلا أنبئك؟ مَاتَ الْحسن بن عَليّ، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِذا لَا يدْفن فِي قبرك، وَلَا يزِيد مَوته فِي عمرك، وَقَبله مَا فجعنا بخيرٍ مِنْهُ، فجبر الله وَأحسن. وَمن كَلَامه: مَا رضى الناء بشيءٍ من أقسامهم كَمَا رَضوا بأوطانهم. وَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: أَخْبرنِي عَن بني هَاشم وَبني أُميَّة. قَالَ: أَنْت أعلم بهم قَالَ: أسمت عَلَيْك لتخبرني. قَالَ: نَحن أفْصح وَأصْبح وأسمح، وَأَنْتُم أمكر وَأنكر وأغدر.

وَقَالَ: من استؤذن عَلَيْهِ فَهُوَ ملك. مر مُعَاوِيَة بِقوم من قُرَيْش، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامُوا غير عبد الله بن عَبَّاس؛ فَقَالَ: يَا بن عَبَّاس؛ مَا مَنعك من الْقيام كَمَا قَامَ أَصْحَابك؟ مَا ذَاك إِلَّا لموجدة أَنى قاتلتكم بصفين، فَلَا تَجِد؛ فَإِن عُثْمَان ابْن عمي قتل مَظْلُوما. قَالَ ابْن عَبَّاس: فعمر بن الْخطاب قتل مَظْلُوما. قَالَ: إِن عمر قَتله كَافِر قَالَ ابْن عَبَّاس. فَمن قتل عُثْمَان؟ قَالَ: الْمُسلمُونَ. قَالَ: فَذَاك أدحض لحجتك. قَالَ ابْن عَبَّاس: أهبط مَعَ آدم المطرقة والميقعة والكلبتان. وَسُئِلَ عَن عمر، فَقَالَ: كَانَ كالطير الحذر، يرى أَن لَهُ فِي كل طريقٍ شركا يَأْخُذهُ. قَالَ قلت لعمر: مَتى يُسَارع النَّاس فِي الْقُرْآن يحتقوا، وَمَتى يحتقوا يختصموا، وَمَتى يختصموا يَخْتَلِفُوا، وَمَتى يَخْتَلِفُوا يقتتلوا. وَقَالَ: لِأَن أَمسَح على ظهر عابرٍ بالفلاة أحب إِلَيّ من أَن أَمسَح على خف. وَقَالَ لَهُ رجل: مَا تَقول فِي سُلْطَان علينا تغشمونا وتظلمونا؟ قَالَ: إِن أَتَاك أهدل الشفتين منتشر المنخرين فأعطه صدقتك. وَقَالَ: إياك والقبالات؛ فَإِنَّهَا صغارٌ، وفضلها رَبًّا. وَقَالَ لع عبد الله بن صَفْوَان: كَيفَ كَانَت إِمَارَة الأخلاف فِيكُم؟ يَعْنِي إِمَارَة عمر؛ فَقَالَ: الَّتِي قبلهَا خيرٌ. أَو سنة عمر تُرِيدُ أَنْت وَصَاحِبك ابْن الزبير؟ تركتما وَالله سنة عمر شأواً مغرباً. قَالَ أَبُو حسان: قلت لِابْنِ عَبَّاس: مَا هَذِه الْفتيا الَّتِي تفشغت من طَاف فقد حل؟ قَالَ: سنة نَبِيكُم عَلَيْهِ السَّلَام وَإِن رغمتم. وَقَامَ عَمْرو بن الْعَاصِ بِالْمَوْسِمِ؛ فأطرى مُعَاوِيَة وَبني أُميَّة، وَتَنَاول من بني هَاشم، وَذكر مشاهده بصفين؛ فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: يَا عَمْرو؛ إِنَّك بِعْت

دينك من مُعَاوِيَة؛ فأعطيته مَا فِي يدك، ومناك مَا فِي يَد غَيره، وَكَانَ الَّذِي أَخذ مِنْك فَوق الَّذِي أَعْطَاك، وَكَانَ الَّذِي أخذت مِنْهُ دون الَّذِي أَعْطيته؛ وكل راضٍ بِمَا أَخذ وَأعْطى؛ فَلَمَّا صَارَت مصر فِي يدك تتبعك فِيهَا بِالْعَزْلِ والتنقص حَتَّى لَو أَن نَفسك فِيهَا ألقيتها إِلَيْهِ. وَذكرت مشاهدك بصفين، فَمَا ثقلت علينا وطأتك، وَلَا نكأتنا فِيهَا حربك، وَإِن كنت فِيهَا لطويل اللِّسَان قصير السنان، آخر الْحَرْب إِذا أَقبلت، وأولها إِذا أَدْبَرت، لَك يدان: يَد لَا تبسطها إِلَى خيرٍن ويدٌ لَا تقبضها عَن شَرّ، ووجهان: وجهٌ مؤنسٌ، ووجهٌ موحشٌ. ولعمري إِن من بَاعَ دينه بدنيا غَيره لحري أَن يطول حزنه على مَا بَاعَ وَاشْترى، لَك بيانٌ وفيك خطلٌ، وَلَك رَأْي وفيك نكلٌ، وَلَك قدرةٌ وفيك حسدٌ، فأصغر عيب فِيك أعظم عيب غَيْرك. فَقَالَ عَمْرو: أما وَالله مَا فِي قريشٍ أثقل وَطْأَة مِنْك، وَلَا لأحدٍ من قريشٍ عِنْدِي مثل قدرك. وَقَالَ بَعضهم: قلت لِابْنِ عَبَّاس: أَخْبرنِي عَن أبي بكر. قَالَ: كَانَ خيرا كُله على الحدة وَشدَّة الْغَضَب. قلت: أَخْبرنِي عَن عمر. قَالَ: كَانَ كالطائر الحذر قد علم أَنه نصب لَهُ فِي كل وَجه حبالةٌ، وَكَانَ يعْمل لكل يَوْم بِمَا فِيهِ على عنف السِّيَاق. قلت: أَخْبرنِي عَن عُثْمَان. قَالَ: كَانَ وَالله صواماً قواماً، لم يخدعه نَومه عَن يقظته. قلت: فصاحبكم. قَالَ: كَانَ وَالله مملوءاً علما وحلماً غرته سابقته وقرابته، وَكَانَ يرى أَنه لَا يطْلب شَيْئا إِلَّا قدر عَلَيْهِ. قَالَ: أَكُنْتُم تَرَوْنَهُ محدوداً؟ قَالَ: أَنْتُم تَقولُونَ ذَلِك. وَقيل لَهُ: أَنِّي لَك هَذَا الْعلم؟ فَقَالَ: قلب عقول ولسان شئول. وَقَالَ: من ترك قَول: " لَا أَدْرِي " أُصِيبَت مقاتله.

قَالَ عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس. كنت مَعَ أبي بِمَكَّة بَعْدَمَا كف بَصَره وَسَعِيد بن جُبَير يَقُودهُ، فَمر بِصفة زَمْزَم، وَإِذا قومٌ من أهل الشَّام يسبون عليا رَضِي عَنهُ، فَقَالَ لسَعِيد: ردني إِلَيْهِم، فَرده، فَوقف عَلَيْهِم فَقَالَ: أَيّكُم الساب الله؟ قَالُوا: سُبْحَانَ الله. مَا فِينَا أحدٌ سبّ الله. قَالَ: فَأَيكُمْ الساب رَسُول الله؟ قَالُوا: سُبْحَانَ الله، مَا فعلنَا، قَالَ: فَأَيكُمْ الساب عَليّ بن أبي طَالب؟ قَالُوا: أما هَذَا فقد كَانَ. قَالَ: أشهد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسمعته يَقُول: " من سبّ عليا فقد سبني، وَمن سبنب فقد سبّ الله، وَمن سبّ الله كَبه الله على مَنْخرَيْهِ فِي نَار جَهَنَّم ". ثمَّ ولى، فَقَالَ لي: يَا بني. مَا رَأَيْتهمْ صَنَعُوا؛ فَقلت: يَا أبه؛ نظرُوا إِلَيْك بأعينٍ محمرةٍ ... نظر التيوس إِلَى شفار الجازر وَقَالَ: أربعةٌ لَا أقدر لَهُم على مُكَافَأَة: رجل بَات وَحَاجته تململ فِي صَدره حَتَّى أصبح فقصد بهَا إِلَيّ، وَرجل أفشى إِلَى السِّرّ فوضعني مَكَان قلبه، ورجلٌ ابتدأني بِالسَّلَامِ، وَرجل دَعوته فَأَجَابَنِي. . وَجَاء إِلَيْهِ رجل فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أعظ. فَقَالَ: إِن لم تخش أَن تفتضح بِثَلَاث آيَات من كتاب الله تَعَالَى: قَوْله " أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم ". وَقَوله: " يَا أَيهَا الَّذين ءامنوا لم تَقولُونَ مَالا تَفْعَلُونَ ". وَقَول العَبْد الصَّالح شُعَيْب: " وَمَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ ". أأحكمت هَذِه الْآيَات؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فابدأ بِنَفْسِك إِذا. وَقَالَ: ملاك أُمُوركُم الدّين، وزينتكم الْعلم، وحصون أعراضكم الدب. وعزكم الْحلم، وصلتكم الْوَفَاء، وطولكم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الْمَعْرُوف. فَاتَّقُوا الله يَجْعَل لكم من أَمركُم يسرا. وَقَالَ: لَيْسَ للظالم عهدٌ؛ فَإِن عاهدته فانقضه؛ فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: " لاينال عهدي الظَّالِمين ". وَقَالَ: صَاحب الْمَعْرُوف لَا يَقع؛ فَم رقع وجد مُتكئا.

وَكَانَ يَقُول إِذا وضع الطَّعَام: باسم الله عني معن كل آكلٍ معي. وَسُئِلَ عَن الجشاعة والجبن، والجود وَالْبخل؛ فَقَالَ: الشجاع يُقَاتل عَمَّن لَا يعرفهُ، والجبان يفر عَن عرسه، والجواد يعْطى من لَا يلْزمه حَقه، والبخيل يمْنَع نَفسه. واستئاره عمر فِي توليه حمص رجلا، فَقَالَ: لَا يصلح أَن يكون إِلَّا رجلا مِنْك. قَالَ: فكنه. قَالَ: لَا تنْتَفع بِي. قَالَ: وَلم؟ قَالَ: لسوء ظَنِّي فِي سوء ظَنك بِي. وَقَالَ: لَو قنع النَّاس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم مَا اشْتَكَى عبدٌ الرزق. وَقَالَ: إِذا حدث أحدكُم فأعجبه الحَدِيث فليسكت؛ فَإِن أعجبه السُّكُوت فليتحدث. وَسمع كَعْبًا يَقُول: مكتوبٌ فِي التَّوْرَاة من ظلم يخرب بَيته؛ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: تَصْدِيق ذَلِك فِي كتاب الله عز وَجل: " فَتلك بُيُوتهم خاوية بِمَا ظلمُوا ". وَقَالَ: مَا رشى الله النَّاس بشيءٍ من أصامهم كَمَا رضاهم بأوطانهم. فَقَالَ أَبُو زيد النَّحْوِيّ: بلَى وَالله وبأحسابهم؛ فَقيل لَهُ: وَكَيف؟ فَقَالَ: تَلقاهُ من عكل وسلول ومحاربٍ وغني وباهلة وَهُوَ يفاخر.

قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: " وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْن مَا كنت ". قَالَ: معلما ومؤدباً. وَقَالَ: كل ماشئت، والبس إِذا أَخْطَأتك اثْنَتَانِ: سرٌ، أَو مخيلةٌ. وَقَالَ: لجليسي على ثلاثٌ: أَن أرميه بطرفي إِذا أقبل، وَأَن أوسع لَهُ إِذا جلس، وأصغي إِلَيْهِ إِذا حدث. وَقَالَ: الْقَرَابَة تقطع، وَالْمَعْرُوف يكفر، وَلم ار كالمودة. روى عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى: " مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ بَينهمَا برزخ لَا يبغيان، " يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان ". البرحران: عَليّ وَفَاطِمَة، والبرزخ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واللؤلؤ والمرجان الْحسن وَالْحُسَيْن عَلَيْهِمَا السَّلَام. وَتكلم عِنْده رجل فخلط، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: بِكَلَام مثلك رزق السمت الْمحبَّة. وَقَالَ لمعاوية: أشتم عَليّ على مِنْبَر الْإِسْلَام وَهُوَ بناه بسيقه؟ . قيل لَهُ أَو لقثم أَخِيه: كَيفَ ورث عَليّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دونكم؟ فَقَالَ: إِنَّه كَانَ أولنا بِهِ لُحُوقا، وأشدنا بِهِ لصوقاً. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: قلت لهِنْد بن أبي هَالة - وَكَانَ ربيباً لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فلعلك أَن تكون أثبتنا معرفَة بِهِ. قَالَ: كَانَ - بَابي وَأمي - طَوِيل الصمت، دَائِم الفكرة، متواتر الأحزان، إِذا تكلم تكلم بجوامع الْكَلَام؛ لَا فضل وَلَا تَقْصِير، إِذا حدث أعَاد، وَإِذا خُولِفَ أعرض وأشاح، يتروح إِلَى حَدِيث أَصْحَابه، يعظم النِّعْمَة وَإِن دقَّتْ، وَلَا يذم ذواقاً، ويبتسم عَن مثل حب الْغَمَام. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: أكْرمُوا الْخبز؛ فَإِن الله سخر لَهُ السَّمَوَات وَالْأَرْض.

حدث عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كنت أَمْشِي مَعَ ابْن عَبَّاس وَهُوَ محرمٌ يرتجز بِالْإِبِلِ وَهُوَ يَقُول: وهنٌ يَمْشين بِنَا هَميسا ... إِن تصدق الطيرنن ... لَميسا فَقلت لَهُ: أَتَرْفُثُ وَأَنت محرم؟ فَقَالَ: إِنَّمَا الرَّفَث مَا رُوجِعَ بِهِ النِّسَاء وروى عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى: " فلنحيينه حَيْوَة طيبَة ". قَالَ: هِيَ القناعة قَالَ ابْن عَبَّاس: لما بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هجاء الْأَعْشَى عَلْقَمَة ابْن علاثة نهى أَصْحَابه أَن يرووه، وَقَالَ: " إِن أَبَا سُفْيَان شعث مني عِنْد قَيْصر فَرد عَلَيْهِ عَلْقَمَة وَكذب أَبَا سُفْيَان فَشكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك. وَقَالَ لبَعض اليمانية: لكم من السَّمَاء نجمها، وَمن الْكَعْبَة ركنها؛ وَمن السيوف صمصامها. يَعْنِي سهيلاً من النُّجُوم، والركن الْيَمَانِيّ، وصمصامة عَمْرو بن معد يكرب. وَقَالَ: لَا يزهدنك فِي الْمَعْرُوف كفر من كفر؛ فَإِنَّهُ يشكرك عَلَيْهِ من لم تصطنعه إِلَيْهِ. ذكر أَن ملك الرّوم وَجه إِلَى مُعَاوِيَة بقارورةٍ فَقَالَ: ابْعَثْ فِيهَا من كل شيءٍ، فَبعث إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: لتملأ لَهُ مَاء؛ فَلَمَّا ورد بِهِ على ملك الرّوم قَالَ: لله أَبوهُ مَا أدهاه! فَقيل لِابْنِ عَبَّاس: كَيفَ اخْتَرْت ذَلِك؟ فَقَالَ: لقَوْل الله عز وَجل: " وَجَعَلنَا من المَاء كل شيءٍ حَيّ ". وَقَالَ فِي كَلَام لَهُ يُجيب ابْن الزبير: وَالله إِنَّه لمصلوب قريشٍ، وَمَتى كَانَ عوام بن عوامٍ يطْمع فِي صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب؟ قيل للبغل: من أَبوك؟ قَالَ: خَالِي الْفرس. وَقَالَ: مَا رَأَيْت أحدا أسعفته فِي حَاجَة إِلَّا أَضَاء مَا بيني وَبَينه، وَلَا رَأَيْت أحدا رَددته عَن حاجةٍ إِلَّا أظلم مَا بيني وَبَينه.

وَقَالَ: الْعلم أَكثر من أَن يُؤْتى على آخِره، فَخُذُوا من كل شيءٍ أحْسنه. كَانَ نَافِع بن الْأَزْرَق يسْأَل ابْن عَبَّاس عَن الْقُرْآن وَغَيره، وَيطْلب مِنْهُ الِاحْتِجَاج باللغة وبشعر الْعَرَب، فَيُجِيبهُ عَن مسَائِله. وروى أَبُو عُبَيْدَة أَنه سَأَلَهُ فَقَالَ: أَرَأَيْت نَبِي الله سُلَيْمَان مَعَ مَا خوله الله عز وَجل وَأَعْطَاهُ، كَيفَ عَنى بالهدهد على قلته وضئولته؟ فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: إِنَّه احْتَاجَ إِلَى المَاء، والهدهد قناء، الأَرْض لَهُ كالزجاجة يرى بَاطِنهَا من ظَاهرهَا، فَسَأَلَ عَنهُ لذَلِك. فَقَالَ لَهُ ابْن الْأَزْرَق: قف يَا وقاف، كَيفَ يبصر مَا تَحت الأَرْض، والفخ يغطى لَهُ بِمِقْدَار إِصْبَع من تُرَاب فَلَا يبصره حَتَّى يَقع فِيهِ، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: وَيحك يَا بن الْأَزْرَق، أما علمت أَنه إِذا جَاءَ الْقدر عشى الْبَصَر. وروى أَنه أَتَاهُ يَوْمًا فَجعل يسْأَله حَتَّى أمله، فَجعل ابْن عَبَّاس يظْهر الضجر، وطلع عمر بن عبد الله بن أبي ربيعَة وَهُوَ يَوْمئِذٍ غلامٌ فَسلم وَجلسَ. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أَلا تنشدنا شَيْئا؟ فأنشده: أَمن آل نعمٍ أَنْت غادٍ فمبكر ... غَدَاة غدٍ أم رائحٌ فمهجر

حَتَّى أتمهَا وَهِي ثَمَانُون بَيْتا، فَقَالَ لَهُ ابْن الْأَزْرَق: لله أَنْت يَا بن عَبَّاس، أنضرب إِلَيْك أكباد الْإِبِل نَسْأَلك عَن الدّين فتعرض، ويأتيك غلامٌ من قُرَيْش فينشدك سفهاً فتسمعه؟ فَقَالَ: لَا وَالله مَا سَمِعت سفها. فَقَالَ ابْن الْأَزْرَق: أما أنْشدك. رَأَتْ رجلا إِذا الشَّمْس عارضت ... فيخزى، وَأما بالعشى فيخسر فَقَالَ: مَا هَكَذَا قَالَ إِنَّمَا قَالَ: فيضحى، وَأما بالعشى فيخصر. قَالَ: أَو تحفظ الَّذِي قَالَ؟ قَالَ: وَالله مَا سَمعتهَا إِلَّا سَاعَتِي هَذِه، وَلَو شِئْت أَن أردهَا لرددتها. قَالَ: فارددها؛ فأنشده إِيَّاهَا. فَقَالَ نَافِع: مَا رَأَيْت أروى مِنْك؛ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: مَا رَأَيْت أروى من عمر، وَلَا أعلم من عَليّ. سعى رجلٌ بِرَجُل إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: إِن شِئْت نَظرنَا فِيمَا قلت؛ فَإِن كنت صَادِقا مقتناك، وَإِن منت كَاذِبًا عاقبناك، وَإِن شِئْت أقلناك. قَالَ: هَذِه أحبها إِلَيّ. قَالَ: فَامْضِ حَيْثُ شِئْت. وَسُئِلَ عَن رجلٍ جعل أَمر امْرَأَته بِيَدِهَا، فَقَالَت: فَأَنت طالقٌ ثَلَاثًا؛ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: خطأ الله نوءها. أَلا طلقت نَفسهَا ثَلَاثًا. ةقال: لَا يصلين أحدكُم وَهُوَ يدافع الطوف وَالْبَوْل. وَقَالَ فِي الذَّبِيحَة بِالْعودِ: كل مَا أفرى الْأَوْدَاج غير مثردٍ. وَأَتَاهُ رجل فَقَالَ: إِنِّي أرمي الصَّيْد فأصمى وأنمى، فَقَالَ: مَا أصميت فَكل، وَمَا أنميت فَلَا تَأْكُل. وَسُئِلَ: أَي الْأَعْمَال أفضل؟ فَقَالَ: أحمزها. وَذكر عبد الْملك بن مَرْوَان؛ فَقَالَ: إِن ابْن أبي الْعَاصِ مَشى القدمية، وَإِن ابْن الزبير لوى دنيه. وَقَالَ: أمرنَا أَن نَبْنِي الْمَسَاجِد جما والمدائن شرفاً. وَقَالَ: قصر الرِّجَال على أربعٍ من أجل أَمْوَال الْيَتَامَى.

قَالَ سعيد بن جُبَير: كُنَّا مَعَ ابْن عَبَّاس بِعَرَفَات فَقَالَ: يَا سعيد، مَالِي لَا أسمع النَّاس يلبون؟ قلت: يخَافُونَ من مُعَاوِيَة؛ فَخرج ابْن عَبَّاس من فسطاطه وَقَالَ: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك. اللَّهُمَّ العنهم فَإِنَّهُم قد تركُوا السّنة لبغضهم عليا. وَقَالَ لَهُ بَعضهم: إِن فِي حجري يَتِيما، وَإِن لَهُ إبِلا فِي إبلي، فَأَنا أمنح من إبلي وأفقر. فَمَا يحل لي من إبِله؟ فَقَالَ: إِن كنت ترد نادتها، وتهنا جَرْبَاهَا، وَتَلوط حَوْضهَا؛ فَاشْرَبْ غير مُضر بنسلٍ وَلَا نَاهِك حَلبًا. وَقَالَ: مَا رَأَيْت أحدا كَانَ أخلق للْملك من مُعَاوِيَة؛ كَانَ النَّاس يردون عَنهُ أرجاء وَاد رحب لَيْسَ مثل الْحصْر العقص يعْنى ابْن الزبير. وَلما استقام رأى النَّاس عَليّ أَب يموسى بصفين أَتَاهُ عبد الله بن عَبَّاس، فَقَالَ لَهُ - وَعِنْده وُجُوه النَّاس وأشرافهم -: " يَا أَبَا مُوسَى؛ إِن النَّاس لم يرْضوا بك، وَلم يجتمعوا عَلَيْك لفضلٍ لَا تشارك فِيهِ، وَمَا أَكثر أشباهك من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار والمقدمين قبلك {وَلَكِن أهل الشَّام أَبَوا غَيْرك، وَايْم الله إِنِّي لأَظُن ذَلِك شرا لن وَلَهُم، وَإنَّهُ قد ضم إِلَيْك داهية الْعَرَب، وَلَيْسَ فِي مُعَاوِيَة خصلةٌ يسْتَحق بهَا الْخلَافَة؛ فَإِن تقذف بحقك على باطله تدْرك حَاجَتك فِيهِ، وَإِن تطمع باطله فِي حَقك يدْرك حَاجته فِيك. اعْلَم أَن مُعَاوِيَة طليق الْإِسْلَام، وَأَن أَبَاهُ من الْأَحْزَاب، وَأَنه ادّعى الْخلَافَة من غير مشورة؛ فَإِن صدقك فقد صرح بخلعه، وَإِن كَذبك فقد حرم عَلَيْك كَلَامه وَإِن زعم أَن عمر وَعُثْمَان استعملاه فَصدق؛ اسْتَعْملهُ عمر وَهُوَ الْوَالِي عَلَيْهِ، بِمَنْزِلَة الطَّبِيب من الْمَرِيض، يحميه مِمَّا يَشْتَهِي، ويزجره عَمَّا يكره، ثمَّ اسْتَعْملهُ عُثْمَان بِرَأْي عمر. وَمَا أَكثر مَا استعملا ثمَّ لم يَدْعُو الْخلَافَة وَهُوَ مِنْهُم واحدٌ} وَاعْلَم أَن لعَمْرو من كل شيءٍ يَسُرك خبيئاً يسوءك، وَمهما نسيت فَلَا تنس أَن عليا بَايعه الْقَوْم الَّذين بَايعُوا أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان، وَأَنَّهَا بيعَة هدى، وَأَنه لم يُقَاتل إِلَّا عَاصِيا وناكثاً. فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: رَحِمك الله، وَالله مَالِي إمامٌ غير عَليّ، وَإِنِّي لواقفٌ عِنْدَمَا أرى، ولرضا الله أحب إِلَى من رضَا أهل الشَّام، وَمَا أَنا وَأَنت إِلَّا بِاللَّه.

وَقَالَ لَهُ رجل: إِن رجلا من أَصْحَابِي يغتابني، فَقَالَ: مَا من غرةٍ إِلَّا وَمن جَانبهَا عرى، وَمَا الذِّئْب فِي فريسته بأسرع من ابْن الْعم الدني فِي عرض ابْن عَمه السّري. وَمر بِرَجُل ساجد يَدْعُو؛ فَقَالَ: هَكَذَا أمرْتُم فَادعوا، وتلا قَوْله تَعَالَى: " واسجد واقترب ". وَقَالَ: التمسوا الرزق بِالنِّكَاحِ. وَقَالَ: لَا غنى بِالنَّاسِ عَن النَّاس، وَلَكِن سل الله أَن يُغْنِيك عَن شرار النَّاس. وَقَالَ: إِنَّكُم من اللَّيْل وَالنَّهَار فِي آجال منقوصة، وأعمالٍ مَحْفُوظَة، من زرع خيرا أوشك أَن يحصد رَغْبَة، وَمن عمل شرا أوشك أَن يحصد ندامةً، وكل زارعٍ مَا زرع. وَلَا يسْبق بطيءٌ بحظه، وَلَا يدْرك حريصٌ مَا لم يقدر لَهُ بحرصه، وَمن أُوتى خيرا فَالله آتَاهُ، وَمن وقى شرا فَالله وَقَاه. المتقون سادةٌ، وَالْعُلَمَاء قادةٌ، ومجالستهم زِيَادَة. وَقَالَ: ذللت للْعلم طَالبا؛ فعززت مَطْلُوبا. وَسُئِلَ عَن منى - وَقيل: عجبا لمنى وضيقه فِي غير الْحَج، وَمَا يسع من الْحَاج، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن منى ليتسع بأَهْله كَمَا يَتَّسِع الرَّحِم للْوَلَد. وَكَانَ يَقُول: ألذ اللَّذَّات الإفضال على الإخوان، وَالرُّجُوع إِلَى كفايةٍ. وَخير الْعَطِيَّة مَا وَافق الْحَاجة، وَخير الْمحبَّة مَا لم يكن عَن رغبةٍ وَلَا رهبةٍ. وَقَالَ: لَا تمار سَفِيها وَلَا حَلِيمًا؛ فَإِن السَّفِيه يُؤْذِيك والحليم يقليك، واعمل عمل من يعلم أَنه مجزى بِالْحَسَنَاتِ مأخوذٌ بالسيئات. وَقَالَ: لكل داخلٍ دهشةٌ، فابدءوه بِالسَّلَامِ. وَقَالَ: أكْرم النَّاس على جليسي، إِن الذُّبَاب ليَقَع عَلَيْهِ فيؤذيني، وَمَا ادرى كَيفَ أكافئ رجلا تخطى الْمجَالِس فَجَلَسَ إِلَى؛ فَإِنَّهُ لَا يُكَافِئهُ إِلَّا الله.

عبد الله بن جعفر بن ابي طالب وولده

عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب وَولده مر بِبَاب قوم، وجاريةٌ تغنيهم؛ فَلَمَّا سمع غناءها دخل من غير أَن اسْتَأْذن، فرحبوا بِهِ، وَقَالُوا: كَيفَ دخلت يَا أَبَا جَعْفَر؟ قَالَ: لأنكم أذنتم لي قَالُوا: وَكَيف؟ قَالَ: سَمِعت الْجَارِيَة تَقول: قل لكرامٍ ببابنا يلجوا ... مَا فِي التصابي على الْفَتى حرج وَقَالَ لابنته: يَا بنية. إياك والغيرة فَإِنَّهَا مِفْتَاح الطَّلَاق، وَإِيَّاك والمعاتبة فَإِنَّهَا تورث الضغينة، وَعَلَيْك بالزينة، واعلمي أَن أزين الزِّينَة الْكحل، وَأطيب الطّيب المَاء. وَقَالَ: لَا تَسْتَحي من إِعْطَاء الْقَلِيل؛ فَإِن الْبُخْل أقل مِنْهُ. وربى يماكس وَكيله فِي دِرْهَم؛ فَقَالَ لَهُ قَائِل: أتماكس فِي درهمٍ وَأَنت تجود بِمَا تجود بِهِ؟ قَالَ: ذَلِك مَالِي جدت بِهِ وَهَذَا عَقْلِي بخلت بِهِ. وَقَالَ: لَا خير ف يالمعروف إِلَّا أَن يكون ابْتِدَاء؛ فَأَما أَن يَأْتِيك الرجل بعد تململٍ على فرَاشه، وأرق عَن وسنته، لَا يدْرِي أيرجع بنجج الْمطلب أم بكآبة المتقلب، فَإِن أَنْت رَددته عَن حَاجته تصاغرت إِلَيْك نَفسه، وتراجع الدَّم فِي وَجهه، تمنى أَن يجد فِي الأَرْض نفقا فَيدْخل فِيهِ - فَلَا. وَأنْشد: إِن الصنيعة لَا تكون صَنِيعَة ... حَتَّى تصيب بهَا طَرِيق المصنع فَقَالَ: هَذَا شعر رجل يُرِيد أَن يبخل النَّاس ... أمطر الْمَعْرُوف مَطَرا فَإِن صادفت الْموضع الَّذِي قصدت، وَإِلَّا كنت أَحَق بِهِ. وَقَالَ لَهُ الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا: إِنَّك قد أسرفت فِي بذل المَال؛ فَقَالَ: بِأبي أَنْتُمَا وَأمي! إِن الله عودني أَن يفضل عَليّ، وعودته أَن أفضل على عباده، فَأَخَاف أَن أقطع الْعَادة فَيقطع عني.

وافتقد عبد الله صديقا لَهُ من مَجْلِسه، ثمَّ جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: أَيْن كَانَت غَيْبَتِك؟ فَقَالَ: خرجت إِلَى عرض من أَعْرَاض الْمَدِينَة مَعَ صديقٍ لي؛ فَقَالَ لَهُ: إِن لم تَجِد من صُحْبَة الرِّجَال بدا فَعَلَيْك بِصُحْبَة من إِن صحبته زانك، وَإِن خففت لَهُ صانك، وَإِن احتجت إِلَيْهِ مانك، وَإِن رأى مِنْك خلة سدها، أَو حَسَنَة عدهَا، وَإِن أكثرت عَلَيْهِ لم يرفضك؛ إِن سَأَلته أَعْطَاك، وَإِن أَمْسَكت عَنهُ ابتداك. وامتدحه نصيب، فَأمر لَهُ بخيل وإبلٍ وأثاث ودنانير ودراهم. فَقَالَ لَهُ رجل: أمثل هَذَا الْأسود يعْطى مثل هَذَا المَال؟ فَقَالَ عبد الله: إِن كَانَ المادح أسود فَإِن شعره أَبيض؛ وَإِن ثناءه لعربي؛ وَلَقَد اسْتحق بِمَا قَالَ أَكثر مِمَّا نَالَ، وَهل أعطيناه إِلَّا ثيابًا تبلى، ومالا يفنى، ومطايا تنضى، وأعطانا مدحاً يرْوى وثناءً يبْقى. وَقيل لَهُ: إِنَّك تبذل الْكثير إِذا سُئِلت، وتضيق فِي الْقَلِيل إِذا توجرت؛ فَقَالَ: إِنِّي أبذل مَالِي وأضن بعقلي. قَالَ بديح: كَانَ فِي أذن عبد الله بن جَعْفَر بعض الوقر إِذا سمع مَا يكره. وروى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِعَبْد الله بن جَعْفَر وَهُوَ صبي يصنع شَيْئا من طينٍ من لعب الصّبيان، فَقَالَ: مَا تصنع بِهَذَا؟ قَالَ: أبيعه. قَالَ: مَا تصنع بِثمنِهِ؟ قَالَ: أَشْتَرِي بِهِ رطبا آكله؛ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: اللَّهُمَّ بَارك لَهُ فِي صَفْقَة يَمِينه. فَكَانَ يُقَال: مَا اشْترى شَيْئا قطّ إِلَّا ربح فِيهِ. وأخبار عبد الله بن جَعْفَر فِي السخاء مَعْرُوفَة. وَذكر أَن شَاعِرًا أَتَاهُ فأنشده: رَأَيْت أَبَا جعفرٍ فِي الْمَنَام ... كساني من الْخَزّ دراعةً فَقَالَ لغلامه: ادْفَعْ إِلَيْهِ دراعتي الْخَزّ، ثمَّ قَالَ لَهُ: كَيفَ لم تَرَ جبتي المنسوجة بِالذَّهَب الَّتِي اشْتَرَيْتهَا بثلاثمائة دِينَار؟ فَقَالَ لَهُ الشَّاعِر: بِأبي أَنْت دَعْنِي أغفى فلعلي أَرَاهَا. فَضَحِك؛ ثمَّ قَالَ: ادْفَعْ إِلَيْهِ جبتي، فَدفعت إِلَيْهِ.

وَذكر أَن رجلا جلب إِلَى الْمَدِينَة سكرا فكسد عَلَيْهِ؛ فَقيل لَهُ: لَو أتيت ابْن جَعْفَر قبله مِنْك وأعطاك الثّمن؛ فَأَتَاهُ فَأخْبرهُ؛ فَأمره بإحضاره، ثمَّ أَمر بِهِ فنثر وَقَالَ للنَّاس: انتهبوا؛ فَلَمَّا رأى الرجل النَّاس ينتهبون قَالَ لَهُ: جعلت فدَاك آخذ مَعَهم؟ قَالَ: نعم؛ فَجعل الرجل يهيل فِي غرارته، ثمَّ ثال لعبد الله: أَعْطِنِي الثّمن، فَقَالَ: وَكم ثمن سكرك؟ قَالَ: أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم، فَأمر لَهُ بهَا، فَقَالَ الرجل للنَّاس: إِن هَذَا مَا يدْرِي مَا يفعل أَخذ أم أعْطى، لأطالبنه بِالثّمن فغدا عَلَيْهِ وَقَالَ: ثمن سكري؛ فَأَطْرَقَ عبد الله مَلِيًّا ثمَّ قَالَ: يَا غُلَام؛ أعْطه أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم؛ فَقَالَ الرجل: قد قلت لكم إِن هَذَا الرجل لَا يعقل أَخذ أم أعْطى، لأطلبنه بِالثّمن؛ فغدا عَلَيْهِ وَقَالَ: أصلحك الله. ثمن سكري؛ فَأَطْرَقَ ثمَّ رفع رَأسه إِلَى رجلٍ وَقَالَ: ادْفَعْ إِلَيْهِ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم، فَلَمَّا ولى الرجل قَالَ لَهُ عبد الله: يَا أَعْرَابِي هَذِه تَمام اثنى عشر ألف درهمٍ فَانْصَرف الرجل وَهُوَ يعجب من فعله. وَلما ولى الْملك بن مَرْوَان جَفا عبد الله ورقت حَاله؛ فراح يَوْمًا إِلَى الْجُمُعَة وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنَّك عودتني عَادَة جريت عَلَيْهَا؛ فَإِن كَانَ ذَلِك قد انْقَضى فاقبضني إِلَيْك، فتوفى فِي الْجُمُعَة الْأُخْرَى. وَأوصى إِلَى ابْنه مُعَاوِيَة - وَكَانَ فِي وَلَده من هُوَ أسن مِنْهُ، وَقَالَ لَهُ: إِنِّي لم أزل أوملك لَهَا. وَكَانَ عَلَيْهِ دين، فاحتال مُعَاوِيَة فِيهِ وقضاه، وَقسم أَمْوَال أَبِيه فِي وَلَده وَلم يستأثر عَلَيْهِم بِشَيْء. قَالَ الْمَدَائِنِي: وَكَانَ عبد الله بن جَعْفَر لَا يُؤَدب وَلَده وَيَقُول: إِن يرد الله بهم خيرا يتأدبوا؛ فَلم ينجب فيهم غير مُعَاوِيَة. وَمن وَلَده عبد الله بن مُعَاوِيَة. وَكَانَ من فتيَان بني هَاشم وسمحائهم وشعرائهم وخطبائهم. دَعَا إِلَى نَفسه - وَقيل دَعَا إِلَى الرِّضَا من آل مُحَمَّد -

وَغلب على الْكُوفَة، ثمَّ خرج مِنْهَا إِلَى فَارس، وَلبس الصُّوف وَأظْهر سِيمَا الْخَيْر. وَكَانَ يطعن فِي دينه، وينسب إِلَى الزندقة واللواط، فغلب على الْجَبَل والرى والأصفهان وَفَارِس والماهين. وقصده بَنو هَاشم - وَفِيهِمْ الْمَنْصُور والسفاح، وَعِيسَى بن عَليّ، وَمن بني أُميَّة سلمَان بن هَاشم بن عبد الْملك وَغَيره؛ فَمن أَرَادَ عملا ولاه، وَمن أَرَادَ صلَة وَصله؛ فَوجه إِلَيْهِ مَرْوَان بن مُحَمَّد عَامر بن ضبارة؛ فهرب عبد الله من فَارس وَلحق بخراسان، وَقد ظهر أَبُو مسلمٍ بهَا، فَأَخذه أَبُو مُسلم وحبسه ثمَّ قَتله. وَكَانَ جعل عَلَيْهِ عينا يرفع إِلَيْهِ أخباره؛ فَرفع إِلَيْهِ أَنه يَقُول: لَيْسَ على الأَرْض أَحمَق مِنْكُم يَا أهل خُرَاسَان، فِي طاعتكم هَذَا الرجل وتسليمكم إِلَيْهِ مقاليد أُمُوركُم منغير أَن تراجعوه فِي ئيءٍ، أَو تسألوه عَنهُ. وَالله مَا رضيت الْمَلَائِكَة بِهَذَا من الله عز وَجل حَتَّى راجعته فِي أَمر آدم؛ فَقَالَت: " أَتجْعَلُ فِيهَا من يفس فِيهَا ويسفك الدِّمَاء ". حَتَّى قَالَ لَهُم: " إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ ". وَكتب إِلَى أبي مُسلم من الْحَبْس: من الْأَيْسَر فِي يَدَيْهِ بِلَا ذنبٍ إِلَيْهِ وَلَا خلاف عَلَيْهِ. أما بعد فآتاك الله حفظ الْوَصِيَّة، ومنحك نصيحة الرّعية، وألهمك عدل الْقَضِيَّة، فَإنَّك مستودع ودائع وَمولى صنائع، فاحفظ ودائعك بِحسن صنائعك، فالودائع مرعية، والصنائع عاريةٌ، وَمَا النعم عَلَيْك وعلينا فِيك بمستور نداها، وَلَا مبلوغ مداها، فاذكر الْقصاص، واطلب الْخَلَاص، وأنبه للتفكر قَلْبك، وَاتَّقِ الله رَبك، واعط من نَفسك من هُوَ تَحْتك مَا تحب أَن يعطيك من هُوَ فَوْقك من الْعدْل والرأفة والأمن من المخافة. فقد أنعم الله عَلَيْك إِذْ فوض أمرنَا إِلَيْك؛ فاعرف لنا شكر الْمَوَدَّة وأعتقنا من الشدَّة وَالرِّضَا بِمَا رضيت، والقناعة بِمَا هويت؛ فَإِن علينا من ثقل الْحَدِيد أَذَى شَدِيدا، مَعَ معالجة الأغلال، وَقلة رَحْمَة الْعمَّال، الَّذين تسهيلهم الغلظة، وتيسيرهم الفظاظة، وإيرادهم علينا الغموم، وتوجيههم إِلَيْنَا الهموم؛ زيارتهم الحراسةن وبشارتهم الإياسة، فإليك نرفع كربَة الشكوى، ونشكو شدَّة الْبلوى. وَمَتى تمل إِلَيْنَا طرفا وتزودنا مِنْك

عطفا تَجِد عندنَا نصحاً صَرِيحًا. ووداً صَحِيحا، وَلَا يضيع مثلك مثله، وَلَا يَتَّقِي مثلك أَهله؛ فارع حُرْمَة من أدْركْت حرمته، واعرف حجَّة من فلجت حجَّته؛ فَإِن النَّاس من حوضك رواءٌ، وَنحن مِنْهُ ظماءٌ. يَمْشُونَ فِي الأبراد، ونحجل فِي الأقياد، بعد الْخَيْر وَالسعَة، والخفض والدعة. وَالله الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان، صريخ الْأَخْبَار ومنجي الْأَبْرَار. النَّاس من دولتنا فِي رخاءٍ، وَنحن مِنْهَا فِي بلاءٍ:؛ حَيْثُ أَمن الخائفون، وَرجع الهاربون، رزقنا الله مِنْك التحنن، وَظَاهر علينا مِنْك المنن؛ فَإنَّك أَمِين للْمُؤْمِنين مستودع وذائد مصطنعٌ. وَكتب عبد الله إِلَى بعض إخوانه: أما بعدن فقد عاقني الشَّك فِي أَمرك عَن عَزِيمَة الرَّأْي فِيك. ابتدأتني بلطفٍ عَن غير خبرةٍ ثمَّ أعقبتني جفَاء من غير ذنبٍ، فأطمعني أولك فِي إخائك، وآيسني آخارك من وفائك. فَلَا أَنا فِي غير الرَّجَاء مجمعٌ لَك اطراحاً، وَلَا أَنا فِي غدٍ وانتظاره مِنْك على ثِقَة. فسبحان من لَو شَاءَ كشف بإيضاح الرَّأْي عَن عَزِيمَة الشَّك فِي أَمرك فَأَقَمْنَا على ائتلافٍ، أَو افترقنا على اختلافٍ. وَالسَّلَام. كَانَ عبد الله بن جَعْفَر إِذا غنته الْجَارِيَة يَقُول: أَحْسَنت إِلَيّ وَالله، وَكَانَ يتأثم أَن يَقُول: أَحْسَنت وَالله. ووفد على مُعَاوِيَة فأنزله فِي دَاره، فَقَالَت لَهُ ابْنة قرظة امْرَأَته: إِن جَارك هَذَا يسمع الْغناء فَاطلع عَلَيْهِ وجاريةٌ لَهُ تغنيه، وَتقول: إِنَّك وَالله لذُو ملةٍ ... يصرفك الْأَدْنَى عَن الْأَبْعَد وَهُوَ يَقُول: يَا صدقكاه! قَالَ ثمَّ قَالَ: اسقيني. قَالَت: مَا أسقيك؟ قَالَ: ماءٌ وَعَسَلًا. فَانْصَرف مُعَاوِيَة وَهُوَ يَقُول: مَا أرى بَأْسا.

علي بن عبد الله بن العباس وولده

فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك قَالَت لَهُ: إِن جَارك هَذَا لَا يدعنا ننام اللَّيْل من قِرَاءَة الْقُرْآن قَالَ: هَكَذَا قومِي؛ رُهْبَان بِاللَّيْلِ، ملوكٌ بِالنَّهَارِ. وَقَالَ عبد الله: إِن بِأَهْل الْمَعْرُوف من الْحَاجة إِلَيْهِ أَكثر مِمَّا بِأَهْل الرَّغْبَة مِنْهُم فِيهِ؛ وَذَلِكَ أَن حَمده وأجره وَذكره وذخره وثناءه لَهُم، فَمَا صنعت من صَنِيعَة أَو أتيت من معروفٍ، فَإِنَّمَا تَصنعهُ إِلَى نَفسك، فَلَا تَطْلُبن من غَيْرك شكر مَا أتيت لي نَفسك. ويروى هَذَا الْكَلَام لِابْنِهِ جعفرٍ رَضِي الله عَنهُ. عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس وَولده قَالَ عَليّ رَحْمَة الله عيه: من لم يجد مس نقص الْجَهْل فِي عقله، وذلة الْمعْصِيَة فِي قلبه، وَلم يستبن مَوضِع الْخلَّة فِي لِسَانه عِنْد كلال حَده عَن حد خَصمه، فَلَيْسَ مِمَّن ينْزع عَن ريبةٍ، وَلَا يرغب عَن حَال معْجزَة، وَلَا يكترث لفصل مَا بَين حجةٍ وشبهةٍ. وَقَالَ: سادة النَّاس فِي الدُّنْيَا الأسخياء، وَفِي الْآخِرَة الأتقياء. وَقَالَ مُحَمَّد بن عَليّ وَذكر رجلا من أَهله: إِنِّي لأكْره أَن يكون لعمله فضلٌ على عقله كَمَا أكره أَن يكون لِلِسَانِهِ فضلٌ على علمه: وَقَالَ أَبُو مُسلم: سَمِعت إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الإِمَام يَقُول: يَكْفِي من حَظّ البلاغة أَلا يُؤْتى السَّامع من سوء إفهام النَّاطِق، وَلَا يُؤْتى النَّاطِق من سوء فهم السَّامع. وَكَانَ من الخطباء دَاوُد بن عَليّ، وَهُوَ الَّذِي يَقُول: الْملك فرع نبعةٍ نَحن أفنانها، وذروة هضبةٍ نَحن أَرْكَانهَا. وخطب بِمَكَّة فَقَالَ: شكرا شكرا، إِنَّا وَالله مَا خرجنَا لنحفر فِيكُم نَهرا، وَلَا لنبني فِيكُم قصراً. أَظن عَدو الله أَن لن نظفر بِهِ؟ أرْخى لَهُ فِي زمامه، حَتَّى عثر فِي فضل خطامه. فَالْآن عَاد الْأَمر فِي نصابه، وطلعت الشَّمْس من مطْلعهَا،

والآن أَخذ الْقوس باريها. وعادت النبل إِلَى النزعة، وَرجع الْحق إِلَى مستقره، فِي أهل بَيت نَبِيكُم أهل الرَّحْمَة والرأفة. وخطب فَقَالَ: أحرز لسانٌ رَأسه، اتعظ المرؤ بِغَيْرِهِ، اعْتبر عاقلٌ قبل أَن يعْتَبر بِهِ، فامسك الْفضل من قَوْله، وَقدم الْفضل من عمله. ثمَّ أَخذ بقائم سَيْفه وَقَالَ: إِن بكم دَاء هَذَا دواؤه، وَأَنا زعيمٌ لكم بشفائه. وَمَا بعد الْوَعيد إِلَّا الوقع، وَمَا بعد التهديد غير إنجاز الْوَعيد. " وَقد خَابَ من افترى ". " إِنَّمَا يفتري الْكَذِب الَّذين لَا يُؤمنُونَ بآيَات الله وَأُولَئِكَ هم الْكَاذِبُونَ ". وَلما قَامَ أَبُو الْعَبَّاس السفاح فِي اول خِلَافَته على الْمِنْبَر، قَامَ بوجهٍ كورقة الْمُصحف، فاستحيا فَلم يتَكَلَّم، فَنَهَضَ دَاوُد حَتَّى صعد الْمِنْبَر - قَالَ الْمَنْصُور: فَقلت فِي نَفسِي: شَيخنَا وَكَبِيرنَا يَدْعُو إِلَى نَفسه؛ فانتضيت سَيفي وغطيته بثوبي؛ فَقلت: إِن فعل ناجزته - فَلَمَّا رقى عتباً اسْتقْبل النَّاس بِوَجْهِهِ دون أَب يالعباس، ثمَّ قَالَ: يَا ايها النَّاس إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يكره أَن يتَقَدَّم قَوْله فعله، ولأثر الفعال عَلَيْكُم أجدى من تشقيق الْكَلَام، وحسبكم كتاب الله متسلى فِيكُم وَابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَليفَة عَلَيْكُم. وَالله - قسما برا لَا أُرِيد بهَا إِلَّا الله - مَا قَامَ هَذَا الْمقَام بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله أَحَق بِهِ من عَليّ بن أبي طَالب وأمير الْمُؤمنِينَ هَذَا؛ فليظن ظانكم، وليهمس هامسكم. قَالَ أَبُو جَعْفَر: ثمَّ نزل فشمت سَيفي. وبلغه وَهُوَ بِمَكَّة أَن قوما أظهرُوا الشكاة لأبي الْعَبَّاس، فافترع الْمِنْبَر، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أعذرا غدرا: يَا أهل الْجُبْن والتبديل ألم يزعكم الْفَتْح الْمُبين عَن الْخَوْض فِي ذمّ أَمِير الْمُؤمنِينَ. كلا وَالله، حَتَّى تحملوا أوزاركم، وَمن أوزار الَّذين كانو قبلكُمْ. كَيفَ فاهت شفاهكم بالشكوى لأمير الْمُؤمنِينَ؟ بعد أَن حانت آجالكم فأرجأها، وانثعبت دماؤكم فحقنها؟ الْآن يَا منابت الدمن مشيتم الضراء، ودببتم

الْخمر. أما ومحمدٍ وَالْعَبَّاس لَئِن عدتم لمثل مَا بدأتم لأحصدنكم بظبات السيوف. ثمَّ يُغني رَبنَا عَنْكُم، ويستبدل قوما غَيْركُمْ ثمَّ لَا يَكُونُوا أمثالكم. مهلا مهلا يَا روايا الإرجاف، وَأَبْنَاء النِّفَاق، وأنسال الْأَحْزَاب وَكفوا عَن الْخَوْض فِيمَا كفيتم، والتخطي إِلَى مَا حذرتم قبل أَن تتْلف نفوسٌ، ويقل عذرٌ، ويذل عز. وَمَا أَنْتُم وَتلك؟ وَلم؟ ألم تَجدوا مَا وعد ربكُم حَقًا من إيراث الْمُسْتَضْعَفِينَ مَشَارِق الأَرْض ومقاربها؟ بلَى، وَالْحجر وَالْحجر. وَلكنه حسدٌ مضمرٌ، وحسك فِي الصُّدُور. فرغماً للمعاطس، وبعداً للْقَوْم الظَّالِمين. وَلما أَتَى الْخَبَر بقتل مَرْوَان بن مُحَمَّد خطب عِيسَى بن عَليّ فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي لَا يفوتهُ من طلب، وَلَا يعجزه من هرب. خدعت وَالله الأشيقر نَفسه، أَو ظن أَن الله ممهله؟ " ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره ". فحتى مَتى؟ وَإِلَى مَتى؟ لقد كذبتهم العيدان الَّتِي افترعوها، وَأَمْسَكت السَّمَاء درها، وَالْأَرْض رِيقهَا، وقحل الزَّرْع، وجفر فنيق الْكفْر، واشتمل جِلْبَاب الشّرك، وأبطلت الْحُدُود، وأهدرت الدِّمَاء، وَكَانَ رَبك بالمرصاد، " فدمدم عَلَيْهِم رَبهم بذنبهم فسواها وَلَا يخَاف عَقبهَا ". وانتاشكم عباد الله لينْظر كَيفَ تَعْمَلُونَ. فالشكر الشُّكْر عباد الله؛ فَإِنَّهُ من دواعي الْمَزِيد. أعاذنا الله وَإِيَّاكُم من نفثات الْفِتَن. وخطب عبد الله بن عَليّ لما قتل مَرْوَان بن مُحَمَّد فَقَرَأَ: " ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعمت الله كفرا وَأَحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار جَهَنَّم يصلونها وَبئسَ الْقَرار ". ركض بكم يَا أهل الشَّام آل حربٍ وَآل مَرْوَان، يتسكعون بكم الظُّلم، ويخوضون بكم مداحض المراقي، ويوطئونكم محارم اله ومحارم رَسُوله. فَمَا يَقُول عُلَمَاؤُكُمْ غَدا عِنْد الله؟ إِذْ يَقُولُونَ: " رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا فأتهم عذَابا ضعفا من النَّار ". فَيَقُول: " لكل ضعفٌ وَلَكِن لَا تعلمُونَ ".

أما أَمِير الْمُؤمنِينَ فقد أَسف بكم إِلَى التَّوْبَة، وَغفر لكم الزلة، وَبسط لكم الْإِقَالَة بفضله. فليفرج روعكم، وليعظكم مصَارِع من كَانَ قبلكُمْ. فَهَذِهِ الحتى مِنْكُم مضرعةٌ، وَبُيُوتهمْ خاويةٌ بِمَا ظلمُوا، وَالله لَا يحب الظَّالِمين. ثمَّ نزل عَن الْمِنْبَر، وَصعد صَالح بن عَليّ بعده فَقَالَ: يَا أهل النِّفَاق، وَعمد الضَّلَالَة، أعزكم لين الإبساس وَطول الإيناس، حَتَّى ظن جاهلكم أَن ذَلِك لفلول حد، وخور قناةٍ. فَإِذا استوبأتكم الْعَافِيَة فعندي نكالٌ وفطام، وسيفٌ يعَض بالهام. وَمن خطب دَاوُد: أَيهَا الْقَوْم. حَتَّى مَتى يَهْتِف بكم صريخكم؟ أما آن لراقدكم أَن يهب من رقدته؟ بلَى و " كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ". طَال الْإِمْهَال حَتَّى حسبتموه الإهمال. هَيْهَات كَيفَ يكون ذَلِك وَالسيف مشهورٌ؟ لَا وَالله، حَتَّى يجوسكم خلال الديار. حَتَّى تبيد قبيلةٌ وقبيلةٌ ... ويعض كل مهند بالهام ويقمن ربات الْخُدُور حواسراً ... يمسحن عرض ذوائب الْأَيْتَام وَلما خرج دَاوُد إِلَى مَكَّة والياً حم فِي بعض طَرِيقه، فَكَانَ يَدْعُو الله وَيَقُول: يَا رب. الثأر ثمَّ النَّار. قَالَ عبد الصَّمد بن عَليّ: كنت عِنْد عبد الله بن عَليّ فِي عسكره بِالشَّام لما خَالف الْمَنْصُور ودعا إِلَى نَفسه، وَكَانَ أَبُو مُسلم بإزائه يقاتله، فاستؤذن لرَسُول أبي مُسلم عَلَيْهِ، فاذن لَهُ، فَدخل رجلٌ من أهل الشَّام فَقَالَ لَهُ: يَقُول لَك الْأَمِير: علام قتالك إيَّايَ وَأَنت تعلم أَنِّي أهزمك؟ فَقَالَ لَهُ: يَا بن الزَّانِيَة، وَلم تقاتليني عَنهُ وَأَنت تعلم أَنه يقتلك؟ قَالَ الْعَبَّاس بن محمدل بن عَليّ للرشيد: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. إِنَّمَا هُوَ سَيْفك ودرهمك، فازرع بِهَذَا من شكرك، واحصد بِهَذَا من كفرك.

وَلما ضرب عبد الله بن عَليّ أَعْنَاق بني أُميَّة قَالَ قَائِل: هَذَا وَالله جهد الْبلَاء فَقَالَ عبد الله: مَا هَذَا وشرطة الْحجام إِلَّا سواءٌ. إِنَّمَا جهد الْبلَاء فقرٌ مدقعٌ بعد غنى موسع. وَقَالَ مُحَمَّد بن عَليّ: كَفاك من عَم الدّين أَن تعرف مَا لايسع جَهله، وَكَفاك من علم الْأَدَب أَن تروى الشَّاهِد والمثل. كتب الْمَنْصُور إِلَى صَالح بن عَليّ أَن يطْلب بشر بنعبد الْوَاحِد بن سُلَيْمَان ابْن عبد الْملك ويقتله. فَأتى بِهِ إِلَى صَالح، فَقَالَ لَهُ: قد كَانَ لأبي خَالِد عندنَا بلَاء يشْكر. قَالَ بشر: فلينفعني ذَلِك عنْدك. قَالَ: أما مَعَ كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَا بُد من قَتلك. وَلَكِنِّي أقدم السَّاعِي بك، فَأَضْرب عُنُقه بَين يَديك، وَأعْطِي الَّذِي اشْتَمَل عَلَيْك ألف دِينَار؛ فَفعل ذَلِك ثمَّ قَتله. أوصى الْعَبَّاس بن مُحَمَّد معم وَلَده فَقَالَ: إِنِّي قد كفيتك أعراقه فَاكْفِنِي آدابهم. اغذهم بالحكمة فَإِنَّهَا ربيع الْقُلُوب، وعلمهم النّسَب وَالْخَبَر؛ فَإِنَّهُ أفضل علم الْمُلُوك، وابدأهم بِكِتَاب الله، فَإِنَّهُ قد خصهم ذكره، وعمهم رشده، وَكفى بِالْمَرْءِ جهلا أَن يجهل فضلا عَنهُ آخذ. وخذهم بالإعراب فَإِنَّهُ مدرجة الْبَيَان، وفقههم فِي الْحَلَال وَالْحرَام فَإِنَّهُ حارسٌ من أَن يظلموا، ومانع من أَن يظلموا. كَانَ دَاوُد بن عَليّ يَقُول: الْمعرفَة شكرٌ، وَالْحَمْد نعمةٌ يجب فِيهَا الشُّكْر. وخطب سُلَيْمَان بن عَليّ فَقَالَ: " وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالون ". قضاءٌ فصلٌ، وقولٌ مبرمٌ، فَالْحَمْد لله الَّذِي صدق عَبده، وأنجز وعده، وبعداً للْقَوْم الظَّالِمين الَّذين اتَّخذُوا الْكَعْبَة غَرضا، وَالدّين هزوا، والفئ إِرْثا، وَالْقُرْآن عضين، لقد حاق بهم مَا كَانُوا يستهزئون وكأين ترى من بئرٍ معطلةٍ وقصرٍ مشيد، بِمَا قدمت أَيْديهم، وَمَا الله بظلام للعبيد. أمهلهم حَتَّى اضطهدوا العترة، ونبذوا السّنة، " وخاب كل جبارٍ عنيد " ثمَّ أَخذهم فَهَل تحس مِنْهُم من أحدٍ أَو تسمع لَهُم ركزاً ".

وَكَانَ أبوهم عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس سيداً شريفاً بليغاً، وَكَانَ يُقَال إِن لَهُ خَمْسمِائَة أصل زيتون، يصلى فِي كل يَوْم إِلَى كل أصلٍ مِنْهَا رَكْعَتَيْنِ، فَكَانَ يدعى ذَا الثفنات، وَكَانَ عبد الْملك بن مَرْوَان يُكرمهُ. وضربه الْوَلِيد مرَّتَيْنِ بِالسَّوْطِ، إِحْدَاهمَا فِي تزَوجه لبَابَة بنت عبد الله ابنجعفر، وَكَانَت عِنْد عبد املك فَطلقهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عض تفاحةً ثمَّ رمى بهَا إِلَيْهَا - وَكَانَ أبخر - فدعَتْ بسكينٍ. فَقَالَ لَهَا: مَا تصنعين بهَا؟ فَقَالَت: أميط عَنْهَا الْأَذَى، فَطلقهَا، فَتَزَوجهَا بعده عَليّ، فَضَربهُ الويد، وَقَالَ: إِنَّمَا تتَزَوَّج أُمَّهَات أَوْلَاد الْخُلَفَاء لتَضَع مِنْهُم كَمَا فعل مَرْوَان ابْن الحكم بِأم خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة. وَأما ضربه إِيَّاه فِي الكرة الثَّانِيَة فروى عَن بَعضهم قَالَ: رَأَيْت عليا مَضْرُوبا بِالسَّوْطِ يدار بِهِ على بعيرٍ، وَجهه مِمَّا يَلِي ذَنْب الْبَعِير، وصائحٌ يَصِيح عَلَيْهِ: هَذَا عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس الْكذَّاب، فَأَتَيْته فَقلت لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي سنبونك إِلَيْهِ من الْكَذِب؟ قَالَ: بَلغهُمْ قولي إِن هَذَا الْأَمر سَيكون فِي وَلَدي. وَالله لَيَكُونن حَتَّى يملكهم عبيدهم الصغار الْعُيُون، العراض الْوُجُوه، الَّذين كَأَن وُجُوههم المجان المطرقة. وروى أَنه دخل على هِشَام وَمَعَهُ ابْنا ابْنه الخليفتان أَبُو الْعَبَّاس وَأَبُو جَعْفَر، فَلَمَّا ولى قَالَ هِشَام: إِن هَذَا الشَّيْخ قد اخْتَلَّ وأسن، وَصَارَ يَقُول: إِن هَذَا الْأَمر سنتقل إِلَى وَلَده، فَسمع ذَلِك عليٌ فَالْتَفت إِلَيْهِ وَقَالَ: إِي وَالله، لَيَكُونن ذَلِك وليملكن هَذَانِ. وروى أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عليا رَضِي الله عَنهُ افْتقدَ عبد الله بن عَبَّاس وَقت صَلَاة الظّهْر، فَقَالَ لأَصْحَابه: مَا بَال أَب يالعباس لم يحضر؟ فَقيل لَهُ: ولد لَهُ مَوْلُود. فَلَمَّا صلى قَالَ: امضوا بِنَا إِلَيْهِ. فَأَتَاهُ فهنأه، فَقَالَ: شكرت الْوَاهِب فبورك لَك الْمَوْهُوب. مَا سميته؟ قَالَ: أَو يجوز لي أَن أُسَمِّيهِ حَتَّى تسميه، فَأمر بِهِ فَأخْرج إِلَيْهِ فَأَخذه وحنكه ودعا لَهُ ثمَّ رده إِلَيْهِ وَقَالَ: خُذْهُ إِلَيْك أَبَا الْأَمْلَاك. قد سميته عليا وكنيته أَبَا الْحسن. فَلَمَّا قَامَ مُعَاوِيَة بِالْأَمر قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: لَيْسَ لكم اسْمه وكنيته. لكم الِاسْم ولي الْمنية، وَقد كنيته أَبَا مُحَمَّد، فجرت عَلَيْهِ.

أشرف عبد الله بن عَليّ وَهُوَ مستخفٍ بِالْبَصْرَةِ عِنْد أَخِيه سُلَيْمَان بن عَليّ فَرَأى رجلا لَهُ جمالٌ يجر ثِيَابه ويتبختر، فَقَالَ: من هَذَا؟ قَالُوا: فلَان الْأمَوِي. فَقَالَ يَا أسفا. وَإِن فِي طريقنا بعد مِنْهُم لوعثاء. وَقَالَ لمولى لَهُ: بحقي عَلَيْك إِلَّا جئتني بِرَأْسِهِ. ثمَّ أنْشد قَول سديف: علام وفيم يتْرك عبد شمسٍ ... لَهَا فِي كل راعية ثُغَاء فَمَا فِي الْقَبْر فِي حران مِنْهَا ... وَلَو قتلت باجمعها وَفَاء فَمضى مَوْلَاهُ إِلَى سُلَيْمَان وَأخْبرهُ بِمَا قَالَ: فَنَهَاهُ سُلَيْمَان فَعَاد إِلَيْهِ واعتل بِأَنَّهُ فَاتَهُ. حدث ابْن عَائِشَة أَن امْرَأَة من نسَاء بن يأمية قَالَت لعبد الله بن عَليّ: قتلت من أَهلِي وذويهم اثنى عشر ألفا فيهم لحيةٍ خضبةٍ. وَدخلت ابْنة مَرْوَان عَلَيْهِ فَقَالَت: السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. فَقَالَ: لست بِهِ. فَقَالَت: السَّلَام عَلَيْك أَيهَا الْأَمِير. قَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام. فَقَالَت: ليسعنا عدلكم. قَالَ: إِذا لَا يبْقى على الأَرْض مِنْكُم أحدٌ؛ لأنكم حَارَبْتُمْ عَليّ بن أبي طَالب ودفعتم حَقه وسممتم الْحسن ونقضتم شَرطه، وقتلتم الْحُسَيْن وسيرتم رَأسه، وقتلتم زيدا وصلبتم جسده، وقتلتم يحيى بن زيد ومثلتم بِهِ، ولعنتم عَليّ بن أبي طَالب على منابركم وضربتم عَليّ بن عبد الله ظلما بسياطكم، وحبستم الإِمَام فِي حبسكم، فعدلنا أَلا نبقي أحدا مِنْكُم. قَالَت: فليسعنا عفوكم. قَالَ: أما هَذِه فَنعم. ثمَّ أَمر برد أَمْوَالهم عَلَيْهَا ثمَّ قَالَ: سننتم علينا الْقَتْل لَا تُنْكِرُونَهُ ... فَذُوقُوا كَمَا ذقنا على سالف الدَّهْر حدث بَعضهم قَالَ: رحت عَشِيَّة من قريةٍ بطرِيق مَكَّة مَعَ عبد الله بن حسن، فضمنا الْمسير وَدَاوُد وَعِيسَى وَعبد الله بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: فَسَار عبد الله وَعِيسَى أَمَام الْقَوْم فَقَالَ دَاوُد لعبد الله بن حسن: لم لَا تظهر مُحَمَّدًا؟ فَقَالَ عبد الله: لم يَأْتِ الْوَقْت الَّذِي يظْهر فِيهِ مُحَمَّد بعد، ولسنا بالذين

نظهر عَلَيْهِم، وليقتلنهم الَّذِي يظْهر قتلا ذريعا. قَالَ: فَسمع عبد الله بن عَليّ الحَدِيث، فَالْتَفت إِلَى عبد الله بن حسن وَقَالَ: أَبَا مُحَمَّد سيكفيك الْجعَالَة مستميتٌ ... خَفِيف الحاذ من فتيَان حزمٍ أَنا وَالله الَّذِي أظهر عَلَيْهِم وأقتلهم وانتزع ملكهم. كتب عِيسَى بن مُوسَى بن عَليّ بنعبد الله إِلَى الْمَنْصُور كتابا جَوَابا عَن كتاب لَهُ إِلَيْهِ يسومه تَقْدِيم الْمهْدي بالعهد عَلَيْهِ والبيعة لَهُ: فهمت كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ المزيل عَنهُ نعم الله، والمعرض لسخطه بِمَا قرب من القطيعة، وَنقض بِهِ الْمِيثَاق أوجب مَا كَانَ الشُّكْر لله عَلَيْهِ. وألزم مَا كَانَ الْوَفَاء لَهُ، فأعقب سيوغ النعم كفرا، وأتبع الْوَفَاء بِالْحَقِّ غدرا، وَأمن الله أَن يَجْعَل مَا مد من بسطته إختبارا، وتمكينه إِيَّاه استدراجاً، وَكفى بِاللَّه من الظَّالِم منتصرا وللمظلوم ناصراً، وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، وَهُوَ حسبي وَإِلَيْهِ الْمصير. وَلَقَد حزبتك أمورٌ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو قعدت عَنْك فِيهَا، فضلا عَن معونتك عَلَيْهَا، لقام بك الْقَاعِد، ولطال عَلَيْك الْقصير. وَلَقَد كنت واجداً فِيهَا بغيتي، وآمنا مَعهَا نكث بيعتي، فلزمت الطَّرِيقَة بِالْوَفَاءِ إِلَى أَن أوردتك شَرِيعَة الرَّجَاء، وَمَا أَنا يائسٌ من انتقام الله، وَرفع حلمه فَوق وَتَحْت وَبعد ذَلِك. بَدَت لي أمارتٌ من الْغدر شمتها ... أَظن رواياها ستمطركم دَمًا وَهِي أَبْيَات. وَكتب إِلَيْهِ أياضا لما هدده بِأَهْل خُرَاسَان بِالْقَتْلِ إِن لم يخلع نَفسه: لَو سامني غَيْرك مَا سمتني لاستنصرتك عَلَيْهِ، ولاستشفعت بك إِلَيْهِ، حَتَّى بقر الحزم مقرة، وَينزل الْوَفَاء مَنْزِلَته، وَنحن أول دولة يستن بعملنا، وَينظر إِلَى مَا اخترناه مِنْهَا، وَقد استعنت بك على قومٍ لَا يعْرفُونَ الْحق معرفتك، وَلَا

يلحظون العواقب لحظك. فَكُن لي عَلَيْهِم نَصِيرًا، وَمِنْهُم مجيراً، يجزك جزائك عَن صلَة الرَّحِم وَقطع الظُّلم إِن شَاءَ الله. وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " والموفون بعهدهم إِذا عهدوا وَالصَّابِرِينَ فِي البأسآء والضرآء وَحين الْبَأْس ". وَقَالَ عز وَجل: " وأوفوا بالعهد إِن الْعَهْد كَانَ مسئولا ". قَرَأت كتاب أُمِّي رالمؤمنين وتفهمته، وأمعنت النّظر فِيهِ كَمَا أَمر وتبحرته، فَوجدت أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا يزيدني لينقصني، ويقربني ليبعدني، وَمَا أَجْهَل مَا لي فِي رِضَاهُ من الْحَظ الجزيل، والأثر الخطير. وَلَكِن سامني مَا تشح بِهِ الْأَنْفس وتبذل دونه، وَمَا لَا يسمح بِهِ والدٌ لوالده مَا دَامَ لَهُ حَظّ. وَقد علم أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنه يُرِيد هَذَا الْأَمر لِابْنِهِ لَا لَهُ، وَهُوَ صائرٌ إِلَيْهِ أشغل مَا يكون عَنهُ، وأحوج إِلَى حسنةٍ قدمهَا وسيةٍ احتنبها. وَلَا صلَة فِي مَعْصِيّة الله، وَلَا قطيعة مَا كَانَت فِي ذَات الله. وَقد دعيت إِلَى مَا لَا صَبر عَلَيْهِ وَمَا لم ير غَيْرِي أجَاب إِلَيْهِ، من حل العقد وَنقض الْعَهْد، وَهَذَا هِشَام بن عبد الْملك، ملك عجز دولةٍ طَالَتْ أيامهم فِيهَا، وَكَثُرت صنائعهم بهَا. فَلم يمت حَتَّى حضر بَين يَدَيْهِ عشرةٌ من وَلَده، أسغرهم فِي سنّ من يُرِيد أَمِير الْمُؤمنِينَ رَفعه بوضعي وصلته بقطعي، فَلم ير أَن ينْقض مَا عقده أَخُوهُ يزِيد بن عبد الْملك لِابْنِهِ الْوَلِيد بن يزِيد بعده، وَهُوَ يقاسي مِنْهُ عنتاً، ويتجرع لَهُ غيظاً، خوفًا على الْملك، وإشفاقاً من الْملك، وحذراً من مغبة الظُّلم وتأسيس الْغدر، حَتَّى سلم إِلَيْهِ الْأَمر أَغضّ مَا كَانَ وأنضره - وَرَآهُ غَالِبا على أمره موكلاً بخزائنه، وروحه بعد فِي جسه، وَلسَانه دائرٌ فِي فَمه، وَأمره نافذٌ فِي رَعيته. لَو تقدم بسوءٍ فِيهِ لأسرع بِهِ إِلَيْهِ، فَكَانَ أَكثر مَا عِنْده لما عرف، وامتلأ بِأَصْحَابِهِ دَاره - تحسرا وتأسفاً: إِنَّا لله. لَا أَرَانِي إِلَّا خَازِنًا للوليد إِلَى الْيَوْم. اللَّهُمَّ أَنْت لي، فقد حضر أَجلي على سوءٍ من عَمَلي. وَمَا هشامٌ بِأَعْلَم من أَمِير الْمُؤمنِينَ بِاللَّه، وَلَا أقرب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَإِذا أمضى أَمِير الْمُؤمنِينَ بِهَذَا سنة فِي حَدَاثَة ملك وأوائل دولةٍ، لَا يُؤمن أَن

يستن بِهِ وَلَده وَيَقَع مِنْهُ مَا تلاقى لَهُ، وَلَا بقيا مَعَه وأمير الْمُؤمنِينَ يعلم أَن من جعل هَذَا الْأَمر إِلَيْهِ وَله، منغير شَرط فِيهِ عَلَيْهِ - محكمٌ فِي تَدْبيره، مخبر فِي تصريفه، وَلَا شَرط على فِي تَسْلِيم المر من بعدِي إِلَى أحد ذكر وَلَا شخص عين، وَقد جعلته لمُحَمد بعدِي، طَالبا بذلك رضَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وتابعاً مُوَافَقَته، وتاركاً مُخَالفَته؛ فَإِن رأى أُمِّي رالمؤمنين أَن يرْعَى سالفتي وَقَرَابَتِي، وَيعرف اجتهادي ومناصحتي، وَيذكر مخالطتي وكفايتي، وَيقبل ذَلِك مني، وَيَأْمُر بكف الذى عني فعل إِن شَاءَ الله. فَكتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور جَوَابا أغْلظ فِيهِ وخوفه بادرة أهل خُرَاسَان فأنعم لَهُ بِمَا أَرَادَ من تَقْدِيم الْمهْدي على نَفسه، ثمَّ سَأَلَهُ الْمهْدي لما أفْضى الْأَمر إِلَيْهِ أَن يخلع نَفسه وَيجْعَل الْعَهْد لمُوسَى ابْنه، فَفعل. وَكَانَ يَقُول: مَا لقى أحدٌ مَا لقِيت. كل أَهلِي أمنُوا بعد خوفٍ، وَأَنا خفت بعد أَمن، وسممت مرَّتَيْنِ، وخلعت مرَّتَيْنِ. مَعَ قديم بلائي، وَطول غنائي. كَانَ عبد الْملك بن صَالح والياً للرشيد على الشَّام. فَكَانَ إِذا وَجه سَرِيَّة إِلَى أَرض الرّوم أَمر عَلَيْهَا أَمِيرا شهما، وَقَالَ لَهُ: اعْلَم أَنَّك مضَارب الله بخلقه؛ فَكُن بِمَنْزِلَة التَّاجِر الْكيس، إِن وجد ربحا تجر، وَإِلَّا احتفظ بِرَأْس المَال، وَكن من احتيالك على عَدوك أَشد حذرا من احتيال عَدوك عَلَيْك. وَولى الْعَبَّاس بن زفر الثغر، فودعه فَقَالَ يَا عَبَّاس: إِن حصن الْمُحَارب من عدوه حسن تَدْبيره، والمقاتل عَنهُ جليد رَأْيه وَصدق بأسه؛ وَقد قَالَ ابْن هرمه: يُقَاتل عَنهُ النَّاس مجلود رَأْيه ... لَدَى الْبَأْس، والرأي الجليد مقَاتل وَقَالَ لَهُ الرشيد مرّة وَقد غضب عَلَيْهِ: يَا عدي الْملك، وَالله مَا أَنْت لصالح بولدٍ. قَالَ: فَلِمَنْ أَنا؟ قَالَ: لمروان بن مُحَمَّد، أخذت أمك وَهِي حُبْلَى بك، فَوَطِئَهَا على ذَاك أَبوك فَقَالَ عبد الْملك: فحلان كريمان، فَاجْعَلْنِي لمن شِئْت مِنْهُمَا. وَهَذَا شبيهٌ بِمَا قَالَه مَرْوَان بن مُحَمَّد حِين بلغه أَن النَّاس يَقُولُونَ إِن هَذِه الشجَاعَة الَّتِي لأمير الْمُؤمنِينَ لم تكن لِأَبِيهِ وَلَا لجده، وَإِنَّمَا جَاءَتْهُ من قبل

إِبْرَاهِيم بن الأشتر - فَإِن أمه كَانَت لَهُ، وَصَارَت لمُحَمد بن مَرْوَان - وَهِي حاملٌ - بعده - فَقَالَ: مَا أُبَالِي الفحلين كنت، كِلَاهُمَا شريفٌ كريم. وَقَالَ الرشيد مرةٌ لعبد الْملك: كَيفَ هُوَ أوكم بمنبج؟ قَالَ: سحرٌ كُله. وَقَالَ عبد الرَّحْمَن التَّيْمِيّ: قَالَ لي عبد الْملك: يَا عبد الرَّحْمَن؛ كن على التمَاس الْحَظ بِالسُّكُوتِ أحرص من على التماسه بالْكلَام. فقد قيل: إِذا أعْجبك الْكَلَام فاصمت، وَإِذا أعْجبك الصمت فَتكلم. وَلَا تساعدني على قبيحٍ، وَلَا تردن على فِي محفل، وكلمني بِقدر مَا استنطقتك وَاعْلَم أَن حسن الِاسْتِمَاع أحسن من حسن القَوْل. فأرني فهمك فِي نظرك، وَاعْلَم أَنِّي جعلتك جَلِيسا مقرباً، بعد أَن كنت معلما مباعداً. وَمن لم يعرف نُقْصَان ماخرج مِنْهُ لم يعرف رُجْحَان مَا دخل فِيهِ. وَلما دخل الرشيد إِلَى منبج قَالَ لعبد الْملك: أَهَذا الْبَلَد مَنْزِلك؟ قَالَ: هُوَ لَك ولي بك. قَالَ: وَكَيف بناؤك بِهِ؟ قَالَ: دون منَازِل أَهلِي وفْق منَازِل غَيرهم. قَالَ: فَكيف صفة مدينتك هَذِه؟ قَالَ هِيَ عذبة المَاء، بَارِدَة الْهَوَاء، قَليلَة الأدواء. قَالَ: فَكيف لَيْلهَا؟ قَالَ: سحرٌ كُله. قَالَ: صدقت إِنَّهَا لطيبةٌ. قَالَ: لَك طابت، وَبِك كملت، أَيْن بهَا عَن الطّيب؟ وَهِي تربةٌ حَمْرَاء، وسنبلةٌ صفراء، وشجرةٌ خضراء، أفياف فيحٌ بَين قيصوم وشيح. فَقَالَ الرشيد لجَعْفَر بن يحيى: هَذَا الْكَلَام أحسن من الدّرّ المنظوم. وروى أَن صَالح بن عَليّ قَالَ لعبد الْملك ابْنه وه صبي مَا بلغ الْحلم - فِي شَيْء فعله: أَتَاك هَذَا من قبل أمك الزَّانِيَة، فَقَالَ: " والزانية لَا ينْكِحهَا إِلَّا زانٍ أَو مشركٌ ". ثمَّ ولى مغضباً وَهُوَ يَقُول: عَن الْمَرْء لَا تسْأَل وَأبْصر قرينه ... فَكل قرينٍ بالمقارن يقْتَدى وَلما ولى الرشيد عبد الْملك الْمَدِينَة قيل ليحيى بن خَالِد: كَيفَ ولاه الْمَدِينَة من بَين اعماله؟ قَالَ: أحب أَن يباهى بِهِ قُريْشًا، وَيُعلمهُم أَن فِي بني الْعَبَّاس مثله.

خطبه يوم الجمعه لمحمد بن سلمان بن علي وكان لا يغيرها

وَسمع عبد الْملك أصوات الحرس بِاللَّيْلِ لما خرج من الْحَبْس فِي أَيَّام المين، فَقَالَ للسندي: مَا هَذَا الْعَار الَّذِي ألزمته السُّلْطَان؟ حق بلدان الْمُلُوك أَن تضبط بالهيبة لَا بِكَثْرَة الأعوان. وَوجه عبد الْملك إِلَى الرشيد فَاكِهَة فِي أطباق خيزران وَكتب إِلَيْهِ: أسعدك الله أَمِير الْمُؤمنِينَ وأسعد بك، دخلت بستاناً لي، أفادنيه كرمك، وعمرته لي نعمك، وَقد أينعت أشجاره، وآتت أثماره، فوجهت إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ من كل شيءٍ شَيْئا على الثِّقَة والإمكان، فِي أطباق القضبان، ليصل إِلَى من بركَة دُعَائِهِ، مثل مَا وصل من كَثْرَة عطائه. فَقَالَ رجل: يَا أُمِّي رالمؤمنين، مَا سَمِعت أطباق القضبان، فَقَالَ الرشيد: يَا أبله، إِنَّمَا كنى عَن الخيزران إِذْ كَانَ اسْما لأمنا. عَاتب عبد الْملك يحيى بن خَالِد فِي شيءٍ، فَقَالَ لَهُ يحيى: أعينك بِاللَّه أَن تركب مَطِيَّة الحقد. فَقَالَ عبد الْملك: إِن كَانَ الحقد عنْدك بَقَاء الْخَيْر وَالشَّر لأهلهما عِنْدِي إنَّهُمَا لباقيان. فَلَمَّا ولى قَالَ يحيى: هَذَا خير قُرَيْش. احْتج للحق حَتَّى حسنه فِي عَيْني. خطْبَة يَوْم الْجُمُعَة لمُحَمد بن سلمَان بن عَليّ " وَكَانَ لَا يغيرها " الْحَمد لله، أَحْمَده وَأَسْتَعِينهُ، وأستغفره وأومن بِهِ وَأَتَوَكَّل عَلَيْهِ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عبد وَرَسُوله، أرْسلهُ بِالْهدى وَدين الْحق " لِيظْهرهُ علىالدين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ ". من اعْتصمَ بِاللَّه وَرَسُوله فقد اعْتصمَ بالعروة الوثقى، وَسعد الْآخِرَة وَالْأولَى وَمن لم يعتصم بِاللَّه وَرَسُوله فقد ضل ضلالا بَعيدا، وخسر خسراناً مُبينًا، أسأَل الله أَن يجعلنا وَإِيَّاكُم مِمَّن يطيعه ويطيع رَسُوله، وَيتبع رضوانه ويجتنب سخطه؛ فَإِنَّمَا نَحن بِهِ وَله، أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعه، وأرضى لكم مَا عِنْد الله، فَإِن تقوى الله أفضل مَا تحاث عَلَيْهِ الصالحون وتداعوا إِلَيْهِ، وَتَوَاصَوْا بِهِ. وَاتَّقوا الله مَا اسْتَطَعْتُم وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ.

وَكَانَ محمدٌ من رجال بني هَاشم وشجعانهم، وَأمه وَأم أَخِيه جَعْفَر وَأُخْته زَيْنَب أم حسنٍ بنت جَعْفَر بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم وَكَانَ لَهُ خَمْسُونَ ألف مولى أعتق مِنْهُم عشْرين ألفا. وَخرج يَوْمًا إِلَى بَاب دَاره بالمربد فِي عشيةٍ من عشايا الصَّيف، فَرَأى الْحر شَدِيدا، فَقَالَ: رشوا هَذَا الْموضع، فَخرج من دَاره خَمْسمِائَة عبد بِخَمْسِمِائَة قربةٍ مَمْلُوءَة مَاء، فرشوا الشَّارِع حَتَّى أَقَامُوا المَاء فِيهِ. وَكَانَت غَلَّته فِي كل يَوْم مائَة ألف دِرْهَم، وَسمع دعاؤه فِي السحر اللَّهُمَّ أوسع عَليّ؟ فَإِنَّهُ لَا يسعني إِلَّا الْكثير. وَلما مَاتَ امنصو بِمَكَّة، وتلوى النَّاس على الرّبيع فِي تَجْدِيد الْبيعَة للمهدي، جرد مُحَمَّد سيقه، وَقَالَ: وَالله لَئِن امْتنع أحدٌ مِنْكُم عَن الْبيعَة لأرمين بِرَأْسِهِ، فبادروا إِلَى الْبيعَة، فَشكر الْمهْدي ذَلِك فرفعه وزوجه ابْنَته العباسة، ونقلها إِلَيْهِ، وَهِي أول بنت خليفةٍ نقلت من بلدٍ إِلَى بلد. وَلما أَرَادَ أَن يدْخل بالعباسة شاور كَاتبه حماداً فِي اللبَاس الَّذِي يلْبسهُ فِي كل يَوْم، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بألا يتصنع، ويقتصر على مَا كَانَ يلْبسهُ فِي كل يَوْم، فَلم يقبل مِنْهُ، وَعمد إِلَى ثِيَاب دبيقية كَأَنَّهَا غرقى الْبيض فلبسها، فرأتها عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَد دخل عَلَيْهَا وَإِذا هِيَ فِي دارٍ قد فرشت بالدبيقى الَّذِي يشابه مَا لبس أَو يزِيد عَلَيْهِ، فَعلم أَن كَاتبه كَانَ قد نصحه وتمثل: أَمرتكُم أَمْرِي بمنعرج اللوى ... فَلم تستبينوا الرش إِلَّا ضحى الْغَد وَكَانَ يتَصَدَّق فِي كل سنةٍ بخمسائة ألف درهمٍ، وَيَوْم الْفطر بِمِائَة ألف وَفِي كل يَوْم بكرين من الدَّقِيق. وَلم يكن لَهُ ولدٌ إِلَّا بنتٌ وَاحِدَة، وَمَاتَتْ قبله، فَذكر أَنه قَالَ: أشتهى وَالله أَن يصفو لي يومٌ لَا يُعَارض سروري فِيهِ هم.

وَكَانَ جَعْفَر أَخُوهُ يَقُول: لَا تمتحن هَذَا فَقل من امتحنه إِلَّا امتحن فِيهِ. فَجَلَسَ يَوْمًا وأحضر جَمِيع من يحب حُضُوره، فَبينا هُوَ على أتم أمرٍن وَأسر حالٍ إِذْ سمع صراخا، فَسَأَلَ عَنهُ، فكتم، فألح، فَعرف أَن ابْنَته - وَلَا ولد لَهُ غَيرهَا - صعدت دَرَجَة فَسَقَطت مِنْهَا فَمَاتَتْ. فَلم يَفِ سروره صدر نَهَاره بِمَا عقب من غمه؛ فَكَانَ يَقُول كثيرا: تفردت بالكمال ... وبالعز والجلال وملكٍ بِلَا نفادٍ ... نرَاهُ وَلَا زَوَال. وشبيه بِهَذَا مَا اتّفق على يزِيد بن عبد الْملك فَإِنَّهُ أحب أَن يخلص لَهُ يومٌ بِأَن تطوى عَنهُ الْأَخْبَار، وأجلس حبابة عَن يَمِينه، وسلامة عَن يسَاره، يشرب وتغنيان، فَلَمَّا صليت الْعَصْر شربت حبابة قدحا، وتنقلت بحب رمانٍ فشرقت بِهِ وَمَاتَتْ، فكمد عَلَيْهَا يزِيد، وَمَات بعد خَمْسَة عشر يَوْمًا. وَكَانَ جَعْفَر بن سُلَيْمَان نِهَايَة فِي الْجَلالَة والشرف، ولى الْمَدِينَة للمنصور بعد انْقِضَاء أَمر مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم. فَأعْطى الْأَمْوَال. وَوصل الشُّعَرَاء وَأمن النَّاس، وشفع فيهم. وَيُقَال إِنَّه سقط من ظَهره إِلَى الأَرْض مَا بِهِ نسمةٌ من ذكرٍ وَأُنْثَى. قَالَ الْأَصْمَعِي: مَا رَأَيْت أكْرم أَخْلَاقًا وَلَا أشرف فعالاً من جَعْفَر بن سليما؛ فتغدينا مَعَه فاستطاب الطَّعَام. فَقَالَ لطباخه: قد أَحْسَنت وسأعتقك وأزوجك. فَقَالَ الطباخ: قد قلت يَا سَيِّدي هَذَا غير مرّة وكذبت. قَالَ: فو الله مَا زَاد على أَن ضحك. وَقَالَ لي: يَا أصمعي. إِنَّمَا يُرِيد البائس " وأخلفت " قَالَ الْأَصْمَعِي: وَإِذا هُوَ قد رضى بأخلفت. ذكر الصمعي أَن ابْن ميادة امتدح جَعْفَر بن سُلَيْمَان فَأمر لَهُ بِمِائَة نَاقَة، فَقبل يَده وَقَالَ: وَالله مَا قبلت يَد قرشي غَيْرك إِلَّا وَاحِدًا. فَقَالَ: أهوَ الْمَنْصُور؟

قَالَ: لَا وَالله. قَالَ: فَمن هُوَ؟ قَالَ الْوَلِيد بن يزِيد فَغَضب، وَقَالَ: وَالله مَا قبلتها لله. قَالَ: وَلَا يدك وَالله قبلتها لله، وَلَكِن قبلتها لنَفْسي. فَقَالَ: وَالله لَا ضرك الصدْق عِنْدِي. أَعْطوهُ مائَة نَاقَة أُخْرَى. غزا اسماعيل بن صَالح بن عَليّ فَرَأى غُلَاما من أَبنَاء المقيمين بطرسوس من أَمْلَح النَّاس وآدبهم، فاستصحبه، فَقَالَ لَهُ الْغُلَام: بَلغنِي أَن فِيك مِلَّة قَالَ إِسْمَاعِيل: هِيَ فِي لَهَا. فَضَحِك الْغُلَام وَقَالَ: الْآن طابت صحبتك. فصحبه. دخل مُحَمَّد بن عبد الْملك بن صَالح على الْمَأْمُون بعد موت أَبِيه عبد الْملك - وَقد أَمر بِقَبض ضياعهم - فَقَالَ - وَهُوَ غُلَام أَمْرَد: السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. مُحَمَّد بن عبد الْملك، سليل نِعْمَتك، وَابْن دولتك، وعصنٌ من أَغْصَان دوحتك، أتأذن لَهُ فِي الْكَلَام؟ قَالَ: نعم. تكلم. فَحَمدَ اله، وَأثْنى عَلَيْهِ، وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَسلم، ثمَّ قَالَ: نسْأَل الله لحياطة ديننَا ودنيانا، ورعاية أقصانا وأدنانا ببقائك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، ونسأله أَن يزِيد فِي عمرك من أعمارنا، وَفِي أثرك من آثارنا. ويقيك الْأَذَى بأسماعنا وأبصارنا، هَذَا مقَام العائذ بك تَحت ظلك، الهارب إِلَى كنفك وفضلك، الْفَقِير إِلَى رحمتك وعدلك. فوصله وَأمر برد ضيَاع أَبِيه على ورثته. ومدح أَبُو تَمام مُحَمَّد بن عبد الْملك، فَقَالَ فِي قصيدة: أمت بِنَا عيسنا إِلَى ملك ... نَأْخُذ من مَاله وَمن أدبه فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد: كَأَنِّي بك قد قلت: نَأْخُذ من مَاله ونسخر بِهِ

فلجلج أَبُو تَمام فَقَالَ: يَا بن الفاعلة. لقد كنت أستقل لَك مائَة ألف دِرْهَم. وَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم. وَكَانَ الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عَليّ من مَشَايِخ بني هَاشم، وَكَانَ أسرى أهل عصره، وَكَانَ لبسه من الثِّيَاب الَّتِي ينسجها أَوْلَاد عبيده، وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا يفرشه، وَلَا يَخْدمه فِي سَائِر خدمته غَيرهم، وَكَانَ لَا يَأْكُل من النّخل وَمن سَائِر الْفَوَاكِه إِلَّا مَا كَانَ من غرسه. وَكَانَ ابْنه إِسْحَق يَرْمِي بالواط. وَحج مرّة فَرجع النَّاس وهم يتحدثون بِأَن غُلَاما لَهُ كَانَ يعادله نَهَارا، فَإِذا كَانَ اللَّيْل صَار مَعَه فِي شقّ محمل، وَوضعت حيالهما صَخْرَة بوزنهما. وَرَأى أَبوهُ الْعَبَّاس يَوْمًا غُلَاما لَهُ، وَقد كشف الرّيح قباءه، فَإِذا عَلَيْهِ سَرَاوِيل وشي إسكنرداني منسوجٍ بِالذَّهَب فَقَالَ لاسحق: أَكَانَ الْعَبَّاس ابْن عبد الْمطلب لوطياً؟ قَالَ: معَاذ الله. قَالَ: أفعبد اله بن الْعَبَّاس؟ قَالَ: معَاذ الله. قَالَ أفعلي بن عبد الله؟ قَالَ: لَا وَالله. قَالَ: أفعرفت فِي شَيْئا مِنْهَا؟ قَالَ: المير أجل دينا ومروءةً من ذَاك. قَالَ: فَمَا دعَاك إِلَيْهِ؟ قَالَ: مكذوبٌ على بِمَا يُضَاف إِلَيْهِ مني. قَالَ: وَالله مَا كسا أحدٌ غُلَامه هَذِه الْكسْوَة إِلَّا وَهُوَ مريب. فَأَرَادَ إٍحق أَن يحلف فَقَالَ لَهُ: لَا تحلف. فواللله لَئِن لم يكن هَذَا لما اتهمت بِهِ إِنَّه لأعظم قبحاً مِنْهُ. فَأمْسك وَتب إِلَى الله. قَالَ: أَنا تائب إِلَى الله من جَمِيع الذُّنُوب. قَالَ الْعَبَّاس: قبح الله ابنهرمة، فَلَقَد حرمنا من أَمِير الْمُؤمنِينَ خيرا كثيرا. كُنَّا نساله الشَّيْء فيأباه، فنعاوده فِيهِ فيفعل مَا نُرِيد حَتَّى قَالَ ابْن هرمة: إِذا مَا أَتَى شَيْئا، مضى كَالَّذي أَتَى ... وَإِن قَالَ إِنِّي فاعلٌ فَهُوَ فَاعل.

فَكَانَ إِذا عاودناه فِي شيءٍ قَالَ لنا: فلست إِذا كَمَا قَالَ ابنهرمة، وَأنْشد هَذَا الْبَيْت، وَكَانَ يشاورنا فِي اموره إِلَى أَن قَالَ ابنهرمة: إِذا مَا أَرَادَ الْأَمر ناجى ضَمِيره ... فناجى ضميراً غير مُضْطَرب الْعقل وَلم يُشْرك الدنين فِي جلّ رَأْيه ... إِذا اضْطَرَبَتْ بالحائرين قوى الْحَبل فخضنا بالْقَوْل فِي أَلا يشاورنا، فَكَانَ لَا يشاورنا بعد ذَلِك. كَانَ عبد الصَّمد بن عَليّ ثقيل الرجل، لَا يقدم على أحد من أهل بَيته إِلَّا مَاتَ، فَقدم على أَخِيه سُلَيْمَان بن عَليّ بِالْبَصْرَةِ، فاعتل وَمَات، فصلى عَلَيْهِ، ثمَّ رَحل، وَقدم الْبَصْرَة بعد مُدَّة وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان صحيحٌ، فاعتل يَوْم قدومه وَمَات، فصلى عَلَيْهِ، ثمَّ قدم وجعفر بن سُلَيْمَان صَحِيح، فاضطرب وَقَالَ: لأمر مَا قدم عمي، فاعتل، وَاشْتَدَّ جزعه، ثمَّ عوفى، فَتصدق بِمِائَة ألف دينارٍ. وَلما مَاتَ عبد الصَّمد قَالَ الرشيد: الْحَمد لله الَّذِي أمات عنوان الْمَوْت. لَا يحمل عمي غَيْرِي. فَكَانَ أحد حَملته إِلَى حفرته. وَقد روى أَيْضا أَنه مَاتَ جَعْفَر، وَقد قدم عَلَيْهِ عبد الصَّمد وَأَن إِسْمَاعِيل ابْن جَعْفَر كَانَ يَقُول: مَا رَأَيْت أشأم مِنْهُ، وَإنَّهُ عمي فِي ذَلِك الْوَقْت. فَقَالَ إِسْمَاعِيل: أَخذنَا بعض ثَأْرنَا. وَولى عبد الرَّحْمَن بن جَعْفَر الْيمن، وَكَانَ وعد أَبَا زيد، عمر بن شبة أَن يحسن إِلَيْهِ إِذا ولي. فَلَمَّا ولي قَالَ: يَا أَبَا زيد، لَيْسَ بعد الْيمن شَيْء وَكَانَ يُرْسل بالبرود وَغَيرهَا، فَيُقَال لَهُ: اذكر أَبَا زيد. فَيَقُول: أَبُو زيد إِلَى الدَّنَانِير

أحْوج؛ فَلَمَّا طَال ذَلِك كتب إِلَيْهِ: قد رضيت من ولايتك بِشِرَاك نعلٍ. قَالَ عمر: فَكتب إِلَى: مَا رَأَيْتُك فِي شَيْء أَعقل مِنْك فِي هَذَا علمت مَا تسْتَحقّ فرضيت بِهِ. كَانَ جَعْفَر بن سُلَيْمَان بن عَليّ يشغف بجاريةٍ كَانَت من أحسن فتيات عصرها وَجها وغناءً وَضَربا، ثمَّ اشْتَرَاهَا بِعشْرَة آلَاف دِينَار، ومائتي نَاقَة، وَأَرْبَعَة أعدٍ من النّوبَة يرعونها - فَإِن مولاتها استامت فِيهَا ذَلِك - وحظيت عِنْده وَولدت مِنْهُ سيد أَهله فِي زَمَانه أَحْمد بن جَعْفَر. وَكَانَ بلغ عبد الْملك بن صَالح شغفه بهَا، فَكتب إِلَيْهِ: خصك الله يَا أخي بالتنبه على حظك، وَأَقْبل بك إِلَى رشدك، وأنقذك من شَرّ هوى نَفسك. إِنِّي لما نأت عني دَارك، وانقطعت أخبارك استهديت مِمَّن يُرَاعى أمورك مَا انطوى عني من تصرفك فِي أحوالك، لِأَن نَفسِي لم تزل موكلةً بالشفقة عَلَيْك، والمراعاة لأمورك. فَأَتَانِي عَنْك أَنَّك سمحت بِنَفْسِك وجليل قدرك، وَنبيه ذكرك، وعالي شرفك وَمَا ورثته من دينك ومروءتك عَن سلفك، فِي طَاعَة هَوَاك، وَأَنَّك وهبت كلك لمن لم يهب بعضه لَك، وآثرت لَذَّة امتزج ظَاهرهَا بموافقتك وكمنت فِي عواقبها المكارة لَك. فليتك إِذْ طغت نَفسك، وَلم تجنح مَا يزينك أغليت السّوم بِنَفْسِك، وصرفتها إِلَى من يستحقك. وَلَئِن كنت رَأَيْت مَا بذلته من نَفسك وافياً بِقِيمَة من سمحت بِهِ لَهُ، لقد رَأَيْت نَفسك بِعَين غير صَادِقَة التخيل، وقومتها بقيمةٍ مبخوسة الْقدر، فليت شعري من أَيْن أَتَاك سوء الِاخْتِيَار؟ أَمن طَاعَتك التصابي؟ أم منقبولك مشروة وسيط. فلعمري إِنَّه لضد الناصح الْأمين. أم أحدثت لَك هَذَا الرَّأْي سُورَة الشَّرَاب، وارتياح الطَّرب، والإصغاء إِلَى اقتران غزل الشّعْر بنغم الأوتار، وامتزاج رَقِيق الْمعَانِي بِسحر الأغاني؟ فَلَقَد حكمت غير الْعدْل، وآثرت غير الْمُسْتَحق للأثرة. وهلا فَكرت فِي أَنَّك قد ملكت قيادك قينة أَنْت بالتهمة لَهَا أولى من الثِّقَة بهَا. وَلم حملتها على الشاذ من وَفَاء القيان؟ وَلم تتحرز فِيهَا من مَشْهُور غدرهن. أما وَالله لَئِن راجعت رَأْيك، وتدبرت مشورتي عَلَيْك لتعلمن أَنِّي لَك أنصح من نَفسك وَمن نضحائك، وَلَئِن أَقمت على تماديك إِن الْمُصِيبَة بك لعظيمةٌ مَعَ

عظم قدرك فِي أَنْفُسنَا، وسعة آمالنا لَك وَبِك وفيك. وَالله يوفقك لما هُوَ أولى بك وأشبه بقدرك وَالسَّلَام. فَلَمَّا وصلت إِلَى جَعْفَر هَذِه الرسَالَة أقامته وأقعدته. وَلم يقدر على إِجَابَة عبد الْملك بِشَيْء، وَكَانَ بَينهمَا خصوصٌ ولصوقٌ شديدٌ فَبَاعَهَا. أَمر الْمهْدي عبد الصَّمد بن عَليّ أَن يقسم فِي أهل مَكَّة مائَة ألف دِرْهَم، فحواها وَلم يعطهم شَيْئا. فَلَمَّا عزل وَخرج صرخوا بِهِ: " أيتها العير إِنَّكُم لسارقون ". فَقَالَ ياأولاد الزِّنَا. مَاذَا تَفْقِدُونَ؟ قَالُوا: مائَة ألف دِرْهَم أَمرك أَمِير الْمُؤمنِينَ بقسمتها فِي أهل مَكَّة. فَقَالَ أَنا الْبَطْحَاء وَأَنا مَكَّة وَأَنا زَمْزَم، فَإِذا قسمتهَا فِي دَاري فقد قسمتهَا فِي أهل مَكَّة. ولعَبْد الصَّمد عجائب مِنْهَا: أَن أَسْنَانه كَانَت قِطْعَة وَاحِدَة، وَدخل قَبره بِأَسْنَانِهِ الَّتِي ولد بهَا؛ لم ينْبت لَهُ سنّ وَلم يثغر. وَمِنْهَا أَنه حج بِالنَّاسِ فِي سنة سبعين وَمِائَة. وَحج يزِيد بن مُعَاوِيَة بهم سنة خمسين وَبَينهمَا مائَة وَعِشْرُونَ سنة، وهما فِي القعدد سَوَاء فِي النّسَب إِلَى عبد منَاف. وَمِنْهَا أَنه دخل سربا فطارت ريشتان فلصقتا بِعَيْنيهِ، فَذهب بَصَره. وَمِنْهَا أَنه كَانَ يَوْمًا عِنْد الرشيد فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، هَذَا مجلسٌ فِيهِ عمك، وَعم عمك وَعم عَم عمك، يَعْنِي سُلَيْمَان بن أبي جَعْفَر عَم الرشيد، وَالْعَبَّاس بن مُحَمَّد عَم الْمهْدي وَهُوَ عَم سُلَيْمَان، وَعبد الصَّمد وَهُوَ عَم الْعَبَّاس وَعم الْمَنْصُور. قيل: إِن أم عبد لاصمد هِيَ كَثِيرَة الَّتِي قَالَ فِيهَا ابْن الرقيات عادله من كَثِيرَة الطَّرب وَكَانَ مستترا عِنْدهَا فِي اول خلَافَة عبد الْملك وأحسنت إِلَيْهِ وَيجب أَن تكون ذَلِك الْوَقْت امْرَأَة بَرزَة. وَمَات عبد الصَّمد فِي سنّ خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَبَين ذَلِك وَبَين استتارة مائَة وَعِشْرُونَ سنة وَقيل هُوَ أول من سمى عبد الصَّمد.

قَالَ الجاحظ: لما أَتَى عبد الْملك بن صَالح وَفد الرّوم وَهُوَ فِي الْبِلَاد أَقَامَ على رَأسه رجَالًا فِي السماطين لَهُم قصر وهامٌ، ومناكب وأجسامٌ، وشوارب وشعورٌ، فَبَيْنَمَا هم قيامٌ يكلمونه، وَوجه رجلٍ مِنْهُم فِي قفا البطريق إِذْ عطس عطسة ضئيبةً فلحظه عبد الْملك فقلم يدر أَي شَيْء أنكر عَلَيْهِ، فَلم خرج الْوَفْد قَالَ لَهُ: وَيلك. هلا إِذْ كنت ضيق المنخركز الخيشوم اتبعتها بصيحةٍ تخلع بهَا قلب العلج. وَقَالَ: مَا النَّاس إِلَى شَيْء أحْوج مِنْهُم إِلَى إِقَامَة ألسنتهم الَّتِي بهَا يَتَعَارَفُونَ الْكَلَام، ويتعاطون الْبَيَان، ويتهادون الحكم، ويستخرجون غوامض الْعلم من مخابئها، ويجمعون مِنْهَا. إِن الْكَلَام فاضٍ يحكم بَين الْخُصُوم، وضياءٌ يجلو الظُّلم حَاجَة النَّاس إِلَى مواده كحاجتهم إِلَى مواد الإغذية. وَقَالَ الجاحظ: حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن السندى، قَالَ: سَمِعت عبد الْملك يَقُول بعد إِخْرَاج المخلوع لَهُ من حبس الرشيد - وَذكر ظلم الرشيد لَهُ، وإقدامه عَلَيْهِ. وَكَانَ يأنس بِهِ، ويشق بمودته وعقله. وَالله إِن الْملك لشيءٌ مَا نويته وَلَا تمنيته وَلَا تصديت إِلَيْهِ وَلَا تَبعته. وَلَو أردته لَكَانَ أسْرع إِلَى من السَّيْل إِلَى الحدور، وَمن النَّار فِي يَابِس العرفج وَإِنِّي لمأخوذٌ بِمَا لم أجن، ومسئولٌ عَمَّا لَا أعرف، وَلَكِن حِين رَآنِي للْملك أَهلا، وَرَأى للخلافة خطراً وَثمنا، وَرَأى أَن لي يدا تنالها إِذا مدت وتبلغها إِذا بسطت، ونفسا تكمل لَهَا بخصالها وتسحقها بخلالها، وَإِن كنت لم أختر تِلْكَ الْخِصَال، وَلَا اصطنعت تِلْكَ الْخلال، وَلم ارشح لَهَا فِي سر، وَلَا أَشرت إِلَيْهَا فِي جهر، وَرَآهَا تحن إِلَى حنين الواله، وتميل نحوي ميل الهلوك. وَخَافَ أَن ترغب إِلَيّ خيرٍ مرغب. وتنزع إِلَى أحصن منزع، عاقبني عِقَاب من قد سهر فِي طلبَهَا، وَنصب فِي التماسها وتقدر لَهَا بِجهْدِهِ، ونهيأ لَهَا بِكُل حيله. فَإِن كَانَ إِنَّمَا حَبَسَنِي على أَنِّي أصلح لَهَا لي، وأليق بهَا وتليق بِي، فَلَيْسَ ذَلِك بذنبٍ فأتوب مِنْهُ، وَلَا تطاولت لَهُ فأحط نَفسِي عَنهُ. فَإِن زعم أَنه لَا صرف لعقابه، وَلَا نجاة من أعطايه إِلَّا بِأَن أخرج لَهُ من الْحلم وَالْعلم، وَمن الحزم والعزم، فَكَمَا لَا ستطيع المضياع أَن

يكون حَافِظًا كَذَلِك الْعَاقِل لَا يَسْتَطِيع أَن يكون جَاهِلا. وَسَوَاء عاقبني على عَقْلِي وَعلمِي أم على نسبي وَسبي، وَسَوَاء عاقبني على خلالي أَو على طَاعَة النَّاس لي. وَلَو أردتها لأعجلته عَن التفكر، ولشغلته عَن التدبر، وَلما كَانَ فِيهِ من الخطار إِلَّا الْيَسِير، وَمن بذل الْجهد إِلَّا الْقَلِيل. تمّ الْجُزْء الأول بِحَمْد الله. الْجُزْء الثَّانِي

الجزء 2

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة الْمُؤلف الْحَمد لله الَّذِي أعزنا بِالْإِسْلَامِ، وأنطقنا بأفصح الْكَلَام، وأنقذنا من ظلمَة الشّرك، وحيرة الشَّك بِمُحَمد نبيه خير الْأَنَام، وعترته الْأَعْلَام صلى الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم صَلَاة يَسْتَحِقهَا بفضله وكرامته، ويستحقونها بقرباه وولادته. اللَّهُمَّ كَمَا اجتبيته من خلقك، وهديته بهديك ووفقته لأَدَاء حَقك، وأكرمته برحيك، وأيدته بنصرك، وأرسلته إِلَى الْأَحْمَر وَالْأسود من أهل أَرْضك، بشيراً وَنَذِيرا، وداعياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجاً منيراً، على حِين فَتْرَة من الرُّسُل، وحيرة من أهل الْملَل، وتحريف مِنْهُم للمتلو عَلَيْهِم المنزّل، وَحين رفع الشّرك معالمه، وشيّد قوائمه ودعائمه، وَنشر فِي الْأُفق خوافيه وقوادمه، وطبق مِنْهُ الأَرْض طخياء لَا يلمع لَهَا نَار، وَلَا يرفع بهَا منار، قد تبع أَهله الشَّيْطَان فأرادهم، وأطاعوه فأغواهم، فعبدوا الْأَوْثَان من دُونك، وَجعلُوا لَك شُرَكَاء من خلقك، فصدع عَلَيْهِ السَّلَام بِأَمْرك، وَقَامَ بفرضك ودعا إِلَى طَاعَتك، وَنهى عَن معصيتك وَبشر بِرَحْمَتك، وأنذر بسطوتك وَندب الْخلق إِلَى مَا شهِدت بِهِ لنَفسك، وَشهِدت بِهِ ملائكتك لَك: أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، وَحدك لَا شريك لَك، وَلم يزل يَدْعُو إِلَى دينك حَتَّى بلغ ضوءه، ثمَّ استطار شعاعه، وَنجم روقه، ثمَّ امْتَدَّ رواقه، واخضل نداه، ثمَّ استبحر غديره، واخضر ثراه، ثمَّ استداح شكيره، وَحَتَّى ظهر على الدّين كُله وَلَو كره الْكَافِرُونَ.

اللَّهُمَّ كَمَا فعل ذَلِك فافعل بِهِ مَا هُوَ أَهله، وأوله مَا يسْتَحقّهُ، واحفظه فِي سنته، بحفظها على أمته، واخلفه فِيهَا وَفِيهِمْ بالإظهار والإدامة، كَمَا وعدته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، واجزه عَن عِبَادك جَزَاء من أنقذهم من النَّار، وأنجاهم وهم على شفا جرف هار. اللَّهُمَّ أَنْت الْجواد الْوَاحِد، لَا تعدم فتبخل، والحليم الْقَادِر لَا تفات فتعجل، عَلَيْك التكلان، وَأَنت الْمُسْتَعَان، وَبِك التَّوْفِيق والعصمة، ومنك الْحول وَالْقُوَّة، وفضلك المرجوّ، وعدلك الْمخوف. اللَّهُمَّ فَلَا تتجاوز بذنوبنا الْفضل إِلَى الْعدْل، وبأعمالنا الْعَفو إِلَى الْجَزَاء، واغفر لنا بإحسانك الَّذِي وسع جَمِيع الْخَلَائق، وَلَا تكلنا إِلَى مَا نستحقه بأعمالنا فَإنَّا لَا نصبر على الْحق، إِلَيْك المشتكي من أَنْفُسنَا الأمارة بالسوء، المتبابعة لكل عَدو، من هوى يردى، وَشَيْطَان يغوى، وأمل يضر، وَعمل يغر، وزخارف دنيا أَولهَا غرور، وَآخِرهَا هباء منثور. فأعنا على أَنْفُسنَا بعصمتك، وأعذنا من كيد الشَّيْطَان بِرَحْمَتك، وَاجعَل قَوْلنَا وَفعلنَا سددا، وهيئ لنا من أمرنَا رشدا، ويسرنا لليسرى، وَاخْتِمْ لنا بِالْحُسْنَى، فَلَا قنوط من رحمتك، وَلَا يأس من روحك، إِنَّه لَا ييئس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ. هَذَا هُوَ الْفَصْل الثَّانِي من كتاب نثر الدّرّ، وَكُنَّا وعدنا أَن نخلط الْجد بِالْهَزْلِ، والجيد بالرذل، وَالْحكم بالملح، والمواعظ بالمضاحك، ليَكُون ذَلِك استراحة للقارئ، تنفى عَنهُ الْملَل والسآمة، وتشحذ الطَّبْع والقريحة، وَتَروح الْقلب، وتشرح الصَّدْر، وتنشر الخاطر، وتذكى الْفَهم، فَإِن الْقلب إِذا أكره عمي، والخاطر إِذا مل كلّ، وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن هَذَا الدّين متين فأوغلوا فِيهِ بِرِفْق ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " بعثت بالحنيفية السهلة ". وَقَالَ عَليّ: لَا بَأْس بالفكاهة يخرج بهَا الرجل من حد العبوس. وَكَانَ ابْن عَبَّاس إِذا أَكثر عَلَيْهِ من مسَائِل الْقُرْآن والْحَدِيث يَقُول: " أحمضوا " يُرِيد: خُذُوا فِي الشّعْر وأخبار

الْعَرَب. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: " إِنِّي لأجم نَفسِي بِشَيْء من الْبَاطِل ليَكُون أقوى لَهَا على الْحق ". وَفِي حَدِيث زيد بن ثَابت " أَنه كَانَ من أفكة النَّاس إِذا خلا مَعَ أَهله، وأزمتهم فِي الْمجْلس ". وَقَالَ عَطاء بن السَّائِب: " كَانَ سعيد بن جُبَير يقص علينا حَتَّى يبكينا، وَرُبمَا يقص علينا حَتَّى يضحكنا ". وَقَالَ الزُّهْرِيّ: " الْأذن مجاجة، وللنفس حمضة ". وَبعد، فَإِن الَّذِي يَأْتِي فِي أثْنَاء هَذَا الْكتاب من الْهزْل رُبمَا صَار دَاعِيَة لطالبه إِلَى أَن يتصفح مَا قبله من الْجد، فيعلق مِنْهُ بقليه مَا ينْتَفع بِهِ، وَيَذُوق حلاوة ثَمَرَته، وَيعرف بِهِ قبح ضِدّه، حَتَّى يصير ذَلِك لطفاً فِي النُّزُوع عَن تماديه فِي غيّه، وتهوكه فِي هزله، وَأدنى مَا فِيهِ أَن يتنزه عَن مثله، ويتحامى أَن يبدر مِنْهُ مَا عيب على غَيره من فعله، فَلَيْسَ يَخْلُو ذَلِك من نادرة ماجن لَا يتحاشى من باطله، أَو فلتة مُغفل يرْمى غير غَرَضه. وأخليت الْفَصْل الأول من هَذِه النَّوَادِر وَالْملح؛ لِأَنِّي كرهت أَن أفصل بهَا بَين كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعترته، وَبَين كَلَام أَصْحَابه وحفدته، الَّذين واسوه بِأَنْفسِهِم وَأَمْوَالهمْ، وأطاعوه فِي أَقْوَالهم وأفعالهم، وهجروا لَهُ أوطانهم وبلادهم، وقاتلوا مَعَه إخْوَانهمْ وَأَوْلَادهمْ، ووقوه بِأَنْفسِهِم حر الجلاد، وَجَاهدُوا مَعَه فِي الله حق الْجِهَاد، حَتَّى ظهر دين الله، وعلت كلمة الله، وَحَتَّى وضح الصُّبْح لذِي عينين، ببدر وَأحد وحنين. فَقدمت كَلَام أبي بكر الصّديق، إِذْ كَانَ الْمُتَقَدّم لكل ذِي صُحْبَة، وَالسَّابِق الأول من غير كبوة، قَاتل أهل الرِّدَّة الْكفَّار، وَثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار، وأتبعته بِكَلَام عمر بن الْخطاب الْقوي الْأمين، الَّذِي لم تغمز قناته فِي ذَات الله،

وَلم تَأْخُذهُ هوادة فِي دين الله، درت عَلَيْهِ أفاويق الدِّينَا، وَأَلْقَتْ إِلَيْهِ كنوز الْقُرُون الأولى، فَقبض وَلم يقبض، وقضم وَلم يخضم، ورضف وَلم يعب، حَتَّى فَارقهَا خميص الْبَطن من حطامها، خَفِيف الظّهْر من آثامها. ثمَّ كَلَام عُثْمَان بن عَفَّان ذِي السَّابِقَة والصهر الْكَرِيم، وجامع الْقُرْآن وَالذكر الْحَكِيم. ثمَّ أوردت لمعاً من كَلَام سَائِر الصَّحَابَة من غير تَقْدِيم للأفضل فَالْأَفْضَل، وَلَا تَرْتِيب للأقدم فالأقدم وَالْأَقْرَب فَالْأَقْرَب، بل على مَا اتّفق وبحسب مَا اتسق. وَذكرت مواعظ ونكتاً من كَلَام عمر بن عبد الْعَزِيز، فَإِنَّهُ وَإِن لم يدْرك شأو الْمَذْكُورين، فَإِنَّهُ غبر فِي وُجُوه أَهله المطعونين، وَكَلَامه أشبه بِكَلَام الصَّدْر الْقَدِيم، وَأَحْرَى أَلا يكون مصدره إِلَّا عَن الصَّدْر السَّلِيم. وختمت الْفَصْل بِأَبْوَاب تشْتَمل على نَوَادِر مليحة، ومضاحك لَطِيفَة. الْفَصْل الثَّانِي وَهَذَا الْفَصْل يشْتَمل على عشرَة أَبْوَاب: الْبَاب الأول: كَلَام أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ. الْبَاب الثَّانِي: كَلَام عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ. الْبَاب الثَّالِث: كَلَام عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ. الْبَاب الرَّابِع: كَلَام سَائِر الصَّحَابَة رَحِمهم الله وَرَضي عَنْهُم. الْبَاب الْخَامِس: كَلَام عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله. الْبَاب السَّادِس: مزح الْأَشْرَاف والأفاضل. الْبَاب السَّابِع: الجوابات المستحسنة جدا وهزلاً. الْبَاب الثَّامِن: نَوَادِر المتنبئين. الْبَاب التَّاسِع: نَوَادِر المدينيين. الْبَاب الْعَاشِر: نَوَادِر الطفيليين والأكلة.

الباب الاول من الفصل الثاني في كلام ابي بكر الصديق رحمه الله عليه ورضي الله عنه

الْبَاب الأول من الْفَصْل الثَّانِي: فِي كَلَام أبي بكر الصّديق رَحْمَة الله عَلَيْهِ ورضى الله عَنهُ : خطب يَوْمًا، فَلَمَّا فرغ من الْحَمد لله، وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن أَشْقَى النَّاس فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة الْمُلُوك ". فَرفع النَّاس رؤوسهم. فَقَالَ: مَا لكم معاشر النَّاس؟ إِنَّكُم لطعانون عجلون، إِن الْملك إِذا ملك زهده الله فِيمَا فِي يَدَيْهِ، ورغبه فِيمَا فِي يَدي غَيره، وانتقصه شطر أَجله، وأشرب قلبه الإشفاق، فَهُوَ يحْسد على الْقَلِيل، ويتسخط الْكثير، ويسأم الرخَاء، وتنقطع عَنهُ لَذَّة الْبَهَاء، لَا يسْتَعْمل الْغيرَة، وَلَا يسكن إِلَى الثِّقَة. هُوَ كالدرهم القسي، والسراب الخادع، جذل الظَّاهِر، حَزِين الْبَاطِن، فَإِذا وَجَبت نَفسه، ونضب عمره، وضحا ظلّه، حَاسبه الله، فأشد حسابه، وَأَقل عَفوه. أَلا إِن الْأُمَرَاء هم المحرومون، إِلَّا من آمن بِاللَّه، وَحكم لكتاب الله، وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَإِنَّكُمْ الْيَوْم على خلَافَة نبوه، ومفرق محجة، وسترون بعدِي ملكا عَضُوضًا، وملكاً عنوداً، وَأمة شعاعاً، ودماً مفاحاً، فَإِن كَانَت للباطل نزوة وَلأَهل الْحق جَوْلَة يعْفُو لَهَا الْأَثر، وَتَمُوت السّنَن، فالزموا الْمَسَاجِد، واستشيروا الْقُرْآن، والزموا الْجَمَاعَة، وَليكن الإبرام بعد التشاور، والصفقة بعد طول التناظر. أَي بِلَادكُمْ خرشنة؟ فَإِن الله سيفتح عَلَيْكُم أقصاها، كَمَا فتح عَلَيْكُم أدناها. وَمن كَلَامه أَنه أَخذ يَوْمًا بِطرف لِسَانه وَقَالَ: هَذَا الَّذِي أوردني الْمَوَارِد.

وَقدم وَفد من الْيمن عَلَيْهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِم الْقُرْآن فبكوا فَقَالَ: " هَكَذَا كُنَّا حَتَّى قست الْقُلُوب ". وَقَالَ: " طُوبَى لمن مَاتَ فِي نأنأة الْإِسْلَام ". وَلما قَالَ أحباب بن الْمُنْذر يَوْم السَّقِيفَة: أَنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، إِن شِئْتُم كررناها جَذَعَة. منا أَمِير ومنكم أَمِير، فَإِن عمل الْمُهَاجِرِي شَيْئا فِي الْأنْصَارِيّ رد عَلَيْهِ الْأنْصَارِيّ، وَإِن عمل الْأنْصَارِيّ شَيْئا فِي الْمُهَاجِرِي رد عَلَيْهِ الْمُهَاجِرِي. فَأَرَادَ عمر الْكَلَام، فَقَالَ أَبُو بكر: على رسلك. نَحن الْمُهَاجِرُونَ، وَأول النَّاس إسلاماً، وأوسطهم دَارا وَأكْرم النَّاس أحساباً وَأَحْسَنهمْ وُجُوهًا، وَأكْثر النَّاس ولادَة فِي الْعَرَب، وأمسهم رحما برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أسلمنَا قبلكُمْ وَقدمنَا فِي الْقُرْآن عَلَيْكُم، فَأنْتم إِخْوَاننَا فِي الدّين، وشركاؤنا فِي الْفَيْء، وأنصارنا على الْعَدو. آويتم وواسيتم ونصرتم، فجزاكم الله خيرا. نَحن الْأُمَرَاء وَأَنْتُم الوزراء. لَا تدين الْعَرَب إِلَّا لهَذَا الْحَيّ من قُرَيْش، وَأَنْتُم محقوقون أَلا تنفسوا على إخْوَانكُمْ الْمُهَاجِرين مَا سَاق الله إِلَيْهِم. وَمن كَلَامه ذَلِك الْيَوْم: نَحن أهل الله، وَأقرب النَّاس بَيْتا من بَيت الله، وأمس النَّاس رحما برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِن هَذَا الْأَمر إِن تطاولت لَهُ الْخَزْرَج لم تقصر عَنهُ الْأَوْس، وَإِن تطاولت لَهُ الْأَوْس لم تقصر عَنهُ الْخَزْرَج، وَقد كَانَ بَين الْحَيَّيْنِ قَتْلَى لَا تنسى، وجراح لَا تداوى، فَإِن نعق مِنْكُم ناعق فقد جلس بَين لحيي الْأسد يضغمه الْمُهَاجِرِي، ويجرحه الْأنْصَارِيّ. قَالَ ابْن دأب: فَرَمَاهُمْ الله بالمسكتة. حدث سُفْيَان بن عُيَيْنَة لما قَالَ عمر لأبي بكر: اسْتخْلف غَيْرِي. قَالَ

أَبُو بكر: مَا حبوناك بهَا، وَإِنَّمَا حبوناها بك. ثمَّ أنْشد سُفْيَان قَول الحطيئة: لم يؤثروك بهَا إِذْ قدموك لَهَا ... لَكِن لأَنْفُسِهِمْ كَانَت بك الإثر وَقيل لَهُ فِي مَرضه: لَو أرْسلت إِلَى الطَّبِيب! قَالَ: قد رَآنِي. قيل: فَمَا قَالَ؟ قَالَ: قَالَ إِنِّي أفعل مَا أَشَاء. وَقَالَ لخَالِد بن الْوَلِيد حِين أخرجه إِلَى أهل الرِّدَّة: احرص على الْمَوْت توهب لَك الْحَيَاة. أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مردفاً أَبَا بكر، فَكَانَ الرجل يلقى أَبَا بكر فَيَقُول: من هَذَا بَين يَديك؟ فَيَقُول: يهديني السَّبِيل. يَعْنِي الْحق. وَلما أسلم قَالَت قُرَيْش: قيضوا لأبي بكر رجلا يَأْخُذهُ. فقيّضوا لَهُ طَلْحَة بن عبيد الله، فَأَتَاهُ وَهُوَ فِي الْقَوْم فَقَالَ: يَا أَبَا بكر إليّ. قَالَ: إلام تَدعُونِي؟ قَالَ: أَدْعُوك إِلَى عبَادَة اللات والعزى. فَقَالَ أَبُو بكر: من اللات والعزى؟ قَالَ: بَنَات الله. قَالَ: فَمن أمهن؟ فَسكت. وَقَالَ لأَصْحَابه: أجِيبُوا صَاحبكُم. فَسَكَتُوا فَقَالَ طَلْحَة: يَا أَبَا بكر فَإِنِّي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَأخذ أَبُو بكر بِيَدِهِ، فَأتى بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أسلم. وَلما اسْتخْلف أَبُو بكر قَالَ للنَّاس: شغلتموني عَن تجارتي فافرضوا لي. ففرضوا لَهُ كل يَوْم دِرْهَمَيْنِ. وَلما أرادوه على الْبيعَة قَالَ: علام تبايعونني، وَلست بأقواكم وَلَا أَتْقَاكُم؟ أقواكم عمر، وأتقاكم سَالم. وَكَانَ إِذا مدح يَقُول: اللَّهُمَّ أَنْت أعلم مني بنفسي، وَأَنا أعلم مِنْهُم بنفسي، اللَّهُمَّ اجْعَلنِي خيرا مِمَّا يحسبون، واغفر مَالا يعلمُونَ، وَلَا تؤاخذني بِمَا يَقُولُونَ.

وعهد عِنْد مَوته فَكتب: هَذَا مَا عهد أَبُو بكر خَليفَة مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد آخر عَهده بالدنيا، وَأول عَهده بِالآخِرَة، فِي الْحَال الَّتِي يُؤمن فِيهَا الْكَافِر، وَيَتَّقِي فِيهَا الْفَاجِر. إِنِّي اسْتعْملت عَلَيْكُم عمر بن الْخطاب، فَإِن برّ وَعدل فَذَاك علمي بِهِ، ورأيي فِيهِ، وَإِن جَار وَبدل فَلَا علم لي بِالْغَيْبِ، وَالْخَيْر أردْت وَلكُل امْرِئ مَا اكْتسب من الْإِثْم، وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون. وَرُوِيَ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَنه قَالَ: دخلت عَلَيْهِ فِي علته الَّتِي مَاتَ فِيهَا، فَقلت: أَرَاك بارئاً يَا خَليفَة رَسُول الله. فَقَالَ: أما إِنِّي على ذَلِك لشديد الوجع، وَلما لقِيت مِنْكُم يَا معشر الْمُهَاجِرين أَشد عليّ من وجعي، إِنِّي وليت أُمُوركُم خَيركُمْ فِي نَفسِي، فكلكم ورم أَنفه أَن يكون لَهُ الْأَمر من دونه. وَالله لتتخذن نضائد الديباج وستور الْحَرِير، ولتألمن النّوم على الصُّوف الأذربي مَا يألم أحدكُم النّوم على حسك السعدان. وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لِأَن يقدم أحدكُم فَتضْرب عُنُقه فِي غير حق خير لَهُ من أَن يَخُوض غَمَرَات الدُّنْيَا. يَا هادي الطَّرِيق جرت، إِنَّمَا هُوَ وَالله الْفجْر أَو البجر. فَقلت: خفّض عَلَيْك يَا خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن هَذَا يهيضك إِلَى مَا بك، فوَاللَّه مَا زلت صَالحا مصلحاً لَا تأسى على شَيْء فتك من أَمر الدُّنْيَا، وَلَقَد تخليت بِالْأَمر وَحدك فَمَا رَأَيْت إِلَّا خيرا. بلغ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَن أَقْوَامًا يفضلونه على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ، فَوَثَبَ مغضباً حَتَّى صعد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَصلى على رَسُوله، ثمَّ أقبل على النَّاس فَقَالَ: إِنِّي سأخبركم عني وَعَن أبي بكر: لما توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْتَدَّت الْعَرَب، ومنعت شَاتِهَا وبعيرها، فأجمع رَأينَا كلنا أَصْحَاب مُحَمَّد أَن قُلْنَا: يَا خَليفَة رَسُول الله، إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُقَاتل الْعَرَب بِالْوَحْي وَالْمَلَائِكَة يمده اللَّهُمَّ بهم، وَقد انْقَطع ذَلِك الْيَوْم، فَالْزَمْ بَيْتك ومسجدك، فَإِنَّهُ لَا طَاقَة لَك بالعرب. فَقَالَ أَبُو بكر: أَو كلكُمْ رَأْيه هَذَا؟ فَقُلْنَا: نعم. فَقَالَ: وَالله لِأَن أخرّ من السَّمَاء فتخطفني الطير أحب إليّ من أَن يكون هَذَا رَأْيِي. ثمَّ صعد الْمِنْبَر، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَكبره، وَصلى على النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، ثمَّ أقبل على النَّاس فَقَالَ:

أَيهَا النَّاس؛ من كَانَ يعبد مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ، وَمن كَانَ يعبد الله فَإِن الله حيّ لَا يَمُوت. أَيهَا النَّاس؛ ألأن كثر أعداؤكم وَقل عددكم ركب الشَّيْطَان مِنْكُم هَذَا الْمركب؟ وَالله لَيظْهرَن الله هَذَا الدّين على الْأَدْيَان كلهَا وَلَو كره الْمُشْركُونَ. قَوْله الْحق ووعده الصدْق: " بل نقذف بِالْحَقِّ على الْبَاطِل فيدمغه فَإِذا هُوَ زاهق وَلكم الويل مِمَّا تصفون " و " كم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَثِيرَة بِإِذن الله وَالله مَعَ الصابرين ". أَيهَا النَّاس. لَو أفردت من جمعكم لجاهدتم فِي الله حق جهاده حَتَّى ابلغ من نَفسِي عذرا، أَو أقتل مقتلاً. أَيهَا النَّاس؛ لَو مَنَعُونِي عقَالًا لجاهدتم عَلَيْهِ، واستعنت بِاللَّه فَإِنَّهُ خير معِين. ثمَّ نزل فَجَاهد فِي الله حق جهاده حَتَّى أذعن الْعَرَب بِالْحَقِّ. وَقَالَ لأبي بكر رجل: وَالله لأشتمنك شتماً يدْخل مَعَك قبرك. قَالَ: " مَعَك يدْخل وَالله لَا معي ". وَقَالَ: وَالله إِن عمر لأحب النَّاس إليّ. ثمَّ قَالَ: كَيفَ قلت؟ فَقَالَت عَائِشَة: قلت: وَالله إِن عمر لأحب النَّاس إليّ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ أعزّ الْوَلَد ألوط. وَمر بِعَبْد الرَّحْمَن ابْنه وَهُوَ يماظّ جاراً لَهُ، فَقَالَ: لَا تماظّ جَارك فَإِنَّهُ يبْقى وَيذْهب النَّاس. وشكي إِلَيْهِ بعض عماله، فَقَالَ: أَنا اقيد من وزعة الله؟ وَكَانَ من كَلَامه فِي خطبَته يَوْم الْجُمُعَة: الوحاء الوحاء النَّجَاء النَّجَاء. وراءكم طَالب حثيث مره سريع. تَفَكَّرُوا عباد الله، فِيمَن كَانَ قبلكُمْ: أَيْن كَانُوا أمس؟ وَأَيْنَ هم الْيَوْم؟ أَيْن الشَّبَاب الوضاء المعجبون بشبابهم، صَارُوا كلا شَيْء. أَيْن الْمُلُوك الَّذين بنوا الحوائط وَاتَّخذُوا الْعَجَائِب؟ فَتلك بُيُوتهم خاوية بِمَا ظلمُوا، وهم فِي ظلمات الْقُبُور، " هَل تحس مِنْهُم من أحد أَو تسمع لَهُم ركزاً "

أَيْن الَّذين كَانُوا يُعْطون الْغَلَبَة فِي مَوَاطِن الْحَرْب؟ تضعضع بهم الدَّهْر وصاروا رميماً. أَيْن من كُنْتُم تعرفُون من آبائكم وأبنائكم، وَإِخْوَانكُمْ وقراباتكم؟ وردوا على مَا قدمُوا، وخلوا يالشقاوة والسعادة فِيمَا بعد الْمَوْت. اعلموا عباد الله أَن الله لَيْسَ بَينه وَبَين أحد من خلقه نسب يُعْطِيهِ خيرا، وَلَا يدْفع عَنهُ ضراً إِلَّا بِطَاعَتِهِ، وَاتِّبَاع أمره. فَإِن أَحْبَبْتُم أَن تسلم دنياكم وآخرتكم فَاسْمَعُوا وَأَطيعُوا، وَلَا تفَرقُوا فَتفرق بكم السبل، وَكُونُوا إخْوَانًا كَمَا أَمركُم الله. أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم. لما قَالَت الْأَنْصَار: منا أَمِير ومنكم أَمِير. قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: إِنَّا معشر هَذَا الْحَيّ من قُرَيْش أكْرم النَّاس أحساباً، وأثقبهم أنساباً، ثمَّ نَحن بعد عترة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي خرج مِنْهَا، وبيضته الَّتِي تفقأت عَنهُ، وَإِنَّمَا جيبت الْعَرَب عَنَّا كَمَا جيبت الرحا عَن قطبها. وَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن ابْنه: لقد أهدفت لي يَوْم بدر فضفت عَنْك، فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: لكنك لَو أهدفت لي لم أضف عَنْك. وَرَأى أَبَا ذَر فحنا عَلَيْهِ، فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا قَالَ فِيك، فأعوذ الله أَن أكون صَاحبك. وَقَالَ: كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزل: " من يعْمل سوءا يجز بِهِ " فاقرأنيها، فَلَا أعلم إِلَّا وجدت لَهَا انقصاماً فِي ظَهْري حَتَّى تمطيت لَهَا. وَمر بِحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا يلْعَب مَعَ الصّبيان فاحتمله. وَقَالَ: بِأبي شَبيه النَّبِي لَيْسَ بشبه لعَلي. وَقَامَ عمر يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَأنكر الصُّلْح، فَقَالَ أَبُو بكر: استمسك بغرزه، فَإِنَّهُ على الْحق. وخطب فَقَالَ: إِنَّكُم تقرءون هَذِه الْآيَة " لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ ". وَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " النَّاس إِذا رَأَوْا الْمُنكر فَلم ينكروه يُوشك أَن يعمهم الله بعقاب ".

وَقَالَ لعَائِشَة: انظري مَا زَاد فِي مَالِي مذ دخلت هَذِه الْإِمَارَة فرديه إِلَى الْخَلِيفَة بعدِي، فَإِنِّي كنت نشحتها جهدي إِلَّا مَا كُنَّا نصيب من ودكها. وَقَالَ فِي خطْبَة: تعلمُوا أَن أَكيس الْكيس التقي، وَأَن أعجز الْعَجز الْفُجُور، وَأَن أقواكم عِنْدِي الضَّعِيف حَتَّى أعْطِيه حَقه، وَأَن أَضْعَفكُم عِنْدِي الْقوي حَتَّى آخذ مِنْهُ الْحق. أَيهَا النَّاس؛ إِنَّمَا أَنا مُتبع وَلست بِمُبْتَدعٍ، فَإِذا أَحْسَنت فَأَعِينُونِي، وَإِذا زِغْت فقوموني. وَقَالَ فِي خطْبَة: إِنَّكُم فِي مهل وَرَاءه أجل، فبادروا فِي مهل آجالكم، قبل أَن تقطع آمالكم فتردكم إِلَى سوء أَعمالكُم. وخطب فَقَالَ: أوصيكم بتقوى الله، أَن تتقوه، وتثنوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله، إِنَّه كَانَ غفارًا، وَأَن تخلصوا لله الْيَقِين فِيمَا بَلغَكُمْ فِي كِتَابه، فَإِنَّهُ أثنى على زَكَرِيَّا وَأهل بَيته، فَقَالَ: " إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات ويدعوننا رغباً ورهباً وَكَانُوا لنا خاشعين ". ثمَّ اعلموا عباد الله أَن قد ارْتهن بِحقِّهِ أَنفسكُم، وَأخذ على ذَلِك مواثيقكم، وَاشْترى مِنْكُم الْقَلِيل الفاني بالكثير الْبَاقِي. هَذَا كتاب الله بَيْنكُم، لَا يطفأ نوره، وَلَا تنفد عجائبه، فاستنصحوا كِتَابه، وَاتبعُوا كَلَامه، واستضيئوا مِنْهُ ليَوْم ظلمتكم، فَإِنَّمَا خَلقكُم لعبادته، وأمركم بِطَاعَتِهِ، وَقد وكل بكم كراماً كاتبين يعلمُونَ مَا تَفْعَلُونَ. ثمَّ اعلموا عباد الله أَنكُمْ تغدون وتروحون فِي أجل قد غيب عَنْكُم علمه، فَإِن اسْتَطَعْتُم أَن تنقضى آجالكم وَأَنْتُم فِي عمل الله فافعلوا، وَلنْ تنالوا ذَلِك إِلَّا بِاللَّه. سارعوا فِي مهل آجالكم قبل أَن تَنْقَضِي أعماركم فيريكم سوء أَعمالكُم. وَقَالَ فِي خطْبَة لَهُ فِي الرِّدَّة: وَالله لَا نَبْرَح نقوم بِأَمْر الله، ونجاهد فِي سَبِيل الله حَتَّى ينجز لنا وعده، ويفي لنا بعهده، فَيقْتل من يقتل منا شَهِيدا من أهل الْجنَّة، وَيبقى من بَقِي منا خَليفَة فِي أرضه. وعد الصدْق لَا خلف لَهُ، قَالَ الله عز وَجل: " وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم ".

فانهضوا عباد الله إِلَى مَا دعَاكُمْ الله إِلَيْهِ من غنيمته، وسارعوا إِلَى مَا وَعدكُم من جنته وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم. وَأوصى خَالِد بن الْوَلِيد حِين خُرُوجه إِلَى الْيَمَامَة فَقَالَ: يَا خَالِد، إِنَّك تخرج مُجَاهدًا، دينك ودنياك بَين عَيْنَيْك، وَقد وهبْنَ نَفسك لله عز وَجل، ثمَّ أَعْطَاك عَلَيْهَا فربحت تجارتك ببياعتك. فسر إِلَى عَدو الله على بركَة الله، وَاعْلَم أَن خير الْأَمريْنِ لَك أبغضهما إِلَيْك. وَقَالَ لعكرمة حِين وَجهه إِلَى عمان: سر على بركَة الله، وَلَا تنزلن على مستأمن، وَلَا تؤمنن على حق مُسلم. وَقدم النّذر بَين يَديك. وَمهما قلت إِنِّي فَاعل فافعل، وَلَا تجْعَل قَوْلك لَغوا فِي عَفْو وَلَا عُقُوبَة، فَلَا ترجى إِذا أمنت، وَلَا تخَاف إِذا خوفت، وَلَكِن انْظُر مَتى تَقول وَمَا تَقول، وَلَا تعذب على مَعْصِيّة بِأَكْثَرَ من عقوبتها، فَإنَّك إِن فعلت اثمت، وَإِن تركت كذبت، وَلَا تؤمّنن شريفاً دون أَن يكفل بأَهْله، وَلَا تكلّفنّ ضَعِيفا أَكثر من نَفسه، وَاتَّقِ الله إِذا لقِيت، وَإِذا لقِيت فاصبر. وَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: من أُوتِيَ الْقُرْآن فَرَأى أَن أحدا أُوتِيَ أَكثر مِمَّا أُوتِيَ فقد صغّر عَظِيما. يَقُول الله عز وَجل: " وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم ". وَقَالَ لما احْتضرَ لعمر: يَا عمر، إِن لله حَقًا بِاللَّيْلِ لَا يقبله إِلَّا بِاللَّيْلِ، وَإِن الله لَا يقبل نَافِلَة حَتَّى تُؤَدّى فريضته، فَكُن مُؤمنا رَاغِبًا رَاهِبًا، فَلَا ترغبن رَغْبَة تمنى على الله عز وَجل فِيهَا مَا لَيْسَ لَك، وَلَا ترهبنّ رهبة تلقى بهَا بيديك إِلَى التَّهْلُكَة. ثمَّ قَالَ: إِن أول مَا أحذرك نَفسك وَهَؤُلَاء الرَّهْط من الْمُهَاجِرين، فَإِنَّهُم قد انتفخت أوداجهم وطمحت أَبْصَارهم، وَتمنى كل امْرِئ مِنْهُم لنَفسِهِ. وَإِن لَهُم نحيرة ينحرونها عَن زلَّة مِنْهُ وَمِنْهُم، فَلَا تكوننه، فَإِنَّهُم لن يزَالُوا فرقين مِنْك مَا فرقت من الله عز وَجل فِيمَا بيّن لَك. وَرُوِيَ أَنه قَالَ: إِنِّي مستخلفك من بعدِي، وموصيك بتقوى الله، فَإِن لله عملا بِاللَّيْلِ لَا يقبله بِالنَّهَارِ، وَعَملا بِالنَّهَارِ لَا يقبله بِاللَّيْلِ، وَإنَّهُ لَا يقبل نَافِلَة

حَتَّى تُؤَدّى فريضته، وَإِنَّمَا ثقلت مَوَازِين من ثقلت موازينهم يَوْم الْقِيَامَة باتبَاعهمْ الْحق فِي الدُّنْيَا، وَثقله عَلَيْهِم، وَحقّ لِمِيزَانٍ يوضع فِيهِ الْحق أَن يكون ثقيلاً، وَإِنَّمَا خفّت مَوَازِين من خفت موازينهم يَوْم الْقِيَامَة باتبَاعهمْ الْبَاطِل، وَخِفته عَلَيْهِم، وَحقّ لِمِيزَانٍ لَا يوضع فِيهِ إِلَّا الْبَاطِل أَن يكون خَفِيفا. إِن الله ذكر أهل الْجنَّة فَذكرهمْ بِأَحْسَن أَعْمَالهم وَتجَاوز عَن سيئاتهم، فَإِذا ذكرتهم أَقُول: إِنِّي أَرْجُو أَن أكون من هَؤُلَاءِ، وَذكر أهل النَّار فَذكرهمْ بأسوء أَعْمَالهم وَلم يذكر حسناتهم، فَإِذا ذكرتهم قلت: إِنِّي لأخاف أَن أكون من هَؤُلَاءِ. وَذكر الرَّحْمَة مَعَ آيَة الْعدْل ليَكُون العَبْد رَاغِبًا رَاهِبًا لَا يتَمَنَّى على الله عز وَجل غير الْحق، وَلَا يلقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَة. فَإِن حفظت وصيتي فَلَا يكونن غَائِب أحب إِلَيْك من الْمَوْت، وَهُوَ آتِيك، وَإِن أضعت وصيتي فَلَا يكونن غَائِب أبْغض إِلَيْك من الْمَوْت، وَلست بمعجز الله عز وَجل. وَرُوِيَ أَنه لما أَرَادَ الْوَصِيَّة قَالَ لعُثْمَان: اكْتُبْ. فَكتب: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. هَذَا مَا أوصى بِهِ أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة فِي أول عَهده بِالآخِرَة دَاخِلا فِيهَا. وَآخر عَهده بالدنيا خَارِجا مِنْهَا، حَيْثُ يصدق الْكَاذِب، ويؤمن الْكَافِر الجاحد: إِنِّي اسْتخْلفت عَلَيْكُم من بعدِي. قَالَ: ثمَّ أَدْرَكته غشية، فَلَمَّا أَفَاق قَالَ: مَا كتبت؟ قلت: كتبت عمر بن الْخطاب. قَالَ: موفّقاً رشيدا، أما إِنَّك لَو تركته مَا عذرتك. وَكَانَ إِذا عزى رجلا قَالَ: لَيْسَ مَعَ العزاء مُصِيبَة، وَلَا مَعَ الْجزع فَائِدَة، وَالْمَوْت اشد مَا قبله وأهون مَا بعده، واذْكُرُوا فقد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تذل عنْدكُمْ مصيبتكم، وَعظم الله أجركُم. وَمر بِهِ رجل وَمَعَهُ ثوب، فَقَالَ: أتبيع الثَّوْب؟ فَقَالَ: لَا، عافاك الله. فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: قد علمْتُم لَو تعلمُونَ. قل: لَا، وعافاك الله. وَقَالَ: أَربع من كن فِيهِ كَانَ من خِيَار عباد الله: من فَرح للتائب، واستغفر للمذنب، ودعا للْمَدِين، وأعان المحسن على إحسانه.

الباب الثاني من كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

الْبَاب الثَّانِي: من كَلَام عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ : قَالَ رَضِي الله عَنهُ فِي أول خطْبَة خطبهَا بعد أَن حمد الله، وَأثْنى عَلَيْهِ، وَصلى على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيهَا النَّاس إِنَّه وَالله مَا فِيكُم أحد أقوى عِنْدِي من الضَّعِيف حَتَّى آخذ الْحق لَهُ، وَلَا أَضْعَف عِنْدِي من الْقوي حَتَّى آخذ الْحق مِنْهُ، ثمَّ نزل. وَكتب إِلَى أبي مُوسَى الشعري، وَهِي رسَالَته الْمَشْهُورَة فِي الْقَضَاء: سَلام عَلَيْك. أما بعد؛ فَإِن الفضاء فَرِيضَة محكمَة، وَسنة متبعة، فَافْهَم إِذا أدلي إِلَيْك، فَإِنَّهُ لَا ينفع تكلم بِحَق لَا نَفاذ لَهُ. آس بَين النَّاس فِي وَجهك وعدلك ومجلسك، حَتَّى لَا يطْمع شرِيف فِي حيفك، وَلَا ييأس ضَعِيف من عدلك. الْبَيِّنَة على من ادّعى، وَالْيَمِين على من أنكر، وَالصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا أحلّ حَرَامًا أَو حرم حَلَالا. لَا يمنعك قَضَاء قَضيته الْيَوْم، فراجعت فِيهِ عقلك، وهديت لرشدك أَن ترجع إِلَى الْحق فَإِن الْحق قديم، ومراجعة الْحق خير من التَّمَادِي فِي الْبَاطِل. الْفَهم الْفَهم فِيمَا تلجلج فِي صدرك مِمَّا لَيْسَ فِي كتاب وَلَا سنة، ثمَّ اعرف الْأَشْبَاه والأمثال، فقس الْأُمُور عِنْد ذَلِك بنظائرها، واعمد إِلَى أقربها إِلَى الله وأشبهها بالحقق، وَاجعَل لمن ادّعى حَقًا غَائِبا أَو بَيِّنَة أمداً ينتهى إِلَيْهِ، فَإِن أحضر بَينته أخذت لَهُ بِحقِّهِ، وَإِلَّا استحللت عَلَيْهِ الْقَضِيَّة فَإِنَّهُ أنفى للشَّكّ، وَأجلى للعمى.

الْمُسلمُونَ عدُول بَعضهم على بعض إِلَّا مجلوداً فِي حد، أَو مجرباً عَلَيْهِ شَهَادَة زور، أَو ظنيناً فِي ولاد أَو نسب، فَإِن الله تولى مِنْكُم السرائر، وَدَرَأَ بِالْبَيِّنَاتِ والأيمان. وَإِيَّاك والغلق والضجر والتأذي بالخصوم والتنكر عِنْد الْخُصُومَات؛ فَإِن الْحق فِي مَوَاطِن الْحق يعظم الله بِهِ الْأجر، وَيحسن بِهِ الذخر. فَمن صحت نِيَّته وَأَقْبل على نَفسه كَفاهُ الله مَا بَينه وَبَين النَّاس، وَمن تخلق للنَّاس بِمَا يعلم الله أَنه لَيْسَ من نَفسه شانه الله. فَمَا ظَنك بِثَوَاب الله فِي عَاجل رزقه وخزائن رَحمته؟ . واستكتب أَبُو مُوسَى نَصْرَانِيّا فَكتب إِلَيْهِ عمر: اعزله وَاسْتعْمل حنيفياً. فَكتب إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى: إِن من غنائه وَخَبره كَيْت وَكَيْت. فَكتب إِلَيْهِ عمر رَضِي الله عَنهُ: لَيْسَ لنا أَن نأتمنهم وَقد خَوَّنَهُمْ الله، وَلَا أَن نرفعهم وَقد وضعهم الله، وَلَا أَن نستنصحهم فِي الْأَمر وهم يرَوْنَ الْإِسْلَام قد وترهم، ويعطون الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون. فَكتب إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى: إِن الْبَلَد لَا يصلح إِلَّا بِهِ. فَكتب إِلَيْهِ عمر رَضِي الله عَنهُ مَاتَ النَّصْرَانِي وَالسَّلَام. وَقَالَ: مَا كَانَت على أحد نعْمَة إِلَّا وَكَانَ لَهَا حَاسِد، وَلَو كَانَ الرجل أقوم من الْقدح لوجد لَهُ غامزاً. وَقَالَ: تمعددوا وَاخْشَوْشنُوا، واقطعوا الركب وانزوا على الْخَيل نَزْوًا، واخفوا وَانْتَعِلُوا فَإِنَّكُم لَا تَدْرُونَ مَتى الجفلة. وَقَالَ: أملكوا الْعَجِين، فَإِنَّهُ أحد الريعين. وَقَالَ: إِذا اشْتريت بَعِيرًا فاشتره ضخماً، فَإِنَّهُ إِن أخطأك خَيره لم يخطئك سوقه.

وَقَالَ: لَا تسكنوا نساءكم الغرف، وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ الْكِتَابَة، وَاسْتَعِينُوا عَلَيْهِنَّ بالعري. وَسَأَلَ رجلا عَن شَيْء، فَقَالَ: الله أعلم. فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: قد شقينا إِن كُنَّا لَا نعلم أَن الله أعلم. إِذا سُئِلَ أحدكُم عَن شَيْء لَا يُعلمهُ فَلْيقل: لَا أَدْرِي. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: الْمَرْأَة الْبكر تحْتَاج إِلَى خدمَة كالبرة تطحنها وتعجنها وتخبزها ثمَّ تأكلها، وَالثَّيِّب عجالة الرَّاكِب: تمر وَسَوِيق. وَخرج يَسْتَسْقِي، فَصَعدَ الْمِنْبَر، فَلم يزل يسْتَغْفر لَا يزِيد على ذَلِك، فَلَمَّا نزل قيل لَهُ: مَا رَأَيْنَاك اسْتَسْقَيْت. قَالَ: بلَى. قد أخذت بِمَجَادِيح السَّمَاء. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: كَانَت الْعَرَب أسداً فِي جزيرتها يَأْكُل بَعْضهَا بَعْضًا، فَلَمَّا جمعهم الله بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقم لَهَا شَيْء. وَقَالَ: عوّدوا نساءكم " لَا " فَإِن " نعم " تضريهنّ على الْمَسْأَلَة. وَقَالَ لابنَة هرم بن سِنَان: مَا وهب أَبوك لزهير؟ قَالَت: أعطَاهُ مَالا وثياباً وأثاثاً أفناه الدَّهْر. فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: لَكِن مَا أعطاكموه لَا يفنيه الدَّهْر. وَمن كَلَامه: إِذا لم أعلم مَا لم أر، فَلَا علمت مَا رَأَيْت. وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة: أما بعد؛ فَإِنِّي لم آلك فِي كتابي إِلَيْك خيرا. إياك والاحتجاب دون النَّاس، وَأذن للضعيف، وأدنه حَتَّى ينبسط لِسَانه، ويجترئ قلبه، وتعهّد الْغَرِيب، فَإِنَّهُ إِذا طَال حَبسه وضاق إِذْنه ترك حَقه، وَضعف قلبه، وَإِنَّمَا أقوى حَقه من حَبسه، واحرص على الصُّلْح بَين النَّاس مَا لم يستبن لَك الْقَضَاء، وَإِذا حضرك الخصمان بِالْبَيِّنَةِ العادلة والأيمان القاطعة فأمض الحكم.

وَقَالَ: أشيعوا الكنى فَإِنَّهَا منبهة. ومرّ بِرَجُل من عماله، وَهُوَ يَبْنِي بالآجر والحصى، فَقَالَ: تأبى الدَّرَاهِم إِلَّا أَن تخرج أعناقها. وشاطره مَاله. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ لغلام لَهُ يَبِيع الْحلَل: إِذا كَانَ الثَّوْب عَاجِزا فانشره وَأَنت جَالس، وَإِذا كَانَ وَاسِعًا فانشره وَأَنت قَائِم. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: الله يَا عمر! قَالَ: إِنَّمَا هِيَ سوق. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: إِذا تناجى الْقَوْم فِي دينهم دون الْعَامَّة فهم على تأسيس ضَلَالَة. وَقَالَ لِابْنِ عَبَّاس: يَابْنَ عَبَّاس، أَنْت ابْن عَم رَسُول الله، وَأَبُوك عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نعم. قَالَ: بخ بخ. فَمَا منع قومكم مِنْكُم؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فوَاللَّه مَا كُنَّا لَهُم إِلَّا بِالْخَيرِ. قَالَ: اللَّهُمَّ غفراً على كره قومكم أَن تَجْتَمِع فِيكُم النُّبُوَّة والخلافة، فتذهبون فِي السَّمَاء شمخاً. لَعَلَّكُمْ تَقولُونَ: إِن أَبَا كرّ أول من فعل ذَلِك. وَالله مَا فعله، وَلَكِن حضر أَمر لم يكن بِحَضْرَتِهِ أحزم مِمَّا فعل، وَلَوْلَا رَأْي أبي بكر فيّ لجعل لكم من الْأَمر نَصِيبا، وَلَو فعل مَا هنأكم مَعَ قومكم، إِنَّهُم ينظرُونَ إِلَيْكُم كَمَا ينظر الثور إِلَى جازره. وَكَانَ يَقُول: لَيْت شعري مَتى اشفي غيظي؟ أحين أقدر فَيُقَال: لَو عَفَوْت، أم حِين أعجل فَيُقَال: لَو صبرت. وَكَانَ يَقُول: أَكْثرُوا شِرَاء الرَّقِيق فربّ عبد يكون أَكثر رزقا من سيّده. وبلغه اعْتِرَاض عَمْرو بن الْعَاصِ على سعد، فَكتب إِلَيْهِ: لَئِن لم تستقم لأميرك لأوجهن إِلَيْك رجلا يضع سَيْفه فِي رَأسك، فيخرجه من بَين رجليك. فَقَالَ عَمْرو: هددني بعلي وَالله. وَمر على رُمَاة غَرَض، فَسمع أحدهم يَقُول لصَاحبه: أخطيت وأسيت. فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: مَه، فَإِن سوء اللّحن أَشد من سوء الرماية. وَقَالَ فِي خطْبَة لَهُ: إِنَّمَا الدُّنْيَا أمل مخترم، وَأجل منتقص، وبلاغ إِلَى دَار غَيرهَا، وسير إِلَى الْمَوْت لَيْسَ فِيهِ تعريج، فرحم الله امْرَءًا فكر فِي أمره، ونصح لنَفسِهِ، وراقب ربه، واستقال ذَنبه.

وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: بئس الْجَار الْغَنِيّ، يأخذك بِمَا لَا يعطيك من نَفسه، فَإِن أَبيت لم يعذرك. وَقَالَ لَهُ الْمُغيرَة: أَنا بِخَير مَا أبقاك الله، فَقَالَ: أَنْت بِخَير مَا اتَّقَيْت الله. وَكَانَ إِذا كتب إِلَى أهل الْكُوفَة كتب: رَأْي الْعَرَب، ورمح الله الأطول. وَلما ولى عبد الله من مَسْعُود قَالَ لَهُ: يَا ابْن مَسْعُود، اجْلِسْ للنَّاس طرفِي النَّهَار، واقرأ الْقُرْآن وَحدث عَن السّنة وَصَالح مَا سَمِعت من نبيك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِيَّاك والقصص، والتكلف، وصلَة الحَدِيث، فَإِذا انْقَطَعت بك الْأُمُور فاقطعها، وَلَا تستنكف إِذا سُئِلت عَمَّا لَا تعلم أَن تَقول: لَا أعلم، وَقل إِذا علمت، واصمت إِذا جهلت، وأقلل الْفتيا، فَإنَّك لم تحط. بالأمور علما، وأجب الدعْوَة وَلَا تقبل الْهَدِيَّة، وَلَيْسَت بِحرَام، وَلَكِنِّي أَخَاف عَلَيْك القالة. وَالسَّلَام. وخطب رَضِي الله عَنهُ؛ فَقَالَ: إيَّاكُمْ والبطنة، فَإِنَّهَا مكسلة عَن الصَّلَاة، مفْسدَة للجسم، مؤدية إِلَى السقم، وَعَلَيْكُم بِالْقَصْدِ فِي قوتكم فَهُوَ أبعد من السَّرف، واصح للبدن، وَأقوى على الْعِبَادَة، وَإِن العَبْد لن يهْلك حَتَّى يُؤثر شَهْوَته على دينه. وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة: الزم الْحق ينزلك الْحق منَازِل أهل الْحق يَوْم لَا يقْضى إِلَّا بِالْحَقِّ. وَنظر رَضِي الله عَنهُ إِلَى أَعْرَابِي يُصَلِّي صَلَاة خَفِيفَة، فَلَمَّا قَضَاهَا قَالَ: اللَّهُمَّ زَوجنِي الْحور الْعين، فَقَالَ عمر: أَسَأْت النَّقْد، وأعظمت الْخطْبَة. وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، قَالَ لي طَاوس: لتنكحن أَو لأقولن لَك مَا قَالَه عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لأبي الزَّوَائِد: مَا يمنعك من التَّزَوُّج إِلَّا عجز أَو فجور. وَجلسَ رجل إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ فَأخذ من رَأسه شَيْئا فَسكت عَنهُ. ثمَّ صنع بِهِ ذَلِك يَوْمًا آخر، فَأخذ بِيَدِهِ، وَقَالَ: مَا أَرَاك أخذت شَيْئا. فَإِذا هُوَ كَذَلِك. فَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا صنع بِي مرَارًا، إِذا أَخذ أحدكُم من رَأس أَخِيه شَيْئا فليره. قَالَ الْحسن: نَهَاهُم وَالله عَن الملق.

وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ على الْمِنْبَر: اقْرَءُوا الْقُرْآن تعرفوا بِهِ، وَاعْمَلُوا بِهِ تَكُونُوا من أَهله، إِنَّه لن يبلغ من حق ذِي حق أَن يطاع فِي مَعْصِيّة الله، إِنِّي أنزلت نَفسِي من مَال الله بِمَنْزِلَة وَالِي الْيَتِيم، إِذا اسْتَغْنَيْت عففت، وَإِن افْتَقَرت أكلت بِالْمَعْرُوفِ، تقرم الْبَهِيمَة الأعرابية: القضم لَا الخضم. وَكتب إِلَى عبد الله رَضِي الله عَنهُ: أما بعد. فَإِنَّهُ من اتَّقى الله وَقَاه، وَمن توكل عَلَيْهِ كَفاهُ، وَمن أقْرضهُ جزاه، وَمن شكره زَاده. فَعَلَيْك بتقوى الله، فَإِنَّهُ لَا ثَوَاب لمن لَا نِيَّة لَهُ، وَلَا مَال لمن لَا رفق لَهُ، وَلَا جَدِيد لمن لَا خلق لَهُ. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: لَا تصغرن هممكم، فَإِنِّي لم أر شَيْئا أقعد بِالرجلِ من سُقُوط همته. سُئِلَ الْأَحْنَف: أَي الطَّعَام أحب إِلَيْك؟ فَقَالَ: الزّبد والكمأة. فَقَالَ عمر: مَا هما بِأحب الطَّعَام إِلَيْهِ، وَلكنه يحب الخصب للْمُسلمين. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: إِنِّي لِأَن أرى فِي بَيْتِي شَيْطَانا أحب إليّ من أَن أرى فِيهِ عجوزاً لَا أعرفهَا. وَأتي بنائحة قد تلتلت، فَقَالَ: أبعدها الله إِنَّه لَا حُرْمَة لَهَا، وَلَا حق عِنْدهَا، وَلَا نفع مَعهَا. إِن الله عز وَجل أَمر بِالصبرِ وَهِي تنْهى عَنهُ، وَنهى عَن الْجزع وَهِي تَأمر بِهِ، تريق دمعتها وتبكي شجو غَيرهَا، وتحزن الْحَيّ وتؤذي الْمَيِّت. وَفِي كتاب لَهُ إِلَى أبي مُوسَى: فإياك - عبد الله - أَن تكون بِمَنْزِلَة الْبَهِيمَة، نزلت بوادٍ خصب، فَلم يكن لَهَا هم إِلَّا السّمن، وَإِنَّمَا حتفها فِي السّمن. وَاعْلَم أَن الْعَامِل إِذا زاغ زاغت رَعيته، وأشقى النَّاس من شقيت بِهِ رَعيته. وَقَالَ يَوْمًا: دلوني على رجل أستعمله على أَمر قد دهمني. فَقَالُوا: كَيفَ تريده؟ قَالَ: إِذا كَانَ فِي الْقَوْم وَلَيْسَ أَمِيرهمْ كَانَ كَأَنَّهُ أَمِيرهمْ، وَإِذا كَانَ أَمِيرهمْ كَانَ كَأَنَّهُ رجل مِنْهُم. فَقَالُوا: مَا نعلمهُ إِلَّا الرّبيع بن زِيَاد الْحَارِثِيّ. فَقَالَ: صَدقْتُمْ. هُوَ لَهَا.

وَذكر لَهُ غُلَام حَافظ من أهل الْحيرَة، وَقَالُوا: لَو اتخذته كَاتبا. قَالَ: لقد اتَّخذت إِذا بطانة من دون الْمُؤمنِينَ. وَلما أُتِي بتاج كسْرَى وسواره جعل بقلبهما بِعُود فِي يَده وَيَقُول: وَالله إِن الَّذِي أدّى هَذَا الْأمين. فَقَالَ رجل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَنْت أَمِين الله، يؤدون إِلَيْك مَا أدّيت إِلَى الله، فَإِذا رتعت رتعوا. وَقَامَ فِي النَّاس فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس. اقْرَءُوا الْقُرْآن تعرفوا بِهِ، وَاعْمَلُوا بِهِ تَكُونُوا من أَهله، فَإِنَّهُ لن يبلغ ذُو حق فِي حَقه أَن يطاع فِي مَعْصِيّة الله. أَلا وَإنَّهُ لن يبعد من رزق، وَلنْ يقرب من أجل أَن يَقُول الْمَرْء حَقًا، وَأَن يذكر بعظيم. أَلا وَإِنِّي مَا وجدت صَلَاح مَا ولاّني الله إِلَّا بِثَلَاث: أَدَاء الْأَمَانَة، وَالْأَخْذ بِالْقُوَّةِ، وَالْحكم بِمَا أنزل الله. أَلا وَإِنِّي مَا وجدت صَلَاح هَذَا المَال إِلَّا بِثَلَاث: أَن يُؤْخَذ من حق، وَيُعْطى فِي حق، وَيمْنَع من بَاطِل. أَلا وَإِنَّمَا أَنا فِي مالكم كوالي الْيَتِيم، إِن اسْتَغْنَيْت اسْتَعْفَفْت، وَإِن افْتَقَرت أكلت بِالْمَعْرُوفِ تقرم الْبَهِيمَة الأعرابية. وَبعث إِلَيْهِ بحلل فَقَسمهَا، فَأصَاب كل رجل ثوب، فَصَعدَ الْمِنْبَر وَعَلِيهِ حلَّة - والحلة ثَوْبَان - فَقَالَ: ايها النَّاس أَلا تَسْمَعُونَ؟ فَقَالَ سلمَان: لَا نسْمع. قَالَ: وَلم يَا أَبَا عبد الله؟ قَالَ: لِأَنَّك قسمت علينا ثوبا ثوبا وَعَلَيْك حلَّة. فَقَالَ: لَا تعجل يَا أَبَا عبد الله. يَا عبد الله؛ فَلم يجبهُ أحد. فَقَالَ: يَا عبد الله بن عمر؛ فَقَالَ: لبيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ: نشدتك الله. الثَّوْب الَّذِي اتزرت بِهِ أهوَ ثَوْبك؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نعم. فَقَالَ سلمَان: أما الْآن فَقل نسْمع. وَحضر بَاب عمر رَضِي الله عَنهُ جمَاعَة: سُهَيْل بن عَمْرو، وعيينة بن حُصَيْن، والأقرع بن حَابِس، فَخرج الْآذِن فَقَالَ: أَيْن صُهَيْب: أَيْن عمار؟ أَيْن سلمَان؟ فتمعرت وجوع الْقَوْم. فَقَالَ سُهَيْل: لم تتسعر وُجُوهكُم؟ دعوا ودعينا، فَأَسْرعُوا وأبطأنا، وَلَئِن حسدتموهم على بَاب عمر، لما أعد الله لَهُم فِي الْآخِرَة أَكثر.

وَرُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَأْخُذ بِيَدِهِ الْيُمْنَى من الْفرس أُذُنه الْيُسْرَى ثمَّ يجمع جراميزه ويثب فَكَأَنَّمَا خلق على ظهر فرسه. وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: السَّيِّد الَّذِي هُوَ؛ الْجواد حِين يسْأَل، والحليم حِين يستجهل، والبارّ بِمن يعاشر. وبلغه أَن سَعْدا واصحابه قد بنوا بالمدر، فَكتب إِلَيْهِ: كنت أكره لكم الْبُنيان بالمدر، أما إِذْ فَعلْتُمْ فعرّضوا الْحِيطَان، وأطيلوا السّمك، وقاربوا بَين الْخشب. وَقَالَ: رحم الله امْرَءًا أمسك فضل القَوْل، وَقدم فضل الْعَمَل. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: من دخل على الْأَغْنِيَاء، خرج وَهُوَ ساخط على الرزق. وناول رجلا شيئاُ فَقَالَ لَهُ: خدمك بنوك. فَقَالَ: بل أغناني الله عَنْهُم. أهْدى أَبُو مُوسَى لعمر رَضِي الله عَنهُ ألواناً من الأخبصة، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: الْخَيْر قبلنَا كثير، والمئونة تخف علينا. قَالَ: أطرفت أحداُ من أهل الْمَدِينَة بِشَيْء من هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: إياك أَن ترَاهُ أغيلمة قُرَيْش؛ فيضيقوا عَلَيْكُم بِلَادكُمْ. وَقيل لَهُ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا عَن أَيَّام جاهليتك. فَقَالَ: مَا داعبت أمة، وَلَا جالست إِلَّا لمةً وَمَا دابت إِلَّا فِي حمل جريرة، أَو خيل مُغيرَة. أما أَيَّام الْإِسْلَام فَكفى برغائها مناديا. وَاسْتعْمل ابْن عَلْقَمَة على عمل، فشيعه، فَقَالَ ابْن عَلْقَمَة: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن مَعنا سفرة. فَقَالَ عمر: ابدؤوا بالحلوى، وَاجْعَلُوا الدسم يَلِي النَّبِيذ. وَمن كَلَامه: النِّسَاء عَورَة، فاستروا عوراتكم بِالْبُيُوتِ، وداووا ضعفهن بِالسُّكُوتِ، وأخيفوهن بِالضَّرْبِ، وَلَا تسكنوهن الغرف، وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ الْكِتَابَة،

وَاسْتَعِينُوا عَلَيْهِنَّ بالعري، وَأَكْثرُوا لَهُنَّ من قَول: لَا، فَإِن نعم تضريهن على الْمَسْأَلَة. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: رحم الله امْرَءًا أهْدى إليّ عيوبي. وَلما أطلق الحطيئة من محبسه قَالَ: إياك وَالشعر. قَالَ: مأكلة عيالي. قَالَ: قل وَإِيَّاك والمدح المجحف. قَالَ: وَمَا هُوَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: أَن تَقول بَنو فلَان خير من بني فلَان. قَالَ: أَنْت وَالله أشعر مني. قَالُوا: أول من خَاطب ب " أَطَالَ الله بَقَاءَك " عمر، قَالَه لعليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام. وَنظر إِلَى أبي بن كَعْب وَقد تبعه قوم، فعلاه بِالدرةِ، وَقَالَ: إِنَّهَا فتْنَة للمتبوع مذلة للتابع. وَسَأَلَهُ عبد الرَّحْمَن أَن يلين للنَّاس، فَقَالَ: إِن النَّاس لَا يصلح لَهُم إِلَّا هَذَا، وَلَو علمُوا مَا لَهُم عِنْدِي لأخذوا ثوبي من عَاتِقي. وَقيل لَهُ: كَانَ الرجل يظلم فِي الْجَاهِلِيَّة، فيدعو على ظالمه، فيجاب عَاجلا، وَلَا نرى ذَلِك فِي الْإِسْلَام. فَقَالَ: كَانَ هَذَا حاجزاً بَينهم وَبَين الظُّلم، وَإِن مَوْعدكُمْ الْآن السَّاعَة، والساعة أدهى وَأمر. كَانَ أَبُو رَافع صائغاً، فَنظر إِلَيْهِ عمر وَهُوَ يقْرَأ ويصوغ، فَقَالَ: يَا أَبَا رَافع، أَنْت خير مني، تُؤدِّي حق الله وَحقّ مواليك. قَالَ لرجل: مَا معيشتك؟ قَالَ: رزق الله. قَالَ: لكل رزق سَبَب، فَمَا سَبَب رزقك؟ مر عمر رَضِي الله عَنهُ بشاب فاستسقاه، فخاص لَهُ عسلاً، فَلم يشربه، وَقَالَ: إِنِّي سَمِعت الله تَعَالَى يَقُول: " أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا ".

فَقَالَ الْفَتى: إِنَّهَا وَالله لَيست لَك. اقْرَأ مَا قبلهَا " وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا على النَّار ". أفنحن مِنْهُم؟ فَشربهَا وَقَالَ: كل النَّاس أفقه من عمر. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: لَا يبلغنّي أَن امْرَأَة تجاوزت بصداقها صدَاق النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا ارتجعت مِنْهَا. فَقَامَتْ امْرَأَة فَقَالَت: مَا جعل الله ذَلِك لَك يَا ابْن الْخطاب، إِن الله تَعَالَى يَقُول: " وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا أتأخذونه بهتاناً وإثماً مُبينًا ". فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: لَا تعجبوا من إِمَام أَخطَأ، وَامْرَأَة أَصَابَت، ناضلت إمامكم فنضلته. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: أحبكم إِلَيْنَا أحسنكم اسْما، فَإِذا رأيناكم فأجملكم منْظرًا، فَإِذا اختبرناكم فأحسنكم مخبرا. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: الدّين ميسم الْكِرَام. وَقَالَ لأهل الشورى: لَا تختلفوا؛ فَإِن مُعَاوِيَة وعمراً بِالشَّام. وَقَالَ ثَوْر بن يزِيد: كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يعس بِالْمَدِينَةِ فِي اللَّيْل، فَسمع صَوت رجل فِي بَيت، فارتاب بِالْحَال، فتسور. فَوجدَ رجلا عِنْده امْرَأَة وخمر. فَقَالَ: يَا عَدو الله، أَكنت ترى أَن الله يسترك وَأَنت على مَعْصِيّة؟ فَقَالَ الرجل: لَا تعجل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن كنت قد عصيت الله فِي وَاحِدَة، فقد عصيته فِي ثَلَاث: قَالَ الله تَعَالَى: " وَلَا تجسسوا ". وَقد تجسست، وَقَالَ: " وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا " وَقد تسورت، وَقَالَ: " فَإِذا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلمُوا " وَمَا سلمت. فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ: فَهَل عنْدك من خير إِن عَفَوْت عَنْك؟ قَالَ: بلَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَالله لَئِن عَفَوْت عني لَا أَعُود لمثلهَا أبدا. فَعَفَا عَنهُ. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لما أسلم عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ الْمُشْركُونَ: انتصف الْقَوْم منا.

قيل: أهْدى رجل إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ جزوراً، ثمَّ خَاصم إِلَيْهِ بعد ذَلِك فِي خُصُومَة، فَجعل يَقُول: افصلها يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كفصل رجل الْجَزُور، فاغتاط عمر رَضِي الله عَنهُ، وَقَالَ: يَا معشر الْمُسلمين؛ إيَّاكُمْ والهدايا فَإِن هَذَا أهْدى إليّ مُنْذُ أَيَّام رجل جزور، فوَاللَّه مَا زَالَ يُرَدِّدهَا حَتَّى خفت أَن أحكم بِخِلَاف الحكم. وَلما حصر أَبُو عُبَيْدَة كتب إِلَيْهِ عمر رَضِي الله عَنهُ: مهما ينزل بامرئ من شدَّة يَجْعَل الله بعْدهَا فرجا، إِنَّه لن يغلب عسر يسرين، إِنَّه يَقُول: " اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابطُوا وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ تفلحون ". وَقَالَ: ثَلَاث يثبتن لَك الود فِي صدر أَخِيك: أَن تبدأه بِالسَّلَامِ، وَتوسع لَهُ فِي الْمجْلس، وَتَدْعُوهُ بِأحب الْأَسْمَاء إِلَيْهِ. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: من أفضل مَا أَعْطيته الْعَرَب الأبيات يقدمهَا الرجل أَمَام حَاجته، يستعطف بهَا الْكَرِيم، وَيُسْتَنْزَلُ بهَا اللَّئِيم. وَقدم مُعَاوِيَة عَلَيْهِ وَهُوَ أبضّ النَّاس، فَضرب عمر رَضِي الله عَنهُ بِيَدِهِ على عضده، فاقلع عَن مثل الشَّرَاب فِي لَونه أَو مثل الشرَاك. فَقَالَ: إِن هَذَا وَالله لتشاغلك بالحمامات، وذوو الْحَاجَات تقطع أنفسهم حسراتٍ على بابك. وَقَالَ لربيع بن زِيَاد الْحَارِثِيّ: يَا ربيع؛ إِنَّا لَو نشَاء ملأنا هَذِه الرحاب من صلائق وسبائك وَصِنَاب وَلَكِنِّي رَأَيْت الله عز وَجل نعى على قوم شهواتهم، فَقَالَ: " أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا ". وَقَالَ: علمُوا أَوْلَادكُم العوم والرماية، ومروهم فليثبوا على الْخَيل وثباً، ورووهم مَا جمل من الشّعْر، وَخير خلق الْمَرْأَة المغزل. وَقَالَ: لَو كَانَ الصَّبْر وَالشُّكْر بَعِيرَيْنِ مَا باليت أَيهمَا أركب.

وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: لَا تزالون أصحاء مَا نزعتم ونزوتم. نزعتم فِي القسي، ونزوتم على ظُهُور الْخَيل. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: لَيْسَ قوم أَكيس من أَوْلَاد السراري؛ لأَنهم يجمعُونَ عز الْعَرَب ودهاء الْعَجم. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: من يئس من شَيْء اسْتغنى عَنهُ. وَنظر إِلَى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بِالدرةِ وَقَالَ: لَا تمت علينا ديننَا أماتك الله. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ لأبي مَرْيَم السَّلُولي وَالله لَا أحبك حَتَّى تحب الأَرْض الدَّم. قَالَ: أفتمنعني حَقًا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَا بَأْس. إِنَّمَا يأسف على الْحبّ النِّسَاء. وروى أَن أَعْرَابِيًا أَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي أصبت ظَبْيًا وَأَنا محرم، فَالْتَفت عمر رَضِي الله عَنهُ إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَقَالَ: قل. قَالَ عبد الرَّحْمَن: يهدي شَاة. قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: اهد شَاة. فَقَالَ الْأَعرَابِي: وَالله مَا درى أَمِير الْمُؤمنِينَ مافيها حَتَّى استفتى غَيره، وَمَا أظنني إِلَّا سأنحر نَاقَتي، فخفقه عمر بِالدرةِ وَقَالَ: أتقتل فِي الْحرم وَتَغْمِص فِي الْفتيا؟ إِن الله عز وَجل يَقُول: " يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم ". فَأَنا عمر بن الْخطاب، وَهَذَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. وَمن كَلَامه رَضِي الله عَنهُ: قد إلنا وإيل علينا، أَي سسنا وساسنا غَيرنَا. وَقَالَ لَهُ عبد الله ابْنه رَضِي الله عَنْهُمَا: لم فضلت أُسَامَة عليّ، وَأَنا هُوَ سيّان؟ فَقَالَ: كَانَ أَبوهُ أحب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَبِيك، وَكَانَ هُوَ أحب إِلَى رَسُول الله مِنْك. وأثني عَلَيْهِ وَهُوَ جريح، فَقَالَ: الْمَغْرُور من غررتموه، لَو أَن لي مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا لافتديت بِهِ من هول المطلع. وَقَالَ: تعلّموا اللّحن وَالسّنَن، والفرائض كَمَا تعلمُونَ الْقُرْآن.

وَرُوِيَ أَنه كَانَ يحمل الدَّقِيق على ظَهره، فَقَالَ لَهُ بَعضهم: دَعْنِي أحملهُ عَنْك. فَقَالَ: وَمن يحمل عني ذُنُوبِي؟ وَقَالَ: لساني سبع، فَإِذا أَرْسلتهُ أكلني. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: من الْمُرُوءَة الظَّاهِرَة الثِّيَاب الطاهرة. وَقَالَ: لَئِن بقيت لأسوين بَين النَّاس، حَتَّى يَأْتِي الرجل حَقه فِي صفنه لم يعرق فِيهِ جَبينه. وَقيل لَهُ: إِن النِّسَاء قد اجْتَمعْنَ يبْكين على خَالِد، فَقَالَ: وَمَا على نسَاء بني الْمُغيرَة أَن يسفكن من دُمُوعهنَّ على أبي سُلَيْمَان، مَا لم يكن نقع وَلَا لقلقَة. وَقَالَ: أعضل بِي أهل الْكُوفَة، مَا يرضون بأمير، وَلَا يرضاهم أَمِير. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: فرقوا عَن الْمنية، وَاجْعَلُوا الرَّأْس رَأْسَيْنِ وَلَا تلِثوا بدار معْجزَة، وَأَصْلحُوا مَثَاوِيَكُمْ، وَأَخِيفُوا الْهَوَام قبل أَن تُخِيفَكُمْ، وَاخْشَوْشنُوا وَتَمَعْدَدُوا. وَكتب رَضِي الله عَنهُ إِلَى خَالِد بن الْوَلِيد: إِنَّه بَلغنِي أَنَّك دخلت حَماما بِالشَّام، وَأَن من بهَا من الْأَعَاجِم أعدُّوا لَك دلُوكا عجن بِخَمْر، وَإِنِّي أظنكم - آل الْمُغيرَة - ذَرْء النَّار. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: ورع اللص وَلَا تراعه. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: مَا بَال رجال لَا يزَال أحدهم كاسراً وساده عِنْد امْرَأَة مغيبة يتحدث إِلَيْهَا وتتحدث إِلَيْهِ؟ عَلَيْكُم بالجنبة فَإِنَّهَا عفاف، فَإِنَّمَا النِّسَاء لحم على وَضم إِلَّا ماذبّ عَنهُ. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: إِن الْعَهْد إِذا تواضع رفع الله حكمته وَقَالَ: انْتَعش نَعشك الله، وَإِذا تكبر وَعدا طوره وهصه الله إِلَى الأَرْض.

وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: لَا تشتروا الْفضة وَالذَّهَب إِلَّا يدا بيد، فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم الرِّبَا. وَقَالَ فِي مُتْعَة الْحَج: قد علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد فعلهَا وَأَصْحَابه، وَلَكِنِّي كرهت أَن يظلوا بِهن معرسين تَحت الْأَرَاك، ثمَّ يلبون بِالْحَجِّ تقطر رؤوسهم. وَدخل عدي بن حَاتِم فَسلم وَهُوَ مَشْغُول، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا عدي بن حَاتِم. فَقَالَ: مَا أعرفني بك! أَنْت الَّذِي أَقبلت إِذْ أدبروا، ووفيت إِذْ غدروا، وَعرفت إِذْ أَنْكَرُوا، وأقررت إِذْ نفروا، وَأسْلمت إِذْ كفرُوا. فَقَالَ عدي: حسبي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. وَسَأَلَ أَصْحَابه: أَي النَّاس أنعم بدناً؟ فَكل أجَاب بِرَأْيهِ. فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: لكني أَقُول: جَسَد فِي التُّرَاب، قد أَمن الْعقَاب، ينْتَظر الثَّوَاب. قَالَ ابْن الْمسيب: وضع عمر للنَّاس كَلِمَات حكما كلهَا، وَهِي: " مَا عَاقَبت من عصى الله فِيك بِمثل أَن تطيع الله فِيهِ ". " ضع أَمر أَخِيك على أحْسنه، حَتَّى يجيئك مَا يَغْلِبك مِنْهُ " لَا تَظنن بِكَلِمَة خرجت من مُسلم شرا وَأَنت تَجِد لَهَا فِي الْخَيْر محملًا ". " من كتم سره كَانَت الْخيرَة بِيَدِهِ ". " من عرض نَفسه للتُّهمَةِ فَلَا يَلُومن من أَسَاءَ الظَّن بِهِ ". " عَلَيْك بِإِخْوَان الصدْق تعش فِي أَكْنَافهم، فَإِنَّهُم زِينَة فِي الرخَاء، وعدة فِي الْبلَاء ". " لَا تهاونوا بِالْحلف فيهينكم الله ". " لَا تسْأَل فِيمَا لم يكن، فَإِن فِيمَا قد كَانَ شغلاً عَمَّا لم يكن ". " عَلَيْك بِالصّدقِ وَإِن قَتلك الصدْق ". " احذر صديقك إِلَّا الْأمين، وَلَا أَمِين إِلَّا من خشِي الله ". " استشر فِي أَمرك الَّذين يَخْشونَ الله، فَإِنَّمَا يَقُول: " إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء ". آخ الإخوان على التَّقْوَى ". " كفى بك عَيْبا أَن يَبْدُو لَك من أَخِيك مَا يخفى عَلَيْك من نَفسك، أَو تؤذي جليسك فِيمَا لَا يَعْنِيك، أَو تعيب شَيْئا وَتَأْتِي بِمثلِهِ ". وَكتب إِلَى أبي عُبَيْدَة: أما بعد؛ فَإِنَّهُ لم يقم أَمر الله فِي النَّاس إِلَّا حصيف الْعقْدَة بعيد الْغرَّة. لَا يحنق فِي الْحق على جرة، وَلَا يطلع مِنْهُ النَّاس على عَورَة. وَلَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم.

وَقَالَ: من أسْرع إِلَى الْهِجْرَة أسْرع بِهِ الْعَطاء، وَمن أَبْطَأَ عَن الْهِجْرَة أَبْطَأَ عَنهُ الْعَطاء، فَلَا يَلُومن رجل إِلَّا مناخ رَاحِلَته. وَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَة حِين نزل عَن نَاقَته، وخلع خفيه، وخاض المخاضة: مَا يسرني أَن أهل الْبَلَد استشرفوك؛ أَي رأوك. فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ: لَو غَيْرك يَقُول هَذَا لجعلته نكالاً، إِنَّا كُنَّا أذلّ قوم، فأعزنا الله بِالْإِسْلَامِ، فَإِن طلبنا العزّ بِغَيْر مَا أعزنا الله بِهِ أذلنا. وخطب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم أَن يُؤْخَذ الرجل الْمُسلم البريء عِنْد الله، فيدسر كَمَا يدسر الْجَزُور، ويشاط لَحْمه كَمَا يشاط لحم الْجَزُور، وَيُقَال: عَاص وَلَيْسَ بعاص. فَقَالَ عليّ عَلَيْهِ السَّلَام: كَيفَ ذَاك؟ وَلما تشتد البلية، وَتظهر الحمية وتسب الذُّرِّيَّة وتدقهم الْفِتَن دق الرحا ثفالها. وَقَالَ عمر 1: لَا تفطروا حَتَّى تروا اللَّيْل يغسق على الظراب. وَرُوِيَ أَن ابْن السوادة أَخا بني لَيْث قَالَ لَهُ: أَربع خِصَال عاتبتك عَلَيْهَا رعيتك. فَوضع عود الدرة ثمَّ ذقن عَلَيْهَا وَقَالَ: هَات. قَالَ: ذكرُوا أَنَّك حرمت الْعمرَة فِي اشهر الْحَج. قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: أجل. إِنَّكُم إِذا اعتمرتم فِي أشهر حَجكُمْ ظننتموها مجزية من حَجكُمْ فقرع حَجكُمْ؛ فَكَانَت قائبة قوب عامها، وَالْحج بهاء من بهاء الله. قَالَ: شكوا مِنْك عنف السِّيَاق ونهر الرّعية. قَالَ: فقرع الدرة، ثمَّ مسحها حَتَّى أَتَى على سيورها وَقَالَ: أَنا زميل مُحَمَّد فِي غَزْوَة قرقرة الكدر ثمَّ إِنِّي وَالله لأرتع فأشبع، وأسقى فأروي،

وأضرب الْعرُوض، وأزجر العجول وأؤدب قدري وأسوق خطوي، وأرد اللفوت. وأضم العنود. وَأكْثر الزّجر، وَأَقل الضَّرْب، وَأشهر الْعَصَا، وأدفع بِالْيَدِ، وَلَوْلَا ذَلِك لأعذرت. وخطب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أَلا لَا تضربوا الْمُسلمين فتذلوهم، وَلَا تمنعوهم حُقُوقهم فتكفروهم، وَلَا تجمروهم فتفتنوهم. وَفِي حَدِيثه، أَنه انكفأ لَونه فِي عَام الرَّمَادَة حَيْثُ قَالَ: لَا آكل سمنا وَلَا سميناً. وَأَنه اتخذ أَيَّام كَانَ يطعم النَّاس قدحاً فِيهِ فرض، فَكَانَ يطوف على القصاع، فيغمر الْقدح، فَإِن لم تبلغ الثريدة الْفَرْض قَالَ: فَانْظُر مَا الَّذِي يفعل بِالَّذِي ولي الطَّعَام. وَقَالَ لرجل: مَا مَالك؟ قَالَ: أَلفَانِ مضمونان فِي بَيت المَال. فَقَالَ: اتخذ مَالا سوى هَذَا، فيوشك أَن يَأْتِي من لَا يُعْطي إِلَّا من يحب. وَخرج لَيْلَة فِي شهر رَمَضَان، وَالنَّاس أوزاع، فَقَالَ: إِنِّي لأَظُن لَو جمعناهم على قَارِئ كَانَ أفضل، فَأمر أبيّ بن كَعْب فَأمهمْ، ثمَّ خرج لَيْلَة وهم يصلونَ بِصَلَاتِهِ، فَقَالَ: نعم الْبِدْعَة هَذِه، وَالَّتِي تنامون عَنْهَا أفضل، يُرِيد صَلَاة آخر اللَّيْل. وَرُوِيَ أَن رجلا قَرَأَ عَلَيْهِ حرفا فَأنكرهُ، فَقَالَ: من أَقْرَأَك هَذَا؟ قَالَ: أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. فَقَالَ: إِن أَبَا مُوسَى لم يكن من أهل البهش - والبهش الْمقل مَا كَانَ رطبا، فَإِذا يبس فَهُوَ الخشل، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن أَبَا مُوسَى لَيْسَ من أهل الْحجاز، والمقل ينْبت بالحجاز - يُرِيد أَن الْقُرْآن نزل بلغَة قُرَيْش. وَنَحْو مِنْهُ قَوْله رَضِي الله عَنهُ لِابْنِ مَسْعُود حِين بلغه أَنه يقرئ النَّاس " حَتَّى حِين " يُرِيد " حَتَّى ": إِن الْقُرْآن لم ينزل بلغَة هُذَيْل؛ فأقرئ النَّاس بلغَة قُرَيْش. وَقَالَ: من النَّاس من يُقَاتل رِيَاء وَسُمْعَة، وَمِنْهُم من يُقَاتل وَهُوَ يَنْوِي الدُّنْيَا، وَمِنْهُم من ألحمه الْقِتَال فَلم يجد بدا، وَمِنْهُم من يُقَاتل صَابِرًا محتسباً. أُولَئِكَ هم الشُّهَدَاء.

وَسَأَلَهُ الْعَبَّاس عَن الشُّعَرَاء، فَقَالَ: امْرُؤ الْقَيْس سابقهم، خسف لَهُم عين الشّعْر، فافتقر عَن معَان عور أصح بصر. وَكتب فِي الصَّدَقَة إِلَى بعض عماله: وَلَا تحبس النَّاس أَوَّلهمْ على آخِرهم، فَإِن الرجن للماشية عَلَيْهَا شَدِيد وَلها مهلك، وَإِذا وقف الرجل عَلَيْك غنمه فَلَا تعتم من غنمه، وَلَا تَأْخُذ من أدناها، وَخذ الصَّدَقَة من أوسطها. وَإِذا وَجب على الرجل سنّ، وَلم تَجدهُ فِي إبِله فَلَا تَأْخُذ إِلَّا تِلْكَ السن من شروى إبِله أَو قيمَة عدل، وَانْظُر ذَوَات الدّرّ والماخض فنكب عَنْهَا؛ فَإِنَّهَا ثمال حاضرتهم. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: من حَظّ الْمَرْء نفاق أيمه وَمَوْضِع حَقه. يُرِيد أَن يكون حَقه عَنهُ من لَا يجحده. وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: " أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هم المهتدون ". نعم العدلان وَنعم العلاوة. وَقَالَ ابْن عَبَّاس " دَعَاني عمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا فَإِذا صَبر من مَال فَقَالَ: خذا فاقتسما فَإِن فضل فَردا. فَأَما عُثْمَان فَحَثَا، وَأما أَنا فَقلت: إِن كَانَ نُقْصَان رددت علينا. فَقَالَ: شنشنة أعرفهَا من أخزم. وطلى بَعِيرًا من الصَّدَقَة بالقطران، فَقَالَ لَهُ رجل: لَو أمرت عبدا من عبيد الصَّدَقَة كفاكه. فَضرب بالثملة على صَدره، وَقَالَ: أعبد أعبد مني؟ .

وَقَالَ: لَو صليتم حَتَّى تَكُونُوا كالحنى مَا نلتم رَحْمَة الله إِلَّا بِصدق الْوَرع. وَقَالَ: تفقهوا قبل أَن تسودوا. وَقَالَ: إِن الْمَوْت فَضَح الدُّنْيَا، فَمَا ترك لذِي لبٍ فَرحا. وَقَالَ: احذر من فلتات السباب كلما أورثك النبز واعلقك اللقب؛ فَإِنَّهُ إِن يعظم بعده شَأْنك يشْتَد عَلَيْهِ ندمك. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: بِعْ الْحَيَوَان أحسن مَا يكون فِي عَيْنَيْك. وَقَالَ: أَجود النَّاس من جاد على من لَا يَرْجُو ثَوَابه، وأحلمهم من عَفا بعد الْقُدْرَة، وأبخلهم من بخل بِالسَّلَامِ، وأعجزهم الَّذِي يعجز فِي دُعَائِهِ. وَقَالَ: كل عمل كرهت من أَجله الْمَوْت فَاتْرُكْهُ، ثمَّ لَا يَضرك مَتى مت. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: إِذا توجه أحدكُم فِي الْوَجْه ثَلَاث مَرَّات، فَلم ير خيرا فليدعه. وخطب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، مَا الْجزع مِمَّا لَا بُد مِنْهُ، وَمَا الطمع فِيمَا لَا يُرْجَى، وَمَا الْحِيلَة فِيمَا سيزول؟ وَإِنَّمَا الشَّيْء من أَصله، وَقد مَضَت قبلنَا أصُول، وَنحن فروعها، فَمَا بَقَاء الْفَرْع بعد اصله؟ إِنَّمَا النَّاس فِي هَذِه الدُّنْيَا أغراض تنتضل المنايا فيهم وهم نصب المصائب، مَعَ كل جرعة شَرق، وَفِي كل أَكلَة غصص. لَا ينالون نعْمَة إِلَّا بِفِرَاق أُخْرَى، وَلَا يسْتَقْبل معمر من عمر يَوْمًا إِلَّا بهدم آخر من أَجله، وَأَنْتُم أعوان الحتوف على أَنفسكُم، فَأَيْنَ الْمَهْرَب مِمَّا هُوَ كَائِن؟ وَإِنَّمَا يتقلب الهارب فِي قدره الطَّالِب، فَمَا أَصْغَر الْمُصِيبَة الْيَوْم مَعَ عظم الْفَائِدَة غَدا {أَو أَكثر خيبة الخائب} جعلنَا الله وَإِيَّاكُم من الْمُتَّقِينَ. قَالَ الجاحظ: روى الزُّهْرِيّ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ نظر إِلَى أهل الشورى جُلُوسًا فَقَالَ: أكلكم يطْمع فِي الْخلَافَة بعدِي؟ فوجموا، فَقَالَ لَهُم

ثَانِيَة، فَأَجَابَهُ الزبير فَقَالَ: نعم، وَمَا الَّذِي يبعدنا عَنْهَا وَقد وليتها فَقُمْت بهَا. ولسنا دُونك فِي قُرَيْش وَلَا فِي السَّابِقَة، وَلَا فِي الْقَرَابَة؟ فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: أَلا أخْبركُم عَن أَنفسكُم؟ قَالُوا: بلَى، فَإنَّا لَو استعفيناك مَا أعفيتنا. فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: أما أَنْت يَا زبير فوعقة لقس، مُؤمن الرِّضَا، كَافِر الْغَضَب، يَوْم إنس، وَيَوْم شَيْطَان، ولعلها إِن أفضت إِلَيْك لظلت يَوْمك تلاطم فِي الْبَطْحَاء على مد من شعير. أَفَرَأَيْت إِن أفضت إِلَيْك فَمن يكون على النَّاس يَوْم تكون شَيْطَانا، وَمن يكون - إِذا غضِبت - إِمَامًا؟ . مَا كَانَ الله ليجمع لَك أَمر أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت فِي هَذِه الصّفة. ثمَّ أقبل على طَلْحَة فَقَالَ: أَقُول أم أسكت؟ قَالَ: قل، فَإنَّك لَا تَقول لي من الْخَيْر شَيْئا. قَالَ: مَا أعرفك مُنْذُ ذهبت إصبعك يَوْم أحد من البأو الَّذِي أحدثت. وَلَقَد مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساخطاً للَّذي قلت يَوْم نزلت آيَة الْحجاب أفأقول أم أسكت؟ قَالَ: بِاللَّه اسْكُتْ. ثمَّ أقبل على سعد، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنْت صَاحب قنص وقوس واسهم ومقنب من هَذِه المقانب، وَمَا أَنْت وزهرة والخلافة وَأُمُور النَّاس؟ . ثمَّ أقبل على عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ: لله أَنْت لَوْلَا دعابة فِيك. اما وَالله لَو وليتهم لحملتهم على المحجة الْبَيْضَاء، وَالْحق الْوَاضِح، وَلنْ يَفْعَلُوا. ثمَّ قَالَ: وَأَنت يَا عبد الرَّحْمَن لَو وزن نصف إِيمَان الْمُسلمين بإيمانك لرجحت، وَلَكِن فِيك ضعفا، وَلَا يصلح هَذَا الْأَمر لم ضعف مثل ضعفك. وَمَا زهرَة وَهَذَا الْأَمر؟ . ثمَّ أقبل على عُثْمَان فَقَالَ: هيهاً إِلَيْك، كَأَنِّي بك قد قلدتك قُرَيْش هَذَا الْأَمر لحبها إياك، فَحملت بني أُميَّة وَبني معيط على رِقَاب النَّاس، وآثرتهم بالفيء، فسارت إِلَيْك عِصَابَة من ذؤبان الْعَرَب فذبحوك على فراشك ذبحا. وَالله

لَئِن فعلوا لتفعلن، وَلَئِن فعلت ليفعلن. ثمَّ أَخذ بناصيته فناجاه، ثمَّ قَالَ: إِذا كَانَ ذَاك فاذكر قولي هَذَا، فَإِنَّهُ كَائِن. وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ للأحنف: من كثر ضحكه قلت هيبته، وَمن أَكثر من شَيْء عرف بِهِ، وَمن كثر مزاحه كثر سقطه، وَمن كثر سقطه قلّ ورعه، وَمن قل ورعه ذهب حياؤه، وَمن ذهب حياؤه مَاتَ قلبه. وَكتب إِلَى أبي مُوسَى: أما بعد؛ فَإِن للنَّاس نفرة عَن سلطانهم، فأعوذ بِاللَّه أَن تدركني وَإِيَّاك عمياء مَجْهُولَة، وضغائن مَحْمُولَة، وَأَهْوَاء متبعة، وَدُنْيا مُؤثرَة؛ فأقم الْحُدُود وَلَو سَاعَة من نَهَار، فَإِن عرض لَك أَمْرَانِ: أَحدهمَا لله، وَالْآخر للدنيا، فآثر نصيبك من الْآخِرَة، فَإِن الدُّنْيَا تنفد وَالْآخِرَة تبقى، وَكن من خشيَة الله على وَجل، وأخف الْفُسَّاق، واجعلهم يدا يدا ورجلاً رجلا. وَإِذا كَانَت بَين الْقَبَائِل نائرة، ودعوا: يَا لفُلَان، فَإِنَّمَا تِلْكَ النَّجْوَى من الشَّيْطَان، فاضربهم بِالسَّيْفِ حَتَّى يفيئوا إِلَى الله، وَتَكون دَعوَاهُم إِلَى الله وَإِلَى الْإِسْلَام. وَقد بلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن ضبة تَدْعُو: بالضبة، وَإِنِّي وَالله مَا أعلم أَن ضبة سَاق الله بهَا خيرا قطّ، وَلَا منع بهَا شرا قطّ. فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فأنهكهم عُقُوبَة، حَتَّى يفرقُوا إِن لم يفقهوا. والصق بغيلان بن خَرشَة من بَينهم. وعد مرضى الْمُسلمين، واشهد جنائزهم؛ وَافْتَحْ بابك، وباشر أَمرهم بِنَفْسِك، فَإِنَّمَا أَنْت رجل مِنْهُم، غير أَن الله جعلك أثقلهم حملا. وَقد بلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنه فَشَا لَك وَلأَهل بلدك هَيْئَة فِي لباسك، ومطعمك ومركبك لَيْسَ للْمُسلمين مثلهَا، فإياك يَا عبد الله أَن تكون بِمَنْزِلَة الْبَهِيمَة الَّتِي حلت بواد خصب، فَلم يكن لَهَا هم إِلَّا السّمن، وَاعْلَم أَن لِلْعَامِلِ مردا إِلَى الله، فَإِذا زاغ الْعَامِل زاغت رَعيته، وَإِن أَشْقَى النَّاس من شقيت بِهِ رَعيته، وَالسَّلَام.

وَكَانَ إِذا اشْترى رَقِيقا يَقُول: اللَّهُمَّ ارزقني أنصحهم جيباً وأطولهم عمرا. وَكَانَ إِذا اسْتعْمل رجلا يَقُول: إِن الْعَمَل كبر، فَانْظُر كَيفَ تخرج مِنْهُ. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: أقلل من الدّين تعش حرا، واقلل من الذُّنُوب يهن عَلَيْك الْمَوْت، وَانْظُر فِي أَي نِصَاب تضع ولدك، فَإِن الْعرق دساس. وَقَالَ: إيَّاكُمْ وَهَذِه المجازر، فَإِن لَهَا ضراوة كضراوة الْخمر. وَقَالَ: مَا الْخمر صرفا باذهب لعقل الرجل من الطمع. وَقَالَ: عجبت لمن يحسن المعاريض، كَيفَ يكذب؟ . وَقَالَ: النَّاس طالبان، فطالب يطْلب الدُّنْيَا، فارفضوها فِي نَحره، فَإِنَّهُ رُبمَا أدْرك الَّذِي طلب مِنْهَا فَهَلَك بِمَا أصَاب مِنْهَا. وَرُبمَا فَاتَهُ الَّذِي طلب مِنْهَا فَهَلَك بِمَا فَاتَهُ مِنْهَا، وطالب يطْلب الْآخِرَة، فَإِذا رَأَيْتُمْ طَالب الْآخِرَة فنافسوه. وَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِنَّه أَتَى عليّ حِين وَأَنا أَحسب أَنه من قَرَأَ الْقُرْآن إِنَّمَا يُرِيد الله وَمَا عِنْده. أَلا وَقد خيل إليّ أخيراً أَن أَقْوَامًا يقرؤون الْقُرْآن يُرِيدُونَ بِهِ مَا عِنْد النَّاس. أَلا فأريدوا الله بقرآنكم وأريدواه بأعمالكم، فَإِنَّمَا كُنَّا نعرفكم إِذْ الْوَحْي ينزل، وَإِذ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بَين أظهرنَا، فقد رفع الْوَحْي، وَذهب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِنَّمَا أعرفكُم بِمَا أَقُول لكم. أَلا فَمن أظهر لنا خيرا ظننا بِهِ خيرا واثنينا بِهِ عَلَيْهِ، وَمن أظهر لنا شرا ظننا بِهِ شرا وأبغضنا عَلَيْهِ، فزعوا هَذِه النُّفُوس عَن شهواتها، فَإِنَّهَا طلاعة، تنْزع إِلَى شَرّ غَايَة، وَإِن الْحق ثقيل مريء، وَإِن الْبَاطِل خَفِيف وبيء، ترك الْخَطِيئَة خير من معالجة التَّوْبَة، وَرب شَهْوَة سَاعَة أورثت حزنا دَائِما. وَقَالَ: استعبروا الْعُيُون بالتذكر. وَمر بِقوم يتمنون، فَلَمَّا رَأَوْهُ سكتوا، فَقَالَ: فيمَ كُنْتُم؟ قَالُوا: كُنَّا نتمنى. قَالَ: تمنوا وَأَنا أَتَمَنَّى مَعكُمْ. قَالُوا: فتمن. قَالَ: أَتَمَنَّى ملْء هَذَا الْمَسْجِد مثل أبي عُبَيْدَة الْجراح وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة، إِن سالما كَانَ شَدِيد الْحَيّ لله، لَو لم يخف الله لعصاه. وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لكل أمة أَمِين وَأمين هَذِه الْأمة أَبُو عُبَيْدَة الْجراح.

وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: لَوْلَا أَن أَسِير فِي سَبِيل الله، وَاضع جبهتي لله، وأجالس أَقْوَامًا ينتقون أحسن الحَدِيث كَمَا تنتقى أطايب الثَّمر لم أبال أَن أكون قد متّ. وَقَالَ سعد لَهُ - حِين شاطره مَاله -: لقد هَمَمْت ... قَالَ عمر: لتدعو الله عليّ؟ قَالَ: نعم: إِذا لَا تجدني بِدُعَاء رَبِّي شقياً. وَكَانَ سعد يُسمى المستجاب الدعْوَة. وَقَالَ عمر فِي ولد لَهُ صَغِير: رَيْحَانَة أشمها، وَعَن قريب ولد بار أَو عَدو حَاضر. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: لكل شَيْء شرف، وَشرف الْمَعْرُوف تَعْجِيله. وَقَالَ: من أعطي الدُّعَاء لم يحرم الْإِجَابَة؛ لقَوْله تَعَالَى: " ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم ". وَمن أعطي الشُّكْر لم يحرم الزِّيَادَة؛ لقَوْله جلّ اسْمه: " لَئِن شكرتم لأزيدنكم ". وَمن أعطي الاسْتِغْفَار لم يحرم الْقبُول؛ لقَوْل تَعَالَى: " اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا ". وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: كونُوا أوعية الْكتاب، وينابيع الْعلم، واسألوا الله رزق يَوْم بِيَوْم. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: الرِّجَال ثَلَاثَة: رجل ينظر فِي الْأُمُور قبل أَن تقع فيصدرها مصدرها، وَرجل متوكل لَا ينظر، فَإِذا نزلت بِهِ نازلة شاور أهل الرَّأْي وَقبل قبولهم، وَرجل حائر بائر لَا يأتمر رشدا، وَلَا يُطِيع مرشداً. كَانَ شُرَحْبِيل بن السمط على جَيش لعمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: إِنَّكُم قد نزلتم أَرضًا فِيهَا نسَاء وشراب، فَمن أصَاب مِنْكُم حدا فليأتنا حَتَّى نطهره، فَبلغ ذَلِك عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: لَا أم لَك، تَأمر قوما ستر الله عَلَيْهِم أَن يهتكوا ستر الله عَلَيْهِم.

وَقَالَ: من قَالَ لَا ادري عِنْدَمَا لَا يدْرِي، فقد أحرز نصف الْعلم؛ لِأَن الَّذِي لَهُ على نَفسه هَذِه الْقُوَّة؛ فقد دلنا على جودة التثبت، وَكَثْرَة الطّلب، وَقُوَّة الْمِنَّة. وَأوصى الْخَلِيفَة بعده فَقَالَ: أوصيك بتقوى الله وَحده لَا شريك لَهُ، وأوصيك بالمهاجرين الْأَوَّلين خيرا أَن تعرف لَهُم سابقتهم. وأوصيك بالأنصار خيرا، فاقبل من محسنهم، وَتجَاوز عَن مسيئهم، وأوصيك بِأَهْل الْأَمْصَار خيرا، فَإِنَّهُم ردء الْعَدو، وجباة الْفَيْء، لَا تحمل مِنْهُم إِلَّا عَن فضل مِنْهُم. وأوصيك بِأَهْل الْبَادِيَة خيرا، فأنهم أصل الْعَرَب، ومادة الْإِسْلَام، أَن تَأْخُذ من حَوَاشِي أَمْوَالهم فَترد على فقرائهم. وأوصيك بِأَهْل الذِّمَّة خيرا أَن تقَاتل من ورائهم، وَلَا تكلفهم فَوق طاقتهم إِذا أَدّوا مَا عَلَيْهِم للْمُؤْمِنين طَوْعًا، أَو عَن يَد وهم صاغرون. وأوصيك بتقوى الله، والحذر مِنْهُ، ومخافة مقته أَن يطلع مِنْك على رِيبَة، وأوصيك أَن تخشى الله فِي النَّاس، وَلَا تخش النَّاس فِي الله. وأوصيك بِالْعَدْلِ فِي الرّعية، والتفرغ لحوائجهم وثغورهم، وَلَا تُؤثر غنيهم على فقيرهم، فَإِن فِي ذَلِك بِإِذن الله سَلامَة لقلبك، وحطاً لوزرك، وَخيرا فِي عَاقِبَة أَمرك، حَتَّى تفضى فِي ذَلِك إِلَى من يعرف سريرتك، ويحول بَيْنك وَبَين قَلْبك. وآمرك أَن تشتد فِي أَمر الله، وَفِي حُدُوده ومعاصيه على قريب النَّاس وبعيدهم، ثمَّ لَا تأخذك فِي أحد الرأفة، حَتَّى تنتهك مِنْهُ مثل جرمه. وَاجعَل النَّاس عنْدك سَوَاء، لَا تبالي على من وَجب الْحق، وَلَا تأخذك فِي الله لومة لائم، وَإِيَّاك والأثرة والمحاباة فِيمَا ولاك الله مِمَّا أَفَاء على الْمُؤمنِينَ، فتجور وتظلم، وَتحرم نَفسك من ذَلِك مَا قد وَسعه الله عَلَيْك.

وَقد أَصبَحت بِمَنْزِلَة من منَازِل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَإِن اقترفت لدنياك عدلا وعفة عَمَّا بسط لَك اقترفت بِهِ إِيمَانًا ورضواناً، وَإِن غلبك فِيهِ الْهوى اقترفت بِهِ غضب الله. وأوصيك أَلا ترخّص لنَفسك وَلَا لغَيْرهَا فِي ظلم أهل الذِّمَّة. وَقد أوصيتك، وخصصتك ونصحتك، فابتغ بذلك وَجه الله وَالدَّار الْآخِرَة، واخترت من دلالتك مَا كنت دَالا عَلَيْهِ نَفسِي وَوَلَدي، فَإِن عملت بِالَّذِي وعظتك، وانتهيت إِلَى الَّذِي أَمرتك أخذت مِنْهُ نَصِيبا وافراً وحظاً وافياً؛ وَإِن لم تقبل ذَلِك، وَلم يهمك، وَلم تتْرك معاظم الْأُمُور عِنْد الَّذِي يرضى بِهِ الله عَنْك يكن ذَلِك بك انتقاصاً، ورأيك فِيهِ مَدْخُولا؛ لِأَن الْأَهْوَاء مُشْتَركَة، وَرَأس الْخَطِيئَة إِبْلِيس دَاع إِلَى كل مهلكة، وَقد أضلّ الْقُرُون السالفة قبلك، فأوردهم النَّار وَبئسَ الْورْد المورود، ولبئس الثّمن أَن يكون حَظّ امْرِئ مُوالَاة لعدو الله، الدَّاعِي إِلَى مَعَاصيه. ثمَّ اركب الْحق، وخض إِلَيْهِ الغمرات، وَكن واعظاً لنَفسك، وأناشدك الله إِلَّا ترحمت على جمَاعَة الْمُسلمين، وأجللت كَبِيرهمْ، ورحمت صَغِيرهمْ، ووقرت عالمهم، وَلَا تضربهم فيذلوا، وَلَا تستأثر عَلَيْهِم بالفيء فتغضبهم. وَلَا تحرمهم عطاياهم عِنْد محلهَا فتفرقهم، وَلَا تجمرهم فِي الْبعُوث فَيَنْقَطِع نسلهم، وَلَا تجْعَل المَال دولة بَين الْأَغْنِيَاء مِنْهُم، وَلَا تغلق بابك دونهم، فيأكل قويهم ضعيفهم. هَذِه وصيتي إِلَيْك، وَأشْهد الله عَلَيْك، وأقرأ عَلَيْك السَّلَام. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: دخلت على عمر رَضِي الله عَنهُ حِين طعن. قَالَ: فتنفس تنفساً عَالِيا، فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا أخرج هَذَا مِنْك إِلَّا هم. قَالَ: هم شَدِيد لهَذَا الْأَمر الَّذِي لَا أَدْرِي لمن يكون بعدِي. قَالَ: ثمَّ قَالَ: لَعَلَّك ترى صَاحبك لَهَا. يَعْنِي عليا. قلت: وَمَا يمنعهُ فِي قرَابَته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وسوابقه فِي الْخَيْر، ومناقبه فِي الْإِسْلَام؟ قَالَ: وَلَكِن فِيهِ فكاهة. قلت

لَهُ: فَأَيْنَ أَنْت وَطَلْحَة؟ قَالَ: الأكنع؟ مَا زلت أعرف فِيهِ بأواً مُنْذُ أُصِيبَت يَده مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: فَأَيْنَ أَنْت من الزبير؟ قَالَ فوعقة لقس. قلت: فَأَيْنَ أَنْت من سعد؟ قَالَ: صَاحب قَوس وَفرس. قلت: فَأَيْنَ أَنْت من عبد الرَّحْمَن؟ قَالَ: نعم الْمَرْء ذكرت، وَلكنه ضَعِيف وَلَا يقوم بِهَذَا الْأَمر إِلَّا الْقوي فِي غير عنف، واللين فِي غير ضعف، والجواد من غير سرف، والممسك فِي غير بخل. قلت: فَأَيْنَ أَنْت من عُثْمَان؟ قَالَ: أوه - وَوضع يَده الْيُمْنَى على مقدم رَأسه - إِذا وَالله ليحملن بني معيط على رِقَاب النَّاس، فَكَأَنِّي قد نظرت إِلَى الْعَرَب حَتَّى تَأتيه فتقتله، وَالله لَئِن فعل ليفعلن، وَالله لَئِن فعل ليفعلن، ثمَّ قَالَ: أما إِن أحراهم - إِن وليهم - أَن يحملهم على كتاب الله وَسنة نَبِيّهم صَاحبك - يَعْنِي عليا - عَلَيْهِ السَّلَام. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: اعتبروا عزمه بحميته وحزمه بمتاع بَيته. وَسمع رجلا يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْفِتَن. فَقَالَ: لقد استعذت مِمَّا تسأله، المَال وَالْولد فتْنَة. وَلَكِن قل يَا لكع: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من مضلات الْفِتَن. وَكَانَ عُيَيْنَة بن حصن كثيرا مَا ينظر إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي إِزَار ورداء، فَيَقُول: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي أَرَاك تلبس إزاراً ورداءً، كَأَنِّي أنظر إِلَى سبنتي من الْعَجم قد وجأك فِي خاصرتك، ففجع بك الْمُسلمين، فيا لَهَا ثلمة لَا تسد، ووهياً لَا يرقع {} فَأخْرجهُمْ من عيرك إِلَى عيرهم. فَمَا مكث إِلَّا أَيَّامًا، حَتَّى وجأه أَبُو لؤلؤة - أَخْزَاهُ الله - فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: لله در رَأْي بَين الرقم والحاجر لَو أَخذنَا بِهِ! أما إِنَّه قد خبرني بِهَذَا. وَكَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ اصلح بَين نسائنا، وَعَاد بَين إمائنا. وَقَالَ: الطمع فقر، واليأس غنى، وَفِي الْعُزْلَة رَاحَة من خليط السوء. وَكتب إِلَى أبي مُوسَى وَهُوَ على الْبَصْرَة: إِنَّك بِبَلَد جلّ أَهله تَمِيم وهم بخل، وَرَبِيعَة وهم كدر، وَفِي الأزد موق. فتأدب بأدبك.

افْتقدَ من بَيت المَال أَيَّام عمر أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم، وَكَانَ بَيت المَال فِي يَد وهب بن مُنَبّه. فَكتب إِلَيْهِ عمر: أما بعد، فَإنَّا لَا نتهم دينك وأمانتك، وَلَكِن نَخَاف تفريطك وتضييعك، وَهَذَا المَال للْمُسلمين، وَلَيْسَ لأشحهم عَلَيْك إِلَّا يَمِينك، فَإِذا صليت الْعَصْر من يَوْم الْجُمُعَة، فَاسْتقْبل الْقبْلَة واحلف بِاللَّه أَنَّك مَا أَخَذتهَا، وَلَا علمت لَهَا آخِذا، وَالسَّلَام. وَقيل لَهُ: جَزَاك الله عَن الْإِسْلَام خيرا. فَقَالَ: بل جزى الله الْإِسْلَام عني خيرا. وَقَالَ: لَا يطبق أَمر الله فِي عباده إِلَّا رجل لَا يصانع، وَلَا يضارع، وَلَا يتبع المطامع، وَلَا يطبق أَمر الله إِلَّا رجل يتَكَلَّم بِلِسَانِهِ كُله، وَلَا يحنق فِي الْحق على جرته. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: أكره لبستين: لبسة مَشْهُورَة، ولبسة محقورة. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: ثَلَاث خِصَال من لم تكن فِيهِ لم يَنْفَعهُ الْإِيمَان: حلم يرد بِهِ جهل الْجَاهِل، وورع يحجزه عَن الْمَحَارِم، وَخلق يُدَارِي بِهِ النَّاس. وَقَالَ: من مَلأ عينه من قاعه بَيت قل أَن يُؤذن لَهُ فقد فسق، وَمن اطلع على قوم فِي مَنَازِلهمْ بِغَيْر إذْنهمْ فليفقئوا عينه. وَقَالَ: لِأَن أَمُوت بَين شُعْبَتَيْ رحلي أَبْتَغِي فضل الله، أحب إِلَيّ من أَن أَمُوت على فِرَاشِي. وَقَالَ لبَعْضهِم: احذر النِّعْمَة كحذرك الْمعْصِيَة، وَهِي أخوفهما عَلَيْك عِنْدِي. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: أحذركم عَاقِبَة الْفَرَاغ، فَإِنَّهُ أجمع لأبواب الْمَكْرُوه من السكر.

وَقَالَ: أَفْلح من حفظ من الطمع وَالْغَضَب والهوى نَفسه، وَلَا خير فِيمَا دون الصدْق من الحَدِيث، وَمن كذب فجر، وَمن فجر هلك. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: قلت: بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله، مَا بالنا نرق على أَوْلَادنَا وَلَا يرقون علينا؟ قَالَ: لأَنا ولدناهم، وَلم يلدونا. وَقَالَ لرجل أَرَادَ طَلَاق امْرَأَته: لم تطلقها؟ قَالَ: لِأَنِّي لَا أحبها. فَقَالَ لَهُ: أكل الْبيُوت بنيت على الْحبّ؟ فَأَيْنَ الرِّعَايَة والتذمم وَالْوَفَاء؟ وَقَالَ: تضيق أنصارنا، وتقسو ثقيفنا، وَمن ولى من الْعَرَب قرا فِي حَوْضه، وملأ وعاءه، وَلم أر لهَذَا الْأَمر مثل رجل من قُرَيْش أكل على ناجذه. وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ فِي خطْبَة لَهُ حِين بُويِعَ: غَنِي قد علمت أَن قد كرهتم قيامي عَلَيْكُم، وَمن كرهه مِنْكُم مِمَّن سَاءَهُ أَخذ بِحَق، وَدفع عَن بَاطِل، وَضرب عنق من خَالف الْحق، وَتمنى الْبَاطِل، ودعا إِلَيْهِ، فَلَيْسَ لأولئك هوادة، وَلَا مناظرة، وَلَا مصانعة، فليمت أُولَئِكَ بغيظهم، وَلَا يَلُومن إِلَّا أنفسهم وَلَا يبْقين إِلَّا عَلَيْهَا. وَالله مَا لمن خَالف إِلَى الْبَاطِل من عُقُوبَة دون ضرب عُنُقه، فَإِن السَّيْف نعم الْوَزير هُوَ للحق وَأَهله، وَقد أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقِتَالِ على الْحق، وَقَاتل عَلَيْهِ، فَخُذُوا مني مَا أُعْطِيكُم وأعطوني مَا أَسأَلكُم، إِنِّي آخذكم بِالْحَقِّ غير مُعْتَد بِهِ، وأعطيكم الْحق غير قَاصِر عَنهُ، كتاب الله وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيني وَبَيْنكُم، لَا يسألن أحد غير ذَلِك، وَلَا يطمعن فِيهِ عِنْدِي. وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِذا رأى مُعَاوِيَة قَالَ: هَذَا كسْرَى الْعَرَب. وخطب فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، لَا تَأْكُلُوا الْبيض فَإِن أحدكُم يَأْكُل الْبَيْضَة أَكلَة وَاحِدَة، فَإِن حضنها خرجت مِنْهَا دجَاجَة فَبَاعَهَا بدرهم.

الباب الثالث من كلام عثمان بن عفان رضي الله عنه

الْبَاب الثَّالِث: من كَلَام عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ : لما نقم النَّاس عَلَيْهِ قَامَ رَضِي الله عَنهُ يتَوَكَّأ على مَرْوَان، وَهُوَ يَقُول: لكل أمة آفَة، وَلما نعْمَة عاهة، وَإِن آفَة هَذِه الْأمة، وعاهة هَذِه النِّعْمَة عيّابون طعانون، يظهرون لكم مَا تحبون، ويسرون مَا تَكْرَهُونَ، طغام مثل النعام، يتبعُون أول ناعق. لقد نقموا عليّ مَا نقموه على عمر، وَلكنه قمعهم ووقمهم. وَالله إِنِّي لأَقْرَب ناصراً، وأعز نَفرا، فَمَالِي لَا أفعل فِي الْفضل مَا أَشَاء؟ . وَرُوِيَ أَنه رَضِي الله عَنهُ قَالَ يَوْمًا على الْمِنْبَر: وَالله مَا تَغَنَّيْت وَلَا تمنيت وَلَا زَنَيْت فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام، وَمَا تركت ذَلِك تأثماً، وَلَكِن تركته تكرماً. اشْتَكَى عليّ عَلَيْهِ السَّلَام، فعاده عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أَرَاك أَصبَحت ثقيلاً. قَالَ: أجل. قَالَ: وَالله مَا أَدْرِي أموتك أحبذ إليّ أَن حياتك؟ إِنِّي لأحب حياتك، وأكره أَن أعيش بعد موتك، فَلَو شِئْت جعلت لنا من نَفسك مخرجا، إِمَّا صديقا مسالماً، أَو عدوا معالناً، فَإنَّك كَمَا قَالَ أَخُو زِيَاد: لقد جررت لنا حَبل الشموس فَلَا يأساً مُبينًا أرى مِنْكُم وَلَا طَمَعا. فَقَالَ لَهُ عليّ عَلَيْهِ السَّلَام: مَالك عِنْدِي مَا تخَاف، وَمَا جوابك إِلَّا مَا تكره.

قدم إِلَى عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ غُلَام فِي جَنَابَة، فَقَالَ: انْظُرُوا هَل اخضر إزَاره. قَالَ سعيد بن الْمسيب: بلغ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أَن قوما على فَاحِشَة، فَأَتَاهُم وَقد تفَرقُوا، فَحَمدَ الله وَأعْتق رَقَبَة. روى الزُّهْرِيّ قَالَ: اشْتَكَى عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَدخل عَلَيْهِ عليّ عَائِدًا فَقَالَ عُثْمَان لما رَآهُ. وعائذة تعوذ بِغَيْر نصح ... تود لَو أَن ذَا دنف يَمُوت قيل: لما صعد عُثْمَان الْمِنْبَر أرتج عَلَيْهِ فَقَالَ: إِن أَبَا بكر وَعمر كَانَا يعدَّانِ لهَذَا الْمقَام مقَالا؛ وَأَنْتُم إِلَى إِمَام عَادل أحْوج مِنْكُم إِلَى إِمَام خطيب. وَكتب إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا حِين أحيط بِهِ: أما بعد؛ فَإِنَّهُ قد بلغ السَّيْل الزبى، وَجَاوَزَ الحزام الطبيين، وَتجَاوز الْأَمر قدره، وطمع فيّ من لَا يدْفع عَن نَفسه: فَإِن كنت مَأْكُولا فَكُن خير آكل ... وَإِلَّا فأدركني وَلما أمزق وَقَالَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ: إِن الله ليزع بالسلطان مَا لَا يَزع بِالْقُرْآنِ. وَكَانَ عُثْمَان إِذا نظر إِلَى قبر بَكَى، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك. فَقَالَ: هُوَ أول منَازِل الْآخِرَة، وَآخر منَازِل الدُّنْيَا، فَمن شدد عَلَيْهِ فَمَا بعده أَشد، وَمن هون عَلَيْهِ فَمَا بعده أَهْون. وَكَانَ يَقُول: مَا رَأَيْت منْظرًا إِلَّا والقبر أفظع مِنْهُ.

وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: بَلغنِي أَن نَاسا مِنْكُم يخرجُون إِلَى سوادهم، إِمَّا فِي تِجَارَة، وَإِمَّا فِي جباية، وغما فِي حشر، فيقصرون الصَّلَاة، فَلَا يَفْعَلُوا، فَإِنَّمَا يقصر الصَّلَاة من كَانَ شاخصاً، أَو بِحَضْرَة عَدو. وَعرض بِهِ إِنْسَان فَقَالَ: إِنِّي لم أفر يَوْم عينين فَقَالَ عُثْمَان: فَلم تسيرني بذنب قد عَفا الله عَنهُ؟ . وَقَالَ: قد اخْتَبَأْت عِنْد الله خِصَالًا، إِنِّي لرابع الْإِسْلَام، وزوجني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنَته ثمَّ ابْنَته، وبايعته بيَدي هَذِه الْيُمْنَى فَمَا مسست بهَا ذكرى، وَمَا تَغَنَّيْت، وَلَا تمنيت، وَلَا شربت خمرًا فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام. وَقَالَ: كل شَيْء يحب وَلَده حَتَّى الْحُبَارَى. خص الْحُبَارَى لِأَنَّهُ يضْرب بهَا الْمثل فِي الموق. وروى أَن أم سَلمَة أرْسلت إِلَيْهِ: يَا بني، مَا لي أرى رعيتك عَنْك مزورين، وَعَن جنابك نافرين؟ لَا تعفّ سَبِيلا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحبها وَلَا تقدح بزند كَانَ أكباها. توخّ حَيْثُ توخى صاحباك، فَإِنَّهُمَا ثكما الْأَمر ثكماً وَلم يظلماه. فَقَالَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ: إِن هَؤُلَاءِ النَّفر رعاع غثرة تطأطأت لَهُنَّ تطأطأ الدلاة، وتلددت تلدد الْمُضْطَر، أرانيهم الْحق إخْوَانًا، وأراهموني الْبَاطِل شَيْطَانا، أجررت المرسون رسنه، وأبلغت الراتع مسقاته، فَتَفَرَّقُوا عليّ فرقا ثَلَاثًا، فصامت صمته أنفذ من صول غَيره، وساعٍ أَعْطَانِي شَاهده، وَمَنَعَنِي غائبه: ومرخص لَهُ فِي مُدَّة زينت فِي قلبه. فَأَنا مِنْهُم بَين ألسن لداد، وَقُلُوب شَدَّاد، وسيوف حداد، عذيري الله مِنْهُم، لَا ينْهَى عَالم جَاهِلا، وَلَا يردع أَو ينذر حَلِيم سَفِيها، وَالله حسبي وحسبهم يَوْم لَا ينطقون، وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون.

وَقَالَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي لأعْلم كلمة لَا يَقُولهَا عبد عِنْد مَوته إِلَّا حرمه الله على النَّار ". قَالَ عُثْمَان: هِيَ الْكَلِمَة الَّتِي ألاص عَلَيْهَا عَمه. وَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يلْحد بِمَكَّة رجل من قُرَيْش عَلَيْهِ نصف عَذَاب الْعَالم فَلَنْ أكون إِيَّاه. وَتكلم يَوْم الشورى فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي بعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا واتخذه رَسُولا، صدقه وعده، ووهب لَهُ نَصره على كل من بعد نسبا، أَو قرب رحما، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. جعلنَا الله وَإِيَّاكُم لَهُ تابعين، ولأمره مهتدين. فَهُوَ لنا نور، وَنحن بأَمْره نقُول عِنْد تفرق الْأَهْوَاء ومجازاة الْأَعْدَاء، جعلنَا الله بفضله أَئِمَّة، وبطاعته أُمَرَاء، لَا يخرج أمرنَا منا، وَلَا يدْخل علينا غَيرنَا إِلَّا من سفه عَن الْقَصْد، وأحر بهَا يَا ابْن عَوْف أَن تكون إِن خُولِفَ أَمرك وَترك دعاؤك؛ فَأَنا أول مُجيب لَك وداع إِلَيْك، كَفِيل بِمَا أَقُول زعيم، واستغفر الله لي وَلكم، وَأَعُوذ بِاللَّه من مخالفتكم. وخطب حِين بُويِعَ، فَقَالَ بعد حمد الله ايها النَّاس. اتَّقوا الله، فَإِن الدُّنْيَا كَمَا أخبر الله عَنْهَا: " لعب وَلَهو وزينة وتفاخر " الْآيَة. فَخير الْعباد فِيهَا من عصم واعتصم بِكِتَاب الله، وَقد وكلت من أَمركُم بعظيم، لَا أَرْجُو العون عَلَيْهِ إِلَّا من الله، وَلَا يوفق للخير إِلَّا هُوَ. " وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب ". وخطب رَضِي الله عَنهُ، وَهُوَ مَحْصُور فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، إِن عمر بن الْخطاب صير هَذَا الْأَمر شُورَى فِي سِتَّة، توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنْهُم رَاض، فاختاروني، وَأَجْمعُوا عليّ فأجبتهم وَلم آل عَن الْعَمَل بِالْحَقِّ، وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه، وَمَا أعلم أَن لي ذَنبا أَكثر من طول ولايتي عَلَيْكُم، وَلَعَلَّ

بَعْضكُم أَن يَقُول: لَيْسَ كَأبي بكر وَعمر. أجل أجل. لَيْت كهما، والأشياء أشباه قريبَة بَعْضهَا من بعض، وَقد زعمتم أَنكُمْ تخلعوني، فَأَما الْخلْع فَلَا، دون أَن تعذروني بِأَمْر لَا يحل لي إِلَّا خلعها من عنقِي. وَأما العتبى فلكم ونعمة الْعين. وخطب لما كثر الطعْن عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي وَالله مَا أتيت مَا أتيت وَأَنا أجهله، وَلَكِن منتني نَفسِي، وأضلتني رشدي، وَقد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا تَمَادَوْا فِي الْبَاطِل ". وَأَنا أول من اتعظ، فَاسْتَغْفر الله، فأشيروا عليّ، فَإِنَّهُ لَا يردني الْحق إِلَى شَيْء إِلَّا صرت إِلَيْهِ. وَكَانَ يَقُول: إِنِّي لأكْره أَن يَأْتِي عليّ يَوْم لَا أنظر فِيهِ فِي عهد الله - يَعْنِي الْمُصحف -. وَكَانَ حَافِظًا، وَلَا يكَاد الْمُصحف يُفَارق حجره، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: إِنَّه مبارك جَاءَ بِهِ مبارك. قَالَ بَعضهم: شهِدت عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ مَحْصُور فِي الْقصر فَأَشْرَف على النَّاس، فَسَمعته يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس إِن أعظمكم عَنَّا غناء من كف يَده وسلاحه، وَلِأَن اقْتُل قبل الدِّمَاء أحب إليّ من أَن أقتل بعد الدِّمَاء. وَإنَّهُ وَالله مَا حل دم امْرِئ مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث خِصَال، وَالله مَا فعلت مِنْهُنَّ شَيْئا مُنْذُ أسلمت: ثيب زَان، أَو مُرْتَد عَن الْإِسْلَام، أَو نفس بِنَفس، فيقتص مِنْهُ. قَالَ صعصعة بن صوحان: مَا أعياني جَوَاب أحد مَا أعياني جَوَاب عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ، دخلت عَلَيْهِ فَقلت: أخرجنَا من دِيَارنَا وأبنائنا أَن قُلْنَا: رَبنَا الله. قَالَ: نَحن الَّذين أخرجنَا من دِيَارنَا وأبنائنا أَن قُلْنَا: رَبنَا الله. وَمنا من مَاتَ بِالْحَبَشَةِ، وَمنا من مَاتَ بِأَرْض الْمَدِينَة. وَلما ورد ابْن الزبير على عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ بِفَتْح إفريقية، وأقامه للنَّاس، فَتكلم فَأحْسن. قَالَ عُثْمَان: أَيهَا النَّاس: انكحوا النِّسَاء على آبائهن وإخوتهن، فَإِنِّي لم أر كابي بكر الصّديق ولدا أشبه بِهِ من هَذَا.

وروى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: وَقع بَين عَليّ وَعُثْمَان كَلَام. فَقَالَ عُثْمَان: مَا أصنع بكم إِن كَانَت قُرَيْش لَا تحبكم وَقد قتلتم مِنْهُم يَوْم بدر سبعين كَأَن وُجُوههم شنوف الذَّهَب، تشرب آنفهم قبل شفاههم. وَنظر إِلَيْهِ معبد بن سِنَان وَهُوَ يغْرس فسيلة، فَقَالَ: أتغرس فسيلة، وَهَذِه السَّاعَة قد أظلتك؟ فَقَالَ عُثْمَان: لِأَن يراني الله مصلحاً أحب إِلَيّ من أَن يراني مُفْسِدا. وَكَانَ يكثر النّظر فِي الْمُصحف، فَقيل لَهُ: أَنْت أحفظ أَصْحَابك لِلْقُرْآنِ وتكثر النّظر، فَقَالَ: إِنِّي أحتسب بنظري كَمَا أحتسب بحفظي.

الباب الرابع كلام الصحابه

الْبَاب الرَّابِع كَلَام الصَّحَابَة عبد الله بن مَسْعُود خطْبَة لَهُ: أصدق الحَدِيث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التَّقْوَى، خير الْملَل مِلَّة إِبْرَاهِيم، وَأحسن السّنَن سنة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شَرّ الْأُمُور محدثاتها، مَا قل وَكفى خير مِمَّا كثر وألهى، خير الْغنى غنى النَّفس، خير مَا ألقِي فِي الْقلب الْيَقِين، الْخمر جماع الآثام، النِّسَاء حبالة الشَّيْطَان، الشَّبَاب شُعْبَة من الْجُنُون، حب الْكِفَايَة مِفْتَاح المعجزة، من النَّاس من لَا يَأْتِي الْجَمَاعَة إِلَّا دبراً، وَلَا يذكر الله إِلَّا هجراً، أعظم الْخَطَايَا اللِّسَان الكذوب. سباب الْمُؤمن فسق، قِتَاله كفر، أكل لَحْمه مَعْصِيّة، من يتأل على الله يكذبهُ، وَمن يغْفر يغْفر لَهُ. مَكْتُوب فِي ديوَان الْمُحْسِنِينَ: من عَفا عُفيَ عَنهُ.

وَمن كَلَامه رَضِي الله عَنهُ: حدث النَّاس مَا حدجوك بأسماعهم، ورموك بِأَبْصَارِهِمْ، فَإِذا رَأَيْت مِنْهُم فَتْرَة فَأمْسك. وَكَانَت لَهُ ثَلَاث خِصَال: أَولهَا السرَار، وَهُوَ سرار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: إذنك عليّ أَن تسمع سوَادِي. وَكَانَ مَعَه سواك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو عَصَاهُ. وَقيل لَهُ فِي مَرضه: لَو نظر إِلَيْك الطَّبِيب. فَقَالَ: الطَّبِيب أَمْرَضَنِي. وَقَالَ: مَا الدُّخان على النَّار بأدل من الصاحب على الصاحب. قَالَ بَعضهم: اسكتتني كلمة عبد الله بن مَسْعُود عشْرين سنة حَيْثُ يَقُول: من كَانَ كَلَامه لَا يُوَافق فعله، فَإِنَّمَا يوبخ نَفسه. وَقَالَ: الدُّنْيَا كلهَا غموم، فَمَا كَانَ مِنْهَا من سرُور فَهُوَ ربح. وَدخل عَلَيْهِ عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا فِي مَرضه، فَقَالَ: مَا تَشْتَكِي؟ قَالَ: ذُنُوبِي. قَالَ: فَمَا تشْتَهي؟ قَالَ: رَحْمَة رَبِّي. وَقَالَ: الْقُلُوب تمل كَمَا تمل الْأَبدَان، فابتغوا لَهَا طرائف الْحِكْمَة. وَقَالَ: كفى بِالرجلِ دَلِيلا على سخافة دينه كَثْرَة صديقه. وَقَالَ: كونُوا ينابيع الْعلم مصابيح اللَّيْل، جدد الْقُلُوب، خلقان الثِّيَاب، أحلاس الْبيُوت، تخفون فِي الأَرْض، وتعرفون فِي السَّمَاء. وَقَالَ: جردوا الْقُرْآن ليربو فِيهِ صغيركم، وَلَا ينأى عَنهُ كبيركم؛ فَإِن الشَّيْطَان يخرج من الْبَيْت تقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة. وَقَالَ: إِن التمائم والرقى والتولة من الشّرك. وَقَالَ: إِنَّكُم مجموعون فِي صَعِيد وَاحِد يسمعهم الدَّاعِي، وَينْفذهُمْ الْبَصَر. وَقَالَ: انْتَهَيْت إِلَى أبي جهل يَوْم بدر وَهُوَ صريع، فَقلت: قد أخزاك الله يَا عَدو الله، وَوضعت رجْلي على مذمّره. فَقَالَ: يَا رويعي الْغنم، لقد

ارتقيت مرتقى صعباً، لمن الدبرة؟ فَقلت: لله وَلِرَسُولِهِ. فَقَالَ: أعمد من سيد قَتله قومه. قَالَ: ثمَّ اجنززت رَأسه فَجئْت بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ: إِن طول الصَّلَاة وَقصر الْخطْبَة مئنة من فقه الرجل. وَقَالَ: لَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على شرار النَّاس، من لَا يعرف مَعْرُوفا وَلَا يُنكر مُنْكرا، يتهارجون كَمَا تهارج الْبَهَائِم، كرجراجة المَاء الْخَبيث الَّتِي لَا تطعم. وَقَالَ: لِأَن أزاحم جملا قد هيئ بالقطران أحب إليّ من أَن أزاحم امْرَأَة عطرة. وَقَالَ: مَا شبهت مَا غبر من الدُّنْيَا إِلَّا بثغب ذهب صَفوه، وَبَقِي كدره. وَذكر الْفِتْنَة فَقَالَ: الزم بَيْتك. فَقيل: فَإِن دخل عليّ بَيْتِي؟ قَالَ: كن مثل الْجمل الأورق الثفال الَّذِي لَا ينبعث إِلَّا كرها، وَلَا يمشي إِلَّا كرها. وَسَار سبعا من الْمَدِينَة إِلَى الْكُوفَة فِي مقتل عمر رَضِي الله عَنهُ فَصَعدَ الْمِنْبَر وَقَالَ: إِن أَبَا لؤلؤة قتل أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر. قَالَ: فَبكى النَّاس. قَالَ: ثمَّ إِنَّا أَصْحَاب مُحَمَّد اجْتَمَعنَا فأمّرنا عُثْمَان وَلم نأل عَن خبرنَا ذَا فَوق. وَقَالَ: إِذا ذكر الصالحون فَحَيَّهَلا بعمر. وَقَالَ: إِذا وَقعت فِي آل حم وَقعت فِي روضات دمثات أتأنق فِيهِنَّ. وَقَالَ: إِن هَذَا الْقُرْآن مأدبة الله، فتعلموا من مأدبته. وَقَالَ: لِأَن أعض على جَمْرَة حَتَّى تبرد، أحب إِلَيّ من أَن أَقُول لأمر قَضَاهُ الله عز وَجل: ليته لم يكن.

وَقَالَ: لَا أَعرفن أحدكُم جيفة ليل، قطرب نَهَار. وَقَالَ لَهُ رجل: إِنِّي أردْت السّفر فأوصني. فَقَالَ لَهُ: إِذا كنت فِي الوصيلة فأعط راحلتك حظها، فَإِذا كنت فِي الجدب فأسرع السّير وَلَا تهود وَإِيَّاك والمناخ على ظهر الطَّرِيق فَإِنَّهُ منزل للوالجة. وَقَالَ: لَا تهذوا الْقُرْآن كهذّالشعر، وَلَا تنثروه نثر الدقل - يَقُول: لاتعجلوا فِي تِلَاوَته. وَقَالَ لرجل: إِنَّك إِن أخرت إِلَى قريب بقيت فِي قوم كثير خطباؤهم، قَلِيل علماؤهم، كثير سائلوهم، قَلِيل معطوهم، يُحَافِظُونَ على الْحُرُوف ويضيعون الْحُدُود، أَعْمَالهم تبع لأهوائهم. وَقَالَ: لَا تعجلوا بِحَمْد النَّاس وَلَا بذمهم، إِلَّا عِنْد مضاجعهم، فَإِن الرجل يُعْجِبك الْيَوْم، ويسوءك غَدا، ويسوءك الْيَوْم ويسرك غَدا. وَقَالَ: تجوزون الصِّرَاط بِعَفْو الله، وتدخلون الْجنَّة برحمة الله، وتقتسمونها بأعمالكم. وَقَالَ: أد مَا افْترض الله تكن أعبد النَّاس، وَارْضَ بِمَا قسم الله لَك تكن أزهد النَّاس، واجتنب مَا حرم الله عَلَيْك تكن أورع النَّاس. وَقَالَ: من الْيَقِين أَلا تطلب رضَا أحد من النَّاس بسخط الله، وَلَا تحمد أحدا من النَّاس فِي رزق آتاك الله، وَلَا تلوم أحدا من النَّاس فِيمَا لم يؤتك الله؛ فَإِن الله جعل الرّوح والراحة فِي الْيَقِين وَالرِّضَا، وَجعل الْهم والحزن فِي الشَّك والسخط. وَقَالَ: عَلَيْكُم بِالْعلمِ؛ فَإِن أحدكُم لَا يدْرِي مَتى يفْتَقر إِلَى مَا عِنْده. عَلَيْكُم بِالْعلمِ قبل أَن يقبض، وَقَبضه ذهَاب أَهله.

سلمان الفارسي

وَاتبعهُ قوم، فَقَالَ: لَو علمُوا مَا أغلق عَلَيْهِ بَابي مَا اتبعني رجلَانِ. وَقَالَ: مَا أُبَالِي أبالفقر بليت أم بالغنى، إِن حق الله فيهمَا لواجب؛ فِي الْغنى البرّ والعطف، وَفِي الْفقر الصَّبْر وَالرِّضَا. وَقَالُوا: لَا تعادوا نعم الله فَإِن الحسود عَدو النعم. سلمَان الْفَارِسِي قَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ لما دون الدَّوَاوِين: مَعَ من نكتبك؟ قَالَ: مَعَ الَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض. قَالُوا: أضَاف سلمَان الْفَارِسِي رجلا فَقدم إِلَيْهِ كسراً وملحاً، فَقَالَ: أما من جبن! فرهن سلمَان ركوته وَاشْترى لَهُ خبْزًا وجبناً، فَلَمَّا أكل وشبع قَالَ: رضيت بِمَا قسم الله لي. فَقَالَ سلمَان: لَو رضيت بِمَا قسم الله لم ترهن الركوة. وَكَانَ سلمَان يتَعَوَّذ بِاللَّه من الشَّيْطَان وَالسُّلْطَان والعلج إِذا استعرب. وَقَالَ: الْقَصْد والدوام وَأَنت السَّابِق الْجواد. اشْترى رجل بِالْمَدَائِنِ شَيْئا، فَمر سلمَان وَهُوَ أَمِير بهَا فَلم يعرفهُ، فَقَالَ: احْمِلْ هَذَا معي يَا علج. فَحَمله، فَكَانَ من يتلقاه يَقُول: ادفعه إِلَيّ أَيهَا الْأَمِير، وَالرجل يعْتَذر، وَهُوَ يَقُول: لَا وَالله مَا يحملهُ إِلَّا العلج، حَتَّى بلغ منزله. وَرُوِيَ أَنه أَخذ من بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَمْرَة من تمر الصَّدَقَة فوضعها فِي فِيهِ فانتزعها عَلَيْهِ السَّلَام من فَمه. وَقَالَ: إِنَّمَا يحل لَك من هَذَا مَا يحل لنا. وَقَالَ: النَّاس أَرْبَعَة: أَسد، وذئب، وثعلب، وضأن، فَأَما الْأسد فالملوك يفرسون ويأكلون، وَأما الذِّئْب فالتجار، وَأما الثَّعْلَب فالقراء المخادعون؛ وَأما الضَّأْن فالمؤمن ينهشه من رَآهُ.

ابو ذر الغفاري

وَدخل عَلَيْهِ سعد يعودهُ فَجعل يبكي. فَقَالَ سعد: مَا يبكيك يَا أَبَا عبد الله؟ . قَالَ: وَالله مَا أبْكِي جزعاً من الْمَوْت، وَلَا حزنا على الدُّنْيَا. وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد إِلَيْنَا: " ليكف أحدكُم مثل زَاد الرَّاكِب " وَهَذِه الأساود حَولي، وَمَا حوله إِلَّا مطهرة وإجانة وجفنة. وَقَالَ: أحيوا مَا بَين العشاءين فَإِنَّهُ يحط عَن أحدكُم من جزئه، وَإِيَّاكُم وملغاة أول اللَّيْل، فَإِن ملغاة أول اللَّيْل مهدنة لآخره. وَقَالَ: إِن صَاحب عمورية قَالَ لي: قد أظلك زمَان نَبِي يبْعَث بدين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مهاجره أَرض ذَات نخل، فَقدمت وَادي الْقرى فَرَأَيْت بهَا النّخل فطمعت أَن تكون، وَمَا حقت لي أَن تكون. وَقَالَ سلمَان: الْبر لَا يبْلى وَالْإِثْم لَا ينسى. وَكتب إِلَى أبي هُرَيْرَة: إِن نافرت النَّاس نافروك، وَإِن تَركتهم لم يتركوك، فأقرضهم من عرضك ليَوْم فقرك، وَكفى بك ظَالِما ألاّ تزَال مخاصماً. وَكتب سلمَان أَيْضا إِلَى أبي هُرَيْرَة: إِنَّك لن تكون عَالما حَتَّى تكون متعلماً، وَلنْ تكون بِالْعلمِ عَالما حَتَّى تكون بِهِ عَاملا. أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ لما بنى مُعَاوِيَة خضراء دمشق أدخلها أَبَا ذَر رَحمَه الله، فَقَالَ لَهُ: كَيفَ ترى مَا هَا هُنَا؟ قَالَ: إِن كنت بنيتها من مَال الله فَأَنت من الخائنين، وَإِن كنت بنيتها من مَالك فَأَنت من المسرفين. وَقَالَ: كَانَ النَّاس زرقاً لَا شوك فِيهِ، فصاروا شوكاً لَا ورق فِيهِ. وَقَالَ: يخضمون ونقضم، والموعد الله.

وَقَالَ: إِن لَك فِي مَالك شَرِيكَيْنِ: الْحدثَان وَالْوَارِث، فَإِن قدرت ألاّ تكون أخس الشُّرَكَاء حظاً فافعل. وَلما أَمر عُثْمَان بتسييره إِلَى الربذَة قَالَ لَهُ: إِنِّي سَائِر إِلَى ربذتك، فَإِن مت بهَا فَأَنا طريدك، فَإِذا بَعَثَنِي رَبِّي حكم بيني وَبَيْنك. قَالَ: إِذا أحجك، إِنَّك تبغي عليّ وتسعى. قَالَ أَبُو ذَر: إِن كنت أَنْت الْحَاكِم فاحججني، إِن الحكم يَوْمئِذٍ لَا يقبل الرِّشْوَة، وَلَا بَينه وَبَين أحد قرَابَة. نظر عُثْمَان إِلَى عير مقبلة، فَقَالَ لأبي ذَر: مَا كنت تحب أَن تكون هَذِه العير؟ قَالَ: رجَالًا مثل عمر. وَكَانَ يَقُول: إِنَّمَا مَالك لَك، أَو للجائحة، أَو للْوَارِث، فَلَا تكن أعجز الثَّلَاثَة. وَقيل لَهُ: أَتُحِبُّ أَن تحْشر فِي مسلاخ أبي بكر؟ قَالَ: لَا. قيل: وَلم؟ قَالَ: لِأَنِّي على ثِقَة من نَفسِي وَشك من غَيْرِي. وَشَتمه رجل، فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَر: ياهذا لَا تغرق فِي سبنا ودع للصلح موضعا، فَإنَّا لَا نكافئ من عصى الله فِينَا بِأَكْثَرَ من أَن نطيع الله فِيهِ. وَقَالَ أَبُو ذَر: مَا تقدر قُرَيْش أَن تفعل بِي؟ وَالله للذل أحب إليّ من الْعِزّ. ولبطن الأَرْض أحب إليّ من ظهرهَا. وَقَالَ: أَيهَا النَّاس، إِن آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هم الأسرة من نوح، والآل من إِبْرَاهِيم، والصفوة والسلالة من إِسْمَاعِيل، والعترة الطّيبَة الهادية من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأنزلوا آل مُحَمَّد بِمَنْزِلَة الرَّأْس من الْجَسَد، بل بِمَنْزِلَة الْعَينَيْنِ من الرَّأْس، فَإِنَّهُم فِيكُم كالسماء المرفوعة، وكالجبال المنصوبة، وكالشمس الضاحية، وكالشجرة الزيتونة أَضَاء زيتها وبورك زندها. وَقيل لَهُ: مَا تَقول فِي النَّبِيذ؟ قَالَ: شربه حَلَال، وتركة مُرُوءَة. وَقَالَ لغلامه: لم أرْسلت الشَّاة على علف الْفرس. قَالَ: أردْت أَن أغيظك. قَالَ: لأجمعن مَعَ الغيظ أجرا، أَنْت حر لوجه الله.

وَقَالَ: نرعى الخطائط ونرد المطائط، وتأكلون خضماً وَنَأْكُل قضماً والموعد الله. وَقَالَ: إِنَّكُم فِي زمَان النَّاس فِيهِ كالشجرة المخضودة لَا شوك لَهَا، إِن دَنَوْت مِنْهُم لاطفوك، وَإِن أَمرتهم بِمَعْرُوف أطاعوك، وَإِن نهيتهم عَن مُنكر لم يعادوك، وَسَيَأْتِي زمن النَّاس فِيهِ كالشوك، إِن دَنَوْت مِنْهُم آذوك، وَإِن أَمرتهم بِمَعْرُوف عصوك، وَإِن نهيتهم عَن مُنكر عادوك، فرحم الله رجلا تصدق من عرضه ليَوْم فاقته. وَقَالَ للْقَوْم الَّذين حَضَرُوا وَفَاته: أنْشدكُمْ الله وَالْإِسْلَام أَن يكفنني مِنْكُم رجل كَانَ أَمِيرا أَو عريفاً أَو بريداً أَو نَقِيبًا. وَجَاءَت إِلَيْهِ ابْنَته عَلَيْهَا محش من صوف، فَقَالَت: يَا أبه زعم الزاعمون أَن أفلسك بهرجة. قَالَ: ضعي ثقتك واحمدي الله، إِن أَبَاك مَا أَمْسَى يملك حَمْرَاء وَلَا صفراء إِلَّا أفلسك هَذِه. وَقَالَ أَبُو ذَر: فَارَقت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقوتي من الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة مد، لَا وَالله لَا أزداد عَلَيْهِ حَتَّى أَلْقَاهُ. وَكَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ أمتعنا بخيارنا، وأعنا على شرارنا. وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي جعلنَا من أمة تغْفر لَهُم السَّيِّئَات، وَلَا تقبل من غَيرهم الْحَسَنَات. وروى فِي حَدِيث إِسْلَامه قَالَ: قَالَ لي أخي أنيس: إِن لي حَاجَة بِمَكَّة، فَانْطَلق، فَرَاثَ، فَقلت: مَا حَبسك؟ قَالَ: لقِيت رجلا على دينك يزْعم أَن الله أرْسلهُ. قلت: فَمَا يَقُول النَّاس؟ قَالَ: يَقُولُونَ: سَاحر شَاعِر كَاهِن. قَالَ أَبُو ذَر: وَكَانَ أنيس أحد الشُّعَرَاء. فَقَالَ: وَالله لقد وضعت قَوْله على أَقراء الشّعْر، فَلَا يلتئم على لِسَان أحد. وَلَقَد سَمِعت قَول الكهنة، فَمَا هُوَ

المغيره بن شعبه

بقَوْلهمْ، وَالله إِنَّه لصَادِق وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ. قَالَ أَبُو ذَر: فَقلت: اكْفِنِي حَتَّى أنظر. قَالَ: نعم، وَكن من أهل مَكَّة على حذر، فَإِنَّهُم قد شنفوا لَهُ وتجهموا. فَانْطَلَقت فَتَضَعَّفْت رجلا من أهل مَكَّة، فَقلت: أَيْن هَذَا الرجل الَّذِي تَدعُونَهُ الصَّابِئ؟ قَالَ: فَمَال عليّ أهل الْوَادي بِكُل مَدَرَة وَعظم وَحجر، فَخَرَرْت مغشياً عليّ، فارتفعت حِين ارْتَفَعت كَأَنِّي نصب أَحْمَر، فَأتيت زَمْزَم فغسلت عني الدَّم، وشربت من مَائِهَا، ثمَّ دخلت بَين الْكَعْبَة وَأَسْتَارهَا، فَلَبثت بهَا ثَلَاثِينَ من بَين يَوْم وَلَيْلَة، وَمَالِي بهَا طَعَام إِلَّا مَاء زَمْزَم، فَسَمنت حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَن بَطْني، وَمَا وجدت على كَبِدِي سخْفَة جوع. قَالَ: فَبَيْنَمَا أهل مَكَّة فِي لَيْلَة قَمْرَاء إِضْحِيَان، قد ضرب الله على أصمختهم، فَمَا يطوف بِالْبَيْتِ غير امْرَأتَيْنِ، فَأتيَا عليّ وهما يدعوان إسافاً ونائلة فَقلت: أنكحوا أَحدهمَا الْأُخْرَى. قَالَ: فَمَا ثناها ذَلِك، فَقلت: وَذكر كلَاما فَاحِشا لم يكن عَنهُ، فانطلقتا وهما تُوَلْوِلَانِ وَتَقُولَانِ: لَو كَانَ هَا هُنَا أحد من أَنْفَارنَا. فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر بِاللَّيْلِ وهما هَابِطَانِ من الْجَبَل. فَقَالَ لَهما: مَا لَكمَا؟ قَالَتَا: الصَّابِئ بَين الْكَعْبَة وَأَسْتَارهَا. قَالَ: فَمَا قَالَ لَكمَا؟ قَالَتَا: كلمة تملأ الْفَم. ثمَّ ذكر أَنه خرج إِلَيْهِ، وَسلم عَلَيْهِ، وَأَنه أول من حَيَّاهُ بِتَحِيَّة الْإِسْلَام، قَالَ: وَذَهَبت لأقبل بَين عَيْنَيْهِ فقدعني صَاحبه. الْمُغيرَة بن شُعْبَة ذكر عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: كَانَ أفضل من أَن يخدع، وأعقل من أَن يخدع، وَمَا رَأَيْت مُخَاطبا لَهُ قطّ إِلَّا رَحمته كَائِنا من كَانَ.

عمرو بن العاص

وَقَالَ: من أخر حَاجَة الرجل فقد ضمنهَا. وَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ: مَا أَدْرِي كَيفَ أعامل أهل الْكُوفَة؟ إِن أرْسلت إِلَيْهِم مُؤمنا ضَعَّفُوهُ، وَإِن أرْسلت إِلَيْهِم قَوِيا فجروه. فَقَالَ الْمُغيرَة: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، الضَّعِيف إيمَانه لَهُ وَعَلَيْك ضعفه، والفاجر قوته لَك وَعَلِيهِ فجوره. فولاه الْكُوفَة. وَقَالَ: ملكت النِّسَاء على ثَلَاث طَبَقَات: كنت أرضيهن فِي شبيبتي بالباه، فَلَمَّا شبت أرضيتهن بالمداعبة والمفاكهة، فَلَمَّا كَبرت أرضيتهن بِالْمَالِ. وَقيل لَهُ: إِن بوابك يَأْذَن لأَصْحَابه قبل أَصْحَابك. فَقَالَ: إِن الْمعرفَة لتنفع عِنْد الْكَلْب الْعَقُور، والجمل الصئول، فَكيف بِالرجلِ الْكَرِيم؟ . وَرَأى عُرْوَة بن مَسْعُود يكلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويتناول لحيته يَمَسهَا، فَقَالَ: أمسك يدك عَن لحية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَلا تصل إِلَيْك. فَقَالَ عُرْوَة: يَا غدر، وَهل غسلت رَأسك من غدرتك إِلَّا بالْأَمْس؟ وَحَدِيث غدرته أَنه خرج مَعَ سَبْعَة نفر من بني مَالك إِلَى مُضر، فَعدا عَلَيْهِم فَقَتلهُمْ جَمِيعًا وهم نيام، وَاسْتَاقَ العير وَلحق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَكَانَ يَقُول: لَا يزَال النَّاس بِخَير مَا تعجبوا من الْعجب. وَقَالَ: السفلة من لَا يُبَالِي مَا قَالَ وَمَا قيل لَهُ، وَلَا مَا فعل وَلَا مَا فعل بِهِ. وَقَالَ: مَا صنعت لرجل حَاجَة إِلَّا كنت أضن بهَا مِنْهُ حَتَّى أربها. عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: ثَلَاث لَا أملهن: جليسي مَا فهم عني، وثوبي مَا سترني، ودابتي مَا حملت رحلي.

وَقَالَ لعبد الله بن عَبَّاس يَوْم صفّين: إِن هَذَا الْأَمر الَّذِي نَحن وَأَنْتُم فِيهِ لَيْسَ بِأول أَمر قَادَهُ الْبلَاء، وَقد بلغ الْأَمر بِنَا وبكم مَا ترى، وَمَا أبقت لنا هَذِه الْحَرْب حَيَاة وَلَا صبرا، ولسنا نقُول: لَيْت الْحَرْب عَادَتْ، لَكنا نقُول: ليتها لم تكن فَانْظُر فِيمَا بَقِي بِعَين مَا مضى، فَإنَّك رَأس هَذَا الْأَمر بعد عَليّ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمِير مُطَاع، ومأمور مُطِيع، ومشاور مَأْمُون، وَأَنت هُوَ. نصب مُعَاوِيَة قميس عُثْمَان على الْمِنْبَر، فَبكى أهل الشَّام. فَقَالَ: هَمَمْت أَن أَدَعهُ على الْمِنْبَر. فَقَالَ لَهُ عَمْرو: إِنَّه لَيْسَ بقميص يُوسُف، وَإنَّهُ إِن طَال نظرهم إِلَيْهِ وَبَحَثُوا عَن السَّبَب وقفُوا على مَا لَا تحب، وَلَكِن لذعهم بِالنّظرِ إِلَيْهِ فِي الْأَوْقَات. وَقَالَ لِابْنِهِ وَقد ولي ولَايَة: انْظُر حاجبك فَإِنَّهُ لحمك ودمك، فَلَقَد رَأينَا بصفين وَقد اشرع قوم رماحهم فِي وُجُوهنَا، مَا لنا ذَنْب إِلَيْهِم إِلَّا الْحجاب. وَقَالَ: مَا وضعت سري عِنْد أحد قطّ فأفشاه فلمته، لِأَنِّي أَحَق باللوم أَن كنت أضيق صَدرا مِنْهُ. وَكَانَ بَين طَلْحَة بن عبيد الله وَالزُّبَيْر مداراة فِي وَاد بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَا: نجْعَل بَيْننَا عَمْرو بن الْعَاصِ، فَأتيَاهُ فَقَالَ لَهما: أَنْتُمَا فِي فضلكما وقديم سوابقكما ونعمة الله عَلَيْكُمَا تختلفان، وَقد سمعتما من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل مَا سَمِعت، وحضرتما من قَوْله مثل الَّذِي حصرت، فِيمَن اقتطع شبْرًا م، أَرض أَخِيه بِغَيْر حق أَنه يطوقه من سبع أَرضين. وَالْحكم أحْوج إِلَى الْعدْل من الْمَحْكُوم عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَن الحكم إِذا جَار رزئ فِي دينه، والمحكوم عَلَيْهِ إِذا جير عَلَيْهِ رزئ عرض الدُّنْيَا. إِن شئتما فأدليا بحجتكما، وَإِن شئتما فاصطلحا، وَأعْطى كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه الرِّضَا. وَقَالَ: لَيْسَ الْعَاقِل الَّذِي يعرف الْخَيْر من الشَّرّ، وَلكنه الَّذِي يعرف خير الشرين.

قَالَ الْمَدَائِنِي: جعل لرجل جعل على أَن يسْأَل عَمْرو بن الْعَاصِ وَهُوَ على الْمِنْبَر عَن أمه، فَلَمَّا قَامَ على الْمِنْبَر، قَالَ لَهُ: يَا عَمْرو، من أمك؟ قَالَ: سلمى بنت خُزَيْمَة، تلقب بالنابغة، من بني جلان من عنزة، أصابتها رماح الْعَرَب فَصَارَت للفاكه بن الْمُغيرَة، ثمَّ صَارَت إِلَى عبد الله بن جدعَان، ثمَّ صَارَت للعاص بن وَائِل فَولدت فأنجبت؛ اذْهَبْ فَخذ جعلك الَّذِي جعل لَك. وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ يَوْمًا لجلسائه - وَفِيهِمْ عَمْرو بن الْعَاصِ -: مَا أحسن كل شَيْء؟ فَقَالَ كل رجل بِرَأْيهِ وَعَمْرو سَاكِت، فَقَالَ عمر: مَا تَقول؟ قَالَ: الغمرات ثمَّ ينجلين. وَكَانَ يَقُول: عَلَيْكُم بِكُل أَمر مزلقة مهلكة. أَي عَلَيْكُم بجسام الْأُمُور. وَنظر إِلَيْهِ على بغلة؟ قد شمط وَجههَا هرماً، فَقيل لَهُ: أتركب هَذِه وَأَنت على أكْرم ناخرة بِمصْر؟ فَقَالَ: لَا ملل عِنْدِي لدابتي مَا حملت رحلي، وَلَا لامرأتي مَا أَحْسَنت عشرتي، وَلَا لصديقي مَا حفظ سري، إِن الْملَل من كواذب الْأَخْلَاق. وَقَالَ لعَائِشَة: لَوَدِدْت أَنَّك قتلت يَوْم الْجمل. فَقَالَت: وَلم؟ لَا أبالك! قَالَ: كنت تموتين بأجلك، وتدخلين الْجنَّة، ونجعلك أكبر تشنيع على عليّ. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دخلت على عَمْرو بن الْعَاصِ وَقد احْتضرَ. فَقلت: يَا أَبَا عبد الله إِنَّك كنت تَقول: أشتهي أَن أرى عَاقِلا يَمُوت حَتَّى أسأله كَيفَ يجد، فَكيف تجدك؟ فَقَالَ: أجد السَّمَاء كَأَنَّهَا مطبقة على الأَرْض وَأَنا بَينهمَا، وَأرَانِي كَأَنِّي أتنفس من خرت إبرة. ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ خُذ مني حَتَّى ترْضى، ثمَّ رفع يَده فَقَالَ: اللَّهُمَّ أمرت فعصينا، ونهيت فَرَكبْنَا، فَلَا برِئ فأعتذر، وَلَا قوي فأنتصر، وَلَكِن لَا إِلَه إِلَّا الله. - ثَلَاثًا - ثمَّ فاظ.

وَقَالَ: إِذا أَنا أفشيت سري إِلَى صديقي فأذاعه فَهُوَ فِي حل. فَقيل لَهُ: وَكَيف؟ قَالَ: أَنا كنت أَحَق بصيانته. وَقَالَ لِبَنِيهِ: اطْلُبُوا الْعلم، فَإِن استغنيتم كَانَ جمالاً، وَإِن افتقرتم كَانَ مَالا. وَقدم على عمر من مصر، وَكَانَ واليه عَلَيْهَا، فَقَالَ: كم سرت؟ . قَالَ: عشْرين. فَقَالَ عمر: لقد سرت سير عاشق. فَقَالَ عَمْرو: إِنِّي وَالله مَا تأبطتني الْإِمَاء وَلَا حَملتنِي البغايا فِي غبرّات المآلي. فَقَالَ عمر: وَالله مَا هَذَا بِجَوَاب الْكَلَام الَّذِي سَأَلتك عَنهُ، وَإِن الدَّجَاجَة لتفحص فِي الرماد فتضع لغير الْفَحْل، والبيضة منسوبة إِلَى طرفها. فَقَامَ عَمْرو متربد الْوَجْه. قَالَ عَمْرو: يَا بني، إِمَام عَادل خير من مطر وابل، واسد حطوم خير من سُلْطَان ظلوم، وسلطان ظلوم خير من فتْنَة تدوم، وَلِأَن تمازح وَأَنت مَجْنُون خير من أَن يمازحك مَجْنُون، وزلة الرجل عظم يجْبر، وزلة اللِّسَان لَا تبقي وَلَا تذر، واستراح من لَا عقل لَهُ. وَكتب إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن الْبَحْر خلق عَظِيم يركبه خلق ضَعِيف، دود على عود، بَين غرق وبرق. فَقَالَ عمر: لَا يسألني الله عَن أحد حَملته فِيهِ. وَقَالَ: إِن ابْن حنتمة بعجت لَهُ الدُّنْيَا معاها، وَأَطْعَمته شحمتها، وأمطرت لَهُ جوداً سَالَ مِنْهَا شعابها، ودفقت فِي محافلها فمصّ مِنْهَا مصّا، وقمص مِنْهَا قمصاً، وجانب غمرتها وَمَشى ضحضاحها وَمَا ابتلت قدماه، أَلا كَذَاك أَيهَا النَّاس؟ قَالُوا: نعم رَحمَه الله. وَقَالَ لعُثْمَان وَهُوَ على الْمِنْبَر: يَا عُثْمَان؟ إِنَّك قد ركبت بِهَذِهِ الْأمة نهابير من الْأَمر، وزغت وزاغوا فاعتدل أَو اعتزل.

وَكَانَ فِي سفر، ففرفع عقيرته بِالْغنَاءِ، فَاجْتمع النَّاس، فَقَرَأَ فَتَفَرَّقُوا. فعل ذَلِك وفعلوه غير مرّة. فَقَالَ: يَا بني المتكاء، إِذا أخذت فِي مَزَامِير الشَّيْطَان اجْتَمَعْتُمْ، وَإِذا أخذت فِي كتاب الله تفرقتم! وَقيل لَهُ فِي مَرضه: كَيفَ تجدك؟ قَالَ: أجدني أذوب وَلَا اثوب، أجدني نجوي أَكثر من رزئي. وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة: إِنَّه لَيْسَ أَخُو الْحَرْب من يضع خور الحشايا عَن يَمِينه وشماله، ويعاظم الأكلاء اللقم، وَلكنه من حسر عَن ذِرَاعَيْهِ، وشمر عَن سَاقيه، وَأعد للأمور آلاتها، وللفرسان أقرانها. وَقَالَ لَهُ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ: قُم فاعذرني عِنْد النَّاس فقد كثر طعنهم عَليّ، فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، وَذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا أكْرمه الله بِهِ، ثمَّ قَالَ: إِنِّي قد صَحِبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورأيته، وَقد سبق مِنْكُم من سبق فَرَأى مَا لم أر، فَرَأَيْت السعَة تكون فيعمها النَّاس دون نَفسه، وَتَكون الْخَصَاصَة فيخصها نَفسه وَأهل بَيته دون النَّاس. ثمَّ ولى النَّاس أَبُو بكر، فسلك سَبيله، حَتَّى خرج من الدُّنْيَا فِي ثوب لَيْسَ لَهُ رِدَاء. ثمَّ وَليهَا ابْن حنتمة فانبعجت لَهُ الدُّنْيَا فقمص مِنْهَا قمصا، ومصها مصا، وجانب غمرتها، وَمَشى فِي ضحضاحها حَتَّى خرج مشمراً، مَا ابتلت عقبه. أكذاك أَيهَا النَّاس؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نعم. ثمَّ ولى عُثْمَان فقلتم تلومونه، وَقَالَ يعْذر نَفسه، فعلى رسلكُمْ، فَرب أَمر تَأْخِيره خير من تَعْجِيله، وَإِن الحسير يبلغ، والهزيل يبْقى ثمَّ جلس، فَقَالَ عُثْمَان

رَضِي الله عَنهُ: مَا زلت مُنْذُ الْيَوْم فِيمَا لَا ينفع أهلك. قَالَ: فَإِنِّي قلت بِمَا أعلم. وَقَالَ يَوْم صفّين: يَا أهل الشَّام، أقِيمُوا صفوفكم مثل قصّ الشَّارِب، وأعيرونا جماجمكم سَاعَة من نَهَار، فقد بلغ الْحق مقطعه، وَإِنَّمَا هُوَ ظَالِم أَو مظلوم. وَقَالَ لَهُ سَلامَة بن روح الجذامي: إِنَّه كَانَ بَيْنكُم وَبَين الْعَرَب بَاب فكسرتموه، فَمَا حملكم على ذَلِك؟ قَالَ: أردنَا أَن نخرج الْحق من حفير الْبَاطِل. وَلما أخرج عمر إِلَيْهِ - وَهُوَ بِمصْر والياً لَهَا من جِهَته - مُحَمَّد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ، فشاطره مَاله. قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: لعن الله زَمَانا كنت فِيهِ والياً لعمر، وَالله لقد رَأَيْته فِي الْجَاهِلِيَّة وأباه، وعَلى رَأس كل وَاحِد مِنْهُمَا حزمة من حطب، وعَلى كل وَاحِد مِنْهُمَا عباءة قطوانية مَا تواري مآبض رُكْبَتَيْهِ، وَمَا كَانَ الْعَاصِ بن وَائِل يلبس فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَّا الديباج مزرراً بِالذَّهَب. فَقَالَ مُحَمَّد بن مسلمة: عمر - وَالله - خير مِنْك، فَأَما أَبوك وَأَبوهُ فَفِي النَّار، وأيم الله لَوْلَا الَّذِي سنيت لألفيت معتقلاً شَاة يَسُرك غزرها، ويسوؤك جمادها. قَالَ: صدقت، وَلَكِنِّي غضِبت فَقلت مَا قلت، وَهِي أَمَانَة عنْدك لن تذكرها لعمر. وَقَالَ عَمْرو لمعاوية: لَا يكن شَيْء آثر عنْدك فِي أَمر رعيتك، وَتَكون لَهُ اشد تفقداً مِنْك كخصاصة الْكَرِيم، أَن تعْمل فِي سدها، وكطغيان اللَّئِيم أَن تقمعه، واستوحش من الْكَرِيم الجائع، وَمن اللَّئِيم الشبعان. فَإِن الْكَرِيم يصول إِذا جَاع، واللئيم يصول إِذا شبع. وَقَالَ: جمع الْعَجز إِلَى التواني، فنتج بَينهمَا الندامة، وَجمع الحزم إِلَى الكسل، فَخرج بَينهمَا الحرمان. وَقَالَ: من طلب لسره موضعا فقد أشاد بِهِ.

طلحه

طَلْحَة قَالَ لعمر رَضِي الله عَنهُ حِين استشارهم فِي جموح الْأَعَاجِم: قد حنكتك الْأُمُور، وجرستك الدهور، وعجمتك البلايا، فَأَنت ولي مَا وليت، لَا ينبو فِي يَديك، وَلَا يحول عَلَيْك. لما حصر عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ جَاءَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى طَلْحَة، وَهُوَ مُسْند ظَهره إِلَى وسَادَة فِي بَيته فَقَالَ: أنْشدك الله لما رددت النَّاس عَن عُثْمَان. فَقَالَ طَلْحَة: لَا وَالله حَتَّى تُعْطِي بَنو أُميَّة من أَنْفسهَا. قَالَ ابْن عَبَّاس: بَعَثَنِي عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِالْبَصْرَةِ إِلَى طَلْحَة وَالزُّبَيْر فأتيتهما فَقلت لَهما: أخوكما يقرئكما السَّلَام، وَيَقُول لَكمَا: مَا الَّذِي نقمتما عليّ؟ اسْتَشَارَ بفيء أَو جور فِي حكم؟ قَالَ: فَأَما الزبير فَسكت، وَأما طَلْحَة فَقَالَ: لَا وَاحِدَة من ثِنْتَيْنِ. أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: من إجلال الله إكرام ذِي الشيبة الْمُسلم، وحامل الْقُرْآن غير الغالي فِيهِ وَلَا الجافي عَنهُ، وإكرام ذِي السُّلْطَان المقسط. وَقيل لَهُ زمن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَمُعَاوِيَة: أَهِي؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هَذِه الْفِتْنَة، حَيْصَة من حيصات الْفِتَن، وَبقيت الرداح الْمظْلمَة، الَّتِي من أشرف لَهَا أشرفت لَهُ.

ابن عمر

كتب مُعَاوِيَة إِلَى أبي مُوسَى بعد الْحُكُومَة - وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِمَكَّة عَائِذ بهَا من عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، وَإِنَّمَا أَرَادَ بكتابته أَن يضمه إِلَى الشَّام -: " أما بعد؛ فَإِنَّهُ لَو كَانَت النِّيَّة تدفع خطأ لنجا الْمُجْتَهد، وأعذر الطَّالِب، وَلَكِن الْحق لمن قصد لَهُ فَأَصَابَهُ، لَيْسَ لمن عَارضه فأخطأه. وَقد كَانَ الحكمان إِذا حكما على رجل لم يكن لَهُ الْخِيَار عَلَيْهِمَا. وَقد اخْتَار الْقَوْم عَلَيْك، فاكره مِنْهُم مَا كَرهُوا مِنْك، فَأقبل إِلَى الشَّام فَهِيَ أوسع لَك. فَكتب أَبُو مُوسَى إِلَيْهِ: أما بعد؛ فَإِنِّي لم اقل فِي عَليّ إِلَّا بِمَا قَالَ صَاحبك فِيك. إِلَّا أَنِّي أردْت مَا عِنْد الله، وَأَرَادَ عَمْرو مَا عنْدك، وَقد كَانَت بَيْننَا شُرُوط، والشورى عَن ترَاض، فَلَمَّا رَجَعَ رجعت، فَأَما الحكمان وَأَنه لَيْسَ للمحكوم عَلَيْهِ الْخِيَار، فَإِنَّمَا ذَلِك فِي الشَّاة وَالْبَعِير، فَأَما فِي أَمر هَذِه الْأمة فَلَيْسَ أحد آخِذا لَهَا بزمام مَا كَرهُوا، وَلَيْسَ يذهب الْحق لعجز عَاجز وَلَا مكيدة كائد. وَأما دعاؤك إيَّايَ إِلَى الشَّام، فَلَيْسَتْ بِي رَغْبَة عَن حرم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام. فَلَمَّا بلغ عليا عَلَيْهِ السَّلَام قَوْله رق لَهُ، وَأحب أَن يضمه إِلَيْهِ، فَكتب إِلَيْهِ: أما بعد: فَإنَّك رجل أمالك الْهوى، واستدرجك الْغرُور. وَلما هجن أَبُو مُوسَى فرس حجل بن نَضْلَة قَالَ لَهُ حجل: أَنْت بالبقر أبْصر. قَالَ أَبُو مُوسَى: أما إِنَّك إِذا أصبتها صَغِيرَة الرَّأْس لَطِيفَة الْأذن دقيقة الْقرن، سابغة الغبب، وَاسِعَة الجفرة، رقيقَة الذَّنب فَإِنَّهَا مِمَّا تكون كَرِيمَة. ابْن عمر كتب إِلَيْهِ رجل يسْأَله عَن الْعلم؛ فَأَجَابَهُ: إِنَّك كتبت تسْأَل عَن الْعلم.

وَالْعلم أَكثر من أَن أكتب بِهِ إِلَيْك، وَلَكِن إِن اسْتَطَعْت أَن تلقى الله عز وَجل كافّ اللِّسَان عَن أَعْرَاض الْمُسلمين، خَفِيف الظّهْر من دِمَائِهِمْ، خميص الْبَطن من أَمْوَالهم، لَازِما لجماعتهم فافعل. وَقَالَ ابْن عمر: كَانَ الرجل إِذا أَرَادَ أَن يعيب جَاره طلب الْحَاجة إِلَى غَيره. اسْتَأْذن على الْحجَّاج لَيْلًا، فَقَالَ الْحجَّاج: إِحْدَى حماقات أبي عبد الرَّحْمَن. فَدخل، فَلَمَّا وصل قَالَ لَهُ الْحجَّاج: مَا جَاءَ بك؟ قَالَ: ذكرت قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقه بيعَة لإِمَام مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة " فَمد إِلَيْهِ رجله، فَقَالَ: خُذ فَبَايع. أَرَادَ بذلك الغض مِنْهُ. سُئِلَ ابْن عمر: هَل كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلْتَفت فِي الصَّلَاة؟ فَقَالَ: لَا، وَلَا فِي غير الصَّلَاة. وَكَانَ إِذا حَدثهُ مُحدث فَقَالَ: زَعَمُوا. قَالَ لَهُ ابْن عمر: " زَعَمُوا " من زوامل الْكَذِب. وَجَاء إِلَيْهِ رجل فَقَالَ: الزِّنَا يقدر؟ قَالَ: نعم. قَالَ: يقدر عليّ ثمَّ يُعَذِّبنِي! قَالَ: نعم يَابْنَ اللخناء. وَقيل لَهُ: إِن الْمُخْتَار يزْعم أَنه أُوحِي إِلَيْهِ. قَالَ: صدق، أما سَمِعت قَول الله تَعَالَى: " وَإِن الشَّيَاطِين ليوحون إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ ". قَالَ بَعضهم: أَتَيْته، فَقلت: أتجب الْجنَّة لعامل بِكُل الْخيرَات وَهُوَ مُشْرك؟ فَقَالَ: لَا. قلت لَهُ: أتجب النَّار لعامل بِالشَّرِّ كُله وَهُوَ موحد؟ فَقَالَ ابْن

عمر: عش وَلَا تفتر. فَأتيت ابْن عَبَّاس فَسَأَلته، فَأَجَابَنِي بِمثل جَوَابه سَوَاء قَالَ: عش وَلَا تفتر. وَرَأى رجلا محرما قد استظل، فَقَالَ: اضح لمن أَحرمت لَهُ. وَرُوِيَ أَنه شهد فتح مَكَّة وَهُوَ ابْن عشْرين سنة، وَمَعَهُ فرس حرون، وجمل جرور وبردة فلوت، فَرَآهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ يختلي لفرسه فَقَالَ: إِن عبد الله إِن عبد الله. وَقَالَ: لَو لقِيت قَاتل أبي فِي الْحرم مَا لهدته. وَذكرت عِنْده الْفِتْنَة، فَقَالَ: لأكونن فِيهَا مثل الْجمل الرداح، الَّذِي يحمل عَلَيْهِ الْحمل الثقيل، فيهرج فيبرك، وَلَا ينبعث حَتَّى ينْحَر. جَاءَ إِلَيْهِ رجل قد حج بِأمة على ظَهره. فَقَالَ: أَترَانِي قضيتها؟ قَالَ ابْن عمر: لَا، وَلَا طَلْقَة وَاحِدَة. وَقَالَ: مَا رَأَيْت بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسود من مُعَاوِيَة. قيل: وَلَا عمر؟ قَالَ: كَانَ عمر خيرا مِنْهُ، وَكَانَ مُعَاوِيَة أسود من عمر. وبلغه أَن مُعَاوِيَة قتل حجرا واصحابه، فَقَالَ: إِن مُعَاوِيَة كَانَ جملا طِبًّا نباطياً، وَإِن ابْن سميَّة تَركه حمارا مصرياً. وقف عبد الله بن عَامر بن كريز بِعَرَفَات يَوْم عَرَفَة، وَمَعَهُ جمَاعَة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم عبد الله بن عمر وَجَمَاعَة من التَّابِعين، فَقَالَ: كَيفَ ترَوْنَ وقفي هَذَا؟ . يُرِيد: الْعين والحياض الَّتِي وَقفهَا على الْحَاج. فَكل أثنى وقرّظ، وَقَالَ: هَذَا وقف شرِيف فِي يَوْم عَظِيم، وَابْن عمر سَاكِت لَا

ابو الدرداء

يتَكَلَّم، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، مَا لَك لَا تَتَكَلَّم؟ فَقَالَ: إِذا طابت المكسبة زكتْ النَّفَقَة، وسترد فتعلم. أَتَى رجل الْحسن بن عَليّ عَلَيْهِمَا السَّلَام فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ الْحسن: إِن الْمَسْأَلَة لَا تصلح إِلَّا فِي غرم فادح، أَو فقر مدقع، أَو حمالَة مفظعة. فَقَالَ الرجل: مَا جِئْت إِلَّا فِي إِحْدَاهُنَّ، فَأمر لَهُ بِمِائَة دِينَار. ثمَّ أَتَى الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ مثل مقَالَة أَخِيه، فَرد عَلَيْهِ مثل مَا رد على أَخِيه، قَالَ: كم أَعْطَاك؟ فَأخْبرهُ، فنقصه دِينَارا عَن مائَة وَأَعْطَاهُ، وَكره أَن يُسَاوِي أَخَاهُ. ثمَّ أَتَى الرجل عبد الله بن عمر. فَسَأَلَهُ، فَأعْطَاهُ سَبْعَة دَنَانِير وَلم يسْأَله عَن شَيْء، فَقَالَ: إِنِّي أتيت الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا واقتص كَلَامهمَا وَمَا أعطياه. فَقَالَ عبد الله: وَيحك. وَأَيْنَ تجعلني مِنْهُمَا؟ إنَّهُمَا غرا الْعلم غرا. وَقَالَ: إِنَّا معشر قُرَيْش نعد الْحلم والجود سؤدداً، ونعد العفاف وَالصَّلَاح مُرُوءَة. وَرَأى جَارِيَة صَغِيرَة تغنى فَقَالَ: لَو ترك الشَّيْطَان أحدا لترك هَذِه. أَبُو الدَّرْدَاء كَانَ يَقُول: أبْغض النَّاس إليّ أَن أظلمه، من لَا يَسْتَعِين عليّ بِأحد إِلَّا الله. وَقَالَ: من هوان الدُّنْيَا على الله أَلا يعْصى إِلَّا فِيهَا، وَلَا ينَال مَا عِنْده إِلَّا بِتَرْكِهَا. وَقَالَ: نعم صومعة الْمَرْء منزله، يكف فِيهِ بَصَره وَنَفسه وفرجه، وَإِيَّاكُم وَالْجُلُوس فِي الْأَسْوَاق فَإِنَّهَا تلْغي وتلهي.

وَقَالَ: لَوْلَا ثَلَاث لصلح النَّاس: هوى مُتبع، وشح مُطَاع، وَإِعْجَاب الْمَرْء بِنَفسِهِ. وَقَالَ: بئس العون على الدّين قلب نخيب، وبطن رغيب، ونفط شَدِيد. وَقَالَ: لأَنا أعلم بشراركم من البيطار بِالْخَيْلِ، هم الَّذين لَا يأْتونَ الصَّلَاة إِلَّا دبراً، وَلَا يَسْتَمِعُون القَوْل إِلَّا هجراً، وَلَا يعْتق محررهم. وَقَالَ: خير نِسَائِكُم الَّتِي تدخل قيسا، وَتخرج ميساً، وتملأ بَيتهَا أقطاً وحيساً، وَشر نِسَائِكُم السلفعة البلقعة، الَّتِي تسمع لأضراسها قعقعة، وَلَا تزَال جاريتها مفزعة. وَقَالَ: مَعْرُوف زَمَاننَا مُنكر رمان قد فَاتَ، ومنكره مَعْرُوف زمَان لم يَأْتِ. سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى: " كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن ". فَقَالَ: سُئِلَ عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: من شَأْنه أَن يغْفر ذَنبا، ويكشف كرباً، وَيرْفَع أَقْوَامًا وَيَضَع آخَرين. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: إِنِّي لأستجم نَفسِي بالشَّيْء من الْبَاطِل، ليَكُون أقوى لَهَا على الْحق. وأتى بَاب مُعَاوِيَة فَلم يُؤذن لَهُ، فَقَالَ: من يَأْتِ سدد السُّلْطَان يقم وَيقْعد، وَمن يجد بَابا مغلقاً يجد إِلَى جنبه فتحا رحباً، إِن دَعَا أُجِيب، وَإِن سَأَلَ أعطي. وَقَالَ: من يتفقد يفقد، وَمن لَا يعد الصَّبْر لفواجع الْأُمُور يعجز. وَقَالَ: إِن قارضت النَّاس قارضوك، وَإِن تَركتهم لم يتركوك. قَالَ الرجل: فَكيف أصنع؟ قَالَ: أقْرض من عرضك ليَوْم فقرك.

عبد الله بن عمرو بن العاص

وَقَالَ: سلوني، فلئن فقدتموني لتفقدن زملاً عَظِيما من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ: أضحكني ثَلَاث وأبكاني ثَلَاث، أضحكني مُؤَمل الدُّنْيَا وَالْمَوْت يَطْلُبهُ، وغافل لَيْسَ بمغفول عَنهُ، وضاحك ملْء فِيهِ وَلَا يدْرِي أراض عَلَيْهِ ربه أم غَضْبَان. وابكاني هول المطلع، وَانْقِطَاع الأمل، وموقفي بَين يَدي الله عز وَجل، لَا أَدْرِي أيؤمر بِي إِلَى الْجنَّة أم إِلَى النَّار. وَقَالَ: مَا لي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لَا يتعلمون! ؟ . وَقيل لَهُ: فلَان يُقْرِئك السَّلَام. قَالَ: هَدِيَّة حَسَنَة ومحمل خَفِيف. وأشرف على مُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ وهما جالسان، فجَاء فَجَلَسَ بَينهمَا، ثمَّ قَالَ: هَل تدريان لم قعدت بَيْنكُمَا؟ قَالَا: لَا. قَالَ: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ مُجْتَمعين فافرقوا بَينهمَا، فَإِنَّهُمَا لن يجتمعا على خير. وَقَالَ: مثل الْعلمَاء فِي الأَرْض كَمثل النُّجُوم فِي السَّمَاء يهتدى بهَا. وَقَالَ: أخوف مَا أَخَاف إِذا وقفت لِلْحسابِ أَن يُقَال لي: قد علمت، فَمَاذَا عملت فِيمَا قد علمت. عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " يطلع من هَذَا الْفَج رجل من أمتِي وَيبْعَث يَوْم الْقِيَامَة على غير ملتي ". قَالَ: وَكنت تركت أبي يتَوَضَّأ ودعا بثيابه ليَأْتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: فَكنت كضابط الْبَوْل مَخَافَة أَن يكون أبي؛ إِذْ طلع مُعَاوِيَة، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: هَذَا هُوَ. وَسَأَلَهُ أَبوهُ عَن السؤدد، فَقَالَ: اصطناع الْعَشِيرَة، وَاحْتِمَال الجريرة. وَعَن الشّرف، فَقَالَ: كف الْأَذَى، وبذل الندى. وَعَن الْمُرُوءَة، فَقَالَ: عرفان الْحق،

حسان

وتعهد الصنيعة. وَعَن السناء، فَقَالَ: اسْتِعْمَال الْأَدَب، ورعاية الْحسب. وَعَن الْمجد، فَقَالَ: حمل المغارم، وابتناء المكارم. وَعَن الْحلم، قَالَ: كظم الغيظ، وَملك الْغَضَب. وَعَن الحزم، فَقَالَ: تنْتَظر فريستك، وَلَا تعاجل حَتَّى يمكنك. وَعَن الرِّفْق. فَقَالَ: أَن تكون ذَا أَنَاة، دون مخاشنة الْوُلَاة. وَعَن السماحة، قَالَ: حب السَّائِل، وبذل النائل. وَعَن الْجُود، قَالَ: أَن ترى نعماك زَائِدَة، والعطية فَائِدَة. وَعَن الْغنى، قَالَ: قلَّة تمنيك، وَالرِّضَا بِمَا يَكْفِيك. وَعَن الْفقر، قَالَ: شَره النَّفس، وَشدَّة الْقنُوط. وَعَن الرقة، قَالَ: اتِّبَاع الْيَسِير، وَمنع الحقير. وَعَن الْجُبْن، قَالَ: طَاعَة الوهل، وَشدَّة الوجل. وَعَن الْجَهْل، قَالَ: سرعَة الوثاب، والعيّ بِالْجَوَابِ. حسان قَالَ لأمير الْمُؤمنِينَ عليّ عَلَيْهِ السَّلَام - وَعِنْده الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار -: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا نقُول: إِنَّك قتلت عُثْمَان، وَلَكِنَّك خذلته، وَمَا نقُول: إِنَّك أمرت بقتْله، وَلَكِنَّك لم تنه. والخذل أَخُو الْقَتْل، وَالسُّكُوت أَخُو الرِّضَا، وَإِن صَاحبه لغيرك. وَكَانَ إِذا دعِي إِلَى طَعَام قَالَ: أَفِي عرس أَو خرس أَو إعذار؟ فَإِن كَانَ فِي وَاحِد من ذَلِك أجَاب، وَإِلَّا لم يجب. وَرُوِيَ أَنه أخرج لِسَانه فَضرب بِهِ رَوْثَة أَنفه، ثمَّ أدلعه فَضرب بِهِ نَحره. وَقَالَ: يَا رَسُول الله. ادْع لي بالنصر. وَاسْتَأْذَنَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فِي هجاء الْمُشْركين، فَقَالَ: كَيفَ بنسبي فيهم؟ قَالَ: لأسألنك مِنْهُم كَمَا تسل الشعرة من الْعَجِين. وَقيل لَهُ: لم لم تَرث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: هُوَ أجلّ من ذَلِك.

بلال

وَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا بَقِي من لسَانك؟ فَأخْرج لِسَانه حَتَّى قرع بطرفه أرنبته، وَقَالَ: إِنِّي وَالله لَو وَضعته على صَخْر لفلقه، أَو على شعر لحلقه، وَمَا يسرني بِهِ مقول من معد. وروى عبد الرَّحْمَن بن حسان عَن أَبِيه قَالَ: بَدَت لنا معشر الْأَنْصَار إِلَى الْوَالِي حَاجَة، وَكَانَ الَّذِي طلبنا أمرا صعباً، فمشينا إِلَيْهِ بِرِجَال من قُرَيْش فكلموه، وَذكروا لَهُ وَصِيَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَا، فَذكر صعوبة الْأَمر فعذره الْقَوْم وَخَرجُوا، وألح عَلَيْهِ ابْن عَبَّاس فوَاللَّه مَا وجد بدا من قَضَاء حاجتنا. فخرجنا حَتَّى دَخَلنَا الْمَسْجِد، فَإِذا النَّاس فِيهِ أندية. قَالَ حسان: فَصحت: إِنَّه وَالله كَانَ أولاكم بهَا. إِنَّه وَالله صبَابَة النُّبُوَّة، ووراثة أَحْمد. وتهذيب أعراقه، وانتزاع شبه طباعه. فَقَالَ الْقَوْم: أجمل يَا حسان. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: صدقُوا، فأجمل. فَأَنْشَأَ حسان يَقُول مادحاً لِابْنِ عَبَّاس أبياتاً يَقُول فِيهَا: خلقت حليفاً للمروءة والندة مليحاً، وَلم تخلق كهاماً وَلَا جبلا فَقَالَ الْوَالِي: مَا أَرَادَ بالكهام وَلَا الْجَبَل غَيْرِي، فَالله بيني وَبَينه، وَكَانَ الْوَالِي عمر أَو عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا. بِلَال سَأَلَهُ رجل، وَقد أقبل من الحلبة، فَقَالَ لَهُ: من سبق؟ قَالَ: المقربون. قَالَ: إِنَّمَا أَسأَلك عَن الْخَيل. قَالَ: وَأَنا أجيبك عَن الْخَيْر. أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: إِذا نزلت بِرَجُل فَلم يقرك فقاتله.

وَنظر إِلَى عَائِشَة بنت طَلْحَة فَقَالَ: سُبْحَانَ الله، مَا أحسن مَا غذاها أَهلهَا! مَا رَأَيْت أحسن مِنْهَا إِلَّا مُعَاوِيَة. وَكَانَ يحمل حزمة حطب وَهُوَ أَمِير، وَيَقُول: وَسعوا للأمير. وَكَانَ يجِئ على حِمَاره وَيَقُول: الطَّرِيق الطَّرِيق قد جَاءَ الْأَمِير. أَتَاهُ رجل فَقَالَ: كنت صَائِما فَدخلت دَارا فأطعموني، وَلم أدر. قَالَ: الله أطعمك. فَقَالَ: ثمَّ دخلت دَارا أُخْرَى، فسقوني وَلم أدر. قَالَ: أطعمك الله وسقاك. فَقَالَ: ثمَّ دخلت دَاري فجامعت وَلم أدر. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: يَا هَذَا، لَيْسَ ذَا فعل من تعوذ الصّيام. وَأَرْدَفَ غُلَامه خَلفه فَقيل لَهُ: لَو أنزلته يسْعَى خَلفك. فَقَالَ: لِأَن يسير معي ضغثان من نَار يحرقان مني مَا أحرقا. أحب إِلَيّ من أَن يسْعَى غلامي خَلْفي. وَقَالَ: إِن لِلْإِسْلَامِ صوى ومناراً كمنار الطَّرِيق. وَسُئِلَ عَن الْقبْلَة للصَّائِم، فَقَالَ: إِنِّي لأرف شفتيها وَأَنا صَائِم. وَمر بِمَرْوَان، وَهُوَ يَبْنِي بنياناً لَهُ، فَقَالَ: ابْنُوا شَدِيدا وأملوا بَعيدا، واخضموا فسنقضم.

وَقَالَ: مثل الْمُؤمن الضَّعِيف، كَمثل خَافت الزَّرْع يمِيل مرّة ويعتدل أُخْرَى. وَقَالَ: لما افتتحنا خَيْبَر إِذا نَاس من يهود مجتمعون على خبْزَة يملونها، فطردناهم عَنْهَا فأخذناها فاقتسمناها فَأَصَابَنِي كسرة، وَقد كَانَ بَلغنِي أَنه من أكل الْخبز سمن، فَلَمَّا أكلتها جعلت أنظر فِي عطفيّ، هَل سمنت؟ . وَقَالَ: لم يكن يشغلني عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غرس الوديّ، وَلَا صفقُ بالأسواق. وَقَالَ: الصَّوْم فِي الشتَاء غنيمَة بَارِدَة. وَقَالَ: إِن فرس الْمُجَاهِد يستن فِي طوله، فتكتب لَهُ حَسَنَات. وَوصف أَصْحَاب الدَّجَّال، فَقَالَ: عَلَيْهِم السيجان. شواربهم كالصياصي، وخفافهم مخرطمة. وَقَالَ: تعس عبد الدِّينَار وَالدِّرْهَم، الَّذِي إِن أعطي مدح وضبح، وَإِن منع قبح وكلح، تعس فَلَا انْتَعش، وشيك فَلَا انتقش. قَالَ بَعضهم: كنت مَعَ الْحسن عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَقِيَهُ أَبُو هُرَيْرَة فَقَالَ: هَات أقبل مِنْك حَيْثُ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل. فَوضع فَاه على سرته فقبلها. وَقَالَ: الْمُرُوءَة تقوى الله، وَإِصْلَاح الضيقة، والغداء وَالْعشَاء بالأفنية. وَقَالَ لَهُ رجل: أُرِيد أَن أتعلم الْعلم، وأخاف أَن أضيعه قَالَ: كفى بترك الْعلم إِضَاعَة. كتب يزِيد بن مُعَاوِيَة إِلَى أبي هُرَيْرَة يَأْمُرهُ أَن يخْطب عَلَيْهِ هِنْد بنت سُهَيْل ابْن عَمْرو أخي بني عَامر بن لؤَي. فَجَاءَهَا أَبُو هُرَيْرَة فَخَطَبَهَا على يزِيد، فَقَالَت لَهُ: فَإِن حسن بن عليّ خطبني، وَإِنِّي أستشيرك فأشر عليّ. فَقَالَ: إِنِّي أُشير عَلَيْك أَن تَضَعِي فَاك حَيْثُ وضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاه، فَتزوّجت الْحسن عَلَيْهِ السَّلَام.

عمار

وَقَالَ لَهُ فَتى: إِنَّا نسابق بالحمام. فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَة: هَذَا من عمل الصّبيان، إِذا كبرتم تَرَكْتُمُوهُ. عمار قَالَ بَعضهم: كُنَّا عِنْد عمار يَوْم صفّين، فَقَالَ: من الراجز؟ ارجز بالعجوزين. فَقَالَ لَهُ رجل: تَقولُونَ ذَا يَا أَصْحَاب مُحَمَّد! فَقَالَ: إِن الْمُشْركين لما هجونا اشْتَدَّ ذَلِك علينا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُولُوا لَهُم كَمَا يَقُولُونَ لكم. إِمَّا أَن تجْلِس، وَإِمَّا أَن تقوم. لم يشْهد بَدْرًا أحد أَبَوَاهُ مُؤْمِنَانِ إِلَّا عمار بن يَاسر. وَكَانَ لِدَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يحمي لَهُ الأَرْض يرْعَى فِيهَا غنمه. وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا لكم وَلابْن سميَّة؟ يدعوكم إِلَى الْجنَّة وتدعونه إِلَى النَّار. وَكَانَ عمار يَقُول: الْجنَّة تَحت البارقة: يُرِيد السيوف. ووشى بِهِ رجل إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ، فَقَالَ عمار: اللَّهُمَّ إِن كَانَ كذب عليّ فاجعله موطأ الْعقب. كَأَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ بِأَن يكون سُلْطَانا يطَأ النَّاس عقبه. وَقَالَ يَوْم صفّين: لَو ضربونا حَتَّى يبلغُوا بِنَا سعفات هجر علمت أنّا على الْحق، وَأَنَّهُمْ على الْبَاطِل. وَقَالَ لَهُ رجل: أَيهَا العَبْد الأجدع. وَكَانَت أُذُنه أُصِيبَت فِي سَبِيل الله، فَقَالَ: عيرتموني بِأحب أذنيّ إليّ. وَقَالَ لقوم: جروا الخطير مَا انجرّ لكم. الخطير: زِمَام النَّاقة، يُرِيد: امضوا على أَمركُم مَا أمكنكم.

الزبير

وَلما بَايع أَبُو مُوسَى قَالَ عمار لعَلي: وَالله لينقضنّ عَهده، وليخلفنّ وعده، وليفرّنّ جهده، وليسلمنّ جنده. وَقَالَ: ثَلَاث من جمعهن جمع خِصَال الْإِيمَان: الْإِنْفَاق فِي الإقتار، والإنصاف من النَّفس، وإفشاء السَّلَام. الزبير لما كَانَ يَوْم الْجمل صَاح عليّ بالزبير فَخرج إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عبد الله: لَئِن كَانَ حل لَك خذلاننا إِنَّه لحرام عَلَيْك قتالنا. قَالَ: أفتحبّ أَن أنصرف عَنْك؟ قَالَ: وَمَالِي لَا أحب ذَلِك؟ وَأَنت سيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحواريه وَابْن عمته، فعارضه ابْنه عبد الله، فَقَالَ لَهُ: يَا أبه، مَا الَّذِي دهاك؟ فَأخْبرهُ خَبره. فَقَالَ: قد أَنْبَأَك ابْن أبي طَالب مَعَ علمك بذلك، إِنَّك بزمام الْأَمر أولى مِنْك بعنان فرسك، وَلَئِن أخطأك أَن يَقُول النَّاس جبّنه عليّ ليقولنّ خدعه. فَقَالَ الزبير: ليقل من شَاءَ مَا شَاءَ، فوَاللَّه لَا أشري عَمَلي بِشَيْء، وَمَعَ ذَلِك للدنيا أَهْون عَليّ من ضبحة سَحْمَاء. وَانْصَرف رَاجعا. وَمن كَلَام الزبير: يَكْفِينِي من خضمهم القضم، وَمن نصهم الْعُنُق. ضرب الزبير يَوْم الخَنْدَق رجلا فَقطعت ضَربته الدرْع ومؤخر الجوشن حَتَّى خلصت إِلَى عجز الْفرس، فَلَمَّا رأى أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مَا صنعت ضربه الزبير، قَالَ: يَا أَبَا عبد الله، مَا أَجود سَيْفك! فَغَضب الزبير وَقَالَ: أما وَالله لَو كَانَ إِلَى السَّيْف مَا قطع، وَلَكِنِّي أكرهته بقلب مُجْتَمع وَقُوَّة ساعد فَقطع. فَقَالَ أَبُو بكر: مَا أردنَا غضبك يَا أَبَا عبد الله. قَالُوا: أدْرك عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ الزبير، وَعُثْمَان فِي موكبه يُرِيد مَكَّة بِذَات الْجَيْش، ولموكب عُثْمَان حس، قد ظَهرت فِيهِ الدَّوَابّ والنجائب، وَالزُّبَيْر

عبد الرحمن بن عوف

على رَاحِلَة لَهُ، وَمَعَهُ غلْمَان لَهُ وزوامل. فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: سر يَا أَبَا عبد الله، فَقَالَ: سيكفيني القضم من خضمكم، والعنق من نصكم. قَالَ يَوْم الشورى لما تكلم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَأخرج نَفسه من الشورى ليقلد من يرضاه: " أما بعد، فَإِن دَاعِي الله لَا يجهل عِنْد تفاقم الْأَهْوَاء وليّ الْأَعْنَاق، وَلنْ يقصر عَمَّا قلت إِلَّا غويّ، وَلنْ يتْرك مَا قلت إِلَّا شقيّ، لَوْلَا حُدُود الله فرضت، وفرائض لَهُ حدت، تراح على أَهلهَا، وتحيا لَا تَمُوت، لَكَانَ الْفِرَار من الْولَايَة عصمَة، وَلَكِن لله علينا إِجَابَة الدعْوَة، وَإِظْهَار السّنة لِئَلَّا نموت ميتَة عمية، وَلَا نعمى عمى جَاهِلِيَّة، وَالْأَمر لَك يَا ابْن عَوْف. ذكر أَن أول من سل سَيْفا الزبير، سمع أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتل، فَخرج بِيَدِهِ السَّيْف، فَتَلقاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفة كفة، فَدَعَا لَهُ بِخَير. أرسل عليّ عَلَيْهِ السَّلَام عبد الله بن عَبَّاس، فَقَالَ: إيت الزبير وَلَا تأت طَلْحَة، فَإِن الزبير أَلين؛ وَإنَّك تَجِد طَلْحَة كالثور عاقصاً قرنه. يركب الصعوبة وَيَقُول: هِيَ أسهل. فأقره السَّلَام، وَقل لَهُ: يَقُول لَك ابْن خَالك: عَرفتنِي بالحجاز، وأنكرتني بالعراق، فَمَا عدا مَا بدا؟ . قَالَ: فَأَتَيْته فَقَالَ: مرْحَبًا بِابْن لبَابَة. أزائراً جِئْت أم سفيراً؟ قلت: كل ذَلِك. وابلغته الرسَالَة فَقَالَ: ابلغه السَّلَام وَقل لَهُ: بَيْننَا وَبَيْنك عهد خَليفَة وَدم خَليفَة، واجتماع ثَلَاثَة وانفراد وَاحِد، وَأم مبرورة ومشاورة الْعَشِيرَة، وَنشر الْمَصَاحِف فنحل مَا أحلّت، ونحرم مَا حرمت. فَلَمَّا كَانَ الْغَد حرش بَين النَّاس غوغاؤهم، فَقَالَ الزبير: مَا كنت أرى أَن مَا جِئْنَا فِيهِ يكون فِيهِ قتال. عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ عبد الرَّحْمَن يَوْم الشورى: يَا هَؤُلَاءِ، إِن عِنْدِي رَأيا، وَإِن لكم نظرا، إِن حابياً خير من زاهق، وَإِن جرعة شروب أَنْفَع من عذب موب. إِن الْحِيلَة بالْمَنْطق أبلغ من السُّيُوب فِي الْكَلم. فَلَا تطيعوا الْأَعْدَاء وَإِن قربوا، وَلَا تفلوا المدى بالاختلاف بَيْنكُم، وَلَا تغمدوا السيوف عَن أعدائكم فتوتروا ثأركم،

حذيفه بن اليمان

وتؤلتوا أَعمالكُم. لكل أجل كتاب، وَلكُل بَيت إِمَام بأَمْره يقومُونَ، وبنهيه يرعون. قلدوا أَمركُم رحب أَمركُم رحب الذِّرَاع فِيمَا نزل، مَأْمُون الْغَيْب على مَا استكنّ. يقترع مِنْكُم، وكلكم مُنْتَهى، ويرتضى مِنْكُم وكلكم رضَا. حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ لرجل: أَيَسُرُّك أَنَّك غلبت شَرّ النَّاس؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَإنَّك لن تغلبه حَتَّى تكون شرا مِنْهُ. وَقَالَ: إِن الله لم يخلق شَيْئا إِلَّا صَغِيرا ثمَّ يكبر، إِلَّا الْمُصِيبَة، فَإِنَّهُ خلقهَا كَبِيرَة ثمَّ تصغر. وَمن كَلَامه: الْحَسَد أهلك الْجَسَد. وَقَالَ: كن فِي الْفِتْنَة كَابْن اللَّبُون، لَا ظهر فيركب، وَلَا ضرع فيحلب. وَقَالَ لَهُ رجل: أخْشَى أَن أكون منافقاً. فَقَالَ: لَو كنت منافقاً لم تخش. وَقَالَ: تعرض الْفِتَن على الْقُلُوب عرض الْحَصِير فَأَي قلب أشربها نكتت فِيهِ نُكْتَة سَوْدَاء، وَأي قلب أنكرها نكتت فِيهِ نُكْتَة بَيْضَاء، حَتَّى تكون الْقُلُوب على قلبين: قلب أَبيض مثل الصَّفَا، لَا تضره فتْنَة مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض، وقلب أسود مربد كالكور محجباً - وأمال كَفه - لَا يعرف مَعْرُوفا وَلَا يُنكر مُنْكرا. وَقَالَ: إِن من أقرإ النَّاس لِلْقُرْآنِ منافقاً، لَا يدع مِنْهُ واواً وَلَا ألفا، يلفته بِلِسَانِهِ، كَمَا تلفت الْبَقَرَة الخلى بلسانها. وَذكر الْفِتْنَة فَقَالَ: أتتكم الدهيماء ترمى بالنشف، ثمَّ الَّتِي تَلِيهَا ترمي بالرضف. وَذكر خُرُوج عَائِشَة فَقَالَ: تقَاتل مَعهَا مُضر مضرها الله فِي النَّار، وأزد عمان سلت الله أَقْدَامهَا، وَإِن قيسا لن تنفك تبغي دين الله شرا، حَتَّى يركبهَا الله بِالْمَلَائِكَةِ فَلَا يمنعوا ذَنْب تلعة.

خالد بن الوليد

وَقَالَ لجندب: كَيفَ تصنع إِذا أَتَاك مثل الوتد أَو مثل الذونون، قد أُوتِيَ الْقُرْآن من قبل أَن يُؤْتى الْإِيمَان يَنْثُرهُ نثر الدقل، فَيَقُول: اتبعني وَلَا أتبعك. قَالَ: إِنَّمَا تهلكون إِذا لم يعرف لذِي الشيب شَيْبه، وَإِذا صرتم تمشون الركبات كأنكم يعاقيب حجل، لَا تعرفُون مَعْرُوفا وَلَا تنكرون مُنْكرا. خَالِد بن الْوَلِيد لما ولاه أَبُو بكر وعزله عمر قَالَ: إِن أَبَا بكر ولدنَا فرق لنا رقة الْوَالِد، وَإِن عمر ولدناه فعقنا عقوق الْوَلَد. وَقَالَ فِي مَرضه: لقد لقِيت كَذَا وَكَذَا زحفاً، وَمَا فِي جَسَدِي مَوضِع شبر إِلَّا وَفِيه ضَرْبَة أَو طعنة أَو رمية، ثمَّ هاأنذا أَمُوت على فِرَاشِي حتف أنفي كَمَا يَمُوت العير، فَلَا نَامَتْ أعين الْجُبَنَاء! وخطب النَّاس فَقَالَ: إِن عمر استعملني على الشَّام وَهُوَ لَهُ مُهِمّ، فَلَمَّا ألْقى الشَّام بوانيه وَصَارَ بثنية وَعَسَلًا عزلني، وَاسْتعْمل غَيْرِي. فَقَالَ رجل: هَذَا وَالله هُوَ الْفِتْنَة. قَالَ خَالِد: أما وَابْن الْخطاب حَيّ فَلَا، وَلَكِن ذَاك إِذا كَانَ النَّاس بِذِي بلّيّ وَذي بلّي. وَانْصَرف عَمْرو بن الْعَاصِ من الْحَبَشَة يُرِيد سَوَّلَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَقِيَهُ خَالِد وَهُوَ مقبل من مَكَّة، فَقَالَ: أَيْن يَا أَبَا سُلَيْمَان؟ فَقَالَ: وَالله لقد استقام المنسم، وَإِن الرجل لنَبِيّ. أذهب فَأسلم. وَكَانَ بَينه وَبَين عبد الرَّحْمَن كَلَام، فَقَالَ خَالِد: أتستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بهَا؟ . وَقَالَ: كَانَ بيني وَبَين عمار بعض مَا يكون بَين النَّاس، فعدمته، فَشَكَانِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: من يبغض عماراً يبغضه الله. وَلما بُويِعَ أَبُو بكر قَامَ خَالِد بن الْوَلِيد خَطِيبًا، فَقَالَ: إِنَّا رمينَا فِي بَدْء هَذَا الْأَمر بِأَمْر ثقل علينا حمله، وصعب علينا مرتقاه، ثمَّ مَا لبثنا أَن خفّ علينا

سعد بن ابي وقاص

محمله، وذل لنا مصعبه، وعجبنا مِمَّن شكّ فِيهِ، بعد أَن عجبنا مِمَّن آمن بِهِ، وَمَا سبقنَا إِلَيْهِ بالعقول وَلكنه التَّوْفِيق. أَلا وَإِن الْوَحْي لم يَنْقَطِع حَتَّى أكمل، وَلم يذهب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أعذر، فلسنا نَنْتَظِر بعد النَّبِي نَبيا، وَلَا بعد الْوَحْي وَحيا وَنحن الْيَوْم أَكثر منا أمس، وَنحن أمس خير منا الْيَوْم. من دخل هَذَا الدّين كَانَ من ثَوَابه على حسب عمله، وَمن تَركه رددناه إِلَيْهِ. إِنَّه وَالله مَا صَاحب هَذَا الْأَمر بالمسؤول عَنهُ، وَلَا متخلف فِيهِ، وَلَا الْخَفي الشَّخْص وَلَا المغموز الْقَنَاة. وَكَانَ خَالِد يَقُول: مَا لَيْلَة أسر إليّ من لَيْلَة تهدى إليّ فِيهَا عروس إِلَّا لَيْلَة أغدو فِي صبيحتها إِلَى قتال عَدو. قَامَ أَبُو بكر خَطِيبًا يحض على الْجِهَاد فتثاقل النَّاس عَنهُ، فَقَامَ عمر فَقَالَ: " لَو كَانَ عرضا قَرِيبا وسفراً قَاصِدا لاتبعوك " فَقَامَ خَالِد، وَيُقَال: بل كَانَ خَالِد بن سعيد، وَهُوَ أشبه، فَقَالَ: ألنا تضرب أَمْثَال الْمُنَافِقين يَا عمر؟ وَالله لقد أسلمت وَإِن لبني عدي صنماً من تمر إِذا جَاعُوا أكلوه، وَإِذا شَبِعُوا استأنفوه. وَكَانَ خَالِد بن سعيد قديم الْإِسْلَام والصحبة. غزا مَنْظُور بن زبان، مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد ايام الرِّدَّة، فَقتل مَنْظُور رجلا وَقَالَ: بؤ بورد بن حُذَيْفَة، فَقَالَ لَهُ خَالِد: اغضب لله يَا مَنْظُور، فَقَالَ: حَتَّى أقضى حزابة فِي نَفسِي. سعد بن أبي وَقاص خطب يَوْم الشورى، فَقَالَ: الْحَمد لله بديئاً كَانَ وآخراً يعود. أَحْمَده كَمَا أنجاني من الضَّلَالَة وبصرني من العماية، فبرحمة الله فَازَ من نجا، وبهدي الله افلح من وعى، وَبِمُحَمَّدٍ بن عبد الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استقامت الطّرق، واستنارت السبل، فَظهر كل حق وَمَات كل بَاطِل. وَإِيَّاكُم أَيهَا النَّفر وَقَول أهل الزُّور، وأمنية الْغرُور، فقد سلبت الْأَمَانِي قبلكُمْ قوما ورثوا مَا ورثتم، ونالوا مَا نلتم، فاتخذهم الله أَعدَاء ولعنهم لعناً كثيرا. قَالَ الله عز وَجل: " لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل على لِسَان دَاوُد وَعِيسَى ابْن مَرْيَم ذَلِك بِمَا عصوا

وَكَانُوا يعتدون. كَانُوا لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ لبئس مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ". وَإِنِّي نكبت قَرْني، فَأخذت سهمي الفالج، وَأخذت لطلْحَة بن عبيد الله فِي غيبته مَا ارتضيت لنَفْسي فِي حضوري، فَأَنا بِهِ زعيم، وَبِمَا أَعْطَيْت عَنهُ كَفِيل، وَالْأَمر إِلَيْك يَا ابْن عَوْف بِصدق النَّفس وَجهد النصح، وعَلى الله قصد السَّبِيل، وَإِلَيْهِ الْمصير. وَقَالَ لعمر ابْنه حِين نطق مَعَ الْقَوْم فبذهم، وَكَانُوا كَلمُوهُ فِي الرِّضَا عَنهُ قَالَ: هَذَا الَّذِي أَغْضَبَنِي عَلَيْهِ، إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " يكون قوم يَأْكُلُون الدُّنْيَا بألسنتهم كَمَا تلحس الْبَقر الأَرْض بألسنتها ". وَكَانَ بَينه وَبَين خَالِد بن الْوَلِيد كَلَام، فَذهب رجل ليَقَع فِي خَالِد عِنْد سعد، فَقَالَ: مَه، إِن مَا بَيْننَا لم يبلغ ديننَا. وَسُئِلَ عَن الْمُتْعَة، فَقَالَ: فعلناها وَمُعَاوِيَة كَافِر بالعرش. الْعَرْش: مَوضِع بِمَكَّة. وَقَالَ لَهُ رجل: كَيفَ أسنانكم معشر الْمُهَاجِرين؟ قَالَ: كُنَّا من أعذار عَام وَاحِد. وَنظر يَوْم الْقَادِسِيَّة إِلَى أبي محجن، وَكَانَ قد حَبسه، فَلَمَّا اشْتَدَّ الْقِتَال أطلقت عَنهُ امْرَأَة سعد، وأعطته فرسه البلقاء، فَخرج يُقَاتل عَلَيْهَا، وَنظر إِلَيْهِ سعد فَقَالَ: الضبر ضبر البلقاء، وَالْكر كرّ أبي محجن. وَكَانَ سعد يُسمى المستجاب الدعْوَة، وبلغه شَيْء فعله الْمُهلب فِي الْعَدو، والمهلب يَوْمئِذٍ فَتى، فَقَالَ سعد: اللَّهُمَّ لَا تره ذلاً، فيرون أَن الَّذِي ناله الْمُهلب بِتِلْكَ الدعْوَة. وَقَالَ سعد: ثَلَاثَة سَعَادَة، وَثَلَاثَة شقاوة، فَأَما الشقاوة فامرأة سَيِّئَة الْخلق، ودابة سوء، إِن أردْت أَن تلْحق بِأَصْحَابِك أتعبتك، وَإِن تركتهَا خلفتك عَن أَصْحَابك، ومسكن ضيق قَلِيل الْمرَافِق. وَأما السَّعَادَة فامرأة صَالِحَة مُوَافقَة، ودابة تضعك من أَصْحَابك حَيْثُ أَحْبَبْت، ومسكن وَاسع كثير الْمرَافِق.

عتبه بن غزوان السلمي

عتبَة بن غَزوَان السّلمِيّ خطب بعد فتح الأبلّة، فَحَمدَ الله، وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن الدُّنْيَا قد تولت بحذافيرها مُدبرَة، وَقد آذَنت أَهلهَا بِصرْم، وَإِنَّمَا بَقِي مِنْهَا صبَابَة كَصُبَابَةِ الْإِنَاء يصبهَا صَاحبهَا. أَلا وَإِنَّكُمْ مفارقوها لَا محَالة، ففارقوها بِأَحْسَن مَا بحضرتكم. أَلا إِن من الْعجب أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الْحجر الضخم ليرمى بِهِ من شَفير جَهَنَّم فَيهْوِي فِي النَّار سبعين خَرِيفًا، ولجهنم سَبْعَة أَبْوَاب مَا بَين الْبَابَيْنِ مِنْهَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام. ولتأتينّ عَلَيْهِ سَاعَة وَهُوَ كظيظ من الزحام. وَلَقَد كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَابِع سَبْعَة، مَا لنا طَعَام إِلَّا ورق البشام حَتَّى قرحت أشداقنا، فَوجدت أَنا وَسعد ثَمَرَة فشققتها بيني وَبَينه نِصْفَيْنِ، وَمَا منا الْيَوْم أحد إِلَّا وَهُوَ على مصر أَمِير، وَإنَّهُ لم تكن نبوة قطّ إِلَّا تناسختها جبرية، وَأَنا أعوذ بِاللَّه أَن أكون فِي نَفسِي عَظِيما وَفِي أعين النَّاس صَغِيرا، وستجربون الْأَمر بعدِي فتعرفون وتنكرون.

الباب الخامس كلام عمر بن عبد العزيز

الْبَاب الْخَامِس: كَلَام عمر بن عبد الْعَزِيز كتب إِلَيْهِ أَبُو بكر بن حزم - وَهُوَ وَالِي الْمَدِينَة من جِهَته؛ إِن الْأَمِير يقطع لي من الشمع والقراطيس مَا كَانَ يقطع لعمال الْمَدِينَة، فَكتب إِلَيْهِ: جَاءَنِي كتابك وَإِن عهدي بك تخرج من بَيْتك فِي اللَّيْلَة الظلماء بِغَيْر سراج. وَأما الْقَرَاطِيس فأدق الْقَلَم، وأوجز الْإِمْلَاء، واجمع الْحَوَائِج فِي صحيفَة. وَذكر لَهُ سُلَيْمَان بن عبد الْملك يزِيد بن أبي مُسلم بالعفة عَن الدِّرْهَم وَالدِّينَار، وهم بِأَن يستكفيه مهما من أمره. فَقَالَ لَهُ عمر: أَفلا أدلك على من هُوَ أزهد فِي الدِّرْهَم وَالدِّينَار مِنْهُ وَهُوَ شَرّ الْخلق؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: إِبْلِيس لَعنه الله. وَكَانَ يَقُول: أَيهَا النَّاس إِنَّمَا خلقْتُمْ لِلْأَبَد، وَإِنَّمَا تنقلون من دَار إِلَى دَار. وخطب فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، إِنَّكُم لم تخلقوا عَبَثا، وَلنْ تتركوا سدى، وَإِن لكم معاداً ينزل الله للْحكم فِيكُم، والفصل بَيْنكُم، فخاب وخسر من خرج من رَحْمَة الله الَّتِي وسعت كل شَيْء، وَحرم الْجنَّة الَّتِي عرضهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض. وَاعْلَمُوا أَن الْأمان غَدا لمن خَافَ، وَبَاعَ قَلِيلا بِكَثِير، وفانياً بباق، أَلا ترَوْنَ أَنكُمْ فِي أسلاب الهالكين؟ وسيخلفها من بعدكم الْبَاقُونَ، حَتَّى تردوا إِلَى خير الْوَارِثين.

ثمَّ أَنْتُم فِي كل يَوْم تشيعون غادياً ورائحاً إِلَى الله، قد قضى نحبه، وَبلغ أَجله، ثمَّ تغيبونه فِي صدع من الأَرْض، ثمَّ تَدعُونَهُ غير موسد وَلَا ممهد، قد خلع الْأَسْبَاب، وَفَارق الأحباب، وَوجه إِلَى الْحساب، غَنِيا عَمَّا ترك، وَفَقِيرًا إِلَى مَا قدم. وأيم الله إِنِّي لأقول لكم هَذِه الْمقَالة وَمَا أعلم عِنْد أحد مِنْكُم من الذُّنُوب أَكثر مِمَّا عِنْدِي. وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم، وَمَا بلغت حَاجَة يَتَّسِع لَهَا مَا عندنَا إِلَّا سددناها، وَلَا أحد مِنْكُم إِلَّا وددت أَن يَده معي وَمَعَ لحمتي الَّذين يلونني، حَتَّى يَسْتَوِي عيشنا وعيشكم. وَايْم الله لَو أردْت غير هَذَا من عَيْش لَكَانَ اللِّسَان مني ناطقاً ذلولاً عَالما بأسبابه، وَلكنه مضى من الله كتاب نَاطِق وَسنة عادلة، دلّ فِيهَا على طَاعَته وَنهى فِيهَا عَن مَعْصِيَته. وَسَأَلَهُ رجل عَن الْجمل وصفين، فَقَالَ عمر: تِلْكَ دِمَاء كف الله يَدي عَنْهَا، فَأَنا أحب أَلا أغمس لساني فِيهَا. وَكَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك رضوانك، وَإِلَّا أكن لَهُ أَهلا فعفوك. وَقَالَ لأَصْحَابه: إِذا كتبتم إليّ فَلَا تكْتبُوا الْأَمِير، فَلَيْسَتْ الْإِمَارَة أفضل من أبي. كتب إِلَيْهِ عدي بن أَرْطَأَة يَسْتَأْذِنهُ فِي عَذَاب الْعمَّال، فَكتب إِلَيْهِ عمر: الْعجب لَك يَا ابْن أم عدي، حِين تستأذنني فِي عَذَاب الْعمَّال كَأَنِّي لَك جنَّة، وَكَأن رضاي ينجيك من سخط الله. من قَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة وَأقر بِمَا لم يكن مضطهداً فِيهِ فَخذه، فَإِن كَانَ يقدر على أَدَائِهِ فاستأده، وَإِن أَبى فاحبسه، وَإِن لم يقدر على شَيْء فَخَل سَبيله بعد أَن تخلفه على أَنه لَا يقدر على شَيْء، فَلِأَن يلْقوا الله بخياناتهم أحب إليّ من أَن أَلْقَاهُ بدمائهم. وَقَالَ: من أحب الْأُمُور إِلَى الله عز وَجل الاقتصاد فِي الْجدّة، وَالْعَفو فِي الْقُدْرَة، والرفق فِي الْولَايَة.

خرج يَوْم الْجُمُعَة إِلَى الصَّلَاة وَقد أَبْطَأَ، فَقَالَ: أَيهَا النَّاس؛ إِنَّمَا بطأني عَنْكُم أَن قَمِيصِي هَذَا كَانَ يرقع - أَو كَانَ يغسل - وَلَا وَالله مَا أملك غَيره. وَعرضت عَلَيْهِ جَارِيَة وَأَرَادَ شراءها وَلم يحضر تَمام الثّمن، فَقَالَ لَهُ الرجل: أَنا أؤخرك إِلَى الْعَطاء؛ فَقَالَ: لَا أُرِيد لَذَّة عاجلة بذلة آجلة. وَقَالَ عمر يَوْمًا وَقد قَامَ من عِنْده عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا: من أشرف النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالُوا: أَنْتُم. فَقَالَ: كلا! أشرف النَّاس هَذَا الْقَائِم من عِنْدِي آنِفا، من أحب النَّاس أَن يَكُونُوا مِنْهُ، وَلم يحب أَن يكون من أحد. وَقَالَ: لَو جَاءَت كل أمة بخبيثها وَجِئْنَا بالحجاج لزدنا عَلَيْهِم. قيل: أول من اتخذ المنابر فِي الْمَسَاجِد للأذان عمر بن عبد الْعَزِيز، وَإِن أول من دعِي لَهُ على المنابر عبد الْملك. وَكَانَ عمر يَقُول: إِن أَقْوَامًا لزموا سلطانهم بِغَيْر مَا يحِق الله عَلَيْهِم، فَأَكَلُوا بخلاقهم، وعاشوا بألسنتهم، وخلفوا الْأمة بالمكر والخديعة والخيانة، وكل ذَلِك فِي النَّار. أَلا فَلَا يصحبنا من أُولَئِكَ أحد وَلَا سِيمَا خَالِد بن عبد الله. وَعبد الله بن الْأَهْتَم فَإِنَّهُمَا رجلَانِ لسنان، وَإِن بعض الْبَيَان يشبه السحر، فَمن صَحِبنَا بِخمْس خِصَال، فأبلغنا حَاجَة من لَا يَسْتَطِيع إبلاغها، ودلنا على مَا لَا نهتدي إِلَيْهِ من الْعدْل، وأعاننا على الْخَيْر، وَسكت عَمَّا لَا يعنيه، وَأدّى الْأَمَانَة الَّتِي حملهَا منا وَمن عَامَّة الْمُسلمين فحيّهلا، وَمن كَانَ على غير ذَلِك فَفِي غير حلّ من صحبتنا وَالدُّخُول علينا. وَأتي بِقوم أخذُوا على شراب وَفِيهِمْ شيخ، فَظَنهُ شَاهدا، فَقَالَ لَهُ: بِمَ تشهد؟ فَقَالَ: لست شَاهدا وَلَكِنِّي مبتلى، فرق لَهُ عمر، وَقَالَ: يَا شيخ؛ لَو كُنْتُم حِين اجْتَمَعْتُمْ على شرابكم قُلْتُمْ: اللَّهُمَّ تولنا وَلَا تولنا غَيْرك لم يعلم بكم أحد.

وَدخل على عبد الْملك وَهُوَ صبي، فَقَالَ لَهُ: كَيفَ نَفَقَتك فِي عِيَالك؟ فَقَالَ عمر: حَسَنَة بَين سيئتنين. فَقَالَ لمن حوله: أَخذه من قَول الله تَعَالَى: " وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا وَكَانَ بَين ذَلِك قواماً ". وَكتب عمر إِلَى عدي بن أَرْطَأَة فِي شَيْء بلغه عَنهُ: إِنَّمَا يعجل بالعقوبة من يخَاف الْفَوْت. وَقَالَ: لَو كنت فِي قتلة الْحُسَيْن وَأمرت بِدُخُول الْجنَّة مَا فعلت؛ حَيَاء أَن تقع عليّ عين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَشَتمه رجل فَقَالَ: لَوْلَا يَوْم الْقِيَامَة لأجبتك. وأهدي إِلَيْهِ تفاح لبناني، وَكَانَ قد اشتهاه، فَرده. فَقيل لَهُ: قد بلغك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْكُل الْهَدِيَّة، فَقَالَ: يَا عَمْرو بن المُهَاجر: إِن الْهَدِيَّة كَانَت لرَسُول الله هَدِيَّة، وَلنَا رشوة. وَقَالَ لجارية فِي صباه بِحَضْرَة مؤدبه: أعضّك الله بِكَذَا؟ . فَقَالَ لَهُ الْمُؤَدب: قل أعضّك عبد الْعَزِيز. فَقَالَ: إِن الْأَمِير أجلّ من ذَلِك. قَالَ: فَلْيَكُن الله أجلّ فِي صدرك. فَمَا عاود بعْدهَا كلمة حَيَاء. وَقَالَ: مَا أَطَاعَنِي النَّاس فِيمَا أردْت من الْحق حَتَّى بسطت لَهُم طرفا من الدُّنْيَا. وَدخل عَلَيْهِ مَيْمُون بن مهْرَان فَقَالَ لَهُ - وَقد قعد فِي أخريات النَّاس -: عظني. فَقَالَ مَيْمُون: إِنَّك لمن خير أهلك إِن وقيت ثَلَاثَة. قَالَ: مَا هنّ؟ قَالَ: إِن وقيت السُّلْطَان وَقدرته، والشباب وغرته، وَالْمَال وفتنته. قَالَ: أَنْت أولى بمكاني مني. ارْتَفع إليّ، فأجلسه مَعَه على سَرِيره. قَالَ بَعضهم: كُنَّا نعطي الغسال الدَّرَاهِم الْكَثِيرَة، حَتَّى يغسل ثيابنا فِي إِثْر ثِيَاب عمر بن عبد الْعَزِيز، وَهُوَ أَمِير؛ من كَثْرَة الطّيب والمسك فِيهَا. وَلما نزل بعمر الْمَوْت قَالَ: يَا رَجَاء، هَذَا وَالله السُّلْطَان، لَا مَا كُنَّا فِيهِ.

وَقيل لَهُ: لم لَا تنام؟ قَالَ: إِن نمت بِاللَّيْلِ ضيعت نَفسِي، وَإِن نمت بِالنَّهَارِ ضيعت الرّعية. أَمر عمر بعقوبة رجل قد كَانَ نذر لَئِن أمكنه الله مِنْهُ ليفعلن وليفعلن، فَقَالَ لَهُ رَجَاء بن حَيْوَة: قد فعل الله مَا تحب من الظفر، فافعل مَا يحب الله من الْعَفو. وعزل عمر بعض قُضَاته، فَقَالَ لَهُ: لم عزلتني؟ فَقَالَ: بَلغنِي أَن كلامك أَكثر من كَلَام الْخَصْمَيْنِ إِذا تحاكما إِلَيْك. وَأتي بِرَجُل كَانَ واجداً عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: لَوْلَا أَنِّي غَضْبَان لضربتك. وأسمعه رجل كلَاما، فَقَالَ لَهُ: أردْت أَن يستفزني الشَّيْطَان بعز السُّلْطَان، فأنال مِنْك الْيَوْم مَا تناله مني غَدا، انْصَرف رَحِمك الله. وَكتب أَن امنعوا النَّاس من المزاح، فَإِنَّهُ يذهب الْمُرُوءَة، ويوغر الصَّدْر. وَكتب إِلَى بعض عماله: لَا تجاوزنّ بظالم فَوق حَده فَتكون أظلم الظَّالِمين. وَقَالَ: لَو تخابثت الْأُمَم فَجِئْنَا بالحجاج لغلبناهم. مَا كَانَ يصلح لدُنْيَا وَلَا آخِرَة، لقد ولي الْعرَاق فأخربه حَتَّى لم يؤد إِلَّا أَرْبَعُونَ ألف ألف دِرْهَم، وَقد أُدي إليّ فِي عَامي هَذَا ثَمَانُون ألف ألف دِرْهَم، وَإِن بقيت إِلَى قَابل رَجَوْت أَن يُؤدى إليّ مَا أُدي إِلَى عمر بن الْخطاب: مائَة ألف ألف وَعِشْرُونَ ألف ألف دِرْهَم. وَأتي بخصيٍ ليشتريه فَرده وَقَالَ: أكره أَن يكون لَهُ بِشِرَائِهِ مَعُونَة على الخصاء. وَكَانَ إِذا قدم عَلَيْهِ بريد قَالَ: هَل رَأَيْت فِي النَّاس غرسات؟ يُرِيد الخصب. وَكَانَ يَقُول: التقى ملجم. وعزّي عَن ابْنه عبد الْملك، فَقَالَ: إِن هَذَا أَمر لم نزل نتوقعه، فَلَمَّا وَقع لم ننكر.

وكلم رجلا من بني أُميَّة قد وَلدته نسَاء مرّة، فعاب عَلَيْهِ جفَاء رَآهُ مِنْهُ، فَقَالَ: قبح الله شبها غلب عَلَيْك من بني مرّة، فَبلغ ذَلِك عقيل بن علّفة المرّي وَهُوَ بجنفاء من الْمَدِينَة على أَمْيَال فِي ولد بني مرّة، فَركب حَتَّى قدم على عمر وَهُوَ بدير سمْعَان، فَقَالَ: هيها يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، بَلغنِي أَنَّك غضِبت على فَتى من بني أَبِيك، فَقلت: قبح الله شبها غلب عَلَيْك من بني مره، وَإِنِّي أَقُول: قبح الله ألأم طَرفَيْهِ، فَقَالَ عمر: وَيحك! دع هَذَا وهات حَاجَتك. فَقَالَ: لَا وَالله مَا لي حَاجَة غير هَذَا، ثمَّ ولى رَاجعا من حَيْثُ جَاءَ. فَقَالَ عمر: يَا سُبْحَانَ الله، من رأى مثل هَذَا الشَّيْخ؟ جَاءَ من جنفاء، لَيْسَ إِلَّا ليشتمنا؟ فَقَالَ لَهُ رجل من بني مرّة: إِنَّه وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا شتمك، وَمَا شتم إِلَّا نَفسه. نَحن وَالله ألأم طَرفَيْهِ. وَلما اسْتخْلف عمر بعث بِأَهْل بَيت الْحجَّاج إِلَى الْحَارِث بن عَمْرو الطَّائِي، وَكَانَ على البلقاء، وَكتب إِلَيْهِ: أما بعد، فَإِنِّي بعثت إِلَيْك بآل أبي عقيل، وَبئسَ وَالله أهل الْبَيْت فِي دين الله وأخلاق الْمُسلمين، فأنزلهم بِقدر هوانهم على الله وعَلى أَمِير الْمُؤمنِينَ. وَلما هرب يزِيد بن الْمُهلب من سجنه، وَكتب إِلَيْهِ: لَو علمت أَنَّك تبقى مَا فعلت، وَلَكِنَّك مَسْمُوم، وَلم أكن لأضع يَدي فِي يَدي ابْن عَاتِكَة فَقَالَ عمر: اللَّهُمَّ قد هاضني فهضه. وَقَالَ: كفى بِالْمَرْءِ غيا أَن تكون فِيهِ خلة من ثَلَاث: أَن يعيب شَيْئا ثمَّ يَأْتِي مثله، أَو يَبْدُو لَهُ من الْحَيَّة مَا يخفى عَلَيْهِ من نَفسه، أَو يُؤْذِي جليسه فِيمَا لَا يعنيه. وَقيل لَهُ: أَي الْجِهَاد أفضل؟ فَقَالَ: جهادك هَوَاك. وَقَالَ: ثَلَاث من كن فِيهِ كمل: من لم يُخرجهُ غَضَبه عَن طَاعَة الله، وَلم يستنزله رِضَاهُ إِلَى مَعْصِيّة الله، وَإِذا قدر عَفا وكف. حكى عَن عدي بن الفضيل قَالَ: خرجت إِلَى عمر أستحفره بِئْرا بالعذبة، فَقَالَ لَهُ: وَأَيْنَ العذبة؟ فَقلت: على لَيْلَتَيْنِ من الْبَصْرَة، فتأسف أَلا يكون بِمثل

هَذَا الْموضع مَاء، فأحفرني وَاشْترط عليّ أَنه أول شَارِب يَأْتِي السَّبِيل. قَالَ: فحضرته فِي جُمُعَة وَهُوَ يخْطب فَسَمعته يَقُول: أَيهَا النَّاس، إِنَّكُم ميتون، ثمَّ إِنَّكُم مبعوثون، ثمَّ إِنَّكُم محاسبون، فلعمري: لَئِن كُنْتُم صَادِقين لقصرتم، وَلَئِن كُنْتُم كاذبين لقد هلكتم، أَيهَا النَّاس، إِنَّه من يقدر لَهُ رزق بِرَأْس جبل أَو بحضيض أَرض يَأْته، فأجملوا فِي الطّلب. قَالَ: فأقمت عِنْده شهرا مَا بِي إِلَّا اسْتِمَاع كَلَامه. قيل: أُتِي الْوَلِيد بن عبد الْملك بِرَجُل من الْخَوَارِج، فَقَالَ لَهُ: أما تقولت فِي الْحجَّاج؟ قَالَ: مَا عَسَيْت أَن أَقُول فِي الْحجَّاج؟ وَهل الْحجَّاج إِلَّا خَطِيئَة من خطاياك؟ وشررة من نارك؟ فلعنك الله، وَلعن الْحجَّاج مَعَك. وَأَقْبل يشتمهما، فَالْتَفت الْوَلِيد إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز، فَقَالَ: مَا تَقول فِي هَذَا؟ قَالَ عمر: وَمَا أَقُول فِيهِ؟ هَذَا رجل يشتمكم، فإمَّا أَن تشتموه كَمَا شتمكم أَو تَعْفُو عَنهُ. فَغَضب الْوَلِيد وَقَالَ لعمر: مَا أَظُنك إِلَّا خارجياً. فَغَضب عمر وَقَالَ: مَا أَظُنك إِلَّا مَجْنُونا. وَقَامَ وَخرج مغضباً. ولحقه خَالِد بن الريان، فَقَالَ لَهُ: مَا دعَاك إِلَى مَا كلمت بِهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ وَالله لقد ضربت بيَدي إِلَى قَائِم سَيفي أنتظره مَتى يَأْمُرنِي بِضَرْب عُنُقك. فَقَالَ لَهُ عمر: وَكنت فَاعِلا لَو أَمرك! قَالَ: نعم. فَلَمَّا اسْتخْلف عمر جَاءَ خَالِد بن الريان، فَقَامَ على رَأسه كَمَا كَانَ يقوم على رَأس من كَانَ قبله من الْخُلَفَاء. قَالَ: وَكَانَ رجل من الْكتاب يضر وينفع بقلمه، فجَاء حَتَّى جلس مَجْلِسه الَّذِي كَانَ يجلس فِيهِ الْخُلَفَاء. قَالَ: فَنظر عمر إِلَى خَالِد بن الريان، وَقَالَ: يَا خَالِد ضع سَيْفك؛ فَإنَّك تطيعنا فِي كل أَمر نأمرك بِهِ، وضع أَنْت يَا هَذَا قلمك، فقد كنت تضر بِهِ وَتَنْفَع. ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قد وضعتهما لَك فَلَا ترفعهما. قَالَ: فوَاللَّه مَا زَالا وضيعين مهينين بشر حَتَّى مَاتَا. وَقَالَ: مَا كلمني رجل من بني أَسد إِلَّا تمنيت لَهُ أَن يمد لَهُ فِي حجَّته، حَتَّى يكثر كَلَامه فأسمعه. وَلذَلِك قَالَ يُونُس: لَيْسَ فِي أَسد إِلَّا خطيب أَو شَاعِر أَو قائف أَو راجز أَو كَاهِن أَو فَارس.

يرْوى أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كَانَ يدْخل عَلَيْهِ سَالم مولى بني مَخْزُوم، وَقَالُوا: بل زِيَاد، وَكَانَ عمر أَرَادَ شِرَاءَهُ وعتقه، فَأعْتقهُ موَالِيه، وَكَانَ عمر يُسَمِّيه أخي فِي الله، فَكَانَ إِذا دخل وَعمر فِي صدر بَيته تنحى عَن الْقبْلَة، فَيُقَال لَهُ فِي ذَلِك، فَيَقُول: إِذا دخل عَلَيْك من لَا يهولك فَلَا تَأْخُذ عَلَيْهِ شرف الْمجْلس. وهمّ السراج لَيْلَة أَن يخمد، فَوَثَبَ رَجَاء بن حَيْوَة ليصلحه، فأقسم عَلَيْهِ عمر فَجَلَسَ، ثمَّ قَامَ عمر فأصلحه، فَقَالَ لَهُ رَجَاء بن حَيْوَة: أتقوم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! قَالَ: قُمْت وَأَنا عمر، وتعللت وَأَنا عمر. وَقَالَ: قيدوا النعم بالشكر، وقيدوا الْعلم بِالْكتاب. وَقَالَ لمؤديه: كَيفَ كَانَت طَاعَتي إياك وَأَنت تؤدبني؟ فَقَالَ: أحسن طَاعَة. قَالَ: فأطعني الْآن كَمَا كنت أطيعك إِذْ ذَاك، خُذ من شاربك حَتَّى تبدو شفتاك وَمن ثَوْبك حَتَّى يَبْدُو عقباك. ويروى أَن عمر خرج يَوْمًا فَقَالَ: الْوَلِيد بِالشَّام، وَالْحجاج بالعراق، وقرة بن شريك بِمصْر، وَعُثْمَان بن حَيَّان بالحجاز، وَمُحَمّد بن يُوسُف بِالْيمن. امْتَلَأت الأَرْض وَالله جوراً. وَقَالَ عبد الْملك ابْنه لَهُ يَوْمًا: يَا أَبَت إِنَّك تنام نوم القائلة، وَذُو الْحَاجة على بابك غير نَائِم. فَقَالَ: يَا بني إِن نَفسِي مطيتي، وَإِن حملت عَلَيْهَا فِي التَّعَب خسرتها. وَذكر عمر زياداً، فَقَالَ: قَاتل الله زياداً. جمع لَهُم كَمَا تجمع الذّرة، وحاطهم كَمَا تحوط الْأُم الْبرة، واصلح الْعرَاق بِأَهْل الْعرَاق، وَترك أهل الشَّام فِي شامهم، وجبى من الْعرَاق مائَة ألف ألف، وَثَمَانِية عشر ألف ألف دِرْهَم.

وخطب النَّاس لما مَاتَ ابْنه عبد الْملك، فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي جعل الْمَوْت حتما وَاجِبا على عباده، فسوى فِيهِ بَين ضعيفهم وقويهم، ورفيعهم وَدينهمْ، فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: " كل نفس ذائقة الْمَوْت ". فَليعلم ذَوُو النهى مِنْهُم أَنهم صائرون إِلَى قُبُورهم، مقرون بأعمالهم، وَاعْلَمُوا أَن لله مَسْأَلَة فاحصة، قَالَ تبَارك وَتَعَالَى: " فوربك لنسئلنهم أَجْمَعِينَ. عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ " وَقَالَ: إِذا اسْتَأْثر الله بِشَيْء فاله عَنهُ. وَقَالَ فِي خطْبَة لَهُ: أَيهَا النَّاس، إِنَّمَا الدُّنْيَا أمل مخترم، وَأجل منفض، وبلاغ إِلَى دَار غَيرهَا، وسير إِلَى الْمَوْت لَيْسَ فِيهِ تعريج. فرحم الله امْرَءًا فكر فِي أمره، ونصح نَفسه، وراقب ربه، واستقال ذَنبه. أَيهَا النَّاس، قد علمْتُم أَن أَبَاكُم أخرج من الْجنَّة بذنب وَاحِد، وَأَن ربكُم وعد على التَّوْبَة، فَلْيَكُن أحدكُم من ذَنبه على وَجل، وَمن ربه على أمل. وَقَالَ: لَا يتَزَوَّج من الموَالِي فِي الْعَرَب إِلَّا الأشر البطر، وَلَا يتَزَوَّج من الْعَرَب فِي الموَالِي إِلَّا الطمع الطَّبْع. ألأا وَقَالَ لِابْنِهِ عبد الله: يَا بني، التمس الرّفْعَة بالتواضع، والشرف بِالدّينِ، وَالْعَفو من الله بِالْعَفو عَن النَّاس، وَلَا تحقرن أحدا؛ فَإنَّك لَا تَدْرِي لَعَلَّ بعض من تزدريه عَيْنك أقرب إِلَى الله مِنْك وَسِيلَة، وَلَا تنس نصيبك من الدُّنْيَا، وَلَا تنس نصيب النَّاس مِنْك. وَكتب إِلَيْهِ عدي بن أَرْطَأَة لما حفر نهر عدي بِالْبَصْرَةِ: إِنِّي حفرت لأهل الْبَصْرَة نَهرا، أعذبت بِهِ مشربهم، وجادت عَلَيْهِ أَمْوَالهم، فَلم أر لَهُم على ذَلِك شكرا، فَإِن أَذِنت لي قسمت عَلَيْهِم مَا أنفقته عَلَيْهِ. فَكتب إِلَيْهِ عمر: إِنِّي لَا أَحسب أهل الْبَصْرَة عِنْد حفرك لَهُم هَذَا النَّهر خلوا من رجل قَالَ: الْحَمد لله. وَقد رَضِي الله بهَا شكرا من جنته، فارض بهَا شكرا من نهرك. وخطب بِعَرَفَات فَقَالَ: إِنَّكُم قد أنضيتم الظّهْر وأرملتم؛ وَلَيْسَ السَّابِق الْيَوْم من سبق بعيره وَلَا فرسه، وَلَكِن السَّابِق الْيَوْم من غفر لَهُ.

وخطب فَقَالَ: أَيهَا النَّاس؛ لَا تَسْتَكْثِرُوا شَيْئا من الْخَيْر أتيتموه، وَلَا تستقلوا شَيْئا مِنْهُ أَن تفعلوه، وَلَا تستصغروا الذُّنُوب، والتمسوا تمحيص مَا سلف من ذنوبكم بِالتَّوْبَةِ، وَالْعَمَل الصَّالح فِيمَا غبر من آجالكم، فَإِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات. وَقد ذكر الله عز وَجل قوما، فَقَالَ: " وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة أَو ظلمُوا أنفسهم ذكرُوا الله فاستغفروا لذنوبهم وَمن يغْفر الذُّنُوب إِلَّا الله وَلم يصروا على مَا فعلوا وهم يعلمُونَ " وَإِيَّاكُم والإصرار على الذُّنُوب؛ فَإِن الله ذكر قوما بِذُنُوبِهِمْ فَقَالَ: " كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون. ثمَّ إِنَّهُم لصالوا الْجَحِيم. ثمَّ يُقَال هَذَا الَّذِي كُنْتُم بِهِ تكذبون " نَار لَا تطفأ، وَنَفس لَا تَمُوت، فَهِيَ كَمَا وصف الله عز وَجل: " كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا ". و " كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا ليذوقوا الْعَذَاب " فَهَل لأحد بِهَذَا طَاقَة؟ من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَلا يَحْجُبهُ الله فَلْيفْعَل. وخطب فَقَالَ: أما بعد؛ فَإنَّك نَاشِئ فتْنَة، وقائد ضَلَالَة قد طَال جثومها، واشتدت غمومها، وتلونت مصايد عَدو الله فِيهَا، وَمَا نصب لأهل الْغَفْلَة من الشّرك عَمَّا فِي عواقبها، فَلَنْ يهد عمودها، وَلنْ ينْزع أوتادها إِلَّا الَّذِي بِيَدِهِ ملك الْأَشْيَاء، وَهُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم. أَلا وَإِن لله بقايا من عباده، لم يتحيروا فِي ظلمتها، وَلم يشايعوا أَهلهَا على شبهها، مصابيح النُّور فِي قُلُوبهم تزهر، وألسنتهم بحجج الْكتاب تنطق، ركبُوا نهج السَّبِيل، وَقَامُوا على اللقم الْأَكْبَر الْأَعْظَم. وهم خصماء الشَّيْطَان الرَّجِيم. وبهم يصلح الله الْبِلَاد، وَيدْفَع عَن الْعباد، فطوبى لَهُم وللمستصبحين بنورهم، أسأَل الله أَن يجعلنا مِنْهُم. وخطب فَقَالَ: مَا أنعم الله على عبد نعْمَة، فانتزعها مِنْهُ فغاضه من ذَلِك الصَّبْر، إِلَّا كَانَ مَا عاضه الله من ذَلِك أفضل مِمَّا انتزعه مِنْهُ، ثمَّ قَرَأَ: " إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب ". وَمر بِرَجُل يسبح بالحصى، فَقَالَ لَهُ: ألق الْحَصَى، وأخلص الدُّعَاء.

وَكتب إِلَى الْجراح بن عبد الله الْحكمِي: إِن اسْتَطَعْت أَن تدع مِمَّا أحل الله لَك مَا يكون حاجزاً بَيْنك وَبَين مَا حرم الله عَلَيْك فافعل، فَإِنَّهُ من استوعب الْحَلَال كُله تاقت نَفسه إِلَى الْحَرَام. وَسمع وَقع الصَّوَاعِق، ودوي الرّيح، وَصَوت الْمَطَر، وَرَأى فزع النَّاس، فَقَالَ: هَذِه رَحمته، فَكيف نقمته؟ . وَقَالَ لَهُ خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي: من كَانَت الْخلَافَة زينته فقد زينتها. وَمن كَانَت شرفته فقد شرفتها، فَأَنت كَمَا قَالَ الشَّاعِر: وَإِذا الدّرّ زَان حسن وُجُوه ... كَانَ للدر حسن وَجهك زينا فَقَالَ عمر: إِن صَاحبكُم أعْطى مقولاً وَحرم معقولاً. وَقَالَ: مَا قرن شَيْء إِلَى شَيْء أفضل من حلم إِلَى علم، وَمن عَفْو إِلَى قدرَة، وَقَالَ رهم مولى عمر بن عبد الْعَزِيز: ولاني عمر ثمَّ قَالَ: يَا رهم إِذا دعتك نَفسك إِلَى ظلم من هُوَ دُونك فاذكر قدرَة الله عز وَجل عَلَيْك، وانتقامه مِنْك، وفناء مَا يكون مِنْك إِلَيْهِ عَنهُ، وَبَقَاء مَا يكون مِنْك إِلَيْهِ عَلَيْك. أَتَى عمر منزله فَقَالَ: هَل من طَعَام؟ فَأصَاب تَمرا وَشرب مَاء، فَقَالَ: من أدخلهُ بَطْنه النَّار؛ فَأَبْعَده الله. وَقَالَ: أحسن الظَّن بأخيك حَتَّى يَغْلِبك. وَقَالَ: الْقُلُوب أوعية السرائر، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فَلْيحْفَظ كل امْرِئ مِنْكُم مِفْتَاح سره. وَقَالَ لِابْنِهِ: بت على بَيَان من أَمرك، وَليكن لَك مطوي من سرك. وَدخل عَلَيْهِ مسلمة بن عبد الْملك فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أفقرت أَفْوَاه ولدك من هَذَا المَال، وتركتهم عَالَة لَا أحد لَهُم وَلَا مَال لَهُم، فَلَو أَنَّك أوصيت بهم إليّ أَو إِلَى أشباهي من قَوْمك مِمَّن يَكْفِيك مئونتهم. فَقَالَ: أقعدوني، ثمَّ قَالَ: يَا مُسلم؛ أما مَا ذكرت من إيصائي بولدي إِلَيْك أَو إِلَى أشباهك من قومِي ليكفوني مئونتهم، فَإِن وصيي فيهم ووليي الله

الَّذِي نزل الْكتاب وَهُوَ يتَوَلَّى الصَّالِحين، وَأما مَا ذكرت من إفقاري إيَّاهُم من هَذَا المَال فوَاللَّه مَا ظلمتهم حَقًا هُوَ لَهُم، وَمَا كنت لأعطيهم حق غَيرهم. وَمَا ولد عمر إِلَّا أحد رجلَيْنِ: رجل اتَّقى الله فسيرزقه، وَرجل غدر أَو فجر، فَلَنْ يكون عمر أول من قواه بِالْمَالِ على الْمعْصِيَة. ثمَّ قَالَ: عليّ بهم. فأدخلوا عَلَيْهِ وهم يَوْمئِذٍ اثْنَا عشر، فَلَمَّا نظر إِلَيْهِم اغرورقت عَيناهُ بالدموع وَقَالَ: بنفسي فتية تَركتهم، وَلَا أحد لَهُم. بلَى يَا بني، إِنِّي قد تركتكم بِخَير من الله، لَا تمرون بِمُسلم وَلَا معاهد إِلَّا وَلكم عَلَيْهِ حق. يَا بني، إِنِّي ميلت بَين رأيين: بَين أَن تفتقروا، أَو يدْخل أبوكم النَّار، فَرَأَيْت أَن تفتقروا إِلَى آخر يَوْم من الْأَبَد أحب إِلَى أبيكم من أَن يدْخل النَّار. وَكتب إِلَى الْجراح بن عبد الله الْحكمِي، وَهُوَ على خُرَاسَان: أما بعد؛ فَإِن اسْتَطَعْت أَن تدع مِمَّا أحل الله لَك مَا يكون حاجزاً بَيْنك وَبَين مَا حرم الله فافعل؛ فَإِن من استوعب الْحَلَال كُله تاقت نَفسه إِلَى الْحَرَام. وَكتب إِلَى ابْن حزم: أما بعد؛ فَإِن الطالبين الَّذين نجحوا، والتجار الَّذين ربحوا، الَّذين اشْتَروا الْبَاقِي الَّذِي يَدُوم بالفاني المذموم، فاغتبطوا ببيعهم، وحمدوا عَاقِبَة أَمرهم، فَالله الله، وبدنك صَحِيح، وَأَنت مريح، قبل أَن تَنْقَضِي أيامك، وَينزل بك حمامك، فَإِن الْيَسِير الَّذِي أَنْت فِيهِ يقلص ظله، ويفارقه أَهله، فالسعيد الْمُوفق من أكل فِي عاجلته قصدا، وَقدم ليَوْم فقره غَدا، وَخرج مَحْمُودًا من الدُّنْيَا قد انْقَطع عَنهُ علاج أمورها، وَصَارَ إِلَى نعيم الْجنَّة. وَكتب إِلَى بعض عماله: أما بعد؛ فلتخفّ يدك عَن دِمَاء الْمُسلمين، وبطنك عَن أَمْوَالهم، وَلِسَانك عَن أعراضهم، فَإِذا فعلت ذَلِك فَلَا سَبِيل عَلَيْك " إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين يظْلمُونَ النَّاس ويبغون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب أَلِيم ". وَكَانَ من دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي من الدُّنْيَا مَا تكفني بِهِ عَن شهواتها، وتعصمني بِهِ من فتنتها، وتغنيني بِهِ عَن جَمِيع أَهلهَا.

الباب السادس مزح الاشراف والافاضل والعلماء

الْبَاب السَّادِس: مزح الْأَشْرَاف والأفاضل وَالْعُلَمَاء قَالُوا: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمزح وَلَا يَقُول إِلَّا حَقًا. وَفِي حَدِيثه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن ابْنا لأم سليم يُقَال لَهُ عُمَيْر، وَكَانَ لَهُ نفر وَهُوَ طَائِر صَغِير أَحْمَر المنقار، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، مَاتَ نفر. فَجعل عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: " يَا أَبَا عُمَيْر. مَا فعل النفير؟ ". وَذكر أَنه كَانَ يمازح بِلَالًا، فَرَآهُ يَوْمًا وَقد خرج بَطْنه فَقَالَ: أم حبين. وَمِمَّا يحفظ من مزحه عَلَيْهِ السَّلَام أَنه كَانَ يَقُول لأحد ابْني ابْنَته، وَقد وضع رجلَيْهِ على رجلَيْهِ وَأخذ بيدَيْهِ: " ترقّ عبن بقة. وَهَذَا شَيْء كَانَ النِّسَاء يقلنه فِي ترقيص الصّبيان: حزقةً حزقه ... ترق، عين بقه ترق: أَي ارق من رقيت الدرجَة، والحزقة الَّذِي يُقَارب خطوه، وَشبهه فِي صغره بِعَين البقة. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لعجوز: إِن الْجنَّة لَا يدخلهَا عَجُوز يُرِيد: أَنَّهُنَّ يعدن شواب، ثمَّ يدخلن الْجنَّة. واستدبر عَلَيْهِ السَّلَام رجلا من وَرَائه وَأخذ بِعَيْنيهِ، وَقَالَ: من يَشْتَرِي مني العَبْد؟ يُرِيد أَنه كَانَ حرا فَهُوَ عبد الله. وَقَالَ لامْرَأَة: " زَوجك الَّذِي فِي عينه بَيَاض " فَقَالَت: لَا. أَرَادَ الْبيَاض الَّذِي حول الحدقة، وظنت الْمَرْأَة أَنه أَرَادَ الْبيَاض الَّذِي يغشى الحدقة فَيذْهب

الْبَصَر. وَخرج إِلَى طَعَام دعِي لَهُ فَإِذا حُسَيْن يلْعَب مَعَ صبوة فِي السِّكَّة، فاستنتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمَام الْقَوْم فَبسط يَدَيْهِ، فَطَفِقَ الْغُلَام يفر، هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضاحكه حَتَّى أَخذه فَجعل إِحْدَى يَدَيْهِ تَحت ذقنه، وَالْأُخْرَى فِي فأس رَأسه، ثمَّ أقنعه فَقبله. استنتل: يُرِيد: تقدم أَمَام الْقَوْم، وأقنعه: رَفعه. وَقَالَت عَائِشَة: كنت أَلعَب مَعَ الْجَوَارِي بالبنات فَإِذا رأين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انقمعن. قَالَت: فيسربهن إليّ. وَقَالَت: قدم وَفد الْحَبَشَة فَجعلُوا يزفنون ويلعبون، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم ينظر إِلَيْهِم، فَقُمْت، وَأَنا مستترة خَلفه حَتَّى أعييت، ثمَّ قعدت ثمَّ قُمْت، فَنَظَرت حَتَّى أعييت، ثمَّ قعدت وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم ينظر. فاقدروا قدر الْجَارِيَة الحديثة السن المشتهية للنَّظَر. وَرُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مر على أَصْحَاب الدركلة فَقَالَ: خُذُوا يَا بني أرفدة حَتَّى يعلم الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَن فِي ديننَا فسحة، قَالَ: فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ جَاءَك عمر، فَلَمَّا رَأَوْهُ ابذعرّوا. وَرُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سَابق عَائِشَة فِي سفر فسبقته، وَفِي سفر آخر فسبقها. وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هَذِه بِتِلْكَ ". وَرُوِيَ: أَنه لما قتل النَّضر بن الْحَارِث بن كلدة، وأتته ابْنَته فَأَنْشَدته الأبيات الْمَعْرُوفَة، ترثي أَبَاهَا. قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " لَوْلَا قَتْلِي أَبَاهَا لتزوجتها ". قَالُوا: يَا رَسُول الله؛ لَيست بِتِلْكَ. قَالَ: فَأَيْنَ الخيلان الثَّلَاثَة بخدها كأنهن رَأس الجوزاء؟ ". وَمن مزحه عَلَيْهِ السَّلَام قَوْله لخوّات بن جُبَير الْأنْصَارِيّ صَاحب ذَات النحيين: " مَا فعل جملك الشرود؟ " فَقَالَ: عقله الْإِسْلَام.

وَذَلِكَ أَن خوّاتاً أَتَى امْرَأَة كَانَت تبيع السّمن فِي الْجَاهِلِيَّة، فَقَالَ لَهَا: هَل عنْدك سمن طيب تبيعينه؟ قَالَت: نعم. وحلت زقاً فذاقه، وَقَالَ: أُرِيد أطيب من هَذَا فأمسكيه، فأمسكيه وَحل آخر فذاقه وَقَالَ: أمسكيه فقد شرد جملي، فَقَالَت: وَيحك، حَتَّى أوثق هَذَا! قَالَ: لَا. خذيه وَإِلَّا تركته. فَإِن بَعِيري قد أفلت، فَأَخَذته بِيَدِهَا الْأُخْرَى، فَوَثَبَ عَلَيْهَا وَهِي مَشْغُولَة الْيَدَيْنِ لَا تقدر على الِامْتِنَاع، فَقضى وطره مِنْهَا. فَلَمَّا فرغ قَالَت: لَا هُنَاكَ. وَمن ذَلِك مَا جَاءَ عَنهُ أَنه كَانَ يسير فِي بعض غَزَوَاته فَسمع حداءً قدامه، فَقَالَ: " حثوا السّير نلحق الْحَادِي ". فَلحقه وَسَار مَعَه يسمع حداءه. وَخرج على بِلَال وَهُوَ نَائِم، فَضرب بِيَدِهِ على فَخذه وَقَالَ: أنائمة أم عَمْرو؟ فأنتبه بِلَال فَضرب بِيَدِهِ على مذاكيره. فَقَالَ لَهُ: مَا لَك؟ قَالَ: ظَنَنْت أَنِّي تحولت امْرَأَة. وَسَأَلَ جَابر بن عبد الله: مَا نكحت؟ فَقَالَ ثَيِّبًا. قَالَ: فَهَلا بكرا تلاعبها وتلاعبك. وَقَالَ لرجل استحمله: نَحن حاملوك على ولد النوق. قَالَ: لَا تحملنِي. قَالَ: أَو لَيْسَ الْإِبِل من ولد النوق؟ وَقَالَ لسائقه، وَهُوَ يَسُوق بأزواجه: رفقا بِالْقَوَارِيرِ. وروى عَن أبي الدَّرْدَاء، أَنه كَانَ لَا يحدث إِلَّا وَهُوَ يتبسم، فَقَالَت لَهُ امْرَأَته أم الدَّرْدَاء: إِنِّي أَخَاف أَن يرى النَّاس أَنَّك أَحمَق. فَقَالَ: مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حدث حَدِيثا إِلَّا وَهُوَ يتبسم فِي حَدِيثه. وَأصْبح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا مَا متغير الْوَجْه، فَقَالَ بعض أَصْحَابه: لأضحكنه. فَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي. بَلغنِي أَن الدَّجَّال يخرج وَالنَّاس جِيَاع، فيدعوهم إِلَى طَعَام، أفترى - إِن أَدْرَكته - أَن أضْرب فِي ثريدته، حَتَّى إِذا تضلعت آمَنت بِاللَّه وكفرت بِهِ؟ . أم أتنزه عَن طَعَامه؟ فَضَحِك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَكَانَ ضحكه التبسم - وَقَالَ: " بل يُغْنِيك الله يَوْمئِذٍ بِمَا يُغني بِهِ الْمُؤمنِينَ ". وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " بعثت بالحنيفية السهلة ".

وَقَالَ: " ينَال العَبْد بِحسن الْخلق أجر الصَّائِم الْقَائِم ". وَقَالَ عَليّ كرم الله وَجهه: لَا بَأْس بالفكاهة يخرج بهَا الرجل عَن حد العبوس. وَلما بلغه قَول عمر: إِن فِيهِ دعابة. قَالَ: ويحه أما علم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن الْمُؤمن دعب لعب، وَالْكَافِر خب ضَب ". وَأَتَاهُ رجل بِرَجُل فَقَالَ: إِن هَذَا زعم أَنه احْتَلَمَ على أُمِّي، فَقَالَ: أقمه فِي الشَّمْس وَاضْرِبْ ظله ". وَقَالَ الشّعبِيّ: جَاءَت امْرَأَة من هَمدَان إِلَيْهِ، فَقَالَت: إِن ابْنَتي زوجت وَهِي خَمْسَة أشبار. فَقَالَ: خَمْسَة أشبار تَكْفِي شبْرًا. وَقَالَ عقبَة الْجُهَنِيّ: رَأَيْته يَرْمِي جواريه ويرامينه بقشور الْبِطِّيخ. وَمر بِقوم من الْأَنْصَار فَقَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، انْزِلْ عندنَا للغداء. فَقَالَ: إِمَّا حلفتم وَإِمَّا انصرفنا. قَالَ بَعضهم: سمعته وَهُوَ يرقى الْمِنْبَر بِالْكُوفَةِ وَيَقُول: حزقة حزقه ... ترق عين بقه وَحدثت زبراء مولاته قَالَت: كنت أوضئ أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَخرج من المستحم واتكأ عَليّ، وَقَالَ: استمسكي يَا زبراء، واتقي لَا تضرطي. وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: أتيت عمر بن الْخطاب فَسَمعته ينشد بالركبانية: وَكَيف ثوائي بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا ... قضى وطراً مِنْهَا جميل بن معمر فَلَمَّا اسْتَأْذَنت قَالَ: أسمعت مَا قلت؟ قلت: نعم. قَالَ: إِنَّا إِذا خلونا قُلْنَا مَا يَقُول النَّاس فِي بُيُوتهم. وَقَالَ عمر: كل امْرِئ فِي بَيته صبي. وَذكر عِنْده النِّسَاء فَقَالَ: إِذا تمّ الْبيَاض مَعَ كبر الْعَجز فِي حسن القوام فقد كمل.

وَخرج أَبُو بكر إِلَى بصرى، وَمَعَهُ نعيمان وسويبط، وَكِلَاهُمَا بَدْرِي، وَكَانَ سويبط على الزَّاد، فجَاء نعيمان، فَقَالَ: أَطْعمنِي، فَقَالَ: لَا، حَتَّى يَأْتِي أَبُو بكر. وَكَانَ نعيمان رجلا مضحاكاً، فَقَالَ: وَالله لأغيظنك. فَذهب إِلَى نَاس جلبوا ظهرا، وَقَالَ: ابتاعوا مني غُلَاما عَرَبيا فارهاً، وَهُوَ دُعَاء لَهُ لِسَان، لَعَلَّه يَقُول: أَنا حر. فَإِن كُنْتُم تاركيه لذَلِك فدعوني لَا تفسدوا عليّ غلامي. قَالُوا: بل نبتاعه مِنْك بِعشر قَلَائِص، فَأقبل بهَا يَسُوقهَا، وَأَقْبل بالقوم حَتَّى عقلهَا، ثمَّ قَالَ للْقَوْم: دونكم هُوَ هَذَا. فجَاء الْقَوْم فَقَالُوا: قد اشتريناك. فَقَالَ سويبط: هُوَ كَاذِب. أَنا رجل حر. قَالُوا: قد أخبرنَا خبرك. فوضعوا الْحَبل فِي عُنُقه وذهبوا بِهِ، فجَاء أَبُو بكر فَأخْبرهُ بذلك، فَذهب هُوَ وَأَصْحَاب لَهُ فَردُّوا القلائص وأخذوه، فَأخْبر بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضَحِك مِنْهُ حولا. وَأهْدى نعيمان إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جرة عسل اشْتَرَاهَا من أَعْرَابِي بِدِينَار، وأتى بالأعرابي بَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: خُذ الثّمن من هَاهُنَا. فَلَمَّا قسمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَادَى الْأَعرَابِي: أَلا أعْطى ثمن عَسَلِي؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِحْدَى هَنَات نعيمان. وَسَأَلَهُ: لم فعلت هَذَا؟ فَقَالَ: أردْت برك، وَلم يكن معي شَيْء. فَتَبَسَّمَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأعْطى الْأَعرَابِي حَقه. وَمِمَّا رُوِيَ من مزح عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول: أَفْلح من كَانَت لَهُ مزخّة ... يزخها ثمَّ ينَام الفخّة وَذكر أَبُو رَافع الصَّائِغ أَنه كَانَ يَقُول: كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يمازحني وَيَقُول: أكذب النَّاس الصياغ، يَقُولُونَ: الْيَوْم، وَغدا. وَرُوِيَ: أَن أَبَا قَتَادَة الْأنْصَارِيّ كَانَ فِي عرس وَجَارِيَة تضرب بالدف، وَهُوَ يَقُول لَهَا: ارعفي. أَي تقدمي. وَقيل: مازح مُعَاوِيَة الْأَحْنَف فَمَا رئي مازحان

أوقر مِنْهُمَا. قَالَ: يَا أحنف مَا الشَّيْء الملفف فِي البجاد؟ قَالَ: هُوَ السخينة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. أَرَادَ مُعَاوِيَة قَول الشَّاعِر: إِذا مَا مَاتَ ميت من تَمِيم ... فسرك أَن يعِيش فجِئ بزاد بِخبْز، أَو بِتَمْر، أَو بِسمن ... أَو الشَّيْء الملفف فِي البجاد يُرِيد: وطب اللَّبن، والبجاد: مسَاء يلفف فِيهِ ذَلِك، وَأَرَادَ الْأَحْنَف بقوله: السخينة؛ أَن قُريْشًا يأكلونها ويعيرون بهَا، وَهِي أغْلظ من الحساء، وأرق من العصيدة. وَإِنَّمَا تُؤْكَل فِي كلب الزَّمَان، وَشدَّة الدَّهْر، وَقد سموا قُريْشًا سخينة تعييراً بذلك. قَالَ خِدَاش بن زُهَيْر: يَا شدَّة مَا شددنا غير كَاذِبَة ... على سخينة لَوْلَا اللَّيْل وَالْحرم وَقَالَ كَعْب: زعمت سخينة أَن ستغلب رَبهَا ... وليغلبن مغالب الغلاب مازح ابْن عَبَّاس أَبَا الْأسود فَقَالَ: لَو كنت بَعِيرًا لَكُنْت ثفالاً. فَقَالَ أَبُو السود: لَو كنت راعي ذَلِك الْبَعِير، مَا أشبعته من الكلإ، وَلَا أرويته من المَاء، وَلَا أَحْسَنت مهنته. ذكر ابْن أبي ليلى: أَن رجلا تزوج امْرَأَة، وأبركها على أَربع، فَلَمَّا دفع وَقعت على وَجههَا فاندقت ثنيتها، فَرفع ذَلِك إِلَى عَليّ كرم الله وَجهه، فَقَالَ: مطيته يركبهَا كَيفَ شَاءَ.

وَذكر أَن رجلا تزوج امْرَأَة شَابة، فَوَقع عَلَيْهَا، فضمته إِلَى نَفسهَا فَكسرت صلبه، فَرفعت إِلَى عَليّ فَقَالَ: إِنَّهَا لشبقة. ثمَّ جعل الدِّيَة على الْعَاقِلَة. رُوِيَ عَن عَجُوز من الْأَنْصَار قَالَت: زَوجْنَا امْرَأَة على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَنحْن نتغنى: وَأهْدى لنا أكبشنا ... تبحبح فِي المربد وزوجك فِي النادي ... وَيعلم مَا فِي غَد فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا يعلم مَا فِي غَد إِلَّا الله عز وَجل ". زوجت عَائِشَة امْرَأَة كَانَت عِنْدهَا فهدوها إِلَى زَوجهَا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَلا أرسلتم مَعهَا من يَقُول: أَتَيْنَاكُم أَتَيْنَاكُم ... فحيانا، وحياكم فَإِن الْأَنْصَار قوم فيهم غزل ". قَالَ بَعضهم: دخلت على ابْن مَسْعُود وقرظة وثابت بن زيد، فَإِن عِنْدهم جوَار يغنين، فَقَالُوا: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد رخص لنا فِي اللَّهْو. وَرُوِيَ: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى يَوْمًا أَطَم حسان بن ثَابت، فَكَانَت سِيرِين جَارِيَته تضرب بِالْعودِ وتغني: هَل عَليّ ويحكما ... إِن لهوت من حرج فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا إِن شَاءَ الله ". وَسِيرِين هَذِه أُخْت مَارِيَة أم إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ، وَكَانَ الْمُقَوْقس أهداهما إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فوهب سِيرِين لحسان بن ثَابت.

حكى بَعضهم أَنه سمع أَبَا سُفْيَان يمازح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ابْنَته أم حَبِيبَة، وَيَقُول: وَالله إِن هُوَ إِلَّا أَن تركتك فتركتك الْعَرَب. فَمَا انتطحت جماء وَلَا ذَات قرن، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضْحك وَيَقُول: أَأَنْت تَقول ذَاك يَا أَبَا حَنْظَلَة! . وَرُوِيَ أَن رجلا عدا على امْرَأَة فقبلها، فَأَتَت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فشكت ذَلِك إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا تَقول هَذِه؟ قَالَ: صدقت، فأقصها يَا رَسُول الله، فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: أَو لَا تعود؟ قَالَ: أَو لَا أَعُود. وَرُوِيَ أَن جَارِيَة كَانَت عِنْد مَيْمُونَة زج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلَ عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالُوا: اشتكت عَيناهَا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: استرقوا لَهَا فَإِنَّهُ أعجبني عييناها. وَقَالَ خَوات بن جُبَير: نزلت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الظهْرَان، فَخرجت من خبائي، فَإِذا نسْوَة جوالس يتحدثن، فأعجبنني، فَرَجَعت فاستخرجت حلَّة لي من عَيْبَة لي. فلبستها، ثمَّ أتيتهن فَجَلَست إلَيْهِنَّ، وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قُبَّته. فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الله، مَا أجلسك إلَيْهِنَّ؟ قَالَ: فهبته حِين رَأَيْته، وَقلت: يَا رَسُول الله، جمل لي شرود، وَأَنا ابْتغِي لَهُ قيدا. فَمضى عَلَيْهِ السَّلَام وتبعته، ثمَّ ارتحلنا فَجعل لَا يلحقني فِي الْمسير إِلَّا قَالَ: أَبَا عبد الله، مَا فعل شِرَاد جملك؟ فتعجلت إِلَى الْمَدِينَة فاجتنبت الْمَسْجِد ومجالسة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا طَال ذَلِك عليّ تحينت سَاعَة خلْوَة الْمَسْجِد، فَدخلت وَجعلت اصلي، وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بعض حجره، فصلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين، ثمَّ جلس، وطولت رَجَاء أَن يذهب ويدعني، فَقَالَ: طول أَبَا عبد الله مَا شِئْت، فلست قَائِما حَتَّى تَنْصَرِف، فَقلت فِي نَفسِي: لأعتذرن إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلأبرئن صَدره، فَانْصَرَفت، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك أَبَا عبد الله، مَا فعل شِرَاد ذَلِك الْجمل؟ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا شرد ذَلِك الْجمل مُنْذُ أسلمت. فَقَالَ: رَحِمك الله. ثمَّ لم يعد لي فِي شَيْء مِمَّا كَانَ يَقُول. وَرُوِيَ: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجَعَ من بعض غَزَوَاته، فاستقبلته جَارِيَة، من جواري الْمَدِينَة، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي نذرت إِن ردك الله صَالحا أَن اضْرِب بَين يَديك بالدف. فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن كنت نذرت فاضربي، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: فَضربت،

ثمَّ جَاءَ أَبُو بكر وَهِي تضرب، وَجَاء عليّ كرم الله وَجهه وَهِي تضرب، ثمَّ جَاءَ عمر رَضِي الله عَنهُ فألقته وَقَعَدت عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الشَّيْطَان ليفرق مِنْك يَا عمر. شكا عُيَيْنَة بن حصن إِلَى نعيمان صعوبة الصّيام عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: صم بِاللَّيْلِ فَروِيَ أَنه دخل عُيَيْنَة على عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ يفْطر فِي شهر رَمَضَان. فَقَالَ: الْعشَاء. فَقَالَ: أَنا صَائِم. قَالَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ: الصَّوْم بِاللَّيْلِ؟ ! قَالَ: هُوَ أخف عليّ. فَيُقَال: إِن عُثْمَان قَالَ: إِحْدَى هَنَات نعيمان. وروى بَعضهم: أَنه رأى عَمْرو بن الْعَاصِ فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاضِعا إِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى يتَغَنَّى بالشعر. كَانَ رجل يهدي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العكة من السّمن أَو الْعَسَل، فَإِذا جَاءَ صَاحبه يتقاضاه جَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُول: أعْط هَذَا ثمن مَتَاعه، فَمَا يزِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن يبتسم، وَيَأْمُر فَيعْطى. دخل صُهَيْب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا، وعينه تَشْتَكِي، فَقَالَ: يَا صُهَيْب، أتأكل التَّمْر على عِلّة عَيْنك؟ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا آكله على الشق الصَّحِيح، فَضَحِك عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه. وَقيل لِسُفْيَان الثَّوْريّ: المزح هجنة؟ قَالَ: بل سنة. حكى عَن أسلم مولى عمر أَنه قَالَ: كنت أَنا وَعَاصِم بن عمر وَعبد الله بن عمر فِي سفر، فغنينا بَين يَدَيْهِ، فَقَالَ ابْن عمر: كلاكما غير محسن، مثلكما مثل حماري الْعَبَّادِيّ حِين قيل لَهُ: أَي حماريك شَرّ؟ قَالَ: هَذَا، ثمَّ هَذَا. كَانَ نعيمان من الصَّحَابَة وَمِمَّنْ شهد بَدْرًا، وَكَانَ كثير الْعَبَث، فَمر يَوْمًا بمخرمة بن نَوْفَل الزُّهْرِيّ - وَهُوَ ضَرِير - فَقَالَ لَهُ: قدني حَتَّى أبول. فَأخذ بِيَدِهِ حَتَّى إِذا كَانَ فِي مُؤخر الْمَسْجِد قَالَ: اجْلِسْ. فَجَلَسَ يَبُول، وَصَاح بِهِ النَّاس:

يَا أَبَا الْمسور إِنَّك فِي الْمَسْجِد. فَقَالَ: من قادني؟ قَالُوا: نعيمان. قَالَ: لله عليّ أَن أضربه ضَرْبَة بعصاي إِن وجدته. فَبلغ ذَلِك نعيمان. فجَاء يَوْمًا فَقَالَ: يَا أَبَا الْمسور، هَل لَك فِي نعيمان؟ قَالَ: نعم. قَالَ: هُوَ ذَا يُصَلِّي، وَأخذ بِيَدِهِ فجَاء بِهِ إِلَى عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ يُصَلِّي، وَقَالَ: هَذَا نعيمان. فعلاه بعصاه. وَصَاح النَّاس: ضربت أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ: من قادني؟ قَالُوا: نعيمان. قَالَ: لَا جرم. لَا عرضت لَهُ بشر أبدا. وَكَانَ نعيمان يُصِيب الشَّرَاب، وَكَانَ يُؤْتى بِهِ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فيضربه بنعليه، وَيَأْمُر أَصْحَابه فَيَضْرِبُونَهُ بنعالهم، ويحقون عَلَيْهِ التُّرَاب، فَلَمَّا كثر ذَلِك قَالَ لَهُ رجل: لعنك الله. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: لَا تفعل؛ فَإِنَّهُ يحب الله وَرَسُوله. نظر أَبُو حَازِم الْمَدِينِيّ - وَكَانَ من اعبد النَّاس وأزهدهم - إِلَى امْرَأَة تَطوف بِالْبَيْتِ مسفرة، أحسن من خلق الله وَجها، فَقَالَ: أيتها الْمَرْأَة اتَّقِ الله، فقد شغلت النَّاس عَن الطّواف. فَقَالَت: أَو مَا تعرفنِي؟ قَالَ: من أَنْت؟ فَقَالَت: من اللاء لم يحججن يبغين حسبَة ... وَلَكِن ليقْتلن البريء المغفلا فَقَالَ: فَإِنِّي أسأَل الله أَلا يعذب هَذَا الْوَجْه الْحسن بالنَّار، فَبلغ ذَلِك سعيد بن الْمسيب، فَقَالَ رَحمَه الله: أما وَالله لَو كَانَ بعض بغضاء عباد الْعرَاق لقَالَ: أعزبي يَا عدوة الله، وَلكنه ظرف أهل الْحجاز. حج الْأَعْمَش، فَلَمَّا أحرم لاحاه الْجمال فِي شَيْء، فَرفع عكازه فَشَجَّهُ بِهِ، فَقيل لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّد؛ وَأَنت محرم؟ فَقَالَ: إِن من تَمام الْإِحْرَام شج الْجمال.

قَالَ بَعضهم: شيعت عبد الْعَزِيز بن الْمطلب المَخْزُومِي، وَهُوَ قَاضِي مَكَّة إِلَى منزله، وبباب الْمَسْجِد مَجْنُونَة تَقول: أرّق عَيْني ضراط القَاضِي. فَقَالَ أتراها تَعْنِي قَاضِي مَكَّة؟ . خرج الْأَعْمَش يَوْمًا وَهُوَ يضْحك، فَقَالَ لأَصْحَابه: أَتَدْرُونَ مِم أضْحك؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: إِنِّي كنت قَاعِدا فِي بَيْتِي، فَجعلت ابْنَتي تنظر فِي وَجْهي، فَقلت: يَا بنية، مَا تنظرين فِي وَجْهي؟ قَالَت: أتعجّب من رضَا أُمِّي بك {} . قَالَ بَعضهم: كُنَّا عِنْد الشّعبِيّ جُلُوسًا، فَمر حمال على ظَهره دن خل، فَلَمَّا رأى الشّعبِيّ وضع الدن، وَقَالَ لِلشَّعْبِيِّ: مَا كَانَ اسْم امْرَأَة إِبْلِيس؟ قَالَ: ذَاك نِكَاح مَا شهدناه. وَسَأَلَهُ آخر عَن أكل الذبان، فَقَالَ: إِن اشْتهيت فَكل. وَسُئِلَ عَن لحم الشَّيْطَان؟ فَقَالَ: نَحن نرضى عَنهُ بالكفاف. قَالَ ابْن عمر لجاريته وَأَرَادَ مزاحها: خالقي خَالق الْكِرَام، وخالقك خَالق اللئام. وَسَأَلَ رجل الشّعبِيّ عَن الْمسْح على اللِّحْيَة، فَقَالَ: خللها بأصابعك. فَقَالَ: أَخَاف أَلا تبلها. قَالَ الشّعبِيّ: إِن خفت فانقعها من أول اللَّيْل. وَسَأَلَهُ آخر: هَل يجوز للْمحرمِ أَن يحك جسده؟ قَالَ: نعم. قَالَ: مِقْدَار كم؟ قَالَ: حَتَّى يَبْدُو الْعظم. وروى فِي مَجْلِسه حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " تسحرُوا وَلَو أَن يضع أحدكُم إصبعه على التُّرَاب ثمَّ يَضَعهُ فِي فِيهِ " فَقَالَ رجل: أَي الْأَصَابِع؟ فَتَنَاول الشّعبِيّ إِبْهَام رجله وَقَالَ: هَذِه. وَسَأَلَهُ رجل فَقَالَ: هَل أسلم على الْقَوْم وهم يَأْكُلُون؟ فَقَالَ: إِن أردْت أَن تَأْكُل مَعَهم فَسلم.

جَاءَ رجل إِلَى أبي حنيفَة فَقَالَ لَهُ: إِذا نزعت ثِيَابِي وَدخلت النَّهر لأغتسل فَإلَى الْقبْلَة أفضل أَن أتوجه أَو إِلَى غير الْقبْلَة؟ فَقَالَ لَهُ: الْأَفْضَل أَن يكون وَجهك إِلَى ثِيَابك الَّتِي تنوعها لِئَلَّا تسرق. وَدخل رجل على الشّعبِيّ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد وَمَعَهُ امْرَأَة فَقَالَ: أيكما الشّعبِيّ؟ فَقَالَ: هَذِه. وَأَشَارَ إِلَى الْمَرْأَة. خرج الْأَعْمَش يَوْمًا إِلَى جمَاعَة حَضَرُوا مَجْلِسه ليحدثهم وَهُوَ يضْحك، فَسَأَلُوهُ عَن ضحكه فَقَالَ: طلبت مني ابْنَتي قِطْعَة، فَقلت لَهَا: لَيْسَ معي. فَقَالَت لأمها: أَنْت مَا وجدت أحدا تتزوجين بِهِ غير هَذَا؟ . وَجَاء إِلَيْهِ رجل فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد اكتريت حمارا بِنصْف دِرْهَم، وجئتك لتحدثني. فَقَالَ لَهُ: اكتر بِالنِّصْفِ الآخر وارجع، فَمَا أُرِيد أَن أحَدثك. سُئِلَ ابْن سِيرِين عَن إنشاد الشّعْر: هَل ينْقض الشّعْر الْوضُوء أم لَا؟ . وَكَانَ قَائِما يُصَلِّي فَقَالَ: أَلا أَصبَحت عرس الفرزدق جامحاً ... وَلَو رضيت رشح استه لاستقرت ثمَّ كبر. قَالَ الشّعبِيّ: رَأَيْت ابْن عمر وَاضِعا إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى وَهُوَ ينشد: يحب الشّرْب من مَال الندامى ... وَيكرهُ أَن تُفَارِقهُ الْفُلُوس قَالَ بشر المريسي لعبادة - وَقد قَالَ لَهُ: كَيفَ أَنْت يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، وَكَيف أَنْفك؟ وَكَانَ أنف بشر كَبِيرا -: وَيحك يَا عبَادَة، مَا تدع ضلالتك. عنايتك موكلة بِكُل ناتئ فِي الْبدن.

جَاءَ رجل إِلَى ابْن سِيرِين، فَقَالَ: إِذا خلوت بأهلي تَكَلَّمت بِكَلَام أستحي مِنْهُ، فَقَالَ: أفحشه ألذه. قَالَ ابْن عَيَّاش: رَأَيْت على الْأَعْمَش فَرْوَة مَقْلُوبَة، صوفها خَارج، فأصابنا مطر، فمررنا بكلب، فَتنحّى الْأَعْمَش وَقَالَ: لَا يحسبنا شَاة. وَكَانَ يلبس قَمِيصه مقلوباً قد جعل دروزه خَارجه وَيَقُول: النَّاس مجانين، يجْعَلُونَ الخشن إِلَى دَاخل، مِمَّا يَلِي جُلُودهمْ. وَكَانَ يَقُول: إِذا رَأَيْتُمْ الشَّيْخ لَا يحسن شَيْئا فاصفعوه. قَالَ عِيسَى بن مُوسَى، وَهُوَ يَلِي الْكُوفَة، لِابْنِ أبي ليلى: اجْمَعْ الْفُقَهَاء واحضروني. فجَاء الْأَعْمَش فِي جُبَّة فرو وَقد ربط وَسطه بشريط. فابطئوا، فَقَامَ الْأَعْمَش فَقَالَ: إِن أردتم أَن تعطونا شَيْئا، وَإِلَّا فَخلوا سبيلنا، فَقَالَ عِيسَى لِابْنِ أبي ليلى: قلت لَك تَأتِينِي بالفقهاء فجئتني بِهَذَا! قَالَ: هَذَا سيدنَا الْأَعْمَش. قَالَ عُثْمَان الصيدلاني: شهِدت إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ، وَقد أَتَاهُ حائك فِي يَوْم عيد، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاق، مَا تَقول فِي رجل صلى صَلَاة الْعِيد، وَلم يشتر ناطقاً، مَا الَّذِي يجب عَلَيْهِ؟ فَتَبَسَّمَ إِبْرَاهِيم، ثمَّ قَالَ: يتَصَدَّق بِدِرْهَمَيْنِ خبْزًا. فَلَمَّا مضى قَالَ: مَا علينا أَن يفرح الْمَسَاكِين من مَال هَذَا الأحمق. قَالَ دَاوُد الحائك للأعمش: مَا تَقول فِي الصَّلَاة خلف الحائك؟ قَالَ: لَا بَأْس بهَا على غير وضوء. قَالَ: فَمَا تَقول فِي شَهَادَة الحائك؟ قَالَ: تقبل شَهَادَته مَعَ شَاهِدين عَدْلَيْنِ، فَالْتَفت الحائك وَقَالَ: هَذَا وَلَا شَيْء وَاحِد. قَالَ بَعضهم: صرنا إِلَى بَاب الْأَعْمَش، فرأيناه وَاقِفًا بِبَابِهِ، فَلَمَّا رآنا أسْرع الدُّخُول، ثمَّ أسْرع الْخُرُوج، فَقُلْنَا لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: رأيتكم فأبغضتكم، فَدخلت إِلَى من هُوَ ابغض مِنْكُم فَخرجت إِلَيْكُم.

كَانَ المتَوَكل يلْعَب بالنرد مَعَ الْفَتْح بن خاقَان، فَقيل لَهُ: يحيى بن أَكْثَم يسْتَأْذن. فَأمر بِرَفْع النَّرْد، وَدخل يحيى، فَلَمَّا جلس قَالَ لَهُ: يَا يحيى، إِن فتحا احتشمك وَأمر بِرَفْع النَّرْد، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لم يكن بِهِ احتشامي، وَلكنه خَافَ أَن أعلم عَلَيْهِ. كَانَ للأعمش ابْن يتنسك، فَكَانَ أَبوهُ يتوقر بِحَضْرَتِهِ، وَكَانَ فِيهِ دعابة، فَقَالَ يَوْمًا: اشْهَدُوا على ابْني هَذَا أَنه ابْني لَا يدعى غَدا أَنه أَبى. دخل أَبُو حنيفَة - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - على الْأَعْمَش يعودهُ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد، لَوْلَا أَنه يثقل عَلَيْك لعدتك فِي كل يَوْم. قَالَ: أَنْت تثقل عليّ وَأَنت فِي بَيْتك، فَكيف فِي بَيْتِي؟ . كَانَ أَبُو يُوسُف يكْتب كتابا، وَعَن يَمِينه رجل يُلَاحظ مَا يكْتب، وفطن بِهِ أَبُو يُوسُف، فَلَمَّا فرغ من الْكتاب الْتفت إِلَى الرجل، فَقَالَ: هَل رَأَيْت سقطا؟ قَالَ: لَا. قَالَ أَبُو يُوسُف: جزيت عَن الغباوة خيرا.

قَالَ الْمَنْصُور يَوْمًا لعبد الله بن عَيَّاش المنتوف: قد بغضت إليّ صُورَتك عشرتك، وَحلفت بِاللَّه لَئِن نتفت شَعْرَة من لحيتك لأقطعن يدك. فأعفاها حَتَّى اتَّصَلت، فَكَانَ عِنْده يَوْمًا وحدثه بِأَحَادِيث استحسنها، فَقَالَ لَهُ: سل حَاجَتك. فَقَالَ: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، تقطعني لحيتي أعمل بهَا مَا أُرِيد. فَضَحِك الْمَنْصُور وَقَالَ لَهُ: قد فعلت. خطب باقلاني إِلَى قوم وَذكر أَن الشّعبِيّ يعرفهُ؛ فَسَأَلُوهُ عَنهُ فَقَالَ: إِنَّه لعَظيم الرماد كثير الغاشية. حكى أَن أَبَا عمر القَاضِي كَانَ يسير مَعَ بعض الْعُدُول فِي صحراء، فسمعا صَوت الربَاب من يَد حاذق، فَقَالَ الْعدْل: مَا أحسن هَذَا الضَّرْب {فَقَالَ أَبُو عمر: الضَّرْب، الضَّرْب، - كَأَنَّهُ يُنكر - هَذَا هُوَ السحر، فَقَالَ الْعدْل: القَاضِي أعزه الله أحذق مني بالصناعة. قيل: إِنَّه لم يعرف لعَلي بن عِيسَى الْوَزير مزح قطّ، وَلَا سقطة فِي اللَّفْظ إِلَّا الْيَسِير، فَمن ذَلِك أَنه قطع أرزاق الصفاعنة، فَاجْتمعُوا ووقفوا على طَرِيقه، فَلَمَّا قرب مِنْهُم وضعُوا عمائمهم، وصفع بَعضهم بَعْضًا صفعاً عَظِيما. فَقَالَ: نطلق لَهُم أَرْزَاقهم؛ فَإِن عَمَلهم صَعب. وَمن ذَلِك أَن غُلَاما من أَوْلَاد الحجرية توفّي أَبوهُ، فأسقط رزقه، فاستعان على الْوَزير بِأبي بكر بن مُجَاهِد، وَكَانَ قَرِيبا من قلبه وَسَأَلَهُ مَسْأَلَة الْوَزير فِيهِ، فَكتب لَهُ أَبُو بكر رقْعَة، فِيهَا أَنه من أَوْلَاد الحجرية، وَأَن من حَاله كَيْت وَكَيْت وَأَنه يصلح، فَلَمَّا قَرَأَهَا عَليّ بن عِيسَى كتب بعد " يصلح ": لحمل السِّلَاح، ثمَّ وَقع فِيهَا برد أرزاق أَبِيه عَلَيْهِ. جَازَ الْأَعْمَش يَوْمًا بِابْن لَهُ صَغِير وَهُوَ عُرْيَان، يلْعَب فِي الطين مَعَ الصّبيان فَلم يُثبتهُ، فَقَالَ لبَعض من كَانُوا مَعَه: انْظُر إِلَى هَذَا، مَا أقذره من صبي وأطفسه} وَيجوز أَن يكون أَبوهُ أقذر مِنْهُ. فَقَالَ لَهُ صَاحبه: هَذَا ابْنك مُحَمَّد. فَفتح عَيْنَيْهِ ومسحهما، وَنظر إِلَيْهِ وتأمله، ثمَّ قَالَ: انْظُرُوا إِلَيْهِ بِحَق الله عَلَيْكُم، كَيفَ يتقلب فِي الطين كَأَنَّهُ شبْل؟ عين الله عَلَيْهِ.

قيل للأعمش: مَا تصنع عِنْد مظهر أخي يَقْطِين؟ قَالَ: آتيه كَمَا آتِي الحش! إِذا كَانَت بِي إِلَيْهِ حَاجَة. وَمرض فعاده رجل، وَأطَال الْجُلُوس ثمَّ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّد، مَا أَشد مَا مر بك فِي علتك هَذِه؟ قَالَ: دخولك إليّ. وعاده آخر فَقَالَ: كَيفَ تجدك؟ قَالَ: فِي جهد من رؤيتك، قَالَ: ألبسك الله الْعَافِيَة. قَالَ: نعم، مِنْك. حضر يحيى بن أَكْثَم مجْلِس المتَوَكل، وتغدى، ثمَّ حضر الشَّرَاب والغناء، فَقَالَ لَهُ المتَوَكل: يَا يحيى، قد كثر التَّخْلِيط، وَلَيْسَ هَذَا وقتك. فَقَالَ يحيى بن أَكْثَم: مَا كُنْتُم إِلَى قَاض قطّ أحْوج مِنْكُم إِلَيْهِ إِذا كثر التَّخْلِيط. فَضَحِك وَأمر لَهُ بِمَال. أقرّ رجل عِنْد شُرَيْح بِشَيْء، ثمَّ ذهب لينكر، فَقَالَ شُرَيْح: قد شهد عَلَيْك ابْن أُخْت خالتك. يَعْنِي: أَنَّك أَقرَرت على نَفسك. اشْترى رجل من رجل شَاة فَإِذا هِيَ تَأْكُل الذبان، فخاصمه إِلَى شُرَيْح فَقَالَ: لبن طيب وعلف مجان. مر شُرَيْح بِمَجْلِس لهمدان فَسلم، فَردُّوا عَلَيْهِ وَقَامُوا لَهُ فرحبوا. فَقَالَ: يَا معشر هَمدَان، إِنِّي لأعرف أهل بَيت مِنْكُم لَا يحل لَهُم الْكَذِب. قَالُوا: من هم يَا أَبَا أُميَّة؟ قَالَ: مَا أَنا بِالَّذِي أخْبركُم بهم. قَالَ: فَجعلُوا يسألونه وتبعوه ميلًا أَو قرَابَة ميل، وَيَقُولُونَ: يَا أَبَا أُميَّة من هم؟ وَهُوَ يَقُول: لَا أخْبركُم، فانصرفوا عَنهُ وهم يتلهفون وَيَقُولُونَ: ليته أخبرنَا بهم. قَالَ ابْن أبي ليلى: انصرفت مرّة مَعَ الشّعبِيّ من مجْلِس الْقَضَاء أَنا وَجَرِير بن يزِيد - وَهُوَ يمشي بَيْننَا - فمررنا بخادمة سَوْدَاء تغسل ثوبا فِي إجّان على بَاب دَار، وَهِي تَقول: فتن الشّعبِيّ لما ... فتن الشّعبِيّ لما وتكرره، فَلَمَّا رَأَتْهُ سكتت فَقَالَ الشّعبِيّ: رفع الطّرف إِلَيْهَا وَقَالَ: أردْت أَن يخرج اسْمِي من فمها.

دخل الشّعبِيّ وَلِيمَة فَقَالَ: مَا بالكم كأنكم اجْتَمَعْتُمْ على جَنَازَة؟ أَيْن الْغناء والدف؟ قَالَ الْأَعْمَش لجليس لَهُ: تشْتَهي سمكًا زرق الْعُيُون بيض الْبُطُون، سود الظُّهُور، وأرغفة بَارِدَة لينَة، وخلاً حاذقاً؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فانهض بِنَا. قَالَ الرجل: فَنَهَضت مَعَه وَدخل وَدخلت مَعَه. فَقَالَ: جر تِلْكَ السلَّة. قَالَ: فكشفتها فَإِذا فِيهَا رغيفان يابسان وسكرجة وكامخ وشبث، فَجعل يَأْكُل وَقَالَ: تعال وكل. قلت: فَأَيْنَ السّمك؟ قَالَ: مَا قلت لَك إِن عِنْدِي سمكًا، إِنَّمَا قلت لَك: أتشتهيه؟ . وَاشْترى جَارِيَة فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: كَيفَ رَأَيْتهَا؟ قَالَ: فِيهَا من صفة الْجنَّة خصلتان: برد وسعة. وحدّث سُلَيْمَان مولى الشّعبِيّ، أَن الشّعبِيّ كَانَ إِذا اختضب فغرض لاعب ابْنَته بالنرد حَتَّى يعلق الخضاب. قَالَ حَفْص بن غياث: أتيت بَاب الْأَعْمَش فَسَأَلته عَن حَدِيث، فألجأني إِلَى الْحَائِط، وعصر حلقي وأفلتني، فعدوت وَقلت: وَالله لأشكونك إِلَى أبي. فَقَالَ: ردُّوهُ، لَا يقْعد لنا فِي طَرِيق الْخَيْر. وَكَانَ غياث أَبوهُ يجرى على الْأَعْمَش ذكر أَن ميسرَة الْمَكِّيّ قَالَ: لما نفى المتَوَكل يحيى بن أَكْثَم إِلَى مَكَّة كُنَّا ندخل إِلَيْهِ، فَذكرت لَهُ فَأَرَادَ مداعبتي ليتسقطني فَقَالَ: كم سنك؟ قلت: أعزّك الله، أَنا أذكر موت الرشيد، وَأَنا قَابض على لحيتي. وَقبض على لحيته. قَالَ: فاشتغل يحيى بِالْحِسَابِ، وَبَقِي النَّاس ينظرُونَ، ثمَّ فطن فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: نعم أَنا أذكر موت آدم وَأَنا قَابض على لحيتي. قَالَ: وَلم يعد إِلَى شَيْء من مداعبتي. وَسَأَلَ يحيى عَن أَخْبَار النَّاس فَقيل لَهُ: ولّي بغا الْكَبِير حَرْب دمشق، وَجعل لَهُ أَنه أَمِير كل مَوضِع دخله. فَقَالَ يحيى: وَإِن دخل من حَيْثُ خرج! ؟

وَذكر عِنْده الْبراق يَوْمًا، فَقَالَ: قد رووا أَنه دون الْبَغْل وَفَوق الْحمار، وَأَن خطوه مُنْتَهى بَصَره. فَإِن كَانَ على ذَلِك فَهُوَ شبكور. فَكَانَ النَّاس يطعنون فِي دينه لهَذَا الْكَلَام وَأَمْثَاله؟ وَقَالَ لرجل من أمنائه يكنى أَبَا عَوْف: نصف كنيتك يُطْفِئ السراج. وَكَانَ يَغْشَاهُ رجل يدعى الْحَارِث، ويكنى أَبَا الْأسد، فَقَالَ لَهُ: أَنْت الْأسد أَبُو الْحَارِث؟ فَقَالَ: أصلحك الله أَنا الْحَارِث أَبُو الْأسد. قَالَ: أَنْت فِي الرِّجَال أم أنتها فِي النِّسَاء؟ . وَكَانَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق يصحب يحيى بن أَكْثَم، فَركب يحيى يَوْمًا يُرِيد العبور على الجسر على حمَار، وَإِسْمَاعِيل مَعَه على حمَار لَهُ مَعَ أَصْحَابه، فَامْتنعَ حمَار يحيى من العبور، فَتقدم إِسْمَاعِيل وَعبر حِمَاره، وَتَبعهُ حمَار يحيى وحمير من كَانُوا مَعَه من أَصْحَابه. فَقَالَ إِسْمَاعِيل: حماري يتَقَدَّم حميركم، كَذَا صَاحبه يتقدمكم. فَقَالَ يحيى بالحمارية {وروى عَن أبي رشدين قَالَ: رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَة يلْعَب بالسدر. وَقَالَ أنس: قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وللأنصار يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فيهمَا، فَقَالَ: " قد أبدلكما الله خيرا مِنْهُمَا: الْفطر والنحر ". وَأمر عَلَيْهِ السَّلَام عليا فِي أَيَّام التَّشْرِيق أَن يُنَادي: إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وبعال. وَكَانَ أَبُو حَازِم من الْمَشْهُورين فِي الزّهْد والنسك، وَكَانَ يجلس فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، وَكَانَ النِّسَاء يمررن على النوق فِي الهوادج، فَكَانَ إِذا مرت الْحَسْنَاء البارعة قَالَ من حضر من القرشيين: بارقة} وَإِذا مرت قبيحة سكتوا، فمرت بهم يَوْمًا قبيحة وسكتوا، فَقَالَ أَبُو حَازِم: صَاعِقَة! فتعجبوا من ذَلِك مَعَ زهده. وَيُقَال: إِنَّه لم يمزح عمر بن عبد الْعَزِيز بعد الْخلَافَة إِلَّا مرَّتَيْنِ: إِحْدَاهمَا أَن عديّ بن أَرْطَأَة كتب إِلَيْهِ يَسْتَأْذِنهُ فِي أَن يتَزَوَّج ابْنة أَسمَاء بن خَارِجَة، فَكتب إِلَيْهِ:

أما بعد، فقد أَتَانِي كتابك تستأذن فِي هِنْد، فَإِن يكن بك قُوَّة فَأهْلك الْأَولونَ أَحَق بك وَبهَا. وَإِن يكن بك ضعف فَأهْلك الْأَولونَ أعذر لَك، وَلَكِن الفزاريّ، وَالسَّلَام. يُرِيد بذلك قَول الشَّاعِر: إِن الْفَزارِيّ لَا يَنْفَكّ مغتلماً ... من النواكه دهداراً بدهدار وَأما الثَّانِيَة، فَإِن رجلا من أهل أمج يُقَال لَهُ: حميد، هجاه ابْن عَم لَهُ فَقَالَ: حميد الَّذِي أمج دَاره ... أَخُو الْخمر والشيبة الأصلع فقد مر حميد بعد ذَلِك على عمر، وَلم يعرفهُ فَقَالَ لَهُ: من أَنْت؟ قَالَ: أَنا حميد. فَقَالَ عمر: الَّذِي أمج دَاره؟ فَقَالَ: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا شربتها مُنْذُ عشْرين سنة. فَقَالَ: صدقت، وَإِنَّمَا أردْت أَن أبسطك. وَجعل يعْتَذر إِلَيْهِ. كَانَ الشّعبِيّ كَاتبا لبشر بن مَرْوَان، فَدخل عَلَيْهِ يَوْمًا وَعِنْده جَارِيَة تغنيه، فاحتشم مِنْهُ بشر، فَقَالَ الشّعبِيّ: إِن الرجل لَا يستحي من كَاتبه وخادمه، فَأمرهَا بشر فغنت، وَقَالَ لَهُ: كَيفَ تسمع؟ فَقَالَ: الصَّغِير أكيسها. يَعْنِي الزير.

الباب السابع الجوابات المسكته الحاضره

الْبَاب السَّابِع: الجوابات المسكتة الْحَاضِرَة قدم حَمَّاد بن جميل من فَارس، فَنظر إِلَيْهِ يزِيد بن المنجاب وَعَلِيهِ جباب وشي، فَقَالَ: " هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا ". فَقَالَ حَمَّاد: " كَذَلِك كُنْتُم من قبل فَمن الله عَلَيْكُم ". جَاءَ رجل إِلَى عمر فَقَالَ: أَعْطِنِي فَقَالَ: وَالله لَا أُعْطِيك. قَالَ: وَالله لتعطيني. قَالَ: وَلم لَا أبالك؟ قَالَ: لِأَنَّهُ مَال الله، وَأَنا من عِيَال الله. قَالَ: صدقت. قَالَ الرّبيع يَوْمًا بَين يَدي الْمهْدي لِشَرِيك " بَلغنِي أَنَّك خُنْت أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ لَهُ شريك: مَه، لَا تقولن ذَاك، لَو فعلنَا لأتاك نصيبك. خطب رجل إِلَى عبد الله بن عَبَّاس يتيمة كَانَت فِي حجره، فَقَالَ لَهُ: لَا أرضاها لَك. قَالَ: وَلم ذَاك؟ قَالَ: لِأَنَّهَا تشرف وَتنظر، وَهِي مَعَ ذَلِك بَريَّة، فَقَالَ: إِنِّي لَا أكره ذَلِك، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أما الْآن فَإِنِّي لَا أرضاك لَهَا. قَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو بن سعيد: إِلَى من أوصى بك أَبوك؟ فَقَالَ: إِن أبي أوصى إليّ وَلم يوص بِي. وَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لعبد الله بن عَبَّاس: اسْمَع يَا ابْن أخي. فَقَالَ: كنت ابْن أَخِيك. وَأَنا الْيَوْم أَخُوك. قَالَ رجل من أهل الْحجاز لِابْنِ شبْرمَة: من عندنَا خرج الْعلم. قَالَ: ثمَّ لم يعد إِلَيْكُم.

قَالَ بِلَال بن أبي بردة للهيثم بن الْأسود: أَنا ابْن أحذ الْحكمَيْنِ. فَقَالَ: أما أَحدهمَا ففاسق، وَأما الآخر فمائق فَابْن أَيهمَا أَنْت؟ . وَقَالَ رجل من ولد أبي مُوسَى لِشَرِيك: هَل كَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يقنت فِي الْفجْر؟ فَقَالَ: نعم، ويلعن فِيهِ أَبَاك. دخلت وُفُود على عمر بن عبد الْعَزِيز، فَأَرَادَ فَتى مِنْهُم الْكَلَام، فَقَالَ عمر: ليَتَكَلَّم أسنكم. فَقَالَ الْفَتى: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن قُريْشًا لترى فِيهَا من هُوَ أسن مِنْك. فَقَالَ: تكلم يَا فَتى. لَقِي مُحَمَّد بن أَسْبَاط عبد الله بن طَاهِر فِي جُبَّة خَز، فَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَر، مَا خلفت للشتاء؟ قَالَ: خلع الْأَمِير. قَالَ ابْن الزيات لبَعض أَوْلَاد البرامكة: من أَنْت، وَمن أَبوك؟ قَالَ: أبي الَّذِي تعرفه، وَمَات وَهُوَ لَا يعرفك. كَانَ لشيطان الطاق ابْن محمق، فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَهُ: أَنْت من ابْنك هَذَا فِي بُسْتَان. قَالَ: هَذَا لَو كَانَ إِلَيْك. دخل بَعضهم على عبد الْملك، فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي ردك على عقبيك. فَقَالَ: وَمن رد إِلَيْك فقد رد على عَقِبَيْهِ، فَسكت. لما قَالَ مِسْكين الدَّارمِيّ: نَارِي ونار الْجَار وَاحِدَة ... وَإِلَيْهِ قبلي تنزل الْقدر قَالَت امْرَأَته: صدق؛ لِأَنَّهَا نَار الْجَار وَقدره. قَالَ الرشيد لإسماعيل بن صبيح: وددت أَن لي حسن خطك. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لَو كَانَ حسن الْحَظ مكرمَة، لَكَانَ أولى النَّاس بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لرجل: من سيد قَوْمك؟ قَالَ: أَنا. قَالَ: لَو كنت سيدهم مَا قلت.

وَقَالَ مُعَاوِيَة لعقيل لَيْلَة الهرير: أَنْت مَعنا يَا أَبَا يزِيد؟ قَالَ: وَيَوْم بدر كنت مَعكُمْ. دخل شَاب من بني هَاشم على الْمَنْصُور، فَسَأَلَهُ عَن وَفَاة أَبِيه، فَقَالَ: مرض رَضِي الله عَنهُ يَوْم كَذَا، وَمَات رَحمَه الله يَوْم كَذَا، وَترك رَضِي الله عَنهُ من المَال كَذَا؛ فانتهره الرّبيع وَقَالَ: بَين يَدي أَمِير الْمُؤمنِينَ توالى الدُّعَاء لأَبِيك! فَقَالَ الشَّاب لَهُ: لَا ألومك؛ لِأَنَّك لم تعرف حلاوة الْآبَاء. قَالَ: فَمَا علمنَا أَن الْمَنْصُور ضحك فِي مَجْلِسه قطّ ضحكاً افترّ عَن نَوَاجِذه إِلَّا يَوْمئِذٍ. قَالَ بَعضهم وَقد بَاعَ ضَيْعَة من آخر لَهُ: أما وَالله لقد أَخَذتهَا ثَقيلَة المئونة، قَليلَة المعونة. فَقَالَ: وَأَنت وَالله لقد أَخَذتهَا بطيئة الِاجْتِمَاع، سريعة التَّفَرُّق. قَالَ رجل لعَمْرو بن الْعَاصِ: وَالله لأتفرّغنّ لَك. فَقَالَ: هُنَاكَ وَالله وَقعت فِي الشّغل. قيل لأبي الْأسود الدؤَلِي: أشهد مُعَاوِيَة بَدْرًا؟ قَالَ: نعم، من الْجَانِب الآخر. قَالَ الْحجَّاج لصالح بن عبد الرَّحْمَن الْكَاتِب: إِنِّي فَكرت فِيك فَوجدت مَالك ودمك لي حَرَامًا. قَالَ: أَشد مَا فِي هَذَا أَيهَا الْأَمِير وَاحِدَة. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: أَن هَذَا بعد الفكرة. يُرِيد: أَن هَذَا مبلغ عقلك. نظر ثَابت بن عبد الله بن الزبير إِلَى أهل الشَّام فشتمهم، فَقَالَ لَهُ سعيد بن خَالِد بن عُثْمَان بن عَفَّان: إِنَّمَا تنتقصهم لأَنهم قتلوا أَبَاك. قَالَ: صدقت لقد قتلوا أبي، وَلَكِن الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار قتلوا أَبَاك. خطب أَبُو الْهِنْدِيّ - وَهُوَ خَالِد بن عبد القدوس بن شِيث بن ربعي -، إِلَى رجل من بني تَمِيم؛ فَقَالَ لَهُ: لَو كنت مثل أَبِيك لزوجتك، فَقَالَ: أَبُو الْهِنْدِيّ: لَكِن لَو كنت مثل أَبِيك مَا خطبت إِلَيْك. ووقف عَلَيْهِ نصر بن سيار وَهُوَ سَكرَان، فَسَبهُ، وَقَالَ لَهُ: ضيعت شرفك. فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي ضيعت شرفي لم تكن أَنْت وَالِي خُرَاسَان.

جلس مُحَمَّد بن عبد الْملك يَوْمًا للمظالم، وَحضر فِي جملَة النَّاس رجل زيه زِيّ الْكتاب، فَجَلَسَ بإزائه، وَمُحَمّد ينفذ الْكَلَام، وَهُوَ لَا يتَكَلَّم. وَمُحَمّد يتأمله، فَلَمَّا خف مَجْلِسه قَالَ لَهُ: مَا حَاجَتك؟ قَالَ: السَّاعَة أذكرها. فَلَمَّا خلا الْمجْلس تقدم وَقَالَ: جئْتُك أصلحك الله متظلماً. قَالَ: مِمَّن؟ قَالَ: مِنْك. قَالَ: مني؟ قَالَ: نعم. ضَيْعَة لي فِي يَد وكيلك يحمل إِلَيْك غَلَّتهَا ويحول بيني وَبَينهَا. قَالَ: فَمَا تُرِيدُ؟ قَالَ: تكْتب بتسليمها إليّ. قَالَ: هَذَا نحتاج فِيهِ إِلَى شُهُود وَبَيِّنَة وَأَشْيَاء كَثِيرَة. قَالَ الرجل: الشُّهُود هم الْبَيِّنَة و " أَشْيَاء كَثِيرَة " عيّ مِنْك. فَخَجِلَ مُحَمَّد وهاب الرجل، وَكتب لَهُ بِمَا أرضاه. قَالَ الْحجَّاج ليحيى بن سعيد بن الْعَاصِ: أَخْبرنِي عبد الله بن هِلَال صديق إِبْلِيس أَنَّك تشبه إِبْلِيس. قَالَ: وَمَا يُنكر الْأَمِير أَن يكون سيد الْإِنْس يشبه سيد الْجِنّ. لما هرب ابْن هُبَيْرَة من خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي قَالَ لَهُ: أبقت إباق العَبْد. فَقَالَ لَهُ: نعم حِين نمت نومَة الْأمة عَن عَجِينهَا. دخل رجل من ولد قُتَيْبَة بن مُسلم الْحمام، وبشار بن برد فِي الْحمام، فَقَالَ: يَا أَبَا معَاذ وددت أَنَّك مَفْتُوح الْعين. قَالَ: وَلم؟ قَالَ: لترى استي فتعرف أَنَّك قد كذت فِي شعرك حَيْثُ تَقول: على أستاه سادتهم كتاب ... " موَالِي عَامر " وسم بِنَار قَالَ: غَلطت يَا ابْن أخي. إِنَّمَا قلت: على أستاه سادتهم، وَلَيْسَت مِنْهُم. دخل إِيَاس بن مُعَاوِيَة الشَّام وَهُوَ غُلَام، فَقدم خصما لَهُ - وَكَانَ شَيخا كَبِيرا - إِلَى قَاضِي عبد الْملك، فَقَالَ لَهُ القَاضِي: أتقدم شَيخا كَبِيرا؟ قَالَ: الْحق أكبر مِنْهُ. قَالَ: اسْكُتْ. قَالَ: فَمن ينْطق بحجتي؟ قَالَ: لَا أَظُنك تَقول حَقًا حَتَّى تقوم. قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله. فَقَامَ القَاضِي فَدخل على عبد الْملك من

سَاعَته فَأخْبرهُ بالْخبر. فَقَالَ: اقْضِ حاجنه السَّاعَة، وَأخرجه من الشَّام، لِئَلَّا يفْسد علينا النَّاس. وَدخل عبيد الله بن زِيَاد بن ظبْيَان - وَكَانَ أفتك النَّاس وأخطب النَّاس - على عبد الْملك، فَأَرَادَ أَن يقْعد مَعَه على السرير، فَقَالَ لَهُ عبد الْملك: مَا بَال النَّاس يَزْعمُونَ أَنَّك لَا تشبه أَبَاك؟ قَالَ: وَالله لأَنا أشبه بِأبي من اللَّيْل بِاللَّيْلِ، والغراب بالغراب، وَالْمَاء بِالْمَاءِ، وَإِن شِئْت أَنْبَأتك عَمَّن لَا يشبه أَبَاهُ. قَالَ: وَمن ذَلِك؟ قَالَ: من لم يُولد لتَمام، وَلم تنضجه الْأَرْحَام، وَمن لم يشبه الأخوال والأعمام. قَالَ: وَمن ذَاك؟ قَالَ: ابْن عمي سُوَيْد بن منجوف. قَالَ: أَو كَذَلِك أَنْت يَا سُوَيْد؟ قَالَ: نعم. وَلما خرجا من عِنْده أقبل سُوَيْد وَقَالَ: وريت بك زنادي. وَالله مَا يسرني أَنَّك كنت نقصته حرفا وَأَن لي حمر النعم. قَالَ: وَالله وَأَنا مَا يسرني بِحِلْمِك الْيَوْم عني سود النعم. وَإِنَّمَا أَرَادَ عبيد الله بذلك عبد الْملك؟ فَإِنَّهُ كَانَ ولد سَبْعَة أشهر. وَعبيد الله هُوَ الَّذِي أَتَى بَاب مَالك بن مسمع، وَمَعَهُ نَار ليحرق عَلَيْهِ دَاره، وَقد كَانَ نابه أَمر فَلم يُرْسل إِلَيْهِ قبل النَّاس، فَأَشْرَف عَلَيْهِ مَالك، فَقَالَ: مهلا يَا أَبَا مطر. وَالله إِن فِي كِنَانَتِي سهم أَنا أوثق بِهِ مني بك. قَالَ: وَإنَّك لعدّني فِي كنانتك، فوَاللَّه أَو لَو قُمْت فِيهَا لطلتها، وَلَو قعدت فِيهَا لخرقتها. قَالَ: مهلا، أَكثر الله فِي الْعَشِيرَة مثلك. قَالَ: لقد سَأَلت رَبك شططاً. قَالَ رجل لرقبة بن مصقلة: مَا أكثرك فِي كل طَرِيق! . فَقَالَ لَهُ: لم تستكثر مني مَا تستقله من نَفسك؟ هَل لقيتني فِي طَرِيق إِلَّا وَأَنت فِيهِ؟ وَلما دخل إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن أبي حنيفَة الْبَصْرَة قَالَ: هَمَمْت أَن أؤدب من خَالف أَبَا حنيفَة فِي مَسْأَلَة. قَالَ لَهُ قَائِل: هَل كَانَ أَبُو حنيفَة يُؤَدب من خَالفه؟ قَالَ: لَا. قيل لَهُ، فأدّب نَفسك فقد خالفته. حدث بَعضهم قَالَ: خرجت فِي حَاجَة فَلَمَّا كنت بالسيالة وقفت على بَاب ابْن هرمة فَصحت: يَا أَبَا إِسْحَاق، فأجابتني ابْنَته قَالَت: خرج آنِفا. قَالَ:

فَقلت: هَل من قرى، فَإِنِّي مقو من الزَّاد. قَالَت: لَا وَالله. قلت: فَأَيْنَ قَول أَبِيك: لَا أمتع الْعود بالفصال، وَلَا ... أبتاع إِلَّا قريبَة الْأَجَل قَالَت: فَذَاك أفناها. قَالَ الْمهْدي يَوْمًا لِشَرِيك، وَعِيسَى بن مُوسَى عِنْده: لَو شهد عنْدك عِيسَى كنت تقبله؟ وَأَرَادَ أَن يغرى بَينهمَا. فَقَالَ شريك: من شهد عِنْدِي سَأَلت عَنهُ، وَلَا يسْأَل عَن عِيسَى غير أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَإِن زكيته قبلته. فقبلها عَلَيْهِ. قيل لسَعِيد بن الْمسيب وَقد كف: أَلا تقدح عَيْنك. قَالَ: حَتَّى أفتحها على من؟ قَالَ مَرْوَان يَوْم الزاب لحاجبه وَقد ولى مُنْهَزِمًا: كرّ عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ. فَقَالَ: لَا طَاقَة لي بهم. فَقَالَ: وَالله لَئِن لم تفعل بهم لأسوءنك. قَالَ: وددت أَنَّك تقدر على ذَلِك. ركب الرشيد وجعفر بن يحيى يسايره، وَقد بعث عليّ بن عِيسَى بِهَدَايَا خُرَاسَان بعد ولَايَة الْفضل بن يحيى، فَقَالَ الرشيد لجَعْفَر: أَيْن كَانَ هَذَا فِي أَيَّام أَخِيك؟ قَالَ: فِي منَازِل أَهله. قَالَ بحيرا الراهب لأبي طَالب: احذر على ابْن أَخِيك، فَإِنَّهُ سيصير إِلَى كَذَا وَكَذَا. قَالَ: إِن كَانَ الْأَمر كَمَا وصفت فَإِنَّهُ فِي حصن من الله. قَالَ رجل مطعون النّسَب لأبي عُبَيْدَة لما عمل كتاب المثالب: سببت الْعَرَب جَمِيعًا. قَالَ: وَمَا يَضرك؟ أَنْت خَارج من ذَلِك. قيل لإياس بن مُعَاوِيَة: إِنَّك لتعجب بِرَأْيِك. قَالَ: لَو لم أعجب بِهِ لم أقض بِهِ. قَالَ رجل لعامر بن الطُّفَيْل: استأسر. قَالَ: بَيت أمك لَا يسعني.

قَالَ الرشيد ليزِيد بن مزِيد فِي لعب الصوالجة: كن مَعَ عِيسَى بن جَعْفَر. فَأبى، فَغَضب الرشيد وَقَالَ: أتأنف أَن تكون مَعَه؟ قَالَ: قد حَلَفت لأمير الْمُؤمنِينَ أَلا أكون عَلَيْهِ فِي جد وَلَا هزل. دخل الْحجَّاج دَار عبد الْملك، فَقَالَ لَهُ خَالِد بن يزِيد: مَا هَذَا السَّيْف، وَإِلَى مَتى هَذَا الْقَتْل؟ قَالَ: مَا دَامَ بالعراق رجل يشْهد أَن أَبَاك كَانَ يشرب الْخمر. قيل لأبي عُبَيْدَة: " الْأَصْمَعِي دعيّ ". قَالَ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا أحد يَدعِي إِلَى أصمع. وَقع فِي بعض الثغور نفير؛ فَخرج رجل، وَمَعَهُ قَوس بِلَا نشاب، فَقيل لَهُ: أَيْن الشَّبَاب؟ قَالَ: يجِئ السَّاعَة إِلَيْنَا جَزَاء من عِنْد الْعَدو. قَالُوا: فَإِن لم يجِئ؟ قَالَ: إِن لم يجِئ لم تكن بَيْننَا وَبينهمْ حَرْب. قَالَ رجل لهشام بن الحكم أَلَيْسَ اخْتصم الْعَبَّاس وعليّ إِلَى عمر؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: فَأَيّهمَا كَانَ الظَّالِم؟ قَالَ: لَيْسَ فيهمَا ظَالِم. قَالَ: يَا سُبْحَانَ الله، كَيفَ يتخاصم اثْنَان وَلَيْسَ فيهمَا ظَالِم؟ قَالَ: كَمَا تخاصم الْملكَانِ إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَلَيْسَ فيهمَا ظَالِم. قَالَ رجل لِشَرِيك: أَخْبرنِي عَن قَول عليّ رَضِي الله عَنهُ لِابْنِهِ الْحسن: لَيْت أَبَاك مَاتَ قبل هَذَا الْيَوْم بِعشْرين سنة. أقاله وَهُوَ شاكّ فِي أمره؟ قَالَ: لَهُ شريك: أَخْبرنِي عَن قَول مَرْيَم: " يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا ". أقالته وَهِي شاكة فِي عفتها؟ فَسكت الرجل. اسْتَأْذن أَبُو سُفْيَان على عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فحجبه، فَقيل لَهُ: حجبك أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ: لَا عدمت من قومِي من إِذا شَاءَ حجبني. دخل الْوَلِيد بن يزِيد على هِشَام، وعَلى الْوَلِيد عِمَامَة وشي، فَقَالَ هِشَام: بكم أخذت عمامتك؟ قَالَ: بِأَلف دِرْهَم. فَقَالَ هِشَام: عِمَامَة بِأَلف؟ - يستكثر ذَلِك - فَقَالَ الْوَلِيد: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّهَا لأكرم أطرافي. وَقد اشْتريت أَنْت جَارِيَة بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم لأخس أطرافك.

بَات الْمفضل الضَّبِّيّ عِنْد الْمهْدي. فَلم يزل يحدثه وينشده حَتَّى جرى ذكر حَمَّاد الراوية، فَقَالَ لَهُ الْمهْدي: مَا فعل عِيَاله؟ وَمن أَيْن يعيشون؟ قَالَ: من لَيْلَة مثل هَذِه كَانَت لَهُ مَعَ الْوَلِيد بن يزِيد. لما قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَة: فَاضْرب بطرفك حَيْثُ شئ ... ت، فَلَنْ ترى إِلَّا بَخِيلًا قيل لَهُ: بخلت النَّاس كلهم. قَالَ: فأكذبوني بِوَاحِد. دَعَا أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور أَبَا حنيفَة إِلَى الْقَضَاء. فَأبى، فحبسه، ثمَّ دَعَا بِهِ، فَقَالَ لَهُ: أترغب عَمَّا نَحن فِيهِ؟ فَقَالَ: أصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ، لَا أصلح للْقَضَاء. فَقَالَ: كذبت. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: قد حكم عليّ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنِّي لَا أصلح للْقَضَاء، لِأَنَّهُ نسبني إِلَى الْكَذِب، فَإِن كنت كَاذِبًا فَأَنا لَا أصلح، وَإِن كنت صَادِقا، فَإِنِّي قد صدقت عَن نَفسِي أَنِّي لَا أصلح. فَرده إِلَى الْحَبْس. قَالَ الْحسن بن سهل: مَا نكأ قلبِي كَقَوْل خاطبني بِهِ أَعْرَابِي يحجّ يَوْمًا بالعرب، فَقلت لَهُ: رَأَيْت مَنَازِلكُمْ وخيامكم تِلْكَ الصغار، فَقَالَ لي بالعجلة: فَهَل رَأَيْت فِيهَا من ينْكح أمه أَو أُخْته؟ قَالَ رجل لآخر: أَلا تستحيي من إِعْطَاء الْقَلِيل؟ فَقَالَ: الحرمان أقل مِنْهُ. شكا يزِيد بن أسيد إِلَى الْمَنْصُور مَا ناله من الْعَبَّاس بن مُحَمَّد أَخِيه، فَقَالَ الْمَنْصُور: اجْمَعْ إحساني إِلَيْك وإساءة أخي، فَإِنَّهُمَا يعتدلان. قَالَ: إِذا كَانَ إحسانكم إِلَيْنَا لإساءتكم. كَانَت الطَّاعَة منا تفضلا.

كتب ملك الرّوم إِلَى ملك فَارس: كل شَيْء تَقوله كذب. فَكتب إِلَيْهِ: صدقت. أَي أَنِّي فِي تصديقك كَاذِب. قَالَ بَعضهم: التقى رجلَانِ فِي بعض بِلَاد الْهِنْد، فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر - وَكَانَ غَرِيبا -: مَا أقدمك بِلَادنَا؟ فَقَالَ: قدمت أطلب علم الْوَهم. قَالَ: فَتوهم أَنَّك قد أصبته، وَانْصَرف. فأفحمه. قَالَ رجل لِسُلَيْمَان الشَّاذكُونِي: أرانيك الله يَا أَبَا أَيُّوب على قَضَاء أَصْبَهَان. فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان: إِن كَانَ وَلَا بُد فعلى خراجها، فَإِن أَخذ مَال الْأَغْنِيَاء أسهل من أَخذ أَمْوَال الْيَتَامَى. قَالَ رجل من ولد عِيسَى بن مُوسَى لِشَرِيك بن عبد الله حِين عزل عَن الْقَضَاء: يَا أَبَا عبد الله، هَل رَأَيْت قَاضِيا عزل؟ قَالَ: نعم، وَولى عهد خلع. قَالَ مُصعب بن الزبير لسكينة بنت الْحُسَيْن: أَنْت مثل البغلة لَا تلدين. قَالَت: لَا وَالله، وَلَكِن أبي كرمي أَن يقبل لؤمك. قَالَ رجل لآخر: إِن قلت كلمة سَمِعت عشرا. فَقَالَ لَهُ: لَو قلت عشرا. مَا سَمِعت كلمة. قَالَ مُحَمَّد بن مسعر: كنت أَنا وَيحيى بن أَكْثَم عِنْد سُفْيَان، فَبكى سُفْيَان. فَقَالَ لَهُ يحيى: مَا يبكيك يَا أَبَا مُحَمَّد؟ فَقَالَ لَهُ: بعد مجالستي أَصْحَاب أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بليت بمجالستكم. فَقَالَ يحيى - وَكَانَ حَدثا -: فمصيبة أَصْحَاب أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمجالستك إيَّاهُم بعد أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعظم من مصيبتك. فَقَالَ: يَا غُلَام، أَظن السُّلْطَان سيحتاج إِلَيْك. دَعَا الْحجَّاج رجلا ليوجهه إِلَى محاربة عَدو، فَقَالَ لَهُ: أعندك خير؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن عِنْدِي شَرّ. قَالَ: هَذَا هُوَ الَّذِي أريدك لَهُ، امْضِ لوجهك. أكل أَعْرَابِي من بني عذرة مَعَ مُعَاوِيَة، فجرف مَا بَين يَدي مُعَاوِيَة، ثمَّ مد يَده هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَرَأى بَين يَدي مُعَاوِيَة ثريدة كَثِيرَة السّمن فجرها، فَقَالَ

مُعَاوِيَة: " أخرقتها لتغرق أَهلهَا ". فَقَالَ الْأَعرَابِي: لَا، وَلَكِن " سقناه إِلَى بلد ميت ". لما بنى مُحَمَّد بن عمرَان قصراً حِيَال قصر الْمَأْمُون، قيل لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، باراك وباهاك. فَدَعَاهُ وَقَالَ: لم بنيت هَذَا الْقصر حذائي؟ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَحْبَبْت أَن ترى أثر نِعْمَتك عليّ، فَجَعَلته نصب عَيْنَيْك. فَاسْتحْسن جَوَابه، وأجزل عطيته. قَالَ رجل لأبي عُبَيْدَة: أحب أَن تخرج لي أَيَّام عشيرتي - وَكَانَ دعيّا - فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مثلك مثل رجل قَالَ لآخر: اقْرَأ لي من: " قل هُوَ الله أحد " عشْرين آيَة. قَالَ: لَا، وَلَكِنَّك تبغض الْعَرَب. قَالَ: وَمَا عَلَيْك من ذَاك؟ . قَالَ رجل لِابْنِهِ، وَكَانَت أمه سَرِيَّة: يَا ابْن الْأمة. قَالَ: هِيَ عِنْدِي أَحْمد مِنْك. قَالَ: وَلم؟ قَالَ: لِأَنَّهَا ولدتني من حر، وولدتني من أمة. قَالَت عَجُوز: اللَّهُمَّ لَا تمتني حَتَّى تغْفر لي. فَقَالَ زَوجهَا: إِذا لَا تموتين أبدا. شاتم أَعْرَابِي ابْنه فنفاه وَقَالَ: لست بِابْني. فَقَالَ: وَالله لأَنا أشبه بك مِنْك بأبيك، ولأنت كنت على أُمِّي أغير من أَبِيك على أمك. كَانَ بَعضهم يتقلد أَعمال السُّلْطَان، فجَاء أَبوهُ يَوْمًا فَسَأَلَهُ فِي أَمر إِنْسَان، فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِ وضجر مِنْهُ، فَقَالَ لِأَبِيهِ: أحب أَن أَسأَلك، إِذا جَاءَك إِنْسَان وَقَالَ: كلم ابْنك. تسبني وَتقول: لَيْسَ ذَلِك بِابْني؟ فَقَالَ لَهُ: أَنا أَقُول هَذَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة فَلَا يقبل مني. بعث معن بن زَائِدَة إِلَى ابْن عَيَّاش المنتوف ألف دِينَار، وَكتب إِلَيْهِ: قد بعثت إِلَيْك ألف دِينَار، واشتريت بهَا دينك. فَكتب إِلَيْهِ: وصل مَا أنفذت وَقد بِعْتُك بهَا ديني مَا خلا التَّوْحِيد، لعلمي بقلة رغبتك فِيهِ.

لما قدم مُعَاوِيَة حَاجا فِي خمس وَأَرْبَعين تَلَقَّتْهُ قُرَيْش بوادي الْقرى، وَتَلَقَّتْهُ الْأَنْصَار بأجزاع الْمَدِينَة، فَقَالَ: يَا معشر الْأَنْصَار، مَا منعكم أَن تتلقوني حَيْثُ تلقتني قُرَيْش؟ قَالُوا: لم يكن لنا دوابّ. قَالَ: فَأَيْنَ النَّوَاضِح؟ قَالُوا: أنضيناها يَوْم بدر فِي طلب أبي سُفْيَان. قَالَ بَعضهم لشيطان الطاق: أتحل الْمُتْعَة؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَزَوجنِي أمك مُتْعَة. قَالَ: يَا أَحمَق إِذا زَوجتك لم تكن مُتْعَة، أما الْمُتْعَة إِذا زجتك نَفسهَا. وَكَانَ أَبُو حنيفَة وَشَيْطَان الطاق يمشيان ذَات يَوْم إِذْ سمعا رجلا يَقُول: من يدلنا على صبي ذال؟ فَقَالَ شَيْطَان الطاق: أما الصَّبِي فَلَا أَدْرِي، وَلَكِن إِن أردْت أَن أدلك على شيخ ضال فها هُوَ. وَأَوْمَأَ إِلَى أبي حنيفَة. لما أَخذ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان صَالح بن عبد القدوس ليوجه بِهِ إِلَى الْمهْدي، قَالَ: أطلقني حَتَّى أفكر لَك فيولد لَك ذكر. قَالَ: بل اصْنَع مَا هُوَ أَنْفَع لَك من أَن يُولد لي، فكر حَتَّى تفلت من يَدي. قَالَ مَرْوَان بن الحكم لحبيش بن دلجة: أَظُنك أَحمَق. فَقَالَ: أَحمَق مَا يكون الشَّيْخ إِذا عمل بظنه. قَالَ بَعضهم لأبي تَمام: لم لَا تَقول مَا يفهم؟ فَقَالَ: لم لَا تفهمون مَا يُقَال. قَالَ مُعَاوِيَة: لَو ولد أَبُو سُفْيَان النَّاس كلهم كَانُوا حلماء. فَقَالَ لَهُ أَبُو جهم بن حُذَيْفَة: قد ولدهم من هُوَ خير من أبي سُفْيَان، آدم عَلَيْهِ السَّلَام، فَمنهمْ: الْحَلِيم وَالسَّفِيه، والعاقل والأحمق، والصالح والطالح. قَالَ الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ لشريح القَاضِي: يَا أَبَا أُميَّة، عهدي بك وَإِن شَأْنك لشؤين. فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد أَنْت تعرف نعْمَة الله على غَيْرك وتجهلها فِي نَفسك.

دخل رجل على دَاوُد الطَّائِي وَهُوَ يَأْكُل خبْزًا قد بله بِالْمَاءِ مَعَ ملح جريش. فَقَالَ لَهُ: كَيفَ تشْتَهي هَذَا؟ قَالَ: إِذا لم أشتهه تركته حَتَّى أشتهيه. قَالَ الرشيد: مَا رَأَيْت أزهد من الفضيل، فَقَالَ الفضيل لما بلغه ذَلِك: هُوَ أزهد مني؛ لِأَنِّي أزهد فِي فان، وَهُوَ يزهد فِي بَاقٍ. وَمر عبد الله بن عَامر بعامر بن عبد قيس وَهُوَ يَأْكُل بقلاً بملح، فَقَالَ لَهُ: لقد رضيت بِالْقَلِيلِ. فَقَالَ: أرْضى مني بِالْقَلِيلِ من رَضِي بالدنيا. نظر الفرزدق إِلَى شيخ من الْيمن فَقَالَ: كَأَنَّهُ عَجُوز سبأ. فَقَالَ لَهُ: عَجُوز سبأ خير من عَجُوز مُضر، تِلْكَ. قَالَت: " رب إِنِّي ظلمت نَفسِي وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان لله رب الْعَالمين ". وَهَذِه: " حمالَة الْحَطب. فِي جيدها حَبل من مسد ". قَالَ ابْن ملجم - لَعنه الله - لعَلي رَضِي الله عَنهُ لما ضربه بِالسَّيْفِ: إِنِّي اشْتريت سَيفي هَذَا بِأَلف وسممته بِأَلف، وَسَأَلت الله أَن يقتل بِهِ شَرّ خلقه، فَقَالَ عَليّ كرم الله وَجهه: قد أجَاب الله دعوتك. يَا حسن، إِذا مت فاقتله بِسَيْفِهِ. قدم مرزبان من مرازبة فَارس بَاب السُّلْطَان فِي أَيَّام الْمهْدي يشكو عاملهم، فَقَالَ لأبي عبيد الله الْوَزير: أصلحك الله. إِنَّك وليت علينا رجلا، إِن كنت وليته وَأَنت تعرفه، فَمَا خلق الله رعية أَهْون عَلَيْك منا، وَإِن كنت لم تعرفه، فَمَا هَذَا جَزَاء الْملك الَّذِي ولاك أمره، وأقامك مقَامه. فَدخل أَبُو عبيد الله على الْمهْدي وَأخْبرهُ، وَخرج فَقَالَ: إِن هَذَا رجل كَانَ لَهُ علينا حق

فكافأناه. فَقَالَ لَهُ: أصلحك الله، إِنَّه كَانَ على بَاب كسْرَى ساجة منقوشة بِالذَّهَب مَكْتُوب عَلَيْهَا: الْعَمَل للكفاءة، وَقَضَاء الْحُقُوق على بيُوت الْأَمْوَال، فَأمر الْمهْدي بعزل الْعَامِل. وتظلم أهل الْكُوفَة إِلَى الْمَأْمُون من عَامل ولاه عَلَيْهِم، فَقَالَ: مَا علمت فِي عمالي أعدل وَلَا أقوم بِأَمْر الرّعية، وأعود بالرفق عَلَيْهِم مِنْهُ. فَقَامَ رجل من الْقَوْم، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: مَا أحد أولى بِالْعَدْلِ والإنصاف مِنْك. فَإِذا كَانَ عاملنا بِهَذِهِ الصّفة فَيَنْبَغِي أَن يعدل بولايته بَين أهل الْبلدَانِ، ويساوي بِهِ بَين أهل الْأَمْصَار، حَتَّى يلْحق كل بلد وَأَهله من عدله وإنصافه مثل الَّذِي لحقنا. وَإِذا فعل ذَلِك أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَا يصيبنا مِنْهُ أَكثر من ثَلَاث سِنِين. فَضَحِك الْمَأْمُون، وعزل الْعَامِل عَنْهُم. قَالَ أَحْمد بن أبي خَالِد يَوْمًا لثمامة: أَنا أعرف لكل وَاحِد مِمَّن فِي هَذِه الدَّار معنى غَيْرك، فَإِنِّي لَا أعرف لَك معنى، وَلَا أَدْرِي لماذا تصلح. فَقَالَ ثُمَامَة: أَنا أصلح أَن أشاور فِي مثلك، هَل تصلح لموضعك. فأفحمه. حمل بعض الصُّوفِيَّة طَعَاما إِلَى طحان ليطحنه، فَقَالَ: أَنا مَشْغُول. فَقَالَ: اطحنه وَإِلَّا دَعَوْت عَلَيْك وعَلى حِمَارك ورحاك. قَالَ: وَأَنت مجاب الدعْوَة؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَادع الله أَن يصير حنطتك دَقِيقًا، فَهُوَ أَنْفَع لَك، واسلم لدينك. هجا أَبُو الهول الْحِمْيَرِي الْفضل بن يحيى، ثمَّ أَتَاهُ رَاغِبًا، فَقَالَ لَهُ الْفضل: وَيحك، بِأَيّ وَجه تَلقانِي؟ قَالَ: بِالْوَجْهِ الَّذِي ألْقى بِهِ رَبِّي جلّ جَلَاله، وذنوبي إِلَيْهِ أَكثر. فَضَحِك وَوَصله. قَالَ الْحجَّاج لسَعِيد بن جُبَير: اختر لنَفسك أَي قتلة شِئْت. قَالَ: بل اختر أَنْت؛ فَإِن الْقصاص أمامك. جَاءَ شيخ من بني عقيل إِلَى عمر بن هُبَيْرَة فمتّ بقرابته، وَسَأَلَهُ، فَلم يُعْطه شَيْئا. فَعَاد إِلَيْهِ بعد أَيَّام فَقَالَ: أَنا الْعقيلِيّ الَّذِي سَأَلَك مُنْذُ أَيَّام. قَالَ عمر: وَأَنا الْفَزارِيّ الَّذِي مَنعك مُنْذُ أَيَّام. فَقَالَ معذرة إِلَى الله، إِنِّي سَأَلتك

وَأَنا أَظُنك يزِيد بن هُبَيْرَة الْمحَاربي، فَقَالَ: ذَاك ألأم لَك، وأهون بك عَليّ، نَشأ فِي قَوْمك مثلي وَلم تعلم بِهِ، وَمَات مثل يزِيد وَلَا تعلم بِهِ. يَا حرسي اسفع يَده. قَالَ عمر بن الْوَلِيد للوليد بن يزِيد: إِنَّك لتعجب بالإماء. قَالَ: وَكَيف لَا أعجب بِهن، وَهن يَأْتِين بمثلك. سُئِلَ بعض من كَانَ أَبوهُ مُتَقَدما فِي الْعلم عَن مَسْأَلَة، فَقَالَ: لَا أَدْرِي و " لَا أَدْرِي " نصف الْعلم. فَقَالَ لَهُ بعض من حضر: وَلَكِن أَبَاك بِالنِّصْفِ الآخر تقدم. وَقَالَ رجل لرجل قَالَ: " لَا أَدْرِي، وَلَا أَدْرِي، نصف الْعلم ": نعم، وَلكنه أخس النصفين. وَقيل لآخر: مَا تَقول فِي كَذَا؟ فَقَالَ: " لَا أَدْرِي، وَلَا أَدْرِي، نصف الْعلم ". فَقيل لَهُ: قل ذَلِك دفعتين وَهُوَ الْعلم كُله. بعث الأفشين إِلَى ابْن أبي دؤاد: مَا أحب أَن تجيئني، فَلَا تأتني. فَأَجَابَهُ: مَا أَتَيْتُك متعززاً بك من ذلة، وَلَا متكثراً بك من قلَّة، وَلَكِنَّك رجل رفعتك دولة، فَإِن جئْتُك فلهَا، وَإِن قعدت عَنْهَا فلك. أُتِي مُعَاوِيَة بسارق فَأمر بِقطعِهِ، فَخرجت إِلَيْهِ أمه وَقَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، واحدي وكاسبي. فَقَالَ: يَا أمة الله، هَذَا حد من حُدُود الله. قَالَت: اجْعَلْهُ مَعَ صفّين ونظائرها. فَعَفَا عَنهُ. مشت قُرَيْش إِلَى أبي طَالب بعمارة بن الْوَلِيد، فَقَالُوا: ادْفَعْ إِلَيْنَا مُحَمَّدًا نَقْتُلهُ، وَأمْسك عمَارَة فاتخذه ولدا مَكَانَهُ. فَقَالَ: مَا أنصفتموني يَا معشر قُرَيْش. أدفَع إِلَيْكُم ابْني تَقْتُلُونَهُ، وَأمْسك ابنكم أغذوه لكم! كَانَ ربيعَة الرَّأْي لَا يكَاد يسكت، وَتكلم يَوْمًا وَأكْثر وأعجب بِالَّذِي كَانَ مِنْهُ؛ فَالْتَفت إِلَى أَعْرَابِي كَانَ عِنْده وَسَأَلَ الْأَعرَابِي: مَا تَعدونَ العي فِيكُم؟ قَالَ: مَا كنت فِيهِ مُنْذُ الْيَوْم.

دخل عبيد الله بن زِيَاد بن ظبْيَان على أَبِيه وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَلا أوصِي بك الْأَمِير زياداً؟ قَالَ: لَا. قَالَ: وَلم ذَاك؟ قَالَ: إِذا لم يكن للحي إِلَّا وَصِيَّة الْمَيِّت فالحي هُوَ الْمَيِّت. كتب إِبْرَاهِيم بن سيابة إِلَى صديق لَهُ، كثير المَال، يستسلف مِنْهُ نَفَقَة، فَكتب إِلَيْهِ: الْعِيَال كثير، والدخل قَلِيل، وَالدّين ثقيل، وَالْمَال مَكْذُوب عَلَيْهِ. فَكتب إِلَيْهِ إِبْرَاهِيم: إِن كنت كَاذِبًا فجعلك الله صَادِقا، وَإِن كنت محجوجاً فجعلك الله مَعْذُورًا. أَدخل زفر بن الْحَارِث على عبد الْملك بعد الصُّلْح، فَقَالَ: مَا بَقِي من حبك للضحاك؟ . قَالَ: مَا لَا يَنْفَعنِي وَلَا يَضرك. قَالَ: شدّ مَا أحببتموه معاشر قيس! قَالَ: أحببناه، وَلم نواسه، وَلَو كُنَّا واسيناه لقد كُنَّا أدركنا مَا فاتنا مِنْهُ. قَالَ: فَمَا مَنعك من مواساته يَوْم المرج؟ قَالَ: الَّذِي منع اباك من مواساة عُثْمَان يَوْم الدَّار. دخل الشّعبِيّ الْحمام وَفِيه رجل متكشف، فغمض عَيْنَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الرجل: يَا شيخ، مَتى ذهبت عَيْنك؟ فَقَالَ: مُنْذُ هتك الله سترك. كتب عَمْرو بن عبد الْعَزِيز إِلَى أبي مجَاز، فَقدم إِلَيْهِ من خُرَاسَان، وَدخل مَعَ النَّاس فَلم يعرفهُ عمر، وَخرج فَسَأَلَ عَنهُ بعد ذَلِك فَقيل لَهُ: قد كَانَ دخل عَلَيْك، فَدَعَا بِهِ وَقَالَ لَهُ: لم أعرفك. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. إِذا لم تعرفنِي، فَهَلا أنكرتني. حلف رجل بِالطَّلَاق أَن الْحجَّاج فِي النَّار. فَقيل لَهُ: سل عَن يَمِينك. فَأتى أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ فَأخْبرهُ، فَقَالَ: لست أُفْتِي فِي هَذَا بِشَيْء، يغْفر الله لمن يَشَاء. فَأتى عَمْرو بن عبيد فَأخْبرهُ، فَقَالَ: تمسك بأهلك، فَإِن الْحجَّاج إِن لم يكن من أهل النَّار فَلَيْسَ يَضرك أَن تَزني. كَانَ الْوَلِيد بن عبد الْملك يلْعَب بالحمام؛ فَخَلا لذَلِك يَوْمًا، واستؤذن لنوفل بن مساحق، فَأذن لَهُ، فَلَمَّا دخل قَالَ: خصصتك بِالْإِذْنِ دون النَّاس. فَقَالَ: مَا خصصتني وَلَكِن خسستني، وكشفت لي عَن عَورَة من عوراتك.

قَالَ مُوسَى بن سعيد بن سلم: قَالَ أَبُو الْهُذيْل لأبي يَوْمًا: إِنِّي لَا أجد فِي الْغناء مَا يجد النَّاس من الطَّرب {فَقَالَ لَهُ: فَمَا أعرف إِذا فِي الْغناء ذَنبا. أُتِي ضرار الْمُتَكَلّم بمجوسي ليكلمه، فَقَالَ: أَبُو من؟ فَقَالَ الْمَجُوسِيّ: نَحن أجل من أَن نسب إِلَى أَبْنَائِنَا، إِنَّمَا ننسب إِلَى آبَائِنَا، فَأَطْرَقَ ضرار ثمَّ قَالَ: أَبْنَاؤُنَا أفعالنا، وآباؤنا أَفعَال غَيرنَا، وَلِأَن ننسب إِلَى أفعالنا، أولى من أَن ننسب إِلَى أَفعَال غَيرنَا. كَانَ يناظر رجل يحيى بن أَكْثَم، وَكَانَ يَقُول لَهُ فِي أثْنَاء كَلَامه: يَا أَبَا زَكَرِيَّا. وَكَانَ يحيى يكنى بِأبي مُحَمَّد. فَقَالَ يحيى: لست بِأبي زَكَرِيَّا. فَقَالَ الرجل: كل يحيى كنيته أَبُو زَكَرِيَّا. فَقَالَ: الْعجب أَنَّك تناظرني فِي إبِْطَال الْقيَاس، وتكنيني بِالْقِيَاسِ. لما عزل عُثْمَان عَمْرو بن الْعَاصِ، وَولى عبد الله بن أبي السَّرْح مَكَانَهُ، دخل عَلَيْهِ عَمْرو، فَقَالَ: أشعرت أَن اللقَاح بعْدك درت أَلْبَانهَا بِمصْر؟ فَقَالَ: نعم، وَلَكِنَّكُمْ أعجفتم أَوْلَادهَا. عرض على رجل ليشتريه، فَقَالَ: مَا عِنْدِي ثمنه. فَقَالَ البَائِع: أَنا أؤخرك. فَقَالَ: بل أَنا أؤخر نَفسِي. سَار الْفضل بن الرّبيع إِلَى أبي عباد فِي نكبته يسْأَله حَاجَة، فأرتج عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْعَبَّاس، بِهَذَا الْبَيَان خدمت خليفتين؟} فَقَالَ: إِنَّا تعودنا أَن نسْأَل وَلَا نسْأَل. دخل أشعري على الرشيد وَسَأَلَهُ فَقَالَ: احتكم. قَالَ: يحكّم بعد أبي مُوسَى؟ فَضَحِك وَأَعْطَاهُ. دخل قيس بن عَاصِم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِنِّي وَأَدت اثْنَتَيْ عشرَة بِنْتا فِي الْجَاهِلِيَّة، فَمَا اصْنَع؟ قَالَ: اعْتِقْ عَن كل موءودة نسمَة. فَقَالَ أَبُو بكر: مَا

الَّذِي حملك على ذَلِك وَأَنت أكبر الْعَرَب؟ قَالَ: مَخَافَة أَن ينكحهن مثلك. فَتَبَسَّمَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ: " هَذَا سيد أهل الْوَبر ". سُئِلَ الشّعبِيّ عَن شَيْء، فَقَالَ: لَا أَدْرِي. فَقيل لَهُ: أما تَسْتَحي أَن تَقول: لَا أَدْرِي وَأَنت فَقِيه الْعرَاق؟ قَالَ: لَكِن الْمَلَائِكَة لم تستح إِذْ قَالَت: " سُبْحَانَكَ لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا ". خطب أَبُو الْهِنْدِيّ إِلَى رجل، فَقَالَ لَهُ: لَو كنت مثل أَبِيك زَوجتك. فَقَالَ أَبُو الْهِنْدِيّ: لَو كنت مثل أبي مَا خطبت إِلَيْك. قَالَ مُحَمَّد بن عبد الْملك لبَعض الْكتاب: كلمت أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي عمر بن فرج فَعَزله من الدِّيوَان. فَقَالَ لَهُ: فرغته لطلب عيوبك. جاور إِبْرَاهِيم بن سيابة قوما فأزعجوه من جوارهم، فَقَالَ: لم تخرجونني من جواركم؟ فَقَالُوا: لِأَنَّك مريب. فَقَالَ: وَيحكم. وَمن أذلّ من مريب، أَو أحسن جواراً؟ . قيل لبَعض الصُّوفِيَّة: أتبيع جبتك الصُّوف؟ قَالَ: إِذا بَاعَ الصياد شبكته فَبِأَي شَيْء يصطاد؟ . قَالُوا: لما ضرب سعيد بن الْمسيب أقيم للنَّاس، فمرت بِهِ أمة لبَعض المدينيين، فَقَالَت: لقد أَقمت مقَام الخزي يَا شيخ. فَقَالَ سعيد: من مقَام الخزي فَرَرْت. سَمِعت الصاحب رَحمَه الله يَقُول: إِن بعض ولد أبي مُوسَى

الْأَشْعَرِيّ عير بِأَنَّهُ كَانَ حجاماً، فَقَالَ: مَا حجم قطّ غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقيل لَهُ: كَانَ ذَلِك الشَّيْخ أتقى لله من أَن يتَعَلَّم الْحجامَة فِي عنق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ الصاحب: وَأَنا أَقُول: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحزم من أَن يُمكن من حجامته من لم يحجم قطّ أحدا. أخذت الْخَوَارِج رجلا فَقَالَت لَهُ: ابرأ من عُثْمَان وَعلي. فَقَالَ: أَنا من عَليّ، وَمن عُثْمَان برِئ. قَالَ مُعَاوِيَة لرجل: أَنْت سيد قَوْمك. قَالَ: الدَّهْر ألجأهم إليّ. قَالَ ذُو الرياستين لثمامة: مَا أَدْرِي مَا اصْنَع فِي كَثْرَة طلاب الْحَوَائِج وغاشية الْبَاب! . فَقَالَ: زل عَن مَكَانك وموضعك من السُّلْطَان، وعَلى أَلا يلقاك أحد مِنْهُم. قَالَ: صدقت. وَقعد لَهُم، وَنظر فِي أُمُورهم. وَقَالَ بَعضهم لسَعِيد بن الْعَاصِ: عرضت لي إِلَيْك حويجة. فَقَالَ: اطلب لَهَا رجيلاً. وبضد ذَلِك مَا قَالَه ابْن عَبَّاس، فَإِنَّهُ قَالَ: هَاتِهَا؛ فَإِن الْحر لَا يكبر عَن صَغِير حَاجَة أَخِيه، وَلَا يصغر عَن كبيرها. دخل الرقاشِي على المعتصم فِي يَوْم مطير، فَقرب مَجْلِسه ورحب بِهِ. وَقَالَ لَهُ: أقِم عندنَا يَوْمك نشرب ونطرب. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنِّي وجدت فِي الْكتب السالفة: أَن الله جلّ ذكره لما خلق الْعقل قَالَ لَهُ: أقبل. فَأقبل، ثمَّ قَالَ لَهُ: أدبر. فَأَدْبَرَ، ثمَّ قَالَ لَهُ: وَعِزَّتِي، مَا خلقت خلقا أكْرم مِنْك عليّ، بك أعطي، وَبِك أمنع، وَبِك آخذ. فَلَو وجدت عقلا يُبَاع لاشتريته، واضفته إِلَى عَقْلِي. فَكيف أشْرب مَا يزِيل مَا معي من الْعقل؟ قَالَ المعتصم: عقلك أوردك هَذَا الْمَكَان. قيل لسَعِيد بن سلم: لم لَا تشرب النَّبِيذ؟ قَالَ: تركت كَثِيره لله وقليله للنَّاس. وَقيل للْعَبَّاس بن مرداس: لم تركت الشّرْب وَهُوَ يزِيد فِي جرأتك وسماحك؟ قَالَ: أكره أَن أصبح سيد قوم، وأمسي سفيههم.

خَاصم رجل من ولد أبي لَهب آخر من ولد عَمْرو بن الْعَاصِ، فَعَيَّرَهُ وعيره الآخر بِسُورَة: تبّت. فَقَالَ اللهبي: لَو علمت مَا لولد أبي لَهب فِي هَذِه السُّورَة لم تعبهم؛ لِأَن الله صحّح نسبهم بقوله: " وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب "؛ فَبين أَنهم من نِكَاح لَا من سفاح، وَنفى بني الْعَاصِ بقوله: " زنيم " والزنيم: المنتسب إِلَى غير أَبِيه. قَالَ يحيى بن أَكْثَم لشيخ بِالْبَصْرَةِ: بِمن اقتديت فِي تَحْلِيل الْمُتْعَة؟ فَقَالَ: بعمر بن الْخطاب، فَإِنَّهُ قَالَ: إِن الله وَرَسُوله أحلا لكم متعتين، وَأَنا أحرمهما عَلَيْكُم وأعاقب. فَقبلنَا شَهَادَته، وَلم نقبل تَحْرِيمه. أَتَى رجل أَعور فِي زمَان عمر، فَشهد أَنه رأى الْهلَال. فَقَالَ عمر: بِأَيّ عَيْنَيْك رَأَيْت؟ قَالَ: بشرهما، وَهِي الْبَاقِيَة؛ لِأَن الْأُخْرَى ذهبت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض غَزَوَاته. فَأجَاز شَهَادَته. رأى مَجُوسِيّ فِي مجْلِس الصاحب رَحمَه الله لهيب نَار، فَقَالَ: مَا أشرفه {فَقَالَ الصاحب: مَا أشرفه وقوداً، وأخسه معبوداً} . صَحَّ عِنْد بعض الْقُضَاة إعدام رجل فأركبه حمارا وَنُودِيَ عَلَيْهِ: هَذَا معدم، فَلَا يعاملنه أحد إِلَّا بِالنَّقْدِ، فَلَمَّا كَانَ آخر النَّهَار نزل عَن الْحمار، فَقَالَ لَهُ المكاري: هَات أجرتي. فَقَالَ: فيمَ كُنَّا نَحن مُنْذُ الْغَدَاة؟ تقدم سقاء إِلَى فَقِيه على بَاب سُلْطَان، فَسَأَلَهُ عَن مَسْأَلَة، فَقَالَ: أَهَذا مَوضِع الْمَسْأَلَة؟ فَقَالَ لَهُ: وَهَذَا مَوضِع الْفُقَهَاء؟ قَالَ الْأَصْمَعِي: ضرب أَبُو المخش الْأَعرَابِي غلماناً للمهدي. فَاسْتَعدوا عَلَيْهِ، فَأحْضرهُ وَقَالَ: اجترأت على غلماني فضربتهم. فَقَالَ: كلنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ غلمانك ضرب بَعْضنَا بَعْضًا. فخلى عَنهُ. اعْترض رجل الْمَأْمُون فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَنا رجل من الْعَرَب. فَقَالَ: مَا ذَاك بعجب. قَالَ: إِنِّي أُرِيد الْحَج. قَالَ: الطَّرِيق أمامك نهج. قَالَ:

وَلَيْسَت لي نَفَقَة. قَالَ: قد سقط الْفَرْض. قَالَ: إِنِّي جئْتُك مستجدياً لَا مستفتياً. فَضَحِك وَأمر لَهُ بصلَة. قَالَ بَعضهم: مَا قطعني إِلَّا غُلَام قَالَ لي: مَا تَقول فِي مُعَاوِيَة؟ قلت: إِنِّي أَقف فِيهِ. قَالَ: فَمَا تَقول فِي يزِيد؟ قلت: ألعنه لَعنه الله. قَالَ: فَمَا تَقول فِيمَن يُحِبهُ؟ قلت: ألعنه. قَالَ: أفترى مُعَاوِيَة لَا يحب يزِيد ابْنه {؟ قَالَ الْحجَّاج لرجل: أَنا أطول أم أَنْت؟ فَقَالَ: الْأَمِير أطول عقلا، وَأَنا أبسط قامة. قدم رجل من الْيَمَامَة فَقيل لَهُ: مَا أحسن مَا رَأَيْت بهَا؟ قَالَ: خروجي مِنْهَا أحسن مَا رَأَيْت بهَا. مدح رجل هشاماً فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا، إِنَّه قد نهي عَن مدح الرجل فِي وَجهه فَقَالَ لَهُ: مَا مدحتك، وَإِنَّمَا أذكرتك نعْمَة الله، لتجدد لَهُ شكرا. عَاتب الْفضل بن سهل الْحُسَيْن بن مُصعب فِي أَمر ابْنه طَاهِر، والتوائه وتلونه، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن: أَنا أَيهَا الْأَمِير شيخ فِي أَيْدِيكُم، لَا تذمون إخلاصي وتلونه، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن: أَنا أَيهَا الْأَمِير شيخ فِي أَيْدِيكُم، لَا تذمون إخلاصي وَلَا تنكرون نصيحتي، فَأَما طَاهِر فلي فِي أمره جَوَاب مُخْتَصر وَفِيه بعض الْغَلَط، فَإِن أَذِنت ذكرته. قَالَ: قل. قَالَ: أَيهَا الْأَمِير، أخذت رجلا من عرض الْأَوْلِيَاء فشققت صَدره، وأخرجت قلبه، ثمَّ جعلت فِيهِ قلباً قتل بِهِ خَليفَة، وأعطيته آلَة ذَلِك من الرِّجَال وَالْأَمْوَال وَالْعَبِيد، ثمَّ تسومه بعد ذَلِك أَن يذل لَك، وَيكون كَمَا كَانَ. لَا يتهيأ هَذَا إِلَّا أَن ترده إِلَى مَا كَانَ، وَلَا تقدر على ذَلِك. فَسكت الْفضل. قَالَ عبد الْملك لِابْنِ الْحَارِث: بَلغنِي أَنكُمْ من كِنْدَة. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَأي خير فِيمَن لَا يدعى رَغْبَة أَو ينفى حسداً. احْتضرَ ابْن أَخ لأبي الْأسود الدؤَلِي فَقَالَ: يَا عَم، أَمُوت وَالنَّاس يحيون} قَالَ: يَابْنَ أخي، كَمَا حييت وَالنَّاس يموتون. قَالَ عَمْرو بن مسْعدَة لِابْنِ سَمَّاعَة المعيطي: صف لي أَصْحَابك. قَالَ: وَلَا تغْضب؟ قَالَ: لَا. قَالَ: كَانُوا يغارون على الإخوان، كَمَا تغارون على القيان.

أَمر يحيى بن أَكْثَم بِرَجُل إِلَى الْحَبْس، فَقَالَ: إِنِّي مُعسر. فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ، فَقَالَ: من لِعِيَالِي؟ قَالَ: الله لَهُم. فَقَالَ الرجل: أَرَانِي الله عِيَالك وَلَيْسَ لَهُم أحد غير الله. قَالَ بَعضهم لمجوسي: مَا لَك لَا تسلم؟ قَالَ: حَتَّى يَشَاء الله. قَالَ: قد شَاءَ، وَلَكِن الشَّيْطَان لَا يدعك. قَالَ: فَأَنا مَعَ أقواهما. ساير ابْن لشبيب بن شيبَة عليّ بن هِشَام، وعليّ على برذون لَهُ فاره، فَقَالَ لَهُ: سر. فَقَالَ: وَكَيف أَسِير وَأَنت على برذون إِن ضَربته طَار وَإِن تركته سَار، وَأَنا على برذون إِن ضَربته قطف، وَإِن تركته وقف. فَدَعَا لَهُ ببرذزن وَحمله عَلَيْهِ. قَالَ عبيد الله بن زِيَاد لمُسلم بن عقيل: لأَقْتُلَنك قتلة تَتَحَدَّث بهَا الْعَرَب. فَقَالَ: أشهد أَنَّك لَا تدع سوء القتلة ولؤم الْمقدرَة لأحد أولى بهَا مِنْك. قَالَ مَالك بن طوق للعتابي: سَأَلت فلَانا حَاجَة، فرأيتك قَلِيلا فِي كلامك. فَقَالَ: كَيفَ لَا اقل فِي كَلَامي، وَمَعِي حيرة الطّلب وذل الْمَسْأَلَة، وَخَوف الرَّد.؟ جلس معن بن زَائِدَة يَوْمًا يقسم سِلَاحا فِي جَيْشه، فَدفع إِلَى رجل سَيْفا رديئاً، فَقَالَ: اصلح الله الْأَمِير، أَعْطِنِي غَيره. قَالَ: خُذْهُ فَإِنَّهُ مَأْمُور. فَقَالَ: فَإِنَّهُ مِمَّا أَمر بِهِ أَلا يقطع شَيْئا أبدا! فَضَحِك معن وَأَعْطَاهُ غَيره. قَالَ بَنو تَمِيم لِسَلَامَةِ بن جندل: مَجدنَا بشعرك. قَالَ: افعلوا حَتَّى أَقُول. أَتَى هِشَام بِرَجُل رمي بِجِنَايَة، فَأقبل يحْتَج عَن نَفسه، فَقَالَ هِشَام: أَو تَتَكَلَّم أَيْضا؟ فَقَالَ الرجل: إِن الله تَعَالَى يَقُول: " يَوْم تَأتي كل نفس تجَادل عَن نَفسهَا " أفتجادل الله جدالاً وَلَا نكلمك كلَاما؟ قَالَ: تكلم بِمَا أَحْبَبْت.

قَالَ الْمَأْمُون لِابْنِ الأكشف - وَكَانَ كثير الرّكُوب للبحر - مَا أعجب مَا رَأَيْت فِي الْبَحْر؟ قَالَ: سلامتي مِنْهُ. قيل لسَعِيد بن الْمسيب لما نزل المَاء فِي عَيْنَيْهِ: اقدحهما حَتَّى تبصر. فَقَالَ: إِلَى من؟ . قَالَ الْمَنْصُور لرجل: مَا مَالك؟ قَالَ: مَا يكف وَجْهي، ويعجز عَن الصّديق. قَالَ لَهُ: لطفت فِي الْمَسْأَلَة. قَالَ الْمَدَائِنِي: ورد على الْمَنْصُور كتاب من مولى لَهُ بِالْبَصْرَةِ أَن سالما ضربه بالسياط، فاستشاط غَضبا وَقَالَ: أعليّ يجترئ سَالم؟ وَالله لأجعلنه نكالاً يتعظ بِهِ غَيره. فَأَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ جَمِيعًا، فَرفع ابْن عَيَّاش رَأسه، وَكَانَ أجرأهم عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قد رَأينَا من غضبك على سَالم مَا شغل قُلُوبنَا، وَإِن سالما لم يضْرب مَوْلَاك بقوته وَلَا قُوَّة أَبِيه، وَلَكِنَّك فقلدته سَيْفك، وأصعدته منبرك، فَأَرَادَ مَوْلَاك أَن يطامن مِنْهُ مَا رفعت، وَيفْسد مَا صنعت، فَلم يحْتَمل لَهُ ذَلِك. يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن غضب الْعَرَبِيّ فِي رَأسه، فَإِذا غضب لم يهدأ حَتَّى يُخرجهُ بِلِسَان أَو يَد، وَإِن غضب النبطي فِي استه، فَإِذا خري ذهب عَنهُ غَضَبه. فَضَحِك الْمَنْصُور، وكف عَن سَالم. رأى رجل رجلا من ولد مُعَاوِيَة على بعير لَهُ، فَقَالَ: هَذَا مَا كُنْتُم فِيهِ من الدُّنْيَا. فَقَالَ: رَحِمك الله، مَا فَقدنَا إِلَّا الفضول. دخل أَبُو بكر الهجري على الْمَنْصُور، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، نفض فمي وَأَنت أهل بَيت بركَة، فَلَو أَذِنت لي فَقبلت رَأسك لَعَلَّ الله يشدد لي مِنْهُ. فَقَالَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور: اخترمنها وَمن الْجَائِزَة. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَهْون عليّ من ذهَاب دِرْهَم من الْجَائِزَة أَلا يبْقى فِي فمي حاكة. قيل لِلشَّعْبِيِّ: أَكَانَ الْحجَّاج مُؤمنا؟ قَالَ: نعم بالطاغوت.

كتب الْحسن بن زيد إِلَى صَاحب الزنج بِالْبَصْرَةِ: عرفني نسبك. فَأَجَابَهُ: ليغنك من شأني مَا عناني من أَمرك. كتب صَاحب الْبَصْرَة إِلَى يَعْقُوب بن اللَّيْث الصفار يستدعيه إِلَى مبايعته، فَقَالَ لكَاتبه: أجب عَن كِتَابه. فَقَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: اكْتُبْ " قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ. لَا أعبد مَا تَعْبدُونَ. . " السُّورَة. قيل لأبي الْهُذيْل: إِن قوما يلعنونك. قَالَ: أَرَأَيْت إِن أَنا تبعتهم هَل يلعنني قوم آخَرُونَ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَأرَانِي لَا أتخلص من لعن طَائِفَة، فَدَعْنِي مَعَ الْحق وَأَهله. قَالَ سعيد بن الْمسيب لعبد الْملك - وَقد خطب النَّاس فأبكاهم - يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لَئِن أبكاهم قَوْلك لما أرضاهم فعلك. وَقيل للأعمش: أَنْت تكْثر الشَّك. قَالَ: تِلْكَ محاماة عَن الْيَقِين. لما ولى أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور سُلَيْمَان بن رَاشد الْموصل، ضم إِلَيْهِ ألف رجل من أهل خُرَاسَان وَقَالَ: قد ضممت إِلَيْك ألف شَيْطَان. فَلَمَّا دخل الْموصل عاثوا، وَبلغ الْخَبَر الْمَنْصُور فَكتب إِلَيْهِ: يَا سُلَيْمَان، كفرت بِالنعْمَةِ. فَكتب فِي جَوَابه: " وَمَا كفر سُلَيْمَان وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا ". قَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو بن الْعَاصِ: مَا بلغ من دهائك؟ قَالَ: لم أَدخل فِي أَمر قطّ إِلَّا خرجت مِنْهُ. قَالَ مُعَاوِيَة: لكنني لم أَدخل قطّ فِي أَمر أردْت الْخُرُوج مِنْهُ. قَالَ الواثق لِابْنِ أبي دؤاد: كَانَ عِنْدِي السَّاعَة الزيات، فذكرك بِكُل قَبِيح. فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أحوجه إِلَى الْكَذِب عليّ، ونزّهني عَن قَول الْحق فِيهِ. قَالَ المتَوَكل لِلْفَتْحِ بن خاقَان، وَقد خرج وصيف الْخَادِم الْمَعْرُوف بالصغير فِي أحسن زِيّ: أَتُحِبُّهُ؟ قَالَ: إِنِّي لأحب من تحب، وَأحب من يحبك، لَا سِيمَا مثل هَذَا.

قَالَ الْمَأْمُون لثمامة: ارْتَفع. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لم يَفِ شكري بموضعي هَذَا، وَأَنا أبعد عَنْك بالإعظام لَك، وَأقرب مِنْك شحا عَلَيْك. خلع الرشيد على يزِيد بن مزِيد - وَكَانَ فِي مَجْلِسه رجل من أهل الْيمن - فَقَالَ ليزِيد: اجرر مَا لم يعرق فِيهِ جبينك. قَالَ: صدقت. عَلَيْكُم نسجه، وعلينا سحبه. قَالَ سهل بن هَارُون: أَدخل على الْفضل بن سهل، ملك التبت وَهُوَ أَسِير، فَقَالَ: أما ترى الله قد أمكن مِنْك بِغَيْر عهد وَلَا عقد، فَمَا شكرك إِن صفحت عَنْك، ووهبت لَك نَفسك؟ قَالَ: أجعَل النَّفس الَّتِي أبقيتها بذلة لَك مَتى أردتها. قَالَ الْفضل: شكر وَالله. وكلم الْمَأْمُون فِيهِ فصفح عَنهُ. لما أَخذ عبد الحميد الربعِي، وَأتي بِهِ إِلَى الْمَنْصُور، وَمثل بَين يَدَيْهِ قَالَ: لَا عذر فأعتذر، وَقد أحَاط بِي الذَّنب، وَأَنت أولى بِمَا ترى. قَالَ الْمَنْصُور: إِنِّي لست أقتل أحدا من آل قَحْطَبَةَ، أهب سيئهم لمحسنهم. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: إِن لم يكن فيّ مصطنع فَلَا حَاجَة بِي إِلَى الْحَيَاة، وَلست أرْضى أَن أكون طليق شَفِيع وعتيق ابْن عَم. قَالَ الرشيد للجهجاه: أزنديق أَنْت؟ قَالَ: وَكَيف أكون زنديقاً وَقد قَرَأت الْقُرْآن، وفرضت الْفَرَائِض، وَفرقت بَين الْحجَّة والشبهة؟ قَالَ: تالله لأضربنك حَتَّى تقر. قَالَ: هَذَا خلاف مَا أَمر بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أمرنَا أَن نضرب النَّاس حَتَّى يقرُّوا بِالْإِيمَان، وَأَنت تضربني حَتَّى أقرّ بالْكفْر. قَالَ عمر لعَمْرو بن معد يكرب: أَخْبرنِي عَن السِّلَاح. فَقَالَ: سل عَمَّا شِئْت مِنْهُ. قَالَ: الرمْح. قَالَ: أَخُوك وَرُبمَا خانك. قَالَ: النبل. قَالَ: منايا تخطئ وتصيب. قَالَ: الترس. قَالَ: ذَاك المجنّ، وَعَلِيهِ تَدور الدَّوَائِر. قَالَ: الدرْع. قَالَ: مشغلة للراجل متعبة للفارس، وَإِنَّهَا لحصن حُصَيْن. قَالَ: السَّيْف. قَالَ: ثمَّ قارعتك أمك عَن الهبل. قَالَ: بل أمك. قَالَ: الحمّى أضرعتني لَك.

قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لعبد الله بن مَخْزُوم: إِنِّي أَخَاف الله فِيمَا تقلدت. قَالَ: لست أَخَاف عَلَيْك أَن تخَاف، إِنَّمَا أَخَاف أَلا تخَاف. قيل لرجل من بني هَاشم: من سيدكم؟ قَالَ: كلنا سيد غَيرنَا، وَمَكَان سيدنَا لَا يجهل. شاور الْمَنْصُور سلم بن قُتَيْبَة فِي أَمر أبي مُسلم، فَقَالَ: إِنِّي مطلعك على أَمر لم افض بِهِ إِلَى غَيْرك، وَلَا أفضي بِهِ، فصحح رَأْيك، واجمع لفظك، وَأظْهر نصحك، واستره حَتَّى أظهره أَنا قد عزمت على قتل عبد الرَّحْمَن، فَمَا ترى؟ قَالَ سلم: " لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا " ونهض. ويروى عَنهُ الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: هجم عليّ شهر رَمَضَان وَأَنا بِمَكَّة، فَخرجت إِلَى الطَّائِف لأصوم بهَا هرباً من حر مَكَّة. فلقيني أَعْرَابِي فَقلت: أَيْن تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيد هَذَا الْبَلَد الْمُبَارك؛ لأصوم فِيهِ هَذَا الشَّهْر الْمُبَارك. قلت: أما تخَاف من الْحر؟ {قَالَ: من الْحر أفر. وَقَالَ رجل للربيع بن خثيم وَقد صلى لَيْلَة حَتَّى أصبح: أَتعبت نَفسك. فَقَالَ: راحتها أطلب؛ إِن أفره العبيد أكيسهم. نظر رجل إِلَى روح بن حَاتِم بن قبيصَة بن الْمُهلب وَاقِفًا بِبَاب الْمَنْصُور فِي الشَّمْس، فَقَالَ: قد طَال وقوفك فِي الشَّمْس. فَقَالَ روح: ليطول وُقُوفِي فِي الظل. هاجى عبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثَابت، عبد الرَّحْمَن بن الحكم بن الْعَاصِ، وتقاذفا. فَكتب مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان أَن يؤدبهما، فَضرب عبد الرَّحْمَن بن حسان ثَمَانِينَ، وَضرب أَخَاهُ عشْرين، فَقيل لعبد الرَّحْمَن قد أمكنك فِي مَرْوَان مَا تُرِيدُ، فأشد بِذكرِهِ وارفعه إِلَى مُعَاوِيَة. فَقَالَ: إِذا وَالله لَا أفعل، وَقد حدني كَمَا يحد الرجل الْحر، وَجعل أَخَاهُ كَنِصْف عبد} فأوجعه بِهَذَا القَوْل.

قَالَ رجل لرجل سبه فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ: إياك أَعنِي. فَقَالَ: وعنك أعرض. قَالَ عمر لزياد لما عَزله: كرهت أَن أحمل على الْعَامَّة فضل عقلك. قَالَ: فاحمل عَنْهَا من نَفسك، فَأَنت أَعقل. قَالَ الْمَنْصُور لإسحاق بن مُسلم الْعقيلِيّ: أفرطت فِي وفائك لبني أُميَّة. فَقَالَ: من وفى لمن لَا يُرْجَى، كَانَ لمن يُرْجَى أوفى. قَالَ: صدقت. مازح عبيد الله بن زِيَاد حَارِثَة بن بدر، فَقَالَ لَهُ: أَنْت شرِيف لَو كَانَت أمهاتك مثل آبَائِك. فَقَالَ: إِن أَحَق النَّاس بألا يذكر الْأُمَّهَات هُوَ الْأَمِير. فَقَالَ عبيد الله: استرها عليّ، وَلَك عشرَة آلَاف دِرْهَم. يُقَال: إِن الْمَكِّيّ دخل على الْمَأْمُون، وَكَانَ مفرط الْقبْح والدمامة، فَضَحِك المعتصم، فَقَالَ الْمَكِّيّ: مِم يضْحك هَذَا؟ فوَاللَّه مَا اصطفي يُوسُف لجماله، وَإِنَّمَا اصطفي لبيانه. وَقد نَص الله على ذَلِك بقوله: " فَلَمَّا كَلمه قَالَ إِنَّك الْيَوْم لدينا مكين أَمِين " وبياني أحسن من وَجه هَذَا. قَالَ مُعَاوِيَة لرجل من السّمن: مَا كَانَ أبين حمق قَوْمك حِين ملّكوا امْرَأَة. فَقَالَ: كَانَ قَوْمك أَشد حَمَاقَة إِذْ قَالُوا: " اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء " هلاّ قَالُوا: فاهدنا لَهُ وَبِه! قَالَ زِيَاد لأبي الْأسود: لَو أدركناك وفيك بَقِيَّة. قَالَ: أَيهَا الْأَمِير، إِن كنت تُرِيدُ رَأْيِي وعزمي فَذَاك عِنْدِي، وَإِن كنت تريدني للصراع فَلَا أصلح لذَلِك. قَالَ الْأَصْمَعِي: دخل درست بن رِبَاط الْفُقيْمِي على بِلَال بن أبي بردة فِي الْحَبْس، فَعلم بِلَال أَنه شامت، فَقَالَ: مَا يسرني بنصيبي من الكره حمر النعم. فَقَالَ درست: فقد أَكثر الله لَك مِنْهُ. أَدخل مَالك بن أَسمَاء سجن الْكُوفَة، فَجَلَسَ إِلَى رجل من بني مرّة، فاتكأ على المرّيّ يحدثه، وَأكْثر من ذكر نعمه، ثمَّ قَالَ: أَتَدْرِي كم قتلنَا مِنْكُم فِي الْجَاهِلِيَّة؟ قَالَ: أما فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَا، وَلَكِن أعرف من قتلتم منا فِي الْإِسْلَام. قَالَ: من؟ قَالَ: أَنا. قتلتني غمّاً.

دخل يزِيد بن أبي مُسلم على سُلَيْمَان بن عبد الْملك، فَلَمَّا رَآهُ - وَكَانَ دميماً - قَالَ: على رجل أجرّك رسنه وسلطك على الْمُسلمين لَعنه الله. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، رَأَيْتنِي وَالْأَمر عني مُدبر، وَلَو رَأَيْتنِي وَالْأَمر عليّ مقبل لَا استعظمت من أَمْرِي مَا استصغرت. قَالَ لَهُ سُلَيْمَان: أَتَرَى الْحجَّاج بلغ قَعْر جَهَنَّم؟ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، يجِئ الْحجَّاج يَوْم الْقِيَامَة بَين أَبِيك وأخيك، قَابِضا على يَمِين أَبِيك وشمال أَخِيك، فضعه من النَّار حَيْثُ شِئْت. طَاف رجل من بني تغلب بِالْبَيْتِ، وَكَانَ وسيماً طَويلا جميلاً، فَبَصر بِهِ رجل من قُرَيْش كَانَ حسوداً، فَسَأَلَ عَنهُ، فَأخْبر أَنه رجل من بني تغلب، فَلَمَّا حاذاه، قَالَ الْقرشِي يسمعهُ: إنَّهُمَا لرجلان قَلما وطئتا الْبَطْحَاء، فَالْتَفت إِلَيْهِ التغلبي فَقَالَ: يَا هَذَا البطحاوات ثَلَاث؛ فبطحاء الجزيرة إِلَى التغلبي دُونك، وبطحاء ذِي قار أَنا أَحَق بهَا مِنْك، وَهَذِه الْبَطْحَاء، سَوَاء العاكف فِيهِ والباد. قَالَ: فتحير الرجل، فَمَا أَفَاضَ بِكَلِمَة. حدث أَن أَبَا الجهم الْعَدوي وَفد على مُعَاوِيَة، فَبينا هُوَ يَوْمًا من الْأَيَّام يَأْكُل مَعَه إِذْ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: اينا أسن يَا أَبَا الجهم، أَنا أَو أَنْت؟ قَالَ: كَيفَ تَسْأَلنِي فِي هَذَا، وَقد أكلت فِي عرس لأمك قبل تَزْوِيجهَا بأبيك أبي سُفْيَان؟ قَالَ: أَيهمْ هُوَ؟ فَإِنَّهَا كَانَت تستكرم الْأزْوَاج. قَالَ: حَفْص ابْن الْمُغيرَة. قَالَ: ذَاك سلالة قُرَيْش، وَلَكِن احذر السُّلْطَان يَا أَبَا الجهم، يغْضب غضب الصَّبِي، ويثب وثوب الْأسد. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الجهم: إيهاً أراحنا الله مِنْك يَا مُعَاوِيَة. قَالَ: فَإلَى من! إِلَى زهرَة؟ فوَاللَّه مَا عِنْدهم فصل وَلَا فضل، أم إِلَى بني هَاشم؟ فوَاللَّه مَا يرونكم إِلَّا عبيدا لَهُم. ثمَّ أَمر لَهُ بِمِائَة ألف دِرْهَم. قَالَ: فَأَخذهَا متسخطاً، وَقَالَ: رجل يَأْتِي غير بِلَاده، وَيعْمل بِغَيْر رَأْي قومه فَمَاذَا يصنع؟ ثمَّ وَفد على يزِيد وشكا إِلَيْهِ دينا كَانَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ يزِيد: تلزمنا، مَعَ قرابتك قربَة، وَمَعَ حَقك حُقُوق، فاعذرنا. وَأمر لَهُ بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم. قَالَ: فَقَالَ ابْن كليبة فَمَاذَا؟ ثمَّ دَعَاهُ عبد الله بن الزبير إِلَى نَفسه، فوفد إِلَيْهِ

أَبُو الجهم وشكا إِلَيْهِ دينا، وَوصف لَهُ كَثْرَة مئونته، فَأمر لَهُ بِأَلف دِرْهَم. فَقَالَ أَبُو الجهم: أحسن الله إمتاع قُرَيْش بك، وَأحسن عنّي جزاءك. ودعا لَهُ دُعَاء كثيرا. فَقَالَ لَهُ عبد الله: يَا أَبَا الجهم؛ أَعْطَاك مُعَاوِيَة مائَة ألف دِرْهَم فسببته، وأعطاك يزِيد خمسين ألفا فشتمته، وأعطيتك ألف دِرْهَم فدعوت لي وشكرت. قَالَ: نعم فديتك، إِذا كَانَت قُرَيْش تنقص هَذَا النُّقْصَان فَلَيْسَ يجِئ بعْدك إِلَّا خنزيراً. قَالَ بَعضهم: دخلت دَار المعتصم فَرَأَيْت إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي جَالِسا فِي بعض نواحي الدَّار، وَإِلَى جَانِبه الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون. قَالَ: فَالْتَفت الْعَبَّاس إِلَى إِبْرَاهِيم وَقد رأى فِي يَده خَاتمًا فصه ياقوت أَحْمَر عَجِيب. فَقَالَ لَهُ: يَا عَن، خاتمك هَذَا؟ قَالَ: نعم، هَذَا الْخَاتم الَّذِي رهنته فِي خلَافَة أَبِيك، وافتككته فِي خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أعزه الله. فَقَالَ الْعَبَّاس: أَنْت إِن لم تشكر أبي على حقنه دمك، لم تشكر عمي على افتكاك خاتمك. قَالَت ابْنة النُّعْمَان بن بشير لزَوجهَا روح بن زنباع: كَيفَ تسود أَنْت من جذام، وَأَنت جبان، وَأَنت غيور؟ قَالَ: أما جذام فَإِنِّي فِي أرومتها، وَحسب الرجل أَن يكون فِي أرومة قومه. وَأما الْجُبْن فَإِنَّمَا لي نفس وَاحِدَة وَأَنا أحوطها، وَأما الْغيرَة فَأمر لَا أحب أَن أشارك فِيهِ، وَإِن الْحر لحقيق بالغيرة إِذا كَانَت فِي بَيته ورهاء مثلك. قَالَ الْحجَّاج لرجل من ولد عبد الله بن مَسْعُود: لم قَرَأَ أَبوك " تسع وَتسْعُونَ نعجة. أُنْثَى " أَلا يعلم النَّاس أَن النعجة أُنْثَى؟ قَالَ: فقد قَرَأت أَنْت مثله " ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم، تِلْكَ عشرَة كَامِلَة ". أَلا يعلم النَّاس أَن ثَلَاثَة وَسَبْعَة عشرَة؟ فَمَا أحار الْحجَّاج جَوَابا.

قَالَ عبد الله بن الزبير لعدي بن حَاتِم: يَا عدي، مَتى ذهبت عَيْنك؟ قَالَ: يَوْم قتل أَبوك وَضربت على قفاك مولّياً، وَأَنا يَوْمئِذٍ على الْحق، وَأَنت على الْبَاطِل. وجّه مُعَاوِيَة رجلا إِلَى ملك الرّوم وَمَعَهُ كتاب، تصديره: إِلَى طاغية الرّوم. فَقَالَ ملك الرّوم للرجل: مالذي الْفَخر بالرسالة، والمتسمى بِخِلَافِهِ النُّبُوَّة والسفه مَا أظنكم وليتم هَذَا الْأَمر إِلَّا بعد إعذار، وَلَو شِئْت كتبت: من ملك الرّوم إِلَى غَاصِب أهل بَيت نبيه، وَالْعَامِل بِمَا يكفره عَلَيْهِ كِتَابه، وَلَكِنِّي أتجالل عَن ذَلِك. قَالَ مُعَاوِيَة يَوْمًا: الأَرْض لله، وَأَنا خَلِيفَته. مَا أخذت فلي حَلَال، وَمَا تركت للنَّاس فلي عَلَيْهِم فِيهِ منَّة. فَقَالَ صعصعة: مَا أَنْت وأقصى الْأمة فِيهِ إِلَّا سَوَاء، وَلَكِن من ملك اسْتَأْثر، فَغَضب مُعَاوِيَة وَقَالَ: لقد هَمَمْت ... قَالَ صعصعة: مَا كل من هم فعل. قَالَ: وَمن يحول بيني وَبَين ذَلِك؟ قَالَ: الَّذِي يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه. طلب الْحسن بن سهل رجلا من أهل الْأَدَب يُؤَدب وَلَده. فجاءوه بِمُعَاوِيَة بن الْقَاسِم الْأَعْمَى، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمك؟ قَالَ: أكنى أَبَا الْقَاسِم، ولضرورة تكنيت؛ فَقيل لَهُ: اسْمه مُعَاوِيَة؛ فاستظرفه وَأمره بِلُزُوم دَاره. فرض عبد الله بن عَامر لجَماعَة من بني وَائِل فِي شرف الْعَطاء، وَأمر لَهُم بجوائز، فَقَامَ رجل مِنْهُم، فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير، أَرَأَيْت مَا أمرت لنا بِهِ، أخصصتنا بِهِ أم تعم بِهِ أهل مصرنا؟ قَالَ: لَا، بل خصصتكم بِهِ. قَالَ: وَلم؟ قَالَ: لما بَلغنِي من فَضلكُمْ. قَالَ: إِذا لَا نَأْخُذ ثَوَابه مِنْك. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت يحيى بن عبد الله بن الْحسن قد أقبل على عمرَان بن فَرْوَة الْجَعْفَرِي، فَقَالَ: يَا أَبَا شهَاب، مَا تَفْعَلُونَ بالمولى فِيكُم؟ قَالَ: ثَلَاثًا. قَالَ: مَا هن؟ قَالَ: لَا يمسح لحيته، وَلَا يكتني بِأبي فلَان، وَلَا يشد حبوته وسط الْقَوْم، فَقَالَ لَهُ نعيم بن عُثْمَان: هَذَا لجفائكم وبعدكم من الله. فَقَالَ لَهُ: لَو كنت وَالله يَا أَبَا مُعَاوِيَة هُنَاكَ مَا سَارُوا فِيك إِلَّا بسيرتهم فِي أَخِيك.

خَاصم رجل رجلا إِلَى سوار، فَجعل أَحدهمَا يدْخل فِي حجَّة صَاحبه، وينهاه سوّار فَلَا يَنْتَهِي. فَقَالَ لَهُ: أَلا تسكت عَن خصمك يَا ابْن اللخناء. فَقَالَ لَهُ الرجل: لَا وَالله، مَا لَك أَن تسبني وتذكر أُمِّي. فَقَالَ لَهُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْء. اللخن قد يكون فِي السقاء. قَالَ الرجل: فَإِن لم يكن فِيهِ شَيْء فأشهدك أَن خصمي ابْن اللخناء. أرسل أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور إِلَى أَصْحَابه: لَا جزاكم الله خيرا، أبق غلامي فَلم تطلبوه، وَلم تعلموني بهربه. وَلَا أعلمتموني قبل هربه أَنكُمْ تخافون ذَلِك مِنْهُ. وَأَرَادَ أَن يستنطقهم، فَقَالَ لَهُم ابْن عَيَّاش المنتوف: وكلوني بجوابه. فَقَالُوا لَهُ: أَنْت وَذَاكَ. فَقَالَ للرسول: أتبلغه كَمَا أبلغتنا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: اقْرَأ على أَمِير الْمُؤمنِينَ السَّلَام، وَقل لَهُ: إِنَّك اخترتنا من عشائرنا وبلداننا، فظننا أَنَّك أردتنا لِأَن نَكُون جلساءك، والمجيبين للوفد إِذا قدمُوا عَلَيْك، والخارجين لرتق الفتق إِذا انفتق عَلَيْك، فَأَما إِذْ أردتنا لمن يأبق من غلمانك فيربع غلامك يُرِيد أَن يأبق فاستوثق مِنْهُ. حج عبد الْملك، ثمَّ شخص إِلَى الطَّائِف فَدَخلَهَا، وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام يسايره، فَاعْترضَ لَهُ رجل من ولد أم الحكم من ثَقِيف، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن لنا قرَابَة وَحقا، وجواراً وخلقاً، وَنحن من إِحْدَى القريتين اللَّتَيْنِ ذكرهمَا الله فِي كِتَابه، وَالله لقد جَاءَ الْإِسْلَام وَإِن فِي ثَقِيف من قُرَيْش تسعين امْرَأَة. قَالَ: فتكاثر 1 لَك عبد الْملك وَقَالَ: أَكَذَلِك يَا أَبَا بكر؟ فَقَالَ: صدق يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَلَكِن وَالله لَا تَجِد فيهم امْرَأَة من ولد الْمُغيرَة. فَقَالَ الثَّقَفِيّ: صدق يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّا وَالله نَعْرِف قَومنَا، ونعتام فِي مناكحنا، ونأتي الأودية من صدورها وَلَا نأتيها من أذنابها. وَالله مَا أَعطيتنَا شَيْئا إِلَّا أَخذنَا مثله، وَلَا مشينا حزنا إِلَّا أسهلنا الهويني، فَقَالَ عبد الْملك: قَاتله الله مَا أسبه! . شكا رجل إِلَى الشبلي كَثْرَة الْعِيَال، فَقَالَ: ارْجع إِلَى بَيْتك وَمن لم يكن مِنْهُم رزقه على الله فَأخْرجهُ من دَارك.

باب آخر من الجوابات المسكته ما يجري مجري الهزل

بَاب آخر من الجوابات المسكتة مَا يجْرِي مجْرى الْهزْل تعرّت الحضرمية يوماُ وَزوجهَا ينظر إِلَيْهَا، فَقَالَت: مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت، فَأَشَارَ إِلَى ركبهَا وَقَالَ: أرى هَاهُنَا شَيْئا من فطور. ضرط ابْن لعبد الْملك صَغِير فِي حجره فَقَالَ لَهُ: قُم إِلَى الكنيف. قَالَ لَهُ: أَنا فِيهِ يَا أَبَانَا. قَالَ مُعَاوِيَة لعقيل: إِن فِيكُم شبقاً يَا بني هَاشم. قَالَ: هُوَ منا فِي الرِّجَال ومنكم فِي النِّسَاء. قَالَ بَعضهم لآخر: يَا خائن. فَقَالَ: تَقول لي ذَلِك وَقد ائتمنك الله على مِقْدَار دِرْهَم من جسدك فَلم تُؤَد الْأَمَانَة فِيهِ. دخل إِبْرَاهِيم الْحَرَّانِي الْحمام، فَرَأى رجلا عَظِيم الذّكر، فَقَالَ: يَا فَتى، مَتَاع الْبَغْل! قَالَ: لَا، بل نحملك عَلَيْهِ. فَلَمَّا خرج أرسل إِلَيْهِ بصلَة وَكِسْوَة وَقَالَ لرَسُوله: قل لَهُ اكتم هَذَا الحَدِيث فَإِنَّهُ كَانَ مزاحا، فَرده وَقَالَ: لَو قبلت حملاننا لقبلنا صلتك. قيل لرجل قدم من الْحَج: كَيفَ خلفت سعر النِّعَال بِمَكَّة. تعريضاً لَهُ بالهدية، فَقَالَ: الفلعة بِحمْل ونبيجة فَاكِهَة. شتم عِيسَى بن فرخانشاه رجلا نَصْرَانِيّا، فَقَالَ: يَا ابْن الزَّانِيَة. فَقَالَ لَهُ: أَنْت مُسلم وَلَا اقدر على شتمك، وَلَكِن أَخُوك يحيى بن فرخانشاه هُوَ ابْن الزَّانِيَة. قَالَ الفرزدق لزياد الْأَعْجَم: يَا أقلف. فَقَالَ زِيَاد: يَا ابْن النمامة أمك أَخْبَرتك بِهَذَا.

قَالَ رجل لأبي الْأسود: كَأَن وَجهك فقاح مجتمعة. قَالَ: فَهَل ترى فقحة أمك فِيهَا؟ . قَالَ العطوي: قلت لجارية: اشتهي أَن أقبلك. قَالَت: وَلم؟ قلت: لِأَنَّك زَانِيَة. قَالَت: وكل زَانِيَة تقبلهَا؟ قلت: نعم. قَالَت: فابدأ بِمن تعول. قَالَ غُلَام ثُمَامَة لثمامة: قُم صل واسترح. قَالَ: أَنا مستريح إِن تَرَكتنِي. اشْترى عَليّ بن الْجَعْد جَارِيَة بثلاثمائة دِينَار، فَقَالَ لَهُ ابْن قادم النَّحْوِيّ: أَي شَيْء تصنع بِهَذِهِ الْجَارِيَة؟ فَقَالَ: لَو كَانَ هَذَا شَيْئا يجرب على الإخوان لجربناه عَلَيْك. أشرف رجل على أبي الْأسود وَهُوَ مختضب عُرْيَان بَين رجلَيْهِ خرقَة، فَقَالَ: يَا أَبَا السود، لَيْت أيري فِي سرتك. قَالَ: أفتدري أَيْن تكون فقحتك؟ فَخَجِلَ الرجل وَانْصَرف. قَالَ بعض الرؤساء لبَعض الْخُلَفَاء: أَنا اشتهي أَن أرى النِّسَاء كَيفَ يتساحقن. قَالَ: ادخل دَارك قَلِيلا قَلِيلا. وَقَالَ آخر لبَعض المجان: مَا الدُّنْيَا إِلَّا الْمَجُوس، يدْخل الْأَب ف ... ك، وَيدخل الإبن ف ... ك، فَقَالَ لَهُ: اسْكُتْ، لَا يسمع ذَاك أهل دَارك فيرتدوا. سمع بَعضهم رجلا يَقُول: أبي كَانَ لَا يدْخل سكَّة إِلَّا قَامَ النَّاس لَهُ. فَقَالَ: نعم، صدقت، لِأَنَّهُ كَانَ يتقدمه حمل شوك. نظر أَبُو الشمقمق إِلَى رجل يمازح غُلَاما قد التحى، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: نَأْكُل التَّمْر لِأَنَّهُ كَانَ رطبا. قَالَ: فَكل الخرى لِأَنَّهُ كَانَ جوذاباً. كَانَ حَمَّاد الراوية يتهم بالزندقة وَكَانَ يصحب ابْن بيض، فدخلا يَوْمًا على وَالِي الْكُوفَة، فَقَالَ لِابْنِ بيض: قد صالحت حماداً؟ قَالَ: نعم أَيهَا الْأَمِير، على أَلا آمره بِالصَّلَاةِ، وَلَا ينهاني عَنْهَا.

وَكَانَ من حمقاء قُرَيْش سُلَيْمَان بن يزِيد بن عبد الْملك، وَكَانَ وضيئاً. قَالَ يَوْمًا لعن الله الْوَلِيد أخي، فَإِنَّهُ كَانَ فَاجِرًا، وَالله لقد راودني عَن نَفسِي. فَقَالَ لَهُ قَائِل: اسْكُتْ. فوَاللَّه إِن كَانَ همّ لقد فعل. أنْشد حضري أَعْرَابِيًا شعرًا لنَفسِهِ، وَقَالَ: تراني مطبوعا؟ قَالَ: نعم على قَلْبك. قَالَ أَبُو عُثْمَان: رَأَيْت رجلا من الْمُنَافِقين كَانَ أَرَادَ أَن يكون على جَبهته سجادة فَوضع عَلَيْهَا ثوماً وشده، فَلَمَّا نَام انقلبت السجادة، وَصَارَت على الْجَانِب الْأَيْمن، فَسَأَلته عَن ذَلِك، فَقَالَ: وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف. اعْترض عَمْرو بن اللَّيْث فَارِسًا من جَيْشه، فَكَانَت دَابَّته بغاية الهزال. فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا، تَأْخُذ مَالِي تنفقه على امْرَأَتك وتسمنها، وتهزل دابتك الَّتِي عَلَيْهَا تحارب، وَبهَا تَأْخُذ الرزق، امْضِ لشأنك فَلَيْسَ لَك عِنْدِي شَيْء. فَقَالَ الجندي: أَيهَا الْأَمِير، لَو اسْتعْرضت امْرَأَتي لاستسمنت دَابَّتي. فَضَحِك عَمْرو، وَأمر بإعطائه رزقه. قيل للنتيف الْأَصْبَهَانِيّ: لم تنتف لحيتك؟ فَقَالَ: وَأَنت فَلم لَا تنتفها؟ رأى ابْن مكرم منجماً عِنْد أبي العيناء، فَقَالَ: مَا يصنع هَذَا؟ قَالَ: يعْمل مولد ابْني. قَالَ فسله أَولا هَل هُوَ ابْنك أم لَا؟ . سَأَلَ رجل آخر عَن درب الْحمير، قَالَ: ادخل أَي درب شِئْت. قَالَ أَبُو بكر الْمُقْرِئ: رَأَيْت امْرَأَة منكشفة بِبَاب الْمَسْجِد، فَقلت لَهَا: أما تستحيين؟ قَالَت: مِمَّن؟ اسْتعَار رجل من آخر حمارا فَأخْرج إِلَيْهِ إكافاً وَقَالَ: اجْعَلْهُ على من شِئْت. تزوج رجل بِامْرَأَة قد مَاتَ عَنْهَا خَمْسَة أَزوَاج، فَمَرض السَّادِس، فَقَالَت: إِلَى من تَكِلنِي؟ فَقَالَ: إِلَى السَّابِع الشقي.

وَمَات زوج امْرَأَة فراسلها فِي ذَلِك الْيَوْم رجل يخطبها، فَقَالَت: لَو لم يسبقك غَيْرك لفَعَلت. فَقَالَ الرجل: قد قلت لَك إِذا مَاتَ الثَّانِي فَلَا تفوتيني. كَانَ ليهودي غُلَام فَبَعثه يَوْمًا ليحمل نَارا يطْبخ بهَا قدرا، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ ثمَّ عَاد بعد مُدَّة وَلَيْسَ مَعَه نَار، فَقَالَ: أَيْن النَّار؟ قَالَ: يَا سَيِّدي. قد جئْتُك بأحر من النَّار، هَذَا صَاحب الجوالي بِالْبَابِ يُطَالب بالجزية. غنّت قينة عِنْد بعض الرؤساء فطرب وشق ثَوْبه، وَقَالَ لغلامه: شقّ ثَوْبك. فَقَالَ: كَيفَ أعمل وَلَيْسَ لي غَيره؟ قَالَ: أَنا أكسوك غَدا. فَقَالَ: وَأَنا أشقه غَدا. أَدخل رجل بغلة إِلَى سوق الدَّوَابّ يَبِيعهَا فَلَقِيَهُ رجل فَقَالَ: بكم البغلة؟ . قَالَ بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم. قَالَ: لَا بأربعمائة. قَالَ صَاحبهَا: زِدْنِي شَيْئا آخر. قَالَ: أزيدك أ. . ر حمَار، فَقَالَ: اقعد أَنْت على سومك، فَإِن زادنا غَيْرك وَإِلَّا أَنْت أَحَق بِهِ. كَانَ عَفَّان بن مُسلم يروي الحَدِيث، فَقَالَ بعض من حَضَره: إِن رَأَيْت أَن تزيد فِي صَوْتك فَإِن فِي سَمْعِي ثقلاً. قَالَ: الثّقل فِي كل شَيْء مِنْك. قَالَ زيادي لرجل: يَا ابْن الزَّانِيَة. قَالَ: أتسبني بِشَيْء شرفت بِهِ؟ . قَالَ أَبُو مُوسَى ابْن المتَوَكل لرجل: لم انْقَطَعت عَنَّا؟ . فَقَالَ: بَيْتك حر، مَا خرج مِنْهُ أحد فَعَاد إِلَيْهِ. قَالَ النَّخعِيّ: مَا رَأَيْت أسْرع جَوَابا من نَصْرَانِيّ رَأَيْته بالرقة. فَإِنِّي دخلت عَلَيْهِ فِي الْحمام، وَهُوَ يصب عَلَيْهِ مَاء فَأطَال وَمَنَعَنِي الدنو من الْحَوْض، فَقلت وَقد دخلني الغيظ: تَنَح وَيلك فَإنَّك بغيض. فَترك مَا كَانَ فِيهِ وَقَالَ لي: قد فعلت، وَلَكِن لَا تُفَارِقنِي حَتَّى تَقول لي من أَيْن حكمت عليّ بِأَنِّي بغيض! قَالَ فَقلت: لِأَنَّك جعلت مَعَ الله عز وَجل شَرِيكا. فَقَالَ لي: أسْرع من اللحظ: لَا

وَالله مَا جعلت مَعَه شَرِيكا، فَإِن كنت فعلت، فَخذ كتابي إِلَيْهِ بالانصراف السَّاعَة. فأخجلني. قيل لبَعْضهِم: زوجت أمك؟ فَقَالَ: نعم، حَلَالا طيبا. فَقَالَ: أما حَلَال فَنعم، وَأما طيب فَلَا. قَالَت امْرَأَة لرائض دَوَاب: بئس الْكسْب كسبك، إِنَّمَا كسبك باستك. فَقَالَ: لَيْسَ بَين مَا أكتسب بِهِ وَبَين مَا تكتسبين بِهِ إِلَّا إصبعان. قَالَت امْرَأَة لزَوجهَا: يَا مُفلس يَا قرنان. قَالَ: إِن كنت صَادِقَة فَوَاحِدَة مِنْك وَوَاحِدَة من الله. قيل لبَعض الظرفاء من أهل الْعلم: أتكره السماع؟ قَالَ: نعم، إِذا لم يكن مَعَه شرب. كتب الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون، فِي رقْعَة: أَي دَوَاة لم يلقها قلمه؟ وَأَلْقَاهَا بَين يَدي يحيى بن أَكْثَم، فقرأها وَوَقع فِيهَا: دواتك ودواة أَبِيك. فأقرأها الْعَبَّاس أَبَاهُ الْمَأْمُون، فَقَالَ: صدق يَا بني، وَلَو قَالَ غير هَذَا لكَانَتْ الفضيحة. كَانَ ليعضهم ابْن دميم فَخَطب لَهُ إِلَى قوم، فَقَالَ الابْن لِأَبِيهِ يَوْمًا: بَلغنِي أَن الْعَرُوس عوراء، فَقَالَ الْأَب: يَا بني، بودي أَنَّهَا عمياء حَتَّى لَا ترى سماجة وَجهك. سمع رجل بِهِ وجع الضرس آخر ينشد: قَضَاهَا لغيري وابتلاني بحبها فَقَالَ: وَالله لَو ابتلاك بوجع الضرس لم تفزع لهَذَا. اعتلت امْرَأَة ابْن مضاء الرَّازِيّ، فَجعلت تَقول لَهُ: وَيلك، كَيفَ تعْمل أَنْت إِن مت أَنا؟ وَابْن مضاء الرَّازِيّ يَقُول: وَيلك، أَنا إِن لم تموتي كَيفَ أعمل؟ .

قَالَ عبَادَة يَوْمًا لأبي حَرْمَلَة المزين: خُذ ذقني. قَالَ: يَا مخنث، أَضَع يَدي على وَجهك وَأَنا أضعها على وَجه أَمِير الْمُؤمنِينَ {فَقَالَ لَهُ: يَا حجام أَنْت تضعها على بَاب أستك كل يَوْم خمس مَرَّات لَا يجوز أَن تضعها على وَجْهي؟} . قيل لبَعْضهِم: غلامك سَاحر. قَالَ: قُولُوا لَهُ يسحر لنَفسِهِ قبَاء وَسَرَاويل. قَالَ ابْن مكرم لأبي العيناء: بَلغنِي أَنَّك مأبون. قَالَ: مَكْذُوب عليّ وَعَلَيْك. نظر رَئِيس إِلَى أبي هفان وَهُوَ يسارّ آخر، فَقَالَ: فيمَ تُكَذِّبَانِ؟ قَالَ: فِي مدحك. وَقيل لبَعض ولد أبي لَهب: الْعَن مُعَاوِيَة. فَقَالَ: مَا أشغلني: " تبت ". كَانَ لخازم بن خُزَيْمَة كَاتب ظريف أديب وَكَانَ يتنادر عَلَيْهِ، فَقَامَ يَوْمًا من بَين يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ ابْن خُزَيْمَة: إِلَى أَيْن يَا هامان؟ فَقَالَ: أبني لَك صرحاً. قيل لرجل كَانَت امْرَأَته تشارّه: أما أحد يصلح بَيْنكُمَا؟ قَالَ: لَا، قد مَاتَ الَّذِي كَانَ يصلح بَيْننَا. يَعْنِي ذكره. قَالَ بَعضهم لصَاحب لَهُ: مَتى عَهْدك بالن. . ك؟ قَالَ: سل أمك فقد نسيت. كَانَ رجل يكثر الْحلف بِالطَّلَاق، فعوتي فِي ذَلِك، فَقَالَ: أحضروها فَإِن كَانَت تصلح لغير الطَّلَاق فاقتلوني. قيل لبَعْضهِم وَهُوَ مقنع: إِن لُقْمَان قَالَ: إِن القناع مذلة بِالنَّهَارِ معْجزَة بِاللَّيْلِ. فَقَالَ: إِن لُقْمَان لم يكن عَلَيْهِ دين. حمل إِلَى مُعَاوِيَة مَال من الْعرَاق، وعَلى رَأسه خصيّ يذب عَنهُ، فَقَالَ: يَا سَيِّدي، من لي بكف مِنْهُ؟ فَقَالَ: وَيحك، وَمَا تصنع بِهِ؟ إِنَّك إِن مت وَتركته كويت بِهِ يَوْم الْقِيَامَة. فَقَالَ: يَا مولَايَ إِن كَانَ هَذَا حَقًا فَإِن جِلْدك لَا يشترى يَوْم الْقِيَامَة بفلس.

وقف رجل مفرط الطول على بعض العيارين وَهُوَ يبيه الرُّمَّان، فَقَالَ: هَذَا رمان صَغِير. فَقَالَ لَهُ صَاحب الرُّمَّان: لَو نظرت أَنا إِلَيْهِ حَيْثُ تنظر إِلَيْهِ أَنْت مَا كَانَ فِي عَيْني إِلَّا عفصاً. قَالَت امْرَأَة عقيل لَهُ: وَالله لَا يجمع رَأْسِي ورأسك وساد أبدا. فَقَالَ عقيل: لَكِن أستاهنا تَجْتَمِع. قَالَ بَعضهم: كنت نَائِما على سطح لي، فَسمِعت فِي بعض اللَّيْل كَلَام امْرَأَة من وَرَاء الْحَائِط تَقول لزَوجهَا: أَنا عُرْيَانَة بجنبك، وَأَنت تجلد عميرَة {فَقَالَ لَهَا: يَا وَيلك، إِذا كَانَ عميرَة أفره مِنْك كَيفَ أعمل؟ قَالَ الْوَلِيد بن يزِيد لبديح: خُذ بِنَا فِي التَّمَنِّي فوَاللَّه لأغلبنك. قَالَ: وَالله لَا تغلبني أبدا} قَالَ: بلَى وَالله مَا تتمنى شَيْئا إِلَّا تمنيت ضعفيه. قَالَ بديح: فَإِنِّي أَتَمَنَّى كِفْلَيْنِ من الْعَذَاب، وَأَن الله يلعنني لعناً كَبِيرا، فَخذ ضعْفي ذَلِك. قَالَ: غلبتني لعنك الله. كَانَت رقية بنت عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان، وَأمّهَا فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن عِنْد هِشَام، وَكَانَ يُحِبهَا وتبغضه، فاعتلت فَجَلَسَ عِنْد رَأسهَا، فَقَالَ: مَا تشتكين؟ قَالَت: بغضك. فَسكت عَنْهَا سَاعَة، ثمَّ قَالَ لَهَا: مَا تشتهين؟ قَالَت: فقدك. كَانَ بِالْبَصْرَةِ رجل طَبِيب يُقَال لَهُ: حوصلة، وَكَانَ لَهُ جَار يعشق ابْنا لَهُ، فوجّه حوصلة بِابْنِهِ إِلَى بَغْدَاد فِي حَاجَة لَهُ، وَلم يعلم جَاره بذلك، فجَاء لَيْلَة يَطْلُبهُ، فصاح بِالْبَابِ: أعطونا نَارا. فَقَالَ حوصلة: المقدحة بِبَغْدَاد. شكا رجل جَارِيَته إِلَى إِبْرَاهِيم الْحَرَّانِي - وَكَانَ قبيحاً دميماً - فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: هَل رَأَيْت وَجهك فِي الْمرْآة؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أفرضيته لنَفسك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَكيف تلومها على كَرَاهِيَة مَا تكرههُ لنَفسك.

كَانَ رجل دميم قَبِيح الْخلقَة قد رزق ابْنَيْنِ مليحين، فَدخل يَوْمًا إِلَى بعض الْأُمَرَاء وهما مَعَه، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا فلَان والدتهما حرَّة أم أمة؟ فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير أَفِي الدُّنْيَا حرَّة تمكن نَفسهَا من مثلي؟ ! . سمع رجل بعض الحمقى يَقُول: اللَّهُمَّ لَا تأخذنا على غَفلَة، فَقَالَ: إِذا لَا يأخذك أبدا. قَالَ غُلَام لِأَبِيهِ: يَا أبه. أَخْبرنِي مستملي أبي خَيْثَمَة: أَن أَبَا خَيْثَمَة يستثقلني، فَقَالَ: يَا بني، فَأَنت ثقيل بِإِسْنَاد. كتب رجل إِلَى صديق لَهُ: وَجه غليّ بدستيجة نَبِيذ، وغط رَأسك من الْحر، وسر إِلَيْنَا، فَقَالَ فِي الْجَواب: وَلم لَا أكشف رَأْسِي فِي بَيْتِي، واشرب الدستيجة وحدي؟ . قَالَ بعض الْبَصرِيين: كُنَّا عِنْد رجل ومعنا رجل من آل أبي معيط، وَأَبُو صَفْوَان حَاضر، فَأتيَا بفالوذجة حارة، فكاع الْقَوْم عَنْهَا لحرارتها، وأهوى إِلَيْهَا المعيطي، وَجعل يَأْكُل، فَقَالَ أَبُو صَفْوَان: انْظُرُوا إِلَى صَبر آل أبي معيط على النَّار. اتخذ ابْن أَخ لإِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس منجماً وطبيباً، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: وَالله مَا أعرف لَك فِي السَّمَاء نجماً وَلَا فِي الأَرْض طبعا، فَمَا تصنع بالطبيب والمنجم. دخل بعض الْوُلَاة والمتغلبين إِلَى بلد واستتر مِنْهُ الْوَالِي قبله، فَطَلَبه، وَأخذ أَصْحَابه وطالبهم بِالدّلَالَةِ عَلَيْهِ إِلَى أَن أَخذ وَكيلا لَهُ، فألح عَلَيْهِ إلحاحاً شَدِيدا، فَلَمَّا علم ذَلِك ووقف عَلَيْهِ لم يلبث أَن خرج الأول من الاستتار، وَوجد أعواناً فَقبض على الآخر وحبسه، وانتقل هُوَ إِلَى دَار الْإِمَارَة، فجَاء هَذَا الْوَكِيل إِلَى الْحَبْس، وَدخل على الْمَحْبُوس، وَقَالَ: كنت قد حلفتني أَن أدلك

على مَوضِع الْأَمِير إِذا عَرفته، وَقد عرفت ذَلِك، وَهُوَ فِي دَار الْإِمَارَة فِي الإيوان، فَخذه إِن أردْت أَخذه. مدح رجل رجلا عِنْد الْفضل بن الرّبيع، فَقَالَ لَهُ الْفضل: يَا عَدو الله؛ ألم تذكره عِنْدِي بِكُل قَبِيح؟ {قَالَ: ذَاك فِي السِّرّ. جعلت فدَاك. تزوج أعمى امْرَأَة قبيحة، فَقَالَت: رزقت أحسن النَّاس وَأَنت لَا تَدْرِي} فَقَالَ: يَا بظراء، فَأَيْنَ كَانَ البصراء عَنْك؟ ! . قَالَ رجل لآخر أصلع: إِن صلعتك هَذِه لمن نَتن دماغك، فَقَالَ: لَو كَانَ كَذَلِك مَا كَانَ على حرأمك طَاقَة شعر. دخل أَبُو العيناء إِلَى ابْن مكرم، فَقَالَ لَهُ: كَيفَ أَنْت؟ قَالَ أَبُو العيناء: كَمَا تحب؟ قَالَ: فَلم أَنْت مُطلق؟ . أهْدى رجل إِلَى إِسْمَاعِيل الْأَعْرَج فالوذجة زنخة، وَكتب مَعهَا: إِنِّي اخْتَرْت لعملها جيّد السكر السُّوسِي، وَالْعَسَل الماذي، والزعفران الْأَصْبَهَانِيّ، فَأَجَابَهُ: بَرِئت من الله إِن لم تكن عملت هَذِه الفالوذجة قبل أَن تمصر أَصْبَهَان، وَقبل أَن تفتح سوس، وَقبل أَن أوحى الله إِلَى النَّحْل. قيل للنتيف الْأَصْبَهَانِيّ: مَا بَقِي مَعَك من آلَة الْجِمَاع؟ قَالَ: البزاق. قيل للجاحظ: لم هربت فِي نكبة ابْن الزيات؟ قَالَ: خفت أَن أكون ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي التَّنور. رمى المتَوَكل عصفوراً بالبندق فَلم يصبهُ، فَقَالَ ابْن حمدون: أَحْسَنت يَا سَيِّدي، فَقَالَ: هُوَ ذَا تهزأ بِي، كَيفَ أَحْسَنت؟ قَالَ: إِلَى العصفور. كَانَ بعض الْكتاب يكْتب كتابا وَإِلَى جنبه رجل يتطلع فِي كِتَابه، فَلَمَّا شقّ عَلَيْهِ ذَلِك كتب فِي كِتَابه: وَلَوْلَا ابْن زَانِيَة أَخُو قحبة كَانَ يتطلع فِي كتابي لأطلته وشرحت فِيهِ جَمِيع مَا فِي نَفسِي، فَقَالَ الرجل: يَا سَيِّدي وَالله مَا كنت أتطلع فِي كتابك، فَقَالَ: يَا بغيض، فَمن أَيْن قَرَأت هَذَا الَّذِي كتبته؟ قيل لأبي عُرْوَة الزبيرِي: أَيَسُرُّك أَنَّك قَائِد؟ فَقَالَ: إِي وَالله، وَلَو قَائِد عُمْيَان.

تجارى قوم فِي مجْلِس لَهُم حَدِيث الْكَمَال فِي الرِّجَال، وَدخُول النُّقْصَان عَلَيْهِم للآفات، فَقَالَ بَعضهم: من كَانَ أَعور فَهُوَ نصف رجل، وَمن لن يحسن السباحة فَهُوَ نصف رجل، وَمن لم يكن متزوجاً فَهُوَ نصف رجل. وَكَانَ فيهم أَعور، وَلم يكن يحسن السباحة وَلَا متزوجاً، فَالْتَفت إِلَى ذَلِك الْإِنْسَان وَقَالَ لَهُ: إِن كَانَ عليّ مَا تَقول فَأَنا أحتاج إِلَى نصف رجل حَتَّى أكون لَا شَيْء. قَالَ بَعضهم: مَرَرْت بمنجم قد صلب، فَقلت لَهُ: هَل رَأَيْت فِي نجمك وحكمك هَذَا؟ قَالَ: كنت رَأَيْت رفْعَة، وَلَكِن لم اعْلَم أَنَّهَا فَوق خَشَبَة. قَالَ بَعضهم: نزلت بعض الْقرى، وَخرجت فِي اللَّيْل لحَاجَة فَإِذا أَنا بأعمى على عَاتِقه جرة وَفِي يَده سراج، فَلم يزل يمشي حَتَّى أَتَى النَّهر، وملأ الجرة وَانْصَرف رَاجعا، فَقلت لَهُ: يَا هَذَا، أَنْت أعمى، وَاللَّيْل وَالنَّهَار عَلَيْك سَوَاء، فَمَا معنى هَذَا السراج؟ قَالَ: يَا فُضُولِيّ، حَملته معي لأعمى الْقلب مثلك يستضئ بِهِ، فَلَا يعثر بِي فِي الظلمَة فَيَقَع عليّ وَيكسر جرتي. صدم اعور فِي بعض الْأَسْوَاق امْرَأَة، فالتفتت إِلَيْهِ وَقَالَت: أعمى الله بَصرك، فَقَالَ: يَا ستي، قد اسْتَجَابَ الله نصف دعائك. دخل إِلَى بعض العور رجل من جِيرَانه - وَمَعَهُ حمَار - فَقَالَ: أَيهَا الْأُسْتَاذ اشْتريت هَذَا الْحمار فَأَحْبَبْت أَن أتبرك بنظرك إِلَيْهِ فكم يُسَاوِي عنْدك؟ فَتَأَمّله، ثمَّ قَالَ: يُسَاوِي خمسين درهما. وَكَانَ الرجل قد اشْتَرَاهُ بِمِائَة دِرْهَم، فَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله مَا أَخْطَأت بفلس، فَإِنِّي اشْتَرَيْته بِمِائَة، وَأَنت رَأَيْت نصفه. غنت مغنية بِصَوْت فِيهِ " الله يعلم. . " فكررته مرَارًا، فَقَالَ ابْن مكرم: أَنَّك بغيضة. سُئِلَ رجل عَن سنّ امْرَأَته - وَكَانَت قديمَة الصُّحْبَة لَهُ - فَقَالَ: خُذُوا عيار رَأسهَا من لحيتي. قَالَ أَبُو حنيفَة لشيطان الطاق: مَاتَ إمامك - يَعْنِي جَعْفَر الصَّادِق عَلَيْهِ السَّلَام - فَقَالَ لَهُ: لَكِن إمامك لَا يَمُوت إِلَى يَوْم الدّين. يَعْنِي، إِبْلِيس.

وناظره مرّة فِي الطَّلَاق، فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة: أَنْتُم معاشر الشِّيعَة لَا تقدرون على أَن تطلقوا نساءكم، فَقَالَ شَيْطَان الطاق: نَحن نقدر على أَن نطلق على جَمِيع من خَالَفنَا نِسَاءَهُمْ. فَكيف لَا نقدر على ذَلِك فِي نسائنا؟ وَإِن شِئْت طلقت عَلَيْك امْرَأَتك. قَالَ أَبُو حنيفَة: افْعَل. قَالَ: قد طَلقتهَا بِأَمْرك، فقد قلت لي: افْعَل. قَالَ بعض العلوية لأبي العيناء: أتبغضني وَلَا تصح صَلَاتك إِلَّا بِالصَّلَاةِ عليّ، إِذا قلت: اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَآله؟ فَقَالَ أَبُو العيناء: إِذا قلت " الطيبين " خرجت مِنْهُم. أَتَى قوم بَعضهم وَقَالُوا: نحب أَن تسلف فلَانا ألف دِرْهَم، وتؤخره سنة. فَقَالَ: هَذِه حاجتان وَلَكِنِّي سأقضي لكم إِحْدَاهمَا، أما الْألف فَلَا يسهل عليّ، وَلَكِنِّي أؤخره مَا شَاءَ الله. وَسَأَلَ بعض الْخُلَفَاء من لَا يسْتَحق الْولَايَة، فَقَالَ: ولني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أرمينية، فَقَالَ: يبطئ على أَمِير الْمُؤمنِينَ خبرك. كَانَ لبَعْضهِم ابْن متحنف، فَقَالَ لَهُ يَوْمًا: مَا أطيب الثكل {فَقَالَ الابْن: أطيب مِنْهُ وَالله يَا أبي الْيُتْم. قَالَ بعض الْقصاص - وَهُوَ يعظ: آه. . آه} ! فَقَالَ بعض المجان: من تحتي؟ فَقَالَ الْقَاص: وَمَعِي ثَلَاثَة. يُرِيد: لحمل نعشه. قَالَ رجل لحميد الطوسي - وَكَانَ عاتياً - رَأَيْت فِي النّوم كَأَن الْقِيَامَة قد قَامَت، وَكَأن الله قد دَعَا بك، وَغفر لَك، وأدخلك الْجنَّة. فَقَالَ: إِن كَانَت رُؤْيَاك حَقًا فالجور ثمَّ أَكثر من هَاهُنَا. مر الفرزدق وَهُوَ رَاكب بغلة فضربها فضرطت، فَضَحكت مِنْهُ امْرَأَة فَالْتَفت إِلَيْهَا وَقَالَ: مَا يضحكك؟ فوَاللَّه مَا حَملتنِي أُنْثَى قطّ إِلَّا ضرطت، فَقَالَت لَهُ الْمَرْأَة: فقد حَملتك أمك تِسْعَة أشهر يَا ابْن الضراطة. قيل لمفلس: يَا مربي. قَالَ: فأل حسن.

الباب الثامن من نوادر المتنبئين

الْبَاب الثَّامِن: من نَوَادِر المتنبئين ادّعى رجل فِي زمن الْمهْدي النُّبُوَّة، فَأدْخل إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْمهْدي: أَنْت نَبِي؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَإلَى من بعثت؟ قَالَ: وتركتموني أذهب إِلَى من بعثت؟ بعثت بِالْغَدَاةِ وحبستموني بالْعَشي، فَضَحِك الْمهْدي حَتَّى فحص بِرجلِهِ، وَأمر لَهُ بجائزة وخلى سَبيله. وتنبأ آخر وَادّعى أَنه مُوسَى بن عمرَان، فَأحْضرهُ وَقَالَ لَهُ: من أَنْت؟ قَالَ: أَنا كليم الله مُوسَى. قَالَ: وَهَذِه عصاك الَّتِي صَارَت ثعباناً؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَأَلْقِهَا من يدك ومرها أَن تصير ثعباناً. قَالَ: قل أَنْت " أَنا ربكُم الْأَعْلَى ": كَمَا قَالَ فِرْعَوْن، حَتَّى أصيرها ثعباناً كَمَا فعل مُوسَى. فَضَحِك مِنْهُ واستظرفه. وأحضرت الْمَائِدَة فَقيل لَهُ: هَل أكلت شَيْئا؟ فَقَالَ: مَا أحسن الْعقل! لَو كَانَ لي مَا آكله، أَي شَيْء كنت أعمل عنْدكُمْ؟ فأعجب بِهِ الْخَلِيفَة وَأحسن إِلَيْهِ. وتنبأت امْرَأَة أَيَّام الْمَأْمُون؛ فأوصلت إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهَا: من أَنْت؟ قَالَت: أَنا فَاطِمَة النبية. فَقَالَ الْمَأْمُون: أتؤمنين بِمَا قَالَ مُحَمَّد رَسُول الله؟ قَالَت: هُوَ نَبِي حَقًا، وَقَوله حق مَقْبُول. قَالَ: فَإِن مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: لَا نَبِي بعدِي. قَالَت: صدق صلوَات الله عَلَيْهِ؛ فَهَل قَالَ: لَا نبية بعدِي؟ فَقَالَ الْمَأْمُون لمن حضر: أما أَنا فقد انْقَطَعت، فَمن كَانَت عِنْده حجَّته فليأت بهَا، وَضحك حَتَّى غطى وَجهه.

وتنبأ آخر فِي أَيَّام الْمَأْمُون فَقَالَ: أَنا أَحْمد النَّبِي. فَحمل إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: أمظلوم أَنْت فتنصف؟ قَالَ: ظلمت فِي ضيعتي، فَتقدم بإنصافه، ثمَّ قَالَ لَهُ: مَا تَقول فِي دعواك؟ قَالَ: أَنا أَحْمد النَّبِي فَهَل تذمه أَنْت؟ . ادّعى رجل النُّبُوَّة فَقيل لَهُ: مَا علامتك؟ قَالَ أنبئكم بِمَا فِي أَنفسكُم. قَالُوا: فَمَا فِي أَنْفُسنَا؟ قَالَ: أَنِّي كَذَّاب، لست بِنَبِي {} . تنبأ حائك بِالْكُوفَةِ فَقيل لَهُ: مَا رَأينَا نَبيا حائكاً، فَقَالَ: هَل رَأَيْتُمْ نَبيا صيرفياً؟ تنبأ رجل بِالْبَصْرَةِ فِي أَيَّام مُحَمَّد بن سُلَيْمَان فَأدْخل عَلَيْهِ وَهُوَ مُقَيّد. فَقَالَ لَهُ: أَنْت نَبِي مُرْسل؟ قَالَ: أما السَّاعَة فمقيد. قَالَ: وَيلك، من غَرَّك؟ قَالَ: هَكَذَا يُخَاطب الْأَنْبِيَاء؟ أما وَالله لَوْلَا أَنِّي موثق لأمرت جِبْرِيل بِأَن يدمدمها عَلَيْكُم. قَالَ: والموثق لَا تجاب دَعوته؟ قَالَ: الْأَنْبِيَاء إِذا قيدت خَاصَّة لَا ترْتَفع دعوتهم؛ فَضَحِك مُحَمَّد وَقَالَ: مَتى قيدت الْأَنْبِيَاء؟ قَالَ: هُوَ ذَا بَين يَديك وَاحِد. قَالَ: فَنحْن نطلقك وتأمر جِبْرِيل، فَإِن أطاعك آمنا بك. قَالَ: صدق الله تبَارك وَتَعَالَى: " فَلَا يُؤمنُوا حَتَّى يرَوا الْعَذَاب الْأَلِيم " إِن شِئْت فافعل فَأمر بِإِطْلَاقِهِ فَلَمَّا وجد الرَّاحَة قَالَ: يت جِبْرِيل - ومذ بهَا صَوته - ابْعَثُوا من شِئْتُم، فَلَيْسَ بيني وَبَيْنكُم عمل، هَذَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان فِي عشْرين ألف مدجج، وَله غلَّة مائَة ألف فِي كل يَوْم وَأَنا وحدي، مَا أملك درهما وَاحِدًا، مَا يذهب لكم فِي حَاجَة إِلَّا كشخان فَضَحِك مِنْهُ وخلاه. تنبأ رجل فِي أَيَّام الْمَأْمُون، فَقَالَ لَهُ: من أَنْت؟ قَالَ: نَبِي. قَالَ: فَمَا معجزتك؟ قَالَ: مَا شِئْت. قَالَ: فَأخْرج لي من الأَرْض بطيخة. قَالَ: أمهلني ثَلَاثَة أَيَّام. قَالَ الْمَأْمُون: السَّاعَة أريدها. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أنصفني. أَنْت تعلم أَن الله ينبتها فِي ثَلَاثَة أشهر، فَلَا تقبلهَا مني فِي ثَلَاثَة أَيَّام؟ ! فَضَحِك الْمَأْمُون وَعلم أَنه محتال واستتابه وَوَصله.

وتنبأ آخر فِي أَيَّامه، فطالبوه بمعجزته، فَقَالَ: أطرح لكم حَصَاة فِي المَاء فأذيبها حَتَّى تصير مَعَ المَاء شَيْئا وَاحِدًا. قَالُوا: قد رَضِينَا، فَأخْرج حَصَاة كَانَت مَعَه وطرحها فِي المَاء فذابت، فَقَالُوا: هَذِه حِيلَة، وَلَكِن أذب حَصَاة نعطيك نَحن. قَالَ لَهُم: لَا تتعصبوا. فلستم أَنْتُم أجل من فِرْعَوْن، وَلَا أَنا أعظم من مُوسَى، لم يقل فِرْعَوْن لمُوسَى: لَا أرْضى بِمَا تَفْعَلهُ بعصاك حَتَّى أُعْطِيك من عِنْدِي عَصا تجعلها ثعباناً. فَضَحِك الْمَأْمُون وَأَجَازَهُ. وتنبأ آخر فِي أَيَّام المعتصم، فَلَمَّا أحضر بَين يَدَيْهِ قَالَ لَهُ: أَنْت نَبِي؟ قَالَ: نعم. قَالَ: إِلَى من بعثت؟ قَالَ: إِلَيْك. قَالَ: أشهد أَنَّك لسفيه أَحمَق. قَالَ: إِنَّمَا يبْعَث إِلَى كل قوم مثلهم. فَضَحِك المعتصم وَأمر لَهُ بِشَيْء. وتنبأ آخر فَقيل لَهُ: مَا معجزتك؟ قَالَ: يَقُول الله تَعَالَى: " ذُو مرّة فَاسْتَوَى "، ورجلي قد تشقق كُله من المرار. وتنبأ آخر فَرُئِيَ فِي بَيت خمار، فَقيل لَهُ: مَا رَأينَا نَبيا فِي بَيت خمار {} قَالَ: إِنَّمَا جِئْت أعرف هَذَا حَتَّى لَا أقصده مرّة أُخْرَى. وتنبأ رجل فِي خلاعة الْمَأْمُون، فَقَالَ لعَلي بن صَالح صَاحب الْمصلى: ناظره. فَقَالَ لَهُ عَليّ: مَا أَنْت؟ قَالَ: نَبِي. قَالَ: فَأَيْنَ آياتك وَالنّذر؟ قَالَ: ألستم تَزْعُمُونَ أَن مُحَمَّدًا كَانَ لَا يخبر بِشَيْء إِلَّا كَانَ؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فَأَنا لَا أخبر بِشَيْء أَنه يكون فَيكون. تنبأ رجل فِي أَيَّام الْمَأْمُون، فَقَالَ لَهُ: مَا أَنْت؟ قَالَ: أَنا نَبِي. قَالَ: فَمَا معجزتك؟ قَالَ: سل مَا شِئْت. وَكَانَ بَين يَدَيْهِ قفل، قَالَ: خُذ هَذَا القفل فافتحه، فَقَالَ: أصلحك الله، لم أقل إِنِّي حداد، قلت: أَنا نَبِي {} فَضَحِك الْمَأْمُون واستتابه وَأَجَازَهُ. وتنبأ آخر فَطلب، فَلَمَّا أحضر دَعَا لَهُ بالنطع وَالسيف، فَقَالَ: لم تقتلوني؟ قَالُوا: لِأَنَّك ادعيت النُّبُوَّة. قَالَ: فلست أدعيها. قَالُوا: فَأَي شَيْء أَنْت؟ قَالَ: أَنا صدّيق. فدعي لَهُ بالسياط، قَالَ: لم تضربوني؟ قَالُوا: لادعائك

أَنَّك صديق. قَالَ: لَا أَدعِي. قَالُوا: فَمن أَنْت؟ قَالَ: من التَّابِعين بِإِحْسَان. فدعي لَهُ بالدّرة. قَالَ: وَلم؟ قَالُوا: نؤدبك لادعائك مَا لَيْسَ فِيك. قَالَ: وَيحكم. السَّاعَة كنت نَبيا، أتريدون أَن تحطوني فِي سَاعَة وَاحِدَة من النُّبُوَّة إِلَى مرتبَة العوامّ؟ أمهلوني إِلَى غَد حَتَّى أصير لكم إِلَى مَا شِئْتُم. وَأتي المتَوَكل بِوَاحِد قد تنبأ، فَقَالَ لَهُ: مَا حجتك؟ قَالَ: مَا أعطوني حجَّة وَقلت لجبريل: إِن الْقَوْم ثقال الْأَرْوَاح غِلَاظ الطباع لابد لي مَعَهم من آيَة. قَالَ لي: اذْهَبْ، فَإِن أهل بَغْدَاد قد اخْتلفُوا فِي القَاضِي، وَأَنه بغّاء أَو لوطيّ، فَاذْهَبْ فعرفهم ذَلِك فَإِنَّهُم إِذا عرفتهم آمنُوا بك. قَالَ المتَوَكل: فَمَا الَّذِي قَالَ لَك جِبْرِيل من أَمر القَاضِي. قَالَ: قَالَ هُوَ بغّاء. فَضَحِك وَأمر لَهُ بجائزة. وتنبأ آخر فِي زمن الْمهْدي، فَقَالَ لَهُ: إِلَى من بعثت؟ فَقَالَ: وتركتموني أذهب إِلَى من بعثت إِلَيْهِ؟ بعثت بِالْغَدَاةِ ووضعتموني فِي السجْن بالْعَشي، فَضَحِك الْمهْدي حَتَّى ضرب برجليه. وَقَالَ: صدقت يَا هَذَا. عاجلناك، فَإِن نَحن خليناك تذْهب إِلَيْهِم؟ قَالَ: لَا وَالله، قد بدا لي، أَخَاف أَن يصنعوا بِي كَمَا صَنَعْتُم. قَالَ: فَمَا تَقول لجبريل؟ قَالَ: أَقُول لَهُ: ابْعَثُوا من شِئْتُم فَإِنِّي أحتاج أَن أقتل الحبال. فَضَحِك الْمهْدي، واستتابه وخلاه. وتنبأ آخر فِي زمن الْمهْدي فَأمر بإحضاره، فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ قَالَ لَهُ: أَنْت نَبِي؟ قَالَ: نعم. قَالَ: وَمَتى بعثت؟ قَالَ: وَمَا تصنع بالتاريخ؟ قَالَ: فَفِي أَي مَوضِع جاءتك النُّبُوَّة؟ قَالَ: وقعنا. وَالله لَيْسَ هَذَا من مناظرات الْأَنْبِيَاء، إِن كَانَ عزمك أَن تصدقني فَكل مَا قلت لَك اعْمَلْ بِهِ، وَإِن عزمت أَن تكذبني فَدَعْنِي رَأْسا بِرَأْس. قَالَ الْمهْدي: هَذَا لَا يجوز فَإِن فِيهِ فَسَاد الدّين. فَغَضب وَقَالَ: واعجباه! تغْضب أَنْت لفساد دينك وَلَا أغضب أَنا لفساد ديني؟ فوَاللَّه مَا قويت إِلَّا بمعن بن زَائِدَة وَالْحسن بن قَحْطَبَةَ وَمن أشبههما، فَضَحِك الْمهْدي وَقَالَ لِشَرِيك القَاضِي: مَا تَقول فِيهِ؟ قَالَ المتنبئ: تشَاور ذَاك فِي أَمْرِي وَلَا تشاورني؟ قَالَ: هَات مَا عنْدك. قَالَ: أكافر أَنا عنْدك أم مُؤمن؟ : قَالَ: كَافِر. قَالَ: فَإِن الله يَقُول: " وَلَا تُطِع الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ ودع أذاهم وتوكل على الله ".

فَلَا تُطِعْنِي وَلَا تؤذني، وَدعنِي أذهب إِلَى الضُّعَفَاء وَالْمَسَاكِين، فَإِنَّهُم أَتبَاع الْأَنْبِيَاء، وأترك الْمُلُوك والجبابرة فَإِنَّهُم حصب جَهَنَّم، فَضَحِك وخلاه. وتنبأ آخر فِي أَيَّام المتَوَكل فَأحْضرهُ وَقَالَ لَهُ: مَا صناعتك؟ قَالَ: أَنا روّاس. قَالَ المتَوَكل: صناعَة قذرة، فَقَامَ المتنبئ ينفض ثِيَابه ليمضي، فَقَالَ: إِلَى أَيْن؟ قَالَ: أذهب أَقُول لَهُم إِن الْقَوْم متقززون، يُرِيدُونَ نَبيا عطاراً. وتنبأ آخر فِي أَيَّام الْمَأْمُون فأحضر وَقَالَ لَهُ: مَا آيتك؟ وَمَا الدَّلِيل على نبوتك؟ قَالَ: الْقُرْآن؛ يَقُول الله عز وَجل: " إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح ". واسمي الْفَتْح. فَقَالَ الْمَأْمُون: فَهَذَا لَك خَاصَّة أَو لكل من اسْمه الْفَتْح؟ قَالَ: وَحين قَالَ الله فِي كِتَابه الْعَزِيز: " مُحَمَّد رَسُول الله " كَانَ لمُحَمد خَاصَّة أَو لكل من اسْمه مُحَمَّد؟ فَضَحِك واستتابه وخلاه. وتنبأ آخر فَقيل لَهُ: مَا معجزتك؟ قَالَ: وَمَا معْجزَة نَبِيكُم؟ قَالُوا: حلب الْحَائِل. قَالَ: فَأَنا أحلب العاقر. تنبأ آخر، وسمى نَفسه نوحًا، وَنَهَاهُ صديق لَهُ عَن ذَلِك، فَلم ينْتَه، فَأَخذه السُّلْطَان وصلبه، فَمر بِهِ صديقه الَّذِي كَانَ ينهاه، فَقَالَ لَهُ: يَا نوح؛ مَا حصلت من السَّفِينَة إِلَّا على الدقل. جَاءَ رجل إِلَى المتَوَكل، وَادّعى النُّبُوَّة، فَقَالَ لَهُ بعض من حضر: صف لنا جبيل، فوصفه وَلم يذكر جنَاحه، فَقَالَ لَهُ: وَيحك، لم تعلمنا خبر جنَاحه، ولسنا نشك فِي أَن لَهُ جنَاحا. فَقَالَ: أَظُنهُ أَتَانِي وَهُوَ فِي القرفصة. أُتِي الْمَأْمُون بآخر قد تنبأ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَقول؟ قَالَ: قَالَ رَبِّي لَا تكلم الْمَأْمُون بِشَيْء، واذهب إِلَى الْهِنْد. فَضَحِك وخلاه.

الباب التاسع نوادر المدينيين

الْبَاب التَّاسِع نَوَادِر المدينيين قَالَ رجل من أهل الشَّام لبَعض أهل الْمَدِينَة - وَهُوَ الغاضري -: كَيفَ يُبَاع النَّبِيذ عنْدكُمْ؟ قَالَ: مدّان وَثَمَانِية وَسَبْعُونَ سَوْطًا بدرهم {} . وَقيل لمديني: مَا أَعدَدْت لشدَّة الْبرد؟ قَالَ: شدَّة الرعدة. وَقَالَ آخر مِنْهُم لغلامه وَنزل بِهِ ضيف: افرش لضيفنا. فَقَالَ: مَا أفرش لَهُ، وسراويلك عَلَيْك، والجل على الْحمار؟ . وَقيل لآخر: كَيفَ أَنْت فِي دينك؟ قَالَ: أخرقه بِالْمَعَاصِي وأرقعه بالاستغفار. سرق آخر نافجة مسك، فَقيل لَهُ: إِن كل من غل يَأْتِي بِمَا غل يَوْم الْقِيَامَة يحمل على عُنُقه. فَقَالَ: إِذا وَالله أحملها طيبَة الرّيح خَفِيفَة الْمحمل. وَمر آخر بقاص وَهُوَ يَقُول: وإسرافيل ملتقم الصُّور ينْتَظر مَتى يُؤمر أَن ينْفخ فِيهِ. فَقَالَ الْمَدِينِيّ - وَضرب بِيَدِهِ على جَبهته -: إِنَّا لله، إِن عطس عطسة افتضحنا. وَقَالَ آخر: لَو قسم الْبلَاء بَين النَّاس لم يصبنا أَكثر مِمَّا أَصَابَنَا. قَالُوا: مَا الَّذِي أَصَابَك؟ . قَالَ: بعثنَا بشاتنا إِلَى التيّاس مَعَ الْجَارِيَة، فَجَاءَت الشَّاة حَائِلا وَالْجَارِيَة حَامِلا. وَصَحب مديني بعض وُلَاة الْمَدِينَة، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة قَالُوا: هَل ولاّك شَيْئا؟ قَالَ: نعم، ولاّني قَفاهُ.

قيل لآخر - وَقد ذمّ عيشه -: أَحْمد الله الَّذِي رفع السَّمَاء بِغَيْر عمد، فَإِنَّهُ قَادر على أَن يُوسع رزقك. قَالَ: وددت أَنه وسع عليّ وَجعل بَين كل ذراعين اسطوانة. وَسمع آخر سَائِلًا يَقُول: لَا ينقص مَال من صَدَقَة. قَالَ: بيني وَبَيْنك الْمِيزَان يَا كشخان. قيل لآخر: كَيفَ طابت أصوات أهل الْمَدِينَة؟ قَالَ: لخلاء أَجْوَافهم، كالعود لما خلا جَوْفه طَابَ صَوته. لَقِي مديني آخر فَقَالَ لَهُ: مَا فعل ابْنك فلَان؟ قَالَ: بِالْيمن. قَالَ: فابنك فلَان؟ قَالَ: بخراسان. قَالَ: لَا أَسأَلك عَن الثَّالِث فَإِنِّي أعلم أَنه فِي السَّحَاب. وَقَالَ مديني لآخر: زوجت أمك؟ قَالَ: نعم، حَلَالا طيبا. قَالَ: حَلَال نعم، فَأَما الطّيب فالزوج أعلم بِهِ. وَاشْترى آخر رطبا، فَأخْرج صَاحبه كيلجة صَغِيرَة ليكيل بهَا، فَقَالَ الْمَدِينِيّ: وَالله لَو كلت لي بهَا حَسَنَات مَا قبلتها. وَقيل لآخر: حِمَارك مهزول. فَقَالَ: يَده مَعَ يَدي. وَاشْترى آخر جَارِيَة فَسئلَ عَنْهَا، فَقَالَ: فِيهَا خلَّتَانِ من خلال الْجنَّة: برد وسعة. وَقَالَ مديني لِابْنِ أبي مَرْيَم: تعشقت فُلَانَة وَأُرِيد شراءها. قَالَ: يَا ابْن الفاعلة، فَبِأَي شَيْء تشتريها؟ قَالَ: أبيع قطيعة جدي وأشتريها. قَالَ: امْرَأَته طَالِق إِن كَانَ ملك جدك قطيعة إِلَّا قطيعة الرَّحِم. كَانَ مديني يجلس على بَاب مَسْجِد، فَيرى النَّاس إِذا اذن الْمُؤَذّن يدْخلُونَ أَرْسَالًا. فَقَالَ: وَالله لَو قَالَ هَذَا الْمُؤَذّن يَوْمًا: حيّ على الزَّكَاة، مَا جَاءَ مِنْكُم أحد.

وسرق آخر جرة فَأَخَذُوهَا مِنْهُ وَأَرَادُوا ضربه، وَقَالُوا: يَا عَدو الله تسرق جرتنا؟ فَقَالَ: مَا هَذِه جرتكم، هَذِه وَالله عندنَا مذ هِيَ كوز! فضحكوا مِنْهُ وتركوها لَهُ. قَالَ مديني لآخر: أَيَسُرُّك أَن هَذِه الدَّار لَك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: وَلَيْسَ إِلَّا نعم؟ قَالَ: وَكَيف أَقُول؟ قَالَ: تَقول نعم، وأحمّ سنة. قَالَ: نعم وَأَنا أَعور. وَقَالَ وَاحِد مِنْهُم لآخر: أَيَسُرُّك أَن تعيش حَتَّى تجئ حليمة من إفريقية مشياً إِلَيْك؟ قَالَ: وَأَنت يَسُرك ذَلِك؟ قَالَ: أَخَاف وَالله أَن يَقُول إِنْسَان هِيَ بمخيض فيغشى عليّ. ومخيض على بريد من الْمَدِينَة. وَقَالَ آخر لامْرَأَته: لَا جَزَاك الله خيرا فَإنَّك غير مرعية وَلَا مبقية. قَالَت: لأَنا وَالله أرعى وَأبقى من الَّتِي كَانَت قبلي. قَالَ: فَأَنت طَالِق إِن لم أكن آتيها بجرادة فتطبخ مِنْهَا أَرْبَعَة ألوان وتشوى جنبيها. فَرَفَعته إِلَى القَاضِي، فَجعل القَاضِي يطْلب لَهُ الْمخْرج، فَقَالَ للْقَاضِي: أصلحك الله، أشكلت عَلَيْك؟ هِيَ طَالِق عشْرين. شتم مديني أَبَا هُرَيْرَة، فَقيل لَهُ: أتشتم رجلا من أَصْحَاب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام؟ فَقَالَ: ظننته أنس بن مَالك. مطر أهل الْمَدِينَة سِتّ لَيَال مُتَوَالِيَات، حَتَّى كَاد أَهلهَا يغرقون، فَقَالَ بَعضهم: إِن مُطِرْنَا السَّابِعَة أصبح أهل السَّمَاء فِي مفازة لَا يَجدونَ حسوة مَاء. نزل على مديني أضياف فتسترت امْرَأَته مِنْهُم وتخفرت. فَقَالَ لَهَا زَوجهَا: لَوَدِدْت أَن فِي الدُّنْيَا عينا تشتهيك، وَأَنَّك أثقلت فِي كل يَوْم بتوأمين. نظر مديني إِلَى قوم يستسقون وَمَعَهُمْ الصّبيان، فَقَالَ: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: نرجو بهم الْإِجَابَة. قَالَ: لَو كَانَ دعاؤهم مجاباً لما بَقِي فِي الأَرْض معلم.

قيل لبَعْضهِم: مَا عنْدك من آلَة الْحَج؟ قَالَ: التَّلْبِيَة. وَقيل لآخر: يمكنك أَن تحج. قَالَ: لَيْت أمكنني الْمقَام {. وقف آخر على قاص وَهُوَ يذكر ضغطة الْقَبْر، فَقَالَ: يَا قوم، كم فِي الصلب من الْفرج الْعَظِيم وَنحن لَا نَدْرِي} فَقَالَ صَاحبه: فَإنَّا نستصلب الله. أَخذ الطَّائِف بَعضهم وَهُوَ سَكرَان، فَقَالَ: احْبِسُوا الْخَبيث. فَقَالَ: أصلحك الله؛ عليّ يَمِين بِالطَّلَاق أَلا أَبيت بَعيدا عَن منزلي، فَضَحِك وخلاه. اجتازت جَارِيَة مدينية بِرَجُل مِنْهُم يَبُول، فرأت مَعَه شَيْئا وافراً، فَقَالَت لَهُ: هَذَا مَعَك وَلَا تجْلِس فِي الصيارفة؟ فَقَالَ: أخزاك الله، وَهل أقامني من الصيارفة غَيره؟ . وصف مديني امْرَأَة بالقبح، فَقَالَ: كَأَن وَجههَا وَجه إِنْسَان قد رأى شَيْئا يتعجب مِنْهُ. قيل لمديني: مَا طَعَامك؟ قَالَ: الْخلّ وَالزَّيْت. قيل: أفتصبر عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: ليتهما يصبران عليّ. خَاصَمت مدينية زَوجهَا، وَكَانَ فِي خلق لَا يواريه، فَقَالَت لَهُ: غير الله مَا بك من نعْمَة. قَالَ: اسْتَجَابَ الله دعاءك، لعَلي أصبح فِي ثَوْبَيْنِ جديدين. وَمَرَّتْ امْرَأَة جملية بمديني، فَقَالَت لَهُ: يَا شيخ؛ أَيْن درب الْحَلَاوَة؟ قَالَ: بَين رجليك يَا ستي. وصف مديني مغنية بِحسن الْغناء، فَقَالَ: وَالله لَو سَمعتهَا مَا أدْركْت ذكاتك. عرض آخر جَارِيَة على البيع، فَقيل لَهُ: هِيَ دقيقة السَّاقَيْن، فَقَالَ: تُرِيدُونَ تبنون على رَأسهَا غرفَة؟ كَانَ أَبُو خُزَيْمَة الْمَدِينِيّ يَقُول: اللَّهُمَّ ارزقني، فَإِن كنت لَا ترزقني لكرامتي عَلَيْك، فقد رزقت من هُوَ خير مني، سُلَيْمَان بن دَاوُد، وَإِن كنت لَا ترزقني لهواني عَلَيْك، فقد رزقت من هُوَ شَرّ مني، فِرْعَوْن ذَا الْأَوْتَاد.

وشكا مرّة نكبات الدَّهْر، فَقَالَ لَهُ رجل: هون عَلَيْك فَإِن الله يدّخر لَك ثَوَابهَا للآخرة. فَقَالَ لَهُ أَبُو خُزَيْمَة: الْآخِرَة خير أم الدُّنْيَا؟ قَالَ: بل الْآخِرَة. قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ يعطيني من ابغضهما إِلَيْهِ، أيعطيني من أكرمهما عَلَيْهِ؟ قَالَت امْرَأَة الغاضري - وَقد قطع لَهَا قَمِيصًا -: مَا أحسن هَذَا الْقَمِيص! قَالَ: الطَّلَاق أحسن مِنْهُ. قَالَ رجل لناجية الْمَدِينِيّ لما مَاتَ أَبوهُ: آجرك الله. فَقَالَ: رَزَقَنِي الله مكافأتك. قَالَ أَبُو العيناء: قلت لمديني شكا إليّ سوء الْحَال: اُبْشُرْ فَإِن الله قد رزقك الْإِسْلَام والعافية. قَالَ: أجل، وَلَكِن بَينهمَا جوع يقلقل الكبد. وقف سَائل بِبَاب مديني، وَقَالَ: أطعمونا من فضل غشائكم. فَقَالَ: وَالله مَا لعشائنا أصل حَتَّى يكون لَهُ فضل. ساوم مديني بدجاجة، فَقَالَ صَاحبهَا: لَا أنقص من عشرَة دَرَاهِم. فَقَالَ: وَالله لَو كَانَت فِي حسن يُوسُف، وَفِي عظم كَبْش إِبْرَاهِيم، وَكَانَت تبيض فِي كل يَوْم وليّ عهد للْمُسلمين، مَا ساوت أَكثر من دِرْهَمَيْنِ. قيل لمديني: كَيفَ رَأَيْت الْبَصْرَة؟ قَالَ: خير بلَاء الله للجائع والمفلس والعزب، أما الجائع فيأكل من خبز الْأرز والمالح بفلس حَتَّى يشْبع. وَأما العزب فَيَتَزَوَّج بِمن شَاءَ بدانقين وَأما الْمُفلس فيخرى وَيبِيع، فَهَل رَأَيْتُمْ بَلْدَة مثلهَا؟ . قيل لمديني: مَا عنْدك من آلَة العصيدة؟ قَالَ: المَاء. انْقَطع مديني إِلَى رجل من الْأَشْرَاف، فغنى لَهُ مغن يَوْمًا صَوتا حَزينًا، فمزق ثِيَابه وَقَالَ للمديني: مزق قَمِيصك أَيْضا. قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي غَيره. قَالَ: أَنا أكسوك غَدا قَمِيصًا. قَالَ: وَأَنا أَيْضا أمزقه غَدا. قيل لبَعْضهِم: مَا عنْدك من آلَة القريس قَالَ: الْبرد.

قيل لخوات الْمَدِينِيّ: كَيفَ تَقول: تعشيت أَو تعشأت؟ قَالَ: إِذا أكلت اللَّحْم فَقل تعشأت، وَإِذا لم تَأْكُل اللَّحْم، فَقل: تعشيت. قَالَ بَعضهم: مَرَرْت بآخر وَهُوَ يشكو الْفقر، فَقلت لَهُ: أبشر، فَإِنَّهُ يَأْتِيك الْفرج. قَالَ: أخْشَى أَن يجيئني الْفرج فَلَا يجدني. قَالَ مديني لآخر: حاصرت الله فِي سلم من زبد كلما صعدت ذِرَاعا نزلت باعا، حَتَّى أبلغ بَنَات نعش فآخذها كوكباً كوكباً. لَو أَن لمولاك مائَة بيدر من إبر خوارزمية، ثمَّ جَاءَهُ يُوسُف النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَقد قدّ قَمِيصه من دبر، وَمَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل يشفعان لَهُ مَا أعطَاهُ مِنْهَا إبرة يخيط بهَا قَمِيصه. قيل لشيخ مِنْهُم: كم مِقْدَار شربك للنبيذ؟ قَالَ: مِقْدَار مَا أقوى بِهِ على ترك الصَّلَاة. سرق لآخر دَرَاهِم، فَقيل لَهُ: لَا تغتمّ فَإِنَّهَا فِي ميزانك. فَقَالَ: مَعَ الْمِيزَان سرقت. وَقَالَ آخر لصَاحب منزله: أصلح خشب هَذَا الْبَيْت فَإِنَّهُ يتفرقع. فَقَالَ: لَا تخف، فَإِنَّهُ يسبح، فَقَالَ: إِنِّي أَخَاف أَن تُدْرِكهُ الرقة فَيسْجد. كَانَت بِالْمَدِينَةِ امْرَأَة لَا تَلد إِلَّا الْبَنَات، فَقَالَ لَهَا زَوجهَا وَقد بشر بابنة: يَا فُلَانَة، إِنِّي لأَظُن لَو احْتَلَمت بِالشَّام وَأَنت بِالْمَدِينَةِ لحملت ببنت. خرج أَبُو جواليق الْمَدِينِيّ يَشْتَرِي حمارا، فَلَقِيَهُ صديق لَهُ، فَقَالَ: أَيْن تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيد السُّوق أَشْتَرِي حمارا. قَالَ: قل إِن شَاءَ الله. قَالَ: لَيْسَ هَذَا مَوضِع " إِن شَاءَ الله " الدَّرَاهِم فِي كمى وَالْحمار فِي السُّوق؛ فَبينا هُوَ يطْلب الْحمار إِذْ طرّت دَرَاهِمه فَرجع حَزينًا، فَلَقِيَهُ صَاحبه، فَقَالَ: مَا صنعت؟ قَالَ: سرقت دراهمي إِن شَاءَ الله. وَأَرَادَ الْمهْدي أَن يتنزه بِالْمَدَائِنِ، فَخرج أَشْرَاف أهل الْمَدَائِن، فأوقدوا النيرَان والشموع، فَقَالَ أَبُو جواليق: قد أذن الله فِي خراب الْمَدَائِن. قَالُوا:

لم؟ قَالَ: أوقدتم النيرَان. الْآن تنفر حراقات الْمهْدي مِنْهَا فيأمر بخراب الْمَدَائِن. دخل بَعضهم على الْمَأْمُون، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، الْمَوْت بِالْمَدِينَةِ فَاش إِلَّا أَنه سليم. جَاءَ رجل إِلَى مديني فَقَالَ: هَل تدلني على من يَشْتَرِي حماري، وَكَانَ أجرب أجرد، فَقَالَ: وَالله مَا أعرف من يَشْتَرِي هَذَا إِلَّا أَن يجِئ من يطْلب من الْحمير نسمَة لِلْعِتْقِ. غنت قينة ومديني حَاضر، فَقَالَ: يَا سيدتي أَجدت، وَمَا يحضرني مَا أُعْطِيك، وَلَكِن قد وهبت لَك كل حَسَنَة لي، وحملت عَنْك كل سَيِّئَة لَك. فَقَامَ آخر فَقَالَ: يَا سيدتي، مَا أَعْطَاك شَيْئا، وَذَلِكَ أَنه مَالك سَيِّئَة يحملهَا عَنْك، وَلَا لَهُ حَسَنَة فيعطيكها. سُئِلَ أحدهم عَن جَارِيَة اشْتَرَاهَا، فَقَالَ: مفازة مَكَّة عِنْدهَا ثقب عفصة. وبلح كركان عِنْدهَا بينون الدَّاخِل. قَالَت امْرَأَة مدينية لزَوجهَا: احفظ صُحْبَة ثَلَاثِينَ سنة. قَالَ: مَا دهاك عِنْدِي غير ذَلِك. كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَاحِد يَقُود قد أفسد أحداثها، فَاجْتمع الْمَشَايِخ وَشَكوا ذَلِك إِلَى وَالِي الْمَدِينَة، فنفاه إِلَى قبَاء، فبعدت الْمسَافَة، فَكَانُوا يركبون حمير المكاريين ويصيرون إِلَى عِنْده، وَكثر ذَلِك حَتَّى كَانَ الْوَاحِد يركب حمارا، فيسير حَتَّى يقف على بَابه؛ فَاجْتمع النَّاس إِلَى واليهم وَقَالُوا: قد أفسد أحداثنا وأتلف أَمْوَالنَا، حَتَّى إِن الْحمر قد عرفت بَاب دَاره، فتقف عِنْده. فَأمر الْوَالِي بإحضاره وَأمر بتجريده، وَقَالَ: لَيْسَ أُرِيد شَاهدا عَلَيْك سوى أَن الْحمير تعرف بَاب دَارك. قَالَ: فَبكى، فَقيل لَهُ: مِم تبْكي؟ قَالَ: من شماتة أهل الْعرَاق بِنَا، يَقُولُونَ: إِن أهل الْمَدِينَة يقبلُونَ شَهَادَة الْحمير، فَضَحِك الْوَالِي وَمن حَضَره، وخلوه. اجْتمع فِي بَيت مديني رجل مَعَ صديقَة لَهُ، فأحصى الْمَدِينِيّ عَلَيْهِمَا ثَمَانِيَة، فَلَمَّا أَصْبحُوا قَالَت وَهِي تعاتبه: لست عَنْك راضية، وَسمع الْمَدِينِيّ قَوْلهَا

فَقَالَ: يَا هَذِه لَيْسَ فِي الدُّنْيَا أقل حَيَاء مِنْك، تعاتبينه بعد ثَمَانِيَة؟ امْرَأَته طَالِق أَنه لَو أَنا. . أمه ثَمَانِيَة، لَكَانَ قضى حق الله فِيهَا. التقى قنديل الْجَصَّاص، وَأَبُو الْحَدِيد المدينيان، فَقَالَ قنديل: من أَيْن وَإِلَى أَيْن؟ فَقَالَ: مَرَرْت برقطاء رَائِحَة تترنم برمل ابْن سُرَيج فِي شعر ابْن عمَارَة. سقى مأزمي فج إِلَى بِئْر خَالِد فزففت خلفهَا زفيف النعام، فَمَا انجلت غشاوتي إِلَّا وَأَنا بالمشاش حسيراً، فأودعتها قلبِي وخلفته لَدَيْهَا، واقبلت أهوي هويّ الرَّحْمَة بِغَيْر قلب. فَقَالَ لَهُ قنديل: مَا رفع من الْمزْدَلِفَة أسعد مِنْك، سَمِعت شعر ابْن عمَارَة فِي لحن ابْن سُرَيج من رقطاء الحبطية، لقد أُوتيت جُزْءا من النُّبُوَّة. وَكَانَت رقطاء هَذِه أضْرب النَّاس، فَدخل رجل من أهل الْمَدِينَة منزلهَا فغنته صَوتا، فَقَالَ لَهُ بعض من حضرها: هَل رَأَيْت وترا قطّ أفْصح من وترها؟ فطرب الْمَدِينِيّ وَقَالَ: عَلَيْهِ الْعَهْد إِن لم يكن وترها قد عمل من معي بشكست النحوى، فَكيف لَا يكون فصيحاً؟ . وَكَانَ بشكست هَذَا نحوياً فصيحاً، يُقَال لَهُ: عبد الْعَزِيز، أَخذ أهل الْمَدِينَة النَّحْو عَنهُ. نظر وَاحِد مِنْهُم وَهُوَ المريمي إِلَى مصلوب بِبَاب الرقة فَقَالَ: " هَذَا مَا وعدنا الله وَرَسُوله ". وَقيل لَهُ يَوْمًا: كَيفَ مَاتَ أَبوك؟ فَقَالَ: سرا. يَعْنِي فَجْأَة. وَرَأى جَنَازَة بَعضهم فَقَالَ: الْآن خلا بِعَمَلِهِ ومساءلة هاروت وماروت. وَقيل لَهُ يَوْمًا: تقدم فصلّ بِنَا. فَقَالَ: أَنا والدتي، يُرِيد: أَنا أميّ. وَقَالَ بَعضهم لمديني: قد حضرني وَجه سنّ، امْضِ إِلَى صديقنا فلَان حَتَّى يجِئ فَيرى. قَالَ: فَمن ينظر عني حَتَّى أرجع؟ .

وَاشْترى مديني عَرصَة، وأحضر من يبنيها، فذرعها وَقَالَ: ابْن هَاهُنَا صفّة وَهَاهُنَا حترياً، وَهَاهُنَا خزانَة. ثمَّ ضرط، وَقَالَ بالعجلة: وَهَاهُنَا كنيفاً فقد اخْتَارَهُ الثِّقَة الْعَالم بِهِ؛ فَضَحِك هُوَ وَمن حَضَره فَزَالَ خجله. قَالَ بعض الْأَطِبَّاء، حضرت عِنْد عليل، وَوصف لي سَبَب علته، وَكَانَت الْعلَّة حمّى حادة، فَدخل رجل من أهل الْمَدِينَة والمحموم يَقُول لي: أكلت أفراخاً وَعَسَلًا، وشربت عَلَيْهِ أقداحاً ونمت فِي الشَّمْس. فَقَالَ الْمَدِينِيّ: امْرَأَته طَالِق لَو كَانَت الْحمى من حَملَة الْعَرْش لتركت حمله وأتتك. قيل لمديني: كَيفَ حالك؟ فَقَالَ: وَكَيف يكون حَال من ذهب مَاله، وَبقيت عَادَته؟ ! بعث مديني غُلَامه إِلَى جَارِيَته لتحمل إِلَيْهِ الْكيس، فَالْتمست مِنْهُ عَلامَة، فَقَالَ الْمَدِينِيّ: فل لَهَا الْعَلامَة أَنِّي خريت البارحة فِي الْفراش. فَقَالَت: ارْجع إِلَيْهِ وَقل لَهُ: أَي عَلامَة هَذِه؟ وَأَنت تخرى كل لَيْلَة فِي الْفراش، إِنَّمَا أردْت عَلامَة غير مَشْهُورَة. فَرد الْغُلَام وَقَالَ: قل لَهَا إِنَّك طبخت البارحة سكباجة وَلم أرْضهَا، وحردت وَقمت فخريت فِي الغضارة، فَقَالَت الْمَرْأَة، إِي وَالله، وعَلى كل رغيف على الْمَائِدَة وأعطته الْكيس. خطب خطيب بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ فِي خطبَته: " وَقَالَ الشَّيْطَان لما قضي الْأَمر إِن الله وَعدكُم وعد الْحق ووعدتكم فأخلفتكم وَمَا كَانَ لي عَلَيْكُم من سُلْطَان إِلَّا أَن دعوتكم فاستجبتم لي فَلَا تلوموني ولوموا أَنفسكُم مَا أَنا بمصرخكم وَمَا أَنْتُم بمصرخيّ ". فَقَالَ بعض المدينيين: مَا أحسن كَلَام ابْن الزَّانِيَة. قيل لمديني: مَا عمل بك الشيب؟ قَالَ: مَا عملت بِهِ أعظم، مَا وقرته وَلَا تركت لَهُ محرّماً.

قيل لمديني: بِمَ تتسحر؟ قَالَ: باليأس من فطور الْقَابِلَة. تزوج رجل امْرَأَة بِالْمَدِينَةِ ذكرُوا لَهُ أَنَّهَا شَابة طرية - وَكَانَت عجوزاً -، فَلَمَّا دخل بهَا وَرَآهَا نزع نَعْلَيْه، وهم يظنون أَنه يضْربهَا فقلدها إيَّاهُمَا وَقَالَ: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك. فَقَالُوا لَهُ: اسْكُتْ، اسْكُتْ. فَقَالَ: لَا تصلح هَذِه إِلَّا أَن تكون بَدَنَة، فافتدوا مِنْهُ. قيل لمديني: كَيفَ ترى الدُّنْيَا؟ قَالَ: قحبة، يَوْمًا فِي دَار عطار، وَيَوْما فِي دَار بيطار. تمنى آخر فِي منزله فَقَالَ: لَيْت أَنا لَحْمًا فنطبخ سكباجاً. فَمَا لبث أَن جَاءَ جَار لَهُ بصحفة، وَقَالَ: اغرفوا لنا فِيهَا قَلِيل مرق. فَقَالَ: جيراننا يشمون رَائِحَة الْأَمَانِي. دخل الغاضري على الْحسن بن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ: إِنِّي عصيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: بئس مَا عملت! كَيفَ؟ فَقَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يصلح قوم ملكت عَلَيْهِم امْرَأَة، وَقد ملكت عليّ امْرَأَتي، أَمرتنِي أَن أَشْتَرِي عبدا فاشتريته فأبق. فَقَالَ رَضِي الله عَنهُ: اختر إِحْدَى ثَلَاث، إِن شِئْت فثمن عبد، فَقَالَ: قف هُنَا وَلَا تتجاوز، قد اخْتَرْت ذَلِك، فَأعْطَاهُ. قيل لمديني: أَيَسُرُّك أَن يكون أ. . ك كَبِيرا؟ قَالَ: لَا. قيل: وَلم ذَلِك؟ قَالَ: يثقلني ويلتذّ غَيْرِي. وَقع وَاحِد مِنْهُم فوثئت رجله، فَجعل النَّاس يدْخلُونَ عَلَيْهِ فيسألونه: كَيفَ وَقع؟ ، فَأَكْثرُوا، فضجر وَكتب قصَّته، فَكَانَ إِذا دخل عَلَيْهِ عَائِد وَسَأَلَهُ دفع إِلَيْهِ الْقِصَّة. كَانَ سعيد بن مُسلم إِذا اسْتقْبل السّنة الَّتِي يسْتَأْنف فِيهَا عدد سنة أعتق نسمَة، وَتصدق بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم، فَقيل لمديني: إِن سعيد بن مُسلم يَشْتَرِي نَفسه من ربه بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم. فَقَالَ الْمَدِينِيّ: لَا يَبِيعهُ.

قيل لمديني: إِن عُثْمَان بن عَفَّان إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يحكم بَين الْقَاتِل والخاذل. قَالَ: فَبكى الْمَدِينِيّ، فَقيل لَهُ: مَا يبكيك؟ قَالَ: أَخَاف وَالله أَن يعْفُو. مر مديني على آخر، وَمَعَهُ عنز وَحمل، فَقَالَ لَهُ: هَذَا الْحمل هُوَ ابْن هَذِه العنزة. قَالَ الْمَدِينِيّ: لَا، وَلكنه يَتِيم فِي حجرها. اشْترى مديني برذوناً من رجل، فَقَالَ لَهُ: بِاللَّه هَل فِيهِ عيب؟ قَالَ: لَا وَالله، إِلَّا مشش كَأَنَّهُ سفرجلة، وَقَلِيل عرن كَأَنَّهُ قثاءة، وَقَلِيل دبر كَأَنَّهُ بطيخة. قَالَ: يَا ابْن الفاعلة؛ بعتني برذوناً أَو بعتني دَار الْبِطِّيخ. التقى مدينيان، فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: علمت أَن امْرَأَتي حَامِل. قَالَ: مِمَّن؟ قَالَ: مني. قَالَ: سررتني وَالله. عوتب مديني على كَثْرَة الْحلف بِالطَّلَاق، فَقَالَ: لي امْرَأَة لَا تصلح إِلَّا للحنث. كَانَ بعض المدينيين قد أنزلهُ بعض الْأَشْرَاف غرفَة على مطبخ لَهُ، فَأَخذه بَطْنه، فسلح فِي الغرفة، ووكف على قدور المطبخ فأفسدها، وَكَانَ الْمَدِينِيّ يتعشى عِنْده، فَقَالَ لَهُ: جعلت فدَاك أَيْن عشاؤك؟ فقد أَبْطَأَ علينا. قَالَ: أفْسدهُ علينا غداؤك. رأى الدَّارمِيّ الْمَدِينِيّ الأوقص - قَاضِي مَكَّة - فِي الْمَسْجِد يَدْعُو وَيَقُول: يَا رب أعتق رقبتي من النَّار. فَقَالَ الدَّارمِيّ: لَا وَالله مَا جعل الله لَك من عنق وَلَا رَقَبَة فَكيف يعتقها؟ فَقَالَ: وَيلك. من أَنْت؟ قَالَ: أَنا الدَّارمِيّ قتلتني وحبستني، وَكَانَ أَتَاهُ فِي حَاجَة فأخرها، فَقَالَ: لَا تقل ذَاك وأتني أقض حَاجَتك.

الباب العاشر نوادر الطفيليين والاكله

الْبَاب الْعَاشِر: نَوَادِر الطفيليين والأكلة قَالَ بنان الطفيلي: الجوذاب صاروج الْمعدة. اشرب عَلَيْهِ مَا شِئْت. وَقيل لَهُ: كم كَانَ عدد أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر؟ قَالَ: ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر رغيفاً. وَقَالَ: عصعص عنز خير من قدر باقلي. وَقَالَ آخر: من احتمى فَهُوَ على يَقِين من مَكْرُوه الْجُوع، وَفِي شكّ من الْعَافِيَة. وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ شَيْء أضرّ على الضَّيْف من أَن يكون صَاحب الْبَيْت شبعان. قيل لآخر: مَا معنى قَول الله تَعَالَى: " واسأل الْقرْيَة الَّتِي كُنَّا فِيهَا "؟ قَالَ: أَرَادَ أهل الْقرْيَة، كَمَا تَقول: أكلنَا سفرة فلَان؛ أَي مَا فِي سفرة فلَان. قَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَ فِي الْبَصْرَة أَعْرَابِي من بني تَمِيم يطفل على النَّاس، فعاتبته على ذَلِك، فَقَالَ: وَالله مَا بنيت الْمنَازل إِلَّا لتدخل، وَلَا وضع الطَّعَام إِلَّا ليؤكل، وَمَا قدمت هَدِيَّة فأتوقع رَسُولا، وَمَا أكره أَن أكون ثقلاً ثقيلاً على من أرَاهُ شحيحاً بَخِيلًا، أتعمم عَلَيْهِ مستأنساً، وأضحك إِن رَأَيْته عَابِسا، فَآكل

برغمه، وأدعه بغمه، وَمَا اخترق اللهوات طَعَام أطيب من طَعَام لم تنْفق فِيهِ درهما، وَلم تعنّ إِلَيْهِ خَادِمًا. قَالَ بَعضهم: من جلس على مائدة، وَأكْثر كَلَامه غش بَطْنه. أولم طفيلي على ابْنَته، فَأَتَاهُ كل طفيلي، فَلَمَّا رَآهُمْ عرفهم، فَرَحَّبَ بهم ثمَّ أدخلهم، فرقاهم إِلَى غرفَة بسلم، وَأخذ السّلم حَتَّى فرغ من إطْعَام النَّاس، فَلَمَّا لم يبْق أحد أنزلهم وأخرجهم. طفّل رجل على بعض النَّاس، وَوَقع بَينه وَبَين رجل فِي الْمجْلس كَلَام، فَقَالَ الطفيلي للرجل: وَالله لَئِن قُمْت إِلَيْك لأدخلنك من حَيْثُ خرجت، فَقَالَ صَاحب الْمنزل: لكني وَالله أخرجك من حَيْثُ دخلت. قيل لبَعْضهِم: لم تَأْكُل بِخمْس أَصَابِع؟ قَالَ: ولي أَكثر مِنْهَا؟ ! . نظر طفيلي على مائدة إِلَى ملبّقة بَيْضَاء وملبّقة صفراء، فَجعل يَأْكُل الْبَيْضَاء، فصفعه شيخ طفيلي كَانَ مَعَه على الْمَائِدَة وَقَالَ: لَا أم لَك، إِذا كنت فِي صناعَة فتحذّق فِيهَا. أما عرفت أَن الْفرق بَينهمَا الزَّعْفَرَان؟ . وَحكي عَن بَعضهم أَنه قَالَ: أحفظ من الْقُرْآن آيَة وَاحِدَة، وَمن الحَدِيث خَبرا وَاحِدًا، وَمن الشّعْر بَيْتا وَاحِدًا. أما الْآيَة فَقَوله تَعَالَى: " آتنا غداءنا " وَأما الحَدِيث فَمَا رَوَاهُ الثِّقَات: " إِن التَّمَكُّن على الْمَائِدَة خير من زِيَادَة لونين ". وَأما الشّعْر فَقَوله: نزوركم لَا نكافئكم بجفوتكم ... إِن الْمُحب إِذا لم يستزر زارا قيل لطفيلي: كم بَين منزل فلَان وَفُلَان؟ قَالَ: قدر مَا يُصَلِّي الرجل رغيفين. أَدخل طفيلي على سَالم بن عقال، فَجعل يشرب مَعَه، وَكَانَ شرابه مطبوخاً يحْتَاج إِلَى مزاج كثير، وَكَانَ الطفيلي يسْقِي ويقل المزاج، فثقل ذَلِك

على سَالم. ونبين الطفيلي ذَلِك فَأَرَادَ أَن يتَقرَّب إِلَيْهِ فَأَنْشَأَ يَقُول: يديرونني عَن سَالم وأديرهم ... وجلدة مَا بَين الْعين وَالْأنف سَالم فَقَالَ سَالم: لَو أخذت " الما " من هَذَا الْبَيْت، وَجَعَلته فِي أقداحنا لصلح شعرك ونبيذنا. قيل لشيخ: مَا أحسن أكلك! قَالَ: عَمَلي مُنْذُ سِتِّينَ سنة. سَأَلَ عبد الْملك أَبَا الزعيزعة: هَل أتخمت قطّ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: كَيفَ؟ قَالَ: لأَنا إِذا طبخنا أنضجنا، وَإِذا مضغنا دققنا، وَلَا نكظ الْمعدة وَلَا نخليها. قعد أَعْرَابِي على مائدة الْمُغيرَة، وَكَانَ الرجل منهوماً فَجعل ينهش ويتعرق، فَقَالَ الْمُغيرَة: يَا غُلَام نَاوَلَهُ سكيناً. قَالَ الرجل: كل امْرِئ سكينه فِي رَأسه. أكل هِلَال بن أَسعر جملا، وَامْرَأَته أكلت فصيلاً، فَلَمَّا ضاجعها لم يصل إِلَيْهَا، فَقَالَت: كَيفَ تصل إليّ وبيننا بعيران. وَذكر أَن الواثق اشْتهى يَوْمًا بزماورداً، فَأمر باتخاذه والاستكثار مِنْهُ وَأَن يفرش فِي صحن وَاسع على أنطاع، فَلَمَّا فرغ مِنْهُ وَقعد لأكله أكل مساحة قفيزين. كَانَ سعيد بن أسعد إِمَام الْمَسْجِد الْجَامِع بِالْبَصْرَةِ طفيلياً، فَإِذا كَانَت وَلِيمَة سبق إِلَيْهَا، فَرُبمَا بسط مَعَهم الْبسط وخدم، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: إِنِّي أبادر برد المَاء، وصفر الْقُدُور، ونشاط الخباز، وخلاء الْمَكَان، وغفلة الذُّبَاب. دَعَا بَعضهم وَاحِدًا فأقعده إِلَى نصف النَّهَار، وَهُوَ يتَوَقَّع الْمَائِدَة ويتلظى جوعا، فَأخذ صَاحب الْمنزل الْعود وَقَالَ: بحياتي أَي صَوت تشْتَهي؟ قَالَ: صَوت المقلى. كَانَ نقش بنان الطفيلي: مَا لكم لَا تَأْكُلُونَ؟

وَكَانَ يَقُول لأَصْحَابه: إِذا دَخَلْتُم فَلَا تلتفتوا يَمِينا وَلَا شمالاً، وانظروا فِي وُجُوه أهل الْمَرْأَة، وَأهل الرجل حَتَّى يقدر هَؤُلَاءِ أَنكُمْ من هَؤُلَاءِ، وكلموا البواب بِرِفْق، فَإِن الرِّفْق يمن، والخرق شُؤْم، وَعَلَيْكُم مَعَ البواب بِكَلَام بَين كلامين: الإدلال، والنصيحة. سمع بَعضهم رجلا يَقُول: رُوِيَ فِي الْأَخْبَار أَن الدَّجَّال يخرج فِي سنة قحط مَعَ جرادق أصفهانية، وملح ذرآني وأنجذانيّ سرخسيّ، فَقَالَ الطفيلي: عافاك الله، وَالله إِن رجلا يجِئ بِهَذَا يسْتَحق أَن يسمع لَهُ ويطاع. صحب طفيلي جمَاعَة فِي سفر، ففرضوا على أَن يخرج كل وَاحِد مِنْهُم شَيْئا للنَّفَقَة، فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُم: عليّ كَذَا. فَلَمَّا بلغُوا إِلَى الطفيلي قَالَ: أَنا عليّ. . وَسكت. قَالُوا لَهُ: لم سكت؟ وإيش عَلَيْك؟ فَقَالَ: لعنة الله. فضحكوا وأعفوه من النَّفَقَة. قيل لطفيلي: لم قطعت فلَانا صديقك؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يسبقني إِلَى بَيْضَة البقيلة، وَقفا السَّمَكَة، وخاصرة الجدي. نظر بَعضهم إِلَى قوم ذَاهِبين فِي وَجه، فَعلم أَنهم يذهبون إِلَى وَلِيمَة، فَقَامَ وتبعهم فَإِذا هم شعراء قد قصدُوا بَاب السُّلْطَان بمدائح لَهُم، فَلَمَّا أنْشد كل وَاحِد مِنْهُم شعره وَأخذ جائزته، وَلم يبْق إِلَّا الطفيلي، وَهُوَ جَالس لَا ينْطق، قيل لَهُ: أنْشد، فَقَالَ: لست بشاعر. قَالُوا: فَمن أَنْت؟ قَالَ: أَنا من الغاوين الَّذين قَالَ الله جلّ ذكره فيهم: " وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ " فَضَحِك الْخَلِيفَة وَأمر لَهُ بِمثل جَائِزَة الشُّعَرَاء. قَالَ بَعضهم: أفضل الْبِقَاع وَخَيرهَا ثَلَاثَة. قيل: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: دكان الرواس، ودرجة الخباز، ومطبخ الْجواد. وَأفضل الْخشب وخيره ثَلَاثَة: سفينة نوح، وعصا مُوسَى، ومائدة يُؤْكَل عَلَيْهَا.

مر طفيلي إِلَى بَاب عرس، فَمنع من الدُّخُول، فَذهب إِلَى أَصْحَاب الزّجاج وَرهن رهنا، وَأخذ عشرَة أقداح، وَجَاء وَقَالَ للبواب: افْتَحْ حَتَّى أَدخل هَذِه الأقداح الَّتِي طلبوها. فَفتح لَهُ، وَدخل وَأكل وَشرب مَعَ الْقَوْم، ثمَّ حمل الأقداح، وردهَا إِلَى صَاحبهَا، وَقَالَ: لم يرضوها، وَأخذ رَهنه. وَدخل آخر إِلَى قوم فَقَالُوا: مَا دعوناك، فَمَا الَّذِي جَاءَ بك؟ قَالَ: إِذا لم تَدعُونِي وَلم أجئ وَقعت وحشى، فضحكوا مِنْهُ وقربوه. جَاءَ آخر إِلَى قوم ودق الْبَاب عَلَيْهِم، فَقَالُوا: من أَنْت؟ قَالَ: أَنا الَّذِي رفعت مئونة الْإِرْسَال عَنْكُم. قَالَ بَعضهم: كنت مَعَ بنان فِي دَعْوَة، ومعنا على الْمَائِدَة جمَاعَة من الْكتاب وَغَيرهم، وَكَانَ بَين يَدي رجل مِنْهُم دجَاجَة سمنة، فَضرب بنان بِيَدِهِ إِلَيْهَا فَتَنَاولهَا من بَين يَدَيْهِ، فَقلت لَهُ: يَا بنان لم تفعل كَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّه - أصلحك الله - مشَاع غير مقسوم. قيل لبَعْضهِم، وَقد أسرف فِي أكل شَيْء: إِن هَذَا يَسْتَحِيل فِي الْمعدة مرّة صفراء. فَقَالَ: لَو ظَهرت لي الْمرة الصَّفْرَاء لأكلتها. قدم إِلَى بَعضهم، وَهُوَ يَأْكُل مَعَ جمَاعَة، بقيلة، فَمد يَده إِلَى الْبَيْضَة، فَقَالَ: يُقَال إِنَّه لَا يأكلها إِلَّا شَره، وَلَا يَتْرُكهَا إِلَّا عَاجز، وَلِأَن أكون شَرها أحب إِلَيّ من أَن أكون عَاجِزا. قيل لبَعْضهِم، وَقد أكل رُءُوسًا وَأكْثر مِنْهَا: أما تخَاف التُّخمَة؟ قَالَ: لَا. إِن لي بَطنا مَا دخله شَيْء إِلَّا جعل الله حَده الْأَسْفَل. قَالَ بَعضهم: أَتَانِي رجل عشياً، فَطلب تَمرا، وَأمرت بإحضار شَيْء كثير مِنْهُ جدا. فابتدأ يَأْكُل ونمت، فَلَمَّا أَصبَحت وَخرجت فَإِذا هُوَ يَأْكُل، فَقلت: باكرت التَّمْر. قَالَ: لم أنم بعد - فديتك أَنا آكل مُنْذُ رَأَيْتنِي. وَكَانَ بَعضهم يباكر الْأكل، فَقيل لَهُ: اصبر حَتَّى تطلع الشَّمْس، فَقَالَ: أَنا لَا أنْتَظر بغدائي من يقدم من أقْصَى خُرَاسَان.

قيل لبَعْضهِم: أَي الطَّعَام آثر فِي نَفسك؟ قَالَ: مَا لم أنْفق عَلَيْهِ. قيل لبَعْضهِم: كل من قدامك. فَقَالَ: أَتَرَى من خَلْفي هُوَ ذَا آكل؟ سمع ابْن المغنى مغنياً يُغني: أشارت بمدراها، وَقَالَت لتربها ... أَهَذا المغيري الَّذِي كَانَ يذكر؟ فَقَالَ: سذابة فِي رَأس جدي قد عمل سلافة أحسن من مدراها. كَانَ بَعضهم إِذا دعِي فَقدم الخوان كَانَ أول من يتَقَدَّم، ثمَّ يَقُول: " وعجلت إِلَيْك رب لترضى ". قيل لبَعْضهِم: التَّمْر يسبح فِي الْبَطن. فَقَالَ: إِن كَانَ التَّمْر يسبح فاللوز ينج يُصَلِّي فِي الْبَطن تراويح. قيل لآخر: كَيفَ أكلك؟ قَالَ: كَمَا لَا يُحِبهُ الْبَخِيل. سمع آخر خشخشة الْخلال فَأمْسك، فَقيل لَهُ: كل. قَالَ: حَتَّى يسكن هَذَا الإرجاف. قيل لوَاحِد: لم أَنْت حَائِل اللَّوْن؟ . فَقَالَ: للفترة بَين القصعتين، مَخَافَة أَن يكون الطَّعَام قد فني. قَالَ بَعضهم: كنت أَمر فِي بعض أَزِقَّة بَغْدَاد إِذْ صِيحَ: الطَّرِيق الطَّرِيق فالتفتّ فَإِذا بِإِنْسَان مَحْمُول على محفة، فَقلت: مَا أَصَابَهُ؟ قيل: أكل الهريسة فأعجزته عَن الْمَشْي وَالْحَرَكَة، وَنحن نحمله إِلَى منزله. دخل الْعَبْدي على قوم يَأْكُلُون، فَقَالُوا لَهُ: هَلُمَّ. فَقَالَ: قد أكلت، ثمَّ جلس يعظم اللُّقْمَة ويبادر بالمضغ، فَقيل لَهُ: أَلَسْت قد أكلت؟ . فَقَالَ: الْكَذِب يمرئ، وَنعم الشَّيْء الحموضة للخمار.

زَعَمُوا أَن الطفيليين يَقُولُونَ: إِن الصليّة تبشّر بِمَا بعْدهَا من كَثْرَة الطَّعَام، كَمَا أَن البقيلة تخبر بفنائه، فهم يحْمَدُونَ تِلْكَ ويسمونها المبشرة، ويذمون هَذِه ويسمونها الناعية، حَتَّى صَار المخنثون إِذا شتموا إنْسَانا قَالُوا: يَا وَجه البقيلة. قَالَ البعفوري: اشتهي أَن آكل من الْعِنَب الرازقيّ حَتَّى ينشق بَطْني. فَقيل لَهُ: أَو تشبع؟ قَالَ: هَذَا مَا لَا يكون. أضَاف الْأَعْمَش أَعْرَابِيًا وجاءه برطب وَجعل ينتقي أطايبه، فَقَالَ الْأَعرَابِي: لَا تنتق مِنْهُ شَيْئا، فلست أترك مِنْهُ وَاحِدَة. قَالَ أَبُو العيناء: كَانَ بالريّ مَجُوسِيّ مُوسر فَأسلم، وَحضر شهر رَمَضَان فَلم يطق الصَّوْم، فَنزل إِلَى سرداب لَهُ وَقعد يَأْكُل، فَسمع حسا من السرداب، فَاطلع فِيهِ وَقَالَ: من هَذَا؟ فَقَالَ الشَّيْخ: أَبوك الشقيّ يَأْكُل خبز نَفسه ويفزع من النَّاس. قَالَ كشاجم: أخْبرت عَن قاضيين ظريفين كَانَا متجاورين، أَن أَحدهمَا وَجه إِلَى الآخر فِي غَدَاة بَارِدَة يَدعُوهُ إِلَى الهريسة، وَيَقُول: إِنَّهَا قد أحكمت من اللَّيْل، فَرد الرَّسُول، وَقَالَ: قل لَهُ قد عققتني، وَلم ترد برّي، لِأَن حكم الهريسة أَن يدعى إِلَيْهَا من اللَّيْل فَرجع الرَّسُول فَقَالَ: ارْجع فَقل لَهُ: ذهب عَنْك الصَّوَاب لَيْسَ كل الهرائس تسلم وتجئ طيبَة، فَلم أدعك إِلَّا بعد أَن تبينت طيبها وصلاحها، فَنَهَضَ إِلَيْهِ. قَالُوا: أطول اللَّيَالِي لَيْلَة الْعَقْرَب، وَلَيْلَة الْمزْدَلِفَة، وَلَيْلَة الهريسة. قَالُوا: قَالَ أظرف النَّاس، الباقلاء بقشوره أطيب من طب الجياع، وَلَيْسَ فِي الرزق حِيلَة. وَهَذَا من حجج الطفيليين. قدم إِلَى عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الشعث دجَاجَة مسمنة مشوية، فَقَالَ: يَا غُلَام: أنّى لَك هَذَا؟ إعجاباً بسمنها، فَقَالَ: بعث بهَا الْحَرِيش بن هِلَال القريعيّ وَهُوَ مَعَه على الْمَائِدَة، فَقَالَ: يَا غُلَام، أخرج إليّ كتابا من ثنى الْفراش، فَإِذا هُوَ كتاب الْحجَّاج إِلَيْهِ يَأْمر أَن يقتل الْحَرِيش، وَيبْعَث بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ؛ فَلَمَّا رَآهُ الْحَرِيش قطع بِهِ وَتغَير لَونه، فَقَالَ ابْن الْأَشْعَث: أقبل على طَعَامك.

أترانا نَأْكُل دجاجتك ونبعث برأسك إِلَيْهِ؟ وَالله لَا يُوصل إِلَيْك حَتَّى يُوصل إليّ. فَقَالَ الْحَرِيش: وابنفسي دجَاجَة لم تخني ... وضعت لي نَفسِي مَكَان الأنوق فرّجت كربَة الْمنية عني ... بعد مَا كدت أَن أغص بريقي فِي أَبْيَات يمدح بهَا الْأَشْعَث. قَالَ عُثْمَان الدَّقِيق - وَكَانَ صوفياً -: رَأَيْت أَبَا الْعَبَّاس بن مَسْرُوق وَهُوَ أحد شُيُوخ الصُّوفِيَّة فِي يَوْم مطير على الجسر مشدود الْوسط، فَقلت لَهُ: يَا عمّ إِلَى أَيْن فِي هَذَا الْيَوْم المطير؟ فَقَالَ: إِلَيْك عني؛ فقد بَلغنِي أَن بالمأمونية رجلا يَقُول: لَيْسَ الباذنجان طيبا، أُرِيد أَن أمضي إِلَيْهِ وَأَقُول لَهُ: كذبت وأرجع. قَالَ أَعْرَابِي: رَأْي ورلاً يحارب حَيَّة، فغلبته وأكلته، وَهُوَ يحاربها بِذَنبِهِ، ثمَّ جَاءَ قنفذ، فَاجْتمع بعد أَن أَخذ ذنبها بِفِيهِ، ثمَّ جعل يأكلها حَتَّى أفناها، فَأخذت الْقُنْفُذ وشويته وأكلته، فَكنت قد أكلت الْقُنْفُذ والورل والحية. كَانَ أَحْمد بن أبي خَالِد وَزِير الْمَأْمُون شَرها، فَيُقَال: إِنَّه حِين انْصَرف دِينَار بن عبد الله من الْجَبَل والمأمون وَاجِد عَلَيْهِ، فَأَقَامَ بِالْمَدَائِنِ حَتَّى رحني عَنهُ وَوجه إِلَيْهِ أَحْمد بن أبي خَالِد، وَقَالَ: قل لَهُ فعلت كَذَا، وَأخذت كَذَا، فَمضى أَحْمد وَمَعَهُ يَاسر رجله، أرْسلهُ مَعَه الْمَأْمُون، وَقَالَ لَهُ: إِن تغذى عِنْده عمل مَا يُرِيد، وَإِن لم يتغد بلغ مَا أُرِيد، فَلَمَّا علم دِينَار بمجيئه، قَالَ لَو كَيْله: قل لَهُ حِين يخرج من الحراقة: قد فَرغْنَا من الطَّعَام فَهَل تخْتَار شَيْئا؟ فَقَالَ لَهُ ذَلِك، فَقَالَ لَهُ: نعم، فراريج كسكرية بِمَاء الرُّمَّان فَفعل ذَلِك وخبز لَهُ خبز المَاء، ثمَّ أعلمهُ بفراغه، فَقَالَ: هَات طَعَامك فَإِنِّي أجوع من كلب، فَأتى بِهِ فَأكل عشْرين فروجاً، وَوضع يَده فِي كل شَيْء، ثمَّ جئ بِخمْس سمكات بعد أَن شبع، فَأكل مِنْهَا أكل من لم يذقْ شَيْئا قبلهَا وَكَانَ أدّى رِسَالَة الْمَأْمُون قبل أكله، فَقَالَ دِينَار: مَا لكم عِنْدِي إِلَّا سَبْعَة آلَاف ألف دِرْهَم، مَا أعرف غَيرهَا، فَلَمَّا تغدى قَالَ لدينار: احْمِلْ مَا ضمنت لي. فَقَالَ: قد أَعدَدْت السِّتَّة آلَاف دِرْهَم. قَالَ لَهُ يَاسر رجله: إِنَّهَا سَبْعَة آلَاف ألف، وَكَذَا قلت: وَسمع أَبُو الْعَبَّاس ذَلِك وسمعناه، فَقَالَ أَحْمد: مَا أحفظ مَا كَانَ، وَلَكِن قل الْآن نسْمع.

قَالَ دِينَار: مَا قلت إِلَّا سِتَّة آلَاف ألف. فَانْصَرف أَحْمد، سوبقه يَاسر فَأخْبر الْمَأْمُون الْخَبَر، فَلَمَّا دخل أَحْمد إِلَيْهِ أخبرهُ بِأَنَّهُ أقرّ بِخَمْسَة آلَاف ألف، فَقَالَ لَهُ يَاسر: إِنَّهَا سَبْعَة آلَاف ألف، وَكَذَا قَالَ دِينَار، فَضَحِك الْمَأْمُون، وَقَالَ: ألف ألف للغداء، فَمَا قصَّة هَذِه؟ وَأخذ من دِينَار سِتَّة آلَاف ألف، وَقَالَ: مَا قَامَ غداء على أحد أغْلى مِمَّا قَامَ على غذَاء أَحْمد بِأَلف ألف دِرْهَم. وَكَانَ قد عرف الْمَأْمُون شرهه، فَكَانَ إِذا وَجهه فِي حَاجَة أمره بِأَن يتغدى ويمضي، وَيَقُول لَهُ: اطمئن بِالْمَكَانِ الَّذِي تذْهب إِلَيْهِ واسترح واكتب إِلَى بِمَا تفعل. وَرفع إِلَى الْمَأْمُون فِي الْمَظَالِم: إِن رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن بجرى على ابْن أبي خَالِد نزلا فَإِن فِيهِ كلبية؛ لِأَن الْكَلْب يحرس الْمنزل بالكسرة، وَابْن أبي خَالِد يقتل الْمَظْلُوم ويعين الظَّالِم بأكلة، فَأجرى عَلَيْهِ الْمَأْمُون فِي كل يَوْم ألف دِرْهَم لمائدته، وَكَانَ مَعَ ذَلِك يشره إِلَى طَعَام النَّاس. قَالُوا: إِن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان دَعَا بِالطَّعَامِ يَوْمًا، وَقد أصلح لَهُ عجل مشوي، فَأكل مَعَه دستاً من الْخبز السميذ وَأَرْبع فراني وجديا حاراً، وجدياً بَارِدًا سوى الألوان، وَوضع بَين يَدَيْهِ مائَة رَطْل من الباقلي الرطب فَأتى عَلَيْهِ. وَذكروا أَن أَبَا القماقم بن بَحر السقاء عشق مدينية، فَبعث إِلَيْهَا أَن إخْوَانًا لي زاروني، فابعثي إليّ برءوس، حَتَّى نتغدى ونصطبح على ذكرك. فَفعلت، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي بعث إِلَيْهَا: إِنَّا لم نفترق فابعثي إليّ سنبوسكا حَتَّى نصطبح الْيَوْم على ذكرك، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث بعث إِلَيْهَا: إِن أَصْحَابِي مقيمون فابعثي إِلَى بقلية جزورية شهية، حَتَّى نأكلها ونصطبح على ذكرك، فَقَالَت لرَسُوله: إِنِّي رَأَيْت الْحبّ يحل فِي الْقلب، وَيفِيض على الأحشاء والكبد، وَإِن حب صَاحِبي هَذَا لَيْسَ يُجَاوز الْمعدة.

خرج طفيلي من منزل قوم مشجوجاً، فَقيل لَهُ: من شجك؟ قَالَ: ضرسي. قَالَ الْمَدَائِنِي فِي كتاب الْأكلَة: كَانَ مُعَاوِيَة يَأْكُل أَربع أكلات آخِرهنَّ أعضلهن واشدهن، يتعشى فيأكل ثريدة عَظِيمَة عَلَيْهَا بصل كثير، وَكَانَ فَاحش الْأكل يلطخ منديلين أَو ثَلَاثَة قبل أَن يفرغ، وَكَانَ يَأْكُل حَتَّى يتسطح، ثمَّ يَقُول: يَا غُلَام ارْفَعْ، فوَاللَّه ماشبعت، وَلَكِن مللت. قَالَ: وَكَانَ عبيد الله بن زِيَاد يَأْكُل فِي الْيَوْم خمس أكلات آخِرهم جبنة بِعَسَل، وَيُوضَع بَين يَدَيْهِ بعد مَا يفرغ من الطَّعَام عنَاق أَو جدى فَيَأْتِي عَلَيْهِ وَحده. قَالَ: وَقَالَ الْحسن: وَقدم علينا عبيد الله بن زِيَاد، فَقدم شَابًّا مترافاً سفاكاً للدماء لَهُ فِي كل يَوْم خمس أكلات، فَإِن فَاتَتْهُ أَكلَة ظلّ لَهَا صَرِيعًا وجلا، يتكئ على شِمَاله وَيَأْكُل بِيَمِينِهِ، حَتَّى إِذا أَخَذته الكظة قَالَ: أبغوني حاطوما. ثكلتك أمك إِنَّمَا تحطم دينك. وَقَالَ: أكل عَمْرو بن معد يكرب عَنْزًا ربَاعِية، وفرقاً من ذرة، وَالْفرق ثَلَاثَة أصوع. وَقَالَ لامْرَأَته أم ثَوْر: عالجي لنا هَذَا الْكَبْش حَتَّى أرجع. قَالَ: فَجعلت توقد، وَتَأْخُذ عضوا عضوا فتأكله، فاطلعت، فَإِذا لَيْسَ فِي الْقدر إِلَّا المرق، فَقَامَتْ إِلَى كَبْش آخر فبطحته، ثمَّ أقبل عَمْرو فثردت لَهُ فِي الْجَفْنَة الَّتِي يعجن فِيهَا، ثمَّ كفأت الْقدر، فَقَالَ: يَا أم ثَوْر أدنى للغداء. قَالَت: قد أكلت، فَأكل واضطجع ودعاها إِلَى الْفراش، فَقَالَت: يَا أَبَا ثَوْر بيني وَبَيْنك - وَالله - كبشان.

حج سُلَيْمَان بن عبد الْملك، فَقَالَ لقيمّه على طَعَامه: أَطْعمنِي من خرفان الْمَدِينَة بِخبْز مَاء. وَدخل الْحمام فَأطَال الْمكْث فِيهِ. قَالَ: قيّمه، فَخرج وَقد شويت لَهُ أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ خروفاً، فَجَلَسَ وَقَالَ لي: مَا صنعت؟ قلت: قد فرغت. قَالَ: هَات. فَجعلت أجيئه بِوَاحِد وَاحِد، فَيتَنَاوَل رغيفاً وشحم كُلية فَأكل أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ خروفاً، كل خروف قد أَخذ نصف بَطْنه، ثمَّ قَالَ لي: ادْع عمر بن عبد الْعَزِيز، فدعوته لَهُ، ثمَّ أذن للنَّاس، ودعا بالغداء فَأكل مَعَهم كَمَا أكلُوا كَأَنَّهُ لم يطعم شَيْئا قبل ذَلِك. وَحكى عَن رجل قَالَ: دخلت مطبخ سُلَيْمَان، فَوجدت مطبخ سُلَيْمَان، فَوجدت فِيهِ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ فخارة فِيهَا نواهض، قَالُوا يأكلها أَمِير الْمُؤمنِينَ كلهَا. وَخرج يَوْمًا من منزله يُرِيد منزل يزِيد بن الْمُهلب، فَتَلقاهُ فَدخل منزله فَقَالَ لَهُ: أَتُرِيدُ الْغَدَاء يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: نعم. فَأكل أَرْبَعِينَ دجَاجَة كردناك سوى مَا أكل من الطَّعَام. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت هِلَال بن الأسعر الْمَازِني أكل ثَلَاث جفان ثريد، واستسقى، فَجَاءُوا بقربة مَمْلُوءَة نبيذاً فوضعوا فمها فِي شدقة، وَصبُّوا الْقرْبَة حَتَّى أفرغوها فَشربهَا. وهلال هَذَا هُوَ الَّذِي أكل بَعِيرًا وأكلت امْرَأَته وَبَيْنك بعيران؟ وَكَانَ بِلَال بن أبي بردة أكولاً، يحْكى عَن قصاب أَنه: قَالَ جَاءَنِي رَسُول بِلَال سحرًا فَأَتَيْته وَبَين يَدَيْهِ كانون عَلَيْهِ جمر، وَفِي دَاره تَيْس ضخم، فَقَالَ: دُونك هَذَا التيس فاذبحه، فذبحته وسلخته، فَقَالَ: أخرج هَذَا الكانون إِلَى الرواق، فَأَخْرَجته، فَقَالَ: دُونك اللَّحْم فكببه. ودعا بخوان، فَجعلت أشرح اللَّحْم وألقيه على الْجَمْر، فَإِذا اسْتَوَى قَدمته إِلَيْهِ فيأكل، حَتَّى لم يبْق من التيس إِلَّا الْعِظَام، ثمَّ دَعَا بنبيذ فَشرب خَمْسَة أقداح، وَقد بقيت قِطْعَة من اللَّحْم على الْجَمْر، فَقَالَ: كلهَا فَأَكَلتهَا، وَقَالَ: اسقوه. فناولوني قدحاً من النَّبِيذ فَشَربته. وَجَاءَت جَارِيَة ببرمة عَلَيْهَا قَصْعَة فِيهَا ناهضان، ودجاجتان وأرغفة، فَأكل ذَلِك كُله، ثمَّ جَاءَت جَارِيَة أُخْرَى مَعهَا قَصْعَة مغطاة لَا أَدْرِي

مَا فِيهَا، فَضَحِك إِلَى الْجَارِيَة وَقَالَ: وَيحك. لَيْسَ فِي بَطْني مَوضِع لهَذَا الَّذِي جئتني بِهِ، وَلَكِن ضعي الْقَصعَة على رَأْسِي، فَضَحكت الْجَارِيَة وَرجعت، فَقَالَ لي: الْحق بأهلك. فَرَجَعت وَقد طلع الْفجْر، وَأَنا أجد دبيباً فِي رَأْسِي من الْقدح الَّذِي شربته. قَالَ سلم بن قُتَيْبَة: كنت فِي دَار الْحجَّاج مَعَ وَلَده وَأَنا غُلَام، فَقَالُوا: قد جَاءَ الْأَمِير، فَدخل الْحجَّاج فَأمر بتنور فنصب، وَقعد فِي الدَّار، وَأمر رجلا يخبز خبز المَاء، ودعا بسمك، فَجعلُوا يأتونه بالسمك، فيأكله حَتَّى أكل ثَمَانِينَ جَاما من سمك بِثَمَانِينَ رغيفاً من خبز المَاء. قَالَ رجل من قحيف: كتب إليّ عبد الله الْأَحْمَر يدعوني إِلَى طَعَام، فَقلت لعنبسة - وَكَانَ أكولاً -: هَل لَك يازنجة؟ - وَكَانَ يلقب بذلك - فِي أَخِيك عبد الله نأتيه؟ قَالَ: نعم. فمضينا، فَلَمَّا رَآهُ عبد الله رحب بِهِ وَقَالَ للخباز: انْظُر هَذَا فضع بَين يَدَيْهِ مثل مَا تضع بَين يَدي أهل الْمَائِدَة كلهم، فَجعل يَأْتِيهِ بقصعة فيأكلها وَيَأْتِي الْقَوْم بقصعة، ثمَّ أَتَاهُ بجدي، وأتى الْقَوْم بجدي، ثمَّ نَهَضَ الْقَوْم فَأكل مَا بَقِي على الْمَائِدَة، وَخَرجْنَا فَلَقِيَهُ خلف بن الْقطَامِي، فَقَالَ لَهُ عَنْبَسَة: يَا خلف أما تغديني يَوْمًا؟ ؟ فَقلت لخلف: وَيحك. لَا تَجدهُ على مثل هَذِه الْحَال، فغده، فَقَالَ لَهُ: مَا تشْتَهي؟ فَقَالَ: تَمرا وَسمنًا. فَانْطَلق بِهِ إِلَى منزله وَأَتَاهُ بِخمْس جلال تمر وجرة سمن، فَأكل التَّمْر وَالسمن، ثمَّ خرج فَمر بِرَجُل يَبْنِي دَاره وفيهَا مائَة عَامل، وَقد أتوهم بِتَمْر كثير، فَقَالَ: يَا عَنْبَسَة؛ هَل لَك؟ فَجعل يَأْكُل مَعَهم حَتَّى ضجر العملة وَشَكَوْهُ إِلَى صَاحب الدَّار، ثمَّ خرج فَمر بِرَجُل، بَين يَدَيْهِ زنبيل فِيهِ خبز أرز يَابِس بسمسم يَبِيعهُ، فَجعل يساومه وَيَأْكُل حَتَّى أَتَى على الزنبيل، فَأعْطيت صَاحب الزنبيل ثمن خبزه. وَكَانَ ميسرَة التراس يَأْكُل الْكَبْش الْعَظِيم وَمِائَة رغيف، فَذكر أكله للمهدي، فَقَالَ: ادعوا الْفِيل، فَألْقوا لَهُ رغيفاً فَأكل تِسْعَة وَتِسْعين رغيفاً، فَألْقوا لَهُ تَمام الْمِائَة فَلم يَأْكُلهُ، وَأكل ميسرَة بعد الْمِائَة. وَمِمَّنْ قرب عَهده من الْأكلَة أَبُو الْحسن بن العلاف، وَهُوَ ابْن أبي بكر العلاف الشَّاعِر. وَدخل إِلَى الْوَزير المهلبي يَوْمًا بِبَغْدَاد، فأنفذا الْوَزير من أَخذ

حِمَاره الَّذِي كَانَ يركبه من غُلَامه، وَأدْخل المطبخ وَذبح وطبخ لَحْمه بِمَاء وملح، وَقدم إِلَيْهِ وَهُوَ يظنّ أَنه لحم بقر فَأَكله كُله، فَلَمَّا خرج وَطلب الْحمار قيل لَهُ: قد أَكلته، وعوضه الْوَزير عَنهُ وَوَصله. وَسمعت من الصاحب - رَحمَه الله - حكايات عَجِيبَة من أكل هَذَا الرجل ونهمه، فَإِنَّهُ ذكر أَنه اقترح عَلَيْهِ وَهُوَ بِبَغْدَاد ألواناً من الجواذابات، قَالَ: فتقدمت باتخاذها والاستكثار مِنْهَا، وأنفذت إِلَيْهِ بِالْغَدَاةِ من يمنعهُ من الْأكل غلا أَن يحضر عِنْدِي، فَحَضَرَ فَأكل معي على الْمَائِدَة مَعَ الْقَوْم، حَتَّى استوفى. ثمَّ تفرد بِأَكْل الجوذاب الَّذِي اتخذ لَهُ، فَأكل ثَمَانِيَة ألوان مِنْهَا، حَتَّى مسح الأطباق الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا، فتعجبنا من ذَلِك! فَقَالَ الرَّسُول الَّذِي كنت أنفذته إِلَيْهِ: إِنَّه شكا فِي الطَّرِيق الْجُوع، وَامْتنع عَن الْمَجِيء إِلَى أَن صعد إِلَى دكان هراس، فَاشْترى هريسة كَثِيرَة فَأكلهَا. وحملت امْرَأَة فَحَلَفت: إِن ولدت غُلَاما لأشبعن أَبَا الْعَالِيَة خبيصاً. فَولدت غُلَاما فأطعمته، فَأكل سبع جفان، فَقيل لَهُ: إِنَّهَا حَلَفت أَن تشبعك خبيصاً، فَقَالَ: وَالله لَو علمت مَا شبعت إِلَى اللَّيْل. قَالَ بنان الطفيلي: إِذا دعَاك صديق لَك فَاقْعُدْ من يمنة الْبَيْت، فَإنَّك ترى كل مَا تحب، وتسودهم فِي كل شَيْء، وتسبقهم إِلَى كل خير، وَأَنت أول من يغسل يَده، والمنديل جَاف وَالْمَاء وَاسع، والخوان بَين يَديك يوضع، والنبيذ أول القنينة، ورأسها تشربه، والبقل منتخب يوضع بَين يَديك، وَتَكون أول من يتبخر، وَإِذا أردْت أَن تقوم لحَاجَة لم تحتج أَن تتخطاهم، وَأَنت فِي كل سرُور إِلَى أَن تَنْصَرِف. وَقَالَ بنان: إِذا قعدت على مائدة وَكَانَ موضعك ضيقا، فَقل للَّذي بجنبك: لعلّي ضيقت عَلَيْك، فَإِنَّهُ يتَأَخَّر إِلَى خلف، وَيَقُول: سُبْحَانَ الله، لَا وَالله يَا أخي موضعي وَاسع، فيتسع عَلَيْك مَوضِع رجل. وَقَالَ لَهُ رجل من الطفيليين: أوصني. فَقَالَ: لَا تصادفن من الطَّعَام شَيْئا

فَترفع يدك عَنهُ وَتقول: لعَلي أصادف مَا هُوَ أطيب مِنْهُ، فَإِن هَذَا عجز ووهن. قَالَ: زِدْنِي. قَالَ: إِذا وجدت خبْزًا فِيهِ قلَّة فَكل الْحُرُوف، فَإِن كَانَ كَبِيرا فَكل الأوساط. قَالَ: زِدْنِي. قَالَ: لَا تكثرن شرب المَاء وَأَنت تَأْكُل فَإِنَّهُ يصدك عَن الْأكل ويمنعك أَن تستوفى. قَالَ: زِدْنِي. قَالَ: إِذا وجدت الطَّعَام فَكل مِنْهُ أكل من لم يره قطّ، وتزود مِنْهُ زَاد من لَا يرَاهُ أبدا. قَالَ: زِدْنِي. قَالَ: إِذا وجدت الطَّعَام، فاجعله زادك إِلَى الله. وَقَالَ بنان: مَا فِي الدُّنْيَا صناعَة أخس من صناعتي {قَالُوا: وَكَيف ذَاك يَا أَبَا الْحسن؟ قَالَ: أَنا أطفّل مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة مَا اسلموا إِلَى صَبيا يتَعَلَّم. وَقَالَ: دخلت يَوْمًا على بعض بني هَاشم، فَقَعَدت عِنْده حَتَّى تغديت مَعَه، فَلَمَّا أردْت الِانْصِرَاف قَالَ: هَل لَك فِي شَيْء من الْحَلْوَاء؟ قلت: يَا سَيِّدي مَا أَقْْضِي على غَائِب} فَدَعَا بجام مخروط محكوك قوائمه مِنْهُ، فَوْقه لَو زينج من نشا ستج الفالوذج، وَبَيَاض الْبيض، وحشوة اللوز المقشر مَعَ سكر الطبرزد ملزقاً بألحام الْعَسَل الْأَبْيَض مندى بالماورد الْجُورِي، إِذا قلعته سَمِعت لَهُ وَقعا كوقع المطرقة على السندان، وَإِذا أدخلته الْفَم سَمِعت لَهُ نشيشاً كنشيش الْحَدِيد إِذا أخرجته من النَّار وغمسته فِي المَاء، فَلم يزل يَأْكُل وَلَا يطعمني، فَقلت: يَا سَيِّدي: " إِن إِلَهكُم لوَاحِد " فَأَعْطَانِي وَاحِدَة، فَقلت: " إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ " فَأَعْطَانِي ثَانِيَة، فَقلت: " فعززنا بثالث " فَأَعْطَانِي ثَالِثَة، فَقلت: " فَخذ أَرْبَعَة من الطير فصرهن إِلَيْك "، فَأَعْطَانِي رَابِعَة، فَقلت: " خَمْسَة سادسهم كلبهم "، فَأَعْطَانِي خَامِسَة، فَقلت: " خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام "، فَأَعْطَانِي سادسة، فَقلت: " سبع سماوات طباقا " فَأَعْطَانِي سابعة، فَقلت: " ثَمَانِيَة أَزوَاج من الضَّأْن اثْنَيْنِ وَمن الْمعز اثْنَيْنِ " فَأَعْطَانِي ثامنة، فَقلت: " تِسْعَة رَهْط يفسدون فِي الأَرْض " فَأَعْطَانِي تاسعة، فَقلت: " تِلْكَ عشرَة كَامِلَة "

، فَأَعْطَانِي عاشرة، فَقلت: " يَا أَبَت إِنِّي رَأَيْت أحد عشر كوكباً "، فَأَعْطَانِي الْحَادِي عشر، فَقلت: " إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا فِي كتاب الله " فَأَعْطَانِي الثَّانِي عشر. فَقلت: " إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ يغلبوا مِائَتَيْنِ " فحلق بالجام إليّ وَقَالَ: كل يَا ابْن البغيضة، فَقلت: وَالله لَئِن لم تعطنيه لَقلت: " وأرسلناه إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ " قَالَ: فَضَحِك من قولي وَأمر لي بِثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم. وَقيل لبنان: من دخل إِلَى طَعَام لم يدع إِلَيْهِ دخل لصاً، وَخرج معيراً؛ فَقَالَ: أما أَنا فَلَا آكله إِلَّا حَلَالا. قيل لَهُ: وَكَيف ذَاك؟ قَالَ: أَلَيْسَ صَاحب الْوَلِيمَة يَقُول للخباز أبدا: زد فِي كل شَيْء فَإِنَّهُ يجيئنا من نُرِيد وَمن لَا نُرِيد؟ فَأنْتم مِمَّن يُرِيد وَأَنا مِمَّن لَا يُرِيد. وَقَالَ بَعضهم: قدم أَعْرَابِي من الْبَادِيَة عليّ فَقدمت إِلَيْهِ دجَاجَة مشوية، ولي امْرَأَتَانِ وابنان وابنتان، فَقلت للأعرابي: اقْسمْ الدَّجَاجَة بَيْننَا نُرِيد بذلك أَن نضحك مِنْهُ، قَالَ: فَأخذ رَأس الدَّجَاجَة فَقَطعه، ثمَّ ناولنيه، فَقَالَ: الرَّأْس للرئيس، ثمَّ قطع الجناحين وَقَالَ: الجناحان للابنين، ثمَّ قطع السَّاقَيْن وَقَالَ: اسلاقان للابنتين، ثمَّ قطع الزمكي وَقَالَ: الْعَجز للعجوز، ثمَّ ضم الْبَاقِي إِلَيْهِ وَقَالَ: الزُّور للزائر، فَأخذ الدَّجَاجَة بأسرها، فتحيرنا وسخر بِنَا. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك أحضرت خمس دجاجات، وَقلت: اقسمها بَيْننَا، فَقَالَ: كَيفَ تحب الْقِسْمَة شفعاً أَو وترا؟ فَقلت: لَا، بل وترا. فَقَالَ: أَنْت وامرأتك ودجاجة وتر، وابناك ودجاجة وتر، وابنتاك ودجاجة وتر، وَأَنا ودجاجتان وتر. فضحكنا، فَقَالَ: لَعَلَّك لم ترض بهَا، إِن شِئْتُم قسمتهَا شفعاً، قلت: افْعَل، فَقَالَ: أَنْت وابناك ودجاجة شفع، وامرأتك وابنتاك ودجاجة شفع، وَأَنا وَثَلَاث دجاجات شفع. قَالَ الجمّاز: الحمية إِحْدَى العلتين. وَقيل لمتفرس من أَصْبَهَان: لَا تَأْكُل الكشكشية مَعَ وجع رجلك فَقَالَ: سَوَاء عليّ أَن توجعني رجْلي أَو توجعني الكشكية.

قَالَ بَعضهم: إِذا تقدّمت الدعْوَة من اللَّيْل انْتَعش الْإِنْسَان فِي فرَاشه. جَاءَ طفيلي إِلَى بَاب دَار فِيهَا عرس، فَمنع من الدُّخُول فَمضى، ثمَّ عَاد وَقد حمل إِحْدَى نَعْلَيْه فِي كمه، وعلق الْأُخْرَى بِيَدِهِ، وَأخذ خلالاً يَتَخَلَّل بِهِ، وَجَاء فدق الْبَاب، فَقَالَ لَهُ البواب: مَا لَك؟ قَالَ: السَّاعَة خرجت ونسيت نَعْلي هُنَاكَ. قَالَ: فَادْخُلْ. فَدخل وَأكل مَعَ الْقَوْم ثمَّ خرج. دخل طفيلي على قوم، وَجلسَ يَأْكُل مَعَ الأضياف، فاستحيا صَاحب الْمنزل من الْقَوْم، وَكره أَن يتوهموا أَنه قد دَعَاهُ، وعاشرهم بِمثلِهِ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي لمن أشكر؟ لكم إِذْ أجبتم دَعْوَتِي، أم لهَذَا الَّذِي جَاءَ من غير أَن أَدْعُوهُ؟ فَعلم الْقَوْم أَن الرجل طفيليّ. قَالُوا: الطفيلي مَنْسُوب إِلَى رجل كَانَ بِالْكُوفَةِ يُسمى طفيلاً، كَانَ يَأْتِي الولائم من غير أَن يدعى، فَقيل لَهُ: طفيل العرائس، وَقيل: إِنَّه مَأْخُوذ من الطِّفْل وَهُوَ الظلمَة؛ لِأَن الْفَقِير من الْعَرَب كَانَ يحضر الطَّعَام الَّذِي لم يدع إِلَيْهِ مستتراً بالظلمة لِئَلَّا يعرف. وَقيل: سمي بذلك لإظلام أمره على النَّاس لَا يَدْرُونَ من دَعَاهُ. وَقيل: بل هُوَ من الطِّفْل لهجومه على الناي كهجوم اللَّيْل على النَّهَار، وَلذَلِك قيل: أطفل من ليل على نَهَار. دخل طفيلي على رجل قد دَعَا قوما، فَقَالَ لَهُ صَاحب الْمنزل: يَا هَذَا مَتى قلت لَك تجئ؟ قَالَ: وَمَتى قلت لي: لَا تجئ؟ . كَانَ بِالْبَصْرَةِ طفيلي يُقَال لَهُ: أَبُو سَلمَة، وَكَانَ إِذا سمع بِذكر وَلِيمَة بَادر إِلَيْهَا، يقدمهُ ابْنَانِ لَهُ فِي زِيّ الْعُدُول، وَبَين أَيْديهم غُلَام، فَإِذا أَتَوا الْبَاب تقدم العَبْد فَقَالَ: افْتَحْ هَذَا أَبُو سَلمَة قد جَاءَ، ثمَّ يتلوه أحد ابنيه فَيَقُول: افْتَحْ وَيلك هَذَا أَبُو سَلمَة، ويتلوه الآخر وَيَقُول: مَاذَا تنْتَظر؟ ثكلتك أمك! قد جَاءَ أَبُو سَلمَة، ثمَّ يَأْتِي أَبُو سَلمَة فَيَقُول: افْتَحْ يَا بني، فَإِن كَانَ جَاهِلا بِهِ فتح، وَإِن كَانَ قد عرف أمره وحذر مِنْهُ قَالَ: يَا أَبَا سَلمَة أَنا مَأْمُور، فيجلس وينتظر أَن يجِئ بعض من دعِي، فَإِذا فتح لَهُ شقّ الْبَاب تقدم ابناه وَالْعَبْد، وَفِي كم كل

القاب الاطعمه وغيرها علي مذهب الطفيليين

وَاحِد مِنْهُم فهر مدور ململم يسمونه كيسَان، فيلقونه فِي دوارة الْبَاب فَلَا ينصفق الْبَاب، فَيدْخلُونَ ويأكلون. ألقاب الْأَطْعِمَة وَغَيرهَا على مَذْهَب الطفيليين الطشت والإبريق: بشر وَبشير. الخوان: أَبُو جَامع. السفرة: أَبُو رَجَاء. الْخبز: أَبُو جَابر. اللَّحْم: أَبُو عَاصِم. الْملح: أَبُو عون. الْقدر: مَيْمُون الزنْجِي. الغضارة: أم الْفرج. الْحوَاري: نُجُوم الفكة. البقل: زحام بِلَا مَنْفَعَة. الْجَوْز والجبن: مُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ. الرواصل: يَأْجُوج وَمَأْجُوج. الْبيض: بَنَات نعش. الثَّرِيد: جُبَير بن مطعم. الجبم: رَاشد الخناق. الْجَوْز: أَبُو الْقَعْقَاع. الزَّيْتُون: خنافس الخوان. الصحناءة: أم البلايا. الباذنجان: قباب يَاسر. الكامخ: عرق الشَّيْطَان. البوارد: برائد الْخَيْر. البزماورد: أَبُو كَامِل الطَّيَالِسِيّ. السنبوسك: جَامع سُفْيَان. المَاء: أَبُو غياث. الْخَرْدَل: أَبُو كُلْثُوم: الجلاد. الدَّجَاجَة: سمانة القوادة. البطة: بهادة السوسية. الْحمل: شَهِيد بن شَهِيد. الجدي: أَبُو الْعُرْيَان. الرقَاق: أَبُو الطيالس. التير: وضاح الْيمن. الرَّغِيف السميد: أَبُو بدر. السكباج: أم عَاصِم. المضيرة: أم الْفضل. الكشكية: أم حَفْص. الهريسة: أم الْخَيْر. الرَّأْس: قيم الْحمام. مَاء البلاقلاء: أَبُو حَاضر. السّمك: أَبُو سابح. الأكارع: أَبُو الْخرق. الْخلّ: أَبُو الْعَبَّاس. الفتيت: أَبُو نافج. القنّبيطية: دويرة الرومية. المغمومة: الْمقنع الْكِنْدِيّ. المرئ: أَبُو مهارش. الزبيبة: أَبُو الْأسود الدؤَلِي. القشمشية: أم الْحمال. الملبقة: أم سهل. الطباهجة: زلزل المغنى. البقيلة:

المشئومة. القلية: الناعية. المصلية: أم بشير. الْأرز: أَبُو الْأَشْهب. النرجسية: أم الثريا. الجوذاب: أم الْحسن. الفالوذج: أَبُو مضاء. السكر: أَبُو الطّيب. الطبرزد: أَبُو شيبَة الخوري. اللَّحْم المشوي: الرّوح الْأمين. الْعَسَل: أم الْمُؤمنِينَ. الخبيص: أَبُو نعيم. الْحَلْوَاء: خَاتم النَّبِيين. الكفدوس: موطأ مَالك. اللوزينج: بكير الطرائفي. القطائف: قُبُور الشُّهَدَاء. الفراريج: بَنَات الْمُؤَذّن. السويق: أم حبيب. الْخلال: أَبُو الْبَأْس. الأشنان والمخلب: مُنكر وَنَكِير. النَّبِيذ: أَبُو غَالب. الغرابة: أم رزين. النَّقْل: أَبُو تَمام. النرجس: أَبُو العيناء. السايكسي: أم فِرْعَوْن. الْقدح: أَبُو قريب. النبيقة: أم الفتيان. الصراحيّة: أم الْقَاسِم. القطارمير: أَبُو مُزَاحم. المغنى: أَبُو الْأنس. الزامر: حميد الكوسج. المواخر: أَبُو صابر. القحبة: أم يَاسر. المخنث: أَبُو عَطِيَّة. الثقيل: أَبُو ثهلان. القوّاد: أَبُو مغيث. المسخرة: الضَّحَّاك بن قيس. العربدة: ضرار بن مخرق. الطفيلي: أَبُو الصَّقْر اللَّيْثِيّ. الَّذِي يتبع الطفيلي: زَائِدَة بن مزِيد. القفل: أَبُو منيع. الْمِفْتَاح: أَبُو الْفرج. الدِّينَار: أصفر سليم. الدِّرْهَم: أَبُو وَاضح. أَكثر هَذِه الألقاب والكنى سَمعتهَا من شيخ من الصُّوفِيَّة يعرف بِأبي الْخَيْر من سَاكِني الدينور، كَانَ الصاحب - رَحمَه الله - يأنس بِهِ وَيحسن إِلَيْهِ، وَكَانَ شَيخا خَفِيف الرّوح، كثير النودار، مَعَ ورع وسداد، يرجع إِلَيْهِمَا، وَكَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ، فَكَانَ قد جمع كل آيَة فِيهَا ذكر الْأكل، فَكَانَ إِذا ذكر الطَّعَام وَحضر وقته قف بَين يَدي الصاحب، وَقَرَأَ كل آيَة يتَّصل بهَا " كلوا " وَيقف عَلَيْهِ، فَإِذا دخل شهر رَمَضَان وَصَامَ النَّاس وقف على " لَا تَأْكُلُوا ". فَكَانَ يَقُول إِذا أَبْطَأَ عَنهُ الطَّعَام، وَحضر وَقت الْغَدَاء:

أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم، بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. " اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة وكلا "، و " وظللنا عَلَيْكُم الْغَمَام وأنزلنا عَلَيْكُم الْمَنّ والسلوى كلوا ". " وَإِذ قُلْنَا ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة فَكُلُوا ". " وَإِذ استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بعصاك الْحجر فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا قد علم كل أنَاس مشربهم كلوا ". " كَذَلِك يُرِيهم الله أَعْمَالهم حسرات عَلَيْهِم وَمَا هم بِخَارِجِينَ من النَّار. يَا أَيهَا النَّاس كلوا ". " وَمثل الَّذين كفرُوا كَمثل الَّذِي ينعق بِمَا لَا يسمع إِلَّا دُعَاء ونداءً صم بكم عمي فهم لَا يعْقلُونَ. يَا ايها الَّذين آمنُوا كلوا ". " أحل لكم ليلى الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم فَتَابَ عَلَيْكُم وَعَفا عَنْكُم فَالْآن باشروهن وابتغوا مَا كتب الله لكم وكلوا ". " وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه ". " أحل لكم الطَّيِّبَات وَمَا علّمتم من الْجَوَارِح مكلبين تعلمونهن مِمَّا علمكُم الله فَكُلُوا ". " يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم وَلَا تَعْتَدوا إِن الله لَا يحب الْمُعْتَدِينَ. وكلوا ". " إِن رَبك هُوَ أعلم من يضل عَن سَبيله وَهُوَ أعلم بالمهتدين. فَكُلُوا ".

" وَهُوَ الَّذِي أنشأ جنَّات معروشات وَغير معروشات وَالنَّخْل وَالزَّرْع مُخْتَلفا أكله وَالزَّيْتُون وَالرُّمَّان متشابهاً وَغير متشابه كلوا ". " وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده وَلَا تسرفوا إِنَّه لَا يحب المسرفين. وَمن الْأَنْعَام حمولة وفرشاً كلوا ". " وَيَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة فكلا ". " يَا بني آدم خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد وكلوا ". " وظللنا عَلَيْهِم الْغَمَام وأنزلنا عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى كلوا ". " وَإِذ قيل لَهُم اسكنوا هَذِه الْقرْيَة وكلوا ". " لَوْلَا كتاب من الله سبق لمسكم فِيمَا أَخَذْتُم عَذَاب عَظِيم. فَكُلُوا ". " وَأوحى رَبك إِلَى النَّحْل أَن اتخذي من الْجبَال بُيُوتًا وَمن الشّجر وَمِمَّا يعرشون. ثمَّ كلي ". " وَلَقَد جَاءَهُم رَسُول مِنْهُم فَكَذبُوهُ فَأَخذهُم الْعَذَاب وهم ظَالِمُونَ. فَكُلُوا ". " وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة تساقط عَلَيْك رطبا جنياً. فكلي ". " وَأنزل من السَّمَاء مَاء فأخرجنا بِهِ أَزْوَاجًا من نَبَات شَتَّى. كلوا ". " قد أنجيناكم من عَدوكُمْ وواعدناكم جَانب الطّور الْأَيْمن ونزلنا عَلَيْكُم الْمَنّ والسلوى. كلوا ". " ليشهدوا مَنَافِع لَهُم ويذكروا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام فَكُلُوا ".

" وَجَعَلنَا ابْن مَرْيَم وَأمه آيَة وآويناهما إِلَى ربوة ذَات قَرَار ومعين. يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا ". " وَالْبدن جعلناها لكم من شَعَائِر الله لكم فِيهَا خير فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صواف فَإِذا وَجَبت جنوبها فَكُلُوا ". " لقد كَانَ لسبأ فِي مساكنهم آيَة جنتان عَن يَمِين وشمال فَكُلُوا ". " إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونعيم. فاكهين بِمَا آتَاهُم رَبهم ووقاهم رَبهم عَذَاب الْجَحِيم. كلوا ". " هُوَ الَّذِي جعل لكم الأَرْض ذلولاً فامشوا فِي مناكبها وكلوا ". " إِن الْمُتَّقِينَ فِي ظلال وعيون. وفواكه مِمَّا يشتهون. كلوا ". " إِنَّا كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ. ويل يَوْمئِذٍ للمكذبين. كلوا ". " فَهُوَ فِي عيشة راضية. فِي جنَّة عالية. قطوفها دانية. كلوا ". " إِن الَّذين يكتمون مَا أنزل الله من الْكتاب. ويشترون بِهِ ثمنا قَلِيلا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُون ". " فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ. الَّذين يَأْكُلُون ". " وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الْمَوْتَى بِإِذن الله وأنبئكم بِمَا تَأْكُلُونَ ". " وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل ". " إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما إِنَّمَا يَأْكُلُون ".

" وَلَو أَنهم أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أنزل إِلَيْهِم من رَبهم لأكلوا ". " هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء قَالَ اتَّقوا الله إِن كُنْتُم مُؤمنين. قَالُوا: نُرِيد أَن نَأْكُل ". " فَكُلُوا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ إِن كُنْتُم بآياته مُؤمنين. وَمَا لكم أَلا تَأْكُلُوا ". " يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن كثيرا من الْأَحْبَار والرهبان ليأكلون ". " رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين. ذرهم يَأْكُلُوا ". " لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَأْكُلُوا ". " وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين أَلا إِنَّهُم ليأكلون ". " وَمَا جعلناهم إِلَّا جسداً لَا يَأْكُلُون ". " وَآيَة لَهُم الأَرْض الْميتَة أحييناها وأخرجنا مِنْهَا حبا فَمِنْهُ يَأْكُلُون ". " وذللناها لَهُم فَمِنْهَا ركوبهم وَمِنْهَا يَأْكُلُون ". " إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَالَّذين كفرُوا يتمتعون ويأكلون ". " وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونها وَلكم فِيهَا مَنَافِع كَثِيرَة وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ". " فتولوا عَنهُ مُدبرين. فرَاغ إِلَى آلِهَتهم فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ ". " فرَاغ إِلَى أَهله فجَاء بعجل سمين. فقربه إِلَيْهِم قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ ".

" هَل أدلك على شَجَرَة الْخلد وَملك لَا يبْلى. فأكلا ". وَكَانَ يقْرَأ فِي شهر رَمَضَان: " تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تقربوها كَذَلِك يبين الله آيَاته للنَّاس لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ. وَلَا تَأْكُلُوا ". " وَللَّه مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض يغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء وَالله غَفُور رَحِيم. يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَأْكُلُوا ". " وَآتوا الْيَتَامَى أَمْوَالهم وَلَا تتبدلوا الْخَبيث بالطيب وَلَا تَأْكُلُوا ". " فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم بِأَمْوَالِهِمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا ". " يُرِيد الله أَن يُخَفف عَنْكُم، وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا. يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَأْكُلُوا ". " إِن الَّذين يَكْسِبُونَ الْإِثْم سيجزون بِمَا كَانُوا يقترفون. وَلَا تَأْكُلُوا ". تمّ الْقسم الثَّانِي من كتاب نثر الدّرّ للآبي بِحَمْد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. الْجُزْء الثَّالِث

الجزء 3

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة الْمُؤلف بِذكر الله نستأنف الْبركَة ونستجدها، وبحمد الله نستديم الموهبة ونستمدها، وبالتعويل على الله نستقرب النازح، وبالتفويض إِلَى الله نستلين الجامح، وبشكر الله نرتهن النِّعْمَة حَتَّى لَا تَزُول. ونستثبتها حَتَّى لَا تزل ونعتقلها حَتَّى لَا تشرد، ونستدنيها حَتَّى لَا تبعد، ونستديمها حَتَّى لَا تنفد، ونستمهلها حَتَّى لَا تزحل، ونستوثقها حَتَّى لَا ترحل، ونحسن مجاورتها حَتَّى تخزن عندنَا فَلَا تجمح، وتقر لدينا فَلَا تَبْرَح، وتشتمل فِي مواردنا فَلَا تنزح. نحمده حمد من عرف قدرته فأذعن لَهَا، وَعلم حكمته فَآمن بهَا، ونسأله أَن يصلى على مُحَمَّد وَآله، سُؤال طَاعَة لَا سُؤال شَفَاعَة، فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى أهل بَيته، يجل عَن أَن يشفع لَهُ، وتقل عَن أَن يشفع فِيهِ وَلَكنَّا أمرنَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَالتَّسْلِيم إشادة لمعاليه. قَالَ الله تَعَالَى: (إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي، يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ أَنْت واري الْخفية، وبارىء الْبَريَّة، وداحي الأَرْض وَرَافِع السَّمَاء، وجاعل كل حَيّ من المَاء أَنْت الْوَاحِد الْفَرد فَلَا تضَاد، وَالْفَاعِل لما تشَاء فَلَا ترَاد، وَالْغَالِب لكل شَيْء فَلَا تدافع، والقاهر فَوق عِبَادك فَلَا تمانع،) تعز من تشَاء وتذل من تشَاء بِيَدِك الْخَيْر) . اللَّهُمَّ فأعنا على الاخرة بِالطَّاعَةِ، وعَلى الدُّنْيَا بالقناعة وأغننا بِفَضْلِك عَن فضول خليقك، وصنا عَن الْحَسَد على مَا فضلت بِهِ بَعْضنَا من لَدُنْك، ووسع حولنا فِي الْعَيْش والمعاش، وأسبغ علينا سَلامَة النَّفس وَحسن الرياش، وارزقنا كفاء مَا يكف الْوَجْه عَن الْمَسْأَلَة، ويصون الْعرض عَن المذلة. ويسد الجوعة فَلَا نشرى، وَيسْتر الْعَوْرَة فَلَا نعري، ويعين على

الْمُرُوءَة فَلَا نفتن، ويلم الشعث فَلَا تزرينا الْأَعْين، وينوء بِنَا إِلَى صلَة الرَّحِم وبذل الماعون الإيثار على النَّفس، والجود بِمَا يفضل عَن الْقُوت، وجبر الْكسر، وإطعام الْفَقِير، وإقناع القانع، وإرضاء المعتر، وإغاثة المهتضم، وإعانة المستضعف. إِنَّك نعم الْمَدْعُو، وَنعم المؤمل والمرجو، وَأَنت كل شَيْء قدير. هَذَا هُوَ الْفَصْل الثَّالِث من كتاب نثر الدّرّ، قد افتتحته بِكَلَام الْخُلَفَاء من بني أُميَّة وَبني هَاشم، وَرُبمَا خلطت بِهِ نبذا يَسِيرا من من نَوَادِر أخبارهم، ونكث آثَارهم، لَا يخرج بِهِ الْكتاب عَن الْغَرَض الَّذِي رميناه، وَالْقَصْد الَّذِي تحريناه، وَذكرت من جملَة خلفاء بني الْعَبَّاس إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي، وَعبد الله بن المعتز، فقد بُويِعَ لَهما بالخلافة، وَلَهُمَا كَلَام شرِيف، لَا يقصر عَن كَلَام الكافة، وأتبعت ذَلِك بِأَبْوَاب سأذكرها، وختمته بنوادر وملح وشحت الْفضل بهَا. وَلَعَلَّ قَائِلا يَقُول: هلا أفرد للهزل كتابا أَو أَخّرهُ، ليجعل لَهُ عِنْد انْقِضَاء الْجد بَابا. وَلَا يعلم أَنِّي جعلت ذَلِك مصيدة للجاهل تفقه على الْعلم، وحيالة للهازل، توقعه فِي الْجد. ولعلى لَو أفردت لَهُ فصلا، وَلم أخلط الْكتاب جدا وهزلا، لعدل أَكثر أَبنَاء زَمَاننَا إِلَى ذَلِك الْبَاب الْمُفْرد، ولصار الْجد عِنْدهم فِي حيّز المستثقل المستبرد، بل المهجور الْمَتْرُوك، وَإِن كَانَ كالنير المسبوك أَو الدّرّ المسلوك. الْفَصْل الثَّالِث (232) وأبواب هَذَا الْفَصْل ثَلَاثَة عشر بَابا. الْبَاب الأول: كَلَام مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَولده الْبَاب الثَّانِي: كَلَام مَرْوَان بن الحكم وَولده الْبَاب الثَّالِث: كَلَام خلفاء بني الْعَبَّاس الْبَاب الرَّابِع: كَلَام جمَاعَة من بني أُميَّة الْبَاب الْخَامِس: نكت من كَلَام الزبيرين الْبَاب السَّادِس: نَوَادِر أبي العيناء ومخاطباته

الْبَاب السَّابِع: نَوَادِر مُزْبِد الْبَاب الثَّامِن: نَوَادِر أبي الْحَارِث جمين الْبَاب التَّاسِع: نَوَادِر الجماز الْبَاب الْعَاشِر: نَوَادِر المجانين الْبَاب الْحَادِي عشر: نَوَادِر البخلاء الْبَاب الثَّانِي عشر: كَلَام الشطار الْبَاب الثَّالِث عشر: العي، ومخاطبات الحمقى.

صفحة فارغة

الباب الاول كلام معاويه بن ابي سفيان وولده

الْبَاب الأول كَلَام مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَولده قَالَ الْهَيْثَم: خرجَ معاويةُ يُرِيد مَكَّة، حَتَّى إِذا كَانَ بالأبواء أطلَع فِي بئرٍ عاديةٍ؛ فأصابتهُ اللقْوة. فَأتى مَكَّة، فَلَمَّا قضى نُسُكه، وَصَارَ إِلَى منزله، دَعَا بثوبٍ، فلفه على رَأسه، وعَلى جَانب وجههِ الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ مَا أَصَابَهُ، ثمَّ أذن للنَّاس فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، وَعِنْده مروانُ، فَقَالَ: إِن أكن قد ابتُلِيتُ فقد ابتُلى الصالحون قبلي، وَأَرْجُو أَن أكونَ مِنْهُم وَإِن عُوقِبتُ فقد عُوقِبَ الظَّالِمُونَ قبلي، وَمَا آمَنُ أَن أكون مِنْهُم، وَقد ابْتليت فِي أحسنيِ وَمَا يَبْدُو مني، وَمَا أُحصِى صحيحي. وَمَا كَانَ لي على رَبِّي إِلَّا مَا أَعْطَانِي وَالله إِن كَانَ عتَبَ بعد خاصَّتكم لقد كنت حدباً على عامتكم، فرحم الله أمرءاً دَعَا لي بالعافية: قَالَ: فعج الناسُ بِالدُّعَاءِ لَهُ، فَبكى، فَقَالَ مَرْوَان: وَمَا يبكيك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: كبرتْ سِني، وَكثر الدمعُ فِي عَيْني، وخشيت أَن تكون عُقُوبَة من رَبِّي، وَلَو يزِيد، أبصرتُ قصدي. دخل المسْور على مُعَاوِيَة، فَقَالَ لَهُ:: كَيفَ تركتَ قُريْشًا؟ قَالَ: أَنْت سَيِّدهَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَعْلَاهَا كَعْبًا، وأسودها أَبَا، وأرفعها ذِكراً وأجلها قدرا. قَالَ: كَيفَ تركتَ سعيداً؟ قَالَ: عليلاً. قَالَ: لليدَيْنِ

و ِللْفَم: بِهِ لَا بِظَبْيٍ بالصَّريمَةِ أعفَراً قَالَ: وَعَمْرو بن سعيدٍ صبيٌّ يسمع قَوْله من وَرائِهِ. فَقَالَ: إِذا وَالله لَا يسد جُفرتكَ، وَلَا يزِيد فِي رزقك، وَلَا يدْفع حتفاً عَنْك، بل يفتُّ فِي عضدك، ويهيضُ ظهرك، وينشرُ أمركَ، فتدعو فَلَا تُجاب، وتتوعدُ فَلَا تُهاب. فَقَالَ مُعَاوِيَة: يَا أَبَا أُميَّة، أَرَاك هَا هُنَا، إِن أَبَاك جارانا إِلَى غَايَة الشّرف، فَلم تعلق بآثاره، وَلم نقم لمحفاره، وَلم تلْحق بمضماره، وَلم ندن من غباره، هَذَا مَعَ قُوَّة مكانٍ، وَعزة سُلْطَان. وَإِن أثقل قَومنَا علينا من سبقنَا إِلَى غَايَة شرفٍ، فَأخذ أَبوك علينا القصبة، وَملك دُوننَا الْغَلَبَة. رُوِيَ: أَن عمَرَ بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - قدم الشَّام، وَمَعَهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأَبُو عُبَيْدَة، هما على حِمَارَيْنِ قريبين من الأَرْض، فتلقاَّهما مُعَاوِيَة فِي كوكبة خشناء، فَثنى وَرِكَهُ، فَنزل، وَسلم بالخلافة: فَلم يرد عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن وَأَبُو عُبَيْدَة: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أحضرت الْفَتى فَلَو كَلمته. فَقَالَ: إِنَّك لصاحبُ الجيشِ الَّذِي أرى؟ قَالَ: نعم. قَالَ: مَعَ شدةِ احتجابِكَ، ووقوف ذَوي الْحَوَائِج ببابك؟ قَالَ: أجل. قَالَ: لِمَ؟ وَيلك قَالَ: لأَنا ببلادٍ يكثر بهَا جواسيس الْعَدو، فَإِن نَحن لم نتخد الْعدة وَالْعدَد لِلْعَدو استخف بِنَا. وهجم على عورتنا. وَأَنا - بعدُ - عاملُك، فَإِن وقفتني وقفتُ، وَإِن استزدتني زِد تُ، وَإِن استنقصتني نقصتُ. قَالَ: وَالله لَئِن كنت كَاذِبًا إِنَّه لرأيٌ أريبٍ، وَلَئِن كنت صَادِقا إِنَّه لتدبيرٌ أديب. مَا سَأَلتك قطّ عَن شيءٍ إِلَّا تَرَكتنِي فِيهِ أضيقَ من رواجبِ الضرس. لَا آمرُك وَلَا أَنهَاك.

فَلَمَّا انْصَرف قَالَ لَهُ صَاحبه: لقد أحسن الْفَتى فِي إصدارِ مَا أوردتَ عَلَيْهِ. قَالَ: بِحسن إصداره وإيراده جشَّمناه مَا جشَّمناه. قَالَ مُعَاوِيَة: مَعْرُوف زَمَاننَا هَذَا مُنكر زمانٍ قد مضى، ومنكرُ زَمَاننَا هَذَا مَعْرُوف زمانٍ لم يأتِ. وَقَالَ يَوْمًا على الْمِنْبَر: يَا أهل الشَّام، مَا أَنْتُم بخيرٍ من أهل العراقِ ثمَّ نَدم فتداركها، فَقَالَ: إِلَّا أَنكُمْ أعطِيتم بِالطَّاعَةِ، وحُرِموا بالمعصية. وَمن كَلَامه: الفرصةُ خُلسة، وَالْحيَاء يمْنَع الرزق، والهيبة خيبة وَالْحكمَة ضَالَّة الْمُؤمن. وَقَالَ ذَات يومٍ لِابْنِهِ يزِيد: يَا بُنيّ، لَا تستفسد الْحر فَسَادًا لاتُصلحهُ أبدا. قَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: لاتَشْتُمَنَّ لَهُ عِرضاً، وَلَا تضربنَّ لَهُ ظهرا، فَإِن الحُرَّ لَا يرى الدُّنْيَا عوضا من هذَيْن، وَلَكِن خُذ مَا لَهُ، وَمَتى شئتَ أَن تُصلِحَهُ فمالٌ بِمَال. وأتى بسارقٍ، فَقَالَ: أسرقتَ؟ فَقَالَ بعضُ من حضرَ: اصدق أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ مُعَاوِيَة: الصدقُ فِي بعض المواطن عجْز. وَقَالَ لَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ: قد أعياني أَن أعلمَ شجاعٌ أَنْت أم جبان؟ فَقَالَ: شجاعٌ إِذا مَا أمكنتني فرصةٌ ... فَإِن لم تكن لي فرصةٌ فجبانُ وخطب فَقَالَ: إِن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يُخْلَقُ للدنيا وَلَا خُلِقَتْ لهُ، وَإِن أَبَا بكرٍ لم يُرِدِ الدُّنْيَا وَلم تُرِدْهُ، وَإِن عُمَرَ أَرَادَتْهُ الدُّنْيَا وَلم يُرِدها، وَإِن عثمانَ أصَاب من الدُّنْيَا وتركَ، وَإِن ابْن هِنْد تمرغَ فِيهَا ظهرا لبطن، وَلَو كَانَت ْرايةٌ أحقُّ بنصرٍ وَأقرب إِلَى هدى كَانَت رايةَ ابْن أبي طالبٍ، وَقد رَأَيْتُمْ إلام صَارَت. وَقَالَ لعاملٍ لَهُ: كل قَلِيلا تعملْ طَويلا، إلزمِ العفافَ يلزمك العملُ، وإياَّك والرُّشا يشتدُّ ظهركَ عِنْد الْخِصَام.

وَرفع يَوْمًا ثندوتَيه بيدَيْهِ، ثمَّ قَالَ: لقد علِم النَّاس أَن الْخَيل لَا تجْرِي بمثلى، فَكيف َ قَالَ النَّجَاشِيّ: ونجَّى ابْن حربٍ سابِحٌ ذُو علالةٍ ... أجشُّ هزيمٌ والرماحُ دَوان وَقَالَ: إنِّي لأكرهُ النَّكارة فِي السَّيِّد، وأحِبُّ أَن يكونَ غافلاً أوْ مُتَغافِلاَ. وَقَالَ لعَمْرو حِين نظر إِلَى معسكرِ عَليّ - عَلَيْهِ السَّلَام - من طلب عَظِيما خاطرَ بعظيمتهِ. وَقَالَ لأبي الجهمِ الْعَدوي: أَنا أكبرأم أنتَ يَا أَبَا الجهم؟ فَقَالَ: لقد أكلتُ من عرسُ أمِّكَ. فَقَالَ: عِنْد أيِّ أزواجها؟ قَالَ: فِي عُرسِ حفصٍ ابْن مُغيرَة. فَقَالَ: يَا أَبَا الجهم، أيَّاك والسلطانَ، فَإِنَّهُ يغْضب غضبَ الصيِّ، ويعاقبُ عُقُوبَة الْأسد، فَإِن قليلهُ يغلبُ كثير النَّاس. وَقَالَ يَوْمًا: أَنا أعرفُ أرخص مَا فِي السُّوق وأغلاهُ، فَقيل: وَكَيف ذَاك؟ فَقَالَ: أعلم أَن الجيِّدَ رخيصٌ والردئ غالٍ. ولماَّ مَاتَ زِيَاد وَفد عَلَيْهِ عبيد الله ابْنه: فَقَالَ لَهُ: من اسْتخْلف أخي على عمله بِالْكُوفَةِ؟ قَالَ: عبد الله بن خالدٍ أُسيد، قَالَ: فعلى الْبَصْرَة؟ قَالَ: سَمُرَة بن جُنْدُب، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: لَو استعملك أَبوك استعملْتُك. فَقَالَ لَهُ عبيد الله: أنْشدك الله أَن يَقُولهَا لي أحدٌ بعْدك: لَو ولاَّك أَبوك، وعمُّكَ ولَّيتُكَ. فولاَّهُ خُرَاسَان. وأوصاهُ فَقَالَ: اتَّقِ الله وَلَا تؤثرن على تقواهُ شَيْئا، وق عرضك من أَن تدنسهُ وَإِذا أَعْطَيْت عهدا ففِ بِهِ، وَلَا تبيعن كثيرا بِقَلِيل، وَخذ لنَفسك من نَفسك، وَلَا يخْرجن مِنْك أمرٌ حَتَّى تبرِمه، فَإِذا خرج فَلَا يُرَدَّنَّ عَلَيْك. وَإِذا لقيتَ عَدوك فغلبك على ظهرِ الأرضِ فَلَا يغلبنك فِي بَطنهَا، وَإِن احْتَاجَ أَصْحَابك أَن تواسيهم بِنَفْسِك فواسهم، وَلَا تُطمِعنَّ أحدا فِي غير حقِّه، ولاتؤيِسَنَّ أحداَ من حقٍّ هُوَ لَهُ.

وَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: هَل لَك فِي مناظرتي فِيمَا زعمتَ أَنَّك خصمت فِيهِ أَصْحَابِي؟ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: مَا تصنع بمناظرتي؟ فأشغب بك وتشغب بِي، فَيبقى فِي قَلْبك مَا لَا ينفعك، وَيبقى فِي قلبِي مَا يَضرك. وخطب عِنْد مقدمه الْمَدِينَة فَقَالَ: أما بعد، فَإنَّا قدمنَا على صديقٍ مشتبشرٍ، وعدو مستبسر، وناس بَين ذَلِك ينظرُونَ وينتظرون، فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا، وَإِن لم يُعْطَوا مِنْهَا سخطوا. ولستُ أسع النَّاس كلهم، فَإِن تكن محمدة فلابد من لائمة، فَلْيَكُن لوماً هونا إِذا ذُكِرَ غفِرَ، وَإِيَّاكُم والغطمى، الَّتِي إِن ظَهرت أوبقت، وَلَإِنْ خَفِيَتْ أوتَغَتْ. وَقدم مُعَاوِيَة من ولَايَة كَانَ عمرُ ولاَّهُ إيَّاها فَبَدَأَ بعمر - رَضِي الله عَنهُ - فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: مَتى قدِمتَ؟ قَالَ: الْآن، وبدأت بك. قَالَ: اذْهَبْ فابدأ بأبويك فَإِن حَقنا لم يدْخل على حَقّهمَا، وابدأ بأمك. قَالَ: فخرجتُ من عِنْده وَدخلت على أُمِّي هِنْد، فَقَالَت: يَا بنى، إِنَّه مَا ولدت حرَّة مثلك، وَإنَّك قد أُنْهِضْتَ فانهض، وَلَإِنْ الَّذِي استعملك قادرٌ أَن يعزلك، فاعمل بِمَا وَافقه وَافَقَك ذَلِك أَو خالفك. قَالَ: فخرجتُ من عِنْدهَا فَدخلت على أبي، فَقَالَ: يَا بنىَّ، إِن هَؤُلَاءِ الرَّهْط من الْمُهَاجِرين سبقُونَا فأساءوا سبقنَا، فَرفعُوا وضيعهم، وَوَضَعُوا رفيعنا، وصرنا أذناباَ وصاروا رؤوساً، وَقد رَأَيْتهمْ ولوك جسيماً من غير حاجةٍ بهم إِلَيْك وَلكنه جد وَقع، فاعمل بِمَا وافقهم، إِمَّا لِرَبِّك وَإِمَّا لَهُم. قَالَ مُعَاوِيَة لِابْنِ الْأَشْعَث بن قيس: مَا كَانَ جدك قيس بن معديكرب أعْطى الْأَعْشَى؟ فَقَالَ: أعطَاهُ مَالا وظهراَ ورقيقاً وَأَشْيَاء أُنسيتُها. فَقَالَ مُعَاوِيَة: لَكِن مَا أَعْطَاكُم الْأَعْشَى لَا يُنسى. ذُكِرَ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي مجْلِس مُعَاوِيَة، وَعِنْده أَهله، فَقَالَ عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان: وَالله إِنِّي لأعجب من عَليّ وَطَلَبه للخلافة. فَقَالَ مُعَاوِيَة -

وَضحك -: أما وَالله إِنَّهَا سنة كَمَا قَالَ الشَّاعِر: وَمَا تركته رَغْبَة عَن جماله ... وَلكنهَا كَانَت لآخر تُخْطَبُ وَمن كَلَام مُعَاوِيَة: ثلاثٌ من السؤدد: الصلع، واندِحاء الْبَطن، وَترك الإفراط فِي الْغيرَة. وَقد عيبَ بِهَذَا الْكَلَام، ورُمِيَ بقلَّة الْغيرَة، وَكَذَلِكَ عابوا قيس بن زُهَيْر حِين نزل بِبَعْض الْقَبَائِل، فَقَالَ: أَنا غيور فخور أنِف، وَلَكِنِّي لَا آنف حَتَّى أُضام، وَلَا أفخَرُ حَتَّى أفعل، وَلَا أغار حَتَّى أرى. قَالَ أَبُو عُثْمَان: أَظن أَنه إِنَّمَا عني بِهِ رُؤْيَة السَّبب لَا رُؤْيَة المواقعة. وَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو بن الْعَاصِ: يَا عَمْرو، إِن أهل الْعرَاق قد أكْرهُوا علياَّ على أبي مُوسَى، وَأَنا - وَالله - وَأهل الشَّام راضون بك، وَقد ضم إِلَيْك رجل طَوِيل اللِّسَان، قصير الرَّأْي، فأجد الحزَّ وطبق الْمفصل، وَلَا تلقَهُ برأيكَ كُله. وخطب مرّة فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، إِنَّا قد أَصْبَحْنَا فِي دهرٍ عنود، وزمنٍ شَدِيد، يُصبِحُ فِيهِ المحسِن مسيئاً، ويزداد الظَّالِم عتواً، لَا ننتفع بِمَا علمنَا، ولانسأل عَمَّا جهلنا، وَلَا نتخوف قَارِعَة حَتَّى تحُلَّ بِنَا، فَالنَّاس على أَرْبَعَة أَصْنَاف: مِنْهُم من لَا يمنعهُ من الْفساد إِلَّا مهانة نَفسه، وكلال حدِّه، ونضيض وقْرِه. وَمِنْهُم المصلِتُ لسيفه، المجلِبُ بِرجلِهِ، الْمُعْلن بشرِّه، قد أشرط نَفسه، وأوبق دينه لحطام ينتهزه، ومقنبٍ يَقُودهُ أَو منبرٍ يفرعُه، ولبئس المتجر أَن تراهما لنَفسك ثمنا، وممَّالك عِنْد الله عوضا. وَمِنْهُم من يطلبُ الدُّنْيَا بِعَمَل الْآخِرَة، وَلَا يطْلب الْآخِرَة بِعَمَل الدُّنْيَا، قد طامن من شخصه، وقارب من خطوهِ، وشمر من ثَوْبه، وزخرف نَفسه للأمانة، وَاتخذ ستر الله ذَرِيعَة إِلَى الْمعْصِيَة.

وَمِنْهُم من أقعده عَن طلب المَال ضئولة نَفسه، وَانْقِطَاع سَببه، فقصر بِهِ الْحَال على حَال، فتحلَّى باسم القناعة، وتزيَّن باسم الزهاد، وَلَيْسَ من ذَلِك فِي مراح وَلَا مفدى. وَبَقِي رجال غض أَبْصَارهم ذكر الْمرجع، وأراق دموعهم خوف الْمَحْشَر، فهم بَين شريد نادِّ، وخائف منقمع، وَسَاكِت مكعوم، وداعٍ مخلص، وموجَع ثكلانَ، قد أخملتهم التقية، وشملتهم الذلة، فهم فِي بحرٍ أجاج أَفْوَاههم ضامرة، وَقُلُوبهمْ قرحَة، وعظوا حَتَّى ملُّوا، وقُهِروا حَتَّى ذلُّوا، وقُتِلوا حَتَّى قلُّوا، فلتكن الدُّنْيَا أقل فِي أعينكُم من حثالة الْقَرَّاظ وقراضة الجلم، واتعظوا بِمن كَانَ قبلكُمْ، قبل أَن يتعظ بكم من بعدكم، وارفضوها ذميمة، فَإِنَّهَا قد رفضت من كَانَ أشفف بهَا مِنْكُم. وَقَالَ يُونُس بن سعيد الثَّقفي: اتَّق الله لَا أطير بك طيرةً بطيئاً وُقُوعهَا. قَالَ: أَلَيْسَ بِي وَبِك المرجِعُ بعدُ إِلَى الله؟ قَالَ: بلَى، فأستغفر الله. طلب زِيَاد رجلا كَانَ فِي الْأمان الَّذِي أَخذه الْحسن لأَصْحَابه، فَكتب الْحسن فِيهِ إِلَى زِيَاد: أما بعد، فقد علمت مَا كُنَّا أَخذنَا لاصحابنا، وَقد ذكر فلانٌ أَنَّك قد عرضتَ لَهُ، فأحِبُّ أَلا تعرضَ لَهُ بِخَير، فَلَمَّا أَتَى زياداً الْكتاب، وَلم ينسِبه فِيهِ إِلَى أبي سُفْيَان غضب وَكتب: من زِيَاد بن أبي سُفْيَان إِلَى الْحسن أما بعد فَإِنَّهُ قد أَتَانِي كتابُك فِي فاسقٍ يؤويه الْفُسَّاق من شيعةِ أَبِيك وشيعتك. وأيم الله لأطلبنهم وَلَو بَين جِلْدك ولحمك، وَإِن أحب النَّاس إليَّ لَحْمًا أَن آكله لحمٌ أَنْت مِنْهُ. فَلَمَّا قَرَأَهُ الْحسن بعث بِهِ إِلَى مُعَاوِيَة، فَلَمَّا قَرَأَهُ غضب وَكتب: من مُعَاوِيَة إِلَى زِيَاد. أما بعد، فَإِن لَك رأيين: رَأيا من أبي سفبان ورأياً من سميَّة. فَأَما رأيُك من أبي سُفْيَان فحلمٌ وحزم، وَأما رَأْيك من سميَّة فَمَا يكون من رَأْي مثلهَا، وَقد كتب إليَّ الْحسن بن عَليّ أَنَّك عرضت لصَاحبه، فَلَا تعرض لَهُ، فَإِنِّي لم أجعَل لَك عَلَيْهِ سَبِيلا. وَإِن الْحسن بن عَليّ لَا يُرمى بِهِ

الرَّجوان. والعجبُ من كتابك إِلَيْهِ، لَا تنسبه إِلَى أَبِيه. فَإلَى أُمه وكلته؟ وَهُوَ ابْن فَاطِمَة بنت رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -. فَالْآن حِين اخْتَرْت لَهُ. وَالسَّلَام. وَقَالَ لقوم من بني أَسد: مَا معيشتكم؟ قَالُوا: التِّجَارَة فِي الرَّقِيق: قَالَ بئس التِّجَارَة، ضَمَان نفس ومئونة ضرس. وَقَالَ لجَماعَة من قُرَيْش كَانُوا عِنْده: يَا معشر قُرَيْش، مَا بَال النَّاس لأم وَأَنْتُم لعَلَّات؟ تباعدون مِنْكُم مَا قرب الله، وتقطعون مَا وصل الله، بل كَيفَ ترجون لغيركم، وَقد عجزتم عَن أَنفسكُم؟ أتقولون: كفانا الشّرف من كَانَ قبلنَا؟ فَعندهَا لزمتكم الْحجَّة، فاكفوه من بعدكم. أَولا تعلمُونَ أَنكُمْ كُنْتُم رِقَاعًا فِي جُيُوب العربن قد أخرِجتم من حرم ربكُم، ومنِعتم مِيرَاث أبيكم. حَتَّى جمعكم الله على رجلٍ فردَّكم إِلَى بِلَادكُمْ، وَأخذ لكم مَا أُخِذَ مِنْكُم، فسمَّاكم الله بِاجْتِمَاعِكُمْ اسْما دنت لكم بِهِ الْعَرَب، وردَّ بِهِ عَنْكُم كيد الْعَجم، فَقَالَ: " فجعلهم كعصفٍ مَأْكُول "، " لِإِيلَافِ قُرَيْش " فارغبوا فِي الألفة الَّتِي أكْرمكُم الله بهَا، وإياَّكم والفرقة، فقد حذَّرَتكم نَفسهَا، وَكفى بالتجربة واعظاً. وَقَالَ لعبد الرَّحْمَن ابْن أم الحكم: بَلغنِي أَنَّك قد لهجتَ بقول الشّعْر. قَالَ: قد فعلتُ. قَالَ: فإياك والتشبيب بِالنسَاء، فتَغُرَّ الشَّرِيفَة، وَتَرْمِي العفيفة، وتقرَّ على نَفسك بالفضيحة، وَإِيَّاك والهجاء، فَإنَّك تحنق عَلَيْك كَرِيمًا، وتستثير سَفِيها. وَإِيَّاك والمديح، فَإِنَّهُ طعمة الوقاح، وتفحش السُّؤَال، وَلَكِن افخر بمفاخر قَوْمك وَقل من الشّعْر مَا تزيِّن بِهِ نَفسك، وتؤب بِهِ غَيْرك. وَقَالَ لعَمْرو بن سعيد: لَيْسَ بَين الْملك وَبَين أَن يملك جَمِيع رَعيته، أَو يملكهُ جَمِيعهم إِلَّا حزمٌ أَو توان. وَقيل لَهُ: أَنْت أنكر أم زِيَاد؟ قَالَ: إِن زياداً لَا يدع الْأَمر يتفرق عَلَيْهِ وَإنَّهُ يتفرق عليَّ فأجمعه.

وَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لَهُ: مَا أَشد حبك لِلْمَالِ قَالَ: وَلم لَا أحبه وَأَنا أستعبد بِهِ مثلك، وأبتاع بِهِ مروءتك وَدينك؟ . قَالَ: السفلة من لَيْسَ لَهُ نسبٌ مَعْرُوف، وَلَا فِعلٌ مَوْصُوف. وَقَالَ: ثَلَاثَة مَا اجْتَمعْنَ فِي حر: مُباهتة الرِّجَال، والغيبة للنَّاس، والملال لأهل الْمُرُوءَة. وَقَالَ لرجل: من سيد قَوْمك؟ قَالَ: لجأهم الدهرإليَّ. قَالَ: هَكَذَا تكون المخاتلة عَن الشّرف. وَقَالَ صعصعة: يَا امير الْمُؤمنِينَ، مالنا نحب أَوْلَادنَا اشد من حبهم لنا؟ قَالَ: لأَنهم منا ولسنا مِنْهُم، ولدناهم وَلم يلدونا. قدم رجل من مصر عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ ليحدثه لإذ حبق، فانتفض وَترك الْكَلَام، فَقَالَ مُعَاوِيَة: خُذ فِيمَا كنتَ فِيهِ، فَمَا سَمعتهَا من أحد أَكثر مِمَّا سَمعتهَا من نَفسِي. وَدخل عَلَيْهِ رجل مُرْتَفع الْعَطاء فَرَأى فِي عَيْنَيْهِ رمصاً، فحطَّ عطاءه وَقَالَ: يعجز أحدكُم إِذا أصبح أَن يتعهد أَدِيم وَجهه. وَقَالَ لقريش فِي خِلَافَته: إِنِّي أقع إِذا طرتم، وأطيرُ إِذا وَقَعْتُمْ، وَلَو وَافق طيراني طيرانكم لاختلفنا. وَقَالَ: الْعِيَال أرضة المَال. وَقيل لَهُ مَا أبلغ من عقلك؟ قَالَ: لم أَثِق بِأحد. وَنظر إِلَى يزِيد وَهُوَ يضْرب غُلَاما لَهُ، فَقَالَ لَهُ: لَا تفْسد أدبك بتأديبه، وَلَكِن وكل بِهِ من يؤدبه. روى عَن بَعضهم أَنه قَالَ: قدم مُعَاوِيَة الْمَدِينَة، فدنوت من الْمِنْبَر لأحفظ عَنهُ، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أما بعد، فَإنَّا قدمنَا على صديقٍ مُسْتَبْشِرٍ، وعَلى عَدو مستبسر، وناس بَين ذَلِك ينظرُونَ وينتظرون، فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا، وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا سخطوا.

ولسنا نسع النَّاس كلهم، فَإِن تكن محمدةٌ فلابد من لائمة، ليكن لوماً هونا، إِذا ذكر غفر، وَإِيَّاكُم والعظمى الَّتِي إِن ظَهرت أوبقت، وَإِن خفيت أوتغت. وبلغه أَن ابْنَته امْتنعت عَن ابْن عامرٍ فِي الافتضاض، فَمشى إِلَيْهَا يتوذف فِي مشيته، وَفِي يَده مخصرة، فَجَلَسَ، وَجعل ينكت فِي الأَرْض وَيَقُول: وتوان. وَقيل لَهُ: أَنْت أنكر أم زِيَاد؟ قَالَ: إِن زياداً لَا يدع الْأَمر يتفرق عَلَيْهِ وَإنَّهُ يتفرق عليَّ فأجمعه. وَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لَهُ: مَا أَشد حبك لِلْمَالِ قَالَ: وَلم لَا أحبه وَأَنا أستعبد بِهِ مثلك، وأبتاع بِهِ مروءتك وَدينك؟ . قَالَ: السفلة من لَيْسَ لَهُ نسبٌ مَعْرُوف، وَلَا فِعلٌ مَوْصُوف. وَقَالَ: ثَلَاثَة مَا اجْتَمعْنَ فِي حر: مُباهتة الرِّجَال، والغيبة للنَّاس، والملال لأهل الْمُرُوءَة. وَقَالَ لرجل: من سيد قَوْمك؟ قَالَ: لجأهم الدهرإليَّ. قَالَ: هَكَذَا تكون المخاتلة عَن الشّرف. وَقَالَ صعصعة: يَا امير الْمُؤمنِينَ، مالنا نحب أَوْلَادنَا اشد من حبهم لنا؟ قَالَ: لأَنهم منا ولسنا مِنْهُم، ولدناهم وَلم يلدونا. قدم رجل من مصر عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ ليحدثه لإذ حبق، فانتفض وَترك الْكَلَام، فَقَالَ مُعَاوِيَة: خُذ فِيمَا كنتَ فِيهِ، فَمَا سَمعتهَا من أحد أَكثر مِمَّا سَمعتهَا من نَفسِي. وَدخل عَلَيْهِ رجل مُرْتَفع الْعَطاء فَرَأى فِي عَيْنَيْهِ رمصاً، فحطَّ عطاءه وَقَالَ: يعجز أحدكُم إِذا أصبح أَن يتعهد أَدِيم وَجهه. وَقَالَ لقريش فِي خِلَافَته: إِنِّي أقع إِذا طرتم، وأطيرُ إِذا وَقَعْتُمْ، وَلَو وَافق طيراني طيرانكم لاختلفنا. وَقَالَ: الْعِيَال أرضة المَال. وَقيل لَهُ مَا أبلغ من عقلك؟ قَالَ: لم أَثِق بِأحد. وَنظر إِلَى يزِيد وَهُوَ يضْرب غُلَاما لَهُ، فَقَالَ لَهُ: لَا تفْسد أدبك بتأديبه، وَلَكِن وكل بِهِ من يؤدبه. روى عَن بَعضهم أَنه قَالَ: قدم مُعَاوِيَة الْمَدِينَة، فدنوت من الْمِنْبَر لأحفظ عَنهُ، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أما بعد، فَإنَّا قدمنَا على صديقٍ مُسْتَبْشِرٍ، وعَلى عَدو مستبسر، وناس بَين ذَلِك ينظرُونَ وينتظرون، فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا، وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا سخطوا. ولسنا نسع النَّاس كلهم، فَإِن تكن محمدةٌ فلابد من لائمة، ليكن لوماً هونا، إِذا ذكر غفر، وَإِيَّاكُم والعظمى الَّتِي إِن ظَهرت أوبقت، وَإِن خفيت أوتغت. وبلغه أَن ابْنَته امْتنعت عَن ابْن عامرٍ فِي الافتضاض، فَمشى إِلَيْهَا يتوذف فِي مشيته، وَفِي يَده مخصرة، فَجَلَسَ، وَجعل ينكت فِي الأَرْض وَيَقُول: من الخفرات الْبيض، أما حرامها ... فصعبٌ، واما حلهَا فذلول وَخرج وَدخل ابْن عامرٍ فَلم تمْتَنع عَلَيْهِ. قَالَ خَالِد بن الْوَلِيد لمعاوية: إِن فِيك لخصلتين مَا أراهما تجتمعان فِي رجل: إِنَّك تقدم حَتَّى أَقُول: يُرِيد أَن يقتل، وتتأخر حَتَّى أَقُول يُرِيد أَن يهرب. فَقَالَ: إِنِّي وَالله أتقدم لأقتل، وَلَا أتأخر لأهرب، وَلَكِنِّي أتقدم إِذا كَانَ التَّقَدُّم غنما وأتأخر إِذا كَانَ التَّأَخُّر حزماً، كَمَا قَالَ أَخُو كنَانَة: شجاعٌ إِذا مَا أمكنتني فرْصَة ... وَإِن لم تكن لي فرْصَة فجبان وسُئل: مَا النبل؟ . فَقَالَ: الْحلم عِنْد الْغَضَب، وَالْعَفو عِنْد الْمقدرَة. وَقَالَ: الدُّنْيَا بحذافيرها الْخَفْض والدعة. وَقَالَ لَهُ رجلٌ: وَالله لقد بَايَعْتُك وَأَنا كَارِه. فَقَالَ: لقد جعل الله فِي الكره خيرا كثيرا. وَكتب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ لما دَعَاهُ إِلَى الْبيعَة: من مُعَاوِيَة بن صخرٍ إِلَى عَليّ بن أبي طَالب: أما بعد، فلعمري لَو بَايَعَك الْقَوْم الَّذين بايعوك، وانت برئٌ من دم عُثْمَان، كنتُ كَأبي بكرٍ وَعمر وَعُثْمَان، وَلَكِنَّك أغريت بعثمان الْمُهَاجِرين، وخذلت عَنهُ الْأَنْصَار، فأطاعك الْجَاهِل، وَقَوي بك الضَّعِيف. وَقد أَبى اهل الشَّام إِلَّا قتالك، حَتَّى تدفع إِلَيْهِم قتلة عُثْمَان، فَإِن فعلت كَانَت شُورَى بَين الْمُسلمين.

ولعمري مَا حجتك علىَّ كحجتك على طَلْحَة وَالزُّبَيْر، لِأَنَّهُمَا بايعاك وَلم أُبَايِعك، وَمَا حجتك على أهل الشَّام كحجتك على أهل الْبَصْرَة، لِأَن أهل الْبَصْرَة أطاعوك وَلم يطعك أهل الشَّام. واما شرفك فِي الْإِسْلَام، وقرابتك من النَّبِي صلي الله عَلَيْهِ وَسلم وموضعك من قُرَيْش فلست أدفعه. ثمَّ كتب فِي آخر الْكتاب بشعرٍ لكعب بن جعيل أَوله: أرى الشَّام تكره ملك الْعرَاق ... وَملك الْعرَاق لَهُم كارهونا. فَأَجَابَهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنهُ: أما بعدُ، فَإِنَّهُ أَتَانِي مِنْك كتابٌ إمرئ لَيْسَ لَهُ بصرٌ يهديه، وَلَا قَائِد يرشده، دَعَاهُ الْهوى فَأَجَابَهُ، وقاده فاتَّبعه. زعمت انه إِنَّمَا أفسَد عَلَيْك بيعتي خطيئتي فِي عُثْمَان. ولعمري مَا كنتُ إِلَّا رجلا من الْمُهَاجِرين، واوردتُ كَمَا أوردوا، وأصدرتُ كَمَا اصدروا، وَمَا كَانَ الله ليجمعهم على ضلال، وَلَا ليضربهم بالعمى. وَبعد، فَمَا أَنْت وَعُثْمَان؟ إِنَّمَا أَنْت رجل من بني أُميَّة. وبنوا عُثْمَان أولى بمطالبة دَمه، فَإِن زعمت أَنَّك أقوى على ذَلِك فَادْخُلْ فِيمَا دخل فِيهِ الْمُسلمُونَ ثمَّ حَاكم الْقَوْم إلىَّ. وَأما تمييزك بَيْنك وَبَين طَلْحَة وَالزُّبَيْر، وَبَين أهل الشامِ وَأهل الْبَصْرَة، فلعمري مَا الْأَمر فِيمَا هُنَالك إلاَّ سَوَاء، لِأَنَّهَا بيعَة شَامِلَة، لَا يُستَثنى فِيهَا الْخِيَار، وَلَا يُستأنفُ فِيهَا النّظر، وَأما شرفي فِي الْإِسْلَام، وَقَرَابَتِي من النبيِّ - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -، وَمَوْضِعِي من قُرَيْش، فلعمري: لَو استطعتَ دَفعه لدفعته. ثمَّ دَعَا النَّجَاشِيّ فَقَالَ لَهُ: إِن ابْن جعيل شَاعِر أهل الشَّام، وَأَنت شَاعِر أهل الْعرَاق، فأجِبِ الرجل. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أسمعني قَوْله. قَالَ إذأً

أُسمِعَكَ شعر شَاعِر. فَقَالَ النَّجَاشِيّ يجِيبه: دَعَا يَا معاوي مَا لنْ يَكُونَا ... فقد حقق الله مَا تحذرونا فِي أبياتٍ كَثِيرَة. يرْوى أَن يزِيد بن مُعَاوِيَة قَالَ لمعاويةَ فِي الْيَوْم الَّذِي بُويِعَ لَهُ بالعهد، فَجعل النَّاس يمدحونه، ويُقَرِّظونه: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَالله مَا نَدْرِي أنخدع النَّاس أم يخدعونا؟ . فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: كل من أردتَ خديعته فتخادع لَك حَتَّى تبلُغَ مِنْهُ حَاجَتك فقد خدعته. وَكتب إِلَى قيس بن سعد بن عبَادَة، وَهُوَ وَالِي مصر لعَلي رَضِي الله عَنهُ: أما بعد فَإنَّك يَهُودِيّ ابْن يَهُودِيّ، إِن غلب أحد الْفَرِيقَيْنِ إِلَيْك عزلك، واستبدل بك، وَإِن غلب أبغضهما إِلَيْك قَتلك، ومثَّل بكَ، وَقد كَانَ أَبوك فَوق سَهْمه، ورميَ غرضهِ، فَأكْثر الحزَّ، وَأَخْطَأ الْمفصل، حَتَّى خذلهُ قومَهُ، وأدركه يومَه، فَمَاتَ غَرِيبا بحوران. فَكتب إِلَيْهِ قيس: أما بعد، فَإنَّك وثن ابْن وثن، لم يقدم إيمانك، وَلم يحدث نفاقك، دخلت فِي الدّين كرها، وَخرجت منهُ طَوْعًا، وَقد كَانَ أبي فوقَ سَهْمه، وَرمي غَرَضه، فشغبت عَلَيْهِ أَنْت وَأَبُوك ونظراؤك فَلم تبشقّوا غباره، وَلم تدرِكوا شأوه، وَنحن أنصار الدّين الَّذِي خرجتَ مِنْهُ، وأعداءُ الدّين الَّذِي خرجتَ إِلَيْهِ. قَالَ مُعَاوِيَة: الْخَفْض والدعة سَعَة الْمنزل، وَكَثْرَة الخُدَّام. وذُكِر أَن مُعَاوِيَة اسْتمع على يزِيد ذَات لَيْلَة، فَسمع من عِنْده غناء أعجبه، فَلَمَّا أصبح قَالَ ليزِيد: من كَانَ مُلهيك البارحة؟ قَالَ: ذَاك ابْن خاثر. وَقَالَ: إِذا فأخثِر لَهُ من الْعَطاء.

وذُكِرَ أَن مُعَاوِيَة قَالَ لعَمْرو بن الْعَاصِ: امضِ بِنَا إِلَى هَذَا الَّذِي تشاغل باللهو، وسعى فِي هدم مروءته، حَتَّى ننعى عَلَيْهِ فعله - يُرِيد: عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب، فَدخل عَلَيْهِ وَعِنْده سائب بن خاثر، وَهُوَ يُلقيِ على جواري لعبد الله، فَأمره عبد الله بتنحيةِ الْجَوَارِي لدُخُول مُعَاوِيَة، ووثب سائب بن خاثر، وتنحّى عبد الله عَن سَرِيره لمعاوية، فأجلسه إِلَى جَانِبه. ثمَّ قَالَ لعبد الله: أعِد إِلَيْنَا مَا كنت فِيهِ، فَأمر بالكراسي فأُلقيَتْ، وَأخرج الْجَوَارِي، فتغنَّى سائبٌ بقول قيس بن الخطيم: ديار الَّتِي كَادَت، وَنحن على منى ... تحلُّ بِنَا لَوْلَا نجاءُ الركائبِ ورددَّه الْجَوَارِي. فحرَّ مُعَاوِيَة يَدَيْهِ، وتحرَّك فِي مَجْلِسه، ثمَّ مدَّ رجلَيْهِ فَجعل يضرِبُ بهما وجهَ السرير فَقَالَ لَهُ عمروٌ: اتَّئد فَإِن الَّذِي جئتهُ لتلحاهُ أحسُّ مِنْك حالاَ، وأقلُّ حَرَكَة. قَالَ مُعَاوِيَة: اسْكُتْ، فَإِن كل كريمٍ طروب. وَقَالَ مُعَاوِيَة: أُعِنْتُ على عليِّ بِأَرْبَع: كنتُ رجلا أكتم سريّ، وَكَانَ رجلا ظَهره، وكنتُ فِي أطوعِ جندٍ وأصلحهُ، وَكَانَ فِي أخبثِ جندٍ وأعصاه، وَتركته وأصحابَ الْجمل وقلتُ: إِن ظفروا بِهِ كَانُوا أَهْون عليَّ مِنْهُ، وَإِن ظفر بهم اعتددت بهَا عَلَيْهِ فِي دينه، وَكنت أحَبَ إِلَى قُرَيْش مِنْهُ، فيالكَ من جَامع إليَّ، ومفرقٍ عَنهُ، وعونٍ لي وعونٍ عَلَيْهِ. قدم مُعَاوِيَة إِلَى الْمَدِينَة فَدخل عَلَيْهِ عبد الله بن الزبير؛ فَأَقَامَ عِنْده يَوْمه وَلَيْلَته فَكَانَا يتحدثان إِلَى أَن نَام مُعَاوِيَة، وَعبد الله قاعدٌ، ثمَّ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ لَهُ: خُذ بِنَا فِي الحَدِيث، فتحادثا سَاعَة ثمَّ نَام مُعَاوِيَة أَيْضا، فَكَانَت تِلْكَ حَاله إِلَى الصَّباح فَقَالَ لَهُ عبد الله: لقد هممتُ بقتْلك غير مرّة، فَكيف طابت نفسُك أَن تنام وَأَنا مَعَك؟ فَقَالَ: يَا أَبَا بكر، فلستَ من قتلةِ الخُلفاء. فَقَالَ: تقولُ لي هَذَا وَقد لقيتُ عليَّ بن أبي طَالب بِالسَّيْفِ يم الْبَصْرَة،

فَقَالَ مُعَاوِيَة: لَا جرم، قتَلَكَ وأباك بِشمَالِهِ، وَبقيت يمنيهُ فارغةً تطلب قِرناً يصلُحُ لَهَا. وَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو بن الْعَاصِ، حِين ذكر لَهُ مَا رَوَاهُ عبد الله ابنهُ من قولِ النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - لعماَّرٍ: " تَقْتُلُكَ الفئة الباغيةُ " لَا تزَال تَأْتِينَا بهَنةٍ تدحضُ بهَا فِي بولك. أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ إِنَّمَا قَتله الَّذِي جَاءَ بِهِ. ورُوي أَنه قدم الْمَدِينَة فَذكر ابْنه يزِيد، وعقله وسخاءه، وفضله؛ فَقَالَ ابْن الزبير: أما أَنَّك قد تركت من هُوَ خيرٌ منهُ. قَالَ مُعَاوِيَة: كَأَنَّك أردتَ نَفسك يَا أَبَا بكر؟ قَالَ: وَإِن أردتها فَمه؟ قَالَ مُعَاوِيَة: إِن بَيته بِمَكَّة فَوق بَيْتك. قَالَ ابْن الزبير: إِن الله اخْتَار أبي، وَاخْتَارَ الناسُ أباهُ، فاللهُ الفاصِلُ بيني وَبَينه. فَقَالَ مُعَاوِيَة: هَيْهَات: مَنّتُكَ نفسُك مَا لَيْسَ لَك، وتطاولت َ إِلَى مَا لم تنالُه. . إِن الله اختارَ عمِّي لدينِه، وَاخْتَارَ الناسُ أبي لدنياهُم. فَدَعَا عمِّي أَبَاك فأجابهُ، ودعا أبي عمَّك فاتبعَه، فَأَيْنَ تجِدُكَ إِلَّا معي؟ . قَالَ ابْن الزبير: ذَاك لَو كنتَ من بني هَاشم. قَالَ مُعَاوِيَة: دع هاشماً، فَإِنَّهَا تَفْخَر عَليّ بأنفسها، وأفخر عَلَيْك بهَا، وَأَنا أحبُّ إِلَيْهَا منكَ، وأحبُّ إليكَ مِنْهَا، وَهِي أحبُّ إليَّ مِنْك. قَالَ ابْن الزبير: إِن الله رفع بِالْإِسْلَامِ بَيْتا، وخفض بِهِ بَيْتا، فَكَانَ بَيْتِي مِمَّا رفع الله بِالْإِسْلَامِ، قَالَ مُعَاوِيَة: وبيتُ حاطِب بنِ أبي بلتعةَ مِمَّا رفع الله. وَقيل لمعاوية: أخبرنَا عَن نَفسك فِي قريشٍ. قَالَ: أَنا ابْن بُعثطِها، وَالله مَا سوبِقْتُ إِلَّا سبقتُ، وَلَا خضْتُ برجلي قطٌّ غمرة إِلَّا قطعتُها عرضا. وَكتب إِلَيْهِ الحكم الْغِفَارِيّ: إِن الْمُشْركين قد جاشوا بأمرٍ عظيمٍ. فَكتب: اجْعَل بكر بن وَائِل يَلونهم، فَإِن نبيَّ الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: " لن يَظْهَرَ الْمُشْركُونَ على بكرِ بنِ وائلٍ ". وَكَانَ يأذنُ للأحنفِ فِي أوَّلِ من يأْذنُ لَهُ، فأَذنَ لَهُ يوماَ، ثمَّ أذن لمحمدِ بن الْأَشْعَث، فجَاء محمدٌ فَجَلَسَ بَين مُعَاوِيَة وَبَين الأحنفِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: لقد

يزيد بن معاويه وولده

أحسستُ فِي نفْسِك ذلاًّ، إنِّي لم آذن لَهُ قبلك ليَكُون فِي الْمجْلس دُونك، وَإِنَّمَا كَمَا نملكُ أُمُوركُم نملِكُ تأديبكم، فأريدوا مَا يُرادُ بكم، فَإِنَّهُ أبقى لنعمتكم، وأحسنَ لأدبِكُم. قدِمَ مُعَاوِيَة الْمَدِينَة، فَدخل دَار عُثْمَان، فَقَالَت عَائِشَة بنتُ عُثْمَان: وَا أبتاه وبكتْ. فَقَالَ مُعَاوِيَة: يَا ابْنة أخي، إِن النَّاس أعطونا طَاعَة وأعطيناهُم أَمَانًا، وأظهرنا لَهُم حلماً تَحْتَهُ غضبٌ، وأظهروا لنا طاعةَ تحتهَا حِقْدٌ، وَمَعَ كلُّ إنسانٍ سيفَه، وَهُوَ يرى مَكَان أنصاره، فَإِن نكثنا بهم نكثوا بِنَا، وَلَا أَدْرِي أعلينا تكونُ أم لنا؟ وَلِأَن تَكُونِي بنتَ عمِّ أَمِير الْمُؤمنِينَ خيرٌ من أَن تَكُونِي امْرَأَة من عرض الْمُسلمين. وَقَالَ مُعَاوِيَة فِي النِّسَاء: إنهنَّ يغلُبنَ الْكِرَام، ويغلِبْهنَ اللئام. وفَخَرَ عندهُ سليمُ مولى زيادٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَة: اسْكُتْ، فوَاللَّه مَا أدْرك صاحِبُكَ شَيْئا بسيفهِ إِلَّا وَقد أدركتُ أَكثر مِنْهُ بلساني.؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ يزِيد بن مُعَاوِيَة وَولده كتبَ إِلَى أهلِ الْمَدِينَة: أما بعدُ، ف " إِن الله لَا يغيرُ مَا بقَوْمٍ حتَّى يغيِّروا مَا بأنفسِهِم وَإِذا أرادَ اللهُ بقومٍ سوءا فَلَا مردَّ لَهُ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ، وَمَا لَهُم مِنْ دونِهِ مِن والِ " وَإِنِّي وَالله لقد لبِستُكُم فأخلقْتُكُم، ورفقْتُ بكُم فأخرقتُكُم. ثمَّ لَئِن وضعتكم تَحت قدمي لأطأنَّكُمْ وطْأَةً أُقِلُّ بهَا عددكم، وأذلُّ غابركم، وأترككم أحاديثَ تُنْسَخُ فِيهَا أخباركم مَعَ أخبارِ عادٍ وثمودٍ. لعلَّ الْحلم دلَّ على قومِي ... وَقد يستجهَلُ الرجل الحليمُ وَقَالَ لَهُ مؤدبهُ وَهُوَ صَغِير، فلحن وَقَالَ: إِن الْجواد قد يعثر، فَقَالَ المؤدّبُ: أَي وَالله، ويضرَب فيستقيم، فَقَالَ يزِيد: نعم وَالله وَيكسر أنف سائسهُ.

تكلَم يَوْمًا عِنْد مُعَاوِيَة الخطباء فَأحْسنُوا وَأَكْثرُوا، فَقَالَ: وَالله لأرمينَّهم بالخطيب الأشدقِ، قُم يَا يزِيد فتكلَّم قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: كَانَ يُقال ليزِيد بن مُعَاوِيَة: أَبُو القرود، وَذَلِكَ أَنه كَانَ معجباً بهَا، وأدب قِرداً وَاسْتَعْملهُ على خَمْسمِائَة رجل من أهل الشَّام، وَكَانَ يكنى أَبَا قيس، فصاد مرّة حمَار وَحش، فَحمل أَبى قيسٍ عَلَيْهِ، وخلّى عَنهُ فطار بِهِ، وَخرج من مَسْكَنه، وَلَزِمَه القردُ، فَجعل يزِيد يصيحُ بِهِ: تمسَّك أَبَا قيسٍ بفضلِ عنانها ... فَلَيْسَ عَلَيْهَا إِن هَلَكت ضمانُ. وَقيل ليزِيد: مَا الْجُود؟ قَالَ: إعطاءُ المالِ من لَا تعرف، فَإِنَّهُ لَا يصير إِلَيْهِ حَتَّى يتخطَّى من تعرِف. وخطب بِدِمَشْق فَقَالَ: أَيهَا الناسُ، سافروا بأبصاركم فِي كرُّ الجديدين، ثمَّ أرجعوها كليلة عَن بلوغِ الأمل. وإنَّ الْمَاضِي عظةٌ للْبَاقِي، وَلَا تجْعَلُوا الغرورَ سبيلَ العجزِ عَن الْجد، فتنقطع حجتُكُم فِي موقفٍ الله سَائِلكُمْ فِيهِ، محاسِبُكم على مَا أسلفتم. أيُّها النَّاس، أمس شَاهد فَاحْذَرُوهُ، وَالْيَوْم مؤدِّبٌ فاعرِفوه، وغدٌ رسولٌ فأكرِموه، وَكُونُوا على حذر من هجومِ الْقدر، فَإِن أَعمالكُم مطيات آجالكم والصراطُ ميدانٌ يكثر فِيهِ العثارُ، والسالمُ نَاجٍ، والعاثِرُ فِي النَّار. يرْوى: أَن عبد الله بن يزِيد بن مُعَاوِيَة أَتَى أَخَاهُ خَالِدا فَقَالَ: يَا أخي، لقد هممتُ اليومَ أَن أفتِك بالوليد بن عبد الْملك، فَقَالَ لَهُ خَالِد: بئسَ وَالله مَا هننتَ بِهِ فِي ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ، وولِيّ عهد الْمُسلمين فَقَالَ: إِن خيلي مرت بِهِ فتعبَّثَ بهَا، وأصغرني، فَقَالَ لَهُ خَالِد: أَنا أكفيكَ.

فَدخل خَالِد على عبد الْملك، والوليد عِنْده، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لوليدُ ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ، ووليُّ عهد المسلمينَ مرَّت بِهِ خيلُ ابْن عَمه عبد الله بن يزِيد، فتعبَّثَ بهَا وأصغرهُ، وعبدُ الله مطرِقٌ، فَرفع رأسهُ فَقَالَ: " إِن الملوكَ إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها وَجعلُوا أعِزَّةَ أَهلهَا أذلَّة وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ " فَقَالَ خَالِد: " وَإِذا أردنَا أَن نهلِكَ قَرْيَة أمرنَا مُترفيها ففسقوا فِيهَا فحقَّ عَلَيْهَا القولُ فدمرناها تدميراً " فَقَالَ عبد الْملك: أَفِي عبد الله تكلمني؟ وَالله لقد دخل عليَّ فَمَا أَقَامَ لسانَهُ لحناً. فَقَالَ خَالِد: أفَعَلى الوليدِ تعولِّ؟ فَقَالَ عبد الْملك: إِن كَانَ الوليدُ يلحنُ فَإِن أخاهُ سليمانَ. فَقَالَ: وإنْ كَانَ عبدُ الله يلحنُ فَإِن أَخَاهُ خالدٌ. فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد: اسْكُتْ، فوَاللَّه مَا تُعَدُّ فِي العير وَلَا فِي النفيرِ. فَقَالَ خَالِد: اسْمَع يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، ثمَّ أقبل عيه فَقَالَ: وَيحَك، فَمن صاحِبُ العير غَيْرِي، جدِّي أَبُو سُفْيَان صاحبُ العير، وجديِّ عتبَة بن ربيعَة صاحبُ النَّفير، وَلَكِن لَو قلت: غُنيماتٌ، وحُبيلاتٌ والطائفُ ورحمَ الله عثمانَ. قُلْنَا: صدقْتَ. أما العيرُ فهيَ عيرُ قُرَيْش الَّتِي أقبل فِيهَا أَبُو سُفْيَان من الشَّام، فنهد لَهَا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ففات بهَا أَبُو سُفْيَان، وَأما النفيرُ فمِن نفرٍ من قُرَيْش لاستنفاذ العير، فَكَانَت وقعةُ بدرٍ، وَصَارَ ذَلِك مثلا حَتَّى قيل فِي كل من لَا يصلح لخيرٍ وَلَا شَرّ. وَقَوله: غنيماتُ وحبيلاتٌ. يَعْنِي: أَن رَسُول الله - صلى الله عليهِ وَسلم - لما أطردَ الحكم بن أبي الْعَاصِ لَجأ إِلَى الطَّائِف، فكا يرْعَى غنيماتٍ لَهُ. ويأوي إِلَى حبيلة، وهيَ الكرمة. وَقَوله: رحِمَ الله عثمانَ، لِأَنَّهُ ردهُ لمَّا أفْضى الأمرَ إِلَيْهِ. وذُكر أَن الْحجَّاج لما أكرَهَ عبد الله بن جعفرٍ على أَن يزوِّجهُ ابنتهُ استأجله فِي نقلهَا سنة، ففكر عبد الله فِي الانفكاكِ مِنْهُ، فأُلقي فِي روعهِ خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة، فَكتب إليهِ يُعْلُمهُ ذَلِك، وَكَانَ الْحجَّاج تزَوجهَا بإذنُ عبدِ الْملك، فورد على خَالِد كِتَابه لَيْلًا، فَاسْتَأْذن من ساعتهِ على عبد الْملك، فَقيل: افي هَذَا الْوَقْت؟ فَقَالَ: إِنَّه أمرٌ لَا يؤخَّرُ، فأُعلم عبدُ الْملك بذلك. فَأذن لهُ، فَلَمَّا دخل إِلَيْهِ قَالَ لَهُ عبد الْملك: فيمَ السُّرى يَا أَبَا هَاشم؟ قَالَ: أمرٌ جليل، لم آمنْ أَن أُؤَخِّرَه، فتحدُثُ عليَّ حَادِثَة، فَلَا أكونَ قضيتُ حقَّ بيعتك.

قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: تعلمُ أنهُ كَانَ بَين حيَّينِ من العداوةِ والبغضاء، مَا كَانَ بينَ آل الزبير وبيننا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فإنْ تزوجي إِلَى آل الزبير حلَّل لَهُم مَا كَانَ فِي قلبِي، فَمَا أهل البيتِ أحبُّ إليَّ مِنْهُم. قَالَ: إِن ذَلِك ليَكُون؟ قَالَ: فكيفَ أذِنْت للحجاج أَن يتزوَّجَ من بني هَاشم، وَأَنت تعلمُ مَا يَقُولُونَ ويُقالُ فيهم، وَالْحجاج من سلطانِك بحيثُ علمْتَ. قَالَ: فجزاهُ خيرا. وَكتب إِلَى الْحجَّاج يعزمُ عَلَيْهِ أَن يطلِّقها، فطلَّقها. فغدا النَّاس يعزُّونه عَنْهَا. وَكَانَ فِيمَن أَتَاهُ عَمْرو بن عتبةَ بن أبي سُفْيَان، فأوقعَ الْحجَّاج بخالدٍ. فَقَالَ: كَانَ الأمرُ لِآبَائِهِ فعجِزَ عَنهُ حَتَّى انتُزِعَ مِنْهُ. فَقَالَ لَهُ عَمْرو: لَا تقُل ذَلِك أَيهَا الْأَمِير، فَإِن لخالدٍ قَدِيما سبق إِلَيْهِ، وحديثاً لنْ يًغْلَبَ عَلَيْهِ فَلَو طلب الْأَمر لطلبهِ بجد وجَدٍّ، وَلَكِن علم علما فَسلم الْعلم إِلَى أَهله. فَقَالَ: الحجاجُ: يَا آل أبي سُفْيَان، أَنْتُم تحبُّون أَن تحلُموا، وَلَا يكون الْحلم إِلَّا عَن غضب، فنحنُ نغضبكم فِي العاجل ابتغاءَ مرضاتكم فِي الآجل. ثمَّ قَالَ الْحجَّاج: وَالله لأتزوَّجنَّ من هُوَ أمسُّ بهِ رحما، ثمَّ لَا يُمكنهُ فِيهِ شَيْء، فَتزَوج أم الْجلاس بنت عبد الله بن خَالِد بن أسيد. تهدد عبد الْملك خَالِدا بالحرمان، فَقَالَ خَالِد: أتُهدِّدني، ويَدُ الله فَوْقك مانعةٌ، وعطاءُ الله دونكَ مبذولٌ؟ قَالَ رجل لخَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة: مَا أقربُ شيءٍ؟ قَالَ: الْأَجَل. قيل: فَمَا أبعدُ شيءٍ؟ قَالَ: الأمل. قيل: فَمَا آنس شيءٍ؟ قَالَ: الصاحبُ المُواتي. قيل: فَمَا أوحشُ شيءٍ؟ قَالَ: الميِّت. دخل عبد الْملك بن مَرْوَان على يزِيد بن مُعَاوِيَة. فَقَالَ: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ، إِن لَك أَرضًا بوادي القُرى لَيست لَهَا غلَّة، فَإِن رأيتَ أَن تأْمرَ لي بهَا. فَقَالَ لَهُ يزِيد: إِنَّا لَا نُخدع عَن الصَّغِير، وَلَا نبخَلُ بالكبير، وَهِي لَك. فلمَّا ولىَّ قَالَ يزِيد: إِن أهل الْكتب يدَّعون أَن هَذَا يَرث مَا نَحن فِيهِ، فَإِن كَانَ كَمَا قَالُوا فقد صانعناه، وَإِن لم يكن فقد وصلْناه. وَلما ولىَّ يزِيد مسلمَ بنَ زِيَاد خُرَاسَان قَالَ لَهُ: إِن أَبَاك كفى أَخَاك عَظِيما، وَقد استكفيتُك صَغِيرا، فَلَا تتَّكِلنَّ على عذرٍ مني، فَإِنِّي قد اتكلتُ

على كِفَايَة مِنْك، وَإِيَّاك مني قبل أَن أَقُول: إيَّاي مِنْك، فإنَّ الظنَّ إِذا أُخلِفَ فِيك أخلف مِنْك. وَأَنت فِي أدنى حظِّك فاطلُب أقصاه. وَقد أتعبك أَبوك، فَلَا تُريحَنَّ نَفسك، وَكن لنفسِكَ تكُنْ لَك، وَاذْكُر فِي يومكَ أحاديثَ غدِكْ. وَقَالَ معاويةُ لعَمْرو بن الْعَاصِ: إِنِّي لأُحِبُّ أنْ تكون فِي خمسِ خصالٍ. قَالَ: وَمَا هن يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: أحب أَن يكون جهلٌ أعظم من حلمي، وَلَا ذنبٌ أكبر من عفوي، وَلَا عورةٌ إِلَّا وَأَنا أسعها بستري، وَلَا فاقةٌ إِلَّا سددتها بجودي، وَلَا زمانٌ أطول من أناتي، فَتَبَسَّمَ عَمْرو. فَقَالَ مُعَاوِيَة: مِمَّن تبسَّمت؟ فَإِنِّي أعلمُ أَنَّك إِن قُلتَ خيرا أضمرتَ شرا. قَالَ: نعم، تمنَّيتُ ضفةً لَا تكون إِلَّا لله. قَالَ مُعَاوِيَة: فاستُرها عليَّ. كتب مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان بن الحكم: وَالله لفلانٌ أهْوَنُ عليَّ من ذرَّة أَو كلبٍ من كلابِ الحرَّة، ثمَّ قَالَ لِلْكَاتِبِ: امحِ الحرَّة، فَإِنَّهُ سجعٌ، واكتب من الْكلاب. قيل لخَالِد بن يزِيد: أَنِّي أصبتُ هَذَا الْعلم؟ قَالَ: وافقْتُ الرِّجَال على أهوائهم، ودخلتُ مَعَهم فِي رَأْيهمْ، حَتَّى بذلوا لي مَا عِنْدهم، وأفضوا إليَّ بِذَات أنفسهم. بعث زِيَاد إِلَى مُعَاوِيَة بِهَدَايَا مَعَ عبيد الله أخي الأشترِ النَّخعِيّ، وَفِي الْهَدَايَا سفطٌ فِيهِ جوهرٌ لم ير مثله، فقدِمَ عبد الله بالهدايا، ثمَّ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن زياداً بعثَ معي بسفطٍ مَا أَدْرِي مَا فِيهِ، وَأَمرَنِي أَن أدفعهُ فِي خلاءٍ. فَقَالَ: أحضرهُ، فلمَّا فتحهُ قَالَ: مَا أظُّن رجلا آثر بِهَذَا على نَفسه إِلَّا سيؤْثِرُهُ الله بالجنَّة، ارْجع بِهِ إِلَيْهِ، فَإِن من قبله من الْمُسلمين أَحَق بِهَذَا من مُعَاوِيَة. ثمَّ كتب إِلَى زِيَاد: إِنَّك رفعتَ إليَّ رايةَ الأشترِ حينَ وَضعهَا الله. بعثتَ مَعَ أَخِيه بسفطٍ يشْهد بِهِ عَليّ عِنْد أهل الْعرَاق، فاردده عليَّ مَعَ رجلٍ لَا يفقهُ عنيِّ، وَلَا أفقهُ عَنهُ، فردَّهُ إِلَيْهِ زِيَاد مَعَ غُلَام من غلمانه.

قَالَ مُعَاوِيَة ليزِيد: إنْ كنْتَ بعدِي - وكنْهُ. فابدأ بِالْخَيرِ، فَإِنَّهُ يُعَفِّى، على الشَّرّ، وَمَا صنعتَ من شيءٍ فَاجْعَلْ بينكَ وَبَين الله سترا ترجوه لَهُ، وتأْملُهُ بِهِ. وإيَّاك وَالْقَتْل فَإِن الله قَاتل القاتلين. وصف مُعَاوِيَة الْوَلِيد بن عتبَة فَقَالَ: إِنَّه لبعيد الْغَوْر، سكان الْفَوْر، نبتةُ أصلٍ لَا يخلف، وسليل فحلٍ لَا يقرِف. وَدخل خَالِد بن يزِيد دَار عبد الْملك، وَكَانَ يسحبُ ثِيَابه، فَقَامَ إِلَيْهِ عبد الرَّحْمَن بن الضَّحَّاك، يتلقاه معظِّماَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: بِأبي أَنْت وَأمي، لم تطعم الأَرْض فَضولَ ثيابكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي أكره أَن أكونَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر: الآجل. ثمَّ قَالَ الْحجَّاج: وَالله لأتزوَّجنَّ من هُوَ أمسُّ بهِ رحما، ثمَّ لَا يُمكنهُ فِيهِ شَيْء، فَتزَوج أم الْجلاس بنت عبد الله بن خَالِد بن أسيد. تهدد عبد الْملك خَالِدا بالحرمان، فَقَالَ خَالِد: أتُهدِّدني، ويَدُ الله فَوْقك مانعةٌ، وعطاءُ الله دونكَ مبذولٌ؟ قَالَ رجل لخَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة: مَا أقربُ شيءٍ؟ قَالَ: الْأَجَل. قيل: فَمَا أبعدُ شيءٍ؟ قَالَ: الأمل. قيل: فَمَا آنس شيءٍ؟ قَالَ: الصاحبُ المُواتي. قيل: فَمَا أوحشُ شيءٍ؟ قَالَ: الميِّت. دخل عبد الْملك بن مَرْوَان على يزِيد بن مُعَاوِيَة. فَقَالَ: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ، إِن لَك أَرضًا بوادي القُرى لَيست لَهَا غلَّة، فَإِن رأيتَ أَن تأْمرَ لي بهَا. فَقَالَ لَهُ يزِيد: إِنَّا لَا نُخدع عَن الصَّغِير، وَلَا نبخَلُ بالكبير، وَهِي لَك. فلمَّا ولىَّ قَالَ يزِيد: إِن أهل الْكتب يدَّعون أَن هَذَا يَرث مَا نَحن فِيهِ، فَإِن كَانَ كَمَا قَالُوا فقد صانعناه، وَإِن لم يكن فقد وصلْناه. وَلما ولىَّ يزِيد مسلمَ بنَ زِيَاد خُرَاسَان قَالَ لَهُ: إِن أَبَاك كفى أَخَاك عَظِيما، وَقد استكفيتُك صَغِيرا، فَلَا تتَّكِلنَّ على عذرٍ مني، فَإِنِّي قد اتكلتُ على كِفَايَة مِنْك، وَإِيَّاك مني قبل أَن أَقُول: إيَّاي مِنْك، فإنَّ الظنَّ إِذا أُخلِفَ فِيك أخلف مِنْك. وَأَنت فِي أدنى حظِّك فاطلُب أقصاه. وَقد أتعبك أَبوك، فَلَا تُريحَنَّ نَفسك، وَكن لنفسِكَ تكُنْ لَك، وَاذْكُر فِي يومكَ أحاديثَ غدِكْ. وَقَالَ معاويةُ لعَمْرو بن الْعَاصِ: إِنِّي لأُحِبُّ أنْ تكون فِي خمسِ خصالٍ. قَالَ: وَمَا هن يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: أحب أَن يكون جهلٌ أعظم من حلمي، وَلَا ذنبٌ أكبر من عفوي، وَلَا عورةٌ إِلَّا وَأَنا أسعها بستري، وَلَا فاقةٌ إِلَّا سددتها بجودي، وَلَا زمانٌ أطول من أناتي، فَتَبَسَّمَ عَمْرو. فَقَالَ مُعَاوِيَة: مِمَّن تبسَّمت؟ فَإِنِّي أعلمُ أَنَّك إِن قُلتَ خيرا أضمرتَ شرا. قَالَ: نعم، تمنَّيتُ ضفةً لَا تكون إِلَّا لله. قَالَ مُعَاوِيَة: فاستُرها عليَّ. كتب مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان بن الحكم: وَالله لفلانٌ أهْوَنُ عليَّ من ذرَّة أَو كلبٍ من كلابِ الحرَّة، ثمَّ قَالَ لِلْكَاتِبِ: امحِ الحرَّة، فَإِنَّهُ سجعٌ، واكتب من الْكلاب. قيل لخَالِد بن يزِيد: أَنِّي أصبتُ هَذَا الْعلم؟ قَالَ: وافقْتُ الرِّجَال على أهوائهم، ودخلتُ مَعَهم فِي رَأْيهمْ، حَتَّى بذلوا لي مَا عِنْدهم، وأفضوا إليَّ بِذَات أنفسهم. بعث زِيَاد إِلَى مُعَاوِيَة بِهَدَايَا مَعَ عبيد الله أخي الأشترِ النَّخعِيّ، وَفِي الْهَدَايَا سفطٌ فِيهِ جوهرٌ لم ير مثله، فقدِمَ عبد الله بالهدايا، ثمَّ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن زياداً بعثَ معي بسفطٍ مَا أَدْرِي مَا فِيهِ، وَأَمرَنِي أَن أدفعهُ فِي خلاءٍ. فَقَالَ: أحضرهُ، فلمَّا فتحهُ قَالَ: مَا أظُّن رجلا آثر بِهَذَا على نَفسه إِلَّا سيؤْثِرُهُ الله بالجنَّة، ارْجع بِهِ إِلَيْهِ، فَإِن من قبله من الْمُسلمين أَحَق بِهَذَا من مُعَاوِيَة. ثمَّ كتب إِلَى زِيَاد: إِنَّك رفعتَ إليَّ رايةَ الأشترِ حينَ وَضعهَا الله. بعثتَ مَعَ أَخِيه بسفطٍ يشْهد بِهِ عَليّ عِنْد أهل الْعرَاق، فاردده عليَّ مَعَ رجلٍ لَا يفقهُ عنيِّ، وَلَا أفقهُ عَنهُ، فردَّهُ إِلَيْهِ زِيَاد مَعَ غُلَام من غلمانه. قَالَ مُعَاوِيَة ليزِيد: إنْ كنْتَ بعدِي - وكنْهُ. فابدأ بِالْخَيرِ، فَإِنَّهُ يُعَفِّى، على الشَّرّ، وَمَا صنعتَ من شيءٍ فَاجْعَلْ بينكَ وَبَين الله سترا ترجوه لَهُ، وتأْملُهُ بِهِ. وإيَّاك وَالْقَتْل فَإِن الله قَاتل القاتلين. وصف مُعَاوِيَة الْوَلِيد بن عتبَة فَقَالَ: إِنَّه لبعيد الْغَوْر، سكان الْفَوْر، نبتةُ أصلٍ لَا يخلف، وسليل فحلٍ لَا يقرِف. وَدخل خَالِد بن يزِيد دَار عبد الْملك، وَكَانَ يسحبُ ثِيَابه، فَقَامَ إِلَيْهِ عبد الرَّحْمَن بن الضَّحَّاك، يتلقاه معظِّماَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ: بِأبي أَنْت وَأمي، لم تطعم الأَرْض فَضولَ ثيابكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي أكره أَن أكونَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر: قصيرُ الثِّيَاب فاحشٌ عِنْد بيتهِ ... وشرُ قريشٍ فِي قريشٍ مُرَكَّبا وَهَذَا البيتُ هُجِيَ بِهِ الضَّحَّاك. قَالَ الجاحظ: لَو لم يتكلفْ مَا لايعنيه لم يسمع هَذَا الْجَواب. قَالَ بَعضهم كنتُ عندَ معاويةَ إِذْ دخل عبدُ الْملك، فتحدَّث ونهض، فَقَالَ معاويةك إنَّ لهَذَا الْغُلَام همةً، وخليقٌ أَن تبلغَ بِهِ همتهُ، وَإنَّهُ مَعَ مَا ذكرت تاركٌ لثلاثٍ أخِذٌ بِثَلَاث، تارِكٌ مساءة الجليس جداًّ وهزلاً، تاركٌ لما يعتذرُ مِنْهُ، تَارِك لما لَا يعنيه، آخِذٌ بأحسنِ الحَدِيث إِذا حدَّثَ، وبأحسنِ الِاسْتِمَاع إِذا حُدِّث، وبأهونِ الْأَمريْنِ عَلَيْهِ إِذا خُولِفَ. وَقَالَ مُعَاوِيَة لِابْنِهِ يزِيد: إِذا وليتَ فابسط الخيرَ، فَإِنَّهُ يُعَفِّي على الْعَيْب، وَاتَّقِ الله يقِكَ، وإياكَ والقتلَ، فإنَّ الله قتَّل للقاتلين. وَقَالَ لِعبيد الله بن زِيَاد: يَابْنَ أخي، إحفظ عني، لَا يكونَنَّ فِي عسكرِكَ أميرٌ غيركَ، ولاتقولَنَّ على منبَرٍ قولا يُخالِفُهُ فِعْلُك، وَمهما غلبت فَلَا تُغْلَبَنَّ على ميتةٍ كريمةٍ. وَقَالَ مُعَاوِيَة: آفةُ الْمُرُوءَة الْكبر وإخوانُ السوء، وآفةُ الْعلم النسْيَان، وآفةُ الحلمِ الذُّل، وآفةُ الجودِ السَّرف، وآفةُ الْقَصْد البُخْلِ، وآفةُ الْمنطق الفُحشِ،

وَآفَة الجلدِ الكسل، وآفةُ الرزانة الْكبر، وآفةُ الصمتِ العيّ، وَآفَة اللبّ الْعجب، وَآفَة الظَّرف الصلف، وَآفَة الحياءِ الضَّعف. وَقَالَ: لَا جَدَّ إِلَّا مَا أقعص عَنْك مَا تكره. وَقَالَ: لَا تعدنَّ شَيْئا، وحسبك جوداً أَن تُعْطِيَ إِذا سُئِلْتَ. وَقَالَ لِابْنِهِ يزِيد: مَا الْمُرُوءَة؟ فَقَالَ: إِذا ابتليتَ صبرتَ، وَإِذا أعطيتَ شكرتَ، وَإِذا وعدتَ أنجزْتَ. قَالَ: أنتَ منِّي، وَأَنا مِنْك يَا يزِيد. وَقَالَ مُعَاوِيَة: الْمُرُوءَة مؤاخاةُ الْأَكفاء، ومداجاةُ الْأَعْدَاء. وَقَالَ: مَا وجدتُ لذةَ شيءٍ ألذَّ عِنْدِي غباًّ من غيظٍ أتجرعُهُ، وَمن سفهٍ بالحلمِ أقمعُهُ. وَقَالَ لَهُ رجل: مَا أشبه أستك بأستِ أمك فَقَالَ: ذَاك الَّذِي كَانَ يُعْجِبُ أَبَا سُفْيَان مِنْهَا. وَأَغْلظ لَهُ الرجل فاحتمله، وأفرط عَلَيْهِ فحلم عَنهُ، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك. فَقَالَ: لَا نَحولُ بَين الناسِ وألسنتِهم مَا لم يحولوا بَيْننَا وَبَين ملكِنا. وَقَالَ لِابْنِهِ: يابني، اتَّخِذ الْمَعْرُوف عندَ ذَوي الأحسابِ تستمِل بِهِ قُلُوبهم، وتعظم بِهِ فِي أعينِهم، وتكفَّ بِهِ عَنْك عاديتهم. وَقَالَ: عَلَيْك بصديقك الأولِ، فَإنَّك تلقاهُ على عهْدٍ واحدٍ، تقدَّم الْعَهْد أَو شطَّتِ الدَّار. وإيَّاك وكلَّ مستَحدثٍ، فَإِنَّهُ يستَأْكِلُ كلَّ قوم، وَيسْعَى مَعَ كل ريح. ودعا يَوْمًا بصبيٍّ لَهُ، فقبَّله، وضمّهُ إليهِ، وَقَالَ: من سرَّه الدَّهْر أَن يرى كبدهُ تمشي على وَجه الأَرْض فلْيَرَ وَلَده. رُوي: أَنه فُلَّت سَرِيَّة لمعاوية، وَكَاد ينالُها الاصطلام، فَوَجَمَ واغتمَّ غماَّ شديداَ. فَقيل لَهُ فِي ذَلِك. فقالك مَا اغْتمامي للسرية فَقَط، وَلَكِن اغتمامي أَن يكون حدث بالحرمين حدثٌ، فَكَانَ هَذَا لذاك، فَكتب، وَنظر، فَإِذا مولى لخَالِد بن أُسيدٍ قد عدا بسيفٍ فِي الحرمِ مشهورٍ، فكتبَ، فَقطعت يَده.

كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ فرض للمهاجرين فِي خَمْسَة آلافٍ، وَفرض للنَّاس بعدهمْ على اقدارهم عندة فَفرض لأبي سُفْيَان وضُربائه فِي أَلفَيْنِ، فَلَمَّا صَار الأمرُ إِلَى مُعَاوِيَة حطَّ الْعَطاء إِلَى عَطاء أَبِيه، فَصَارَ شرفُ الْعَطاء فِي ألفينِ. قَالَ معاويةُ يَوْمًا: مَا ولدتْ قرشيةٌ خيرا لقريشٍ مني، فَقَالَ ابْن زُرارة: بل مَا ولدَتْ شرا لَهُم مِنْك فَقَالَ: كَيفَ؟ قَالَ: لِأَنَّك عوَّدتَهم عَادَة يطلبونها من بعْدك، فَلَا يجيبونهم إِلَيْهَا، فيحملون عَلَيْهِم كحملهم عَلَيْك. فَلَا يحتمِلون وكأنيِّ بهم كالزِّقاق المنفوخةِ فِي طرقاتِ الْمَدِينَة.؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟

الباب الثاني كلام مروان بن الحكم وولده في الخلفاء

الْبَاب الثَّانِي؟ ؟ كَلَام مَرْوَان بن الحكم وَولده فِي الْخُلَفَاء كتب مَرْوَان إِلَى النُّعْمَان بن بشير يخطبُ إِلَيْهِ ابْنَته أُمَّ أبانٍ لِابْنِهِ عبد الْملك: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. من مَرْوَان بن الحكم إِلَى النُّعْمَان بن بشير. سَلام عَلَيْك، فَإِنِّي أحمدُ إليكَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ. أما بعد، فَإِن الله ذَا المنِّ والبرهان،؟ ؟ ؟ العظمة وَالسُّلْطَان، قد خصَّكم - معاشر الْأَنْصَار - بنُصرة دينه، وإعزاز نبيه محمدٍ - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد جعلك مِنْهُم فِي البيْتِ العميمِ، والفرعِ الْقَدِيم. وَقد دَعَاني إِلَى إحباب مصاهرتك والإيثار لَك على الأكفاءِ من ولدِ أبي. وَقد أحبَبْتُ أَن تزوِّجَ ابْني عبد الْملك بن مَرْوَان ابْنَتك أمَّ أبانٍ بنتَ النُّعْمَان، وَقد جعلت صَدَاقهَا مَا نطق بِهِ لِسانكَ وترنَّمتْ بِهِ شفتاك، وبلغهُ مُناك. وحكمت بِهِ فِي بَيت المالِ قبلكَ. فَكتب إِلَيْهِ النُّعْمَان: من النُّعْمَان بن بشير إِلَى مَرْوَان بن الحكم. بدأت باسمي سُنة من رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَذَلِكَ أَنِّي سمِعْتُ خليلي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: " إِذا كتب أحدُكم إِلَى أحدٍ فلْيبدأ بنفسهِ ".

أما بعد، فقد بَلغنِي كتابُكَ، تذكر من مودَّتِك مَا أَرَاك صَادِقا، فغُنْماً أصبت، وبحظِّك أخذْتَ، ونفسَكَ زكَّيْتَ، لأناَّ ناسٌ قد جعل الله حميدا حُبنا إِيمَانًا، وبُغْضنا نفَاقًا. وَأما مَا أطْنَبْتَ فِيهِ من ذكرُ شرفنا، وقديم سلفنا، فَفِي مدحِ الله لنا وذكرِهِ إيانا فِي كتابهِ الْمنزل، وقرآنه المفصَّل على نبيه - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا أغْنى بِهِ عَن مدح غَيره من المخلوقين، فَأَما مَا ذكرْتَ من إيثارك إيَّايَ بابنك عبد الْملك على الْأَكفاء من ولد أَبِيك، فحظِّي مِنْك مردودٌ عَلَيْهِم، موفَّرٌ لَهُم غير مشاحٍّ فِيهِ، وَلَا منافَسِ عَلَيْهِ، وَأما مَا ذكرتَ من بذْلِك لي من بَيت المَال قبلي، وَبِمَا نطق بِهِ لساني، وترنَّمتْ بِهِ شفتاي، وبلغه مناى، فلعمري لقد أصبح حظي فِيهِ - والحمدُ لله - أوفرَ من حظِّكَ، وسهْمي فِيهِ أجزلَ من سهمِكَ، وأمري فِيهِ أجوزَ من أمركَ، وبعدُ: فَلَو أنَّ نَفسِي طاوعتني لأصبَحتْ ... لَهَا حفَدٌ مِمَّا يُعَدَّ كثيرُ وَلكنهَا نفسٌ عليَّ كريمةٌ ... عَيوفٌ لأصهارِ اللئامِ قذورُ فِي أبياتٍ أُخر قَالَ مُعَاوِيَة لمروان: منْ تَرى لأهل الْعرَاق؟ قَالَ: من لَا يَفْحجُ الحلوبَ حَتَّى تدنوَ الدِّرَّة، ولايدني العلبة َ حَتَّى تمسَحَ الضرَّةَ. وَقَالَ مَرْوَان لِابْنِهِ: آثر الْحق، وحصِّنْ مملكتَكَ بِالْعَدْلِ، فإنهُ سورها المنيع الَّذِي لَا يُغْرِقُهُ ماءٌ، وَلَا تحرقُهُ نارٌ، وَلَا يهدِمُهُ منجنيق. وَذكر أَبُو هُرَيْرَة مُعَاوِيَة فِي مجْلِس فِيهِ مَرْوَان فاغتابه، ثمَّ خَافَ أَن يبلُغَ مُعَاوِيَة ذَلِك، فَقَالَ: إنَّ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: " المجالسُ بالأمانة " وَسَأَلَ مَرْوَان أَن يكتم عَلَيْهِ. فَقَالَ مروانُ: وَالله. لما ركبت مني فِي ظنِّك بِي أنيِّ أنقُلُ حديثكَ أعظَمُ ممَّا ركبتَ من مُعَاوِيَة.

عبد الملك بن مروان

عبد الْملك بن مَرْوَان خطب فَقَالَ: أيُّها النَّاس، اعْمَلُوا لله رَغْبَة أَو رهبةً، فَإِنَّكُم بناتُ نِعمتهِ، وحصيدُ نقمته، وَلَا تَغرسُ لكم الآمال إِلَّا مَا تجتنيه الْآجَال. وأقِلُّوا الرغْبةَ فِيمَا يورِثُ العطبَ، فكلُّ مَا تزرَعُهُ العاجلة تقلعه الآجلةُ. واحذروا الجديدين، فهما يكراَّن عَلَيْكُم باقتسام النفوسِ، وهدمِ المأسوس. كفانا الله وإياَّكم سطوة الْقدر، وأعاننا بِطَاعَتِهِ عَن الحذر من شرِّ الزَّمن، ومعضلات الفتَن. بَصق عبد الْملك، فقصر، فَوَقع بصاقه على الْبسَاط، فَقَامَ رجل فمسحهُ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ عبدُ الْملك: أَرْبَعَة لَا يُستحيى من خدمتهم: السُّلْطَان وَالْولد، والضَّيف، وَالدَّابَّة وَأمر للرجلِ بِصِلة. اسْتَأْذن رجل عَلَيْهِ، فَأذن لَهُ، فَوقف بَين يَدَيْهِ ووعظه، فَقَالَ عبد الْملك لرجلٍ: قل للحاجب، إِذا جَاءَ هَذَا فَلَا تَمنعهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يعرفَهُ الحاجبُ فَلَا يأذنَ لَهُ. وَقَالَ: إِنِّي لأعرف عزّة الرجل من ذلته بجلسته. وَقَالَ لَهُ ابْنه الْوَلِيد: مَا السياسة؟ قَالَ: هَيْبَة الْخَاصَّة مَعَ صدق مودَّتِها، واقتياد قُلُوب الْعَامَّة بالإنصاف لَهَا، وَاحْتِمَال هفوات الصَّنَائِع. وَدخل الشّعبِيّ عَلَيْهِ، فخطَّأه فِي مجْلِس وَاحِد فِي ثَلَاث، سَمِع الشّعبِيّ مِنْهُ حَدِيثا، فَقَالَ: أكتبنيه. فَقَالَ: نَحن معاشر الْخُلَفَاء لَا نُكْتِبُ أحدا شَيْئا. وَذكر رجلا فكنَّاه فَقَالَ: نَحن معاشر الْخُلَفَاء لَا يكنى الرِّجَال فِي مجالسنا، وَدخل إِلَيْهِ الأخطل، فَدَعَا لَهُ بكرسي. فَقَالَ: من هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ فَقَالَ: الْخُلَفَاء لَا تُسْأَل، فأخجَلهُ فِي أول مقَام. وَقَالَ لِأَخِيهِ عبد الْعَزِيز حِين وجَّههُ إِلَى مصر: تفَقَّد كاتبك وحاجبك وجليسك، فَإِن الْغَائِب يُخبرهُ عَنْك كاتبك، والمتوسِّمُ يعرِفك بحاجبك وَالْخَارِج من عنْدك يعرفك بجليسك.

وَقَالَ: أفضل الرِّجَال من تواضع عَن رفْعَة، وزهد عَن قدرَة، وأنصف عَن قُوَّة. وخاض جُلَسَاؤُهُ يَوْمًا فِي مقتل عُثْمَان، فَقَالَ رجل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فِي أَي سنك كنت يومئذٍ؟ قَالَ: كنت دون المحتَلَم. فَقَالَ: فَمَا بلغ من حزنك عَلَيْهِ؟ قَالَ: شغلني الغضبُ لَهُ عَن الْحزن عَلَيْهِ. وَقَالَ: الْهَدِيَّة السحر الظَّاهِر. وَقَالَ لمعلم وَلَده: روِّ بِي الشّعْر يعرفوا بِهِ مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَلَا تروِّهم شعرَ هُذَيْل فتزَّين لَهُم الْفِرَار، وَلَا شعر أُححية بن الجلاحَ فتحسِّن لَهُم الْبُخْل، وأطعمهم اللحمَ تشتد قُلُوبهم، وجُزَّ أشعارهم تغلُظ رقابهم. وَقَالَ: الفرقُ بَين عمرَ وعثمانَ أنَّ عمر سَاءَ ظنُّه فأحكم أمره، وعثمانَ حسن ظَنّه فأهمل أمره. وَدخل عبدُ الْملك على مُعَاوِيَة وَمَعَهُ بنوه، فَلَمَّا جَلَسُوا على الكراسي، وَأخذُوا مجَالِسهمْ اغتاظ معاويةُ، ثمَّ قَالَ: كَأَنَّك أردْت مكاثرتي ببنيك يَا بن مَرْوَان. وَمَا مثَلي ومثلُكَ، إِلَّا كَمَا قَالَ الشَّاعِر: يُفاخِرُني بِكَثْرَتِها قريظٌ ... وقبْلي وَالِد الحَجَلِ الصقور الأبيات. فَقَالَ عبد الْملك: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّمَا هَؤُلَاءِ ولدك ويَدُكَ وعضُدُك، وَقد علمتُ إِنَّمَا خفْتُ عَلَيْهِم العينَ، وليسو عائدين. كتب عبد الْملك إِلَى الْحجَّاج: إِنَّك قِدْحُ ابْن مقبل، يُرِيد قَوْله: خروجَ مِنَ الغُمَّى، إِذا صُكَّ صَكةً ... بدا والعيونَ المُسْتَكِفَّة تلمحُ

وَكتب إِلَيْهِ مرّة: أما بعد، فَإنَّك سالمٌ والسلامُ. يريدُ قَوْله: يُديرونني عَن سالمٍ وأُديرَهم ... وجِلْدَةُ بَين العينِ والأنفِ سالمُ وَقَالَ عبد الْملك لعبد الله بن مسْعدَة الْفَزارِيّ: أَتَدْرِي أَي النِّسَاء أفضل؟ قَالَ: اللَّواتي يَقُول أهل الرجل قد سحرتهُ. وَقيل لَهُ عَجِلَ عليكَ الشيبُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: وَكَيف لَا يعجل عليَّ، وَأَنا أعرضُ عَقْلِي على الناسِ كل جُمُعَة مرّة أَو مرَّتَيْنِ. يَعْنِي خُطْبةُ الْجُمُعَة وَبَعض مَا يعرض من الْأُمُور. وخطب مرّة فَقَالَ: إِنِّي وَالله مَا أَنا بالخليفة المستضعفِ - يَعْنِي: عُثْمَان - وَلَا أَنا بالخليفة المداهِنِ - يَعْنِي: مُعَاوِيَة - وَلَا أَنا بالخليفة المأْبون يَعْنِي يزِيد. وَقَالَ: لَو ألقيتُ الخيزُرانةَ من يَدي لذهب شطرُ كَلَامي. وَقَالَ لمعلِّم ولدِه: علِّمهم العومَ، وخُذْهم بقلَّةِ النّوم. وَقَالَ عبد الْملك: لقد كنت أَمْشِي فِي الزَّرْع فأتقي الجندب أَن أَقتلهُ، وإنَّ الْحجَّاج ليكتب إليّ فِي قتل فئامٍ من النَّاس فَمَا أحفل بذلك. وَمن كَلَامه: لَا تُلْحِفوا إِذا سَأَلْتُم، وَلَا تبخَلوا إِذا سُئِلْتُم. وَنظر إِلَى عُمَرَ بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ غُلَام، فَقَالَ: إنِّي لأرى غُلَاما أوشكت همَّتَهُ أَن ترفعهُ عَن الدُّنْيَا. وَكَانَ عبد الْملك بَخِيلًا، فَقَالَ يَوْمًا لكُثَيِّر: أَي الشّعْر أفضل؟ فَقَالَ: كُثير يُعَرِّضُ ببخْلِهِ: أفضله قَول المقنَّع الكنْدي: إنِّي أُحَرِّضُ أهلَ الْبُخْل كلُّهُم ... لَو كَانَ ينفعُ أهل البخلِ تحريضي وَهِي أَبْيَات، فَقَالَ عبد الْملك - وَعرف مَا أَرَادَ - الله أصدقُ من المقنَّع إِذْ يَقُول: " والذينَ إِذا أَنْفقُوا لَم يُسرِفوا وَلم يَقْتروا وَكَانَ بَين ذَلِك قَواما ".

وَلما سَقَطت ثنايا عبد الْملك فِي الطست قَالَ: وَالله لَوْلَا الخطبةُ، وَالنِّسَاء مَا حفلتُ بهَا. وذُكر عِنْده عمرُ فَقَالَ: قَلِّلوا من ذِكره، فَإِنَّهُ طعنٌ على الأئمةِ، حسرةٌ على الأمةِ. وَقَالَ: اطْلُبُوا معيشةً لَا يقدِرُ سلطانٌ جائرٌ على غصبهَا. فَقيل: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْأَدَب. وَكتب إِلَى الْحجَّاج: جنِّبني دِمَاء آل أبي طَالب، فَإِنِّي رأيتُ بني حربٍ لما قتلوا حُسيناً نزع الله الْملك مِنْهُم. دخل إِلَيْهِ أَعْرَابِي فبرك بَين يَدَيْهِ، ثمَّ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن النَّاقة إِذا منعت الحليب قَوَّمَتْها الْعَصَا، فَقَالَ عبد الْملك: إِذا تكفئ الْإِنَاء، ونكسرُ أنف الحالب. وَقَالَ لزُفر بن الْحَارِث: مَا ظنُّك بِي؟ قَالَ: ظنِّي بك أَنَّك تقتلني، فَقَالَ، قد أكذب الله ظَنك، وَقد عفوتُ عَنْك. ونازعه عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد، فأربى عَلَيْهِ، فَقيل لَهُ: لَو شكوتَه إِلَى عَمه لانتقم لَك مِنْهُ، فَقَالَ: مثلي لَا يشكو، وَلَا أعدُّ - أَنا - انتقام غَيْرِي لي انتقاماً، فَلَمَّا اسْتخْلف قيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: حِقدُ الُسُّلْطانِ عجز. وَقَالَت لَهُ حُبَي المدينية: أقتلتَ عمرا؟ فَقَالَ: قتلته وَهُوَ أعزُّ عليَّ من دم ناظري، وَلَكِن لَا يجْتَمع فحلان فِي شَوْلٍ. وَكتب إِلَى الْحجَّاج وَلَا توَلينَّ الْأَحْكَام بَين الناسِ جَاهِلا بِالْأَحْكَامِ، وَلَا حديداً طائشاً عِنْد الخصامِ، وَلَا طمِعاً هلعاً يقرُّبُ أهل الْغنى ويبُشُّ بِأَهْل السعَة، فيكسر بذلك أَفْئِدَة ذَوي الْحَاجة، وَيقطع ألسنتهم عَن الإدلاء بِالْحجَّةِ، والإبلاغ فِي الصّفة،

وَاعْلَم أَن الْجَاهِل لَا يعلم، وَالْحَدِيد لَا يفهم، والطائشَ القلقَ لَا يعقِل، والطمع الشره لَا ينفَعُ عِنْد الْحجَّة، وَلَا تغني قِبَلَه البيِّنةُ. وَالسَّلَام. قَالُوا: أشرفَ يَوْمًا على أَصْحَابه، وهم يذكرُونَ سيرةَ عمر - رَضِي الله عَنهُ - فَغَاظَهُ ذَلِك، فَقَالَ: إيهاً عَن ذِكْرِ عمر، فَإِنَّهُ إزراءٌ بالوُلاة مفْسدَة للرعية. وَكَانَ إِذا أَرَادَ أَن يولي رجلا عمل البريدِ سَأَلَ عَن صدقه ونزاهته وأناته، وَيَقُول: كذبه شكِّك فِي صدقه، وشرهه يَدعُوهُ فِي الْحق إِلَى كِتْمَانه، وعجلته تهجم بِمن فَوْقه على مَا يُؤثْمهُ ويُندِمُه. وَقيل لَهُ: مَا الْمُرُوءَة؟ قَالَ: مُوالَاة الْأَكفاء، ومداجاةُ الْأَعْدَاء. قَالَ لَهُ رجل: إِنِّي أُرِيد أَن أُسرَّ إِلَيْك شَيْئا، فَقَالَ عبدُ الْملك لأَصْحَابه: إِذا شِئْتُم. فنهضوا، فأرادَ الرجل الكلامَ، فَقَالَ لَهُ عبدُ الْملك: قفْ، لَا تمدحني، فَإِنِّي أعلمُ بنفسي منكَ، وَلَا تكذبني، فَإِنَّهُ لَا رأيَ للكذوب وَلَا تغتَبْ عِنْدِي أحدا. فَقَالَ: أفتأْذَنُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الِانْصِرَاف؟ قَالَ: إِذا شئتَ. وَقَالَ لَهُ رجلٌ من أهلِ الكتابةِ كَانَ مَوْصُوفا بِقِرَاءَة الْكتب وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ: إِن بشَّرتُك بِشَارَة تسرُّك مَا تجعلُ لي؟ قَالَ: وَمَا مقدارها فِي السرُور حَتَّى نعلم مقدارها من الْجعل؟ قَالَ: أَن تملِكَ الأَرْض. قَالَ: مَا لي من مَال، وَلَكِن أرأيتَ إِن تكلَّفتُ لَك جُعْلاً أتأتيني بذلك قبل وقته؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِن حرمْتُكَ أتؤخِّرُهُ عَن وقته؟ قَالَ: لَا. قَالَ: حسبُكَ مَا سمعتْ. وَكتب إِلَى الْحجَّاج: إِنِّي قد استعملتُك على العراقَيْن صدمة، فَاخْرُج إِلَيْهِمَا كميش الْإِزَار شَدِيد العذار منطوي الخصيلة قَلِيل الثميلة، غرار النّوم، طَوِيل الْيَوْم. فاضغط الْكُوفَة ضغطة تحبق مِنْهَا الْبَصْرَة، وارم بِنَفْسِك الْغَرَض الْأَقْصَى، فَإِنِّي قد رميته بك، وأرد مَا أردته مِنْك. وَالسَّلَام. وَلما ولي عبد الْملك صعد الْمِنْبَر، فَقَالَ بعد الْحَمد لله وَالثنَاء عَلَيْهِ وَالصَّلَاة على النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -: أَن الله اختصنا بالكرامة، وانتجبنا للولاية وَآثرنَا

بالخلافة، وَأَنا عبد من عبيد الله، وخازن من خزان الله على مقاليد الأَرْض، فَإِذا شَاءَ لعبدٍ برزقٍ أنرني فأعطيته، وَإِذا حرم عبدا أجْرى ذَلِك على يَدي، فَسَلُوا الله قَضَاء حَوَائِجكُمْ، ونجاح طلباتكم، وَإِلَيْهِ يكون معادكم، وَلَا يمنعن رجلا سَأَلَني اليومَ فحرمته أَن يسألني غَدا، فَإِنَّمَا الأمورُ إِلَى الله عزَّ وجلَّ وَبِيَدِهِ. ولمَّا أَتَاهُ خلعُ ابْن الْأَشْعَث صعد الْمِنْبَر فَقَالَ: فيومٌ علينا، واليومٌ لنا ... ويومٌ نُساءُ، ويومٌ نسَرُّ إِن أهل الْعرَاق استعجلوا قدري قبل انْقِضَاء أَجلي، اللَّهُمَّ لَا تسلِّط علينا من هوَ شرُّ منا، وَلَا تسلطنا على من هُوَ خيرٌ منا. اللَّهُمَّ صب سيف أهل الشَّام على أهل الْعرَاق حَتَّى يبلغُوا رضاك، فَلَا تجاوزه إِلَى سخطك. فَقَامَ عدي بن أَرْطَأَة من نَاحيَة الْمَسْجِد، فَقَالَ: إِنَّا وَالله لَا نقُول كَمَا قَالَ قوم مُوسَى: " فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ " وَلَكِن نُقَاتِل مَعَك، ونجاهد الْمُنَافِقين، فَكَانَ أول يَوْم عرف فِيهِ عدي. وَكَانَ عبد الْملك يَقُول: اللّحن هجنة على الشريف، وَالْعجب آفَة الرَّأْي. وَقَالَ اللّحن فِي الْمنطق أقبح من آثَار الجدري فِي الْوَجْه. وَقَالَ على الْمِنْبَر: لم تنصفونا يَا معشر الرّعية. تُرِيدُونَ منا سيرة أبي بكر وَعمر، وَلم تسيروا فِي أَنفسكُم وَلَا فِينَا بسيرة أَصْحَاب أبي بكر وَعمر، نسْأَل الله أَن يعين كلاًّ على كلٍّ. قَالَ عَمْرو بن عبيد: كتب عبد الْملك وَصِيَّة بِيَدِهِ، وَأمر النَّاس بتدبر مَا فِيهَا وَهِي:

إِن الله جعل لِعِبَادِهِ عقولاً عاقبهم بهَا على مَعْصِيَته، وأثابهم على طَاعَته، فَالنَّاس بَين محسنٍ بِنِعْمَة الله عَلَيْهِ، ومسيء بخذلان الله إِيَّاه، وَللَّه النِّعْمَة على المحسن وَالْحجّة على الْمُسِيء، فَمَا أولى بِمن تمت عَلَيْهِ النِّعْمَة فِي نَفسه، وَرَأى الْعبْرَة فِي غَيره، بِأَن يضع الدُّنْيَا حَيْثُ وَضعهَا الله، فيعطي مَا عَلَيْهِ مِنْهَا وَلَا يكترث بِمَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا، فَإِن الدُّنْيَا دَار فناءٍ وَلَا سَبِيل إِلَى بَقَائِهَا. ولابد من لِقَاء الله، فأحذِّركم الله الَّذِي حذركُمْ نَفسه، وأوصيكم بتعجيل مَا أَخَّرته العجزة قبل أَن تصيروا إِلَى الدَّار الَّتِي صَارُوا إِلَيْهَا، فَلَا تقدرون فِيهَا على تَوْبَة. وَلَيْسَت لكم مِنْهَا أوبة، وَأَنا اسْتخْلف الله عَلَيْكُم، وأستخلفه مِنْكُم. وَأذن يَوْمًا لخاصته، فَأخذُوا مجَالِسهمْ، وَأَقْبل رجلٌ مِنْهُم على عيب مُصعب بعد قَتله، فَنظر إِلَيْهِ عبد الْملك نظر كَرَاهِيَة، لما قَالَ، ثمَّ قَالَ: أمسك. أما علمت أَن من صغر مقتولاً فقد أزرى بقاتله. وَلما قتل عَمْرو بن سعيد أذن للنَّاس أذنا عَاما، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ - وجثة عَمْرو فِي نَاحيَة الْبَيْت - فَلَمَّا أخذُوا مجَالِسهمْ تكلم عبد الْملك فَقَالَ: إرموا بأبصاركم نَحْو مصَارِع أهل الْمعْصِيَة، وَاجْعَلُوا سلفهم لمن غبر مِنْكُم غظة، وَلَا تَكُونُوا أغفالاً من حسن الِاعْتِبَار، فتنزل بكم جَائِحَة السطوة، وتجوس خلالكم بَوَادِر النقمَة، وَتَطَأ رِقَابكُمْ بثقلها الْمعْصِيَة، فتجعلكم همداً، رفاتاً، وتشتمل عَلَيْكُم بطُون الأَرْض أَمْوَاتًا. وإياي من قَول قائلٍ، وسفه جَاهِل، فَإِن مَا بيني وَبَيْنكُم أَن أسمع النعرة، فأصمم تصميم الحسام المطرور، وأصول صيال الحنق الموتور، إِنَّمَا هِيَ المصافحة والمكافحة بظبات السيوف، وأسنة الرماح، فَتَابَ تائب، أَو هلك خائب، والتوب مَقْبُول، وَالْإِحْسَان مبذول لمن أبْصر حَظه، وَعرف رشده. فانظروا لأنفسكم، وَأَقْبلُوا على حظوظكم، وَليكن أهل الطَّاعَة مِنْكُم يدا على ذَوي الْجَهْل من سفهائكم، واستديموا النِّعْمَة الَّتِي ابتدأتكم برغد عيشها،

الوليد بن عبد الملك

ونفيس زينتها، فَإِنَّكُم من ذَاك بَين قضيتين: عَاجل الْخَفْض والدعة، وآجل الْجَزَاء والمثوبة. عصمكم الله من الشَّيْطَان، وفتنته ونزغه، وأيدكم بِحسن معونته وَحفظه. انهضوا - رحمكم الله - لقبض أعطياتكم غير مَقْطُوعَة عَنْكُم، وَلَا مَمْنُوعَة مِنْكُم، وَلَا مكدرة عَلَيْكُم إِن شَاءَ الله. قَالَ: فَخرج الْقَوْم بداراً كلهم يخَاف أَن تكون السطوة بِهِ. سمع عبد الْملك شعر عمر بن أبي ربيعَة، فَقَالَ: بئس الْجَار الغيور أَنْت، وَكَانَ يَقُول: حقد السُّلْطَان عجز، وَالْأَخْذ بِالْقُدْرَةِ لؤم، وَالْعَفو أقرب للتقوى، وَأتم للنعمة. الْوَلِيد بن عبد الْملك جَاءَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ: عَن فلَانا نَالَ مِنْك. قَالَ: أَتُرِيدُ أَن تقتص أوتارك من النَّاس بِي؟ . وهرب من الطَّاعُون، فَقَالَ لَهُ رجلٌ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الله تَعَالَى يَقُول: " لن ينفعكم الْفِرَار من الْمَوْت أَو الْقَتْل وإذأً لَا تمتعون إِلَّا قَلِيل " فَقَالَ الْوَلِيد: إِنَّمَا نُرِيد ذَلِك الْقَلِيل. وَقَالَ لَهُ رجل: عَن فلَانا شتمك، فأكب، ثمَّ قَالَ: أرَاهُ شتمك. وَكَانَ الْوَلِيد لحاناً فَدخل عَلَيْهِ يَوْمًا رجل من الْعَرَب، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد: مَا شَأْنك؟ قَالَ: أود فِي أنفي واعوجاج. فَقَالَ لَهُ رجل من أَصْحَابه: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يَقُول لَك: مَا شَأْنك؟ فَقَالَ: كَذَا وَكَذَا: وَدخل إِلَيْهِ آخر فتظلم من ختن لَهُ. فَقَالَ الْوَلِيد: من ختنك؟ فَقَالَ: معذر فِي الْحَيّ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ.

قَالَ عَطاء: قلت للوليد: قَالَ عَمْرو بن الْخطاب: وددت أَنِّي سلمت من الْخلَافَة كفافاً لَا عَليّ وَلَا لي. قَالَ: كذبت، الْخَلِيفَة يَقُول هَذَا؟ قلت: أَو كذبت؟ قَالَ: فَأَفلَت مِنْهُ بجريعة الذقن. وَقَالَ يَوْمًا: وَالله لأشفعن للحجاج بن يُوسُف. وَذكر يَوْمًا عليا - رَضِي الله عَنهُ - على الْمِنْبَر، فَقَالَ: لص بن لص. قَالَ بَعضهم: مَا أدرى أَي أمريه أعجب، لحنه فِيمَا لَا يلحن فِيهِ، أَو نسبته عليا - رَضِي الله عَنهُ - إِلَى اللصوصية، وَمر الْوَلِيد بمعلم صبيان، فَرَأى جَارِيَة، فَقَالَ: وَيلك مَا هَذِه الْجَارِيَة؟ قَالَ: أعلمها الْقُرْآن. قَالَ: فَلْيَكُن الَّذِي يعلمهَا أَصْغَر مِنْهَا. وَلما اسْتعْمل يزِيد بن أبي مُسلم بعد الْحجَّاج قَالَ: أَنا كمن سقط مِنْهُ دِرْهَم فَأصَاب دِينَارا. وَسمع يَقُول على الْمِنْبَر: عَن حدثتكم وكذبتكم فَلَا طَاعَة لى عَلَيْكُم، وَإِن وعدتكم فأخلفتكم فَلَا طَاعَة لي عَلَيْكُم. قَالَ الجاحظ: فَيَقُول: مثل هَذَا الْكَلَام ثمَّ يَقُول لِأَبِيهِ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قتل أبي فديك. وَقَالَ مرّة: يَا غُلَام، رد الفرسان الصادان عَن الميدان. وَكَانَ عبد الْملك يَقُول أضرّ بالوليد حبنا لَهُ، وَلم نوجهه إِلَى الْبَادِيَة، وَصلى يَوْمًا فَقَرَأَ: " ياليتها كَانَت القاضية "، فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز: عَلَيْك. وَرُوِيَ عَن أبي إِسْحَاق بن قبيصَة قَالَ: كَانَت كتب الْوَلِيد تَأْتِينَا ملحونة وَكَذَلِكَ كتب مُحَمَّد أَخِيه. قَالَ: فَقلت لمولى لَهُم: مَا بَال كتبكم تَأْتِينَا ملحونة، وَأَنْتُم أهل الْخلَافَة؟ فَأخْبرهُ بِقَوْلِي، فَإِذا كتاب مِنْهُ، قد ورد عَليّ: أما بعد، فقد أَخْبرنِي فلَان بِالَّذِي قلت، وَمَا أحسبك تشك أَن قُريْشًا أفْصح من الْأَشْعَرِيين. وَالسَّلَام.

وَدخل على الْوَلِيد شَيْخَانِ، فَقَالَ أَحدهمَا: نجدك تملك عشْرين سنة، فَقَالَ الآخر: كذبت، بل نجده يملك سِتِّينَ سنة. قَالَ، فَقَالَ الْوَلِيد: مَا الَّذِي قَالَ هَذَا لاثٍ بصغري وَلَا الَّذِي قَالَ هَذَا يغر مثلي، وَالله لأجمعن المَال جمع من يعِيش أبدا، ولأفرقنه تَفْرِيق من يَمُوت غَدا. وخطب فَقَالَ: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْملك كَانَ يَقُول: الْحجَّاج جلدَة مَا بَين عَيْني، أَلا وَإنَّهُ جلدَة وَجْهي كُله. وَلما مَاتَ عبد الْملك صعد الْوَلِيد الْمِنْبَر، فجمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: لم أر مثلهَا مُصِيبَة وَلم أر مثله ثَوابًا: موت أَمِير الْمُؤمنِينَ، والخلافة، فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون على الْمُصِيبَة، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين على النِّعْمَة انهضوا فَبَايعُوا على بركَة الله. مَاتَ لعبد الْملك ابْن، فجَاء الْوَلِيد فَعَزاهُ، فَقَالَ: يَا بني، مصيبتي فِيك أعظم من مصيبتي بأخيك، مَتى رَأَيْت ابْنا عزى أَبَاهُ؟ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أُمِّي أَمرتنِي بذلك. قَالَ: هُوَ من مشورة النِّسَاء. وَرُوِيَ أَن الْوَلِيد قَامَ على الْمِنْبَر بعد موت عبد الْملك، فَقَالَ: يالها من مُصِيبَة مَا أفجعها وَأَعْظَمهَا، وأشدها وأوجعها وأغمها موت أَمِير الْمُؤمنِينَ ويالها نعْمَة مَا أعظم الْمِنَّة من الله تَعَالَى عَليّ فِيهَا، وَأوجب للشكر لَهُ بهَا، خِلَافَته الَّتِي سربلتها، فَكَانَ أول من عزى نَفسه وهنأها بالخلافة. فَأقبل غيلَان بن مسلمة الثَّقَفِيّ، فَسلم عَلَيْهِ بالخلافة ثمَّ قَالَ: أَصبَحت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ورثت خير الْآبَاء، وَسميت خير الْأَسْمَاء، وَأعْطيت أفضل الْأَشْيَاء فعزم الله لَك على الرزية بِالصبرِ، وأعطاك فِي ذَلِك نوافل الْأجر، وأعانك فِي حسن ثَوَابه على الشُّكْر، ثمَّ قضى لعبد الْملك بِخَير الْقَضِيَّة، وأنزله الْمنَازل الرضية. فأعجبه كَلَامه وَقَالَ: أثقفي أَنْت؟ قَالَ: نعم وَأحد بني معتب. فَسَأَلَهُ: كم هُوَ من الْعَطاء؟ فَقَالَ: فِي مائَة دِينَار. فألحقه بشرف الْعَطاء، فَكَانَ أمل من ألحق بشرف الْعَطاء.

سليمان بن عبد الملك

فَقَالَ الْوَلِيد: لَا تَذكرُوا عمر بن الْخطاب على أبوابنا وَلَا عندنَا، فَإِن ذكره طعن علينا. سُلَيْمَان بن عبد الْملك تكلم وَفد بَين يَدي سُلَيْمَان فأخطئوا، وَتكلم بعدهمْ رجل فأبلغ. فَقَالَ سُلَيْمَان: كَأَن كلامكم بعد كَلَامه سَحَابَة لبدت عجاجه. وَقَالَ: عجبت لهَذِهِ الْأَعَاجِم، ملكت طول الدَّهْر، فلمم تحتج إِلَى الْعَرَب، وملكت الْعَرَب فَلم تستغن عَنْهُم. وتغدى سُلَيْمَان بن عبد الْملك عِنْد يزِيد بن الْمُهلب، فَقيل لَهُ: صف لنا أحسن مَا كَانَ فِي منزله. قَالَ: رَأَيْت غلمانه يخدمونه بِالْإِشَارَةِ دون القَوْل. وَقَالَ: قد أكلنَا الطّيب، ولبسنا اللين، وركبنا وامتطينا الفاره الْعَذْرَاء، فَلم يبْق من لذتي إِلَّا صديق أطرح بيني وَبَينه مؤونة التحفظ. سمع سُلَيْمَان رجلا من الْأَعْرَاب فِي سنة جدبة يَقُول: رب الْعباد مالنا ومالكا؟ ... قد كنت تسقينا فَمَا بدا لكا أنزل علينا الْغَيْث، لَا أَبَا لكا فَقَالَ سُلَيْمَان أشهد أَن لَا أَبَا لَهُ، وَلَا ولد لَهُ وَلَا صَاحب. قَالَ الْمبرد: فَأخْرجهُ أحسن مخرج.

قَالَ سُلَيْمَان ليزِيد بن الْمُهلب: ثَلَاث أنكرهن مِنْك، خفك أَبيض مثل ثَوْبك، وَلَا يكون خف الرجل مثل ثَوْبه، وطيبك ظَاهر، وَطيب الرجل يشم وَلَا يرى أَثَره، وتكثر من مس لحيتك. قَالَ: فَغير خفه وطيبه. وَقَالَ: مَا رَأَيْت عَاقِلا بهم أمرٍ إِلَّا كَانَ معوله على لحيته. وخطب فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي مَا شَاءَ صنع، وَمن شَاءَ رفع، وَمن شَاءَ وضع، وَمن شَاءَ أعْطى وَمن شَاءَ منع. إِن الدُّنْيَا دَار غرور، ومنزل بَاطِل وزينة، تقلب بِأَهْلِهَا، تضحك باكياً، وتبكي ضَاحِكا، وتخيف آمنا، وتؤمن خَائفًا، تفقر مثريها، وتقرب مقصيها، ميالة لاعبة بِأَهْلِهَا. عباد الله، اتَّخذُوا كتاب الله إِمَامًا، وارضوا بِهِ حكما، واجعلوه لكم قائداً، فَإِنَّهُ نَاسخ لما كَانَ قبله، وَلنْ ينسخه كتاب بعده. اعلموا عباد الله: أَن هَذَا الْقُرْآن يجلو كيد الشَّيْطَان وضغائنه، كَمَا يجلو ضوء الصُّبْح إِذا تنفس أدبار اللَّيْل إِذا عسعس. وَكَانَ سُلَيْمَان يَقُول: الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث يفخم اللّحن كَمَا يفخم نَافِع بن جُبَير الْإِعْرَاب. وَجمع بَين الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة، فغلب قَتَادَة الزُّهْرِيّ، فَقيل لِسُلَيْمَان فِي ذَلِك، فَقَالَ: إِنَّه فَقِيه مليح. وَقيل: كَانَ أول كَلَام بارع سمع من سُلَيْمَان قَوْله: الْكَلَام فِيمَا يَعْنِيك خيرٌ من السُّكُوت عَمَّا يَضرك، وَالسُّكُوت عَمَّا يُغْنِيك خير من الْكَلَام عَمَّا يَضرك.

يزيد بن عبد الملك

وَقَالَ: قد ركبنَا الفاره وتبطنا الْحَسْنَاء، ولبسنا اللين، وأكلنا، الطّيب حَتَّى أجمناه، وَمَا أَنا الْيَوْم إِلَى شَيْء بأحوج مني إِلَى جليس يضع عني مئونة التحفظ. وَرُوِيَ عَن قحذمٍ قَالَ: فعل سُلَيْمَان فِي غداةٍ مَا لم يفعل عمر بن عبد الْعَزِيز، أطلق ثَمَانِينَ ألف أَسِير وَكتب أَن يبتتوا أَي: يزودوا، والبتات: الزَّاد. يزِيد بن عبد الْملك كتب إِلَيْهِ عبد الرَّحْمَن بن الضَّحَّاك بن قيس يَسْتَأْذِنهُ فِي غلامٍ يهديه إِلَيْهِ، فَكتب إِلَيْهِ يزِيد: إِن كنت لَا بُد فَاعِلا فَلْيَكُن جميلاً ظريفاً لبيباً أديباً كَاتبا، فَقِيها حلواً، عَاقِلا أَمينا سرياً، يَقُول فَيحسن، ويحضر فيزين، ويغيب فَيُؤمن. فَكتب إِلَيْهِ: قد التمست صفة أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَلم أَجدهَا إِلَّا فِي الْقَاسِم بن مُحَمَّد، وَقد أَبى أَهله بَيْعه. هِشَام بن عبد الْملك ذكر خَالِد بن صَفْوَان خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي عِنْد هِشَام، فَقَالَ هِشَام: إِن خَالِدا أدلَّ فأمل، وأوجف فأعجف، وَلم يتْرك لأوبة مرجعاً، وَلَا للصلح موضعا، وَإِنِّي لَكمَا قَالَ الشَّاعِر: إِذا انصرفت نَفسِي عَن الشيئ لم تكد ... إِلَيْهِ بِوَجْه آخر الدَّهْر تقبل نَهَضَ هِشَام عَن مَجْلِسه مرّة، فَسقط رِدَاؤُهُ عَن مَنْكِبه، فتناوله بعض جُلَسَائِهِ، ليَرُدهُ إِلَى مَوْضِعه، فَجَذَبَهُ هِشَام من يَده، وَقَالَ: مهلا إِنَّا لَا نتَّخذ جلساؤنا خولاً.

عدت لهشام مَعَ دهائه سقطتان إِحْدَاهمَا: أَن الْحَادِي حدا بِهِ، فَقَالَ: إِن عَلَيْك أَيهَا البختي ... أكْرم من تمشي بِهِ الْمطِي فَقَالَ هِشَام: صدق. وَالْأُخْرَى: أَنه ذكر عِنْده سُلَيْمَان بن عبد الْملك، فَقَالَ: وَالله لأشكونه يَوْم الْقِيَامَة إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْملك. وَقَالَ لَهُ مسلمة أَخُوهُ: كَيفَ تطمع فِي الْخلَافَة وَأَنت بخيل. وَأَنت جبان؟ قالك لِأَنِّي حَلِيم وَأَنِّي عفيف. وَسمع هِشَام قَول الْكُمَيْت: مبدياً صفحتي على الْموقف المع ... لم، بِاللَّه قوتي واعتصامي فَقَالَ: شري الترابي. افْتتح هِشَام الصَّلَاة فأرتج عَلَيْهِ فَلم يفتح عَلَيْهِ أحد، فَقَالَ: " أَلَيْسَ مِنْكُم رجل رشيد ". خطب هِشَام، حِين ولي، أول مَا خطب، فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أنقذني من النَّار بِهَذَا الْمقَام. فَأخْبر بذلك مُحَمَّد بن عَمْرو، فَقَالَ: لَكِن عمر بن عبد الْعَزِيز كَانَ إِذا خطب بَكَى، ثمَّ قَالَ: " لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب من يعْمل سوءا يجز بِهِ ". وَكَانَ سعيد بن هِشَام زَانيا يتَعَرَّض للنِّسَاء، فَأخْبر بذلك أَبوهُ، فَقَالَ: أيزني الْقرشِي؟ إِنَّمَا مثلك يَأْخُذ مَال هَذَا، وَيُعْطِيه هَذَا، وَيقتل هَذَا. وَلما أَرَادَ هِشَام أَن ينزل الرصافة قيل لَهُ: لَا تخرج، فَإِن الْخُلَفَاء لَا يظعنون، وَلم نر خَليفَة ظعن، فَقَالَ: أَنْتُم تُرِيدُونَ أَن تجربوا بِي، وَنزل الرصافة وَهِي بَريَّة.

الوليد بن يزيد

وَقَالَ: إِنَّا نستعمل الرجل، فنظن بِهِ خيرا، فنكشفه عَن خير، فَمَا رَأينَا خَيره دون امتحان، وَلَا تَبينا دون تجربة. وَذكر أَنه وجد لهشام اثْنَا عشر ألف قَمِيص قد أثر بهَا كلهَا. وَحج هِشَام، فَلَقِيته قُرَيْش، فَنظر إِلَيْهَا الأبرش الْكَلْبِيّ فَعجب لجمالها ومنطقها، فَقَالَ هِشَام: إِنَّه وَالله رب فَحل كريم خطر على هجمانها. الْوَلِيد بن يزِيد أُتِي هِشَام بِعُود، فَقَالَ للوليد: مَا هَذَا؟ قَالَ: خشب يشقق ثمَّ يرقق، ثمَّ يلصق ثمَّ تعلق عَلَيْهِ أوتار فينطق فَتضْرب الْكِرَام رؤوسها بالحيطان سُرُورًا بِهِ. وَمَا فِي الْمجْلس أحدق إِلَّا وَهُوَ يعلم مِنْهُ مَا أعلمهُ، وَأَنت أَوَّلهمْ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. وَقد قيل: إِن هَذَا الْكَلَام هُوَ للوليد بن مسْعدَة الْفَزارِيّ مَعَ عبد الله بن مَرْوَان. وَحكى بَعضهم قَالَ: رَأَيْت هِشَام بن عبد الْملك يَوْم توفّي مسلمة بن عبد الْملك إِذا طلع الْوَلِيد وَهُوَ نشوان يجر مطرف خَز، فَوقف على هِشَام، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن عَقبي من بَقِي لُحُوق بِمن مضى، وَقد أقفر بعد مسلمة الصَّيْد لمن رمى، واختل الثغر فوهى، وعَلى إِثْر من سلف يمْضِي من خلف، فتزودوا، فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى. قَالَ: فَأَعْرض هِشَام وَلم يحر جَوَابا ووجم النَّاس. وَقَالَ: يَا بني أُميَّة، إيَّاكُمْ والغناء فَإِنَّهُ ينقص الْحيَاء، وَيزِيد فِي الشَّهْوَة، ويهدم الْمُرُوءَة، وينوب عَن الْخمر، وَيفْعل مَا يفعل السكر. فَإِن كُنْتُم لَا بُد

فاعلين فجنبوه النِّسَاء فَإِن الْغناء رقية الزناء وَإِنِّي لأقول ذَلِك فِيهِ على أَنه أحب إِلَيّ من كل لَذَّة، وأشهى إِلَى نَفسِي من المَاء إِلَى ذِي الْغلَّة. وَلَكِن الْحق أَحَق أَن يُقَال. وَكَانَ الْوَلِيد مَاجِنًا خليعاً منهمكاً فِي اللَّذَّات، مشغوفاً بِالْخمرِ، والغناء، مطعوناً فِي دينه. وَلما نعي لَهُ هِشَام قَالَ: وَالله لأعقبن هذة النِّعْمَة بشكرة قبل الظّهْر. وَتكلم بعض جُلَسَائِهِ، ومغنية تغنيه، فكره ذَلِك وضجر، وَقَالَ لبَعض الْحَاضِرين: قُم فنه، فَقَامَ وفاكه وَالنَّاس حُضُور والوليد يضْحك. وَذكرت جَارِيَة لَهُ أَنه وَاقعهَا وَهُوَ سَكرَان، فَلَمَّا تنحى عَنْهَا أذن الْمُؤَذّن بِالصَّلَاةِ، فَحلف أَلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ غَيرهَا، فَخرجت متلثمة فصلت بِالنَّاسِ. وَقيل: أَنه وثب على ابْنة لَهُ فافترعها، وَإنَّهُ كَانَ يلوط بأخٍ لَهُ كَانَ مليحاً. وَقَالَ الْوَلِيد البندار: حججْت مَعَ الْوَلِيد بن يزِيد، وَهُوَ ولي عهدٍ وَكَانَ هِشَام أَرَادَ خلعه، فَأخْرجهُ على الْمَوْسِم، وَعلم أَنه لَا يتْرك خلاعته ومجونه، فيفتضح عِنْد أهل الْحَرَمَيْنِ، فَيكون ذَلِك عذرا إِذا أَرَادَ خلعه، فَقلت لَهُ لما أَرَادَ أَن يخْطب: أَيهَا الْأَمِير، إِن الْيَوْم يَوْم يشهده النَّاس من سَائِر الْآفَاق، فَأُرِيد أَن تشرفني بئ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قلت: إِذا عَلَوْت الْمِنْبَر دَعَوْت بِي، فيتحدث النَّاس بذلك، وبأنك أسررت إِلَيّ شَيْئا. فَقَالَ: أفعل. فَلَمَّا جلس على الْمِنْبَر قَالَ: الْوَلِيد البندار. فَقُمْت، فَقَالَ: أدن مني. فدنوت، فَأخذ أُذُنِي ثمَّ قَالَ لي: الْوَلِيد البندار ولد زنى، والوليد بن يزِيد ولد زنى. وكل من ترى حَولي أَوْلَاد زنى. أفهمت؟ قلت: نعم قَالَ: انْزِلْ الْآن، فَنزلت. وَقيل: كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يَأْخُذ بِيَدِهِ الْيُمْنَى أُذُنه الْيُسْرَى ثمَّ يجمع جراميزه ويثب، فَكَأَنَّمَا خلق على ظهر فرسه، فَكَانَ الْوَلِيد بن يزِيد يفعل مثل ذَلِك، وَفعله مرّة وَهُوَ ولي عَهده ثمَّ أقبل على مسلمة بن هِشَام: فَقَالَ لَهُ: أَبوك يحسن مثل هَذَا؟ فال مسلمة: لأبي مائَة عبد يحسنون هَذَا. فَقَالَ النَّاس: لم ينصفه فِي الْجَواب.

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

وَقَالَ عَمْرو بن عتبَة بن أبي سُفْيَان للوليد: إِنَّك تستنطقني بالأنس بك، وأكفت من ذَلِك بالهيبة لَك، وأراك تأمن أَشْيَاء أخافها عَلَيْك، فأسكت مُطيعًا أَو أَقُول مشفقاً؟ قَالَ: كل ذَلِك مَقْبُول مِنْك، وَللَّه فِينَا علمٌ نَحن صائرون إِلَيْهِ، ونعود فَنَقُول: قَالَ: فَقتل بعد أَيَّام. قَالَ الْعَلَاء بن الْمُغيرَة البندار: قلت للوليد: إِنِّي أُرِيد الْعرَاق أَفَلَك حَاجَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: نعم، بربط. من صَنْعَة زَرْبِي. قَالَ حَمَّاد الراوية: دخلت على الْوَلِيد بن يزِيد وَإِذا عِنْده رجلَانِ، فَقَالَا: قد نَظرنَا فِيمَا أَمر بِهِ امير الْمُؤمنِينَ، فوجدناه يعِيش مؤيداً منصوراً، يزجي لَهُ الْخراج، وتخلص لَهُ قُلُوب الرّعية ثَلَاثِينَ سنة. قَالَ: فَقلت فِي نَفسِي: وَالله لأخدعنه كَمَا خدعاه. فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، نَحن أعلم بالرواية والْآثَار، وَقد نَظرنَا فِي هَذَا الْأَمر من قبلهمَا، فوجدناك تعيش على مَا ذكر أَرْبَعِينَ سنة. قَالَ: فَنكتَ فِي الأَرْض ثمَّ قَالَ: لَا مَا قَالَ هَذَانِ يغرني، وَلَا مَا قلت يبطرني، وَالله لأجبين المَال من حلّه جباية من يعِيش الْأَبَد، ولأصرفنه فِي حَقه صرف من يَمُوت فِي غَد. وَقد رُوِيَ مثل هَذَا الْكَلَام عَن الْوَلِيد بن عبد الْملك. يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك لما قتل الْوَلِيد بن يزِيد قَالَ يزِيد خَطِيبًا، فَحَمدَ الله، وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس، وَالله مَا خرجت أشراً وَلَا بطراً، وَلَا حرصاً على الدُّنْيَا، وَلَا رَغْبَة فِي الْملك، وَمَا بِي إطراء نَفسِي، وَإِنِّي لظلوم لنَفْسي إِن لم يرحمني رَبِّي، وَلَكِنِّي خرجت غَضبا لله ولدينه، وداعياً إِلَى الله، وَإِلَى سنة نبيه، لما هدمت معالم الْهدى، وأطفئ نور أهل التَّقْوَى، وَظهر الْجَبَّار العنيد، المستحل لكل

حُرْمَة، والراكب لكل بِدعَة، مَعَ أَنه وَالله مَا كَانَ يُؤمن بِيَوْم الْحساب، وَإنَّهُ لِابْنِ عمي فِي النّسَب، وكفئي فِي الْحسب. فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك استخرت الله فِي أَمْرِي، وَسَأَلته أَلا يكلني إِلَى نَفسِي، ودعوت إِلَى ذَلِك من أجابني من أهل ولايتي، حَتَّى أراح الله مِنْهُ الْعباد، وطهر مِنْهُ الْبِلَاد بحول الله وقوته، لَا بحولي وقوتي. أَيهَا النَّاس، إِن لكم عَليّ أَلا أَضَع حجرا على حجرٍ، وَلَا لبنة على لبنة، وَلَا أَكْرِي نَهرا، وَلَا أكنز كالاً، وَلَا أعْطِيه زوجةٌ وَلَا ولدا، وَلَا أنقل مَالا من بلدٍ إِلَى بلدٍ، حَتَّى أَسد فقر ذَلِك الْبَلَد وخصاصة أَهله، بِمَا يغنيهم، فَإِن فضل نقلته إِلَى الْبَلَد الَّذِي يَلِيهِ مِمَّن هُوَ أحْوج إِلَيْهِ مِنْهُ، وَلَا أجمركم فِي بعوثكم فأفتنكم، وأفتن أهليكم، وَلَا أغلق بَابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم، وَلَا أحمل على أهل جزيتكم مَا أجليهم بِهِ من بِلَادهمْ، وأقطع نسلهم، وَلَكِن عِنْدِي أعطياتكم فِي كل سنة، وأرزاقكم فِي كل شهر، حَتَّى تستدر الْمَعيشَة بَين الْمُسلمين، فَيكون أَقْصَاهُم كأدناهم. فَإِن أَنا وفيت لكم فَعَلَيْكُم السّمع وَالطَّاعَة، وَحسن المؤازرة والمكانفة، وَإِن أَنا لم أوف لكم فلكم أَن تخلعوني إِلَّا تستتيبوني، فَإِن تبت قبلتم مني. وَإِن عَرَفْتُمْ أحدا يقوم مقَامي مِمَّن يعرف بالصلاح، يعطيكم من نَفسه مثل مَا أَعطيتكُم، فأردتم أَن تبايعوه، فَأَنا أول من بَايعه، وَدخل فِي طَاعَته. أَيهَا النَّاس، لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق، أَقُول قولي هَذَا، وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم. وخطب فَقَالَ: الْأَمر أَمر الله، وَالطَّاعَة طَاعَة الله، فأطيعوني بِطَاعَة الله مَا أَطَعْت الله يغْفر الله لي وَلكم. وَكتب إِلَى مَرْوَان حِين تربص ببيعته: أما بعد، فَإِنِّي أَرَاك تقدم رجلا وتؤخر الْأُخْرَى، فاعتمد أَيَّتهمَا شِئْت، وَالسَّلَام. وَكَانَ يزِيد يتأله، وَيظْهر النّسك، فَكَانَ أَبوهُ الْوَلِيد إِذا ذكر بنيه قَالَ: عبد الْعَزِيز سيدنَا، وَالْعَبَّاس فارسنا، وَيزِيد ناسكنا، وروحٌ عالمنا، وبشرٌ فتانا، وَعمر فحلنا، وَكَانَ لَهُ تسعون ابْنا.

مسلمه

مسلمة قَالَ: عجبت لمن أحفى شعره ثمَّ أَعْفَاهُ، وَقصر شَاربه ثمَّ أطاله، أَو كَانَ صَاحب سراري، فَاتخذ المهيرات. وَقَالَ: لَا أَزَال فِي فسحة من أَمر الرجل حَتَّى أصطنع عِنْده يدا، فَإِذا اصطنعتها لم يكن إِلَّا رَبهَا. وَلما حَضرته الْوَفَاة أوصى بِثلث مَاله لأهل الْأَدَب، وَقَالَ: صناعَة مجفوٌّ أَهلهَا. وَكَانَ إِذا كثر عَلَيْهِ أَصْحَاب الْحَوَائِج وخشي الضجر أَمر أَن يحضر ندماؤه من أهل الْأَدَب، فيتذاكرون مَكَارِم النَّاس وَجَمِيل طرائفهم ومروءاتهم فيطرب، ويهيج، ثمَّ يَقُول: ائذنوا لأَصْحَاب الْحَاجة، فَلَا يدْخل أحد إِلَّا قضى حَاجته. وَقَالَ هِشَام: يَا أَبَا سعيد، هَل دَخلك ذعر قطّ من حَرْب شهدتها أَو لعدو؟ قَالَ: مَا سلمت فِي ذَلِك من ذعر يُنَبه عَليّ حِيلَة، وَلم يغشني فِيهَا ذعر يسلبني رَأْيِي. قَالَ هِشَام: هَذِه البسالة. وَدخل على معر بن عبد الْعَزِيز فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: أَلا توصي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: بِمَ أوصِي؟ فوَاللَّه إِن لي من مَال. فَقَالَ: هَذِه مائَة ألف، مر فِيهَا بِمَا أحبت. قَالَ: أَو تقبل؟ قَالَ: نعم. قَالَ: تردها على من أَخَذتهَا مِنْهُ ظلما. فَبكى مسلمة ثمَّ قَالَ: يَرْحَمك الله، لقد ألنت منا قلوباً قاسية، وأبقيت لنا فِي الصَّالِحين ذكرا. واستبطأ عبد الْملك ابْنه مسلمة فِي مسيره إِلَى الرّوم، فَكتب إِلَيْهِ: لمن الظعائن سيرهن تزحف؟ ... سير السفين إِذا تقاعس يجدف

مروان بن محمد

فَلَمَّا قَرَأَ مسلمة الْكتاب، كتب فِي جَوَابه: ومستعجبٌ مِمَّا يرى من أناتنا ... وَلَو زبنته الْحَرْب لم يترمرم وَسمع مسلمة رجلا يتَمَثَّل بقول الشَّاعِر، وَقد دُلي بعض بني مَرْوَان فِي قَبره: مَا كَانَ قيس هلكه هلك وَاحِد ... وَلكنه بُنيان قومٍ تهدما فَقَالَ مسلمة: لقد تَكَلَّمت بِكَلِمَة شيطانٍ، هلا قلت: إِذا مقرم منا ذرا حد نابه ... تخمط فِينَا نَاب آخر مقرم وَقَالَ رجل عِنْد مسلمة: مَا اسْتَرَحْنَا من حائك كِنْدَة حَتَّى أَتَانَا هَذَا المزوني، قَالَ مسلمة: تَقول لرجل سَار إِلَيْهِ قريعاً قُرَيْش، يَعْنِي نَفسه وَالْعَبَّاس بن الْوَلِيد. إِن يزِيد حاول عَظِيما وَمَات كَرِيمًا. وَكَانَ مسلمة يَقُول: الرّوم أعلم، وَفَارِس أَعقل. وَقَالَ: مَا حمدت نَفسِي على ظفرٍ ابتدأته بعجزٍ، وَلَا لمتها على مَكْرُوه ابتدأته بحزم. وَقَالَ: مروءتان ظاهرتان: الرياش والفصاحة. مَرْوَان بن مُحَمَّد دخل عبد الرَّحْمَن بن عَطِيَّة التغلبي على مَرْوَان بن مُحَمَّد، فاستأذنه فِي تَقْبِيل يَده فَأَعْرض عَنهُ، ثمَّ قَالَ لَهُ: قد عرف أَمِير الْمُؤمنِينَ موضعك فِي

مروان

قَوْمك، وفضلك فِي نَفسك، وتقبيل الْيَد من الْمُسلم ذلة، وَمن الذِّمِّيّ خديعة، وَلَا خير لَك فِي أَن تنزل بَين هَاتين. قَالُوا: كَانَ يَأْخُذ مَرْوَان بن مُحَمَّد كل سنة من الخزانة قباءين، فَإِذا أخلقهما ردهما إِلَى الخزانة وَأخذ جديدين. وَكَانَ يُقَال: إِن مَرْوَان بن مُحَمَّد هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن الأشتر وَإِن أمه كَانَت أمة لإِبْرَاهِيم فأصابها مُحَمَّد بن مَرْوَان يَوْم قتل الأشتر فَأَخذهَا من نفله وَهِي حَامِل بِمَرْوَان، فولدته على فرَاشه، وَلذَلِك قَالَ ابْن عَبَّاس السفاح: الْحَمد لله الَّذِي أبدلنا بِحِمَار الجزيرة، وَابْن أمة النخع، ابْن عَم رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَابْن عبد الْمطلب. مَرْوَان كتب إِلَى بعض الْخَوَارِج: إِنِّي وَإِيَّاك كالزجاجة وَالْحجر، إِن وَقع عَلَيْهَا رضها، وَإِن وَقعت عَلَيْهِ فضها. قَالَ الْأَصْمَعِي: لما ولي مَرْوَان الْخلَافَة أرسل إِلَى ابْن رغبان - الَّذِي نسب إِلَيْهِ بعد ذَلِك مَسْجِد ابْن رغبان - ليوليه؛ فَرَأى لَهُ سجادةً مثل ركبة الْبَعِير، فَقَالَ: يَا هَذَا؛ إِن كَانَ مَا بك من عبادةٍ فَمَا يحل لنا أَن نشغلك. وَإِن كَانَ من رياءٍ فَمَا يحل لنا أَن نستعملك. قَالَ عبد الحميد: تعلمت البلاغة من مَرْوَان، أَمرنِي أَن أكتب فِي حَاجَة فَكتبت على قدر الموسع، فَقَالَ لي: اكْتُبْ مَا أَقُول لَك: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أما آن للْحُرْمَة أَن ترعى، وللدين أَن يقْضى، وللموافقة أَن تتوخى

وَوَقع إِلَى عاملٍ بِالْكُوفَةِ: حاب علية النَّاس فِي كلامك، وسو بَينهم وَبَين السفلة فِي أحكامك. قَالُوا: وَإِنَّمَا لقب بالحمار لِأَن أَصْحَاب أبي مُسلم لما خَرجُوا كَانُوا حمارةً، فَكَانَ الْوَاحِد إِذا استعجل حِمَاره يَقُول: هر مَرْوَان. هس، مَرْوَان، فَلَمَّا ظفروا بِهِ اسْتمرّ بِهِ اللقب. وَيعرف بالجعدي، لِأَنَّهُ نسب إِلَى رَأْي الْجَعْد بن دِرْهَم وزيره، وَكَانَ زنديقاً، فَكَانَ مَرْوَان يعير بِأَنَّهُ على رَأْيه، ثمَّ إِن مَرْوَان قَتله وصلبه، وبالجعد هَذَا يعير كل زنديق، قَالَ دعبل: قل لعبد الرَّقِيب قل: رَبِّي الل ... هـ فَإِن قَالَهَا فَلَيْسَ بجعدي قَالَ عمر بن مَرْوَان: عرض أبي بِظهْر الْكُوفَة ثَمَانِينَ ألف عَرَبِيّ، ثمَّ قَالَ بعد أَن وثق فِي نَفسه بِكَثْرَة الْعدَد وَالْعدَد: إِذا انْقَضتْ الْمدَّة لم تغن الْعدة وَلَا الْعدة. قَالَ بعض القرشيين: وَفد على مَرْوَان بن مُحَمَّد - وَقد تولى الْخلَافَة - وَنزل حران قَالَ: فتوالت على بَابه الْوُفُود، فَخرج إِلَيْنَا آذنه، فَقَالَ: أَمِير الْمُؤمنِينَ يغسل ثِيَابه، فَمن أَرَادَ أَن يُقيم فَليقمْ، وَمن أَرَادَ أَن ينْصَرف فلينصرف. فَجعل النَّاس يعْجبُونَ من ذَلِك، وَلم يبرح أحد. قَالَ: وَخرج من عِنْده رجل بِرُمْح فنصبه على سقفه، وَجعل يُرَاعِي الشَّمْس، فَلَمَّا مَالَتْ أذن، وَلما أذن خرج علينا رجل أَزْرَق أشقر، بخده أثر، فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ عبد الرَّحْمَن بن عَنْبَسَة بن سعيد قَالَ: أهوَ هَذَا أعضه الله ببظر أمه؟ قَالَ: وَهُوَ وَالله يسمعهُ، فأبده النّظر وَمر إِلَى الصَّلَاة، فَلَمَّا قَضَاهَا استدبر الْقبْلَة بظهره وَأَقْبل علينا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ لكَاتبه: أَمَعَك أَسمَاء هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: نعم، وَدفع إِلَيْهِ قرطاساً، فَوَقع تَحت اسْم كل رجلٍ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم، وَلَا وَالله مَا عاقبه على مَا سمع مِنْهُ.

وَكَانَ يُقَال: لَو ذهبت دولة بني مَرْوَان على يَد غير مَرْوَان لقَالَ النَّاس: لَو كَانَ مَرْوَان مَا ذهبت. كَانَ أهل حمصٍ ينادون مَرْوَان فِي حصارهم: يَا بن مُصعب، فَيَقُول: شرِيف كريم، وينادون: يَا بن الأشتر، يَا بن زَرْبِي، فَيَقُول: خلطتم. وَذَلِكَ أَنه قيل فِي أمه: إِنَّهَا كَانَت لمصعب، وَقيل: بل كَانَت لخباز يُقَال لَهُ: زَرْبِي. وناداه رجل من الْخَوَارِج، فَقَالَ: يَا بن طنفسة. يُرِيد: زَرْبِي.

الباب الثالث كلام الخلفاء من بني هاشم

الْبَاب الثَّالِث كَلَام الْخُلَفَاء من بني هَاشم السفاح رفع بعض السعاة إِلَيْهِ قصَّة بسعاية على بعض عماله، فَوَقع فِيهَا: هَذِه نصيحة لم يرد بهَا مَا عِنْد الله، وَنحن فَلَا نقبل قَول من آثرنا على الله. وَمن كَلَامه: إِن من أدنياء النَّاس ووضعائهم من عد الْبُخْل حزماً، والحلم ذلاً. وَمِنْه: إِذا عظمت الْمقدرَة قلت الشَّهْوَة، وَقل تبرع إِلَّا وَمَعَهُ حق مضاع. وَمِنْه: إِذا كَانَ الْحلم مفْسدَة كَانَ الْعَفو معْجزَة، وَالصَّبْر حسن إِلَّا على مَا أوتغ الدّين، وأوهن السُّلْطَان. والأناة محمودةٌ إِلَّا عِنْد إِمْكَان الفرصة. قَالُوا: كلم الْمَنْصُور أَبَا الْعَبَّاس فِي مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن وَأَهله، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، آنسهم بِالْإِحْسَانِ، فَإِن استوحشوا فالشر يصلح مَا عجز عَنهُ الْخَيْر، وَلَا تدع مُحَمَّدًا يمرح فِي أَعِنَّة العقوق. فَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَر؛ إِنَّا كَذَلِك. وَمن شدد نفر، وَمن لَان تألف، والتغافل من سجايا الْكِرَام، وَأحسن مَا قَالَ أعشى وَائِل: يغضي عَن العوراء، لَو ... لَا الْحلم غَيرهَا انتصاره

وَكَانَ يَقُول: إِن الْمقدرَة تصغر الأمنية، لقد كُنَّا نَسْتَكْثِر أموراً، فأصبحنا نستقلها لأخس من صَحِبنَا، ثمَّ نسجد شكرا. دخل أَبُو نخيلة الْحمانِي على أبي الْعَبَّاس، وَعِنْده إِسْحَاق بن مُسلم الْعقلِيّ، فأنشده أرجوزة يمدحه فِيهَا، وَيذكر بني أُميَّة، وَيَقُول فِيهَا: أَيْن أَبُو الْورْد؟ وَأَيْنَ الْكَوْثَر؟ وَأَيْنَ مَرْوَان؟ وَأَيْنَ الْأَشْقَر؟ فَقَالَ إِسْحَاق: فِي حر أم أبي نخيلة العاهرة؟ فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: أَتَقول هَذَا لِشَاعِرِنَا؟ قَالَ: قد سمعته يَقُول لأعدائكم فِيكُم مَا هُوَ أعظم من هَذَا، فَقَالَ زِيَاد بن عبيد الله الْحَارِثِيّ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، خُذ للرجل بِحقِّهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس: مَا أغفلك يَا خَال أَتَرَى قيسا تسلم سَيِّدهَا وشيخها حَتَّى يحد؟ قَالَ: فَمَا يصنعون؟ قَالَ: يجيئ لِأَلف مِنْهُم فَيَشْهَدُونَ أَن أم أبي نخيلة كَانَت عاهرة كَمَا قَالَ إِسْحَاق، فتجلب على الرجل بلَاء عَظِيما. وخطب بعد قِيَامه بأيام بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ: الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَصلى الله على مَلَائكَته المقربين، وأنبيائه الْمُرْسلين. " يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ ". مَا أعدكم شَيْئا، وَلَا أوعدكم إِلَّا وفيت بالوعد والإيعاد. وَالله لأعملن اللين حَتَّى لَا تَنْفَع إِلَّا الشدَّة، ولأغمدن سَيفي إِلَّا فِي إِقَامَة الْحَد، أَو بُلُوغ حق، ولأعطين حَتَّى أرى الْعَطِيَّة ضيَاعًا. إِن أهل بَيت اللَّعْنَة والشجرة الملعونة فِي الْقُرْآن كَانُوا لكم عذَابا، لَا تدفعون مَعَهم من حَالَة إِلَّا إِلَى أَشد مِنْهَا، وَلَا يَلِي عَلَيْكُم مِنْهُم والٍ إِلَّا تمنيتم من كَانَ قبله، وَإِن كَانَ لَا خير فِي جَمِيعهم. منعوكم من الصَّلَاة فِي أَوْقَاتهَا، وطالبوكم بأدائها فِي غير ميقاتها، وَأخذُوا الْمُدبر بالمقبل، وَالْجَار بالجار، وسلطوا شِرَاركُمْ على خياركم. فقد محق الله جَوْرهمْ، وأزهق باطلهم، وَأصْلح بِأَهْل نَبِيكُم مَا أفسدوا مِنْكُم. فَمَا نؤخر لكم عطاءاً وَلَا نضيع لأحدٍ مِنْكُم حَقًا، وَلَا نجمركم فِي بعثٍ، وَلَا

المنصور

نخاطر بكم فِي قتال، وَلَا نبذلكم دون أَنْفُسنَا، وَالله عَليّ شَهِيد بِالْوَفَاءِ وَالِاجْتِهَاد، وَعَلَيْكُم بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة. وَوَقع إِلَى كَاتب جنده وَقد شغبوا عَلَيْهِ بالأنبار: بلغ المفترين عني، أبرمتم بأعجاركم، أم عظمت نعْمَة الله عَلَيْكُم فِي دينكُمْ ودنياكم؟ فَلَا تَكُونُوا عظة الْعُقَلَاء، وزرية الجهلاء، فتحبط أَعمالكُم، وتخيب آمالكم، وَالعطَاء غير مُؤخر عَن وقته إِن شَاءَ الله. وَدخل عَلَيْهِ عبد الله بن حسن بن حسن، وَمَعَهُ مصحف، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أعطنا حَقنا الَّذِي جعله الله لنا فِي هَذَا الْمُصحف. وَكَانَ الْمجْلس غاصاً ببني هَاشم وَغَيرهم، فأشفق النَّاس من أَن يعجل السفاح إِلَيْهِ، أَو يعيا بجوابه، فَيكون ذَلِك عاراً عَلَيْهِ. قَالَ: فَأقبل عَلَيْهِ غير مغضب وَلَا منزعج، فَقَالَ: إِن جدك عليا كَانَ خيرا مني وَأَعْدل. ولي هَذَا الْأَمر، فَأعْطى جديك الْحسن الْحسن وَالْحُسَيْن، وَكَانَا خيرا مِنْك شَيْئا، وَكَانَ الْوَاجِب أَن أُعْطِيك مثله فَإِن كنت قد فعلت فقد أنصفتك، وَإِن كنت زدتك فَمَا هَذَا جزائي مِنْك، فَمَا رد عبد الله جَوَابا، وَانْصَرف وَالنَّاس يتعجبون من جزاب السفاح. الْمَنْصُور ذكر يَوْمًا مُلُوك بني مَرْوَان، فَقَالَ: كَانَ عبد الْملك جباراً لَا يُبَالِي مَا صنع، وَكَانَ الْوَلِيد لحاناً مَجْنُونا، وَكَانَ سُلَيْمَان همه بَطْنه وفرجه، وَكَانَ عمر أَعور بَين عُمْيَان، وَكَانَ هِشَام رجل الْقَوْم. لما اتَّصل بِهِ خُرُوج مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم - رَضِي الله عَنْهُمَا - شن عَلَيْهِ درعه، وتقلد سَيْفه وَصعد الْمِنْبَر، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: مَالِي أكفكف عَن سعدٍ وتشتمني ... وَلَو شتمت بني سعد لقد سكنوا جهلا علينا، وجبناً عَن عَدو همو ... لبئست الخلتان: الْجَهْل والجبن

أما وَالله لقد عجزوا عَمَّا قمنا بِهِ، فَمَا عضوا المكافي، وَلَا شكروا الْمُنعم. فَمَاذَا حاولوا؟ أأشرب رنقاً على غصص، وأبيت مِنْهُم على مضض؟ كلا وَالله أصل ذَا رحم حاول قطيعتها، وَلَئِن لم يرض بِالْعَفو ليطلبن مَالا يُوجد عِنْدِي، فليق ذُو نفسٍ على نَفسه، قبل أَن تمْضِي عَنهُ، ثمَّ لَا يبكى عَلَيْهِ، وَلَا تذْهب وَلَا تذْهب نفسٌ مَسَرَّة لما أَتَاهُ. وخطب بعد قَتله أَبَا مُسلم، فَحَمدَ الله، ثمَّ أثنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أما بعد، أَيهَا النَّاس، فَإِنَّهُ من نازعنا عُرْوَة هَذَا الْقَمِيص أوطأناه خبئ هَذَا الغمد - وَأَوْمَأَ إِلَى سَيْفه - وَإِن عبد الرَّحْمَن بَايعنَا، وَبَايع لنا على أَنه من نكث بِنَا فقد حل دَمه، ثمَّ نكث بِنَا، فحكمنا فِيهِ لأنفسنا حكمه على غَيره لنا، وَلم تَمْنَعنَا رِعَايَة الْحق لَهُ من إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ. وَرُوِيَ أَنه قَالَ: أَيهَا النَّاس، لَا تنفرُوا أَطْرَاف النِّعْمَة بقلة الشُّكْر، فَتحل بكم النقمَة، وَلَا تسروا غش الْأَئِمَّة، فَإِن أحدا لايسر مِنْكُم إلاظهر فِي فلتات لِسَانه، وصفحات وَجهه، وطوالع نظره، وَإِنَّا لَا نجهل حقوقكم مَا عَرَفْتُمْ حَقنا، وَلَا ننسى الْإِحْسَان إِلَيْكُم مَا ذكرْتُمْ فضلنَا، وَمن نازعنا هَذَا الْقَمِيص أوطأنا أم رَأسه خبئ هَذَا الغمد. أَهْوى هِشَام بن عُرْوَة إِلَى يَده ليقبلها، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْمُنْذر، إِنَّا نكرمك عَنْهَا، ونكرمها عَن غَيْرك. قيل: خلا الْمَنْصُور مَعَ يزِيد بن أسيد، فَقَالَ: يَا يزِيد مَا ترى فِي قتل أبي مُسلم؟ قَالَ: أرى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن تقتله، وتتقرب إِلَى الله بدمه، فوَاللَّه لَا يصفو ملكك، وَلَا تهنأ بعيشٍ مَا بَقِي بك عَدوك. قَالَ يزِيد: فنفر مني نفرة ظَنَنْت أَنه سَيَأْتِي عَليّ، ثمَّ قَالَ: قطع الله لسَانك وأشمت بك عَدوك، أتشير عَليّ بقتل أنصح النَّاس لنا، وأثقلهم على عدونا؟ أما وَالله لَوْلَا حفظي مَا سلف مِنْك، وَأَنِّي أعدهَا هفوة من رَأْيك لضَرَبْت عُنُقك، قُم لَا أَقَامَ الله رجليك قَالَ يزِيد: فَقُمْت وَقد أظلم بَصرِي، وتمنيت أَن تسيخ

الأَرْض بِي. فَلَمَّا كَانَ بعد قَتله بدهر قَالَ لي: يَا يزِيد، أَتَذكر يَوْم شاورتك فِي أَمر العَبْد؟ قلت: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَمَا رَأَيْتنِي قطّ ادنى إِلَى الْمَوْت مني يَوْمئِذٍ قَالَ: فوَاللَّه لَكَانَ ذَلِك رَأْيِي وَمَا لَا أَشك فِيهِ، وَلَكِنِّي خشيت أَن يظْهر ذَلِك مِنْك، فتفسد عَليّ مكيدتي. قَالَ الرّبيع: سَمِعت الْمَنْصُور يَقُول: الْخُلَفَاء أَرْبَعَة، والملوك أَرْبَعَة، فالخلفاء: أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي على مَا نَالَ من عُثْمَان، وَمَا نيل مِنْهُ أعظم، ولنعم الرجل كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز. والملوك: مُعَاوِيَة، وَعبد الْملك، وَهِشَام، وَأَنا، ولنعم رجل الْحَرْب كَانَ حمَار الجزيرة من رجل لم يكن عَلَيْهِ طَابع الْخلَافَة. وَقَالَ: من صنع مثل مَا صنع إِلَيْهِ فقد كافأ، وَمن أَضْعَف كَانَ شكُورًا، وَمن شكر كَانَ كَرِيمًا، وَمن علم أَنما صنع لنَفسِهِ لم يستبطئ النَّاس فِي شكرهم، وَلم يستزدهم فِي مَوَدَّتهمْ، فَلَا تلتمس من غَيْرك شكر مَا أسديته إِلَى نَفسك. اسْتَأْذن سوار قَاضِي الْبَصْرَة على الْمَنْصُور، فَأذن لَهُ، فَدخل وَسلم، فَقَالَ الْمَنْصُور: وَعَلَيْك السَّلَام. أدن أَبَا عبد الله، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أأدنوا على مَا مضى عَلَيْهِ النَّاس أم على مَا أَحْدَثُوا؟ فَقَالَ: بل على مَا مضى عَلَيْهِ النَّاس، فَدَنَا فصافحه ثمَّ جلس، فَقَالَ الْمَنْصُور: يَا أَبَا عبد الله، قد عزمت على أَن أَدْعُو أهل الْبَصْرَة بسجلاتهم، وأشريتهم، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، نشدتك الله أَلا تعرض لأهل الْبَصْرَة. فَقَالَ: يَا سوار، أبأهلالبصرة تهددني؟ وَالله لهممت أَن أوجه إِلَيْهِم من يَأْخُذ بأفواه سككهم وطرقهم، وَيَضَع السَّيْف فيهم فَلَا يرفعهُ عَنْهُم حَتَّى يفنيهم، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، ذهبت إِلَى غير مَا ذهبت إِلَيْهِ، إِنَّمَا كرهت لَك أَن تتعرض لدعاء الأرملة واليتيم، وَالشَّيْخ الْكَبِير الفاني، وَالْحَدَث الضَّعِيف. فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الله، أَنا للأرملة بعل، ولليتيم أَب، وللشيخ أَخ، وللحدث الضَّعِيف عَم، وَإِنَّمَا أُرِيد أَن أنظر فِي سجلاتهم وأشريتهم لأستخرج مَا فِي أَيدي الْأَغْنِيَاء، مِمَّا أَخَذُوهُ بقوتهم

وجاههم من حُقُوق الضُّعَفَاء والفقراء. فَقَالَ: وفقك الله للخير، وأرشدك لما يحب ويرضى. وَقَالَ للمهدي: أشْبع الْعَبَّاس بن مُحَمَّد، فَإنَّك إِن لم تشبعه أكلك. كتب إِلَيْهِ صَاحب أرمينية: إِن الْجند شغبوا عَليّ، وطلبوا أَرْزَاقهم، وكسروا أقفال بَيت المَال، وانتهبوه، فَأمر بعزله، وَوَقع: لوعدلت لم يشغبوا، وَلَو قويت لم ينهبوا. وَوَقع فِي قصَّة رجل ذكر: أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ أَمر بأرزاق لَهُ، وَأَن الْفضل أَبْطَأَ بهَا: " مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا " قَالَ أَبُو عبيد الله: سَمِعت الْمَنْصُور يَقُول للمهدي حِين عقد لَهُ: يَا بني، استدم النِّعْمَة بالشكر، وَالْقُدْرَة بِالْعَفو، وَالطَّاعَة بالتلف، والنصر بالتواضع، وَالرَّحْمَة من الله بِالرَّحْمَةِ للنَّاس. أُتِي الْمَنْصُور بِرَأْس بشير الرّحال، وَكَانَ خرج مَعَ مُحَمَّد بن عبد الله - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ لَهُ: رَحِمك الله، لقد كنت أسمع لصدرك همهمة لَا يسكنهَا إِلَّا برد عدل، أَو حر سِنَان. وَلما احْتضرَ قَالَ: يَا ربيع، بعنا الْآخِرَة بنومة. قَالَ الرّبيع: لقب أَبُو جَعْفَر بِأبي الدوانيق، لِأَنَّهُ لما أَرَادَ حفر الخَنْدَق بِالْكُوفَةِ قسط على كل رجل مِنْهُم دانق فضَّة، وَأَخذه، وَصَرفه فِي ذَلِك، وَقيل غير هَذَا. وَقَالَ للمهدي: لَيْسَ الْعَاقِل من يتحرز من الْأَمر الَّذِي يَقع فِيهِ، حَتَّى يخرج مِنْهُ، إِنَّمَا الْعَاقِل من يتحرز من الْأَمر الَّذِي يخشاه، حَتَّى لَا يَقع فِيهِ. وَقَالَ: عُقُوبَة الْحُكَمَاء التَّعْرِيض، وعقوبة السُّفَهَاء التَّصْرِيح. كَانَ لسوار القَاضِي كاتبان: رزق أَحدهمَا أَرْبَعُونَ درهما، وَالْآخر عشرُون درهما، فَكتب إِلَى الْمَنْصُور يسْأَله أَن يلْحق صَاحب الْعشْرين بالأربعين، فَأجَاب بِأَن يحط من الْأَرْبَعين عشرَة ويزيدها صَاحب الْعشْرين حَتَّى يعتدلا.

قَالَ السّري بن عبد الله: إِنِّي لبمكة مَعَ أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَالنَّاس يذكرُونَ مَعنا، وإراقته الدِّمَاء بِالْيمن، فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ غلامٌ من غلْمَان بني شَيبَان، مَاله عنْدك يَد تأصرك عَلَيْهِ، وَلَا رحم يعطفك عَلَيْهِ، قَالَ: فبسر فِي وَهِي بسرة تمنيت أَن الأَرْض انشقت لي فَدخلت فِيهَا. قَالَ: فَمَكثت أَيَّامًا ثمَّ أَتَيْته، فَسَأَلَنِي عَن عَن تخلفي، فاعتذرت إِلَيْهِ، فَقَالَ لي: أتعرف رجلا كَانَ يُصَلِّي عَن يَمِين مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَأَخْبَرته بِهِ، ونسبته إِلَى عُثْمَان، فَقَالَ: مَا فعل؟ قلت: قتل بِقديد. قَالَ: فآخر كَانَ يُصَلِّي قَرِيبا مِنْهُ؟ قلت: نعم، ذَاك ابْن أَخِيه. قَالَ: فَمَا فعل؟ قلت: قتل يَوْم قديد. قَالَ: فآخر كَانَ يُصَلِّي فِي مَوضِع كَذَا؟ قلت: نعم. ونسبته إِلَى الزبير. قَالَ: فَمَا فعل؟ قلت: قتل يَوْم قديد، فَمَا زَالَ يقترع الْمجَالِس يذكر فِيهَا رجلا قريعاً، ويسألني عَنهُ، فَأَقُول: قتل يَوْم قديد، فَقَالَ لي: لَا أَكثر الله فِي عشيرتك مثلك. عجزت عَن ثأرك أَن تطلب بِهِ، حَتَّى إِذا قَامَ هَذَا الْغُلَام الشَّيْبَانِيّ، فَإِذا بك تنفس عَلَيْهِ الرّفْعَة. قيل: وَكَانَ معنٌ يبسط الأنطاع بِالْيمن، ثمَّ يَدْعُو بأبناء اليمانية الَّذين حَضَرُوا قديداً، فَيضْرب أَعْنَاقهم. وَكلما ندر رأسٌ عَن رقبته قَالَ: يَا لثارات قديد. كَانَ الْمَنْصُور يَقُول: الْمُلُوك تحمل كل شَيْء إِلَّا ثَلَاث خلالٍ: إفشاء السِّرّ، والتعرض للحرم، والقدح فِي الْملك. وَقَالَ: إِذا مد عَدوك يَده إِلَيْك فاقطعها إِن أمكنك، وَإِلَّا فقبلها. وخطب بِمَكَّة وَقد أمل النَّاس عطاءه، فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، إِنَّمَا أَنا سُلْطَان الله فِي أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده، وخازنه على فيئه، أعمل فِيهِ بمشيئته وأقسمه بإرادته، وَقد جعلني الله عز وَجل قفلاً عَلَيْهِ، إِذا شَاءَ أَن يفتحني فتحني، وَإِذا شَاءَ أَن يقفلني أقفلني، فارغبوا إِلَى الله أَيهَا النَّاس فِي هَذَا الْيَوْم الَّذِي عرفكم من فَضله مَا أنزلهُ فِي كِتَابه، فَقَالَ جلّ اسْمه: " الْيَوْم أكملت لكم

دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا "، أَن يوفقني للصَّوَاب، ويسددني للرشاد، ويلهمني الرأفة بكم، وَالْإِحْسَان إِلَيْكُم، ويفتحني لأعطياتكم، وَقسم أرزاقكم فِيكُم، إِنَّه قريب مُجيب. فَقَالَ ابْن عَيَّاش المنتوف: أحَال أَمِير الْمُؤمنِينَ بِالْمَنْعِ على ربه. خطب الْمَنْصُور بِالْكُوفَةِ فَقَالَ: الْحَمد لله أَحْمَده، وَأَسْتَعِينهُ، وأومن بِهِ وَأَتَوَكَّل عَلَيْهِ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَرَادَ أَن يَقُول: وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، فَقَالَ رجل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أذكرك من تذكر بِهِ. فَقَالَ الْمَنْصُور: سمعا سمعا لمن فهم عَن الله، وَأَعُوذ بِاللَّه أَن أذكر بِاللَّه وأنساه، وَأَن تأخذني الْعِزَّة بالإثم: " قد ضللت إِذا وَمَا أَنا من المهتدين ". وَأَنت وَالله مَا الله أردْت بذلك، وَلَكِن حاولت أَن يُقَال: قَامَ فَقَالَ فَعُوقِبَ فَصَبر، وأهون بهَا وبقائلها وَلَو صمت لَكَانَ خيرا لَهُ، فاهتبلها إِذا غفرتها، وَإِيَّاكُم وَأَخَوَاتهَا، فَإِن الموعظة علينا نزلت، وَمن عندنَا انبثت، فَردُّوا الْأَمر إِلَى أَهله يصدروه كَمَا أوردوه، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. وَرجع إِلَى خطبَته. كَانَ يَقُول: الْخُلَفَاء أَرْبَعَة: أبوبكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي على مَا نَالَ من عُثْمَان، ومانيل مِنْهُ أعطم، وَلَقَد كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز إمرأ صدقٍ، والملوك أَرْبَعَة: مُعَاوِيَة وَكَفاهُ زِيَاد، وَعبد الْملك وَكَفاهُ حجاجه، وَهِشَام وَكَفاهُ موَالِيه، وَأَنا وَلَا كَافِي لي. وَكَانَ مُعَاوِيَة للحلم والأناة وَعبد الْملك للإقدام والإحجام، وَهِشَام لوضع الْأُمُور موَاضعهَا، وَلَقَد شاركت عبد الْملك فِي قَول كثير: رَحْمَة للنَّاس. أُتِي الْمَنْصُور بِرَأْس بشير الرّحال، وَكَانَ خرج مَعَ مُحَمَّد بن عبد الله - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ لَهُ: رَحِمك الله، لقد كنت أسمع لصدرك همهمة لَا يسكنهَا إِلَّا برد عدل، أَو حر سِنَان. وَلما احْتضرَ قَالَ: يَا ربيع، بعنا الْآخِرَة بنومة. قَالَ الرّبيع: لقب أَبُو جَعْفَر بِأبي الدوانيق، لِأَنَّهُ لما أَرَادَ حفر الخَنْدَق بِالْكُوفَةِ قسط على كل رجل مِنْهُم دانق فضَّة، وَأَخذه، وَصَرفه فِي ذَلِك، وَقيل غير هَذَا. وَقَالَ للمهدي: لَيْسَ الْعَاقِل من يتحرز من الْأَمر الَّذِي يَقع فِيهِ، حَتَّى يخرج مِنْهُ، إِنَّمَا الْعَاقِل من يتحرز من الْأَمر الَّذِي يخشاه، حَتَّى لَا يَقع فِيهِ. وَقَالَ: عُقُوبَة الْحُكَمَاء التَّعْرِيض، وعقوبة السُّفَهَاء التَّصْرِيح. كَانَ لسوار القَاضِي كاتبان: رزق أَحدهمَا أَرْبَعُونَ درهما، وَالْآخر عشرُون درهما، فَكتب إِلَى الْمَنْصُور يسْأَله أَن يلْحق صَاحب الْعشْرين بالأربعين، فَأجَاب بِأَن يحط من الْأَرْبَعين عشرَة ويزيدها صَاحب الْعشْرين حَتَّى يعتدلا. قَالَ السّري بن عبد الله: إِنِّي لبمكة مَعَ أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَالنَّاس يذكرُونَ مَعنا، وإراقته الدِّمَاء بِالْيمن، فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ غلامٌ من غلْمَان بني شَيبَان، مَاله عنْدك يَد تأصرك عَلَيْهِ، وَلَا رحم يعطفك عَلَيْهِ، قَالَ: فبسر فِي وَهِي بسرة تمنيت أَن الأَرْض انشقت لي فَدخلت فِيهَا. قَالَ: فَمَكثت أَيَّامًا ثمَّ أَتَيْته، فَسَأَلَنِي عَن عَن تخلفي، فاعتذرت إِلَيْهِ، فَقَالَ لي: أتعرف رجلا كَانَ يُصَلِّي عَن يَمِين مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَأَخْبَرته بِهِ، ونسبته إِلَى عُثْمَان، فَقَالَ: مَا فعل؟ قلت: قتل بِقديد. قَالَ: فآخر كَانَ يُصَلِّي قَرِيبا مِنْهُ؟ قلت: نعم، ذَاك ابْن أَخِيه. قَالَ: فَمَا فعل؟ قلت: قتل يَوْم قديد. قَالَ: فآخر كَانَ يُصَلِّي فِي مَوضِع كَذَا؟ قلت: نعم. ونسبته إِلَى الزبير. قَالَ: فَمَا فعل؟ قلت: قتل يَوْم قديد، فَمَا زَالَ يقترع الْمجَالِس يذكر فِيهَا رجلا قريعاً، ويسألني عَنهُ، فَأَقُول: قتل يَوْم قديد، فَقَالَ لي: لَا أَكثر الله فِي عشيرتك مثلك. عجزت عَن ثأرك أَن تطلب بِهِ، حَتَّى إِذا قَامَ هَذَا الْغُلَام الشَّيْبَانِيّ، فَإِذا بك تنفس عَلَيْهِ الرّفْعَة. قيل: وَكَانَ معنٌ يبسط الأنطاع بِالْيمن، ثمَّ يَدْعُو بأبناء اليمانية الَّذين حَضَرُوا قديداً، فَيضْرب أَعْنَاقهم. وَكلما ندر رأسٌ عَن رقبته قَالَ: يَا لثارات قديد. كَانَ الْمَنْصُور يَقُول: الْمُلُوك تحمل كل شَيْء إِلَّا ثَلَاث خلالٍ: إفشاء السِّرّ، والتعرض للحرم، والقدح فِي الْملك. وَقَالَ: إِذا مد عَدوك يَده إِلَيْك فاقطعها إِن أمكنك، وَإِلَّا فقبلها. وخطب بِمَكَّة وَقد أمل النَّاس عطاءه، فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، إِنَّمَا أَنا سُلْطَان الله فِي أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده، وخازنه على فيئه، أعمل فِيهِ بمشيئته وأقسمه بإرادته، وَقد جعلني الله عز وَجل قفلاً عَلَيْهِ، إِذا شَاءَ أَن يفتحني فتحني، وَإِذا شَاءَ أَن يقفلني أقفلني، فارغبوا إِلَى الله أَيهَا النَّاس فِي هَذَا الْيَوْم الَّذِي عرفكم من فَضله مَا أنزلهُ فِي كِتَابه، فَقَالَ جلّ اسْمه: " الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا "، أَن يوفقني للصَّوَاب، ويسددني للرشاد، ويلهمني الرأفة بكم، وَالْإِحْسَان إِلَيْكُم، ويفتحني لأعطياتكم، وَقسم أرزاقكم فِيكُم، إِنَّه قريب مُجيب. فَقَالَ ابْن عَيَّاش المنتوف: أحَال أَمِير الْمُؤمنِينَ بِالْمَنْعِ على ربه. خطب الْمَنْصُور بِالْكُوفَةِ فَقَالَ: الْحَمد لله أَحْمَده، وَأَسْتَعِينهُ، وأومن بِهِ وَأَتَوَكَّل عَلَيْهِ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَرَادَ أَن يَقُول: وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، فَقَالَ رجل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أذكرك من تذكر بِهِ. فَقَالَ الْمَنْصُور: سمعا سمعا لمن فهم عَن الله، وَأَعُوذ بِاللَّه أَن أذكر بِاللَّه وأنساه، وَأَن تأخذني الْعِزَّة بالإثم: " قد ضللت إِذا وَمَا أَنا من المهتدين ". وَأَنت وَالله مَا الله أردْت بذلك، وَلَكِن حاولت أَن يُقَال: قَامَ فَقَالَ فَعُوقِبَ فَصَبر، وأهون بهَا وبقائلها وَلَو صمت لَكَانَ خيرا لَهُ، فاهتبلها إِذا غفرتها، وَإِيَّاكُم وَأَخَوَاتهَا، فَإِن الموعظة علينا نزلت، وَمن عندنَا انبثت، فَردُّوا الْأَمر إِلَى أَهله يصدروه كَمَا أوردوه، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. وَرجع إِلَى خطبَته. كَانَ يَقُول: الْخُلَفَاء أَرْبَعَة: أبوبكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي على مَا نَالَ من عُثْمَان، ومانيل مِنْهُ أعطم، وَلَقَد كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز إمرأ صدقٍ، والملوك أَرْبَعَة: مُعَاوِيَة وَكَفاهُ زِيَاد، وَعبد الْملك وَكَفاهُ حجاجه، وَهِشَام وَكَفاهُ موَالِيه، وَأَنا وَلَا كَافِي لي. وَكَانَ مُعَاوِيَة للحلم والأناة وَعبد الْملك للإقدام والإحجام، وَهِشَام لوضع الْأُمُور موَاضعهَا، وَلَقَد شاركت عبد الْملك فِي قَول كثير: يصد ويفضي وَهُوَ لَيْث عرينة ... وَإِن أمكنته فرْصَة لَا يقيلها وَقَالَ للمهدي ابْنه: يَا أَبَا عبد الله، لَا تبرمن أمرا حَتَّى تفكر فِيهِ، فَإِن فكرة الْعَاقِل مرْآة تريه قبيحه وَحسنه.

المهدي

وَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عبد الله، الْخَلِيفَة لَا يصلحه إِلَّا التَّقْوَى، وَالسُّلْطَان لَا يقيمه إِلَّا الطَّاعَة، والرعية لَا يصلحها إِلَّا الْعدْل، وَأولى النَّاس بِالْعَفو أقدرهم عِلّة الْعقُوبَة، وأنقص النَّاس مُرُوءَة وعقلاً من ظلم من هُوَ دونه. وَقَالَ لَهُ الرّبيع: إِن لفُلَان حَقًا، فَإِن رَأَيْت أَن تقضيه فتوليه نَاحيَة. فَقَالَ: يَا ربيع، إِن لاتصاله بِنَا حَقًا فِي أَمْوَالنَا، لَا فِي أَعْرَاض الْمُسلمين وَلَا أَمْوَالهم. إِنَّا لَا نولي للْحُرْمَة وَالرِّعَايَة، بل للاستحقاق والكفاية، وَلَا نؤثر ذَا النّسَب والقرابة على ذِي الدِّرَايَة وَالْكِتَابَة، فَمن كَانَ مِنْكُم كَمَا وَصفنَا شاركناه فِي أَعمالنَا، وَمن كَانَ عطلاً لم يكن لنا عذر عِنْد النَّاس فِي توليتنا إِيَّاه، وَكَانَ الْعذر فِي تركنَا لَهُ وَفِي خَاص أَمْوَالنَا مَا يَسعهُ. وَكَانَ يَقُول: لَو عرف إِبْلِيس أَن أحدا بعد النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أفضل من عَليّ بن أبي طَالب لأغرى النَّاس بنقضه وحطه عَن مَنْزِلَته. وخطب يَوْم الْجُمُعَة، فَكَانَ مِمَّا حفظ من كَلَامه: " وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون " أمرٌ مبرم وَقَضَاء فصلٌ، وَالْحَمْد لله الَّذِي أفلج حجَّته، وبعداً للْقَوْم الظَّالِمين، الَّذين اتَّخذُوا الْكَعْبَة غَرضا، والفيء إِرْثا وَجعلُوا الْقُرْآن عضين، لقد حاق بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون، وكأين ترى من بِئْر معطلة وقصرٍ مشيد. أمهلهم الله حِين نبذوا الْقُرْآن وَالسّنة، واضطهدوا العترة، واستكبروا وعندوا، وخاب كل جَبَّار عنيد، ثمَّ أَخذهم ف " هَل تحس مِنْهُم من أحدٍ أَو تسمع لَهُم ركزا ". وَكتب إِلَيْهِ زِيَاد بن عبيد الله يسْأَله الزِّيَادَة فِي أرزاقه، ويبالغ فِي الْكتاب. فَوَقع الْمَنْصُور فِي كِتَابه: إِن الْغنى والبلاغة إِذا اجْتمعَا فِي رجلٍ أبطراه، وأمير الْمُؤمنِينَ مُشفق عَلَيْك، فاكتف بالبلاغة.؟ ؟ ؟ ؟ الْمهْدي حُكيَ أَن رجلا أَتَى بَاب الْمهْدي ، وَمَعَهُ نَعْلَانِ، فَقَالَ: هما نعلا رَسُول

الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَعرف الْمهْدي، فَأدْخلهُ وَوَصله، فَلَمَّا خرج قَالَ الْمهْدي: وَالله مَا هَذَا فعل رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمن أَيْن صَارَت إِلَيْهِ؟ أبميراثٍ أم بشرى أم بِهِبَة؟ لكني كرهت أَن يُقَال: أهدي إِلَيْهِ نعل رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَلم يقبلهَا، واستخف بِحَقِّهَا. وَلما استخرج أخرج من فِي السجون، فَقيل لَهُ: إِنَّمَا تزري على أَبِيك، فَقَالَ: لَا أزري، وَلَكِن أبي حبس بالذنب، وَأَنا أعفو عَنهُ. وَولى الرّبيع بن أبي الجهم فَارس، فَقَالَ لَهُ: يَا ربيع، آثر الْحق، والزم الْقَصْد، وارفق بالرعية، وَاعْلَم أَن أعدل النَّاس من أنصف النَّاس من نَفسه، وأجورهم من ظلمهم لغيره. جزع الْمهْدي على رخيم جَارِيَته جزعاً شَدِيدا، فَكَانَ يَأْتِي الْمَقَابِر لَيْلًا فيبكي، فَبلغ ذَلِك الْمَنْصُور، فَكتب إِلَيْهِ: كَيفَ ترجو أَن أوليك عهد أمة وَأَنت تجزع على أمة؟ وَالسَّلَام. فَكتب إِلَيْهِ الْمهْدي: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنِّي لم أجزع على قيمتهَا، وَإِنَّمَا جزعت على شيمتها. وَالسَّلَام. قَالُوا: كَانَ الْمَنْصُور أَرَادَ أَن يعْقد الْعَهْد بعد الْمهْدي لِابْنِهِ صَالح الْمَعْرُوف بالمسكين، فَوجه إِلَيْهِ الْمهْدي: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لَا تحملنِي على قطيعة الرَّحِم، وَإِن كَانَ لابد من إِدْخَال أخي فِي هَذَا الْأَمر فوله قبلي، فَإِن هَذَا الْأَمر إِذا صَار إِلَيّ أَحْبَبْت أَلا يخرج عَن وَلَدي. وَقَالَ لحاجبه الْفضل بن الرّبيع: إِنِّي قد وليتك ستر وَجْهي وكشفه، فَلَا تجْعَل السّتْر بيني وَبَين خواصي سَبَب ضغنهم عَليّ بقبح ردك، وعبوس وَجهك. وَقدم أَبنَاء الدولة، فَإِنَّهُم أولى بالتقدمة، وثن بالأولياء، وَاجعَل للعامة وقتا إِذا صلوا فِيهِ أعجلهم ضيقه عَن التلبث، وحثك لَهُم عَن التمكث. قَالَ الرّبيع: لما حبس الْمهْدي مُوسَى بن جَعْفَر - رَضِي الله عَنهُ - رأى فِي النّوم عليا - رَضِي الله عَنهُ - وَهُوَ يَقُول لَهُ: يَا مُحَمَّد، " فَهَل عسيتم إِن

توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم " قَالَ الرّبيع: فَأرْسل إِلَيّ لَيْلًا فراعني ذَلِك، وَإِذا هُوَ يقْرَأ هَذِه الْآيَة - وَكَانَ أحسن النَّاس صَوتا - فعرفني خبر الرُّؤْيَا. وَقَالَ: عَليّ بمُوسَى بن جَعْفَر. فَجِئْته بِهِ، فعانقه وَأَجْلسهُ إِلَى جَانِبه، وَقَالَ: يَا أَبَا الْحسن، إِنِّي رَأَيْت أَمِير الْمُؤمنِينَ - رَضِي الله عَنهُ - فَقَرَأَ عَليّ كَذَا. أفتؤمنني أت تخرج عَليّ، أَو على أحدٍ من وَلَدي؟ فَقَالَ: وَالله مَا ذَاك شأني. فَقَالَ: صدقت يَا ربيع، أعْطه ثَلَاثَة آلَاف دِينَار، ورده إِلَى أَهله بِالْمَدِينَةِ. قَالَ الرّبيع: فأحكمت أَثَره لَيْلًا فَلَمَّا أصبح كَانَ على الطَّرِيق خوف الْعَوَائِق. وَدخل الْعُتْبِي على الْمهْدي فَعَزاهُ فِي أَبِيه. وهنأه بالخلافة، فَاسْتحْسن كَلَامه وسال عَنهُ، فَقيل: هُوَ من ولد عتبَة بن أبي سُفْيَان، فَقَالَ: أوبقي من أحجارهم مَا أرى؟ قيل: كَانَ الْمهْدي يُصَلِّي الصَّلَوَات كلهَا فِي الْمَسْجِد الْجَامِع بِالْبَصْرَةِ لما قدمهَا، فأقيمت الصَّلَاة يَوْمًا، فَقَالَ أَعْرَابِي: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لست على طهر، وَقد رغبت إِلَى الله فِي الصَّلَاة خَلفك، فَأمر هَؤُلَاءِ أَن ينتظروني، فَقَالَ: انتظروه رحمكم الله، وَدخل الْمِحْرَاب، فَوقف إِلَى أَن أقبل، وَقيل لَهُ: قد جَاءَ الرجل، فَعجب النَّاس من سماحة أخلاقه. هَاجَتْ ريح سَوْدَاء فِي أَيَّام الْمهْدي، فرؤي وَهُوَ ساجد يَقُول: اللَّهُمَّ لَا تشمت بِنَا أعداءنا من الْأُمَم، واحفظ فِينَا دَعْوَة نَبينَا - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَإِن كنت أخذت الْعَامَّة بذنبي فَهَذِهِ ناصيتي بِيَدِك. وَكَانَ الْمهْدي يحب الْحمام، فَأدْخل عَلَيْهِ غياث بن إِبْرَاهِيم، فَقيل لَهُ: حدث أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ قد بلغه استهتار الْمهْدي بالحمام، فَقَالَ: حَدثنِي فلَان عَن فلَان عَن أبي هُرَيْرَة - رَفعه - أَنه قَالَ: " لَا سبق إِلَّا فِي حافر أَو نصل أَو جنَاح " فَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم فَلَمَّا قَامَ. قَالَ الْمهْدي، وَهُوَ ينظر فِي قفا غياث: أشهد أَن قفاك كَذَّاب على رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَإِنَّمَا استجلبت ذَلِك أَنا، وَأمر بالحمام فذبحت.

الهادي

الْهَادِي اعتلت أمه الخيزران، فَأَرَادَ الرّكُوب إِلَيْهَا، فَقَالَ عمر بن بزيع أَلا أدلك على مَا هُوَ انفع من عيادتها، وأجلب لعافيتها؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: تجْلِس للمظالم، فقد احْتَاجَ النَّاس إِلَى ذَلِك، فَرجع وَجلسَ وَوجه إِلَيْهَا: إِنِّي أردتك الْيَوْم، فَعرض من حق الله مَا هُوَ أوجب، فملت إِلَيْهِ، وَأَنا أجيئك فِي غدٍ إِن شَاءَ الله. قَالَ سعيد بن سلم الْبَاهِلِيّ صلى بِنَا الْهَادِي صَلَاة الْغَدَاة فَقَرَأَ: " عَم يتساءلون " فَلَمَّا بلغ قَوْله تَعَالَى: " ألم نجْعَل الأَرْض مهاداً " أرتج عَلَيْهِ، فرددها وَلم يَجْسُر أحدٌ أَن يفتح عَلَيْهِ لهيبته، وَكَانَ أهيب النَّاس، فَعلم ذَلِك فَقَرَأَ: " أَلَيْسَ مِنْكُم رجل رشيد " ففتحنا عَلَيْهِ، وَكُنَّا نعد من محاسنه. وعزى إِبْرَاهِيم بن سلم عَن ابْن لَهُ، وَقد اشْتَدَّ جزعه عَلَيْهِ، فَقَالَ: سرك وَهُوَ بلية وفتنة، ويحزنك وَهُوَ ثَوَاب وَرَحْمَة. وَقَالَ لأمه الخيزران حِين ولي الْخلَافَة: إِن الْأَمر وَالنَّهْي لَا يبلغهُ قدر النِّسَاء، فَلَا تخرجن من خفر الْكِفَايَة إِلَى بذلة التَّدْبِير، اختمري بخمرتك، وَعَلَيْك بسبحتك وَلَا علمتك تعديت ذَلِك إِلَى تَكْلِيف يَضرك، وتعنيف يلزمك، وَلَك بعد هَذَا عَليّ الطَّاعَة الَّتِي أوجبهَا الله لَك فِي غير كفر وَلَا مأثم وَلَا عَار. وأنفذ إِلَيْهَا يَوْمًا أرزاً مسموماً، وَقَالَ: استطبت هَذَا، فأنفذته إِلَيْك، فاسترابت بِهِ وَلم تَأْكُله، وَدخل بعقب ذَلِك إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا: هَل أكلت الْأرز؟ فَقَالَت: نعم. فَقَالَ: لَو أَكلته لَكَانَ الْأَمر بِخِلَاف هَذَا. مَتى أَفْلح خَليفَة لَهُ أم؟ . وشهدوا عِنْده على رجل بِأَنَّهُ شتم قُريْشًا، وتعدى إِلَى ذكر رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -، فَجَلَسَ مَجْلِسا أحضر فِيهِ فُقَهَاء أهل زَمَانه، وأحضر الرجل الشُّهُود وشهدوا،

الرشيد

فَتغير وَجه الْهَادِي، ونكس رَأسه، ثمَّ رَفعه، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعت أبي يحدث عَن أَبِيه الْمَنْصُور عَن أَبِيه مُحَمَّد بن عَليّ عَن أَبِيه عَليّ بن عبد الله عَن أَبِيه عبد الله بن الْعَبَّاس قَالَ: " من أَرَادَ هوان قُرَيْش أهانه الله " وَأَنت يَا عَدو الله، لم ترض بِأَن أردْت ذَلِك من قُرَيْش حَتَّى تخطيت إِلَى ذكر رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -. اضربوا عُنُقه فَقتل. الرشيد قَالَ لحاجبه: احجب عني من إِذا قعد أَطَالَ، وَإِذا سَأَلَ أحَال، وَلَا تستخفن بِذِي الْحُرْمَة، وَقدم أَبنَاء الدعْوَة 0 عرض لَهُ رجل وَهُوَ يطوف بِالْبَيْتِ، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنِّي أُرِيد أَن أُكَلِّمك بِكَلَام فِيهِ خشونة فاحتمله لي. قَالَ: لَا، وَلَا كَرَامَة، قد بعث الله من هُوَ خير مِنْك إِلَى من هُوَ شَرّ مني، فَقَالَ: " فقولا لَهُ قولا لينًا " وَلما احْتضرَ قَالَ: وَا حيائي من رَسُول الله. ودعا بِعَبْد الْملك بن صَالح وَعِنْده وُلَاة عَهده وقواد جنده، فجيئ بِهِ وَهُوَ يرسف فِي قَيده، فَلَمَّا مثل بَين يَدي الرشيد. قَالَ الرشيد: أُرِيد حَيَاته وَيُرِيد قَتْلِي ... عذيرك من خَلِيلك من مُرَاد وَالله لكَأَنِّي أنظر إِلَى شؤبوبها وَقد همع، وَإِلَى عارضها وَقد لمع، وَإِلَى الْوَعيد قد أورى نَارا، فأقلع عَن رُؤُوس بِلَا غلاصم، ومعاصم بِلَا براجم، مهلا مهلا بني هَاشم، فَبِي سهل لكم الوعر، وَصفا لكم الكدر، فنذار نذار من حُلُول داهية خبوط بِالْيَدِ، لبوط بِالرجلِ.

فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أأتكلم فَذا أَو توأماً؟ فَقَالَ: بل فَذا، فَقَالَ: اتَّقِ الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيمَا دلاك، وراقبه فبمَا استرعاك، وَلَا تجْعَل الشُّكْر بِموضع الْكفْر لقَوْل قَائِل ينهس اللَّحْم، ويلغ الدَّم، فوَاللَّه لقد حددت الْقُلُوب على طَاعَتك، وذللت الرِّجَال لمحبتك، وَكنت كَمَا قَالَ أَخُو بني كلاب. ومقام ضيق فرجته ... ببياني، ولساني، وجدل لَو يقوم الْفِيل أَو فياله ... زل عَن مثل مقَامي وزحل فَأمر بِهِ فَرد إِلَى محبسه. ثمَّ قَالَ: لقد دَعَوْت بِهِ، وَأَنا أرى مَكَان السَّيْف من صليف قَفاهُ، ثمَّ هأنا قد رثيت لَهُ. كتب الرشيد إِلَى الْفضل بن يحيى: أَطَالَ الله يَا أخي مدتك، وأدام نِعْمَتك، وَالله مَا مَنَعَنِي من إتيانك إِلَّا التطير من عيادتك، فاعذر أَخَاك، فوَاللَّه مَا قلاك وَلَا سلاك، وَلَا استبدل بك سواك. قَالَ الْأَصْمَعِي: قَالَ لنا الرشيد ذَات يَوْم: مَا التكش عنْدكُمْ؟ قلت: الَّذِي يتفتى على كبر السن. فَقَالَ: أَخْطَأت. التكش: الَّذِي يشرب على غير سَماع. قَالُوا: رفع صَاحب الْخَبَر فِي أَيَّام الرشيد أَن صَاحب الْحَبْس حبس رجلا يجمع بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي منزله، وَأَنه سُئِلَ عَن ذَلِك، فَأقر، وَزعم أَنه يجمع بَينهم بتزويج لَا زنية، وبنكاح لَا سفاح، وَشهد لَهُ بذلك جمَاعَة، وَتشفع فِي بَابه قوم من الْكتاب والقواد، فَلم يُطلق. فَلَمَّا قَرَأَ الرشيد ذَلِك استشاط غَضبا حَتَّى انكر جُلَسَاؤُهُ ذَلِك، وظنوا أَنه سينكل بِالرجلِ، إِلَى أَن قَالَ: وَمَا سبيلهم على رجل وسع فِي منزله لصديقه، وأسبل عَلَيْهِ ستره، وسعى فِيمَا يحل لَهُ من لذته؟ وَهُوَ بعد مستراح للأحرار، وَذَوي الشّرف ةالأقدار، وَنحن نعلم أَن الشريف وَالسَّيِّد، والأديب والأريب قد تكون عِنْده العقيلة من بَنَات عَمه، وَنسَاء قومه، وأكفائه، فتحظر عَلَيْهِ شَهْوَته،

وتملك عَلَيْهِ أمره، وَهِي أقبح من السحر، وأسمج من القرد، وأهر من الْكَلْب، وَأَشد تَعَديا من اللَّيْث العادي، فيريد شِرَاء جَارِيَة أَو تزوج حرَّة، فَلَا يقدر على ذَلِك لمكانها، حَتَّى يستريح إِلَى مثل هَذَا من الفتيان ويغشى منزل أَمْثَاله من الْأَحْرَار، فَيَجْعَلهُ سكنه، وَينزل بِهِ مهمه، فيساعده على حَاجته، وَيسْعَى لَهُ فِيمَا يحب من لذته، ويستره بمنزله. اكتبوا فِي اطلاقه وَالسُّؤَال عَن حَاله فَإِن كَانَ كَمَا ذكر عَنهُ من السّتْر وَكَانَ صَادِقا فِيمَا حكى عَن نَفسه مَا الْفِعْل أَمِين على مروءته باكف وينار وأومن من رَوْعَته وَعرف مَا امرنا بِهِ فِيهِ. فَقَالَ الْجَمِيع: سدد الله رَأْي أَمِير الْمُؤمنِينَ ووفقه. وعاتبته أم جَعْفَر فِي تقريظه لِلْمَأْمُونِ، دون مُحَمَّد ابْنهَا، فَدَعَا خادماًبحضرته، وَقَالَ لَهُ: وَجه إِلَى مُحَمَّد وَعبد الله خادمين حصيفين يَقُولَانِ لكل وَاحِد مِنْهُمَا على الْخلْوَة: مَا يفعل بِهِ إِذا أفضت الْخلَافَة إِلَيْهِ؟ ، فَأَما مُحَمَّد فَإِنَّهُ قَالَ للخادم: أقطعك وَأُعْطِيك، وأقدمك. وَأما الْمَأْمُون فَإِنَّهُ رمى الْخَادِم بِدَوَاةٍ كَانَت بَين يَدَيْهِ، وَقَالَ: يَا بن اللخناء، أتسألني عَمَّا أفعل بك يَوْم يَمُوت أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَخَلِيفَة رب الْعَالمين؟ إِنِّي لأرجو أَن نَكُون جَمِيعًا فداءاً لَهُ. فَرَجَعَا بالْخبر، فَقَالَ الرشيد لأم جَعْفَر: كبف تَرين؟ مَا أقدم ابْنك إِلَّا مُتَابعَة لرأيك، وتركاً للحزم. وسايره يَوْمًا عبد الْملك بن صَالح، فَقَامَ رجل، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، طأطئ من إشرافه، وَاشْدُدْ شكائمه، وَإِلَّا أفسد عَلَيْك ملكك، فَقَالَ الرشيد: يَا عبد الْملك، مَا هَذَا؟ قَالَ: حَاسِد نعْمَة، ونافس رُتْبَة أغضبهُ، رضاك عني وباعده قربك مني، وساءه إحسانك إِلَيّ. فَقَالَ الرشيد: انخفض الْقَوْم وعلوتهم، فتوقدت فِي قُلُوبهم جَمْرَة التأسف، فَقَالَ عبد الْملك: أضرمها الله بالتزيد عنْدك، فَقَالَ: هَذَا لَك وَهَذَا لَهُم. وأنشده إِسْحَاق الْموصِلِي مدحاً لَهُ، فقالك لله در أبياتٍ تجيئ بهَا مَا أحكم أُصُولهَا، وَأحسن فصولها، وَأَقل فضولها فَقَالَ إِسْحَاق: هَذَا الْكَلَام أحسن من شعري.

كَانَ الْحسن اللؤْلُؤِي يخْتَلف إِلَى الْمَأْمُون، يلقِي عَلَيْهِ الْفَرَائِض، فَدخل عَلَيْهِ لَيْلَة وَقد صلى الْعشَاء الْآخِرَة، فَجعل يلقِي عَلَيْهِ، ونعس الْمَأْمُون فأطبق جفْنه، فَقَالَ الْحسن: أنمت أَيهَا الْأَمِير؟ فَفتح عَيْنَيْهِ وَهُوَ إِذْ ذَاك صبي فَقَالَ: عَامي وَالله لم يغذ بالأدب، خُذُوا بِيَدِهِ وَلَا تعيدوه إِلَيّ. فَبلغ ذَلِك الرشيد، فتمثل بقول زُهَيْر: وَهل ينْبت الخطي إِلَّا وشيجه ... وتغرس إِلَّا فِي منابتها النّخل وَقَالَ لحاجبه: احجب عني من إِذا قعد أَطَالَ، وَإِذا سَأَلَ أحَال، وَلَا تستخفن بِذِي حُرْمَة، وَقدم أَبنَاء الدعْوَة. وَصعد يَوْمًا الْمِنْبَر وَقد شغب الْجند، ثمَّ سكنوا بعد إِيقَاع بهم، فَقَالَ: الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَصلى الله على الْمَلَائِكَة المقربين، والأنبياء أَجْمَعِينَ. أما بعد، فقد كَانَ لكم ذَنْب، وَكَانَ لنا عتب، وَكَانَ مِنْكُم اصطلام، وَكَانَ منا انتقام، وَعِنْدِي بعد هَذَا التَّنْفِيس عَن المكروبين، والتفريج عَن المغمومين، وَالْإِحْسَان إِلَى الْمُحْسِنِينَ، والتغمد لإساءة المسيئين، وَألا يكفر لكم بلَاء، وَلَا يحبس عَنْكُم عَطاء، وَعلي بذلك الْوَفَاء إِن شَاءَ الله. ثمَّ نزل. قَالَ سعيد بن سلم: كَانَ فهم الرشيد فهم الْعلمَاء. أنْشدهُ الْعمانِي فِي صفة الْفرس: كَأَن أُذُنَيْهِ إِذا تشوفا ... قادمة أَو قَلما محرفا فَقَالَ الرشيد: دع كَأَن، وَقل: تخال أُذُنَيْهِ حَتَّى يَسْتَوِي الشّعْر.

أنْشد النميري الرشيد شعرًا يَقُول فِيهِ: لَيْسَ كأسياف الْحُسَيْن وَلَا بني ... حسن، وَلَا آل الزبير الكلل فَقَالَ لَهُ الرشيد: وَمَا تولعك بِذكر الْقَوْم لَا ينالهم ذمّ إِلَّا شاطرتهم إِيَّاه. قرر ابْني هَذَا مِنْك وفيك، فَلَا تعدله، فَإِنَّمَا نفارقهم فِي الْملك وَحده، ثمَّ لَا افْتِرَاق فِي شَيْء بعده. مَاتَت أمه الخيزران بعد ثَلَاث سِنِين من خِلَافَته، وَكَانَ غَلَّتهَا يَوْم مَاتَت مِائَتي ألف ألف، وَسِتِّينَ ألف دِرْهَم كل سنة، فاتسع الرشيد بذلك وَمَات فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَت فِيهِ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بِالْبَصْرَةِ، وَقبض الرشيد مَا خَلفه من الصَّامِت، فَكَانَ ثَلَاثَة آلَاف ألف دِينَار، وَلم يعرض لغير ذَلِك من أَصْنَاف المَال. قَالَ الرشيد يَوْمًا: بَلغنِي أَن الْعَامَّة يظنون بِي بغض عَليّ بن أبي طَالب. وَالله مَا أحب أحدا حبي لَهُ، وَلَكِن وَلَده هَؤُلَاءِ أَشد النَّاس بغضاً لنا، وطعناً علينا، وسعياً فِي إِفْسَاد ملكنا، بعد أَخذنَا بثأرهم، ومساهمتنا إيَّاهُم ماحوينا، حَتَّى إِنَّهُم لأميل إِلَى بني أُميَّة مِنْهُم إِلَيْنَا، فَأَما عَليّ وَولده لصلبه، وَأَوْلَاد أَوْلَاده، فهم سادة الْأَهْل، وَالسَّابِقُونَ إِلَى الْفضل، وَلَقَد حَدثنِي أبي الْمهْدي عَن أَبِيه الْمَنْصُور بن مُحَمَّد بن عَليّ عَن أَبِيه عَن ابْن الْعَبَّاس أَنه سمع النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول فِي الْحسن وَالْحُسَيْن: " من أحبهما فقد أَحبَّنِي، وَمن أبغضهما فقد أبغضني ". وسمعته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي فَاطِمَة - رَضِي الله عَنْهَا -: " فَاطِمَة سيدة نسَاء الْعَالمين مَا خلا مَرْيَم بنت عمرَان وآسيا بنت مُزَاحم ". قَالَ يزِيد بن مزِيد: قَالَ لي الرشيد: مَا بَقِي فِي الْعَرَب من يفتك قلت: وَمَا ذَاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ فَقَالَ: رجل يقتل لي يحيى بن خَالِد. قَالَ: قلت لَهُ: فَأَنا أَقتلهُ وآتيك بِرَأْسِهِ. قَالَ: لَيْسَ كَذَا أُرِيد. إِنَّمَا أُرِيد أَن يقْتله رجل فَأَقْتُلهُ بِهِ. قَالَ: فَحدثت بِهِ الْفضل بن سهل بمرو، فَوَجَمَ واغتم. قَالَ الْأَصْمَعِي قَالَ لي الرشيد فِي أول يَوْم عزم فِيهِ على تأنيسي: يَا عبد الْملك، أَنْت أحفظ منا، وَنحن أقل مِنْك. لَا تعلمنا فِي ملا، وَلَا تسرع

الامين

إِلَى تذكيرنا فِي خلاء، واتركنا حَتَّى نبتدئك بالسؤال، فَإِذا بلغت من الْجَواب قدر اسْتِحْقَاقه فَلَا تزد، وَإِيَّاك والبداء إِلَى تصديقنا، أَو شدَّة الْعجب بِمَا يكون منا. وَعلمنَا من الْعلم مَا نحتاج إِلَيْهِ، على عتبات المنابر، وَفِي أعطاف الْخطب، وفواصل المخاطبات، وَدعنَا من رِوَايَة حوشي الْكَلَام وغرائب الْأَشْعَار، وَإِيَّاك وإطالة الحَدِيث إِلَّا أَن نستدعي ذَلِك مِنْك. وَمَتى رَأَيْتنَا صادفين عَن الْحق فأرجعنا إِلَيْهِ مَا اسْتَطَعْت، من غير تَقْرِير بالْخَطَأ، وَلَا إضجار يطول الترداد. قَالَ قلت: أَنا إِلَى حفظ هَذَا الْكَلَام أحْوج مني إِلَى كثير من الْبر. الْأمين قيل لبَعض الْعلمَاء: كَيفَ كَانَت بلاغة الْأمين؟ قَالَ: وَالله لقد أَتَتْهُ الْخلَافَة يَوْم الْجُمُعَة، فَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَة حَتَّى نُودي: الصَّلَاة جَامِعَة، فَخرج ورقي الْمِنْبَر، فَحَمدَ الله، وَأثْنى عَلَيْهِ. ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس، وخصوصاً يَا بني عَبَّاس، إِن الْمنون مراصد ذَوي الأنفاس حتم من الله لَا يدْفع حُلُوله، وَلَا يُنكر نُزُوله، فارتجعوا قُلُوبكُمْ من الْحزن على الْمَاضِي إِلَى السرُور بِالْبَاقِي، تُجْزونَ ثَوَاب الصابرين، وتعطون أجور الشَّاكِرِينَ. فتعجب النَّاس من جرأته، وبلة رِيقه، وَشدَّة عارضته. وَكَانَ الْمَأْمُون يَقُول: كَانَ يَقُول لي الرشيد: وددت لَو أَن لَك بلاغة مُحَمَّد، وَأَن عَليّ غرم كَذَا وَكَذَا. وَذكر أَن مُحَمَّد فِي صباه كَانَ كثير اللّعب، وَكَانَ الْمعلم يلقِي عَلَيْهِ فِي الْكتاب، وعَلى الْمَأْمُون، وَكَانَ مُحَمَّد يلْعَب ويحفظ، والمأمون ينسى وَهُوَ مقبل على الْعلم يقْصد قَصده. ذكر أَنه دَعَا يَوْمًا عبد الله بن أبي عَفَّان ليصطبح، فَأَبْطَأَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: أَظُنك أكلت. قَالَ: لَا وَالله. قَالَ: وَالله لتصدقن. قَالَ: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ،

فَدَعَا بحكاك فحك أَضْرَاسه السُّفْلى، فَلَمَّا ذهب ليحك الْعليا قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، دعها لغضبة أُخْرَى، فَخَلَّاهُ. قَالَ الْفضل بن مَرْوَان: سمعته يَقُول فِي خطبَته: النَّاس جَمِيعًا آمنون إِلَّا أَصْحَاب الْأَهْوَاء. وَقَالَ لكاتب بَين يَدَيْهِ: دع الإطناب، والزم الإيجاز، فَإِن للإيجاز إفهاماً، كَمَا أَن مَعَ الإسهاب استبهاماً. وَلما اشْتَدَّ طَاهِر على مُحَمَّد دخلت عَلَيْهِ أمه أم جَعْفَر باكية، فَقَالَ لَهَا: مَه، إِنَّه لَيْسَ بجزع النِّسَاء وهلعهن تشفى الصُّدُور، وتساس الْأُمُور وللخلافة سياسة تلين مرّة وتخشن أُخْرَى، لَا يَسعهَا صدر المراضيع، وَلَا تحفظ بإضاعة، فإليك إِلَيْك. وَكتب مُحَمَّد إِلَى طَاهِر بِخَطِّهِ: إعلم يَا طَاهِر أَنه مَا قَامَ لنا قَائِم بِحَق فتم لِأَحَدِنَا أمره إِلَّا كَانَ السَّيْف جزاءه مِنْهُ، فَانْظُر لنَفسك أَو دع. فَقَالَ طَاهِر - وَكَانَ قومٌ يضعفون مُحَمَّدًا عِنْده على من يَقُول -: إِن هَذَا مضعف مأفون لَعنه الله، لقد قدح بقلبي نَارا من الحذر لَا يطفئها أمنٌ أبدا. كَانَ الرشيد أَخذ ضَيْعَة من صَالح صَاحب الْمصلى. وَدفعهَا إِلَى أم جَعْفَر فَلَمَّا ولي الْأمين سَأَلَهُ الْفضل بن الرّبيع ردهَا على صَالح، فَقَالَ: أَنا أعوضه ولاأظلم أبي، وَلَا أعق أُمِّي. قَالَ بَعضهم: كنت وَاقِفًا بَين يَدي الْأمين، فَقَالَ لكاتب بَين يَدَيْهِ: اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عبد الله مُحَمَّد الْأمين أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى طَاهِر بن الْحُسَيْن سلامٌ عَلَيْك. أما بعد، فَإِن الْأَمر قد خرج بيني وَبَين لأخي إِلَى هتك الستور، وكشف الْحرم، وَلست آمن أَن يطْمع فِي هَذَا الْأَمر السحيق الْبعيد، لشتات ألفتنا، وَاخْتِلَاف كلمتنا، وَقد رضيت أَن تكْتب لي أَمَانًا لأخرج إِلَى أخي بِهِ، فَإِن تفضل عَليّ فَأهل لذَلِك، وَإِن قتلني فمروة كسرت مروة، وصمصامة قطعت صمصامة، وَلِأَن تفترسني السَّبع أحب إِلَيّ من أَن ينبحني الْكلاب

المامون

وَدفع الْكتاب إِلَى خَادِم لَهُ وَقَالَ لي: امْضِ مَعَه. فغيرنا إِلَى طَاهِر فَقَالَ الْآن حِين انخرم عَنهُ مراقه وفماقه وبقى مخذولاً: مغلولاً يلوذ بالأمان لَا وَالله أَو يَجْعَل فِي عُنُقه ساجوراً، وَيَقُول: هأنذا قد نزلت على حكمك. فَقُلْنَا: فَمَا الْجَواب؟ قَالَ: قد سمعتماه فانصرفا إِلَى الْأمين، وأخبراه بذلك، فَقَالَ: كذب عبد السوء العاض لَهُنَّ أمه، وَالله مَا أبلى أوقعت على الْمَوْت أَو وَقع الْمَوْت عَليّ. كَانَ الْأمين أول من دعِي لَهُ على المنابر باللقب، وَأول من كتب عَنهُ: من عبد الله مُحَمَّد الْأمين. سمع الْأمين الْفضل بن ربيع يتَمَثَّل بقول البعيث: لشتان مَا بيني وَبَين ابْن خَالِد ... أُميَّة فِي الرزق الَّذِي الله يقسم يقارع أتراك ابْن خاقَان ليله ... إِلَى أَن يرى الإصباح، وَلَا يتلعثم وآخذها صهباء كالمسك رِيحهَا ... لَهَا أرج فِي دنها حِين ترشم فَقَالَ لَهُ: يَا عباسي، لقد علمت مَا أردْت بتمثلك، أردتني وَعبد الله أخي، وَأَنه يجد بِي وأمزح، وَمَا ضرّ يزِيد لعبه، وَلَا نفع ابْن الزبير تيقظه وجده، وَمَا قضي فَهُوَ كَائِن، وَإِلَى الله تصير الْأُمُور. الْمَأْمُون قَالَ يَوْمًا لبَعض رهطه: يَا نطف الْخمار، ونزائع الظئورة، وَأَشْبَاه الخؤولة.

وَذكر أَن الْكسَائي قَامَ إِلَيْهِ يَوْمًا - وَهُوَ يُعلمهُ وَهُوَ صغيرٌ - فَضَربهُ، وَقد كَانَ ذَلِك الْيَوْم صلى ذَلِك الْيَوْم قَاعِدا: أما تستحيي أَيهَا الشَّيْخ، تصلي لله قَاعِدا، وتضربني قَائِما. قَالَ بَعضهم: قَرَأت كتاب ذِي الرياستين إِلَى الْمَأْمُون، وتوقيع الْمَأْمُون فِيهِ، فَإِذا فِي الْكتاب بعد الصَّدْر وَالدُّعَاء: إِن قَارِئًا قَرَأَ البارحة: " وقلن نسْوَة فِي الْمَدِينَة "، فأنكرنا ذَلِك عَلَيْهِ، فَذكر أَن الْكسَائي أجَازه، وَكتاب الله لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه، فَرددْنَا علم كتاب الله إِلَى خَلِيفَته. قَالَ: وَإِذا توقيع الْمَأْمُون فِيهِ: " عمرك الله - ذَا الرياستين - طَويلا فِي طَاعَته، وجعلك قَائِما بِأَمْر دينه، ذاباً عَن حَرِيم أمته، إِن لكل علم دستوراً، ودستور هَذَا الْعلم الْقُرْآن، فَعَلَيْك بقرَاءَته على مَا أجمع عَلَيْهِ، وَلَا تلْتَفت إِلَى مُخْتَار قولا ليعقد لَهُ رياسة، وَالسَّلَام. كتب الْمَأْمُون إِلَى طَاهِر لما قتل عَليّ بن عِيسَى فِي رِسَالَة طَوِيلَة: إِنَّمَا لَك من هَذَا الْأَمر موقع السهْم من الرَّمية، والتسديد والرأي، وَالتَّدْبِير لأبي الْعَبَّاس الْفضل بن سهل. وَكَانَ يَقُول: إِذا رفعت الْمَائِدَة من بَين يَده: الْحَمد لله الَّذِي جعل أرزاقنا فضلا على أقواتنا. وَقَالَ: مَا انفتق عَليّ فتق قطّ إِلَّا وجدت سَببه جور الْعمَّال.

وَقَالَ: أهل السُّوق سفل، والصناع أنذال، والتجار بخلاء، وَالْكتاب مُلُوك على النَّاس. وَقيل لَهُ: لَيْسَ فِي السَّرف شرف، فَقَالَ: لَيْسَ فِي الشّرف سرف، وَقَالَ يَوْمًا لبَعْضهِم: مَتى قدمت، قَالَ: بعد غدٍ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ: بيني وَبَيْنك بعد مرحلتان. وَرَأى الْمَأْمُون يحيى بن أَكْثَم يحد النّظر إِلَى الواثق - وَهُوَ أَمْرَد - فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد، حوالينا ولاعلينا. تنَازع أَحْمد بن أبي خَالِد وَإِبْرَاهِيم السندي بِحَضْرَة الْمَأْمُون، فَقَالَ أَحْمد: أَمِير الْمُؤمنِينَ أفضل من آبَائِهِ قدرا، وَأَرْفَع محلا. وَقَالَ إِبْرَاهِيم: بل أَمِير الْمُؤمنِينَ أرفع أهل دهره، ودوين آبَائِهِ. فَقَالَ الْمَأْمُون: يَا أَحْمد، إِن إِبْرَاهِيم يبنيني، وَأَنت تهدمني، وَهُوَ يبرم فتل مريرتي، وَأَنت تنقضني. قَالَ بَعضهم: حضرت الْمَأْمُون وَقد قطعت لَهُ ثِيَاب خَز، فَقَالَ: بطنوها بألوان طرزها. وَلما احْتضرَ قَالَ: يَا من لَا يَزُول ملكه إرحم من زَالَ ملكه. ضرب رجل على سكته، فَأمر بحبسه مُؤَبَّدًا، فلبى فِي الْحَبْس ليخرج فَرفع إِلَيْهِ الْخَبَر فَوَقع الْمَأْمُون: أَظن هَذَا الرجل الخائن قصد خلاف نِيَّته فِي الْحَج، وَأظْهر ضد عزيمته، وَقد أَخْطَأت استه الحفرة فَإِذا حرم الْحَج بِسوء تَدْبيره، فَلَنْ يعْدم فَتْوَى صادقه من فَرِيضَة محكمَة، هُوَ محصر وَعَلِيهِ الْهَدْي، فليأخذ بتعجيله وَلَا يرخص لَهُ فِي بِتَأْخِيرِهِ. وَسمع رجلا يَقُول: قلب الله الدُّنْيَا فَقَالَ الْمَأْمُون: إِذا تستوي. واختصم بِحَضْرَتِهِ بَصرِي وكوفي، فَقَالَ للبصري: إرمه بآيتيك الْمَدّ والجزر، وَمُحَمّد بن عباد. وَدخل إِلَيْهِ يحيى بن الْحُسَيْن الطَّالِبِيُّ، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، حيرتني عارفتك، حَتَّى مَا أَدْرِي كَيفَ أشكرك. قَالَ: فَلَا عَلَيْك، فَإِن الزِّيَادَة فِي الشُّكْر على الصنيعة ملق، وَإِن النَّقْص عي، وحسبك أَن تبلغ حَيْثُ بلغ بك.

وَقَالَ لعبد الله بن طَاهِر: تثبت، فَإِن الله قد قطع عذر العجول، بِمَا مكنه من التثبت، وَأوجب عَلَيْهِ الْحجَّة على القلق، بِمَا بَصَره من فضل الأناة. فَقَالَ ابْن طَاهِر: أأكتبه: فَقَالَ: نعم. قَالُوا: لما وجد عمر بن فَرح كتابا من أهل الكرخ إِلَى عَليّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن مُحَمَّد - رَضِي الله عَنْهُم - جَاءَ بِهِ إِلَى الْمَأْمُون، فَقَالَ الْمَأْمُون: نَحن أولى من ستر هَذَا وَلم يشعه. ودعا عَليّ بن مُحَمَّد، فَقَالَ لَهُ: قد وقفنا على أَمرك، وَقد وهبنا ذَلِك لعَلي وَفَاطِمَة - رَضِي الله عَنْهُمَا - فَاذْهَبْ، وتخير مَا شِئْت من الذُّنُوب، فَإنَّا نتخير لَك مثل ذَلِك من الْعَفو. رفع الْوَاقِدِيّ قصَّة إِلَيْهِ يشكو غَلَبَة الدّين، وَقلة الصَّبْر، فَوَقع الْمَأْمُون عَلَيْهَا: أَنْت رجل فِيك خلَّتَانِ: السخاء وَالْحيَاء، فَأَما السخاء. فَهُوَ الَّذِي أطلق مَا فِي يدك، وَأما الْحيَاء فَبلغ بك مَا أَنْت عَلَيْهِ، وَقد أمرنَا لَك بِمِائَة ألف دِرْهَم. فان كُنَّا أصبْنَا إرادتك فازدد فِي بسط يدك وَإِن كُنَّا فَإِن كُنَّا لم نصب إرادتك فبجنايتك على نَفسك. وَأَنت كنت حَدَّثتنِي، وَأَنت على قَضَاء الرشيد، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للزبير: " يَا زبير، إِن مَفَاتِيح الرزق بِإِزَاءِ الْعَرْش، ينزل الله للعباد على قدر نفقاتهم، فَمن كثر كثر لَهُ. وَمن قلل قلل لَهُ. قَالَ لِلْوَاقِدِي: وَكنت أنسيت هَذَا الحَدِيث، فَكَانَت مذاكرته إيَّايَ بِهِ أعجب إِلَيّ من صلته. وَقَالَ لِلْمَأْمُونِ: الطَّعَام لون وَاحِد. فَإِذا استطبته فاشبع مِنْهُ. والندمان وَاحِد، فَإِذا استطبته فاستزده حَتَّى تقضي وطرك مِنْهُ. وَذكر أَن إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي دخل على الْمَأْمُون، وَبَين يَدَيْهِ صَاع رطب، فَقَالَ: أدن فَكل. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ على مَا بِي؟ وَكَانَ وجع الْعين، فَقَالَ: وَيحك وَلَا تهب عَيْنك للرطب. وَدخل إِلَيْهِ الطَّبِيب فَشَكا إِلَيْهِ وجع الْأَسْنَان، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تَأْكُل الرطب وَلَا تشرب المَاء بثلج، فَقَالَ: لولاهما مَا أردتك.

قَالَ بَعضهم: رَأَيْت الْمَأْمُون وَقد ضرب غَسَّان بن عباد خمس عشرَة درة لإعادته حدثياً على النَّبِيذ. وَقَالَ الْمَأْمُون لمُحَمد بن يزْدَاد: جئني بِمن يكْتب بَين يَدي كتابا إِلَى عبد الله بن طَاهِر، فجَاء بِسُلَيْمَان بن وهب، فأملى عَلَيْهِ، ثمَّ نظر إِلَى خطه فاستجاده. فَقَالَ: من تكون يَا غُلَام؟ قَالَ: سُلَيْمَان بن وهب بن سعيد عبد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَابْن عَبده. قَالَ: وهب بن سعيد الغريق فِي دجلة؟ قلت: نعم يَا سَيِّدي. قَالَ: لله در أَبِيك مَا كَانَ يُطْفِئ ذكاءه إِلَّا دجلة. وَقع الْمَأْمُون فِي قصَّة متظلم من أبي عِيسَى بن الرشيد: " فَإِذا نفخ فِي الصُّور فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون ". وتظلم إِلَيْهِ قوم من قَاضِي جبل، وَذكروا أَنه يعَض رُؤُوس الْخُصُوم، فَوَقع فِي قصتهم يشنق إِن شَاءَ الله. وَقَالَ: من أَرَادَ أَن يطيب عيشه فليدفع الْأَيَّام بِالْأَيَّامِ. قَالَ أَحْمد بن أبي خَالِد: دخلت على الْمَأْمُون وَهُوَ قَائِم يصفي نبيذاً، فبادرت لأتولى ذَلِك، فَقَالَ: مَه أما أحدٌ يَكْفِينِي هَذَا؟ ، وَلَكِن مجْرَاه على كَبِدِي، فَأَحْبَبْت أَن أتولاه بيَدي. قَالَ الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون لغلامه: إِن رَأَيْت فِي الرصافة بقلاً حسنا فاشتر لي مِنْهُ بِنصْف دِرْهَم. فَقَالَ مَأْمُون: أما إِذا عرفت أَن للدرهم نصفا فوَاللَّه لَا أفلحت أبدا. قَالَ يحيى بن أَكْثَم: ماشيت الْمَأْمُون فِي بستانة، وَيَده فِي يَدي، فَكَانَ فِي الظل، وَأَنا فِي الشَّمْس. فَلَمَّا بلغنَا مَا أردنَا. ورجعنا صرت أَنا فِي الفيئ وَصَارَ هُوَ فِي الشَّمْس، فَدرت إِنَّا إِلَى الشَّمْس، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بإنصاف، كَمَا كنت أَنا فِي الفيئ ذَاهِبًا فَكُن أَنْت فِي الفيئ رَاجعا. قَالَ الْمَأْمُون: أَقمت زَمَانا أداري الرشيد فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء: مِنْهَا أَنه كَانَ يزْعم أَن بَغْدَاد أطيب بِلَاد الله، وَكنت أستوبئها. وَكَانَ يَقُول:؟ إِن وجدت رجلا يقدم عَليّ بن أبي طَالب على من تقدمه ضَربته الْحَد، وَكنت مِمَّن يقدمهُ. وَكَانَ يَقُول: ضَعُوا الْأَمْوَال موَاضعهَا، فَإِنَّكُم إِن صرفتموها عَن أَهلهَا وَوَضَعْتُمُوهَا فِي غَيرهم كنت كمن بذر

فِي السباخ، وَكَانَ المَال عِنْدِي بِمَنْزِلَة الْحِجَارَة، وأنسيت الرَّابِعَة. قَالُوا: كَانَت الرَّابِعَة حب الرشيد للفضل بن الرّبيع، وبغض الْمَأْمُون لَهُ. كَانَ يَقُول: أَنا وَالله أستلذ الْعَفو حَتَّى أَخَاف أَلا أوجر عَلَيْهِ وَلَو عرف النَّاس مِقْدَار محبتي للعفو لتقربوا إِلَيّ بِالذنُوبِ. وَكَانَ يَقُول: شرب المَاء بالبلح أدعى إِلَى إخلاص الْحَمد. وَقَالَ الجاحظ: سمعته يقولك الإرجاء دين الْمُلُوك. وَكَانَ يحب الشطرنج واللعب بهَا، وَيَقُول: هُوَ لَهو فكري. وَلم يكن حاذقاً بهَا، فَكَانَ يقولك أَنا أدبر أَمر الدُّنْيَا فأتسع لذَلِك، وأضيق عَن تَدْبِير شبرين فِي شبرين، وَله فِي الشطرنج شعر مَعْرُوف. كَانَ الْعَبَّاس ابْنه مُولَعا بشرى الضّيَاع، والمعتصم أَخُوهُ بشرى الغلمان، فَكَانَ الْمَأْمُون إِذا رآهما تمثل: د، فَإِذا استطبته فاستزده حَتَّى تقضي وطرك مِنْهُ. وَذكر أَن إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي دخل على الْمَأْمُون، وَبَين يَدَيْهِ صَاع رطب، فَقَالَ: أدن فَكل. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ على مَا بِي؟ وَكَانَ وجع الْعين، فَقَالَ: وَيحك وَلَا تهب عَيْنك للرطب. وَدخل إِلَيْهِ الطَّبِيب فَشَكا إِلَيْهِ وجع الْأَسْنَان، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تَأْكُل الرطب وَلَا تشرب المَاء بثلج، فَقَالَ: لولاهما مَا أردتك. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت الْمَأْمُون وَقد ضرب غَسَّان بن عباد خمس عشرَة درة لإعادته حدثياً على النَّبِيذ. وَقَالَ الْمَأْمُون لمُحَمد بن يزْدَاد: جئني بِمن يكْتب بَين يَدي كتابا إِلَى عبد الله بن طَاهِر، فجَاء بِسُلَيْمَان بن وهب، فأملى عَلَيْهِ، ثمَّ نظر إِلَى خطه فاستجاده. فَقَالَ: من تكون يَا غُلَام؟ قَالَ: سُلَيْمَان بن وهب بن سعيد عبد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَابْن عَبده. قَالَ: وهب بن سعيد الغريق فِي دجلة؟ قلت: نعم يَا سَيِّدي. قَالَ: لله در أَبِيك مَا كَانَ يُطْفِئ ذكاءه إِلَّا دجلة. وَقع الْمَأْمُون فِي قصَّة متظلم من أبي عِيسَى بن الرشيد: " فَإِذا نفخ فِي الصُّور فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون ". وتظلم إِلَيْهِ قوم من قَاضِي جبل، وَذكروا أَنه يعَض رُؤُوس الْخُصُوم، فَوَقع فِي قصتهم يشنق إِن شَاءَ الله. وَقَالَ: من أَرَادَ أَن يطيب عيشه فليدفع الْأَيَّام بِالْأَيَّامِ. قَالَ أَحْمد بن أبي خَالِد: دخلت على الْمَأْمُون وَهُوَ قَائِم يصفي نبيذاً، فبادرت لأتولى ذَلِك، فَقَالَ: مَه أما أحدٌ يَكْفِينِي هَذَا؟ ، وَلَكِن مجْرَاه على كَبِدِي، فَأَحْبَبْت أَن أتولاه بيَدي. قَالَ الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون لغلامه: إِن رَأَيْت فِي الرصافة بقلاً حسنا فاشتر لي مِنْهُ بِنصْف دِرْهَم. فَقَالَ مَأْمُون: أما إِذا عرفت أَن للدرهم نصفا فوَاللَّه لَا أفلحت أبدا. قَالَ يحيى بن أَكْثَم: ماشيت الْمَأْمُون فِي بستانة، وَيَده فِي يَدي، فَكَانَ فِي الظل، وَأَنا فِي الشَّمْس. فَلَمَّا بلغنَا مَا أردنَا. ورجعنا صرت أَنا فِي الفيئ وَصَارَ هُوَ فِي الشَّمْس، فَدرت إِنَّا إِلَى الشَّمْس، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بإنصاف، كَمَا كنت أَنا فِي الفيئ ذَاهِبًا فَكُن أَنْت فِي الفيئ رَاجعا. قَالَ الْمَأْمُون: أَقمت زَمَانا أداري الرشيد فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء: مِنْهَا أَنه كَانَ يزْعم أَن بَغْدَاد أطيب بِلَاد الله، وَكنت أستوبئها. وَكَانَ يَقُول:؟ إِن وجدت رجلا يقدم عَليّ بن أبي طَالب على من تقدمه ضَربته الْحَد، وَكنت مِمَّن يقدمهُ. وَكَانَ يَقُول: ضَعُوا الْأَمْوَال موَاضعهَا، فَإِنَّكُم إِن صرفتموها عَن أَهلهَا وَوَضَعْتُمُوهَا فِي غَيرهم كنت كمن بذر فِي السباخ، وَكَانَ المَال عِنْدِي بِمَنْزِلَة الْحِجَارَة، وأنسيت الرَّابِعَة. قَالُوا: كَانَت الرَّابِعَة حب الرشيد للفضل بن الرّبيع، وبغض الْمَأْمُون لَهُ. كَانَ يَقُول: أَنا وَالله أستلذ الْعَفو حَتَّى أَخَاف أَلا أوجر عَلَيْهِ وَلَو عرف النَّاس مِقْدَار محبتي للعفو لتقربوا إِلَيّ بِالذنُوبِ. وَكَانَ يَقُول: شرب المَاء بالبلح أدعى إِلَى إخلاص الْحَمد. وَقَالَ الجاحظ: سمعته يقولك الإرجاء دين الْمُلُوك. وَكَانَ يحب الشطرنج واللعب بهَا، وَيَقُول: هُوَ لَهو فكري. وَلم يكن حاذقاً بهَا، فَكَانَ يقولك أَنا أدبر أَمر الدُّنْيَا فأتسع لذَلِك، وأضيق عَن تَدْبِير شبرين فِي شبرين، وَله فِي الشطرنج شعر مَعْرُوف. كَانَ الْعَبَّاس ابْنه مُولَعا بشرى الضّيَاع، والمعتصم أَخُوهُ بشرى الغلمان، فَكَانَ الْمَأْمُون إِذا رآهما تمثل: يَبْنِي الرِّجَال، وَغَيره يَبْنِي الْقرى ... شتان بَين قرى وَبَين الرِّجَال قلق بِكَثْرَة مَاله وجياده ... حَتَّى يفرقها على الْأَبْطَال وَقيل لَهُ: إِن دعبلاً قد هجاك، فَقَالَ: من يَجْسُر أَن يهجو أَبَا عباد على خرقه وعجلته يَجْسُر أَن يهجوني. وَكَانَ يَقُول: إِذا وضحت الْحجَّة ثقل عَليّ اسْتِمَاع الْمُنَازعَة فِيهَا. وحدثه يَوْمًا الْمَدَائِنِي، فقالك إِن مُعَاوِيَة قَالَ: بَنو هَاشم أسود وَاحِدًا وَنحن أَكثر سيداً. فَقَالَ الْمَأْمُون: يَا على إِنَّه قد أقرّ وَادّعى، فَهُوَ فِي ادعائه خصم، وَفِي إِقْرَاره مخصوم. قَالَ ابْن أبي دواد: سمعته يَقُول لرجل: إِنَّمَا هُوَ عذر أَو يَمِين، وَقد وهبتهما لَك، فَلَا تزَال تسئ وَأحسن، وتذنب وأعفو، حَتَّى يكون الْعَفو هُوَ الَّذِي يصلحك.

وَقَالَ لَهُ الْحسن بن سهل فِي رجل مذنب: هبخ لي. قَالَ: وَكَيف لَا أهبه لمن بِهِ قدرت عَلَيْهِ. وخطب بمرو - وَقد ورد عَلَيْهِ كتاب الْأمين يعزيه بالرشيد، ويحثه على أَخذ الْبيعَة لَهُ - فَقَالَ: إِن ثَمَرَة الصَّبْر الْأجر، وَثَمَرَة الْجزع الْوزر، والتسلم لأمر الله جلّ وَعز فَائِدَة جليلة، وتجارة مربحة، وَالْمَوْت حَوْض مورود، وكأسٌ مشروبٌ. وَقد أُتِي على خليفتكم - رَضِي الله عَنهُ - مَا أَتَى على نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، فَمَا كَانَ إِلَّا عبدا دعِي فَأجَاب، وَأمر فأطاع، وَقد سد أَمِير الْمُؤمنِينَ ثلمته وَقَامَ مقَامه، وَفِي أَعْنَاقكُم من الْعَهْد مَا قد عَرَفْتُمْ، فَأحْسنُوا العزاء عَن إمامكم الْمَاضِي، واغتبطوا بالنعماء بِالْوَفَاءِ لخليفتكم الْبَاقِي. يَا أهل خُرَاسَان: إِن الْمَوْت نَازل، وَالْأَجَل طَالب، وأمس واعظ، وَالْيَوْم مغتنم، وغد منتظر. ثمَّ نزل. وَكتب إِلَيْهِ يزِيد بن عقال يثني على عبد الله بن طَاهِر، فَوَقع الْمَأْمُون فِي كِتَابه: عبد الله كَمَا ذكرت، وعَلى أَكثر مِمَّا وصفت. قد حمله أَمِير الْمُؤمنِينَ فَاحْتمل، وأثقله فاضطلع. كَانُوا يسمون أرصاد السُّلْطَان المسالح من السِّلَاح، فكره ذَلِك الْمَأْمُون فصيره الْمصَالح من الْمصلحَة. وَقَالَ: إِذا أصلح الْملك مَجْلِسه، وَاخْتَارَ من يجالسه صلح ملكه كُله. وَرفع أهل الْكُوفَة قصَّة إِلَيْهِ يَشكونَ عَاملا، فَوَقع: عَيْني تراكم، وقلبي يرعاكم، وَأَنا مول عَلَيْكُم ثقتي ورضاكم. وشغب الْجند فَرفع ذَلِك إيه، فَوَقع: لَا يُعْطون على الشغب، وَلَا يحوجون إِلَى الطّلب. وناظر يَوْمًا مُحَمَّد بن الْقَاسِم النوشجاني، فَجعل يصدقهُ ويفضي لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: تنقاد لي إِلَى مَا تظن أَنه يسرني، قبل وجوب الْحجَّة عَلَيْك وَلَو شِئْت أَن أقتسر الْأُمُور بِفضل بَيَان، وَطول لِسَان، وأبهة الْخلَافَة، وسطوة الرياسة لصدقت وَإِن كنت كَاذِبًا، وصوبت وَإِن كنت مخطئاً، وَعدلت وَإِن كنت

جائراً، وَلَكِنِّي لَا أرْضى إِلَّا بِإِزَالَة الشُّبْهَة، وَغَلَبَة الْحجَّة، وَإِن شَرّ الْمُلُوك عقلا، وأسخفهم رَأيا من رَضِي بقَوْلهمْ: صدق الْأَمِير. وقف أَحْمد بن أَحْمد بن عُرْوَة بَين يَدَيْهِ، وَقد صرفه عَن الأهواز، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: أخربت الْبِلَاد، وأهلكت الْعباد. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا تحب أَن يفعل الله بك إِذا وقفت بَين يَدَيْهِ، وَقد قرعك بذنوبك؟ فال: الْعَفو والصفح. قَالَ: فافعل بغيرك مَا تخْتَار أَن يفعل بك. قَالَ: قد فعلت. إرجع إِلَى عَمَلك، فوال مستعطف خير من وَال مُسْتَأْنف. وَتَأَخر سَابق الْحَاج مرّة عَن وقته، ثمَّ ورد وَرفع قصَّة، فَألْحق بِنُقْطَة الْبَاء نقطة أُخْرَى، وَجعله سائق الْحَاج. وَقَالَ لَهُ رجل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَانْظُر لعرب الشَّام كَمَا نظرت لعجم خُرَاسَان. فَقَالَ: لأيهم أنظر؟ لقيس؟ فو الله مَا أزلتها عَن ظُهُور خيلها حَتَّى لم يبْق لي دِرْهَم مروانية عِنْد اضطرارها زبيرية باختيارها. أم لتميم؟ فوَاللَّه مَا يعْرفُونَ إِلَّا الْأكل والغدر، وَأما الْيمن فالعجم أقرب إِلَيْنَا مِنْهُم، وَمَا أحبونا قطّ، وقضاعة مذبذبة فِي نَسَبهَا، شَادَّة حزم دوابها، تنْتَظر خُرُوج السفياني لتَكون زعمت مِنْهُ، وَأما ربيعَة فساخطة على الله مُنْذُ بعث نَبيا من مُضر، وَمَا خرج اثْنَان قطّ إِلَّا كَانَا ربعيين أَو أَحدهمَا، فاغرب قبح الله مَا أَشرت إِلَيْهِ. وَوَقع إِلَى عَليّ بن هِشَام وَقد شكاه غَرِيم لَهُ: لَيْسَ لَهُ من الْمُرُوءَة إِن تكون آنيتك من ذهب وَفِضة، وَيكون غريمك عَارِيا، وجارك طاوياً. وَكَانَ يَقُول: أسلم أَبُو طَالب بقوله: نصرنَا الرَّسُول رَسُول المليك ... بقضب تلألأ كَلمعِ البروق وَقَالَ الْمَأْمُون: الرُّتْبَة نسب يجمع أَهلهَا، فشريف الْعَرَب أولى بشريف الْعَجم من شرِيف الْعَرَب بوضيع الْعَرَب، وشريف الْعَجم أولى بشريف الْعَرَب من شرِيف الْعَجم بوضيع الْعَجم، فأشراف النَّاس طبقَة كَمَا أَن أوضاعهم طبقَة.

اسْتقْبل الطالبيون الْمَأْمُون فِي مُنْصَرفه من خُرَاسَان إِلَى الْعرَاق فِي بعض الطَّرِيق، يَعْتَذِرُونَ مِمَّا كَانَ من خُرُوجهمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْمَأْمُون: أولنا وأولكم مَا تعلمُونَ، وآخرنا وآخركم مَا تُرِيدُونَ، وتناسوا مَا بَين هذَيْن. وَركب يَوْمًا فصاح إِلَيْهِ الْأَنْصَار، فَقَالَ: أَيْن كُنْتُم يَوْم سَقِيفَة بني سَاعِدَة، وَالْعَبَّاس وَعلي يُريدَان نصرتكم؟ فَلَا تريدوا مني ثَوابًا. قَالَ يحيى بن أَكْثَم: لما أَرَادَ الْمَأْمُون أَن يُزَوّج عَليّ بن مُوسَى، قَالَ لي: يَا يحيى تكلم، فَهبت أَن أَقُول أنكحت، فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَنْت الْحَاكِم الْأَكْبَر وَأَنت أولى بالْكلَام، فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي تصاغرت الْأُمُور لمشيئته، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، إِقْرَارا بربوبيته، صلى الله على مُحَمَّد عِنْد ذكره. وَأم بعد، فَإِن الله تَعَالَى جعل النِّكَاح سنة للأنام، وفصلاً بَين الْحَلَال وَالْحرَام، وَإِنِّي قد زوجت ابْنَتي أم الْفضل من عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا، وَقد مهرتها عَنهُ أَرْبَعمِائَة دِرْهَم. وَقَالَ الْمَأْمُون: تَمام النِّعْمَة أَن تستتم بِلُزُوم شكرها، واول منَازِل الشُّكْر أَلا يتَوَصَّل إِلَى مَعْصِيّة منعم بِفضل نعْمَته. قَالَ أَحْمد بن أبي دواد: قَالَ لي الْمَأْمُون: لَا يتسطيع النَّاس أَن ينصفوا الْمُلُوك من وزرائهم، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَن ينْظرُوا بِالْعَدْلِ بَين مُلُوكهمْ وحماتهم وكفاتهم، وَبَين صنائعهم وبطانتهم، وَذَلِكَ أَنهم يرَوْنَ ظَاهر حُرْمَة وخدمة، واجتهاد ونصيحة، ويرون إِيقَاع الْمُلُوك بهم ظَاهرا، حَتَّى لَا يزَال الرجل قَول: مَا أوقع بِهِ إِلَّا رَغْبَة فِي مَاله، وَإِلَّا رَغْبَة فِيمَا لَا تجود النُّفُوس بِهِ، أَو لَعَلَّ الْحَسَد والملالة، وشهوة الِاسْتِبْدَال اشتركت فِي ذَلِك. وَهُنَاكَ جنايات فِي صلب الْملك، أوفى بعض الْحرم لَا يَسْتَطِيع الْملك أَن يكْشف للعامة مَوضِع الْعَوْرَة

المعتصم

فِي الْملك، وَأَن يحْتَج لتِلْك الْعقُوبَة بِمَا يسْتَحق ذَلِك الذَّنب، وَلَا يَسْتَطِيع ترك عِقَابه، لما فِي ذَلِك من الْفساد على علمه بِأَن عذره غير مَبْسُوط عِنْد الْعَامَّة، وَلَا مَعْرُوف عِنْد أَكثر الْخَاصَّة. نزل رجل فَعدا بَين يَدَيْهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَن حَسبك، فَقَالَ لَهُ بعض من كَانَ بِقرب من الْمَأْمُون: إركب. فَقَالَ الْمَأْمُون: لَا يُقَال لمثل هَذَا: إركب، إِنَّمَا يُقَال لَهُ: إنصرف. تحدث الْمَأْمُون يَوْمًا، فَضَحِك إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم المصعبي، فَقَالَ: يَا إِسْحَاق، أوهلك لشرطتي، وتفتح فَاك من الضحك؟ خُذُوا سوَاده وسيفه، ثمَّ قَالَ: أَنْت بِالشرابِ أشبه، ضَعُوا منديلاً على عَاتِقه، فَقَالَ إِسْحَاق: أَقلنِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: قد أقلتك، فَمَا ضحك بعْدهَا. قَالَ الْمَأْمُون: لِأَن أقتدي بسيرة أنو شرْوَان أحب إِلَيّ من أَن أقتدي بسيرة عمر بن عبد الْعَزِيز، لِأَن أَو شرْوَان كَانَ عِنْده أَن الْحق لَهُ، وَكَانَ عِنْد عمر أَن الْحق لَيْسَ لَهُ، وَأقَام عَلَيْهِ. وَقَالَ لعَلي بن هِشَام: يَا عَليّ، إياك وَهَذِه الْخِصَال، فَإِن الْمُلُوك، تحْتَمل كل شئ مَا خلاهن: الْقدح فِي الْملك، وإفشاء السِّرّ، والتعرض للحرم. وَقَالَ: لَيْسَ من توكل الْمَرْء إضاعته للحزم، وَلَا من الحزم إضاعته للتوكل. المعتصم لما أقطع المعتصم أشناساً ضيَاع الْحسن بن سهل، وَجه الْحسن بقبالاتها إِلَى أشناس، وَكتب إِلَيْهِ: قد عرفت رَأْي أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي إخلاصك بِهَذِهِ الضّيَاع، وأحببت أَلا تعرض على عقبك عُقبى، فأنفذت لَك قبالاتها معتداً فِي قبولكها بإسباغ النِّعْمَة

عَليّ، وادخار الشُّكْر لدي، ومتقرباً بِهِ إِلَى سَيِّدي أَمِير الْمُؤمنِينَ، فرأيك فِي الامتنان عَليّ بقبولها موفقاً إِن شَاءَ الله. فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب أنفذه إِلَى المعتصم، فَوَقع فِيهِ: ضيم فَصَبر، وسلب فعذر، فليقابل بالشكر على صبره، وبالإحسان على عذره. وَترد عَلَيْهِ ضيَاعه، وَيرْفَع عَنهُ خراجه. وَلَا أؤامر فِيهِ إِن شَاءَ الله. قَالَ كَاتب الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون: لما تقلد المعتصم الْخلَافَة عرضت لَهُ، فترجلت، فَلَمَّا بصر بِي، قَالَ: هَذَا الْمجْلس الَّذِي لم تزل أكره النَّاس بحلولي بِهِ. قَالَ: فتحيرت، وَلم أدر مَا أَقُول، ثمَّ عَن لي أَن قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، انت تَعْفُو عَمَّا تتيقنه، فَكيف تعاقب عَمَّا تتوهمه؟ قَالَ: فَقَالَ: لَو أردْت عقابك لتركت عتابك. وَكَانَ سَبَب خُرُوجه إِلَى " سر من رأى " أَن غلْمَان الأتراك كَثُرُوا بِبَغْدَاد فتولعوا بحرم النَّاس وَأَوْلَادهمْ، فَاجْتمع إِلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم، فَقَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا أحد أحب إِلَيْنَا مجاورة مِنْك، لِأَنَّك الإِمَام والمحامي عَن الدّين، وَقد أفرط غلمانك، فإمَّا منعتهم منا، وَإِمَّا نقلتهم عَنَّا. فَقَالَ: نقلهم لَا يكون إِلَّا بنقلي، وَلَكِنِّي أفتقدهم، وأزيل مَا شكوتهم. فَنظر فَإِذا الْأَمر قد زَاد وَعظم، وَخَافَ أَن يَقع بَينهم حَرْب، وعاودوه بالشكوى، وَقَالُوا: إِن قدرت على نصفتنا، وَإِلَّا فتحول عَنَّا. فَقَالَ: أتحول وكرامة فَرَحل إِلَى سر من رأى، واتخذها دَارا. وَكَانَ يَقُول: الْفضل بن مَرْوَان عصى الله - عز وَجل - وأطاعني، فسلطني الله عَلَيْهِ. وَذكر أَنه كَانَ مَعَه غُلَام فِي الْكتاب يتَعَلَّم مَعَه، فَمَاتَ الْغُلَام، فَقَالَ لَهُ الرشيد: يَا مُحَمَّد، مَاتَ غلامك. قَالَ: نعم يَا سَيِّدي، واستراح من الْكتاب فَقَالَ الرشيد: وَإِن الْكتاب ليبلغ مِنْك هَذَا الْمبلغ، دَعوه إِلَى حَيْثُ انْتهى، وَلَا تعلموه شَيْئا، فَكَانَ يكْتب كتابا ضَعِيفا، وَيقْرَأ قِرَاءَة ضَعِيفَة. حُكيَ عَن الْفضل بن مَرْوَان أَنه قَالَ: وَالله لقد كَانَ المعتصم مؤيداً من عِنْد الله فِي أُمُوره كلهَا، لقد رَجَعَ يَوْمًا من محاربة الرّوم، وَقد سهر ليلته وَبَقِي

إِلَى الْعشَاء، وَلم يطعم وَلم يشرب، فَدخل إِلَى الْمَأْمُون فَعرفهُ خَبره، فَبَيْنَمَا هُوَ يخاطبه إِذْ صِيحَ: السِّلَاح السِّلَاح، واستفحل أَمر الرّوم، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: ارْجع يَا أَبَا إِسْحَاق إِلَى موضعك. فَقَالَ: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. أمضي إِلَى مضربي وأركب من ثمَّ، فَكَانَ الْمَأْمُون كره هَذَا مِنْهُ، ونكس رَأسه، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ تَأْخِيره لأَمره، فَفطن المعتصم، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن الله عز وَجل يَقُول: " كلا إِن الْإِنْسَان ليطْغى، أَن رَآهُ اسْتغنى " وَالله لقد رَأَيْتنِي وَمَالِي من الدَّوَابّ إِلَّا أَربع، وَمن الغلمان إِلَّا أَرْبَعَة، وَإِنِّي لأقف على بَاب الْحسن بن سهل سَائِر يومي، وأتمنى أَن يَأْمُرنِي بِأَمْر أنفذ فِيهِ، ولي من كل هَذَا الْيَوْم أُلُوف بتفضل أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَهُوَ يَأْمُرنِي بِأَمْر فِيهِ شرفي فأشترط عَلَيْهِ. أَنا أمضي من وَجْهي هَذَا على هيئتي هَذِه. فَضَحِك الْمَأْمُون وَقَالَ: أدن إِلَيّ، فَدَنَا فَقبل بَين عَيْنَيْهِ، ودعا لَهُ بالظفر، وَخرج. قَالَ بَعضهم: سَمِعت المعتصم يَقُول: إِذا نصر الْهوى بَطل الرَّأْي. وَقَالَ لِأَحْمَد بن أبي دواد لما كَانَ من لتياث الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون مَا كَانَ: يَا أَبَا عبد الله، أكره أَن أحبسه فأهتكه، واكره أَن أَدَعهُ فَأَهْمَلَهُ. فَقَالَ: الْحَبْس أصلح الله أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَإِن الِاعْتِذَار خير من الاغترار. وَقيل مَا رئي أَشد تيقظاً فِي حَرْب من المعتصم، كَانَت الْأَخْبَار ترد عَلَيْهِ من أَرض بابل إِلَى " سر من رأى " فِي ثَلَاثَة أَيَّام على عتاق مضمرة، قد أَقَامَ على كل فَرسَخ فرسخين. وَاحْتَاجَ النَّاس فِي حِصَار عمورية إِلَى مَاء فَمد لَهُم حياضاً من أَدَم عشرَة أَمْيَال وَغير ذَلِك، مِمَّا سنذكر ذَلِك بعون الله. وَقَالَ الْفضل بن مَرْوَان: كَانَ المعتصم يخْتَلف إِلَى عَليّ بن عَاصِم الْمُحدث، وَكنت أمضي مَعَه إِلَيْهِ، فَقَالَ يَوْمًا: حَدثنَا عَمْرو بن عبيد وَكَانَ قدرياً فَقَالَ لَهُ المعتصم: يَا أَبَا الْحسن، أما تروي: " أَن الْقَدَرِيَّة مجوس هَذِه

الْأمة "؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: فَلم تروي عَنهُ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ ثِقَة فِي الحَدِيث صَدُوق. قَالَ: فَإِن الْمَجُوسِيّ ثِقَة فِي الحَدِيث صَدُوقًا فِيمَا يَقُوله أتروي عَنهُ؟ فَقَالَ لَهُ عَليّ: أَنْت شغاب يَا أَبَا إِسْحَاق. وَقَالَ: كتبنَا إِلَى الْمَأْمُون عَن المعتصم بِفَتْح مَدِينَة، فَلَمَّا قَرَأنَا الْكتاب عَلَيْهِ قَالَ: قل فِي أَوله: وكتابي كتاب مِنْهُ لخَبر، لَا مُعْتَد بأثر، فزدنا فِيهِ. وَقَالُوا: كَانَ المعتصم من أَشد النَّاس، وَكَانَ يُسمى مَا بَين أصبعيه: السبابَة، وَالْوُسْطَى: المقطرة. وَاعْتمد بهَا مرّة على ساعد إِنْسَان فدقه. وَكتب إِلَيْهِ ملك الرّوم كتابا يتهدده فِيهِ، فَأمر أَن يكْتب جَوَابه، لما قرئَ عَلَيْهِ لم يرضه، وَقَالَ لِلْكَاتِبِ: أكتب. بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. أما بعد، فقد قَرَأت كتابك، وَالْجَوَاب مَا ترى لَا مَا تسمع. " وَسَيعْلَمُ الْكفَّار لمن عُقبى الدَّار ". وَلما دخل إِلَيْهِ المازيار - وَكَانَ شَدِيد الغيظ عَلَيْهِ - قيل لَهُ: لَا تعجل عَلَيْهِ، فَإِن عِنْده أَمْوَالًا جمة، فَأَنْشد بَيت أبي تَمام: إِن الْأسود أسود الغاب همتهايوم الكريهة فِي المسلوب لَا السَّلب وَلما قبض على عجيف، وَقَتله بعد قتل الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون بمديدة، وَقد كَانَ الْمَأْمُون قَالَ لعجيف: قد خفت على نَفسِي فاكتم عَليّ. فوشى بِهِ إِلَى المعتصم فَلَمَّا حَبسه قَالَ لَهُ: اصطنعك الْمَأْمُون فأفشى إِلَيْك كلمة، فَلم تحفظها عَلَيْهِ، حَتَّى نممتها إِلَيّ. قَالَ ابْن أبي دواد: كَانَ المعتصم يَقُول لي: يَا أَبَا عبد الله، عض ساعدي بِأَكْثَرَ قوتك. فَأَقُول: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا تطيب نَفسِي بذلك، فَيَقُول: إِنَّه لَا يضرني فأروم ذَلِك، فَإِذا هُوَ لَا تعْمل فِيهِ الأسنة، فَكيف الْأَسْنَان.

الواثق

وَيُقَال: أَنه طعنه بعض الْخَوَارِج، وَعَلِيهِ جوشن، فَأَقَامَ المعتصم ظَهره فقصف الرمْح. قَالَ إِسْحَاق الْموصِلِي: سمعته يَقُول: من طلب الْحق بِمَا هُوَ لَهُ وَعَلِيهِ أدْركهُ. الواثق قيل: إِنَّه لما مَاتَ إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي ركب المعتصم حَتَّى صلى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ الواثق: أقِم يَا بني حَتَّى تجنه. وَقيل: بل لم يصل عَلَيْهِ تحرجاً، وَأمر الواثق بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَسَأَلَ عَن وَصيته، فَوَجَدَهُ قد أَمر بِمَال عَظِيم أَن يفرق على أَوْلَاد الصَّحَابَة كلهم اولاد عَليّ رَضِي الله عَنهُ، فَقَالَ الواثق: وَالله لَوْلَا طَاعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ لما وقفت عَلَيْهِ، وَلَا انتظرت دَفنه. ثمَّ انْصَرف وَهُوَ يَقُول: ينحرف عَن شرفه وَخير أَهله وَالله لقد دليته فِي قَبره كافراُ، وَأمر فَفرق فِي ولد عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - مَالا فَاضلا، فَأصَاب كل رجل مِنْهُم ضعف مَا أصَاب غَيرهم من وَصيته. نظر الواثق إِلَى أَحْمد بن الخصيب يمشي فتمثل: من النَّاس إنسانان ديني عَلَيْهِمَا ... مليان لَو شاءا لقد قضياني خليلي، أما أم عَمْرو فمنهما ... وَأما عَن الْأُخْرَى فَلَا تسلاني قَالَ فَبلغ ذَلِك سُلَيْمَان بن وهب، فَقَالَ: إِنَّا لله، أَحْمد بن الخصيب أم عَمْرو، وَأَنا الْأُخْرَى، فنكبهما بعد أَيَّام. غنى مُخَارق فِي مجْلِس الواثق: أظلم، إِن مصابكم رجل ... أهْدى السّلم بحبكم؟ ظلم

فغناه رجل فتابعه بعض، وَخَالفهُ آخَرُونَ، فَسَأَلَ الواثق عَمَّن بَقِي من رُؤَسَاء النَّحْوِيين بِالْبَصْرَةِ، فَذكر لَهُ أَبُو عُثْمَان الْمَازِني، قَالَ: فَأمر بحملي، وإزاحة علتي فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ وسلمت قَالَ: مِمَّن الرجل؟ قلت: من بيني مَازِن. قَالَ: أَمن مَازِن قيس، أم مَازِن تَمِيم، أم مَازِن ربيعَة، أم مَازِن الْيمن؟ فَقلت: من مَازِن ربيعَة. فَقَالَ لي: مَا اسْمك؟ يُرِيد: مَا اسْمك؟ قَالَ: وَهِي لُغَة كَثِيرَة فِي قَومنَا، فَقلت على الْقيَاس: مكر، أَي بكر، يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَضَحِك وَقَالَ: اجْلِسْ واطبئن. فَجَلَست، فَسَأَلَنِي عَن الْبَيْت، فَأَنْشَدته:؟ ؟ أظليم، إِن مصابكم رجلا. فَقَالَ: أَيْن خبر إِن؟ قلت: ظلم. أما ترى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن الْبَيْت كُله مُتَعَلق بِهِ، لَا معنى لَهُ حَتَّى يتم بِهَذَا الْحَرْف، إِذا قَالَ: " أظليم إِن مصابكم رجلا ... أهْدى السَّلَام إِلَيْكُم ". فَكَأَنَّهُ مَا قَالَ شَيْئا، حَتَّى يَقُول: ظلم. قَالَ: صدقت. أَلَك ولد؟ قلت: بنية. قَالَ: فَمَا قَالَت حِين ودعتها؟ قلت: أنشدت شعر الْأَعْشَى: تَقول ابْنَتي حِين جد الرحيل ... أرانا سَوَاء وَمن قد يتم أَبَانَا، فَلَا رمت من عندنَا ... فَإنَّا بخيرٍ إِذا لم ترم قَالَ: فَمَا قلت لَهَا؟ قَالَ: قَول جرير: ثقي بِاللَّه لَيْسَ لَهُ شريك ... وَمن عِنْد الْخَلِيفَة بالنجاح

فَقَالَ: ثق بالنجاح إِن شَاءَ الله. ثمَّ أَمر لَهُ بِأَلف دِينَار وَكِسْوَة وَطيب. وَكَانَ الواثق عَالما بِكُل شَيْء، وَله صَنْعَة حَسَنَة فِي الْغناء، وَكَانَ يُسمى الْمَأْمُون الصَّغِير، لأدبه وفضله، وَكَانَ الْمَأْمُون يجلسه، وَأَبوهُ المعتصم وَاقِف. وَكَانَ يَقُول: يَا أَبَا إِسْحَاق لَا تؤدب هَارُون، فَأنى أرْضى أدبه، وَلَا تعترض عَلَيْهِ فِي شئ يَفْعَله. قَالَ حمدون: مَا كَانَ فِي الْخُلَفَاء أحلم من الواثق، وَلَا أَصْبِر على أَذَى وَخلاف. كَانَ يُعجبهُ غناء أبي حشيشة الطنبوري، فَوجدَ المسدود من ذَلِك، فَكَانَ يبلغهُ عَنهُ مَا يكره، فيتجاوزه. وَكَانَ المسدود قد هجاه ببيتين كَانَا مَعَه فِي رقْعَة، وَفِي رقْعَة أُخْرَى حَاجَة لَهُ يُرِيد أَن يرفعها إِلَيْهِ، فَنَاوَلَهُ رقْعَة الشّعْر، وَهُوَ يرى أَنَّهَا رقْعَة الْحَاجة، فقرأها الواثق، فَإِذا فِيهَا: من المسدود فِي الْأنف ... إِلَى المسدود فِي الْعين أَنا طبلٌ لَهُ شقّ ... فيا طبلاً بشقين فَلَمَّا قَرَأَ الرقعة علم أَنَّهَا فِيهِ، فَقَالَ للمسدود: قد غَلطت بَين الرقعتين فاحذر أَن يَقع مثل هَذَا عَلَيْك. مَا زَاده على هَذَا القَوْل شَيْئا، وَلَا تغير لَهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ. دخل هَارُون بن زِيَاد مؤدبه عَلَيْهِ، فَأكْرمه وَأظْهر من بره مَا شهره بِهِ، فَقيل لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: من هَذَا الَّذِي فعلت بِهِ مَا فعلت؟ قَالَ: هَذَا أول من فتق لساني بِذكر الله، وأدناني من رَحمته. قَالَ يحيى بن أَكْثَم: لم يحسن أحد من خلفاء بني الْعَبَّاس إِلَى آل أبي طَالب إِحْسَان الواثق، مَا مَاتَ وَفِيهِمْ فَقير. وَقَالَ بَعضهم: كُنَّا فِي دَار الواثق، فَرفع إِلَيْهِ أَن رجلا مِمَّن يُعْطي الْجند أَرْزَاقهم سَأَلَ بعض الْجند أَن يقدمهُ، وألح عَلَيْهِ فَأبى وَقَالَ: إِنِّي أستشفع عَلَيْك. فَقَالَ: شفع لَك النَّبِي مُحَمَّد - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَا شفعته. قَالَ: فَرَأَيْت الواثق يرتعد غيظاً، وَأمر بإحضار الرجل فَأدْخل. فَقَالَ للَّذي قرفه: قل مَا قلت فِي وَجهه، فَأَعَادَ، فتلوى الرجل سَاعَة وَأنكر، فَقَالَ الواثق: لَوْلَا أَن فِي خطأ لفظك إِشَارَة إِلَى صَوَاب معناك فِي الْإِقْرَار بِالنُّبُوَّةِ، واستعظامك، ووضعك

المتوكل

رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي غَايَة التَّمْثِيل، لمثلت بك، وَلَكِن أبطحوه، فَضَربهُ إيتاخ بِيَدِهِ ثَمَانِينَ سَوْطًا، فَقَالَ لَهُ وَهُوَ يضْربهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أتضربني بِشَهَادَة وَاحِد؟ فَقَالَ: وَالله لَو شهد عَلَيْك اثْنَان لقتلتك، وَالله لَا عملت لي عملا أبدا. قَالَ الواثق لِابْنِ أبي دواد، وَقد رَجَعَ من صَلَاة الْعِيد: هَل حفظت من خطبتي شَيْئا؟ قَالَ: نعم، قَوْلك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: " وَمن اتبع عَن هَوَاهُ شرد عَن الْحق منهاجه، والناصح من نصح نَفسه، وَذكر مَا سلف من تفريطه، فطهر من نِيَّته، وثاب من غفلته، فورد أَجله، وَقد فرغ من زَاده لمعاده، فَكَانَ من الفائزين ". المتَوَكل قَالَ يزِيد المهلبي: أنس بِي أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي سَبْعَة أيامٍ فَوق أنس محمدٍ كَانَ بِي فِي سبع سِنِين. فَقَالَ: إِنَّمَا أنست بك فِي سَبْعَة أَيَّام لأنس مُحَمَّد كَانَ بك فِي سبع سِنِين. قيل للمتوكل: لم تقلد الْحسن بن وهب ديوَان الرسائل. قَالَ: أَخَاف أَن يحيض فِي الدِّيوَان. قَالَ عَليّ بن يحيى: تغديت مَعَ المتَوَكل، فَقدم لون كَانَ اشتهاه، فَوجدَ فِيهِ ذُبَابَة، فألقاها وَأكل، ثمَّ وجد أُخْرَى وَأُخْرَى، فَلَمَّا رفع من بَين يَدَيْهِ قَالَ: أعيدوا علينا هَذَا اللَّوْن غَدا، وَليكن أقل ذباباً مِمَّا هوا الْيَوْم. وَكَانَ ولد لَهُ تِسْعَة بَنِينَ قد سماهم بأسماء الصَّحَابَة، فولد لَهُ مَوْلُود آخر، فَقَالُوا: مَا تسميه؟ قَالَ: سموهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. وَذكر عِنْده أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ -؛ فَقَالَ: لَا وَالله مَا ينزل فِي حلقي. فَقَالَ لَهُ بعض ندمائه: وَلم ذَاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: يُقَال - وَالله أعلم -: إِنَّه كَانَ رَافِضِيًّا.

حكى عَنهُ أَحْمد بن يزِيد المهلبي، قَالَ: قَالَ يَوْمًا: يَا مهلبي، إِن الْخُلَفَاء كَانَت تتصعب على الرّعية لتطيعها، وَأَنا أَلين لَهُم ليحبوني ويطيعوني. قيل: أقبل المتَوَكل يَوْمًا، فَقَامَ النَّاس من بعيد، وَلم يقم الْمُنْتَصر حَتَّى قرب مِنْهُ، ففكر المتَوَكل وتمثل: هم سمنوا كَلْبا ليَأْكُل بَعضهم ... وَلَو أخذُوا بالحزم لم يسمن الْكَلْب وَقَالَ أَحْمد بن يزِيد: حضرت المتَوَكل يَوْمًا وَعبيد الله بن يحيى يَقُول لَهُ: قد قدمت رسل الطاغية بكتابه، وَهُوَ يعظم أَمِير الْمُؤمنِينَ، ويسميه - إِذا ذكره - السَّيِّد، وَسَأَلَ وضع الْحَرْب أَربع سِنِين، وَأهْدى بِقِيمَة خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم، فَبِأَي شئ تجيبه؟ قَالَ: أجبه بِأَن رسولهم نَهَاهُم عَن الْحَرْب، وَأَن رَسُولنَا أمرنَا بِالْحَرْبِ، وَلَا سَبِيل إِلَى وَضعهَا إِلَّا بِإِعْطَاء الْجِزْيَة، فَإِن أحب أَن أخففها عَنْهُم فعلت. وأعلمه بِأَنِّي أرق عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ بَلغنِي أَنه فِي سنّ مُحَمَّد - يَعْنِي الْمُنْتَصر - وأضعف لَهُ الْهَدِيَّة، وَأكْثر لَهُ مِمَّا يستطرف فِي بِلَاده. كَانَ يَقُول: إِنِّي لأَكُون غضباناً على إِنْسَان، فيبلغني أَن الْفَتْح راضٍ عَنهُ فأرضى، وَكَذَلِكَ إِن كنت رَاضِيا فبلغني أَنه غَضْبَان غضِبت. وَقَالَ أَحْمد بن يزِيد، قَالَ لي المتَوَكل يَوْمًا: يَا أَحْمد، ثِيَابك فِي رزمة لَا فِي تخت، قلت: كَذَاك هِيَ. قَالَ: لَا تفعل، فَإِنَّهَا فِي التخت أبقى وأنقى، بَان ذَلِك لي فِي تكسيرها. قَالَ إِبْرَاهِيم بن الْمُدبر، قَالَ المتَوَكل: إِذا خرج توقيعي إِلَيْك بِمَا فِيهِ مصلحَة للنَّاس، ورفق بالرعية فأنقذه، وَلَا تراجعني فِيهِ، وَإِذا خرج بِمَا فِيهِ حيف على الرّعية فراجعني، فَإِن قلبِي بيد الله عز وَجل. بلغ المتَوَكل أَن أَحْمد بن حمدون النديم يحمل رقاع الْفَتْح إِلَى خادمه فائز، فأعد لَهُ حجاماً، وأوصاه بِمَا يُرِيد، فَلَمَّا جلس أَحْمد مَعَ الجلساء قَالَ: يَا أَحْمد، مَا جَزَاء من أفسد غُلَام فَتى؟ قَالَ: تقطع أُذُنه، فَدَعَا بالحجام، فَقطع من

المنتصر

أُذُنه قِطْعَة، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ يحدثه كثيرا بِحَدِيث الفتيان والعيارين ويتنادر بذلك بَين يَدَيْهِ، ثمَّ نَفَاهُ إِلَى بَغْدَاد إِلَى أَن كَلمه الْفَتْح فِيهِ، فَرضِي عَنهُ. الْمُنْتَصر قَالَ: لَذَّة الْعَفو أطيب من لَذَّة التشفي؛ وَذَلِكَ لِأَن لَذَّة الْعَفو يلْحقهَا حمد الْعَاقِبَة، وَلَذَّة التشفي يلْحقهَا ذمّ النَّدَم. وَلما تمت لَهُ الْبيعَة كَانَ أول شئ عمله أَن عزل صَالح بن عَليّ عَن الْمَدِينَة، وولاها عَليّ بن الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل بن الْعَبَّاس بن مُحَمَّد، وَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا وليتك لتخلفني فِي بر آل أبي طَالب، وضاء حوائجهم، ورفعها إِلَيّ، فقد نالتهم جفوة، وَخذ هَذَا المَال ففرقه على أقدارهم. فَقَالَ لَهُ عَليّ بن الْحُسَيْن: سأبلغ بعون الله رضَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ: إِذا تسعد بذلك عِنْد الله وَعِنْدِي. قَالَ بَعضهم: سمعته يَوْمًا وَهُوَ يناظر قوما: وَالله لَا عز وفر بَاطِل، وَلَو طلع من جَبينه الْقَمَر، وَلَا ذل ذُو حق، وَلَو كَانَ الْعَالم عَلَيْهِ. قَالَ بَعضهم: سَمِعت بغا الْكَبِير يَقُول: مَا مشيت بَين يَدي خَليفَة أهيب من الْمُنْتَصر، وَقد كَانَ مشيي بَين يَدي الْمَأْمُون، والمعتصم، والواثق، والواثق والمتوكل. قَالَ أَحْمد بن الْخَطِيب: سَمِعت الْمُنْتَصر لما عَفا عَن الشاري يَقُول: أحسن أَفعَال الْقَادِر الْعَفو، وأقبحها الانتقام. المستعين قيل: لما جئ بِكِتَاب الْخلْع إِلَيْهِ، وَقيل لَهُ: وَقع بخطك فِيهِ، أَخذ

المعتز

الْكتاب فابتدأ ابْن أبي الشَّوَارِب يملي عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ المستعين: أمسك عافاك الله، ثمَّ كتب: أقرّ أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ المعتصم بِاللَّه: " أَنه قد بَايع أَبَا عبد الله المعتز بِاللَّه، هَذِه الْبيعَة المنسوخة فِي هَذَا الْكتاب، مُوجبا على نَفسه كل الشَّرَائِط المثبتة فِيهِ، والعهود الْمُؤَكّدَة. وَأشْهد الله وَمَلَائِكَته على جَمِيع ذَلِك، وَأشْهد من حضر، وَكفى بِاللَّه شَهِيدا ". قَالَ: فَعجب النَّاس من فهمه وبلاغته. وَقَالَ الْحسن بن أبي الشَّوَارِب: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أشهد عَلَيْك بِمَا فِي هَذَا الْكتاب؟ قَالَ: نعم خار الله لَك يَا أَبَا الْعَبَّاس. المعتز قَالَ الزبير: لما وفدت على المتَوَكل قَالَ لي: أَدخل إِلَى أبي الْعَبَّاس يَعْنِي المعتز، فَدخلت إِلَيْهِ وَهُوَ صبي فَحَدَّثته وأنشدته فَسَأَلَنِي عَن الْحجاز وَأَهله، ثمَّ نهضت لأنصرف فَعَثَرَتْ فَسَقَطت، فَقَالَ لي المعتز: يَا زبير: كم عَثْرَة لي بِاللِّسَانِ عثرتها ... تفرق من بعد اجْتِمَاع من لاشمل يَمُوت الْفَتى من عَثْرَة بِلِسَانِهِ ... وَلَيْسَ يَمُوت الْمَرْء من عَثْرَة الرجل قَالَ أَحْمد بن وَزِير الْبَصْرِيّ: مَا رَأَيْت أحسن وَجها من المعتز وَلَا أبلغ خطابا، قَالَ لي لما ولاني الْقَضَاء، يَا أَحْمد قد وليتك الْقَضَاء وَإِنَّمَا هِيَ الدِّمَاء والفروج وَالْأَمْوَال ينفذ فِيهَا حكمك وَلَا يرد أَمرك، فَاتق الله، وَانْظُر مَا أَنْت صانع.

المهتدي

لما جئ إِلَيْهِ بِأَمَان وصيف وبغا من بَغْدَاد على دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ وَأَجَازَ ذَلِك، وَقع بِخَطِّهِ بَين الأسطر: خلا مَا فِيهَا من حق لمُسلم أَو معاهد. الْمُهْتَدي كَانَ يَقُول: لَو لم يكن الزّهْد فِي الدُّنْيَا، والإيثار للحق، مِمَّا لطف الله تَعَالَى لي فيهمَا، ووققني لَهما، وَإِنِّي لأرجو بذلك الْفَوْز يَوْم الْقِيَامَة، لتصنعت بِمَا أَفعلهُ للنَّاس، لِئَلَّا يكون مثل عمر بن عبد الْعَزِيز فِي خلفاء بني أُميَّة، وَلَا يكون فِي خلفاء بني هَاشم بعدهمْ مثله، وهم من رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أقرب. قَالَ بَعضهم: سمعته يَوْمًا يَقُول لعيسى بن فرخانشاه: عاون على الْخَيْر تسلم، وَلَا تجزه فتندم. فَقيل لَهُ: إِن هَذَا بَيت شعرٍ. قَالَ: مَا تَعَمّدت ذَلِك، وَلَكِنِّي رويت قَول الشَّاعِر: تعاون على الْخيرَات تظفر، وَلَا تكن ... على الْإِثْم والعدوان مِمَّن يعاون وَجلسَ يَوْمًا للمظالم، فَرفع إِلَيْهِ فِي الكسور، فَسَأَلَ الْكتاب عَنْهَا، فَأخْبر بهَا، فَقَالَ: معَاذ الله أَن ألزم النَّاس ظلما تقدم الْعَمَل بِهِ أَو تَأَخّر. أسقطوا هَذَا الظُّلم، وَهَذِه الكسور على النَّاس، فَقَامَ الْحسن بِمَ مخلد. فَقَالَ: إِن أسقط أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا ذهب من مَال السُّلْطَان فِي السّنة اثْنَا عشر ألف ألف دِرْهَم - وَمد بهَا صَوته - فَقَالَ لَهُ الْمُهْتَدي: قد عرفت مذهبك فِي هَذَا، وتحريضك الموَالِي بِمَا ينقص من أمالهم، وَمَا أمتنع من أَن أقيم حَقًا لله، وأزيل مظْلمَة قد تقدّمت بهَا الْأَيَّام، وَلَو كَانَ فِي ذَلِك كل حيف على بيُوت الْأَمْوَال، وَلَو نظر الموَالِي أَمرك، وَأمر نظرائك لأخذوا مِنْك مَا خوفتهم أَن يذهب مِقْدَاره من أَمْوَالهم. فارتعد الحسم وأبلس، ثمَّ كلم الْمُهْتَدي بعد ذَلِك فِيهِ فترجع إِلَيْهِ. وتظلم إِلَيْهِ رجل من بعض أَسبَابه، فَأحْضرهُ، وَحكم عَلَيْهِ بِمَا صَحَّ عِنْده، فَقَامَ الرجل وشكر، وَقَالَ: أَنْت وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَمَا قَالَ

المعتمد

الْأَعْشَى: حكمتموه، فَقضى بَيْنكُم ... أَبْلَج مثل الْقَمَر الباهر لَا يقبل الرِّشْوَة فِي حكمه ... وَلَا يُبَالِي غبن الخاسر فَقَالَ الْمُهْتَدي: أما أَنْت فَأحْسن الله جزاءك، وَأما شعر الْأَعْشَى فَمَا رويته، وَلَكِنِّي قَرَأت الْيَوْم قبل خروجي إِلَى الْمجْلس قَول الله عز وَجل: " وَنَضَع الموازين الْقسْط يَوْم الْقِيَامَة فَلَا تظلم نفس شَيْئا، وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أَتَيْنَا بهَا، وَكفى بِنَا حاسبين " فَمَا بَقِي أحدٌ فِي الْمجْلس إِلَّا بَكَى. الْمُعْتَمد قَالَ مُحَمَّد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقَان: بَعَثَنِي أبي ألى الْمُعْتَمد فِي شئ، فَقَالَ لي: اجْلِسْ. فاستعظمت ذَلِك، فَأَعَادَ، فاعتذرت بِأَن ذَلِك لَا يجوز، فَقَالَ لي: يَا مُحَمَّد، إِن أدبك فِي الْقبُول مني خيرٌ من أدبك فِي خلافي. وَقَالَ يَوْمًا لبَعض ندمائه: إِذا عدم أهل التفضل، هلك أهل التجمل. قَالَ بعض جُلَسَائِهِ: كُنَّا بَين يَدَيْهِ لَيْلَة فَحمل عَلَيْهِ النَّبِيذ، فَجعل يخْفق نعاساً. وَقَالَ: لَا تَبْرَحُوا أَنْتُم، ثمَّ نَام مِقْدَار نصف سَاعَة، وانتبه كَأَنَّهُ مَا شرب شَيْئا، فَقَالَ: أحضروني من الْحَبْس رجلا يعرف بمنصور الْجمال. فأحضر، فَقَالَ: مذ كم أَنْت مَحْبُوس؟ فَقَالَ: مذ ثَلَاث سِنِين. قَالَ: فاصدقني عَن خبرك. قَالَ: أَنا رجل من أهل الْموصل، كَانَ لي جمل أحمل عَلَيْهِ، وأعود بأجرته على عيلتي، فَضَاقَ المكسب بالموصل عَليّ، فَقلت: أخرج إِلَى سرمن

المعتضد

رأى، فَإِن الْعَمَل ثمَّ أَكثر، فَخرجت، فَلَمَّا قربت مِنْهَا إِذا جمَاعَة من الْجند قد ظفروا بِقوم يقطعون الطَّرِيق قد كتب صَاحب الْبَرِيد بخبرهم، وَكَانُوا عشرَة، فَأَعْطَاهُمْ وَاحِد من الْعشْرَة مَالا على أَن يطلقوه، فأطلقوه، وأخذوني مَكَانَهُ، وَأخذُوا جملي، فسألتهم بِاللَّه، وعرفتهم خبري، فَأَبَوا، وحبسوني مَعَهم، فَمَاتَ بَعضهم وَأطلق بَعضهم، وَبقيت وحدي. فَقَالَ الْمُعْتَمد: أحضروني خَمْسمِائَة دِينَار، فَجَاءُوا بهَا، فَقَالَ: ادفعوها إِلَيْهِ. فَأَخذهَا، وأجرى لَهُ ثَلَاثِينَ دِينَارا فِي كل شهر، وَقَالَ: اجعلوا إِلَيْهِ أَمر جمالنا. ثمَّ أقبل علينا، فَقَالَ: رَأَيْت السَّاعَة النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي النّوم، فَقَالَ: يَا أَحْمد وَجه السَّاعَة إِلَى الْحَبْس، فَأخْرج منصوراً الْجمال فَإِنَّهُ مظلوم، وَأحسن إِلَيْهِ، فَفعلت مَا رَأَيْتُمْ، ونام. المعتضد حدث الْعَلَاء بن صاعد قَالَ: لما حمل رَأس صَاحب الْبَصْرَة ركب المعتضد فِي جَيش لم ير مثله، فاشتق أسواق بَغْدَاد، وَالرَّأْس بَين يَدَيْهِ، فَلَمَّا صرنا بِبَاب الطاق صَاح قوم من درب من تِلْكَ الدروب: رحم الله مُعَاوِيَة، وَزَاد حَتَّى علت أَصْوَاتهم، فَتغير وَجهه وَقَالَ: أما تسمع يَا أَبَا عِيسَى؟ مَا أعجب هَذَا مَا ذكر مُعَاوِيَة فِي هَذَا الْأَمر؟ وَالله لقد بلغ أبي الْمَوْت، وَمَا أفلت أَنا مِنْهُ إِلَّا بعد مشارفته، ولقينا كل جهد وبلاء، حَتَّى أرحناهم من عدوهم، وحصنا حرمهم وَأَمْوَالهمْ. تركُوا أَن يترحموا على الْعَبَّاس، أَو عبد الله بن الْعَبَّاس، أَو من ولد من الْخُلَفَاء، وَتركُوا الترحم على أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ، وَحَمْزَة وجعفر وَالْحسن وَالْحُسَيْن، وَالله لَا بَرحت أَو أُؤْثِر فِي تَأْدِيب هَؤُلَاءِ أثرا لَا يعاودون بعده مثله.

ثمَّ أَمر بِجمع النفاطين لتحريق النَّاحِيَة، فَقلت: أَيهَا الْأَمِير، هَذَا من أشرف أَيَّام الْإِسْلَام فَلَا تفسده بِجَهْل غلمة لَا أَخْلَاق لَهُم، وَلم أزل أداريه وأرفق بِهِ حَتَّى سَار. لما ولى المعتضد حسنت آثاره، وَأمر بِالزِّيَادَةِ فِي الْمَسْجِد الْجَامِع بِالْمَدِينَةِ، وَأمر بتسهيل عقبَة حلوان. وَأنْفق عَلَيْهَا نيفاً وَعشْرين ألف دِينَار، وَأمر برد الْمَوَارِيث على ذَوي الْأَرْحَام، وَأخر النيروز، واستبد الْخراج إِلَى وَقت إِدْرَاك الغلات، وَعمر الدُّنْيَا، وَضبط الْأَطْرَاف، وَأحسن السياسة. وَقيل: إِنَّه أفضت إِلَيْهِ الْخلَافَة وَلَيْسَ فِي الخزانة إِلَّا سَبْعَة عشر درهما زائفة وَمَات وَخلف مَا يزِيد على عشْرين ألف ألف دِينَار. لما مَاتَ عبيد الله بن سُلَيْمَان وزيره اسْتَعَانَ ابْنه الْقَاسِم ببدر، ليوليه مَكَان أَبِيه فَسَأَلَ المعتضد فِي بَابه وألح، فَقَالَ: يَا أَبَا النَّجْم، هَذِه عشرَة آلَاف ألف دِينَار من تركته، خُذ نصفهَا، فَقَالَ: يَا مولَايَ، إِذا فعلت مَا أُرِيد فقد أَعْطَيْتنِي كلهَا. فَقَالَ: قد أَجَبْتُك، فاغد بِهِ غَدا، فوَاللَّه لَا يقتلك غَيره، فلست أعرف بالقوم مني، فَكَانَ الْأَمر على مَا ظَنّه وَقَالَهُ. وَقَالَ مرّة: يتحدث النَّاس بِأَنِّي بخيل، وَقد نصبت لَهُم بَدْرًا يفرق عَلَيْهِم مَا أجمع، وَقد وهبت لَهُ مُنْذُ أَيَّام عشرَة أُلَّاف ألف دِرْهَم، لَو أردتها مَا تَأَخّر عني مِنْهَا دِرْهَم وَاحِد، وَلَكِنِّي وَالله لَا أحب أَن أهب قَلِيلا، وَلَا يحْتَمل الْحَال الَّذِي دفعت إِلَيْهِ الْكثير. قَالَ: كَانَ الْحسن بن زيد يُوَجه من طبرستان فِي كل سنة بمالٍ يفرق على الطالبين سرا، واحتذى ذَلِك بعده مُحَمَّد بن زيد أَخُوهُ، فَبلغ ذَلِك المعتضد، فَوجه إِلَى عَليّ بن مُحَمَّد الْقطَّان الَّذِي كَانَ المَال يصل إِلَيْهِ، وَقَالَ: لم يبْعَث هَذَا سرا؟ الصَّوَاب أَن يشهر ليرغب النَّاس فِي فعل مثله، وَيكثر الدُّعَاء لفَاعِله. لما قصد المعتضد الْأَعْرَاب فَصَارَ فِي وسط بُيُوتهم، وهوفي عدد يسير حَتَّى لحقه بدر قيل لَهُ: لَو عرفك الْأَعْرَاب فأقدموا عَلَيْك كَيفَ كَانَت تكون حالك، وَحَال النَّاس؟ فَقَالَ: لَو عرفوني لتفرقوا، أما علمْتُم أَن الرصافية وَحدهَا عشرُون ألفا.

المكتفي

قَالَ بَعضهم أنْشد المعتضد: وَمَا الْأَدَب الْمَوْرُوث لَا در دره ... إِذا لم تؤيده بآخر مكتسب فَكَانَ بعد ذَلِك إِذا رأى هاشمياً لَا أدب لَهُ ينشد الْبَيْت، وَيَقُول: الْآدَاب خير من الْأَنْسَاب، والأعمال خيرٌ من الْأَمْوَال. وَلما خرج رَاعيا إِلَى الثغر قَالَ: أَنا أَرغب النَّاس فِي خدمتك على بابك. فَقَالَ: أَنا فِيك ضد اسْمك. وَقَالَ مرّة: عجائب الدُّنْيَا ثَلَاث، اثْنَان لايريان، وَوَاحِدَة ترى، فَأَما اللَّتَان لَا تريان فعنقاء مغربٍ، والكبريت الْأَحْمَر، وَأما الَّتِي ترى فَابْن الْجَصَّاص. حدث بعض الْكتاب قَالَ: حضرت يَوْمًا دَار الْمُوفق فرأيته، وَبَين يَدَيْهِ أَبُو الْعَبَّاس ابْنه المعتضد بِاللَّه، وَهُوَ يَقُول: قد فرقت الرِّجَال من المستأمنة وَغَيرهم على رَاشد، ووصيف، وراغب، ويأنس، وتركتني لم تضمم إِلَيّ مِنْهُم أحدا. فَقَالَ لَهُ الْمُوفق: إِن من مَعَك من الرِّجَال فِيهِ كِفَايَة لَك، وَلست تحْتَاج إِلَى أَكثر مِنْهُم. فَقَالَ لَهُ: كَأَنَّك استكثرت لي من معي. وَالله مَا ولد الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب مثلي، وَلَا يُولد لَهُ أَيْضا. فَقَالَ لَهُ أَبوهُ: صدقت. إِنَّك كَذَلِك، ولهذه الْعلَّة لم أزدك على مَا مَعَك من الرِّجَال. المكتفي نظر إِلَى رَأس صَاحب الزنج، وَقد أخرج إِلَيْهِ من الخزانة، فَقَالَ: لَعنه الله، فَإِنَّهُ عدا على الْأَنْسَاب، كَمَا عدا على الأسلاب. المقتدر حُكيَ أَن عَليّ بن عِيسَى الْوَزير كتب عَنهُ كتابا إِلَى ملك الرّوم، فَلَمَّا

الراضي

عرض عَلَيْهِ. قَالَ: فِيهِ مَوضِع يحْتَاج إِلَى إصْلَاح، فَسَأَلُوهُ عَن ذَلِك - وَكَانَ قد كتب فِي الْكتاب: " إِن قربت من أَمِير الْمُؤمنِينَ قرب مِنْك، وَإِن بَعدت بعد عَنْك " - فَقَالَ: مَا حَاجَتي إِلَى أَن أقرب مِنْهُ؟ كتبُوا: " إِن قربت من أَمِير الْمُؤمنِينَ قربك، وَإِن بَعدت بعْدك ". وَلم يعرف للمقتدر مثل هَذَا الْكَلَام، وَلَا مثل هَذِه الفطنة، وَقد ذَكرْنَاهُ على مَا حُكيَ، وَهُوَ بِكَلَام غَيره من الْخُلَفَاء أشبه. الراضي لما استوزر ابْن البريدي، وَهُوَ غَائِب عَن حَضرته، وأجابه إِلَى مقترحاته، قَالَ الراضي كالآنف من طَرحه الوزارة على من يشْتَرط فِيهَا: إِن الوزارة قِطْعَة من الْخلَافَة، ووهنها وَهن الْخلَافَة. واستكتبت الْفضل بن جَعْفَر وَكَانَ كَاتبا من بَيت كِتَابَة وَكَانَ نَائِبا عني فَحسن أَثَره، وَمَا نالته مهنة من أَصْحَاب بجكم تضع من الوزارة، فَلَمَّا توفّي نظرت إِلَى من بالحضرة، فَإِذا هم من قد عرفت، وَإِن علقت هَذَا الِاسْم بِوَاحِد مِنْهُم لم يمض عَلَيْهِ أُسْبُوع حَتَّى يسْأَل مَا لَا يقدر عَلَيْهِ، ويمتهن كل الإمتهان. فَنَظَرت إِلَى أَن أرفع من اعلمه فِي الزَّمَان، مِمَّن يسلم من هَذَا، وَيبعد عَنهُ، فَلم أجد غير ابْن البريدي، فاستكتبته لهَذِهِ الْعلَّة، وليبقى اسْم الوزارة على حَال صِيَانة ورفعة. إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي كتب إِلَى أَحْمد بن يُوسُف الْكَاتِب: لعن الله زَمَانا أخرك عَمَّن لَا يُسَاوِي كُله بعضك.

فصل له

وَقَالَ مُحَمَّد بن رَاشد: سَأَلَني إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي عَن رجل، فَقلت: يُسَاوِي فلسين. فَقَالَ: زِدْت فِي قِيمَته دِرْهَمَيْنِ. وَكتب إِلَى صديق لَهُ: لَو عرفت فضل الْحسن لتجنبت الْقَبِيح وَأَنا وَإِيَّاك كَمَا قَالَ زُهَيْر: رذي خطلٍ فِي القَوْل يحْسب أَنه ... مُصِيب، فَمَا يلمم بِهِ فَهُوَ قَائِله عبأت لَهُ حلمي، وأكرمت غَيره ... وأعرضت عَنهُ، وَهُوَ باد مقاتله وَمن إِحْسَان الله إِلَيْنَا، وإساءتك إِلَى نَفسك أَنا صفحنا عَمَّا أمكننا، وتناولت مَا أعجزك. فصلٌ لَهُ . لم يبْق لنا بعد هَذَا الْحَبْس شئ نمد أعينننا إِلَيْهِ إِلَّا الله، الَّذِي هُوَ الرَّجَاء قبله وَمَعَهُ وَبعده. فصل آخر لَهُ أما الصَّبْر فمصير كل ذِي مُصِيبَة، غير أَن الحازم يقد ذَلِك عِنْد اللوعة، طلبا للمثوبة، وَالْعَاجِز يُؤَخر ذَلِك إِلَى السلوة، فَيكون مغبوناً نصيب الصابرين وَلَو أَن الثَّوَاب الَّذِي جعل الله لنا على الصَّبْر كَانَ لنا على الْجزع لَكَانَ ذَلِك أثقل علينا، لِأَن جزع الْإِنْسَان قَلِيل، وَصَبره طَوِيل، وَالصَّبْر فِي أَوَان الْجزع أيسر مئونة من الْجزع بعد السلوة، وَمَعَ هَذَا فَإِن سبيلنا فِي أَنْفُسنَا على مَا ملكنا الله مِنْهَا أَلا نقُول وَلَا نَفْعل مَا كَانَ مسخطاً لله، فَأَما مَا يملكهُ الله من حسن عزاء النَّفس، فَلَا نملكه من أَنْفُسنَا. وَكتب إِلَى طَاهِر: زادك الله للحق قضاءاً، وللشكر أَدَاء. بَلغنِي رَسُول عَنْك مَا لم أزل أعرفهُ مِنْك، وَالله يمتعني بك، وَيحسن فِي ذَلِك عني جزاءك وَمَعَ ذَلِك فَإِنِّي أَظن أَنِّي علمتك الشوق، لِأَنِّي ذكرته لَك، فهيجته مِنْك. وَالسَّلَام.

فصل آخر

فصل آخر وَمَا الْحق إِلَّا حق الله، فَمن أَدَّاهُ فلنفسه، وَمن قصر عَنهُ فعلَيْهَا. نسْأَل الله أَن يعمرنا بِالْحَقِّ، ويصلحنا بالتوفيق ويخصنا بالتقوى. فصل آخر لَهُ وصلني كتابك السار المؤنس؛ فَكَانَ أسر طالع إِلَيّ، وَأحسنه موقعاً مني، إِذْ كنت أستعلي بعلوك، وَأرى نِعْمَتك تنحط إِلَيّ، ويتصل بِي مِنْهَا مَا يتَّصل بالأدنين من لحمتك، وَحَملَة شكرك ومظان مَعْرُوفك، والمقيمين على تأميلك، فَلَا أعد مني الله مَا منحني مِنْك، وَلَا أَزَال عني ظلك، وَلَا أفقدني شخصك. وَكتب إِلَى الْمَأْمُون: لَوْلَا أَن يَدي أَشْجَع عَلَيْهِ من لساني لشافهته بحاجتي. وَلما أَدخل على الْمَأْمُون عِنْد الظفر بِهِ سلم عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، ولي الثأر مُحكم فِي الْقصاص، وَالْعَفو أقرب للتقوى، وَمن مد لَهُ فِي الأناة حسن عِنْده الذَّنب، وَقد جعلك الله فَوق كل ذى ذَنْب كَمَا جعل كل ذِي ذَنْب دُونك، فَإِن عَاقَبت فبحقك، وَإِن عَفَوْت فبفضلك. فَقَالَ الْمَأْمُون: يَا إِبْرَاهِيم، إِنِّي شاورت الْعَبَّاس ابْني، وَأَبا إِسْحَاق أخي فِي أَمرك، فأشارا عَليّ بقتلك إِلَّا أَنِّي وجدت قدرك فَوق ذَنْبك، فَكرِهت الْقَتْل للازم حرمتك. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قد نصح المشير لما جرت بِهِ الْعَادة فِي السياسة، وحياطة الْخلَافَة إِلَّا أَنَّك أَبيت أَن تطلب النَّصْر إِلَّا من حَيْثُ عودته من الْعَفو، فَإِن عَاقَبت فلك نَظِير، وَإِن عَفَوْت فَلَا نَظِير لَك، فَإِن جُرْمِي أعظم من أَن أنطق فِيهِ بِعُذْر، وعفو أَمِير الْمُؤمنِينَ أجل من أَن يَفِي بِهِ شكر. فَقَالَ الْمَأْمُون: مَاتَ الحقد عِنْد هَذَا الْعذر. فاستعبر إِبْرَاهِيم، فَقَالَ الْمَأْمُون: مَا شَأْنك؟ قَالَ: النَّدَم، إِذْ كَانَ ذَنبي إِلَى من هَذِه صفته فِي الإنعام عَليّ، ثمَّ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّه وَإِن بلغ جُرْمِي

عبد الله بن المعتز

استحلال دمي فحلم أَمِير الْمُؤمنِينَ وفضله يبلغاني عَفوه، وَإِن لي لشفعة الْإِقْرَار بالذنب وَحقّ العمومة بعد الْأَب فَلَا يسْقط عَن كرمك عمك، وَلَا يَقع دون عفوك عنْدك. فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: لَو لم يكن فِي حق نسبك حق الصفح عَنْك لبلغك مَا أملت حسن تنصلك، ولطف توصلك. ثمَّ أمره بِالْجُلُوسِ، وَقَالَ لَهُ: مَا البلاغة يَا إِبْرَاهِيم؟ قَالَ: أَن يكون معناك يجلي عَن مغزاك. فَقَالَ الْمَأْمُون: هَذَا كَلَام يشذر بِالذَّهَب، لقد أذهب بِهِ وغراً كَانَ فِي صَدْرِي عَلَيْهِ. عبد الله بن المعتز كتب إِلَى بعض إخوانه: لَو كنت أعلم انك تحب معرفَة خبري لم أبخل بِهِ عَلَيْك، وَلَو طمعت فِي جوابك لسألت عَن خبرك، وَلَو رَجَوْت العتبى مِنْك لأكثرت عتابك، وَلَو ملكت الخواطر لم آذن لنَفْسي فِي ذكرك. وَلَوْلَا أَن يضيع وصف الشوق لأطلت بِهِ كتابي، وَلَوْلَا أَن عز السُّلْطَان يشغلك عني لشغلت بِهِ سروري، وَالسَّلَام. وَكتب يذم رجلا: ذكرت حَاجَة أبي فلَان المكنى ليعرف، لَا ليكرم، فَلَا وَصلهَا الله بالنجاح، وَلَا يسر بَابهَا للانفتاح، وَذكرت عذرا نضح بِهِ عَن نَفسه، فوَاللَّه مَا نضح عَنْهَا لكنه نضح عَلَيْهَا، وَأَنا وَالله أصونك عَنهُ، وأنصح لَك فِيهِ، فغنه خَبِيث النِّيَّة، متلقف للمعايب مُقَلِّب لِلِسَانِهِ بالملق، شائن بالتخلق وَجه الْخلق، مَوْجُود عِنْد النِّعْمَة، مَفْقُود عِنْد الشدَّة، قد أنس

بِالْمَسْأَلَة، وضري بِالرَّدِّ، فَلَا تعق عقلك بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا توحش النِّعْمَة بإذلالها لَهُ. وَقَالَ ابْن المعتز: الخضاب من شُهُود الزُّور. ولعَبْد الله بن المعتز آدَاب مَجْمُوعَة، وَحكم تمر أَكْثَرهَا فِي كَلَام الْمُتَقَدِّمين، وفيهَا نَوَادِر من كَلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ كرم الله وَجهه وَغَيره، وَقد اخْتَرْت بَعْضهَا، وأوردته هَذَا الْمَكَان، فَمِنْهَا: إِعَادَة الِاعْتِذَار تذكير بالذنب فِي العواقب شاف أَو مريح. الْعقل غريزة تربيها التجارب. النصح بَين الملإ تقريع. أقِم الرَّغْبَة إِلَيْك مقَام الْحُرْمَة بك، وَعظم نَفسك عَن التعظم، وتطول وَلَا تتطاول. الأمل رفيقٌ مؤنسٌ؛ إِن لم يبلغك فقد استمتعت بِهِ. لَا يقوم عز الْغَضَب بذل الِاعْتِذَار. الشَّفِيع جنَاح الطَّالِب. إِن بقيت لم يبْق الْهم. لَا تنْكح خَاطب سرك. من زَاد أدبه على عقله كَانَ كَالرَّاعِي الضَّعِيف مَعَ غنم كَثِيرَة. الدَّار الضيقة الْعَمى الْأَصْفَر. إِذا هرب الزَّاهِد من النَّاس فاطلبه، وَإِذا طَلَبهمْ فاهرب مِنْهُ. النمام جسر الشَّرّ. لَا تَشِنْ وَجه الْعَفو بالتقريع. إِذا زَالَ الْمَحْسُود عَلَيْهِ علمت أَن الْحَاسِد كَانَ يحْسد على غير شيءٍ. العجر نائمٌ، والحزم يقظان. من تجرأ لَك تجرأ عَلَيْك. مَا عَفا عَن الذَّنب من قرع بِهِ. أَمر المكاره مَا لم يحْتَسب. عبد الشَّهْوَة أذلّ من عبد الرّقّ. لَا يَنْبَغِي للعاقل أَن يطْلب طَاعَة غَيره، وَطَاعَة نَفسه عَلَيْهِ ممتنعة. النَّاس نفسان: واجدٌ لَا يَكْتَفِي، وطالب لَا يجد. ذل الْعَزْل يضْحك من تيه الْولَايَة. كلما كثر خزان الْأَسْرَار ازدادت ضيَاعًا. بشر مَال الْبَخِيل بحادثٍ أَو وارثٍ. الْحَاسِد مغتاظٌ على من لَا ذَنْب لَهُ، بخيل بِمَا لم لَا يملكهُ. من أَكثر المشورة لم يعْدم عِنْد الصَّوَاب مادحاً، وَعند الْخَطَأ عاذراً. من كثر حقده قل عتابه، وَمَا أَكثر من يُعَاتب ليطلب عِلّة للعفو. الحازم من لم يشْغلهُ البطر بِالنعْمَةِ عَن الْعَمَل للعقبة، والمهم بالحادثة عَن الْحِيلَة لدفعها. كلما حسنت نعْمَة الْجَاهِل ازْدَادَ قبحاً فِيهَا. بالمكاره تظهر حيل الْعُقُول.

من قبل عطاءك فقد أعانك على الْكَرم، وَلَوْلَا من يقبل الْجُود لَك يكن من يجود. الْعَالم يعرف الْجَاهِل، لِأَنَّهُ قد كَانَ جَاهِلا، وَالْجَاهِل لَا يعرف الْعَالم، لِأَنَّهُ لم يكن عَالما. حَسبك من عَدوك ذله فِي قدرتك. إخْوَان السوء كشجرة النَّار يحرق بَعْضهَا بَعْضًا. كفى بالظفر شَفِيعًا للمذنب إِلَى الْحَلِيم. زلَّة الْعَالم كانكسار السَّفِينَة تغرق ويغرق مَعهَا خلق كثير. أوهن الْأَعْدَاء كيداً أظهرهم لعداوته. من مدحك بِمَا لَيْسَ فِيك فحقيق أَن يذمك بِمَا لَيْسَ فِيك. أبق لرضاك من غضبك، وَإِذا طرت فقع قَرِيبا. لَا تَلْتَبِس بالسلطان فِي وَقت اضْطِرَاب الْأُمُور عَلَيْهِ، فَإِن الْبَحْر لَا يكَاد يسلم صَاحبه فِي حَال سكونه، فَكيف لَا يهْلك مَعَ اخْتِلَاف رياحه، واضطراب أمواجه؟ النَّفس المتفردة بِطَلَب الرغائب وَحدهَا تهْلك. فَسَاد الرّعية بِلَا ملك كفساد الْجِسْم بِلَا روحٍ. إِذا خلي عنان الْعقل، وَلم يحبس على هوى نفسٍ أَو عَادَة دينٍ أَو عصبيةٍ لسلف، ورد بِصَاحِبِهِ على النجَاة. لَا تسرع إِلَى أرفع مَوضِع فِي الْمجْلس، فالموضع الَّذِي ترفع إِلَيْهِ خير من الْموضع الَّذِي تحط عَنهُ. إِذا زادك الْملك تأنيساً فزده إجلالاً. الْغَضَب يصدئ الْعقل حَتَّى لَا يرى صَاحبه فِيهِ صُورَة حسنٍ فيفعله وَلَا قبيحٍ فيجتنبه. من تكلّف مَالا يعنيه فَاتَهُ مَا يعنيه. الْحَاسِد يظْهر وده فِي اللِّقَاء، وبغضه فِي المغيب، واسْمه صديق، وَمَعْنَاهُ عَدو. السَّامع للغيبة أحد المغتابين. لَا رَاحَة لحاسد، وَلَا حَيَاء لحريص. الْمَسْئُول حر حَتَّى يعد، ومسترق بالوعد حَتَّى ينجز. لَو تميزت الْأَشْيَاء كَانَ الْكَذِب مَعَ الْجُبْن، والصدق مَعَ الشجَاعَة، والراحة من الْيَأْس، والتعب مَعَ الطمع، والحرمان مَعَ الْحِرْص، والذل مَعَ الدّين. الْمَعْرُوف إِلَيْك غلٌ لَا يفكه عَنْك إِلَّا شكرٌ أَو مُكَافَأَة. لم يكْتَسب مَالا من لَا يصلحه كَثْرَة مَال. الْمَيِّت يعزي ورثته عَنهُ. من كرمت عَلَيْهِ نَفسه هان عَلَيْهِ مَاله. من كثر مزاحه لم يسلم من استخفاف بِهِ، أَو حقد عَلَيْهِ. كَثْرَة الدّين تضطر الصَّادِق إِلَى الْكَذِب، والمنجز إِلَى

الإخلاف. لن يَسْتَطِيع أحد أَن يشْكر الله تَعَالَى على نعْمَة بِمثل الإنعام بهَا. عَار النَّصِيحَة يكدر لذتها. رب صديق يُؤْتى من جَهله لَا من نِيَّته. أول الْغَضَب جُنُون، وَآخره نَدم. انْفَرد بسرك، وَلَا تودعه حازماً فيزل، وَلَا جَاهِلا فيخون. علم الْإِنْسَان وَلَده المخلد. الْمَعْرُوف رقٌ، والمكافأة عتقٌ؛ ليكن الْأنس أغْلى أعلاق مودتك، وأبطأها عرضا على صديقك. لَا تقطع أَخَاك إِلَّا بعد عجز الْحِيلَة عَن استصلاحه، وَلَا تتبعه بعد القطيعة وقيعة فِيهِ، فتسد طَرِيقه عَن الرُّجُوع إِلَيْك، وَلَعَلَّ التجارب أَن ترده إِلَيْك، وتصلحه لَك. من أحس بِضعْف حيلته عَن الِاكْتِسَاب بخل. الْأَمَانَة رَأس مَال الْجَاهِل. الْجَاهِل صغيرٌ إِن وَكَانَ شَيخا، والعالم كَبِير وَإِن كَانَ حَدثا. الْمَيِّت يقل الْحَسَد لَهُ، وَيكثر الْكَذِب عَلَيْهِ. الْحِرْص ينقص من قدر الْإِنْسَان، وَلَا يزِيد فِي حَظه. إِذا نزلت بك النِّعْمَة فَاجْعَلْ قراها الشُّكْر. الفرصة سريعة الْفَوْت بطيئة الْعود. أبخل النَّاس بِمَالِه أجودهم بعرضه. لَا تعاجل الذَّنب بالعقوبة، وَاجعَل بَينهمَا للاعتذار طَرِيقا. أحرس منزلتك من الْفساد عِنْد سلطانك بِمثل مَا اكتسبتها بِهِ من الْجد والمناصحة، وَاحْذَرْ أَن يحطك التهاون عَمَّا رقاك إِلَيْهِ التحفظ. اذكر عِنْد الظُّلم عدل الله فِيك، وَعند الْقُدْرَة قدرَة الله عَلَيْك. لَا يحملنك الحنق على اقتراف إِثْم، فتشفي غيظك، وتسقم دينك. الْملك بِالدّينِ يبْقى، وَالدّين بِالْملكِ يقوى. اقبل نصح الشيب وَإِن عجل. أهل الدُّنْيَا كركب يسَار بهم، وهم نيام. غضب الْجَاهِل فِي قَوْله، وَغَضب الْعَاقِل فِي فعله. كَأَن الْحَاسِد إِنَّمَا خلق ليغتاظ. أغن من وليته عَن السّرقَة، فَلَيْسَ تكفيك من لم تكف. عقل الْكَاتِب فِي قلمه. يشفيك من الْحَاسِد أَنه يغتم فِي وَقت سرورك. اقْتصّ من شَهْوَة خَالَفت عقلك بِالْخِلَافِ عَلَيْهَا.

التَّوَاضُع سلم الشّرف. السخاء حارس الْعرض من الذَّم. لَا تستقل شَيْئا من زِيَادَة الله لَك، فتنفر بقيتها عَنْك، وَقَلِيل يترقي مِنْهُ إِلَى كثير خير من كثير ينحط عَنهُ إِلَى قَلِيل. لَا ترى الْجَاهِل إِلَّا مفرطاً أَو مفرطاً. الْكتاب والج الْأَبْوَاب، جرئ على الْحجاب، مفهم لَا يفهم، وناطق لَا يتَكَلَّم. مَا كل من يحسن وعده يحسن إنجازه. وَرُبمَا أورد الطمع وَلم يصدر، وَضمن وَلم يَفِ. وَرُبمَا شَرق شَارِب المَاء قبل ريه. وَمن تجَاوز الكفاف لم يغنه إكثار. وَكلما عظم قدر المنافس فِيهِ عظمت الفجيعة بِهِ. وَمن ارتحله الْحِرْص أنضاه الطّلب. والأماني تعمي أعين البصائر. والحظ يَأْتِي من لَا يَأْتِيهِ. وأشقى النَّاس بالسلطان صَاحبه، كَمَا أَن أقرب الْأَشْيَاء إِلَى النَّار أسرعها احتراقاً. وَلَا يدْرك الْغَنِيّ بالسلطان إِلَّا نفسٌ خائفة، وجسمٌ تعبٌ، وَدين منثلم - وَإِن كَانَ الْبَحْر كثير المَاء فَإِنَّهُ بعيد المهوى، وَمن شَارك السُّلْطَان فِي عز الدُّنْيَا شَاركهُ فِي ذل الْآخِرَة، وَمَا أحلى تلقي النِّعْمَة، وَأمر عَاقِبَة الْفِرَاق. وَمن لم يتَأَمَّل الْأَمر بِعَين عقله لم يَقع سيف حيلته إِلَّا على مقاتله. والتثبت يسهل طَرِيق الرَّأْي إِلَى الْإِصَابَة، والعجلة تضمن العثرة. كل مكروهٍ ختم بمحبوبٍ، وانْتهى إِلَى السَّلامَة، فالهم بِهِ زائل، وَالْأَجْر عَلَيْهِ حَاصِل. والحوادث الممضة مكسبة لحظوظ جزيلة، مِنْهَا: ثَوَاب المدخر، وتطهير من ذَنْب، وتنبيه من غَفلَة، وتعريف بِقدر الْمُنعم وموزن على مقارعة الدَّهْر، وَفِي الشُّكْر دَرك الْمَزِيد وَقَضَاء حق الْمُنعم، ومواقع أقدار الله لَك خير من مواقع آمالك. بعد الْعسر يسرٌ، وَالصَّبْر إِلَى تفريجٍ. رُبمَا أعقبت السَّابِقَة وَأدْركَ المنضى وَمن ولج فِي النائبة صَابِرًا خرج مِنْهَا مثقفاً. إياك وَالتَّقْصِير، وتمني كل التَّيْسِير، وَلَا تدع الظُّلم يسْتَمر بك إِذا أظلك، وَأعلم أَن الظَّالِم سريع الوثبة قريب العثرة. وَمن لم يعدل عدل الله فِيهِ، وَمن حكم لنَفسِهِ حكم الله عَلَيْهِ.

لما عرف أهل النَّقْص حَالهم عِنْد أهل الْكَمَال استعانوا بِالْكبرِ ليعظم صَغِيرا، وَيرْفَع حَقِيرًا وَلَيْسَ بفاعل. إِن الله يمْتَحن بالإنعام عَلَيْك، فأفد من فَائِدَته، واستمد فضلك من فَضله. بكرم الله نبلغ الْكَرم، وَمن نعمه حمد الْمُنعم، وَهُوَ المتغمد للذنوب فِي عَفوه، والناشر على الْخَطَّائِينَ جنَاح ستره، الكاشف الضّر بِيَدِهِ الَّتِي بِالْعَدْلِ عَاقَبت، والمجيب للدُّعَاء برحمته الَّتِي بالتوفيق أنطقت، والجواد بِمَا كَانَ فِي قدرته، والمنعم قبل الِاسْتِحْقَاق لنعمته، كم سَيِّئَة قد أخفاها حلمه حَتَّى دخلت فِي عَفوه، وحسنة ضاعفها فَضله حَتَّى عظمت عَلَيْهَا مجازاته. إِنَّمَا يعرف الْيَقِين بِاللَّه من التَّقْوَى. النَّاس وَفد البلى، وسكان الثري، وَرهن المنايا. أنفاس الْحَيّ خطاه إِلَى أَجله، وأمله خَادع لَهُ عَن عمله، وَالدُّنْيَا أكذب واعديه، وَالنَّفس أقرب أعاديه، وَالْمَوْت ناظرٌ إِلَيْهِ وينتظر فِيهِ أمرا لَا يعييه. على قدر إخلاصك الشُّكْر تزيد عنْدك النعم، ويسرع إِلَيْك المرجو. إِن أَمر الله وَنَهْيه مَا وَقعا إِلَّا على خير فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة ندب إِلَيْهِ، أَو شَرّ فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة حذر مِنْهُ، ثمَّ وعد بالثواب على طاعتهم لَهُ، فِيمَا فِيهِ صَلَاح أَحْوَالهم تفضلاً مِنْهُ وامتناناً، وَلَو كَانَ الله تبَارك وَتَعَالَى لم ينزل كتابا وَلم يُرْسل رَسُولا، ثمَّ أجمع أهل الأَرْض على اخْتِيَار الْأُمُور تصلحهم، وتشد نظامهم، وتنفي مَكْرُوه العواقب عَنْهُم، وَتجمع الْكَلِمَة، وتديم الألفة، ليَكُون آيَة لأفعالهم لَا يخالفونها، وَلَا يستبدلون بهَا، لم يكنك إِلَّا أَمر الله وَرُسُله، وَلَو أَجمعُوا على الاجتناب لأمور تَدْعُو إِلَى الْفرْقَة، وترشح أَطْفَال الضغائن، وتدب عقارب الشَّرّ، وتسفك الدِّمَاء، وتشظي الْعَصَا، وتنقض الْحَبل، وتشتت الشمل، لم يكن إِلَّا نهي الله عَنهُ وَرُسُله. لَا يزَال الإخوان يسافرون فِي الْمَوَدَّة حَتَّى يبلغُوا الثِّقَة، فتطمئن الدَّار، وَتقبل وُفُود التناصح، وتؤمن خبايا الضمائر، وتلقى ملابس التخلق، وتخل عقد التحفظ. لَوْلَا الْخَطَايَا أشرق نور الْفُؤَاد.

هِيَ الدُّنْيَا تعير وتستعير، وَمن لم يصبر اخْتِيَارا صَبر اضطراراً. الْعَاقِل لَا يسْتَقْبل النِّعْمَة ببطر، وَلَا يودعها بجزع. الدُّنْيَا تطرق بطرقة نقمة، وتنبه برائع نجعه، وتجرع ثكلها كأساً مرّة، تقتل مُعْتَرضَة، وتعترض مُتَنَكِّرَة، وتقفي بِالرّضَاعِ، وتنشئ الْعِظَام، وتلدح الْأَعْمَار، وتنشر الآمال، وتفيد لتكيد، وتسر لتغر، وَبِهَذَا الْخلق عرفت، وعَلى هَذَا الشَّرْط صوحبت. الْأُمُور وَإِن كَانَت مقدرَة فَمن تَقْدِير الله فِي أَكثر مَا جربنَا أَن يكون الْمُحْتَال أقرب إِلَى المأمول، وَأبْعد من الْمَحْذُور، من المفرط فِي الْأُمُور، المستسلم للخطوب، الْمُؤخر لاستعمال الحزم. إِن الله يَبْتَدِئ بمواهب الدُّنْيَا، فَإِذا استرجعها كَانَت مواهب الْآخِرَة. من عظمت النِّعْمَة عَلَيْهِ كثرت الرَّغْبَة إِلَيْهِ، فاستجلب بالإنعام مِنْك إنعام الله عَلَيْك، واستزد بِمَا تهب مَا يهب لَك، وَعجل إِن نَوَيْت جوداً، وتأن إِن أردْت تمنعاً، وَلَا تكن مِمَّن ولَايَته مواعيد، وَصَرفه اعتذار. الْعقل كشجرة أَصْلهَا غزيرة، وفرعها تجربة، وثمرتها حمد الْعَاقِبَة، وَمَا أبين وُجُوه الْخَيْر وَالشَّر فِي مرْآة الْعقل إِن لم يصدئها الْهوى. مَا ذل قوم حَتَّى ضعفوا، وَمَا ضعفوا حَتَّى تفَرقُوا، وَمَا تفَرقُوا حَتَّى اخْتلفُوا، وَمَا اخْتلفُوا حَتَّى تباغضوا، وَمَا تباغضوا حَتَّى تَحَاسَدُوا، وَمَا تَحَاسَدُوا حَتَّى اسْتَأْثر بَعضهم على بعض. تنَاول الفرصة الممكنة، وَلَا تنْتَظر غَدا، وَمن لغد من حَادث بكفيل؟ مَا أقل من يحمده المطالب، ويستقل بِهِ العاثر، ويرضي عَنهُ السَّائِل وَمَا زَالَت أم الْكَرم نزوراً، وَأم اللؤم ولوداً. وَأكْثر الواجدين من لَا يجود، وَأكْثر الأجاود من لَا يجد. وَمَا كل من يورق بوعد يُثمر بإنجاز. وَلَا بُد لمن افْتَقَرت حَيَاته إِلَى الْمَادَّة، وعهد بَقَاؤُهُ إِلَى الْمطعم وَالْمشْرَب من يضْطَر إِلَى السَّعْي، ويحفز إِلَى الطّلب، فينجح مرّة،

ويكدي أُخْرَى، وَقد قرن الرزق بِسَبَبِهِ، والعيش بالتماس مصْلحَته وبذل الافتقار. مَا كل هفوةٍ تعد ذَنبا، وَلَا كل إِنْكَار يسْتَحق أَن يُسمى عتباً. إخْوَان السوء يَنْصَرِفُونَ عِنْد النكبة، ويقبلون مَعَ النِّعْمَة، وَمن شَأْنهمْ التوسل بالإخلاص والمحبة، إِلَى أَن يظفروا بالأنس والثقة، ثمَّ يوكلون الْأَعْين بالأفعال، والأسماع بالأقوال؛ فَإِن رَأَوْا خيرا ونالوه لم يذكروه وَلم يشكروه، وَعمِلُوا على أَنهم خدعوا صَاحبهمْ وقمروه؛ وَإِن رَأَوْا شرا أَو ظنوه أذاعوه ونشروه؛ فَإِذا أدمت مواصلتهم فَهُوَ الدَّاء المماطل، الْمخوف على الْمقَاتل؛ وَإِن استرحت إِلَى مصارمتهم ادعوا الْخِبْرَة بك لطول الْعشْرَة؛ فَكَانَ كذب حَدِيثهمْ مُصدقا، وباطله محققاً. إِنَّمَا يقتل الْكِبَار الْأَعْدَاء الصغار، الَّذين لَا يخَافُونَ فيتقون. وَلَا يؤبه لَهُم وهم يكيدون. مَا ينفع ولد الْملك من تَأْدِيب المؤدبين إِيَّاه؟ وَهُوَ يَغْدُو وَيروح فيراه على خلاف مَا يَأْمُرهُ بِهِ المؤدبون، وَلم يزل الْبَاطِل على نفوس الرِّجَال أخف محملًا، وَأحلى طعماً؛ فَكيف الصّبيان؟ . الْمُؤَدب يَأْمر الْغُلَام بألا يشْتم أحدا، ويتجنب الْمَحَارِم، وَيحسن خلائقه، ويعلمه من الْفِقْه الْأَبْوَاب الَّتِي لَا غنى بِمُسلم عَن مَعْرفَتهَا، وَمن الشّعْر الشَّاهِد والمثل، وَمن الْإِعْرَاب مَا يصلح لَهُ لَفظه، وَمن الْغَزل أعفه. وَهُوَ يرى أَبَاهُ فِي كل ساعةٍ بِخِلَاف مَا يُؤمر بِهِ، وتاركاً لما حض عَلَيْهِ؛ حَتَّى إِنَّه ليستثقل اللَّفْظَة تجْرِي فِي مَجْلِسه بإعراب ويصد عَن منشدٍ لبين شعر، وَلَا يُخَاطب غُلَامه وَلَا يمازح جليسه إِلَّا بالشتم واللعنة، وَلَا يحتشم من وُرُود محرمٍ، وَلَا يَتَّقِي كَبِيرَة؛ ثمَّ يرَاهُ مَعَ ذَلِك وَقد بلغ غَايَة آماله من الدُّنْيَا؛ فيوشك أَن يحدث نَفسه بِأَن أَبَاهُ لَا يَخْلُو من أَن يكون علم مَا يسام فَاطْرَحْهُ، وَرَأى أَنه لَا خير فِيهِ، أَو لم يعلم شَيْئا من ذَلِك فَلم يضرّهُ جَهله إِيَّاه، وَلَا صرف عَنهُ حظاً من دُنْيَاهُ، وكلا الْمَعْنيين مزهدٌ لَهُ فِي قبُول الْأَدَب، ومزينٌ لَهُ ترك عنائه، وَربح تَعبه فِيهِ.

لَا تكَاد تصح لكذابٍ رُؤْيا؛ لِأَنَّهُ يخبر عَن نَفسه فِي الْيَقَظَة بِمَا لم ير فتريه فِي النّوم مَا لَا يكون. لَا يفسدك الظَّن على صديق قد أصلحك الْيَقِين لَهُ. من الْمُحدثين من يحسن أَن يسمع ويستمع، وينفي الإملال بِبَعْض الإقلال، وَيزِيد إِذا استملى من الْعُيُون الاستزادة، وَيعرف كَيفَ يفصل ويصل، ويحكي وَيُشِير، فَذَاك يزين الْأَدَب كَمَا يتزين بالأدب. رب ذنبٍ مِقْدَار الْعقُوبَة عَلَيْهِ إِعْلَام المذنب لَهُ، وَلَا يُجَاوز بِهِ حد الارتياع إِلَى الْإِيقَاع. إِن للأزمان المذمومة والمحمودة أعماراً وآجالاً كأعمار النَّاس وآجالهم؛ فَاصْبِرُوا لزمان السوء حَتَّى يفنى عمره، وَيَأْتِي أَجله. أَسبَاب فتن النِّسَاء ثلاثةٌ: عينٌ ناظرةٌ، وصورةٌ مُوَافقَة، وشهوة قادرةٌ؛ فالحكيم من لم يردد النظرة حَتَّى يعرف حقائق الصُّورَة، وَلَو أَن رجلا رأى امْرَأَة فوافقته ثمَّ طالبها فتأبت عَلَيْهِ، هَل كَانَ إِلَّا تاركها؟ فَإِن تأبى عَلَيْهِ عقله فِي مطالبتها كتأبيها عَلَيْهِ فِي مساعفتها، وقدع نَفسه عَن لذته، قدع الغيور إِيَّاه عَن حرمته سليم. يَنْبَغِي للعاقل أَن يُغني أَوْلَاده فِي حَيَاته ليؤدبهم فِي حَال الْغنى، وَيُعلمهُم سياسة النِّعْمَة، وَإِلَّا ظفروا بالغنى بعده وهم جهالٌ بِهِ، فَلم يكتسبوا حَمده، وأسرعوا للتعري، وحصلوا على ذمّ الصاحب، وَنَدم العواقب. اجهل مِمَّن لَا يكْتَسب الإخوان من ينفقهم. مُشَاورَة الحازم المشفق ظفر، ومشاورة المشفق غير الحازم خطر. لَا يكن فقرك كفرا، وغناك طغياناً. المشورة راحةٌ لَك، وتعبٌ على غَيْرك. مَا تكَاد الظنون تزدحم على أمرٍ مستورٍ إِلَّا كشفته. يَنْبَغِي للعاقل أَن يكْتَسب بِبَعْض مَاله المحمدة، ويصون بِبَعْضِه نَفسه عَن الْمَسْأَلَة. من أَكثر مذاكرة الْعلمَاء لم ينس مَا علم، واستفاد مَا لم يعلم، خير الْمَعْرُوف مَا لم يتقدمه المطل، وَلم يتبعهُ الْمَنّ. الْمَعْرُوف كنزٌ فَانْظُر من تودعه. من ترك الْعقُوبَة أغرى بالذنب.

الباب الرابع كلام جماعه من بني اميه

الْبَاب الرَّابِع كَلَام جمَاعَة من بني أُميَّة قَالَ سعيد بن الْعَاصِ: لَا تمازح الشريف؛ فيحقد عَلَيْك، وَلَا الدنيء فيجترئ عَلَيْك. وَدخل عَمْرو بن سعيد إِلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ: إِلَى من أوصى بك أَبوك؟ قَالَ: إِن أبي أوصى إِلَيّ، وَلم يوص بِي. قَالَ: فَبِأَي شيءٍ أَوْصَاك؟ قَالَ: أَوْصَانِي أَلا يفقد إخوانه مِنْهُ إِلَّا وَجهه. فَقَالَ مُعَاوِيَة لأَصْحَابه: إِن ابْن سعيدٍ هَذَا لأشدق. قَالَ عنبة بن أبي سُفْيَان لمعلم وَلَده: ليكن أول إصلاحك لوَلَدي إصْلَاح نَفسك؛ فَإِن عيونهم معقودةٌ بِعَيْنِك؛ فالحسن عِنْدهم مَا استحسنته، والقبيح مَا استقبحته؛ علمهمْ كتاب الله، وروهم من الحَدِيث أشرفه، وَمن الشّعْر أعفه، وَلَا تكرههم على علمٍ فيملوه، وَلَا تَدعهُمْ فيهجروه، وَلَا تخرجهم من علمٍ إِلَى علمٍ حَتَّى يتقنوه فَإِن ازدحام الْعلم فِي السّمع مضلة للفهم؛ وعلمهم سير الْحُكَمَاء، وهددهم بِي، وأدبهم دوني وَلَا تتكل على عذرٍ مني؛ فَإِنِّي اتكلت على كفايةٍ مِنْك. أطْعم أَبُو سُفْيَان النَّاس فِي حجَّة الْوَدَاع، فقصر طَعَامه، فاستعان برَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فأعانه بِأَلف شَاة؛ فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: بِأبي أَنْت وَأمي؛ لقد حاربناك فَمَا أجبناك، وسألناك فَمَا أبخلناك. قَالَ سعيد بن الْعَاصِ؛ موطنان لَا أعذر من العي فيهمَا: إِذا سَأَلت حَاجَة لنَفْسي، وَإِذا أكلمت جَاهِلا. وَكَانَ سعيد بن الْعَاصِ والياً على الْمَدِينَة من قبل مُعَاوِيَة، وَكَانَ مُعَاوِيَة يُعَاقب بَينه وَبَين مَرْوَان فِي ولايتها، وَكَانَ يغرى بَينهمَا؛ فَكتب إِلَى سعيد: أَن

اهدم دَار مَرْوَان، فَلم يَهْدِمهَا، وَأعَاد إِلَيْهِ الْكتاب بهدمها، فَلم يفعل، فَعَزله، وَولى مَرْوَان، وَكتب إِلَيْهِ: أَن اهدم دَار سعيد؛ فَأرْسل الفعلة، وَركب ليهدمها؛ فَقَالَ لَهُ سعيدٌ: يَا أَبَا عبد الْملك؛ أتهدم دَاري؟ قَالَ: نعم، كتب إِلَيّ أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَلَو كتب إِلَيْك فِي هدم دَاري لفَعَلت. فَقَالَ: مَا كنت لأَفْعَل. قَالَ: بلَى، وَالله لَو كتب إِلَيْك لهدمتها، قَالَ: كلا يَا أَبَا عبد الْملك؛ وَقَالَ لغلامه: انْطلق فجئني بِكِتَاب مُعَاوِيَة؛ فجَاء بِهِ، فَقَالَ مَرْوَان: كتب إِلَيْك يَا أَبَا عُثْمَان فِي هدم دَاري، فَلم تَهدمهَا وَلم تعلمني؟ قَالَ: مَا كنت لأهدم دَارك، وَلَا أَمن عَلَيْك، وَإِنَّمَا أَرَادَ مُعَاوِيَة أَن يحرض بَيْننَا؛ فَقَالَ مَرْوَان: فدَاك أبي وَأمي، أَنْت وَالله أَكثر مني ريشاً وعقباً، وَرجع فَلم يهدم دَار سعيد. وَقدم سعيد على مُعَاوِيَة، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عُثْمَان؛ كَيفَ تركت أَبَا عبد الْملك؟ قَالَ: تركته ضابطاً لعملك، منفذاً لأمرك. قَالَ: إِنَّه كصاحب الخبزة كفي نضجها فَأكلهَا. قَالَ: كلا وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّه لمع قومٍ يحمل بهم السَّوْط، وَلَا يحل لَهُم السَّيْف، يتهادون كوقع النبل، سَهْما لَك وَسَهْما عَلَيْك. قَالَ: مَا باعد بَيْنك وَبَينه؟ قَالَ: خافني على شرفه، وَخِفته على شرفي. قَالَ: فَمَا ذاله عنْدك؟ قَالَ: أسره غَائِبا، وأسوءه شَاهدا؟ . قَالَ: تركتنا يَا أَبَا عُثْمَان فِي هَذِه الهنات. قَالَ: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فتحملت الثّقل وكفيت الحزم، وَكنت قَرِيبا لَو دَعَوْت أجبْت، وَلَو وهيت رفعت. خطب عتبَة بن أبي سُفْيَان بِمصْر؛ فَقَالَ: يَا حاملي ألأم آنافٍ ركبت بَين أعينٍ، إِنِّي إِنَّمَا قلمت أظفاري عَنْكُم؛ ليلين مسي إيَّاكُمْ، وسألتكم صَلَاح أَمركُم إِذْ كَانَ فَسَاده رَاجعا عَلَيْكُم؛ فَإِذا أَبَيْتُم إِلَّا الطعْن على الْوُلَاة، والتعرض للسلف؛ فو الله لأقطعن على ظهوركم بطُون السِّيَاط، فَإِن حسمت داءكم؛ وَإِلَّا فالسيف من وَرَائِكُمْ. فكم من موعظةٍ منا لكم مجتها قُلُوبكُمْ، وزجرة صمت عَنْهَا آذانكم، وَلست أبخل عَلَيْكُم بالعقوبة إِذا جدتم لنا بالمعصية، وَلَا أويسكم من مُرَاجعَة الْحق، إِن صرتم إِلَى الَّتِي هِيَ أبر وَأتقى. كتب زيادٌ إِلَى سعيد بن الْعَاصِ يخْطب إِلَيْهِ أم عُثْمَان ابْنَته، وَبعث إِلَيْهِ بمالٍ وهدايا كَثِيرَة، فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابه أَمر حَاجِبه بِقَبض المَال والهدايا وَقسمهَا بَين

جُلَسَائِهِ؛ فَقَالَ الْحَاجِب: إِنَّهَا أَكثر من ذَلِك، فَقَالَ: أَنا أَكثر مِنْهَا. فَفعل؛ ثمَّ كتب إِلَى زيادٍ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. " إِن الْإِنْسَان ليطْغى أَن رءاه اسْتغنى ". كَانَ أَبُو سُفْيَان إِذا نزل بِهِ جارٌ قَالَ لَهُ: يَا هَذَا؛ إِنَّك قد اخترتني جاراً واخترت دَاري دَارا؛ فجناية يدك عَليّ دُونك، وَإِن جنت عَلَيْك يدٌ فاحتكم حكم الصَّبِي على أَهله. ولى أَبُو بكر - رَضِي الله عَنهُ - يزِيد بن أبي سُفْيَان ربعا من أَربَاع الشَّام، فرقى الْمِنْبَر فَتكلم، فأرتج عَلَيْهِ، فاستأنف، فأرتج عَلَيْهِ؛ فَقطع الْخطْبَة ثمَّ أقبل على النَّاس؛ فَقَالَ: " سَيجْعَلُ الله بعد عسرٍ يسرا، وَبعد عيٍّ بَيَانا، وَأَنْتُم إِلَى أميرٍ فعال أحْوج مِنْكُم إِلَى أميرٍ قوالٍ. " فَبلغ كَلَامه عَمْرو بن الْعَاصِ؛ فَقَالَ: هن مخرجاتي من الشَّام. اسْتِحْسَانًا لكَلَامه. ذكر الْعُتْبِي: أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أسر إِلَى عَمْرو بن عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان حَدِيثا، قَالَ عَمْرو: فَجئْت إِلَى أبي، فَقلت: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ أسر إِلَيّ حَدِيثا، أفأحدثك بِهِ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ من كتم حَدِيثه كَانَ الْخِيَار إِلَيْهِ، وَمن أظهره كَانَ الْخِيَار عَلَيْهِ، فَلَا تجْعَل نَفسك مَمْلُوكا، بعد أَن كنت مَالِكًا. فَقلت: أَو يدْخل هَذَا بَين الرجل وَابْنه؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن أكره أَن تذلل لسَانك بإفشاء السِّرّ. قَالَ: فَرَجَعت إِلَى مُعَاوِيَة، فَذكرت ذَلِك لَهُ. فَقَالَ: أعتقك أخي من رق الْخَطَأ. خطب عتبَة بن أبي سُفْيَان النَّاس بِالْمَوْسِمِ فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين، وعهد النَّاس حديثٌ بالفتنة، فَاسْتَفْتَحَ، ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس؛ إِنَّا قد ولينا هَذَا الْموضع الَّذِي يُضَاعف الله عز وَجل للمحسنين فِيهِ الْأجر، وعَلى الْمُسِيء الْوزر، فَلَا تمدوا الْأَعْنَاق إِلَى غَيرنَا، فَإِنَّهَا تَنْقَطِع دُوننَا، وَرب متمنٍ حتفه فِي أمْنِيته. اقْبَلُوا الْعَافِيَة مَا قبلناها مِنْكُم وَفِيكُمْ، وَإِيَّاكُم وَلَو، فقد أَتعبت من كَانَ قبلكُمْ، وَلنْ تريح من بعدكم. اسْأَل الله أَن يعين كلا على كلٍّ.

فنعق أَعْرَابِي من مؤخرٍ الْمَسْجِد، فَقَالَ: أَيهَا الْخَلِيفَة؛ فَقَالَ: لست بِهِ وَلم تبعد. قَالَ: فيا أَخَاهُ. قَالَ: قد أسمعت فَقل. قَالَ: وَالله لَئِن تحسنوا وَقد أسأنا خيرٌ لكم من أَن تسيئوا وَقد أحسنا؛ فَإِن كَانَ الْإِحْسَان لكم، فَمَا أحقكم باستتمامه وَإِن كَانَ لنا فَمَا أحقكم بمكافأتنا رجلٌ من بني عامرٍ يمت إِلَيْكُم بالعمومة، وَيخْتَص إِلَيْكُم بالخؤولة، وَقد وَطئه كيد زمانٍ، وَكَثْرَة عِيَال، وَفِيه أجرٌ، وَعِنْده شكرٌ. فَقَالَ عتبَة: أستعيذ بِاللَّه مِنْك، وَأَسْتَعِينهُ عَلَيْك، قد أمرت لَك بغناك، فليت إسراعنا إِلَيْك يقوم بإبطائنا عَنْك. قَالَ دَاوُد بن عَليّ لإسماعيل بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ، بعد قَتله من قتل من بني أُميَّة: أساءك مَا فعلت بِأَصْحَابِك؟ قَالَ: كَانُوا يدا فقطعتها، وعضداً ففتتها، وَمرَّة فنقضتها، وجناحاً فنتفته. قَالَ: إِنِّي لخليقٌ أَن ألحقك بهم. قَالَ: إِنِّي إِذا لسعيدٌ. قيل لأبي سُفْيَان: بِمَ سدت قَوْمك؟ قَالَ: لم أخاصم أحدا إِلَّا تركت للصلح موضعا. خطب عُثْمَان بن عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان إِلَى عتبَة بن أبي سُفْيَان ابْنَته، فأقعده على فَخذه، وَكَانَ حَدثا؛ فَقَالَ: أقرب قريبٍ خطب أحب حبيب، لَا أَسْتَطِيع لَهُ ردا، وَلَا أجد من تشفيعه بدا قد زَوجتك، وَأَنت أعز عَليّ مِنْهَا، وَهِي ألوط. بقلبي مِنْك، فأكرمها يعذب على لساني ذكرك، وَلَا تهنها فيصغر عِنْدِي قدرك، وَقد قربتك مَعَ قرابتك، فَلَا تباعدن قلبِي مِنْك. رأى أَبُو سُفْيَان رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ للْعَبَّاس: يَا أَبَا الْفضل؛ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ طَاعَة قومٍ، وَلَا فَارس الأكارم، وَلَا الرّوم ذَات الْقُرُون. وَقَالَ أَبُو سُفْيَان: إِن مُحَمَّدًا لم يناكر أحدا قطّ. إِلَّا كَانَ مَعَه الْأَهْوَال. يناكر: يحارب، وَقيل: يُخَادع، وَقَوله: الْأَهْوَال مثل قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " نصرت بِالرُّعْبِ ".

وَقَالَ أَبُو سُفْيَان فِي غَزْوَة السويق: أما أخذت سَيْفا وَلَا نبْلًا إِلَّا تعسر عَليّ، وَلَقَد قُمْت إِلَى بكرَة قحدةٍ، أُرِيد أَن أعرقبها، فَمَا استطبعت سَيفي لعرقوبها، فتناولت الْقوس والنبل؛ لأرمي ظَبْيَة عصماء نرد بهَا قرمنا، فانثنت على سيتاها وانمرط قذذ السهْم وانتصل فَعرفت أَن الْقَوْم لَيست فيهم حيلةٌ. وَفد ابْن عَامر على عُثْمَان فَدخل عَلَيْهِ - وَعِنْده أَبُو سُفْيَان - فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان: من اسْتخْلفت على أهل الْبَصْرَة؟ قَالَ: زياداً. قَالَ: جد ثديا أمك. اسْتخْلفت عَلَيْهِم رجلا من الْفرس. وخطب عَمْرو بن سعيدٍ فِي فتْنَة ابْن الزبير، فَقَالَ: يَا أهل الْمَدِينَة؛ أبنا تضربون سُيُوفكُمْ؟ . أما إِنَّكُم فَعلْتُمْ فعلتكم الأولى فأقالكم، وَلَو انتقم بِالْأولِ لم تعودوا إِلَى الثَّانِيَة، وَلَكِنَّكُمْ صادفتم مسناً رحِيما، قد فني غَضَبه، وَبَقِي حلمه؛ فقد وليناكم بالشاب المقتبل الطَّوِيل الأمل، الْبعيد الْأَجَل، حِين خرج من الصغر، وَدخل فِي الْكبر؛ رفيقٌ عنيف، رقيقٌ كثيف، إِن عض نهس، وَإِن سَطَا فرس، لَا يقعقع لَهُ بالشنان، وَلَا يقرع لَهُ بالعصا، يرى مَا غَابَ عَنهُ كَمَا يرى مَا حضر. وَرَأى عَمْرو بن عتبَة بن أبي سُفْيَان رجلا يشْتم رجلا، وَآخر يستمع لَهُ؛ فَقَالَ للمستمع: نزه اسْتِمَاع عَن الخناكما تنزه لسَانك عَن الْكَلَام بِهِ؛ فَإِن السَّامع شريك الْقَائِل، وَإِنَّمَا نظر إِلَى شَرّ مَا فِي وعائه فأفرغه فِي وعائك، وَلَو ردَّتْ كلمة جاهلٍ فِي فِيهِ لسعد رادها، كَمَا شقي قَائِلهَا. قَالَ أَبُو سُفْيَان عِنْد مَا بلغه تَزْوِيج النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أم حَبِيبَة ابْنَته. وَقيل لأبي سُفْيَان: مثلك تنْكح نساؤه بِغَيْر إِذْنه؛ فَقَالَ: ذَاك الْفَحْل لَا يُقْدَع أَنفه. قَالَ أَبُو سُفْيَان لرَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -: استعملني، فَاسْتَعْملهُ على سوق عكاظ، فَأَتَاهُ رجلَانِ يتنازعان، فَقَالَ أَحدهمَا: إِن هَذَا سرق مني مائَة دِينَار، وَقَالَ

الآخر: لَيْسَ كَمَا قَالَ، وَلَكِنِّي استسلفته مائَة دِينَار؛ فَأبى أَن يسلفنيها، فَلَمَّا خرج من الْبَيْت، جِئْت برجلَيْن، فأشهدتهما أَنِّي آخذٌ من عيبته مائَة دِينَار، وَأَنَّهَا عَليّ لَهُ؛ فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: أول مَا أَقْْضِي بِهِ أَنَّك لئيمٌ، وَأَن هَذَا لَا قطع عَلَيْهِ. قَالَ: فَأبى الْمُدَّعِي حَتَّى ارتفعوا إِلَى رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: قد قضيت بِقَضَاء أبي سُفْيَان ". اسْتعْمل عبد الْملك نَافِع بن عَلْقَمَة بن صَفْوَان على مَكَّة؛ فَخَطب ذَات يومٍ وَأَبَان بن عُثْمَان تَحت الْمِنْبَر، فشتم طَلْحَة وَالزُّبَيْر؛ فَلَمَّا نزل قَالَ لأَبَان: أرضيتك فِي المدهنين فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: لَا وَالله، وَلَكِن سؤتني، حسبي أَن يَكُونَا شُرَكَاء فِي أمره. قَالَ أَبُو عُثْمَان الجاحظ: فَمَا أَدْرِي أَيهمَا أحسن: كَلَام أبان بن عُثْمَان هَذَا أم كَلَام إِسْحَاق بن عِيسَى، فَإِنَّهُ قَالَ: أعيذ عليا بِاللَّه أَن يكون قتل عُثْمَان، وأعيذ عُثْمَان بِاللَّه أَن يقْتله عَليّ. قَالَ: وَذهب إِلَى معنى الحَدِيث فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَشد أهل النَّار عذَابا من قتل نَبيا أَو قَتله نبيٌ ". قَالُوا: لما استتب الْأَمر لمعاوية قدم عبد الله بن عَبَّاس، وَهِي أول قدمةٍ قدمهَا عَلَيْهِ، فَدخل وَكَأَنَّهُ قرحةٌ يتبجس، فَجعل عتبَة بن أبي سُفْيَان يُطِيل النّظر إِلَى ابْن عباسٍ، ويقل الْكَلَام مَعَه. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: يَا عتبَة؛ إِنَّك لتطيل النّظر إِلَيّ، وتقل الْكَلَام معي. ألموجدةٍ فدامت، أَو لمعتبةٍ فَلَا زَالَت؟ قَالَ لَهُ عتبَة: مَاذَا أبقيت لما لَا رَأَيْت؟ أما طول نَظَرِي إِلَيْك فسروراً بك، وَأما قلَّة كَلَامي مَعَك فقلته مَعَ غَيْرك، وَلَو سلطت الْحق على نَفسك لعَلِمت أَنه لَا ينظر إِلَيْك عين مبغضٍ. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أمهيت يَا أَبَا الْوَلِيد، أمهيت لَو تحقق عندنَا أَكثر مِمَّا ظنناه لمحاه أقل مِمَّا قلت. فَذهب بعض من حضر أَن يتَكَلَّم، فَقَالَ مُعَاوِيَة: اسْكُتْ. وَجعل مُعَاوِيَة يصفق بيدَيْهِ وَيَقُول: جندلتان اصطكتا اصطكاكا ... دَعَوْت عركاً إِذْ دعوا عراكا

إِن الدَّاخِل بَين قُرَيْش لحائنٌ نَفسه. كتب عَمْرو بن سعيدٍ إِلَى عبد الْملك: اسْتِدْرَاج النعم إياك أفادك الْبَغي، ورائحة الْقُدْرَة أورثتك الْغَفْلَة، فزجزت عَمَّا واقعت مثله، وندبت إِلَى مَا تركت سبله، وَلَو كَانَ ضعف الْأَسْبَاب يوئس الطَّالِب مَا انْتقل سلطانٌ وَلَا ذل عزيزٌ؛ وَعَن قريبٍ يتَبَيَّن من صريع بغى، وأسير غفلةٍ، وَالرحم تعطف على الْإِبْقَاء عَلَيْك، مَعَ أخذك مَا غَيْرك أقوم بِهِ مِنْك. وَقَالَ سعيد بن الْعَاصِ: قبح الله الْمَعْرُوف إِذا لم يكن ابْتِدَاء من غير مسألةٍ، فَأَما إِذا أَتَاك ترى دَمه فِي وَجهه، مخاطراً لَا يدْرِي أتعطيه أم لَا، وَقد بَات ليلته يتململ على فرَاشه، يُعَاقب بَين شقيه؛ مرّة هَكَذَا، وَمرَّة هَكَذَا؛ من لِحَاجَتِهِ، فخطرت بِبَالِهِ أَنا وغيري، فميل أرجاهم فِي نَفسه، وأقربهم من حَاجته، ثمَّ عزم عَليّ وَترك غَيْرِي، فَلَو خرجت لَهُ مِمَّا أملك لم أكافه، وَهُوَ عَليّ أَمن مني عَلَيْهِ. قَالُوا: لما ولى عبد الْعَزِيز بن الْوَلِيد بن عبد الْملك دمشق، وَلم يكن فِي بني أُميَّة ألب مِنْهُ فِي حَدَاثَة سنه، قَالَ أهل دمشق: هَذَا غُلَام شابٌ، وَلَا علم لَهُ بالأمور، وسيسمع منا؛ فَقَامَ إِلَيْهِ رجلٌ فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير، عِنْدِي نصيحةٌ. قَالَ لَهُ: لَيْت شعري مَا هَذِه النَّصِيحَة الَّتِي ابتدأتني بهَا، من غير يدٍ سبقت مني إِلَيْك؟ قَالَ: جارٌ لي عَاص متخلفٌ عَن ثغر. فَقَالَ لَهُ: مَا اتَّقَيْت الله، وَلَا أكرمت أميرك؛ وَلَا حفظت جوارك. إِن شِئْت نَظرنَا فِيمَا تَقول، فَإِن كنت صَادِقا لم ينفعك ذَلِك عندنَا، وَإِن كنت كَاذِبًا عاقبناك، وَإِن شِئْت أقلناك. قَالَ: أَقلنِي. قَالَ: اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت لَا صحبك الله. إِنِّي أَرَاك شَرّ جيلٍ رجلا. ثمَّ قَالَ: يَا أهل دمشق؛ أما أعظمتم مَا جَاءَ بِهِ الْفَاسِق؟ إِن السّعَايَة أَحسب مِنْهُ سجية، وَلَوْلَا أَنه لَا يَنْبَغِي للوالي أَن يُعَاقب قبل أَن يُعَاتب كَانَ لي فِي ذَلِك رأيٌ، فَلَا يأتيني أحدٌ مِنْكُم بسعايةٍ على أحدٍ بِشَيْء، فَإِن الصَّادِق فِيهَا فاسقٌ، والكاذب فِيهَا بهاتٌ.

قَالَ: وَقع ميراثٌ بَين ناسٍ من آل أبي سُفْيَان، فتشاحوا فِيهِ، وتضايقوا فَلَمَّا قَامُوا أقبل عَمْرو بن عتبَة على وَلَده، فَقَالَ: إِن لقريشٍ درجا تزل عَنْهَا أَقْدَام الرِّجَال، وتخشع لَهَا رِقَاب الْأَمْوَال، وألسناً تكل عَنْهَا الشفار المشحوذة، وغاياتٍ تقصر عَنْهَا الْجِيَاد المنسوبة فَلَو كَانَت الدُّنْيَا لَهُم لضاقت عَن سَعَة أَخْلَاقهم، وَلَو احتفلت الدُّنْيَا مَا تزينت إِلَّا بهم. ثمَّ إِن أُنَاسًا مِنْهُم تخلقوا بأخلاق الْعَوام، فَصَارَ لَهُم رفقٌ باللؤم، وخرق فِي الْحِرْص، فَلَو أمكنهم قاسموا الطير أرزاقها، إِن خَافُوا مَكْرُوها تعجلوا لَهُ الْغم، وَإِن عجلت لَهُم نعْمَة أخروا عَلَيْهَا الشُّكْر، أُولَئِكَ أنضاء فكر الْعَجز، وعجزة حمل الشُّكْر. قَالَ: وَقطع عبد الْملك أَشْيَاء كَانَ يجريها عَلَيْهِم لتباعدٍ كَانَ بَينه وَبَين خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة؛ فَدخل عَلَيْهِ عَمْرو بن عتبَة؛ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ أَدَاء حَقك مُتْعب، ونقصيه فادح، وَلنَا مَعَ حَقك حقٌ عَلَيْك؛ لقرابتنا مِنْك، وإكرام سلفنا لَك، فَانْظُر لنا بِالْعينِ الَّتِي نظرُوا بهَا إِلَيْك، وَضعنَا بِحَيْثُ وضعتنا الرَّحِم مِنْك، وزدنا بِقدر مَا زادك الله. فَقَالَ عبد الْملك: أفعل. وَإِنَّمَا يسْتَحق عطيتي من استعطاها، فَأَما من ظن أَنه يَسْتَغْنِي بِنَفسِهِ فسنكله إِلَى ذَلِك. فَبلغ ذَلِك خَالِد بن يزِيد، فَقَالَ: أبالحرمان يتهددني؟ وَيَد الله فَوْقه مانعةٌ، وعطاؤه دونه مبذول. فَأَما عَمْرو بن عتبَة فقد أعْطى من نَفسه أَكثر مِمَّا أَخذ. وَكَانَ عبد الْملك قد أقطع عمرا نَهرا بِالْبَصْرَةِ يُقَال لَهُ: هوادر. خطب سعيد بن الْعَاصِ أم كُلْثُوم بنت عَليّ - عَلَيْهِ السَّلَام - وَبعث مائَة ألف دِرْهَم، فشاورت الْحسن فِي ذَلِك، فَقَالَ: أَنا أزَوجك. واتعدوا، وَلم يحضر الْحُسَيْن. فَقَالَ سعيد: أَيْن أَبُو عبد الله؟ فَقَالَ الْحسن: لم يحضر، وَأَنا أكفيك. فَقَالَ: وَلَعَلَّه كره شَيْئا مِمَّا نَحن فِيهِ. قَالُوا: نعم. فَقَالَ سعيد: لم أكن لأدخل فِي شَيْء كرهه أَبُو عبد الله؛ فَتَفَرَّقُوا عَن غير تَزْوِيج، وَردت المَال، فَلم يقبله سعيد.

كَانَ أَبُو سُفْيَان يَبْنِي بَيْتا، فَمر بِهِ عمر، فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَان؛ احذر أَن تَأْخُذ من الطَّرِيق شَيْئا، فَلَمَّا ولى عمر قَالَ أَبُو سُفْيَان: فِي است أم دينٍ أذلني لَك. قَالَ سعيد بن الْعَاصِ لِابْنِهِ عَمْرو: إِن الْولَايَة تظهر المحاسن والمساوى. وَسُئِلَ أَبُو سُفْيَان: بِمَ سدت قَوْمك؟ قَالَ: لم يَقع بيني وَبَين رجلٍ منازعةٌ إِلَّا تركت للصلح بيني وَبَينه موضعا. وَقَالَ سعيد بن الْعَاصِ: ماشا نمت رجلا مذ كنت رجلا؛ لِأَنِّي لَا أشاتم إِلَّا أحد رجلَيْنِ: إِمَّا كريم؛ فَأَنا أَحَق من احتمله، وَإِمَّا لئيمٌ؛ فَأَنا أولى من رفع نَفسه عَنهُ. قَالَ عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان: مَا تأملني رجلٌ قطّ. إِلَّا سَأَلته عَن حَاجته، ثمَّ كنت من وَرَائِهَا.؟ ؟

الباب الخامس نكت لآل الزبير

الْبَاب الْخَامِس نكت لآل الزبير قدم فضَالة بن شريك، على عبد الله بن الزبير؛ فَقَالَ: إِنِّي سرت إِلَيْك الهواجر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: وَلم؟ أما كَانَ لَك فِي البردين مَا تسيرهما؟ كَأَنَّك تبادر نهباً، لَا أبالك، فَقَالَ: إِن نَاقَتي قد نقب خفها فَاحْمِلْنِي. قَالَ: ارقعها بجلد، واخصفها بهلب، وأنج بهَا، وسر بهَا البردين. قَالَ: إِنَّمَا أَتَيْتُك مستحملاً، وَلم آتِك مستوصفاً. لعن الله نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك. قَالَ: إِن وراكبها، فَانْصَرف وهجاه بالأبيات الَّتِي يَقُول فِيهَا: أرى الْحَاجَات عِنْد أبي خبيبٍ ... نكدن وَلَا أُميَّة فِي الْبِلَاد كَانَ مُصعب يَقُول: الْمَرْأَة فراشٌ فاستوثروا. نَازع ابْن الزبير مَرْوَان فِي مجْلِس مُعَاوِيَة، فَرَأى أَن ضلع مُعَاوِيَة بن مَرْوَان، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ إِن لَك حَقًا وَطَاعَة علينا، وَإِن لنا سطةً وَحُرْمَة، فأطع الله يطعك؛ فَإِنَّهُ لَا طَاعَة لَك علينا إِلَّا فِي حق الله، وَلَا تطرق إطراق الأفعوان فِي أصُول السخبر. وَقَالَ لَهُ مرّة: يَا مُعَاوِيَة؛ لَا تدع مَرْوَان يَرْمِي جَمَاهِير قُرَيْش بمشاقصه وَيضْرب صفاتهم بمعوله، لَوْلَا مَكَانك لَكَانَ أخف على رقابنا من فراشة، وَأَقل فِي أَنْفُسنَا من خشاشة. وَايْم الله لَئِن ملك أَعِنَّة خيل تنقاد لَهُ ليركبن مِنْك طبقًا تخافه.

فَقَالَ مُعَاوِيَة: إِن يطْلب هَذَا الْأَمر فقد طمع فِيهِ من هُوَ دونه وَإِن يتْركهُ لمن فَوْقه؛ وَمَا أَرَاكُم بمنتهين حَتَّى يبْعَث الله عَلَيْكُم من لَا يعْطف عَلَيْكُم بقرابةٍ، وَلَا يذكركم عِنْد ملمةٍ، ويسومكم خسفاً، ويوردكم تلفاً. قَالَ ابْن الزبير: إِذا وَالله نطلق عقال الْحَرْب، بكتائب تمور كَرجل الْجَرَاد، تتبع غطريفاً من قُرَيْش لم تكن أمه براعية ثلة. قَالَ مُعَاوِيَة: أَنا ابْن هِنْد، أطلقت عقال الْحَرْب فَأكلت ذرْوَة السنام، وشربت عنفوان المكرع، وَلَيْسَ للآكل إِلَّا الفلذة، وَلَا للشارب إِلَّا الرنق. ليم مُصعب بن الزبير على طول خطبَته عَشِيَّة عَرَفَة؛ فَقَالَ: أَنا قَائِم وهم جلوسٌ وأتكلم وهم سكوتٌ ويضجرون. وَكَانَ عبد الله بن الزبير يَقُول: لَا عَاشَ بخيرٍ من لم ير بِرَأْيهِ مَا لم ير بِعَيْنِه. لما تواقف عبد الْملك بن مَرْوَان، وَمصْعَب بن الزبير، أرسل عبد الْملك إِلَى مُصعب أَن انْصَرف، وَلَك ولَايَة الْعرَاق مَا عِشْت؛ فَأرْسل إِلَيْهِ: إِن مثلي لَا ينْصَرف عَن مثل هَذَا الْموقف إِلَّا ظَالِما أَو مَظْلُوما. قَالَ عُرْوَة بن الزبير: التَّوَاضُع أحد مصايد الشّرف. لما قَالَ عبد الله بن الزبير: أكلْتُم تمري، وعصيتم أَمْرِي. قَالَ فِيهِ الشَّاعِر: رَأَيْت أَبَا بكرٍ وَرَبك غالبٌعلى أمره يَبْغِي الْخلَافَة بِالتَّمْرِ قَالَ عمر بن شبة: وقف ابْن الزبير على بَاب مية مولاة كَانَت لمعاوية تدفع حوائج النَّاس إِلَيْهَا فَقيل لَهُ: يَا أَبَا بكر تقف على بَاب مية. قَالَ: نعم. إِذْ أعيتك الْأُمُور من رءوسها فَأْتِهَا من أذنابها. كَانَ عبد الله بن الزبير يسب ثقيفاً إِذا فرغ من خطبَته بِقدر أَذَان الْمُؤَذّن، وَكَانَ فِيمَا يَقُول: قصار الخدود، لئام الجدود، سود الْجُلُود، بَقِيَّة قوم ثَمُود.

قَالَ عُرْوَة: لعهدي بِالنَّاسِ، وَالرجل مِنْهُم إِذا أَرَادَ أَن يسوء جَاره سَأَلَ غَيره حَاجته، فيشكوه جَاره، وَيَقُول: تجاوزني بحاجته، أَرَادَ بذلك شيني. لما أَتَى عبد الله بن الزبير قتل مُصعب خطب النَّاس؛ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: إِنَّه أَتَانَا خبر مقتل المصعب فَسُرِرْنَا واكتأبنا؛ فَأَما السرُور فَلَمَّا قدر لَهُ من الشَّهَادَة، وَخير لَهُ من الثَّوَاب، وَأما الكآبة فلوعةٌ يجدهَا الْحَمِيم لفراق حميمه. وَإِنَّا وَالله لَا نموت حبجاً كميتة آل أبي الْعَاصِ. إِنَّمَا نموت قتلا بِالرِّمَاحِ، وقعصاً تَحت ظلال السيوف، فَإِن يهْلك المصعب فَإِن فِي آل الزبير خلفا. وَقَالَ لما أَتَاهُ قَتله: أشهده الْمُهلب؟ قَالُوا: لَا. كَانَ الْمُهلب فِي وُجُوه الْخَوَارِج. قَالَ: أفشهده عباد بن الْحصين الحبطي؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أفشهده عبد الله بن خازم السّلمِيّ؟ قَالُوا: لَا، فتمثل عبد الله بن الزبير: فَقلت لَا عيشي جعار، وجرري ... بِلَحْم امرئٍ لم يشْهد الْيَوْم ناصره كَانَ عُرْوَة بن الزبير إِذا ذكر مقتل عُثْمَان يَقُول: كَانَ عَليّ أتقى لله من أَن يقتل عُثْمَان، وَكَانَ عُثْمَان أتقى لله من أَن يقْتله عَليّ. قَالُوا: أقحمت السّنة النَّابِغَة الْجَعْدِي، فَلم يشْعر بِهِ عبد الله بن الزبير حِين صلى الْفجْر، حَتَّى مثل بَين يَدَيْهِ يَقُول: حكيت لنا الصّديق حِين وليتنا ... وَعُثْمَان والفاروق، فارتاح معدم فَقَالَ لَهُ ابْن الزبير: هون عَلَيْك أَبَا ليلى، فأيسر وسائلك عندنَا الشّعْر. أما صفوة مَا لنا فلبنى أسدٍ، وَأما عفوتها فلآل الصّديق، وَلَك فِي بَيت المَال حقان: حق لصحبتك رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَحقّ لحقك فِي فَيْء الْمُسلمين. ثمَّ أَمر لَهُ

بِسبع قَلَائِص وراحلةٍ وخيلٍ، ثمَّ أَمر أَن توقر لَهُ حبا وَتَمْرًا؛ فَجعل أَبُو ليلى يَأْخُذ التَّمْر، فيستجمع بِهِ الْحبّ فيأكله، فَقَالَ لَهُ ابْن الزبير: لشد مَا بلغ مِنْك الْجهد يَا أَبَا ليلى فَقَالَ النَّابِغَة: أما على ذَلِك لسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " مَا استرحمت قريشٌ فرحمت، وسئلت فأعطت، وَحدثت فصدقت، ووعدت فأنجزت فَأَنا والنبيون على الْحَوْض فراطٌ القادمين ". قَالَ عُرْوَة بن الزبير: ليمنك لَئِن كنت ابْتليت لقد عافيت، وَلَئِن كنت أخذت لقد أبقيت. وَكَانَ عُرْوَة يَقُول لِبَنِيهِ: يَا بني؛ إِن أزهد النَّاس فِي عالمٍ أَهله، هلموا إِلَيّ فتعلموا، فَإِنَّهُ يُوشك أَن تَكُونُوا كبار قوم، إِنِّي كنت صَغِيرا لَا ينظر إِلَيّ، فَلَمَّا أدْركْت من السن مَا أدْركْت جعل النَّاس يسألونني. فَمَا أَشد على امْرِئ أَن يسْأَل عَن شَيْء من أَمر دينه فيجهله. ونادى أهل الشَّام عبد الله: يَا بن ذَات النطاقين. فَقَالَ: إيه والإله، أَو: إيهاً والإله. وَتلك شكاةٌ ظاهرٌ عَنْك عارها وخطب يَوْمًا، فحض على الزّهْد، وَذكر أَن مَا يَكْفِي الْإِنْسَان قَلِيل، فنزغه إِنْسَان من أهل الْمَسْجِد بنزيغة، ثمَّ خبأ رَأسه، فَقَالَ: أَيْن هَذَا؟ فَلم يتَكَلَّم أحد، فَقَالَ: قَاتله الله ضبح ضبحة الثَّعْلَب، وقبع قبعة الْقُنْفُذ. وَقَالَ: لما قتل عُثْمَان قلت: لَا أستقيلها أبدا، فَلَمَّا مَاتَ أبي انْقَطع بِي، ثمَّ استمرت مريرتي. وَدخل الْحجَّاج إِلَى عبد الْملك، فَرَأى عِنْده عُرْوَة، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أتقعد ابْن العمشاء مَعَك على سريرك؟ لَا أم لَهُ؛ فَقَالَ عُرْوَة: أَنا لَا أم

لي؟ وَأَنا ابْن عَجَائِز الْجنَّة، وَلَكِن إِن شِئْت أَخْبَرتك من لَا أم لَهُ يَا بن المتمنية؛ فَقَالَ عبد الْملك: أَقْسَمت عَلَيْك أَلا تفعل، فَكف عُرْوَة - أَرَادَ بقوله: يَا بن المتمنية، قَول أم الْحجَّاج، وَهِي الفارعة بنت همام. أَلا سَبِيل إِلَى خمرٍ فأشربها ... أم لَا سَبِيل إِلَى نصر بن حجاج؟ لما أخرج ابْن الزبير ابْن الْعَبَّاس من مَكَّة إِلَى الطَّائِف، مر بنعمان. فَنزل فصلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ رفع يَدَيْهِ يَدْعُو، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنه لم يَك بلدٌ أحب إِلَيّ أَن أعبدك فِيهِ من الْبَلَد الْحَرَام، وَلَا أحب إِلَيّ أَن يقبض فِيهِ روحي مِنْهُ، وَإِن ابْن الزبير أخرجني عَنهُ؛ ليَكُون أقوى لَهُ فِي سُلْطَانه، اللَّهُمَّ فأوهن كَيده، وَاجعَل دَائِرَة السوء عَلَيْهِ. فَلَمَّا دنا من الطَّائِف تَلقاهُ أَهلهَا فَقَالُوا: يَا بن عَم رَسُول الله، أَنْت وَالله أحب إِلَيْنَا وَأكْرم علينا مِمَّن أخرجك، هَذِه مَنَازلنَا، تخير فَانْزِل مِنْهَا حَيْثُ أَحْبَبْت، فَنزل منزلا، فَكَانَ يجلس لأهل الطَّائِف فِي مَسْجِدهمْ بعد الْفجْر وَبعد الْعَصْر، فيتكلم فيحمد الله، وَيذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيذكر الْخُلَفَاء فَيَقُول: ذَهَبُوا فَلم يدعوا أمثالهم، وَلَا أشباههم، وَلَا مدانيهم؛ وَلكنه بَقِي أقوامٌ يريغون الدُّنْيَا بِعَمَل الْآخِرَة، يلبسُونَ جُلُود الضَّأْن لتحسبوهم من الزاهدين فِي الدُّنْيَا، يراءونكم بأعمالهم، ويسخطون الله بسرائرهم، فَادعوا الله أَن يقْضِي لهَذِهِ الْأمة بِالْإِحْسَانِ، فيولي أمرهَا خِيَارهَا وأبرارها، وَيهْلك شِرَارهَا فجارها. ارْفَعُوا أَيْدِيكُم إِلَى ربكُم، وَسَلُوهُ ذَلِكُم فيفعلون. فَبلغ الْخَبَر ابْن الزبير فَكتب إِلَيْهِ: أما بعد؛ فقد بَلغنِي أَنَّك تجْلِس لأهل الطَّائِف العصرين، تفتيهم بِالْجَهْلِ وتعيب أهل الْحلم وَالْفضل، وَإِن حلمي عَنْك، واستدامتي فِيك جرءاك عَليّ، فَاكْفُفْ - لَا أَبَا لغيرك - من غربك. واربع على ظلعك، واعقل إِن كَانَ لَك

مقعولٌ، على نَفسك، فَإنَّك إِن تهنها تَجِد بهَا على النَّاس هواناً، ألم تسمع قَول الشَّاعِر: ونفسك فاكرمها فَإنَّك إِن تهن ... عَلَيْك فَلَنْ تلقى لَهَا الدَّهْر مكرما وَإِنِّي لأقسم لَهُ لَئِن لم تَنْتَهِ عَمَّا يبلغنِي عَنْك لتجدن جَانِبي خشناً، ولتجدني إِلَى مَا يردعك عجلاً؛ فر رَأْيك مُمكنا لَك، فَإِن أشفى بك على الردى فَلَا تلم إِلَّا نَفسك وَالسَّلَام. فَكتب إِلَيْهِ ابْن عَبَّاس: أما بعد، فقد بَلغنِي كتابك، تذكر أَنِّي أفتى النَّاس بِالْجَهْلِ، وَإِنَّمَا يُفْتِي بِالْجَهْلِ من لم يُؤْت شَيْئا من الْعلم، وَقد - وَالْحَمْد لله - آتَانِي الله من الْعلم مَا لم يؤته أَبَاك وَلم يؤته إياك. وَذكرت أَن حلمك عني هُوَ جرأتي عَلَيْك، وَتقول: اكفف من غربك واربع على ظلعك، وتضرب لي الْأَمْثَال أَحَادِيث الضبع استها. فَمَتَى رَأَيْتنِي لعرامك هائباً، وَعَن حدك ناكلاً؟ وَتقول: إِن لم أكفف عَمَّا يبلغك عني وجدت جَانِبك خشناً، ووجدتك إِلَيّ عجلاً، فَلَا أبقى الله عَلَيْك إِن أبقيت، وَلَا أرعى إِن أرعيت. فوَاللَّه لَا أَنْتَهِي عَن قولٍ بِالْحَقِّ، وصنعة أهل الْعدْل وَالْفضل، وذم الأخسرين أعمالاً. " الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا " وَالسَّلَام. خرج عُرْوَة بن الزبير إِلَى الْوَلِيد، فوطئ عظما، فَلم يبلغ دمشق حَتَّى ذهب بِهِ كل مَذْهَب؛ فَجمع الْوَلِيد الْأَطِبَّاء، فأجمع رَأْيهمْ على قطعهَا، فَقَالُوا لَهُ: اشرب مرقدا؛ فَقَالَ: مَا أحب أَن أغفل عَن ذكر الله، فأحمي لَهُ منشار، وَكَانَ قطعا وحسما، فَمَا توجع، وَقَالَ: ضعوها بَين يَدي؛ لَئِن كنت ابْتليت فِي عُضْو لقد عوفيت فِي أَعْضَاء. فَبينا هُوَ على ذَلِك أَتَاهُ نعي ابْنه مُحَمَّد، وَكَانَ قد اطلع من سطح على دَوَاب للوليد، فَسقط بَينهَا فخبطته؛ فَقَالَ عُرْوَة: الْحَمد لله؛ لَئِن أخذت وَاحِدًا لقد أبقيت جمَاعَة؛ وَلَئِن ابْتليت فِي عُضْو لقد أبقيت أَعْضَاء.

ثمَّ اسْتَأْذن الْوَلِيد فِي الرحيل. فَلَمَّا قرب من الْمَدِينَة مَال إِلَى ضَيْعَة بالفرع؛ فَقيل لَهُ: تدع الْمَدِينَة فَقَالَ: مَا بَقِي بهَا إِلَّا حاسدٌ لنعمة، أَو شامت بمصيبة. وَيُقَال: قَالَ: يَا أهل الْمَدِينَة، مجالسكم لاغية، ونفوسكم لاهية، وتقواكم واهية، والبعد مِنْكُم عَافِيَة. وَأَتَاهُ المعزون وَفِيهِمْ عِيسَى بن طَلْحَة فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الله، مَا كُنَّا نعدك للسباق، وَمَا فَقدنَا مِنْك إِلَّا أيسر مَا فِيك، إِذْ أبقى الله لنا سَمعك وبصرك وعقلك. فَقَالَ عُرْوَة: " لقد لَقينَا من سفرنا هَذَا نصبا ". وَيُقَال: إِنَّه لم يظْهر مِنْهُ مَعَ مَا أَصَابَهُ جزعٌ غير هَذَا الْيَسِير. وتنقص بعض آل الزبير عليا رَضِي الله عَنهُ؛ فَقَالَ لَهُ أَبوهُ: وَالله مَا بنى النَّاس شَيْئا قطّ إِلَّا هَدمه الدّين، وَلَا بنى الدّين شَيْئا قطّ. فاستطاعت الدُّنْيَا هَدمه، ألم تَرَ إِلَى عليٍّ، كَيفَ تظهر بَنو مَرْوَان عَيبه وذمه، فلكأنما يَأْخُذُونَ بناصيته رفعا إِلَى السَّمَاء؟ وَترى مَا يندبون بِهِ موتاهم من المديح، فو الله لكَأَنَّمَا يكشفون عَن الْجِيَف. ذكر مُعَاوِيَة لِابْنِ الزبير بيعَة يزِيد، فَقَالَ ابْن الزبير: أَنا، أناديك وَلَا أناجيك؛ إِن أَخَاك من صدقك، فَانْظُر قبل أَن تقدم، وتفكر قبل أَن تندم، فَإِن النّظر قبل التَّقَدُّم، والتفكر قبل التندم؛ فَضَحِك مُعَاوِيَة وَقَالَ: تعلمت، أَبَا بكر الشجَاعَة عِنْد الْكبر. مر عبد الله بن حسن بن حسنٍ - رَضِي الله عَنْهُم - بعامر بن خبيب بن عبد الله بن الزبير وَهُوَ بمر، فَقَالَ لَهُ: نزلت مرا فمرر عَلَيْك عيشك فَقَالَ: بل نزلت مرا فِي مالٍ طَابَ لي أكله؛ إِذْ أَنْت متلوثٌ فِي أدناس بني مَرْوَان. فَقَالَ عبد الله: أما وَالله لَوْلَا عَمَّتي - يَعْنِي: صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب - كنت كبعض بني حميد - يَعْنِي حميد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى - فِي شعاب مَكَّة. فَقَالَ لَهُ عَامر: فمنة عَمَّتي عَلَيْك أعظم، لَوْلَا عَمَّتي كنت كبعض بني عقيل بِالْأَبْطح - يَعْنِي: بعمته خَدِيجَة بنت خويلد رَضِي الله عَنْهَا. قَالَ عبد الله بن عُرْوَة: انْطَلَقت مَعَ عبد الله بن الزبير حَتَّى قعدت بَين يَدي الْحسن بن عليٍّ رَضِي الله عَنْهُمَا؛ فَحَمدَ الله، وَأثْنى عَلَيْهِ، وخطب إِلَيْهِ

ابْنَته، قَالَ: فَجعل يغمز يَدي غمزاً شَدِيدا؛ فَلَمَّا قمنا قلت لَهُ: لقد تصعدك الْيَوْم الْكَلَام تصعداً مَا رَأَيْت مثله. قَالَ: إِنَّه الْحسن بن فَاطِمَة. لَا وَالله مَا قَامَت النِّسَاء عَن مثله. وَلما قتل مصعبٌ قَالَ عبد الله: إِن مصعباً أنفذناه إِلَى الْعرَاق؛ فأغمد سَيْفه، وسل أيره؛ فَبلغ ذَلِك عبد الْملك، فَقَالَ: لَكِن أَبَا خبيب أغمد سَيْفه وخيره وأيره. قَالَ قدامَة: لما جَاءَنَا قتل الْوَلِيد بن يزِيد أتيت عبد الله بن عُرْوَة، فَأَخْبَرته بقتل الْوَلِيد وَقيام يزِيد بن الْوَلِيد؛ فَقَالَ عبد الله: أوقد فَعَلُوهَا؟ أَنا أَبُو بكرٍ. وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لخروجها من أَيْديهم أسْرع من سير ذكْوَان. قيل: وَكَانَ ذكْوَان مولى لقريش، سَار من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة فِي ليلةٍ فَقَالَ: إِن الَّذِي كلفتها سير ليلةٍ ... من أهل منى نصا إِلَى أهل يثرب لما قتل عبد الْملك عَمْرو بن سعيد قَالَ ابْن الزبير: قتلت بَنو أُميَّة حيتها؛ فَقَالَ عبد الله بن صَفْوَان: الْحَيَّة وَالله الْقَاتِل. قَالُوا: لما هم عبد الله بن الزبير بِمَا هم بِهِ من أَمر بني هاشمٍ وإحراقهم وَأَنه كَانَ ذَلِك من ولَايَته على رَأس خمس سِنِين، لم يذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِنَّ بحرفٍ فِي خطْبَة، فعوتب على ذَلِك؛ فَقَالَ: وَالله مَا تركته عَلَانيَة إِلَّا أَن أكون أقوله سرا، وَأكْثر مِنْهُ، وَلَكِن رَأَيْتنِي إِذا ذكرته طَالَتْ رِقَاب بني هاشمٍ، واشرأبت ألوانهم، وَلم أكن لأذكر لَهُم سُرُورًا وَأَنا أقدر عَلَيْهِ. ثمَّ صعد الْمِنْبَر؛ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس، إِنِّي حاظر لَهُم حَظِيرَة، فمضرمها عَلَيْهِم نَارا، فَإِنِّي لَا أقتل إِلَّا آثِما كفَّارًا أفاكاً سحاراً، وَالله مَا رَضِي بهم رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - خفراً. وَلَا ترك فيهم خيرا وَلَا رضيهم لولايةٍ، أهل كذبٍ استفرغ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ - صدقهم. فَقَامَ إِلَيْهِ مُحَمَّد بن سعد بن أبي وَقاص فَقَالَ: وفقك الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَأَنا أول من أعانك عَلَيْهِم. وَقَامَ عبد الله بن صَفْوَان فَقَالَ: يَا بن

الزبير، أيم الله مَا قلت صَوَابا، وَلَا هَمَمْت برشد، أرهط. رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعيب، وإياهم تقتل؟ وَالْعرب حولك، وَالله لَئِن لم ينصرهم النَّاس لينصرهم الله مِنْك. قَالَ. فَقَالَ ابْن الزبير: اجْلِسْ يَا أَبَا صَفْوَان؛ فَإنَّك لست بناموسٍ وَبلغ الْخَبَر عبد الله بن الْعَبَّاس؛ فَخرج يتَوَكَّأ على يَد ابْنه حَتَّى دخل الْمَسْجِد، فقصد قصد الْمِنْبَر، فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، إِن ابْن الزبير يَقُول: أَن لَا أول وَلَا آخر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فو الله إِن أول من ألف الإلف، وَأَجَازَ عيرات قُرَيْش لهاشم، وَمَا شدت بَعِيرًا لسفرٍ، وَلَا أناخت بَعِيرًا لحضرٍ إِلَّا بهاشمٍ، وَإِن أول من سقى بِمَكَّة عذباً، وَجعل بَاب الْكَعْبَة ذَهَبا لعبد الْمطلب، ثمَّ لقد نشأت ناشيتنا مَعَ ناشيتهم، فَإِن كُنَّا لقالتهم إِذا قَالُوا، وخطباؤهم إِذا نطقوا، وَمَا عددت مجداً كمجد أولنا، وَلَا كَانَ فِيهَا مجدٌ لغيرنا، إِلَّا فِي كفر ماحقٍ، ودينٍ فاسقٍ، وضلةٍ ضَالَّة فِي عشواء عمياء، حَتَّى اخْتَار لَهَا الله نورا، وَبعث لَهَا سِرَاجًا، فَأَخذه طيبا من طيب، لَا يسب بمسبةٍ، وَلَا تغوله غائلةٌ. فَكَانَ أَحَدنَا وولدنا وعمنا وَابْن عمنَا، ثمَّ إِن السَّابِقين إِلَيْهِ لمنا اللِّسَان، ثمَّ إِنَّا لخير النَّاس بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أظهرهم أدباً، وَأكْرمهمْ حسباً، وَالْعجب عجبا، أَن ابْن الزبير يعيب أَولا وآخراً من كَانَ لَهُ لسانٌ نطق. كذب أَو صدق. مَتى كَانَ عوامٌ بن عوامٍ يطْمع فِي صَفِيَّة، لقد جَلَست الْفرس بغلاً، أما وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره إِنَّه لمصلوب قريشٍ، وَإنَّهُ لأم عُفيَ تغزل من استها، لَيْسَ لَهَا سوى بَيتهَا. من أَبوك يَا بغل؟ قَالَ: أُمِّي الْفرس. قَالُوا: صلى عبد الله بن الزبير بِالنَّاسِ، ثمَّ الْتفت إِلَيْهِم فَقَالَ: لَا يبعدن ابْن هِنْد؛ إِنَّه كَانَت فِيهِ مخارج لَا نجدها فِي أحدٍ بعده، وَالله إِن كُنَّا لنفرقه فيتفارق لنا، وَمَا اللَّيْث الْحَرْب على براثنه بأجرأ مِنْهُ. وَإِن كُنَّا لنخدعه، وَمَا ابْن ليلةٍ من أهل الأَرْض بأدهى مِنْهُ فيتخادع لنا. وَالله لَوَدِدْت أَنا متعنَا بِهِ مَا دَامَ من هَذَا الْجَبَل حجر - وَأَشَارَ إِلَى أبي قبيسٍ - لَا يتخون لَهُ عقلٌ، وَلَا بنفض لَهُ مرةٌ. قَالَ عُرْوَة: مَا بر وَالِديهِ من أحد النّظر إِلَيْهِمَا.

قَالَ مُصعب بن عبد الله، قَالَ لي أبي: يَا بني من اسْتغنى عَن النَّاس احتاجوا إِلَيْهِ؛ فَأصْلح مَالك، وَأَقل من مجالسة النَّاس، فَإِنِّي قد رَأَيْت رجَالًا يقتبس مِنْهُم، وَلَا جاه يدْفَعُونَ بِهِ عَنْهُم، وَلَا جود يفضلون بِهِ عَلَيْهِم. استغنوا بِأَمْوَالِهِمْ، وجلسوا؛ فَأَتَاهُم النَّاس. بلغ عُرْوَة أَن ابْنه عبد الله يَقُول الشّعْر، فَدَعَا بِهِ يَوْمًا. فَقَالَ: أَنْشدني، فأنشده؛ فَقَالَ: إِن الْعَرَب تسمى النَّاقِص. النَّاقِص: الَّذِي يمشي على ثَلَاث قَوَائِم الهزروف، فشعرك هَذَا هُوَ الهزروف. لما قطعت رجل عُرْوَة، وَمَات ابْنه حمد الله. وَنظر إِلَى رجله، ثمَّ قَالَ: أما وَالله إِنِّي لأرجو أَلا أكون مشيت بهَا مَعْصِيّة لله قطّ. أيمنك لَئِن كنت أخذت لقد أَعْطَيْت، كَانَ لي أَربع جوارح فَأخذت وَاحِدًا وَتركت ثَلَاثًا؛ وَكَانَ لي أَرْبَعَة بَنِينَ، فَأخذت وَاحِدًا وَتركت ثَلَاثَة. قَالُوا: كَانَ عبد الله بن الزبير يسْجد لَيْلَة، ويركع لَيْلَة، وَيَقُول لَيْلَة. روى الزبير بن بكار عَن عَمه مُصعب، قَالَ: لما صَار عليٌّ - رَضِي الله عَنهُ - بِالْقربِ من الْبَصْرَة بعث ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: إيت الزبير فاقرأ عَلَيْهِ السَّلَام، وَقل لَهُ: يَا أَبَا عبد الله؛ كَيفَ عرفتنا بِالْمَدِينَةِ وأنكرتنا بِالْبَصْرَةِ؟ . فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أَفلا آتِي طَلْحَة؟ قَالَ: إِذا تَجدهُ كالثور عاقصاً قرنه فِي الْحزن يَقُول هَذَا سهل. قَالَ: فَأتيت الزبير، فَوَجَدته فِي بيتٍ حارٍّ يتروح، وَعبد الله بن الزبير فِي الْحُجْرَة. فَقَالَ: مرْحَبًا بك يَا بن لبَابَة، أجئت زَائِرًا أم سفيراً؟ قلت: كلا. أَحْبَبْت إِحْدَاث الْعَهْد بك، وَابْن خَالك يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول لَك: عرفتنا بِالْمَدِينَةِ، وأنكرتنا بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ: علقتهم، إِنِّي خلقت عصبَة ... قَتَادَة تعلّقت بنشبه فَلَنْ أدعهم حَتَّى ألف بَينهم.

فَأَرَدْت مِنْهُ جَوَابا غير ذَلِك، فَقَالَ: غَدا نرفع الْمَصَاحِف، ونحاكمك إِلَيْهَا، فَخرجت، فَقَالَ عبد الله: قل بَيْننَا وَبَيْنك دم خَليفَة، وَوَصِيَّة خَليفَة، واجتماع اثْنَيْنِ وانفراد وَاحِد، وَأم مبرورةٌ فَعلمت أَنه ليسر مَعَ هَذَا الْكَلَام لينٌ. قَالَ الزبير بن بكار: فَقدمت الْعرَاق فَرَأَيْت عمي مصعباً ترك هَذَا الحَدِيث، فَقلت لَهُ: لم تركته؟ قَالَ: إِنِّي رَأَيْت الزبير فِي الْمَنَام يتَعَذَّر من أَمر الْجمل؛ فَقلت لَهُ: كَيفَ يتَعَذَّر من أَمر الْجمل وَأَنت الْقَائِل: علقتهم، إِنِّي خلقت عصبَة ... قَتَادَة تعلّقت بنشبه فَلَنْ أدعهم حَتَّى ألف بَينهم؟ فَقَالَ: لم أَقَله. حدث وهب مولى آل الزبير أَنه قَالَ: كنت مَعَ عبد الله بن الزبير بِمَكَّة فِي ولَايَته؛ فَكتب إِلَيْهِ رجل كتابا يعظه فِيهِ: أما بعد؛ فَإِن التَّقْوَى فِي أَهلهَا علاماتٍ يعْرفُونَ بهَا، ويعرفونها من أنفسهم؛ من صَبر على الْبلَاء وَرَضي بِالْقضَاءِ، وشكر للنعمة، وذل لحكم الْقُرْآن، وَإِنَّمَا الإِمَام كالسوق، يحمل إِلَيْهَا مَا زكا فِيهَا، فَمن كَانَ من أهل الْحق أَتَاهُ أهل الْحق بحقهم، وَمن كَانَ من أهل الْبَاطِل أَتَاهُ أهل الْبَاطِل بباطلهم؛ فَانْظُر أَي الْإِمَامَيْنِ أَنْت. وَالسَّلَام. قَالَ: فَكَانَ عبد الله يعجب من بلاغة هَذِه الرسَالَة وإيجازها، ويضعها تَحت فرَاشه، ويتعاهد قرَاءَتهَا. كَانَ لعبد الله بن عُرْوَة مولاةٌ يُقَال لَهَا: شهدة، فَفَزِعت لَيْلًا؛ فَسَمعَهَا نقُول: اللَّهُمَّ إِن أَحْسَنت فَأحْسن إِلَيّ، وَإِن أَسَأْت فأسئ إِلَيّ. فَقَالَ: أَي شهاد، عتق مَا يملك إِن لم يكن هَذَا أقل مَالك عِنْد رَبك. قَالَ عبد الله بن عُرْوَة بن الزبير: إِلَى الله أَشْكُو عيبي مَا لَا أدع، ونعتي مَا لَا آتِي، وَإِنَّمَا يبكي للدنيا بِالدّينِ. نَازع عبد الله بن الزبير أَخَاهُ عمرا، والأمير بِالْمَدِينَةِ سعيد ابْن الْعَاصِ، فاستعلى عبد الله فِي القَوْل؛ فَأقبل سعيدٌ على عَمْرو، فَقَالَ: إيهاً يَا بن أبي؛ فَأقبل عَلَيْهِ عبد الله، فَقَالَ: هيها يَا بن أبي أحيحة، فو الله لأَنا خيرٌ مِنْك،

وَلأبي خيرٌ من أَبِيك: ولأمي خيرٌ من أمك، ولخالي خيرٌ من خَالك، ولجدي خيرٌ من جدك. ثمَّ، الله رفع بِالْإِسْلَامِ بُيُوتًا وَوضع بِهِ بُيُوتًا، فَكَانَ بَيْتِي من الْبيُوت الَّتِي رفع، وَكَانَ بَيْتك من الْبيُوت الَّتِي وضع، وَإِن خنس أَنْفك، وَانْتَفَخَتْ لغاديدك. اخْتصم رجلَانِ فِي حدٍّ بَينهمَا بالأعوص، فتهاترا وتخاصما، فَأتيَا الزبير بن هِشَام بن عُرْوَة، وجعلاه حكما بَينهمَا. قَالَ: فَقَالَ لَهما: كَانَ رجلَانِ من بني إِسْرَائِيل اخْتَصمَا فِي أرضٍ، فَأذن الله للْأَرْض، فكلمتهما فَقَالَت: لقد ملكني سَبْعُونَ أَعور، وَلَيْسَ مِنْهُم الْآن أحدٌ على ظهر الأَرْض. قَالَ: فتفرقا. وَقَالَ كل مِنْهُمَا: لَا حَاجَة لي بهَا، وتراداها. قيل لعروة الزبيرِي حِين حمل إِلَى الرشيد مُقَيّدا: اختصب. فَقَالَ: حَتَّى أعلم أرأسي لي أم لكم؟ فَأدْخل عَلَيْهِ فِي سلسلةٍ، فَقَالَ: كنت أشتهي أَن أَرَاك فِيهَا، اخلعوا عَلَيْهِ. يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ خلعة شتاءٍ لَا خلعة صيف.

الباب السادس نوادر ابي العيناء ومخاطباته

الْبَاب السَّادِس نَوَادِر أبي العيناء ومخاطباته حمله بعض الوزراء على دابةٍ، فانتظر عَلفهَا، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ قَالَ: أَيهَا الْوَزير هَذِه الدَّابَّة حَملتنِي عَلَيْهِ أَو حَملته عَليّ. قَالَ لَهُ المتَوَكل يَوْمًا: إِلَى كم تمدح النَّاس وتذمهم؟ فَقَالَ: مَا أَحْسنُوا وأساءوا؛ فقد رَضِي الله عَن عبدٍ فمدحه؛ فَقَالَ: " نعم العَبْد إِنَّه أوابٌ " وَغَضب على آخر فزناه. قَالَ: وَيلك أيزني الله أحدا؟ قَالَ: نعم. قَالَ الله تَعَالَى: " عتلٍّ بعد ذَلِك زنيم "، والزنيم: الدخيل فِي الْقَوْم وَلَيْسَ مِنْهُم. وَقَالَ أَبُو العيناء: قَالَ لي المتَوَكل يَوْمًا: هَل رَأَيْت طالبياً قطّ. حسن الْوَجْه؟ قلت: نعم، رَأَيْت بِبَغْدَاد مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة وَاحِدًا، قَالَ: تَجدهُ كَانَ يُؤَاجر وَكنت أَنْت تقود عَلَيْهِ. فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قد بلغ هَذَا من فراغي، أدع الموَالِي مَعَ كثرتهم وأقود على الغرباء. فَقَالَ المتَوَكل لِلْفَتْحِ: أرت أَن أشتفي مِنْهُم فاشتفى لَهُم مني. قَالَ: وَقَالَ لي يَوْمًا: لَا تكْثر الوقيعة فِي النَّاس. فَقلت: إِن لي فِي بَصرِي شغلاً عَن ذَلِك. فَقَالَ: ذَاك أَشد لحقدك على أهل الْعَافِيَة. وَقَالَ لَهُ يَوْمًا المتَوَكل: إِن سعيد بن عبد الْملك يضْحك مِنْك، فَقَالَ: " إِن الَّذين أجرموا كَانُوا من الَّذين آمنُوا يَضْحَكُونَ ".

وَقَالَ يَوْمًا بِحَضْرَتِهِ لخراشة: ابْن كم أَنْت؟ قَالَ: ابْن نيفٍ وَخمسين. قَالَ أَبُو العيناء: زَانِيَة. وَدخل يَوْمًا إِلَى ابْن ثوابة؛ فَقَالَ: بَلغنِي مَا خاطبت بِهِ أمس أَبَا الصَّقْر، وَمَا مَنعه من استقصاء الْجَواب إِلَّا أَنه لم يجد عرضا فيضعه، وَلَا مجداً فيهدمه، وَبعد فَإِنَّهُ عاف لحمك أَن يَأْكُلهُ، وسهك دمك أَن يسفكه. فَقَالَ: مَا أَنْت وَالْكَلَام يَا مكدي؟ فَقَالَ أَبُو العيناء: لَا تنكر على ابْن ثَمَانِينَ، وَقد ذهب بَصَره، وجفاه سُلْطَانه، أَن يعول على إخوانه، فَيَأْخُذ من أَمْوَالهم، وَلَكِن أَشد من هَذَا من يسْتَنْزل مَاء أصلاب الرِّجَال، يستفرغه فِي جَوْفه؛ فَيقطع أَرْزَاقهم، ويعظم إجرامهم. فَقَالَ ابْن ثوابة: مَا تشاجر اثْنَان إِلَّا غلب ألأمهما. فَقَالَ لَهُ: بهَا غلبت أَبَا الصَّقْر. وَقَالَ ثوابة يَوْمًا: كتبت أنفاس الرِّجَال. قَالَ: حَيْثُ كَانُوا وَرَاء ظهرك. وَقَالَ لَهُ يَوْمًا نجاح بن سَلمَة: مَا ظهورك وَقد خرج توقيع أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الزَّنَادِقَة؟ فَقَالَ: نستدفع الله عَنْك وَعَن أصهارك. وَدخل على عبيد الله بن عبد الله بن طَاهِر وَهُوَ يلْعَب بالشطرنج، فَقَالَ: فِي أَي الحيزين أَنْت؟ فَقَالَ: فِي حيّز الْأَمِير أيده الله. وَغلب عبيد الله فَقَالَ: يَا أَبَا العيناء؛ قد غلبنا، وَقد أَصَابَك النّدب خَمْسُونَ رطلا ثلجاً. فَكُن أَنْت فِي حيلتها. قَالَ: فَقَامَ وَمضى إِلَى ابْن ثوابة، وَقَالَ: إِن الْأَمِير يَدْعُوك؛ فَلَمَّا دخلا قَالَ: أيد الله الْأَمِير، قد جئْتُك بجبل همذان وَمَا سيذان، فَخذ مِنْهُ مَا شِئْت. وَقَالَ يَوْمًا لولد حجاج بن هَارُون: فِي أَي بَاب أَنْت من النَّحْو؟ قَالَ: فِي بَاب الْفَاعِل وَالْمَفْعُول. فَقَالَ: أَنْت فِي بَاب أَبَوَيْك إِذا. وَمر على دَار عَدو لَهُ؛ فَقَالَ: مَا خبر أبي مُحَمَّد؟ فَقَالُوا: كَمَا تحب. قَالَ: فَمَا بالي لَا أسمع الرنة والصراخ؟ .

ووعده ابْن الْمُدبر بدابةٍ، فَلَمَّا طَالبه قَالَ: أَخَاف أَن أحملك عَلَيْهِ فتقطعني وَلَا أَرَاك. فَقَالَ: عدني أَن تضم إِلَيْهِ حمارا لأواظب مقتضياً. ووعده أَن يحملهُ على بغل، فَلَقِيَهُ فِي الطَّرِيق؛ فَقَالَ: كَيفَ أَصبَحت يَا أَبَا العيناء؟ قَالَ: أَصبَحت بِلَا بغلٍ؛ فَضَحِك من قَوْله، وَبَعثه إِلَيْهِ. وَحمله بَعضهم على دابةٍ، فاشتراها ابْن الرجل مِنْهُ بثمنٍ أَخّرهُ، ولقيه بعد أيامٍ، فَقَالَ: كَيفَ أَنْت يَا أَبَا العيناء؟ قَالَ: بخيرٍ يَا من أَبوهُ يحمل وَهُوَ يرجل. وَقَالَت لَهُ قينة: هَب لي خاتمك أذكرك بِهِ. فَقَالَ: اذكريني بِالْمَنْعِ. وَقَالَت لَهُ قينة: أَنْت أَيْضا يَا أعمى فَقَالَ لَهَا: مَا أستعين على وَجهك بشيءٍ أصلح من الْعَمى. وَقَالَ لصاعدٍ: أَنْت خيرٌ من رَسُول الله؛ فَقَالَ: وَيلك كَيفَ؟ قَالَ: إِن الله تَعَالَى قَالَ لَهُ: " وَلَو كنت فظاً غليظ القلي لانفضوا من حولك "؛ وَأَنت فظ ولسنا ننفض. وَقَالَ ابْن السّكيت يَوْمًا: تراك أحطت بِمَا لم أحط بِهِ. قَالَ: مَا أنْكرت؛ فو الله لقد قَالَ الهدهد، وَهُوَ أخس طائرٍ لِسُلَيْمَان: " أحطت بِمَا لم تحط بِهِ ". وَقَالَ: - وَقدم إِلَى مائدةٍ - عَلَيْهَا أَبُو هفان وَأَبُو العيناء - فالوذج، فَقَالَ أَبُو هفان: لهَذِهِ أحر من مَكَانك فِي جَهَنَّم. فَقَالَ أَبُو العيناء: إِن كَانَت هَذِه حارةً فبردها بشعرك. وَقَالَ لَهُ صاعدٌ يَوْمًا: مَا الَّذِي أخرك عَنَّا؟ قَالَ: بنيتي. قَالَ: وَكَيف؟ قَالَ: قَالَت: يَا أبه؛ قد كنت تَغْدُو من عندنَا فتأتي بالخلعة السّريَّة والجائزة السّنيَّة، ثمَّ أَنْت الْآن تَغْدُو مسدفاً، وَترجع معتماً، فَإلَى من؟ قلت: إِلَى أبي الْعَلَاء ذِي الوزارتين. قَالَت: أيعطيك؟ قلت: لَا. قَالَت: أيشفعك؟ قلت: لَا. قَالَت: أفيرفع مجلسك؟ قلت: لَا. فَقَالَت: يَا أبه، " لم تعبد مَا لَا يسمع وَلَا يبصر وَلَا يُغني عَنْك شَيْئا ".

وَقَالَ لَهُ عبد الله بن سُلَيْمَان: إِن الْأَخْبَار الْمَذْكُورَة فِي السخاء وَكَثْرَة الْعَطاء أَكْثَرهَا تصنيف الوراقين، وأكاذيبهم قَالَ: وَلم لَا يكذبُون على الْوَزير أيده الله. وَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بن مكرم: لهممت أَن آمُر غلامي بدوس بَطْنك. فَقَالَ: الَّذِي تخلفه على عِيَالك إِذا ركبت، أَو الَّذِي تحمله على ظهرك إِذا نزلت؟ . وَقَالَ يَوْمًا لقينةٍ: كم تعدين؟ قَالَت: ثَلَاثِينَ سنة. قَالَ: أَنْت ابْنة ثَلَاثِينَ سنة مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة. وَقيل لَهُ: إِلَى من تخْتَلف الْيَوْم؟ قَالَ: إِلَى من يخْتَلف عَلَيْهِ. وَأكل عِنْده سائلٌ فَأكْثر؛ فَقَالَ: يَا هَذَا أطعمناك رَحْمَة فصيرتنا رَحْمَة. وَقَالَ لَهُ بعض من ناظره: أبلعني ريقي؛ فَقَالَ: قد أبلعتك دجلة والفرات. وَقيل لَهُ: مَا تَقول فِي ابْني وهب؟ قَالَ: " وَمَا يَسْتَوِي البحران هَذَا عذبٌ فراتٌ سائغٌ شرابه وَهَذَا ملحٌ أجاجٌ " سُلَيْمَان أفضل. قيل: وَكَيف؟ قَالَ: " أَفَمَن يمشي مكباً على وَجهه أهْدى أَمن يمشي سوياً على صراطٍ مستقيمٍ ". وَقيل لَهُ: مَا تَقول فِي مُحَمَّد بن مكرم وَالْعَبَّاس بن رستم؟ قَالَ: هما الْخمر وَالْميسر وإثمهما أكبر من نفعهما. وَقَالَ يَوْمًا لرجل دخل من النَّصْرَانِيَّة فِي الْإِسْلَام: أتشرب الْخمر؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: لقد أصبت عين الرَّأْي، إِذْ دخلت فِي عزة هَذِه الدعْوَة، وَثَبت على شَرَائِط تِلْكَ النحلة. وَلما استوزر صاعد بعقب دُخُوله من النَّصْرَانِيَّة فِي الْإِسْلَام صَار أَبُو العيناء إِلَى بَابه، فَقيل: يُصَلِّي. فَعَاد فَقيل: يُصَلِّي. فَقَالَ: معذورٌ لكل جديدٍ لَذَّة. وَقَالَ يَوْمًا لرجل سلم عَلَيْهِ: من أَنْت؟ . قَالَ: رجلٌ من ولد آدم. قَالَ: ادن مني عانقني، فَمَا ظَنَنْت أَنه بَقِي من هَذَا النَّسْل أحد.

وَقَالَ لَهُ أَحْمد بن سعيدٍ الْبَاهِلِيّ: إِنِّي أصبت لباهلة فَضِيلَة لَا تُوجد فِي سَائِر الْعَرَب. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: لَا يصاب فيهم دعِي، فَقَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فَوْقهم من يقبلهم، وَلَا دونهم أحدٌ فينزلون إِلَيْهِ. وحضره يَوْمًا ابْن مكرم فَأخذ يُؤْذِيه؛ فَقَالَ لَهُ ابْن مكرم: السَّاعَة وَالله أنصرف. فَقَالَ: مَا رَأَيْت من يتهدد بالعافية غَيْرك. وَقَالَ لَهُ يَوْمًا مَا يعرض بِهِ: كم عدد المكدين بِالْبَصْرَةِ؟ قَالَ: مثل عدد البغائين بِبَغْدَاد. وَقدم ابْن مكرم من سفر، فَقَالَ لَهُ أَبُو العيناء: مَا أهديت لي؟ . قَالَ: قدمت فِي خف. قَالَ: لَو قدمت فِي خف لخلفت نَفسك. وَقَالَ لَهُ ابْن مكرم: مذهبي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ. قَالَ: صدقت، وَلَكِن تجمع بَينهمَا بِالتّرْكِ. وَقَالَ لَهُ ابْن بدرٍ يَوْمًا وَهُوَ على بَابه: أَهَذا الْمنزل؟ قَالَ: نعم، فَإِن أردْت أَن ترى سوء أثرك فَانْزِل. قَالَ لَهُ أَبُو الجماز: كَيفَ ترى غنائي؟ قَالَ: كَمَا قَالَ الله عز وَجل: " إِن أنكر الْأَصْوَات لصوت الْحمير ". ولقى أَبَا الجماز يَوْمًا على حمَار صَغِير؛ فَقَالَ: لقد سَاءَنِي حِين اضطرك الدَّهْر إِلَى ركُوب أَصْغَر أولادك. وَقَالَ لَهُ يَوْمًا: هَل تذكر سالف معاشرتنا؟ قَالَ: إِذْ تغنينا وَنحن نستعفيك. وَقَالَ لعَلي بن الجهم: إِنَّمَا تبغض عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - لِأَنَّهُ كَانَ يقتل الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، وَأَنت أَحدهمَا. قَالَ لَهُ: يَا مخنث. فَقَالَ: " وَضرب لنا مثلا وَنسي خلقه ". وَقيل لَهُ: إِن ابْن نوحٍ النَّصْرَانِي عاتبٌ عَلَيْك؛ فَقَالَ: " وَلنْ ترْضى عَنْك الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تتبع ملتهم ". وَقَالَ لَهُ بَعضهم: إِنِّي لَا أرتضي نيتك. فَقَالَ: أجل؛ لِأَنِّي أعتقد الْإِسْلَام.

وَقَالَ لَهُ عبيد الله بن يحيى بن سُلَيْمَان: اعذرني، فَإِنِّي مشغولٌ. فَقَالَ: إِذا فرغت لم أحتج إِلَيْك. وَسلم نجاح بن سَلمَة إِلَى مُوسَى بن عبد الْملك ليستأديه مَالا، فَتلف فِي الْمُطَالبَة؛ فلقي بعض الرؤساء أَبَا العيناء، وَقَالَ لَهُ: مَا عنْدك من خبر نجاح؟ قَالَ: " فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ "؛ فبلغت كَلمته مُوسَى ابْن عبد الْملك؛ فَلَقِيَهُ فَقَالَ: أبي تولع؟ وَالله لأقومنك. فَقَالَ: " أَتُرِيدُ أَن تقتلني كَمَا قتلت نفسا بالْأَمْس ". وَقَالَ يَوْمًا لِابْنِ مكرم: أَلَسْت عفيفاً؟ قَالَ: بلَى، وَلَكِنَّك عفيف الْفرج زاني الْحرم. فَقَالَ: إِنَّمَا ذَاك مُنْذُ تزوجت بأمك. وغداه ابْن مكرم؛ فَقدم إِلَيْهِ عراقاً، فَلَمَّا جسه قَالَ: قدركم هَذِه طبخت بالشطرنج. وَقدم إِلَيْهِ يَوْمًا قدرا فَوَجَدَهَا كَثِيرَة الْعِظَام؛ فَقَالَ: هَذِه قدرٌ أم قبر؟ . وَأخْبر أَن ابْنه أعتق عَبده؛ فَقَالَ: إِن جَازَ لَهُ هَذَا فليطلق على أمه الزَّانِيَة. وَقَالَ لَهُ رجلٌ من بني هَاشم: بَلغنِي أَنَّك بغاء. قَالَ: وَلم أنْكرت ذَاك مَعَ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مولى الْقَوْم مِنْهُم "؟ . قَالَ: إِنَّك دعِي فِينَا. قَالَ: بغائي صحّح نسبي فِيكُم. وَسَأَلَ الجاحظ كتابا إِلَى مُحَمَّد بن عبد الْملك فِي شَفَاعَة لصاحبٍ لَهُ؛ فَكتب الْكتاب، وناوله الرجل، فَعَاد بِهِ إِلَى أبي العيناء، وَقَالَ: قد أسعف. قَالَ: فَهَل قرأته؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ مختوم. قَالَ: وَيحك، فض طينةٍ أولى من حمل ظنةٍ، لَا يكون صحيفَة المتلمس؛ ففض الْكتاب؛ فَإِذا فِيهِ: موصل كتابي سَأَلَني فِيهِ أَبُو العيناء، وَفد عرفت سفهه وبذاء لِسَانه، وَمَا أرَاهُ لمعروفك أَهلا، فَإِن أَحْسَنت إِلَيْهِ فَلَا تحسبه عَليّ يدا، وَإِن لم تحسن لم أعتده عَلَيْك ذَنبا وَالسَّلَام. فَركب أَبُو العيناء إِلَى الجاحظ. وَقَالَ لَهُ: قد قَرَأت الْكتاب يَا أَبَا عُثْمَان، فَخَجِلَ الجاحظ، وَقَالَ: يَا أَبَا العيناء، هَذِه علامتي فِيمَن أعتني بِهِ. قَالَ: فَإِذا بلغك أَن صَاحِبي قد شتمك فَاعْلَم أَنه علامته فِيمَن شكر معروفه.

وَأكل عِنْد ابْن مكرم، فسقي على الْمَائِدَة ثَلَاث شرباتٍ بَارِدَة، ثمَّ استسقى فسقى شربةً حارة؛ فَقَالَ: لَعَلَّ مزملتكم تعتريها حمى الرّبع. وَمِمَّنْ انتصف من أبي العيناء مُحَمَّد بن مكرم، فَإِنَّهُ صادفه سَاجِدا وَهُوَ يَقُول: يَا رب سَائِلك ببابك. فَقَالَ: تمتن على الله بأنك سائله وَأَنت سَائل كل بَاب. وَسمع مُحَمَّد بن مكرم رجلا يَقُول: من ذهب بَصَره قلت حيلته. فَقَالَ لَهُ: مَا أغفلك عَن أبي العيناء. وَولد لأبي العيناء ابنٌ؛ فأهدى إِلَيْهِ حجرا. يُرِيد قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " وللعاهر الْحجر ". وَمِنْهُم الْعَبَّاس بن رستم؛ فَإِنَّهُ قَالَ يَوْمًا لأبي العيناء: أَنا أكفر مِنْك. فَقَالَ: وَلم؟ قَالَ: لِأَنَّك تكفر ومعك خفيرٌ مثل عبيد الله بن يحيى وَابْن أبي دواد، وَأَنا أكفر بِلَا خفارة. صحب رجلٌ مفلسٌ جمَاعَة فقسموا لَهُ قسْمَة، فَاشْترى دَابَّة وَكِسْوَة، فَكَانَ إِذا حلف يَقُول: وَإِلَّا فدابتي حبيسٌ وثيابي صَدَقَة. ثمَّ قسموا لَهُ قسْمَة أُخْرَى؛ فَاشْترى دَارا وخادماً، فَكَانَ إِذا حلف يَقُول: وَإِلَّا فدابتي حبيسٌ وثيابي صدقةٌ وَغُلَامِي حرٌّ، وداري مقبرةٌ. فَقَالَ أَبُو العيناء: طَالَتْ أيمانه ابْن الزَّانِيَة. كَانَ لمُحَمد بن مكرم غلامٌ يتعشقه، وَكَانَ يَرْمِي بِهِ؛ فَدخل أَبُو العيناء يَوْمًا إِلَيْهِ،؟ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا العيناء، أما ترى غلامي سديفاً مَعَ إكرامي لَهُ، وفعلي بِهِ ومحبتي لَهُ، وَكَثْرَة مَا أَصله بِهِ من الأمول، وَينْتَفع بجاهي، وَلَا يشْكر لي ذَلِك، وَلَا تظهر عَلَيْهِ النِّعْمَة، وَلَا يرى عِنْده دينارٌ وَلَا دِرْهَم. قَالَ أَبُو العيناء: نعم يَا سَيِّدي كسب الكناسين لَا يكون لَهُ بركَة. وَقَالَ لَهُ أَبُو عَليّ الْبَصِير يَوْمًا: وَيلك إِن لم تغْضب لي بالصناعة فاغضب لي وتعصب بالعمى؛ فَقَالَ أَبُو العيناء: كذبت يَا عاض بظر أمه. أَنا من عُمْيَان الْحمير، وَأَنت من عُمْيَان الْعَصَا.

وَقَالَ الْكَافِي لَهُ: كَيفَ أكتب اللؤم، بلام أَو لامين؟ فَقَالَ صور نَفسك. وَدخل إِلَى المتَوَكل، فَقدم إِلَيْهِ طَعَام؛ فَغمسَ أَبُو العيناء لقمته فِي خل كَانَ حامضاً، فَأكلهَا وتأذى بالحموضة، وفطن المتَوَكل فَجعل يضْحك فَقَالَ: لَا تلمني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فقد محت الْإِيمَان فِي قلبِي. وَقَالَ لَهُ السدري: أشتهي أَن أرى الشَّيْطَان. فَقَالَ: انْظُر فِي الْمرْآة. قَالَ أَبُو العيناء: رَأَيْت مُحَمَّد بن مكرم يُصَلِّي صلواته كلهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ؛ فَقلت: يَا مُحَمَّد، مَا هَذَا الَّذِي أَرَاك تَفْعَلهُ؟ قَالَ: عزمت وحياتك على الْخُرُوج إِلَى قُم إِلَى عِنْد أبي. قيل لأبي العيناء: لم اتَّخذت خادمين أسودين؟ فَقَالَ: أما أسودان فلئلا أتهم بهما، وَأما خادمان فلئلا يتهما بِي. وَنظر إِلَى رجل قَبِيح الْوَجْه؛ فَقَالَ: كَأَنَّمَا خلق هَذَا الرجل ليعلم النَّاس نعْمَة الله عَلَيْهِم. وَقدم صديقٌ لَهُ من بعض الْأَعْمَال السُّلْطَانِيَّة؛ فَدَعَاهُ إِلَى منزله وأطعمه وَجعل الرجل يكثر الْكَذِب، فَالْتَفت أَبُو العيناء إِلَى من كَانَ مَعَه فَقَالَ: نَحن كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: " سماعون للكذب أكالون للسحت ". وَقيل: ابْن كم أَنْت؟ فَقَالَ: قَبْضَة، يَعْنِي: ثَلَاثًا وَتِسْعين. وَقيل لَهُ: كَيفَ حمدك لفُلَان؟ ؛ فَقَالَ: أَحْمَده للؤم الزَّمَان، فَأَما عَن حسن اخْتِيَار فَلَا. وَقَالَ أَبُو العيناء: قلت لغلام ابْن مكرم - وَمَعَهُ دَرَاهِم -: من أَيْن لَك هَذِه الدَّرَاهِم؟ فَقَالَ: أَلِي تَقول هَذَا وَدَار الضَّرْب فِي سراويلي؟ . قَالَ ابْن مكرم لأبي العيناء: أحسبك لَا تَصُوم شهر رَمَضَان. فَقَالَ: وَيحك. وتدعني امْرَأَتك أَن أَصوم. قَالَ أَبُو العيناء: مَرَرْت يَوْمًا فِي دربٍ بسر من رأى. فَقَالَ لي غلامٌ: يَا مولَايَ؛ فِي الدَّرْب حملٌ سمين، والدرب خالٍ، فَأَمَرته أَن يَأْخُذهُ، وغطيته بطيلساني، وصرت بِهِ إِلَى منزلي؛ فَلَمَّا كَانَ الْغَد جَاءَتْنِي رقعةٌ من بعض رُؤَسَاء

ذَلِك الدَّرْب مَكْتُوب فِيهَا: جعلت فدَاك، ضَاعَ لنا بالْأَمْس فِي الدَّرْب حمل؛ فَأَخْبرنِي صبيان دربنا أَنْت سَرقته؛ فتأمر برده متفضلاً. قَالَ أَبُو العيناء: فَكتبت إِلَيْهِ: يَا سُبْحَانَ الله مَا أعجب هَذَا الْأَمر مَشَايِخ دربنا يَزْعمُونَ أَنَّك بغاءٌ وأكذبهم أَنا، وَلَا أصدقهم، وَتصدق أَنْت صبيان دربكم أَنِّي أَنا سرقت الْحمل. قَالَ: فَسكت وَمَا عاودني بِشَيْء. قَالَ أَبُو العيناء: أَنا أؤاكل النَّاس مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة، مَا آثرني إنسانٌ على نَفسه بباذنجانةٍ مضيرة قطّ. وَأكل مرّة ديكبراكة، وَغسل يَده عدَّة مَرَّات فَلم تنق؛ فَقَالَ: كَادَت هَذِه الْقدر أَن تكون نسبا وصهراً. قَالَ يَوْمًا لِابْنِ ثوابة: إِذا شهِدت على النَّاس ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ شهد عَلَيْك أنتن عُضْو فِيك. قَالَ بعض الهاشميين لأبي العيناء: بَلغنِي أَنَّك تخبأ الْعَصَا. قَالَ: وَهُوَ ذَا تدعونها تظهر حَتَّى أخبأها أَنا. ودق عَلَيْهِ إنسانٌ الْبَاب فَقَالَ: من هَذَا؟ . قَالَ: أَنا. قَالَ: هَذَا والدق سَوَاء. وَقَالَ أَبُو العيناء: أَدخل على المتَوَكل رجلٌ قد تنبأ؛ فَقَالَ لَهُ: مَا عَلامَة نبوتك؟ قَالَ: أَن يدْفع إِلَيّ أحدكُم امْرَأَته؛ فَإِنِّي أحبلها فِي الْحَال. فَقَالَ يَا أَبَا العيناء: هَل لَك أَن تعطيه بعض الْأَهْل؟ فَقلت: إِنَّمَا يُعْطِيهِ من كفر بِهِ؛ فَضَحِك وخلاه. ولقيه رجلٌ من إخوانه فَقَالَ لَهُ: أَطَالَ الله بَقَاءَك، وأدام عزك وتأييدك وسعادتك، فَقَالَ أَبُو العيناء: هَذَا العنوان، فكتاب من أَنْت؟ . وَقَالَ لَهُ يَوْمًا عبيد الله بن يحيى الْوَزير - فِي أَمر شهد عَلَيْهِ فِيهِ بشهادةٍ؛ فَقَالَ أَبُو العيناء: لَو كَانَ هَذَا فِي غير دولتك لتمنيت لَهُ دولتك. فَقَالَ: إِن الشُّهُود عَلَيْك كثيرٌ. قَالَ: أَكثر مِنْهُم الَّذين شهدُوا عَلَيْك بإغلاء السّعر وَالزِّيَادَة فِيهِ؛ فَإِن صدقتهم عَليّ فَصَدَّقَهُمْ عَلَيْك.

وَقَالَ لَهُ يَوْمًا: أعز الله الْوَزير نَحن فِي عطلتك مرحومون، وَفِي وزارتك محرومون. وَيَوْم الْقِيَامَة كل نفسٍ بِمَا كسبت رهينةٌ. وَلما تقطر بعبيد الله فرسه قَالَ أَبُو العيناء: قتل الْجواد الْجواد. واستجفى بعض الرؤساء أَبَا العيناء؛ فَقَالَ لَهُ: أَنا وَالله على بابك أوجد من الْكَذِب على أَبْوَاب بني خاقَان. وَصَارَ يَوْمًا إِلَى بَاب عبيد الله؛ فَقَالَ لَهُ سعدٌ حَاجِبه: هُوَ مَشْغُول يَا أَبَا عبد الله. فَقَالَ: فَفِي شغله أُرِيد لقاءه. قَالَ: لَيْسَ إِلَى ذَلِك سَبِيل. فَقَالَ لَهُ: رزقكم الله الْعود إِلَى الْبَيْت الْحَرَام وَانْصَرف. فَقَالَ سعد: دَعَا علينا لَعنه الله، وَالله إِن كُنَّا بِمَكَّة إِلَّا حَيْثُ نَفينَا. قَالَ أَبُو العيناء، هنأت عبيد الله بن يحيى يَوْمًا بالعيد، ودعوت لَهُ دُعَاء طَويلا؛ فَقَالَ لي الْحسن بن مخلد: حَسبك يَا أَبَا عبد الله؛ فَقلت: يَا أَبَا الْحسن، أعزّك الله. إِن أَبَا مُحَمَّد يستثقل الدُّعَاء لِأَنَّهُ لَا يَثِق بالمدعو. وَقَالَ لَهُ عبيد الله: مَا دعَاك إِلَى الوقيعة فِي مُوسَى بن عبد الْملك بِحَضْرَة أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ فَقَالَ: إِنِّي وَالله مَا استعذبت الوقيعة فِيهِ حَتَّى ذممت لَك سَرِيرَته. وَدخل عَلَيْهِ يَوْمًا وَعِنْده نجاح بن سَلمَة، وَأحمد بن إِسْرَائِيل وهما يسارانه؛ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحسن: " تحسبهم جَمِيعًا وَقُلُوبهمْ شَتَّى "؛ فَقَالَ نجاح: كذبت يَا عَدو الله؛ فَقَالَ: " لكل نبإٍ مستقرٌ وسوف تعلمُونَ ". وَدخل إِلَى نجاح بن سَلمَة؛ فَقَالَ: لَا تدنس حَصِير صَلَاتي قبحك الله. فَقَالَ أَبُو العيناء لَهُ: لَا. وَلَكِن متمرغ فسقك. وَسقط نجاحٌ عَن دَابَّته؛ فَوَثَبَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيم بن عتابٍ، فَأَخذه من الأَرْض؛ فَقَالَ أَبُو العيناء: يَا أَبَا الْفضل، لميتةٌ مجهزة أصلح من عافيةٍ على يَد ابْن عتاب.

وَقيل لَهُ: كَيفَ أَصبَحت؟ قَالَ: أَصبَحت وَالله من المملقين الَّذين لَا يطْمع فيهم نجاح بن سَلمَة. وَقَالَ يَوْمًا لِابْنِ ثوابة: يحْتَاج عقلك إِلَى صمتٍ يستره، ونطقك إِلَى عقلٍ يسدده. وَقَالَ لَهُ ابْن مكرم: كَانَ ابْن الْكَلْبِيّ صَاحب الْبَرِيد يحب أَن يشم الخراء فَقَالَ: لَو رآك لترشفك. وَقَالَ ابْن مكرم يَوْمًا: مَا فِي الدُّنْيَا أَعقل من القحبة؛ لِأَنَّهَا تطعم أطايب الطَّعَام، وتسقي ألذ الشَّرَاب وَتَأْخُذ دَرَاهِم وتتلذذ. فَقَالَ لَهُ أَبُو العيناء: فَكيف عقل والدتك؟ قَالَ: أَحمَق من دغة يَا عاض كَذَا. وَعرضت لَهُ حاجةٌ إِلَى بغا، فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: ألق الْفَتْح بن خاقَان فَلَقِيَهُ فوعده، ثمَّ لقِيه فوعده؛ فَلَمَّا كَانَ فِي الْمرة الثَّالِثَة أَلْقَاهُ على سَبِيل ضجرٍ فَقَالَ: أما علمت أَن من طَالب السُّلْطَان احْتَاجَ إِلَى ثَلَاث خلال؟ فَقَالَ: وَمَا هن؟ أعز الله الْأَمِير. قَالَ: عقلٌ وصبرٌ ومالٌ. فَقَالَ أَبُو العيناء: وَلَو كَانَ لي عقلٌ لعقلت عَن الله أمره وَنَهْيه، وَلَو كَانَ لي صبرٌ لصبرت منتظراً لرزقي أَن يأتيني، وَلَو كَانَ لي مالٌ لاستغنيت بِهِ عَن تأميل الْأَمِير، وَالْوُقُوف بِبَابِهِ. وَسَأَلَ أَحْمد بن صَالح حَاجَة فوعده، ثمَّ اقْتَضَاهُ إِيَّاهَا فَقَالَ: حَال دونهَا هَذَا الْمَطَر والوحل؛ فَقَالَ أَبُو العيناء: فحاجتي إِذا صيفية. وَدخل على عبد الرَّحْمَن بن خاقَان - وَكَانَ شاتياً - فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن: كَيفَ ترى هَذَا الْبرد يَا أَبَا عبد الله؟ فَقَالَ: تأبى نعماك أَن أَجِدهُ. وَكَانَ بِحَضْرَة عبيد الله بن سُلَيْمَان؛ فَأقبل الطَّائِي فَعرف مَجِيئه، فَقَالَ: هَذَا رجلٌ إِذا رَضِي عِشْنَا فِي نوافل فَضله، وَإِذا غضب تقوتنا بقايا بره. وَسَأَلَ إِبْرَاهِيم بن مَيْمُون حَاجَة فَدفعهُ عَنْهَا، وَاعْتذر إِلَيْهِ وأعلمه أَنه قد صدقه؛ فَقَالَ لَهُ: قد وَالله سرني صدقك؛ لعوز الصدْق عَنْك، فَمن صدقه حرمانٌ فَكيف يكون كذبه؟ .

وَقَالَ لبَعْضهِم: أَعْطَيْتنِي برك تفاريق، وعقوقك جملَة. وَقَالَ: رَأَيْت حمالاً قد حمل على رَأسه شَيْئا بِنصْف دِرْهَم؛ فَلَمَّا أَرَادَ الرُّجُوع اكترى إِلَى ذَلِك الْموضع حمارا بأَرْبعَة دوانيق. وَقَالَ لَهُ رجلٌ: كَانَ أَبوك أكمل مِنْك؛ فَقَالَ: إِن أبي كنت أَنا بِهِ، وَلم يَك بِي، فَهُوَ أولى بالكمال مني. وَقَالَ فِي رجلَيْنِ فسد مَا بَينهمَا: تنَازعا ثوب العقوق، مَتى صدعاه صدع الزجاجة مَا لَهَا من جَابر. قَالَ: قَالَ لي المتَوَكل: امْضِ إِلَى مُوسَى بن عبد الْملك. وَاعْتذر، وَلَا تعرفه أَنِّي وجهتك. فَقلت لَهُ: تستكتمني بِحَضْرَة ألفٍ؟ قَالَ: إِنَّمَا عَلَيْك أَن تنفذ كَمَا تُؤمر بِهِ. قلت: وَعلي أَن أحترس مِمَّا أَخَاف مِنْهُ. وَقَالَ لَهُ المتَوَكل: أَكَانَ أَبوك مثلك فِي الْبَيَان؟ قَالَ: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو رَأَيْته لرأيت عبدا لَك لَا ترضاني عبدا لَهُ. ووعده أَبُو الصَّقْر شَيْئا وَقَالَ لَهُ: غَدا؛ فَقَالَ أَبُو العيناء: إِن الدَّهْر كُله غَد، فَهَل عنْدك موعد مخلىً من المعاريض؟ . قَالَ لَهُ رجلٌ قد حضر: قد اسْتعْمل المعاريض قومٌ صَالِحُونَ: حَدثنَا فلانٌ عَن فلانٍ. .، فَقَالَ أَبُو العيناء: من هَذَا المتحدث فِي حرماننا بِالْأَسَانِيدِ؟ . وداس رجلٌ نبتاً لَهُ وَقَالَ: باسم الله. فَقَالَ: لم ترض بذبحها حَتَّى تذكيتها. وداس آخر يَده، وَقَالَ: باسم الله. فَقَالَ: الْبَقَرَة تذبح وَيَقُول ذابحها: باسم الله. وشكا إِلَيْهِ رجلٌ ابْنه؛ فَقَالَ أَبُو العيناء: لقد دخل فِي الْعدَد وَخرج من الْعدَد. ولقيه بعض الْكتاب فِي السحر؛ فَقَالَ لَهُ مُتَعَجِّبا مِنْهُ وَمن بكوره: يَا أَبَا عبد الله، أتبكر فِي مثل هَذَا الْوَقْت؟ فَقَالَ: أتشاركني فِي الْفِعْل، وتفردني فِي المتعجب؟ .

وَدخل على مُحَمَّد بن عبد الْملك، فَجعل لَا يكلمهُ إِلَّا بأطرافه؛ فَقَالَ: إِن من حق نعمه أَن تجْعَل البسطة لأهل الْحَاجة إِلَيْك، فَإِن من أوحش انقبض عَن الْمَسْأَلَة، وبكثرة الْمَسْأَلَة مَعَ النجح يَدُوم السرُور. فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد: أما إِنِّي أعرفك فضولياً كثير الْكَلَام وَأمر بِهِ إِلَى الْحَبْس؛ فَكتب إِلَيْهِ: قد علمت أَن الْحَبْس لم يكن من جرمٍ تقدم إِلَيْك، وَلَكِن أَحْبَبْت أَن تريني مِقْدَار قدرتك عَليّ؛ لِأَن كل جديدٍ يستلذ، وَلَا بَأْس أَن ترينا من عفوك حسب مَا أريتنا من قدرتك. فَأمر بِإِطْلَاقِهِ، ثمَّ لقِيه بعد أيامٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا العيناء، مَا تَزُورنَا حسب نيتنا فِيك؟ . فَقَالَ: أما نيتك فمتأكدة، وَلَكِن أرى أَن الَّذِي جدد الاستبطاء فرَاغ حَبسك، فَأَحْبَبْت أَن تشغله بِي. وَاعْتَرضهُ يَوْمًا أَحْمد بن سعيد، فَسلم عَلَيْهِ؛ فَقَالَ أَبُو العيناء: من أَنْت؟ قَالَ: أَحْمد بن سعيد؛ فَقَالَ: إِنِّي بك لعارف، وَلَكِن عهدي بصوتك يرْتَفع إِلَيّ من أَسْفَل، فَمَاله ينحدر عَليّ من علو؟ قَالَ: لِأَنِّي رَاكب. قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله. لعهدي بك وَأَنت فِي طمرين لَو أَقْسَمت على الله فِي رغيفٍ لأعضك بِمَا تكره. وَقَالَ يَوْمًا لِعبيد الله بن سُلَيْمَان: إِلَى كم يرفعني الْوَزير، وَلَا يرفع بِي رَأْسا؟ . وَقَالَ لَهُ يَوْمًا: كَيفَ حالك؟ فَقَالَ: أَنْت الْحَال، فَإِذا صلحت صلحت. وقربه يَوْمًا؛ فَقَالَ: تقريب الْوَلِيّ وحرومان الْعَدو. وَقيل لَهُ: أتشرب النَّبِيذ؟ فَقَالَ: " وَمن يرغب عَن مِلَّة إِبْرَاهِيم إِلَّا من سفه نَفسه ". وَقَالَ يَوْمًا لِعبيد الله بن يحيى: أَيهَا الْوَزير، قد برح بِي حجابك؛ فَقَالَ لَهُ: ارْفُقْ. فَقَالَ: لَو رفق بِي فعلك رفق بك قولي. وَقَالَ يَوْمًا لعيسى بن فرخانشاه، وَقد بَالغ أَحْمد بن الْمُدبر: أتبالغه، وَشطر اسْمك عني، وَمَا بَقِي فثلثا مسي؟ . وَقيل: لَا تعجل، فَإِن العجلة من الشَّيْطَان؛ فَقَالَ: لَو كَانَ كَذَلِك لما قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: " وعجلت إِلَيْك رب لترضى ".

قَالَ ابْن وثاب لأبي العيناء يَوْمًا: أَنا وَالله أحبك بكليتي. فَقَالَ أَبُو العيناء: إِلَّا عضوٌ واحدٌ مِنْك أيدك الله؛ فَبلغ ذَلِك ابْن أبي دواد، فَقَالَ: قد وفْق فِي التَّحْدِيد عَلَيْهِ. وَقَالَ: أَنا أول من أظهر العقوق بِالْبَصْرَةِ. قَالَ لي أبي: يَا بني؛ إِن الله قرن طَاعَته بطاعتي؛ فَقَالَ: " اشكر لي ولوالديك ". فَقلت: يَا أَبَت إِن الله ائتمنني عَلَيْك، وَلم يأتمنك عَليّ؛ فَقَالَ: " وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم خشيَة إملاق ". وَقبل يَد سُلَيْمَان بن وهب؛ فَقَالَ: أَنا أرفعك عَن هَذَا. فَقَالَ أَبُو العيناء: أترفعني عَمَّا يرْتَفع النَّاس إِلَيْهِ؟ . وَقيل لَهُ: مَا تَقول فِي مَالك بن طوق؟ فَقَالَ: لَو كَانَ فِي زمَان بني إِسْرَائِيل، ثمَّ نزلت آيَة الْبَقَرَة مَا ذَبَحُوا غَيره. وَقَالَ لبَعض الْكتاب: وَالله مَا هُوَ إِلَّا أَن يزيلك الْقدر عَن الْقُدْرَة حَتَّى تحصل على المذمة وَالْحَسْرَة. وَقَالَ: فلج بعض المجان، فرأيته وَهُوَ يَأْكُل سمكًا ولبناً، فعاتبته على ذَلِك؛ فَقَالَ: آمن مَا يكون الطَّرِيق إِذا قطع. وَقَالَ: مَا لقى إِبْلِيس من المبلغين كلما نسوا لعنوه. وَدخل على المتَوَكل وَهُوَ يَبْنِي الْجَعْفَرِي؛ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا العيناء؛ كَيفَ ترى دَارنَا؟ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، النَّاس يبنون الدّور فِي الدُّنْيَا، وَأَنت تبني الدُّنْيَا فِي دَارك. وَسَأَلَهُ المتَوَكل عَن مَيْمُون بن إِبْرَاهِيم صَاحب الْبَرِيد، فَقَالَ: يَد تسرق، واستٌ تضرط، مثله مثل يهوديٍّ سرق نصف جزيته، فَلهُ إقدامٌ بِمَا أدّى، وإحجامٌ بِمَا أبقى، إساءته عمدٌ، وإحسانه تكلّف. وَتكلم ابْن ثوابة يَوْمًا فتقعر ثمَّ لحن؛ فَقَالَ لَهُ أَبُو العيناء: تقعرت حَتَّى خفتك، ثمَّ تكشفت حَتَّى عفتك. وَقَالَ لَهُ أَبُو الصَّقْر: مَا أخرك عَنَّا؟ قَالَ: سرق حماري، وكرهت مِنْهُ العواري، وذلة المكاري.

قَالَ يَوْمًا لجارية مغنية: أَنا أشتهي أَن أييكك. قَالَت: ذَاك يَوْم عماك. قَالَ: يَا ستي؛ فالساعة بِالنَّقْدِ فقد سبق الشَّرْط - يَعْنِي: الْعَمى. قَالَ: قلت لغلامي وَقد رَأَيْت فِي السُّوق مشجباً: اشْتَرِ لنا هَذَا المشجب. فَقَالَ: يَا سَيِّدي فَمَا تلبس إِذا ألقيت ثِيَابك على المشجب؟ . بَات أَبُو العيناء عِنْد ابْن مكرم، فَجعل ابْن مكرم يفسو عَلَيْهِ، فَقَامَ أَبُو العيناء وَصعد السرير، فارتفع إِلَيْهِ فساؤه، فَصَعدَ السَّطْح فبلغته رَائِحَته، فَقَالَ: يَا بن الفاعلة، مَا فساؤك إِلَّا دَعْوَة مظلوم. وَذكر أَبُو العيناء للْعَبَّاس بن رستم، فَقَالَ: لَيْسَ تهضمه معدتي، وتأدى ذَلِك إِلَى أبي العيناء؛ فَقَالَ: قل لَهُ: إِن كَانَ من تحب يجب أَن تهضمه معدتك فَيجب أَن تكون قد سحت أَبَاك وأمك مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة. وَكَانَ أَبُو العيناء فِي مجْلِس، وَإِلَى جنبه مغنٍّ باردٌ، فَأقبل على أبي العيناء وَقَالَ: يَا سَيِّدي كم بَيْننَا وَبَين الشتَاء؟ قَالَ: هَذِه المسورة. دَعَا أَبُو العيناء بعض أصدقائه، فَقَالَ: أتوضأ وأجيئك. فَقَالَ: أخْشَى أَلا ترجع إِن ذهبت تتوضأ. قَالَ: وَلم؟ قَالَ: لِأَنَّك كَمَا أَنْت وضوء. وَقَالَ لَهُ يَوْمًا ابْن مكرم: يَا أَبَا العيناء، كل شَيْء لَك من النَّاس حَتَّى أولادك. وَقَالَ أَبُو العيناء فِي ابْن مكرم: هُوَ إِذا غزا فمطية جنده، وَإِذا قفل فظعينة عَبده. أهْدى أَبُو عَليّ الْبَصِير إِلَى أبي العيناء كيرينجات، وَكتب عَلَيْهَا: " ادخلوها بسلامٍ آمِنين " فَردهَا وَكتب عَلَيْهَا: " فرددناه إِلَى أمه كي تقر عينهَا ". وَقَالَ لرجل: مَا بَال الأحمق يرْزق والأديب يحرم؟ فَقَالَ: إِن هَذِه الدُّنْيَا لدار اختبارٍ، فَأحب الرازق أَن يعلمهُمْ أَن الْأُمُور لَيست إِلَيْهِم. وَقَالَ أَبُو العيناء: غلات السوَاد كلهَا تبَاع بكف المودح فَهَلا اكْتفى من ذَلِك بنقر يسير.

قيل لَهُ: كَيفَ تركت فلَانا مَعَ قومه؟ قَالَ: " يعدهم ويمنيهم، وَمَا يعدهم الشَّيْطَان إِلَّا غرُورًا ". وَقَالَ لَهُ أَبُو عَليّ الْبَصِير: فِي أَي وَقت ولدت؟ قَالَ: قبل طُلُوع الشَّمْس، قَالَ: لذَلِك خرجت سَائِلًا؛ لِأَنَّهُ وَقت انتشار السُّؤَال. وَقَالَ أَبُو العيناء لرئيسٍ كَانَ عِنْده وَهُوَ يخْفض كَلَامه: كَأَنَّك قد طِفْل بك فِي مَنْزِلك. وَقدم إِلَيْهِ ابْن مكرم جنب شواءٍ. قَالَ: لَيْسَ هَذَا جنبا، هَذَا شريحة قصب. وَذكر ولد عِيسَى بن مُوسَى، فَقَالَ: كَأَن آنفهم قبورٌ نصبت على غير الْقبْلَة. وَدخل على إِسْمَاعِيل القَاضِي، وَجعل يرد عَلَيْهِ إِذا غلط أعزه الله؟ ، كَأَنَّك أحطت بِمَا لم يحط بِهِ، فَقَالَ: نعم، لم لَا أرد على القَاضِي؟ ، وَقد رد الهدهد على سُلَيْمَان؛ فَقَالَ: " أحطت بِمَا لم تحط بِهِ " وَأَنا أعلم من الهدهد، وَسليمَان أعلم من القَاضِي. وَقَالَ رجل: مَا أنتن إبطك قَالَ: نلقاك - أعزّك الله - بِمَا يشبهك. وَقَالَ لَهُ رجلٌ من ولد سعيد بن مُسلم: إِن أبي يبغضك. فَقَالَ: يَا بني؛ إِن لي أُسْوَة بآل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ لرجل: وَالله مَا فِيك من الْعقل شيءٌ إِلَّا مِقْدَار مَا تجب بِهِ الْحجَّة عَلَيْك، وَالنَّار لَك. قَالَ أَبُو العيناء: وصفت الحمامات بِحَضْرَة ابْن عتابٍ، فَقَالَ: دَعونِي من هَذَا. مَا قَامَت النِّسَاء عَن حمامٍ أطيب من حمام أَصْحَاب الْخَنَا. قَالَ المتَوَكل: لَوْلَا ذهَاب بصر أبي العيناء لأردت منادمته، وبلغه ذَلِك، فَقَالَ: قُولُوا لَهُ: إِنِّي إِن أعفيت من قِرَاءَة نقوش الْخَوَاتِم، ورؤية الْأَهِلّة صلحت لغير ذَلِك. وأنهى ذَلِك إِلَى المتَوَكل فَضَحِك وَأمر بمنادمته. قَالَ أَبُو العيناء: سَمِعت جاراً لي أحمقٌ وَهُوَ يَقُول لجارٍ لَهُ: وَالله لهممت أَن أوكل بك من يصفع رقبتك، وَيخرج هَذِه الجفون من أقْصَى حجرٍ بخراسان.

من رسائل ابي العيناء وكلامه المستحسن

وَدخل إِلَى ابْن مكرمٍ؛ فَقَالَ لَهُ: كَيفَ أَنْت؟ قَالَ: كَمَا تحب؛ فَقَالَ: فَلم أَنْت مُطلق؟ . من رسائل أبي العيناء وَكَلَامه المستحسن كتب إِلَى أبي الْوَلِيد بن أبي دواد: جعلت فدَاك، مسنا وأهلنا الضّر، وبضاعتنا الْمَوَدَّة وَالشُّكْر؛ فَإِن تُعْطِنَا أكن كَمَا قَالَ الشَّاعِر: أَنا الشهَاب الَّذِي يحمي دِيَاركُمْ ... لَا يخمد الدَّهْر إِلَّا ضوءه يقد. وَإِن لم تفعل فلسنا مِمَّن يَلْمِزك فِي الصَّدقَات؛ " فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا إِذا هم يسخطون ". قَالَ ابْن مكرم: من زعم أَن عبد الحميد أكتب من أبي العيناء إِذا أحس بكرمٍ أَو شرع فِي طمعٍ فقد وهم. كتب إِلَى عبيد الله بن سُلَيْمَان وَقد نكبه وأباه الْمُعْتَمد، وهما مطالبان بمالٍ، يبيعان لَهُ مَا يملكَانِ من عقار وأثاثٍ، وعبدٍ وأمةٍ. وَأعْطى بخادمٍ أسود لِعبيد الله خَمْسُونَ دِينَارا؛ فَكتب إِلَيْهِ أَبُو العيناء: قد علمت - أَطَالَ الله بَقَاءَك - أَن الْكَرِيم المنكوب أجدى على الْأَحْرَار من اللَّئِيم الموفور لِأَن اللَّئِيم يزِيد مَعَ النِّعْمَة لؤماً، وَلَا تزيد محنة الْكَرِيم إِلَّا كرماً، هَذَا متكلٌ على رازقه، وَهَذَا يسيء الظَّن بخالقه. وَعَبْدك إِلَى ملك كافورٍ فقيرٌ، وثمنه على مَا اتَّصل بِهِ يسير؛ فَإِن سمحت فَتلك مِنْك عادتي، وَإِن أمرت بِأخذ ثمنه فمالك مِنْهُ مادتي. أدام الله لنا دولتك، واستقبل بِالنعْمَةِ نكبتك، وأدام عزك وكرامتك. فوهب الْخَادِم إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو العيناء: قَالَ ملكٌ لِبَنِيهِ: صفوا لي شهواتكم من النِّسَاء. فَقَالَ الْأَكْبَر: تعجبني القدود والخدود والنهود. وَقَالَ الْأَوْسَط: تعجبني الْأَطْرَاف والأعطاف والأرداف. وَقَالَ الْأَصْغَر: تعجبني الشُّعُور والثغور والنحور. كَانَ بَين أبي العيناء وَبَين إِبْرَاهِيم بن رَبَاح خلة ومودة وصداقةٌ قديمَة؛ فَلَمَّا نكب مَعَ الْكتاب فِي أول خلَافَة الواثق أنشأ أَبُو العيناء كلَاما حَكَاهُ عَن

بعض الْأَعْرَاب؛ فَلَمَّا وصل إِلَى الواثق وَقُرِئَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَاضع هَذَا الْكَلَام مَا أَرَادَ بِهِ غير إِبْرَاهِيم بن رَبَاح، وَكَانَ أحد أَسبَاب الرِّضَا عَنهُ. ونسخة الْكَلَام: قَالَ: لقِيت أَعْرَابِيًا من أهل الْبَادِيَة، فَقلت: مَا عنْدك من خبر الْبِلَاد؟ قَالَ: قتل أَرضًا عالمها. قلت: فَمَا عنْدك من خبر الْخَلِيفَة؟ قَالَ: تبحبح فِي عزةٍ فَضرب بجرانه، وَأخذ الدِّرْهَم من مصره، وأرعف كل قلم خيانته. قلت: فَمَا عنْدك من خبر ابْن أبي دواد؟ قَالَ: عضلةٌ لَا تطاق، وجندلةٌ لَا ترام، ينتحى بالمدى لنحره فتحور، وتنصب لَهُ الحبائل حَتَّى يَقُول: الْآن، ثمَّ يضبر ضبرة الذِّئْب، ويتملس تملس الضَّب، والخليفة يحنو عَلَيْهِ، وَالْعراق يَأْخُذ بضبعيه. قلت: فَمَا عنْدك من خبر عمر بن فرج؟ فَقَالَ: ضخامٌ حضجر وغضوبٌ هزبرٌ، قد أهدفه الْقَوْم لبغيهم، وانتضوا لَهُ عَن قسيهم، وأحر لَهُ بِمثل مصرع من يصرع مِنْهُم. قلت: فَمَا عنْدك من خبر ابْن الزيات؟ قَالَ: ذَاك رجلٌ وسع الورى بشره، وبطن بالأمور خَبره، فَلهُ فِي كل يومٍ صريعٌ لَا تظهر فِيهِ آثَار مخلبٍ وَلَا نابٍ، إِلَّا بتسديد الرَّأْي. قلت: فَمَا عنْدك من خبر إِبْرَاهِيم بن رَبَاح؟ قَالَ: ذَاك رجلٌ أوبقه كرمه، وَإِن يفز للكرام قدحٌ فأحر بمنجاته، وَمَعَهُ دعاءٌ لَا يَخْذُلهُ، وفوقه خليفةٌ لَا يَظْلمه. قلت: فَمَا عنْدك من خبر نجاح بن سَلمَة؟ قَالَ: لَا دره من خافض أوتادٍ، يقد كَأَنَّهُ لَهب نارٍ، لَهُ فِي الفينة بعد الفينة جلْسَة عِنْد الْخَلِيفَة كحسوة طَائِر، أَو كخلسة سَارِق، يقوم عَنْهَا، وَقد أَفَادَ نعما، وأوقع نقما. قلت: فَمَا عنْدك من خبر الْفضل بن مَرْوَان؟ قَالَ: ذَاك رجلٌ حشر بعد مَا قبر، فَلهُ نشرة الْأَحْيَاء، وَفِيه خفوت الْمَوْتَى.

قلت: فَمَا عنْدك من خبر أبي الْوَزير فَقَالَ: إخَاله كَبْش الزَّنَادِقَة. أَلا ترى أَن الْخَلِيفَة إِذا أهمله خضم فرتع، حَتَّى إِذا أَمر بنقضه أمطر فأمرع؟ . قلت: فَمَا عنْدك من خبر أَحْمد بن الخصيب؟ فَقَالَ: أَحْمد أكل أَكلَة نهم؛ فأخلف خلفة بشم. قلت: فَمَا عنْدك من خبر الْمُعَلَّى بن أَيُّوب؟ قَالَ: ذَاك رجلٌ قد من صَخْرَة، فصبره صبرها، ومسه مَسهَا. قلت: فَمَا عنْدك من خبر أَحْمد بن إِسْرَائِيل؟ قَالَ: كتومٌ غرورٌ، وجلدٌ صبورٌ، لَهُ جلد نمر، كلما قدوا لَهُ إهاباً أنشأ الله لَهُ إهاباً. قلت: فَمَا عنْدك من خبر عبد الله بن يَعْقُوب؟ قَالَ: " أمواتٌ غير أحياءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يبعثون ". قلت: فَمَا عنْدك من خبر سُلَيْمَان بن وهب؟ فَقَالَ: ذَاك رجلٌ اتَّخذهُ السُّلْطَان أَخا، فَاتخذ نَفسه للسُّلْطَان عبدا. قلت: فَمَا عنْدك من خبر أَخِيه الْحسن؟ : فَقَالَ: شدّ مَا استنوقت مسألتك ذَاك حرمةٌ حبست بجريرة المجرم، لَيْسَ فِي الْقَوْم فِي خلٍّ وَلَا خمرٍ، هَيْهَات: كتب الْحَبْس وَالْخَرَاج عَلَيْهِم ... وعَلى الْمُحْصنَات جر الذيول قَالَ: قلت: أَيْن مَنْزِلك فأؤمك؟ قَالَ: مَا لي منزلٌ. إِنَّمَا أستتر فِي اللَّيْل إِذا الْتبس، وَأظْهر فِي النَّهَار إِذا تنفس. وَهَذَا كلامٌ لأبي العيناء، نسبه إِلَى جماعةٍ من كتاب الحضرة وَغَيرهم فِي ذمّ أَحْمد بن الخصيب وَزِير المستعين، قَالَ: ذكر عِنْد أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر أَحْمد بن الخصيب؛ فَقَالَ: مَا زَالَ يخرق وَلَا يرقع، وَمَا زلت مُنْذُ ارْتَفع، أَتَذكر الَّذِي فِيهِ وَقع.

وَذكر بغا؛ فَقَالَ: أبطرته النِّعْمَة، فعاجلته النقمَة. وَذكر جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد فَقَالَ: أحسن حَسَنَاته سيئةٌ، وأصغر سيئاته كَبِيرَة. وَذكر هَارُون بن عِيسَى فَقَالَ: كَانَت دولته دولة المجانين خرجت من الدُّنْيَا وَالدّين. وَذكر عبد الله بن مُحَمَّد بن دَاوُد الْهَاشِمِي الْمَعْرُوف بأترجة، فَقَالَ: بعد من الشّرف فتحامل عَلَيْهِ، وَقرب من ضلٍّ فَمَال إِلَيْهِ. وَذكر إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم المصعبي؛ فَقَالَ: مَا كَانَ أتم شرته، إِن دَنَوْت مِنْهُ غَرَّك، وَإِن بَعدت مِنْهُ ضرك. وَذكره وصيف فَقَالَ ترك الْعُقَلَاء على يأسٍ من مرتبته، والجهال على رجاءٍ لدرجته، وَذكره مُوسَى بن بغا؛ فَقَالَ: لَوْلَا أَن الْقدر يغشي الْبَصَر مَا نهى بَيْننَا وَلَا أَمر. وَذكره صَالح بن وصيف؛ فَقَالَ: تجبر وتكبر وتذمر ودبر فدمر. وَذكره سُلَيْمَان بن يحيى فَقَالَ: لم تتمّ لَهُ نعْمَة؛ لِأَنَّهُ لم تكن فِي الْخَيْر همة. وَذكره الْفضل بن عَبَّاس فَقَالَ: إِن لم يكن تَارِيخ الْبلَاء فَمَا أعظم الْبلوى. وَذكره الْفضل بن مَرْوَان قَالَ: فَمَا أَجْهَل من يستجهله أولم يخبر بِأَمْر يجهله؟ . وَذكر عِيسَى بن فرخانشاه؛ فَقَالَ: أَعقل مِنْهُ مَجْنُون، وَأحسن مِنْهُ مَعْدُوم. وَذكره إِسْحَاق بن منصورٍ؛ فَقَالَ: لَو طلب الْعَافِيَة لوجدها، مَا أَدْبَرت عَنهُ حَتَّى أدبر عَنْهَا.

وَذكره الْحسن بن مخلد، فَقَالَ: لَئِن كَانَ دخل مدخلًا لَا يُشبههُ لقد خرج مخرجا يُشبههُ. وَذكره أَحْمد بن إِسْرَائِيل؛ فَقَالَ: كُنَّا إِذا عَصَيْنَاهُ عرضنَا بِأَنْفُسِنَا، وَإِذا أطعناه فسد تدبيرنا. وَذكره دَاوُد بن مُحَمَّد الطوسي. فَقَالَ: مَا أحسن قطّ إِلَّا غَلطا، وَلَا أَسَاءَ إِلَّا تعمداً. وَذكره الْمُعَلَّى، فَقَالَ: مَا أعجب مَا نكب وَنعمته أعجب من نكبته. وَذكره مَيْمُون بن إِبْرَاهِيم، فَقَالَ: لَو تَأمل رجل أَفعاله فاجتنبها، لاستغنى عَن الْآدَاب أَن يطْلبهَا. وَذكره ابْن أبي الشَّوَارِب، فَقَالَ: كَانَ يحمد الْمُحْسِنِينَ، ويجتنب أفعالهم، ويذم المسيئين، وَيعْمل أَعْمَالهم. وَذكره خَالِد بن صبيح، فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ فلانٌ: مَلأ يسَاره سلحا، وَبسط يَمِينه سطحا، وَقَالَ: انْظُرُوا فِي سطحي، وَإِلَّا لطختكم بسلحي. وَذكره شُجَاع بن الْقَاسِم، فَقَالَ: الحزم مَا فعلنَا، وَلَو لم نعاجله لعاجلنا. وَذكره دَاوُد بن الْجراح، فَقَالَ: كَانَ لَا يرضى أحدا وَلَا يرضاه أحد، فضروه إِذْ لم يرضوه، وَلم يضرهم إِذْ لم يرضهم. وَذكره أَحْمد بن صالحٍ، فَقَالَ: كَانَ لَا يغتم إِلَّا لما فَاتَهُ من الشَّرّ وَلَا يسر إِلَّا بِمَا فَاتَهُ من الْخَيْر. وَذكره مُحَمَّد بن نحاح، فَقَالَ: لَئِن كَانَت النِّعْمَة عظمت على قومٍ خرجت عَنْهُم، لقد عظمت الْمُصِيبَة على قومٍ نزلت فيهم. وَذكره عَليّ بن يحيى، فَقَالَ: لم يكن لَهُ أولٌ يرجع إِلَيْهِ، وَلَا آخرٌ يعول عَلَيْهِ، وَلَا عقلٌ فيذكر عاقلٌ لَدَيْهِ. وَذكره عَليّ بن الْحسن الإسكاف، فَقَالَ: كَانَ الْجَاهِل يغبطنا بتكرمته، والعاقل يَرْحَمنَا من سوء عشرته. وَذكره ابْن مُحَمَّد بن فيروزٍ، فَقَالَ: حظٌّ فِي السَّحَاب، وعقلٌ فِي التُّرَاب.

وَذكره مُحَمَّد بن مُوسَى بن شَاكر المنجم، فَقَالَ: قبحه الله إِن ذكرت لَهُ ذَا فضلٍ تنقصه لما فِيهِ من ضِدّه، أَو ذكرت ذَا نقص تولاه لما فِيهِ من شكله. وَذكره يزِيد المهلبي، فَقَالَ: كَانَت يَده تمنع، وَنَفسه لَا تشبع، ويرتع وَلَا يرتع. وَذكره ابْن طالوتٍ، فَقَالَ: كَانَ الْعقل مأسوراً فِي سُلْطَانه، فَلَمَّا سيره أطلق من لِسَانه. وَذكره مُحَمَّد بن عَليّ بن عصمَة، فَقَالَ: مَا كَانَ أقرب وليه مِمَّا يكره، وعدوه مِمَّا يحب. وَذكره ابْن جبل؛ فَقَالَ: مَا زَالَ ينقص وَلَا يزِيد، ويتوعد حَتَّى حل بِهِ الْوَعيد. وَذكره عبد الله بن محمدٍ، فَقَالَ: لَو أَقَامَ لسرنا؛ فَأَما إِذْ سَار فقد أَقَمْنَا. وَذكره ابْن حمدون؛ فَقَالَ: لَئِن فضحته الْقُدْرَة لقد جملَته النكبة. وَذكره ابْن أبي الْأصْبع، فَقَالَ: مَا علمت خدمَة الشَّيَاطِين، إِلَّا أيسر من خدمَة المجانين؛ كَانَ غَضَبه علينا إِذا أطعناه أَشد من غَضَبه إِذا خالفناه. وَذكره إِبْرَاهِيم بن رَبَاح؛ فَقَالَ: كَانَ لَا يفهم وَلَا يفهم، وينقض مَا يبرم. وَذكره سعيد بن حميدٍ فَقَالَ: كَانَ إِذا أصَاب أحجم، وَإِذا أَخطَأ صمم. وَذكره سعيد بن عبد الْملك، فَقَالَ: كَانَ يخافه الناصح، وَلَا يأمنه الغاش، وَلَا يُبَالِي أَن يرَاهُ الله مسيئاً. وَقَالَ المتَوَكل يَوْمًا لأبي العيناء: كَيفَ شربك النَّبِيذ؟ قَالَ: أعجز عَن قَلِيله، وأفتضح عِنْد كَثِيره. فَقَالَ: دع هَذَا عَنْك ونادمنا. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أَجْهَل النَّاس من جهل نَفسه، وَمهما جهلت من الْأَمر فَلَنْ أَجْهَل نَفسِي، أَنا امْرُؤ مَحْجُوب، والمحجوب مخطوفٌ؟ إِشَارَته، ملحودٌ بَصَره، وَينظر إِلَى من لَا ينظر إِلَيْهِ؛ وكل من فِي مجلسك يخدمك، وَأَنا أحتاج أَن أخدم، وَأُخْرَى، فلست آمن أَن تنظر إِلَيّ بِعَين غَضْبَان وقلبك راضٍ، أَو بعينٍ راضٍ وقلبك

غَضْبَان، وَمَتى لم أميز بَين هَاتين هَلَكت. وَلم أقل هَذَا جهلا بِمَالي فِي الْمجْلس من الْفَائِدَة؛ فأختار الْعَافِيَة على التَّعَرُّض للبلية. قَالَ أَبُو العيناء، قَالَ لي المتَوَكل يَوْمًا: بَلغنِي أَنَّك رَافِضِي. فَقلت: ألدينٍ أم لدُنْيَا؟ فَإِن أك للدّين ترفضت فأبوك مستنزل الْغَيْث، وَإِن أك للدنيا فَفِي يَديك خَزَائِن الأَرْض. وَكَيف أكون رَافِضِيًّا، وَأَنا مَوْلَاك، ومولدي الْبَصْرَة، وأستاذي الْأَصْمَعِي، وجيراني باهلة؟ فَقَالَ: إِن ابْن سَعْدَان زعم ذَلِك. قلت: وَمن ابْن سَعْدَان؟ وَالله مَا يفرق بَين الإِمَام وَالْمَأْمُوم، وَالتَّابِع والمتبوع؛ إِنَّمَا ذَاك حَامِل درة، ومعلم صبية، وآخذٌ على كتاب الله أُجْرَة. قَالَ: لَا تقل؛ فَإِنَّهُ مؤدب الْمُؤَيد. قَالَ: قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: لم يؤدبه حسبَة، إِنَّمَا أدبه بِأُجْرَة، فَإِذا أَعْطيته حَقه فقد قضيت ذمامه. عزى أَبُو العيناء ابْن الرِّضَا رَضِي الله عَنْهُمَا عَن ابْنه؛ فَقَالَ لَهُ: أَنْت تجل عَن وصيتنا، وَنحن نقل عَن عظتك. وَفِي علم الله مَا كَفاك، وَفِي ثَوَاب الله مَا عزاك. وَكتب إِلَى عبيد الله بن سُلَيْمَان: أَنا وَوَلَدي وعيالي زرعٌ من زرعك؛ إِن سقيته رَاع وزكا، وَإِن جفوته ذبل وذوى. وَقد مسني مِنْك جفاءٌ بعد بر، وإغفالٌ بعد تعهد، حَتَّى شمت عدوٌّ، وَتكلم حَاسِد، ولعبت بِي ظنون رجال وشديدٌ عادةٌ منتزعة وَعَزاهُ عَن أَبِيه، فَقَالَ: عقم وَالله الْبَيَان، وخرست الأقلام، ووهى النظام. وَكتب إِلَى عِيسَى بن فرخانشاه: أَنا أَحْمد الله على مَا تأتت إِلَيْهِ أحوالك، وَلَئِن كَانَت أَخْطَأت فِيك النِّعْمَة، لقد أَصَابَت فِيك النقمَة، وَلَئِن أبدت الْأَيَّام مقابحها بالإقبال عَلَيْك، لقد أظهرت محاسنها بالانصراف عَنْك.

وَكتب إِلَى صديق لَهُ تولى نَاحيَة: أما بعد؛ فَإِنِّي لَا أعظك بموعظة الله؛ لِأَنَّك غنيٌّ عَنْهَا، وَلَا أرغبك فِي الْآخِرَة؛ لمعرفتي بزهدك فِيهَا. وَلَكِنِّي أَقُول كَمَا قَالَ الشَّاعِر: أحاربن عمرٍ قد وليت ولَايَة ... فَكُن جرذاً فِيهَا تخون وتسرق وكاثر تميماً بالغنى، إِن للغنى ... لِسَانا بِهِ الْمَرْء الهيوبة ينْطق وَاعْلَم أَن الْخِيَانَة فطنة، وَالْأَمَانَة خرق، وَالْجمع كيسٌ، وَالْمَنْع صرامة، وَلَيْسَت كل يَوْم ولايةٌ، فاذكر أَيَّام العطلة، وَلَا تحقرن صَغِيرا، فَمن الذود إِلَى الذود إبل، وَالْولَايَة رقدةٌ، فَتنبه، قبل أَن تنبه وأخو السُّلْطَان أعمى، عَن قَلِيل سَوف يبصر. وَمَا هَذِه الْوَصِيَّة الَّتِي أوصى بهَا يَعْقُوب بنيه، وَلَكِنِّي رَأَيْت الحزم أَخذ العاجل، وَترك الآجل. وَكتب إِلَى عِيسَى بن فرخانشاه: أَصبَحت مِنْك بَين أَمريْن عجيبين؛ إِن غبت عَنَّا - وَلَا يغيبنك الله - لزمنا الْخَوْف، واستخف بِنَا النَّاس، ولاحظونا بالوعيد، وسدوا علينا أَبْوَاب الْمَنَافِع؛ فَإِذا ظَهرت ففقرٌ حَاضر، وأمل كاذبٌ، وحرمانٌ شَامِل، كنت أَسأَلك كَذَا فاستكثرته، وَمَا ظننتك تستكثر. هَذَا الْوَلِيّ مُؤَمل بِي إِلَيْك، فَكيف لولدك الَّذِي غذى بعمتك وَتخرج فِي دواوينك، فوَاللَّه مَا كَانَ أملٌ سواك، وَلَا خطر من مكاره الدُّنْيَا شيءٌ فأخطرتك بقلبي إِلَّا هان وخف عِنْدِي. وَكتب إِلَى بَعضهم: نَحن أعز الله الْأَمِير إِذا سَأَلنَا النَّاس كف الْأَذَى سألناك بذل الندى، وَإِذا سألناهم الْعدْل، سألناك الْفضل، وَإِذا سررناهم بسط الْعذر سررناك باستدعاءٍ الْبر.

وَكتب فِي فصل: قد آمن الله خائفك من ظلمك، وسائلك من بخلك، والعائذ بك من مَالك، والمستزيد لَك من علمك، وَإِن الله لم يزل يعطيك إِذا أَعْطَيْت، ويزيدك إِذا زِدْت. أخبرنَا الصاحب - رَحمَه الله تَعَالَى - أخبرنَا القَاضِي أَبُو بكر أَحْمد بن كَامِل قَالَ: أخبرنَا أَبُو العيناء، وَقَالَ مرّة أُخْرَى أَحْمد بن خلف قَالَ أَبُو العيناء: أتيت عبد الله بن دَاوُد الْخُرَيْبِي؛ فَقَالَ: مَا جَاءَ بك؟ فَقلت: طلب الحَدِيث، قَالَ: اذْهَبْ فتحفظ الْقُرْآن، قلت: قد حفظت الْقُرْآن. قَالَ: فاقرأ: " واتل عَلَيْهِم نبأ نوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ". قَالَ: فَقَرَأت الْعشْر، قَالَ: فَاذْهَبْ الْآن وَتعلم الْفَرَائِض. قَالَ: قلت: قد تعلمت الْجد والصلب والكبد، قَالَ: فأيما أقرب إِلَيْك: ابْن أَخِيك أَو ابْن عمك؟ قَالَ: قلت: ابْن أخي، قَالَ: وَلم؟ قلت: لِأَن أخي من أبي، وَعمي من جدي. قَالَ: اذْهَبْ الْآن وَتعلم الْعَرَبيَّة. قلت: علمت ذَاك قبل هذَيْن. قَالَ: فَلم؟ قَالَ عمر بن الْخطاب: يَا لله، يَا للْمُسلمين. قَالَ: قلت: فتح تِلْكَ للاستغاثة، وَكسر هَذِه للاستنصار. قَالَ: لَو حدثت أحدا حدثتك. سبّ رجلٌ من العلوية أَبَا العيناء، فَقَالَ لَهُ أَبُو العيناء: مَا أحْوج شرفك إِلَى من تصونه حَتَّى تكون فَوق من أَنْت دونه. وَكتب إِلَى بَعضهم: ثقتي بك تمنعني من استبطائك، وَعلمِي بشغلك يدعوني إِلَى إذكارك. وَلست آمن مَعَ استحكام ثقتي بطولك، والمعرفة بعلو همتك اخترام الْأَجَل؛ فَإِن الْآجَال آفَات الآمال، فسح الله فِي أَجلك، وبلغك مُنْتَهى أملك.؟ ؟

الباب السابع نوادر مزبد

الْبَاب السَّابِع نَوَادِر مُزْبِد صب مزبدٌ يَوْمًا المَاء على نَفسه، فَسَأَلته امْرَأَته عَن ذَلِك؛ فَقَالَ: جلدت عميرَة، ثمَّ رَآهَا بعد أَيَّام تصب المَاء على نَفسهَا فَسَأَلَهَا فَقَالَت: جلدت عميرَة فجلدتني. أَخذه بعض الْوُلَاة وَقد اتهمه بالشرب، فاستنكهه، فَلم يجد مِنْهُ رَائِحَة، فَقَالَ: قيؤه. قَالَ: يضمن عشائي أصلحك الله؟ . قيل لَهُ مرّة - وَقد أفحش فِي كَلَامه -: أمل على كاتبيك خيرا. قَالَ: أكره أَن أخلط عَلَيْهِمَا. وَادّعى رجل عَلَيْهِ شَيْئا، وَقدمه إِلَى القَاضِي، فَأنكرهُ، وَسَأَلَهُ إِقَامَة الْبَيِّنَة؛ فَقَالَ: لَيْسَ لي بينةٌ. قَالَ: فأستحلفه لَك؟ قَالَ: وَمَا يَمِين مُزْبِد أصلحك الله؟ فَقَالَ مُزْبِد: ابْعَثْ، أصلحك الله، إِلَى ابْن أبي ذِئْب فاستحلفه لَهُ. وَتَنَاول رجلٌ من لحيته شَيْئا، فَسكت عَنهُ، وَكَانَ الرجل قَبِيح الْوَجْه، فَقَالَ: وَيحك لم لَا تَدْعُو لي؟ فَقَالَ: كرهت أَن أَقُول صرف الله عَنْك السوء فَتبقى بِلَا وَجه. وَقيل لَهُ: أَيَسُرُّك أَن هَذِه الْجُبَّة لَك؟ قَالَ: نعم، وأضرب عشْرين سَوْطًا. قيل: وَلم تَقول دلك؟ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يكون شيءٌ إِلَّا بشيءٍ. وَأَتَاهُ أصحابٌ لَهُ يَوْمًا؛ فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا إِسْحَاق؛ هَل لَك فِي الْخُرُوج بِنَا إِلَى العقيق، وَإِلَى قبَاء، وَإِلَى أحد نَاحيَة قُبُور الشُّهَدَاء؛ فَإِن يَوْمنَا كَمَا ترى يَوْم طيب. قَالَ: الْيَوْم يَوْم الْأَرْبَعَاء وَلست أَبْرَح من منزلي. قَالُوا: وَمَا تكره؟ . يَوْم

الْأَرْبَعَاء فِيهِ ولد يُونُس بن متي عَلَيْهِ السَّلَام. قَالَ: بِأبي وَأمي أَنْتُم فقد التقمه الْحُوت. قَالُوا: فَهُوَ الْيَوْم الَّذِي نصر فِيهِ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْأَحْزَاب. قَالَ: أجل، وَلَكِن بعد إِذْ زاغت الْأَبْصَار، وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر، وظنوا بِاللَّه الظنون. أرْدف مُزْبِد رجلا على بغلةٍ، فَلَمَّا اسْتَوَى الرجل قَالَ: اللَّهُمَّ أنزلنَا منزلا مُبَارَكًا وَأَنت خير المنزلين فَقَالَ مُزْبِد: اللَّهُمَّ قنعه حَرْبَة، يسْأَل ربه منزلا مُبَارَكًا وَهُوَ بَين استي واست البغلة. اسْتَأْذن مُزْبِد على بعض البخلاء وَقد أهْدى لَهُ تين فِي أول أَوَانه، فَلَمَّا أحس بِدُخُولِهِ تنَاول الطَّبَق، فَوَضعه تَحت السرير، وَبقيت يَده معلقَة، ثمَّ قَالَ لمزبد: مَا جَاءَ بك فِي هَذَا الْوَقْت؟ قَالَ: يَا سَيِّدي؛ مَرَرْت السَّاعَة بِبَاب فلَان، فَسمِعت جَارِيَته تقْرَأ لحناً مَا سَمِعت قطّ أحسن مِنْهُ، فَلَمَّا علمت من شدَّة محبتك لِلْقُرْآنِ، وسماعك للألحان، حفظته، وجئته لأقرأه عَلَيْك. قَالَ: فهاته، فَقَالَ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. " وَالزَّيْتُون وطورسنين. ". فَقَالَ: وَيلك أَيْن التِّين؟ قَالَ: تَحت السرير. هبت ريحٌ شَدِيدَة، فصاح النَّاس: الْقِيَامَة، الْقِيَامَة. فَقَالَ مُزْبِد: هَذِه قيامةٌ على الرِّيق بِلَا دَابَّة الأَرْض والدجال وَلَا الْقَائِم. وَنظر يَوْمًا إِلَى مغربيٍ أسود وَهُوَ ينيك غُلَاما رومياً، فَقَالَ: كَأَن أيره فِي استه كرَاع عنز فِي صحن أرز. مرض مرّة، فعاده رجل وَقَالَ لَهُ: احتم. فَقَالَ: يَا هَذَا؛ أَنا مَا أقدر على شيءٍ إِلَّا على الْأَمَانِي أَن أحتمي مِنْهَا. وَرَأى مزبداً رجلٌ بالرها، وَعَلِيهِ جُبَّة خَز، وَكَانَ قد خرج إِلَيْهَا فحسنت حَاله، وَقَالَ: يَا مُزْبِد؛ هَب لي هَذِه الْجُبَّة. فَقَالَ: مَا أملك غَيرهَا، فَقَالَ الرجل: فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: " ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصاصةٌ " فَقَالَ: وَالله أرْحم بعباده أَن ينزل هَذِه الْآيَة بالرها، فِي كانون وكانون، وَإِنَّمَا نزلت بالحجاز فِي حزيران وتموز.

قيل لَهُ - وَقد اشْترى حمارا -: مَا فِي هَذَا الْحمار عيبٌ إِلَّا أَنه نَاقص النَّفس بليدٌ يحْتَاج إِلَى عَصا. قَالَ: إِنَّمَا كنت أغتم لَو كَانَ يحْتَاج إِلَى بزماورد. فَأَما الْعَصَا فَإِنَّهَا سهل. احْتَاجَ مزبدٌ أَن يَبِيع جبته لسوء حَاله، فَنَادَى عَلَيْهَا الْمُنَادِي، فَلم يطْلب بشيءٍ؛ فَقَالَ: مُزْبِد: مَا كنت أعلم أَنِّي كنت عُريَانا إِلَى السَّاعَة. وَقع بَينه وَبَين رجل كلامٌ فَقَالَ لَهُ الرجل: تكلمني وَقد ن ... ت أمك فَرجع مُزْبِد إِلَى أمه، فَقَالَ لَهَا: يَا أمه، تعرفين بلبل؟ قَالَت: أَبُو علية؟ قَالَ: نَا. . ك يشْهد الله. . أَنا أَسأَلك عَن اسْمه، فتجيبنني عَن كنيته. قيل لمزبد: لم لَا تكون كفلانٍ؟ - يَعْنِي رجلا مُوسِرًا - فَقَالَ: بِأبي أَنْتُم، كَيفَ أتشبه بِمن يضرط ويشمت، وأعطس فألطم. وَنظر إِلَى رجل كثير شعر الْوَجْه؛ فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا؛ خَنْدَق على وَجهك لَا يتَحَوَّل رَأْسا. وَقَالَ لَهُ رجلٌ: من شجك هَا هُنَا؟ - وَأَشَارَ إِلَى استه - قَالَ: الَّذِي شج أمك فِي موضِعين. وَدخل بَيته، وَبَين رجْلي امْرَأَته رجل ين. . هَا وَبَاب الدَّار مَفْتُوح؛ فَقَالَ: سُبْحَانَ الله أَنْت على هَذِه الْحَال وَالْبَاب مفتوحٌ؟ أَلَيْسَ لَو دخل غَيْرِي كَانَت الفضيحة. وَنظر يَوْمًا إِلَى امْرَأَته تصعد فِي دَرَجَة؛ فَقَالَ: أَنْت الطَّلَاق إِن صعدت، وَأَنت الطَّلَاق إِن وقفت، وَأَنت الطَّلَاق إِن نزلت. فرمت بِنَفسِهَا من حَيْثُ بلغت. فَقَالَ لَهَا: فدَاك أبي وَأمي إِن مَاتَ مالكٌ احْتَاجَ إِلَيْك أهل الْمَدِينَة فِي أحكامهم. وسكر يَوْمًا؛ فَقَالَت امْرَأَته: أسأَل الله أَن يبغض النَّبِيذ إِلَيْك. فَقَالَ: والفتيت إِلَيْك. ورثى مَعَ امرأةٍ يكلمها؛ فَقيل: مَا تُرِيدُ مِنْهَا؟ قَالَ: أناظرها فِي مَسْأَلَة من النِّكَاح.

وَقيل: مَا نقُول فِي الْقبْلَة؟ قَالَ: السباب قبل اللطام. ونظروا إِلَيْهِ وَبَين يَدَيْهِ نَبِيذ أسود؛ فَقَالُوا لَهُ: مَا نبيذك هَذَا؟ قَالَ: أما ترَوْنَ ظلمَة الْحَلَال فِيهِ؟ . وَاشْترى مرّة جَارِيَة فَسئلَ عَنْهَا، فَقَالَ: فِيهَا خلَّتَانِ من خلال الْجنَّة: بردٌ وسعة. وَقَالَ مرّة: إِن أخي يلقى الله مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة بصحيفته مَمْلُوءَة خمرًا، وَهُوَ لم يشرب مِنْهَا جرعة؛ فَقيل لَهُ: كَيفَ ذَلِك؟ قَالَ: هُوَ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة يبكر كل يَوْم فِي طلب الْخمر، فَلَا يجد إِلَيْهَا سَبِيلا لفاقته، وعزمه صَحِيح على شربهَا لَو وجدهَا. قيل لَهُ: مَا بَال حِمَارك يتبلد إِذا توجه نَحْو الْمنزل، وحمر النَّاس إِلَى منازلها أسْرع؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يعرف سوء المنقلب. دخل يَوْمًا على قينة وَهِي تغني: عادا قلبِي من الطَّوِيلَة عادا وَإِنَّمَا هُوَ عيد. فَقَالَ مُزْبِد: وَثَمُود، فَإِن الله لم يفرق بَينهمَا. وَقيل لَهُ: أيولد لِابْنِ ثَمَانِينَ؟ قَالَ: نعم. إِذا كَانَ لَهُ جارٌ ابْن ثَلَاثِينَ. واتهمه رجل بشيءٍ فَاعْتَذر إِلَيْهِ، وَقَالَ: إِن كنت فعلت هَذَا فمسخني الله كَلْبا أنهس عراقيب الْمَلَائِكَة فِي الْموقف. وَقَالَت امْرَأَة مُزْبِد - وَكَانَت حُبْلَى، وَنظرت إِلَى قبح وَجهه -: الويل لي إِن كَانَ الَّذِي فِي بَطْني يشبهك؛ فَقَالَ لَهَا: الويل لي إِن كَانَ الَّذِي فِي بَطْنك لَا يشبهني. لَقِي مُزْبِد رجلا، فَقَالَ لَهُ: من أَنْت؟ قَالَ: قرشي وَالْحَمْد لله؛ فَقَالَ مُزْبِد: الْحَمد لله فِي هَذَا الْموضع رِيبَة.

سمع مزبدٌ رجلا يَقُول عَن ابْن عباسٍ: " من نوى حجَّة وعاقه عائق كتبت لَهُ ". فَقَالَ مُزْبِد: مَا خرج الْعَام كُله كراءٌ أرخص من هَذَا. وَقيل لَهُ: مَا ورثت أختك عَن زَوجهَا؟ فَقَالَ: أَرْبَعَة أشهرٍ وَعشرا. أسلم نَصْرَانِيّ، وَفعل فِي الْإِسْلَام فعلا قبيحاً؛ فَقَالَ مُزْبِد: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الَّذِي أَسخط الْمَسِيح، وَلم يرض مُحَمَّدًا. دفع مرّة إِلَى وَالِي مَكَّة، وَقد أفطر فِي شهر رَمَضَان؛ فَقَالَ لَهُ الْوَالِي: يَا عَدو الله؛ تفطر فِي شهر رَمَضَان قَالَ: أَنْت أَمرتنِي بذلك. قَالَ: هَذَا شرٌّ، كَيفَ أَمرتك؟ وَيلك. قَالَ: حدثت عَن ابْن عباسٍ: أَنه من صَامَ يَوْم عَرَفَة عدل صَوْمه سنة، وَقد صمته. فَضَحِك الْوَالِي وخلاه. واعتل عِلّة، وأشرف مِنْهَا إِلَى الْهَلَاك، وَأَرَادَ أَن يُوصي، فَدَعَا بعض أوليائه، وَأوصى إِلَيْهِ، وَكتب كتاب وَصيته، وَأمر للْوَصِيّ بشيءٍ؛ فَلَمَّا فرغ من الْكِتَابَة رَآهُ مزبدٌ وَهُوَ يترب الْكتاب؛ فَقَالَ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال: نعم يَا سَيِّدي، فَهُوَ أقضى للْحَاجة. وَنظر إِلَى قومٍ مكتفين يذهب بهم إِلَى السجْن؛ فَقَالَ: مَا قصَّة هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: خيرٌ. قَالَ: إِن كَانَ خيرا فاكتفوني مَعَهم. وَطلب من دَاره بعض جِيرَانه ملعقةً، فَقَالَ: لَيْت لنا مَا نأكله بالأصابع. وَجلسَ يَوْمًا يَأْكُل السّمك والجبن وَقَالَ: وَمن أَيْن يعلم السّمك وَهُوَ ميتٌ أَنِّي أكلت الْجُبْن؟ وَخَاصم مرّة امْرَأَته، وَأَرَادَ أَن يطلقهَا؛ فَقَالَت لَهُ: اذكر طول الصُّحْبَة. قَالَ: وَالله مَا لَك عِنْدِي ذنبٌ غَيره. وَقَالَ يَوْمًا لامْرَأَته: اتخذي لي قريصاً فقد اشتهيته. قَالَت: فَأَيْنَ حَوَائِجه؟ قَالَ: فَلَا حصر الْبرد لفقده حَتَّى نَنْظُر فِي بَاقِي الْحَوَائِج. وَحضر مَعَ محبوبٍ مَجْلِسا فعربدوا عَلَيْهِمَا، فَقَامَ محبوبٌ يقاتلهم، ويفتري عَلَيْهِم؛ فَقَالَ مُزْبِد: اسْكُتْ يَا أخي، فَإِن الْقَوْم سكارى، يذهب شَتمنَا ضيَاعًا. وَمَرَّتْ بِهِ امرأةٌ قبيحة؛ فَقَالَ: لعنها الله، كَأَن وَجههَا وَجه إنسانٍ رأى شَيْئا فزع مِنْهُ.

وهبت بِالْمَدِينَةِ ريحٌ صَرْصَر، أنكرها النَّاس وفزعوا؛ فَجعل مزبدٌ يدق أَبْوَاب جِيرَانه وَيَقُول: لَا تعجلوا بِالتَّوْبَةِ؛ فَإِنَّمَا هِيَ - وحياتكم - زَوْبَعَة، وسوف تنكشف السَّاعَة. ونام مرّة بِالْمَسْجِدِ، فَدخل رجلٌ فصلى، فَلَمَّا فرغ قَالَ: يَا رب؛ أَنا أُصَلِّي وَهَذَا نَائِم. فَقَالَ مُزْبِد: يَا ابْن أم؛ سل رَبك حَاجَتك. وَلَا تحرشه علينا. وَقَالَت لَهُ امْرَأَته مرّة: قد تمزق خَفِي، وَلَا يتهيأ لي أَن أخرج. قَالَ لَهَا: أَيّمَا أحب إِلَيْك؟ أَن تشتري خفاً أَو أَنِّي. . ك اللَّيْلَة أَرْبَعَة. قَالَت: هَذَا الْخلق يتهيأ أَن يدافع بِهِ الْوَقْت. وَكَانَت لَيْلَة الْفطر مرّة، فعلا مُزْبِد مَنَارَة مَسْجِد رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ نَادَى: أَلا سمع سامعٌ، إِنَّا قد شردنا رَمَضَان، فَمن آواه فقد بَرِئت مِنْهُ الذِّمَّة. فَسَمعهُ الْوَالِي؛ فَضَربهُ مائَة سوطٍ؛ فَقَالَ: مَا أُبَالِي مَا كنت لأدع لذتها. وَكَانَت بِالْمَدِينَةِ جاريةٌ، يُقَال لَهَا: بصبص، مغنية، يجْتَمع الْأَشْرَاف عِنْد مَوْلَاهَا لسَمَاع غنائها، فَاجْتمع عِنْدهَا يَوْمًا مُحَمَّد بن عِيسَى الْجَعْفَرِي، وَعبد الله بن مُصعب الزبيرِي، فِي جمَاعَة من أَشْرَاف الْمَدِينَة، فتذاكروا أَمر مُزْبِد وبخله، فَقَالَت بصبص: أَنا آخذ لكم مِنْهُ ردهماً. فَقَالَ لَهَا مَوْلَاهَا: أَنْت حرةٌ إِن لم أشتر لَك مخنقةً بِمِائَة دِينَار إِن فعلت هَذَا، وأشتري لَهُ مَعَ ذَلِك ثوب وشيٍ بِمِائَة دِينَار، وَأَجْعَل لَك مَجْلِسا بالعقيق أنحر فِيهِ بَدَنَة لم تركب، وَلم تقتب. فَقَالَت: جِيءَ بِهِ، وَأَرْفَع الْغيرَة عني. قَالَ: أَنْت حرةٌ إِن منعتك مِنْهُ وَلَو رَأَيْته قد رفع رجليك، وَلَا عاديته على ذَلِك ن حصلت مِنْهُ الدِّرْهَم؛ فَقَالَ عبد الله بن مُصعب: أَنا لكم بِهِ زعيم. قَالَ عبد الله: فَصليت الْغَدَاة فِي مَسْجِد الْمَدِينَة، فَإِذا أَنا بِهِ قد أقبل؛ فَقلت: أَبَا إِسْحَاق؛ أما تحب أَن ترى بصبص؟ فَقَالَ: بلَى وَالله. امْرَأَته طَالِق إِن لم يكن الله ساخطاً على فِي أمرهَا فقد جفتني، وَإِلَّا فَأَنا أسأله مُنْذُ سنةٍ أَن أَلْقَاهَا فَلَا تُجِيبنِي.

فَقلت: إِذا صليت الْعَصْر فأتني هَاهُنَا. فَقَالَ: امْرَأَته طَالِق إِن برح يَوْمه من هَاهُنَا إِلَى الْعَصْر. قَالَ: فتصرفت فِي حوائجي حَتَّى فَاتَت الْعَصْر، فَدخلت الْمَسْجِد فَوَجَدته؛ فَأخذت بِيَدِهِ فأتيتهم بِهِ، وَأكل الْقَوْم، وَشَرِبُوا حَتَّى صليت الْعَتَمَة، ثمَّ تساكروا وتناوموا. فَأَقْبَلت بصبص على مُزْبِد؛ فَقَالَت لَهُ: يَا أَبَا إِسْحَاق؛ كَأَنِّي - وَالله - فِي نَفسك تشْتَهي أَن أغنيك السَّاعَة: لقد رحلوا الْجمال ليه ... ربوا منا فَلم يئلوا. قَالَ لَهَا: امْرَأَته طَالِق إِن لم تَكُونِي تعلمين مَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ. فغنته إِيَّاه فَقَالَت لَهُ: أَي أَبَا إِسْحَاق كَأَنِّي بك تشْتَهي أَن أقوم من مجلسي فأجلس إِلَى جَنْبك، فَتدخل يدك فِي جلبابي، فتقرص عكني قرصاتٍ وأغنيك: قَالَت وأبثثتها وجدي فبحت بِهِ فَقَالَ لَهَا: امْرَأَته طَالِق إِن لم تَكُونِي تعلمين مَا فِي الْأَرْحَام. وَمَا تكسبه الْأَنْفس غَدا، وَبِأَيِّ أرضٍ تَمُوت. قَالَت: نعم؛ فَقَامَ فَجَلَسَ إِلَى جنبها وَأدْخل يَده فِي جلبابها، وقرصها وغنت لَهُ. ثمَّ قَالَت: برح الخفاء. أَنا أعلم أَنَّك تشْتَهي أَن تقبلني شوق التِّين، وأغنيك هزجاً: أَنا أَبْصرت بِاللَّيْلِ ... غُلَاما حسن الدل كغصن البان قد أصب ... ح مسقياً من الطل فَقَالَ: امْرَأَته طالقٌ إِن لَك تَكُونِي نبيةً مُرْسلَة فقبلها، وغنته. ثمَّ قَالَت: يَا أَبَا إِسْحَاق رَأَيْت قطّ أنذل من هَؤُلَاءِ؟ يدعونك، ويخرجوني إِلَيْك، وَلَا يشْتَرونَ لنا ريحانا بدرهم، هَلُمَّ درهما نشتري بِهِ ريحاناً. فَوَثَبَ وَصَاح: واحرباه أَي زَانِيَة أَخْطَأت استك الحفرة، انْقَطع وَالله عَنْك الْوَحْي

الَّذِي كَانَ يوحي إِلَيْك، ووثب من عِنْدهَا وَجلسَ نَاحيَة. فعطعط بهَا الْقَوْم، وَعَلمُوا أَن حيلتها لم تنفذ عَلَيْهِ، وعادوا لمجلسهم، وَخرج مُزْبِد من عِنْدهم فَلم يعد إِلَيْهِم. وَقيل لمزبد: أَيَسُرُّك أَن يكون عنْدك قنينة شراب؟ فَقَالَ: يَا بن أم؛ وَمن يسره دُخُول النَّار بالمجان. وضعت امْرَأَته المنخل على فرَاشه، فجَاء، فَلَمَّا رَآهُ تعلق بوتد كَانَ فِي دَاره، فَقَالَت امْرَأَته: مَا هَذَا؟ قَالَ: وجدت المنخل فِي موضعي، فصرت فِي مَوْضِعه. قَالَت امْرَأَة مزبدٍ لجارةٍ لَهَا: يَا أُخْتِي؛ كَيفَ صَار الرجل يتَزَوَّج بأربعةٍ، وَيملك من الْإِمَاء مَا يَشَاء، وَالْمَرْأَة لَا تتَزَوَّج إِلَّا وَاحِدًا وَلَا تستبد بمملوكٍ؟ . قَالَت لَهَا: يَا حبيبتي؛ قومٌ الْأَنْبِيَاء مِنْهُم، وَالْخُلَفَاء مِنْهُم، والقضاة مِنْهُم، وَالشّرط مِنْهُم، تحكموا فِينَا كَمَا شَاءُوا، وحكموا لأَنْفُسِهِمْ بِمَا أَرَادوا. قَالَ مُزْبِد: جَاءَنِي صديقٌ لي فَقَالَ: أَلا تسْأَل فلَانا التَّاجِر أَن يقرضني مائَة دِرْهَم؟ على رهن وثيق، فَإِنِّي بِضيق، مُنْقَطع بِي، فَقلت: إِنَّه يفعل، فَمَا الرَّهْن؟ قَالَ: اكْتُبْ لَهُ على نَفسِي بِالْقَذْفِ، وَأشْهد الْعُدُول، فَإِن وفيته حَقه وَقت الْمحل، وَإِلَّا استعدى عَليّ، وَأقَام الْبَيِّنَة بِأَنِّي قَذَفته، حَتَّى أحد حد الْقَاذِف. فَقلت لَهُ: يَا أخي؛ هَذَا رهنٌ تقل رَغْبَة التُّجَّار فِيهِ. كَانَ لمزبد غُلَام، وَكَانَ إِذا بَعثه فِي حاجةٍ جعل بَينه وَبَينه عَلامَة، أَن يكون إِذا رَجَعَ سَأَلَهُ فَقَالَ: حِنْطَة أَو شعير، فَإِذا كَانَ عَاد بالنحج قَالَ: حِنْطَة، وَإِن لم يقْض الْحَاجة قَالَ: شعير. فَبَعثه يَوْمًا فِي حاجةٍ، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: حنطةٌ أم شعير؟ قَالَ: خرا. قَالَ: وَيلك وَكَيف ذَلِك؟ قَالَ: لأَنهم لم يقضوا الْحَاجة، وضربوني وشتموك. صلى مُزْبِد ذَات يَوْم فِي منزله، وَجعل يَدْعُو فِي دبر صلَاته، وسمعته امْرَأَته. فَقَالَ: اللَّهُمَّ أصليني. فَقَالَت: أما هَذَا يَا رب فَلَا تشركني فِيهِ. فَقَالَ: يَا فاعلة، " تِلْكَ إِذا قسمةٌ ضيزى ". وَسمع رجلا يَقُول لآخر: إِذا استقبلك الْكَلْب فِي اللَّيْل فاقرأ:

" يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض فانفذوا لَا تنفذون إِلَّا بسلطانٍ " فَقَالَ مُزْبِد: الْوَجْه عِنْدِي أَن يكون مَعَك عَصا أَو حجر، فَلَيْسَ كل كلبٍ يحفظ الْقُرْآن. وَوَقع بَينه وَبَين امْرَأَته خصومةٌ، فَحلف: لَا يجْتَمع رَأْسِي ورأسك على مخدة سنة؛ فَلَمَّا طَال ذَلِك عَلَيْهِ قَالَ: نقتنع باجتماع الأرجل إِلَى وَقت حُلُول الْأَجَل. وَغَضب عَلَيْهِ بعض الْوُلَاة وَأمر بحلق لحيته؛ فَقَالَ لَهُ الْحجام: انفخ فمك حَتَّى أحلق. قَالَ: يَا بن الفاعلة؛ أَمرك أَن تحلق لحيتي أَو تعلمني الزمر؟ . واشتهت امْرَأَته فالو ذجاً، فَقَالَ: مَا أيسر مَا طلبت عندنَا من آلَته أَرْبَعَة أَشْيَاء، وَبَقِي شَيْئَانِ تحتالين فيهمَا أَنْت. قَالَ: وَمَا الَّذِي عندنَا؟ قَالَ: الطنجير والإسطام وَالنَّار وَالْمَاء. وَبَقِي: الدّهن وَالْعَسَل؛ وهما عَلَيْك. وَسُئِلَ يَوْمًا عَن عدد أَوْلَاده، فَقَالَ: عهد الله فِي رقبته إِن لم تكن امْرَأَته تَلد أَكثر مِمَّا يني. . هَا. قَالَ يَوْمًا: قد عزمت فِي هَذِه السّنة على الْحَج، وأصلحت أَكثر مَا أحتاج إِلَيْهِ، قَالُوا: وَمَا الَّذِي أصلحت؟ قَالَ: تحفظت التَّلْبِيَة. وَقيل لَهُ: كَيفَ حبك لأبي بكر وَعمر؟ قَالَ: مَا ترك الطَّعَام فِي قلبِي حبا لأحد. وَدخل على بعض العلوية؛ فَجعل يعبث بِهِ ويؤذيه، فتنفس مُزْبِد الصعداء وَقَالَ: صلوَات الله على الْمَسِيح، أَصْحَابه مِنْهُ فِي رَاحَة. لم يخلف عَلَيْهِم ولدا يؤذيهم. وَجَاء غريمٌ لَهُ يَوْمًا يُطَالِبهُ بحقٍ لَهُ؛ فَقَالَ لَهُ: لَيْسَ لَك الْيَوْم عِنْدِي شَيْء، وحشره الله كَلْبا عقوراً ينهش عراقيب النَّاس فِي الْموقف، وَلَو علقنه من الشريا بزغبة قثاءةٍ مَا أَعطيتك الْيَوْم شَيْئا. بَاعَ جَارِيَة على أَنَّهَا طباخةٌ، وَلم تحس شَيْئا فَردَّتْ، فَلم يقبلهَا، وَقدم إِلَى القَاضِي، وطولب بِأَن يحلف أَنه ملكهَا وَكَانَت تطبخ وتحسن فَانْدفع وَحلف

بيمينٍ غليظةٍ أَنه دفع إِلَيْهَا جَرَادَة فطبخت مِنْهَا خَمْسَة ألوانٍ وفصلت مِنْهَا شريحتين بالقديد سوى الْجنب، فَإِنَّهَا شوته. فَضَحِك من حضر، وأيس خصومه من الْوُصُول مِنْهُ إِلَى شيءٍ فخلوه. وَقَالَت لَهُ امْرَأَته فِي خُصُومَة بَينهمَا: يَا مُفلس، يَا قرنان. قَالَ: إِن صدقت فواحدةٌ من الله وَالْأُخْرَى مِنْك. وَقيل لَهُ: كم كَانَت سنك أَيَّام قتل عُثْمَان؟ فَقَالَ: كنت أول مَا قاذفت. جمع مُزْبِد بَين رجل وعشيقته فِي منزله، فعابثها سَاعَة، ثمَّ أَرَادَ أَن يمد يَده إِلَيْهَا، فَقَالَت: لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه، وَسمع مزبدٌ قَوْلهَا فَقَالَ: يَا زَانِيَة، فَأَيْنَ مَوْضِعه؟ بَين الرُّكْن وَالْمقَام؟ أم بَين الْقَبْر والمنبر؟ وَالله مَا بنيت هَذِه الدَّار إِلَّا للقحاب والقوادات، ولأدفع ثمن خشبها إِلَّا من الْقمَار، فَأَي مَوضِع للزنى أَحَق مِنْهَا؟ . وشكا إِلَيْهِ رجل سوء خلق امْرَأَته؛ فَقَالَ لَهُ مُزْبِد: بخرها بمثلثة. يُرِيد: الطَّلَاق. وَقيل لَهُ: صَوْم يَوْم عَرَفَة يعدل صَوْم سنة. فصَام إِلَى الظّهْر ثمَّ أفطر فَقَالَ: يَكْفِينِي صَوْم نصف سنةٍ فِيهِ شهر رَمَضَان. قيل لمزبد وَقد عضه كلب: إِن أردْت أَن يسكن فأطعم الْكَلْب الشريد، فَقَالَ: إِذا لَا يبْقى فِي الدُّنْيَا كلبٌ إِلَّا جَاءَنِي وعضني. وَقيل لَهُ: إِن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: " إِذا رَأَيْت شخصا بِاللَّيْلِ فَكُن بالإقدام عَلَيْهِ أولى مِنْهُ عَلَيْك " قَالَ: أَخَاف أَن يكون قد سمع هَذَا الحَدِيث فأقع فِيمَا أكره. كَانَ مزبدٌ الغاضري فِي حبس مُحَمَّد بن عبد الله - رَضِي الله عَنهُ - حِين ظهر بِالْمَدِينَةِ؛ فَلَمَّا أَمْسَى فِي اللَّيْلَة الَّتِي قتل محمدٌ فِي صبيحتها وَجعل يَقُول: مَعنا علم الْغَيْب. قيل: وَكَيف ذَاك؟ قَالَ: مَا فِي الدُّنْيَا قومٌ يعْرفُونَ آجالهم غَيرنَا، إِذا أَصْبَحْنَا جَاءَت.

وَقيل لَهُ: قد بيض النَّاس جَمِيعًا فِي سَائِر الْآفَاق. فَقَالَ: وَمَا ينفعنا من ذَلِك؟ وَهَذَا عِيسَى بن مُوسَى بعقوبنا، اعْمَلُوا على أَن الدُّنْيَا كلهَا زبدة. قَالَ: فَبِهَذَا سمي مزبداً. كَانَ لامْرَأَة مُزْبِد صديقٌ فضربها وشجها، وَدخل مُزْبِد فرآها على تِلْكَ الْحَال؛ فَقَالَ لَهَا: مَالك وَيلك؟ قَالَت: سَقَطت من الدرجَة، فَقَالَ لَهَا مُزْبِد: أَنْت طالقٌ، إِنَّك لَو سَقَطت من بَنَات نعش مَا أَصَابَك هَذَا كُله. زفت إِلَى مُزْبِد امرأةٌ قبيحة، فَجَاءَت إِلَيْهِ الماشطة، فَقَالَت: بِأَيّ شيءٍ تصبحها؟ قَالَ: بِالطَّلَاق. دفع مُزْبِد إِلَى وَالِي الْمَدِينَة وَمَعَهُ زق، فَأمر بضربه، فَقَالَ: لم تضربني؟ قَالَ: لِأَن مَعَك آلَة الْخمر. قَالَ: وَأَنت - أعزّك الله - مَعَك آلَة الزِّنَى. وَجلسَ مرّة على الطَّرِيق يَبُول وَهُوَ سَكرَان، وَعَلِيهِ طيلسان خلق، فَمر بِهِ رجلٌ فَأخذ طيلسانه؛ فَالْتَفت إِلَيْهِ مُزْبِد وَقَالَ: يَا بني، صرف عَنْك السوء. قَالَ مُزْبِد لرجل: كم تعلف حِمَارك؟ قَالَ: نخرةً بِالْغَدَاةِ، ونخرة بالعشى؛ فَقَالَ: اتَّقِ الله لَا تحمر عَلَيْك. دفع مُزْبِد فِي ذنبٍ إِلَى الْوَالِي؛ فَضَربهُ خَمْسَة وَسبعين سَوْطًا، ثمَّ ظهر لَهُ بَرَاءَة ساحته، فَأحْضرهُ واستحله، فَقَالَ مُزْبِد: لَا، وَلَكِن تقاصني بهَا كلما أذنبت ذَنبا، فَكَانَ يسحب لَهُ كل مرّة إِذا أذْنب بعشرةٍ وَمثلهَا إِلَى أَن نفدت وَفضل عَلَيْهِ شَيْء. وَقَالَ مزبدٌ يَوْمًا: مجالسة الْعضَاة الْحمر الَّتِي لَا ورق لَهَا خيرٌ من مجالسة النَّاس الْيَوْم. لم يبْق إِلَّا ظروفٌ قد عصرت أَرْوَاحهم فأخرجت، وَلَيْسَ فِي أَجْسَادهم أَرْوَاح، أَطُوف نهاري أجمع مَا أرى إِلَّا ظرفا. فَقَالَ لَهُ إِنْسَان: قد بقيت فِي النَّاس بقيةٌ. فَقَالَ مُزْبِد: تِلْكَ الْبَقِيَّة مثلث البلح ثَلَاثَة فِي ثفروقٍ.

الباب الثامن نوادر ابي الحارث جمين

الْبَاب الثَّامِن نَوَادِر أبي الْحَارِث جمين قيل لَهُ: مَا تَقول فِي فالوذجة؟ قَالَ: وَالله لَو أَن مُوسَى لَقِي فِرْعَوْن بفالوذجةٍ لآمن، وَلكنه لقِيه بعصا. وَقيل لَهُ يَوْمًا: مَا تشْتَهي؟ فَقَالَ: نشيش مقلاةٍ بَين غليان قدرٍ على رَائِحَة شواءٍ. وَكَانَ لَا يَأْكُل الباذنجان، فكايده مُحَمَّد بن يحيى وَاتخذ ألوانه كلهَا باذنجان، فَجعل كلما قدم لون فرابه الباذنجان فِيهِ توقاه، وَأَقْبل على الْخبز وَالْملح؛ فَلَمَّا عَطش قَالَ: يَا غُلَام، اسْقِنِي مَاء لَيْسَ فِيهِ باذنجان. وَكتب يَوْمًا إِلَى صديق لَهُ: أوصيك بتقوى الله، إِلَّا أَن ترى غير ذَلِك خيرا مِنْهُ. وَقيل لَهُ: سبقت ببرذونك هَذَا قطّ؟ قَالَ: بلَى، مرّة، دَخَلنَا زقاقاً لَا منفذ لَهُ وَكنت آخر الْقَوْم؛ فَلَمَّا رَجعْنَا كنت أول الموكب. وَدخل جمَاعَة من إخوانه، فاشتهوا عَلَيْهِ لوناً يطبخه لَهُم، فَدَنَا أحدهم من الْقدر ليذوقها، وَأخرج قِطْعَة لحم وأكلها، وَفعل كل وَاحِد مِنْهُم كَذَلِك؛ فَقَالَ أحدهم: هِيَ طيبةٌ لَكِنَّهَا تحْتَاج إِلَى شيءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَارِث: أَنا أعلم، هُوَ ذَا تحْتَاج إِلَى اللَّحْم.

وَحكى دعبلٌ قَالَ: بَلغنِي أَن أَبَا الْحَارِث قد فلج، فاغتممت لظرفه وملاحته، فصرت إِلَيْهِ فَوَجَدته فِي عَافِيَة؛ فحمدت الله وَسَأَلته عَن خَبره؟ فَقَالَ: دخلت الْحمام وأكلت السّمك، ودعوت المزين فَأخذ شعرى، فَظن الفالج لما رأى المزين عِنْدِي أَنِّي احتجمت؛ فَلَمَّا علم أَنه أَخذ من شعري تركني وَانْصَرف. وَنظر يَوْمًا إِلَى برذون يستقى عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَمَا الْمَرْء إِلَّا حَيْثُ يَجْعَل نَفسه لَو أَن هَذَا هملج مَا كَانَ هَذَا. وَأكل يَوْمًا مَعَ الرؤساء بيضًا مسلوقاً، فَجعل يَأْكُل الصُّفْرَة، وينحى الْبيَاض إِلَى بَين يَدي أبي الْحَارِث عَبَثا بِهِ؛ فَقَالَ لما طَال ذَلِك عَلَيْهِ - وتنفس الصعداء -: سقى الله روح العجة فَمَا أعدلها. وَدخل إِلَى بعض أصدقائه يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ: مَا تشْتَهي؟ قَالَ: أما الْيَوْم فماء حصرم، وَأما غَدا فهريسة. قَالَ بَعضهم: دخلت على جمين أعوده من مرضٍ بِهِ، فَقلت لَهُ: مَا تشْتَهي؟ فَقَالَ: أعين الرقباء، وألسن الوشاة، وأكباد الحساد. مر رجلٌ بِهِ فَسلم عَلَيْهِ بِسَوْطِهِ، فَلم يرد عَلَيْهِ؛ فَقيل لَهُ فِي ذَلِك؛ فَقَالَ: سلم عَليّ بِالْإِيمَاءِ، فَرددت عَلَيْهِ بالضمير. وَسَأَلَهُ يحيى بن خَالِد عَن مائدة ابْنه؛ فَقَالَ: أما مائدته فَمن نصف كسرة، وَأما صحافه فمنقورةٌ من قشور حب الخشخاش، وَمَا بَين الرَّغِيف والرغيف مد الْبَصَر، وَمَا بَين اللَّوْن واللون فَتْرَة مَا بَين نَبِي وَنَبِي. قَالَ: فَمن يحضرها: قَالَ: خلقٌ كثيرٌ من الْكِرَام الْكَاتِبين. قَالَ: فيأكل مَعَه أحد؟ قَالَ: نعم، الذبان. قَالَ: سوءة لَهُ هَذَا، فشوبك مخرق وَأَنت بفنائه يطور، فَلَو رقعت قَمِيصك. قَالَ: مَا

أقدر على إبرة، قَالَ: هُوَ يعطيك، قَالَ: وَالله لَو ملك بَيْتا من بَغْدَاد إِلَى النّوبَة مملوءاً إبراً فِي كل إبرةٍ خيطٌ، ثمَّ جَاءَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل ومعهما يَعْقُوب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام يسألونه إبرة يخيط بهَا يُوسُف قَمِيصه الَّذِي قد من دبرٍ مَا أَعْطَاهُم. وَجَاء إِلَيْهِ رجل يسْأَله شَيْئا، وَقَالَ: قد قطع عَليّ الطَّرِيق. قَالَ: فعلي إِذا قطع الطَّرِيق. ولقيه رجلٌ - وَقد تعلق بِهِ غُلَام - فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَارِث؛ من هَذَا؟ قَالَ: هَذَا غُلَام الْفضل بن يحيى، كنت عِنْد مولى هَذَا أمس، فَقدم إِلَيْنَا مائدةً عَلَيْهَا رغيفان عملا من نصف خشخاشة سوى مَا ذهب عِنْد النحت، وثريدة فِي سكرجةٍ، وخبيصة فِي مسعط، فتنفست الصعداء فَدخل الخوان وَمَا عَلَيْهِ فِي أنفي، فمولاه يطالبني بِالْقيمَةِ. قَالَ الرجل: اسْتغْفر الله مِمَّا تَقول، فَأَوْمأ إِلَى غلامٍ مَعَه وَقَالَ: غلامي هَذَا حرٌ إِن لم يكن لَو أَن عصفوراً وَقع على بعض قشور ذَلِك الخشخاش الَّذِي عمل مِنْهُ ذَلِك، لما رَضِي مولى هَذَا حَتَّى يُؤْتى بذلك العصفور مشوياً بَين رغيفين، والرغيفان من عِنْد العصفور. ثمَّ قَالَ: وَعلي الْمَشْي إِلَى بَيت الله الْحَرَام، إِذا عطشت بالقرعاء رجعت إِلَى دجلت العوراء حَتَّى أشْرب مِنْهَا مَاء، لَو أَن مولى هَذَا كلف فِي يَوْم قائظٍ شَدِيد الْحر أَن يصعد على سلم من زبد، حَتَّى يلتقط كواكب بَنَات نعشٍ كوكباً كوكباً؛ لَكَانَ ذَلِك أسهل عَلَيْهِ من أَن يشم شام تِلْكَ الثريدة، أَو يَذُوق ذائقٌ تِلْكَ الخبيصة. فَقَالَ الرجل: عَلَيْك لعنة الله، وَعلي إِن سَمِعت مِنْك شَيْئا بعد هَذَا. وَقيل لَهُ وَهُوَ على نَبِيذ: كل من هَذَا الطين السيراني فَإِنَّهُ نظيف؛ فَقَالَ: وَمَتى بلغك أَن فِي بَطْني وكفاً. وَقيل لَهُ: مَا تغديت عِنْد فلَان؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي مَرَرْت بِبَابِهِ وَهُوَ يتغدى. قيل: وَكَيف علمت ذَلِك؟ قَالَ: رَأَيْت غلمانه بِبَابِهِ، بِأَيْدِيهِم قسي البنادق يرْمونَ الطير فِي الْهَوَاء. وَقَالَ لَهُ الرشيد: لم لَا تدخل إِلَى مُحَمَّد بن يحيى؟ فَقَالَ: أَدخل وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَأما أكسى من الْكَعْبَة، وَأخرج وَأَنا أعرى من الْحجر الْأسود.

قيل لأبي الْحَارِث: مَا تَقول فِي جواذب بطٍ فِي يَوْم صَائِف؟ . قَالَ: نعم، فِي يَوْم من أَيَّام تموز فِي حمام حَار بمنى. قيل لجمين - وَقد رأى سَوْدَاء قبيحة -: ابتلاك الله بحبها قَالَ: يَا بغيض لَو ابتلاني بحبها كَانَت عِنْدِي من الْحور الْعين، وَلَكِن ابتلاك الله بِأَن تكون فِي بَيْتك وَأَنت تبغضها. وَقَالَ لَهُ الرشيد: اللوزينج أم الفالوذج؟ قَالَ: أحضرهما يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فأحضرا، فَجعل يَأْكُل من هَذَا وَهَذَا، ثمَّ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، كلما أردْت أَن أشهد لأَحَدهمَا غمزني الآخر بحاجبه. قَالَ بَصرِي لجمين: يأتينا الْمَدّ والجزر فِي كل يَوْم مرَّتَيْنِ. قَالَ: يسْتَأْذن الله فِي هلاككم مرَّتَيْنِ، وَكَأن قد. وَرَأَوا عَلَيْهِ جُبَّة قد تخرقت، فَقيل لَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: غنت بقول الشَّاعِر: لقا فُؤَادِي، لقد بلَى جزعاً ... قطعه الْبَين والهوى قطعا ثمَّ قيل لَهُ بعد ذَلِك: كَيفَ تغني جبتك؟ فَقَالَ: قد كَانَت تغنى، وَقد صَارَت تلطم فِي مأتم. ودعته امرأةٌ كَانَ يُحِبهَا، فَجعلت تحادثه وَلَا تذكر الطَّعَام، فَلَمَّا طَال ذَلِك بِهِ قَالَ: جعلني الله فداءك، لَا أسمع للغداء ذكرا. قَالَت لَهُ: أما تَسْتَحي أما فِي وَجْهي مَا يشغلك عَن هَذَا؟ قَالَ: جعلني الله فداءك، لَو أَن جميلاً وبثينة قعدا سَاعَة لَا يأكلان شَيْئا لبزق كل مِنْهُمَا فِي وَجه صَاحبه.

الباب التاسع نوادر الجماز

الْبَاب التَّاسِع نَوَادِر الجماز قَالَ الجماز لأبي شراعة: كَيفَ تجدك؟ قَالَ: أجدني وقيذاً من دماميل قد ظَهرت فِي أقبح الْمَوَاضِع. قَالَ: مَا أرى فِي وَجهك مِنْهَا شَيْئا. قَالَ بعض إخْوَان الجماز - وَقد دخل إِلَيْهِ وَهُوَ يطْبخ قدرا -: لَا إِلَه إِلَّا الله مَا أعجب الرزق فَقَالَ الجماز: أعجب مِنْهُ الحرمان. امْرَأَته طَالِق إِن ذقتها. وَقَالَ لَهُ السهري: ولد لي البارحة ابنٌ كَأَنَّهُ الدِّينَار المنقوش. فَقَالَ الجماز: لَا عَن أمه. صلى رجلٌ صَلَاة خَفِيفَة؛ فَقَالَ لَهُ الجماز: لَو رآك العجاج لسر بك. قَالَ: وَلم؟ قَالَ: لِأَن صَلَاتك رجز. وتغدى عِنْد إِنْسَان هاشمي وَمر الْغُلَام بصحفةٍ؛ فقطر مِنْهَا شيءٌ على ثوب الجماز، فَقَالَ الْهَاشِمِي: يَا غُلَام؛ اغسل ثَوْبه. فَقَالَ الجماز: دَعه، فمرقتكم لَا تدسم الثَّوْب. وَسمع مَحْبُوسًا يَقُول: اللَّهُمَّ احفظني؛ فَقَالَ: قل اللَّهُمَّ ضيعني حَتَّى تَنْفَلِت. وَقَالَت لَهُ امْرَأَته فِي يَوْم غائمٍ: مَا يطيب فِي هَذَا الْيَوْم؟ فَقَالَ: الطَّلَاق. أَدخل يَوْمًا غلاقاً إِلَى منزله، فَلَمَّا دخل ادّعى أَنه هُوَ فعل بالجماز، فَبَلغهُ ذَلِك؛ فَقَالَ: قد حرم اللواط إِلَّا بولِي وشاهدين.

وَدخل مَعَ صاحبٍ لَهُ إِلَى قثمٍ بن جَعْفَر؛ فتغديا عِنْده وتحدثا، وَأَرَادَ قثم أَن يقيل، فَدَعَا غُلَاما رومياً وضيئاً فَقَالَ: قف هَاهُنَا، فَقَالَ الجماز لصَاحبه: قُم بِنَا نعرج. قَالَ: إِلَى أَيْن؟ قَالَ: إِلَى السَّمَاء، فقد نزلت مَلَائِكَة اللَّيْل. رأى رجلٌ من ولد عبيد الله بن زِيَاد كَأَن النَّبِي وعلياً وَفَاطِمَة - عَلَيْهِم السَّلَام - فِي دَاره، فصَام وَتصدق تبركاً برؤياه، وقصها والجماز حَاضر؛ فَقَالَ: أَتَدْرِي لم جاءوك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: جاءوك ليشكروك على فعل أَبِيك بابنهم، فانخذل الرجل وود أَنه لم يذكر من ذَلِك شَيْئا. وَذكر يَوْمًا رجلا قَامَ من عِنْده؛ فَقَالَ: كَأَن قِيَامه من عندنَا سُقُوط جمرةٍ من الشتَاء. وَقيل لَهُ: مَا بقى من شهوتك للنِّسَاء؟ فَقَالَ: القيادة عَلَيْهِنَّ. قَالَ الجماز: رَأَيْت عجوزاً تسْأَل وَتقول: من تصدق علينا بكسرةٍ أطْعمهُ الله من طَيّبَات بَاب الطاق. وَقَالَ: قلت لرجلٍ: قد زَاد سعر الدَّقِيق؛ فَقَالَ: أَنا لَا أُبَالِي لِأَنِّي أَشْتَرِي الْخبز. قَالَ: قلت لرجلٍ رمد الْعين: بِأَيّ شيءٍ تداوي عَيْنَيْك؟ فَقَالَ: بِالْقُرْآنِ وَدُعَاء الوالدة. قلت: اجْعَل مَعَهُمَا شَيْئا يُقَال لَهُ: العنزروت. قَالَ: رَأَيْت بِالْكُوفَةِ رجلا وقف على بقال فَأخْرج إِلَيْهِ رغيفاً صَحِيحا؛ فَقَالَ: أَعْطِنِي كسراً، وبصرفه جزرا. وَقَالَ: حرم النَّبِيذ على ثَلَاثَة عشر نفسا: على من غنى الْخَطَأ، واتكأ على الْيُمْنَى، وَأكْثر أكل النَّقْل، وَكسر الزّجاج، وسرق الريحان، وبل مَا بَين يَدَيْهِ، وَطلب الْعشَاء، وَقطع البم، وَحبس أول قدح، وَأكْثر الحَدِيث، وامتخط فِي منديل الشَّرَاب، وَبَات فِي مَوضِع لَا يحْتَمل الْمبيت. طَالب الجماز امْرَأَته بِالْجِمَاعِ، فَقَالَت: أَنا حَائِض، وتحركت فضرطت؛ فَقَالَ لَهَا: قد حرمتنا خير حرك، فاكفينا شَرّ استك.

قَالَ ابْن عمار: تَذَاكرنَا ضيق الْمنَازل، فَقَالَ الجماز: كُنَّا على نبيذٍ لنا، فَكَانَ أَحَدنَا إِذا دخل الكنيف، وَجَاء الْقدح، مديده إِلَى الساقي فَنَاوَلَهُ إِيَّاه. . قَالَ الجماز: مَرَرْت بنجادٍ - فِي قنطرة البردان طَوِيل اللِّحْيَة - وَامْرَأَته تطالبه بِشَيْء لَهَا عِنْده وَهُوَ يَقُول: رَحِمك الله. متاعك جافٌ وَيحْتَاج إِلَى حشوٍ كثير، وَأَنت من العجلة تمشين على أَربع. أمْلى خَالِد بن الْحَارِث أَحَادِيث حميد عَن أنس، فَكَانَت نسخته فِيهَا سقط. وَكَانَ الجماز يستملي عَلَيْهِ، فَقَالَ خَالِد: حَدثنَا حميدٌ عَن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى اله عَلَيْهِ وَسلم. هَكَذَا فِي نُسْخَتي، وَهُوَ رَسُول الله إِن شَاءَ الله. فَقَالَ الجماز: حَدثكُمْ حميد بن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَشك أَبُو عُثْمَان فِي الله، فَقَالَ خَالِد: كذبت يَا عَدو الله، مَا شَككت فِي الله، وتضاحك أهل الْمجْلس، وأصلحت النُّسْخَة. وَكَانَ يَأْكُل عِنْد سعيد بن سلم على مائدةٍ دون مائدته، فَإِذا رفع من مائدة سعيدٍ شَيْء وضع على الْمَائِدَة الَّتِي عَلَيْهَا الجماز؛ فَالْتَفت الجماز؛ فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرو، وَهَذِه عصبةٌ لتِلْك، كَمَا يُقَال: وَمَا بقى فللعصبة. وَقَالَ لَهُ المتَوَكل: أَي شَيْء أهديت لي يَوْم الْعِيد؟ قَالَ: حَلقَة رَأْسِي. وَأدْخل يَوْمًا غُلَاما، فَلَمَّا بطحه فسا فسوةً مُنكرَة، فَقَالَ الجماز: وَيلك هوذا، تذري من قبل أَن ندرس. وَدخل عَلَيْهِ ثقيلٌ يعودهُ من مَرضه؛ فَلَمَّا نَهَضَ قَالَ للجماز: تَأمر بشيءٍ. قَالَ: نعم بترك العودة. وَقَالَ لرجل: مَا أخرك عَنَّا؟ ؛ فَقَالَ: أصابتني خلفة؛ فَقَالَ الجماز: مَا أبين الخلفة فِي وَجهك. شهى جَعْفَر بن سُلَيْمَان أَصْحَابه؛ فتشهى كل إِنْسَان مِنْهُم جِنْسا من الطَّعَام؛ فَقَالَ للجماز: فَأَنت مَا تشْتَهي؟ قَالَ: أَن يَصح مَا اشتهوا. وَسَأَلَ يَوْمًا غُلَاما، وَأدْخلهُ مَسْجِدا؛ فَلَمَّا فرغ مِنْهُ أقبل الْمُؤَذّن، فَقَامَ الجماز، وخرى فِي الْمِحْرَاب؛ فَقَالَ الْمُؤَذّن: يَا عَدو الله، أعلم على أَنَّك

فجرت بالغلام فِي الْمَسْجِد؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَك بَيت. مَا حجتك فِي أَن قذرت بالمحراب؟ قَالَ: علمت أَنه يشْهد عَليّ يَوْم الْقِيَامَة، فَأَحْبَبْت أَن أجعله خصمي لِئَلَّا تقبل شَهَادَته عَليّ. وَدفع إِلَى الْقصار قَمِيصًا ليغسله، فضيقه، ورد عَلَيْهِ قَمِيصًا صَغِيرا؛ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا قَمِيصِي، قَالَ: بلَى هُوَ قَمِيصك وَلكنه توزى وَفِي كل غسلةٍ يَتَقَلَّص وَيقصر؛ فَقَالَ الجماز: فَأحب أَن تعرفنِي فِي كم غسلةٍ يصير الْقَمِيص زراً؟ . وَقيل لَهُ: لم تقصر شعرك؟ قَالَ: أَلَيْسَ قَلِيل مَا أجئ بِهِ كثيرا فِي جنب مَا يعطونني. وَحضر دَعْوَة بعض النَّاس فَجعل رب الْبَيْت يدْخل وَيخرج وَيَقُول: عندنَا سكباجةٌ تطير طيراناً، عندنَا قليةٌ تطير فِي السَّمَاء، فَلَمَّا طَال ذَلِك على الجماز وجاع قَالَ: يَا سَيِّدي، أحب أَن تخرج لي رغيفاً مقصوص الْجنَاح إِلَى أَن تقع ألوانك الطيارات. وَنظر إِلَى غُلَام؛ فَقَالَ: هَذَا كَانَ من المطففين. قيل: وَكَيف ذَاك؟ . قَالَ: كَانَ إِذا ناكه الْوَاحِد، وَكَانَ وَقت الْفَرَاغ، فرج بَين فَخذيهِ. وَوجد مَعَ غُلَام فِي مَوضِع خالٍ، وَقد حلا سراويلهما، فَقيل لَهُ: مَا تصنع؟ ، قَالَ: نتخاير بالتكك. قَالَ الجماز: اجتزت ببابٍ وَصَاحب الدَّار يُقَاتل امْرَأَته وَيَقُول: لأحملن عَلَيْك الْيَوْم مائَة رجل، فَجَلَسَ شيخ كَانَ خَلْفي على الْبَاب ينْتَظر؛ فَلَمَّا طَال دق الْبَاب وَقَالَ: تُرِيدُ أَن تحمل على هَذِه القحبة أَو انْصَرف. رأى رجلٌ الْهلَال فَاسْتَحْسَنَهُ؛ فَقَالَ لَهُ الجماز: وَمَا تستحسن مِنْهُ؟ فو الله إِن فِيهِ لخصالاً لَو كَانَت إِحْدَاهُنَّ فِي الْحمار لرد بهَا؛ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: إِنَّه يدْخل الروازن، وَيمْنَع من الدبيب، وَيدل على اللُّصُوص، ويسخن من المَاء، ويخرق الْكَتَّان، وَيُورث الزُّكَام، وَيحل الدّين، ويزهم اللَّحْم.

كَانَ المتَوَكل يحدث عَن الجماز؛ فَكتب فِي حمله، فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ لم يَقع الْموقع الَّذِي ظَنّه؛ فَقَالَ المتَوَكل: تكلم فَإِنِّي أُرِيد أَن أستبرئك. فَقَالَ الجماز: بحيضةٍ أَو بحيضتين؛ فَضَحكت الْجَمَاعَة. وَقَالَ لَهُ الْفَتْح: قد كلت أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيك حَتَّى ولاك جَزِيرَة القرود، فَقَالَ لَهُ الجماز: أفلست فِي السّمع وَالطَّاعَة أصلحك الله؟ ، فحصر الْفَتْح وَسكت. فَقَالَ لَهُ بعض من حضر: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يُرِيد أَن يهب لَك جَارِيَة. فَقَالَ: لَيْسَ مثلي من غرم نَفسه، وَلَا كذب عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ. إِن أرادتني أَن أَقُود عَلَيْهَا، وَإِلَّا فمالها عِنْدِي شَيْء؛ فَأمر لَهُ المتَوَكل بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم، وَأَخذهَا وَانْحَدَرَ؛ فَمَاتَ فَرحا. وَقَالَ لَهُ بعض ولد المتَوَكل فِي هَذَا الْمجْلس: يَا شيخ، أَلا تَسْتَحي مِمَّا تَقول؟ . قَالَ: لَا. قَالَ وَلم؟ . قَالَ: حَتَّى أرى من يستحيا مِنْهُ. رئي الجماز ين. . ك غُلَاما خلف الدَّرْب من قيامٍ؛ فَقيل لَهُ: إيش تعْمل؟ . قَالَ: هُوَ ذَا أبْصر أَنا أطول أم هُوَ.

الباب العاشر نوادر المجانين

الْبَاب الْعَاشِر نَوَادِر المجانين قَالَ مجنونٌ - ولقى النَّاس منصرفين من الْجُمُعَة -: أَيهَا النَّاس: " إِنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم جَمِيعًا ". فَقَالَ لَهُ مجنونٌ آخر: " وَلَا تعجل بِالْقُرْآنِ من قبل أَن يقْضى إِلَيْك وحيه ". وَكَانَ بهْلُول من مجانين الْكُوفَة، وَكَانَ يتشيع؛ فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق ابْن الصَّباح: أَكثر الله فِي الشِّيعَة مثلك. قَالَ: بل أَكثر الله فِي المرجئة مثلي، وَأكْثر فِي الشِّيعَة مثلك. وَمر مُوسَى بن أبي الروقاء، فناداه صباحٌ الموسوس: يَا بن أبي الروقاء أسمنت برذونك، وهزلت دينك، أما وَالله إِن أمامك لعقبةً لَا يجوزها إِلَّا المخف فحبس مُوسَى برذونه؛ فَقيل لَهُ: هَذَا صباحٌ الموسوس. قَالَ: مَا هُوَ بموسوس؟ . قَالَ ثُمَامَة: قَالَ لي مَجْنُون مرّة: يَا ثُمَامَة، تزْعم أَنْت أَن الِاسْتِطَاعَة إِلَيْك؟ قلت: نعم. قَالَ: فَإِن كنت صَادِقا فاخر وَلَا تبل. وقف رجلٌ على بهْلُول؛ فَقَالَ لَهُ: تعرفنِي؟ ؛ فَقَالَ بهْلُول: إِي وَالله، وأنسبك نِسْبَة الكمأة، لَا أصلٌ ثابتٌ، وَلَا فرعٌ نابت. ودعا الرشيد بهلولاً ليضحك مِنْهُ؛ فَلَمَّا دخل دَعَا لَهُ بمائدةٍ فَقدم عَلَيْهَا خبزٌ وَحده، فولى بهلولٌ هَارِبا؛ فَقَالَ لَهُ: إِلَى أَيْن؟ . قَالَ: أجيئكم يَوْم الْأَضْحَى، فَعَسَى أَن يكون عنْدكُمْ لحمٌ.

أخرج بِلَال بن أبي بردة من حَبسه مَجْنُونا يمازحه، فَقَالَ لَهُ: أَتَدْرِي لم أخرجتك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: لأسخر مِنْك. قَالَ: إِن الْمُسلمين حكمُوا حكمين فَسخرَ أَحدهمَا على بِالْآخرِ. قَالَ الْمبرد: دخلت يَوْمًا دير هزقل، فَرَأَيْت فِي صحن الدَّار مَجْنُونا، فدلعت لساني فِي وَجهه، فَنظر إِلَى السَّمَاء، وَقَالَ: الْحَمد وَالشُّكْر من حلوا وَمن ربطوا. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت بحمصٍ مَجْنُونا يَقُول: يَا قوم، من يتَعَلَّم: لَا أَدْرِي؟ يَا هَذَا، تعلم: لَا أَدْرِي؛ فَإنَّك إِذا قلت: لَا أَدْرِي علموك حَتَّى تَدْرِي وَإِذا قلت: أَدْرِي سألوك حَتَّى لَا تَدْرِي. رمى بهلولٌ رجلا فَشَجَّهُ؛ فَقدم إِلَى الْوَالِي، فَقَالَ لَهُ: لم رميت هَذَا؟ . قَالَ: مَا رميته وَلكنه دخل تَحت رميتي. وَقَالَ بهلولٌ يَوْمًا: أَنا وَالله أشتهي من فالوذج وَمن سرقين، فَقَالُوا: وَالله لنبصرته كَيفَ يَأْكُل، فاشتروا لَهُ الفالوذج، وأحضروا السرقين؛ فَأقبل على الفالوذج واكتسحه، وَترك السرقين، فَقَالُوا لَهُ: لم تركت هَذَا؟ . قَالَ: أَقُول لكم، أما - وَالله - يَقع لي أَنه مسمومٌ، من شَاءَ مِنْكُم يَأْكُل ربع رطلٍ حَتَّى آكل أَنا الْبَاقِي. وَجَاء مجنونٌ فَوقف عِنْد شَجَرَة ملساء، فَقَالَ: من يعطيني نصف دِرْهَم حَتَّى أصعد؟ فَعجب النَّاس وَأَعْطوهُ، فأحرزه، ثمَّ قَالَ: هاتوا سلما. قَالُوا: مَا كَانَ السّلم فِي الشَّرْط. قَالَ: وَكَانَ بِلَا سلم فِي الشَّرْط؟ . ووقف بهْلُول على رجل، وَقَالَ: خبرني عَن قَول الشَّاعِر: وَإِذا نبا بك منزلٌ فتحول

كَيفَ هُوَ عنْدك؟ . قَالَ: جيدٌ. قَالَ: فَإِن كنت فِي الْحَبْس فَكيف تتحول؟ . قَالَ: فَانْقَطع الرجل، فَقَالَ بهْلُول: الصَّوَاب قَول غَيره: إِذا كنت فِي دارٍ يسوءك أَهلهَا ... وَلم تَكُ مكبولا بهَا فتحول أُصِيب إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن الصَّباح الْكِنْدِيّ بابنٍ لَهُ، فجزع؛ فَدخل أهل الْكُوفَة يعزونه، وَدخل فيهم بهْلُول؛ فَقَالَ: أَيَسُرُّك أَنه بقى وَأَنه مثلي؟ . قَالَ: لَا وَالله، وَإِنَّهَا لتعزية. قَالَ بَعضهم: جَاءَنَا جعيفران فِي سوق أَصْحَاب اللُّؤْلُؤ، فوهب لَهُ إنسانٌ حَبَّة من الْحبّ الصغار؛ فَقَالَ لَهُ رجل: أتبيعها بطسوج؟ ، فَقَالَ: إِن كَانَ بطسوج بادرونا فَنعم. هرب مَجْنُون من الصّبيان، وَدخل دهليزا، وأغلق الْبَاب فِي وُجُوههم وَجلسَ؛ فَخرج إِلَيْهِ صَاحب الدَّار، فَقَالَ: لم دخلت دَاري؟ . قَالَ: من أَيدي هَؤُلَاءِ أَوْلَاد الزِّنَى. فَدخل صَاحب الدَّار، وَأخرج طبقًا عَلَيْهِ رطب كثير، فَجَلَسَ الْمَجْنُون يَأْكُل، وَالصبيان يصيحون على الْبَاب؛ فَأخْرج الْمَجْنُون رَأسه إِلَى صَاحب الدَّار، فَقَالَ: بابٌ بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب. قيل لمَجْنُون كَانَ بِالْبَصْرَةِ: عدلنا مجانين الْبَصْرَة. قَالَ: كلفتموني شططا، أَنا على عد عقلائهم أقدر. كَانَ بِبَغْدَاد مجنونٌ يلبس فَرْوَة مَقْلُوبَة، فَإِذا قيل لَهُ فِي ذَلِك قَالَ: لَو علم الله أَن الصُّوف إِلَى داخلٍ أَجود عمل الصُّوف إِلَى دَاخل. قَالَ الْفَزارِيّ: رَأَيْت مَجْنُونا يسوى رَأس سَكرَان، وَيَقُول لَهُ: يؤيؤ، وَالله لَا أفلحت أبدا. قيل لمَجْنُون: أَيْن المولد؟ . قَالَ: المولد الْبَصْرَة، والمنشأدير هزقل. شدّ مجنونٌ على رجل بِالْبَصْرَةِ، فَأَخذه الرجل فَضَربهُ. فَقَالَ النَّاس: إِنَّه مَجْنُون، وَجعل الْمَجْنُون من تَحْتَهُ: وَيحكم أفهموه.

قيل لمَجْنُون: أَيَسُرُّك أَن تصلب فِي صَلَاح هَذِه الْأمة؟ . قَالَ: لَا، وَلَكِن يسرني أَن تصلب الْأمة فِي صلاحي. قَالَ دَاوُد الْمُصَاب لصديق لَهُ: رَأَيْت البارحة رُؤْيا نصفهَا حق، وَنِصْفهَا بَاطِل، رَأَيْت كَأَنِّي قد حملت على عَاتِقي بدرة، فَمن ثقلهَا خريت فانتبهت فَرَأَيْت الخرا، وَلم أر البدرة. سمع مجنونٌ رجلا يَقُول: اللَّهُمَّ لَا تأخذنا على غَفلَة. فَقَالَ: إِذا لَا يأخذك أبدا. قَالَ بَعضهم: كَانَ بِالشَّام مجنونٌ يستطرف حَدِيثه، قَالَ: رَأَيْته يَوْمًا وَقد رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء وَهُوَ يَقُول: النَّاس كَذَا يعْملُونَ، وهذيانٌ كثير. قيل لَهُ: مَا تَقول؟ وَيحك. قَالَ: أعاتب رَبِّي. قيل: فَكَذَا يُخَاطب الله. قَالَ: قلت لَهُ: بدل مَا خلقت مائَة وجوعتهم لَو كنت تخلق عشرَة وتشبعهم لَكَانَ خيرا. جَاءَ مجنونٌ إِلَى يزِيد بن هَارُون، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا خَالِد؛ أَلَيْسَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَوْلَا أَن الْكلاب أمةٌ من الْأُمَم لأمرت بقتلها، وَلَكِن اقْتُلُوا مِنْهَا كل أسود بهيم ". قَالَ يزِيد: نعم. فَقَالَ الْمَجْنُون: أَلَيْسَ قد قَالَ الله تَعَالَى: " وَإِن من أمةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نذيرٌ ". فَمن نَذِير الْكلاب؟ قَالَ: فتحير يزِيد فِي جَوَابه. فَقَالَ لَهُ الْمَجْنُون: تحب يَا أَبَا خَالِد أَن أعرفك نَذِير الْكلاب؟ قَالَ: نعم، فَأخذ حجرا فَرمى بِهِ كَلْبا بِالْقربِ مِنْهُ؛ فَعدا الْكَلْب يعوي وينبح؛ فَقَالَ: يَا أَبَا خَالِد؛ الْحجر نَذِير الْكلاب. سَأَلَ بعض الْوُلَاة عَن أبي نصر الْهَرَوِيّ ليعبر لَهُ رُؤْيا رَآهَا، فَقيل لَهُ: هُوَ بمرو يأوي الصَّحرَاء؛ فَبعث إِلَيْهِ، فَأتي بِهِ؛ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت كَأَن فِي كمي عصافير؛ فَجعلت تفلت وَاحِدَة وَاحِدَة، وَتَطير؛ فَلَمَّا كَانَ آخر عصفورةٍ كَادَت تفلت، فحبستها. قَالَ الْمَجْنُون: أكلت عدسية، فَبت تضرط ليلتك؛ فَلَمَّا كَانَ آخرهَا أردْت أَن تسلح فحبسته. فَقَالَ الْوَالِي: اسْكُتْ قبحك الله. قَالَ: هُوَ وَالله مَا قلت. فَلَمَّا خرج قَالَ الرجل: وَالله مَا أَخطَأ شَيْئا.

رثي بهْلُول مغموماً يبكي؛ فَقيل: مَا يبكيك؟ . قَالَ: كَيفَ لَا أبْكِي؟ وَقد جَاءَ الشتَاء وَلَيْسَ لي جُبَّة. فَقيل: لَا تبك؛ فَإِن الله لَا يدعك بِلَا جُبَّة. قَالَ: بلَى وَالله. عَام أولٍ تركني بِلَا جُبَّة وَلَا سَرَاوِيل، وأخاف أَن يدعني الْعَام بِلَا جُبَّة وَلَا سَرَاوِيل وَلَا قلنسوة. قَالَ بَعضهم: مَرَرْت يَوْمًا ببهلول، وَهُوَ يَأْكُل فرنية حوارِي مَعَ دجَاجَة، فَقلت لَهُ: يَا بهْلُول؛ أَطْعمنِي مِمَّا تَأْكُل، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا لي - وحياتك - هَذَا دَفعته إِلَيّ أم جعفرٍ آكله لَهَا. نظر رجلٌ إِلَى جماعةٍ من المجان حول مَجْنُون، فَقَالَ لَهُ: ادخل إِلَى بعض الْمَوَاضِع حَتَّى يتفرقوا عَنْك. قَالَ: إِذا جَاعُوا انصرفوا. قيل لبهلول: تَأْخُذ درهما وتشتم فَاطِمَة؟ . قَالَ: لَا، وَلَكِن هاتوا نصف درهمٍ حَتَّى أشتم عَائِشَة، وَأَزِيدكُمْ أَبَاهَا. كَانَ الجهجاه مَجْنُونا، وَكَانَ يَدعِي الْخلَافَة، فَأدْخل على الرشيد، وَعِنْده أَبُو يُوسُف القَاضِي، فَقَالَ: جَعْفَر بن يحيى كالهازئ بِهِ: هَذَا أَمِير الضراطين. يزْعم أَنه أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: لَو كنت كَذَلِك أوسع إمرةً من صَاحبك؛ لِأَن الضراط عامٌ، وَالْإِيمَان خاصٌ. قَالَ لَهُ الرشيد: لأضربنك بالسياط حَتَّى تقر بالزندقة. قَالَ: فَإِذا أَقرَرت ترى قَتْلِي؟ . قَالَ: نعم، قَالَ: فَالْتَفت إِلَى أبي يُوسُف، وَقَالَ: يَا يَعْقُوب؛ لَيْسَ لصاحبنا فقهٌ. قيل لبهلول: أيكفي اثْنَيْنِ رأسٌ وَاحِد؟ . قَالَ: إِذا كَانَ أَحدهمَا نَائِما. وَحضر مَجْلِسا فِيهِ قوم يتذاكرون الحَدِيث، فرووا عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: لَو أدْركْت لَيْلَة الْقدر مَا سَأَلت رَبِّي إِلَّا الْعَفو الْعَافِيَة. فَقَالَ بهْلُول: وَالظفر بعليٍّ يَوْم الْجمل. وَحكى أَن صَاحب المارستان أَتَاهُ بقدح فِيهِ دَوَاء، وَقَالَ لَهُ: اشرب يَا بن الزَّانِيَة؛ فَقَالَ: هَات حَتَّى أشربه وَالله أعلم أَنَّك أَحَق بِهِ مني. وَلما حمل إِلَى المارستان سَأَلَ النَّاس أَن يأذنوا لَهُ فِي أَن يلم ببيته، ويوصي أَهله بشيءٍ، فمنعوه، فَقَرَأَ: " فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصيةً وَلَا إِلَى أهلهم يرجعُونَ ".

وَقيل لَهُ: مَا تشْتَهي من الْفَاكِهَة الرّطبَة؟ . قَالَ: لحمٌ. قيل: فَمن الْيَابِسَة؟ قَالَ: قديدٌ، قيل: فَمن الشَّرَاب؟ . قَالَ: مرقة. قيل: فَمن السماع؟ . قَالَ: نشيش المقالي. قَالَ قوم لمَجْنُون بِالْبَصْرَةِ أديب: عظنا، وهم يهزءون بِهِ؛ فَقَالَ: هَذِه قصورهم، وَهَذِه قُبُورهم. فأبكاهم. قَالَ أَبُو العيناء: حضرت أَبَا دينارٍ وَأَبا لُقْمَان الممرورين يتناظران عِنْد ابْن أبي دواد؛ فَقَالَ أَبُو لُقْمَان لأبي دِينَار: من أفضل النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ ، قَالَ ابْن دواد: أَبُو بكر الصّديق. فَقَالَ أَبُو لُقْمَان: أم الْكَاذِب زَانِيَة. قَالَ ابْن أبي دواد: هَذَا كَلَام قد انْتهى إِلَى آخِره. كَانَ بهلولٌ يجمع مَا يُوهب عِنْد مولاة لَهُ من كِنْدَة، وَكَانَت لَهُ كالأم، وَرُبمَا أُخْفِي عَنْهَا شَيْئا وَدَفنه، فجَاء يَوْمًا بِعشْرَة دَرَاهِم كَانَت مَعَه إِلَى خربة فدفنها فِيهَا، ولمحه رجلٌ، فَلَمَّا خرج بهلولٌ ذهب الرجل فَأخذ الدَّرَاهِم، وَعَاد بهْلُول فَلم يجدهَا. وَقد كَانَ رأى الرجل يَوْم دَفنهَا فَعلم أَنه صَاحبه، فجَاء إِلَيْهِ فَقَالَ: اعْلَم يَا أخي أَن لي دَرَاهِم مدفونة فِي مَوَاضِع كثيرةٍ مُتَفَرِّقَة، وَأُرِيد أَن أجمعها فِي موضعٍ دفنت فِيهِ هَذِه الْأَيَّام عشرَة دَرَاهِم؛ فَإِنَّهُ أحرز من كل مَوضِع، فَاحْسبْ بِاللَّه كم تبلغ جُمْلَتهَا. قَالَ: هَات. قَالَ: خُذ عشْرين درهما فِي مَوضِع كَذَا، وَخمسين فِي مَوضِع كَذَا، حَتَّى طرح عَلَيْهِ مِقْدَار ثلثمِائة دِرْهَم. ثمَّ قَامَ بَين يَدَيْهِ وَمر؛ فَقَالَ الرجل فِي نَفسه: الصَّوَاب أَن أرد الْعشْرَة إِلَى موضعهَا، حَتَّى يجمع إِلَيْهَا هَذِه الْجُمْلَة ثمَّ آخذها، فَردهَا. وَجَاء بهْلُول فَدخل الخربة، وَأخذ الْعشْرَة، وخرى مَكَانهَا، وغطاه بِالتُّرَابِ وَمر، وَكَانَ الرجل مترصداً لبهلول وَقت دُخُوله وَخُرُوجه؛ فَلَمَّا خرج مر بالعجلة، فكشف عَن الْموضع، وتلوثت يَده بالخرا، وَلم يجد شَيْئا، وفطن لحيلة بهْلُول عَلَيْهِ. ثمَّ إِن بهلولاً عَاد إِلَيْهِ بعد يَوْمَيْنِ فَقَالَ: احسب يَا سَيِّدي؛ عشْرين درهما، وَخَمْسَة عشر درهما، وَعشرَة دَرَاهِم، وشم يدك. فَوَثَبَ الرجل ليضربه، وَعدا بهْلُول. وَولى بعض بني هَاشم الْكُوفَة، فَلَمَّا صعد الْمِنْبَر قَالَ: الْحَمد لله، وَارْتجَّ عَلَيْهِ، فَجعل يُكَرر ذَلِك؛ فَقَالَ بهْلُول: الَّذِي ابتلانا بك.

وَجَاز بهْلُول بسوق البزازين، فَرَأى قوما مستجمعين على بَاب دكان ينظرُونَ إِلَى نقبٍ قد نقب على بَعضهم، فَاطلع فِي النقب، ثمَّ قَالَ: وكلكم لَا تعلمُونَ ذَا من عمل من؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَإِنِّي أعلم. فَقَالَ النَّاس: هَذَا مجنونٌ يراهم بِاللَّيْلِ وَلَا يتحاشونه، فأنعموا لَهُ القَوْل لَعَلَّه يخبر بذلك. فَسَأَلُوهُ أَن يُخْبِرهُمْ. فَقَالَ: إِنِّي جَائِع، فهاتوا أَرْبَعَة أَرْطَال رقاقٍ ورأسين، فأحضروا ذَلِك وَأكل، فَلَمَّا استوفى قَالَ: هوذا أشتهي شَيْئا حلواً، فأحضروا لَهُ رطلين فالوذج فَأَكله، وَفرغ مِنْهُ وَقَامَ وَتَأمل النقب، ثمَّ قَالَ: كأنكم السَّاعَة لَسْتُم تعلمُونَ هَذَا من عمل من؟ . قَالُوا: لَا. قَالَ: هَذَا من عمل اللُّصُوص لَا شكّ. وَعدا. ولع الصّبيان بعيناوة، وصاحوا عَلَيْهِ، ورموه، فهرب مِنْهُم فاستقبلته امرأةٌ مَعهَا صبيٌ صَغِير، فَدَنَا مِنْهَا وَلَطم الطِّفْل لطمةً كَادَت تَأتي عَلَيْهِ، فَقَالَت الْمَرْأَة: قطعت يدك إيش أذْنب هَذَا إِلَيْك. قَالَ: يَا قحبة؛ هَذَا يكون غَدا شرا من هَؤُلَاءِ الكشاخنة. ركب الْهَادِي يَوْمًا، فَنظر إِلَى مَجْنُون يلقب بكسرة؛ ويرمى من يَقُول هَذَا اللقب، وَيعْمل الْعَجَائِب؛ فَأمر بِحمْلِهِ إِلَى الدَّار، فَقَالَ لَهُ: لم تَشْتُم النَّاس إِذا قَالُوا لَك: كسرة؟ . قَالَ: وَلم تضرب الْأَعْنَاق إِذا قيل لَك: مُوسَى اطبق؟ . قَالَ: أَنا لَا أغضب من هَذَا. قَالَ: فصح أَنْت بِي ثَلَاث مراتٍ، وأصيح مرَّتَيْنِ فَنَنْظُر من يحرد. قَالَ: قد رضيت. فَقَالَ الْهَادِي: يَا كسرة؛ يَا كسرة. ثَلَاث مَرَّات، وطولها، فَلم يلْتَفت الْمَجْنُون، وَلم يَتَحَرَّك وَلم يحرد، ثمَّ صَاح: يَا مُوسَى اطبق. فَلم يَتَحَرَّك الْهَادِي، فَقَالَ الْمَجْنُون: مَا يتغافل إِلَّا من أمه قحبة. فحرد الْهَادِي، ودعا بالنطع وَالسيف، فَقَالَ الْمَجْنُون: كَيفَ رَأَيْت؟ كَانَ الْمَجْنُون وَاحِدًا، صرنا اثْنَيْنِ. وَأَنا أَيْضا هَكَذَا؛ لَو قَالُوا: يَا كسرة؛ يَا رغيف. ألف سنة مَا باليت، وَلَكِن كَذَا يَقُولُونَ لي إِذا تغافلت. فَضَحِك الْهَادِي وَأمر لَهُ بجائزة. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت مجنونين قد رفعا إِلَى بعض أَصْحَاب الشَّرْط، وَقد تواثبا وتخاصما؛ فَقَالَ لأَحَدهمَا: لم فعلت هَذَا؟ . قَالَ: لِأَنَّهُ وثب عَليّ وشجني؛

فَقَالَ: لم بَدأته بالرفس، ومددت خصيته، قَالَ: يَا ولد النَّجس من بَين الْأُمَرَاء؛ بِهَذَا اللبَاس الَّذِي عَلَيْهِ لَا تكفيه فَرد خصية؟ . ونظروا إِلَى ماني الموسوس يَأْكُل تَمرا، ويبتلع نَوَاه، فَقيل: لم لَا ترمي بالنوى؟ . قَالَ: هَكَذَا وزنوه عَليّ. قيل لبهلول: يَقع فِي الطفشيل قتٌ؟ . قَالَ: نعم إِذا كَانَ للبقل. وَكتب مَجْنُون إِلَى آخر: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. وأمتع بك؛ كتبت إِلَيْك ودجلة تطفح، وسفن الْموصل تنحدر، وَمَا يزْدَاد الصّبيان إِلَّا لعنة، وَالْحجر إِلَّا قلَّة؛ فَلَا تنم إِلَّا وَعند رَأسك حجران، وَكن كَمَا قَالَ الأول: " وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قوةٍ ". وَإِيَّاك وَالْمَوْت فَإِنَّهُ طَعَام سوءٍ. وكتبت لأَرْبَع عشر يَوْمًا بقيت إِلَى عَاشُورَاء الأول سنة افتصد عجيف. كَانَ بِمَكَّة رجلٌ يرْمى بِأَنَّهُ لقيطٌ، وَلَا يعرف لَهُ أَب، وَكَانَ مُوسِرًا، وَكَانَ بهَا مجنونٌ يَقْصِدهُ كثيرا فيبره وَيحسن إِلَيْهِ، فجَاء الْمَجْنُون يَوْمًا، فَرَآهُ قَاعِدا مَحْزُونا منقبضاً؛ فَقَالَ: جعلت فدَاك مَا لَك كَذَا؟ . قَالَ: لَا شَيْء. قَالَ الْمَجْنُون: بلَى، قد عرفت، ترى لَيْسَ بِمَكَّة ولد زنى غَيْرك. هم أَكثر ذَاك فَلَا تغتم. قيل لمَجْنُون: لم صَار الدِّينَار خيرا من الدِّرْهَم، وَالدِّرْهَم خيرا من الْفلس؟ . قَالَ: لِأَن الْفلس ثَلَاثَة أحرف، وَالدِّرْهَم أَرْبَعَة أحرف، وَالدِّينَار خَمْسَة أحرف.

ولى الْعَلَاء بن عَمْرو بِلَاد سَارِيَة، وَكَانَ جائراً فَأصَاب النَّاس الْقَحْط، وَأَمْسَكت السَّمَاء قطرها؛ فَخَرجُوا يستسقون، وَصعد الْعَلَاء الْمِنْبَر؛ فَقَالَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْبلَاء والغلاء. فَوَثَبَ معتوهٌ كَانَ بهَا فَقَالَ: والْعَلَاء؛ فَإِنَّهُ شرٌّ من الغلاء، وَأَغْلظ من الْبلَاء. فَضَحِك النَّاس، وخجل الْعَلَاء وَانْصَرف. وَدخل دَاوُد الْمُصَاب بستاناً، فتعلقت بشوبه شوكةٌ، فَالْتَفت وَقَالَ: وَالله لَوْلَا أَنَّك بهيمةٌ لكسرت أَنْفك. قَالَ بَعضهم: مَرَرْت بعليان الْمَجْنُون، وَهُوَ جالسٌ فِي محلّة بني ضبة، فَقلت لَهُ: يَا أَبَا الْحسن؛ من أفضل عنْدك؟ أَبُو بكرٍ أم عَليّ؟ فَقَالَ: أما فِي بني ضبة فَأَبُو بكر. حج مُوسَى بن عِيسَى ببهلول مَعَه، فَأقبل مُوسَى يَدْعُو عِنْد الْبَيْت ويتضرع، وبهلول يَقُول: لَا لبيْك وَلَا سعديك. فَقَالَ لَهُ ابْنه الْعَبَّاس: وَيلك تَقول هَذَا القَوْل للأمير فِي مثل هَذَا الْموقف. قَالَ: أَقُول لَهُ مَا أعلم أَن الله يَقُول لَهُ. قيل لبهلول: عدلنا مجانين الْبَصْرَة. قَالَ: هَذَا يكثر وَيبعد جدا، وَلَكِن إِن أردتم عددت لكم عقلاءهم. سَأَلَ بَعضهم أَبَا لُقْمَان الممرور عَن الْجُزْء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ مَا هُوَ؟ ، فَقَالَ: الْجُزْء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ هُوَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ. فَقَالَ لَهُ: وَلَيْسَ فِي الأَرْض لَا يتَجَزَّأ غَيره. قَالَ: بلَى، حَمْزَة جزءٌ لَا يتَجَزَّأ، وجعفرٌ جزءٌ لَا يتَجَزَّأ. قَالَ: فَمَا تَقول فِي أبي بكر وَعمر؟ . قَالَ: أَبُو بكر يتَجَزَّأ، وَعمر يتَجَزَّأ، وَعُثْمَان يتَجَزَّأ مرَّتَيْنِ، وَطَلْحَة يتَجَزَّأ مرَّتَيْنِ. قَالَ: فَمَا تَقول فِي مُعَاوِيَة؟ . قَالَ: مُعَاوِيَة جُزْء لَا يتَجَزَّأ وَلَا يتَجَزَّأ. قيل لأبي زيد الْمَجْنُون: مَا الْعِشْق؟ قَالَ: نيكٌ كُله. قيل لمَجْنُون: مَا فعلت حَتَّى ضربك الصّبيان؟ قَالَ: وَإِن امْرأ يُمْسِي وَيُصْبِح سالما ... من النَّاس إِلَّا مَا جنى لسَعِيد

لما مَاتَ وَالِد بهْلُول خلف سِتّمائَة دِرْهَم، فحظر عَلَيْهِ القَاضِي، فَجَاءَهُ يَوْمًا، وَقَالَ: أَيهَا القَاضِي؛ ادْفَعْ إِلَيّ مائَة دِرْهَم، حَتَّى أقعد فِي الحلقات فَإِن أَحْسَنت أَن أتجربها دفعت إِلَيّ الْبَاقِي. فَدفع إِلَيْهِ ذَلِك، فَذهب وأتلفه وَعَاد إِلَى مجْلِس القَاضِي. وَقَالَ: إِنِّي قد أتلفت الْمِائَة، فتفضل بردهَا فقد أَسَأْت إِذْ دفعت إِلَيّ ذَلِك، وَلم يثبت عِنْدِي رشدي. فَقَالَ القَاضِي: صدقت، وَالْتزم الْمِائَة فِي مَاله. كَانَ مجنونٌ يُؤْذِيه الصّبيان، فَقَالَ لَهُ رجلٌ: تُرِيدُ أَن أطردهم عَنْك؟ . فَقَالَ: نعم، وتنطرد أَيْضا مَعَهم. قَالَ مجنونٌ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا أجل مني، لَا أحاسب فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة. قَالَ الرشيد لبهلول: من أحب النَّاس إِلَيْك؟ فَقَالَ: من أشْبع بَطْني. فَقَالَ: أَنا أشبعك، فَهَل تحبني؟ . قَالَ: الْحبّ بِالنَّسِيئَةِ لَا يكون. كَانَ مجنونٌ يخْتَلف إِلَى المآتم، وَيَدْعُو، ورسمه أَن يعْطى دِرْهَمَيْنِ، فاتفق أَن آل الزبْرِقَان لم يمت مِنْهُم أحدٌ سِنِين كَثِيرَة، ثمَّ مَاتَ مِنْهُم وَاحِد فَحَضَرَ الْمَجْنُون، وَأعْطِي دِرْهَم وَاحِدًا. فَقَالَ: من كَثْرَة مَا تموتون حَتَّى نقصتم رسمي. وَكَانَ مجنونٌ آخر يحضر المآتم، ورسمه أَن يعْطى ثَلَاثَة أرغفة فَحَضَرَ يَوْمًا بعض الْمَوَاضِع وَأعْطِي سِتَّة أرغفة؛ فَلَمَّا أَرَادَ أَن يخرج قَالَ لأَصْحَاب التَّعْزِيَة: اذْكروا أَنه قد بقى لكم عَليّ ميتٌ آخر. قَالَ: لما ضمت الْمَدِينَة إِلَى الْحجَّاج مَعَ مَكَّة خرج إِلَيْهَا؛ فَبينا هُوَ يسير إِذْ قَالَ لأَصْحَابه: تَأَخَّرُوا حَتَّى أحدث نَفسِي؛ فتاخروا. وَمضى على حِمَاره حَتَّى انْتهى إِلَى مبقلة، فَإِذا رجلٌ جالسٌ على شَفير بئرٍ، فَوقف عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا يَقُول النَّاس فِي أَمِيرهمْ؟ . فَقَالَ: يَقُولُونَ: ظالمٌ متعدٍ ملعونٌ. قَالَ الْحجَّاج: أتعرفني؟ . قَالَ: لَا. قَالَ: أَنا الْحجَّاج. قَالَ الرجل: أتعرفني أَنْت؟ . قَالَ: لَا. قَالَ: أَنا مولى بني ثَوْر، أصرع فِي كل شهرٍ ثَلَاثَة أَيَّام، الْيَوْم أَولهَا وأشدها؛ فَضَحِك الْحجَّاج وَلم يَتَمَالَك، وَمضى، ولحقه النَّاس.

قيل لبهلول: أتأكل فِي السُّوق وَأَنت تجَالس جَعْفَر بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ؟ . قَالَ: حَدثنِي مالكٌ عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مطل الْغَنِيّ ظلمٌ لَقِيَنِي الْجُوع، وَالْخبْز فِي كمي؛ فَكرِهت أَن أمطله. ورثى فِي مَقْبرَة؛ فَقيل لَهُ: هلا خالطت النَّاس؟ . فَقَالَ: إِنِّي بَين قوم إِن حضرت لم يؤذوني، وَإِن غبت لم يغتابوني. قيل لَهُ: فَادع الله، فَإِن النَّاس فِي ضرّ وَشدَّة من الغلاء. فَقَالَ: وَمَا عَليّ من ذَلِك، وَلَو بلغت الْحبَّة دِينَارا، وَإِنَّمَا عَليّ أَن أعبد الله كَمَا أَمرنِي، وَعَلِيهِ أَن يَرْزُقنِي كَمَا وَعَدَني. قيل لبهلولٍ: وزن أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا بالأمة فرجحا. فَقَالَ: كَانَ بالميزان غبن. وَجَاء بهلولٌ فَوقف بحذاء حَفْص بن غياث القَاضِي، فَقَالَ: هوذا، أجد الْبرد فِي قدمي ورأسي. فَأمر لَهُ بقلنسوةٍ وخفين. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّانِي وقف بهْلُول بحذائه؛ فَقَالَ لَهُ: مَالك؟ . قَالَ: جزى الله القَاضِي عَن الْأَطْرَاف خيرا؛ فَأمر لَهُ بقميصٍ وسراويلٍ. جَاءَت امْرَأَة دندان الْمَجْنُون إِلَى القَاضِي؛ فَقَالَت: أصلحك الله، إِنَّه يجيعني ويضربني. قَالَ القَاضِي: مَا تَقول؟ . قَالَ دندان: أما الضَّرْب فَنعم، وَأما الْجُوع فَهِيَ طالقٌ ثَلَاثًا إِن لم تجئ معي إِلَى منزلي مَعَ أَصْحَابك أَيهَا القَاضِي، فَقَالَ لأَصْحَابه: قومُوا بِنَا لَا يَحْنَث. فَقَامَ القَاضِي، وَذهب مَعَه، فَلَمَّا دخل جَاءَ بِهِ إِلَى مزبلة فِيهَا رجيعٌ عَظِيم، فَقَالَ: أصلحك الله. هَذَا يخرج من بطن جائعٍ؟ . قَالَ: أخزاك الله، فَإنَّك أَحمَق. قَالَ: أَحمَق مني من أطَاع المجانين. كَانَ بهْلُول يَوْمًا جَالِسا وَالصبيان يؤذونه وَهُوَ يَقُول: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. يُعِيدهُ مرَارًا، فَلَمَّا طَال أذاهم لَهُ أَخذ عَصَاهُ وَقَالَ: حمي الْوَطِيس، وَطَابَتْ الْحَرْب، وَأَنا على بينةٍ من رَبِّي. ثمَّ حمل عَلَيْهِم وَهُوَ يَقُول: أَشد على الكتيبة لَا أُبَالِي ... أفيها كَانَ حتفي أم سواهَا

فتساقط الصّبيان بَعضهم على بعض، وتهاربوا، فَقَالَ: هزم الْقَوْم وولوا الدبر. أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ - رَضِي الله عَنهُ - أَلا نتبع موليا، وَلَا ندفف على جريح، ثمَّ رَجَعَ وَجلسَ وَطرح عَصَاهُ، وَقَالَ: فَأَلْقَت عصاها وَاسْتقر بهَا النَّوَى ... كَمَا قر عينا بالإياب الْمُسَافِر وقفده رجلٌ كَانَت قد أَرْضَعَتْه امرأةٌ يُقَال لَهَا مجيبة، وَكَانَت رعناء، فَقَالَ بهْلُول: كَيفَ لَا تكون أرعن، وَقد أَرْضَعتك مجيبة؟ فوَاللَّه لقد كَانَت تزق لي الفرخ فَأرى الرعونة فِي طيرانه. وقف رجلٌ عَليّ بهْلُول، فَقَالَ لَهُ: قد وقفت أَنْت هَاهُنَا، والأمير يُعْطي المجانين كل وَاحِد دِرْهَمَيْنِ، فَقَالَ بهْلُول: فاعرض عَليّ درهميك. قَالَ الْفضل بن يحيى لجعيفران الْمَجْنُون: لم لَا تصير إِلَيّ؟ فَقَالَ: لأَنْت بحرٌ وَلَا أحسن أَن أسبح، فوصله بمالٍ. قيل لبهلول: مَا تَقول فِي رجل مَاتَ وَخلف أما وَزَوْجَة وبنتاً؟ فَقَالَ: للْأُم الثكل، وللابنة الْيُتْم، وللزوجة الْحَرْب، وَمَا بَقِي فللعصبة. وَقَالَ لَهُ الرشيد: أَبُو بكر وَعمر خير من عليٍّ، فَقَالَ: واحدٌ: لَا يجوز بِإِزَاءِ اثْنَيْنِ، وَلَكِن عَليّ وَالْعَبَّاس خيرٌ من أبي بكر وَعمر. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت شَيخا قد سكر وَسقط وسط الطَّرِيق، وَهُوَ ينخر، وَمَجْنُون واقفٌ على رَأسه يَقُول: يَا مخذول، تسكر وتنخر؟ . مَا تركت للصلح موضعا.

الباب الحادي عشر نوادر البخلاء

الْبَاب الْحَادِي عشر نَوَادِر البخلاء قَالَ بَعضهم لبخيل: لم لَا تَدعُونِي يَوْمًا؟ . قَالَ: لِأَنَّك جيد المضغ، سريع البلع، إِذا أكلت لقْمَة هيأت أُخْرَى. قَالَ: فتريد مني إِذا أكلت لقْمَة أَن أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أَعُود إِلَى الثَّانِيَة؟ . دخل واحدٌ إِلَى بَعضهم وَهُوَ يَأْكُل، وَمَعَهُ آخر؛ فَقَالَ الدَّاخِل: تعال كل. قد تغديت. فَقَالَ: هَذَا أَيْضا زعم أَنه تغدى. وَدخل آخر على بَعضهم وَبَين يَدَيْهِ طبق عَلَيْهِ تين؛ فَلَمَّا أحس بالداخل غطى الطَّبَق بذيله، وَأدْخل رَأسه فِي جيبه، وَقَالَ للداخل: كن أَنْت فِي الْحُجْرَة الْأُخْرَى حَتَّى أفرغ من بخوري. أكل ابْن الْمُدبر يَوْمًا عِنْد ابْن الْفَيَّاض، فَقدمت جوذابة فِي نِهَايَة الْجَوْدَة، وأمعن ابْن الْمُدبر فِيهَا؛ فَلم يصبر ابْن الْفَيَّاض حَتَّى قَالَ لَهُ: أَلَيْسَ زعمت أَنَّك لست صَاحب جوذاب؟ . قَالَ بَعضهم: حضرت مائدة بَعضهم فَضرب رب الْبَيْت يَده إِلَى رغيف. ثمَّ قَالَ: يَقُولُونَ خبري صغَار. أَي: أَخُو قحبة. يتم من هَذَا رغيفاً؟ . وَقَالَ بعض المبخلين لرجلٍ على مائدته: اكسر ذَلِك الرَّغِيف. فَقَالَ: دَعه يبتلى بِهِ غَيْرِي. دَعَا بخيلٌ قوما، وَاتخذ لَهُم طَعَاما، فَلَمَّا جَلَسُوا يَأْكُلُون وَهُوَ قَائِم يخدمهم، وأمعنوا فِي الْأكل جعل صَاحب الْبَيْت يَتْلُو فِيمَا بَينه وَبَين نَفسه: " وجزاهم بِمَا صَبَرُوا جنَّة وَحَرِيرًا ". وَكَانَ جَعْفَر بن سُلَيْمَان بَخِيلًا على الطَّعَام، فرقعت الْمَائِدَة من بَين يَدَيْهِ وَعَلَيْهَا دجَاجَة، فَوَثَبَ عَلَيْهَا بعض بنيه وَأكل مِنْهَا، وأعيدت عَلَيْهِ من غَد؛ فَلَمَّا

رَآهَا وَقد أكل مِنْهَا شَيْء. قَالَ: من هَذَا الَّذِي تعاطى فعقر؟ قَالُوا: ابْنك فلَان. فَقطع أرزاق بنيه كلهم، فَلَمَّا طَال عَلَيْهِم قَالَ بعض بنيه: أفتهلكنا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا، فَأمر برد نصف أَرْزَاقهم. وقف واحدٌ على الحطيئة ليستقريه فَمَنعه، فَقَالَ: إِن الرمضاء قد أحرقت قدمي. قَالَ: بل عَلَيْهِمَا تبردا. قَالَ: وَمَا عنْدك غير هَذَا؟ . قَالَ: بلَى، هراوةٌ من أرزن معْجزَة. قَالَ: إِنِّي ضيف. قَالَ: للضيفان أعددتها. قَالَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي - وَكَانَ بَخِيلًا -: لَو أَطعْنَا الْمَسَاكِين فِي أَمْوَالنَا كُنَّا أَسْوَأ حَالا مِنْهُم. قَالَ الجاحظ: حَدثنِي بعض أَصْحَابنَا قَالَ: كُنَّا منطلقين إِلَى رجلٍ من كبار أهل الْعَسْكَر، وَقد كَانَ لبثنا عِنْده يطول؛ فَقَالَ لَهُ بَعْضنَا: إِن رَأَيْت أَن تجْعَل لنا أَمارَة إِذا ظَهرت خففنا، وَلم نتعبك بالقعود، فقد قَالَ أَصْحَاب مُعَاوِيَة مثل الَّذِي قُلْنَا لَك؛ فَقَالَ: أَمارَة ذَلِك إِذا قلت: إِذا شِئْتُم. وَقَالَ أَصْحَاب يزِيد مثل ذَلِك، فَقَالَ: إِذا قلت: على بركَة الله. وَقيل لعبد الْملك؛ فَقَالَ: إِذا ألقيت الخيزرانة من يَدي، فَأَي شَيْء تجْعَل لنا أصلحك الله؟ فَقَالَ: إِذا قلت: يَا غُلَام، الْفِدَاء. نظر الْكِنْدِيّ إِلَى رجل يكسر درهما صَحِيحا؛ فَقَالَ: وَيحك لَا تفرق بَين الله وَرَسُول. قَالَ جحظة: دخلت وَأَنا فِي بقايا علةٍ على كَاتب، فَقدم إِلَيْنَا مضيرة، فأمعنت فِيهَا، فَقَالَ: جعلت فدَاك، أَنْت عليل، وبدنك نحيل، وَاللَّبن يسحيل، فَقلت: والعظيم الْجَلِيل لَا تركت مِنْهَا كثير وَلَا قَلِيل، وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل. قَالَ رجلٌ من أهل الْمَدِينَة: أتيت صَاحب بر، وَكَانَ بَخِيلًا؛ فَقلت لَهُ: هَب لي فلسًا. قَالَ: لَيْسَ معي. قلت: فَهَب لي من هَذَا الْبر مَا أشْرب بِهِ مَاء. قَالَ: فَأَعْطَانِي خمس حبات؛ فَقلت لَهُ: لَا يسقيني الشَّارِب بهَا مَاء؛ فَقَالَ: احْمِلْ عَلَيْهِ كَمَا حملت عَليّ. كَانَ يعْمل لمعاوية لونٌ من المخ، لَا يُشَارِكهُ فِيهِ أحد، فَأتي بِهِ فَضرب عبد الله بن جَعْفَر بِيَدِهِ فِيهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا أردْت بِهِ أنسك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ:

مَا آنستني، ثمَّ استحيا؛ فَأرْسل إِلَيْهِ عشرَة آلَاف؛ فَقَالَ عبد الله: كم فِي هَذِه من لون مخ؟ . وَقَالَ لرجلٍ واكله: ارْفُقْ بِيَدِك؛ فَقَالَ لَهُ: وَأَنت فاغضض بَصرك. قيل لبَعْضهِم: كَيفَ سخاء فلانٍ؟ . قَالَ: عينه دولاب اللقم فِي أَيدي الأضياف. تغدى أعرابيٌّ عِنْد مُعَاوِيَة؛ فَنظر مُعَاوِيَة إِلَى شعرةٍ فِي لقمته؛ فَقَالَ: يَا أَعْرَابِي خُذ الشعرة من لقمتك؛ فَقَالَ: وَإنَّك لتراعيني حَتَّى تبصر الشعرة فِي لقمتي، وَالله لَا أكلت مَعَك أبدا. كَانَ خَالِد بن صَفْوَان بَخِيلًا، فَحدث ذارع من أهل الْبَصْرَة قَالَ: دَعَاني خالدٌ فقسمت لَهُ مَالا، وأقمت حسابه، فَلَمَّا كَانَ عِنْد الظّهْر دَعَا بالغداء فجاءوه بدجاجةٍ، وجاءوني بزيتونٍ وبصل؛ فَقَالَ: تشْتَهي أَن تَأْكُل من هَذِه الدَّجَاجَة؟ فَقلت: وَمَا عَلَيْك لَو أكلت مِنْهَا؟ . قَالَ: إِذا كنت أَنا وَأَنت فِي مَالِي سَوَاء فَمَا يَنْفَعنِي مَالِي؟ . وَقَالَ آخر: كنت عِنْد رجلٍ من جلة النَّاس، فَقدمت لَو زينجة رطبَة، فَأكل وَاحِدَة وأكلت وَاحِدَة، ثمَّ أكل أُخْرَى وأكلت أُخْرَى؛ فَالْتَفت إِلَيّ؛ فَقَالَ: إِذا أكلت كَمَا آكل فَأَيْنَ فضل الْمَالِك؟ . أكل عِنْد بخيل، وأمعنوا فِي الْأكل، وَأَرَادَ أَن يقطعهم؛ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا أكل من يُرِيد أَن يتعشى. حقن عمر بن يزِيد الْأَسدي بحقنةٍ فِيهَا دهن؛ فَلَمَّا حركه بَطْنه كره أَن يذهب الدّهن ضيَاعًا، فَدَعَا بطستٍ وَجلسَ عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: صفوا هَذَا الدّهن فَإِنَّهُ يصلح للسراج. وَأوصى بَعضهم ابْنه؛ كن مَعَ النَّاس كلاعب الشطرنج يحفظ شَيْئه. كَانَ بِالْكُوفَةِ رجلٌ من المصلحين - وَهَذَا لقب المقدمين مِنْهُم فِي اللؤم - فَبَلغهُ أَن بِالْبَصْرَةِ رجلا من المصلحين مقدما فِي شَأْنه، فَقَامَ الْكُوفِي، وَصَارَ إِلَى الْبَصْرَة ليلقى صَاحبه، فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: من أَنْت؟ . قَالَ: أَنا مصلحٌ

من أهل الْكُوفَة، وَقد بَلغنِي خبرك، فَرَحَّبَ بِهِ، وَأدْخلهُ الْبَيْت وَأَجْلسهُ، وَأخذ قِطْعَة وَمر ليَشْتَرِي لَهُ شَيْئا يَأْكُلهُ، فَلَمَّا خرج إِلَى السُّوق دنا من الْبَقَّال؛ فَقَالَ: عنْدك خبز؟ فَقَالَ: عِنْدِي خبزٌ كَأَنَّهُ السّمن؛ فَقَالَ المصلح فِي نَفسه: لم لَا أَشْتَرِي مَا نَعته بِهِ؟ فَذهب إِلَى آخر، وَقَالَ: أعندك سمن؟ فَقَالَ: عِنْدِي سمنٌ كَأَنَّهُ الزَّيْت؛ فَقَالَ فِي نَفسه: أذهب فآخذ مَا نَعته بِهِ، فَذهب إِلَى بقالٍ آخر؛ فَقَالَ: عنْدك زَيْت؟ قَالَ: عِنْدِي زَيْت كَأَنَّهُ المَاء، فَقَالَ فِي نَفسه: عِنْدِي وَالله راوية مَاء. فَرجع إِلَى الْبَيْت، وَأخذ المَاء فِي غضارة وَقدمه إِلَى الْكُوفِي وَقَالَ: كل هَذَا، فَإِنَّهُ نعت النَّعْت، فَقَالَ الْكُوفِي: أَنا أشهد أَنكُمْ أحذق بالإصلاح منا بِأَلف دَرَجَة. قَالَ مزبدٌ: أهل الْكُوفَة إِذا عتق عِنْدهم التَّنور دقوه وجعلوه فِي الفتيت. قَالَ بَعضهم: بت عِنْد رجلٍ من أهل الْكُوفَة. وَهُوَ من الموسرين المعروفين بِحسن الْحَال، وَله صبيان نيامٌ بِحَيْثُ أَرَاهُم، فرأيته فِي اللَّيْل يقوم فيقلبهم من جنب إِلَى جنب؛ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قلت لَهُ: رَأَيْتُك يَا أَبَا جَعْفَر البارحة تفعل كَيْت وَكَيْت. قَالَ: نعم، هَؤُلَاءِ الصّبيان يَأْكُلُون وينامون على الْيَسَار، فيمريهم الطَّعَام فيصبحون جياعاً، فَأَنا أقلبهم من الْيَسَار إِلَى الْيَمين؛ لِئَلَّا ينهضهم مَا أكلوه سَرِيعا. قَالَ بَعضهم: دخلت الْكُوفَة فَسمِعت امْرَأَة تَقول: يَا أَبَا جَعْفَر الدقاق، حسيبك الله - وَقد اجْتمع النَّاس عَلَيْهِمَا - فَقَالَ الدقاق: مَالك؟ قَالَت: أَعْطَيْتنِي كيلجة دَقِيق مَا جَاءَ مِنْهَا إِلَّا ثَمَانُون رغيفاً. قَالَ: يَا مسرفة، إِذا كنت تخبزين رغفاناً مثل الأرحبة فَأَي ذَنْب لي؟ . وَقَالَ بَعضهم: رَأَيْت بِالْكُوفَةِ سَائِلًا يتَصَدَّق، وَمَعَهُ منهزة، فَقلت لَهُ: مَا هَذِه؟ . قَالَ: أصيد بهَا الْكسر. قَالَ: وَإِذا هُوَ كلما رموا إِلَيْهِ بكسرةٍ من تِلْكَ الروازين طارت بهَا الرّيح، فتلقاها بالمنهزة. قَالَ آخر: رَأَيْت بِالْكُوفَةِ صَبيا وَمَعَهُ قرصة، وَهُوَ يكسر لقْمَة لقْمَة، وَيَرْمِي بهَا إِلَى شقٍّ فِي بعض الْحِيطَان يخرج مِنْهُ دخانٌ، ويأكلها. قَالَ: فَبَقيت أتعجب مِنْهُ، إِذْ وقف عَلَيْهِ أَبوهُ يسْأَله عَن خَبره؛ فَقَالَ الصَّبِي: هَؤُلَاءِ قد طبخوا

سكباجة حامضةً كَثِيرَة التوابل؛ فَأَنا أتأدم برائحتها. قَالَ: فصفعه أَبوهُ صفعةً صلبة كَاد يقطع بهَا رَأسه وَقَالَ: تُرِيدُ تعود نَفسك من الْيَوْم أَلا تَأْكُل خبْزًا إِلَّا بأدم. انْتقل قصابٌ من بَغْدَاد إِلَى الْكُوفَة، وَفتح بهَا دكاناً، وَذبح شَاة سَمِينَة، وَقعد من غدْوَة إِلَى الْعَصْر لم يبع شَيْئا، وَلم يقف عَلَيْهِ أحدٌ؛ فَلَمَّا كَانَ الْعَصْر إِذا هُوَ بعجوزٍ مَعهَا زبيل نخالة؛ فَقَالَت لَهُ: يَا ابْني، أَعْطِنِي بِهَذِهِ النخالة لَحْمًا، وقطعه بحياتك تقطيعاً حسنا. قَالَ: فحرد الْبَغْدَادِيّ، وَقَالَ: لعن الله بَلَدا يُبَاع فِيهِ اللَّحْم بالنخالة. فَوَلَّتْ الْعَجُوز متعجبةً مِنْهُ وَهِي تَقول: ويلٌ لي. هَذَا بغداديٌّ صلف، لَا يَبِيع إِلَّا بالنوى. قَالَ: وَرَأَيْت صبيةٌ قد وقفت على بقال بِالْكُوفَةِ، وأخرجت إِلَيْهِ رغيف شعير، وَقَالَت لَهُ: قَالَت أُخْتِي: أبدل هَذَا الرَّغِيف بِالْكَسْرِ وأعطها بصرفه جزرا. قَالَ بَعضهم: احتجت بِالْكُوفَةِ إِلَى دَقِيق الْحوَاري، فَسَأَلت عَنهُ وَعَن مَوْضِعه. فَقَالُوا: لَا تصيبه إِلَّا عِنْد الصيادلة، يبيعونه للدماميل. وَقَالَ آخر: كنت عِنْد صديقٍ لي بِالْكُوفَةِ، فَإِذا بجاريةٍ أمه قد جَاءَت وَمَعَهَا كوزٌ فارغ؛ فَقَالَت: تَقول أمك إِن يَوْمنَا يومٌ شَدِيد الْحر. فاملأ لي هَذَا الْكوز من مزملتكم؛ فَقَالَ لَهَا: كذبت، فَإِن أُمِّي أَعقل من أَن تبْعَث كوزاً فَارغًا. اذهبي واملئي الْكوز من مَاء حبكم، حَتَّى نَصبه فِي حبنا، ثمَّ نملأه من المزملة، حَتَّى يكون شيءٌ بشيءٍ. قَالَ وَرَأَيْت وَاحِدًا بِالْكُوفَةِ قد دنا من بقالٍ وَأَعْطَاهُ مِقْدَار حَبَّة. وَقَالَ: أَعْطِنِي بِهَذَا جبنا؛ فَقَالَ لَهُ الْبَقَّال: شمه وَانْصَرف، وَيبقى عَلَيْك طسوج. نزل بكوفيٍّ ضيفٌ، فَقَالَ لجاريته: يَا جَارِيَة، أصلحي لضيفنا فالوذجاً. قَالَت: الْجَارِيَة: لَيْسَ عندنَا شَيْء. قَالَ: وَيلك فهاتي قطيفة إبريسم حَتَّى ينَام.

قَالَ الضَّيْف: يَا سَيِّدي، فَلَيْسَ بَين الفالوذج والقطيفة رغيفٌ وَقَلِيل جبنٍ؟ . وَقَالَ آخر: رَأَيْت كوفياً يُخَاصم جاراً لَهُ ويقاتله، فَقلت: مَا قصتكما؟ ؛ فَقَالَ أَحدهمَا: زارني زائرٌ، فتشهى على رُءُوسًا، فأطعمته، وَأخذت الْعِظَام؛ فرميت بهَا على بَاب دَاري أَتَجَمَّل بهَا، وَأَكَبَّتْ الْعَدو، فجَاء هَذَا، وَأَخذهَا من دَاري، وَجعلهَا على بَاب دَاره. وَكَانَ بعض المياسير مِنْهُم لَهُ والدةٌ عَجُوز: فَقيل لَهَا: كم يجْرِي عَلَيْك ابْنك؟ . قَالَت: درهما فِي كل أضحى. قيل: يَا سُبْحَانَ الله دِرْهَم فِي كل أضحى. قَالَت: نعم، وَرُبمَا أَدخل الْأَضْحَى فِي الْأَضْحَى. وَكَانَ بَعضهم يَأْكُل وَمَعَهُ على الْمَائِدَة ابْنه وَزَوجته؛ فَقَالَ: لعن الله الزحمة؛ فَقَالَ لَهُ ابْنه: يَا أبه، تعنيني؟ فَلَيْسَ هَا هُنَا غَيْرِي وَغير أُمِّي. اقل فترى أَعنِي نَفسِي؟ . خرج نفرٌ من أهل مرو فِي سفر، وصبروا على ترك السراج للارتفاق بِمَا يرجع عَلَيْهِم مِنْهُ حَتَّى أبلغ ذَلِك إِلَيْهِم، فاتفقوا على أَن يخرج كل وَاحِد مِنْهُم شَيْئا للسراج، وَامْتنع واحدٌ مِنْهُم من أَن يُعْطي شَيْئا؛ فَكَانُوا إِذا أسرجوا شدوا عَيْنَيْهِ بمنديل إِلَى وَقت النّوم وَرفع السراج. حُكيَ عَن بعض البخلاء أَنه قَالَ: إِذا رَأَيْت الْجُبْن على مائدةٍ رحمت صَاحبهَا لِكَثْرَة مَا يُؤْكَل من خبزه. ودعا آخر مِنْهُم على صَاحبه؛ فَقَالَ لَهُ: إِن كنت كَاذِبًا فعشيت السكارى بجبن، فَرَأى أَنه قد بَالغ فِي ملاعنته وَالدُّعَاء عَلَيْهِ. عمل سهل بن هَارُون كتابا مدح فِيهِ الْبُخْل، وأهداه إِلَى الْحسن ابْن سهلٍ، فَوَقع على ظَهره: قد جعلنَا ثوابك عَلَيْهِ مَا أمرت بِهِ فِيهِ. قَالَ رجلٌ لغلام: بكم تعْمل معي؟ . قَالَ: بطعامي. قَالَ لَهُ: أحسن قَلِيلا. قَالَ: فأصوم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس. قَالَ أَبُو نواس: قلت لرجلٍ من البخلاء: لم تَأْكُل وَحدك؟ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا سؤالاً، وَإِنَّمَا السُّؤَال على من أكل مَعَ الْجَمَاعَة؛ لِأَن ذَلِك تكلفٌ وَهَذَا هُوَ الأَصْل.

قيل لرجل: من يحضر مائدة فلَان؟ . قَالَ: الْمَلَائِكَة. قَالَ: لم أرد هَذَا. من يَأْكُل مَعَه؟ . قَالَ: الذبان. ومدح رجلٌ الْبُخْل؛ فَقَالَ: كَفاك من كرم الْمَلَائِكَة أَنه لم يبلهم بِالنَّفَقَةِ، وَقَول الْعِيَال: هَات، هَات. قَالَ دينارٌ الْحجام: حجمت أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور فِي خِلَافَته؛ فَأَعْطَانِي أَرْبَعَة دوانق فضَّة، وَأخذت شعر سعيد بن أبي عرُوبَة؛ فَأمر لي بقوصرة فارغة. قَالَ بعض البخلاء: فرحة السكر قلَّة الاحتشام، وفرحة الْخمار قلَّة الْإِنْفَاق. وَقَالَ آخر: من كثرت نَفَقَته كثر ندمه، وَمن كثر ندمه قلت دعواته. قيل على مائدة بعض البخلاء: مَا أحسن الْأَيْدِي على الْمَائِدَة؛ فَقَالَ صَاحب الْمَائِدَة: مقطعَة. قَالَ الْكِنْدِيّ: من ذل الْبَذْل أَنَّك تَقول: نعم. مطأطئاً رَأسك، وَمن عز الْمَنْع أَنَّك تَقول: لَا. رَافعا رَأسك. اشْترى كوفيٌّ مزادة ماءٍ برغيف؛ فَقَالَ لصَاحبه: كَيفَ ترى استرخاصي هَذِه المزادة؟ . قَالَ: فِيهَا غلاء غُصَّة. استسلف بعض الصيارفة من بقال كَانَ على بَابه دِرْهَمَيْنِ وقيراطا؛ فقضاه بعد سِتَّة أشهرٍ دِرْهَمَيْنِ وَثَلَاث حبات. فَقَالَ الْبَقَّال: سُبْحَانَ الله أَلا تستحيي؟ أَنْت رب مائَة ألف دِرْهَم، رأنا بقالٌ لَا أملك مائَة فلس، تنقضني بعد هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة؛ فَقَالَ: مَا توهمت مِنْك مَا ظهر لي من قلَّة معرفتك بِالْحِسَابِ. أسلفتني - أبقاك الله - فِي الصَّيف دِرْهَمَيْنِ وَأَرْبع شعيرات؛ فقضيتك فِي الشتَاء دِرْهَمَيْنِ وَثَلَاث شعيرات شتوية نديةٍ أرزن من أَربع شعيرات يابسةٍ صيفية، وَمَا أَشك أَن مَعَك فضلا. دخل هِشَام بن عبد الْملك حَائِطا لَهُ فِيهِ أَشجَار فَاكِهَة، وَمَعَهُ أَصْحَابه، فَجعلُوا يَأْكُلُون مِنْهُ، وَيدعونَ لَهُ بِالْبركَةِ؛ فَقَالَ هِشَام: كَيفَ يُبَارك فِيهِ وَأَنْتُم تَأْكُلُونَ؟ ، ثمَّ قَالَ: يَا غُلَام. اقلع هَذَا واغرس مَكَانَهُ الزَّيْتُون.

قَالَ الْمَنْصُور للوضين بن عَطاء: مَا عِيَالك؟ . قَالَ: ثَلَاث بناتٍ وَالْمَرْأَة. قَالَ؛ فَقَالَ: أربعٌ فِي بَيْتك. قَالَ: فردد ذَلِك حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيصلني. قَالَ: ثمَّ رفع رَأسه؛ فَقَالَ أَنْت أيسر الْعَرَب، أَرْبَعَة مغازل تَدور فِي بَيْتك. أرسل مَرْوَان بن أبي حَفْصَة غُلَامه بفلس وسكرجة يَشْتَرِي لَهُ زيتاً؛ فَلَمَّا جَاءَ بالزيت استقله، وَقَالَ للغلام: خُنْتنِي يَا خَبِيث. قَالَ الْغُلَام: كَيفَ أخونك من فلس؟ . قَالَ: أخذت الْفلس لنَفسك، واستوهبت الزَّيْت. وَكَانَ مَرْوَان من أبخل الْخلق: اجتاز مرّة بامرأةٍ من الْعَرَب، فأضافته؛ فَقَالَ لَهَا: عَليّ إِن وهب لي أَمِير الْمُؤمنِينَ مائَة ألف درهمٍ أَن أهب لَك درهما، فَأعْطَاهُ سبعين ألفا، فَأَعْطَاهَا أَرْبَعَة دوانيق. وَسَقَى إنسانٌ بخيلٌ ضيفاً لَهُ نبيذاً عتيقاً على الرِّيق، فتأوه الرجل؛ فَقيل لَهُ: لم لَا تتلكم؟ فَقَالَ: إِن سكت مت، وَإِن تَكَلَّمت مَاتَ رب الْبَيْت. وَكَانَ بعض البخلاء يَأْكُل نصف اللَّيْل، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: يبرد المَاء وينقمع الذُّبَاب، وآمن فَجْأَة الدَّاخِل، وصرخة السَّائِل، وصياح الصّبيان. دخل أَبُو الْأسود الدؤَلِي السُّوق يَشْتَرِي شَيْئا، فَقَالَ الرجل: ادن أقاربك؛ فَقَالَ: إِن لم تقاربني أَنْت باعدتك أَنا. قَالَ: بكم؟ . قَالَ: طلب بِكَذَا. قَالَ: أَرَاك تحدث بخيرٍ قد فَاتَ. شكا بعض البخلاء بخله إِلَى بعض الْحُكَمَاء؛ فَقَالَ لَهُ: مَا أَنْت ببخيل؛ لِأَن الْبَخِيل هُوَ الَّذِي لَا يُعْطي من مَاله شَيْئا، وَلست أَيْضا بمتوسط الْجُود؛ لِأَن الْمُتَوَسّط هُوَ الَّذِي يُعْطي بعض مَاله، وَيمْنَع بعضه، وَلَكِنَّك فِي غَايَة الْجُود؛ لِأَنَّك تُرِيدُ أَن تُعْطِي مَالك كُله. يَعْنِي: أَنه يَدعه كُله لوَارِثه. قَالَ صعصعة: أكلت عِنْد مُعَاوِيَة لقْمَة؛ فَقَامَ بهَا خَطِيبًا. قيل لَهُ: وَكَيف ذَاك؟ . قَالَ: كنت آكل مَعَه، فَهَيَّأَ لقْمَة ليتناولها، وأغفلها، فأخذتها فَسَمعته بعد ذَلِك يَقُول فِي خطبَته: أَيهَا النَّاس، أجملوا فِي الطّلب فَرب رَافع لقمةٍ إِلَى فِيهِ تنَاولهَا غَيره.

اسْتَأْذن جحظة على صديقٍ لَهُ مبخلٍ؛ فَقَالَ غلمانه: هُوَ محمومٌ؛ فَقَالَ لَهُم: كلوا بَين يَدَيْهِ حَتَّى يعرق. وَقَالَ جحظة: أكلت مَعَ بخيلٍ مرّة؛ فَقَالَ لي: يَا هَذَا، مَا رَأَيْت أذلّ من الرَّغِيف فِي يدك. أصَاب أعرابيٌّ درهما فِي كناسَة الْكُوفَة؛ فَقَالَ: أبشر أَيهَا الدِّرْهَم، وقر قرارك فطالما خيض فِيك الغمار، وَقطعت فِيك الْأَسْفَار، وَتعرض فِيك للنار. أهل مروٍ موصوفون بالبخل، وَمن عَادَتهم إِذا ترافقوا فِي سفرٍ أَن يَشْتَرِي كل واحدٍ مِنْهُم قِطْعَة لحم، ويشدها فِي خيط، ويجمعون اللَّحْم كُله فِي قدرٍ، ويصبون عَلَيْهِ المَاء ويطبخونه، ويمسك كل واحدٍ مِنْهُم طرف الْخَيط الَّذِي قد شده فِي لَحْمه، فَإِذا نَضِجَتْ الْقدر جر كل وَاحِد خيطه، وَتفرد بِأَكْل مَا فِيهِ، وتسعدوا على المرقة. ويحكى أَن وَاحِدًا مِنْهُم لم يخرج ثمن البرر للسراج؛ فشدوا عينه لِئَلَّا يرى السراج. قَالَ: وَمن طرائف أُمُورهم أَنهم يستعملون الْخَادِم فِي سِتَّة أعمالٍ فِي وقتٍ واحدٍ: تحمل الصَّبِي، وَتَشْديد اليريند فِي صدرها، فتدور وتطحن وَفِي ظهرهَا سقاء تمخضه باختلافها وحركتها، وتدوس طَعَاما قد ألقِي تَحت رِجْلَيْهَا، وتلقى الْحِنْطَة فِي الرحا، وتطرد العصافير عَن طَعَام قد وكلت بِهِ. كَانَ بعض البخلاء، إِذا صَار فِي يَده خاطبه وناجاه، وفداه واستبطاه، وَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي. كم من أرضٍ قطعت، وكيسٍ خرقت، وَكم من خاملٍ رفعت، وَكم من رفيع أخملت لَك عِنْدِي أَلا تعرى وَلَا تضحى، ثمَّ يلقيه فِي كيسه وَيَقُول: اسكن على اسْم الله فِي مكانٍ لَا تَزُول عَنهُ، وَلَا تزعج مِنْهُ. ذكر ثُمَامَة مُحَمَّد بن الجهم، فَقَالَ: لم يطْمع أحدا فِي مَاله إِلَّا ليشغله بالطمع فِيهِ عَن غَيره، وَلَا شفع لصديقٍ، وَلَا تكلم فِي حاجةٍ إِلَّا ليلقن الْمَسْئُول حجَّة منع، وليفتح على السَّائِل بَاب حرمَان.

تنَاول رجلٌ من بَين يَدي بعض الْأُمَرَاء البخلاء بَيْضَة؛ فَقَالَ: خُذْهَا؛ فَإِنَّهَا بَيْضَة الْعقر، وحجبه بعد ذَلِك. قَالَ الْوَاقِدِيّ: خرجت أَنا وَابْن أبي الزِّنَاد إِلَى بعض الْمَوَاضِع بِالْمَدِينَةِ، ورجعنا نصف النَّهَار فِي يَوْم صائفٍ؛ فَقَالَ: مَا أحوجنا إِلَى شربة ماءٍ باردٍ فَإِذا نَحن بسعيدٍ مولى ابْن أبي الزِّنَاد؛ فَقلت لَهُ: ابْعَثْ لنا شربة مَاء؛ فَقَالَ: نعم وكرامة - اجْلِسْ - وبادر مستعجلاً، فَدخل الدَّار وَمكث طَويلا، ثمَّ خرج إِلَيْنَا؛ فَقَالَ: تعودُونَ العشية إِن شَاءَ الله. قَالَ الْعُتْبِي: لَو بذلت الْجنَّة للأصمعي بدرهمٍ لَا ستنقص شَيْئا. سَأَلَ متكففٌ الْأَصْمَعِي؛ فَقَالَ: لَا أرتضي لَك مَا يحضرني؛ فَقَالَ السَّائِل: أَنا أرْضى بِهِ؛ فَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ، بورك فِيك. أعْطى الْمَنْصُور بَعضهم شَيْئا ثمَّ نَدم؛ فَقَالَ لَهُ: لَا تنْفق هَذَا المَال واحتفظ بِهِ؛ وَجعل يُكَرر عَلَيْهِ ذَلِك؛ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن رَأَيْت فاختمه حَتَّى أَلْقَاك بِهِ يَوْم الْقِيَامَة؛ فَضَحِك وخلاه. كَانَ رجلٌ على طَعَام بعض البخلاء؛ فَأخذ عراقاً فَلم يجد عَلَيْهِ لَحْمًا، فَوَضعه ليَأْخُذ غَيره؛ فَقَالَ صَاحب الْبَيْت: العب بمسك. قَالَ بَعضهم: فلَان عينه دولاب لقم أضيافه. قَالَ بَعضهم لغلامه: هَات الطَّعَام وأغلق الْبَاب؛ فَقَالَ الْغُلَام: هَذَا خطأ. أغلق الْبَاب، ثمَّ أقدم الطَّعَام؛ فَقَالَ: أَحْسَنت أَنْت حر. قَالَ أَبُو العيناء: أكلت مَعَ بعض أُمَرَاء الْبَصْرَة؛ فَقدم إِلَيْنَا جدي سمينٌ، فَضرب الْقَوْم بِأَيْدِيهِم إِلَيْهِ؛ فَقَالَ: ارفقوا بِهِ فَإِنَّهُ بَهِيمَة. أكل أَعْرَابِي مَعَ أبي الْأسود رطبا وَأكْثر، وَمد يَده أَبُو الْأسود إِلَى رطبةٍ يَأْخُذهَا؛ فسبقه الْأَعرَابِي إِلَيْهَا وَأَخذهَا فَسَقَطت فِي التُّرَاب؛ فَأَخذهَا وَجعل يمسحها وَيَقُول: لَا أدعها للشَّيْطَان؛ فَقَالَ أَبُو الْأسود: ولجبريل وَمِيكَائِيل لَو نزلا.

قَالَ بعض الْكُوفِيّين: عَلامَة نجابة الصَّبِي فِي ثلاثٍ: عرامته، وجبنه وبخله؛ فَإِنَّهُ لَا يكون شَدِيد العرامة إِلَّا من جودة نَفسه، وَلَا يبخل إِلَّا من مَعْرفَته، وَلَا يجبن إِلَّا من عقله. كَانَ زيد بن مُحَمَّد بن زيد الدَّاعِي مبخلاً؛ فَلَمَّا أسر بعد مقتل أَبِيه بجرجان، وَحمل إِلَى بُخَارى وَحبس مُدَّة، ثمَّ أفرج عَنهُ سعى بِهِ بعض أعدائه إِلَى السُّلْطَان؛ فَقَالَ: إِن زيدا قد حدث نَفسه بِالْخرُوجِ عَلَيْك وَالدُّعَاء إِلَى نَفسه، وإثارة الْفِتْنَة؛ فَقَالَ أَبُو عبد الله الجيهاني - وَكَانَ وزيراً -: إِن زيدا مَا دَامَ يبْنى الْحمام من اللَّبن والطين ببخارى لَا يسمو بِنَفسِهِ إِلَى ذَلِك. وَكَانَ قد فعل ذَلِك مَعَ عفونة أَرض بُخَارى، وَقلة ثبات الْأَبْنِيَة بهَا. فصدقوه وأمنوا جَانِبه وَلم يتَعَرَّضُوا لَهُ. سَأَلَ رجل أَبَا الْأسود شَيْئا فَمَنعه؛ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْأسود، مَا أَصبَحت حاتمياً؛ فَقَالَ: بل أَصبَحت حاتمياً. أما سَمِعت حاتماً يَقُول: أماوي، إِمَّا مانعٌ فمبين ... وَإِمَّا عطاءٌ لَا ينهنهه الزّجر كَانَ أحيحة بن الجلاح بَخِيلًا، فَكَانَ إِذا هبت الصِّبَا طلع من أطمه؛ فَنظر إِلَى نَاحيَة هبوبها، ثمَّ يَقُول: هبي هبوبك. قد أَعدَدْت لَك ثلثمِائة وَسِتِّينَ صَاعا من عَجْوَة، أدفَع إِلَى الْوَلِيد مِنْهَا خمس تمرات فَيرد عَليّ ثَلَاثًا لصلابتها. كَانَ خَالِد بن صَفْوَان قد أجْرى لوَلَده فِي الشَّهْر ثَلَاثِينَ درهما؛ فَكَانَ يَقُول: إِن الثَّلَاثِينَ لأعبث فِي المَال من السوس فِي الصُّوف فِي الصَّيف. عذل بعض البخلاء على بخله؛ فَقَالَ: يَا قوم؛ هَب النَّاس يلوموننا على التَّقْصِير فِيمَا بَيْننَا وَبينهمْ، مَا بالهم يلوموننا على التَّقْصِير فِيمَا بَيْننَا وَبَين أَنْفُسنَا؟ . سمع أَبُو الْأسود رجلا يَقُول: من يعشي الجائع؟ . فعشاه، ثمَّ ذهب السَّائِل ليخرج، فَقَالَ: هَيْهَات. على أَن تؤذي الْمُسلمين اللَّيْلَة؛ فَوضع رجله فِي الأدهم، وَقَالَ: لَا تروع مُسلما سائراً اللَّيْلَة.

ووقف على بَابه سائلٌ وَهُوَ يَأْكُل؛ فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم. قَالَ: كلمةٌ مقولة. قَالَ: أَدخل؟ . قَالَ: وَرَاءَك أوسع. قَالَ: إِن الرمضاء قد أحرقت رجْلي. قَالَ: بل عَلَيْهَا. وأغلق دونه الْبَاب. وَكَانَ يمر بِهِ فَتى، وَأَبُو الْأسود على بَاب دَاره، فيدعوه إِلَى الْغَدَاء فيتورك على دَابَّته وَيَأْكُل وَأَبُو الْأسود على دكانٍ لَهُ صَغِير؛ فَلَمَّا كثر ذَلِك دس إِلَيْهِ إنْسَانا مَعَه دبة فِيهَا حَصى؛ فَلَمَّا تورك الْفَتى ليَأْكُل حرك الدبة فنفرت الدَّابَّة وَسقط الْفَتى، فاندقت عُنُقه. أرْسلت امرأةٌ من قوم أبي الْأسود ابْنهَا إِلَيْهِ أَنه يعيرها الْقدر، ويعلمه أَن أمه نذرت أَن تجْعَل للحي طَعَاما؛ فَقَالَ أَبُو الْأسود: سلوها؛ فَإِن كَانَت قَدرنَا دخلت فِي نذرها، وَإِلَّا فلتطلب غَيرهَا. وقف أَعْرَابِي على أبي الْأسود وَهُوَ يتغدى، فَسلم عَلَيْهِ، فَرد عَلَيْهِ، ثمَّ أقبل على الْأكل، وَلم يعرض عَلَيْهِ؛ فَقَالَ لَهُ الْأَعرَابِي: أما إِنِّي قد مَرَرْت بأهلك. قَالَ: ذَاك كَانَ طريقك. قَالَ: هم صَالِحُونَ. قَالَ: كَذَاك فَارَقْتهمْ. قَالَ: وامرأتك حُبْلَى. قَالَ: كَذَاك عهدتها. قَالَ: ولدت. قَالَ: مَا كَانَ لَهَا بُد من أَن تَلد. قَالَ: ولدت غلامين. قَالَ: كَذَاك كَانَت أمهَا. قَالَ: مَاتَ أَحدهمَا. قَالَ: مَا كَانَت تقوى على إِرْضَاع اثْنَيْنِ. قَالَ: ثمَّ مَاتَ الآخر. قَالَ: مَا كَانَ ليبقى بعد أَخِيه. قَالَ: وَمَاتَتْ الْأُم. قَالَ: حزنا على وَلَدهَا. قَالَ: مَا أطيب طَعَامك. قَالَ: ذَلِك حداني على أكله. قَالَ: أُفٍّ لَك مَا ألأمك. قَالَ: من شَاءَ سبّ صَاحبه. سَأَلَ رجلٌ يحيى بن أَكْثَم شَيْئا؛ فَقَالَ: كَيفَ أُعْطِيك وَفِي أَربع خلال: أَنا تميمي، ومولدي الْبَصْرَة، ومنشئي بمرو، وَأَنا قاضٍ. وَذكر بَعضهم أَنه أكل مَعَه، فَأتوا بثريدة عَظِيمَة؛ فَلَمَّا أمعن فِيهِ وجد فِي وَسطهَا قَصْعَة مكبوبة، والثريد فَوْقهَا. وَذكر بعض من كَانَ ينادم بعض كبراء هَذَا الْوَقْت. قَالَ: أكلت مَعَه من قَصْعَة واحدةٍ؛ فَكَانَ الَّذِي يَلِيهِ من الثَّرِيد خبز حوارِي، وَالَّذِي يليني خبز خشكار.

قَالَ أَبُو سهل الرَّازِيّ القَاضِي: دخلت على يحيى بن أَكْثَم يَوْمًا، والمائدة بَين يَدَيْهِ، والغلام وَاقِف؛ فَقَالَ لي: يَا مُحَمَّد، هَذَا غلامي، يَأْتِي عَليّ وقتٌ لَا أَدْرِي مَا اسْمه؛ وَهَذَا حدا سلم الْحَادِي بالمنصور فِي طَرِيقه إِلَى الْحَج؛ فحدا يَوْمًا بقول الشَّاعِر: أغر بَين حاجبيه نوره ... يزينه حياؤه وخيره ومسكه يشوبه كافوره. فطرب الْمَنْصُور حَتَّى ضرب بِرجلِهِ الْمحمل، ثمَّ قَالَ: يَا ربيع؛ أعْطه نصف دِرْهَم؛ فَقَالَ سلم: نصف درهمٍ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ وَالله لقد حدوت لهشامٍ فَأمر لي بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم؛ فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: مَا كَانَ لَهُ أَن يعطيك ثَلَاثِينَ ألف درهمٍ من بَيت مَال الْمُسلمين. يَا ربيع، وكل بِهِ من يسْتَخْرج مِنْهُ هَذَا المَال. قَالَ الرّبيع: فَمَا زلت أَسْفر بَينهمَا حَتَّى شَرط عَلَيْهِ أَلا يلْزمه مئونةً فِي خُرُوجه وقفوله، ويحدو لَهُ. تزوج عَمْرو بن حُرَيْث ابْنة أَسمَاء بن خَارِجَة؛ فَقَالَت لَهُ يَوْمًا: مَا أحسبك وَأبي تقرآن من كتاب الله إِلَّا حرفين. قَالَ: وَمَا هما؟ . قَالَت: كَانَ أبي يقْرَأ: " وَمَا أنفقتم من شيءٍ فَهُوَ يخلفه وَهُوَ خير الرازقين " وَأَنت تقْرَأ: " إِن المبذرين كَانُوا إخْوَان الشَّيَاطِين ". قَالَ أَبُو العيناء: دَعَاني جارٌ إِلَى وليمةٍ، وَكَانَ بَخِيلًا، فرأيته يَدُور على الْمَائِدَة ويتنفس الصعداء، وَيَقُول: " وجزاهم بِمَا صَبَرُوا جنَّة وَحَرِيرًا ". قَالَ مُحَمَّد بن أبي الْمعَافى: كَانَ أبي متنحياً عَن الْمَدِينَة، وَكَانَت إِلَى جنبه مزرعةٌ فِيهَا قثاء، وَكنت صَبيا قد ترعرعت؛ فَجَاءَنِي من جيراننا أقرانٌ لي، وَكلمت أبي ليهب لي درهما أَشْتَرِي لَهُم بِهِ قثاء، فَقَالَ لي: أتعرف حَال الدِّرْهَم؟ كَانَ فِي حجرٍ فِي جبلٍ، فَضرب بالمعاول حَتَّى استخرج، ثمَّ طحن، ثمَّ أَدخل الْقُدُور، وصب عَلَيْهِ المَاء، وَجمع بالزئبق، ثمَّ أَدخل النَّار فسبك، ثمَّ

أخرج فَضرب، وَكتب فِي أحد شقيه: لَا إِلَه إِلَّا الله. وَفِي الآخر: محمدٌ رَسُول الله. ثمَّ صير إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأمر بإدخاله بَيت مَاله، ووكل بِهِ عوج القلانس، صهب السبال، ثمَّ وهبه لجاريةٍ حسناء جميلَة. وَأَنت وَالله أقبح من قرد، أَو رزقه رجلا شجاعاً، وَأَنت وَالله أجبن من صفرر، فَهَل يَنْبَغِي لَك أَن تمس الدِّرْهَم إِلَّا بثوبٍ؟ . حكى بَعضهم أَنه أكل على مائدة بَعضهم، قَالَ: فطافت علينا هرةٌ وصاحت: فألقيت إِلَيْهَا لقْمَة من حوارِي؛ فَقَالَ صَاحب الدَّار: إِن كَانَ وَلَا بُد فَمن الخشكار. وَذكر غَيره أَنه كَانَ فِي دَعْوَة بعض التُّجَّار المياسير، فَألْقى للسنور لقْمَة خبزٍ، ثمَّ أَرَادَ أَن يثنيها؛ فَقَالَ التَّاجِر: دع، فَلَيْسَتْ الْهِرَّة لنا، إِنَّمَا هِيَ للجيران. كَانَ زِيَاد بن عبيد الله الْحَارِثِيّ على الْمَدِينَة، وَكَانَ فِيهِ جفاءٌ وبخلٌ، فأهدى إِلَيْهِ كاتبٌ لَهُ سلاسلاً فِيهَا أَطْعِمَة، قد تنوق فِيهَا، فوافقه وَقد تغدى، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ . قَالُوا: غذاءٌ بعث بِهِ الْكَاتِب، فَغَضب وَقَالَ: يبْعَث أحدهم ابْن اللخناء بالشَّيْء فِي غير وقته. يَا خَيْثَم بن مَالك - يَعْنِي: صَاحب الشَّرْط - ادْع أهل الصّفة يَأْكُلُون هَذَا. فَبعث خَيْثَم الحرس يدعونَ أهل الصّفة. فَقَالَ الرَّسُول الذب جَاءَ بالسلال: أصلح الله الْأَمِير. لَو أمرت بِهَذِهِ السلال تفتح وَينظر إِلَى مَا فِيهَا. قَالَ: اكشفوها، فَكشفت؛ فَإِذا طعامٌ حسنٌ من سمكٍ ودجاج وفراخٍ وجداء، وأخبصة وحلوى؛ فَقَالَ: ارْفَعُوا هَذِه السلال. قَالَ: وَجَاء أهل الصّفة؛ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ . قَالُوا: أهل الصّفة، أَمر الْأَمِير بإحضارهم؛ فَقَالَ: يَا خَيْثَم، اضربهم عشرَة أسواط. فَإِنَّهُ بَلغنِي أَنهم يفسون فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

الباب الثاني عشر كلام الشطار ومن يجري مجراهم ونوادرهم

الْبَاب الثَّانِي عشر كَلَام الشطار وَمن يجْرِي مجراهم، ونوادرهم حكى بَعضهم أَن شاطراً افتخر. قَالَ: فَحفِظت من كَلَامه: أَنا الموج الكدر، أَنا القفل الْعسر، هَذَا وَجْهي إِلَى الْآخِرَة، تَأمر بِشَيْء؟ لَك حَاجَة إِلَى مالكٍ خَازِن النَّار؟ . أَنا النَّار، أَنا الْعَار، أَنا الرحا إِذا دَار، أَنا مشيت مشيت سبوعين بِلَا رَأس، لَوْلَا أَنِّي عليلٌ لنخرت نخرة نصفهَا صَاعِقَة وَنِصْفهَا زَلْزَلَة. أضعك فِي جيبي، وأنساك حَتَّى تعفن السَّاعَة، أقطف رَأسك وأجعله زر قَمِيصِي، أَو أستنشقك فَلَا أعطسك إِلَّا فِي الْجِيم، أَو أشربك فَلَا أبولك إِلَّا على الصِّرَاط إِذا صَاح آدم: وامفقوداه. والك لَو كلمني الْفِيل لم يخرس، أَبُو الْبَحْر لم ييبس، أَو عضني الْأسد لم يضرس، أَو رَآنِي نمروذٌ لم يتقدس. أصدقائي أَكثر من خوص الْبَصْرَة، وخردل مصر، وعدس الشَّام، وحصى الجزيرة، وَشَوْك القاطول، وحنطة الْموصل وقصب البطائح، ونبق الأهواز، وزيتون فلسطين. والك أَنا أشْرب الرمل أُخْرَى صخرا، أبلع النَّوَى أُخْرَى نخلا. قَالَ: وَسمعت واعظأً مِنْهُم يَقُول: يَا بني، لوطوا؛ فَإِن النَّاس يلوطون، وازنوا؛ فَإِن النَّاس يزنون، وَإِيَّاكُم أَن تنا. . وَا؛ فو الله مَا يسرني أَن رجلا أَوْمَأ إِلَى استي بأيرٍ من خُرَاسَان، وَأَنه بُويِعَ لي بالخلافة. سَمِعت فَقِيها لَهُم يَقُول: سَأَلت سابلويه الباقلاني: لم لَا يجوز الن. . ك بَين الفخذين؟ فَقَالَ: لِأَنَّهُ يكره الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ. قَالَ سعيد بن حميد: رَأَيْت حارساً يشكو إِلَى آخر وَاحِدًا مِنْهُم خبب غُلَامه؛ فَأطَال الشكاية، ثمَّ تنفس الصعداء وَأَنْشَأَ يَقُول: كلما قلت قد رضى ... وتعشى وكل شي جَاءَ عَمْرو فخببه ... وَبَقينَا بِغَيْر شي

قَالَ بَعضهم: مَرَرْت بِبَاب الطاق، وحارسان يأكلان، فَمر بهما حارسٌ آخر وَخَلفه كلب؛ فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: رَأَيْت مثل هَذَا الْكَلْب؟ أجرش أبرش حسن الشية، أعزل الذَّنب. فَقَالَ الآخر: لَا وَنور الله إِن كَانَ الْكَلْب كَلْبه، وَإِنَّمَا استعاره يتجمل بِهِ. قَالَ بَعضهم: نزلت فِي معسكرٍ بِإِزَاءِ قومٍ من الْجند، وَمَعَهُمْ مغنٍّ يتَغَنَّى بالعجائب، سمعته يُغني: من لقلبٍ مَا يفِيق من ألمٍ ... هائماً يهذي بخراز الْأدم قَالَ: فطرب أحدهم وَقَالَ ويلاه سنة. وحاتك، أَلِمَنْ الشّعْر؟ سَيِّدي. قَالَ: للخنساء. قَالَ: وَمن الخنساء؟ . قَالَ: فَتى من الأنباء. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت يَوْمًا مكارياً - وَهُوَ عُرْيَان - وَعَلِيهِ سَرَاوِيل خلقٌ متمزقٌ وفية تكة تَسَاوِي دِينَارا؛ فَقلت: لَو بِعْت هَذِه التكة فَقَالَ: لَا تفعل يَا شاطر مروة الرجل تكته. قَالَ: وَرَأَيْت وَاحِدًا مِنْهُم وَقد قَامَ فِي جماعةٍ من أَصْحَابه؛ فَقَالَ: يَا فتيَان هوذا، أشْرب وأسقكيم؛ فَقَالَ لَهُ وَاحِد مِنْهُم: اشرب فديتك كلنا، واسق أَي بَعْضنَا شِئْت. قَالَ: وَرَأَيْت شاطراً وَقد وقف على قبر شاطر؛ فَقَالَ: رَحِمك الله أَبَا لاش. كنت وَالله - مَا علمت - حاد السكين، فاره الصّديق، إِن نقبت فجرذٌ، وَإِن تسلقت فسنور، وَإِن استلبت فحدة، وَإِن ضربت فأرضٌ، وَإِن شربت فحب، وَلَكِنَّك الْيَوْم وَقعت فِي زَاوِيَة سوء. قيل لبَعض الشطار: كلما شهد شَاهد قبلت شَهَادَته؟ . قَالَ: لَا حَتَّى أعلم أَنه ابتلى فَصَبر، وَأَنه لَا يخبب على الأصدقاء، وَلَا يسرق الْجِيرَان. وَقَالَ بَعضهم: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى كَانَ أرْحم بالفتيان أَن يَجْعَل النَّاس كلهم فتياناً؛ فَإِنَّهُ لَا يجوز لفتىً أَن يسرق مَتَاع فَتى، وَلَا يخبب صديق فَتى، وَلَا يطْلب أثر فَتى إِلَّا أَن يكون الْغُلَام هُوَ الَّذِي يُريدهُ، وَنحن لَا بُد لنا من مالٍ ننفقه، وصديق نتخذه، فَلَو كَانَ النَّاس كلهم فتياناً هلكنا.

ضرب حارسٌ أمه، فعوتب على ذَلِك؛ فَقَالَ: قد قلت لَهَا عشْرين مرّة، وَهَذِه الثَّالِثَة: إِذا كنت سَكرَان فَلَا تكلميني، فَإِن الشَّيْطَان نارٌ يرتعد. وَذكر بَعضهم أَنه حضر مَجْلِسا فِيهِ غُلَام وضيء الْوَجْه أديب، وَهُنَاكَ شَاب مخنجر اللِّحْيَة يتشطر، فَأخذ الْغُلَام تفاحة، فعبث بهَا سَاعَة، ثمَّ حَيا بهَا الْفَتى الشاطر، فَلم ينهنه أَن أكلهَا والغلام ينظر إِلَيْهِ؛ فَقَالَ الْغُلَام: سوءةً لَك ولوماً، أتأكل التَّحِيَّات؟ فَقَالَ: إِي وَالله، والصلوات الطَّيِّبَات. قَالَ بَعضهم: كنت فِي بَيت قمري الخبني، وداخل عَلَيْهِ صاحبٌ لَهُ، فَبَلغهُ عَن آخر من أَصْحَابه أَنه زِنَاهُ؛ فاغتاظ، وَجعل يلعنه؛ فَقُلْنَا لَهُ: زنه كَمَا زناك أَو اسْكُتْ. قَالَ: أَنا لَا أزنيه، وَلَا أكون سَفِيها، وَلَكِنِّي أَرْجُو أَن يزينه الله من فَوق سبع سموات. قَالَ: سَمِعت حارساً يَقُول: أَنا أَنِّي ... ك أم من زعم أَن النَّار فِي النّوم لَيْسَ هِيَ سُلْطَان عزلت، فَرَأَيْت فِي النّوم كَأَن النَّار أحرقت كوخي، وشرائح عَمَلي حَتَّى لَا تتْرك لي قَصَبَة؛ فَفَزِعت فَلم أصبح حسنا، حَتَّى سَمِعت دق الْبَاب فَإِذا نوفيل المصلحي قد وضع فِي يَدي المزراق، ومقود قلادة قرطاس، وَخَاتم طين بتسلم الْعَمَل، فَإِن الْملك عقيم. قَالَ بَعضهم: كَانَ لي صديقٌ يقامر، وَكنت أوبخه وألومه أبدا على ذَلِك؛ فَأَتَانِي يَوْمًا وَقَالَ: يَا أَبَا فلَان. تَقول لي: لَا تقامر. قد رهنت وَالله منديلي الَّذِي اشْتَرَيْته بِثَلَاثَة عشر درهما على عشْرين درهما، وَهَذَا يَا أَبَا فلَان ربح عَظِيم. قَالَ بَعضهم: سَمِعت بِبَاب الطاق شَيخنَا من سفلَة النَّاس يَقُول لآخر أَسْفَل مِنْهُ: وَيحك يَا مُحَمَّد، لَا تتعجب من ابْني عفويه، أَخَوَيْنِ أحدهم: مرعوشي وَالْآخر فضلي. قَالَ لَهُ: وإيش فِي هَذَا - هوذا - الْقُرْآن فِيهِ جيدٌ وَفِيه رديءٌ. قَالَ: وَيحك: كَيفَ يكون الردئ فِي الْقُرْآن؟ قَالَ: نعم: " قل هُوَ الله أحدٌ " بِأَلف دِينَار، وبجنبها " تبت " تَسَاوِي حبتين أسْتَغْفر الله.

قَالَ بَعضهم: قلت لشاطرٍ: فلانٌ لَيْسَ يعدك شَيْئا؛ فَقَالَ: وَالله لَو كنت لَيْسَ أَنا أَنا، وَأَنا ابْن من أَنا مِنْهُ لَكُنْت أَنا أَنا وَأَنا ابْن من أَنا مِنْهُ. فَكيف؟ وَأَنا أَنا وَأَنا ابْن من أَنا مِنْهُ. اخْتصم اثْنَان من الشطار إِلَى قاضٍ لَهُم، يَقُول كل وَاحِد: أَنا أفتى مِنْك؛ فَقَالَ القَاضِي لأَحَدهمَا: الخبيص أحب إِلَيْك أم الفالوذج؟ فَقَالَ: الخبيص. وَقَالَ الآخر: الفالوذج. فَحكم للَّذي فضل الفالوذج، فَسئلَ عَن الْحجَّة؛ فَقَالَ: لِأَن الخبيص يعْمل من السكر، وَالسكر من القند، والقند من الْقصب، والقصب يمصه الصّبيان فِي الكتاتيب، وَالصبيان لَيْسَ لَهُم فتوة؛ والفالوذج يعْمل من الْعَسَل، وَالْعَسَل من الشهد، والشهد من النَّحْل، والنحل يأوي الْجَبَل، والجبل يكون فِيهِ الصعاليك والصعاليك فتيَان. قَالَ الجماز: رَأَيْت شاطراً وقف على جمَاعَة وَقد جرد سكينه وَقَالَ: من كلم مِنْكُم حمدَان الْغُلَام؟ ؛ فَقَالَ أحدهم: أَنا. قَالَ: فَلَا حسنٌ وَلَا جميل. قَالَ: فاجهد جهدك؛ فَقَالَ: خذلني الله لَو كَانَ غَيْرك. قَالَ: أَنا غَيْرِي. قَالَ: وَالله لَو كَانَ غير هَذَا الْموضع. قَالَ: فَنحْن بفرغانة. فَرد صَاحبه السكين فِي قرَابه وَقَالَ: وَيحك، أَنْت طَالب شرٍّ فتيَان بَاب الشَّام كلهم سعاتر. مَالك كَذَا روش؟ أَي: جدبة. اجْتمع أَرْبَعَة نفرٍ من الشطار يُقَال لأَحَدهم: صحناة، وَلآخر حَرْمَلَة، وللثالث: غزون، وللرابع طفشيةٌ، وَمَعَهُ غُلَام أَمْرَد يُرِيد أَن يَنْقَطِع إِلَى وَاحِد مِنْهُم. وكل واحدٍ يَطْلُبهُ لنَفسِهِ؛ فَتَحَاكَمُوا إِلَى شيخ مِنْهُم؛ فَقَالَ الشَّيْخ: ليذكر كل واحدٍ مَا فعله، وَمَا يقدر عَلَيْهِ حَتَّى أخير الْغُلَام؛ فَيصير إِلَى من أحب؛ فَقَامَ صحناة؛ فَقَالَ: وَال أمك، لَو تراني، ضبعوني فِي عَيْنك، يَا بن الْعَلامَة. أَنا هامان أَنا فِرْعَوْن، أَنا عَاد، أَنا الشَّيْطَان الأقلف، أَنا الدب الأكشف، أَنا الْبَغْل الحرون، أَنا الْحَرْب الزبون، أَنا الْجمل الهائج، أَنا الكركدن المعالج، أَنا الْفِيل المغتلم، أَنا الدَّهْر المصطلم، أَنا العير الشارد، أَنا، السَّبع الْوَارِد، أَنا سرداب

التضريب، أَنا بوق الْحَرْب، أَنا طبل الشغب، محبوسٌ شَرْقي غربي، مضربٌ قَائِم نَائِم مبطوط الإليتين، معطل الدفتين. أبلغ أسنةً أُخْرَى جواشن، لَو ضرب رَبك عنقِي مَا مت بعد سنة. وَهَذَا حمدَان فروجٌ فِي حجري بالْأَمْس، حَتَّى جنى جِنَايَة رزق الطّلب، وحملان - وبيته - ضرب ألفا فَمَا عبس عَسى ينْطق أحد. فَقَالَ حَرْمَلَة: يَا بن الصفعان، أَنا حبست فِي أجمةٍ، أكلت مَا فِيهَا من السبَاع، وَجعلت الْحَشِيش نقلى، أَنا طوف الله الجائح فِي بَحر قلزم. لَو كلمني رجلٌ يعثر بسباله لعقدت شعر أَنفه إِلَى شعر استه، وأديره حَتَّى يشم فساه، يابه الْقُنْفُذ؛ لَو كلمني رجل لم الكمه لكمة فأبدد عِظَامه قلا تَجْتَمِع فِي شهر لَو كلمني رجلٌ لم أخرج أَنفه وأحرزه فِي قربةٍ، وأصفعه صفعة، فأبلع رَأسه مَعَ رطلين خرا. يابه الجرادة املأ عَيْنك مني والك وَأَنت زُرَيْق الجنى: طَعَامي الصَّبْر، وريحاني الدَّم، ونقلي أدمغة الأفاعي. أَنا أسست الشطارة، أَنا بويت العيارة. يَا بن الزارعة الفارشة الهارشة القلاشة النفاشة. من يتَكَلَّم؟ . قُولُوا. فَقَامَ غزون وَقَالَ: إيش تَقول لي يَا بن الطبزدانة؟ ، أَنا الْقدر والجذر والممزوج بالضجر، أَنا أَبُو إيوَان كسْرَى، حولت المحابس والمطابق، وَقطعت أكباد الْخَلَائق، أَنا أخرق الصفين، وأضرب العسكرين، رفيقي صياح الْكَلم، وجعفر ابْن الْكَلْب، ومُوسَى سلحة، وَعِيسَى ركبة، وكردويه الباقلاني. وفروج السماط، ودكرويه المكاري. انفوني - وَنور الله - إِلَى الشاش وفرغانة، وردوني إِلَى: طنجة، وإفرنجة، وأندلس، وإفريقية. ابْعَثُوا بِي إِلَى قَاف، وَخلف الرّوم وَإِلَى السد، وَإِلَى يَأْجُوج وَمَأْجُوج إِلَى مَوضِع لم يبلغ ذُو القرنين، وَلم يعرفهُ الْخضر، أَنا شهِدت الغول عِنْد نفَاسهَا، وحملت جَنَازَة الشَّيْطَان غير جبان، أَنا فِرْعَوْن ذُو الْأَوْتَاد. إِن لم أَقبض روحك مشيت سَبْعَة بِلَا رَأس، قطع ذَنبي فِي كل كرم، قطعت عروقي بِكُل خنجر، رضت عِظَامِي بِكُل منجل، لَو نخرت نخرةً لخرت صوامع النَّصَارَى، وتحطمت قُصُور بني إِسْرَائِيل. لَو عضني - وَنور الله - الْأسد لضرس، وَلَو كلمني إِبْلِيس لخرس، وَلَو رَآنِي العفريت لخنس.

قَالَ طفشية: أَنا قتلت ألف، وجرحت ألف، وَأَنا فِي طلب ألف، يَا بن الخادمة، يتهيأ لفرعون أخي القحبة أَن يقطب فِي وَجْهي، أَو يقوم بقربي، أَو يناظرني كلمة وَكلمَة، رَأْسِي مُدَوَّرَة ولحيتي خنجرية، وسبالي مفصلي، واستي خرساء، وَأَنا مَشْهُور فِي الْآفَاق بِضَرْب الْأَعْنَاق، لَا يجوز عَليّ المخراق؛ أَنا الرّبيع إِذا قحط النَّاس، أَنا العنى إِذا كثر الإفلاس، أَنا أشهر من الْعِيد، سل عني الْحَدِيد، وَفِي المطبق الْجَدِيد. الْبَيْضَة مني تسوي ألف، لَو حضنت خرج مِنْهَا ألف شَيْطَان، أَنا شققت شدق النمر، وصيرت على الْأسد الإكاف، يَا كلب انبح، أَنا الشّجر، أَنا الأبحر، أَنا تنور يسجر، صديق صديقي، وزورٌ من عنتر، من الجلندا، من كركر، من الْأسد، من طَاهِر الْأَعْوَر. إِبْلِيس إِذْ آنى قطر. وَلَو كلمني رجلٌ رَأسه من نُحَاس، وَرجلَيْهِ من رصاص، أصفعه صفعةً فأصير أَنفه فِي قَفاهُ، أَنا السهل الهاطل، أَنا المقت الشاطر، أَنا بلاع القناطر، إِن لم أَلعَب بك فِي الطبطاب، وأفسيك فسو الصعو فِي الرطاب باسم شيطاني مستلاب، أَنا أقسى من الْحجر، وَأهْدى من القطاة، وأزهى من الْغُرَاب، وَأحذر من العقعق، وأولع من الذُّبَاب، وألج من الخنفساء، وَأحد من النورة وأغلى من الترياق، وأعز من السم، وَأمر من العلقم، وَأشهر من الزرافة. أَنا الموج الكدر، أَنا القفل الْعسر، رَأْسِي سندان، نابي سكين جزار، يَدي مطرقة حداد: إيش تَقول؟ صادقني وسل عني، أَنا صعصعة الْحَيّ. أَنا خيرٌ لَك من غَيْرِي. هوذا وَجْهي إِلَى الْآخِرَة، لَك حاجةٌ إِلَى رَبك؟ هوذا أجد ريح الدَّم. إيش ترَوْنَ؟ من ينْطق؟ . فَسكت الْقَوْم، وبادر الْغُلَام وَأخذ بِيَدِهِ وصادقه. كَانَ بمرو رجلٌ يتفتى ويتشطر، وَلم يكن لَهُ يومٌ من أَيَّام الفتيان قطّ وَلَا فتكةٌ من فتكانهم، إِلَى أَن وَقع بَينه وَبَين رجل قصارٍ ضعيفٍ شَرّ، فَضَربهُ ضربا وجيعاً وأذله فَكَانَ يفتخر بذلك ويتطاول عِنْد الفتيان بِهِ، فتأذى جِيرَانه بِوَاحِد

قصابٍ جلد؛ فجاءوه وَقَالُوا: فلَان قد تأذينا بِهِ، فتكشف عَنَّا شَره وتذله. وتكفيناه. فَقَالَ: لَا أَدْرِي من فلَان؟ ، وَلَكِن إِذا شِئْتُم ضربت لكم الْقصار وأنزلت كل مَكْرُوه بِهِ. وَقع بَين شاطرٍ وَشبه لَهُ كلامٌ؛ فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر: لَوْلَا أَنَّك أكبر سنا مني لجرحتك، ثمَّ مضى غير بعيد، فَوَقع بَينه وَبَين آخر. فَقَالَ: وَالله لَوْلَا أَنَّك أَصْغَر مني لقاتلتك، فَقَالَ لَهُ رَفِيقه: يَا بن الزَّانِيَة، مَتى يتَّفق لَك توأمٌ تُقَاتِلهُ؟ . قَالَ بَعضهم: مَرَرْت بواحدٍ وَهُوَ يَقُول: يَا من أمه زورق تسع ألف كرٍّ بالمعدل خَرْدَل. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت شاطراً يضْرب بالقلس، وَهُوَ ينظر إِلَى الأَرْض؛ فَلَمَّا بلغ الضَّرْب مائَة قَالَ لَهُ الْوَالِي: ارْفَعْ رَأسك. فَقَالَ: يَا سَيِّدي، بَقِي رَأسهَا. قَالَ: وَمَا معنى: بَقِي رَأسهَا؟ . قَالَ الجلاد: كنت أضربه وَهُوَ يصور بِرجلِهِ فِي الأَرْض بطةً وَقد بَقِي رَأسهَا. قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي: دخلت على فتيانٍ من أهل الْمَدِينَة يشربون، وَإِذا هم متكئون على كلابٍ كردية؛ فَقَالَ بَعضهم: هاتوا وسَادَة لأبه مُحَمَّد؛ فَجَاءُوا بكلب؛ فَلَمَّا اتكأت عَلَيْهِ قَالُوا: هاتوا لَهُ أَيْضا مخدةً؛ فَجَاءُوا بجرو؛ فلكا تناولوا الأقداح جَاءَ غلامٌ وَفِي يَده قداحة يقْدَح فِي لحية من يحبس الْقدح. عزل حارس ناحيةٍ؛ فجَاء قومٌ إِلَى الْمَعْزُول يتوجعون لَهُ؛ فَقَالَ بَعضهم: لَو كَانَ غَرِيبا عذرناه، وَإِنَّمَا الْعجب أَنه أَخُوك؛ فَقَالَ: اعذروه فَإِن الْملك عقيقٌ، يُرِيد عقيم. كَانَ عُثْمَان الْخياط من كبار الفتيان والشطار؛ فَقَالَ: مَا سرقت جاراً قطّ وَلَو كَانَ عدوا، وَلَا سرقت كَرِيمًا رأنا أعرفهُ، وَلَا خُنْت من خانني. وَلَا كافأت غدراً بغدر، وَلَقَد قتلت بيَدي أَكثر من مائَة خناق ومبنج؛ لِأَنَّهُمَا لَا يقتلان وَلَا يسلبان إِلَّا عِنْد وجوب الْحُرْمَة، وَعند الاسترسال والثقة.

وَكَانَ يُسمى الْخياط لِأَنَّهُ نقب نقباً فَأخْرج كل شيءٍ كَانَ فِي الْبَيْت، حَتَّى دثار الدَّار صَاحب الدَّار وشعاره، ثمَّ خرج وسد النقب، وسواه تَسْوِيَة كَأَنَّهُ خاطه أَو رفاه، فلقب بالخياط. وَكَانَ سُلَيْمَان بن طرادٍ مِنْهُم، وَكَانَ لَا يقْعد فِي دهليزه، وَلَا يشرب من جنَاحه، بل يصير فِي قصرٍ من قُصُور الأبلة، وَلَا يطلع فِي كوةٍ، وَيَأْمُر بذلك أصدقاءه وَأَصْحَابه، وَيَقُول: إِن تعودتم النّظر إِلَى المَاء وَالْخُرُوج إِلَى المتنزهات جزعتم من الْحَبْس لم تدفعوا ضيماً، وَلم تكسبوا مَالا. وَكَانَ يَقُول: لَا يُعجبنِي الْفَتى يكون لحاظاً. وَكَانَ صَاحب إطراقٍ. وَكَانَ يَقُول: إيَّاكُمْ وفضول النّظر، يَدْعُو إِلَى فضول القَوْل وَالْعَمَل. وَمِنْهُم بابويه؛ وَكَانَ شَيخا كَبِيرا ذَا رَأْي ونجدة، وَصدق وَأَمَانَة، وهمةٍ بعيدَة، وأنفةٍ شَدِيدَة. وَكَانَ مَحْبُوسًا بعدة دِمَاء فَلَمَّا نقب حمير بن مَالك السجْن، وَقَامَ على بَاب النقب يشرب النَّاس ويحميهم؛ ليستتم الْكَرَامَة، وَجَاء رَسُوله إِلَى بابويه، فَقَالَ: أَبُو نعَامَة ينتظرك، وَلَيْسَ لَهُ هم سواك، وَمَا بردت مِسْمَار، وَلَا فَككت حَلقَة، وَأَنت قَاعد غير مكترثٍ وَلَا محتفلٍ وَقد خرج النَّاس حَتَّى الضُّعَفَاء؛ فَقَالَ بابويه: لَيْسَ مثلي يخرج فِي الغمار، وتدفع عَنهُ الرِّجَال. لم أشاور وَلم أؤامر. ثمَّ يُقَال لي الْآن: كن كالظعينة، وَالْأمة، وَالشَّيْخ الفاني. وَالله لَا أكون فِي الْجنَّة تَابعا ذليلاً. فَلم يبرح، وَخرج سَائِر النَّاس - وإجرامه وَحده كإجرام الْجَمِيع - فَلَمَّا جَاءَ الْأَمِير وَدخل السجْن فَلم ير فِيهِ غَيره قَالَ للحرس: مَا بَال هَذَا؟ . فقصوا عَلَيْهِ الْقِصَّة؛ فَضَحِك وَقَالَ لَهُ: خُذ أَي طَرِيق شِئْت؛ فَقَالَ بابويه: هَذَا عَاقِبَة الصَّبْر.

الباب الثالث عشر العي ومكاتبات الحمقي

الْبَاب الثَّالِث عشر العي ومكاتبات الحمقى كتب بعض الرؤساء إِلَى وكيلٍ لَهُ فِي ضيعةٍ: وَقد وصلت النعاج، وَهِي: تسع نعاج. وتسع نعاجٍ أربعٌ ونصفٌ نعاج. وَكتب فلَان ابْن فلَان فِي الْوَقْت المؤرخ فِيهِ. قَالَ بَعضهم: مَا من شرٍّ من دين؛ فَقيل لَهُ: وَلم ذَاك؟ . قَالَ: من جراء يتعلقون. قَالَ قَاسم التمار فِي كَلَام لَهُ: بَينهمَا كَمَا بَين السَّمَاء إِلَى قريبٍ من الأَرْض. وَقَالَ أَيْضا: لَو رَأَيْت إيوَان كسْرَى كَأَنَّمَا رفعت عَنهُ الْأَيْدِي أول من أمس. وَقَالَ الجاحظ: قَالَ لي ابْن بركَة: يَا أَبَا عُثْمَان، لَا تثقن بقحبةٍ وَلَو كَانَت أمك. قَالَ: فَلم أر تأديباً قطّ أبعد من جَمِيع الرشد من هَذَا. قَرَأت لبَعض كتاب الزَّمَان فِي كتاب سُلْطَان أنشأن: مَا سمع قرعي هَذَا. يُرِيد: مَا قرع سَمْعِي. وَبَعض كتاب الْأُمَرَاء يُوقع فِي الصكاك والمناشير: اللَّهُمَّ ألبسنا الْعَافِيَة. وَكَانَ بعض أكَابِر كتاب عضد الدولة يُوقع فِي الصكاك: الْحَمد لله فتاح المغاليق؛ فَكتب بعض البغداديين تَحت توقيعه: شربي وشربك مذ جِئْنَا على الرِّيق.

تظلم أهل قُم إِلَى عبد الله القمي وَزِير ركن الدولة من أَخِيه - وَكَانَ واليهم - وَرفعُوا إِلَيْهِ رقْعَة؛ فَوَقع فِي قصتهم: من دفع فِي أخي درهما دفعت فِيهِ دِينَارا؛ فَإِن ودى ودى، وَإِن لَا ودى خرج من دقه وَجلده حَتَّى ودى؛ وَالسَّلَام. قَالَ بَعضهم: جِئْت إِلَى كاتبٍ وَسَأَلته كتاب شفاعةٍ إِلَى بعض أصدقائه؛ فَكتب: يجب أَن تصونه وتحوطه، وَترد عَلَيْهِ خطوطه. قَالَ: فَقلت: الرجل لم يعرفنِي قطّ وَلَيْسَ مَعَه شيءٌ من خطوطي؛ فَقَالَ: إِن أردْت أَن تَأْخُذ الْكتاب فَخذه، وَإِلَّا فَإِنِّي لَا أضيع سجعي. قَالَ بَعضهم: كتب إِلَى جَامع الصيدلاني كتابا؛ فَكتب جَوَابه. وَجعل عنوانه مني إِلَى ذَاك الَّذِي كتب إِلَيّ. كتب ابْن المتَوَكل إِلَى مُحَمَّد بن عبيد الله يطْلب فهداً؛ فَكتب إِلَيْهِ: نحرت عِنْد مقَام لَا إِلَه إِلَّا الله؛ صلى الله على سَيِّدي فديته، إِن كَانَ عِنْدِي مِمَّا طلبته وزن دنقٍ فَلَا تظن يَا سَيِّدي أَنِّي أبخل عَلَيْك بِالْقَلِيلِ دون الْكثير فضلا عَن الْكثير، وَالسَّلَام. وَكتب مُعَاوِيَة بن مراون - وَكَانَ محمقاً - إِلَى الْوَلِيد بن عبد الْملك: قد بعثت إِلَيْك بقطيفةٍ حَمْرَاء حَمْرَاء حَمْرَاء؛ فَكتب فِي جَوَابه: قد وصلت، وَأَنت أَحمَق أَحمَق أَحمَق. قَالَ أَبُو العيناء: كتب بَعضهم إِلَى صديقٍ لَهُ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. وأمتع بك، حفظك الله واتقي لَك من للنار سوء الْحساب. كتبت إِلَيْك والدجلة تطفح، وسفن الْموصل هَاهُنَا، وَالْخبْز رطلين؛ فَعَلَيْك بتقوى الله، وَإِيَّاك وَالْمَوْت؛ فَإِنَّهُ طَعَام سوءٍ، وَالسَّلَام. وَكتب بعض الهاشميين إِلَى السندي بن شاهك. باسم الله وأمتع بك: إِن أَخا خادمي أَخذ رجلا من الشَّرْط بِسَبَب كلب يُقَال لَهُ مُوسَى، ومُوسَى لَيْسَ عندنَا يداعى؛ فَإِن رَأَيْت أَن تَأمر بسبيل تخليته فعلت إِن شَاءَ الله.

وَكتب بعض ولد المتَوَكل إِلَى أبي أَحْمد الْمُوفق: أَطَالَ الله بَقَاءَك يَا عمي، وأدام عزك وأبقاك: أَنا " - وَحقّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أحبك أَشد من المتَوَكل وَأَشد من وَالِدي، وَلَا أحتشمك أَيْضا. وَقد جابوا لَك مطبوخ من عكبرا، فَأحب أَن تبْعَث إِلَيّ مِنْهُ خمس دنان وَإِلَّا ثَلَاث خماسيات، وَلَا تردني فأحرد بحياتي. وَكتب بعض الهاشميين إِلَى عَليّ بن يحيى بن المنجم: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. أستوهب الله المكاره كلهَا فِيك يَا سَيِّدي برحمته، وَأحب يَا سَيِّدي أَنْت أَن تسقيني زبيب نبيذٍ وعسلٍ، فَإِنِّي عِنْدِي رجلٌ يشرب الْمَطْبُوخ إِن شَاءَ الله. وَكتب إِلَى صديقٍ لَهُ: فدتك نَفسِي. أَنا وحدي، والجواري عِنْدِي، وَأَنا وَأَبُو إِسْحَاق وَأبي الْعَبَّاس فِي الْبُسْتَان، موفقاً إِن شَاءَ الله. وَكتب إِلَى آخر يستعير مِنْهُ دَابَّة: أردْت الرّكُوب فِي حاجةٍ إِن شَاءَ الله؛ فَكتب إِلَيْهِ الرجل: فِي حفظ الله. قَالَ أَبُو العيناء: شكا بعض جيران مُحَمَّد بن عبيد الله بن الْمهْدي إِلَيْهِ أَذَى غلمانه للجيران؛ وَسَأَلَهُ أَن ينهاهم. فَكتب إِلَيْهِ مُحَمَّد قبل كل شَيْء؛ فصحبك الله، أمالي بخيرٍ حِين تَشْكُو الغلمان بِسَبَب الْجِيرَان لم هم مملوكين. وَكم ثمن دَارك؟ . لَو كَانَت مثل قصر الْخَلِيفَة حَتَّى، لم أكن أمتنع من هبتها لغلامك وَلَو خرجت عَن دُخُول بَغْدَاد. إِنِّي وَالله لَو كنت حارس الْكَلْب إِذا كنت غَائِبا عَنْهَا. وَأَعُوذ بِاللَّه لَو كلمتك عشر سِنِين؛ فَانْظُر الْآن أَنْت إِلَيّ، عَليّ الْمَشْي إِلَى بَيت الله - أَعنِي بِهِ الطَّلَاق - وَثَلَاثِينَ حجَّة أَحْرَار لوجه الله، وسبيلي حبسٌ فِي دَوَاب الله. فعلت موفقاً إِن شَاءَ الله. قَالَ: وَكتب زنقاح - وَهُوَ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن الْمهْدي - إِلَى طبيبه: وَيلك يَا بو حنا، وَأتم نعْمَته عَلَيْك. قد شربت الدَّوَاء خمسين مقْعدا، المغص والتقطيع يقتلان بَطْني، وَالرَّأْس فَلَا تسل لَهُ مصدعاً بعصابةٍ مذ بعد أمس، فَلَا تُؤخر احتباسك عني. فَسَوف أعلم أَنِّي سأموت، وَتبقى أَنْت بِلَا أَنا. فعلت موفقاً إِن شَاءَ الله.

وَكتب إِلَى صديقٍ لَهُ يطْلب مِنْهُ بخوراً. شممت مِنْك الْيَوْم - وَحقّ الله عزك الله - رَائِحَة طيبَة وَذَلِكَ وحياتك بإطراح الحشمة موفقاً، إِن شَاءَ الله. قَالَ: وَكتب آخر إِلَى أَبِيه من الْبَصْرَة: كتابي هَذَا وَلم يحدث علينا إِلَّا خير وَالْحَمْد لله، إِلَّا أَن حائطنا وَقع، فَقتل أُمِّي وأختي وجاريتنا، ونجوت أَنا والسنور وَالْحمار. فعلت إِن شَاءَ الله. قَالَ أَبُو العيناء: شكا بعض الْكتاب فِي نكبته وَكَانَ قد وزر فَقَالَ: أخذُوا مَالِي، وقلعوا أسناني إِلَّا أَن دَاري لم تَبْرَح مَكَاني. قَالَ أَبُو هفان: سَمِعت بعض الحمقى يُخَاصم امْرَأَته، وَفِي جيرتهم أَحمَق آخر، فَاطلع عَلَيْهِم؛ فَقَالَ: مَا هَذَا، اعْمَلْ مَعَ هَذِه كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: " إِمَّا إمساكٌ بإيش اسْمه، وَإِمَّا تسريحٌ بإيش يُقَال لَهُ " فَضَحكت من حسن بَيَانه. وَكتب آخرٌ إِلَى صديقٍ لَهُ يعزيه عَن دَابَّته: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. جعلني الله فدَاك، بَلغنِي منيتك بدابتك، وَلَوْلَا علةٌ نسيتهَا إِلَيْك حَتَّى أعزيك فِي نَفسِي. جَاءَ رجلٌ إِلَى الرشيد؛ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنِّي قد هجوت الرافضة. فَقَالَ: هَات. فَأَنْشد: رغيفاً وَسمنًا وَزَيْتُونًا ومظلمة ... من أَن ينالوا من الشَّيْخَيْنِ طغيانا فَقَالَ: وَيلك فسره لي. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَعَك مائَة ألف رجل من الْجند لَا تعرفه، كَيفَ أعرفهُ أَنا وحدي؟ . قَالَ أَبُو عُثْمَان: حَدثنِي مسْعدَة بن طَارق قَالَ: وَالله إِنَّا لوقوفٌ على حُدُود دَار فلَان للْقِسْمَة - وَنحن فِي خصومةٍ - إِذا أقبل سيد بني تَمِيم وموسرهم، وَالَّذِي يُصَلِّي على جنائزهم؛ فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ مُقبلا أمسكنا عَن الْكَلَام؛ فَأقبل علينا؛

فَقَالَ: حَدثُونِي عَن هَذِه الدَّار هَل ضم مِنْهَا بعضٌ إِلَى بعضٍ أحدا؟ . قَالَ مسْعدَة: فَأَنا مُنْذُ سِتِّينَ سنة أفكر فِي كَلَامه، مَا أَدْرِي مَا عَنى بِهِ. كَانَت عَلامَة أبي الْحمار لما تقلد ديوَان الْخراج فِي سنة الْفِتْنَة، الَّتِي كَانَ يوقعها فِي الصكاك: لَا إِلَه إِلَّا الله. مَا أعجب مَا نَحن فِيهِ. فَكَانَ بعض الْكتاب بعد ذَلِك يَقُول: لَا وَالله، مَا نَحن إِلَّا فِي عَلامَة أبي الْحمار. حكى عَن حَمْزَة بن نصير - مَعَ جلالته عِنْد سُلْطَانه، وموضعه من ولائه -: أَنه دخل على امْرَأَته، وَعِنْدهَا ثوب وشى؛ فَقَالَت لَهُ: كَيفَ هَذَا الثَّوْب؟ . قَالَ: بكم اشْتَرَيْته؟ . قَالَت: بِأَلف دِرْهَم. قَالَ: قد - وَالله - وضعُوا فِي استك مثل ذَا، وَأَشَارَ بكفه مَقْبُوضَة مَعَ ساعده؛ فَقَالَت: لم أزن الثّمن بعد. قَالَ: فخاصهم بعد فِي يدك. قَالَت: فأختك قد اشترت شرا مِنْهُ بِأَلفَيْنِ. قَالَ: إِن أُخْتِي تضرط من استٍ وَاسِعَة. قَالَت: وَلَكِن أمك عرض عَلَيْهَا فَلم ترده. قَالَ: لِأَن تِلْكَ فِي استها شَعْرَة. قَالَ أَحْمد بن الطّيب: هَذَا كَلَام الخرس أحسن مِنْهُ. قَالَ أَبُو هفان: رَأَيْت شَيخا بِالْكُوفَةِ قَاعِدا على بَاب دَار، وَله زِيّ وهيئة وَفِي الدَّار صُرَاخ. فَقلت: يَا شيخ، مَا هَذَا الصُّرَاخ؟ ، فَقَالَ: هَذَا رجلٌ افتصد فَبلغ المبضع شادروانه فَمَاتَ. يُرِيد: بلغ المبضع شريانه. وصف بَعضهم امْرَأَة؛ فَقَالَ: عينهَا الْأُخْرَى أكبر من عينهَا الْأُخْرَى. كتب بعض من وزر بِالريِّ آنِفا كتابا فِي معنى أَبِيه إِلَى صديق لَهُ بِبَغْدَاد - وَكَانَ قد حج أَبوهُ -: هَذَا الْكتاب يوصله فلانٌ ابْن فلَان، وَهُوَ وَالِدي، وقديم الصُّحْبَة لي، وَاجِب الْحق عَليّ، ولي بأَمْره عناية. وَدخل أَبُو طَالب صَاحب الطَّعَام على هاشمية جَارِيَة حمدونة بنت الرشيد، على أَن يَشْتَرِي طَعَاما من طعامهم فِي بعض البيادر؛ فَقَالَ لَهَا: إِنِّي قد رَأَيْت متاعك. فَقَالَ هاشمية: قل طَعَامك. قَالَ: وَقد أدخلت فِيهِ يَدي فَإِذا متاعك قد خم وَحمى. وَقد صَار مثل الجيفة. قَالَت: يَا أَبَا طَالب، أَلَيْسَ قد قلبت الشّعير، فَأَعْطِنَا مَا شِئْت، وَإِن وجدته فَاسِدا.

وَدخل أَبُو طَالب هَذَا على الْمَأْمُون؛ فَقَالَ: كَانَ أَبوك يَا با خيرا لنا مِنْك، وَأَنت يَا با لَيْسَ تعدنا، وَلَيْسَ تبْعَث إِلَيْنَا، وَنحن يَا با تجارك وَجِيرَانك. والمأمون فِي كل ذَلِك يتبسم. قَالَ الجاحظ: كتب رجلٌ إِلَى صديقٍ لَهُ: بَلغنِي أَن فِي بستانك آساً بهمنياً فَهَب أَي أمرا من أَمر الله الْعَظِيم. قَالَ: وَهُوَ الَّذِي قَالَ: كَانَ عياشٌ وثمامة حَتَّى يعظمني تَعْظِيمًا لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مثله. فَلَمَّا مَاتَ ثُمَامَة صَار لَيْسَ يعظمني تَعْظِيمًا لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مثله. وَكَانَ ابنٌ لسعيدٍ الْجَوْهَرِي يَقُول: صلى الله تبَارك وَتَعَالَى على محمدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَكَانَ بِالريِّ وراقٌ حسن الْخط، وَكَانَ إِذا كتب اسْم الله تَعَالَى أَو اسْم النَّبِي فِي الْقُرْآن أَو الشّعْر بعدهمَا مَا يَكْتُبهُ الانسان فِي سَائِر الْمَوَاضِع فَكَانَ يكْتب فِي الْقُرْآن: " إِن الله - عز وَجل - يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان ". " وَمَا محمدٌ - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَّا رسولٌ قد خلت من قبله الرُّسُل ". وَكَانَ يكْتب فِي الشّعْر: إِن تقوى رَبنَا عز وَجل خير نفلوبإذن الله تبَارك وَتَعَالَى ريثي وَعجل وَيكْتب: هجوت مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأجبت عَنهُ: وَعند الله تَعَالَى فِي ذَاك الْجَزَاء

وَقَالَ الجاحظ قلت لنفيس غلامي: بَعَثْتُك إِلَى السُّوق فِي حاجةٍ فَلم تقضها؛ فَقَالَ: يَا مولَايَ، أَنا ناقةٌ من مرضِي، وَلَيْسَ فِي ركبتي دماغ. وَقَالَ الجاحظ: قَالَ الْحجَّاج لأبي الجهير الْخُرَاسَانِي النخاس: أتبيع الدَّوَابّ المعيبة من جند السُّلْطَان؟ ؛ فَقَالَ: شريكاتنا فِي هوازها وشريكاتنا فِي مدائنها، وكما يَجِيء يكون. قَالَ الْحجَّاج: مَا تَقول؟ . قَالَ بعض من كَانَ قد اعْتَادَ الْخَطَأ وَكَلَام العلوج بِالْعَرَبِيَّةِ: يَقُول: شركاؤنا بالأهواز وبالمدائن يبعثون إِلَيْنَا هَذِه الدَّوَابّ؛ فَنحْن نبيعها على وجوهها. قَالَ ابْن أبي فنن: طلبت من عبد الله بن أَحْمد بن الخصيب بخوراً؛ فَكتب إِلَيْهِ: فدتك نَفسِي من السوء برحمته، كتابي إِلَيْك وَأَنا وحدي، والجواري عِنْدِي؛ فَأَما البخور فَإِن أَبَا الْعَبَّاس فِي الْحمام إِن شَاءَ الله. وَكتب بعض الشُّيُوخ الْفُضَلَاء إِلَى شيخ من الْعُدُول بِالريِّ نفقت بغلته: نبئت أَن الشَّيْخ قد مَاتَ بغلته، هَيْهَات هَيْهَات. وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل، وَالْحَمْد لله وَحده، وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وعَلى آله الطاهرين وَسلم تَسْلِيمًا. / الْفَصْل الرَّابِع

الجزء 4

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا إِلَى الْجنَّة بتوفيقه وتوقيفه، وَعدل بِنَا عَن النَّار بتحذيره وتخويفه، وَأرْسل رسله مبشرين برحمته الواسعة، ومنذرين بنعمته النازعة، وَخص مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله من بَينهم فِي الْآخِرَة بالحوض والشفاعة، والشرف والكرامة. وبالدرجات الْعلَا، وبسدرة الْمُنْتَهى وَفِي الدُّنْيَا بالبرهان الباهر، وَالسُّلْطَان القاهر، والمعجز الساطع، وَالسيف الْقَاطِع، والصراط الْمُسْتَقيم، والسبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم، وَجعل أمته أَكثر الْأُمَم عددا، وأوسطهم سددا، وأطولهم أمدا، وأهداهم قصدا، وأبينها رشدا، وَنسخ بملته الْملَل، وبنحلته النَّحْل، وَوصل شَرِيعَته بِالْيَوْمِ الآخر، وَجعلهَا خَاتِمَة الشَّرَائِع والأوامر. وأيده بِسَيْفِهِ المهند، وسهمه المسدد، وشباته المرهفة، وقناته المثقفة، خاصف النَّعْل، وآكل الطير، وقسيم الْجنَّة وَالنَّار، فَقتل غطارفة قُرَيْش، وجبابرة هوَازن وَثَقِيف، وطواغيت قُرَيْظَة وَالنضير، حَتَّى أذعن المعاند، وَأقر الجاحد، وذل الْبَاذِل وتطامن الشماخ، وَظهر دين الله، وَتب أَعدَاء الله، " وَقيل بعدا للْقَوْم الظَّالِمين ". اللَّهُمَّ إِنَّا نشكرك على نِعْمَتك الَّتِي نرى توفيقك لشكرها نعْمَة أُخْرَى، هِيَ بِالْحَمْد لَهَا أولى، وبالثناء عَلَيْهَا أَحْرَى، أَنْعَمت علينا بِحَسب قدرتك المطيفة بالخلق، وكلفتنا من الشُّكْر بِقدر قوتنا الضعيفة على أَدَاء الْحق، ورضيت منا بالميسور من الْحَمد، وبالعفو من الشُّكْر دون الْجهد، فَأَنت الْمَحْمُود على نِعْمَتك، والمعبود لعزتك، والمدعو وَحدك لَا شريك لَك، أحَاط علمك بالخفية، وانبسطت يدك بِالْعَطِيَّةِ، وأذل عزك الْجَبَابِرَة، وقهر ملكك الْمُلُوك الْقَاهِرَة، مَالك الْخلق. الْأَمر، ومنشئ السَّحَاب ومنزل الْقطر.

نَعُوذ بك من الخضوع والقنوع، والقلة والذلة، والمهانة والاستكانة، والطبع والطمع، وَمن الْحَسَد المضنى، وَمن الْحِرْص الْمَعْنى، وَمن الغضاضة فِي النَّفس، والخصاصة فِي الْحَال، وَمن سوء المآب وَشر المَال، وَمن كل مَا تطأطأ لَهُ الرُّءُوس وتطامن لَهُ النُّفُوس. كَمَا نَعُوذ بك من الْبَصَر والأشر، والبذخ والنخوى، وَسُوء احْتِمَال الْغنى والثروى، والاستئثار بِالْخَيرِ وَالنعْمَة، وقساوة الْقلب وَقلة الرَّحْمَة، وَمن استضعاف العائل، وانتهار السَّائِل، وَمن سوء الملكة عِنْد الاقتدار، وَمن التَّعَدِّي عِنْد الانتصاف، والاعتداء عِنْد الِانْتِصَار، وَمن الاستهانة بِذِي الْقُرْبَى الضَّعِيف، وَالْجَار المهين، والاستطالة على مَا ملكتنا رقابة من ملك الْيَمين. اللَّهُمَّ أَنْت أعلم بمصالح أحوالنا وعواقب أَعمالنَا، فسددنا لما فِيهِ خير الدُّنْيَا وَخير الاخرة، وصل على مُحَمَّد النَّبِي وعترته الطاهرة هَذَا هُوَ الْفَصْل الرَّابِع من كتاب نشر الدّرّ، وَهُوَ أحد عشر بَابا: الْبَاب الاول: كَلَام شرائف النِّسَاء الْبَاب الثَّانِي: نكت من كَلَام سَائِر نسَاء الْعَرَب وجواباتهن المستحسنة الْبَاب الثَّالِث: الْحِيَل والخدائع الْبَاب الرَّابِع: نكت من كَلَام الْحُكَمَاء الْبَاب الْخَامِس: جنس آخر من الحكم والآداب، وَهُوَ مَا جَاءَ على لفظ الْأَمر والنهى الْبَاب السَّادِس: جنس آخر من الحكم والأمثال الْبَاب السَّابِع: نكت فِي سياسة السُّلْطَان وأدب الرّعية الْبَاب الثَّامِن: نَوَادِر الجوارى وَالنِّسَاء المواجن الْبَاب التَّاسِع: نَوَادِر الْقصاص الْبَاب الْعَاشِر: نَوَادِر الْقَضَاء وَمن يتَقَدَّم إِلَيْهِم الْبَاب الْحَادِي عشر: نَوَادِر لأَصْحَاب النِّسَاء والزناة والزواني.

الباب الاول كلام للنساء الشرائف

الْبَاب الأول كَلَام للنِّسَاء الشرائف فَاطِمَة ابْنة رَسُول الله عَلَيْهَا السَّلَام خطبتها لما منعهَا أَبُو بكر فدكا قَالُوا: لما بلغ فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَام إِجْمَاع أبي بكر منعهَا فدكا لاثت خمارها على رَأسهَا، واشتملت بجلبابها، وَأَقْبَلت فِي لمة من حفدتها وَنسَاء قَومهَا، تطَأ ذيولها، مَا تخرم مشيتهَا مشْيَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ، حَتَّى دخلت على أبي بكر وَهُوَ فِي حشد من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَغَيرهم، فنيطت دونهَا ملاءة، ثمَّ أَنْت أنة أجهش لَهَا الْقَوْم بالبكاء، وَارْتجَّ الْمجْلس ثمَّ أمهلت هنيهة، حَتَّى إِذا سكن نشيج الْقَوْم، وهدأت فورتهم افتتحت كَلَامهَا بِحَمْد الله وَالثنَاء عَلَيْهِ 347 وَالصَّلَاة على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَت: " لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيص عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم ". فَإِن تعرفوه تَجِدُوهُ أبي دون آبائكم، وأخا ابْن عمي دون رجالكم، فَبلغ الرسَالَة صادعاً بالنذارة، بَالغا بالرسالة، مائلاً عَن سنَن الْمُشْركين، ضَارِبًا لشبحهم، يَدْعُو إِلَى سَبِيل ربه بالحكمة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة، آخِذا بأكظام الْمُشْركين، يهشم الْأَصْنَام ويفلق الْهَام،

حَتَّى انهزم الْجمع وولوا الدبر، حَتَّى تفرى اللَّيْل عَن صبحه، وأسفر الْحق عَن محضه، ونطق زعيم الدّين، وخرست شقاشق الشَّيْطَان، وتمت كلمة الْإِخْلَاص، " وكنتم على شفا حُفْرَة من النَّار "، ثهزة الطامع، ومذقة الشَّارِب، وقبسة العجلان، وموطئ الْأَقْدَام، تشربون الطّرق، وتقتاتون الْقد، أَذِلَّة خَاسِئِينَ، يخطفكم النَّاس من حَوْلكُمْ، حَتَّى أنقذكم الله بِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ بعد اللتيا واللتي، وَبعد أَن مني ببهم الرِّجَال وذؤبان الْعَرَب، ومردة أهل الْكتاب " كلما أوقدوا نَارا للحرب أطفأها الله ". أَو نجم قرن للشَّيْطَان، أَو فغرت فاغرة للْمُشْرِكين، قذف أَخَاهُ فِي لهواتها، فَلَا ينكفئ حَتَّى يطَأ صماخها بأخمصه، ويطفئ عَادِية لهبها بِسَيْفِهِ - ويخمد لهيبها بحده مكدوداً فِي ذَات الله. وَأَنْتُم فِي رفاهة فكهون آمنون وادعون. حَتَّى إِذا اخْتَار الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ دَار أنبيائه ظَهرت حسكة النِّفَاق، وسمل جِلْبَاب الدّين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر فِي عرصاتكم، وأطلع الشَّيْطَان رَأسه صَارِخًا بكم، فدعاكم فألقاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة ملاحظين؛ ثمَّ استنهضكم فوجدكم خفافاً وأحمشكم فألفاكم غضاباً؛ فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم غير شربكم، هَذَا والعهد قريب والكلم رحيب، وَالْجرْح لما يندمل. أبماذا زعمتم: خوف الْفِتْنَة؟ " أَلا فِي الْفِتْنَة سقطوا وَإِن جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين "، فهيهات فِيكُم، وأنى بكم، وأنى تؤفكون، وَكتاب الله بَين أظْهركُم، زواجره بَيِّنَة، وشواهده لائحة، وأوامره وَاضِحَة، أرغبة عَنهُ تُرِيدُونَ؟ أم بِغَيْرِهِ تحكمون؟ " بئس للظالمين بَدَلا " " وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين " ثمَّ لم تلبثوا إِلَّا ريث أَن تسكن نفرتها تشربون حسوا فِي ارتغاء، ونصير مِنْكُم على مثل حز المدى وَأَنْتُم الْآن تَزْعُمُونَ لَا إِرْث لنا " أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ وَمن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " إيها معشر الْمسلمَة المهاجرة؛ أأبتز إِرْث أَبِيه؟ أَبى الله فِي الْكتاب يَا بن قُحَافَة، أَن تَرث أَبَاك وَلَا أرث أَبِيه. لقد جِئْت شَيْئا فرياً، فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يَوْم حشرك، فَنعم الحكم لله، والزعيم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ، والموعد

الْقِيَامَة، وَعند السَّاعَة يخسر المبطلون " وَلكُل نبأ مُسْتَقر وسوف تعلمُونَ " ثمَّ انكفأت على قبر أَبِيهَا صلى الله عَلَيْهِ فَقَالَت: قد كَانَ بعْدك أنباء وهنبشة ... لَو كنت شَاهدهَا لم تكْثر الْخطب إِنَّا فقدناك فقد الأَرْض وابلها ... واختل أهلك فاحضرهم وَلَا تغب وَذكر أَنَّهَا لما فرغت من كَلَام أبي بكر والمهاجرين عدلت إِلَى مجْلِس الْأَنْصَار فَقَالَت: يَا معشر الفئة، وأعضاد 348 الْملَّة، وحضنة الْإِسْلَام، مَا هَذِه الفترة فِي حَقي؟ وَالسّنة فِي ظلامتي؟ أما كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أَن يحفظ فِي وَلَده؟ لسرع مَا أحدثتم! وعجلان ذَا إهانة أتقولون: مَاتَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ؟ فَخَطب جليل استوسع وهيه، واستنهر فتقه وفقد راتقه، وأظلمت الأَرْض لغيبته، واكتأبت خيرة الله لمصيبته، وخشعت الحبال، وأكدت الآمال، وأضيع الْحَرِيم، وأزيلت الْحُرْمَة عِنْد مماته صلى الله عَلَيْهِ، وَتلك نازلة علن بهَا كتاب الله فِي أفنيتكم فِي ممساكم ومصبحكم، تهتف فِي أسماعكم ولقبله مَا حلت بِأَنْبِيَاء الله وَرُسُله صلى الله عَلَيْهِم. " وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم وَمن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ فَلَنْ يضر الله شَيْئا وسيجزي الله الشَّاكِرِينَ ". إيها بني قيلة؛ أأهتضم تراث أَبِيه وَأَنْتُم بمرأى مني ومسمع؟ تلبسكم الدعْوَة، وتشملكم الْحيرَة، وَفِيكُمْ الْعدَد وَالْعدة، وَلكم الدَّار، وعندكم الجنن، وَأَنْتُم الألى نخبة الله الَّتِي انتخب لدينِهِ، وأنصار رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ، وَأهل الْإِسْلَام والخيرة الَّتِي اخْتَار الله لنا أهل الْبَيْت فنابذتم الْعَرَب، وناهضتم الْأُمَم، وكافحتم البهم، لَا نَبْرَح نأمركم فتأتمرون، حَتَّى دارت لكم بِنَا رَحا الْإِسْلَام، ودر حلب الْأَيَّام وخضعت نعرة الشّرك، وباخت نيران الْحَرْب، وهدأت دَعْوَة الْهَرج، واستوسق نظام الدّين،

قولها عند احتضارها

فَأنى حرتم بعد الْبَيَان، ونكصتم بعد الْإِقْدَام، وأسررتم بعد التِّبْيَان، لقوم نكثوا " أَيْمَانهم اتخشونهم فَالله أَحَق أَن تخشوه إِن كُنْتُم مُؤمنين ". أَلا قد أرى أَن قد أخلدتم إِلَى الْخَفْض، وركنتم إِلَى الدعة، فعجتم عَن الدّين، ومججتم الَّذِي وعيتم، ولفظتم الَّذِي سوغتم " إِن تكفرُوا أَنْتُم وَمن فِي الأَرْض جَمِيعًا فَإِن الله لَغَنِيّ حميد " أَلا وَقد قلت الَّذِي قلته عَن معرفَة مني بالخذلان الَّذِي خامر صدوركم، واستشعرته قُلُوبكُمْ. وَلَكِن قلته فيضة النَّفس، ونفثة الغيظ. وبثة الصَّدْر، ومعذرة الْحجَّة فدونكموها فاحتقبوها مُدبرَة الظّهْر، ناقبة الْخُف، بَاقِيَة الْعَار مرسومة بشنار الْأَبَد، مَوْصُولَة بِنَار الله الموقدة، الَّتِي تطلع على الأفئدة. فبعين الله مَا تَفْعَلُونَ " وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون "، وَأَنا ابْنة نَذِير لكم بَين يَدي عَذَاب شَدِيد، فاعلموا إِنَّا عاملون، وَانْتَظرُوا إِنَّا منتظرون. قَوْلهَا عِنْد احتضارها قَالُوا: لما مَرضت فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَام دخل النِّسَاء عَلَيْهَا وقلن: كَيفَ أَصبَحت من علتك يَا بنة رَسُول الله؟ قَالَت: أَصبَحت وَالله عائفة لدنياكم، قاليةً لرجالكم؛ لفظتهم بعد أَن عجمتهم وشنئتهم بعد أَن سبرتهم، فقبحاً لفلول الْحَد، وخطل الرَّأْي " ولبئس مَا قدمت لَهُم أنفسهم أَن سخط الله عَلَيْهِم وَفِي الْعَذَاب هم خَالدُونَ " لَا جرم لقد قلدتهم ربقتها، وشنت عَلَيْهِم غارتها فجدعاً وعقراً وبعداً للْقَوْم الظَّالِمين. ويحهم. أَيْن زحزحوها عَن رواسي الرسَالَة وقواعد النُّبُوَّة ومهبط الرّوح الْأمين، والطبن بِأَمْر الدُّنْيَا وَالدّين " أَلا ذَلِك هُوَ الخسران الْمُبين " مَا الَّذِي نقموا من أبي الْحسن؟ نقموا وَالله نَكِير سَيْفه، وَشدَّة وطأته، ونكال وقعته وتنمرة فِي ذَات الله، وتالله لَو تكافوا عَن زِمَام نبذه إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ لاعتقله، ولسار بهم سجحاً لَا يكلم خشاشه وَلَا يتعتع 349 رَاكِبه، ولأوردهم

عائشه ام المؤمنين رضي الله عنها

منهلاً روياً فضفاضاً، تطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطاناً، وَقد تحيز بهم الرَّأْي، غير مستحل مِنْهُ بطائل، إِلَّا بغمر الناهل، أَو دعة سُورَة الساغب، ولفتحت عَلَيْهِم بَرَكَات من السَّمَاء، وسيأخذهم الله بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. أَلا هَلُمَّ فاستمع. وَمَا عِشْت أَرَاك الدَّهْر عجبا وَإِن تعجب فَعجب لحادث إِلَى ملْجأ لجئوا واستندوا، وَبِأَيِّ عُرْوَة تمسكوا، " لبئس الْمولى ولبئس العشير ". واستبدلوا وَالله الذنابى بالقوادم، وَالْعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا " أَلا إِنَّهُم هم المفسدون وَلَكِن لَا يَشْعُرُونَ " ويحهم " أَفَمَن يهدي إِلَى الْحق أَحَق أَن يتبع أَمن لَا يهدي إِلَّا أَن يهدى فَمَا لكم كَيفَ تحكمون ". أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريث مَا تنْتج، ثمَّ احتلبوا طلاع الْقَعْب دَمًا عبيطا، وذعافاً ممقراً، فهنالك يخسر المبطلون، وَيعرف التالون غب مَا أسس الْأَولونَ، ثمَّ طيبُوا عَن أَنفسكُم أنفساً، وطامنوا للفتنة جأشاً، وَأَبْشِرُوا بِسيف صارم، وبهرج شَامِل، واستبداد من الظَّالِمين، يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً فيا حسرة بكم، وَقد عميت عَلَيْكُم " أنلزمكموها وَأَنْتُم لَهَا كَارِهُون ". عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا روى أَنه لما كَانَ يَوْم الْجمل قَامَت عَائِشَة فتكلمت فَقَالَت: أَيهَا النَّاس، إِن لي عَلَيْكُم حق الأمومة وَحقّ الموعظة، لَا يتهمني إِلَّا من

خطبه اخري لها حين سالت عن عثمان

عصى ربه. قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين سحرِي وَنَحْرِي، وَأَنا إِحْدَى نِسَائِهِ فِي الْجنَّة، لَهُ ادخرني رَبِّي، وخصني من كل بضع وَبِي ميز مؤمنكم من منافقكم، وَفِي رخص لكم فِي صَعِيد الْأَبْوَاء وَأبي رَابِع أَرْبَعَة من الْمُسلمين، وَأول مُسَمّى صديقا. قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنهُ رَاض فوقذ النِّفَاق، وأغاض نبع الرِّدَّة، وأطفأ مَا حشت يهود، وَأَنْتُم حِينَئِذٍ جحظ تنتظرون العدوة، وتستمعون الصَّيْحَة، فراب الثأي، وأوذم العطلة، وامتاح من المهوات، واجتهر دفن الرواء؛ فَقَبضهُ الله واطئاً على هَامة النِّفَاق، مذكياً نَار حَرْب الْمُشْركين، يقظان فِي نصْرَة الْإِسْلَام، صفوحاً عَن الْجَاهِلين. وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَت: تبرأت إِلَى الله من خطب جمع شَمل الْفِتْنَة، وَفرق أَعْضَاء مَا جمع الْقُرْآن أَنا نصب الْمَسْأَلَة عَن مسيري؟ هَذَا، أَلا وَإِنِّي لم أجرد وإثماً أدرعه، وَلم أدلس فتْنَة أوطئكموها. أَقُول قولي هَذَا صدقا وعذراً واعتذاراً وتعذيراً، وأسأل الله أَن يُصَلِّي على مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله، وَأَن يخلفه فِي أمته أفضل خلَافَة الْمُرْسلين. قَالَ: فَانْطَلق رجل بمقالتها هَذِه إِلَى الْأَحْنَف، فَقَالَ الْأَحْنَف أبياتاً كَثِيرَة يَقُول فِيهَا: فَلَو كَانَت الأكنان دُونك لم يحد ... عَلَيْك مقَالا ذُو أذاةٍ يَقُولهَا فَبلغ عَائِشَة مقَالَته فَقَالَت: لقد استفرغ حلم الْأَحْنَف هجاؤه إيَّايَ إِلَيّ كَانَ يستجم مثابة سفهه؟ إِلَى الله أَشْكُو عقوق أبنائي. خطْبَة أُخْرَى لَهَا حِين سَأَلت عَن عُثْمَان قَالَ بَعضهم: شهِدت عَائِشَة يَوْم الْجمل وَقد ثاب إِلَيْهَا النَّاس فَقَالُوا: يَا أم الْمُؤمنِينَ، أَخْبِرِينَا عَن عُثْمَان، فَقَالَت: إِنَّا نقمنا على عُثْمَان 350 ثَلَاثًا: إمرة الْفَتى، وَضرب السَّوْط، وموقع الغمامة

قولها في ابيها ابي بكر

المتحاماة، حَتَّى إِذا أعتبنا مِنْهُنَّ مصتموه موص الثَّوْب بالصابون، ثمَّ عدوتم بِهِ الفواقر، أَو الْفقر الثَّلَاث: حُرْمَة الْإِسْلَام، وَحُرْمَة الْخلَافَة، وَحُرْمَة الشَّهْر الْحَرَام. وَالله لعُثْمَان كَانَ أَتْقَاهُم للرب، وأوصلهم للرحم، وأعفهم لِلْفَرجِ، أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم. قَوْلهَا فِي أَبِيهَا أبي بكر وَرُوِيَ أَنه بلغَهَا أَن نَاسا يتناولون أَبَا بكر، فَأرْسلت إِلَى أزفلة من النَّاس، فَلَمَّا حَضَرُوا أسدلت أستارها، وأعلت وسادها، ثمَّ دنت فحمدت الله، وأثنت عَلَيْهِ، وصلت على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعذلت وقرعت وَقَالَت: أبي وَمَا أَبِيه {أبي وَالله لَا تعطوه الْأَيْدِي، طود منيف، وظل مديد، هَيْهَات هَيْهَات} ! كذبت الظنون. أنجح وَالله إِذْ أكديتم، وَسبق إِذْ ونيتم سبق الْجواد إِذا استولى على الأمد فَتى قُرَيْش ناشئاً، وكهفها كهلاً، يريش مملقها، ويفك عانيها ويلم شعثها ويرأب صَدعهَا حَتَّى حلته قلوبها، ثمَّ استشرى فِي دينه فَمَا بَرحت شَكِيمَته فِي ذَات الله، حَتَّى اتخذ بفنائه مَسْجِدا يحيى فِيهِ مَا أمات المبطلون. وَكَانَ رَحْمَة الله عَلَيْهِ غزير الدمعة، وقيذ الجوانح شجي النشيج، فانفضت إِلَيْهِ نسوان مَكَّة وولدانها، يسخرون مِنْهُ، ويستهزئون بِهِ. " الله يستهزئ بهم ويمدهم فِي طغيانهم يعمهون " وأكبرت ذَلِك رجالات قُرَيْش، فحنت إِلَيْهِ قسيها، وفوقت لَهُ سهامها وامتثلوه غَرضا فَمَا حُلْو لَهُ صفاة، وَلَا قصفوا لَهُ قناة، وَمر على سيسائه حَتَّى إِذا ضرب الدّين بجرانه، وَألقى بركه، ورست أوتاده، وَدخل النَّاس فِيهِ أَفْوَاجًا، وَمن كل شرعة أشتاتاً وأرسالاً اخْتَار الله جلّ اسْمه لنَبيه

صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه وتحياته مَا عِنْده، فَلَمَّا قبض الله رَسُوله ضرب الشَّيْطَان برواقه، وَمد طنبه، وَنصب حبائله، وأجلب بخيله وَرجله، واضطرب حَبل الْإِسْلَام، ومرج عَهده، وماج أَهله وبغى الغوائل، وظنت رجال أَن قد أكثبت نهزها، ولات حِين الَّتِي يرجون، وأنى وَالصديق بَين أظهرهم؟ فَقَامَ حاسراً مشمراً قد جمع حاشيتيه، وَرفع قطريه، فَرد نشز الدّين على غره، وَلم شعثه بطبه، وَأقَام أوده بثقافه، فامذقر النِّفَاق بِوَطْئِهِ، وانتاش الدّين فنعشه. فَلَمَّا أراح الْحق على أَهله، وَأقر الرُّءُوس على كواهلها، وحقن الدِّمَاء فِي أهبها حَضرته منيته، نضر الله وَجهه، فسد ثلمته بنظيره فِي الرَّحْمَة ومقتفيه فِي السِّيرَة والمعدلة؛ ذَلِك ابْن الْخطاب، لله أم حملت بِهِ، وَدرت عَلَيْهِ. لقد أوحدت، ففنخ الْكَفَرَة ودنخها، وشرد الشّرك شذر مذر وبعج الأَرْض ونجعها، فقأت أكلهَا، ولفظت خبأها؛ ترأمه ويصدف عَنْهَا، وتصدى لَهُ ويأباها، ثمَّ وزع فَيْئهَا فِيهَا، وودعها كَمَا صحبها. فأروني مَاذَا ترتأون. وَأي يومي أبي تَنْقِمُونَ؟ أيوم إِقَامَته إِذْ عدل فِيكُم أَو يَوْم ظعنه إِذْ نظر لكم. أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم. وَقَالَت: لَو نزل بالجبال الراسيات مَا نزل بِأبي لهاضها، قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ، فاشرأب النِّفَاق، وارتدت الْعَرَب قاطبة. وَعَاد أَصْحَاب مُحَمَّد كَأَنَّهُمْ معزى مطيرة فِي خفش، فَمَا اخْتلفُوا فِيهِ من أَمر إِلَّا طَار أبي بغلائه وغنائه. وَمن رأى ابْن الْخطاب علم أَنه كَانَ عوناً لِلْإِسْلَامِ، كَانَ وَالله أحوذياً نَسِيج وَحده، قد أعد للأمور أقرانها. وَلما هلك أَبُو بكر الصّديق رَحمَه الله قَامَت على قَبره فَقَالَت: نضر الله وَجهك، وشكر لَك صَالح سعيك؛ فقد كنت للدنيا مذلاً بإدبارك عَنْهَا، وَكنت للآخرة معزاً بإقبالك عَلَيْهَا. وَلَئِن كَانَ أعظم المصائب بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ رزؤك، وأكبر الْأَحْدَاث بعد فقدك، إِن كتاب الله ليعد بِحسن العزاء عَنْك حسن الْعِوَض مِنْك، فَنحْن نتنجز من الله موعوده بِالصبرِ عَلَيْك، ونستعيضه مِنْك

حديثها مع ابن عباس

بالاستغفار لَك؛ أما لَئِن كَانُوا قَامُوا بِأَمْر الدُّنْيَا لقد قُمْت بِأَمْر الدّين حِين وهى شعبه وتفاقم صدعه، ورجفت جوانبه، فَعَلَيْك سَلام الله سَلام توديع غير قاليةٍ لحياتك، وَلَا زارية على الْقَضَاء فِيك. حَدِيثهَا مَعَ ابْن عَبَّاس رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَعَثَنِي عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام بعد دُخُوله الْبَصْرَة إِلَى عَائِشَة يأمرها بالرحيل إِلَى بلادها، فأتيتها فَدخلت عَلَيْهَا، فَلم يوضع لي شَيْء أَجْلِس عَلَيْهِ، فتناولت وسَادَة كَانَت فِي رَحلهَا فَقَعَدت عَلَيْهَا، فَقَالَت: يَا بن عَبَّاس: أَخْطَأت السّنة؛ قعدت على وسادتنا فِي بيتنا بِغَيْر إذننا. فَقلت: مَا هَذَا بَيْتك الَّذِي أَمرك الله أَن تقري فِيهِ، وَلَو كَانَ بَيْتك مَا قعدت على وِسَادَتك إِلَّا بإذنك. ثمَّ قلت: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ أَرْسلنِي إِلَيْك يَأْمُرك بالرحيل إِلَى بلادك. قَالَت: وَأَيْنَ أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ ذَاك عمر. فَقلت: ذَاك عمر وَعلي. قَالَت: أَبيت أَبيت. قلت: أما وَالله مَا كَانَ إباؤك إِلَّا قصير الْمدَّة، عَظِيم التبعة، قَلِيل الْمَنْفَعَة، ظَاهر الشؤم: بَين النكد. وَمَا عَسى أَن يكون إباؤك؟ وَمَا كَانَ أَمرك إِلَّا كحلب شَاة، حَتَّى صرت لَا تأمرين وَلَا تنهين، وَلَا تأخذين وَلَا تعطين، وَمَا كَانَ مثلك إِلَّا كَقَوْل أخي بني أَسد: مازال إهداء الضغائن بَيْننَا ... نثو الحَدِيث وَكَثْرَة الألقاب حَتَّى تركت كَأَن صَوْتك فيهم ... فِي كل نائبة طنين ذُبَاب قَالَ: فَبَكَتْ حَتَّى سَمِعت نحيبها من وَرَاء الْحجاب ثمَّ قَالَت: إِنِّي مُعجلَة الرحيل إِلَى بلادي إِن شَاءَ الله؛ وَالله مَا من بلد أبْغض إِلَيّ من بلد أَنْتُم بِهِ. قَالَ: قلت: وَلم ذَاك؟ فوَاللَّه لقد جعلناك للْمُؤْمِنين أما، وَجَعَلنَا أَبَاك صديقا. قَالَت: تكلمني يَا بن عَبَّاس أتمن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقلت: مَا لي لَا أَمن عَلَيْك بِمن لَو كَانَ مِنْك لمننت بِهِ عَليّ. قَالَ: فَأتيت عليا فَأَخْبَرته بِقَوْلِي وَقَوْلها. فَقبل بَين عَيْني ثمَّ قَالَ: " ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض وَالله سميع عليم ".

وَرُوِيَ أَن عَائِشَة قَالَت: مَكَارِم الْأَخْلَاق عشر: صدق الحَدِيث، وَصدق الْبَأْس، وَأَدَاء الْأَمَانَة، وصلَة الرَّحِم، والمكافأة بالصنيع، وبذل الْمَعْرُوف، والتذمم للْجَار، والتذمم للصاحب، وقرى الضَّيْف، ورأسهن الْحيَاء. رُوِيَ عَن هَوْذَة بن نَافِع قَالَ: سَأَلت عَائِشَة مَا الَّذِي حملك على قتال أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب. قَالَت: لأَنْت أجرأ من خاصي الْأسد. وكتبت إِلَيْهَا أم سَلمَة لما هَمت بِالْخرُوجِ إِلَى الْبَصْرَة: يَا عَائِشَة؛ إِنَّك جنَّة بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَبَين أمته، وحجابك مَضْرُوب على حرمته، قد جمع الْقُرْآن ذيلك فَلَا تملخيه، وسكني عقيراك فَلَا تصحريها لَو ذكرتك قولةً من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ لتهششت تهشش الرقشاء المطرقة. مَا كنت قائلة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ لَو لقيك ناصةً قعُودا من منهل إِلَى منهل؟ قد بَرحت عهيداه، وهتكت ستره. إِن عَمُود الدّين لَا يرأب بِالنسَاء، وَلَا يُقَام بِهن إِذا انصدع. حماداهن خفض الْأَعْرَاض، وَقصر 352 الوهازة. اجعلي قَاعِدَة الْبَيْت قبرك حَتَّى تلقيه وَأَنت على ذَلِك. فَقَالَت عَائِشَة: يَا أم سَلمَة، مَا أعرفني بنصحك! وأقبلني لوعظك وَلَيْسَ الْأَمر حَيْثُ تذهبين، مَا أَنا بمغترة بعد قعُود، فَإِن أقِم فَفِي غير حرج، وَإِن أخرج فَفِي إصْلَاح بَين فئتين من الْمُسلمين متشاحنتين. وَقيل لعَائِشَة إِن قوما يشتمون أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ فَقَالَت: قطع الله عَنْهُم الْعَمَل مَا أحب أَن يقطع عَنْهُم الْأجر. وَرَأَتْ رجلا متماوتاً فَقَالَت: قطع الله عَنْهُم الْعَمَل مَا أحب أَن يقطع عَنْهُم الأجرولأت رجلا متماوتاً. مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: زاهد. فَقَالَت: قد كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ زاهداً، فَكَانَ إِذا قَالَ أسمع وَإِذا مَشى أسْرع، وَإِذا ضرب فِي ذَات الله أوجع. وَذكر أَنَّهَا لما احتضرت جزعت. فَقيل لَهَا: أتجزعين يَا أم الْمُؤمنِينَ وَأَنت زَوْجَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَأم الْمُؤمنِينَ وَابْنَة أبي بكر الصّديق؟ فَقَالَت: إِن يَوْم الْجمل معترض فِي حلقي. لَيْتَني مت قبله أَو كنت نسياً منسياً.

بينها وبين عمران بن حصين

بَينهَا وَبَين عمرَان بن حُصَيْن وَرُوِيَ عَن أبي الْأسود قَالَ: أنفذني عُثْمَان بن حنيف مَعَ عمرَان بن حُصَيْن إِلَى عَائِشَة فَقُلْنَا: يَا أم الْمُؤمنِينَ، أَخْبِرِينَا عَن مسيرك هَذَا أَعهد عَهده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أم رَأْي رَأَيْته؟ قَالَت: بل رَأْي رَأَيْته حِين قتل عُثْمَان إِنَّا نقمنا عَلَيْهِ ضَرْبَة السَّوْط. وموقع السحابة المحمية، وإمرة سعيد والوليد فعدوتم عَلَيْهِ فاستحللتم مِنْهُ الْحرم الثَّلَاث، حُرْمَة الْبَلَد، وَحُرْمَة الْخلَافَة، وَحُرْمَة الشَّهْر الْحَرَام، بعد أَن مصناه كَمَا يماص الْإِنَاء فاستتبناه، فركبتم مِنْهُ هَذِه ظالمين. أغضبنا لكم من سَوط عُثْمَان وَلَا نغضب لعُثْمَان من سيفكم؟ قلت: مَا أَنْت وسيفنا وسوط عُثْمَان؟ وَأَنت حبيس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ. أَمرك أَن تقري فِي بَيْتك، فَجئْت تضربين النَّاس بَعْضًا بِبَعْض. قَالَت: وَهل أحد يقاتلني أَو يَقُول غير هَذَا؟ قلت: نعم. قَالَت: وَمن يفعل ذَلِك؟ أزنيم بن عَامر؟ هَل أَنْت مبلغ عني يَا عمرَان؟ قَالَ: لَا لست مبلغا عَنْك خيرا وَلَا شرا، قلت: لكني مبلغ عَنْك. هَات مَا شِئْت. قَالَت: اللَّهُمَّ اقْتُل مذمماً قصاصا بعثمان، وارم الأشتر بِسَهْم من سهامك لَا يشوى، وَأدْركَ عماراً بحفرته فِي عُثْمَان. وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَت تَقول: لَا تَطْلُبُوا مَا عِنْد الله من عِنْد غير الله بِمَا يسْخط الله. وَكَانَت تَقول: لله در التَّقْوَى، مَا تركت لذِي غيظ شِفَاء. وَقَالَت يَوْم الْحكمَيْنِ: رَحِمك الله يَا أَبَت، فلئن أَقَامُوا الدُّنْيَا فَلَقَد أَقمت الدّين وهى شعبه، وتفاقم صدعه، ورجفت جوانبه، وانقبضت عَمَّا إِلَيْهِ أصغوا، وشمرت فِيمَا عَنهُ ونوا، واستصغرت من دنياك مَا أعظموا، ورغبت بِدينِك عَمَّا أغفلوا؛ أطالوا عنان الْأَمْن واقتعدت مطي الحذر، فَلم تهضم دينك، وَلم تنس غدك، ففاز عِنْد المساهمة قدحك، وخف مِمَّا استوزروا ظهرك. قَوْلهَا لما قتل عُثْمَان وَرُوِيَ أَنه لما قتل عُثْمَان قَالَت: أقتل أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالُوا: نعم، قَالَت: فرحمه الله وَغفر لَهُ. أما وَالله لقد كُنْتُم إِلَى تسديد الْحق وتأييده، وإعزاز الْإِسْلَام وتأكيده، أحْوج مِنْكُم إِلَى مَا نهضتم إِلَيْهِ، من طَاعَة من خَالف عَلَيْهِ، وَلَكِن كلما

من اقوالها واخبارها

زادكم الله نعْمَة فِي دينكُمْ ازددتم تثاقلاً فِي نصرته طَمَعا فِي دنياكم. أما وَالله لهدم النِّعْمَة أيسر من بنائها، وَمَا الزِّيَادَة إِلَيْكُم بالشكر بأسرع من زَوَال النِّعْمَة عَنْكُم بالْكفْر، وأيم الله لَئِن كَانَ فني أكله، واخترم أَجله، لقد كَانَ عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ كذراع 353 الْبكر الْأَزْهَر، وَلَئِن كَانَت الْإِبِل أكلت أوبارها إِنَّه لصهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ، وَلَئِن كَانَ برك عَلَيْهِ الدَّهْر بزوره وأناخ عَلَيْهِ بكلكله، إِنَّهَا النوائب تترى تلعب بِأَهْلِهَا وَهِي جادة وتجذبهم وَهِي لاعبة، أما وَالله لقد حاط الْإِسْلَام وأكده، وعضد الدّين وأيده، وَلَقَد هدم الله بِهِ صياصي الْكفْر، وَقطع بِهِ دابر الْمُشْركين، ووقم بِهِ أَرْكَان الضَّلَالَة، فَللَّه الْمُصِيبَة بِهِ مَا أفجعها والفجيعة بِهِ مَا أوجعها! صدع الله بمقتله صفاة الدّين، وثلمت مصيبته ذرْوَة الْإِسْلَام. من أقوالها وأخبارها وَقَالَت: من أرْضى الله بإسخاط النَّاس كَفاهُ الله مَا بَينه وَبَين النَّاس، وَمن أرْضى النَّاس بإسخاط الله عز وَجل ذكره وَكله الله إِلَى النَّاس. وَقَالَت: إِنَّمَا النِّكَاح رق فَلْينْظر امرء من يرق كريمته. وَقَالَت: خرجت أقفو آثَار النَّاس يَوْم الخَنْدَق، فَسمِعت وئيد الأَرْض خَلْفي، فَالْتَفت فَإِذا أَنا بِسَعْد بن معَاذ. وَقَالَت لَهَا امْرَأَة: أأقيد جملي؟ قَالَت: نعم، قَالَت: أقيد جملي؟ فَلَمَّا علمت مَا تُرِيدُ قَالَت: وَجْهي من وَجهك حرَام؛ تَعْنِي بالجمل زَوجهَا أَي أوحده عَن النِّسَاء. وَقَالَت: لَا تُؤدِّي الْمَرْأَة حق زَوجهَا حَتَّى لَو سَأَلَهَا نَفسهَا وَهِي على ظهر قتب لم تَمنعهُ وَقَالَت: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ يقبل ويباشر وَهُوَ صَائِم وَلكنه كَانَ أملككم لإربه وَسمعت يَوْم الْجمل تَكْبِيرا عَالِيا فَقَالَت: اسْكُتُوا؛ فَإِن التَّكْبِير فِي هَذَا الْموضع فشل.

قولها حين قتل علي

قَوْلهَا حِين قتل عَليّ وَرُوِيَ عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة قَالَت: كنت يَوْمًا عِنْد عَائِشَة، إِذْ دخل رجل معتم عَلَيْهِ أثر السّفر. فَقَالَ: قتل عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَت عَائِشَة: إِن تَكُ ناعياً فَلَقَد نعاه ... نعي لَيْسَ فِي فَمه التُّرَاب ثمَّ قَالَت: من قَتله؟ قَالَ: رجل من مُرَاد. قَالَت: رب قَتِيل لله بيَدي رجل مُرَاد. قَالَت زَيْنَب: فَقلت: سُبْحَانَ الله! أتقولين مثل هَذَا لعَلي مَعَ سابقته وفضله. فَضَحكت وَقَالَت: بِسم الله، إِذا نسيت فذكريني. زَيْنَب بنت عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام قيل: لما قتل الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام، وَوجه ابْن زِيَاد لَعنه الله رَأسه والنسوة إِلَى يزِيد لَعنه الله، أَمر بِرَأْس الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام فأبرز فِي طست، وَجعل ينكت ثناياه بقضيب وينشد: لَيْت أشياخي ببدر شهدُوا ... الأبيات الْمَعْرُوفَة. فَقَالَت زَيْنَب بنت عَليّ عَلَيْهَا السَّلَام: صدق الله وَرَسُوله يَا يزِيد " ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين أساءوا السوأى أَن كذبُوا بآيَات الله وَكَانُوا بهَا يستهزءون " أظننت يَا يزِيد أَنه حِين أَخذ علينا بأطراف الأَرْض وأكناف السَّمَاء، فأصبحنا نساق كَمَا يساق الْأُسَارَى، أَن بِنَا هواناً على الله، وَبِك كَرَامَة؟ وَأَن هَذَا لعَظيم خطرك؟ فشمخت بأنفك، وَنظرت فِي عطفك، جذلان فَرحا حِين رَأَيْت الدُّنْيَا مستوسقة

لَك، والأمور متسقة عَلَيْك، وَقد مثلت ونفست. وَهُوَ قَول الله تبَارك وَتَعَالَى " وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا إِنَّمَا نملى لَهُم خير لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نملى لَهُم ليزدادوا إِثْمًا وَلَهُم عَذَاب مهين ". أَمن الْعدْل يَا بن الطُّلَقَاء تخديرك نِسَاءَك وإماءك، وسوقك بَنَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ؟ قد هتكت ستورهن 354، وضحكت بحوجهن مكتئبات تخدى بِهن الأباعر، ويحدو بِهن الأعادي، من بلد إِلَى بلد لَا يراقبن وَلَا يؤوين، يتشوفهن الْقَرِيب والبعيد، لَيْسَ مَعَهُنَّ ولي من رِجَالهنَّ، وَكَيف يستبطأ فِي بغضتنا من نظر إِلَيْنَا بالشنف والشنان، والإحن والأضغان؟ أَتَقول: لَيْت أشياخي ببدر شهدُوا غير متأثم وَلَا مستعظم، وَأَنت تنكت ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك؟ وَلم لَا تكون كَذَلِك وَقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة، بإهراقك دِمَاء ذُرِّيَّة مُحَمَّد صلى الله عله ونجوم الأَرْض من آل عبد الْمطلب، ولتردن على الله وشيكاً موردهم، ولتؤدن أَنَّك عميت وبكمت، وَإنَّك لم تقل: فاستهلوا وأهلوا فَرحا اللَّهُمَّ، خُذ بحقنا، وانتقم لنا مِمَّن ظلمنَا! وَالله مَا فريت إِلَّا فِي جِلْدك وَلَا خرزت إِلَّا فِي لحمك، وسترد على رَسُول الله برغمك، وعترته وَلحمَته فِي حَظِيرَة الْقُدس، يَوْم يجمع الله شملهم ملمومين من الشعث، وَهُوَ قَول الله تبَارك وَتَعَالَى: " وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ فرحين " وَسَيعْلَمُ من بوأك ومكنك من رِقَاب الْمُؤمنِينَ، إِذا كَانَ الحكم الله والخصيم مُحَمَّد، وجوارحك شاهدة عَلَيْك. فبئس للظالمين بَدَلا، وَأَيكُمْ شَرّ مَكَانا وأضعف جنداً، مَعَ أَنِّي - وَالله - يَا عَدو الله وَابْن عدوه أستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، غير أَن الْعُيُون عبرى، والصدور حرى وَمَا يجْرِي ذَلِك أَو يُغني عَنَّا، وَقد قتل

ام كلثوم بنت علي

الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام، وحزب الشَّيْطَان يقربنا إِلَى حزب السُّفَهَاء، ليعطوهم أَمْوَال الله على انتهاك محارم الله، فَهَذِهِ الْأَيْدِي تنطف من دمائنا، وَهَذِه والأفواه تتحلب من لحومنا، وَتلك الجثث الزواكي يعتامها عسلان الفلوات. فلئن اتخذتنا مغنماً لتجدننا مغرماً، حِين لَا تَجِد إِلَّا مَا قدمت يداك، تستصرخ يَا بن مرْجَانَة ويستصرخ بك، وتتعاوى وأتباعك عِنْد الْمِيزَان، وَقد وجدت أفضل زَاد زودك مُعَاوِيَة قَتلك ذُرِّيَّة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ؛ فوَاللَّه مَا اتَّقَيْت غير الله، وَلَا شكواي إِلَّا إِلَى الله، فكد كيدك، وَاسع سعيك، وناصب جهدك، فوَاللَّه لَا يرحض عَنْك عَار مَا أتيت إِلَيْنَا أبدا، وَالْحَمْد لله الَّذِي ختم بالسعادة وَالْمَغْفِرَة لسادات شُبَّان الْجنان، فَأوجب لَهُم الْجنَّة. أسأَل الله أَن يرفع لَهُم الدراجات، وَأَن يُوجب لَهُم الْمَزِيد من فَضله فَإِنَّهُ ولي قدير. أم كُلْثُوم بنت عَليّ رُوِيَ عَن بَعضهم قَالَ: رَأَيْت أم كُلْثُوم بنت عَليّ بِالْكُوفَةِ، وَلم أر خفرة وَالله أنطق مِنْهَا، كَأَنَّمَا تنطق وتقرع عَن لِسَان أَمِير الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنهُ، وَقد أَوْمَأت إِلَى النَّاس وهم يَبْكُونَ على الْحُسَيْن - رَضِي الله عَنهُ - أَن اسْكُتُوا فَلَمَّا سكنت فورتهم، وهدأت الْأَجْرَاس. قَالَت: أبدأ بِحَمْد الله وَالصَّلَاة على أَبِيه. أما بعد، يَا أهل الْكُوفَة يَا أهل الختر والخدل؛ أَلا فَلَا رقأت الْعبْرَة، وَلَا هدأت الرنة، إِنَّمَا مثلكُمْ كَمثل الَّتِي " نقضت غزلها من بعد قُوَّة أنكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُم دخلا بَيْنكُم " أَلا وَهل فِيكُم إِلَّا الصلف والشنف، ملق الْإِمَاء وغمر الْأَعْدَاء وَهل أَنْتُم إِلَّا كمرعى على دمنة، وكفضة على ملحودة. أَلا سَاءَ مَا قدمت لكم أَنفسكُم أَن سخط الله

حفصه ام المؤمنين خطبتها عن عمر

عَلَيْكُم وَفِي الْعَذَاب أَنْتُم خَالدُونَ. أتبكون؟ إِي وَالله، فابكوا؛ فَإِنَّكُم وَالله أحرياء بالبكاء، فابكوا كثيرا 355 واضحكوا قَلِيلا، فَلَقَد فزتم بعارها، وشنارها، وَلنْ ترحضوها بِغسْل بعْدهَا أبدا، وأنى ترحضون قتل سليل خَاتم النُّبُوَّة، ومعدن الرسَالَة، وَسيد شباب الْجنَّة، ومنار محجتكم، ومدرة حجتكم، ومفزع نازلتكم؟ فتعساً ونكساً! لقد خَابَ السَّعْي، وخسرت الصَّفْقَة، وبؤتم بغضب من الله، وَضربت عَلَيْكُم الذلة والمسكنة. " لقد جئْتُمْ شَيْئا إدا تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال هدا ". مَا تَدْرُونَ أَي كبد لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ فريتم، وَأي كريم لَهُ أبرزتم، وَأي دم لَهُ سفكتم. لقد جئْتُمْ بهَا شوهاء خرقاء طلاع الأَرْض وَالسَّمَاء، أفعجبتم أَن قطرت السَّمَاء دَمًا، " ولعذاب الْآخِرَة أخزى وهم لَا ينْصرُونَ " فَلَا يستخفنكم الْمهل، فَإِنَّهُ لَا تحفزه الْمُبَادرَة، وَلَا يخَاف عَلَيْهِ فَوت الثأر كلا إِن رَبك لنا وَلَهُم لبالمرصاد. ثمَّ ولت عَنْهُم. قَالَ: فَرَأَيْت النَّاس حيارى وَقد ردوا أَيْديهم إِلَى أَفْوَاههم وَرَأَيْت شَيخا كَبِيرا من بني جعفي وَقد اخضلت لحيته من دموع عَيْنَيْهِ، وَهُوَ يَقُول: كهولهم خير الكهول ونسلهم ... إِذا عد نسل ل يبور وَلَا يخزي حَفْصَة أم الْمُؤمنِينَ خطبتها عَن عمر خطبت حَفْصَة بنت عمر فَقَالَت: الْحَمد لله الَّذِي لَا نَظِير لَهُ والفرد الَّذِي لَا شريك لَهُ.

وَأما بعد، فَكل الْعجب من قوم زين الشَّيْطَان أفعالهم، وارعوى إِلَى صنيعهم، ودب فِي الْفِتْنَة لَهُم، وَنصب حبائله لختلهم، حَتَّى هم عَدو الله بإحياء الْبِدْعَة، ونبش الْفِتْنَة، وتجديد الْجور بعد دروسه، وإظهاره بعد دثوره، وإراقة الدِّمَاء، وَإِبَاحَة الْحمى، وانتهاك محارم الله عز وَجل بعد تحصينها، فتضرم وهاج وتوغر وثار غَضبا لله نصْرَة لدين الله، فأخسأ الشَّيْطَان ووقم كَيده، وكفف إِرَادَته، وقدع محبته، وصعر خَدّه السبقة إِلَى مشايعة أولى النَّاس بخلافة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ، الْمَاضِي على سنته، الْمُقْتَدِي بِدِينِهِ، الْمُقْتَص لأثره؛ فَلم يزل سراجه زاهراً؛ وضوؤه لامعاً ونوره ساطعاً. لَهُ من الْأَفْعَال الْغرَر، وَمن الآراء المصاص، وَمن التَّقَدُّم فِي طَاعَة الله عز وَجل اللّبَاب، إِلَى أَن قَبضه الله إِلَيْهِ، قالياً لما خرج مِنْهُ، شانئاً لما نزل من أمره، شنفاً لما كُنَّا فِيهِ، صبا إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ، وائلاً إِلَى مَا دعِي إِلَيْهِ، عَاشِقًا لما هُوَ فِيهِ. فَلَمَّا صَار إِلَى الَّتِي وصفت، وعاين مَا ذكرت أَوْمَأ بهَا إِلَى أَخِيه فِي المعدلة ونظيرة فِي السِّيرَة، وشقيقه فِي الدّيانَة، وَلَو كَانَ غير الله أَرَادَ لأمالها إِلَى ابْنه، ولصيرها فِي عقبه، وَلم يُخرجهَا من ذُريَّته، فَأَخذهَا بِحَقِّهَا، وَقَامَ فِيهَا بقسطها، لم يؤده ثقلهَا، وَلم يبهظه حفظهَا، مشرداً للكفر عَن موطنه ونافراً لَهُ عَن وَكره، ومثيراً لَهُ من مجثمه، حَتَّى فتح الله عز وَجل على يَدَيْهِ أقطار الْبِلَاد، وَنصر الله يقدمهُ، وَمَلَائِكَته تكنفه، وَهُوَ بِاللَّه معتصم، وَعَلِيهِ متوكل، حَتَّى تأكدت عرا الْحق عَلَيْكُم عقدا، واضمحلت عرا الْبَاطِل عَنْكُم حلا، نوره فِي الدجنات سَاطِع، وضوؤه فِي الظُّلُمَات لامع، قالياً للدنيا إِذْ عرفهَا، لافظاً لَهَا إِذْ عجمها، وشانئاً لَهَا إِذْ سبرها؛ تخطبه ويقلاها، وتريده ويأباها، لَا تطلب سواهُ بعلاً، وَلَا نبغي سواهُ نحلاً 356 أخْبرهَا أَن الَّتِي يخْطب أرغد مِنْهَا عَيْشًا، وأنضر مِنْهَا حبوراً، وأدوم مِنْهَا سُرُورًا، وَأبقى مِنْهَا خلوداً، وأطول مِنْهَا أَيَّامًا، وأغذق مِنْهَا أَرضًا، وأنعث مِنْهَا جمالاً، وَأتم مِنْهَا بلهنية، وأعذب مِنْهَا رفنية فبشعت نَفسه بذلك لعادتها، واقشعرت

عائشه بنت عثمان خطبتها بعد مقتل عثمان

مِنْهَا لمخالفتها، فعركها بالعزم الشَّديد حَتَّى أجابت وبالرأي الجليد حَتَّى انقادت، فَأَقَامَ فِيهَا دعائم الْإِسْلَام، وقواعد السّنة الْجَارِيَة، ورواسي الْآثَار الْمَاضِيَة وأعلام أَخْبَار النُّبُوَّة الظَّاهِرَة، وظل خميصاً من بهجتها، قالياً لأثاثها، لَا يرغب فِي زبرجها وَلَا تطمح نَفسه إِلَى جدَّتهَا حَتَّى دعِي فَأجَاب، وَنُودِيَ فأطاع على تِلْكَ الْحَال؛ فاحتذى فِي النَّاس بأَخيه فأخرجها من نَسْله، وصيرها شوري بَين إخْوَته، فَبِأَي أَفعاله يتعلقون؟ وَبِأَيِّ مذاهبه يتمسكون؟ أبطرائقه القويمة فِي حَيَاته، أم بعدله فِيكُم عِنْد وَفَاته، ألهمنا الله وَإِيَّاكُم طَاعَته، وَإِذا شِئْتُم فَفِي حفظ الله وكلاءته. عَائِشَة بنت عُثْمَان خطبتها بعد مقتل عُثْمَان قَالَ: كَانَ عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام فِي مَاله بينبع فَلَمَّا قتل عُثْمَان بن عَفَّان خرج إِلَيْهِ عنق من النَّاس يتساعون، تشتد بهم دوابهم فاستطاروا فَرحا، واستفزهم الجذل، حَتَّى قدمُوا بِهِ فَبَايعُوهُ، فَلَمَّا بلغ ذَلِك عَائِشَة ابْنة عُثْمَان صاحت بِأَعْلَى صَوتهَا: يَا ثَارَاتِ عُثْمَان {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} أفنيت نَفسه، وطل دَمه فِي حرم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ، وَمنع من دَفنه؟ اللَّهُمَّ لَو يَشَاء لامتنع، وَوجد من الله عز وَجل حَاكما، وَمن الْمُسلمين ناصرأ، وَمن الْمُهَاجِرين شَاهدا، حَتَّى يفئ إِلَى الْحق من شَذَّ عَنهُ، أَو تطيح هامات وتفرى غلاصم وتخاض دِمَاء، وَلَكِن استوحش مِمَّا أنستم بِهِ، واستوخم مَا استمرأتموه. يَا من اسْتحلَّ حرم الله وَرَسُوله، واستباح حماه، لقد كره عُثْمَان مَا أقدمتم عَلَيْهِ، وَلَقَد نقمتم عَلَيْهِ أقل مِمَّا أتيتم إِلَيْهِ، فراجع فَلم تراجعوه، واستقال فَلم تقيلوه. رَحْمَة الله عَلَيْك يَا أبتاه. أحتسبت نَفسك وَصَبَرت لأمر رَبك، حَتَّى لحقت

بِهِ. وَهَؤُلَاء الْآن قد ظهر مِنْهُم تراوض الْبَاطِل، وَإِذ كاء الشنآن، وكوامن الأحقاد، وَإِدْرَاك الإحن والأوتار. وَبِذَلِك وشيكاً كَانَ كيدهم وتبغيهم وسعي بَعضهم بِبَعْض، فَلَمَّا أقالوا عاثراً، وَلَا استعتبوا مذنباً، حَتَّى اتَّخذُوا ذَلِك سَبِيلا إِلَى سفك الدِّمَاء، وَإِبَاحَة الْحمى، وَجعلُوا سَبِيلا إِلَى البأساء والعنت. فَهَلا علنت كلمتكم، وَظَهَرت حسدتكم، إِذْ ابْن الْخطاب قَائِم على رءوسكم، ماثل فِي عرصاتكم؛ يرعد ويبرق بإرغائكم، يقمعكم غير حذر من تراجعكم إِلَّا فِي بَيْنكُم؛ وهلا نقمتم عَلَيْهِ عوداً وبدءاً إِذْ ملك، وتملك عَلَيْكُم من لَيْسَ مِنْكُم بالخلق اللين، والخصم العضل يسْعَى عَلَيْكُم، وَينصب لكم، لَا تنكرون ذَلِك مِنْهُ خوفًا من سطوته، وحذراً من شدته، أَن يَهْتِف بكم متقسوراً، أَو يصْرخ بكم متعذوراً. إِن قَالَ صَدقْتُمْ قالته وَإِن سَأَلَ بذلتم سَأَلته، يحكم فِي رِقَابكُمْ وَأَمْوَالكُمْ كأنكم عَجَائِز صلع، وإماء قصع، فَبَدَأَ مفلتاً ابْن أبي قُحَافَة بِإِرْث نَبِيكُم على بعد رَحمَه وضيق بَلَده، وَقلة عدده فرقأ الله شَرها، زعم الله دره مَا أعرفهُ لما صنع؛ أَو لم يخصم الْأَنْصَار بقيس؟ ثمَّ حكم بِالطَّاعَةِ لمولى أبي حُذَيْفَة؟ يتمايل بكم يَمِينا وَشمَالًا، قد خطب عقولكم، واستمهر وجلكم، 357 ممتحنا لكم، ومعترفاً أخطاركم، وَهل تسمو هممكم إِلَى منازعته وَلَوْلَا تيك لَكَانَ قسمه خسيساً وسعيه تعيساً؛ لَكِن بدر بِالرَّأْيِ، وثنى بِالْقضَاءِ وَثلث بالشوري ثمَّ غَدا سامراً مسلطاً درته على عَاتِقه فتطأطأتم لَهُ تطأطؤ الحقة، ووليتموه أدباركم حَتَّى علا أكتافكم ينعق بكم فِي كل مرتع، ويشد مِنْكُم على كل مخنق، لَا يبتعث لكم هتاف وَلَا يأتلق لكم شهَاب يهجم عَلَيْكُم بالسراء، ويتورط بالحوباء عَرَفْتُمْ أَو أنكرتم، لَا تألمون وَلَا تستنطقون، حَتَّى إِذا عَاد الْأَمر فِيكُم وَلكم، فِي مونقة من الْعَيْش، عرقها وشيج، وفرعها عميم، وظلها ظَلِيل تتناولون من كثب ثمارها أَنى شِئْتُم رغداً، وحلبت عَلَيْكُم عشار الأَرْض درراً، واستمرأتم أكلكم من فَوْقكُم وَمن تَحت أَرْجُلكُم، فِي خصب غدق، وأوق شَرق، تنامون فِي الْخَفْض وتستلينون الدعة، ومقتم زبرجة الدُّنْيَا وحرجتها، واستحليتم غضارتها ونضرتها وظننتم أَن ذَلِك سَيَأْتِيكُمْ من كثب عفوا، ويتحلب عَلَيْكُم رسلًا، قانتضبتم سُيُوفكُمْ، وكسرتم جفونكم، وَقد أَبى الله أَن تشام سيوف جردت بغياً وظلماً، ونسيتم قَول الله عز وَجل " إِن الْإِنْسَان خلق هلوعاً إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعاً وَإِذا مَسّه الْخَيْر

اروي بنت الحارث حديثها مع معاويه

منوعاً. " فَلَا يهنينكم الظفر. وَلَا يستوطنن بكم الْحَضَر، فَإِن الله بالمرصاد، وَإِلَيْهِ الْمعَاد، وَالله مَا يقوم الظليم إِلَّا على رجلَيْنِ، وَلَا ترن الْقوس إِلَّا على سيتين فأثبتوا فِي الغرز أَرْجُلكُم، فقد هدَاكُمْ فِي المتيهة الخرقاء كَمَا أضلّ أدحيته الحسل. وَسَيعْلَمُ كَيفَ يكون إِذا كَانَ النَّاس عباديد، وَقد نازعتكم الرِّجَال واعترضت عَلَيْكُم الْأُمُور، وساورتكم الحروب بالليوث، وقارعتكم الْأَيَّام بالجيوش، وحمي عَلَيْكُم الْوَطِيس، فيوماً تدعون من لَا يُجيب، وَيَوْما تجيبون من لَا يَدْعُو. وَقد بسط باسطكم كلتا يَدَيْهِ يرى أَنَّهُمَا فِي سَبِيل الله؛ فيد مَقْبُوضَة وَأُخْرَى مَقْصُورَة، والرؤوس تندر عَن الطلى، والكواهل كَمَا ينقف التنوم. فَمَا أبعد نصر الله من الظَّالِمين وَأَسْتَغْفِر الله مَعَ المستغفرين. أروى بنت الْحَارِث حَدِيثهَا مَعَ مُعَاوِيَة قيل: دخلت أروى بنت الْحَارِث بن عبد الْمطلب على مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان بِالْمَوْسِمِ وَهِي عَجُوز كَبِيرَة، فَلَمَّا رَآهَا قَالَ: مرْحَبًا بك يَا عمَّة. قَالَت: كَيفَ أَنْت يَا بن أخي، لقد كفرت بعدِي النِّعْمَة، وأسأت لِابْنِ عمك الصُّحْبَة، وتسميت بِغَيْر اسْمك، وَأخذت غير حَقك، بِغَيْر بلَاء كَانَ مِنْك وَلَا من آبَائِك فِي الْإِسْلَام؛ وَلَقَد كَفرْتُمْ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ. فأتعس الله الجدود، وَصغر مِنْكُم الخدود، حَتَّى رد الله الْحق إِلَى أَهله، وَكَانَت كلمة الله هِيَ الْعليا، وَنَبِينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ هُوَ الْمَنْصُور على من ناوأه وَلَو كره الْمُشْركُونَ. فَكُنَّا أهل الْبَيْت أعظم النَّاس فِي الدّين حظاً ونصيباً وَقدرا، حَتَّى قبض الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ مغفوراً ذَنبه، مَرْفُوعَة دَرَجَته، شريفاً عِنْد الله مرضياً، فصرنا أهل

رؤيا رقيقه

الْبَيْت مِنْكُم بِمَنْزِلَة قوم مُوسَى فِي آل فِرْعَوْن، يذبحون أَبْنَاءَهُم ويستحيون نِسَاءَهُمْ؛ وَصَارَ سيد الْمُسلمين فِيكُم بعد نَبينَا بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى، حَيْثُ يَقُول: " ابْن أم إِن الْقَوْم استضعفوني وكادوا يقتلونني " وَلم يجمع بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ لنا شَمل، وَلم يسهل لنا وعر، وغايتنا الْجنَّة، وغايتكم النَّار. فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: أيتها الْعَجُوز الضَّالة أقصري من قَوْلك، وغضي من طرفك. قَالَت: وَمن أَنْت 358 لَا أم لَك؟ قَالَ: عَمْرو بن الْعَاصِ. قَالَت: يَا بن اللخناء النَّابِغَة، أتكلمني؟ ارْبَعْ على ظلعك، واعن بشأن نَفسك، فوَاللَّه مَا أَنْت من قُرَيْش فِي اللّبَاب من حسبها، وَلَا كريم منصبها. وَلَقَد ادعاك سِتَّة من قُرَيْش كلهم يزْعم أَنه أَبوك، وَلَقَد رَأَيْت أمك أَيَّام منى بِمَكَّة مَعَ كل عبد عاهر، فَأَنت فَأَتمَّ بهم، فَإنَّك بهم أشبه. فَقَالَ مَرْوَان: أيتها الْعَجُوز الضَّالة؛ ساخ بَصرك مَعَ ذهَاب عقلك إِذْ لَا تجوز شهادتك. قَالَت: يَا بني؛ أتتكلم؟ فوَاللَّه لأَنْت بسفيان بن الْحَارِث بن كلدة أشبه مِنْك بالحكم، وَإنَّك لشبهه فِي زرقة عَيْنَيْك، وَحُمرَة شعرك، مَعَ قصر قامته، وَظَاهر دمامته. وَلَقَد رَأَيْت الحكم ماد الْقَامَة ظَاهر الهامة سبط الشّعْر. وَمَا بَيْنكُمَا قرَابَة إِلَّا كقرابة الْفرس الضامر من الأتان المقرب فاسأل أمك عَمَّا ذكرت لَك فَإِنَّهَا تخبرك بشأن أَبِيك إِن صدقت. رُؤْيا رقيقَة قَالَ مخرمَة بن نَوْفَل: حَدَّثتنِي أُمِّي رقيقَة بنت أبي صَيْفِي بن هَاشم بن عبد منَاف، قَالَت: تَتَابَعَت على قُرَيْش سنُون أقحلت الضَّرع وأرقت اللَّحْم، وأدقت الْعظم فَبينا أَنا نَائِمَة، لاهم أَو مهمومة إِذا أَنا بهاتف يَهْتِف بِصَوْت صَحِلَ اقشعر لَهُ جلدي: معاشر

هند بنت عتبه وصف من خطب هندا ليعرف ابوها رايها

قُرَيْش إِن النَّبِي الْأُمِّي الْمَبْعُوث مِنْكُم قد أَظَلَّتْكُم أَيَّامه، وَهَذَا أَوَان نجومه أَلا فحي هلا بِالْخصْبِ والحيا؛ أَلا فانظروا مِنْكُم رجلا وَسِيطًا عظاماً جِسَامًا أَبيض بضاً أَوْطَفُ الْأَهْدَاب، أَشمّ الْعرنِين سهل الْخَدين، لَهُ نجر يَكْظِم عَلَيْهِ وَسنة تهدى. إِلَيْهِ أَلا فليدلف هُوَ وَولده، وليدلف مَعَه من كل بطن رجل، فليشنوا من المَاء، وليمسوا من الطّيب ثمَّ ليستلموا الرُّكْن، وليرقوا أَبَا قبيس، وليدع، وليؤمن الْقَوْم على دُعَائِهِ، فغثتم مَا شِئْتُم. قَالَت: فَأَصْبَحت - علم الله - مَذْعُورَة قد وَله قلبِي، واقشعر جلدي لما رَأَيْت فِي مَنَامِي فقصصت رُؤْيَايَ، ونمت فِي شعاب مَكَّة، فوالحرمة وَالْحرم، مَا بَقِي أبطحي إِلَّا قَالَ: هَذَا شيبَة الْحَمد، هَذَا عبد الْمطلب. فتنامت إِلَيْهِ رجالات قُرَيْش، وَهَبَطَ إِلَيْهِ من كل بطن رجل، فَشُنُّوا وَمَسُّوا واستلموا، ثمَّ ارْتَقَوْا أَبَا قبيس، وَطَفِقُوا يزفون حواليه؛ مَا إِن يبلغ سَعْيهمْ مهله، حَتَّى إِذا اسْتَووا بِذرْوَةِ الْجَبَل قَامَ عبد الْمطلب، وَمَعَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ، غُلَام قد أَيفع أَو كرب، فَرفع يَده إِلَى السَّمَاء وَقَالَ: اللَّهُمَّ كاشف الْكُرْبَة، وساد الْخلَّة، أَنْت عَالم غير معلم، مسئول غير مبخل هَذِه عبداك وإماؤك بِعَذِرَاتٍ حَرمك، يَشكونَ إِلَيْك سنتهمْ الَّتِي أذهبت الظلْف والخف، فاسمعن اللَّهُمَّ لنا، وأمطرن غيثاً مُغْدِقًا مريعاً. فَمَا راموا الْكَعْبَة حَتَّى تَفَجَّرَتْ السَّمَاء بِمَائِهَا، وكظ الْوَادي بشجيجه فلسمعت شَيْخَانِ قُرَيْش وجلتها؛ عبد الله بن جدعَان، وَحرب بن أُميَّة، وَهِشَام بن الْمُغيرَة يَقُولُونَ لعبد الْمطلب: هَنِيئًا لَك أَبَا الْبَطْحَاء هَنِيئًا لَك. هِنْد بنت عتبَة وصف من خطب هندا ليعرف أَبوهَا رأيها قَالَت هِنْد بنت عتبَة لأَبِيهَا: إِنِّي امْرَأَة قد ملكت أَمْرِي، فَلَا تزَوجنِي رجلا

حَتَّى تعرضه عَليّ فَقَالَ: لَك ذَاك. وَقَالَ لَهَا ذَات يَوْم: إِنَّه قد خَطبك رجلَانِ من قَوْمك، وَلست مسمياً لَك وَاحِدًا مِنْهُمَا، حَتَّى أصفه لَك؛ أما الأول فَفِي الشّرف الصميم، والحسب الْكَرِيم، تخالين بِهِ هوجاً من غفلته، وَذَلِكَ إسجاح من شيمته، حسن 359 الصَّحَابَة، سريع الْإِجَابَة، إِن تابعته تابعك، وَإِن ملت كَانَ مَعَك، تقضين عَلَيْهِ فِي مَاله، وتكتفين بِرَأْيِك عَن مشورته. وَأما الآخر فَفِي الْحسب الحسيب، والرأي الأريب، بدر أرومته، وَعز عشيرته، يُؤَدب أَهله وَلَا يؤدبونه؛ إِن اتَّبعُوهُ أسهل بهم، وَإِن جانبوه توعر عَنْهُم، شَدِيد الْغيرَة، سريع الطَّيرَة، صَعب حجاب الْقبَّة إِن حَاج فَغير منزور، وَإِن نوزع فَغير مقسور، قد بنيت لَك كليهمَا. قَالَت: أما الأول فسيد مضياع لكريمته، موَات لَهَا؛ فَمَا عَسى إِن لم تعتص أَن تلين بعد إبائها، وتضيع تَحت خبائها إِن جَاءَتْهُ بِولد أحمقت وَإِن أنجبت فَعَن خطأ مَا أنجبت. أطو ذكر هَذَا عَنى لَا تسمه لي. وَأما الآخر فبعل الْحرَّة الْكَرِيمَة، إِنِّي لأخلاق هَذَا لوامقة، وَإِنِّي لَهُ لموافقة، وَإِنِّي لآخذه بأدب البعل، مَعَ لزومي قبتي وَقلة تلفتي، وَإِن السَّلِيل بيني وَبَينه لحري أَن يكون المدافع عَن حَرِيم عشيرته، الذائد عَن كتيبتها المحامي عَن حَقِيقَتهَا، الْمُثبت لأرومتها، غير متواكل وَلَا زميل عِنْد صعصعة الحروب. قَالَ: ذَلِك أَبُو سُفْيَان بن حَرْب. قَالَت: فَزَوجهُ وَلَا تلقني إِلَيْهِ إِلْقَاء الشكس وَلَا تسمه سوم الضرس، ثمَّ استخر الله عز وَجل فِي السَّمَاء يخرلك فِي الْقَضَاء. فَزَوجهَا أَبَا سُفْيَان. وَكَانَ الآخر سُهَيْل بن عَمْرو. قيل: إِنَّه لما نخس هَبَّار بِزَيْنَب بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ بلغ هنداً، فَقَامَتْ مُسندَة ظهرهَا إِلَى الْكَعْبَة وَقَالَت: أبابنة مُحَمَّد يَفْعَلُونَ هَذَا! أَفِي السّلم أعياراً جفَاء وغلظة ... وَفِي الْحَرْب أَمْثَال النِّسَاء العوارك

رؤيا عاتكه بنت عبد المطلب

قَوْلهَا حِين سَمِعت رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة، أَنه قَالَ: لما كَانَ الْفَتْح قَالَ لي خَالِد بن الْوَلِيد: يَا أَبَا هُرَيْرَة، اذْهَبْ بِنَا إِلَى هِنْد بنت عتبَة، لَعَلَّك تقْرَأ عَلَيْهَا بعض الْقُرْآن لينفعها الله. قلت: انْطلق. فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا كَأَنَّهَا وَالله فرس عَرَبِيّ، وَكَأن وَرَاء عجيزتها رجلآً جَالِسا. فَقَالَ لَهَا خَالِد بن الْوَلِيد: يَا أم مُعَاوِيَة؛ هَذَا أَبُو هُرَيْرَة صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ، جئْتُك بِهِ ليتلو عَلَيْك الْقُرْآن ويذكرك أَمر الْإِسْلَام. قَالَت: هَات. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَقلت: " بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ": " تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك وَهُوَ على كل شَيْء قدير ". حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى قَوْله جلّ وَعز: " يَنْقَلِب إِلَيْك الْبَصَر خاسئاً وَهُوَ حسير ". فَقَالَت: لأوسدن الْكَعْبَة. مَا سمعنَا بشاعر قطّ ينتحل خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا شَاعِرهمْ هَذَا. قَالَ: فَقَالَ خَالِد: قُم يَا أَبَا هُرَيْرَة، فوَاللَّه لَا تسلم هَذِه أبدا. فقمنا فخرجنا من عِنْدهَا. وَكَانَت هِنْد تَقول: النِّسَاء أغلال فليختر الرجل غلاً ليده. وَكَانُوا يشبهون عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ بهند فِي عقلهَا. رُؤْيا عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب كَانَت عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ، سَاكِنة بِمَكَّة مَعَ أَخِيهَا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، فرأت رُؤْيا قبل يَوْم بدر، وَقبل قدوم ضَمْضَم عَلَيْهِم، فَفَزِعت مِنْهَا، فَأرْسلت إِلَى أَخِيهَا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب من لَيْلَتهَا، فَجَاءَهَا فَقَالَت: رَأَيْت اللَّيْلَة رُؤْيا قد أشفقت مِنْهَا، وخشيت على قَوْمك الهلكة. قَالَ: وماذا رَأَيْت؟ قَالَت: لن أحَدثك حَتَّى تعاهدني أَلا تذكرها لقَوْمك؛ فَإِنَّهُم إِن سمعوها آذونا وأسمعونا مَالا نحب. فعاهدها الْعَبَّاس فَقَالَت:

رَأَيْت رَاكِبًا أقبل على رَاحِلَة من أَعلَى مَكَّة يَصِيح بِأَعْلَى صَوته: يَا آل غدر، اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاث، ثمَّ أقبل يَصِيح حَتَّى دخل الْمَسْجِد على رَاحِلَته، فصاح ثَلَاث صيحات، وَمَال عَلَيْهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان، وفزع النَّاس لَهُ أَشد الْفَزع. قَالَت: ثمَّ أرَاهُ مثل ظهر الْكَعْبَة على رَاحِلَته فصاح ثَلَاث صيحات فَقَالَ: يَا آل غدر، يَا آل فجر اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاث. ثمَّ أرَاهُ مثل عَليّ أبي قبيس كَذَلِك يَقُول: يَا آل غدر وَيَا آل فجر حَتَّى أسمع من بَين الأخشبين من أهل مَكَّة، ثمَّ عمد لصخرة عَظِيمَة فنزعها من أَصْلهَا ثمَّ أرسلها على أهل مَكَّة، فَأَقْبَلت الصَّخْرَة لَهَا حس شَدِيد، حَتَّى إِذا كَانَت عِنْد أصل الْجَبَل ارفضت، فَلَا أعلم بِمَكَّة بَيْتا وَلَا دَارا إِلَّا وَقد دَخَلتهَا فلقَة من تِلْكَ الصَّخْرَة. فقد خشيت على قَوْمك. فَفَزعَ من رؤياها الْعَبَّاس ثمَّ خرج من عِنْدهَا، فلقي الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي ربيعَة من آخر تِلْكَ اللَّيْلَة، وَكَانَ خَلِيلًا للْعَبَّاس، فَقص عَلَيْهِ رُؤْيا عَاتِكَة وَأمره أَلا يذكرهَا لأحد، فَذكرهَا لِأَبِيهِ عتبَة، وَذكرهَا عتبَة لِأَخِيهِ شيبَة، فارتفع الحَدِيث حَتَّى بلغ أَبَا جهل واستفاض فِي أهل مَكَّة. فَلَمَّا أَصْبحُوا غَدا الْعَبَّاس يطوف، فَوجدَ فِي الْمَسْجِد أَبَا جهل، وَأَبا البخترى فِي نفر من قُرَيْش يتحدثون، فَلَمَّا نظرُوا إِلَى الْعَبَّاس ناداه أَبُو جهل: يَا أَبَا الْفضل؛ إِذا قضيت طوافك فَهَلُمَّ إِلَيْنَا. فَلَمَّا قضى طَوَافه جَاءَهُم فَجَلَسَ إِلَيْهِم، فَقَالَ لَهُ أَبُو جهل: مَا رُؤْيا عَاتِكَة؟ قَالَ: مَا رَأَتْ من شَيْء قَالَ أَبُو جهل: أما رَضِيتُمْ يَا بني هَاشم بكذب الرِّجَال حَتَّى جئتمونا بكذب النِّسَاء. إِنَّا كُنَّا وَأَنْتُم كفرسي الرِّهَان، فاستبقنا الْمجد مُنْذُ حينٍ. فَلَمَّا تحاكت الركب قُلْتُمْ: منا نَبِي. فَمَا بَقِي إِلَّا أَن تَقولُوا: منا نبية. لَا أعلم فِي قُرَيْش أهل بَيت أكذب رجلا وَلَا امْرَأَة مِنْكُم. فآذوه أَشد الْأَذَى وَقَالَ أَبُو جهل: زعمت عَاتِكَة أَن الرَّاكِب قَالَ: اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاث، فَلَو قد مَضَت هَذِه الثَّلَاث تبينت قُرَيْش كذبكم، وكتبنا سجلاً أَنكُمْ أكذب بَيت فِي الْعَرَب رجلا وَامْرَأَة. أما رَضِيتُمْ يَا بني قصي أَن ذهبتم بالحجابة والندوة والسقاية واللواء والرفادة حَتَّى جئتمونا بِنَبِي مِنْكُم. فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس: هَل أَنْت منته، فَإِن الْكَذِب فِيك وَفِي أهل الْبَيْت. فَقَالَ من حضرهما: مَا كنت يَا أَبَا الْفضل

فاطمه بنت عبد الملك بن مروان

جهولاً وَلَا خرقاً. ولقى الْعَبَّاس من عَاتِكَة فِيمَا أفشى عَلَيْهَا من رؤياها أَذَى شَدِيدا. فَلَمَّا كَانَ مسَاء اللَّيْلَة الثَّالِثَة من اللَّيَالِي الَّتِي رَأَتْ فِيهَا عَاتِكَة الرُّؤْيَا جَاءَهُم الرَّاكِب الَّذِي بعث بِهِ أَبُو سُفْيَان وَهُوَ ضَمْضَم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ فَصَرَخَ: يَا آل غَالب ابْن فهر؛ انفروا فقد خرج مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَأهل يثرب لأبي سُفْيَان فاحذروا عِيركُمْ. فَفَزِعت قُرَيْش أَشد الْفَزع وَأَشْفَقُوا من رُؤْيا عَاتِكَة. وَقَالَ الْعَبَّاس: هَذَا زعمتم كذبي وَكذب عَاتِكَة. فنفروا على كل صَعب وَذَلُول، فأظفر الله رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ ببدر. فَاطِمَة بنت عبد الْملك بن مَرْوَان روى عَن عَطاء قَالَ: قلت لفاطمة بنت عبد الْملك: أَخْبِرِينِي عَن عمر بن عبد الْعَزِيز. قَالَت: أفعل، وَلَو كَانَ حَيا مَا فعلت. إِن عمر رَحمَه الله كَانَ قد فزع للْمُسلمين نَفسه، ولأمورهم ذهنه 361، فَكَانَ إِذا أَمْسَى مسَاء لم يفرغ فِيهِ من حوائج النَّاس فِي يَوْمه دَعَا بسراجه الَّذِي كَانَ يسرج لَهُ من مَاله ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أقعى وَاضِعا رَأسه على يَدَيْهِ، تسيل دُمُوعه على خديه يشهق الشهقة تكَاد ينصدع لَهَا قلبه، أَو تخرج لَهَا نَفسه، حَتَّى يرى الصُّبْح. وَأصْبح صَائِما فدنوت مِنْهُ فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ ألشيء كَانَ مِنْك مَا كَانَ؟ قَالَ: أجل، فَعَلَيْك بشأنك، وخليني وشأني. فَقلت: إِنِّي أَرْجُو أَن أتعظ. قَالَ: إِذا أخْبرك، إِنِّي نظرت قد وجدتني وليت أَمر هَذِه الْأمة أحمرها وأسودها، ثمَّ ذكرت الْفَقِير الجائع، والغريب الضائع، والأسير المقهور، وَذَا المَال الْقَلِيل والعيال الْكثير، وَأَشْيَاء من ذَلِك فِي أقاصي الْبِلَاد، وأطراف الأَرْض، فَعلمت أَن الله عز وَجل سائلي عَنْهُم، وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجيجي، لَا يقبل الله مني فيهم معذرة، وَلَا يقوم لي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة، فرحمت وَالله يَا فَاطِمَة نَفسِي رَحْمَة دَمَعَتْ لَهَا عَيْني، ووجع لَهَا قلبِي، فَأَنا كلما ازددت ذكرا ازددت خوفًا فأيقظي أودعي.

ام سلمه ام المؤمنين

أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ فِي حَدِيث أم سَلمَة أَنَّهَا أَتَت عَائِشَة لما أَرَادَت الْخُرُوج إِلَى الْبَصْرَة فَقَالَت لَهَا: إِنَّك سدة بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَأمته، وحجابك مَضْرُوب على حرمته، وَقد جمع الْقُرْآن ذيلك فَلَا تندحيه وَسكن عقيراك فَلَا تصحريها. الله من وَرَاء هَذِه الْأمة، لَو أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أَن يعْهَد إِلَيْك عهدا. علت علت بل قد نهاك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الفرطة فِي الْبِلَاد؛ إِن عَمُود الْإِسْلَام لَا يُثَاب بِالنسَاء إِن مَال، وَلَا يرأب بِهن أَن صدع، حماديات النِّسَاء غض الْأَطْرَاف وخفر الْأَعْرَاض، وَقصر الوهازة. مَا كنت قائلة لَو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ عارضك بعض الفلوات ناصة قلوصاً من منهل إِلَى آخر أَن يعين الله مهواك، وعَلى رَسُوله تردين قد وجهت سدافته. - ويروى سجافته - وَتركت عهيداه. لَو سرت مسيرك هَذَا ثمَّ قيل: ادخلي الفردوس لاستحييت أَن ألْقى مُحَمَّدًا، هاتكة حِجَابا قد ضربه عَليّ. اجعلي حصنك بَيْتك، ووقاعة السّتْر قبرك، حَتَّى تلقيه وَأَنت على تِلْكَ أطوع مَا تكونين لله مَا لَزِمته، وأنصر مَا تكونين للدّين مَا جَلَست عَنهُ، لَو ذكرتك قولا تعرفينه نهسته نهش الرقشاء المطرقة. فَقَالَت عَائِشَة: مَا أقبلني لوعظك! وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا تظنين، ولنعم الْمسير مسير فزعت فِيهِ إِلَيّ فئتان متناجزتان - أَو متناحرتان - إِن أقعد فَفِي غير حرج، وَإِن أخرج فَإلَى مَا لَا بُد من الازدياد مِنْهُ. قَوْلهَا: قد جمع الْقُرْآن ذيلك فَلَا تندحيه أَي لَا توسعيه بالحركة وَالْخُرُوج يُقَال: ندحت الشَّيْء: إِذا وسعته. وَمِنْه يُقَال: أَنا فِي مندوحة عَن كَذَا. أَي فِي سَعَة. وَمن رَوَاهُ فَلَا تبدحيه فَإِنَّهُ من البداح وَهُوَ المتسع من الأَرْض وعقيراك: من عقر الدَّار.

ملتقطات من كلامهن

وعلت من الْعَوْل، وَهُوَ الْميل. وَمن رَوَاهُ: علت بِالْكَسْرِ فَهُوَ من عَال فِي الْبِلَاد يعيل. والفرطة: من الفرط. وَهُوَ السَّبق والتقدم. لَا يُثَاب: لَا يرد يُقَال ثَبت إِلَى كَذَا أَي عدت إِلَيْهِ. حماديات: جمع حمادي مثل قَوْلك قصاراك. الوهازة: قيل هُوَ الخطو. السدافة: الْحجاب والستر، من أسداف اللَّيْل: إِذا ستر بظلمته. ملتقطات من كلامهن قَالَت هِنْد بنت عتبَة وَقد عزيت عَن يزِيد بن أبي سُفْيَان لما مَاتَ فَقيل لَهَا: إِنَّا لنَرْجُو أَن يكون فِي مُعَاوِيَة خلفا مِنْهُ. قَالَت: أومثل مُعَاوِيَة يكون خلفا من أحد؟ وَالله لَو جمعت الْعَرَب من أقطارها ثمَّ رمي بِهِ فِيهَا لخرج من أَيهَا شَاءَ. قَالَت خالدة بنت هَاشم بن عبد منَاف لأخ لَهَا - وَقد سمعته تجهم صديقا لَهُ: أَي أخي، لَا تطلع من الْكَلَام إِلَّا مَا قد روأت فِيهِ قبل ذَلِك، ومزجته بالحلم، وداويته بالرفق؛ فَإِن ذَلِك أشبه بك. فَسَمعَهَا أَبوهَا هَاشم فَقَامَ إِلَيْهَا فاعتنقها وَقبلهَا وَقَالَ: واهاً لَك يَا قبَّة الديباج. فلقبت بذلك. قَالَت عَائِشَة للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَقد دخل عَلَيْهَا: أَيْن كنت يَا رَسُول الله؟ قَالَ: كنت عِنْد أم سَلمَة. قَالَت: أما تشبع. فَتَبَسَّمَ. وَقَالَت: يَا رَسُول الله؛ لَو مَرَرْت بعدوتين إِحْدَاهمَا عَافِيَة لم يرعها أحد، وَأُخْرَى قد رعاها النَّاس، أَيهمَا كنت تنزل؟ قَالَ: بالعافية الَّتِي لم يرعها النَّاس. قَالَت: فلست كَأحد من نِسَائِك. عمر وَأَبُو سُفْيَان رُوِيَ أَن عمر نهى أَبَا سُفْيَان عَن رش بَاب منزله لِئَلَّا يمر بِهِ الْحَاج فيزلقون فِيهِ، فَلم ينْتَه. وَمر عمر فزلق بِبَابِهِ فعلاه بِالدرةِ وَقَالَ: ألم آمُرك أَلا تفعل هَذَا.

حال ابنه عبد الله بن جعفر بعد زواجها من الحجاج

فَوضع أَبُو سُفْيَان سبابته على فِيهِ. فَقَالَ عمر: الْحَمد لله الَّذِي أَرَانِي أَبَا سُفْيَان ببطحاء مَكَّة أضربه فَلَا ينتصر، وآمره فيأتمر. فَسَمعته هِنْد بنت عتبَة فَقَالَت: احمده يَا عمر فَإنَّك إِن تحمده فقد أَرَاك عَظِيما. كَانَت زَيْنَب بنت سُلَيْمَان بن عَليّ تَقول: من أَرَادَ أَن يكون الْخلق شفعاءه إِلَى الله فليحمده. ألم تسمع إِلَى قَوْلهم: سمع الله لمن حَمده. فخف الله لقدرته عَلَيْك واستحي مِنْهُ لقُرْبه مِنْك. وَقَالَت زَيْنَب: لَو أدْرك الْمَنْصُور مَا سَاس بِهِ الْمَأْمُون بني أبي طَالب لخرج لَهُ عَمَّا يملك. لما تزوجت خَدِيجَة رضوَان الله عَلَيْهَا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كست أَبَاهَا حلَّة وخلقته ونحرت جزوراً، فَلَمَّا أَفَاق الشَّيْخ قَالَ: مَا هَذَا الحبير وَهَذَا العبير وَهَذَا العقير؟ فَقَالَت خَدِيجَة: زوجتني مُحَمَّدًا وَهُوَ كساك هَذَا. حَال ابْنة عبد الله بن جَعْفَر بعد زواجها من الْحجَّاج قيل: مَا رئيت ابْنة عبد الله بن جَعْفَر ضاحكة بعد أَن تزَوجهَا الْحجَّاج فَقيل لَهَا: لَو تسليت، فَإِنَّهُ أَمر قد وَقع. فَقَالَت: كَيفَ وَبِمَ؟ فوَاللَّه لقد ألبست قومِي عاراً لَا يغسل درنه بِغسْل. وَلما مَاتَ أَبوهَا لم تبك عَلَيْهِ. فَقيل لَهَا: أَلا تبكين على أَبِيك؟ قَالَت: وَالله إِن الْحزن ليبعثني وَإِن الغيظ ليصمتني. مَاتَ ابْن لِزَيْنَب بنت سُلَيْمَان بن عَليّ فَوجه الْمَأْمُون بِصَالح بن الرشيد للصَّلَاة عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا صَالح: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول لَك: قد كنت على الرّكُوب، فعرضت لي عِلّة، وَقد وجهت صَالحا ليقوم مقَامي، عظم الله أجرك، فَإِنَّمَا فقدت شخصه، وثوابه مذخور لَك. قَالَ: فَظهر غَضَبهَا، وَرفعت ابْنا لابنها الْمَيِّت فَقَالَت: صل على أَبِيك وَقَالَت: سبكناه ونحسبه لجيناً ... فأبدى الْكِير عَن خبث الْحَدِيد

المامون وام جعفر

أما إِنَّه لَو كَانَ يحيى بن الْحُسَيْن بن زيد لوضعت ذيلك فِي فِيك، وعدوت خلف جنَازَته. الْمَأْمُون وَأم جَعْفَر لما دخل الْمَأْمُون بَغْدَاد دخلت عَلَيْهِ أم جَعْفَر فَقَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ 363 أهنئك بخلافة قد هنأت بهَا نَفسِي عَنْك قبل أَن أَرَاك. وَلَئِن فقدت ابْنا خَليفَة لقد عوضت ابْنا خَليفَة لم ألده. وَمَا خسر من اعتاض مثلك، وَلَا ثكلت أم مَلَأت يَدهَا مِنْك، فأسأل الله أجرا على مَا أَخذ، ومتاعاً بِمَا وهب. دخلت فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن على هِشَام بن عبد الْملك، فَقَالَ لبَعض جُلَسَائِهِ: حركها بِشَيْء تغْضب مِنْهُ. فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: إِنَّهَا لَا تعرف الشَّرّ. فَقَالَت لَهُ: أَيهَا عَنْك. علمي بِهِ جنبنيه. من أَعمال وأقوال فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن روى عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عمر بن عُثْمَان قَالَ: جمعتنَا أمنا فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَت: يَا بني؛ إِنَّه وَالله مَا نَالَ أحد من أهل السَّفه بسفههم شَيْئا وَلَا أدركوه من لذاتهم إِلَّا وَقد ناله أهل المروءات، فاستتروا بستر الله. وَذكر أَن فَاطِمَة أَعْطَتْ وَلَدهَا من حسن بن حسن مَا ورثته مِنْهُ، وأعطت وَلَدهَا من عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان مورثها مِنْهُ، فَوجدَ ولد حسن بن حسن فِي أنفسهم لِأَن مَا ورثت من عبد الله بن عَمْرو كَانَ أَكثر فَقَالَت لَهُم: يَا بني، إِنِّي كرهت أَن يرى أحدكُم شَيْئا من مَال أَبِيه بيد أَخِيه، فيجد من ذَلِك فِي نَفسه فَلذَلِك فعلت مَا فعلت. وَدخلت مَعَ أُخْتهَا سكينَة على هِشَام بن عبد الْملك، فَقَالَ هِشَام لفاطمة: صفي لنا يَا بنة حُسَيْن ولدك من ابْن عمك، وصفي لنا ولدك من ابْن عمنَا قَالَ: فَبَدَأت بِولد الْحسن قَالَت: أما عبد الله فسيدنا وشريفنا والمطاع فِينَا، وَأما الْحسن فلساننا ومدرهنا وأشبه النَّاس برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شمائل وتقلعاً ولوناً - وَكَانَ

رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام إِذا مَشى تقلع فَلَا تكَاد عقباه تقعان بِالْأَرْضِ - وَأما الذان من ابْن عمكم فَإِن مُحَمَّدًا جمالنا الَّذِي نباهي بِهِ، وَالقَاسِم عارضتنا الَّتِي نمتنع بهَا، وأشبه النَّاس بِأبي الْعَاصِ بن أُميَّة عارضة ونفساً. فَقَالَ: وَالله لقد أَحْسَنت صفاتهم يَا بنة حُسَيْن. ثمَّ وثب فجبذت سكينَة بردائه فَقَالَت: وَالله يَا أَحول لقد أَصبَحت تهكم بِنَا. أما وَالله مَا أبرزنا لَك إِلَّا يَوْم الطف، قَالَ: أَنْت امْرَأَة كَثِيرَة الشَّرّ.

الباب الثاني نكت من كلام النساء ومستحسن جواباتهن والفاظهن

الْبَاب الثَّانِي نكت من كَلَام النِّسَاء ومستحسن جواباتهن وألفاظهن جَوَاب امْرَأَة لبَعض الساخرين من بني نمير مرت امْرَأَة جميلَة على مَسْجِد بني نمير بِالْبَصْرَةِ وَعَلِيهِ جمَاعَة مِنْهُم فَقَالَ بَعضهم: مَا أكبر عجيزتها، وَقَالَ آخر: إِنَّهَا ملفوفة. وَقَالَ آخر: أَنا أجيئكم بخبرها. فتبعها وَضرب يَده على عجيزتها. قَالَ: فالتفتت إِلَيْهِ وَقَالَت: " الْحق من رَبك فَلَا تكونن من الممترين " ثمَّ انصرفت إِلَى بني نمير فَقَالَت: يَا بني نمير؛ وَالله مَا حفظتم فِي قَول الله جلّ وَعز، وَلَا قَول الشَّاعِر؛ قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: " قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم " وَقَالَ الشَّاعِر: فغض الطّرف إِنَّك من نمير ... فَلَا كَعْبًا بلغت وَلَا كلاباً 364 - قَالَت امْرَأَة من نمير وحضرتها الْوَفَاة، وَأَهْلهَا مجتمعون: من الَّذِي يَقُول: لعمرك مَا رماح بني نمير ... بطائشة الصُّدُور وَلَا قصار قَالُوا: زِيَاد الْأَعْجَم. قَالَت: فَإِنِّي أشهدكم أَن لَهُ الثُّلُث من مَالِي. وَكَانَ الثُّلُث كثيرا. وَقَالَت امْرَأَة لزَوجهَا: إِن أكلك لاقتفاف، وَإِن شربك لاشتفاف، وَإِن ضجعك لالتفاف. تنام لَيْلَة تخَاف، وتشبع لَيْلَة تُضَاف.

وصف امراه لزوجها ووصفه لها

وصف امْرَأَة لزَوجهَا وَوَصفه لَهَا طلق أَعْرَابِي امْرَأَته فَقَالَت لَهُ: جَزَاك الله خيرا؛ لقد كنت كثير المرق، طيب الْعرق، قَلِيل الأرق، قَالَ: وَأَنت فجزاك الله خيرا؛ لقد كنت لذيذة المعتنق عِنْد الْكرَى والأرق، وَلَكِن مَا قضى الله قد سبق. تزوج أَعْرَابِي امْرَأَة أشرف مِنْهُ حسباً ونسباً فَقَالَ: يَا هَذِه: إِنَّك مَهْزُولَة. فَقَالَت: هزالي أولجني بَيْتك. لما قتل حَاجِب بن زُرَارَة قراد بن حنيفَة قَالَت قبائل بني دارم لحاجب: إِمَّا أَن تقيد من نَفسك، وَإِمَّا أَن تدفع إِلَيْنَا رجلا من رهطك. فَأمر فَتى من بني زُرَارَة بن عدس أَن يذهب إِلَيْهِم حَتَّى يُقَاد. فَمروا بالفتى على أمه وحسبوها تجزع فَيدْفَع حَاجِب إِلَيْهِم غَيره. فَقَالَت: إِن حَيْضَة وَقت حاجباً الْمَوْت لعظيمة الْبركَة. قَالَت أعرابية وَقد دفع إِلَيْهَا علك لتمضغه: مَا فِيهِ إِلَّا تَعب الأضراس وخيبة الحنجرة. قيل لرملة بنت الزبير: مَا لَك أهزل مَا تكونين إِذا كَانَ زَوجك شَاهدا؟ قَالَت: إِن الْحرَّة لَا تضاجع بَعْلهَا بملء بَطنهَا. كَأَنَّهَا لم تأمن قرقرة الْبَطن وَغير ذَلِك. نظر رجل إِلَى امْرَأتَيْنِ يتلاعبان فَقَالَ: مرا لَعَنَكُمَا الله فَإِنَّكُنَّ صواحبات يُوسُف. فَقَالَت إِحْدَاهمَا: يَا عمي فَمن رمى بِهِ فِي الْجب: نَحن أم أَنْتُم؟ وَمَرَّتْ جَارِيَة بِقوم وَمَعَهَا طبق مغطى فَقَالَ بَعضهم: أَي شَيْء مَعَك على الطَّبَق؟ قَالَت: فَلم غطيناه؟ قَالَ الجاحظ: من الأسجاع الْحَسَنَة قَول الأعرابية حِين خَاصَمت ابْنهَا إِلَى عَامل المَاء: أما كَانَ بَطْني لَك وعَاء؟ أما كَانَ حجري لَك فنَاء؟ أما كَانَ ثديي لَك سقاء. وَقَالَت امْرَأَة: أَصْبَحْنَا مَا يرقد لنا فرس، وَلَا ينَام لنا حرس. قَول امْرَأَة فِي رثاء ابْنهَا مر رجل بِامْرَأَة من غاضرة، وَإِذا ابْن لَهَا مسجى بَين يَديهَا، وَهِي تَقول:

قول اعرابيه حين شربت النبيذ

يَرْحَمك الله يَا بني. فوَاللَّه مَا كَانَ مَالك لبطنك، وَلَا أَمرك لعرسك، وَلَا كنت إِلَّا لين العطفة، يرضيك أقل مِمَّا يسخطك. قَالَ: فَقَالَ لَهَا: يَا أمه، أَلَك مِنْهُ خلف؟ قَالَت: بلَى مَا هُوَ خير مِنْهُ: ثَوَاب الله وَالصَّبْر على الْمُصِيبَة. وَلما قتل الْفضل بن سهل دخل الْمَأْمُون إِلَى أمه يعزيها فِيهِ، وَقَالَ: يَا أمه؛ لَا تحزني على الْفضل؛ فَإِنِّي خلف لَك مِنْهُ. فَقَالَت لَهُ: وَكَيف لَا أَحْزَن على ولد عوضني خلفا مثلك، فتعجب الْمَأْمُون من جوابها. وَكَانَ يَقُول: مَا سَمِعت جَوَابا قطّ كَانَ أحسن مِنْهُ وَلَا أخلب للقلب. قَول أعرابية حِين شربت النَّبِيذ حُكيَ أَن عجوزاً من الْأَعْرَاب جَلَست فِي طَرِيق مَكَّة إِلَى فتيَان من قُرَيْش يشربون نبيذاً لَهُم، فسقوها قدحاً فطابت نَفسهَا وتبسمت ثمَّ سقوها قدحاً آخر، فاحمر وَجههَا وضحكت فسقوها قدحاً ثَالِثا، فَقَالَت: أخبروني عَن نِسَائِكُم بالعراق، أيشربن من هَذَا الشَّرَاب؟ قَالُوا: نعم. قَالَت: زنين وَرب الْكَعْبَة. 365 - سُئِلت أعرابية فَقيل لَهَا: أتعرفين النُّجُوم؟ قَالَت: سُبْحَانَ الله أما أعرف أشياخاً وقوفاً عَليّ كل لَيْلَة؟ قيل لامْرَأَة أُصِيبَت بِوَلَدِهَا: كَيفَ أَنْت والجزع؟ . قَالَت: لَو رَأَيْت فِيهِ دركاً مَا اخْتَرْت عَلَيْهِ، وَلَو دَامَ لي لدمت لَهُ. مر أَعْرَابِي بِجَارِيَة جابة تمدر حوضاً لَهَا، فَقَالَ: من دلّ على بعير بعنقه علاط. وبأنفه خزام، تتبعه بكرتان سمراوان؟ فَقَالَ الْقَوْم: حفظ الله علينا وَأمْسك عَلَيْك. وَالله مَا أحسسنا لَهَا خَبرا. . فَقَالَت الْجَارِيَة: لَا حفظ الله عَلَيْك يَا عَدو الله. فَقيل لَهَا: مَا ذَاك؟ قَالَت: إِنَّه ينشد سوءته. قَالَ بَعضهم: شهِدت امْرَأَة بالبادية، وَبَين يَديهَا ابْن لَهَا يجود بِنَفسِهِ فَوَثَبت عَلَيْهِ فأغمضته وعصبته وترحمت عَلَيْهِ، ثمَّ تنحت. فَقَالَت: مَا حق من ألبس

وصف اعرابيه لزوجها

النِّعْمَة، وأطيلت لَهُ الْعَافِيَة، وأديمت بِهِ النظرة أَلا يعجز عَن التَّوَثُّق لنَفسِهِ، من قبل حل عقوده، والحلول بعقوته، والحيالة بَينه وَبَين نَفسه. وصف أعرابية لزَوجهَا قَالَت أعرابية فِي الزَّوْج: لَا أريده ظريفاً وَلَا ظريفاً وَلَا رجل أَهله وَلَا السمين الألحم، وَلَكِنِّي أريده الضحوك ولاجاً، الكسوب خراجاً. خطب رجل ابْنة عَم لَهُ فَأَخْبرهَا أَبوهَا بذلك فَقَالَت: يَا أبه، سَله مَا لي عِنْده؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: ألطف برهَا، وأحمل ذكرهَا، وأعصي أمرهَا. فَقَالَت: زوجنيه. لما أهديت ابْنة عبد الله بن جَعْفَر إِلَى الْحجَّاج نظر إِلَيْهَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وعبرتها تجول فِي خدها، فَقَالَ: مِم بِأبي أَنْت؟ . قَالَت: من شرف اتضع، وَمن ضعة شرفت. وَلما كتب عبد الْملك إِلَى الْحجَّاج بِطَلَاقِهَا قَالَ لَهَا: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ أَمرنِي بطلاقك قَالَت: هُوَ أبر بِي مِمَّن زوجنيك قَول امْرَأَة لِبلَال بن أبي بردة حكم بِلَال بن أبي بردة بِالتَّفْرِيقِ بَين رجل وَامْرَأَته، فَقَالَت لَهُ الْمَرْأَة: يَا بن أبي مُوسَى إِنَّمَا بعثتم بِالتَّفْرِيقِ بَين الْمُسلمين. نزل رجل بِامْرَأَة من الْعَرَب فَقَالَ لَهَا: هَل من لبن أَو طَعَام يُبَاع؟ فَقَالَت: إِنَّك للئيم أَو حَدِيث عهد باللئام. فَاسْتحْسن ذَلِك مِنْهَا وخطبها فَتَزَوجهَا. كَرَاهَة النِّسَاء للشيب حدث بَعضهم قَالَ: خرجت إِلَى نَاحيَة الطفاوة فَإِذا أَنا بِامْرَأَة لم أر أجمل مِنْهَا. فَقلت: أيتها الْمَرْأَة؛ إِن كَانَ لَك زوج فَبَارك الله لَهُ فِيك، وَإِلَّا فأعلميني. قَالَ: فَقَالَت: وَمَا تصنع بِي وَفِي شَيْء لَا أَرَاك ترتضيه. قلت: وَمَا هُوَ؟ قَالَت: شيب فِي رَأْسِي. قَالَ: فثنيت عنان دَابَّتي رَاجعا. فصاحت بِي: على رسلك أخْبرك بِشَيْء. فوقفت وَقلت: مَا هُوَ يَرْحَمك الله؟ فَقَالَت: وَالله مَا بلغت الْعشْرين بعد،

من اقوال ابنه الخس

وَهَذَا رَأْسِي - فَكشفت عَن عناقيد كالحمم - وَمَا رَأَيْت فِي رَأْسِي بَيَاضًا قطّ، وَلَكِن أَحْبَبْت أَن تعلم أَنا نكره مثل مَا يكره منا. وأنشدت: أرى شيب الرِّجَال من الغواني ... بِموضع شيبهن من الرِّجَال قَالَ: فَرَجَعت خجلاً كاسف البال. وصفت امْرَأَة نسَاء فَقَالَت: كن صدوعاً فِي صفا لَيْسَ لعاجز فِيهِنَّ حَظّ. من أَقْوَال ابْنة الخس قيل لابنَة الخس: من تريدين أَن تتزوجي؟ فَقَالَت: لَا أريده أَخا فلَان وَلَا ابْن عَم فلَان، وَلَا الظريف، وَلَا المتظرف، وَلَا السمين الألحم وَلَكِنِّي أريده كسوباً إِذا غَدا، ضحوكاً إِذا أَتَى، أخال وَلَا تيمنه وَقيل لَهَا: من أعظم النَّاس فِي عَيْنَيْك؟ قَالَت: من 366 كَانَت لي إِلَيْهِ حَاجَة. قيل لأعرابية قد حملت شَاة تبيعها: بكم؟ قَالَت: بِكَذَا. قيل لَهَا: أحسني. فَتركت الشَّاة وَمَرَّتْ لتنصرف. فَقيل لَهَا: مَا هَذَا؟ قَالَت: لم تَقولُوا أنقصي، وَإِنَّمَا قُلْتُمْ: أحسني. وَالْإِحْسَان ترك الْكل. قَالَت قريبَة الأعرابية: إِذا كنت فِي غير قَوْمك فَلَا تنس نصيبك من الذل قيل لأعرابية: مَا أطيب الروائح؟ قَالَت: بدن تحبه، وَولد تربه. سَأَلَ رجل الخيزران حَاجَة، وَأهْدى إِلَيْهَا هَدِيَّة فَردَّتهَا وكتبت إِلَيْهِ: إِن كَانَ الَّذِي وجهته ثمنا لرأي فِيك فقد بخستني فِي الْقيمَة، وَإِن كَانَ استزادة فقد استغششتني فِي النَّصِيحَة. قتل قُتَيْبَة أَبَا امْرَأَة وأخاها وَزوجهَا ثمَّ قَالَ لَهَا: أتعرفين أعدى لَك مني؟ قَالَت: نعم: نفس طالبتني بالغداء بعد من قتلت لي. تقدّمت امْرَأَة إِلَى قاضٍ فَقَالَ لَهَا القَاضِي: جامعك شهودك كلهم؟ فَسَكَتَتْ فَقَالَ كَاتبه: إِن القَاضِي يَقُول: جَاءَ شهودك مَعَك؟ قَالَت: نعم. ثمَّ قَالَت للْقَاضِي:

حديث اختين

أَلا قلت كَمَا قَالَ كاتبك. كبر سنك، وَذهب عقلك. وعظمت لحيتك فغطت على عقلك؛ وَمَا رَأَيْت مَيتا يحكم بَين الْأَحْيَاء غَيْرك. قَالَت أعرابية لزَوجهَا، ورأته مهموماً: إِن كَانَ همك بالدنيا فقد فرغ الله مِنْهَا، وَإِن كَانَ للآخرة فزادك الله هما بهَا. قَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت أعرابية تَقول: إلهي؛ مَا أضيق على من لم تكن دَلِيله، وأوحشه على من لم تكن أنيسه! وافتخرت جاريتان من الْعَرَب بقوسي أبويهما. فَقَالَت إِحْدَاهمَا: قَوس أبي طروح مروح، تعجل الظبي أَن يروح. وَقَالَت الْأُخْرَى: قَوس أبي كرة، تعجل الظبي النفرة. قَالَ عتبَة بن ربيعَة لابنته هِنْد: قد خَطبك إِلَيّ رجلَانِ؛ خَطبك السم ناقعاً، وخطبك الْأسد عادياً. فَأَيّهمَا أحب إِلَيْك أَن أزَوجك؟ قَالَت: الَّذِي يَأْكُل أحب إِلَيّ من الَّذِي يُؤْكَل. فَزَوجهَا أَبَا سُفْيَان، وَهُوَ الْأسد العادي وَكَانَ الآخر سُهَيْل بن عَمْرو. سَمِعت امْرَأَة بدوية وَهِي ترقص ابْنا لَهَا وَتقول: رزقك الله جدا يخدمك عَلَيْهِ ذَوُو الْعُقُول، وَلَا رزقك عقلا تخْدم بِهِ ذَوي الجدود. حَدِيث أُخْتَيْنِ قَالَ ابْن أبي طَاهِر: حَدثنِي عَليّ بن عُبَيْدَة قَالَ: تزاورت أختَان من أهل الْقصر، فأرهقتهما الصَّلَاة، فبادرت إِحْدَاهمَا فصلت صَلَاة خَفِيفَة، فَقَالَ لَهَا بعض النِّسَاء: كنت حريَّة أَن تطولي الصَّلَاة فِي هَذَا الْيَوْم شكرا لله حِين الْتَقَيْنَا. قَالَت: لَا، وَلَكِن أخفف صَلَاتي الْيَوْم وأتمتع بِالنّظرِ إِلَيْهَا، وأشكر الله فِي صَلَاتي غَدا. قَالَت الخنساء: النِّسَاء يحببن من الرِّجَال المنظراني الغليظ. القصرة، الْعَظِيم الكمرة، الَّذِي إِذا طعن حفر، وَإِذا أَخطَأ قشر، وَإِذا أخرج عقر. قيل لأعرابية فِي الْبَادِيَة: من أَيْن معاشكم؟ فَقَالَت: لَو لم نعش إِلَّا من حَيْثُ نعلم لم نعش.

ام ابان ومن خطبها من الصحابه

قيل لامْرَأَة من كلب: مَا أحب الْأَشْيَاء من الرِّجَال إِلَى النِّسَاء: قَالَت: مَا يكثر الْأَعْدَاد، وَيزِيد فِي الْأَوْلَاد؛ حَرْبَة فِي غلاف بحقوى رجل جَاف، إِذا عافى أوهن، وَإِذا جَامع أثخن. قَالَت عَائِشَة للخنساء، إِلَى كم تبكين على صَخْر، وَإِنَّمَا هُوَ جَمْرَة فِي النَّار؟ قَالَت: ذَاك أَشد لجزعي عَلَيْهِ. جَاءَت امْرَأَة إِلَى عدي بن أَرْطَاة تستعديه على زَوجهَا، وتشكو أَنه عنين لَا يَأْتِيهَا، فَقَالَ عدي: إِنِّي لأَسْتَحي للْمَرْأَة أَن تستعدي على زَوجهَا من 367 مثل هَذَا. فَقَالَت: وَلم لَا أَرغب فِيمَا رغبت فِيهِ أمك فَلَعَلَّ الله أَن يَرْزُقنِي ابْنا مثلك. وَقَالَت أعرابية لرجل: مَا لَك تُعْطِي وَلَا تعد؟ فَقَالَ لَهَا: مَالك وللوعد؟ قَالَت: يَنْفَسِخ بِهِ الصَّبْر، وينتشر فِيهِ الأمل، ويطيب بِذكرِهِ النَّفس، ويرجى بِهِ الْعَيْش، وتربح أَنْت بِهِ المرح بِالْوَفَاءِ. قيل لامْرَأَة: صفي لنا النَّاقة النجيبة، قَالَت: كالعقرب إِذا هَمت، وكالحية إِذا التوت، تطوي الفلاة وَمَا انطوت. صرخت أعرابية ذَات يَوْم، فَقَالَ لَهَا أَبوهَا: مَالك؟ قَالَت: لسعتني عقرب، قَالَ: أَيْن؟ قَالَت: حَيْثُ لَا يضع الراقي أَنفه. خطب أَعْرَابِي امْرَأَة وَكَانَ قَصِيرا فَاحش الْقصر، عَظِيم الْأنف جدا فَكَرِهته فَقَالَ: يَا هَذِه، قد عرفت شرفي وَأَنا مَعَ ذَلِك كريم المعاشرة، مُحْتَمل الْمَكْرُوه. فَقَالَت: صدقت مَعَ حملك هَذَا الْأنف أَرْبَعِينَ سنة. أم أبان وَمن خطبهَا من الصَّحَابَة كَانَت أم أبان بنت عتبَة بن ربيعَة عِنْد يزِيد بن أبي سُفْيَان فَمَاتَ عَنْهَا فَخَطَبَهَا عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فَردته فَقيل لَهَا: أَتردينَ عَليّ بن أبي طَالب ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ، وَزوج فَاطِمَة وَأَبا الْحسن وَالْحُسَيْن، وحاله فِي الْإِسْلَام حَاله؟ قَالَت: نعم. لَا أوثر هَوَاهُ على هواي. لَيْسَ لامْرَأَته مِنْهُ إِلَّا جُلُوسه بَين شعبها الْأَرْبَع، وَهُوَ صَاحب صر من النِّسَاء.

عثمان ونائله بنت الفرافصه

ثمَّ خطبهَا عمر فَردته. فَقيل أَتردينَ أَمِير الْمُؤمنِينَ الْفَارُوق، وحاله فِي الْإِسْلَام حَاله؟ قَالَت: نعم لَا أوثر هَوَاهُ على هواي، يدْخل عَابِسا وَيخرج عَابِسا، ويغلق عَليّ بَابه وَأَنا امْرَأَة بَرزَة. ثمَّ خطبهَا الزبير فَردته. فَقيل لَهَا: أَتردينَ الزبير حوارِي رَسُول الله وَابْن عمته وحاله فِي الْإِسْلَام حَاله؟ قَالَت: نعم. لَا أوثر هَوَاهُ على هواي. يَد فِيهَا قروني، وَيَد فِيهَا السَّوْط. ثمَّ خطبهَا طَلْحَة فَقَالَت: زَوجي حَقًا. يدْخل عَليّ بساماً وَيخرج بساماً، إِن سَأَلت بذل، وَإِن أعْطى أجزل، وَإِن أذنبت غفر، وَإِن أَحْسَنت شكر. فتزوجته. فأولم ثمَّ دَعَا هَؤُلَاءِ النَّفر وَهِي فِي خدرها وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ. فَقَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: يَا أَبَا مُحَمَّد إيذن لي أكلم هَذِه فَأذن لَهُ. فَقَالَ: يَا أم أبان تستري. فتسترت ثمَّ رفع سجف الحجلة فَقَالَ: يَا عدية نَفسهَا خطبتك وَلَيْسَ بقرشية عني رَغْبَة بعد فَاطِمَة بنت رَسُول الله، فرددتني، وخطبك الزبير حوارِي رَسُول الله وَابْن عمته فرددته واخترت علينا ابْن الصعبة قَالَت: فَلَو وجدت نفقاً لدخلت فِيهِ. قَالَت: فأحلت على الزاملة الَّتِي تحمل كل شَيْء فَقلت: أَمر قضي، وَمَا كَانَ ذَاك بيَدي فَقَالَ: صدقت رَحِمك الله. أما على ذَلِك فقد نكحت أَصْبَحْنَا وَجها، وأسخانا كفا، وَأَكْرمنَا للنِّسَاء صُحْبَة. ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد، سلها عَمَّا قلت لَهَا فَإِنِّي لم أقل إِلَّا الَّذِي تحب. قَالَ: لَا أسألها عَنهُ أبدا. نظرت عَجُوز أعرابية إِلَى امْرَأَة حولهَا عشرَة من بنيها كَأَنَّهُمْ الصقور فَقَالَت: ولدت أمكُم حزنا طَويلا. خرج مُعَاوِيَة ذَات يَوْم يمشي، وَمَعَهُ خصي لَهُ حَتَّى دخل على مَيْسُونُ بنت بَحْدَل، وَهِي أم يزِيد فاستترت مِنْهُ. قَالَ: أتستترين مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ مثل الْمَرْأَة؟ قَالَت: أَتَرَى أَن الْمثلَة بِهِ تحل مَا حرم الله. عُثْمَان ونائلة بنت الفرافصة خطب عُثْمَان بن عَفَّان نائلة بنت الفرافصة بن الْأَحْوَص الْكَلْبِيّ وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَقَالَ لِابْنِهِ ضَب: تحنف وَزوجهَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَفعل وَحملهَا إِلَى الْمَدِينَة. فَلَمَّا

بين الحسين وامراته

أدخلت إِلَيْهِ قَالَ لَهَا: أتقومين إِلَيّ أم أقوم إِلَيْك؟ قَالَت: مَا قطعت إِلَيْك عرض 368 السماوة وَأَنا أُرِيد أَن أكلفك طول الْبَيْت. فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قَالَ: لَا يروعنك هَذَا الشيب قَالَت: أما إِنِّي من نسْوَة أحب أَزوَاجهنَّ إلَيْهِنَّ الكهل السَّيِّد قَالَ: حلي إزارك. قَالَت: ذَاك بك أحسن. فَلَمَّا قتل أصابتها ضَرْبَة على يَدهَا وخطبها مُعَاوِيَة فَردته وَقَالَت: مَا يحب الرِّجَال مني؟ قَالُوا: ثناياك. فَكسرت ثناياها وَبعثت بهَا إِلَى مُعَاوِيَة. وَقَالَ: ذَلِك مِمَّا رغب قُريْشًا فِي نِكَاح نسَاء كلب. تزوج الزبير أم مُصعب، وَتزَوج الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام أم سكينَة، وَتزَوج مَرْوَان أم عبد الْعَزِيز. اسْتعْمل الْمَنْصُور رجلا على خُرَاسَان فَأَتَتْهُ امْرَأَة فِي حَاجَة فَلم تَرَ عِنْده غناء. فَقَالَت: أَتَدْرِي لم ولاك أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: لَا. قَالَت: لينْظر هَل يَسْتَقِيم أَمر خُرَاسَان بِلَا وَال. قَالَ بَعضهم: خطبت امْرَأَة فأجابت فَقلت: إِنِّي سيء الْخلق. فَقَالَت: أَسْوَأ خلقا مِنْك من يلجئك إِلَى سوء الْخلق. قيل: إِن الْحسن رَضِي الله عَنهُ طلق امْرَأتَيْنِ قرشية وجعفية وَبعث إِلَى كل وَاحِدَة مِنْهُمَا عشْرين ألفا. وَقَالَ للرسول: احفظ مَا تَقول كل وَاحِدَة مِنْهُمَا فَقَالَت القرشية: جزاه الله خيرا. وَقَالَت الجعفية: مَتَاع قَلِيل من حبيب مفارق. فَرَاجعهَا وطلق الْأُخْرَى. بَين الْحُسَيْن وَامْرَأَته وَكَانَت عِنْد الْحسن بن الْحُسَيْن امْرَأَة فضجر يَوْمًا وَقَالَ: أَمرك فِي يدك فَقَالَت: أما وَالله لقد كَانَ فِي يدك عشْرين سنة فحفظته، أفأضيعه فِي سَاعَة صَار فِي يَدي. قد رددت إِلَيْك حَقك. فأعجبه قَوْلهَا وَأحسن صحبتهَا. قَالَت الخيزران: قبح الله الخدم لَيْسَ لَهُم حزم الرِّجَال وَلَا رقة النِّسَاء. كتب الْمَأْمُون إِلَى شكْلَة أم إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي يتوعدها فأجابته: أَنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أم من أمهاتك، فَإِن كَانَ ابْني عصى الله فِيك فَلَا تعصه فِي، وَالسَّلَام.

خبر ام الحجاج مع زوجها

قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: رَأَيْت هنداً بِمَكَّة جالسة، كَأَن وَجههَا فلقَة قمر وَخَلفهَا من عجيزتها مثل الرجل الْجَالِس، وَمَعَهَا صبي يلْعَب، فَمر رجل فَنظر إِلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي لأرى غُلَاما إِن عَاشَ ليسودن قومه. فَقَالَت هِنْد: إِن لم يسد إِلَّا قومه فَلَا جبره الله. قيل لأم الرشيد: أتخافين الْمَوْت؟ قَالَت: كَيفَ لَا أخافه؟ وَلَو كنت عصيت مخلوقاً مَا أَحْبَبْت لقاءه. فَكيف ألْقى الله وَقد عصيته؟ خبر أم الْحجَّاج مَعَ زَوجهَا كَانَت الفارعة بنت مَسْعُود الثقفية أم الْحجَّاج عِنْد الْمُغيرَة بن شُعْبَة، فَدخل عَلَيْهَا ذَات يَوْم حِين أقبل من صَلَاة الْغَدَاة وَهِي تتخلل. فَقَالَ: يَا فارعة؛ لَئِن كَانَ هَذَا التخلل من أكل الْيَوْم إِنَّك لجشعة، وَإِن كَانَ من أكل البارحة إِنَّك لبشعة. اعْتدى فَأَنت طَالِق. فَقَالَت: سخنت عَيْنك من مطلاق. مَا هُوَ من ذَا وَلَا ذَاك. وَلَكِنِّي استكت فتخللت من شظية من سِوَاكِي. فَاسْتَرْجع ثمَّ خرج فلقي يُوسُف بن الحكم بن أبي عقيل. فَقَالَ: إِنِّي قد نزلت الْيَوْم عَن سيدة نسَاء ثَقِيف، فتزوجتها فَإِنَّهَا ستنجب. فَتَزَوجهَا فَولدت لَهُ الْحجَّاج. دخلت ليلى الأخيلية على الْحجَّاج. فَقَالَ لأَصْحَابه: أَلا أخجلها لكم؟ قَالُوا: بلَى. قَالَ: يَا ليلى، أَكنت تحبين تَوْبَة؟ قَالَت: نعم أَيهَا الْأَمِير. وَأَنت لَو رَأَيْته أحببته. الْوَلِيد بن عبد الْملك وزوجه قَالَ ابْن عَيَّاش: تزوج الْوَلِيد بن عبد الْملك ثَلَاثًا وَسِتِّينَ امْرَأَة، وَكَانَ أَكثر 369 مَا يُقيم على الْمَرْأَة سِتَّة أشهر، وَكَانَ فِيمَن تزوج ابْنة عبد الله بن مُطِيع الْعَدوي، وَكَانَت جميلَة ظريفة، فَلَمَّا أهديت إِلَيْهِ قَالَ لسماره الَّذين كَانُوا يسمرون عِنْده: لَا تَبْرَحُوا - وَإِن أَبْطَأت - حَتَّى أخرج إِلَيْكُم. وَدخل بهَا وانتظروه حَتَّى خرج إِلَيْهِم فِي السحر وَهُوَ يضْحك. فَقَالُوا: سرك الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ: مَا رَأَيْت مثل ابْنة الْمُنَافِق. يَعْنِي عبد الله بن مُطِيع - وَكَانَ مِمَّن قتل مَعَ ابْن الزبير، وَكَانَ بَنو مَرْوَان

بين الرشيد وعنان

يسمون شيعَة ابْن الزبير: الْمُنَافِقين - لما أردْت الْقيام أخذت بذيلي وَقَالَت: يَا هَذَا؛ إِنَّا قد اشترطنا على الجمالين الرّجْعَة. فَمَا رَأْيك؟ فأعجب بهَا وَأقَام عَلَيْهَا سِتَّة أشهر ثمَّ بعث إِلَيْهَا بِطَلَاقِهَا. قَالَ بَعضهم: قَالَت لي جَارِيَة لي: ظهر يَا مولَايَ الشيب فِي رَأسك. فَقلت: هُوَ مَا لَا تحبونه. فَقَالَت: إِنَّمَا يثقل علينا الشيب على البديهة، فَأَما شيب نَشأ مَعنا فَنحْن نَنْظُر إِلَيْهِ بِالْعينِ الأولى. افتخر على شاهفريد أم يزِيد بن الْوَلِيد نسَاء الْوَلِيد العربيات فَقَالَت: لَيست مِنْكُن امْرَأَة إِلَّا وَفِي عشيرتها من يفخر عَلَيْهَا، وَلَا يقر لَهَا بالشرف وَالْفضل. وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا أَعْجَمِيَّة تَفْخَر عَليّ. وَكَانَت من أَوْلَاد يزدجرد. وَلذَلِك يَقُول يزِيد بن الْوَلِيد: أَنا ابْن كسْرَى وَأبي مَرْوَان، وَقَيْصَر جدي، وجدي خاقَان. بَين الرشيد وعنان عرضت عنان جَارِيَة الناطفي على الرشيد وَهُوَ يتبختر، فَقَالَ لَهَا: أتحبين أَن أشتريك؟ فَقَالَت: وَلم لَا يَا أحسن النَّاس خلقا وخلقاً؟ فَقَالَ: أما الْخلق فقد رَأَيْته، فالخلق أَنى عَرفته؟ قَالَت: رَأَيْت شرارة طاحت من اليجمرة فلمعت فِي خدك فَمَا قطبت لَهَا وَلَا عاتبت أحدا. لما بنى الْمَأْمُون ببوران مد يَده إِلَيْهَا فَحَاضَت، فَقَالَت: أَتَى أَمر الله فَلَا تستعجلوه. فَفطن الْمَأْمُون ووثب عَنْهَا. كَانَ مُعَاوِيَة يمشي مَعَ أمه فعثر، فَقَالَت لَهُ: قُم لَا رفعك الله - وأعرابي ينظر إِلَيْهِ - فَقَالَ: لم تَقُولِينَ لَهُ هَذَا؟ فوَاللَّه إِنِّي لأظنه سيسود قومه. فَقَالَت: لَا رَفعه الله إِن لم يسد إِلَّا قومه. قَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان: جمعتنَا أمنا فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَت: يَا بني إِنَّه وَالله مَا نَالَ أحد من أهل السَّفه بسفههم شَيْئا، وَلَا أدركوه من لذاتهم إِلَّا وَقد ناله أهل المروءات بمروءاتهم. فاستتروا بستر الله. لما قصد المعتضد بني شَيبَان اصْطفى مِنْهُم عجوزاً سريعة الْجَواب فصيحةً،

ليلي الاخيليه والحجاج

فَكَانَ يغري بَينهَا وَبَين الجلساء، فَجَاءَت يَوْمًا فَقَعَدت بِلَا إِذن فَقَالَ لَهَا خَفِيف السَّمرقَنْدِي الْحَاجِب: أتجلسين بَين يَدي أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَلم يَأْذَن لَك؟ فَقَالَت: أَنْت جَار ذَلِك وحاجبه، كَانَ يجب أَن تعرفنِي مَا أعمل قبل دخولي إِذْ لم تكن لي عَادَة بِمثلِهِ. ثمَّ قَامَت. فتغافل المعتضد عَنْهَا فَقَالَت: يَا سيداه؛ أقيام إِلَى الْأَبَد، فَمَتَى يَنْقَضِي الأمد؟ فَضَحِك وأمرها بِالْجُلُوسِ. قَالُوا: طَاف عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بِالْبَيْتِ، وَهُنَاكَ عَجُوز قديمَة وَعلي قد فرع النَّاس كَأَنَّهُ رَاكب وَالنَّاس مشَاة. فَقَالَت: من هَذَا الَّذِي قد فرع النَّاس؟ فَقيل: عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس، فَقَالَت: لَا إِلَه إِلَّا الله إِن النَّاس ليرذلون. عهدي بِالْعَبَّاسِ يطوف بِهَذَا الْبَيْت كَأَنَّهُ فسطاط أَبيض وَيُقَال: إِنَّه كَانَ عَليّ إِلَى منْكب أَبِيه عبد الله 370. وَكَانَ عبد الله إِلَى منْكب أَبِيه الْعَبَّاس وَكَانَ الْعَبَّاس إِلَى منْكب أَبِيه عبد الْمطلب. قَالَت هِنْد بنت عتبَة لأبي سُفْيَان بن حَرْب لما رَجَعَ مُسلما من عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ إِلَى مَكَّة فِي لَيْلَة الْفَتْح فصاح: يَا معشر قُرَيْش، أَلا إِنِّي قد أسلمت، فأسلموا، فَإِن مُحَمَّدًا قد أَتَاكُم بِمَا لَا قبل لكم بِهِ. فَأخذت هِنْد رَأسه وَقَالَت: بئس طَلِيعَة الْقَوْم. وَالله مَا خدشت خدشاً. يَا أهل مَكَّة. عَلَيْكُم الحميت الدسم فَاقْتُلُوهُ. وَقَالَت هِنْد: إِنَّمَا النِّسَاء أغلال، فليختر الرجل غلا ليده. وَذكرت هِنْد بنت الْمُهلب النِّسَاء فَقَالَت: مَا زين بِشَيْء كأدب بارع تَحْتَهُ لب ظَاهر. وَقَالَت أَيْضا: إِذا رَأَيْتُمْ النعم مستدرة فبادروا بالشكر قبل حُلُول الزَّوَال. ليلى الأخيلية وَالْحجاج قدمت ليلى الأخيلية على الْحجَّاج ومدحته. فَقَالَ: يَا غُلَام؛ أعْطهَا خَمْسمِائَة، فَقَالَت: أَيهَا الْأَمِير، اجْعَلْهَا أدماً. فَقَالَ قَائِل: إِنَّمَا أَمر لَك بشاء. قَالَت: الْأَمِير أكْرم من ذَاك. فَجَعلهَا إبِلا إِنَاثًا استحياء. وَإِنَّمَا كَانَ أَمر لَهَا بشاء أَولا.

كَانَت آمِنَة بنت سعيد بن الْعَاصِ عِنْد الْوَلِيد بن عبد الْملك، فَلَمَّا مَاتَ عبد الْملك سعت بهَا إِحْدَى ضراتها إِلَى الْوَلِيد. وَقَالَت: لم تبك على عبد الْملك كَمَا بَكت نظائرها. فَقَالَ لَهَا الْوَلِيد فِي ذَلِك فَقَالَت: صدق الْقَائِل لَك أَكنت قائلة: يَا ليته بَقِي حَتَّى يقتل أَخا لي آخر كعمرو بن سعيد. كَانَت ابْنة هاني بن قبيصَة عِنْد لَقِيط بن زُرَارَة، فَقتل عَنْهَا وَتَزَوجهَا رجل من أَهلهَا، فَكَانَ لَا يزَال يَرَاهَا تذكر لقيطاً. فَقَالَ لَهَا ذَات مرّة: مَا استحسنت من لَقِيط؟ فَقَالَت: كل أُمُوره كَانَت حَسَنَة. وكني أحَدثك إِن خرج مرّة إِلَى الصَّيْد وَقد انتشى، فَرجع إِلَيّ وبقميصه نضح من دم صَيْده والمسك يضوع من أعطافه، ورائحة الشَّرَاب من فِيهِ. فضمني ضمة وشمني شمة، فليتني كنت مت ثمَّة. قَالَ: فَفعل زَوجهَا مثل ذَلِك ثمَّ ضمهَا إِلَيْهِ وَقَالَ: أَيْن أَنا من لَقِيط؟ فَقَالَت: مَاء وَلَا كصداء، ومرعى وَلَا كالسعدان قَالُوا: كَانَ ذُو الإصبع العدواني غيوراً، وَكَانَ لَهُ بَنَات أَربع لَا يزوجهن غيرَة؛ فاستمع عَلَيْهِنَّ مرّة وَقد خلون يتحدثن، فذكرن الْأزْوَاج حَتَّى قَالَت، الصُّغْرَى مِنْهُنَّ: زوج من عود خير من قعُود. فخطبهم فزوجهن. ثمَّ أمهلهن حولا، ثمَّ زار الْكُبْرَى فَقَالَ لَهَا: كَيفَ رَأَيْت زَوجك؟ قَالَت: خير زوج يكرم أَهله، وينسى فَضله. قَالَ: حظيت ورضيت. فَمَا مالكم؟ قَالَت: خير مَال. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَت: الْإِبِل، نَأْكُل لحمانها مزعاً، وَنَشْرَب أَلْبَانهَا جرعاً وتحملنا وضعفتنا مَعًا. فَقَالَ: زوج كريم وَمَال عميم. ثمَّ زار الثَّانِيَة فَقَالَ: كَيفَ رَأَيْت زَوجك؟ قَالَت: يكرم الحليلة وَيقرب الْوَسِيلَة قَالَ: فَمَا مالكم؟ قَالَت: الْبَقر. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَت: تألف الفناء، وتملأ الْإِنَاء، وتودك السقاء، وَنسَاء مَعَ نسَاء. قَالَ: رضيت وحظيت. ثمَّ زار الثَّالِثَة فَقَالَ: كَيفَ رَأَيْت زَوجك؟ فَقَالَت: لَا سمح بذر، وَلَا بخيل حكر. قَالَ: فَمَا مالكم؟ قَالَت: المعزى. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَت: لَو كُنَّا نولدها

امراه علي قبر الاحنف

فطماً، ونسلخها أدماً، لم نبغ بهَا نعما. فَقَالَ: جذوة مغنية. ثمَّ زار الرَّابِعَة فَقَالَ: كَيفَ رَأَيْت زَوجك؟ فَقَالَت: شَرّ زوج؛ يكرم نَفسه ويهين عرسه. قَالَ: فَمَا مالكم؟ قَالَت: شَرّ مَال؛ الضَّأْن. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَت: جَوف يشبعن، وهيم لَا ينقعن، وصم 371، لَا يسمعن، وَأمر مغويتهن يتبعن. فَقَالَ: أشبه امأ بعض بزه، فأرسلها مثلا. امْرَأَة على قبر الْأَحْنَف وقفت امْرَأَة من تَمِيم على قبر الْأَحْنَف. فَقَالَت: لله دَرك من مجن فِي جنن، ومدرج فِي كفن. نسْأَل الله الَّذِي فجعنا بِوَجْهِك، وابتلانا بفقدك، أَن يَجْعَل سَبِيل الْخَيْر سَبِيلك وَدَلِيل الْخَيْر دليلك، وَأَن يُوسع لَك فِي قبرك، وَيغْفر لَك يَوْم حشرك. فوَاللَّه لقد كنت فِي المحافل شريفاً، وعَلى الأرامل عطوفاً، وَلَقَد كنت فِي الْجُود مسوداً، وَإِلَى الْخَلِيفَة موفداً، وَلَقَد كَانُوا لِقَوْلِك مُسْتَمِعِينَ، ولرأيك متبعين. الْمَأْمُون وزبيدة قَالَ ثُمَامَة: لما دخل الْمَأْمُون بَغْدَاد دخلت عَلَيْهِ زبيدة أم الْأمين، فَجَلَست بَين يَدَيْهِ فَقَالَت: الْحَمد لله، أهنيك بالخلافة، فقد هنأت بهَا نَفسِي قبل أَن أَرَاك؛ وَلَئِن كنت قد فقدت ابْنا خَليفَة، لقد اعتضت ابْنا خَليفَة، وَمَا خسر من اعتاض مثلك، وَلَا ثكلت أم مَلَأت عينهَا مِنْك، وَأَنا أسأَل الله أجرا على مَا أَخذ، وإمتاعاً بِمَا وهب. فَقَالَ الْمَأْمُون: مَا تَلد النِّسَاء مثل هَذِه. مَاذَا ترَاهَا بقت فِي هَذَا الْكَلَام لبلغاء الرِّجَال. تزوج عبد الْملك لبَابَة بنت عبد الله بن جَعْفَر فَقَالَت لَهُ يَوْمًا: لَو استكت فَقَالَ: أما مِنْك فأستاك. وَطَلقهَا فَتَزَوجهَا عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس وَكَانَ أَقرع لَا يُفَارِقهُ قلنسوته. فَبعث إِلَيْهِ عبد الْملك جَارِيَة وَهُوَ جَالس مَعَ لبَابَة، فَكشفت رَأسه على غَفلَة لترى مَا بِهِ. فَقَالَت لِلْجَارِيَةِ: قولي لَهُ: هاشمي أصلع أحب إِلَيْنَا من أموي أبخر. حَدِيث أم زرع اجْتمعت إِحْدَى عشرَة امْرَأَة فتعاهدن أَلا يكتمن أَخْبَار أَزوَاجهنَّ شَيْئا

فَقَالَت الأولى: زَوجي لحم جمل غث، على جبل وعر، لَا سهل فيرتقى وَلَا سمين فينتقى، ويروى فَينْتَقل. وَقَالَت الثَّانِيَة: زَوجي لَا أبث خَبره، وَإِنِّي أَخَاف أَلا أذره إِن أذكرهُ أذكر عُجَره وبجره. قَالَت الثَّالِثَة: زَوجي العشنق إِن انْطلق أطلق، وَإِن أسكت أعلق. قَالَت الرَّابِعَة: زَوجي كليل تهَامَة، لَا حر وَلَا قر، وَلَا مَخَافَة وَلَا سآمة. قَالَت الْخَامِسَة: زَوجي إِن أكل لف، وَإِن شرب اشتف وَإِن اضْطجع التف، وَلَا يولج الْكَفّ ليعلم البث. قَالَت السَّادِسَة: زَوجي عياياء طباقاء كل دَاء لَهُ دَاء شجك أَو فلك، أَو جمع كلا لَك. قَالَت السَّابِعَة: زَوجي إِن دخل فَهد، وَإِن خرج أَسد، وَلَا يسْأَل عَمَّا عهد. قَالَت الثَّامِنَة: زَوجي الْمس مس أرنب، وَالرِّيح ريح زرنب. قَالَت التَّاسِعَة: زَوجي رفيع الْعِمَاد، طَوِيل النجاد، عَظِيم الرماد، قريب الْبَيْت من النادي. قَالَت الْعَاشِرَة: زَوجي مَالك وَمَا مَالك {مَالك خير من ذَلِك، لَهُ إبل قليلات المسارح كثيرات الْمُبَارك، إِذا سمعن صَوت المزهر أَيقَن أَنَّهُنَّ هوالك. قَالَت الْحَادِيَة عشرَة: زَوجي أَبُو زرع وَمَا أَبُو زرع} أنَاس من حلي أُذُنِي، وملأ من شَحم عضدي، وبجحني فبجحت إِلَى نَفسِي، وجدني فِي أهل غنيمَة بشق، فجعلني فِي أهل صَهِيل وأطيط، ودائس ومنق، وَعِنْده أَقُول فَلَا أقبح،

اسلام قيله

وأشرب فأتقنح، وأرقد فأتصبح. أم أبي زرع وَمَا أم أبي زرع {عكومها رداح، وبيتها فياح. ابْن أبي زرع وَمَا ابْن أبي زرع} كمسل شطبة، وتشبعه ذِرَاع الجفرة. بنت أبي زرع وَمَا بنت أبي زرع {طوع أَبِيهَا وطوع أمهَا وملء كسائها، وغيظ جارتها. جَارِيَة أبي زرع وَمَا جَارِيَة أبي زرع} لَا تبث حديثنا تبثيثاً وَلَا تنقث 372 ميرتنا تنقيثاً، وَلَا تملا بيتنا تعشيشاً. خرج أَبُو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امْرَأَة مَعهَا ولدان لَهَا كالفهدين يلعبان من تَحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سرياً، ركب شرياً، وَأخذ خطياً، وأراح على نعما ثرياً. وَقَالَ: كلي أم زرع وميري أهلك، فَلَو جمعت كل شَيْء أعطانيه مَا بلغ أَصْغَر آنِية أبي زرع. قَالَت عَائِشَة: فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كنت لَك كَأبي زرع لأم زرع. إِسْلَام قيلة وَفِي حَدِيث قيلة حِين خرجت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عَم بناتها أَرَادَ أَن يَأْخُذ بناتها مِنْهَا. قَالَت: فَلَمَّا خرجت بَكت هنيهة مِنْهُنَّ وَهِي أصغرهن، حديباء كَانَت قد أَخَذتهَا الفرصة، عَلَيْهَا سبيج لَهَا من صوف فرحمتها فحملتها مَعهَا فَبينا هما

يرتكان، إِذْ تنفجت الأرنب. فَقَالَت الحديباء والقصية: وَالله لَا يزَال كعبك عَالِيا. قَالَت: وأدركني عمهن بِالسَّيْفِ، فأصابت ظبته طَائِفَة من قُرُون رأسيه. وَقَالَ: ألقِي إِلَيّ ابْنة أخي يَا دفار فألقيتها إِلَيْهِ، ثمَّ انْطَلَقت إِلَى أُخْت لي ناكح فِي بني شَيبَان أَبْتَغِي الصَّحَابَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَبَيْنَمَا أَنا عِنْدهَا لَيْلَة، تحسب عَيْني نَائِمَة، إِذْ دخل زَوجهَا من السامر، فَقَالَ: وَأَبِيك لقد أصبت لقيلة صَاحب صدق، حُرَيْث بن حسان الشَّيْبَانِيّ فَقَالَت أُخْتِي: الويل لي، لَا تخبرها فتتبع أَخا بكر بن وَائِل بَين سمع الأَرْض وبصرها، لَيْسَ مَعهَا رجل من قَومهَا. قَالَت: فصحبت صَاحب صدق، حَتَّى قدمنَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَصليت مَعهَا الْغَدَاة حَتَّى إِذا طلعت الشَّمْس دَنَوْت، فَكنت إِذا رَأَيْت رجلا ذَا رواء أَو ذَا قشر طمح بَصرِي إِلَيْهِ، فجَاء رجل فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله. فَقَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام. وَهُوَ قَاعد القرفصاء، وَعَلِيهِ أسمال مليتين، وَمَعَهُ عسيب نَخْلَة مقشور غير خوصتين من أَعْلَاهُ قَالَ: فَتقدم صَاحِبي يبايعه على الْإِسْلَام. ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله، اكْتُبْ لي بالدهناء لَا يجاوزها من تَمِيم إِلَيْنَا إِلَّا مُسَافر أَو مجاور. فَقَالَ: يَا غُلَام؛ اكْتُبْ لَهُ قَالَت: فشخص بِي وَكَانَت وطني وداري فَقلت: يَا رَسُول الله، الدهناء مُقَيّد الْجمل، ومرعى الْغنم، وَهَذِه نسَاء بني تَمِيم وَرَاء ذَلِك. فَقَالَ: " صدقت المسكينة، الْمُسلم أَخُو الْمُسلم، يسعهما المَاء وَالشَّجر ويتعاونان على الفتان ". قَالَت: ثمَّ أَمر عَلَيْهِ السَّلَام فَكتب لي فِي قِطْعَة أَدَم أَحْمَر: لقيلة والنسوة وَبَنَات قيلة لَا يظلمن حَقًا وَلَا يُكْرهن على منكح، وكل مُؤمن مُسلم لَهُنَّ نصير، أحسن وَلَا تسئن. " وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ: أيلام ابْن هَذِه أَن يفصل الخطة، وينتصر من وَرَاء الْحُجْرَة. قَالَت: فَلَمَّا رأى حُرَيْث أَنه قد حيل دون كِتَابه صفق إِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى ثمَّ قَالَ: كنت أَنا وَأَنت كَمَا قَالَ الأول: حتفها حملت ضَأْن بأظلافها.

رقيه اعرابيه

قَالَت: فَقلت: أما وَالله لقد كنت دَلِيلا فِي اللَّيْلَة الظلماء، جواداً لذِي الرحل، عفيفاً عَن الرفيقة، صَاحب صدق حَتَّى قدمنَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ. على أَنِّي أسأَل حظي إِذا سَأَلت حظك. قَالَ: وَمَا حظك من الدهناء؟ لَا أَبَا لَك {} قَالَت: مُقَيّد جملي تسأله لجمل امْرَأَتك. قَالَ: أما إِنِّي أشهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أَنِّي لَك أَخ مَا حييت إِذْ أثنيت هَذَا عَليّ عِنْده. قَالَت: إِذْ بدأتها فَإِنِّي لَا أضيعها. وقف الْمهْدي 373 وَقد حج على امْرَأَة من طَيء فَقَالَ: مِمَّن الْعَجُوز؟ قَالَت: من طَيء قَالَ: مَا منع طيئاً أَن يكون فِيهَا آخر مثل حَاتِم؟ قَالَت: الَّذِي منع الْعَرَب أَن يكون فِيهَا آخر مثلك. قَالُوا: سَارَتْ بَنو سعد إِلَى بكر بن وَائِل، وَكَانَت فيهم جَارِيَة عاشق فاكتلأت تنظر، فرأت رجلا معتجراً بشقة برد متنكباً قوسه فلاحت لَهَا صفحة الْقوس، فَأَنْبَهْت أَبَاهَا وَقَالَت: يَا أبه: إِنِّي رَأَيْت متن سيف أَو صفحة قَوس على مَوضِع السِّلَاح فِي الشمَال، من رجل أجلى الجبين براق الثنايا، كَأَن عمَامَته ملوية بشجرة. فَقَالَ: يَا بنيه، إِنِّي لأبغض الفتاة الكلوء الْعين. قَالَت: وَالله مَا كذبتك. فصاح فِي قومه فأنذرهم. فَقَالُوا: مَا نِيَّة ابْنَتك فِي هَذِه السَّاعَة. إِنَّهَا عاشقة، فاستحيا الشَّيْخ فَانْصَرف. فَقَالَت ابْنَته: ارتحل؛ فَإِن الْجَيْش مصبحك. وَوَقعت بَنو سعد ببكر بن وَائِل فَقتلُوا وملأوا أَيْديهم من السَّبي والغارة. قَالَ الْأَصْمَعِي: قيل لامْرَأَة: علام تمنعين زَوجك القضة؟ فَإِنَّهُ يعتل بك. فَقَالَت: كذب وَالله، إِنِّي لأطأطئ الوساد وأرخي اللباد. رقية أعرابية قَالَ بَعضهم: سَمِعت أعرابية بالحجاز ترقي رجلا من الْعين فَقَالَت: أُعِيذك بِكَلِمَات الله التَّامَّة، الَّتِي لَا تجوز عَلَيْهَا هَامة، من شَرّ الْجِنّ وَشر الْإِنْس عَامَّة، وَشر النظرة اللامة، أُعِيذك بمطلع الشَّمْس، من شَرّ ذِي مشي هَمس، وَشر ذِي نظر خلس، وَشر ذِي قَول دس، من شَرّ الحاسدين والحاسدات، والنافسين والنافسات، والكائدين والكائدات.

معاويه وسوده بنت عماره

نشرت عَنْك بنشرة نشار، عَن رَأسك ذِي الْأَشْعَار، وَعَن عَيْنَيْك ذواتي الأشفار، وَعَن فِيك ذِي المحار، وظهرك ذِي الفقار، وبطنك ذِي الْأَسْرَار، وفرجك ذِي الأستار، ويديك ذواتي الْأَظْفَار، ورجليك ذواتي الْآثَار، وذيلك ذِي الْغُبَار، وعنك فضلا وَذَا إِزَار، وَعَن بَيْتك فرجا وَذَا أَسْتَار. رششت بِمَاء بَارِد نَارا، وعينين أشفاراً، وَكَانَ الله لَك جاراً. مُعَاوِيَة وَسَوْدَة بنت عمَارَة وفدت سَوْدَة بنت عمَارَة الهمدانية على مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهَا: مَا حَاجَتك؟ قَالَت: إِنَّك أَصبَحت للنَّاس سيداً، ولأمرهم مُتَقَلِّدًا، وَالله مسائلك عَن أمرنَا، وَمَا افْترض عَلَيْك من حَقنا، وَلَا يزَال يقدم علينا من ينوء بعزك، ويبطش بسلطانك، فيحصدنا حصد السنبل، ويدوسنا دوس الْبَقر، ويسومنا الخسيسة، ويسألنا الجليلة. هَذَا بسر بن أَرْطَاة قدم علينا من قبلك، فَقتل رجالي، وَأخذ مَالِي، يَقُول لي: قوهي بِمَا أستعصم الله مِنْهُ، وَأَلْجَأَ إِلَيْهِ فِيهِ، وَلَوْلَا الطَّاعَة لَكَانَ فِينَا عزة ومنعة؛ فإمَّا عزلته عَنَّا فشكرناك، وَإِمَّا لَا فعرفناك. قَالَ مُعَاوِيَة: أتهددينني بقومك؟ لقد هَمَمْت أَن أحملك على قتب أَشْرَس، فأردك إِلَيْهِ، ينفذ فِيك حكمه. فأطرقت تبْكي ثمَّ أنشأت تَقول: صلى الْإِلَه على جسم تضمنه ... قبر فَأصْبح فِيهِ الْعدْل مَدْفُونا قد حَالف الْحق لَا يَبْغِي بِهِ بَدَلا ... فَصَارَ بِالْحَقِّ وَالْإِيمَان مَقْرُونا قَالَ لَهَا: وَمن ذَاك؟ قَالَت: عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام. قَالَ: وَمَا صنع بك حَتَّى صَار عنْدك كَذَا؟ قَالَت: قدمت عَلَيْهِ فِي متصدق قدم علينا قبله، وَالله مَا كَانَ بيني وَبَينه إِلَّا مَا بَين 374 الغث والسمين، فَأتيت عليا عَلَيْهِ السَّلَام لأشكو إِلَيْهِ مَا صنع، فَوَجَدته قَائِما يُصَلِّي. فَلَمَّا نظر إِلَيّ انْفَتَلَ من صلَاته ثمَّ قَالَ لي برأفة وَتعطف: أَلَك حَاجَة؟ فَأَخْبَرته الْخَبَر. فَبكى ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك أَنْت الشَّاهِد عَليّ وَعَلَيْهِم، إِنِّي لم آمُرهُم بظُلْم خلقك، وَلَا بترك حَقك. ثمَّ أخرج من جيبه قِطْعَة جلد كَهَيئَةِ طرف الجراب، فَكتب فِيهَا:

معاويه والزرقاء بنت عدي

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم " قد جاءتكم بَيِّنَة من ربكُم فأوفوا الْكَيْل وَالْمِيزَان " " وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين بقيت الله خير لكم إِن كُنْتُم مُؤمنين وَمَا أَنا عَلَيْكُم بحفيظ " إِذا قَرَأت كتابي فاحتفظ بِمَا فِي يَديك من عَملنَا حَتَّى يقدم عَلَيْك من يقبضهُ مِنْك وَالسَّلَام. فَأَخَذته مِنْهُ وَالله مَا خَتمه بطين وَلَا خزمه بخزام فَقَرَأته. فَقَالَ لَهَا مُعَاوِيَة: لقد لمظكم ابْن أبي طَالب الجرأة على السُّلْطَان فبطيئاً مَا تفطمون. ثمَّ قَالَ: اكتبوا لَهَا برد مَالهَا وَالْعدْل عَلَيْهَا. قَالَت: إِلَيّ خَاصَّة أم لقومي عَامَّة. قَالَ: مَا أَنْت وقومك. قَالَت: هِيَ وَالله إِذا الْفَحْشَاء واللؤم. إِن كَانَ عدلا شَامِلًا، وَإِلَّا فَأَنا كَسَائِر قومِي. قَالَ: اكتبوا لَهَا ولقومها. مُعَاوِيَة والزرقاء بنت عدي وأوفد مُعَاوِيَة الزَّرْقَاء بنت عدي بن غَالب فَقَالَ لَهَا: أَلَسْت راكبة الْجمل الْأَحْمَر يَوْم صفّين بَين صفّين، توقدين الْحَرْب، وتحضين على الْقِتَال؟ فَمَا حملك على ذَلِك؟ قَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ إِنَّه قد مَاتَ الرَّأْس، وَبَقِي الذَّنب، والدهر ذُو غير، وَمن تفكر أبْصر، وَالْأَمر يحدث بعده الْأَمر قَالَ لَهَا: صدقت. فَهَل تحفظين كلامك يَوْم صفّين؟ قَالَت: مَا أحفظه قَالَ: وَلَكِنِّي وَالله أحفظه. لله أَبوك! لقد سَمِعتك تَقُولِينَ: أَيهَا النَّاس؛ إِنَّكُم فِي فتْنَة، غشتكم جلابيب الظُّلم، وجارت بكم عَن قصد المحجة، فيا لَهَا من فتْنَة عمياء صماء لَا يسمع لقائلها، وَلَا ينقاد لسائقها. أَيهَا النَّاس؛ إِن الْمِصْبَاح لَا يضيء فِي الشَّمْس، وَإِن الْكَوَاكِب لَا تقد فِي الْقَمَر، وَإِن الْبَغْل لَا يسْبق الْفرس، وَإِن الزف لَا يوازن الْحجر، وَلَا يقطع

معاويه وام الخير بنت الحريش

الْحَدِيد إِلَّا الْحَدِيد أَلا من استرشدنا أرشدناه، وَمن استخبر أخبرناه، إِن الْحق كَانَ يطْلب ضالته، فصبراً يَا معشر الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فَكَأَن قد اندمل شعب الشتات، والتأمت كلمة الْعدْل، وَغلب الْحق باطله، فَلَا يعجلن أحد فَيَقُول: كَيفَ وأنى. ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا. أَلا إِن خضاب النِّسَاء الْحِنَّاء، وخضاب الرِّجَال الدِّمَاء، وَالصَّبْر خير فِي الْأُمُور عواقباً إِلَى الْحَرْب قدماً غير ناكصين، فَهَذَا يَوْم لَهُ مَا بعده. ثمَّ قَالَ مُعَاوِيَة: وَالله يَا زرقاء لقد شركت عليا فِي كل دم سفكه، فَقَالَت: أحسن الله بشارتك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وأدام سلامتك. مثلك من بشر بِخَير وسر جليسه. قَالَ لَهَا: وَقد سرك ذَلِك؟ قَالَت: نعم وَالله، لقد سرني قَوْلك فَأنى بِتَصْدِيق الْفِعْل؟ فَقَالَ مُعَاوِيَة: وَالله لوفاؤكم لَهُ بعد مَوته أحب إِلَيّ من حبكم لَهُ فِي حَيَاته. مُعَاوِيَة وَأم الْخَيْر بنت الْحَرِيش وأوفد أم الْخَيْر بنت الْحَرِيش البارقية فَقَالَ لَهَا: كَيفَ كَانَ كلامك يَوْم قتل عمار بن يَاسر؟ قَالَت: لم أكن وَالله رويته من قبل 375 وَلَا دونته بعد. وَإِنَّمَا كَانَت كَلِمَات نفثهن لساني حِين الصدمة. فَإِن شِئْت أَن أحدث لَك مقَالا غير ذَلِك فعلت. قَالَ: لَا أَشَاء ذَلِك. ثمَّ الْتفت إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ: أَيّكُم حفظ كَلَام أم الْخَيْر؟ قَالَ رجل من الْقَوْم: أَنا أحفظه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كحفظي سُورَة الْحَمد. قَالَ: هاته. قَالَ: نعم كَأَنِّي بهَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي ذَلِك الْيَوْم وَعَلَيْهَا برد زبيدي كثيف الْحَاشِيَة، وَهِي على جمل أرمك وَقد أحيط حولهَا وبيدها سَوط منتشر الضفيرة، وَهِي كالفحل يهدر فِي شقشقته، تَقول: " يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم ". إِن الله قد أوضح الْحق، وَأَبَان الدَّلِيل، وَنور السَّبِيل، وَرفع الْعلم؛ فَلم يدعكم فِي عمياء مُبْهمَة، وَلَا سَوْدَاء مدلهمة، فَإلَى أَيْن تُرِيدُونَ رحمكم الله؟ أفراراً عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ، أم فِرَارًا من الزَّحْف، أم رَغْبَة عَن الْإِسْلَام، أم ارْتِدَادًا عَن

الْحق؟ أما سَمِعْتُمْ الله عز وَجل يَقُول: " ولنبلونكم حَتَّى نعلم الْمُجَاهدين مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ ونبلوا أخباركم. " ثمَّ رفعت رَأسهَا إِلَى السَّمَاء وَهِي تَقول: اللَّهُمَّ قد عيل الصَّبْر، وَضعف الْيَقِين، وانتشرت الرّعية، وبيدك يَا رب أزمة الْقُلُوب، فاجمع إِلَيْهِ كلمة التَّقْوَى، وَألف الْقُلُوب على الْهدى، واردد الْحق إِلَى أَهله هلموا رحمكم الله إِلَى الإِمَام الْعَادِل، وَالْوَصِيّ الوفي، وَالصديق الْأَكْبَر، إِنَّهَا إحن بدرية، وأحقاد جَاهِلِيَّة، وضغائن أحدية وثب بهَا مُعَاوِيَة حِين الْغَفْلَة، ليدرك بهَا ثَارَاتِ بني عبد شمس. ثمَّ قَالَت: " فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر إِنَّهُم لَا إِيمَان لَهُم لَعَلَّهُم ينتهون " صبرا معشر الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، قَاتلُوا على بَصِيرَة من ربكُم، وثبات من دينكُمْ؛ فَكَأَنِّي بكم غَدا قد لَقِيتُم أهل الشَّام كحمر مستنفرة فرت من قسورة، لَا تَدْرِي أَيْن يسْلك بهَا فِي فجاج الأَرْض باعوا الْآخِرَة بالدنيا، واشتروا الضَّلَالَة بِالْهدى، وَبَاعُوا البصيرة بالعمى. " وَعَما قَلِيل ليصبحن نادمين " تحل بهم الندامة فيطلبون الْإِقَالَة. إِنَّه وَالله من ضل عَن الْحق وَقع فِي الْبَاطِل، وَمن لم يسكن الْجنَّة نزل النَّار. أَيهَا النَّاس، إِن الأكياس استقصروا عمر الدُّنْيَا فرفضوها، واستبطئوا الْآخِرَة فسعوا لَهَا. وَالله أَيهَا النَّاس لَوْلَا أَن تبطل الْحُقُوق، وتعطل الْحُدُود، وَيظْهر الظَّالِمُونَ. وتقوى كلمة الشَّيْطَان، لما اخترنا وُرُود المنايا على خفض الْعَيْش وطيبه. فَإلَى أَيْن تُرِيدُونَ رحمكم الله؟ عَن ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ، وَزوج ابْنَته، وَأبي ابنيه، خلق من طينته، وتفرع من نبعته، وَخَصه بسره، وَجعله بَاب مدينته، وَعلم الْمُسلمين وَأَبَان ببغضه الْمُنَافِقين. فَلم يزل كَذَلِك يُؤَيّدهُ الله عز وَجل بمعونته، وبمضي على سنَن استقامته، لَا يعرج لراحة الدَّار. هَا هُوَ مفلق الْهَام، ومكسر الْأَصْنَام، إِذْ صلى وَالنَّاس مشركون، وأطاع وَالنَّاس مرتابون، فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى قتل مبارزي بدر، وأفنى أهل أحد، وَفرق جمع هوَازن. فيا لَهَا من وقائع زرعت فِي قُلُوب قوم نفَاقًا، وردة وشقاقاً. قد اجتهدت فِي القَوْل، وبالغت فِي النَّصِيحَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق 376 وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. فَقَالَ

الجمانه بنت المهاجر وابن الزبير

مُعَاوِيَة: وَالله يَا أم الْخَيْر مَا أردْت بِهَذَا الْكَلَام إِلَّا قَتْلِي. وَوَاللَّه لَو قتلتك مَا حرجت فِي ذَلِك. قَالَت: وَالله مَا يسوءني يَا بن هِنْد أَن يجْرِي الله ذَلِك على يَدي من يسعدني بشقائه. قَالَ: هَيْهَات يَا كَثِيرَة الفضول: مَا تَقُولِينَ فِي عُثْمَان بن عَفَّان؟ قَالَت: وَمَا عَسَيْت أَن أَقُول فِيهِ؟ اسْتَخْلَفَهُ النَّاس وهم كَارِهُون، وقتلوه وهم راضون. فَقَالَ مُعَاوِيَة: إيهاً يَا أم الْخَيْر. هَذَا وَالله أوصلك الَّذِي تبنين عَلَيْهِ. قَالَت: " لَكِن الله يشْهد بِمَا أنزل إِلَيْك أنزلهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَة يشْهدُونَ وَكفى بِاللَّه شَهِيدا " مَا أردْت لعُثْمَان نقصا. وَلَقَد كَانَ سباقاً إِلَى الْخيرَات وَإنَّهُ لرفيع الدرجَة. قَالَ: فَمَا تَقُولِينَ فِي طَلْحَة بن عبيد الله؟ قَالَت: وَمَا عَسى أَن أَقُول فِي طَلْحَة؟ اغتيل من مأمنه، وَأتي من حَيْثُ لم يحذر. وَقد وعده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجنَّة. قَالَ: فَمَا تَقُولِينَ فِي الزبير؟ قَالَت: يَا هَذَا لَا تدعني كرجيع الضبع يعرك فِي المركن قَالَ: حَقًا لتقولين ذَلِك. وَقد عزمت عَلَيْك. قَالَت: وَمَا عَسَيْت أَن أَقُول فِي الزبير ابْن عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحواريه؟ وَقد شهد لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ بِالْجنَّةِ. وَلَقَد كَانَ سباقاً إِلَى كل مكرمَة من الْإِسْلَام. وإنى أَسأَلك بِحَق الله يَا مُعَاوِيَة؛ فَأن قُريْشًا تحدث أَنَّك من أحلمها، فَأَنا أَسأَلك بِأَن تسعني بِفَضْلِك، وَأَن تعفيني من هَذِه الْمسَائِل. وامض لما شِئْت من غَيرهَا. قَالَ: نعم وكرامة قد أعفيتك، وردهَا مكرمَة إِلَى بَلَدهَا. الجمانة بنت المُهَاجر وَابْن الزبير ذكر أَن الجمانة بنت المهاجربن خَالِد بن الْوَلِيد نظرت إِلَى عبد الله بن الزبير وَهُوَ يرقى الْمِنْبَر، يخْطب بِالنَّاسِ فِي يَوْم جُمُعَة فَقَالَت حِين رَأَتْهُ رقى الْمِنْبَر: أيا نقار انقر. أما وَالله لَو كَانَ فَوْقه نجيب من بني أُميَّة، أَو صقر من بني مَخْزُوم لقَالَ الْمِنْبَر: طيق طيق. قَالَ: فأنمي كَلَامهَا إِلَى عبد الله بن الزبير، فَبعث إِلَيْهَا فَأتي بهَا فَقَالَ لَهَا: مَا الَّذِي بَلغنِي عَنْك بالكاع؟ قَالَت: الْحق أبلغت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ،

وصيه اعرابيه

قَالَ: فَمَا حملك على ذَلِك؟ قَالَت: لَا تعدم الْحَسْنَاء ذاماً. والساخط لَيْسَ براض. وَمَعَ ذَلِك فَمَا عدوت فِيمَا قلت لَك أَن نسبتك إِلَى التَّوَاضُع وَالدّين، وعدوك إِلَى الْخُيَلَاء والطمع. وَلَئِن ذاقوا وبال أَمرهم لتحمدن عَاقِبَة شَأْنك، وَلَيْسَ من قَالَ فكذب كمن حدث وَصدق. وَأَنت بالتجاوز جدير، وَنحن للعفو أهل فاستر على الْحُرْمَة، تستتم النِّعْمَة، فوَاللَّه مَا يرفعك القَوْل وَلَا يضعك. وَإِن قُريْشًا لتعلم أَنَّك عابدها وشجاعها، وسنانها ولسانها، حاط الله لَك دنياك، وعصم أخراك، وألهمك شكر مَا أولاك. ذكر الْأَصْمَعِي عَن أبان بن تغلب قَالَ: خرجت فِي طلب الْكلأ، فانتهيت إِلَى مَاء من مياه كلب، وَإِذا أَعْرَابِي على ذَلِك المَاء وَمَعَهُ كتاب منشور يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِم، وَجعل يتوعدهم. فَقَالَت لَهُ أمه وَهِي فِي خبائها. وَكَانَت مقعدة كبرا: وَيلك! دَعْنِي من أساطيرك. لَا تحمل عُقُوبَتك على من لم يحمل عَلَيْك، وَلَا تتطاول على من لَا يَتَطَاوَل عَلَيْك. فَإنَّك لَا تَدْرِي مَا يقربك إِلَيْهِ حوادث الدهور، وَلَعَلَّ من صيرك إِلَى هَذَا الْيَوْم أَن يصير غَيْرك إِلَى مثله غَدا، فينتقم مِنْك أَكثر مِمَّا انتقمت 377 مِنْهُ، فَاكْفُفْ عَمَّا أسمع مِنْك ألم تسمع إِلَى قَول الأول: لَا تحقرن الْفَقِير علك أَن ... تركع يَوْمًا والدهر قد رَفعه وَصِيَّة أعرابية قَالَ مهْدي بن أبان: قلت لولادة العبدية - وَكَانَت من أَعقل النِّسَاء - إِنِّي أُرِيد الْحَج فأوصيني. قَالَت: أوجز فأبلغ، أم أطيل فأحكم. فَقلت: مَا شِئْت. قَالَت: جد تسد، واصبر تفز. قلت: أَيْضا. قَالَت: لَا يَتَعَدَّ غضبك حلمك، وَلَا هَوَاك علمك، وَفِي دينك بدنياك، وفر عرضك بعرضك، وتفضل تخْدم، واحلم تقدم. قلت: فَمن أستعين؟ قَالَت: الله. قلت: من النَّاس؟ قَالَت: الْجلد النشيط، والناصح الْأمين.

حديث ام معبد الخزاعيه

قلت: فَمن أستشير؟ قَالَت: المجرب الْكيس، أَو الأديب الصَّغِير. قلت: فَمن أستصحب؟ قَالَت: الصّديق الْمُسلم، أَو المداجي المتكرم. ثمَّ قَالَت: يَا أبتاه؛ إِنَّك تفد إِلَى ملك الْمُلُوك، فَانْظُر كَيفَ يكون مقامك بَين يَدَيْهِ. حَدِيث أم معبد الْخُزَاعِيَّة رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ خرج لَيْلَة هَاجر من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة أَبُو بكر رَحمَه الله وعامر بن فهَيْرَة ود \ لياهما اللَّيْثِيّ عبد لاله بن أريقط. فَمروا على خيمة أم معبد الْخُزَاعِيَّة. وَكَانَت امْرَأَة بَرزَة جلدَة تَحْتَبِيَ بِفنَاء الْكَعْبَة، ثمَّ تسقى وَتطعم - فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوهُ مِنْهَا، فَلم يُصِيبُوا عِنْدهَا شَيْئا من ذَلِك، وَكَانَ الْقَوْم مُرْمِلِينَ مسنين. فَنظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى شَاة فِي كسر الْخَيْمَة. فَقَالَ: مَا هَذِه الشَّاة يَا أم معبد؟ قَالَت: شَاة خلفهَا الْجهد عَن الْغنم. قَالَ: هَل بهَا من لبن؟ قَالَت: هِيَ أجهد من ذَلِك. قَالَ: أَتَأْذَنِينَ أَن أَحْلَبَهَا. قَالَت: بِأبي وَأمي أَنْت نعم: إِن رَأَيْت بهَا حَلبًا فاحلبها، فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالشَّاة فَمسح ضرْعهَا، وسمى الله ودعا لَهَا فِي شَاتِهَا، فتفاجت عَلَيْهِ وَدرت وأخترت ودعا بِإِنَاء يربض الرَّهْط فَحلبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى غَلبه الثمال، ثمَّ سَقَاهَا حَتَّى رويت، وَسَقَى أَصْحَابه حَتَّى رووا، ثمَّ شرب آخِرهم، وَقَالَ: ساقي الْقَوْم آخِرهم شربا. فشربواجميعا عللا بهدنهل، ثمَّ أراضوا، ثمَّ حلب فِيهِ ثَانِيًا عودا على بَدْء حَتَّى مَلأ الْإِنَاء، ثمَّ غَادَرَهُ عِنْدهَا وبايعها وَارْتَحَلُوا عَنْهَا. فَقل مَا لَبِثت حَتَّى جَاءَ زَوجهَا أَبُو معبد يَسُوق أَعْنُزًا حيلا عِجَافًا تساوك هزالًا، محهن قَلِيل وَلَا نقا بِهن فَلَمَّا رأى أَبُو معبد اللَّبن عجب وَقَالَ: من أَيْن هَذَا يَا أم معبد؟ وَالشَّاء عازبة حِيَال، وَلَا حلوبة فِي الْبَيْت. فَقَالَت: لَا وَالله، إِلَّا أَنه مر بِنَا رجل مبارك كَانَ من حَدِيثه كَيْت وَكَيْت. قَالَ: صَفِيَّة لي يَا أم معبد، فَقَالَت: رَأَيْت رجلا ظَاهر الْوَضَاءَة أَبْلَج الْوَجْه، حسن الْخلق، لم تَعبه ثجلة وَلم

وصيه اخري لاعرابيه

تزر بِهِ صَلْعَةٌ، وسيما قسيما فِي عَيْنَيْهِ دعجٌ، وَفِي أَشْفَاره وَطف وَفِي صَوته صَحِلَ، وَفِي عُنُقه سَطَعَ وَفِي لحيته كَثَافَة، أحور أكحل، أَزجّ أقرن، إِن صمت فَعَلَيهِ الْوَقار، وَأَن تكلم سما وعلاه الْبَهَاء، أجمل النَّاس وَأَبْهَاهُ من بعيد، وأحلاه وَأحسنه من قريب، حُلْو الْمنطق، فصل لَا نزر وَلَا هذر، كَأَن مَنْطِقه خَرَزَات نظم تتحدرن: ربعَة لَا تشنؤه من طول، وَلَا تَقْتَحِمُهُ الْعين من قصر، غُصْن بَين غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَة منْظرًا وَأَحْسَنهمْ قدرا لَهُ، رُفَقَاء يحفونَ بِهِ، إِن قَالَ أَنْصتُوا لقَوْله، وَإِن أَمر تبَادرُوا إِلَى أمره، مَحْفُودٌ محشود لَا عَابس وَلَا مُفند. صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ أَبُو معبد: هُوَ وَالله صَاحب قُرَيْش الَّذِي ذكر لنا من أمره بِمَكَّة مَا ذكر. وَلَو كنت وافقته لالتمست صحبته، وَلَأَفْعَلَن إِن وجدت إِلَى ذَلِك سَبِيلا. وَصِيَّة أُخْرَى لأعرابية قَالَ أبان بن تغلب: سَمِعت امْرَأَة توصي ابْنا لَهَا وَأَرَادَ سفرا فَقَالَت: أَي بني، أوصيك بتقوى الله، فَإِن قَلِيله أجدى عَلَيْك من كثير عقلك، وَإِيَّاك والنمائم. فَإِنَّهَا تورث الضغائن، وتفرق بَين المحبين؛ وَمثل لنَفسك مِثَال مَا تستحسن لغيرك ثمَّ اتَّخذهُ إِمَامًا، وَمَا تستقبح من غَيْرك فاجتنبه، وَإِيَّاك والتعرض للعيوب فَتَصِير نَفسك غَرضا، وخليق أَلا يلبث الْغَرَض على كَثْرَة السِّهَام، وَإِيَّاك وَالْبخل بِمَالك، والجود بِدينِك. فَقَالَت أعرابية مَعهَا: أَسأَلك إِلَّا زِدْته يَا فُلَانَة فِي وصيتك قَالَت: أَي وَالله؛ والغدر أقبح مَا يُعَامل بِهِ الإخوان، وَكفى بِالْوَفَاءِ جَامعا لما تشَتت من الإخاء وَمن جمع الْعلم والسخاء فقد استجاد الْحلَّة، والفجور أقبح خلة وَأبقى عاراً. وصف امْرَأَة عُرْوَة لَهُ قَامَت امْرَأَة عُرْوَة بن الْورْد الْعَبْسِي بعد أَن طَلقهَا فِي النادي فَقَالَت: أما إِنَّك

وصف نساء لبناتهن ووصاياهن لهن

وَالله الضحوك مُقبلا، السُّكُوت مُدبرا، خَفِيف على ظهر الْفرس، ثقيل على متن الْعَدو، رفيع الْعِمَاد، كثير الرماد، ترضي الْأَهْل والجانب. قَالَ: فَتَزَوجهَا رجل بعده فَقَالَ: أثني عَليّ كَمَا أثنيت عَلَيْهِ. قَالَت: لَا تحوجني إِلَى ذَلِك فَإِنِّي إِن قلت قلت حَقًا فَأبى، فَقَالَت: إِن أكلك لاقتفاف وَإِن شربك لاشتفاف، وَإنَّك لتنام لَيْلَة تخَاف، وتشبع لَيْلَة تُضَاف. وصف نسَاء لبناتهن ووصاياهن لَهُنَّ بعث النُّعْمَان بن امْرِئ الْقَيْس بن عَمْرو بن عدي بن نصر إِلَى نسْوَة من الْعَرَب مِنْهُنَّ فَاطِمَة بنت الخرشب وَهِي من بني أَنْمَار بن بغيض، وَهِي أم الرّبيع بن زِيَاد وَإِخْوَته، وَإِلَى قيلة بنت الحسحاس الأَسدِية وَهِي أم خَالِد بن صَخْر بن الشريد، وَإِلَى تماضر بنت الشريد، وَهِي أم قيس بن زُهَيْر وَإِخْوَته كلهم، وَإِلَى الرواع النمرية، وَهِي أم يزِيد بن الصَّعق فَلَمَّا اجْتَمعْنَ عِنْده. قَالَ: إِنِّي قد أخْبرت بكن، وَأَرَدْت أَن أنكح إلَيْكُنَّ فأخبرنني عَن بناتكن. فَقَالَت: فَاطِمَة عِنْدِي الفتخاء العجزاء، أصفى من المَاء، وأرق من الْهَوَاء، وَأحسن من السَّمَاء. وَقَالَت تماضر: عِنْدِي مُنْتَهى الوصاف، دفيئة اللحاف، قَليلَة الْخلاف. وَقَالَت الرواع: عِنْدِي الحلوة الجهمة، لم تلدها أمة. وَقَالَت قيلة: عِنْدِي مَا يجمع صفاتهن وَفِي ابْنَتي مَا لَيْسَ فِي بناتهن. فَتزَوج إلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمَّا أهدين إِلَيْهِ دخل على ابْنة الأنمارية فَقَالَ: مَا أوصتك بِهِ أمك؟ قَالَت: قَالَت لي: عطري جِلْدك، وأطيعي زَوجك، واجعلي المَاء آخرطيبك. ثمَّ دخل على ابْنة السلمِيَّة فَقَالَ: مَا أوصتك بِهِ أمك؟ قَالَت: قَالَت لي: لَا تجلسي بالفناء، وَلَا تكثري من المراء، واعلمي أَن أطيب الطّيب المَاء. ثمَّ دخل على ابْنة النمرية فَقَالَ: مَا أوصتك بِهِ أمك؟ قَالَت: قَالَت لي: لَا تطاوعي زَوجك فتمليه، وَلَا تعاصيه فتشكعيه، واصدقيه الصغار، واجعلي آخر طيبك المَاء.

وصف اربعه رجال لنسائهن

ثمَّ دخل على ابْنة الأَسدِية فَقَالَ: مَا أوصتك بِهِ أمك؟ قَالَت: قَالَت لي: أدنى سترك، وأكرمي زَوجك، واجتنبي الإباء، واستنظفي بِالْمَاءِ. وصف أَرْبَعَة رجال لنسائهن وَكَانَت امْرَأَة من الْعَرَب عِنْد رجل فَولدت لَهُ أَوْلَادًا أَرْبَعَة رجَالًا ثمَّ هلك عَنْهَا زَوجهَا فَتزوّجت بعده، فنأى بهَا زَوجهَا عَن بنيها وَتَزَوَّجُوا بعْدهَا ثمَّ إِنَّهَا لقيتهم فَقَالَت: يَا بني، إِنِّي سألتكم عَن نِسَائِكُم فَأَخْبرُونِي عَنْهُن. قَالُوا: نَفْعل. فَقَالَت: لأَحَدهم أَخْبرنِي عَن امْرَأَتك. فَقَالَ: غل فِي وثاق، وَخلق لَا يُطَاق، حرمت وفاقها، ومنعت طَلاقهَا. وَقَالَت للثَّانِي: كَيفَ وجدت امْرَأَتك؟ قَالَ حسن رائع، وَبَيت ضائع، وضيف جَائِع. وَقَالَت للثَّالِث: كَيفَ وجدت امْرَأَتك؟ قَالَ: دلّ لَا يقلى، وَلَذَّة لَا تقضى وَعجب لَا يفنى، وَفَرح مضل أصَاب ضالته وريح رَوْضَة أَصَابَت ربابها. قَالَت: فَهَلا أصف لكم كَيفَ وجدت زَوجي. قَالُوا: بلَى، قَالَت: حيل ظغينة، وَلَيْث عرينة، وظل صَخْر وَجوَار بَحر. كَانَت حميدة بنت النُّعْمَان بن بشير بن سعد تَحت روح بن زنباع فَنظر إِلَيْهَا يَوْمًا تنظر إِلَى قومه جذام وَقد اجْتَمعُوا عِنْده فلامها. فَقَالَت: وَهل أرى إِلَى جذاماً؟ فوَاللَّه مَا أحب الْحَلَال مِنْهُم فَكيف الْحَرَام. قَالَت الجمانة بنت قيس بن زُهَيْر الْعَبْسِي لأَبِيهَا لما شَرق مَا بَينه وَبَين الرّبيع بن زِيَاد فِي الدرْع: دَعْنِي أناظر جدي، فَإِن صلح الْأَمر بَيْنكُمَا، وَإِلَّا كنت من وَرَاء رَأْيك. فَأذن لَهَا: فَأَتَت الرّبيع فَقَالَت: إِن كَانَ قيس أبي فَإنَّك يَا ربيع جدي، وَمَا يجب لَهُ من حق الْأُبُوَّة عَليّ إِلَّا كَالَّذي يجب عَلَيْك من حق النُّبُوَّة لي. والرأي الصَّحِيح تبعثه الْعِنَايَة، وتجلي عَن محضه النَّصِيحَة. إِنَّك قد ظلمت قيسا بِأخذ درعه، ولأجد مكافأته إياك سوء غرمه، والمعارض منتصر، والبادي أظلم، وَلَيْسَ قيس مِمَّن يخوف بالوعيد وَلَا يردعه التهديد، فَلَا تركنن إِلَى منابذته، فالحزم فِي متاركته، وَالْحَرب متلفة للعباد، ذهابة بالطارف والتلاد، وَالسّلم أرْخى للبال،

وَأبقى لأنفس الرِّجَال. وبحق أَقُول. لقد صدعت بِحكم، وَمَا يدْفع قولي إِلَّا غير ذِي فهم. وَقَالَ الْمَدَائِنِي: لما أهديت بنت عقيل بن علفة إِلَى الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان بعث مولاة لَهُ لتأتيه بخبرها قبل أَن يدْخل بهَا، فأتتها فَلم تَأذن لَهَا، أَو كلمتها فأحفظتها فهشمت أنفها، فَرَجَعت إِلَيْهَا فَأَخْبَرته، فَغَضب من ذَلِك، فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا قَالَ: مَا أردْت إِلَى عجوزنا هَذِه؟ قَالَت: أردْت وَالله إِن كَانَ خيرا أَن تكون أول من لَقِي بهجته، وَإِن كَانَ شرا أَن تكون أَحَق من ستره. لما انهزم النَّاس عَن الْمُخْتَار مر أَبُو محجن الثَّقَفِيّ بِأمة وَاسْمهَا دومة فَقَالَ: يَا دومة ارْتَدَّ فِي حلفي. قَالَت: وَالله لَئِن يأخذني هَؤُلَاءِ أحب إِلَيّ من أَن أرى خَلفك. كَانَت رقاش بنت عَمْرو عِنْد كَعْب بن مَالك فَقَالَ لَهَا يَوْمًا: اخلعي درعك قَالَت: خلع الدرْع بيد الزَّوْج. قَالَ: اخلعيه لأنظر إِلَيْك قَالَت: التجرد لغير نِكَاح مثلَة. كَانَ تَمِيم الدَّارِيّ يَبِيع الْعطر فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ من لخم، فَخَطب أَسمَاء بنت أبي بكر فِي جاهليته فماكسهم فِي الْمهْر فَلم يزوجوه. فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام جَاءَ بعطر يَبِيعهُ فساومته أَسمَاء فماكسها فَقَالَت لَهُ: طالما ضرك مكاسك، فَلَمَّا عرفهَا استحيا وسامحها فِي بَيْعه. أرسل مسلمة بن عبد الْملك إِلَى هِنْد بنت الْمُهلب وخطبها على نَفسه، فَقَالَت لرَسُوله: وَالله لَو أَحْيَا من قتل من أهل بَيْتِي وموالي مَا طابت نَفسِي بتزويجه بل كَيفَ يأمنني على نَفسه، وَأَنا أذكر مَا كَانَ مِنْهُ وثأري عِنْده. لقد كَانَ صَاحبك يُوصف بِغَيْر هَذَا فِي رَأْيه. وخطب عبد الْملك بن مَرْوَان رَملَة بنت الزبير بن الْعَوام فَردته وَقَالَت لرَسُوله: إِنِّي لَا آمن نَفسِي على من قتل أخي. وَكَانَت أُخْت مُصعب لأمه. كَانَت أمهما الْكَلْبِيَّة.

من قول ذات النطاقين لابنها

من قَول ذَات النطاقين لابنها دخل عبد الله بن الزبير على أمه أَسمَاء بنت أبي بكر فِي الْيَوْم الَّذِي قتل فِيهِ، فَقَالَ: يَا أمة؛ خذلني النَّاس حَتَّى أَهلِي وَوَلَدي وَلم يبْق معي إِلَّا الْيَسِير وَمن لَا دفع عِنْده أَكثر من صَبر سَاعَة من النَّهَار. وَقد أَعْطَانِي الْقَوْم مَا أردْت من الدُّنْيَا فَمَا رَأْيك؟ قَالَت: إِن كنت على حق تَدْعُو إِلَيْهِ فَامْضِ عَلَيْهِ، فقد قتل عَلَيْهِ أَصْحَابك، وَلَا تمكن من رقبتك غلْمَان بني أُميَّة فيتلعبوا بك. وَإِن قلت: إِنِّي كنت على حق فَلَمَّا وَهن أَصْحَابِي ضعفت نيتي فَلَيْسَ هَذَا فعل الْأَحْرَار، وَلَا فعل من فِيهِ خير، كم خلودك فِي الدُّنْيَا؟ الْقَتْل أحسن مَا تقع بِهِ يَا بن الزبير. وَالله لضربة بِالسَّيْفِ فِي عز أحب إِلَيّ من ضَرْبَة بِسَوْط فِي ذل. قَالَ لَهَا: هَذَا وَالله رَأْيِي، وَالَّذِي قُمْت بِهِ دَاعيا إِلَى الله. وَالله مَا دَعَاني إِلَى الْخُرُوج إِلَّا الْغَضَب لله عز وَجل أَن تهتك مَحَارمه. وَلَكِنِّي أَحْبَبْت أَن أطلع رَأْيك فيزيدني قُوَّة وبصيرة مَعَ قوتي وبصيرتي. وَالله مَا تَعَمّدت إتْيَان مُنكر وَلَا عملا بِفَاحِشَة، وَلم أجر فِي حكم، وَلم أغدر فِي أَمَان، وَلم يبلغنِي عَن عمالي فرضيت بِهِ. بل أنْكرت ذَلِك وَلم يكن شَيْء عِنْدِي آثر من رضَا رَبِّي. اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَقُول ذَلِك تَزْكِيَة لنَفْسي، وَلَكِن أقوله تَعْزِيَة لأمي لتسلو عني. قَالَت لَهُ: وَالله إِنِّي لأرجو أَن يكون عزائي فِيك حسنا بعد أَن تقدمتني أَو تقدمتك، فَإِن فِي نَفسِي مِنْك حرجاً حَتَّى أنظر إِلَى مَا يصير أَمرك. ثمَّ قَالَت: اللَّهُمَّ ارْحَمْ طول ذَاك النحيب والظمأ فِي هواجر الْمَدِينَة وَمَكَّة وبره بِأُمِّهِ. اللَّهُمَّ إِنِّي قد سلمت فِيهِ لأمرك، ورضيت فِيهِ بِقَضَائِك، فاثبني فِي عبد الله ثَوَاب الشَّاكِرِينَ. فودعها وَقَالَ: يَا أمه لَا تَدعِي الدُّعَاء لي قبل قَتْلِي وَلَا بعده. قَالَت: لن أَدَعهُ لَك. فَمن قتل على بَاطِل فقد قتلت على حق. فَخرج وَهُوَ يَقُول: فلست بمبتاع الْحَيَاة بسبة ... وَلَا مرتق من خشيَة الْمَوْت سلما وَقَالَ لأَصْحَابه: احملوا على بركَة الله. وَحَارب حَتَّى قتل.

الحسن بن علي واحدي زوجاته

وَرُوِيَ أَنه دخل على أمه أَسمَاء وَهِي عليلة، فَقَالَ: يَا أمه. إِن فِي الْمَوْت لراحة. فَقَالَت: يَا بني؛ لَعَلَّك تتمنى موتِي. فوَاللَّه مَا أحب أَن أَمُوت حَتَّى تَأتي على أحد طرفيك؛ فإمَّا أَن تظفر بعدوك فتقر عَيْني وَإِمَّا أَن تقتل فأحتسبك. قَالَ: فَالْتَفت إِلَى أَخِيه عُرْوَة وَضحك. فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الَّتِي قتل فِي صبيحتها دخل فِي السحر 381 عَلَيْهَا فشاورها، فَقَالَت: يَا بني لَا تجيبن إِلَّا خطة تخَاف على نَفسك الْقَتْل. قَالَ: إِنَّمَا أَخَاف أَن يمثلوا بِي. قَالَت: يَا بني؛ إِن الشَّاة لَا تألم السلخ بعد الذّبْح. خطب عمرَان بن مُوسَى بن طَلْحَة هِنْد بنت أَسمَاء بن خَارِجَة الْفَزارِيّ فَردته، وَأرْسلت إِلَيْهِ: إِنِّي وَالله مَا بِي عَنْك رَغْبَة، وَلَكِن لَيْسَ زَوجي إِلَّا من لَا يُؤَدِّي قتلاه وَلَا يرد قَضَاؤُهُ، وَلَيْسَ ذَلِك عنْدك. الْحسن بن عَليّ وَإِحْدَى زَوْجَاته حجت أم حبيب بنت عبد الله بن الْأَهْتَم فَبعث إِلَيْهَا الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِمَا السَّلَام فَخَطَبَهَا، فَقَالَت: إِنِّي لم آتٍ هَذَا الْبَلَد للتزويج، وَإِنَّمَا جِئْت لزيارة هَذَا الْبَيْت فَإِذا قدمت بلدي وَكَانَت لَك حَاجَة فشأنك. قَالَ: فازداد فِيهَا رَغْبَة، فَلَمَّا صَارَت إِلَى الْبَصْرَة أرسل إِلَيْهَا فَخَطَبَهَا، فَقَالَ إخوتها: إِنَّهَا امْرَأَة لَا يفتات على مثلهَا بِرَأْي، وأتوها فأخبروها الْخَبَر، فَقَالَت: إِن تزَوجنِي على حكمي أَجَبْته. فأدوا ذَلِك إِلَيْهِ فَقَالَ: امْرَأَة من تَمِيم، أَتَزَوَّجهَا على حكمهَا. ثمَّ قَالَ: وَمَا عَسى أَن يبلغ حكمهَا لَهَا؟ قَالَ: فَأَعْطَاهَا ذَلِك. فَقَالَت: قد حكمت بِصَدَاق أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَبنَاته، اثْنَي عشر أُوقِيَّة من الْفضة. فَتَزَوجهَا على ذَلِك، وَأهْدى لَهَا مائَة ألف دِرْهَم. فَجَاءَت إِلَيْهِ فَبنى بهَا فِي لَيْلَة قائظة على سطح لَا حظار عَلَيْهِ، فَلَمَّا غلبته عينه أخذت خمارها فشدته فِي رجله، وشدت الطّرف الآخر فِي رجلهَا. فَلَمَّا انتبه من نَومه رأى الْخمار فِي رجله. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَت: أَنا على سطح لَيْسَ عَلَيْهِ حظار، وَمَعِي فِي الدَّار ضرائر، وَلم آمن عَلَيْك وَسن النّوم، فَفعلت هَذَا حَتَّى إِذا تحركت تحركت مَعَك. قَالَ: فازداد فِيهَا رَغْبَة، وَبهَا عجبا.

ابن زياد وخارجيه

ثمَّ لم يلبث أَن مَاتَ عَنْهَا فكلموها فِي الصُّلْح عَن مِيرَاثه. فَقَالَت: مَا كنت لآخذ لَهُ مِيرَاثا أبدا، وَخرجت إِلَى الْبَصْرَة، فَبعث إِلَيْهَا نفر يخطبونها مِنْهُم يزِيد بن مُعَاوِيَة - لَعنه الله - وَعبد الله بن الزبير وَسَعِيد بن الْعَاصِ وَعبد الله بن عَامر فَأَتَاهَا إخوتها فَقَالُوا لَهَا: هَذَا ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَهَذَا ابْن عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ، وَهَذَا ابْن حواريه، وَهَذَا ابْن عَامر أَمِير الْبَصْرَة. اخْتَارِي من شِئْت مِنْهُم. قَالَ: فردتهم جَمِيعًا. وَقَالَت: مَا كنت لأتخذ حماً بعد ابْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ. ابْن زِيَاد وخارجية وَقَالَ الْمَدَائِنِي: أَتَى عبيد الله بن زِيَاد بِامْرَأَة من الْخَوَارِج، فَقطع رجلهَا وَقَالَ لَهَا: كَيفَ تَرين؟ فَقَالَت: إِن فِي الْفِكر فِي هول المطلع لشغلاً عَن حديدتكم هَذِه. ثمَّ قطع رجلهَا الْأُخْرَى وجذبها، فَوضعت يَدهَا على فرجهَا. فَقَالَ: إِنَّك لتسترينه. فَقَالَت: لَكِن سميَّة أمك لم تكن تستره قَالَ الْمهْدي للخيزران أم مُوسَى وَهَارُون ابنيه: إِن مُوسَى ابْنك يتيه أَن يسألني حَوَائِجه. قَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، ألم تَكُ أَنْت فِي حَيَاة الْمَنْصُور لَا تبتدئه بحوائجك، وتحب أَن يبتدئك هُوَ؟ فموسى ابْنك كَذَلِك يحب مِنْك. قَالَ: لَا، وَلَكِن التيه يمنعهُ. قَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ فَمن أَيْن أَتَاهُ التيه؟ أَمن قبلي أم قبلك؟ حِكَايَة مَعَ أعرابية رُوِيَ عَن بَعضهم أَنه قَالَ: بَينا أَنا ذَات يَوْم بالبادية، فَخرجت فِي بعض اللَّيَالِي فِي الظُّلم، فَإِذا أَنا بِجَارِيَة كَأَنَّهَا علم، فأردتها على نَفسهَا فَقَالَت: وَيحك {أما لَا زاجر من عقل إِذْ لم يكن لَك ناه من دين؟ قلت لَهَا: وَالله مَا يَرَانَا شَيْء إِلَّا الْكَوَاكِب. قَالَت: وَيحك. وَأَيْنَ مكوكبها؟} 382 قَالَ الجاحظ: لما مَاتَ رَقَبَة بن مصقلة أوصى إِلَى رجل وَدفع إِلَيْهِ شَيْئا. فَقَالَ: ادفعه إِلَى أُخْتِي. فَسَأَلَ الرجل عَنْهَا فَخرجت إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: أحضريني شَاهِدين يَشْهَدَانِ أَنَّك أُخْته. فَأرْسلت جاريتها إِلَى الإِمَام والمؤذن ليشهدا لَهَا. واستندت إِلَى الْحَائِط فَقَالَت: الْحَمد لله الَّذِي أبرز وَجْهي، وأنطق عني، وَشهر

هند بنت اسماء تدافع عن اخيها

بالفاقة اسْمِي. فَقَالَ الرجل: شهِدت أَنَّك أُخْته حَقًا. وَدفع الدَّنَانِير إِلَيْهَا، وَلم يحْتَج إِلَى شَهَادَة من يشْهد لَهَا. خطب سعيد بن الْعَاصِ عَائِشَة بنت عُثْمَان. فَقَالَت: لَا أَتزوّج بِهِ وَالله أبدا، فَقيل لَهَا: وَلم ذَلِك؟ قَالَت: لِأَنَّهُ أَحمَق، لَهُ برذونان أشبهان، فَهُوَ يتَحَمَّل مؤونة اثْنَيْنِ واللون وَاحِد. ذكر رجل من قُرَيْش سوء خلق امْرَأَته بَين يَدي جَارِيَة لَهُ كَانَ يتحظاها فَقَالَت لَهُ: إِنَّمَا حظوظ الْإِمَاء لسوء خلائق الْحَرَائِر. هِنْد بنت أَسمَاء تدافع عَن أَخِيهَا اخْتلف الْحجَّاج وَهِنْد بنت أَسمَاء بن خَارِجَة فِي بَنَات قين، فَبعث إِلَى مَالك بن أَسمَاء فَأخْرجهُ من الْحَبْس، وَسَأَلَهُ عَن الحَدِيث فحدثه ثمَّ أقبل على هِنْد. فَقَالَ لَهَا: قومِي إِلَى أَخِيك. فَقَالَت: لَا أقوم إِلَيْهِ وَأَنت ساخط عَلَيْهِ. فَأقبل الْحجَّاج على مَالك فَقَالَ: إِنَّك وَالله - مَا علمت - للخائن لأمانته، اللَّئِيم حَسبه، الزَّانِي فرجه. فَقَالَت هِنْد: إِن أذن الْأَمِير تَكَلَّمت. فَقَالَ: تكلمي. فَقَالَت: أما قَول الْأَمِير: الزَّانِي فرجه، فوَاللَّه لَهو أَحْقَر عِنْد الله وأصغر فِي عين الْأَمِير من أَن يجب لله عَلَيْهِ حد فَلَا يقيمه. وَأما قَول الْأَمِير: اللَّئِيم حَسبه فوَاللَّه لَو علم مَكَان رجل أشرف مِنْهُ لصاهر إِلَيْهِ. وَأما قَوْله: الخائن أَمَانَته. فوَاللَّه لقد ولاه الْأَمِير فوفر، فَأَخذه بِمَا أَخذ بِهِ فَبَاعَ من وَرَاء ظَهره. وَلَو ملك الدُّنْيَا بأسرها لافتدى بهَا من هَذَا الْكَلَام. أَتَى الْبرد على زرع عَجُوز بالبادية، فأخرجت رَأسهَا من الخباء وَنظرت إِلَى الزَّرْع قد احْتَرَقَ فَقَالَت - وَرفعت رَأسهَا إِلَى السَّمَاء -: اصْنَع مَا شِئْت فَإِن رِزْقِي عَلَيْك. قيل لرابعة: إِن التَّزَوُّج فرض الله عز وَجل فَلم لَا تتزوجين؟ فَقَالَت: فرض الله قطعني عَن فَرْضه.

عاتكه بنت زيد وموت ازواجها

عَاتِكَة بنت زيد وَمَوْت أزواجها كَانَت عَاتِكَة بنت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل عِنْد عبد الله بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَقتل عَنْهَا، فخلف عَلَيْهَا عمر بن الْخطاب فَقتل عَنْهَا، فخلف عَلَيْهَا الزبير، فَقتل، فخلف عَلَيْهَا مُحَمَّد بن أبي بكر فَقتل. فَقَالَ عبد الله بن عمر: من سره الشَّهَادَة فليتزوج عَاتِكَة. فبلغها ذَلِك فَقَالَت: من سره أَن يكون بَيْضَة الْبَلَد، حُبْلَى لَا تطير وَلَا تَلد فَلْيَكُن كَعبد الله. فَبلغ ذَلِك عبد الله بن جَعْفَر الطيار فَضَحِك وَقَالَ: مَا هُوَ كَمَا قَالَت إِنَّه لمصباح بلد، وَابْن كَهْف الْإِسْلَام. وَقد رُوِيَ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ كرم الله وَجهه أَنه قَالَ: من اشتاق إِلَى الشَّهَادَة فليتزوج عَاتِكَة. وَقد رُوِيَ أَنه رَضِي الله عَنهُ خطبهَا فَقَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا أرب بك عَن الْقَتْل. كَانَ عَمْرو أحد بني كَاهِل يَغْزُو فهما فَيُصِيب مِنْهُم فوضعوا لَهُ رصداً على المَاء فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ. ثمَّ مروا بأخته جنوب فَقَالُوا: إِنَّا طلبنا عمرا أَخَاك. قَالَت: لَئِن طلبتموه لتجدنه منيعاً، وَلَئِن ضفتموه لتجدنه مريعاً، وَلَئِن دعوتموه لتجدنه سَرِيعا. قَالُوا: قد أخذناه وقتلناه وَهَذَا سلبه. قَالَت: لَئِن سلبتموه لتجدون ثنته 383 وافية، لَا حجزته جافية وَلَا ضالته كافئة. ولرب ثدي مِنْكُم قد افترشه وَنهب قد اقترشه، وضب قد احترسه. استعداء امْرَأَة على زَوجهَا زوج رجل من بني أَسد بِنْتا لَهُ تدعى أم مَالك من ابْن أَخ لَهُ يدعى مرّة بن الْجَعْد، كَانَ شرطا من الرِّجَال دميماً، فجامحته وانسلت بِاللَّيْلِ، فَوَافَقت الْمَدِينَة تستعدي حسن بن زيد الْعلوِي على أَبِيهَا. فَلَمَّا وقفت بَين يَدَيْهِ نادت: إِنَّا بِاللَّه وَبِك يَا بن رَسُول الله، قد جَاوَزت إِلَيْك مخاوف، وَقطعت نتائف. أنتعل

الحفى، وأحتمل الوجى عائذة بِاللَّه وَبِك من وَالِد مغبون، وقرين مأفون، شراني بأوكس الْأَثْمَان، وعكسني بدار مذلة وهوان، من زوج كَأَنَّهُ كلب مصرور، على جيفة مَمْطُور، فِي يَوْم صر مقرور، قد شرد بغضه نوم الجفون واستجلب قلاه مَاء الشئون. فالنوم موثق، والدمع مُطلق، إِذا استجم الدمع أفاضته أحزانها، وَإِذا فاض وكف بأسجانها. نؤمل من عدلك مَا نشر الله بِهِ حسن الظَّن بك، فآنسها فِي الوحشة وأطمعها فِي الإنجاح، ثمَّ أنشدته شعرًا لَهَا فَقَامَ الْحسن بأمرها حَتَّى بلغت مرادها. لما قَالَ النَّابِغَة للخنساء: مَا رَأَيْت ذَا مثانة أشعر مِنْك. قَالَت لَهُ: وَلَا ذَا خصيتين. وَقَالَ لَهَا عمر: يَا خنساء مَا أقرح مآقي عَيْنَيْك؟ قَالَت: بُكَائِي على السادات من مُضر. قَالَ: يَا خنساء؛ إِنَّهُم فِي النَّار. قَالَت: ذَاك أطول لعويلي عَلَيْهِم. وَكَانَت تَقول: كنت أبْكِي لصخر على الْحَيَاة ... وَأَنا أبْكِي لَهُ الْآن من النَّار قَالَت عمْرَة بنت مرداس بن أبي عَامر، وَهِي عروس أمهَا الخنساء فِي شَيْء كرهته. فَقَالَت الخنساء: يَا حمقاء؛ وَالله لكأنها بظير أمة ورهاء. أَنا وَالله كنت أكْرم مِنْك بعلاً، وأرقى مِنْك نعلا، وَأحسن مِنْك عرساً، وَأتم مِنْك أنسا؛ إِذْ كنت فتاة أعجب الفتيان، وأشرب اللَّبن غضاً قارصاً، ومحضاً خَالِصا، لَا أنهش اللَّحْم، وَلَا أذيب الشَّحْم، وَلَا أرعى البهم، كالمهرة الصَّنِيع، لَا مضاعة وَلَا عِنْد مضيع،

مغزل المراه

عقيلة الحسان الْحور، أضيء فِي طخية الديجور، وَذَلِكَ فِي شبيبتي قبل شيبي. وَقَامَت مغضبة. مغزل الْمَرْأَة قَالَ بَعضهم: مَرَرْت على هِنْد بنت الْمُهلب، فَرَأَيْت بِيَدِهَا مغزلاً تغزل بِهِ، فَقلت لَهَا: تغزلين؟ قَالَت: نعم سَمِعت أبي يذكرهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أعظمكن أجرا أَطْوَلكُنَّ طَاقَة، وَهُوَ يطرد الشَّيْطَان وَيذْهب بِحَدِيث النَّفس ". وَرُوِيَ عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: المغزل فِي يَد الْمَرْأَة مثل الرمْح فِي يَد الْغَازِي. قيل للخنساء: لم يكن صَخْر كَمَا وصفت. قَالَت: وَكَيف ذَاك؟ فوَاللَّه لقد كَانَ ندي الْكَفَّيْنِ، يَابِس الجنبين؛ يَأْكُل مَا وجده، وَلَا يسْأَل عَمَّا عَهده. من أَقْوَال حبى المدينية قيل لحبي المدينية: مَا السقم الَّذِي لَا يبرأ، وَالْجرْح الَّذِي لَا يندمل؟ قَالَت: حَاجَة الْكَرِيم إِلَى اللَّئِيم لَا يجدي عَلَيْهِ. قيل: فَمَا الشّرف؟ قَالَت: اعْتِقَاد المنن فِي أَعْنَاق الْكِرَام، يبْقى لِلْأَعْقَابِ على الأحقاب. ذكر نسْوَة أَزوَاجهنَّ فَقَالَت إِحْدَاهُنَّ: زَوجي عوني فِي الشدائد، والعائد دون كل عَائِد، إِن غضِبت عطف، وَإِن مَرضت لطف. وَقَالَت الْأُخْرَى: زَوجي لما عناني كَاف، وَلما أسقمني شاف، عناقه كالخلد، وَلَا يمل طول الْعَهْد. وَقَالَت الْأُخْرَى: زَوجي الشعار حِين أجرد، والأنس حِين أفرد، والسكن حِين أرقد. 384 - قَالَت امْرَأَة من أهل الْبَادِيَة: لَا يُعجبنِي الشَّاب يمعج معج الْمهْر طلقاً أَو طلقين ثمَّ يضطجع بِنَاحِيَة الميدان، وَلَكِن أَيْن أَنْت من شيخ يضع قب استه بِالْأَرْضِ ثمَّ سحباً وجراً؟ !

ام الكمله

قَالَ بَعضهم: رَأَيْت بِالْمَدِينَةِ امْرَأَة بَين عينيها سجادة، وَعَلَيْهَا ثِيَاب معصفرة، فَقلت لَهَا: مَا أبعد زيك من سمتك! فَقَالَت: وَللَّه مني جَانب لَا أضيعه ... وللهو مني جَانب وَنصِيب قَالَ الزبير بن بكار: قَالَت بنت أُخْتِي لزوجتي: خَالِي خير رجل لأَهله، لَا يتَّخذ ضرَّة وَلَا يَشْتَرِي جَارِيَة. فَقَالَت الْمَرْأَة: وَالله لهَذِهِ الْكتب أَشد عَليّ من ثَلَاث ضرائر. أم الكملة حجت فَاطِمَة بنت الخرشب الأنمارية أم الكملة؛ الرّبيع وَعمارَة وَقيس وَأنس، وَكَانَت حجتها هَذِه فِي الْجَاهِلِيَّة، فَقَالَ لَهَا رجل من أهل مَكَّة: من أشرف ولدك؟ قَالَت: الرّبيع. لَا بل عمَارَة. لَا بل قيس. لَا بل أنس. ثكلتهم إِن كنت أَدْرِي أَيهمْ أسود. وَكَانَ يُقَال للربيع الْكَامِل، ولأنس الطَّوِيل؛ ولقيس الوقاعة، ولعمارة دالق وَإِنَّمَا قيل لَهُ ذَلِك أَنه كَانَ يدلق الْخَيل فِي كل وَجه. وَفِيهِمْ يَقُول الشَّاعِر: بَنو جنية ولدت سيوفاً ... صوارم كلهَا ذكر صَنِيع قيل لرملة بنت الزبير: مَا بالك أهزل مَا تكونين إِذا حضر زَوجك. فَقَالَت: مَا أقبح الْمَرْأَة الشَّرِيفَة أَن تضاجع زَوجهَا بملء بَطنهَا. زَوْجَة تخمد حَربًا خرج الْحَارِث ين عَوْف المري خاطباً إِلَى أَوْس بن حَارِثَة بن لأم الطَّائِي. فَقَالَ لابنته الْكُبْرَى: يَا بنية؛ هَذَا سيد قومه قد أَتَانِي خاطباً لَك. فَقَالَت: لَا حَاجَة

لي فِيهِ. إِن فِي خلقي ضيقا يصبر عَلَيْهِ الْقُرَبَاء، وَلَا يصبر عَلَيْهِ الْبعدَاء. فَقَالَ للَّتِي تَلِيهَا: قد سَمِعت مَا قَالَت أختك قَالَت: زوجنيه، فَإِنِّي إِن لم أصلح للبعداء لم أصلح للقرباء. فَزَوجهُ وَضرب عَلَيْهِ قبَّة، وَنحر لَهُ الْجَزُور. فَمد يَده إِلَيْهَا فَقَالَت ابْنة أَوْس: تمد إِلَيْهَا الْيَد بِحَضْرَتِهِ؟ قَالَ: فَتحمل بهَا فَلَمَّا كَانَ بِالطَّرِيقِ مد يَده إِلَيْهَا. فَقَالَت ابْنة أَوْس: أردْت أَن تمتّع بهَا فِي سفرك كَمَا تمتّع بسفرتك، فَكف عَنْهَا. فَلَمَّا حل فِي أَهله - وَقد وَقعت الْحَرْب بَين عبس وذبيان - فَمد يَده إِلَيْهَا فَقَالَت: لقد أَخطَأ الَّذِي سماك سيداً. أتمد يدك إِلَى النِّسَاء وقومك يتناحرون. قَالَ: فَمَا وضع يَده عَلَيْهَا حَتَّى أصلح بَين قومه وَتحمل دياتهم، ثمَّ دخل بهَا فحظيت عِنْده. خرج مُحَمَّد بن وَاسع فِي يَوْم عيد وَمَعَهُ رَابِعَة، فَقَالَ لَهَا: كَيفَ تَرين هَذِه الْهَيْئَة؟ فَقَالَت: مَا أَقُول لكم؟ خَرجْتُمْ لإحياء سنة وإماتة بِدعَة، فأراكم قد تباهيتم بِالنعْمَةِ، وأدخلتم على الْفَقِير مضرَّة. قَالَت امْرَأَة من بني تغلب للجحاف بن حَكِيم فِي وقْعَة الْبشر الَّتِي يَقُول فِيهَا الأخطل: لقد أوقع الجحاف بالبشر وقْعَة ... إِلَى الله فِيهَا المشتكى والمعول ففض الله عمادك، وأكبى زنادك، وَأطَال سهادك، وَأَقل زادك، فوَاللَّه إِن قتلت إِلَّا نسَاء أسافلهن دمى وأعاليهن ثدى - وَكَانَ قد قتل النِّسَاء والذرية. فَقَالَ لمن حوله: لَوْلَا أَن تَلد مثلهَا لاستبقيتها وَأمر بقتلها. فَبلغ ذَلِك الْحسن الْبَصْرِيّ فَقَالَ: إِنَّمَا الجحاف جذوة من نَار جَهَنَّم. قَالَت أم عُمَيْر الليثية 385 للعوفي فِي مجْلِس الحكم: عظم رَأسك فَبعد فهمك، وطالت لحيتك فغمرت قَلْبك. وَإِذا طَالَتْ اللِّحْيَة انشمر الْعقل. وَمَا رَأَيْت مَيتا يقْضِي بَين الْأَحْيَاء قبلك.

وصف امراه لزوجها

قَالَ ابْن الْأَحْنَف بن قيس لزبراء جَارِيَة أَبِيه: يَا زَانِيَة. فَقَالَت: وَالله لَو كنت زَانِيَة لأتيت أَبَاك بِابْن مثلك. وصف امْرَأَة لزَوجهَا طلق أَعْرَابِي امْرَأَته فذمها فَقَالَت: وَأَنت وَالله - مَا علمت - تغتنم الْأكلَة فِي غير جوع، ملح بخيل، إِذا نطق الأقوام أقعصت، وَإِذا ذكر الْجُود أفحمت؛ لما تعلم من قصر باعك، ولؤم آبَائِك، وتستضعف من تأمن، ويغلبك من تخَاف، ضيفك جَائِع، وجارك ضائع، أكْرم النَّاس عَلَيْك من أَهَانَك، وأهونهم عَلَيْك من أكرمك. الْقَلِيل عنْدك كثير، وَالْكَبِير عنْدك حقير. سود الله وَجهك، وبيض جسمك، وَقصر باعك، وَطول مَا بَين رجليك؛ حَتَّى إِن دخل انثنى، وَإِن رَجَعَ التوى. قَالَ بَعضهم: كنت عِنْد فَاطِمَة بنت الْمُهلب أعرض عَلَيْهَا طيبا فَقُمْت وَتركت الْمَتَاع بَين يَديهَا، فَلَمَّا جِئْت قَالَت: بئس مَا صنعت، لَا تأمنن امْرَأَة قطّ على رجل وَلَا على طيب. قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: خرجت ذَات لَيْلَة أَطُوف، فَإِذا أَنا بِامْرَأَة قد فَضَح وَجههَا ضوء الْقَمَر مُتَعَلقَة وَهِي تَقول: إلهي؛ أما وجدت شَيْئا تعذب بِهِ إِلَّا النَّار. ثمَّ ذهبت، فَنمت ثمَّ عدت فَوَجَدتهَا وديدنها أَن تَقول ذَلِك. قلت: لَو عذب بِمَا سوى النَّار، فَكَانَ مَاذَا؟ قَالَت: يَا عماه؛ أما وَالله لَو عذب بِغَيْر النَّار لقضينا أوطاراً. جعل ابْن السماك يَوْمًا يتَكَلَّم وَجَارِيَة لَهُ حَيْثُ تسمع كَلَامه، فَلَمَّا انْصَرف إِلَيْهَا قَالَ لَهَا: كَيفَ سَمِعت كَلَامي؟ قَالَت: مَا أحْسنه لَوْلَا أَنَّك تكْثر ترداده. قَالَ: أردده حَتَّى يفهمهُ من لم يفهم. قَالَت: إِلَى أَن يفهم مَا لَا يفهمهُ قد مله من فهمه.

الباب الثالث الحيل والخدائع

الْبَاب الثَّالِث الْحِيَل والخدائع قدم بَعضهم رجلا إِلَى القَاضِي وَادّعى عَلَيْهِ مَالا فَقَالَ: صدقُوا أسألهم أَن يؤخروني حَتَّى أبيع مَالِي أَو عقاري أَو رقيقي أَو إبلي. فَقَالُوا: كذب أَيهَا القَاضِي. مَا لَهُ قَلِيل وَلَا كثير. وَلكنه يُرِيد مدافعتنا فَقَالَ: أصلحك الله. فقد شهدُوا بِالْعدمِ. فخلى سَبيله. قَالَ بَعضهم: خرجت لَيْلَة فَإِذا أَنا بِالطَّائِف قد أقبل: فَلَمَّا رَأَيْته من بعيد صحت: المستغاث بِاللَّه وبالطائف. فَقَالَ لي الطَّائِف: مَالك؟ قلت: قوم سكارى فِي بَيْتِي قد عربدوا، وسلوا السكاكين، وَجئْت فِي طَلَبك لتخلصني مِنْهُم. فَقَالَ: ايش بَين يَدي. فمشيت وَدخلت الْبَيْت، وأغلقت الْبَاب، وصعدت السَّطْح وتطلعت عَلَيْهِ وَقلت: انْصَرف مأجوراً فقد تصالحوا. سُئِلَ بَعضهم عَن رجل أَرَادوا أَن يزوجوه فَقَالَ: إِن لَهُ شرفاً وبيتاً وقدماً فنظروا فَإِذا هُوَ سَاقِط سفلَة. فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: مَا كذبت شرفه أذنَاهُ، وَقدمه الَّتِي يمشي عَلَيْهَا، وَلَا بُد من أَن يكون لَهُ بَيت يأوي إِلَيْهِ. قَالَ مُعَاوِيَة لأبي هَوْذَة الْبَاهِلِيّ: لقد هَمَمْت أَن أحمل جمعا من باهلة فِي سفينة ثمَّ 386 أغرقهم. قَالَ أَبُو هَوْذَة: إِذا لَا ترْضى باهلة بِعدَّتِهِمْ من بني أُميَّة. قَالَ: اسْكُتْ أَيهَا الْغُرَاب الأبقع - وَكَانَ بِهِ برص. قَالَ أَبُو هَوْذَة: إِن الْغُرَاب رُبمَا درج إِلَى الرخمة حَتَّى ينقر دماغها، ويقتلع عينيها. فَقَالَ يزِيد: أَلا تقتله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: مَه. ونهض مُعَاوِيَة ثمَّ وَجهه فِي سَرِيَّة فَقتل. فَقَالَ مُعَاوِيَة ليزِيد: هَذِه أخْفى وأصوب. لما بَايع الرشيد وَلَده تخلف رجل مَذْكُور من الْفُقَهَاء، فَأحْضرهُ وَقَالَ لَهُ: لم

تخلفت عَن الْبيعَة؟ قَالَ: عاقني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عائق فَأمر بِقِرَاءَة كتاب الْبيعَة عَلَيْهِ. فَلَمَّا قرئَ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذِه الْبيعَة فِي عنقِي إِلَى قيامي السَّاعَة فَلم يفهم الرشيد مَا أَرَادَ، وَقدر أَنه يُرِيد إِلَى قيام السَّاعَة وَذهب مَا كَانَ فِي نَفسه عَلَيْهِ. قيل لبَعض الْفُقَهَاء: لم استجزتم اسْتِعْمَال الْحِيَل فِي الْفِقْه؟ فَقَالَ: الله تَعَالَى علمنَا ذَلِك فَإِنَّهُ قَالَ: وَخذ بِيَدِك ضغثاً فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث ". لما حبس المقفع، وألح عَلَيْهِ صَاحب الاستخراج فِي الْعَذَاب خشِي على نَفسه فَقَالَ لصَاحب الاستخراج: عنْدك مَال وَأَنا أربحك ربحا ترضاه؟ وَقد عرفت وفائي وسخائي وكتماني، فعيني مِقْدَار هَذَا النَّجْم. فَلَمَّا صَار عَلَيْهِ مَال ترفق بِهِ مَخَافَة أَن يَمُوت تَحت الْعَذَاب فيتوى مَاله. جحد رجل مَال رجل فاحتكم إِلَى إِيَاس بن مُعَاوِيَة فَقَالَ للطَّالِب: أَيْن دفعت إِلَيْهِ هَذَا المَال؟ قَالَ: عِنْد شَجَرَة فِي مَكَان كَذَا. قَالَ: فَانْطَلق إِلَى ذَلِك الْموضع لَعَلَّك تتذكر كَيفَ كَانَ أَمر هَذَا المَال، وَلَعَلَّ الله يُوضح لَك سَببا. فَمضى الرجل وَجلسَ خَصمه فَقَالَ إِيَاس بعد سَاعَة: أَتَرَى خصمك بلغ مَوضِع الشَّجَرَة. قَالَ: لَا بعد. قَالَ: يَا عَدو الله أَنْت خائن. قَالَ: أَقلنِي أقالك الله. فاحتفظ بِهِ حَتَّى أقرّ ورد المَال. قَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو: أَنْت أدهى أم أَنا؟ قَالَ عَمْرو: أَنا للبديهة وَأَنت للأناة. قَالَ: كلا. قَالَ عَمْرو: أدن مني رَأسك أسارك، فأدنى رَأسه فَقَالَ عَمْرو: هَذَا من ذَاك. هَل هَا هُنَا أحد غَيْرك. قَالَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة: مَا خدعني غير غُلَام من بني الْحَارِث بن كَعْب. فَإِنِّي ذكرت امْرَأَة مِنْهُم فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير لَا خير لَك فِيهَا. قلت: وَلم؟ قَالَ: رَأَيْت رجلا يقبلهَا. فأضربت عَنْهَا فَتَزَوجهَا الْفَتى. فَأرْسلت إِلَيْهِ: ألم تعلمني كَذَا وَكَذَا من أمرهَا. قَالَ: بلَى رَأَيْت أَبَاهَا يقبلهَا. كَانَ لعبد الله بن مُطِيع غُلَام مولد قد أدبه وخرجه وصيره قهرمانه، وَكَانَ أَتَاهُم قوم من الْعَدو فِي نَاحيَة الْبَحْر. فَرَآهُ يَوْمًا يبكي فَقَالَ: مَالك؟ قَالَ: تمنيت أَن أكون حرا، فَأخْرج مَعَ الْمُسلمين قَالَ: وتحب ذَاك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَأَنت حر

لوجه الله فَاخْرُج. قَالَ: فَإِنَّهُ قد بدا لي أَلا أخرج. قَالَ: خدعتني وَالله. كَانَ عمر بن هُبَيْرَة أُمِّيا لَا يقْرَأ وَلَا يكْتب. وَكَانَ إِذا أَتَاهُ كتاب فَتحه وَنظر فِيهِ كَأَنَّهُ يَقْرَؤُهُ فَإِذا نَهَضَ من مَجْلِسه حملت الْكتب مَعَه. فيدعو جَارِيَة كاتبة وَيدْفَع إِلَيْهَا الْكتب فتقرأها عَلَيْهِ ويأمرها فتوقع بِمَا يُرِيد، وَيخرج الْكتاب. فاستراب بِهِ بعض كِتَابه فَكتب كتابا على لِسَان بعض الْعمَّال وطواه مُنَكسًا أَعْلَاهُ إِلَى أَسْفَله، فَلَمَّا أَخذه وَنظر فِيهِ وَلم يُنكره تحقق أَنه أُمِّي. 387 قَالَ بعض الْقُضَاة لرجل: كَيفَ أقبل شهادتك وَقد سَمِعتك تَقول لمغنية: أَحْسَنت؟ قَالَ: أَلَيْسَ إِنَّمَا قلت ذَلِك بعد سكُوتهَا. فَأجَاز شَهَادَته. أَتَى معن بن زَائِدَة بثلاثمائة أَسِير من حَضرمَوْت فَأمر بِضَرْب أَعْنَاقهم، فَقَامَ مِنْهُم غُلَام حِين سَالَ عذاره فَقَالَ: أنْشدك الله أَن تَقْتُلنَا وَنحن عطاش فَقَالَ: اسقوهم مَاء. فَلَمَّا شربوا قَالَ: اضربوا أَعْنَاقهم. فَقَالَ الْغُلَام: أنْشدك الله أَن تقتل ضيفانك. قَالَ: أَحْسَنت. وَأمر بإطلاقهم. كَانَ بالأهواز رجل لَهُ زَوْجَة، وَكَانَت لَهُ أَرض بِالْبَصْرَةِ، فَكَانَ يكثر الإنحدار إِلَيْهَا فارتابت زَوجته وتتبعت أَثَره، فوقفت على أَنه قد تزوج بِالْبَصْرَةِ فاحتالت حَتَّى صَار إِلَيْهَا خطّ عَم البصرية، وَبعث بِهِ إِلَى رجل يَحْكِي كل خطّ رَآهُ، وأجازته، حَتَّى كتب كتابا عَن لِسَان عَم البصرية إِلَى زَوجهَا يذكر أَن الْمَرْأَة قد مَاتَت، ويسأله التَّعْجِيل إِلَيْهِ لأخذ مَا تركت وسمى مَالهَا وجاريتها. ودست الْكتاب مَعَ ملاح قدم من الْبَصْرَة، فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ الْكتاب قَرَأَهُ فَلم يشك فِيهِ، وَدخل وَقَالَ لامْرَأَته: اعملي لي سفرة. قَالَت: وَلم؟ قَالَ: أُرِيد الْبَصْرَة. قَالَت: كم هَذِه الْبَصْرَة؟ ! قد رَابَنِي أَمرك. لَعَلَّ لَك بهَا امْرَأَة، فَأنْكر، فَقَالَت: احْلِف. فَحلف أَن كل امْرَأَة لَهُ غَيرهَا طَالِق، سكوناً إِلَى أَن تِلْكَ قد مَاتَت، وَمَا يضرّهُ ذَلِك. فَلَمَّا حلف قَالَت: دع السفرة. قد أَغْنَاك الله عَن الْبَصْرَة. قَالَ: وَمَا ذَاك؟ قَالَ: قد طلقت الفاسقة. وحدثته بالقصة فندم. مر شبيب بن يزِيد الْخَارِجِي على غُلَام قد استنقع فِي الْفُرَات. فَقَالَ: يَا

غُلَام. اخْرُج إِلَيّ أسائلك. فَنظر الْغُلَام فَعرف شبيباً. فَقَالَ: إِنِّي أَخَاف. فَهَل أَنا آمن إِلَى أَن أخرج وألبس ثِيَابِي؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فوَاللَّه لَا ألبسها الْيَوْم وَلَا أخرج. فَقَالَ شبيب: أوه، خدعني الْغُلَام. وَأمر رجلا بحفظه لِئَلَّا يُصِيبهُ أحد بمعرة وَمضى، وَسلم الْغُلَام. قَالَ الْأَعْمَش: أَخْبرنِي تَمِيم بن سَلمَة أَن رجلا شهد عِنْد شُرَيْح وَعَلِيهِ جُبَّة ضيقَة الكمين. فَقَالَ شُرَيْح: أَنَتَوَضَّأُ وَعَلَيْك جبتك هَذِه؟ قَالَ: احسر عَن ذراعك. فحسر، فَلم يبلغ كم جبته إِلَى نصف الساعد. فَرد شَهَادَته. قدمت امْرَأَة زَوجهَا إِلَى أبي عمر القَاضِي، وَادعت عَلَيْهِ مَالا، فاعترف بِهِ فَقَالَت: أَيهَا القَاضِي خُذ بحقي وَلَو بحبسه. فتلطف لَهَا لِئَلَّا تحبسه، فَأَبت إِلَّا ذَلِك، فَأمر بِهِ، فَلَمَّا مَشى خطوَات صَاح أَبُو عمر بِالرجلِ وَقَالَ لَهُ: أَلَسْت مِمَّن لَا يصبر على النِّسَاء؟ فَفطن الرجل فَقَالَ: بلَى أصلح الله القَاضِي. فَقَالَ: خُذْهَا مَعَك إِلَى الْحَبْس. فَلَمَّا عرفت الْحَقِيقَة نَدِمت على لجاجها وَقَالَت: مَا هَذَا أَيهَا القَاضِي؟ قَالَ: لَك عَلَيْهِ حق، وَله عَلَيْك حق. وَمَالك عَلَيْهِ لَا يبطل مَا لَهُ عَلَيْك. فَعَادَت إِلَى السلاسة وَالرِّضَا. أَخذ عبد الْملك رجلا كَانَ يرى رَأْي الْخَوَارِج فَقَالَ لَهُ: أَلَسْت الْقَائِل: وَمنا سُوَيْد والبطين وقعنب ... وَمنا أَمِير الْمُؤمنِينَ شبيب فَقَالَ إِنَّمَا قلت: وَمنا أَمِير الْمُؤمنِينَ. وناديتك، فخلى سَبيله. كَانَ يخْتَلف إِلَى أبي حنيفَة رجل يتَحَمَّل بالستر الظَّاهِر، والسمت الْبَين فَقدم رجل غَرِيب وأودعه مَالا خطيراً، وَخرج حَاجا، فَلَمَّا عَاد طَالبه بالوديعة فجحده، فألح الرجل عَلَيْهِ فتمادى، فكاد صَاحب المَال يهيم 388، ثمَّ اسْتَشَارَ ثِقَة لَهُ فَقَالَ لَهُ: كف عَنهُ، وصر إِلَى أبي حنيفَة، فدواؤك عِنْده.

فَانْطَلق إِلَيْهِ وخلا بِهِ وأعلمه شَأْنه، وَشرح لَهُ قصَّته فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة: لَا تعلم بِهَذَا أحدا، وامض راشداً، وعد إِلَيّ غَدا. فَلَمَّا أَمْسَى أَبُو حنيفَة جلس كعادته للنَّاس، وَجعل كلما سُئِلَ عَن شَيْء تنفس الصعداء. فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: إِن هَؤُلَاءِ - يَعْنِي السُّلْطَان - قد احتاجوا إِلَى رجل يبعثونه قَاضِيا إِلَى مَكَان. وَقَالُوا لي: اختر من أَحْبَبْت. ثمَّ أسبل كمه وخلا بِصَاحِب الْوَدِيعَة، وَقَالَ لَهُ: أترغب حَتَّى أسميك. فَذهب يتمنع تحلية. فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفَة: اسْكُتْ فَإِنِّي أبلغ لَك مَا تحب. فَانْصَرف الرجل مَسْرُورا يظنّ الظنون بالجاه العريض، وَالْحَال الْحَسَنَة. وَصَارَ رب المَال إِلَى أبي حنيفَة فَقَالَ: امْضِ إِلَى صَاحبك وَلَا تخبره بِمَا بَيْننَا، ولوح بذكري وَكَفاك، فَمضى الرجل واقتضاه وَقَالَ لَهُ: ارْدُدْ على مَالِي وَإِلَّا شكوتك إِلَى أبي حنيفَة. فَلَمَّا سمع ذَلِك وفاه المَال. وَصَارَ الرجل إِلَى أبي حنيفَة وأعلمه رُجُوع المَال إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: استره عَلَيْهِ. وَلما غَدا الرجل إِلَى أبي حنيفَة طامعاً فِي الْقَضَاء نظر إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة وَقَالَ لَهُ: نظرت فِي أَمرك فَرفعت قدرك عَن الْقَضَاء. قَالَ أَبُو يُوسُف: بقيت على بَاب الرشيد حولا لَا أصل إِلَيْهِ، حَتَّى حدثت مَسْأَلَة. وَذَلِكَ أَن بعض أَهله كَانَت لَهُ جَارِيَة، فَحلف أَنه لَا يَبِيعهَا إِيَّاه وَلَا يَهَبهَا لَهُ. وَأَرَادَ الرشيد شراءها فَلم يجد أحدا يفتيه فِي ذَلِك. فَقلت لِابْنِ الرّبيع: أعلم أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن بِالْبَابِ رجلا من الْفُقَهَاء عِنْده الشِّفَاء من هَذِه الْحَادِثَة. فَدخل فَأخْبرهُ، فَأذن لي، فَلَمَّا وصلت مثلت، فَقَالَ: مَا تَقول؟ قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أقوله لَك وَحدك أَبُو بِحَضْرَة الْفُقَهَاء؟ قَالَ: بل بِحَضْرَة الْفُقَهَاء، ليك الشَّك أبعد، وَأمر فَحَضَرَ الْفُقَهَاء، وأعيد عَلَيْهِم السُّؤَال. فَكل قَالَ: لَا حِيلَة عندنَا فِيهِ، فَأقبل أَبُو يُوسُف فَقَالَ: الْمخْرج مِنْهَا أَن يهب لَك نصفهَا، ويبيعك نصفهَا، فَإِنَّهُ لَا يَقع الْحِنْث. فَقَالَ الْقَوْم: صدق. فَعظم أَمْرِي عِنْد الرشيد، وَعلم أَن أتيت بِمَا عجزوا عَنهُ. كَانَ الْمُغيرَة من كبار المدمنين للشراب، فَقَالَ لصَاحب لَهُ يَوْم خَيْبَر: قد قرمت إِلَى الشَّرَاب. وَمَعِي دِرْهَمَانِ زائفان فَأعْطِنِي زكرتين فَأعْطَاهُ.

فصب فِي إِحْدَاهمَا مَاء، وأتى بعغض الخمارين فَقَالَ: كل بِدِرْهَمَيْنِ. فكال فِي زكرته فَأعْطَاهُ الدرهمين فردهما، وَقَالَ: هما زائفان. فَقَالَ: ارتجع مَا أَعْطَيْتنِي فكاله وَأَخذه، وَبقيت فِي الزكرة بَقِيَّة فصبها فِي الفارغة، ثمَّ فعل ذَلِك بِكُل خمار حَتَّى ملا زكرته وَرجع وَمَعَهُ درهماه. قَالَ الْأَصْمَعِي: حمل يزِيد بن مره شَيْئا على رَأس حمال فعاسره فِي الْكِرَاء فَقَالَ لَهُ: أثبت أَن الَّذِي على رَأْسِي لَك. فأرضاه. وقف أَحْمد بن أبي خَالِد بَين يَدي الْمَأْمُون وَخرج يحيى بن أَكْثَم وَجلسَ على طرفه فَقَالَ أَحْمد: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ إِن يحيى صديقي وَأخي، وَمن أَثِق بِهِ فِي أَمْرِي كُله ويثق بِي، وَقد تغير عَمَّا كنت أعهده عَلَيْهِ، فَإِن رَأَيْت أَن تَأمره بِالْعودِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. فَإِنِّي لَهُ على مثله. فَقَالَ الْمَأْمُون: 389 يَا يحيى؛ إِن فَسَاد أَمر الْمُلُوك بِفساد الْحَال بَين خاصتهم. وَمَا يعد لَكمَا عِنْدِي أحد. فَمَا هَذَا النزاع بَيْنكُمَا؟ فَقَالَ لَهُ يحيى: وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه ليعلم أَنِّي لَهُ على أَكثر مِمَّا وصف، وَأَنِّي أَثِق بِمثل ذَلِك مِنْهُ. وَلكنه رأى منزلتي هَذِه مِنْك فخاف أَن أتغير لَهُ يَوْمًا، فأقدح فِيهِ عنْدك، فَتقبل قولي فِيهِ فَأحب أَن يَقُول هَذَا لتأمرني بِأَمْر لَو بلغ نِهَايَة مساءتي مَا قدرت أَن أذكرهُ بِسوء عنْدك. فَقَالَ الْمَأْمُون: أكذاك هُوَ يَا أَحْمد؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أستعين الله عَلَيْكُمَا. مَا رَأَيْت أتم دهاء وَلَا أقرب فطنة مِنْكُمَا. اسْتَأْذن أَخُو صَفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب على سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَهُوَ خَليفَة فَقَالَ للآذن: خَال أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَدخل فَقَالَ: بِالْبَابِ رجل يَدعِي أَنه خَال أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ: أدخلهُ. فَلَمَّا رَآهُ عرفه فَقَالَ: أَنْت لعمري خَالِي. أَي إِنِّي مُؤمن. أرسل فَتى من الْعَرَب إِلَى ابْنة عَم لَهُ وَلم يكن لَهُ مَال، ومانت كَثِيرَة المَال وخطبها نَاس كثير، فَقَالَ: يابنة عَم؛ هَل لَك فِي فَتى كاسٍ من الْحسب، عَار من النشب، يتقلقل فِي دَارك، وَيقبض غلَّة غلمانك، ويقلبك عَن يَمِينك لشمالك، وَيدخل الْحمام فِي كل يَوْم مرَّتَيْنِ؟ فتزوجته. دخل سلم بن زِيَاد على الْحجَّاج فِي أَمْوَال قبضهَا عَنهُ فَقَالَ لَهُ: من أَنْت؟

قَالَ: سلم. قَالَ: ابْن من؟ قَالَ: ابْن زِيَاد. قَالَ: ابْن من؟ قَالَ: ابْن من شَاءَ الْأَمِير. فَرد عَلَيْهِ أرضه. أَتَى وَكِيع بن أبي سود إِيَاس بن مُعَاوِيَة وَهُوَ قَاض ليشهد عِنْده بِشَهَادَة، فَقَالَ: مرْحَبًا بك يَا أَبَا مطرف، مَا جَاءَ بك؟ قَالَ: جِئْت لأشهد قَالَ: مَالك وللشهادة. إِنَّمَا يشْهد الموَالِي والتجار والسقاط. قَالَ: صدقت وَانْصَرف. فَقيل لَهُ: خدعك وَلم يقبل شهادتك فردك. فَقَالَ: لَو علمت لعلوته بالقضيب. كَانَ أَبُو بردة ولي الْقَضَاء بعد الشّعبِيّ بِالْكُوفَةِ، فَكَانَ يحكم بِأَن رجلا لَو قَالَ لملوك لَا يملكهُ: أَنْت حر. أَنه يعْتق وَيُؤْخَذ الْمُعْتق بِثمنِهِ. قَالَ: فعشق رجل من بني عبس جَارِيَة لِجَار لَهُ فجن بهَا وجنت بِهِ، فَكَانَ يشكو ذَاك فلقيها يَوْم فَقَالَ لَهَا: إِلَى الله أَشْكُو قَالَت: بلَى وَالله إِن لَك حِيلَة، وَلَكِنَّك عَاجز. هَذَا أَبُو بردة يقْضِي فِي الْعتْق بِمَا قد علمت فَقَالَ لَهَا: أشهد إِنَّك لصادقة. ثمَّ قدمهَا إِلَى مجْلِس يتجمع فِيهِ قوم يعدلُونَ فَقَالَ: هَذِه جَارِيَة آل فلَان أشهدكم إِنَّهَا حرَّة فَأَلْقَت ملحفتها على رَأسهَا. وَبلغ ذَلِك مواليها فَجَاءُوا فقدمتهم إِلَى أبي برده وَقدمُوا الرجل فأنفذ عتقهَا، وألزم الرجل ثمنهَا، فَلَمَّا أَمر بِهِ إِلَى السجْن خَافَ إِذا ملكت أمرهَا أَن تصير إِلَى أول من يطْلبهَا، وَأَن تخيب فِيمَا صنع فِي أمرهَا. فَقَالَ: أصلح الله القَاضِي، لَا بُد من حبسي قَالَ: نعم أَو تعطيهم ثمنهَا. قَالَ: فَلَيْسَ مثلي يحبس فِي شَيْء يسير. أشهدكم أَنِّي قد أعتقت كل مَمْلُوك لأبي بردة، وكل مَمْلُوك لآل أبي مُوسَى، وكل مَمْلُوك لمذحج. فخلى سَبيله، وَرجع عَن ذَلِك الْقَضَاء فَلم يحكم بِهِ. لما خرج الْأَحْنَف مَعَ مُصعب أرسل إِلَيْهِ بِمِائَة ألف دِرْهَم وَلم يُرْسل إِلَى زبراء جَارِيَته بِشَيْء، فَجَاءَت حَتَّى قعدت بَين يَدي الْأَحْنَف ثمَّ أرْسلت عينيها. فَقَالَ لَهَا: مَا يبكيك؟ قَالَت: مَالِي 390 لَا أبْكِي عَلَيْك، إِذْ لم تبك على نَفسك. أبعد نهاوند ومرو الروذ صرت إِلَى أَن تجمع بَين غارين من الْمُسلمين؟ فَقَالَ: نصحتني وَالله فِي ديني، إِذْ لم أنتبه لذَلِك. ثمَّ أَمر بفساطيطه فقوضت.

قَالَ: فَبلغ ذَلِك مصعباً، فَقَالَ: من دهاني فِي الْأَحْنَف؟ فَقيل: زبراء. فَبعث إِلَيْهَا بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم. فَجَاءَت حَتَّى أرخت عينيهل بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: مَا لَك يَا زبراء؟ قَالَت: جِئْت بإخوانك من أهل الْبَصْرَة تزفهم كَمَا تزف الْعَرُوس، حَتَّى إِذا صيرتهم فِي نحور أعدائهم أردْت أَن تفت فِي أعضادهم. قَالَ: صدقت وَالله. يَا غُلَام؛ دعها. قَالَ: فاضطرب الْعَسْكَر بمجيء زبراء مرَّتَيْنِ فَذَهَبت مثلا. بلغ قُتَيْبَة بن مُسلم أَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك يُرِيد عَزله وَاسْتِعْمَال يزِيد ابْن الْمُهلب فَكتب إِلَيْهِ ثَلَاث صَحَائِف وَقَالَ للرسول: إِن دفع كتابي الأول إِلَى يزِيد بن الْمُهلب فادفع إِلَيْهِ الثَّانِي، فَإِن شَتَمَنِي عِنْد الثَّانِي فادفع إِلَيْهِ الثَّالِث، فَدفع إِلَيْهِ الْكتاب الأول، فَإِذا فِيهِ: إِن بلائي فِي طَاعَة أَبِيك وأخيك كَذَا، وَأَنت تقْرَأ كتبي يزِيد. قَالَ: فَرمى بِالْكتاب إِلَى يزِيد، فَأعْطَاهُ الثَّانِي فَإِذا فِيهِ: كَيفَ تأمن يزِيد على أسرارك وَكَانَ أَبوهُ لَا يأمنه على أُمَّهَات أَوْلَاده. قَالَ: فشتمه، فَدفع إِلَيْهِ الثَّالِث فَإِذا فِيهِ: من قُتَيْبَة بن مُسلم إِلَى سُلَيْمَان بن عبد الْملك سَلام على من اتبع الْهدى. أما بعد فلأوثقن لَك أخية لَا يَنْزِعهَا الْمهْر الأرن. قَالَ: فَقَالَ سُلَيْمَان: مَا أرانا إِلَّا قد عجلنا على قُتَيْبَة. يَا غُلَام؛ جدد لَهُ عَهده على خُرَاسَان خطب سلمَان إِلَى عمر بن الْخطاب ابْنَته فَلم يستجز رده، فأنعم لَهُ وشق ذَلِك عَلَيْهِ وعَلى ابْنه عبد الله بن عمر. فَشكى عبد الله ذَلِك إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ فَقَالَ لَهُ: أفتحب أَن أصرف سلمَان عَنْكُم؟ فَقَالَ لَهُ: هُوَ سلمَان، وحاله فِي الْمُسلمين حَاله. قَالَ: أحتال لَهُ حَتَّى يكون هُوَ التارك لهَذَا الْأَمر، والكاره لَهُ. قَالَ: وَدِدْنَا ذَلِك. فَمر عَمْرو بسلمان فِي طَرِيق فَضرب بِيَدِهِ على مَنْكِبه وَقَالَ لَهُ:

هَنِيئًا لَك أَبَا عبد الله. قَالَ: وَمَا ذَاك؟ قَالَ: هَذَا عمر يُرِيد أَن يتواضع بك فيزوجك. قَالَ: وَإِنَّمَا يزوجني ليتواضع بِي؟ ! قَالَ: نعم. قَالَ: لَا جرم وَالله لَا خطبت إِلَيْهِ أبدا. كتب مُعَاوِيَة إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ والمغيرة بن شُعْبَة أَن يقدما عَلَيْهِ، فَقدم عَمْرو من مصر والمغيرة من الْكُوفَة فَقَالَ عَمْرو للْمُغِيرَة: مَا جَمعنَا إِلَّا ليعزلنا، فَإِذا دخلت عَلَيْهِ فاشك الضعْف واستأذنه أَن تَأتي الطَّائِف أَو الْمَدِينَة. فَإِنِّي إِذا دخلت عَلَيْهِ سَأَلته ذَلِك فَإِنَّهُ يظنّ أَنا نُرِيد أَن نفسد عَلَيْهِ. فَدخل الْمُغيرَة فَسَأَلَهُ أَن يعفيه وَيَأْذَن لَهُ. وَدخل عَلَيْهِ عَمْرو وَسَأَلَهُ مثل ذَلِك فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: قد تواطأتما على أَمر، وإنكما لتريدان شرا. ارْجِعَا إِلَى عمليكما. كَانَ الْإِسْكَنْدَر لَا يدْخل مَدِينَة إِلَّا هدمها وَقتل أَهلهَا حَتَّى مر بِمَدِينَة كَانَ فِيهَا مؤدبه. فَخرج إِلَيْهِ وألطفه الْإِسْكَنْدَر وأعظمه فَقَالَ لَهُ مؤدبه: إِن أَحَق من زين رَأْيك وسدده وأتى كل مَا هويت لأَنا. وَإِن أهل هَذِه الْمَدِينَة قد طمعوا فِيك لمكاني مِنْك فَأَنا أحب أَلا تشفعني فيهم، وَأَن تحلف يَمِينا أعْتَذر بهَا عِنْد الْقَوْم فاحلف 391 لي عِنْدهم أَنَّك لَا تشفعني فِي شَيْء أَسأَلك، وَأَن تخالفني فِي كل مَا سَأَلتك. فَأعْطَاهُ من ذَلِك مَالا يقدر على الرُّجُوع عَنهُ فِي دينه، فَلَمَّا توثق مِنْهُ قَالَ: فَإِن حَاجَتي أَن تدْخلهَا وتخربها وَتقتل من فِيهَا. قَالَ: مَا إِلَى ذَلِك سَبِيل وَلَا بُد من مخالفتك وَقد كنت مؤدبي وَأَنا إِلَيْك الْيَوْم أحْوج. فَلم يدخلهَا وضمه إِلَيْهِ. أَصَابَت الْمُسلمين جَوْلَة بخراسان، فَمر فيهم شُعْبَة بن ظهير على بغلة لَهُ فَرَآهُ بعض الرجالة فتقدر لَهُ على جذم حَائِط، فَلَمَّا حاذ بِهِ حَال فِي عجز بغلته. فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ الله فَإِنَّهَا لَا تحملنِي وَإِيَّاك. قَالَ: امْضِ فَإِنِّي وَالله مَا أقدر أَن أَمْشِي. قَالَ: إِنَّك تقتلني وَتقتل نَفسك. قَالَ: امْضِ فَهُوَ مَا أَقُول لَك. قَالَ: فصرف شُعْبَة وَجه البغلة قبل الْعَدو فَقَالَ لَهُ: أَيْن تُرِيدُ؟ قَالَ: أَنا أعلم أَنِّي مقتول، فَلِأَن أقتل مُقبلا خير من أَن أقتل مُدبرا. فَنزل الرجل عَن بغلته وَقَالَ: اذْهَبْ فِي حرق الله. اشْترى شريك بن عبد الله جَارِيَة من رجل فَأصَاب بهَا عَيْبا، فَقَالَ للَّذي

اشْتَرَاهَا مِنْهُ: قد ظهر بهَا عيب. قَالَ: مَا عَلَيْك. هِيَ رخيصة، وَإِن أَحْبَبْت بعتها لَك بِرِبْح. قَالَ: فافعل. فَدفع الْجَارِيَة إِلَيْهِ وَأقَام أَيَّامًا ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: لم أصب مِنْهَا ثمنا أرضاه. فَقَالَ لَهُ شريك: فَخذهَا واردد عَليّ الثّمن. فَقَالَ لَهُ الرجل: أبعد مَا وكلتني لأبيعها ورضيت تردها عَليّ؟ فَقَالَ: صدقت وَالله خدعتني. رأى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ابْنه عبد الله جَالِسا مَعَ رجل فَقَالَ لَهُ: يَا بني؛ احذر هَذَا، لَا تشترين مِنْهُ شَيْئا، فَإِنَّهُ يتبرأ إِلَى الرجل من الْعَيْب. وَالرجل لَا يفْطن لذَلِك. قَالَ: فَمر عبد الله بن عمر بِذَاكَ الرجل يَوْمًا وَمَعَهُ غُلَام وضيء، فَقَالَ لَهُ: تبيعه؟ قَالَ: نعم. قَالَ: بكم؟ قَالَ: بِكَذَا. قَالَ لَهُ: هَل بِهِ عيب. قَالَ: مَا علمت أَن بِهِ عَيْبا إِلَّا أَنا رُبمَا أرسلناه فِي الْحَاجة فيبطئ فَلَا يأتينا حَتَّى نبعث فِي طلبه. فَقَالَ عبد الله: وَمَا هَذَا؟ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ. فَلَمَّا صَار إِلَيْهِ أرْسلهُ فِي حَاجَة فهرب، فَطَلَبه أَيَّامًا حَتَّى وجده، فَأتى صَاحبه ليَرُدهُ عَلَيْهِ بالإباق، فَقَالَ لَهُ: ألم أخْبرك أَنا رُبمَا أرسلناه فِي الْحَاجة فَلَا يرجع حَتَّى نرسل فِي طلبه؟ فَعلم أَنه قد خدعه. كَانَ مَعَ يُوسُف بن عمر رجل يُقَال لَهُ عَبْدَانِ يأنس بِهِ وَلَا يَحْجُبهُ فِي دَار نِسَائِهِ. فَقَالَ لَهُ يَوْمًا: أَنا أطول أم أَنْت؟ وَكَانَ عَبْدَانِ طَويلا. قَالَ: فَقلت فِي نَفسِي: وَقعت وَالله فِي شَرّ. إِن قلت: أَنا. خفت أَن يَقُول: يصغرني. وَإِن قلت أَنْت قَالَ: تهزأ بِي. فَقلت: أصلحك الله؛ أَنْت أطول مني ظهرا وَأَنا أطول رجلَيْنِ مِنْك. فَقَالَ: أَحْسَنت. كَانَ شُعْبَة بن المخش مَعَ زِيَاد، وَكَانَ أكولاً دميماً، فَقَالَ لَهُ زِيَاد: يَا شُعْبَة مَالك من الْوَلَد؟ قَالَ: تسع بَنَات. قَالَ: أَيْن جمالهن من جمالك؟ قَالَ: أَنا أجمل مِنْهُنَّ وَهن آكل مني. قَالَ: مَا أحسن مَا سَأَلت لَهُنَّ، وَألْحق بَنَاته فِي الْعِيَال. قَالَ الْأَصْمَعِي: ذكرُوا أَن مُحَمَّد بن الحنيفية أَرَادَ أَن يقدم الْكُوفَة أَيَّام الْمُخْتَار. فَقَالَ الْمُخْتَار حِين بلغه ذَلِك: إِن فِي الْمهْدي عَلامَة، يضْربهُ فِي السُّوق رجل ضَرْبَة بِالسَّيْفِ فَلَا يضرّهُ، فَلَمَّا بلغه ذَلِك أَقَامَ.

حلم الاحنف ودهاؤه

سَأَلَ عبد الله بن الزبير مُعَاوِيَة شَيْئا فَمَنعه فَقَالَ: وَالله مَا أَجْهَل أَن ألزم 392 هَذِه البنية فَلَا أشتم لَك عرضا وَلَا أقضب لَك حسبا. وَلَكِن أسدل عمامتي من بَين يَدي ذِرَاعا وَمن خَلْفي ذِرَاعا أقعد فِي طَرِيق أهل الشَّام، وأذكر سيرة أبي بكر وَعمر فَيَقُول النَّاس: هَذَا ابْن حوارِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَابْن الصّديق. فَقَالَ مُعَاوِيَة: حَسبك بِهَذَا شرا، وَقضى حَاجته. قَالَ أَعْرَابِي لمعاوية: قَالَ أَعْرَابِي لمعاوية: استعملني على الْبَصْرَة. فَقَالَ: مَا أُرِيد عزل عاملها. قَالَ: فأقطعني الْبَحْرين. قَالَ: مَا إِلَى ذَلِك سَبِيل. قَالَ: فَمر لي بِأَلف دِرْهَم. فَأمر لَهُ بهَا. فَقيل للأعرابي فِي ذَلِك فَقَالَ: لَوْلَا طلبي الْكثير مَا أَعْطَانِي الْقَلِيل. حلم الْأَحْنَف ودهاؤه أَتَى رجل الْأَحْنَف فَلَطَمَهُ. فَقَالَ لَهُ: لم لطمتني؟ قَالَ: جعل لي جعل على أَن ألطم سيد بني تَمِيم. قَالَ: مَا صنعت شَيْئا. عَلَيْك بِجَارِيَة بن قدامَة فَإِنَّهُ سيدهم. فَانْطَلق فلطم جَارِيَة، فَأَخذه وَقطع يَده. وَإِنَّمَا أَرَادَ الْأَحْنَف ذَلِك بِهِ. قَالَ قوم من قُرَيْش: مَا نظن أَن مُعَاوِيَة أغضبهُ شَيْء قطّ. فَقَالَ بَعضهم: إِن ذكرت أمه غضب. فَقَالَ نالك بن أَسمَاء المنى الْقرشِي - وَهِي أمه - وَإِنَّمَا قيل لَهَا أَسمَاء المنى لجمالها: وَالله لأغضبنه إِن جعلتم لي جعلا. فَجعلُوا لَهُ جعلا وَأَتَاهُ وَقد حضر الْمَوْسِم فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أشبه عَيْنَيْك بعيني أمك. قَالَ: تِلْكَ عينان طالما أعجبتا أبي سُفْيَان. يَا بن أخي؛ خُذ جعلك وَلَا تتخذنا متجراً. ثمَّ دَعَا مُعَاوِيَة مَوْلَاهُ سَعْدا فَقَالَ لَهُ: أعدد لأسماء المنى دِيَة ابْنهَا فَإِنِّي قد قتلته وَهُوَ لَا يدْرِي. وَرجع الْغُلَام فَأخذ جعله. فَقَالَ لَهُ رجل مِنْهُم: إِن أتيت عَمْرو بن الزبير فشبهته بِأُمِّهِ فلك ضعفا جعلك. فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: يَا بن الزبير؛ مَا أشبه وَجهك بِوَجْه أمك. فَأمر بِهِ فَضرب حَتَّى مَاتَ. فَبعث مُعَاوِيَة إِلَى أمه بديته وَقَالَ: أَلا قل لأسماء المنى أم مَالك ... فَإِنِّي لعمر الله أقتل مَالِكًا

حيله عمرو بن العاص

قيل لأعرابي: أنشرب قدحاً من لبن حازر وَلَا تتنحنح؟ قَالَ: نعم فَأَخذه فِي حلقه مثل الزّجاج فَقَالَ: كَبْش أَمْلَح. فَقيل لَهُ: إِنَّك تنحنحت فَقَالَ: من تنحنح فَلَا أَفْلح. وَمد صَوته فَقضى وطره. قَالَ عبيد الله بن زِيَاد بن ظبْيَان: إيَّاكُمْ والطمع فَإِنَّهُ يردي. وَالله لقد هَمَمْت أَن أفتك بالحجاج، فَإِنِّي لواقف على بَابه بدير الجماجم، إِذا بالحجاج قد خرج على دَابَّة، لَيْسَ مَعَه غير غُلَام، فأجمعت على قَتله فَكَأَنَّهُ عرف مَا فِي نَفسِي قَالَ: فَقَالَ: ألقيت ابْن أبي مُسلم؟ قلت: لَا. قَالَ: فالقه فَإِن عَهْدك مَعَه على الرّيّ. قَالَ: فطمعت وكففت فَأتيت يزِيد بن أبي مُسلم فَسَأَلته فَقَالَ: مَا أَمرنِي بِشَيْء. وَقَالَ عَمْرو بن يزِيد الأسيدي: خفنا أَيَّام الْحجَّاج، وَجَعَلنَا نودع متاعنا، وَعلم جَار لنا، فَخَشِيت أَن يظْهر أمرنَا، فعمدت إِلَى سفط فَجعلت فِيهِ لَبَنًا ودفعته إِلَيْهِ، فَمَكثَ عِنْده حَتَّى أمنا. فطلبت مِنْهُ، فَقَالَ لي: أما وجدت أحدا تودعه لَبَنًا غَيْرِي. لَقِي الْحجَّاج أَعْرَابِيًا خَالِيا بفلاة فَسَأَلَهُ عَن نَفسه فَأخْبرهُ بِكُل مَا يكره وَهُوَ لَا يعرفهُ. فَقَالَ: إِن لم أَقْتلك فقتلني الله. قَالَ الْأَعرَابِي: فَأَيْنَ حق الاسترسال؟ فَقَالَ الْحجَّاج: أولى. وَأعْرض عَنهُ. حِيلَة عَمْرو بن الْعَاصِ توجه عَمْرو بن الْعَاصِ حَيْثُ فتح قيسارية إِلَى مصر وَبعث إِلَى علجها فَأرْسل إِلَيْهِ: أَن أرسل إِلَيّ رجلا من أَصْحَابك 393 ُأكَلِّمهُ. فنظروا فَقَالَ عَمْرو: مَا أرى لهَذَا أحدا غَيْرِي. فَخرج وَدخل على العلج، فَكَلمهُ فَسمع كلَاما لم يسمع مثله قطّ، فَقَالَ: حَدثنِي. هَل فِي أَصْحَابك مثلك؟ قَالَ: لَا تسل عَن هواني عَلَيْهِم؛ إِلَّا أَنهم بعثوني إِلَيْك وعرضوني لَا يَدْرُونَ مَا تصنع بِي. فَأمر لَهُ بجائزة وَكِسْوَة وَبعث إِلَى البواب: إِذا مر بك فَاضْرب عُنُقه، وَخذ مَا مَعَه.

ايمن بن خريم ومعاويه

فَخرج من عِنْده، فَمر بِرَجُل من نَصَارَى الْعَرَب من غَسَّان فَعرفهُ فَقَالَ: يَا عَمْرو، إِنَّك قد أَحْسَنت الدُّخُول فَأحْسن الْخُرُوج. فَرجع فَقَالَ لَهُ الْملك: مَا ردك؟ قَالَ: نظرت فِيمَا أَعْطَيْتنِي فَلم أَجِدهُ يسع بني عمي، فَأَرَدْت أَن أجيئك بِعشْرَة مِنْهُم تعطيهم هَذِه الْعَطِيَّة، وتكسوهم هَذِه الْكسْوَة، فَيكون مَعْرُوفك عِنْد عشرَة خيرا من أَن يكون عِنْد وَاحِد. قَالَ: صدقت. فاعجل بهم. وَبعث إِلَى البواب أَن خل سَبيله، فَخرج عَمْرو وَهُوَ يلْتَفت حَتَّى إِذا أَمن قَالَ: لَا أَعُود لمثلهَا أبدا. فَمَا فَارقهَا عَمْرو حَتَّى صَالحه، فَلَمَّا أُتِي بالعلج قَالَ: أَنْت هُوَ؟ قَالَ عَمْرو: نعم على مَا كَانَ من غدرك. أَيمن بن خريم وَمُعَاوِيَة كَانَت لأيمن بن خُزَيْمٌ الْأَسدي منزلَة عِنْد مُعَاوِيَة، وَكَانَ مُعَاوِيَة قد ضعف عَن النِّسَاء، فَكَانَ يكره أَن يذكر عِنْده رجل يُوصف بِالْجِمَاعِ فَجَلَسَ ذَات يَوْم وفاختة قريبَة مِنْهُ حَيْثُ تسمع الْكَلَام فَقَالَ: يَا أَيمن؛ مَا بَقِي من طَعَامك وشرابك وجماعك وقوتك؟ فَقَالَ: أَنا وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ آكل الْجَفْنَة الْكَثِيرَة الدَّرْمَك وَالْقدر، وأشرب الرفد الْعَظِيم وَلَا أنقع بالغمر، وأركض بِالْمهْرِ الأرن مَا أحضر، وأجامع من أول اللَّيْل إِلَى السحر. قَالَ: فغم ذَلِك مُعَاوِيَة، وَكَلَامه هَذَا بأذني فَاخِتَة، فجفاه مُعَاوِيَة. فَشَكا أَيمن ذَلِك إِلَى امْرَأَته فَقَالَت: أذنبت ذَنبا. فوَاللَّه مَا مُعَاوِيَة بعابث وَلَا متجن قَالَ: لَا وَالله إِلَّا كَذَا وَكَذَا. قَالَت: هَذَا وَالله الَّذِي أغضبهُ عَلَيْك قَالَ: فأصلحي مَا أفسدت. قَالَت: كفيتك. فَأَتَت مُعَاوِيَة فَوَجَدته جَالِسا للنَّاس، فَدخلت على فَاخِتَة فَقَالَت: مَالك؟ قَالَت: جِئْت أستعدي على أَيمن. قَالَت: وَمَاله؟ قَالَت: مَا أَدْرِي أرجل هُوَ أم امْرَأَة. وَمَا كشف لي ثوبا مُنْذُ تزَوجنِي. قَالَت: فَأَيْنَ قَوْله لأمير الْمُؤمنِينَ؟ وحكت لَهَا مَا قَالَ. فَقَالَت: ذَاك وَالله الْبَاطِل.

وَأَقْبل مُعَاوِيَة فَقَالَ: من هَذِه عنْدك يَا فَاخِتَة. قَالَت: هَذِه امْرَأَة أَيمن جَاءَت تشكوه. قَالَ: وَمَالهَا؟ قَالَت: زعمت أَنَّهَا لَا تَدْرِي أرجل هُوَ أم امْرَأَة، وَأَنه لم يكْشف لَهَا ثوبا مُنْذُ تزَوجهَا. قَالَ: كَذَاك هُوَ؟ قَالَت: نعم فَفرق بيني وَبَينه فرق الله بَينه وَبَين روحه! قَالَ مُعَاوِيَة: أَو خيرا من ذَلِك، هُوَ ابْن عمك، وَقد صبرت عَلَيْهِ دهراً. فَأَبت فَلم يزل بهَا يطْلب إِلَيْهَا حَتَّى سمحت لَهُ بذلك فَأَعْطَاهَا وَأحسن إِلَيْهَا وعادت منزلَة أَيمن عِنْد مُعَاوِيَة كَمَا كَانَت. كتب الْمُغيرَة بن شُعْبَة إِلَى مُعَاوِيَة حِين كبر وَخَافَ الْعَزْل: أما بعد؛ فَإِنَّهُ قد كَبرت سني، ورق عظمي واقترب أَجلي، وسفهني سُفَهَاء قُرَيْش، فَرَأى أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي عمله موفق. وَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة: أما مَا ذكرت من كبر سنك فَإنَّك أكلت سنك عمرك، وَأما مَا ذكرت من اقتراب أَجلك فَإِنِّي لَو كنت أَسْتَطِيع أَن أدفَع الْمنية لدفعتها عَن آل أبي سُفْيَان، وَأما مَا ذكرت من سُفَهَاء قُرَيْش فَإِن حلماء قُرَيْش أنزلوك هَذَا الْمنزل، وَأما مَا ذكرت من الْعَمَل فَضَح رويداً يدْرك الهيجا حمل. فَاسْتَأْذن مُعَاوِيَة 394 فِي الْقدوم فَأذن لَهُ. قَالَ الرّبيع بن هذيم: فَخرج الْمُغيرَة وَخَرجْنَا إِلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ: يَا مُغيرَة كَبرت سنك، واقترب أَجلك، وَلم يبْق مِنْك شَيْء، وَلَا أظنني إِلَّا مستبدلاً بك، قَالَ: فَانْصَرف إِلَيْنَا وَنحن نَعْرِف الكآبة فِيهِ. فَقُلْنَا: مَا تُرِيدُ أَن تصنع؟ قَالَ: ستعلمون ذَلِك. فَأتى مُعَاوِيَة فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ إِن الْأَنْفس يغدى عَلَيْهَا وَيرَاح، وَلست فِي زمن أبي بكر وَلَا عمر، وَقد اجترح النَّاس، فَلَو نصبت لنا علما من بعْدك نصير إِلَيْهِ، مَعَ أَنِّي كنت قد دَعَوْت أهل الْعرَاق إِلَى يزِيد فَرَكبُوا إِلَيْهِ، حَتَّى جَاءَنِي كتابك. قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد؛ انْصَرف إِلَى عَمَلك فأحكم هَذَا الْأَمر لِابْنِ أَخِيك. قَالَ: فأقبلنا على الْبَرِيد نركض، فَقَالَ: يَا ربيع؛ وضعت وَالله رجله فِي ركاب طَوِيل ألغى على أمة مُحَمَّد. قَالَ: فَذَاك الَّذِي دَعَا مُعَاوِيَة إِلَى الْبيعَة ليزِيد. مر حَاجِب بن حميضة بقاص يقص فِي النجدية بِالْيَمَامَةِ، فَذكر عُثْمَان بن عَفَّان فنال مِنْهُ. فَقَالَ حَاجِب: لعن الله شركما. فَأَخَذُوهُ وَقَالُوا: يَا عَدو الله تلعن مُسلما وتولي كَافِرًا؟ فَقَالَ: لَا تعجلوا. فَأتوا نجدة فأخبروه فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، عُثْمَان شرهما. قَالَ: خلوا أَخَاكُم.

حيله رجل

حلف رجل من الْأَعْرَاب بِالْيَمَامَةِ أَلا يكْشف لامْرَأَته ثوبا، فَسَأَلَ القَاضِي فَأمره باعتزالها. فَقَالَت مَرْيَم بنت الْحَرِيش: لتكشف هِيَ ثوبها صاغرة قميئة. فَأمرهَا القَاضِي بذلك. اخْتلف إِبْرَاهِيم بن هِشَام وقرشي فِي حرف، فحكما أَبَا عُبَيْدَة بن مُحَمَّد بن عمار، فَقَالَ: أما أَفرس الْكَلَامَيْنِ فَمَا يَقُول الْأَمِير، وَأما مَا يَقُول النحويون الخبثاء فَمَا يَقُول هَذَا. حِيلَة رجل حدث الْمَدَائِنِي أَن مُخَارق بن غفار ومعن بن زَائِدَة فِي فوارس لقيا رجلا بِبِلَاد الشّرك وَمَعَهُ جَارِيَة لم ير مثلهَا شبَابًا وجمالاً، فصاحوا بِهِ أَن خل عَنْهَا وَمَعَهُ قَوس لَهُ فَرمى بَعضهم وجرحه، فهابوا الْإِقْدَام عَلَيْهِ، ثمَّ عَاد ليرمي فَانْقَطع وتره فَأسلم الْجَارِيَة واستند فِي جبل كَانَ قَرِيبا مِنْهُ، فابتدروا الْجَارِيَة وَفِي أذنها قرط فِيهِ درة فانتزعه بَعضهم من أذنها فَقَالَت: وَمَا قدر هَذِه؟ فَكيف لَو رَأَيْتُمْ درتين قلنسوته؟ فَاتَّبعُوهُ فَقَالَ: مالكم؟ ألم أدع لكم بغيتكم؟ قَالُوا: ألق مَا فِي قلنسوتك. فَرفع قلنسوته عَن رَأسه، فَإِذا فِيهَا وتر للقوس قد كَانَ أعده فأنسيه من الدهش. فَلَمَّا رَآهُ عقده فِي قوسه فولى الْقَوْم لَيست لَهُم همة إِلَّا أَن ينجوا بِأَنْفسِهِم وخلوا عَن الْجَارِيَة. هدبة بن الخشرم وَامْرَأَة عَمه قدم هدبة بن الخشرم ليقاد بِابْن عَمه زِيَادَة، وَأخذ ابْن زِيَادَة السَّيْف وَقد ضوعفت لَهُ الدِّيَة حَتَّى بلغت مائَة ألف دِرْهَم، فخافت أم الْغُلَام أَن يقبل ابْنهَا الدِّيَة وَلَا يقْتله فَقَالَت: أعْطى الله عهدا لَئِن لم تقتله لأتزوجنه فَيكون قد قتل أَبَاك ونكح أمك. فَقتله. حِيلَة امْرَأَة وَحدث الْمَدَائِنِي أَن قوما من الْمُسلمين أَسرُّوا قوما من الرّوم وَكَانَ فيهم فتيَان أخوة فَضربُوا أَعْنَاقهم، وَأخذُوا أمّهم وهم لَا يعرفونها، فأحبت أَن تقتل وَلَا

الحجاج وعماره بن تميم اللخمي

تبقى بعد وَلها، فَقَالَت للَّذي صَارَت إِلَيْهِ: إِن علمتك شَيْئا تتخذه فَلَا يحيك فِيك السِّلَاح، تخلى سبيلي؟ قَالَ: نعم. فَأخذت أَشْيَاء سترتها عَنهُ فطلت بهَا رقبَتهَا وَقَالَت: دُونك أضْرب وَشد، فَإِن السَّيْف لَا يعْمل 395 فِي فَضرب رقبَتهَا فحز رَأسهَا فَعلم أَنَّهَا خدعته. لما بلغ يزِيد ومروان ابْنا عبد الْملك لعاتكة بنت زيد ين مُعَاوِيَة قَالَ لَهَا عبد الْملك: قد صَار ابناك رجلَيْنِ، فَلَو جعلت لَهما من مَالك مَا يكون لَهما بِهِ فَضِيلَة على أخوتهما. قَالَت: اجْمَعْ لي أهل معدلة من موَالِي ومواليك فَجَمعهُمْ وَبعث مَعَهم روح بن زنباع الجذامي - وَكَانَ يدْخل على نِسَائِهِم - فَدخل كهولتهم وجلتهم وَقَالَ لَهُ: أخْبرهَا برضائي عَنْهَا، وَحسن لَهَا مَا صنعت. فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهَا أَخذ روح فِي ذَلِك فَقَالَت: يَا روح، أَترَانِي أخْشَى على ابْني عيلة وهما ابْنا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أشهدكم أَنِّي قد تَصَدَّقت بِمَالي وضياعي على فُقَرَاء آل أبي سُفْيَان. فَقَامَ روح وَمن مَعَه. فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ عبد الْملك مُقبلا قَالَ: أشهد بِاللَّه لقد أَقبلت بِغَيْر الْوَجْه الَّذِي أَدْبَرت بِهِ. قَالَ: أجل. تركت مُعَاوِيَة فِي الإيوان آنِفا. وَخَبره بِمَا كَانَ. فَغَضب فَقَالَ: مَه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، هَذَا الْعقل مِنْهَا فِي ابنيك خير لَهما مِمَّا أردْت. قَالَ الْمَدَائِنِي: أَتَى عَلَيْهِ السَّلَام بِرَجُل ذِي مُرُوءَة قد وَجب عَلَيْهِ حد. فَقَالَ لخصمائه: ألكم شُهُود؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فأتوني بهم إِذا أمسيتم وَلَا تَأْتُونِي بهم إِلَّا معتمين. فَلَمَّا أَمْسوا اجْتَمعُوا فَأتوهُ، فَقَالَ لَهُم عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: نشدت الله رجلا لله عِنْده مثل هَذَا الْحَد إِلَّا انْصَرف قَالَ: فَمَا بقى أحد فدرأ الْحَد. الْحجَّاج وَعمارَة بن تَمِيم اللَّخْمِيّ قَالَ الْمَدَائِنِي: كَانَ الْحجَّاج حسوداً لَا ينشىء صَنِيعَة إِلَّا أفسدها فَلَمَّا وَجه عمَارَة بن تَمِيم اللَّخْمِيّ إِلَى ابْن الْأَشْعَث وَعَاد بِالْفَتْح حسده، فَعرف ذَلِك عمَارَة، وَكره منافرته، وَكَانَ عَاقِلا رَفِيقًا فظل يَقُول: أصلح الله الْأَمِير أَنْت أشرف الْعَرَب، من شرفته شرف، وَمن صغرته صغر، وَمَا ابْن الْأَشْعَث وخلعه حَتَّى استوفد عبد الْملك الْحجَّاج وَسَار عمَارَة مَعَه يلاطفه وَلَا يكاشفه، وَقدمُوا على عبد الْملك، وَقَامَت الخطباء بَين يَدَيْهِ فِي أَمر الْفَتْح، فَقَامَ عمَارَة فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ سل

الْحجَّاج عَن طَاعَتي وبلائي. فَقَالَ الْحجَّاج: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لقد أخْلص الطَّاعَة، وأبلى الْجَمِيل. وَأظْهر الْبَأْس، من أَيمن النَّاس نقيبة، أعفهم سيرة. فَلَمَّا بلغ آخر التقريظ قَالَ عمَارَة: أرضيت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: نعم فرضى الله عَنْك. قَالَ عمَارَة: فَلَا رَضِي الله عَن الْحجَّاج يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَلَا حفظه وَلَا عافاه، وَهُوَ الأخرق السيء التَّدْبِير، الَّذِي قد أفسد عَلَيْك الْعرَاق، وألب عَلَيْك النَّاس، وَمَا أتيت إِلَّا من خرقه وَقلة عقله، وفيالة رَأْيه، وجهله بالسياسة، وَلَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مِنْهُ أَمْثَالهَا إِن لم تعزله. فَقَالَ الْحجَّاج: مَه يَا عمَارَة، فَقَالَ: لامه وَلَا كرامه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كل امْرَأَة لي طَالِق وكل مَمْلُوك لي حر إِن سرت تَحت راية الْحجَّاج أبدا. فَقَالَ عبد الْملك: مَا عندنَا أوسع لَك. خطب رجل امْرَأَة فَقَالَت لَهُ: إِن فِي تقززا، وأخاف أَن أرى مِنْك بعض مَا أتقزز مِنْهُ فتنصرف نَفسِي عَنْك. قَالَ الرجل: أَرْجُو أَلا ترى ذَلِك. فَتَزَوجهَا فَمَكثت أَيَّامًا ثمَّ قعد مَعهَا يتغدى فَلَمَّا رفع الخوان تنَاول مَا سقط من الطَّعَام تَحت الخوان فَأَكله، فَنَظَرت إِلَيْهِ وَقَالَت: أما كَانَ يقنعك مَا على الخوان حَتَّى تلْتَقط مَا تَحْتَهُ 396 قَالَ: إِنَّه بَلغنِي أَنه يزِيد فِي الْقُوَّة على الني. .، فَكَانَت بعد ذَلِك تَفْعَلهُ، وتفت الْخبز كَمَا تفت للفروج. قَالَ الْكِنْدِيّ: كَانَ فِيمَا مضى رجل زاهد وَقع عَلَيْهِ من السُّلْطَان طلب، فَبَقيَ مدلها لَا يدْرِي مَا يصنع وَذَاكَ أَنه أذكيت عَلَيْهِ الْعُيُون، وَأخذت لَهُ المراصد، فجَاء إِلَى طنبور فَأَخذه وَلبس ثِيَاب البطالين، وَتعرض لِلْخُرُوجِ من بَاب الْبَلَد، فجَاء إِلَى الْبَاب وَهُوَ يتهادى فِي مشيته كَالسَّكْرَانِ، فَقَالَت الْعُيُون لَهُ عِنْد الْبَاب: من أَنْت؟ قَالَ: من أَنا؟ وَمن ترى أكون؟ أَنا فلَان الزَّاهِد. وَقَالَهُ متهزئاً. فَقَالَ الْقَوْم ضاحكين: مَا أحمقه! وخلوا سَبيله. فَخرج وَنَجَا وَإِنَّمَا فعل ذَلِك لِئَلَّا يكذب.

حيله شريح لبيع ناقه

حِيلَة شُرَيْح لبيع نَاقَة عرض شُرَيْح نَاقَة للْبيع، فَقَالَ لَهُ المُشْتَرِي: كَيفَ غزارتها؟ قَالَ: احلب فِي أَي إِنَاء شِئْت. قَالَ: فَكيف وثاقها: قَالَ: احْمِلْ على الْحَائِط مَا شِئْت. قَالَ: فَكيف وطاؤها؟ قَالَ: افرش ونم. قَالَ: كَيفَ نجاؤها. قَالَ: هَل رَأَيْت الْبَرْق قطّ؟ قَالَ بَعضهم: ركض رجل دَابَّة وَهُوَ يَقُول: الطَّرِيق، الطَّرِيق. فصدم رجلا لم ينح، فاستعدى عَلَيْهِ، فتخارس الرجل فَقَالَ الْعَامِل: هَذَا أخرس. قَالَ: أصلحك الله. يتخارس عمدا، وَالله مَا زَالَ يَقُول: الطَّرِيق. الطَّرِيق. فَقَالَ الرجل: فَمَا تُرِيدُ وَقد قلت لَك الطَّرِيق؟ قَالَ الْعَامِل: صدق. قَالَ: كَانَت ابْنة عبد الله بن مَعْرُوف عِنْد أبي حرثان فَمَاتَ، وَلم يصل إِلَيْهَا لقوتها، فَتَزَوجهَا أَبُو دلف، فَكَانَت تمانعه سنة لَا يصل إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ معقل أَخُوهُ: مَا أَنْت بِرَجُل. وَقد عجزت عَن امْرَأَة. فَقَالَ: أحب أَن تبْعَث جاريتك فُلَانَة تكلمها. فَبعث بهَا وَأمر أَبُو دلف امْرَأَته أَن تلوي العمود فِي عنق الْجَارِيَة إِذا أتتها وتتركه. فَفعلت فَرَجَعت إِلَى معقل فَقَالَ: أشهد أَن أخي مَعْذُور، فَمَا قدر عَلَيْهَا أَبُو دلف حَتَّى احتال عَلَيْهَا، بِأَن قَالَ لَهَا يَوْمًا: مَا أَظُنك ببكر. فأمكنت من نَفسهَا. حِيلَة سَلامَة الزَّرْقَاء كَانَ بِالْكُوفَةِ لعبد الْملك بن رامين مولى بشر بن مَرْوَان جَارِيَة يُقَال لَهَا: سَلامَة الزَّرْقَاء. وَكَانَ روح بن حَاتِم المهلبي يهواها وَلَا تهواه، وَيكثر غشيان منزل مَوْلَاهَا، وَكَانَ مُحَمَّد بن جميل يهواها وتهواه، فَقَالَ لَهَا: إِن روح بن حَاتِم قد ثقل علينا. فَقَالَت: فَمَا أصنع؟ قد غمر مولَايَ ببره. قَالَ: احتالي. فَبَاتَ عِنْدهم روح لَيْلَة م اللَّيَالِي فَأخذت سراويله. فغسلته، فَلَمَّا أصبح سَأَلَ عَن سراويله. فَقَالَت: غسلناه. فَظن أَنه قد أحدث فِيهِ فاحتيج إِلَى غسله، واستحيا من ذَلِك، وَانْقطع عَنْهَا، وخلا وَجههَا لِابْنِ جميل. حِيلَة أحد عُمَّال سُلَيْمَان بن عبد الْملك لما اسْتخْلف سُلَيْمَان بن عبد الْملك دفع عُمَّال أَخِيه الْوَلِيد إِلَى يزِيد بن الْمُهلب وَأمره ببسط الْعَذَاب عَلَيْهِم، واستخراج المَال مِنْهُم، وَكَانَ فيهم رجل من

من اعمال المغيره

بني مرّة فَقَالَ ليزِيد: أما أَنا فلست بِذِي مَال، وَلَا تنْتَفع بتعذيبي وَلَكِن عشيرتي تفكني بِأَمْوَالِهِمْ، فَأذن لي فِي أَن أجول فيهم. فَأذن لَهُ فَقَالَ لَهُم: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ قد أَخَذَنِي بِمَال، وَالْمَال عِنْدِي، وَلَكِن أكره أَن أقرّ بالخيانة، فاضمنوا لَهُ هَذَا المَال عني وأطلقوني من حَبسه، وَلَا غرم عَلَيْكُم فَإِنِّي مضطلع بأَدَاء هَذَا المَال. فَنَهَضَ وُجُوه عشيرته فِي أمره، وضمنوا المَال عَنهُ وأطلقوه، فَلَمَّا أخذُوا بِالْمَالِ قَالُوا للرجل: أد المَال كَمَا زعمت. فَقَالَ: يَا نوكى أتظنون 397 أنني اختنت مَالا تعرضت فِيهِ للمأثم وَسخط الْخَلِيفَة وعقوبته، وأؤديه الْيَوْم طَائِعا، وَقد صيرت مَا أطالب بِهِ فِي أَعْنَاقكُم، لبئس مَا ظننتم اغرموه من أعطياتكم وَأَنا فِيهِ كأحدكم. فَفَعَلُوا ذَلِك وَهُوَ كأحدهم. مر شبيب الْخَارِجِي على غُلَام فِي الْفُرَات مستنقع فِي المَاء فَقَالَ لَهُ شبيب: اخْرُج إِلَيّ أسائلك. فَقَالَ: فَأَنا آمن حَتَّى ألبس ثِيَابِي؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فوَاللَّه لَا ألبسها. من أَعمال الْمُغيرَة خرج الْمُغيرَة بن شُعْبَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض غَزَوَاته، وَكَانَت لَهُ عنزة يتَوَكَّأ عَلَيْهَا فَرُبمَا أثقلته، فَيَرْمِي بهَا على قَارِعَة الطَّرِيق فيمر بهَا الْمَار فيأخذها. فَإِذا صَارُوا إِلَى الْمنزل عرفهَا فَأَخذهَا الْمُغيرَة. فَفطن لَهُ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: لأخبرن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ: لَئِن أخْبرته لَا ترد ضَالَّة بعْدهَا. فَأمْسك. كَانَ عبد الله بن عَمْرو بن غيلَان على الْبَصْرَة من قبل مُعَاوِيَة، فَخَطب يَوْمًا على منبرها، فَحَصَبه رجل من بني ضبة، فَأمر بِهِ فَقطعت يَده فَأَتَتْهُ بَنو ضبة فَقَالُوا: إِن صاحبنا جنى على نَفسه مَا جنى، وَقد بلغ الْأَمِير فِي عُقُوبَته، وَنحن لَا نَأْمَن أَن يبلغ خَبره أَمِير الْمُؤمنِينَ فتأتي من قبله عُقُوبَة تعم أَو تخص. فَإِن رأى الْأَمِير أَن يكْتب كتابا يخرج بِهِ أَحَدنَا إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنه قطعه على شُبْهَة وَأمر لم يَصح. فَكتب لَهُم بذلك إِلَى مُعَاوِيَة فأمسكوا الْكتاب حَتَّى توجه إِلَى مُعَاوِيَة ووافاه

الاماره ولو علي الحجاره

الضبيون، فَقَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّه قطع صاحبنا ظلما، وَهَذَا كِتَابه إِلَيْك. فَقَرَأَ الْكتاب وَقَالَ: أما الْقود من عمالي فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ. وَلَكِن إِن شِئْتُم وديت صَاحبكُم. فوداه من بَيت المَال وعزل عبد الله عَن الْبَصْرَة. الْإِمَارَة وَلَو على الْحِجَارَة قدم ابْن عَم لكاتب الْحجَّاج عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَن يشْغلهُ، فكره الْكَاتِب ذَلِك لسطوة الْحجَّاج، فَلَمَّا فرغ من بِنَاء مَسْجِد وَاسِط أَمر الْكَاتِب أَن يكْتب إِلَى صَاحب الْموصل فِي حمل حَصى رضراضٍ لفرشه، فَكتب الْكتاب، وأنفذ ابْن عَمه فتسلم الْحَصَى، فَلَمَّا حصل فِي الزوارق قَالَ لِلْعَامِلِ: لَيْسَ من الْحَصَى الَّذِي أَرَادَهُ الْأَمِير. قَالَ: وَكَيف هُوَ؟ قَالَ: أمرت أَلا أقبل حَصَاة أكبر من الْأُخْرَى، وَلَا مَا فِيهِ عوج. فَكبر ذَلِك عَلَيْهِ، وَكره سطوة الْحجَّاج فَعرض عَلَيْهِ عشرَة آلَاف دِرْهَم رشوة، فَأبى، فَلم يزل يزِيدهُ إِلَى أَن أعطَاهُ مائَة ألف دِرْهَم، فقبلها وَانْحَدَرَ. فَلَمَّا وافى أخبر ابْن عَمه بذلك، فَقَالَ: حبذا الْإِمَارَة وَلَو على الْحِجَارَة. وَبلغ الْخَبَر الْحجَّاج فَضَحِك وَأَعْجَبهُ فعله، وَأمر لَهُ بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم وولاه عملا جَلِيلًا. قتل رجل نَصْرَانِيّا، فَعرض على أَخِيه الدِّيَة فَلم يقبلهَا، وَكَانَ الرجل صديقا لبشر المريسي، فَقَالَ بشر لِلنَّصْرَانِيِّ: إِن لم تقم شَاهِدين عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَن أَخَاك لم يزل يُؤَدِّي الْجِزْيَة إِلَى أَن مَاتَ لم تجب لَك الدِّيَة. فَانْقَطع وطل دَمه. وَمن نَوَادِر الْأَعْمَش أَن أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور وَجه ببدرة، وَأمر بِأَن تدفع إِلَى أفقه أهل الْكُوفَة، فَأتى بهَا أَبُو حنيفَة وَابْن أبي ليلى فَلم يعرضا لَهَا وأتى الْأَعْمَش فَقَالَ للرسول: هَاتِهَا. فَقَالَ: حجتك. قَالَ: تسْأَل أَبَا حنيفَة وَابْن أبي ليلى عَن أفقه 398 أهل الْكُوفَة بعدهمَا فَإِنَّهُمَا يدلانك عَليّ، فتجيز شَهَادَتهمَا لي وتبطلها لأنفسهما فَأتى الرجل الْمَنْصُور فَأخْبرهُ فَقَالَ: صدق. حكى عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: قدم مُعَاوِيَة الْمَدِينَة، فَدخل الْمَسْجِد وَسعد بن أبي وَقاص جَالس إِلَى ركن الْمِنْبَر فَصَعدَ مُعَاوِيَة الْمِنْبَر فَجَلَسَ فِي مجْلِس النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ سعد: يَا مُعَاوِيَة؛ أجهلت فنعلمك، أم جننت فنداويك؟ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاق؛ إِنِّي قدمت على قوم على غير تأهب لَهُم، وَأَنا باعث إِلَيْهِم بأعطياتهم

نصيحه احمد بن ابي خالد

إِن شَاءَ الله. فَسمع النَّاس كَلَام مُعَاوِيَة وَلم يسمعوا كَلَام سعد وَانْصَرف النَّاس وهم يَقُولُونَ: كَلمه سعد فِي الْعَطاء فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ. قيل: جَاءَ مازيار لعبد الله بن طَاهِر فَأعلمهُ أَن بازياً لَهُ انحط على عِقَاب فَقَتلهَا. فَقَالَ: إِنَّه هُوَ قتل الْعقَاب. قَالَ: اقتله فَإِنِّي لَا أحب لشَيْء أَن يجترئ على مَا فَوْقه. أَرَادَ أَن يبلغ ذَلِك الْمَأْمُون فيحظى عِنْده ويسكن إِلَى جَانِبه. لما عزل أَحْمد بن عُثْمَان عَن قَضَاء أَصْبَهَان تعرض لَهُ رجل وَقت خُرُوجه فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أراحنا من بغضك. فَأمر بحبسه وَقَالَ لشهود كَانُوا مَعَه: اشْهَدُوا أَن هَذَا فِي حبسي بِحَق وَجب عَلَيْهِ. فَكَانَ كلما ورد قَاض وفتش عَن المحبسين لم يعرف ذَلِك الْحق الَّذِي حبس بِهِ فَبَقيَ على ذَلِك زَمَانا حَتَّى توصل إِلَى تنجز كتاب مِنْهُ بعد حِين فَأَطْلقهُ. شهد رجل عِنْد سوار على آخر فَقَالَ سوار: أَظن الحكم قد توجه عَلَيْك فَقَالَ: أتجيز شَهَادَة رجل مَمْدُود؟ فَقَالَ سوار: أتارس أم رامح؟ فَقَالَ: تارس، فَقَالَ: ذَلِك شَرّ. سأعيد الْمَسْأَلَة عَنهُ ونما أَرَادَ أَنه مأبون. فتعجب من حضر من حِيلَة الرجل وفطنة سوار. هم الْأزَارِقَة بقتل رجل فَنزع ثَوْبه واتزر ولبى وَأظْهر الْإِحْرَام فَخلوا سَبيله لقَوْل الله جلّ وَعز: " لَا تحلوا شَعَائِر الله " غضب الْمَأْمُون على رجل وَقَالَ: لأَقْتُلَنك ولآخذن مَالك. اقْتُلُوهُ. فَقَالَ أَحْمد بن دؤاد: إِذا قتلته فَمن أَيْن تَأْخُذ المَال؟ قَالَ: من ورثته. فَقَالَ: إِذا تَأْخُذ مَال الْوَرَثَة، المَال للْوَرَثَة، وأمير الْمُؤمنِينَ يَأْبَى ذَلِك. فَقَالَ: يُؤَخر حَتَّى يستصفى مَاله. فانقرض الْمجْلس وَسكن غَضَبه وتوصل إِلَى خلاصه. نصيحة أَحْمد بن أبي خَالِد لما حبس الْمَأْمُون إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي عِنْد أَحْمد بن أبي خَالِد أَخذ فِي الْعِبَادَة وَالصَّلَاة، فَدخل إِلَيْهِ أَحْمد وَقَالَ: أمجنون أَنْت؟ أَتُرِيدُ أَن يَقُول الْمَأْمُون: هُوَ يتصنع للنَّاس. فيقتلك. قَالَ: فَمَا الرَّأْي؟ قَالَ: أَن تشرب وتطرب وتستحضر

انتقام كسري من قاتله

القيان. فَأخذ فِي ذَلِك وَدخل أَحْمد على الْمَأْمُون فَقَالَ لَهُ: مَا خبر الغادر؟ فَقَالَ: أصون سمع أَمِير الْمُؤمنِينَ عَمَّا هُوَ فِيهِ من الخسارة وَالشرب. فَقَالَ: وَالله لقد شوقتني إِلَيْهِ. وَصَارَ ذَلِك أحد أَسبَاب الرِّضَا عَنهُ. قيل: إِن المعذل مر بِقوم وَسلم فَلم يُجِيبُوهُ. فَقَالَ: لَعَلَّكُمْ تظنون مَا يُقَال من الرَّفْض. اعلموا أَن أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وعلياً من تنقص وَاحِدًا مِنْهُم فَهُوَ كَافِر وَامْرَأَته طَالِق. فسر الْقَوْم ودعوا لَهُ. فَقَالَ بعض أَصْحَابه: وَيحك مَا هَذِه الْيَمين؟ فَقَالَ: إِنِّي أردْت بِقَوْلِي وَاحِدًا مِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب وَحده. انتقام كسْرَى من قَاتله لما أَرَادَ شيرويه قتل أَبِيه وَجه إِلَيْهِ من يقْتله فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ كسْرَى: إِنِّي أدلك على شَيْء لوُجُوب حَقك عَليّ يكون فِيهِ غناك. . قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: الصندوق الْفُلَانِيّ. فَذهب الرجل إِلَى شيرويه فَأخْبرهُ الْخَبَر فَأخْرج الصندوق 399 فَإِذا فِيهِ ربعَة وَفِي الربعة حق وعَلى الْحق مَكْتُوب: فِيهِ حب من أَخذ مِنْهُ وَاحِدَة افتض عشرَة أبكار، وَكَانَ أمره فِي الباه كَذَا وَكَذَا. فَأخذ شيرويه مِنْهُ حَبَّة كَانَ هَلَاكه مِنْهَا. فَكَانَ أول ميت أَخذ ثَأْره من قَاتله. حِيلَة مولى لسَعِيد بن الْعَاصِ وَمرض مولى لسَعِيد بن الْعَاصِ. وَلم يكن لَهُ من يَخْدمه وَيقوم بأَمْره، وَلَا يجد أَيْضا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. فَبعث إِلَى سعيد، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ: إِنَّه لَيْسَ لي وَارِث غَيْرك، وَهَا هُنَا ثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم مدفونة، فَإِذا مت فَخذهَا بَارك الله لَك فِيهَا. فَقَالَ سعيد حِين خرج من عِنْده: مَا أرانا إِلَّا وَقد أسأنا إِلَى مَوْلَانَا وقصرنا فِي تعاهده وَهُوَ من شُيُوخ موالينا. فَبعث إِلَيْهِ وتعاهده ووكل بِهِ من يَخْدمه. فَلَمَّا مَاتَ كَفنه وَشهد جنَازَته فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْبَيْت أَمر بِأَن يحْفر الْموضع فَلم يجد شَيْئا. وَجَاء صَاحب الْكَفَن فطالب بِالثّمن فَقَالَ: وَالله لقد هَمَمْت أَن أنبش عَن ابْن الفاعلة. بعث يزِيد بن مُعَاوِيَة عبيد الله بن عضاه الْأَشْعَرِيّ إِلَى ابْن الزبير فَقَالَ لَهُ: إِن أول أَمرك كَانَ حسنا فَلَا تفسده بِآخِرهِ. فَقَالَ ابْن الزبير: إِنَّه لَيست ليزِيد فِي عنقِي

فتوي لابي حنيفه

بيعَة. قَالَ لَهُ: وَلَو كَانَت أَكنت تفي بهَا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: يَا معشر الْمُسلمين قد سَمِعْتُمْ مَا قَالَ، وَقد بايعتم ليزِيد، وَهُوَ يَأْمُركُمْ بِالرُّجُوعِ عَن بيعَته. وَقَالَ ابْن الزبير لامْرَأَة فِي كَلَام جرى: أَخْرِجِي المَال من تَحت استك. فَقَالَت لمن حضر: أَسأَلكُم بِاللَّه هَذَا من كَلَام الْخُلَفَاء؟ فَقَالَ بَعضهم: لَا. فَقَالَت لِابْنِ الزبير: كَيفَ رَأَيْت هَذَا الْخلْع الْخَفي. فَتْوَى لأبي حنيفَة جَاءَت امْرَأَة إِلَى أبي حنيفَة فَقَالَت: إِن زَوجي حلف بطلاقي إِن أطبخ قدرا أطرح فِيهِ مكوكاً من الْملح فَلَا يتَبَيَّن طعم الْملح فِيمَا يُؤْكَل مِنْهَا. فَقَالَ لَهَا: خذي قدرا واجعلي فِيهَا المَاء واطرحي فِيهَا مكوك ملح، واطرحي فِيهَا بيضًا واسلقيه، فَإِنَّهُ لَا يُوجد طعم الْملح فِي الْبيض. افتعل رجل كتابا عَن الْمَأْمُون إِلَى مُحَمَّد بن الجهم فِي دفع مَال إِلَيْهِ، فارتاب بِهِ مُحَمَّد، وَأدْخلهُ على الْمَأْمُون. فَقَالَ الْمَأْمُون: مَا أذكر هَذَا. فَقَالَ الرجل: أكل مَعْرُوفك تذكر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: فَلَعَلَّ هَذَا مِمَّا نسيت وَقد فعلت. قَالَ: ادْفَعْ إِلَيْهِ يَا مُحَمَّد مَا فِي الْكتاب. كَانَ حوثة الضمرِي صديقا لعبد الْملك وَخرج مَعَ ابْن الزبير فَلَمَّا قتل ابْن الزبير استاء من النَّاس وأحضر حوثة فَقَالَ لَهُ عبد الْملك: كنت مني بِحَيْثُ علمت فأعنت ابْن الزبير. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ هَل رَأَيْتنِي قطّ فِي حَرْب أَو سباق أَو نضال إِلَّا والفئة مغلوبة بحرقي، وَإِنَّمَا خرجت مَعَ ابْن الزبير لتغلبه بِي على رسمي. فَضَحِك عبد الْملك وَقَالَ: قد وَالله كذبت وَلَكِنِّي قد عَفَوْت عَنْك.

اسماء لمحمد بن خارجه والحجاج

قَالَت خيرة بنت ضَمرَة القشيرية امْرَأَة الْمُهلب للمهلب: إِذا انصرفت من الْجُمُعَة فَأحب أَن تمر بأهلي. فَقَالَ: إِن أَخَاك أَحمَق. قَالَت: فَأحب أَن تمر بِنَا. فجَاء وأخوها جَالس فَلم يتوسع لَهُ فَجَلَسَ الْمُهلب نَاحيَة ثمَّ أقبل عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا فعل ابْن عمك فلَان؟ قَالَ: حَاضر. قَالَ: أرسل إِلَيْهِ. فَفعل فَلَمَّا نظر إِلَى الْمُهلب غير مَرْفُوع الْمجْلس قَالَ: يَا بن اللخناء؛ الْمُهلب جَالس نَاحيَة، وَأَنت فِي صدر الْمجْلس وواثبه. فَتَركه الْمُهلب وَانْصَرف فَقَالَت لَهُ خيرة: أمررت بأهلي؟ قَالَ: نعم وَتركت أَخَاك الأحمق يضْرب. أَسمَاء لمُحَمد بن خَارِجَة وَالْحجاج قَالُوا: إِن الْحجَّاج بن يُوسُف قَالَ ذَات يَوْم لمُحَمد بن عُمَيْر بن عُطَارِد: اطلب 401 لي امْرَأَة حسيبة أَتَزَوَّجهَا: قَالَ: طلبتها إِن زوجتها. قَالَ: وَمن هَذَا الَّذِي يمْتَنع من تزويجي؟ قَالَ: أَسمَاء بن خَارِجَة. يَدعِي لَا أَنه كُفْء لبنَاته إِلَّا الْخَلِيفَة. قَالَ: فأضمرها الْحجَّاج إِلَى أَن دخل إِلَيْهِ أَسمَاء فَقَالَ: مَا هَذَا الْفَخر والتطاول؟ قَالَ: أَيهَا الْأَمِير؛ إِن تَحت هَذَا سَببا. قَالَ: بَلغنِي أَنَّك تزْعم أَن لَا كُفْء بناتك إِلَّا الْخَلِيفَة. فَقَالَ: وَالله مَا الْخَلِيفَة بِأحب أكفائهن إِلَيّ، ولنظرائي من الْعَشِيرَة أحب إِلَيّ مِنْهُ، لِأَن من خالطني مِنْهُم حفظني فِي حرمتي، وَإِن لم يحفظني قدرت على أَن أنتصف مِنْهُ. والخليفة لَا نصف مِنْهُ إِلَّا بمثيئته، وحرمته مضيمة مطرحة يقدم عَلَيْهَا من لَيْسَ مثلهَا، ولسان ناصرها أقطع. قَالَ: فَمَا تَقول فِي الْأَمِير؟ فَإِن الْأَمِير خَاطب هندا. قَالَ: قد زَوجته إِيَّاهَا بِصَدَاق نسائها. وحولها إِلَيْهِ. فَلَمَّا أَتَى على الحَدِيث حولان دخل إِلَى الْحجَّاج فَقَالَ: هَل أَتَى الْأَمِير ولد، نسر وَنَحْمَد الله على هِبته. قَالَ: أما من هِنْد فَلَا. قَالَ: ولد الْأَمِير من هِنْد وَغير هِنْد عِنْدِي بِمَنْزِلَة. قَالَ: وَالله إِنِّي لأحب ذَلِك من هِنْد. قَالَ: فَمَا يمْنَع الْأَمِير من الضّر، فَإِن الْأَرْحَام تتغاير. قَالَ: أَو تَقول هَذَا القَوْل وَعِنْدِي هِنْد؟ قَالَ: أحب أَن يفشو نسل الْأَمِير. قَالَ: فَمِمَّنْ؟ قَالَ: على الْأَمِير بِهَذَا الْحَيّ من تَمِيم، فنساؤهم مناجيب. قَالَ: فأيهن؟ قَالَ: ابْنة مُحَمَّد بن عُمَيْر. قَالَ: إِنَّه يزْعم أَن لَا فارغة لَهُ. قَالَ: فَمَا فعلت فُلَانَة ابْنَته؟

حكم معاويه في خصومه

فَلَمَّا دخل إِلَيْهِ مُحَمَّد بن عُمَيْر قَالَ: أَلا تزوج الْأَمِير؟ قَالَ: لَا فارغة لي: قَالَ: فَأَيْنَ فُلَانَة؟ قَالَ: زوجتها من ابْن أخي البارحة. قَالَ: أحضر ابْن أَخِيك؛ فَإِن أقرّ بهَا ضربت عُنُقه. فجيء بِابْن أَخِيه، وَقد أبلغ مَا قَالَ الْحجَّاج. فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ قَالَ: بَارك الله لَك يَا فَتى. قَالَ: فِي مَاذَا؟ قَالَ: فِي مصاهرتك لعمك البارحة. قَالَ: مَا صاهرته البارحة وَلَا قبلهَا. قَالَ: فَانْصَرف راشداً. وَلم ينْصَرف مُحَمَّد حَتَّى زوجه ابْنَته. وَحضر بعد ذَلِك من الْأَيَّام جمَاعَة من الْأَشْرَاف بَاب الْحجَّاج فحجب الْجَمِيع غير أَسمَاء وَمُحَمّد. فَلَمَّا دخلا قَالَ: مرْحَبًا بصهري الْأَمِير سلاني مَا تريدان أسعفكما فَلم يبقيا عانياً إِلَّا أطلقاه، وَلَا مجمراً إِلَّا أقفلاه. فَلَمَّا خرجا أتبعهما الْحجَّاج بِمن يحفظ كَلَامهمَا. فَلَمَّا فارقا الدَّار ضرب أَسمَاء يَده على كتف مُحَمَّد وَأَنْشَأَ يَقُول: جزيتك مَا أسديته بِابْن حَاجِب ... وَفَاء كعرف الديك أوقذة النسْر فِي أَبْيَات كَثِيرَة. فَعَاد الرجل فَأخْبر الْحجَّاج فَقَالَ: لله در ابْن خَارِجَة! إِذا وزن بِالرِّجَالِ رجح. حكم مُعَاوِيَة فِي خُصُومَة حُكيَ عَن عبد الله بن جَعْفَر أَنه قَالَ: كَانَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يحضر الْخُصُومَات وَيَقُول: إِن لَهَا قحماً وَإِن الشَّيْطَان يحضرها. فَكَانَ قد جعل خصومته إِلَى أَخِيه عقيل فَلَمَّا كبر ورق حولهَا إِلَيّ، فَكَانَ إِذا دخلت عَلَيْهِ خُصُومَة أَو نوزع فِي شَيْء قَالَ: عَلَيْكُم بِابْن جَعْفَر فَمَا قضي عَلَيْهِ فعلي، وَمَا قضى لَهُ فلي. قَالَ: فَوَثَبَ طَلْحَة بن عبيد الله على ضفيرة كَانَ عَليّ ضفرها، وَكَانَ لَهُ إِحْدَى عدوتي الْوَادي وَكَانَت الْأُخْرَى لطلْحَة. فَقَالَ طَلْحَة: حمل عَليّ السَّيْل وأضر بِي. قَالَ: قاختصمنا فِيهَا إِلَى عُثْمَان فَلَمَّا كثر الْكَلَام فِيهَا منا قَالَ: إِنِّي أركب مَعكُمْ فِي موكب من الْمُسلمين غَدا، فَإِن رَأَيْت ضَرَرا أَخَّرته. قَالَ: فَركب وركبنا وَمَعَهُ وَمُعَاوِيَة فِي قدمة عَلَيْهِ من الشَّام فو الله لكَأَنِّي أنظر 401 إِلَيْهِ على بغلة لَهُ بَيْضَاء يعنق أَمَام الموكب وَنحن نتداول الْخُصُومَة وَإِذ رمي

ابو العريان يغير قوله في زياد

مُعَاوِيَة بِكَلِمَة عرفت أَنه ردفني بهَا قَالَ: يَا هَذَانِ؛ إنَّكُمَا قد أكثرتما. أرأيتما هَذِه الضفيرة أَكَانَت فِي زمن عمر الْخطاب؟ قَالَ: فلقننيها. فَقلت: نعم، وَالله إِن كَانَت فِي زمن عمر. قَالَ: فَقَالَ الموكب جَمِيعًا: فَلَا وَالله لَو كَانَ ضَرَرا مَا أقره عمر. فَالله يعلم مَا انتهينا إِلَيْهَا حَتَّى يرد عَلَيْهِ الْقَضَاء إِن قيل: إِن كَانَت لفي زمن عمر. فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهَا عُثْمَان قَالَ: وَالله مَا أرى ضَرَرا. وَقد كَانَت فِي زمن عمر وَلَو كَانَ ظلما مَا أقره. خرج رجل من بني سليم على الْمَنْصُور فظفر بِهِ فَأمر أَن يضْرب بالسياط. فَلَمَّا أقيم بَين العاقبين. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن عقوبتي تجل عَن السِّيَاط، وعفوك يجل عَن التثريب. فإمَّا عاقبتني عُقُوبَة مثلى وَإِمَّا عَفَوْت عَفْو مثلك. قَالَ: قد عَفَوْت. وخلاه. أَتَى زِيَاد بِرَجُل فَأمر بِضَرْب عُنُقه. فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير؛ إِن لي بك حُرْمَة قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: كَانَ أبي جَارك بِالْبَصْرَةِ. فَقَالَ: وَمن أَبوك؟ قَالَ: قد وَالله نسيت اسْم نَفسِي، فَكيف اسْم أبي؟ قَالَ: فَرد زِيَاد كمه إِلَى فَمه وَضحك وخلى سَبيله. أَبُو الْعُرْيَان يُغير قَوْله فِي زِيَاد مر زِيَاد بِأبي الْعُرْيَان فَقَالَ: من هَذَا؟ فَقَالُوا: زِيَاد بن أبي سُفْيَان. فَقَالَ: رب أَمر قد نقضه الله، وَعبد قد رده الله. فَسَمعَهَا زِيَاد فكره الْإِقْدَام عَلَيْهِ وَكتب بهَا إِلَى مُعَاوِيَة، فَأمره بِأَن يبْعَث إِلَيْهِ بِأَلف دِينَار، ويمر بِهِ وَيسمع مَا يَقُول. فَفعل زِيَاد ذَلِك، وَمر بِهِ فَقَالَ من هَذَا؟ قَالُوا: زِيَاد. فَقَالَ: رحم الله أَبَا سُفْيَان، لكأنها تسليمته ونغمته. فَكتب بهَا زِيَاد إِلَى مُعَاوِيَة فَكتب إِلَى أبي الْعُرْيَان: مَا لبثتك دنانيراً رشيت بهَا ... أَن لونتك أَبَا الْعُرْيَان ألوانا فَدَعَا أَبُو الْعُرْيَان ابْنه وأملى عَلَيْهِ إِلَى مُعَاوِيَة: من يسد خيرا يجده حَيْثُ يَطْلُبهُ ... أَو يسد شرا يجده حَيْثُمَا كَانَا تقدم رجل إِلَى سوار، وَكَانَ سواراً لَهُ مبغضاً فألح عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ سوار فِي بعض مخاطبته: يَا بن اللخناء. فَقَالَ: ذَاك خصمي. فَقَالَ الْخصم: أعدني عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ الرجل: خُذ لَهُ بِحقِّهِ وَخذ لي بحقي. ففهم وَسَأَلَهُ أَن يغْفر لَهُ.

حيله الحلاج

قَالَ عبيد الله بن زِيَاد بن ظبْيَان: إيَّاكُمْ والطمع؛ فَإِنَّهُ دناءة. وَالله لقد رَأَيْتنِي على بَاب خَاصَّة الْحجَّاج، فَأَرَدْت أَن أعلوه بِالسَّيْفِ فَقَالَ: يَا بن ظبْيَان هَل لقِيت يزِيد بن أبي مُسلم قلت: لَا. قَالَ: فألقه فَإنَّا قد أمرناه أَن يعطيك عَهْدك على الرّيّ. قَالَ: فطمعت فكففت. فإياكم والطمع فَإِنَّهُ دناءة. وَكَأن الْحجَّاج فطن لما أَرَادَ عبيد الله فاحتال بِهَذَا الْكَلَام أَن يردهُ عَن نَفسه، وَلم يكن تقدم فِي بَابه وَفِي تَوليته بِشَيْء. حِيلَة الحلاج قَالُوا: لما حبس الحلاج عِنْد القشوري مرض ابْن لَهُ، واشتهى التفاح الشَّامي، وَكَانَ لَا يصاب لفوت أَوَانه، فتلطف الحلاج واحتال حَتَّى سَأَلَهُ القشوري تفاحة شامية. قصد بهَا ليعرف أَمر الحلاج فِي صدقه وَكذبه، وَأَرَادَ أَيْضا بُلُوغ مُرَاده فِي وَلَده. وَكَانَ الحلاج قد أعد تفاحة لذَلِك فحين سَأَلَهُ أَوْمَأ بِيَدِهِ هَكَذَا وأعادها بتفاحة. وتناولها القشوري يقبلهَا ويتعجب مِنْهَا والحلاج يَقُول: السَّاعَة قطعتها من شجر الْجنَّة قَالَ القشوري 402: إِنِّي أرى فِي مَوضِع مِنْك عَيْبا. قَالَ الحلاج غير مطرق وَلَا مكترث: أما علمت أَنَّهَا إِذا خرجت من دَار الفناء، لحقها جُزْء من الْبلَاء. فَكَانَ جَوَابه أحسن من فعله وحيلته. عَفْو مُصعب بن الزبير أَتَى مُصعب بن الزبير بِرَجُل من أَصْحَاب الْمُخْتَار، فَأمر بِضَرْب عُنُقه فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير؛ مَا أقبح بك أَن أقوم يَوْم الْقِيَامَة إِلَى صُورَتك هَذِه الْحَسَنَة، ووجهك هَذَا الَّذِي يستضاء بِهِ، فأتعلق بأطرافك وَأَقُول: يَا رب؛ سل مصعباً لماذا قتلني؟ فَقَالَ: أَطْلقُوهُ. فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير، اجْعَل مَا وهبت لي من حَياتِي فِي خفض

عدي بن حاتم والوليد بن عقبه

عَيْش. قَالَ: أَعْطوهُ مائَة ألف دِرْهَم. قَالَ: بِأبي وَأمي أشهد الله أَنِّي قد جعلت مِنْهَا لِابْنِ قيس الرقيات خمسين ألفا. قَالَ: وَلم؟ قَالَ: لقَوْله فِيك: إِنَّمَا مُصعب شهَاب من الل ... هـ تجلت عَن وَجهه الظلماء فَضَحِك مُصعب وَقَالَ: فِيك مَوضِع للصنيعة وَأمره. بملازمته. خَاصم رجل رجلا إِلَى إِيَاس بن مُعَاوِيَة وَهُوَ قَاضِي الْبَصْرَة فَطلب مِنْهُ الْبَيِّنَة فَلم يَأْته بمقنع فَقيل لَهُ: استجر بوكيع بن أبي سود حَتَّى يشْهد لَك. فَإِن إياساً لَا يجترئ على رد شَهَادَته فَفعل فَقَالَ وَكِيع: وَالله لأشهدن لَك، فَإِن رد شهادتي لأعممنه السَّيْف. فَلَمَّا طلع وَكِيع فهم إِيَاس، فأقعده إِلَى جَانِبه ثمَّ سَأَلَهُ عَن حَاجته فَقَالَ: جِئْت شَاهدا. فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْمطرف، أَتَشهد كَمَا تفعل الموَالِي والعجم؟ أَنْت تجل عَن هَذَا. قَالَ: إِذا وَالله لَا أشهد. فَقيل لوكيع بعد أَيَّام: إِنَّمَا خدعك. فَقَالَ: أولى لِابْنِ اللخناء. عدي بن حَاتِم والوليد بن عقبَة قَالُوا: كَانَ الْوَلِيد بن عقبَة أشعر بركاً لِأَنَّهُ كَانَ كثير شعر الصَّدْر، فَقَالَ عدي بن حَاتِم يَوْمًا: أَلا تعْجبُونَ لهَذَا؟ أشعر بركاً يُولى مثل هَذَا الْمصر؟ وَالله مَا يحسن أَن يقْضى فِي تمرتين. فَبلغ ذَلِك الْوَلِيد فَقَالَ على الْمِنْبَر: أنْشد الله رجلا سماني أشعر بركاً إِلَّا قَامَ. فَقَامَ عدي بن حَاتِم فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير، إِن الَّذِي يقوم فَيَقُول أَنا سميتك أشعر بركاً لجريء فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ أَبَا طريف فقد برأك الله مِنْهَا. فَجَلَسَ وَهُوَ يَقُول: وَالله مَا برأني الله مِنْهَا. الْمَنْصُور وَابْن المقفع لما كتب الْمَنْصُور أَمَان عبد الله بن عَليّ واستقصى ابْن المقفع وَكَانَ كَاتب

حيله ابي حنيفه

أَخِيه سُلَيْمَان بن عَليّ - وأكد سُلَيْمَان وأخوته الْإِيمَان والعهود على الْمَنْصُور فِي أَمَانه. قَالَ لَهُم الْمَنْصُور: هَذَا لَازم لي إِذا وَقعت عَيْني عَلَيْهِ. فَلَمَّا أَدخل دَاره تقدم حَتَّى عدل بِهِ، وَلم يره الْمَنْصُور فحبس. فَكتب من الْحَبْس إِلَى إخْوَته: هَذِه حِيلَة جرت عَليّ بكم ومنكم فاحتالوا لي فِيهَا. وَلما كتب الْمَنْصُور إِلَى عَامله بِالْبَصْرَةِ بِحَبْس ابْن المقفع وَقَتله جَاءَ عمومته وأحضروا الشُّهُود بِأَن ابْن المقفع دخل إِلَى دَار الْوَالِي وَلم يخرج مِنْهَا وطالبوه بالقود مِنْهُ. قَالَ الْمَنْصُور: إِن أَنا أقدت من عَامِلِي وقتلته ثمَّ خرج عَلَيْكُم ابْن المقفع من هَذَا الْبَاب، من الَّذِي يرضى بِأَن أَقتلهُ بعاملي قوداً مِنْهُ؟ فَسكت الْقَوْم وأهدر دم ابْن المقفع. حِيلَة أبي حنيفَة وَلما دخل الضَّحَّاك بن قيس الشَّيْبَانِيّ الْخَارِجِي الْكُوفَة قيل لَهُ: لم تقتل أهل الْأَطْرَاف ومعك بِالْكُوفَةِ أصل الإرجاء أَبُو حنيفَة. فَأرْسل إِلَيْهِ 403 فَأحْضرهُ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: اضربوا عُنُقه. من قبل أَن يكلمهُ. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: كفرت. قَالَ: وَلم؟ قَالَ: تقتل رجلا لم تسمع كَلَامه. قَالَ: مَا تَقول فِي الْإِيمَان؟ قَالَ: هُوَ قَول، قَالَ: قد صَحَّ كفرك. اضربوا عُنُقه. قَالَ: تضرب عنق رجل لم تستتبه. قَالَ: فَمَا تَقول؟ قَالَ: أَنا تائب. فَتَركه. حِيلَة بكر بن وَائِل قَالَ الْأَصْمَعِي: وَفد بكر بن وَائِل وخاله تَمِيم بن مر على ملك من مُلُوك

حيله معاويه في بيعه يزيد

الْيمن، فَكَانَ يقدم بكرا فَقَالَ تَمِيم: أَيهَا الْملك؛ إِن هَذَا ابْن أُخْتِي فَلَا تعطه شَيْئا إِلَّا أَعْطَيْتنِي مثله. قَالَ: فَقَالَ بكر: أَيهَا الْملك، خَالِي هَذَا أَسْوَأ النَّاس ظنا فَلَا تعطني عَطِيَّة إِلَّا أضعفتها لَهُ. فَقَالَ: نعم. فَفعل فَلَمَّا رَضِي تَمِيم قَالَ بكر: أُرِيد أَن تقلع إِحْدَى عَيْني وتقلع عَيْني تَمِيم. فَرجع هَذَا أَعور وَذَاكَ أعمى. حِيلَة مُعَاوِيَة فِي بيعَة يزِيد قَالَ سعيد بن جُبَير: لما حج مُعَاوِيَة وَقد ذكر بيعَة يزِيد فَقَالَ: قد اجْتمع النَّاس غير أَرْبَعَة: الْحُسَيْن بن عَليّ وَابْن عمر وَابْن الزبير وَعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر فَأرْسل إِلَيْهِم فِي ذَلِك، وَقَالَ: من يرد عَليّ فِي ذَلِك؟ فَقَالُوا: يرد ابْن الزبير. فَقَالَ مُعَاوِيَة لَهُم: مَا تَقول؟ قَالَ: اختر منا ثَلَاث خِصَال: سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو سنة أَبُو بكر، أَو سنة عمر. أما النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فتوفى وَلم يسْتَخْلف أحدا، فَاجْتمع الْمُسلمُونَ على أفضلهم أبي بكر، وَاخْتَارَ هُوَ خَيرهمْ عمر، ثمَّ جعلهَا عمر شُورَى، وَله يَوْمئِذٍ ولد خير من ولدك مِمَّن صحب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَهَاجَر فَلم يفعل ذَلِك. وَأَنت أَخْبَرتنِي يَا مُعَاوِيَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا بُويِعَ لخليفتين فَاقْتُلُوا الْأَخير مِنْهُمَا. فَلَمَّا رأى مُعَاوِيَة ذَلِك قَالَ: تَسْمَعُونَ لي وتطيعون؟ قَالُوا: نعم. فَخَطب فَقَالَ: إِن هَؤُلَاءِ الْقَوْم قد بايعوني على مَا أردْت. ثمَّ انحدر فَركب رواحله وَانْطَلق فَحسب النَّاس أَنهم قد بَايعُوهُ. حِيلَة مُعَاوِيَة فِي أَمر ابْن الزبير كتب ابْن الزبير إِلَى مُعَاوِيَة: قد علمت أَنِّي صَاحب الدَّار وَأَنِّي الْخَلِيفَة بعد عُثْمَان وَلَأَفْعَلَن وَلَأَفْعَلَن. فَقَالَ مُعَاوِيَة ليزِيد: مَا ترى؟ قَالَ: أرى: وَالله أَن لَو كنت أَنْت وَابْن الزبير على سَوَاء مَا كَانَ يَنْبَغِي أَن ترْضى بِهَذَا. قَالَ: فَمَا ترى؟ قَالَ: أرى أَن توجه إِلَيْهِ جَيْشًا. قَالَ: إِن أهل الْحجاز لَا يسلمونه فكم ترى أَن أوجه إِلَيْهِ؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ ألفا. قَالَ: لهَؤُلَاء دَوَاب، وكل دَابَّة تحْتَاج إِلَى مخلاة. فكم ثمن المخلاة؟ قَالَ: دِرْهَم. فَقَالَ: هَذِه أَرْبَعُونَ ألف دِرْهَم. ثمَّ قَالَ: يَا غُلَام؛ اكْتُبْ إِلَى ابْن الزبير: قد وَجه إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ ثَلَاثِينَ ألفا فاستمتع إِلَى أَن يَأْتِيك رَأْيه.

نصح ابي بكره لاخيه زياد

فَكتب إِلَيْهِ ابْن الزبير قد وصل إِلَيْنَا المَال، فوصل أَمِير الْمُؤمنِينَ رحما. فَقَالَ مُعَاوِيَة ليزِيد: قد ربحنا على ابْن الزبير فِي المخالي عشرَة آلَاف. نصح أبي بكرَة لِأَخِيهِ زِيَاد اسْتَأْذن زِيَاد مُعَاوِيَة فِي الْحَج فَأذن لَهُ وَبلغ ذَلِك أَبَا بكرَة وَكَانَ أَخَاهُ من أمةٍ اسْمهَا سميَّة وَكَانَ حلف أَلا يكلم زياداً حَيْثُ رَجَعَ عَن الشَّهَادَة على الْمُغيرَة وَألا يظله وإياه سقف بَيت أبدا. فَدخل أَبُو بكرَة دَار الْإِمَارَة على زِيَاد، فَأمر زِيَاد بكرسيين فوضعا فِي صحن الْقصر ليمينه، فَجَلَسَ أَبُو بكرَة على أَحدهمَا وَزِيَاد على الآخر وَمَعَ زِيَاد بني لَهُ حَيْثُ مَشى. فَقَالَ أَبُو بكرَة لِابْنِهِ: تعال يَا بن أخي. فجَاء الصَّبِي فَجَلَسَ فِي حجره فَقَالَ لَهُ: كَيفَ أَنْت؟ كَيفَ أهلك؟ اسْمَع مني يَا بن أخي - وَإِنَّمَا يُريدَان أَن يسمع 404 زياداً - إِن أَبَاك هَذَا أَحمَق، قد فجر فِي الْإِسْلَام ثَلَاث فجرات مَا سمعنَا بمثلهن؛ أما أولَاهُنَّ فجحوده الشَّهَادَة على الْمُغيرَة، وَالله يعلم أَنه قد رأى مَا رَأينَا فكتم، وَقد قَالَ الله: " وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه ". فَحَلَفت أَلا ُأكَلِّمهُ أبدا؛ وَأما الْأُخْرَى فانتفاوه من عبيد، وادعاؤه إِلَى أبي سُفْيَان، وَأقسم لَك بِاللَّه - يَا بن أخي - صدقا مَا رأى أَبُو سُفْيَان سميَّة قطّ فِي ليل وَلَا نَهَار، وَلَا فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام؛ وَأما الثَّالِثَة فأعظمهن. إِنَّه يُرِيد أَن يوافي الْعَام الْمَوْسِم، وَأم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان زوج النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام تَأتي الْمَوْسِم كل عَام، فَإِن هُوَ أَتَاهَا فَأَذنت لَهُ كَمَا تَأذن الْأُخْت لأَخِيهَا فأعظم بهَا مُصِيبَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم! وَإِن هِيَ حَجَبته وتسترت مِنْهُ فأعظم بهَا حجَّة عَلَيْهِ ثمَّ نَهَضَ. فَقَامَ زِيَاد فِي إثره وَأخذ بِقَمِيصِهِ وَقَالَ: جَزَاك الله من أَخ خيرا، فَمَا تركت النَّصِيحَة لأخيك على حَال. وَترك الْحَج. اسْتعْمل عمر الْمُغيرَة بن شُعْبَة على الْبَحْرين ثمَّ عَزله، فَقَالَ دهقان الْقرْيَة لأَهْلهَا - وَكَانَ مُطَاعًا فيهم: اجْمَعُوا لي مائَة ألف دِرْهَم آتِي بهَا عمر فَفَعَلُوا، فَقَالَ عمر: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أودعناه الْمُغيرَة. فَقَالَ عمر للْمُغِيرَة: مَا هَذَا؟ قَالَ: إِنَّهَا

مِائَتَا ألف دِرْهَم. فَقَالَ للدهقان: قد تسمع. فَقَالَ: وَالله مَا أودعنا شَيْئا، إِلَّا أننا خفنا أَن ترده إِلَيْنَا. فَقَالَ عمر للْمُغِيرَة: مَا دعَاك إِلَيّ مَا قلت؟ قَالَ: أَحْبَبْت أَن أخزيه إِذْ كذب عَليّ. كَانَ سعد الْقرظ زنجياً عبدا لعمَّار بن يَاسر، وَكَانَ على نَخْلَة يجتبي مِنْهَا فَسمع الزنج يَتَكَلَّمُونَ فِيمَا بَينهم فَأذن، فَاجْتمع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه فَقَالَ: مَا حملك على الْأَذَان؟ فَقَالَ: خفت عَلَيْك فَأَذنت ليجتمع إِلَيْك أَصْحَابك. فَأمره بعد ذَلِك بِالْأَذَانِ فَكَانَ مُؤذنًا. قَالَ عَبَّاس بن سهل السَّاعِدِيّ: لما ولي عُثْمَان بن حَيَّان المري الْمَدِينَة عرض ذَات يَوْم بِذكر الْفِتْنَة، فَقَالَ لَهُ بعض جُلَسَائِهِ: عَبَّاس بن سهل كَانَ شيعَة لِابْنِ الزبير وَكَانَ قد وَجهه فِي جَيش إِلَى الْمَدِينَة. قَالَ: فتغيظ عَليّ، وآلى ليقتلنني. فبلغني ذَلِك فتواريت عَنهُ حَتَّى طَال عَليّ ذَلِك، فَلَقِيت بعض جُلَسَائِهِ، فشكوت ذَلِك إِلَيْهِ، وَقلت لَهُ: قد آمنني أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْملك. فَقَالَ لي: مَا يخْطر ذكرك إِلَّا تغيظ عَلَيْك وأوعدك، وَهُوَ ينبسط للحوائج على طَعَامه، فتنكر وأحضر طَعَامه ثمَّ كَلمه بِمَا تُرِيدُ. فَفعلت، فَأتى بِجَفْنَة ضخمة فِيهَا ثردة عَلَيْهَا اللَّحْم. فَقلت: لكَأَنِّي أنظر إِلَى جَفْنَة حَيَّان بن معبد وتكاوس النَّاس على بباحته. ووصفت لَهُ باحته فَجعل يَقُول: أرأيته؟ فَقلت: لعمري كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ حِين تخرج علينا وَعَلِيهِ مطرف خَز يجر هدبه يتعلقه حسك السعدان مَا يكفه عَنهُ، ثمَّ يُؤْتِي بِجَفْنَة، فَكَأَنِّي أنظر إِلَى النَّاس يتكاوسون عَلَيْهَا؛ مِنْهُم الْقَائِم وَمِنْهُم الْقَاعِد. قَالَ: وَمن أَنْت رَحِمك الله قلت: آمني آمنك الله. قَالَ: قد آمنتك، قلت: أَنا عَبَّاس بن سهل الْأنْصَارِيّ. قَالَ: فمرحباً بك وَأهلا، أهل الشّرف وَالْحق. قَالَ عَبَّاس: فرأيتني وَمَا بِالْمَدِينَةِ رجل أوجه عِنْده مني. قَالَ: فَقَالَ بعض الْقَوْم بعد ذَلِك: يَا عَبَّاس؛ أَأَنْت رَأَيْت حَيَّان بن معبد يتكاوس النَّاس على جفنته. فَقلت: وَالله لقد رَأَيْته ونزلنا باحته فَأَتَانَا فِي رحالنا وَعَلِيهِ عباءة قطوانية، فَجعلت أذوده بِالسَّوْطِ عَن رحالنا خيفة أَن يسرقنا.

الباب الرابع نكت من كلام الحكماء

الْبَاب الرَّابِع نكت من كَلَام الْحُكَمَاء قيل لبَعْضهِم: أخرج هَذَا الْغم من قَلْبك. فَقَالَ: لَيْسَ بإذني دخل. قَالَ رجل لشبيب من شيبَة: أَنا وَالله أحبك يَا أَبَا معبد. قَالَ: أشهد على صدقك. قَالَ: وَكَيف ذَاك، قَالَ: لِأَنَّك لست بجار قريب، وَلَا ابْن عَم نسيب، وَلَا مشاكل فِي صناعَة. قَالُوا: صَاحب السوء قِطْعَة من النَّار. وَلذَلِك لما قَالَ الْقَائِل: مَا رَأينَا فِي كل خير وَشر خيرا من صَاحب. قَالَ الآخر: وَلَا رَأينَا فِي كل خير وَشر شرا من صَاحب. قَالَ أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ: أَتَت عَليّ مائَة وَثَلَاثُونَ سنة، مَا من شَيْء إِلَّا وَأَنا أجد فِيهِ النَّقْص إِلَّا أملي فَإِنِّي أَجِدهُ كَمَا أَو يزِيد. قَالَ بَعضهم: الْعَالم يعرف الْجَاهِل لِأَنَّهُ كَانَ جَاهِلا، وَالْجَاهِل لَا يعرف الْعَالم لِأَنَّهُ لم يكن عَالما. سُئِلَ بَعضهم عَن الْغنى فَقَالَ: شَرّ مَحْبُوب وَعَن الْفقر فَقَالَ: ملك لَيْسَ فِيهِ محاسبة. الفرصة مَا إِذا حاولته فأخطاك نَفعه لم يصل إِلَيْك ضره. بُلُوغ أَعلَى الْمنَازل بِغَيْر اسْتِحْقَاق من أكبر أَسبَاب الهلكة. كل شَيْء يعز إِذا قل، وَالْعقل كلما كَانَ أَكثر كَانَ أعز وأغلى. قَالَ عَامر بن عبد الْقَيْس: الْكَلِمَة إِذا خرجت من الْقلب وَقعت فِي الْقلب، وَإِذا خرجت من اللِّسَان لم تجَاوز الآذان.

قَالُوا: مقتل الرجل بَين لحييْهِ. التثبت نصف الْعَفو. قَالَ أَكْثَم: الْكَرم حسن الفطنة. واللؤم سوء التغافل. قيل: أَسْوَأ النَّاس حَالا من اتسعت مَعْرفَته، وبعدت همته، وَضَاقَتْ مقدرته. كَانَ عبد الْملك بن الْحجَّاج: يَقُول: لأَنا للعاقل الْمُدبر أرجا مني للأحمق الْمقبل. وَقَالُوا: أَمْرَانِ لَا ينفكان من الْكَذِب: كَثْرَة المواعيد وَشدَّة الِاعْتِذَار. قَالَ الفضيل بن عِيَاض لِسُفْيَان الثَّوْريّ: دلَّنِي على من أَجْلِس إِلَيْهِ. قَالَ: تِلْكَ ضَالَّة لَا تُوجد. قيل لعبد الله بن كرز: هلا أجبْت أَمِير الْمُؤمنِينَ حِين سَأَلَك عَن مَالك. قَالَ: إِنَّه إِن استكثره حسدني، وَإِن استقله حقرني. قَالَ بَعضهم: عِيَادَة النوكى الْجُلُوس فَوق الْقدر، والمجيء فِي غير وَقت. قَالَ مُحَمَّد بن وَاسع: مَا آسى من الدُّنْيَا إِلَّا على ثَلَاث؛ بلغَة من عَيْش لَهُ لَيْسَ لأحد فِيهَا منَّة، وَلَا لله عَليّ فِيهَا تبعة، وَصَلَاة فِي جمَاعَة أكفى سهوها ويدخر لي أجرهَا، وَأَخ إِذا مَا أعوججت قومني. مر عمر بن ذَر بِابْن عَيَّاش المنتوف وَكَانَ قد سفه عَلَيْهِ ثمَّ أعرض عَنهُ، فَتعلق بِثَوْبِهِ وَقَالَ: يَا هَناه؛ إِنَّا لم نجد لَك إِذا عصيت الله فِينَا خيرا من أَن نطيع الله فِيك. قَالَ بَعضهم: مَا نصحت لأحد إِلَّا وجدته يفتش عَن عيوبي. قَالَ لبَعْضهِم: أَي النَّاس أحلم؟ قَالَ: سُفَهَاء لقوا أكفاءهم. قَالَ خَليفَة بن عبد الله التغلبي: مَا خَاصَمت أَحمَق وَلَا كيسا إِلَّا رَأَيْته بَصيرًا بِمَا يسوءني. سَأَلَ ابْن أبي بكرَة: أَي شَيْء أدوم إمتاعاً؟ قَالَ: المنى. وَقَالَ عَبَايَة مَا يسرني بنصيبي من المنى حمر النعم.

وَقَالَ ابْن أبي الزِّنَاد: المنى والحلم أَخَوان. وَقَالَ بَعضهم: الْأَمَانِي للنَّفس مثل الترهات للسان. قَالَ عَمْرو بن الْحَارِث: 406 كُنَّا نبغض من الرِّجَال ذَا الرِّيَاء والنفج وَنحن الْيَوْم نتمناهما. قَالَ صَالح المري: تَغْدُو الطير خماصاً، وَتَروح شباعاً، وائقة بِأَن لَهَا فِي كل غدْوَة رزقا لَا يفوتها. وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو غدوتم إِلَى أسواقكم على مثل إخلاصه لرجعتكم ودينكم أبطن من بطُون الْحَوَامِل. قَالَ خَالِد بن صَفْوَان: السّفر عتبات؛ فأولها: الْعَزْم، وَالثَّانيَِة: الْعدة، وَالثَّالِثَة: الرحيل، وأشدهن الْعَزْم. قَالَ أَكْثَم بن صَيْفِي: الْعَافِيَة الْملك الْخَفي. وَقَالَ الْفضل بن سهل؛ لَيست الفرصة إِلَّا مَا إِذا أخطأك نَفعه لم ينلك ضَرَره. قَالُوا: سوء حمل الْغنى يُورث مقتاً، وَسُوء حمل الْفَاقَة يضع شرفاً. وَقَالَ أَكْثَم: من جزع على مَا خرج من يَده فليجزع على مَا لم يصل إِلَيْهِ قَالَ بَعضهم: ظفر الْكَرِيم عَفْو، وعفو اللَّئِيم عُقُوبَة. كَانَ يُقَال: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يدع الحزم لظفر ناله عَاجز، وَلَا يرغب فِي التضييع لنكبة دخلت على حَازِم. وَكَانَ يُقَال: لَيْسَ من حسن التَّوَكُّل أَن تقال عَثْرَة ثمَّ يركبهَا ثَانِيَة قيل: لَوْلَا الإغضاء وَالنِّسْيَان، مَا تعاشر النَّاس لِكَثْرَة الأضغان. قَالُوا: ثَلَاث يرغمن الْعَدو: كَثْرَة العبيد، وأدب الْوَلَد، ومحبة الْجِيرَان. يُقَال: سوء القالة فِي الْإِنْسَان إِذا كَانَ كذبا نَظِير الْمَوْت؛ لفساد دُنْيَاهُ، وَإِذا كَانَ صدقا أَشد من الْمَوْت لفساد آخرته.

قَالُوا: يرضى الْكِرَام الْكَلَام، ويصاد اللئام بِالْمَالِ: ويسبى النَّبِيل بالإعظام، ويستصلح السفلة بالهوان. قَالُوا: أَمْرَانِ أنس بِالنَّهَارِ وَحْشَة بِاللَّيْلِ: المَال والبستان. قَالُوا: لَا يزَال الْمَرْء مُسْتَمر مَا لم يعثر، فَإِذا عثر مرّة فِي الْخِيَار لج بِهِ العثار وَلَو كَانَ فِي جدد قَالَ بَعضهم: مَا شيبتني السنون، وَلَكِن شكري من أحتاج أَن أشكره. قَالُوا: المتواضع كالوهدة يجْتَمع فِيهَا قطرها وقطر غَيرهَا، والمتكبر كالربوة لَا يقر عَلَيْهَا قطرها وَلَا قطر غَيرهَا. يُقَال: إِنَّه لَا يصبر وَيصدق فِي اللِّقَاء إِلَّا ثَلَاثَة: مستبصر فِي دين، أَو غيران على حُرْمَة، أَو ممتعض من ذل. قَالَ بَعضهم: فِي مجاوزتك من يَكْفِيك فقر لَا مُنْتَهى لَهُ حَتَّى تَنْتَهِي عَنهُ. وَكَانَ يُقَال: العفاف زِينَة الْفقر، وَالشُّكْر زِينَة الْغنى. اعتذار من منع خير من وعد ممطول. خير المزاح لَا ينَال، وشره لَا يُقَال. وَإِنَّمَا سمي مزاحا لِأَنَّهُ أزيح عَن الْحق. الْيَأْس من أعوان الصَّبْر. قيل لبَعض الْحُكَمَاء: أَي الْأُمُور أعجل عُقُوبَة وأسرع لصَاحِبهَا صرعة؟ قَالَ: ظلم من لَا نَاصِر لَهُ إِلَّا الله عز وَجل، ومجاورة النعم بالتقصير واستطالة الْغَنِيّ على الْفَقِير. يُقَال: من سَعَادَة الْمَرْء أَن يضع معروفه عِنْد من يشكره. قَالُوا: شَيْئَانِ لَا يعرف طعمهما إِلَّا بعد فقدهما: الْعَافِيَة والشباب.

نظر شَاب إِلَى شيخ يُقَارب خطاه فَقَالَ لَهُ: من قيدك؟ قَالَ: الَّذِي تركته يفتل قيدك. قيل لشيخ قد ذهب مِنْهُ المأكل وَالْمشْرَب وَالنِّكَاح: هَل تشْتَهي أَن تَمُوت؟ قَالَ: لَا. قيل: وَلم ذَاك؟ قَالَ: أحب أَن أعيش وأسمع الْأَعَاجِيب. قيل لبَعْضهِم: مَا بَال الشَّيْخ أحرص على الدُّنْيَا من الشَّاب؟ 407 قَالَ: لِأَنَّهُ قد ذاق من طعم الدُّنْيَا مَا لم يذقه الشَّاب. قَالُوا: الدّين عقلة الشريف، مَا اسْترق الْكَرِيم أفظ من الدّين. اخْتصم رجلَانِ إِلَى سعيد بن الْمسيب فِي النُّطْق والصمت: أَيهمَا أفضل؟ فَقَالَ: بِمَاذَا أبين لَكمَا؟ فَقَالَا: بالْكلَام. فَقَالَا: إِذا الْفضل لَهُ. وَقيل لبَعْضهِم: السُّكُوت أفضل أم النُّطْق؟ فَقَالَ: السُّكُوت حَتَّى يحْتَاج إِلَى النُّطْق. قيل: الْعقل يَأْمُرك بالأنفع، والمروءة تأمرك بالأجمل. قيل لبَعْضهِم: مَا جماع الْعقل؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْته مجتمعاً فِي أحد فأصفه، وَمَا لَا يُوجد كَامِلا فَلَا حد لَهُ. قَالَ الزُّهْرِيّ: إِذا أنْكرت عقلك فاقدحه بعاقل. وَقيل: عظمت المئونة فِي عَاقل متجاهل، وجاهل متعاقل. وَقيل: إِنَّك تحفظ. الأحمق من كل شَيْء إِلَّا من نَفسه. قيل لبَعْضهِم: الْعقل أفضل أم الْجد؟ فَقَالَ: الْعقل من الْجد. قَالَ بَعضهم: يَنْبَغِي للعاقل أَن يطْلب طَاعَة غَيره وَطَاعَة نَفسه عَلَيْهِ ممتنعة. قيل لآخر: أَتُحِبُّ أَن تهدى إِلَيْك عيوبك؟ فَقَالَ: أما من نَاصح فَنعم، وَأما من شامت فَلَا. قيل لآخر: هَل شَيْء أضرّ من التواني؟ قَالَ: الِاجْتِهَاد فِي غير مَوْضِعه. وَقيل: الْعَجز عجزان عجز التَّقْصِير. وَقد أمكن الْأَمر، وَالْجد فِي طلبه وَقد فَاتَ.

وَقيل لآخر: أَسَأْت الظَّن. فَقَالَ: إِن الدُّنْيَا لما امْتَلَأت مكاره وَجب على الْعَاقِل أَن يملأها حذرا. تَأمل حَكِيم شَيْبه فَقَالَ: مرْحَبًا بزهرة الحنكة، وَثَمَرَة الْهدى، ومقدمة الْعِفَّة، ولباس التَّقْوَى. قيل: لَا يسود الرجل حَتَّى لَا يُبَالِي فِي أَي ثوبيه ظهر. سمع حَكِيم رجلا يَدْعُو لآخر وَيَقُول: لَا أَرَاك الله مَكْرُوها. فَقَالَ: دَعَوْت لَهُ بِالْمَوْتِ فَإِن من عَاشَ لَا بُد لَهُ فِي الدُّنْيَا من مَكْرُوه. قَالُوا: من صِفَات الْعَاقِل أَلا يتحدث بِمَا يُسْتَطَاع تَكْذِيبه. قيل لبَعْضهِم: مَتى يحمد الْكَذِب؟ فَقَالَ: إِذا قرب بَين المتقاطعين. قيل: فَمَتَى يذم الصدْق. قَالَ: إِذا كَانَ غيبَة. دنا رجل من آخر فساره فَقَالَ: لَيْسَ هَا هُنَا أحد، فَقَالَ: من حق السرَار التداني. وَكَانَ مَالك بن مسمع إِذا ساره إِنْسَان قَالَ لَهُ: أظهر؛ فَلَو كَانَ فِيهِ خير لما كَانَ مكتوماً. قيل: السعيد من وعظ بِغَيْرِهِ والشقي من اتعظ بِهِ غَيره. قيل: مِمَّا يدل على كرم الرجل سوء أدب غلمانه. أفحش الظُّلم ظلم الضَّعِيف. العَبْد من لَا عهد لَهُ. قيل: إِن ذَا الهمة وَإِن حط نَفسه يأبي إِلَّا الْعُلُوّ، كالشعلة من النَّار يخفيها صَاحبهَا وتأبى إِلَّا ارتفاعاً. قيل: الْجد أجدى، وَالْجد أكدى. وَقَالُوا: الدّين غل لله فِي أرضه فَإِذا أَرَادَ أَن يذل عبدا جعله فِي عُنُقه وَقيل: تعرف مُرُوءَة الرجل بِكَثْرَة دُيُونه.

قيل: الْعَاقِل إِذا تكلم بِكَلِمَة أتبعهَا مثلا، والأحمق إِذا تكلم بِكَلِمَة أتبعهَا حلفا. قيل: الْحَرَكَة نِكَاح الْجد الْعَقِيم. قيل: أَرْبَعَة لَا يستحيى من الْخَتْم عَلَيْهَا؛ المَال لنفي التهم، والجوهر لنفاسته، وَالطّيب للأبدان، والدواء للِاحْتِيَاط. قيل: إِذا أَيسَرت فَكل رجل رجلك، وَإِذا افْتَقَرت أنكرك أهلك. قَالُوا: لَو جعل المَال للعقلاء مَاتَ الْجُهَّال، فَلَمَّا صَار فِي أَيدي الْجُهَّال اسْتَنْزَلَهُمْ الْعُقَلَاء عَنهُ بلطفهم. قيل: نعم الْغَرِيم الْجُوع. 408 كلما أعطي أَخذ. قَالَ بَعضهم: مَا رددت أحدا عَن حَاجَة إِلَّا تبينت الْعِزّ فِي قَفاهُ والذل فِي وَجهه. قيل: الِابْتِدَاء بالصنيعة نَافِلَة، وربها فَرِيضَة. الْعَدو المبطن للعداوة كالنحل يمج الدَّوَاء ويحتقب الدَّاء. سُئِلَ ابْن الْقرْيَة: مَا الدهاء؟ قَالَ: تجرع الغصة، وتوقع الفرصة. قيل: الْحَاسِد يرى زَوَال نِعْمَتك نعْمَة عَلَيْهِ. الْحَسَد دَاء يَأْكُل الْجَسَد. التَّوَاضُع أحد مصايد الشّرف. تواضع الرجل فِي مرتبته ذب للشماتة عِنْد سقطته. كم من صلف أدّى إِلَى تلف. سوء الْخلق يعدي، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدْعُو غَيره إِلَى أَن يُقَابله بِغَيْرِهِ. صحب رجل آخر سيئ الْخلق فَلَمَّا فَارقه قَالَ: قد فارقته وخلقه لَا يُفَارِقهُ.

المزاح فَحل لَا ينْتج إِلَّا الشَّرّ. الْمُرُوءَة التَّامَّة مباينة الْعَامَّة. أَسْوَأ مَا فِي الْكَرِيم أَن يمنعك نداه، وَأحسن مَا فِي اللَّئِيم أَن يكف عَنْك أَذَاهُ. السّفل إِذا تعلمُوا تكبروا، وَإِذا تمولوا استطالوا، والعلية إِذا تعلمُوا تواضعوا، وَإِذا افتقروا صالوا. ثَلَاث لَا يستصلح فسادهن بِشَيْء من الْحِيَل: الْعَدَاوَة بَين الْأَقَارِب، وتحاسد الْأَكفاء، وركاكة الْمُلُوك. قيل لحكيم: أَي شَيْء من أَفعَال الْعباد يشبه لأفعال الله؟ قَالَ: الْإِحْسَان إِلَى النَّاس. يُقَال: السخي شُجَاع الْقلب، والبخيل شُجَاع الْوَجْه. الْبَخِيل يعِيش عَيْش الْفُقَرَاء، وَيُحَاسب محاسبة الْأَغْنِيَاء، الْعُزْلَة توفر الْعرض، وتستر الْفَاقَة، وترفع ثقل الْمُكَافَأَة. مَا احتنك أحد قطّ إِلَّا أحب الْخلْوَة. خير النَّاس من لم تجربه، كَمَا أَن خير الدّرّ مَا لم تثقبه. قَالَ بَعضهم: خالطت النَّاس خمسين سنة فَمَا وجدت رجلا غفر لي زله، وَلَا أقالني عَثْرَة، وَلَا ستر لي عَورَة، وَلَا أمنته إِذا غضب. الْكَرِيم لَا يلين على قصر، وَلَا يقسو على يسر. الْمَرْأَة إِذا أحبتك آذتك، وَإِذا أبغضتك خانتك، فحبها أَذَى، وبغضها دَاء بِلَا دَوَاء. الْمَرْأَة تكْتم الْحبّ أَرْبَعِينَ سنة، وَلَا تكْتم البغض سَاعَة وَاحِدَة. وَالرجل على عكس هَذَا.

شاور رجل حكيماً فِي التَّزَوُّج فَقَالَ لَهُ: إياك وَالْجمال. وَأنْشد: وَلنْ تصادف مرعى ممرعاً أبدا ... إِلَّا وجدت بِهِ آثَار مَأْكُول قَالَ رجل: مَا دخل دَاري شَرّ قطّ. فَقَالَ حَكِيم: فَمن أَيْن دخلت امْرَأَتك؟ قيل لبَعض الْحُكَمَاء: مَا أحسن أَن يصبر الْإِنْسَان عَمَّا يَشْتَهِي. فَقَالَ: أحسن مِنْهُ أَلا يَشْتَهِي إِلَّا مَا يَنْبَغِي. قيل: شَرّ أَخْلَاق الرِّجَال الْجُبْن وَالْبخل وهما خير أَخْلَاق النِّسَاء. قيل: الممتحن كالمختنق؛ مَتى ازْدَادَ اضطراباً ازْدَادَ اختناقاً. قيل: إِذا رَأَيْت الزَّاهِد يستروح إِلَى طلب الرُّخص فَاعْلَم أَنه قد بدا لَهُ فِي الزّهْد. قيل: أجل مَا ينزل من السَّمَاء التَّوْفِيق، وَأجل مَا يصعد إِلَى السَّمَاء الْإِخْلَاص. قيل: كل مَال لَا ينْتَقل بانتقالك فَهُوَ كَفِيل. وَقيل: مَا دَار من يشتاق إِلَى السّفر بدار سَلامَة. قَالَ حَكِيم: من الَّذِي بلغ جسيماً فَلم يبطر، وَاتبع الْهوى فَلم يعطب، وجاور النِّسَاء فَلم يفتتن، وَطلب إِلَى اللئام فَلم يهن، وواصل الأشرار فَلم ينْدَم، وَصَحب السُّلْطَان فدامت سَلَامَته. 409 - اثْنَان يهون عَلَيْهِمَا كل شَيْء؛ الْعَالم الَّذِي يعرف العواقب، وَالْجَاهِل الَّذِي يجهل مَا هُوَ فِيهِ. وَقيل: شَرّ من الْمَوْت مَا إِذا نزل تمنيت لنزوله الْمَوْت، وَخير من الْحَيَاة مَا

إِذا فقدته أبغضت لفقده الْحَيَاة. لتكن النوائب مِنْك ببال؛ فَأكْثر المكاره فِيمَا لم يحْتَسب. قَالَ سُفْيَان: مَا وضع أحد يَده فِي قَصْعَة غَيره إِلَّا ذل لَهُ وَقَالَ أَبُو حَمْزَة السكونِي: قَالَ لي أَبُو عبيد الله: من أكل من ثريدنا وطئنا رقبته. قَالَ رجل لمعروف: يَا أَبَا مَحْفُوظ، أتحرك لطلب الرزق أم أَجْلِس؟ قَالَ: لَا بل تحرّك؛ فَإِنَّهُ أصلح لَك. فَقَالَ: أمثلك يَقُول هَذَا يَا أَبَا مَحْفُوظ؟ فَقَالَ: مَا أَنا قلته وَلَا أمرت بِهِ، وَلَكِن الله تَعَالَى قَالَه وَأمر بِهِ حَيْثُ قَالَ لِمَرْيَم: " وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة تساقط عَلَيْك رطبا جنيا " وَلَو شَاءَ أَن ينزله عَلَيْهَا بِلَا هز لفعل. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت عِكْرِمَة بِبَاب بَلخ فَقلت لَهُ: مَا جَاءَ بك إِلَى هَهُنَا؟ فَقَالَ: بَنَاتِي. قَالَ وهب: الدَّرَاهِم خَوَاتِيم رب الْعَالمين بمعاش بني آدم؛ لَا تُؤْكَل وَلَا تشرب، وَأَيْنَ ذهبت بِخَاتم رَبك قضيت حَاجَتك. قيل لبَعْضهِم: لم تحب الدَّرَاهِم وَهِي تدنيك من الدُّنْيَا؟ قَالَ: هِيَ وَإِن أدنتني من الدُّنْيَا فقد صانتني عَنْهَا. قيل لِسُفْيَان بن عُيَيْنَة: مَا أَشد حبك للدرهم! فَقَالَ: مَا أحب أَن يكون أحد أَشد حبا لما يَنْفَعهُ مني. قيل لبَعْضهِم: أَيْن بلغت فِي الْعُلُوم؟ قَالَ: إِلَى الْوُقُوف على الْقُصُور عَنْهَا. قَالُوا: الْمَرْأَة كالنعل، يلبسهَا الرجل إِذا شَاءَ هُوَ لَا إِذا شَاءَت. قَالَ ابْن السماك: الْكَمَال فِي خمس؛ أَلا يعيب الرجل أحدا بِعَيْب فِيهِ مثله حَتَّى يصلح ذَلِك الْعَيْب من نَفسه، فَإِنَّهُ لَا يفرغ من إصْلَاح عيب وَاحِد حَتَّى يهجم على آخر فتشغله عيوبه عَن عيب النَّاس، وَالثَّانيَِة أَلا يُطلق لِسَانه وَيَده حَتَّى يعلم أَفِي طَاعَة ذَاك أَو فِي مَعْصِيّة، وَالثَّالِثَة أَلا يلْتَمس من النَّاس إِلَّا مثل مَا يعطيهم من نَفسه، وَالرَّابِعَة أَن يسلم من النَّاس باستشعار مداراتهم، وتوفيتهم حُقُوقهم،

وَالْخَامِسَة أَن ينْفق الْفضل من مَاله ويمسك الْفضل من قَوْله. وَقَالَ آخر: عجبا لمن عومل فأنصف، إِذا عَامل كَيفَ يظلم، وأعجب مِنْهُ من عومل فظلم إِذا عَامل كَيفَ يظلم. قَالُوا: صديق الْبَخِيل من لم يجربه. قَالُوا: الصَّبْر مر، لَا يتجرعه إِلَّا حر. قرئَ من حجر منقور: من الْخَيط الضَّعِيف يفتل الْحَبل الحصيف، وَمن مقدحة صَغِيرَة تحرق سوق كَبِيرَة، وَمن لبنة لينَة تبنى مَدِينَة حَصِينَة. قيل: أبْصر النَّاس بعوار النَّاس المعوور. وَقَالَ بَعضهم: إِن الله تَعَالَى تفرد بالكمال، وَلم يعر أحدا من خلقه من النُّقْصَان. قيل لبَعْضهِم: مَتى يحمد الْغَنِيّ؟ قَالَ: إِذا اتَّصل بكرم. قيل: فَمَتَى تذم الفطنة؟ قَالَ: إِذا اقترنت بلؤم. قَالَ آخر: عجبا لمن قيل فِيهِ الْخَيْر وَلَيْسَ فِيهِ كَيفَ يفرح. عجبا لمن قيل فِيهِ الشَّرّ وَهُوَ فِيهِ كَيفَ يغْضب. ثَلَاث موبقات: الْكبر؛ فَإِنَّهُ حط إِبْلِيس عَن مرتبته، والحرص؛ فَإِنَّهُ أخرج آدم من الْجنَّة، والحسد فَإِنَّهُ دَعَا ابْن آدم إِلَى قتل أَخِيه. قَالَ ابْن السماك: الْفِطَام عَن الحطام شَدِيد. قَالُوا: إِذا أَقبلت الدُّنْيَا أَقبلت على حمَار قطوف مديني، وَإِذا أَدْبَرت أَدْبَرت على الْبراق. التؤدة حَسَنَة 410 فِي كل شَيْء إِلَّا فِي الْمَعْرُوف فَإِنَّهَا تنغصه. أصَاب متأمل أَو كَاد، وَأَخْطَأ مستعجل أَو كَاد. .

قيل لبَعْضهِم: كَيفَ لَا يجْتَمع المَال وَالْحكمَة؟ قَالَ: لعزة الْكَمَال. كَانَ يُقَال: لكل جَدِيد لَذَّة إِلَّا من الإخوان. الْعَجز عجزان: التَّقْصِير فِي طلب الْأَمر وَقد أمكن، وَالْجد فِي طلبه وَقد فَاتَ. قَالَ يزِيد بن أسيد: أسر السرُور قفلة على غَفلَة. قيل: سِتَّة لَا تخطئهم الكآبة: فَقير حَدِيث عهد بالغنى، ومكثر يخَاف على مَاله، وطالب مرتبَة فَوق قدرته، والحسود والحقود وخليط. أهل الْأَدَب وَهُوَ غير أديب. . قَالَ خَالِد بن صَفْوَان: من لم تكن لَهُ دَابَّة كثرت ألوان دوابه. قَالَ عبد الله بن أبي بكر: لَو كنت شَاعِرًا لبكيت على الْمُرُوءَة. وَقَالَ بَعضهم: طلبت الرَّاحَة لنَفْسي فَلم أجد شَيْئا أروح لَهَا من ترك مَا لَا يعنيها، وتوحشت فِي الْبَريَّة فَلم أر وَحْشَة أَشد من قرين سوء، وَشهِدت الزحوف وَلَقِيت الأقران فَلم أر قرنا أغلب للرجل من امْرَأَة سوء، وَنظرت إِلَى كل مَا يذل الْعَزِيز ويكسره فَلم أر شَيْئا أذلّ لَهُ وَلَا أكسر من الْفَاقَة. قَالُوا: أول أَمر الْعَاقِل آخر أَمر الْجَاهِل. قَالَ رجل لعبد الحميد: أَخُوك أحب إِلَيْك أم صديقك؟ قَالَ: إِنَّمَا أحب أخي إِذا كَانَ صديقا. قَالُوا: أَسْوَأ من فِي الْكَرِيم أَن يكف عَنْك خَيره، وَأحسن مَا فِي اللَّئِيم أَن يكف عَنْك شَره. كَانَ الْكِنْدِيّ يَقُول: المسترشد موتِي والمحترس ملقي. وَكَانَ يَقُول: العَبْد حر مَا قنع وَالْحر عبد مَا طمع. قيل لمُحَمد بن الجهم بعد مَا أَخذ من مَاله: أما تفكر فِي ذهَاب نِعْمَتك؟ فَقَالَ: لَا بُد من الزَّوَال؛ فَلِأَن تَزُول نعمتي وَأبقى خير من أَن أزول عَنْهَا وَتبقى.

قَالَ الشَّافِعِي: اغتنموا الفرصة فَإِنَّهَا خلس أَو غصص. أغْلظ سَفِيه لحليم فَقيل لَهُ: لم لم تغْضب؟ فَقَالَ: إِن كَانَ صَادِقا فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن أغضب، وَإِن كَانَ كَاذِبًا فبالحري أَلا أغضب. قَالَ بَعضهم: مَا أحسن حسن الظَّن إِلَّا أَن مِنْهُ الْعَجز، وَمَا أقبح سوء الظَّن إِلَّا أَن فِيهِ الحزم. قَالَ قَيْصر: مَا الْحِيلَة فِيمَا أعيا إِلَّا الْكَفّ عَنهُ، وَلَا الرَّأْي فِيمَا لَا ينَال إِلَّا الْيَأْس مِنْهُ. قَالَ سهل بن هَارُون: مَا زلت أَدخل فِيمَا يرغب بِي عَنهُ مَتى اسْتَغْنَيْت عَمَّا يرغب لي فِيهِ. كَانَ يُقَال: الأحمق إِذا حدث ذهل، وَإِذا تكلم عجل، وَإِذا حمل على الْقَبِيح فعل. قيل: لَيْسَ الْمُوسر من ينقص على النَّفَقَة مَاله، وَلَكِن الْمُوسر من يزكو على الْإِنْفَاق مَاله. قَالَ أَبُو يُوسُف: إِثْبَات الْحجَّة على الْجَاهِل سهل وَلَكِن إِقْرَاره بهَا صَعب. قيل لبَعْضهِم: مَا الكلفة؟ قَالَ: طَلَبك مَا لَا يواتيك، ونظرك فِيمَا لَا يَعْنِيك قَالَ آخر: كَمَا أَن أواني الفخار تمتحن بأصواتها فَيعرف الصَّحِيح مِنْهَا من المنكسر، كَذَلِك يمْتَحن الْإِنْسَان بمنطقه فَيعرف حَاله وَأمره. قَالَ آخر: احْتِمَال الْفقر أحسن من احْتِمَال الذل على أَن الرِّضَا بالفقر قناعة وَالرِّضَا بالذل ضراعة. سمع بَعضهم رجلا يذكرهُ بِسوء فَقَالَ: مَا علم الله منا أَكثر مِمَّا تَقول. ابْن المقفع: إِن مِمَّا سخى بِنَفس الْعَاقِل عَن الدُّنْيَا علمه بِأَن الأرزاق لم تقسم على قدر الأخطار. قَالُوا: الدُّنْيَا حمقاء لَا تميل إِلَّا إِلَى أشباهها.

لما قبض ابْن عُيَيْنَة صلَة الْخَلِيفَة قَالَ: يَا أَصْحَاب الحَدِيث؛ قد وجدْتُم مقَالا فَقولُوا. مَتى رَأَيْت أَبَا عِيَال أَفْلح؟ وَقَالَ: كَانَت لنا هرة لَيْسَ لَهَا جراء فَكَانَت لَا تكشف الْقُدُور، وَلَا تعيث فِي الدّور، فَصَارَ لَهَا جراء فَكشفت عَن الْقُدُور، وأفسدت فِي الدّور. قَالَ بَعضهم: إِذا أَنا فعلت مَا أمرت بِهِ وَكَانَ خطأ لم أذمم عَلَيْهِ، وَإِذا فعلت مَا لم أومر بِهِ وَكَانَ صَوَابا لم أَحْمد عَلَيْهِ. قَالَ آخر مَا استنبط الصَّوَاب بِمثل المشورة، وَلَا حصنت النعم بِمثل الْمُوَاسَاة، وَلَا اكْتسبت البغضة بِمثل الْكبر. قيل لروح بن زنباع: مَا معنى الصّديق؟ قَالَ: هُوَ لفظ بِلَا معنى. يَعْنِي لعوزه. وَقَالَ آخر: السّفر ميزَان الْأَخْلَاق. قَالَ عَليّ بن عُبَيْدَة: الْعقل ملك والخصال رَعيته، فَإِذا ضعف عَن الْقيام عَلَيْهَا وصل الْخلَل إِلَيْهَا. قَالُوا: الْكذَّاب يخيف نَفسه وَهُوَ آمن. قَالَ بَعضهم: لَو لم أدع الْكَذِب تأثماً لتركته تكرماً. وَقَالَ آخر: لَو لم أدع الْكَذِب تعففاً لتركته تظرفاً. وَقَالَ آخر: لَو لم أدع الْكَذِب تحوباً لتركته تأدباً. وَقَالَ آخر: لَو لم أدع الْكَذِب تورعاً لتركته تصنعاً. كَانَ الثَّوْريّ يَقُول: النَّاس عدُول إِلَّا الْعُدُول. كَانَ بَعضهم يَقُول: اللَّهُمَّ احفظني من أصدقائي. فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: إِنِّي أحفظ نَفسِي من أعدائي. قيل لبَعْضهِم: مَا الْمُرُوءَة؟ قَالَ: إِظْهَار الزي. قيل: فَمَا الفتوة؟ قَالَ: طَهَارَة السِّرّ. يحْكى ذَلِك عَن البوشنجي شيخ خُرَاسَان. سُئِلَ بَعضهم: أَي الرُّسُل أَحْرَى بالنجح؟ قَالَ: الَّذِي لَهُ جمال وعقل.

قَالُوا: الْحِيلَة اعطف المتجني أعْسر من نيل التَّمَنِّي. قَالَ ابْن السماك: لَوْلَا ثَلَاث لم يسل سيف وَلم يَقع حيف: سلك أدق من سلك، وَوجه أصبح من وَجه، ولقمة أسوغ من لقْمَة. قَالَ بكر بن عبد الله: مَا رَأَيْت أحدا إِلَّا رَأَيْت لَهُ الْفضل عَليّ؛ لِأَنِّي من نَفسِي على يَقِين وَأَنا من النَّاس فِي شكّ. قيل لِابْنِ هُبَيْرَة: مَا حد الأحمق؟ قَالَ: لَا حد لَهُ. أُتِي ابْن عون بِمَاء يصب على يَده قبل الطَّعَام فَقَالَ: مَا أَحسب غسل الْيَد قبل الطَّعَام إِلَّا من توقير النِّعْمَة. قَالَ بَعضهم: تَعْرِيف الْجَاهِل أيسر من تَقْرِير الْمُنكر. كَانَ بَعضهم يَقُول: مَا بَقِي أحد يأنف أَن يؤنف مِنْهُ. كل شَيْء إِذا كثر رخص؛ غير الْعقل فَإِنَّهُ إِذا كثر غلا. قَالَ آخر: يحسن الامتنان إِذا وَقع الكفران، وَلَوْلَا أَن بني إِسْرَائِيل كفرُوا النِّعْمَة مَا قَالَ الله تَعَالَى لَهُم: " اذْكروا نعمتي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم " قيل لرجل مستهتر بِجمع المَال: مَا هَذَا كُله؟ قَالَ: إِنَّمَا أجمعه لروعة الزَّمَان، وجفوة السُّلْطَان، وبخل الإخوان، وَدفع الأحزان. قَالَ خَالِد بن صَفْوَان: أَنا لَا أصادق إِلَّا من يغْفر لي زللي، ويسد خللي، وَيقبل عللي. قَالَ بَعضهم: أول صناعَة الْكَاتِب كتمان السِّرّ. قَالُوا: الْخَوْف على ثَلَاثَة أنحاء: دين يخَاف معادا، وحر يخَاف عارا، وسفلة يخَاف ردعا. قَالَ عَليّ بن عُبَيْدَة: إِن أخذت عَفْو الْقُلُوب زكا ريعك، وَإِن استقصيت أكديت. قيل: الْحسن الْخلق قريب عِنْد الْبعيد، والسيئ الْخلق بعيد عِنْد أَهله.

قَالَ الثَّوْريّ: إِذا رَأَيْت الرجل مَحْمُودًا فِي جِيرَانه فَاعْلَم أَنه يداهنهم. قيل لحكيم: كَيفَ للْإنْسَان بألا يغْضب؟ قَالَ: ليكن ذَاكِرًا فِي كل وَقت أَنه لَيْسَ يجب أَن يطاع قطّ، بل أَن يُطِيع؛ وَأَنه لَيْسَ يجب أَن يحْتَمل خَطؤُهُ فَقَط، بل أَن يحْتَمل الْخَطَأ عَلَيْهِ؛ وَأَنه لَيْسَ يجب أَن يصبر عَلَيْهِ فَقَط، بل أَن يصبر هُوَ 412 أَيْضا؛ وَأَنه بِعَين الله دَائِما، فَإِنَّهُ إِذا فعل ذَلِك لم يغْضب، وَإِن غضب كَانَ غَضَبه أقل. قَالَ بَعضهم: الإفراط فِي الزِّيَارَة مُمل كَمَا أَن التَّفْرِيط فِيهَا مخل. قَالَ الْعُتْبِي: إِذا تناهى الْغم انْقَطع الدمع. وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن أدهم: أَنا مُنْذُ عشْرين سنة فِي طلب أَخ إِذا غضب لم يقل إِلَّا الْحق فَمَا أجد. وَقَالَ غَيره: إِذا ولى صديق لَك ولَايَة فَأَصَبْته على الْعشْر من صداقته فَلَيْسَ بِأَخ سوء. قصد ابْن السماك رجلا فِي حَاجَة لرجل فتعسر، فَقَالَ لَهُ: اعْلَم أَنِّي أَتَيْتُك فِي حَاجَة، وَإِن الطَّالِب وَالْمَطْلُوب إِلَيْهِ عزيزان إِن قضيت، وذليلان إِن لم تقض، فاختر لنَفسك عز الْبَذْل على ذل الْمَنْع، واختر لي عز النجح على ذل الرَّد. فقضاها لَهُ. وَقصد آخر مرّة فِي حَاجَة فتلوى، فكاد ينكل عَن الْكَلَام، ثمَّ سبق إِلَى معنى فخبره وَقَالَ للمسئول: أَخْبرنِي حِين غَدَوْت إِلَيْك فِي حَاجَتي، أحسن بك الظَّن، وأصوغ فِيك الثَّنَاء، وأتخير لَك الشُّكْر، وأمشي إِلَيْك بقدم الإجلال، وأكلمك بِلِسَان التَّوَاضُع، أصبت أم أَخْطَأت؟ قَالَ: فاقتحم الرجل وَقَالَ: بل أصبت. وَقضى حَاجته وَسَأَلَهُ المعاودة. قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَة: قلت لعَلي بن الْهَيْثَم: مَا يجب للصديق؟ قَالَ: ثَلَاث خلال: كتمان حَدِيث الْخلْوَة، والمواساة عِنْد الشدَّة، وإقالة العثرة. قيل: سوء حمل الْغنى يُورث الْمَدْح، وَسُوء حمل الْفَاقَة قد بضع الشّرف. قيل: الْهوى شريك الْعَمى.

قيل لصوفي: مَا صناعتك؟ قَالَ: حسن الظَّن بِاللَّه وَسُوء الظَّن بِالنَّاسِ. ثَلَاثَة لم يمن بهَا أحد فَسلم: صُحْبَة السُّلْطَان، وإفشاء السِّرّ إِلَى النِّسَاء وَشرب السم للتجربة. لكل شَيْء مَحل، وَمحل الْعقل مجالسة النَّاس. أعجب الْأَشْيَاء بديهة أَمن وَردت فِي مقَام خوف. قَالَ ابْن المقفع: الْحِرْص مُحرمَة، والجبن مقتلة. فَانْظُر فِيمَن رَأَيْت أَو سَمِعت: من قتل فِي الْحَرْب مُقبلا أَكثر أم من قتل مُدبرا وَانْظُر من يطْلب بالإجمال والتكرم أَحَق أَن تسخو نَفسك لَهُ أم من يطْلب بالشره والحرص. قَالَ أَبُو بكر بن الْمُعْتَمِر: إِذا كَانَ الْعقل تِسْعَة أَجزَاء أحتاج إِلَى جُزْء من جهل ليقدم على الْأُمُور؛ فَإِن الْعَاقِل أبدا متوان مُتَوَقف مترقب متخوف. قيل: سِتَّة لَا يخطئهم الكآبة: فَقير قريب عهد بغنى، ومكثر يخَاف على مَاله، وطالب مرتبَة فَوق قدره، والحسود والحقود وخليط أهل الْأَدَب وَهُوَ غير أديب. قَالَ ابْن المقفع: عمل الرجل. بِمَا يعلم أَنه خطأ هوى، والهوى آفَة العفاف، وَتَركه للْعَمَل بِمَا يعلم أَنه صَوَاب تهاون، والتهاون آفَة الدّين. وإقدامه على مَا لَا يدْرِي أصواب هُوَ أم خطأ لجاج، واللجاج آفَة الْعقل. قَالُوا: مَا من مُصِيبَة إِلَّا وَمَعَهَا أعظم مِنْهَا؛ إِن جزع فالوزر، وَإِن صَبر فالثواب. قيل: ضعف الْعقل أَمَان من الْغم. لَا يَنْبَغِي للعاقل أَن يمدح امْرَأَة حَتَّى تَمُوت، وَلَا يمدح طَعَاما حَتَّى يستمرئه، وَلَا يَثِق بخليل حَتَّى يستقرضه. لَيْسَ من حسن الْجوَار ترك الْأَذَى، وَلَكِن حسن الْجوَار الصَّبْر على الْأَذَى. لَا يتأدب العَبْد بالْكلَام إِذا وثق بِأَنَّهُ لَا يضْرب. مَا السَّيْف الصارم فِي كف شُجَاع بِأَعَز لَهُ من الصدْق.

إِذا كثرت خزان الْأَسْرَار 413 ضيَاعًا. ثَمَرَة القناعة الرَّاحَة، وَثَمَرَة التَّوَاضُع الْمحبَّة. الْكَرِيم يلين إِذا استعطف، واللئيم يقسو إِذا ألطف. أنكأ لعدوك أَلا تريه أَنَّك تتخذه عدوا. عذابان لَا يكترث لَهما: السّفر الْبعيد؛ وَالْبناء الْكَبِير. قَالُوا: " سَوف " جند من جنود إِبْلِيس أهلك بهَا بشرا كثيرا. وَقيل لبَعض الزهاد: أوصنا. فَقَالَ: إيَّاكُمْ " وسوف ". سُئِلَ بَعضهم: أَي الصدْق السُّكُوت عَنهُ أمثل؟ قَالَ: تَزْكِيَة الْمَرْء نَفسه. وَكَانَ يُقَال: ثَلَاثَة يؤثرون المَال على أنفسهم: تَاجر الْبَحْر، وَالْعَامِل بِالْأَجْرِ، والمرتشي على الحكم. قَالُوا: قبح الله الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا إِذا أَقبلت على الْإِنْسَان أَعطَتْهُ محَاسِن غَيره، وَإِذا أَدْبَرت عَنهُ سلبته محَاسِن نَفسه. أعجز النَّاس من قصر فِي طلب صديقه، وأعجز مِنْهُ من وجده فضيعه. قَالَ رجل لأبي عبيد الله: لَئِن أَصبَحت الدُّنْيَا بك مَشْغُولَة لتمسين مِنْك فارغة. فَقَالَ: أنْفق مَا يكون التَّعَب إِذا وعد كَذَّاب حَرِيصًا. اجْتمع عُلَمَاء الْعَرَب والعجم على أَنه لَا يدْرك نعم إِلَّا ببؤس، وَلَا رَاحَة إِلَّا بتعب. الْعَادَات قاهرات، فَمن اعْتَادَ شَيْئا فِي سره وخلواته فضحه فِي عَلَانِيَته وَعند الْمَلأ. قيل: المنى تخلق الْعقل، وتفسد الدّين، وتزرى بالقناعة. قَالَ قُتَيْبَة لحصين: مَا السرُور؟ قَالَ: عقل يقيمك، وَعلم يزينك وَولد يَسُرك، وَمَال يسعك، وَأمن يريحك، وعافية تجمع لَك المسرات.

أسر رجل إِلَى صديق لَهُ حَدِيثا فَلَمَّا استقصاه قَالَ لَهُ: أفهمت؟ قَالَ: بل نسيت. وَقيل لآخر: كَيفَ كتمانك للسر؟ فَقَالَ: أجحد للْخَبَر وأحلف للمستخبر. وَالْعرب تَقول: من ارتاد لسره فقد أذاعه. وَيُقَال: للقائل على السَّامع جمع البال، والكتمان، وَبسط الْعذر. قَالُوا: كَثْرَة السرَار من أَسْوَأ الْآدَاب. وَقَالُوا: الْأَخ الْبَار مغيض الْأَسْرَار. قيل لبَعْضهِم: إِن فلَانا لَا يكْتب، وَقَالَ: تِلْكَ الزمانة الْخفية. قَالَ بَعضهم: قديم لبحرمة وَحَدِيث التَّوْبَة يمحقان مَا بَينهمَا من الْإِسَاءَة. قَالُوا: ركُوب الْخَيل عز، وركوب البراذين ذلة، وركوب الْبَغْل مهرمة، وركوب الْحمير ذل. قَالُوا: أَربع يسودن العَبْد: الصدْق وَالْأَدب وَالْفِقْه وَالْأَمَانَة. قَالَ الزُّهْرِيّ: الْكَرِيم لَا تحكمه التجارب. قَالُوا: الْعقل يظْهر بالمعاملة، وشيم الرِّجَال تعرف بِالْولَايَةِ. قَالَ رجل من قُرَيْش لشيخ: عَلمنِي الْحلم. فَقَالَ: هُوَ الذل أفتصبر عَلَيْهِ؟ . وَيُقَال: مَا قل سُفَهَاء قوم إِلَّا ذلوا. قَالَ مُحَمَّد بن عمرَان التَّيْمِيّ: مَا شَيْء أَشد على الْإِنْسَان حملا من الْمُرُوءَة؟ قيل لَهُ: وَمَا الْمُرُوءَة؟ فَقَالَ: أَلا تعْمل فِي السِّرّ شَيْئا تَسْتَحي مِنْهُ فِي الْعَلَانِيَة. قَالَ أَكْثَم: الانقباض من النَّاس مكسبة للعداوة، وإفراط الْأنس مكسبة لقرناء السوء. قيل لِابْنِ أبي الزِّنَاد: لم تحب الدَّرَاهِم وَهِي تدنيك من الدُّنْيَا؟ فَقَالَ: إِنَّهَا وَإِن أدنتني مِنْهَا فقد صانتني عَنْهَا. قيل لبَعْضهِم: إِن فلَانا أَفَادَ مَالا عَظِيما. قَالَ: فَهَل أَفَادَ مَعَه أَيَّامًا يُنْفِقهُ فِيهَا؟ قيل لرجل: مَا لَك تنزل فِي الْأَطْرَاف؟ فَقَالَ: منَازِل الْأَشْرَاف فِي الْأَطْرَاف؛

يتناولهم من يريدهم بِالْحَاجةِ. قطيعة الْجَاهِل تعدل صلَة الْعَاقِل. قَالَ الشّعبِيّ: عِيَادَة النوكى أَشد على الْمَرِيض من وَجَعه 414. وَقَالَ أَبُو بكر بن عبد الله لقوم عادوه فَأَطَالُوا عِنْده الْقعُود: الْمَرِيض يُعَاد وَالصَّحِيح يزار. عزى رجل رجلا فَقَالَ: لَا أَرَاك الله بعد هَذِه الْمُصِيبَة مَا ينسيكها. وعزى رجل الرشيد فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، كَانَ لَك الْأجر لَا بك وَكَانَ العزاء لَك لَا عَنْك. كَانَ يُقَال: لَك ابْنك ريحانك سبعا، وخادمك سبعا، ثمَّ عَدو أَو صديق قَالَ الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان: أفضل الْعِصْمَة أَلا تَجِد. قيل لبَعض الْحُكَمَاء: مَا الشَّيْء الَّذِي لَا يحسن أَن يُقَال وَإِن كَانَ حَقًا؟ فَقَالَ: مدح الْإِنْسَان نَفسه. جلس بعض الزهاد إِلَى تَاجر ليَشْتَرِي مِنْهُ شَيْئا، فَمر بِهِ رجل يعرفهُ، فَقَالَ للتاجر: هَذَا فلَان الزَّاهِد فأرخص مَا تبيعه مِنْهُ. فَغَضب الزَّاهِد وَقَامَ وَقَالَ: إِنَّمَا جِئْنَا لنشتري بدراهمنا لَا بمذاهبنا. قيل لبَعْضهِم: مَا الشَّيْء الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي عَنهُ فِي حَال من الْأَحْوَال؟ فَقَالَ: التَّوْفِيق. قيل لبَعض من يطْلب الْأَعْمَال: مَا تصنع؟ قَالَ: أخدم الرَّجَاء، حَتَّى ينزل الْقَضَاء. قَالَ بَعضهم: أوسع مَا يكون الْكَرِيم مغْفرَة، إِذا ضَاقَتْ بالمذنب المعذرة. قَالَ آخر: أمتع الجلساء الَّذِي إِذا عجبته عجب، وَإِذا فكهته طرب، وَإِذا أَمْسَكت تحدث، وَإِذا فَكرت لم يلمك. قيل لبَعْضهِم: مَتى يحمد الْغنى؟ قَالَ: إِذا اتَّصل بكرم. قيل: فَمَتَى تذم الفطنة؟ قَالَ: إِذا اقترنت بلؤم.

قَالَ بَعضهم: ستر مَا عاينته أحسن من إِشَاعَة مَا ظننته. قيل لجميل بن مرّة: مذ كم هجرت النَّاس قَالَ: مذ خمسين سنة. قيل لَهُ: لم ذَاك؟ قَالَ: صحبتهم أَرْبَعِينَ سنة، فَلم أر فيهم غافراً لزلة وَلَا راحماً لعبرة، وَلَا مقيلاً لعثرة، وَلَا ساتراً لعورة، وَلَا حَافِظًا لخلة، وَلَا صَادِقا فِي مَوَدَّة، وَلَا رَاعيا لزمام حُرْمَة، وَلَا صَادِقا فِي خَبره، وَلَا عادلاً فِي حُكُومَة؛ فَرَأَيْت الشّغل بهم حمقاً، والانقطاع عَنْهُم رشدا. كَانَ بَعضهم يَقُول: اللَّهُمَّ احفظني من أصدقائي. فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: إِنِّي حَافظ نَفسِي من أعدائي. قَالَ آخر: إساءة المحسن أَن يمنعك جدواه، وإحسان الْمُسِيء أَن يكف عَنْك أَذَاهُ. قيل لعبد الله بن الْمُبَارك: مَا التَّوَاضُع؟ قَالَ: التكبر على المتكبرين. قيل: من لَا ينفذ تدبيرك عَلَيْهِ فِي إذلاله، فتوفر على توخي إجلاله. قَالَ الشَّافِعِي: مَا رفعت أحدا فَوق مَنْزِلَته إِلَّا حط مني بِقدر مَا رفعت مِنْهُ. قَالَ الْمسيب بن وَاضح: صَحِبت ابْن الْمُبَارك مقدمه من الْحَج فَقَالَ لي: يَا مسيب، مَا أَتَى فَسَاد الْعَامَّة إِلَّا من قبل الْخَاصَّة. قلت: وَكَيف ذَاك رَحِمك الله؟ قَالَ: لِأَن أمة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام على طَبَقَات خمس: فالطبقة الأولى هم الزهاد، وَالثَّانيَِة الْعلمَاء، وَالثَّالِثَة الْغُزَاة، وَالرَّابِعَة التُّجَّار وَالْخَامِسَة الْوُلَاة. فَأَما الزهاد فهم مُلُوك هَذِه الْأمة، وَأما الْعلمَاء فهم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء، وَأما الْغُزَاة فهم أسياف الله عز وَجل، وَأما التُّجَّار فهم الْأُمَنَاء، وَأما الْوُلَاة فهم الرُّعَاة. فَإِذا كَانَ الزَّاهِد طامعاً فالتائب بِمن يَقْتَدِي؟ وَإِذا كَانَ الْعَالم رَاغِبًا فالجاهل بِمن يَهْتَدِي؟ وَإِذا كَانَ الْغَازِي مرائياً فَمَتَى يظفر بالعدو؟ وَإِذا كَانَ التَّاجِر خائناً فعلام يؤتمن الخونة! وَإِذا كَانَ الرَّاعِي ذئباً فالشاة من يحفظها؟ قَالَ الْحُكَمَاء: خَمْسَة لَا تتمّ إِلَّا لقرنائها 415: الْجمال لَا يتم إِلَّا بالحلى، والحسب لَا يتم إِلَّا بالأدب، والغنى لَا يتم إِلَّا بالجود، والبطش لَا يتم إِلَّا بالجرأة، وَالِاجْتِهَاد لَا يتم إِلَّا بالتوفيق.

قيل لبَعْضهِم: مَتى تطيعك الدُّنْيَا؟ قَالَ: إِذا عصيتها. قَالَ آخر: رب مغبوط بِنِعْمَة هِيَ داؤه، وَرب مَحْسُود على حَال هِيَ بلاؤه، وَرب مَرْحُوم من سقم هُوَ شفاؤه. قَالُوا: إِذا أَرَادَ الله أَن يُسَلط على عَبده عدوا لَا يرحمه سلط عَلَيْهِ حَاسِدًا. وَكَانَ يُقَال فِي الدُّعَاء على الرجل: طَلَبك من لَا يقصر دون الظفر، وحسدك من لَا ينَام دون الشَّقَاء. قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب: إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا زهده فِي الدُّنْيَا وفقهه فِي الدّين، وبصره عيوبه. قَالَ مَالك بن دِينَار: من طلب الْعلم لنَفسِهِ فالقليل يَكْفِي، وَمن طلبه للنَّاس فحوائج النَّاس كَثِيرَة. قَالَ رجل لآخر: إِنِّي أَتَيْتُك فِي حَاجَة فَإِن شِئْت قضيتها وَكُنَّا جَمِيعًا كريمين، وَإِن شِئْت منعتها وَكُنَّا جَمِيعًا لئيمين. قَالَ بعض النساك: قد أعياني أَن أنزل على رجل يعلم أَنِّي لَا آكل من رزقه شَيْئا. قيل: مثل شرب الدَّوَاء مثل الصابون للثوب ينقيه وَلَكِن يخلقه. كَانَ يُقَال: النّظر يحْتَاج إِلَى الْقبُول، والحسب إِلَى الْأَدَب، وَالسُّرُور إِلَى الْأَمْن، والقربى إِلَى الْمَوَدَّة، والمعرفة إِلَى التجارب، والشرف إِلَى التَّوَاضُع والنجدة إِلَى الْجد. قَالَ بَعضهم: أَعْنَاق الْأُمُور تشابه فِي الغيوب؛ قرب مَحْبُوب فِي مَكْرُوه ومكروه فِي مَحْبُوب. وَكم من مغبوط بِنِعْمَة هِيَ داؤه، ومرحوم من دَاء فِيهِ شفاؤه. وَقيل: رب خير فِي شَرّ، ونفع فِي ضرّ.

قَالَ ابْن المقفع: الْحَسَد خلق دني، وَمن دناءته أَنه يُوكل بالأقرب فَالْأَقْرَب. قَالَ قَتَادَة: لَو كَانَ أحد مكتفياً من الْعلم لاكتفى نَبِي الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِذْ قَالَ: " هَل أتبعك على أَن تعلمن وَمِمَّا علمت رشدا ". قَالَ دَغْفَل بن حَنْظَلَة: إِن للْعلم أَرْبعا: آفَة ونكداً وإضاعة واستجاعة فآفته النسْيَان، ونكده الْكَذِب، وإضاعته وَضعه فِي غير مَوْضِعه، واستجاعته أَنَّك لَا تشبع مِنْهُ. قَالَ أَبُو عُثْمَان الجاحظ: وَإِنَّمَا عَابَ الاستجاعة لِأَن الروَاة شغلوا عقولهما بالازدياد وَالْجمع عَن تحفظ مَا قد حصلوه، وتدبر مَا قد دونوه. قَالَ بَعضهم: عِيَادَة النوكى الْجُلُوس فَوق الْقدر، والمجيء فِي غير وَقت. قَالَ أَكْثَم بن صَيْفِي: مَا أحب أَن أكفى كل أَمر الدُّنْيَا. قَالُوا: وَإِن أسمنت وألبنت؟ قَالَ: نعم. أكره عَادَة الْعَجز. قَالَ أَبُو عُثْمَان: كتب شيخ من أهل الرّيّ على بَاب دَاره: جزى الله من لَا يعرفنا وَلَا نعرفه خيرا، فَأَما أصدقاؤنا الْخَاصَّة فَلَا جزاهم الله خيرا؛ فَإنَّا لم نُؤْت قطّ إِلَّا مِنْهُم. قيل لرجل من أهل الْبَصْرَة: مَالك لَا ينمى مَالك؟ قَالَ: لِأَنِّي اتَّخذت الْعِيَال قبل المَال، وَاتخذ النَّاس المَال قبل الْعِيَال. كَانَ خَالِد بن صَفْوَان يكره المزاح وَيَقُول: يُصِيب أحدهم أَخَاهُ ويصكه بأشد من الْحَدِيد، وأصلب من الجندل، ويفرغ عَلَيْهِ أحر من الْمرجل ثمَّ يَقُول إِنَّمَا مازحته. قَالَ إِبْرَاهِيم المحلمي: فِيك حِدة. فَقَالَ: أسْتَغْفر الله مِمَّا أملك وأستصلحه مَا لَا أملك. قيل لرجل: إِن فلَانا يشتمك. قَالَ: هُوَ فِي حل. قيل لَهُ: تحله وَقد

شتمك؟ فَقَالَ: مَا أحب أَن أثقل ميزاني بأوزار إخْوَانِي. قَالَ الغاضري: أَعْطَانَا الْمُلُوك الْآخِرَة طائعين، وأعطيناهم الدُّنْيَا كارهين. قَالَ بَعضهم: الصَّبْر عَن النِّسَاء أيسر من الصَّبْر عَلَيْهِنَّ. ذكرت الْعَامَّة للأوزاعي فَقَالَ: هِيَ كالبحر، إِذا هاج لم يسكنهُ إِلَّا الله. قَالَ بَعضهم لصَاحب لَهُ: إِذا كنت لَا ترْضى مني بالإساءة فَلم رضيت من نَفسك بالمكافأة؟ . قَالَ بَعضهم: كل شَيْء يحْتَاج إِلَى الْعقل، وَالْعقل يحْتَاج إِلَى التجربة. قيل لبَعْضهِم: مَا الصدْق؟ قَالَ: اسْم لَا يُوجد مَعْنَاهُ. كَانَ يُقَال: طول اللِّحْيَة أَمَان من الْعقل. قَالُوا: إِذا قعدت وَأَنت صَغِير حَيْثُ تحب، قعدت وَأَنت كَبِير حَيْثُ تكره. قَالَ بَعضهم: شَرّ المَال مَا لزمك إِثْم مكسبه، وَحرمت لَذَّة إِنْفَاقه. قيل للعتابي: مَا الْمُرُوءَة؟ فَقَالَ: ترك اللَّذَّة. قيل: فَمَا اللَّذَّة؟ قَالَ: ترك الْمُرُوءَة. قيل لصوفي: كَيفَ أَنْت؟ قَالَ: طلبت فَلم أرزق، وَحرمت فَلم أَصْبِر. قَالَ أَحْمد بن المعذل لِأَخِيهِ عبد الصَّمد: أَنْت كالإصبع الزَّائِدَة إِن تركت شانت، وَإِن قطعت آلمت. قَالَ بَعضهم: إِن الْغنى والعز خرجا يجولان فلقيا القناعة فاستقرا. قَالَ بَعضهم: أَنا بِالصديقِ آنس مني بالأخ. فَقَالَ لَهُ ابْن المقفع: صدقت:

الصّديق نسيب الرّوح، وَالْأَخ نسيب الْجِسْم. قَالَ أَبُو الْعَالِيَة الريَاحي: إِذا دخلت الْهَدِيَّة صر الْبَاب وضحكت الأسكفة. قَالُوا: جِزْيَة الْمُؤمن كِرَاء منزله، وعذابه سوء خلق امْرَأَته. سمع رجل رجلا يَقُول لصَاحبه: لَا أَرَاك الله مَكْرُوها. فَقَالَ: كَأَنَّك دَعَوْت على صَاحبك بِالْمَوْتِ. أما مَا صَاحب صَاحبك الدُّنْيَا فَلَا بُد لَهُ من أَن يرى مَكْرُوها. قَالَ معن بن زَائِدَة: مَا أَتَانِي رجل قطّ فِي حَاجَة فرددته عَنْهَا إِلَّا تبين لي غناهُ عني إِذا أدبر. قَالَ بعض الصُّوفِيَّة: بالخلق يُسْتَفَاد الْكَوْن، وبالخلق يُسْتَفَاد الْخلد. أَرَادَ ملك سفرا فَقَالَ: لَا يصحبني ضخم جبان، وَلَا حسن الْوَجْه لئيم، وَلَا صَغِير رغيب. نظر أَعْرَابِي إِلَى خَالِد بن صَفْوَان وَهُوَ يتَكَلَّم فَقَالَ: كَيفَ لم يسد هَذَا مَعَ بَيَانه؟ فَقَالَ خَالِد: منعتم مَالِي، وكرهت السَّيْف. يُقَال: الْوَعْد وَجه والإنجاز محاسنه. قَالُوا: الْهَالِك على الدُّنْيَا رجلَانِ: رجل نافس فِي عزها، وَرجل أنف من ذلها. قَالَ مَيْمُون: الطَّالِب فِي حِيلَة، وَالْمَطْلُوب فِي غَفلَة، وَالنَّاس مِنْهُمَا فِي شغل. كَانَ ابْن السماك يَقُول: دلا أَدْرِي أأوجر على ترك الْكَذِب أم لَا لِأَنِّي أتركه أَنَفَة. قيل: إِن الرمد لَا يُعَاد، وَالسَّبَب فِيهِ أَلا يرَاهُ العواد وَمَا فِي منزله وَهُوَ لَا يراهم.

قَالَ ابْن شهَاب: لَيْسَ بِكَذَّابٍ من دَرأ عَن نَفسه. قَالَ الْحجَّاج لِابْنِ قَرْيَة: مَا الأرب؟ قَالَ: الصَّبْر على كظم الغيظ حَتَّى تمكن الفرصة. قَالُوا: ثَلَاث لَا غربَة مَعَهُنَّ: مجانبة الريب، وَحسن الْأَدَب، وكف الْأَذَى. وَكَانَ يُقَال: عَلَيْكُم بالأدب، فَإِنَّهُ صَاحب فِي السّفر، ومؤنس فِي الْوحدَة، وجمال فِي المحفل، وَسبب إِلَى طلب الْحَاجة. قَالَ عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة: مَا أحسن الْحَسَنَات فِي آثَار السَّيِّئَات، وأقبح السَّيِّئَات فِي آثَار الْحَسَنَات، وأقبح من هَذَا وَأحسن من ذَاك السَّيِّئَات فِي آثَار السَّيِّئَات، والحسنات فِي آثَار الْحَسَنَات. قَالَ أَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ: الْمَسَاجِد مجَالِس الْكِرَام. قيل: الْمِنَّة 417 تهدم الصنيعة. وَكَانَ يُقَال: كتمان الْمَعْرُوف من الْمُنعم عَلَيْهِ كفر لَهُ، وَذكره من الْمُنعم تكدير لَهُ. كَانَ مَالك بن دِينَار يَقُول: مَا أَشد فطام الْكَبِير! كَانَ يُقَال: أنعم النَّاس عَيْشًا من عَاشَ فِي عيشة غَيره. قَالَ رجل لرجل من قُرَيْش: وَالله مَا أمل الحَدِيث. فَقَالَ: إِنَّمَا يمل الْعَتِيق. يرْوى عَن أَسمَاء بن خَارِجَة أَنه قَالَ: لَا أشاتم رجلا وَلَا أرد سَائِلًا، فَإِنَّمَا هُوَ كريم أَسد خلته، أَو لئيم أشترى عرضي مِنْهُ. كَانَ ابْن شبْرمَة إِذا نزلت بن نازلة قَالَ: سَحَابَة ثمَّ تتقشع. كَانَ يُقَال: أَربع من كنوز الْجنَّة: كتمان الْمُصِيبَة، وكتمان الصَّدَقَة، وكتمان الْفَاقَة: وكتمان الوجع. قيل: لَيْسَ للجوج تَدْبِير، وَلَا لسيىء الْخلق عَيْش، وَلَا لمتكبر صديق والْمنَّة تفْسد الصنيعة. كَانَ يُقَال: لَا يَنْبَغِي لعاقل أَن يشاور وَاحِدًا من خَمْسَة: الْقطَّان والغزال

والمعلم وراعي الضَّأْن وَلَا الرجل الْكثير المحادثة للنِّسَاء. وَقيل فِي مثل هَذَا: لَا تدع أم صبيك تضربه؛ فَإِنَّهُ أَعقل مِنْهَا وَإِن كَانَ طفْلا. قَالَ رجل لِابْنِ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: مَا ترك لَك أَبوك؟ قَالَ: ترك لي مَالا كثيرا. فَقَالَ: لَا أعلمك شَيْئا هُوَ خير لَك مِمَّا ترك أَبوك؟ إِنَّه لَا مَال لعاجز، وَلَا ضيَاع على حَازِم، وَالرَّقِيق جمال وَلَيْسَ بِمَال، فَعَلَيْك من المَال بِمَا يعولك وَلَا تعوله. وَقيل الخريم الناعم: مَا النِّعْمَة؟ فَقَالَ: الْأَمْن؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لخائف عَيْش؛ والغنى؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لفقير عَيْش. وَالصِّحَّة؛ فَإِنَّهُ لسقيم عَيْش قيل: ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ: لَا مزِيد بعْدهَا. قيل: خير الْكَلَام مَا أغْنى اختصاره عَن إكثاره. قيل: النمام سهم قَاتل. أَرَادَ رجل الْحَج، فَأتى شُعْبَة بن الْحجَّاج فودعه فَقَالَ لَهُ شُعْبَة: أما إِنَّك إِن لم ترى الْحلم ذلاً، والسفه أنفًا سلم حجك. روى عَن بعض الْأَئِمَّة أَنه قَالَ: الْإِنْصَاف رَاحَة، والإلحاح قحة، وَالشح شناعة، والتواني إِضَاعَة، وَالصِّحَّة بضَاعَة، والخيانة وضاعة، والحرص مفقرة، والدناءة محقرة، وَالْبخل غل، والفقر ذل، والسخاء قربَة، واللؤم غربَة، والذلة استكانة، وَالْعجز مهانة، وَالْأَدب رياسة، والحزم كياسة، وَالْعجب هَلَاك، وَالصَّبْر ملاك، والعجلة زلل، والإبطاء ملل. ثَلَاثَة أَشْيَاء لَا ثبات لَهَا: المَال فِي يَد من يبذر، وسحابة الصَّيف، وَغَضب العاشق. قيل للشبلي: مَا الْفرق بَين رق الْعُبُودِيَّة ورق الْمحبَّة؟ فَقَالَ: كم بَين عبد

إِذا أعتق صَار حرا، وَبَين عبد كل مَا أعتق ازْدَادَ رقا. قَالُوا: الزَّاهِد فِي الدِّينَار وَالدِّرْهَم أعز من الدِّينَار وَالدِّرْهَم. وَقيل لمُحَمد بن وَاسع: كَيفَ أَنْت؟ قَالَ: كَيفَ أكون، وَأَنا إِذا كنت فِي الصَّلَاة فَدخل إِنْسَان غَنِي أوسع لَهُ بِخِلَاف مَا أوسع للْفَقِير. سُئِلَ بَعضهم: أَيّمَا أَحْمد فِي الصَّبِي الْحيَاء أم الْخَوْف؟ فَقَالَ: الْحيَاء لِأَن الْحيَاء يدل على عقل وَالْخَوْف يدل على جبن. قَالُوا: رب حَرْب جنيت بِلَفْظِهِ، وَرب ود غرس بلحظة. شكا رجل إِلَى بشر بن الْحَارِث كَثْرَة الْعِيَال فَقَالَ لَهُ: فرغك فَلم تشكره، فعاقبك بِالشغلِ. كَانَ يُقَال: إِذا تزوج الرجل فقد ركب الْبَحْر، فَإِن ولد لَهُ فقد كسر بِهِ. قَالَ يُونُس بن عبيد: مَا سَمِعت بِكَلِمَات أحسن من كَلِمَات ثَلَاث قالهن ابْن سِيرِين ومورق الْعجلِيّ وَحسان بن أبي سِنَان أما ابْن سِيرِين فَقَالَ: مَا حسدت على شَيْء قطّ، وَأما مُورق فَقَالَ: 418 مَا قلت فِي الْغَضَب شَيْئا فندمت عَلَيْهِ فِي الرِّضَا. وَأما حسان فَقَالَ: مَا شَيْء أَهْون من الْوَرع؛ إِذا رَابَك شَيْء فَدَعْهُ. قَالَ ابْن مسعر: كنت أَمْشِي مَعَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَسَأَلَهُ سَائل؛ فَلم يكن مَعَه مَا يُعْطِيهِ، فَبكى فَقلت لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّد؛ مَا يبكيك؟ قَالَ: وَأي مُصِيبَة أعظم من أَن يؤمل فِيك رجل خيرا فَلَا يُصِيبهُ مِنْك. قَالَ: كفى نصرا لمُؤْمِن أَن يرى عدوه يعْمل بمعاصي الله.

قيل: ثَلَاثَة تعرض فِي الأحمق: سرعَة الْجَواب، وَكَثْرَة الِالْتِفَات، والثقة بِكُل أحد. قيل: صَلَاح كل ذِي نعْمَة فِي خلاف مَا فسد عَلَيْهِ. قيل لبَعْضهِم: كم آكل؟ قَالَ: فَوق الشِّبَع. قَالَ: فكم أضْحك قَالَ: حَتَّى يسفر وَجهك وَلَا يسمع صَوْتك. قَالَ: فكم أبْكِي قَالَ: لَا تمل أَن تبْكي من خشيَة الله. قَالَ: فكم أُخْفِي من عَمَلي؟ قَالَ: حَتَّى يرى النَّاس أَنَّك لَا تعْمل حَسَنَة. قَالَ: فكم أظهر من عَمَلي؟ قَالَ: حَتَّى يَقْتَدِي بك الْبر ويؤمن عَلَيْك قَول النَّاس. الْعُزْلَة عَن النَّاس توفر الْعرض، وتبقي الْجَلالَة، وتستر الْفَاقَة وترفع مُؤنَة الْمُكَافَأَة. وَنعم صومعة الرجل بَيته، يكف فِيهِ سَمعه وبصره وَلسَانه ويقل فكره. أنعم النَّاس عَيْشًا من تحلى بالعفاف، ورضى بالكفاف وَتجَاوز مَا يخَاف إِلَى مَالا يخَاف. قيل لرجل: مَا السَّيِّد فِيكُم؟ قَالَ: الْبَاذِل لنداه، الْكَاف لأذاه، النَّاصِر لمَوْلَاهُ. قيل: التَّوَاضُع نعْمَة لَا يفْطن لَهَا الْحَاسِد. قَالَ خَالِد بن صَفْوَان: يَنْبَغِي للعاقل أَن يمْنَع معروفه الْجَاهِل واللئيم وَالسَّفِيه؛ أم الْجَاهِل فَلَا يعرف الْمَعْرُوف وَالشُّكْر، وَأما اللَّئِيم فأرض سبخَة لَا تنْبت وَلَا تصلح، وَأما السَّفِيه فَإِنَّهُ يَقُول: أَعْطَانِي فرقا من لساني. خير الْعَيْش مَالا يُطْغِيك وَلَا يُلْهِيك. قَالَ سعيد بن عبد الْعَزِيز: مَا ضرب الْعباد بِسَوْط أوجع من الْفقر. قَالَ فَيْرُوز بن حُصَيْن: إِذا أَرَادَ الله تَعَالَى أَن يزِيل عَن عبد نعْمَة كَانَ أول مَا يُغير مِنْهُ عقله. قيل لمُحَمد بن كَعْب الْقرظِيّ: مَا عَلامَة الخذلان؟ قَالَ: أَن يستقبح الْمَرْء من الْأَمر مَا كَانَ عِنْده حسنا ويستحسن مَا كَانَ عِنْده قبيحاً.

قَالَ شيخ من أهل الْمَدِينَة: المعرض بِالنَّاسِ أتقي صَاحبه وَلم يتق ربه. قيل لشيخ هم أَي شَيْء تشْتَهي؟ قَالَ: أسمع الْأَعَاجِيب. قَالُوا: عشر خِصَال فِي عشرَة أَصْنَاف أقبح مِنْهَا فِي غَيرهم: الضّيق فِي الْمُلُوك والغدر فِي الْأَشْرَاف، وَالْكذب فِي الْقَضَاء، والخديعة فِي الْعلمَاء، وَالْغَضَب فِي الْأَبْرَار، والحرص فِي الْأَغْنِيَاء، السَّفه فِي الشُّيُوخ وَالْمَرَض فِي الْأَطِبَّاء والتهزي فِي الْفُقَرَاء، وَالْفَخْر فِي الْقُرَّاء. قَالَ ابْن أبي ليلى: لَا أماري أخي فَأَما أَن أكذبه أَو أغضبهُ. قَالَ حضين بن الْمُنْذر: لَوَدِدْت أَن لي أساطين مَسْجِد الْجَامِع ذَهَبا وَفِضة لَا أنتفع مِنْهُ بِشَيْء. قيل لَهُ: لما يَا أَبَا ساسان؟ قَالَ: يخدمني وَالله عَلَيْهِ موقان الرِّجَال. قَالَ بَعضهم: خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فِي خَصْلَتَيْنِ: التقي والغني. وَشر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة خَصْلَتَيْنِ: الْفُجُور والفقر. سُئِلَ بعض الْحُكَمَاء: أَي النَّاس أَحَق أَن يتقى؟ قَالَ: الْعَدو وَالْقَوِي، وَالصديق المخادع، وَالسُّلْطَان والغشوم. قيل لرجل: مَا أذهب مَالك؟ فَقَالَ: شرائي مَا لَا أحتاج إِلَيْهِ، وبيعي على الضَّرُورَة. عَاد قوم أَعْرَابِيًا 416 وَقد بلغ مائَة وَخمسين سنة. فَسَأَلُوهُ عَن سنه فَأخْبرهُم فَقَالَ بَعضهم: عمر وَالله. فَقَالَ الشَّيْخ: لَا نقل ذَاك، فوَاللَّه لَو استكملتها لاستقللتها. قَالُوا: أَصْبِر النَّاس الَّذِي لَا يفشي سره إِلَى صديقه مَخَافَة أَن يَقع بَينهمَا شَيْء فيفشيه. قَالُوا: ثَمَانِيَة إِذا أهينوا فَلَا يلوموا إِلَّا أنفسهم: الْآتِي طَعَاما لم يدع إِلَيْهِ

والمتآمر على رب الْبَيْت فِي بَيته، وطالب الْمَعْرُوف من غير أَهله، وراجي الْفضل من اللئام، والداخل بَين اثْنَيْنِ لم يدْخلَاهُ، والمستخف بالسلطان، والجالس مَجْلِسا لَيْسَ لَهُ بِأَهْل، والمقبل بحَديثه على من لَا يسمعهُ. قَالُوا: ثَمَرَة القناعة الرَّاحَة، وَثَمَرَة التَّوَاضُع الْمحبَّة، وَثَمَرَة الصَّبْر الظفر. قَالَ بَعضهم: نَحن فِي دهر الْإِحْسَان فِيهِ من الْإِنْسَان زلَّة، والجميل غَرِيب، وَالْخَيْر بِدعَة، والشفقة ملق، وَالدُّعَاء صلَة، وَالثنَاء خداع، وَالْأَدب مَسْأَلَة، وَالْعلم شبكة، وَالدّين تلبيس، وَالْإِخْلَاص رِيَاء، وَالْحكمَة سفه، وَالْقَوْل هذر، والإطراق ترهب، وَالسُّكُوت نفاق، والبذل مُكَافَأَة، وَالْمَنْع حزم، والإنفاق تبذير. جلس رجل إِلَى سهل بن هَارُون فَجعل يسمعهُ كلَاما سخيفاً من صنوف الْهزْل، فَقَالَ لَهُ: تَنَح عني؛ فَإِنَّهُ لَا شَيْء أميل إِلَى ضِدّه من الْعقل. قيل لبَعض الْعلمَاء: أَي علق أنفس؟ فَقَالَ: عقل صرف إِلَيْهِ حَظّ. قَالُوا: الِاعْتِبَار يفيدك الرشاد؛ وَكَفاك أدباً لنَفسك مَا كرهت من غَيْرك. الْجزع من أعوان الزَّمَان. الْجُود حارس الْأَعْرَاض. وَالْعَفو زَكَاة الْقلب. اللطافة فِي الْحَاجة أجدى من الْوَسِيلَة. من أشرف أَفعَال الْكَرِيم غفلته عَمَّا يعلم. احْتِمَال نخوة الشّرف أَشد من احْتِمَال بطر الْغنى وذلة الْفقر مَانِعَة من الصَّبْر، كَمَا أَن عز الْغنى مَانع من كرم الْإِنْصَاف إِلَّا لمن كَانَ فِي غريزته فضل قُوَّة أَو أعراق تنازعه إِلَى بعد الهمة. قيل لبَعْضهِم: من أبعد النَّاس سفرا؟ قَالَ: من كَانَ فِي طلب صديق يرضاه. قَالَ يُونُس بن عبيد: أعياني شَيْئَانِ: دِرْهَم حَلَال وَأَخ فِي الله. قَالَ الْأَصْمَعِي: كل امْرِئ كَانَ ضره خَاصّا فَهُوَ نعْمَة عَامَّة، وكل امْرِئ كَانَ نَفعه خَاصّا فَهُوَ بلَاء عَام. استشارة الْأَعْدَاء من بَاب الخذلان.

قَالُوا: إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد هَلَاكًا أهلكه بِرَأْيهِ، وَمَا اسْتغنى أحد عَن المشورة إِلَّا هلك. قَالَ أَكْثَم بن صَيْفِي: الْحر لَا يكون صريع بَطْنه وَلَا فرجه. قيل: سِتّ خِصَال تعرف فِي الْجَاهِل: الْغَضَب من غير شَيْء، وَالْكَلَام من غير نفع، والعطية فِي غير مَوضِع، وَلَا يعرف صديقه من عدوه، وإفشاء السِّرّ، والثقة بِكُل أحد. قَالَ مُحَمَّد بن وَاسع: إِنِّي لأغبط الرجل لَيْسَ لَهُ شَيْء وَهُوَ رَاض عَن الله. قَالُوا: سوء الْعَادة كمين لَا يُؤمن. الْعَادة طبيعة ثَانِيَة. التجني وَافد القطيعة. مِنْك من نهاك، وَلَيْسَ مِنْك من أغراك. ياعجبا من غَفلَة الحساد عَن سَلامَة الأجساد. من سَعَادَة الْمَرْء أَن يطول عمره وَيرى فِي عدوه مَا يسره. تورث الضغائن كَمَا تورث الْأَمْوَال. كم من عَزِيز أذله خرقه، وعزيز أذله خلقه. لَا يصلح اللَّئِيم لأحد وَلَا يَسْتَقِيم إِلَّا من فرق أَو حَاج؛ فَإِذا اسْتغنى أَو ذهبت الْهَيْئَة عَاد إِلَى جوهره. ثَلَاثَة فِي الْمجْلس لَيْسُوا فِيهِ: الْمُسِيء الظَّن بأَهْله 420 والضيق الْخُف، والحافر. قيل لبَعْضهِم: مَا أبقى الْأَشْيَاء فِي أنفس النَّاس؟ قَالَ: أما فِي أنفس الْعلمَاء فالندامة على الذُّنُوب، وَأما فِي أنفس السُّفَهَاء فالحقد. إِذا انْقَضى ملك الْقَوْم جبنوا فِي آرائهم. الضَّعِيف المحترس من الْعَدو الْقوي أقرب إِلَى السَّلامَة من الْقوي المغتر بالعدو الضَّعِيف.

الْحزن سوء استكانة وَالْغَضَب لؤم قدرَة. كل مَا يُؤْكَل ينتن، وكل مَا يُوهب يأرج. لَا يصعب على القوى حمل، وَلَا على اللبيب عمل، وَلَا على المتواضع أحد. الطرش فِي الْكِرَام، والهوج والشجاعة فِي الطوَال، والكيس فِي الْقصار والملاحة فِي الْحول، والنبل فِي الربعة، والذكاء فِي الخرس، وَالْكبر فِي العور، والبهت فِي العميان. بالكلفة يكْتَسب الأصدقاء وَبِكُل شَيْء يُمكن اكْتِسَاب الْأَعْدَاء. أفقر النَّاس أَكْثَرهم كسباً من حرَام؛ لِأَنَّهُ اسْتَدَانَ بالظلم مَا لَا بُد لَهُ من رده، وأنفد فِي اكتسابه أَيَّام عمره، وَمنعه فِي حَيَاته من حَقه، وَكَانَ خَازِنًا لغيره، وَاحْتمل الدّين على ظَهره، وطولب بِهِ فِي حِين فقره. الْأُم النَّاس من سعى بِإِنْسَان ضَعِيف إِلَى سُلْطَان جَائِر أعْسر الْحِيَل تَصْوِير الْبَاطِل فِي صُورَة الْحق عِنْد الْعَاقِل الْمُمَيز. الرِّيبَة ذل حَاضر، والغيبة لؤم بَاطِن. الْقلب الفارغ يبْحَث عَن السوء، وَالْيَد الفارغة تنَازع إِلَى الْإِثْم. لَا يصرف الْقَضَاء إِلَّا خَالق الْقَضَاء. لَا كثير مَعَ إِسْرَاف، وَلَا قَلِيل مَعَ احتراف، وَلَا ذَنْب مَعَ اعْتِرَاف. من كل شَيْء يقدر أَن يحفظ الْجَاهِل إِلَّا من نَفسه. المتعبد على غير فقه كحمار الرَّحَى يَدُور وَلَا يبرح. الْمحرم من طَال نَصبه، وَكَانَ لغيره مكسبه. كَيفَ يحب الدُّنْيَا من تغره، وتسوئه أَكثر مِمَّا تسرهُ.

مَعَ العجلة الخطار، وَرُبمَا خطئَ المخاطر بِالْقضَاءِ. شَرّ أَخْلَاق الرِّجَال الْبُخْل والجبن وهما خير أَخْلَاق النِّسَاء. إِذا جَاءَ زمَان الخذلان انعكست الْعُقُول. سَعَة السمحاء أحد الخصبين، وَكَثْرَة المَال عِنْد البخلاء أصعب الجدبين. من سوء الْأَدَب مؤانسة من احتشمك، وكشف خلة من سترهَا عنْدك، والنزوع إِلَى مشورة لم تدع إِلَيْهَا. قَالَ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ: نعم الْقَوْم السُّؤَال؛ يدقون أبوابكم وَيَقُولُونَ: هَل توجهون إِلَى الْآخِرَة شَيْئا بِشَيْء؟ فِي الِاعْتِبَار غنى عَن الاختبار. غيظ الْبَخِيل على الْجواد أعجب من بخله. أذلّ النَّاس معتذر إِلَى لئيم. أَشْجَع النَّاس أثبتهم عقلا فِي بداهة الْخَوْف. قَالَ مطرف: المعاذر، والمعاتب مغاضب. قَالَ بَعضهم: الْمُرُوءَة يَهْدِمهَا الْيَسِير، لَا يبنيها إِلَّا الْكثير. قَالَ ابْن المقفع: الْمُرُوءَة بِلَا مَال كالأسد الَّذِي يهاب وَلم يفرس، وكالسيف الَّذِي يخَاف وَهُوَ مغمد، وَالْمَال بِلَا مُرُوءَة كَالْكَلْبِ الَّذِي يجْتَنب عقراً وَلم يعقر. وَقَالَ: اطْلُبُوا الْأَدَب؛ فَإِن كُنْتُم ملوكاً برزتم، وَإِن كُنْتُم وسطا فقتم وَإِن أعوزتم الْمَعيشَة عشتم بأدبكم. وَقَالَ أَبُو الْأسود: لَيْسَ شَيْء أعز من الْعلم، والملوك حكام على النَّاس وَالْعُلَمَاء حكام على الْمُلُوك.

وَقَالَ بَعضهم: لَا يَنْبَغِي للعاقل أَن يكون إِلَّا فِي إِحْدَى منزلتين: إِمَّا فِي الْغَايَة القصوى من مطَالب الدُّنْيَا، وَإِمَّا فِي غَايَة القصوى من التّرْك لَهَا. من أفضل أَعمال الْبر الْجُود 421 فِي الْعسرَة، والصدق فِي الْغَضَب، وَالْعَفو عِنْد الْقُدْرَة. الْبُخْل خير من الْفقر، وَالْمَوْت خير من الْبُخْل. قَالَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ: إِن الله أنعم على الْعباد بِقدر قدرته، وكلفهم من الشُّكْر بِقدر طاقتهم. قَالَ مُحَمَّد بن حَرْب الْهِلَالِي: وجدت الْعَيْش فِي ثَلَاث: فِي صديق لَا يتَعَلَّم فِي صداقتك مَا يرصد بِهِ عداوتك، وَفِي امْرَأَة تسرك إِذا دخلت عَلَيْهَا وَتحفظ غيبك إِذا غبت عَنْهَا، وَفِي مَمْلُوك يَأْتِي على مَا فِي نَفسك كَأَنَّهُ قد علم مَا تُرِيدُ. قَالُوا: تحْتَاج الْقَرَابَة إِلَى مَوَدَّة وَلَا تحْتَاج الْمَوَدَّة إِلَى قرَابَة. مُخَالطَة الأشرار خطر، والصابر على صحبتهم كراكب الْبَحْر الَّذِي إِن سلم بِبدنِهِ من التّلف، لم يسلم بِقَلْبِه من الحذر. لَا يلْعَب الهموم إِلَّا مُرُور الْأَيَّام ولقاء الإخوان. شَرّ النَّاس من ضايق جليسه وَصديقه فِيمَا لَا يضرّهُ وَلَا يَنْفَعهُ. لأخيك عَلَيْك إِذا حزبه أَمر أَن تُشِير عَلَيْهِ بِالرَّأْيِ مَا أطاعك، وتبذل لَهُ النُّصْرَة إِذا عصاك. سُئِلَ خَالِد بن صَفْوَان عَن ابْن لَهُ فَقَالَ: كفاني أَمر دنياي، وفرغني لأمر آخرتي. قَالُوا الْغَيْبَة ربيع اللئام. أطول النَّاس نصبا الْحَرِيص إِذا طمع، والحقود إِذا منع. ثَلَاثَة أَشْيَاء يَنْبَغِي للمرء أَن يدْفع شينها بِمَا قدر عَلَيْهِ: فورة الْغَضَب وكلب الْحِرْص، وَعلل الْبُخْل.

الشريف يقبل دون حَقه، وَيُعْطى فَوق الْحق الَّذِي عَلَيْهِ. من العجيب أَن يفشي الْإِنْسَان سره ويستكتم غَيره. يَنْبَغِي للرجل أَن يكون ضنيناً بِالْكَذِبِ، فَإِن احْتَاجَ إِلَيْهِ نَفعه. الحسود غَضْبَان على الْقدر وَالْقدر لَا يعتبه.

الباب الخامس جنس آخر من الادب والحكم وهو ما جاء لفظه علي لفظ الامر والنهي

الْبَاب الْخَامِس جنس آخر من الْأَدَب وَالْحكم وَهُوَ مَا جَاءَ لَفظه على لفظ الْأَمر وَالنَّهْي كَانَ يُقَال: إِذا غضب الْكَرِيم فألن لَهُ الْكَلَام، وَإِذا غضب اللَّئِيم فَخذ لَهُ الْعَصَا. وَقَالَ بَعضهم: غضب الْعَاقِل فِي فعله، وَغَضب الْجَاهِل فِي قَوْله. قَالَ بَعضهم وَقد رأى رجلا يتَكَلَّم فيكثر: أنصف أذنيك من فمك؛ فَإِنَّمَا جعل لَك أذنان وفم وَاحِد لتسمع أَكثر مِمَّا تَقول. قَالُوا: دع المعاذر فَإِن أَكْثَرهَا مفاجر. وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: دع الِاعْتِذَار فَإِنَّهُ يخالطه الْكَذِب. قَالُوا: مَكْتُوب فِي الْحِكْمَة: اشكر لمن أنعم عَلَيْك، وأنعم على من شكرك. قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: سل مَسْأَلَة الحمقى، واحفظ حفظ الأكياس يَعْنِي الْعلم. قَالُوا: مروا الْأَحْدَاث بالمراء، والكهول بالفكر، والشيوخ بِالصَّمْتِ. وَقَالَ: عود نَفسك الصَّبْر على جليس السوء؛ فَإِنَّهُ لَا يكَاد يخطئك. قَالَ حَاتِم لعدي ابْنه: يَا بني إِنِّي رَأَيْت الشَّرّ يتركك إِن تركته، فَاتْرُكْهُ. وَكَانَ يُقَال: لَا تَطْلُبُوا الْحَاجة إِلَى ثَلَاثَة: إِلَى كذوب، فَإِنَّهُ يقربهَا وَإِن كَانَت

بعيدَة ويباعدها وَهِي قريبَة، وَلَا إِلَى أَحمَق، فَإِنَّهُ يُرِيد أَن ينفعك فيضرك؛ وَلَا إِلَى رجل لَهُ إِلَى صَاحب الْحَاجة حَاجَة، فَإِنَّهُ يَجْعَل حَاجَتك وقاية لِحَاجَتِهِ وَقَالُوا: لَا تصرف 422 حَاجَتك إِلَى من معيشته من رُؤُوس المكاييل وألسنة الموازين. وَكَانَ يُقَال: إياك وَصدر الْمجْلس وَإِن صدرك صَاحبه، فَإِنَّهُ مجْلِس قلعة. قَالُوا: احْذَرُوا صولة الْكَرِيم إِذا جَاع، واللئيم إِذا شبع. قَالَ بَعضهم: سرك دمك، فَلَا تجرينه فِي غير أوداجك. كَانَ يُقَال: إياك وَعزة الْغَضَب، فَإِنَّهَا تصيرك إِلَى ذلة الِاعْتِذَار. قَالَ بَعضهم: إِذا أرْسلت لتأتي ببعر فَلَا تأت بثمر، فيؤكل تمرك، وتعنف على خِلافك. قَالُوا: إِذا وَقع فِي يدك يَوْم السرُور فَلَا تخله فَإنَّك إِذا وَقعت فِي يَد يَوْم الْغم لم يخلك. قَالَ آخر: احفظ سيئك مِمَّن لَا تنشده. أَي مِمَّن تَسْتَحي أَن تسأله عَنهُ. وَمثله لِابْنِ المقفع: احذر من تأمن فَإنَّك مِمَّن تخَاف على حذر. قَالُوا: إِذا أردْت أَن تؤاخي رجلا فَانْظُر من عدوه. وَإِذا أردْت أَن تعادي رجلا فَانْظُر من وليه. قيل: إِذا قلدت أحدا مهما فَعجل لَهُ مَنْفَعَة، وأجمل لَهُ فِي الْعدة، وابسط لَهُ فِي الْمنية. قَالَ بَعضهم: الانقباض من النَّاس مكسبة للعداوة، والانبساط مجلبة لقرين السوء، فَكُن بَين المنقبض والمسترسل؛ فَإِن خير الْأُمُور أوساطها. كَانَ يُقَال: اجْعَل عمرك كَنَفَقَة دفعت إِلَيْك، فَأَنت لَا تحب أَن يذهب مَا تنْفق ضيَاعًا، فَلَا تذْهب عمرك ضيَاعًا.

قيل: من أظهر شكرك فِيمَا لم تأت إِلَيْهِ فاحذر أَن يكفرك فِيمَا أسديت إِلَيْهِ. لَا تستعن فِي حَاجَتك بِمن هُوَ للمطلوب أنصح مِنْهُ لَك. لَا يؤمننك من شَرّ جَاهِل قرَابَة وَلَا إلْف، فَإِن أخوف مَا تكون لحريق النَّار أقرب مَا تكون مِنْهَا. لَا ترفع نَفسك عَن شَيْء قربك إِلَى رئيسك. كن فِي الْحِرْص على تفقد عيبك كعدوك. عَلَيْك بِسوء الظَّن فَإِن أصَاب فالحزم، وَإِن أَخطَأ فالسلامة. رضَا النَّاس غَايَة لَا تدْرك، فتحر الْخَيْر بجهدك، وَلَا تكره سخط من يرضيه الْبَاطِل. إِذا رَأَيْت الرجل على بَاب القَاضِي من غير حَاجَة فاتهمه. رأى رجل ابْنه يماكس فِي ابتياع لحم، فَقَالَ: يَا بني، ساهل فَمَا تضيعه من عرضك أَكثر مِمَّا تناله من غرضك. وَقَالَ بَعضهم: الدّين رق، فَلَا تبذل رقك لمن لَا يعرف حَقك. وَقَالَ بَعضهم: احذر كل الحذر أَن يخدعك الشَّيْطَان فيمثل لَك التواني فِي صُورَة التَّوَكُّل، ويورثك الهوينا بالإحالة على الْقدر، فَإِن الله أمرنَا بالتوكل عِنْد انْقِطَاع الْحِيَل، وبالتسليم للْقَضَاء بعد الْإِعْذَار فَقَالَ: " خُذُوا حذركُمْ. وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة " وَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " اعقل وتوكل ". قَالُوا: لتكن عنايتك بِحِفْظ مَا اكتسبته كعنايتك باكتسابه، وَلَا تصْحَب غَنِيا؛ فَإنَّك إِن ساويته فِي الْإِنْفَاق أضرّ بك، وَإِن تفضل عَلَيْك استذلك. إِذا سَأَلت كَرِيمًا حَاجَة فَدَعْهُ يتفكر؛ فَإِنَّهُ لَا يفكر إِلَّا فِي خير. وَإِذا سَأَلت لئيماً حَاجَة فغافصه وَلَا تَدعه يتفكر فيتغير. وَفِي ضد ذَلِك:

إِذا سَأَلت لئيماً حَاجَة فَأَجله حَتَّى يروض نَفسه. الْعَدو عدوان: عَدو ظلمته، وعدو ظلمك. . فَإِن اضطرك الدَّهْر إِلَى أَحدهمَا فَاسْتَعِنْ بِالَّذِي ظلمك؛ فَإِن الآخر موتور. لَا تستصغرن أَمر عَدوك إِذا حاربته، لِأَنَّك إِن ظَفرت بِهِ لم تحمد، وَإِن ظفر بك لم يعْذر، والضعيف المحترس من الْعَدو الْقوي أقرب إِلَى السَّلامَة من الْقوي 423 المغتر بالضعيف. لَا تصْحَب من تحْتَاج أَن مَا يعرفهُ الله مِنْك. صن الاسترسال مِنْك حَتَّى تَجِد لَهُ مُسْتَحقّا، وَاجعَل أنسك آخر مَا تبذله من ودك. لَا تسل غير الله فَإِنَّهُ إِن أَعْطَاك أَغْنَاك. الصاحب كالرقعة فِي الثَّوْب فالتمسه مشاكلاً. إياك وَكَثْرَة الإخوان؛ فَإِنَّهُ لَا يُؤْذِيك إِلَّا من يعرفك. قَالَ بَعضهم: لَا تسبوا الغوغاء؛ فَإِنَّهُم يطفئون الْحَرِيق، وَيخرجُونَ الغريق؛ ويسدون البثوق. قَالَ ابْن السماك: دع الْيَمين لله إجلالاً، وَلِلنَّاسِ جمالاً، وَاعْلَم أَن الْعَادَات قاهرات، فَمن اعْتَادَ شَيْئا فِي سره فضحه فِي عَلَانِيَته. قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن مُصعب: إِذا كَانَ لَك صديق فَلم تحمد إخاءه ومودته فَلَا تظهر ذَلِك للنَّاس؛ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة السَّيْف الكليل فِي منزل الرجل، ويرهب بِهِ عدوه، وَلَا يعلم الْعَدو أقاطع هُوَ أم كليل. قَالُوا: دع الذُّنُوب قبل أَن تدعك. كَانَ مُعَاوِيَة بن الْحَارِث يَقُول: لَا يطمعن الخب فِي كَثْرَة الصّديق، وَلَا ذُو الْكبر فِي حسن الثَّنَاء.

قيل: من مدحك بِمَا لَيْسَ فِيك فَلَا تأمن بَهته لَك، وَمن أظهر لَك شكر مَا لم تأت فاحذر أَن يكفر نِعْمَتك. قَالَ عبد الحميد: لَا تركب الْحمار؛ فَإِنَّهُ إِن كَانَ فارهاً أتعب يدك، وَإِن كَانَ بليداً أتعب رجلك. كَانَ ابْن المقفع يَقُول: إِذا نزل بك مَكْرُوه فَانْظُر، فَإِن كَانَ لَهُ حِيلَة فَلَا تعجز، وَإِن كَانَ مِمَّا لَا حِيلَة فِيهِ فَلَا تجزع. قَالَ آخر: تصفح طلاب حكمك، كَمَا تتصفح خطاب حَرمك. قَالَ آخر: تعلمُوا الْعلم فَإِنَّهُ زين للغني، وَعون للْفَقِير. إِنِّي لَا أَقُول يطْلب بِهِ وَلَكِن يَدعُوهُ إِلَى القناعة. لَا ترض قَول أحد حَتَّى ترْضى فعله، وَلَا ترض فعل أحد حَتَّى ترْضى عقله، وَلَا ترض عقل أحد حَتَّى ترْضى حياءه؛ فَإِن ابْن آدم مطبوع على كرم ولؤم، فَإِذا قوي الْحيَاء قوي الْكَرم، وَإِذا ضعف الْحيَاء قوي اللؤم. تعلمُوا الْعلم وَإِن لم تنالوا بِهِ حظاً؛ فَلِأَن يذم الزَّمَان لكم أحسن من أَن يذم بكم. اجْعَل سرك إِلَى وَاحِد ومشورتك إِلَى ألف. قَالَ بَعضهم: إِن الله خلق النِّسَاء من عي وعورة؛ فداووا العي بِالسُّكُوتِ واستروا الْعَوْرَة بِالْبُيُوتِ. قَالَ رجل لِابْنِهِ: تزي بزِي الْكتاب، فَإِن فيهم أدب الْمُلُوك، وتواضع السوقة. قَالَ الزُّهْرِيّ: سَمِعت رجلا يَقُول لهشام بن عبد الْملك: لَا تعدن يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عدَّة لَا تثق من نَفسك بإنجازها. وَلَا يغرنك المرتقى السهل إِذا كَانَ المنحدر وعراً. وَاعْلَم أَن للأعمال جَزَاء، فَاتق العواقب، وَأَن للأمور بغتات فَكُن على حذر.

قَالَ آخر: لَا تُجَاهِد الطّلب جِهَاد المغالب، وَلَا تتكل إتكال المستسلم؛ فَإِن ابْتِغَاء الْفضل من السّنة، والإجمال فِي الطّلب من الْعِفَّة. وَلَيْسَت الْعِفَّة بدافعة رزقا، وَلَا الْحِرْص بجالب فضلا. سمع بَعضهم إنْسَانا يتَكَلَّم بِمَا لَا يعنيه فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا إِنَّمَا تملي على حافظيك، وتكتب إِلَى رَبك؛ فَانْظُر على من تملى، وَإِلَى من تكْتب. قَالَ بَعضهم: أقِم الرَّغْبَة إِلَيْك مقَام الْحُرْمَة بك، وَعظم نَفسك عَن التعظم، وتطول وَلَا تتطاول. قَالَ آخر: عاملوا الْأَحْرَار بالكرامة الْمَحْضَة، والأوساط بالرغبة والرهبة والسفل بالهوان. كن لِلْعَدو المكاتم أَشد حذرا مِنْك لِلْعَدو المبارز. قَالَ سلم بن قُتَيْبَة لأهل بَيته: لَا تمازحوا فيستخف بكم السوقة، وَلَا تدْخلُوا 424 الْأَسْوَاق فتدق أخلاقكم وَلَا ترجلوا فيزدريكم أكفاؤكم. قَالَ آخر: احفظ شيئك مِمَّن تستحيي أَن تسأله عَن شَيْء إِن ضَاعَ لَك. إِذا كنت فِي مجْلِس فَلم تكن الْمُحدث وَلَا الْمُحدث فَقُمْ. كَانَ يُقَال: لَا تستصغرن حَدثا من قُرَيْش، وَلَا صَغِيرا من الْكتاب، وَلَا صعلوكاً من الفرسان، وَلَا تصادقن ذِمِّيا وَلَا خَصيا وَلَا مؤنثاً؛ فَإِنَّهُ لَا ثبات لموداتهم. قَالُوا: لَا تدخل فِي مشورتك بَخِيلًا فيقصر بعقلك، وَلَا جَبَانًا فيخوفك مَا لَا يخَاف. وَلَا حَرِيصًا فيعدك مَا لَا يُرْجَى؛ فَإِن الْجُبْن وَالْبخل والحرص طبيعة وَاحِدَة يجمعها سوء الظَّن. قَالَ عون بن عبد الله: لَا تكن كمن تغلبه نَفسه على مَا يظنّ وَلَا يغلبها على مَا يستيقن.

قَالَ رجل لِابْنِهِ: يَا بني؛ اعص هَوَاك وَالنِّسَاء واصنع مَا بدا لَك. كَانَ مَالك بن مسمع إِذا ساره إِنْسَان فِي مَجْلِسه يَقُول: أظهره فَلَو كَانَ خيرا أَو حسنا مَا كتمته. وَكَانَ يُقَال: مَا كنت كاتمه من عَدوك فَلَا تظهر عَلَيْهِ صديقك. قَالَ: كل من الطَّعَام مَا تشْتَهي، والبس من الثِّيَاب مَا يَشْتَهِي النَّاس. قَالُوا فِي الدَّار: لتكن أول مَا يبْتَاع وَآخر مَا يُبَاع. قَالَ الثَّوْريّ: من كَانَ فِي يَده شَيْء فليصلحه، فَإِنَّكُم فِي زمَان إِذا احْتَاجَ الرجل فِيهِ إِلَى النَّاس كَانَ أول مَا يبذله لَهُم دينه. قَالَ الْحر الْعقيلِيّ لِابْنِهِ: إِذا قدمت الْمصر فَاسْتَكْثر من الصّديق، وَأما الْعَدو فَلَا يهمنك. قَالَ ابْن المقفع: ابذل لصديقك دمك وَمَالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك وللعامة بشرك وتحيتك. ولعدوك عدلك وإنصافك. واضنن بِدينِك وعرضك عَن كل حد. وَقَالُوا: رو بحزم، فَإِذا استوضحت فاعزم. قَالَ صعصعة لِابْنِ أَخِيه: إِذا لقِيت الْمُؤمن فخالطه، وَإِذا لقِيت الْفَاجِر فخالفه، وَدينك فَلَا تكلمنه. قَالُوا: لَا تَزَوَّجن حرمتك إِلَّا عَاقِلا؛ إِن أحبها أكرمها، وَإِن أبغضها أنصفها. دخل عبد الْعَزِيز بن زُرَارَة الْكلابِي على مُعَاوِيَة فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ جَالس الألباء أَعدَاء كَانُوا أَو أصدقاء؛ فَإِن الْعقل يَقع على الْعقل. قَالَ أَبُو السَّرَايَا لأبى الشوك غُلَامه: كن بحيلتك أوثق مِنْك بشدتك وبحذرك أفرح مِنْك بنجدتك؛ فَإِن الْحَرْب حَرْب المتهور وغيمة المتحدر. قَالَ بَعضهم: قَرَأت على قَائِم بحمص مَكْتُوبًا: إِذا عز أَخُوك فهن. وَتَحْته مَكْتُوبًا: قَالَ هامان: - وَكَانَ أعلم وأعقل وَأحكم: إِذا عز أَخُوك فأهنه. قَالُوا: النعم وحشية فقيدوها بِالْمَعْرُوفِ.

قَالَ الرّبيع بن زِيَاد: من أَرَادَ النجابة فَعَلَيهِ بالمق الطوَال، وَمن أَرَادَ التَّلَذُّذ فَعَلَيهِ بالقصار؛ فَإِنَّهُنَّ كنائن الْجِمَاع. قَالَ الشَّافِعِي: احذر من تأمنه، فَأَما من تحذره فقد كفيته. وَقَالَ: إِذا أَخْطَأتك الصنيعة إِلَى من يَتَّقِي الله فاصنعها إِلَى من يَتَّقِي الْعَار. قَالَ ابْن السماك: لَا تشتغل بالرزق الْمَضْمُون عَن الْعَمَل الْمَفْرُوض. وَقَالَ عون بن عبد الله: لَا تكن كمن تغلبه نَفسه على مَا يظنّ وَلَا يغلبها على مَا يستيقن. قَالَ ابْن المقفع: إِذا أكرمك النَّاس لمَال أَو سُلْطَان فَلَا يعجبنك ذَلِك؛ فَإِن زَوَال الْكَرَامَة بزوالهما، وَلَكِن ليعجبك إِن أكرموك لأدب أَو دين. كَانَ مطرف يَقُول: انْظُرُوا قوما إِذا ذكرُوا بِالْقِرَاءَةِ لَا تَكُونُوا مِنْهُم، وقوماً إِذا ذكرُوا بِالْفُجُورِ لَا تَكُونُوا مِنْهُم، وَلَكِن كونُوا بَين هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء 425 قَالَ بَعضهم: من سَأَلَك لم يكرم وَجهه عَن مسألتك فَأكْرم وَجهك عَن رده. قَالَ مَيْمُون بن مَيْمُون: لَا تَطْلُبن إِلَى بخيل حَاجَة؛ فَإِن طلبت إِلَيْهِ فَأَجله حَتَّى يروض نَفسه. قَالَ ابْن المقفع: إياك ومشاورة النِّسَاء؛ فَإِن رأيهن إِلَى أفن، وعزمهن إِلَى وَهن، وأكفف عَلَيْهِنَّ من أبصارهن بحجابك إياهن، فَإِن شدَّة الْحجاب خير لَك من الارتياب وَلَيْسَ خروجهن بأشد من دُخُول من لاتثق بِهِ عَلَيْهِنَّ؛ فَإِن اسْتَطَعْت أَن لَا يعرفن غَيْرك افْعَل. وَلَا تملكن امْرَأَة من الْأَمر مَا جَاوز نَفسهَا، فَإِن ذَلِك أنعم لحالها، وأرخى لبالها. وَإِنَّمَا الْمَرْأَة رَيْحَانَة وَلَيْسَت بقهرمانة؛ فَلَا تعد بكرامتها نَفسهَا، وَلَا تعطها أَن تشفع لغَيْرهَا. وَلَا تطل الْخلْوَة مَعَ النِّسَاء فيمللنك وتملهن، واستبق من نَفسك بَقِيَّة؛ فَإِن إمساكك عَنْهُن وَهن يردنك باقتدار خير من أَن يهجمن مِنْك على انكسار. وَإِيَّاك والتغاير فِي غير مَوضِع غيرَة، فَإِن ذَلِك يَدْعُو الصَّحِيحَة مِنْهُنَّ إِلَى السقم.

قَالَ ابْن المقفع: الْخَتْم حتم؛ فَإِذا أردْت أَن تختم على كتاب فأعد النّظر فِيهِ فَإِنَّمَا تختم على عقلك. وَقَالَ: الدّين رق، فَانْظُر عِنْد من تضع نَفسك. كَانَ يُقَال: إِذا قَالَ أحدكُم: وَالله. فَلْينْظر مَا يضيف إِلَيْهَا. دخل عبد الْعَزِيز بن زُرَارَة الْكلابِي على مُعَاوِيَة فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ جَالس الألباء؛ أَعدَاء كَانُوا أَو أصدقاء، فَإِن الْعقل يَقع على الْعقل. كَانَ بَعضهم يَقُول: أحيوا الْحيَاء بمجالسة من يستحيا مِنْهُ. كَانَ يُقَال: إِذا وجدت الشَّيْء فِي السُّوق فَلَا تطلبه من صديق. قَالَ الْعَبَّاس بن الْحسن الْعلوِي: اعْلَم أَن رَأْيك لَا يَتَّسِع لكل شَيْء، ففرغه للمهم من أمورك؛ وَأَن مَالك لَا يُغني النَّاس كلهم، فاخصص بِهِ أهل الْحق؛ وَأَن كرامتك لَا تطبق الْعَامَّة، فتوخ بهَا أهل الْفضل، وَأَن ليلك ونهارك لَا يستوعبان حوائجك فَأحْسن قسمتك بَين عَمَلك ودعتك. وَكَانَ يُقَال: أحيوا الْمَعْرُوف بإماتته. وَقَالَ قيس بن عَاصِم: يَا بني اصحبوا من يذكر إحسانكم إِلَيْهِ: وينسى أياديه لديكم. وَكَانَ مَالك بن دِينَار يَقُول: جاهدوا أهواءكم كَمَا تجاهدون أعداءكم. إِذا رغبت فِي المكارم فاجتنب الْمَحَارِم. من كَانَ فِي وَطن فليوطن غَيره وَطنه ليرتع فِي وَطن غَيره فِي غربته. أَرَادَ رجل سفرا فَقَالَ لَهُ بَعضهم: إِن لكل رفْقَة كَلْبا يشركهم فِي فضلَة الزَّاد، ويهر دونهم؛ فَإِن قدرت أَلا تكون كلب رفقتك فافعل، وَإِيَّاك وَتَأْخِير الصَّلَاة عَن وَقتهَا فَإنَّك مصليها لَا محَالة، فصلها وَهِي تقبل مِنْك. قَالَ ابْن السماك: إِن من النَّاس نَاسا غرهم السّتْر، وفتنهم الثَّنَاء. فَلَا يغلبن جهل غَيْرك بك علمك بِنَفْسِك. قيل: لَا تثقن كل الثِّقَة بأخيك؛ فَإِن صرعة الاسترسال لَا تستقال.

من أَمْثَال التّرْك: اسْكُتْ تربح مَا عنْدك، وشاور تربح مَا عِنْد غَيْرك. قيل: لَا تكن مثل من تغلبه نَفسه على مَا يظنّ وَلَا يغلبها على مَا يستقين. انتقم من الْحِرْص بالقناعة كَمَا ينتصر من الْعَدو بِالْقصاصِ. أوصى أَبُو الْهُذيْل أَصْحَابه فَقَالَ: لَا تدْخلُوا فِي الشَّهَادَة فتصيروا أسراء 426 الْحُكَّام، وَلَا فِي الْقَضَاء؛ فَإِن فرحة الْولَايَة لَا تفي بترحة الْعَزْل، وَلَا فِي رِوَايَة الحَدِيث فيكذبهم الْجُهَّال وَالصبيان، وَلَا فِي وَصِيَّة فيطعن عَلَيْكُم بالخيانة، وَلَا فِي إِمَامَة الصَّلَاة فَمن شَاءَ صلى وراءكم وَمن شَاءَ لم يصل. وَقَالَ: لَا تجالسوا من لَا يوثق بِدِينِهِ وأمانته، وَلَا تبدءوا الْمُخَالفين بِالسَّلَامِ فَإِنَّهُم إِن لم يجيبوا تقاصرت إِلَيْكُم نفوسكم ولحقتكم خجلة. قَالُوا: إِذا قصرت يدك عَن الْمُكَافَأَة فليطل لسَانك بالشكر. قَالَ بَعضهم لمؤدب وَلَده: فقههم فِي الْحَلَال وَالْحرَام، فَإِنَّهُ حارس من أَن يظلموا، ومانع من أَن يظلموا. كن إِلَى الِاسْتِمَاع أسْرع مِنْك إِلَى القَوْل، وَمن خطأ القَوْل أَشد حذرا من خطأ السُّكُوت. قَالَ بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ: اجتهدوا بِالْعَمَلِ، فَإِن قصر بكم ضعف فكفوا عَن الْمعاصِي. وَقَالَ بَعضهم: من لم ينشط بحديثك فارفع عَنهُ مئونة الِاسْتِمَاع مِنْك. قَالُوا: من ثقل عَلَيْك بِنَفسِهِ، وغمك فِي سُؤَاله، فألزمه أذن صماء، وعيناً عمياء. وَقَالَ عبد الله بن شَدَّاد: أرى دَاعِي الْمَوْت لَا يقْلع، وَأرى من مضى لَا

يرجع. وَلَا تزهدن فِي مَعْرُوف؛ فَإِن الدَّهْر ذُو صروف، فكم من رَاغِب قد كَانَ مرغوباً إِلَيْهِ. وطالب أصبح مَطْلُوبا إِلَيْهِ، وَالزَّمَان ذُو ألوان، وَمن يصحب الزَّمَان ير الهوان وَإِن غلبت يَوْمًا على المَال فَلَا تغلبن على الْحِيلَة على كل حَال. وَكن أحسن مَا تكون فِي الظَّاهِر حَالا أقل مَا تكون فِي الْبَاطِن مَالا. وَقَالَ آخر: لَا يكونن مِنْكُم الْمُحدث لَا يستمع مِنْهُ، وَلَا الدَّاخِل فِي سر اثْنَيْنِ لم يدْخلَاهُ فِيهِ، وَلَا الْآتِي دَعْوَة لم يدع إِلَيْهَا، وَلَا جَالس فِي مجْلِس لَا يسْتَحقّهُ، وَلَا طَالب الْفضل من أَيدي اللئام، وَلَا المتعرض للخير من عِنْد عدوه، وَلَا المتحمق فِي الدَّالَّة. قَالُوا: اطْلُبُوا الْمَعيشَة فَإِن الْفقر أول مَا يبْدَأ بدين الْإِنْسَان. إِذا خالطت فخالط حسن الْخلق؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْعُو إِلَّا إِلَى خير، وَلَا تخالط سيء الْخلق؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْعُو إِلَّا إِلَى شَرّ. اطبع الطين مَا دَامَ رطبا، واغرس الْعود مَا دَامَ لدنا. قَالَ ابْن السماك: خف الله حَتَّى كَأَنَّك لم تطعه، وَأَرْجُو الله حَتَّى كَأَنَّك لم تعصه. قَالَ رجل لآخر: كَيفَ أسلم على الإخوان؟ فَقَالَ: لَا تبلغ بهم النِّفَاق وَلَا تقصر بهم عَن الإستحقاق. قَالَ بعض الْعَرَب: إِذا وضعت طَعَامك فافتح بابك، وَإِذا وضعت شرابك فأغلقه؛ فَإِن النَّبِيذ رضَاع فَانْظُر من تراضع. انصح لكل مستشر، وَلَا تستشر إِلَّا الناصح اللبيب. استشر عَدوك تعرف مِقْدَار عداوته. لَا تشَاور إِلَّا الحازم غير الحسود، واللبيب غير الحقود. قَالَ زِيَاد بن أبي حسان: لَا تطلب من نَفسك الْعَام مَا عودتك عَام أول. عاشروا النِّسَاء بِأُمُور ثَلَاثَة: ألزموهن الْبيُوت، واتهموهن على الْأَسْرَار، واطووا عَنْهُن الْأَحَادِيث.

صن عقلك بالحلم، ومروءتك بالعفاف، ونجدتك بمجانبة الْخُيَلَاء، وجهدك بالإجمال فِي الطّلب. لَا تملك الْمَرْأَة من أمرهَا مَا جَاوز نَفسهَا، فَإِن ذَلِك أنعم بِحَالِهَا وأرخى لبالها وأدوم لجمالها، وَلَا تطمعها فِي الشَّفَاعَة لغَيْرهَا فيميل من شفعت لَهُ عَلَيْك مَعهَا. 427 - عود نَفسك السماح، وتخير لَهَا من كل خلق أحْسنه؛ فَإِن الْخَيْر عَادَة، وَالشَّر لجاجة، والصدود آيَة المقت، والعلل آيَة الْبُخْل. كن سَمحا وَلَا تكن مبذراً، وَكن مُقَدرا وَلَا تكن مقتراً. إياك والمرتقى السهل إِذا كَانَ المنحدر وعرا. رُوِيَ ذَلِك عَن مُحَمَّد بن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. احترس من ذكر الْعلم عِنْد من لَا يُريدهُ، وَمن ذكر الْقَدِيم عِنْد من لَا قديم لَهُ؛ فَإِن ذَلِك يحدث التعيير، وبالحري أَن تتخذه سلما إِلَى الضغن عَلَيْك. إِذا زللت فَارْجِع، وَإِذا نَدِمت فأقلع، وَإِذا أَسَأْت فاندم، وَإِذا مننت فاكتم، وَإِذا منعت فأجمل. وَمن يسلف الْمَعْرُوف يكن ربحه الْحَمد. اطلب الرَّحْمَة بِالرَّحْمَةِ. اتَّقِ العثار بِحسن الِاعْتِبَار. لَا تستأنس بِمن لم تبل خلائقه. لَا تأمن الْعَدو على حَال. لَا تغتر بِفضل قوتك على الضَّعِيف لتشتد وحشتك من اللَّطِيف الموتور. أعدد السَّيِّئَات للتراث. لَا تفرح بالرجاء فَإِنَّهُ غرور، وَلَا تتعجل الْغم بالخوف فَإِنَّهُ شكّ. حاسب نَفسك تسلم وتسعد. لن يخلوا أحد من ذمّ، فاجهد أَن تخلوا من ذمّ الأخيار.

حَارب عَدوك مَا حاربك بشخصه، فَإِذا أخْفى شخصه فاحرس نَفسك مِنْهُ؛ لِأَن من يعلم أَنه لَا ينجيه مِنْك إِلَّا الْمَوْت لَا ينجيك مِنْهُ إِلَى مثل ذَلِك، والمستسلم للْمَوْت لَا يُبَالِي على مَا أقدم. احذر فلتات المزاحي وصرعات البغى. لَا تُجَاهِد الطّلب جِهَاد المغالب، وَلَا تتكل على الْقدر إتكال المستسلم فَإِن ابْتِغَاء الْفضل سنة، وإجمال الطّلب عفة، وَلَيْسَت الْعِفَّة بدافعة رزقا، وَلَا الْحِرْص بجالب فضلا، والرزق مَقْدُور وَالْأَجَل مَوْقُوف، وَفِي استعجال الْحَرِيص اكْتِسَاب المآثم. لَا تشبهن رضاك بِغَضَبِك؛ فَتكون مِمَّن لَا يضر غَضَبه وَلَا ينفع رِضَاهُ. اغتنم الْعَمَل مَا دَامَت نَفسك سليمَة، وَأَجْعَل كل سَاعَة بشغلها لآخرتك غنيمَة. لَا تكونن لغير الله عبدا مَا وجدت من الْعُبُودِيَّة بدا. احم نَفسك الْقنُوط، وأتهم الرَّجَاء. لَا تغير أَخَاك وَأحمد الَّذِي عافاك. أنظر مَا عنْدك فَلَا تضعه إِلَّا فِي حَقه، وَمَا لَيْسَ عنْدك فَلَا تَأْخُذهُ إِلَّا بِحقِّهِ. احْتمل مِمَّن أدل عَلَيْك وَأَقْبل مِمَّن أعْتَذر إِلَيْك. ليكن عَمَلك فِيمَا بَيْنك وَبَين أعدائك الْعدْل، وَفِيمَا بَيْنك وَبَين أصدقائك الرِّضَا؛ فَإِن الْعَدو خصم تصرفه بِالْحجَّةِ، وتغلبه بالحكم. وَالصديق لَيْسَ بَيْنك وَبَينه قَاض، وَإِنَّمَا هُوَ رِضَاهُ وَحكمه. إِذا أردْت أَن تخدع النَّاس فتغاب عَلَيْهِم. إِذا صافاك عَدوك رِيَاء مِنْهُ فتقلق مصافاته إياك بأوكد مَوَدَّة؛ فَإِنَّهُ إِذا ألف ذَلِك واعتاده خلصت لَك مودته. فكر قبل أَن تعزم، وَأعْرض قبل إِن تصرم، وتدبر قبل أَن تهجم، وشاور قبل أَن تقدم. اسع فِي طلب رضَا الْأَحْرَار فَإِن رضَا اللئام غير مَوْجُود. اقتصد وداوم وَأَنت الْجواد السَّابِق. لَا تألف الْمَسْأَلَة فيألفك الْمَنْع.

لَا يغلبن جهل غَيْرك بك علمك بِنَفْسِك؛ فَإِن أَقْوَامًا غرهم ستر الله وفتنهم حسن الثَّنَاء. قَالَ ابْن ضبارة: لَيْسَ للأحرار ثمن إِلَّا الْكَرَامَة، فأكرموا الْأَحْرَار تملكوهم. اطلب الْحَاجة إِلَى إخوانك، قبل تَأَكد مَوَدَّتهمْ لَك؛ فَإنَّك 428 إِذا طلبتها مِمَّن قد وثق بك اتكل على الدَّالَّة، وردك عَن حَاجَتك بالثقة. لَا تسْأَل الْحَوَائِج غير أَهلهَا، وَلَا تسألها فِي غير حينها، وَلَا تسْأَل مَا لست لَهُ مُسْتَحقّا؛ فَتكون للحرمان مستوجباً. إِذا غشك صديقك فاجعله مَعَ عَدوك. إِذا غلبك عَدوك على صديقك فَخَل عَنهُ. لَا تعدن من إخوانك من آخاك فِي أَيَّام مقدرتك للمقدرة. وَاعْلَم أَنه يتثقل عَلَيْك فِي أَحْوَال ثَلَاث: فَيكون صديقا يَوْم حَاجته إِلَيْك، وَمَعْرِفَة يَوْم استغنائه عَنْك، ومتجنياً عدوا يَوْم حَاجَتك إِلَيْهِ. لَا تسرن بِكَثْرَة الإخوان مَا لم يَكُونُوا خياراً؛ فَإِن الإخوان عِنْد المتخيرين بِمَنْزِلَة النَّار، الَّتِي قليلها مَتَاع وكثيرها بوار. ارع حق الإخوان وَحقّ الْأَخ على الْأَخ أَن يحوطه غَائِبا، ويعضده شَاهدا ويخلف عَلَيْهِ محروباً، ويعوده مَرِيضا، ويواسيه مُحْتَاجا، ويضحك فِي وَجهه مُقبلا، وَيَدْعُو لَهُ مُدبرا. ليشتد عطفك على سقطات إخوانك. ارْض بِالْعَفو من إخوانك، وأبذل لَهُم مجهودك، واستزد من الْجَمِيع. إِذا دفعتم عَن حقكم فَاطْلُبُوا أَكثر مِنْهُ، وَإِذا بخع لكم بِهِ فصيروا إِلَيْهِ. جالسوا الألباء أصدقاء كَانُوا أَو أَعدَاء، فَإِن الْعُقُول تلقح الْعُقُول. لَا يغلبهن عَلَيْكُم سوء الظَّن فيدعكم ومالكم من صديق.

الباب السادس جنس آخر من الحكم والامثال والآداب وهو ما كان في اوله من

الْبَاب السَّادِس جنس آخر من الحكم والأمثال والآداب وَهُوَ مَا كَانَ فِي أَوله " من " من كثرت نعْمَة الله عِنْده كثر عدوه. من يصحب الزَّمَان ير الهوان. من لم يمت لم يفت. من صدق النَّاس كرهوه. من يطلّ ذيله ينتطق بِهِ. من فَسدتْ بطانته كَانَ كمن غص بِالْمَاءِ، فَإِنَّهُ لَو غص بِغَيْرِهِ أجَاز بِهِ غصته. من أَكثر أسقط. من اتبع غي النَّاس كَانَ أغوى. من لَقِي النَّاس بِمَا يكْرهُونَ، قَالُوا فِيهِ مَا لَا يعلمُونَ. من أحب الذّكر فليستعمل الصَّبْر. وَمن شح على دينه فليستعمل الْخَوْف، وَمن ضن بعرضه فليمسك عَن المراء. من صفا قلبه صفا لِسَانه. من خلط خلط لَهُ. من لم يضن بِالْحَقِّ عَن أَهله فَهُوَ عين الْجواد. وَقَالَ الصَّادِق رَضِي الله عَنهُ: من أيقظ فتْنَة فَهُوَ أكلهَا. وَمن كَلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنهُ: من اشتاق إِلَى الْجنَّة سلا عَن الشَّهَوَات، وَمن أشْفق من النَّار كف عَن الْمَحَارِم، وَمن زهد فِي الدُّنْيَا تهاون بالمصائب، وَمن ارتقب الْمَوْت سارع فِي الْخَيْر.

وَقَالُوا: من اسْتغنى كرم عَن أَهله. من قرب السفلة واطرح ذَوي الأحساب والمروءات اسْتحق الخذلان. من انتقم انتصف، وَمن عَفا تفضل، وَمن شفا غيظه لم يذكر فِي النَّاس فَضله. من كظم غيظه فقد حلم، وَمن حلم فقد صَبر، وَمن صَبر فقد ظفر. من طلب الدُّنْيَا بِعَمَل الْآخِرَة خسرهما 429، وَمن طلب الْآخِرَة بِعَمَل الدُّنْيَا ربحهما. قَالَ بَعضهم: من ملك نَفسه عِنْد أَربع حرمه الله على النَّار: حِين يغْضب وَحين يرغب، وَحين يرهب، وَحين يَشْتَهِي. قَالَ بكر بن عبد الله: من كَانَ لَهُ من نَفسه واعظ عَارضه سَاعَة الْغَفْلَة وَحين الحمية. من أمل أحدا هابه، وَمن قصر عَن شَيْء عابه. قيل لحكيم: من أَسْوَأ النَّاس حَالا؟ قَالَ: من لم يَثِق بِأحد لسوء ظَنّه، وَلَا يَثِق بِهِ أحد لسوء أَثَره. قيل لبَعْضهِم: من أحب النَّاس إِلَيْك؟ قَالَ: من كثرت أياديه عِنْدِي قَالَ: فَإِن لم يكن؟ قَالَ: من كثرت أيادي عِنْده. كَانَ يُقَال: من طَال صمته اجتلب من الهيبة مَا يَنْفَعهُ، وَمن الوحشة مَالا يضرّهُ. من طلب موضعا لسره فقد أفشاه. قيل لحكيم: من أنعم النَّاس عَيْشًا؟ فَقَالَ: من كفي أَمر دُنْيَاهُ، وَلم يهتم بِأَمْر آخرته. وَقيل: من زَاد عقله نقص حَظه. وَمَا جعل الله لأحد عقلا وافراً إِلَّا احتسب عَلَيْهِ من رزقه.

قيل لبَعْضهِم: من السَّيِّد؟ فَقَالَ: من إِذا حضر هابوه، وَإِذا غَابَ اغتابوه. من عمل بِالْعَدْلِ فِيمَن دونه رزق الْعدْل مِمَّن فَوْقه. من طلب عزا بذل وظلم وباطل، أورثه الله ذلاً بإنصاف وَحقّ. من حسد من دونه قل عذره، وَمن حسد من فَوْقه أتعب بدنه. وَمن وطئته الْأَعْين وطئته الأرجل. من عجز عَن تَقْوِيم نَفسه فَلَا يَلُومن من لم يستقم لَهُ. من رجى الْفرج لَدَيْهِ، صرفت أَعْنَاق الرِّجَال إِلَيْهِ. من قصر فِي أمره لم يسع لَهُ غَيره. من رباه الهوان أبطرته الْكَرَامَة. من ساسه الْإِكْرَام لم يصبر على المذلة. من انتجعك مؤملاً فقد أسلفك حسن الظَّن بك. من استكده الْجد استراح إِلَى بعض الْهزْل. من أحب أَن يطاع، سَأَلَ مَا يُسْتَطَاع. من أعذر كمن أنجح. وَمن لم يصن نَفسه لم يصن أَهله. من أَدخل نَفسه فِي عِظَام الْأُمُور بِغَيْر نظر وَلَا روية أوشك أَلا يخرج مِنْهَا. من كسل عَن عمله طمع فِي كل غَيره. من لم يرب مَعْرُوفَة لم يصنعه وَمن لم يَضَعهُ فِي أَصله فقد أضاعه. قَالَ بَعضهم: عاتبت غَسَّان بن عباد عَن اقتصاده فِي لبسه وزيه فَقَالَ: من عظمت مئونته فِي نَفسه قل فَضله على غَيره. من حمل الشَّيْء جملَة أَلْقَاهُ جملَة. من كَانَت الدُّنْيَا همه، كثر فِي الْقِيَامَة غمه. من أجمل فِي الطّلب أَتَاهُ رزقه من حَيْثُ لَا يحْتَسب. من حصن شَهْوَته صان قدره.

من ضَاقَ خلقه مله أَهله. من ركب العجلة لم يَأْمَن الكبوه. من لم يَثِق لم يوثق بِهِ. من أقاده الدَّهْر أقاد مِنْهُ. من أَخطَأ مَوضِع قدمه، تعفر خداه بدمه. من ألحف أدّى. من استطال على الْأَكفاء فَلَا يثقن مِنْهُم بالصفاء. من أَكثر ذكر الضغائن اكْتسب الْعَدَاوَة. من لم يحمد صَاحبه على حسن النِّيَّة لم يحمده على حسن الصنيعة. ثَلَاثَة من كن فِيهِ اسْتكْمل الْإِيمَان: من إِذا غضب لم يُخرجهُ غَضَبه إِلَى الظُّلم، وَمن إِذا رضى لم يُخرجهُ رِضَاهُ عَن الْحق، وَمن إِذا قدر لم يتَنَاوَل مَا لَيْسَ لَهُ. من ضعف عَن عمله اتكل على زَاد غَيره. من أَطَالَ الحَدِيث عرض أَصْحَابه للسآمة وَسُوء الِاسْتِمَاع. قيل لبَعض السّلف: من الْكَامِل؟ فَقَالَ: من لم يبطر فِي الْغنى 430 وَلم يستكن للفاقة، وَلم تهده المصائب، وَلم يَأْمَن الدَّوَائِر وَلم ينس الْعَافِيَة وَلم يغتر بالشبيبة. قَالُوا: من أطرق فِي أمله فرط فِي عمله. قَالَ ابْن المقفع: من أَدخل نَفسه فِيمَا لَا يعنيه ابْتُلِيَ فِيهِ بِمَا يعنيه. من استخار ربه، وَاسْتَشَارَ نصيحه، واجتهد رَأْيه، فقد أدّى مَا يجب عَلَيْهِ لنَفسِهِ، وَيَقْضِي الله فِي أمره مَا أحب. من أصبح لَا يحْتَاج إِلَى حُضُور بَين السُّلْطَان لحَاجَة، أَو طَبِيب لضر، أَو صديق لمسألة فقد عظمت عِنْده النِّعْمَة. من كَانَت لَهُ غلَّة يستغلها فَإِنَّمَا يستغل عمره. قَالُوا: من كَانَ فِيهِ وَاحِدَة من ثَلَاث كَانَ محروماً: الْبَغي وَالْمَكْر والنكث. قَالَ

الله تَعَالَى: " إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم " وَقَالَ: " وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيئ إِلَّا بأَهْله ". وَقَالَ: " فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه ". قَالَ وهب: من لم يسْخط نَفسه فِي شَهْوَته لم يرض ربه فِي طَاعَته. قَالَ نصر بن سيار: من لم يحقد لم يشْكر. وَقَالَ غَيره: من لم يمْنَع لم يكن لَهُ مَا يُعْطي. قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: من كنى ذِمِّيا فقد هدم شُعْبَة من الْإِيمَان. قَالَ حَكِيم: من ذَا الَّذِي بلغ جسيماً فَلم يبطر، وَاتبع الْهوى فَلم يعطب، وجاور النِّسَاء فَلم يفتتن، وَطلب إِلَى اللئام فَلم يهن، وواصل الأشرار فَلم ينْدَم، وَصَحب السُّلْطَان فدامت سَلَامَته؟ قَالَ أَبُو حَازِم: ثَلَاث من كن فِيهِ كمل عقله: من عرف نَفسه وَملك لِسَانه وقنع بِمَا رزقه ربه. كَانَ شبيب بن شيبَة يَقُول: من سمع كلمة يكرهها فَسكت عَنْهَا انْقَطع عَنهُ مَا كره، وَإِن أجَاب عَنْهَا سمع أَكثر مِمَّا كره. وَكَانَ يتَمَثَّل: وتجزع نفس الْمَرْء من وَقع شتمة ... ويشتم ألفا بعْدهَا ثمَّ يصبر قَالَ الزهاد: من عرف نَفسه لم يذمم أحدا، وَمن عرف النَّاس لم يمدح أحدا. قَالَ عون بن عبد الله: كَانَ يُقَال: من كَانَ فِي صُورَة حَسَنَة ومنصب لَا يشينه، ووسع عَلَيْهِ فِي الرزق كَانَ من خَالِصَة الله. من أطَاع الْهوى نَدم. من لانت كَلمته وَجَبت محبته من لم يقدمهُ حزم أَخّرهُ عجز. من حبس الدَّرَاهِم كَانَ لَهَا وَمن أنفقها كَانَت لَهُ. من لم يكن فِيهِ خمس فَلَا ترجه: من لم يعرف بالوثاقة فِي أرومته وَالْكَرم فِي طَبِيعَته، والتثبت فِي بضيرته، والدماثة فِي خلقه، والنبل فِي همته.

من لم تؤدبه الْكَرَامَة قومته الإهانة. من أنعم على الكفور كثر غيظه. من اقتصد فِي الْغنى والفقر فقد استعد لنوائب الدَّهْر. من لم ينشط لحديثك فارفع عَنهُ مؤونة الِاسْتِمَاع مِنْك. . من حذر شمر. من أَمن تهاون. من توقى سلم، وَمن تهور نَدم. من لم يتبع لم يشْبع. من شاخ باخ. من لم ينْتَفع بتجاربه اغْترَّ بالدهر ونوائبه. من ادّعى كرماً بعده لؤم فَلَا كرم لَهُ، من رَضِي بلؤم بعده كرم فَلَا لوم عَلَيْهِ. من تواضع للْعلم نبله، وَمن تعزز عَلَيْهِ ذلله. من قَالَ: لَا أَدْرِي. وَهُوَ يتَعَلَّم أفضل مِمَّن يدْرِي وَهُوَ يتعظم. من انتحل من الْعلم الْغَايَة لم يكن لجهله نِهَايَة. من يدع الْعلم جله أَعقل مِمَّن يَدعِيهِ كُله. 431 - من جَاع بَاعَ. وَمن أحسن الِاسْتِمَاع استعجل الِانْتِفَاع. من حلم سَاد. من اعْترف بالجريرة فقد اسْتحق الغفيرة. من رغب عَن الإخوان جسر على الزَّمَان. من اتبع هَوَاهُ أضلّهُ. من جهل النعم عرف النقم. من أبْصر أقصر. من أَكثر أَهجر. من دَامَ لَفظه كثر سقطه. من تفكر أبْصر. من كَانَت لَهُ فكرة فَلهُ من كل شَيْء عِبْرَة. من انتهز الفرصة أَمن الغصة. من كَانَ فِي الشدَّة فَهُوَ حقيق بالحدة. من سكت فَسلم كَانَ كمن قَالَ فغنم. من كره النطاح لم ينل النجاح. من كَانَ لَهُ فِي نَفسه واعظ كَانَ لَهُ من الله حَافظ. من نَالَ استطال. من جاد سَاد. من كَسَاه الْحيَاء ثَوْبه، حجب عَن الْعُيُون عَيبه.

من كرم محتده حسن مشهده. من خبث عنصره سَاءَ محضره. من خَان هان. من أدمن قرع الْبَاب ولج. من استوطأ مركب الصَّبْر فلج. من أَخذ من أُمُوره بِالِاحْتِيَاطِ سلم من الِاخْتِلَاط. من نشر صبره طوى أمره. من امتن بمعروفه أفْسدهُ. من قل حياؤه كثر ذَنبه. من لَان عوده كثرت أغصانه. من حسن خلقه كثر إخوانه. من يُبرئ بصيرتك من الْعَمى أكمل مِمَّن يَصح بَصرك من القذى. من غرس الطَّعَام جنى الأسقام. من بَالغ فِي المزاح أَثم. من قصر فِيهِ خصم. من غض عينه حصن دينه. من أثقل عَلَيْك فأوله أذنا صماء وعيناً عمياء. من غره الشَّبَاب تقطعت بِهِ الْأَسْبَاب. من ختم البضاعة أَمن الإضاعة. من خلب جلب. . من عز بز. من نظر بِعَين الْهوى حَار، وَمن حكم بِحكم الْهوى جَار. من سَاءَ خلقه عذب نَفسه. من حب طب. من أحبك نهاك، وَمن أبغضك أغراك. من زرع الْمهل حصد الجذل. من أحسن الِاعْتِذَار اسْتوْجبَ الاغتفار. من طَال صبره ضَاقَ صَدره. من احْتَاجَ إِلَيْك ثقل عَلَيْك. من زرع شَيْئا حصده، وَمن قدم خيرا وجده. من تنزه عَن المطامع لم يعتبد. من لم يحْتَمل بشاعة الدَّوَاء دَامَ ألمه. من لم يصلحه الْخَيْر أصلحه الشَّرّ. من لم يصلحه الطالي أصلحه الكاوي. من تعلل بالمنى أفلس. من اغتاب خرق، وَمن اسْتغْفر رقع. من يرحم يرحم. من يصمت يسلم. من يقل الْخَيْر يغنم. من يكره الشَّرّ يعْصم. من لَا يملك لِسَانه ينْدَم. من بخل عَلَيْك ببشره لم يجد عَلَيْك ببره. من كف عَنْك شَره فَاصْنَعْ بِهِ مَا سره. من كف ضيره فقد بذل خَيره. من تشاغل بالسلطان لم يتفرغ إِلَى الإخوان. من حصن سره كَانَ الْخِيَار فِي يَده. من بدا جَفا. من تنقل تبقل، وَمن سعى رعى، وَمن نَام رأى الأحلام.

من اسْتغنى بِرَأْيهِ فقد خاطر. من عرف الْأَيَّام لم يغْفل الاستعداد لَهَا. من أحب من لَا يعرفهُ فَإِنَّمَا يمازح نَفسه. من حصن شَهْوَته صان قدره. من ضَاقَ خلقه مله أَهله. من ركب العجلة لم يَأْمَن الكبوة. من تقدم بِحسن النِّيَّة بَصَره التَّوْفِيق. من قَارب النَّاس فِي عُقُولهمْ 432 سلم من غوائلهم. من سَاد عز. من التحف بالقناعة حالفه الْعِزّ. من كَانَت لَهُ إِلَى النَّاس حَاجَة فقد خذل. من عالج الشوق لم يستبعد الدَّار. من يزرع الشوك لَا يحصد بِهِ الْعِنَب. من اطْمَأَن قبل الاختبار نَدم. من وصلك وَهُوَ معدم خير مِمَّن جفاك وَهُوَ مكثر. من لم يغض على القذى لم يرض أبدا. من تقلبت بِهِ الْأَحْوَال علم جَوَاهِر الرِّجَال. من طمع ذل. من حفظ مَاله فقد حفظ الأكرمين: الدّين وَالْعرض. من تأدب صَغِيرا انْتفع كَبِيرا. من سره بنوه ساءته نَفسه. من أَسَاءَ لَفظه غبن حَظه. من عذل سَفِيها عرض للشتم نَفسه. من اتبع عَورَة أَخِيه الْمُسلم فضحه الله فِي بَيته. من قل حياؤه قل ورعه. من أَكثر من المزاح استخف بِهِ، وَمن أَكثر الضحك اجترئ عَلَيْهِ. من أَكثر من شَيْء عرف بِهِ. من طلب الْعلم بالنجوم تزندق. من طلب المَال بالكيميا أفلس. من طلب غرائب الحَدِيث كذب. من زنى زني بِهِ. من عتب على الدَّهْر طَالَتْ معتبته. من سَأَلَ فَوق قدره اسْتحق الحرمان. من شتم حَلِيمًا رَجَعَ ذَمِيمًا. من كفر النِّعْمَة منع الزِّيَادَة. من شَاب شيب لَهُ. من طلب عَظِيما خاطر بعظيمته. من يلق خيرا يحمد النَّاس أمره. من ملك اسْتَأْثر. من لم يشاور نَدم. من أصبح على الدُّنْيَا حَزينًا أصبح على الله ساخطاً. من شكا ضراً نزل بِهِ فَإِنَّمَا يشكو الله.

من لم يدار عيشه مَاتَ قبل أَجله. من لاحى الرِّجَال ذهبت كرامته. من اتخذ التَّقْوَى صاحباً كَانَت لَهُ ردْءًا من الملمات. من كتم الْأَطِبَّاء مَرضه فقد غش نَفسه. من أحب أَن يصرم أَخَاهُ فاليقرضه ثمَّ يتقاضاه. من حقر حرم. من أحبك لشَيْء زَالَ حبه بزواله. من قَالَ فِي النَّاس مَا يكْرهُونَ قَالُوا فِيهِ مَا لَا يعلمُونَ. من عرف بِالصّدقِ جَازَ كذبه. من طلب مَا عِنْد السُّلْطَان بالغلظة لم يَزْدَدْ مِنْهُ إِلَّا بعدا. من عَامل النَّاس فَلم يظلمهم، وَحَدَّثَهُمْ فَلم يكذبهم، وَوَعدهمْ فَلم يخلفهم، فقد حرمت غيبته، وكملت مروءته، وَظَهَرت عَدَالَته، وَوَجَبَت أخوته. من استحيا من غَيره وَلم يستح من نَفسه فَلَيْسَ لنَفسِهِ عِنْده مِقْدَار. من أدب وَلَده صَغِيرا سر بِهِ كَبِيرا. من كثر خَيره كثر زَائِره. من أدب وَلَده أرْغم حاسده. من عرف حق أَخِيه دَامَ إخاؤه، وَمن تكبر على النَّاس وَرَجا أَن يكون لَهُ صديق فقد غر نَفسه. من بسط بِالْخَيرِ لِسَانه انبسطت فِي الْقُلُوب محبته. قَالُوا: أَصْبِر النَّاس من صَبر على كتمان سره فَلم يُبْدِهِ لصديق فيوشك أَن يكون عدوا فيذيعه. قَالَ ابْن السماك: من فكر فِي أمره نهج لَهُ طَرِيق رشده. من سل سيف الْبَغي قتل بِهِ. من أَطَالَ الأمل أَسَاءَ الْعَمَل. من بذل حُلْو كَلَامه وَمر فعاله فَذَلِك الْعَدو. من قصر عَن الفضول نَالَ من دهره كل مأمول. من جمع الْحيَاء والسخاء فقد استجد الْإِزَار والرداء. من لَا يبال بالشكاية فقد اعْترف بالدناءة. من رَجَعَ فِي هِبته فقد استحكم اللؤم. من جهل قدر نَفسه فَهُوَ بِقدر النَّاس أَجْهَل. من أنف من عمل نَفسه 433 اضْطر إِلَى عمل غَيره. من استنكف من أَبَوَيْهِ فقد انْتَفَى من الرشدة. من اسْتغنى بِرَأْيهِ

فقد خاطر بِنَفسِهِ. وَمن اسْتعْمل وُجُوه الآراء عرف مواقع الْخَطَأ. من عرف بالحكمة لاحظته الْعُيُون بالوقار. من عرف الْأَيَّام لم يغْفل الاستعداد. من قاسى الْأُمُور عرف المستور. من رغب عَن الرشا اشْتَدَّ ظَهره عِنْد الْخِصَام. من لزم العفاف لزمَه الْعَمَل. من أكل قَلِيلا عمل طَويلا. من تعسف النِّعْمَة نفرت عَنهُ. من أدل على السُّلْطَان استثقله، وَمن امتن عَلَيْهِ عَادَاهُ. من كذب السُّلْطَان فقد خانه، وَمن أذاع سره فقد خاطر بِنَفسِهِ. من صحب السُّلْطَان لم يزل مرغوباً. من اجْتهد رَأْيه وشاور صديقه واستخار ربه فقد قضى الَّذِي عَلَيْهِ. وَلنْ يقْضِي الله إِلَّا مَا يحب فِي أمره. من قل طمعه صَحَّ جِسْمه. قَالَ أَكْثَم: من جَاع صَحَّ. من خَافَ الْكَذِب أقل من المواعيد. من أدْلج ولج. من طلب الْحَلَال خفت مئونته وَقل كبرياؤه. وَمن قدر على خير فَلم يعْمل بِهِ لَزِمته الْإِسَاءَة. من لم ينْتَفع بِهِ أحد لم يعظمه أحد، وَمن لم يعظمه أحد استخف بِهِ كل أحد، وَمن استخف بِهِ لَقِي الذل عيَانًا. من كثر ذامه اضْطر إِلَى مدح نَفسه. من كافأ الْإِحْسَان تنوفس فِي الْإِحْسَان إِلَيْهِ. من أنْفق سَرفًا يُوشك أَن يَمُوت أسفا. من تَأَول كَلَام النَّاس على السخط كثرت ذنُوب النَّاس إِلَيْهِ. من رغب فِي حسن الثَّنَاء طَابَ نفسا عَن الثراء. من أَمن الزَّمَان خانه، وَمن تعظم عَلَيْهِ أهانه، وَمن تضعضع لريبه قدعه وَمن لَجأ إِلَيْهِ أسلمه، وَمن كابره عطب. من سَبَقَك إِلَى الْخَيْر فاطلب أَثَره. وَمن ملك نَفسه لم تملكه شهواته، وَلم

يصرعه هَوَاهُ، وَلم يملكهُ غَضَبه. من خَافَ شَيْئا اتَّقَاهُ. من أحب شَيْئا أَكثر ذكره. من وثق بِعَمَلِهِ اشتاق إِلَى الْجَزَاء. من خَافَ غير الله فَهُوَ غير واثق بِاللَّه. من طلب الْعِزّ بِلَا ذل، ذل من حَيْثُ يطْلب الْعِزّ. من أَطَالَ الحَدِيث عرض نَفسه للملالة وَسُوء الِاسْتِمَاع. من أظهر شكرك فِيمَا لم تأت إِلَيْهِ فاحذر أَن يكفر نِعْمَتك فِيمَا أسديت إِلَيْهِ. من تحدث بِحَدِيث قبل أَن يتدبره لم يسلم من عَيبه. من نظر فِي العواقب لم يشف غيظه. من زوج كريمته من سَفِيه فقد عقها. من منع بره قل أنصاره. من أطلق لِسَانه أهْدر دَمه. من تذكر قدرَة الله عَلَيْهِ لم يسْتَعْمل قدرته فِي ظلم عباده. من منع النَّاس مَا يُرِيد مِنْهُم مثله ظلم نَفسه. من استوحش فِي نَفسه بِالظَّنِّ أوحش من نَفسه بِالْيَقِينِ. من استقصى على النَّاس قل صديقه، وَمن أغضى على العوراء سهل طَرِيقه. من نظر فِي دينه إِلَى من هُوَ فَوْقه يستصغر عمله، وَنظر فِي دُنْيَاهُ إِلَى من هُوَ دونه ليستكثر مَا أعْطى فقد وفْق لحظه. من منع المَال من الْحَمد أورثه من لَا يحمده. من اقْتصر على قدره كَانَ أبقى لحاله. من سعى بالنميمة حذره الْغَرِيب، ومقته الْقَرِيب. من أَطَالَ النّظر أدْرك الْغَايَة. من أزعجه الْخَوْف أَمن. 434 من ضَاقَ قلبه اتَّسع لِسَانه. قَالَ يحيى بن أَكْثَم: من لم يرج إِلَّا مَا هُوَ مستوجب كَانَ قمنا أَن يدْرك حَاجته. من عرف ثمار الْأَعْمَال فَهُوَ جدير أَلا يغْرس إِلَّا طيبا. من صحب الْحُكَمَاء ظفر بِحسن الثَّنَاء. من اغْترَّ بالعدو الأريب خَان نَفسه. من عدم مَاله أنكرهُ أَهله ومعارفه. من جَانب هَوَاهُ صَحَّ رَأْيه. من عاقب بَرِيئًا فنفسه عاقب.

من عرضت لَهُ بلية رحم، وَمن جناها ذمّ. من لم يجلس فِي شبيبته حَيْثُ يهوى جلس فِي كبره حَيْثُ لَا يهوى. من لم يركب المصاعب لم ينل الرغائب. من كَانَ أغلب خصاله عَلَيْهِ الْإِحْسَان اغتفرت زلته، وأقيلت عثرته. من عتب على الدَّهْر طَالَتْ معتبته. من لم يأس على مَا فَاتَهُ تودع بدنه، وَمن قنع بِمَا هُوَ فِيهِ قرت عينه. من رد الْكَرَامَة نصب شركا وثيقاً للعداوة. من بخل بِدِينِهِ عظم ربحه. من قاهر الْحق قهر. من ترك التوقي فقد استسلم لقَضَاء السوء. من أكدى فَكَأَنَّهُ لم يعْمل. من تياسر عَن الْقَصْد هجم على الضلال. من طلب بِاللَّه أدْرك. من لم تؤدبه المواعظ أدبته الْحَوَادِث. من تعود الْكِفَايَة لم يعرف مِقْدَار الرَّاحَة. من أَمن الزَّمَان ضيع ثغراً مخوفا. من استكفى من يتهمه خَان نَفسه. من أَمن مكايد الْأَعْدَاء لم يعد فِي الْعُقَلَاء. من لم يعرف قدره أوشك أَن يذل، وَمن لم يدبر مَاله أوشك أَن يفْتَقر. من رق وَجهه رق علمه. من لم يتحرز بعقله من عقله هلك من قبل عقله. من حرم الْعقل فَلَا خير لَهُ وَلَا للنَّاس فِي حَيَاته، وَمن حرم الْجُود فَلَا خير لَهُ وَلَا للنَّاس فِي سُلْطَانه، وَمن حرم الْفَهم فَلَا خير لَهُ وَلَا للنَّاس فِي قَضَائِهِ. من رَضِي عَنهُ الْجَمِيع المختلفون اسْتحق اسْم الْعقل. من احتقر مَا أعْطى فَهُوَ تَمام مَا أعْطى، وَمن استكثر مَا أَتَى إِلَيْهِ فقد قضى مَا عَلَيْهِ. من لم يحْتَمل زلل صديقه عَاشَ بِلَا صديق. من قَادَهُ الزَّمَان إِلَى صداقة عدوه فليكثر تيقظه. من حاول صديقا يَأْمَن زلته، ويدوم اغتباطه بِهِ كَانَ كضال الطَّرِيق الَّذِي لَا يزْدَاد لنَفسِهِ إتعاباً إِلَّا ازْدَادَ من غَايَته بعدا. من رَضِي بِصُحْبَة من لَا خير فِيهِ لم يرض بِصُحْبَتِهِ من فِيهِ خير. من جمع الْحِرْص على الدُّنْيَا وَالْبخل بهَا استمسك بعمودي اللؤم. من استثقل أَن يُقَال لَهُ الْحق كَانَ الْعَمَل بِهِ عَلَيْهِ أثقل.

الباب السابع في سياسه السلطان وادب الرعيه

الْبَاب السَّابِع فِي سياسة السُّلْطَان وأدب الرّعية قَالَ بعض الْحُكَمَاء: إِن قُلُوب الرّعية خَزَائِن واليها فَمَا أودعهُ وجده فِيهَا. قَالُوا: صنفان متباينان إِن صلح أَحدهمَا صلح الآخر: السُّلْطَان والرعية. قَالَ بعض الْحُكَمَاء: إِذا صَحِبت السُّلْطَان فلتكن مداراتك لَهُ مداراة الْمَرْأَة القبيحة لزَوجهَا؛ فَإِنَّهَا لَا تدع التصنع لَهُ فِي كل حَال. قَالَ الْأَعْمَش: إِذا رَأَيْت الْعَالم يَأْتِي بَاب السُّلْطَان فَاعْلَم أَنه لص. 435 قَالَ بعض الْحُكَمَاء: ليغلق السُّلْطَان بَاب الْأنس بَينه وَبَين كفاته الَّذين تنفذ أُمُورهم فِي ملكه؛ فَإِن مؤانسته إيَّاهُم تبْعَث عَلَيْهِ بهم الجرأة وعَلى الرّعية الغشم. قَالُوا: صنفان لَو صلحا صلح جَمِيع النَّاس الْفُقَهَاء والأمراء. قيل: من دَاخل السُّلْطَان يحْتَاج أَن يدْخل أعمى وَيخرج أخرس. قيل للعتابي: لم لَا تقصد الْأَمِير؟ قَالَ: لِأَنِّي أرَاهُ يُعْطي وَاحِدًا لغير حَسَنَة وَلَا يَد، وَيقتل آخر بِلَا سَيِّئَة وَلَا ذَنْب. وَلست أَدْرِي أَي الرجلَيْن أكون أَنا، وَلست أَرْجُو مِنْهُ مِقْدَار مَا أخاطر بِهِ. قيل: الْعَاقِل من طلب السَّلامَة من عمل السُّلْطَان، فَإِنَّهُ إِن عف جنى عَلَيْهِ العفاف عَدَاوَة الْخَاصَّة، وَإِن بسط جنى عَلَيْهِ الْبسط أَلْسِنَة الْعَامَّة. قَالَ سعيد بن حميد: مجْلِس السُّلْطَان كالحمام؛ من فِيهِ يُرِيد الْخُرُوج وَمن هُوَ خَارج يُرِيد الدُّخُول فِيهِ. ابْن المقفع: إقبال السُّلْطَان تَعب، وإعراضه مذلة.

وَقَالَ آخر: السُّلْطَان إِن أرضيته أتعبك، وَإِن أغضبته أعطبك. قَالُوا: يَنْبَغِي للْملك أَن يتفقد أَمر خاصته فِي كل يَوْم، وَأمر عامته فِي كل شهر، وَأمر سُلْطَانه فِي كل سَاعَة. قَالَ بَعضهم: إِذا كنت حَافِظًا للسُّلْطَان فِي ولايتك، حذرا مِنْهُ عِنْد تقريبه لَك، أَمينا لَهُ إِذا ائتمنك، تشكر لَهُ وَلَا تكلفه الشُّكْر لَك، تعلمه وكأنك تتعلم مِنْهُ، وتؤدبه وَكَأَنَّهُ يؤدبك، بَصيرًا بهواه، مؤثراً لمنفعته، ذليلا إِن ضامك، رَاضِيا إِن أَعْطَاك، قانعاً إِن حَرمك، وَإِلَّا فابعد مِنْهُ كل الْبعد. قَالَ حَكِيم: مَحل الْملك من رَعيته مَحل الرّوح من الْبدن، وَمحل الرّعية مِنْهُ مَحل الْبدن من الرّوح. فالروح تألم لألم كل عُضْو من أَعْضَاء الْبدن، وسائره لَا يألم لألم غَيره، وَفِي فَسَاد الرّوح فَسَاد جَمِيع الْبدن، وَقد يفْسد بعض الْبدن وَغَيره من سَائِر الْبدن صَحِيح. قَالَ سهل بن هَارُون: يَنْبَغِي للنديم أَن يكون كَأَنَّمَا خلق من قلب الْملك؛ يتَصَرَّف بشهواته، ويتقلب بإرادته، إِذا جد جد، وَإِذا تطلق تطلق؛ لَا يمل المعاشرة، وَلَا يسأم المسامرة، إِذا انتشى تحفظ، وَإِذا صَحا تيقظ. وَيكون كَاتِما لسره، ناشراً لبره، وَيكون للْملك دون العَبْد؛ لِأَن العَبْد يخْدم نَائِبا والنديم يحضر دائباً. كَانَ مَسْرُوق بن الأجدع يُنْهِي عَن عمل السُّلْطَان، فَدَعَاهُ زِيَاد وولاه السلسلة، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: اجْتمع عَليّ زِيَاد وَشُرَيْح والشيطان، فَكَانُوا ثَلَاثَة وَكنت وَاحِدًا فغلبوني. قيل لبَعض من يتَصَرَّف مَعَ السُّلْطَان: لَا تصحبهم؛ فَإِن مثلهم مثل قدر أسود كلما مَسّه إِنْسَان سوده. فَقَالَ: إِن كَانَ خَارج الْقدر أسود فَإِن دَاخله لحم سمين، وَطَعَام لذيذ. كَانَ يُقَال: لَا سُلْطَان إِلَّا بِرِجَال، وَلَا رجال إِلَّا بِمَال، وَلَا مَال إِلَّا بعمارة، وَلَا عمَارَة إِلَّا بِعدْل وَحسن سياسة. قَالَ بعض الْمُلُوك فِي خطْبَة: إِنَّمَا نملك الأجساد لَا النيات، ونحكم بِالْعَدْلِ

لَا بِالرِّضَا، ونفحص عَن الْأَعْمَال لَا عَن السرائر. قيل: أفضل من عوشر بِهِ الْمُلُوك قلَّة الْخلاف وَتَخْفِيف المئونة. قيل: لَا يقدر على صُحْبَة السُّلْطَان 436 إِلَّا من يسْتَقلّ لما حملوه، وَلَا يلحف إِذا سَأَلَهُمْ، وَلَا يغتر بهم إِذا رَضوا عَنهُ، وَلَا يتَغَيَّر لَهُم إِذا سخطوا عَلَيْهِ، وَلَا يطغى إِذا سلطوه، وَلَا يبطر إِذا أكرموه. قيل لبَعض الْمُلُوك وَقد زَالَ عَنهُ ملكه: مَا الَّذِي سلبك مَا كنت فِيهِ؟ قَالَ: دفع عمل الْيَوْم إِلَى غده، والتماس عدَّة بتضييع عدد، وبذل أبطر وأضغن. ابْن المقفع: النَّاس على دين السُّلْطَان إِلَّا الْقَلِيل؛ فَلْيَكُن للبر والمروءة عِنْده نفاق فسيكسد بذلك الْفُجُور والدناءة. وَفِيمَا قَالَ أَبُو حَازِم لِسُلَيْمَان بن عبد الْملك: السُّلْطَان سوق؛ فَمَا نفق عِنْده أَتَى بِهِ. قَالُوا: شَرّ الْأُمَرَاء أبعدهم من الْقُرَّاء، وَشر الْقُرَّاء أقربهم من الْأُمَرَاء. قيل: إِذا جعلك السُّلْطَان أَخا فاجعله رَبًّا، وَإِن زادك فزده. قَالَ مُسلم بن عَمْرو: يَنْبَغِي لمن خدم السُّلْطَان أَلا يغتر بهم إِذا رَضوا وَلَا يتَغَيَّر لَهُم إِذا سخطوا عَلَيْهِ، وَلَا يستثقل مَا حملوه، وَلَا يلحف فِي مسألتهم. قَالُوا: مثل صَاحب السُّلْطَان مثل رَاكب الْأسد؛ يهابه النَّاس وَهُوَ لمركبه أهيب. لِلْكَاتِبِ على الْملك ثَلَاث: رفع الْحجاب عَنهُ، واتهام الوشاة عَلَيْهِ، وإفشاء السِّرّ إِلَيْهِ. يجب على الْملك أَن يعْمل بِثَلَاث خِصَال: تَأْخِير الْعقُوبَة فِي سُلْطَان الْغَضَب، وتعجيل مُكَافَأَة المحسن، وَالْعَمَل بالأناة فِيمَا يحدث، فَإِن لَهُ فِي تَأْخِير الْعقُوبَة إِمْكَان الْعَفو، وَفِي تَعْجِيل الْمُكَافَأَة بِالْإِحْسَانِ المسارعة فِي الطَّاعَة من الرّعية، وَفِي الأناة انْفِسَاخ الرَّأْي واتضاح الصَّوَاب.

قَالَ رجل لبَعض السلاطين: أَسأَلك بِالَّذِي أَنْت بَين يَدَيْهِ أذلّ مني بَين يَديك، وَهُوَ على عقابك أقدر مِنْك على عقابي، إِلَّا نظرت فِي أَمْرِي نظر من يرى برئي أحب إِلَيْهِ من سقمي وبراءتي أحب إِلَيْهِ من جُرْمِي. ابْن المقفع: لَا يَنْبَغِي للْملك أَن يغْضب؛ لِأَن الْقُدْرَة من وَرَاء حَاجته. وَلَا يكذب؛ فَإِنَّهُ لَا يقدر أحد على استكراهه على غير مَا يُرِيد، وَلَا يبخل فَإِنَّهُ يخَاف الْفقر، وَلَا يحقد لِأَن خطره قد جلّ عَن المجازاة. قَالَ أَبُو حَازِم: للسُّلْطَان كحل يكحل بِهِ من يوليه، فَلَا يبصر حَتَّى يعْزل. حُكيَ عَن بَعضهم أَنه قَالَ: حَاجِب السُّلْطَان نصفه، وكاتبه كُله. وَيَنْبَغِي لصَاحب الشرطة أَن يُطِيل الْجُلُوس، ويديم العبوس، ويستخف بالشفاعات. ابنلي بعض الْمُلُوك بصمم فَقَالَ: لَئِن كنت أصبت بسمعي، فَلَقَد متعت ببصري. ثمَّ نَادَى مناديه: من ظلم فليلبس ثوبا مصبوغاً وليقم حَيْثُ أرَاهُ فأدعو بِهِ وَأنْظر فِي أمره. كَانَ يُقَال، إِن الْمُلُوك من الْفرس وَغَيرهم كَانُوا يهنئون بالعافية، وَلَا يعادون من الْعلَّة؛ لِأَن عللهم كَانَت تستر نظرا وإبقاء عَلَيْهِم، وَلَا يعلمهَا إِلَّا خواصهم. وَكَانَت عافيتهم تشتهر؛ لما للنَّاس من الصّلاح بهَا، ودوام الألفة، واستقامة الْأُمُور عَنْهَا. قَالَ بَعضهم: إِذا صَحِبت السُّلْطَان فلتكن مداراتك مداراة الْمَرْأَة القبيحة للزَّوْج الْمُبْغض لَهَا؛ فَإِنَّهَا لَا تدع التصنع لَهُ بِكُل حِيلَة. قَالَ فيلسوف: إِذا قربك السُّلْطَان فَكُن مِنْهُ على حد السنان، وَإِن استرسل إِلَيْك فَلَا تأمن انقلابه عَلَيْك، وارفق بِهِ رفقك بِالصَّبِيِّ، وَكَلمه بِمَا يَشْتَهِي. وَدخل يزِيد بن عمر بن هُبَيْرَة على الْمَنْصُور فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ توسع توسعاً قرشياً، وَلَا تضق 437 ضيقا حجازياً. وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن سلطانكم حَدِيث، وإمارتكم جَدِيدَة، فأذيقوا النَّاس حلاوة عدلها، وجنبوهم مرَارَة جورها، فوَاللَّه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لقد مخضت لَك. ثمَّ نَهَضَ فَنَهَضَ مَعَه تِسْعمائَة من قيس، فأتأره الْمَنْصُور بَصَره ثمَّ قَالَ: لَا يعز ملك فِيهِ مثل هَذَا.

قَالُوا: عدل السُّلْطَان أَنْفَع للرعية من خصب الزَّمَان. كَانَ الْفضل بن الرّبيع يَقُول: مساءلة الْمُلُوك عَن أَحْوَالهم من كَلَام النوكى فَإِذا أردْت أَن تَقول: كَيفَ أصبح الْأَمِير؟ فَقل: صبح الله الْأَمِير بالكرامة. وَإِن أردْت أَن تَقول كَيفَ يجد الْأَمِير نَفسه؟ فَقل: وهب الله الْأَمِير الْعَافِيَة وَنَحْو هَذِه الْأَشْيَاء فَإِن المساءلة توجب الْجَواب فَإِن لم يجبك اشْتَدَّ عَلَيْك وَإِن جابك اشْتَدَّ عَلَيْهِ. قيل لِابْنِ عَبَّاس: إِن النَّاس قد فسدوا وَلَا يصلحهم إِلَّا الشَّرّ. قَالَ: بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ للجور أشب للشر، وَالْعدْل أطفأ للجور. وَفِي الْعدْل كِفَايَة، وَإِلَيْهِ انْتَهَت السياسة. وَقد يُصِيب الْوَالِي فِي رَعيته بِأَرْبَع من نَفسه وَأَرْبع من أنفسهم؛ فَأَما الْأَرْبَع اللواتي مِنْهُم فالرغبة والرهبة وَالْأَمَانَة والنصيحة. وَأما الْأَرْبَع اللواتي من نَفسه فإعطاء من نصحه، وَالْجَزَاء لمن أبلاه، وعقوبة ذِي الذَّنب بِقدر ذَنبه، والتنكيل بِمن تعدى أمره. فَإِن هُوَ لم يفعل ذَلِك وتراخى ابتلى مِنْهُم بِأَرْبَع: بالغش والخذلان والخيانة والنكد. قيل: ليعلم من نَالَ شرف الْمنزلَة من السُّلْطَان وَهُوَ دني الأَصْل أَنه ثأر الْأَشْرَاف، وَأَنه لَا نجاة لَهُ مِنْهُم إِلَّا أَن يعمرهم بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِم. إِذا كَانَ الْملك ضَعِيفا، والوزير شَرها، وَالْقَاضِي كذوباً فرقوا الْملك شعاعاً. ملك عسوف أجدى على الرّعية من ملك مقتصد السِّيرَة ضَعِيف؛ لِأَن العسوف الْقوي قد يدْفع عَن الْبَيْضَة بقوته، وَمَعَهُ أَنَفَة يحمي بهَا حوزته، والضعيف لَا يستقصي حقة، وَلَا يَأْخُذ حُقُوق رَعيته، وَلَا قُوَّة بِهِ على دفع عدوه وعدوهم. إِذا قنع الْملك بإفساد دينه لم تقنع رَعيته إِلَّا بِإِزَالَة ملكه. ظلم الرّعية استجلاب البلية. أحزم الْمُلُوك من ملك جده هزله، وقهر رَأْيه هَوَاهُ، وَعبر عَن ضَمِيره فعله، وَلم يخدعه رِضَاهُ عَن حَظه، وَلَا غَضَبه عَن كَيده.

قَالُوا: أَرْبَعَة أَشْيَاء تقبح بِأَهْلِهَا: ضيق ذرع الْملك، وَسُرْعَة غضب الْعَالم، وبذاء النِّسَاء، وَكذب الْقُضَاة. خير الْمُلُوك من حمل نَفسه على خير الْآدَاب، ثمَّ حمل رَعيته على الإقتداء بِهِ. أعجز الْمُلُوك أضعفهم عَن إصْلَاح بطانته. إِذا اضْطر الْملك إِلَى الْكَذِب فليهرب من ملكه. الْعجب مِمَّن استفسد رَعيته وَهُوَ يعلم أَن عزه بطاعتهم. إِذا رغب الْملك عَن الْعدْل رغبت رَعيته عَن طَاعَته. إِذا لم يرجع الْملك إِلَّا إِلَى رأى وزيره، فالوزير هُوَ الْملك، وَالْملك سوقة مسخر. من لم يصلح نَفسه من الْمُلُوك عسر عَلَيْهِ إصْلَاح رَعيته، وَكَيف يعرف رشد غَيره من يعمى عَن ذَات نَفسه؟ لَا تخف صولة الْأُمَرَاء مَعَ صداقة الوزراء. طَال حزن من غضب على الْمُلُوك وَهُوَ لَا يقدر على الانتقام مِنْهُم. صُحْبَة السُّلْطَان بِلَا أدب كركوب الْبَريَّة بِغَيْر مَاء. اثْنَان يَنْبَغِي للْملك أَن يحذرهما: الزَّمَان 438 والأشرار. إِذا امتهنت خَاصَّة الْملك فالملك هُوَ الممتهن. يَنْبَغِي لصَاحب السُّلْطَان أَن يستعد لعذر مَا لم يجنه، وَأَن يكون آنس مَا يكون بِهِ أوحش مَا يكون مِنْهُ. فَإِذا سلمت الْحَال عِنْده فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يَأْمَن ملالته. أقوى الْمُلُوك فِي الدُّنْيَا أعلمهم بضعفه فِي الْآخِرَة. لَا أحد أَمر عَيْشًا وَأكْثر نصبا وأطول فكرة من الْملك الْعَارِف بالعواقب، الموقن بالمعاد. موت الْملك الجائر خصب شَامِل، لِأَنَّهُ لَا قحط أَشد من جور السُّلْطَان. إِذا تفرغ الْملك للهوه تفرغت رَعيته لإفساد ملكه.

إِذا وقفت الرّعية على سرائر الْمُلُوك هان عَلَيْهَا أمرهَا. يَنْبَغِي للْملك أَن يأنف من أَن يكون فِي رَعيته من هُوَ أفضل دينا مِنْهُ، كَمَا يأنف أَن يكون فيهم من هُوَ أنفذ أمرا مِنْهُ. أعجب الْأَشْيَاء ملك يطْلب نصيحة رَعيته مَعَ ظلمهم. ليعلم الْملك أَن الَّذِي لَهُ عِنْد رَعيته مثل الَّذِي لرعيته عِنْده. وضع الشدَّة فِي مَوضِع اللين سوء بصر بِالتَّدْبِيرِ، والاستسلام لرأي الوزراء هُوَ الْعَزْل الْخَفي. إِذا لم يشرف الْملك على أُمُوره فَليعلم أَن أغش النَّاس لَهُ وزيره. من استكفى الْأُمَنَاء ربح التُّهْمَة. قَضَاء حق المحسن أدب للمسيء، وعقوبة الْمُسِيء حسن جَزَاء المحسن. لن تَجِد الْحَرْب الغشوم أسْرع فِي اجتياح الْملك من تَضْييع الْمَرَاتِب، حَتَّى يُصِيبهَا أهل النذالة والفسولة، ويزهد فِيهَا أولو الْفضل، ويطمع فِيهَا الأراذل. قَالُوا: إِذا أَرَادَ الله إِزَالَة ملك عَن قوم جبنهم فِي آرائهم. الْعجب من سُلْطَان يَبْتَدِئ على رَعيته وَالسيف وَالسَّوْط بِيَدِهِ. لَا شَيْء أذهب بالدول من تَوْلِيَة الأشرار. الْملك لَا تصلحه إِلَّا الطَّاعَة والرعية لَا يصلحها إِلَّا الْعدْل. دخل أَبُو مجلز على قُتَيْبَة بخراسان وَهُوَ يضْرب رجلا بالعصا فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير؛ إِن الله جعل لكل شَيْء قدرا، وَوقت لَهُ وقتا؛ فالعصا للأنعام والهوام

والبهائم الْعِظَام، وَالسَّوْط للحدود وَالتَّعْزِير، والدرة للأدب، وَالسيف لقِتَال الْعَدو والقود. قَالُوا: عمل السُّلْطَان حَدِيث فَكُن حَدِيثا حسنا. إِذا ضيعت الْمُلُوك سنَن أديانها أَنَّهَا تهدم أساس ملكهَا. لَا يَنْبَغِي للْملك أَن يكون سَفِيها وَمِنْه يلْتَمس الْحلم، وَلَا جائراً وَمِنْه يلْتَمس الْعدْل. إِذا لم يثب الْملك على النَّصِيحَة غشته الرّعية. وَفد على مُعَاوِيَة عبيد بن كَعْب النميري فَسَأَلَهُ عَن زِيَاد وسياسته فَقَالَ: يسْتَعْمل على الْجد وَالْأَمَانَة دون الْهوى، ويعاقب فَلَا يعدو بالذنب قدره ويسمر ليستجم بِحَدِيث اللَّيْل تَدْبِير النَّهَار قَالَ: أحسن. إِن التثقيل على الْقلب مضرَّة بِالرَّأْيِ. فَكيف رَأْيه فِي حُقُوق النَّاس فِيمَا عَلَيْهِ وَله؟ قَالَ: يَأْخُذ مَاله عفوا وَيُعْطِي مَا عَلَيْهِ عفوا. قَالَ: فَكيف عطاياه؟ قَالَ: يُعْطي حَتَّى يُقَال جواد، وَيمْنَع حَتَّى يُقَال بخيل. قَالُوا: التذلل للملوك دَاعِيَة الْعِزّ والتعزز عَلَيْهِم ذل الْأَبَد. كَثْرَة أعوان السوء مضرَّة للأعمال. الدَّالَّة على الْمُلُوك تعرض للسقوط. خير الْمُلُوك من ملك جَهله بحلمه، وخرقه برفقه، وعجلته باناته، وعقوبته 439 بعفوه، وعاجله بمراقبة آجله، وَأمن رَعيته بعدله، وسد ثغورهم بهيبته، وجبر فاقتهم بجوده. يعلم وَكَأَنَّهُ لَا يعلم، ويحسم الدَّاء من حَيْثُ استبهم. بغض الْمُلُوك كي لَا يبرأ، وحسدهم عر يتفشى. السُّلْطَان فِي تنقله وتنقل النَّاس مَعَه كالظل الَّذِي تأوي إِلَيْهِ السابلة. شدَّة الانقباض من السُّلْطَان تورث التُّهْمَة، وسهولة الانبساط تورث الملالة.

من سَعَادَة جد الْمَرْء أَلا يكون فِي الزَّمَان الْمُخْتَلط مُدبرا للسُّلْطَان. من سَكَرَات السُّلْطَان أَن يرضى عَمَّن اسْتوْجبَ السخط، ويسخط على من اسْتوْجبَ الرِّضَا من غير سَبَب مَعْلُوم. بلغ بعض الْمُلُوك حسن سياسة ملك فَكتب إِلَيْهِ: قد بلغت من حسن السياسة مبلغا لم يبلغهُ ملك فِي زَمَانك، فأفدني الَّذِي بلغكه. فَكتب إِلَيْهِ: " لم أهزل فِي أَمر وَلَا نهي، وَلَا وعد وَلَا وَعِيد، واستكفيت أهل الْكِفَايَة، وَأثبت على الْغناء لَا على الْهوى، وأودعت الْقُلُوب هَيْبَة لم يشبها مقت، ووداً لم يشبه كذب، وعممت بالقوت ومنعت الفضول ". أَمْرَانِ جليلان لَا يصلح أَحدهمَا إِلَّا بالتفرد بِهِ، وَلَا يصلح الآخر إِلَّا بالتعاون عَلَيْهِ: وهما الْملك والرأى؛ فَإِن استقام الْملك بالشركاء استقام الرَّأْي بالتفرد بِهِ. لَا شَيْء أهلك للسُّلْطَان من صَاحب يحسن القَوْل وَلَا يحسن الْعَمَل. اصحب السُّلْطَان بإعمال الحذر، ورفض الدَّالَّة، وَالِاجْتِهَاد فِي النصح واصحبه بِثَلَاث: بِالرِّضَا وَالصَّبْر والصدق. اعْلَم أَن لكل شَيْء حدا، فَمَا جاوزه كَانَ سَرفًا، وَمَا قصر عَنهُ كَانَ عَجزا. فَلَا تبلغ بك نصيحة السُّلْطَان أَن تعادي حَاشِيَته من أَهله وخاصته؛ فَإِن ذَلِك لَيْسَ من حَقه عَلَيْك. وَلَكِن أقضى لحقه عَنْك، وأدعى للسلامة إِلَيْك أَن تستصلح أُولَئِكَ جهدك، فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك شكرت نعْمَته، وَأمنت حجَّته، وفللت عَدوك عِنْده. إِذا جاريت عِنْد السُّلْطَان كفئاً من أكفائك فلتكن مجاراتك إِيَّاه بِالْحجَّةِ، وَإِن عضهك، وبالرفق وَإِن خرق بك؛ وَاحْذَرْ أَن يستلجك فتحمى، فَإِن الْغَضَب يعمي عَن الفرصة، وَيقطع عَن الْحجَّة، وَيظْهر عَلَيْك الْخصم. احترس أَن يعرفك السُّلْطَان بِاثْنَيْنِ: بِكَثْرَة الإطراء للنَّاس عِنْده، وبكثرة

ذمهم؛ فيعد ذَلِك غلاً مِنْك فَإِنَّهُ إِذا رأى كَثْرَة إطرائك للنَّاس وذمهم ضرّ ذَلِك صديقك وَإِن كَانَ محقاً، وَأمن عَدوك كيدك وَإِن كَانَ معوراً. وَعَلَيْك بِالْقَصْدِ والتحرز؛ فَإِنَّهُ إِن يعرفك بِهِ كنت لعدوك أضرّ ولصديقك أَنْفَع. لاتتورد على السُّلْطَان بالدالة وَإِن كَانَ أَخَاك، وَلَا بِالْحجَّةِ وَإِن وثقت أَنَّهَا لَك، وَلَا بِالنَّصِيحَةِ وَإِن كَانَت لَهُ دُونك فَإِن السُّلْطَان تعرض لَهُ ثَلَاث: الْقُدْرَة دون الْكَرم، وَالْحمية دون النصفة، واللجاج دون الْحَظ. سُئِلَ بَعضهم: أَي شَيْء أرفع بِذكر الْمُلُوك؟ قَالَ: تدبيرهم أَمر الْبِلَاد بِعدْل، ومنعهم إِيَّاهَا بعز. قيل: فَمَا الَّذِي على الْمُلُوك لرعيتهم، وَمَا الَّذِي على الرّعية لملوكهم؟ قَالَ: على الْمُلُوك لرعيتهم 440 مَا تأمن عَلَيْهِ أنفسهم ويرغد عَلَيْهِ عيشهم. وللملوك على رعيتهم الشُّكْر والنصيحة. اعْلَم أَن الْمُلُوك تحْتَاج إِلَى الْوَزير، وَأَشْجَع الرِّجَال يحْتَاج إِلَى السِّلَاح وأجود الْخَيل يحْتَاج إِلَى السَّوْط، وَأحد الشفار يحْتَاج إِلَى المسن. صَلَاح الدُّنْيَا بصلاح الْمُلُوك، وَصَلَاح الْمُلُوك بصلاح الوزراء، وَلَا يصلح الْملك إِلَّا لأَهله وَلَا تصلح الوزارة إِلَى لمستحقها. أفضل عدد الْمُلُوك صَلَاح الوزراء الكفاة؛ لِأَن فِي صَلَاحهمْ صَلَاح قُلُوب عوامهم لَهُم. خير الوزراء أَصْلحهم للرعية، وأصدقهم نِيَّة فِي النَّصِيحَة، وأشدهم ذباً عَن المملكة، وأشدهم بَصِيرَة فِي الطَّاعَة، وآخذهم لحقوق الرّعية من نَفسه وسلطانه. لَيْسَ شَيْء للملوك أولى بالفرح وَالسُّرُور بِهِ فِي ملكهَا من سيرة حَسَنَة يسيرونها، وَسنة صَالِحَة يجرونها، ووزير صَالح يؤيدون بِهِ. الْوَزير الْخَيْر لَا يرى أَن صَلَاحه فِي نَفسه كَائِن صلاحاً حَتَّى يتَّصل بصلاح الْملك ورعيته، وَتَكون عنايته فِيمَا عطف الْملك على عامته، وَفِيمَا استعطف قُلُوب الْعَامَّة على الطَّاعَة لملكه، وَفِيمَا قوم أَمر الْملك والمملكة من تَدْبيره، حَتَّى يجمع إِلَى أَخذ الْحق وتقديمه عُمُوم الْأَمْن والسلامة، وَيجمع إِلَى صَلَاح الْملك صَلَاح أَتْبَاعه. وَإِذا طرقت الْحَوَادِث، ودهمت المظائم، كَانَ للْملك عدَّة وعتاداً، وللرعية

كَافِيا محتاطاً، وَمن وَرَائِهَا ذاباً ناصراً، يعنيه من صَلَاحهَا مَا لَا يعنيه من صَلَاح نَفسه دونهَا. مثل الْملك الصَّالح إِذا كَانَ وزيره فَاسِدا مثل المَاء الصافي العذب الَّذِي فِيهِ التماسيح؛ لَا يَسْتَطِيع الْإِنْسَان وَإِن كَانَ سابحاً، وَإِلَى المَاء ظامئاً، دُخُوله حذرا على نَفسه. لَا يَنْبَغِي للوالي أَن يسْرع إِلَى حبس من يَكْتَفِي لَهُ بالجفاء والوعيد. يَنْبَغِي للوالي أَن يكون عَالما بِأُمُور عماله فَإِن الْمُسِيء يخَاف خبرته قبل أَن تنزل بِهِ عُقُوبَته، والمحسن يستبشر بِعَمَلِهِ قبل أَن يَأْتِيهِ معروفه. يَنْبَغِي للوالي أَن تعرفه رَعيته بالأناة، وَألا يعجل بالعقاب وَلَا بالثواب؛ فَإِن ذَلِك أدوم لخوف الْخَائِف، ورجاء الراجي. يَنْبَغِي للوالي أَن تعلم رَعيته أَنه لَا يصاب خَيره إِلَّا بالمعونة لَهُ على الْخَيْر، فَإِن النَّاس إِذا علمُوا ذَلِك تصنعوا، والمتصنع لَا يلبث أَن يلْحق بِأَهْل الْفضل. من طلب مَا عِنْد السُّلْطَان وَالنِّسَاء بالشدة بعد عَنهُ مَا يطْلب، وَفَاته مَا يلْتَمس. وَدخل مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ على عمر بن عبد الْعَزِيز حِين اسْتخْلف فَقَالَ لَهُ: إِنِّي مستعين بك على عَمَلي. قَالَ: لَا. وَلَكِنِّي سأرشدك: أسْرع الِاسْتِمَاع، وأبطئ فِي التَّصْدِيق، حَتَّى يَأْتِيك وَاضح الْبُرْهَان، وَلَا تعملن سجنك فِيمَا يكْتَفى بِهِ بلسانك، وَلَا تعملن سَوْطك فِيمَا يكْتَفى فِيهِ بسجنك وَلَا تعملن سَيْفك فِيمَا يكْتَفى فِيهِ بسوطك. كَانَ بَعضهم يُوصي عماله فَيَقُول: سوسوا النَّاس بالمعدلة، واحملوهم على النصفة، واحذروا أَن تلبسونا جُلُودهمْ، أَو تطعمونا لحومهم، أَو تسقونا دِمَاءَهُمْ. بِالْولَايَةِ يعرف الرجل الحازم. إِذا أردْت أَن يقبل الْوَالِي مشورتك فَلَا تشبه بِشَيْء من الْهوى؛ فَإِن الرَّأْي يقبل، والهوى يرد.

لَا يخطرن للْملك أَنه إِن اسْتَشَارَ الْملك الرِّجَال ظَهرت مِنْهُ الْحَاجة 441 إِلَى رَأْي غَيره؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ يُرِيد الرَّأْي للافتخار بِهِ، وَإِنَّمَا يُرِيد للِانْتِفَاع بِهِ. قَالَ حُذَيْفَة: إيَّاكُمْ ومواقف الْفِتَن، فَإِن أَبْوَاب الْأُمَرَاء، يدْخل الدَّاخِل على الْأَمِير فَيَقُول لَهُ الْبَاطِل ليرضيه. قَالَ ابْن المقفع: لتكن حَاجَتك فِي الْولَايَة ثَلَاث خِصَال: رضَا رَبك ورضا سلطانك، ورضا صَالح من تلِي عَلَيْهِ. وَلَا عَلَيْك أَن تلهو عَن المَال وَالذكر. فسيأتيك مِنْهُمَا مَا تكتفي بِهِ. إِن ابْتليت بِصُحْبَة وَال لَا يُرِيد صَلَاح رَعيته فَاعْلَم أَنَّك خيرت بَين خلتين لَيْسَ فيهمَا خِيَار، إِمَّا الْميل على الرّعية فَهُوَ هَلَاك الدّين، وَإِمَّا الْميل على الْوَالِي مَعَ الرّعية فَهُوَ هَلَاك الدُّنْيَا. تبصر مَا فِي الدُّنْيَا من الْأَخْلَاق الَّتِي تحب أَو تكره، ثمَّ لَا تكابره بالتحويل لَهُ عَمَّا يحب وَيكرهُ؛ فَإِن هَذِه رياضة صعبة تحمل على الإباء والقلى. قَلما يقدر على نقل رجل عَن طَرِيقَته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا بالمكابرة، وَلَكِن تقدر أَن تعينه على أحسن مذاهبه؛ فَإنَّك إِذا قويت لَهُ المحاسن كَانَت هِيَ الَّتِي تبصره الْمسَاوِي بألطف من تبصيرك فِي نَفسه. إِن كَانَ سلطانك على جدة دولة فَرَأَيْت أمرا استقام بِغَيْر رَأْي، وَعَملا استتب بِغَيْر حزم، وأعواناً أجيزوا بِغَيْر نيل، فَلَا يغرنك ذَلِك وَلَا تستنيمن إِلَيْهِ؛ فَإِن الْأُمُور تصير إِلَى حقائقها وأصولها. وَمَا بني مِنْهَا على غير أصل وثيق، ودعائم محكمَة، أوشك أَن يتداعى وينصدع. لَا تَطْلُبن من قبل السُّلْطَان بِالْمَسْأَلَة، وَلَكِن اطلبه بِالِاسْتِحْقَاقِ، واستأن بِهِ وَلَا تستبطئه، فَإنَّك إِذا استحققت مَا عِنْده أَتَاك عَن غير طلب، وَإِن لم تستبطئه كَانَ أعجل لَهُ. اعْلَم أَن السُّلْطَان إِذا انْقَطع عَنهُ الآخر نسي الأول، وَأَن أرحامه مَقْطُوعَة، وحباله مصرومة إِلَّا عَمَّن رَضِي عَنهُ. إياك أَن يَقع فِي قَلْبك التعنت على الْوَالِي، والاستزادة لَهُ؛ فَإِن ذَلِك إِذا وَقع

فِي قَلْبك بدا فِي وَجهك إِن كنت حَلِيمًا، وعَلى لسَانك إِن كنت سَفِيها؛ وَإِذا ظهر ذَلِك للْوَلِيّ كَانَ قلبه أسْرع إِلَى التَّغَيُّر والتعتب من قَلْبك. إِذا أصبت الجاه والخاصة عِنْد السُّلْطَان فَلَا تَتَغَيَّر لأحد من أَهله وأعوانه؛ فَإنَّك لَا تَدْرِي مَتى ترى أدنى جفوة فتذل لَهُم، وَفِي ذَلِك من الْعَار مَا فِيهِ. لَا يواظب أحد على بَاب السُّلْطَان فَيلقى عَنهُ الأنفة وَيحْتَمل الْأَذَى ويكظم الغيظ. ويرفق بِالنَّاسِ إِلَّا كَاد يخلص إِلَى حَاجته عِنْد السُّلْطَان.

الباب الثامن نوادر النساء المواجن والجواري

الْبَاب الثَّامِن نَوَادِر النِّسَاء المواجن والجواري قَالَ رجل: قلت لجارية أردْت شراءها: لَا يريبنك شيبي فَإِن عِنْدِي قُوَّة 442 فَقَالَ: أَيَسُرُّك أَن عنْدك عجوزاً معتلمة. قَالَ آخر: كَانَت لي جَارِيَة، فأردتها على بعض الْأَمر فَقَالَت: إِن الْأَعْوَر الدَّجَّال لَا يدْخل الْمَدِينَة وَلَكِن يلم بأعراضها. كَانَت جَارِيَة الجمهوري فِي غَايَة المجون، وَلها إِلَيْهِ رسائل كثير مَعْرُوفَة قَالَت لَهُ يَوْمًا: إِن فلَانا الْيَهُودِيّ بذل لي عشْرين دِينَارا على أَن أعْطِيه فَردا فَلم أفعل. قَالَ مَوْلَاهَا: كذبت وَالله أَنْت حِينَئِذٍ فِي القيان وَيَقَع فِي يدك عشرُون دِينَارا بفرد فَلَا تجيبين إِلَيْهِ؟ فَقَالَت: محوت الصُّحُف إِن كنت فعلت ذَلِك عفافاً، وَلَكِن لم أشته أَن أَنَام تَحت أقلف: قَالَ: أسخن الله عَيْنك! الْيَهُود لَا يكونُونَ قلفاً. فَقَالَت: يَا مولَايَ؛ عزمك أَن تخرج إِلَى الْبُسْتَان، فَإِنِّي لم أعلم، وَقد نَدِمت، واليهودي بعد مُقيم على الْعَهْد. وَكتب إِلَيْهَا يَوْمًا: يَا سِتّ مَوْلَاهَا؛ مَا دمت فارغة خدي من ذَلِك اللوز المقشر وبخريه بخوراً طيبا فَإِن المحلب عندنَا قد نفذ، ومحلب السُّوق لَيْسَ بِطيب. فَكتبت إِلَيْهِ: سخنت عَيْنك يَا مطر؛ مذ لم أر من خبزه شعير وضراطه حوارِي غَيْرك. وكتبت إِلَيْهِ مرّة: قد صرت لوطيا صَاحب مردان. أعوذ بِاللَّه من البطر، وَلَكِن الحائك إِذا بطر سمي ابْنَته سمانة.

استعرض رجل جَارِيَة فَقَالَ: فِي يَديك عمل؟ قَالَ: لَا وَلَكِن فِي رجْلي وَأدْخل على الْمَنْصُور جاريتان فأعجبتاه. . فَقَالَت الَّتِي دخلت أَولا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن الله قد فضلني على هَذِه بقوله: " وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ " فَقَالَت الْأُخْرَى: لَا بل قد فضلني بقوله: " وللآخرة خير لَك من الأولى " استعرض وَاحِد جَارِيَة فاستقبح قدميها فَقَالَت: لَا تبال؛ فَإِنِّي أجعلها وَرَاء ظهرك. طلبت جَارِيَة مَحْمُود الْوراق للمعتصم بسبعة آلَاف دِينَار، فَامْتنعَ من بيعهَا، واشتريت لَهُ بعد ذَلِك من مِيرَاثه بسبعمائة دِينَار، فَذكر المعتصم لَهَا ذَات يَوْم فَقَالَت: إِذا كَانَ اللخليفة ينْتَظر بشهواته الْمَوَارِيث فسبعون دِينَارا فِي ثمني كثير. فَكيف سَبْعمِائة؟ اقترح بَعضهم على جَارِيَة أَن تغني لَهُ: سري وسرك لم يعلم بِهِ أحد ... إِلَّا الْإِلَه وَإِلَّا أَنْت ثمَّ أَنا فَقَالَت: يَا سَيِّدي والقواد فَلَا تنسه. قَالَ بَعضهم: نظرت إِلَى جَارِيَة مليحة فِي دهليز، فَقَالَت: يَا سَيِّدي؛ تُرِيدُ الني.؟ قلت: أَي وَالله. قَالَت: فَاقْعُدْ حَتَّى يجِئ مولَايَ السَّاعَة فيني. . كَمَا نَا ... . . ني البارحة. كَانَ بعض المجان يعشق جَارِيَة أمجن مِنْهُ، فأضاق يَوْمًا فَكتب إِلَيْهَا: قد طَال عهدي بك يَا سيدتي، وأقلقني الشوق إِلَيْك، فَإِن رَأَيْت أَن تستدركي رمقي بمضغة علك تمضغينه وتجعلينه بَين دينارين وتنقذينه لأستشفى بِهِ فعلت إِن شَاءَ الله. فَفعلت ذَلِك وكتبت إِلَيْهِ: قد سارعت إِلَى أَمرك يَا سَيِّدي، فتفضل برد الطَّبَق والمكبة وَاسْتعْمل خبر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: " استدروا الْهَدَايَا برد الظروف ". وَطلب آخر من عشيقته خَاتمًا كَانَ مَعهَا فَقَالَت: يَا سَيِّدي هَذَا ذهب وأخاف أَن تذْهب، وَلَكِن هَذَا الْعود حَتَّى تعود.

وَقَالَ بَعضهم لأخرى: أرى شفتك مشققة فَقَالَت: التِّين إِذا احلولى تشقق. جَاءَت وَاحِدَة إِلَى مُنَاد فِي السُّوق فَقَالَت: خُذ هَذِه المخلاة وناد عَلَيْهَا. وأشارت إِلَى حرهَا فَقَالَ: أَنا السَّاعَة مَشْغُول وَلَكِن علقيه فِي هَذَا الوتد إِلَى أَن أفرغ. وَأَشَارَ إِلَى مَتَاعه. قَالَ الْأَصْمَعِي 443: مرت بِي أعرابيتان تتحدثان، فأصغيت إِلَيْهِمَا فَإِذا إِحْدَاهمَا تَقول لِلْأُخْرَى: مَا علمت أَن الزب من لحم حَتَّى قدمت الْعرَاق. قَالَ الجاحظ: ابْتَاعَ فَتى صلف بذاخ جَارِيَة بخارية حسناء ظريفة بزيعة فَلَمَّا وَقع عَلَيْهَا قَالَ لَهَا مرَارًا: مَا أوسع حرك. فَلَمَّا أَكثر عَلَيْهَا قَالَت لَهُ: أَنْت الْفِدَاء لمن كَانَ يملؤه. وَمثل ذَلِك حَدِيث أبرويز مَعَ كردية أُخْت بهْرَام شوبين، وَكَانَت تَحت أَخِيهَا. فَلَمَّا قتل عَنْهَا تزَوجهَا أبرويز وحظيت عِنْده وَكَانَت فِي غَايَة الْجمال فَقَالَ لَهَا يَوْمًا: مَا يشينك شَيْء غير سَعَة حرك. فَقَالَت: إِنَّه ثقب بأير الرِّجَال. قَالَ بَعضهم: كَانَت لإِنْسَان جَارِيَة ظريفة يُقَال لَهَا عُطَارِد، وَقد كَانَت قومت الْكَوَاكِب بعدة زيجات قَالَ: فَحَدثني بعض الْحساب الَّذين كَانُوا يطارحونها أَنه قَالَ لَهَا يَوْمًا وَهُوَ يعلمهَا اسْتِخْرَاج التواريخ بَعْضهَا من بعض: إِذا أردْت ذَلِك فَخذي عدد السنين التَّامَّة إِلَى الْعَام الَّذِي أَنْت فِيهِ. ثمَّ خذي مَا مضى من الشُّهُور إِلَى الشَّهْر الَّذِي أَنْت فِيهِ، وخذي من أَيَّام الشَّهْر إِلَى الْيَوْم الَّذِي أَنْت فِيهِ. قَالَ: فَلَمَّا كثر عَلَيْهَا قولي: أَنْت فِيهِ مَا تمالكت أَن استلقت ضحكاً، وَبقيت خجلاً لَا أَدْرِي مِم تضحك. قَالَ: ثمَّ قَالَت لي: كم تَقول أنتفيه، أنتفيه هُوَ مثل الرَّاحَة، فَإِن هَمَمْت بِشَيْء فدونك. قَالَ: فوقفت على الْأَمر الَّذِي أضحكها وَخرجت فَلم أعد إِلَيْهَا من الْحيَاء. قَالَ الرشيد لغضيض جَارِيَته: إِنَّك لدقيقة السَّاقَيْن. قَالَت: أحْوج مَا تكون إِلَيّ لَا تراهما.

اشْترى المكتفي جَارِيَة ماجنة من دَار مؤنس. وَكَانَ مؤنس مبخلاً فَسَأَلَهَا المكتفي عَن مروءته، فَقَالَت: طبخ لنا يَوْمًا عدسية ودعانا عَلَيْهَا، فَكَانَت العدسة تلقي العدسة فَتَقول: يَا أُخْتِي؛ مَا خبرك؟ وَمَا حالك؟ وَكَانَت الْقطعَة من اللَّحْم تعدو خلف الْقطعَة فَلَا تلحقها فتصيح خلفهَا وَتقول: وَالله لَئِن لحقتك لأضعفنك. فَضَحِك المكتفي حَتَّى غشي عَلَيْهِ. خَاصم رجل إمرأته فشتمته فَقَالَ لَهَا: وَالله لَئِن قُمْت إِلَيْك لأشقن حرك. فَقَالَت: لَا وَالله وَلَا كل أير بِبَغْدَاد. قيل لمدينية: أَيّمَا أحب إِلَيْك التَّمْر أَو الني؟ قَالَت: التَّمْر مَا أحببته قطّ. اجتازت امْرَأَتَانِ بشيخ فجمش إِحْدَاهمَا فَقَالَت لَهَا الْأُخْرَى: اقدحي لَهُ. أَي اضرطي عَلَيْهِ. فَقَالَت: يَا أُخْتِي الحراق رطب. أَدخل رجل فِي قحبة فِي شهر رَمَضَان، فَلَمَّا دفع فِيهَا أَرَادَ أَن يقبلهَا فحولت وَجههَا وَقَالَت: بَلغنِي أَن الْقبْلَة تفطر الصَّائِم. قَالَ شبيب بن شيبَة: اشْتريت جَارِيَة فَأَصَبْت مِنْهَا مَا يُصِيب الشَّيْخ من الشَّابَّة، ثمَّ خرجت لحاجتي فَرَجَعت وَقد تدثرت وعصبت رَأسهَا. وَقَالَت: مَالك لَا جَزَاك الله خيرا! وَالله مَا زِدْت عَليّ أَن هيجته عَليّ وَتركته يتقطع فِي أوصالي. كتب رجل إِلَى عشيقته: مري خيالك أَن يلم بِي. فَكتبت إِلَيْهِ: ابْعَثْ إِلَيّ بدينارين حَتَّى أجيئك بنفسي. قدم بَعضهم عجوزاً دلَالَة إِلَى القَاضِي فَقَالَ: أصلح الله القَاضِي؛ زوجتني هَذِه امْرَأَة فَلَمَّا دخلت بهَا وَجدتهَا عرجاء فَقَالَت: أعز الله القَاضِي: زَوجته امْرَأَة يُجَامِعهَا وَلم أزَوجهُ حمارة يحجّ عَلَيْهَا. كتب تَاجر من قطيعة الرّبيع إِلَى مغنية كَانَ يهواها رقْعَة قَالَ فِي أَولهَا: عصمنا الله وَإِيَّاك بالتقوى. فَكتبت إِلَيْهِ فِي الْجَواب: يَا غليظ الطَّبْع، إِن أجَاب الله 444 دعائك لم نلتق أبدا. وقطعته.

كتب الجماز إِلَى مغنية رقْعَة وحشاها بالشعر، فَكتبت على ظهرهَا لَا تَجْتَمِع شعرتان بِشعر. قَالَ بَعضهم: سَمِعت امْرَأَة بِبَاب الطاق وَهِي تَقول لصاحبتها فِي عَشِيَّة يَوْم عيد: إيش رَأَيْت يَا أُخْتِي فِي هَذَا الزحام؟ قَالَت: يَا أُخْتِي، رَأَيْت الْعجب، رَأَيْت أيوراً تتمطى، وأرحاماً تتثاءب. لسع زنبور عروساً فِي هنها لَيْلَة زفافها، فَقَالَت الماشطة: من؟ وَلمن وَفِي أَي مَكَان؟ وأية لَيْلَة. دخل صبي مَعَ أَبِيه الْحمام فَعَاد إِلَى أمه فَقَالَ: مَا رَأَيْت أَصْغَر زباً من أبي. فَقَالَت: وَفِي أَي شَيْء كَانَ لأمك بخت حَتَّى يكون لَهَا فِي هَذَا؟ لما خست العقارات بِبَغْدَاد حضرت مغنية بعض الْمجَالِس وَهِي مختضبة فَقَالَ لَهَا إِنْسَان: مَا اسْم هَذَا الخضاب؟ قَالَت: ضراط السكان على أَصْحَاب الْعقار. قَالَ رجل وَاسع الْفَم أهدل الشفتين لمغنية: أشتهي أَن أَدخل لساني فِي فمك قَالَت: وَلم؟ قد قَامَت الْقِيَامَة حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط؟ زحمت مدينية رجلا فَقَالَ: الْمُسْتَعَان الله مِنْكُن. مَا أكثركن {قَالَت: نَحن على هَذِه الْكَثْرَة وَأَنْتُم تلوطون وتتبادلون. فَلَو كَانَت فِينَا قلَّة ن. . تمّ الْحمير. عرضت على المعتز جَارِيَة فَقَالَ لَهَا: مَا أَنْت من شرطي قَالَت: وَلَكِنَّك من شرطي وَالله. فاشتراها وحظيت عِنْده. قَالَ أَحْمد بن يُوسُف كنت أعزل عَن جَارِيَة لي فَقَالَت لي يَوْمًا: يَا مولَايَ؛ مَا أقل حَاجَة الدَّرْدَاء إِلَى السِّوَاك} عرضت على المتَوَكل جَارِيَة فَقَالَ لَهَا: إيش تحسنين؟ قَالَت: عشْرين لوناً رهزا. فَأَعْجَبتهُ فاشتراها. قَالَ أَبُو العيناء: اشْتريت جَارِيَة مليحة ماجنة فَلَمَّا قُمْت إِلَيْهَا لم يقم أيري، فَأَخَذته بِيَدِهَا وَقَالَت: يَا مولَايَ؛ هَذَا يصلح للمضيرة قلت: وَكَيف ذَاك؟ قَالَت: أَلَيْسَ هُوَ البقلة الحمقاء.

استعرض ابْن الْمُدبر طباخة فَقَالَ لَهَا: أتحسنين الحشو؟ قَالَت: الحشو إِلَيْك. عرضت جَارِيَة على فَتى للْبيع فَكشفت عَن حرهَا وَقَالَت: انْظُر كم مساحة هَذَا القراح. فَخَجِلَ الْفَتى. فَقَالَت لَهُ: لَو كنت ظريفاً لَقلت: حَتَّى أخرج قَصَبَة المساحة. قَالَ أَبُو النواس يَوْمًا لقينة وَأَشَارَ إِلَى أيره فِي أَي سُورَة هُوَ: " فاستغلظ فَاسْتَوَى على سوقه " فاستلقت وتكشفت وَقَالَت: " إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ". وَكَانَ يَوْمًا عِنْد بغض إخوانه إِذْ خرجت عَلَيْهِ جَارِيَة بَيْضَاء عَلَيْهَا ثِيَاب خضر فَلَمَّا رَآهَا مسح عَيْنَيْهِ وَقَالَ: خيرا رَأَيْت إِن شَاءَ الله فَقَالَت: وَمَا رَأَيْت؟ قَالَ: رَأَيْت كَأَنِّي رَاكب دَابَّة أَشهب عَلَيْهِ جلّ أَخْضَر قَالَت: إِن صدقت رُؤْيَاك استدخلت فجلة. قَالَ أَبُو زيد عمر بن شبه وَكَانَ عَظِيم الْأنف: اشْتريت جَارِيَة بريعة، فَلَمَّا أهويت - إِلَيْهَا لأقبلها قَالَت: يَا مولَايَ، نح عَن وَجْهي ركبتيك، وَلَك فِيمَا دون ذَلِك متسع. مرت امْرَأَة حُبْلَى بِرَجُل، فتعجب من عظم بَطنهَا فَقَالَ: مَا كَانَ أحذق هَذَا الحشو! فَقَالَت الْمَرْأَة: إِذا شِئْت فَابْعَثْ بأمك حَتَّى آمُر زَوجي بِأَن يحشوها خيرا من هَذَا. اعْترض المتَوَكل جاريتين بكرا وثيباً، فَقَالَت الشيب: مَا بَيْننَا إِلَّا يَوْم وَاحِد. فَقَالَت الْبكر: " وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ ". وَقَالَت وَاحِدَة مِنْهُنَّ: الني. . فِي الاست وتد الْعِشْق. قَالَ رجل لابنَة لَهُ: أُرِيد أَن أزَوجك من فلَان. قَالَت: يَا أبه. الله الله. فَإِنِّي 445

لَا أَصْبِر عَنْك وَلَا أحتاج إِلَى زوج. قَالَ: فَإِنِّي أتركه لَعَلَّ الله يسهل خيرا مِنْهُ، فَإِنَّهُ بَلغنِي عَنهُ خصْلَة لَا أرضاها لَك. قَالَت: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: بَلغنِي أَن أيره مثل أير الْحمار. قَالَت: يَا أبه؛ زَوجنِي فِي حَيَاة مِنْك؛ فَإِن الْحَوَادِث لَا تؤمن. اشْترى رجل جَارِيَة نَصْرَانِيَّة فواقعها وَكَانَ لَهُ مَتَاع وافر، فَلَمَّا أدخلهُ عَلَيْهَا قَالَت: بِأبي النَّبِي الْأُمِّي. فَقَالَ الرجل: هَذَا أول حر أسلم على يَد أير. وَكَانَ مَعَ عبد الْملك جَارِيَة لَهُ لما وَاقع مُصعب بن الزبير فَنَظَرت إِلَى مقتول قد انْقَلب وانتفخ أيره. فَقَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ مَا أعظم أيور الْمُنَافِقين {فلطمها وَقَالَ: اسكتي لعنك الله. وَكَانَ رجل دلّ بآلته وعظمها فَقَالَ يَوْمًا لامْرَأَة وَقد وَاقعهَا وَأَعْجَبهُ مَا مَعَه: ألم يخرج من حلقك بعد؟ قَالَت: أوقد أدخلته بعد؟ سَأَلت وَاحِدَة أُخْرَى: مَا تَقُولِينَ فِي ابْن عشْرين؟ قَالَت: ريحَان تشمين. قَالَت: فَابْن ثَلَاثِينَ؟ قَالَت: أَبُو بَنَات وبنين. قَالَت: فَابْن الْأَرْبَعين؟ قَالَت: شَدِيد الطعْن متين. قَالَت: فَابْن الْخمسين؟ قَالَت: يجوز فِي الخاطبين. قَالَت: فَابْن السِّتين؟ قَالَت: صَاحب سعال وأنين. قَالَت: فَابْن سبعين؟ قَالَت: اكتبيه فِي الضراطين. قَالَت: فَابْن ثَمَانِينَ؟ قَالَت: أَنْت فِي حرج إِن لم تسكتين. قَالَ بَعضهم: خرجت إِلَى بعض الْقرى فِي أَمَانَة، وَكنت مُولَعا بالباه، فَلَمَّا غبت أَيَّامًا لم أَصْبِر، فَخرجت يَوْمًا إِلَى الصَّحرَاء فَرَأَيْت عجوزاً عَلَيْهَا كسَاء وَمَعَهَا جرة فأخذتها فَقَالَت لي: من أَنْت؟ قلت: أَنا سبع آكلك فن. . تها وَمَضَت وَرجعت إِلَى السدر، وَأَنا قَاعد ذَات يَوْم فَإِذا بالعجوز قد عَرفتنِي، فَأَقْبَلت نحوي وَقَالَت: سبع، قُم كلني. وَحكى بَعضهم: أَنه كَانَ جَالِسا مَعَ امْرَأَته فِي منظرة فَجَاز غُلَام حسن الْوَجْه فَقَالَت الْمَرْأَة: أُعِيذهُ بِاللَّه مَا أحسن وَجهه} فَقَالَ الزَّوْج: نعم؛ لَوْلَا أَنه خصي، فَقَالَت: لعن الله من خصاه. لما زفت عَائِشَة بنت طَلْحَة إِلَى مُصعب قَالَ: وَالله لأقتلنها جماعاً. فواقعها مرّة ونام، فَلم ينتبه إِلَى السحر، فحركته وَقَالَت: انتبه يَا قتال!

قَالَ بَعضهم، وَكَانَ دميماً: كنت ذَات يَوْم وَاقِفًا عِنْد الجسر أحدث صديقا لي، فوقفت امْرَأَة بحذائي وقوفاً طَويلا، وأدامت النّظر إِلَيّ، فَقلت لغلامي: انْظُر مَا تُرِيدُ هَذِه الْمَرْأَة. فَدَنَا مِنْهَا وسألها فَقَالَت: كَانَت عَيْني أذنبت ذَنبا، فَأَحْبَبْت أَن أعاقبها بِالنّظرِ إِلَى هَذَا الشَّيْخ. فال رجل لجاريته: أعطيني خلالة أَو شَيْئا. فَأَتَتْهُ ببعرة، وَقَالَت: لم تحضر الخلالة وَهَذَا شَيْء. غاضبت امْرَأَة زَوجهَا فأحال عَلَيْهَا يُجَامِعهَا فَقَالَت: لعنك الله كلما وَقع بيني وَبَيْنك شَرّ جئتني بشفيع لَا أقدر على رده. قَالَ جَعْفَر بن سُلَيْمَان: أَتَتْنِي امْرَأَة من أهل الْبَادِيَة فَقَالَت: يَا أَبَا سُلَيْمَان، لَا يُعجبنِي الشَّاب يمعج معجان الْمهْر طلقاً أَو طَلْقَتَيْنِ ثمَّ يضطجع بِنَاحِيَة الميدان، وَلَكِن أَيْن أَنْت من كهل يضع قب استه على الأَرْض، ثمَّ سحباً وجراً. قَالَ أَبُو النَّجْم: إِنِّي لما كَبرت عرض لي الْبَوْل فَوضعت عِنْد رجْلي شَيْئا أبول فِيهِ فَقُمْت من اللَّيْل لأبول فضرطت وتشددت ثمَّ عدت فَخرج أَيْضا صَوت فأويت إِلَى فِرَاشِي وَقلت: يَا أم الْخِيَار 446 هَل سَمِعت شَيْئا؟ قَالَت: لَا وَالله، وَلَا وَاحِدَة مِنْهُمَا. قيل لامْرَأَة ظريفة: أبكر أَنْت؟ قَالَت: أعوذ بِاللَّه من الكساد. وَسمعت امْرَأَة من عَائِشَة بنت طَلْحَة - وَعمر بن عبيد الله زَوجهَا يُجَامِعهَا - نخيراً وغطيطاً لم تسمع بِمثلِهِ، فَقَالَت لَهَا فِي ذَلِك، فَقَالَت إِن الْخَيل لَا يجيد الشّرْب إِلَّا على الصفير. وَرووا أَنَّهَا قَالَت: إِن الفحولة لم تستهب لم تهب. قيل لامْرَأَة: مَا تَقُولِينَ فِي السحاق؟ فَقَالَت: هُوَ التَّيَمُّم لَا يجوز إِلَّا عِنْد عدم المَاء. قَالَت امْرَأَة لزَوجهَا وَكَانَ أصلع، لست أحسد إِلَّا شعرك حَيْثُ فارقك فاستراح مِنْك. خطب رجل امْرَأَة فاشتطت عَلَيْهِ فِي الْمهْر وَغَيره فَقَالَ: نعم إِن احتملت عيوبي. قَالَت: وَمَا ذَاك؟ قَالَ: أيري كَبِير، وَأَنا مستهتر بِالْجِمَاعِ لَا أريحك،

وأبطيء الْفَرَاغ. فَقَالَت: يَا جَارِيَة، أحضري شُيُوخ الْمحلة تشهد على بركَة الله، فالرجل ساذج لَا يعرف الْخَيْر من الشَّرّ. قَالَ أَبُو العيناء: خطبت امْرَأَة فاستقبحتني فَكتبت إِلَيْهَا: فَإِن تنفري من قبح وَجْهي فإنني ... أديب أريب لَا عيي وَلَا فدم فأجابت: لَيْسَ لديوان الرسائل أريدك. قَالَ بَعضهم: ن ... ت جَارِيَة فِي استها فَقَالَت: اذكر سَيِّدي أَنَّك هوذا تني ... وَحدك. قَالَ رجل لجاريته وَقد رأى على ثَوْبه عذرة فمصه: يَا جَارِيَة خراء وَالله. ثمَّ شكّ فمصه أَيْضا وَقَالَ: خراء وَالله، ثمَّ شكّ فمصه ثمَّ قَالَ: يَا قوم خراء وَالله. ثمَّ قَالَ: يَا جَارِيَة؛ هَاتِي مَاء واغسليه فَقَالَت: يَا مولَايَ مَا تصنع بِالْمَاءِ وَقد أَكلته كُله. قَالَ شَاب لجارية: أيري يقْرَأ على حرك السَّلَام. فَقَالَت: حري لَا يقبل السَّلَام إِلَّا مشافهة. خرجت حبى المدينية لَيْلَة فِي جَوف اللَّيْل فلقيها إِنْسَان فَقَالَ لَهَا: تخرجين فِي هَذَا الْوَقْت؟ قَالَت: وَلم أُبَالِي؟ إِن لَقِيَنِي شَيْطَان فَأَنا فِي طَاعَته، وَإِن لَقِيَنِي رجل فَأَنا فِي طلبه. غَابَ رجل عَن امْرَأَته، فبلغها أَنه اشْترى جَارِيَة، فاشترت غلامين، فاتصل لخَبر بزوجها فجَاء مبادراً وَقَالَ لَهَا: مَا هَذَا؟ فَقَالَت: أما علمت أَن الرَّحَى إِلَى بغلين أحْوج من الْبَغْل إِلَى الرحا. بِعْ الْجَارِيَة حَتَّى أبيع الغلامين فَفعل ذَلِك. لاعب الْأمين جَارِيَة بالنرد على إمرة مطاعة فغلبته فَقَالَ: احتكمي. فَقَالَت: قُم. فَقَامَ وَفعل، وعاود اللّعب مَعهَا فغلبته، فاحتكمت عَلَيْهِ مثل ذَلِك ثمَّ لاعبها الثَّالِثَة فغلبته وَقَالَت: قُم أَيْضا. فَقَالَ: لَا أقدر. قَالَت: فأكتب عَلَيْك بِهِ كتابا. قَالَ: نعم. فتناولت الدواة والقرطاس وكتبت، ذكر حق فُلَانَة على أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَن لَهَا عَلَيْهِ فَردا تَأْخُذهُ بِهِ مَتى شَاءَت من ليل أَو نَهَار. وَكَانَ على رَأسهَا وصيفة بمذبة فِي يَدهَا. فَقَالَت: يَا ستي؛ اكتبي فِي الْكتاب: وَمَتى قَامَ بالمطالبة بِمَا فِي

هَذَا الْكتاب أحد فَهُوَ ولي قبض مَا فِيهِ. فَضَحِك الْأمين وَأمر لَهَا بجائزة. دخل الجماز على صَاحب قيان وَعِنْده عشيقته. فَقَالَ لَهُ الرجل: أتأكل شَيْئا؟ قَالَ: قد أكلت. فَسَقَاهُ نَبِيذ عسل فَلَمَّا كظه جعل يَأْكُل الْورْد كَأَنَّهُ يتنقل بِهِ، ففطنت الْجَارِيَة فَقَالَت لمولاها: يَا مولَايَ أطْعم هَذَا الرجل رغيفاً، وَإِلَّا وَالله خرج خراه جلنجبين معسل. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت أم جَعْفَر فِي إيوَان كسْرَى بِيَدِهَا مدرى وَعَلَيْهَا قبَاء خَز طاروني وَهِي تكْتب على الْحَائِط: 447 - فَلَا تأسفن على ناسك ... وَإِن مَاتَ ذُو طرب فابكه ون. . من لقِيت من الْعَالمين ... فَإِن الندامة فِي تَركه قَالَ: فَقلت لَهَا: يَا سيدة عبد منَاف، مَا هَذَا الشّعْر؟ فَقَالَت: اسْكُتْ، هَذَا الَّذِي بلغنَا عَن آدم أَنه لما جَامع حَوَّاء قَالَت لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّد مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا يُقَال لَهُ الني فَقَالَت: زِدْنِي مِنْهُ فَإِنَّهُ طيب. كَانَ لرجل عنين امْرَأَة فرآها يَوْمًا تساحق أُخْرَى فَقَالَ: وَيلك، خرق على خرق؟ قَالَت: نعم حَتَّى يرْزق الله برقعة. كتبت سحاقة إِلَى حَبَّة لَهَا تزوجت: يَا أُخْتِي، مَا أقبح الصَّاد مَعَ اللَّام، وَأحسن الصَّاد مَعَ الصَّاد {فأجابتها: مَا أحسن اللَّحْم على اللَّحْم، وأقبح الْخبز على الْخبز.} وكتبت أُخْرَى إِلَى صديقَة لَهَا تغايظ بزوجها: لَو تطعمت بأيره مَا تلذذت بِغَيْرِهِ. وعوتبت أُخْرَى وَكَانَت قد تزوجت وَتركت السحاق وزهدت فِيهِ فَقَالَت: يَا أخواتي، رأيتن قفلاً يفتح بقفل؟ قُلْنَ: لَا. قَالَت: قد وجدت لقلي مفتاحاً لَا يتعاظمه ألف قفل، فَمن احْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْكُن لم أبخل بِهِ عَلَيْهَا. قَالَت سحاقة لأخرى: لَيْسَ شَيْء أطيب من الموز - تكني عَن الْجِمَاع -

قَالَت: صدقت، وَلكنه ينْفخ الْبَطن - تكنى عَن الْحَبل. دخلت ديباجة المدينية على امْرَأَة تنظر إِلَيْهَا فَقيل لَهَا: كَيفَ رَأَيْتهَا؟ فَقَالَت: لعنها الله كَأَن بَطنهَا قربَة، وَكَأن ثديها دبة، وَكَأن وَجههَا وَجه ديك قد نقش عفريته يُقَاتل ديكاً. خطب ثُمَامَة الْعَوْفِيّ امْرَأَة فَسَأَلت عَن حرفته فَكتب إِلَيْهَا. وسائلة مَا حرفتي؟ قلت: حرفتي ... مقارعة الْأَبْطَال فِي كل مأزق وضربي طلى الْأَبْطَال بِالسَّيْفِ معلما ... إِذا زحف الصفان تَحت الخوافق فَلَمَّا قَرَأت الشّعْر قَالَت للرسول: قل لَهُ: فديتك أَنْت أَسد فاطلب لنَفسك لبؤة؛ فَإِنِّي ظَبْيَة أحتاج إِلَى غزال. قَالَ رجل لجارية اعترضها - وَكَانَ دميماً فَكَرِهته وأعرضت عَنهُ: إِنَّمَا أريدك لنَفْسي. قَالَت: فَمن نَفسك أفر. وَذكر بَعضهم قَالَ: مرت بِي امْرَأَة وَأَنا أُصَلِّي فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاتقيتها بيَدي، فَوَقَعت على فرجهَا فَقَالَت: يَا فَتى، مَا أتيت أَشد مِمَّا اتَّقَيْت. قَالَ ابْن داحة: رَأَيْت عثيمة بنت الْفضل الضمرية تُرِيدُ أَن تعطس فتضع أصبعها على أنفها، كَأَنَّهَا تُرِيدُ أَن ترد عطاسها وَتقول: لعن الله كثيرا، فَإِنِّي مَا أردْت العطاس إِلَّا ذكرت قَوْله: إِذا ضمرية عطست فن ... هَا ... فَإِن عطاسها حب السفاد دخلت عزة على عَاتِكَة بنت يزِيد فَقَالَت: أَخْبِرِينِي عَن قَول كثير: قضى كل ذِي دين فوفى غَرِيمه ... وَعزة ممطول معنى غريمها. مَا هَذَا الدّين الَّذِي كنت وعدته؟ قَالَت: كنت وعدته قبْلَة، فَلم أُفٍّ لَهُ بهَا. فَقَالَت: هلا أنجزتها لَهُ وَعلي إثمها.

وَقَالَ عقيل بن بِلَال: سمعتني أعرابية أنْشد: وَكم لَيْلَة بتها غير آثم ... بمهضومة الكشحين ريانة الْقلب 448 - فَقَالَت لي: هلا أثمت أخزاك الله. جَاءَت حبى المدينية إِلَى شيخ يَبِيع اللَّبن ففتحت وطباً فذاقته ودفعته إِلَيْهِ وَقَالَت لَهُ: لَا تعجل الشدَّة، ثمَّ فتحت آخر فذاقته ودفعته إِلَيْهِ، فَلَمَّا شغلت يَدَيْهِ جَمِيعًا كشفت ثَوْبه من خَلفه وَجعلت تصفق بِظَاهِر قدمهَا استه وَهِي تَقول: يَا ثَارَاتِ ذَات النحيين! دونكم الشَّيْخ. وَالشَّيْخ يَصِيح وَهِي تصفق إسته فَمَا تخلص مِنْهَا إِلَّا بعد جهد. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت على خَاتم جَارِيَة: إِنَّا نفي إِن لم أُفٍّ. قَالَ: فَقلت: مِمَّن؟ قَالَت: من الزِّنَى. وَذكر أَن الْأَحْنَف اعتم وَنظر فِي الْمرْآة، فَقَالَت امْرَأَته: كَأَنَّك قد هَمَمْت أَن تخْطب امْرَأَة. قَالَ: قد كَانَ ذَلِك. قَالَت: فَإِذا فعلت فَاعْلَم أَن الْمَرْأَة إِلَى رجلَيْنِ أحْوج من الرجل إِلَى امْرَأتَيْنِ. فنقض عمته وَترك مَا كَانَ هم بِهِ. وصفت مدينية رجلا فَقَالَت:: نَا ... ني ني. . اً كَأَنَّهُ يطْلب فِي حري كنزاً من كنوز الْجَاهِلِيَّة. وَدخلت مدينية على فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن فرأت عِنْدهَا ابنيها عبد الله بن الْحُسَيْن وَمُحَمّد بن عبد الله فَقَالَت: من هَذَا؟ قَالَت: هَذَا ابْن الْحسن بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِم السَّلَام فَقبلت رَأسه وَقَالَت: هَذَا من العترة الطّيبَة الْمُبَارَكَة. فَمن الآخر؟ قَالَت: هَذَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان. قَالَت: هَذَا نصفه فِي الْجنَّة وَنصفه فِي النَّار. قَالَ بَعضهم: اشْتريت جملا صعباً فأردنا إِدْخَاله الدَّار فَلم يدْخل، فضربناه وأشرفت علينا امْرَأَة كَأَنَّهَا الْبَدْر فَقَالَت: مَا شَأْنه؟ قُلْنَا: لَيْسَ يدْخل. قَالَت: بلوا رَأسه حَتَّى يدْخل.

قَالَ بَعضهم: عرضت عَليّ طباخة فَقلت: مَا تطبخين؟ فَقَالَت: أطبخ مَا يشتهيه المحموم والمخمور. فاشتريتها فَكَانَت على الزِّيَادَة مِمَّا وصفت. أَدخل علوي على امْرَأَة فَلَمَّا طالبها قَالَت لَهُ: هَات شَيْئا. قَالَ: أما ترْضينَ أَن يلج فِيك بضعَة مني. قَالَت: هَذَا جذر ينْفق بقم. كَانَت بذل الْكَبِيرَة ماجنة فنقشت على خاتمها: " فَالتقى المَاء على أَمر قد قدر ". نظر المتَوَكل إِلَى جَارِيَة منكبة فَلم يرض عجيزتها فَقَالَ: إِنَّك لرسحاء فَقَالَت: يَا سَيِّدي مَا نقصناه من الطست زِيَادَة فِي التَّنور. قَالَ المتَوَكل لجارية استعرضها: أَنْت بكر أم إيش؟ قَالَت: أَنا إيش يَا سَيِّدي. قَالَ بعض النخاسين: اشْتريت جَارِيَة سندية فَكنت إِذا خرجت أقفل عَلَيْهَا الْبَاب، فَجئْت يَوْمًا وَفتحت الْبَاب فَلم أَجدهَا فِي الدَّار، فَصحت بهَا فَلم تجدني، فَصَعدت السَّطْح فَإِذا هِيَ مطلعة على اصطبل وَقد أنزى حمَار على أتان، وَهِي تنظر إِلَيْهِ قَالَ: فأنعظت وَجئْت إِلَيْهَا وَهِي منكبة على الْحَائِط فأولجت فِيهَا فالتفتت إِلَيّ وَقَالَت: يَا مولَايَ، فحرك ذَنْبك واضرط. دَعَا رجل قوما، وَأمر جَارِيَته أَن تبخرهم؛ فأدخلت يَدهَا فِي ثوب بَعضهم فَوجدت إيره قَائِما، فَجعلت تمرسه وتلعب بِهِ وأطالت فَقَالَ لَهَا مَوْلَاهَا: فإيش آخر هَذَا الْعود؟ أما احْتَرَقَ بعد؟ قَالَت: يَا مولَايَ هُوَ عقدَة. 449 - هَذِه فُصُول من كتب زَاد مهر جَارِيَة ابْن جُمْهُور إِلَى مَوْلَاهَا تلِيق بِهَذَا الْبَاب. كتبت إِلَيْك وحياة أَنْفك القاطولي، لَا كَانَ فعالك بِي إِلَّا شرا عَلَيْك، وَلَكِنَّك السَّاعَة الْعَامِل فِي فسا، وَلَيْسَ تذكر مثلي فِي قحاب فسا، الَّذين يدْخلُونَ الرِّجَال وَالنِّسَاء حمام وَاحِد، أَنا أعلم أَنَّك لَو أخرجتني إِلَيْك لوجدت فِي بَيْتك أَربع قحاب كلهم حبالى من ذَلِك البزر الَّذِي لَا يخلف الْحَلَاوَة، كنه الْبِطِّيخ العبدلائي، وَالله

إِن بزر الدفلى خير من بزرك. قطع ظهرك ونسلك! أشتهي وَالله أعلم البغاءات إيش يرَوْنَ فِي وَجهك؟ الَّذِي، وَالله، وَإِلَّا فَأَنا جاحدة مُشركَة إِن أخطئ أقبح من عُصْفُور مقلي بِزَيْت، وَلَكنهُمْ إِذا أبصروا الشوابير قَالُوا: ذَا من ولد الْعَبَّاس. يَا هَذَا، للنِّسَاء مُؤَن لَا يقف عَلَيْهَا الرِّجَال. أهونها الدبق. فَعَسَى تُرِيدُ أَن أطول طعنه فِي كبدك وآكله على حَال لَا بُد من تنظيفه. إِن لم نزن ساحقنا. وَاعْلَم علم يَقِين أَن النَّفَقَة وَالْكِسْوَة إِن تَأَخَّرت عني خرجت وَالله وغنيت وَقمت بَطْني وَعشرَة معي، وأنفقت على روحي كَمَا أشتهي، وَإِن فضل من الجذر شَيْء لم أظلمك وأبعث بِهِ إِلَيْك تنفقه أَنْت. وَاعْلَم أَن الْجَارِيَة إِذا خرجت للغناء دخل سراويلها الزِّنَى. فَأَنت أبْصر وَلَا تطمع أَن أخرج إِلَيْك. لَا وحياتك. طمعويه بنى غرفَة فانويه قعد فِيهَا. عَلَيْك يَا بن جُمْهُور بقحاب فسا وشيراز الَّذين يشتهونك مائَة بصفعة، الَّذين إِذا قُمْت على الْوَاحِدَة قُمْت وَفِي كمك عشْرين ضرطة يَا مداذية. وَلَوْلَا أَبوك الشَّيْخ - أبقاه الله - كنت قد خريت كبدك على لبدك. وَلَكِن إيش بعد قَلِيل تنْفق كل مَا جمعت فَتكون مثل ذَلِك الَّذِي تبخر وفسا، خرج لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ بالسواء، هوذا أنصحك. ابْعَثْ إِلَيّ بِنَفَقَة وَإِلَّا وحياتك خرجت وغنيت، فقد قَالَ الْقَائِل: من لم يكن يدك فِي قصعته لَا يهولك بريق صلعته. وَمن كتاب آخر لَهَا: إِن عزمت على حملي إِلَى عنْدك ابْعَثْ إِلَيّ رقْعَة بخطك تحلف فِيهَا بِالطَّلَاق أَنَّك لَا تضربني وَلَا تخاصمني وَلَا تعذبني، وَلَو قلعت لَك كل يَوْم حدقة، وَإِلَّا فَبَارك الله لَك وَبَارك الله لنا قواد ابْن أبي الساج هُوَ ذَا يدْخلُونَ الْبَصْرَة وَمن كَانَ جذرها عشْرين سَوف يصير أَرْبَعِينَ. وَأَنا سِتّ من خرجت وغنت. فَأَما قَوْلك فِي كتابك أَن اخْرُجِي إِلَى دارانجرد على الْبَحْر، فَإِنَّهُ أقرب،

فأشير إِلَيْك إِذا أردْت أَن ترجع إِلَى الْبَصْرَة أَن تَأْخُذ على طَرِيق الْبَحْر، فَإنَّك رجل ومعك صناديق وَثقل، وَأَنا جَارِيَة ضَعِيفَة الْقلب، وسقوطي من الْحمار كل يَوْم عشر مَرَّات أحب إِلَيّ من أَن يأكلني السّمك. هتك سترك يَا بن جُمْهُور! فقد بَان لي هواني عَلَيْك، وَلَيْسَ مَا كنت تختم الْقُرْآن على حري كل يَوْم سبعين مرّة من الشَّفَقَة، وبينما تَقول لي: ارْكَبِي الْبَحْر. هِيَ لَك فِي قلبِي حَتَّى أَمُوت. أَنا أعلم وَأَنا أجيء إِلَيْك، وَقد فني مَاء صلبك، فَكل فِي كل يَوْم لحم كباب وبصلية 450 ومدققة واشرب وَلَا تزن حَتَّى أجيء إِلَيْك، وَهُوَ ذَا أنتف إِذا سلم الله وَبَلغت جويم ثمَّ أتبخر وأتطيب وَأدْخل إِلَيْك وَلَيْسَ - وَعزة الله - يَقع عَيْنك على بَاب الدَّار شهرا. فانبذ لي نبيذاً كثيرا وَلَا تحوجني إِلَى أَن أَشْتَرِي كل يَوْم نبيذاً وأرهن من بَيْتك علقاً وَيَقَع بَيْننَا الْخُصُومَات. وَفِي كتاب آخر: سخنت عَيْنك، قد صرت لوطياً صَاحب مردان، أعوذ بِاللَّه من البطر. وَلَكِن الحائك إِذا بطر سمى بنته نَخْلَة، وَأخذ خبزه من الزنجبيل وَجعله فِي سلة، وحياة رَأسك يَا أَبَا عَليّ لأغيظنك بِمَا أَنْت فِيهِ من هَذِه الْأَيَّام فَمَا أَخطَأ الْقَائِل: لَا تغبطن مقامراً بقماره ... يَوْم سمين دهره مهزول وَاعْلَم أَنِّي لست على سلال لالك فَمرَّة أَنْت صَاحب غلْمَان، وَمرَّة صَاحب نسَاء وقحاب. وَالله لأنصفنك: إِذا أخذت أَنْت فِي القحاب أَخذنَا فِي الربطاء وَإِذا أخذت أَنْت فِي الغلمان أَخذنَا فِي الحبائب، وَإِذا زَنَيْت قحبنا، وَإِذا لطت ساحقنا؛ حَتَّى نَنْظُر التُّرَاب من سبع مزابل على شقّ است من يكون منا، والندامة وَالْعَيْب على من يرجع. فِي است المعبون عود. لمه لَا أخرج خرجَة وَلَا أقلع خَفِي فِيهَا إِلَّا بِثَلَاثَة دَنَانِير، وَإِذا خرجت بِالْغَدَاةِ قلت: اصبحوا بِخَير، ثمَّ أجئ بِهِ لَك شهزوري مقمط مَكْحُول، أغمس يَده فِي الزَّعْفَرَان وأبعث بِهِ إِلَيْك فَإِذا رَأَيْت تمنيت أَن الَّذِي برزه كَانَ برزه لَك، من حِين لم تعْمل معي بالجنون وتأكل بِالصِّحَّةِ إِمَّا جِئْت إِلَى الْبَصْرَة وَإِلَّا وَعزة الله خرجت إِلَى بَغْدَاد. بَارك الله لَك فِي قلمك، وَلنَا فِي دواتنا، وَالسَّلَام، وَأطَال الله بَقَاء القَاضِي وَجَعَلَنِي فدَاه.

وَمن كتاب آخر: وَلَيْسَ عجبي إِلَّا من غضبك ودلالك عَليّ، ويمينك فِي كتابك بالطالب الْغَالِب أَنِّي إِن لم أخرج إِلَيْك يَوْم الثَّالِث من مَجِيء غلامك أَنْت لَا تكْتب إِلَيّ وَلَا تتعرف بِي. آخ {بحياتي عَلَيْك لَا تفعل} قد احْتَرَقَ كمخت خَفِي من هَذَا الحَدِيث {بِاللَّه لَا تظن فِي قَلْبك أَنِّي منقطعتك، أَو قعيدتك، أَو بنت دايتك، أَو زنجية بَين يَديك. إِذا أردْت أَن تغْضب فنكب حدتك واشرب مَاء الباذنجان. حَتَّى يسكن مرارتك. لَيْسَ أَنا - فديتك سقوطرية وَلَا خلدية. فَإِذا أردْت أَن تكلمني فاغسل فمك بمسك وَمَاء ورد وَانْظُر كَيفَ تكلمني. هتك الله ستري إِن كنت أرْضى أَن تكون كاتبي، فَكيف مولَايَ؟ وَلَكِن الشَّأْن فِي البخت. وتهددك لي بِقطع النَّفَقَة عني أَشد من كل شَيْء فِي الدُّنْيَا، وَقد صَار وَجْهي إِصْبَعَيْنِ من الْغم. فَالله الله يَا مولَايَ اتَّقِ الله وَلَا تضيعني} لَا يحل لَك سُبْحَانَ الله، ذهبت الرَّحْمَة من قَلْبك. أَحسب أَنِّي بعض قراباتك الَّذين تجْرِي عَلَيْهِم، فَإِنِّي من الْغم مَا يدْخل لساني فِي أنفي وَلَا يَجِيء النّوم فِي عَيْني. وَقد قَرَأت فِي كتابك إِلَى أختك إِن نشطت مختارة أَن تخرج معي إِلَيْك يخرجونها، وَأَن يضمنوا لَهَا عَنْك النَّفَقَة الواسعة، وَالْكِسْوَة. وحديثك حَدِيث الَّذِي قَالَ: أخبروني أَنَّك تكسو العراة، اكس استك بادئاً أَنْت لَيْسَ يمكنك أَن تقوم بنفقتي وحدي ومئونتي. كَيفَ تقوم بمئونة غَيْرِي. وَلَكِن يَا بن جُمْهُور قَلْبك لَا يصبر عَن فُؤَادك. ذكر الْفِيل بِلَاده 451 وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ خَصْلَتَيْنِ إِمَّا أَن يكون فِي قَلْبك مِنْهَا شَيْء وَإِمَّا أَن يكون تُرِيدُ أَن تقين علينا جَمِيعًا فِي فَارس. عَسى قد ضَاقَ عَلَيْك المعاش وَهُوَ ذَا نجي جَمِيعًا، فاطلب لنا رقباء، وازرع بُسْتَان سذاب، وَافْتَحْ دكان واقعد لبان. فعلينا أَن نجيب لَك كل يَوْم زقين دوغ واقعد واشرب كَأَنَّك ابْن سِنِين، أَو ابْن أبي نبيه. أخير لَك يَا ميشوم من الْحَرَام وَعمل السُّلْطَان، تَأْخُذ دَرَاهِم النَّاس بِلَا طيبَة قُلُوبهم وَلَيْسَ يُعْطِينَا إِنْسَان درهما إِلَّا بِطيبَة قلب، وَبعد مَا يقبل الأَرْض، وَنحن نجيب إِلَيْك الْهَدَايَا، وَأَنت غافل فِي بَيْتك تن. . بِاللَّيْلِ بأيرك كُله وَإِذا حبلت الْوَاحِدَة منا ادَّعَتْهُ على وَاحِد من السلاطين والكتبة، تنتقي لكل ولد لَك كل كَاتب أنبل من الآخر. وَلَو شِئْت جِئْت إِلَى الأهواز، فَإِن هَذَا الْعَمَل لَيْسَ يجوز لنا فِي فَارس مَعَ الْأَمِير نجح - أعزه الله - فقد قَالَ لي غلامك إِنَّه مَا ترك فِي شيراز مغنية وَلَا مخنث وَلَا قواداً وَلَا نباذاً فَكيف تعْمل بِنَا تحتي يَا سخين الْعين

إِذا جئتنا؟ وَالله إِنِّي أَرْجُو أَن تقعد وتعنى وَتَقَع الكبسة. ويحملونا كلنا إِلَيْهِ وَيحلف أَنه يحملني على عُنُقك وَيَطوف بِي شيراز كلهَا. فَإِنِّي وَالله قد كنت أشتهي أَرَاهَا وأطوف أسواقها راكبةً، فَلم يقْض ذَلِك. وَقد اشْتريت وصيفة قوالة بسبعة وَثَمَانِينَ دِينَارا حلوة الْوَجْه، مليحة الْأَطْرَاف لَهَا طبع، وَقد طارحتها ثقيل الأول، وتعلمت سِتَّة أصوات، وَبَدَأَ كفها يَسْتَوِي، وَقد جاب لي فِيهَا ابْن سخيب النخاس ربح خَمْسَة عشر دِينَارا وَلم أفعل. وسوف، وحياة شوابيرك، وملاحة كحلك، أخرج مِنْهَا جَارِيَة بِخَمْسَة آلَاف دِرْهَم، وأخرجها تعنى. وَذَلِكَ الْوَقْت لَا أحتاج إِلَى كسوتك ونفقتك، وَلَا يكون لأحد على أحد فضل، وَلَا يقدر إِنْسَان يني ... إنْسَانا إِلَّا بِحقِّهِ وَصدقه؛ من رَضِي فَردا بِعشْرَة دَنَانِير، وَإِلَّا يَأْخُذ بيد نَفسه وينصرف وَإِن كلمني إِنْسَان أدخلته فِي صدغ أمه معرقف بطاقين وَهُوَ ذَا أجيء، وَتَطير ناريتك، ويسود سطحك، وَيطْلبُونَ لَك الْجِنّ، وَلَيْسَ، وَعزة الله، وحياة من أحب، وَإِلَّا حشرني الله حدباء على بقرة، وَبِيَدِي مغرفة، وَعلي لبادة فِي حزيران وتموز، وتطمع تطرح يدك إِلَّا بعد أَن تبلغ خمسين روزنامجه يَمِين، ثمَّ تحلف بِالطَّلَاق أَنَّك لَا تمد عَيْنك إِلَى حَلَال وَلَا حرَام غَيْرِي، وتبيع كل مَمْلُوك لَك أَمْرَد، وَإِلَّا تساهلنا حَتَّى نساهلك، وتغافل حَتَّى تتغافل. إِن بني إِسْرَائِيل شَدَّدُوا فَشدد الله عَلَيْهِم. وَقد احْتبست عَليّ علتي، والسحاق لَا يَجِيء مِنْهُ ولد، وأسأل الله السَّلامَة. وَقَالُوا: إِنَّك تخضب؛ فَلَيْسَ وَالله تصلح لي السَّاعَة، وَلَا بُد من ربيط شَاب، فطيب نَفسك بحب الرُّمَّان. فصل آخر: يصلح لَك مثل الحمارة الَّتِي فِي بَيْتك، تقير رَأسهَا وَلَا تقدر تكلمك، تظن بك أَنَّك ابْن الموبذ وَابْن طومار، مثل زادمهر الَّتِي تدقك دق الكشك، وتهينك هوان الْكَتَّان، لَا تصلح لَك وَالله. مَا كنت أشبه دَارك إِلَّا بدير هِرقل وَأَنا مَرْيَم وَأَنت الْمَجْنُون، فخلصني رَبِّي من ذُنُوبِي كَمَا خلصني مِنْك. حَسبك مَا بك، لِأَنِّي أعلم أَنَّك وَإِن كنت فِي عمل أَن الله لَا يضيع لَك.

الباب التاسع نوادر القصاص

الْبَاب التَّاسِع نَوَادِر الْقصاص نَوَادِر أبي القطوف الْقَاص قيل لأبي القطوف وَكَانَ يُفْتِي وَيحدث ويقص وَهُوَ قَاضِي حران: مَا ترى فِي السماع؟ فَقَالَ: أما على الْخَسْف فَلَا. وَقيل لَهُ: مَا تَقول فِي نَبِيذ الْعَسَل؟ قَالَ: لَا تشربه. قيل: وَلم؟ أحرام هُوَ؟ قَالَ: بل هُوَ نعْمَة لَا تقوم بشكرها. وَقيل لطربال: مَا تَقول فِي الْإِبِط يمس، أيتوضأ مِنْهُ؟ قَالَ: يَا بن أَخ، كَمَا يكون الْإِبِط يغْتَسل مِنْهُ. نَوَادِر أبي سِنَان السدُوسِي وَكَانَ أَبُو سِنَان السدُوسِي يَقُول: فلَان عِنْدِي أكفر من رامهر مز وَبكى حوله وَلَده وَهُوَ يُرِيد مَكَّة فَقَالَ: لَا تبكوا، بِأبي أَنْتُم، فَأَنِّي أُرِيد أَن أضحي عنْدكُمْ. وَقَالَ: تزوجت امْرَأَة مخزومية عَمها الْحجَّاج بن الزبير الَّذِي هدم الْكَعْبَة. من عَاشَ خمسين سنة لم يَعش شَيْئا قَالَ أَبُو عُثْمَان: وَكَانَ عندنَا قاص يُقَال لَهُ: أَبُو مُوسَى كوش فَأخذ يَوْمًا فِي ذكر قصر أَيَّام الدُّنْيَا وَطول أَيَّام الْآخِرَة، وتصغير شَأْن الدُّنْيَا وتعظيم شَأْن الْآخِرَة، فَقَالَ: هَذَا الَّذِي عَاشَ خمسين سنة لم يَعش شَيْئا وَعَلِيهِ فضل سنتَيْن! قَالُوا: وَكَيف ذَاك؟ قَالَ: خمس وَعِشْرُونَ سنة ليل هُوَ نَائِم فِيهَا، لَا يعقل قَلِيلا وَلَا كثيرا، وَخمْس سِنِين قائلة، وَعِشْرُونَ سنة إِمَّا أَن يكون صَبيا، وَإِمَّا أَن يكون مَعَه سكر الشَّبَاب وَهُوَ لَا يعقل؛ وَلَا بُد من صبحة بِالْغَدَاةِ، ونعسة بَين الْمغرب وَالْعشَاء،

اسم الذئب الذي اكل يوسف

ويناله فِيهَا كالغشي الَّذِي يُصِيب الْإِنْسَان مرَارًا فِي دهره؛ فَإِذا حصلنا ذَلِك فقد صَحَّ أَن الَّذِي عَاشَ خمسين سنة لم يَعش شَيْئا وَعَلِيهِ فضل سنتَيْن. قَرَأَ سيفويه الْقَاص: " ثمَّ فِي سلسلة ذراعها تسعون ذِرَاعا، فَقيل لَهُ: فَإِن الله يَقُول: " سَبْعُونَ ذِرَاعا "، وَقد زِدْت أَنْت عشْرين ذِرَاعا فَقَالَ: نعم هَذِه عملت لبغاً ووصيف، فَأَما أَنْتُم فيكفيكم شريط بدانق وَنصف. قَالَ جاحظ: كَانَ عبد الْأَعْلَى الْقَاص لغَلَبَة السَّلامَة عَلَيْهِ يتَوَهَّم عَلَيْهِ الْغَفْلَة، وَهُوَ الَّذِي ذكر الْفَقِير فِي قصصه مرّة فَقَالَ: الْفَقِير مرقته سلقة، وَرِدَاؤُهُ علقَة، وسمكته شلقة. قَالَ ثمَّ ذكر الْخصي فَقَالَ: إِذا قطعت خصيته قويت شَهْوَته، وسخنت معدته، ولانت جلدته، وانجردت شعرته. واتسعت فقحته، وَكَثُرت دمعته. قَالَ أَبُو أَحْمد التمار فِي قصصه: وَلَقَد عظم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ حق الْجَار، وَقَالَ فِيهِ قولا أستحي من ذكره! اسْم الذِّئْب الَّذِي أكل يُوسُف قَالَ أَبُو عَلْقَمَة: كَانَ اسْم الذِّئْب الَّذِي أكل يُوسُف كَذَا. قَالُوا لَهُ: فَإِن يُوسُف لم يَأْكُلهُ الذِّئْب، وَإِنَّمَا كذبُوا على الذِّئْب. قَالَ: فَهَذَا اسْم الذِّئْب الَّذِي لم يَأْكُل يُوسُف. وَقَرَأَ فِي حَلقَة سيفويه: " كأنهن الْيَاقُوت والمرجان ". فَقَالَ سيفويه: هَؤُلَاءِ خلاف نِسَائِكُم القحاب. وَقَرَأَ آخر: " كَأَنَّمَا أغشيت وُجُوههم قطعا من اللَّيْل مظلماً ". فَقَالَ سيفويه: فَإِذا الْقَوْم من أجل صلَاتهم بِاللَّيْلِ كَذَا. استفتي بَعضهم فِي إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن فَقَالَ: مَالك يبيحه وَغَيره من

نوادر سيفويه

الْفُقَهَاء يَقُول: إِنَّه إِذا استكرهت 453 الْمَرْأَة عَلَيْهِ وَجب على الزَّوْج أَن يزِيد فِي صَدَاقهَا عشرَة دَرَاهِم، وَإِن كَانَ بِرِضا مِنْهَا نقص مِنْهُ عشرَة. والتفت إِلَى ابْن لَهُ حَاضر وَأَشَارَ إِلَيْهِ فَقَالَ: تزوجت أم هَذَا على اثنى عشر ألف دِرْهَم عقدت على نَفسِي بهَا وَقد حصل الْآن لي عَلَيْهَا أَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ درهما. كَانَ أَبُو سَالم الْقَاص الْبَصْرِيّ يُنَادي: اللَّهُمَّ، اجْعَلْنَا صَعِيدا زلقاً فَيَقُول الغوغاء: آمين آمين. وقص بَعضهم فَلَمَّا ابْتَدَأَ يسْأَل أُقِيمَت الصَّلَاة، وَخَافَ أَن يتفرق النَّاس. فَقَالَ: يَا فتيَان، الْعَجَائِب بعد الصَّلَاة. نَوَادِر سيفويه سَأَلَ وَاحِد سيفويه عَن حفظه الْقُرْآن فَقَالَ: أحفظه آيَة آيَة، قيل لَهُ: فَمَا أول الدُّخان؟ قَالَ: الْحَطب الرطب. وَكَانَ أَبُو كَعْب الْقَاص يَقُول فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ صل على جِبْرِيل واغفر لأمنا عَائِشَة، وَعَافنِي من وجع الْبَطن. استفتي وَاحِد مِنْهُم فِي الْخُنْثَى وَقيل: لَهُ مَا للرجل وَمَا للْمَرْأَة؟ فَقَالَ: تزوج من حلقي يني ... هَا وتني. . هـ صفة الْملك كَانَ أَبُو عقيل الْقَاص يَقُول: الرَّعْد ملك أَصْغَر من نحلة وَأعظم من زنبور. فَقَالُوا: لَعَلَّك تُرِيدُ أَصْغَر من زنبور وَأعظم من نحلة. فَقَالَ: لَو كَانَ كَذَا لم يكن يعجب. وَسَأَلَهُ رجل وَهُوَ فِي الْجَامِع عَن مَسْأَلَة فِي الْحيض لم يعرفهَا فَقَالَ: وَيلك. خرج هَذِه القاذورات من الْمَسْجِد حَتَّى نخرج. وَكَانَ بِالريِّ رجل مِنْهُم يُفْتِي، فَجَاءَتْهُ امْرَأَة وَسَأَلته عَن مَسْأَلَة فِي الْحيض فَأخْرج لَهَا دفتراً وَجعل يتصفحه ورقة ورقة لَا يَهْتَدِي مِنْهُ إِلَى شَيْء، إِلَى أَن بلغ إِلَى ورقة مخرمَة فَقَالَ للْمَرْأَة - وَعرض عَلَيْهَا الْخرق: أيش يمكنني أَن أفعل؟ وَمَوْضِع حيضك مخرق.

دعاء

دُعَاء وَكَانَ بَعضهم يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر لنا كل نعْمَة وحسنة، واحشرني فِي جملَة سَيِّدي أبي عبد الله بن حَنْبَل، وَلَا تغْفر للرافضة. كَيفَ يَمُوت الشَّيْطَان كَانَ بَعضهم يَقُول: يَا معشر النَّاس؛ إِن الشَّيْطَان إِذا سمى الْإِنْسَان على الطَّعَام وَالشرَاب لم يَأْكُل مَعَه. وَإِذا لم يسم أكل مَعَه؛ فَكُلُوا خبز الْأرز والمالح وَلَا تسموا ليَأْكُل مَعكُمْ، ثمَّ اشربوا وَسموا ليَمُوت عطشاً. حلق بَعضهم لحيته وَقَالَ: إِنَّهَا نَبتَت على الْمعْصِيَة. وَكَانَ بَعضهم يحجّ عَن حَمْزَة وَيَقُول: اسْتشْهد قبل أَن حج، ويضحى عَن أبي بكر وَعمر يَقُول أَخطَأ السّنة فِي ترك الْأُضْحِية. وَقيد آخر إِحْدَى عَيْنَيْهِ وَقَالَ: النّظر بهما إِسْرَاف. وَكَانَ بعض الْقصاص يتشدد فِي خلق الْقُرْآن، فَسئلَ عَن مُعَاوِيَة: هَل كَانَ مخلوقاً؟ فَقَالَ: كَانَ إِذا كتب الْوَحْي غير مَخْلُوق، وَإِذا لم يكْتب كَانَ مخلوقاً. قَالَ بعض الْقصاص يَوْمًا: يَا قوم، هَل علمْتُم أَن الله قد ذكر الهريسة فِي الْقُرْآن لفضلها؟ فَقَالُوا: أَيْن ذكرهَا؟ فَقَالَ: اذبحوا بقرة " واضربوه بِبَعْضِهَا "، " وفار التَّنور ": " ولتركبن طبقًا على طبق ". سَأَلَ رجل سيفويه الْقَاص: مَا الغسلين؟ فَقَالَ: على الْخَبِير سَقَطت. سَأَلت عَنهُ شَيخا من فُقَهَاء الْحجاز مُنْذُ أَكثر من سِتِّينَ سنة فَقَالَ: لَا أَدْرِي. وَجَاءَت امْرَأَة إِلَى وَاحِد مِنْهُم فَقَالَت: يَا جَعْفَر؛ مَرْيَم بنت عمرَان كَانَت نبية؟ قَالَ: لَا يَا فاعلة. قَالَت لَهُ: فإيش كَانَت؟ قَالَ: كَانَت مَلَائِكَة.

اول ما يدخل الجنه

وَكَانَ بِالْكُوفَةِ قاص يَقُول: إِن أَبَانَا آدم أخرجنَا من الْجنَّة، فَادعوا الله أَن يدخلنا من حَيْثُ أخرجنَا. وَكَانَ بِالشَّام قاص يَقُول: اللَّهُمَّ أهلك أَبَا حسان الدقاق 454 فَإِنَّهُ يتربص بِالْمُسْلِمين ويغلي أسعارهم، ومنزله أول بَاب فِي الدَّرْب على يسارك هُوَ. قَالَ أَبُو سَالم الْقَاص: لَو كنت هِنْد بنت عتبَة حِين لاكت كبد حَمْزَة أجازتها إِلَى جوفها مَا مستها النَّار. فَقَالَ النهرتيري: اللَّهُمَّ أطعمنَا من كبد حَمْزَة. جَاءَ رجل إِلَى سيفويه فَقَالَ: قد عزمت على أَن أَتُوب فَكيف أعمل؟ فَقَالَ: إِمَّا أَن تحلق لحيتك أَو تشتري سلما أَو تنحدر إِلَى وَاسِط. أول مَا يدْخل الْجنَّة كَانَ بَعضهم يَقُول: أول مَا يدْخل الْجنَّة من الْبَهَائِم الطنبور؛ قيل لَهُ: وَكَيف ذَاك؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يضْرب بَطْنه، ويعصر حلقه، وتعرك أُذُنه. وقف رجل على القتاد الصُّوفِي وَسَأَلَهُ عَن الْمحبَّة. فَقَالَ القتاد: قد جَاءَنِي بِرَأْس كَأَنَّهُ دبة ولحية كَأَنَّهَا مذبه، وقلب عَلَيْهِ مكبة، يسألني عَن طَرِيق الْمحبَّة، وَهُوَ قِيمَته حَبَّة. فتيا القَاضِي أبي يُونُس دخل أَبُو يُونُس وَكَانَ فَقِيه مصر على بعض الْخُلَفَاء فَقَالَ لَهُ: مَا تَقول فِي رجل اشْترى شَاة فضرطت، فَخرجت من استها بَعرَة، فقأت عين رجل. على من الدِّيَة؟ قَالَ: على البَائِع: قَالَ: وَلم؟ قَالَ: لِأَنَّهُ بَاعَ شَاة فِي استها منجنيق، وَلم يبرأ من الْعهْدَة. غزا قاص فَقيل لَهُ: أَتُحِبُّ الشَّهَادَة؟ فَقَالَ: إِي وَالَّذِي أسأله أَن يردني سالما إِلَيْكُم. كَانَ أَبُو تَوْبَة الْقَاص يَقُول: احمدوا ربكُم عز وَجل؛ تشترون شَاة سَوْدَاء فتحلبون مِنْهَا لَبَنًا أَبيض، وتبخرون فتعبق ثيابكم، وتفسون فِيهَا فَلَا تعبق.

فتيا طريضه

فتيا طريضة كَانَ ابْن قريعة القَاضِي فِي مجْلِس المهلبي جَالِسا، فوردت عَلَيْهِ رقْعَة فِيهَا: مَا يَقُول القَاضِي أعزه الله فِي رجل الْحمام، وَدخل فِي الأبزن لَعَلَّه كَانَت بِهِ فَخرجت مِنْهُ ريح وتحول المَاء زيتاً، فتخاصم الحمامي والضارط، وَادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه يسْتَحق الزَّيْت جَمِيعًا بِحقِّهِ فِيهِ. فَكتب القَاضِي فِي الْجَواب: قَرَأت هَذِه الْفتيا الطريفة، فِي هَذِه الْقِصَّة السخيفة، وأخلق بهَا أَن تكون عنتاً بَاطِلا، وكذباً ماحلاً. وَإِن كَانَ ذَلِك كَذَلِك، وَهُوَ من أَعَاجِيب الزَّمَان، وبدائع الْحدثَان فَالْجَوَاب وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق: أَن للصاقع نصف الزَّيْت بِحَق رجعائه وللحمامي نصف الزَّيْت بقسط مَائه، وَعَلَيْهِمَا أَن يصدقا الْمُبْتَاع مِنْهُمَا عَن خبث أَصله، وقبح فَصله، حَتَّى يَسْتَعْمِلهُ فِي مسرجته، وَلَا يدْخلهُ فِي أغذيته. قَرَأَ رجل فِي مجلي سيفويه: " وَقَالَ نسْوَة فِي الْمَدِينَة امْرَأَة الْعَزِيز تراود فتاها عَن نَفسه " فَقَالَ سيفويه: قد أَخذنَا فِي أَحَادِيث القحاب وَسمع رجلا يقْرَأ: " فبهت الَّذِي كفر " فَقَالَ: أتلومه! وَقَرَأَ قَارِئ: " وحملناه على ذَات أَلْوَاح ودسر " فَقَالَ سيفويه: عز عَليّ حملانهم. يتَوَهَّم أَنَّهَا جَنَازَة. . وَكَانَ أَبُو أسيد يَقُول فِي قصصه: كَانَ ابْن عمر يحف شَاربه حَتَّى يرى بَيَاض إبطه. من نَوَادِر عبد الْأَعْلَى كَانَ عبد الْأَعْلَى قَاصا: فَقَالَ يَوْمًا: تَزْعُمُونَ أَنِّي مراءٍ، وَكنت وَالله أمس صَائِما، وَقد صمت الْيَوْم وَمَا أخْبرت بذلك أحدا.

دعاء قاص

وَمر عبد الْأَعْلَى بِقوم وَهُوَ يتمايل سكرا فَقَالَ إِنْسَان: هَذَا عبد الْأَعْلَى الْقَاص. فَقَالَ: مَا أَكثر من يشبهني بذلك الرجل الصَّالح {قَالَ قاص بِالْمَدِينَةِ فِي قصصه: ود إِبْلِيس أَن لكل رجل مِنْكُم خمسين ألف دِرْهَم يطغى بهَا. فَقَالَ رجل من الْقَوْم: اللَّهُمَّ أعْط إِبْلِيس سؤله فِينَا. حُكيَ عَن شيخ مِنْهُم بِبَغْدَاد كَانَ يعرف بختن حمامة أَنه كَانَ يَقُول: خلفاء الله فِي الأَرْض ثَلَاثَة: آدم لقَوْله: إِنِّي جاعلك فِي الأَرْض خَليفَة وَدَاوُد: " إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض وَأَبُو بكر، لقَوْل الْأمة: أيا خَليفَة رَسُول الله. والأمناء ثَلَاثَة: جِبْرِيل لِأَنَّهُ تحمل عَن الله، وَمُحَمّد لِأَنَّهُ بلغ الْأمة، وَمُعَاوِيَة 455 لِأَنَّهُ كتب الْوَحْي. وَبلغ من عقله أَنه رأى عقرباً فِي دَاره فَقَالَ لَهَا: يَا مشئومة؛ اخْرُجِي لَا تقتلك أُمِّي. وَكَانَ مُولَعا بإطعام الْكلاب وَيَقُول إِذا أطعمها: هَؤُلَاءِ أولى من الرافضة. قَالَ الْأَصْمَعِي: اختصمت الطفاوة وَبَنُو راسب فِي صبي يَدعِيهِ كل وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ إِلَى ابْن عرباض، فَقَالَ: الحكم فِي هَذَا بَين. قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: يلقى الصَّبِي فِي المَاء فَإِن طفا فَهُوَ طفاوي، وَإِن رسب فَهُوَ راسبي. كَانَت أم عَيَّاش تحسن إِلَى سيفويه وتتعهده، فَكَانَ إِذا اجْتمع إِلَيْهِ النَّاس قَالَ: يَا معاشر الْمُسلمين، ادعوا الله لأم عَيَّاش؛ فَإِنَّهَا صديقتي. فَبلغ عياشاً فَبعث إِلَيْهِ وَقَالَ: قد فضحتني بِهَذَا القَوْل فَأمْسك عَنهُ. فَقَالَ: سُبْحَانَ الله} لَو أَنَّهَا معي فِي إِزَار وَاحِد مَا كنت تخَاف عَليّ. دُعَاء قاص قَالَ أَبُو العيناء: كَانَ عندنَا قاص جيد اللَّفْظ من الْعبارَة، وَكَانَ لوطياً، فَكَانَ إِذا رأى فِي حلقته غُلَاما يُعجبهُ رفع يَده ثمَّ قَالَ للْجَمَاعَة: قُولُوا عِنْد دعائي: آمين. ثمَّ يَقُول: هَذَا الْعَدو قد أقبل يُرِيدكُمْ: اللَّهُمَّ امنحنا أكتافهم. اللَّهُمَّ كبهم على مناخرهم ووجوههم، اللَّهُمَّ وَلنَا أدبارهم

نادره طريفه عن محدث

اللَّهُمَّ اكشف لنا عَوْرَاتهمْ، وسلط أرماحنا على أَجْوَافهم وَالْقَوْم يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ آمين. سُئِلَ أَبُو قَابُوس الصُّوفِي عَن النَّبِيذ فَقَالَ: حَلَال على السراة حرَام على السّفل. نادرة طريفة عَن مُحدث انحدر بعض أَصْحَاب الحَدِيث من سر من رأى فِي سفينة، وَمَعَهُ فِيهَا نَصْرَانِيّ فتغديا جَمِيعًا ثمَّ أخرج زكرة كَانَت مَعَه فِيهَا شراب، فصب فِي مشربَة كَانَت مَعَه، وَشرب، ثمَّ صب فِيهَا وعرضها على الْمُحدث فَتَنَاولهَا من غير امْتنَاع وَلَا مكاس وَشرب. فَقَالَ النَّصْرَانِي: جعلت فدَاك. إِنَّمَا عرضت عَلَيْك كَمَا يعرض النَّاس، وَإِنَّمَا هِيَ خمر. قَالَ: وَمن أَيْن علمت أَنَّهَا خمر؟ قَالَ: غلامي اشْتَرَاهَا من إِنْسَان يَهُودِيّ وَذكر أَنَّهَا خمر، فَشربهَا بالعجلة وَقَالَ: لَو لم يكن إِلَّا لضعف الْإِسْنَاد لشربتها. ثمَّ قَالَ لِلنَّصْرَانِيِّ: أَنْت أَحمَق. نَحن أَصْحَاب الحَدِيث نضعف حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَيزِيد بن هَارُون، أفنصدق نَصْرَانِيّا عَن غُلَامه عَن يَهُودِيّ. هَذَا محَال. سُئِلَ الشيرجي عَن أَرْبَعِينَ رَأْسا من الْغنم نصفهَا ضَأْن وَنِصْفهَا مَاعِز، مَا الَّذِي يجب فِيهَا؟ فَقَالَ: يجب فِيهَا شَاة نصفهَا ضَأْن وَنِصْفهَا مَاعِز. كسر جَامع الصيدلاني يَوْمًا كوزاً، فَخرج من جَوْفه لوزتان فَقَالَ: سُبْحَانَ الله من يصور فِي الْأَرْحَام مَا يَشَاء. وجاءته يَوْمًا فَقَالَت: لم يبْق البزر. فَقَالَ: وَكَيف يبْقى وَأَنْتُم تقعدون حوله عشرَة عشرَة. وَدخل يَوْمًا ليَشْتَرِي نعلا لابنته فَقَالُوا: كم سنّهَا. فَقَالَ: لَا أَدْرِي وَالله غير أَنَّهَا فِي حم السَّجْدَة. وَولد لَهُ ابْن فَقيل لَهُ: مَا سميته؟ فَقَالَ: سميته عَليّ بن عَاصِم الْمُحدث. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت سيفويه مُتَعَلقا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة وَهُوَ يَقُول: ارْحَمْ ترحم. ارْحَمْ ترحم.

واجتاز بِبَاب شوكي فوطئ الشوك، وَدخلت فِي رجله شَوْكَة، فَقَالَ للشوكي: اجْعَلنِي فِي حل من هَذِه الشَّوْكَة. فَإِنِّي لست أقدر على إخْرَاجهَا فِي هَذِه السَّاعَة. فَكنت أردهَا عَلَيْك. وَاشْترى ديكاً هندياً وَشد فِي رجله فَرد نعل سندي لِئَلَّا يخرج، فَانْقَطع الْخَيط وَخرج الديك، فَخرج سيفويه فِي طلبه، وَجعل يسْأَل جِيرَانه وَيَقُول: أَرَأَيْتُم ديكاً هندياً فِي رجله نعل سندي. ألقِي إِلَى أبي سَالم الْقَاص خَاتم بِلَا فص. فَقَالَ أَبُو سَالم: إِن صَاحب هَذَا الْخَاتم يعْطى 456 يَوْم الْقِيَامَة فِي الْجنَّة غرفَة بِلَا سقف. وَقَالَ بَعضهم فِي حلقته: من صلى لَيْلَة الْجُمُعَة اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة كَذَا وَكَذَا بنى الله لَهُ فِي الْجنَّة بَيْتا، فَقَامَ إِلَيْهِ رجل نبطي فَقَالَ: يَا فديت وَجهك: إِن صليت أَنا فعل بِي هَذَا؟ قَالَ: لَا يَا عاض بظر أمه. ذَاك لبني هَاشم وَالْعرب وَأهل خُرَاسَان، وَأما أَنْت فيبني لَك كوخ بعكبرا. قَالَ الجاحظ: وقفت على قاص وَقد اجْتمع عَلَيْهِ خلق كثير وَفِيهِمْ جمَاعَة من الخصيان، فوقفت إِلَى جَانِبه وَجعلت أُشير إِلَى النَّاس أَنه هُوَ ذَا يجود قَالَ: وَهُوَ يفرح بذلك. فَلم يُعْطه أحد شَيْئا فَالْتَفت إِلَيّ خفِيا وَقَالَ: السَّاعَة إِن شَاءَ الله أعمل الْحِيلَة. ثمَّ صَاح: حدث فلَان عَن فلَان عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: قَالَ رب الْعَالمين عز وَجل: مَا أخذت كَرِيمَتي عبد من عَبِيدِي إِلَّا عوضته الْجنَّة " أَتَدْرُونَ مَا الكريمتان فِي هَذَا الْموضع؟ قَالَ النَّاس: مَا هما؟ فَبكى، وَقَالَ: هما الخصيتان: وَهُوَ يتباكى ويكرر فَجعل كل وَاحِد من الخصيان يحل منديله حَتَّى اجْتمعت لَهُ دَرَاهِم كَثِيرَة. وَقَالَ آخر فِي قصصه: يَا بن آدم، يَا بن الزَّانِيَة، أما استحييت من الْملك الْجَلِيل وَالْملك الْكَرِيم، يصعد إِلَيْهِ عَنْك بِالْعَمَلِ الْقَبِيح، فَقيل: تَزني النَّاس؟ قَالَ: نعم؛ قد كَانَ الْحسن يكثر من قَول: يَا لكع قَالَ بَعضهم فِي قصصه: رَأَيْتُمْ أَجْهَل من إخْوَة يُونُس؟ يُرِيد يُوسُف، أخذُوا أَخَاهُم. وطرحوه فِي الْجب وكذبوا على الدب.

قَالَ أَبُو العنبس: سَمِعت قَاصا بِالْكُوفَةِ يَقُول فِي قصصه: تَحت رَأس ولي الله فِي الْجنَّة سَبْعُونَ ألف مخدة، والمخدة سَبْعُونَ ألف حجاب، مَا بَين الْحجاب والحجاب سَبْعُونَ ألف عَام. قَالَ: فَقلت: فَإِن سقط من فَوق تِلْكَ الْفرش كَيفَ يعْمل؟ فَقَالَ: إِلَى النَّار يَا صفعان. قَالَ بَعضهم فِي قصصه: كَانَ أَبُو جهل خوزياً، فَقيل لَهُ: بل هُوَ قرشي مخزومي وَلكنه كَافِر. فَقَالَ: يتَكَلَّم أحدكُم بِمَا لَا يعلم، كل كَافِر خوزي. قَالَ آخر فِي مَجْلِسه: زعم قوم أَنِّي لَا أحسن الْقُرْآن. وَهل فِي الْقُرْآن أشرف من: " قل هُوَ الله أحد ". وَأَنا أَقروهُ مثل المَاء، وابتدأ وَقَرَأَ فَلَمَّا بلغ قَوْله: " وَلم يكن لَهُ " أرتج عَلَيْهِ فَقَالَ: من أَرَادَ أَن يحضر ختمة السُّورَة فليحضر يَوْم الْجُمُعَة. دفع وَاحِد قِطْعَة إِلَى قاص وَقَالَ: ادْع لي ولأبوي بالمغفرة، فَرفع الْقَاص رَأسه وَقَالَ: ثَلَاثَة أنفس بقيراط؟ {وارخصاه} قيل لبَعْضهِم: فِي لحيتك هريسة فَقَالَ: هَذِه من تِلْكَ الْجُمُعَة. قَالَ بَعضهم: سَمِعت قَاصا بعبادان وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ ارْزُقْ الْمَوْتَى الشَّهَادَة، وَيَا إخوتي ادعوا ليأجوج وَمَأْجُوج بِالتَّوْبَةِ. وَسقط عَن أَنفه ذُبَابَة فَقَالَ: أَكثر الله الْقُبُور بكم. جَاءَ أَبُو الْعَالِيَة الْقَاص يشْهد على رجل رَآهُ مَعَ غُلَام لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْوَالِي: بِمَ تشهد؟ قَالَ: أصلحك الله! رَأَيْته وَقد بطحه فَقلت: ينومه، ثمَّ كشف ثِيَابه فَقلت: يروحه، ثمَّ جلس عَلَيْهِ فَقلت يغمزه، ثمَّ بَصق فَقلت: يعوذه، ثمَّ أخرج شَيْئا فَلَا إِلَه إِلَّا الله. شهد أَبُو يحيى الْمُحدث عِنْد قاص أَنه يعرف الْحَائِط الْفُلَانِيّ لفُلَان. فَقَالَ لَهُ: مذ كم تعرف هَذَا الْحَائِط لَهُ؟ فَقَالَ: أعرفهُ وَهُوَ صَغِير لفُلَان. وَنظر إِلَى الْهلَال فَقَالَ: رَبِّي وَرَبك الله، سُبْحَانَ الله من خلقك من عود يَابِس. ذهب إِلَى قَوْله تَعَالَى " حَتَّى عَاد كالعرجون الْقَدِيم ".

نوادر ابي سالم

نَوَادِر أبي سَالم ووقف على أبي سَالم الْقَاص رجل رَاكب 1456 حمارا يتطلع فِي حلقته. وَيسمع قصصه، فناداه: يَا صَاحب الْحمار؛ امْضِ لسبيلك لَا يدل حِمَارك، فَإِن عندنَا نسَاء. وَقيل لَهُ: كم ولدا لإبليس؟ فَقَالَ: أَرْبَعَة؛ ثَلَاثَة ذكورة وَبنت. قَالُوا: فَمن أمّهم؟ قَالَ: شَاة كَانَت لآدَم فأهداها لَهُ. وَقيل: ادْع لفُلَان أَن يردهُ على أَبِيه وَأعْطى دِرْهَمَيْنِ. فَقَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قيل: بالصين. قَالَ: يردهُ من الصين بِدِرْهَمَيْنِ؟ بلَى؛ لَو كَانَ بسيراف أَو بجنابة أَو تستر. سرق لبَعْضهِم منديل فَقَالَ لغلامه: أَيْن المنديل؟ قَالَ: يَا مولَايَ. لَا أَدْرِي فَقَالَ: يَا بن الزَّانِيَة وَالله مَا سَرقه - بعد الله - غَيْرك. نَوَادِر أبي أسيد وَمَات عِيسَى بن حَمَّاد الطلحي وَقد أوصى بِأَكْثَرَ من ثلث مَاله، فَأجَاز ذَلِك وَلَده وَامْرَأَته، فَأتوا أَبَا أسيد ليكتب بذلك كتابا، فَقَالَ لَهُم: يَا فتيَان أمكُم قد بلغت مبلغ النِّسَاء أم لَا؟ وَكَانَ أَبُو أسيد هَذَا يَقُول: كَانَ ابْن عمر يحف شَاربه حَتَّى يرى بَيَاض إبطَيْهِ. وَقَالَ يَوْمًا: مَا بَقِي من حمامي نافخ نَار، وَمر بِقوم يصيدون السّمك، فَقَالَ: يَا فتيَان؛ مالح أَو طري. وَدخل يَوْمًا فِي المَاء إِلَى كَعبه فصاح: الغريق، الغريق. فَقيل لَهُ: مَا دعَاك إِلَى هَذَا؟ فَقَالَ: أخذت بالوثيقة. قيل لبَعْضهِم: أَيَسُرُّك أَن الله أدْخلك الْجنَّة وَأَنت شَاة؟ قَالَ: نعم بِشَرْط أَلا يذهبوا بِي إِلَى التياس. جَاءَ رجل إِلَى وَاحِد مِنْهُم فَقَالَ: مَا تَقول فِي شرب النَّبِيذ؟ قَالَ: لَا يجوز قَالَ: فَإِن كَانَ الرجل قد أكل المالح؟ قَالَ: قد رجعت مسألتك إِلَى الطِّبّ. صلى سيفويه بِقوم وَسلم عَن يَمِينه وَلم يسلم عَن يسَاره، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: كَانَ فِي ذَلِك الْجَانِب إِنْسَان لَا ُأكَلِّمهُ.

علي من حرم التختم بالذهب

على من حرم التَّخَتُّم بِالذَّهَب قَالَ بَعضهم: رَأَيْت بِالشَّام قَاصا روى فِي مَجْلِسه أَن أَبَا هُرَيْرَة رأى على ابْنَته خَاتم ذهب فَقَالَ لابنته: لَا تختمي بِالذَّهَب. فَإِنَّهُ لَهب. فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثهُمْ ويقص عَلَيْهِم إِذْ بَدَت يَده وَفِي إصبعه خَاتم ذهب، فَقَالُوا: يَا عَدو الله؛ تنْهى عَن شَيْء وتلبسه أَنْت؟ ووثبوا عَلَيْهِ. فَقَالَ: يَا قوم لست أَنا ابْنة أَبى هُرَيْرَة. إِنَّمَا حرم ذَلِك على تِلْكَ المشئومة. قَالَ آخر: رَأَيْت قصاصا يقص حَدِيث مُوسَى وَهَارُون وَيَقُول: لما صَار فِرْعَوْن فِي وسط الْبَحْر وَقَالَ الله للبحر: انطبق. وعلاه المَاء جعل فِرْعَوْن يضرط مثل الجاموس؛ نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك الضراط! قَالَ سيفويه يَوْمًا فِي قصصه أَتَدْرُونَ من هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّة؟ قَالُوا: من هم أكرمك الله؟ قَالَ: هم الَّذين يَجْلِسُونَ على الشط فيقدرون أستاه الغلمان. قَالَ آخر: رَأَيْت قَاصا يقص غَدَاة يَوْم، ثمَّ رَأَيْته عشياً فِي بَيت نباذ، والقدح فِي يَده فَقلت: مَا هَذَا؟ قَالَ: أَنا بِالْغَدَاةِ قاص، وبالعشي ماص. من نَوَادِر ابْن كَعْب كَانَ ابْن كَعْب يقص فِي مَسْجِد عتاب بِالْبَصْرَةِ فِي كل يَوْم أَرْبعا، فاحتبس عَلَيْهِم فِي بعض الْأَيَّام، وَطَالَ انتظارهم، فَبَيْنَمَا هم إِذْ جَاءَ رَسُوله فَقَالَ: يَقُول لكم أَبُو كَعْب: انصرفوا راشدين فقد أَصبَحت الْيَوْم مخموراً. أَبُو ضَمْضَم ينْسب آدم جلس أَبُو ضَمْضَم ينْسب قبائل الْعَرَب فَقَالَ لَهُ بَعضهم: يَا أَبَا ضَمْضَم: آدم من أَبوهُ؟ فَحَمله استقباح الْجَهْل عِنْده بِشَيْء من الْأَنْسَاب على أَن قَالَ: آدم بن المضاء بن الخليج وَأمه ضباعة بن قرزام. فتضاحك الْقَوْم وثاب إِلَيْهِ عقله فَقَالَ: إِنَّمَا نسبت أَخا لآدَم من أمه. رأى بعض أهل نيسابور جَنَازَة فَقَالَ: رَبِّي وَرَبك الله لَا إِلَه إِلَّا الله. فَسَمعهُ آخر فَقَالَ: أَخْطَأت. قل: اللَّهُمَّ ألبسنا الْعَافِيَة، وتشاجرا 457 فتحاكما إِلَى قاضٍ لَهُم فَقَالَ: لم يصب وَاحِد مِنْكُمَا. إِذا رَأَيْتُمْ جَنَازَة فَقولُوا: سُبْحَانَ من يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته.

عبد الاعلي والاشتقاق

عبد الْأَعْلَى والاشتقاق كَانَ عبد الْأَعْلَى الْقَاص يتَكَلَّف لكل شَيْء اشتقاقاً فَقَالَ: الْكَافِر إِنَّمَا سمي كَافِرًا لِأَنَّهُ اكْتفى وفر. قيل لَهُ: بِمَاذَا اكْتفى وَمن أَي شَيْء فر؟ قَالَ: اكْتفى بالشيطان وفر من الله. وَقَالَ: سمي الزنديق زنديقاً لِأَنَّهُ وزن فدقق. وَسمي البلغم بلغماً لِأَنَّهُ بلَاء وغم. وَسمي الدِّرْهَم درهما لِأَنَّهُ دَاء وهم. وَسمي الدِّينَار دينارأ لِأَنَّهُ دين ونار. وَسمي العصفور عصفوراً لِأَنَّهُ عَصا وفر. وَسمي الطفبشل طفبشلاً لِأَنَّهُ طفا وشال. وَسمي نوحًا لِأَنَّهُ كَانَ ينوح على قومه. وَسمي الْمَسِيح مسيحاً لِأَنَّهُ مسح الأَرْض. جَاءَ رجل إِلَى بَعضهم فَقَالَ: أفطرت يَوْمًا من شهر رَمَضَان سَاهِيا، فَمَا عَليّ؟ قَالَ: تَصُوم يَوْمًا مَكَانَهُ. قَالَ: فَصمت. فَأتيت أَهلِي وَقد عمِلُوا حَيْسًا، فسبقتني يَدي إِلَيْهِ فَأكلت مِنْهُ. قَالَ: تقضي يَوْمًا آخر. قَالَ: فَقضيت يَوْمًا مَكَانَهُ، وأتيت أَهلِي وَقد عمِلُوا هريساً فسبقتني يَدي إِلَيْهِ فَأكلت مِنْهُ فَمَا ترى؟ قَالَ: أرى أَلا تَصُوم إِلَّا ويدك مغلولة إِلَى عُنُقك. مَاتَت أم عَيَّاش فَأَتَاهُ سيفويه معزيا فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد، عظم الله مصيبتك. فَتَبَسَّمَ ابْن عَيَّاش وَقَالَ: قد فعل. فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد؛ هَل كَانَ لأمك ولد؟ فَقَامَ ابْن عَيَّاش عَن مَجْلِسه وَضحك حَتَّى اسْتلْقى على قَفاهُ. قَالَ الجاحظ: كَانَ عبد الْعَزِيز الغزال يَقُول فِي قصصه: لَيْت أَن الله لم يكن خلقني وَأَنِّي السَّاعَة مَقْطُوع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ. وَذكر أَن أَبَا سعيد الرِّفَاعِي سُئِلَ عَن الدُّنْيَا والدائسة. فَقَالَ: أما الدُّنْيَا فَهَذِهِ الَّتِي أَنْتُم فِيهَا وَأما الدائسة فَهِيَ دَار نائية من هَذِه الدَّار، لم يسمع أَهلهَا بِهَذِهِ الدَّار وَلَا بِشَيْء من أمرهَا، وَكَذَلِكَ نَحن نسْمع بِذكر تِلْكَ الدَّار؛ إِلَّا أَنه قد صَحَّ عندنَا أَن بُيُوتهم من قثاء، وسقوفهم من قثاء، وأنعامهم من قثاء، وأنفسهم من قثاء، وقثائهم أَيْضا من قثاء. قَالُوا: يَا أَبَا سعيد؛ زعمت أَن أهل تِلْكَ الدَّار لم يسمعوا بِأَهْل هَذِه الدَّار وَلَا بِشَيْء من أمرهَا، وَكَذَلِكَ نَحن لَهُم، وأراك تخبرنا عَنْهُم بأخبار كَثِيرَة: قَالَ: فَمن ثمَّ أَنا أعجب أَيْضا. قَالَ الجاحظ: كَانَ عندنَا بِالْبَصْرَةِ قاص لَا يحفظ شَيْئا سوى حَدِيث جرجيس، فَقص يَوْمًا فَبكى رجل من النظارة، فَقَالَ الْقَاص: أَنْتُم لأي شَيْء تَبْكُونَ؟ إِنَّمَا الْبلَاء علينا معاشر الْعلمَاء.

حيله قاص

وقص بعض العلوية بِالريِّ فَسَأَلَهُ وَهُوَ على كرسيه والعامة حواليه رجل مِنْهُم عَن مُعَاوِيَة فَقَالَ: أما مُعَاوِيَة فلحيته فِي إستي. قصّ أَبُو سَالم يَوْمًا وَفِي حلقته رجل أَعور، فَجعل الْأَعْوَر يهزأ بِهِ ويضحك مِنْهُ، فَفطن أَبُو سَالم فَقَالَ لأَصْحَابه: إِذا دَعَوْت فَقولُوا: آمين. قَالُوا: نعم. فَقَالَ: اللَّهُمَّ من كَانَ يسخر منا فافقأ عينه الْأُخْرَى. لَقِي رجل سيفويه فَسَأَلَهُ عَن حَاله وَعِيَاله فَقَالَ: هُوَ ذَا نقطع الدُّنْيَا يَوْمًا بِيَوْم، فَيوم لَا يرزقنا الله وَيَوْم يرزقنا الله. وَلَقي صاحباً لَهُ فَقَالَ لَهُ: يَا أخي؛ أَيْن تكون؟ قد طلبتك عشْرين دفْعَة وَهَذِه الثَّانِيَة. دَعَا أَبُو سَالم على المتربصين فَقَالَ: اللَّهُمَّ امسخهم كلاباً وامسخنا ذئاباً حَتَّى نقطع لحومهم. قَالَ بَعضهم: سَمِعت قصاصا يَقُول: إِنِّي لأقص عَلَيْكُم، وَوَاللَّه إِنِّي لأعْلم أَنه لَا خبر عِنْدِي 1457 وَلَا عنْدكُمْ. وَلَكِن تبلغوا بِي حَتَّى تَجدوا خيرا مني. حِيلَة قاص قصّ وَاحِد وَمَعَهُ تعاويذ يَبِيعهَا فَجعلُوا يسمعُونَ قصصه وَلَا يشْتَرونَ التعاويذ، فَأخذ محبرته وَقَالَ: من يَشْتَرِي مني كل تعويذة بدرهم، حَتَّى أقوم وأغوص فِي هَذِه المحبرة باسم الله الْأَعْظَم الَّذِي كتبته فِي هَذِه التعاويذ. فاشتريت مِنْهُ التعاويذ فِي سَاعَة وَجمع دَرَاهِم كَثِيرَة. وَقَالُوا لَهُ: قُم فَادْخُلْ الْآن فِي المحبرة. فَنزع ثِيَابه وتهيأ لذَلِك والجهال يظنون أَنه يغوص فِيهَا. فبدرت امْرَأَة من خلف النَّاس وتعلقت بِهِ، وَقَالَت: أَنا امْرَأَته، من يضمن لي نفقتي حَتَّى أتركه يدْخل، فَإِنَّهُ دَخلهَا عَام أول، وَبقيت سِتَّة أشهر بِلَا نَفَقَة. كَانَ بعض الْقصاص يَدْعُو فَيَقُول: اللَّهُمَّ أهلك أَوْلَاد الزِّنَى الَّذين أَسمَاؤُهُم الكنى، وأنسابهم الْقرى، وشعورهم شُعُور النسا، وَهَهُنَا مِنْهُم جمَاعَة فِيمَا أرى. وَسمع قاص كَانَ يحض على الْجِهَاد قَارِئًا يقْرَأ سُورَة يُوسُف. فَقَالَ: دَعْنَا من آيَات القحاب وَخذ فِي آيَات طرسوس.

الباب العاشر نوادر القضاه لمن تقدم اليهم

الْبَاب الْعَاشِر نَوَادِر الْقُضَاة لمن تقدم إِلَيْهِم اخْتصم رجل وَامْرَأَة إِلَى سوار، فَقَالَ الزَّوْج لسوار: أصلح الله القَاضِي، لَو عرفتها لبصقت فِي استها. فَقَالَ سوار: اغرب، عَلَيْك لعنة الله. قَالَ بَعضهم: سَمِعت رجلا جِيءَ بِهِ إِلَى التَّيْمِيّ القَاضِي، فَقَالَ: يَا معشر القَاضِي: كم يجرونك إِلَيّ بِحَال أَنهم وَاحِد وَأَنا سِتَّة،، لَا يَجدونَ أحدا يظلمونك إِلَّا غيرري. خَاصم رجل رجلا إِلَى الشّعبِيّ فَقَالَ: إِن هَذَا بَاعَنِي غُلَاما نصيحاً صبيحاً. قَالَ: هَذَا مُحَمَّد بن عُمَيْر بن عُطَارِد. قدمت جَارِيَة مولى لَهَا إِلَى بعض الْقُضَاة وَادعت عَلَيْهِ الْحَبل، فَأنْكر الْمولى وَادّعى أَنه كَانَ يسْتَعْمل الْعَزْل وَقت إتيانها، فاستثبته القَاضِي، وتعرف مِنْهُ صُورَة أمره مَعهَا فَقَالَ: أصلح الله القَاضِي، كنت آتيها فِي قبلهَا؛ فَإِذا أردْت الْفَرَاغ عزلت فأنزلت فِي دبرهَا. فَقَالَ القَاضِي: اسْكُتْ يَا فَاسق فَإنَّك هُوَ ذَا تسمي ولَايَة العراقين عزلاً. أحد الْخَصْمَيْنِ يعرض على القَاضِي فراريج وحنطة اخْتصم رجلَانِ إِلَى قَاض، فَدَنَا أَحدهمَا مِنْهُ وَقَالَ سرا: قد وجهت للدَّار فراريج كسكرية، وحنطة بلدية كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ القَاضِي بِصَوْت عَال: إِذا كَانَت لَك بَيِّنَة غَائِبَة انتظرناها، لَيْسَ هَذَا مِمَّا يسَار بِهِ. قَضِيَّة غير مفهومة قَالَ مُحَمَّد بن رَبَاح القَاضِي: تقدم إِلَى قثم مَعَ ابْن أَخِيه، فَادّعى عَلَيْهِ خَمْسَة آلَاف دِينَار فَقَالَ قثم: نعم لَهُ عَليّ ذَلِك من أَي وَجه. فَقلت: قد أَقرَرت لَهُ بِالْمَالِ،

يمين الطنبور

فَإِن شَاءَ فسر الْوَجْه، وَإِن شَاءَ لم يُفَسر. فَقَالَ ابْن أَخِيه: أشهد أَنه بَرِيء مِنْهَا إِن لم أثبتها. فَقلت: وَأما أَنْت فقد أَبرَأته إِلَى أَن تثبت ذَلِك، فَمَا رَأَيْت أَضْعَف مِنْهُمَا فِي الحكم. يَمِين الطنبور ادّعى رجل على آخر طنبوراً وأحضره عِنْد القَاضِي فَأنْكر، فَقَالَ: حلفه فَقَالَ القَاضِي: إِن كَانَ عنْدك هَذَا الطنبور فأيري فِي حر أمك. فَقَالَ الرجل: أَي يَمِين هَذَا؟ فَقَالَ القَاضِي: 458 يَمِين الطنبور. وَادّعى رجل على امْرَأَة عِنْد القَاضِي شَيْئا فأنكرت فَقَالَ لَهَا: إِن كنت كَاذِبَة فأير القَاضِي فِي حرك. فتوقفت الْمَرْأَة، فَقَالَ القَاضِي: قولي وَإِلَّا فاخرجي من حَقه. قَالَ بعض الْقُضَاة الحمقى: قد عزمت على أَن أخصي عَدْلَيْنِ للشَّهَادَة على النِّسَاء. قَاضِي جبل لما خرج الْمَأْمُون إِلَى فَم الصُّلْح لينقل بوران بنت الْحسن، إِذا جمَاعَة على الشط وَفِيهِمْ رجل يُنَادي بِأَعْلَى صَوته: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؛ نعم القَاضِي قَاضِي جبل جزاه الله عَنَّا أفضل مَا جزى أحدا من الْقُضَاة؛ فَهُوَ الْعَفِيف النَّظِيف، الناصح الجيب الْمَأْمُون الْغَيْب. وَكَانَ يحيى بن أَكْثَم يعرف قَاضِي جبل وَهُوَ ولاه وَأَشَارَ بِهِ. وَإِذا هُوَ القَاضِي نَفسه، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: إِن هَذَا الَّذِي يُنَادي ويثني على القَاضِي هُوَ القَاضِي نَفسه. فاستضحك الْمَأْمُون واستطرفه وَأقرهُ على الْقَضَاء. وَقد كَانَ أهل جبل رفعوا عَلَيْهِ وَذكروا أَنه سَفِيه حَدِيد يعَض رُءُوس الْخُصُوم فَوَقع الْمَأْمُون: يشنق إِن شَاءَ الله. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت امْرَأَة قدمت زَوجهَا إِلَى أبي جَعْفَر الْأَبْهَرِيّ الْمَالِكِي وَكَانَ قَضَاء المحول فَقَالَت لَهُ: أعزّك الله، هَذَا زَوجي لَيْسَ يمسكني كَمَا يجب، حَسبك أَنه مَا أَطْعمنِي لَحْمًا مُنْذُ أَنا مَعَه. قَالَ القَاضِي: مَا تَقول؟ قَالَ: أعز

القاضي يحبس صاحب الحق

الله القَاضِي البارحة أكلنَا مضيرةً. قَالَت الْمَرْأَة: ويلي أَلَيْسَ كَانَ ماست؟ قَالَ: وتناي ... نَا سِتَّة. قَالَ القَاضِي: هَذِه مضيرة بعصبان. جلس أَبُو ضَمْضَم القَاضِي للْحكم فلمح فِي مَجْلِسه رجلا مَعَه أَلْوَاح يعلق نوادره فَرَمَاهُ بالدواة وَشَجه ثمَّ أَمر بِهِ إِلَى الْحَبْس. فَقَالَ كَاتبه: مَا أكتب قصَّته فِي الدِّيوَان. قَالَ: اكْتُبْ: اسْترق السّمع فَأتبعهُ شهَاب ثاقب. القَاضِي يحبس صَاحب الْحق اخْتصم إِلَى أبي ضَمْضَم رجلَانِ فَأقر أَحدهمَا لصَاحبه بِمَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: أعز الله القَاضِي. إِنِّي كلما طلبته لأوفيه حَقه لَا أَجِدهُ فَإِنَّهُ رجل شريب منهمك فِي الشّرْب أبدا عِنْد أَصْحَابه وأصدقائه، وَأَنا رجل معيل أحتاج أَن أكسب قوت عيالي، وَلَا يتهيأ لي أَن أتعطل عَن كسبي وأدور فِي طلبه. فَأمر أَبُو ضَمْضَم بِحَبْس صَاحب الْحق. وَقَالَ لغريمه: اذْهَبْ فاشتغل بِطَلَب معاشك ومكسبك، فَإِذا حضرك مَا ترده عَلَيْهِ فاحمله إِلَى الْحَبْس حَتَّى لَا تحْتَاج أَن تَدور فِي طلبه. فَبَقيَ الرجل فِي الْحَبْس ثَمَانِينَ يَوْمًا وَصَاحبه يحمل إِلَيْهِ الشَّيْء بعد الشَّيْء إِلَى أَن بَقِي لَهُ عشرَة دَرَاهِم فَأرْسل إِلَى القَاضِي وَقَالَ: إِن رَأَيْت أَن تفرج عني فَلم يبْق لي على غريمي إِلَّا عشرَة دَرَاهِم فَقَالَ: لَا وَالله لَا تَبْرَح حَتَّى تَأْخُذ حَقك { قَضِيَّة غير مفهومة تقدم رجلَانِ إِلَى بعض الْقُضَاة فَقَالَ أَحدهمَا: أصلحك الله أَخُو ختن غُلَام أكار هَذَا سرق كسَاء أخي ختن أكار خَال ولد ختي. فَقَالَ القَاضِي: مَا تَقول؟} قَالَ: أعز الله القَاضِي. غير كسَاء غَيْرِي سرق غير ختن كسَاء هَذَا. أَنْت القَاضِي. أيش تُشِير عَليّ؟ قَالَ القَاضِي: أُشير عَلَيْك أَن تَأْخُذ أَي طَرِيق شِئْت فَمن كلمك فاصفعه. نوع من الْقَرَابَة ارْتَفع رجلات إِلَى قَاض أَحدهمَا يَدعِي على الآخر حَقًا لَهُ من مِيرَاث فَقَالَ القَاضِي للْمُدَّعِي: مَا تكون من هَذَا الرجل الَّذِي تَدعِي مِيرَاثه؟ قَالَ: أعز الله

يمين اصحاب الرياحين

القَاضِي أَنا أحد قراباته: كَانَت أم أم أمه جدها لأمها أَخا خَال عَم أخي ختني. أَعنِي ابْن بنت زَيْنَب خَالَتِي فَقَالَ القَاضِي: يَا سفله، هَذِه صفة أخلاط الْخبث. ارفعها إِلَى الصيادلة حَتَّى يميزوها خلطاً خلطاً ثمَّ ردوهَا. سمع بعض الْقُضَاة امْرَأَة تَقول لأخرى 459 فِي جيرته فِي كَلَام بَينهمَا: وَإِلَّا فأير القَاضِي فِي حرك. فَقَالَ القَاضِي: إِن القَاضِي وَالله أَشْقَى بختاً من ذَاك. تشاجر رجل وَامْرَأَته فِي الأير إِذا قَامَ وانتفخ كم رطلا فِيهِ. فَقَالَ الرجل: يكون فِيهِ خَمْسُونَ رطلا، وَقَالَت الْمَرْأَة: لَا يكون. فَحلف بِطَلَاقِهَا أَنه إِذا انتفخ يكون فِيهِ أَكثر من ألف رَطْل. فارتفعا إِلَى الْحَاكِم ورشوه على الحكم لِئَلَّا يفرق بَينهمَا فَقَالَ: اذْهَبُوا، فَإِنَّهُ إِذا قَامَ فَهُوَ مثل شراع السَّفِينَة إِذا وَقع فِيهِ الرّيح يكون أَكثر من خَمْسَة آلَاف رَطْل. قدم رجل امْرَأَته إِلَى القَاضِي فَقَالَ: أعز الله القَاضِي أَنا رجل من دورق وَهَذِه امْرَأَة من درب عون، وَفِي قلبِي حب وَهِي تغار عَليّ وأريدها صاغرة. فَقَالَ القَاضِي: اذْهَبْ عافاك الله إِلَى دَار بانوكة حَتَّى يعْمل لَك قَاض من دن يحكم بَيْنكُمَا. غَابَ رجل فِي بعض أَسْفَاره، وطالت غيبته فَأَرْجَفَ بِهِ وبموته، وأتى على ذَلِك مُدَّة، وَبلغ قَاضِي الْبَلَد جمال امْرَأَته فَخَطَبَهَا وَتَزَوجهَا فَصَارَ إِلَيْهِ أهل بَيت زَوجهَا وَبَنُو أَعْمَامه وَقَالُوا: أعز الله القَاضِي. لم يَصح عندنَا موت هَذَا الرجل وَنحن فِي شكّ مِنْهُ، فَكيف تتَزَوَّج بامرأته؟ فَغَضب القَاضِي وَقَالَ: أَنْتُم تسخرون بِالنسَاء. وَالله مَا يغيب أحدكُم إِلَّا تزوجت بامرأته. يَمِين أَصْحَاب الرياحين تقدم رجلَانِ إِلَى قَاض وَادّعى أَحدهمَا على صَاحبه درهما من ثمن ريحَان اشْتَرَاهُ ف أنكر واستحلفه فَقَالَ القَاضِي: قل: وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ. فَقَالَ الرجل: أصلحك الله لَيست هَذِه يَمِين أَصْحَاب الرياحين. قَالَ القَاضِي: وَمَا يمينهم؟ قَالَ: أَن يَقُول أمه فاعلة إِن كَانَ لهَذَا عَلَيْهِ شَيْء. قَالَ القَاضِي: مَا أَشك فِي صدقك، وَغرم الدِّرْهَم من عِنْده.

قاضي حمص

تقدم رجلَانِ إِلَى الشّعبِيّ، فَقَالَ أَحدهمَا: لي عَلَيْهِ - أعز الله القَاضِي - كَذَا وَكَذَا من المَال. فَقَالَ: مَا تَقول؟ قَالَ: يسخر بك أعزّك الله. قَاضِي حمص تقدم إِلَى قَاضِي حمص رجل وَامْرَأَته فَقَالَ الرجل: أصلح الله القَاضِي إِنَّهَا لَا تطيعني. قَالَت: أصلح الله القَاضِي. إِنِّي لَا أقوى بِمَا مَعَه قَالَ: يَا هَذَا لَا تحملهَا مَا لَا تطِيق. قَالَ: أصلحك الله إِنَّهَا كَانَت عِنْد رجل قبلي فَكَانَت تكرمه وَتُطِيعهُ. فضرط القَاضِي من فَمه ثمَّ قَالَ: يَا جَاهِل، الأيور كلهَا تستوي؟ هوذا أَنا معي مثل أير الْبَغْل وَمن فِي الْبَيْت أستودعهم الله يستصغرونه. كَيْفيَّة الْقصاص ارْتَفَعت امْرَأَة مَعَ رجل إِلَى قَاضِي حمص. فَقَالَت: أعز الله القَاضِي. هَذَا قبلني قَالَ القَاضِي: قومِي إِلَيْهِ فقبليه كَمَا قبلك. قَالَت: قد عَفَوْت عَنهُ إِن كَانَ كَذَا. قَالَ القَاضِي: فإيش قعودي هَهُنَا؟ حَيْثُ أردْت أَن تهبي جرمه لم جِئْت إِلَى هَذَا الْمجْلس؟ وَالله لَا بَرحت حَتَّى تقتصي مِنْهُ حَقك وَبعد هَذَا لَو نَا ... ك رجل بحذائي لم أَتكَلّم. رفع أَبُو الْجُود الشَّامي امْرَأَته إِلَى أبي شيبَة القَاضِي وَقَالَت: أصلحك الله اخلعني مِنْهُ وَإِلَّا طرحت نَفسِي فِي دجلة. فَقَالَ زَوجهَا: أصلحك الله إِنَّهَا تدل بسباحة. فَقَالَ القَاضِي: مَا أَدْرِي أيكما أرقع قَالَ الشَّامي: إِن كنت لَا بُد فَاعِلا فارقعني ودعها. من نَوَادِر قَاضِي حمص أرسل الْمَأْمُون رجلا مَعَه كتاب إِلَى قَاضِي حمص. قَالَ الرجل: فَدخلت حمص فمررت على جمَاعَة من الْمَشَايِخ فِي مَسْجِد، فاسترشدتهم فَقَالُوا: أمامك. وحركت البغلة فضرطت فَقَالَ شيخ مِنْهُم كَانَ أحْسنهم هَيْئَة وأسنهم: على أيري.

الاخ والاخ الهجين

فتعجبت من قَوْله، وصرت إِلَى القَاضِي فَقَرَأَ كتابي ثمَّ تحدث 460 فانبسطت مَعَه فَقلت: أَلا أطرفك أَيهَا القَاضِي بِشَيْء. وقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة. فَقَالَ: يَا حَبِيبِي قد فسد النَّاس وَذَهَبت نصفتهم كَانُوا فِيمَا مضى إِذا سمعُوا ضرطة قَالُوا على أير القَاضِي فَصَارَ الْآن كل إِنْسَان يجر النَّار إِلَى قرصه. الْأَخ وَالْأَخ الهجين ذكر أَن أَعْرَابِيًا من بني العنبر صَار إِلَى سوار القَاضِي فَقَالَ: إِن أبي مَاتَ وَتَرَكَنِي وأخاً لي وَخط خطين ثمَّ قَالَ: وهجيناً. وَخط خطا نَاحيَة فَكيف يقسم المَال؟ فَقَالَ: أههنا وَارِث غَيْركُمْ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: المَال بَيْنكُم أَثلَاثًا. قَالَ: لَا أحسبك فهمت. إِنَّه تركني وَأخي وهجيناً لنا، فَقَالَ سوار مثل مقَالَته الأولى. فَقَالَ الْأَعرَابِي: أيأخذ الهجين كَمَا أَخذ أَنا وكما يَأْخُذ أخي؟ قَالَ: أجل. فَغَضب الْأَعرَابِي ثمَّ أقبل على سوار فَقَالَ: تعلم وَالله إِنَّك قَلِيل الخالات بالدهناء، فَقَالَ سوار: إِذا لَا يضرني ذَلِك عِنْد الله شَيْئا. تقدم رجل إِلَى شريك وَمَعَهُ غَرِيم لَهُ فَقَالَ: أصلحك الله لي عَلَيْهِ خَمْسمِائَة دِرْهَم. فَقَالَ للْغَرِيم: مَا تَقول؟ قَالَ: أصلحك الله يسخر بك فَقَالَ: قُم يَا ماص بظر أمه. قَالَ الْأَصْمَعِي: لقِيت قَاضِي سبدان فَقلت: على من تقضي؟ فَقَالَ: على الضَّعِيف. كَانَ أَبُو السكينَة قَاضِيا للحجاج بن يُوسُف وَكَانَ طَويلا فَقَالَ يَوْمًا: بَلغنِي أَن الطَّوِيل يكون فِيهِ ثَلَاث خلال لَا بُد مِنْهَا قَالَ: قلت: مَا هِيَ؟ قَالَ: يفرق من الْكلاب وَلَا وَالله مَا خلق الله دَابَّة أنالها أَشد فرقا من الْكلاب، أَو تكون فِي رجله قرحَة لَا وَالله مَا فَارَقت رجْلي قرحَة قطّ أَو يكون أَحمَق وَأَنْتُم أعلم بقاضيكم. قَضَاء عكابة النميري ولي عكابة النميري قَضَاء الْبَحْرين فالتاث أَهلهَا عَلَيْهِ فَركب فرسه وَأخذ رمحه وَقَالَ: وَالله لَا أَقْْضِي إِلَّا هَكَذَا من خالفني طعنته برمحي.

قضاء ام مزايده

كَانَ بِالْبَصْرَةِ قَاض، فاحتكم إِلَيْهِ حائك فِي حمامة فَأَخذهَا وَمسح عينهَا ثمَّ أرسلها. فَقَالَ الحائك: مَا فعلت أَيهَا القَاضِي؟ قَالَ: يذهب إِلَى بَيت صَاحبهَا. قَضَاء أم مزايدة وَتقدم إِلَيْهِ رجلَانِ ومعهما امْرَأَة فَقَالَ أَحدهمَا: أصلحك الله. هَذِه امْرَأَتي تَزَوَّجتهَا على سِتِّينَ درهما وَهَذَا يَدعِي أَنه يَتَزَوَّجهَا على سبعين فَقَالَ القَاضِي: عَليّ بِثَمَانِينَ. فَقَالَا: أصلحك الله جئْنَاك لِتَقضي بَيْننَا لم نجئك لتزايدنا. قَالَ القَاضِي: فَإِنَّمَا فِي شرى وَبيع، قوما فِي لعنة الله. قَاضِي ماهر فِي الْحساب تقدم إِلَى قَاض اثْنَان فَادّعى أَحدهمَا على صَاحبه ثَلَاثَة أَربَاع دِينَار. فَقَالَ القَاضِي: مَا تَقول؟ قَالَ لَهُ: عَليّ دِينَار غير ربع، ففكر سَاعَة ثمَّ قَالَ: أما تستحيان فِي هَذَا الْقدر. إِنَّمَا بَيْنكُمَا ثلث دِينَار! قوما فاصطلحا فَالصُّلْح خير. واختصم إِلَيْهِ رجلَانِ فِي ديك ذبحه أَحدهمَا فَقَالَ: ارتفعوا إِلَى الْأَمِير، فَإنَّا لَا نحكم فِي الدِّمَاء. وعزل يحيى بن أَكْثَم قَاضِيا كَانَ لَهُ على حمص من أَهلهَا فَلَمَّا قدم إِلَيْهِ رأى شَيخا وسيماً فَقَالَ لَهُ: من جالست يَا شيخ؟ فَقَالَ: أبي. فَظن أَن أَبَاهُ من أهل الْعلم. قَالَ: فَمن جَالس أَبوك: قَالَ: مَكْحُولًا قَالَ: فَمن جَالس مَكْحُول؟ قَالَ: سُفْيَان الثَّوْريّ. قَالَ: مَا كَانَ يَقُول أَبَاك فِي عَذَاب الْقَبْر؟ قَالَ: كَانَ يكرههُ. تزوج بعض الخصيان فِي زمن شُرَيْح بِامْرَأَة فَأَتَت بِولد فتبرأ مِنْهُ وترافعا إِلَى شُرَيْح. فَألْحق الْوَلَد بِهِ وألزمه أَن يحملهُ على عَاتِقه فَخرج على تِلْكَ الصُّورَة واستقبله خصي آخر. فَقَالَ لَهُ: انج بِنَفْسِك فَإِن شريحاً يُرِيد أَن يفرق الزِّنَى على الخصيان. 461 - سمع الْعَنْبَري القَاضِي صَبيا يَقُول لآخر وَإِلَّا فأير القَاضِي فِي حر أم الْكَاذِب، فَقَالَ القَاضِي: وَلم يَا صبي؟ قَالَ: لِأَن عَلَيْهِ أيراً مردوداً فِي حر أمه مثل سَارِيَة الْمَسْجِد. فَقَالَ القَاضِي: الِاسْتِقْصَاء شُؤْم.

القضاء علي شيء

قدم رجل جمَاعَة إِلَى قَاضِي حمص يشْهدُونَ لَهُ على شَيْء ادَّعَاهُ فَقَالَ لَهُم القَاضِي: بِمَ تَشْهَدُون؟ فَقَالُوا: تُرِيدُ منا أَن نَكُون نمامين؟ قدمت امْرَأَة زَوجهَا إِلَى القَاضِي وَمَعَهَا طِفْل ادَّعَت أَنه وَلَده وَأنكر الرجل فَقَالَ القَاضِي: الْوَلَد للْفراش وَقد أَقرَرت بِالزَّوْجِيَّةِ فَقَالَ: أَيهَا القَاضِي وَالله مَا تناي. . نَا إِلَّا فِي الإست، فَقَالَت الْمَرْأَة وَأَنت أَيهَا القَاضِي مَا رَأَيْت غرفَة تكف. قَالَ القَاضِي: صدقت. خُذ بِيَدِهَا وبيد ولدك. دخل على بعض الْوُلَاة قَاض وَعِنْده مضحك عيار فَوَثَبَ فانكشف إسته وتلقى بهَا القَاضِي، فَحل القَاضِي سراويله وَأخرج أيره وتلقى بِهِ أسته. وَقَالَ: إِذا حييتُمْ بِتَحِيَّة فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا. الْقَضَاء على شَيْء يُقَال: إِن غلامين من أهل سنجار تقدما إِلَى قاضيها فَقَالَا لَهُ: أَيهَا القَاضِي قد جئْنَاك فِي شَيْء وَإِن لم يكن شَيْء. مَاتَ أَبونَا، وَخلف لنا دَارا لَا تَسَاوِي شَيْء، فاقتسمناها فَمَا أَصَابَنَا مِنْهَا شَيْء، وعرضناها فَمَا أعطونا بهَا شَيْء، وَنحن فُقَرَاء لَا نملك شَيْء، وجياع مَا فِي بطوننا شَيْء، وحفاة لَيْسَ فِي أَرْجُلنَا شَيْء، وَقد جِئْنَا إِلَى القَاضِي حَتَّى يُعْطِينَا شَيْء فنضم شَيْء إِلَى شَيْء ونشتري بِهِ شَيْء. قَالَ القَاضِي: قد وليت سنجار وَمَا معي شَيْء وأنزلوني فِي دَار لَيْسَ فِيهَا شَيْء، فأقمت بَينهم شَهْرَيْن مَا أَطْعمُونِي شَيْء، وحلفتهم فَمَا أقرُّوا إِلَيّ بِشَيْء، وَالْقَوْم جِيَاع لَيْسَ عِنْدهم شَيْء، وَلَو كَانَت داركم تسوى شَيْء كُنَّا قد بعناها لكم بِشَيْء، أعطيناكم شَيْء وأخذنا شَيْء، فَكَانَ يكون عنْدكُمْ شَيْء وَعِنْدنَا شَيْء {وَلَكِن هُوَ ذَا أفطنكم بِشَيْء} من لَيْسَ مَعَه شَيْء لَا يسوى شَيْء.

الباب الحادي عشر نوادر لاصحاب النساء والزناه والزواني

الْبَاب الْحَادِي عشر نَوَادِر لأَصْحَاب النِّسَاء والزناة والزواني كَانَ رجل يتعشق امْرَأَة، ويتبعها فِي الطرقات دهراً، إِلَى أَن أمكنته من نَفسهَا. فَلَمَّا أفْضى إِلَيْهَا لم ينتشر عَلَيْهِ فَقَالَت لَهُ: أيرك هَذَا أير لئيم. قَالَ: بل هُوَ من الَّذين قَالَ فيهم الشَّاعِر: وَأفضل النَّاس أحلاماً إِذا قدرُوا نظر مُغيرَة الْمُهلب يوماُ إِلَى أَخِيه يزِيد وَهُوَ يطالع امْرَأَته وَيَقُول لَهَا: اكشفي ساقك وَلَك خَمْسُونَ ألف دِرْهَم فَقَالَ: وَيلك يَا فَاسق؛ هَات نصفهَا وَهِي طَالِق. قَالَ بَعضهم لأعرابي: هَل يطَأ أحدكُم عشيقته؟ فَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي. ذَاك طَالب ولد لَيْسَ ذَاك بعاشق. سمع إِسْمَاعِيل بن غَزوَان قَول الله تبَارك وَتَعَالَى " قَالَت امْرَأَة الْعَزِيز الْآن حصحص الْحق أَنا راودته عَن نَفسه وَإنَّهُ لمن الصَّادِقين. ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ وَأَن الله لَا يهدي كيد الخائنين ". فَقَالَ: لَا وَالله إِن سَمِعت بأغزل من هَذِه الفاسقه. وَلما سمع بِكَثْرَة مراودتها 462 ليوسف واستعصامه بِاللَّه قَالَ: أما وَالله لَو بِي محكت. قَالَ الْأَصْمَعِي: راودت أعرابة شَيخا عَن نَفسه، فَلَمَّا قعد مِنْهَا مقْعد الرجل من الْمَرْأَة أَبْطَأَ عَلَيْهِ الانتشار فَأَقْبَلت تستعجله وتوبخه فَقَالَ لَهَا: يَا هَذِه إِنَّك تفتحين بيتأ وَأَنا أنشر مَيتا.

أَشَارَ ضيف لقوم إِلَى بنت لَهُم بقبلة وَهِي خلف الخباء، فَلَمَّا سمع الشَّيْخ قَول الْجَارِيَة: إِنِّي إِذا الطَّوِيلَة الْعُنُق قَالَ: وَبَيت الله لقد أَشَارَ إِلَيْهَا بقبلة. أَتَى نَوْفَل بِابْن أَخِيه وَقد أحبل جَارِيَة لغيره فَقَالَ: يَا عَدو الله؛ هلا إِذا ابْتليت بالفاحشة عزلت. قَالَ: بَلغنِي أَن الْعَزْل مَكْرُوه. قَالَ: أفما بلغك أَن الزِّنَى حرَام. جَاءَ رجل إِلَى عَابِد فَسَأَلَهُ عَن الْقبْلَة للصايم، فَقَالَ: تكره للْحَدَث، وَلَا بَأْس بهَا للمسن، وَفِي اللَّيْل لَك فسحة. فَقَالَ: إِن زَوجهَا يعود إِلَى منزله لَيْلًا فَقَالَ: يَا بن أَخ؛ هَذَا يكره فِي شَوَّال أَيْضا. قَالَ الجاحظ: تعشق الْمَكِّيّ جَارِيَة ثمَّ تزَوجهَا نهارية، فخبرني أَنَّهَا كَانَت ذَات صبيان وَأَنه كَانَ معجباً بذلك مِنْهَا، وَأَنَّهَا كَانَت تعالجه بالمرتك، وَأَنه نهاها مرَارًا حَتَّى غضب فِي ذَلِك. قَالَ: فَلَمَّا عرفت شهوتي كَانَت إِذا سَأَلتنِي حَاجَة وَلم أقضها قَالَت: وَالله لأمرتكن ثَلَاثًا. فَلَا أجد بدا من أَن أَقْْضِي حَاجَتهَا. قَالَ: فَلم أسمع قطّ بأطرف من قَوْله: فَلَا أجد بدا من أَن أَقْْضِي حَاجَتهَا. قَالَ بَعضهم: إِذا جمشت فَلَا تبهت مثل الْمَجْنُون، وَلَكِن السع وطر. أَخذ رجل مَعَ زنجية وَكَانَ قد أَعْطَاهَا نصف دِرْهَم، فَلَمَّا أَتَى بِهِ إِلَى الْوَالِي أَمر بتجريده وَجعل يضْربهُ وَيَقُول: يَا عَدو الله؛ تَزني بزنجية {فَلَمَّا أَكثر قَالَ: أصلحك الله، فبنصف دِرْهَم إيش أجد، وَمن يعطيني؟ فَضَحِك وخلاه. وجد شيخ مَعَ زنجية فِي لَيْلَة الْجُمُعَة فِي مَسْجِد، وَقد نومها على الْجِنَازَة فَقيل لَهُ: قبحك الله يَا شيخ. فَقَالَ: إِذا كنت أشتهي وَأَنا شيخ لَا يَنْفَعنِي شبابكم، قَالُوا: فزنجية. قَالَ: من يزوجني مِنْكُم بعربية؟ قَالُوا: فَفِي الْمَسْجِد} قَالَ: من يفرغ لي بَيته مِنْكُم سَاعَة؟ قَالُوا: فعلى جَنَازَة! قَالَ: إِن شِئْتُم جِئتُكُمْ لَيْلَة السبت، فضحكوا مِنْهُ وخلوه. قَالَ بَعضهم لقينة كَانَت إِلَى جَانِبه فِي مجْلِس: أشتهي أَن أَضَع يَدي عَلَيْهِ.

قَالَت: إِذا كَانَ الْعَتَمَة. قَالَ: يَا ستي؛ إِذا كَانَ الْعَتَمَة وأطفئ السراج يكون الزحام عَلَيْهِ أَكثر من الزحام على الْحجر الْأسود. وَكَانَ بَعضهم فِي مجْلِس شرب فِيهِ مغنيات فَقَامَتْ وَاحِدَة مِنْهُنَّ فَكَانَت مليحة، فَوضعت الطبل وَقَعَدت عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا إخوتي. مَا كنت أَحسب أَنِّي أحب يَوْمًا مَا أَن أكون طبلاً حَتَّى السَّاعَة {وَحدث بَعضهم قَالَ: كنت فِي دَعْوَة وَبت، وَكَانَت هُنَاكَ مغنية قد باتت، فدب إِلَيْهَا بَعضهم فسمعتها فِي اللَّيْل تَقول: اعزل اعزل} . وَهُوَ يَقُول لَهَا: يَا قحبه تولين أَنْت وأعزل أَنا. قَالَ بَعضهم: بَينا أَنِّي. . قحبة فِي شهر رَمَضَان، وَذَهَبت أقبلها فحولت وَجههَا عني. فَقلت: لم تمنعينني الْقبْلَة؟ قَالَت: بَلغنِي أَن الْقبْلَة تفطر الصَّائِم. أَدخل رجل قحبة إِلَى خربة، فَبينا هُوَ فَوْقهَا إِذْ أحس بِوَقع قدم، فَأَرَادَ أَن يقوم. فَقَالَت لَهُ: شَأْنك فَإِنَّهُ 462 إِن كَانُوا أقل من أَرْبَعَة ضربوا الْحَد. كَانَ فِي جوَار ابْن المعذل قحبة تَزني نَهَارا وَتصلي بِاللَّيْلِ وَتَدْعُو وَتقول: اللَّهُمَّ اختم لي بِخَير. فَلَمَّا طَال ذَلِك على ابْن المعذل قَالَ لَهَا: يَا فاجرة، مَا ينفعك هَذَا الدُّعَاء؟ وَهُوَ يخْتم لَك بِاللَّيْلِ وتكسرين الْخَتْم بِالنَّهَارِ. كَانَ الحمدوني فِي مجْلِس فَقَالَت لَهُ قينة: ناولني ذَلِك الْكوز. فَقَالَ: يَا قحبة تريدين أَن تستأكليني. أَخذ شيخ مَعَ جَارِيَة سَوْدَاء فَقيل لَهُ: وَيحك تَزني بسوداء؟ ! قَالَ: أَنا الْيَوْم شيخ، إيش أُبَالِي مَا أَنِّي ... نزل سَبْعَة أنفس فِي خَان، وبعثوا إِلَى قوادة وَقَالُوا لَهَا: أحضري لكل وَاحِد منا امْرَأَة - وَكَانَ أحدهم يُصَلِّي - فَقَالَت: كم أَنْتُم؟ قَالُوا: نَحن سِتَّة. فَقَالَ الْمُصَلِّي: سُبْحَانَ الله سُبْحَانَ الله. وَأخرج يَده وَقد عقد على سَبْعَة. - أَي نَحن سَبْعَة.

كَانَ بشيراز رجل وَله زَوْجَة فَاسِدَة، فَنزل بِهِ ضيف فَأَعْطَاهَا دَرَاهِم وَقَالَ لَهَا: اشْترِي لنا رُءُوسًا نتغدى بهَا، فَخرجت الْمَرْأَة ولقيها حريف فَأدْخلهَا إِلَى منزله وأحس بهَا الْجِيرَان، فرفعوهما إِلَى السُّلْطَان. وَضربت الْمَرْأَة وأركبت ثوراً ليطاف بهَا فِي الْبَلَد، فَلَمَّا أَبْطَأت على الرجل خرج فِي طلبَهَا، فرآها على تِلْكَ الْحَال فَقَالَ لَهَا: مَا هَذَا وَيلك؟ قَالَت: لَا شَيْء انْصَرف أَنْت إِلَى الْبَيْت فَإِنَّمَا بَقِي صفان: صف العطارين وصف الصيادلة ثمَّ أَشْتَرِي الرُّءُوس وأجيئك. قَالَت امْرَأَة أبي إِسْمَاعِيل الْقَاص لزَوجهَا: إِن الْجِيرَان يرمونني بالفاحشة قَالَ: لَا يحل لَهُم حَتَّى يروه فِيك كالميل فِي المكحلة. قيل لرجل: إِن فلَانا وَفُلَانًا حملا السّلم البارحة ونصباه إِلَى حَائِط دَارك؛ يُريدَان امْرَأَتك. قَالَ: على كل حَال إِذا حملوه بَين اثْنَيْنِ هُوَ أولى من أَن يكلفوني حمله وحدي. كَانَ على بعض أَبْوَاب الدّور خياط. وَكَانَت لَهُم جَارِيَة تخرج لحوائجهم فَقَالَ الْخياط لَهَا يَوْمًا - وَقد خرجت: أَخْبِرِي ستك أَن لي أيرين. فَدخلت الْجَارِيَة وَهِي تدمدم، قَالَت لَهَا ستها: مَالك؟ قَالَت: خير. قَالَت: لَا بُد من أَن تخبريني، فَأَخْبَرتهَا بقول الْخياط. فَقَالَت: أحضريه حَتَّى يقطع لنا أثواباً. فدعته وطرحت إِلَيْهِ ثوبا فَلَمَّا قطعه قَالَت لَهُ: بَلغنِي أَن لَك أيرين. قَالَ: نعم وَاحِد صَغِير أَنِّي. . بِهِ الْأَغْنِيَاء، وَآخر كَبِير أَنِّي ... بِهِ الْفُقَرَاء قَالَت الْمَرْأَة: لَا يغرنك شَأْننَا الَّذِي ترَاهُ؛ فَإِن أَكْثَره عَارِية. كَانَ عِنْد بَعضهم امْرَأَة يبغضها، وَكَانَت كل لَيْلَة تستعجله وَتقول: قُم حَتَّى تنام. وَكَانَ لَا ينشط، ويدافع بِالْوَقْتِ إِلَى أَن قَالَت لَهُ ذَات لَيْلَة ذَاك فَقَالَ: لَا تقولي حَتَّى تنام، وَلَكِن قولي حَتَّى تَمُوت. فَإِن الْمَوْت خير من النّوم مَعَك. تزوج رجل بامرأتين عَجُوز وشابة، فَجعلت الشَّابَّة كلما رَأَتْ فِي لحيته طَاقَة بَيْضَاء تنتفها، والعجوز كلما رَأَتْ طَاقَة سَوْدَاء تنتفها، فَمَا زَالا كَذَلِك حَتَّى أعاداه عَن قريب أَمْرَد أصلع. حكى عَن ابْن أبي طَاهِر قَالَ: كنت مَعَ عَليّ بن عُبَيْدَة فِي مجْلِس وَمَعَهُ

عشيقة لَهُ فَجَلَسْنَا حَتَّى فانتنا صَلَاة الْعَصْر. فَقلت لَهُ: قُم حَتَّى نصلي. فَقَالَ: حَتَّى تَزُول الشَّمْس - يَعْنِي عشيقته. قيل لرجل رئي وَهُوَ يكلم امْرَأَة فِي شهر رَمَضَان: أتكلمها فِي مثل 461 هَذَا الشَّهْر؟ قَالَ: أدرجها لشوال. اعْترض رجل من أهل خُرَاسَان جَارِيَة لبَعض النخاسين فازدراه، فَوضع يَده على هميان فِي وَسطه فِيهِ دَنَانِير كَثِيرَة، ثمَّ أنزل يَده إِلَى ذكره وَقد أنعظ وَقَالَ: أَتَرَى سلعتك تكسد بَين هذَيْن السوقين. نظر رجل إِلَى مغن يطارح جَارِيَة للغناء وَقد غمزها فَقَالَ لَهُ: مَا هَذِه الغمزة؟ قَالَ: غمزة فِي الْغناء. قَالَ: أَترَانِي لَا أعرف غمزة الْغناء من غمزة الزِّنَى. عشق أَبُو جَعْفَر الْقَارئ جَارِيَة بِالْمَدِينَةِ فَقيل لَهُ: مَا بلغ من عشقك إِيَّاهَا؟ قَالَ: كنت أرى الْقَمَر فِي دَارهم أحسن مِنْهُ فِي دَارنَا. قَالَ بَعضهم: مَرَرْت ذَات يَوْم بشارع السّري بسر من رأى فَرَأَيْت امْرَأَتي تمشي فظننتها من الْبَادِيَة، فتعرضت لَهَا وَقلت: إِلَى أَيْن يقْصد الغزال؟ فَقَالَت لي: إِلَى مغزلها يَا قَلِيل الْمعرفَة بِأَصْحَابِهِ. كَانَ فلَان مُفلسًا فَقَالَ لامْرَأَة: أَنا أحبك. قَالَت: وَمَا الدَّلِيل على ذَلِك؟ قَالَ: تُعْطِينِي قفيز دَقِيق حَتَّى أعجنه بدموع عَيْني. قَالَت: على أَن تَجِيء بخبزه إِلَيْنَا. قَالَ: يَا سيدتي، فَأَنت تريدين خبازاً لَا تريدين عَاشِقًا. تزوج رجل بشيراز امْرَأَة فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الْخَامِس من زفافها ولدت ابْنا، فَقَامَ الرجل وَصَارَ إِلَى السُّوق وَاشْترى لوحاً ودواة فَقَالُوا لَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: من يُولد فِي خَمْسَة أَيَّام يذهب إِلَى الْكتاب فِي ثَلَاثَة أَيَّام. ذكر أَن رجلا لزم آخر بِحَق لَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْمَلْزُوم: انْطلق معي إِلَى منزلي لعَلي أحتال لَك. فَانْطَلق مَعَه فَدخل وغريمه مَعَه فَجَلَسَ بَين يَدي الحجلة وَالْمَرْأَة

ممسكة بسجفها وَمَعَهُ فِيهَا صديق لَهَا، فَكلم الرجل امْرَأَته فَقَالَ لَهَا: إِن لهَذَا عَليّ دينا، وَلَا أقدر على قَضَائِهِ، فأعينيني بحليك، عَليّ أَن أخلفه عَلَيْك. فَأَقْبَلت الْمَرْأَة على الْغَرِيم فَقَالَت لَهُ: يَا هَذَا؛ عَلَيْك عهد الله وميثاقه إِن رَأَيْت شَيْئا لتكتمنه وَلَا تخبر أحدا، فَحلف لَهَا فَخرجت من الحجلة، فأكبت على زَوجهَا وَأخذت رَأسه فقبلته، وَقَالَت: أفديك بِكُل شَيْء أملكهُ، وَخرج الرجل من الحجلة فَمضى وخلت عَن رَأس الزَّوْج. وجد رجل مَعَ أمه رجلا، فَقتل أمه وخلى عَن الرجل، فَقيل لَهُ: أَلا قتلت الرجل وخليت أمك؟ قَالَ: إِذا كنت أحتاج أَن أقتل كل يَوْم رجلا. وَصلى الله على مُحَمَّد وَآله أَجْمَعِينَ وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل. تمّ بِحَمْد الله وعونه وتوفيقه الْجُزْء الرَّابِع ويليه إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْجُزْء الْخَامِس

الجزء 5

الْجُزْء الْخَامِس / بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة الْمُؤلف اللَّهُمَّ أَنْت الرَّاعِي لَا يُراع سوامهُ، والحافظ لَا يُضاع ذمامُه، والصادق لَا يخلف وَعْده، والغني لَا ينفّدُ مَا عندَه. نحمدُك ونستعينُك، ونستعصمك ونستخيرُك، ونؤمن بك ونتوكلُ عَلَيْكَ، ونخضعُ لَكَ، ونفزع إليْك. اللَّهُمَّ فوفقنا لكل مَا ترضاه، وجنبنا بعض مَا نهواه، وبلغنا من الْخَيْر مُنتهاه واهدنا فِي الدُّنْيَا إِلَى مَا نحمدُ فِي الْآخِرَة عُقباه، وأسِبغْ علينا لباسَ الْكِرَام واعصمْنا مِمَّا نتعقبه بالندامة، وتغمدنا فِي الدُّنيا بِنِعْمَة تضفُوا مدَارعُها وَفِي الْآخِرَة برحُمة تصفُو مشارعُها، وابسُط أيْدَينا إِلَى خلقك بالأفضال والإسْعاف، واقْبِض أيْديَنا عَنْهُم بالقناعة والكَفاف، واجْعلنا عصمَة للخائف مِنْهُم إِذا استجار، والحائر إِذا اسْتَشَارَ، والسائل إِذا استمَار. لَكَ الحمْدُ والمنةُ، ومنك الإحْسانُ والنِّعمةُ وَعَلَى رَسُولك محمدٍ وأهلِ بَيته الصلاةُ وَالرَّحْمَة. هَذَا هُوَ الفصلُ الخامسُ من كتاب نثر الدُّر وَهُوَ اثْنَان وَعِشْرُونَ بَابا. الْبَاب الأول كَلَام زِيَاد وَولده الْبَاب الثَّانِي: كَلَام الْحجَّاج. الْبَاب الثَّالِث: كَلَام الْأَحْنَف بن قيس. الْبَاب الرَّابِع: كَلَام الْمُهلب وَولده.

الْبَاب الْخَامِس: كَلَام أبي مُسلم صَاحب الدولة. الْبَاب السَّادِس: كَلَام جمَاعَة من أُمَرَاء الدولتين. الْبَاب السَّابِع: توقيعات وفصول للوزراء وَالْكتاب. الْبَاب الثَّامِن: كَلَام الْقُضَاة فِي الدولتين. الْبَاب التَّاسِع: كَلَام الْحسن الْبَصْرِيّ. الْبَاب الْحَادِي عشر: كَلَام الْخَوَارِج. الْبَاب الثَّانِي عشر: الْغَلَط، والتصحيف. الْبَاب الثَّالِث عشر: نَوَادِر فِي اللّحن والنحو. الْبَاب الرَّابِع عشر: نَوَادِر للمخنثين. الْبَاب الْخَامِس عشر: نَوَادِر اللاطة. الْبَاب السَّادِس عشر: نَوَادِر البغائين. الْبَاب السَّابِع عشر: نَوَادِر جحا. الْبَاب الثَّامِن عشر: نَوَادِر أشعب. الْبَاب التَّاسِع عشر: نَوَادِر السُّؤَال. الْبَاب الْعشْرُونَ: نَوَادِر المعلمين. الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: نَوَادِر الصّبيان. الْبَاب الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: نَوَادِر العبيد والمماليك.

الباب الاول كلام زياد وولده

الْبَاب الأول كَلَام زِيَاد وَولده قَالَ: إِن تَأْخِير جَزَاء المحسن لؤمٌ، وتعجيل عُقُوبَة المُسيء دناءةٌ. ثَوَاب المحسن والتثبٌّت فِي العُقوبة ربُّما أدّى إِلَى سَلامة مِنْهَا، وتأْخير الإحسانِ رْبِّما أدَّى إِلَى ندمٍ لم يُمكن صَاحبه أَن يتلافاهُ. كتب إِلَى معاويةُ: اعزل حُرَيثَ بن جَابر، فَإِنِّي مَا أذكُرُ قُبتَّه بصفِّين إِلَّا كَانَت حَرارةً، فِي جلدي. فَكتب إِلَيْهِ زيادٌ: خفِّض عَلَيْك أميرَ الْمُؤمنِينَ، فقد بسَق حُريثٌ بُسُوقاً لَا يرفُعه عملٌ، وَلَا يضعهُ عَزْلٌ. وَقَالَ زيادُ لَو أَن لي ألف ألْف دِرْهَم، ولي بعيرٌ أجربُ لقمتُ عَلَيْهِ قيامَ. رجل لَا يملكُ غيرَهُ. وَلَو أَن لي عشرَة دراهمَ لَا أمْلك غيرَها، ولزمني حقٌّ لوضعْتُها فِيهِ. وَقَالَ لِابْنِهِ: عليْك بالحجاب، فَإِنَّمَا تَجَّرأتِ الرُّعاةُ على السباح بِكَثْرَة نظرها إِلَيْهَا

وخطب فَقَالَ: الأُمورُ جاريةٌ بأقدار الله، والناسُ متصَرِّفون بِمَشِيئَة الله، وهمْ بَين متسخِّط وراض، وكل يجْرِي فِي أجل وَكتاب. ويصيرُ إِلَى ثَوَاب أَو عِقَاب. أَلا رُب مسرور بِنَا لَا نسرُّه، وخائف ضدنا لَا نضُرُّه. وَكَانَ مجْلسه الَّذِي يأْذن فِيهِ للنَّاس أربعةُ أسْطْر فِي نواحيه، أولُها: الشِّدةُ فِي غير عُنف، واللينُ فِي غير ضعْف. وَالثَّانِي: المُحسنُ يُجازى بإحسانه، والمسيءُ يكافأُ بإساءته. وَالثَّالِث العَطيَّاتُ والأرزاقُ فِي إبانها وأوقاتها. والرابعُ: لَا احتجاب عَن صَاحب ثغر وَلَا طَارق ليل. وَقَالَ: أحْسنوا إِلَى أهل الْخراج، فَإِنَّكُم لَا تزالون سماناً مَا سَمنْوا. قدم رجلٌ خصْماً إِلَى زِيَاد فِي حَقٍّ لَهُ عَليْه، فَقَالَ: إِن هَذَا يُدلُّ بِخَاصَّة ذكرَ أَنَّهَا لَهُ مِنْك. فَقَالَ زيادٌ: صدّق. وسأُخبُرك بِمَا ينفعُه عِنْدِي منْ مودته إِن يكُن الحقُّ لَهُ آخذُك بِهِ أخْذاً عنيفاً، وَإِن يكُنِ الحقُّ لَك عَلَيْهِ أقْضِي عَلَيْهِ ثمَّ أقْضي عَنهُ. وَقَالَ: لَيْسَ العاقلُ الَّذِي يحتالُ للأمْر إِذا وَقع، وَلَكِن العَاقل الَّذِي يحتالُ لِلْأَمْرِ أَلا يَقع فِيهِ. قَالُوا: قدم زيادٌ البصْرة والياً لمعاوية والفسْقُ بالبصْرة ظاهرٌ فاشٍ فَخَطب خطْبَة بَتْرَاءَ لم يحمدِ الله فِيهَا. ويُقالُ: بل قَالَ: الْحَمد لله على أفْضاله، ونسْأَلُه المزيدَ منْ نعمه وإكرامه. اللهُم كَمَا زدْتنا نعَماً فأَلهِمنْا شكْراً. أما بعدُ: فَإِن الْجَاهِلِيَّة الجهُلاء، والضلالة العمْياء والغَيَّ المُوفدَ لأَهله على النَّار، مَا فِيهِ سفهاؤُكمْ، ويشتعلُ عَلَيْهِ حُلماؤكم، مِنْهُ الْأُمُور الْعِظَام، ينبتُ فِيهَا الصغيرُ، وَلَا يتحَاشى منْها الكبيرُ. كأنكم لم تقْرءُوا كتاب الله، وَلم تسمعُوا مَا أعد الله من الثَّوَاب الْكَرِيم لأهل طَاعَته، وَالْعَذَاب الْأَلِيم لأهل معْصيته فِي الزَّمن السرمدي الَّذِي لَا يزُولُ. أتكونون كمنْ طرفتْ عينه الدُّنيا، وسَدتْ مَسامعَه الشهواتُ، واختارَ الفانية على الْبَاقِيَة وَلَا تذْكُرونَ أَنكُمْ أحْدثتُم فِي الْإِسْلَام الحدَثَ الَّذِي لم تُسْبقُوا إليْه: منْ تَرْككُمْ الضعيفَ يُقْهرُ، ويُؤخَذُ مالُه، والضعيفةَ المسلوبةَ فِي النهارِ المُبصِرِ، والعددُ غيرُ قَلِيل.

ألم يكنُ مِنْكُم نُهاةٌ تمنعُ الغُواةَ عنْ دَلَج الليلِ، وغارةِ النهارِ؟ قرَّبْتُم الْقَرَابَة، وباعْدتُمُ الدِّين. تعتذرُون بِغَيْر العُذْر وتُغُضون على المُخْتلسِ، كلُّ امْرِئ مِنْكُم يذُبُّ عَن شَفِيهِه ضنيع مَنْ لَا يخافُ عَاقِبَة، وَلَا يرجوُ مَعاداً. مَا أنتُم بالحُلماء، وَلَقَد اتَّبعُتم السُّفهاءَ، فَلم يزَلْ بهم مَا ترَوْن من قيامِكم دونَهُم، حَتَّى انتهكٌوا حُرَم الْإِسْلَام، ثمَّ أطْرَقُوا وراءَكم كُنُوساً فِي مكانِس الرِّيبَ حَرُم على الطعامُ والشرابُ حَتَّى أسَوِّيَها بِالْأَرْضِ هدماً وإحراقاً، إِنِّي رأيتُ آخر هَذَا الْأَمر لَا يصلحُ إِلَّا بِمَا صلح بِهِ أوَّلُه: لينٌ فِي غير ضعف، وشدةٌ فِي غير عنف. إِنِّي أقسمُ بِاللَّه لآخُذنَّ الْوَلِيّ بالمولىَ، والمقيمَ بالظاعن، والمقبل بالمُدبر، والصحيحَ مِنْكُم فِي نَفسه بالسقيم حَتَّى يَلْقى الرجلُ مِنْكُم أَخَاهُ فَيَقُول: انْجُ سعدٌ فقد هلك سُعَيد أَو تستقيمَ لي قناتُكُم. إِن كذبَة الْمِنْبَر. بلقاءُ مشهورةٌ، فَإِذا تعلقتم على بكذبة فقد حل لكم معصيَتي. من نُقِبَ عَلَيْهِ مِنْكُم فَأَنا ضامنٌ لمَا ذهب مِنْهُ، فإيايَ ودلج اللَّيْل، فإنِّي لَا أوتَى بمُدلِج إِلَّا سفكْتُ دَمه وَقد أجَّلتكُمْ فِي ذَلِك بِقدر مَا يَأْتِي الخبرُ إِلَى الْكُوفَة، ويرجعُ إِلَيْكُم. وإياي ودعَوى الْجَاهِلِيَّة، فإنِّي لَا أجد أحدا دَعَا بهَا إِلَّا قطعتُ لسانَهُ. وَقد أحدثْتُم أحداثاً لمْ تكن، وَقد أحْدثْنا لكلِّ ذنبٍ عُقُوبَة، فمَنْ غرَّق قوما غرَّقْناه، وَمن أحْرق على قومٍ أحْرَقناه ومَنْ نقَب على قوم بَيْتا نقَبْنا عنْ قلبه، وَمن نَبش قبر دفنَّاه فِيهِ حَيَّاً كُفُّوا عني أيْديكُم، وألْسنتكُم أكُفَّ عَنْكُم يَدي ولساني. وَلَا يظْهُر مْن أحدكُم خلافُ مَا عَلَيْهِ عامكم إِلَّا ضربْتُ عُنقَهُ. وَقد كَانَت بيني وبيْن أَقوام إحنٌ فجعلُتُ ذَلِك دبْرَ أذُني، وَتَحْت قدمي، فمنْ كَانَ مِنْكُم مُحْسناً فليزدَدْ إحساناً، ومَنْ كَانَ مُسيئاً فليرْتدعُ عَن إساءته. إِنِّي لَو علمتُ أَن أحدَكُم قد قتلهُ السُّل منْ بُغْضي لم أكشف عَنهُ قناعاً، وَلم أهُتكْ لَهُ سترا حَتَّى يُبْدي لي صَفحتهُ، فَإِذا فعَل لمْ أناظرهُ فاسْتأنفُوا أمُوركُم، وأعينُوا على أنْفُسكم، فُرب مُبْتئس بقُدُومنا سَيُسَرُّ، ومسرور لقُدومنا سَيبْتئسُ. أيُّها النَّاس: إِنَّا أصْبحنا لكم ساسةً، وعنكم ذادةً، نُسوسُكم بُسلْطان الله

الَّذِي أعْطاناهُ، ونذُودُ عَنْكُم بفيءٍ الله الَّذِي خَولَنا. فلنا عَلَيْكُم السمْعُ والطاعةٌ فِيمَا أحْببْنا، وَلَكِن علْينا العَدْلُ فِيمَا ولِينا. فاستوجبُوا عَدْلنا وفيْئنا بِمُناصحَتِكُمْ لنا. وَاعْلَمُوا أَنِّي مُهَما قصَّرتُ عَنهُ فَلَنْ أقصِّرَ عَن ثَلَاث: لستُ مُحْتجباً عَن طَالب حاجةٍ مِنْكُم، وَلنْ أَتَانِي طَارِقًا بلَيْل، وَلَا حابساً عَطاء وَلَا رزُقا عَن إبانه، وَلَا مُجمِّراً لكم بعْثاً، فادْعوا اللهب الصّلاح لأئمتِّكم، فَإِنَّهُم ساستُكُم المؤُدِّبون، وكهفُكمُ الَّذِي إِلَيْهِ تأوُون. وَمَتى صلحُوا تصَلْحُوا، وَلَا تْسْرِبوا قُلُوبكُمْ بعْضَهُم فيشتد لذَلِك غيظكُمُ، وَيطول لذَلِك خُزْنكمُ، وَلَا تُدْركُوا حاجَتكم مَعَ أَنه لَو اسْتُجيب لكم فيهم كَانَ شرا لكم. أسْأَلُ الله أنْ يُعين كُلاً على كُلٍّ. وَإِذا رأيتْمُوني أنفذُ فِيكُم الأمرَ فأنفذُه على أذْلاله، وأيْمُ الله إِن لي فِيكُم لصَرْعى كَثِيرَة. فليَحْذرْ كل امْرِئ أنْ يكون من صَرْعاي. قَالَ: فَقَامَ عبدُ الله بنُ الْأَهْتَم، فَقَالَ: أشهدُ أَيهَا الأميرُ لقد أُوتيت الْحِكْمَة وفصْل الْخطاب. فَقَالَ لَهُ: كذبْت. ذَاك نَبِي الله دَاوُد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فقامَ إِلَيْهِ الأحْنفُ ابنُ قيْس، فَقَالَ: إِنَّمَا الثناءُ بعْدَ الْبلَاء، الحمدُ بعد العطاءِ، وَإِنَّا لَا نُثْنِي حَتَّى نبْتلي، وَلَا نُحمدُ حَتَّى نُعْطَى. فَقَالَ زِيَاد: صدّقْتُ. قَالَ: فَقَامَ أَبُو بِلَال يهمسُ وَهُوَ يقولُ: أنْبأَنا اللهُ - جلّ وَعز - بِغَيْر مَا قُلت. قَالَ اللهُ تباركَ وَتَعَالَى: وَإبْراهيمَ الَّذِي وَفى. أَلا تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أخْرَى. وَأَن لَّيْسَ للإنسانِ إِلَّا مَا سَعَى. وأنَّ سعُيَهُ سَوف يُرَى. ثُم يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفىَ وَأَنت تزْعُم أَنَّك تأْخُذُ الصحيحَ بالسقيم، والطيع بالعاصي، والمُقْبِلَ بالمُدْبرِ. فَسَمعَهَا زيادٌ، فَقَالَ: إنَّا لَا نبلُغُ مَا نُريدُ بأصْحابك حَتَّى نَخُوضَ إليكمُ الْبَاطِل خَوضاً.

وَقَالَ يَوْم على المنْبر: إِن الرجلَ ليتكلَّم بِالْكَلِمَةِ لَا يقطع بهَا ذنبَ عنز مَصُور لَو بَلغتْ إِمَامه سَفكَت دمَهُ. وَقَالَ. مَا قَرَأت كتابَ رجل قطُّ إِلَّا عرفتُ عَقْلَهَ فِيهِ. وخطب فَقَالَ: استوصُوا بِثَلَاثَة مِنْكُم خيرا: الشريف، والعالم، وَالشَّيْخ، فوَاللَّه لَا يأتيني شَريفٌ يستخفُّ بِهِ إِلَّا انْتقمتُ مِنْهُ، وَلَا يأتيني شيخٌ بشاب استخف بِهِ إِلَّا أوجعتُه، وَلَا يأتيني عالمٌ بجاهل استخف بِهِ إِلَّا نكلتُ بِهِ. قيل لزياد: مَا الحظُّ؟ قَالَ: منْ طالَ من عُمُرهُ، وَرَأى فِي عَدوِّه مَا يَسُرهُ فَهُوَ ذُو حظٍّ. وَكَانَ يَقُول: هُما طَرِيقَانِ للعَامة: الطاعةُ، والسيفُ. وَكَانَ المغيرةُ بن شُعبة يَقُول: لَا وَالله حَتَّى يُحمَلْوا على سَبْعُونَ طَرِيقا قبلَ السَّيْف. قَالَ رجلٌ لِلْحسنِ بن أبي الْحسن: أَلا أحَدِّثُك بِخطْبَة زِيَاد حِين دخَل العراقَ، وخطبة الْحجَّاج حِين قدمَ البصرةَ. أما زيادٌ فَحَمدَ الله - عز وَجل - وأثْنَى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن مُعَاوِيَة غيرُ مخوف على قومه، وَلم يكُنْ ليْلْحِق. بِنَسبه مَنْ لَيْسَ منهُ. وَقد شَهدتِ الشُّهودُ بِمَا قَد بَلغَكُم، والحقُّ أحَقُّ أَن يُتَّبعَ. واللهُ حيثُ وضعَ البيِّنات كَانَ أعلمَ. وَقد رَحلتُ عَنْكُم وَأَنا أعرفُ صديقي من عدوي وَقَدْ قدمت عَلَيْكُم وَقَدْ صَار الْعَدو صديقا

مناصحاً وَالصديق عدُوا مُكاشحاً، فَاشْتَمَلَ كلُّ امْرِئ على مَا فِي صدرِه، وَلَا يكونَنَّ لسانُه شفْرةً تجْرِي على ودَجِه وليعلم أحدُكم إِذا خلا بنفْسه أَنِّي قد حملتُ سَيفي بِيَدِهِ، فإنْ شَهرهُ لم أغُمدْهُ، وإنْ أغُمَدهُ لم أشْهره. ثمَّ نزل. وَأما الحجاجُ فَقَالَ: مَن أعياه داؤهُ فعلينا دوَاؤه، وَمن استَعجَل إِلَى أَجله فعلينَا أنْ نُعجلَه. أَلا إِن الحزْمَ والجِد استلَبا مني سَوطِيَ، وَجعلا سَوْطِي سَيفي، فنجادُهُ فِي عنقِي وقائِمُه بيَدي، وذُبَابُه قِلادةٌ لمن اغترني. فَقَالَ الحَسنُ: البؤسُ لَهما. مَا أغرهما بربِّهما {} ؟ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمِّنْ يعُتبُر بهما. قَالَ بعضهُم: مَا رأيتُ زياداً كاسِراً إِحْدَى عينْيِه، وَاضِعا إحْدى زِجْليه على الْأُخْرَى، يخاطِبُ رجلا إِلَّا رحِمْتُ المخاطبَ. قَالَ عُبْيدُ الله بنُ زِيَاد: نِعم الشيءْ الإمارةُ لَوْلَا قَعْقَعةُ البَريد، وتَشرفُ المنبرِ. تَذَاكُروا عِنْد يزيدَ الْبَصْرَة والكوفَة، فَقَالَ زيادٌ: لَو ضلِّت البصرةُ جعلتُ الْكُوفَة لمن دَلِّني عَلَيْهَا. سمع زيادٌ رجلا يُسبُّ الزَّمَان: فَقَالَ: لَو كَانَ يدْري: مَا الزمانُ. لضربتُ عُنقَه. إِن الزَّمَان هُوَ السُّلطانُ. قالب زيادٌ لحاجبه: يَا عجلانُ، إِنِّي ولُيتُك هَذَا الْبَاب، وعزلْتُكَ عَن أَرْبَعَة: عزلتُك عَن هَذَا الْمُنَادِي إِذا دَعَا للصَّلَاة، وفلا سَبِيل لَك عَلَيْهِ، وَعَن طَارق اللَّيْل، فشر مَا جَاءَ بِهِ. وَلَو جَاءَ بِخَير مَا كنتَ من حَاجبه. وَعَن رَسُول صَاحب الثغر، فَإِن إبطاء سَاعَة يُفسد تدبيرَ سنة فَأدْخلهُ على وَإِن كنتُ فِي لِحَافي. وَعَن هَذَا الطباخ إِذا فرغ من طَعَامه فَإِنَّهُ إِذا أُعِيد عَلَيْهِ التسخينُ فَسدَ. وَقَالَ يُعجُبني من الرجل إِذا سيمَ خُطة الضيم أَن يَقُول: لَا يملئ فِيهِ وَإِذا أَتَى نَادِي قومٍ عَلمَ أَيْن يَنْبَغِي لمثله أَن يجلسَ، فجلسَ. وَإِذا ركب دَابَّة حمَلها على مَا يُحب، وَلم يَتبعْها إِلَى مَا يكرَهُ.

وَكَانَ حارثةٌ بنُ بدر الغُدَاني قد غلبَ على زِيَاد - وَكَانَ الشَّرَاب قد غلب عَليه - فَقيل لزياد: إِن هَذَا قد غلب عَلَيْك وَهُوَ مُستهترٌ بِالشرابِ فَقَالَ زِيَاد: كَيفَ بأطراح رجل هُوَ يُسايُرني؟ قد دخلت عَلَيْهِ الْعرَاق، فَلم يصك ركابي ركاباه وَمَا راكبني قطّ فَسَمت ركبتي ركبتُه وَلَا تقدمني فَنَظَرت إِلَى قَفاهُ، وَلَا تأخًّر عني فلويتُ عُنقي إِلَيْهِ، وَلَا أَخذ عَليّ الشمسَ فِي شتاءٍ قطّ، وَلَا الرَّوْح فِي صيف قطّ، وَلَا سألْتُه عَن علْمٍ إِلَّا ظنتُه لم يُحسن غيرَه. فَلَمَّا مَاتَ زِيَاد جفاهُ عبيد الله، فَقَالَ لَهُ حارثةُ: أَيهَا الأميرُ. مَا هَذَا الجَفاءُ. مَعَ معرفتك بإحلال عِنْد أبي المُغيرة؟ فَقَالَ لَهُ عُبيدُ الله: إِن أَبَا الْمُغيرَة كَانَ قد برع بُروعاً لَا يلحقُه معَهُ وَأَنا حَدَثٌ، وَإِنَّمَا أُنَسبُ إِلَى مَن تغلَّب علىَّ، وَأَنت رجلٌ تُديم الشَّرَاب، فَمَتَى قرَّبتُك، فظهرت رائحةُ الشَّرَاب مِنْك لم آمَن أَن يُظن بِي. فدع النَّبِيذ، وكُن أول دَاخل، وَآخر خَارج. فَقَالَ لَهُ حارثةُ: أَنا لَا أدَعُه لمن يملكُ ضري ونفعي. أفأدعُه للْحَال عنْدك؟ قَالَ: فاختر من عَمَلي مَا شِئْت. قَالَ: تُولِّيني رامهرمز فَإِنَّهَا أرضٌ عَذِيَة وسُرَّق وإنَّ بهَا شرابًا وصف لي عَنهُ فولاه إياهُ. وَفِيه قيل: أحُارِ بن بدر قد وَليت ولَايَة فكُن جُرذاً فِيهَا تَخُونُ وتَسْرِقُ. وَقَالَ زِيَاد: كفى بالبخيل عاراً أَن أُسَمِّهِ لم يَقع فِي حَمد قطٌّ، وَكفى بالجواد مجداً أَن اسمَه لم يَقع فِي ذمّ قطّ. وَكَانَ عبيدُ الله بن زِيَاد قد لج فِي طلب الْخَوَارِج، وحَبْسهم، وقتلهم، فكُلِّم

فِي بَعضهم فَأبى وَقَالَ: أقمَعُ النِّفَاق قبْل أَن يُنجِمَ الكلامُ هولاً أسْرع إِلَى الْقُلُوب من النَّار إِلَى اليراع. وَقَالَ زيادٌ: المْحظُوظُ المغبوطُ. مَن طَال عمرُه، ورأي فِي عدوه مَا يُسرهُّ. وَقَالَ: مِلاكُ السُّلْطَان الشدةُ عل المُريب واللين للمُحْسن، والوفاءُ بالعهد، وصدقُ الحَدِيث. وَقَالَ عبيدُ الله بنُ زِيَاد: نعم الشَّيْء الإمارةُ لَوْلَا قعْقعَةُ الْبَرِيد، والتشرُّفُ للخُطب. وخطب بِالْبَصْرَةِ بعدَ موْت يزِيد فَقَالَ: يَا أهل الْبَصْرَة. انُسبوني، وَالله مَا مُهاجَرُ أبي إِلَّا إِلَيْكُم، وَمَا مَوْلدي إِلَّا فِيكُم، وَمَا أَنا إِلَّا رجلٌ مِنْكُم. وَالله لقد وَليَكُم أبي ومَا مُقاتِلتُكم إِلَّا أَرْبَعُونَ ألفا. وَلَقَد بَلغ بهَا ثَمَانِينَ ألفا. وَمَا ذُرِّيتُكُم إِلَّا ثَمَانُون ألفا. وَقد بلغ بهَا عشْرين وَمِائَة ألف. وَأَنْتُم أوسعُ النَّاس جِلادا، وأبعدُه مَقاداً، وَأَكْثَره جُنُودا، وأغنى النَّاس عَن النَّاس. انْظُرُوا رجُلاً تُولُّونه أمركمُ، يكُفُّ سُفهاءَكم، ويَجبْي فيْئكم، ويقسمُهُ بَيْنكُم، فَإِنَّمَا أَنا رجلٌ مِنْكُم. فَلَمَّا أبَوْا عَلَيْهِ قَالَ: إِنِّي أخافُ أَن يكون الَّذِي يَدْعوكُم إِلَى تأميري حداثةُ عهدٍ بأمْري. وَقَالَ زِيَاد: مَا أتيْتُ قطُّ مَجْلِسا إِلَّا تركتُ مَا لَو أخذتُه لَكَانَ لي. وترْكُ مَالِي أحَبُّ إِلَيّ من أَخذ مَا ليْس لي. وَقَالَ: مَا قرأتُ مثل كُتُب الرّبيع بن زِيَاد الْحَارِثِيّ؟ مَا كتب إِلَى كتابا إِلَّا فِي احتواء مَنْفَعَة، أَو دَفع مضرَّة، وَلَا كَانَ فِي موْكب قطُّ فَتقدم عنانُ من دَابَّته عنانَ دَابَّتي، وَلَا مست رُكبتُهُ رُكبتي، وَلَا شاورتُ إنْسَانا قد. فِي أَمر إِلَّا سبقهُ إِلَيّ بِالرَّأْيِ. لما بنى عُبيدُ الله بنُ زِيَاد البَيْضاءَ كتب رجلٌ على بَابهَا: شَيْء ونصفُ شي، وَلَا شَيْء: الشيءُ: مجهدان، ونصفُ شيءٍ: هد شَيْء أشما، وَلَا شَيْء: عبيْد الله بن زِيَاد فَقَالَ عُبيدُ الله: اكتُبوا إِلَى جنبه: لَوْلَا الَّذِي زعمْت أَنه لَا شَيْء، لما كَانَ ذَلِك الشيءُ شَيْئا وَلَا ذَاك النِّصفُ نصفا. وَلما وردَ الحارثُ بنُ قيس الجَهضمي بعبيد الله بن زِيَاد مَنزل مسْعود بن

عَمْرو العَتكي من غير إِذن، وَأَرَادَ مسعودٌ إِخْرَاجه عَن منزله - قَالَ عبيدُ الله. قد أجَارتني ابنةُ عمِّك عَلَيْك، وعقدُها العقدُ الَّذِي لَا يُحَلّ، ويلزُمك وَهَذَا ثوبها عَليّ، وطعامُها فِي مَدَاخري وَقد ألْتَفَّ عَليّ منزلُها. وَشهد لهُ الحارثُ بذلك. وأشارُوا مَرةً على عبيد الله بالحقنّة فتفحشها، فَقَالُوا: إِنَّمَا يتولاها الطبيبُ. قَالَ: أَنا بالصاحب آنس. وَقَالَ زِيَاد: لَا يغُرنك من الْجَاهِل كثرةُ الالتفاف، وسرعةُ الْجَواب. قدم رجلٌ إِلَى زِيَاد، فأمرَ بضرْبه بالسياط، فَقَالَ: أسأَلُك بِحَق عُبَيد قَالَ: دَعوه إِلَّا يكُن والداً فقد كَانَ أَبَا. قدم زِيَاد فَخَطب خُطبةً أعجبت مَن حضرهُ، فَقَالَ عَمْرُو بنُ الْعَاصِ: للهِ أَبُو هَذَا {} لَو كَانَ قُرشيا لساق الْعَرَب بعصَاه. قَالَ أَبُو سُفيان: أمَا وَالله إِنِّي لأعرفُ أَبَاهُ، وَالَّذِي وضعَهُ فِي رحم أمِّه. فَقَالَ لَهُ عَليّ - عَلَيْهِ السَّلَام -: مَه يَا أَبَا سُفْيَان، فَإنَّك تعلم أَن عمَر إِلَيْك بالمساءَة سريعٌ. فَلَمَّا كَانَ زمنُ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، وَولي زيادٌ فارسَ تأوي إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ كَمَا تأوي الطير إِلَّا وُكُورها، وأيْمُ الله، إِنَّه لَوْلَا انتظاري بك مَا الله أعلم بِهِ، ولقلت كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالح: فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بجنودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بهَا ولنُخرْجَنَّهم مِنْهَا أَذِلَّة وهُمْ صاغرون. وَكتب فِي أسْفل كِتَابه شعرًا يَقُول فِيهِ: تَنْسَى أَبَاك وَقد خفَّتْ نعامتُه ... إِذا تخطبُ الناسَ والوَالي لنا عُمَرُ فَقَامَ زِيَاد فَخَطب، ثمَّ قَالَ: والعَجَبُ كُل العَجب أَن ابْن آكِلَة الأكباد، وَرَأس النِّفاق يُهددني وبيني وَبَينه ابنُ عمِّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله، وزوجُ سيِّدة نساءِ الْعَالمين، وَأَبُو السِّبْطين، وصاحبُ الوَلاء والمنزلة والإخاء: أمَا وَالله لَو يَأذنُ لي فِيهِ لوجَدني أحُمرَ مِحَشًّا ضَرْوباً بِالسَّيْفِ

قَالَ: وَكتب إِلَى عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام بِمَا كتب إِلَى معاويةُ، فَكتب إِلَيْهِ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. أما بعد فَإِنِّي وَليتك مَا وليتُك، وَأَنا أَرَاك لذَلِك أهْلاً. وَإنَّهُ قد كَانَت من أبي سُفيان فلتةٌ لزمان عُمر من أماني التيه. وَكذب الْيَقِين لم تستوجبْ بهَا مِيرَاثا، وَلم يسْتَحق بهَا نسبا. وَإِن مُعَاوِيَة يَأْتِي الرجل منْ بَين يَدَيْهِ من خَلفه، وَعَن يَمِينه وَعَن شِمَاله كالشيطان الرَّجِيم. فاحذَرْه ثمَّ احذرْه. والسلامُ. فَلَمَّا كَانَ زمنُ مُعَاوِيَة، وَقدم عَلَيْهِ زيادٌ جمعَ مُعاوية النَّاس، وَصعد الْمِنْبَر، وأصعدَ زياداً مَعَه، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أَيهَا الناسُ، إِنِّي قد عرفتُ شَبَهنا أهْلَ الْبَيْت فِي زِيَاد. فمَن كَانَت عِنْده شهادةٌ فليَقُمْ بهَا. فَقَامَ الناسُ، فشهدُوا أَنه ابنُ أبي سُفيان، وَأقر بِهِ قبل مَوته. ثمَّ قَامَ أَبُو مَرْيَم السلُولي - وَكَانَ خَماراً فِي الْجَاهِلِيَّة - فَقَالَ: أشْهدُ - يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ - أَن أَبَا سُفْيَان قدم علينا الطائفَ، فأناني فاشتريتُ لَهُ لَحْمًا، وخمراً، وَطَعَامًا. فَلَمَّا أكل قَالَ: يَا أَبَا مَرْيَم، أصبْ لنا بغياً. فخرجتُ أتيتُ سُمية فقلتُ لَهَا: إِن أَبَا سُفْيَان مَنْ قد عرفت شرفَه وحاله. وَقد أَمرنِي أنْ أُصِيب لَهُ بغياً، فَقَالَت لي: نعم يجيءُ الْآن عُبيدٌ من قبَلِ غنمه - وَكَانَ رَاعيا - فَإِذا تعشى، وَوضع رأسَه أتيتُه فرجعتُ إِلَى أبي سُفْيَان فأعلمتُه. فَلم تلبثُ أَن جَاءَت تجُرُّ ذيلَهَا، فَدخلت مَعَه، فَلم تزلْ عِنْده حَتَّى أصبحتْ فقلتُ لما انصرفتْ: كيفَ رأيتَ صَاحبتَك؟ فَقَالَ: خَيْر صَاحب لَوْلَا دَفرٌ فِي إبطَيْها. فَقَالَ زِيَاد منْ فَوق الْمِنْبَر: مَهُ يَا أباَ مريْمَ: لَا تشتمْ أُمَّهَات الرجالِ فتُشتَمَ أمكَ. ثمَّ قَامَ زِيَاد، وأنْصت الناسُ، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أَيهَا الناسُ: إِن مُعَاوِيَة والشهودَ قد قَالُوا مَا سمعتُم، ولستُ أَدْرِي حق هَذَا منْ باطله، وَهُوَ

والشهودُ أعلمُ بِمَا قَالُوا: وَإِنَّمَا عبيدٌ أبٌ مبْرورٌ أَو والدٌ مشكور. ثمَّ نزل. وَقَالَ الشّعبِيّ: قَدم زيادٌ الكوفةَ فدنوْتُ من الْمِنْبَر لأسمعَ كلامَه فَلم أرَ أحدا يتكلمُ فيُحسن إِلَّا تمنيت أنْ يسكتَ مخافةَ أَن يُسيءَ غيرَ زِيَاد، فإنَّه كَانَ لَا يزدَادُ إكثاراً إِلَّا ازدادَ إحساناً. فَقَالَ بعد أَن حمدَ الله: إِن هَذَا الأمرَ أَتَانِي وَأَنا بِالْبَصْرَةِ، فأردتُ أَن أخُرجَ إِلَيْكُم فِي أَلفَيْنِ مِنْ شُرطِها. ثمَّ ذكرتُ أَنكُمْ أهلُ حقٍّ، وَأَن الحقّ طالما دَفعَ الباطلَ. فخرجتْ إِلَيْكُم أهل بَيْتِي. فَالْحَمْد لله الَّذِي رفع منَّا مَا وضع الناسُ، وَحفظ منا مَا ضيعوا. أَيهَا النَّاس: إِنَّا سُسنا وساسَنا السائسون، وجَرَّبْنا، وجربَنا المجَرِّبون، فَوَجَدنَا هَذَا الأمرَ لَا يُصلحُنه إِلَى شدّة من غير عُنف، ولينٌ فِي غير ضعف، فَلَا أعلمَنَّ أنَّا أغلقْنا بَابا ففتحتُموه، وَلَا حللْنا عَقْدا فشدَدتُموه. وَإِنِّي لَا أعدُكم خيرا وَلَا شرا إِلَّا وفيتُ بِهِ، فَإِذا تعلقتُم على بكذبة فَلَا ولَايَة لي عَلَيْكُم. وَإِنِّي آمُرُكم بِمَا آمُرُ بِهِ نَفسِي وَأَهلي فمَنْ حَال دون أَمْرِي ضربتُ عُنُقه. أَلا وَأَنِّي لَا أهْتكُ لأحد مِنْكُم سِتْراً، وَلَا أطلع منْ وَرَاء بَاب، وَلَا أقيلُ أحدا مِنْكُم عَثْرةً. قَالَ: فحَصبْوه من كل جَانب فجلَس على الْمِنْبَر حَتَّى سكتُوا وأمسكوا ثُم نَادَى الشَّرْط، فَأخذُوا بِأَبْوَاب الْمَسْجِد، وَألقى كُرسياً على بعض الْأَبْوَاب ثمَّ عَرضَ الناسَ أَرْبَعَة أَرْبَعَة يستحلفهُم، فَمن حلف أَنه لم يحصبه تَركه، وَمن أَبى حبَسَه. قَالَ: فَقطع يَوْمئِذٍ أَيدي ثَمَانِينَ إنْسَانا ممنْ لم يحلف. فَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: أوعدَ عمرُ بنُ الْخطاب فُعوفي وأوعدَ زيادٌ فابتُلي وَقَالَ أَيْضا: تشبه زيادٌ بعمرَ فأفْرط، وتشبه الْحجَّاج بِزِيَاد فأهْلك الناسَ. قَالَ زيادٌ لِابْنِهِ: إِذا دخلْتَ على السُّلْطان فادعُ لَهُ، ثمَّ اصفح عَنهُ صفْحاً جميلاً. وَلَا يَرينَّ فِيك تهالُكاً عَلَيْهِ وَلَا انقباضاً مِنْهُ.

وَسمع رجلا يَدْعُو عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُول: اللهمَّ اعزلْ عَنَّا زيادا. فَقَالَ لَهُ: قل، وأبْدلْنا بِهِ خيرا مِنْهُ. وَقَالَ لِابْنِهِ عبيد الله عِنْد مَوته: لَا تدنِّس عرضْك، وَلَا تَبْذُلَّن وَجهك، وَلَا تُخْلقن جدتك بِالطَّلَبِ إِلَى مَنْ ردك كَانَ ردُّه عليْكَ، وإنْ قضَى، حاجتَك جعلَها عليْك مَنًّا. فَاحْتمل الفقرَ بالتنزُّه عَمَّا فِي يَد غَيْرك، والزم القناعةَ بِمَا قُسم لَك، فَإِن سُوء حمل الْفقر يَضعُ الشريف، ويُخْملُ الذِّكْر، ويُوجبُ الحرمانَ. قَالَ زِيَاد: يُعجُبني من الرجل إِذا أَتَى مَجْلِسا أنْ يعلمَ أيْنَ مكانُهُ منْه فَلَا يتعداه إِلَى غَيره، وَإِذا سيمَ خُطةَ خسف أنْ يَقُول: لَا، بملء فِيهِ.

الباب الثاني كلام الحجاج

الْبَاب الثَّانِي كَلَام الْحجَّاج خطب فَقَالَ: أَيهَا الناسُ. من أعْياه داؤه فعنْدي دَواؤه، وَمن اسْتبط أَجله، فعلى أنْ أعجِّله. ومَنْ ثَقْلَ عَلَيْهِ رأسُه وضَعْتُ عَنهُ ثِقلَه، وَمن استطال ماضي عمره قصرْتُ عَلَيْهِ باقيَهُ: إنّ للشيطانِ طيفاً، وللسُّلطان سَيْفاً، فَمن سَقمتُ سريرَتُه صحت عقوبتُه، ومَن وضعَه ذنُبه رفعهُ صَلُبه، ومَن لم تسَعْهُ العافيةُ لم تضق عَنهُ الهلكةُ. وَمن سبقتهُ بادرةُ فَمه سَبقَ بدنَهُ بسفك دَمه. إِنِّي أنذرُ ثمَّ لَا أنظرُ، وأحذِّر ثمَّ لَا أعْذِر، وأتوعَّد ثمَّ لَا أغْفِر. إِنَّمَا أفْسدكُم تَرْنيقُ ولانكمُ. ومَنْ استرخى لببُه سَاءَ أدبُه. إِن الحزم والعزم سلباً مني سَوْطِي، وأبدلاني بِهِ سَيفي، فقائمهُ فِي يَدي ونِجَادُه فِي عنقِي، وذُبابُه قلادةٌ لمَنْ عَصَانِي. وَالله لَا آمُر أحَدكم أَن يخرج من بَاب من أَبْوَاب الْمَسْجِد، فيخْرجَ من الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ إلاّ ضربتُ عُنُقه. وخبط لما أَرَادَ الْحَج، فَقَالَ: أَيهَا الناسُ. إِنِّي أريدُ الحجَّ، وَقد استخْلفتُ عَلَيْكُم ابْني. وأوصيتُه بخلافِ وَصِيَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَنْصَار، فإنَّه أمرَ أَن يُقبلَ منْ مُحسنهم، ويُتجَاوز عَن مُسيئهم: أَلا وَإِنِّي أوصيتُه أَلا يقبل من مُحسنكم، وَلَا يتَجَاوَز عَن مُسيئكم. أَلا وإنكُم سَتقولُون بعّدي: لَا أحْسن الله لَهُ الصِّحابة. أَلا

وَإِنِّي مُعجِّلٌ لكم: لَا أحْسنَ الله عليكُم الخلافةَ. وَقَالَ الحجاجُ لأنس بن مَالك حِين دخل إِلَيْهِ فِي شأْن ابْنه عُبيد الله وَكَانَ خرج مَعَ ابْن الأشَعث - لَا مرْحَبًا وَلَا أهْلاً. لَعنه الله عَلَيْك منْ شيخ جَوَّالٍ فِي الْفِتَن، مرّة مَعَ أبي تُراب، وَمرَّة مَعَ ابْن الْأَشْعَث. وَالله لأقْلعنك قلْع الصمغة ولأعصبنّك عَصب السَّلَمة، ولأجردنَك جردَ الضبِّ. قَالَ أنسُ: مَنْ يَعْنِي الأميرُ؟ قَالَ: إياك أعْني. أحمَّ اللهُ مَدَاك. فَكتب أنس بذلك إِلَى عبد الْملك، فَكتب عبدُ الْملك إِلَى الْحجَّاج يَا بن المستفرمة بعَجم الزَّبِيب. لقد هممتُ بِأَن أرْكُلك ركْلةً تهوى مِنْهَا إِلَى نَار جَهنَّم. قَاتلك الله أخْيفش الْعَينَيْنِ، أصَكَ الرجلَيْن أسود الجاعرَتين. وخطب الْحجَّاج يَوْمًا فَقَالَ فِي خطبَته: وَالله مَا بَقِي من الدُّنْيَا إِلَّا مثلُ مَا مَضى، وَلَهو أشبهُ بِهِ من المَاء بِالْمَاءِ. وَالله مَا أحبُّ أنَّ مَا مضى من الدُّنْيَا لي بعمامتي هَذِه. وَقَالَ على الْمِنْبَر يَوْمًا: وَالله لألحونكم لحوَ العصَا، ولأعصبنَّكُم عصب السَّلمة، ولأضْربنكم ضرب غرائب الْإِبِل. يأهل الْعرَاق، يَا أهل الشِّقاق والنِّفاق، ومساوي الْأَخْلَاق. إِنِّي سمعتُ لكم تَكْبِيرا لَيْسَ بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي يُراد بِهِ اللهُ فِي التَّرْغِيب، وَلكنه التكبيرُ الَّذِي يُراد بِهِ الترهيبُ. وَقد عرفْنا أَنَّهَا عجَاجةٌ تحتهَا قصْفٌ. أَي بَني اللكيعة، وعبيدَ الْعَصَا، وأبناءَ الْإِمَاء. إِنَّمَا مَثلى ومثلكم مَا قَالَ ابنُ براقة الهمدَاني: وَكنت إِذا قومٌ غزوْني غزوتهم ... فَهَل أَنا فِي ذَا يَالَ هَمدَان ظالمُ؟

مَتى تجمع الْقلب الذكي وصارماً ... وأنْفاً حميا تجتنْبك المظالمُ أما وَالله لَا تقْرعُ عَصاً عَصا إِلَّا جعلتُها كأمس الذَّاهب. قَالَ مالكُ بن دِينَار: رُبَّما سَمِعت الْحجَّاج يذكُر مَا صنع بِهِ أهلُ الْعرَاق، وَمَا صنَع بهم، فيقعُ فِي نَفسِي أَنه يظْلمُونه لبيانه، وَحسن تخلُّصه للحُجَج. وخطبَ الْحجَّاج مرّة فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَرِنِي الغي غياً فأجتنبَه، وَأَرِنِي الهُدي هدى فَأتبعهُ، وَلَا تكلْني إِلَى نفْسي فأضل ضلالا بَعيدا. وَالله مَا أحب أَن مَا مضى من الدُّنْيَا بعمامتي هَذِه، وَلما بَقِي مِنْهَا أشْبهُ بِمَا مضى من المَاء بِالْمَاءِ وخطب بعد دَير الجَماجم فَقَالَ: يَا أهل الْعرَاق. إِن الشَّيْطَان قد استبطنكم فخالط. اللحمَ والدمَ والعصب والمسامع، والأطراف، والأعضاء، والشغاف، ثمَّ أفْضى إِلَى الأمخاخ والأصْماخ، ثمَّ ارْتَفع فعَشش، ثمَّ باض ففرخ، فحشاكم نفَاقًا وشقاقاً، وأشعركم خِلَافه. اتخذتموهُ دَلِيلا تتبعُونه، وَقَائِدًا تُطيعونه، ومؤآمِراً تستشيرونه. فَكيف تنفعكُم تجربةٌ، أَو تعظكم وقعةٌ، أَو يحجزُكم إسلامٌ، أَو ينفعكم بَيَان؟ ألستُم أَصْحَابِي بالأهواز حَيْثُ رُمتم المكَر، وسعيتُم بالغدر، واستجمعتُم للكُفْر. وظننْتُم أَن الله يخذُلُ دينه وخلافته، وَأَنا أرمْيكُم بطرْفي، وَأَنْتُم تتسللُون لوَاذاً، وتنهزمون سِرَاعاً؟ ثمَّ يَوْم الزاوية، وَمَا يومُ الزّاوية {} بهَا كَانَ فشَلكم وتنازعكُمُ وتخاذُلكم وتجادُلكم، وبراءةُ الله مِنْكُم، ونكوص وَلِيكُم عَنْكُم، إذْ وليتُم كَالْإِبِلِ الشوارد إِلَى أوطانها، النوازع إِلَى أعطانها. لَا يسألُ المرءُ عَن أَخِيه، وَلَا يلوي الشيخُ على بَنيه، حِين عضكم السلاحُ، ووقصتْكم الرِّماحُ.

ثمَّ دَير الجماجم، وَمَا ديُر الجمَاجم {} بهَا كَانَت المعارك والملاحمُ، بِضَرْب يُزيلُ الْهَام عَن مَقيله، ويْذْهل الْخَيل عَن خَلِيله. يَا أهل الْعرَاق. الكَفَرات بعد الفَجرات، والغَدرات بعد الخَتَرات، والنزْوة بعد النزوات {} إنْ بعثتكُم إِلَى ثُغوركم غلْلُتم وجَبْنتم، وَإِن أمنْتُم أرْجفْتم، وإنْ خِفْتُمْ نافقْتُم لَا تتذكرون حَسَنَة، وَلَا تشكرون نعْمَة. هَل استخفّكُم ناكثٌ أَو استغواكم غاو؟ أَو استفزكم عَاص، أَو استَنْصركم ظَالِم، أَو استعْضَدَ بكم خَالع إِلَّا تبعتُموه، وآويتموه ونصرتموه وزكّيتموه؟ يَا أهلَ الْعرَاق، هَل شغَبَ شاغب، أَو نعب ناعبٌ، أَو زفر كاذبٌ إِلَّا كنتُم أتباعَه وأنْصَاره؟ يَا أهل العراقِ، أَو لم تنهكُم المواعظُ، وَلم تزْجركم الوقائعُ؟ ثمَّ الْتفت إِلَى أهلِ الشَّام فَقَالَ: يَا أهل الشَّام: إِنَّمَا أَنا لكم كالظَّليم الرامح عَن فِراخه ينْفي عَنْهَا القَذَرَ، ويباعد عَنْهَا الحجرَ، ويَكنُّها من الْمَطَر ويحميها من الضِّباب، ويحرسُها من الذِّئاب. يَا أهل الشَّام، أنتُم الجُنة والرِّداء، وَأَنْتُم العُدّة والحذاءُ. هَذِه خطْبَة أُخْرَى قَالَ مالكُ بنُ دِينَار: غدَوتُ إِلَى الْجُمُعَة، فَجَلَست قَرِيبا من الْمِنْبَر، فصَعد الحجاجُ ثمَّ قَالَ: امْرُؤ زوَّر عملهُ، وامُرؤ حاسب نفْسَه، امْرُؤ فكر فِيمَا يَقْرَؤُهُ غَدا فِي صَحيفته، وَيَرَاهُ فِي مِيزَانه. امُرؤُ كَانَ عِنْد قلبه زاجرٌ، وَعند همه أمرٌ، أخذٌ بعنان قلبه كَمَا يأْخُذُ الرجل بخِطام. جَمَله، فَإِن قادهُ إِلَى طَاعَة الله تبعه، وَإِن قادَهُ إِلَى مَعْصِيّة الله كَفه. وَكَانَ يَقُول: إِنَّا وَالله مَا خُلقنا للفناء، وَإِنَّمَا خُلقنا للبقاء، وَلَكِن نُنقل من دَار إِلَى دَار. وخطب يَوْمًا فَقَالَ إِن الله أمَرنا بِطَلَب الْآخِرَة. وكفانا مئُونة الدُّنْيَا، فليتنا كُفينا مُونة الْآخِرَة، وأمِرْنا بِطَلَب الدُّنْيَا. فَقَالَ حسن: ضَالَّة الْمُؤمن خرجت من قلب الْمُنَافِق.

وأهدي إِلَى عبد الْملك فرسا وَبغلة وَكتب إِلَيْهِ: وجهتُ إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فرسا سهل الخدِّ، حسن القدِّ، يسبقُ الطّرف، ويستغرقُ الْوَصْف وَبغلة هَواهَا زمامُها وسوطُها. وَكَانَ يَقُول: الْعَفو عَن المُقرِّ لَا عَن المُصر. وَقَالَ: الكوفةُ امْرَأَة حسناءُ عَاطل، والبصرةُ عجوزٌ درداء، قد أُوتيت من كل شَيْء. وَقَالَ بَعضهم، سمعتُ الْحجَّاج يَقُول - وَقد أذن فَلم تَجْتَمِع إِلَيْهِ النَّاس -: يُدعى: حَيّ على الصَّلَاة، فَلَا تُجيبون. أمَا وَالله لَو دُعي: حَيّ على أَرْبَعَة دراهمَ لغص الْمَسْجِد بأَهْله. وَقَالَ ابنُ الكلْبيِّ عَن أَبِيه: قاتِل الحُسَين - عَلَيْهِ السَّلَام - قد دخل إِلَى الْحجَّاج فَقَالَ: أَنْت قتلت حُسيناً؟ فَقَالَ: نعم قَالَ: وَكَيف قتلتهُ؟ قَالَ: دَسَرْتُه بِالرُّمْحِ دَسْراً، وهبَرتُه بِالسَّيْفِ هبراً، ووكلتُ رأسَه إِلَى امرئٍ غير وكد. فَقَالَ الحجاجُ: وَالله لَا تجتمعان فِي الجَنة أبدا. فخرجَ أهلُ الْعرَاق يقولُون: صدَق الأميرُ. لَا يجتمعُ - وَالله - ابْن رَسُول وقاتله فِي الْجنَّة أبدا. وَخرج أهلُ الشَّام يَقُولُونَ: صدَق الْأَمِير. وَلَا يجْتَمع مَن شقّ عَصا الْمُسلمين، وَخَالف أميرَ الْمُؤمنِينَ، وقاتلهُ فِي طَاعَة الله - فِي الْجنَّة أبَداً. وَقَالَ يَوْمًا على الْمِنْبَر: يَقُول سليمانُ: ربّ اغفرْ لي وَهبْ لي مُلكاً لَا ينبَغي لأحد من بعدِي إِن كَانَ لَحَوداً. وَكتب إِلَى عبد الْملك كتابا يَقُول فِيهِ: كنتُ أَقرَأ فِي الصُحف، فانتهيتُ إِلَى قَوْله الله عزّم وَجل: فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعمَ اللهُ عَلَيْهِم من النَّبِيين والصِّدِّيقين والشُّهدَاء وَالصَّالِحِينَ فأردتُ أَن أزيدَ فِيهَا: وَالْخُلَفَاء قَالَ. فَجعل عبد الْملك يَقُول: مَا للحجاج {} قاتلهُ اللهُ. وَقَالَ لَهُ بعضُ وُلَاة الْحجاز: إِن رَأْي أميرُ الْمُؤمنِينَ أَن يستهديني مَا شاءَ فليَفعل.

قَالَ: أستهديك بغلة على شَرْطي. قَالَ: وَمَا شَرْطُك؟ قَالَ: بغلةٌ قصير شعْرُها، طويلٌ عِنانُها، همُّها أمامَها، وسوطُها لجامُها، تستبينُ فِيهَا العلفة، وَلَا تهزلها الرّكْبَة. وَقَالَ يَوْمًا لجلسائه: مَا يُذهبُ الإعياءَ؟ فَقَالَ بَعضهم: التمرُ. وَقَالَ آخر: التمزح وَقَالَ آخر: النومُ. قَالَ: لَا، وَلَكِن قضاءُ الْحَاجة الَّتِي أعْيَا بِسَبَبِهَا. أَتَى بدواب لِابْنِ الْأَشْعَث، فَإِذا سماتُها عدةٌ، فَوسَم تَحت ذَلِك للفرار. كتب الحجاجُ إِلَى قُتَيْبَة: لَا تهجنن بلاءَ أحد من جُندك وَإِن قل، فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك لم يرغب أحدٌ مِنْهُم فِي حُسْن البلاءِ. وأعْط الَّذِي يَأتيك بِمَا تكره صَادِقا مثل الَّذِي يأْتيك بِمَا تحبُّ كَاذِبًا، فَإنَّك إِن لم تفعل غرُّوك وَلم يأْتوك بِالْأَمر على وَجهه. واعلمْ أَنه لَيْسَ لمكذوبٍ رأيٌ، وَلَا فِي حسود، حِيلَة. وَقَالَ لكَاتبه: لَا تجعلن مَالِي عِنْد من لَا أَسْتَطِيع أَخذه مِنْهُ. قَالَ: ومَنْ لَا يَسْتَطِيع الأميرُ أَن يَأْخُذهُ مِنْهُ؟ قَالَ: المُفلس. وَكتب الْوَلِيد بن عبد الْملك إِلَيْهِ يأْمُره أَن يكْتب إِلَيْهِ بسيرته. فَكتب إِلَيْهِ: إِنِّي قد أيقظت رَأْيِي، وأنمت هواي، فأدنيت السيِّدَ المطاع فِي قومه، وَوليت الْحَرْب الحازمَ فِي أمره، وقلدت الْخراج الموفِّر لأمانته، وَقسمت لكل خصْم من نَفسِي قسْماً أعْطِيه حظاً منْ نَظَرِي، ولطيف عنايتي، وصرفت السَّيْف إِلَى النِطف. الْمُسِيء وَالثَّوَاب إِلَى المُحسن البريء، فخاف المُريب صولة الْعقَاب. وَتمسك المحسن بحظِّه من الثَّوَاب. وَقَالَ: لأطلبن الدنْيا طلب من لَا يَمُوت أبدا ولأنفقَنَّها كمَنْ لَا يعِيش أبدا. وخطب فَقَالَ: يَا أهل الْعرَاق: إِن الفتْنة تلْقح بالنجْوى، وتنبَح بالشكْوى، وتحْصدُ بِالسَّيْفِ. أمَا وَالله لقد أبغضتموني فَمَا تضرُّونني، وَلَئِن أحبَبْتموني مَا تنفعونني. وَمَا أَنا بالمُسْتوحش لعدَاوتكم، وَلَا المُسْتريح إِلَى مودتكم. زعمتم أَنِّي ساحرٌ، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: وَلَا يفلح الساحرُ حَيْثُ أَتَى. وزعمتم أَنِّي أحسن الاسْمَ الأكبرَ. فلمَ تقاتلون من يعلم مَا لَا تعْلمون؟ ثمَّ الْتفت إِلَى أهل الشَّام، فَقَالَ: لأرواحُكم أطْيبُ منْ المسكِ، ولدنوُّكُم أنُس من الْوَلَد. وَمَا مثلكُم

إِلَّا كَمَا قَالَ أخُو ذُبيان. إِذا حاولتَ فِي أَسد فُجورا ... فَإِنِّي لستُ مِنْك وَلست منِّي هُمُ دِرْعِي الَّتِي استلاهتُ فِيهَا ... إِلَى يَوْم النِّار وهمْ مِجَنِّي ثمَّ قَالَ: يَا أهل الشَّام، بل أنتُم كَمَا قَالَ الله عز وَجل: وَلَقَد سبقتْ كلمتُنا لعبادِنا المُرْسلين. إنَّهمْ لَهُم المنصورون. قَالَ بعضُهمْ: رأيتُ الْحجَّاج وعنبسة بنَ سعيد واقفَيْن على دجْلة. فَأقبل الحجاجُ، وَقَالَ عنبسةُ، إِذا كنتَ فِي بلد يضعُفُ سلطانُه، فاخرجْ عَنهُ، فَإِن ضعْف السُّلْطَان أضرُّ على الرّعية منْ جُوده. وَكَانَ يقُول: خيرُ المعْروف مَا نعشتَ بِهِ عثرات الْكِرَام. وَمِمَّا كفَّره بِهِ الفقهاءُ قولهُ: والناسُ يطُوفونُ بِقَبْر رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ومنبره إِنَّمَا يطُوفُون بأعْوادٍ ورِمَّة. وَقَالَ يَوْمًا: وَالله إِن طَاعَتي أوجبُ من طَاعَة الله، لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: " فتقُوا الله مَا استطعتُم فَجعل فِيهِ مثنويةً، وطاعتي لَا مثنوية فِيهَا. وَضرب رجلا فَقَالَ: اعتديت أيُّها الأميرُ. فَقَالَ: فَلَا عُدْوان إِلَّا على الظَّالِمين. وقف رجل لَهُ فَقَالَ: أصْلحَ اللهُ الأميرَ، جنى جَانٍ فِي الْحَيّ، فأُخذتُ بجريرته، وأسْقط عطائي. فَقَالَ: أمَا سَمِعت قَول الشَّاعِر: جانيك من يجني عَلَيْك وَقد ... تُعْدى الصِّحاحَ مباركُ الجرب ولُرب مأْخوذ بذنب صديقه ... وَنَجَا المُقارِفُ صاحبُ الذنبِ فَقَالَ الرجل: كتابُ الله أولى مَا اتّبع. قَالَ الله تَعَالَى: مَعاذَ الله أَن نأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا متاعَنا عِنْده. فَقَالَ الحجاجُ: صدقت. وأمَر بردِّ عطائه.

وَقيل لَهُ - وَقد احتُضر -: أَلا تَتُوبُ؟ فَقَالَ: إِن كَانَت مُسيئاً فليسَت هَذِه ساعةَ التَّوبة، وَإِن كنتُ مُحْسناً فليستْ سَاعَة الْفَزع. لما نصبَ المنجنيق على الكَعْبةِ جَاءَت نارٌ فأحرقتِ المنجنيقَ، وامتنعَ أَصْحَابه مِن الرّيّ، فَقَالَ الحجاجُ: إِن ذَلِك نَار القربان دلتْ على أَن فعلكم مُتقبَّل. وَقَالَ على الْمِنْبَر: اقطَعوا هَذِه الأنْفسَ فَإِنَّهَا اسْأَل شيءٍ إِذا أعطيتْ، وأعصي شيءٍ إِذا سُئِلت. فرحمَ الله امْرأ جعل لنَفسِهِ خطاماً وزماماً، فقادَها بخطامها إِلَى طَاعَة الله، وعطفها بزمامها عَن مَعصية الله، فَإِنِّي رَأَيْت الصبرَ عَن مَحَارمه أيسر من الصَّبْر على عَذَابه. وَكَانَ يَقُول: إنّ امْرأ أتتْ عَلَيْهِ ساعةٌ من عُمُره لم يذكر ربه، وَلم يستغْفر من ذَنبه، أَو يفكر فِي معَاده. لجديرٌ أنْ تطول حَسرته يومَ الْقِيَامَة. لما قتل الْحجَّاج عبدَ الله بن الزُّبير ارتجتْ مَكة بالبكاء، فأمرَ الْحجَّاج بِالنَّاسِ، فجمعُوا إِلَى الْمَسْجِد، ثمَّ صَعدّ المنبرَ، فَحَمدَ الله وأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: يَا أهل مَكَّة. بَلغنِي إكْباركم واستفْظاعُكم قتل ابْن الزُّبير. أَلا وَإِن ابْن الزبير، كَانَ منْ أخُيار هَذِه الْأمة، حَتَّى رغب فِي الْخلَافَة، وَنَازع فِيهَا أهْلها، فَخلع طَاعَة الله، واستكنَّ بحرَم الله. وَلَو كَانَ شيءٌ مَانِعا للعُصاة لمنعتْ آدمَ حُرْمَة الْجنَّة، لِأَن الله تَعَالَى خلقه بِيَدِهِ، وَنفخ فِيهِ من روحه، وأسجَدَ لَهُ مَلَائكَته، وأباحه جنته، فَلَمَّا أَخطَأ أخرجَه من الْجنَّة بخطيئته. وآدَم على الله تَعَالَى أكُرمُ من ابْن الزبير، وَالْجنَّة أعظُم حُرْمَة من الْكَعْبَة. فاذكُروا الله يذْكرْكم. وَصعد الْمِنْبَر بعد قَتله ابْن الزّبير مُتلثِّماً، فحطَّ. اللِّثامَ عَنهُ، ثمَّ قَالَ: مَوْجُ ليلٍ الْتَطَمْ ... فانجلي بضوء صبحه يَا أهل الْحجاز. كَيفَ رَأَيْتُمُونِي؟ ألم أكشف ظلْمة الْجور، وطخية الْبَاطِل

بِنور الْحق. وَالله لقد وطئكم الْحجَّاج وَطْأَة مُشْفق، عطفتْه رحمٌ، ووصْل قرَابَة. فإياكم أنْ تنزلُّوا عنْ سَنن مَا أقمناكم عَلَيْهِ، فأقطعَ عَلَيْكُم مَا وصَلْتُه لكم بالصارم البتَّات وأقيمَ من أوَدكم مَا يُقيم المُثقِّف من أوَد القنا بالنَّار. هَا إِلَيْكُم. ثمَّ نزل وَهُوَ يَقُول: أَخُو الْحَرْب إِن عضَّتْ بِهِ الحربُ عَضَّها ... وإنْ شمَّرتْ عَن سَاقهَا الحربُ شمرا. وخطب ذَات يَوْم فَقَالَ: إِنَّه وَالله مَا لكم عِنْدِي بُلهنيةٌ وَلَا رُفَهْنيةٌ، وَلَا رَبَغٌ عَن التحلية. وَلَا أَقُول لمن عثر مِنْكُم: دعْ. دعْ. وَلَكِن تعساً لِلْيَدَيْنِ وللفمِ. قَالَ الْحجَّاج لرجل من أهل الشَّام. وَقد أتِىَ بِرَجُل: قُم فاضربْ عُنقه فَقَالَ: أصلح الله الأميرَ، ولي نصْف أجرِه؟ فَقَالَ الحجاجُ: مَا أهمُّ بِأَمْر أَرْجُو فِيهِ القُربة والزُّلفة إِلَّا نازعنيه شاميٌّ. اضْرِب عنقهُ، وَلَك ثلثُ أجره. كَانَ الحجاجُ إِذا استغْرب ضحِكاً وَإِلَى بَين الاستغفارِ. وَكَانَ إِذا صعد الْمِنْبَر تلفَّعَ بمِطرَفه، ثمَّ تكلَّم رويداً فَلَا يكادُ يُسمعُ مِنْهُ، ثمَّ يتزيَّدُ فِي الْكَلَام حَتَّى يُخرج يَده مِن مطْرَفة يزجرُ الزْجرة فيقرعُ بهَا أقْصَى مَنْ فِي الْمَسْجِد. وَكَانَ يُطْعُم فِي كلِّ يَوْم على ألف مائدة، على كل مائدة ثريدٌ وجَنب من شوَاء، وسمكةٌ طريةٌ. ويطافُ بِهِ فِي مِحَفَةٍ على تِلْكَ الموائد ليفتقدَ أُمُور النَّاس، وعَلى كل مائدة عشرةٌ. ثمَّ يَقُول: يَا أهل الشَّام. كسرْوا الخُبز لِئَلَّا يُعادَ عليكُم. وَكَانَ لَهُ ساقيان: أحدُهما يسْقِي المَاء والعسلَ، وَالْآخر يسْقِي اللَّبن. يروي عَن مُحَمَّد بن المُنتشر الْهَمدَانِي، قَالَ: دفع إِلَى الْحجَّاج أزادْ مُرْد بن الهربذ وَأَمرَنِي أَن أستخرج مِنْهُ، وأُغلِظَ لَهُ. فَلَمَّا انْطَلَقت بِهِ قَالَ لي: يَا محمدُ. إِن لَك شرفاً وديناً، وَإِنِّي لَا أُعْطى على القسْر شَيْئا، فاستأْذِني، وارفُق بِي. قَالَ: فَفعلت. قَالَ: فأدّى إِلَيّ فِي أُسْبُوع خمْسَمائة ألف. قَالَ: فَبلغ ذَلِك الْحجَّاج، فأغضبَه، انتزعَه من يَدي، وَدفعه إِلَى رجل كَانَ يتَوَلَّى لَهُ الْعَذَاب، فدق يَدَيْهِ برجليه، وَلم يعطهم شَيْئا.

قَالَ مُحَمَّد بن المُنتشر: فَإِنِّي لأُمرُّ يَوْمًا فِي السُّوق إِذا صائح بِي: يَا محمدُ. فالتفتُّ فَإِذا بِهِ معُروضاً على حمَار، مَوْثوقَ الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ فخِفْتُ الْحجَّاج إِن أتيتُه، وتذممت مِنْهُ. فملت إِلَيْهِ فَقَالَ لي: إِنَّك وليت منِّي مَا ولي هَؤُلَاءِ. فَرَفَقْت بِي فأحسنت إِلَيّ، وَإِنَّهُم صنعُوا بِي مَا ترى، وَلم أعْطهم شَيْئا. وَهَا هُنَا خَمْسمِائَة ألف عِنْد فلَان. فَخذهَا، فَهِيَ لَك. قَالَ: فَقلت: مَا كنت لآخذ مِنْك على معروفٌ أجْراً، وَلَا لأرزأك على هَذِه الْحَال شَيْئا. قَالَ: فَأَما إِذا أَبيت فاسمع أحدِّثك: حَدثنِي بعض أهل دينك عَن نبِّيك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِذا رضى الله عَن قوم أمْطرهم المطرَ فِي وَقته، وَجعل المَال فِي سُمحَائهم، وَاسْتعْمل عَلَيْهِم خيارهم، وَإِذا سَخِط الله على قوم اسْتعْمل عَلَيْهِم شرارهم، وَجعل المَال عِنْد بخلائهم، وأمطرَ المطرَ فِي غير حِينه. قَالَ: فَانْصَرَفت، فَمَا وضعت ثوبي حَتَّى أَتَانِي رَسُول الْحجَّاج يأْمرني بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ. فَأَلْفَيْته جَالِسا على فرْشه. وَالسيف مُنْتضي فِي يَده. فَقَالَ لي: ادْن. فدنوت شَيْئا، ثمَّ قَالَ: ادْن. فدنوت شَيْئا. ثمَّ صَاح الثَّالِثَة: ادْن. لَا أبالك {} فَقلت: مَا بِي إِلَى الدُّنوِّ من حَاجَة. وَفِي يَد الْأَمِير مَا أرى. فأضحك الله سنه، وأغمد عني سيْفه. فَقَالَ لي: اجلسْ. مَا كَانَ من حَدِيث الْخَبيث؟ . فَقَالَت لَهُ: أيُّها الأميرُ. وَالله مَا غششتُك مُنْذُ استنصحتني، وَلَا كذبتك مُنْذُ اسْتخبرْتني، وَلَا خنتك مُنْذُ ائتمنتني. ثمَّ حّدثتُه الحَدِيث. فَلَمَّا صرت إِلَى ذكر الرجل الَّذِي المَال عِنْده أعْرض عنِّي بِوَجْهِهِ، وأوْمأ إِلَيّ بِيَدِهِ. وَقَالَ: لَا تسمِّه. ثمَّ قَالَ: إنّ للخبيث نفسا، وَقد سمع الْأَحَادِيث {} روى عَن عبد الْملك بن عُمير اللَّيْثي قَالَ: بيْنا أَنا جَالس فِي الْمَسْجِد الْجَامِع بِالْكُوفَةِ إِذا أَتَانِي آتٍ، فَقَالَ: هَذَا الحجّاج قد قدم أَمِيرا على الْعرَاق، فَإِذا بِهِ قدْ دخل الْمَسْجِد مُعُتماً بعمامة قد غطى بهَا أَكثر وَجْهه، مُتقلِّداً سيّفاً، متنكباً قوساً،

ويؤم الْمِنْبَر. فَقَامَ الناسُ نَحوه، حَتَّى صَعد المنبرَ فَمَكثَ سَاعَة لَا يتَكَلَّم. فَقَالَ الناسُ بَعضهم لبَعض: قبح الله بني أُميَّة حَيْثُ يستعملون مثل هَذَا على العَراق. حَتَّى قَالَ عميْر بن ضابئ البُرجُمي: أَلا أحصبُه لكم؟ قَالُوا: أمْهل حَتَّى ننظرَ. فَلَمَّا رأى عُيُون النَّاس إِلَيْهِ حَسَر اللثامَ عَن فَمه، ونهض فَقَالَ. أَنا ابنُ جَلا وطلاعُ الثنايا ... مَتى أضعِ العِمامَةَ تَعرفوني؟ وَالله يَا أهل الْكُوفَة، إِنِّي أرى رؤساً قد أينْعت، وحان قطافها، وَإِنِّي لصاحُبها كَأَنِّي أنظرُ إِلَى الدِّماء بيْن العَمائم واللِّحىَ: هَذَا أوَانُ الشدِّ فاشتدِّي زِيَمْ ... قد لفها اللَّيْل بسَوِّاقٍ حُطمْ لَيْسَ براعِي إبلٍ وَلَا غنمْ ... وَلَا بجَزَّارٍ على ظهْرِ وَضَمْ قد لفها اللَّيْل بعصلبِيٍّ ... أروعَ خّرَّاجٍ من الدَّوى مهَاجر لَيْسَ بأعرابي قد شمرت عَن سَاقهَا فشّدوا ... وجدَّتِ الحربُ بكمْ فجِدُّوا والقوسُ فِيهَا وتَرٌ عَرُدُّ ... مثل ذِرَاع الْبكر أَو أشدُّ إِنِّي - وَالله - يَا أهل الْعرَاق، مَا يقعْقع لي بالشِّنان، وَلَا يغمز جَانِبي كغمزْ التِّين، وَلَقَد فُرِرتُ عَن ذكاء، وفتِّشت عَن تجْربة. وَإِن أميرَ الْمُؤمنِينَ نثر كِنَانَته، فعجمَ عيدانها عوداً عُوداً، فوجدني أمَرَّها عُوداً وأصلبها مكسراً، فرماكم بِي، لأنكم طالما أوْضعتم فِي الْفِتْنَة واضطجعتم فِي الضَّلَالَة. وَالله لأحْزمنكم حزم السلمة، ولأضربنّكم ضرْب غرائب الْإِبِل، فَأنْتم لكلٍّ أهلٌ. إِنَّمَا أَنْتُم أهلُ قَرْيَة كَانَت آمِنَة مطمئنةً يَأْتِيهَا رِزُقُها رغداً من كلِّ مكانٍ فكفرتْ بأَنُعمِ اللهِ فأذاقَها

الله لباسَ الجُوعِ والخَوْف بِمَا كَانُوا يصنعُون وَإِنِّي - وَالله - مَا أَقُول إِلَّا وفَّيْتُ، وَلَا أهُم إِلَّا أمْضيت، وَلَا اخلق إِلَّا فَرَيْتُ. وَإِن أميرَ الْمُؤمنِينَ أَمرنِي بإعطائكم، وَأَن أوَجِّهكم لمحاربة عدوِّكم مَعَ المُلهب بن أبي صفرَة. وَإِنِّي أقسم بِاللَّه لَا أجد رجلا تخلف بعد إِعْطَائِهِ ثَلَاثَة إِلَّا ضربت عُنُقه. يَا غُلَام: اقْرَأ عَلَيْهِم كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَرَأَ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: من عَبْدِ الْملك بن مرْوان أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى مَن بالكوفةِ من الْمُسلمين. حَتَّى قَالَ إِلَيّ سلامٌ عليكمْ فَلم يقلْ أحدٌ شيْئاً. فَقَالَ الْحجَّاج: أكْفف يَا غُلَام. ثمَّ أقبل على النَّاس، فَقَالَ: أيسلِّم عليكُم أميرُ الْمُؤمنِينَ فَلَا تَردُونَّ عَلَيْهِ السَّلَام؟ هَذَا أدّبُ ابْن أدّية. أما. وَالله لأؤَدِّبنكُم غير هَذَا الْأَدَب، أوْ تسْتقيمُن. اقْرَأ يَا غُلَام كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَرَأَ. فَلَمَّا بلغ إِلَى قَوْله: سَلام عَلَيْكُم لم يبْق فِي الْمَسْجِد أحدٌ إِلَّا قَالَ: وعَلى أَمِير الْمُؤمنِينَ السَّلَام، ثمَّ نزل. فَوضع للنَّاس أعطياتهم، فَجعلُوا يأْخذون، حَتَّى أَتَاهُ شيخٌ يرعَش - كبَراً، فَقَالَ: أيُّها الْأَمِير: إِنِّي فِي الضعْف على مَا ترى، ولي ابنٌ هُوَ أقوى مني على الْأَسْفَار. أفتقبله منِّي بديلاً؟ قَالَ: نَفْعل أيُّها الشَّيْخ. فَلَمَّا ولي قَالَ لَهُ قائلٌ: هَذَا ابْن ضابئ البرجمي الَّذِي يَقُول أَبوهُ:

هَمَمْتُ وَلم أفعلْ وكِدْتُ وَليْتَنِي تركت على عُثْمَان تبْكي حَلائله. وَدخل هَذَا الشَّيْخ على عُثْمَان مقتولاً، فوطئ بَطْنه، وكسَر ضلعين من أضلاعه. فَقَالَ: ردُّوه. فَلَمَّا: رُدَّ. قَالَ أيُّها الشَّيْخ: هلا بَعثْتَ يَوْم الدَّار فيرتحل، ويأْمر وليه أَن يلحَق بِهِ. فَفِي ذَلِك يَقُول ابْن الزَّبير الْأَسدي: تجهزْ فإمَّا أَن تزور ابْن ضابئ عُمَيْرًا وَإِمَّا أَن تزور المهلبا. وَكتب إِلَى الْوَلِيد بعد وَفَاة أَخِيه مُحَمَّد بن يُوسُف: أخبر أميرَ الْمُؤمنِينَ - أكرمَه الله - أَنه أُصِيب لمُحَمد بن يُوسُف خَمْسُونَ وَمِائَة ألف دِينَار، فَإِن يكن أَصَابَهَا من حلِّها فرحمه الله، وَإِن تكن من خِيَانَة فَلَا رَحْمَة الله. فَكتب إِلَيْهِ الْوَلِيد: أما بعد. فقد قَرَأَ أميرُ الْمُؤمنِينَ كتابك فِيمَا خلف محمدُ بن يُوسُف، وَإِنَّمَا أصَاب ذَلِك من تِجَارَة أحللناها لَهُ فترحم عَلَيْهِ، رَحمَه الله. وَكتب الْحجَّاج إِلَى عبد الْملك: بَلغنِي أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عطسَ عطسة فشمته قومٌ. فَقَالَ: يغفُر الله لنا وَلكم. فيا لَيْتَني كنت مَعَهم. فأفوز فوزاً عَظِيما. ووفدَ مرّة على الْوَلِيد، فَقَالَ لَهُ الوليدُ - وَقد أكلا -: هَل لَك فِي الشَّرَاب؟ قَالَ: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ: لَيْسَ بِحرَام مَا أحللته، وَلكنني أمنع أهل عَمَلي مِنْهُ، وأكره أَن أُخَالِف قَول العَبْد الصّالح: وَمَا أريدُ أَن أخالِفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ فإعفاء. جلس الْحجَّاج لقتل أَصْحَاب ابْن الْأَشْعَث، فَقَامَ إِلَيْهِ رجلٌ مِنْهُم، فَقَالَ: أصلحَ الله الأميرَ. إِن لي عَلَيْك حَقًا. قَالَ: وَمَا حقُّك؟ قَالَ: سَبَّك عبدُ الرَّحْمَن يَوْم فَرددت عَلَيْهِ. فَقَالَ: من يعلُم ذَلِك؟ قَالَ: أنْشُدُ الله رجلا سّمع ذَلِك إِلَّا شهد بِهِ. فَقَامَ رجل من الأُسراء، فَقَالَ: قد كَانَ ذَلِك أيُّها الْأَمِير. قَالَ: خلُّوا عَنهُ. ثمَّ قَالَ: للِشَّاهدِ: فَمَا مَنعك أَن تنكرَ كَمَا أنكرَ؟ فَقَالَ: لقديم بغضي إياك. قَالَ: ولْيُخلَّ أَيْضا عَنهُ لصدقه.

وَكَانَ يَقُول: البُخل على الطَّعَام أقبحُ من البرص على الْجَسَد. وَلما أتَى الْحجَّاج الْبَصْرَة، وَندب النَّاس إِلَى محاربة الْخَوَارِج، واللَّحاق بالمهلب كَانَ عَلَيْهِم أَشد إلحافاً، وَقد كَانَ أَتَاهُم خبرهُ بِالْكُوفَةِ، فتحمَّل الناسُ قبل قدومه. فُيرى عَن بَعضهم أَنه قَالَ: إنّا لنتغدى مَعَه إِذا جَاءَهُ رجلٌ من بني سليم بِرَجُل يقودُه، فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير. إِن هَذَا عاصٍ. فَقَالَ لَهُ الرجل. أنْشُدُك الله أَيهَا الأميرُ فِي دَمى، فوَاللَّه مَا قبضتُ ديواناً قطٌّ، وَلَا شهِدت عسكراً، وَإِنِّي لحائكٌ أخِذت من تَحت الحُفٍ. فَقَالَ: اضربوا عُنُقه. فَلَمَّا أحس بِالسَّيْفِ سَجَد، فَلحقه السَّيْف - وَهُوَ ساجد - فأمسكنا - عَن الْأكل فَأقبل علينا الْحجَّاج، فَقَالَ: مَالِي أَرَاكُم صَفرت أَيْدِيكُم واصفرَّت وُجُوهكُم، وحَدَّ نظرُكم من قتلِ رجُل وَاحِد؟ إِن العَاصِي يجمع خلالا تُخِلُّ بمركزه، ويعصي أميره، ويَغُرُّ الْمُسلمين، وَهُوَ أجِيرٌ لكم، وَإِنَّمَا يَأْخُذ الْأُجْرَة لما يعْمل، والوالي مُخَّير فِيهِ إِن شَاءَ قَتله وَإِن شَاءَ عَفا. ثمَّ كتب الْحجَّاج إِلَى الْمُهلب. أما بعدُ، فَإِن بشرا رَحمَه الله استكرهَ نفسَه عَلَيْك، وأراك غناءَه عَنْك. وَأَنا أريك حَاجَتي إلْيك فأربي الْجد فِي قتال عدوِّك. ومَن خفته على الْمعْصِيَة مِمَّن قبلك فاقتله، فَإِنِّي قَاتل مَن قبَلي. ومَن كَانَ عِنْدِي من وَلي مَن هرب عَنْك فَأَعْلمنِي مَكَانَهُ، فَإِنِّي أرى أَن أخُذ السمِي بالسمي وَالْوَلِيّ بالوليِّ. فَكتب إِلَيْهِ المهلبُ لَيْسَ قبلي إِلَّا مطيعٌ، وإنَّ الناسَ إِذا خافُوا الْعقُوبَة كبَّرْوا الذَّنب، وَإِذا أمنُوا الْعقُوبَة صغَّرُوا. الذَّنب، وَإِذا يئسوا من العَفْو أكُفرَهُم ذَاك. فهبْ لي هَؤُلَاءِ الَّذين سمَّيتهم عصاةً فإنهْمُ فريقان: أبطالٌ أرجُو أنْ يقْتل الله - عز وَجل - بهم العدوَّ، ونادمٌ على ذنْبه. وَصعد الْمِنْبَر بعد موتِ أَخِيه أَو ابْنه. فَقَالَ: يَقُولُونَ: مَاتَ ويموتُ الْحجَّاج. فمذ كَانَ مَاذا؟ واللهِ مَا أرجُو الخيرَ كُله إِلَّا بعد الموتِ. واللهُ مَا رَضِي الله

البقاءَ إِلَّا لأهونِ خلقه عَلَيْهِ: إبليسَ، إِذْ قَالَ: رب فأنْظِرْني إِلَى يومِ يُبْعثون. قَالَ فَإنَّك مِن المنظرِين. وَقَالَ لمعلِّم وَلَده: علِّم وَلَدي السباحة قبل الْكِتَابَة، فَإِنَّهُ يجدُون من يكتُب عنهُمْ وَلَا يَجدونَ من يسْبَحُ عَنْهُم. وَسَأَلَ غُلَاما فَقَالَ لَهُ: غُلام مَن أَنْت؟ قَالَ: غُلامُ سيِّد قيْس. قَالَ: ومَن ذَلِك؟ قَالَ: زُرارةُ بن أوْفى قَالَ: كَيفَ يكونُ سيِّداً وَفِي دَاره الَّتِي ينزلها سُكانٌ؟ قطع ناسٌ من بني عمْرو بن تَمِيم وحَنظلة الطَّرِيق على قوم زمن الْحجَّاج. فَكتب إِلَيْهِم: أما بعدُ: فَإِنَّكُم استبحتُمْ الفِتنة، فَلَا عَن حقٍّ تقاتِلُون، وَلَا عَن مُنكر تَنْهون. وأيمُ الله إِنِّي لأهمُّ أَن تكُونُوا أول من يرد عَلَيْهِ مِن قبلي مَن ينسفُه الطارِفَ والتالِدَ، ويُخلِّي النساءَ أيَامي، والصِّبيان يتامى فأيما رُفقه مرّت بِأَهْل ماءٍ، فأهلُ ذَلِك المَاء ضامنُون لَهَا حَتَّى تصيرَ إِلَى المَاء الَّذِي يَلِيهِ. تقدمةً مني إِلَيْكُم. والسعيد مَن وُعظ بِغَيْرِهِ. وَقَالَ بَعضهم: ارجُ نفسَك، واحقن دمَك، فَإِن الَّذِي بَين قَتلك وَبَيْنك أقصر منْ إِبْهَام الحباري. قَالُوا: قدم الحجاجُ الْمَدِينَة، فَفرق فيهم عشرَة آلَاف دِينَار، ثمَّ صعدَ الْمِنْبَر فَقَالَ: يَا أهل الْمَدِينَة: أَنْتُم أوْلى مَنْ عذر، فو الله مَا قدمُنا إِلَّا على قلائصَ حَراجيجَ شُنَّربٍ، مَا تُتابَع، مَا تلْحقُ أرْجلُها أيدَيها، وأنتُم أوْلى مَن عذر. فَقَامَ عبد الله بن عمار الديلِي فَقَالَ: لَا عذر اللهُ مَنْ يعذرُك، وأنْت ابنُ عَظِيم القريتين. وأمير العراقين. إِلَى مَتى؟ وَحَتَّى مَتى؟ فَنزل الْحجَّاج فعين مَالا كثيرا بِالْمَدِينَةِ، وفرقه فِي النَّاس. خطب ذَات يَوْم بِالْكُوفَةِ فَقَالَ: يَا أهل الْعرَاق. وأتيتكُم وَأَنا أرْفُل فِي لِمتي، فَمَا زَالَ شقاقُكُم حَتَّى اخضر شعري. ثمَّ كشف عَن رَأس لَهُ أَقرع، وَقَالَ: مَنْ يكُ ذَا لمة تكشّفها ... فإنني غير ضمائري ذُعْري لَا يمنعُ المرءَ أنْ يسودَ وأنْ ... يضربَ بِالسَّيْفِ قلَّة الشّعْر

قَالَ الشعبيُّ: سمعتُ الْحجَّاج يقولُ: أما بعد، فَإِن الله. جلّ وَعلا كتب على الدُّنيا الفناءَ، وعَلى الْآخِرَة البقاءَ، فَلَا فنَاء لما كتب عَلَيْهِ البقاءَ، وَلَا بَقَاء لمَنْ كتب عَلَيْهِ الفناءَ، فَلَا يغرنكُم ساعد الدُّنْيَا عَن غَائِب الْآخِرَة، واقْهروا طول الأمل بقصر الْأَجَل. وَقَالَ ابْن عَيَّاش عَن أَبِيه، قَالَ: إِن أول يَوْم عُرِفَ فِيهِ الْحجَّاج - وَكَانَ فِي الشُّرط مَعَ عبد الْملك - أَن عبدَ الْملك بعث إِلَى زُفَر بن الْحَارِث عشرَة نفر، أَنا فيهم، ومعنا الحجاجُ وَغَيره من الشُّرط. قَالَ: فكلمناه، وأبلغُناه رِسَالَة عبد الْملك، فَقَالَ: لَا سَبِيل إِلَى مَا تُريدون. قَالَ: فَقلت لَهُ: يَا هَذَا، أراهُ وَالله سيأُتيكَ مَالا قبل لَك بِهِ، ثمَّ لَا يُغْني عَنْك فُسَّاقُك هَؤُلَاءِ شَيْئا، فأطِعْني واخرُجْ. قَالَ: وَحَضَرت الصلاةُ فَقَالَ: نُصلي، ثمَّ نتكلم. فَأَقَامَ الصَّلَاة وَنحن فِي بيِته، فَتقدم وَصلى بِنَا وتأخَّر الحجاجُ، فَلم يصلِّ. فَقلت لَهُ: أَبَا مُحَمَّد. مَا مَنعك مِن الصَّلَاة! ؟ قَالَ: أَنا لَا أُصَلِّي خلف مُخَالف للجماعةِ، مُشاقٍّ للخلافة. لَا. واللهِ لَا يكونُ ذَلِك أبدا. قَالَ: فبلغتْ عبدَ الْملك. فَقَالَ: إِن شُرطيكم هَذَا لجَلْدٌ. وخطب يَوْم فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، إِن الصبْرَ من محارم الله أيسرُ من الصَّبْر على عَذَاب الله. فَقَامَ إِلَيْهِ رجلٌ فَقَالَ: مَا أصفق وجُهك، وأقَل حياءَك أَيهَا الحجاجُ؟ فَقَالَ لَهُ الحجاجُ: اجترأْت عَليّ. فَقَالَ لَهُ: أتجترئُ على الله وَلَا نُنْكِرُهُ. وأجْترئُ عَلَيْك فتُنكره فحلُم عَنهُ، وخلَّى سَبيله. قَالَ عبدُ الْملك بن عُمَيْر: سمعتُ الحجَاج يَقُول فِي خطبَته: أَيهَا الناسُ لَا يَملَّنَّ أحدُكم من المعروفِ، فَإِن صاحبَه يعْرِضُ خيرا، إِمَّا شكرٌ فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا ثوابٌ فِي الْآخِرَة. وَقَالَ الحجاجُ لعبد الْملك: مَا فيَّ عيبٌ إِلَّا أَنِّي حسود، حقودٌ، لجوجُ فَقَالَ: مَا فِي الشَّيطان شيءٌ شرٌّ مِمَّا ذكرتَ.

الباب الثالث كلام الاحنف

الْبَاب الثَّالِث كَلَام الْأَحْنَف رأى مَعَ رجل درهما، فَقَالَ: تحِبُّه؟ قَالَ: نعم. أما إِنَّه لَا ينفعكُ حَتَّى تُفَارِقهُ. قَالَ: مَا عرضتُ الْإِنْصَاف على رجل فقبِله إِلَّا هبْتُه، وَلَا أباهُ إِلَّا طمعتُ فِيهِ. وَقَالَ: الْأَذَى تحكك فِي نَاحيَة بَيْتِي أحب إِلَيّ من أيِّم رددت عَنْهَا كُفواً. وَقيل لَهُ: من السَّيِّد؟ : قَالَ: الذليلُ فِي نَفسه، الأحمقُ فِي مالهِ، المعْنيُّ بِأَمْر قومه، النَّاظر للعامّة. وَقَالَ: رُب رجل لَا تُملُّ فَوَائده وإنْ غَابَ، وَأخر لَا يسلمَ جليُسه وَإِن احُترس. وَقَالَ: كلُّ ملك غدار وكلّ دَابَّة شرود وكل امْرَأَة خئُوفٌ. وَقَالَ: سهرت لَيْلَة فِي كلمة أرْضى بهَا سُلطاني، وَلَا أسخطُ بِها ربيِّ فَمَا وجدتُها. وَقيل لَهُ: مَا الْحلم؟ قَالَ: الرِّضاءُ بالذُّل.

وَقيل لرجل: لَيْت طول حلمنا عَنْك لَا يدعُو جهل غَيرنَا إِلَيْك. وَقَالَ: أكْرمُوا سفهاءَكم فَإِنَّهُم يكفونكُم الْعَار وَالنَّار. وَقَالَ: وَإِيَّاكُم والكسل والضجر، فَإنَّك إِن كسلت لم تؤردِّ حَقًا، وَإِن ضَجِرت لم تصبر على حقِّ. وذكرَ رجلا فَقَالَ: لَا يحقر ضَعِيفا، وَلَا يحْسد شريفاً. وَقَالَ: الشرفُ مَن عُدَّت سقطاتُه. وَقيل لَهُ: مَا اللؤُّم؟ قَالَ: الاستعصاءُ على الملهوف. قيل: فَمَا الْجُود؟ قَالَ: الاحتيالُ للمعروف. وَسمع رجلا يَقُول: مَا بتُّ البارحةً من وجع ضرس. وَجعل يُكثر، فَقَالَ لَهُ الْأَحْنَف: كم تكْثر {} فو الله لقد ذهبت عَيْني مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة، فَمَا قلتُ لأحد. وَقيل لَهُ: مَا الْحلم؟ قَالَ: الذُّل. وَقَالَ: لستُ بحليم وَلَكِنِّي أتحالم. وَقَالَ يومَ قُتل مُصعب: انْظُرُوا إِلَى المصعب، على أَي دَابَّة يخرج؟ فَإِن خرج على برْذَوْن فَهُوَ يُرِيد الْمَوْت، وَإِن خرج على فرس فَهُوَ يُرِيد الْهَرَب. قَالَ: فَخرج على برذونٍ يجر بَطْنه. وَقَالَ الْأَحْنَف: استميلُوا النِّساء بِحسن الْأَخْلَاق وفُحْشِ النكّاح. وَقَالَ: وجدتُ الحلمَ أنْصر لي من الرِّجال. جلس معاويةُ يَوْمًا - وَعِنْده وجُوه النَّاس، وَفِيهِمْ الأحنفُ، إِذا دخل رجلٌ من أهل الشَّام، فَقَامَ خَطِيبًا، وَكَانَ آخر كَلَامه: أَن لعَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام. فَأَطْرَقَ النَّاس، وَتكلم الأحنفْ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن هَذَا الْقَائِل آنِفا مَا قَالَ، لَو علم أَن رضاك فِي لعن الْمُرْسلين للعنهم، فَاتق الله، ودع عليا، فقد لَقِي الله، وافرد فِي حفرته، وخلا بِعَمَلِهِ. وَكَانَ - وَالله - مَا علمنَا المبرِّز بِسَيْفِهِ، الطَّاهِر فِي خُلُقه، الميمون النقيبة، الْعَظِيم الْمُصِيبَة.

فَقَالَ مُعَاوِيَة، يَا أحنفُ لقد أغضيتَ العينَ عَن القذى، وقُلت بِغَيْر مَا نرى، وأيْم الله لتصعدنَّ الْمِنْبَر، فلتلعننه طَائِعا أَو كَارِهًا. قَالَ الْأَحْنَف: إِن تُعفني فَهُوَ خيرٌ، وَإِن تجبرني على ذَلِك، فو الله لَا تجْرِي بِهِ شفتاي. قَالَ: قُم، فاصعد. قَالَ: أمَا وَالله لأُنصفنك فِي القَوْل وَالْفِعْل. قَالَ مُعَاوِيَة وَمَا أَنْت قائلٌ إِن أنصفتني؟ قَالَ: أصعد فَأَحْمَد الله بِمَا هُوَ أهلُه، وأصلي على نبيه. ثمَّ أقولُ: أيُّها النَّاس. إِن مُعَاوِيَة أمَرني أَن ألعن عليا. أَلا وَإِن عليا وَمُعَاوِيَة اخْتلفَا واقتتلا، وَادّعى كلُّ وَاحِد مِنْهُمَا أَنه مَبْغِيٌّ عَلَيْهِ، وعَلى فئته، فَإِذا دعوتُ فأمِّنوا - يَرْحَمكُمْ الله. ثمَّ أقولُ: اللَّهُمَّ ألعن أَنْت وملائكتُك، وأنبياؤُك، ورسلك، وَجَمِيع خلقك الْبَاغِي مِنْهُمَا على صَاحبه، والعن الفئة الباغية على الفئة المبغى عَلَيْهَا. آمين رب الْعَالمين. فَقَالَ مُعَاوِيَة: إِذن نُعفيك يَا أَبَا بَحر. وَقَالَ لَهُ رجل: بِمَ سُدْتَ؟ قَالَ: بَتْركي من أَمرك مَا لَا يعنيني، كَمَا عناك من أَمْرِي مَا لَا يَعْنِيك. وَقَالَ: من حقِّ الصّديق أَن تُحتمل لَهُ ثلاثٌ: ظلم الْغَضَب، وظلم الدَّالَّة، وظلم الهفوة. خطب مُعَاوِيَة مرّة، فَقَالَ: إِن الله يَقُول فِي كِتَابه: وَإِن مِّن شَيء إِلَّا عندنَا خزائنهُ فعلامَ تَلُومُونَنِي إِذا قصرتُ فِي أعطياتكم؟ فَقَالَ الأحنفُ: فَجَعَلته أَنْت فِي خزائنك، وحُلْت بَيْننَا وَبَينه وَلم تُنزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم. قَالَ: فَكَأَنَّمَا ألُقمه حَجَراً. وَقَالَ: مَا نَازَعَنِي أحد قطُّ إِلَّا أخذتُ عَلَيْهِ بأُمور ثَلَاثَة: إِن كَانَ فَوقِي عرفتُ لَهُ قدرهُ.

وَإِن كَانَ دوني أكرمتُ نَفسِي عَنهُ، وَإِن كَانَ مثلي تفضلتُ عَلَيْهِ. وَقَامَ بصفِّين، فَاشْتَدَّ، فَقيل لَهُ: أَيْن الْحلم يَا أَبَا بَحر؟ . قَالَ: ذَاك عِنْد عُقْر الْحَيّ. وَقَالَ: لم تزل العربُ تستخفُّ بأبناءِ الإمَاءِ حَتَّى لحق هَؤُلَاءِ الثلاثةُ: عليُّ بن الْحُسَيْن، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد، وَسَالم بن عبد الله. فاستقل بَنو الْإِمَاء ولحقُوا. وَقَالَ: لَا تشَاور الجائع حَتَّى يشْبع، وَلَا العطشان حَتَّى يَرْوى، وَلَا الأسيرَ حَتَّى يُطلق، وَلَا المضلَّ حَتَّى يجد، وَلَا الرَّاغِب حَتَّى ينجح. وأتى مصعبَ بنَ الزبير يكلِّمه فِي قوم حَبسهم، فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير، إِن كَانُوا حُبُسوا فِي بَاطِل فالحقُّ يُخرِجُهم، وَإِن كانُوا حُبسوا فِي حقٍّ فالعفو يسعُهم. فخلاهُم. وَقَالَ: السُّودَد، مَعَ السوَاد. يُرِيد أَن السَّيِّد مَن أتتهُ السِّيادةُ فِي حداثته وسَواد رَأسه ولحيته. وَجلسَ على بَاب زِيَاد، فمرت بِهِ ساقيةٌ، فَوضعت قربتها، وَقَالَت: يَا شيخُ. احفظ قربتي حَتَّى أعودَ، وَمَضَت، وأتاهُ الأذنُ فَقَالَ: انهض. قَالَ: لَا، فَإِن معي وَدِيعَة. وأقامَ حَتَّى جاءَت. وَشَتمه يَوْمًا رجلٌ وألح عَلَيْهِ فَقَالَ لهُ: يَا بن أُمِّي. هَل لَك فِي الْغَدَاء؟ فَإنَّك منذُ الْيَوْم تَحْدْو بجَمل ثَفال. وَقَالَ: كُنا نختلفُ إِلَى قيس بن عَاصِم فِي الْحلم، كمَا يُختلفُ إِلَى الفُقهاءِ فِي الْفِقْه. وَشَتمه رجلٌ، فسَكت عنهُ، فأعادَ، فَسكت، فَقَالَ الرجلُ: والهفاهُ وَمَا يمنعهُ أَن يرد عليَّ إِلَّا هَوانِي عَليه. وَقَالَ الأحنفُ: مَن لم يصبر على كملة سمع كَلِمَات، ورُبَّ غيظ قد تجرعتُه مخافةَ مَا هُواَ أشدُّ مِنْهُ. وَكَانَ إِذا أتاهُ إنسانٌ أوسع لهُ، فَإِن لم يجد موضعا تحرّك ليريه أَنه يَوسعُ لَهُ.

وَقَالَ: مَا جلستُ قطّ. مَجْلِسا. فخفتُ أَن أقامَ عنهُ لغيري. وَكَانَ يقولُ: إياك وَصدر الْمجْلس فَإِنَّهُ مجْلِس قُلعةٌ. وَقَالَ: خير الإخوان من إِذا اسْتَغْنَيْت عَنهُ لم يزدك فِي الْمَوَدَّة وَإِن احتْجتَ إِلَيْهِ لم يَنقصك مِنْهَا، وَإِن كُوثرت عَضَّدك، وَإِن احتجت إِلَى معونته رفدك. وَقَالَ: العتابُ مفتاحُ التِّقالِي، والعتابُ خيرٌ من الحقد. وَمر بعكرَاش بن ذُؤيب - وَكَانَ مِمَّن شهد الْجمل مَعَ عَائِشَة - فقُطعت يَدَاهُ جَمِيعًا. فصاح بِهِ عكراش: يَا مخِّذلُ. فَقَالَ الأحنفُ إِنَّك لَو كنت أطعتني لأكلت بيمينك وامتسحت بشمالك. وَيُقَال: إِنَّه لم يُرَ قطُّ ضجرا إِلَّا مرّة وَاحِدَة، فَإِنَّهُ أعطي خياطاً قَمِيصًا بخيطُهُ، فحَبسه حَوْلَيْنِ. فَأخذ الأحنفُ بيَد ابْنه بَحر، فَأتى بِهِ الْخياط، وَقَالَ: إِذا متُّ فادفع الْقَمِيص إِلَى هَذَا. وَكَانَ يَقُول: لَا صديقِ لملَول، وَلَا وَفاءَ لكّذوب، وَلَا رَاحَة لحسود، وَلَا مُرُوءَة لبخيل، وَلَا سودَد لسيِّئ الخلْق. وَقَالَ: كَاد العلماءُ يلونُون أَرْبَابًا، وكل عزٍّ لم يوطِّد بعلمٍ فَإلَى ذلٍّ مَا يصير. قَالَ رجلٌ للأحنف: تسمعُ بالمعيديِّ خير من أَن ترَاهُ. قَالَ: وَمَا ذممت منِّي يَا أخي؟ قَالَ: الدمامة، وقِصَرَ الْقَامَة. قَالَ: لقد عبت مَا لم أؤامَر فِيهِ. وأسمعه رجلٌ، فَأكْثر. فَلَمَّا سكت، قَالَ الأحنفُ: يَا هَذَا، مَا ستر اللهُ أَكثر. وَقَالَ: كثرةُ الضحك تُذهبُ الهيبة، وكثرةُ المَزح تُذهبُ الْمُرُوءَة، ومَن لزمَ شَيْئا عُرف بِهِ. لما نَصَّب معاويةُ ابْنه يزيدَ لولاية الْعَهْد أقعدهُ قبَّة حَمْرَاء، فَجعل النَّاس يُسلِّمون على مُعَاوِيَة، ثمَّ يميلُون إِلَى يزيدَ حَتَّى جاءهُ رجلٌ فَفعل ذَلِك. ثمَّ رَجَعَ إِلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، اعْلَم أَنَّك لَو لم تُولِّ هَذَا أُمُور الْمُسلمين لأضعتها - والأحنفُ جالسٌ - فَقَالَ لَهُ معاويةُ: مَا بالُك لَا تقولُ يَا أَبَا بَحر {} فَقَالَ:

أخافُ الله إِن كذبتُ، وأخافكم إِن صدقتُ. فَقَالَ جَزَاك اللهُ عَن الطاعَة خيرا. وأمرَ لَهُ بأُلُوف. فَلَمَّا خرج الأحنفُ لقيَهُ الرجلُ بِالْبَابِ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَحر: إِنِّي لأعْلم أَن شَرّ مَا خلق الله هَذَا وابنُه، وَلَكنهُمْ قد استوثقوا من هَذِه الْأَمْوَال بالأبواب والأقفال، فلسنا نطمعُ فِي استخدامها إِلَّا بِمَا سَمِعت. فَقَالَ لَهُ الأحنفُ: يَا هَذَا أمُسِك، فَإِن ذَات الوَجهين خليقٌ أَلا يكون عِنْد الله وَجيهاً. وَقَالَ الْأَحْنَف: أَلا أدلكُم على المحمَدة بِلَا مرزئة: الخلقُ السجيح والكفُّ عَن الْقَبِيح. وَقَالَ الْأَحْنَف: أَلا أخبركُم بأدوأ الداءِ؟ الخلقُ الدنيءُ، وَاللِّسَان الْبَذِيء وَقَالَ: ثلاثٌ فيَّ مَا أقولُهن إِلَّا ليعتبرَ معتبرٌ: مَا دَخلتُ بَين اثْنَيْنِ حَتَّى يُدخلاني بينهُما، وَلَا أتيتُ بَاب أحد من هَؤُلَاءِ مَا لم أدع إِلَيْهِ - يَعْنِي: السُّلطان - وَلَا حَللتُ حَبَوتي إِلَى مَا يقومُ إِلَيْهِ النَّاس. وَقيل لَهُ: أَي الْمجَالِس أطيبُ؟ قَالَ: مَا سَلم فِيهِ الْبَصَر، واتَّدع فِيهِ البدَنُ. وَكَانَ يَقُول: مَا تزالُ العربُ بِخَير مَا لَيست العمائمَ، وتقلدتِ السيوف وَلم تَعُدَّ الْحلم ذُلاً وَلَا النواهب بَينهَا ضعةً. قَوْله: لبست العمائم، يُرِيد مَا حافظت على زيِّها. وَقَالَ: مَا شاتمتُ أحدا منذُ كنت رجلا، وَلَا زحَمتْ رُكبتاي رُكْبَتَيْهِ، وَإِذا لم أصل مُجنديَّ حَتَّى يُنتح جَبينه - كَمَا تنتح الحميتُ فو الله مَا وصلتُه. وَقَالَ: إِنِّي لأجالس الأحمق السَّاعَة فأتبين ذَلِك فِي عَقْلِي.

وَقَالَ لَهُ معاويةُ: بلَّغني عَنْك الثقّةُ. فَقَالَ: إِن الثِّقَة لَا يبلِّغُ. وعُدَّت على الْأَحْنَف سَقطةٌ، وَهُوَ أَن عَمرو بن الْأَهْتَم دس إِلَيْهِ رجلا ليسفِّههُ. فَقَالَ: يَا أَبَا برح: مَن كَانَ أَبوك فِي قومه؟ قَالَ: كَانَ من أوْسطهم، لم يسدُهم وَلم يتَخَلَّف عَنْهُم. فَرجع إِلَيْهِ ثَانِيَة، ففطِن الأحنفُ أَنه من قِبل عَمْرو. فَقَالَ: مَا كَانَ مالُ أَبِيك؟ قَالَ: كَانَت لَهُ صِرمةٌ يمنح مِنْهَا، ويقرى وَلم يكُن أهتَم سَلاَّحاً. وَسمع رجلا يَقُول: التعُّلم فِي الصِّغر، كالنقش على الْحجر. فَقَالَ الْأَحْنَف. الكبيرُ أكبرُ عَقْلاً، وَلكنه أشْغلُ قلْباً. وَلما قدَم على عمرَ فِي وفْد أهْل الْبَصْرَة وَأهل الْكُوفَة فَقضى حَوائجهُم قَالَ الأحْنفُ: إِن أهل هَذِه الْأَمْصَار نزلُوا على مثل حدّقة الْبَعِير، من الْعُيُون الْعَذَاب، تأْتيهم فواكهُهم لم تَتَغَيَّر. وَإِنَّا نزلنَا بِأَرْض سبخَة نشاشة، طرَفٌ لَهَا بالفلاة. وطرف بالبحر الأُجاج. يأْتينا مَا يأْتينا فِي مثل مَرئ النعامة، فَإِن لم ترفع خسيستنا. بعطاءٍ تُفضِّلُنا بِهِ على سَائِر الْأَمْصَار نهلك. قيل: لما أجمَع مُعاويةُ على الْبيعَة ليزيدَ جمع الخطباءَ فتكلموا - والأحنفُ ساكتٌ - فَقَالَ: يَا أَبَا بَحر. مَا منعَك من الْكَلَام؟ قَالَ: أَنْت أعلُمنا بيزيدَ ليله ونهاره، وسره، وعَلانيته، فَإِن كنت تعلُم أَن الْخلَافَة خيرٌ لهُ فاستخلفْه وَإِن كنت تعلُم أَنَّهَا شرُّ لَهُ فَلَا تُوَلِّه الدُّنَيا وَأَنت تذهبُ إِلَى الْآخِرَة، فَإِنَّمَا لَك مَا طَابَ، وعلينا أَن نقُول: سمعنَا وأطعنا: وَقَالَ الأحنفُ: المروءةُ كلُّها إصلاحُ المَال، وبذلُه للحقوق. وَكتب إِلَيْهِ الحسينُ عَلَيْهِ السَّلَام: فَقَالَ للرسول: قد بلونا أَبَا حسن، وَآل أبي حسن، فَلم نجد عندَهُم إيالةً للمُلك، وَلَا مكيدةً فِي الْحَرْب. وَقَالَ لعلّي عَلَيْهِ السَّلَام: إِنِّي قد عجمتُ الرجل، وحلبتُ أشطرَهُ فوجدتُه قريب العقْر، كليل المُدْية. يَعْنِي أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.

وَكَانَ يَقُول: مَا بعدَ الصَّوَاب إِلَّا الخطأُ، وَمَا بعد مَنْعِهِنَّ الأَكْفاءَ بذلُهن للسلفة والغوغاء. وَكَانَ يَقُول: لَا تطلُبوا الْحَاجة إِلَى ثَلَاثَة: إِلَى كذوبٍ فَإِنَّهُ يُقرِّبها عَلَيْك وَهِي بعيدةٌ، ويباعدُها وَهِي قريبةٌ، وَلَا أَحمَق فَإِنَّهُ يُرِيد أَن ينفعَك فيضرك، وَلَا إِلَى رجل لَهُ إِلَى صَاحب الْحَاجة حاجةٌ، فَإِنَّهُ يجعلُ حَاجَتك وقاية لِحَاجَتِهِ. وَقَالَ: مَا كشفتُ أحدا قطُّ عَن حَال عِنْده إِلَّا وجَدتُها دون مَا كنتُ أظنُّ. وَقَالَ: رُب ملوم لَا ذنْب لَهُ. وَقدم وَفد الْعرَاق على مُعَاوِيَة: وَفِيهِمْ الْأَحْنَف - فَخرج الْآذِن، فَقَالَ: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ يعزمُ عَلَيْك أَلا يتَكَلَّم أحدٌ إِلَّا لنَفسِهِ. فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ قَالَ الأحنفُ: لَوْلَا عزمةُ. أَمِير الْمُؤمنِينَ لأخبرتُه أَن دفةً دفت، ونازلةً نزلت، ونائبة نابت ونابتةً نَبتَت، كلُّهم بِهِ حاجةٌ إِلَى مَعْرُوف أَمِير الْمُؤمنِينَ، وبرِّه. قَالَ: حَسبك يَا أَبَا بَحر، فقد كفيت الْغَائِب والساعد. وَجرى ذكُر رجل عِنْده فاعتابوه. فَقَالَ الأحنفُ: مَا لكُم ولهُ؟ يَأْكُل لَذَّته، وَيَكْفِي قِرنه، وتحملُ الأَرْض ثقله. وَقَالَ لمعاوية - وَقد ذكَّره مقامهُ بصفين -: وَالله إِن الْقُلُوب الَّتِي أبغضناك بهَا لبين جوانحِنا، وَإِن السيوف الَّتِي قَاتَلْنَاك بهَا لعلى عواتِقنا. وَلَئِن مددت بشبر من غدر لنمدن بباع مِن مَحْتد، وَلَئِن شِئْت لتستصِفيَن كدر قُلوبنا بصفو حِلمك. قَالَ: فَإِنِّي أفعلُ. وَلما خطب زيادٌ بِالْبَصْرَةِ قَامَ الأحنفُ فَقَالَ: أَيهَا الأميرُ، قد قلت فأَسمعتَ ووعظت فأَبلغت أيُّها الأميرُ، إِنَّمَا السَّيْف بحدِّه، والفرُس بشدِّه، والرجلُ بجِده، وَإِنَّمَا الثناءُ بعد البلاءِ، والحمدُ بعد العطاءِ، وَلنْ نُثني حَتَّى نبتلي.

وَقَالَ الأحنفُ: لَا تَعْدَّنَّ شتم الْوَالِي شتماً، وَلَا إغلاظهُ إغلاظاً، فَإِن ريحَ الْعِزَّة تبسط اللِّسان بالغِلظةِ فِي غير بأْس وَلَا سَخط. وَقَالَ: لَا تنقبضُوا عَن السُّلطان، وَلَا تتهالكُوا عليهِ، فَإِنَّهُ من أشرف للسُّلْطَان ازدراه، ومَنْ تفرغَ لَهُ تخطاه. وَقَالَ: مَا جَلستُ مذ كنت مَجِلِسَ قُلْعَةٍ وَلَا ردَدتُ على كُفو مقَالَة تُسوءُه وَلَا خاصمتُ فِي أمرِ كريهةٍ لي، لِأَن مَا بذلُتُ لصاحِبها أكثرُ مِمَّا أخاصِمُه فِيهِ من أجْلِها. وَقَالَ كفى بالرجلِ حَزْماً إِذا اجْتمع عَلَيْهِ أمْران، فَلم يدرِ أيُّهما الصًّوابُ أَن ينظْرَ أغلبهما عَلَيْهِ فيحذرهُ. وَلما حُكِّم أَبُو مُوسَى أتاهُ الأحنفُ فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى. إِن هَذَا مسيرٌ لَهُ مَا بَعْدَه من عزِّ الدُّنيا أَو ذُلِّها آخرَ الدَّهْر. ادعُ القوْم إِلَى طَاعَة عَليّ، فَإِن أبَوْا فادْعهُم إِلَى أَن يخْتَار أهلُ الشَّام من قُرَيْش الْعرَاق مَن أحبُّوا، ويختار أهلُ الْعرَاق من قُرَيْش الشامِ من أحبُّوا. وَإِيَّاك إِذا لقِيت ابْن الْعَاصِ أَن تصافحَه بنية أَو أَن يُقعِدَك على صَدْر الْمجْلس، فَإِنَّهَا خديعةٌ، أَو أَن يَضُمَّكَ وإياه بيتٌ يكمنُ لَك فِيهِ الرجالُ، ودَعْهُ فليتكلمْ لتَكون عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ، فَإِن البادئ مُستغلقٌ، والمجيب ناطقٌ. فَمَا عمل أَبُو مُوسَى إِلَّا بِخِلَاف مَا أَشَارَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ الأحنفُ - والتقيا بعد ذَلِك -: أدْخِلْ - واللهِ - قدميْك فِي خُفٍّ وَاحِد. وَقَالَ بخُراسان: يَا بني تَميم، تحابُّوا وتباذَلَوا تعْتدل أمورُكم، وابدءُوا بجهادِ بطونكم، وفروجِكم يصلُح دينكُمْ، وَلَا تَغُلُّوا يسلم لكم جهادكم. وَقَالَ لأهل الْكُوفَة: نَحن أبعدُ مِنْكُم سرَّيةً، وأعظَمُ مِنْكُم تجربةً، وَأكْثر مِنْكُم دُرِّيةً، وأعْدى مِنْكُم برِّية. وَلما قدمت الوفودُ على عُمَر قَامَ هلالُ بنُ بِشر، فَقَالَ: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ إِنَّا غُرَّةُ من خَلْفنا مِن قَومنَا، وشادةُ من وَرَاءَنَا من أهلِ مِصْرِنَا، وَإنَّك إِن تصرِفنا بِالزِّيَادَةِ فِي أعطِياتنا، والفرائض لعيالاتنا - يزددُ بذلك الشريفُ تأميلاً، وتكُن لَهُم أَبَا وَصُولا، وَإِن تكُنْ - مَعَ مَا نَمُتُّ بِهِ من فضائِلكُ ونُدْلي بأسبابك - كالجُدِّ لَا

يُحلُّ وَلَا يرْحلُ نرْجِع بآنُفٍ مَصْلوَمة، وجُدود عاثرةٍ، فِمحنا وأهالينا بَسْجلٍ مُتْرَع من سِجالك المُترعة. وَقَامَ زيدُ بن جبلة، فَقَالَ: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ، سوِّدِ الشريف، وَأكْرم الحسيبَ، وأزْرعْ عِندنا من أيَاديِك مَا تسدُّ بِهِ الْخَصَاصَة ونطرد بِهِ الْفَاقَة. فَإنَّا بقُف من الأَرْض يَابِس الأكناف، مٌقشعرِّ الذروَة، لَا شجر وَلَا زرع، وَإِنَّا من الْعَرَب الْيَوْم إِذا أَتَيْنَاك بمرأى ومسمع. فَقَامَ الأحنفُ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن مفاتيحَ الْخَيْر بيد الله، والحرصَ قائدُ الحرمان، فَاتق الله فِيمَا لَا يُغني عَنْك يومَ الْقِيَامَة قيلا، وَلَا قَالَا وَاجعَل بَيْنك وَبَين رعيتك من الْعدْل والإنصاف، شَيْئا يَكْفِيك وفادة الوُفوِد، واستماحةَ المُمْتاح، فَإِن كُل امْرِئ إِنَّمَا يجمع فِي وعائه إِلَّا القُل مِمَّن عَسى أَن تقتحمهُ الأعينُ وتخونهم الألسن، فَلَا يفد إِلَيْك.

الباب الرابع كلام المهلب وولده

الْبَاب الرَّابِع كَلَام الْمُهلب وَولده قيل للمهلِّب: مَا النبلُ؟ قَالَ أَن يخرج الرجلُ من منزله وَحده ويعودَ فِي جمَاعَة. وَقَالَ: مَا رأيتُ الرجل يضيقُ قلوبُها عِنْد شَيْء كَمَا تضيق عِنْد السرِّ. خطب يزيدُ بنُ الْمُهلب بواسطٍ فَقَالَ: إِنِّي قد أسمعُ قَول الرِّعاع: قد جَاءَ مسلمةُ وَقد جاءَ العباسُ، وَقد جَاءَ أهلُ الشَّام. وَمَا أهل الشَّام إِلَّا تسعةُ أسياف: سبعةٌ مِنْهَا معي، وَاثْنَانِ عَليّ. وَأما مسلمة فجرادة صَفراء، وَأما العباسُ فنسطوسُ بنُ نسطوس، أَتَاكُم فِي بَرابَرة وصقالية، وجَرَامقة، وأقباط، وأنباط، وأخلاط. إِنَّمَا أقبل إِلَيْكُم الفلاحُون وأوباشٌ كأشْلاء اللَّحْم. وَالله مَا لقوا قطّ كحدكم، وحَديدكم، وعَديدكم. وأعيُروني سَواعدكم سَاعَة من نَهَار تصِفقُون بهَا خراطيمهُم. وَإِنَّمَا هِيَ غَدوة أَو روحةٌ حَتَّى يحكُمَ الله بَيْننَا وَبَين الْقَوْم الظَّالِمين. قَالَ المهلبُ: يَا بني، تباذلُوا تحَابوا، فَإِن بني الْأُم يختلفُون، فَكيف ببني العلات؟ إِن الْبر ينسأ فِي الأجَل، ويزيدُ فِي العَدَد، وَإِن القطيعة تُورث الْقلَّة، وتُعقب النَّار بعد الذلة. وَاتَّقوا زلَّة اللِّسان، فَإِن الرجل تزلُّ رجلُه، فينتقشُ، ويزل

لسانُه فيهلكُ، وعليكُم فِي الْحَرْب بالمكيدة، فَإِنَّهَا أبلغُ من النجدة، فَإِن الْقِتَال إِذا وَقع دَفع القضاءَ، فَإِن ظفر فقد سَعد، وَإِن ظُفر بِهِ لم يقولُوا فَّرط. قَالَ الجاحظُ: قَالَ المهلبُ: لَيْسَ أنمَى مِن سيف. فوجدَ الناسُ تَصْدِيق قَوْله فِيمَا قَالَ وَلَده من السَّيْف، فَصَارَ فيهم النَّماءُ. وَقَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: بقيةُ السَّيْف أنمى عَدَداً، وأكرمُ ولدا. وَوجد الناسُ ذَلِك بِالْبَيَانِ الَّذِي صَار إِلَيْهِ ولُده مِن نهكِ السيفِ، وَكَثْرَة الذُّرِّيَّة وكرم النجل. وَمن كَلَام الْمُهلب: عجبتُ لمن يَشْتَرِي الممالِيك بمالِه، وَلَا يَشْتَرِي الْأَحْرَار بمعُرُوفه.

وَقَالَ يزيدُ بن الْمُهلب لِابْنِهِ مخلد - حِين ولاه جُرجَان: استظرفْ كاتِبك، واستعِقلْ حاجِبَك. قَالَ حبيب بن الْمُهلب: مَا رَأَيْت رجلا مُستلئماً فِي الْحَرْب إِلَّا كَانَ عِنْدِي رجُلين، وَلَا رَأَيْت حاسرين إِلَّا كُنَّا عِنْد وَاحِدًا. فَسمع بعض أهل الْمعرفَة هَذَا الْكَلَام، فَقَالَ: صَدق: إِن للسلاح فَضِيلَة. أمَا تراهم ينادون عِنْد الصَّرِيخ: السلاحَ السِّلَاح، وَلَا ينادُون: الرِّجَال، الرِّجَال. قيل يزيدَ بن الْمُهلب: أَلا تبني دَارا؟ فَقَالَ: مَنزلي دَار الإمَارة أَو الْحَبْس. أغْلظ. رجلٌ للمهلب، فحلم عَنهُ، فَقيل لَهُ: جَهل عَلَيْك وتحلُمُ عَنهُ؟ فَقَالَ: لم أعرف مَساوَيه، وكرهت أَن أبهته بِمَا لَيْسَ فِيهِ. قَالَ يزيدُ بن الْمُهلب: مَا رَأَيْت عَاقِلا ينوبه أمرٌ إِلَّا كَانَ مقوله على لَحْييه. وَقيل لَهُ: إِنَّك لتُلْقي نفسَك فِي المهالك. قَالَ: إِنِّي إِن لم آتٍ الْمَوْت مُسترسلاً أَتَانِي مُستعجلاً. إِنِّي لست أُتِي الْمَوْت من حُبِّه، وَإِنَّمَا أتيه من بغضه، ثمَّ تمثل: تأَخرت أستبقى الْحَيَاة فَلم أجد لنَفْسي حَيَاة مثل أَن أتقدمَا. كتب الْمُهلب إِلَى الْحجَّاج لما ظفر بالأزارقة: الحمدُ لله الَّذِي كفى بِالْإِسْلَامِ فقدُ مَا سواهُ، وَجعل الْحَمد مُتَّصِلا بنعَمه، وَقضى أَلا يَنْقَطِع المزيدُ من فَضله، حَتَّى يَنْقَطِع الشُّكْر من عبَاده ثمَّ إِنَّا وعَدوَّنا كُنَّا على حَالين مُختلفتين، نرى فيهم مَا يسرُّنا أَكثر مِمَّا يسوؤُنا، ويروَن فِينَا مَا يُسوءُهم أَكثر ممَا يسرُّهم. فَلم يزل الله يكثرُنا ويمحقهم، وينصرنا ويخذلهم، على اشتداد شوكتهم، فقد كَانَ عَلن أمُرهم حَتَّى ارتاعَت لَهُ الفتاة، ونوِّم بِهِ الرضيعِ، فْانتهزْتُ مِنْهُم الفرصة فِي وَقت إمكانها، وأدنَيْتُ السوادَ، مِن السوَاد حَتَّى تعارفَتِ الوُجوه. فَلم نزل كَذَلِك حَتَّى بلغ بِنَا وبهم الْكتاب أجَله. فقطِعَ دَابُر القومِ الَّذين ظَلَمْوا والحمدُ لله ربِّ الْعَالمين.

وَقَالَ الْمُهلب لِبَنِيهِ: يَا بني، إِذا غَدا عَلَيْكُم الرجل، ولاحَ مُسلِّما، فَكفى بذلك تقاضيا. وَقيل لَهُ: أيُّ الْمجَالِس خيرٌ؟ قَالَ: مَا بَعُدَ فِيهِ مَدَى الطرْف، وَكثر فِيهِ فَائِدَة الجليس. قَالَ الْمُهلب: الْعَيْش كلُّه فِي الجليس المُمتع. وَقَالَ يزيدُ بن الْمُهلب: مَا يسرُّني أَنِّي كفيت أمَر الدُّنيا. قيل مُهَاجِرين: وَلم؟ قَالَ: أكره عَادَة العَجْز. وَقَالَ المهلبُ لبنية: إِذا وليتُم فلينُوا للمُحْسن، واشتدُّوا على المُريب، فَإِن الناسَ للسُّلطان أهيبُ مِنْهُم لِلْقُرْآنِ. وَكَانَ يَقُول: أدْنى أَخْلَاق الشريف كتمانُ السِّر، وأعْلى أخلاقه نسيّانُ مَا أسر إِلَيْهِ. وَلما اسْتخلف ابْنه الْمُغيرَة على حَرْب الْخَوَارِج، وَعَاد هُو إِلَى مُصْعب بن الزبير جمعَ الناسَ فَقَالَ لَهُم: إنِّي قد استخلفتُ عَلَيْكُم الْمُغيرَة، وهُو أَبُو صغيركم رقةً وَرَحْمَة، وابنُ كبيركم طَاعَة وَبرا وتبجيلا، وأخُو مثله مواساة ومناصحة. فلتحُسن لَهُ طاعتُكم، ولْيِلن لَهُ جانبكُم، فوَاللَّه مَا أردتُ صَوَابا قطُّ إِلَى سَبقني إِلَيْهِ. وَكَانَ الحجاجُ كتب إِلَيْهِ وَهُوَ فِي وَجْه الْخَوَارِج: أما بعدُ فَإِنَّهُ بَلغنِي أَنَّك قد أَقبلت عَلى جبَاية الْخراج، وَتركت قتال العدُوِّ. وَإِنِّي ولَّيْتُك وَأَنا أرى مَكَان عبد الله بن حكيمٍ الْمُجَاشِعِي، وَعباد بن حصَين الحَبطي، واخترتُك وَأَنت من أهل عمان، ثمَّ رجل من الأزد. فالْقهُم يَوْم كَذَا فِي مَكَان كَذَا وَإِلَّا أشرعتُ إِلَيْك صَدْر الرماح فشاورَ بنيهِ، فَقَالُوا: إِنَّه أميرٌ فَلَا تغْلْظ عَلَيْهِ فِي الْجَواب. فَأَجَابَهُ المهلبُ: وردَ علىَّ كتابُك، تزعُم أَنِّي أقبلتُ على جباية الْخراج، وتركتُ قتال العدُو. ومَن عجز عَن جبايةِ الْخراج فهُو عَن قتال العدوِّ أعجَزُ، وزعمتَ أَنَّك وليتني، وَأَنت ترى مَكَان عَبدِ الله بن حَكِيم، وعَبادِ بن حُصَيْن ولوْ وليْتهُما لكانا مُسْتحقَّيْن لذَلِك فِي فضلهما، وغنائهما، وبطشِهما. وَإنَّك اخترتني - وَأَنا رجلٌ من الأزد. ولعَمَري إِن شرا من الأزد لقبيلةٌ تنازعها ثلاثُ قبائل لم تستقِر

فِي وَاحِدَة منهُن. وَزَعَمت أَنِّي إِن لم ألقهُم فِي يَوْم كَذَا أشرعْت إِلَى صَدْر الرُّمْح. فَلَو فعلت لَقلَبْتُ إِلَيْك ظَهْرْ المِجّنِّ وَالسَّلَام. وَوجه الحجاجُ إِلَيْهِ الجراحَ بن عَبْد الله يستبطئُه فِي مناجَزة الْقَوْم. وَكتب إِلَيْهِ: أما بعد. فَإنَّك جَبيتَ الْخراج بالعلل، وتحصنتَ بالخنادق، وطاولت الْقَوْم وَأَنت أعزُّ ناصراً، وَأكْثر عَددا. وَمَا أظنُّ بك مَعَ هَذَا مَعْصِيّة وَلَا جبْناً، وَلَكِنَّك اتخذتهم أُكْلاً. وَكَانَ بقاؤهم أيْسرَ عَلَيْك من قِتَالهمْ. فناجزْهم، وَإِلَّا أنْكرتني. والسلامُ. فَقَالَ الْمُهلب للجراح: يَا أَبَا عقبَة. وَالله مَا تركتُ حِيلَة إِلاَّ احتلْتُها، وَلَا مكيدة إِلَّا أعُملتُها. وَمَا العجبُ من إبطاء النَّصْر، وتراخي الظفر، وَلَكِن الْعجب أَن يكون الرأيُ لمنْ يملُكه دون مَن يبصرهُ. ثمَّ ناهضهم ثَلَاثَة أَيَّام يُغاديهم الْقِتَال، وَلَا يزالُون كَذَلِك إِلَى الْعَصْر، حَتَّى قَالَ الْجراح: قد أعذرت وينصرفُ أصحابهُ. وبهم قَرْح، وبالخوارج قَرْح، وَقتل. وَكتب الْمُهلب إِلَى الْحجَّاج: أَتَانِي كتابُك: تستبطئُني فِي لِقَاء الْقَوْم. على أَنَّك لَا تُظنُّ بِي مَعْصِيّة وَلَا جبْناً. وَقد عاتبْتني مُعاتبة الجَبان، وواعدتني وعيدَ العَاصِي. فسل الْجراح. وَالسَّلَام. وَكتب إِلَيْهِ الحجاجُ: أما بعد. فَإنَّك تتراخى عَن الْحَرْب حَتَّى يأْتيك رُسلي فيرجعوا بُعذْرك، وَذَاكَ أَنَّك تُمسك حَتَّى تَبرأ الجِرَاحُ، وتُنَسى القتْلى، ويجُمَّ الناسُ، تلْقاهم فتحتملَ مِنْهُم مثْلَ مَا يحْتَملُونَ مِنْك من وْحشة الْقَتْل، وألمِ الْجراح. وَلَو كُنت تلْقاهُم بذلك الجِد لَكَانَ الداءُ قدْ حُسِم، والقرنُ قد قُصِم. ولعَمْرِي مَا أنْت والقومُ سَوَاء، لِأَن مِنْ ورائك رجِالاً. وأمامك أَمْوَالًا. وَلَيْسَ للْقَوْم إِلَّا مَا مَعَهم،؟ وَلَا يُدرَكُ الوجيفُ. بالدبيبِ وَلَا الظفَر بالتعذير. فَكتب الْمُهلب إِلَيْهِ: أما بعدُ. فإنِّي لم أعْط رسلك على قَول الحقِّ أجرا، وَلم أحتج مِنْهُم مَعَ الشاهدة إِلَى تلقين ذكرت أَنِّي أجُمُّ الْقَوْم، وَلَا بُد من رَاحَة

يستريح فِيهَا الْغَالِب، ويحتال فِيهَا المغلوب، وذكرتَ أَن فِي الجمام مَا يُنسي الْقَتْلَى، ويْبرِئُ الْجراح. وهيهات أنْ يُنَسى مَا بَيْننَا وَبينهمْ تأْتي ذَلِك قَتْلَى لم تُجَن، وقروح لم تُتَقرف. وَنحن وَالْقَوْم على حَالة وهم يرقبُون منا حَالات، وَإِن طمعُوا حَاربُوا، وَإِن مَلُّوا وقفُوا، وَإِن يئُسوا انصرَفوا، وعلينا أَن نقاتلهم إِذا قَاتلُوا، ونتحرز إِذا وَقفُوا، ونطلب إِذا هربوا، فإنْ تَرَكتنِي والرأي كَانَ القِرن مفصُوما، والداءُ - بِإِذن الله - محسُوماً، وَإِن أعجَلتني لم أطعك، وَلم أعص، وَجعلت وَجْهي إِلَى بابك وَأَنا أعوذ بِاللَّه من سَخط الله عزّ وَجل ومَقت النّاس {وخطبَ يزيدُ بن الْمُهلب بواسط} فَقَالَ: يَا أهل الْعرَاق، يَا أصحَاب السَّبق والسِّباق، وَمَكَارِم الْأَخْلَاق. إِن أهل الشَّام فِي أفوَاههم لقمةٌ دَسمةٌ قد زيِّنت لَهَا الأشداق، وقامُوا لَهَا على سَاق، وهم غير تاركيها لكم بالمراءِ والجدال، فالْبُسوا لَهُم جُلودَا النمر. وَقيل للمهلب فِي بعض حروبه: لَو نمت. فَقَالَ: إِن صَاحب الْحَرْب إِذا نَام نامَ جَدُّه. وَقَالَ كفى بِالْمَرْءِ مَسْأَلَة أَن يغدُوَ عَلَيْك ويرُوح. وَقَالَ لَهُ رجل: إِن لي حَاجةً لَا ترزؤك فِي مَالك، وَلَا تنكُدُك فِي نَفسك قَالَ: وَالله لَا قَضَيتْها. قَالَ: ولمَ؟ قَالَ: لِأَن مثلي لَا يسال مثلهَا. وَقَالَ: مَا السَّيْف الصارم فِي كف الشجاع بِأَعَز من الصِّدق؟ وَمر بِقوم من ربيعَة فِي مجْلِس لَهُم، فَقَالَ رجلٌ من الْقَوْم: هَذَا سَيِّدُ الأزد، قيمتُه خَمْسمِائَة دِرْهَم. فَسَمعهُ الْمُهلب، فَأرْسل إِلَيْهِ بِخَمْسِمِائَة دِرْهَم. قَالَ: دُونك يَا ابنُ، قيمةَ عمِّك، وَلَو كنت زِدْت فِيهَا لزدتك.

الباب الخامس كلام ابي مسلم

الْبَاب الْخَامِس كَلَام أبي مُسلم قيل لَهُ: مَا كَانَ سبَب خُرُوج الدولة عَن بني أُميَّة؟ فَقَالَ: ذَلِك لأَنهم أبعدُوا أولياءهم ثِقَة بهم، وأدَنوْا أعداءَهم تأَلُّفاً لَهُم، فَلم يصر العدوُّ بالدنُّو صَديقاً وَصَارَ الصّديق بالبعاد عدُوّاً. وَقيل لَهُ فِي حداثته: إِنَّا نرَاك تأْرق كثيرا، وَلَا تنام كأَنك مُوَكلٌ برَعي الكوَاكب، وأو مُتوقِّعٌ للوَحي من المساءِ. فَقَالَ: وَالله مَا هُوَ ذَاك، وَلَكِن لي رأيٌ جوالٌ، وغريزةٌ تامةٌ، وذهنٌ صَاف، وهمة بعيدَة ونفسٌ تَتُوقُ إِلَى معالي الْأُمُور مَعَ عَيْش كعيش الهمَج والرِّعاع، وحَالٍ مُتناهية من الأتَضاع، وإنِّي لأَرى بعض هَذِه مُصِيبَة لَا تجبرُ بسهر، وَلَا تتلافى بأرق. قيل لَهُ: فَمَا الَّذِي يُبْرِدُ عَليك، ويشفي أجَاج صدرك؟ قَالَ: الظفرُ بالمُلك. وَقيل لَهُ: فاطلب. قَالَ: إِن المُلك لَا يطْلب إِلَّا بُركوب الْأَهْوَال. قيل: فاركب الأَهوال: قَالَ: هَيْهَات. الْعقل مانعٌ من ركُوب الْأَهْوَال. قيل. فمَا تصنع وَأَنت تُبْلَى حسرةً وتذوب كمداً؟ . قَالَ: سأجعَل من عَقلي بعضه جهلا، وأحاول بِهِ خطراً، لأنال بِالْجَهْلِ مَالا يُنال إِلَّا بِهِ. وأدَبِّر بِالْعقلِ مَالا يحفَظ. إِلَّا بقوته، وأعيش عَيْشًا يُبين مَكَان حَياتِي فِيهِ من مَكَان مَوتي عَلَيْهِ، فإنّ الخمول أخُوا العَدم والشُّهرةَ أَبُو الْكَوْن.

قَالَ رجلٌ من أهل الْعرَاق: أَوْصَانِي أَبُو مُسلم وآنَسنى، ثمَّ سَأَلَني، فَقَالَ: أيُّ الْأَعْرَاض أدنى؟ فَقلت: عِرْض بخيل. قَالَ: كلا. رُبَ بُخْل لم يَكْلَم عرضا. قلت: فأيها أصلحَ الله الأميرَ؟ قَالَ: عرضٌ لمَ يَرتع فِيهِ حربٌ وَلَا دمٌ. قَالَ أَبُو زيد: سَمِعت رؤبة يَقُول: مَا رَأَيْت أروَى لأشعارنا أبي مُسلم من رجل يرتضخ لُكْنةً. قَالَ أَبُو زيد: وَإِذا قَالَ رؤبة لرجل يرتضخ لكنة فَهُوَ من أفْصح النَّاس. وَقَالَ أَبُو سلم: أَشد من يُقَاتِلكُمْ مُمتعضٌ من ذلةٍ، أَو محام على ديانَة أَو غيورٌ على حُرْمَة. كَانَ فاذوسبان. من كبار أهل نيسابور، وَكَانَت لَهُ عِنْد أبي مُسلم يدٌ فِي اجتيازه إِلَى خُراسان، فَكَانَ يرعَى لَهُ ذَلِك. فَقَالَ لَهُ يَوْمًا الفاذُوسبان: أيُّها السَّلاَّرُ - وَبِذَلِك كَانَ يخاطَبُ أَبُو مُسلم قبل قَتله ابنَ الكِرماني -: هَل مَال قَلْبك إِلَى أحد بخراسان؟ فَقَالَ: كنت فِي ضِيَافَة رجل يُقَال لَهُ فلانٌ السَّمرقَنْدِي، فَقَامَتْ بَين يَدي جاريةٌ لَهُ توضيني فاستحليتُها قَالَ: فانفذ الفاذوسبان إِلَى سَمَرْقَنْد، واحتال فِي تَحْصِيل الْجَارِيَة، ثمَّ أضَاف أَبَا مُسلم، وأمرَها بأَن توضئه، فَلَمَّا نظر إلّيها عرفهَا فَوَهَبَهَا لَهُ الفاذوسبان وَكَانَ لَا يُحجَب عَن أبي مُسلم فِي أَي وَقت جَاءَهُ، فَدخل إِلَيْهِ يَوْمًا فَوَجَدَهُ نَائِما فِي فرَاشه، فَانْصَرف، فَأمر أَبُو مُسلم برده، فجاءَ حَتَّى وقف عَلَيْهِ رَآهُ مضاجعاً تِلْكَ الْجَارِيَة وهما فِي ثيابهما وَبَينهمَا سيفٌ مْسلولٌ. فَقَالَ: يَا فاذو سبان، إِنَّمَا أَحْبَبْت أَن تقف على صُورَة مَنَامِي، لتعلم أَن من قَامَ بِمثل مَا قُمْت بِهِ لَا يفرغ إِلَى مُباشرة النِّساء. وَأنْشد: قومٌ إِذا حَاربُوا شدُّوا مآزرهم ... دون النِّساء وَلَو باتت بأطهار. وَكتب المنصورُ إِلَيْهِ: أحص خَزَائِن عبد الله عليَّ. فَقَالَ أبوْ مُسلم لتُعِطينَّ: قُل لَهُ: يَا بن سَلامَة نحنُ أمناءُ على الدِّماء، خونةٌ على الْأَمْوَال. كتب عبد الحميد عَن مَرْوَان كتابا إِلَى أبي مُسلم: صَاحب الدولة. وَقَالَ

لمروان: إِنِّي قد كتبتُ كتابا إِن نجع فَذَاك وَإِلَّا فالهلاكُ. وَكَانَ من كبر حجمه يُحمل على جمل، وَكَانَ نفث فِيهِ خَراشِي صَدره، وضمَّنه غرائب عجَره وبُجَره. وَقَالَ: إِنِّي ضامنٌ أنّه مَتى قَرَأَ الرسولُ - على المُستكفين قولَ أبي مُسلم، ذَلِك بمشهد مِنْهُ - أَنهم يَخْتَلِفُونَ وَإِذا اخْتلفُوا كَلَّ حَدُّهم، وَذَلِكَ جدُّهم. فَلَمَّا ورد الْكتاب على أبي مُسلم دَعَا بِنَار فطرحه فِيهَا إلاًّ قَدْرَ ذِراع فَإِنَّهُ كتب عَلَيْهِ: محا السيفُ أسطار البلاغة وانتحى ... عَلَيْك لُيوث الغاب من كل جَانب فَإِن تُقْدِمُوا نُعمل سُيوفاً شحيذة ... يهون عَلَيْهَا العتبَ من كلِّ عَاتب. ورَدَّه. فَحِينَئِذٍ وَقع اليأْسُ من مُعالجته. وَلما بلغهُ خبرُ وَفَاة السفاح فِي طَرِيق مَكَّة عَائِدًا. وَكَانَ قد تقدم المنصورُ كتب إِلَيْهِ: لأبي جَعْفَر من أبي مُسلم. أما بعد: فَإِن أَبَا الْعَبَّاس قد هلك، وَإِن تحتج إلىّ تجدْني بحيثُ تُحب. فَلَمَّا وبَّخهُ أبْو جَعْفَر عِنْد قَتله قَالَ وتُكاتُبني - وَأَنا الخليفةُ - لأبي جَعْفَر من أبي مُسلم. وَشَجر بَين أبي مُسلم وَصَاحب مَرْو كلامٌ أربى فِيهِ صَاحب مرو عَلَيْهِ. فاحتمله أَبُو مُسلم. فندم صَاحب مرو، ووجع إِلَى أبي مُسلم معتذراً. فَقَالَ لَهُ أَبُو مُسلم: مَه؟ ؟ لسانٌ سبق، وهمٌ أَخطَأ، والغشب شيطانٌ وَأَنا جَرًّأتك عَليّ باحتمالك، فَإِن كنت للذنب مُعْتَمدًا فقد شاركتك فِيهِ وَإِن كنتَ مَغْلُوبًا، بِالْعَفو يسعُك.

فَقَالَ لَهُ صَاحب مرو: وعِظَمُ ذَنبي يمْنَع قلبِي من الهدوء. فَقَالَ أَبُو مُسلم يَا عجبا، أقابلك بِإِحْسَان أَنْت مُسيء، ثمَّ أقابلك بإساءة وَأَنت محسنٌ وَقَالَ صَاحب مرو: الْآن وثِقْت بك. وَكتب إِلَى السفاح: أرِحُ نَفسك من كَبْشَي الْعرَاق: سُليمِ بن حبيب بن الْمُهلب، وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن الْمُهلب، فقتلْهما جَمِيعًا. وَكَانَ أولَ من أظهر السوَاد بِالْبَصْرَةِ عبدُ الرَّحْمَن بن يزِيد، وَجعل يَقُول حِين دَعَا إِلَى بني هَاشم: أما وَالله إِنِّي لأَفْعَل هَذَا، وأعلمُ أَنِّي من ذَبَائِحهم. قيل لِأَنِّي مُسلم: من أَشْجَع؟ قَالَ: كلُّ قوم فِي إقبال دولتهم.

الباب السادس كلام جماعه من الامراء

الْبَاب السَّادِس كَلَام جمَاعَة من الأُمراء خطب يُوسُف بن عُمر، فَقَالَ: اتَّقوا الله عباد الله. فكم من مُؤمِّل أملاً لَا يبلُغُه، وجامعٍ مَالا يأْكله، ومانعٍ مَا سَوف يترُكه، وَلَعَلَّه من باطلٍ جمَعَهُ، وَمن حقٍّ مَنعه. أَصَابَهُ حَرَامًا وَورثه عدُوا، وَاحْتمل إصره، وباءَ بوزره، وورَد عَلَى ربه آسفاً لاهفاً خسر الدُّنيا وَالْآخِرَة ذَلِك هُوَ الخسْران المبينُ. صعد وردُ بن حَاتِم الْمِنْبَر، فَلَمَّا رَآهُمْ قد فتحُوا أسماعَهم، وشَقُّوا أبْصارهم نَحوه قَالَ: نكِّسوا رؤوْسكم، وغُضُّوا أبْصاركم، فَإِن أوَّل مركبٍ صعبٌ، وَإِذا يسَّر الله فتْحَ قُفْلِ تَيسَر. كَانَ يوسفُ بنُ عُمر يَقُول: كَانَ الْحجَّاج الدُّخان وَأَنا اللهب؟ قَامَ خالدُ بنُ عبد الله على الْمِنْبَر بواسط خَطِيبًا. فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: أيُّها النَّاس تنافُسوا فِي المكارم، وسارعُوا إِلَى الْمَغَانِم، واشتُروا الْحَمد بالجُود، وَلَا تكتسبُوا بالمَطْل ذماً وَلَا تعتدُّوا بِالْمَعْرُوفِ مَا لم تُعجِّلُوه، وَمهما يكُن لأحدكم عِنْد أحد نعمةٌ فَلم يبلُغ شكرَها فَالله أحسنُ لَهَا جَزَاء وأجزلُ عَلَيْهَا عَطاء. واعلُموا أَن حوائج النّاس إليكُم نعمَ من الله

عليكُم، فَلَا تملُّوا النِّعم فتتحولَ نقماً. وأعلمُوا أَن أفضل المَال مَا أكسبَ أجرا، وورَّث ذكرا، وَلَو رأيتُم الْمَعْرُوف رجلا رأيتُموه حسنا جميلاً يسر الناظرين ويفوق الْعَالمين وَلَو رَأَيْتُمْ الْبُخْل رجلا رَأَيْتُمُوهُ مُشوَّهاً قبيحاً تنفر عنهُ القُلوبُ وتغضِي عنهُ الأبصارُ. أَيهَا الناسُ: إِن أَجود النَّاس من أعْطى من لَا يرجُوهُ، وأعظمَ النَّاس عفوا من عَفا من قُدرة، وأوصل النَّاس من وصل من قطعهُ وَمن لم يطب حرثُه لم يَزْكُ نبتُه. والأصولُ عَن مغارسها تنمُو، وبأُصولها تسمُو. أقولُ قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي ولكُم. أَرَادَ رجلٌ أَنِّي مدح رجلا عِنْد خَالِد بن عبد الله، فَقَالَ: وَالله لقد دخلتُ إِلَيْهِ فرأيته أهْدى النَّاس دَارا وفَرْشاً وَآلَة. فَقَالَ خالدٌ: لقد ذممتُه من حَيْثُ أردْت مدحهُ هَذَا وَالله حَال من لم تدع فِيهِ شهوتُهُ للمعروف فضلا. حدث بعضُهم قَالَ: لما وَلي أبُو بكر بنُ عبد الله الْمَدِينَة وَطَالَ مُكُثهُ عَلَيْهَا كَانَ يبلُغُهُ عَن قوم من أَهلهَا تناولٌ لأَصْحَاب رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وإسعافٌ من آخَرين لهُم على ذَلِك، فَأمر أهل البُيوتات، ووجوه النَّاس فِي يَوْم جُمعة أَن يقرُبُوا من الْمِنْبَر، فَلَمَّا فرغ من خطْبَة الجُمعة قَالَ: أيُّها الناسُ: إنِّي قائلٌ قولا، فَمن وعاهُ وأدأه فعلى الله جزاؤُه وَمن لم يعه فَلَا يَعْدَمَنَّ ذماً. مهما قصرتُم عنْهُ من تفْضِيلة فَلَنْ تعجِزُوا عَن تحصيلهِ، فأرعُوه أبصَاركُم، وأوعُوهُ أسمَاعَكُم، واشْعِرُوه قُلُوبَكُم، فالموعِظةُ حَيَاةٌ والمؤمنُون إخُوةٌ. وعَلى الله قصدُ السَّبِيل، وَلَو شاءَ لهداكُم أَجْمَعِينَ. فأْتوا الهدّي تهتدوا، وَاجْتَنبُوا الغي ترشُدوا وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تفلحون. وَالله جلّ ثَنَاؤُهُ. وتقدست أسماؤه أمَرَكم بِالْجَمَاعَة، ورضيَها لكم، ونهاكم عَن الْفرْقَة، وسخطها مِنْكُم " اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ. واعتصموا بحَبل الله جَمِيعًا لَا تفَرقُوا واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذا كُنْتُم أَعدَاء فألف بَين قُلُوبكُمْ فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا وكنتم على شفا حُفْرَة من النَّار فأنقذكم مِنْهَا ". جعلنَا الله وَإِيَّاكُم مِمَّن تتبع رضوانه، وتجنبَ سخطه، فَإِنَّمَا نَحن بِهِ وَله. إِن الله بعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالدِّين، وَاخْتَارَهُ على الْعَالمين، وَاخْتَارَ لَهُ أصحاباً

على الحقِّ، ووزراءَ دون الْخلق، اخْتصم بِهِ، وانتخبهم لَهُ، فصدقوه، ونصروه، وعَزروه، ووَقروه، فَلم يُقدِموا إِلَّا بأَمره، وَلم يُحْجِموا إِلَّا عَن رَأْيه، وَكَانُوا أعوانه بعهده، وخلفاءَه من بعده، فوصفهم فأحسَن صفتهمْ، وَذكرهمْ فَأثْنى عَلَيْهِم، فَقَالَ وَقَوله الحقُّ: " محمدٌ رَسُول الله وَالَّذين مَعَه أشداءُ على الكفاء رُحَمَاء بَينهم تراهم رُكَعاً سُجّداً يَبْتغُونَ فضلا من اللهِ ورضواناً سِيماهم فِي وُجُوههم من اثر السُّجود ذَلِك مثلهم فِي التَّوْرَاة وَمثلهمْ فِي الْإِنْجِيل كزرع أخرجَ شطأه فآزره فاستغلظ. فَاسْتَوَى على سوقه يعجب الزُّراع ليغيظ بهم الْكفَّار وعدّ الله الَّذِي آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات مِنْهُم مغفرةٌ وَأَجرا عَظِيما. فَمن غاظوه فقد كفرَ، وخاب، وفجر، وخسر، وَقَالَ عز وَجل: " للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضواناً الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هم الصادقون. وَالَّذِي تبوءُوا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم يحبُّون مَن هاجرَ إِلَيْهِم وَلَا يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَةٌ وَمن يُوقَ شح نَفسه فأُولئك هم المفلحون. وَالَّذِي جاءُوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجعَل فِي قُلُوبنَا إلاّ للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رؤُوفٌ رَحِيم ". فَمن خَالف شريطة الله عَلَيْهِ لَهُم، وأمْرَه إِيَّاه فيهم، فَلَا حق لَهُ فِي الْفَيْء، وَلَا سَهمَ لَهُ فِي الْإِسْلَام فِي آيٍ كَثِيرَة من الْقُرْآن. فَمَرقت مارقةٌ من الدِّين وفارقوا الْمُسلمين، وجعلوهم عِضين، وتشعبوا أحزاباً أشابات، وأوشابا، فخالفوا كتاب الله فيهم، وثناءَه عَلَيْهِم، وآذوا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَسلم - فهيم، فخابوا، وخسروا الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ذَلِك هُوَ الخسران الْمُبين. " أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه كمن زيِّن لَهُ سوءُ عَمله وَاتبعُوا أهواءَهم ". مَالِي أرى عيُونا خُزْرا، ورقاباَ صُعْرا، وبطونا بُجْرا، وشجى لَا يسيغه المَاء، وداءً لَا يشرب فِيهِ الدَّوَاء. " أفنضرب عَنْك الذكرَ صفحاً أَن كُنْتُم قوما مسرفين ". كلا وَالله، بل هُوَ الهناءُ، والطلاء حَتَّى يظهرَ الْعذر، ويبوح الشرُّ، ويَضِحَ الغيْب، ويُسَوَّسَ الجُنُب، فَإِنَّكُم لم تخلقوا عَبَثا، وَلنْ تتركوا

سدى. وَيحكم {} إِنِّي لست أتاوياً أعَلم، وَلَا بَدَوياً أفهم. قد حلبتكم أشطرا، وقلبتكم أبطناً، وأظهرا، فَعرفت أنحاءكم، وأهواءَكم، وَعلمت أَن قوما أظهرُوا الْإِسْلَام بألسنتهم، وأسروُّا الكفرَ فِي قُلُوبهم، فَضربُوا بعض أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وولَّدْوا الرِّوَايَات فيهم، وضربوا الِاثْنَيْنِ. ووجَدوا على ذَلِك من أهل الْجَهْل من أبنائهم أعواناً يأْذنون لَهُم، ويُصْغُون إِلَيْهِم. مهلا مهلا. قبل وُقُوع القوارع وحلول الروائع، هَذَا لهَذَا، وَمَعَ ذَلِك فلست أعتنش آئباً، وَلَا أؤنب تَائِبًا. عَفا الله عَمَّا سلف وَمن عادَ فينتقم الله مِنْهُ وَالله عزيزٌ ذُو انتقام: فأسرُّوا خيرا، وأظهروه، وأجهَروا بِهِ، وَأَخْلصُوا، فطالما مَشيْتُم الْقَهْقَرَى ناكصين. وليعلمْ مَن أدبَر وأسَرَّ أَنَّهَا موعظةٌ بَين يَدَي نقمةٍ. وَلست أدعوكم إِلَى هوى يتبع، وَلَا إِلَى رَأْي يبتدع. إِنِّي أدعوكم إِلَى الطَّرِيقَة المُثلى الَّتِي فِيهَا خير الْآخِرَة والأُولى. فَمن أجَاب فَإلَى رُشْده، ومَن عَمِىَ فَعَن قَصده. فَهلُم إِلَى الشَّرَائِع لَا إِلَى الخدَائع، وَلَا تَوَلًّوا عَن سَبيل الْمُؤمنِينَ، وَلَا تستبدلوا الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خيرٌ، بئسَ للظالمين بَدَلا. وَإِيَّاكُم وبُنَيَّات الطَّرِيق، فَعندهَا الترنيق، والرهق وَعَلَيْكُم بالجادة فَهِيَ أسدُّ وَأورد، ودَعُوا الْأَمَانِي فقد أردَتْ من كَانَ قبلكُمْ. وَلَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سَعى، وَللَّه الْآخِرَة وَالْأولَى و " لَا تفتُروا على الله كذبا فُيسحتكم بِعَذَاب وَقد خَابَ من افترى " " رَبنَا لَا تزع قلوبَنا بعد إِذْ هديتنا وهب لنا من لُدنك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الوهابُ " قَالُوا: إِن قُتَيْبَة بن مُسلم قَالَ لما قدم خراسَان: مَن كَانَ فِي يَده شَيْء من مَال عبد الله بن خازم فليَنبذه، وَإِن كَانَ فِي فِيهِ فليلفظه، وَإِن كَانَ فِي صَدره فليَنفثه. فَعجب النَّاس من حسن مَا فصًّل وقسَّم. وَقَالَ قُتَيْبَة: إِن الحريصَ يستعجل الذِّلة قبل إِدْرَاك البُغية. أهْدى عبيدُ الله بن السّدي إِلَى عبد الله بن طَاهِر لما وَلي مصرَ - مائَة

وصيف، مَعَ كلِّ وصيف ألف دِينَار، ووجهَ بذلك لَيْلًا. فَرده، وبَعَثَ إِلَيْهِ: لَو قبلت هديتك لَيْلًا لقبلتها نَهَارا وَمَا " أَتَانِي الله خيرٌ مِمَّا أَتَاكُم بل أَنْتُم بهديتكم تفرَحُون " قَالَ الْمَأْمُون لطاهر بن الْحُسَيْن: صف لي عبد الله ابْنك. قَالَ: عَن مدَحتُه هجّنتُه، وَإِن هجوتُه ظلمتُه. ولدَ الناسُ ابْنا، وَولدت ابْنا يُحِسن مَا أحسن وَلَا أحسن مَا يحسن. وليّ عبدُ الله بن طَاهِر رجلا بريدَ مَا وَرَاء النَّهر، فَكتب إِلَيْهِ: أنَّ هَا هُنَا قوما من الْعَرَب قد تعصبُوا وتأشبوا، أظنُّ أمَرهم سيرتقي إِلَى مَا هُوَ أغْلظ. مِنْهُ. فَكتب إِلَيْهِ عبدُ الله: إِنَّمَا بُعِثْتَ للْأَخْبَار السَّابِقَة والحوادث الظاهرَة لَا للكهانة والتظنَّي. قَالَ عبيدُ الله بن عبد الله بن طَاهِر: لَا يَنْقَضِي عَجبي من ثَلَاثَة: إفلات عبّاس بن عَمْرو من القرمطيِّ، وهُلْك أَصْحَابه، وَوُقُوع الصغار، وإفلات أَصْحَابه. وَولَايَة ابْني الجسريْن وَأَنا متعظل. وَقَالَ محمدُ بن عبد الله بن طَاهِر لوَلَده: عِفُّوا تشرُفوا، واعشقوا تَظْرُفوا وَقَالَ عُبيدُ الله بن عبد الله فِي علته: لم يبْق على من بأْس الزَّمَان إِلَّا الْعلَّة والخَلة وأشدهما على أهونهما على النَّاس. ولأنَّ ألمَ جسمي بالأوجاع أَهْون عَليّ من ألم قلبِي للحقِّ المُضاع. جرى ذكرُ رجل فِي مجْلِس سَلم بن قُتَيْبَة، فنال مِنْهُ بَعضهم، فَأقبل سَلم فَقَالَ: يَا هَذَا، أوحَتْستَنا من نَفسك، وأيأَستنا من مودتك، ودَللْتَنا على عورتك. قَالَ بَعضهم: كنت عِنْد يزِيد بن حَاتِم بإفريقية، وَكنت بِهِ خَاصّا فَعرض عَلَيْهِ تاجرٌ أدراعاً، فَأكْثر تقليبها، ومزاولة صَاحبهَا. فَقلت لَهُ: أصلح الله الأميرَ. فعلامَ تلوم السُّوق؟ فَقَالَ: ويحَك {} إين لست أَشْتَرِي أدراعاً إِنَّمَا أَشْتَرِي أعماراً.

قَالَ الْمَأْمُون لطاهر بن الحُسَين: أشر عَليّ بِإِنْسَان يَكْفِينِي أمرَ مصرَ والشّام. فَقَالَ لَهُ طاهرٌ: قد أصبته. قَالَ: من هُوَ؟ قَالَ: عبدُ الله ابْني، وخادُمك، وعَبدُك. قَالَ كَيفَ شجاعته؟ قَالَ: مَعَه مَا هُوَ خيرٌ من ذَلِك قَالَ لَهُ المأْمون: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الحزم. قَالَ: فيكف سخاؤه؟ قَالَ: مَعَه مَا هُوَ خير من ذَلِك. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: التنزُّه وخُلْفُ النَّفس. قَالَ: فولاه فَعَفَّ عَن إِصَابَة خَمْسَة آلَاف ألف دِينَار. وَهب الْمَأْمُون لطاهر الهني والمري - وهما نهران بِقرب الرقة - فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: كفى بِالْمَرْءِ شرَهاً أَن يَأْخُذ كل مَا أعطي. مَا هما يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من ضيَاع السُّوقة، مَا يصلحان إِلَّا لخليفة أَو وليّ عهد. فَلم يقبلهما. كتب الحجاجُ إِلَى قُتَيْبَة بن مُسلم: أَنِّي قد طلقت أم خَالِد بنت قطن الْهِلَالِيَّة عَن غير رِيبَة، وَلَا سوءٍ، فتزوَّجْها. فَكتب إِلَيْهِ قُتَيْبَة: إِنَّه لَيْسَ كلُّ مَطالع الْأَمِير أحِبُّ أَن أطلع. فَقَالَ الْحجَّاج: ويَل أمِّ قُتَيْبَة. وَأَعْجَبهُ ذَلِك. وَكَانَ خالدُ بن عبد الله الْقَسرِي مَال عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، وتنقّصه على المنابر. وذُكر أَنه اتخذ طستاً فِي الْمَسْجِد بِالْكُوفَةِ ميضأةُ، وخَرق قناةً من الْفُرَات إِلَيْهَا. ثمَّ أَخذ بيد أَسْقُف النَّصَارَى يمشي فِي مَسْجِد عَليّ حَتَّى وقف على الطست. ثمَّ قَالَ للأسقف: ادْع فِيهَا بالبرَكة. فوَاللَّه لدُعُاؤك عِنْدِي أَرْجَى من دُعاء عَليّ بن أبي طَالب - صلوَات الله عَلَيْهِ وسلامُه على عَليّ، وغضبُه على خَالِد. وَقدم عَلَيْهِ محمدُ بن عبد الله بن عَمْرو عُثْمَان يَسْتمْنِحُه، فَلم يفعل بِمَا يُحب. فَقَالَ: أما الْمَنَافِع فلهذين الهاشميَّين. يَعْنِي داودَ بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس، وزيدَ بن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام.

وَأما نَحن فَلَيْسَ لنا إِلَّا شتمُةُ عليا على الْمِنْبَر. فَبلغ ذَلِك خَالِدا فَقَالَ: إِن أحب تناولنا لَهُ عُثمان بِشَيْء. وَكَانَ لعنهُ الله يلعن على المنابر عَلياً - عَلَيْهِ السَّلَام - فَيَقُول: لعن الله لَاعن عليِّ بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب ابْن هَاشم بن عبد منَاف، وَابْن عمِّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَزوج ابْنَته، وَأَبا الْحسن والحُسين، ثمَّ يُقبِل على النَّاس فيقولك أكَنَيْتُ. وَبنى خالدٌ بِيعةً لأمِّه - وَكَانَت نَصْرَانِيَّة فاستعفاه الْمُسلمُونَ مِنْهَا. فَقَالَ: لعن الله دينهم إِن كَانَ شرا من دينكُمْ. قَالَ الْمَأْمُون لطاهر: يَا أَبَا الطّيب صف لي أَخْلَاق المخلُوع. قَالَ: كَانَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَاسع الطرَب، وضيِّق الأدَب، يُبيح لنَفسِهِ مَا تعافهُ هِمَمُ ذَوي الأقدار. قَالَ: كَيفَ كَانَت حرُوبُه؟ قَالَ: كَانَ يجمع الْكَتَائِب بالتبذير، ويفضُّها عَنهُ بِسوء التّدبير. قَالَ: فَكيف كنتُم لَهُ؟ قَالَ: كُنَّا أُسْداً تبيتُ، وَفِي أشداقها حُلوقُ النَّاكِثِينَ، وَتَحْت صدورها صدورُ المارقين. قَالَ: إمَا أَنه أولُ مَن يأْخذُ اللهُ بدَمه يومَ الْقِيَامَة ثلاثةٌ: لستُ أَنا وَلَا أَنْت رابعَهم، وخامسهُم: الْفضل بنُ الرّبيع، وَبشر بن المُعتمر، والسندي بن شاهك. واللهُ ثأَر أخي، وَعِنْدهم دَمُه. مرض عبيد الله بن عبد الله بن طَاهِر، فَركب إِلَيْهِ الوزيرُ، فَلَمَّا انْصَرف عَنهُ كتب إِلَيْهِ عبيدُ الله: مَا أعرفُ أحدا جزى الْعلَّة خيرا غَيْرِي، فَإِن جزيتُها الخيرَ، وشكرتُ نعمتها عَليّ، إِذْ كَانَت إِلَى رُؤيتك مؤديةً. فَأَنا كالأعرابي الَّذِي جزى يومَ الروع خيرا فَقَالَ: جَزى اللهُ يَوْم الروع خيرا فإنهُ أرانا على علاته لُقى ثَابت وَكتب المأْمونُ إِلَى طَاهِر يسألهُ عَن اسْتِقْلَال ابْنه عبد الله.

فَكتب طاهرٌ إِلَيْهِ: عبدُ الله - يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ - ابْني. وَإِن مدحتُه ذممتُه وَإِن ذممتُه ظلمتُه. ولنعمم الخلَفُ هُوَ لأمير الْمُؤمنِينَ من عَبده. فَكتب إِلَيْهِ المأْمونُ: مَا رضيتَ أنْ قرَّظتهُ فِي حياتك حَتَّى أوصَيتَنا بِهِ بعدَ وفاتك. قَالَ طاهرٌ: طولُ الْعُمر ثَائِر مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ لَا يُخْليك من رُؤْيَة محَبة فِي عدوَّ. قَالَ الكبيُّ: قَالَ لي خالدُ بنُ عبد الله بن يزِيد الْقَسرِي: مَا يُعدُّ السُّؤدد. فيكُم؟ فقلتُ: أما فِي الْجَاهِلِيَّة فالرِّياسةُ، وَأما فِي الْإِسْلَام فالولاية، وخيرُ من هَذَا وَذَاكَ التَّقْوَى. فَقَالَ لي: صدقت. كَانَ أبي يقولُ: لم يُدرك الأولُ الشّرف إِلَّا بِالْفِعْلِ، وَلَا يُدركُ الأخِرُ إِلَّا بِمَا أدْرك بِهِ الأوِّلُ. قَالَ: فَقلت: صدق أبُوك سَاد الأحنفُ بِحمْلِهِ، وساد مالكُ بنُ مِسمع بمحبة الْعَشِيرَة لَهُ، وساد قُتيبة بدهائه، وسادَ الْمُهلب بِجَمِيعِ هَذِه الخِلال. فَقَالَ لي: صدقت. كَانَ أبي يقولُ: خيرُ النَّاس للنَّاس خيرُهُم لنَفسِهِ إِنَّه إِذا كَانَ كَذَلِك أبقى على نَفسه من السرَق لِئَلَّا يُقطع، ومِن القتْل لِئَلَّا يُقادَ، ومِن الزِّنى لِئَلَّا يُحد، فسَلمَ الناسُ مِنْهُ بإبقائِه على نفسِهِ. قيل: وَكَانَ عَبدُ الله بنُ يزيدَ أَبُو خَالِد مِن عقلاء الرِّجال. وَقَالَ لَهُ عبدُ الْملك يَوْمًا: مَا مالُك؟ فَقَالَ: شَيْئَانِ لَا عَيْلة عَليّ مَعَهُمَا: الرِّضا عَن الله عزّ وَجل، والغني عَن النَّاس. فَلَمَّا نَهَضَ مِن بَين يَديه قيل لَهُ: هلا خبرتهُ بِمِقْدَار مالِك؟ فَقَالَ: لم يعدُ أَن يكون قَلِيلا فيَحقِرني، أَو كثيرا فيحْسدني. وخطب عبدُ الرَّحْمَن بنُ مُحَمَّد بن الْأَشْعَث بالمِربْد عِنْد ظُهُور أمّر الْحجَّاج عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَيهَا الناسُ. إِنَّه لم يبْق من عَدوكُمْ إِلَّا كَمَا يبْقى من ذَنْب الوزغَة، تضرب يَمِينا وَشمَالًا، فَلَا تلبثُ أَن تَمُوت.

فَسَمعهُ رجلٌ من بني قُشَيْر بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصة فَقَالَ: قبح الله هَذَا. يَأْمر أَصْحَابه بقلة الاحتراس من عدوهم، ويعدُهْم الغُرَور. وَقيل لنصْر بن سيار: إِن فلَانا لَا يكتُبُ. فَقَالَ: تِلْكَ الزِّمانةُ الخفيةُ. وَقَالَ: لوْلا أَن عمرَ بن هُبيرة كَانَ بَدويّاً مَا ضبَط. أَعمال الْعرَاق، وَهُوَ لَا يكْتبُ. اعتذر رجلٌ إِلَى مُسْلم بن قُتَيْبَة من أمْر بلغهُ عَنهُ، فعذرُه ثمَّ قَالَ لَهُ: يَا هَذَا: لَا يحْملنك الخروجُ مِن أَمر تخلصْت مِنْهُ على الدُّخُول فِي أمْر لَعَلَّك لَا تتخلصُ مِنْهُ. وَقَالَ مُسلُم بنُ قُتَيْبَة: الشبابُ الصحةُ، والسُّلْطانْ الْغَنِيّ، والمروءةُ الصبرُ على الرِّجَال. وَقَالَ خَالِد بن عبد الله القسْري: يُحَمدُ الجودُ مَا لمْ يسْبقُه مَسْألةٌ وَمَا لم يتبعهُ مَن، وَلم يُزْر بِهِ قصورٌ، وَوَافَقَ مَوضِع الْحَاجة. قَالَ الرشيد لسَعِيد بن سَلْم: يَا سعيدُ، مَنْ بيتُ قيس فِي الْجَاهِلِيَّة؟ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. بنُو فَزَارَة. قَالَ: فمَنْ بيتُهُم فِي الْإِسْلَام؟ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: الشريفُ مَنْ شرفتُموه. قَالَ: صدقت. أَنْت وقومُك. قَالَ بَعضهم: أريت نصْرَ بن سيار على الْمِنْبَر بسَرْخس. وَقد حسَر ذِرَاعَيْهِ - وَكَانَ أشعرَ طَوِيل الساعدَين. وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنَّك تعلُم أَن جعُفرَ بن مُحَمَّد حَدثنِي عَن آبَائِهِ أَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: مَا منْ أحد أنْعمَ على قوم نعْمَة فكفرُوا نعمتَه، فَدَعَا الله عَلَيْهِم إِلَّا أجيبتْ دَعوته. اللَّهُمَّ إِنَّك تعلُم أَنِّي أحسَنْتُ إِلَى ألِ بسَّام فَكَفرُوا نِعْمتي. اللَّهُمَّ افْعَل بهم. ودَعَا عَلَيْهِم. قَالَ: فَلم يَحُلِ الحولُ وعَلى الأَرْض مِنْهُم عين تطرف: وَكَانُوا سبعين رجلا، كلُّهم قد ركب الْخَيل.

كَانَ أَبُو هبَيرة يَقُول: أعوذ بك من كلِّ شَيْطَان مستغرب وكل نبطي مستعرِب. خطب بِلَال بن أبي بُردَة بِالْبَصْرَةِ، فَعرف أَنهم قد استحَسنوا كلامَه، فَقَالَ: لَا يمنعنكم أقبحُ مَا تعلمُونَ فِينَا أَن تقبلُوا أحسن مَا تَسْمَعُونَ منا. قَالَ ابْن هُبَيْرَة لبَعض وَلَده: لَا تكونن أول مشير، وَإِيَّاك والهوى والرأي الفطيرَ، وتجنب ارتجال الْكَلَام، وَلَا تشر على مستبدٍّ وَلَا على وغد وَلَا مثلوِّن وَلَا لجوج، وخَفِ الله فِي مُوَافقَة هوى المستثير، فَإِن التماسَ مُوَافَقَته لؤمٌ، وسوءَ الِاسْتِمَاع مِنْهُ خيانةٌ. قَالَ رجل ليزيدَ بن أَسد يَدْعُو لَهُ: أَطَالَ الله بقاءَك. فَقَالَ: دَعوني أمُتْ، وَفِي بقيةٌ تَبْكُونَ بهَا عَليّ. وشخصَ يزِيد بنُ عمرَ بن هُبَيْرَة إِلَى هِشَام بن عبد الْملك فَتكلم فَقَالَ هِشَام: مَا مَاتَ من خلف مثل هَذَا. فَقَالَ الأبرشُ الكبيُّ: لَيْسَ هُنَاكَ، أمَا نراهُ يرشح جَبينُه لضيق صَدره. فَقَالَ يزِيد: مَا لذَلِك أرشحُ وَلَكِن لجُلوسك فِي مثل هَذَا الْموضع. وَدخل يزيدُ بن عمر على الْمَنْصُور - وَهُوَ يَوْمئِذٍ أميرٌ - فَقَالَ: أيُّها الأميرُ إنَّ عَهدَ الله لَا يُنكث، وعَقدَهُ لَا يُحَل، وَإِن إمارتكُم بِكْرٌ. فأذيقُوا الناسَ حلاوَتها، وجنِّبُوهم مَرارتها. اتخذ يزيدُ بنُ الْمُهلب بستاناً بخُراسَان فِي دَاره فَلَمَّا ولي قتيبةُ بنُ مُسلم جعل ذَلِك لإبله. فَقَالَ لَهُ مَرزُبانُ مَروٍ: هَذَا كَانَ بستاناً وَقد اتخذته لإبلك؟ فَقَالَ قتيبةُ: عَن أبي كَانَ أشترباذ وَأَبُو يزيدَ كَانَ بُسْتَان باذ. قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي الحكم: لَوْلَا ثلاثٌ مَا بالَيْتُ مَتى متُّ: تزحُّف الْأَحْرَار إِلَى طَعَامي، وبذلُ الْأَشْرَاف وجوهَهُم إِلَى، وقولُ الْمُنَادِي: الصَّلَاة أيُّها الْأَمِير. وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن الْأَشْعَث: لَوْلَا أربعُ خِصَال مَا أعطيتُ أحدا طَاعَة، لَو

مَاتَت أمُّ عمرَان - يَعْنِي: أمه، وَلَو شَاب رَأْسِي، وَلَو قرأتُ الْقُرْآن، وَلَو لم يكُن رَأْسِي صَغِيرا. خطب قُتيبةُ بن مُسلم بخُراسان حِين خُلع، فَقَالَ: أتدرُون لمن تُبَايعون؟ إِنَّمَا تُبَايِعُونَ يزيدَ بن ثروان، يَعْنِي هينقة الْقَيْسِي كَأَنِّي بأمير من حاء وَحكم، قد أَتَاكُم يحكم فِي دمائكم وفروجكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَبْشَاركُمْ ثمَّ قَالَ: الْأَعْرَاب. وَمَا الْأَعْرَاب؟ ؟ لعنةُ الله على الْأَعْرَاب جمعتكم كَمَا يُجَمع قَزَع الخريف من منَابت الشِّيح والقيصُوم، ومنابت الفلفل، وجزيرة أبر كاوَان. تركُبون الْبَقر، وتأكلُون القضْب فحملتكُم على الْخَيل، وألبستكُم السِّلاحَ، حَتَّى منع الله بكم الْبِلَاد، وأفاءَ بكم الفيءَ. قَالُوا: مُرنا بِأَمْرك. قَالَ: غُرُّوا غَيْرِي. وخطب مرّة أُخْرَى فَقَالَ: يَا أهل الْعرَاق. أَلَسْت أعلمَ النَّاس بكم؟ أما هَذَا الْحَيّ من أهل الْعَالِيَة فنعَمُ الصدَقة. وَأما هَذَا الْحَيّ من بكر بن وَائِل فعِلْجةُ بظراءُ لَا تمنعُ رِجْلَيْهَا، وَأما هَذَا الْحَيّ من عبد الْقَيْس فَمَا ضرب العَيْر بذنبهِ. وَأما هَذَا الحيُّ من الأزد فعُلوجُ خَلْقِ الله وأنباطُه. أيمُ الله لَو ملكتُ أمرَ النَّاس لنقشتُ أَيْديهم. وَأما هَذَا الحيُّ من تَمِيم فَإِنَّهُم كَانُوا يسمُّون الغدْر فِي الجاهليةِ كَيسان. وخطب مَرةً أُخْرَى، فَقَالَ: يَا أهل خُراسَان. قد جربتُم الوُلاة من قبلي أتاكُم أميةُ، فَكَانَ كاسمه أميةَ الرَّأْي، وأميةَ الدّين. فَكتب إِلَى خَلِيفَته إِن خراجَ خُراسان وسجستان لَو كَانَ فِي مَطبخه لم يكفهِ. ثمَّ أتاكُم بعَده أَبُو سعيد يَعْنِي الْمُهلب بن أبي صُفرة فدوم بكم ثَلَاثًا. أما تدرُون فِي طَاعَة أَنْتُم أم فِي مَعْصِيّة؟ ؟ ثمَّ لم يَجْب فَيْئا وَلم يَنْكَ عدوا، ثمَّ أتاكُم بنُوهُ بعده مثل أطباء الكلبة، مِنْهُم ابْن دحمة: حمَار يَضْربُ فِي عانةٍ، وَلَقَد كَانَ أَبوهُ يخافهُ على أمهاتِ أَوْلَاده. وَلَقَد أصبحتُم - وَقد فتح اللهُ عَلَيْكُم البلادَ، وَأمن لَكِن السُّبل. حَتَّى أَن الظعينةَ لتخرجُ مِن مَرو إِلَى سَمرقَند فِي غير جوَار. صعد خَالِد بنُ عبد الله القسْري المنبرَ بالبصْرة فأرْتج عَلَيْهِ. فَقَالَ: أيُّها النَّاس إنَّ الْكَلَام يجيءُ أَحْيَانًا فيتسبَّبُ سَببه، ويعزُّ أَحْيَانًا فيعزّ طَالبه. فَرُبمَا طلب فَأبى،

وكُوبر فعسا فالتأني لِمَجِيه أصوبُّ من التعاطي لأبيِّه. ثمَّ نزل. قَالَ عبيد الله بن عبد الله بن طَاهِر: كَانَ أبي كثيرا مَا يقولُ إِذا سر: هَذَا يومٌ جريريُّ. قَالَ: فَسَأَلته عَن ذَلِك، فَقَالَ: لقَوْله: فيالك يَوْمًا خيرهُ قبْلَ شرِّه تغَّيب واشِيِه وأقصَرَ عاذِلُه وَمثل ذَلِك مَا حكى عَن عبد الله بن طَاهِر: أنَّه كَانَ يقولُ: هَذَا من أَيَّام الكوزِ. فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: كَانَ رجلٌ إِذا مرَّ لَهُ يومٌ طيبَّ ألْقى حَصَاة فِي كوز. فَإِذا سُئِلَ عَن عمره عد الْحَصَى وَقَالَ كَذَا يَوْمًا. كَانَ مُسلم بن قُتَيْبَة يَقُول: أحزمُ النَّاس من وقى مَاله بسلطانهِ، وَوقى نفسَه بمالهِ، وَوقى دينه بِنَفسِهِ وَقَالَ إِذْ تخالجتك الأمورُ فاسْتقِلَ بأعظمها خطراً، فَإِذا لم تستبن فأرجَاها، فَإِن اشتبهت فأحُراحا أَلا يكُون لَهَا رجوعٌ عَلَيْك. وَقَالَ: احملوا الْأُمُور فِيمَا بَيْنكُم على أشُدِّها، وَلَا تراضْوا بالْقَوْل دون الفعْل. وخطب خَالِد بنُ عبد الله، فَقَالَ: أيّها النَّاس، عليكُم بالمعروفِ، فإنَّ فَاعله لَا يعْدم جوازيَه. مهما ضعف النَّاس عَن أَدَائِهِ قوى اللهُ على جَزائِه. أيُّها النَّاس، لَا يعتدَّنَّ أحدٌ مِنْكُم مَعْرُوفا لم يخرج مِنْهُ سهلاً، إِنَّكُم لَو رأيتُم الْمَعْرُوف شخصا لرأيتُموه حسَناً جميلاً. أعاذنا اللهُ وَإِيَّاكُم من الكُفر وَالْبخل. وَقَالَ خالدٌ: أيلبس الرجلُ أجودَ ثِيَابه. ويتطيّب بأطيب طيبه. ثمَّ يتخطى إِلَى الْقَبَائِل، والوجوهَ، لَا يُريد إِلَّا قَضَاء حَقي، وتعظيمي بسؤالهِ حَاجته. فَلَا أعرفُ ذَلِك لَهُ وَلَا أكافئُه عَلَيْهِ؟ تخطيتُ - إِذن - مكارمَ الْأَخْلَاق ومحاسنها إِلَى مساويها. اغتاب رجلٌ رجلا عِنْد قُتَيْبَة فَقَالَ لَهُ قتيبةُ: أمْسِكْ عَلَيْك فَلَقَد تلمَّظْت بُمضْغة طالما لَفظهَا الكرامُ. لما وَلي عثمانُ بن حيَّان المرِّي الْمَدِينَة بعد عمر بن عبد الْعَزِيز نزل دَار مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ يقولُ: مِحْلالٌ مِظعانٌ. المغرورُ من اغترَّ بك.

الباب السابع فضول الكتاب والوزراء وتوقيعات ونكت من كلامهم ونوادر لهم

الْبَاب السَّابِع فضول الْكتاب والوزراء وتوقيعات ونكت من كَلَامهم ونوادر لَهُم أمرَ المأْمونُ أَحْمد بن يُوسُف أَن يكْتب فِي الْآفَاق بتعليق المصابيح فِي الْمَسَاجِد فِي شهْر رَمَضَان. قَالَ: فأخذتُ القِرْطاسَ لأكتب، فاستعْجم عَليّ، ففكَّرتُ طَويلا، ثمَّ غشِيتَنْي نعْسةٌ فَقيل لي: اكتبْ: فإنَّ فِي كَثْرَة المصابيح إضاءةً للمتهجِّدين، وأنْساً للسَّابلةِ، ونفياً لمكامِن الرِّيب، وتنزيها لبيوت الله عَن وحْشة الظُّلم. أهْدى سعيدُ بن حميد إِلَى الْمَأْمُون فِي يَوْم مِهْرَجان خِوان جزْع، وَاتخذ ميلًا من ذهب بِقدر، وَحمله مَعَه. وَكتب إِلَيْهِ: قد أهديت إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ خوان جزع ميلًا فِي ميل. فاستحسَن ذَلِك وَقَبله. وقَّع جَعْفَر بنُ يحيى فِي رُقَعِة متُحرِّم بِهِ: هَذَا فَتى لَهُ حرمةُ الأمل، فامتحنه بِالْعَمَلِ، فَإِن كَانَ كَافِيا فالسلطانُ لَهُ دُوننَا، وَإِن لم يكن كَافِيا فَنحْن لَهُ دون السُّلْطَان. كتبَ أَحْمد بن يُوسُف إِلَى إِسْحَاق الْموصِلِي وَقد زَارَهُ إِبْرَاهِيم بنُ الْمهْدي: عِنْدِي مَنْ أَنا عندَه، وحجَّتُنا عَلَيْك إعلامنا إياك ذَلِك قد أذنَّاك. فصل لِأَحْمَد بن يُوسُف أَكثر من يلجأُ إِلَى الحيلةِ مَنْ عجز عَن المبادأة والإصحار، وَأكْثر مَنْ يروم

المبابذة مَنْ قصَّر عَن لِطيف الخُدَع، وخفِّي الاستدراج. وَالْقَصْد مؤّد إِلَى الرشْدِ. تَأَخّر إسحاقُ ابنُ إبراهيمَ الْموصِلِي عَن إبراهيمَ بن الْمهْدي، فَكتب إليهِ: لَا عذْر لَك فِي التأَخُّرَ عنِّي، فإنِّي لَا أَخْلو من خَالَيْنِ: سَخط أَمِير الْمُؤمنِينَ علىَّ فَهُوَ لَا يكرهُ أَن يُضرني، أَو رِضَاهُ عَنِّي فَهُوَ لَا يكُرَهُ أَن يسرَّني. أمرَ المأمونُ عمْروَ بن مسْعدَة أَن يكْتب كتاب عِناية، ويوجز. فَكتب: كتابي كتابُ واثق بِمن كتْبتُ إِلَيْهِ، مَغْنِيُّ بِمن كتبت لَهُ، وَلنْ يضِيع بَين الثِّقةِ والعنايةِ مُوَصِّله. كتب أَحْمد بنُ يُوسُف إِلَى صديق لَهُ: كتبتُ إِلَيْك فِي الظُّهر تفاؤلاً بأنْ يُظهرَك اللهُ على مَنْ ناوأك، ويجعلك ظهرا لمن وَالاك. كتب بعضُهم إِلَى رَئِيس: تختم كتُبَكَ لِأَنَّهَا مطايا الْبر، وَلَا أختمها لِأَنَّهَا حوامل الشّكر. وَقع جَعْفَر بنُ يحيى إِلَى عَامل لَهُ: وأنْصفْ من وَليت أمْرَهُ، وَإِلَّا أنْصَفهُ مِنْكَ مَنْ ولي أمرَك. وَقع أَحْمد بنُ هِشام فِي قِصَةِ مُتظلَّمٍ: أكْفِني أمْرَ هَذَا، وَإِلَّا كَفيْتُه أمرَك. استشهدَ ابنُ الفُرات فِي أَيَّام وزارته على بن عِيسَى، فَلم يشْهَدْ لهُ، وَكتب إِلَيْهِ لما عادَ إِلَى بيتهِ: لَا تلُمْني على نُكُوصي عَن نُصْرتِك بِشَهَادَة زُور، فإنَّه لَا اتِّفاق على نِفاق. وَلَا وَفَاء لذِي مَيْن واختلاق. وأحْرِ بِمَنْ تعدَّى الحقَّ فِي مسرَّتِك إِذا رَضى، أَن يتعدَّى إِلَى الْبَاطِل فِي مَسَاءتِك إِذا غضِب. وَالسَّلَام. وَقع إِبْرَاهِيم ابنُ الْعَبَّاس فِي ظهرِ رُقعة: إِذا كَانَ للمحْسِنِ من الحقِّ مَا يقنِعه، وللمسيءِ مِنَ النَّكالِ مَا يقمعه، بذلَ المُحسنُ الحقَّ رغبةَ وانقادَ المُسيءُ لهُ رهبةً. كتبَ الْقَاسِم بنُ عُبَيِدْ الله الكرْمي إِلَى بعضِ الوزُراء: ولي فيمَا جدّدَ اللَّهُ من هَذِه النعمةِ للوزيرِ مِنْ بُلُوغ النِّهَايَة، مَا انتزعتُه من كتابِ الله تَعَالَى فِي قولهِ: اليْومَ أكْمَلْتُ لكم دينَكُمْ وأتْمَمْت عليكُم نعْمَتِي. وَقد عَلمَ أَن دين الله بعد نزولِ هَذِه الْآيَة لم يَزلْ نامياً عَالِيا على كل دين، وأنَّه إِنَّمَا ضرَب بجرانِهِ وقهرَ الأمَمَ شرقاً وغرباً بعد كمالهِ.

وقّع ذُو الرياستين إِلَى طَاهِر بن الْحُسَيْن: يَا نِصْف إِنْسَان. وَالله لئنْ أمرْتُ لأُنفذنَّ، ولئِنْ أنفذتُ لأُبرمَنّ، وَلَئِن أبرمتُ لأبلغنَّ. فأجَابَهُ: أَنا - أعزَّك الله - كالأمَةِ السَّوْدَاء، إِن حمل عَلَيْهَا دمْدَمتْ وَإِن رُفِّه عَنْهَا أشِرتْ. وَإِن عُوقبتْ فباستحقاق، وَإِن عُفِي عَنْهَا فبإحسَان. كتب إبْرَاهيم بنْ الْعَبَّاس إِلَى أهل حِمْصَ: أمَّا بعدُ فَإِن أميرَ الْمُؤمنِينَ يرى مِنْ حَقِّ اللهِ عليهِ اسْتِعْمَال ثَلَاث يُقدّمُ بعضُهن على بعْض: الأُولى تَقْدِيم تَنْبِيه وتوجيه، ثمَّ مَا يستظهر بِهِ من تحذير وتخويف. ثمَّ الَّتِي لَا ينفعُ لحسُم الدَّاء غَيرهَا. أَنَاة فإنْ لِم تُغْنِ أعقبَ بعدَها ... وَعِيداً فإنْ لم تُجْدِ أغنتْ عزائِمْ ويقالُ: إنَّ هَذَا أوّلُ كتاب صدَر عَن خَليفَة من بني الْعَبَّاس وَفِيه شِعرٌ. وَقيل: إِن إِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس لم يتَعَمَّد أنْ يَقُول شعرًا، ولكنَّهُ لما رَآهُ موزُوناً تركهُ. كَاتب: أمَّا بعد، فكأنِّا فِي الثَّقةِ بك مِنْك، وكأنكَّ فِي الرأفةِ عليْنا مِنا، لأنِّا لم نرِدْك لأمْر إِلَّا نِلناهُ، وَلَا خِفْناك عَلى أمْر إِلَّا أمِنَّاه. كتب أَحْمد بنُ يُوسُف إِلَى إبراهيمَ بن الْمهْدي: الثقةُ بك سهَّلت السَّبِيل إِلَيْك، فأهْلنِا هَدِيَّة مَنْ لَا يحتشِمُ، إِلَى مَنْ لَا يغُتنِم. كتب إِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس إِلَى عَليّ بن عِيسَى بن ماهان: قد بلغ مِنْ حسن ظَنك بِالْأَيَّامِ أَن وثقت بالسلامةِ مِنْها مَع الظُّلم، وَلَيْسَ هَذَا من عادَتِها. اعتذر كاتبٌ إِلَى صديق لَهُ تأخُّر اللِّقَاء، فأجابَه: أنْت فِي أوسَع العُذْر عِنْد ثِقتي، وَفِي أضْيق العذرْ عندَ شوقي. كتب رجلٌ إِلَى ابنِ سيَابه يسألُهُ عنْ رجل فَكتب فِي الْجَواب: هَو الله غثُّ فِي دينه، قذرٌ فِي دنْياه، رث فِي مروءته، سمْجٌ فِي هيئتهِ، منقطعٌ إِلَى نَفسه، رَاض عقلُه، بخيلٌ بِمَا وسّع الله عليهِ من لذَّته، كَتُومٌ لما أتَاهُ اللهُ من فضلهِ، حلافٌ، لجوجٌ، لَا ينصفُ إِلَّا صاغراً، وَلَا يعدِلُ إِلَّا راغماً، وَلَا يَرفعُ نفسَه عَن منزلَة إِلَّا ذل بعد تعززه فِيهَا.

كتب إسْحاقُ بنُ إبراهيمَ الْموصِلِي إِلَى إِبْرَاهِيم بنِ الْمهْدي: مَنْ كانَ كُله لَك وَقع كلُّه عليْكَ. وقَّعَ عليُّ بنُ عِيسَى على قصَّة لاْبنِ قرابةَ العطَّار: منْ تحقق بالوزراء وجالس الأُمراء ودَاسَ بُسطَ الْخُلَفَاء وماثَل الكبراءَ وأمرَ ونهىَ فِي مجالسِ الرؤساء، بعَقلٍ يسير وفهْم قصيرِ، وَرَأى حقير وأدب صَغِير - كَانَ خليفاً بالنكبة، وحرياً بالمصيبة، وجديراً بالمحْنة، وَأَنا أتلكًّم إِذا حضرني الكلامُ فِيك بِمَا يقربُني إِلَى الله. كَاتب: لَا أعِدُك فأطمعك وَلَا أويسك فأقطعك، وَإِن أمكنتْني فَرْصةٌ فعلتُ. أخر: قد أعليتَ من يدٍ كَانَت مَقْبُوضَة، واسْمَيْت مِنْ مقْلة كَانَت مغْضُوضَةً. كتب بعضهُم إِلَى صديق لَهُ - وَقد تَأَخّر عَنهُ كِتَابه: إِن كنتَ لَا تُحسنُ أَن تكتُب فَهُوَ زَمانةٌ، وَإِن كنت تكتبُ وَلَا تكاتبُ إخوانَكَ فَهُوَ كسلٌ، وَإِن كنت تكتبُ وليسَ لَك قِرْطاسٌ ودواةُ فِي سوءُ تَدْبِير، وَإِن اعتذرت بِغَيْر مَا كتبت فهُو وَقاحةٌ. فصلٌ: أظلنِي من مولَايَ عارضُ غيث أخْلف ودقةُ، وشاقني رائحُ غوْث كذب برقُه، فقابله فِي حَرَّان مُمْحل أخطأهُ النّوء، وحَيْرَان مظلم خذلهُ الضوءُ - فصل: لِيَهنك أنّ جَمِيع نظرائك، وأكفائك يتنازعُون الْفضل فَإِن انْتَهوا إليكَ أقرُّوا لكَ ويتناصَفونَ المنازلَ فَإِن بلغوك وقفُوا دُونك - آخر: ثقْ مني بكتمان وَإِن أتعبَ القلبَ، ومساعدة وَإِن ثلمَتِ المروءةَ وَطَاعَة وَإِن قدحَتْ فِي الدِّين - آخر: حَقُّ لمن غُدي ببركَ، وارتضَعَ أخَلافَ إحسانكَ، وتنسَّم رَوْح خلائِقك أَن يكثُر عِنْد ذكرِكَ إِيَّاه شكرُه، ويتمهد عِنْد نسيانِك لَهُ عّذْره. كتب بعضُ عُمَّال إِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس إِلَيْهِ يستزيدُه، فَوَقع فِي كتاب: اسْتدْع مَا عِنْدِي بالأثرِ لَا بالطلبِ. كَاتب: اتَّصل بِي خبرُ الفَتْرة فِي إلمامها وانسحارِها، ونبأ الشَّكاةِ فِي حُلُولها وارْتحالها، فَسَاد يسْعضلُ القلق بأوله عَن السُّكون لأخرِه، وتذهلُ عاديةُ الْحيرَة فِي ابْتِدَائه عَن عَائِدَة المسّرة فِي انتهائه، وَكَانَ التَّصَرُّف فِي الْحَالَتَيْنِ بِحَسب قدرهَا

ارتياعاً للأُولى وارتياحاً للأُخرى - غضب يحيى بنُ خَالِد على بعض كتُابِه، فَكتب إِلَيْهِ الْكَاتِب: إِن لله قبلكَ تبعات وَلَك قبْلَة الحاجاتِ إِلَّا فأسألك بِالَّذِي يهب لَكَ الْحَاجَات وهبتَ تبعتك - قيلي لَهُ. فَرِضِي عَنهُ - قَالَ بعضُ الْكتاب: إِذا أقبلتِ الدّوَلُ كَثُرتِ العُدَدُ وإنْ قل العَدْد وَإِذا أدْبرتْ كثر العَدَدُ وقلتُ العُدَدُ كتب ابْن صبيح: فهمتُ كتابك باعتذارِك، فَجرد الْإِقْرَار بالذنب فَإِن الأول يَقُول: لَا تَرجُ رجعةَ مذنبٍ خلط احتجاجاً باعتذار الحسنُ بن وهب: إنّ حُسْن ثَنَاء الصادرين عَنك إليْنا يزِيد فِي عدد الوَاردين عَلَيْك من قِبَلنا. وَقع جوهرٌ مولى الفاطميين لما افْتتح مصر فِي قصَّة رَفعهَا إِلَيْهَا أهلُها سُوءَ الاحترام أوقْع بكم حُلُول الانتقام. وكفرُ الإنْعام أخَّوكْم منْ حفظ الذِّمام. فالواجبُ فِيكُم ترْكُ الْإِيجَاب، واللازمُ لكم ملازمةُ الاجتناب، لأنكم بدأتُم فأسأتُم، وعدْتُم فتعديتُم. فابتداؤكم مَلوم، وعَودْكم مذْموم، وَلَيْسَ بَينهمَا فُرْجةٌ تَقْتَضِي إِلَّا الذَّم لكم، والإعراض عَنْكُم ليرى أَمِير الْمُؤمنِينَ - صلواتُ الله عَلَيْهِ - رأيهُ فِيكُم. كتب عَليّ بن هِشَام إِلَى المَوْصلي: مَا أَدْرِي كَيفَ أصنع؟ أغِيبُ فأشتاق، وألْقى فَلَا أشتِفي. ثمَّ سَيُحدِث لي اللقاءُ نوعا من الحُرقة، للوعة الْفرْقَة. كتب آخر: من الْعجب إذكار معنَّى، وحثُّ متيقظ، واستبطاءُ دابر إِلَّا أنّ ذَا الحاجةِ لَا يدَع أَن يَقُول فِي حَاجته. كتب بَعضهم إِلَى ابْن الزيات: إِنَّا مِمَّا يطمعني فِي بقائنا عَلَيْك، ويزيدني بَصِيرَة فِي دوامها لَك - أَنَّك أَخَذتهَا بحقك، واستدَمتها بِمَا فِيك من أَسبَابهَا. وَمن

شأْن الْأَجْنَاس أَن تتقاوم، وَالشَّيْء يتقلقل إِلَى معدته، ويحنُّ إِلَى عنصره، فَإِذا صَادف مَنبِته ركَن فِي مغرسه، وَضرب بعِرقه، وسمق بفرعه، وَتمكن للإقامة، وَثَبت ثبات الطبيعة. آخر: إِلَّا ابْن خاقَان: رايتُني فِيمَا أتعاطى من مَدحك كالمُخبِر عَن ضوء النَّهَار الباهر، وَالْقَمَر الزَّاهِر، الَّذِي لَا يخفى على نَاظر، وأيقنت أَنِّي حَيْثُ أَنْتَهِي من القَوْل منسوبٌ إِلَى الْعَجز، مقصَّرٌ عَن الْغَايَة، فَانْصَرَفت عَن الثَّنَاء عَلَيْك إِلَى الدُّعاء لَك، ووكلت الْإِخْبَار عَنْك إِلَى علم النَّاس بك. كتب الْحسن بن وهْب إِلَى صديق لَهُ يَدعُوهُ: افتتحت الْكتاب - جعلني الله فدَاك - والآلات معدةٌ، والأوتار ناطقةٌ، والكأْس محثوثة، والجو صَاف، وحواشي الدَّهْر رقاقٌ، ومخايل السرُور لائحةٌ، ونسأل الله إتْمَام النِّعْمَة بِتمَام السَّلامَة من شوب الْعَوَائِق، وطروق الْحَوَادِث، وَأَنت نظام شمْل السرُور، وَكَمَال بهاء الْمجْلس. فَلَا تخترِمْ مَا بِهِ يَنْتَظِم سروري وبهاء مجْلسي. كَاتب: قد أهديت لَك مودّتي رَغْبَة، ورضيت مِنْك بقبولها مثوبة، وَأَنت بِالْقبُولِ قَاض لحق، ومالكٌ لرقٍّ. آخر: قلّ مَن يَضبِط مَن وَجهه صُفرة الْفرق، وحمْرة الخجَل، وإشراق السُّرور، وكمَد الحُزن، وَسُكُون الْبَرَاءَة، واضطراب الرِّيبة. قَالَ بَعضهم: كنت بِحَضْرَة عبيد الله بن سُلَيْمَان، فوردتْ عَلَيْهِ رقعةٌ من جَعْفَر بن مُحَمَّد بن ثوابة نُسختُها: قد فتحتَ للمظلوم بابك، وَرفعت عَنهُ حجَابك، فَأَنا أحاكم الأيامَ إِلَى عدْلك، وأشكو صروفها إِلَى فضلك، واسْتجير من لؤم غلبتها بكرم قدْرتك وَحسن ملكيتك، فَإِنَّهَا تؤخِّرني إِذا قدِمَتْ، وتحرمني إِذا قسَمَتْ، فَإِن أعْطت أَعْطَتْ يَسِيرا، وَإِن أرتجعت ارتجعت كثيرا، ولمْ أشكها إِلَى أحد قبلك، وَلَا اعتمدتُ للانتصاف مِنْهَا إِلَّا فضلك، ولي مَعَ ذِمَام المْسألة لَك وحقِّ الظُّلامة إِلَيْك ذمام تأْميلك، وقدّم صدق فِي طَاعَتك. وَالَّذِي يملأُ من النصفة

يَدي، ويفرغ الْحق عَليّ حَتَّى تكون إِلَى محسناً، وأكون بك للأيام مقرفاً - أَن تخلطني بخواص خدَمك الَّذِي نقلتهم من حرِّ الْفَرَاغ إِلَى الشُّغل، وَمن الخمول إِلَى النباهة وَالذكر، فَإِن رَأَيْت أَن تقرّبني فقد استعديت إِلَيْك، وتنصرني فقد عذت بك، وَتوسع لي كنفك فقدْ أدَيْتُ إِلَيْهِ، وتَسِمَني بإحْسانك فقد عوّلت عليْه، وتسْتعمل يَدي ولساني فِيمَا يصلحان لَهُ من خدْمتك، فقد درست كتب أسْلافك، وهم القدْوة فِي الْبَيَان، واستضأْت بآرائهم واقتفرت آثَارهم اقتفاً جعلني بَين وَحشِي الْكَلَام وأنسيّه، ووقفني مِنْهُ على جادة متوسِّطة يرجع إِلَيْهَا الغالي، وَيلْحق بهَا للقصِّر التَّالِي، فطتُ إِن شَاءَ الله. قَالَ فَجعل عبيد الله يردّدها، ويستحسنها، ثمَّ قَالَ: هَذَا أَحَق بديوان الرسائل. كَاتب: كَانَ لي أملان: أَحدهمَا لَك، وَالْآخر بك، وَأما الأمل لَك فقدْ بلغته، وَأما الأمل بك فأرجو أَن يحققه الله ويوشكه. آخر: ودّعتُ قلبِي بتوديعك، فَهُوَ يتَصَرَّف بتصرِّفك، وينصرف بمنصرفك. آخر: قد كنتَ لنكبات الدَّهْر مستعداً، ولغدَراته متحرِّفاً، فَهَل زَاد على أنْ صدقَك عَن نَفسه، وأتاك بِمَا كنت علما أَنه يَأْتِيك؟ فَكيف تجزع وَأَنت تعلم أَنه ليسَ لما وَقع مَرَدٌّ وَلَا لمَا ذهب مرتجَع؟ تهنئة بابنْة: رب مَكْرُوه أعْقب مَسَرةً، ومحبةٍ أعقبت معَرةً، وخالق الْمَنْفَعَة والمضرة أعلم بمواضع الخيرَة. آخر: إِنَّه ليتربص بك الدَّوَائِر، ويتمنى لَك الغوائل، وَلَا يؤمِّل صلاحاً إِلَّا بِفساد حالك، وَلَا رفْعَة إِلَّا بِسُقُوط قدْرك. فصل: حسر الدَّهْر عَن تجمُّلي قِناع القناعة، ولكنِّي مَعَ الضمأ - عَن دني الْمَوَارِد - نافرٌ، وَمَعَ الْفَاقَة بغنى النَّفس مُكاثرً. فصل: من تهنئة بإملاك: وَكَيف يرتاع لهجوم غُرْبة، وأو يجاور توحُّش نُقلة مَن لم يقطعهُ اتِّصَاله بِي عَنْك، وَلَا باعده انْتِقَاله إِلَيّ مِنْك، فَهُوَ مخاطبٌ على الْبعد

بألفاظك، مرموقٌ بالمرَاعاة من ألحاظك، غير نازح عَمَّا أَلفه من عَواطف الولادَة، ورأفة التربية، وانبساط الأُنسة، وَالله يُسْعدها بِمن سارتْ بهَا من وفدتْ عليْه، ويُريني من المحبةِ فِيهَا مثلَ مَا أرانيه من الْمحبَّة بهَا، وَكَيف يُوصَى النَّاظر بنوره، أم كَيفَ يُحضُّ الْقلب على حفظ سروره. وَمثله لأبي إسْحاق الصابي، كِتَابه عَن بختيار إِلَى أبي تغلب وَقد نقل إِلَيْهِ ابْنَته: قد وجدت الْوَدِيعَة، وَإِنَّمَا نقلتْ من وَطن، إِلَى سَكن، وَمن مَغرِس إِلَى مُعَرسّ، وَمن مأوى ير وانعطافْ، إِلَى مَثوَى كَرَامَة وألطاف، وَمن مَنبِت درت لَهَا نعماؤه إِلَى منشأٍ يجود عَلَيْهَا سماؤُه، وَهِي بضعةٌ مني انفصلتْ إليْك، وثمرةٌ من جَنَى قلبِي حَصلتْ لديْك، وَلَا ضَياع عَليّ مَن تصحبه أمانتك، ويشتمل عليْه حفظك ورعايتك. فصل: إِذا طلبْتُ عِنْد غَيْرك مَا لُم أنلْ نلتُ مِنْك مَا لمْ أطلبْ، وَإِذا عدمتُ عِنْد سواكَ مَا رجوتُ وجدتُ عندَك مَا لم أرج، فاليأس من خيرك أَنْفَع من رجاي لغيرك، لِأَنَّك لَا تَقول فتفعلُ، وغيْركُ يقولُ فَلَا يفعلُ، ولأنك تعتذرُ من الجزيل إِذا امتن غَيْرك بِالْقَلِيلِ. فصل: مِلْكُ الْأَنْعَام أكْرم من مِلْكِ الرِّق، ورق الحرِّ أَفْخَر من رق العَبْد، لِأَن العَبْد يعطيك طاعتهُ كُرهاً، وضميره سواهَا، والحرُّ يبذلُها لَك طَوْعًا، ويعتقد ظَاهرهَا وفحواها. كتب أَبُو النَّجْم حبيب بن عِيسَى إِلَى عَمْرو بن مسعدةَ: يَنْبَغِي لمن علقتْه حبائلُك، وشقي بصُحبتك أَن يكون لَهُ صبرُ أيوُّب، وَعمر نوح، وكنوزُ قَارون، ومُلكُ هَارُون، فيستعين بِالصبرِ على ممَاطلتك، بالعُمِر على طول أيامك،

وبالكنوز، على مواعدك، وبالملك على مَا ينالُه من الذلِّ ببَابك. كتب سهلُ بن هَارُون إِلَى ذِي الرياستين: إِلَى اللازمنة فرجا. فَكُن من وُلاة فرجهَا، ولأيامَها دُولا، فخُذ بحظك من دوَلْتك مِنْهَا، ولدُولها أمْراً فتزود قبل أَوَان تصرُّمها، فَإِن تعاظمَك مَا أنبأْتُك عنهُ فَانْظُر فِي جَوَانبها تأْخذك الموعظةُ من جَمِيع نَوَاحِيهَا، وَاعْتبر بذلك الِاعْتِبَار على أَنَّك مسلمٌ مَا سلم إليكَ مِنْهَا. قَالَ: فَكتب عهدهُ على فَارس. كتب بَعضهم إِلَى الْفضل بن سهل: يَا حافظَ من يُضيعُ نَفسه عِنْده، وَيَا ذَاكر مَن ينسى نصِيبه منْه، لَيْسَ كتابي إِذا كتبتُ استبطاء، وَلَا إمساكي إِذا أمسكتُ اسْتغْنَاء، لَكِن كتابي تذكرةٌ لَك وإمساكي عَنْك ثقةٌ بك. وصف الحسنُ بنُ سهلٍ المحن فَقَالَ: مَعهَا تمحيصٌ من الذِّئْب وتنبيهٌ من الغفْلة، وتعريضٌ للصَّوَاب بِالصبرِ، وتذكيرٌ بالنِّعْمة، واستدعاءُ للتوبْة، وَفِي قدر الله عز وجَل وقضائه. كتب أَبُو عَليّ بُرْد الْخِيَار بن مُقْلة إِلَى أبي الْحسن بن الْفُرَات اقتصَرت - أَطَالَ الله بَقَاء الْوَزير - عَن الاستعطاف والشكوى، وَحَتَّى تناهت المحنةُ والبلوى فِي النَّفس وَالْمَال، وَالْجِنْس، وَالْحَال إِلَى مَا فِيهِ شفاءُ للمنتقم، وتقويم للمجترم، وَحَتَّى أفضيتُ إِلَى الحيْرة والتبلُّد وعيالي إِلَى الهلكة والتلدُّد: وَمَا أقولُ إِن حَالا أَتَاهَا الوزيرُ - أيده اللهُ - فِي أَمْرِي إِلَّا بِحَق وَاجِب، وَظن صَادِق غير كَاذِب، وَإِلَّا أَن القُدرة تُذْهبُ الحفيظة، وَالِاعْتِرَاف يزُيلُ الاقتراف. ورَبُّ الْمَعْرُوف يؤثرهُ أهلُ الفضْل وَالدّين، والإحسانُ إِلَى الْمُسِيء من أفْعال المتّقين، وعَلى كلِّ حَالَة فلي ذمامٌ وحُرمةٌ وتأْميلٌ، وخدمةً إِن كانتْ الإساءةُ تُضيعُها، فرعايةُ الْوَزير - أيدهُ اللهُ - تحفظُها. كتب بَعضهم إِلَى آخر: أما بعدُ: فقد كُنْتَ لنا كلُّك فَاجْعَلْ لنا بعضك وَلَا ترض إِلَّا بالكُلِّ منَّا لَك.

كتب يحيى بن خَالِد إِلَى الرشيد من الْحَبْس: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ، إنْ كَانَ الذْنبُ خَاصّا فَلَا تعمنَّ بالعُقوبة، فَإِن الله يقولُ: " وَلَا تزرُ وازرةٌ وزْر أخْرى ". وجُد فِي كتاب لجَعْفَر بن يحيى أربعةُ أسطر بِالذَّهَب: الرزقُ مقسومٌ، والحريصُ محرومٌ، والبخيلُ مذمومٌ، والحسودُ مَغْمومٌ. قَالَ منصورُ بنُ زِيَاد. الكاتبُ: للمعلى بن أيُّوب: وَالله إِنِّي لأبذلُ، وَإِنِّي لأقدر وَإِنِّي لأختارُ، وَإِنِّي لأستشير، وَإِنِّي لأحب مَعَ طيب لخير، وَحسن المنظر، وَإِنِّي لأعشقُ الْبَهَاء كَمَا تتعشقُ الْمرْآة الحسناءُ، وَإِنِّي مَعَ ذَلِك لأدخُل دَارك فأحقر كل شَيْء فِي دَاري. فَمَا العلةُّ؟ قَالَ: أَو مَا تعلمُ؟ قَالَ لَا. قَالَ لِأَنِّي أقدَمُ عني مِنْك. كَانَ نقش مُحَمَّد بن داودَ الجرْاح: من نمٍّ إِلَيْك نمِّ عَلَيْك. قَالَ مُسلم بن الْوَلِيد: سَأَلت الْفضل بن سهل حَاجَة. فَقَالَ: أشوقك الْيَوْم بالوعد، وأحْبوك غَدا بالإنجاز، فَإِنِّي سَمِعت يحيى بن خَالِد يَقُول: المراعيد شبكةٌ من شباك الْكِرَام، يصيدون بهَا محامدَ الْأَحْرَار وَلَو كَانَ المعْطي لَا يَعدُ، لارتفعت مفاخرُ إنجاز الوَعْد، ونقَص فضل صدق الْمقَال. ووقَع الْفضل إِلَى تَمِيم بن مخرمَة الْأُمُور بِتَمَامِهَا، والأعمال بخواتيمها، والصنائع باستدامتها، وَإِلَى الْغَايَة مَا يجْري الجَواد، فهناك كشفت الْخِبْرَة قناع الشَّك، فحمِد السَّابِق، وذمِّ السِّاقط. كَانَ يحيى بن خَالِد: يَقُول لسْتَ ترى أحدا تكبِّر فِي إِمَارَة إِلَّا وَقد دَل على أَن الَّذِي نَالَ فَوق قدره، ولسْت ترى أحدا تواضع فِي الْإِمَارَة إِلَّا وَهُوَ فِي نَفسه أكبر مِمَّا نَالَ من سُلطانه. احْتَاجَ يحيى فِي الحَبْسٍ إِلَى شَيْء فَقيل لَهُ: لَو كتبتَ إِلَى صديقك فلَان فَقَالَ: دعُوه يكن صَديقاً. وَحضر الْفضل بن الرّبيع جَنَازَة ابْن حمدون بعْدَ نكبة البرامكة، فذكرَهم، وأطراهم، وقرظهم، وَقَالَ: كُنَّا نعتب عليهمْ، فصرنْا نتمنِّاهمْ وتبكي عليهمْ، ثمَّ أنْشد متمثلاً. عتبتُ على سلم فلَّما فقدْتُه ... وجريت أَقْوَامًا بَكَيْت على سَلم

قَالَ الْفضل بن سهل: رَأَيْت جملَة السخِّاءِ حسن الظَّن بِاللَّه، وَجُمْلَة الْبُخْل سوء الظنِّ بِاللَّه، وَقَالَ الله تَعَالَى: الشَّيْطَان يعدُكم الفقرَ. وَقَالَ: " وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلف " احْتِيجَ أَن يكْتب على المعتضد كتابٌ يشْهد عَلَيْهِ فِيهِ العُدول، وفلما عُرضت النُّسْخَة عَن عبيد الله بن سُلَيْمَان، وَكَانَ ابْن ثوابة قد كتبهَا كَمَا يكْتب فِي الصكاك فِي صِحَة عقله، وجَواز أمْره لَهُ وعليْه، فضرَب عليْه عبيد الله وَقَالَ: هَذَا لَا يجوز أنْ يُقَال للُخليفة، وَكتب: فِي سَلامَة من جسْمه، وأصالة من رَأْيه. قَامَ رجلٌ إِلَى الرشيد يحيى بنُ خَالِد يسايره فَقَالَ: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ أَنا رجلٌ من المُرابطة وقدْ عطبتْ عابتي. فَقَالَ: يعْطى ثمن دابّته خمْسمائة دِرْهَم. فغمزه يحيى، فَلَمَّا نزل، قَالَ يأبَهُ. أَوْمَأت إِلَيّ بِشَيْء لم أفهمهُ. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. مثلُك لَا يجْرِي هَذَا المقدارُ على لسانهِ، إِنَّمَا يَذكر مثلُك خَمْسَة آلَاف ألفٍ إِلَى مائةِ ألف. قَالَ: فَإِذا سُئِلتُ مِثل هَذَا، كَيفَ أقولُ؟ قَالَ: تقولُ: تُشتَرى لَهُ دابّةٌ: يُفْعَل بهِ مَا يُفْعلُ بأمثاله. لما صَار نعيم بن حَازم إِلَى الْحسن بن سهل أقبل يَقُول: ذَنبي أعظمُ من الْمسَاء، أكثرُ من المَاء. فَقَالَ الحسنُ لَهُ: لَا عليكَ. تقدمتْ لَك خِدمة، وتوسّطت مِنْك طاعةٌ وعقِّبتَ باعتذار، وَمَا للذنبِ بَين هَذِه مَقَر، وَلَيْسَ ذنبُك فِي الذنوبِ بأعظمَ من عفْو أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الْعَفو، وَأصْلح أمره. دخلَ الأصْمَعي إِلَى الحسنِ بن سَهْل فَقَالَ: يَا أصمعي: مَا أحْسنُ الكَلامِ؟ فَقَالَ: أصلح الله الأميرَ. مَا فَهمتْهُ العامةُ، وقدمته الْخَاصَّة. قَالَ رجلٌ لعبد الحميد أخُوكَ أحبُّ إليكَ أم صديقُك؟ قَالَ: إِنَّمَا أحِب أخي إِذا كَانَ صديقا. قَالَ ثُمامةُ: لما دخل الفضلُ بنُ سهل إِلَى الرشيد - وَقد وصفهُ لهُ يحيى بنُ

خَالِد - حضر فَلم ينْطق، فَأنْكر الرشيدُ ذَلِك، فَقَالَ: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ: إنَّ من أبيْنَ الدلالةِ على فراهةِ الخادِم شِدّةُ إفراطِ هيبتهِ لسَيِّده، فَقَالَ الرشيد: أحْسنت، إِن كنت لتقولُ هَذَا، وَإِن كَانَ هَذَا شَيْئا أدركك عِنْد انقطاعك، إِنَّه لأحسنُ وأحسنُ وأحسنُ، ثمَّ ضمهُ إِلَى المَأمون. وَقَالَ الْفضل بن سهل: الرَّأْي يَسُدّ ثُلمَ السَّيْف، وَالسيف لَا يسُد تُلَم الرَّأْي. قَالَ ابنُ الزيَّات الْوَزير: لَا يتصورنًّ لَك التواني بِصُورَة التوكُّل، فتخلدَ إِلَيْهِ، وتُضيع الحْزمَ، فَإِن الله وَرَسُوله أمرا بِغَيْر ذَلِك، قَالَ الله تَعَالَى: وشاروهْم فِي الْأَمر فَإِذا عزمْت فتوكل على الله، فَجعل التَّوَكُّل بعد الْعَزْم، والمشورةِ. وَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لصَاحب الناقةِ: اعقلها وتوكّل. قَالَ رجلُ لِعبيد الله بن سُلَيْمَان: لَو كَانَ للوزير بِي عنايةٌ مَا كَانَ عَليّ نابي الطّرف، وَلَا كنتُ من دركي مِنْهُ على حرف، فَقَالَ عبيدُ الله: أَيهَا الرجل. على رسْلِك، فَعَسَى نَظَرِي لَك فِي الْإِعْرَاض عَنْك، وَلَعَلَّ اُستصلاحي إيُاك بالانقباض مِنْك ثق باهتمامي بك إِلَى أوَان إسعافك، فَإِن تقربُّك إِلَيّ بتعريضكِ أجلبُ للنيل إِلَيْك مِن تباعدِك عني باقتضائك. وَأعلم أَنِّي وَزِير. وقّع ابنُ الزيات إِلَى بعْض عماله: توهمتُك شهماً كَافِيا، فوجدتك رسْماً عافياً، لَا محامياً وَلَا واقياً. أخبرنَا الصاحبُ - رحمهُ الله - قَالَ: أخبرنَا عبدُ الله بنُ مُحَمَّد الأيجي قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحسن الْأَزْدِيّ. قَالَ أخبرنَا أَبُو حَاتِم سهل بن مُحَمَّد السجسْتانِي قَالَ: ورد علينا عاملٌ من أهل الْكُوفَة، لم أر فِي عُمَّال السُّلْطَان بِالْبَصْرَةِ أبرَعَ مِنْهُ، فدخلتُ مُسلما عَلَيْهِ. فَقَالَ: يَا سجستاني مَن عُلَمَاؤُكُمْ بِالْبَصْرَةِ؟ قلت: الزيَادي أعلمنَا بِعلم الْأَصْمَعِي، والمازني أعلمنَا بالنحو، وهلالُ الرَّأْي من أفقهنا، والشاذكُوني من أعلمنَا بالحديثِ، وَأَنا - رَحِمك اللهُ - أنسبُ إِلَى علم الْقُرْآن، وَابْن الْكَلْبِيّ من أكتبنا للشروط. قَالَ: فَقَالَ لكَاتبه: إِذا كَانَ غَدا فاجمعهُم لي، قَالَ: فجمعنا فَقَالَ: إيكم الْمَازِني؟ قَالَ أَبُو عُثْمَان: هانذا يَرْحَمك الله، قَالَ هَل تُجزئ فِي كَفَّارَة الظِّهَار عتقُ عبدٍ أعورٍ؟ فَقَالَ الْمَازِني: لستُ صاحبَ

فقه. أَنا صاحبُ عَرَبِيَّة، فَقَالَ: يَا زيادي. كَيفَ تكتبُ كتابا بَين رجل وَامْرَأَة خَالعهَا على الثلاثِ من صَدَاقهَا؟ قَالَ: لَيْسَ هَذَا من علمي، هَذَا من علم هِلَال الرَّأْي. قَالَ يَا هلالُ: كم أسْند ابنُ عون عَن الْحسن؟ قَالَ: لَيْسَ هَذَا مِن علمي، هَذَا من علم الشاذكُوني، قَالَ: يَا شاذكوني. من قَرَأَ: " فتثبتُوا أَن تصيبوا قَالَ: لَيْسَ هَذَا من علمي: هَذَا من علم أبي حَاتِم. قَالَ يَا أَبَا حَاتِم: كَيفَ تكتبُ كتابا إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ تصف فِيهِ خصاصةَ أهل الْبَصْرَة وَمَا أصابُهم فِي الثَّمَرَة. وتسألُه لَهُم النظرَ والنظرة؟ فَقلت: لستُ - رَحِمك اللهُ - صَاحب بلاغة وَكِتَابَة: أَنا صاحبُ قُرْآن. فَقَالَ: مَا أقبحَ بِالرجلِ أَن يتعاطى الْعلم خمسين سنة لَا يعْرف إِلَّا فنَّا وَاحِدًا، حَتَّى إِذا سُئِلَ عَن غَيره، لم يُحل فِيهِ وَلم يُمِرّ، لَكِن عالمنا بِالْكُوفَةِ الْكسَائي لَو سئُل عَن كل هَذَا لأجاب. قَالَ يحيى بن خَالِد: مَا رَأَيْت شِريبَ خمر نزع، ولَّصا أقلع، وَصَاحب فواحشٍ رَجَعَ. وَقَالَ: مَا سقطَ غُبارُ موكبي على أحد إِلَّا أوجبتُ حقَّهُ. كتب أَبُو صَالح بن يزدَاد إِلَى جَعْفَر بن مَحْمُود: مَا زلتُ - أيدَّكَ الله - أَذمّ الدهرَ بذمك إِيَّاه، وأنتظر لنَفْسي وَلَك عقبَاه، وأتمنى زوَال حَال من لَا ذَنْب لَهُ إِلَى رَجَاء عاقبةٍ محمودة، تكون لَك بزوَالِ حالهِ، وَتركت الإعْذارَ فِي الطّلب على اختلال شَدِيد إِلَيْهِ، وضنَّا بالمعروفِ عِنْدِي إِلَّا عَن أَهله، وحبساً لشكري إلاّ من مُسْتَحقّه.

فوقعَ جَعْفَر: لم أوخر ذكرَك تناسياً لحقك، وَلَا إغفالاً لواجبك، وَلَا إرجاءً لِمُهمِّ أمرِك، وَلَكِن يرقَبتُ اتْساع الْحَال وانفساحَ الأعْمال لأخصِّك بأسْناها خطراً، وأجَلِّها قدْراً، وأعْودِها ينفعٍ عَلَيْك، وأوْفرها رزقا لَك، وأقربها مَسَافَة مِنْك، وَإِذا كُنت مِمَّن يحفرُهُ الإعْجال، وَلَا يتسعُ لَهُ الإمُهال، فسأختارُ لَك مَا يُشِير إِلَيْهِ الوَقت، وأقَدمُ النظرَ فِيهِ وأجعلُه أول مَا أمَضيه. قَالَ الحسنُ بنُ سهل: لَا يكسد رَئِيس صِناعة إِلَّا فِي شَرّ زمَان، وأخس سُلْطَان. اعتل ذُو الرّياستين بخُرَاسانَ مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ أبَلّ واستقلّ وَجلسَ للنَّاس فدخلُوا إِلَيْهِ وهنئُوه بالعافية، فأنصت لهمْ حَتَّى تقضي كَلَامهم، ثمَّ انْدفع فَقَالَ: إِن فِي الْعِلَل نِعماً لَا يَنْبَغِي للعقلاء أَن يجهلُوها، مِنْهَا تمحيصٌ للذنب، وتعريضٌ لثواب الصبْر، وإيقاظٌ من الغفلةِ، وإذكارٌ بالنعمةِ فِي حَال الصِّحَّة، واستدعاءٌ للتَّوْبَة، وحضًّ على الصدقةِ، وَفِي قَضَاء اللهِ وَقدره بعد الخيارُ. فَانْصَرف النَّاس بِكَلَامِهِ، ونسوا مَا قَالَ غَيره. كتب عَمْرو بن مسعدةَ: وَأَنا أحبُّ أَن يتقَّررَ عِندك أَن أملي فِيك أبعد من أَن أختلسَ الْأُمُور اختلاس من يرى أَن فِي عاجِلك عوضا من آجلِك، وَفِي الذاهبِ من يومِك بَدَلا من المأْمولِ فِي غدك. كتبَ ابْن الفراتِ على بن مُحَمَّد، وَمُحَمّد بنُ داودَ، وَمُحَمّد بنُ عبدون رقُعةً إِلَى الْعَبَّاس بنِ الحسنِ الوزيرِ يستزيدون فِيهَا، فَوَقع بخطٍ على ظهرهَا مَا حالكم حَال مستنيد، وَلَا فَوق مَا أَنا عليهِ لكم مِن مزِيد، فَإِن تكن الاستزادةُ من مَال فَهُوَ موفورٌ عليكُم، وَإِن نَكُنْ من رَأْي فالأعمالُ لكُم، ولي اسْمها، وَعلي عبُثُها، وثِقلُ تدبيرها وَأَقُول لعَلي بنِ مُحَمَّد من بينكمْ: مَا يطيقُ نَفسه تدللا واعتداداً أَمن بِؤُس كَانَت هَذِه الاستزادة أم من بطر النعمةِ، ودلالِ الترفة، ولي فِي أمرِ جماعتكم نظرٌ ينكشِفُ عَن قريب، حَسْبي، وحسبكم الله ونعمَ الحسيبُ -. قَالَ عبيد الله بنُ سُلَيْمَان: كنتُ أكتبُ بَين يَدي أبي سُلَيْمَان داودَ ابْن الْجراح فَقَالَ لي يَوْمًا: أصلحْ قلمَكَ، وأكتب أطالَ اللهُ بَقَاءَك، وأعزك، وأكرمَك، وَأتم نعمتَهُ عَلَيْك، وإحسانه إليكَ.

كُتبتُ الْوَكِيل - أعزّك اللهُ متصلةٌ بشُكرك، والضيْعةُ ضيْعَتُكَ، وكلُ ماتيهَ فِي أمرِها فموقعهُ يحسنُ مني وشُكري عليْه يتضاعفُ، وخطاباً فِي هَذَا الْمَعْنى. وَكَانَت هَذِه المخاطبةُ لَا يخاطبُ بهَا إِلَّا صاحبُ مصرَ أَو فَارس، فقلتُ: قد ابْتاعَ ضَيعةً بأحَدِ الموْضعين! ثمَّ أصْلح الْكتاب فَقَالَ: عنونْه إِلَى الرخجي وَكَانَ يتقلَّد النهرَوانَ الْأَوْسَط - ثمَّ رمى إِلَى كتابا لصاحبِ بريد، فقالَ: وَقع عَلَيْهِ. أنتَ أعزّك الله تقفُ على مَا تضمنُه هَذَا الكتابُ، وَلَئِن كَانَ مَا تضمنُه حَقًا لأفعلنَّ ولأصْنعنَّ. وخطاباً أغْلظ فِيهِ، ثمَّ قَالَ: عَنْوِنه للرخجي فعجبت من الكتابيْن. وفطن لما فِي نَفسِي فَقَالَ: أظنُّك قد أنكرْت الخطابيْن. هَذِه غايتي خدَمْتُها وَهَذَا حقُّ سلطاني استوفيتُه. وقعَ أبُو صَالح بنُ يزدادَ فِي وزارتهِ إِلَى عَامل خافهُ: لَيْسَ عَلَيْك بأسٌ مَا لم يكن مِنْك يأسٌ وَإِلَى آخر قد تجاوزتُ عَنْك وَإِن عدتَ أعدْتُ إِلَيْك، فاصْرفنهُ عَنْك. وَإِلَى آخرَ أدلَّ بكفاية: أدْللت فأضللت فاستصْغرْ مَا فعلت تَبلغ مَا أملت. خاصمَ أحمدُ بنُ يوسفَ رجلا بَين يَدي الْمَأْمُون وَكَانَ صفي المأمونُ إِلَيْهِ على أَحْمد فَعرف أحمدُ ذَلِك: فَقَالَ يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ إِنَّه يستملي من عَيْنَيْك مَا يلقاني بِهِ، ويستبينُ بحركتك مَا تجُنهُ لَهُ وبُلوغُ إرادتك أحب إِلَيّ من بُلُوغ أملي ولذةُ إجابتِك أثُر لدي من لَذَّة ظفري. وَقد تركتُ لهُ مَا نَازَعَنِي فِيهِ، وسَلمتُ إِلَيْهِ مَا طالبني بِهِ. فكشر ذَلِك المأمونُ لَهُ. كَانَ أحمدُ بن يُوسُف يكتبُ بَين يَدي الْمَأْمُون منهُ السكين فدفعَها إِلَيْهِ، والنصَابُ فِي يدهِ، فنظرَ إِلَيْهِ الْمَأْمُون نظر مُنكر، فَقَالَ: عَليّ عمْد فعلتُ ذَلِك، ليَكُون الحدُّ لأمير الْمُؤمنِينَ. فَعجب الناسُ مِن سُرْعةِ جَوَابه وشِدة فِطنتِه. قَالَ إبراهيمُ بنُ لعباس: واللهِ لَو وزُنت كلمة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمحاسن النَّاس لرجحَت وَهِي قولُه: " إنكُمْ لن تسعوا الناسَ بأموالكم فسعوهُم بأخلاقكُم ". هَذَا أَبُو عباد كَانَ كريمَ العهدِ، كثيرَ الْبَذْل، سَرِيعا إِلَى فعل الْخَيْر فطمسَ ذَلِك سوءُ خُلُقهِ، فَمَا نرى لَهُ حَامِداً.

وَقع ابنُ يزدَاد إِلَى عَامل: مَا بُين لنا مِنْك حُسنُ أثر، وَلَا يأتينا عَنْك سَار حبرٍ وَأَنت - مَعَ ذَلِك دائباً - تمدحُ نفسَك، وتصف كفايتك والتصفحُ لأفعَالِكَ يكذبُك، والتتبُّع لآثارك يردُّ قولَك، وَهَذَا الفعلُ إِن اتكلتَ عَلَيْهِ، وأخلدتَ إِلَيْهِ، أعْلقكَ الذّمَّ، وألحقكَ الْعَجز، فليكُن رائِدُ قولِك مصدِّقاً لموجودِ فِعْلِكَ إِن شَاءَ اللهُ. قَالَ أَبُو العْيناء: سمعتُ الْحسن بن سهل يقولُ: كانَ أنُوشروانَ لَهُ أَرْبَعَة خواتيمَ: خاتمٌ للخَراج، نَقشُه العدْلُ، وخاتمٌ للضّياه نقشهُ العمارةُ، وخاتمٌ للمعونةِ نقشُه الأناةُ، وخاتمُ للبريد نقشُهُ الرجاءُ، وَمَا نحنُ مِن هَذَا فِي شَيْء. اعتل بعضُ إخْوَان الْحسن بن سهل، فَكتب الحسنُ إِلَيْهِ: أجدني وَإِيَّاك كالجسم الواحِدِ إِذا خص عضوا مِنْهُ ألمٌ عمَّ سائِرَه فعَافاني الله بعافيتِك وأدام لي الإمتاع بك. كتب مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات إِلَى إبراهيمَ بن الْعَبَّاس الصُّولي: قلةُ نَظرك لنفسِكَ حرَمتك سَناء المنزلةِ، وإغفالُك حظَّك حَطَّكَ عَن أعْلى الدرجَة، وجهلُك بِقدر النِّعْمةِ أحلَّ بكَ البأُس والنِّقَمةَ حَتَّى صرتَ من قُوّة الْأَلَم معْتاضاً شِدّةَ الوَجَل، وَمن رجاءِ الغدِ متعرِّضاً يأْسَ الأبَد، وركبتَ مطيَّة المخافةِ بعد مَجْلس الْأَمْن والكرامةِ، وصرتَ معرَّضاً للرحمة بَعْدَمَا تكنَّفتْك الغبطةُ. وَقد قَالَ الشَّاعِر: إِذا مَا بدأتَ أمرأ جَاهِلا ... ببرٍّ فقصرَ عَن جهلِه ولمْ ترهُ قَابلا للجميل ... وَلَا عَرفْ الْفضل من أَهله فسِمهُ الهوانَ فَإِن الهوان ... دواءُ لذِي الْجَهْل مِنْ جُهله قد فهمتُ كتابك، وإغراقَك، وإطنابك، وَإِضَافَة مَا أضفتَ بتزويق الْكتب بالأقلام، وَفِي كِفَايَة الله غنى عَنْك يَا إبراهيمُ، وعِوضٌ مِنْك، وَهُوَ حَسُبنا وَنعم الْوَكِيل.

قيل ليعقوبَ بن دَاوُد: لم لَا تسمع الغناءَ؟ قَالَ: يحلّ عُقدةَ حلمي. ذكر الْفضل بن الرّبيع يَوْمًا الْأمين، فَقَالَ: ينَام نومَ الظربَان، وينتبه انتباه الذِّئْب. همَّتُه بطنُه ولذتُه فُرْجَة لَا يفكرِّ فِي زَوَال نعْمَة وَلَا يروي فِي إِمْضَاء رَأْي وَلَا مكيدة، قد شمر لَهُ عبد الله عَن سَاقه، وَفَوق لَهُ أسَدًّ أسْهمه، يرميه على بُعد الدَّار بالحَتْف الفاقدِ، والإوت القاصدِ قد عبأ لَهُ المنايا على متُون الْخَيل، وناط لَهُ البلايا بأسنة الرماح وشِفار السُّيوف، ثمَّ تمثَّل بِشعر البعيث: يقارعُ أتراكَ ابنِ خاقانَ ليله ... إِلَّا أنْ يَرى الإصباحَ لَا يتلعثم فَيُصْبِح مِنْ طول الطَّرادِ وجسمه ... نحيل وأضحى فِي النَّعيم أصِمَّم فشتَّان مَا بيني وَبَين ابْن خَالد ... أميةَ فِي الرِّزق الَّذِي اللهُ يقسَّم ثمَّ قَالَ يَا أَبَا الْحَارِث: ونحْنُ نجري إِلَى غَايَة إِن قَصرنَا عَنها ذُممْنا، وَإِن اجتهدَنا فِي بُوغها انقطعْنا. وَإِنَّمَا نحنُ شعب من أصْل إِن قوي قوينا، وَإِن ضعف ضعُفْنا. إِن هَذَا الرجل قد ألْقى بِيَدِهِ إلقاءَ الأمةِ الوكعاءِ، يُشاورُ النساءَ ويعْتزم على الرُّؤْيَا، قد أمْكن أهل الخسَارة واللَّهو من سَمْعه. فهم يمنُّونهُ الْفَوْز والظَّفر ويعدونُه عُقبى الْأَيَّام. والهلاكُ أسْرع إليْه من السَّيْل إِلَى قيعان الرَّمْل. ذكر سليمانُ بن وهب أحمدَ بن أبي دَوْاد وإحسانه إِلَيْهِ حِين نكبهُ الواثقُ، فقالَ لما جَار علينَا بالنكبة الزمانُ، وجَفانا من أجْلها الإخوانُ، أنصفنا ابنُ أبي دواد مِنهم بتفضُّله، وكفانا الْحَاجة إِلَيْهِم بتفقُّدِهِ، فكأنا وإياهُ كَمَا قَالَ الحطيئة. جاورتُ أل مقلَّد فوجدْتُهم ... إِذا لَا يكادُ أخُو جوَار يُحمَدُ ايامَ مَن يُرِدِ الصَّنيعةَ يصْطِنعْ ... فِينَا وَمن يُرد الزَّهادَة يزهدُ كتب عَليّ بنُ عِيسَى بن ماهان إِلَى الرَّشيد كتابا يقولُ فِيهِ: إنَّ البرامكة زنادقةٌ، وَكَانَ لهُ فيهمْ بُعْدُ رأى فَدفع الْكتاب إِلَى جَعْفَر وَقَالَ علمي بِقَصْدِهِ إيَّاكُمْ

يزِيل مَا كتب بِهِ فأجبه جَوَابا جميلاً، فَقَالَ جَعْفَر: وَالله يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ، مَا نَدْرِي على أَي الْحَالَتَيْنِ نشكُرك؟ أَعلَى إعلامك إيانا بِمَا كَانَ، أم على تجاوزك عمَّا قَالَ. ثمَّ وقَّع فِي كتاب عَليّ بن عِيسَى: حبب اللهُ إِلَيْك الوَفاء فقد أبغضُتَهُ، وبغّض إِلَيْك الغدْر فقدْ أحبْبته إِنَّا وَإِن جرَت الأمورُ بِخِلَاف مَا نحب مِنْك فَلَنْ نبْعُد عمَّا نحبُّ لَك، وَفِي كثير إحسانك عندنَا مَا يعفِّى على قَلِيل إساءتك وَقد نَسِينَا هَذِه عَن لمْ تذكِّرْناها بأخت لَهَا. وَالسَّلَام. عتب أَحْمد بنُ خَالِد على أَحْمد بن هِشَام فِي أَمر كَانَ بينُهما فَاعْتَذر إِلَيْهِ، فَقَالَ ابنْ أبي خَالِد: لَا اقبلْ لَك عُذراً حَتَّى أَتَى إِلَيْك. فَقَالَ: وَالله لَئِن فعلت لَا استعَدْيتُ عليْك إِلَّا ظُلمك، وَلَا أطمعني فِيك إِلَى بغْيُك. قَالَ الفضلُ بن يحيى لبَعض المتحرِّمين بِهِ: أعْتَذر إِلَيْك بِصَالح النِّيَّة، وأحتجُّ عَلَيْك بغالب الْقَضَاء. وَكتب إِلَى عَامل لَهُ: بئسَ الزادُ إِلَى الْمعَاد العدوانُ على الْعباد. وَقَالَ لرجلٍ استْبطأ عنْدَهُ الرشيدَ - وَكَانَ منْ أهل بيْته - إنَّما شغلَ عَنْك أميرَ الْمُؤمنِينَ حُقوقُ أهل الطَّاعَة دُونك، وَلَو قد فرغ فيهمْ إِلَيْك لم يُؤثر مَن دُونك عَلَيْك. فَقَامَ أَبوهُ يحيى، فقبَّل رأسَه. كتب محمدُ بن عبد الْملك إِلَى عبد الله بن طَاهِر: لَو لم يْكن من فضل الشُّكر إِلَّا أنَّه يُرى بَين نعْمَة مَقْصُورَة عَلَيْهِ أَو زِيَادَة منتظرة، فَقَالَ: عبدُ الله لكَاتبه: كَيفَ ترى. مَسْمع هَاتين الْكَلِمَتَيْنِ؟ فَقَالَ: كأنهُمَا قُرْطان بَينهمَا وجَهٌ حسنٌ. رَقع جعفرُ بنُ يحيى على ظهر كتاب لعَلي بن عِيسَى: حبب الله إِلَيْك الْوَفَاء - ياخي - فقد أبغضته، وَبَعض إِلَيْك الغَدْر فقد أحببته. إِنِّي نظرت فِي الْأَشْيَاء لأجدَ فِيهَا مَا يُشبُهكُ. فَلَمَّا لمْ أجدْ رجتُ إِلَيْك فشَّبهتُك بك. وَلَقَد بَلغ من حسْن ظَنك بالأيَّام أَن أمنت السلامَة مَعَ البغْي، وليَس هَذَا من عَادتِها. قَالَ يحيى بنُ خَالِد: ذُلُّ العَزْل يضْحَكُ مِنْ تيهِ الْولَايَة.

وَقَالَ الفضلُ بنُ مَرْوَان: إنَّ الكاتِب مثلُ الدُّولاب إِذا تعطَّل تكَّسرَ. قَالَ المأمونُ لأحمدَ بن يوسُف: إنَّ أصْحَاب الصَّدقاتِ تظلموا مِنْك، فَقَالَ: يَا أميرَ المؤْمنين وَالله مَا رضى أصحابُ الصدقاتِ عنْ رَسُول اللهِ صلى الله عليهُ وسلَّمَ حَتَّى أنزل اللهُ فيهم: " ومنهمْ مَن يَلمزُك فِي الصَّدقات فَإِن أعْطُوا مِنْهَا رَضوا، وَإِن لمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذا همْ يسْخطون فَكيف يرضوْن عني؟ فاسْتضْحك المأْمونُ، وَقَالَ لهُ: تأمَّل أحُوالهُم، وأحْسن النَّظرَ فِي أمرهمْ. قَالَ أَحْمد بن الخصيب للمنتصر: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ: إنَّ الناسَ قد نسبوا إِلَيْك مَا نسبوا واستفَظعوا ذَلِك، فَأَنت كَمَا قَالَ الشَّاعِر: وذنبي ظاهرٌ لَا ستر عنهُ ... لطالبه وعذري بالمغيبِ فأحسنْ إِلَى النَّاس يُحبُّوكَ، وأفْشِ فيهْم العدْل يحمدوك، وَلَا تُطْلِق لغيرْك عَلَيْهِم لِساناً وَلَا بدا فيَذمُّوك. قَالَ أبُو عبَّاد. مَا جَلَسَ أحدٌ بَين يَدي إِلَّا تمثَّل لي أَنِّي سأجلس بَين يدْيِه. قَالَ الحسنُ بنُ وهب: كَاتب رئيسَكَ بِمَا يستحقُّ. وَمَا دُونك بِمَا يسْتَوْجب، وَكَاتب صديقك كَمَا تكاتب حبيبَك، فإنَّ غزل المودَّة أدقُّ من غزل الصَّبَابة. قَالَ إبراهيُم بن الْعَبَّاس: السُّلْطَان كالثعبان وَنعم الرُّشا ألذُّ شيءٍ. قَالَ عبيد الله بن سُلَيْمَان: أستؤذن لنجاح بن سَلمَة عَلي أبي، وَكَانَ بَينهمَا ذَلِك التباعدُ فَقَالَ أبي: يَا بني تفقَّدُه إِذا دَخل، فَانْظُر، فَإِن نظر إِلَى مَا بَين يَدَيْهِ فَلم يأْت لخلَّة. وَإِن نظر إِلَى السَّقف، فَعرفنَا مَا عِنْده. كتب كاتبٌ لرجاء الحصَارى كتابا عَنهُ فلمَّا عَنونه، كتب مِنْ أبي فلَان. فَقَالَ لَهُ رجاءٌ: لمَ كنيت: من أبي؟ فَقَالَ: هَو أجلُّ لَك. وَالسُّلْطَان إِذا عظم قدْر رجل ذكره بالكنية فَيَكْفِي ذَلِك الرّجل. فَقَالَ لَهُ: السُّلطان أولى بِمَا يَفْعَله، ولكنَّك نسْبتني إِلَى أسفلَ، وَإِنَّمَا ينتسب الناسُ إِلَى فوقَ. وَيحك؟ كل شَيْء تضمُّه إِلَى أَب وَابْن فإنِّما تذكُره للتعريف، ولأنْ أعرف بِأبي أحبُّ إِلَيّ من أَن أعرَف بابْني. أكتب من فلَان ابْن فلَان.

وَلي الرشيدُ عَاملا خراجَ طَساسيج السَّواد، فَقَالَ لجَعْفَر ويحْيى: أوْصياه. فَقَالَ جعفرٌ: وفِّرْ واعْمُر. وَقَالَ يحيى: أنصِفْ وانتصف. وَقَالَ الرشيدُ يَا هَذَا: أحْسِنْ واعْدل. ففضَّل الناسُ كَلَام الرَّشيد. فَقيل لَهما: لمَ نقصَ كلامكما عَن كَلَامه؟ فَقَالَ جعفرٌ: لَا يعتدُّ هَذَا نُقْصَانا إِلَّا مَن لَا يعرف مَا لنا وَمَا عَلينا. إِنَّمَا أمَرْنا بمَا عليْنا أَن نأْمَر بِهِ، وأمير الْمُؤمنِينَ بِمَا لَهُ أَن يأْمرَ بِهِ؟ قَالَ رجلٌ ليحيى بن خَالِد - وَكَانَ مِنْ صنائعهِ: إِنِّي سمعتُ الرشيدَ وَقد خرجتَ من عندهِ يقولُ: قَتلنِي اللهُ إنْ لمْ أقْتلْك، فاحْتلْ لنفِسكَ. فَقَالَ: اسْكُتْ يَا أخي، إِذا جاءَ الإدبارُ كَانَ العطبُ فِي الحيلةِ. وأمَرَ يحيى كاتبيْن من كُتَّابهِ أَن يكتُبَا كتابا فِي معنى وَاحِد، فكّتبا، واخُتصَر أحدهُما، وأطَال الأخُر، فلّما قَرَأَ كتاب المختصِر، قَالَ: مَا أجدُ مَوْضع مَزيد. ثمَّ قَرَأَ كِتاب المطيلِ، فَقَالَ: مَا أجدُ موضِع نُقْصان؟ اعتذر رجلٌ إِلَى أبي عبد الله، فَلَمَّا أبْرم قالَ: مَا رَأيتُ عُذْراً أشْبَه باسْنِنان ذنبٍ من هَذَا. قَالَ بعضُهم الإبنِ الزياتِ: أَنا أمت إِلَيْك بجِوَاري لَك، وأرغبُ فِي عَطفك. فَقَالَ: أمَّا الجوارُ فنسبٌ بني الحِيطانِ، وأمّا العَطفُ والرقةُ فهُما للصبيانِ وَالنِّسَاء. وناظَره رجل فصَالحهُ على مَال، فَقَالَ لَهُ: عجَّل بِهِ. فَقَالَ الرجلُ. . أظُلمّ وتعجيلٌ؟ قَالَ: فصُلحٌ وتأْجيل؟ قيل ليحيى بن خَالِد: غيِّر حاجَبك. قَالَ: فمْن يعرف إخْوَانِي القُدماء؟ قَالَ عُبيد الله بن عبد الله بن طَاهِر: أَتَانِي كتابُ المعْتز، وكتابُ أحمدَ بن إسْرائيل. مَع رَسُول، ومعهُ رَأس بغُا. وَفِي الكُتُب أَن أنصِّبَهُ عَلى الْجَانِبَيْنِ، فلمْ أفَعل وكتبتُ إِلَى أحمدَ بن إِسْرَائِيل: قد أوجَب اللهُ عَليّ نُصح أَمِير الْمُؤمنِينَ من جهاتٍ: مِنها مَا تقتضيِه الدِّيانةُ، وتوجُبُهُ الإمامةُ، ومنْها اصطناع آبَائِهِ لخدمهمْ من أسْلافي، وَمِنْهَا اخْتِصَاصه إيَّايَ بجميل رأيهِ، وَمَعَ هَذَا فلمْ أكْن لأوخّر عَنك رَأيا مَعَ مَا أَنا علية من المناصَحةِ والشُّكر. وإنّ الكُتُب وَردت عَليّ بِنصب رأسِ بُغا فِي الجانِبيْن، وَقد أخرت ذَلِك حَتَّى يعودَ إِلَى الأمرُ بِمَا أعملُ عليْه وبُغا فقدْ علمْتُ

أنَّه عَدَوُّ أَمِير الْمُؤمنِينَ وعدوّك وَقد أراحَ اللهُ منهُ حيثُ لم تتَهمْوا فِيهِ، وأخافُ أَن تتبعَكُم الأتراكُ عِنْد أوَّل شَغْبة بِهِ، ويطالبوكم بدمِهِ. ويجعلُوا ذلكِ ذَرِيعَة إِلَى إِيقَاع سُوءٍ، وَكَانَ الصَّوَابُ عِنْدِي أَن يغسِلهُ أميرُ الْمُؤمنِينَ ويُصَلِّي عليْه، ويدفنهُ ويُظهر حزنا، وَيَقُول: مَا أحِبُّ أَن يصَاب صغيرٌ مْنكم وَلَا كبيرُ، وَقد غمَّني أمْرُ بغا وَلَو وَصَل إِلَى لزدتُ فِي مرتْبِته، وَمَا يُشبهُ هَذَا. فوردَ على كتابُ أَحْمد بن إِسْرَائِيل يشكُر مَا كَانَ مني وَيحلف أنَّهُ سبقني إِلَى هَذَا الرَّأْي، واجتهدَ فيهِ، فَمَا أمْكنه إِلَّا أَن يفعل مَا فعَل، ولمْ يقبلْ قَوْله. وَفِي آخر كِتَابه. واعلمْ أنَّه قد حدث بعدَك وَهُوَ مِمَّا لَا نعْرفُه نحنُ، وَلَا أَنْت - رأيٌ للحُرَم والخدَم يُقبَل ويعملُ عَلَيْهِ، وَهَذَا فتح للخطأ وإغلاقُ للصوَّاب فانصب الرأسَ قَلِيلا، ثُمَّ أنفِذهُ إِلَى خراسَان. كُتب إِلَى جَعْفر بن يحيى أنَّ صَاحب الطَّرِيق قَدْ اشتطّ؟ َ فِيمَا يطلبُ من الْأَمْوَال، فوقّع جعفرٌ: هَذَا رجلٌ منقطعٌ عَن السُّلْطَان، وَبَين ذُؤبانِ العَرَب، بِحَيْثُ العددُ والعُدَّةُ، والقلوب القاسيةُ، والأُنوفُ الحميةْ، فليُمدَدْ من المَال بِمَا يستصلح بِهِ من مَعَه ليدفع بِهِ عدوَّه فغن نفقاتِ الحروب يُستَظهرُ لَهَا وَلَا يُستظهرُ عَلَيْهَا. وَأكْثر الناسُ شكيةَ عاملٍ فَوَقع إِلَيْهِ فِي قِصَّتهم يَا هَذَا قد كثر شاكُوك، وقلَّ حامِدوك، فإمِّا عدلتَ إمِّا اعتزلتَ. وَكَانَ يَقُول: إِن قدرتُم أَن تكُون كتبُكُم كلّها توْقيعات فافعلوا. كتب الفضلُ بنُ سهل فِي كتاب جَوَاب ساعٍ: وَنحن نرى أنَّ قبُول السِّعاية شرٌ من السّعَايَة، لأنّ السّعَايَة دلالةٌ، وَالْقَبُول إجازةٌ، فَاتَّقُوا السَّاعِي فَإِنَّهُ لَو كَانَ فِي سعَايته صَادِقا لَكَانَ فِي صدقِه لئيماً، إذْ لم يحفَظ الْحُرْمَة وَلم يسْتُر الْعَوْرَة. كَانَ يحيى بنُ خَالِد يَقُول: مَن تسبَّب إِلَيْنَا بشفاعة فِي عَمَل فقدْ حلِّ عندنَا محلَّ من ينهضُ بغيرِه، وَمن لم ينْهض بنفسهِ لمْ يكن للْعَمَل أَهلا. قَالَ ثُمامة: كَانَ جَعْفَر بن يحيى أنطق النَّاس، قد جمع الهُدوَّ والتمهُّل والجَزالة، والحلاوة، وإفهاماً بُغنيه عَن الْإِعَادَة، وَلَو كَانَ فِي الأَرْض ناطقٌ يَسْتَغْنِي بمَنطقهِ عَن الْإِشَارَة لاستغني جعفرٌ عَن الْإِشَارَة كَمَا اسْتغنى عَن الْإِعَادَة.

وَقَالَ مرّة: مَا رأيتُ أحدا كَانَ لَا يتحبَّسُ، وَلَا يتوقَّفُ، وَلَا يتلجْلج، وَلَا يرتقبُ لفظا قد استدعاه من بُعْدٍ، وَلَا يلْتَمس التخلُّصَ إِلَى معنى قد تعصى عَلَيْهِ، بَعْد طلبهِ لَهُ: مِن جعْفر بن يحيى. وَقَالَ: قُلتُ لجعْفر مَا البيانُ؟ قَالَ: أَن يكون الأسم يُحيطُ بمعناك، ويُجلِّي عَن مغزاك، ويُخرجه من الشّركة، وَلَا تستعينُ عَلَيْهِ بالكفرة. وَالَّذِي لَا بُد مِنْهُ أَن يكون سَليماً من التَّكَلُّف بَعيدا مِن المنعة، بَرِيئًا من التعقد، غَنِيا عَن التأْويل. قَالَ الجاحظُ: هَذَا هُو تأْويلُ قَول الأصْمعي: البليغ مَن طبَّق المَفصِل، وأغناك من المقسّر. كتب يحيى بنُ خَالِد إِلَى بَعضهم: قد حملَّتُ حَاجتي فلَانا لَا لأنَّ شُكري ضعُف عَن حَبْل أياديك، بل أحبْبتُ أَن يكون لي أعوانٌ على شُكرك وشهودُ على فضلِك. وَقَالَ لأبنْهِ. جعْفر: يَا بُني، مَا دَام قلمُك يعرفُ فأمْطِرهُ مَعْرُوفا وَكَانَ يحيى يَقُول: كَيفَ يلام الْمُلُوك على مَا يَفْعَلُونَ؟ وَإِذا أساءُوا وجدوا مَنْ يُزيِّن لَهُم سُوءَ مَا يعْملُونَ، ويزكي مَا يفْعلُون؟ وَقَالَ الفضلُ بنُ يحيى: الصبرُ على أَخ تعتِبُ عليْه خيْرٌ من أَخ تستأْنِفُ مودَّته. وَقَالَ أحمدُ بنُ يُوسُف: لَا تجوزُ قطيعةُ الصِّدِيق، وَلَا يُحمَلُ الْأَمر فِيهَا إِلَّا على واحدٍ من اثْنَيْنِ ليسَ فِي وَاحِد مِنْهُمَا عُذْرٌ: إمَّا سُوءُ اخْتِيَار فِي نفسِ الصَّداقةِ أوْ ملالٌ. قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بنُ سَعْد: كنتُ بَين يَدي عَليّ بن عِيسَى الْوَزير، فرأيتُ لَهُ أقْلاماً رديَّةً الْبري، فأصْلحتُها، فقالَ: يَا أبَا الحُسْين. عَلَيْك بالكتابةِ فهذهِ تجارةٌ. قَالَ الفضلُ بنْ سَهْل: مَنْ أحَّب الازديادَ من النعمةِ فليشكرْ، ومَنْ أحَبَّ الْمنزلَة عِنْد سَلُطانهِ فلْيكْفهِ، وَمن أحبَّ بَقَاء عِزّة فليُسقِطْ الدَالة. وَمن أحب السَّلامة فليلزم الحذر؟

الباب الثامن نكت مستحسنه للقضاه

الْبَاب الثَّامِن نكت مستحسنة للقضاة قَالَ شُريح: إنَّا لَا تَعِيبُ الشهودَ، وَلَا نلقِّن الخصومَ، وَلم نُسلَّط على أشْعاركم وأبْشاركم، إِنَّمَا نَقْضي بَيْنكُم، فَمن سَلَّم لقضائنا فَيِها، ومَنْ لَا، أمَرنْا بِهِ إِلَى السّجن. كتب الفضلُ بن الرّبيع إِلَى عبدِ الله بن سوَّار يسألُه أَن يَشْتَرِي لَهُ ضيعةٌ فَكتب إِلَيْهِ: إِن الْقَضَاء لَا يُدنَّس بالوَكالة. قَالَ الزّهري: ثلاثٌ إِذَا كُنَّ فِي القَاضِي فليسَ بقاض إِذا كره اللَّوائَم، وأحبَّ المحامد، وكَرهَ العَزْل. قَالَ أيُّوب: إِن مِن أَصْحَابِي مَنْ أَرْجُو دعوتَه، وَلَا أُجِيز شهادَته. وَقَالَ سوَّار: مَا أعُلمُ أحدا من أَصْحَابِي أفضلَ من عَطاء السُّلمي، وَلَو شَهد عنْدي عَليّ فَلْسين مَا أجَزْتُ شهادتَه - يذهبُ إِلَى أنَّه ضعيفٌ ليسَ. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة لَا يُجوِّز شهادةَ أَصْحَاب الْحمير.

وسُئل قَتَادَة عَن شَهَادَة الصَّيرفيَّ. فَقَالَ: لَا تَجوز شهادتُه. ولِيَ عبيدُ الله بنُ أبي بكرَة قضاءَ الْبَصْرَة فَجعل يُحاني الناسَ فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: وَمَا خيرُ رجل لَا يقطعُ لِأَخِيهِ مِن دينه؟ قَالَ شُرَيْح: الحِدَّةُ كنيةُ الْجَهْل. قَالَ ابنُ شُبُرمة لرجل: أتشربُ النبيذَ؟ قَالَ: أشربُ الرِّطلين وَالثَّلَاثَة فَقَالَ: وَالله مَا شربته شُرب الفِتْيان، وَلَا تركتَه ترك القُرآن وَقيل لهُ: لم تركت النَّبِيذ؟ فقالَ إِن كَانَ حَلَالا فحظي تركتُ، وَإِن كَانَ حَرَامًا فبالحزم أخذتُ. وسُئل شَريكٌ عَن النَّبِيذ. فَقَالَ: قد شربه قوم صالحَون يُفتدى بهم فَقيل: كَمْ أشربُ؟ قَالَ: مَالا يشْرَبُك. لما ولي يحْيى بنُ أَكْثَم قَضَاء البصْرة استصغروا سنْهُ، فَقَالَ لهُ رجلٌ كمْ سنُّ القَاضِي أعزَّهُ الله؟ فَقَالَ: سِنُّ عتاب بن أسِيْدِ حِين ولاهُ. رسولُ الله صلى الله عليهِ وَسلم مَكَّة، فَجعل جَوَابه احتجاجاً. ساوَم عُمرُ بنُ الخطّاب أعْرابيَّاً بفرس لَهُ فلمَّا قامَت عْلى ثمن أَخذهَا منهُ عمرُ أنهُ فِيهَا بِالْخِيَارِ، إِن رضى أمْسَك، وَإِن كره ردَّ، فَحمل عُمَرُ عليْها رجلا يُشوِّرُها فوقعتْ فِي بِئْر فتكَّسرت، فَقَالَ الْأَعرَابِي ضمنت فرسي يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ، قَالَ: كلاَّ، فَإِنِّي لمْ أرْضها. فَقَالَ الْأَعرَابِي فاجْعل بيني وَبَيْنك رجُلاً من الْمُسلمين. فَجعلَا بينهمَا شريحاً، فقصَّا عليهِ القصَّة، فقالَ شريحُ ضمِنْت يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ فرسَ الرجُل، لِأَنَّك أخذتَها على شيءٍ معْلُوم، فَأَنت لَهَا ضامِنٌ حَتَّى تردَّها عليْهِ، فَقبل ذَلِك عمر، وَبعث شريحاً على قَضَاء الكوفةِ. سُئِلَ شريكٌ عَن النبيذِ. فَقَالَ: اشربْ مِنْهُ مَا وَافَقَك، ودَعْ منهُ مَا جنى

عَلَيْك، وذُمَّه إِذا ذمَّهُ النَّاس، وَلَا نْصرُهُ، فبئْسَ المنْصورُ، واللهِ. سُئِلَ الشَّعْبيُّ عَنْ مَسْأَلة فَقَالَ: لَا عِلمَ لي بهَا. فَقيل: لَا تَسْتَحي؟ قَالَ: وَلم أسْتحي ممَّا لم يستحي منهُ الملائِكُة حِين قَالَ: " لَا علمَ لنا إِلَّا مَا علَّمْتنا؟ كَانَ شريحٌ يقولُ: مَنْ سَأَلَ حَاجَة فقد عَرض نَفسه على الرّقّ فَإِن، قَضَاهَا المسئولُ استبعدَهُ بهَا، وإنْ ردَّه عَنْهَا رَجَعَ حُراً، وهُمَا ذليلان: هَذَا بذُلِّ اللُّؤم، وَذَاكَ بذُلِّ الرَّدَّ. قَالَ بكارُ بن مُحَمَّد رأيتُ سَوار بن عبد الله - وَأَرَادَ أَن يحكمَ فَرفع رأسَهُ إِلَى الَّسماء وترقْرقتْ عيناهُ ثمَ حكم. وَكتب إِلَيْهِ الْمَنْصُور فِي مَال كَانَ لَهُ على سَلمَة بن سَعيدِ: لماَّ مَاتَ سَلمةُ وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْن للنَّاس وللمنصُور، وَكتب إِلَيْهِ: استوفِ لأمير الْمُؤمنِينَ دَيْنه، وَفرق مَا يبْقى الغُرمَاء. فَلم يلتفِتْ إِلَى كِتَابه، وضرَب للمنصور بِسَهْم فِي المَال كَمَا ضرب لوَاحِد من الغُرمَاءِ ثمَّ كتب إليهِ إِنِّي رأيتُ أميرَ الْمُؤمنِينَ غريماً من الغُرماء. فَكتب إِلَيْهِ: ملِئتِ الأَرْض بك عَدْلاً. قَالَ الهيْثم: مَا رأيتُ ابْن شُبْرمَة قطُّ. إِلَّا وهُو متهيئٌ، كَأَنَّهُ يُريد الرُّكوب، فذٌكرَ لَك لهُ - وَأَنا حَاضِرٌ - فَقَالَ: إنَّ الرَّجل لَا يستجمعُ لَهُ رَأْيه حَّتى يجْمَع علْيه ثيابَهُ، ثمَّ قَالَ: إنَّ رجلا من الْحَيّ كَانَ لَهُ شرفٌ، قَالَ لدَهْقان الفلّوجة يَا هَذَا؟ إِنَّمَا رُبَّما انتشرَ على أمرئ فِي الرَّأْي، فهلْ عِنْدَك مشهورةٌ؟ قَالَ: نعمْ احْتبِ وتهَّيأْ، والبَسْ ثِيَابك، ثمَّ اهمُمْ بِمَا تُرِيدُ فَهُوَ اجْمَعْ لرَأيك، فليسَ مِنْ أحد يفعلُ مثل ذَلِك إِلَّا اجْتمع لهُ رأْيُهُ. قَالَ الحسنُ بنُ قحْطبة: دخلتُ على المهدِي نفسهِ وقدْ دخل شريكٌ فسلّم فَقَالَ: لَا سَلَّم اللهُ عَليْك يَا فاسِقُ. فَقَالَ شريكٌ: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ، إنَّ الفاسِق

عَلَامَات تعرفُ: شرب الْخُمُور، واتخاذ الْقَيْنَات والمعازفِ، قَالَ: قتلني اللهُ إِن لم أقتلْك. قَالَ: ولِمَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: رأيتُ فِي الْمَنَام كأنِّي مُقبلٌ عليْك أكلِّمك وَأَنت تُكلِّمُنِي مِن قفاك. فَقَالَ لي المعبِّر: هَذَا رجلٌ يَطأُ بِسَاطك وَهُوَ مُخالِفٌ لَك. قَالَ شريك: إِن رؤْيَاك لَيست برؤْيا يُوسُف بن يعْقُوب. وإنَّ دِمَاءَ الْمُسلمين لَا تُستحلُّ بالأحْلام. فنكّسَ المهديُّ رأسَهُ، ثمَّ أَشَارَ إِلَيْهِ: أنِ اخُرجْ، فخرجَ وخرجتُ خَلفه. فَقَالَ لي: أمَا رَأَيْت مَا أرادَ صاحبُك أَن يفْعَل؟ فقلْتُ: اسكُتْ فلِلَّهِ أبُوك {} قَالَ ابْن شُبْرمُة لإياس بن مُعَاوِيَة: شكلي وشكلُك لَا يتفقان: أَنْت لَا تشْتهي أَن تسْكُت، وَأَنا لَا أشتهي أنْ أسْمَع. كَانَ طارقٌ صاحبَ شرطةِ خالدِ بن عبد اللهِ القسْري، فمرّ بابنِ شُبْرُمَة وَهُوَ فِي موْكبِه. فَقَالَ ابنُ شُبرمة: سَحابةُ صَيف عَن قَلِيل تقشَّعُ اللهُمَّ لي ديني ولهُمْ دُنْياهُم. فاستعْملَ ابْن شبْرمَة بعد ذَلِك الْقَضَاء. فَقَالَ لَهُ ابنهُ أَتَذكر قَوْلك يومَ مرِّ طارقٌ فِي موْكبهِ؟ فَقَالَ: يَا بُنَّي إنهمُ يجدُون مثل أَبِيك، وَلَا يجد مِثْلهُمْ أبُوك، إِن أباكَ أكل منْ حلوائِهم وحُطَّ فِي أهْوائِهم. قِيلَ لِشَرِيك: أَكَانَ مُعاوِيةُ حَلِيمًا؟ قَالَ: لَو كَانَ حَلِيمًا مَا سفَّهَ الحقَّ، وَقَاتل عليا. وَقَالَ: لَو كَانَ حَلِيمًا مَا حملَ أبناءَ العَبيد على حُرَمه، ولمَا أنْكح إلاَّ الأكْفاءَ. قَالُوا: وأصوبُ مِنْ ذَلِك قولُ الآخر: كَانَ معاويةُ يتعرَّضُ ويحلُم إِذا أسْمع، ومَن تعرَّض للسَّفه فَهُوَ سَفِيه. قيل للشعبيِّ: مَا أحسنَ البراعة فِي الإماءِ! فَقَالَ: تورُّد ماءِ الْحيَاء فِي وَجه الحُرِّ أحسنُ.

دخل شريحٌ على بعض الأُمراء، فَقَالَ الأميرُ: يَا جَارِيَة، هَاتِي عوداً. فَجَاءَتْهُ بعُود يضْرب. فَلَمَّا بصُر بِهِ الأميرُ خَجل، وَقَالَ: نِعْم هَذَا أُخذ البارحة مَعَ إِنْسَان فِي الطَّوف. اكسروهُ. ثمَّ صَبر قَلِيلا، وَقَالَ: يَا جاريةُ. هَاتِي عوداً للبخورِ. فَقَالَ شُرَيح: أتخافُ أَن تغلطَ مرّة ثَانِيَة؟ ؟ شهد رجلٌ من جلسان الْحسن بِشَهَادَة عِنْد إِيَاس بن مُعَاوِيَة، فردّه، فَشَكا الرجلُ ذَلِك إِلَى الحَسن. فَأَتَاهُ الْحسن فَقَالَ: يَا أَبَا واثِلةَ، لم ردَدْتّ شَهَادَة فلَان؟ فَقَالَ: يَا أَبَا سعيد، إِن اللَّهَ يَقُول " مِمَّن ترضوْن مِن الشُّهَدَاء " وَلَيْسَ فلَان مِمّن أرْضى. وَشهد عِنْد عُبيدِ الله بن الْحسن رجلٌ من بني نهْشل على أَمر، فَقَالَ لَهُ: أترْوي قَول الأسْود بن يعْفر: نَام الخلِيُّ فَمَا أحِسُّ رُقادي فَقَالَ لَهُ الرجل: لَا. فَقَالَ: تُردَّ شهادتُه. وَقَالَ: لَو كَانَ فِي هَذَا خيرٌ لروَى شرف أهلِه. جَاءَ رجلٌ إِلَى شُرَيْح فكلَّمه بِشَيْء، وأخفاهُ. فَلَمَّا قَامَ قَالَ لَهُ رجل: يَا أَبَا أميَّة، مَا قَالَ لَك؟ قَالَ: بِابْن أخي. أَو مَا رَأَيْته أسَّرهُ مِنْك؟ كَانَ شُرَيْح عِنْد زِيَاد - وَهُوَ مَرِيض - فلمَّا خرجَ مِن عِنْده أرسل إِلَيْهِ مسروقُ بنُ الأَجدع رَسُولا وَقَالَ: كَيفَ تركت الأميرَ؟ فَقَالَ: تركتُه يأْمُر وَينْهى. قَالَ مَسْرُوق: إِنَّه صَاحب عويص، فأرجع إِلَيْهِ وأسأَلْهُ: مَا يأْمر وَمَا ينْهَى؟ قَالَ: يأْمُر بِالْوَصِيَّةِ وَينْهى عَن النّوْح. وَمَات ابنُ لشريح فَلم يشْعر بِمَوْتِهِ أحدٌ، وَلم تصرخ عَلَيْهِ صارخةٌ، فَقيل لَهُ: يَا أَبَا أميّة، كَيفَ أَمْسَى ابنُك؟ قَالَ: سكن علزه ورجاهُ أَهله. وَمَا كَانَ مُنْذُ اشْتَكَى أسكن من اللَّيْلَة.

حكى عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: شهدتُ شريحاً، وجاءته امرأةٌ تخاصم زوجَها، فأَرسلتْ عينيها، فَبَكَتْ. فقلتُ: يَا أَبَا أميَّة، مَا أَظن هَذِه البائسة إِلَّا مظلومةً. فَقَالَ: يَا شعبيُّ، إِن إخْوَة يُوسُف جَاءُوا أباهم عشَاء يبْكُون. كَانَ شُرَيْح إِذا قيل لَهُ: كَيفَ أصبحْت يَا أَبَا أميَّة؟ قَالَ: أصبحتُ ونصفُ النَّاس غضابٌ. تقدم إِلَى شُرَيْح قومٌ فَقَالُوا: إنَّ هَذَا خطب إِلَيْنَا فَقُلْنَا لَهُ: مَا تبيعُ؟ فَقَالَ: أبيع الدوابَّ. فزوَّجَّناه، فَإِذا هُو يبيعُ السنانيرَ. قَالَ: أَفلا قلتُم لَهُ: أيَّ الدَّوَابّ من الدَّواب؟ وَأَجَازَ النِّكَاح. قَالَ الشعْبيُّ: كَانَ شريحٌ: يقولُ: إياكُمْ والجوابَ، فقُلنا لَهُ يَا أَبَا أميَّة. إنَّك لتكُثِر مِن هَذَا. قَالَ: قد آن لكُم أَن تَسلْوني. تقدمَ إِلَى رجلَانِ، فأكثرَ على أحدُهما، فقلتُ: أظنُّك ضَعِيفا؟ قَالَ: مَا عَلي ظنِّك خرَجتُ مِن أَهلِي، فكرهتُ أَن يَجِيء مِنْهُ غيرُ هَذَا فكففتُ عَنهُ. أَتَى عَدي بنُ أَرْطَاة شريحاً ومعهُ امرأةٌ لَهُ من أهل الْكُوفَة يخاصِمُها، فَلَمَّا جَلس بَين يَدي شُرَيْح. قَالَ عدي: أَيْن أَنْت؟ قَالَ: بَيْنك وبيني الحائظِ. قَالَ إِنِّي امْرُؤ من أهل الشَّام. قَالَ: بعيدٌ سحِيق. قَالَ: وإنِّي قدِمتُ الْعرَاق: قَالَ: خيرَ مَقْدم. قَالَ: وَقد تزوّجتُ هَذِه الْمَرْأَة. قَالَ: بالرِّفاءِ والبنين. قَالَ: وإنَّها ولدتْ غُلاماً. قَالَ: ليْهنِك الفارسُ. قَالَ: وَقد أردتُ أَن أنقلها إِلَى دَاري. قَالَ: الْمَرْء أحقُّ بأَهله. قَالَ: قد كنتُ شرطْتُ لَهُ دارها. قَالَ: الشرطُ. أمْلكُ. قَالَ: أقض بيْننا. قَالَ: قد فعلتُ. قَالَ: فعلى مَن قضيت؟ قَالَ: على ابنِ أمِّك.

انْصَرف شريحٌ يَوْمًا مِن مجْلِس القضاءِ، فلقيهُ رجلٌ، فَقَالَ: أمَا حَان لَك يَا شيخُ أَن تخَاف الله وتستحي،؟ قَالَ: وَيلك! مِن أَي شَيْء؟ . قَالَ: كَبرت سنُّكُ، وفسَد ذِهنُك، وكثرُ نِسيانُك، وادّهن كاتبك وارتشي ابنُك، فَصَارَت الأُمُورُ تجوزُ عَلَيْك. فَقَالَ: لَا واللهِ لَا يَقُولهَا لي أحد بعْدَك. واعَتزل عَن القضاءِ، ولزمَ منِزله: قَالَ الشَّعْبي: أصَاب متأَمِّلٌ أوْ كادَ، وأخطأَ مُسْتعجلٌ أَو كَاد. كَانَ شريحٌ فِي منزل القَضاءِ، فَنظرَ إِلَى رجل من أعوانه قائِمٍ، فَضَحِك فَقَالَ: أتضحك؟ وَيلك، وأنَا أتقلَّبُ بَيْنَ الجنَّة وَالنَّار. أَقَامَ رجلٌ شهوداَ عِنْد شُرَيْح فاستَحلَفه، فتلكَّأ، فَقَالَ لَهُ: سَاءَ مَا تثنى على شهودك. وقضَى شريحٌ بِالْكُوفَةِ سِتِّينَ سنة، ولاه عمرُ بن الْخطاب، وَبَقِي إِلَى أَيَّام الْحجَّاج. كَانَ رجلٌ يُقَال لَهُ خُنَيْس يجلس إِلَى الشعْبي، فتحدَّث الشَّعْبيُّ يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ خنيسٌ: أتَّق الله وَلَا تكذب. فَقَالَ لَهُ الشعْبيُّ: ويحكَ يَا خُنَيس مَا أحْوجَكَ إِلَى مُحَدْرَج شديدِ الفتل، ليِّن المَهزَّة، عَظِيم الثَّمَرَة، قد أخذَ مِن عَجْب ذَنَب إِلَى مغرز عنُق، فيوضَعُ على مِثل ذلِك منكَ، فتكثرُ لَهُ رقصَائُك من غير جَذل، قالَ: وَمَا هُوَ يَا أَبَا عَمْرو؟ قَالَ: هُوَ وَالله أمرٌ لنا فِيهِ أرَبٌ، ولَكَ فِيهِ أدبٌ. كَانَ لشريح حائِط مائِلٌ، فَقَالَ لَهُ جارٌ لَهُ: حائطُكَ هَذَا مائِلٌ. قالَ: لَا تُفَارقني أَو يُنْقَض. قَالَ: فنقضَهُ مِن سَاعَته. . فَقَالَ الرجلُ: لَا تعْجَل يَا أبَا أُميَّة. فذاكَ إليْكَ. قَالَ: بعْد أَن أشْهدتَ علَّي؟ قَالَ الشعبْي: وجَّهني عبد الْملك بنُ مَرْوَان إِلَى مِلك الرُّوم، فلماَّ قدِمتُ عَلَيْهِ ودَفعْتُ إِلَيْهِ كتاب عبد الْملك جعل يُسائِلُني عَن أشياءَ، فأُخبرُهَ بهَا، فأقمتُ

عِنْده أَيَّامًا، ثمَّ كتب جوابَ كتابي، فلمَّا انصَرفتُ رفعتُه إِلَى عبد الْملك فَجعل يَقْرَؤُهُ، ويتغَّير لونُه، ثمَّ قَالَ: يَا شعْبيُّ: علمتَ مَا كتب الطاغيةُ؟ قلتُ: يَا أميرَ المؤمنينَ. كَاتب الكتُبُ مختومةً وَلم لْم تكُن مختومةً مَا قرأتُها. وَهِي إليكَ. قَالَ: إِنَّه كتبَ: إنّ العجبَ من قوم يكُونُ فيهم مثلُ من أرَسَلتَ بِهِ إلىَّ فيملِّكون غيْرهُ. قَالَ: فقلتُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، ذَاك لأنَّه لم يركَ. قَالَ: فَسرِّىَ عَنهُ، ثمَّ قَالَ: حسدني علْيكَ، فأرادَ أَن أقْتلك. سَأَلَ رجلٌ الشَّعْبيَّ، قالَ: أتَشْرَبُ نبيذَ الجرِّ الأخْضر؟ قَالَ: نعمْ، وأشربُ نَبِيذ الدَّن. سَأَلَ رجلٌ الشعْبيَّ عَن رجل لَطم عيْن رجل فشرقتْ أوْاغرَوْقت: مَتى تقاد مِنْهَا. قَالَ الشّعبِيّ: قدِمتُ على عبدِ الْملك، فَمَا رأيتُ أحسن حَدِيثا مِنْه إِذا حدَّثَ، وَلَا أحسَن إنْصاتاً مِنْهُ إِذا حُدِّثَ، وَلَا أَعْلَم مِنْهُ إِذا خُولِفَ، وأخطأتُ عِنْده فِي أَربع: حَدثنِي يَوْمًا بِحَدِيث، فقلتُ: أعِدْهُ عَليّ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ: أمَا عَلمتَ انه لَا يُستعادُ أميرُ الْمُؤمنِينَ؟ وَقلت لَهُ حِين أذنَ لي عَلَيْهِ: أَنا الشعْبيُّ يَا أميرَ المؤمنينَ. فقالَ: مَا أدْخلنَاكَ حَتَّى عرفْناك. وكنَيتُ عِنْد رجلا فَقَالَ: أمَا علمتَ أَنه لَا يُكنْى أحدٌ عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ وسألتُه أنْ يكتبَني حَدِيثا. فَقَالَ: إنَّا نُكْتِبُ وَلَا نَكْتُب. لما أَخذ الحجاجُ الشّعبِيّ - وَكَانَ خرج عَلَيْهِ مَعَ ابْن الأشْعث، قَالَ: يَا شعبيُّ، ألمْ أرفع مِن قدرك، وبلغتُ بك شرف العطاءِ، وأوْفدتُك عَليّ أَمِير الْمُؤمنِينَ، ورضيتُك جَلِيسا لي ومحدِّثاً؟ قَالَ: بلَى. أصلح اللهُ الأميرَ. قَالَ: فَمَا أخرجك مَعَ ابْن الأشعثِ تُقَاتِلنِي على غير دين وَلَا دُنيا؟ فَأَيْنَ كنت مِن هَذِه الفِتنةِ؟ فَقَالَ: أصلح اللهُ الْأَمِير، أوْحش الجنابُ، وأحْزن بِنَا المنزلُ، واستشعرنا الْخَوْف، واكتحلنا السهر، وفقدنا صالِحَ الإخوان، وشملتنا فتنةٌ لم نَكُنْ فِيهَا بررةً أتقياءَ، وَلَا فجرةً أقوياءَ. فضحِك الحجاجُ، وَعَفا عَنهُ. قَالَ الشعبيُّ: مَنْ أمِن الثٌّقل ثقُل.

أسْمَع رجلٌ الشّعبِيّ كلَاما، وعدَّد فِيهِ خِصالاً قبيحةً - وَالشعْبِيّ ساكتُ - فَلَمَّا فرغ الرجلُ مٍِن كَلَامه، قَالَ: واللِّهِ لأغيظنَّ مَن أمَرك بِهَذَا إِن كُنت صَادِقا، فغفرَ اللهُ لي، وَإِن كنت كاذِباً فغفرَ اللهُ لكَ. قيل: يَا أَبَا عَامر: ومَن أمرهُ بِهَذَا؟ قَالَ: الشيطانُ. خطب رجل إِلَى قوم، فجاؤوا إِلَى الشّعبِيّ يسألونه عنهُ - وَكَانَ عَارِفًا بِهِ - فَقَالَ: هُوَ وَالله - مَا علمتُ - نافذُ الطَّعنِة، ركينُ الجلسةِ. فزوَّجوهُ، فَإِذا هُوَ خياطٌ. فأتوْهُ، فَقَالُوا. غدرتنا. فَقَالَ: مَا فعلتُ، وَإنَّهُ لَكمَا وصفتُ. وَقيل لهُ وَقد بنى بأهلهِ: كَيفَ وجدت أهلك؟ قَالَ: فلِم أرخيتُ السِّتر إِذن؟ لما قدم الشعبيُّ من الْبَصْرَة قَالُوا لَهُ: وَكَيف تركت إِخْوَاننَا من أهل الْبَصْرَة؟ قَالَ: تركُتهم قد سادَهُم مَوْلَاهُم، وَذَاكَ أَنه اسْتغنى عنهُمْ فِي دُنياهم واحْتاجُوا إِلَيْهِ فِي ديِنهم. يَعْنِي الْحسن الصريَّ. وَكَانَ الشّعبِيّ يقولُ: لَو كَانَت الشَّيعةُ من الطير لكانوا رخماً وَلَو كَانُوا من الدوابِّ لكانوا حَمِيراً. قَالَ العشبي: لَا تُقدِمُوا على أمْر تخافون أَن تقصِّروا فِيهِ، فَإِن الْعَاقِل يحجزُه عَن مَرَاتِب المُقدَّمين مَا يرى من فضائِل القصِّرين. وَلَا تعدُوا أحدا عِدَةً لَا تَسْتَطِيعُونَ إنجازها، فإنَّ الْعَاقِل يحجزه عَن مَحْمدة المواعيد مَا يرى مِن المذمَّة فِي الخُلْفِ، وَلَا تُحدِّثوا أحدا من النَّاس تخافون تكذيبَهُ، فَإِن الْعَاقِل يُسلِّيه عَمَّا فِي الحديثِ مَا يَرى من مَذلَّة التَّكْذِيب، وَلَا تسألُوا أحدا من النَّاس تخافُون مَنعه، فَإِن الْعَاقِل يحجزه عَمَّا نالهُ السائلُ مَا يرى من الدَّناءة فِي الطَّمَع. تحدث الشعبيُّ يَوْمًا عِنْد ابْن عُمر، فَقَالَ: إِنَّه ليحدِّثنا بمواطِن شهدْناها وَغَابَ عَنْهَا، فكأنَّه شَهِدَهَا وغِبْنا عَنْهَا.

قَالَ الشعبيُّ: تعامل الناسُ فِيمَا بَينهم بالدِّين زَمنا طَويلا، ثمَّ بالوَفاءِ حَتَّى ذهب الوفاءُ، ثمَّ بالمروءة حتَّى ذهبت المروءةُ، ثمَّ بالحياءِ حَتَّى ذهب الحياءُ، ثمَّ صَارُوا إِلَى الرَّغبة والرَّهبةِ. قَالَ: العِلم أكثرُ مِن أَن يُحصَى، فخُذُوا مِن كلِّ شَيْء أحْسَنهُ. وَكَانَ يَقُول: مَا رأيتُ مِثلي: مَا أشاءُ أَن أرى أحدا أعلمَ بِشَيْء منِّي إكلا وجدتُه. وَقيل لَهُ: مَالك لَا تَأتي السُّلطان؟ قَالَ: أخافُ خَصْلَتَيْنِ: طعامهم الطَّيب، ولباسَهم اليِّن. وَكَانَ يَقُول: الخالُ زَيْنَب، والثؤلول شيْنٌ. وَقَالَ: أقلُّ مَا أحسِنُه الشعرُ، وَلَو أنشدتكم شهرا لما فني مَا عِنْدِي. وَذكروا مُعَاوِيَة يَوْمًا عِنْده، فَقَالَ رجل: كَانَ حَلِيمًا. فَقَالَ الشّعبِيّ: وَيحك {} وَهل أغمدَ سيفَه وَفِي قلبه شيءٌ على أحَدٍ، وَلَكِن قل: كَانَت لَهُ سياسةٌ وعَقل. وَقَالَ الشّعبِيّ: إنَّ كرامَ النَّاس أسرعهم مَوَدَّة وأبطؤهم عَدَاوَة مثل الكُوز مِن الفضةِ يبطئُ الانكسار، ويُسرعُ الانجِبَار، وَإِن لئامَ النَّاس أبطؤهم مَودةً، وأسرعُهم عَدَاوَة مثلُ الْكوز من الفَخَّار يسْرع الإنكسار ويبطئُ الانجبار. وَقَالَ ابْن شبْرمَة: مَنْ بَالغ فِي الْخُصُومَة أثِمَ، وَمن قصَّر خصِم. وَقَالَ: منْ لزم العفَاف هَانَتْ عَلَيْهِ موجِدةُ الملُبوك. دخل رجلٌ على عِيسَى بن مُوسَى بِالْكُوفَةِ فكلَّمه، وَحضر عبدُ الله بن شُبْرمة فأعانه، وَقَالَ: أصلحك اللهُ. إنّ لَهُ شرفاً، وبيتاً وقدَماً. فَقيل لِابْنِ شبْرمَة: أتعْرفُه؟ قَالَ: لَا. قالُوا: فَكيف أثنيتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: قلتُ: إِن لَهُ شرفاً، أَي: أذُنين ومَنكبين، وبيتاً يأوي إِلَيْهِ، وقدماً يطأُ عَلَيْهَا. وَقَالَ لَهُ رجل: صنعتَ إِلَى فُلان، وصنعت، فَقَالَ: اسْكُتْ، فَلَا خير فِي الْمَعْرُوف إِذا أحصى. وَكَانَ إِذا وُلِدَ لَهُ غُلَام يَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ بّاتقِيا، وَاجعَل لذَّته فِي بلدِه.

قيل: بَينا رقبةُ بن مَصْقلةَ القَاضِي فِي حَلقة إِذْ مرَّ رجل غليظُ العُنق، فَقَالَ لَهُ بعض جُلَسَائِهِ: يَا أَبَا عبد الله، وَهَذَا الَّذِي ترى مِن أعبدِ النَّاس. فَقَالَ رقبةُ: إِنِّي لأرى لهَذَا عُنقُاً قلِّما وقذتها العبادةُ. قَالَ: فَمضى الرجل، ثمَّ عَاد قَاصِدا إِلَيْهِم، فَقَالَ رجل لرقبة: يَا أَبَا عبد الله، أخبرُهُ بِمَا قلت، لَا تكون غيبَة. قَالَ: نعم. أخْبرهُ حَتَّى تكون نميمةً. وَكَانَ رقبةُ يَقُول: أيُّ مجلسٍ المسجدُ لَو كَانَ عَلَيْك فِيهِ إذنٌ! وَقَالَ: مَا رَأَيْت كذبةً أحضر من كذِبِة الَّذين يتّكِئون فِي الْمَسْجِد، فَإِذا أُقِيمَت الصَّلاةُ قلتَ لأَحدهم: نِمت، فَيَقُول: واللهِ مَا نِمتُ وَقد خَرِىَ. وَدخل رقيةٌ الْمَسْجِد الْأَعْظَم، فَألْقى نَفسه إِلَى حلقةِ قوم، ثمَّ قَالَ: قَتِيل فالوذج رحمكم اللهُ. قَالُوا: عِنْد مَن؟ قَالَ: عِنْد من حكم فِي الفُرقة، وَقضى فِي الْجَمَاعَة يَعْنِي بِلَال بن أبي بُردْة. ذكرت الآراء عِنْد رَقَبَة، فَقَالَ: أمّا الرافضةُ فإنَّهم اتَّخذُوا الْبُهْتَان حُجَّةً، والْعضِيهة مغلبةً. وَأما النَّيديَّةُ فَإِنِّي أظنُ الَّذِي وضع لَهُم رأيَهُم امْرَأَة. وَأما الخوارجُ فأعرابٌ جُفاةٌ لَا يعقِلون. وَأما المُرْجئةُ فإنهَّم على دين الْملك وَأما المعتزلةُ فوَاللَّه مَا خرجتُ إِلَى ضيعتي قطُّ إِلَّا ظننتُ إِنِّي لَا أرجعُ حَتَّى يتْركُوا دينهُم. وَقيل لَهُ: إِنَّك لتُكثر الشكَّ. قَالَ: وَهل ذاكُم إِلَّا المحاماةُ عَن الْيَقِين. اخْتصم إِلَى شُريح امْرَأَتَانِ فِي وَلد هِرَّة، فَقَالَ: ألْقُوها مَعَ هَذِه، فَإِن هِيَ قرَّت، ولزَّت، واسبطرَّت فَهِيَ لَهَا. وَإِن هِيَ هرَّت، وفرَّت، وازبأرّت فَلَيْسَتْ لَهَا. وَقَالَ الشّعبِيّ: مَا طلع السماكُ قطُّ إِلَّا غارزاً ذَنبه فِي بُرد.

وَكَانَ إِذا سُئِل عَن مُعضلة، قَالَ: ربَّاهُ ذاتُ وَبر أعيت قائدَها، وسائقها لَو ألقيت على أَصْحَاب محمَّد لأعضلت بهم. قَالَ شُرَيْح: الْقَضَاء جمْرٌ، فارفع الجمْر عَنْك بعُودين، يَعْنِي: الشَّاهِدين. روى عَن شَقِيق بن سَلمة قَالَ: وَقعت فتنةُ ابنِ الزبير فاعتزل شريحٌ الْقَضَاء، وَقَالَ: لَا أقضِي بني اثْنَيْنِ فِي فتْنَة. قَالَ: فغدوتُ عَلَيْهِ ذَات يَوْم. فقلتُ: يَا أَبَا أُمية، كَيفَ أَصبَحت؟ قَالَ: أحمدُ الله العزيزُ الجبّار إِلَيْك: وَقعت الفتنةُ تسع سِنِين فَمَا أخْبرت وَلَا اسْتُخبرت. قلتُ: يَا أَبَا أُميَّة لقد صبرتَ. قَالَ: فيكف بهواي فِي أحدِ الْفَرِيقَيْنِ؟ قَالَ شُرَيْح يَوْمًا لأَصْحَابه: لقد أكلتُ الْيَوْم لَحْمًا قد أَتَى عَلَيْهِ عشرُون سنة. فَقَالُوا: سُبْحَانَ الله. أبدا تأْتينا بالعجائب. فَقَالَ: كَانَت عِنْدِي ناقةٌ قد أَتَت عَلَيْهَا عشرُون سنة، فنحرْتُها، وأكلتُ من لَحمهَا. ورُثى شُرَيْح بجولُ فِي الْأَسْوَاق، والطرقِ، فَقيل: مَا غدَا بِك؟ فَقَالَ: عسْيتُ أَن أنظرَ إِلَى صُورَة حَسَنَة. كَانَ يقالُ: أوَّلُ من أظهر الجوْر من الْقُضَاة فِي الحكم بلالُ بن أبي بردةَ بن أبي مُوسَى، وَكَانَ أميراَ الْبَصْرَة، وقاضيَها. وَكَانَ يَقُول: إِن الرجُلين ليتقدَّمان إِلَيّ، فأَجدُ أحدَهما أخفَّ على قلبِي، فأَقضى لَهُ. وَفِيه يَقُول رُؤُبة: وَأَنت يَا بن القاضِيَيْن قاضٍ يُرِيد أبَاهُ أَبَا بُردةَ. وَكَانَ الحجاجُ وُلَاة القضاءَ حِين استعفى شُريح، فاستشارهُ فِيمَن يولِّيه. فَقَالَ شُريحٌ. عَلَيْك بالشريفِ العفيفِ أبي بردة. وجدُّه أَبُو مُوسَى وَهُوَ قَاضِي عُمر، وأحدِ الْحكمَيْنِ.

وذُكر أنَّ رجلا جَاءَ إِلَى بِلَال يسْعَى إِلَيْهِ بآخر. قَالَ: فأقعدهُ، وَأرْسل فِي الْمَسْأَلَة عَنهُ. فذُكر لَهُ، أنَّه يُعرفُ بِغَيْر أبيهِ المنتسب إِلَيْهِ. فَقَالَ بلالٌ: أَنا أَبُو عَمْرو، حَدثنِي أبي عَن جدِّي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن السَّاعِي بِالنَّاسِ لغير أَبِيه الَّذِي يُنسب إِلَيْهِ " شهد سوَّارُ بن عبد الله العَنبري عِنْد بِلَال بِشَهَادَة، وشهدَ مَعَه رجلٌ أخرُ لَيْسَ بذاكٍ. فَقَالَ بلالٌ: يَا سوَّارُ، مَا تقولُ فِي هَذَا الرجل؟ قَالَ: إِنَّمَا جئتُ شَاهدا لَا مُزكِّياً. قَالَ: فَحَضَرَ هَذَا مَعَك هَذِه الشَّهَادَة؟ قَالَ: نعم: فأجازهُ. خَاصم رجلٌ خَالِد بن صَفْوَان إِلَى بِلَال، فَقضى الرجلُ عَلَيْهِ. فَقَامَ خالدٌ وَهُوَ يقولُ: سحابةُ صيف عَن قَلِيل تقشَّعُ. فَقَالَ بِلَال: أما إِنَّهَا لَا تتقشع حَتَّى يصيبك مِنْهَا شُؤبوبُ برد، وَأمر بِهِ إِلَى الْحَبْس. فَقَالَ خَالِد: علام تحبسُني؟ فوَاللَّه مَا جنيتُ جِنَايَة فَقَالَ بِلَال: يخبرنا عَن ذَلِك بابٌ مُصمَتٌ، وأقيادٌ ثِقالٌ، وقيِّم يُقَال لَهُ: حفصٌ. قَالَ بِلَال: إِذا رأيتَ الرجل لجُوجاً مماريا، معجَباً بِرَأْيهِ، فقد تمَّت خَسارتُه. كَانَ إياسُ بن مُعَاوِيَة بن قرّة صَادِق الظنّ، لطيفاً فِي الأُمور، وتولىَّ قضاءَ الْبَصْرَة فِي أَيَّام عمر بن عبد الْعَزِيز. واختصم إِلَيْهِ رجلَانِ فِي مُطرف خزِّ، وأنبجانِّي، فادَّعى كلُّ وَاحِد مِنْهُمَا الْمطرف الخزَّ أَنه لَهُ، وأنَّ الأنبجاني للآخرِ. فَدَعَا إِيَاس بِمشْط. وماءٍ، قبلَّ رأسَ كلِّ وَاحِد مِنْهُمَا. ثمَّ قَالَ لأَحَدهمَا: سرِّح رَأسك. فَخرج فِي المُشط غفرُ الْمطرف وَفِي مشط الآخر غفرُ الأبجاني. فَقَالَ: يَا خبيثُ، الأنبجاني لَك. فأمرَّ فَدفع الْمطرف إِلَى صَاحبه. استودع رجلٌ رجلا من أمناءِ إِيَاس مَالا، وَخرج الرجلُ إِلَى مَكَّة. فَلَمَّا رَجَعَ طَالبه بِالْمَالِ فجحده، فَأتى إياساً فأخُبرهُ، فَقَالَ إياسٌ علِم أَنَّك أتيتني؟ قَالَ: لَا. قَالَ فنازعته عِنْد أحد؟ قَالَ: لَا. لَا يعلم أحدٌ بِهَذَا. قَالَ: فانصرِف، واكتب أَمرك ثمَّ عُد إليّ بعد يَوْمَيْنِ. فَمضى الرجل، دَعَا إِيَاس أَمِينه ذَلِك. فَقَالَ: قد

حضر مَال كثيرٌ، وَأُرِيد أَن أصيِّرَه إِلَيْك أتحصِّننَّ مَنْزِلك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فأَعِدَّ موضعا لِلْمَالِ، وقوماً يحملونه. وَعَاد الرجل إِلَى إِيَاس، فَقَالَ لَهُ: انطلِق إِلَى صاحبِك، فاطلُب مَالك، فَإِن أَعْطَاك فَذَاك، وَإِن جحدك فقْل لَهُ: أنِّي أخُبِر القَاضِي. فَأتى الرجلُ صاحبهُ، فَقَالَ: مَالِي، وَإِلَّا أتيتُ القَاضِي، وشكوتُ إِلَيْهِ. فَدفع إِلَيْهِ مَاله، وَرجع الرّجلُ إِلَى إِيَاس فَأخْبرهُ، وَجَاء الأمينُ لموعِدِه، فزجره إياسُ وَقَالَ: لقد بَان يَا خائن. قَالَ إِيَاس لقوم من أهل مكَّة: قدمنَا بِلَادكُمْ، فَعرفنَا خِياركم، وشراركم قَالُوا: وَكَيف عَرَفْتُمْ؟ قَالَ: كَانَ مَعنا أخيارٌ، وأشرارٌ نعرِفُهم، فلحِق كلُّ جنس بِجِنْسِهِ. كَانَ إياسُ يَقُول: الخبُّ لَا يخدعُني، وَلَا يخدع ابْن سِيرِين، ويخدع الحَسن، ويخدعُ أبي. وتبصروا هِلَال شهرِ رَمَضَان وهم جماعةٌ، وَفِيهِمْ أنسُ بن مَالك وَقد قاربَ المائةَ، فَقَالَ: قد رأيتُه. فَقَالَ إياسٌ: أشِر إِلَى مَوْضِعه. فَجعل يشيرُ، وَلَا يروْنَه. وَنظر إِيَاس إِلَى أنس فَإِذا شَعرةٌ من حَاجِبه بيضاءُ قد انثنتْ، فَصَارَت على عينهِ، فمسَحها إياسٌ وسوَّاها، ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا حمزةَ أرِنا موضِع الْهلَال. فنظرَ، فَنظر، فَقَالَ: مَا أرى شَيْئا. قَالَ رجل لإياس: هَل ترى عَليّ بأْساً إِن أكلتُ تَمرا؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَل ترى بأْساً إِن أكلتُ مَعَه كَيُسوماً؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِن شربتُ عَلَيْهِمَا مَاء؟ قَالَ: جائزٌ. قَالَ الرجل: فَلم تحرِّم السُّكر وَإِنَّمَا هُوَ مَا ذكرتْه لَك؟ فَقَالَ إِيَاس: لَو صبْبتْ عَلَيْك مَاء. هَل كَانَ يضرُّك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِن نثرتُ عَلَيْك تُرَابا وتبناً، هَل كَانَ يضرُّك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِن أخذتُ ذَلِك، وخلطتُه، وعجنتُه، وجعلتُ مِنْهُ لبنةً عَظِيمَة، فَضربت بهَا رأسَكَ، أَكَانَ يضُرُّك؟ قَالَ: كنت تقتلُني. قَالَ: فَهَذَا مثلُ ذَلِك.

كَانَ إِيَاس يقولُ: مَن أرادَ الصّلاح فَعَلَيهِ: بحُميدِ الطًّويل وتدرُون مَا يَقُول؟ يَقُول لهَذَا: انقص قَلِيلا، وَلِهَذَا: زد قَلِيلا، فينقطعُ الْأَثر بذلك. وَمن أَرَادَ الفُجورَ فليأْخُذ صالحَ بن خلاف وتدرون مَا يقولُ للمدَّعي عَلَيْهِ؟ : اجحَد مَا عَلَيْك، وللمدَّعِي: ادَّع مَا لَيْسَ لَك. أَتَى إِيَاس حَلقَة من حلقات قُرَيْش فِي مسْجدٍ دمشقَ، فاستولى على الْمجْلس، ورأوْه ذَمِيمًا، باذَّ الْهَيْئَة، فاستهانوُا بِهِ. فَلَمَّا عرفُوه اعتذرُوا إِلَيْهِ، وقالُوا: الذَّنبُ بينَنَا، وَبَيْنك مقسومٌ، فَإنَّك أتيتَنا فِي زيِّ مِسْكين، تكلِّمُنا بِكَلَام الْمُلُوك. أَخذ الحكمُ بنُ أيُّوب إياسَ بن مُعَاوِيَة فِي ظِنَّة الْخَوَارِج، فَقَالَ لَهُ الحكمُ: إِنَّك خارجيٌ مُنَافِق، وأوسَعه شتماً. ثمَّ قَالَ لَهُ: إيتنِي بكَفيل. فَقَالَ: أكْفُل أيُّها الْأَمِير. فَمَا أحَدٌ أعرفَ منكَ بِي. قَالَ: وَمَا عِلمِي بك وَأَنا من أهل الشَّام، وأنتَ مِن أهلِ الْعرَاق؟ فَقَالَ لَهُ إِيَاس: ففِيمَ هَذِه الشَّهادةُ منذُ الْيَوْم؟ فضحِكَ وخلَّى سَبيله. كَانَ ابْن أبي ليلى وِلي الْقَضَاء لبني أُميَّة، وبعدهم لبني الْعَبَّاس. وَقيل: وَهُوَ أول من تولى قضاءَ بَغْدَاد. وَقيل: بل أوَلُ من تولاها من القُضاة شَريك. وَقَالَ سفيانُ بن عُيَيْنةَ: شهد محمدُ بنُ عبد الرَّحْمَن بن الأسودِ عِنْد ابْن أبي ليلى بِشَهَادَة، فتوقَّف فِي شهادتِه. قَالَ ابْن عُيَيْنَة: فناظرتُ. بن أبي ليلى فِي ذَلك، وَقلت لَهُ: أَنِّي لَك بِالْكُوفَةِ رجلٌ مثلهُ؟ ؟ فَقَالَ: هُوَ كذَلك، إلاَّ أنّ الَّذِي شهد بِهِ عظيمٌ، وَالرجل فقيرٌ. قَالَ: فَأَعْجَبَنِي هَذَا من قَوْله. وأخذَ عَليّ ابنِ أبي ليلى رجلٌ جُلَسائه كلمة، فَقَالَ لَهُ ابنُ أبي ليلى: أهد إِلَيْنَا مِن هَذَا مَا شِئْت. وَكَانَ يقولُ: أحذِّرُكم الثِّقات. دَعَا المنصورُ ابْن أبي ليلى، فأَرادَهُ على الْقَضَاء، فَأبى، فتوعّده إِن لم يفعْل، فَأبى أَن يفعل، ثمَّ إنَّ غدَاء الْمَنْصُور حضرَ، فَأتى فِيمَا أَتَى بصحفة فِيهَا مثالُ رَأس. فَقَالَ لِابْنِ أبي ليلى: خُذ أَيهَا الرجلُ مِن هَذَا. قَالَ ابنُ أبي ليلى: فجعلتُ أضْرب بيَدي إِلَى الشَّيْء، فَإِذا وضعتُه فِي فَمي سَالَ، لَا أحتاجُ إِلَى أَن أمضغهُ. فَلَمَّا فَرغ الرجل جعل يلحسُ الصحفةَ. فَقَالَ لي: يَا محمدُ. أَتَدْرِي مَا كنت تأكُل؟ قلتُ: لَا

- وَالله - يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: هَذَا مخُّ النِّينان معقودٌ بالسكَّر الطَّبَرزَذ. وَتَدْرِي بكم تقوَّم هَذِه الصَّحفةُ علينا؟ قلت: لَا، يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ: تقومُّ بِثَلَاث مائَة وبضعةَ عشر. أَتَدْرِي: لِمَ ألحسُها؟ هَذِه صفحةُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأَنا أطلبُ البَركةَ بذلك. فَلَمَّا خرج ابنُ ليلى من عِنْده رفعَ رأسَه إِلَى الرّبيع. فَقَالَ: لقد أكل الشَّيخ عِنْدَمَا أَكلَة لَا يفلِحُ بعْدهَا أبدا. فَلَمَّا كَانَ عَشى ذَلِك الْيَوْم رَاح ابنُ أبي ليلَى إِلَى الْمَنْصُور، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فكرتُ فِيمَا عرضت عَليّ، فرأيتُ أَنه لَا يسَعُني خِلافُك. فولاه القضاءَ. ثمَّ قَالَ للربيع: كَيفَ رأيتَ حَدسي؟ روى عَن الْعَبَّاس بن مُحَمَّد أنَّه قَالَ: لمَّا أرادَ المنصورُ شريكَ بنَ عبد الله على القضاءِ قالَ: أُرِيد " ُ أَن تكلِّم أميرَ الْمُؤمنِينَ ليُعفيَني. فَقلت لَهُ: إنَّ أَبَا جَعْفَر إِذا عزم أمرا لم تُردّ عَزماتُه. قَالَ: فَلَمَّا قَامَ، وأقَرَّه على الْقَضَاء قلتُ لَهُ: إِن أميرَ الْمُؤمنِينَ المهديَّ ألينُ عَريكةً من الْمَاضِي. فَقَالَ: أما الْآن فلاَ، فَإِنِّي أخْشَى شماتَة الْأَعْدَاء. قَالَ بعضُ أَصْحَاب الحَدِيث: سأَلتُ شَرِيكا عَن النَّبِيذ، فَقَالَ لي أمّا أَنا فَلَا أتركُهُ حَتَّى يكونَ أَسْوَأ عَمَلي. وَقَالَ شريك لرجل: كم تشربُ من النَّبِيذ؟ فَقَالَ: الرِّطلَ والرِّطلين. فَقَالَ: يَا أخي، مَا شربتَه شُرب الفِتيان، وَلَا تركتهُ ترك الْقُرْآن. ذكر عِنْد شَريك العربُ والعجمُ، فغضِب، وَقَالَ ذهبَ العربُ الَّذين كَانُوا إِذا غضِبُوا كفرُوا. وَقَالَ عبدُ الله بنُ مُصعَب الزُّبيري لِشريك: بَلغنِي أَنَّك تشتُم أَبَا بكر وعُمَر. فَقَالَ: وَالله مَا أشتُم الزبير، فَكيف أشتُمُهما؟ مر؟ ّ شريكٌ بِالْبَصْرَةِ - وَكَانَ خرج مَعَ الْمَنْصُور إِلَيْهَا - فسألُوه أَن يُحَدِّثهُمْ

فَقَالَ: يأْتيني أحدُهم مُشتَمِلاً على أَن يسأَلني الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو عبيدةَ: البلاءُ مُوكَّلِ بالمنطِق. كانَ جدُّ هَذَا: شريك يَعملُ الدّنَّ بوزارةً فَقتل رجلا، وهربَ إِلَى خُراسان، فَقدم ابنُه وادَّعى إِلَى العَرب. وَكَانَ شريك مِنَ النخع وَقيل: إِن جدّه هُوَ سِنَان ابْن أنس قَاتل الْحُسَيْن صلى الله عَلَيْهِ ولَعَن قاتِله. وَلما عُزل شريك عَن القضاءِ قَامَ إِلَيْهِ رجل، فَقَالَ: الحمدُ لله الَّذِي عزَلك فقد كنت تُطيل النَّشوةَ، وتَقبل الرّشوةَ، وتوطىُّ العشوةَ. فَقَالَ رجلٌ فخنقه. فجَعل يَصِيح: قتلِني يَا أَبَا عبدِ الله - جعلني الله فِداك - فَقَالَ شريك: قد ذلَّ مَن لَيْسَ لَهُ سَفيهٌ. وَسُئِلَ عَن أبي حنيفَة، فَقَالَ: أعلَمُ الناسِ بِمَا لَا يكونُ، وأجَهلُهم بِمَا يكونُ. وَدخل على الْمهْدي فَقَالَ لَهُ: يَا شريكُ، بَلغنِي أنَّك فاطميُّ. فَقَالَ: أتحبُّ فاطمةَ؟ أعثرَ الله من لَا يحبُّ فاطمةَ. فَقَالَ الْمهْدي: آمين فَلَمَّا خرج شريكٌ قَالَ المهديُّ لمن عِنْده: لَعنهُ الله، مَا أظنُّهُ إِلَّا عَنَاني. وَقَالَ لَهُ يَوْمًا: أيُّنا أشرفُ: نَحن أم ولدُ عليَّ؟ فَقَالَ شريك أمَّا مثلَ فَاطِمَة حَتَّى تُساويُهم فِي الشَّرف. وَلما دَعَاهُ المهديُّ إِلَى الْقَضَاء قَالَ لَهُ: لَا اصلُحُ لذَلِك. قَالَ: ولَم ذَلِك قَالَ: لِأَنِّي نسَّاءٌ. قَالَ: عَلَيْك بمضغِ اللُّبان. قَالَ: إِنِّي حَدِيدٌ. قَالَ: قد فرض لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ فالُوذَجةَ توقرك. قَالَ: إِنِّي امرُؤ أقضى على الْوَارِد، والصادرِ.

قَالَ: اقضِ عليَّ، وعَلى وَالِدي. قَالَ: فاكفِني حاشِيتَك. قَالَ: قد فعلتُ. فَكَانَت أول رُقْعة وَردت عَلَيْهِ خالصةُ جاريةُ الْمهْدي. فَجَاءَت لتتقدَّم الخصْم، فَقَالَ: وراءَك مَعَ خصْمِك مِراراً. فأبَتْ. فَقَالَ: وراءكِ بالخَنْاءُ قَالَت: يَا شيخُ، أَنْت أحمقُ. قَالَ: قد أخْبرتُ مَوْلَاك، فَأبى عَلي. فَجَاءَت إِلَى الْمهْدي تَشْكُو إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: الْزميِ بيتَكِ، وَلَا تعْرضي لَهُ. قَالَ ابنُ أبي ليلى: مَا لِقينا مِن هُنئ، كلما تُوجِّهت لنا قضيةٌ نقضَها علينا أَبُو حنيفَة. وَشهد أَبُو حنيفَة عِنْد شريك، فَلم يُجز شهادَته، وَقَالَ: يكف أجيزُ شهادةَ قوم يَزْعمُونَ أَن الصَّلاةَ ليستْ من الْإِيمَان. وَكَانَ بانُ شُبْرُمة يَقُول: لأنْ استعمِلَ خائناً بَصيرًا بعملِه أحَبُّ إليَّ من أَن أسْتَعْمل مُضيِّعا لَا يُبصِر العملَ. وَدخل سوَّارُ بن عبد الله عَليّ الْمَنْصُور - والمصحفُ من حجره، وعيناهُ تهملان - فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم. يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ يَا سوَّارُ، ألاَ مرّة على الْمُؤمنِينَ؟ ؟ هدمتَ ديني، وَذَهَبت بآخرتي، وأفسدت مَا كَانَ من صَالح عَمَلي. قَالَ سَّوارُ: فانتهزتُها فُرصةً، وطلبتُ ثَوَاب الله فِي عظته فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّك جديرٌ بالبُكاءِ، حقيقٌ بطُول الحُزن مَا أَقمت فِي الدُّنْيَا. وَقد استرعاك اللهُ أَمر الْمُسلمين، واستحفظك أَمْوَالهم، يَسْأَلك عَمَّا عملت فِيمَا أسترعاك فِي الْيَوْم الَّذِي أعلمت فِي كِتَابه، فَقَالَ " يَوْمئِذٍ يصدُرُ النَّاس أشتاتاً لُيروْا أَعْمَالهم. فَمن يَعملْ مِثْقالَ ذرَّةٍ خيرا يّرَهُ وَمن يعْمل مِثقْال ذَرَّة شرا يره ". فازداد بُكاءً، وَقَالَ: " يَا لَيْتَني مِتُّ قبلَ هَذَا وكُنْتُ نَسْياً مَنّسياً ". ثمَّ قَالَ يَا سوَّارُ إِنِّي أُعالج نَفسِي، وأُعاتبها مُنْذُ وليتُ أُمُور الْمُسلمين على حمل الدِّرّة على عُنقي، وَالْمَشْي فِي الْأَسْوَاق على قدمي، وَأَن أسدَّ بالجريش من الطَّعَام جوْعتي، وأوارىَ بأَخشن الثِّياب عورتي، وأضعَ قدر من أَرَادَ الدُّنيا، وَأَرْفَع قدْر من أَرَادَ الْآخِرَة، وسعى لَهَا، فَلم تُطْعني، وعصتْني، ونفرتْ نُفوراً شَدِيدا.

قَالَ سوّار لَا تجتِّسمها يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ صعاب الأُمور، وَلَا تُحمِّلها مَا لَا تُطيق، وألزمها أَربع خِصَال تسلمْ لَك دنياك وأخرتُك: أقِم الْحُدُود واحكُم بِالْعَدْلِ، واجْبِ الْأَمْوَال من وُجوهها، واقسمها على أَهلهَا بالحقِّ. خَاصم عبد الله بنُ عبدْ الْأَعْلَى الكريزي مولى لَهُ فِي أَرض إِلَى سوَّار - وَكَانَ جدُّهُ أقطعها جدَّه - فَقَالَ سوار: إِنِّي لأرغبُ بك عَن هَذَا، تُنازعُه فِي أَرض أقطعها جدُّك جدَّه؟ فَقَالَ الكريزي الشحيح أغدرُ من الظَّالِم. فَنَكس سوارُ طَويلا، ثمَّ رفع رأسَه، فَقَالَ: اللهمَّ أردُدْ على قُرَيْش أخطارها. دَعَا الرشيدُ أَبَا يُوسُف القَاضِي لَيْلًا فَسَأَلَهُ عَن مَسْأَلَة، فأفتاه. فَأمر لَهُ بِمِائَة ألف دِرْهَم فَقَالَ: إنْ رَأْي أميرُ الْمُؤمنِينَ أَن يأْمر بتعجيلها قبل الصُّبح. فَقَالَ: عجِّلوها لَهُ. فَقيل: إِن الخازن فِي بَيته، والأبواب مغلقةٌ. فَقَالَ أَبُو يُوسُف: وَقد كنتُ فِي بَيْتِي والدروب مُغلقة، فحين دُعي بِي فُتِحتُ وَقَالَ لَهُ الرشيدُ: بَلغنِي أنَّك لَا ترى لُبس السَّواد. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. وَلم؟ وَلَيْسَ فِي يَدي شيءٌ أعز عَليّ مِنْهُ. قَالَ: مَا هُو؟ قَالَ: السوَاد الَّذِي فِي عَيْني. وسُئل مرّة عَن السَّواد، فَقَالَ: النُّورُ فِي السَّواد - يُرِيد سَواد الْعين وَكَانَ خَالِد بن طليق الخُزاعي قَاضِيا، فاختصم إِلَيْهِ اثْنَان، فَكَانَ أحدُهُما كلما أَرَادَ أَن يتكلَّم غمزه الشرطي أَلا يتَكَلَّم. فَلَمَّا كثُر ذَلِك عَلَيْهِ قَالَ: أيُّها القَاضِي، أتقضي على غَائِب؟ فَقَالَ: لَا. فَقَالَ أَنا غائبٌ إِذا لم أترك أَن أتكلَّم. وَكَانَ خَالِد تمياها صلفاً، وَقَالَ يَوْمًا لمُحَمد بن سُلَيْمَان - مَعَ محلِّه وشرفه وثروته - نحنُ وأنتُم فِي الْجَاهِلِيَّة كهاتين. وَجمع بَين إصبعيه. كَانَ عُبيدُ بن ظبْيَان قَاضِي الرَّقَّة، فَجَاءَهُ رجلٌ واستعدَاه على عِيسَى بن جَعْفَر، وَكَانَ الرشيدُ إِذا ذَاك بالرَّقة فَكتب ابنُ ظبْيَان إِلَى عِيسَى أمَّا بعد أَطَالَ الله بقاءَ الْأَمِير وَحفظه وَأتم نعْمَته عَلَيْهِ. أَتَانِي رجلٌ فَذكر أنَّ لَهُ عَلَى الْأَمِير خَمْسمِائَة ألف دِرْهَم. فَإِن رأى الأميرُ - أعزَّه الله - أَن يحضر مجْلِس الحكم، أَو يُوكِّل وَكيلا يُناظر عَنهُ فعل.

وَدفع الْكتاب إِلَى الرُّجل، فَأتى بَاب عِيسَى، فَدفع كِتَابه إِلَى الْحَاجِب، فأوصله إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: كُل هَذَا الْكتاب {} فَرجع إِلَى القَاضِي فأخبرَه. فَكتب إِلَيْهِ: أبقاك الله وحفظك، وأتمَّ نعمتهُ عَلَيْك. حضر رجلٌ يُقَال لَهُ فلانُ بنُ فلَان وَذكر أنَّ لَهُ عَلَيْك حقّاً، فصر مَعَه إِلَى مجْلِس الحكم، أَو وَكيلك إِن شَاءَ الله. وَوجه الْكتاب مَعَ عَوْنَيْنِ من أعوانه، فحضرا بَاب عِيسَى، ودفعا الْكتاب إِلَيْهِ، فَغَضب ورمَى بِهِ، فَأَخْبَرَاهُ. فَكتب إِلَيْهِ: حَفِظك الله وأبقاك - لَا بُدَّ من أَن تصير أَنْت وخصمك إِلَى مجلسِ الحُكم، فَإِن أَبيت أنهيتُ ذَلِك إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن شَاءَ الله. ووجَّه بِالْكتاب، فرَمى بِهِ عِيسَى. فعادا، وأبلغاهُ، فختم قِمَطُره، وَانْصَرف، وَقعد فِي بَيته. وَبلغ الخبرُ الرشيدَ، فَدَعَاهُ، فَسَأَلَهُ، فأخبرَه بالقِصَّة حَرفا حَرفاً. فَقَالَ لإِبْرَاهِيم بن عُثْمَان صَاحب شُرطته: صِر إِلَى بَاب عِيسَى بن جَعْفَر، فاختم أبوابَه كلَّها، وَلَا يَخرجنَّ أحدٌ مِنْهَا، وَلَا يدخلّنَّ حَتَّى يخرج إِلَيّ الرجل من حَقه، أَو يصير معهُ إِلَى الْحَاكِم. فأحاط إِبْرَاهِيم مَعَ أَصْحَابه بِالدَّار، وَختم الْأَبْوَاب. فظنَّ عِيسَى أَنه قد حَدث للرشيد رأيُ فِي قتلهِ، وَلم يدْر مَا سببُ ذَلِك؟ وارتفع الصِّياحُ، وصراخُ النِّسَاء مِن دَاره، وَقَالَ مِن وَرَاء الْبَاب ادْعُوا أَبَا إِسْحَاق لأكلِّمه. فجَاء إبراهيمُ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى وَيلك {} مَا حالُنا؟ فَأخْبرهُ بِالْأَمر فَأمر بِأَن يُحضر خَمْسمِائَة ألفِ دِرْهَم من ساعتها، وتُدفع إِلَى الرجل وَأخْبر الرشيد فَأمر بِفَتْح أبوابه. وَكَانَ عباد بنُ مَنْصُور التاجي على قضاءِ الْبَصْرَة فِي أَيَّام أبي جَعْفَر وَأَصْحَاب الحَدِيث يُضعفون حَدِيثه، ويقولُون كَانَ قدريا. وَتقدم إِلَيْهِ برذوّيْه وَمَعَهُ امرأةٌ تخاصمه فِي مهْرها وَكَانَ جميلَة. فَقَالَ كمْ مهْرُك؟ قَالَ: مِائَتَا دِرْهَم فَقَالَ عباد: وَيحك يَا برذويه {} مَا أرخص مَا تزوَّجْتَها؟ ؟ قَالَ: أفَلا أوليكها أصلحك الله. ذكر أَنه لما حكم وفَرض يحيى بنُ أَكْثَم فرضهُ الْمَشْهُور للغلمان عابه الناسُ

فَكتب إِلَى المأْمون: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قد أكْرم الله أهل جنَّتِه بِأَن أطاف عَلَيْهِم الغِلْمانَ فِي وَقت كرامته، لفضلِهم فِي الخِدمةِ على الْجَوَارِي، وامتنَّ عَلَيْهِم بذلك. فَمَا الَّذِي بَلغنِي عَاجلا مِن طلب هَذِه الكرامةِ المخصوصِ بهَا أهلُ القُرْبة عِنْد الله؟ ؟ فَوَقع الْمَأْمُون: اذكْر يَا يحيى مِنْ كتاب الله مَا كُنَّا عَنهُ غافلين، فَلَا يُعْترضُ عَلَيْهِ فِيمَا يقدّر من الأرزاق فِي فرْضِه، وَلَا لمبْلغهم فِي العِدادِ، وقُرْب الْوَلَاء، فإنَّ أَمِير الْمُؤمنِينَ يحبُّ مَا أحبَّ اللهُ، ويرضْاهُ لخاصته. وَكَانَ لَهُ من المأْمون محلٌّ عَظِيم. وَذكر بختيشوعُ أَنه سمع المأْمون يَقُول - لما جَاوز الدّرب بالرقة: يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي لَا آمنُ الحِدْثان، فَإِن كَانَ فيحيى بنُ أكْثم معكُمْ حَتَّى نُبلغكُم مأْمنكُم، ثمَّ تختارُون لأنفسكم. وَرفع مُحَمَّد بنُ عمرَان صاحبُ الْبَرِيد إِلَى الْمَأْمُون ذكر خوْض النَّاس فِي يحيى بن أَكْثَم وَمَا يَقُولُونَ فِي تهتكه. فَدَعَا بِهِ، ثمَّ قَالَ لَهُ: كم تكْثِرُ عَليّ فِي أَمر يحيى؟ رجل فسد عَلَيْهِ عضْوٌ من أَعْضَائِهِ، وَصلح لي؟ أأْستفْسِد؟ ثمَّ سخط عَلَيْهِ. وَكتب فِي مَعْنَاهُ كتابا طَويلا إِلَى إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم من الثَّغْر يَقُول لِأَبِيهِ: فَلَمَّا استشفَّ أميرُ الْمُؤمنِينَ حَاله وَسيرَته ألفاهُ بَعيدا من الْإِيمَان، قَرِيبا من الْكفْر، لِهجاً باللّواط، مْؤثراً لِلْحَرَامِ على الْحَلَال، قد أعلن الفِسق، وَأظْهر المُرُوق، وجاهر بِالْمَعَاصِي، وأظْهر الملاهي، ورخّص فِي الدَّنِّ، وَخَالف دين الْمُسلمين، فَرَأى أميرُ الْمُؤمنِينَ أَن إخراجهُ من عسْكره، وَبعده من جواره، أسلمُ لَهُ، أصْرف للمكروه عَنهُ، فأسْلُبهُ - قبحهُ اللهُ - القنا والقلْنسُوة، وخُذْ مِنْهُ السَّيف. وَكَانَ المأْمون قد أَمر بِأَن يفْرض لَهُ الحُدود، وَكَانَ الكاتبُ الَّذِي أمرِ فْرضهم يُقَال لَهُ زيدٌ فَقَالَ فِيهِ بعضُهم: يَا زيدُ يَا صَاحب فرْض الْفراش ... أكلُّ هَذَا طلبا للمعاش؟ مَالِي أرى يَا زيدُ حمْلائكُمثبتتْ فِي الدِّفْتر قبل الكباش وَلما خرج المأْمونُ إِلَى الأُردنِّ - وَيحيى مَعَه - شكا الحمالُ الغلمان، وَقَالَ المأُمون: إِنَّه يتظافرُون من محْمل إِلَى محمل، فَقَالَ لَهُ المأْمون: لم لَا تنهاهم؟

فَقَالَ: لَا ينتهُون. فَقَالَ لَهُ: لَعَلَّك ترى فيهم مَا يرى يحْيى. وَتقدم المأْمونُ بَين يَدَيْهِ مَعَ رجل ادَّعى عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ ألف دِينَار. فطُرح للمأْمون مُصلَّي يجلس عَلَيْهِ. فَقَالَ يحيى: لَا تأْخُذْ على خصْمك شرف الْمجْلس، وَلم تكُنْ للرجل بيٍّنةٌ، فَحلف المأْمونُ. فَلَمَّا فرغ وثب يحيى، فَقَامَ على رجْليه، فَقَالَ: مَا أقامك؟ . فَقَالَ: إِنِّي كنتُ فِي حقِّ الله حَتَّى أخذتُه مِنْك، وليَس الْآن من حقِّك أَن أتصدَّر علْيك. فَأعْطى الرجل المأْمونُ مَا ادَّعاه، وَهُوَ ثَلَاثُونَ ألف دِينَار، وَقَالَ: خذْهُ إِلَيْك، إِنِّي - واللهِ - مَا كنتُ لأحلِف على فجَرة. ثمَّ أسْمح لَك بِالْمَالِ، فأُفسد ديني ودنيايَ. وَالله مَا دفعتُ إِلَيْك هَذَا المَال السَّاعَة إلاّ خوفًا من هَذِه العامَّة، فلعلها ترى أنْ تناولْتُك من هَذِه القُدرة، ومنعتك حقَّك بالاستطالةِ عَلَيْك. فَأَما الْآن فَإنَّك تعلمُ أَنِّي مَا كنتُ لأسمح بِالْيَمِينِ وَالْمَال. وأمرَ ليحيى بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار. وتصدَّق بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار. وَكَانَ يحيى يَقُول: سياسةُ الْقَضَاء أسدُّ من الْقَضَاء. كَانَ أَبُو خَازِم عبدُ الحميد بن عبد الْعَزِيز الْكُوفِي قَاضِيا للمعتمدِ. ودخلَ إِلَى عُبيْد الله بن سُلَيْمَان، فَسَأَلَهُ عَن النَّبيذِ، فَقَالَ: هُو عِنْد أَصْحَابِي كَمَاء دجْلَة، غيرَ أنَّه يُودِي. وجَرى بينَه وَبَين عُبيد الله شيءٌ، فَقَامَ أَبُو خَازِم عَن الْمجَالِس، وَأخذ قلَنْسُوته عَن رَأسه بِيَدِهِ، فَقَالَ عبيدُ الله: انْظُرُوا مَا صَنَع أبُو خازم، أَخذ قلنسوتَه بِيَدِهِ يُعْلِمنا أَنه مَا يُبالي إنْ عزلتُه. وَمَات فِي أَيَّامه الضّبعيُّ صاحبُ الطَّعَام، وَله أطفالٌ، وَعَلِيهِ ديونٌ، وللمعتضِد عَلَيْهِ أربعةُ آلَاف دِينَار: فَقَالَ المعتضدُ لِعبيد الله بنِ سُلَيْمَان: قل لعبد الحميد أنْ يدْفع إِلَيْنَا هَذَا المالَ من تَرِكَة الضَبعي. فَذكر لَهُ ذَلِك، فَقَالَ أَبُو خازم: إِن المعتضِدَ كأسوة الغُرمَاءِ فِي تَرِكة الضبعِي. فَقَالَ لَهُ عبيد الله: أَتَدْرِي مَا تقولٌ؟ فَقَالَ أَبُو خازم: هُوَ مَا قلتُ لَك. وَكَانَ المعتضد يلحُّ على عُبيد الله فِي اقْتِضَاء المَال: وعبيدُ الله يؤخِّرُ مَا قَالَ

لَهُ أَبُو خازم فَلَمَّا ألحَّ عَلَيْهِ أخبَرهُ بِمَا قَالَ أبُو خازم، فأطَرق المعتضدِ، ثمَّ قَالَ: صدَق عبد الحميد، هُوَ كَمَا قَالَ نَحن كَسَائِر الغُرماء وأسْوتهم. تقدم رجل إِلَى أبي خازم، وقدَّم أباهُ يطالبُه بدين لَهُ عَلَيْهِ. فَأقر الأبُ بذلك. فَأَرَادَ الأبنُ حبس أَبِيه بِالدّينِ. فَقَالَ لَهُ أَبُو حَازِم: هَل لأَبِيك مَال؟ قَالَ: لَا أعلمهُ. قَالَ: فُمْذ كمْ داينْتَهُ بِهَذَا المَال؟ قَالَ: مُنْذُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فقد عرضتُ عَلَيْك نَفَقَة أَبِيك من وَقت المُدانية. فحبس الابْن، وخلَّي عَن الْأَبَد. وَكَانَ إِسْمَاعِيل بنُ إسحاقُ قَاضِيا للمعتمد بِمَدِينَة السَّلَام. فَدخل على الْمُوفق، فَقَالَ لَهُ: يَا إسماعيلُ: مَا تَقول فِي هَذَا النَّبِيذ؟ فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الأميرُ، إِذا أصبح الإنسانُ وَفِي رَأسه مِنْهُ شَيْء. قَالَ مَاذَا؟ قَالَ الْمُوفق: يقُولُ: أَنا مخمورٌ. قَالَ: فَهُوَ كاسمه. قدم البلاذُري إِلَى الْحسن بن أبي الشَّوَارِب فِي ديْن عَلَيْهِ، فادَّعى غريمهُ مِائَتي دِينَار. فَذكر البلاذري مُعَاملَة بَينهمَا. وَعَادَة جرت بالنّظرة. فَقَالَ لَهُ القَاضِي: أنظرهُ. فَقَالَ: لم أطالبه إِلَّا وَقد علمتُ السَّاعَة نعْمَته. فَقَالَ البلاذري: صدق أَيهَا القَاضِي، إِنِّي من الله لفي نعم، لَا أقومُ بشكرها، أَولهَا: نعمةُ الْإِسْلَام - وَهِي الَّتِي لَا تعدلُها نعمةٌ. ثمَّ نعمةُ الْعَافِيَة - هِيَ أفضلُ النِّعم بعدَها - وَمَا يُقضي من هَاتين الدينُ. فَقَالَ القَاضِي لغريمه: انْصَرف، ورُحْ إِلَى فراح إِلَى القَاضِي، فَأعْطَاهُ عَنهُ مِائَتي دِينَار. كَانَ يحيى بنُ سعيد الْأنْصَارِيّ قَاضِيا للرشيد، وَكَانَ خَفِيف الْحَال وَكَانَ لَهُ مجْلِس من السُّوق. فَلَمَّا ولي القضاءَ، وارتفع شأْنُه لم يتْرك مَجْلِسه فِي السُّوق. فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: مَن كَانَت لَهُ نفسٌ واحدةٌ لم يغيَّره الإقتارُ، وَلَا المالُ. كَانَ البَرْقيُّ عفيفاً، صَالحا، وَولي قَضَاء مَدِينَة السَّلَام أَيَّام الْمُعْتَمد، وَكَانَ قد ولاه قبل ذَلِك يحيى بنُ أَكْثَم. فَقيل لَهُ: وليتَ البرقي القضاءَ - وَهُوَ رجلٌ من أهل السوَاد؟

فَقَالَ يحيى: ألم تسمع قَول الله تَعَالَى: " وَمَا أرسلْنا مِن رَّسُول إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمه " قَالَ بعضُهم: رأيتُ البرقيّ يَوْمًا. هُوَ يقْرَأ علينا شَيْئا من حَدِيث سُفْيانَ - فَقَالَ لَهُ رجل كَانَ مَعنا: يَا أَبَا الْعَبَّاس. فَقَالَ إِلَيْهِ البرقي، وَضرب لحيته، وَقَالَ لَهُ: أَنا قَاض مُذ كَذَا وَكَذَا سنة {} تقولُ: هيا يَا أَبَا الْعَبَّاس. وَذكر أَن البرقي صَار إِلَى عبد الْعَزِيز الْهَاشِمِي - وَكَانَ صديقهُ - فَهُوَ مَعَه جالسٌ إِذْ دخل عَلَيْهِ رجلٌ فَسلم، وقعدَ، فَقَالَ لَهُ عبدُ الْعَزِيز: مَا خبرُك؟ قَالَ: قد وليت السَّواني لأسني المَاء للْحَاج. ثمَّ دَعَا بكُوز من مَاء فشربهُ. ثمَّ صَبر سَاعَة، فَدَعَا بكوز آخر فشربه، ثمَّ صَبر سَاعَة، ودعا بكوز آخر - والبرقيُّ يراهُ - فَقَالَ لعبد الْعَزِيز: يَا أَبَا الْقَاسِم، هَذَا قد وَلي السواني. لَئِن خرج هَذَا إِلَى مَكَّة ليشربن كل مَا يسنى. كَانَ عبد الْملك بنُ عُمَيْر قَاضِي الْكُوفَة، فهجاهُ هُذيلٌ الْأَشْجَعِيّ بِأَبْيَات فِيهَا: إِذا ذاتُ دلٍّ كلمتهُ بحاجة ... فهم بِأَن يقْضِي تنحنح أَو سعل فَكَانَ عبدُ الْملك يَقُول: قاتلهُ الله. وَالله لرُبما جائتني النحنحةُ وَأَنا فِي المتوضأ، فأذكرُ مَا قَالَ فأردُّها. قَالَت امرأةٌ لشُريح: إِنَّك قضيت على وظلمتني - وَالله يدخلُك النَّار. فَقَالَ شريحٌ لَهَا: أما أَنا فَلَا أدخُلُها إِلَّا بعد سَبْعَة، وهم: الَّذِي عَلمنِي، وَالَّذِي ولاني، وَالَّذِي جَاءَ بك إِلَيّ، والشاهدان والمُزكِّيان. قَالَ الوايق لِأَحْمَد بن أبي دُواد: إِن حوائجك، ومسائلك تستنفد بيُوت الْأَمْوَال. فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أتخافُ الْفقر وَالله مادتُك. قَالَ بعضُهم: سَمِعت ابْن أبي دُواد يقولُ: إين لأكرهُ أَن أكلِّم الخلفاءَ بِحَضْرَة ابْن الزيات خوفًا من أَن أعلِّمه التأتِّي لَهَا. وَكَانَ المعتصمُ غضب على خَالِد بن يزِيد بن مزِيد. فَلم يزل بِهِ أحمدُ بن أبي

دواد حَتَّى عَفا عَنهُ، وَأَعْطَاهُ، وولاه، وَخرج على النَّاس بِالْخلْعِ وهم ينتظرون رأسهُ. فَقَامَ بعد ذَلِك رجلٌ إِلَى خَالِد، فَقَالَ: يَا سيِّد الْعَرَب فَقَالَ: ذَلِك ابنُ أبي دُواد. وَكَانَ أَبُو العيناء يَقُول: كَانَ أحمدُ بنُ أبي دُواد إِذا رأى صديقه مَعَ عدوِّه صديقهُ. وَقَالَ أَبُو العيناء: مَا رأيتُ مثل ابْن أبي دُواد من رجل قد مُكِّن من الدُّنْيَا ذَلِك التَّمْكِين، كنت أراهُ فِي مجْلِس سقفُه غير مُغرى، جَالس على مسح وأصحابُه مَعَه يتدَّرنُ القميصُ عَلَيْهِ فَلَا يبدَّلهُ، حَتَّى يعاتبَ فِي ذَلِك، لَيست لَهُ همةٌ وَلَا لذةٌ من لذات الدُّنْيَا إِلَّا أَن يحمل رجُلاً على مِنْبَر، وَآخر على جذع. وَقَالَ لَهُ المعتصمُ فِي أَمر الْعَبَّاس بن المأْمون: يَا أَبَا عبد الله، أكرهُ أَن أحبسه، فأهتكه وأكرهُ أَن أَدَعهُ فأُهمله. فَقَالَ لَهُ ابْن أبي دُواد: الحبسُ - يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ - فَإِن الِاعْتِذَار خيرٌ من الاغترار. وَكَانَ الأفشين يحسدُ أَبَا دُلف، ويبغضُه للغربية، والشجاعة أَبَا والجُود. فاحتال عَلَيْهِ حَتَّى شُهد عَلَيْهِ بخيانة فَجَلَسَ لَهُ، وأحضرهُ، وأحضر السياف لقَتله. وَبلغ ذَلِك أَحْمد بن أبي دواد، فَركب مَعَ من حَضَره من عُدْوله. وَدخل على الأفشين وَقد جِيءَ بِأبي دلفُ ليُقتل. فَوقف، ثمَّ قَالَ: إِنِّي رسولُ أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك بألا تحدث فِي الْقَاسِم حَدثا حَتَّى تحمله إِلَيْهِ مُسلما. ثمَّ الْتفت إِلَى العُدُول، فَقَالَ: أشهدوا أَنِّي أديتُ الرسالةَ والقاسُم حَيّ مُعافى. وَخرج فَلم يقدم الأفشينُ عَلَيْهِ. وَصَارَ ابنُ أبي دواد من وقته إِلَى المعتصم، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قد أديتُ عَنْك إِلَى الأفشين رسالةٌ لم تقُلها لي، لَا أعتدُّ بِعَمَل عملته خير مِنْهَا، وَإِنِّي لأرجُو لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بهَا الْجنَّة. وَخَبره الْخَبَر، فصوب رَأْيه، وَأمر بالإفرج عَن أبي دُلف. . وَكَانَ أحمدُ بنُ أبي دُواد بعد ذَلِك يقرَّظُ أَبَا دلف ويصفُه للمعتصم، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عبد الله، إِن أَبَا دلف حَسنُ الْغناء، جيِّدُ الضَّرْب بِالْعودِ فَقَالَ: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ، القاسمُ فِي شجاعته وبيته فِي الْعَرَب يفَعلُ هَذَا {}

ثمَّ أحب المعتصمُ أَن يَسمعهُ ابنُ أبي دُواد. فَقَالَ لَهُ يَوْمًا: يَا قاسْم، غنّني. فَقَالَ، وَالله مَا أستطيعُ ذلكَ - وَأَنا أنظرُ إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ - هَيْبَة وإجلالاً. قَالَ: فاجلس من وراءِ ستارة. فَفعل وغنى. وأحضر ابْن أبي دُواد، وأجلَسه وَقَالَ: كَيفَ تسمعُ هَذَا الْغناء؟ قَالَ: أميرُ الْمُؤمنِينَ أعلمُ بِهِ، ولكنِّي أسمعُ حسنا. فغمز غُلَاما، فهتك السِّتارة، فَإِذا أبُو دلف. فَلَمَّا رأى أَبُو دلف ابْن أبي دُواد وثب قَائِما، وَاقْبَلْ على ابْن أبي دُواد، فَقَالَ: إِنِّي أجُبرتُ على هَذَا. فَقَالَ: مَا ماجنُ. لَوْلَا دربتُك فِي الْغناء، منْ أينَ كنت تَأتي مثل هَذَا؟ هبْك أجُبرْت على أَن تُغني، مَنْ أجُبرَك على أَن تُحسن؟ ذكر ابنُ أبي دواد أَبَا الهذيْل، فَقَالَ: كلامُه مُطلٌّ على الْكَلَام كإطلال الغَمام على الْأَنَام. لما مَاتَ عبدُ الله بن طَاهِر قَالَ الواثقُ لأحَمد بن أبي دُواد: قد عزمتُ يَا أَبَا عبد الله - على أَن أقَلِّد إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم خُرَاسَان. فَقَالَ: لرأي أَمِير الْمُؤمنِينَ فضْلُه، غير أَنِّي رأيتكُم تحفظُون الأخْلافَ للأسلاف. فَقَالَ: حسْبُك. وَعقد لطاهر بن عبد الله. قَالَ العدلي الشِّطْرنجي للواثق: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. مَا قَمرني فلانٌ إِلَّا أَنِّي كنت سكْرانَ. فَقَالَ لِابْنِ أبي دُواد: يَا أَبَا عبد الله. فأقم عَلَيْهِ الْحَد. قَالَ: وَلم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قد أقرَّ على نَفسه بالسُّكْر. فَقَالَ: هَذَا إقرارُ افتخار لَا إقرارُ اعْتِرَاف. قَالَ يحيى بنُ أَكْثَم: نلتُ القضاءَ، وقضاءَ القُضاة، والوزارة، مَا سُررتُ بِشَيْء مثل قَول المُستمْلي: من ذكرتَ - رَحِمك الله؟ دخل عبدُ الرَّحْمَن بنُ إِسْحَاق القَاضِي على إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الظَّاهِرِيّ، فَبينا هُوَ يخاطبُه إِذا وَقعت عينُه على قِطْعَة وتر للعود كانتْ على البَساط، فَأَخذهَا، وَجعل يلفُّها على يَده، ويبعثُ بهَا سَهْوا. ورآهُ إِسْحَاق فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد: لَا

تغلطْ، وتخرجْ وَفِي يدك مَا فِيهَا، فتلْقَى من الْعَامَّة مِثْلَمَا لَقينَا مِنْك. فاستحى عبدُ الرَّحْمَن وَأَلْقَاهَا، وَضرب إسحاقُ الفراشين ألْف مقْرعة بِهَذَا السَّبب. لما قَالَ دِعْبلُ فِي المعتصم: ملوكُ بَنِي العباسِ فِي الكُتب سبعةٌ ... وَلم يأتينا فِي ثامن لَهُم كُتبُ كَذَلِك أهلُ الْكَهْف فِي الْكَهْف سبعةٌ ... خِيَار إِذا عُدُّوا وثامنُهم كلبُ لقد ضَاعَ أْمرُ النَّاس حِين يسُوسُهم ... وصيفٌ وأشْناسٌ وَقد عظُم الخطبُ نذر المعتصمُ دمَه، وطُلب طلبا شَدِيدا، فتوارى وهرب. فَسمع ابنُ أبي دواد المعتصم يَوْمًا يَقُول: لأقْتلن دْعَبلا. قَالَ: وَلم؟ قَالَ: هجاني. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. إِن دعبلا شريفٌ، وَعِنْده من الْفضل مَا يردَهُ عْن هَذَا. وَلَكِن أَخْبرنِي من المُبْلغُ لَك ذَلِك عنْه؟ قَالَ: عمِّي إبراهيمُ الْمهْدي. قَالَ: أَتَاك الخبرُ، أنَّ إِبْرَاهِيم موتورٌ، فَفِي حُكْمك قبولُ قَول حاقد مُحْفظَ. قَالَ: معاذَ الله. قَالَ: إِن دعبلاً هتك إِبْرَاهِيم عمَّك بقوله أَيَّام تولِّيه الْخلَافَة: إِن كانَ إبراهيمُ مُضْطلعاً بهَا ... فَلتصلُحن من بعده لمخارق ولتَصْلُحَنْ من بعد ذَاك لزلزلٍ ... ولتصلحن من بعده للمارق فَضَحِك وقَال: أجلْ. إِن كانَ إبراهيمُ خليفةٌ فمخارق وليُّ عْهد، وَقد صفَحنَا عمَّا أَردْنا. قَالَ: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ أجلٌّ من أَن يعْمُرَ قلباً بحزْن ساخطاً، وَلَا يعمره بسرور رَاضِيا. قَالَ: فاحكُمْ يَا أَبَا عبد الله. قَالَ: خَمْسُونَ ألف دِرْهَم يرمٌّ بهَا حَاله. فَقبض المَال، وأنفذ الكتابُ إِلَى مصرَ، وَكَانَ دعبلٌ بهَا فلمْ يشكْرهُ دعبل وكافأه بِأَن قَالَ فِيهِ: سحقتْ أمُّهُ ولاط أبُوه ... لَيْت شعْري عَنهُ، فمنْ أَيْن جَاءَ؟ فِي أهاج كَثِيرَة لَهُ فِيهِ.

وسُعي بِأبي تَمام إِلَى المعتصم أنَّه قَالَ فِي شعريٍ مدح بِهِ أَبَا سعيد الثفري. تزحزحي عَن طَرِيق المُجِد يَا مضرُ ... هَذَا ابنُ يُوسُف لَا يُبقي وَلَا يذرُ فَنَذر المعتصمُ دَمه. فَقَامَ ابنُ أبي دواد، فكذب عَنهُ، وحَلف مُجْتَهدا: أَن هَذَا الشّعْر لَيْسَ من طرفِ شعر أبي تَمام حَتَّى استنقذه من سَخطِهِ. فكافأَهُ أَبُو تَمام أحسن مُكَافَأَة، وشكره أحسن شكر، ومدحهُ بقصائدهِ الْمَشْهُورَة فِيهِ. غضب المهديُّ يَوْمًا على شريك فَقَالَ: يَا بن الزَّانِيَة. فَقَالَ شريك: أمة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَمَا عِلمتُها إِلَّا صوّامةً قوّامة. فَقَالَ لَهُ: يَا زنديقُ، لأقتْلنَّك. فَقَالَ شريك، وَكَانَ جهوريَّ الصوتِ -: إِن للزنادقة عَلَامَات يُعرفون بِهَا، شربهم القهواتِ، واتخاذهم القّيناتِ، ونومهم عَن العتماتِ فأطَرق المهديُّ، وَقَامَ شريك، فَخرج. ذكر أنَّ جمَاعَة من الرؤساء باتُوا عِنْد أبي دُواد فَلَمَّا أخذُوا مضاجعَهم إِذا الخدمُ قد أخرَجُوا لكل وَاحِد مِنْهُم جَارِيَة. قَالَ: فاحتشموا مِن ذَاك. وَبَات الْجَوَارِي نَاحيَة، وَقَامَ، بعضُهم، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا وَجه بجاريةِ كل وَاحِد إِلَى منزله، وَمَعَهَا وصيفةٌ. دخل ابنُ أبي دُواد إِلَى الواثق - وَقد أَتَى بِابْن أبي خَالِد الَّذِي كَانَ بالسِّند، فَقَالَ: وَالله، لأضربنَّك بالسِّياط. وَوَاللَّه لَا يكلٍّمُني فِيك أحدٌ من النَّاس إِلَى ضربتُ بَطْنه، وظهرَه. فَسكت حَتَّى ضربه عشْرين سَوْطًا. ثمَّ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فِي هَذَا أدبٌ، وَفِي دُونِه استصلاح، ومجاوزتُه سرفٌ. وَإِنَّمَا أبقى عَلَيْك من القصاصِ. قَالَ: أَو مَا سمِعتَ يَمِيني أَلا يكلمني فِيهِ أحدٌ إِلَّا ضربتُ ظَهره وبطنه. قَالَ: قد سمعتُ. لَكِن يُكفِّر أميرُ الْمُؤمنِينَ، وَيَأْتِي الَّذِي هُو إِلَى الله عز وَجل أقربُ، وَعِنْده أفضلُ. قَالَ: خليا عَنهُ. كفِّر يَا غلامُ عَن يَمِيني. سُئل رجلٌ من البُلغاءِ عَن يحيى بن أَكْثَم، وأحمدَ بن أبي دُواد: أيُّهما أنبلُ؟

فَقَالَ: كَانَ أَحْمد يجدُّ مَعَ جَارِيَته وَابْنَته، وَيحيى يهزلُ مَعَ خَصمه وعدوِّه. وَكَانَ ابنُ أبي دواد يتَحَلَّل عَن أَن يُخَاطب بالوزارة، وَالْقَضَاء فَلَا يخاطبُ إِلَّا بالكُنيه. وَكَذَلِكَ روحُ بنُ حَاتِم المهلَّبي ولِي إفريقية وَالْبَصْرَة، والكوفة، وأرمينية وَغير ذَلِك، فَلم يُسُمَّ بالإمرة قطُّ، وَإِنَّمَا كَانَ يكنَّى بكُنيته، وَكَانَ يكنَّى أَبَا خلف. وَكَذَلِكَ السِّنديُّ بنُ شاهك. وَقَالَ ابنُ الزيَّات يَوْمًا لِابْنِ أبي دواد فِي مناظرة بَينهمَا: لستُ بنبطي، وَلَا دَعي - يعرض بِهِ. فَقَالَ: مَا دُونك أحدٌ فتنزل إِلَيْهِ، وَلَا فَوْقك من يقبلُك فتنتمي إِلَيْهِ. قَالَ الحسنُ بن وهب: شكرتُ أَبَا عبد الله أَحْمد بن أبي دواد على شَيْء كَانَ مِنْهُ. فَقَالَ لي: لَا أحُرَجك اللهُ، وَلَا إيّانا إلاّ أَن نَعْرِف مَالنا عِنْد الأصدقاء. وتخطى بعضُ بني هَاشم رِقَاب النَّاس عِنْد ابْن أبي دواد، فَقَالَ: يَا بُني، إِن الْأَدَب ميراثُ الْأَشْرَاف، وَلست أرى عِندك مِن سَلفِك مِيرَاثا. فاستحسَن كلامَه كلُّ من حضر. قَالَ الواثق يَوْمًا لِأَحْمَد بن أبي دواد فِي رجل حُمِل إِلَيْهِ من بعض النواحي: قد عزمَتُ على ضرب عُنقه. فَقَالَ: لَا يحِلّ لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: فأضربه بالسِّياط. قَالَ: ظهر الْمُسلم حِمى إِلَّا من حد. قَالَ لَهُ: أَنْت أبدا تعترض عَليّ. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أخافُ عَلَيْك العامَّة. قَالَ: وَمَا عَسى العامَّةُ تفعلُ؟ قَالَ: أقولُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَا تغْضب. قَالَ: قُل. قَالَ إِذا رأوْك قد جُرْت فِي الحكم، أخذُوا بِيَدِك فأقامُوك عَن مجْلِسِك، وأجْلْسوا غَيْرك. قَالَ: فأمْسك الواثقُ، وَلم يحر جَوَابا، وَزَالَ الْمَكْرُوه عنْ ذَلِك الرجل. وَقَالَ ابنُ أبي دْواد: موتُ الْأَحْرَار أشدُّ من ذهَاب الْأَمْوَال. وَقَالَ: الشجاعةُ شجاعةٌ فِي الْقلب، والبخلُ شجاعةٌ فِي الوَجْهِ.

قَالَ رجل لِابْنِ شُبْرُمة: ذهب العلمُ إِلَّا غُبَّراتٍ فِي أوعيةِ سوء. وَقَالَ الشّعبِيّ: كَانَ بَين عبدِ الله بنِ شُرَيْح وَبَين قوم خصومةٌ. فَقَالَ: يَا أبهْ. إِن بيني وَبَين قوم خُصُومَة، فإنْ كَانَ الحقُّ لي خاصمتهُم. قَالَ: اذكر لي قصَّتك. فَذكر مَاله، قَالَ: إيتني بهم. فَلَمَّا أتاهُ بِهم قضى على ابْنه، فَقَالَ لمْا رَجَعَ: يَا أبه. لَو لمْ أخُبِرك بقصتي كَانَ أعذر لَك عِنْدِي. فَقَالَ: يَا بُني أَنْت أعزُّ عَليّ من ملءِ الأَرْض مثلهمْ، واللهُ أعزُ عَليّ مِنْك، كرهتُ إِن أخبَرتُك أَن الْقَضَاء عَلَيْك أَن تخافهم فتصالحهم.

الباب التاسع كلام السحن البصري

الْبَاب التَّاسِع كَلَام السحن الْبَصْرِيّ كَانَ الحجاجُ يقولُ: أخطبُ النَّاس صاحبُ الْعِمَامَة السوداءِ بَين أخصَاص الْبَصْرَة، إِذا شَاءَ تكلمَ، وَإِذا شاءَ سكت يَعْنِي الْحسن كتب إليْه عُمر بنُ عبد الْعَزِيز: أَن أَعنِي بِبَعْض أَصْحَابك. فَكتب إِلَيْهِ الحسنُ: أما بعد. فَإِنَّهُ مَن كَانَ من أَصْحَابِي يُرِيد الدُّنْيَا فَلَا حَاجَة لَك فِيهِ، ومَن كَانَ يُرِيد الْآخِرَة فَلَا حَاجَة لَهُ فِيمَا قَبَلك، وَلَكِن عَلَيْك بذوي الْإِحْسَان فَإِنَّهُم إِن لم يتقوا استحيُوا، وَإِن لم يستحيُوا تكرموا. وَقَالَ: كن فِي الدُّنْيَا كالغريب الَّذِي لَا يجزعُ من ذُلِّها وَلَا يُشَارك أَهلهَا فِي عزِّها. للنَّاس حالٌ وَله حالٌ أُخْرَى، قد أهمته نَفسه، وَعلم لما بعْد الْمَوْت، فَالنَّاس مِنْهُ فِي عَاقِبَة، ونفْسهُ مِنْهُ فِي شُغل. ذكرُوا أَنه سمع رَجلاً يقُولُ: أهْلَك اللهُ الفُجَّارَ فَقَالَ: إِذن نَسْوحِشُ فِي الطُّرق. قَالَ أَعْرَابِي المحسن: علِّمني دينا وسُوطا، لَا ذَاهِبًا شطُوطاً، وَلَا هابطاً هبوطاً. فَقَالَ الحسنُ: لَئِن قُلت ذَلِك، إِن خيرَ الْأُمُور لأوْساطُها. وَقَالَ لهُ رجلٌ: إِنِّي أكرَهُ الْمَوْت. قَالَ: ذَاك أَنَّك أخرت مَالك وَلَو مقدمتهُ لسرك أَن تلْحق بِهِ. وَقَالَ: اقدّعُوا هَذِه النُّفوسَ فَإِنَّهَا طُلعةٌ، واعْصُوها فإنكُمْ إِن أطعتموها تنزِع

بكُمْ إِلَى شرِّ غَايَة، حادثُوها بالذِّكر فَإِنَّهَا سَريعةُ الدُّثور. قَالَ عنبَسَةُ: شهدْتُ الْحسن يقُولُ - وَقَالَ لَهُ رجلٌ بلغنَا أَنَّك تقولُ: لوْ كَانَ عَليّ بِالْمَدِينَةِ يأْكُل من حَشفها كَانَ خيرا لهُ مِمَّا صَنع - فَقَالَ الحسنُ: يالُكِعُ أما وَالله لقد فقدتُموه سَهماً من مَرَامي الله غير سَئُوم عَن أَمر الله وَلَا سروقة لمَال الله. أعْطى الْقُرْآن عَزائمَهُ فِيمَا عَلَيْهِ، ولهُ، فأحلَّ حلالهُ، وحرّم حَرامَهُ، حَتَّى أورْدَهُ ذَلِك رياضاً مونقةٌ، وَحَدَائِق معدِقةً ذَاك ابنُ أبي طَالب يَا لُكعُ. وَقَالَ الحسَنُ: لَا تزُولُ قدمُ ابْن أدَم حَتَّى يُسْأَل عَن ثَلَاث: شبابه: فيمَ أبلاه؟ وعمْره: فيمَ أفناهُ؟ وَمَاله: من أَيْن اكْتَسبهُ؟ وفيم أنفقهُ؟ وَرَأى رجلا يكيد بِنَفسِهِ فَقَالَ: إِن أمْرأً هَذَا آخرهُ لجديرٌ أَن يزهدَ فِي أَوله، وَإِن امْرأ هَذَا أولُه لجدير أَن يخَاف آخِره. وَقَالَ: بِعْ دنياك بآخرتك تربحُهما جَمِيعًا، وَلَا تبع آخرتك بدنياك فتخسرَهُما جَمِيعًا. وَقَالَ: مَن أَيقَن بالخلف جادَ بِالْعَطِيَّةِ. وَقَالَ: مَن خَافَ الله أَخَاف الله مِنْهُ كل شيءٍ، ومَن خَافَ الناسَ أخافهُ اللهُ من كل شيءٍ. وَقَالَ: مَا أُعْطى أحدٌ شيئْاً من الدُّنيا إِلَّا قيل لهُ: خُذْهُ وَمثله من الحرْص. قَالَ الحَسنُ: إِن قوما جعلُوا تواضُعَهُمْ فِي ثِيَابهمْ، وكبرَهُمْ فِي صرورهم حَتَّى لصَاحبُ المدْرعة فِي مدْرعَته أشدُّ فَرحا من صَاحب المُطرف بمطْرفه. وَقَالَ: مَن كَانَ قبْلكُم أرقُّ قلوباً، وأصْفقُ دينا، وأنتُمْ أرقَّ منهُمْ دينا، وأصْفقُ قلوباً. قيل لخَالِد بن صَفْوَان: مَن أبلغُ النَّاس؟ قَالَ: الحَسنُ البصريُّ لقَوْله فضحَ الموْتُ الدُّنيا. لوْ عقل أهلُ الدُّنيا خربَتْ الدُّنيا. وَقَالَ: أهينُوا الدُّنيا فو الله لأهنأُ مَا تكُونُ حِين تُهينُونها. وَقَالَ لَهُ رجلٌ: مَا تَقول فِي الدُّنيا؟ قَالَ: حَلالُها حسابٌ، حرامها عذابٌ.

فَقَالَ لَهُ: مَا رأيتُ أوْجز من كلامك. فَقَالَ الحسنُ بل كلامُ عمرَ بن عبد الْعَزِيز أوجزُ من كَلَامي. كتب إِلَيْهِ بعضُ عُمَّال حمْص: أما بعد: فإنَّ مَدِينَة حمْص قد تهدمت، واحتاجَت إِلَى إصْلَاح. فَكتب إِلَيْهِ عمر: حصِّنها بالعْدل، ونقِّ طُرقها من الجورْ. والسلامُ. قَالَ الْحسن لفرقْد: يَا أَبَا يعْقُوب. بَلغنِي أنَّك لَا تَأْكُل الفالوُذج. قَالَ: يَا أَبَا سَعيد. أخافُ أَلا أودي شُكرَهُ. قَالَ: يَا لكُع {} هلت تُؤَدّى شكرَ المَاء الْبَارِد؟ ؟ وسَمعَ رجلا يشكُو علَّةً بِهِ إِلَى آخر. فَقَالَ: أمَا أنَّك تشكُو مَن يَرْحَمك إِلَى مَن لَا يرْحَمك. وَقيل لهُ: مَن شرُّ النَّاس؟ قَالَ: الَّذِي يرى أنَّهُ خيرُهم. وَقَالَ: قدْ ذمّ اللهُ الثِّقَل فِي القُرآن بقوله " فَإِذا طعمْتُمْ فَانْتَشرُوا " وَقَالَ: الدُّنيا كُلُّها غمُّ، فَمَا كَانَ فِيهَا من سرُور فَهُوَ ربحٌ. وَقَالَ: إِن الله - جلّ ثناؤهُ - لم يأْمرْ نبيَّه عَلَيْهِ السلامُ بمشاوَرة أَصْحَابه لحَاجَة منهُ إِلَى آرائهمْ، ولكنَّهُ أحبَّ أَن يُعَلِّمه مَا فِي المشورة منْ البَركة. ويُروي عَنهُ أَنه قَالَ منذُ دَهر ندْعُو الله فنقولُ: اللَّهُمَّ اسْتعْمل علينا أخيارنا فأعظمْ بهَا مُصِيبَة أَلا يُسْتجاب لنا، وأعظمُ من ذَلِك أَن يكون اسْتجيب لنا فَيكون هؤلاءِ خيارنا. وَذكر الدُّنْيَا فَقَالَ: المؤمنُ لَا يجزعُ من ذُلِّها وَلَا يُنافس فِي عزِّها. وَقَالَ: أربعٌ قواصم لِلظهْرِ: إمامٌ تُطيعُه ويُضلُّك، وزوْجةٌ تأْمنُها وتخونُك، وجارٌ إِن علم خيرا سترهُ، وَإِن علم شرّاً نشرَهُ وفقرٌ حاضرُ لَا يجدُ صاحبُه عَنهُ شارداً. وَوصف الْأَسْوَاق. فَقَالَ الأسْواقُ مَوَائِد الله مَن أَتَاهَا أصَاب مِنْهَا.

وَقَالَ: من عمل بالعَافية فيمَن دونه رزُق بالعافية مِمَّن فوقهُ وَقيل لهُ: كَيفَ رَأَيْت الوُلاة يَا أَبَا سَعيد؟ قَالَ رأيتهُمْ يبْنون بِكُل ريع أَيَّة يعْبثُون. ويتخذُون مصانع لعَلهُمْ يخلدُونَ. وَإِذا بطشُوا بطشُوا جبارين. وَكَانَ يقولُ: ذمُّ الرجل نفسَهُ فِي العَلانية مدَحٌ لَهَا فِي السِّر. وَقَالَ: مَن وسَع اللهُ عَلَيْهِ فِي ذَات يَده فَلم يخف أَن يكُون ذَلِك مكراً من الله بِهِ فقد أَمن مخُوفاً، ومَن ضيق اللهُ عَليه فِي ذَات يَده فَلم يرْجُ أَن يكُون ذَلِك نظرا من الله لهُ فقد ضيّع مأْمولاً. وَقَالَ: إِن من عَظِيم نعم الله على خلقه أنْ خلق لُهمْ النَّار يحُوشُهم بهَا إِلَى الْجنَّة. وَقَالَ لرجُل: كيْف طَلَبك للدُّنيا؟ قَالَ شَدِيد. قَالَ: فَهَل أدْركت مِنْهَا مَا تُريد؟ قَالَ: لَا. قَالَ فَهَذِهِ الَّتِي تطلُبها لم تدْرك مِنْهَا مَا تُرِيدُ فَكيف بِالَّتِي لَا تطلُبها؟ وَقَالَ: ابنُ آدم أسبرُ الجُوع، صريعُ الشَّبع. وَذكر يَوْمًا الْحجَّاج فَقَالَ: أَتَانَا أعيْمشَ أخيفشَ. لَهُ جُمَيْعةٌ يُرَجِّلُها فَأخْرج إِلَيْنَا لماماً قِصارا، وَالله مَا عرق فِيهَا عنانٌ فِي سَبِيل الله. فَقَالَ: بايعوني. فبايعْناهُ ثمَّ رقى هَذِه الأعوادَ ينظر إِلَيْنَا بِالتَّصْغِيرِ، وَنَنْظُر إِلَيْهِ بالتعظيم، يأْمُرنا بِالْمَعْرُوفِ ويجتنبُه، وينهانا عَن الْمُنكر ويرتكُبه. وسُئل عَن قَوْله تَعَالَى: " إنْ الَّذين يَشْتَرُون بعَهْد الله وأيْمانِهِمْ ثمنا قَلِيلا " مَا الثمنُ القليلُ؟ قَالَ: الدُّنيا بحذافيرها. وَقَالَ: الدُّنْيَا تطلبُ الهاربَ مِنْهَا، وتهرُبُ من الطَّالِب لَهَا، فَإِن أدْركت الهارب مِنْهَا جرحَتهُ، وَإِن أدْركهَا الطَالبُ لَهَا قتلتُه. وَقَالَ: رُب هَالك بالثناء عليْه، ومغرور بالستر عليْه، ومسْتدرَج بالإحُسان إِلَيْهِ. وَقَالَ: عَن لمْ تُطعْك نفسُك فِيمَا تحملُها عليْه مِمَّا تكرَهُ فَلَا تُطعْها فِيمَا تِحملُك عَلَيْهِ. مِمَّا تهوى.

وَقَالَ تشبه زيادٌ بعمرَ فأفرط. وتشبه الْحجَّاج بِزِيَاد فأفرط، وَأهْلك الناسَ. وَقَالَ: المؤُمنُ لَا يحيفُ على مَن يُبْغِض، وَلَا يأْثم فِيمَن يُحبُّ. وَقَالَ لهُ بعضُ الجُند فِي زمن بني أمَية: تُرَى أَن آخذ أرزاقي أوْ أتركها حَتَّى آخذ من حَسَناتهم يَوْم القيامَة؟ قَالَ: مُرْ فخُذ أرزاقك، فَإِن الْقَوْم يَوْم الْقِيَامَة مفاليُس. وَكتب إِلَى أَخ لَهُ: أما بعد: فَإِن الصِّدق أمانةٌ، وَالْكذب خيانةٌ والإنصاف راحةٌ، والإلحاح وقاحةٌ، والتواني إضاعةٌ، والصِّحة بضاعةٌ، والحزم كباسةٌ، والأدَب سياسة. وَقَالَ: يَا ابْن آدم. اصحب الناسَ بِأَيّ خُلأق شِئْت يصحَبُوك بِمثلِهِ. وَقَالَ: الرِّجالُ ثلاثةٌ، رجلٌ بِنَفسِهِ، وَآخر بِلِسَانِهِ، وَآخر بِمَالِه. وَقَالَ لَهُ رجُل: لي بُنيةً وَأَنَّهَا تُخطبُ. فمّن أزوِّجُها؟ قَالَ: زَوجهَا مِمَّن يَتَّقِي الله فَإِن أحبها أكرمَها، وَإِن أبغضها لمْ يظلمْها. وَقَالَ: كُنَّا فِي أَقوام يخزُنُون ألسنتهُم، ويُنفقُون أوراقهم، فقدْ بَقينَا فِي أَقوام يخزنُون أوراقُهم، وينفِقُون ألْسِنتهم. وَكتب إِلَى عُمرَ بن عبدِ الْعَزِيز. أمَّا بعدُ: فكأنْك بالدنُّيا لم تكُن، وكأنْك بِالآخِرَة لم تَزَلْ. وَقيل لَهُ فِي أَمِير قدِم الْبَصْرَة، وَعَلِيهِ دَيْنٌ قد قضاهُ. فَقَالَ: مَا كَانَ قطُّ أَكثر دَيْناً مِنْهُ الْآن. وَقَالَ: يُنَادي مُنَاد يَوْم القيامةِ: من لهُ عَلى الله أجرٌ فليقُمْ، فيقُومُ العافُون عَن النّاس. وتلا قَوْله تَعَالَى: " فَمن عَفا، وأصْلح فأجْرهُ على الله " اجْتاز نخَّاسٌ مَعَ جَارِيَة بهِ. فَقَالَ أتبيعُها؟ قَالَ: نعَمْ. قَالَ: أفترضى أَن تقبض ثمنهَا الدِّرهم والدِّرهمْين حَتَّى تستوفي؟ قَالَ: لَا: قَالَ: فَإِن الله عزَّ وَجل

قد رضى فِي الحُور الْعين بالفلسِ والفلسَين. وَطلب ثوبا ليَسْتتِر بِهِ، فَقيل لهُ: بثلاثةَ عَشر درهما ونِصف. فَقَالَ خُذ أَرْبَعَة عشر. فالمُسْلم لَا يُشاطرُ أخاهُ الدِّرهمَ. وَقيل لَهُ: مَا بالُ النَّاس يُكرمون صَاحب المَال؟ قَالَ: لِأَن عشيقهُم عِنْده. وَكَانَ بلالُ بن أبي بُردة أكُولاً. فَقَالَ الحسنُ فِيهِ: يتكئ على شمالهِ. ويأْكل غيرَ مَاله، حَتَّى إِذا كظَّه الطعامُ يقولُ: ابغُوني هاضُوما. ويَلك {} وَهل تهضم إِلَّا دينك {} وَكَانَ الحسنُ إِذا دخل خَتَنُة تنحى عَن مَكَان لَهُ، وَيَقُول: مرْحباً بِمن كفى المؤنثة، وَستر العورةَ. وَمن كَلَامه: مسكينٌ بانُ آدم، مكتومٌ الأجَل والعِلل، أسيرُ الجُوع والشَّبع. وَنظر إِلَى جَنَازَة قد ازدحَم الناسُ عَلَيْهَا فَقَالَ: مَا لكُم تزدَحُمون؟ ؟ هَا هِيَ تِلْكَ ساريتُه فِي الْمَسْجِد اقعدوا تحتهَا، وصنعُوا مَا كَانَ يصنع حَتَّى تَكُونُوا مثله. وَقَالَ لشيخ فِي جَنَازَة: أتُرى أَن هَذَا الميِّت لَو رَجَعَ إِلَى الدُّنْيَا يعملُ علما صَالحا؟ قَالَ: نعمْ قَالَ لَهُ: إِن لم يكن ذَاك فكنْ أنتَ ذَاك. وَنظر إِلَى قُصُور المهالبةِ، فَقَالَ: يَا عجبا رفعوا الطين، ووضعُوا الدِّين، وركُبوا البراذِين، وَاتَّخذُوا الْبَسَاتِين، وتشبهوا بالدَّهاقين فذرهم فِي غمُرنهم حَتَّى حِين. وَكَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّا نعوذُ بك أَن نملَّ معافاتك. فَقيل لَهُ فِي ذَلِك. فَقَالَ: أَن يكون الرجلُ فِي خفض عَيْش فتدْعُوه نفسهُ إِلَى سَفر. وَدخل إِلَى مَرِيض قدْ أبلَّ من علَّته، فَقَالَ لَهُ: إنَّ الله ذكرك فاذكُرْه وأقالك فاشكُره. ويقالُ: إنَّ أوّل كَلَامه أنَّه صلى يَوْمًا بِأَصْحَابِهِ، ثمَّ انْفَتَلَ، وَأَقْبل عَلَيْهِم، فَقَالَ: أَيهَا الناسُ، إِنِّي أعظُكُم، وَأَنا كثيرُ الإسْراف على نَفسِي، غير مصلح لَهَا،

وَلَا حاملها على الْمَكْرُوه من طَاعَة ربِّها. قد بلوْتُ نَفسِي فِي السراءِ والضَّراءِ، فلمْ أجدْ لَهَا كثير شُكر عِنْد الرَّجَاء وَلَا كَبِير صَبر عِنْد الْبلَاء وَلَو أَن الرجل لَمْ يعظ أَخَاهُ وَحَتَّى بحكمَ أمْرَ نَفسه، ويكمل فِي الَّذِي خُلق لَهُ من طَاعَة ربه لقلَّ الواعظونُ الساعون إِلَى الله بالحثِّ على طَاعَته، وَلَكِن فِي اجْتِمَاع الإخوان واستماع حَدِيث بَعضهم من بعض حيّاة للقلوب، وتذكيرٌ من النِّسيان. أَيهَا الناسُ إِنَّمَا الدُّنْيَا دارُ مَن لَا دَار لَهُ، وَبهَا يفرحُ من لَا عَقل لهُ، فأنزلُوها منزلتها. ثُمَّ أمْسَك. وَلما مَاتَ أخوهُ بَكَى، فَقيل لَهُ: أَتَبْكِي يَا أَبَا سَعيد؟ فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي لمْ يَجْعَل الحزنَ عاراً على يعقُوب. وَقَالَ: إِذا خرجتَ من مَنْزِلك فَلَقِيت من هُو أسنُّ مِنْك فقُل: هَذَا خيرٌ مني عبَدَ الله قبْلي، وَإِذا لقِيت من هُوَ دُونك فِي السنِّ فَقل: هَذَا خيرٌ مني عصيْتُ الله قبلهُ. وَإِذا لقيتَ من هُوَ مثلُك فَقل: هَذَا خيرٌ مني أعرفُ من نفس مَالاً أعرفُ مِنْهُ. وَكَانَ يقولُ: يَا عجبا لقوم قَدْ أمروا بالزاد، وأوذنُوا بالرحيل، وَأقَام أولهُم عَلَى آخِرهم، فليْت شعري مَا الَّذِي ينتظرون؟ ونظرَ إِلَى النَّاس فِي مصلى الْبَصْرَة يضحكُون، ويلعبون فِي يَوْم عيد، فَقَالَ: إِن الله - عزّ وجلّ - جعلَ الصَّوْم مضماراً لِعِبَادِهِ ليستبقُوا إِلَى طَاعَته، ولعمْري لَو كُشف الغطاءُ لشُغل محْسنٌ بإحسانه، ومسيءٌ بإسَاءته عَن تجْديد ثوم، أَو ترطيل شعر: وَكَانَ يَقُول: اجْعَل الدُّنيا كالقنطرة تجوزُ عَلَيْهَا وَلَا تعمرها وَقَالَ تلقى أحدهُم أبيْض بضا يملخُ فِي الْبَاطِل مَلخاً، وينفض مذروْيه، ويضربُ أصدريه، يقولُ هأنذا فاعرفُوني قَدْ عرفناك، فمَقتك اللهُ ومقتك الصالحُون. وَقَالَ: نِعَمْ اللهِ أَكثر من أَن تُشكرَ إِلَّا مَا أعَان عَلَيْهِ. وذُنوب ابْن آدم أَكثر من أَن يسْلم مِنْهَا إِلَّا مَا عَفا عَنهُ وَكَانَ يقولُ ليسَ العجبُ مِمَّن عطب كَيْفَ عطب؟ إِنَّمَا العجبُ مِمَّن نجا كَيْفَ نجا؟

وَكَانَ يقولُ: حادثُوا هَذِهِ القُلُوب فَإِنَّهَا سريعةُ الدُّثُور، واقدَعُوا هَذِهِ الْأَنْفس فَإِنَّهَا طلعةٌ، فَإِنَّكُم إِلَّا تقدعُوها تنْزع بكُم إِلَى شرِّ غَايَة. وَقَالَ لمطرِّف بن عبد الله بن الشخير: يَا مطرَفُ، عظ أَصْحَابك. فَقَالَ مطرِّفُ: إِنِّي أخافُ أَن أقولَ مَالا أفعلُ. فَقَالَ الحسنُ: يَرْحَمك الله وأيُّنا يفعلُ مَا يقُولُ؟ يود الشَّيطانُ أَنه ظفِر بهذهِ مِنْكُم، فلمْ يأْمرْ أحدٌ بِمَعْرُوف، وَلَمْ ينْه عَن مُنكر. وَكَانَ يقولُ: مَا حَاجةُ هَؤُلَاءِ، السُّلْطَان، إِلَى الشرطِ. فَلَمَّا ولي القضاءَ، كثُر عَلَيْهِ النَّاس فَقَالَ: لَا بُدَّ للِنَّاسِ مِن وزعَةٍ. وَكَانَ يقُولُ: لِسَانُ العاقِل مِن وراءِ قلبهِ فَإِن عرض لَهُ القولُ نظرَ فَإِن كَانَ لهُ أَن يَقُول قَالَ، وإنْ كَانَ عليْه القولُ أمسْك، ولسانُ الأحمق أَمَام قلْبه فَإِذا عرَض لهُ القولُ قَالَ عليهِ أوْ لهُ. وَكَانَ الحسنُ ينُكر الحكُومة، وَكَانَ يذكر عُثمان فيترحم عليْه، ويلَعنُ قتلتهُ، وَيَقُول: لَو لم نلعْنهُم للَعُنَّا. ثمَّ يذكُر عليا - عَلَيْهِ السَّلَام - فَيَقُول: لمْ يزلْ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رحمهُ الله - يتعرفُ النَّصْر، ويساعدهُ الظفر حَتَّى حكّم. ولمَ تُحكِّم والحقُّ مَعَك؟ أَلا تمْضِي قدُماً - لَا أَبَاك - وأنْت على الحقِّ.؟ ؟ قَالَ المبِّرد: قَوْله: لَا أبالك كلمةُ فِيهَا جفاءُ. والعربُ تستعمُلها عِنْد الحثِّ على أخْذ الحّقِّ والإغْراءِ. وَذكر الْخَوَارِج: فَقَالَ: دعاهم إِلَى دين الله فجعلُوا أصابَعْهم فِي آذانهم وأصرُّوا واستكبروا استكباراً، فَسَار إِلَيْهِم أبوُ الْحسن فطحنهُم. وَقَالَ: لَو لم يُصب ابنُ آدم الصِّحة والسَّلامة لأوشكا أَن يرداه إِلَى أرْذل

العمُر فحدِّث بذلك محَّمدُ بن جَعْفَر فأعجَبه، وَقَالَ: سُبْحَانَ الله مَا أعجَب كَلَام الْعَرَب وأشبه بعضه بِبَعْض؟ ؟ وَالله لَكَانَ النَّمر بنْ توْلب، سمع هَذَا. فَقَالَ: يُسر الْفَتى طولُ السَّلامة جاهداً ... فَكيف ترى طول السَّلامة يفْعلُ؟ وَقَالَ حميد بن ثَوْر وحسْبُك دَاء أنْ تصحَّ وتسْلما. وَكَانَ يدعُو ويقُولُ: اللَّهُم أعْطنا قُوَّة فِي عبادتك، وبصراً فِي كتابك، وفهْماً فِي حكمك، وأتنا كِفْلين مِنْ رحْمتِك. بيِّض وجُوْهنا بنُورك، واجْعلْ راحتنا فِي لِقائِك، واجعلْ رغبتنا فِيمَا عنْدَك مِن الْخَيْر. اللهمَّ إننَّا نعُوذُ بك منْ العَجز والكسل، والهرم، والجُبْن، البُخل اللَّهُمَّ إنَّا نعوذُ بك مِنْ قُلُوب لَا تخشعُ، وأنْفُس لَا تشبعُ، اللَّهُم إنَّا نُعِيذ بك أنْفسَنا وأهلينا وذرارينا من الشَّيْطَان الرَّجيم. وَقَالَ: إنَّما تعظُ مُسترْشداً ليفهم، أَو جَاهِلا ليتعلم، فأمَّا منْ وضع سَيْفه وسوطهُ: أحذرني فَمَا لَك ولهُ؟ وَقَالَ: إنَّ قوما لسُوا هَذِه المطارف الْعتاق، والعمائِمَ الرِّقاق، وأوْسعُوا دُورهم، وضيَّقُوا قبورهُم، وأسْمنُواً دواتهم، وأهزلُوا ديِنهُم، طَعَام أحدهمْ غصْب، وخادِمُه سُخره، يتكئ على شمالهِ، ويأْكل من غير مالهِ، حَتَّى إِذا أدركْتهُ الكظَّةُ، قَالَ: هَلُمِّي يَا جَاريةُ. هاضُوماً. وَيلك {} وَهل تحطم إِلَّا دينك؟ . . أَيْن مساكينك؟ أيْن يتامالك؟ أيْن مَا أمَرك اللهُ بِهِ أَيْن؟ أَيْن؟ ؟ . وَرَأى رجلا يمشي مشْيَة منْكرةً. قَالَ: يخْلجُ فِي مشْيِه خلجان المجنُون. لله فِي كلِّ عُضْو منهُ لقمةٌ، وللشَّيطْان لعبةٌ. كَانَ أَبُو الْحسن اسمُه يسارٌ، واسُم أمِّه خيرةُ، مولاةٌ لأمِّ سَلمَة أمِّ الْمُؤمنِينَ،

وَكَانَت خيرةُ رُبمَا غابتْ فيبْكي الحسنُ فتعطيه أمُّ سَلمَة ثدْيها تُعلِّلُه بهِ، وَإِلَى أَن تجيءَ أمهُّ فدرَّ عَلَيْهِ ثديُها. فيرون أَن تكل الْحِكْمَة والفصاحة، مِنْ برَكةِ ذَلِك. ونشأَ الحسنُ بوَادي القُرىِ. وشكا إِلَيْهِ رجلٌ ضِيق المعاش، فَقَالَ: ويحَك {} أهاهُنا ضيقٌ أوْ سعةٌ إنَّما الضيقُ والسَّعةُ أمامك. وَقَالَ: لوْلا قِصَر هِمَم النَّاس مَا قامتْ الدُّنيا. وَقَالَ: يَا بْن آدَم: إِنَّمَا أنْت عَدَدْ أيامك إِذا مضى يومٌ مضى بعْضُك وتذاكُروا عنْدهُ أمْرَ الصَّحابةِ. قَالَ الحسنُ: رحمهُم الله، شهدُوا وغِبنْا وعَلموا وجَهلْنا، وحفِظْوا ونسينا. فَمَا أجْمعُوا عليْه اتبْعَناهُ، وَمَا اختلفُوا فِيهِ وقفناه. وَقَالَ: حَقُّ الوَالِد أعظمُ وبر والوَالدة ألزمُ. وَقَالَ: عَاشر أهْلك بِأَحْسَن أخْلاقك، فإنَّ الثَّواءَ فيهم قليلٌ. وَقَالَ: السُّؤالُ نصفُ العِلْم، ومُدَاراةُ النَّاس نصفُ العَقْل، والقصدُ فِي الْمَعيشَة نصفُ الْمَعيشَة. وَمَا عَال مُقْتصدٌ. وَقَالَ: خف الله خوفًا أنَّك لَو أتيتهُ بحَسناتِ أهْل الأَرْض لم يقبلْها منْك وأرْجُ الله رَجَاء ترى أنَّك إنْ أتيتهُ بسيِّئاتِ أهْل الأَرْض غفرها لَك. وَقَالَ: مَا استْودَع اللهُ رجلا عقْلاً إِلَّا اسْتنْقذهُ بِهِ يَوْمًا مَا. وَقَالَ: المؤمنُ من لَا يَحِيفُ على مَنْ يُبغْض، وَلَا يأْثُم فيمَنْ يحب. وَدخل إليْهِ أمْردُ حَسنُ الوجْهِ، فَالْتَفت إِلَى أصْحابه، فَقَالَ: لقد ذكَّرني هَذَا الْفَتى الحُور العِين. ووُلِدَ لهُ غلامٌ فَقَالَ لهُ بعضُ جُلسَائِه: بَارك الله لَك فِي هِبَتِه، وزادَك فِي نعْمتِهِ. فَقَالَ الحسنُ: الحمدُ للهِ على كلِّ حَسنة، ونسْأَلهُ الزيادَة مِنْ كلِّ نعْمة، وَلَا مرْحباً بمَنْ كُنْتُ مُقِلاً أنْصبَني، وإنْ كُنْتُ عنيّاً أذْهلني لَا أْرضى بسعْي لَهُ سَعْياً، وَلَا بكدِّي عَلَيْهِ فِي الْحَيَاة كدَّاً، حَتَّى أشْفِق عَلْيهِ بعد وفاتي من الفاقةِ، وَأَنا فِي حَال لَا يصلُ إِلَى مِنْ همةً حُزنٌ، وَلَا مِن فرَحه سُرُورٌ.

وَقَالَ: عِزُّ الشَّريف أدبُهُ، وعزُّ المؤمِن استِغْناؤه عَن النَّاس. وَقَالَ: العلمُ فِي الصغر كالنَّقْش على الحجَر، وَفِي الكبرَ كالرِّقُم على الماءِ. وَقَالَ: مَا أنْعَمَ اللَّهُ على عبد نعُمةً إِلَّا وَعَليِهُ فِيهَا تبعةٌ إِلَّا سُليمْان فإنَّ الله - قَالَ: " هَذَا عطاؤنا فأمننُ أَو أمسكْ بِغَيْر حِسَاب. وَقَالَ: لَا أبالك، إنْ لم تكُنْ حَلِيمًا فتحلَّمْ فإنَّه قلَّ رجلٌ يتشبَّهُ بِقوم إِلَّا أوشك أنْ يكُون مِنهُمْ. وَقَالَ: لَا تشترِين عَداوَة رجل بمودَةِ ألفِ رجُل. وَقيل أهلك فلانٌ فجْأةً. فَقَالَ: لوْ لمْ يهْلِكْ فَجْأَة لمَرض فجْأةً. وَقَالَ: مَنْ زهِدَ فِي الدُّنْيا ملكهَا، ومَن رغِب فِيهَا عبدَها. وَكَانَ يقولُ: الحُريصُ الجاهِدُ، والقانعُ الزِّاهدُ كِلاهُمَا مُسْتْوفٍ أكُلهُ عز فُنقص شَيْئا قُدرَّ لهُ، فعَلام التَّهافُتُ فِي النَّار؟ . وسَمع رجُلاً يقُولُ: الشَّحيحُ أعْذر مِن الظَّالِم فَقَالَ: وَالله إنَّ رجُلين أعْذرُهما الشَّحيحُ لرَجُلاَ سوءٍ. وَقَالَ: إنَّ الله تفرَّدَ بالكمالِ ولمْ يُعَرِّ أحَداً من النُّقصانِ. قَالَ لَهُ رجلٌ: يَا أَبَا سَعيد، مَا تقُولُ فِي الْغناء؟ قَالَ: نِعْم الشيءُ الْغَنِيّ تصلُ بِهِ الرَّحِمَ، وتفُكُّ بهِ العاني، وتُنفِّسُ بِهِ عَن المكُروب. قالَ: لستُ عنْ هَذَا أسْأَلُكَ، إِنَّمَا أسْأَلُكَ عَن الغنِاء قَالَ يَوْمًا هُوَ أتعرفُ منْهُ شَيْئا؟ قالَ: نعَمْ: قالَ: فهاتِهِ. فانْدَفَع يُغني، ويَلْوي شِدقَيْهِ، ومِنخَريْهِ، ويكسِرُ عيْنيْهِ: قَالَ: فَبُهِتَ الحسَنُ، وجَعَل يعْزُبُ عنهُ بعضُ عَقْله حَتَّى فَعَلَ كَمَا فَعَلْ الرَّجلُ يحركِ عَيْنيهِ، وكَسْر حاجبْيهِ، ثمَّ قَالَ لما تَنبَّهَ مِنْ سِنَتِه: أمسكْ يَا هَذا، قَبَّح اللهُ هَذَا. مَا كْنتُ إِلَّا فِي حُلْم. قالُوا: وَلي الحَسنُ القضَاء فَمَا حُمِدَ. يريدُ أنَّه لَوْ حُمِدَ إنْسانٌ فِي ولَايَة أوْ فضاء لحُمِدَ الحسَنُ.

وَقَالَ: يَا بُنَ أدَمَ تعفَّفْ عنَ مَحارم الله تكُن عابداً، وارْضَ بِمَا قَسَم اللهُ لكَ مِن الرزق تكُنْ غَنِيا. صَاحب الناسَ بِمَا تُحبُّ أنْ يُصاحِبُوكَ بهِ تكُنْ عَدْلاً، وإيَّاكَ وكثرةَ الضَّحكِ فإنَّه يُميتُ القَلْبَ. لقَدْ كانَ قَبلَكَ أقْوامٌ جَمَعُوا كَثيراً، وأمَّلوا بَعيداً، وبَنَوْا شَدِيدا، فأصْبحَ جمْعُهم بُوراً، ومَسَاكنهُم قُبوراً، وأمَلُهْم غُرُوراً. وقالَ: يَا بْنَ آدَمَ لَا تُجاهِدِ الطّلب جهادَ الغَالِب، وَلَا تَتَّكلْ علَى القَدَر اتكالَ المُسْتسْلم، فإنَّ ابتغاءَ الْفضل من الشرةِ، والإجُمالَ فِي الطَّلب مِنْ العِفَّةِ، وليْسَتِ العِفَّةُ بدافعة رزْقاً، وَلَا الحِرصُ بجالب فضْلاً، وإنَّ مِن الحِرصُ اكتسابَ الإثْم. وقَالَ: اشْكُرْ لِمنْ أنُعَمَ عليكَ، وأنعِمْ على مَنْ شَكَر لَكَ، فإنَّهُ لَا زَوَالَ للنعم إِذا شَكَرْتَهَا، وَلَا إدَامةً إِذا كَفَرْتَهَا، والشَّكُر زَيادةٌ فِي النِّعم، وأمَانٌ من الغِيرَ. وقالَ: إنَّ الله تباركَ وَتَعَالَى لمْ يقْصُصْ عليْنا ذُنُوبَ الأنبياءِ عليْهم السلامُ تعييراً لهُمْ، إِلَّا إزْرَاءً بهمْ، ولكنَّهُ قَصَّها عليْنَا كليلا نَيْأًس من التَّوْبَة. وَقَالَ: مثلُ المنافِق مَثلُ الدِّرْهَم القسي ينفُق فِي النَّاس مَا لمْ يُعرفُ، فَإِذا عُرفِ كسدَ. وَقيل لهُ: أيحسد المؤمنُ أخاهُ؟ قَالَ: لَا أبَالَك؟ إنِستَ إخُوَةَ يُوسف عليْهِ السلامُ. وقالَ: أوْعَد عمُر فَعوفي، وأوْعَد زيادٌ فابْتلُي. عادَ الحسنُ عبد الله بن الأهْتَم فِي مرضِهِ الَّذِي ماتَ فِيهِ، فأقْبلَ عبدْ الله بضْربُ ببَصرِه إِلَى صُنْدوق فِي جَانبِ البيْتِ، ثمَّ قالَ للحَسن، يَا أَبَا سعيد: مَا تقُولُ فِي ماِئة ألف من هَذَا الصُّندوقِ لم يؤد مِنْهَا زكاةٌ، ولمْ يُوصَلْ بِها رحمٌ؟ فَقَالَ الْحسن ثكلتك أمك فَلم أعددتها قَالَ أعددتها لورعة الزَّمَان ومكاثرةِ الإخْوانِ، وجَفْوةِ السُّلطانِ، ثمَّ مَاتَ فحضَر الحسنُ جنازتهُ فَلَمَّا دفِنَ ضَربَ بإحْدى يديهِ على الْأُخْرَى، ثمَّ قَالَ: إنْ هَذَا أتَاهُ شيْطانُهُ، يخذرهُ روية زَمَانه، وجفوةَ سلْطانه، ومكَاثُرة إخْوانِهِ فِيمَا اسْتودَعَهُ اللهُ إيَّاهُ، ثُمَّ خرجَ منْه حَريباً سليباً لم يؤدِّ مِنْها زَكَاة، ولمْ يصل مِنْهَا رحِماً. ثمَّ التفَتَ فَقالَ: أيُّها الوارِثُ كلْ هَنِيئًا، فقَد

أتاكَ هَذَا المالُ حَلَال، فَلَا يكُنْ عَلْيكَ وَبَالاً. أَتَاك مِمنْ كَانَ لَهُ جَمُوعاً مَنُوعاً، يلجّجُ فِيه لُججَ الْبحار، ومفاوز القفار. مِنْ بَاطِل جَمعَهُ ومِنْ حق منَعهُ، لم ينْتفع بهِ. فِي حَيَاته، وضرهُ بعد وفاتِه، وجمعَهُ فأوعَاهُ، وشدَّه فأوْكَاهُ، إنَّ يومَ الْقِيَامَة ليومٌ ذُو حَسرات، وإنَّ أعْظَامَ الحسَرات أنْ تَرى مالكَ فِي ميزانِ غَيْركَ ذَاكَ رجلٌ أتاهُ اللهُ مَالا حَلَالا فبَخلَ أَن يُنْفقَهُ فِي طاعةِ اللهِ فورثَهُ اللهُ غَيْرَه. فأنفقَهُ فِي طاعةِ الله. فيا لَهَا حسرةً لَا تُقَالُ، وَرَحْمَة لَا تُنَال، فَإنَّا لله وإنَّا إِلَيْهِ راجعُون. وَقَالَ: ابنَ آدم: بعْ دُنْياكَ بآخِرتِك تربَحْهُما جَمِيعًا، وَلَا تَبعْ آخرتكَ بدنْياك فتخسرهما جَمِيعًا. يَا بن آدم: وَإِذا رأيْت النَّاس فِي الْخَيْر فنافسُهم فيهِ، وَإِذا رأيتَ النَّاس فِي الشرِّ فَلَا تغبطهم الثواء قَلِيل هَا هُنَا والبقاء طَوِيل هُنَاكَ أمتكُم أخِر الأُمم وأنتُمْ آخِر أمّتِكُمْ، وقدْ يسرِعُ بخياركُمْ فَمَاذَا تنتظُرون؟ المعاينة: فكأنْ قَد. هيْهاتَ هيهاتَ ذهبت الدُّنْيَا لحالِ بالها، وبقيتِ الأعمالُ قَلائدَ فِي أعُناقِ بني آدم، فيا لَهَا موعظةً لَو وافقَتْ قبولاً! إنهُ وَالله لَا أمة بعد أمتكُم، وَلَا نَبِي بعد نَبِيكُم، وَلَا كتابَ بعدَ كتابكُمْ. أنْتُم تسوقُونَ الناسَ والساعةُ تسُوقُكُمْ، وَإِنَّمَا ينُتظرُ بأولكمْ أَن يَلْحق أخِركم. مَنْ رأى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ فقد رآهُ غَادياً رائِحاً، لم يَضَعْ لَبنةً على لبنة وَلَا قصَبةً عَلَى قَصَبَة رفع لَهُ علم فشمر إِلَيْهِ فالوحاء الْعَطاء والنجاء علام تعرجون. أتيتُهم وَرب الكعبةِ أسْرع بخياركم وأنتُم كل يَوْم ترذُلُون. فَمَا تَنْظرون؟ ؟ إِن اللهَ بعثَ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ عَلىَ علم مِنْهُ، واختارَهُ لنفْسِهِ، وبعثَهُ برسالته، وأنْزَالَ عليهِ كتابهُ، وكانَ خَيرتَهُ من خَلقِهِ، ورسولهُ إِلَى عباده، وثُم وضَعَهُ من الدّنْيا موضِعاً ينظُرُ إليْه أهلُ الأرْض، وأتَاهُ مِنْها قوتاً وبُلْغةً ثمَّ قَالَ: " لقد كَانَ لكم فِي رسُول اللهِ أسوةٌ حسنةٌ " فَرغب قومٌ عَنْ عَيشهِ، وسَخطوا مَا رَضِي لهُ ربهُ، فأبعدَهُمُ اللهُ واسْحقَهُم. وابنَ أدمَ: طأْ بقدمكَ الأرْضَ فَإِنَّهَا بعد قَلِيل قبرُكَ واعْلم أنكَ لم تزَلْ فِي هَدْم عمرك مذُ سقطتَ من بطن أمك. رحِم الله عبدا نظر ففكر، وفكر فاعتبرَ، وَاعْتبر فأبصَر، وأبصرَ فصبرَ، فلقدْ أبْصَرَ أقوامٌ فلمْ يصبرُوا فذهبَ الجزعُ بقلوبهم، وَلم يُدْركُوا مَا طَلَبُوا، وَلم يَرْجعُوا إِلَى مَا فارقُوا يَا بنَ آدَمَ اذكر قولهُ " وكلُ

إنُسان ألزَمناهُ طائِرهُ فِي عُنقُهِ ونُخرجُ لَهُ يومَ الْقِيَامَة كتابا يلُقَاهُ منْشوراً. اقُرَأ كتابكَ كفى بنفْسِكَ اليومِ عليكَ حسبياً " ابْن آدمَ عَدَل عَلَيْك من جعلكَ حسيبَ نفسكَ. خُذُوا مِن الدُّنيا مَا صَفَا، وذرُوا مَا كدر. فليْس الصفْوُ مَا عادَ كَدراً، وَلَا الكَدر مَا عادَ صَفَاء. دَعُوا مَا يُريُبكُمْ إِلَّا مالاَ يُريبكُمْ. ظَهَر الجفاءُ، وقلتِ العُلَماء، وعَفَتِ السُّنةُ وشاعَت البدْعةُ. لَقدْ صَحبتُ أَقْوَامًا صُحْبتَهُم قرةٌ العْين وجلاءُ الصدْر، وَلَقَد رأيتُ أقْواماً كانُوا مِنْ حَسناتهم أنْ تُرَد عَلَيْهِم أشفقَ منكُم من سَيِّئَاتكُمْ أَن تُعذبُوا عَلَيْهَا، وكانُوا فِيمَا أحَل اللهُ لَهُم مِن الدنْيا أزْهدَ مِنْكُم فِيمَا حَرمَ عليْكُم مِنْها أسْمَعُ حسيساً وَلَا أرى أنيساً. ذَهبَ الناسُ، وبقيتُ فِي النِّسْنَاس، لَو تكاشَفْتُم مَا تَدافَنْتُمْ. تَهاديْتُم الأطباق، وَلم تهادَوْا النصائح. قَالَ عمرُ بنُ الْخطاب: رحمَ اللهُ مَنْ أهْدى إليْنا مَساويَنَا. أعِدوا الجوَابَ فإنكُم مسئُولُون. الْمُؤمن من لَا يَأْخُذ دينهُ عَن رَأْيه، وَلكنه يأخذُهُ من قبَل ربه، وَإِن هَذَا الْحق قد أجْهدَ أهْلهُ، وَمَا يَصْبُر عليْه إِلَّا مَنْ عرفَ فضلهُ، وَرَجا عاقبتَهُ، فَمن حمد الدُّنْيَا ذمّ الْآخِرَة، وَلَيْسَ بكرهُ لقاءَ الله إِلَّا مقيمٌ على سخطه. بِابْن آدَمَ إِن الإيمانَ لَيْسَ بالتحلي وَلَا التَّمَنِّي، ولكنهُ مَا وقَر فِي القلْب، وصدقتْهُ الأعمالُ. وكانَ إِذا قَرَأَ " ألْهَكُمُ التكاثُرُ " قالَ: عَم أَلْهَاكُم؟ عَن نَار الخُلود، وجنة لَا تبيد. هَذَا وَالله فضَحَ القَوْمَ، وهتك السترْ، وأبدي العورةَ، تُنْفِقُ مثل دينك فِي شهوتكَ سَرفًا، وتمنع فِي حق الله درهما {ستعلَم يالُكَع} {. الناسُ ثلاثةٌ: مؤمنٌ، وكافرٌ، ومنافقٌ: فَأَما المؤمنُ فقدْ ألجَمهُ الخوفُ وقومهُ ذكرُ العَرْض. وَأما الكافرُ فقد قمعهُ السيفُ، وشردَهُ الخَوفُ، وأذعَنَ بالجزْيةِ، وأسْمَح بالضريبة. وَأما المنافقُ فَفِي الحُجراتِ والطرقَات، ويُسروُّن غَيرَ مَا يُعْملُون، ويُضْمُرونَ غَيْرَ مَا يُظْهرُونَ، فاعُتبرُوا إنْكارَهُم ربهُم بأعْمَالهمْ الخَبيثَةِ. ويْلَكَ} قَد قَتَلْتَ وَليَّهُ، ثُم تَتَمَنى عليهِ جنتهُ! ابنَ آدمَ. كَيفَ تكونُ مُسْلماً - وَلم يسْلَمْ مِنْكَ جارُك؟ وكيفَ تكُونَ مُؤمنا - ولمْ يأمنْك الناسُ. وكانَ يقولُ: رحِمَ اللهُ أمرأً اكْتَسَب طيِّباً، وأنْفَقَ قصْداً، وقَدم فضْلاً. وجِّهُوا

هذِهِ الفضولَ حيثُ وجهَها اللهُ، وضَعُوهَا حيثُ أمَر اللهُ، فَإِن مَنْ كانَ قَبْلكُمْ كانُوا يأْخُذُون مِن الدُّنْيا بُلْغَتَهُمْ، ويْؤثرون بالفَضْل أَلا إِن هَذَا الْمَوْت قد أضرّ بالدنيا ففضحها فَلَا وَالله مَا وجدَ ذُو لُب فِيَها فَرحا، وإياكُم وَهَذِه السُّبُلَ المُتفرِّقة الَّتِي جماعُها الضلالةُ وميعْادُها النارُ. ابنَ أدَم: إنْ كانَ لَا يُغْنيكَ مَا يكُفيكَ فليْسَ هَاهُنَا شيءٌ يُغْنيكَ، وإنْ كانَ يُغْنيكَ مَا يَكفيكَ فالُقليلُ مِنَ الدُّنْيا يَكفيكَ. ابْنَ أدَمَ: لَا تَعْملْ شيْئاً مِن الحقِّ ريَاءً وَلَا تَتْركُهُ حَيَاءً. وكانَ إذَا ذُكرَ الحجاجُ قَالَ: يتْلُوا كتابَ الله على لخْم وجذام ويَعظُ عظةَ الأزَارقِة، ويَبْطِشُ بَطْش الجبارين. وَبعث عمرُ بنُ هُبيرةَ إِلَى الحسنِ، وابنِ سِيرِين، والشْعبي فقدمُوا عليْهِ فَقَالَ: إنهُ تأْتيني مِنْ أَمِير الْمُؤمنِينَ كتبٌ أعرِفُ فِي تنفيذِها الهلَكةَ فإنْ أطَعتُه عَصيْتُ الله فَمَاذَا تَروْن؟ فَقَالَ الحَسنُ. يَا بنَ سِيرِين أجبِ الْأَمِير فسَكَتَ ثمَّ قالَ: يَا شعْبيُّ أجبِ الْأَمِير - فَتكلم الشعْبي بِكَلَام هَيْبةً وتقيةٌ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعيد، وَمَا تَقُول؟ فقالَ: أما إذْ سألْتنِي فَإِنَّهُ يَحِقُّ على أنْ أجِيبَكَ، وَإِن الله مَانُعِكُ مِنْ يزيدَ، وَلنْ يمنعَكَ يزيدُ مِن اللهِ، وَإنَّهُ يوشكُ أَن ينظلَ بكَ مَالكٌ من السَّمَاء فيَسْتنزِلكَ مِنْ سريرك إِلَى سعةِ قَصْركِ ثُم يخرجَكَ من سَعةِ قَصْرِك إِلَى بَاحةِ دَارِك ثمَّ يخرجكَ من باحة دَارِكَ، إِلَى ضيق قَبْركِ، ثُم لَا يُوسِعُ عليْكَ إِلَّا عملُك. يَا بْنَ هُبيرةَ إِنِّي أنْهَاكَ عنِ الله أَن تعرضَ لهُ فَإِنَّمَا جَعلَ اللهُ السلطانَ ناصراً لعبادِهِ، ودِينِه، فَلَا ترْكَبُوا عبادَ الله بُسلْطان الله فتُذلوهُم، فَإِنَّهُ لَا طاعةَ لمخلُوق فِي مَعْصيةِ الله. يَا بْن هُبيرةَ إِنِّي قَد أدُركتُ نَاسا من صَدْرِ هذِه الأمةِ كَانُوا فِيمَا أحَل الله لهُم أزهدَ مِنكُمْ فِيمَا حرم الله علْيكُمْ، وكانُوا لِحَسنَاتِهِم أَلا تُقْبلَ أخُوَفَ مِنكُمْ لسيئاتِكم أَلا تُغُفَرَ. وكانُوا وَالله لثوابِ الآخرِة بِقلوبهم أبصرَ مِنْكُمْ لمتاع الدُّنيا بأعُينكمِ، فكانُوا وَالله عَن الدنُّيا وَهِي إليهِمْ مُقْبلةٌ أَشد إدباراً مِنْ إقبالكم علْيها وَهِي عَنْكُم مُدْبرةٌ. يَا عُمَرُ، إِنِّي أخوفُكَ مقَاما خَوفكَهُ اللهُ مِنْ نفْسِهِ، فقالَ: " ذلكَ لمن خافَ

مقَامي وخَافَ وَعيد ". يَا عُمرُ. وَإِن تكُنْ مَعَ يَزيد يكْفك الله بائَقَتَهُ. وإنْ تكُنْ مَعَ يَزيدَ عَلى الله يَكلِكَ إليهِ. قَالَ فبكَى عُمَرُ ثمَّ قامَ بعَبْرَتِهِ وأرْسَلَ إليهِمْ مِنَ الغَد بإذنهم وجائزتهمْ وأعْطَى الحَسنَ أرْبَعةَ آلَاف دِرهم وكُل وَاحِد منهُما ألَفيْنِ ألفَينِ فَخرج الشّعبِيّ إِلَى الْمَسْجِد فَحدث النَّاس سَاعَة ثُمَّ قَالَ: من قدر مِنْكُم يَا أيُّها الناسُ أنْ يُؤْثَر اللهَ على خَلْقه فليَفْعَلْ، فَإِن الأميرَ ابنَ هبيرةَ أرسَلَ إِلَيّ وَإِلَى الحسنِ وبنِ سِيرينَ، فسألَنَا عَنْ أمْرِ اللهِ. فوَاللَّه مَا عَلمَ الحسنُ مِنْه شَيْئا جهِلتُهُ وَلَا علمتُ شَيْئا جَهِلهُ ابنُ سِيرينَ، وَلَكِن أردْنا وجَه ابْن هبيرةَ فأقصَانا الله، وقصّرنا فقصّر لنا، وَأَرَادَ الحسنُ وَجْه الله فحباهُ وزاده. وروى أَن الشعْبي قَالَ لابنِ هُبيرة: لَا عليكَ أَيهَا لأميرُ. إِنَّمَا الْوَالِي والدٌ يُخطئ ويصيبُ، وَمَا يرد عَلَيْك مِنْ رَأْي أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن اسْتَطَعْت أَن ترده فَرده وَإِلَّا فَلَا ضيْرَ عَلَيْك. فَقَالَ: مَا تقُول يَا أَبَا سَعيد؟ فَقَالَ الحَسنُ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من استرعاهُ اللهُ رعيةً فَلم يُحطْ من ورائِها بالنَّصيحةِ حرمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنة ". وأمَّا رأيُ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِذا وردَ عليْك فاعُرضْهُ عَلَى كتاب الله فإنْ وافقَه فأمْضهِ، وإنْ خالفهُ فأرْددهُ، فإنَّ الله يمنعك مِنْ يزيدَ من الله وَلنْ يمنعك يزِيد من الله. ثمَّ أقْبَل على الشّعبِيّ فَقَالَ: مَا لَك ويْلك يَا شعُبيُّ {} يقولُ النَّاس: الشّعبِيّ فقيهُ أهُله الكُوفةِ تدْخُلُ عَلى جَبَّار مِن الجَبابرَةِ فتُزيِّنُ لَهُ الْمعْصِيَة. فَقَالَ: واللهِ يَا أَبَا سَعيد لقد قُلْتُ وَأَنا أعُلم مَا فِيهِ. قَالَ: ذَاك أؤكُد للُحجِةَّ عَليك وَأبْعد لَك مِن الْعذر. وَقَالَ الحسنُ: لَا دين إِلَّا بمروءة. وشتمَهُ رجلٌ وأربى عليْهِ. فَقَالَ لهُ الحسنُ: أمَّا أنْتَ فَمَا أبْقيْتَ شَيْئا وَمَا يَعْلَم اللهُ أَكثر. ودَخَلَ عليْه فَرْقد وَعَلِيهِ صٌوفً وعَلَى الحَسن مُطْرف خَزٍّ، فجعَلَ ينظُر إليْه، فقَال الحسنُ: مَا تَنْظرُ؟ على ثيابُ أهْل الْجنَّة، وَعَلَيْك ثيابُ أهْل النَّار، وإنَّ أحَدهُمْ جَعَلَ زُهْدهُ فِي ثيابِه، وكِبرَهُ فِي صدرْه، فَلَهُواَ أَشدُّ عجَباً بصُوفِه مِنْ صَاحب المطرفِ بمْطرَفِهِ.

وقالَ الحَسَنُ: ذكَر اللهُ الثِّقَلَ فِي الْقُرْآن فَقَالَ عزَّ وجَلَّ: " فَإِذا طِعمتُمْ فانتشِرُوا " وَقَالَ: حَسْبُك مِنْ شرفِ الفَقْر أنَّكَ لَا تَرىَ أحدا يَعْصِي الله ليَفتقِرَ. وَقَالَ: مَا أحْسَنَ الرُّجُلَ نَاطِقاً عَالما، ومسْتَمعاً وَاعياً، وخَائِفاً عَامِلاً. وَقَالَ: إنَّ أهل بَدْر أسْلَموا مِنْ خشيَة اللهِ، وإنَّ الناسَ أسْلموا مِن خشَيَةِ أهُل بدْر. وقالَ: لولاَ أَن الله عَزَّ ذِكُرهُ أذَلَّ ابْن أدَم بِثَلَاث مَا طَأْطَأ رأسَهُ، وإنَّهُ مَع ذلكَ لوثابٌ: يمْرَضُ فجأَةً، ويموتُ فجْأةً ويَفْتقِر فَجْأةُ. وقَالَ: السِّوَاكُ مطْهَرةٌ للفم، مَرضاةٌ للرَّب، مقُرَبَةٌ مِن الملائِكةِ، مَنْفَرَةٌ للشَّيَاطين، ويَجْلُو البَصَر، ويُقِلُّ البَلْغم، ويُصْلِحُ المعِدَة، ويشُد اللَّثَتةَ ويُذْهِبُ الْحفر. وقالَ: أشدُّ النَّاس صُرَاخاً يومَ الْقِيَامَة رجلٌ سَنَّ ضَلَالَة فاتُّبع عَلَيْهَا، ورَجلٌ سيءُ المَلكة، ورجلٌ فَارغ مكفي استعَان على مَعَاصِي الله بِنعَمِهِ. وَلما مَاتَ الحجَّاجُ قالَ الحسنُ: الَّلهُمَّ أنْتَ أمتَّهُ فاقْطعْ عَليْنَا سُنَّتهُ، فإنَّهُ أتَانا أخَيْفِشَ أعَيْمِش، يمدٍ بيد قَصِيرَة البَنان. وَالله مَا عَرق فِيهَا عنانٌ فِي سَبيل الله، يُرجِّلُ جُمَّته ويخْطِر فِي مشيته، ويَصْعَد المنبرَ فيهْدِرُ حَتَّى تفوته الصَّلاةُ، لَا مِن اللهِ يَتَّقِي، وَلَا مِن النَّاس يستحي، فَوْقهُ الله وتحتهُ مائةٌ ألف أوْ يزِيدُونَ، لَا يقُولُ لَهُ قائلٌ: الصَّلاةَ أيُّها الرَّجلُ. ثمَّ يقولُ الحسنُ هَيْهاتَ. حَالَ دُونَ ذَلِكَ الَّسيْفُ والسَّوْط. وكَانَ يقُولُ: إِنَّمَا كانتْ خطيئةُ أبيكُمْ أدَم عليْهِ السلامُ فِي أكْلَة وَهِي بليَّتكُمْ إِلَى يومِ القيامةِ. وقَالَ للصُّوفيينَ: إنْ كانَتْ هَذِهِ سَرِيرَتَكُم فَقْدَ أظهر تمُوهاً، وإنْ كانَتْ خلافًا لما أعْلَنْتُمْ فقدْ هَلَكْتُمْ. وقَالَ: العِصْمةُ مَا لَمْ تجدْ، والعِفةُ إذَا قَدرْتَ.

وقَالَ: مَنْ بَدَلَ دِرهَمَهُ أحبهُ الناسُ طَوْعاً وكَرْهاً. وقَالَ: كيْفَ للرجُل بإحُراز دينهِ وهُو يطلُبُ معَاشَهُ مِمنْ لَا يُزَكى عَملَهُ. وَقَالَ: مَنْ تعززَ بالمعْصِيةٍ أوْرَثُهُ الله الذِّلةَ. وقالَ: مَن اتكلَ على حُسْنِ اختيارِ اللهِ لهُ لم يتمَن أنهُ فِي غَيرِ حَالتهِ الَّتِي اخْتَارَهَا اللهُ لهُ. وَقَالَ: مَنْ لمْ يُؤمن بالقدرِ كَفرَ، وَمن حملَ ذنبهُ على اللهِ فجرَ. وَقَالَ: رُب مَحْسُود عَلَى رَجاءٍ هُوَ بلاؤهُ، ومَرْحوم مِنْ سقَم هُوَ شِفاؤُه، ومغُبوطِ بِنعمة هِيَ داؤه. وقالَ: لهَذِهِ القُلوبِ إقْبَالٌ وإدبارٌ، فَإِذا أقْبَلتْ فاحُملُوها على النوافِل، وَإِذا أدْبرتْ فاحُمِلُوها على الفَرائضِ. وقَالَ: تجْرِي الأمورُ على المقاديرِ وَالنَّاس لَا يَقْبلُونَ المعَاذِيرَ. وَقَالَ: حَسْبُكَ مِن العِلمْ أَن تَخْشَى اللهَ، وحَسْبُكَ مِنَ الجَهْل أنْ تُعْجَبَ بِعِلُمِكَ. وقالَ: وجدتُ خَيْرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَة فِي صَبْرِ سَاعَة. وَقَالَ: جَهد الحقُّ الناسَ فَلَا يَصْبِرُ لهُ إِلَّا مَنْ عَرفَ فضْلَهُ ورجَا عاقِبتَهُ. وسألَه رجلٌ فَقَالَ: غُلامٌ يتعلمُ القِرآنَ، وأبُوهُ بأْمُرهُ أنْ يتعلمَ الشِّعْرَ فَقَالَ. يتعلمُ القُرآنَ ويتعلمُ مِنَ الشِّعْرِ مَا يُرْضِي أَبَاهُ. وقَالَ: لِأَن أقْضِي حاجةَ أَخ أحبُّ إِلَيّ مِنْ أنْ اعْتَكِفَ سنَةً. وروُي عَنْ أبي عَمُرِو بن الْعَلَاء أنهُ قَالَ: مَا رأيتُ قَرَوييْنِ أفْصَحَ مِن الْحسن وَالْحجاج.

ونَظَرَ أعْرابي إِلَى الحَسن، فقيلَ لهُ: يكفَ تراهُ؟ فَقَالَ: أرى خيْشُوم حُرٍّ. وقَالَ لهُ رجلٌ يَا أَبُو سعيد. فقَالَ الحسنُ: شغلَكَ كَسْبَ الدوَانِيقِ عنْ أنْ تقُولُ يَا أبَا سَعيد. وقَالَ لهُ آخَرُ: يَا بُو سَعيد. فقالَ: أينَ غذيِتَ قالَ: بِلَا يلة. قَالَ: مِنْ هَذَا أتيتَ. وَقَالَ: من دخلَ مَدَاخِلَ التُّهَمةِ لَم يكُنْ لَهُ أجرُ الغَيْبةِ. وَقَالَ: من أمَّلً فَاجِراً كانَ أدنَى عُقُوبَتِهِ الحرمانُ. دخَل أعْرابيُّ البَصْرة، فَقَالَ: مَنْ سَيِّدُّهُم؟ قَالُوا: الحَسنُ بنُ أبي الحَسن. قَالَ: وبِمَ؟ قَالُوا: اسْتَغْنَى عَمَّا فِي أيْديهم من دُنْيَاهُمْ. واحُتَاجوا إِلَى مَا فِي يَدَيْهِ من دينه. فقالَ: بخ بخ. بِهَذَا سَادهُمْ. وسَمعَ الحسنُ رجلا يصفُ الفالوذَج فقالَ: فُتَاتُ البُرِّ بلُعابِ النحُلِ بخالِصِ السمْنِ. مَا عَابَ هَذا مُسْلِمٌ.

الباب العاشر نكت من كلام الشيعه

الْبَاب الْعَاشِر نُكَتٌ مِنْ كَلام الشِّيَعة أخُبرنَا الصاحبُ كَافِي الكفَاةِ رحمةُ اللهِ عليْهِ قالَ: أخبرنَا عبدُ اللهِ بنُ محمَّد، قالَ: أخْبرَنَا عبْدُ الله بنُ الْحسن، قَالَ: أخُبرَنَا سهْلُ بنُ مُحَمَّد قَالَ: أخُبرنَا عبْدُ الرَّحمَن بن الْمثنى قَالَ: عبد الْملك فَلَمَّا بلغ إِلَى العظة قَامَ إِلَيْهِ رجل من آل صُوحانَ. فقالَ: مَهْلاً مَهْلاً. تأُمُرونَ فَلَا تأُتَمرونُ، وتَنْهَوْنَ وَلَا تنتهُون، وتعظُون وَلَا تتعظُونَ. أفَنَقْتَدي بسيرتكُمْ فِي أنْفُسكُم أمْ نُطيع أمُركُمْ بأَلْسنَتكُم؟ فإنْ قُلْتُم: اقتَدُوا بسيرتنَا فَإِنِّي؟ وكَيْفَ وَمَا الحُجَّةُ؟ ومَا النصيرُ منَ الله بإقتداء سيرَة الظَّلمَة الفسَقة، والجَورة الخَونة الَّذين اتخَذُوا مَال الله دُولا، وعبيدهُ خَولاً وَإِن قُلْتُمْ: اقبلُوا نَصيحتنَا، وأطيعُوا أمرنَا، فكْيفَ يَنُصَحُ لغيره مَنْ يَغُش نَفْسَهَ.؟ أمْ كيْفَ تَجبُ الطاعةُ لمنْ لمْ تَثُبتْ عنْدَ الله عدالَتُه؟ وإنْ قلُتْم خُذوا الحكمَةَ من حُيثُ وجدتُموهَا، وأقبلُوا العظَةَ ممَّن سَمعتُموهَا فَعلامَ وليْنَاكم أمْرَنَا، وحَكَّمْناكُمْ فِي دمائنا وأمْوالنَا؟ أمَا علمتُمْ أنَّ فينَا مَنْ هُوَ أنْطَقُ منْكُم باللغَات وأفْصَحُ بالعِظاتِ؟ فَتحلْحلوا عَنْهَا أَولا، فأطْلِقُوا عِقَالَها، وَخَلُّوا سَبيلَهَا يَبتْدِرْ إِلَيْهَا ألُ رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم الذينَ شَرَّدْتُموهُمْ فِي البلادِ، وفرَّقتُموهُمْ فِي كُلِّ وَاد، وبل تثْبت فِي أيْديِكُمْ لانْقِضاءِ المُدَّةِ وبُلُوغ المُهْلةِ، وعِظَم المحنةِ. إِن لكُلّ قَائِم قَدَراً لَا يعْدُوهُ وَيَوْما لَا يخُطوه، وكتاباً معدَه يتلُوهُ " لَا يُغادِرُ صغيرَةً، وَلَا كَبِيرَة إِلَّا أحْصاها " و " سَيَعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أيَّ مُنْقَلَب يَنْقِلبون ". قَالَ ثُمَّ أجْلسَ الرَّجُلُ فطُلِبَ فَلَمْ يُوجَدْ.

نَظَر شريفٌ إِلَى رءوسِ بنيِ أُميَّة - وَقد حُمِلتْ إِلَى أبي العبَّاسِ فقَامَ وقَالَ: هذِه رؤسٌ ربَّاهَا النِّفاقُ، ورَّبتهُ، وغَذَّاهَا الكُفْرُ وغَذَّتْهُ، ودَعاهَا الجْهلُ فأجَابتْهُ. صَرفُوا الصَّدقاتِ فِي الشَّهواتِ، والفيءَ فِي الغي والغانِمَ فيِ المحارمِ. لمَّا ماتَ الصادِقُ عليْه السلامُ قَالَ أَبُو حَنيْفَةَ لشَيْطان الطَّاق مَاتَ إمَامُك. قَالَ: لَكِن إمامَكَ لَا يموتُ إِلَى الحشْرِ. يعْني السُّنَّةَ. قالَ مُعَاويةُ لأبي الْأسود: لَوْ كُنْتَ أحَدَ الحكمَيْنِ مَا كُنْتَ صانعاً؟ قالَ: كْنْتُ أقولُ: أليْسَ أحقَّ الناسِ أنْ يُتخَيَّر مِنْهُم المهاجرُون والأنصَارُ؟ فإنَّهُ كانَ يقالُ: بَلَى: فكنتُ أقُولُ: فاعُتزِلُوا مَنْ ليْسَ منهُمْ. قَالَ معاويةُ الحمدُ لله الَّذِي كفانَاكَ. جَلسَ مُعاويةُ بالكُوفة يُبَايعُ على الْبَرَاءَة منْ على عليْهِ السَّلَام فجَاء رجلٌ مِنْ بني تَمِيم فأراده. عَلى ذلكَ فقالَ: يَا أميرَ المُؤمنين. نُطيعُ أحُياءَكُم وَلَا نتبرأ من موتاكُم. فَالْتَفت إِلَى المُغيرةِ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا رجلٌ. فاسْتَوْصِ بِهِ خيْراً. قَالَ الشَعبي: مَا لقينَا منْ عَليّ بن أبي طَالب: إنْ أحَبَبْناهُ قُتِلْنَا وإنْ أبغْضَنَاه هَلكْنَا. قَالَ عبدُ الْملك بن مروانَ لعبد الله بن عبد الْأَعْلَى الشَّاعِر: أخْبرني عَنْ أكْرَم العَرب؟ قالَ: يَا أميرَ المُؤمنين: قد سمعتَ كَما سَمِعت، وعلمتَ كَمَا علمت. قَالَ: أقْسم عليكَ لتخبرني. قَالَ: أكْرم العَرب مَنْ يحبُّ أَلا يكونَ من غَيرهَا، وَلَا يحب غَيرَه أَن يكونَ إِلَّا منْهَا. وألام العَربَ مَنْ يحب أنْ يكونَ منْ غيرهَا وَلَا يحب غَيره أنْ يكونَ مِنْها. قَالَ، فَوضَعَ عَبد الملكِ يدَه على منِكبه وقَالَ: لَو مسَحتُكَ لتناثَر منْكَ ترابٌ. يعرِّض

لَهُ بحب عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَبني هَاشم. كَانَ أَبُو الهذَيْل يَقُول: أوَّل سِهام مَنْ تحب آل محَّمد صلى الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم الَّتِي لَا يطيش عنْ أعدَائهم قَوْلهم: الْحَمد لله على طيبِ المولد. قَالَ يُونُس: قلت للخُليلِ: مَا بَال أصحَابِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّهُمْ بَنو أمٍّ وإخوة، وَعلي كنه ابْن عَلَّة؟ فَقَالَ لي: منْ أَيْن لَكَ هَذَا السُّؤَال؟ فقلْت: أُرِيد أَن تُجِيبنِي. قالَ عَلَي أنْ تكْتم عَليّ مَا دمتْ حَيا. قلْت: أجَلْ. قالَ تقدَّمَهم إسلاماً، وبذَّهم شَرَفاً، وفَاقَهم علْماً، ورَجَحَهم حلْماً، وكانَ أكْثرَهم زهْداً، فَخسروه والناسُ إِلَى أشُكَالِهم أميل. قَالَ المتَوَكل لبَعض العلوية: مَا يَقُول ولُد أبيكَ فِي العباسِ؟ قَالَ: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ مَا يَقُول ولَد أبي فِي رَجُلٍ فَرض الله حقَّ رسُولهِ على عِبَادِهِ: وفَرضَ حقَّه عَلَى رسُوله. قَالَ لَهُ: وَالْفرق بينَنَا وبينَكم. قَالَ: ذَاكَ بيِّنُ. لوْ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وسَلَّم حَيا: أكانَ حَلالاً لهُ أَن يكُونَ حُرَمي متكشفاتِ الروؤس؟ قَالَ: نَعَمْ. سُئِلَ أحمدُ بنُ حَنْبَل عَنْ قَول الناسِ: على قَسِيمُ الجنَّةِ والنَّار. فقَالَ: هَذَا

صحيحُ لأنَّ النَّبِي عَلَيْهِ السلامُ قالَ لعَلي: " لَا يحبُّك إِلَّا مؤمِنٌ وَلَا يُبغضُكَ إِلَّا مُنَافقٌ " وَالْمُؤمن من الجنَّةِ والمُنافِقُ فِي النِّار. لمَّا قدِمَ طلحةُ والزبيرُ البصْرة قامَ المطرفُ بنُ عبد الله خَطِيبًا فِي مَسْجدِهَا، فقالَ: أيُّها الناسُ: إنّ هذيْن الرَّجُلين - يَعْنِي طلحَةَ والزبيرَ - لما أضَلا دينَهُمَا ببلدِهما جاءَا يطلبانِهِ فِي بلدِكُمْ، وَلَو أصابَاه عندَكُمْ مَا زَادَاكُمْ فِي صَلاتِكُمْ، وَلَا فِي زَكَاتِكُمْ، وَلَا فِي صَومْكم وَلَا فِي حجِّكُمْ، وَلَا غَزْوكُم، وَمَا جَاءَا إِلَّا لينَالاَ دُنْياهُمَا بدينكُمْ، فَلَا تَكْونَنَّ دُنْيا قوم آثَرَ عِندكُم مِن دينكُمْ والسَّلامُ. وَكَانَ بعضُ قُضَاة الكُوفَةِ يذكرُ يَوْمًا فضائلَ أَمِير المؤمنينَ - صلوَات الله عليهِ - وحضرهُ بعَث الحشوية فقالَ للْقَاضِي: لَا أَرَاك تذْكُرُ مِنْ فضَائِلِ أبي بكر وعُمرَ شَيْئا. فقالَ القَاضِي: يَا أحمقُ، نحنُ نذكُرُ المُقاتِلَةَ وأنْتَ تَذَكُر النظارَةَ. لَقِي أبُو مُوسَى الأشعريُّ أَعْرَابِيًا، قَدْ قِدمَ من دومة والجْنَدل، فَقَالَ: يَا أعرابيُّ، مَا عِنْدَكَ مِن خَيرَ النَّاس؟ قَالَ: تركْتُهُم يَا يلعَنُونَ ثَلَاثَة قَالَ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: الْأَشْعَرِيّ، وأبَا مُوسِى، وعبدَ اللهِ بنَ قيس، كَانَ بعضُ أهل الْبَصْرَة يتَشِّيعُ وَكَانَ لهُ صديقٌ يفد إِلَيْهِ وَيُوَافِقهُ فِي مَذْهَبه فأودَعهُ مَالا فجَحَدهُ، فاضطْرَّ إِلَى أَن قالَ لمُحمدِ بن سُلَيْمَان، وَسَأَلَهُ أَن يحضرهُ، ويُحلفه بِحَق عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، فَفعل ذَلِك. فَقَالَ: أعزَّ اللهُ الأميرَ. هَذَا الرجلُ صَديقي، وَهُوَ أعزُّ عَليّ، وأجلُّ عنْدي منْ أنْ أخلف لهُ بِالْبَرَاءَةِ مْن مُخْتلفٍ فِي ولَايَته وإيمانه، وَلَكِنِّي أَحْلف لَهُ بالبَراءة منْ الْمُتَّفق على إيمَانهما وولايتهما: أبي بكر وعمَرَ، فَضَحِك محمَّد بن سُلَيْمَان، وَالْتزم المَال، وخلَّى عَن الرَّجل. قالَ أَبُو معاويةَ الضَّريرُ: بعثَ هِشَام بنُ عبد الملكِ إِلَى الأعْمش أَن أكتُبْ إِلَى بمنَاقب عُثمانَ ومساوئ عَليّ على فأخذَ الأعمشُ القرطاس، فأدخلهُ فِي فَم شَاة،

فأكلتهُ. وَقَالَ: قُلْ هَذَا جَوابُهُ. فرجَع الرسولُ ثُم عَادَ فَأتى الأعمشَ. فقالَ الرسولُ. إنَّهُ قد آلى أنْ يَقْتُلَني إنْ لمِ آتِهِ بِالْجَوَابِ وَتحمل إليْه بإخُوانِه. فقالُوا: يَا أبَا مُحمد افتِده مِن القَتْل. فلماَّ ألحُّوا قَالَ: اكُتبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. . أما بعدُ. فلوْ كَانتْ لعثمانَ مناقبُ أهل الأَرْض مَا نَفَعَتْكَ، وَلَو كانَتْ لعلى مساوئ أهْل الأَرْض مَا ضَرَّتكَ فعليْكَ بخُويصةِ نَفْسِكَ. والسَّلامُ. قَالَ ابنُ الْفرق: رأيْتُ المختارَم مسْتُورَ العْين. قلتُ: مَنْ فَعل بكَ هَذَا قطعَ الله يدهُ فَقَالَ: ابنُ الفَاعلة عبيدُ الله بنُ زِيَاد، وَالله لأقطَعَنَّ أنَامِلهُ وأباجلَهُ، ولأقتُلن بالحسيْن عَدَدَ مَنْ قُتِلَ بيْحيى بن زَكَرِيَّا. ثمَّ قَالَ. يَا بنَ الْفرق، وَإِن الفْتنَةَ قدْ ألقتْ خِطامَها، وخبطتْ وشمسَت. ثمَّ قَالَ: ورَافِعةَ ذيْلَهَا، وقائِلة: وَيْلَهَا بدجلة أَو حولهَا {} ! قَالَ عبيدُ الله بن زِيَاد لبعْض بني بكر بن وَائِل: مَا تقولُ فِينَا وَفِي الحُسَيْن وَفِي قَتْلنا إيَّاهُ؟ فقالَ: مَا أقُولُ؟ يجي جدُّه يومَ القيامةِ فيشفَعُ لَهُ ويجيءُ جدك فيشفعُ لكَ. كَانَ أبُو الأسودِ يتشيع وَكَانَ ينزلُ فِي بني قُشَيْر - وهُمْ عثمانيةٌ فَكَانُوا يرمونه بِاللَّيْلِ، فَإِذا أصْبحَ شكا ذَلِك فشكاهُم مرّة، فَقَالُوا لَهُ مَا نَحنْ نَرْميكَ وَلكنِ الله. فقالَ كذبتْمْ - وَالله - لَو كَانَ اللهُ يرِميني لما أخْطَأني. كَانَ سُفْيانُ بنُ عُييْنةَ إِذا يُشِّر بمَوْلُود مِن العلّوَيةِ أعْطى بشَارةً، وَإِذا نُعى إليْه واحدٌ جلَسَ للتعزيةِ. فقِيلَ لهُ فِي ذلكَ. فقالَ: يذهبُ أمانٌ، ويزيدُ أمانٌ، همْ أمانُ أهْل الأرْض مِن الْعَذَاب. سمعْتُ عمْرَو بن ديِنار عَن ابْن عَبَّاس أنَّ رسولَ الله صلى الله عليهَ. قَالَ: النجُومُ أمانٌ لأهْل السِّماء، وأهلُ بَيْتِي أمانٌ لأْمتي. قَالَ عبد اللهِ بنُ عَبَّاس المَخْزُومِي: قلتُ: يَا عمُّ، حَدثنِي عَمَّا كَانَ من صفو النَّاس معَ عَليّ وَإِنَّمَا هُوَ غُلامٌ منْ قُرَيْش، وَلأبي بكْر مِن السابقةِ مَا قدْ عَلمتَ،

قَالَ: إِن عليا كانَ مَا شئْتَ من ضرس قَاطع، والسلطةِ فِي الْعَشِيرَة، والقدم فِي الإسْلام، والصِّهر لِرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ، والعِلْم بالقُرآن، والفقْه فِي السُّنَّة، والنَّجدة فِي الحرْب، والجُودِ بالماعُون. دخَلَ أبوْ الطفيْل عامرُ بنُ وائلة الكنانيُّ على معاويةَ فقالَ لهُ: أْنتَ مِنْ قَتله عُثْمانَ؟ قالَ: لَا. ولكنني مِمنْ حضَرهُ فَلم يَنْصرْهُ. قالَ: ومَا منعَكَ منْ نَصْره؟ قَالَ: لمْ ينصرْهُ المُهَاجروُنَ والأنْصارُ. قالَ معاويةُ: لقد كَانَ حقهُ وَاجِبا، وَكَانَ يجبُ عليهمْ أنْ ينصروهُ. قَالَ: فَمَا منَعَكَ منْ نُصْرتَه يَا أميرَ المؤْمنينَ ومَعكَ أهْلُ الشَّام؟ قالَ: أومَا طَلَبي بدمِهِ نصرةٌ لهُ؟ فضَحكَ عامِرٌ فَقَالَ: أنْتَ وَالله وَعُثْمَان كقولِهِ: لأعْرفنَّكَ بعْدَ الموتِ تندُوبُني وَفِي حَياتِي مَا زَوَّدْتَني زادي فَقَالَ لهُ معاويةُ: دَعْ هَذَا عنْكَ، وقُلْ لي: مَا بقَّاهُ الدَّهْر مِنْ ثُكْلِكَ على عَليّ ابنْ أبي طَالب فقالَ: ثُكْلُ الْعَجُوز المِقْلاتِ، والشَّيخ الرَّقوبِ قالَ: فكيْفَ حبُّكَ لَهُ؟ فقالَ: حُبُّ أمِّ مُوسى لموسَى، وَإِلَى الله أشْكُو التَّقْصيرَ.

الباب الحادي عشر كلام الخوارج

الْبَاب الْحَادِي عشر كَلَام الْخَوَارِج من كَلَام أبي حمزةَ: تَقْوى اللهِ أكرمُ سَريرة، وأفضلُ ذَخِيرة، مِنْها ثقَةُ الوَاثق، وعليْها مِقَةُ الوَامِق. ليعمَل أمرؤ فِي فكَاك نَفْسِهِ وَهُوَ رخي اللبَب، طويلُ السَبَب، وليعْرفَ مَمدَّ يَدِه، ومَوضِعَ قَدَمِهِ، وليَحْذَر الزَّلَلَ والعلَ الَّتِي تقْطَعُ عَنِ العمَل. رحِمَ اللهُ عبدا آثَرَ التَّقْوىَ، واستشْعرَ وشعارَها واجتنىَ ثمارها. باعَ دَارَ النفدِ بدار الأبَدِ. الدُّنْيا كروْضَة اعتمَّ مَرْعَاهَا، وأعْجَبتْ مَنْ يَراهَا، تمجُّ عروقُها الثرى، وتنظفُ فروعها الندي، حَتَّى إِذا بلغَ العُشْب إناهُ، وانْتَهى الزبرج منتهاه، ضعفَ العُمودُ، وَذَوي العُودُ، وتولي مِن الزَّمان مَالا يُعود، فَحنَتِ الرياحُ الورقَ، وفرقتْ مَا أتسقَ، فأصبحَ هشيماً تذروهُ الرياحُ وَكَانَ اللهُ على كل شَيْء مُقْتَدِراً. كَانَ شبيب يقُولُ: الليلُ يكْفيكَ الجَبَانَ ونِصْفَ الشُّجَاع. أَتَى الحجاجُ بامْرَأة مِنْ الخَوارج، فقالَ لِمنْ حَضَر: مَا تروْنَ فِيها؟ قالُوا: اقْتُلْها. فقالَتْ: جُلُساءُ أخيكَ خيرٌ مِنْ جُلسائكَ: قَالَ: مَنْ أخي؟ قالتْ: فِرْعُونُ: لما شاورَ جُلساءهُ فِي مُوسَى " قَالُوا أرْجِهُ وأخَاهُ وأبعثْ فِي المدَائِنِ حاشرين " فأمَرَ بقَتْلِهَا.

مرَّ رجلٌ من الْخَوَارِج بدار تُبنى، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يُقيم كَفِيلا؟ أَخذ ابنُ زِيَاد بنَ أديَّةَ: أخَا أبي بِلَال، فَقَطعه يَدَيْهِ، وَرجلَيْهِ، وصلبه على بابِ دارِه فَقَالَ لأَهله وَهُوَ مصْلوبٌ: انْظُرُوا إِلَى هَؤُلَاءِ الموكَّلين بِي فأحسِنُوا إِلَيْهِم فَإِنَّهُم أضيافكم. أَنِّي عتابُ بن وَرْقَاء بِامْرَأَة من الْخَوَارِج فَقَالَ لَهَا: يَا عدوةَ الله، مَا دعاكِ إِلَى الْخُرُوج؟ أمَا سمعتِ الله تَعَالَى يَقُول: كُتِبَ الْقَتْل والقتال علينا ... وعَلى الْمُحْصنَات جرُّ الذيول قَالَت: يَا عَدو الله، أخرجني قلةُ معرفتك بِكِتَاب الله. كَانَ الْجُنَيْد بن عبد الرَّحْمَن يَلِي خُرَاسَان فِي أَيَّام هِشَام، فظفر بصبيح الْخَارِجِي، وبِعده، مِن أَصْحَابه، فقتلهُم جَمِيعًا، غيرَ رجل أعمى كَانَ فيهم. فَقَالَ لَهُ الْأَعْمَى: أَنا أدلُّك على أَصْحَاب صبيح، وأجازيك بِمَا صنعتَ، فَكتب لَهُ قُوماً. فَكَانَ الْجُنَيْد يقتلهُمْ حَتَّى قتل مائَة. فَقَالَ لَهُ الْأَعْمَى عِنْد ذَلِك: لعنكم الله. تزعُم أَنه يحلُّ لَك دمي. وَأَنِّي ضالَ. ثمَّ تَقبلُ قولي فِي مائَة فتقتلهم. لَا - وَالله - مَا كتبتُ لَك من أَصْحَاب صبيح رجلا وَمَا هُمْ إِلَّا مِنْكُم فقدَّمه، وَقَتله. دخل أَبُو حَمْزَة - واسْمه يحيى بن الْمُخْتَار - مَكَّة، فَصَعدَ منبرها متوكئاً على قَوْس لَهُ عَرَبِيَّة، فَحَمدَ الله، وَأثْنى عَلَيْهِ. ثمَّ قَالَ: أيُّها الناسُ، إِن رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يتقدمُ وَلَا يتأخَّرُ إِلَّا بأمْرِ اللهِ وإذْنِه ووحيهِ، أنَزلَ اللهُ لَهُ كتابا بيَّنَ لهُ فيهِ مَا يأْتي وَمَا يَتَّقِي، فَلم يَكُ فِي شَكِّ مِنْ دينهِ، وَلَا شُبْهة منْ أمْرهِ، ثمَّ قبضَهُ اللهُ إليهِ، وَقد علمَ المسْلمينَ معالم دينهِ، وَولى أَبَا بكر صلاتَهُمْ وولاه المسلمونَ أَمر دُنْياهُمْ حيثُ ولاهُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليْه وَسلم أمْرَ دينهِم، فقَاتَل أهْلَ الردِة، وعملَ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، ومَضى لسَبيِلهِ - رحمهُ اللهُ - وَولي عمرُ بنُ الْخطاب، فسارَ بسيرةِ صَاحبهِ، وعَمِلَ بالكتابِ والسُّنَّةِ، وجبى الفيءَ، وفَرضَ الأعْطِيةَ، وجمَعَ الناسَ فِي شَهْرِ رمضانَ، وجلدَ فِي الخَمْرِ ثمانينَ، وغَزَا العدوَّ فِي بلادِهمْ، ومَضَى لسبيلهِ رحمهُ اللهُ. وَولي عُثْمَان بن عفانَ فسارَ ستَّ سِنِين بسيرةِ صاحبيهِ، وكانَ دُونَهَما ثمَّ سَارَ

خطبه قطري بن الفجاءه

فِي الستِّ الأواخرِ بِمَا أحبطَ الأوائلَ، ثمَّ مَضى لسبيلهِ، وَولي عَليّ بنُ أبي طَالب فَلم يَبْلُغ من الْحق قصْداً، وَلم يرفْع لَهُ منَاراً. ثُم مضَى لسبيله، وَولي مُعَاوِيَة بنُ أبي سُفيانَ لَعينُ رسولِ الله وابنُ لعينِه فاتخذَ عبادَ الله خولاً، ومالَ اللهِ دُولاً، ودينهُ دَغَلاً فالعنُوهُ لعنَهُ اللهُ. ثمَّ ولي يزيدُ بن مُعَاوِيَة، يزيدُ الخمورِ، ويزيدُ القُرودِ، ويزيدُ الفُهودِ، الفاسقُ فِي بطنِهِ، المأبُونُ فِي فَرْجِهِ، ثمَّ اقتصهُمْ خَليفَة خَليفَة. فَلَمَّا انْتهى إِلَى عُمَرَ بن عبد العزيزِ أعْرَضَ عَن ذِكْرِهِ. ثمَّ ولي يزيدُ بنُ عبد الْملك الفاسقُ فِي بْطِنه المأبُونُ فِي فَرِجهِ الَّذِي لم يؤنس مِنْهُ رُشدٌ، وَلم يُرْعَ لَهُ عهْدٌ. وَقد قالَ اللهُ فِي أَمْوَال الْيَتَامَى " فَإِن آنستُمْ منهُمْ رُشداً فادْفعُوا إلَيهِمْ أموْالَهُم ". فأمرُ أمة مُحَمَّد أعظمُ يأكلُ الحرامَ، وبِشرْبُ الحرامَ، ويلْبس الحُلَّة قُومِّتْ ألفَ دِينَار قد ضُرِبتْ فِيهَا الأبشارُ، وهُتِكتْ فِيهَا الأسْتَارُ، وأخِذتْ مِن غير حِلِّها. حَبابة عَن يمينِهِ، وسلامةُ عَن يَسَارهِ يُغنيانِه حَتَّى إِذا أخذَ الشرابُ مِنْهُ كلَّ مَأْخَذ قَدَّ ثوبَهُ، ثمَّ التفَتَ إِلَى إحداهُمَاَ فَقالَ: أَلا أطيرُ؟ نَعمْ، فِطِرْ إِلَى النَّارِ. وَأما بنُو أُميَّة فَفٍِرقَةٌ الضلالةِ، بْطشُهمْ بطْشُ جَبْريَّة، يأخُذُونَ بالظنة، ويقْضُونَ بالهوى، ويقتُلُون على الغضبِ، ويحْكُمون بالشفَاعة، ويأخُذُونَ الفَريضَةَ مِنْ غيرِ موضعهَا، ويضعُونَها فِي غير أهْلِها، وَقد بيَّن الله أهْلَهَا فجعلَهُم ثمانيةَ أَصْنَاف. قالَ: " إنِّما الصدقاتُ للْفُقَرَاء " إِلَى آخر الْآيَة فأقبلَ صِنْفٌ تاسعٌ لَيْسَ مِنْهمَا فأخَذَها كلَّها. تْلكُمُ الأمةُ الحاكِمةُ بغَيْرِ مَا أنْزَل اللهُ. خطْبَة قطري بن الْفُجَاءَة أمَّا بعدُ: فَإِنِّي أحذِّرُكم الدُّنْيَا فَإِنَّهَا حُلوة خَضِرةٌ، حُفَّتْ بالشهوات وراقتْ بِالْقَلِيلِ، وتَحبَّبتْ بالعاجلةِ، وخلّبتْ بالآمال، وتَزيَّنتْ بالغُرور وَلَا تَدْمَ حَبْرتها، وَلَا تؤْمنُ فجيعتْها، وغرارة ضرارة، وحائلةٌ زائلةٌ، ونافِدةٌ بائدةٌ، أكالةٌ غَوَّالة، لَا تعْدُو - إِذا تناهتْ إِلَى أُمْنِية أهل الرَّغْبَة فِيهَا، والرِّضَا عَنْهَا - أنْ تكونَ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى " كَمَاء أنْزَلَناهُ من السَّمَاء، فاختلط بِهِ نباتُ الأَرْض فأصبحَ هشيماً تَذْرُوهُ الرياحُ وَكَانَ اللهُ على كل شَيْء مقتدراً.

مَعَ أَن امْرأ لم يكن مِنْهَا فِي حَبْرة إِلَّا أعقبتْهُ بعْدهَا عِبْرَة وَلم يلْقَ من سرائها بَطنا إِلَّا منحتْه من ضَرائها ظهْراً وَلم تَظِله غيمةُ رخاءٍ إِلَّا هطلتْ عَلَيْهِ مُزْنةُ بلَاء، وحريةٌ إِذا أصبحتْ لَهُ منتصرةً، أنْ تُمسي لَهُ خاذلةً مُتنَكرة، وَإِن جانِبٌ مِنْها أعذوذبَ وَاحِد ولي أَمر عَلَيْهِ مِنْهَا جانبٌ وأوبى. وإنْ آتت امْرأ من غضارتها وَرقا أرهقته من نوائبها تعباً. وَلم يْمس مِنْهَا امْرُؤ فِي جنَاح أمنٍ إِلَّا أصبحَ مِنْها على قوادمِ خوف. غرّارةٌ غرورٌ مَا فِيهَا، فانيةٌ فَإِن من عَلَيْهَا لَا خيرَ فِي شَيْء من زَاد مِنْهَا إِلَّا التَّقْوَى. من أقل مِنْهَا استكثرَ مِمَّا يؤمنهُ، وَمن استكثر منهَا استكْثَر مِما يُوبقُه ويطيل حُزنه، ويبكي عينَه، كم واثقٍ بهَا فجعته، وَذي طمأنينة إِلَيْهَا قد صرعتْه، وَذي احتيال فِيهَا قد خدعته، وَكم ذِي أبهة فِيهَا قد صيرته حَقِيرًا، وَذي نخوة قد ردْتهُ ذليلاً، وَمن ذِي تَاج قد كبتْه لِلْيَدَيْنِ، وللفَم. سلطانُها دُوَلٌ، وعيشُها رنَق وعذبها أجَاجٌ وحُلوُها صَبرٌ، وغذاؤها سِمامٌ، وأسْبابها رِمامٌ، وقطافُها سَلَع، حيُّها بعَرَضِ موت، صحيحُها بعَرَضِ سقم، منيعُها بِعَرضِ اهتضَام. مليكُها مسلُوب، وعزيزُها مغْلوبٌ، وسليمُها منكُوب، وجارها محروبٌ، مَعَ أنَّ وَرَاء ذَلِك سكراتِ الْمَوْت، وهولَ المطلعِ، والوقوفَ بَين يَدي الحكم الْعدْل " ليجزي الَّذين أساءْوا بِما عَملوا وَيجْزِي الذينَ أحْسنُوا بالحُسْنى ". ألستُم فِي مسَاكِن من كَانَ قَبْلكم أطولَ أعْمارً، وأوضح منكُم آثاراً، وَأعد عديداً، وأكثفَ جُنوداً، وأشدَّ عُنوداً. تُعبِّدوُا للدنيا أَي تعبُّد، وآثَرُوها أَي إِيثَار، وظعَنُوا عَنْهَا بالكُره والصغَار فَهَل بلَغكُم أنَّ الدُّنْيَا سمحَتْ لَهُم نفْساً بِفدْية، أَو أغْنَتْ عَنْهُم فِيمَا قد أهلكتْهُم بخَطْب؟ بل قدْ أرهقتْهُم بالفوادح، وضَعْضَعْتهُمُ بالنوائب، وعقرتهُم بالفجائع. وَقد رأيتُم تنكُّرَها لمنْ دَانَ لَهَا، وآثَرها وأخْلَدَ إِلَيْهَا حِين ظَغنُوا عَنْهَا لفراقِ الأبَد إِلَى آخرِ المُسْند. هَل زودتَهْمُ إِلَّا السغَب، وأحلَّتهم إِلَّا الضّنْكَ، أوْ نورت لَهم إِلَّا الظُّلمةَ أَو

أعقُبتْهم إِلَّا الندامة؟ أفهذه تُؤثرون أمْ عَليّ هَذِه تَحْرِصُون؟ أم إِلَيْهَا تطمئنون؟ يقولَ الله عز وَجل: " مَنْ كَانَ يُريد الحياةَ الدُّنْيَا وزِينتَها نُوَفِّ إِلَيْهِم أعْمالهم فِيهَا وهم فِيهَا لَا يُبْخَسُون " فبئستْ الدارُ لمنْ أقامَ فِيهَا فاعلُموا - وَأَنْتُم تعلمُونَ - أَنكُمْ تَارِكُوها لَا بُدَّ، فَإِنَّمَا هِيَ كَمَا وصفَها اللهُ باللعب، وَاللَّهْو. وَقد قَالَ الله تَعَالَى: " أتبنْون بكُلِّ ريع أَيَّة تَعْبَثُون وتتَّخذُونَ مصانعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدون وَإِذا بطشتُم بطَشتُم جبارين ". ذكر الَّذين قَالُوا: " من أشدُّ منا قُوَّة " ثمَّ قَالَ: حُملُوا إِلَى قُبورهم فَلا يُدعَون رُكْباناً، وأنْزِلوا فَلَا يُدعَوْنَ ضيفَاناً، وَجعل الله لَهُم من الضريح أجْناناً، وَمن الترابِ أكْفاناً، وَمن الرفُّات جِيراناً، وهم جِيرةٌ لَا يُجِيبون دَاعيا، وَلَا يمنعُون ضَيماً. إِن خَصبوا لم يَفْرحُوا، وَإِن قَحطوا لم يقُنطوا. جَميعٌ وهم آحَاد، جِيرةٌ وهم أبْعادٌ، مُتَناءْون لَا يزورُون وَلَا يُزَارُون. حُلماءُ قد ذهبتْ أضْغانُهم، وجُهلاءُ قد ماتتْ أحقادهُمْ، لَا يُخشى فجْعهُمُ، وَلَا يُرْجَى دَفْعُهمُ، وكما قَالَ الله تَعَالَى: " فتلْكَ مساكُنهم لم تُسْكَنْ منْ بعْدِهِم إِلَّا قَلِيلا وكُنَّا نحنُ الوارِثين ". واستبدلَوا بظَهْرِ الأَرْض بطْناً، وبالسَّعة ضِيقاًُ، وبالأهل غُربةً، وبالنور ظُلمة، ففَّارَقُوها كَمَا جاءُوها حُفاةً، عُرَاة، فُرادى، غيرَ أنْ ظعنُوا بأعمالهم إِلَى الحياد الدائمة، وَإِلَى خُلُود الأبَد، يقولُ الله تبَارك وَتَعَالَى: " كَمَا بدأنا أول خلق نُعيدُه وَعدا علينا إِنَّا كُنَّا فَاعِلينَ ". فاحذَروا مَا حذَّركُم الله، وانتفعُوا بمواعظه، واعتصمُوا بحَبْله. عَصَمنا اللهُ وَإِيَّاكُم بِطَاعَتِهِ، ورزَقنا إياكُم أداءَ حقِّه. قَالُوا: لما أَخذ أَبُو بيهس الْخَارِجِي، وقُطِعتَ يداهُ، ورِجْلاهٌ، تُرك يتمرغُ فِي الترابِ. فَلَمَّا أصْبح قَالَ: هَل أحدٌ يُفْرِغُ على دَلْوين؟ فَإِنِّي احتلمتُ فِي هَذِه الليلةِ. هَذَا إِن كَانَ صَادقاً فَهُوَ عجيبٌ، وإنْ كَانَ قالهُ استهانةً بمَنْ فَعلَ ذَلِك فَهُوَ أعجبُ. قَالَ بعضُهم: سمعتُ أَبَا بِلَال فِي جَنَازَة وَهُوَ يقولُ: أَلا كلُّ ميتةٍ ظنُونٌ إِلَّا ميتةَ الشجاء. قَالُوا: وَمَا ميْتةُ الشجاء؟ قالَ: امرأةٌ أَخذهَا زيادٌ فقطعَ يديْها،

ورجليها، فَقيل لَهَا: كَيفَ تريْنَ يَا شجَاءُ؟ قالتْ: قد شَغلني هولُ المطَّلَع عَن بَرْدِ حَدِيدكم. قَالَ الْحجَّاج لامْرَأَة من الْخَوَارِج: اقرئي شَيْئا من الْقُرْآن. فقالتْ: " إِذا جَاءَ نَصْر الله والفتْحُ، ورأيتَ الناسَ " " يخرجونَ فقَالَ: وَيحك يدخُلُون. قالتْ: قد دَخَلُوا، وأنتَ تُخْرِجُهم. وَقَالَ الحجاجُ لأخرى: لأحصدنكُمْ حصْداً. قالتْ: أنتَ تحصُدُ، وَالله يزرَعُ، فانظُرْ أينَ قُدْرةُ المخلُوقِ من قدرةِ الْخَالِق؟ رَأَتْ أُخْرَى منهُمْ رجلا بضًّا فقالتْ إِنِّي لأرى وَجها لم يُؤثِّرْ فِيهِ وضوء السبرَات. كَانَ شبيبُ الْخَارِجِي ينعى لأمة: فَيُقَالُ: قُتِلَ: فَلَا تُصَدِّقُ، إِلَّا أنْ قِيل لَها: غَرِقَ: فولولتْ، وصدقَتْ. فَقِيلَ لَهَا فِي ذلكَ. فقالتْ: إِنِّي رأيتُ حِين ولدتُهُ إنهُ خَرجَ مني نارٌ فعِلمتْ أنهُ لَا يُطفئُهُ إِلَّا الماءُ. وقَفَ رجُلٌ على أبي بيْهَسَ وقَدْ أمِرَ بقَطْع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فَقَالَ: أَلا أعْطيكَ خَاتمًا تتختُم بِهِ؟ فقالَ لَهُ أَبُو بيْهسُ: أشْهَد أنَّكَ إنْ كُنت مِنَ العَرب فَأَنت مِن هُذَيْل، وَإِن كنت مِن العجَم فَأَنت بَرْبَري. فسُئِل عَنه فَإِذا هُوَ منْ هُذَيْل وأمهُ بَربْرِيَّةٌ. أَتَى رجُلٌ من الخَوارج الحسنَ الْبَصْرِيّ، فقالَ لَهُ: مَا تَقولُ فِي الخَوارج قالَ: هُمْ أصْحَابُ دُنيا، وقَالَ: وَمن أينَ قُلتَ وأحدهُمْ يمْشي فِي الرُّمح حَتَّى ينكَسرَ فِيهِ، وَيخرج من أَهله ووَلَده؟ فَقَالَ الحسنُ: حَدثنِي عَن السُّلْطَان أيَمْنعُكَ من إقَامَة الصَّلَاة، وإيتَاءٍ الزَّكَاة، والحجِّ والعُمْرة؟ " قَالَ لاَ. قَالَ: فأرَاهُ إِنَّمَا مَنَعَكَ الدنُّيا فقاتلتَ. نَزَلَ رجُلٌ من الخَوارج عَلى أَخ لهُ منهُمْ فِي اسْتتارة منَ الحجَّاج، وأرادَ صاحبُ الْمنزل شُخُوصاً إِلَى بلد آخَرَ لحَاجة لهُ، فقَالَ لامْرَأَته: يَا زرقَاءُ أوصيك بضَيْفي هَذا خيرا وبَعُدَ لِوجهتهِ. فَلَمَّا عَادَ بَعْدَ شهر قَالَ لَهَا: يَا زرقاءُ. كَيفَ رأيْتِ

ضيفنا؟ قَالَت مَا أشغلهُ بالعمى عَن كلِّ شَيْء وَكَانَ الضيفُ أطبقَ عينهُ فَلم ينظُرْ إِلَى الْمَرْأَة والمنزل إِلَى أنْ عَادَ زَوْجُهَا. اجتمعَ ثلاثةٌ من الْخَوَارِج فعقد اثْنَان لِواحِد، وخَرجُوا يمْشُونَ خلْفَهَ يَلْتمِسونَ شيْئاً يركَبُهُ، فجعَلَ الأثْنان يِتَلاحيان، فالتَفتَ إليهمَا وَقَالَ: مَا هذهِ الضَّوضاءُ الَّتِي أسمَعُهَا فِي عَسْكِري؟ ؟ كبرَ رجُلَ منهمْ وهَرمَ حَتَّى لم يكُنْ بهِ نهوضٌ، فأخَذّ منزلا على ظهر الطَّرِيق، فَكلما جاءَ مطرٌ وابتلتْ الأرضُ أخذَ زجاجاً، وكَسَرهَ، ورماهُ فِي الطَّرِيق، فَإِذا مر إنسانٌ وعَقَرَ رجلَهُ الزُّجاجُ قَالَ الْخَارِجِي من وَرَاءِ البَاب: لأحُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ ثُم يقولُ: اللهُمَّ إنَّ هَذا مجْهُودي. لِقي رجلٌ بعضَ الْخَوَارِج بالموْقِفِ عشيةَ عرفةَ، فَقال لهُ: مَنْ حج فِي هَذِه السنةِ منْ أصْحابكم؟ فَقالَ: مَا حَجَّ غَيْرِي. فقالَ لَه: إنِّما بَاهي اللهُ عزَّ وجَلَ ملائِكتَهُ فِي هّذِهِ السنةِ بشقِّ محُملِهِ. وأحْضَرا الحجَّاج رجُلاً من الْخَوَارِج، فمنَّ عليهِ، وأطْلَقُه، فَلَمَّا عَادَ إِلَى أصْحابِه، قالُوا لَهُ: إنَّ اللهَ مخَلِّصُك مِنْ يدِهِ ليزيدَك بَصِيرَة فِي مذهبكِ، فَلَا تُقصِّرْ فِي الخُروج عليْهِ. فقالَ. هيْهاتَ. غل يدا مطلقُها، استرقَّ رقَبَةً معْتِقُهَا. نَظرَ رَجلٌ مِنَ الْخَوَارِج إِلَى رَجل مِنْ أصُحاب السُّلطان يتصدَّقُ على مِسْكين فقَالَ: انظْرْ إِلَيْهِم: حَسناتُهم مِنْ سيِّآتِهم. قَالَ المنْصُورُ لبعَض الْخَوَارِج - وَقد ظَفِرَ بهِ: عرفني مَنْ أشدُّ أَصْحَابِي إقْداماً كَان فِي مبارزتِك. فقالَ: مَا أعَرِفهُمْ بوجُوهِهم، وَلَكِنِّي أعْرفُ أقْفَاءَهُمْ. فقُلْ لَهُمْ يُدْبروا حَتَّى أصِفَهم، فاغتَاظَ وأمَر بقتْلِهِ. قَالَ الحجاجُ لرجل منهمْ: وَالله إِنِّي لأبْغِضُكُم. فقالَ الخارجيُّ: أدْخَل اللهُ أشدنا بُغْضاً لصاحِبهِ الجنةَ. وقيلَ إنَّ أوَّلَ مَنْ حكَّم عُروةُ بن أدَيَّة وَهُوَ عُرْوَة بنُ حُدير أحد بني ربيعةَ ابْن حنظلةَ. وأديَّة جَدَّةٌ لَهُ وَهُوَ ممَّن نجا مِن حرْب النَهْرَوان، وبَقِي إِلَى أَن أَتَى بِهِ زِيَاد فقتَلًهُ ثمَّ دَعَا مؤْلاهُ، فقالَ: صِفْ لي أمورَهْ. فقالَ: أأُطِنبُ أمْ أخْتصِر؟ فقَالَ: بلْ

اختَصِرْ فَقالَ: مَا أتيتُهُ بطَعام بنهار قطُّ، وَلَا فَرَشْتُ لَهُ فِراشاً بلّيْل قطُّ. وَكَانَ زيادٌ سألهُ عَن مُعاوية فَسَبَّهُ، وسألهُ عَن نفْسهِ، فقالَ: أولكَ لزينْةَ، وآخركَ لدعْوة وأنتَ بعد عَاص لربِّك. قالَ المبِّردُ: قد اسْتَهْوى رأيُ الْخَوَارِج جمَاعَة من الأشرَاف، يُروْى إنَّ المُنْذِرَ بنَ الجارودِ كَانَ يرى رأيهُمْ، وكانَ يزيدُ بن أبي مُسلم صاحبُ الحجَّاج يراهُ ونُسِبَ إِلَيْهِ عِكْرَمةُ مَولى ابْن عبَّاسِ ومالكُ بنُ أنس. وروى أنَّه كَانَ يذكُرَ عثمانَ، وعلياً، وطلحَةَ، والزُّبيرَ فيقولُ: واللهِ مَا اقْتَتَلوا إِلَّا على الثريدِ الأعْفَر. وَأما أبُو سَعيد الحسنُ البصريُّ فَإِنَّهُ كَانَ يُنْكرُ الحكُومةَ وَلَا يرى رأيَهُمْ. ذكَرُوا أنَّ عبدَ الْملك أتوهُ بِرَجُل من الخَوارج، فأرادَ قَتله، فَأدْخل على عَبد الْملك ابْن لهُ صغيرٌ - وَهُوَ يْبكي - فَقَالَ الخارجيُّ: دَعْهُ بيكِ فإنَّهُ أرْحبُ لِشدتُهِ، وأصَح لدِمَاغِه، وأذْهُبُ لصَوتِهِ، وأحُرى أَلا تأْبى عليهِ عينُه إِذا حَفزَته طاعَةُ الله فاستدْعى عَبْرَتَها. فأُعجبَ عبدُ الملكِ بقولهِ. وقالَ لهُ مُتعجِّباً: أمَا يشغَلُكُ مَا أنْتَ فِيهِ عَن هَذَا؟ فقالَ: مَا يَنْبغي أنْ يَشْغَلَ المؤمِنَ عَنْ قَول الحقِّ شيءٌ. فأمَرَ عبْدُ المَلكِ بحَبْسِه، وصَفَحَ عَنْ قَتْلِهِ. كانَ جماعةٌ من الخَوارج تجمعَتْ بعْد حَرْب النَّهروان فَتأسفُوا عَليّ خِذْلانِهم أصْحابَهُمْ، فقَامَ مِنْهُم قائمٌ يقالُ لهُ المُسْتَوردُ مِن بني سَعْدِ ابْن زيدِ مَنَاة، فحمدَ الله، وَأثْنى عَلَيْهِ، وَصلى على مُحَمَّد صلى اللهُ عليهِ، ثُمَّ قالَ: إِن رسُول اللهِ - صلى الله عليهِ - أَتَانَا بالعَدْل تخْفقُ راياتُه، وتَلْمع مَعَالُمه ويبلِّغُنَا عَنْ رَبِّهِ وينصَحُ لأمتِه حَتَّى قبضَهُ اللهُ مُخَيّرا مُخْتَارًا، ثُم قَامَ الصدِّيقُ فَصدّقَ عَن نبيهِ، وقاتَل مَنْ ارْتدَّ عَن دِين

ربِّهِ، وذكَرَ أَن الله عز وجَلَ قَرَنَ الصلاةَ بالزَّكاةِ، فَرَأى تْعطيلَ إحداهُما طعْناً على الْأُخْرَى، لَا بل عَلَى جَمِيع منازِلِ الدينِ، ثمَّ قبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ مَوفُوراً. ثمَّ قَامَ الفارُوقُ، فَفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل مسوياً بَين النَّاس، وَلَا مؤثراً لأقاربه، وَلَا مُحَكماً فِي دين ربه، وَهَا أنتُم تَعلَمُون مَا حَدَثَ: واللهُ يقولُ: " وفضَّل اللهُ المُجاهدين على القاعدين أجرأ عَظِيما " وَكَانَ المستوردُ كثيرَ الصَّلَاة شديدَ الِاجْتِهَاد، وَله آدابٌ محفوظةٌ عنْه. كَانَ يَقُول: إِذا أفُضيت بسرى إِلَى صديقي فأفشاه لم ألمه لِأَنِّي كنْت أولى بحفظه. وَكَانَ يَقُول: لَا تفْش إِلَى أحد سرا. وإنْ كانَ لَك مخْلصاً إِلَّا على جِهَة الْمُشَاورَة. وَكَانَ يَقُول: كن أحْرصَ على حفْظ سر صَاحبك منكَ على حَقْن دَمك وكانَ يَقُول: أقَلُّ مَا يدلُّ عَلَيْه عائب النِّاس معْرفته بالعيوب وَلَا يعيب إِلَّا معيبٌ. وَكَانَ يَقُول: المَال غير باقٍ فآشْتَر بِهِ منَ الحمْد مَا يبْقى عليكَ. وَكَانَ يَقُول: بذل المَال فِي حَقه استدعاءٌ للمزيد من الْجواد. وكانَ يُكثِرُ أنْ يَقولَ: لَو ملكت الدُّنْيا بحَذافيرها. ثمَّ دُعيت إِلَى أنْ أسْتقيلَ بهَا خَطِيئَة عَليّ لفعَلْت. وَلما أَتَى عبيدُ الله بن زِيَاد بعروةَ بن أدية - وكانَ قد أصيبَ فِي سَريَّة للعلاء بن سُويْد فِي استتاره - قَالَ لَهُ عبيدُ الله: جهزْتَ أخاكَ عَليّ: فَقَالَ: وَالله لقد كنت بِهِ ضَنيناً وكانَ لي عزا. وَلَقَد أردْت لَهُ مَا أريده لنَفْسي، فعزَم عزماً فمضَى عَلَيْهِ، وَمَا أحبُّ لنَفْسي إِلَّا المقامَ وتَرْكَ الْخُرُوج. قَالَ لَهُ: أفأنتَ على رَأْيه؟ قَالَ: كنَّا نعْبد رَبًّا وَاحِدًا. قَالَ أما لأمثلنَّ بكَ. قَالَ فاخترْ لنَفسك من القصَاص مَا شئْتَ. فأمرَ بِهِ فَقطعوا يَديْه ورجْلَيه. ثمَّ قَالَ: كيفَ تَرى؟ قَالَ أفسدتَ عَليّ دنْياي وأفسدتُ عَلَيْك آخرتَك. وَفِي

كتاب لنافع بن الْأَزْرَق كتبه إِلَى قعدَة الْخَوَارِج: وَلَا تطْمَئنُّوا إِلَى الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غّرارةٌ، مكَّارة، لذتها نافذةٌ، وَنَعِيمهَا بائد. حُفت بالشهوات اغْتِرَارًا، وأظهرتْ حَبْرةً، وأضمرتْ عَبرة، فَلَيْسَ لآكلٍ مِنْهَا أكلةٌ تسرُّه، وَلَا شربة تونقه إِلَّا دنا بهَا دَرَجَة إِلَى أَجله، وتباعدَ بهَا مَسَافَة منْ أمله. وَإِنَّمَا جعلهَا الله دَار لمنْ تزوَّد مِنْهَا إِلَى النَّعيم الْمُقِيم، والعيش السَّلِيم، فلَنْ يرضى بهَا حازمٌ دَارا، وَلَا حَكِيم بهَا قراراً، فَاتَّقُوا الله، " وتزودوا فإنَّ خَيْرَ الزادِ التَّقْوى " وَالسَّلَام على من اتبع الْهدى. وَلما حاربهم المهلّب يسلى، وسليري فُقتِل رئيسهم: ابْن الماخور اجْتَمعُوا على الزبير بن عَليّ من بني سليط، وَبَايَعُوهُ، فَرَأى فيهم انكسار شَدِيدا، فَقَالَ لَهُم: اجْتَمعُوا. فَحَمدَ الله وَأُنْثَى عَلَيْهِ، وَصلى على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ - ثمَّ أقبل عَلَيْهِم فَقَالَ: إِن الْبلَاء للْمُؤْمِنين تمحيص وأجرٌ، وَهُوَ على الْكَافرين عقوبةٌ وخزي. وَإِن يُصبْ مِنْكُم أميرُ الْمُؤمنِينَ فَمَا صَار إِلَيْهِ خير مِمَّا خلف. وَقد أصبْتُم فيهم مسلمَ بن عُبيْس، وربيعاً لأجْذم، والحجاجَ بن بَاب، وحارثه بن بدر، وأشجيتم بالمهلب، وقتلتم أَخَاهُ المعارك. وَالله يَقُول لإخوانكم من الْمُؤمنِينَ: " إِن يمسسكم قرحٌ فقد مس القومَ قرحٌ مثله وَتلك الْأَيَّام نداولها بَين النَّاس فَيوم سلى كَانَ لكم بلَاء وتمحيصاً، وَيَوْم سولاف كَانَ لَهُم عُقُوبَة ونكالاً. فَلَا تُغلبُنَ عَن الشُّكْر فِي حِينه، والصبْر فِي وقته. وثقوا بأنكم المستخلفون فِي الأَرْض وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين. وَلما اسْتردَّ مصْعبٌ المهلبَ من وَجْه الْأزَارِقَة، وولاه الموصلَ شاور الناسَ فِيمَن يستكفيه أمْرَ الْخَوَارِج، فَقَالَ قومٌ: وَلِّ عبيدَ الله بنَ أبي بكرَة. وَقَالَ قوم: ولِّ عمر بن عبيد الله بن معمر. وَقَالَ قوم: لَيْسَ لَهُم إِلَّا المهلبُ فارْدده إِلَيْهِم. وبلغتْ المشورة الخوارجَ، فأداروا الأمَر بَينهم. فَقَالَ قطريُّ بن الْفُجَاءَة الْمَازِني: إنْ جَاءَكُم عبيد الله بن أبي بكرَة أتاكْم سيدٌ، سمح، كريم، جواد، مُضيعٌ

لعسكره، وَإِن جَاءَكُم عمر بن عبيد الله أَتَاكُم شجاعٌ بَطلٌ، فارسٌ، يُقَاتل لدينِهِ، ولملكه، وبطبيعة لم أرَ مثلهَا لأحد، فقد شهدتُه فِي وقائع فَمَا نُودي فِي الْقَوْم لِحَرْب إِلَّا كَانَ أولَ فَارس يطلع حَتَّى يشدِّ على قِرنْه فيضربه. وإنْ ردّ الْمُهلب فَهُوَ مَنْ قد عرفتموه، إِن أخذْتم بطرَف ثوب أخَذَ بطرفه الآخر، ويمدُّه إِذا أرسلْتموه، ويرسله إِذا أمْددتموه. لَا يبدؤكم إِلَّا أَن تبدءوه، وَإِلَّا أَن يرى فرْصَة فينتهزَها، فَهُوَ اللَّيْث المبرُّ، والثعلب الرواغ، وَالْبَلَاء الْمُقِيم. وَلما قُتل مُصعب أَتَى الْخَبَر الخوارجَ ولمْ يأْت المهلَّبَ وأصُحابه، فتواقفوا يَوْمًا على الخَنْدَق، فناداهم الْخَوَارِج: مَا تَقولُونَ فِي المُصعب؟ فَقَالُوا: إِمَام هدي: قَالوا: فَمَا تَقولُونَ فِي عبْد الْملك؟ قَالُوا: ضَالُّ مُضل. فَلَمَّا كَانَ بعدَ يَوْمَيْنِ أَتَى الْمُهلب قتلُ المصعَب، وأنَّ النَاسَ قدْ اجْتَمعُوا على عبد الْملك ووردَ عَلَيْهِ كتاب عبد الْملك بولايته. فَلَمَّا تواقفوا نَاداهمُ الْخَوَارِج مَا تقولونَ فِي مصْعب؟ قَالُوا: لَا نخبركمْ. قَالُوا: فَمَا تقولونَ فِي عبد الْملك قَالُوا: إِمَام هُدى. قَالُوا: يَا أعْداءَ الله، بالأمْس ضالٌّ مُضل، واليومَ إِمَام هدي. يَا عَبيدَ الدُّنْيا عليْكمْ لعنة الله. أَتَى الْحجَّاج بأمْرأة منَ الْخَوَارِج فجَعلَ يكلِّمها، وَهِي مُعْرضةٌ عنْه فقالَ لَهَا بعْض الشُّرط: يكلمكِ الْأَمِير وأنْت معُرضةٌ عنْه؟ قَالَت إِنِّي لأَسْتَحي من الله أَن أنظر إِلَى من لَا ينظر إِلَيْهِ أَتَى زِيَاد بِامْرَأَة مِنْهُم فَقَالَ: أما وَالله لأحصدنكم حصداً ولأخفينكم عدا قَالَت: كلا إِن الْقَتْل ليزرعنا قَال: فَلَمَّا هَمَّ بقَتْلها تسترَتْ بثوبْهَا فقالَ: اتَتسْترينَ - وَقد هَتَكَ الله ستْرَك؟ قالَتْ: أَي وَالله أَتَستر وَلَكِن الله أبدى عورةَ أمكَ على لسَانك، إذْ أقرَرْتَ أنَّ أبَا سفْيَانَ زَنَى بهَا، فأمَرَ بقَتْلهَا. وَقَالَ الحجَّاج لرَجل منْهمِ: أجَمعْتَ القرآنَ؟ فَقَالَ: أمَتفرِّقاً كَانَ فأجمَعه قالَ: أتقرؤه ظَاهرا قالَ: بَلْ أقرؤه وَأَنا أبْصره. قَالَ أفتحفظه؟ قالَ: أخَشيت فراره فأحْفَظه. قَالَ: مَا تَقول فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ عَبدْ الْملك؟ قَالَ: لعَنه الله، ولَعَنكَ مَعَه. قالَ،: إنكَ مقْتولٌ. وكيْفَ تلْقَى الله؟ قالَ: أَلْقَاهُ بعَملي وتلْقَاه بدمي. كَانَ عمْران بن حطَّان منْ أقُبح النَّاس وجْهاً، وأسْمَجهم منْظرًا، وكانتْ لَهُ امرأةٌ

الكشف عن مناهج اصناف الخوارج

كأنَّها القمَرُ أديبةٌ، فَصيحةٌ. فقالَتْ لَهُ يوْماً: أنَا وأنْتَ فِي الجنَّة جَمِيعًا. قَالَ: وكيْفَ عَلمت؟ قالَتْ: لِأَنِّي ابْتليت بكَ فصَبْرت، وأعْطيتَ مثلىَ فَشَكَرت، والصابرون والشاكرون فِي الْجنَّة. قَتَل زِيَاد رجلا منْ الْخَوَارِج بعْد أنْ سَأَلَهُ عَنْ عثمانَ فتبرأ مِنْهُ، وَعَن معاويةَ فَسَبهُ، وعَنْ نفْسه فقَالَ: إنكَ أولكَ لزينة، وآخركَ لدَعْوَة وأنتَ بعْد - عَاص لربكَ. فأمَرَ بِهِ فضربتْ عَنهُ. ثمَّ قَالَ لمُؤْمِن لَهُ: صفُ لي أمورَه قالَ: أأطنبُ أم أختصرُ؟ قَالَ: بل اختصر. فقالَ مَا أتيْه بِطَعَام بنهار قطُّ، وَلَا فرشت لَهُ فراشا بلَيْل قطّ. كَانَ بِالْمَدِينَةِ رجلٌ من الخَوارج قالَ بعْضهم: فرأيته يَحْذف قنَاديل المسْجدِ بالحصى، فيكْسرها. فقلْت لَهُ: مَا تصْنَع؟ قَالَ: أنَا - كَمَا ترى - شيخٌ كبيرٌ، لَا أقْدر لهُمْ عَلَى أكْر من هَذَا، أغرمُهُمْ قنْديلاً، قنْديلَيْنِ فِي كلِّ يَوْم. وَصلى الله عَلَى مُحَمَّد وَآله. وَهَذَا مُخْتَصر عمله الصاحب رحمهُ الله وَسَماهُ الْكَشْف عَن مناهج أَصْنَاف الْخَوَارِج الْحَمد لله رب الْعَالمين. وَصلى الله عَلَى النَّبِي مُحَمَّد، وَآله أَجْمَعِينَ. سألتَ أَن أذكرَ لَكَ ألقابَ طوائف الخوارجِ، وذَرْواً من اختلافها. وَأَنا أثبتُ مَا يحضر حفْظي. عَلَى أنَّ هَذِهِ الألقابَ تجمع أصولاً، وفروعاً، فربَّ طَائِفَة لحقها لقبٌ ثُمَّ تفرّد من جُمْلَتهَا فريق فلحقهم لقبٌ آخر. وَالَّذِي يجمعهُمْ من القَوْل تَكْفِير أَمِير الْمُؤمنِينَ - صلوَات الله عَلَيْهِ وتكفيرُ عُثْمَان، وإنكارُ الْحكمَيْنِ، والبراءةُ مِنْهُمَا، وممَّن حكَّمهما أَو تولى أحدا مِمَّن صوَّبهما. وَأول من حكم بصفيِّن عُروة بن حُدَير: أَخُو أبي بِلَال مرْداس، وَقيل عَاصِم للمحاربي، وَأول من تشرى رجلٌ من يشكُرَ، وَكَانَ أَمِيرهمْ - أولَ مَا اعتزلوا - عبد الله بن الكَوَّاء، وأمير قِتَالهمْ شبت بن ربعي، ثُمَّ بَايعُوا لعبد الله بن وهب الرَّاسِبِي. ذكر ألقاب فرَقهم مَعَ جمل منْ مذاهبِهم الْأزَارِقَة: أَصْحَاب نَافِع بن الْأَزْرَق، يبرءُون من القعَدة.

النجدية: أصحابُ نَجْدةَ بنِ عَامر الْأَسدي. تتولى أَصْحَاب الكَبائر من الخوارجِ إِذْ لمْ يُصِروا. ومَن أصر منهُم فَهُوَ مُشرِكٌ عندَهُمْ. الإباضية: أصحابُ عبد الله بن إباضِ التَّمِيمِي. فَأَما عبد الله بنُ يحيى الأباضي الملقَّب بطالب الْحق فهُواَ منْسُوبٌ إليهمْ ومعهُ خَرجَ أبُو حمزَةَ الْخَارِجِي الصفرية: أصحابُ زِيَاد بنِ الأصفرِ وقيلَ أصحابُ عبدْ الله الصفار العطرية: أصْحابُ عطيةَ بنِ الأسْود الْحَنَفِيّ منْ المنكرينَ عَلَى نَافع. العَجَاردة: أصحابُ عبد الْكَرِيم بن عجرد، وهم عَطوية، إِلَّا أَنهم يوجِبُونَ دُعاءَ الْأَطْفَال عِنْد بُلُوغهم والبراءةَ منهُمْ قبْلَ ذَلِكَ. الميمْونيةُ: ميْمون هَذَا عبدُ لعبد الْكَرِيم بنِ عجرَد ويقولُ بالعَدْلِ، ويَرَى قتْلَ السُّلطانِ خاصَّة، ومَنْ رضى ظُلْمةَ، وأعَانَهُ دُونَ سَائِر النَّاس ويحكى عَنْهُم أَن التزوجَ ببنات الأبنِ وَبَنَات البنَات، وَبَنَات بنَات الأخَوات وَبَنَات بني الْإِخْوَة جائزٌ، وَأَن سُورة يوسُفَ ليستْ من القرآنِ. وأكَثرُ من بسجِسْتان ميْمونيةٌ، وعجاردةُ. وقيلَ مَيْمُون رجلٌ من أهلِ بلْخ. الخلفية: يقولُون بالجَبْرِ، ويخالفُون الميْمونيَّةَ فِي العَدْلِ. الحمزْيَّة: أصحابُ حَمزة بن أدْرك. يقولُون. بالعَدْل. وَلَهُ فارَقُوا الخَليفيةَ. الخازمية: وهم الشعيبية أصلُهم عجاردة، وهمْ أصحابُ شُعيب يقولُون: إنَّ الْولَايَة والعَداوَة صفتَان فِي ذَات الْقَدِيم. وهُم مجْبِرة. المعْلومية: مِنَ الخَازميَّة يَقُولُونَ: مَنْ لَمْ يَعْلمِ الله بِجَمِيعِ أسْمائه، وعرَفَه بِبَعْضِهَا فَهُو عارفٌ بِهِ. المجْهولية يَقُولُونَ: مَنْ لَمْ يعلم الله عَز وَجل بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ فَهُوَ جاهلٌ بِهِ. الصلتية: عَجَاردةٌ أصحابُ عُثْمَان بن أبي الصلْت. يقولُون: إِذا اسْتَجَابَ الرجلُ لِلْإِسْلَامِ برِئْنا من أطْفالهم حَتَّى يُدْركوا. الثعالبة: عجاردةٌ، وصاحبهُم ثعلبةُ، خالفَ عبْد الْكَرِيم بن عجرد فِيمَا قَالَه فِي الطِّفْل.

الأخْنَسيَّة: أصحابُ، الأخْنَس يحرِّمون الْبَنَات، والغيلة ويقفون عَمَّن فِي دَار التَّقية حَتَّى يعُرفوه. العبْدية: رَأَوْا أخْذَ زكاةِ أمْوالِ عبيدهم إِذا استَغَنَوا، وإعْطاءهُم إِذا افتقروا. الشَّيبانيةُ أصحابُ شَيبان بن سَلَمة. الزيادية: أصحابُ زِيَاد بن عبد الرَّحْمَن. العُشريَّة: وهم الرشيدية، كَانُوا يرَوْنَ فِيمَا سُقي بالأنهار الْجَارِيَة نصف العْشر، وخالفت الزياديةَ فِي إِيجَابهَا العُشرَ. المكرمية: أَصْحَاب أبي مكرم. قَالَت: تَارِك الصَّلَاة كافرٌ. وَمن أَتَى كَبِيرَة فَهُوَ جاهلٌ بِاللَّه. وَقَالَت بالموافاة. الفُدَيكية: أَصْحَاب أبي فُديك الَّذِي غلب عَلَى عسكره نجدةُ، وَأنكر عَلَيْهِ. الحَفْصيَّة وصاحبهم حَفْصُ بن أبي الْمِقْدَام وهم إباضيّة: زَعم أنَّ مَنْ عَرف الله ثُم أنكر الأنْبياء أَو غير ذَلك فَهُوَ كَافِر. وَلَيْسَ بمشْرك. اليزيدية: رئيسهم يزِيد بنُ أنيسَة يتَوَلَّى الإبَاضيَّة كلَّها. والمحكِّمة الأُولى. وَيَزْعُم أَن الله يبعثُ رَسُولا من الْعَجم ويُنْزل عَلَيْهِ كتابا بغيْر شريعتنا وَيَكُونُونَ صابئبين. الحارِثية: أصحابُ الْحَارِث الإباضي. يقولُون بالعدلِ وأنَّ مخالفيهم كفارٌ غيْر مشْرِكين تحلُّ مناكحتُهم، وَيحرم سَبْيهمْ. ودارُ مخالفيهم دارُ تَوْحِيد إِلَّا عسكرَ السُّلطان فَإِنَّهُ دارُ بغي. وأنِّ مُرْتكبي الْكَبَائِر موحَّدون غير مؤمنينْ. الواقفية: وقفتْ فِي جَوازِ بيع الأمَةِ مِنْ مُخالفيهم، ويُسمونَ: صَاحب المرأةِ. الضحاكية: يقالُ لَهُم: أصحابُ النِّساء. وجوزوا تَزْوِيج المرأةِ الْمسلمَة مِنْ كُفّارِ قومِهِم فِي دَار التَّقية. البَيْهسيَّة: أصحابُ أبي بَيْهَس هَيْصم بن جَابر. كفَّر مَنْ حرَّم بيعَ الأمَة من المخَالفين. وكلُّ ذنْب لَمْ يحكُمْ اللهُ تَعَالَى فِيهِ حُكْماً مُغلظاً فَهُوَ مغْفُورٌ عِنْده.

الْعَونْيَّةُ: تقولُ: إِذا كفَرَ الإمامُ كفرتِ الرعيةُ: الغائبُ، وَالشَّاهِد. السؤالية: تقُولُ: مَنْ أَقَامَ الشَّهادتين، وواليَ أَوْلِيَاء الله، وعادي أعداءهُ فَهُوَ مُسْلِمٌ إِلَى أَن يُبْتَلى فِي غير ذَلِكَ. التَّفْسيريةُ: رئيسُهم الحكم بن يحيى الْكُوفِي. ومِنْ قَوْلهم: إنِّ مَنْ شَهد شَهادة أخِذَ بتْفسيرها وكَيْفيَّتها. الصالحية: أصْحابُ صَالح بن مسَرح. الشَّمراخية: مِنْ قَوْلهم: إنَّ قتْلَ الْأَبَوَيْنِ المخَالِفّيْن حرامٌ فِي دَار التقيَّة، وَدَار الْهِجْرَة. البدعية: يقْطعونَ عَلَى أنفسِهم وموافِقيهم أنَّهم فِي الجنَّةِ. الخشَبيَّة: رئيسُهم أبُو الخَشب. المغْروريًّة: صُفريةٌ وموضِعُهم البيضاءُ من الْمغرب، وصاحِبُهم المغْرورُ بنُ طالُون. والبلاد الَّتِي يغْلِبُ عَلَيْهَا الخارجيةُ الجزيرةُ وأطرافُ الموْصلِ. وشهرزور، والبحرين وسِجِسْتانَ، وتَاهرت. وَكثير مِن أذْرَبيجانَ. وهم يُلقَّبون بالخوارج لخروجِهم عَلَى الإِمَام الْعَادِل عَلَيْهِ السَّلَام، والمَارقةِ لإخبار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلَى آله لأَنهم. يَمْرقُون من الدِّين، والحَرُورية لنزولهم حَروراءَ. والمُحكمة لقولها كثيرا: لَا حُكْمَ إِلَّا لله. ولقَّبتْ أنفسَها: الشُّراة، أَي أَنا شريْنا أنفسَنا فِي طَاعَة الله. ومضَغوا كتبهمْ عبد الله بن يزِيد، وَمُحَمّد بن حَرْب، وَيحيى بن كَامِل، واليمانُ بن دياب. وأصولُ الْخَوَارِج الإباضيَّةُ، والأزارقةُ والصُّفرية، والنجدِية. فَإِذا ذكِرتْ فِرقةٌ مِن هَذِهِ الْفرق عُلِم أَنَّهَا مُباينةٌ للفِرَق الثَّلاثِ. ثمَّ سائرِ الألقاب تتبيَّن بتفْصيلِ مقالاتِهم، وَإِلَى الله نبْرأ من جَمَاعَتهمْ، ونسأله أَن يُصَلِّي عَلَى النَّبِي. وابنِ عَمه الرضى، وأهلِ بَيته الَّذين أذهبَ الله عَنْهُم الرِّجسَ وطهرَّهم تَطْهِيرا.

أدْخِلَ رجلٌ من الشُّراة إِلَى الْحجَّاج فاسْتحقرهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ويْحكَ {} مَا أخرجَك؟ ؟ فواللهِ مَا أظنُّك تعْرِفَ مواقِيتَ الصَّلاة. فَقَالَ: ذاكَ لَو اتكلتُ عَلَى تعْليمك يَا حجّاجُ، كنتُ بالحري أَن أنزلَ بهذهِ المنزلةِ. قَالَ: مَا أخْرجَكَ؟ قَالَ: مَخافَةُ يَوْم أَنا وأنتَ إِلَى نصير. قَالَ: وَمَا ذَالك الْيَوْم؟ قَالَ: أول آخِرٌ، وأخِرٌ أولٌ. مستقبلٌ أول، مستدْبِرٌ آخِر. لَا بعدَهُ أجَلٌ وَلَا فِيهِ عمَل، وَلَا فِيهِ مسْتغِيثٌ، وَلَا إِلَى غَيره مَذْهب، يأْمَنُ فِيهِ الخائفُ، ويخف فِيهِ الأمِنُ، ويعزُّ الذليلُ ويذلُّ فِيهِ العزيزُ وَفِي مِثْل هَذَا مَا أقْلقَ مِثلي عَن الفِراش، والأئمةُ تعْدِلُ، فكيْفَ إِذا كانتْ تَضِلُّ وتُضلِّلُ؟ فاقضِ مَا أنتَ قاضٍ. قَالَ: أجزِعتَ من الموتِ؟ قَالَ: واللهِ مَا جزعتُ مِن قضاءِ، وَلَا أسفتُ من بلاءٍ، وَلَا كرهت لرَبي لِقَاء، وللموت مَا خلقتُ، وَمَالِي حاجةٌ إِلَّا فِيهِ. فَهَل يجزعُ الرجلُ من قَضاء حاجتِهِ؟ قَالَ: أمَا وَالله لأعجِّلنَّ لَكَ من العذابِ الأدْنَى دُونَ العذابِ الْأَكْبَر. قَالَ: أمَا واللهِ لَو علمتُ أنَّ بِيَدِك تعْجيلَه لعلمْتُ أنَّ بِيَدِك تأْخيرَه. قَالَ: وَالله لأقتُلنَّك. قَالَ: لَا يعزُّ اللهُ بقتلي باطِلاً وَلَا يُبطِلُ بِهِ حَقًا. وَلَئِن قتلْتَني لأُخاصمنَّكَ بِحَيْثُ يزولُ عنْكَ وَعَن أبي الزَّرقاء عزُّكُما وَلَا يدْفعُ عنكُما سلطانُكُما، وحيثُ لَا يُقْبل لَكمَا عذْرٌ وَلَا تنفعكُما حجُةٌ. أَمر بقَتْله.

الباب الثاني عشر الغلط والتصحيف

الْبَاب الثَّانِي عشر الْغَلَط والتصِحيف قَالَ بَعضهم: خَالِفْ تَذْكُرْ. فَقيل لَهُ: إنَّما هُوَ تْذْكَر فَقَالَ،: هَذَا أول الخِلاف. وَقَرَأَ بَعضهم فِي كتاب: أنَّ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بَلعَ قَدِيداً، وإنَّما بلَغ قُدَيداً. وَقَرَأَ آخَر: أنَّه كَانَ يُحِبُّ الْعَسَل يومَ الْجُمُعَة، وإنمَّا هُوَ الغُسْلَ وَقَرَأَ آخر: أَنه كَانَ يكره النَّوم فِي القِدْر، وإنَّما هُوَ الثَّوم. وَقَرَأَ آخر: وَلَا يرِث جميلٌ إِلَّا بُثينةَ، وَإِنَّمَا هُوَ لَا يُورَّثُ حميلٌ إِلَّا ببيِّنة وَقَالَ آخر: إِذا أردْتَ أَن ننعظ فَادْخُلْ المقابرَ، وَإِنَّمَا هُوَ تتَّعِظُ وَقَرَأَ رجل عَلَى ابْن مُجَاهِد: بل عَجَنْتَ، ويَسْجرون. فَقَالَ: أحْسَنْتَ، مَعَ العَجْن يُسْجَرُ التَّنُّور. كتب صاحبُ الْخَبَر بأصْبهانَ إِلَى مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر: إنَّ فلَانا القائدَ يلبس خُرلخيةً، وَيقْعد مَعَ النِّسَاء: فَكتب إِلَى العامِل: ابْعَثْ إِلَى بفُلان وخرلخيته. فَصّحفَ القارئُ. وَقَرَأَ: وجزَّ لِحْيَتهُ، فَفعل ذَلِكَ بِهِ، وأشْخصَهُ. علِّق سترٌ عَلَى بعض أَبْوَاب أمِّ جَعْفَر، وَكَانَ أَمر أنْ يُكَتب عَلَيْهِ المسيدة الميمونة المباركةِ فأغفلَ الناسخُ الراءَ. وَدخل الرشيد فقرأهُ الميمونةِ المناكة فأمَرَ بتمْزيقه. وَكَانَ كَافِي الكُفاة يكرهُ أَن يكونَ فِي مخاطباتِ النِّساء حراستُها ونظرها وعقلها، وَيَقُول: لَا يُؤمَنُ أنْ يُصَحَّفَ فَيقْرَأ: حِراسْتُها، وعَقْلُها، ويظْرها.

وَكَانَ حمَّادٌ الراويةُ لَا يقرأُ القرآنَ فاستقرى فَقَرَأَ، ولمَ يَزِلَّ إِلَّا فِي أَرْبَعَة مَواَضِعَ: عَذَابي أصيبُ بِهِ منْ أسَاءَ. وَمَا كَانَ اسِتغفارُ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَوْعدة وعدها أَبَاهُ. ومِن الشَّجر وَمِمَّا يغْرسون. بل الَّذين كفَروا فِي غِرَّةٍ وشِقاق. وَقد رُوي أَنه صحَّفَ فِي نيِّف وَعشْرين موْضعاً كلهَا متشابهة وَأَنا أذكُرها جَمِيعًا مِنْ بعدُ بِإِذن الله. غضب كاتِبُ المأْمون عَلَى غُلامه فَرَمَاهُ بالدَّواة، وشجَّه، فَلَمَّا رأى الدَّمَ يسيل قَالَ: صدق الله تَعَالَى: وَالَّذين " إِذَا مَا غَضِبوا هم يَغْفِرون " فَبلغ ذَلِكَ المأمونَ. فأنَّبه. وَقَالَ: ويلَكَ! أما تُحسنُ أَن تقْرأ آيَة من القُرآنِ؟ فَقَالَ بلَى وَالله إِنِّي لأقرأُ من سُورة وَاحِدَة ألفَ آيَة. قَالَ بعضُهُم: قَرَأَ عبدُ الله بنُ أحمدَ بن حَنبل فِي الصَّلاة: اقْرَأ باسم ربِّك الَّذِي خُلِق. فَقيل لَهُ: أَنْت وَأَبُوك فِي طرفِي نقيض. زعَم أبُوك أَن القرآنَ لَيْسَ بمخْلوق، وَأَنت قَدْ جعلْت ربَّ القرآنِ مخلوقاً. وَحكى أنَّ المحامِلي المحدِّث قَرَأَ: وَفَاكِهَة وإبا. فَقيل لَهُ: الألفُ مفتوحةٌ. فَقَالَ: هُوَ فِي كتابي محفوظٌ مضْبوطٌ. وحكِي أنَّ ابنَ أبي حَاتِم قَرَأَ: فصيامُ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وتِسْعة إِذا رجعتم، تِلْكَ

عشرةٌ كاملةٌ. كَانَ اسمَ أبي الْعَتَاهِيَة: زيدٌ فنقش عَلَى خَاتِمه أيا زيد ثق فكَانَ النَّاس يتنادَلُوَنَه: أنَا زِنْدِيق. قَالَ بعضُهم: سمعتُ ابْنَ شاهين المحدِّثَ فِي جَامع المنْصور يَقُول فِي الحَدِيث: نهى النبيُّ عَلَيْهِ السَّلَام عَن شَقِيق الْحَطب. فَقَالَ بعض الملاحين: يَا قومُ، فَكيف نعملُ والحاجةَ ماسةٌ، وَهُوَ شَقِيق الْخطب. قَالَ: وسمعتُه مرّة أُخْرَى وَهُوَ يفسِّر قولَه تَعَالَى: " وثيابَك فَطَهِّر " فَقَالَ: قيل لَا تَلْبسها عَلَى غدرة. وَهُوَ لَا تلبسها عَلَى عَذِرة. وَكَانَ كيسانُ مستمِلي ابْن الْأَنْبَارِي، وكانَ أعْمى القلبِ فَسُمع ابنُ الْأَنْبَارِي وَهُوَ يَقُول: كيسانُ يسمعُ غيرَ مَا أقولُ، ويكتبُ غير مَا يسمعُ وَيقْرَأ غيرَ مَا يكتُبُ، ويحفظُ غيرَ مَا يَقْرَؤُهُ. وَحكى عَنهُ أَنه كَانَ يكتبُ مَا يسمعُ فِي الخزف، ويجمعهُ فِي حُبِّ، فَاشْترى راويةَ ماءٍ فغلطَ السَّقَّاءُ بيْنَ حُبِّ المَاء وحُبِّ الخَزف، فصبَّ الماءَ فِي حبِّ العِلْم فرأيْنا كيسانَ وَقَدْ وضع يدَه على رَأسه، وَذهب علمه كلُّه. وَقَالُوا تقدَّمتِ امرأةٌ إِلَى عمرَ فَقَالَت: أَبَا غَفَر حَفْصٍ اللهُ لكَ. فَقَالَ: مَالك: أغْفَرتِ؟ قَالَت: صلَعَتْ فرقتُك. قَرَأَ الباغنْدي: وكلُّ شيءٍ فَعلُوه فِي الدُّبُر فصِيح بِهِ مِنْ جَوانِب المجِلس. فَقَالَ: يَا قومُ لَا تضجُّوا فالباءُ منْقوط. وروى أبُو ربيعَة المحدِّثُ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السلامُ كَانَ يغْسِلُ

حُصى الْحمار. قيل: وَلَمَ ذاكَ يَا أَبَا ربيعةَ؟ قَالَ كَانَ يُظْهر تواضُه بذلك. وَالْخَبَر أَنه كانَ يغْسِلُ حَصَى الْجمار. قَالَ بعضُ المحدِّثين: حَدثنِي فُلانٌ عَن فُلان عَن سَبْعةَ وسبعينَ، يُرِيد عَن شُعبَة وسُفْيَان. كَانَ يزْدَانفَ ذار فِيهِ لُكْنةٌ، وَكَانَ يجْعلُ الحاءَ هَاء، أمْلى عَلَى كاتبٍ لَهُ: والهَاصلُ ألفُ كُرٍّ. فكتبها الكاتِب بِالْهَاءِ. كَمَا لفَظَها، فأعادَ عَلَيْهِ الْكَلَام، فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْكَاتِب الْكتاب، فَلَمَّا فطن لاجتماعهما عَلَى الْجَهْل، قَالَ: أنتَ لَا تُهْسِن تكتبُ، وَأَنا لَا أهسِنُ أمْلي. فكتُبْ: الجاصل ألف كُر فكتبها بِالْجِيم مُعْجمَة. قالتْ أمُّ ولد لجرير لبعَض ولدِها: وقَع الجرْدانُ فِي عجَان أمِّكم. أبْدلتْ الذَّال دَالا وضمت الجيمَ، وَجعلت الْعَجِين عِجَاناً. وَإِنَّمَا أرادتْ وقَع الجرذانُ فِي عَجين أمِّكم. وَدخل رجلٌ عَلَى آخَرَ وَهُوَ يأْكل أتْرجّاً، وعَسَلاً. فَأَرَادَ أنْ يَقُول السَّلامُ عليْكُم. فلفَظ عَسَليكم. وَدخلت جاريةٌ روميةٌ عَلَى بَعضهم لتسأَل عَن مَولاتها، فبصُرتْ بِحِمَار قَدْ أدْلى، فقالتْ: قالتْ مولاني كيفَ أيْر حِمَاركم؟ قَالَ بعضُ الجَّهال إِلَى عالِم، وَسَأَلَهُ عَنْ قَول الشَّاعر. يَوْم تُبدي لَنَا قتيلةُ عَن جيد فَقَالَ: مَا العَنْجيدُ؟ وَسَأَلَ عَن قولهِ تَعَالَى: " والهدْى مَعْكوفاً " فَقَالَ: مَنْ كَانَ كُوفاً من أَصْحَاب البني عَلَيْهِ السَّلَام. وَسَأَلَ آخرُ عَن قولِهمْ: " زاحم بِعَوْد أوْ دَعْ " فَقَالَ: مَا الأوْدَع؟ .

كات أحْمد بنُ مُوسَى بن إسحاقَ من قُضاة السُّلطان بأصْبهانَ، فأملى يَوْمًا عَلَى أَصْحَاب الحَدِيث: حَدثنِي فلانٌ عَنْ فُلان عَن هِند أنَّ المعتُوهَ يُريد عَن هنْد أنَّ المغيرةَ. وكانَ أهل الْبَصْرَة يرْوون عَن عَليّ عَلَيْهِ السلامُ أَنه قَالَ: إِلاَّ إنَّ خراب بصْرتِكمُ هَذِهِ يكونُ بِالرِّيحِ، فَمَا أقْلعُوا عَن هَذَا التَّصحيفِ إِلَّا بعدْ مائَتي سنة عِنْد خرابها بالزنْج. وَقيل فِيمَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أنَّهُ قَالَ: تختَّموا بالعقيق. إِنَّمَا هُوَ " تَخيمَّوا بالعقيق "، لواد بالمدينةِ. وروى بعضُ جلَّةِ المحدِّثين: أنَّ مرْحَبًا الْيَهُودِيّ قتلهُ عَلَى يَوْم حُنَيْن وَإِنَّمَا قتَله يَوْم خيْبرَ. وروى آخرُ: الجارُ أحقُّ بصُفَّتِه، يُرِيد بصقَبهِ. وروى آخر: لَا بأْسَ أنْ يُصَلِّي الرجلُ وَفِي كُمِّه سِنَّورةٌ، وإنَّما هِيَ سبُّورة وَهِي الألواحُ من الآبنوسِ يكتبُ فِيهَا التَذكرة. وروى آخر: عمُّ الرجل ضيقُ أَبِيه. إِنَّمَا هُوَ صِنْو. وروى آخرُ: لُعِن الْيَهُود، حرمتْ عَلَيْهِم الشحومُ فحملُوها. وَإِنَّمَا هُوَ فجمَّلُوها، أذَابُوها. وروى بعضُهم: أنَّ الحارثَ بن كَلَدة كَانَ يقولُ الشمسُ تثقل الرّيح، وإنّما هُوَ تَتْفُلُ الرّيح. وَقَالُوا: كَانَ يجْلسُ فِي مًقثاة. وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَقْناة. وروَوْا: أَنه نهى عَن لُبْس القَسي وَإِنَّمَا هُوَ القُسِي لضَربٍ من الثِّيَاب وَرووا أَن أَعْرَابِيًا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلَى يَده سخلة تبْعَر. وإنَّما هُوَ تَيْعُر من اليَعَار. وَهُوَ صوتُها. قَالَ بعضُهم: قَالَ الرياشي لي يَوْمًا - وَقَدْ جئتُ مِنْ مجْلِس ابْن أبي الشَّوارب: أَرِنِي مَا أملي عليكُمْ، فأريْتُه، فمرَّ بِهِ هَذَا الحديثُ: آخِر مَا يجازفُ بِهِ الْمُؤمن عَرقُ جَبينه.

فَقَالَ الرياشي: مَا أحوجَ هَؤُلَاءِ إِلَى بعض عِلْمنا إِنَّمَا هُوَ يُحارفُ، والحريفُ الشَّريك، يقالُ: فُلان حَريف فلَان، أَي شريكُه ومُحاسِبُه. وَقَالَ بعضُهم: حضرتُ رجلا من الكُبراء - وَقَدْ قَرَأَ فِي المصحفَ: يَا عِيسَى ابنَ مَرْيَم اذكُرْ نِعْمتي عَليك وَعَلَى والديك. وَقَرَأَ بَعضهم: وَالْعَادِيات صُبْحاً. وَقَالَ آخر: فكذَّبُوهما فَغدرْنَا بثالث وَقيل: إنّ سُلَيْمَان بن عبد الْملك كتب إِلَى عامِله عَلَى المدينةِ: أحْص المخنثين: يريدُ: عُدَّهم. فَقَرَأَ الْكَاتِب: أخْص، فَخَصَاهُمْ. ومِمَّنْ أخَجلَهُ التصحيفُ فِي مجَالِس الخُلفاء أحمدُ بنُ أبي خَالِد وَزِير المأْمون، فإنَّه حضر مجْلسَه للمظالم يقْرَأ عليْه القصصَ، وَكَانَ فَهماً، فمرت بِهِ قصةٌ مكتوبٌ عَلَيْهَا: فُلان البَريدي، فقرأها: الثريدي فَقَالَ الْمَأْمُون أَبُو الْعَبَّاس جائعٌ. هاتُوا لَهُ ثَريدةً. فقُدمتْ إِلَيْهِ، وأكْرهَهُ عَلَى أكلهَا، وغسَلَ يدَه، وَعَاد إِلَى تصَفّح القصَص، فمرتْ بِهِ قصةٌ مكتوبٌ عَلَيْهَا فلَان الْحِمصِي فقرأها الخبيصي. فَقَالَ المأْمون: كَانَ غداءُ أبي الْعَبَّاس غيرْ كَاف، لَا بُدَّ للثريدة من أَن تُتَبع بخَبيصة. فقُدمت إِلَيْهِ، وأكلها. وَمِنْهُم شجاعُ بنُ الْقَاسِم. قَرَأَ عَلَى المتوكّل: حَاضِرُ طَيئ 0 فقرأه جَاءَ ضريطي. كَانَ للمتوكل صَاحب خَبر يُقَال لَهُ ابنُ الكلْبي، وَكَانَ يرْفَعُ كلٌ مَا يسمعهُ من غثٍّ وسمين، وجِدٍّ وهَزْل ليَمين كَانَ حلّفَه بِهَا، فرفَع يَوْمًا وعربْدت علَيهْا

الحروف التي ذكر ان حمادا صحفها من القرآن

وجرحَتها فِي صَدْغَها، ولمْ ينقُط. الغيْنَ، فقرأها المتوكِّلُ فِي صَدْعِا. ثُمَّ قَالَ: إنَّا لله تعطل عَليّ ابْن الكبي مَناكُه. وَقَرَأَ علىَ عُبيدِ الله بن زِيَاد كاتبُهُ كتابَ عبيدِ الله بن أبي بكرَة: أنَّه وجَد ابنَ أديَّةَ مَعَ جمَاعَة من الْخَارِج فِي شُرْب. فَقَالَ ابنُ زِيَاد: كيفَ لي بِأَن يكُون الخوارجُ يرَوْنَ الشُّرْب. وَإِنَّمَا هُوَ سَرَب. الحروفُ الَّتِي ذكر أَن حَمَّادا صحَّفَها من الْقُرْآن وَأوحى ربُّك إِلَى النَّحْل أَن اتخذي من الجبالِ بُيُوتًا وَمن الشّجر وَمِمَّا يغرسون وَمَا كَانَ استِغفَارُ إبراهيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَوعدةٍ وعَدَها أبَاه. ليَكُون لَهُم عَدْواً وحَربَا وَمَا يجْحد بِآيَاتِنَا إِلَّا كلُّ جبَّار كَفُور. وعزَّزُوه ونصروه وتُعززُوهُ ونُوقّرُوه. لكل امرىءٍ يَوْمئِذٍ شأنٌ يعْفيه. بِالْفَاءِ هم أحْسنُ أثاثاً وزشياً عَذَابي أُصِيب بِهِ مَن أسَاءَ. يَوْم يُحْمى غَليُها فِي نَار جَهَنَّم.

ونذكر الآن بعض ما اخذ من العلماء من التصحيف

فبادوا ولاتَ حينَ مناصٍ ونَبْلُو أخياركم صِيغَة الله، ومَن أحسنُ مِنَ الله صِيغَة فاستعانهُ الَّذِي مِن شِيعتهِ سلامٌ عليكُم لَا نتَّبعُ الْجَاهِلين قل إِن كَانَ للرحمن وَلدٌ فَأَنا أول العائذِين. حكى أَبُو حَاتِم أَنه كَانَ يقْرَأ شعرَ المتلمس عَليّ الْأَصْمَعِي، وأرادَ أَن يقولَ: إغنيتُ شأني فأغنُوا اليومَ شأنكُم واستحمقُوا فِي مِرَاس الحربُ أَو كِيُسوا. قَالَ: فَغلطتُ، وقُلْتُ: أغنيتُ شأني. قَالَ: فقالَ الْأَصْمَعِي بالعجلة: فأغنوا اليومَ تَيْسكُم، وأشارَ إِلَيّ، فَضحِكَ جَميعُ الْحَاضِرين. وقَدِم محمدُ بنُ الْحسن الفقيهُ العِرَاقَ، وَاجْتمعَ الناسُ عَلَيْهِ يسألونَهُ، ويَسْمعُون كلامَهُ، فَرْفَع خَبُره إِلَى الرِشيدِ، وقيلَ لهُ: إنِّ معهُ كتَابَ الزيديةِ فَبعثَ بمنْ كَبَسهُ وحملَهُ وحَملَ مَعَه كُتبَهُ، فأمَر بتفْتيشِها، فَقَالَ مُحمدٌ: فَخشيتُ عَلَى نَفْسي من كتاب الْحِيَل من الرشيد. فَقَالَ لي الكاتبُ مَا ترجمةُ هَذَا الْكتاب؟ فَقَالَت كتاب الْخَيل فَرمى بِهِ. وَنَذْكُر الْآن بعض مَا أُخذ من الْعلمَاء مِنَ التصَّحيف قَالَ كيسانُ: سمعتُ أَبَا عُبَيْدَة ينشد:

مَا زالَ يَضْربُني حَتَّى خَزِيتُ لَهُ ... وحالَ من دُونِ بَعْضِ البغْيةِ الشَّفَقُ قَالَ: فقلتُ خزيت خَزيتَ؟ ؟ وضحكتُ، فغضبَ وَقَالَ: فَكيف هُوَ؟ قلتُ: إِنَّمَا هُوَ خَذِيتُ. قَالَ: فانْخَزَلَ وَمَا أحارَ جَواباً. وروى أَيْضا أبُو عُبَيْدة أبياتَ لَقِيط فِي يَوْم جَبَلةَ يَا قَومُ قَدْ حرَّقْتموني باللَّوْم ... وَلَمْ أقاتِلْ عَامِرًا قبلَ اليوْم سيان هذَا والعِنَاقُ والنّوم ... والمَشْرَبُ الباردُ فِي ظلِّ الدَّوْم وَقَالَ يَعْنِي فِي ظلّ نخل المُقْل: فَقَالَ الأصْمعيُّ: قَدْ أحالَ ابنُ الحائِك لِأَنَّهُ ليسَ بِنَجْد دَوْمٌ. وجبلةُ بنجْد، وَإِنَّمَا الرَّاوية فِي الظل الدّوم، أَي الدَّائِم. وروى الْأَصْمَعِي بَيت أَوْس بن حَجَر أجَوْنُ تدَارَكْ نَاقَتي بِقرى لَهَا ... وأكبرُ ظَنِّي أنَّ جَونْاً سَيفْعلُ فَقَالَ ابْنُ الْأَعرَابِي: صَحف الدعي، وإنّما هُوَ تدَارَكْ نَاقَتي بقُرَابها، أَي مَا دُمتُ أطْمعُ فِيهَا. وَفِي مَثلٍ للعرَب: " الفِرارُ بقراب أكيسُ ". وروى بيتَ الْحَارِث بن حلزة عَنَتاً بَاطِلا وظلْماً كَمَا تُعْتَ ... زُ عَن حَجْرة الربيضِ الظباءُ وَقَالَ: العَنزة: الحَربةُ يُنحر بِهَا. فَرد عَلَيْهِ أبُو عَمْر وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ تُعتر، وَمن العَتيرة وَهِي ذَبيحةُ الصَّنم روى بيتُ الحُطيئة: وغَررتني وزعمْتَ أنْ ... نَكَ لَا تَنِي بالضَّيفِ تأْمر

وَقَالَ أَبُو عَمْرو: إِذا صحفتُم فصحفوا مِثلَ تصحيفه وإنَّما هُوَ لابنٌ بالصيفِ تَامِرٌ. وروى بَيت عنترة: وآخَر منهمُ أجْررْتُ رُمْحي ... وَفِي البَجَليِّ مِعْبلةٌ وَقيِعُ فَقَالَ كيسانُ: لَهُ: إِنَّمَا هُو فِي البجْلي - بِإِسْكَان الْجِيم - منسوبٌ إِلَى بجْلةَ بطْن مِنْ بَني سُلَيم وروى لذِي الرُّمِة: عين مطحْلبةُ الأرجاء طَاميةٌ ... فِيهَا الضّفادعُ والحِيتانُ تصّطخِبُ. فَقيل: هُوَ يَصْطحبُ، لِأَن الحيتانَ لَا تصْطخبُ، وَلَا صوتَ لَهَا. وروى لرؤبةَ: شمطاءُ تَنْوي الغيظ حِين تَرأمُ فَقيل: إِنَّمَا هُوَ تَبْوى، أَي تجعلُه بمنزلةِ البو روى أَبُو عمْرو بن العَلاء بيتَ امْرِئ الْقَيْس تأوبني دائي القديمُ فَغلِّسا ... أحاذرُ أَن يشْتَد داني فأنكَسَا فَقَالَ أَبُو زَيد: هَذَا تصحيفٌ لِأَن المتأوبَ لَا يكونُ مغَلساً فِي حالِ وَاحِدَة لِأَن غلس: أَتَى فِي آخِر اللَّيْل، وتأوبَ جَاءَ فِي أَوله، وَإِنَّمَا هُو معلساً، أَي اشْتَدَّ وبرح. وروى المفضَّل للمخَّبل: وَإِذا ألمَّ خيالُها طَرفتْ ... عيْني فماءُ شُئونها سَجم

فَقَالَ لَهُ خلفٌ: إنَّما هُوَ طُرِفَتْ عَيْني. فرجَع عنْهُ. وروى لامرئ الْقَيْس: نَمُسُّ بأعْراف الجيادِ أكُفنّا ... إِذا نَحنُ قمنا عَنْ شِواءٍ مَضهَّب فَقَالَ لَهُ خلفٌ: إنَّما هُو نمشُّ، وَهُوَ مسحُ اليَد. ومِنْه - قِيلَ للمنديل: مَشُوشٌ. وَأنْشد - والأصمعيُّ حاضرٌ. وذاتِ هدمٍ عَارٍ نَواشِرُها ... تُصْمِتُ بِالْمَاءِ تَوْلباً جَذَعا فَجعل الذَّال مُعْجمَة، وَفتحهَا، وَذهب إِلَى الأجْذَاع. فَقَالَ الأصمعيُّ: إِنَّمَا هُوَ: توْلَباً جَدِعا بالدَّال غير مُعْجمَة مَكْسُورَة، أَي: سيئ الغِذاءِ. فضجَّ المفضَّلُ، وَرفع صوتَه، فَقَالَ لَهُ الأصمعيُّ: لَو نفخْتَ فِي شَبُّور اليهودِ لمْ ينفَعْك. تكلَّمْ كَلامَ النَّمل وأصِبْ. وروى بيْنَ الأراكِ وَبني النَّخل تشْدخُهم ... رزقُ الأسِنَّة فِي أطرافِها شَامُ فَقَالَ الأصْمعِيُّ: يَا أَبَا الْعَبَّاس: لَعَلَّ الرماحَ استحالَتْ كأَفْر كُوبات، فَهِيَ تشدخُ. فَقَالَ: كيفَ رويتَهُ يَا أَبَا سَعيد؟ فَقَالَ: تَسْدحُهُمْ. والسَّدْح: الصَّدْع. وَقد أخِذَ على الْخَلِيل فِي كِتَابه الْعين حروفٌ كثيرةٌ مِنْهَا: يومُ بغُاث بالغَيْن المنقوطة، وَهُوَ يومٌ مشهورٌ بَين الْأَوْس والخزرج، وَهُوَ بعاثٌ بِالْعينِ غير المنقوطة.

وَقَالَ فِي حرف الخاءِ: فَخَجَجْنَا. وَهُوَ بِالْحَاء غير منقوطَة. وَقَالَ: الخضبُ: الحيَّة وَإِنَّمَا هُوَ: الحِضْب. وَقيل: إنَّ ذَلِك من غَلط اللَّيث على الخَليل. وَكَانَ الأصمعيُّ يُنكر على الْخَلِيل روايتَه لهَذَا البيتِ. أفَاطِمُ إِنِّي هالِكٌ فَتَبيَّني ... وَلَا تَجْزعِي كلُّ النِّسَاء يَتيُم وَقَالَ: إنَّما تَئِيمُ مِنْ آمَتِ المرأةُ تَئِيم إِذا ماتَ زَوْجُها. وَأنْشد أَبُو الْخطاب الأخْفشُ قالتْ قتيلةُ مَالهُ ... قد جُلِّلَتْ شيباً شَوَاتُهْ فَقَالَ أَبُو عَمْرو: صَحَّفتَ، وإنَّما هُو سرَاتُهْ. فسكَتَ أبُو الخطَّاب ثمَّ أقْبل على القوُم، وَقَالَ: بلْ هُو صحَّفَ، وَإِنَّمَا هِيَ شَواتُه. والشَّواةُ: جلدةُ الرأسِ. وَذكر أنّ ابنَ الأعْرابي أنْشد بيْتَ جَرير - وعندهُ عبد الله بن يَعْقُوب - وبُكرةَ شَابك الأنياب عاتٍ ... مِنْ الحيِّاتِ مَسْموم اللُّعاب فَقَالَ لَهُ عبد الله: إِنَّمَا هُوَ نُكْزَةُ، مِن قوْلهم: نَكَزتْهُ الحيَّةُ وَذكر عبد الله بن يَعْقُوب أنَّه سمعَ ابنَ الْأَعرَابِي يَقُول: تَلَع الشيبُ فِي رَأسه فَذهب بِهِ إِلَى أَعلَى الرَّأْس، من التلعةِ. فَقَالَ: إِنَّمَا هُو بلَّعَ: أَي طلَع. ويُقال مِنْهُ: بَلَّع النَّجم. وَمِنْه اشتقاقُ سَعْد بُلَع.

وَذكر عسل بن ذكْوَان أَن ابنَ الْأَعرَابِي صحَّفَ بَيت الهُذَلي أرقتُ لَهُ مثل لمْع البشِير ... يقلِّبُ بالكفِّ قُرْصاً خَفيفاً وإنَّما هُو فَرضاً، أَي تُرْساً وَكَانَ يُخَالف ابْن الْأَعرَابِي الْأَصْمَعِي فِي بَيت للحطيئَةِ، ويدعى كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا على الآخر التَّصْحِيف. والبيتُ. كَفَوْا سَنَتَيْن بالأضْيافِ نَقْعاً ... علَى تِلْكَ الجفان مِن النقى هَذِه رِوَايَة ابْن الْأَعرَابِي. والنّقْعُ عِنْده: النّحر. والنَّقى: الحُوارى. فَيَقُول كَفَى الأضْيافَ، جمع ضْيف سَنَتَيْن وروايةُ الأصْمعي: كُفُوا سَنِتِينَ بالأصْيَافِ بُقْعاً ... على تلكَ الجفار من النفى وسَنِتينَ عندَه: من أسْنَتَ القومُ: من أسْنَتَ القومُ: إِذا أجْدبُوا، والأصْيافُ: جمع الصَّيف، والبُقْع: يَعْنِي أنَّهم بُقْعُ الظُّهُور. من النَّفْي: نَفِي الأرْشِيةِ، إذَا اسْتَقَوْا للناسِ. والجفارُ: جمع الجَفْر. وَهِي البئرُ البعيدةُ المَاء وروى الْكسَائي كأنَّ تحتَ رَيْطهَا القَشِيب ... أعْيسَ مِنْها، لاَ مِنَ الكَئيب فبلغتْ روايتُه أبَا عُبَيْدَة. فَقَالَ: أبْلغُوهُ أنَّ الرِّوايةَ: أعْيَس مُنْهالاً مِنَ الكثِيب فَهُوَ منهالٌ. فَقَالَ الكِسَائي: أصَاب الشَّيخُ، وأخطأْتُ أَنا. وروى الفراءُ.

يَا قَاتلَ اللهُ صِبياناً تجيءُ بهم ... أم الهُنَيِّينَ مِنْ زَنْدٍ لَهَا وارى فَقيل لَهُ: إنَّما هُو أمُّ الهُنَيْبِر وَهِي الضَّبَعُ. وَيُقَال لَهَا أم عَامر. فَقَالَ: هَكَذَا أنْشَدَنيه الكِسَائي، فأحال على الْكسَائي. حكى أَبُو الْحسن الطوسي، قَالَ: كُنَّا فِي مَجْلِس اللحياني وَهُوَ عَلى أَن يُملي نَوادِره ضِعْفَ مَا أمْلى. فَقَالَ: " مُثَقَّلٌ اسْتَعَان بذَقنِهِ " فقامَ ابنُ السكِّيتِ إِلَيْهِ - وَهُوَ حَدثٌ - فَقَالَ: يَا أبَا الْحسن: إنَّما تَقول العربُ: " مُثقَّلٌ اسْتَعان بدَفيْهِ "، لِأَن البعيرَ إِذا رَامَ النُّهوضَ استعانَ بجنْبيْه. فقطَع الإمْلاءَ. فلمَّا كانَ فِي الْمجْلس الثَّانِي أمْلَى: تقولُ العربُ: " هُوَ جاري مُكَاشِري " فَقَامَ إِلَيْهِ ابنُ السكِّيت. وَقَالَ: أعَزك اللَّهُ، إِنَّمَا " هُوَ جَاري مُكاسِري ". أَي كسْرُ بيْتي إِلَى كسْر بَيته. فَقطع الإملاءَ، وَمَا أمْلَى بَعْدَ ذَلك. وَقَالَ: مَن احتجَّ عَن اللحْياني: البعيرُ إِذا رَام النُّهوضَ اسْتَعانَ بعُنُقه وذَقنِه. والمثلث علَى مَا رَواه اللحياني صحيحٌ. وروى ابنُ السِّكيت. هَرِقْ لَهَا مِنْ قَرْقَرىَ ذَنْوبا ... إِن الذَّنوب تَنْفَعُ المغْلُوبَا

فَقَالَ ثَعْلب: إِنَّمَا تَنقَع: أَي تُرْوِي. قَالَ ابنُ دُرَيد: وجدتُ للجاحظ فِي كتاب الْبَيَان تصحيفاً شَنيعاً، فإنَّه حدَّثني محمدُ بنُ سَلام، قَالَ: سَمِعتُ يونُسَ يقولُ: مَا جَاءَنَا مِن أحدٍ مِنْ روائع الكَلام مَا جاءَنَا عَن النَّبِي صلى الله عليْهِ وسلَّمَ. إنَما هُو عَن البتِّي: عَن أبي عُثْمَان البَتِّي. فَأَمَّا النبيُّ عَلَيْهِ السلامُ فلاَ شَكَّ عِنْد المِلِّي وَالذِّمِّيّ أنَّه كَانَ أفْصَحَ الخَلْق. أنشدَ أبُو البيدْاءِ الرَّماحي أبَا عَمْرو وَلَو أنَّ حياَّ للمنَايا مقاتِلاً ... يكونُ لقاتَلْتٌ المَنِيَّةَ عَنْ مَعْن فتي لَا يقولُ الموتُ مِنْ حرّ وَقُعِهِ ... لَك ابنُكَ خُذْه لَيْسَ مِنْ سمتي دعْني فَقَالَ لَهُ أَبُو عَمْرو: صحَّفتَ، إنّما هُو: قِتالاً يقُولُ. روى الْكلابِي بيتَ عمرَ بن أبي ريبعةَ. كَأَن أحورَ مِنْ غزلان ذِي بقر ... أهْدى لَهُ شَبَهُ الْعَينَيْنِ والجِيدَا فَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي لَهُ: صحفْتَ. إنَما هُو سِنةُ العْينيْنِ. روى عَن قَتَادة قَالَ: حضرتُ الْحسن - وَقد سُئِل - عَن قَوْله جلّ وَعز " جَعَل ربُّكِ تَحْنَكِ سَريّاً " فَقَالَ: إِن كَانَ لسَرياً، وَإِن كانَ لكريمأ. وَقَالُوا: مَنْ هُوَ؟

هذه حروف وكلمات من المصحف الذي يستعمله الناس عمدا لا سهوا

قَالَ: الْمَسِيح. فَقَالَ لَهُ حميدُ بن عبد الرَّحْمَن: أعِدْ نَظَراً، إِنَّمَا السَّريُّ: الجدولُ فتمعَّرَ لَهُ، وقالَ: يَا حميدُ، غَلَبتْنَا عَلَيْك الإماءُ. قَالَ إِبْرَاهِيم بن حمزةَ: سمعتُ عَن أبي دأب ينشد لأبي ذُؤَيْب الهُذلي. وَيَوْم بذاتِ الدَّير. . فَقلت لَهُ: وَمَا لُهذَيل والدّيَارات؟ إنَّما هُوَ بِذَات الدَّبرْ، وَهِي أكَمةٌ فِي بلادِهم. فَقَالَ: لَا أدْري، كَذَا سَمِعتُه. قَالَ: ثمَّ سمعتُه من قائلٍ ذَلِك العامَ فِي الْمَسْجِد الحرامِ يُنْشده بذاتِ الدَّبْر. هَذِه حُرُوف وكلمات من الْمُصحف الَّذِي يَسْتَعْمِلهُ النَّاس عمدا لَا سَهوا كتب أَبُو تَمام الطَّائِي رُقعة إِلَى مُحَمَّد بن عبد الْملك بن صاحل يسْأَله فِيهَا مُحالاً، وَكتب على عُنْوانها حبيب. فَأَخذه مُحَمَّد ونقطة خَبِيث. وَرفع آخر رقعةٌ إِلَى مُحَمَّد بن عبد الله بن طَاهِر، وَعَلَيْهَا حُرَيْث بنُ الْفَارِس وَكَانَ اسمَ الرجل، فجعلَه مُحَمَّد خريتَ فِي الْفراش وَكتب تَحْتَهُ: بئْسَمَا فعلْتَ. ونهض الحسنُ بن وهب ذاتَ لَيْلَة من مجلسِ ابنِ الزَّيات بنيه أَي بت بِهِ. وَقف رجلٌ على الْحسن الْبَصْرِيّ فَقَالَ: اعتمِرُ، أخْرجُ، أبادِرُ. فَقَالَ الْحسن: كذبُوا عَلَيْهِ، مَا كَانَ ذَلِك. يُرِيد السائلُ: أعثمانُ أخرج أَبَا ذرٍّ؟ وَمن تَصْحِيف مُحَمَّد بن طَاهِر: متملْمِل. يُرِيد: مَنْ ملَّ مُلَّ. وَقَالَ المعتصم يَوْمًا لطَّباخ لَهُ فَارسي: حَاسبت رشيد. فَقَالَ: زِنْ نَبِيذ أَرَادَ

ومن هذا الجنس حروف وكلمات من المصحف عمدا لا سهوا

المعتصمُ: جَاءَ شَتيت رسيد، أَي أدَركَ غَدَاؤك وَقَالَ لأخر: رسيد، أَي أدْرَك. وَقَالَ المتوكِّلُ يَوْمًا ليحيى بنِ ماسَوَيْه: بعتُ بيْتي بِقَصْرَين. فَقَالَ لَهُ يحيى: أخِّر الغِذاء. أَرَادَ المتَوَكل: تعشَّيتُ فضرني. فَأَجَابَهُ ابنُ ماسويه بالعلاج. وَمن هَذَا الْجِنْس حُرُوف وكلمات من الْمُصحف عمدا لَا سَهوا الخِنْصر: الحبُ ضَر. مَتَى ألج ببيتِ هِنْد؟ : ميِّت الْحبّ شهيدَ. نرجس طري: برح بِي نَظَرِي. بمطرف تَستُري: نَمَّ طَرفي بسِرى. طَسْتٌ حَسنٌ: طبيبي: حَبِيبِي. القَبَعْثَريَ وحَلُبس: ألفْتِ غَيْري وخلَّيتني فنعت بتكْفيلي: فِي عيْنيكَ قتْلى. وحموه حدَّثك بشأني: حمر خَدَّيك سباني خشخاشٌ: حبيبٌ خانَني. مِشمشةٌ ثقيلةٌ: مَنْ يَنَمْ يُنبَّه بقُبلة - صِينية حَسنةٌ: صَبٌّ نبَّه حَبيبه. محبرَةُ آبنوس: مُحِب زَها ببوس. كلنى بيمينك فبعْني بحبتَّين: كلُّ شَيْء مِنْك فِي عَيْني حَسنٌ. لببُ سرج مُضِري: لَيْسَ ترحم ضُرى. مَسعودٌ: مَتى تعود؟ الثوبُ يماني بِثَوْب: ألْتوتْ ثمَّ اسْتوتْ سَعيد بنُ جُبَير: نَبْتٌ عِنْد نرْجس. فرُّوج مُسَمَّن بحبِّة: تودُّ جَمْش مَنْ تُحبه. تَحت الْفِيل مِرْوحةُ خَيش: تحبُّ القُبل مِن وجُهٍ حَسَن. حَبَشٌ بن حنين: حَبِيبِي بتَّ بِخَير. سكْباج: ثنيك باخ. كشكيَّةَ: كنت نُكْتَة. قلْنُسوة خَضْرا: قلبِي يتوهجُ ضُراً. لمازحٍ مقَالٌ يضم: لمَّا رَحمَ قَالَ: نعَمْ. سوقي جرَّ بَعِيري: فتش تجرِّبُ غيْري. ضرَب عَيْني بنواتين: صريعٌ بَين نِسْرين. وآسٍ مُسلم بن قيس: مَتى يُلِمُّ بِي بنُو أُميَّة. أليتُ بربي قد خضعتُ رَاهِبًا: الشُّربُ بقدح صَغِير أهْنأ. أسرتْني بيَدي: اشربْ سيِّدي. وَمن المقلوب: ظلمتنا: أَنْت ملط. كرهَتَنا: أَنْت هِرك. دعُوتنا: أنْتَ وغْد. أرحتنا: أَنْت خرا. جَفَوتنا: أنْتَ وقح:

وَوَقع بعضُ الوزراء: غَرَّك: عَرك فصَار: قصار. ذَلِك: دلّك. فاخْش: فَاحش. فعْلك: فعلَّك. بِهَذَا: تهدأ. وَقع محمدُ بن عبد الْملك بن طَاهِر إِلَى ابْنه: يَا بُني: يَا بْني: مُصِيبَة: مضْنية. أمرضى: أمْرُ صبي. مجذورٌ: محذورٌ. عليْه: عِلَّته. بقرع: يفرع قلْبي: لمُبِّي. وأله: وإلهٌ. أحمرُ: أحمدُ. وقدْ: وفَد وصَيفٌ: وصنَّف رجَاله: رجّالَة يحتلُّ: بخيل وقَّع بَعضهم على رُقْعة رَجل: هَذَا: هذّا. كَانَ مُحَمَّد بن نَفِيس غيوراً، فأخُبر أنَّ جَارِيَة لَهُ كتبتْ إِلَى خَاتمها: مَنْ ثَبَتَ نبتَ حُبهُّ. فَدَعَاهَا فَوقَفها علَى ذَلِك، فَقَالَت: لَا - وَالله - أصلحكَ الله، مَا هُو مَا قِيلَ لَك، وَلَكِنِّي كتبتُ على خاتَمي: من يَتُبْ يُثَبْ جَنةً. ومِنَ الغلطِ. قَول نحيت وَكَانَ الحجاجُ وجَّه إِلَى مطهر بن عمَّار بن يَاسر عبدَ الرَّحْمَن بن سَلِي الكلْبي. فَلَمَّا كَانَ بحُلوان أتبعه مدَداً، وَقدم إِلَيْهِ بذلك كتابا مَعَ نحيت الْغَلَط - وَكَانَ يُقَال لَهُ ذَلِك لِكَثْرَة غَلَطِه -، فمرَّ بالمدَدِ وهُمْ يُعرضُون بخَانقين. فَلَمَّا قَدِم علَى عبد الرَّحْمَن قَالَ: أينَ تركت مدَدنا؟ قَالَ: تركتُهم يُخنقُون بعَارضين. قَالَ: أَو يُعَرضُون بخانقين. قَالَ: نعم: اللَّهُمَّ لَا تُخانِقْ فِي باركين. وَلما ذهب ليجْلسَ ضَرط، وَأَرَادَ عبد الرَّحْمَن أَن يقولَ لَهُ: أَلا تفدي؟ فَقَالَ: أَلا تضْرطُ؟ قَالَ: قد فعلتُ، أصْلحَك الله - قَالَ: مَا هَذَا أردتُ قَالَ صدقتَ، وَلَكِن الأميرَ غلط كَمَا غلطنا. قَالَ بعضُهم: سمعتُ بعضَ الْكتاب الأكَابر يقولُ: أَنا أسْتَاكُ بالعراق يريدُ بالأراك. وَقَالَ آخر: سمعتُ بعضَهم يقولُ: جَعْدة الطَّرِيق فأنكَر صاحِبُه، وَقَالَ: الجعْدةُ هُوَ مَا يوضع فِيهِ السِّهام. وَقَرَأَ الخطيبُ فِي المسْجدِ الْجَامِع: والسَّماءِ والطَّارق. فَقَالَ: يخرج مِنْ بَين التُّرب والصّلائب. وَقَالَ الوَليد بنُ عبد الْملك لسُليمانَ بن خالِد بن الزُّبير يَوْمًا - وعروةُ جالسٌ عِنْده - مَا سِنُّك؟ فَقَالَ: قُتِلتُ أَيَّام وُلد مُصْعبٌ.

الباب الثالث عشر نوادر من النحو واللحن

الْبَاب الثَّالِث عشر نَوَادِر من النَّحْو واللحن سمع رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجُلاً قَرَأَ، فلَحنَ فَقَالَ أرشدوا أَخَاكُم. قَالَ الأصْمَعي: قلتُ لأبي مَهْديّة: كَيفَ تقولُ: لَا طِيبَ إِلَّا المسكُ قَالَ: فأينَ أَنْت عَن العنبر؟ قلتُ: فَقل لَا طِيبَ إِلَّا المسكُ والعنبر. فَقَالَ: أَيْن أَنْت عَن البان؟ قلتُ: قُلْ لَا طِيبَ إِلَّا المِسكُ والعنبرُ والبَانُ. قَال: فأيْنَ أنْت عَن أدْهان محُمر؟ قَالَ قلتُ: فَقل لَا طيبَ إِلَّا المسكُ والعنبر والبانُ وأدهانُ محمَرّ. قَالَ: فَأَيْنَ أَنْت عَن فارة الْإِبِل صادرةً؟ عمِلَ بعضُ النَّحُويين كتابا فِي التَّصغير، وأهداهُ إِلَى رَئِيس كَانَ يختلفُ إِلَيْهِ، فَنَقص عطَّيتَه، فصنَّف كتابا فِي الْعَطف، وأهدَاهُ إِلَيْهِ، وَكتب مَعَه: رأيتُ بابَ التصغير قد صغرني عِنْد الْوَزير، أرجُو أنْ يعطِفَهُ على بابُ العطفِ. سَمِعت الصاحبَ - رَحْمَة اللهُ - يَقُول: كَانَ سببُ اتِّصَال ابْن قريعَةَ القَاضِي بالوزير أبي مُحَمَّد المهلبي أَن ابنَ قريعةَ كَانَ قَيِّمَ رحى لَهُ، فرفعَ إِلَيْهِ حِساباً، فِيهِ دِرْهَمَانِ ودانقان، وحَبَّتان، فدعاهُ، وأنكرَ عَلَيْهِ الإعرابَ فِي الْحساب. فَقَالَ: أيُّها الوزيرُ، صارَ لي طَبْعاً، فلستُ أَسْتَطِيع لَهُ دَفْعاً. فَقَالَ: أَنا أزيلُه عَنْك صَفْعاً. ثمَّ استداناهُ بعد ذَلِك، وقرَّبُه. قَالَ نحوي لرجل: هَل ينصرفُ إسماعيلُ؟ قَالَ: نعم. إِذا صلى العشاءَ فَمَا قُعوده؟

وَحكى أَن جمَاعَة عِنْد مُحَمَّد بن بَحر اختلَفُوا فِي بناءِ سَراويل، فَدخل البرقيُّ. وَقَالَ: فيمَ كنتُم؟ قالُوا: فِي بِنَاء سَراويلَ. فَمَا عندَك فِيهِ؟ قَالَ: مثلُ ذِرَاع البكْر أَو أشدُّ. قَالَ النوشجَانُ: حضرتُ مجْلِسَ المبرِّدِ، فسمِعنا وَاحداً يَقُول: فِي حرامِ أصْبهان. فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: هَذَا قد شتمَك على مذْهب قَول الله تَعَالَى: " واسْأَلِ القريةَ ". سمع ذُو الرُّمة رجلا يَقُول: على فُلان لعْنةَ اللهِ. فَقَالَ: لم يرْضَ بِوَاحِدَة حَتَّى شفَعَها بأخْرى. وَذَلِكَ أَنه لما سَمِعهُ مَفْتُوحًا قدَّر أنَّه أرادَ التثنيةَ: لعنتَا الله. قيل لرجل كَانَ يكْثُر اللَّحنُ فِي كلامِه: لَو كنتَ إِذا شككتَ فِي إِعْرَاب حَرْف وتخلصْت مِنْه إِلَى غيْره، مِنْ غير أنْ تُزيلَ الْمَعْنى عَن جِهَته، كَانَ الكلامُ واسِعاً عَلَيْك، فلقي رجلا كَانَ مَشْهُورا بالأدب. فَأَرَادَ أنْ يسْأَله عنْ أَخِيه، وخشي أَن يَلْحنَ فِي مُخَاطَبَتِه، فذهبَ إِلَى أنْ يتخلَّص عِنْد نفُسِه إِلَى الصَّواب. فَقَالَ: أخُوك، أَخِيك، أَخَاك هَا هُنا؟ فَقَالَ لَهُ الرجلُ: لَا، لُو، لي ماهر حاضرٌ. وقف نحوي على صَاحب باذِنْجان، فَقَالَ لَهُ: كَيفَ تبيعُ؟ قَالَ: عِشرين بدانق. قَالَ: مَا عَلَيْك أَن تقولَ: عشرُون بدانق {} فقدَّر أنَّه يسْتزيدُه. فقالَ: ثَلَاثِينَ بدانق. فَقَالَ: وَمَا عليكَ أَن تقولَ: ثَلاثون؟ فَمَا زالاَ على ذَلِك إِلَى أَن بلَغَ تِسْعين. فَقَالَ: وَمَا عليْكَ أنْ تقُولَ يتسَعون؟ فَقَالَ: أراكَ تَدورُ على المائتون، وَهَذَا مَا لَا يكون. وَمر نحوي بقصَّاب - وَهُوَ يسْلُخ شَاة - فَقَالَ: كيفَ المسْتْطرَقُ إِلَى درْب الرآسِين؟ فَقَالَ القصابُ: اصبرْ قَلِيلا حَتَّى يخرج الكرْشُ وأدلَّك على الطَّرِيق. وَقدم نحوي خَصْماً لَهُ إِلَى القَاضِي، وَقَالَ لَهُ: لي عليكَ مِائَتَان وخَمْسون درهما.

فَقَالَ لخَصمه: مَا تَقول؟ فَقَالَ: اصلح الله القَاضِي، الطلاقُ لازمٌ لَهُ إنْ كَانَ إِلَّا ثَلاثمائة. وَإِنَّمَا تَرك مِنْهَا خمْسين ليُعلمَ القَاضِي أَنه نحوي. وقدَّم آخر خصْماً لَهُ إِلَى القَاضِي، وَقَالَ: لي عَلَيْهِ دِينَارَانِ، صَحِيحَانِ، جيِّدان. . قَالَ: القَاضِي: مَا تقولُ؟ قَالَ: أعز الله القَاضِي، هَذَا بغيضٌ. قَالَ: بلَى. قَالَ فأصْفَعه؟ قَالَ: إذنْ تَزنُ قَالَ: لَا أُبَالِي قَالَ القَاضِي: وَأَنا شريكُك. زنْ أَنْت دِينَار وأزِنُ أَنا دِينَار وأصْفَعه. دقَّ رجل بَاب بعْضِ النَّحْوِيين، فَقَالَ صاحبُ الدَّار: مَنْ ذَا؟ قَالَ: أَنا الَّذِي أَبُو عَمْرو الجصَّاص عقد طَاقَ بابِ هَذِه الدَّار. قَالَ النحويُّ: مَا أرى لَك من صِلَةِ الَّذِي شَيْئا. فانصرِفْ راشداً. قيلَ: النَّحْو مِلْحُ الْعلم، وَمَتى اسْتُكْثِر مِن الْملح فِي الطَّعام فَسدَ. سمع الْمَازِني قَرْقَرةً مِنْ بطنِ رجُل، فَقَالَ: هَذِه ضَرْطةُ مضْمرَةٌ. قيل: لأبي سعيد السيرافي: مَا علامةُ النَّصب فِي عَمْرو. فَقَالَ: بُغْضُ عَليّ بن أبي طَالب وَأنْشد ذُو الرمة وعينان قَالَ الله كُونا فكانتا ... فُعولان بالألباب مَا تَفْعل الْخمر فَقَالَ لَهُ عِيسَى بن عُمر: فَعْولَيْن. فَقَالَ ذُو الرمة: لَو سَلَحْتَ كَانَ خيرا لَك. أَتَرَى الله أمَرَهُما أَن يسحرا. مرَّ أبُو عَلْقَمَة بأغْلال قد كُتِبَ عَلَيْهِ رُبِّ سُلِّم لأبي فلَان. فَقَالَ لأَصْحَابه: لَا إِلَه إِلَّا اللهُ يلحنُون، ويربحون. قَالَ رجل لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ يَا بُو سعيد: أَنا أفْسِي فِي ثوبي، وأصلي يجوزُ؟ قَالَ: نعَمْ. لَا أكثرَ اللهُ فِي الْمُسلمين مِثلكَ. وَجَاء إِلَيْهِ رجلٌ فَقَالَ: مَا تقولُ فِي رجل ماتَ، وَترك أَبِيه وأخيه؟ فَقَالَ لَهُ

الحَسنُ: ترك أباهُ، أَخَاهُ. فَقَالَ: فَمَا لأباه وأخاه فَقَالَ الْحسن فَمَا لِأَبِيهِ وأخيه؟ فَقَالَ الرجلُ: إِنِّي أَرَاك كُلَّما طاوعتُك تخالفني. قَالَ سعيدُ بن سلم: دخلت على الرشيد فجَهدني، وملأ قلبِي، فلحن، فخفَّ على أمرُه. قَالَ الزُّهري: أحْدثُ الناسِ مُرُوءَة أحبُّ إِلَيّ من طلب النَّحْو. سمع أَبُو عَمْرو أَبَا حنيفَة يتكلَّم فِي الفِقه، ويلحَنُ، فاسْتحسَن كَلَامه، واستقبحَ لحْنه. فَقَالَ: إِنَّه لخطابٌ لوْ ساعَدهُ صَوَاب. ثمَّ قَالَ لأبي حنيفَة: إِنَّك أحوجُ إِلَى إصْلَاح لسانِك مِن جَمِيع النَّاس. قَالَ أَبُو سعيد السِّيرافي: سمِعتُ نفطويه يَقُول: لحنُ الكُبراءِ النَّصبُ، ولحنُ الأوساطِ الرَّفعُ، ولحنُ السفلةِ السْرُ. دخل خالُد بنُ صَفوان الْحمام. وَفِيه رجلٌ مَعَ ابْنه - فأرادَ أَن يُعرِّف خَالِدا بلاغته فَقَالَ لِابْنِهِ، يَا بني، أبدأ بيداك وثنِّ برجُلاك. ثمَّ الْتفت إِلَى خَالِد، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفوان، هَذَا كلامٌ قد ذهب أهلُه. فَقَالَ خالدٌ: هَذَا كلامٌ مَا خلق الله لهُ أَهلا. قَالَ أَبُو هِفَّان: رَأَيْت بعض الحَمْقى يَقُول لآخرَ: قدْ تعلمتُ النحوَ كلَّه إِلَّا ثَلَاث مَسائل. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: أَبُو فلَان، وَأَبا فلَان، وأبى فلَان. قَالَ: هَذَا سهلٌ. أما أَبُو فُلان فللملوك، والأُمراءِ، والسلاطين، والقُضاة. وأمَّا أَبَا فلَان فللبناة والتُّجار، والكُتَّاب. وأمَّا أبي فلَان فلِلسِّفل والأوْغاد. قَالَ السيرافي: رأيتُ رجلا من المتكلِّمين بِبَغْدَاد بلغ بِهِ نقصُه فِي معرفَة الْعَرَبيَّة أنهُ قَالَ فِي مجْلِس مَشْهُور، بَين جمَاعَة حُضُور: إِن العْبدَ مُضطرُّ، وإنَّ الله مُضطِرُّ بِكَسْر الطاءِ، وزعمَ أنَّ الْقَائِل: الله مضطرُّ كافرٌ. قَالَ رجلٌ لِلْحسنِ الْبَصْرِيّ: إِن هَذَا الرّجُل قد زوَّج أمَّه مِن رجل نبطي. فَقَالَ لَهُ الرجلُ: يأبُو سعيد. هَذَا محروم. يُرِيد محَرَّم. فَقَالَ الحسنُ: كَذَا أشتهي أَن تكون لغةُ مَن زوج أمَّه.

قيل لأعرابي: هَذَا قصرٌ. بِمَا ارْتَفع. فَقَالَ: بالجصِّ والأجُرِّ. مدح شاعرٌ طَلْحَة صَاحب الْبَرِيد بأصبهان، فَلم يُثِبه. فَقَالَ: لَو كنتُ من مدحي بِلَا صفد لاكتلتُ مِن طلحةٍ كُرين مِن خير. فَقَالَ لَهُ طلحةُ: لحنت، لِأَنَّك صرفتَ طَلْحَة، وطلحةُ لَا ينْصَرف. فَقَالَ لَهُ: الَّذِي لَا ينصرفُ طلحةُ الطلحات فَأَما أَنْت فتبلغُ الصِّين بنفخة. قيل لأعرابي: كَيفَ تقولُ: ضرب عبد الله زيد؟ فَقَالَ: كَمَا قُلتَ. قيل: لِمَ؟ قَالَ: لشر أَحْسبهُ وَقع بَينهمَا. قدِم رجلٌ على بعض الْوُلَاة، فَقَالَ لَهُ: مِن أَيْن أَقبلت؟ قَالَ: من أرْض اللهُ. قَالَ: وَأَيْنَ تُريد؟ قَالَ: بَيت الله. قَالَ: ومِمَّن أَنْت لَا أمَّ لَك؟ قَالَ: مِن تيم الله. فأمَر بوجيء عُنُقِه. فَقَالَ: بِسم الله. فَقَالَ: اتْرُكُوا ابْن الخبيثةِ. فَلَو ترك الرّفْع وقتا تركهُ السَّاعة. قَالَ أَبُو العَينْاء: دخل رجلٌ إِلَى عَليل: فَقَالَ لَهُ: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَإِن شِئْت لَا إلهٌ إِلَّا الله، وَالْأولَى أحبُّ إِلَى سيبيويه فَقَالَ أَبُو العليل: حَرَمني اللهُ أجْرَه إِن لم يكن مَشهدُك لَهُ أشدَّ عَليّ مِن مؤْته. قَالَ رجلٌ لآخر: تأْمرُ بشيئاً؟ قَالَ: بتقوى اللهِ، وإسقاطِ الْألف. قَالَ خلف قلتُ لأعرابي: ألقِي عَلَيْك بَيْتا؟ قَالَ: على نفسِك فألُقِه. قَالَ رجلٌ من البَلديينَ لأعرابي - وَأَرَادَ مَسْأَلته عَن أهلهِ - كَيفَ أهلكَ؟ قَالَ - بكسْر اللَّام. فَقَالَ الْأَعرَابِي: صَلْباً. لِأَنَّهُ أجَابه على فهمِه، وَلم يعلمْ أَنه أرادَ المسأَلة عَن أَهله. قَالَ الجاحظ: قَالَ بشر المريسي لجلسائه: قضى اللهُ لكم الحوائجَ على أحسن الْوُجُوه، وأهنؤها. فَقَالَ لَهُ قاسمٌ التمارُ: هَذَا على قَوْله: إِن سُليَمْي وَالله يكلؤُها ... ضنَّت بِشَيْء مَا كَانَ يرزؤها

فَصَارَ احتجاجُ قَاسم أطيبَ مِن لحْن بشر. وَقَالَ: قدَّم رجلٌ من النَّحْوِيين رجُلاً إِلَى السُّلطان فِي دَين لَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أصلح الله الأميرَ، لي عَلَيْهِ دِرْهَمَانِ. فَقَالَ خَصمه لَهُ: وَالله - أصْلحك الله ثلاثةُ دراهمَ وَلكنه لظُهُور الْإِعْرَاب ترك من حَقه درهما. وَكَانَ سَابق الْأَعْمَى يقْرَأ: " الخالقُ البارئ المُصور " فَكَانَ ابْن جَابان إِذا لقيهُ قَالَ: يَا فاسقُ مَا فعل الحرفُ الَّذِي تُشركُ بِاللَّه فِيهِ؟ قَالَ: وَقَرَأَ مرّة: " وَلَا تُنْكحُوا الْمُشْركين حَتَّى يُؤمنُوا " بِفَتْح تَاء تنْكِحُوا، فَقَالَ ابْن جَابَان: وَإِن آمنُوا لَمْ نَنكحهم. سمع أَعْرَابِي رجلا يَقُول: أشهد أنَّ مُحمَّداً رَسُول الله بِالْفَتْح، فَقَالَ: يفعل مَاذَا؟ قيل لأعرابي: كَيْفَ تقولُ استخذيت أَو استخزيت؟ فَقَالَ: لَا أقولهما. قيل: ولِمَ؟ قَالَ: العربُ لَا تستخذي. سَكر هَارُون بن مُحَمَّد بن عبد الْملك لَيْلَة بَيْنَ يَدي الموَفَّق، فَقَامَ لينصَرف، فغلبهُ السُّكرُ، فَقَامَ فِي المضرب. فَلَمَّا انْصَرف الناسُ جَاءَ راشدٌ الحاجبُ، فأنبههُ وَقَالَ: يَا هارونُ انْصَرف. فَقَالَ بسكره: هارونُ لَا ينصرفُ. فَسمع الموفَّق فَقَالَ: هَارُون لَا ينصرفُ فَتَركه راشدٌ فَلَمَّا أصبح الموفقُ وقف عَلَى أَن هَارُون بَات فِي مَضرَبه. فَقَالَ: يَا راشِدٌ أيبيتُ فِي مضربي رجلٌ لَا أعلم بِهِ؟ فَقَالَ: أَنْت أمَرْتني بِهَذَا، قلتَ: هارونُ لَا ينْصَرف. فَقَالَ: إنَّا لله - وَضحك - أردْتُ الْإِعْرَاب وظننت أَنْت غيْرهُ. يُقَال: إِن يزيدَ بن المهلَّب كَانَ فصيحاً لَمْ يُؤخذ عليْه زلةٌ فِي لفظ إِلَّا وَاحِدَة، إِنَّه قَالَ عَلَى المِنبر - وذكرَ عبد الحميدِ بن عبد الرَّحْمَن بن زيد ابْن الْخطاب فَقَالَ -: وَهَذِه الضبُعةُ العرْجاءُ. فاعتْدَّت عَلَيْهِ لحْناً، لِأَن الْأُنْثَى إنَّما يُقالُ لَهَا الضَّبعُ، وَيُقَال للذّكر الضبعَانُ. قيل: كَانَ خَالِد بن صَفْوَان يدخُلُ عَلَى بِلَال بن أبي بُردة يحدَّثُه، فيلحنُ. فَلَمَّا كثُر ذَلِكَ عَلَى بِلَا قَالَ لهُ: أتحدثني أَحَادِيث الْخُلَفَاء، وتلحنُ لحن الستات.

وَكَانَ خالدٌ بعْد ذَلِكَ يَأْتِي المسجدَ ويتعلَّمُ الْإِعْرَاب. كَانَ الشِّيْرَجّيُ إِمَامًا من أَئِمَّة الحنبلية، اجتاز بِمَسْجِد فِيهِ معْزّي فَخرج عَلَيْهِ مِنْهُ نحْوي بِغيضٌ. فَقَالَ لَهُ الشيرجي: من المُتوفي؟ فَقَالَ النَّحْوِيّ: الله نبيه. وَقَالَ زنديقٌ: واللهُ رفعهُ إِلَى الحَشر. قَرَأَ الْوَلِيد بنُ عبد الْملك يَوْمًا عَلَى الْمِنْبَر: " يَا ليتَها كَانَتْ القاضية " فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز: عَلَيْكَ. سُئِل نحْوي عَن تَصْغِير عُبَيْد الله. فَقَالَ: ليسَ فِي سَجْدَتي السَّهو سَهوٌ. وذُكر أنَّ مُعاوية قَالَ: كَيْفَ أَبُو زيادٍ؟ فَقَالُوا: ظريفٌ عَلَى أَنه يلحنُ. فَقَالَ: أَو ليسَ ذَاكَ أظرف لَهُ؟ أَرَادوا اللَّحن الَّذِي هُوَ الْخَطَأ. وَذهب معاويةُ إِلَى اللَّحن الَّذِي هُوَ الفطنةُ. قَالُوا: كَانَ سَبَب عَمل أبي الْأسود الدؤَلِي النَّحو هُوَ أول من وضعهُ، وَقيل إِن أميرَ الْمُؤمنِينَ عليا عَلَيْهِ السَّلَام جعل لَهُ مِثالاً فَبنى عَلَيْهِ واحْتذاه أَن أَبَا الْأسود سمع رجلا يقْرَأ: " إِن الله بريءٌ مِن الْمُشْركين ورسولُه " بالخفض. وَسمع ابْنَته تَقول: مَا أطيبُ الرُّطب؟ وَهِي تُريد التَّعجب، وَظن أَنَّهَا تُرِيدُ الِاسْتِفْهَام، فَعمل شَيْئا من النَّحو، وغرضهُ عَلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ السَّلَام. فَقَالَ: مَا أحسنَ هَذَا النَّحْو الَّذِي أخذتَ فِيهِ. فُسمي نحْواً. مر الشّعبِيّ بناس من الموَالِي يتذاكرون النَّحو، فَقَالَ: لَئِن أصْلحتموه إنِّكُم لأوّلُ من أفسدَه. وروى أَن الْحجَّاج قَرَأَ: إِنَّا من المجرمون مُنتقمون. وَكَانَ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان يَقُول فِي خُطبته: إِن الله وملائكتهُ بِرَفْع

الْمَلَائِكَة فَقيل لَهُ فِي ذَلِكَ. قَالَ فخرجُوا لَهَا وَجهاً، وَلَمْ يدَعِ الرَّفع. قَالَ بَعضهم: قلتُ لوَاحِد مِن أَيْن جِئْت؟ قَالَ: مِن عِنْد أهلُونا. قَالَ: فقلتُ لَهُ: قل: أَهْلينَا. قَالَ: سُبْحَانَ الله نعْدِل عَن قَول الله تَعَالَى " شَغَلَتْنَا أموالُنا وَأَهْلُونَا " قدم العُريانُ بنُ الْهَيْثَم عَلَى عبد الْملك، فَقيل لَهُ: تحفَّظْ من مَسْلمةَ فَإِنَّهُ يَقُول: لِأَن يُلقمني رجلٌ حجرا أحبُّ إِلَيّ مِن أَن يُسْمعني لحْناً. فأتُاه العُريانُ ذَات يَوْم، فسلَّم عليْهِ. فَقَالَ لَهُ مَسْلمةُ: كمْ عطاءك؟ فَقَالَ العُريان ألْفين. فَقَالَ: كمْ عطاؤك؟ قَالَ: أَلفَانِ. فَقَالَ: مَا الَّذِي دعَاك إِلَى اللَّحن الأول؟ فَقَالَ: لحنَ الْأَمِير، فكرهتُ أَن أعرِب، وأعْرَب فأعرَبتُ. فاسْتحسَن قَوْله، وَزَاد عطاءه. قَالَ رجلٌ لآخر: مَا فعل فُلان بحماره؟ قَالَ: أَنا بسرت بِالْبَاء. قَالَ: وَأَنا أَيْضا بسرتُ بِالْبَاء. وَقَالَ أَعْرَابِي: كنتُ أَظن أَبَا المُهَاجر رجلا صَالحا، فَإِذا هُوَ يلحنُ. قَالَ يونسُ: كُنا ننظُر إِلَى الشَّبَاب فِي المسجدِ الْجَامِع بِالْبَصْرَةِ يخطرْ بَيْنَ السَّوَارِي. فَنَقُول: إِمَّا أَن يكون قرشياً أَو نحُوياً. قيل لبَعض النَّحْوِيين: مَا تَقول فِيمَن سَها فِي سَجْدَني السَّهو؟ فَقَالَ: لَيْسَ للتصغير تصغيرٌ.

الباب الرابع عشر نوادر المخنثين

الْبَاب الرَّابِع عشر نَوَادِر المخنثين قَالَ بعضُهم: شهدتُ مجْلسا فِيهِ قينةٌ تغني، فَذَهَبت تتكلف صَيْحَة شَدِيدَة فَانْقَطَعت. فصاحت من الخجل: اللصوصَ اللصوصَ. فَقَالَ لَهَا مُخنَّثاً كَانَ فِي الْمجْلس: وَالله يَا زانيةُ مَا سُرق من الْبَيْت شيءُ غيرُ حَلقِك. استوهب رجلٌ من مخنَّث فِي الحمَّام خطمياً، فمنعَه. فَقَالَ: سُبحان الله {} تمنعني الخطمي وقفيزٌ مِنْهُ بدرهم؟ ؟ فَقَالَ المخنُّثُ: فاحسبُ حِسابك أَنْت عَلَى أَرْبَعَة أَقْفِزَة بدرهم، كم يصيبك بِلَا شَيْء؟ قَالَ جَحْظةُ: فاخرني بعضُ المخنّثين فَقَالَ: يَا أَبَا الْحسن، وَفِي الدُّنيا مثلُ المخنثين؟ قلتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: إِن حدَّثوا ضحكتُم، وَإِن غنُّوا أطرِبتم، وَإِن نَامُوا نكتُم. قَالَ المتَوَكل لعبادة: مَا تَقول فِي تطبيل سَلمان المخنَّث؟ قَالَ: هُوَ حسنٌ، ولكنَّه مثلُ الهيْضة يَأْتِي بأكثرَ مِمَّا يُحتاجُ إِلَيْهِ. سمع مخنثُ أَن صومُ عَرفَة كفارةُ سنة، فصَام إِلَى الظّهْر، ثُمَّ أفطرَ، وَقَالَ: يكْفيني ستةُ أشهر.

قيل لآخرَ: تُناك فِي الأسْت؟ فَقَالَ: أَو لي موضعٌ آخرُ؟ وَقل لآخر: أما تٌُستحي من أَن تُناكَ؟ فَقَالَ: ذوقوا، ثُمَّ لُومُوا. وَدخل مخنثٌ الحمَّام، فنظرَ إِلَى رجل طويلِ الخُصيتين، قصير الأير، فَقَالَ سخنتْ عيْنُك. الغِلالة أطْولُ من الْقَمِيص. وَسمع آخر قوما يَقُولُونَ: إِن من كَثْرة الحِجامة يعرضُ الأرتعاش. وَأخذ شَعره يَوْمًا وارتعش فَقَالَ يَا رب أخذتُ شَعري. لَمْ أحتجم. مر عِيسَى بنُ مُوسَى بعد أَن خلعهُ المنصورُ - وَكَانَ ولي عهدٍ بعدَه وقدَّم الْمهْدي عَلَيْهِ - بمخنَّثٍ. فَقَالَ: إنسانُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ المخّنثُ: هَذَا الَّذِي كَانَ غَدا فَصَارَ بعدْ غَد. قيل لعبادة: منْ يضربُ عَليّ ابْن أبي العَلاء؟ قَالَ: ضِرْسه. مرتْ امْرَأَة بمخنّث حسن الوجْه - وَمَعَهَا ابنةٌ لَهَا - فَقَالَت: لَيْت لابنتي حسن وجْهك. قَالَ: وطلاقي. قالتْ: تَعِستَ. قَالَ: فتأْخذين مَا صَفا وتتركين مَا كَدر؟ وصف مخّنثٌ امْرَأَة فَقَالَ: كَأَنَّ رَكَبَها دارةُ الْقَمَر، وَكَأن شفْريها أير حمَار فَلوى. سمع آخر رجلا يقولُ: دعَا أبي أربعةَ أنفسِ، وأنْفَق عَلَيْهِم أرْبعمائة دِينَار، فَقَالَ: يَا بنَ البَغِيضةِ لعلَّة ذَبحَ لَهُم مغنيتين، وزامرةً، وَإِلَّا فأربعمائة فِي أيش أنفقها؟ قَالَ شيخٌ لقرقر المخنثِ: أبُو مَنْ أَنْت؟ قَالَ: أم أَحْمد فديتُك {} سمع شاهِكُ المخنَّثُ رجلا يصفُ الكَرفْس، وأنَّه جيد لفتْح السَّدد. فَقَالَ: لَا كَانَ الله لَكَ. أَنا إِلَى سدِّ الْفَتْح أحْوج. تَابَ مخنثٌ، فَلَقِيَهُ مخنّث آخرُ، فَقَالَ: يَا أَبَا فلَان: أيش حَالك؟ قَالَ: قَدْ تُبتُ.

قَالَ: فَمن أينَ معَاشُك؟ قَالَ: بقيتْ لي فضيلةٌ من الكَسْب القَديم فَأَنا أتمزَّزُ لَهَا. فَقَالَ: إِذَا كَانَتْ نفقتُك مِنْ ذَلِكَ الكَسْب فلحم الخنْزير طري خيرٌ من قَدِيد. رأى عبَادَة دَابَّة مُخَارق - وَهِي تُقرْمِط مَشْيهَا - فَقَالَ: يَا مخارقُ برذونُك هَذَا يمشي عَلَى استحياء. عُرض عَلَى عبَادَة خادِمٌ فَقَالَ: أَنا لَا أركبُ سفينة بِغَيْر دَقَل. قُدِّم إِلَى عبادةَ رغيفٌ يابسٌ، فَقَالَ: هَذَا نُسِج فِي أَيَّام بني أُميَّة وَلَكِن بِلَا طراز. ضُربَ طويسٌ فِي الشَّرَاب فَقيل لَهُ: كيْفَ كَانَ جَلَدك عَلَى وَقع السياطِ؟ قَالَ: بَلغنِي أَنِّي كنتُ صَبُوراً. كَانَ للمتوكل مضحكان مخنثان يقالُ لأَحَدهمَا شعرةٌ وَللْآخر بعْرة. فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: مَا فعل فَلَا نٌ فِي حاجتِك؟ قَالَ: مَا فتَّني وَلَا قَطعك ذُكِرت العراقُ لمخنّث مِنْ أهل الشَّام، فَقَالَ: لعَن الله العِراقَ، لَا يُشربُ مَاؤُهَا أَو يصْلب، وَلَا يشربُ نَبيذُها أَو يضرَب. قَالَ الجماز: مَاتَ مخنّث يُقَال لَهُ نويفل فرآهُ إنسانٌ فِي النّوم كَأَنَّهُ يَقُول لَهُ: أيش خَبرك يَا نُويْفل؟ فَقَالَ: لَا تسألْ. فيقولُ لَهُ: إِلَى أَيْن صِرتَ يَا نويْفل؟ قَالَ: إِلَى النَّار. قَالَ: ويْلك {} فمني ينيكَ فِي النَّار قَالَ: ثمَّ يزِيد بن مُعَاوِيَة لَيْسَ يُقصِّر فِي أمْرئ. نظر مخنَّث إِلَى رجل دَميم الوَجْهِ فَقَالَ: وجهُك هَذَا نموذج جَهَنَّم. اخْرج إِلَى الدُّنْيَا. قَالَ عبَادَة لمكار: نِكني يَخْت أَي يَخْتْ قَالَ: وَكَيف ذَاكَ؟ قَالَ: تُدْخِلُه يَابسا فإمَّا أنْ ينْدقَّ أيرك، وَإِمَّا أَن ينشَقَّ استي.

كَانَ لمخنّث جاريةُ نفيسةٌ، فَقَالَت لَهُ يَوْمًا: ويْلك {} مَنْ أبْلاني بك؟ فَقَالَ: من أبْلاكِ بحَرك، سوًّد وجهَهُ وشقَّ وَسطه، وَقطع لسانَه، وَجعل إِلَى جَانِبه صُرَّةً لَهُ. قَالَ ابْن قريعة كَانَ لبَعض المخنثُين أير عَظِيم. فَكَانَ يَقُول: اشتهي من ينيكُني بأيري. وَقيل لمخنّث: لَا تتنور؟ قَالَ: إِذا كثر الدغَل أَخذ النَّاس طَرِيق الجادة. قَالَ آخر: الأسْتُ مِسن الأير، والقُبلة بريد النَيك. نَظَرَ مخنّثٌ إِلَى مَسْجِد صَغِير لطيف، فَقَالَ لآخر: أما تُرِيدُ هَذَا الْمَسْجِد؟ مَا أملحَهُ، لَا يصلح وَالله إِلَّا أَن يُحُمل فِي السَّفر. نظر مخنَّث إِلَى رجل مِنْ ولدِ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ يَمْشي وهُو يتبخْتر فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى مشيَةِ مَنْ خَدَعَ أَبَاهُ عَمْرو ابْن الْعَاصِ. أصَاب رجلا الحُصْر. فَقيل لَهُ: احتقن. قَالَ: لَو كَانَ قَدْر حُمٌّصةٍ مَا قدرتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ مخنَّث كَانَ حاضِراً: لأنَّكَ ضيْعْتَ نفسَك فِي صغرك. تقرى مخّنثٌ فأتَى جبل لُكام عَلَى أَن يتعبَّد فِيهِ، فَأخذ زادَه وصَعد، وَسَار عَلَى سهل، فنفدَ زادُه وَجلسَ قَدْ أعيا فَرفع رأسَه فَإِذا بينَه وَبَين الْجَبَل مسافةٌ، وتطلَّع إِلَى أسْفلَ، فَإِذا هُوا قَدْ قطَع أكْثره، فَنظر إِلَى الْجَبَل وَقَالَ: واشماتتي بكَ فِي يَوْم أَرَاك كالعِهْن المنْفُوش. جلس قومٌ فِي مجْلس - ومعهُم مخنَّث - وَقَالَ رجلٌ مِنْهُم: أَنا أشتهي كشكيةً حَامِضة وضرط. فَقَالَ المخنثُ: قطع الله ظهْرَ الكشْكيَّةِ، مَا أسْرعَ مَا تَنفُخُ البطنَ {} قَالَ عبَادَة يَوْمًا للمتوكل: قَدْ عُمِل بِي البارحة كَذَا وَكَذَا دفْعَة. فَقَالَ لَهُ

المتَوَكل: ويْحكَ {} أما أعْييتَ؟ قَالَ: إنّما يعْيا الْبَرِيد لَا الطَّرِيق. ضُربَ مَخنَّثٌ بالسِّياط فسَلَح. فقيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: ويَلَكُم {} فَمَا ذِي أدَّخِرهُ إِذا؟ قَالَ: إذَا أرادَ المخنَّثُ أنْ يعيبَ صاحِبهَ قَالَ: لَا - وَالله - بَلَى مَا أنْتَ بمَخنَّث وَلَا أنْتَ إِلَى رجلٌ جيِّدٌ. كَانَ عبادةُ يُسمي السراويلَ مقطرة الإست. نَظرَ مُخَنَّثٌ إِلَى رجل يغْسِلُ اسْتَه، ويَسْتقصِي جدا. قَالَ: عافات الله {} تُريدُ: يُشْربُ بِهَا سَويقٌ؟ كانَ بِالْمَدِينَةِ مخنَّثٌ يُكنى أَبَا الخَزِّ، وَكَانَ مليحاً، فَدخَلَ عليْه لِصٌّ لَيْلَة، فجمعَ مَا وجَدَ فِي بَيته، وأبُوا الخَزِّ ينْظُرُ إِلَيْهِ، لَا يجْتريءُ عَلَى أَن يُكلِّمهُ، فَلَمَّا أَرَادَ اللص الخُروجَ قَالَ لهُ: فدَيتُكَ. مَا اسمُكَ؟ قَالَ: نافعٌ قَالَ: نافعٌ واللهِ لغيْري. تلَّبس مُخَنَّثٌ. واحتارَ، فَقَالَ لَهُ رجلٌ: إِلَى أيْنَ يَا خرَا؟ قَالَ: إِلَى شَاربك. قَالَ المتوكلُ يَوْمًا لجُلَسائِه: أتعلمونَ مَا أولُ مَا عتَب الْمُسلمُونَ عَلَى عثمانَ؟ فَقَالَ أحدُهم: نعم. يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ، إِنَّه لمَّا قُبض النبيُّ عَلَيْهِ السَّلَام قَامَ أَبُو بكر عَلَى الْمِنْبَر دون مَقام النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بمْرقَاة. ثُمَّ قَامَ عمرُ دون مَقام أبي بكر بمرْقاة. فَلَمَّا وَلي عثمانُ صعد ذرْوَة الْمِنْبَر، فَأنْكر الْمُسلمُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وكانُوا أَرَادوا مِنْه أَن ينزل عَن مَقام عُمر بمَرقاة. فَقَالَ عبادةُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. مَا أحدٌ أعْظمَ مِنةً عَلَيْكَ، وَلَا أسْبَغ مَعْرُوفا من عُثمانَ. قَالَ: وكيفَ. ويْلك! قَالَ: لِأَنَّهُ صعد ذِرْوة الْمِنْبَر، فَلَو أَنه كُلما قَامَ خليفةٌ نزل عَنْ مقَام من تقدَّمهُ مرقاة كنتَ أَنْت تخطبُ علينا من بَيْنَ جَلْوتي. دخل مخنث ذَات يَوْم نَهرا ليغتسل، فجَاء قوم من آل أبي مُعَيط. وَجعلُوا يرمُونَه، وعرَفهُم فَقَالَ: لَا ترْموني فَلسْتُ بِنَبِي.

نظر عبَادَة إِلَى زُنام الزامرِ يبكي عَلَى بِنْت لَهُ ماتتْ، فَقَالَ: قُطع ظَهْرك {} كَأَنَّك وَالله مطبخ يَكِف. وَقَالَ عبَادَة: كلُّ شَيْء للرجالِ لَهُ معنى إِلَّا اللُّحي، والخُصي. وَقَالَ بعض المخَنَّثين: إِذَا كَانَ الْمُغنِي بَارِدًا فصاحبُ البيْتِ عليلُ القَفَا. . أخِذ مخنثٌ فِي شَيْء، وأحْضِرَ عِنْد الْوَالِي، فَأمر بضَربْه، فصاح: يَا سَيِّدي. كذَابُوا وَالله عَليّ كَمَا كَذبُوا عَلَى المُري. قَالَ: وَكَيف كذبُوا عَلَى المري؟ قَالَ: هُوَ منِ البُر؟ يَقُولُونَ هُوَ من الكامَخ. فضَحك الْوَالِي، وخلاهُ. وَقيل لمخنَّث كَانَ يتجر: لَمْ لَا تركبُ البحرَ فإنَّ فِيهِ الْغَنِيّ والتمولَ؟ قَالَ: يَا غافلُ. أَنا أعصيه منذُ أَرْبَعِينَ سنة، أذهبُ فأضع يَدي فِي يَده؟ اجتاز مخنث بنائحةٍ جالسة عَلَى بَاب دَار، فَقَالَ لَهَا، مَا جلوسُك هَا هُنَا؟ قَالَت: خيرٌ. قَالَ: لَو كانَ خيْرا كنتُ أَنا هاهُنا لَا أنْت. نظر مُخنَّث إِلَى رجُل مُقيد قَدْ أخرج للعَرْض، وَهُوَ ينظرُ إِلَى غُلام أمْردَ فَقَالَ: العصفور فِي الفَخِّ وقلُبه فِي سوقِ العلفِ. قَالَ سمسنة المخنثُ لرجل كَانَ يكْتب كتابا إِلَى معرفَة السمسنة: أقرئه سَلامي فِي كِتابك. قَالَ: قد فعلتُ. قَالَ: فأرني اسْمِي الَّذِي يشبهُ الدابَّة الَّتِي تدخل الآذان. وَوصف مخنث الحرِ، فَقَالَ: كَأَنَّهُ أنُو شرْوَان فِي صَدْر الإيوان، مَكورٌ كَأَنَّهُ سَنام نَاقَة صَالح، موطأ كَأَنَّهُ أليةُ كَبْش إِبْرَاهِيم، غليظ الشفتين، كَأَنَّهُ شفةُ بقرة بني إِسْرَائِيل. لقى مخّنث آخر ليودِّعه، فَقَالَ: أحمدُ الله عَلَى بُعد سفَرِك، وَانْقِطَاع أثَرك، وشِدة ضَررِك فَقَالَ لَهُ: أَنا أسْتودِعك الْعَمى. والضَنى، وَانْقِطَاع الرزق من السما. وَقَالَ مخنثٌ لآخر: أَرَانِي الله وَجْهك الساطور، وفِي عَيْنيْكَ الكافُور، وَفِي شقَّ استك الناسور.

وَقَالَ آخر: ضَحكُ الحرُ يومَ الخِتانِ ضحكُ النعجة بَيْنَ الذئاب، ضَحكُ الدُّب بَيْنَ الكِلابِ، ضَحِكُ الرَّأْس عَن الرآسي، ضحك البغاية إِذا عزلْتها الدَّاية. ومرَّ آخر بقاضٍ وَهُوَ يقولُ: إنَّ إسْرَافيل مُلتقِم الصُّور، ينْظُر مَتى يُؤمَرُ بالنَّفخ. فَقَالَ: إِنَّا لله، إنْ عَطَس افْتضحْنا. قَالَ عَلانُ شدْق - وَكَانَ قبيحاً جدا: مررتُ بمخنَّث يعْزلُ عَلَى حَائِط فَقَالَ لي: مِنْ أيْن أتيْت؟ قلتُ: مِن البَصْرَةِ. فَقَالَ. لَا إِلَه إِلَّا اللهُ {} تغَّير كُلُّ شَيْء حَتَّى هَذَا {} كانتْ القُرودُ تُجلبُ مِن اليَمن. الْآن تجيءُ من العِرَاق. وحجّ مخنًّثٌ فَرَأى إنْسَانا قبيحاً يَرْمِي بالجمار، فَقَالَ لَهُ المخنَّثُ: بِأبي أنْت، لستُ أشِيرُ عَلَيْكَ أنْ تعودَ إِلَى هَذَا الْمَكَان. قَالَ: ولمَ؟ ألستُ مسْلماً؟ قَالَ: بلَى، وَلَكِن لَا أرى لَكَ أَن تبْخل عَلَى أهْل النَّار بِهَذَا الوجْهِ. نظرَ مخنّث إِلَى رجل قصِير عَلَى حِمار صَغير، فَقَالَ: هُما تؤْأمان. وَقَالَ بعضُ المخنثين: كَانَ لي أسْتاذٌ مخّنث يقالُ لَهُ زائدةُ، فَمَاتَ. فرأيتهُ فِي النَّوم فقلتُ لَهُ: مَا فعل اللهُ ربُّك بك؟ قَالَ: أدْخلني النَّار. قلت: فمَنْ توْرُك فِيهَا؟ قَالَ: هَيْهَات {} انقلبت المسألةُ أَنا تور فِرْعَوْن. غمز عبَادَة رجُلاً فِي دْرب، ووقف لَهُ عَلَى بَاب دَار، وجَعل الرجلُ يدْفع فِيهِ، فأشْرفتْ عَلَيْهِ امْرَأَة، وصاحتْ: اللُّصُوص. فَرفع عبادةُ رأسَه إِلَيْهَا، وَقَالَ لَهَا: يَا بظراءُ. النقْب فِي حائطي أوْ حائطك {} قيل لمخنث: مَا أقْبحَ استك {} قَالَ: ترَاهَا لَا تصْلُح للخرا {} ضرب عاملُ الْمَدِينَة مخنثاً عشرَ دُرَر، فضرط إِحْدَى عشرَة. فَقَالَ لَهُ ويلكَ {} ضربتكُ عشر، وتضرط إحْدى عشرَة؟ ؟ قَالَ لَه: ويْلكَ أصْلحك اللهُ، البدءُ كَانَ مني. فَضَحِك، وخلاهُ.

قَالَ بَعضهم لمخنّث: لقد قمتُ إِلَيْك لأدخِلنَّك مِن حيثُ خرجْتَ، فَنظر إِلَى نفْسه وَكَانَ عظيمَ الجثَّةِ ثُمَّ قَالَ: يَا أخي. إنْ فعلتَ ذَاكَ إنَّك لرَفيق. قيل لمخنّث: مَنْ تَرى يرغَبُ فِيك مَعَ قُبْحكَ؟ فَقَالَ: الحمارُ إِذا جَاع أكَل المِكْنَسَة. نظَر رجلٌ إِلَى أير ابنهِ فِي الْحمام - وَهُوَ كبيرٌ - فضربهُ، وَقَالَ: مَا طَال أيركَ إِلَّا مِنْ كثْرةِ مَا تُناك. فَقَالَ مخنثٌ كَانَ معَهُ فِي الحمَّام: لَا تَفْعَلْ، فَلَو كانَ هَذَا حَقًا لكانَ أيرى وَبظر أمِّه قَدْ بلَغَا مكةَ. قَالَ مخنثٌ لامْرَأَة: لَوْلَا أنَّ الْحق مُرٌّ لسألتك عَن شَيْء. قَالَت: مَا يغْضَبُ من الْحق إِلَّا أحمقُ، فسلني يَا بنَ الفاجرةِ. فَقَالَ لَهَا: لَم صَار فمك بالعرضِ وحركِ بالطولِ؟ قَالَت اسْكُتْ يَا بن الفَاجرة قَالَ هَذَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ. ناك رجلٌ مخّنثاً فِي بيْت فِيهِ تِبْنٌ، وَكَانَ أيره يزلِقُ من استِ المخنثِ ويتلوثُ بالتبن، وَيَردهُ الرجلُ. فقالَ المخنثُ، حَبيبي. هُوَ ذَا نيكُك أَو تحْشوا مسورة؟ ؟ ؟ قيل لمخنث: كَمْ سِنُوك؟ قَالَ: خمسٌ وتِسْعونَ. قيل: فَلِمَ لَا تتزوجُ؟ قَالَ: ليْس فِي رجال هَذَا الزمانِ خيرٌ. قيل لآخر: مَا تحبُ من الثِّيَاب؟ قَالَ: التكة قيل: فَمن السِّلَاح؟ قَالَ العَمُود. قيل: فَمن اللَّحْم؟ قَالَ العصيب قيل: فَمن البُقُول؟ قَالَ: القِثَّاء. قيل: فَمن البَوارِد؟ قَالَ: الهلْيون. قيل: فَمن الفَاكهة؟ قَالَ: الموزُ. قيل فَمن الحَلواء؟ قَالَ: الحلاقيم. قيل: فَأَي مَنازلِ مَكَّة أفضلُ؟ قَالَ: ذَات عِرْق. قيل فمَنْ خير الصَّحَابَة؟ قَالَ: الزبير. قيل: فَمَا أُحْسنُ شَيْء فِي الْإِنْسَان؟ قَالَ الأير. قَالَ رجل لمخنّث: صَحَّ لي بذلك المُجتاز. فقالَ: وَمَا اسمهُ؟ قَالَ: هِلالٌ. فَجعل يُنَادِيه: يَا رأسَ الشَّهر. ضرب مخنثً يدَه إِلَى أير رجل، وَجعل يشغلهُ بالْكلَام، ثُمَّ قَالَ لهُ فِي كَلَامه: من بَقِي من أهل بَيْتك؟ فَقَالَ: هَذَا الَّذِي فِي يدك؟ تَابَ مخنّثٌ، فَلَمَّا كانَ فِي بعض الْأَيَّام لَقيهُ مخنثٌ آخر، فَقَالَ لَهُ التائبُ: أما

آن لَكَ أَن تتوبَ؟ ؟ ويل مِنْ عَاصِم. قَالَ: ومَنْ عاصمٌ؟ قَالَ: خازنُ جَهَنَّم. قَالَ: أخيي، لَو تختثت خَمسين سنة أُخْرَى كَانَ أصلح لَكَ من أنْ ترجَفَ بِالْمَلَائِكَةِ. مَتى غزلوا مَالك، وولوا عاصِمَ؟ سمع مخنّث طَبِيبا يذكُر الطبائع الأربعَ، فَقَالَ: الطبائعُ الْأَرْبَع عندنَا الأكْلُ، والشُّربُ، أَن تنيك وتُناك. جمع مخنثٌ بَيْنَ نفْسيْن، فَأخذُوا جَمِيعًا، أفرج عنهُما. ورُفع المخنثُ إِلَى السُّلْطَان فسألهُ عَن قِصَّته، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ وجدُوا طائرين فِي قفص، فَخلُّوا الطائرين وجبسوا القَفَصَ. نظر رجلٌ قَبِيح الوجُه فِي الْمرْآة، فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أحسن خلقي فَقَالَ مخنثٌ حَضرهَ: أم مَنْ يبهتُ ربهُ زانيةٌ. رأى عبَادَة دِينَار بن عبد الله - وَقد ولي مصر - فَقَالَ: يَا فرعونُ أرفع رَأسك وَانْظُر من نُدِب لمكانِك. واشتكى مخنثٌ، ثُمَّ تماثل، فَقيل لَهُ: كَيْفَ أَنْت؟ فَقَالَ جَاءَتْنِي العلةُ باقاتٍ وتجيئني العافيةُ طاقات. سمع مخنّث قَول ابْنة الخس لما قيل لَهَا: مَا حملك عَلَى الزِّنَى؟ فَقَالَت: طولُ السوادِ وقُربُ الوسَاد. فَقَالَ المخنّث: وحبُّ السِّفاد. سمع مخنث رجلا يقْرَأ قِرَاءَة قبيحة، فَقَالَ: أظنُ أَن هَذَا الْقُرْآن هُوَ الي يزْعم ابنُ أبي دواد أَنه مخلُوقٌ. سمع مخنث رجلا يَقُول: اللَّهُمَّ اجَعل الموتَ خيرَ غَائِب أنتظِرهُ فَقَالَ: إِذا غيابُك غيابُ سوء. قَالَ المتَوَكل لعبادة: كَمْ سِنُّك؟ قَالَ: وَالله مَا أعْرفُ الحِسابَ، وَلَكِن تعرفُ أَنْت عفْرويه. قَالَ: لَا - وَالله - ومَنْ عَفرويه؟ قَالَ: الَّذِي يَقُول فِيهِ الْقَائِل. ضراط عَفرويْه بليلٍ طرقا احسب الْآن كَيْفَ شِئت

وتزوجتُ أم مخنّث، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الزفاف جعل يتسمعُ عَلَيْهِمَا فَلَمَّا سمعَ الْحس. قَالَ: يَا أُمِّي. وَذَا تأكلين وحْدَكِ. لَا هَنَّأَك اللهُ. قيل لمخنّث: كَيْفَ تَرى الدُّنيا؟ قَالَ: مِثلنَا. نخن يَوْمًا عِنْد الأسخياء، وَيَوْما عِنْد البخلاء. قَالَت امْرَأَة لعبادة: اشتريتُ قَفيزاً بثلاثةَ عَشرَ درهما، كم يصِيبني بِثَلَاثَة دَراهمَ؟ فَقَالَ: أَنْت طُولُكِ وعَرضْك لَا تعرفين هَذَا {} يصيبك قَفيزٌ إِلَّا بِعشْرَة دَرَاهِم. دخل عبَادَة الحمامَ يَوْمًا فَرَأى غُلَاما كبيرَ الأير، فبادر فَقبض عَلَيْهِ، فَقَالَ الْغُلَام: مَا هَذَا. عافَاك الله؟ قَالَ: أما سَمعت قَول الشَّاعِر: إِذا مَا رايةٌ رِفُعت لمجدٍ ... تلقاها عرابةُ بِالْيَمِينِ. ألزَم المتوكلُ عبَادَة فِي يَوْم من شهر رَمَضَان أنْ يقْرَأ فِي المُصْحَف، فَقَرَأَ وَجعل يصحَّف، ويغْلطُ. حَتَّى بلغ إِلَى قَوْله " وَبشر المخْبتين " فصحفَه، وَقَالَ وبشِّر المخنثين فطردَه. نظر مخنث إِلَى إِنْسَان وَحش الخِلْقه، فَقَالَ: هَذَا نموذج جَهَّنم أخْرجَ إِلَى الدُّنْيَا. طلب رجل منزلا يكتريه، فجَاء إِلَى بَاب دَار ودفعهُ، وَقَالَ: لكمْ منزلٌ للكِرَاء؟ وَإِذا فِي الدَّار مخنثٌ - وفوقَه رجلٌ - فصاح مِنْ تَحتِه: أليسَ ترانَا بعْضَنا فَوق بعض منْ ضِيق الْمَكَان؟ مِنْ أَيْن لنا مَنزلٌ يُكْرى؟ ؟ قَالَ مخنْث لآخَرَ: ذهبتِ الأيور الباستانية الَّتِي كُنَّا نَعْرفُها. فَقَالَ: مَا ذَهبت الأيورُ، وَلَكِن اتْسعنْا نَحن. رأى إنسانٌ مخنثاً ينتِف لحيتَه، فَقَالَ لَهُ: ويلكَ. لأي شَيْء تنْتِفُ لحيتَكَ؟ فَقَالَ: يُسرك أنَ مِثلْها فِي استِكَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ المخنثُ: فشيء تأنفُ لاستكَ مِنْهُ، لَا آنفُ لوجْهي مِنْهُ؟ ؟

كَانَ المتَوَكل على برْكة يصيدُ السَّمكَ - وَعِنْده عبادةُ المخنثُ - فَتحَرك المتوكِّل، فضرط، وَقَالَ لعبادة: اكتمها عَليّ فإنَّك إِن ذكرْتَها ضربتُ عُنقَك. وَدخل الفتحُ: أيشْ صدْتُم مِن الغَداة؟ م فَقَالَ لَهُ عبادةُ: مَا صِدَنا شَيْئا، وَمَا كَانَ معنَا أَيْضا أفْلتَ. ركب المتَوَكل يَوْمًا زلالا وَمَعَهُ جماعةٌ، فعصفَت الريحُ، وفزعَ الناسُ. فَقَالَ عبَادَة. يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ. أما كُنيزُ دُبَّةَ فَإِنَّهُ لَا يخافُ الغَرق. فَقَالَ المتوكّلُ: وكيفَ ذَاك؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يسْبحُ على رَق. وَكَانَ كنيزٌ مخنَّثاً آدَر. كَانَ بعض ولد الْفضل بن الرّبيع يتخَنّثُ، فوكَل بِهِ أبُوه غُلاماً يمنعُه من نتْف لحُيته، فَبَاتَ لَيْلَة. فَلَمَّا اصبح رَآهُ منتوفَ اللِّحْيَة، فَقَالَ: أهلكْتني - وَالله - أَيْن لحيتُك؟ قَالَ: " فَطَافَ عَلَيْهَا طائِفٌ مِنْ رَبِّك وهُم نائمون. فأصْبحت كالصرِيم ". قيل لمخنث: كَيفَ تتهجى بكمرة؟ فَقَالَ: كَاف، مِيم، رَاء، هَاء قَالُوا: هَذِه كَمرة. قَالَ: كل إِنْسَان يتهجي مَا يشْتهي. لقى الطائفُ - وَكَانَ مَاجِنًا - جمَاعَة من المخنثين، فَقَالَ: نيكُوا بني الزواني، واضربُوا بني القُحاب. فَقَالَ مخنثٌ مِنْهُم: يَا سَيِّدي. سَبقتْ رحمتُك غضَبَك. أدْخلَ مخنثٌ على العُرْيان بن الْهَيْثَم - وَهُوَ أميرُ الْكُوفَة - فَقَالُوا: إِنَّه يَفعلُ ويصَنعُ. فَقَالَ لَهُ الْعُرْيَان: يَا عدوَّ اللهِ. لمَ تفعلُ هَذَا؟ قَالَ: كذّبوا عَليّ - أَيهَا الْأَمِير - كَمَا كذَابوا عليكَ. فَغَضب العريانُ، واسْتوى جَالِسا، وَقَالَ: وَمَا قيلَ فِي؟ قَالَ: يُسمُّونك العريانَ وَعَلَيْك عشرُون قِطْعَة ثِيَاب. فَضحِك. وخلاه. قَالَ مخنث: رمضَانُ بَين شَوالٍ وشعْبانَ مخشلبةٌ بَين دُرتين.

وَقيل لمخنّث: مَا الَّذِي أفدت من التخنيث؟ قَالَ: است مخرقة، واسمٌ قبيحٌ. قَالَ هيتُ المخنّثُ لُعَمر بن أم سلمةَ: إِن فتح الله عليكُم الطائِف فسل رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يهبَ لَك بادنَة بنت غيلَان بن سلَمة، فَإِنَّهَا كحْلاءُ، سموعٌ، نَجْلاءُ، خُمصَانةٌ، هَيْفاء إنْ مشتْ تثنَّت، وَإِن جلَست تدنَّتْ، وَإِن تكلَّمتْ تغنَّت، وتُقِبلُ بِأَرْبَع، وتدبرُ بثمان، وفخذَيْها كالإناء المكْفأ. فَروِي أَن كلامَه بلغ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمنع المخنَّثين من الدُّخول على النِّسَاء. نظر مخنث إِلَى إِنْسَان كَبِير الْأنف، قد أشرف على فَمه. فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَيْهِ كَأَن أَنفه أير يتطلَّع فِي بِئْر الخَلا.

الباب الخامس عشر نوادر اللاطه

الْبَاب الْخَامِس عشر نَوَادِر اللاطةِ روادَ إنسانٌ متقر على الفُجور، فقَال: مَا تعُطيني؟ فَقَالَ، أستغفرُ لَك وأقرأ لَك كل يَوْم آيَات أعوذكُ بهَا، فَقَالَ الغلامُ الْيَوْم عَاجلا " وردّ للهُ الَّذين كفرُوا بغيظِهمْ " رُؤِيَ بعضُ اللاطة مَعَ غُلَام أسودَ، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، قالَ: الأسودُ طيبُ النَكْهةِ ليِّنُ الأفْخاذِ، مُلْتهبُ الْجوف، رخيص الجذر سريع الْإِجَابَة لِأَنَّك تَدعُوهُ لتنيكه فيظن أَنَّك دعوتَه لينكيك. قيل لبَعض المتصوفةِ: أَنْت لُوطي. فَقَالَ: مَا تقولُ فِي لص لَا يسرق، هَل يلْزمه القطعُ؟ قَالَ بَعضهم: رَأَيْت شَيخا يُطَاف بِهِ، وينادي عليْه: هَذَا جزاءُ من يلَوطُ، والشيخُ يَقُول: بخ بخ لِواطٌ محضٌ، لَا زنى، وَلَا سرَقٌ. قل لشيخ لاطَ: أَلا تَسْتَحي؟ فَقَالَ: أستحي وأشتهي. قَالَ بَعضهم: الغُلام استطاعةُ المعتزلةِ، لِأَنَّهُ يصلُح للضدين، يَفْعلُ ويُفْعُل بِهِ. وَالْمَرْأَة استطاعة المُجبرةِ: لَا تصلح إِلَّا لعمل وَاحِد. قيل لأعرابي: مَا تقولُ فِي نيك الغِلمان؟ فَقَالَ: اعُزبْ، قبَّحك اللهُ. وَالله إِنِّي لأعافُ الخَار أَن أَمر بِهِ، فكيفَ ألجُ عَلَيْهِ فِي وَكره؟

وجُد شيخٌ فِي مَسْجِد، وتحتَه صبي، فَلَمَّا هجمَ عَلَيْهِ عدَا الصَّبِي، وَقَامَ الشيخُ متأسفاً وَجعل ينظر إِلَى متَاعِهِ ويقولُ. كَانَ ببغدادَ لوطي مُوسِرٌ، فَكَانَ إِذا جاءَ وقتُ الزَّكَاة وزنَ زَكَاة مَاله، ووضعهُ. فَإِذا حصَل عِنْده مؤاجرٌ وزَنَ جذْره منهُ، وَقَالَ: ألكَ أمُّ أوْ أختٌ تسْتَحقّ الزَّكَاة؟ فيدْفَعهُ إِلَيْهِ، ويقولُ: خُذْهَا مِن زَكاة مَالي، وأعْطني مَا أريده منْك تفضُّلاً. وَكَانَ بعض المؤاجِرين يتحرجُ فَكَانَ إِذا أعطاهُ إنسانٌ جذْرَهُ أخْرج تُفاحةٌ أَو مَا يشبهُهَا، وَقَالَ للرجل: قد اشتريتَ مني هَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهم. فَيَقُول اللوطيُ: نعم. فَيَقُول: فَأَما الْآن فَأُعطيك مَا تريدُ من غَيْر جذْر. قيل لوحد: لم فَضَّلتَ الْغُلَام على الجاريةِ؟ قَالَ: لأنهُ فِي الطَّرِيق صَاحب وَمَعَ الإخوان نديمٌ، وَفِي الخلْوة أهلٌ. قَالَ ابنُ قريعة القَاضِي: مَرَرْت بشِيخ قد خَرج من خَربة، وَبِيَدِهِ أيرُه وَهُوَ يَقُول: مَا أعجبَ أسبابَ النّيك؟ فقلتُ لَهُ: يَا هَذَا، إِنَّمَا يقالُ: مَا أعجبَ أسبابَ الرَزق؟ ؟ قَالَ: خُذْ حَدِيثي، ودخلتُ هَذَا الخرابَ لأبولَ، فأنعظتُ فهممتُ أَن اجْلِد عميرةَ. فَدخل صبيان كالقمرين، فَلم يرياني، وأخذا يتبادلان فَقُمْت إِلَى هَذَا فنكته، وَإِلَى هَذَا فنكته. وخرجتُ كَمَا تراني مُتَعَجِّبا بِاللَّه، مَا هَذَا بعجب؟ ؟ قلت - بلَى وَالله - وَانْصَرف لَا حَفِظك الله. جاءُوا إِلَى أبي نُواسٍ بِغُلَام ملِيح، إِلَّا أَنه أعُرجُ. فَقَالَ: مَا أصنعُ بِهِ وَهُوَ أعرجُ؟ فَقَالَ الغلامُ: إنْ أردَتني لِأَن تضربَ عَليّ بالصوالجةِ فَلَا أصلحُ لذَلِك وَإِن أردتَني للنيك فقُم. كتب رجلٌ إِلَى غُلَام كَانَ يعشقُه: وضعتُ على الثرى خدي لترضَى. فَكتب إِلَيْهِ الْغُلَام: زنْ عشرَة دَراهم، وضَعْ خدَّك على خدي.

وصفُوا غُلَاما عِنْد بعض اللاطة، فَقيل: هُوَ فاسدٌ. قَالَ: فِي فَسادِه صَلاحي. نظر غُلَام فِي الْمرْآة، فرى لحيتَه قد بدتْ وَقَالَ فَقَالَ قَوَّادُه بعث المبرِّد غلامَه، وَقَالَ بِحَضْرَة النَّاس: امْضِ فإنْ رأيتَه فَلَا تقُلْ لَهُ، وَإِن لم ترَه فَقل لَهُ. فَذهب الغلامُ، ورجعَ فَقَالَ: لم أره، فقلتُ لَهُ، فجاءَ فلمْ يجِئ فسُئِل الغلامُ بعد ذَلِك، فَقَالَ: انْفذَني إِلَى غُلام، فَقَالَ: إِن رَأَيْت مولاهُ فَلَا تقُلْ لَهُ شَيْئا، وَإِن لم تره فادْعُه. فذهبُ فَلم أرَ مَولاهُ، فقلتُ: فجَاء الموْلى، فَلم يجِئ الْغُلَام. أَدخل ابنُ سَيابةَ غُلَام ليفسِقَ بِهِ، فقالَ لَهُ الغُلامٌ: أَنْت ابنُ سَيابة الزنديقُ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: أَيْن الزندقةُ؟ ونومَه، وَأدْخل عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: يَا بُني: قيل لأبي نواس لِمَ تُؤْثر الغُلامَ الْفَحْل على الخصى؟ فَقَالَ: لَان الْغُلَام مَعَه بيْذقان فِي وسط الرقعة يدْفع بهما الشاةَ. قيل للوطي: كَيفَ رَأَيْت فلَانا؟ لغلام كَانَ يتعاطَاهُ. فَقَالَ: يجعلُ البيذّقَ فِرْزَاناً. غَمز لوطي غُلَام، فَقَالَ الغلامُ: أَنا لَا أصلُحُ لما تريدُ. فَقَالَ اللوطي: وَأَنا أجعلُك بحيثُ تصلُح. قَالَ بَعضهم سمعتُ شيْخاً قد خرف بعد شطارة يَقُول: نكتُ غُلَاما فِي دهليزي أمس فأردتُ أَن أدخُل عَلَيْهِ، فَقَالَ لي: لَا تفعلْ، فَإِنِّي مسحُتُ على خُفي، وأكرهُ أَن ينْتَقض وضوئي. فقلتُ: إنَّ نيك الغِلمان بَين الفخذين لَا ينقضُ وضُوءَهم. وَقَالَ آخر: رأيتُ شَيخا مِنْ كبار الشُّطار، يمرُّ ومعهُ صَبي صَغيرٌ. فقلتُ: بلغنَا هَذِه الحالَ. فَقَالَ: يَا سَيِّدي إِن الْأسد إِذا كبر يَصيدُ الضفادع. وجدَ شيخ مَعَ صبي خلفَ كرَب فَقَالُوا لَهُ يَا شيخُ. أما تَسْتحي وَأَنت رجلٌ

عَاقل؟ لم لَا تحصن نفْسَك؟ فَأخْرج من فِيهِ قِطْعَة فِيهَا قيراطٌ، وَقَالَ: وَالله مَا أملكُ غَيره وَقد رضى بهَا هَذَا الصَّبِي. فَهَل فِيكُم مَنْ يزوجني بهَا حَتَّى أتحصن؟ سَأَلَ بعضُهم غُلَاما، وَإِعْطَاء دِرْهمين، فَأَرَادَ أنْ يدخُل عَلَيْهِ، فَامْتنعَ، وَقَالَ: لَا أقْوى. فَقَالَ الرجل قد خيَّرتُك فِي إِحْدَى ثَلَاث - وَكَانَ يعْلم أَن الْغُلَام يذْهب مَذْهَب الجَماعةِ - إِمَّا أَن تردَّ الدِّرهمين، أوْ تدعَني أدخلُه، أَو تَقول: الْقُرْآن مَخْلُوق. قَالَ الْغُلَام: أما ردُّ شيءٍ من الدرهمين فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ، وَأما القرآنُ فَلَو ضربْت عنُقي مَا قلتُ إنَّه مخْلوقٌ، وَأما الثَّالثةُ فأتحمّلُها فَأدْخل عَلَيْهِ، وَصَاح الغلامُ وَجعل يَقُول: صَاح الصبيانُ بِأبي سعيد الخرزي: يَا لوطي يَا لُوطي. فَجعل يضحكُ فَقيل لَهُ: يَا شيخ. أمَا تَسْتَحي؟ يَصِيح بك الصبيانُ - وَأَنت تضحكُ؟ قَالَ: فديتُك. إِذا صدقُوا أيش يمكنني أنْ أقُول؟ غضب سعيد بن وهب يَوْمًا على غُلَام لَهُ، فأمَرَ بِهِ، فبطحَ، وكشف الثَّوْب عَنهُ ليضربه، وَقَالَ: يَا بن الفاعِلة. إنَّما غرتْك استُك هَذِه حَتَّى اجترأتَ على هَذِه الجرْأة، وسأُريك هوانها عَليّ. فَقَالَ الغلامُ: طالما غرتْك هَذِه الأستُ حَتَّى اجترأت على اللهِ، وسوف ترى هوانك عليْه. قَالَ سعيدٌ: فورد على مِن حالهِ مَا حيرني، وَسقط السَّوْط. من يَدي. قسَم بعضُ الْوُلَاة بِالْمَدِينَةِ قسْماً فِي الزَّمني، فأتاهُ أَبُو خزيْمَة، فَقَالَ: أَعْطِنِي فَإِنِّي زمِنٌ. قَالَ: مَا أرى بك زمَانةً. قَالَ: بلَى قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: أَنا لُوطي. قَالَ: نعم، إنَّك لزمِنٌ من عقلك، وأعْطاه. سُئِلَ ابنُ سيابة عَن مؤاجر، فَقَالَ وَكَانَ يَقُول: نيك وَكَانَ يترافق اثْنَان: أَحدهمَا " يَقُود بالصِّبيان الصغار، وَالْآخر، بالبالغين الْكِبَار، وكلُّ وَاحِد يعيبُ صاحبَه، ويعنِّفُه، حَتَّى أخِذ فِي بعض الأيّام صَاحِبُ الصِّغار مَعَ صبي، ورُفع إِلَى السُّلطان فضُرب، وحَمل الصَّبِي على عاتِقِه ليطاف بِهِ فِي البَلد، فلقيّهُ رفيقُه، وَهُوَ

على تِلْكَ الْحَال، فَقَالَ: قد كنتُ أَنهَاك عَن الصِّغار حذرا عَلَيْك من مثْل هَذَا، وَلَو كَانَ كَبِيرا لم ينكرْ كونُه مَعَك فِي البيْتِ. فَقَالَ: اسكتْ يَا أحمقُ. فَلَو قبلتُ مِنْك وَكَانَ مَكَان هَذَا الصَّغِير ذَاك الْكَبِير، فَكَانَ يُدَقُّ عنقب بثقِله. وجُد آخرُ مَعَ صبي فِي مَنَارَة المسْجد، وسَراويلاتُهما محلولةٌ، فَقيل: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: أُرِيد أَن أبْدل تكتهُ بتكتي. قَالَ بَعضهم: إِذا كَانَ للغلام أير ضخمٌ فَهُوَ فخذٌ ثَالِث. قيل لبَعْضهِم: اللواطُ إِذا استحكَ صَار حُلاقاً. قَالَ: هَذَا مِن أراجيف الزنُّاة. قَالَ بَعضهم: نزل بِي ضيف فنومتُه فِي الدَّار، فوجدتُه فِي بعض اللَّيْل معي على السرير فِي الْبَيْت ينيكني، فقلتُ: ويحْك {} لم دَخلت الْبَيْت؟ قَالَ: وجدتُ البرْدَ. قلتُ: فَلم صعدت السريرَ؟ قَالَ: من البراغيثِ. قلتُ فلمَ تنيكني؟ قَالَ: لَيْسَ هَذَا مَوضِع المسأَلة. دب واحدٌ على غُلام، فانتبه الغُلامُ، وَأخذ شَيْئا فرمَاهُ بِهِ، وَشَجه. فَلَمَّا أصْبحَ، قيل لَهُ: استعْدِ عَلَيْهِ. فَقَالَ: يَا قوم أنيكُهم من غير أَن أستأْذنَهم. ثمَّ أْستعدى عَلَيْهِم إِذا ضربوني؟ ؟ هَذَا لَا يجُوز. كَانَ غلامان يلعبان بالطيور، فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: إِذا كَانَ غَدا وتسابقْنا تنايكنا. قَالَ صَاحبه: وَإِن لم نتسابقْ لم نتنايك؟ قَالَ الجاحظُ: كَانَ بعضُ المؤاجرين يعْطي فِي الشَّمال بأَرْبعَة دَراهم وَفِي الْجنُوب بِدِرْهَمَيْنِ فَقيل لَهُ فِي ذَلِك. فَقَالَ: فِي الشمَال الريحُ عَليّ، وَفِي الجنُوب الريحُ معي. أَرَادَ رجل أَن ينيك غُلَاما بَين فَخذيهِ، فصاح، وَقَالَ: لَا أَنا لَا أطيقُ خَارج نظر رجلٌ إِلَى غُلام وَفِي وَجهه وجبينه أثرٌ. فَقَالَ لَهُ الغُلام - وَقد أدْمَن النظرَ

إِلَيْهِ -: يسألُك الله عَن سوء ظنِّك. قَالَ: بل يسألُك عَن سوء مصْرَعِك. نظر بَعضهم إِلَى غُلَام أمْردَ وَهُوَ يتكلَّم بقِحَة، ورقاعة. فَقَالَ: هَذَا وجهُ من يشمُّ التُّرَاب. أَخذ رجلٌ مَعَ غُلَام، فَرفع إِلَى صَاحب الشُّرطة، فأدَّبه، ثمَّ وجدَ بعدَ ذَلِك مَعَ امْرَأَة وعُوقب. وَبعد ذَلِك مَعَ مخنّث فأدِّب، ثمَّ وجد فِي خربة ينيك أناناً. فَقَالَ لَهُ صاحبُ الشُّرطة: وَيلك {} لم لَا تعمِد أيركَ؟ قَالَ: يَا سَيِّدي هَذَا غِمْده، ولكنْ لَسْتُم تتركونني أنْ أغْمده. فضحِك وخلاه. قيل للوطي: وَيحك؟ ؟ إِن مِن النَّاس من يسرقُ، ويزني، وَيعْمل العظائمَ سِنِين كَثِيرَة، وأمْره مسْتُور، وَأَنت إِنَّمَا لُطت منذُ شهور. وَقد شُهرت وافتضحت. فَقَالَ: من يكونُ سرهُّ عِنْد الصِّبيان، كَيفَ يكونُ حَاله؟ نظر بعضُهم إِلَى غُلَام وأدَمنَ النّظر. قَالَ: فَقَالَ الغلامُ: لمَ هَذَا النَظر؟ فقلتُ: سَيِّدي: أَيْن منزلكم؟ قَالَ: فِي النَّار، تطلُب أثرا بعد عين أَن تُؤخر الْيَوْم لغد، وتتبعَ مَالا تأْمَنُ السائِق عَلَيْهِ. دخل بَعضهم الْحمام فَرَأى فِيهِ غُلَاما صبيحاً، فأرادَه على نفْسه فَامْتنعَ، فكابر، وَأَخذه وأفلت الغلامُ، وصاحَ، فَدخل القيِّم وَجَمَاعَة مَعَه، فَقَالُوا للرجل: أَلا تَسْتَحي سوءة لَك؟ قَالَ: قلتُ لَهُ: صُب المَاء عَليّ فَامْتنعَ. قَالُوا: فَمَا بالُ أيرك قَائِما؟ ؟ قَالَ: قَامَ من شدَّة الغَضَب. قيل للوطي: مَتى عَهْدك بِالْحرِّ؟ قَالَ: مذ خرجتُ منْه. ذكر يُونُس بعضَ اللاطة فَقَالَ: يضربُ مَا بَين الكُركى إِلَى العنْدليب يَقُول: لَا يدَعُ رجلا وَلَا صَبيا إِلَّا عفَجهُ. حكى بَعضهم قَالَ: رأيتُ بعضَ اللاطة يضربُ غُلَاما لَهُ ضرْب التَّلف، ويدعى عَلَيْهِ فَسَأَلته عَن ذَنبه. قَالَ: لَيْسَ قلبه فِي الْعَمَل، نكته الْيَوْم وَكَانَ أيره نَائِم.

قيل الفتيان: نيك الرجل ريبةٌ. قَالَ: هَذَا مِن أراجيف الزناة. رأى يحيى بنُ أَكْثَم غُلَاما حسنَ الوجْه فِي دَار المأْمون فَقَالَ فَرفع ذَلِك إِلَى المأْمون، فَعَاتَبَهُ. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ انْتهى درسِي إِلَى ذَلِك الْموضع، فَضَحك. استنقَع بعضُهم فِي المَاء متكشِّفاً، فَمر بِهِ غلامٌ عمَري كَانَ يتعسفُ فأنكرَ ذَلِك على الرجل كالمحتْسب. فَقَالَ لهُ الرجلُ: بِأبي أنتَ {} أردْتَ إماتَة منْكرٍ، فأحييْتَ أنْكرَ مِنْهُ، وأوْمى إِلَى مَتَاعه. قَالَ بَعضهم: كنتُ عِنْد يحيى بن أكْثم عَشِيَّة، فَدخل إِلَيْهِ عبد الْملك بن عُثمان بن عبد الْوَهَّاب - وَكَانَ يُرمى بِهِ - فَقَالَ: أصلَح اللهُ القَاضِي، إِنَّك أدْخلتَ علينا أَمينا فِي وقُفِنَا، ففعلَ، وفَعلَ. فَقَالَ لَهُ: وتدعُ أنْتَ إنْسَانا يدخلُ عليْك؟ فَمَا سمعتُها نهضتُ. فلمَّا كنتُ فِي صحْن الدَّار سمعتُه يقولُ لَهُ: حُلَّ حُلَّ. وَكَانَ يحيى يقولُ بِالْبَصْرَةِ لي رجلَانِ أبعثُهما ليأتياني بالغِلمان، فأحدهما لَا يأتيني بالغُلام حَتَّى ينيكَ الغلامَ، وَهُوَ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق. وَالْآخر لَا يأْتيني حَتَّى ينيكهُ الغلامُ وَهُوَ صلْت بن مَسْعُود. قَالَ العدلي الشِّطْرنجي: كنتُ غُلَاما، فضمني المأْمونُ إِلَى يحيى، فَإِنِّي لِعنْدَهُ يَوْمًا إذْ جَذبَني إِلَى مخْدعٍ فِي مَجْلِسه، وأضْجعني الفاحشةَ، وَنظر مِن ورَاء السّتْر، فَرَأى ابنَ الْعَلَاء بن الوضاح - وَكَانَ مفْرط الْجمال فضربَ عَليّ جَنْبي، وَقَالَ: قُمْ.

الباب السادس عشر نوادر البغائين

الْبَاب السَّادِس عشر نَوَادِر البغائين قَالَ بَعضهم: قلتُ لرجل كَانَ يتعاطى الأدبَ - وَكَانَ مُتَّهمًا -: مَا معنَى قولِهم: " إِذا عزَّ أخُوك فَهُنْ؟ " قَالَ: إِذا لَمْ ينم لتنيكَه فنَمْ حَتَّى ينيكَكَ. دخل عبَادَة على المتَوَكل وَهُوَ نائمٌ، وَمَعَهُ فِي الْفراش أسود قد ظَهرت رجْلاه من اللحافِ، فَقَالَ عبَادَة: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ. بت البارحةَ فِي خُفيكَ وَكَانَ المتَوَكل مِمَّن يُرمى ويتهم بذلك، وخبَره فِي أَمر بشياط الهليوف معروفٌ. قيل لمأْبون: إِن بنتك بِهِ أبنَة فَقَالَ: قيل لِابْنِ عوْن: إِن المتوكلَ قد بنَى بناءَين سماهما الشاةَ: والعروس فَقَالَ: قد فرغ من تحميل النَّاس على النَّاس حَتَّى صَار يُنايك بينْ الأبِنيَةِ فَقَالَ وَقع بينَ أَحْمد بن السندي وبينَ غُلَامه كلامٌ، فَهجَرهُ الغلامُ أَيَّامًا فكادَ أَن يُجَنَّ، فتحمَّل عَلَيْهِ بغَرسَةَ المحتِسب، فَلم يُجبْه الغُلام. وَكَانَ غرسةُ أَيْضا مأبوناً. فَقَالَ: يَا غلامُ. لَو كَانَ أيرك مثل أير بغْل سماعةَ مَا زادَ على هَذَا. فَقَالَ أَحْمد بنُ السندي هُوَ قريبُ مِنْهُ. وَتحمل عَلَيْهِ بإخوانه حَتَّى صالحَهُ، وَاتخذ دَعْوَة أرْعَد فِيهَا وأبْرق. فقيلَ للحنْظلي: عِنْدَ مَنْ كنتُم أمس؟ قَالَ: كُنَّا فِي دَعْوة أير غُلَام أَحْمد بن السنْدي ومرَّ أحمدُ بنُ السندي ببغْل أبي كَانَ الطَّحان - وَقد أدْلىَ - فوقفَ بإزائه ثمَّ تنفس الصُّعَداءَ، فقالَ: هَذَا الأير {} لَا مَا نُعللُ بِهِ استاهنا أَرْبَعِينَ سنة.

قيلَ: وَكَانَ هَذَا البغْلُ إِذا أدْلى أَخذ فِي الأَرْض بِرَأْس غُرْمولِه التُّرابَ، فَإِذا ضربَ بِهِ بطْنَه رأيتَ الغُبارَ يتطاير عَن يَمينِه وشِمَاله. قَالَ بعضُهم: دخْلتُ إِلَى رجل من كبار النَّاس بِبَغْدَاد فُجاءةً، وَإِذا غُلامٌ لَهُ فوقْه. فَلَمَّا رَآنِي استَحْيا وقالَ: زعمَ هَذَا الغلامُ أَنه احتْلَم البارحةَ، فأردتُ أنْ أجرِّبه. وَقَالَ أَبُو العيناء: دخلتُ على أبي العلاءَ المنْقَري - وَغُلَامه على ظهْره - فقلتُ: مَا الخَبر؟ فَقَالَ: إنَّ هَذَا الغُلام زعَم أنَّه قد احتْلَم، فظنْنتُ أَنه يكْسَلُ عَنْ خِدْمة النِّساء، فأحُبَبْتُ أَن أمتحنَه. قَالَ: فحدثُتُ بِهَذَا المعتصمَ فَقَالَ: لعَنهُ اللهُ تركني. قيل لرجل من وَلد بشْر بن دَاوُد - وَكَانَ مأْبُونا -: أما تَسْتحي وأبُوك كَانَ سيفَ السُّلطان؟ قَالَ: فَأَنا جُعْبَتُه. وَقَالَ لَهُ آخر: إنَّ أبَاك كَانَ ينيك، وأنتَ تناك. قَالَ: نقَضَنِي ديْنه. قَالَ ابنُ حمدون: بَات عِندي المراكبي الشطْرنْجي - وَكَانَ مأْبُوناً - فسمِعْتُه يقولُ لغُلام كَانَ قد بَاتَ أَيْضا عِنْدي: أعْطِيكَ دينَاراً وتُبادلني، وَأُعْطِيك أنَا قبلا. وَإِن صَغُرت لم أبَال؟ ؟ قيل لبَعْضهِم: لوطي أَنْت أم صاحبُ نِسَاء؟ قَالَ: أنَا لُوطي، وزانٍ وأميلُ إِلَى المخنثين، وأدبُّ بِاللَّيْلِ أَي دِباب، ويعُتريني قليلُ بغَاء. أحْضِرتْ بصَليةٌ فِي منزل رجل كَبِير من أهل بَغْدَاد - وابنُ الهفتي حاضرٌ - وَكَانَ يعاتبه كثيرا، فتسرع ابنُ الهفتي أَيْضا، فَقَالَ لَهُ: أتعِجبك بالأبنةِ قَالَ: هِيَ ألذُّ من طيب الطَّعَام عنْدي. قَالَ: خُذوهَا مِنْ بيْن أيْدينا، فَإِنِّي لَا أشْتهيها. قَالَ: هَذِه أَيْضا فضَيلةٌ مِنْ فَضَائِل البصليَّة لَا يشتهيها البغَّاءُون. وَكَانَ الرجل مرْمياً بالأبْنة. وَقَالَ لَهُ يَوْمًا وَقد رأى لَهُ كنيفاً لَا يدخُلهُ غَيْرهُ: استك عامةُ وكنيفُك خَاصَّة.

كَانَ بعضُ آل الجُنيد إذَا رأى إنْسَانا يُرْمي بالبغاء دعَا لفتُحته بِأَن عَافِيَة. فَقَالَ لَهُ عبادةُ مَا صحتْ نيتُك فِي الدُّعاء، لِأَنَّك بَعْد تسألُ بَان. قيل لأبي سَوار: قد امْتهنَك غُلامك هَذَا الْأسود. قَالَ: مَا امْتهنَني، لكني أمتهنُه. عَمدتُ إِلَى أكْرم عِلْق فِيهِ، واستعُملتُه فِي أقْذر مدْخَل فيَّ. أشرفَت امرأةٌ مِن منْظَرة لَهَا فرأتْ فَتى جميلاً أعْجبها، فَقَالَت لجاريتها: أدخليه فأدخلْته. فقدمتِ الطعامَ، وأكلا، أحضرتِ الشرابَ، وآنَستْه، فَلم تَجِد عنْده شَيْئا. فقالتْ مَا أحْوجَنا إِلَى مَنْ كَانَ ينيكنا جَمِيعًا. فَقَالَ: أخذتيها من فمي. أدخَل بعضُ البغائين وَاحِد من السقائين، وحَمَله على نفْسه، فَلَمَّا واقعه قَالَ: أوجعتني، لَا تدخلْه كُله. قَالَ السقاء: فأُخُرجُه؟ قَالَ: لَا. قَالَ فَمَا أصنَعُ؟ قَالَ: دعهُ مكانَه. قَالَ السقَّاءُ: فمَنْ يحْفظُ البغْل؟ كَانَ الناصرُ ولي وَاحِدًا عَملَ البندرة بجرجانَ، وَكَانَ يُرمي بالأبنْة، فاستقصره يَوْمًا فِي سَبب مَال وجَبَ لمَنْ يَجْبيه. فَقَالَ: أيُّها النَّاصِر، إِنَّمَا الصَّاحِب رحِمه الله بعضُ الكتَّاب مِن الْعرَاق مِمن كَانَ عرَفَهُ وقْتَ مُقامه بِبَغْدَاد، وشكى سوء حَاله، فأحْسَن إِلَيْهِ، وولاه عَملاً، وأجْرى لَهُ فِي كل شهر خمْسَمائة دِرْهَم. وَكتب صَكَّة بذلك؟ َ، فحسدَه بعضُ الحَاضرين وَقَالَ للصَّاحب: إنَّ هَذَا رجلٌ مأْبونٌ، معروفُ الطَّرِيقَة بالفَسادِ، وجَميع مَا تصلُه بِهِ، وتُوصَّلُه إِلَيْهِ ينفقُه على مَنْ يرتكِبُ مَعَه الفضيحةَ، وأفْرطَ فِي ذمَّ الرَّجل، والدَّلالةِ على قَبائحهِ حتَّى طن أَنه قد أفْسدَ حَاله. فَلَمَّا رُدَّ الصَّكُّ إِلَيْهِ للتوقيع فِيهِ لم يشُكَّ السَّاعِي أَنه يُبْطلهُ أَو يمزّقُه. فَلَمَّا

أخذهُ، وَنظر فِيهِ كتبَ تحْت مَا كَانَ قَدَّرَ لَهُ كلَّ شهر: ولغُلام يَخْدمه ويستعينُ بِهِ خَمْسُونَ درهما، وَوَقع فِي الصَّك وردَّه إِلَيْهِ. كَانَ لعبادَة غلامٌ كَبِير الفَقْحَة. فَقيل لَهُ: أَنْت بغاء فَيالكَ غُلَام كَبِير الفقحة؟ ؟ قَالَ: يَا حْمقَى: مَا يدريكم: كلما ثقلتْ المرزبَّة كانَ أشدَّ لدُخُول الوتَر.؟

الباب السابع عشر نوادر جحا

الْبَاب السَّابِع عشر نَوَادِر جحا حكى الجاحظُ. أنَّ اسمهُ نوحٌ، وكنيته أَبُو الغُصن، وَأَنه أربى عَليّ المائِةِ، وَفِيه يقولُ عمرُ بنُ أبي ربيعَة: ولَّهتْ عَقْلي وتلقّبتْ بِي ... حَتَّى كَأَنِّي مِنْ جنُوني جُحا ثمَّ أدْرك أَبَا جعْفر، ونزلَ الكوفةَ. قيلَ لجحا: أتعلمتَ الحسابَ؟ قَالَ: نعمْ. فَمَا يُشكلُ على شيءٌ مِنْهُ. قَالَ لَهُ: اقْسم أربعةَ دراهَم على ثَلَاثَة. فَقَالَ: لِرجلَيْنِ دِرْهَمَانِ، دِرْهَمَانِ، وَلَيْسَ للثالثِ شيءٌ وَأَرَادَ المهديُّ أَن يعبث بِهِ فَدَعا النطع والسَّيف، فَلَمَّا أقُعد فِي النطع، وَقَامَ السيافُ على رَأسه وهز سَيْفه، وَرفع إِلَيْهِ رأسهُ. فَقَالَ: انظُر لَا تُصيبُ محاجمي بالسيفِ، فَإِنِّي قد احتجمتُ فَضَحِك المهديُّ وأجَازَه. وَمَاتَتْ لِأَبِيهِ جاريةُ حبشية: فبعثَ بِهِ إِلَى السُّوق ليَشْتَرِي لَهَا كفناً، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ حَتَّى أنفذ غَيره، وَحمل الْكَفَن، وحُمِلتْ جِنازتُها، فجَاء جُحا - وَقد حُملتْ - فَجعل يعدو فِي الْمَقَابِر، وَيَقُول: رَأَيْتُمْ جَنَازَة جَارِيَة حبشية، كفنُها معي؟ وجمحت بِهِ يغلةٌ يَوْمًا، فأخذتْ بِهِ فِي غير الطَّرِيق الَّذِي أرادَه، فَلَقِيَهُ صديقٌ لَهُ. فَقَالَ: أينَ عزمْت يَا أَبَا الغصنِ؟ فَقَالَ: فِي حاجةٍ للبغْلةِ. وَكَانَ يَأْكُل يَوْمًا مَعَ أمه خُبزاً وبقلاً، فَقَالَ لَهَا: يَا أُمي، لَا تأكلي الجرجيرَ فَإِنَّهُ يقيمُ الأير.

وَمَرَّتْ بِهِ جَنَازَة، فقالَ: بَارك اللهُ لنا فِي الْمَوْت وَفِيمَا بعدَ الموتِ. فَقيل: إِنَّهَا جنازةُ نَصْراني. فَقَالَ: إذنْ لَا بَارك اللهُ لنا فِي الموتِ، وَلَا فِيمَا بعد الْمَوْت. وكانتْ لَهُم جاريةٌ يُقَال لَهَا عميرةُ، فضربتْها أمُّه ذَات يَوْم، وصاحتِ الجاريةُ وَاجْتمعَ الجيرانُ على الْبَاب. فخرجَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: مالكُم؟ عافاكم الله. إِنَّمَا هِيَ أُمِّي تجْلد عميرةَ. وَصلى بِقوم - وَفِي كُمِّهِ جَرْو كلب - فَلَمَّا ركَع سقط الجروُ، وَصَاح، وتنحنْح. فالتفتَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: إنَّه سلُوقُّي عافاكم الله. وَحمل جرةً خضراء إِلَى السُّوق يبيعُها. فَقَالُوا: هِيَ مثقوبةٌ. فَقَالَ: لَيْسَ تسيل، فإنَّه كَانَ فِيهَا قُطنٌ لوالدتي. فَمَا سالَ مِنْهُ شيءُ. وَأَعْطَاهُ أَبوهُ درهما يزنُه، فطرحَهُ فِي الكِفة، وطرَحَ فِي الكِفة الْأُخْرَى سنجة دِرْهَمَيْنِ، وَهُوَ يحسبهما سَنْجةَ دِرْهَم، فَلم يستويا، فَطرح سنجةَ الدِّرهم على رَأس الدِّرهم، فكانَ أقلَّ، فَطرح حبتين أَيْضا، ثمَّ قَالَ لِأَبِيهِ: لَيْسَ فِي شَيْء، وينقُص حبتين. وَنظر يَوْمًا إِلَى السَّماء، فَقَالَ: مَا أخْلَقها بالمطر لَو كَانَ متغيمةً. ورأوهُ يَوْمًا فِي السُّوق يَعْدو فَقَالُوا: مَا شأْنُك؟ قَالَ: مرّت بكم جاريةٌ رجل مخضوب الْحَيَّة؟ واجتَازَ يَوْم بِبَاب الْجَامِع فَقَالَ: لِمنْ هَذَا الْقصر؟ قَالُوا لَهُ: هَذَا مَسْجِد الْجَامِع. قَالَ: رحِمَ اللهُ جَامعا. مَا أحسنَ مَا بَنَي مسجدَه؟ ؟ وذهبتْ أمُّه فِي عرس، وتركتْهُ فِي البيْتِ، وقالتْ لَهُ: احفَظ الْبَاب. فجلَس إِلَى الظّهْر. فَلَمَّا أبطأَتْ عَلَيْهِ قامَ، فقلَع البابَ، وحملَه على عاتِقِه. وَنظر إِلَى رجل مقيَّد - وَهُوَ مغْتَم - فَقَالَ لَهُ: مَا غمُّك؟ إِذا نُزع عنكَ فثمنُه قائمٌ، ولبسه ربحٌ. وماتتْ خالتُه، فَقَالُوا: اذْهبْ، واشتر لَهَا حَنوطاً. فَقَالَ: أخْشى أَلا ألحق الجنازةَ.

وتبخَّر يَوْمًا فأُحْرِقتْ ثيابُه. فَقَالَ: واللهِ لَا تبخرتُ أبدا إِلَّا عُرْياناً لما قَدَم أَبُو مُسلم الْعرَاق قَالَ ليَقْطين بن مُوسَى: أحبُ أنْ أرى جحا. قَالَ: فوجَّه يقطينُ إِلَيْهِ فدعاهُ وَقَالَ: تهيأْ حَتَّى تدخُل على أبي مُسلم فَإِذا دخلْت عليْه فَسلِّم، وإيَّاك أَن تَتَعلَّقَ بِشَيْء دونَ أنْ تشْتدَّ فَإِنِّي أخشاهُ عليْكَ قَالَ: نعمْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَد، وجلسَ أَبُو مسْلم وجَّه يقْطينُ إِلَيْهِ فَدَعاه، فأدخلَ على أبي مُسلم - وَهُوَ فِي صَدْر الْمجْلس - ويقطينُ إِلَى جنبه، فسلَّم. ثمَّ قَالَ: يَا يقَطينُ. أيُّكُما أَبُو مُسلم؟ فَضَحِك أَبُو مُسلم حَتَّى وضَع يَده على فَمه. وَلم يكُن رُئي قبلَ ذَلِك ضَاحِكا. وَأَرَادَ جحا الخروجَ إِلَى ضيعْةٍ، فقيلَ لَهُ: أحْسنَ الله صَحَابتَك: فَقَالَ: الموضعُ أقربُ مِنْ ذَاك. وعُجنَ فِي منزلِه، فطلَبوا منْه حطباً. فقالَ: إنْ لم يكُن حطبٌ فأخُبزوه فطِيرا. وَلما حذق الكتابةَ والحسابَ بعث بِهِ الْمعلم مَعَ الصّبيان إِلَى أَبِيه. فَقَالَ لَهُ أبوهُ كمْ عشْرين فِي عشْرين؟ فَقَالَ: أَرْبَعِينَ ودانقين. فَقَالَ وَكَيف صارَ فِيهِ دانقين؟ قَالَ: كَانَ فِيهَا دِرْهم ثقيلٌ. أكلَ جحا يَوْمًا مَعَ قوم رؤساً، فَلَمَّا فرغ من الْأكل دَعَا للْقَوْم، وَقَالَ: أطْعمكُم اللهُ مِنْ رُؤْس أهل الْجنَّة. وضرطَ أَبوهُ يَوْمًا، فَقَالَ جحا: على أيري. فَقَالَ أَبوهُ: ويْلكَ أيش قُلْتَ؟ قَالَ: حسبتُك أُمِّي. وماتتْ أمه فجعلَ يبكي، ويقولُ: رَحمك الله فلقدْ كَانَ بابُكِ مَفْتُوحًا، ومتاعك مبذُولاً. دخلَ البيتَ وَإِذا جاريةُ أَبِيه نائمةٌ، فاتكأ عليْها، فانتبَهتْ، وقالتْ: من ذَا؟ قَالَ: اسكُني أَنا أبي. ورأوهُ فِي جَنَازَة أبي الْعَبَّاس النَّحْوِيّ وَهُوَ يَقُول: يَا أَبَا العَّباس رحمَك اللهُ

مَنْ حُرْمَتُنا بعْدك يَا أَبَا الْعَبَّاس. وَسمع قَائِلا يَقُول: مَا أحْسنَ القمرَ؟ فَقَالَ: أَي وَالله خَاصَّة بِاللَّيْلِ. وَجَاز بِقوم فِي كُمِّه خُوخٌ، فَقَالَ لَهُم: مَنْ أخُبرَني بمَا فِي كُمي فلَه أكبر خُوخة فِيهِ؟ قَالُوا: خُوخٌ. فَقَالَ: مَا قَالَ لكم إِلَّا مَنْ أمُّه زانيةُ. وَقَالَ لَهُ أَبوهُ يَوْمًا: احملْ هَذَا الحُب فَقَيرهُ. فَذهب بِهِ، وقيرهُ مِنْ خَارج. فَقَالَ أبُوه: أسْخَنَ اللهُ عينْك: رأيتَ مَنْ قير الحبَّ مِنْ خَارج؟ فَقَالَ جحا: إنْ لم ترْضَ - عافاك اللهُ - فاقْلبه مثلَ الخُفِّ حَتَّى يصيرَ القيْر مِن داخِل. وَبَات لَيْلَة مَعَ صبيانٍ لَهُ، فَجعلُوا يفُسون. فَقَالَ لامْرَأَته: هَذَا - واللهِ - بليةٌ. قَالَت دَعْهم يفْسون فإنَّه أدفأُ لَهُم. فَقَامَ وخرى وسطَ الْبَيْت، ثمَّ قَالَ: أنْبهى الصبيانَ حَتَّى يصْطلُوا بِهَذِهِ النَّار. قيل لَهُ: مَا لوجهك مستطيلاً؟ قَالَ: ولدتُ فِي الصيفِ، وَلَوْلَا أَن الشتَاء أدركهُ لَسَالَ وَجْهي. ورثى يَوْمًا مَغْمُوماً، فَقيل لَهُ: مالَك؟ قَالَ: وقعتْ أُمِّي من السَّطْح على مذاكيرها. وَأخذ بَوْلَه فِي قَارْورة، فَأتى بِهِ الطبيبَ. فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أنْ أنقطع إِلَى بعْض الملُوكِ. فانظْرْ: هَل أصيبُ مِنْهُ خيرا؟ وَكَانَ فِي دَارهم شجرةُ تين، وكانتْ الدَّار لأمه. فَدَعَا أَبوهُ قوما فسكِروا، وَجعلُوا يَبُولُونَ فِي الْبُسْتَان. فَقَالَ لأُمه: يَا أمه: {} هُوَ ذِي يبولُون فِي أصْل تينك. وَمَاتَتْ ابْنة لَهُ فَذهب ليَشْتَرِي لَهَا كفناً، فَلَمَّا بلغ البزازين رَجَعَ مسرعاً فَقَالَ: لَا تحملُوها حَتَّى أجيءَ أَنا. ومرَّ فِي الميدانِ فَرَأى قصرا مشرفاً، فَوقف ينظر إِلَيْهِ، ويتأمْله طَويلا، ثمَّ

قَالَ أتوهمُ أَنِّي رايتُه فِي مَجلَّةِ بني فُلان. وَدخل الْبُسْتَان فتعلَّق ثوبُه بشجرة، فَالْتَفت، وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّك بَهِيمَة لكسرتُ أنْفك. وَخرج يَوْمًا بقُمقم يَسْتَقِي فِيهِ مِن مَاء النَّهر، فَسقط مِنْ يَده وغرِق فَقعد على شطِ النَّهر، فمَّر بِهِ صاحبٌ لَهُ، فَقَالَ: مَا يُقعِدك هَا هُنا؟ قَالَ: قمقمٌ لي قدْ غرق وَأَنا أنْتظُر أنْ ينتَفخَ ويطفُو فوقَ المَاء. وَاشْترى يَوْمًا نفانق فانقض عَلَيْهِ عقابٌ، وانتسفَ بعض النفانِق فَطَار بِهِ فنظَر إِلَيْهِ، وَقَالَ: يَا شقيُّ. وَمن أَيْن لَك خَردَلٌ تأكلُه بِهِ؟ ؟ وأسلمتْه أمُّه فِي البزازين، فقالتْ لَهُ بعْد حَولين: توجهتَ فِي شَيْء؟ قَالَ: نعمْ. تعلمت نصْفَ الْعَمَل. قيل: وَمَا تعلَّمتَ؟ قَالَ: تعلمتُ النشرَ، بَقِي الطيُّ. وَقيل لَهُ - وَكَانَ بَرِيء من جِرَاحَة أَصَابَته: بِمَ تداوَيْت؟ قَالَ: بدَم الْوَالِدين. يُريد دمَ الْأَخَوَيْنِ. وَركب يَوْمًا حمارا، وعقر ذنَبه. فَقَالُوا: لِم فعلت ذَلِك؟ فَقَالَ: لِأَنَّهُ يقدِّمُ سَرجْه. وتعلَّق بلص فِي بعض اللَّيْل، فصاح اللصُّ: قُرحتي. فخلاهُ حَتَّى مر، وَقَالَ: خشيتُ أنْ أوجعهُ. وَكَانَ نقشُ خَاتمه: عَشاءُ اللَّيْل رديءُ. وأخذهُ صاحبُ الْمصلحَة فقدَّمه إِلَى الْوَالِي، فَقَالَ: رأيتُ هَذَا يجْلِده عَميرة. فَقَالَ: احْبِسُوهُ. فلقِيَهُ صديقٌ لَهُ، فَقَالَ: مَا حالُكَ؟ قَالَ: قصتي عجيبةُ، لَا يَدَعَونا " ننيكهُم. فَإِذا نكنا أنفسَنا حَبَسونَا.

الباب الثامن عشر نوادر اشعب

الْبَاب الثَّامِن عشر نَوَادِر أشعب كَانَ يَقُول: كَلْبِي كلبُ سوء، يبصبص للأضياف وينبح أصحابَ الْهَدَايَا. وأشعبُ هَذَا هُوَ الموصوفُ بالطمع. وَقيل لَهُ: مَا بلغ مِنْ طمعك؟ قَالَ: لم تقُلْ هَذَا إِلَّا وَفِي نفْسِك خيرٌ تَصنعهُ بِي. ومِن عَجِيب أخباره أَنه لم يمتْ شريفٌ قطّ من أهل الْمَدِينَة إِلَّا استعدى أشعب عَليّ وَصيته، أَو وَارثه، وَقَالَ لَهُ: احْلِف أَنه لمْ يُوصِ لي بشي قبل مَوته. وَقيل لَهُ: لقد لِقيتَ رجلا من أصْحاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَو حَفظتَ أَحَادِيث تتحدَّثُ بهَا؟ ؟ قَالَ: أَنا أعلُم الناسِ بِالْحَدِيثِ. قيل: فحدِّثنا. قَالَ: حَدثنِي عِكرمةُ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: خلَّتَان لَا تجتمعان فِي مُؤمن إِلَّا دخلَ الجنةَ. ثمَّ سكتَ. قيل لَهُ: هاتِ، مَا الخلَّتان؟ قَالَ: نسِي عِكرمةُ إحداهُما، ونسيُ أَنا الْأُخْرَى. قَالَ بعضُهم: قلت لَهُ: لَو تحدثتَ عِنْد العَشيّة {} فَقَالَ: أخافُ أَن يجِئ إنسانٌ ثقيل: قلتُ: لَيْسَ مَعنا ثالثٌ. فمضَى معي. فَلَمَّا صليتُ دعوتُ بالعشاء، فَلم يلبثْ أنْ جَاءَ صديقٌ يدقُّ البابَ، فَقَالَ أشْعَبُ: تُرى قد صِرنْا إِلَى مَا نكُرهُ؟ قَالَ: قلتُ لَهُ: عِنْدي فِيهِ عشرُ خِصال لَا يُكرهُ مِنْهَا خَصْلةٌ، فَإِن كرهت وَاحِدَة لم آذن لَهُ. قَالَ. هَات. قلت: أولَاهُنَّ أَنه لَا يَأْكُل. فَقَالَ التسع الْبَاقِيَة لَك. أدخلهُ. وَكَانَ أشبعُ لَا يغب طَعَام سَالم بنِ عبد الله بن عُمَر فاشتهى سالمٌ أنْ يأْكل مَعَ بناتِه. فَخرج إِلَى بُستان لَهُ، فجَاء أشعبِ فَخُبر بالقصة فاكترى جملا بدرهم.

فَلَمَّا حَاذَى حائطَ الْبُسْتَان. وثبَ، فَصَارَ عَلَيْهِ، فَغطّى سالمٌ بناتَه بِثَوْبِهِ. وَقَالَ: بَنَاتِي بَنَاتِي. فَقَالَ أشعبُ: إِنَّك لتعلَم مَا لنا فِي بناتك من حق وإنّك لتعلَم مَا نُريد. قيل: بغتْ أم أشعب، فضُربتْ، وحُلِقتْ، وحملت على بعير يُطاف بهَا، وَهِي تَقول: منْ رَآنِي فَلَا يزْنينَّ. فأشرفتْ عَلَيْهَا ظريفةٌ من أهل الْمَدِينَة: فَقَالَت لَهَا: إِنَّك لمطاعةٌ {} نَهَانَا الله عنهُ، فَمَا ندعُه، ونَدعهُ لِقَوْلِك؟ ؟ كَانَ زِيَاد بنُ عبدِ الله الْحَارِثِيّ على شُرطةِ الْمَدِينَة، وَكَانَ مبخلاً على الطَّعَام فَدَعَا أشعبَ فِي شهر رمضانَ ليفطرَ عِنْده، فقدِّمتْ إِلَيْهِ فِي أول لَيْلَة بَصَليةٌ معْقُودةٌ، كانتْ تُعْجِبه، فَجعل أشعبُ يُمِعنُ فِيهَا - وزيادٌ يلمحه - فَلَمَّا فَرغوا من الْأكل قَالَ زِيَاد: مَا أظُنُّ أَن لأهل السجْن إِمَامًا يُصَلِّي بهم فِي هَذَا الشَّهْر فَلُيصَلِّ بهم أشْعَبُ. فَقَالَ أشْعبُ: لَو غَير ذَلِك - أصْلحَك الله -؟ قَالَ: وَمَا هُو؟ قَالَ: أحْلِفُ أَنِّي لَا أَذُوق بصَلَيّةً أبَدا. فَخَجِلَ زيادٌ، وتغَافل عَنهُ. قَالَ أشَعب: جَاءَتْنِي جاريةٌ بِدِينَار، وقالتْ هَذِهِ ودَيعةٌ عندكَ. فجعلتُه بيْن ثِنْى الْفراش. فجاءتْ بعد أَيَّام فقالتْ: بِأبي الدينارَ فقلتُ: ارفعي الْفراش، وخُذي ولدّهُ. وكنتُ تركتُ إِلَى جَنْبه درهما فَتركت الدينارَ. وَأخذت الدِّرْهَم وعادت بعد أَيَّام فوجدتْ معهُ درهما آخرَ، فَأَخَذته. وعادت فِي الثَالثة كَذَلِك. فَلَمَّا رأيتُها فِي الرابعةِ بكيتُ. فَقَالَت: مَا يُبكيكَ؟ قلتُ ماتَ دينارُك فِي النِّفاس. قَالَت: وَكَيف يكون للدينار نِفَاسٌ؟ ؟ قلتُ: يَا فاسقةُ تُصدقين بِالْولادَةِ، وَلَا تصدقين بالنفاس {} سَأَلَ سَالم بنُ عبدِ الله بن عمر أشعبَ عَن طمعه، فَقَالَ: قلتُ لصبيان مرَّةً: اذهبُوا. هَذَا سَالم قد فتَح بيتَ صدَقَة عمرَ حَتَّى يُطعمكم تمرْاً. فلمَّا احْتبسوا ظننْتُ انه كَمَا قلتُ لَهُم فغدوْتُ فِي أثَرهم. وَقيل لَهُ: مَا بلغ مِنْ طَمَعِكِ؟ قَالَ: أرى دُخَانَ جَاري فأُرد. وَقيل لَهُ أَيْضا: مَا بلغَ من طمعك؟ قَالَ: لم أر اثْنَيْنِ قطُّ. يتسَارانِ إِلَّا ظننتُ أَنَّهُمَا يأمران لي بِشَيْء.

وَقيل أَيْضا: مَا بلغ من طمَعكَ؟ قَالَ: مَا رأيتُ عروساً بِالْمَدِينَةِ تُزفُّ إِلَّا كنستُ بَيْتِي، ورششتُه طمَعاً فِي أَن تُزفَّ إليَّ. ووقف علىَ رجل خَيْزُراني - وَكَانَ يعْمل طبقًا - فَقَالَ لَهُ: وسعْه قَلِيلا. قَالَ الخَيْزْراني: وَمَا تُريد بذلك؟ كأنَّك تُريد أنْ تشتريَه؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن يَشْتَرِيهِ بعضُ الْأَشْرَاف، فَيْهدي إِلَيّ فِيهِ شَيْئا. وَقَالَ لَهُ ابنُ أبي عَتيق: أمَا تَسْتَحي - وعندكَ مَا أرى - مِنْ أنْ تسْأَل الناسَ؟ قَالَ: معي من لُطفِ المسألةِ مَالا تطيبُ نَفسِي بترْكه. وَكَانَ أشعبُ يحدِّث عَنْ عبد الله بن عُمر، فيقولُ: حدَّثني عبد الله، وَكَانَ يُبغضُني فِي الله. وَجلسَ يَوْمًا فِي الشتَاء إِلَى رجل من وَلدِ عُقبة بن أبي مُعَيْطٍ، فمرَّ بِهِ حسنُ بن حسن، فَقَالَ: مَا يُقعِدُك إِلَى جَنْب هَذَا؟ قَالَ: أصْطلي بناره. وَلما مَاتَ ابنُ عائشةَ الْمُغنِي جعل أشْعبُ يبكي، وَيَقُول: قلتُ لكم زوجوا ابْن عَائِشَة من الشماسيةِ حَتَّى يخرجَ بَينهمَا مَزَامِير داودَ، فَلم تَفعلُوا وَكَانَ لَا يُغني حذرٌ مِنْ قَدَر: وَلما أخرجت جنازةُ الصريميةِ المغنّيةِ كَانَ أشعبُ جَالِسا فِي نفر من قُريش، فَبكى عَلَيْهَا، وَقَالَ: اليومَ ذهبَ الغِناءُ كلهُّ. وترحَّمَ عَلَيْهَا، ثُم مَسحَ عيْنَيهِ، والتفتَ إلهيمْ، وَقَالَ: وعَلى ذلكَ فقد كانتْ الزانِيةُ شرَّ خلْق الله فضحكوا، وَقَالُوا: يَا أشعبُ، لَيْسَ بَين بُكائِكَ عليْها، وَبَين لغْنِك إِيَّاهَا فرقٌ. قَالَ: نعم كُنَّا نحبوها الفاجرَة بكَبْش إِذا أردْنَا أَن نزورَها فتطبخ لنا فِي دارها ثمَّ لَا تُعشينا - يشْهد الله - إِلَّا بسلق. وَجَاز بِهِ يَوْمًا سبطٌ لِابْنِ سُريج وَهُوَ جَالس فِي فتية من قُرَيْش، فَوَثَبَ إِلَيْهِ، وَحمله على كتفه، وجعلَ يُرقْصُه ويقولُ: فُديتَ من ولَد عَليّ عُودٍ، واستهل بغناء، وحُنِّك. بحلْوى، وَقطعت سرتُه بزير وخُتِنَ بمِضْراب.

وتَبع مرّة امْرَأَة فَقَالَت لَهُ: وَمَا تصنَعُ بِي ولي زوجٌ؟ قَالَ: فتسري بَين فديتك. وقيلَ لَهُ: هَل رأيتَ أطْمعَ مِنْك؟ قَالَ: نعمْ: كَلْب أمِّ حومل، تَبِعنِي فَرسخيْن، وَأَنا أمضُع كُنْدراً. وَلَقَد حسدْتُه على ذَلِك. وخفَّفَ الصَّلَاة مرّة، فَقَالَ لَهُ بعضُ أهل الْمَسْجِد: خفَفتَ الصلاةَ جدا {} قَالَ: لِأَنَّهُ لم يُخالطْها رياءٌ. وَقَالَ لَهُ رجل: ضَاعَ معْروفي عندَك. قَالَ: لِأَنَّهُ جاءَ من غير محْتسب ثمَّ وقَعَ عِنْد غير شَاكر. قيل لَهُ: هَل رأيتَ أحدا أطمعَ مِنْك؟ قَالَ: نعمْ. خَرجْتُ إِلَى الشَّام مَعَ رَفِيق لي، فنزلنا بعض الديارات، فتلاحَيْنَا. فقلتُ: أير هَذَا الراهب فِي حر أم الْكَاذِب. فَلم نشعر إِلَّا بِالرَّاهِبِ قطّ اطلع عليْنَا، وَقد أنعظ وَهُوَ يَقُول: أيُّكم الكَاذِبُ؟ وَدخل يَوْمًا إِلَى بعض الرؤساء - وَهُوَ يَحْتَجم فَقَالَ لَهُ أشعبك حَجمَك بنُوك. كَانَ أشعب عِنْد الْحسن بن الْحسن بن عَليّ عَلَيْهِم السَّلَام، فَدخل عَلَيْهِم أَعْرَابِي مشعث اللِّمة، قَبِيح الْخلقَة متنكِّباً قوساً. فَقَالَ أشعبُ لِلْحسنِ: تأذنُ أنْ أسْلحَ عَلَيْهِ فَسَمعهُ الْأَعرَابِي، فَوضع سَهْما فِي كَبِير قوسه، وفوقه نَحْو أشعب وَقَالَ: لَئِن فَعلت ليكونَنَّ آخِر سلْح تسْلحه أبدا فَقَالَ أشعب لِلْحسنِ: يَا سَيِّدي. أَخَذَنِي وَالله القولنج. قَالَ رجل لأشْعبَ - وَكَانَ صديقَ أَبِيه -: يَا بني. كَانَ أَبوك عظيمَ اللِّحْيَة، فمنْ أشبهتَ أَنْت؟ قَالَ: أشبهتُ أُمِّي.

الباب التاسع عشر نوادر السؤال

الْبَاب التَّاسِع عشر نَوَادِر السُّؤَّال قَالَ بَعضهم: رأيتُ سَائِلًا بِبَغْدَاد فِي الزياتين - وهم أنصَب منْ فِي الأَرْض - يسْأَل، وَيَقُول: تَصَدقوا على حُبَّا وكرامةً لأمير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب. وَلَيْسَ يلتفتُ إِلَيْهِ أحد، وَلَا يُعطيهِ شَيْئا. فدفعتُ إِلَيْهِ درهما، وقلتُ فِي نَفْسي: إِن هَذَا الْمِسْكِين لَا يعرفُ هَؤُلَاءِ وبُعْضهم لعَلي - عَلَيْهِ السَّلَام - فَأخذ الدرهمَ مني، وَقَالَ: يَا صَاحب الصدقَةِ، إنْ كنتَ تصدقتَ بهَا على وَفِي قَلْبك بُغْضٌ لأبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وفلانٍ، وفلانٍ ومعاويةَ خَالِ الْمُؤمنِينَ رديفِ المصْطفى، وَكَاتب الْوَحْي فَقطع اللهُ يديكَ ورجلَيْك وأعْمى عَيْنيكَ. قَالَ: فأخذتُه الدراهمُ مِنْ كل جانبٍ، وبقيتُ أَنا متحيراً. ثُمَّ مضى فلحظتُه. فَعلِم مَا فِي قلبِي. فَقَالَ: يَا فَتى. على رسْلكَ {} عِنْدك أَن هَؤُلَاءِ القَرانِنةَ لَا يصَّدَّقون على إِلَّا بمثْل هذِه الحيلةِ. جَاءَ سائلٌ إِلَى قوم فَسَأَلَهُمْ، فَردَّوا عَلَيْهِ، وألحَّ عَلَيْهِم فردَّوا. فألحَّ، فخرجَ إِلَيْهِ بعضُهم فَقَالَ: عَافَاك اللهُ. أمَا سمعتَ الرَّدَّ؟ قَالَ: وَلَكِنَّكُمْ غَممتْمُوني فأردتُ أنْ أغمّكم يَا قَرانِنةُ. وقف سائلٌ على قوم، فَقَالَ بعضُهم: يضاعتُنا واحدةٌ. فَقَالَ السائلُ: أَنا أَقُود عَليّ أُمِّي. أعطي سائلٌ كسرةً صَغِيرَة. فَقَالَ: رحم الله من تممها لُقمةٌ. قَالَ بَعضهم: رأيتُ بِبَغْدَاد مكفوفاً: من أَعْطَانِي حَبّةً سقاهُ اللهُ من

الْحَوْض على يَد مُعَاوِيَة. فتبعتُه حَتَّى خَلوتُ بِهِ، ولطمْتُه، وقلتُ: يَا كَذَا عَزلتَ أميرَ الْمُؤمنِينَ عَن الحْوض. فَقَالَ: أردْتَ أنْ أسْقَيهُمْ بِحَبَّة على يَد أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام؟ ؟ لَا، وَلَا كرامةَ. سَأَلَ أَبُو فِرْعَوْن رجلا، فمنعهُ. فألحَّ عليْه فَأعْطَاهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أخْرنَا وإيَّاهُمْ. نسْألهم إلحافاً، ويعطوننا كُرهاً، فَلَا يُبَاركُ اللهُ لنا فِيهَا، وَلَا يأْجرهُم عَلَيْهَا. وقف سَائل على بَاب، فَقَالَ: يأهَل الدَّار. فبادر صاحبُ الدَّار قبلَ أَن يُتم السائلُ كَلَامه، وَقَالَ: صنَع اللهُ لَك. فَقَالَ السَّائِل: يَا بنَ البَظْراء. كنتَ تصبر حَتَّى تسمع كَلَامي عَسى جئتُ أَدْعُوك إِلَى دَعوة. وقف أَعْرَابِي سَائل على بابٍ، وَسَأَلَ. فَأَجَابَهُ رجلٌ: لَيْسَ هَا هُنا أحدٌ قَالَ: إنَّك لاحدٌ لوْ جعل اللهُ فِيك بَرَكةً. قَالَ الجّمازُ: سمعتُ سَائِلًا يَقُول: مَنْ يعطيني حُبَّا لأمينين: جِبْرِيل وَمُعَاوِيَة؟ وقف سائلٌ على بابٍ وَكَانَت صاحبهُ الدَّار تبولُ على البالوعة. فحسبَ السائلُ أَن صوتَ بولها نشيشُ المقلي. فَقَالَ: أطعمُونَا مِنْ هَذَا الَّذِي تقْلُونه. فضرطتْ المرأةُ، وقالتْ: حطُبنَا - وحياتِك - رطبٌ لَيْسَ يشتعل. وَكَانَ آخر يَقُول منْ يعطينى قِطْعَة حُبًّا لهندِ حماة النَّبِي. ووقف سَائل بِبَاب المافروخي عَامل الأهواز، وَسَأَلَ فأعَطَوه لقْمَة من خُبز فسكتَ سَاعَة، وَلم يبرح. ثمَّ صَاح، وقالَ: هَذَا الدّواءُ لأي شيءٍ ينفْعُني؟ وَكَيف آخذُه؟ وقف سَائل على بَاب قوم فَقَالَ: تصدقُوا عَليّ فَإِنِّي جَائِع. قَالُوا: لم نَخبزْ بعدُ. قَالَ: فكفّ سَويق؟ قَالُوا: مَا اشترينا بعدُ. قَالَ: فشربة مَاء فَإِنِّي عطشانْ. قَالُوا: مَا أَتَانَا السقاء بعدُ. قَالَ: فيسيرُ دُهن أضعُه على رَأْسِي. قَالُوا: ومِنْ أَيْن لنا الدهنُ؟ فَقَالَ: يَا أولادَ الزني، فَمَا قعودُكم هَا هُنا؟ ؟ قومُوا وسلُوا معي. وقف سَائل على بَاب دَار فَقَالَ: تصدَّقوا عَليّ. فَقَالَت جاريةٌ من الدَّار: مَا

عندنَا شيءٌ نعطيكَ، وسِتى فِي المأتم. فَقَالَ السائلُ: أَي مأتم أعظمُ من مأتمكُم إِذا لم يكن عنْدكُمْ شيءٌ؟ ؟ وقف آخر بِبَاب دارٍ، فَسَأَلَ، فَقَالَ صاحبُ الدَّار: أغْناكَ اللهُ، فَلَيْسَ صبيانُنا هَا هُنَا. قَالَ: إنَّما طلبْتُ كسرةً: لمْ اطلُب الجماعَ. وقفَ آخر بِبَاب فَقَالَ: أوسِعُوا عَليّ مِمَّا رَزَقكم الله فَإِنِّي فِي ضيق. فقالَ. صاحبُ الدَّار: إِن كُنتَ فِي الدّهْليز فِي ضِيق فادخُل الدَّار فَإِنَّهُ أوسعُ لَك فَقَالَ السَّائِل: إِنَّمَا قُلتُ: تأْمُر لي بشيءٍ. فقالَ: قد أمرتُك أنْ تشتري لِابْني قَلنسوة. فَقَالَ السَّائِل: أيش تريدُ مني يَا هَذَا؟ قَالَ: أريدُ مِنْك عشرةَ دَرَاهِم أوديها عَن كِرا الدَّار. فولى السائلُ هَارِبا. وقف أَعْرَابِي على قوم يسألهم، فَقَالَ أحدُهُم لَهُ: بُورك فيكَ. وقالَ آخرُ مَا أَكثر السُّؤَّال؟ فَقَالَ الْأَعرَابِي: تُرانا أكثَر مِنْ بورك فِيك؟ وَالله لقد علمكُم اللهُ كلمة مَا تُبالُون وَلَو كُنا مثل ربيعَة ومُضر. وقف آخُر على بابٍ، فأجابتْه امرأةٌ من الدَّار: مَا خبَزْنا الْيَوْم. قَالَ: فَأعْطِنِي كف دَقِيق. قالتْ: مَا اشترينا بعدُ دَقِيقًا. قَالَ: فاستقْرضي منْ الْجِيرَان رغيفاً. قَالَت لَا يقرضونا. قَالَ قد أحْسَنُوا يَا زانيةُ تستقرضين، وَلَا تردين. لَا يُقْرضُونكِ {} وقف سَائل على إِنْسَان - وَهُوَ مقبلٌ على صديق لَهُ يحدثهُ، ويتغافلُ عَن السَّائِل - ثمَّ قَالَ لهُ بعد سَاعَة طَوِيلَة: صنع الله لَك. فَقَالَ لَهُ السَّائِل: أَيْن كَانَ هَذَا يَا سَيِّدي إِلَى هَذَا الْوَقْت؟ كَانَ فِي الصُّنْدوق؟ وَكَانَ رجل بِبَغْدَاد من الشحاذين فَكَانَ دأبُه أَن يترصَّد إقبال الرّبيع، فيطلبُ وردةً أول مَا تطلُع، وقبْل أَن يَرَاهَا الناسُ فيأْخُذها، ويحملها إِلَى الحذائين ويبشِّرهم بمجيء الصَّيف، وحاجةِ النَّاس إِلَى النّعال، فيجبّون لَهُ شَيْئا، ويعطونه. وَإِذا أقبل الخريفُ عَمدَ إِلَى جَزرة قبل أنْ يرى الناسُ الجزر، ويُهديها إِلَى الخفافين، ويبشرهم بمجيء الشتَاء. فَمَا زَالَ هَذَا دأبه يتعيش مِنْهُ طول عُمره.

وَكَانَ رجلٌ منْهم مَعَه صحيفَة، ودواةٌ، فَكَانَ يتَقَدَّم إِلَى الرجل منْ أهْل السُّوق وَغَيرهم، فيسألهُ أنْ يُعطيه شَيْئا، ثمَّ يَقُول لَهُ: أَنا أرْضى بدرهم وَاحِد تُعْطينيه فِي مثل هَذَا الْيَوْم من السّنة الْقَابِلَة. فيستحي الرجلُ فيقولُ: أثبتْ لي خطك بِهَذَا الدِّرْهَم الواحدِ، فيأْخُذ خطَّه، وَيعود فِي الْقَابِل، وَفِي الْيَوْم الَّذِي يكون قدْ أرخه فَيَأْخُذ مِنْهُ ذَلِك. فَكَانَ يجتمعُ لَهُ فِي كل سنة جملةٌ جَاملةٌ. سمع رجل سَائِلًا فِي مسْجد الْكُوفَة يَقُول: أَسأَلكُم بحقِّ أبي بكر وعُمَر، فَمَا أعطَاهُ أحدٌ شَيْئا. فَقَالَ: ليسَ لهَؤُلَاء الْقَوْم هَاهُنَا جاهٌ. رأى أَبُو القمقام الْهلَال على وَجه قصرية فَقَالَ لَهَا: اضحكي فِي وَجْهي وخُذي هَذَا الدِّينَار مني. فاستظرفته، وَأخذت منهُ الدِّينار عَبَثا. فَقَالَ: قد تفاءلتُ بَوجْهك، فَمَا لي عنْدك؟ قَالَت: أردُّ دِيناراً. قَالَ: هَذَا كُما كُنَّا فأينْ حلاوةُ الفأل؟ وصدقت، فَأَعْطَتْهُ دِينَارا. فَقَالَ: التجارةُ بركةٌ والخديعةُ يُمْنٌ. وَكَانَ على عَصا ساسان الْمكْرِي مَكْتُوبًا بِالذَّهَب: الْحَرَكَة بركةٌ، الطراوة سُفتجَة، الكسل شؤْمٌ، التمييزُ جُرمٌ. حكى بعضُهم قَالَ: سَمِعتُ أبن سكّرة يَقُول: كَانَ شرطي مَعَ خمْرة - وَهِي الَّتِي يشببُ بهَا فِي شِعْره، وفيهَا يقولُ. لِخَمرةَ عِنْدِي حديثٌ يطولُ ... رأتني أبولُ فَكَادَتْ تبولُ أَن أعطيها على كل فَرد أَرْبَعَة دوانيق. فَقَالَ: فجاءتني يَوْمًا فأعطيتُها دِرْهَمَيْنِ ونكتها مرَّتَيْنِ. وَلم ينتشر عَليّ فِي الثَّالِث، فأردتُ ارتجاع قسط الْوَاحِد مِنْهَا وامتْنعَتْ من ذَلِك. فبيْنا نحنُ فِي ذَلِك إذْ وقف سائلٌ على الْبَاب، ودعا وَسَأَلَ. فقُلْتُ لَهُ: ادخُل: فَدخل. فقلْتُ: ليْس يحضُرني. ولكنْ نِكْ هَذِه، فقد استْوفتْ جذْرها. قَالَ: فَأخذ بِيَدِهَا، وَدخل الْبَيْت، وناكها. وخرجَ - وأيره فِي يَده - وَهُوَ يقطُر، ويشيرُ إِلَيْهِ، وَيَقُول لي: ثقل اللهُ بِهَذَا مِيزانك يَوْم القيامةِ.

الباب العشرون نوادر المعلمين

الْبَاب الْعشْرُونَ نَوَادِر المعلمين قَالَ بعضُهم: مَرَرْت بِبَعْض سككِ الْبَصْرَة وَإِذا معلمٌ قد ضرب صَبيا، وَأقَام الصّبيان صفا، وَهُوَ يقولُ هَلُمَّ: اقْرَءُوا. ثمَّ جَاءَ إِلَى صبي بجنْب الصَّبِي الَّذِي ضربه، فَقَالَ: قُل لهَذَا يقرأُ، فَإِنِّي لست ُأكَلِّمهُ. قَالَ أبُو عُثْمَان: كَانَ ابنُ شُبرمة لَا يقبلُ شَهَادَة المعلِّم، وَرُبمَا قبل شَهَادَة المؤدِّب. وَكَانَ يحيى بنُ أَكْثَم أَسْوَأ النَّاس رَأيا فيهم. وَكَانَ السنديُّ بنُ شاهك لَا يستحلِفُ المكاري، وَلَا الحائكَ، وَلَا الملاحَ، ويجعلُ القولَ قولَ المدَّعي ويقولُ: اللَّهم إِنِّي أستَخيرُك فِي الحمَّال ومعلِّم الْكتاب. وصفَ بعضُهم معلِّماً فَقَالَ: هُوَ أفْرهُ الناسِ وصيفاً، وأكثرهُم رغيفاً. قَالَ بَعضهم: مررْتُ بمعلم وَإِذا صِبيانُه يلعبُون ويقتَتِلُون، فقلتُ للمعلم: مَا بالُ صبيانكَ ليْسُوا يَفْرَقُون مِنْك {} قَالَ: وَأَنا أيْضاً لستُ أفُرقُ منْهم. قَالَ: وَقَالَ غُلام لِأَبِيهِ: لَا أُرِيد هَذَا الْمعلم. فَقَالَ لَهُ أبُوه: مَا لَهُ؟ ؟ قَالَ: يصْنُع بِي أمْراً عَظِيما. قَالَ: يسْتخدِمُك؟ قَالَ: أَشد مِنْ ذَلِك. قَالَ: فيضربُك؟ قَالَ أَشد من ذَاك. قَالَ: فيعُفجُك؟ قَالَ أَشد مِن ذَاك. قَالَ: فأيُّ شيءٍ وَيلك يفعلُ بك؟ قَالَ: يأكُل غدايَ. قَالَ: كَانَ معلمٌ يُقيمُ الصبيانَ صَفَّين، ويتكئ صبيين بيدَيْهِ، ويقولُ: أربعةُ وأربعةٌ: ستةٌ. فَقلت لَهُ: إِذا كانَ أربعةٌ وأربعةٌ سِتَّة، فكمْ يكونُ ثلاثةٌ وثلاثةٌ؟ قَالَ: صدقتَ. لم آخذْ جذْره.

وَكَانَ لأبي دواد المعلِّم ابنُ، فَمرضِ، فَلَمَّا نَزعَ قَالَ: اغْسِلوه. قَالُوا. لم يمتْ بعد. قَالَ: إِلَى أَن يُفرغَ من غَسْله مَا قد ماتَ. وَقَالَ شريكُه: تعلِّم الصبيانَ - وَعَلَيْك قميصٌ جديدٌ فيسودونه عَلَيْك؟ قَالَ: قد اشتريتُ قطْناً، وَقلت لأهِلنا: يغْزلُون قَمِيصًا خَلَقاً. قَالَ: مررتُ يَوْمًا بمعلِّم - والصبيانُ يحذِفُون عينَه بالقَصب - وَهُوَ ساكتٌ - فَقلت: ويحْكَ {} أرى مِنْك عَجَبا. فَقَالَ: وَمَا هُو؟ قلتُ: أراكَ جالِساً والصبيانُ يَحْذفُون عَيْنِك بالقَصب {} فَقَالَ: اسكتْ، ودَعْهُم. فَمَا فَرحي وَالله إِلَّا أنْ يُصيبَ عَيْني شيءٌ، فأريكَ كيفَ أنتِفُ لِحَي آبَائِهِم. كَانَ بحمص مُعلم يُكنى أَبَا جَعْفَر يتعاطى عِلْمَ الْحساب، فصارتُ إِلَيْهِ يَوْمًا امرأةٌ، فقالتْ: يَا أَبَا جَعْفَر:؛ قفيزُ دَقِيق بثمانيةِ دَرَاهِم كم يُصيبُني بأَرْبعَة دراهمَ؟ فَقَالَ لَهَا، بعد أَن فكَّرَ: فِي هَذِه المسألةِ ثلاثةُ أَقْوَال: أَحدهمَا أنْ تُعطى الرجُل أربعةٌ أُخْرَى، وتأْخُذي قفِيزاً، وَالْآخر: لَك قفيزٌ إِلَّا بأربعةِ دَرَاهِم. وَالثَّالِث: تدفعين دِرْهمَ درهمَ، وتأْخذين مَكُّوكَ مكُّوكَ حَتَّى تستوفين. وَصَارَ إِلَيْهِ ثلاثةُ روز جارتين قد أخذُوا أجْرتَهم دِرهمين فَقَالُوا: يَا أَبَا جَعْفَر، كَيفَ نَقْتٍسم الدِّرهمين ونحنُ ثلاثةٌ؟ قَالَ: أسْقِطوا مِنْكُم وَاحِدًا، وخُذوا دِرهماً درهما. قَالُوا: سبحانَ الله {} كيفَ نُسْقِط أحدَنَا وَقد عمِلَ؟ قَالَ: فزيدوا وَاحِدًا. وخذوا نِصْفَ نصف. قَالُوا: كَيفَ نزيد فينَا من لم يعْمل ويأْخذ كرانا؟ قَالَ: فَخُذُوا نِصْفاً نصْفاً واشتروا بِالْبَاقِي تَمرا، وكُلوه. وَسَأَلته امرأةٌ، فَقَالَت: أربعةُ أَرْطَال تمر بدرهم، كم يُصيبُني بدانق وَنصف؟ ففكر سَاعَة طولة، وأدخلَ يَدَيْهِ تَحت ذَيْلِه، وجعلَ يحُسِبُ بهما ثمَّ أخْرج يديْه وَقد جَمعُهما، وَقَالَ: كُتلةٌ مثلُ هَذِه كبيرةٌ. وَقَالَ بَعضهم مررتُ بمعلم وَهُوَ جالسٌ وَحده، وَلَيْسَ عِنْده من الصّبيان أحدٌ، فقلتُ لَهُ: يَا معلِّمُ، مَا فعل صبيانُك؟ فَقَالَ: خلْف الدُّور يتصافَعون. فقلتُ: أُرِيد أَن أنظرَ إِلَيْهِم. فَقَالَ: إِن كَانَ وَلَا بُدَّ فغط رأسكَ، لَا يحسبُونك أَنا فيصفعُوك. قَالَ: ورأيتُ مُعلِّماً وَقد جَاءَ غلامان قد تعلَّق أَحدهمَا بِالْآخرِ، وَقَالَ: يَا

معلِّمُ، هَذَا عضَّ أذُني. فَقَالَ الآخر: واللهِ مَا عضَضْتُها، وإنَّما هُوَ عضّ أذن نفْسِه. فَقَالَ لَهُ الْمعلم: يَا بنَ الخبيثةِ. صَار جَمَلاً حَتَّى يعضَّ أذنَ نفسِه؟ قَالَ: رأيتُ معلما بِالْكُوفَةِ - وَهُوَ شيخٌ مخضوبُ الرَّأْس واللحْية - وَهُوَ يجلس يبكي فوقفتُ عَلَيْهِ، وقلتُ: يَا عمّ: مِمَّ تبْكي؟ فَقَالَ: سرق الصبيانُ خُبْزي. قَالَ: وسمعتُ معلِّماً وَهُوَ يقرئُ صبيّاً وَمَا أمْرُنَا إِلَّا واحدةُ كَلمح بالبصر والصبيُّ يَقُول: كلحم بالبَصِل فَقَالَ لَهُ: يَا فاعلُ، أحسبك تشْتَهي بصَليَّة قَالَ: وَقَرَأَ صبي على معلِّم " الَّذين يَقُولُونَ لَا تُنْفقُوا على مَنْ عِنْد رَسُول الله " فَقَالَ الْمعلم: من عِند أَبِيك القرنَان أوْلى، فَإِنَّهُ كثير المَال يَا بنَ الفاعلة، هُوَ ذَا؟ ؟ تُلْزمُ النَّبِي نَفَقَة لَا تجبُ عَلَيْهِ. أعجبكَ كَثْرَة مَاله؟ ؟ قَالَ: وَرَأَيْت معلما وَقد جَاءَ صبي، فصفعة محكمَة. فَقَالَ لَهُ الْمعلم: أيّهما أصْلبُ: هَذِه أم الَّتِي صَفعْتُك أمْس؟ قَالَ: وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ معلِّم يُفْرط فِي ضرْب الصّبيان، ويشتمهُم. فلاموه على ذَلِك، فَسَأَلَنِي أَن أقْعدَ عِنْده، وأشاهدَ حَاله مَعَهم، فقعدْتُ عِنْده، فَإِذا بصبي يَقُول: يَا معلمُ: " وَإِن عَلَيْك اللعنةَ إِلَى يَوْم الدّين " فَقَالَ: عليكَ وعَلى أبويْكَ. وَجَاء آخر، فَقَالَ: يَا معلِّم: " فاخرجْ مِنْهَا فَإنَّك رَجيم " قَالَ: ذاكَ أبُوك الكَشْخَان. وَجَاء آخر، فَقَالَ: يَا معلِّم: إِنِّي أُرِيد أَن أنْكِحَك " قَالَ: انكح أمَّك الفاعلة. وَقَالَ آخر: يَا معلم: " مَا لنا فِي بَنَاتِك من حقِّ " قَالَ: لَا، وَلَا كرامَة، فَلَا يزالُ مَعَهم فِي مثل هَذَا وَهُوَ يَضْربُهم، ويُزَنِّيهم. قَالَ: ومررت بمعلِّم وَقد جَاءَ صبي صَغِير، فصفعه. فَقلت لَهُ: لمَ تَدَعُ هَذَا

الصَّبِي يجترئُ عَلَيْك؟ فَقَالَ: دعْهُ فَإِنِّي أشكُوه غَدا إِلَى أَبِيه. قَرَأَ غلامٌ عَليّ معلم: " إِنَّا وجدْنا آبَاءَنَا على " أمْك " وَإِنَّا على آثَارهم " فَرد عَلَيْهِ الْمعلم " على أمَّةٍ " فَقَالَ: على أمِّك. فَلَمَّا تكَّررَ قَالَ المعلِّم: قُلْ: على أمِّي. فَقَالَ على أمِّي. فَقَالَ الْمعلم: على أَي حَال إِذا وجَدْتَ أباكَ على أمِّك خيرا من أَن تَجدَه على أميِّ أنَا واستفتحَ غلامٌ، فَقَالَ: يَا معلِّم " إِن أبي يدعوكَ " فَقَالَ: هَاتُمْ نعْلِي. فَقَالَ الغلامُ: إِنَّمَا استَفْتحتُ. فَقَالَ: قد أنكرتَ أَن يُفْلح أبُوك. قَالَ معلم لغلام: قُلْ: " قد أفْلحَ مَنْ زَكَاهَّا. وَقد خَابَ من دسَّاها ". فَقَالَ: وَقد داس مَنْ خبَّاها. فَلم يزل يكرِّرُ ذَلِك عَلَيْهِ إِلَى أَن أعْيَتْه العِلَّةُ. فَقَالَ الْمعلم: وَقد داسَ مَنْ خبَّاها. فَقَالَ الغلامُ " وَقد خَابَ من دسَّاها ". فَقَالَ الْمعلم لِأَبِيهِ: قد قلتُ لكَ إِنَّه لَا يُفْلِح. قَالُوا: إِذا قَالَ المعلّم للصبيان: تَهجَّوْا ذَهبّ عقْلُهُ أربعينَ صَباحاً. وَكَانَ بعضُ المعلمين يعلِّم صَبيا، وأمُّهُ حاضرةٌ، فَقَالَ لَهُ: اقْرَأ وَإِلَّا قمتُ ونكتُ أمَّك. فَقَالَت الأمُّ: إنَّه صبي، ويتيم، واليتيمُ فِيهِ لجَاجٌ، وَلَا يؤمِنُ بالشَّيْء حَتَّى يرَاهُ. أَرَادَ معلم أَن يتزوجَ امْرَأَة كَانَ ابنُها عِنْده، فامتنعتْ عَلَيْهِ، فَأمر بحْمل ابْنهَا وضرْبه، وَقَالَ: لم قلتَ لأمك إِن أير الْمعلم كَبِير؟ فَلَمَّا رَجَعَ الصَّبِي إِلَى أمه قَالَ: ضَرَبَنِي المعلمُ وَقَالَ لي: كَذَا، وَكَذَا. فوجَّهتْ إِلَى المعلِم: احضِرْ شهودَك تتزوجُّ. وتزوجته. قَالَ آخر: مَرَرْت بأحدِهم وَصبي يقْرَأ عَلَيْهِ: " فَذَلِك الَّذِي يدُعُّ اليَتِيمَ " والمعلمُ يرد عَلَيْهِ: يدْعُو اليتيمَ، ويضربُه. قَالَ: فجئتُ إِلَيْهِ، وقلتُ: هَذَا من الأمْر بالمعروفِ. ففسَر. فقلتُ: يَا شيخُ، الصَّبِي على الصَّواب، وَأَنت على الْخَطَأ. وإنهما معنى يدعُّ: يدْفعُ. قَالَ: فزبرني، وأغْلظَ لي وقالَ: إِنَّمَا معْناهُ يدعُو اليتيمَ ليفْسِقَ بِهِ. قَالَ: فوليتُ وقلتُ: أَنْت لَا تَرْضى أَن تُخطئ حَتَّى تفسرَ.

وَقَالَ: مررتُ بمعلم وَهُوَ يضْرب صَبيْانَه كلَّهم، فسألتُه عَن الذَّنْب فَقَالَ: يُرْجفُون بِي. قَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: يزعُمون أَنِّي أحجُّ العامَ، وأمُّ مَنْ نوى هَذَا قَحبةٌ. قَالَ: كَانَ يعلم معلمٌ صبيّاً: " وَإِذا قَالَ لُقْمَان لابْنهِ " " لَا تقصُصْ رُؤْيَاك على إخُوتك فَيَكيدُوا لَك كَيْداً " قيل: مَا هَذَا؟ قَالَ: أَبوهُ يدخلُ مشاهرة شهر فِي شهر، وَأَنا أدخلهُ مِن سُورَة فِي سُورَة. وَقَرَأَ صبي على معلِّم: أريدُ أَن أنكحكَ. فَقَالَ: هَذَا إِذا قرأتَ على أمِّك الزانيةِ. وَقَرَأَ آخر {} وأمَّا الآخرُ فتصلَبُ. فَقَالَ: هَذَا إِذا قَرَأت عَليّ أَبِيك القَرنَان. قَالَت امرأةٌ لمعلم: إِذا كَانَ مكُّوكُ دَقِيق بدرهم. كم يكون بِربع دِرْهَم؟ فتحير، ثمَّ قَالَ: مِمَّن اشتريتِ؟ قَالَت: مِنْ فلَان الدَّقاق. قَال: اقْنعي بِمَا يعطيك فَإِنَّهُ ثِقةٌ. قَالَ جرابُ الدولة: كَانَ عندنَا بسجستانَ معلمٌ سخيف اجتزتُ يَوْمًا بِهِ يقولُ لصبي بَين يَدَيْهِ: اقْرَأ يَا بنَ الزَّانية. فَأخذت أوبِّخه، فَقَالَ: اسكتْ. فقد نكتُ أمَّه كثيرا. قَالَ: أَبُو دواد لشَرِيكه: يَا أَبَا الْحُسَيْن، دارُ جَعْفَر بن يحيى، خيرٌ أَو دارُ وردِ؟ فأطرقَ، ثمَّ قَالَ: خَيُرهما عِنْد الله أتْقاهُما. قَالَ بعضُهم: مررتُ بمعلِّم وَهُوَ يتلَوى، فقلتُ: مَا شأْنُكَ يَا شيخُ؟ قَالَ: مَا نمتُ البارحةَ من ضَرْبَان العُرُوق. فنظرْت إِلَيْهِ، وقلتُ: أنتَ وَالله صحيحٌ سليمٌ مثلُ الظلِيم. فغضِب واستشَاط، وَقَالَ: أحدُكم يضربُ عَلَيْهِ عِرقٌ وَاحِد فَلَا ينامُ اللَّيْلَة كُله من الصياح، وَأَنا يَضْربُ على حُزمة عروق، وتريدونَ مني أَلا أصِيحَ؟ فقلتُ: وأيُّ حزمة تضربُ عَلَيْك؟ فكشفَ عَن أير مثل أير الْبَغْل وَقَالَ: هَذَا. وَقَالَ بعضُهم: سألتُ معلما: أَنْت أسَنُّ أمْ أَخُوك؟ فَقَالَ: إِذا جَاءَ رمضانُ استوينا.

حُكي أَنه كَانَ فِي بعض دُروب بغدادَ معلمٌ، فاجتازَ بِهِ أَبُو عمر القَاضِي يَوْمًا بزينة تامَّة، وهيئة حَسَنَة، فَقَالَ الْمعلم: تَرونَ هَذَا؟ إِن خشخشةَ ثِيَابه، وقَعْقَعةَ مرْكبهِ هُوَ تظْلُّم الأرامل والأيْتَام. فَبلغ ذَلِك أَبَا عُمر، فدعاهُ، وأدْنَاهُ، وأحْسنَ إِلَيْهِ، فَكَانَ إِذا رَآهُ بعد ذَلِك يَقُول: مَا خَشْخشةُ ثِيَابه، وقعقعةُ مرْكبه إِلَّا تسبيحُ الملائكةِ وتهلُيلهم.

الباب الحادي والعشرون نوادر الصبيان

الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ نَوَادِر الصِّبيان قَالَ رجل لِابْنِهِ: مَا أَرَاك تُفْلح أبدا. فَقَالَ الأبن: إِلَّا أنْ يَرْزُقنِي الله مؤدبا غيرَك. قَالَ بَعضهم: أحضِرْتُ لتعليم المعتزّ - وَهُوَ صَغِير - فَقلت لَهُ: بِأَيّ شَيْء تبدأ الْيَوْم؟ فَقَالَ: بالانصراف. قَالَ بَعضهم: رأيتُ أَعْرَابِيًا يعاتبُ ابْنا لَهُ صَغِيرا، وَيذكر حَقه عَلَيْهِ. فَقَالَ الصَّبِي: يَا أبهْ إنَّ عِظمَ حقِّك عَليّ لَا يُبطلُ صغيرَ حَقي عَلَيْك، وَالَّذِي تمتُّ بِهِ إِلَى أمتُّ بِمثلِهِ إِلَيْك، وَلست أقولُ: إِنَّا سواءُ، وَلَكِن لَا يجْمُل الاعتداءُ. عرْبدَ غُلَام على قوم، فَأَرَادَ عمُّه أَن يعاقبَه، ويؤدِّبَه، فَقَالَ لَهُ: يَا عمِّ: إِنِّي قد أسأْتُ، وليسَ معي عقْلي، فَلَا تُسيء بِي ومعَك عقلُك. وَنظر دَميمٌ يَوْمًا فِي الْمرْآة، وَكَانَ ذَمِيمًا، فَقَالَ: الحمدُ لله، خلقّني فَأحْسن خلقي وصورني فاحسن صُورَتي، وَابْن لَهُ صغيرٌ، يسمع كَلَامه. فَلَمَّا خرج سألهُ رجلٌ - كَانَ بِالْبَابِ - عَن أَبِيه. فَقَالَ: هُوَ بالبيتِ يكْذبُ على الله. كَانَ الفتحُ بن خاقَان - وَهُوَ صبي - بَين يديى المعتصم، فَقَالَ لَهُ، وعرضَ عَلَيْهِ خاتَمّهُ: هَل رأيتَ - يَا فتحُ - أحسنَ من هَذَا الفصِّ؟ قَالَ: نعم: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ اليدُ الَّتِي هُوَ فِيهَا أحسنُ مِنْهُ. وَعَاد المعتصمُ أَبَاهُ - وَالْفَتْح صغيرٌ - فَقَالَ لَهُ: دَاري أحسنُ أم دارُ أَبِيك؟ قَالَ: يَا أميرَ الْمُؤمنِينَ، دارُ أبي مَا دُمتَ فِيهِ. قَالَ ابنُ أبي ليلى: رأيتُ بِالْمَدِينَةِ صَبيا قد خرجَ من دَار، وبيدِه عُودٌ

مكشوفٌ. فقلتُ لَهُ: غطه لَا ذُعِرْتَ. قَالَ: أَو يْغطى من اللهِ شيءٌ. لَا تلفتَ. قَالَ الفرزدقُ لغلام أعجبهُ إنشادُه: أيسرني أَنِّي أَبوك؟ قَالَ: لَا، ولكنْ أُمِّي، لُيصيبَ أبي من أطايبك. قَالَ البلاذُري: أدخِلَ الرّكاضُ وَهُوَ ابنُ أَربع سِنِين إِلَى الرشيد ليعجبَ من فطنته، فَقَالَ لَهُ: مَا تحبُّ أنْ أهَبَ لَك؟ قَالَ: جميلَ رَأْيك فَإِنِّي أفوزُ بِهِ فِي الدُّنيا، وَالْآخِرَة، فَأمر لَهُ بدنانيرَ، ودراهمَ فصُبَّتْ بَين يَدَيْهِ. فَقَالَ: اختر الأحبَّ إِلَيْك. قَالَ: الأحبَّ إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَهَذَا مِنْ هذَين، وضربَ يدَه إِلَى الدَّنانير فَضَحِك الرشيدُ، وَأمر أَن يضم إِلَى وَلَده، وَيجْرِي عَلَيْهِ. اجتازَ عمرُ بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بصبيان يَلْعَبُونَ، وَفِيهِمْ عبدُ الله ابْن الزُّبير فتهاربُوا إِلَّا عبدَ الله فَإِنَّهُ وقفَ. فَقَالَ لَهُ عمرُ: لِمَ لمْ تَفِرّ مَعَ أَصْحَابك؟ قَالَ: لم يكُن لي جُرمٌ فأفرَّ مِنْك، وَلَا كَانَ الطريقُ ضيّقاً فأُوسِّعَهُ عَلَيْك. قَالَ إياسُ: كَانَ لي أخٌ، فَقَالَ لي وَهُوَ غُلَام صغيرٌ: مِنْ أَي شَيْء خُلقنا قلتُ: مِنْ طين. فَتَنَاول مَدَرةً، وَقَالَ: مِنْ هَذَا؟ قلتُ: نعم. خلَق الله آدم من طين: قَالَ: فيستطيع الَّذِي خلقنَا أَن يُعيدنا إِلَى هَذَا الَّذِي خلقنَا مِنْهُ؟ قلتُ: نعمْ. قَالَ: فَيَنْبَغِي لنا أَن نخافَه. قيل لغلام: أتحبُّ أَن يموتَ أبُوك؟ قَالَ: لَا، ولكنْ أحِبُّ أنْ يُقتلَ لأرثَ ديتَه فإنَّه فَقير. قَعَدَ صبي مَعَ قوم، فقُدم شَيْء حارٌّ، فَأخذ الصَّبِي يبكي. فَقَالُوا: مَا يُبْكيك؟ قَالَ: هُوَ حارٌّ. قَالُوا: فاصبرُ حَتَّى يبرَدَ. قَالَ: أَنْتُم لَا تصبرون. خرج صبي من بيتِ أمِّه فِي صَحو، وَعَاد فِي مطر شَدِيد، فَقَالَت لَهُ أمُّه: فَديتُك ابْني هَذَا المطُر كلهُّ على رأسِك يَجِيء. قَالَ: لَا يامي. كَانَ أكْثُره على الأَرْض، وَلَو كَانَ كلُّه على رَأْسِي لَغرقتُ. وَسمع آخر أمَّه تبْكي فِي السَّحرَ، فَقَالَ: لِمَ تبكينَ؟ قالتْ: ذكرتُ أَبَاك، فَاحْتَرَقَ قلبِي. قَالَ الصبيُّ: صدقْتِ. هَذَا وقتُه. وجهّ

رجل ابْنه إِلَى السُّوق ليَشْتَرِي حبلاً للبئر، وَيكون عشْرين ذِرَاعا، فَانْصَرف مِنْ بعض الطَّرِيق. وَقَالَ: يَا أبي. فِي عرْض كَمْ؟ قَالَ: فِي عَرْض مصيبتي فِيك. وَقَالَ آخر لِابْنِهِ، وَهُوَ فِي الْمكتب. فِي أَي سُورة أَنْت؟ فَقَالَ: لَا أقِسمُ بِهَذَا الْبَلَد، ووالد بِلَا ولد. فقَال: لعمرْي. مَنْ كنتَ ولدَه فَهُوَ بِلَا ولد. وَقَالَ آخر لِابْنِهِ: أَيْن بلغْتَ عِنْد المعلِّم؟ فَقَالَ: الفرجَ. أَرَادَ الفجرَ. فَقَالَ الأبُ: أَنْت بعدُ فِي حر أمِّك. قيلَ لبَعْضهِم: إِن ابنكَ يناك. فَقَالَ لأبنه: مَا هَذَا الَّذِي يُقال؟ قَالَ: كذَبُوا وَإِنَّمَا أَنا أنيكهم: فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام رآهُ وَقد اجْتمع عَلَيْهِ عدةٌ من الصّبيان ينيكونه، فَقَالَ: مِمَّن تعلمتَ هَذَا النيك؟ قَالَ: مِنْ أُمِّي. قَالَ ابنُ أبي زيد الحامِض: قَالَ لي أبي: يَا بني، لَيْسَ واللهِ تُفْلحُ أبدا فَقَالَ لَهُ: يَا أبه {} لَيْسَ وَالله أُحْنِثُك. جَاءَ صبي إِلَى أَبِيه، فَقَالَ: يَا أبَه. قد وجدتُ فأساً قَالَ: هاته - يَا بُني. قَالَ: لَيْسَ فِي رَأسه حديدٌ. قَالَ: يَا مشئوم {} فَقل: وجدتُ وتدا.

الباب الثاني والعشرون نوادر للعبيد والمماليك

الْبَاب الثَّانِي وَالْعشْرُونَ نَوَادِر للعبيد والمماليك ولي بعض الْأُمَرَاء مولى بعد غيبَة طَوِيلَة فَقَالَ: أَنْت فِي الْأَحْيَاء بعد فَقَالَ: وَأَنا أستخير أَن أَمُوت قبل مولَايَ الْأَمِير. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت فِي السُّوق غُلَاما يُنادي عَلَيْهِ، فقدمتُ واستعرضته فَقَالَ: إِن أردْت أَن تشتريني فَاعْلَم أَنِّي قد حَلَفت أَن لَا أنيك مولَايَ أبدا حَتَّى ألْقى الله، فَإِذا إنّه الْمِسْكِين كَانَ مُبلى بِصَاحِب يُؤْذِيه ويستنيكه. استباع غُلَام فَقيل: لم تستبيع؟ قَالَ: لِأَن مولَايَ يُصَلي من قعُود وينيكني من قيام ويلحَن إِذا قَرَأَ الْقُرْآن ويُعرب إِذا زنا بِي. قَالَ الدّارمي لغلامه: بِأبي أَنْت وَأمي لَو كَانَ العِتق مثل الطّلاق لسَررتُك بِوَاحِدَة. اعْترض بَعضهم غُلَاما أَرَادَ شِرَاءَهُ فَقَالَ يَا غُلَام: إِن أشتريتك تُفلح؟ فَقَالَ: فَإِن لم تشتر. قَالَ أَبُو العيناء: أشتُرى للواثق عبدٌ فصيحٌ من الْبَادِيَة، فأتيناه وَجَعَلنَا نكتب عَنهُ كلّ مَا يَقُول، فَلَمَّا رأى ذَلِك مِنّا قلّب طرفه وَقَالَ: إنّ تُرَاب قعرها لملتْهب. يُقَال ذَلِك للرجُل يُسَر النَّاس بِرُؤْيَتِهِ لانتفاعهم بِهِ وأصل ذَلِك: أنّ الْحَافِر يحْفر فَإِن خرج التّراب مُرّا علم أنّ المَاء مِلح وَإِن كَانَ طيّباً علم أنّ المَاء عذب فأنبط وَإِذا خرج طيّباً انتبه الصّبيان.

اشْترى بعضُ الهاشميّين غُلَاما فصيحاً فَبلغ الرشيد خَبره، فَأرْسل إِلَيْهِ يَطْلُبهُ. فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: لم أشتره إِلَّا لَك، فلمّا وقف الْغُلَام بَين يَدي الرّشيد قَالَ لَهُ: إنّ مَوْلَاك قد وهبك لي. فَقَالَ الْغُلَام: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا زِلْتُ وَلَا زُلْتُ. قَالَ: فَسِّر. فَقَالَ: مَا زِلتُ لَك وَأَنا فِي مِلكه وَلَا زُلتُ عَن مِلكه، فأُعجب الرّشيد بِهِ وقدّمه. قَالَ أَبُو العيناء: مَرَرْت بسُوق النخّاسين بِالْبَصْرَةِ، فَإِذا غُلَام يُنادي عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ دِينَارا والغلام يُساوي خَمْسمِائَة دِينَار، فاشتريته وَكنت أبني دَارا فَدفعت إِلَيْهِ عشْرين دِينَارا على أَن يُنفقها، فَلم أزل أصك عَلَيْهِ حَتَّى أنْفق نَحْو الْعشْرَة. ثمَّ صككت بِشَيْء آخر. فَقَالَ لي: فَأَيْنَ أصل المَال؟ قلتك ارْفَعْ إِلَيّ حِسَابك، فَرفع حِسَاباً بِعشْرَة دَنَانِير. فَقلت: فأَين الْبَاقِي؟ قَالَ: اشْتريت ثوبا مصمتاً وقطعته. قلت: من أَمرك بِهَذَا؟ قَالَ: إنّ أهل المُرَوَّات والأقدار لَا يعيبون على غلمانهم إِذا فعلوا فعلا يعود زِينَة عَلَيْهِم. قَالَ: فقلتُ فِي نَفسِي: أشتريتُ الْأَصْمَعِي وَابْن الْأَعرَابِي وَلم أدر. وَكَانَت فِي نَفسِي امْرَأَة أردْت تزوجّها فَقَالَت يَا غُلَام: فِيك خير. قَالَ: وَهل الْخَيْر إِلَّا فِي. فَقلت لَهُ: قد عزمت على كَذَا. وتزوجتها ودفعتُ إِلَى الْغُلَام دِينَارا وقلتُ لَهُ: خُذ لنا سمكًا هازبي، فَأَبْطَأَ وَاشْترى مارماهي فأنكرت عَلَيْهِ خلافي. فَقَالَ يَا مولَايَ: فكّرتُ فَإِذا بُقراط يَقُول: الهازبي يُولد السّوداء والمارمَاهي أقلّ غائلة. قلت: لَا الَّذِي بقُراط أَنْت أم جالينوس وأدخلته الْبَيْت وضربته عشرَة، فَلَمَّا قَامَ أَخَذَنِي وضربني سَبْعَة وَقَالَ يَا مولَايَ: الْأَدَب ثَلَاثَة وَسَبْعَة لَهَا قِصاص، فغاظني ورميته فشججته، فَمضى إِلَى ابْنه عمي وَقَالَ لَهَا: الدّين النَّصِيحَة وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من غَشنَا فَلَيْسَ منّا. وَقَالَ: مولى الْقَوْم مِنْهُم: وأعلمك أنّ مولَايَ تزوّج وَاسْتَكْتَمَنِي، فَلَمَّا أعلّمتُه أَنِّي مُعرفّك مَا فعل شجنّي، فوجّهت إِلَى بنت عمى بغِلمان، فبطِحت فِي

الدّار وَضربت وسمتّه النّايح، فَمَا كَانَ يتهيأ لي كَلَامه. فَقلت: اعتقه، فلعلّه يمْضِي عني، فلزمني ولذّ بِي وَقَالَ: الْآن وَجب حَقك عَليّ، ثمَّ إنّه أَرَادَ الحجّ، فجهزّته، فَغَاب عني عشْرين يَوْمًا وَرجع فَقلت: لم رجَعْتَ؟ فَقَالَ: قُطع علينا وفكّرتُ، فَإِذا الله جلّ وعزّ يَقُول: " وَالله على الناسِ حج البيتِ مَنِ اسْتطاعَ إليْه سبِيلاً " وَكنت غير مُستطيع وَإِذا حَقك أوجَبُ على فرَجَعْتُ، ثمَّ إِنَّه أَرَادَ الْغَزْو فجهّزتُه، فَلَمَّا صَار على عشرَة فراسخ بعتُ مَا كَانَ لي بِالْبَصْرَةِ وَخرجت عَنْهَا خوفًا أَن يرجع وصرت إِلَى بَغْدَاد. قَالَ بَعضهم: استعرضْتُ غُلَاما فَقلت لَهُ: يَا غُلَام تحبّ أَن أشتريك. فَقَالَ: حَتَّى أسأَل عَنْك. أعتق عبد الله بن جَعْفَر غُلَاما، فَقَالَ الْغُلَام: أكتُب كَمَا أملي. قَالَ: فأملِ. قَالَ: اكتُب: كنتَ بالأمسِ لي، فوهَبْتُك لمن وهَبَكَ لي، فَأَنت الْيَوْم وَالْيَوْم صرت مثلي، فَكتب ذَلِك وَاسْتَحْسنهُ وزاده خيرا. قَالَ حَمَّاد بن إِسْحَاق الْموصِلِي: كَانَ لأبي غُلَام يسْتقي المَاء لمن فِي دَاره على بغْلَين، فَانْصَرف أبي يَوْمًا وَهُوَ يَسُوقُ الْبَغْل وَقد قَرُب من الْحَوْض الَّذِي يصُبّ فِيهِ المَاء. فَقَالَ: مَا خبَرُك يَا فتح؟ قَالَ: خبري أنّه لَيْسَ فِي الدّار أشقي منّي ومنك. قَالَ: وَكَيف؟ قَالَ: لِأَنَّك تُطعمهم الخُبز وَأَنا أسقيهم المَاء، فَضَحِك مِنْهُ وَقَالَ: فَمَا تحب أَن أصنع بك؟ قَالَ: تعتقني وتهب لي هذَيْن البغلين، فَفعل ذَلِك. استعرض رجلغلاما فَقَالَ لَهُ: أشتريك؟ قَالَ: لَا. فَقَالَ: وَلم؟ قَالَ: كَيفَ تتخذني عبدا بعد أَن اتخذتني مُشِيرا. وَقَالَ رجل لعَبْدِهِ: اذْهَبْ إِلَى الْمنزل واحمل الشمع لأعود بِهِ فَقَالَ: أَنا لَا أجسر. فَقَالَ: معي حَتَّى أحملهُ وننصرف جَمِيعًا. وَالْحَمْد لله حق حَمده وَالصَّلَاة على نبيه مُحَمَّد وَآله.

الجزء 6

الْجُزْء السَّادِس بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وأنعمت فزد، الْحَمد لله الَّذِي إِذا أَرَادَ شَيْئا قدره تَقْديرا، وَكَانَ خلقه عَلَيْهِ يَسِيرا، " إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون ". خلق ورزق، وَقد أبدأ وَعلم، وألهم وسدد، وأرشد وَبشر، وأنذر ووعد وأوعد، خلقنَا بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَة، ورزقنا من نعْمَته السابغة، وذرأنا بقوته الْقَاهِرَة، وبرأنا بقدرته الباهرة، وَعلمنَا رشد الدّين، وألهمنا برد الْيَقِين، وسددنا للنهج القويم، وأرشدنا إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم،، وبشرنا بثوابه الْعَظِيم، وأنذرنا بعقابه الْأَلِيم، ووعدنا على الطَّاعَة خيرا دَائِما، وأوعدنا عَن الْمعْصِيَة شرا لَازِما، وَبعث إِلَيْنَا رسله الداعين إِلَيْهِ، الدالين عَلَيْهِ، نادين إِلَى فَرْضه، قَائِمين بِحقِّهِ فِي أرضه، واجتبى مِنْهُم مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله واصطفاه وَاخْتَارَهُ لدينِهِ وارتضاه فَبَعثه إِلَى الْأسود والأحمر، والفصيح والأعجم، وَالْمُؤمن والمعاند، وَالْمقر والجاحد، والداني والشاحط، والراضي والساخط، وَالْبر والفاجر، وَالْمُسلم وَالْكَافِر، حَتَّى أوضح لَهُم الدّين. وأرشدهم أَجْمَعِينَ، فَوَجَبت فِرْيَة الثَّوَاب لمن اسْتَجَابَ فاهتدى. وحقت كلمة الْعَذَاب على من ارتاب فاعتدى. وَسعد من سمع دعاءه فَأقر وقر، وشقى من صم عَنهُ فنفر وفر، وَبَعثه تَعَالَى بِكَلِمَة الصدْق وأرسله بِالْهدى وَدين الْحق، وأيده بالأعلام من أسرته، والنجوم من عترته، والسابقين إِلَى صحبته ونصرته، حجج الله على الْخلق، وسيوفه على المارقين من الْحق، جاهدوا فِي الله حق الْجِهَاد، وأذلوا أهل الشقاق والعناد ن حَتَّى قَالَ عز من قَائِل " يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ "، اللَّهُمَّ فضل عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم صَلَاة أوجبتها لَهُم بإحسانك العميم، واستوجبوها مِنْك باجتهادهم

الْعَظِيم إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْمُجيب اللَّهُمَّ وفقنا لاتباع أَمرك، وأعنا على أعباء شكرك، وَلَا تَحْرِمنَا الشُّكْر إِذا أوليت، وَالْأَجْر إِذا أبليت، وَاجعَل توفيقك لنا رائداً وَقَائِدًا وهاديا وحاديا وموافقا ومرافقا ومعينا وقريبا، فَلَا حول إِلَّا بك وَلَا توفيق إِلَّا مِنْك، وَلَا عصمَة إِلَّا إِذا عصمت، وَلَا سَلامَة إِلَّا إِذا سلمت، فاقرن لنا سَلامَة النَّفس بسلامة الْيَقِين، وسعادة الدُّنْيَا بسعادة يَوْم الدّين، وصل على السراج الْمُنِير والنور المستبين مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله الطاهرين. هَذَا هُوَ الْفَصْل السَّادِس من كتاب نثر الدّرّ ويشتمل على سِتَّة عشر بَابا الْبَاب الأول: فِيهِ نكت من كَلَام فصيح الْأَعْرَاب الْبَاب الثَّانِي: فِيهِ فقر وَحكم للاعراب الْبَاب الثَّالِث: أدعية وَكَلَام لسؤال الْأَعْرَاب الْبَاب الرَّابِع: فِي أَمْثَال الْعَرَب الْبَاب الْخَامِس: فِي النُّجُوم وأنواعها على مَذْهَب الْعَرَب الْبَاب السَّادِس: أسجاع الْكُهَّان الْعَرَب الْبَاب السَّابِع: أوابد الْعَرَب الْبَاب الثَّامِن: وَصَايَا الْعَرَب الْبَاب التَّاسِع: أسامي أَفْرَاس الْعَرَب الْبَاب الْعَاشِر: أسامي سيوف الْعَرَب الْبَاب الْحَادِي عشر: نَوَادِر الْأَعْرَاب الْبَاب الثَّانِي عشر: أَمْثَال الْعَامَّة والسفل الْبَاب الثَّالِث عشر: نَوَادِر أَصْحَاب الشَّرَاب والسكارى الْبَاب الرَّابِع عشر: فِي أكاذيب الْعَرَب وَغَيرهم الْبَاب الْخَامِس عشر: فِي نَوَادِر المجان الْبَاب السَّادِس عشر: نَوَادِر فِي الضراط والفساء

الباب الاول نكت من فصيح كلام العرب وخطبهم

الْبَاب الأول نكت من فصيح كَلَام الْعَرَب وخطبهم حَدثنَا الصاحب كَافِي الكفاة رَحْمَة الله عَلَيْهِ عَن الأبجر عَن ابْن دُرَيْد عَن عَمه عَن ابْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه قَالَ: ورد بعض بني أَسد من المعمرين على مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ: مَا تذكر؟ قَالَ: كنت عشيقاً لعقيلة من عقائل الْحَيّ أركب لَهَا الصعب والذلول، أتهم وأنجد وأغور لاآلو مربأة فِي متجر إِلَّا أَتَيْته، يلفظني الْحزن إِلَى السهل، فَخرجت أقصد دهماء الْمَوْسِم، فَإِذا أَنا بقباب سامية على قلل الْجبَال مُجَللَة بأنطاع الطَّائِف وَإِذا جزر تنحر، وَأُخْرَى تساق، وَإِذا رجل جَهورِي الصَّوْت على نشز من الأَرْض يُنَادي: يَا وَفد الله: الْغَدَاء، الْغَدَاء إِلَّا من تغدى فَليخْرجْ للعشاء. قَالَ: فجهرني مَا رَأَيْت فدلفت أُرِيد عميد الْحَيّ، فرأيته على سَرِير ساسم على رَأسه عِمَامَة خَز سَوْدَاء كَأَن الشعرى العبور تطلع من تحتهَا، وَقد كَانَ بَلغنِي عَن حبر من أَحْبَار الشَّام أَن النَّبِي التهامي هَذَا أَوَان مبعثه. فَقلت: عله. وكدت أفقه بِهِ. فَقلت: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله.

فَقَالَ: لست بِهِ، وَكَأن قد وليتني بِهِ، فَسَأَلت عَنهُ فَقيل: هَذَا أَبُو نَضْلَة هَاشم بن عبد منَاف فَقلت هَذَا المحبر والسناء والرفعة لَا مجد بني جَفْنَة. فَقَالَ مُعَاوِيَة: أشهد أَن الْعَرَب أُوتيت فصل الْخطاب. وصف أَعْرَابِي قوما فَقَالَ كَأَن خدودهم ورق الْمَصَاحِف، وَكَأن حواجبهم الْأَهِلّة وَكَأن أَعْنَاقهم أَبَارِيق الْفضة. دخل ضرار بن عَمْرو والضبي على الْمُنْذر بعد أَن كَانَ طعنه عَامر بن مَالك فأذراه عَن فرسه فأشبل عَلَيْهِ بنوه حَتَّى استشالوه فَعندهَا قَالَ: من سره بنوه ساءته نَفسه، فَقَالَ لَهُ الْمُنْذر: مَا الَّذِي نجاك يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: تَأْخِير الْأَجَل، وإكراهي نَفسِي على المق الطوَال. قَالَ مُعَاوِيَة: لصحار الْعَبْدي: مَا هَذِه البلاغة الَّتِي فِيكُم؟ قَالَ: شَيْء تجيش بِهِ صدورنا فتقذفه على ألسنتنا. فَقَالَ لَهُ رجل من عرض الْقَوْم: هَؤُلَاءِ بالبسر أبْصر مِنْهُم بالخطب. فَقَالَ صحار: أجل وَالله إِنَّا لنعلم أَن الرّيح لتلقحه، وَالْبرد ليعقده، وَأَن الْقَمَر ليصبغه، وَأَن الْحر لينضجه، فَقَالَ مُعَاوِيَة: فَمَا تَعدونَ البلاغة فِيكُم؟ قَالَ الايجاز قَالَ: وَمَا الإيجاز؟ قَالَ: أَن تجيب فَلَا تبطئ، وَتقول فَلَا تخطئ. قَالَ مُعَاوِيَة: أَو كَذَا لي تَقول؟ قَالَ صحار: أَقلنِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تبطئ وَلَا تخطئ. تكلم صعصعة عِنْد مُعَاوِيَة فعرق، فَقَالَ مُعَاوِيَة: بهرك القَوْل؟ قَالَ صعصعة: إِن الْجِيَاد نضاحة بِالْمَاءِ. قيل لبَعْضهِم: من أَيْن أَقبلت؟ قَالَ: من الْفَج العميق. قَالَ: فَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْبَيْت الْعَتِيق. قَالُوا: وَهل كَانَ ثمَّ من مطر؟ قَالَ: نعم حَتَّى عفى الْأَثر وأنضر الشّجر، ودهده الْحجر.

قَالَ الجاحظ: وَمن خطباء إياد قس بن سَاعِدَة الَّذِي قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رَأَيْته بسوق عكاظ على جمل أَحْمَر وَهُوَ يَقُول: أَيهَا النَّاس اجْتَمعُوا واسمعوا وعوا، من عَاشَ مَاتَ، وَمن مَاتَ فَاتَ، وكل مَا هُوَ آتٍ آتٍ. وَهُوَ الْقَائِل فِي هَذِه: " الْآيَات محكمات، مطر ونبات، وآباء وَأُمَّهَات، وذاهب وَآت، ونجوم وتمور وبحار لَا تغور وَهُوَ الْقَائِل: " يَا معشر إياد: أَيْن ثَمُود وَعَاد؟ أَيْن الْآبَاء والأجداد؟ وَأَيْنَ الْمَعْرُوف الَّذِي لم يشْكر؟ وَأَيْنَ الظُّلم الَّذِي لم يُنكر؟ أقسم قس قسما إِن لله لدينا وَهُوَ أرْضى لَهُ وَأفضل من دينكُمْ هَذَا. سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمْرو بن الْأَهْتَم عَن الزبْرِقَان ابْن بدر فَقَالَ: إِنَّه لمَانع لحوزته، مُطَاع فِي أدنيه قَالَ الزبْرِقَان حسدني يَا رَسُول الله وَلم يقل الْحق. قَالَ عَمْرو. وَهُوَ وَالله زمر الْمُرُوءَة، ضيق العطن، لئيم الْخَال. فَنظر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عَيْنَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُول الله رضيت. فَقلت: أحسن مَا علمت، وغضبت. فَقلت: أَسْوَأ مَا علمت وَمَا كذبت فِي الأولى وصدقت فِي الْأُخْرَى فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن من الْبَيَان لسحرا ". وَكَانَ عَامر بن الظرب العدواني حكما وَكَانَ خَطِيبًا رَئِيسا وَهُوَ الَّذِي قَالَ: يَا معشر عدوان، الْخَيْر أُلُوف عروف وَلنْ يُفَارق صَاحبه حَتَّى يُفَارِقهُ، وَإِنِّي لم أكن حكيماً حَتَّى اتبعت الْحُكَمَاء وَلم أكن سيدكم حَتَّى تعبدت لكم. قَالَ بَعضهم، قلت لأبي الْحصين: مَا أعجب مَا رَأَيْت من الخصب؟ قَالَ: كنت أشْرب رثيئة تجرها الشفتان جراً، وقارصاً إِذا تجشأت جدع أنفي، وَرَأَيْت الكمأة تدوسها الْإِبِل بمناسمها، وخلاصة يشمها الْكَلْب فيعطس.

قيل لأعرابي: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: خلفت أَرضًا تتظالم معزاها يَقُول: سمنت، وأشرت فتظالمت. قَالَ سعيد بن سلم: كنت والياً بأرمينيه فغبر أَبُو دهمان الْغلابِي على بَابي أَيَّامًا فَلَمَّا وصل مثل بَين يَدي قَائِما بَين السماطين فَقَالَ: إِنِّي وَالله لأعرف أَقْوَامًا لَو علمُوا أَن سف التُّرَاب يُقيم من إصْلَاح أَوْلَادهم لجعلوه مسكة لأرماقهم إيثاراً للتنزه عَن عَيْش رَقِيق الْحَوَاشِي، أما وَالله إِنِّي لبعيد الوثبة، بطيء العطفة، إِنَّه وَالله مَا يثنيني عَلَيْك إِلَّا مثل مَا يصرفك عني، وَلِأَن أكون مقلاً مقرباً، أحب إِلَيّ من أَن أكون مكثراً مُبْعدًا وَالله مَا نسْأَل عملا لَا نضبطه وَلَا مَالا إِلَّا وَنحن أَكثر مِنْهُ، إِن هَذَا الْأَمر الَّذِي صَار فِي يدك قد كَانَ فِي يَد غَيْرك، فأمسوا وَالله حَدِيثا، إِن خيرا فخيراً، وَإِن شرا فشراً فتحبب إِلَى عباد الله. بِحسن الْبشر ولين الْجَانِب، فَإِن حب عباد الله مَوْصُول بحب الله، وبغضهم مَوْصُول ببغض الله وهم شُهَدَاء الله على خلقه، ورقباء على من اعوج عَن سَبيله. دخل على الْمهْدي وُفُود خُرَاسَان فَقَامَ رجل مِنْهُم فَقَالَ: أَطَالَ الله بَقَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّا قوم نأينا عَن الْعَرَب، وشغلتنا الحروب عَن الْخطب، وأمير الْمُؤمنِينَ يعرف طاعتنا، وَمَا فِيهِ مصلحتنا، فيكتفي منا باليسير دون الْكثير ويقتصر منا على مَا فِي الضَّمِير دون التَّفْسِير فَقَالَ أَنْت خطيب الْقَوْم. قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء، رَأَيْت أَعْرَابِيًا بِمَكَّة فاستفصحته فَقلت مِمَّن الرجل؟ قَالَ، أسدي يُرِيد أزدي قلت، أَيْن بلدك؟ قَالَ، عمان قلت: صف لي بلدك. فَقَالَ: بلد صلدح، وكثيب أصبح، وفضاء صحصح قلت: مَا مَالك؟ قَالَ: النّخل قلت: أَيْن أَنْت من الْإِبِل؟ قَالَ: إِن النّخل ثَمَرهَا غذَاء، وسعفها ضِيَاء وكربها صلاء وليفها رشاء، وجذعها بِنَاء، وقروها إِنَاء قلت أَنى لَك هَذِه

الفصاحة؟ قَالَ: إِنَّا ننزل حجرَة لَا نسْمع فِيهَا ناجخة التيار. وخطب بعض الْأَعْرَاب فَقَالَ: إِن الدُّنْيَا دَار بَلَاغ، وَالْآخِرَة دَار قَرَار، أَيهَا النَّاس خُذُوا من ممركم لمقركم، وَلَا تهتكوا أستاركم عِنْد من لَا تخفى عَلَيْهِ أسراركم، واخرجوا من الدُّنْيَا قُلُوبكُمْ قبل أَن تخرج مِنْهَا أبدانكم فَفِيهَا حييتُمْ ولغيرها خَلفْتُمْ، الْيَوْم عمل بِلَا حِسَاب وَغدا حِسَاب بِلَا عمل، إِن الرجل إِذا هلك قَالَ النَّاس: مَا ترك؟ وَقَالَت الْمَلَائِكَة: مَا قدم؟ فَللَّه آباؤكم قدمُوا بَعْضًا يكن لكم قرضا، وَلَا تخلفوا كلا فَيكون عَلَيْكُم. قيل لبني عبس: كَيفَ كُنْتُم تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا لَا نبدأ أبدا بظُلْم، وَلم نَكُنْ بالكثير فنتوكل، وَلَا بِالْقَلِيلِ فنتخاذل، وَكُنَّا نصبر بعد جزع النَّاس سَاعَة. وَسُئِلَ دَغْفَل عَن المماليك فَقَالَ: عز مُسْتَفَاد، وغيظ فِي الأكباد كالأوتاد. قَالَ أَبُو بكر لسَعِيد، أَخْبرنِي عَن نَفسك فِي جاهليتك وإسلامك فَقَالَ: أما جاهليتي فوَاللَّه مَا خمت عَن بهمة، وَلَا هَمَمْت بِأمة وَلَا نادمت غير كريم، وَلَا رئيت إِلَّا فِي خيل مُغيرَة أَو فِي حمل جريرة أَو فِي نَادِي عشيرة، وَأما مذ خطمني الْإِسْلَام فَلَنْ أذكي لَك نَفسِي. قَالَ رجل لغلامه: إِنَّك مَا علمت لضعيف قَلِيل الْغناء. قَالَ: وَكَيف أكون ضَعِيفا قَلِيل الْغناء، وَكَيف كفيتك ثَمَانِينَ بَعِيرًا نزوعاً وفرساً جروراً ورمحاً خطيا وَامْرَأَة فاركاً. قيل لأعرابي: صف لنا خلوتك مَعَ عشيقتك قَالَ: خلوت بهَا وَالْقَمَر يرينيها، فَلَمَّا غَابَ الْقَمَر أرتنيه، قيل فَمَا أَكثر مَا جرى بَيْنكُمَا؟ قَالَ: أقرب مَا أحل الله مِمَّا حرم، الْإِشَارَة بِغَيْر بَأْس، والتعرض لغير مساس، وَلَئِن كَانَت الْأَيَّام طَالَتْ بعْدهَا، لقد كَانَت قَصِيرَة مَعهَا. وَذكر بَعضهم مَسْجِد الْكُوفَة فَقَالَ: شاهدنا فِي هَذ الْمَسْجِد قوما كَانُوا إِذا خلعوا الْحذاء، عقدوا الحبا، وقاسوا أَطْرَاف الْأَحَادِيث، حيروا السَّامع وأخرسوا النَّاطِق.

دخل عبد الله بن عبد الله بن الْأَهْتَم على عمر بن عبد الْعَزِيز مَعَ الْعَامَّة فَلم يفاجأ عمر إِلَّا وَهُوَ ماثل بَين يَدَيْهِ، فَتكلم، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أما بعد، فَإِن الله خلق الْخلق غَنِيا عَن طاعتهم، آمنا من معصيتهم، وَالنَّاس يَوْمئِذٍ فِي الْمنَازل والرأي مُخْتَلفُونَ، وَالْعرب بشر تِلْكَ الْمنَازل، أهل الْحجر والوبر، وَأهل الْمدر الَّذين تحتار دونهم طَيّبَات الدُّنْيَا، ورفاغة عيشها، ميتهم فِي النَّار، وحيهم أعمى مَعَ لَا يُحْصى من المرغوب عَنهُ، والمزهود فِيهِ، فَلَمَّا أَرَادَ الله أَن ينشر عَلَيْهِم رَحمته، بعث إِلَيْهِم رَسُولا من أنفسهم عَزِيزًا عَلَيْهِ مَا عنتوا، حَرِيصًا عَلَيْهِم، بِالْمُؤْمِنِينَ رءوفاً رحِيما، فَلم يمنعهُم ذَلِك من أَن جرحوه فِي جِسْمه، ولقبوه فِي اسْمه وَمَعَهُ كتاب من الله نَاطِق، لَا يرحل إِلَّا بأَمْره، وَلَا ينزل إِلَّا بِإِذْنِهِ، واضطروه إِلَى بطن غَار، فَلَمَّا أَمر بالعزيمة، انبسط لأمر الله لَونه، فأفلح الله حجَّته، وَأَعْلَى كَلمته، وَأظْهر دَعوته، وَفَارق الدُّنْيَا تقيا نقياً، ثمَّ قَامَ بعده أَبُو بكر فسلك سنته، وَأخذ بسبيله، وارتدت الْعَرَب، فَلم يقبل مِنْهُم بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا الَّذِي كَانَ قَابلا مِنْهُم، فانتضى السيوف من أغمادها، وأوقد النيرَان من شعلها، ثمَّ ركب بِأَهْل الْحق إِلَى أهل الْبَاطِل، فَلم يبرح يفصل أوصالهم، ويسقي الأَرْض دِمَاءَهُمْ حَتَّى أدخلهم فِي الَّذِي خَرجُوا مِنْهُ، وقررهم بِالَّذِي نفروا مِنْهُ، وَقد كَانَ أصَاب من مَال الله بكرا يرتوي عَلَيْهِ، وحبشية ترْضع ولدا لَهُ، فَرَأى من ذَلِك غُصَّة عِنْد مَوته فِي حلقه، فَأدى ذَلِك إِلَى خَليفَة من بعده وَبرئ إِلَيْهِم مِنْهُ، وَفَارق الدُّنْيَا تقياً نقياً

على منهاج صَاحبه ثمَّ قَامَ من بعده عمر بن الْخطاب فمصر الْأَمْصَار، وخلط الشدَّة باللين، فحسر عَن ذِرَاعَيْهِ، وشمر عَن سَاقيه وَأعد للأمور أقرانها، وللحرب آلتها، فَلَمَّا أَصَابَهُ قن الْمُغيرَة اسْتهلّ بِحَمْد الله أَلا يكون أَصَابَهُ ذُو حق فِي الْفَيْء فيستحل دَمه بِمَا اسْتحق من حَقه، فقد كَانَ أصَاب من مَال الله مائَة وَثَمَانِينَ ألفا فَكسر بهَا رباعه، وَكره بهَا كَفَالَة أَوْلَاده، فأوى ذَلِك إِلَى خَليفَة من بعده، وَفَارق الدُّنْيَا تقياً نقياً على منهاج صَاحِبيهِ، ثمَّ إِنَّا وَالله مَا اجْتَمَعنَا بعدهمَا إِلَّا على ظلع، ثمَّ إِنَّك يَا عمر ابْن الدُّنْيَا وَلدتك مُلُوكهَا، وألقمتك ثديها، فَلَمَّا وليتها ألقيتها حَيْثُ أَلْقَاهَا الله، فَالْحَمْد لله الَّذِي جلا بك حوبتنا، وكشف بك كربتنا، امْضِ وَلَا تلْتَفت، فَإِنَّهُ لَا يعز على الْحق شَيْء، أَقُول قولي هَذَا واستغفر الله لي وَلكم وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات، وَلما أَن قَالَ: ثمَّ إِنَّا وَالله مَا اجْتَمَعنَا بعدهمَا إِلَّا على ظلع سكت النَّاس إِلَّا هشاما فَإِنَّهُ قَالَ: كذبت. قَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَ حبيب الرّوم يَقُول فِي قصصه: اتَّقوا لقية من خنع فقنع، واقترف فاعترف، ووجل فَعمل، وحاذر فبادر، أَفَادَ ذخيرة، وأطاب سريرة، وَقدم مهاداً وَاسْتظْهر ذاداً. لما وصل عبد الْعَزِيز بن زُرَارَة إِلَى مُعَاوِيَة قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: لم أزل اسْتدلَّ بِالْمَعْرُوفِ عَلَيْك، امتطي النَّهَار عَلَيْك، فَإِذا الوى بِي اللَّيْل فَقبض الْبَصَر وَعفى الْأَثر وَالِاجْتِهَاد يعْذر وَإِذا بلغتك فقطني. قَالَ أَعْرَابِي خرجت حِين انحدرت أَيدي النُّجُوم، وشالت أرجلها فَمَا زلت أصدع اللَّيْل، حَتَّى انصدع الْفجْر. سُئِلَ أَعْرَابِي عَن زَوجته - وَكَانَ حَدِيث عهد بعرس - كَيفَ رَأَيْت أهلك؟ فَقَالَ: أفنان أثلة، وجنى نَخْلَة، وَمَسّ رَملَة، وَرطب نَخْلَة، وَكَأَنِّي كل يَوْم آئب من غيبَة. وصف آخر مرح فرس فَقَالَ: كَأَنَّهُ شَيْطَان فِي أشطان. وَقيل لآخر: كَيفَ عَدو فرسك؟ قَالَ: يعدو مَا وجد أَرضًا.

وَقَالَ الآخر لِأَخِيهِ وَرَأى حرصه على الطّلب: يَا أخي، أَنْت طَالب ومطلوب، يطلبك من لَا تفوته، وتطلب مَا قد كفيته، فَكَأَن مَا غَابَ عَنْك قد كشف لَك، وَمَا أَنْت فِيهِ قد نقلت عَنهُ. يَا أخي: كَأَنَّك لم تَرَ حَرِيصًا محروماً، وَلَا زاهداً مرزوقاً. ذمّ أَعْرَابِي رجلا فَقَالَ: أَنْت وَالله مِمَّن إِذا سَأَلَ ألحف، وَإِذا سُئِلَ سَوف، وَإِذا حدث خلف، وَإِذا وعد أخلف، تنظر نظرة حسود، وَتعرض إِعْرَاض حقود. قَالَ بَعضهم، مضى سلف لنا اعتقدوا منناً، وَاتَّخذُوا الأيادي عِنْد إخْوَانهمْ ذخيرة لمن بعدهمْ، وَكَانُوا يرَوْنَ اصطناع الْمَعْرُوف عَلَيْهِم فرضا وَإِظْهَار الْبر وَالْإِكْرَام عِنْدهم حَقًا وَاجِبا، ثمَّ حَال الزَّمَان عَن نشء آخر حدثوا، اتَّخذُوا مننهم صناعَة وأياديهم تِجَارَة، وبرهم مُرَابحَة، واصطناع الْمَعْرُوف بَينهم مقارضة، كنقد السُّوق، خُذ مني وهات. افْتتح بَعضهم خطْبَة فَقَالَ: بِحَمْد الله كَبرت النعم السوابغ، والحجج البوالغ، بَادرُوا بِالْعَمَلِ، بَوَادِر الْأَجَل، وَكُونُوا من الله على وَجل، فقد حذر وأنذر، وأمهل حَتَّى كَأَن قد أهمل. وَفد هَانِئ بن قبيصَة على يزِيد بن مُعَاوِيَة فاحتجب عَنهُ أَيَّامًا ثمَّ إِن يزِيد ركب يَوْمًا يتصيد، فَتَلقاهُ هَانِئ فَقَالَ: إِن الْخَلِيفَة لَيْسَ بالمحتجب المتخلي، المتنحي، وَلَا بالمتطرف المتنحي وَلَا الَّذِي ينزل على العدوات والفلوات، ويخلو باللذات والشهوات، وَقد وليت أمرنَا، فأقم بَين أظهرنَا، وَسَهل إذننا واعمل بِكِتَاب الله فِينَا، فَإِن كنت عجزت عَمَّا هَاهُنَا، واخترت عَلَيْهِ غَيره، فازدد علينا بيعتنا، نُبَايِع من يعْمل بذلك فِينَا ونقمه، ثمَّ عَلَيْك بخلواتك، وصيدك وكلابك. قَالَ: فَغَضب يزِيد وَقَالَ: وَالله لَوْلَا أَن أسن بِالشَّام سنة الْعرَاق لأقمت أودك. ثمَّ انْصَرف وَمَا هاجه بِشَيْء وَإِذن لَهُ وَلم تَتَغَيَّر مَنْزِلَته عِنْده، وَترك كثيرا مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ. كَانَ العيالمي يَقُول: النَّاس لصَاحب المَال ألزم من الشعاع للشمس وَمن

الذَّنب للمصر، وَمن الحكم للقر، وَهُوَ عِنْدهم أرفع من السَّمَاء، وأعذب من المَاء، وَأحلى من الشهد، وأذكى من الْورْد، خَطؤُهُ صَوَاب، وسيئته حَسَنَة، وَقَوله مَقْبُول، يغشى مَجْلِسه، وَلَا يمل حَدِيثه قَالَ: والمفلس عِنْد النَّاس أكذب من لمعان السراب، وَمن رُؤْيا الكظة، وَمن مرْآة اللقوة وَمن سَحَاب تموز، لَا يسْأَل عَنهُ إِن غَابَ وَلَا يسلم عَلَيْهِ إِن قدم، إِن غَابَ شتموه، وَإِن حضر زبروه، وَإِن غضب صفعوه، مصافحته تنقض الْوضُوء، وقراءته تقطع الصَّلَاة، أثقل من الْأَمَانَة، وَأبْغض من الْمُلْحِف المبرم. قَالَ أَعْرَابِي: خرجت فِي لَيْلَة حنلس قد أَلْقَت أكارعها على الأَرْض فمحت صور الْأَبدَان فَمَا كُنَّا نتعارف إِلَّا بِالْأَذَانِ، فسرنا حَتَّى أَخذ اللَّيْل ينفض صبغه. بعث النُّعْمَان جَيْشًا إِلَى الْحَارِث بن أبي شمر فَقَالَ: من يعرف عدونا الَّذِي أنقذنا إِلَيْهِ جيشنا؟ فَقَالَ بعض بني عجل: أَنا قلت: فصفه قَالَ: هُوَ قطف نطف، صلف قصف، فَقَامَ الوديم وَهُوَ عَمْرو بن ضرار فَقَالَ: أَبيت اللَّعْن، أَو طَال العشوة، هُوَ وَالله حَلِيم النشوة، جواد الصحوة شَدِيد السطوة. فَقَالَ: هَكَذَا يَنْبَغِي أَن يكون عدونا. سُئِلَ أَعْرَابِي من عبس عَن وَلَده، فَقَالَ: ابْن قد كهل، وَابْن قد رفل، وَابْن قد عسل، وَابْن قد فسل، وَابْن قد مثل، وَابْن قد فصل. قَالَ الْأَصْمَعِي: قيل لبني عبس: كَيفَ صَبَرْتُمْ، وَكَيف كَانَت حالكم فِيمَا كُنْتُم فِيهِ؟ قَالُوا طاحت وَالله الغرائب من النِّسَاء، فَمَا بَقِي إِلَّا بَنَات عَم، وَمَا بَقِي مَعنا من الْإِبِل إِلَّا الْحمر الكلف، وَمَا بَقِي من الْخَيل إِلَّا الْكُمَيْت الوقاح

وطاح مَا سوى ذَلِك من الأهلين وَالْمَال. وذم أَعْرَابِي قوما فَقَالَ: بيُوت تدخل حبواً إِلَى غير نمارق، وشبارق فصح الْأَلْسِنَة برد السَّائِل، جذم الأكف عَن النائل. قَالَ الْأَصْمَعِي: حججْت فَبينا أَنا بِالْأَبْطح إِذا شيخ فِي سحق عباء، صعل الرَّأْس أثط أخزر أَزْرَق، كَأَنَّمَا ينظر من فص زجاج أَخْضَر، فَسلمت فَرد عَليّ التَّحِيَّة، فَقلت: مِمَّن الشَّيْخ؟ قَالَ: من بني حَمْزَة ابْن بكر بن عبد منَاف بن كنَانَة. قلت: فَمَا الِاسْم؟ قَالَ خميصة ابْن قَارب. ثمَّ أَعْرَابِي أَنْت؟ قلت: نعم قَالَ: من أَيَّة؟ قلت: من أهل بصرة قَالَ: فَإلَى من تعتزي؟ قلت: قيس بن غيلَان. قَالَ: لأيهم؟ قلت: أحد بني يعصر، وَأَنا أقلب ألواحاً معي. قَالَ: مَا هَذِه الخشبات المقرونات قلت: اكْتُبْ فِيهِنَّ مَا أسمع من كلامكم. قَالَ: وَإِنَّكُمْ مختلون إِلَى ذَلِك. قلت: نعم، وَأي خلة. ثمَّ صمت مَلِيًّا ثمَّ قَالَ فِي وصف قومه: كَانُوا كالصخرة الصلادة تنبو عَن صفحاتها المعاول ثمَّ زحمها الدَّهْر بمنكبه فَصَدَعَهَا صدع الزجاجة مَالهَا من جَابر فَأَصْبحُوا شذر مذر أيادي سبأ، وَرب يَوْم وَالله عَارِم قد أَحْسنُوا تأديبه، ودهر غاشم قد قومُوا صعره، وَمَال صَامت قد شتتوا تألفه، وخطة بؤس قد حسمها إحسانهم وَحرب عبوس ضاحكتها أسنتهم، أما وَالله يَا أَخا قيس لقد كَانَت كهولهم جحاجح، وشبابهم مراجح ونائلهم مسفوح، وسائلهم ممنوح وجنانهم ربيع وجارهم منيع. فَنَهَضت لأنصرف فأصر بِمَجَامِع ذيلي وَقَالَ: أَجْلِس فقد أَخْبَرتك عَن قومِي حَتَّى أخْبرك عَن قَوْمك فَقلت فِي نَفسِي: إِن الله يشيد فِي قيس وَالله وصمة تبقى على الدَّهْر. فَقلت: حسبي، لَا حَاجَة لي إِلَى ذكرك قومِي قَالَ: بلَى هم وَالله هضبة ململمة الْعِزّ أَرْكَانهَا وَالْمجد أحضانها، تمكنت فِي الْحسب الْعد تمكن الْأَصَابِع فِي الْيَد فَقُمْت مسرعاً مَخَافَة أَن يفْسد عَليّ مَا سَمِعت.

قَالَ أَعْرَابِي لِقَوْمِهِ وَقد ضافوا بعض أَصْحَاب السُّلْطَان: يَا قوم لَا أغركم من نشاب مَعَهم فِي جعاب كَأَنَّهَا نيوب الفيلة وقسي كَأَنَّهَا العتل ينْزع أحدهم حَتَّى يتفرق شعر إبطه ثمَّ يُرْسل نشابه كَأَنَّهَا رشاء مُنْقَطع فَمَا بَين أحدكُم وَبَين أَن يصدع قلبه منزلَة! قَالَ: فصاروا وَالله رعْبًا قبل اللِّقَاء. ذكر أَعْرَابِي امْرَأَة فَقَالَ: رحم الله فُلَانَة إِن كَانَت لقريبة بقولِهَا بعيدَة بِفِعْلِهَا يكفها عَن الخنى أسلافها، ويدعونا إِلَى الْهوى كَلَامهَا كَانَت وَالله تقصر عَلَيْهَا الْعين وَلَا يخَاف من أفعالها الشين. وصف أَبُو الْعَالِيَة امْرَأَة فَقَالَ جَاءَ بهَا وَالله كَأَنَّهَا نُطْفَة عذبة فِي شن خلق ينظر إِلَيْهِ الظمآن فِي الهاجرة. وَقَالَ أَبُو عُثْمَان رَأَيْت عبدا أسود لبني أسيد قدم علينا من شقّ الْيَمَامَة فبعثوه ناطوراً وَكَانَ وحشياً يغرب فِي الْإِبِل فَلَمَّا رَآنِي سكن إِلَيّ، فَسَمعته يَقُول: لعن الله بلاداً لَيْسَ بهَا عرب قَاتل الله الشَّاعِر. حَيْثُ يَقُول: حر الثرى مستغرب التُّرَاب إِن هَذِه العريب فِي جَمِيع النَّاس كمقدار القرحة فِي جلد الْفرس فلولا أَن الله رق عَلَيْهِم فجعلهم فِي حشاه، لطمست هَذِه العجمان آثَارهم أَتَرَى الأعيار إِذا رَأَتْ الْعتاق لَا ترى لَهَا فضلا، وَالله مَا أَمر نبيه بِقَتْلِهِم إِلَّا لضنه بهم وَلَا ترك قبُول الْجِزْيَة مِنْهُم إِلَّا لتركها لَهُم. قَالَ حصن بن حُذَيْفَة: إيَّاكُمْ وصرعات الْبَغي وفضحات المزاح. وقف جَبَّار بن سلمى على قبر عَامر بن الطُّفَيْل فَقَالَ: كَانَ وَالله لَا يضل حَتَّى يضل النَّجْم وَلَا يعطش حَتَّى يعطش الْبَعِير، وَلَا يهاب حَتَّى يهاب السَّيْل،

وَكَانَ وَالله خير مَا يكون حِين لَا تظن نفس بِنَفس خيرا. قيل لشيخ: مَا صنع بك الدَّهْر فَقَالَ: فقدت الْمطعم وَكَانَ الْمُنعم واجمت النِّسَاء وَكن الشِّفَاء فنومي سبات وسمعي خفات وعقلي تارات. وَسُئِلَ آخر فَقَالَ: ضعضع قناتي وأوهن شواتي وجرأ عَليّ عداتي. صعد أَعْرَابِي منبراً فَلَمَّا رأى النَّاس يرمقونه صَعب عَلَيْهِ الْكَلَام فَقَالَ: رحم الله عبدا قصر من لَفظه، ورشق الأَرْض بلحظه، ووعى القَوْل بحفظه قدم وَفد من الْعرَاق على سُلَيْمَان بن عبد الْملك فَقَامَ خطيبهم فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا أَتَيْنَاك رهبة وَلَا رَغْبَة فَقَالَ سُلَيْمَان: فَلم جِئْت لَا جَاءَ الله بك. قَالَ: نَحن وُفُود الشُّكْر أما الرَّغْبَة فقد وصلت إِلَيْنَا فِي رحالنا، وَأما الرهبة فقد أمناها بعدلك، وَلَقَد حببت إِلَيْنَا الْحَيَاة، وهونت علينا الْمَوْت. فَأَما تحبيبك الْحَيَاة إِلَيْنَا فبمَا انْتَشَر من عدلك وَحسن سيرتك وَأما تهوينك علينا الْمَوْت فَلَمَّا نثق بِهِ من حسن مَا تخلفنا بِهِ فِي أعقابنا الَّذين تخلفهم عَلَيْك. فاستحيى سُلَيْمَان وَأحسن جائزته. ذكر أَعْرَابِي فِي ظلم وَال وليهم فَقَالَ: مَا ترك لنا فضَّة إِلَّا فضها وَلَا دهباً إِلَّا ذهب بِهِ، وَلَا غلَّة إِلَّا غلها، وَلَا ضَيْعَة إِلَّا أضاعها وَلَا عقارا إِلَّا عقره، وَلَا علقاً إِلَّا اعتلقه، وَلَا عرضا إِلَّا عرض لَهُ، وَلَا مَاشِيَة إِلَّا امتشها، وَلَا جَلِيلًا إِلَّا جله، وَلَا دَقِيقًا إِلَّا دقه. قَالَ عمر لعَمْرو بن معدي كرب: أَخْبرنِي عَن قَوْمك. فَقَالَ: نعم الْقَوْم قومِي، عِنْد الطَّعَام الْمَأْكُول، وَالسيف المسلول. دخل خَالِد بن صَفْوَان التَّمِيمِي على السفاح وَعِنْده أَخْوَاله من بني الْحَارِث بن كَعْب فَقَالَ: مَا تَقول فِي أخوالي؟ قَالَ: هم هَامة الشّرف وخرطوم الْكَرم، وغرس الْجُود إِن فيهم لخصالاً مَا اجْتمعت فِي غَيرهم من قَومهمْ إِنَّهُم لأطولهم أمماً، وَأكْرمهمْ شيماً، وأطيبهم طعماً، وأوفاهم ذمماً وأبعدهم همماً، هم الْجَمْرَة فِي الْحَرْب، والرفد فِي الجدب، وَالرَّأْس فِي كل خطب، وَغَيرهم

بِمَنْزِلَة الْعجب. فَقَالَ لَهُ: وصفت أَبَا صَفْوَان فأحسنت، فَزَاد أَخْوَاله فِي الْفَخر، فَغَضب أَبُو الْعَبَّاس لأعمامه فَقَالَ: أَفْخَر يَا خَالِد؟ فَقَالَ: أَعلَى أخوال أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ . قَالَ: نعم، وَأَنت من أَعْمَامه. فَقَالَ: وَكَيف أفاخر قوما هم بَين ناسج برد وسائس قرد، ودابغ جلد، وراكب عرد. دلّ عَلَيْهِم الهدهد، وغرقتهم فَأْرَة، وملكتهم امْرَأَة؟ فأشرق وَجه أبي الْعَبَّاس وَضحك. حدث أَن صبرَة بن شيمان الْحَرَّانِي دخل على مُعَاوِيَة، والوفود عِنْده فتكلموا فَأَكْثرُوا فَقَالَ صبرَة: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّا حَيّ فعال، ولسنا بحي مقَال وَنحن بِأَدْنَى فعالنا عِنْد أحسن مقالهم فَقَالَ: صدقت. يرْوى أَن مُعَاوِيَة قَالَ لدغفل: مَا تَقول فِي بني عَامر بن صعصعة؟ فَقَالَ: أَعْنَاق ظباء، وأعجاز نسَاء. قَالَ: فَمَا تَقول فِي بني تَمِيم؟ قَالَ: حجر أخشن إِن صادفته آذَاك، وَإِن تركته أعفاك. قَالَ: فَمَا تَقول فِي الْيمن؟ قَالَ: سيود أَبوك. قَالَ الجاحظ: رَأَيْت رجلا من غنى يفاخر رجلا من بني فَزَارَة ثمَّ أحد بني بدر بن عَمْرو، وَكَانَ الغنوي مُتَمَكنًا من لِسَانه، وَكَانَ الْفَزارِيّ بكياً. فَقَالَ الغنوي: ماؤنا بَين الرقم إِلَى كَذَا، وهم جيراننا فِيهِ، فَنحْن أقصر مِنْهُم رشاء، وأعذب مِنْهُم مَاء، لنا ريف السهول ومعاقل الْجبَال، وأرضهم سبخَة، ومياههم أملاح، وأرشيتهم طوال، وَالْعرب من عز بز فبعزنا مَا تخيرنا عَلَيْهِم، وبذلهم مَا رَضوا عَنَّا بالضيم. ذكر حجل بن نَضْلَة بَين يَدي النُّعْمَان مُعَاوِيَة بن شكل فَقَالَ: أَبيت اللَّعْن إِنَّه لقعو الأليتين، مقبل النَّعْلَيْنِ، مشاء بأقراء، تبَاع إِمَاء قتال ظباء. فَقَالَ النُّعْمَان: أردْت أَن تذيمه فمدهته.

لما ظفر الْمُهلب بالخوارج وَجه كَعْب بن معدان إِلَى الْحجَّاج فَسَأَلَهُ عَن بني الْمُهلب فَقَالَ: الْمُغيرَة فارسهم وسيدهم، وَكفى بِيَزِيد فَارِسًا شجاعاً، وسخيهم قبيصَة، وَلَا يستحي الشجاع أَن يفر من مدرك، وَعبد الْملك سم ناقع، وحبِيب موت ذعاف، وَمُحَمّد لَيْث غَابَ، وَكَفاك بالمفضل نجدة. قَالَ: فَكيف خلفت جمَاعَة النَّاس؟ قَالَ: خلفتهم بِخَير، قد أدركوا مَا أملوا، وأمنوا مَا خَافُوا قَالَ: وَكَيف كَانَ بَنو الْمُهلب فيهم؟ قَالَ: كَانُوا حماة السرج نَهَارا، فَإِذا اليلوا ففرسان البيات. قَالَ: فَأَيهمْ كَانَ أنجد؟ قَالَ: كَانُوا كالحلقة المفرغة لَا يدرى أَيْن طرفها. قَالَ: فَكيف كُنْتُم أَنْتُم وَعَدُوكُمْ؟ قَالَ: كُنَّا إِذا أَخذنَا عَفَوْنَا جدوا فيئسنا مِنْهُم، وَإِذا اجتهدوا واجتهدنا طمعنا فيهم. فَقَالَ الْحجَّاج: إِن الْعَاقِبَة لِلْمُتقين. كَيفَ أفلتكم قطري؟ قَالَ: كدناه بِبَعْض مَا كادنا بِهِ فصرنا مِنْهُ إِلَى الَّتِي نحب. قَالَ: فَهَلا اتبعتموه؟ قَالَ: كَانَ الْحَد عندنَا أثرا من الفل. قَالَ: فَكيف كَانَ لكم الْمُهلب وكنتم لَهُ؟ قَالَ: كَانَ لنا مِنْهُ شَفَقَة الْوَالِد، وَله منا بر الْوَلَد. قَالَ فَكيف اغتباط النَّاس؟ قَالَ فَشَا فيهم الْأَمْن وشملهم النَّفْل. قَالَ: أَكنت أَعدَدْت هَذَا الْجَواب؟ قَالَ: لَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله عز وَجل. فَقَالَ: هَكَذَا وَالله يكون الرِّجَال، الْمُهلب كَانَ أعلم بك حَيْثُ وَجهك. وَقَالَ عمر لمتمم بن نُوَيْرَة: إِنَّك لجزل، فَأَيْنَ كَانَ أَخُوك مِنْك؟ قَالَ:

كَانَ وَالله يخرج فِي اللَّيْلَة الصنبر يركب الْجمل الثفال، ومجنب الْفرس الحرور، وَفِي يَده الرمْح الخطي، وَعَلِيهِ الشملة الفلوت وَهُوَ بَين المزادتين حَتَّى يصبح، فَيُصْبِح مُتَبَسِّمًا. يرْوى أَن خَالِد بن صَفْوَان دخل على يزِيد بن الْمُهلب وَهُوَ يتغدى فَقَالَ: ادن، فَكل. فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير لقد أكلت أَكلَة لست ناسيها. قَالَ: وَمَا أكلت؟ قَالَ: أتيت ضيعتي لإبان الأغراس، وَأَوَان الْعِمَارَة فَجلت فِيهَا جَوْلَة حَتَّى إِذا صحرت الشَّمْس، وأزمعت بالركود، ملت إِلَى غرفَة لي هفافة، فِي حديقة قد فتحت أَبْوَابهَا، ونضح بِالْمَاءِ جوانبها وفرشت أرْضهَا بألوان الرياحين من بَين ضيمران نافخ، وسمسق فائح، وأقحوان زَاهِر، وَورد ناضر، ثمَّ أتيت بِخبْز أرز كَأَنَّهُ قطع العقيق، وسمك جراني بيض الْبُطُون، زرق الْعُيُون، سود الْمُتُون، عراض السرر: غِلَاظ الْقصر، ودقة وخلول، ومرى وَبقول، ثمَّ أتيت برطب أصفر صَاف غير أكدر لم تبتدله الْأَيْدِي، وَلم تهتشمه كيل المكاييل، فَأكلت هَذَا ثمَّ هَذَا، قَالَ يزِيد: يَا بن صَفْوَان لِأَلف جريب من كلامك، خير من ألف جريب مزروع. علم الْمَنْصُور ابْنه صَالحا خطْبَة فَقَامَ بهَا فِي النَّاس فِي مَجْلِسه فَلم يشيع كَلَامه أحد خوفًا من الْمهْدي، فَبَدَأَ شبة بن عقال الْمُجَاشِعِي من الصَّفّ فَقَالَ: وَالله مَا رَأَيْتُك الْيَوْم خَطِيبًا أبل ريقاً وَلَا أنبض عروقاً وَلَا أثبت جناباً وَلَا أعذب لِسَانا، وَقَلِيل ذَلِك لمن كَانَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبَاهُ وَالْمهْدِي أَخَاهُ، هُوَ كَمَا قَالَ الشَّاعِر: هُوَ الْجواد فَإِن يلْحق بشاوهما ... على تكاليفه فَمثله لَحقا. . أَو يسبقاه على مَا كَانَ من مهل ... فَمثل مَا قدما من صَالح سبقا

فَاسْتحْسن كَلَامه وعلقه الْمَنْصُور بِيَدِهِ. وَمن الْأَخْبَار الْقَدِيمَة أَن لُقْمَان بن عَاد ولقيم ابْنه أغارا فأصابا إبِلا، ثمَّ انصرفا نَحْو أهلهما، فنحرا نَاقَة فِي منزل نزلاه. فَقَالَ لُقْمَان: أتعشى أم أعشى لَك؟ فَقَالَ لقيم أَي ذَلِك شِئْت. قَالَ لُقْمَان: اذْهَبْ فارع إبلك وعشها حَتَّى ترى النَّجْم قمة رَأس، وَحَتَّى ترى الجوزاء كَأَنَّهَا قطاً نوافر وَحَتَّى ترى الشعرى كَأَنَّهَا نَار، فإلا تكن عشيت فقد آنيت. قَالَ لَهُ لقيم: واطبخ أَنْت لحم جزورك فأز مَاء واغله حَتَّى ترى الكراديس كَأَنَّهَا رُؤُوس شُيُوخ صلع، وَحَتَّى ترى اللَّحْم يَدْعُو غطيفاً أَو غَنِيا أَو غطفان، فَإِن لم تكن أنضجت فقد آنيت. ذكر عِنْد عمر الزَّبِيب وَالتَّمْر أَيهمَا أطيب، فَقَالَ رجل: الحبلة أفضل أم النَّخْلَة؟ فَقَالَ: الزَّبِيب إِن آكله أضرس وَإِن أتركه أغرث لَيْسَ كالصقر فِي رُؤُوس الرقل الراسخات فِي الوحل، المطعمات فِي الْمحل تحفة الصَّائِم، وتحفة الْكَبِير وصمتة الصَّغِير وتعلة الصَّبِي وَنزل مَرْيَم ابْنة عمرَان، وينضج وَلَا يعْنى طابخه وتحترش بِهِ الضباب من الصلعاء. قَالَ: وَبعث رجل بَنِينَ لَهُ يرتادون فِي خصب فَقَالَ أحدهم: رَأَيْت بقلاً وَمَاء غيلاً، يسيل سيلاً، وخوصة تميل ميلًا، يحسبها الرائد لَيْلًا. وَقَالَ الثَّانِي: رَأَيْت دِيمَة على دِيمَة فِي عهاد غير قديمَة، تشبع مِنْهَا الناب قبل الفطيمة. وَقيل لبَعْضهِم: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: التُّرَاب يَابِس، وَالْأَرْض سراب، فَالْمَال عائس عَابس. قَالَ خَالِد للقعقاع: أنافرك على أَيّنَا أعظم للسجاح، وأطعن بِالرِّمَاحِ. وَأنزل بالبراح قَالَ: لَا بل عَن أَيّنَا أفضل أَبَا وَأما وجدا وَعَما، وقديماً وحديثاً. فَقَالَ خَالِد: أَعْطَيْت يَوْمًا من سَأَلَ وأطعمت حولا من أكل، وطعنت فَارِسًا طعنة

شَككت فَجَذَبَهُ بِجنب الْفرس، فَأخْرج الْقَعْقَاع نَعْلَيْنِ وَقَالَ: ربع عَلَيْهِمَا أبي أَرْبَعِينَ مرباعاً لم يثكل فِيهِنَّ تميمية ولدا. ذكر متمم بن نُوَيْرَة أَخَاهُ مَالِكًا فَقَالَ: كَانَ يخرج فِي اللَّيْل الصنبرة، عَلَيْهِ الشملة الفلوت، بَين المزادتين النضوحتين، على الْجمل الثفال، معتقل الرمْح الخطي فَيُصْبِح مُتَبَسِّمًا. وَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمْرو بن الْأَهْتَم عَن الزبْرِقَان فَقَالَ: مَانع لحوزته، مُطَاع فِي أدنيه فَقَالَ الزبْرِقَان أما أَنه قد علم أَكثر مِمَّا قَالَ وَلكنه حسدني شرفي. فَقَالَ عَمْرو أما لَئِن قَالَ مَا قَالَ فوَاللَّه مَا عَلمته إِلَّا الضّيق العطن، زمر الْمُرُوءَة، لئيم الْخلق، حَدِيث الْغنى، فَلَمَّا رأى أَنه قد خَالف قَوْله الأول وَرَأى النكار فِي عين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: يَا رَسُول الله رضيت؟ فَقلت: بِأَحْسَن مَا علمت وغضبت، فَقلت: بأقبح مَا علمت. كَانَت خطْبَة النِّكَاح لقريش فِي الْجَاهِلِيَّة: بِاسْمِك اللَّهُمَّ ذكرت فُلَانَة، وَفُلَان بهَا شغوف لَك مَا سَأَلت، وَلنَا مَا أَعْطَيْت. دخل الْهُذيْل بن زفر على يزِيد بن الْمُهلب فِي حمالات لَزِمته، ونوائب نابته. فَقَالَ لَهُ: أصلحك الله قد عظم شَأْنك عَن أَن يستعان بك، ويستعان عَلَيْك، وَلست تصنع شَيْئا من الْمَعْرُوف وَإِن عظم إِلَّا وَأَنت أعظم مِنْهُ، وَلَيْسَ الْعجب أَن تفعل وَإِنَّمَا الْعجب أَلا تفعل. فَقَالَ يزِيد: حَاجَتك؟ فَذكرهَا، فَأمر لَهُ بهَا وبمائة ألف دِرْهَم فَقَالَ: أما الحمالات فقد قبلتها، وَأما المَال فَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه. وَسَأَلَ عمر رَضِي الله عَنهُ عَمْرو بن معدي كرب عَن سعد فَقَالَ: خير أَمِير، نبطي فِي حبوته، عَرَبِيّ فِي نمرته أَسد فِي تامورته يعدل فِي الْقَضِيَّة، وَيقسم بِالسَّوِيَّةِ، ينْقل إِلَيْنَا حَقنا، كَمَا تنقل الذّرة. فَقَالَ عمر: لسر مَا تقارضتما الثَّنَاء. قيل لوَاحِد من الْعَرَب: أَيْن شبابك؟ فَقَالَ: من طَال أمده وَكثر وَلَده،

ودف عدده، وَذهب جلده، ذهب شبابه. وَقَالَ رجل من بني أَسد: مَاتَ لرجل منا ابْن، فَاشْتَدَّ جزعه عَلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ شيخ منا فَقَالَ: اصبر أَبَا مهدية فَإِنَّهُ فرط أفترطته، وَخير قَدمته، وَذخر أحرزته فَقَالَ مجيباً لَهُ، بل ولد ودفنته، وثكل تعجلته، وغيب وعدته، وَالله لَئِن لم أجزع من النَّقْص، لم أفرح بالمزيد. قَالَ ابْن أقيصر: خير الْخَيل الَّذِي إِذا استدبرته حنأ، وَإِذا استقللته أقعى، وَإِذا استعرضته اسْتَوَى، وَإِذا مَشى ردى، وَإِذا عدا دحا. وَنظر إِلَى خيل عبد الرَّحْمَن ابْن أم الحكم، فَأَشَارَ إِلَى فرس مِنْهَا فَقَالَ: تَجِيء هَذِه سَابِقَة، قَالُوا: وَكَيف ذَاك؟ قَالَ: رَأَيْتهَا مشت فكتفت، وخبت فوجفت وعدت فنسفت فَجَاءَت سَابِقَة. قَالَ الْحجَّاج لرجل من الأزد: كَيفَ علمك بالزرع؟ قَالَ: إِنِّي لَا أعلم من ذَلِك علما. قَالَ: فَأَي شَيْء خَيره؟ قَالَ: ماغلظ قصبته وأعتم نبته وعظمت حبته. قَالَ: فَأَي الْعِنَب خير؟ قَالَ: مَا غلظ عموده، واخضر عوده، وَعظم عنقوده. قَالَ: فَمَا خير التَّمْر؟ قَالَ: مَا غلظ لحاه ودق نَوَاه ورق سحاه. وَتكلم أهل التَّمْر وَأهل الزَّبِيب عِنْد عمر فَقَالَ: أرْسلُوا إِلَى أبي حثْمَة الْأنْصَارِيّ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: لَيْسَ كالصقر فِي رُؤُوس الرقل الراسخات فِي الوحل، المطعمات فِي الْمحل، تعلة الصَّبِي، ينضج وَلَا يعْنى طابخه بِهِ، يحترش بِهِ الضَّب من الصلعاء، لَيْسَ كالزبيب الَّذِي إِن أَكلته ضرست، وَإِن تركته غرثت. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس لخَالِد بن صَفْوَان: يَا خَالِد إِن النَّاس قد أَكْثرُوا فِي النِّسَاء، فَأَي النِّسَاء أحب إِلَيْك؟ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أحبها لَيست بالضرع الصَّغِيرَة، وَلَا بالفانية الْكَبِيرَة وحسبي من جمَالهَا أَن تكون فخمة من بعيد، مليحة من قريب، أَعْلَاهَا قضيب. وأسفلها كثيب، غذيت فِي النَّعيم، وأصابتها

فاقة فأدبها النَّعيم، وأذلها الْفقر، لم تفتك فتمجن، الهلوك على زَوجهَا، الحصان من جارها، إِذا خلونا كُنَّا أهل دنيا، وَإِذا افترقنا كُنَّا أهل آخِرَة. قَالَ عمَارَة بن عقيل: أصابتنا سنُون ثَلَاث لم نحتلب فِيهِنَّ رئلاً، وَلم نلقح نَسْلًا، وَلم نَزْرَع بقلاً. تكلم الْوُفُود عِنْد عبد الْمُلُوك حَتَّى بلغ الْكَلَام إِلَى خطيب الأزد فَقَامَ فَقبض على قَائِم سَيْفه ثمَّ قَالَ: قد علمت الْعَرَب أَنا حَيّ فعال، ولسنا بحي مقَال، وَأَنا نجزى بفعلنا عِنْد أحسن قَوْلهم، ونعمل السَّيْف. فَمن مَال قوم السَّيْف أوده. وَمن نطق الْحق أرده. ثمَّ جلس. فَحفِظت خطبَته دون كل خطْبَة. قَالَ الْأَصْمَعِي: بَلغنِي عَن بعض الْعَرَب فصاحة فَأَتَيْته لأسْمع من كَلَامه فصادفته يخضب فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: إِن الخضاب لمن مُقَدمَات الضعْف، وَلَئِن كنت قد ضعفت فطالما مشيت أَمَام الجيوش وعدوت على صيد الوحوش ولهوت بِالنسَاء، واختلت فِي الرِّدَاء، وأرويت السَّيْف، وقريت الضَّيْف، وأبيت الْعَار، وحميت الْجَار، وغلبت القروم، وعاركت الْخُصُوم، وشربت الراح، ونادمت الجحجاج، فاليوم قد حناني الْكبر، وَضعف الْبَصَر، وَجَاءَنِي بعد الصفاء الكدر. قَالَ: سَمِعت أَعْرَابِيًا يُعَاتب أَخَاهُ وَيَقُول: أما وَالله لرب يَوْم كتنور الطهاة رقاص بالحمامة، قد رميت بنفسي فِي أجيج سمومه أتحمل مِنْهُ مَا أكره لما نحب. قَالَ روح بن زنباع لمعاوية: نشدتك الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن تحط مني شرفاً أَنْت رفعته، أَو أَن تهدم مني بَيْتا أَنْت شيدته، وَأَن تشمت بِي عدوا أَنْت قمعته. ذكر عَمْرو بن معد يكرب بني سليم فَقَالَ: بَارك الله على حَيّ بني سليم مَا أصدق فِي الهيجاء لقاؤها، وَأثبت فِي النَّوَازِل بلاؤها، وأجزل فِي النائبات عطاؤها، وَالله لقد قاتلتهم فَمَا أجبنتهم، وهاجيتهم فَمَا أفحمتهم وسألتهم فَمَا أبخلتهم. جرى بَين الخوات وَبَين جُبَير وَالْعَبَّاس بن مرداس كَلَام فَقَالَ خَوات: أما

وَالله لقد تعرضت لشبابي، وشبا أنيابي، وَحسن جوابي، لتكرهن غيابي. فَقَالَ عَبَّاس: أَنْت وَالله يَا خَوات لَئِن اسْتقْبلت لعني وفني، وذكا سني، لتنفرن مني. أإياي توعد يَا خَوات، يَا مأوى السوآت وَالله لقد استقبلك اللؤم فودعك، واستدرك فكسعك، وعلاك فوضعك، فَمَا أَنْت بمهجوم عَلَيْك من نَاحيَة إِلَّا عَن فصل أَو إيَّايَ ثكلتك أمك تروم وَعلي تقوم، وَالله مَا ميطت سوأتك بعد وَلَا ظَهرت مِنْهَا. فَقَالَ عمر: أَيهَا عنكما، إِمَّا أَن تسكتا، وَإِمَّا أَن أوجعكما ضربا. فصمتا وكفا. كَانَ الرّبيع بن ضبع من المعمرين وَدخل على عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَ لَهُ عبد الْملك: وَأَبِيك يَا ربيع لقد طَلَبك جد غير عاثر ثمَّ قَالَ: فصل لي عمرك قَالَ: عِشْت مِائَتي سنة فِي الفترة من عِيسَى بن مَرْيَم وَعشْرين وَمِائَة فِي الْجَاهِلِيَّة وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَام فَقَالَ: أَخْبرنِي من فتية من قُرَيْش المتواطئ الْأَسْمَاء. قَالَ: سل عَن أَيهمْ شِئْت. قَالَ: أَخْبرنِي عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: فهم وَعلم وَعَطَاء، خدم ومقرىء ضخم. قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن عبد الله بن عمر قَالَ: حلم وَعلم وَطول كظم، وَبعد عَن الظُّلم. قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ: رَيْحَانَة طيب رِيحهَا، لين مَسهَا، قَلِيل عَن الْمُسلمين ضرها. قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن عبد الله بن الزبير. قَالَ: جبل وعر، تنحدر مِنْهُ على الصخر. قَالَ: لله دَرك يَا ربيع مَا أخْبرك بهم؟ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قرب جواري، وَكثر استخباري. كَانَ كَعْب بن لؤَي يقوم فِي النَّاس أيا م الْحَج فَيَقُول: أَيهَا النَّاس اسمعوا وأنصتوا وَاعْلَمُوا وتعلموا، ليل سَاج، ونهار ضاح وَالْأَرْض مهاد، وَالْجِبَال أوتاد والنجوم أَعْلَام، وَالْأُنْثَى وَالذكر زوج، روالآخرين كالأولين، وإلف يَلِي كل مَا يهيج، هَل رَأَيْتُمْ ظَاعِنًا رَجَعَ الدَّار أمامكم؟ وَالظَّن غير مَا تَقولُونَ، صلوا أَرْحَامكُم، واحفظوا أظهاركم، وثمروا أَمْوَالكُم. حرمكم زينوه وعظموه، تمسكوا بِهِ، فَسَيَأْتِي لَهُ نبأ وَيبْعَث بِهِ نَبِي. كَانَ قَابُوس بن مُنْذر ملكا مترفاً قَلِيل الْغَزْو، كثير اللَّهْو وَكَانَ لَهُ سمار، وَكَانَ يُحِبهُ أَن يعري بَين أَصْحَابه ليتسابوا، فَاجْتمع فِي مَجْلِسه أَرْبَعَة من رجال الْعَرَب مِنْهُم الْحصين بن ضرار الضَّبِّيّ، وأحمير بن بَهْدَلَة السَّعْدِيّ، وضمرة بن

جَابر النَّهْشَلِي وَعمارَة وَابْن رشد الْعَبْسِي فَقَالَ قَابُوس: يَا حُصَيْن إِن هَذَا وَأَشَارَ إِلَى ضَمرَة يزْعم أَنَّك غَانِم الفرى صيك الذَّر، إِنْزَال بالغموض، رعاء بالرفوض. فَقَالَ: أَيهَا الْملك إِن زعم ذَلِك فَإِنَّهُ خَبِيث الزَّاد، لاصق الرماد، قصير الْعِمَاد تبَاع للأذواد فَقَالَ ضَمرَة: وَالله أَيهَا الْملك إِنَّه لوعاء خطائط، وَزَاد مطائط. ولاج موارط، غير صميم لأواسط، ثمَّ أقبل على أُحَيْمِر فَقَالَ: إِن هَذَا وَأَشَارَ إِلَى عمَارَة يزْعم إِنَّك بقاق فِي النزى، كل على القوى، مَذْمُوم الشيم محجل الْبرم. فَقَالَ: أَبيت اللَّعْن أما إِنَّه إِن زعم ذَلِك فَإِنَّهُ لمناع للموجود سآل عَن الْمَفْقُود، بكاء على الْمَعْهُود، فناؤه وَاسع، وضيفه جَائِع، وشره شَائِع، وسره ذائع. فَقَالَ عمَارَة. هُوَ وَالله أَيهَا الْملك ذري المنظر سيء الْمخبر، لئيم المكسر يهلع إِذا أعْسر، وَيبْخَل إِذا أيسر، ويكذب إِذا أخبر. إِن عَاهَدَ غدر وَإِن أؤتمن ختر، وَإِن قَالَ أَهجر، وَإِن وعد أخلف، وَإِن سَأَلَ ألحف، يرى الْبُخْل حزماً، والسفاه حلما، والمرزئة كلما، فَقَالَ: قدك ألهمته. قَالَ رائد مرّة تركت الأَرْض مخضرة كَأَنَّهَا حولا بهَا قصيصة رقطاء، وعرفجة خاضبة، وعوسج كَأَنَّهُ النعام من سوَاده. وَقَالَ آخر فِي صفة نَاقَة إِذا اكحالت عينهَا وأللت أذنها وسجح خُذْهَا وهدل مشفرها واستدارت جمجمتها فَهِيَ كَرِيمَة.

الباب الثاني فقر وحكم للاعراب

الْبَاب الثَّانِي فقر وَحكم للأعراب ذكرُوا أَن قوما أَضَلُّوا الطَّرِيق، فاستأجروا أَعْرَابِيًا يدلهم على الطَّرِيق، فَقَالَ: إِنِّي وَالله مَا أخرج مَعكُمْ حَتَّى أشرط لكم وَعَلَيْكُم. قَالُوا: فهات مَالك. قَالَ: يَدي مَعَ أَيْدِيكُم فِي الْحَار والقار. ولي مَوضِع فِي النَّار موسع عَليّ فِيهَا، وَذكر وَالِدي محرم عَلَيْكُم. قَالُوا: فَهَذَا لَك، فَمَا لنا عَلَيْك إِن أذنبت؟ قَالَ: إعراضة لَا تُؤدِّي إِلَى عتب، وهجرة لَا تمنع من مجامعة السفرة. قَالُوا: فَإِن لم تعتب؟ قَالَ: حذفة بالعصا أَصَابَت أم أَخْطَأت. كَانَ الرشيد معجباً بِخَط إِسْمَاعِيل بن صبح فَقَالَ لأعرابي حَضَره: صف إِسْمَاعِيل. فَقَالَ: مَا رَأَيْت أطيش من قلمه، وَلَا أثبت من حلمه. مدح أَعْرَابِي رجلا برقة اللِّسَان فَقَالَ: كَانَ وَالله لِسَانه أرق من ورقة، وألين من سَرقَة. وَقَالَ آخر: أتيناه فَأخْرج لِسَانه كَأَنَّهُ مِخْرَاق لاعب. نظر عمر بن الْخطاب إِلَى نهشل بن قطن وَكَانَ ملتفاً فِي بت فِي نَاحيَة الْمَسْجِد، وزاده آهبة وَقلة. وَعرف تَقْدِيم الْعَرَب لَهُ فِي الحكم وَالْعلم فَأحب أَن يكشفه ويسبر مَا عِنْده فَقَالَ: أَرَأَيْت لَو تنافرا إِلَيْك الْيَوْم لأيهما كنت تنفر، يَعْنِي عَلْقَمَة بن علاثة وعامر بن الطُّفَيْل. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو قلت فيهمَا كلمة

لأعدتها جدعة قَالَ عمر: لهَذَا الْعقل تحاكمت إِلَيْك الْعَرَب. قَالَ عَامر بن الظرب: الرَّأْي نَائِم، والهوى يقظان فَمن هُنَاكَ يغلب الْهوى الداني. قَالَ أَعْرَابِي لهشام بن عبد الْملك بن مَرْوَان: أَتَت علينا أَعْوَام ثَلَاث، فعام أكل الشَّحْم، وعام أكل اللَّحْم، وعام أنتقي الْعظم، وعندكم فضول أَمْوَال، فَإِن كَانَت لله فأقسموها بَين عباد الله، وَلَو كَانَت لكم فتصدقوا، إِن الله يَجْزِي المتصدقين. قَالَ: هَل من حَاجَة غير ذَلِك؟ قَالَ: مَا ضربت إِلَيْك أكباد الْإِبِل، ادرع الهجير، وأخوض الدجى لخاص دون عَام. قيل لأعرابي: مَالك لَا تضع الْعِمَامَة عَن رَأسك؟ قَالَ: إِن شَيْئا فِيهِ السّمع وَالْبَصَر لحقيق بالصون. كَانَ هِشَام يسير وَمَعَهُ أَعْرَابِي إِذا انْتهى إِلَى ميل عَلَيْهِ كتاب، فَقَالَ للأعرابي أنظر أَي ميل هَذَا؟ فَنظر ثمَّ رَجَعَ. فَقَالَ: عَلَيْهِ محجن، وحلقة، وَثَلَاثَة كأطباء الكلبة وَرَأس كَأَنَّهُ منقار قطاة فَعرفهُ هِشَام بِصُورَة الهجاء وَلم يعرفهُ الْأَعرَابِي، وَكَانَ عَلَيْهِ خَمْسَة. قَالَ الْهَيْثَم بن عدي: يَمِين لَا يحلف بهَا الْأَعرَابِي أبدا أَن يَقُول لَهُ: لَا أورد الله لَك صادراً، وَلَا أصدر لَك وارداً، وَلَا حططت رحلك، وَلَا خلعت نعلك. خرج عُثْمَان من دَاره فَرَأى أَعْرَابِيًا فِي شَمله. فَقَالَ: يَا أَعْرَابِي أَيْن رَبك؟ قَالَ: بالمرصاد. وَكَانَ الْأَعرَابِي عَامر بن عبد قيس وَكَانَ ابْن عَامر سيره إِلَيْهِ. سَأَلَ الْحجَّاج أَعْرَابِيًا عَن أَخِيه مُحَمَّد بن يُوسُف فَقَالَ: كَيفَ تركته؟ قَالَ: عَظِيما سينماً قَالَ لَيْسَ عَن هَذَا أَسأَلك قَالَ تركته ظلوماًغشوماً قَالَ: أما علمت أَنه أخي؟ قَالَ: أتراه بك أعز مني بِاللَّه. قيل لشيخ من الْأَعْرَاب: قُمْت مقَاما مَا خفنا عَلَيْك مِنْهُ؟ قَالَ: الْمَوْت أخاذ

شيخ كَبِير، وَرب غَفُور لَا دين، وَلَا بَنَات. وَقَالَ آخر لبَعض السلاطين: أَسأَلك بِالَّذِي أَنْت بَين يَدَيْهِ، أدل مني بَين يَديك، وَهُوَ على عقابك أقدر مِنْك على عقابي، أَلا نظرت فِي أَمْرِي نظر من ير براءتي، أحب إِلَيْهِ من سقمي. قَالَ إِسْحَاق الْمدنِي: جلس إِلَى أَعْرَابِي فَقَالَ: إِنِّي أحب الْمعرفَة، وأجلك عَن الْمَسْأَلَة. حبس مَرْوَان بن الحكم رجلا من بني عبس فَأَتَاهُ بشيخ مِنْهُ فَكَلمهُ فِيهِ فَأبى أَن يُطلقهُ. فَقَالَ: أما وَالله لَئِن كنت حَبسته، لقد كَانَ تقياً، ذَا مُرُوءَة. قَالَ: وَمَا الْمُرُوءَة فِيكُم يَا أَخا بني عبس؟ قَالَ: صدق الحَدِيث وصلَة الرَّحِم، وَإِصْلَاح المَال. فأعجب مَرْوَان وَكَانَ إِذا أعجب الشَّيْء دَعَا لَهُ ابنيه عبد الْملك وَعبد الْعَزِيز ليسمعاه، قَالَ: فدعاهما ثمَّ استعاده، فَأَعَادَ الشَّيْخ القَوْل، وَحضر طَعَام مَرْوَان فَدَعَاهُ إِلَى طَعَامه فَلم يجبهُ، فَدَعَا ابْنا لَهُ كَانَ مَعَه فَأجَاب. قَالَ مَرْوَان لشيخ. ابْنك خير مِنْك يَا أَخا بني عبس، دعوناك إِلَى طعامنا فَلم تجب، ودعوناه فَأجَاب فَقَالَ الْعَبْسِي: مَا أَحْسبهُ ضرّ أَبَاهُ إِن كنت خيرا مِنْهُ. فَضَحِك مَرْوَان حَتَّى اسْتلْقى وَأطلق لَهُ صَاحبه. قَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان لرجل من الْعَرَب: كَيفَ علمك بالكواكب؟ قَالَ: لَو لم أعرف مِنْهَا غير النَّجْم لكفاني، - يُرِيد نجم الثريا - فَقَالَ لَهُ: وَكَيف ذَاك؟ قَالَ: إِذا طلعت من الْمشرق حصدت زرعي، وَإِذا توسطت السَّمَاء جردت نخلي، وَإِذا سَقَطت فِي الغرب دفنت بذري، هَذَا تَدْبِير معيشتي. فَقَالَ عبد الْملك: حَسبك بهَا علما. قَالَ هِشَام لأعرابي: كَيفَ أفلت من فلَان عَامل لَهُ؟ قَالَ: ببراءته وعدله. وَقَالَ آخر: نعم أَخُو الشريف درهمه، يُغْنِيه عَن اللئام، ويتجمل بِهِ فِي الْكِرَام. دخل أَعْرَابِي على بعض الْوُلَاة فَقَالَ: مِمَّن الرجل؟ فَقَالَ: من قوم إِذا أَحبُّوا مَاتُوا. قَالَ: عُذْري وَرب الْكَعْبَة.

تَقول الْعَرَب: طلع النَّجْم غديه ... فابتغى الرَّاعِي شكيه طلع النَّجْم عشَاء ... فابتغى الرَّاعِي كسَاء يُرِيدُونَ الثريا، وَيَقُولُونَ فِي الْهلَال: ابْن لَيْلَة عتمه سخيله حل أَهلهَا برميلة. ابْن لَيْلَتَيْنِ، حَدِيث أمتين، بكذب ومين ابْن ثَلَاث، حَدِيث فتيات غير جد مؤتلفات. ابْن أَربع عتمة ربع، غير جَائِع وَلَا مرضع. ابْن خمس عشَاء خلفات قعس. ابْن سِتّ سر وَبت. ابْن سبع، دلجة الضبع. ابْن ثَمَان، قمر إِضْحِيَان، ابْن تسع، ملتقط مِنْهُ الْجزع، ابْن عشر يؤديك إِلَى الْفجْر. قَالَ أَعْرَابِي: مَا غبنت قطّ حَتَّى يغبن قومِي. قيل: وَكَيف؟ قَالَ: لَا أفعل شَيْئا حَتَّى أشاورهم. قَالَ أَعْرَابِي: وَرَأى إبل رجل كثرت بعد قلَّة، فَقيل لَهُ أَنه قد زوج أمه فَجَاءَتْهُ بِمَال. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من بعض الرزق. سَأَلَ أَعْرَابِي رجلا حَاجَة فَمَنعه فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أفقرني من مَعْرُوفك وَلم يعنك عَن شكري. قَالَ أَعْرَابِي لِابْنِهِ وَتكلم فأساء: اسْكُتْ يَا بني، فَإِن الصمت صون اللِّسَان وَستر العي. قَالَ آخر: ابذل لصديقك كل مَوَدَّة، وَلَا تبذل لَهُ كل طمأنينة واعطه من نَفسك كل مواساة، وَلَا تفض إِلَيْهِ بِكُل الْأَسْرَار. اجْتمع قوم بِبَاب الْأَوْزَاعِيّ يتذاكرون، وأعرابي من كلب سَاكِت، قَالَ لَهُ

رجل: بِحَق مَا سميتم خرس الْعَرَب. فَقَالَ: يَا هَذَا أما سَمِعت أَن لِسَان الرجل لغيره وسَمعه لَهُ. وَشتم رجل أَعْرَابِيًا فَلم يجبهُ فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: أَنا لَا أَدخل فِي حَرْب الْغَالِب فِيهَا شَرّ من المغلوب. قَالَ أَعْرَابِي: أَكثر النَّاس بالْقَوْل مدل وبالفعل مقل. . وَقَالَ آخر: رب بعيد لَا يفقد بره، وَرب قريب لَا يُؤمن شَره. وَقَالَ آخر: أبين الْعَجز: قلَّة الْحِيلَة، وملازمة الحليلة. وَقَالَ آخر: ألم أكن نهيتك أَن تريق مَاء وَجهك بمسألتك من لَا مَاء فِي وَجهه؟ ! . وصف آخر عبد الله بن جَعْفَر فَقَالَ: كَانَ إِذا افْتقر نَفسه وَإِذا اسْتغنى لم يسْتَغْن وَحده. وَقَالَ آخر: أحسن الْأَحْوَال حَال يغبطك بهَا من دُونك، وَلَا يحقرك بهَا من فَوْقك. وصف آخر رجلا: إِن أَتَيْته احتجب، وَإِن غبت عَنهُ عتب وَإِن عاتبته غضب. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول: أعجز النَّاس من قصر فِي طلب الأخوان، وأعجز مِنْهُ من ظفر بِهِ مِنْهُم، ثمَّ ضيعهم. وَقَالَ آخر: لَو عاونني الْحَال مَا استبطأتك إِلَّا بِالصبرِ وَلَا استزدتك إِلَّا بالشكر. وَقَالَ آخر: إِن يسير مَال أَتَانِي عفوا لم أبذل فِيهِ وَجها، وَلم أبسط إِلَيْهِ كفا، وَلم أغضض لَهُ طرفا، أحب إِلَيّ من كثير مَال أَتَانِي بالكد، واستفراغ الْجهد. وَقَالَ آخر: لَا تصغر أَمر من حَارَبت أَو عاديت فَإنَّك إِن ظَفرت لم تحمد وَإِن عجزت لم تعذر.

هَنأ بَعضهم فَتى أَرَادَ الْبناء على أَهله فَقَالَ: بِالْبركَةِ وَشدَّة الْحَرَكَة وَالظفر فِي المعركة. قَالَ أَعْرَابِي وَقد نظر إِلَى دِينَار: قَاتلك الله مَا أَصْغَر قيمتك، وأكبر همتك. وَقَالَ آخر: اجْمَعُوا الدَّرَاهِم فَإِنَّهَا تلبس اليلمق: وَتطعم الجردق. قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: دفعت إِلَى نَاحيَة فِيهَا نفير من الْأَعْرَاب فرأيتها مُجْدِبَة فَقلت لبَعْضهِم مَا بلدكم هَذَا؟ فَقَالَ: لَا ضرع وَلَا زرع. قلت: فَكيف تعيشون؟ قَالَ: نحترش الضباب، ونصيد الدَّوَابّ فنأكلها، قلت: كَيفَ صبركم عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: يَا هَناه! نسْأَل خَالق الأَرْض. هَل سويت؟ فَيَقُول: بل رضيت. قَالَ أَعْرَابِي: هُوَ أمزح من المطل الْوَاجِد والظمآن الْوَارِد، والعقيم الْوَالِد. قَالَ أَعْرَابِي: الْعَزِيز منوع، والذليل قنوع، والواجد متحير. وَقَالَ آخر: عَلَيْك بالأدب فَإِنَّهُ يرفع العَبْد الْمُلُوك حَتَّى يجلسه فِي مجَالِس الْمُلُوك. قيل لبَعْضهِم: مَا بَال فلَان يتنقصك؟ قَالَ: لِأَنَّهُ شقيقي فِي النّسَب، وجاري فِي الْبَلَد، وشريكي فِي الصِّنَاعَة. وَقَالَ آخر: عباد الله، الحذر، الحذر، فوَاللَّه لقد ستر كَأَنَّهُ غفر. وشكا أَعْرَابِي ركود الْهَوَاء فَقَالَ: ركد حَتَّى كَأَنَّهُ أذن تسمع. وَقَالَ آخر: كل مَقْدُور عَلَيْهِ مختور أَو مَمْلُوك. لَقِي رجل أَعْرَابِيًا لم يكن يعرفهُ قَالَ لَهُ: كَيفَ كنت بعدِي؟ فَقَالَ لَهُ الْأَعرَابِي: وَمَا بعد مَالا قبل لَهُ.

قيل لأعرابي: أعْطى الْخَلِيفَة فلَانا مائَة ألف. قَالَ: بل أعطَاهُ إِيَّاه الَّذِي لَو شَاءَ لأعطاه مَكَانَهُ عقلا. قيل لأعرابي لَهُ أمة يُقَال لَهَا زهرَة: أَيَسُرُّك أَنَّك الْخَلِيفَة وَأَن زهرَة مَاتَت؟ قَالَ: لَا وَالله! قيل: وَلم؟ قَالَ: تذْهب الْأمة، وتضيع الْأمة. أَتَى الْحجَّاج بأعرابي فِي أَمر احْتَاجَ إِلَى مَسْأَلته عَنهُ، فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج: قل الْحق وَإِلَّا قتلتك. فَقَالَ لَهُ: اعْمَلْ أَنْت بِهِ فَإِن الَّذِي أَمر بذلك أقدر عَلَيْك مِنْك عَليّ. فَقَالَ الْحجَّاج: صدق، فخلوه. مدح أَعْرَابِي قوما فَقَالَ: يقتحمون الْحَرْب حَتَّى كَأَنَّمَا يلقونها بنفوس أعدائهم. قَالَ أَعْرَابِي فِي حكم جليس الْمُلُوك: أَن يكون حَافِظًا للسمر، صَابِرًا على السهر. وَقَالَ بَعضهم: قلت لأعرابي: كَيفَ رَأَيْت الدَّهْر؟ فَقَالَ: وهوبا لما سلب، سلوبا لما وهب، كَالصَّبِيِّ إِذا لعب. وَقَالَ أَعْرَابِي: لَا يقوم عَن الْغَضَب بذل الِاعْتِذَار. وَوصف آخر رجلا فَقَالَ: ذَاك مِمَّن ينفع سلمه، ويتواصف حلمه، وَلَا يستمرا ظلمه. وَقَالَ آخر: فلَان حتف الأقران غَدَاة النزال، وربيع الضيفان عَشِيَّة النُّزُول. وَقَالَ آخر: لكل كاس حاس، وَلكُل عَار كاس. وَقَالَ آخر: لَا أمس ليومه، وَلَا قديم لِقَوْمِهِ. وَقَالَ آخر: فلَان أفْصح خلق الله كلَاما، إِذا حدث، وَأَحْسَنهمْ استماعاً إِذا حدث، وأمسكهم عَن الملاحاة إِذا خُولِفَ، يُعْطي صديقه النَّافِلَة وَلَا يسْأَله الْفَرِيضَة، لَهُ نفس عَن العوراء محصورة وعَلى الْمَعَالِي مَقْصُورَة، كالذهب

الإبريز الَّذِي يعز فِي كل أَوَان وَالشَّمْس المنيرة الَّتِي لَا تخفى بِكُل مَكَان، هُوَ النَّجْم المضيء للجيران، والبارد العذب للعطشان. وَقَالَ آخر: فلَان لَيْث إِذا عدا، وغيث إِذا غَدا، وَبدر إِذا بدا، وَنجم إِذا هدى، وسم إِذا أردى. وَقَالَ آخر: الْفَقِير فِي الْأَهْل مصروم، والغني فِي الغربة مَوْصُول. وَقَالَ آخر: الاغتراب يرد الْجدّة ويكسب الْجدّة. وَقَالَ آخر: أعظم لخطرك، الآ ترى عَدوك أَنه لَك عَدو. قيل لأعرابي: كَيفَ أبنك؟ فَقَالَ: عَذَاب رعف بِهِ الدَّهْر، فليتني قد أودعته الْقَبْر، فَلِأَنَّهُ بلَاء لَا يقاومه الصَّبْر، وَفَائِدَة لَا يجب فِيهَا الشُّكْر. قَالَ أَعْرَابِي: لَا تضع سرك عِنْد من لَا سر لَهُ عنْدك. وَقَالَ آخر: من سعى رعى، وَمن لزم الْمَنَام رأى الأحلام. قَالَ أَعْرَابِي لرجل: وَيحك! إِن فلَانا وَإِن ضحك إِلَيْك فَإِن قلبه يضْحك مِنْك، وَلَئِن أظهر الشَّفَقَة عَلَيْك، فَإِن عقاربه لتسري إِلَيْك فَإِن لم تتخذه عدوا فِي علانيتك، فَلَا تَجْعَلهُ صديقا فِي سريرتك. وحذر آخر رجلا فَقَالَ: احذر فلَانا فَإِنَّهُ كثير الْمَسْأَلَة حسن الْبَحْث، لطيف الاستدراج، يحفظ أول كلامك على آخِره وَيعْتَبر مَا أخرت بِمَا قدمت فباثه مباثة الأَرْض، وَتحفظ مِنْهُ تحفظ الْخَائِف وَاعْلَم أَن من يقظة الْمَرْء إِظْهَار الْغَفْلَة مَعَ الحذر. قَالَ أَعْرَابِي: حاجيتك: مَا ذُو ثَلَاث آذان تسبق الْخَيل بالرديان؟ يَعْنِي: سَهْما. ومدح أَعْرَابِي نَفسه فَقيل لَهُ: أتمدح نَفسك؟ قَالَ: أفآكلها إِلَى غَيْرِي.

قَالَ آخر: أفآكلها إِلَى عَدو يذمني. وَقَالَ آخر: الْخَيل تجْرِي فِي المروج على أعراقها، وَفِي الحلبة على جدود أَرْبَابهَا، وَفِي الطّلب على إقبال فرسانها وَفِي الْهَزِيمَة على آجالهم. وَقَالَ آخر: حق الجليس إِذا دنا أَن يرحب بِهِ، وَإِذا جلس أَن يُوسع لَهُ، وَإِذا حدث أَن يقبل عَلَيْهِ. وَقَالَ آخر: هَلَاك الْوَلِيّ فِي صَاحب يحسن القَوْل وَلَا يحسن الْعَمَل. وَقَالَ أَعْرَابِي فِي الثَّنَاء على الرشيد عَام حج، قد أصبح المختلفون مُجْتَمعين على تقريظك ومدحك، حَتَّى أَن الْعَدو يَقُول اضطراراً مَا يَقُوله الْوَلِيّ اخْتِيَارا، والبعيد يَثِق من إنعامك عَاما، بِمَا يَثِق بِهِ الْقَرِيب خَاصّا. وَقَالَ آخر لِلْحسنِ بن سهل: قد أَصبَحت للخاصة عدَّة، وللعامة عصمَة، وَللْإِمَام ثِقَة، وللغني جمالاً، وللفقير ثمالاً. وَمن كَلَامهم: اندب إِلَى طَعَامك من تَدعُوهُ إِلَى جفانك. وَمِنْه: الْحِيلَة لعطف المتجني، أعْسر من نيل المتمني. وَمِنْه: الْعقل وَزِير نَاصح، والهوى وَكيل فاضح. وَقَالَ آخر لصَاحب لَهُ: لَا تقل فِيمَا لَا تعلم، فتتهم فِيمَا تعلم. وَقَالَ آخر: نبو النّظر عنوان الشَّرّ، وَقَالَ آخر: استشر عَدوك الْعَاقِل، وَلَا تستشر صديقك الأحمق، فَإِن الْعَاقِل يَنْفِي على رَأْيه الزلل، كَمَا يَتَّقِي الْوَرع على دينه الْحَرج. وَمن كَلَامهم: الحسود لايسود. وَمِنْه: الواقية خير من الراقية. وَقَالَ بَعضهم: لم تَجْتَمِع ضعفا إِلَّا قووا حَتَّى يمتعوا، وَلم يتفرقوا قَوِيا إِلَّا ضعفوا حَتَّى يخضعوا. قَالَ أَعْرَابِي: العبوس بؤس، والبشر بشرى، وَالْحَاجة تفتق الْحِيلَة وَالْحِيلَة تشحذ الطبيعة.

وَقَالَ آخر: مجالسة الأحمق خطر، وَالْقِيَام عَنهُ ظفر. قَالَ الْأَصْمَعِي: جلس إِلَى أَعْرَابِي تَقْتَحِمُهُ الْعين يحمي دربه. وَالله مَا ظننته يجمع بَين كَلِمَتَيْنِ فاستنطقته، فَإِذا نَار تأجج فَقلت: أتحسن شَيْئا من الْحِكْمَة تفِيد مِنْهُ؟ قَالَ: نعم، الرُّجُوع عَن الصمت أحسن من الرُّجُوع عَن الْكَلَام، والعطية بعد الْمَنْع، أجمل من الْمَنْع بعد الْعَطِيَّة، والإقدام على الْعَمَل بعد التأني فِيهِ، أحسن من الْإِمْسَاك عَنهُ بعد الْإِقْدَام عَلَيْهِ. قَالَ فَعظم فِي عَيْني حَتَّى مَلأ عَيْني وقلبي هَيْبَة. قَالَ أَعْرَابِي: الْعذر الْجَمِيل أحسن من المطل الطَّوِيل، فَإِذا أردْت الإنعام فانجح، فَإِن تَعَذَّرَتْ الْحَاجة فأفصح. قيل لأعرابي: مَا وقوفك هَا هُنَا؟ فَقَالَ: وقفت مَعَ أَخ لي يَقُول بِلَا علم، وَيَأْخُذ بِلَا شكر، وَيرد بِلَا حشمة. قَالَ أَعْرَابِي لآخر: لَا كل لسَانك عَن الْبَيَان، وَلَا أسكتك الزّجر والهوان. وَقَالَ آخر لرجل: حَاجَتي إِلَيْك حَاجَة الضال إِلَى المرشد، والمضل إِلَى المنشد. وَقَالَ آخر: بالفحول تدْرك الذحول. وَقَالَ آخر: أَنا أستنجدك إِذا كنت مُضَافا، وأسترفدك إِذا كنت مضيفاً. قيل لأعرابي: كَيفَ أَصبَحت؟ قَالَ: أَصبَحت أحتسب على الله الْحَسَنَة، وَلَا أحتسب على نَفسِي السَّيئَة. وَقَالَ آخر وَقد قيل لَهُ: أَيَسُرُّك أَنَّك أَحمَق وَأَن لَك مائَة ألف دِرْهَم؟ قَالَ: لَا. قيل: وَلم؟ قَالَ: لِأَن حمقة وَاحِدَة تَأتي على مائَة ألف، وَألْفي بعْدهَا أَحمَق. قَالَ آخر: من جاد بِمَالِه فقد جاد بِنَفسِهِ، إِلَّا يكن جاد بهَا فقد جاد بقوامها. وَقَالَ آخر: من هذل جَوَاده فِي الرخَاء، قَامَ بِهِ فِي الشدَّة.

ذكر رجل عِنْد أَعْرَابِي بِشدَّة الْعِبَادَة فَقَالَ: هَذَا وَالله رجل سوء يظنّ أَن الله لَا يرحمه حَتَّى يعذب هَذَا التعذيب. قَالَ رجل لشيخ بدوي: تمرنا أَجود من تمركم. فَقَالَ: تمرنا جرد فطس، عراض كَأَنَّهَا ألسن الطير، تمضغ التمرة فِي شدقك فتجد حلاوتها فِي عقبك. قَالَ أَعْرَابِي: سَأَلت فلَانا حَاجَة أقل من قِيمَته، فردني ردا أقبح من خلقته. وَقَالَ: مواقعة الرجل أَهله من غير عَبث من الْجفَاء. قيل لأعرابي: مَا تصنع بالبادية إِذا اشْتَدَّ القيظ وحمي الْوَطِيس. فَقَالَ: يمشي أَحَدنَا ميلًا، حَتَّى يرفض عرقاً ثمَّ ينصب عَصَاهُ، ويلقي عَلَيْهَا كَسَاه، فَكَأَنَّهُ فِي إيوَان كسْرَى. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت أَعْرَابِيًا يُصَلِّي ويسيء الصَّلَاة فَقَالَ لَهُ رجل: يَا أَعْرَابِي، أحسن صَلَاتك. فَقَالَ: إِن المطالب بهَا كريم. عَابَ أَعْرَابِي قوما فَقَالَ: هم أقل النَّاس ذنوباً إِلَى أعدائهم، وَأَكْثَرهم تجرماً على أصدقائهم، يَصُومُونَ عَن الْمَعْرُوف، ويفطرون على الْفَحْشَاء. وصف بعض الْأَعْرَاب النِّسَاء فَقَالَ: عَلَيْك مِنْهُنَّ بالجاليات الْعُيُون، الآخذات بالقلوب، بارع الْجمال، وَعظم الأكفال، وسعة الصُّدُور ولين الْبشرَة ورقة الأنامل وسبوطة الْقصب، وجزالة الأسوق، وجثولة الْفُرُوع، ونجالة الْعُيُون، وسهولة الخدود، وامتداد القوام، ورخامة الْمنطق، وَحسن الثغور، وَصغر الأفواه وصفاء الألوان. وصف أَعْرَابِي امْرَأَة: هِيَ خَالِيَة إِلَّا من أَلا وليت. قيل لأعرابي: كَيفَ كتمانك للسر؟ فَقَالَ: أجحد الْمخبر، وأحلف للمستخبر.

قيل لآخر: بِمَاذَا تغلب النَّاس؟ قَالَ: أبهت بِالْكَذِبِ، وأستشهد بالموتى. قَالَ الْأَصْمَعِي: سَأَلت أَعْرَابِيًا عَن الدُّنْيَا فَقَالَ: إِن الآمال قطعت أَعْنَاق الرِّجَال، كالسراب، غر من رَآهُ، وأخلف من رجاه، وَمن كَانَ اللَّيْل وَالنَّهَار مطيته، أَسْرعَا السّير بِهِ وَالْبُلُوغ. ثمَّ أنْشد يَقُول: الْمَرْء يدْفع بِالْأَيَّامِ يَدْفَعهَا ... وكل يَوْم مضى يدني من الْأَجَل ذكر أَعْرَابِي رجلا بقلة الْحيَاء فَقَالَ: لَو دقَّتْ بِوَجْهِهِ الْحِجَارَة لرضها وَلَو خلا بِالْكَعْبَةِ لسرقها. قيل لأعرابي: بِمَ سدت قَوْمك؟ قَالَ: بِحَسب لَا يطعن عَلَيْهِ، ورأي لَا يسْتَغْنى عَنهُ. قيل لآخر: بِمَ تعرفُون السؤدد فِي الْغُلَام؟ قَالَ: إِذا كَانَ سابل الْغرَّة، طَوِيل الغرلة، ملتاث الأزرة، وَكَانَت فِيهِ لوثة، فلسنا نشك فِي السؤدد. وَقَالَ آخر لسنان بن سَلمَة الْهُذلِيّ: مَا أَنْت بأرسخ فَتكون فَارِسًا، وَلَا بعظيم الرَّأْس فَتكون سيداً. وَقَالَ بَعضهم: نَحن لَا نسود إِلَّا من موطننا رَحْله، ولفرسنا عرضه ويملكنا مَاله. سَأَلَ أَعْرَابِي عَن رجل فَقَالَ: أَحمَق مَرْزُوق. فَقَالَ: وَالله ذَاك الرجل الْكَامِل. قَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول: تمرنا جرد فطس، يغيب فِيهَا الضرس عراض كَأَنَّهَا ألسن الطير تضع التمرة فِي فِيك فتجد حلاوتها فِي كعبك. قَالَ أَعْرَابِي لِأَخِيهِ: إِن لم يكن مَالك لَك، كنت أَنْت لَهُ، فَإِن لم تفنه، أفناك، فكله قبل أَن يَأْكُلك.

وَحلف آخر فَقَالَ: لَا وَالَّذِي شقهن خمْسا من وَاحِد، وَأَشَارَ إِلَى كَفه، شقّ الرِّجَال للخيل، وَالْجِبَال للسيل. وَقَالَ آخر فِي رجل: صغره فِي عَيْني، كبر الدُّنْيَا فِي عينه. قيل لأعرابي: كَيفَ حزنك على ولدك؟ قَالَ: مَا ترك لنا حب الْغَدَاء وَالْعشَاء حزنا. قيل لرجل مِنْهُم كَانَ يجمع بَين ضرائر: كَيفَ تقدر على جمعهن قَالَ: كَانَ لنا شباب يظأرهن علينا، وَمَال يصيرهن لنا، ثمَّ قد بَقِي لنا خلق حسن، فَنحْن نتعايش بِهِ. قَالَ أَعْرَابِي: مَا تمّ عقل أحد، إِلَّا قل كَلَامه. وَقَالَ أَعْرَابِي: إِن فلَانا ليكنس على أَعْرَاض النّيل من غيظه. وَقَالَ آخر: مَعَ الشعاب التحاب، والافراط فِي الزِّيَارَة مُمل، والتفريط فِيهَا مخل. قدم أَعْرَابِي على السُّلْطَان وَمَعَهُ كتاب قد كتب فِيهِ قصَّته، فَجعل يَقُول: هاؤم اقْرَءُوا كِتَابيه. فَقيل لَهُ: هَذَا يُقَال يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ: هَذَا وَالله شَرّ من يَوْم الْقِيَامَة، إِنَّه يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بحسناتي وسيئاتي، وَأَنْتُم جئْتُمْ بسيئاتي، وتركتم حسناتي. قَالَ أَبُو العيناء: قلت لأعرابي: إِن الله محاسبك فَقَالَ: سررتني فَإِن الْكَرِيم إِذا حاسب تفضل. وَقَالَ مُعَاوِيَة لأعرابي: مَا الْعَيْش؟ قَالَ: ركُوب الْهوى وَترك الحيا. قيل لأعرابي وَقد عمر مائَة وَعشْرين سنة: مَا أطول عمرك؟ قَالَ: تركت الْحَسَد فَبَقيت.

حلف أَعْرَابِي بِالْمَشْيِ إِلَى بَيت الله أَلا يكلم ابْنه فحضرته الْوَفَاة فَقيل لَهُ: كَلمه قبل أَن تفارق الدُّنْيَا. قَالَ: وَالله مَا كنت قطّ أعجز عَن الْمَشْي إِلَى بَيت الله منى السَّاعَة. قَالَ عبد الْملك لأعرابي: تمن. قَالَ: الْعَافِيَة. قَالَ: ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ: رزق فِي دعة. قَالَ: ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ الخمول، فَإِنِّي رَأَيْت الشَّرّ إِلَى ذَوي النباهة أسْرع. قيل لأعرابي من بني يَرْبُوع: مالكم على مِثَال وَاحِد؟ قَالَ: لأَنا من بني فَحل وَاحِد. ذمّ أَعْرَابِي رجلا فَقَالَ: عَلَيْهِ كل يَوْم قسَامَة من فعله تشهد عَلَيْهِ بِفِسْقِهِ وشهادات الْأَفْعَال، أعدل من شَهَادَات الرِّجَال. وَذكر آخر رجلا بالعي فَقَالَ: رَأَيْت عورات النَّاس بَين أَرجُلهم وعورة فلَان بَين فَكَّيْهِ. وَقَالَ آخر لرجل دَفعه: لتجدني ذَا منْكب مزحم، وركن مدعم، وَرَأس مصدم، ولسان مرجم وَوَطْء ميثم. قَالَ الْأَصْمَعِي: نظر أَعْرَابِي إِلَى الْهلَال فَقَالَ: لَا مرْحَبًا بك عقفان يحل الدّين، وَيقرب الْآجَال. قيل لأعرابي: مَا تلبس؟ فَقَالَ: اللَّيْل إِذا عسعس، وَالصُّبْح إِذا تنفس. سُئِلَ أَعْرَابِي عَن ألوان الثِّيَاب فَقَالَ: الصُّفْرَة أشكل والحمرة أجمل والخضرة أنبل والسواد أهول وَالْبَيَاض أفضل. وصف أَعْرَابِي الْكتاب، وَقد دخل الدِّيوَان فَرَآهُمْ فَقَالَ: أَخْلَاق حلوة وسمائل معشوقة ووقار أهل الْعلم وظرف أهل الْفَهم فَإِن سبكتهم وَجَدتهمْ كالزبد يذهب جفَاء. وذم أَعْرَابِي رجلا فَقَالَ: عبد الْبدن، خَز الثِّيَاب، عَظِيم الرواق، صَغِير الْأَخْلَاق، الدَّهْر يرفعهُ وهمته تضعه.

قيل لأعرابي ينسج: أَلا تَسْتَحي أَن تكون نساجاً؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أستحي أَن أكون أخرق لَا أَنْفَع أَهلِي. مد الْمَأْمُون يَده إِلَى الْأَعرَابِي ليقبلها فَتَنَاولهَا بكمه فَقَالَ: أتتقزز مِنْهَا؟ قَالَ: لَا بل أتقزز لَهَا. وصف أَعْرَابِي قوما فَقَالَ: هم كلاب وَفُلَان من بَينهم سلوتي. سُئِلَ رجل عَن نسبه فَقَالَ: أَنا ابْن أُخْت فلَان. فَقَالَ أَعْرَابِي: النَّاس ينتسبون طولا وَأَنت تنتسب عرضا. رأى أَعْرَابِي عوداً فَلَمَّا عَاد إلىالبادية وَصفه لأَصْحَابه فَقَالَ: رَأَيْت خشباً محدودب الظّهْر، أرسح الْبَطن، أكلف الْجلد، أجوف أغضف، جَبينه فِي استه، وَعَيناهُ فِي صَدره، وأمعاءه خَارج بَطْنه، بهَا يتَكَلَّم، وعينه تترجم، معروك الْأذن، مخنوق الْحلق. سُئِلَ آخر عَن امْرَأَته فَقَالَ: أفنان أثلة، وجنى نَخْلَة، وَمَسّ رَملَة وَكَأَنِّي قادم فِي كل سَاعَة من غيبَة. اجْتمع إعرابي مَعَ صَاحِبَة لَهُ فَلَمَّا قعد مِنْهَا مقْعد الرجل من امْرَأَته ذكر معاده فاستعصم وَقَالَ: إِن من بَاعَ جنَّة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض بِمِقْدَار فتر بَين رجليك، لقَلِيل الْبَصَر بالمساحة. اشْتَكَى أَعْرَابِي بالحضر فَقيل: مَا تشْتَهي؟ قَالَ: حشك فلاة، وحسي قلاة. قَالَ أَعْرَابِي لرجل: اكْتُبْ لِابْني تعويذاً. فَقَالَ: مَا اسْمه؟ قَالَ: فلَان قَالَ: فَمَا اسْم أمه؟ قَالَ: وَلم عدلت عَن اسْم أَبِيه؟ قَالَ: لِأَن الْأُم لَا يشك فِيهَا. قَالَ: فَاكْتُبْ: فَإِن كَانَ ابْني فعافاه الله، وَإِن لم يكن ابْني فَلَا شفَاه الله. قيل لأعرابي: مَا تَقول فِي إِبْنِ الْعم؟ قَالَ: عَدوك وعدو عَدوك. وَوعظ آخر ابْنا لَهُ أفسد مَاله فِي الشَّرَاب فَقَالَ: لَا الدَّهْر يعظك وَلَا الْأَيَّام تنذرك، وَلَا الشيب يزجرك، والساعات تعد عَلَيْك، والأنفاس تعد مِنْك والمنايا تقاد إِلَيْك، أحب الْأَمريْنِ إِلَيْك، أردهما بالمضرة عَلَيْك.

قيل لأعرابي: مَا تَقول فِي الجري. قَالَ: تَمْرَة نرسيانة غراء الطّرف، صفراء السائر، عَلَيْهَا مثلهَا من الزّبد، أحب إِلَيّ مِنْهَا وَلَا أحرمهُ. وَقَالَ آخر: كن حُلْو الصَّبْر عِنْد مر النَّازِلَة. وَمر أَعْرَابِي فِي أطمار رثَّة بِرَجُل فَقَالَ الرجل: وَالله مَا يسرني أَنِّي كنت ضيفك فِي لَيْلَتي هَذِه. فَقَالَ لَهُ الْأَعرَابِي: أما وَالله لَو كنت ضَيْفِي، لغدوت من عِنْدِي أبطن من أمك قبل أَن تضعك بساعة، أما الله إِنَّا وجدناك آكلكم للمأدوم، وأعطاكم للمحروم. قَالَ أَعْرَابِي: رب موثق مؤبق. قيل لآخر: أتشرب النَّبِيذ؟ فَقَالَ: وَالله مَا أرْضى عَقْلِي مجتمعاً فَكيف أفرقه؟ . وَقيل لآخر: أما تشرب؟ قَالَ: أَنا لَا أشْرب مَا يشرب عَقْلِي. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت أَعْرَابِيًا وَالْإِبِل قد مَلَأت الْوَادي فَقلت: لمن هَذِه؟ فَقَالَ: لله فِي يَدي. قَالَ أَبُو العيناء: أضفت أَعْرَابِيًا قدم من الْمَدِينَة، فَلَمَّا قعدنا نَأْكُل، جعلت أذكر غلاء السّعر فِي تِلْكَ السّنة، فَرفع الْأَعرَابِي يَده عَن الطَّعَام، وَقَالَ: لَيْسَ من الْمُرُوءَة ذكر غلاء الأسعار للضيف. فَقَامَ، فاجتهدت بِهِ أَن يَأْكُل شَيْئا فَأبى، وَانْصَرف. حكى عَن حُصَيْن بن أبي الْحر قَالَ: وفدت إِلَى مُعَاوِيَة فطلبت عَامر بن عبد قيس فَقَالَ لَا تريه بِالنَّهَارِ فَأَتَيْته عِنْد الْمغرب وَهُوَ يتعشى، فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام، وَلم يدعني إِلَى عشائه وَلم يسألني عَن أَهله، فَقلت: الْعجب مِنْك لم تدعني إِلَى عشائك وَلم تَسْأَلنِي عَن أحد من أهلك، فَقَالَ: أما عشائي فخشن، وَأَنت قد تعودت النِّعْمَة، فَكرِهت أَن أحملك من تجشمه على مَا يشق عَلَيْك. وَأما أَهلِي، فَأَنا أعرف أخبارهم، الْمَاضِي فَلَا يرجع إِلَيْهِم، وَأما الْبَاقِي فَلَا حق بِمن مضى مِنْهُم.

قَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول: المعتذر من غير ذَنْب يُوجب الذَّنب على نَفسه. قَالَ: وَقلت لغلام عُذْري: مَا بَال الْعِشْق يقتلكم؟ قَالَ: لِأَن فِينَا جمالاً وعفة. قَالَ أَعْرَابِي: بلوت فلَانا فَلم يزدني اختباره إِلَّا اخْتِيَارا لَهُ. وَقَالَ آخر: هَلَاك الْوَالِي فِي صَاحب، يحسن القَوْل، وَلَا يحسن الْعَمَل. تكلم أَعْرَابِي فَقَالَ: لَا تنكحن وَاحِدَة فتحيض، إِذا حَاضَت، وتمرض إِذا مَرضت، وَلَا تنكحن اثْنَتَيْنِ، فَتكون بَين شرتين، وَلَا تنكحن ثَلَاثًا، فيفلسنك ويهزمنك، وينحلنك ويحظرنك. فَقيل لَهُ: حرمت مَا أحل الله. وَأثْنى أَعْرَابِي على رجل فَقَالَ: إِن خيرك لصريح، وَإِن مَنعك لمريح وَإِن رفدك لربيح. قيل لأعرابي: مَا أَعدَدْت للشتاء؟ فَقَالَ: جلة لبوضاً وصيصية سلوكاً، وشملة مكورة قويمصاً دفياً وناقة مجالحة. وَقيل لآخر: مَا أَعدَدْت للشتاء؟ فَقَالَ: شدَّة الرعدة وقرفصاء الْقعدَة، وذرب الْمعدة. وَقيل لآخر: كَيفَ الْبرد عنْدكُمْ؟ قَالَ: ذَاك إِلَى الرّيح. سمع عمر أَعْرَابِيًا يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر لأم أوفى. فَقَالَ: وَمن أم أوفى؟ قَالَ: امْرَأَتي وَأَنَّهَا لحمقاء مرغامة، أكول قامه، لاتبقى لَهَا حامة، غير أَنَّهَا حسناء فَلَا تفرك، وَأم غلْمَان فَلَا تتْرك. قَالَ أَبُو مهدى: تحرشت بِشُجَاعٍ فَخرج يطردني كَأَنَّهُ سهم رابح، ثمَّ استكف كَأَنَّهُ كفة فِي ميتَة، فانتظمت ثَلَاثَة إثنان أحدهن رَأسه. قَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَت الْعَرَب تستعيذ من خمشة الْأسد، ونفثة الأفعى وضبطة الفالج.

قَالَ أَبُو زيد: رب غيث لم يَك غوثاً، وَرب عجلة نهب ريثاً. وَقَالَ آخر لرجل رَآهُ يذم قرَابَته: أما سَمِعت مَا يَقُول الْعَرَب، فَإِنَّهَا تَقول: الرَّحِم بكدرها والمودة بصفائها. قدم هَوْذَة بن عَليّ، على كسْرَى فَسَأَلَهُ عَن بنيه، فَذكر عددا، فَقَالَ: أَيهمْ أحب إِلَيْك؟ قَالَ: الصَّغِير حَتَّى يكبر، وَالْغَائِب حَتَّى يقدم، وَالْمَرِيض حَتَّى يَصح. فَقَالَ لَهُ كسْرَى: مَا غداؤك فِي بلدك؟ قَالَ: الْخبز. قَالَ كسْرَى لجلسائه: هَذَا عقل الْخبز يفضله على عقول أهل الْبَوَادِي، الَّذين يغتذون اللَّبن وَالتَّمْر. قَالَ الْأَصْمَعِي: كنت بالبادية فجَاء بِي أَعْرَابِي مَعَه عبد أسود فقلال: يَا حضري، أتكتب؟ قلت: أكتب: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عرْفجَة التغلبي لميمون مَوْلَاهُ، إِنَّك كنت عبد الله فوهبك لي، فرددتك ووهبتك لواهبك للْجُوَاز على الصِّرَاط، قد كنت أمس لي، وَأَنت الْيَوْم مثلي وَلَا سَبِيل لي عَلَيْك إِلَّا سَبِيل وَلَاء. أَتَى مُعَاوِيَة بِرَجُل من جرهم قد أَتَت عَلَيْهِ الدهور فَقَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَمَّا رَأَيْت فِي سالف عمرك؟ قَالَ: رَأَيْت بَين جَامع مَالا مفرقاً، ومفرق مَالا مجموعاً، وَمن قوى يظلم، وَضَعِيف يظلم، وصغير يكبر، وكبير يهرم، وَحي يَمُوت، وجنين يُولد، وَكلهمْ بَين مسرور بموجود ومحزون بمفقود. قَالَ أَعْرَابِي: خرجنَا حُفَاة وَالشَّمْس فِي قلَّة السَّمَاء، حَيْثُ انتعل كل شَيْء ظله وَمَا زادنا إِلَّا التَّوَكُّل، وَمَا مطايانا إِلَّا الْأَجَل، حَتَّى لحقنا الْقَوْم. وصف آخر تعادى قوم، فَقَالَ: ألحاظهم سِهَام، وَأَلْفَاظهمْ سمام.

وَقَالَ آخر: هبت عَلَيْهِم ريح التعادي، فنسفتهم عَن النوادي والبوادي. وَقَالَ آخر: مَا النَّار باحرق للفتيلة، من التعادي للقبيلة. وَقَالَ آخر: مَعَ الْقَرَابَة والثروة، يكون التناكر والتحاسد وَمَعَ الغربة والخلة، يكون التناصر والتحاشد. وَقَالَ الْحجَّاج لأعرابي: أخطيب أَنا؟ قَالَ: نعم، لَوْلَا أَنَّك تكْثر الرَّد، وتشير بِالْيَدِ، وَتقول أما بعد. وَيَقُول الْأَعرَابِي لراعي إبِله إِذا استرعاه: إِن عَلَيْك أَن ترد ضَالَّتهَا، وَتَهْنَأ جرباتها، وتلوذ حَوْضهَا وتترك مبسوطة فِي الرُّسُل، مالم تنهك حَلبًا أَو تضر بِنَسْل. فَيَقُول لَهُ الرَّاعِي: لَيْسَ لَك أَن تذكر أُمِّي بِخَير وَلَا شَرّ، وَلَك حذفة بالعصا عِنْد غضبك أَخْطَأت أم أصبت، ولي مقعدين من النَّار مَوضِع يَدي من الْحَار. ذكر أَعْرَابِي السُّلْطَان فَقَالَ: أما وَالله لإن عزوا فِي الدُّنْيَا بالجور، لقد ذلوا فِي الْآخِرَة بِالْعَدْلِ. وَقَالَ آخر: الْعَاقِل بخشونة الْعَيْش مَعَ الْعُقَلَاء، آنس مِنْهُ بلين الْعَيْش مَعَ السُّفَهَاء. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت أَعْرَابِيًا يرْعَى غنما فَقلت لَهُ: أَنْت راعي هَذِه الْغنم؟ فَقَالَ: أَنا راعيها وَالله يرعاها. قَالَ الْمفضل: قلت لأعرابي: مَا البلاغة؟ قَالَ: الايجاز من غير عجز، والأطناب فِي غير خطل. وَكَانَ أَعْرَابِي يُجَالس الشّعبِيّ وَلَا يتَكَلَّم، فَسئلَ عَن طول صمته فَقَالَ: أسمع وَأعلم، واسكت فَأسلم. وصف آخر رجلا فَقَالَ: صَغِير الْقدر، قصير الشبر، ضيق الصَّدْر لئيم الْخَبَر، عَظِيم الْكبر، كثير الْفَخر.

قدم وَفد طَيء على مُعَاوِيَة فَقَالَ: من سيدكم الْيَوْم؟ قَالُوا: خُزَيْمٌ بن أَوْس بن حَارِثَة بن لَام، من احْتمل شَتمنَا، وَأعْطى سائلنا وحلم عَن جاهلنا، وأغتفر ضربنا إِيَّاه بعصينا. حلف أَعْرَابِي على شَيْء فَقيل لَهُ: قل إِن شَاءَ الله، فخضع نَفسه حَتَّى لصق بِالْأَرْضِ ثمَّ قَالَ: إِن شَاءَ الله تذْهب بِالْحِنْثِ، وترضى الرب، وترغم الشَّيْطَان، وتنجح الْحَاجة. قَالَ أَعْرَابِي لِابْنِ عَم لَهُ: مَالك أسْرع إِلَى مَا أكره من المَاء إِلَى قرارة وَلَوْلَا ضني بإخائك، لما أسرعت إِلَى عتابك، فَقَالَ الآخر: وَالله مَا أعرف تقصيراً فأقلع، وَلَا ذَنبا فأعتب، وَلست أَقُول لَك كذبت، وَلَا أقرّ إِنِّي أذنبت. وَقَالَ أَعْرَابِي: مَا زَالَ يعطيني حَتَّى حسبته يردعني، وَمَا ضَاعَ مَال أودع حمداً. وَقَالَ أَعْرَابِي: شَرّ المَال، مَالا أنْفق مِنْهُ، وَشر الأخوان الخاذل فِي الشدائد وَشر السُّلْطَان من أَخَاف البرى، وَشر الْبِلَاد مَا لَيْسَ فِيهِ خصب وَأمن. وَقَالَ: سَمِعت آخر يَقُول لِابْنِهِ: صُحْبَة بليد نَشأ مَعَ الْحُكَمَاء، خير من صُحْبَة لَبِيب نَشأ مَعَ الْجُهَّال. قَالَ أَعْرَابِي لِابْنِهِ: إياك يَا بني وسؤال البلغاء فِي الرَّد. قيل لإعرابي: كَيفَ كتمانك السِّرّ؟ قَالَ: مَا جوفي لَهُ إِلَّا قبر. وَأسر رجل إِلَى بَعضهم، ثمَّ قَالَ لَهُ: أفهمت؟ قَالَ: بل جهلت قَالَ: أحفظت؟ قَالَ: بل نسيت. قَالَ أَعْرَابِي من غطفان: لقد أَحْبَبْت امْرَأَة من بني ذهل بن شَيبَان، فَكنت أَنَام وقلبي طَائِر، وَأهب ودمعي قاطر. قيل لأعرابي: عَليّ من الْبرد أَشد؟ قَالَ: عَليّ خلق فِي خلق. قيل لطائي مرّة: إِن امْرَأَتك تبغضك. فَقَالَ: مَا أُبَالِي إِذا نلْت مِنْهَا ذُو أحب، أَن تنَال مني ذُو تكره. وَذُو فِي لُغَة طَيء: الَّذِي.

مدح أَعْرَابِي رجلا قَالَ: فَهُوَ أكسبكم للمعدوم، وآكلكم للمأدوم وأعطاكم للمحروم. قَالَ أَعْرَابِي: مَا رَأَيْت كفلان، إِن طلب حَاجَة، غضب قبل أَن يرد عَنْهَا وَإِن سُئِلَ، رد صَاحبهَا قبل أَن يفهمها. وذم آخر رجلا فَقَالَ: لم يقنع كمياً سَيْفا، وَلَا قرى يَوْمًا ضيفاً وَلَا حمدنا لَهُ شتاء وَلَا صيفاً.؟ ؟ ؟

الباب الثالث ادعيه مختاره وكلام للسؤال من الاعراب وغيرهم

الْبَاب الثَّالِث أدعية مختارة وَكَلَام للسؤال من الْأَعْرَاب وَغَيرهم وقف أَعْرَابِي فِي بعض المواسم فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن لَك حقوقاً فَتصدق بهَا عَليّ، وَلِلنَّاسِ تبعات قبلي فتحملها عني، وَقد أوجبت لكل ضيف قرى، وَأَنا ضيفك فَاجْعَلْ قراي فِي هَذِه اللَّيْلَة الْجنَّة. قَالَ آخر لرجل سَأَلَهُ: جعل الله للخير عَلَيْك دَلِيلا، وَلَا جعل حَظّ السَّائِل مِنْك عذرة صَادِقَة. وَقَالَ آخر: اللَّهُمَّ لَا تنزلني مَاء سوء، فَأَكُون امرء سوء. وقف سَائل مِنْهُم فَقَالَ: رحم الله امرء أعْطى من سَعَة، وواسى من كفاف، وآثر من قوت. وَمن دُعَائِهِمْ: أعوذ بك من بطر الْغنى، وذلة الْفقر. وَقَالَ آخر: أعوذ بك من سقم وعدواه، وَذي رحم ودعواه، وَفَاجِر وجدواه، وَعمل لَا ترضاه. وَسَأَلَ أَعْرَابِي فَقَالَ لَهُ صبي فِي جَوف الدَّار. بورك فِيك، فَقَالَ: قبح الْفَم، لقد تعلم الشَّرّ صَغِيرا. ودعا آخر فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من طول الْغَفْلَة، وإفراط الفطنة، اللَّهُمَّ لَا تجْعَل قولي فَوق عَمَلي، وَلَا تجْعَل أَسْوَأ عَمَلي مَا قرب من أَجلي. وَقَالَ آخر: اللَّهُمَّ هَب لي حَقك وَارْضَ عني خلقك. وَقَالَ آخر: اللَّهُمَّ إِنَّك أمرتنا أَن نعفو عَمَّن ظلمنَا، فقد ظلمنَا أَنْفُسنَا. فَاعْفُ عَنَّا.

وَقَالَ آخر: اللَّهُمَّ امتعنا بخيارنا، وأعنا على شرارنا، وَاجعَل الْأَمْوَال فِي سمائحنا. وَقَالَ آخر: اللَّهُمَّ إِن كَانَ رِزْقِي فِي السَّمَاء فأنزله، وَإِن كَانَ فِي الأَرْض فَأخْرجهُ، وَإِن كَانَ بَعيدا فقربه، وَإِن كَانَ قَرِيبا فيسره، وَإِن كَانَ قَلِيلا فكثره، وَإِن كَانَ كثيرا فَبَارك فِيهِ. سمع عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ رجلا يَقُول فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من الأقلين. فَقَالَ لَهُ عمر: وَمَا هَذَا الدُّعَاء؟ قَالَ سَمِعت الله يَقُول: " وَقَلِيل ماهم " وَقَالَ ذكره جلّ وَعز: " وَمَا آمن مَعَه إِلَّا قَلِيل ". وَقَالَ تَعَالَى: " وَقَلِيل من عبَادي الشكُور ". فَقَالَ عمر: عَلَيْك من الدُّعَاء بِمَا يعرف. دَعَا الغنوي فِي حَبسه: أعوذ بك من السجْن وَالدّين، والغل والقيد والتعذيب والتحبيس، وَأَعُوذ بك من الْجور بعد الكور، وَمن سوء الْخلَافَة فِي النَّفس والأهل وَالْمَال، وَأَعُوذ بك من الْحزن وَالْخَوْف، وَأَعُوذ بك من الْهم وَالرّق، وَمن الْهَرَب والصلب، وَمن الاستخفاء، وَمن الاستخذاء، وَمن الأطراد والأعراب، وَمن الْكَذِب والعيضهة، وَمن السّعَايَة والنميمة، وَمن لؤم الْقُدْرَة ومقام الخزي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة: إِنَّك على كل شَيْء قدير. وَكَانَ بَعضهم يَقُول فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ احفظني من صديقي، وَكَانَ فِي دُعَاء آخر: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بواثق الثِّقَات. قَالَ أَعْرَابِي فِي دُعَائِهِ: تظاهرت على بادئ مِنْك النعم، وتكاثفت مني عنْدك الذُّنُوب، فأحمدك على النعم الَّتِي لايحصيها أحد غَيْرك، وأستغفرك من الذُّنُوب الَّتِي لَا يُحِيط بهَا إِلَّا عفوك. سَأَلت أعرابية فَقَالَت: سنة جردت، وأيد جمدت، وَحَال جهدت، فَهَل من آمُر بمير، أَو دَال على خير، أَو مُجيب بِخَير، رحم الله من رحم، وأقرض من لَا يظلم. قَالَ مَنْصُور بن عمار صَاحب الْمجَالِس: اللَّهُمَّ اغْفِر لأعظمنا جرما وأقسانا

قلباً، وأقربنا بالخطيئة عهدا، وأشدنا على الذَّنب إصراراً فَقَالَ لَهُ الخريمي وَكَانَ حَاضرا. امْرَأَتي طَالِق، إِن كنت أردْت غير إِبْلِيس. قَالَ: إِذا دعت الْأَعْرَاب لمسافر قَالُوا: اللَّهُمَّ قو ضعفته، واحرس غفلته، وَشد منته، اللَّهُمَّ اطو عَنهُ غول الأَرْض وهولها، وحببه إِلَى أَصْحَابه واحمله على ركابه، سلم لَهُ عصيها وقصبها، وألق عَلَيْهِ السخرة والبلاغ، وادرأ عَنهُ وعنها الْأَعْرَاض والأمراض، حَتَّى توديه سالما إِلَى سَالِمين. كَانُوا يَقُولُونَ: نَعُوذ بِاللَّه من ضَرْبَة الجبان، وضبطة الْأَعْمَى، وبادرة الصَّبِي، ودعوة الْبَخِيل، وضرط الرَّقِيب، ونادرة الْمَجْنُون، وذلة الْعَالم. قَالَ أَعْرَابِي فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ أرزقني صِحَة لَا تلهي، وغنى لَا يطغي وسريرة لَا فضيحة فِيهَا وَلَا شنعة، وَعَلَانِيَة لَا رِيَاء تطغي فِيهَا وَلَا سمعة. سَأَلَ رجل من بني كلاب مَعْرُوف النّسَب فَقَالَ: إِنِّي رجل من بلعنبر، ولي سنّ، وَبِي فقر وَعِنْدِي دُعَاء وشكر، وَفِي إعطائي أجر وَذخر. فَقيل لَهُ: أَنْت من بني كلاب وتتنسب إِلَى بلعنبر قَالَ: إِنَّه مقَام خزي، وهم لنا عَدو. فَأَحْبَبْت أَن يلحقهم عاره. دَعَا أَعْرَابِي فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن أفتقر فِي غناك، أَو أضلّ فِي هداك، أَو أذلّ فِي عزك، أَو أضام فِي سلطانك، أَو أضطهد وَالْأَمر لَك. قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: إِنِّي لواقف بِعَرَفَة وأعرابي إِلَى جَانِبي فَسَمعته يَقُول: اللَّهُمَّ قد أنضيت ظَهْري، وأبعدت مطلبي، ووقفت ببابك ضارعاً خاضعاً، فَإِن كنت لم تقبل تعبي ونصبي، فَلَا تحرمني أجر الْمُصَاب على مصابه. فَلَمَّا قربت الشَّمْس أَن تغرب قَالَ: اللَّهُمَّ عجت الْأَصْوَات بضروب اللُّغَات ليسألونك الْحَاجَات، وحاجتي إِلَيْك أَن لَا تنساني على طول الْبكاء إِذا نسيني أهل الدُّنْيَا.

سَأَلَ أَعْرَابِي قوما فَقَالَ: رحم الله امْرَءًا لم تمج أُذُنه كَلَامي، وَقدم لنَفسِهِ معَاذَة من سوء مقَامي، فَإِن الْبِلَاد مُجْدِبَة وَالدَّار مضيعة وَالْحَال مسبغة، وَالْحيَاء زاجر ينْهَى عَن كلامكم، والفقر عاذر يَدْعُو إِلَى إخباركم، وَالدُّعَاء إِحْدَى الصدقتين. فرحم الله امرء آسى بمير، أَو دَعَا بِخَير. فَقَالَ لَهُ رجل: مِمَّن يَا أَعْرَابِي؟ فَقَالَ: مِمَّن لَا تنفعكم مَعْرفَته وَلَا تضركم جهالته اللَّهُمَّ غفراً، إِن يَوْم الِاكْتِسَاب، يمْنَع من كرم الانتساب. دَعَا أَعْرَابِي فِي الْكَعْبَة فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك عَالم بحوائجي فاقضها، وعارف بذنوبي فاغفرها. فَقيل لَهُ: اختصرت. فَقَالَ: لَا وَالله بل بالغت. وَقَالَ آخر فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْخَوْف مِنْك، حِين يأمنك من لَا يعرفك، وَأَسْأَلك الْأَمْن مِنْك، حِين يخافك من يغتر بك. ودعا آخر فَقَالَ: اللَّهُمَّ فَمَا أعرف مُعْتَمدًا من زِيَارَة فاطلب، وَلَا أجد غنى فأترك فِي الْحجَّة، فَإِن أطنبت فِي سؤالك فلفاقتي إِلَى مَا عنْدك، وَإِن قصرت فِي دعائك فَلَمَّا تعودت من ابتدائك. قَالَت أعرابية عِنْد الْكَعْبَة: إلهي لَك أذلّ، وَعَلَيْك أدل. كَانَ من دُعَاء شُرَيْح: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْجنَّة بِلَا عمل عملته، وَأَعُوذ بك من النَّار بِلَا ذَنْب تركته. يُقَال إِنَّه كَانَ من دُعَاء يُونُس فِي الظُّلُمَات: لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين، وَإِلَّا تغْفر لي وترحمني، أكن من الخاسرين، مسني الضّر وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ. قَالَ أَعْرَابِي فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من حَاجَة إِلَّا إِلَيْك، وَمن خوف إِلَّا مِنْك، وَمن طمع إِلَّا فِيمَا عنْدك. قَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة: إلهي {من أولى بالزلل وَالتَّقْصِير مني وَقد خلقتني ضَعِيفا، إلهي} من أولى بِالْعَفو عني مِنْك، وقضاؤك نَافِذ، وعلمك بِي مُحِيط، أطعتك بإذنك، والْمنَّة لَك عَليّ، وعصيتك بعلمك، وَالْحجّة لَك عَليّ، فبثبات حجتك وَانْقِطَاع حجتي، وبفقري

إِلَيْك وغناك عني، أَلا غفرت لي ذُنُوبِي. دَعَا أَعْرَابِي فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك حصيت ذُنُوبِي فاغفرها، وَعرفت حوائجي فاقضها. وَكَانَ بَعضهم يَقُول فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ أَعنِي على ديني بديناً، وأعني على آخرتي بتقوى. ودعا آخر: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْفَاجِر وجدواه والغريم وعدواه، وَأَعُوذ بك من سقم، وعداوة ذِي رحم، وَعمل لَا ترضاه، اللَّهُمَّ أعوذ بك من الْفقر إِلَّا إِلَيْك، وَمن الذل إِلَّا لَك. سَأَلَ أَعْرَابِي قوما وهم فِي مُصِيبَة فَقَالُوا: مَا ترى شَغَلَتْنَا قَالَ: مَا بكم بدأت وَلَا إِلَيْكُم انْتَهَت. قَالَ الْأَصْمَعِي،: مر بِي يَوْمًا أَعْرَابِي سَائل فَقلت لَهُ: كَيفَ حالك؟ فَقَالَ: أسأَل النَّاس إجحافاً، ويعطوننا كرها، فَلَا يؤخرون مَا يُعْطون وَلَا يُبَارك لنا فِيمَا نَأْخُذ، والعمر بَين ذَلِك فَإِن وَالْأَجَل قريب والأمل بعيد. قَالَ الْأَصْمَعِي: اعترضنا أَعْرَابِي فِي طَرِيق مَكَّة فَقَالَ: هَل عَائِد عَليّ بِفضل، أَو مواس من كفاف؟ فَأمْسك عَنهُ الْقَوْم. فولى وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ لَا تكلنا إِلَى أَنْفُسنَا فنعجز، وَلَا إِلَى النَّاس فنضيع. وقف أَعْرَابِي على حَلقَة الْحسن فَقَالَ: رحم الله من عَاد بِفضل وواسى من كفاف، وآثر من مَعْرُوف فَقَالَ الْحسن: مَا بَقِي مِنْكُم أحدا. دَعَا عَمْرو بن عتبَة فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعنِي على الدُّنْيَا بالقناعة، وعَلى الدّين بالعصمة، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من طول الْغَفْلَة وإفراط الفطنة. اللَّهُمَّ لَا تجْعَل قولي فَوق عَمَلي، وَلَا تجْعَل أَسْوَأ عَمَلي مَا ولى أَجلي، اللَّهُمَّ إِنِّي أستغفرك مِمَّا أملك، وأستصفحك لما لَا أملك، اللَّهُمَّ لَا تجعلني مِمَّن إِن مرض شجن، وَإِن اسْتغنى فتن، وَإِن افْتقر حزن. سَأَلت أعرابية بِالْبَصْرَةِ فَقَالَت: يَا قوم! طرائد زمَان، وفرائس نازلة، نبذتنا

الرّحال، ونشرتنا الْحَال، وأطعمنا السُّؤَال، فَهَل من كاسب لأجر، أَو رَاغِب فِي ذخر. سَأَلَ أَعْرَابِي رجلا حَاجَة فَقَالَ: إذهب بِسَلام. فَقَالَ لَهُ: أنصفنا من ردنا فِي حوائجنا إِلَى الله. وَكَانُوا يستنجحون حوائجهم بِرَكْعَتَيْنِ يَقُولُونَ بعدهمَا: اللَّهُمَّ إِنِّي بك استفتح، وَبِك استنجح، وبحمد نبيك إِلَيْك أتوجه، اللَّهُمَّ ذلل لي صعوبته وَسَهل حزونته، وارزقني من الْخَيْر أَكثر مِمَّا أَرْجُو، واصرف عني من الشَّرّ أَكثر مِمَّا أَخَاف. ودعا بَعضهم فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من حَيَاة على غَفلَة، وَمن وَفَاة على غرَّة، وَمن مرد إِلَى حسرة، وَأَسْأَلك الْعَافِيَة من أَن أمل عافيتك وأكفر نِعْمَتك، أَو أنسى حسن بلائك، أَو أستبدل بِالسَّيِّئَةِ الْحَسَنَة. سَأَلَ أَعْرَابِي فَقَالَ: سنة حردت، وَحَال جهدت، وأيد حمدت، فرحم الله من يرحم. تَقول الْعَرَب فِي الدُّعَاء على الرجل: لَا طلبته الْخُيُول للغارة أَو يتكاره جَدب الزَّمَان وعَلى هَذَا الْمَعْنى حمل قَول الشَّاعِر: وجنبت الْخُيُول أَبَا زنيب ... وجاد على منازلك السَّحَاب دَعَا رجل لآخر فَقَالَ لَا جعل الله حَظّ السَّائِل مِنْك عذرة صَادِقَة دَعَا أَعْرَابِي أَبْطَأَ عَنهُ ابْنه فخاف عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كنت أنزلت بِهِ بلَاء فَأنْزل مَعَه صبرا، وَإِن كنت وهبت لَهُ عَافِيَة فافرغ، عَلَيْهِ الشُّكْر، اللَّهُمَّ إِن كَانَ عذَابا فاصرفه، وَإِن كَانَ فلاحاً، فزد فِيهِ وهب لنا الصَّبْر عِنْد الْبلَاء وَالشُّكْر عِنْد الرخَاء.

كَانَ قيس بن سعد يَقُول: اللَّهُمَّ ارزقني مجداً وحمداً، فَلَا حمد إِلَّا بفعال، وَلَا مجد إِلَّا بِمَال. اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من فقر مكب، وضرع إِلَى عير مخب. كَانَ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر يَقُول: اللَّهُمَّ قو فرحي بأهلي، فَإِنَّهُ لَا قوام لَهُم إِلَّا بِهِ. قَالَ بَعضهم: كنت مَعَ سعيد بن عبد الْملك فقصدت لَهُ أعرابية تُرِيدُ أَن نَسْأَلهُ فمنعت مِنْهُ، فَلم تزل تحتال حَتَّى وقفت عَلَيْهِ، فَقَالَت أَبَا عُثْمَان: حياك من لم تكن ترجو تحيته ... لَوْلَا الْحَوَائِج مَا حياك إِنْسَان وَسَأَلت أعرابية الْمَنْصُور فِي طَرِيق مَكَّة، فَمنعهَا فَقَالَت متمثلة: الطَّوِيل: إِذا لم يكن فيكُن ظلّ وَلَا جنى ... فأبعدكن الله من شجرات وَسَأَلته أُخْرَى فَمنعهَا، فَقَالَت: دنوك إِن كَانَ الدنو كَمَا أرى ... علىّ وَبعد الدَّار مستويان زَعَمُوا أَن الْحُسَيْن الْخَادِم أَطَالَ الْجُلُوس عِنْد الواثق فَقَالَ: أَلَك حَاجَة؟ فَقَالَ: أما إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَا، وَلَكِن إِلَى الله فِيهِ، وَهِي أَن يُطِيل بَقَاءَهُ ويديم نعماءه. قَالَ الْحُسَيْن بن وهب: شكرت ابْن أبي دَاوُد فَقَالَ لي: أحوجك الله إِلَى أَن تعلم مَالك عِنْد صديقك. قَالَ رجل لرجل: سترك الله. فَقَالَ: وَإِيَّاك فَستر، وَلَا جعل مَا تَحت السّتْر مَا يكره، فكم مَسْتُور مِنْهُ على مَا يكرههُ الله. قَالَ الْأَصْمَعِي كَانَ من دُعَاء أبي الْمُجيب: اللَّهُمَّ اجْعَل خير عَمَلي مَا قَارب أَجلي. وَكَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ لَا تكلنا إِلَى أَنْفُسنَا فنعجز، وَلَا إِلَى النَّاس فنضيع. وَقَالَ أَبُو زيد: وقف علينا أَعْرَابِي فِي حَلقَة يُونُس فَقَالَ: الْحَمد لله كَمَا هُوَ

أَهله، ونعوذ بِاللَّه أَن أذكر بِهِ وأنساه، خرجنَا من الْمَدِينَة مَدِينَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثُونَ رجلا مِمَّن أخرجته الْحَاجة، وَحمل على الْمَكْرُوه لَا يمرضون مريضهم، وَلَا يدفنون ميتهم، وَلَا ينتقلون من منزل إِلَى منزل، وَإِن كرهوه، وَالله يَا قوم، لقد جعت حَتَّى أكلت النَّوَى المحرق، وَلَقَد مشيت حَتَّى انتعلت الدَّم، وَحَتَّى خرج من قدمي لحم كثير. أَفلا رجل يرحم ابْن سَبِيل، أذلّ طَرِيق، ونضو سفر، فَإِنَّهُ لَا قَلِيل من الْأجر، وَلَا غنى عَن الله عز وَجل، وَلَا عمل بعد الْمَوْت، وَهُوَ يَقُول جلّ ذكره " من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه " ملي، وَفِي، ماجد، وَاجِد لَا يستتقرض من عوذ وَلكنه يبلو الأخيار. قَالَ فبلغني أَنه لم يبرح حَتَّى أَخذ سِتِّينَ دِينَارا. وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: سَمِعت سَوْدَاء بِعَرَفَة تَقول: يَا حسن الصُّحْبَة: أَسأَلك سترا لَا تهتكه الرِّيَاح، وَلَا تخرقه الرماح. كَانَ من دُعَاء ابْن السماك: اللَّهُمَّ إِنَّا نحب طَاعَتك وَإِن قَصرنَا، ونكره معصيتك وَإِن ركبناها، اللَّهُمَّ فتفضل علينا بِالْجنَّةِ وَإِن لم نَكُنْ أَهلهَا، وخلصنا من النَّار وَإِن كُنَّا قد استوجبناها. ووقفت امْرَأَة من الْأَعْرَاب من هوَازن على عبيد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة فَقَالَت أصلحك الله، أَقبلت من أَرض شاسعة، يرفعني رَافِعَة، ويخفضني خافضة بملمات من الْبلَاء، وملمات من الدهور برين عظمي، وأذهبن لحمي، وتركنني ولهة أَمْشِي بالحضيض، وَقد ضَاقَ بِي الْبَلَد العريض، لَا عشيرة تحميني، وَلَا حميم يَكْفِينِي، فَسَأَلت فِي أَحيَاء الْعَرَب من المرجو سيبه، الْمَأْمُون عَيبه، المكفي سائله، الْكَرِيمَة شمائله، المأمول نائله، فأرشدت إِلَيْك، وَأَنا امْرَأَة من هوَازن، مَاتَ الْوَالِد وَغَابَ الرافد، وَأَنت بعد الله غياثي، ومنتهى أملي، فَاصْنَعْ إِلَيّ إِحْدَى ثَلَاث: إِمَّا أَن تقيم أودي، أَو تحسن صفدي، أَو تردني إِلَى

بلدي. قَالَ: بل: أجمعهن لَك وَحيا. ووقفت أعرابية على قوم فَقَالَت: بَعدت مشقتي، وَظَهَرت محارمي، وَبَلغت حَاجَتي إِلَى الرمق، وَالله سَائِلكُمْ عَن مقَامي. وَسَأَلت أُخْرَى فَقَالَت: ساءلتكم، فسؤلكم الْقَلِيل الَّذِي يُوجب لكم وَالْكثير، رحم الله وَاحِدًا أعَان محقاً. ووقفت أُخْرَى فَقَالَت: يَا قوم، تغير بِنَا الدَّهْر إِذْ قل منا الشُّكْر ولزمنا الْفقر، فرحم الله من فهم بِالْعقلِ، وَأعْطى من فضل، وآثر من كفاف، وأعان على عفاف. كَانَ بَعضهم يَقُول: اللَّهُمَّ قني عثرات الْكِرَام. وَكَانَ بعض السّلف يَقُول: اللَّهُمَّ أحملنا من الرجلة، وأغننا من الْعيلَة. وَسَأَلَ أَعْرَابِي فَقيل لَهُ: بورك فِيك ونوالي عَلَيْهِ ذَلِك من غير مَكَان فَقَالَ: وكلكم الله إِلَى دَعْوَة لَا تحضرها نِيَّة. وَقَالَ بَعضهم: اللَّهُمَّ أَعنِي على الْمَوْت وكربته، وعَلى الْقَبْر وغمته، وعَلى الْمِيزَان وحقته، وعَلى الصِّرَاط وذلته، وعَلى يَوْم الْقِيَامَة وروعته. وَقَالَ آخر: اللَّهُمَّ أغنني بالإفتقار إِلَيْك، وَلَا تفقرني بالاستغناء عَنْك. وَقَالَ آخر: اللَّهُمَّ أَعنِي على الدُّنْيَا بالقناعة، وعَلى الدّين بالعصمة. وَقَالَ آخر: اللَّهُمَّ أمتعنا بخيارنا، وأعنا على أشرارنا، وَاجعَل المَال فِي سمحائنا. وَلما ولي مَسْرُوق السلسلة انبرى لَهُ شَاب فَقَالَ لَهُ: وقاك الله خشيَة الْفقر، وَطول الأمل، وَلَا جعلك ذُرِّيَّة للسفهاء، وَلَا شيناً للفقهاء.

وَقَالَ أَعْرَابِي فِي دُعَائِهِ! اللَّهُمَّ لَا تحيني وَأَنا أرجوك، وَلَا تعذبني وَأَنا أَدْعُوك، اللَّهُمَّ قد دعوتك كَمَا أَمرتنِي، فأجبني كَمَا وَعَدتنِي. وَقَالَت امْرَأَة من الْأَعْرَاب: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من شَرّ قُرَيْش وَثَقِيف وَمَا جمعت من اللفيف، وَأَعُوذ بك من ملك امْرَأَة، وَمن عبد مَلأ بَطْنه. كَانَ قوم فِي سفينة فهاجت الرّيح فَقَالَ رجل مِنْهُم: اللَّهُمَّ إِنَّك أريتنا قدرتك، فأرنا رحمتك. وَرَأى آخر رجلا سَائِلًا يسْأَل يَوْم عَرَفَة فَقَالَ: أيهذا إلام تسْأَل غير الله؟ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كم من أَشْعَث أغبر ذِي طمرين لَا يؤبه لَهُ، لَو أقسم على الله لَأَبَره، مِنْهُم الْبَراء بن مَالك، فَاجْتمع إِلَيْهِ النَّاس وَقد دهمهم الْعَدو، فأقسم على الله فمنحهم الله أكتافهم. ودعا سعيد بن الْمسيب فَقَالَ رغبك الله فِيمَا أبقى، وزهدك فِيمَا يفنى، ووهب لَك الْيَقِين الَّذِي لَا تسكن النُّفُوس إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا تعول فِي الدّين إِلَّا عَلَيْهِ. وَكَانَ مطرف يَقُول: اللَّهُمَّ إِنَّك أمرتنا بِأَمْرك، وَلَا نقوى عَلَيْهِ إِلَّا بعونك، ونهيتنا عَمَّا نَهَيْتنَا عَنهُ، وَلَا ننتهي عَنهُ إِلَّا بعصمتك، وَاقعَة علينا حجتك، غير معذورين فِيمَا بَيْننَا وَبَيْنك، وَلَا منجوسين فِيمَا عَملنَا لوجهك. ودعا أَعْرَابِي فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْفقر المدقع، والذل المضرع. وَقَالَ آخر وَقد سمع صَوت الصَّوَاعِق: اللَّهُمَّ إِن كَانَ عذَابا فاصرفه، وَإِن كَانَ صلاحاً فزد فِيهِ، وهب لنا الصَّبْر عِنْد الْبلَاء، وَالشُّكْر عِنْد الرخَاء، اللَّهُمَّ إِن كَانَت محنة فَمن علينا بالعصمة، وَإِن كَانَت عقَابا فَمن علينا بالمغفرة.

قَالَ طَاوُوس: يَكْفِي من الدُّعَاء مَعَ الْوَرع، مَا يَكْفِي الْعَجِين من الْملح. دَعَا أَعْرَابِي فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْبَقَاء، والنماء وَحط الْأَعْدَاء، وَطيب الإتاء. وقف أَعْرَابِي فِي جَامع الْبَصْرَة فَقَالَ: أما بعد فَإنَّا أَبنَاء السَّبِيل، وأنضاء الطَّرِيق، تصدقوا علينا فَإِنَّهُ لَا قَلِيل من الْأجر، أما وَالله إِنَّا لَا نقوم هَذَا الْمقَام، وَفِي الصُّدُور حزازة، وَفِي الْقلب غُصَّة. قَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت أَعْرَابِيًا على بَاب الْكَعْبَة وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ سَائِلك ببابك نفدت أَيَّامه، وَبقيت آثامه، وانقطعت شهواته، وَبقيت تبعاته، اللَّهُمَّ فَاغْفِر لي، فَإِن تغْفر لي، فَاعْفُ عني فَرُبمَا عَفا المليك عَن مَمْلُوكه وَهُوَ مغضبه. وَقَالَ وَسمعت آخر وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من المفر مِنْك وَمن الذل إِلَّا لَك، وَمن التعزز إِلَّا بك، فَأعْطِنِي الْخَيْر، واجعلني لَهُ آهلاً، وجنبني الشَّرّ، وَلَا تجعلني لَهُ مثلا. وَقَالَ: وَسمعت آخر يَدْعُو فِي يَوْم عَرَفَة يَقُول: اللَّهُمَّ لَا تحرمني خير مَا عنْدك، لسوء مَا عِنْدِي، وَإِن كنت لَك تقبل تعبي ونصبي، فَلَا تحرمني أجر الْمُصَاب على مصيبته. وقف أَعْرَابِي على قوم فَسَأَلَهُمْ فانتهروه فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك من القناعة مَا يقلل عِنْدِي الْمُسْتَفَاد، ويهون عَليّ الأسف على مَا فَاتَ ثمَّ أقبل على الْقَوْم وَقَالَ: وَأَنْتُم فحرمكم الله من الشُّكْر مَا تستوجبون بِهِ الزِّيَادَة. وقف أَعْرَابِي على قوم فَقَالَ: أَخ فِي كتاب الله، وجار فِي بِلَاد الله وطالب إِلَيْكُم من رزق الله، فَهَل من أَخ موَات فِي ذَات الله؟ ! . كَانَ يُوسُف بن الْحُسَيْن المرازي يَقُول فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنِّي

نصحت النَّاس قولا، وخنت نَفسِي فعلا، فَهَب خيانتي لنَفْسي لنصيحتي للنَّاس. دع أَعْرَابِي فَقَالَ: يارب إِن كنت تدع رِزْقِي لهواني عَلَيْك، فنمروذ كَانَ أَهْون مني، وَإِن كنت تَدعه لكرامتي عَلَيْك، فسليمان كَانَ أكْرم مني. حج رجل من الْأَعْرَاب فَقَالَ: اللَّهُمَّ حضرني إِلَيْك الرغب والرهب فأدأبت النَّهَار، وأسأدت اللَّيْل، غير وعد وَلَا رسل أصل الجعجاع، وأدمن الإيضاع، فأنقيت الْخُف، وبريت الْعظم، وأكلت السنام، لَك بذلك الإمتنان، وَفِي قديم إِلَيّ مِنْك الْإِحْسَان، أَنا ضيفك أَرْجُو قراك، فلينلني عفوك وليسعني فضلك، اللَّهُمَّ أحيني الْعَاقِبَة، والغفران، يَا إِلَه الطول وَالْإِحْسَان. دَعَا أَعْرَابِي على آخر فَقَالَ: رماك الله بليلة لَا أُخْت لَهَا. ودعا آخر فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك طعم الْأَهْل، وخصب الرجل. وَكَانَ آخر يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من قرع الْغناء، وكساد أيم، وَغَضب الْعَاقِل.

الباب الرابع امثال العرب

الْبَاب الرَّابِع أَمْثَال الْعَرَب هَذَا الْبَاب نذْكر فِيهِ صوراً من؟ أَمْثَال الْعَرَب مِمَّا يحسن المحاضرة بِهِ فِي المحاورات، وإيراده فِي أثْنَاء المكاتبات ومجنس أجناساً، وَيتبع فِي تجنيسه الْأَلْفَاظ دون الْمعَانِي. يقدم فِي كل مَا جَاءَ مِنْهَا على لفظ: " أفعل " فَإِنَّهَا أَكثر تَكْرَارا فِي الْكَلَام، وَالْحَاجة إِلَيْهَا أمس، وَالنَّاس بهَا ألهج. فِي أَسمَاء الرِّجَال وصفاتهم آبل من حنيف الحناتم. أبخل من مادر. أبلغ من سحبان وَائِل. أبين من قس. أبخل من ذِي معذرة. أبخل من ذِي الضنين بنائل غَيره. أبر من فلحس. وَهُوَ رجل من شَيبَان، حمل أَبَاهُ على ظَهره وَحج بِهِ. أَبْطَأَ من فند: بعثته مولاته ليقتبس نَارا فَعَاد إِلَيْهَا بعد سنة. أجمل وأجمل من ذِي الْعِمَامَة: وَهُوَ سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة. أَجود من حَاتِم. أَجود من كَعْب بن مامة.

من الحكمه

أَجود من هرم. أجن من دقة: هُوَ دقة بن عَبَايَة بن أَسمَاء بن خَارِجَة. أَحمَق من هبنقة: ذِي الودعات. أَحمَق من شرنبث. أَحمَق من بيهس. أَحمَق من حجينة، رجل من بني الصيداء. أَحمَق من أبي غبشان: بَاعَ مَفَاتِيح الْكَعْبَة لقصي بزق خمر. أَحمَق من حذنة. أَحمَق من شيخ: فَهُوَ بطن من عبد الْقَيْس اشْترى الفسو من إياد، وَكَانُوا يعيرون بِهِ، فيروي خَيره، فعيرت بعد ذَلِك عبد الْقَيْس بالفسوة. أَحمَق من ربيعَة الْبكاء: هُوَ ربيعَة بن عَامر بن ربيعَة ابْن صعصعة رأى أمه - وَهُوَ رجل - تَحت زَوجهَا، فقرر أَن يَقْتُلهَا فَبكى، وَصَاح، فَقيل لَهُ: أَهْون مقتول أم تَحت زوج. من الْحِكْمَة أحكم من لُقْمَان. أحكم من هرم بن قُطْبَة. أحمى من مجير الْجَرَاد: وَهُوَ مُدْلِج بن سُوَيْد الطَّائِي. أحمى من مجير الظعن: وَهُوَ ربيعَة بن مكدم. أحلم من الْأَحْنَف. أحلم من قيس بن عَاصِم. أحزم من سِنَان بن أبي حَارِثَة.

أخسر من شيخ مهو. أخسر صَفْقَة من أبي غبشان. أخلى من جَوف حمَار: رجل من عَاد وجوفه وَاد كَانَ ينزل بِهِ فَلَمَّا كفر أخرب الله واديه. أخنث من هيت. أخيب من حنين. أخنث من طويس. أخنث من الدَّلال. أخجل من مقمور. وَهُوَ صَاحب الْخُفَّيْنِ. أَخطب من قس. أدل من حنيف الحنائم. أدل من دعيميص بن زُهَيْر. أدهى من قيس بن زُهَيْر. أرمى من ابْن تقن. وَهُوَ رجل من عَاد. أروى من معجل أسعد: كَانَ رجلا أَحمَق وَقع فِي غَدِير فَجعل يُنَادي ابْن عَم لَهُ يُقَال لَهُ: أسعد وَيَقُول: ناولني شَيْئا أشْرب بِهِ المَاء ويصيح بذلك حَتَّى غرق. أزنى من قرد. أسأَل من فلحس: وَهُوَ رجل من بني شَيبَان كَانَ سيداً عَزِيزًا يسْأَل سَهْما فِي الْجَيْش وَهُوَ فِي بَيته فَيعْطى لعزه فَإِذا أعْطِيه، سَأَلَ لامْرَأَته، فَإِذا أعْطِيه سَأَلَ لبعيره، وَكَانَ لَهُ ابْن يُقَال لَهُ زَاهِر فَكَانَ مثله فَقيل فِيهِ: الْعَصَا من العصية: هَكَذَا رَوَاهُ ابْن حبيب، فَأَما أَبُو عبيد فَإِنَّهُ يَقُول: الفلحس: الَّذِي يتحين طَعَام النَّاس يُقَال: أَتَانَا فلَان يتفلحس، كَمَا يتطفل.

أسأَل من قرثع. أسرق من شظاظ: رجل من بني ثَعْلَب. أسرق من برجان. أشأم من خوتعة. أشأم من قدار. أشأم من أَحْمَر عَاد. أشأم من طويس. أَصْبِر من قضيب: رجل من بني ضبة. أَشد من لُقْمَان بن عَاد. أسبل من جذل الطعان. أضيع من دم سلاغ جَبَّار: هُوَ رجل من عبد الْقَيْس. أضلّ من سِنَان: هُوَ سِنَان بن أبي حَارِثَة المري، وَكَانَ قومه عنفوه على الْجُود فَركب نَاقَته، وَرمى بهَا الفلاة، فَلم ير بعد ذَلِك وسمته الْعَرَب: ضَالَّة غطفان. وَقَالُوا: إِن الْجِنّ استفحلته تطلب كرم فَحله. أضبط من عَائِشَة بن عثم: هُوَ رجل من بني عبد شمس بن سعد من حَدِيثه أَنه كَانَ يسْقِي إبِله يَوْمًا، فَأنْزل أَخَاهُ فِي الرَّكية ليميحه، فازدحمت الْإِبِل فهوت بكرَة فِي الْبِئْر فَأخذ ذنبها، وَصَاح بهَا أَخَاهُ: يَا أخي الْمَوْت! فَقَالَ: ذَلِك إِلَى ذَنْب البكرة ثمَّ اجتذبها فأخرجها. أطمع من أشعب. أظلم من جلندي. أطمع من مقمور. أعز من قنوع.

أَفرس من ملاعب الأسنة. أفرغ من حجام ساباط. أعز من كُلَيْب وَائِل. أعز من مَرْوَان الْقرظ. أعدى من الشنفري. أعدى من السليك. أعيى من الباقل. أغزل من امْرِئ الْقَيْس. أغدر من قيس بن عَاصِم. أغدر من عتيبة بن الْحَارِث. أغْلى فدَاء من حَاجِب بن زُرَارَة. أغْلى فدَاء من بسطَام بن قيس. أفتك من البراض. أفتك من الْحَارِث بن ظَالِم. أفتك من عَمْرو بن كُلْثُوم. أكذب من حجينة. أفلس من ابْن المذلق. أفلس من الْعُرْيَان: وَهُوَ الْعُرْيَان بن شهلة الْقطَامِي. أكذب من الْمُهلب بن أبي صفرَة. أكذب من قيس بن عَاصِم. أقرى من زَاد الركب. وهم ثَلَاثَة نفر من قُرَيْش.

أقرى من غيث الضريك: وَهُوَ قَتَادَة بن مسلمة الْحَنَفِيّ. أقرى من مطاعيم الرّيح: وهم أَرْبَعَة أحدهم أَبُو محجن الثَّقَفِيّ. أقرى من أرماق المقوين: وهم كَعْب وحاتم وهرم. أقرى من آكل الْخبز: وَهُوَ عبد الله بن حبيب الْعَنْبَري. أكفر من نَاشِرَة: وَهُوَ عبد الله، من كفران النِّعْمَة. أكفر من حمَار. ألأم من ابْن قرصع: رجل من أهل الْيمن. ألأم من جدرة. ألأم من الْبرم الْقُرُون. ألأم من ضبارة: وهما رجلَانِ معروفان باللؤم. سَأَلَ بعض مُلُوك الْعَرَب عَن ألأم النَّاس فَذكر إِلَيْهِ وجاءوه بجدرة، فجدع أَنفه وفر ضبارة. فَقَالُوا فِي الْمثل: نجا ضبارة لما جدع الجدرة. ألأم من راضع. ألهف من قضيب: رجل من الْعَرَب كَانَ تماراً بِالْبَحْرَيْنِ وَله حَدِيث. أمضى من سليك المقانب. أمنع من عنز: رجل من عَاد. أمطل من عقرب: رجل تَاجر بِالْمَدِينَةِ. أنعم من خُزَيْمٌ: رجل من ولد سِنَان بن أبي حَارِثَة كَانَ فِي زمَان الْحجَّاج. أنعم من حَيَّان أخي جَابر. أنوم من عبود: عبد نَام فِي محتطبه أسبوعاً أنكح من ابْن ألغز.

ألوط من رَاهِب. أنكح من حوثرة: رجل من قيس. أكذب من أَسِير السَّنَد: رجل من عبد الْقَيْس. أكذب من أخيذ الديلم. أكذب من أخيذ الْجَيْش. أكذب من أخيذ الصبحان. أكذب من الشَّيْخ الْغَرِيب. أكذب من مجرب. أندم من أبي غبشان. أندم من شيخ مهو. أندم من الكسعي. أوفى من أبي حَنْبَل. أوفى من الْحَارِث: تَقول مُضر: هُوَ الْحَارِث بن ظَالِم. وَتقول ربيعَة: هُوَ الْحَارِث بن عباد. أوفى من عَوْف بن ملحم. أوفى من السمؤال. أوفر فدَاء من الْأَشْعَث: أسرته مذْحج ففدى نَفسه بِثَلَاثَة أُلَّاف بعير. أَهْون من تبَالَة على الْحجَّاج: تبَالَة: بَلْدَة صَغِيرَة من بلدان الْيمن يُقَال إِنَّهَا أول بَلْدَة وَليهَا الْحجَّاج، فَيُقَال إِنَّه لما سَار إِلَيْهَا قَالَ للدليل: أَيْن هِيَ؟ قَالَ: قد سترهَا هَذِه الأكمة عَنْك، فَقَالَ: أَهْون عَليّ بِعَمَل بَلْدَة تسترها أكمة وَرجع.

أَهْون من قعيس على عمته: رهنته على صَاع من بر فَلم تفكه. أهْدى من دعيميص الرمل: دَلِيل مَعْرُوف. أجبن من المنزوف ضرطاً. أجرأ من فَارس خصاف. أجرأ من خاصي الْأسد. أجرأ من الْمَاشِي بترج: وَهِي مأسدة. سَائِر مَا جَاءَ من الْأَمْثَال فِي أَسمَاء الرِّجَال مواعيد عرقوب. يضْرب فِي الْخلف والمطل. يلقى مَا لالقى يسَار الكواعب: يضْرب لمن يطْمع فِيمَا يورطه. لَا أفعل كَذَا حَتَّى يؤوب القارظان. لَا أفعل كَذَا حَتَّى يؤوب المنخل: يضْرب لما يكون صَفْقَة لم يشهدها حَاطِب لأمر، لَو شهده من غَابَ عَنهُ لأنكره. أسعد أم سعيد؟ . أَنْج سعد فقد هلك سعيد. أَيْنَمَا أوجه ألق سَعْدا. إِن تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ. نفس عِصَام سودت عصاماً. كبر عَمْرو عَن الطوق. أوردهَا سعد وَسعد مُشْتَمل. سد ابْن بيض الطَّرِيق. جَزَاء سنمار.

أودى كَمَا أودى درم. جَار كجار أبي دؤاد. إِنَّمَا سميت هانئاً لتهنأ: وَيُقَال لتهنأ. لَا حر بوادي عَوْف. هما كند ماني جذيمة. عِنْد جُهَيْنَة الْخَبَر الْيَقِين. مَا وَرَاءَك يَا عِصَام. أَنا مِنْهُ فالج بن خلاوة. لَا يطاع لقصير أَمر. لأمر مَا جدع قصير أَنفه. خُذ من جذع مَا أَعْطَاك. لَا آتِيك حَتَّى يؤوب هُبَيْرَة بن سعد. تجشأ لُقْمَان من غير شبع. إِذا أتلف النَّاس، أخلف إلْيَاس. إِنَّمَا خدش الخدوش أَبونَا أنوش. يَعْنِي بذلك أول من كتب. من يطع عريباً يمس غَرِيبا. عريب بن عمليق. من يطع نمرة يفقد ثَمَرَة. من يطع عكباً يمس منكباً. إِن لَام المعدى وَنَفر إِذْ لَام ارْتَفع. بِمثل جَارِيَة فلتزن الزَّانِيَة سرا أَو عَلَانيَة هُوَ جَارِيَة بن سُلَيْمَان ابْن الْحَارِث بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة وَكَانَ جميلاً لَهُ حَدِيث.

الامثال في النساء

إِن الشقي وَافد البراجم. شاكه أَبَا يسَار. شدت لأسر عَمْرو بن عدي. يحمل شن ويفدي لكيز. الْأَمْثَال فِي النِّسَاء أبْصر من الزَّرْقَاء: يُرِيد زرقاء الْيَمَامَة وَهِي مَعْرُوفَة. أبذى من الْمُطلقَة. أحيى من هدى. أحيى من فتاة. أحلى من مِيرَاث الْعمة الرقوب. أخرق من ناكثة غزلها: وَهِي امْرَأَة من قُرَيْش. أخزى من ذَات النحيين. أَحمَق من دغة. أخيل من مذالة: يعنون الْأمة لِأَنَّهَا تهان وَهِي تتبختر. أخيل من واشمة استها. أزنى من سجَاح. أزنى من هر. وَهِي امْرَأَة يَهُودِيَّة، وَهِي إِحْدَى من قطع المُهَاجر يَدهَا حِين شمتت بِمَوْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أزهى من واشمة استها. أسْرع من نِكَاح أم خَارِجَة. أشأم من البسوس.

أسْرع من المهثهثة. أشأم من منشم قيل هِيَ النمامة. أشأم من رغيف الحولاء. أشأم من وَرْقَاء. أشغل من ذَات النحيين. أشبق من حبى المدينية. أضلّ من موءودة. أطول من طُنب الحمقاء أعز من الزباء. أعز من حليمة. أعز من أم قرفة. أغنج من مفنقة. أغلم من سجَاح. أفرغ من فؤاد أم مُوسَى. أكذب من السالئة. أنقى من مرْآة الغريبة. أَنْجَب من مَارِيَة: ولدت لزرارة: حاجباً، ولقيطاً وعلقماً. أَنْجَب من بنت الخرشب: ولدت لزياد الْعَبْسِي الكملة وعلقمة، ربيعاً الْكَامِل، وَعمارَة الْوَهَّاب، وَقيس الْحفاظ، وَأنس الفوارس. أَنْجَب من أم الْبَنِينَ: ولدت لمَالِك بن جَعْفَر بن كلاب، ملاعب الأسنة: عَامِرًا، وَفَارِس قرزل: طفيل، وربيع المقترين: ربيعَة، ونزال المضيف: سلمى، ومعوذ الْحُكَمَاء: مُعَاوِيَة.

أَنْجَب من خبيئة: ولدت لجَعْفَر بن كلاب: خَالِدا الْأَصْبَغ وَمَالك الطيان وَرَبِيعَة الْأَحْوَص. أَنْجَب من عَاتِكَة: ولدت لعبد منَاف هاشماً وَعبد شمس وَالْمطلب. أوفى من خماعة. أوفى فكيهة. أوفى من أم جميل. أَقُود من ظلمَة: وَقد قيل: أَقُود من الظلمَة. لن ترْضى شانئة إِلَّا بجرزة: يُرَاد بِهِ الاستئصال. إِن الْعوَان لَا تعلم الْخمْرَة. قطعت جهيزة قَول كل خطيب: يضْرب لمن يقطع على النَّاس كَلَامهم بجمعه. إِن النِّسَاء لحم على وَضم إِلَّا مَا ذب عَنهُ. كل ذَات صدار خَالَة لي. كل شَيْء مهة ومهاة مَا خلا النِّسَاء وذكرهن. أطري فَإنَّك ناعلة. أَمر مبكانيك لَا أَمر مضحكاتك. مَالِي ذَنْب إِلَّا ذَنْب صحر. إِن سرارها قوم لي عنادها. وَقعت فِي مرتعة فعيثي. ذري بِمَا عنْدك ياليغاء. تحسبها حمقاء وَهِي باخس.

توقري يَا زلزة. تعلم من أطفح: يُرَاد تعلم لمن الذَّنب. قوري وألطفي. كالممهورة من مَال أَبِيهَا: يضْرب لمن يتحمد بِمَا لم يكن فِيهِ. أَنْت كالممهورة إِحْدَى خدمتيها. لَو ذَات سوار لطمتني. خرقاء وجدت صُوفًا. قيل لحبلى: مَا تشتهين؟ فَقَالَت التَّمْر وواهاً ليه. لن تعدم الْحَسْنَاء ذاماً. إسق رقاش إِنَّهَا سِقَايَة. القَوْل مَا قَالَت حذام. الْمَرْأَة من الْمَرْء وكل أدماء آدم. إِن النِّسَاء شقائق الأقوام: أَي لَهُنَّ مثل مَا عَلَيْهِنَّ. عثرت على الْغَزل بِأخرَة فَلم تدع بِنَجْد قردة. اطرقي وميشي: يضْرب لمن يخلط فِي كَلَامه. لَا تحمد أمة عَام اشترائها وَلَا حرَّة عَام ابتنائها. كل ذَات ذيل تختال. خرقاء وجدت ثلة. لَا تعدم صناع ثلة. خرقاء ذَات نيقة. خرقاء عيابة.

الامثال في القبائل والآباء والامهات والشيوخ والصبيان والاخوه والاخوات والاحرار والعبيد والاماء

لَا تعظيني وَلَا تعظعظي. محسنة فهيلي. الثّيّب عجالة الرَّاكِب: يضْرب فِي الْحَث على الرِّضَا باليسير إِذا أعوز الْكثير. كالفاخرة بحدج ربتها. وَحمى وَلَا حُبْلَى. يَا عبرى مقبلة، وَيَا سهرى مُدبرَة. جلت الهاجن عَن الْوَلَد: الهاجن الصَّغِيرَة. قد كنت مصفرة قبل عاشرينا. وأخبرينا أخْبرهَا دماءها. حانية مختضبة. إِلَّا حظية فَلَا ألية. كفا مُطلقَة تفت اليرمع. جعلت مَا بهَا بِي، وَانْطَلَقت تلمز. من حظك نفاق أيمك. إِن الحماة أولعت بالكنه وأولعت كنتها بالظنة. الْأَمْثَال فِي الْقَبَائِل والآباء والأمهات والشيوخ وَالصبيان والأخوة وَالْأَخَوَات والأحرار وَالْعَبِيد وَالْإِمَاء أتيه من فقيد ثَقِيف: وَهُوَ الَّذِي هوى امْرَأَة أَخِيه فتاه حَيا. أتيه من أَحمَق ثَقِيف: هُوَ يُوسُف بن عمر، وَهُوَ من التيه وَالْكبر. أذلّ من قيسي بحمص.

القبائل

أضلّ من قارظ عنزة. أفسى من عَبدِي. أبطش من دوسر. كَتِيبَة النُّعْمَان. أحنى من الْوَالِد. أحنى من الوالدة. أخرق من صبي. أَشْجَع من صبي. أضبط من صبي. أظلم من صبي. أكذب من صبي. أبخل من صبي. أبكى من يَتِيم. أسْرع من دمعة الْخصي. الْقَبَائِل لَا يدرى أسعد الله أَكثر أم جذام. فرق مَا بَين معد تحاب. قدما كل المعدى أكل سوء. وَافق شن طبقه. لَوْلَا وئام هَلَكت جذام. بعد الدَّار كبعد النّسَب. ارعى فَزَارَة لَا هُنَاكَ المرتع.

الاخ

يَا شن أثخني قاسطاً. لَا تعدم من ابْن عمك نصرا. يابعضي دع بَعْضًا: يضْرب فِي عطف ذِي الرَّحِم. رب ابْن عَم لَيْسَ بِابْن عَم لَك. ربضك مِنْك وَإِن كَانَ سماراً. تَبَاعَدت الْعمة عَن الْخَالَة. إِلَى أمه يلهف اللهفان. لست على أمك بالدهنا تدل. هَل لَك فِي أمك مَهْزُولَة؟ قَالَ: إِن مَعهَا إِلَّا إخلابة، يضْرب للرجل يحض على حق يلْزمه فيرضى فِيهِ بِأَمْر مقارب. أم فرشت فأنامت. تَنْهَانَا أمنا عَن الغي وتعدوا لَهُ فِيهِ. لم ولمه عصيت أُمِّي الْكَلِمَة؟ يضْرب عِنْد النَّدَم على مَعْصِيّة الشَّقِيق. هوت أمه وهبلته لمه: يُقَال فِي مدح الْأَب. من أشبه أَبَاهُ فَمَا ظلم. كل فتاة بأبيها معجبة. لَا أَبوك نشر وَلَا التُّرَاب نفد. من يكن أَبوهُ حذاء تجدّد نعلاه. الْأَخ رب أَخ لم تلده أمك. هَذَا التصافي لَا تصافي المحلب.

الشيوخ

إِذا عز أَخُوك فهن. اسْقِ أَخَاك النمرى. النَّاس إخْوَان وشتى فِي الشيم. انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما. مكره أَخُوك لَا بَطل. من لَك بأخيك كُله. أَخُوك من صدقك. إِن أَخَاك ليسر بِأَن يعتقل: يُقَال فِي الذَّم. من كل شَيْء تحفظ أَخَاك إِلَّا من نَفسه. إِن على أختك تطردين: أَي قد أعد لَك قرنك. لاتلم أَخَاك، وَاحْمَدْ رَبًّا عافاك. إِذا ترضيت أَخَاك فَلَا إخاء لَك بِهِ. أَنا عذله وَأخي خذله، وكلانا لَيْسَ بِابْن أمه. لَا يدعى للجلى إِلَّا أَخُوهَا. النَّفس تعلم من أَخُوهَا. الشُّيُوخ بئس مقَام الشَّيْخ أمرس أمرس. كل امْرِئ سيعود مريئاً. من العناء رياضة الْهَرم. تركته تقاس بالخداع: يضْرب للشَّيْخ، أَي هُوَ شَاب فِي جلده. أَهْون هَالك عَجُوز فِي عَام سنة.

الشاب والصبي

أَهْون مظلوم عَجُوز معقوقة. الشَّاب وَالصَّبِيّ كَانَ ذَلِك من شب إِلَى دب. كل امْرِئ فِي بَيته صبي. اتَّقِ الصّبيان لَا تصبك بأعقائها. أدْرك القويمة لَا تأكلها الهويمة. العبيد عبد صريخه أمة. استعنت عَبدِي فاستعان عَبدِي عَبده. مساواك عبد غَيْرك. لَيْسَ عبد بِأَخ لَك. عبد وخلى فِي يَده. أعطي العَبْد كُرَاعًا. وَمثله: عبد ملك عبدا فَطلب دراعاً. الْحر يعْطى وَالْعَبْد يألم قلبه. يَا عبد من لَا عبد لَهُ. حبيب إِلَى عبد سوء محكده. احْمِلْ العَبْد على فرس إِن هلك، هلك، وَإِن عَاشَ فلك. لَا أفعل ذَلِك مَا أبس عبد بناقته. عبد أرسل فِي سومه. هُوَ العَبْد زلمة.

الاماء

الْإِمَاء لَا تفش سرك إِلَى أمه. لَا تفاكه أمة، وَلَا تبل على أكمة. كالأمة تَفْخَر بحدج ربتها. تركته تغنيه بحدج ربتها. تركته تغنيه الجرادتان: أَي لاهياً فِي إمائها. تلقى أمه عَملهَا. من أضْرب بعد الْأمة المعارة؟ هَاجَتْ زبراء: وَهِي جَارِيَة أحنف. الغلمان لَا تغز إِلَّا بِغُلَام قد غزا. كَيفَ بِغُلَام قد أعياني أَبوهُ. تبشرني بِغُلَام قد أعياني أَبوهُ. الْأَحْرَار لَا حر بوادي عَوْف. تجوع الْحرَّة وَلَا تَأْكُل بثدييها. أنْجز حر مَا وعد. الْوَلَد ولدك من دمي عقبيك. ابْنك ابْن بوحك. من سره بنوه، ساءته نَفسه.

إِن الموصين بَنو سهوان. زين فِي عين وَالِد وَلَده. هم فِي أَمر لَا يُنَادي وليده. أَبِهَذَا الَّذين يشبهون. يعود لما أبني فيهدمه حسل: يَعْنِي وَلَده. مثل ابْنة الْجَبَل مهما يقل تقل. أَنا ابْن بجدتها. تحلب بني وَأَشد على يَدَيْهِ، يُقَال لمن يُفْتِي غَيره على فعل ينْسبهُ إِلَيْهِ وَهُوَ فَاعل. دع بنيات الطَّرِيق: أَي خدم مُعظم الطَّرِيق، أَي الْأَمر. احفظي بَيْتك مِمَّن لَا تنشدين. بنت برح. بنت طبق. شرك على رَأسك: يُقَال ذَلِك فِي الشَّيْء إِذا استعظموه من داهية وَغَيرهَا. الْأَمْثَال فِي النَّفس والجسد والأعضاء والجوارح وَالشعر وَمَا يشبه ذَلِك: أسْرع من العير. أسْرع من طرف الْعين. أسْرع من لمح الْبَصَر. أَوْهَى من طرف المؤق. أجرد من صَلْعَةٌ. أهْدى من الْيَد إِلَى الْفَم.

النفس والجسد

أعرى من إِصْبَع. أقصر من الْيَد إِلَى الْفَم. أهْدى من الْإِنْسَان إِلَى فِيهِ. أسْرع من الْيَد إِلَى الْفَم. أدق من الشّعْر. أَهْون من الشّعْر السَّاقِط. ألزم من شَعرَات القص. ألزم من الْيَمين للشمال. أفرغ من يَد تفت اليرمع. أقصر من أُنْمُلَة. أذلّ من يَد فِي رحم. أَضْعَف من يَد فِي رحم. أعيى من يَد فِي رحم: يُرَاد الجنيف. أَحمَق من الممتخط بكوعه. أدنى من حَبل الوريد. أَشك من نَاب جَائِع. أعظم كمراً من الحواثر. آكل من الضرس. النَّفس والجسد ألْقى عَلَيْهِ شرا شَره: أَي ألْقى نَفسه عَلَيْهِ من حبه. ألْقى عَلَيْهِ بعاعه. مثله:

الراس والعنق

ألْقى عَلَيْهِ أوراقه. مثل ذَلِك: هجم عَلَيْهِ نقابا: أَي بِنَفسِهِ. ضرب على ذَلِك الْأَمر حاشه: أَي نَفسه. ألْقى عَلَيْهِ أجرامه وأجرانه: أَي هَوَاهُ. ضرب عَلَيْهِ جروته: أَي وَطن عَلَيْهِ نَفسه. صدقته الكذوب: يَعْنِي نَفسه. مَا أَنْت بأنجاهم مرقة: يَعْنِي نفسا. النَّفس أعلم من أَخُوك النافع. أكذب النَّفس إِذا حدثتها. النَّفس مولعة بحب العاجل. مَا زلت أفتل فِي الذرْوَة وَالْغَارِب. نَفسِي تعلم أَنِّي خاسر. حَتَّى أسمحت قرونته وقرينيه أَيْضا. النَّفس عروف: أَي إِذا نزل أَمر اعْترفت نَفسك بِمَا نجحجح أعلم. الرَّأْس والعنق هُوَ فِي ملْء رَأسه: أَي هُوَ فِيمَا يشْغلهُ. جاحش عَن خيط رقبته: يضْرب للَّذي يدافع عَن دَمه. أعطَاهُ بقوف رقبته: أَي بجملته. أَخذه بقوف رقبته. وَأَخذه سَوط رقبته.

الوجه

وَأَخذه بظوف رقبته. بولغ بِهِ المخنق. فِي رَأسه خطة. فِي رَأسه نعرة. رَمَاه بأقحاف رَأسه أَي بالدواهي. هُوَ قفا غادر شَرّ. من نجا بِرَأْسِهِ فقد ربح. وَقع فِي سي رَأسه: يُرِيد بِهِ الخصب وَالْخَيْر. وسيء بِرَأْسِهِ وسوا رَأسه وسوأ رَأسه. تقطع أَعْنَاق الرِّجَال المطامع. رَأس بِرَأْس وَزِيَادَة مائَة. رمى مِنْهُ فِي الرَّأْس: يضْرب فِي البغض حَتَّى لَا ينظر إِلَيْهِ. اخْتلفت رؤوسها فرتعت: يُقَال فِي اخْتِلَاف الأراء. إِنِّي لَا كل الرَّأْس وَأعلم مَا فِيهِ. الْوَجْه وَجه المحرش أقبح. أقبح فِي وَجه الْمَآل تعرف إمرته. مَا يعرف قطاته من لطاته. قبل الْبكاء كَانَ وَجهك عَابِسا. وابآ بِي وُجُوه الْيَتَامَى: يضْرب فِي التحنن على الْأَقَارِب. اللِّحْيَة وَالشعر فَلم خلقت إِذا لم أخدع الرِّجَال: يَعْنِي لحيته.

العين

أصهب السبال: من أَسمَاء الْعَدو. اقشعرت مِنْهُ الذوائب: يضْرب فِي الجبان. الْعين نظرت إِلَيْهِ عرض عين. نظرة من ذِي علق. عينه فرارة. أَعور، عَيْنك وَالْحجر. جعلته نصب عَيْني. لَا آتِيك مَا حملت عَيْني المَاء. مَا بهَا عين وَمَا بِالدَّار عين. وَمَا سقت عَيْني المَاء. عِنْد فلَان من المَال عائرة عين: يُرَاد بِهِ الْكَثْرَة. إِذا جَاءَ الْحِين، حارت الْعين. أَزْرَق الْعين: من أَسمَاء الْعَدو. هُوَ على حندر عينه: يضْرب فِي البغض. لأرينك لمحاً باصراً: يضْرب فِي التوعد. غره بَين عَيْني ذِي رحم. لَيْسَ لعين مَا رَأَتْ، وَلَكِن لكف مَا أخذت. هُوَ فِي مثل صَدَقَة الْبَعِير. وَفِي مثل حولاء النَّاقة: أَي فِي الخصب. عين عرفت فذرفت.

الاذن

لحظ أصدق من لفظ. هُوَ شَدِيد جفن الْعين: يُقَال ذَلِك للصبور على السهر. احذر إِذا احْمَرَّتْ حماليقه. لَيست لما قرت بِهِ الْعين ثمن. أطلب أثرا بعد عين. بِعَين مَا أرينك: أَي اعجل وَكن كَأَنِّي أنظر إِلَيْك. الْأذن لَا يسمع أذنا خمشاً: أَي لَا يقبل نصحاً. لَيست على ذَلِك أُذُنِي: أَي سكت عَنهُ. أَسَاءَ سمعا، فأساء إِجَابَة. بأذن السماع سميت: مَعْنَاهُ أَن فعلك يصدق. من يسمع يخل. جَاءَ بأذني عنَاق الأَرْض: أَي بِالْبَاطِلِ وَالْكذب وَيُقَال فِي الداهية أَيْضا. جعلت ذَلِك دبر أُذُنِي. جَاءَ ناشراً أُذُنَيْهِ: أَي طامعاً. الْأنف كل شَيْء أَخطَأ الْأنف جلل. أرغت حَيْثُ لَا يضع الراقي أَنفه. جرحه حَيْثُ لَا يضع الراقي أَنفه: أَي لَا دَوَاء لَهُ. أَنْفك مِنْك وَإِن كَانَ أجدع.

الاسنان

شفيت نَفسِي وجدعت أنفي. مَاتَ فلَان حتف أَنفه. أنف فِي السَّمَاء وإست فِي المَاء. جدع الْحَلَال أنف الْغيرَة قَالَه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. كاس أَنفه فِيمَا يكره. أَفعلهُ رغم أَنفه. لَا أحب رئمان أنف وَأَمْنَع الضَّرع. رب حام لأنفه وَهُوَ جادعه. شامخ بِأَنْفِهِ: يَعْنِي الصلف. لمكر مَا جدع قصير أَنفه. أَنْفك مِنْك وَإِن دن. الْأَسْنَان إِنَّه ليحرق عَلَيْهِ الأرم. قد تحدته من بَنَات النواجز. قد عض على نواجزه. مَتى عَهْدك بِأَسْفَل فِيك: أَي مَتى أبعدت فَضرب مثلا لِلْأَمْرِ الْقَدِيم. مَا فِي فِيهِ حاكه وَلَا تاكه. جَاءَ تضبب لثته: يُرَاد بِهِ الْحِرْص. جَاءَ وَهُوَ يقرع سنّ نادم. أعييتني بأشر فَكيف بدردر؟

الذقن

أهد لجارك أَشد لمضغك: يَقُول إِذا أهديت أهدوا إِلَيْك. الصَّبِي أعلم بمضغ فِيهِ. ضرسوا فلَانا: إِذا أدموه، اللِّسَان والنطق. كدمت غير مكدم. أَهْون مرزئة لِسَان ممخ. عَلَيْهِ من الله لِسَان صَالِحَة: يُقَال ذَلِك فِي الثَّنَاء. من عض على شبدعه سلم من الآثام: يُرِيد اللِّسَان. سكت ألفا ونطق خلفا. سرت إِلَيْنَا شبادعهم: أَي ذمهم وعيبهم. مقتل الرجل بَين فَكَّيْهِ. الذقن ذليل اسْتَعَانَ بذقنه. أفلتني جريعة الذقن. لألحقن حواقنك بذواقنك. الْفَم كل جَان يَده إِلَى فِيهِ. جرى مِنْهُ مجْرى اللدود. لَو وجدت إِلَى ذَلِك فاكرش لفعلته: أَي لَو وجدت سَبِيلا. فاهاً لفيك. أفواهها مجاسها. وَيُقَال أَيْضا:

اليد

أخاكها مجاسها. أَرَاك بشر مَا أحار مشفر. حياك من خلا فوه. ذَكرنِي فوك حماري أَهلِي. حَدثنِي فَاه إِلَى فِي. فلَان خَفِيف الشّفة: أَي قَلِيل الْمَسْأَلَة. الْيَد أطعمتك يَد شبعت ثمَّ جاعت ثمَّ شبعت، وَلَا أطعمتك يَد جاعت ثمَّ شبعت. إِذا أرجحن شاصيا فارفع يدا. وَإِذا ارْجِعْنَ أَيْضا. حلبت بالساعد الأشد: لِلْيَدَيْنِ والفم. صفرت يَدَاهُ لي عِنْد فلَان. يَد مَا تحجر فِي عكم: أَي لَا تخفى وَلَا تستر. بالساعد تبطش الْكَفّ. ذَهَبُوا أَيدي سبأ. على يَدي دَار الحَدِيث. هُوَ على حَبل ذراعك. أَرَادَ أَن يَأْكُل بيدين. لَا تبطر صَاحبك ذرعه: أَي لَا تحمله مَالا يُطيق. مَا تبل إِحْدَى يَدَيْهِ الْأُخْرَى. يُقَال للبخيل. اقصر بذرعك.

ارق على ظلعك. يداك أوكتا وفوك نفخ. تركته على أنقى من الرَّاحَة. لَقيته أول ذَات يدين. كَانَ فلَان كُرَاعًا فَصَارَ ذِرَاعا. كفا مُطلقَة تفت اليرمع. الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى. إِن الذَّلِيل لَيْسَ لَهُ عضد. فلَان على يَدي عدل. هَذِه يَدي لَك: يُرِيد الانقياد. فلَان يقلب كفيه على كَذَا: يُقَال عِنْد النَّدَم. سقط فِي يَده: إِذا نَدم. رددت يَده فِي فِيهِ: إِذا غطته. فلَان نَازع يداي عَاصِيا. أعطَاهُ عَن ظهر يَد. الْأَيْدِي الْوَاحِد بِعشْرَة. مَالِي بِهَذَا الْأَمر يدان. فلَان عِنْدِي بِالْيَمِينِ وَفُلَان عِنْدِي بالشمال. تربت يداك. هم عَلَيْهِ يَد: أَي مجتمعون. أشدد يَديك بغرزه: أَي ألزمهُ.

الصدر

عي أبأس من شلل. الصَّدْر شدّ لِلْأَمْرِ حزيمه. جَاءَ يضْرب أصدريه: إِذا جَاءَ فَارغًا. تأبى ذَلِك بَنَات لببي. صدرك أوسع لسرك. الْجنب عركت ذَلِك بجنبي. مَا أُبَالِي على أَي قطريه وَقع. وقتريه أَيْضا. بجنبه فلتكن الوجبة. مَا أُبَالِي على أَي قطريه وَقع. وقتريه أَيْضا. بخيبة فلتكن الوجبة. من كلا جنبيك لَا لبيْك. الْبَطن وَالظّهْر انْقَطع السلى فِي الْبَطن: أَي فَاتَ الْأَمر. مَا فِي بَطنهَا نعرة: أَي لَيْسَ بهَا حَبل. بَطْني فعطري، وسائري فذري. نزت بِهِ البطنة. كَيفَ توقي ظهر مَا أَنْت رَاكِبه؟ قلب الْأَمر ظهرا لبطن.

القلب والكبد

إِن كنت تشد بِي أزرك فارخه. مَاتَ ببطنته لم يتغضغض مِنْهَا شَيْء: يُقَال للبخيل. مَاتَ وَهُوَ عريض البطان. مَا أعرفني كَيفَ يجز الظّهْر. لَا تجْعَل حَاجَتي مِنْك بِظهْر. ببطنه يعدو مثل ذَلِك الذّكر. حولهَا من ظهرك إِلَى بَطْنك: أَي أحلهَا إِلَى قرين. مَا حك ظَهْري مثل يَدي. عرف بَطْني تربة: قيل فِي ذروته وغاربه. الْقلب والكبد يستمع الْمَرْء بأصغريه. اجْعَلْهُ فِي سويداء قَلْبك. مَا أبردها على الكبد. هُوَ بَين الخلب والكبد. هُوَ أسود الكبد. الرجل والساق رَمَاه فأشواه: من الشواء وَهِي القوائم. إرق على ظلعك. قدح فِي سَاقه. قرع لَهُ سَاق. قرع لَهُ ظنبوبه إِذا حدا.

العروق

إِن يدم أظلك فقد نقب خفى. بق نعليك وابذل قَدَمَيْك. هَلَكُوا على رجل فلَان: أَي فِي زمن فلَان. لَا يُرْسل السَّاق إِلَّا ممسكاً ساقاً. شَرّ مَا أجاءك إِلَى مخة عرقوب. أتتك بحائن رِجْلَاهُ. لفُلَان قدم فِي الْخَيْر. جَاءَ فلَان يجر رجلَيْهِ. لأطأنهم بأخمص رجْلي. قد شمرت سَاقيهَا فشمري. جَاءَ بوركي خبر أَرْجُلكُم. الْعُرُوق أخْبرته بعجري وبجري. فتح صدرك بِعلم عجرك وبجرك. أيعيرني ببجري وينسى بجره. إِن الْعُرُوق عَلَيْهَا ينْبت الشّجر. السه الْعين ذكاء السه. إياك وكل قرن أهلب. كالمصطاد أَنْت باسته. طَار باست، فزعة.

الذكر

فِي استها مَالا يرى. يضْرب لمن يحيره أَكثر من مرآه. اتَّقى بسلحه سمره. جَاءَ ينفض مذرويه. أفلت وانحص الذَّنب. أفلت وَله حصاص. قبل الضراط استحصاف الأليتين. استه الْبَائِن أعلم. است لم تعود المجمر. إِنَّك لتمد بسرم كريم. أريها استها وتريني الْقَمَر. أضْحك من ضرطه، ويضرط من ضحكي. استه أضيق من ذَلِك. أضرطاً وَأَنت الْأَعْلَى. استي اخبثي. إست فِي الأَرْض، وأنف فِي السَّمَاء. الذّكر نعم عوفك. إِن الكمر أشباه الكمر. من يطلّ أير أَبِيه ينتطق بِهِ. لَو خفت خصاهم وَلكنهَا كالمزاد. هَذَا حر مَعْرُوف. لَا ماءك أبقيت وَلَا حرك أنقيت.

النكاح

النِّكَاح انكحيني وانظري. كمعلمة أمهَا البضاع. لقُوَّة صادفت قبيصاً. بالرفاء والبنين. هنئت فَلَا تنكه. قرب الوساد وَطول السوَاد. من ينْكح الْحَسْنَاء يُعْط مهْرا. الْأَمْثَال فِي الْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير أحقد من جمل. أحسن من شنف الأنضر. أخف حلماً من بعير. أخيب من ناتج سقب من حَائِل. أخلف من ثيل الْبَعِير. أخلف من بَوْل الْبَعِير. أذلّ من السقبان بَين الحلائب. أذلّ من الحوار. أخبط من عشواء. أذلّ من بعير سانية. أروى من بكر هبنقة. أصُول من جمل.

أَصْبِر من عود بدفيه جلب. أَصْبِر من ذِي ضاغط معرك. أشْرب من الهيم. أغير من الْفَحْل. أغير من الْجمل. ألأم من سقب رَيَّان. أملخ من لحم الحوار. أَهْون من ضرطة الْجمل. أثقل من حمل الدهيم. أتخم من فصيل. أَحمَق من الرّبع. أنفر من أزب. أهْدى من جمل. أشأم من قاشر: وَهُوَ فَحل. أعز من الأبلق العقوق. أشهر من فَارس الأبلق. أشهر من رَاكب الأبلق. أسمع من فرس. أشأم من خميرة. أطوع من فرس. أعدى من فرس.

أقصر من ظَاهِرَة الْفرس. أجرأ من فَارس خصاف. أجرأ من خاصي خصاف. أتعب من رائض مهر. أحسن من الدهم الموقفة. أبْصر من فرس. أخلف من ولد الْحمار. أذلّ من عير أبي سيارة. أذلّ من حمَار مُقَيّد. أَجْهَل من حمَار. أقصر من غب الْحمار. أعقم من بغلة. أعقر من بغلة. أَهْون من ذَنْب الْحمار على البيطار. أتبع من تولب. أشأم من داحس. أشأم من الزَّرْقَاء: قَالُوا هِيَ النَّاقة، وَرُبمَا نفرت وَذَهَبت فِي الأَرْض. أكذب من الأخيذ الصيحان: قَالُوا هَذَا الفصيل الَّذِي أتخم من اللَّبن وَقيل غير ذَلِك. أشأم من سراب: وَهِي نَاقَة البسوس. أسْرع من فريق الْخَيل: يُرِيد السَّابِق الَّذِي يفارقها.

الابل

أنشط من عير الفلاة. أضرط من حمَار. أَحمَق من أم الهنبر: قَالُوا: هِيَ الهنبر ولد الْحمار وَأمه الأتان. الْإِبِل صدقني سنّ بكره. كَانَت عَلَيْهِم كراغية الْبكر. أكْرم نجر الناجيات نجره. كل نجار إبل نجارها. نجارها نارها. لَا تنسبوها وانظروا مَا نارها: قَالُوا ذَلِك للبعير. أصوص عَلَيْهَا صوص: الأصوص النَّاقة الْحَائِل السمينة والصوص الرجل اللَّئِيم. أخذت الْإِبِل أسلحتها. أعجب حَيا نعمه. يهيج لي السقام، شولان البروق فِي كل عَام. أَصْبِر من عود. إِنِّي وَالله لَا أحسن تكذابك وتأثامك، تشول بلسانك شولان البروق. كالمهدر فِي الْعنَّة. لَا يعْدم الحوار من أمه حنة. لَا تعدم نَاقَة من أمهَا حنة.

تكذابك وتأثامك، تشول بلسانك شولان الْبَرْق. كفضل ابْن المغاض على الفضيل: يُرَاد بِهِ التقارب. استنت الفصلان حَتَّى القريعي. امهلني فوَاق نَاقَة. لَا آتِيك مَا حنت النيب إِلَى النيب. لَا آتِيك مَا أطت الْإِبِل. مَا أفعل ذَلِك حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط. الغاشية تهيج الآبية. إِن الغاشية تعشى النابية. حرك لَهَا حوارها تحن. الْفَحْل يحمي شوله معقولاً. أدع لَهَا حوارها تحن. زاحم بِعُود أَو دع. الذود إِلَى الذود إبل. اذهبي فَلَا أنده سربك. شنشنة أعرفهَا من أخزم. إِن جرجر الْعود فزده ثقلاً، وَإِن أعيا فزده نوطا. إِنَّمَا يجزى الْفَتى لَيْسَ الْجمل. لَا يضير الحوار وَطْء أمه. هَل تنْتج النَّاقة إِلَّا لمن لقحت. أخلبت نَاقَتك أم أحلبت.

رئمت لفُلَان بو ضيم. غلبت جلتها حواشيها. عود يقلح. وَمثله: وَمن العناء رياضة الْهَرم. عود يعلم العنج. استنوق الْجمل. جَاءُوا على بكرَة أَبِيهِم. اللقوح الربعية مَال وَطَعَام. القزم من الأفيل. إِذا زحف الْبَعِير أعيته أذنَاهُ. اضربه ضرب غرائب الْإِبِل. لَا نَاقَتي فِي هَذَا وَلَا جملي. هان على الأملس مَا لَاقَى الدبر. هما كركبتي الْبَعِير. مَا تقرن بفلان الصعبة. شَتَّى تؤوب الحلبة. أدْرك أَرْبَاب النعم: أَي من كَانَ لَهُ عناية بِالْأَمر. لكل أنَاس فِي بعيرهم خبر. عرض عَليّ الْأَمر سوم عَالَة. مَا استتر من قاد الْجمل.

كفى برغائها منادياً. عرف حميقاً جمله. اخْتَلَط المرعى بالهمل. إِن تسلم الجلة فالنيب هدر. قودوه لي باركاً. ضرب الْبَعِير فِي جهازه: إِذا مَاتَ وَضرب فِي رقبته. اتخذ اللَّيْل جملا تدْرك. إِن الضجور قد تحلب العلبة. كل أزب نفور. مَا أرخص الْجمل لوما الهر. كالنازي بَين القرينين. وَقع الْقَوْم فِي سَلِي جمل: يُرَاد بِهِ الشدَّة. هَذَا أَمر لَا تبرك عَلَيْهِ الْإِبِل. أَي شَدِيد. وَمَا هُوَ فِي العير وَلَا فِي النفير. يخبط خبط عشواء. كلكُمْ فليحتلب صعُودًا. يَا إبلي عودي إِلَى مبارك. أرخت مشافرها للعس والحلب. عشمشم يغشي الشّجر: وهما الأيهمان. جلّ الْوَلَد عَن الهاجن. بئس الْعِوَض من جمل قَيده.

عجبا تحدث أَيهَا الْعود. لَا يجمل الْكَذِب بالشيخ. إِحْدَى نواده الْبكر. أعديتني فَمن أعداك؟ : يُخَاطب نَاقَته وَقد تثاءبت لتثاؤب لص فتثاءب لتثاؤبها. نَاب وَقد تقطع الدوية. كلا زعمت العير لَا تقَاتل. الإبساس قبل الإيناس. لَا أفعل ذَلِك مَا أرزمت أم حَائِل. آخر الْبَز على القلوص: يَعْنِي الدهيم الَّتِي حملت رُؤُوس زناد الذهلى. مَاله سارحة وَلَا رَائِحَة. لَا أفعل ذَلِك مَا حنت الدهماء. لَا أفعل ذَلِك مَا حنت النيب. لَا أفعل ذَلِك. مَا أطت الْإِبِل. لقد كنت وَمَا يُقَاد بِي الْبَعِير. لَا تراهن على الصعبة، وَلَا تنشد القريض. الْحَرَام يركب من لَا حَلَال لَهُ. قد لَا يُقَاد بِي الْجمل. ضرح الشموس ناجزاً بناجز. أوسعتهم سباً وأودوا بِالْإِبِلِ. العنوق بعد النوق.

الخيل

يَوْم بِيَوْم الحفض المجور. كالحادي وَلَيْسَ لَهُ بعير. فِي مثل حدقة الْبَعِير. هم فِي مثل حولاء النَّاقة: مثل ذَلِك يُرِيدُونَ العشب وَالْخصب. الْخَيل هَذَا أَوَان الشد، فاشتدي زيم: زيم اسْم فرس. كَانَ جذعاً باسقاً من صوره، مَا بَين لحييْهِ إِلَى سنوره. إِنَّه لحثيث التوالي وسريع التوالي: يُقَال للْفرس، وتواليه: مآخيره. لَا يعْدم شقي مهْرا. طلب الأبلق العقوق. كَانَ جوادي فخصي. كل مجر بالخلاء يسر. جرى مذك حسرت عَنهُ الْحمر. جرى المذكيات غلاب. مذكية تقاس بالجذاع. الْخَيل تجْرِي على مساويها. قد تبلغ القطوف الوساع. جَاءَ فلَان وَقد لفظ لجامه. تجْرِي يَلِيق وتذم: ويليق اسْم فرس. إِن الْجواد عينه فراره. هما كفرسي رهان. الْخَيل

الامثال في الحمار

أعلم بفرسانها. أحشك وتروثني. عَرفتنِي نسأها الله. تقفز الجعثن بِي، يَا مر زدها قَعْبًا: يَعْنِي فرسه. شَتَّى تؤوب الحلبة: قَالُوا هُوَ فِي الْخَيل إِذا عازف من الحلبة. غضب الْخَيل على اللجم. لألحقن قطوفها بالمعناق. ترك الخداع من أجْرى من مائَة. كالأشقر إِن تقدم نحر، وَإِن تَأَخّر عقر. اتبع الْفرس ولجامها. مَا يشق غباره: أَصله للخيل. أَحَق الْخَيل بالركض المعار. الْأَمْثَال فِي الْحمار أكرمت فَارْتَبَطَ. إِذا أدنيت الْحمار من الردهة فَلَا تقل لَهُ سأ. إِذا قربت الْحمار من الوهدة فَلَا تقل هد وهت. ودق العير إِلَى المَاء: يضْرب فِي المستسلم. أدني حماريك فأزجري. أَنْكَحنَا الفرا، فَسَوف ترى. دون ذَا أَو ينْفق الْحمار. قد يضرط العير والمكواة فِي النَّار.

إِنَّك لآذى من العير إِلَى السهْم. اتخذوه حمَار الْحَاجَات. هما حماري الْعَبَّادِيّ. مَا بَقِي مِنْهُ إِلَّا قدر ظمء الْحمار. فلأضربنه ضرب أداني الْحمر. ذَكرنِي فوك حماري أَهلِي. ضرها جد العير الصليانة: يضْرب للْحَالِف. كَانَ حمارا فاستأتن. أودى العير إِلَّا ضرطاً. مَا بالعير من قماص. العير أوقى لدمه. جَاءَ كخاصي العير. وَقعا كعكمي عير. إِن ذهب عير فَعير فِي الرِّبَاط: لمن جَاءَ مستجيباً. عير بعير وَزِيَادَة عشرَة. عير عاره وتده. كل صيد فِي جَوف الفرا. نجى حمارا سمنه. لَا يَأْبَى الْكَرَامَة إِلَّا حمَار. سواسية كأسنان الْحمار. قبل عير وَمَا جرى.

الامثال في البقر والغنم والظباء

تركته جَوف حمَار: قيل لِأَنَّهُ لَا ينْتَفع بِشَيْء فِي بَطْنه وَلَا يُؤْكَل وَقيل غير ذَلِك. هُوَ عير وَحده وجحيش وَحده. عير ركضته أمه، وركلته أَيْضا. قد حيل بَين العير والنزوان. معيوراء تكادم. الْبَغْل نغل وَهُوَ لذَلِك أهل. الجحش لما فاتك الأعيار. الْأَمْثَال فِي الْبَقر وَالْغنم والظباء أعجل من نعجة إِلَى حَوْض. أَهْون من ضرطة عنز. أقفط من تيوس البياع. أصرد من عير جرباء. أغر من ظَبْي مقمر. أصح من ظَبْي. أَشْقَى من راعي ضَأْن ثَمَانِينَ. أشغل من مرضع بهم ثَمَانِينَ. أقفط من تَيْس بني حمان. آمن من ظَبْي مقمر. أنوم من غزال. أوقل من وعل.

الغنم والضان

أَحمَق من نعجة على حَوْض. أسخى من لافظة. أذلّ من اليعر. أذلّ من النَّقْد. أبله من ثَوْر. أزهى من ثَوْر. الْغنم والضأن لَا تحبق فِي هَذَا الْأَمر عنَاق حوليه. لَا ينفط فِيهِ عنَاق. عِنْد النطاح يقلب الْكَبْش الأجم. لَا تنطح بهَا ذَات قرن جماء. لَا ينتطح فِيهِ عنزان. لَا أفعل ذَلِك حَتَّى تَجْتَمِع معزى الفزر. رمدت الضَّأْن فربق ربق. أضرعت المعزى فرمق رَمق، ورنق أَيْضا. مَاله عافطة وَلَا نافطة. مَاله ثاغية وَلَا راغية. عنز فِي حَبل فاستتيست. المعزى تبهى وَلَا تبنى. كل شَاة تناط برجلها. مَا لَهُ هلع وَلَا هلعة. قَالُوا: هُوَ الجري والقناص.

خير حالبيك تنطحين. حتفها تحمل ضَأْن بأظلافها. لَا يعرف هراً من بر: الهر: دُعَاء الْغنم، وَالْبر: سوقها. فرارة تسفهت قرارة. أَي الضَّأْن. نزو الْفِرَار استجهل القرارا. أعنز بهَا كل دَاء. هيل هيل، دري دبس. اسْم شَاة. لَا تنطح جماء ذَات قرن. كالخروف أَيْنَمَا مَال اتَّقى الأَرْض بصوف. مَا لفُلَان أَمر وَلَا آمرة: الْأَمر: الخروف. الآمرة: الرحل. أجْرى الله غنما خَيرهَا. الخروف يتقلب على الصُّوف. كالكبش يحمل شفرة وزناداً. كل شَاة معلقَة برجلها. باءت غرار بكحل. الْكلاب على الْبَقر. نزو الْفِرَار استجهل القرارا. ولد الْبَقر من الْوَحْش. إِنَّمَا أكلت يَوْم الثور الْأَبْيَض. كالثور يضْرب لما عافت الْبَقر.

تركت فلَانا بملاحس الْبَقر. أَي الْموضع لَا أنيس بِهِ. جَاءَ يجر بقره. من عِيَال الْبَقر أَوْلَادهَا. فِي الظباء تَرِكَة. ترك ظَبْي ظله. كَيفَ الطلا وَأمه. لَا أفعل ذَلِك مَا لألأت بِهِ ظَبْي الْعرف بأذنابها. بِهِ دَاء ظَبْي. من لي بالسانح بعد البارح. مَا يجمع بَين الأروى والنعام. هُوَ كَادِح الأروى بِمثل مطرد الأوابد. تَركتهم فِي كصيصة الظبي. بحازج الأروى، قَلِيلا مَا ترى. أول الصَّيْد فرع. تَيْس الْحَلب. ضَب السحاة. قنفذ برقة. أرنب الْخلَّة. شَيْطَان الحماطة. ذَنْب الْحمير.

الامثال في الاسد والسباع والوحوش

الْأَمْثَال فِي الْأسد وَالسِّبَاع والوحوش أبخر من أَسد. أجرأ من خاصي أَسد. أجرأمن ذِي لبد. أجرأ من أُسَامَة. أجرأ من قسورة. أجرأ من لَيْث بخفان. أجوع من ذِئْب. أحمى من أنف الْأسد. أخف رَأْسا من الذِّئْب. أَخبث من ذِئْب الخمير. أَخبث من ذِئْب الغضى. أختل من ذِئْب. أخون من ذِئْب. أخب من ذِئْب. أَشْجَع من أُسَامَة. أَشْجَع من لَيْث عريسة. أَشْجَع من لَيْث عفرين. أشره من أَسد. أصح من ذِئْب. أَشد من أَسد.

أظلم من ذِئْب. أعز من أست النمر. أعز من أنف الْأسد. أعدى من الذِّئْب. أَعْتَى من الذِّئْب. أعق من ذئبه. أمنع من لهاة اللَّيْث. أنشط من ذِئْب. أيقظ من ذِئْب. آلف من كلب. أبْصر من كلب. أبخل من كلب. أبخر من فَهد. أجوع من كلبة حومل. أَشْجَع من كلب. أبول من كلب. أَحمَق من أم الهنبر. أَحمَق من جهيزة. أحذر من ذِئْب. أَحول من ذِئْب. أحرص من ذِئْب.

أخرس من كلب. أحرس من كلبة كريز. أخب من ثعالة. أختل من ثعالة. أخيل من ثعالة. أخيل من ثَعْلَب فِي استه عهنة. أروغ من ثعالة. أزنى من قرد. أزنى من هجرس. أزنى من ضيون. أزنى من قطّ. أزنى من هر. أجبن من هجرس. أزهى من ثَعْلَب. أسْرع من كلب إِلَى ولوغه. أعطش من ثَعْلَب. أسْرع من لحسة الْكَلْب أَنفه. أسمع من سمع. أذلّ من صيد لَيْث عفرين. أعبث من قرد. أكسب من فَهد.

أكسب من ذِئْب. ألح من كلب. ألأم من كلب على عرق. ألوط من دب. أوقح من ذِئْب. أولغ من كلب. أنبش من جيأل. أنعس من كلب. أنوم من فَهد. أجرأ من خاصي الْأسد. أسْرع غدرة من الذِّئْب. أبقى عدوا من الذِّئْب. أسلط من سلقة: وَهِي الذئبة. أنكد من كلب أجص. أجوع من ذِئْب. أعق من ذئبة. أعيث من جعار. أَحمَق من ضبع. أغزل من الفرعل. أفحش من كلب. أجوع من زرْعَة وَبني كلبة.

الذئب

لَا قَرَار على زأر من الْأسد. أَخذه أَخذ سَبْعَة. قَالُوا أَرَادَ سَبْعَة وَقيل: أَرَادَ الْعَدو وَقيل هُوَ اسْم الرجل. الذِّئْب أبشر بغزو كولغ الذِّئْب. من استرعى الذِّئْب ظلم. الذِّئْب يأدوا للغزال ليأكله. وَيُقَال: يدأي أَي متدارك. الذِّئْب يكنى أَبَا جعدة. سقط الْعشَاء بِهِ على سرحان. الذِّئْب خَالِيا أَشد. الذِّئْب مغبوط جائعاً. لقد كنت مَا أخْشَى بالذئب فاليوم قيل: الذِّئْب. ويضربون الْمثل ب: الذِّئْب الْخمر. وذئب الغضا. وسرحان القصيم. خش ذؤاله بالحبالة. الذؤالة: الذِّئْب. نزلنَا ببلدة يتنادى أصرماها: وهما الذِّئْب والغراب. ذِئْب الغضى. سرحان القصيم. ضريت فَهِيَ تخطف: وَضربت أَيْضا قيل أَرَادوا بِهِ الذِّئْب.

الضبع

الذِّئْب أدغم: يضْرب لمن يظنّ بِهِ الْخَيْر وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الذئاب دغم. الذِّئْب للضبع. لبست لَهُ جلد النمر. الضبع أطرقي أم عَامر. خامري أم عَامر. خامري حضاجر أَتَاك مَا تحاذر. عيثي جعار. الضبع تَأْكُل الْعِظَام وَلَا تَدْرِي مَا قذى استها. كمجير أم عَامر. اعْرِض عَلَيْهِ خصلتي الضبع الرَّاكِب. أَحَادِيث الضبع استها. كرهت خنازير الْحَمِيم الموغر. فِي الْكَلْب استعسب فلَان استعساب الْكَلْب. على أَهلهَا تجني براقش. وَهِي كلبة وَقيل إمرأة. نعم كلب فِي بؤس أَهله. لَا أفعل ذَلِك حَتَّى ينَام ظالع الْكلاب. سمن كلبك يَأْكُلك. لَا تقتن من كلب سوء جروا.

الثعلب

أحب أهل الْكَلْب إِلَى الْكَلْب الظاعن. فلَان مَا يعوي وَلَا ينبح. كلب عس، خير من أَسد ربض. كلب عس خير من أَسد أندس. الْكَلْب على الْبَقر. أجع كلبك يتبعك. يبْعَث الْكلاب عَن مرابضها. أحب أهل الْكَلْب إِلَيْهِ خانقه. عجلت مَا عجلت الكلبة أَن تَلد ذَا عينين. النبح وَمن بعيد، أَهْون من الْعَدو من قريب. على فلَان واقية الْكلاب. لَا يضر السَّحَاب نباح الْكلاب. الثَّعْلَب إِنَّمَا فلَان ذِئْب الثَّعْلَب. لقد ذل من بَالَتْ عَلَيْهِ الثعالب. كَذَلِك النجار يخْتَلف: مثل ينْسب إِلَى الثَّعْلَب. زمَان أربت بالكلاب الثعالب. الهر إِذا اعترضت كاعتراض الْهِرَّة، أوشكت أَن تسْقط فِي أفرة. مَا يعرف هراً من بر.

الامثال في الهوام والحشرات

الْأَمْثَال فِي الْهَوَام والحشرات آكل من السوس. أجول من قطرب. أشهر من قطرب. أفسد من السوس. أجوع من قراد. أسمع من قراد. أذلّ من قراد بمنسم. أَجْهَل من فراشة. أَضْعَف من فراشة. أطيش من فراشة. أخف من فراشة. أَخطَأ من فراشة. أَجْهَل من عقرب. أزب من عقرب. أعدى من الْعَقْرَب. أجمع من الذّرة. أضبط من ذرة. أخْفى من الذّرة. أقطف من فريخ الذَّر. أَشمّ من ذرة.

أكسب من جَراد. أجرد من جَراد. أصفى من لعاب الْجَرَاد. أصفى من لعاب الجندب. أصرد من جَرَادَة. أسرى من جَراد. أعظم من جَراد. أغوى من غوغاء الْجَرَاد. أفسد من الْجَرَاد. أنزى من الْجَرَاد. أزهى من ذُبَاب. أَشْقَى من الذُّبَاب بالذباب. أندى من الذُّبَاب. أطيش من ذُبَاب. أمهن من ذُبَاب. أَهْون ذُبَاب. أجل من الحرش: مثل يحْكى عَن الضَّب. أشرد من ورل. أَصْبِر من ضَب. أضلّ من ضَب. أل من ورل.

أطول ذماء من الضَّب. أسمع من ضَب. أروى من ضَب. أخب من ضَب. أخدع من ضَب. أحير من ضَب. أخير من ورل. أظلم من ورل. أعق من ضَب. أعقد من ذَنْب الضَّب. أعقد من بعج الضَّب. أعمر من ضَب. أقصر من فتر الضَّب. هُوَ أعلم بضب من حرشه. أقصر من إِبْهَام الضَّب. أذلّ من حمَار قبان. أطول ذماء من الخنفساء. أخنس من الخنفساء. أخس من الخنفساء. أنحس من فاسية. أسْرع غَضبا من فاسية.

ألج من الخنفساء. ألزق من الْجعل. آكل من الْحُوت. أسبح من نون. أروى من الْحُوت. أظمأ من حوت. أعطش من حوت. أَشْجَع من لَيْث عفرين. أصنع من سرفة. أوهن من بَيت العنكبوت. أصنع من النَّحْل. أصنع من دود القز. أَضْعَف من بقة. أعز من مخ البعوض. أضبط من نملة. أروى من النملة. أعطش من النَّمْل. أكسب من النَّمْل. أَكثر من النَّمْل. أقوى من النملة. أقصر من زب النملة.

أقطف من نملة. أسرى من جَراد. أضلّ من ولد اليربوع. أسرق من زبابة. أكسب من فأر. أطول من الْحَيَّة. أسمع من حَيَّة. أظلم من الْحَيَّة. أظلم من أَفْعَى. أعدى من الْحَيَّة. أروى من الْحَيَّة. أعرى من الأيم. أثبت من قراد. أظفر من برغوث. أفحش من قالية الأفاعي. أشهر من جرجر. أسرى من أنقد. أسمع من قنفذ. أرسح من ضفدع. أعطش من النقاقة. أدب من قرنبي.

أخشن من الشهيم. أَجْزم من حرباء. أظلم من تمساح. أعلق من قراد. أغزل من عنكبوت. أغزل من سرفة. أفسد من أرضة. أفسى من ظربان. أقطف من حلمة. ألزق من برام. ألزق من قرنبي. أنتن من ظربان. أشرد من ورل الحضيض. أسْرع من تلمظة الورل. أشرد من ورل الحضيض. أضلّ من ورل. أسمع من دُلْدُل. أعذر من أم أدراص. أَكثر من الدُّبَّاء. أَسْوَأ من جَرَادَة. أَخطَأ من ذُبَابَة.

الضب

الضَّب أطْعم أَخَاك من عقنقل الضَّب، إِنَّك إِن تَمنعهُ مِنْهُ يغْضب. هَذَا أجل من الحرش. أتعلمني بضب أَنا حرشته. مَا أُبَالِي مَا نهئ من الضَّب وَمَا نضج. مَا نهئ من ضبك. كل ضَب عِنْده مرداته. لَا أفعل ذَلِك سنّ الحسل. خله درج الضَّب. لَا يكون ذَلِك حَتَّى يحن الضَّب فِي أثر الْإِبِل الصادرة. مَا هُوَ إِلَّا الضَّب كدية. ضَب قلعة. مَا هُوَ إِلَّا ضَب كَذَا، وضب كلدة. أَي لَا يقدر عَلَيْهِ. إِن تَكُ ضباً فَأَنا حسلة. أَخذه أَخذ الضَّب وَلَده. أَنا أعلم بضب احترشته. إِذا أخذت بِرَأْس الضَّب أغضبته. إِذا أخذت بِذَنبِهِ أغضبته. الضَّب أَخبث نَفسه. حَتَّى يؤلف بَين الضَّب وَالنُّون. تطلب ضباً وَهَذَا ضَب مخرج رَأسه.

الظربان

الظربان هما يتماشيان جلد الظربان. بَينهمَا جلد الظربان. فسا بَينهم ظربان. الْقُنْفُذ ذَهَبُوا إسراء قنفذ. قنفذ برقة: يضْرب بِهِ الْمثل. الفأر سرينا لَيْلَة ابْن انقد. أضلّ دريص نفقه. سقط فِي أم أدراص بلَيْل مضلل. بَات بليلة أنقد. برز نارك، وَإِن هزلت فارك. الْحُوت أحوتا تماقس؟ الْحَيَّة شَيْطَان الحماطة: يضْرب بِهِ الْمثل فَهُوَ الْحَيَّة. إِنَّه لهتر أهتار، وصل أصلال. صمي صمام ابْنة الْجَبَل. يُرَاد بِهِ الْحَيَّة . هُوَ كالأرقم إِن يقتل ينقم، وَإِن يتْرك يلقم.

القراد

أطرق إطراق الشجاع. جَاءَ بِإِحْدَى بَنَات طبق. لَا يلسع الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ. قد بكرت شبوة تزبئر. سرت إِلَيْنَا شبارعهم. وَهِي العقارب. دبت إِلَيْنَا عقاربهم. تلدغ الْعَقْرَب وتصيء الْجَرَاد. لَا أَدْرِي أَي الْجَرَاد عاره. جَاءَ الْقَوْم كالجراد المشعل. علقت معالقها وصر الجندب. وَقع فِي أم جُنْدُب. قد بَدَت جنادعه. القراد القردان حَتَّى الْحلم. فلَانا يقرد فلَانا: أَي يحتال لَهُ بخدعة. لَا يَلِيق هَذَا بصفري: والصفر: حَيَّة تكون فِي الْبَطن. القرنبي فِي عين أمهَا حَسَنَة. مَا عَلَيْهَا خَز بصيصة: قَالُوا هِيَ البقة. مَا الذُّبَاب وَمَا مرقته. كلفتني مخ البعوض. لَا أفعل ذَلِك حَتَّى يحجّ البرغوث.

الامثال في الطيور ضواريها وبغاثها

طامر بن طامر: قَالُوا: هُوَ البرغوث. أَنا أُغني عَنهُ من التفة عَن الرفة: قَالُوا: التفة: عتاق الأَرْض، الرفة: التِّبْن. الْأَمْثَال فِي الطُّيُور ضواريها وبغاثها آمن من حمام مَكَّة. آلف من حمام مَكَّة. أَحمَق من حمامة. أخرق من حمامة. آلف من غراب عقدَة. أبعد من بيض الأنوق. أعز من بيض الأنوق. أبْصر من باز. أبْصر من عِقَاب ملاع. أحذر من فرخ عِقَاب. أحزم من فرخ عِقَاب. أخطف من عِقَاب. أزهى من غراب. أعز من الْغُرَاب الأعصم. أعز من عِقَاب الجو. أبْصر من نسر. أبْصر من غراب.

أخيل من غراب. أحذر من غراب. أبكر من غراب. أبْصر من الوطواط بِاللَّيْلِ. أجبن من صافر. أجبن من صفرد. أجبن من كروان. أجبن من ليل. أجبن من نَهَار. أَحمَق من نعَامَة. أحذر من ظليم. أروى من نعَامَة. أَحمَق من رخمة. أَحمَق من الحباري. أَحمَق من عقعق. أسْرع من عقعق. ألص من عقعق. أحذر من عقعق. أحلم من فرخ الطَّائِر. أحسن من طَاوُوس. أحسن من الديك.

أخف رَأْسا من الطير. أصفى من عين الديك. أَشْجَع من ديك. أخف حلماً من العصفور. أخيل من ديك. أزهى من ديك. أزهى من طَاوُوس. أسخى من لافظة. أسفد من ديك. أسفد من عُصْفُور. أسلح من حباري. أسلح من دجَاجَة. أشأم من طير العراقيب. أشأم من غراب الْبَين. أشبه من الْغُرَاب بالغراب. أشرد من ظليم. أشْرب من خفيدد. أَشمّ من نعَامَة. أَشمّ من هِقْل. أصنع من تنوط. أصدق من قطاة.

أصفى من عين الْغُرَاب. أَصْغَر من صعوة. أقصر من إِبْهَام القطاة. أكذب من فَاخِتَة. أكمد من حباري. أكبر من لبد. أمنع من عِقَاب الجو. أنفر من نعَامَة. أند من نعَامَة. أهْدى من قطا. أهْدى من حَمَاقَة. أصح من ظليم. أحذر من قرلي. أحزم من قرلي. أبخر من صقر. أثقل من زواقي: وَهِي الديكة. أموق من الرخمة. أموق من نعَامَة. أَنْجَب من نعَامَة. أَشد سواداً من حنك: وَهِي الديكة. أنسب من قطاة.

العنقاء والعقاب

أشأم من الشقراق. وجد تَمْرَة الْغُرَاب. أذلّ من بضة الْبَلَد. أقصر من إِبْهَام الحباري. العنقاء وَالْعِقَاب حلقت بِهِ عنقاء مغرب. طارت بهم العنقاء. أودت بهم عِقَاب ملاع. عِقَاب قلاع كَأَنَّهُ لبد. إِن البغاث بأرضنا يستنسر. أنطقي يَا رخم إِنَّك من طير الله. وَقعت رخمته: إِذا وَافقه وأحبه. النعام الأوب أَوب نعَامَة. مَا يجمع بَين الأروى والنعام. خفت نعامته. شالت نعامتهم. الصَّقْر والبازي صقر يلوذ حمامه بالعوسج. وَهل ينْهض الْبَازِي بِغَيْر جنَاح؟ !

الغراب

مَا رَأَيْت صقراً يرصده خرب. تقلدها طوق حمامة. الْغُرَاب هم فِي خير لَا يطير غرابه. لَا يكون كَذَا حَتَّى يشيب الْغُرَاب. فلَان وَاقع الْغُرَاب. مثل قَوْله: إِنَّه لساكن الرّيح وسكنت رِيحه. تفرس الْأسد المشتم. وتفرق من صَوت الْغُرَاب. تركت فلَانا بوحش الإصمت. أَخَاك كغراب الصرد. هُوَ غراب بن دأية: يُقَال ذَلِك للكذاب. الْحُبَارَى كل شَيْء يحب وَلَده حَتَّى الحباري. أطرق كراً، إِن النعام فِي الْقرى. بَات فلَان كمد الحباري. أطرق كراً يحلب لَك. أطرق كراً إِنَّك لن ترى. وَعِيد الحباري الصَّقْر. القطا لَو ترك القطا لَيْلًا لنام.

الطير

لَيْسَ قطاً مثل قطي. لاقيت الأخيل: دُعَاء على الْمُسَافِر. الطير إِنَّه لوَاقِع الطير. يُقَال للحليم. كَأَن على رَأسه الطير. خلا لَك الجو فبيضي واصفري. مَا يزْجر الطير بأسمائها، وَمَا يُسمى البقل بأسمائه. لَيْسَ هَذَا بعشك فادرجي. لَا تَأْكُل حَتَّى تطير عصافير نَفسك. طَار أنضجها. طَار طَائِره. فلَان طيور فيوء. انْقَطع قوى من قاوية، وَيُقَال: قابية من قوبها. كَانَت بَيْضَة الْعقر. كَانَت بَيْضَة الديك. فلَان بَيْضَة الْبَلَد. يُقَال فِي الْمَدْح والذم. أفرخ قيض بيضها المنقاض. أفرخوا بيضتهم. مَرَرْت بهم الْجَمَّاء الْغَفِير. قَالَ بَعضهم: الْجَمَّاء: الْبَيْضَة والغفير: الريش، يُرِيد الْكَثْرَة. كلفتني بيض السمائم.

الامثال في السماء والهواء والشمس والقمر والكواكب

كلفتني بيض السماسم. فلَان مَا يفقئ الْبيض. فلَان لَا يُرِيد الرادية. فلَان لَا ينضج الكراع. يُقَال ذَلِك فِي الضَّعِيف. فلَان يحمي بيضته. الْأَمْثَال فِي السَّمَاء والهواء وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب أطول من السكاك. أطول من اللَّوْح. أرفع من السَّمَاء. أنأى من الْكَوَاكِب. أبعد من الْكَوَاكِب. أبعد من النَّجْم. أهْدى من النَّجْم. أوسع من اللَّوْح. أبعد من منَاط العيوق. أرق من الْهَوَاء. أشهر من الشَّمْس. أشهر من الْقَمَر. أشهر من الْبَدْر. أطول صُحْبَة من الفرقدين. أنكد من تالي النَّجْم.

السماء والهواء

أبين شؤماً من زحل. أضيع من قمر الشتَاء. السَّمَاء والهواء لَا أفعل ذَلِك مَا إِن السَّمَاء سَمَاء. لَا أفعل ذَلِك مَا إِن فِي السَّمَاء نجماً. لَا أفعل ذَلِك مَا عَنى فِي السَّمَاء نجم. رأى فلَان الْكَوَاكِب ظهرا ومظهراً. أريها السهى وتريني الْقَمَر. جلاء الجوزاء، يضْرب للَّذي يتوعد وَلَا يصنع شَيْئا. جَاءَ بالضح وَالرِّيح. الضح: الشَّمْس. لَا أفعل ذَلِك ماذر شارق. إِن يبغ عَلَيْك قَوْمك لَا يبغ الْقَمَر. لَا آتِيك السمر وَالْقَمَر. سر وقمر لَك. فِي الْقَمَر ضِيَاء، وَالشَّمْس أَضْوَأ مِنْهُ. هَل يخفى الْقَمَر؟ ! فِي اللَّيْل وَالنَّهَار والغداة والعشي وَالزَّمَان والدهر وَالْأَحْوَال أبقى من الدَّهْر. أبين من وضح الصُّبْح. أبين من فلق الصُّبْح. أشهر من فلق الصُّبْح.

الليل والنهار

أَضْوَأ من الصُّبْح. أَضْوَأ من ابْن ذكاء. أَضْوَأ من نَهَار. أطول من الفلق. أطول من يَوْم الْفِرَاق. أطول من شهر الصَّوْم. أطول من الدَّهْر. أطغى من اللَّيْل. أطفل من ليل على نَهَار. أحير من اللَّيْل. أنم من الصُّبْح. أَسِير من اللَّيْل. أنم من ذكاء. أجرأ من اللَّيْل. أظلم من اللَّيْل. أَقُود من اللَّيْل. أَقُود من وضح النَّهَار. أندى من اللَّيْل الماطر. اللَّيْل وَالنَّهَار لَا أفعل ذَلِك مَا اخْتلف الجديدان والملوان والفتيان. لَا أفعل ذَلِك مَا اخْتلفت الصرفان.

خير لَيْلَة بالأبد، لَيْلَة بَين الزباني والأسد. السميرات عَلَيْك. جرشا فتعشه: بِالسِّين والشين، وَهِي السَّاعَة. الهوية من اللَّيْل. باتت بليلة حرَّة. باتت بليلة شتاء. مَا يَوْم حليمة بسر. لَيْلَة ليلاء. يَوْم أيوم. المكثار كحاطب اللَّيْل. اللَّيْل أخْفى للويل. سمر ذيلاً وادرع لَيْلًا. اتخذ اللَّيْل جملا تدْرك. إِن اللَّيْل طَوِيل وَأَنت مقمر. يَوْم النازلين بنيت سوق ثَمَانِينَ. أسائر الْيَوْم وَقد زَالَ الظّهْر. إِن مَعَ الْيَوْم غَدا يَا مسْعدَة. وَهل يخفى على النَّاس النَّهَار. مَا أشبه اللَّيْل بالبارحة. اللَّيْل وأهضام الْوَادي. يذهب يَوْم الْغَيْم وَلَا يشْعر بِهِ.

الْيَوْم ظلم. إِحْدَى لياليك فهيسي هيسي. يُرِيك يَوْم بِرَأْيهِ. تركته على مثل لَيْلَة الصَّدْر. من ير يَوْمًا ير بِهِ. يَوْم بِيَوْم الحفض المجور. إِحْدَى لياليك فهيسي. من ابْن كل جدة تبليها عدَّة. اللَّيْل أَعور لَا يبصر فِيهِ. لم أر كَالْيَوْمِ فِي الحريمة. لم أر كَالْيَوْمِ واقية. لَا أفعل ذَلِك مَا حدا اللَّيْل نَهَارا. أصبح ليل. أَنا ابْن جلا. يُرِيدُونَ النَّهَار. حلب فلَان الدَّهْر أشطره. أودى بِهِ الأزلم الْجذع. مَا نَلْتَقِي إِلَّا من عفر. لَا أَفعلهُ مَا جمر ابْن جمير: قَالُوا: السمير: الدَّهْر، والجمير مثله. لَا أفعل ذَلِك سجيس الأوجس. لَا أفعل ذَلِك سجيس عجيس.

لَا أفعل ذَلِك دهر الدهارير. لَا أفعل ذَلِك أَبَد الأبيد. من عتب على الدَّهْر، طَالَتْ معتبته. لَا أفعل ذَلِك عوض العائضين، وَلَا أَفعلهُ عوضي. قد بَين الصُّبْح لذِي عينين. أَقمت عِنْده فِي ضغيغ دهره: أَي قدر تَمَامه. كَانَ ذَلِك زمن الفطحل. ضح رويداً. لَقيته قبل كل صِيحَ وَنَفر. لَقيته صَكَّة عمي. أرقب لَك صبحاً. لكل صباح صبوح. برد غَدَاة، غر عبدا من ظمأ. عِنْد الصَّباح يحمد الْقَوْم السّري. عش وَلَا تغتر. يَأْتِيك كل غَد بِمَا فِيهِ. لَقيته ذَات العويم. وَقع النَّاس فِي قُحُوط. عش رجباً تَرَ عجبا.

الامثال في الارض والجبال والرمال والحجاره والبلدان والمواضع والماء والنار والزناد والتراب والبحر

الْأَمْثَال فِي الأَرْض وَالْجِبَال والرمال وَالْحِجَارَة والبلدان والمواضع وَالْمَاء وَالنَّار والزناد وَالتُّرَاب وَالْبَحْر : آمن من الأَرْض. أَصْبِر من الأَرْض. أوثق من الأَرْض. أوطأ من الأَرْض. أحفظ من الأَرْض. أحمل من الأَرْض. آكل من النَّار. أثقل من ثهلان. أكتم من الأَرْض. أَكثر من الرمل. أتقل من نضار. أثقل من عماية. أثقل من شمام. أثقل من أحد. أثقل من دمخ الدماخ. أسْرع من المَاء إِلَى قراره. أرق من المَاء. أَحمَق من لاعق المَاء. أَحمَق من ماضغ المَاء.

أصفى من المَاء. أَحمَق من الْقَابِض على المَاء. أذب من خباب المَاء. أَحمَق مِمَّن لطم طم المَاء. أَحمَق من ترب العقد. أحر من النَّار. أحر من الْجَمْر. آكل من النَّار. أحسن من النَّار. أَحْقَر من التُّرَاب. أحضر من التُّرَاب. أخْفى من المَاء تَحت الرفة. أخلف من نَار الحباحب. أسْرع من النَّار فِي يبيس العرفج. أسْرع من شرارة فِي قصباء. أطمع من قالب الصَّخْرَة. أطول صُحْبَة من ابْني شمام. أطول من فرسخي دير كَعْب. أَصْلَب من جندل. أَصْلَب من حجر. أقضى من صَخْر.

أقسى من الْحجر. أجْرى من المَاء. أظلم من رمل. أعذب من مَاء غادية. أعذب من مَاء المفاصل. أعذب من مَاء الحشرج. أعرض من الدهناء. ألذ من مَاء غادية. أعطش من رمل. أعذب من المَاء البارق. أعمق من الْبَحْر. ألطف من المَاء. ألهف من قالب الصَّخْرَة. أنم من التُّرَاب. أوجد من المَاء. أوجد من التُّرَاب. أوسع من الدهناء. أندى من الْبَحْر. أيبس من الصخر. أهول من الْحَرِيق.

الارض

أسْرع من الخذروف. وَهُوَ حجر يلْعَب بِهِ. ألْقى من وَحي فِي حجر. فلَان أَكثر حَصى من فلَان: أَي أَكثر عددا. أعطش من رمل العقد. أشْرب من الهيم: قيل هِيَ رمال بِعَينهَا واحدتها: هيماء. أسهل من جلدان: وَهُوَ حمى من وَرَاء الطَّائِف إِلَى نَاحيَة الْيمن. أَحمَق من ناطح المَاء. أَحمَق من ماطخ المَاء: والمطخ: اللعوق. أصفى من مَاء المفاصل. الأَرْض قتل أَرضًا عالمها. من سلك الجدد أَمن العثار. قتلت أَرض جاهلها. النَّقْد عِنْد الحافرة: قَالُوا: الحافرة: الأَرْض وَقيل غير ذَلِك. إِنَّه لأريض للخير. لقِيه بَين سمع الأَرْض وبصرها. لَقيته بوحش أصمت. أخذت الأَرْض زخارفها. تِلْكَ الأَرْض لاتقض بضعتها وَلَا تنعفر بضعهَا. برح الخفاء. الخفاء: المتطأطئ من الأَرْض. قَالُوا: أصايرا ظَاهرا.

إِن جَانب أعياك، فَالْحق بِجَانِب. من تجنب الخبار، أَمن العثار. التقى الثريان. لَا تؤبس الثرى بيني وَبَيْنك. جَاءَ بالطم والرم: الطم: الْبَحْر. والرم: الثرى. أفق قبل أَن يحْفر ثراك. خُذ من الرضفة مَا عَلَيْهَا. مَا يبض حجره. رمى فلَان بحجره. كَانَت وقرة فِي حجر. وَجه الْحجر وجهة مَاله، وَقد بيضت وجهة وَجهه. صمت حَصَاة بِدَم. الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر. جَاءَ فلَان بالقض والقضيض. يَا حبذا الْإِمَارَة وَلَو على الْحِجَارَة. كَأَنَّمَا ألقمه حجرا. على مَا خيلت وعث القصيم. هَل بالرمل من أوشال. وَقَعُوا فِي أم حبوكر: أم حبوكر: الرملة. أشرق ثبير، كَيْمَا نغير. الله أعلم مَا حطها من رَأس يسوم.

رَمَاه بثالثة الأثافي. هُوَ إِحْدَى الأثافي. لَكِن بشعفين أَنْت جدود. إِن وَرَاء الأكمة مَا وَرَاءَهَا. لَا تفش سرك إِلَى أمة، وَلَا تبل على أكمة. هُوَ ابْنة الْجَبَل. صمي ابْنة الْجَبَل. مهما يقل تقل. اللَّيْل يواري حضناً. إِذا قَطعنَا علما بدا علم. أنجد من رأى حضناً. مَا حللت بِبَطن تبَالَة لتحرم الأضياف. خذمتها مَا قطع الْبَطْحَاء. كلا جَانِبي هرشي لَهُنَّ طَرِيق. وَقع فِي وَادي خدبات. أَلْقَت مراسيها بِذِي رمرام. أَلْقَت مراسيها بوادي مضلل. أَلْقَت مراسيها بوادي ثهلل. تمرد مارد وَعز الأبلق. يَكْفِيك مَا بلغك المحلا. أمرع واديه وأجني حلبه.

رويداً يعلون الجدد. هَيْهَات، هَيْهَات الجناب الْأَخْضَر. هَذَا وَلما تردي تهَامَة. بِكُل وَاد أثر من ثَعْلَبَة. ليتك من وَرَاء حَوْض الثَّعْلَب. تركته بوحش أصمت. جرى الْوَادي فطم على الْقرى. سَالَ الْوَادي فذره. تركته ببلدة إصمت. قد بل عَرْشه ببقة. أبرم الْأَمر ببقة. أشبه شرج شرجاً لَو أَن أسيمرا. دخل ظفارحم. لَيْسَ سلامان كعهدان. لاهلك بواد خبر. عَسى الغوير أبؤساً. فلَان فِي سر قومه. يُقَال للْأَرْض إِذا كَانَت طيبَة أَرض سر. قد بلغ المَاء الزبى. إِن ترد المَاء بِمَاء أَكيس. مَاء وَلَا كصدءاء. كالقابض على المَاء.

لَو بِغَيْر المَاء غصصت المَاء: ملك الْأَمر. هُوَ يرقم فِي المَاء. فلَان مَاء مسوس. أعطَاهُ غيضاً من فيض. لَا أفعل ذَلِك مَا بل الْبَحْر صوفه. لَا أفعل ذَلِك مَا إِن فِي الْفُرَات قَطْرَة. هُوَ أبرص من عير. ماؤكم هَذَا، مَاء عنَاق. لتجدن نبطة قَرِيبا. ثأطة مدت بِمَاء. فِي كل شجر نَار واستمجد المرخ والعفار. ارخ يدك، واسترخ إِن الزِّنَاد من مرخ. اقدح بدخلي فِي مرخ، ثمَّ شدّ بعد أَو أرخ. إِنَّه لمعتلث الزِّنَاد. فلَان وارى الزِّنَاد. وريت بك زنادي. فلَان ثاقب الزِّنَاد. فلَان كَافِي الزند. صلدت زناده. أضئ لي أقدح لَك. وَيُقَال:

الامثال في السحاب والرعد والبرق والرياح والسراب والمطر والثلج والسيل والنسيم

أقدح الزند بعفار أَو مرخ. لَيْسَ فِي جفيره غير زندين. هما زندان فِي وعَاء. مَا يصطلي بناره. كَأَنَّهُ نَار حباحب. فلَان حَسبه ثائب. مَا بهَا نافخ ضرمة. أَتَانَا وَكَأن لحيته ضرمة عرفج. كَا لمستغيث من الرمضاء بالنَّار. نجارها نارها: وَالنَّار هَاهُنَا: السمة. هُوَ القابس العجلان. أَي فَتى قَتله الدُّخان؟ هرق على جمرك مَاء. لَو كنت أنفخ فِي فَحم. اقدح إِن لم تؤذ نَارا ببحر. الْأَمْثَال فِي السَّحَاب والرعد والبرق والرياح والسراب والمطر والثلج والسيل والنسيم : أبرد من ثلج. أبرد من الغب: وَهُوَ الْبرد. أبرد من عضرس. أبرد من حبقر.

أبرد من عبقر. أبرد من غب الْمَطَر. أبرد من أَمْرَد. أخف من النسيم. أخف من الهباء. أرق من الهباء. أرق من دمع الْغَمَام. أرق من رقراق السراب. أسْرع من الرّيح. أسْرع من الْبَرْق. أسْرع من السَّيْل إِلَى الحدور. أطفى من السَّيْل تَحت اللَّيْل. أجرأ من السَّيْل. أجرأ من الأيهمين. أغر من سراب. أغشم من السَّيْل. أكذب من يلمع. أكذب من اليهير. أمضى من الرّيح. أمضى من السَّيْل تَحت اللَّيْل. أولج من ريح. أَهْون من النباح على السَّحَاب.

أهول من السَّيْل. أَشد بَيَاضًا من الْبرد. إِنَّمَا هُوَ كبرق الخلب. يذهب يَوْم الْغَيْم وَلَا يشْعر بِهِ. فلَان يرعد ويبرق. رب صلف تَحت الراعدة. برق لمن لَا يعرفك. وَيُقَال: برقي بالتأنيث. أرنيها نمرة أركها مطرة. ذهب دَمه درج الرِّيَاح. ذهبت هيف لأديانها. إِنَّه لساكن الرّيح. إِن كنت ريحًا لقد لاقيت إعصاراً. ريح حزاء فالنجاء. ريحمها جنوب. يُقَال للمتصافيين فَإِذا تفَرقا قيل: شملت رِيحهَا سراب. لَيْسَ بِأول من غره السراب. أوردته حِيَاض عطيش: يعنون السراب. الْمَطَر عَام الرّبيع. الصَّيف بِحَسب الممطور. إِن كل مطر الْغَيْث يصلح. الْغَيْث مصلح مَا خبل على العرفجة.

الامثال في الشجر والروضه والصمغ والنبات والمرعي والشوك

بَرِئت مِنْهُ مطر السَّمَاء: أَي أبدا. رب عجلة تهب ريثاً. وَرب غيث لم يكن غيثاً. رب فروقة يدعى ليثاً. قد بلغ السَّيْل الزبى. قد سيل بِهِ وَلَا يدْرِي. كالسيل تَحت الدمن. مَا أقوم بسيل تلعتك. إِنَّمَا أخْشَى سيل تلعتي. اضطره السَّيْل إِلَى معطشة. هم درج السُّيُول. من يرد السَّيْل على أدراجه. الْأَمْثَال فِي الشّجر وَالرَّوْضَة والصمغ والنبات والمرعى والشوك : أذلّ من هرمة. أَشد حمرَة من المصعة. أطيب نشراً من رَوْضَة. أَضْعَف من بروقة. أغر من الدُّبَّاء. أَمر من العلقم. أكره من العلقم. أذلّ من فقع بقاع.

الشجر

أَمر من الدفلى. أَحمَق من رجلة. أكسى من البصل. أبعد خيرا من قَتَادَة. الشّجر : طمعوا بِخَير أَن ينالوه فَأَصَابُوا سلعاً وقاراً. ذليل عاذ بقرملة. فِي عضة مَا ينبتن شكيرها. تحمل عضة جناها. فِي عيصه مَا ينْبت الْعود. عيصك مِنْك وَإِن كَانَ أشبا. النبع يقرع بعضه بَعْضًا. هَذَا على طرف الثمام. عصبه عصب السلمة. هُوَ يدب لَهُ الْخمر. يمشي لَهُ الضراء. كَانَ ذَلِك كسل أمصوخة، وأمسوخة: بِالسِّين. أَنا إِذن كالخاتل بالمرخة. ضغث على إبالة. شجر يرف. أَنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب.

النبات

تجنب الرَّوْضَة وأحال يعدو. وَقع فِي رَوْضَة وغدير. إيَّاكُمْ وخضراء الدمن. النَّبَات : لَا يغرنك الدُّبَّاء، وَإِن كَانَ فِي المَاء. جذها جذ العير الصليانة. حول الصليان الزمزمة. مرعى وَلَا كالسعدان. تَسْأَلنِي برامتين شلجما. المَال بيني وَبَينه شقّ الأبلمة. دقك بالمنخار حب القلقل. لست بخلاة بنجاة. لَيْت حظي من العشب خوصه. أوضع من ابْن قوضع. لتجدني بقرن الْكلأ. عثر بأشرس الدَّهْر. الشرس: مَا صفر من الشوك. إِنَّك عَالم بمنابت القصيص. كَانُوا مخلين فلاقوا حمضاً. هُوَ حواءة: يُقَال لمن يلْزم بَيته. وَهُوَ نبت. لَا ينْبت البقلة إِلَّا الحقلة. لقد اتقيتهم حَتَّى مَا أسمي البقل بأسمائه.

الامثال في الذهب والفضه والحديد والسيف والرمح واصناف السلاح

أَحْمَر كَأَنَّهُ الصربة. لأقلعنك قلع الصمغة الشبوك. لَا تجن من الشوك الْعِنَب. لَا تنقش الشَّوْكَة بِالشَّوْكَةِ فَإِن ضلعها مَعهَا. لطمه لطم المنتقش. جَاءَ فلَان بالشوك وَالشَّجر. استغنت الشَّوْكَة عَن التَّنْقِيح. من دون ذَلِك خرط القتاد. لَا المرعى مرعى، وَلَا الوله عشب وَلَا بعير أخلف. أَسَاءَ رعياً فسقى. رعى فأقصب. شَرّ الرعاء الحطمة. كثر الحلبة وَقل الرعاء. أمرعت فَانْزِل. أصَاب قرن الْكلأ. اخْتَلَط المرعى بالهمل. الْأَمْثَال فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد وَالسيف وَالرمْح وأصناف السِّلَاح : أحسن من شنف الأنضر. أَشد من الْحَدِيد. أرق من شقّ الجلم.

الجلد

أَشد من حد الجلم. أنفذ من الإبرة. أضيق من خرت الإبرة. أضيق من سم الإبرة. أمضى من الصمصامة. أمضى من النصل. أنفذ من سِنَان. أمضى من سِنَان. أطول من الرمْح. أطول من ظلّ الرمْح. أضيق من ظلّ الرمْح. أنفذ من خازق. أسْرع من السهْم. أنفذ من السهْم. أصرد من السهْم. أمرق من السهْم.؟ ؟ ؟ الْجلد :؟ خُذْهُ وَلَو بقرطى مَارِيَة. عِنْده كنز النُّطْفَة وجران الرَّقِيق. مَا يحسن القلبان فِي يَدي حالبة الضَّأْن. لَو ذَات سوار لطمتني.

الحديد

الْحَدِيد : الْحَدِيد بالحديد يفلح. لم أجد لشفرتي محزاً. كالباحث عَن المدية. السَّيْف : سبق السَّيْف العذل. لَا يجْتَمع السيفان فِي غمد وَاحِد. إِنِّي لأنظر إِلَى السَّيْف وَإِلَيْك. من يَشْتَرِي سَيفي وَهَذَا أَثَره.؟ محا السَّيْف مَا قَالَ ابْن دارة أجمعا. ماز رَأسك وَالسيف. سلوا السَّيْف واستللت المنتن. وَيُقَال المنتل. لكل صارم نبوة. لَا تأمن الأحمق وَبِيَدِهِ السَّيْف. فِي نظم سَيْفك مَا ترى يالقيم. ذَكرتني الطعْن وَكنت نَاسِيا. الْأَمر سلكي وَلَيْسَ بمخلوجة. يشج مرّة ويأسو مرّة. الطعْن يظأر. لأطعنن فِي حوصهم. فلَان صلب الْقَنَاة.

ظئار قوم طعن. وَمثله: إِن الهوان للئيم مرأمة. عَاد السهْم إِلَى النزعة. مابها أهزع، وَمثله: ومخشوب لم ينقح. الحذر قبل إرْسَال السهْم. قد انصف القارة من راماها. نعتني بدائها وانسلت. مَا بللت من فلَان بأفوق ناصل. مَا بللت مِنْهُ بأعزل. رجح بأفوق ناصل. ثار حابلهم على نابلهم. اخْتَلَط الحابل بالنابل. قبل الرماء تملأ الكنائن. وَيُقَال أَيْضا: قبل الرَّمْي يراش السهْم. إِحْدَى حظيات لُقْمَان. تركته خير قَوس سَهْما. وَمَا تنهض رابضته. أَي رميته. أصمي رميته وأنمى رميته. هُوَ أوثق سهم فِي كِنَانَتِي. مَا أصبت مِنْهُ أقذ وَلَا مريشاً.

فاق السهْم بيني وَبَينه. من فَازَ بكم فَازَ بِالسَّهْمِ الأخيب. إعط الْقوس باريها. إنباض الرَّمْي يراش السهْم. أدركني وَلَو بِأحد المغروين. نبل العَبْد أَكْثَرهَا المرامي. إِن فلَانا ليكسر على أرعاظ النبل غَضبا. لَيْت القسي كلهَا أرجلاً. مَعَ الخواطىء سهم صائب. رَمَاه بنبله الصائب. ارْجع إِن شِئْت فِي فَوق، وَيُقَال فِي فَوقِي. من أَنى ترمي الْأَقْرَع تشجه. لَا خير فِي سهم زلج. لَا تعجل بالإنباض قبل التوتير. كالمستتر بالغرض. ركب فلَان عوداً وَأَصله فِي السهْم. شغل عَن الرَّامِي الكنانة بِالنَّبلِ. ألْقى عَصَاهُ. شقّ الْعَصَا. مَا قرعت عَصا على عَصا إِلَّا حزن لَهَا قوم وسر آخَرُونَ.

الامثال في الحرب والقتل والاسر والجبن والفزع والشجاعه والغزو والصياح

عَصا الجبان أطول. لَا تدخل بَين الْعَصَا ولحائها. قشرت لَهُ الْعَصَا. الْعَصَا من العصية. قلب لَهُ ظهر الْمِجَن. الْأَمْثَال فِي الْحَرْب وَالْقَتْل والأسر والجبن والفزع والشجاعة والغزو والصياح . مَا كفى حَرْب جانيها. الْحَرْب غشوم. الْحَرْب خدعة. إِن أَخا الهيجاء من يسْعَى مَعَك. الْقَتْل : لَيْسَ بعد الإسار إِلَّا الْقَتْل. سَوَاء علينا قاتلاه وسالبه. لَا يحزنك دم هراقة أَهله. أهل الْقَتِيل يلونه. أَبى قَائِلهَا إِلَّا تماً. كالمتمرغ فِي دم الْقَتِيل. لَيْسَ بعد السَّلب إِلَّا الإسار. قتل نفسا مخيرها. بسلاح مَا يقتلن الْقَتِيل.

الدَّم الدَّم، وَالْهدم الْهدم. إِن الجبان حتفه من فَوْقه. دردب لما عضه الثقاف. أفرخ روعك. أغيرة وجبناً. بصيصن إِذْ حَدَّيْنِ بالأذناب. بسلاح مايقتل الرجل. أضرطاً وَأَنت الْأَعْلَى. لَا يدعى للجلى إِلَّا أَخُوهَا. ضربا وطعناً أَو يَمُوت الأعجل: الشجاع. مكره أَخُوك لَا بَطل. الفرا بقراب أَكيس. إِن رمت المحاجزة فَقبل المناجزة. التَّقَدُّم قبل التندم. أجر مَا استمسكت. رويد الْغَزْو ينمرق. أول الْغَزْو ينمرق. أول الْغَزْو أخرق. لَا تسل الصَّارِخ وَانْظُر مَاله. ابدأهم بالصراخ يَفروا. بعد الهياط والمياط. أرطي إِن خيرك بالرطيط.

الامثال في الثياب واللباس والخز والادم والقز والآنيه والدل والسقاء والوعاء والعطر

مثل صَيْحَة الحبلى. أصاخ إصاخة المنده للناشد. أَتَيْتُك عاتاً وصاتاً وصت. الْأَمْثَال فِي الثِّيَاب واللباس والخز والأدم والقز والآنية والدل والسقاء والوعاء والعطر . هُوَ أَهْون عَليّ من طلبه وَمن طلباء. أذلّ من النَّعْل. أرجل من خف. أكذب من صنع. أَحمَق من الدابغ على التحلي. أطيب نشراً من الصوار. أَهْون من ربذة. أَهْون من ثملة. أطول من جيد الخرقاء. وَمثله: أطول من طُنب الخرقاء. أعرض ثوب الملبس. وَمثله: أعرض ظهر الملبس. أَو، عرض جنب الملبس. أَعرَضت القرفة. مَا كَانُوا عندنَا إِلَّا ككفة ثوب.

كَأَنَّهَا بردة أَخْمَاس. هُوَ كالساقط بَين الفراشين. شمر واتزر، والبس جلد النمر. كمش ذلاذلة. من يطلّ ذيله ينتطق بِهِ. هُوَ الشعار دون الدثار. جليس كثرت نفس شاغليه. لَيْسَ عَلَيْك نسجه فاسحب وجر. خلع الدرْع بيد الزَّوْج. فلَان نسج وَحده. غرني برداك من غدافلي. فلَان طَاهِر الثِّيَاب. فلَان دنس الثِّيَاب. أم فلَان فِي ثوب فلَان. ألبس لكل حَالَة لبوسها إِمَّا نعيمها وَإِمَّا بؤسها. من عز بز. أشبه امْرَءًا بعض بزه. هم كبيت الْأدم. إِن الشرَاك قد من أديمه. أجمع سِيرِين فِي خرزة. إِنَّمَا يُعَاتب الْأَدِيم ذُو الْبشرَة.

هُوَ مؤدم مُبشر. بق نعليك وابذل قَدَمَيْك. رَجَعَ بخفي حنين. كل الْحذاء يحتذى الحافي الوقع. زلت بِهِ نَعله. لَو كنت منا لحدوناك. رب نعل شَرّ من الحفاء. قد علقت دلوك دلو أُخْرَى. كَأَنَّمَا أفرغ عَلَيْهِ ذنوباً من مَاء. ألق دلوك فِي الدلاء. هرق لَهَا فِي قرقر ذنوبا. ساجل فلَان فلَانا. أَهْون مظلوم سقاء مروب. خل سَبِيل من وهى سقاؤه: وَمن هريق بالفلاة مَاؤُهُ. مَا يقعقع لَهُ بالشنان. هَذَا أَمر لَا تفشأ لَهُ قدري. استعجلت قديرها فامتلت. خير إناءيك كفأت. كفت إِلَى وئية. أُدي قدرا مستعيرها. مَا أصغيت لَك إِنَاء وَلَا أصفرت لَك فنَاء.

إِذا كنت فِي قوم فاحلب فِي إنائهم. سمن حَتَّى صَار كَأَنَّهُ الخرس. حن قدح لَيْسَ مِنْهَا. صدقني وسم قدحه. من فَازَ بفلان فقد فَازَ بِالسَّهْمِ الأخيب. لَيْسَ الهناء بالدس. عنية تشفي الجرب. ألْقى حبله على غاربه. رمى برسنه على غاربه. قد أَخذه برمتِهِ. جَاوز الحزام الطبيين. الْتَقت حلقتا البطان. هُوَ يحطب فِي حبله. مَا أَنْت بلحمة وَلَا ستاه. وَمَا أَنْت بنيرة وَلَا حفة. قد عي فلَان بالإسناف. هُوَ على حَبل ذراعك. جروا لَهُ الخطير مَا انجر لكم. مَا حويت وَلَا تويت. جاحش عَن خيط رقبته. النَّقْد عِنْد الْحَافِر.

جَاءَ بقرني حمَار: إِذا جَاءَ بِالْبَاطِلِ وَالْكذب. كطالب الْقرن جدعت أذنَاهُ. وجدت الدَّابَّة ظلفها. اجْعَلْهُ فِي وعَاء غير سرب. طويت فلَانا على بلاله، وبلوله، وبللته. إِن بَينهم عَيْبَة مَكْفُوفَة. كلفت إِلَيْك عرق الْقرْبَة، وعلق الْقرْبَة. لَيْت لي من فلَان عرق الْقرْبَة. احفظ مَا فِي الْوِعَاء بشد الوكاء. مَا يحجز فلَان فِي العكم. لَا يَخُصهَا مني فِي سقاء أوفر. إِذا سَمِعت بسرى الْقَيْن فَإِنَّهُ مصبح. مثل جليس السوء كالقين إِلَّا يحرق ثَوْبك بشراره أَو يُؤْذِيك بدخانه. إِنِّي صناع لَو تبالي صنعتي. أجناؤها أبناؤها. حلأت حَالية عَن كوعها، ويروى: حزت حازة عَن كوعها. اعْمَلْ فِي عَاميْنِ كرزاً من وبر. حزت حازة عَن كوعها. هُوَ مَاعِز مقروظ. بقه وَقد حلم الْأَدِيم.

الامثال في الرحي والطعام والاكل والشرب واللبن وسائر الماكولات والمشروبات

مَا يَجْعَل قدك إِلَى أديمك. لَا يعْدم جلد السوء عَن عرف السوء. أَحْمَر كالقرف. هَذَا حَظّ جد من المبناة. دقوا بَينهم عطر منشم. لَا مخبأ لعطر بعد عروس. لَا عطر بعد عروس. قَالَ الْمفضل: عروس رجل بِعَيْنِه. الْأَمْثَال فِي الرَّحَى وَالطَّعَام وَالْأكل وَالشرب وَاللَّبن وَسَائِر المأكولات والمشروبات . أقدم من الْحِنْطَة. أشأم من رغيف الحولاء. أدق من الشخب. أَلين من الزبدة. أمسخ من اللَّحْم الحوار، وأملخ ... أحلى من النشب. أحلى من الشهد. أحلى من السلوى. ألذ من السلوى. أحلى من التَّمْر الجني. آنس من نَخْلَة. أعظم بركَة من نَخْلَة مَرْيَم.

أصيغ من تمر بِلَاد الطَّائِف. أسمع جعجعة وَلَا أرى طحناً. كل أَدَاة الْخبز عِنْدِي غَيره. طحنه طحن إبل لم يكن طحن قبله. تطعم تطعم. اعلل تحظب. تخرسي يَا نفس لَا مخرسة لَك الْيَوْم. رب أَكلَة تمنع الأكلات. لَيْسَ لشبعة خير من صفرَة تحفزها. الثّيّب عجالة الرَّاكِب. يلقم لقماً ويغدي زَاده. إِنَّك لتأكل وسطا وتربض حجرَة. يدْرك الخضم بالقضم. قد يبلغ بالقضم الخضم. من يَأْكُل لَا يَأْكُل قضماً، وَمن يَأْكُل قضماً لَا يَأْكُل خضماً. تجشأ لُقْمَان من غير شبع. قد نهيتك عَن شربة بالوشل. لَا تشرب مشرب صفو بكدر. إِنَّك رَيَّان فَلَا تعجل بشربك. لَيْسَ الرّيّ عَن التشاف. أكل عَلَيْهِ الدَّهْر وَشرب.

أحس فذق وَمثله: إِنَّه لشراب بأنقع. أحلب حَلبًا لَك شطرة. لَا أفعل ذَلِك مَا اخْتلفت الدرة والجرة. لَا يكون أول من التبأ لبأة. إِن الرثيئة مِمَّا تفثأ الْغَضَب. ربضك مِنْك وَإِن كَانَ سماراً. شخب فِي الْإِنَاء وشخب فِي الأَرْض. أمهلني فوَاق نَاقَة. صرح الْحق عَن محضه. أبان الصَّرِيح عَن الرغوة. أَبى الْحَقَّيْنِ الْعذرَة. أعن صبوح ترقق. يسر حسواً فِي ارتغاء. حَال صبوحهم دون غبوقهم. سبق درته غراره. لَيْسَ كل حِين أحلب فأشرب. الصَّيف ضيعت اللَّبن. أَتَاك رَيَّان بلبنه. حلبتها ثمَّ أقلعت. درت حلوبة الْمُسلمين. أثر الصرار يَأْتِي دون الذيار.

لم تحلب وَلم تغار فأودي اللَّبن. شخب طمح. لَا يلبث الْحَلب الحوالب. أدرها وَإِن أَبَت. عدا القارص فحرز. شب شوباً لَك بعضه. يشوب ويروب. يحلب بنى وَأَشد على يَدَيْهِ. من ير الزّبد يعلم أَنه من اللَّبن. من ير الزّبد يخله من لبن. لَو قيل للشحم: أَيْن تذْهب؟ لقَالَ: أسوي العوج. أَنا مِنْهُ كحاقن الإهالة. اخْتَلَط الخاثر بالزابد. مَا يدْرِي أيخثر أم يذيب. جمل واجتمل. لوشكان ذَا إهالة. وَمثله: لسرعان ذَا إبانة وَمثله: وشكان ذَا إذابة وحقناً. يَا نَفسِي لَا لهف لَك كل بَيْضَاء لَك: يُرِيد الشّجر. لَا نجم فِي ذَنْب الْكَلْب. لَيْسَ الشَّحْم بِاللَّحْمِ وَلَكِن من قواصيه. شحمتي فِي قلعي. سمنهم

فِي أديمهم. وَقع على شحمة الركي. والرقي. مَا كل بَيْضَاء شحمة وَلَا كل سَوْدَاء تَمْرَة. لَكِن على الأثلاث لحم لَا يظلل. شوى أَخُوك حَتَّى إِذا أنضج رمد. إِنَّه يعلم من أَيْن تُؤْكَل الْكَتف. غثك خير من سمين غَيْرك. كسؤر العَبْد من لحم الحوار. من اشتوى أكل شواؤكم. مَا هُوَ بخل وَلَا خمر. الْيَوْم خمر وَغدا أَمر. هِيَ الْخمر تكنى الطلاء. ذُقْ تغتبط. لَا تكن حلواً فتسترط وَلَا مرا فتعقى. وجد تَمْرَة الْغُرَاب. التمرة إِلَى التمرة تمر كِلَاهُمَا. التَّمْر فِي الْبِئْر وعَلى ظهر الْجمل. إِنَّه لأشبه من التَّمْر بِالتَّمْرِ السويق. أحشفاً وَسُوء كيلة؟ . ترى الفتيان كالنخل، وَمَا يدْريك مَا الدخل. كمستبضع التَّمْر إِلَى هجر.

الامثال في المال والغني والفقر والصدق والكذب والحق والباطل والحمق والحيله والاطراق والشر والظلم والدعاء والاعتذار والعلم والراي

مَتى كَانَ حكم الله فِي كرب النّخل. قيل للحبلى مَا تشتهين؟ قَالَت: التَّمْر وواهاً ليه. مَا ظلمته نقيراً وَلَا فتيلاً. مَا الخوافي كالقلبة وَلَا الخناز كالثعبة. عرف النّخل أَهله. كل حَاطِب على لِسَانه تَمْرَة. الْأَمْثَال فِي المَال والغنى والفقر والصدق وَالْكذب، وَالْحق وَالْبَاطِل، والحمق وَالْحِيلَة، والإطراق وَالشَّر وَالظُّلم، وَالدُّعَاء والاعتذار، وَالْعلم والرأي : لم يذهب من مَالك مَا وعظك. خير مَالك مَا نفعك. جَاءَ فلَان بالطم والرم. من مَال جعد، وجعد غير مَحْمُود. فِي وَجه المَال تعرف إمرته. خير مارد فِي أهل وَمَال. جَاءَ بالهيل والهيلمان. لفُلَان كحل، وَمثله: وَلفُلَان سَواد. حَسبك من غنى شبع ورى. الْغنى طَوِيل الذيل مياس. سوء حمل الْفَاقَة يضع من الشّرف. الْمَسْأَلَة آخر كسب الرجل.

الْخلَّة تَدْعُو إِلَى السلَّة. سَوَاء هُوَ والمعدوم والعدم. رب مكثر مُسْتَقل لما فِي يَده. عر فقره بِفِيهِ، لَعَلَّه يلهيه. من قنع فنع، وَمن قنع شبع. إِن فِي المرتعة لكل كريم مقنعة. الصدْق ينبى عَنْك لَا الْوَعيد. من عرف بِالصّدقِ جَازَ كذبه. عِنْد النَّوَى يكذبك الصَّادِق. من عرف بِالْكَذِبِ لم يجز صدقه. إِن خَصْلَتَيْنِ خيرهما الْكَذِب لخصلتا سوء. لَيْسَ لمكذوب رَأْي. رَأْي الكذوب قد يصدق. قد قيل ذَلِك إِن حَقًا وَإِن كذبا. أكذب النَّفس إِذا حدثتها. لَا يدْرِي المكذوب كَيفَ يأتمر. الْحق أَبْلَج، وَالْبَاطِل لجلج. أبْغض حق أَخِيك. مَا يمعن بحقي وَلَا يذعن. إِذا طلبت الْبَاطِل انجح بك. قد اتخذ الْبَاطِل دغلاً.

من خَاصم بِالْبَاطِلِ أنجح بِهِ. أَحمَق لَا يجأي مرغه. أَحمَق بلغ. معاداة الْعَاقِل، خير من مصادقة الْجَاهِل. زادك الله رعالة، كلما ازددت مثالة. خرقاء عيابة. إِن تَحت طريقتك لعِنْد أوة. مخرنبق لينباع. لَو كَانَ ذَا حِيلَة تحول. الْمَرْء يعجز لَا المحالة. لَا تَنْفَع حِيلَة مَعَ غيلَة. أمكراً وَأَنت فِي الْحَدِيد. مجاهرة إِذا لم أجد مختلاً. ترك الخداع من أجْرى من مَائه. إِن لم تغلب فاخلب. الْمعَافى لَيْسَ بمخدوع. أَي فَتى قَتله الدُّخان. لَو كَانَ ذَا حِيلَة تحول. إِذا نزل بك الشَّرّ فَاقْعُدْ بِهِ. الشَّرّ يبدوه صغاره. من شَرّ مَا أَلْقَاك أهلك.

إِن من الشَّرّ خياراً. بعض الشَّرّ أَهْون من بعض. إِن حَسبك من شَرّ سَمَاعه. استقدمت رحالتك: يُقَال: للمتعجل إِلَى الشَّرّ. من نجل النَّاس نجلوه: أَي شارهم. الشَّرّ أَخبث مَا أوعيت من زَاد. حلقي وثوبي: يضْرب فِي الشَّرّ. ادْفَعْ الشَّرّ عَنْك بِعُود أَو عَمُود. لَيْسَ أَخُو الشَّرّ كمن توقاه. هُوَ يكايله الشَّرّ ويحاسيه الشَّرّ. سرق مَا بَينهم بشر. أترك الشَّرّ يتركك. أر غياً أزدد فِيهِ. رَأَيْته بأخي للشر: أَي بشر. وَمثله: رَأَيْته بأخي الْخَيْر. خَيرهَا بشرها وَخَيرهَا بخيرها. ادْفَعْ الشَّرّ عَنْك بِمثلِهِ إِذا أعياك غَيره. الظُّلم مرتعه وخيم. من أشبه أَبَاهُ فَمَا ظلم. الشحيح أعذر من الظَّالِم. هَذِه بِتِلْكَ والبادي أظلم. لعالك عَالِيا.

الامثال في النوم والفلك والطب والمنيه والدواهي

تعساً لِلْيَدَيْنِ والفم. مَاله أحَال وأجرب. عقرا حلقا. اللَّهُمَّ غيظاً لَا هبطاً. هنئت فَلَا تنكه. رب سامع عذرتي لم يسمع قفوتي. رب سامع بخبري لم يسمع عُذْري: لَعَلَّ لَهُ عذر وَأَنت تلومه. ترك الذَّنب أيسر من الِاعْتِذَار. المعاذير مكاذب. أعذر من أنذر. قد بلغ فلَان فِي الْعلم أطوريه. الْعَالم كالحمة يَأْتِيهَا الْبعدَاء، ويزهد فِيهَا الْقُرَبَاء. إِذا زل الْعَالم زل بزلته الْعَالم. علمَان خير من علم. الرَّأْي الدُّرِّي. رَأْي فاتر وغدر حَاضر. قد أحزم لَو أعزم. الْأَمْثَال فِي النّوم والفلك والطب والمنية والدواهي آلف من الْحمى. أحر من القرع. أطب من ابْن حذيم. وَيُقَال جد لم.

الْحمى أضرعتني لَك. إِنِّي إِذا حككت قرحَة أدميتها. غُدَّة كَغُدَّة الْبَعِير، وَمَوْت فِي بَيت سَلُولِيَّة. مَا بِهِ قلبة. مَا بِهِ ظبظاب. عوير وكسير وكل غير خير. مَا هُوَ إِلَّا شَرق أَو غرق. أضَاف حَتَّى مَا يشتكي السواف. لَا يعْدم مَانع عِلّة. كَانَ مثل الذبْحَة على النَّحْر. حَال الجريض دون القريض. أغبيط أم عَارض. لَو كَانَ درءاً لم تئل. لَا عِلّة، هَذِه أوتاد وأخلة، وفهرنا فِي الْحلَّة. أرق على ظلعك. آخر الدَّاء الكي. يَا طَبِيب طب لنَفسك، وطب أَيْضا. الْقَوْم طبون، وَقرب طب. قرب طِبًّا. بقطيه بطبك. إِن دَوَاء الفتق أَن تحوصه.

دمث لجنبك قبل النّوم مضجعاً. مطله مطل نُعَاس الْكَلْب. يَأْكُل وسطا ويربض حجرَة. نَام نومَة عبود. ظلت على فراشها تكري وَيُقَال تكري. لَا ينَام من أثير. المنايا على الحوايا. لم يفت من لم يمت. الثكل أرامها ولدا. لَا أفعل ذَلِك مَا حَيّ حَيّ، أَو مَاتَ ميت. الْمنية وَلَا الدنية. الْمَوْت الْأَحْمَر. لَا عتاب بعد الْمَوْت. لَا يملك الخائن حِينه. الْمَوْت السجيح خير من الْحَيَاة الذميمة. العقوق ثكل من لم يثكل. ولى الثكل بنت غَيْرك. إِنَّه لداهية الغبر. إِنَّه لعضلة من العضل. جَاءَ بالداهية الدهياء. جَاءَ بِالرَّقْمِ الرقماء.

الامثال الافراد

جَاءَ بِأم الربيق على أريق. جَاءَ بِإِحْدَى بَنَات الطَّرِيق. جَاءَ بمطفئة الرضف. صمي صمام. وصمي ابْنة الْجَبَل أَيْضا. إِن الدَّوَاهِي فِي الْآفَاق تهترش، وَيُقَال: ترتهس. إِن الخصاص يرى فِي جَوْفه الرقم. الْأَمْثَال الْأَفْرَاد إِلَّا ده فَلَا ده. ضرب أَخْمَاسًا لأسداس. ويل للشجي من الخلي. خُذ مَا طف واستطف. مَا يدْرِي قبيلاً من دبير. سمن فأرن. عَاد الحيس يحاس. هما صوعان فِي إِنَاء. اعْتبر السّفر بأوله. سَوَاء لِوَاء، وَقَالَ بَعضهم: سواهُ لواه. لأقيمن قذلك ولأقيمن حدلك. اذكر غَائِبا يقترب. هَذِه بِتِلْكَ فَهَل جزيتك.

الحفائظ تحلل الأحقاد. ملكت فاسجح. الْمقدرَة تذْهب الحفيظة. لَوْلَا الوئام هلك اللئام. من يبغ فِي الدّين يصلف. استكرمت فاربط. أَنا غريرك من هَذَا الْأَمر. على الْخَبِير سَقَطت. عاط بِغَيْر أنواط. خُذ الْأَمر بقوابله. الملسى لَا عُهْدَة لَهُ. إِن السَّلامَة مِنْهَا ترك مَا فِيهَا. افْعَل كَذَا وخلاك ذمّ. صيدك لَا تحرمه. رب عجلة تهب ريثاً. النجاح مَعَ الشُّرَّاح. قد نفخت لَو كنت تنفخ فِي فَحم. إِن كنت تشد بِي أزرك فأرخه. رضيت من الْغَنِيمَة بالإياب. الْحَرِيص يصيدك لَا الْجواد. جَاءَ فلَان وَقد لفظ لجامه.

سرق السَّارِق فانتحر. ذل لَو أجد ناصراً. يعود على الْمَرْء مَا يأتمر. جانيك من يجني عَلَيْك. أَنا مِنْهُ فالج بن خلاوة. وجدت النَّاس أخبر نَقله. لَا ينفعنك من جَار سوء توق. أَنْت تئق وَأَنا مئق، فَمَتَى نتفق؟ . عَادَة السوء شَرّ من للمغرم. همك مَا همك وَيُقَال: همك مَا أهمك. مَا أباليه عبكة. يَكْفِيك نصيبك شح الْقَوْم. الْمَرْء تواق إِلَى مالم ينل. خلاؤك أقنى لحيائك. تسْقط بِهِ النَّصِيحَة على الظنة. لَا بقيا للحمية بعد الحرائم. إِنَّه لنكد الحظيرة. رهباك خير من رغباك. دردب لما عضه الثقاف. أَنْت مرّة عَيْش وَمرَّة جَيش. يَا حبذا التراث لَوْلَا الذلة.

لأمدن غضنك. قد بدا نجيث الْقَوْم. لَا يحسن التَّعْرِيض إِلَّا ثلباً. سَفِيه لم يجد مسافهاً. من قل ذل، وَمن أَمر فل. فلَان ألوى بعيد المستمر. من حفنا أَو رفنا فليقتصد. قد ألنا وإيل علينا. إرض من الْمركب بِالتَّعْلِيقِ. أجر الْأُمُور على أذلالها. مَا فِيهَا صافر. كَأَنَّهُمْ جن عبقر. قَالَ فلَان قولا مَا مؤس الْبَحْر. غَمَرَات ثمَّ ينجلين. ضربك بالفطيس خير من المطرقة. صغراها مراها. مصى مصيصاً. يُقَال لمن يُؤمن بالتثبت والتوقر.

الباب الخامس النجوم والانواء ومنازل القمر علي مذهب العرب

الْبَاب الْخَامِس النُّجُوم والأنواء ومنازل الْقَمَر على مَذْهَب الْعَرَب نذْكر أَولا فِي هَذَا الْبَاب منَازِل الْقَمَر وَمَا قَالَت الْعَرَب فِيهَا، وَفِي نزُول الْقَمَر بهَا أَو مصورة عَنْهَا، وطلوع كل واحدٍ وَسُقُوط رقيبه مِنْهَا، ثمَّ نذْكر الصُّور والبروج، والصور خَاصَّة، وعَلى مَوْضِعه من بروجه الَّذِي هُوَ فِيهِ من فلك البروج عَامَّة بعون الله تَعَالَى. فَأَما الْمنَازل وَهِي ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ نجماً الشرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرفة والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسماك والغفر والزبانيان والإكليل وَالْقلب والشولة والنعائم والبلدة وَسعد الذَّابِح وَسعد بلع وَسعد السُّعُود وَسعد الأخبية وَفرغ الدَّلْو الْمُقدم، وَفرغ الدَّلْو الْمُؤخر، وبطن الْحُوت. قَالَت الْعَرَب فِي أسجاعها عِنْد طُلُوع كل نجم، إِذا طلع الشرطان، أَلْقَت الْإِبِل أوبارها فِي الأعطان، ويوشك أَن يشْتَد حر الزَّمَان. ثمَّ البطين فَقَالَت: إِذا طلع البطين، طلعت الأَرْض بِكُل زين، وَحسنت فِي كل عين. ثمَّ الثريا - وَهُوَ النَّجْم - إِذا طلع النَّجْم، فالبرد فِي هدم، والعانات فِي كَدم، والفلاحون فِي ضجم، والقيظ فِي حذم، وَالْبرد فِي حطم، والعشب فِي صلم.

ثمَّ الدبران، إِذا طلع الدبران توقدت الحزان، وأخمدت النيرَان. وَبَات الْفَقِير بِكُل مَكَان. ثمَّ الهقعة: إِذا طلعت الهقعة، انْتقل النَّاس للقلعة. ثمَّ الهنعة، إِذا طلعت الهنعة طلب النَّاس النجعة، وأحبوا إِلَى الوليف الرّجْعَة. ثمَّ الذِّرَاع: إِذا طلعت الذِّرَاع، حسرت الشَّمْس القناع، وأشعلت فِي الْأُفق الشعاع، وترقرق السراب بِكُل قاع. النثرة إِذا طلعت النثرة، الْتقط البلح بِكَثْرَة، وأصابك من القر خضرَة، ويوشك أَن تظهر الخضرة. ثمَّ الطرفة: إِذا طلعت الطرفة، حسنت السعفة، وَصَارَ التَّمْر تحفة. ثمَّ الْجَبْهَة، إِذا طلعت الْجَبْهَة أرطبت النَّخْلَة، وَحسن النّخل حمله. ثمَّ الزبرة وَهِي الخراتان إِذا طلعت الزبرة أرطبت البسرة وَإِذا طلعت الخراتان طابت أم الجرذان، وتزينت القنوان. ثمَّ الصرفة، إِذا طلعت الصرفة احتال كل ذِي حِرْفَة، وَرَأَيْت الطير حفة، وفشت الخفة. ثمَّ العواء، إِذا طلع العواء لم يبْق فِي كرم جناء، واكتنس الظباء، وطاب الْهَوَاء، وَضرب الخباء، وَأمن على عوده الحرباء. ثمَّ السماك: إِذا طلع السماك ولت العكاك فأجل حراك، وَأصْلح خباك، وَصوب فناك، فكأنك بالفرقد أَتَاك. ثمَّ الغفر: إِذا طلع الغفر، حسن فِي عين النَّاظر الْجَمْر، وطاب التَّمْر، وَذهب الْبَصَر، وأتى من الْبرد السّفر. ثمَّ الزبانيان إِذا طلعت الزباني فاطلب مَا يَكْفِيك زَمَانا، واستعد لشتائك وَلَا تواني.

ثمَّ الإكليل: إِذا طلع الإكليل، هَاجَتْ الفحول، ووفى كل خَلِيل، واستبان على أهليه الْكثير والقليل. ثمَّ الْقلب: إِذا طلع الْقلب. جَاءَ الشتَاء كَالْكَلْبِ، وَوَقع الثَّلج كالثرب وطلع على النسْر كالركب، وانحجر من الْبرد الضَّب. ثمَّ الشولة إِذا طلعت الشولة، أَتَاك الشتَاء بصولة، وَخرج النَّحْل، وللطير عَلَيْهِنَّ دولة. ثمَّ النعائم: إِذا طلعت النعائم، التطت الْبَهَائِم من الصقيع الدَّائِم، وخلص الْبرد إِلَى كل نَائِم. ثمَّ الْبَلدة: إِذا طلعت الْبَلدة، أصَاب النَّاس من الْبرد شدَّة، وفشت الرعدة وأكلت القشدة، وَقيل للبرد: اهده. ثمَّ سعد الذَّابِح، إِذا طلع سعد الذَّابِح، انحجزت الضوابح، وَلم تهر النوابح، من الْبرد البارح، وأورى عوده كل قَادِح. ثمَّ سعد بلع، إِذا طلع سعد بلع، شيع الْعَاجِز الهبع، وطاب الوقع، وهيئت الرّبع، وكأنك بالبرد قد انقشع. ثمَّ سعد السُّعُود: إِذا طلع سعد السُّعُود، ذاب كل مجمود، وخضر كل عود، وَوقى كل مصرود، وانتشر كل مَوْلُود، وَكره عِنْد النَّار الْقعُود. ثمَّ سعد الأخبية: إِذا طلع سعد الأخبية طابت الأفنية، وَقصرت الْأَبْنِيَة وزقت الأسقية، وانتشرت الأخبية. ثمَّ فرغ الدَّلْو الْمُقدم: إِذا طلع الدَّلْو، شيع الضَّعِيف الْخُلُو، وهيب الجزو، وَمن القيظ بعض الشبو. ثمَّ فرغ الدَّلْو الْمُؤخر: إِذا طلع الفرغ، طلب الْكَلْب الوغل، وشبع الْفَحْل فَلم يرع. ثمَّ الْحُوت وَهُوَ السَّمَكَة: إِذا طلعت السَّمَكَة، وتعلقت بِالثَّوْبِ الحسكة، نصبت الشبكة، وطاب الزَّمَان للنسكة.

وَقَالُوا: أَيْضا: طلع النَّجْم عشَاء، ابْتغى الرَّاعِي كسَاء. يُرِيدُونَ طُلُوع الثريا بالعشيات وَذَلِكَ عِنْد اشتداد الْبرد. وطلع النَّجْم غدية، ابْتغى الرَّاعِي شكية. يُرِيدُونَ شكوة يحمل فِيهَا المَاء لشدَّة الْحر. وَجعلُوا السّنة أَرْبَعَة أَجزَاء. فَجعلُوا الزَّمن الأول الصفرية. وَسموا مطره الوسمي وحصته من السّنة وَاحِد وَتسْعُونَ يَوْمًا، وَجعلُوا حِصَّته من النُّجُوم سَبْعَة أنجم تسْقط مَعَ الْفجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس بَين كل نجمين ثَلَاثَة عشر يَوْمًا، فَأول الصفرية وَهُوَ أول الوسمي سُقُوط أول نجومه، وَهِي عرقوة الدَّلْو السُّفْلى وَهُوَ الفرغ الْأَسْفَل. والحوت والشرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة، وَسُقُوط عرقوة الدَّلْو السُّفْلى يكون لعشر يمضين من أيلول، وَيَسْتَوِي اللَّيْل وَالنَّهَار بعد ذَلِك بِأَرْبَع عشر لَيْلَة وَهُوَ فصل، وَسُقُوط كل نجم أَن ينظر إِلَيْهِ النَّاظر مَعَ طُلُوع الْفجْر إِذا قيد فرسه من تَحت بَطنهَا فِي الْأُفق مِمَّا يَلِي الْمغرب وَكلما سقط نجم طلع نَظِيره من الْمشرق وَلَا يرين الطالع عِنْد سُقُوط السَّاقِط لِأَنَّهُ قريب من الشَّمْس، فيفضحه ضوء النَّهَار، ونوء كل نجم مَا بعده إِلَى سُقُوط النَّجْم الَّذِي يَلِيهِ، فَإِذا تمّ سُقُوطهَا انْقَطع مطر الوسمي. وَجعلُوا الزَّمن الثَّانِي الشتَاء وحصته من السّنة أحد وَتسْعُونَ يَوْمًا بِسُقُوط أول نجومه الهنعة والذراع والنثرة والطرفة والجبهة والزبرة والصرفة، فسقوط الهنعة يكون لعشر لَيَال تمْضِي من كانون فَعِنْدَ ذَلِك تسْقط الهنعة وَيَنْتَهِي طول اللَّيْل وَقصر النَّهَار بعد ذَلِك بِإِحْدَى عشرَة، فَإِذا سَقَطت الصرفة قَالُوا: انْصَرف الشتَاء، فَعِنْدَ ذَلِك يَنْقَطِع الشتَاء، وَمِنْهُم من يُسمى الشتَاء ربيعا. ثمَّ جعلُوا الزَّمن الثَّالِث الصَّيف وَهُوَ زمن الرّبيع وحصته من السّنة إِحْدَى وَتسْعُونَ يَوْمًا وَهُوَ فِي آذار قَالُوا: إِذا مضى عشر من آذار، برد مَاء الْآبَار، وتصرم الثِّمَار، وصور النَّحْل الْآبَار، واشتهى الْغُلَام الْإِزَار، وشدت على المطايا

الأكوار، واستوى اللَّيْل وَالنَّهَار وحصته من النُّجُوم العواء والسماك والغفر والزبانيان والإكليل وَالْقلب والشولة، فسقوط العواء فِي أحد عشر يَوْمًا من آزَار وَيَسْتَوِي اللَّيْل وَالنَّهَار بعد ذَلِك بِإِحْدَى عشرَة لَيْلَة فَإِذا تمّ سُقُوط هَذِه انْقَضى مطر الصَّيف وَذَلِكَ عِنْد طُلُوع الثريا. وَجعلُوا الزَّمن الرَّابِع القيظ وَيُسمى مطر الخريف وحصته من السّنة إِحْدَى وَتسْعُونَ يَوْمًا، بِسُقُوط أول نجومه وَذَلِكَ لعشر تمْضِي من حزيران ونجومه النعائم والبلدة وَسعد الذَّابِح وَسعد بلع وَسعد السُّعُود وَسعد الأخبية وعرقوة الدَّلْو الْعليا وَهِي الفرغ الْمُقدم فَإِذا تمّ سُقُوطهَا انْقَطع مطر الخريف وزمان القيظ وَعَاد زمَان الصُّفْرَة. فَذَلِك أَرْبَعَة أزمنة عَددهَا ثَلَاثمِائَة وَأَرْبَعَة وَسِتُّونَ يَوْمًا وَيُزَاد فِيهَا يَوْم الْجَبْهَة حَتَّى يتم الْعدَد بثلاثمائة وَخمْس وَسِتِّينَ يَوْمًا وَيصِح كل زمن فِي وقته. وَمن الْعَرَب من جعل السّنة سِتَّة أَجزَاء، فَجعل الزَّمَان الأول الوسمي وَجعل حِصَّته من السّنة شَهْرَيْن وحصته من النُّجُوم أَرْبَعَة أنجم وثلثي نجم. وَجعل الزَّمن الثَّانِي الشتَاء، وَجعل حِصَّته من السّنة شَهْرَيْن وَمن النُّجُوم أَرْبَعَة أنجم وثلثي نجم. وَجعل الزَّمن الثَّالِث الرّبيع، وَجعل حِصَّته من السّنة شَهْرَيْن وَمن النُّجُوم أَرْبَعَة أنجم وثلثي نجم. وَجعل الزَّمن الرَّابِع الصَّيف وحصته من السّنة شَهْرَيْن وَمن النُّجُوم أَرْبَعَة أنجم وثلثي نجم. وَجعل الزَّمن الْخَامِس الْحَمِيم وَجعل حِصَّته من السّنة شَهْرَيْن وَمن النُّجُوم أَرْبَعَة أنجم وثلثي نجم. وَجعل الزَّمن السَّادِس الخريف وَجعل حِصَّته من السّنة شَهْرَيْن وَمن النُّجُوم أَرْبَعَة أنجم وثلثي نجم. ويكرهون أَن يكون ابْتِدَاء مطرهم بالشرطين وَيَخَافُونَ أَن يكون ذَلِك الْعَام جدباء، وَيَقُولُونَ: إِنَّه إِذا أَصَابَهُم فِي الشَّرْطَيْنِ مطير قَالُوا: تخَاف أَن يكون

أحداجا من الأنواء. يسمونها الأنيسين وَيُقَال للْوَاحِد الأنيس وَيُقَال: هما كوكبان بَين يَدي شرطين وَسُقُوط الْجَبْهَة هُوَ أول الرّبيع، وَهُوَ انكسار الْبرد، وَظُهُور مظهر الدفء، وإنهاك العشب، ونتاج الْإِبِل، وتوليد الْغنم، وَحِينَئِذٍ ينتجون ويولدون ويحضنون. وَقَالَت امْرَأَة من الْعَرَب: لم أر كالربيع مضى، لم تقم عَلَيْهِ المآتم، وَيَقُولُونَ أَن القر فِي بطُون الْإِبِل، فَإِذا ذهب القر سحت الْإِبِل. قَالَ بَعضهم إِذا سَقَطت النثرة سرت الْإِبِل وَأَنت قبل ذَلِك باركة فِي أعطانها، وتلقى جلالها عَنْهَا ويؤمن هربه عل المَال، ويدب القراد ويطلع الضَّب رَأسه وينضر الشّجر لسخونة الأَرْض قبل أَن يظْهر الدفء. وَقَالُوا: كفا الشتَاء: الذراعان والنثرة، وَقَالُوا: لَا يورق الْعود حَتَّى تنوء الْجَبْهَة، فَإِذا أَنْت سَقَطت الْجَمْرَة الأولى، والجمرات ثَلَاث: فأولها: سُقُوط الْجَبْهَة لأَرْبَع عشرَة يمضين من شباط. وَالثَّانِي: مَعَ سُقُوط الزبرة لثمان وَعشْرين من شباط. وَالثَّالِثَة مَعَ سُقُوط الصرفة لثلاث عشرَة يمضين من آذار. وَفِي أول الجمرات مَعَ سُقُوط الْجَبْهَة ساخ الثرى وماذ المعرق، وأورق الْعود، وَاخْتلفت رُءُوس الْإِبِل فِي مباركها، ولفظت الأَرْض مَا فِيهَا من نبت، وتزعم الْعَرَب أَن نوء الْجَبْهَة أَعم الْمَطَر نفعا يصل مَا قبله وَمَا بعده. وَيُقَال: إِنَّه لم يمتلئ غَائِط قطّ من مَاء نوء الْجَبْهَة إِلَّا امْتَلَأَ عشباً. وَيَقُولُونَ عَن نوء الْجَبْهَة إِنَّه يظْهر كل ثرى كَانَ فِي بطن الأَرْض قبله وَأَنه إِذا اخلف نوءها لم يتم ربيع ذَلِك الْعَام. وعقارب الشتَاء أَربع وَهِي الْبرد ينزل بِهن الْقَمَر فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من

الشُّهُور الْعَرَبيَّة فِي ليَالِي الشتَاء وَقل مَا يخلفوا أَن يكون فِيهِنَّ فرقا ولهن للمجرة ينزل الْقَمَر الأول الْعَقْرَب وَلَيْلَة سِتّ وَعشْرين من الشَّهْر الْعَرَبِيّ وَهِي تشرين الآخر، ثمَّ الثَّانِيَة الْعَقْرَب الهزار بقارن الْقَمَر الْعَقْرَب لأَرْبَع وَعشْرين من شهر الْعَرَب وَذَلِكَ فِي كانون الأول ثمَّ الْعَقْرَب الجثوم الثَّالِثَة لاثْنَتَيْنِ وَعشْرين من شهر الْعَرَبِيّ وَذَلِكَ فِي كانون الآخر. ثمَّ عقرب الختران لَيْلَة عشْرين من شهر الْعَرَبِيّ فِي شباط، وَسميت الأولى المخرمة لِأَن الْقَمَر حِين يحلهَا وَلَا يخرج مِنْهَا حَتَّى يستسر. وَسميت الثَّانِيَة الهرار لموافقة طُلُوع الهرارين قلب الْعَقْرَب والنسر الْوَاقِع حِين يسريان فِي الْمشرق مَعَ طُلُوع الْفجْر، وَسميت الجثوم لشدَّة الشتَاء وجثومه، وَسميت الختران لنتاج الْإِبِل وَكَثْرَة الختران فِي ذَلِك الْوَقْت ثمَّ يقارن الْقَمَر الثريا بعد ذَلِك بِخمْس عشرَة لَيْلَة فَيكون لخامسة تمْضِي من الشَّهْر الْعَرَبِيّ وَفِيه قَالَ الشَّاعِر. إِذا مَا قَارن الْقَمَر الثريا ... لخامسةٍ فقد ذهب الشتَاء ثمَّ الشَّهْر الَّذِي بعد هَذَا من شهور الْعَرَب يقارن فِيهِ الثريا لثالثة وَيُقَال إِنَّهَا أغزر لَيْلَة فِي السّنة فِي كَثْرَة اللَّبن، وَذَلِكَ لِأَن الْإِبِل يتكامل نتاجها، وتجلب الحملان فِي ذَلِك الْوَقْت فتخلو ألبان الشتَاء لأَهْلهَا. وَقَالَ الشَّاعِر: إِذا مَا قَارن الْقَمَر الثريا ... لثالثةٍ فقد كثر السلاء. . ثمَّ يقارن الْقَمَر الثريا فِي الشَّهْر الثَّالِث مَعَ اسمراره، وَيُقَال عِنْد سُقُوط السماك يخَاف الناشرة. وَذَلِكَ لِأَن الْمَطَر يَنْقَطِع قبل سُقُوط السماك ثمَّ يكون مطره عِنْد سُقُوطه غير مُتَّصِل بِمَا كَانَ قبله، وَقد هَاجَتْ الأَرْض، وَذَهَبت الوغرات، فَإِذا أَصَابَهُ مطر نوء السماك نشر وَعَاد الْعود أَخْضَر، وَعَاد فِي أُصُوله الْوَرق، فَإِذا رعته الْمَاشِيَة، أدراها وضرها وأصابها عَنهُ دَاء يسمونه الهرار،

وَقد جعلُوا لكل من كَانَ نجوماً، وَسموا سُقُوطهَا وطلوعها أنواء، فَجعلُوا السُّقُوط علما لنجوم الوسمي، والشتاء وَالربيع، وَهُوَ نصف السّنة وَحين الْبرد وَمَا قاربه من الَّذِي من قبله، وَمن بعده، وَجعلُوا الطُّلُوع علما لنجوم الصَّيف وَالْحَمِيم والخريف، وَمَا دنا مِنْهَا من لين الزَّمَان وَهُوَ نصف السّنة. قَالُوا: سُقُوط الفرغ للأسفل، هُوَ ذهَاب الْحر وَدخُول الْبرد، واستغناء عَن أَكثر سقى الْإِبِل، لِأَن الظمأ يطول وَإِنَّمَا يحْتَاج لِلْإِبِلِ فِي الشَّهْر إِلَى أَن ترد مرّة لَا تحْتَاج الْغنم إِلَى أَكثر من مرَّتَيْنِ فِي الشَّهْر وَإِن وَقعت الأمطار جرأت الْمَاشِيَة فَإِذا سقط فرغ الدَّلْو للأسفل عدوه طلع السماك الرامح وَلذَلِك قَالَ الشَّاعِر: حَتَّى رَأَيْت عراقي الدَّلْو سَاقِطَة ... وَذَا السِّلَاح مصوح الدَّلْو قد طلعا ورقيب الفرغ الأَسفل العواء السماك الرامح يطلع مَعَه، وَهُوَ يطلع قبل السماك الأعزل الَّذِي ينزل بِهِ الْقَمَر، وَأَرَادَ بقوله ذُو السِّلَاح، السماك الرامح، وَيَزْعُم أهل الشَّام أَن اسْتِوَاء اللَّيْل وَالنَّهَار فِي اسْتِقْبَال الشتَاء يكون فِي أيلول لست تبقى مِنْهُ، فِي ذَلِك الْيَوْم يطلع العواء وَيسْقط الدَّلْو وَبَينه الفرغ الْمُؤخر وَيعود إِلَى السُّقُوط وَيدعونَ مؤخره أَشد تقارباً لطلوع النَّجْم والدبران ثمَّ تسْقط الهنعة، ويطلع رقيبها النعائم لأربعة وَعشْرين يَوْمًا يمْضِي من كانون الأول فسقوطها عدوه هُوَ أول مطر الشتَاء وأنوائه. ثمَّ تسْقط الذِّرَاع ويطلع نظيرها البدرة لسبعة أَيَّام تمْضِي من كانون الآخر ونوءها خمس لَيَال وَقل مَا يخلف نوء الذِّرَاع، والذراع عِنْدهم ذِرَاع الْأسد والنثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعواء من الْأسد، فَمَا بَين العواء والذراع عِنْدهم من الْأسد، وَمِنْهُم من يَجْعَل السماك مِنْهُ ثمَّ يسْقط النثرة لعشرين تمْضِي من كانون الآخر ويطلع رقيبها سعد الذَّابِح ونوءها سبع لَيَال. قَالَ ذُو الرمة: مرن الضُّحى طاوٍ بني صهواتِه ... لزوايا غمام النثرة المترادف ثمَّ يسْقط الطّرف، ويطلع نَظِيره سعد بلع، ليومين يمضيان من الشباط

ونوءه لست لَيَال، لِأَن الْجَبْهَة تقترن بِمَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا، ونوءها غزير طَوِيل مثل نوء الثريا، ثمَّ يسْقط الْجَبْهَة لخمسة عشر يَوْمًا من شباط، ويطلع رقيبها سعد السُّعُود، ونوءها سبع لَيَال، فَإِذا سَقَطت الْجَبْهَة انْكَسَرَ الشتَاء، وَولد النَّاس، واجتنى أَوَائِل الكمأة، وَسَقَطت الْجَمْرَة الأولى، ثمَّ تسْقط الزبرة ليَوْم تبقى من شباط ويطلع رقيبها سعد الأخبية، وَهِي الْجَمْرَة الْوُسْطَى، ومطرها ينْسب إِلَى الْجَبْهَة لقربها مِنْهَا، ونوءها أَربع لَيَال ثمَّ تسْقط الصرفة لثَلَاثَة عشر يَوْمًا تمْضِي من آزَار، ويطلع رقيبها فرغ الدَّلْو، ونوءه ثَلَاث لَيَال وَهُوَ آخر نُجُوم الشتَاء، وينصرف الشتَاء وتمضي نصف السّنة، وَفِي خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا من آذار يسْقط العواء ويطلع رقيبه فرغ الدَّلْو الْمُؤخر ونوءه ثَلَاث لَيَال، وَتخرج الشَّمْس من الْحُوت وَتدْخل الْحمل ثمَّ يجْرِي مصعده نَحْو الشمَال، وَيَسْتَوِي اللَّيْل وَالنَّهَار، وَقد مضى خطّ الوسمي والشتاء من السّنة ثمَّ يجِئ حد الصَّيف، فَإِذا طلع النطح وَهُوَ الشرطان كَانَ أول الصَّيف وَأول البوارح بِطُلُوع النُّجُوم لَا بسقوطها، وبارح كل نجم الطُّلُوع، ونوء العواء أَربع لَيَال وَهُوَ أول الوسمي، وَيسْقط الْحُوت لثمان يمضين من تشرين الأول، ويطلع رقيبه السماك الأعزل ونوءه لَيْلَة، ونوء الْحُوت لَيْسَ نوءه بغزير وَلَا مشهود وَلَا يكَاد الْعَرَب تذكره فِي كَلَامهَا وَلَا أشعارها، وَذَلِكَ أَنه نوء قصير عِنْدهم لَا مطر فِيهِ، ونوء الدَّلْو غزير طَوِيل فَهُوَ يغترف نوء الْحُوت فَلَا يكَاد يذكر، ثمَّ يسْقط الشرطان، وَهُوَ النطح ويطلع رقيبة الغفر فِي أحد وَعشْرين يَوْمًا من تشرين الأول، وَهُوَ عِنْد الْعَرَب أغزر من الْحُوت. وهم لَهُ أذكر ومطره بِإِذن الله من أَنْفَع الْمَطَر لِأَنَّهُ خير ولي للدلو، لَا يجِف ثرى الدَّلْو حَتَّى يكون السرطان لَهُ وليا، لِأَنَّهُ ينوء حِين تحْتَاج الأَرْض إِلَى الْمَطَر. قَالَ ذُو الرمة: حواءُ قرحاءُ أشراطية وكفت ثمَّ يسْقط البطين غدْوَة، ويطلع رقيبة الزبانيان لثلاث يمضين من تشرين

الآخر، وَهُوَ عِنْدهم شَرّ الأنواء يكْرهُونَ الْمَطَر فِيهِ لِأَنَّهُ نزر قَلِيل، وَقل مَا أَصَابَهُم إِلَّا أخطأهم نوء الثريا، ونوءها أشرف الأنواء وأغزرها وهم لَا يذكرُونَ نوء البطين فِي شعر وَلَا غَيره. ثمَّ يسْقط الثريا وَهِي النَّجْم فيعترض فِي الْأُفق سبعا فِي سِتّ عشرَة يَوْمًا تمْضِي من تشرين الآخر، ونوءه سَبْعَة أَيَّام ويطلع رقيبها الإكليل، ونوء الثريا أحب الأنواء إِلَى الْعَرَب لِأَنَّهَا تنوء وَقد دخلُوا فِي الْبرد، فَإِذا أَصَابَهُم نوءها، برقتْ الأَرْض سنتها فَإِذا جادهم وثقوا بالحيا بِإِذن الله، فَإِذا أخطأهم فَهِيَ السّنة والقحط، إِلَّا أَن يكثر مطر الْجَبْهَة، ثمَّ يسْقط الدبران ويطلع رقيبه الْقلب لتسعة وَعشْرين يَوْم من تشرين الآخر، ويطلع مَعَ النسْر الْوَاقِع، وَتسَمى الْعَرَب قلب الْعَقْرَب والنسر الْوَاقِع إِذا طلعا الهرارين وَلَيْسَ سُقُوط الدبران وطلوع قلب الْعَقْرَب النوء، وَلَا غرر، لِأَن نوء الثريا يفْتَرق مَا قبله وَمَا بعده، وَيُقَال أَن لَيْسَ فِي السَّمَاء نجماً مِمَّا ينزل بِهِ الْقَمَر ثَلَاثَة عشر يَوْمًا، إِلَى أَن يطلع الَّذِي بعده، وَذَلِكَ مَا كَانَ لَهُ بارح من منَازِل الْقَمَر فقد يكون البارح لغير الْمنَازل، فَيكون بارحه بِقدر مَا بَينه وَبَين الَّذِي يتلوه من الْكَوَاكِب، فطلوع الشَّرْطَيْنِ لِاثْنَتَيْ عشرَة تتبقى من نيسان، وَيسْقط الغفر ثمَّ يطلع البطين ليَوْم يمْضِي من آيار، وَيسْقط الزبانيان، ثمَّ يطلع النَّجْم وَهُوَ الثريا، فَأول البوارح بارح الثريا، وَهُوَ أقلهَا بارحاً، وبارحه لين، وَرُبمَا سكن وابتداؤه الْيَوْم الرَّابِع عشر من آيار وَمَعَهُ يطلع العيوق، فَيكون بارحه ثَلَاثَة عشر يَوْمًا، ويهيج الْعود وَيسْقط رقيبه الإكليل، ثمَّ يطلع الدبران الْيَوْم السَّابِع وَالْعِشْرين من آيار، وبارحه أَشد من بارح النَّجْم وَاضع وَهُوَ بارح طيب لَا يشْتَد فِيهِ الشمَال وَلَا الحرور، وَيسْقط رقيبه الْقلب ثمَّ يطلع الهقعة وَهُوَ أول جوزاء عِنْد الْعَرَب لعشر يمْضِي من حزيران، وَيسْقط رقيبها الشولة وَيسْتر بارحها، وَهُوَ أول بارح فِي الجوزاء، وَفِيه يُؤْكَل البلح، وَيدْرك بعض الْفَوَاكِه، ثمَّ يطلع الهنعة وَهِي آخر الجوزاء لثمان تبقى من حزيران وَهُوَ أَشد ريحًا وحروراً وسموماً، وَيسْقط رقيبها النعائم وَهُوَ أول مَا يرى الْأَحْمَر والأصفر من النسْر وَتحرق الرمضاء. قَالَ ذُو الرمة:

حدا بارح الجوزاء أعراف مورِه ... بِهِ وعجاج الْعَقْرَب المتناوح يَجْعَل البارح للجوزاء وَجعل العجاج للعقرب وَإِذا استتم طُلُوع الجوزاء وَاشْتَدَّ الْحر وأوردوا إبلهم قَالُوا لِلرَّاعِي: صر شطور إبلك لَا توردها بهلاً يَقُول: حَتَّى تجود بهَا لَبَنًا. فيصر خلفين من أخلاف النَّاقة، وَيتْرك اثْنَيْنِ للفصيل. فَإِذا طلعت الشعرى قيل لِلرَّاعِي: ثلث فيصر ثَلَاثَة أخلاف، فَإِذا طلع السهيل قيل لِلرَّاعِي: اجْمَعْ. فيصر أخلافها كلهَا فَلذَلِك قَالُوا: " إِذا طلع سُهَيْل فلأم الفصيل الويل " وَإِنَّمَا الويل للفصيل لأَنهم يصرون أخلاف النَّاقة كلهَا. وَإِذا طلعت الجوزاء ترقدت المعزاء وكنست الظباء فَلَا تزَال تقيل فِي مكانسها حَتَّى تطلع الْعذرَة، وطلوعها بَين طُلُوع الشعرى وطلوع السهيل، ثمَّ تطلع الشعرى الغميصاء وَهِي الذِّرَاع، وطلوعها لخمس تمضين من تموز وَذَلِكَ أَشد بوارح القيظ سموماً، وَفِيه أول إِدْرَاك الْبُسْر، وَيسْقط رقيبها الْبَلدة، وَيسْقط النسْر وَالْوَاقِع وَهِي أَشد الوغرات وَهِي الَّتِي يغطس فِيهَا الْإِنْسَان بَين الْبِئْر والحوض، وَعِنْدهَا أَو بعيدها قَلِيلا بسط المجرة وَقَالُوا: جنى النّخل بكرَة، وَلم تتْرك ذَات در قَطْرَة ثمَّ طلع النثرة والشعرى والعبور لثماني عشرَة من تموز وَذَلِكَ أَشد مَا يكون من الْحر التهاباً، والشعرى لَيْسَ لَهَا نوء فِي الْمَطَر ووغرتها مثل وغرة جوزاء، وَيسْقط رقيبها سعد الذَّابِح ثمَّ يسْقط الطّرف لثلاث يمضين من آب، وتطلع مَعهَا الغدرة فِي تِلْكَ الْغَدَاة وَيَا ريَاح وغلة وحر شَدِيد، وَعند ذَلِك تُؤْكَل الرطب وَيسْقط رقيبها سعد بلع. وَقَالَت الْعَرَب: إِذا طلعت الغدرة، فعلة نكرَة، فِي بِلَاد الْبَصْرَة. ثمَّ تطلع الْجَبْهَة لست عشرَة تمْضِي من آب ويومئذ يرثى أهل الْحجاز سهيلاً، وفيهَا بارح وحرور، وَيكثر الرطب وَيسْقط رقيبها سعد السُّعُود. وَسَبْعَة وَعشْرين يَوْمًا من آب يرى أهل الْبَصْرَة سهيلاً، وَسُهيْل الْجَبْهَة

يطلعان فِي يَوْم وَاحِد، وَقَالُوا: إِذا طلع سُهَيْل رفع كيل، وَوضع كيل، ولاح للفصيل الويل. يَقُولُونَ يرفع كيل الْحبّ، وَيُوضَع كيل الزَّبِيب وَالتَّمْر، ويفصل الفصيل غَرَامَة. وَعند طُلُوع سُهَيْل، يُقَال: يَا آل سُهَيْل فِي الأوعية، لِأَنَّهُ يفْسد كثيرا مِمَّا يتخذونه من الْأَشْرِبَة والمري والكواميخ وَأكْثر ذَلِك أَن يطيب لَيْلَة، فَعِنْدَ ذَلِك يُقَال: برد مَاء الخرقاء، وَذَلِكَ أَن المَاء يبرد من غير مبرد للْمَاء، وَمَاء الخرقاء الَّتِي لَا تبرد بمنزله. قَالَ الشَّاعِر: إِذا كَوْكَب الخرقاء لَاحَ بسحرةٍ ... سُهَيْل أذاعت غزلها فِي القرائب وَالْعرب تَسْتَغْنِي بِذكر سُهَيْل عَن ذكر الْجَبْهَة فَلَا يذكرونها فِي أشعارهم، ثمَّ تطلع الزبرة وَهِي الخراتان، ويبرد اللَّيْل لسبعة وَعشْرين يَوْمًا من آب ويستقل سيهل وَيسْقط رقيبها سعد الأخبية. ثمَّ يطلع الصرفة لعشر تمضين من أيلول، وَيُقَال: إِذا طلعت الصرفة انْصَرف القيظ، فند ذَلِك ابْتِدَاء السّنة وَدخُول الصفرية، وَيسْقط رقيبها فرغ الدَّلْو الْأَعْلَى ثمَّ يطلع العواء لثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا يمضين من أيلول، وَيسْقط رقيبه فرغ الدَّلْو الْأَسْفَل، ثمَّ يطلع السماك لست تمْضِي من تشرين الأول، وَيسْقط رقيبه بطن الْحُوت، فَعِنْدَ ذَلِك يصرم النّخل وَلَيْسَ من هَذِه الوغرات وغرة إِلَّا وَلها بارح فَإِن اشْتَدَّ هَانَتْ، وَإِن هان اشتدت فاستحقاق البوارح والوغرات من طُلُوع النَّجْم إِلَى أَن تنام الجوزاء، وَذَلِكَ إِلَى استتمام طُلُوع الهنعة، ثمَّ يطلع الغفر لسبعة عشر يَوْمًا تمْضِي من تشرين الأول، وَيسْقط رقيبه الشرطان ثمَّ يطلع الزبانيان ليومين يمضيان من تشرين الآخر، وَيسْقط رقيبها البطين ثمَّ يطلع الإكليل لخمسة عشر يَوْمًا من تشرين الآخر، وَيسْقط رقيبه النَّجْم، ثمَّ يطلع الْقلب لثمانية وَعشْرين

يَوْمًا تمْضِي من تشرين الآخر وَيسْقط رقيبه الدبران، ويطلع النسْر الْوَاقِع، ثمَّ يطلع الشولة الْيَوْم التَّاسِع من كانون الأول، وَيسْقط رقيبها الذِّرَاع، ثمَّ يطلع سعد الذَّابِح لثمانية أَيَّام تمْضِي من كانون الآخر، وَيسْقط رقيبها النثرة، ثمَّ يطلع سعد بلع لأحد وَعشْرين وَيَوْما من كانون الآخر، وَيسْقط رقيبه الْجَبْهَة، ثمَّ يطلع سعد الأخبية لخمسة عشر يَوْمًا تمْضِي من شباط، وَيسْقط رقيبه الزبرة، ثمَّ يطلع فرغ الدَّلْو الْمُقدم ليَوْم تبقى من شباط، وَيسْقط رقيبه الصرفة. ثمَّ يطلع فرغ الدَّلْو الْمُؤخر لإحدى عشرَة يَوْمًا تمْضِي من آزَار، وَيسْقط رقيبه العواء، ثمَّ يطلع الْحُوت لأربعة وَعشْرين يَوْمًا تمْضِي من آذار، ويطلع رقيبه السماك. وَأول منَازِل الْقَمَر: الشرطان وَيَقُولُونَ هما قرنا الْحمل، وهما كوكبان مفترقان عِنْد الْأَعْلَى، الشَّامي مِنْهُمَا كَوْكَب صَغِير، وتسميان أَيْضا النطح وهما عَن يَمِين المدقق ويدعيان أَيْضا الإنسانين ولسقوطهما بِالْغَدَاةِ نوء لَيْلَة، ولطلوعهما بالغداه بارح لَيْلَة وَالله أعلم. ثمَّ ينزل بالبطين وَهُوَ بطن الْحمل، وَهُوَ ثَلَاثَة كواكب صغَار متفرقات غير نيرات وَهِي عَن يَمِين الْمنْكب، ولسقوطهما نوء ثَلَاثَة لَيَال، ولطلوعهما بارح ثَلَاث لَيَال. ثمَّ ينزل بِالثُّرَيَّا وَهِي سِتَّة كواكب مجتمعات طمس على حلقه إلية الشَّاة، ونوءها سبع لَيَال وبارحها أَربع ليل، ثمَّ ينزل بالدبران وَيُسمى التَّابِع والمجدح ويسميه بعض الْعَرَب الضيقة وَهُوَ كَوْكَب أَحْمَر نير، وَيُسمى الْكَوَاكِب الصغار الَّتِي مَعَ القلائص نوء لَيْلَة، وبارحة لَيْلَة وَهُوَ أول بوارح الصَّيف وَيقصر الْقَمَر أَحْيَانًا فَينزل بالضيقة وَهِي بَين النَّجْم والدبران كوكبان صغيران متقاربان كالملتصقين وَقد قَالَ الشَّاعِر: بضيقةِ بَين النجمِ والدبرانِ

ثمَّ ينزل بالهقعة وَهِي رَأس الجوزاء وَتسَمى تحياه وَهِي ثَلَاثَة كواكب مُتَقَارِبَة، كَمَا تنكت فِي الأَرْض بالإبهام والسبابة الْوُسْطَى مَضْمُومَة، ونوءها ثَلَاث لَيَال وبارحها لَيْلَة. ثمَّ ينزل بالهنعة وَهِي فِي المجرة وَبَينهمَا وَبَين الذِّرَاع المقبوضة وهما كوكبان مقترنان، وَعِنْدَهُمَا يقطع الْقَمَر المجرة شامياً ونوءها ثَلَاث لَيَال وبارحها لَيْلَة، ثمَّ ينزل بِذِرَاع الْأسد المقبوضة، وهما كوكبان نيران بنيهما كواكب صغَار يُقَال لَهَا الْأَظْفَار وَيبعد أَحْيَانًا فَينزل بالذراع المبسوطة وهما أَيْضا كوكبان أَحدهمَا نير يُقَال لَهَا الشعرى الغميصاء، وَالْآخر أَصْغَر مِنْهُ يمِيل إِلَى الْحمرَة يُقَال لَهُ المرزم وَهُوَ مرزم الذِّرَاع، ونوءها خمس لَيَال، وَعند ذَلِك يشْتَد الْبرد، وبارحها لَيْلَة وَعند طُلُوعهَا تشتد ريَاح الصَّيف وَيكثر الحرور والسموم، ثمَّ ينزل بالنثرة وَهِي فَم الْأسد ومنخراه وَهِي لطخة صَغِيرَة بَين كوكبين صغيرين وتدعى أَيْضا باللهاة، ولسقوطها نوء لَيْلَة ولطلوعها بارح لَيْلَة، وَهُوَ أَشد مَا يكون الْحر، ثمَّ ينزل بالطرف وهما كوكبان صغيران مفترقان، وهما عينا الْأسد وَقُدَّام الطّرف كواكب صغَار يُقَال لَهَا: الأشفار ونوءه سِتّ لَيَال وَفِيه تنق الضفادع، وتتزاوج الطير وتهب الجنائب، ولطلوعه بارح لَيْلَة، ثمَّ ينزل بالجبهة وَهِي كواكب أَرْبَعَة، وَهُوَ فِيهَا عوج أَحدهمَا براق وَهُوَ الْيَمَانِيّ مِنْهَا، ونوءها سبع لَيَال وَفِيه ينكسر حد الشتَاء، وتورق الشّجر، ويزقو المكاء، بارحها لَيْلَة وَسُهيْل يطلع بالحجاز مَعَ طُلُوع الْجَبْهَة ثمَّ ينزل بالخراتين وهما كوكبان نيران وهما زبرة الْأسد، واسقوطهما نوء ثَلَاث لَيَال وَيرى فِيهِ الْمَطَر فَإِن أخلف فبرد شَدِيد، ولطلوعهما بارح ثَلَاث لَيَال، وَيرى سُهَيْل بالعراق. ثمَّ ينزل بالصرفة وَهِي كَوْكَب أَزْهَر، عِنْده كواكب صغَار طمس وَيُسمى قنب الْأسد، ونوءها ثَلَاث لَيَال وَعند طُلُوعهَا، برد اللَّيْل كُله،

ثمَّ ينزل بالعواء وَهِي خَمْسَة كواكب مصطفة كَأَنَّهَا كِتَابَة ألف وتدعى وركا الْأسد وَبَعْضهمْ يَقُول: كلاب تتبع الْأسد. ونوءها لَيْلَة وبارحها ثَلَاث لَيَال وَرُبمَا كَانَ مطر هَذَا البارح لِأَنَّهُ يُوَافق نوء الدَّلْو. ثمَّ ينزل السماك الأعزل وَهُوَ كَوْكَب أَزْهَر وَيُقَال، أحد ساقي الْأسد، والسماك الرامح السَّاق الْأُخْرَى، ويعدل أَحْيَانًا فَينزل بعجز الْأسد وَهِي أَرْبَعَة كواكب أَسْفَل العواء يَمَانِية وتدعى أَيْضا: عرش السماك، ولسقوط السماك نوء لَيْلَة، ولطلوعه بارح لَيْلَة ثمَّ ينزل بالغفر وَهُوَ ثَلَاثَة كواكب غير زهر، ثمَّ كوكبان مفترقان وهما قرنا الْعَقْرَب ويسميهما أهل الشَّام يدا الْعَقْرَب، ثمَّ ينزل بالإكليل وَهُوَ رَأس الْعَقْرَب وَهُوَ ثَلَاثَة كواكب مصطفة، ثمَّ ينزل بالشولة وَهِي ذَنْب الْعَقْرَب ويسميها أهل الشَّام الإمرة، وتقصر أَحْيَانًا فَينزل بالغفر مِمَّا بَين الْقلب والشولة، ثمَّ ينزل بالنعائم وَهِي ثَمَانِيَة كواكب زهر، مِنْهَا أَرْبَعَة وَارِد فِي المجرة، وَيُسمى النعام الْوَارِدَة وَأَرْبَعَة خَارِجَة مِنْهَا تدعى النعام الصادرة، ويدعى مَوضِع النعائم الْوَصْل، ثمَّ ينزل بالبلدة وَهِي رقْعَة فِيمَا بَين النعائم وَسعد الذَّابِح، مَوضِع قفر لَيْسَ فِيهِ كَوْكَب إِلَّا خَفِي، ويعدل الْقَمَر أَحْيَانًا فَينزل بالقلادة، وَهِي كواكب صغَار مستديرة خُفْيَة فَوق الْبَلدة، ثمَّ ينزل سعد الذَّابِح وَهُوَ كوكبان صغيران مقترنان أَحدهمَا مُرْتَفع فِي الشمَال والأخر هابط فِي الْجنُوب، عِنْد الْأَعْلَى مِنْهُمَا كَوْكَب صَغِير يُقَال هِيَ شاته الَّتِي يذبحها، وَبَين الكوكبين قدر ذِرَاع فِي الْعين وَكَذَلِكَ كل سعد فِي السُّعُود. ثمَّ ينزل بِسَعْد بلع، وهما كوكبان صغيران مستويان فِي المجرى. ثمَّ ينزل بِسَعْد السُّعُود وَهُوَ ثَلَاثَة كواكب أَحدهمَا أنور من الآخرين

وَيقصر الْقَمَر أَحْيَانًا، فَينزل بِسَعْد بأثره، وهما كوكبان أَسْفَل من سعد السُّعُود، ثمَّ ينزل بِسَعْد الأخبية وَهُوَ أَرْبَعَة كواكب، وَاحِد مِنْهَا فِي وَسطهَا، ثمَّ ينزل بعرقوة الدَّلْو الْعليا، وَهِي كوكبان أزهران مفترقان يُقَال لَهما فرغا الخريف، ويدعيان ناهزى الدَّلْو المقدمين، والناهز الَّذِي يُحَرك الدَّلْو ليمتلئ، ثمَّ ينزل بعرقوة الدَّلْو السُّفْلى وَهِي كوكبان أزهران مفرقان وَيُقَال لَهما فرعا الرّبيع ويدعيان ناهزى الدَّلْو المؤخرين، ولسقوطهما بِالْغَدَاةِ نوء أَربع لَيَال، ولطلوعهما بِالْغَدَاةِ بارح لَيْلَة، وَيقصر الْقَمَر أَحْيَانًا فَينزل بالكرب، وَالْكرب الَّذِي فِي وسط الْعرَاق، وَرُبمَا نزل ببلدة الثَّعْلَب وَهِي بَين الدَّلْو والسمكة عَن يَمِين الْمرْفق ثمَّ ينزل بِبَطن السَّمَكَة وَهُوَ كَوْكَب أَزْهَر نير فِي وسط مِنْهَا مِمَّا يَلِي الرَّأْس، وَصُورَة السَّمَكَة عَن يَمِين الْمرْفق ثمَّ ينزل بِبَطن السَّمَكَة وَهُوَ كَوْكَب أَزْهَر نير فِي وسط مِنْهَا مِمَّا يَلِي الرَّأْس، وَصُورَة السَّمَكَة الَّتِي فِي المجرى على حَلقَة السَّمَكَة كواكب تنفرج فِي فَم السَّمَكَة فَلَا تزَال تتسع كالجبلين إِلَى وَسطهَا، ثمَّ لَا تزَال تنضم إِلَى ذنبها ويعدل الْقَمَر أَحْيَانًا فَينزل بالسمكة الصُّغْرَى وَهِي أعلاهما فِي الشمَال على مثل صورتهَا إِلَّا أَنَّهَا أعرض وأقصر، وَهِي تَحت نحر النَّاقة، وَلها نوء لَيْلَة عِنْد الْعَرَب ولطلوعها بِالْغَدَاةِ بارح لَيْلَة. قد ذكرنَا منَازِل الْقَمَر وَمَا قيل من الْعَرَب فِي الأنواء والبوارج والمنازل وَنَذْكُر الْآن صور الْكَوَاكِب على مَذْهَب المنجمين، وَنسب كل كَوْكَب عَرفته الْعَرَب إِلَى مَوْضِعه مِنْهَا بعون الله وتوفيقه. قَالُوا: إِن جَمِيع الْكَوَاكِب المرصودة سوى الصغار الَّتِي لم ترصد ألف وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ كوكباً سوى الصَّغِيرَة وَهِي ثَلَاثَة كواكب تجمعها ثَمَان وَأَرْبَعُونَ صُورَة، مِنْهَا فِي النّصْف الشمالي إِحْدَى وَعِشْرُونَ صُورَة وأسماؤها الدب الأَصغر، والدب الْأَكْبَر، كوكبة التنين، قيقاوس العواء الَّذِي يُقَال لَهُ الصياح، الإكليل الشمالي وَهُوَ الفكة، الجاثي على ركبته، الشلياق وَهُوَ النسْر الْوَاقِع، الطَّائِر وَهُوَ الدَّجَاجَة، ذَات الْكُرْسِيّ، برشاوش وَهُوَ حَامِل رَأس الغول، مُمْسك الأعنة، الحواء الَّذِي يمسك الْحَيَّة، حَيَّة الحواء، السهْم، الْعقَاب وَهُوَ النسْر الطَّائِر،

الدلفين، قِطْعَة الْفرس الثَّانِي المسلسلة، المثلث كوكبة الْفرس الْأَعْظَم. وَعدد كواكب هَذِه الصُّورَة الَّتِي من نفس الصُّورَة ثَلَاثمِائَة وَوَاحِد وَعِشْرُونَ كوكباً، وَالَّتِي حوالي الصُّور تِسْعَة وَعِشْرُونَ كوكباً، وَمِنْهَا على فلك البروج اثْنَتَا عشرَة صُورَة وَهِي: الْحمل، والثور والتوأمان، والسرطان، والأسد، والعذراء، وَالْمِيزَان، وَالْعَقْرَب، والرامي والجدي، وساكب المَاء وَهُوَ الدَّلْو، والسمكتان وهما الْحُوت. وكواكبها من نفس الصُّور مِائَتَان وَتِسْعَة وَثَمَانُونَ كوكباً وحوالي الصُّور سَبْعَة وَخَمْسُونَ كوكباً سوى الضفيرة، وَمِنْهَا فِي النّصْف الجنوبي خمس عشرَة صُورَة وَهِي قيطس، والجبار وَهُوَ الجوزاء، النَّهر، الأرنب، الْكَلْب الْأَصْغَر، السَّفِينَة، الشجاع، الباطئة، الْغُرَاب، قيطورس، الضبع، المجمرة، الإكليل الجنوبي، الْحُوت الجنوبي وكواكبها مِائَتَا وَسَبْعَة وَتسْعُونَ كوكباً، وحوالي الصُّور تِسْعَة عشر كوكباً. فَأول الصُّور كوكبة الدب الْأَصْغَر وكواكبها من نفس الصُّورَة سَبْعَة مِنْهَا ثَلَاثَة على الذَّنب: وَأَرْبَعَة على مربع مستطيل. وَالْعرب تسميه بَنَات نعش الصُّغْرَى، مِنْهَا أَرْبَعَة الَّتِي على المربع نعش وَالثَّلَاثَة الَّتِي على الذَّنب بَنَات وَتسَمى النيرين من الْأَرْبَعَة الفرقدين، والنير الَّذِي على طرف الذَّنب الجدي، وَهُوَ الَّذِي يتوخى بِهِ الْقبْلَة، وَمَوْضِع الثَّلَاثَة الَّتِي على الذَّنب من قسْمَة البروج فِي الجوزاء وَالْأَرْبَعَة الْأُخْرَى فِي السرطان. وكواكب الدب الْأَكْبَر سبع وَعِشْرُونَ من الصُّورَة وَثَمَانِية حوالي الصُّورَة، وَالْعرب تسمى الْأَرْبَعَة النيرة على مربع نعش سَرِير بَنَات نعش وَالثَّلَاثَة الَّتِي على الذَّنب بَنَات نعش الْكُبْرَى. وَبني نعش وَآل نعش وَتسَمى الَّذِي على أصل الذَّنب الْجَوْز، وَالَّتِي على وَسطه العناق وَالَّذِي على طرفه القايد وَفَوق العناق كَوْكَب صَغِير يلاصق لَهُ يُسمى السها والستا وَهُوَ الَّذِي يمْتَحن بِهِ أَبْصَارهم وَيُسمى الصيدق ونعيشا وَفِي أمثالهم " أريها السها وتريني الْقَمَر ". وَتسَمى السِّتَّة الَّتِي على الْأَقْدَام الثَّلَاثَة على كل قدم مِنْهَا اثْنَان فِي قدر وَاحِد، على ثَلَاثَة من أَقْدَام الدب، على رجله الْيُمْنَى، كوكبان تسمى قفزات الظباء، كل اثْنَيْنِ مِنْهَا

قفزة تشبه أثر ظلفى الظبي، والقفزة الأولى وَهِي الَّتِي على الرجل الْيُمْنَى من الصُّورَة تتبعها الصرفة وَهُوَ الْكَوْكَب النير الَّذِي على ذَنْب الْأسد، والضفيرة وَهِي الْكَوَاكِب المجتمعة الَّتِي فَوق الصرفة وَهِي الَّتِي تسميها الْعَرَب الهلبة، وَبَين الهلبة وَبَين القفزة الأولى من الْبعد مثل الْبعد مَا بَين كل قفزتين. تَقول الْعَرَب: " ضرب الْأسد بِذَنبِهِ الأَرْض فقفزت الظباء ". وَتسَمى أَيْضا الثعيليات والقرائن. ويسمون الْكَوَاكِب السَّبْعَة الَّتِي على الْعُنُق الصُّورَة وصدرها، وَهِي كَأَنَّهَا نصف دَائِرَة، تسمى سَرِير نَبَات النعش، والحوض وَالْكَوَاكِب الَّتِي على الْحَاجِب والعينين وَالْأُذن والحطم يُسمى الظباء، يَقُولُونَ: إِن الظباء لما قفزت وَردت الْحَوْض. وَفِي الْجُمْلَة الثَّانِيَة الْخَارِجَة من الصُّورَة كَوْكَب تسمى: كبد الْأسد وفيهَا أَيْضا كوكبان يسميان مَعَ كواكب خُفْيَة كَثِيرَة أَوْلَاد الظباء وَأكْثر كواكب هَذِه الصُّورَة فِي السرطان غير الثَّلَاثَة الَّتِي على الذَّنب فَإِن اثْنَيْنِ مِنْهُمَا فِي الْأسد، وَالثَّالِث الَّذِي على طرف الذَّنب فِي الْأسد. كوكبة التنين وكواكبه أحد وَثَلَاثُونَ كوكباً كلهَا حزاء الصُّورَة وعَلى طرف لِسَانه كَوْكَب تسميه الْعَرَب،: الراقص وعَلى رَأسه أَرْبَعَة تسميه العوائد، وَفِي وسط العوائد كَوْكَب صَغِير جدا يُسمى الرّبع، وَبَين العوائد وَبَين الفرقدين كوكبان نيران يسميان الذئبين والجرين، والعوهقين، وَفِي أصل الذَّنب كَوْكَب يُسمى الذّبْح وقبلهما كوكبان خفيان يسميان أظفار الذِّئْب، وَقد وَقعت العوائد بَين الذئبين وَبَين النسْر الْوَاقِع فشبهت الْعَرَب النيرين، بذئبين والراقص فِي الْعَقْرَب وَاثْنَانِ من العوائد فِي الْعَقْرَب، وَاثْنَانِ فِي الْقوس وَاحِد من الأثافي فِي الْحمل وَاثْنَانِ فِي الثور والذنبان والذيخ فِي السنبلة والأظفار فِي الْأسد قد طَمَعا فِي استلاب الرّبع وشبهت العوائد بِأَرْبَع أينق قد عطفن على الرّبع، والنسر أَيْضا يحامي عَلَيْهِ، وعَلى وسط الصُّورَة ثَلَاثَة كواكب تسمى الأثافي كواكب تسمى الأثافي وَهُوَ الملتهب. كوكبة قيقاوس وَهُوَ الملتهب كواكبه أحد عشر من الصُّورَة وَاثْنَانِ من خَارج الصُّورَة وعَلى جنبه الْأَيْمن كَوْكَب وعَلى مَنْكِبه الْأَيْسَر اخْتلفت الرِّوَايَات عَن الْعَرَب فَذكر بَعضهم أَنَّهَا تسميها كوكبى الْفرق. وَذكر آخَرُونَ أَنَّهُمَا كوكبي

الْقرن، وَأَن هُنَاكَ رَأس ثَوْر، وَهَذَانِ الكوكبان على قرنيه وَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْء من ذَلِك، وَإِنَّمَا وجدوا الْكَوْكَب الَّذِي بَين هذَيْن الكوكبين. وَقد سمته الْعَرَب الفرجة وموقعه بَين الكوكبين كموقع الفرجة من أُذُنِي الدَّابَّة وقرني الثور، فصحفوا الْفرق وجعلوه قرنا وَذَلِكَ غلط مِنْهُم لأَنهم سَموهَا كوكبي الْفرق لافتراقهما والفرجة هُوَ كَوْكَب على صدر الصُّورَة، وعَلى مرفقه الْأَيْمن كوكبان وَهِي على دَائِرَة وَاسِعَة من كواكب بَين كوكبي الْفرق وَبَين الثَّلَاثَة الَّتِي على طرف الْجنَاح الْأَيْمن من صُورَة الدَّجَاجَة وَتسَمى هَذِه الدائرة، الْقدر، وَبَين فَخذيهِ وَرجلَيْهِ كواكب كَثِيرَة تسمى الشتَاء وَتسَمى الأغنام أَيْضا وَهَذِه الْكَوَاكِب فِي الثور وَالْحمل والحوت. كوكبة العواء وَيُسمى الصياح والنقار وحارس الشمَال: كواكبه اثْنَان وَعِشْرُونَ كوكباً من الصُّورَة، وَوَاحِد خَارج الصُّورَة، وَهُوَ صُورَة رجل بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَصا فِيمَا بَين كواكب الفكة وَبَين بَنَات نعش الْكُبْرَى، فَأَما الْكَوْكَب الْوَاحِد الْخَارِج من الصُّورَة فَهُوَ بَين فَخذيهِ وتسميه الْعَرَب السماك الرامح وَإِنَّمَا سموهُ رامحاً لِأَنَّهَا شبهت الكوكبين، أَحدهمَا أَعلَى فَخذ الصُّورَة وَالْآخر على سَاقه رمح لَهُ، وشبهت كوكبين متقاربين على منْطقَة الصُّورَة بعذبة الرمْح من هَذَا الطّرف، وكوكبين آخَرين بعذبة الطّرف الآخر سموا الطّرف الَّذِي على الْفَخْذ تَابع الشمَال، وَرَايَة الشمَال وَرَايَة الفكة، وَيُسمى السماك مُنْفَردا: حارس السَّمَاء أَيْضا لِأَنَّهُ يرى أبدا فِي السَّمَاء لَا يغيب تَحت شُعَاع الشَّمْس، وَكَذَلِكَ حكم سَائِر الْكَوَاكِب الَّتِي لَهَا عرض كَبِير فِي الشمَال، على رَأس الصُّورَة ومنكبيه والعصا، كواكب يسميها الْعَرَب، الضباع، وعَلى الْيَد الْيُسْرَى وَمَا حولهَا كواكب خُفْيَة يسمونها أَوْلَاد الضباع وحول السماك كواكب خُفْيَة يسمونها: السِّلَاح، وَقد يُسمى الَّذِي على السَّاق الْيُسْرَى مُفردا: الرمْح، والاثنان اللَّذَان مَعَه السِّلَاح وَأكْثر الْعَرَب جعلُوا السماكين ساقي الْأسد، وَجعلُوا الرامح على سَاقه الْيُمْنَى وَهَذِه الْكَوَاكِب فِي السنبلة. وَالْمِيزَان. كوكبه الإكليل الشمالي وَهِي الفكة وكواكبها ثَمَانِيَة على استدارة خلف عَصا الصياح وتسميها الْعَرَب الفكة وَفِي استدارتها ثلمة تسميها الْعَامَّة: قَصْعَة

الْمَسَاكِين وفيهَا كَوْكَب نير تسمى الْمُنِير من الفكة وَهِي فِي الْمِيزَان وَالْعَقْرَب. وكوكبة الجاثي على رُكْبَتَيْهِ وَيُسمى: الراقص أَيْضا، وَهُوَ صُورَة رجل قد مد يَدَيْهِ، وكواكبه ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ سوى كَوْكَب على طرف رجله الْيُمْنَى، فَإِنَّهُ مُشْتَرك بَينه وَبَين طرف عَصا الصياح وعَلى يَدَيْهِ كواكب تسميها الْعَرَب مَعَ كواكب أخر من كوكبة الشلياق وَهِي مصطفة مَعهَا النسق الشَّامي وعَلى رَأسه كَوْكَب تسميه كلب الرَّاعِي وعَلى مَسَافَة كَوْكَب تسميه النسق مُفردا وحوالي النسق كواكب تسمى الثماثيل وَفِي هَذِه الصُّورَة أَيْضا كواكب من جملَة الْكَوَاكِب الَّتِي تسمى الضباع وَهَذِه الْكَوَاكِب فِي الْقوس، وَالْمِيزَان. كوكبة الشلياق وَيُسمى أَيْضا اللوزا وَالصُّبْح والمعرفة والسلحفاة وكواكبه عشرَة، النير مِنْهَا هُوَ، النسْر الْوَاقِع، شبهته الْعَرَب بنسر قد ضم جناحية إِلَى نَفسه كَأَنَّهُمَا قد وَقعا، والجناحان هما اللَّذَان مَعَ هَذَا النير على مثلث والعامة تسميه: الأثافي، وَقُدَّام النير كواكب خضبة يسمونها الْأَظْفَار ويسمون النسْر الْوَاقِع مَعَ قلب الْعَقْرَب الهراربن لِأَنَّهُمَا يطلعان مَعًا فِي كثير من الْعرُوض وَهِي فِي الجدي. كوكبه الطَّائِر وَهُوَ الدَّجَاجَة كواكبه سَبْعَة عشر كوكباً من الصُّورَة، وَاثْنَانِ من خَارج الصُّورَة وَأكْثر كواكبه فِي المجرة، وَفِي الصُّورَة أَرْبَعَة كواكب مصطفة قد قطعت المجرة عرضا تسميها الْعَرَب الفوارس شبهوها بأَرْبعَة فوارس يتسايرون، على ذَنبه كَوْكَب مُنِير تسميه ردفاً كَأَنَّهُ ردف للفوارس، بَعْضهَا فِي الجدي وأكثرها فِي الدَّلْو. كوكبة ذَات الْكُرْسِيّ وَهِي صُورَة امْرَأَة قَاعِدَة على كرْسِي وَهِي فِي نفس المجرة وكواكبها ثَلَاثَة عشرَة كوكباً، وَالْعرب تسمى النيرة مِنْهَا الْكَفّ الخضيب، وَهِي كف الثريا الْيُمْنَى المبسوطة، وَذَلِكَ أَنه يَمْتَد من عِنْد الثريا سطر من كواكب فِيهِ تقويس فيمر على أَكثر كواكب مُمْسك رَأس الغول، ويتصل بِهَذِهِ الْكَوَاكِب النيرة، فشبهت الْعَرَب السطر بيد ممدودة للثريا، وشبهت هَذِه الْكَوَاكِب النيرة بأنامل مخضوبة وأحدها يرسم على الاسطرلاب وَتسَمى: الْكَفّ الخضيب، وَتسَمى أَيْضا سَنَام النَّاقة، لِأَن هُنَاكَ كواكب تشبه صُورَة نَاقَة، ولطخة سحابية

على يَد مُمْسك رَأس الغول جعلوها مَوضِع السمة على فَخذ النَّاقة وَهِي فِي الْحمل والثور. كوكبة برشاوش وَهُوَ حَامِل رَأس الغول، وَهُوَ صُورَة رجل قَائِم على رجله الْيُسْرَى وَقد رفع رجله الْيُمْنَى وَيَده الْيُمْنَى فَوق رَأسه، وَبِيَدِهِ الْيُسْرَى رَأس غول، وكواكبه كلهَا فِيمَا بَين الثريا وَبَين كوكبة ذَات الْكُرْسِيّ، وَهِي سِتَّة وَعِشْرُونَ كوكباً من الصُّورَة، وَثَلَاثَة حوالي الصُّورَة، يَمْتَد من عِنْد اللطخة الَّتِي على يَدَيْهِ الْيُمْنَى، سطر يمر على كواكب كَثِيرَة حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى كوكبين على قدمه قريبين من الثريا، شبهت الْعَرَب جَمِيعهَا مَعَ كوكبة ذَات الكراسي الَّتِي على ظهر النَّاقة بيد الثريا، ممدودة فَسَمت النيرة الَّتِي على ظهر النَّاقة الْكَفّ واللطخة والمعصم، وَالَّذِي على الْمرْفق الْأَيْمن من حَامِل رَأس الغول مَعَ الَّذِي على مَنْكِبه الْأَيْمن الساعد واللذين على الْجنب المابض، وَآخر على الْجنب أَيْضا إبرة الْمرْفق، وَثَلَاثَة أَحدهمَا على الْقدَم الْيُمْنَى وَاثْنَانِ على الْجنب الْعَضُد، وَالَّذِي على السَّاق الْيُسْرَى الْمنْكب، والاثنين المتقارنين اللَّذين يليان الثريا وهما على الْقدَم الْيُسْرَى العاشق، وَهِي كلهَا فِي الثور. كوكبة مُمْسك الأعنة وَهُوَ صُورَة رجل قَائِم خلف مُمْسك رَأس الغول، بَين الثريا وَبَين كوكبة الدب الْأَكْبَر، وكواكبه أَرْبَعَة عشر كوكباً وعَلى رَأسه كوكبان تسميها الْعَرَب مَعَ كواكب أخر بِقرب مِنْهَا الخباء لِأَنَّهَا على صُورَة الخباء، وعَلى مَنْكِبه الْأَيْسَر كَوْكَب نير تَسْمِيَة العيوق، وعَلى مرفقه الْأَيْسَر كَوْكَب تَسْمِيَة العنز وعَلى المعصم الْأَيْسَر كوكبان متقاربان تسميان الجديين وَتسَمى العيوق لأجل ذَلِك العناز ويسمونه أَيْضا: العنز وَيُسمى رَقِيب الثريا لِأَنَّهُ يطلع فِي كثير من الْمَوَاضِع بِطُلُوع الثريا. وَلذَلِك قَالَ أَبُو ذُؤَيْب: فوردن والعيوق مقْعد رابئ ال ... ضرباء فَوق النَّجْم لَا يتتلع

وَيُسمى أَيْضا عيوق الثريا وعَلى مَنْكِبه الْأَيْمن كَوْكَب يُسمى مَعَ آخَرين على الْكَعْبَيْنِ تَوَابِع العيوق والأعلام. وَذكر بعض من صنف فِي الأنواء أَن بَين عاتق الثريا وَبَين العيوق كوكبين تَحت المجرة يسميان المرجف والبرجيس، كواكبه كلهَا فِي الجوزاء. كوكبة الحوا والحية: هِيَ صُورَة رجل قَائِم، قد قبض بيدَيْهِ جَمِيعًا على حَيَّة، وكواكب الحوا أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ من الصُّورَة، وَخَمْسَة خَارِجَة مِنْهَا، وكواكب الْحَيَّة ثَمَانِيَة عشر كوكباً، وعَلى منشأ عنق الْحَيَّة كَوْكَب، وَآخر على صدغها، يتصلان بالكواكب المصطفة الَّتِي على الْمنْكب والعضد والمرفق الْأَيْمن من صُورَة الجاثي، يعدهما الْعَرَب من جملَة النسق الشَّامي، وَتسَمى أَرْبَعَة كواكب من كواكب الْحَيَّة، مَعَ النيرين اللَّذين على ركبتي الحواء الَّذِي على سَاقه الْيُمْنَى وَهِي كلهَا مصطفة على سطر فِيهِ تعويج النسق الْيَمَانِيّ وسمت هَذِه النسق يَمَانِيا لِأَن كواكبه تغيب فِي نَاحيَة الشَّام وشق الْيمن، وسمت الأول شامياً لِأَن كواكبه تغيب فِي نَاحيَة الشَّام، وَيُسمى الْبقْعَة الَّتِي بَين النسقين الرَّوْضَة، والكوكب الَّتِي فِي الرَّوْضَة الأغنام، وَالَّذِي على رَأس الحوا الرَّاعِي وَالَّذِي على رَأس الجاثي كلب الرَّاعِي، كواكبها فِي الْعَقْرَب، والقوس. كوكبة السهْم هِيَ خَمْسَة كواكب بَين منقار الدَّجَاجَة وَبَين النسْر الطَّائِر فِي نفس المجرة الْعَظِيمَة، ونصل السهْم إِلَى نَاحيَة الْمشرق والفوق إِلَى نَاحيَة الْمغرب، وَلم يذكر عَن الْعَرَب فِيهَا شَيْء وَهِي فِي الجدى. وكوكبة الْعقَاب: وَهُوَ النسْر الطَّائِر، وكواكبه تِسْعَة من الصُّورَة وَسِتَّة خَارِجَة مِنْهَا، وَالْعرب تسمى الثَّلَاثَة المصطفة النسْر الطَّائِر لِأَن بازائه النسْر الْوَاقِع، وَسمي وَاقعا لوُقُوع جناحيه، سمي هَذَا طائراً لانبساط جناحيه، وَتسَمى كوكبين من الْخَارِجَة عَن الصُّورَة وهما بَين الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرهَا وَبَين النعام الصَّادِر الظليمين الصغيرين وَهِي فِي الجدي. كوكبة الدلفين وكواكبه على مربع شَبيه بالمعين تسميها الْعَرَب: الْقعُود والعامة تسميها: الصَّلِيب، وَيُسمى الْكَوْكَب الَّذِي على ذَنْب الدلفين عَمُود الصَّلِيب وَهِي فِي الدَّلْو.

كوكبة قِطْعَة الْفرس، وَهِي أَربع كواكب يتبع الدلفين، اثْنَان مِنْهُمَا متضايقان بَينهمَا شبر على مَوضِع الْفَم وَاثْنَانِ على الرَّأْس، وَلم يذكر عَن الْعَرَب فِيهَا شَيْء. وَالْأَرْبَعَة جَمِيعًا موضعهَا من الْفلك وقسمته فِي الدَّلْو كوكبة الْفرس الْأَعْظَم، وكواكبها عشرُون كوكباً، وَهِي صُورَة فرس لَهُ رَأس ويدان وبدن إِلَى آخر الظّهْر وَلَيْسَ لَهُ كفل وَلَا رجلَانِ، وعَلى سرته كَوْكَب، وَهِي أَيْضا على رَأس الْمَرْأَة المسلسلة مُشْتَرك بَينهمَا، ويرسم على الاسطرلاب وَيُسمى سرة الْفرس، وَرَأس المسلسلة، وعَلى مَتنه أَيْضا كَوْكَب يُسمى جنَاح الْفرس ويرسم أَيْضا على الاسطرلاب، وَعند منشأ الْيَد أَيْضا كَوْكَب يُسمى منْكب الْفرس، على مَتنه كَوْكَب نير عِنْد منشأ الْعُنُق يُسمى متن الْفرس، وَالْعرب تسمى هَذَا الْأَرْبَعَة الدَّلْو. وَتسَمى الِاثْنَيْنِ الْمُتَقَدِّمين: وهما منْكب الْفرس وَمتْن الْفرس: الفرغ الأول وَالْفَرغ الْمُقدم، ويسميان أَيْضا العرقوة الْعليا، وناهزى الدَّلْو المقدمين، وَيُسمى الِاثْنَيْنِ التاليين وهما سرة، وَجَنَاح الْفرس الفرغ الثَّانِي، وَالْفَرغ الْمُؤخر والعرقوة السُّفْلى وناهزى الدَّلْو المؤخرين وَفِي الْبدن كوكبان يسميان النعام، ويسيمان أَيْضا الكرب شبهتهما بمجمع العرقوتين فِي الْوسط، وعَلى رَأس الْفرس كوكبان أَحدهمَا أنور، يسميان سعد البهام، وَسعد النهى وعَلى عُنُقه كوكبان يسميان سعد الْهمام، وَفِي الصَّدْر كوكبان متقاربان يسميان سعد البارع، وعَلى الرّكْبَة الْيُمْنَى كوكبان يسميان سعد مطر، ويروى عَن الْعَرَب أَن الْقَمَر رُبمَا قصر فَنزل بالكرب، وَتسَمى بالبقعة الَّتِي بَين الفرغ الثَّانِي وَبَين السَّمَكَة من السَّمَاء بَلْدَة الثَّعْلَب. وتزعم أَن الْقَمَر رُبمَا قصر فَنزل ببلدة الثَّعْلَب، فَأَما موَاضعهَا من الْفلك فَإِن الْمُشْتَرك الَّذِي هُوَ الرَّأْس فِي أول الْحمل وَأما الْبَاقِيَة فَإِنَّهَا كلهَا من الْحُوت سوى سعد الْبَهَائِم فَإِنَّهُ فِي الدَّلْو. كوكبة المسلسلة تسمى الْمَرْأَة الَّتِي لم تَرَ بعلاً، وَتسَمى باليونانية: أندرومينا وكواكبها ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ كوكبا من الصُّورَة، سوى النير الَّذِي على الرَّأْس فَإِنَّهُ على سرة الْفرس، وَالْعرب وجدت سطرين من كواكب قد أحاطا

بِصُورَة سَمَكَة عَظِيمَة تَحت نحر النَّاقة، بَعْضهَا من هَذِه الصُّورَة وَبَعضهَا من كوكبة السَّمَكَة الشمالية من السمكتين اللَّتَيْنِ فِي الْقسم الثَّانِي عشر من صُورَة البروج فَسَمت الْعَرَب هَذِه السَّمَكَة الْعَظِيمَة الْحُوت، وَزَعَمت أَن الْقَمَر ينزل بِبَطن الْحُوت فَسَمت الْمنزل الْأَخير من منَازِل الْقَمَر: بطن الْحُوت والرشا، وَقد وَقع الْكَوْكَب النير الَّذِي على جنب المسلسلة على مَوضِع الْبَطن من الْحُوت، فَقدر قوم من مُؤَلَّفِي كتب الأنواء أَن الْعَرَب سمت هَذَا الْكَوْكَب النير بطن الْحُوت، وَأَن الْقَمَر ينزل بِهَذَا الْكَوْكَب وَالْقَمَر لَا ينزل بِشَيْء من كواكب الْحُوت وَلَا بِبَطن الْحُوت وَإِنَّمَا يمر بموازاتها وَأما النير الَّذِي على الرجل الْيُسْرَى من المسلسلة فَإِنَّهُم اخْتلفُوا فِيهِ، يروي بَعضهم عَن الْعَرَب أَنَّهَا سمته عنَاق الأَرْض وروى آخَرُونَ أَن العناق هُوَ النير الَّذِي على رَأس الغول وَذَلِكَ أَنهم حكوا أَن العناق: هُوَ الْكَوْكَب الْأَزْهَر الَّذِي لَا يُجَاوِزهُ إِلَّا كوكبان صغيران، كَأَنَّهُ بهما النسْر الْوَاقِع وَلَيْسَ هُنَاكَ كَوْكَب بِهَذِهِ الصّفة إِلَّا النير الَّذِي على رَأس الغول، وَمَوْضِع بطن الْحُوت والعناق جَمِيعًا من البروج فِي الْحمل، وَكَذَلِكَ جَمِيع الْكَوَاكِب المسلسلة. كوكبة المثلث: وكواكبه أَرْبَعَة كواكب بَين كوكبة السَّمَكَة وَبَين النير الَّذِي على رَأس الغول وَهِي أَيْضا بَين الشَّرْطَيْنِ وَبَين النير الَّذِي على الرجل الْيُسْرَى من صُورَة الْمَرْأَة، وَهُوَ مثلث فِيهِ طول على رَأسه كَوْكَب نير من الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة على الْقَاعِدَة الأنيسين ودرجاتهما فِي الطول أَكثر من دَرَجَات الشَّرْطَيْنِ، ويطلعان مَعَ ذَلِك قبل الشَّرْطَيْنِ لِأَن عرضهما فِي الشمَال اكثر من عرض الشَّرْطَيْنِ فَقدر أَصْحَاب كتب الأنواء أَن الْقَمَر ينزل أَولا بالأنيسين ثمَّ الشَّرْطَيْنِ، فحكوا عَن الْعَرَب أَن الْقَمَر رُبمَا قصر فَنزل بهما وَلَا يلْحق الشَّرْطَيْنِ وَذَلِكَ غلط، لِأَنَّهُمَا يكونَانِ قُدَّام الشَّرْطَيْنِ إِلَى أَن يقربا من خطّ وسط السَّمَاء ثمَّ يتأخران عَن الشَّرْطَيْنِ رويداً رويداً، حَتَّى إِذا صَارا إِلَى الْمغرب غابا بَين الشَّرْطَيْنِ فَيجب أَن يُقَال: إِن الْقَمَر رُبمَا أسْرع فجاوز الشَّرْطَيْنِ وَنزل بالأنيسين وكواكب المثلث كلهَا فِي الْحمل. صور البروج، اثْنَا عشر، أَولهَا: الْحمل وكواكبه ثَلَاثَة عشر كوكباً من

الصُّورَة وَخَمْسَة خَارجه مِنْهَا ومقدمه إِلَى جِهَة الْمغرب، ومؤخره إِلَى الْمشرق وَهُوَ ملتفت إِلَى مؤخره، وَوَجهه إِلَى ظَهره، وَقد اخْتلفت الرِّوَايَات عَن الْعَرَب فِي كواكب هَذِه الصُّورَة والخارجة مِنْهَا، فَرَأى بَعضهم أَنَّهَا تسمى الكوكبين النيرين اللَّذين على الْقرن الشَّرْطَيْنِ، وَالشّرط وَهُوَ الْمنزل الأول من منَازِل الْقَمَر، لِأَن هَذَا الْقسم من البروج هُوَ الأول من الْأَقْسَام الإثني عشرَة، وبحلول هَذِه الصُّورَة فِيهِ فِي وَقت الرصد سمي الْحمل بِجَمِيعِ اللُّغَات وَذكروا أَنهم يضيفون إِلَى الكوكبين اللَّذين ذكرناهما الْكَوْكَب الْخَفي الَّذِي أصل الْعُنُق فيسمونها الأشراط والنطح، وروى أخرون أَنَّهَا تسمى أحد النيرين اللَّذين على الْقرن مَعَ النير الْخَارِج عَن الصُّورَة الَّتِي يرسم على الأسطرلاب وَتسَمى الناطح ويضيف إِلَيْهِمَا الجنوبي من الِاثْنَيْنِ اللَّذين على الْقرن ويسميها الأشراط والنطح ويسمون الَّذِي على منشأ الألية مَعَ الْمُتَقَدّم من ثَلَاثَة هِيَ على الألية مَعَ كَوْكَب خَفِي على الْفَخْذ وَهِي على مثلث شهيه بالمتساوي الأضلاع على بطن الْحمل، البطين وَهُوَ الْمنزل الثَّانِي من منَازِل الْقَمَر وَإِنَّمَا صغروا البطين بِالْإِضَافَة إِلَى بطن السَّمَكَة الْعَظِيمَة وَقد غلط كثير من أَصْحَاب الأنواء وظنوا أَن البطين هُوَ من الْكَوَاكِب الْأَرْبَعَة الْخَارِجَة عَن الصُّورَة، والشرطان النطح هِيَ فِي الْحمل والبطين وَأكْثر كواكب هَذِه الصُّورَة هِيَ فِي الثور بمواضعها من البروج. كوكبة الثورة وَصورته صُورَة ثَوْر مؤخره إِلَى الْمغرب والجنوب ومقدمه بالمشرق. وكواكبه اثْنَان وَثَلَاثُونَ كوكباً من الصُّورَة سوى النير وَالَّذِي على طرف قرنه الشمالي فَإِنَّهُ على الرجل الْيُمْنَى من مُمْسك الأعنة مُشْتَرك بَينهمَا وَأحد عشر كوكباً خَارج الصُّورَة فَأَما الْكَوَاكِب الْخفية فِي هَذِه الصُّورَة وحواليها فكثيرة بِلَا نِهَايَة وَكَذَلِكَ فِي سَائِر الصُّور وَإِنَّمَا نذْكر عدد مَا رصد مِنْهَا من النيرات من الأقدار السِّتَّة. فَأَما الْعَرَب فَإِنَّهَا تسمى الْأَرْبَعَة الَّتِي على سَنَام النَّاقة، مَعَ ثَلَاثَة أخر خُفْيَة لم ترصد، الثريا وَهِي مُتَقَارِبَة مجتمعة وَلذَلِك جعلوها بِمَنْزِلَة كَوْكَب وَاحِد وسموها النَّجْم وسموها أَيْضا نُجُوم الثريا، وَإِنَّمَا سميت الثريا يتبركون بهَا،

ويزعمون أَن الْمَطَر الَّذِي يكون عِنْد نوئها، تكون مِنْهُ الثروة وَهِي تَصْغِير ثروى، وَكلهمْ ذكرُوا فِي كتبهمْ أَنَّهَا على إلية الْحمل نَحْو من ثَلَاثَة أَذْرع فِي رأى الْعين وَهِي الْمنزل الثَّالِث من منَازِل الْقَمَر، وَيُسمى الْأَحْمَر النير الَّذِي على عين الثور الجنوبية الدبران لدبوره الثريا، وَيُسمى تَابع النَّجْم وتالي النَّجْم والمجدح بِكَسْر الْمِيم وَضمّهَا وَيُسمى أَيْضا التَّابِع فَردا وحادي النَّجْم الضّيق وَيُسمى الَّتِي حواليه من الْكَوَاكِب القلاص، ويزعمون أَنَّهَا قلاص الفنيق، وَيَقُولُونَ أَيْضا غنيمته، ويسمون الِاثْنَيْنِ المتقاربين اللَّذين على الْأذن الشمالية الكلبين، وكلبي الدبران. وَقد روى كثير مِنْهُم عَن الْعَرَب أَنَّهَا تسميه الضيقة وَذَلِكَ غلط فَإِن الضيقة هِيَ الفرجة الَّتِي بَين الثريا والدبران ويستحسنونها ويستحسنون أَيْضا الدبران وَيَقُولُونَ فلَان أشأم من حادي النَّجْم ويتشاءمون بالمطر الَّذِي يكون بنوئه. وَهَذِه الْكَوَاكِب فِي برج الثور. كوكبة التوأمين وكواكبهما ثَمَانِيَة عشر كوكباً من الصُّورَة وَسَبْعَة خَارِجَة من الصُّورَة وَهِي صُورَة إنسانين رأساهما وَسَائِر كواكبهما فِي الشمَال والمشرق عَن المجرة، وأرجلهما إِلَى الْجنُوب وَالْمغْرب فِي نفس المجرة وهما كالمتعانقين، قد اخْتَلَط كواكب أَحدهمَا بكواكب أُخْرَى، على كل وَاحِد من الصُّورَتَيْنِ كَوْكَب نير تسميها الْعَرَب الذِّرَاع المبسوطة وبقربهما كواكب صغَار تسمى الْأَظْفَار، وعَلى قدمي التوأم التَّالِي كوكبان يسميان الهنعة، وَهُوَ الْمنزل السَّادِس من منَازِل الْقَمَر، ويسميان المنسان والزر، وَقد روى قوم أَن أَحدهمَا لمنسان وَالْآخر الزر وعَلى قدمي توأم الْمُتَقَدّم ثَلَاثَة كواكب تسمى البخاتي وَمَوْضِع الذِّرَاع المبسوطة من البروج فِي السرطان وَالَّتِي على الْأَقْدَام فِي الجوزاء. كوكبة السرطان: كواكبه تِسْعَة وَمن الصُّورَة، وَأَرْبَعَة خَارِجَة مِنْهَا ومقدمه إِلَى الْمشرق وَالشمَال، ومؤخره إِلَى الْمغرب والجنوب، وَأول كواكبه لطخة سحابية يُحِيط بهَا أَرْبَعَة كواكب، اثْنَان مِنْهَا خلفهَا، وَاثْنَانِ قدامها. وَالْعرب تسمى اللطخة النثرة، وَهُوَ الْمنزل الثَّانِي من منَازِل الْقَمَر وَتسَمى الكوكبين التاليين للطخة المنخرين منخري الْأسد والنثرة مخطته وَتسَمى أَيْضا اللطخة مَعَ الِاثْنَيْنِ اللَّذين على المنخرين فَم الْأسد وَتسَمى اللطخة اللهاة، وَيُسمى كَوْكَب من الْخَارِجَة عَن

الصُّورَة وَهُوَ الَّذِي خلف الْكَوْكَب الَّذِي هُوَ على الزباني الجنوبي مَعَ وَاحِد من الْأَرْبَعَة الَّتِي فِي رَأس الْأسد الطّرف وهما عينا الْأسد على مَذْهَب الْعَرَب. فَسُمي كَوْكَب من الْخَارِجَة عَن الصُّورَة مَعَ كَوْكَب صَغِير آخر الأشفار وَقد سمى المنجمون اللطخة الَّتِي ذَكرنَاهَا المعلف، والاثنين التاليين لَهما الحمارين ويروى ذَلِك عَن الْعَرَب، وَهَذِه الْكَوَاكِب كلهَا فِي السرطان. كوكبة الْأسد: كواكبه سَبْعَة وَعِشْرُونَ كوكباً من الصُّورَة وَثَمَانِية خَارِجَة مِنْهَا، وعَلى وَجهه كَوْكَب تسميه مَعَ كَوْكَب آخر خَارج عَن صُورَة السرطان الطّرف، وعَلى المنخر وَالرَّأْس كواكب يسمونها الأشفار، وَإِنَّمَا اخْتَارُوا من الصُّورَتَيْنِ جَمِيعًا الكوكبين الأصغرين، فجعلوهما الطّرف لصِغَر عَيْني الْأسد، وعَلى الرَّقَبَة ثَلَاثَة كواكب وَرَابِعهَا النير الَّذِي على الْقلب وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه المنجمون قلب الْأسد الملوكي، وَالْعرب تسمى الْأَرْبَعَة جَمِيعًا الْجَبْهَة، جبهة الْأسد وَهُوَ الْمنزل الْعَاشِر من منَازِل الْقَمَر، وعَلى الْقطن كَوْكَب نير، على الحرقفة كَوْكَب آخر تسميها الْعَرَب الزبرة، زبرة الْأسد أَي كَاهِله، وتسميان أَيْضا الخراتين، الْوَاحِدَة خراة وَعند النير الَّذِي على الْقطن، كوكبان يُقَال إِنَّهُم شبهوهما بالشعر الَّذِي ينتفش بَين الْكَتِفَيْنِ، وَبِذَلِك سميت الزبرة، وَهُوَ الْمنزل الْحَادِي عشر من منَازِل الْقَمَر، وعَلى الذَّنب كَوْكَب يُسمى قنب الْأسد، وَهُوَ وعَاء قضيبه وَيُسمى أَيْضا الصرفة، وَهُوَ الْمنزل الثَّانِي عشر، وَسمي صرفة لانصراف الْحر عِنْد طلوعه من تَحت شُعَاع الشَّمْس بالغدوات، وانصراف الْبرد عِنْد سُقُوطه فِي الْمغرب بالغدوات، وطلوع رقيبه وَهُوَ الفرغ الأول من تَحت الشعاع، وَثَلَاثَة من جملَة كواكب الْخَارِجَة عَن الصُّورَة فَوق الذَّنب يسميها بطليموس الضفيرة، ويسميها الْعَرَب مَعَ كواكب أخر، صغَار متضايقة تشبه الثَّلَاثَة الهلبة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يخرج من عِنْد الصرفة سطر من كواكب مقوسة فِيهَا تعريج، فيتصل بالهلبة فَهِيَ أشبه شَيْء بذنب الْأسد إِذا رَفعه، فشبهت الْعَرَب هَذِه الْكَوَاكِب بالذنب، وشبهت النير الَّذِي فِي أصل الذَّنب بوعاء الْقَضِيب، وشبهت الثَّلَاثَة الَّتِي ذَكرنَاهَا مَعَ الصغار المتقاربة الَّتِي فِي وَسطهَا بالشعرة الَّتِي تكون على طرف الذَّنب، وسمتها الهلبة، وَهِي بعد القفزات الثَّلَاث الَّتِي على قَوَائِم الدب

الْأَكْبَر، وَعَامة المنجمين تسمى هَذِه الْكَوَاكِب المجتمعة السنبلة لِكَثْرَة كواكبها وكثافتها. والصرفة فِي السنبلة وَكَذَلِكَ الهلبة وَسَائِر كواكب هَذِه الصُّورَة فِي الْأسد. كوكبة الْعَذْرَاء: وكواكبها سِتَّة وَعِشْرُونَ كوكباً من الصُّورَة وَسِتَّة خَارِجَة مِنْهَا وَهِي صُورَة امْرَأَة رَأسهَا على جنوب الصرفة وقدمها قُدَّام الزبانيين اللَّذين على كفة الْمِيزَان، وعَلى منكبها الْأَيْسَر كَوْكَب، وعَلى الْجنب الْأَيْسَر أَيْضا كَوْكَب، ثمَّ يَنْعَطِف إِلَى كَوْكَب فِي الْجنب الْأَيْمن وَآخر على الْمرْفق، يصير الْأَرْبَعَة فِي زَاوِيَة مثل صُورَة كلاب تعوي يُسَمِّيه الْعَرَب العواء وَهُوَ الْمنزل الثَّالِث عشر وَجعل بَعضهم العواء وركي الْأسد، وَسَماهُ بَعضهم محاسة وَهُوَ حشْوَة الْبَطن، وَذكر بَعضهم أَن كواكب العواء هِيَ كلاب تعوي خلف الْأسد، وَإِنَّمَا سميت العواء للإنعطاف الَّذِي فِيهَا، يُقَال عويت الشَّيْء إِذا عطفته وَيُسمى أَيْضا عواء الْبرد لِأَنَّهَا إِذا طلعت أَو سَقَطت جَاءَت بِبرد، وعَلى الْكَتف الْيُمْنَى كَوْكَب نير يُسمى السماك الأعزل، وَسمي الأعزل لَان بإزائه السماك الرامح، وَسمي رامحاً للرمح الَّذِي على يَمِينه وهما الكوكبان النيرَان اللَّذَان أَحدهمَا يقدمهُ وَالْآخر يتبعهُ، وَسمي الآخر أعزل لِأَنَّهُ لَا سلَاح مَعَه، والمنجمون يسمون السماك الأعزل السنبلة وَالْعرب يُسَمِّيه أَيْضا سَاق الْأسد لِأَن عِنْد أَكْثَرهم أَن السماكين هما ساقا الْأسد، وعَلى الذيل ثَلَاثَة كواكب تسمى الغفر وَهُوَ الْمنزل الْخَامِس عشر، ويزعمون أَنه خير الْمنَازل لِأَنَّهُ خلف ذَنْب الْأسد وساقيه وأمام زباني الْعَقْرَب وعادية الْأسد فِي رَأسه وأظفاره، وعادية الْعَقْرَب فِي ذنبها وحمتها فيليه من الْأسد وَمن الْعَقْرَب مَا لَا يضرّهُ، وَذكر بَعضهم أَنه يكون مولد الْأَنْبِيَاء صلى الله عَلَيْهِم وَسلم، وَيُقَال أَنه سمى الغفر من الغفرة وَهِي الشّعْر الَّذِي فِي طرف ذَنْب الْأسد، وَيُقَال أَنه سمي الغفر لنُقْصَان ضوء كواكبه، يُقَال غفرت أَي غطيت، وَيُقَال أَنه سمي الغفر لِأَنَّهُ فَوق زباني الْعَقْرَب، وَلذَلِك سمي المغفر الَّذِي يكون فَوق الرَّأْس، وَمثل الرَّأْس الَّذِي يَعْلُو الثَّوْب، فيسمى الغفر، وَيُمكن أَن يُقَال أَنه أَيْضا من التغطية. لِأَن المغفر يُغطي الرَّأْس والغفر الَّذِي يُغطي الثَّوْب وكواكب العوا كلهَا فِي السنبلة وكواكب الغفر فِي الْمِيزَان.

كوكبة الْمِيزَان وَهِي ثَمَانِيَة من الصُّورَة وَتِسْعَة خَارِجَة مِنْهَا وعَلى الكفة كوكبان نيران تسميها الْعَرَب زباني الْعَقْرَب أَي قرنيهما والإكليل، وَهُوَ الْمنزل السَّابِع عشر من الْمنَازل فِي هَذِه الصُّورَة، وَمن الْخَارِج مِنْهَا، وَقد اخْتلفت الرِّوَايَات فِي الإكليل فَذكر بَعضهم أَنه الثَّلَاثَة الَّتِي على جبهة الْعَقْرَب وَهُوَ غلط وَلكنه من ثَلَاثَة شَبيهَة بِهَذِهِ الثَّلَاثَة فِي التقويس وكواكب هَذِه الصُّورَة كلهَا فِي الْعَقْرَب. كوكبة الْعَقْرَب وكواكبها أحد وَعِشْرُونَ كوكباً فِي الصُّورَة، وَثَلَاثَة خَارِجَة مِنْهَا. قد ذكرنَا مَا فِيهَا عَن الْعَرَب فِي الثَّلَاثَة الَّتِي على جبهة الْعَقْرَب من أَنهم يسمونه الإكليل، وَقُلْنَا إِنَّه غلط ودللنا على الإكليل فِي كَوْكَب الْمِيزَان، فَأَما النير الَّذِي على الْبدن فَإِن الْعَرَب تسميه الْقلب وقدامه كَوْكَب تسميه مَعَ آخر خَلفه النياط، وَتسَمى الَّتِي فِي الخرزات الفقرات، وَيُسمى اللَّذين على طرف الذَّنب الشولة، وشولة الْعَقْرَب، وَتسَمى الإبرة أَيْضا، وَهُوَ الْمنزل التَّاسِع عشر من منَازِل الْقَمَر، وَالْقَمَر لَا يعدل إِلَيْهَا، وَلكنه تمر على محاذاتها لِأَنَّهَا مائلة عَن طَرِيق الشَّمْس ثَلَاث عشرَة دَرَجَة وَأكْثر مَا يعدل الْقَمَر عَنْهَا خمس دَرَجَات وَيُقَال رُبمَا قصر الْقَمَر فَنزل بالفقار وَالْقلب والنياط فِي الْعقر والفقرات فِي الشولة والقوس. كوكبة الرَّامِي وكواكبها أحد وَثَلَاثُونَ كوبا فِي الصُّورَة وَلَيْسَ حواليها شَيْء من الْكَوَاكِب المرصودة، هِيَ صُورَة فَارس قد وضع سَهْمه فِي قوسه ونزعها، وعَلى زج السهْم كَوْكَب، وعَلى مقبض الْقوس كَوْكَب آخر، وعَلى طرفه الجنوبي آخر وعَلى طرف الْيَد الْيُمْنَى آخر، وَهَذِه الْأَرْبَعَة على مربع منحرف، والاثنان الشماليان مِنْهَا فِي وسط المجرة، الِاثْنَان الجنوبيان فِي طرفها الشَّرْقِي، وَالْعرب يسميها النعام الْوَارِد لِأَنَّهَا شبهت المجرة بنهر والنعام قد ورده وعَلى الْمنْكب الْأَيْسَر من الرجل كَوْكَب وعَلى فَوق السهْم آخر وعَلى الْكَتف آخر وَتَحْت الْإِبِط آخر وَهِي على مربع منحرف بعيدَة عَن المجرة إِلَى نَاحيَة الْمشرق وَالْمغْرب، تسميها النعام الصَّادِر وعَلى الطّرف الشمالي من الْقوس كَوْكَب، وعَلى السِّتَّة الشمالية آخر يسميان الظليمين، ويسمي الْموضع الَّذِي بَين النعائم الْوَصْل، وَهُوَ

الْمنزل الْعشْرُونَ من منَازِل الْقَمَر وعَلى رَأس الْفَارِس وعصابته سِتَّة كواكب على خطّ مقوس خلف كَوْكَب سحابي هُوَ على عين الرَّامِي تسمي القلادة والقلائص وَتسَمى أَيْضا الأدحى وَتسَمى الْموضع الْخَالِي تَحت القلادة الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كَوْكَب الْبَلدة، وَهُوَ الْمنزل الْحَادِي وَالْعشْرُونَ، وَيُقَال إِن الْقَمَر رُبمَا قصر فَنزل بالقلادة وَيجوز أَن يكون كَذَلِك لِأَن كواكبها قريبَة من المنطقة، وعَلى الْفَخْذ الْيُسْرَى من الْفرس كَوْكَب وعَلى السَّاق الْمُؤخر الْيُمْنَى كَوْكَب آخر يسميان الصردين والنعام الْوَارِد فِي الْقوس وَثَلَاثَة من كواكب النعام الصَّادِر فِي الْقوس وَوَاحِدَة، وَهُوَ الَّذِي على الْكَتف فِي المجرة والظليمان فِي الْقوس والقلادة فِي المجرة. كوكبة الجدي وكواكبه ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ كوكباً فِي الصُّورَة، وَلَيْسَ حواليها كَوْكَب مرصود، وعَلى قرنه كوكبان أَحدهمَا صَغِير يسميها الْعَرَب سعد الذَّابِح يُسمى ذابحاً الثَّانِي الصَّغِير ذكرُوا أَنه فِي مذبح الآخر، وَقَالُوا أَيْضا إِن الصَّغِير هُوَ شاته الَّتِي تذبح، وَهُوَ الْمنزل الثَّانِي وَالْعشْرُونَ من منَازِل الْقَمَر، وعَلى الذَّنب كوكبان يسميان سعد نَاشِرَة، ويسميان المحبين أَيْضا وهما على طَريقَة الْقَمَر، وَمَوْضِع سعد الذَّابِح فِي الجدي وَسعد الناشرة فِي الدَّلْو. كوكبة ساكب المَاء وَهُوَ الدَّلْو وكواكبها اثْنَان وَأَرْبَعُونَ كوكباً من الصُّورَة وَثَلَاثَة خَارِجَة عَن الصُّورَة، وعَلى الْمنْكب الْأَيْمن من ساكب المَاء كوكبان تسميهما الْعَرَب سعد الْملك، وعَلى مَنْكِبه الْأَيْسَر كوكبان يسميان مَعَ كَوْكَب على طرف ذَنْب الجدي سعد السُّعُود، وَهُوَ الْمنزل الرَّابِع وَالْعشْرُونَ من منَازِل الْقَمَر، وسمته بِهَذَا الِاسْم لتيمنهم من ذَلِك أَن الثَّلَاثَة كلهَا فِي نَحْو عشر دَرَجَات من الدَّلْو، فَيطلع من تَحت الشعاع إِذا صَارَت الشَّمْس فِي آخر الدَّلْو وَأول الْحُوت، فَيكون طلوعه عِنْد انكسار الْبرد، وسقوطه عِنْد انكسار الْحر، إِذا صَارَت الشَّمْس إِلَى أول السنبلة فيتفق فِي طلوعه ابْتِدَاء الأمطار وَفِي سُقُوطه انكسار السمائم وَكَثْرَة الرطب، وَسُقُوط الطل. وروى عَن الْعَرَب أَن الْقَمَر رُبمَا قصر فَنزل بِسَعْد نَاشِرَة وَذَلِكَ غلط، لِأَن سعد السُّعُود يطلع قبل سعد نَاشِرَة، وَعرض سعد نَاشِرَة فِي الْجنُوب درجتان وَالْقَمَر يمر عَلَيْهَا وَلَا يعدل إِلَى سعد السُّعُود، لِأَن عرض النير مِنْهَا فِي الشمَال نَحْو تسع دَرَجَات، وَالَّذِي تَحْتَهُ سِتّ دَرَجَات

الصور الجنوبيه

وَكسر، ويمر فِي الندرة على الثَّالِث مِنْهَا الَّذِي على طرف ذَنْب الجدي فِي كل ثَمَانِي عشرَة سنة مرّة، إِذا صَار الرَّأْس فِي عشر دَرَجَات من الْعَقْرَب، وعَلى الْيَد الْيُسْرَى ثَلَاثَة كواكب تسمى سعد بلع، وَهُوَ الْمنزل الثَّالِث وَالْعشْرُونَ سمي بذلك لِأَن الِاثْنَيْنِ مِنْهَا جعلوهما سَعْدا، وَالْوَاحد الْأَوْسَط الَّذِي قد ابتلعه لِأَن الصَّغِير من سعد الذَّابِح هُوَ كَأَنَّهُ فِي نحر الآخر، والأوسط من هَذِه قد نزل عَن الْحلق وَصَارَ فِي مَوضِع الْبَطن، فَكَأَنَّهُ قد ابتلعه، وعَلى الساعد الْأَيْمن كوكبة، وعَلى يَده الْيمن ثَلَاثَة كواكب تسمى سعد الأخبية، وَهُوَ الْمنزل الْخَامِس وَالْعشْرُونَ، سمى بذلك لِأَنَّهُ من أَرْبَعَة كواكب. ثَلَاثَة مِنْهَا على مثلث وَوَاحِد فِي وسط المثلث، فَجعلُوا هَذَا الْوَاحِد سَعْدا وَالثَّلَاثَة لَهُ بِمَنْزِلَة الخبأ، والنير الَّذِي فِي أخر الصُّورَة وَهُوَ آخر ممر المَاء وَهُوَ فِي فَم الْحُوت الجنوبي يُسمى الضفدع الأول لِأَن النير الَّذِي على الشَّوْكَة الجنوبية من ذَنْب قيطس يُسمى الضفدع الثَّانِي، وَنَذْكُر ذَلِك فِي صفة كوكبة قيطس، وَيُسمى الضفدع الأول الظليم أَيْضا، وَفِي آخر الشَّهْر أَيْضا كَوْكَب يُسمى الظليم، وَرُبمَا رسم على بعض الكرات هَذَانِ الكوكبان ويسميان الظليم وَقد حكى عَن الْعَرَب أَن فِي نَاحيَة الدَّلْو فِي الْجنُوب سفينة، وَأَن أحد الضفدعين على مقدمها وَالْآخر على مؤخرها وَمَوْضِع سعد السُّعُود فِي الدَّلْو وَكَذَلِكَ سعد الْملك وَكَذَلِكَ سعد الأخبية، وكوكبان من سعد بلع فِي الجدي وَالْآخر فِي الدَّلْو والضفدع أَيْضا فِي الدَّلْو وَسَائِر كواكب الصُّورَة بَعْضهَا فِي الدَّلْو، وَبَعضهَا فِي الْحُوت. كوكبة السمكتين وكواكبها أَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ كوكباً فِي الصُّورَة، وَأَرْبَعَة خَارِجَة عَنْهَا، وَقد ذكرنَا فِي صُورَة الْمَرْأَة المسلسلة مَذْهَب الْعَرَب فِي هَذِه النُّجُوم.؟ الصُّور الجنوبية كوكبة قيطس وَهِي صُورَة الْحَيَوَان البحري، ومقدمه فِي نَاحيَة الْمشرق على جنوب كوكبة الْحمل، ومؤخره فِي نَاحيَة الْمغرب خلف الثَّلَاثَة الْخَارِجَة عَن صُورَة ساكب المَاء، والتسعة الَّتِي على طَرِيق المَاء الَّتِي كل ثَلَاثَة مِنْهَا على مِثَال وَاحِد، وَهِي الَّتِي تسميها الْعَرَب السَّفِينَة وكواكبها اثْنَان وَعِشْرُونَ كوكبا، وعَلى الرَّأْس سِتَّة كواكب تسميها الْعَرَب الْكَفّ الجذماء يُرِيدُونَ كف الثريا، وَذَلِكَ

أَنهم وجدوا سطرين من كواكب يمتدان من عِنْد الثريا، أَحدهمَا نَحْو الشمَال فتمر على أَكثر كواكب مُمْسك رَأس الغول، حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْكَوَاكِب النيرة الَّتِي على ظهر النَّاقة، وَهِي كوكبة ذَات الْكُرْسِيّ فشبهوا النيرة الَّتِي على ظهر النَّاقة بأنامل مخضوبة فسموا هَذِه الْيَد الْكَفّ الخضيب، وَالْآخر يَمْتَد من عِنْد الثريا نَحْو الْجنُوب فتمر على الْأَرْبَعَة المصطفة على مَوضِع الْقطع من الثور وَيَنْقَطِع عِنْد هَذِه السِّتَّة الَّتِي على رَأس قيطس فشبهوا هَذِه السِّتَّة الَّتِي على رَأس القيطس، وشبهوا هَذَا السطر، وَهَذِه الْكَوَاكِب السِّتَّة بيد جذماء لقصرها، وَلِأَن امتدادها دون امتداد السطر الشمالي، وشبهوا الثريا بِرَأْس بَين يدين، وعَلى يَدَيْهِ خَمْسَة كواكب تسمى النعائم والنعامات أَيْضا، وعَلى الشعبة الجنوبية من كَوْكَب يُسمى الضفدع الثَّانِي، وَقد قيل أَن جَمِيع كوكبة قيطس تسمى الْبَقر وَمَوْضِع هَذِه الْكَوَاكِب كلهَا فِي الْحمل والحوت. كَوْكَب الْجَبَّار وَهُوَ الجوزاء وكواكبه ثَمَانِيَة وَثَلَاثُونَ كوكباً من الصُّورَة، وَهُوَ صُورَة رجل قَائِم فِي نَاحيَة الْجنُوب على طَريقَة الشَّمْس أشبه شَيْء بِصُورَة الْإِنْسَان، لَهُ رَأس ومنكبان ورجلان وَبِيَدِهِ عَصا وَفِي وَسطه سيف وعَلى رَأسه ثَلَاثَة كواكب صغَار مُتَقَارِبَة تشبه نقط الثَّاء تسمى الهقعة، وهقعة الجوزاء أَيْضا، وَقد روى أَيْضا: البحاتي والبحيات والبحتة والأثافي. وَهُوَ الْمنزل الْخَامِس، وَتسَمى الَّذِي على الْمنْكب الْأَيْمن، وَهُوَ نير عَظِيم منْكب الجوزاء، وَيَد الجوزاء، فيروي عَنْهُم أَيْضا مرزم الجوزاء، وَهُوَ غلط لِأَن من عَادَتهم أَن يسموا الْكَوْكَب الَّتِي تقدم النير المرزم وَتسَمى الثَّلَاثَة النيرة المصطفة الَّتِي على وَسطه منْطقَة الجوزاء، ونطاق الجوزاء، والنظام وَالنّظم فيروى أَيْضا نظم الجوزاء، وفقار الجوزاء. وَتسَمى الثَّلَاثَة المنحدرة المتقاربة المصطفة النقط وَسيف الْجَبَّار أَيْضا، وَيُسمى النير الْعَظِيم الَّذِي على قدمه الْيُسْرَى رجل الجوزاء، وراعي الجوزاء، وَقد روى أَن هَذَا الْكَوْكَب يُسمى الناجذ وَأَن الْأَحْمَر الَّذِي على منْكب الْأَيْمن يُسمى راعي الجوزاء، وَالَّذِي على منْكب الْأَيْسَر يُسمى المرزم، وَهُوَ بالمرزم أولى لِأَنَّهُ يقدم النير الْأَحْمَر، وَيُسمى التِّسْعَة المقوسة الَّتِي على الْكمّ تَاج الجوزاء وذوائب الجوزاء، وَأكْثر هَذِه الْكَوَاكِب فِي الجوزاء، وَبَعضهَا فِي آخر الثور.

كوكبة النَّهر وكواكبها أَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ كوكباً من الصُّورَة وَلَيْسَ حواليها شَيْء من الْكَوَاكِب المرصودة، ويبتدئ من عِنْد النير الَّذِي على قدم الجوزاء الْيُسْرَى، وَالْعرب تسمي ثَلَاثَة من الْكَوَاكِب الَّتِي فِي أول النَّهر مَعَ النَّهر على رجل الجوزاء فَوق الكعب من رجله الْيُسْرَى كرْسِي الجوزاء الْمُقدم، لِأَنَّهَا قد صَارَت على مربع شَبيه بالكرسي، والنير الَّذِي على رجل الجوزاء الْيُسْرَى قد صَار على ضلع فِي المربع شَبيه بِرَجُل على كرْسِي، وَتسَمى تِسْعَة من كواكب النَّهر مَعَ أَرْبَعَة من الْكَوَاكِب الَّتِي على صدر قيطس أدحى النعام وَالَّتِي حوالي هَذِه الْكَوَاكِب تسمى الْبيض والقيض أَيْضا وَفِي آخر النَّهر نير يُسمى الظليم وَبَين هَذَا الظليم وَبَين الظليم الَّذِي فِي فَم الْحُوت الجنوبي كواكب كَثِيرَة تسمى الرئال وكواكب هَذِه الصُّورَة كلهَا فِي الْحمل والثور غير ثَلَاثَة الَّتِي فِي أَوله فَإِنَّهَا فِي أول الجوزاء. كوكبة الأرنب: وكواكبه اثنى عشر كوكباً من الصُّورَة وعَلى يَدَيْهِ أَرْبَعَة كواكب على مربع يسميها الْعَرَب كرْسِي الجوزاء الْمُؤخر وعرش الجوزاء؛ لِأَنَّهَا فِيمَا بَين الرجلَيْن فِي مَوضِع الْعَرْش وَقد روى أَنَّهَا تسمى النهال وموضعها فِي الجوزاء. كوكبة الْكَلْب الْأَكْبَر وكواكبه ثَمَانِيَة عشر كوكباً من الصُّورَة وَأحد عشر كوكباً حوالي الصُّورَة، والنير الْعَظِيم الَّذِي على مَوضِع الْفَم يُسمى الشعرى العبور، والشعرى اليمانية وسمته العبور لِأَنَّهُ قد عبر المجرة إِلَى نَاحيَة الْجنُوب، وَذَلِكَ أَنهم يَزْعمُونَ أَن الشعريين هما أُخْتا سُهَيْل، وَأَن سُهَيْل تزوج بالجوزاء، فبرك عَلَيْهَا وَكسر فقارها، فَهُوَ هارب نَحْو الْجنُوب ولاذ بكبد السَّمَاء، وَأَن العبور عبرت المجرة إِلَى سُهَيْل، وَتسَمى اليمانية لِأَن مغيبها فِي شقّ الْيَمَانِيّ وَيُسمى أَيْضا كلب الحبار لِأَنَّهُ يتبع الجوزاء أبدا، ويقدمهاكوكب يُسمى مرزم الشعرى ومرزم العبور. وَقد رُوِيَ أَنهم يسمونه الْكَلْب، وعَلى الْبدن والذنب أَرْبَعَة كواكب تسمى العذارى وعذرة الجوزاء، وَتسَمى أَرْبَعَة مصطفة من جملَة الْخَارِجَة عَن الصُّورَة حوالي النيرين: القرود والأغربة. وَقد روى أَنهم يسمون

المرزم وَهُوَ الَّذِي على طرف يَده الْيُمْنَى قُدَّام النير الْعَظِيم مَعَ الْكَوْكَب الْمُتَقَدّم من كوكبين خفيتين على ركبته الْيُسْرَى حضار وَالْوَزْن تسميهما المحلفين والمحنثين أَيْضا، لِأَنَّهُمَا يطلعان قبل السهيل، فيقدران أَحدهمَا سُهَيْل، وَفِي ذَلِك غلط لِأَن سهيلاً كَوْكَب نير عَظِيم فِي الْقدر الأول، مُنْفَرد، لَا يجاوره شَيْء من الْكَوَاكِب وَهَذَانِ هما من الْقدر الثَّالِث فِيمَا بَين كواكب كَثِيرَة يطلعان فِي وَقت وَاحِد ويرتفعان عَن الْآفَاق الَّتِي يرْتَفع فِيهَا سُهَيْل ارتفاعاً كثيرا، فَلَا يشبهان سهيلاً وكواكبها فِي السرطان والقرود خَارِجَة من الصُّورَة فِي الجوزاء. كوكبة الْكَلْب الْأَصْغَر وهما كوكبان بَين النيرين اللَّذين هما على رَأس التوأمين، وَبَين النير الْعَظِيم الَّذِي على فَم الْكَلْب الْأَكْبَر يتَأَخَّر عَنْهُمَا إِلَى الْمشرق، أَحدهمَا أنور وَهُوَ الشعرى الشامية وَيُسمى أَيْضا الشعرى الغميصاء لِأَن عِنْدهم أَنه أُخْت سُهَيْل وَأَنه لما عبرت اليمانية المجرة إِلَى الْجنُوب وإِلى نَاحيَة سُهَيْل فَبَكَتْ حَتَّى غمصت عَيناهَا ويسمون أَيْضا الِاثْنَيْنِ ذِرَاع الْأسد المقبوضة، سميت مَقْبُوضَة لتأخرها عَن الذِّرَاع الْأُخْرَى النيرين اللَّذين على رَأس التوأمين. وَأكْثر الروَاة زَعَمُوا أَنه الْمنزل السَّابِع من منَازِل الْقَمَر، وَذَلِكَ غلط لِأَن الْقَمَر ينزل بالذراع الْأُخْرَى المبسوطة وَهِي من الكوكبين النيرين الَّذين على رَأس التوأمين، والكوكبان اللَّذَان من صُورَة الْكَلْب الْمُتَقَدّم فِي السرطان. كوكبة السَّفِينَة وكواكبها خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ كوكباً من الصُّورَة، وَالرِّوَايَات عَن الْعَرَب فِي هَذِه الْكَوَاكِب وَفِي السهيل مُخْتَلفَة، فَروِيَ بَعضهم أَنهم يسمون النير الْعَظِيم الَّذِي على طرف السكان الثَّانِي سهيلاً على الْإِطْلَاق وَأَن الْكَوَاكِب النيرة الَّتِي تليه يسمونها سُهَيْل بلقين وَسُهيْل حضار وَسُهيْل رقاس وَسُهيْل الْوَزْن، وَسُهيْل المحلف والمحنث، وَزعم قوم أَن تَحت سُهَيْل قدمي سُهَيْل، وَأَن تَحت قدمي سُهَيْل كواكب زهر بيض، لَا ترى بالعراق وَلَا بِنَجْد، وَأَن أهل تهَامَة يسمونها الْبَقر، وَسُهيْل فِي الجوزاء. كوكبة الشجاع وكواكبها خَمْسَة وَعِشْرُونَ كوكباً من الصُّورَة وَاثْنَانِ خَارج الصُّورَة وعَلى آخر الْعُنُق كَوْكَب يُسَمِّيه الْعَرَب الْفَرد لانفراده عَن أشباهه وتنحيه إِلَى نَاحيَة الْجنُوب وَأما سَائِر الْكَوَاكِب فقد اخْتلفت الرِّوَايَة فِيهَا عَن الْعَرَب،

وَقَالَ بَعضهم أَن بَين كَوْكَب الْفَرد وَبَين الخبأ كواكب مستطيلة مثل الْحَبل تسمى الشراسيف، الشراسيف والخبأ كواكب مستديرة تسمى المعلف أَرَادَ بذلك كَوْكَب الباطئة ثمَّ ذكر أَن هُنَاكَ عرش السماك وَأَنه يُسمى الْأَحْمَال وَهُوَ كوكبة الْغُرَاب بِعَينهَا وَذكر بعد ذَلِك أَن بَين الْفَرد وَبَين الزباني الْعَقْرَب الخبأ الْيَمَانِيّ وَلَيْسَ هُنَاكَ خبأ غير كوكبة الْغُرَاب وَقَالَ بَعضهم أَن بَين الْفَرد والزباني الْعَرَب الخبأ ثمَّ الْفَرد ثمَّ الشراسيف ثمَّ المعلف وَأكْثر رواياتهم عَن الْعَرَب كَذَلِك وَقد قَالَ غَيره والشراسيف هِيَ كوكبة الشجاع أَرَادَ بذلك كوكبة الشجاع، وَأَرَادَ بالخبأ كوكبة الْغُرَاب، وَأَن بَين الشراسيف، أَرَادَ بذلك كوكبة الشجاع بَين الْفَرد وَبَين كوكبه الْغُرَاب الَّتِي تسمى عرش السماك وَهِي أحد عشر كوكباً على مثلث على جنوب كوكبة الْغُرَاب، وَأحد الكوكبين الخارجين عَن الصُّورَة، وَهُوَ الثَّانِي مِنْهُمَا يخرج مِنْهُ سطر فِيمَا بَين كوكبه الخارجين والشجاع، وَبَين كوكبه الْأسد تسمى الْخَيل مَعَ الْكَوَاكِب النيرة الَّتِي تقع فِي السطر من كوكبة الْأسد مَعَ الْبَقِيَّة من كوكبة الشجاع وَالْكَوَاكِب الصغار الَّتِي فِي أَثْنَائِهَا، تسمى أفلاء الْخَيل، وَفِي خلالها كوكبة الباطئة بَين الْفَرد وَبَين كوكبة الْغُرَاب يُسمى المعلف. وكواكب الشجاع فِي السرطان والأسد والسنبلة. كوكبة الباطئة هِيَ سَبْعَة كواكب على شمال كوكبة الشجاع وَالْعرب تسميها المعلف، وَهِي السنبلة. كوكبة الْغُرَاب: سَبْعَة كواكب خلف الباطئة وعَلى جنوب السماك الأعزل وَالْعرب تسميها عجز الْأسد، فتزعم أَن الْقَمَر رُبمَا قصر فَنزل بعجز الْأسد، وتسميها أَيْضا عرش السماك الأعزل، وتسميها الْأَحْمَال أَيْضا والخبأ، وَهِي فِي السنبلة. كوكبة القنطورس وَهِي حَيَوَان مقدمه مقدم إِنْسَان من رَأسه إِلَى آخر ظَهره، ومؤخره مُؤخر فرس، من منشأ ظَهره إِلَى ذَنبه على جنوب كوكبة الْمِيزَان وَجهه إِلَى الشرق، ومؤخر الدَّابَّة إِلَى الْمغرب. وكواكبه سَبْعَة وَثَلَاثُونَ كوكباً. كوكبة السَّبع: وَهِي ثَمَانِيَة عشر كوكباً خلف كوكبة قنطورس وَبَعضهَا مختلطة بهَا، وَالْعرب تسمى كواكب الصُّورَتَيْنِ جَمِيعًا الشماريخ، وَهِي تشبه الشماريخ لكثرتها وكثافة جمعهَا، ويسمون النير الَّذِي على طرف الْيَد الْيُمْنَى من

الدَّابَّة، مَعَ النير الَّذِي على ركبة الْيَد الْيُسْرَى مِنْهَا حضار وَالْوَزْن ويسمونها محلفين، لِأَن الْمُتَقَدّم مِنْهُمَا يمر على مجْرى سُهَيْل أَو قريب مِنْهُ، فَإِذا طلع أَحدهمَا يُشبههُ من رَآهُ بسهيل فَيَقُول إِنَّه سُهَيْل، وَيَرَاهُ غَيره فيعرفه فَيَقُول لَيْسَ بسهيل فيتحالفان فَيحنث أَحدهمَا. وَلم يذكر أَن أَيهمَا حضار وَأيهمَا الْوَزْن فَيجوز أَن يكون الْمُتَقَدّم حضار لأَنهم يبدأون بِهِ عِنْد ذكرهمَا، وكواكبه جَمِيعًا فِي الْمِيزَان وَالْعَقْرَب. كوكبة المجمرة سَبْعَة كواكب على جنوب الخرزة الرَّابِعَة وَالْخَامِسَة من ذَنْب الْعَقْرَب وَلم يذكر فِيهَا عَن الْعَرَب شَيْء وَهِي فِي الْقوس. كوكبة الإكليل الجنوبي ثَلَاثَة عشر كوكباً من الصُّورَة فِيمَا بَين النعامين، وَقَالُوا عَن الْعَرَب أَنَّهَا تسميها الْقبَّة لاستدارتها، وَزَعَمُوا أَنَّهَا أَسْفَل من شولة الْعَقْرَب، وَلَيْسَ هُنَاكَ كواكب مستديرة تشبه الْقبَّة غَيرهَا، وَذكر أَكْثَرهم أَن وَرَاء الْقبَّة الصردين، والصردان من كوكبة الرَّامِي أَحدهمَا على الْفَخْذ الْيُسْرَى من الدَّابَّة، وَهُوَ الصرد الْأَعْلَى وَالْآخر على سَاقه الْيُمْنَى، وَقَالَ آخَرُونَ أَنَّهَا تسمى أدحى النعام وَهُوَ عشه، لِأَنَّهَا على جنوب النعائم الصَّادِر والوارد وَهِي فِي الْقوس. كوكبه الْحُوت الجنوبي: أحد عشر كوكباً من الصُّورَة على جنوب كوكبة الدالي رَأسه إِلَى الْمشرق، وذنبه إِلَى الْمغرب، وَالْعرب تسمي الَّذِي على فَم الضفدع الأول الظليم وَهُوَ المُشْتَرِي بَينه ويبن كوكبة الدالي، وَهُوَ على آخر يم المَاء. هَذَا آخر الصُّور. مِمَّا كَانَت تَقوله الْعَرَب: كَانُوا يَقُولُونَ: أَن الدبران خطب الثريا وَأَرَادَ الْقَمَر أَن يُزَوجهُ فَأَبت عَلَيْهِ، وَوَلَّتْ عَنهُ، وَقَالَت للقمر: مَا أصنع بِهَذَا السبروت الَّذِي لَا مَال لَهُ؟ فَجمع الدبران قلاصه ليتزوج بهَا، فَهُوَ يتبعهَا حَيْثُ تَوَجَّهت بسوق صَدَاقهَا، قَالَ من يعنون القلاص ويزعمون أَن الجدي قتل نعشاً فبناته تدرن بِهِ تريده، وَأَن سهيلاً خطب الجوزاء فركضته برجلها، فَطَرَحته حَيْثُ هوى، وضربها هُوَ بِالسَّيْفِ فَقطع وَسطهَا.؟

الباب السادس اسجاع الكهنه

الْبَاب السَّادِس أسجاع الكهنة تحاكم عبد الْمطلب بن هِشَام وَبَنُو ثَقِيف إِلَى عزي سَلمَة الكاهن، فِي مَاء بِالطَّائِف يُقَال لَهُ ذُو الْهَرم فجَاء الثقفيون فاحتفروه فخاصمهم عبد الْمطلب إِلَى عزي وخبأوا لَهُ رَأس جَرَادَة فِي خرزة مزادة وجعلوه فِي قلادة كلب لَهُم يُقَال لَهُ سوار، فَلَمَّا وردوا عَلَيْهِ قَالَ: حَاجَتكُمْ؟ فَقَالُوا لَهُ: خبأنا لَك خبيئاً فأنبئنا عَنهُ أَولا. فَقَالَ: خبأتم لي شَيْئا طَار فسطع، فتصوب فَوَقع، فِي الأَرْض مِنْهُ بقع. قَالُوا: لاده، أَي بَينه. قَالَ هُوَ شَيْء طَار، فاستطار، ذُو ذَنْب جرار، وساقِ كالمنشار، وَرَأس كالمسمار فَقَالُوا: لاده، قَالَ: إِن لاده فلاده، هُوَ رَأس جَرَادَة فِي خرز مزادة فِي عنق سوار ذِي القلادة قَالُوا: صدقت. وانتسبوا لَهُ، وَقَالُوا: أخبرنَا فِيمَا اختصمنا إِلَيْك؟ قَالَ: أَحْلف بالضياء وَالظُّلم، وَالْبَيْت وَالْحرم، أَن الدفين ذَا الْهَرم، للقرشي ذِي الْكَرم، فَغَضب الثقفيون وَقَالُوا: اقْضِ لأرفعنا مَكَانا، وأعظمنا جفانا، وأشدنا طعانا، فَقَالَ عبد الْمطلب: اقْضِ لصَاحب الْخيرَات الْكبر، وَلمن كَانَ سيد مُضر، ولساقي الحجيج إِذا كثر. فَقَالَ الكاهن: إِن مقالي فَاسْمَعُوا شَهَادَة: إِن بني النَّضر كرام سادة، من مُضر الْحَمْرَاء ذِي القلادة، أهل سناء مُلُوك قادة، زِيَارَة الْبَيْت لَهُم عبَادَة. ثمَّ قَالَ: إِن ثقيفاً عبد من قيس فَأعتق فولد فأبق، فَلَيْسَ لَهُ فِي النّسَب من حق. دَعَا أُميَّة بن عبد شمس، هَاشم بن عبد منَاف إِلَى المنافرة فَقَالَ هَاشم: فَإِنِّي أنافره على خمسين نَاقَة سود الحدق ننحرها بِمَكَّة، أَو الْجلاء عَن مَكَّة عشر

سِنِين، فَرضِي أُميَّة، وَجعلا بَينهمَا الْخُزَاعِيّ الكاهن، وخرجا إِلَيْهِ، ومعهما جمَاعَة من قومهما، فَقَالُوا: خبأنا خبيئاً فَإِن أَصَابَهُ تحاكمنا ليه، وَإِن لم يصبهُ تحاكمنا إِلَى غَيره، فوجدوا أَبَا همهمة، وَكَانَ مَعَهم أطباق جمجمة، فَأَمْسكهَا مَعَه، ثمَّ أَتَوا الكاهن فأناخوا بِبَابِهِ وَكَانَ منزله بعسفان فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا قد خبأنا لَك خبيئاً فأنبئنا عَنهُ، فَقَالَ: أَحْلف بالضوء والظلمة، وَمن بتهامة من تُهْمَة، وَمَا بِنَجْد من أكمة، لقد خبأتم لي أطباق جمجمة، مَعَ البلندح أبي همهمة. قَالُوا: صدقت. احكم بَين هَاشم بن عبد منَاف وَبني أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف، أَيهمَا أشرف بَيْتا ونسباً ونفساً؟ فَقَالَ: وَالْقَمَر الباهر، والكوكب الزَّاهِر، والغمام الماطر، وَمَا بالجو من طَائِر، وَمَا اهْتَدَى بِعلم مُسَافر، من منجد وغائر، لقد تسبق هَاشم أُميَّة إِلَى المآثر، أول مِنْهُ وَآخر، فَأخذ هَاشم الْإِبِل ونحرها وأطعمها من حضر، وَخرج أُميَّة إِلَى الشَّام فَأَقَامَ بهَا عشر سِنِين، فَيُقَال إِنَّهَا أول عَدَاوَة بَين بني هَاشم، وَبَين أُميَّة. كَانَت سعدى بنت كريز بن ربيعَة قد تطرقت وتكهنت، وَهِي خَالَة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ، رُوِيَ عَن عُثْمَان أَنه قَالَ: لما زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنَته رقية من عتبَة بن أبي لَهب، وَكَانَت ذَات جمال رائع، دخلتني الْحَسْرَة أَو كالحسرة، أَلا أكون سبقت إِلَيْهَا، ثمَّ لم ألبث أَن انصرفت إِلَى منزلي فألقيت خَالَتِي، فَلَمَّا رأتني قَالَت: اُبْشُرْ وحييت ثَلَاثًا تترى ... ثمَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا أُخْرَى ثمَّ بِأُخْرَى كي تتمّ عشرا ... أَتَاك خيرٌ، ووقيت شرا نكحت وَالله حصانا زهرا ... وَأَنت بكر وَلَقِيت بكرا وافيتها بنت نفيسٍ قدرا ... بنت نَبِي قد أشاد ذكرا قَالَ عُثْمَان: فعجبت من قَوْلهَا، وَقلت: مَا تَقُولِينَ؟ فَقَالَت: عُثْمَان يَا ابْن أُخْتِي يَا عُثْمَان ... لَك الْجمال وَلَك الْبَيَان

هَذَا نَبِي مَعَه الْبُرْهَان ... أرْسلهُ بِحقِّهِ الديَّان وجاءه التَّنْزِيل وَالْفرْقَان ... فَاتبعهُ لَا تحتالك الْأَوْثَان فَقلت: يَا خَالَة، إِنَّك لتذكرين مَا قد وَقع ذكره فِي بَلْدَتنَا فاثبتيه لي، فَقَالَت: إِن مُحَمَّد بن عبد الله رَسُول من عِنْد الله جَاءَ بتنزيل الله، يَدْعُو إِلَى الله، مصباحه مصباحٌ، وَقَوله صلاحٌ، وَدينه فلاحٌ، وَأمره نجاح، وقرنه نطاح، ذلت لَهُ البطاح، مَا ينفع الصياح، لَو وَقع الذباح، وسلت الصفاح وَمَرَّتْ الرماح، قَالَ: ثمَّ قَامَت فَانْصَرَفت وَوَقع كَلَامهَا فِي قلبِي، وَجعلت أفكر فِيهِ. وَذكر بعد ذَلِك إِسْلَامه وتزويجه برقية، فَكَانَ يُقَال: أحسن زوج رقية وَعُثْمَان فَقيل فيهمَا: أحسن زوج رَآهُ إِنْسَان، رقية وزوجه عُثْمَان. وروى الْمَدَائِنِي: أَن قُريْشًا وثقيفاً اخْتَصَمُوا فِي أَرض، فَجعلت ثَقِيف أمرهَا إِلَى كدام أَو كلدة، وَقَامَ لقريش عبد الْمطلب، فَقَالَ الثَّقَفِيّ لعبد الْمطلب: أَنا فرك فأينا نفر فَالْمَال لأَصْحَابه، وتراضوا بسطيح، فَخَرجُوا وخبأوا لَهُ عين جَرَادَة، فِي خرزة مزادة، فَسَارُوا سبعا، فَلَمَّا أَتَوْهُ قَالَ: لقد سِرْتُمْ سيراً بلغ زعزعة، وَوضع حَتَّى تدليتم النَّقْع فِي آخر السَّبع، قَالُوا: صدقت. قَالَ: إِن شِئْتُم أَخْبَرتكُم قَالُوا: قد شِئْنَا. قَالَ: طَار فسطع، فصاح فضبح، وامتلأ فنضح، قَالُوا: زه، زهٍ، زهٍ. فَقَالَ الثَّقَفِيّ: احكم لأشدنا ضراباً، وأكثرنا أعتابا، وأفضلنا وطابا. فَقَالَ عبد الْمطلب: أحكم لأكرمنا فعالاً، وأكثرنا ضيفاناً، وأعظمنا جفاناً، قَالَ سطيح: وَالسَّمَاء وَالْأَرْض، وَمَا بَينهمَا من جدد ودحض، لعبد الْمطلب أولى بِكُل خفض وَرفع، وضر ونفع. وَذكر أَن بني كلاب وَبني ربَاب من بني نضر خاصموا عبد الْمطلب فِي مَال قريب من الطَّائِف، فَقَالَ عبد الْمطلب: المَال مَالِي، فسلوني أعطكم، قَالُوا: لَا. قَالَ: فَاخْتَارُوا حَاكما. قَالُوا: ربيعَة بن حذار الْأَسدي، فتراضوا بِهِ، وعقلوا مائَة نَاقَة فِي الْوَادي وَقَالُوا: من حكم لَهُ، فالإبل وَالْمَال لَهُ، وَخَرجُوا، وَخرج مَعَ عبد الْمطلب حَرْب بن أُميَّة: فَلَمَّا نزلُوا ربيعَة، بعث إِلَيْهِم بجزائر فنحرها عبد

الْمطلب وَأمر فَصنعَ جزوراً وَأطْعم من أَتَاهُ، وَنحر الكلابيون والنضريون ووشقوا، فَقيل لِرَبِيعَة فِي ذَلِك فَقَالَ: أَن عبد الْمطلب امْرُؤ من ولد خُزَيْمَة فَمَتَى يملق يصله بَنو عَمه، وَأرْسل إِلَيْهِم أَن اخبأوا لي خبئاً فَقَالَ عبد الْمطلب: خبأت كَلْبا اسْمه سوار وَفِي عُنُقه قلادة، فِي خرزة مزادة، وضممتها بِعَين جَرَادَة. فَقَالَ الْآخرُونَ: قد رَضِينَا بِمَا خبأت، وَأَرْسلُوا إِلَى ربيعَة، فَقَالَ: خبأتم خبيئاً حَيا. قَالُوا: زد، قَالَ: ذُو برثنٍ أغبر، وبطن أَحْمَر، وَظهر أنمر، قَالُوا: قربت، قَالَ: سما فسطع، ثمَّ هَبَط فلطع، فَترك الأَرْض بلقع. قَالُوا. قربت، فطبق، قَالَ: عين جَرَادَة، فِي خرزة مزادة، فِي عنق سوار ذِي القلادة، قَالُوا: زهٍ زهٍ! أصبت، فاحكم لأشدنا طعاناً، وأوسعنا مَكَانا. قَالَ عبد الْمطلب: أحكم لأولانا بالخيرات، وأبعدنا عَن السوءات، وَأَكْرمنَا أُمَّهَات. قَالَ ربيعَة: والغسق والشفق، والخلق الْمُتَّفق، مَا لبني كلاب وَبني ربَاب من حق، فَانْصَرف يَا عبد الْمطلب على الصَّوَاب، وَلَك فصل الْخطاب، فوهب عبد الْمطلب المَال لِحَرْب بن أُميَّة. جلس نفر من قُرَيْش فتحدثوا فَقَالَ أَبُو ربيعَة بن المغير. لَيْسَ فِي قُرَيْش كرجال ابْن مَخْزُوم، منا عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وَفُلَان. فَقَالَ أسيد: إِلَيْك، بَنو قصي أشرف، فتداعوا إِلَى المنافرة فَقَالَ أسيد. إِن نافرتك أخرجتك من مَالك، وَإِن نافرتني فلك مَالِي. فتراضوا بالكاهن الْخُزَاعِيّ فَقَالَ فقيم بن أبي همهمة، مهلا يَا ربيعَة، فَأتى، وَخَرجُوا وَسَاقُوا إبِلا يَنْحَرهَا المنفر، فوجدوا فِي طريقهم حمامة وثمامة، فَأَخَذُوهَا ودفعوها إِلَى أُسَامَة عبد أبي همهمة فَجَعلهَا فِي ريش ظليم، فَقَالُوا للكاهن: مَا خبأنا؟ قَالَ: أما وغمامة تتبعها عِمَامَة، فَوَقَعت بِأَرْض تهَامَة، فطفا من وبلها كل طلح، لقد خبأتم لي فرخ حمامة أَو أُخْتهَا يمامة، فِي زف عِمَامَة، مَعَ غلامكم أُسَامَة، وَقَالُوا: احكم. فَقَالَ: أما وَرب الواطدات

الشم، والجراول السود الصم، إِن أسيداً لَهو الْخصم، لَا يُنكر الْفضل لَهُ فِي الْقَمَر، أما وَرب السَّمَاء وَالْأَرْض، مَا لَاحَ لناظر، لقد سبق أسيد أَبَا ربيعَة بِغَيْر مراء. قَالُوا: فَقضى بِالْفَضْلِ لمخزوم فَقَالَ: أما وَرب العاديات الضبح، مَا يعدل الْحر بِعَبْدِهِ مفشح، بِمن أحل قومه بِالْأَبْطح، فَنحر أسيد وَرَجَعُوا فَأخذ مَال أبي ربيعَة، وَكَانَت أُخْت أسيد عِنْد أبي جهل فكلموها، فكلمت أخاها فَرد مَاله. ذكر الْأَصْمَعِي أَن هنداً كَانَت عِنْد الْفَاكِه بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وَكَانَ لَهُ بَيت ضِيَافَة يَغْشَاهُ النَّاس فيدخلونه من غير إِذن، فَخَلا ذَلِك الْبَيْت يَوْمًا واضطجع فِيهِ الْفَاكِه وَهِنْد، ثمَّ قَامَ الْفَاكِه فَترك هنداً لأمر عرض لَهُ، فَأقبل رجل مِمَّن كَانَ يغشى الْبَيْت فولجه فَلَمَّا رأى الْمَرْأَة نَائِمَة ولى هَارِبا، فأبصر الْفَاكِه، فَإِذا رجل قد خرج من الْبَيْت فَأقبل الْفَاكِه إِلَى هِنْد فَرَفعهَا بِرجلِهِ وَقَالَ: من هَذَا الَّذِي كَانَ عنْدك؟ فَقَالَت: مَا رَأَيْت أحدا وَلَا انْتَبَهت حَتَّى أنبهتني. فَقَالَ لَهَا: الحقي بأبيك. قَالَت: أفعل، وَمَضَت من فورها، وَتكلم النَّاس فِي ذَلِك فَقَالَ لَهَا أَبوهَا: يَا بنية، إِن النَّاس قد أَكْثرُوا فِيك الْكَلَام، فأخبريني بالقصة على الصِّحَّة، فَإِن كَانَ كَاذِبًا دسست إِلَيْهِ من يقْتله، فتنقطع القالة عَنْك فَحَلَفت أيمناً بِأَنَّهُ لَكَاذِب عَلَيْهَا، فَقَالَ عتبَة للفاكه: إِنَّك قد رميت ابْنَتي بِأَمْر عَظِيم فَهَل لَك فِي أَن تحاكمني إِلَى بعض الْحُكَّام؟ فَخرج الْفَاكِه فِي جمَاعَة من بني مَخْزُوم، وَخرج عتبَة فِي جمَاعَة من بني عبد منَاف، وَخرج مَعَه هنداً ونسوة مَعهَا يهْدُونَ بعض الكهنة، فَلَمَّا شارفوا بِلَاد الكاهن، تنكرت حَال هِنْد وَتغَير لَوْنهَا، وَرَأى ذَلِك أَبوهَا فَقَالَ لَهَا: يَا بنية، إِنِّي أرابني مَا بك، وَمَا ذَاك إِلَّا لمكروه عَنْك، فَهَلا كَانَ هَذَا من قبل أَن يشهر عِنْد النَّاس سرنا؟ قَالَت: يَا أَبَت وَالله مَا الَّذِي رَأَيْت مني لمكروه، وَلَكِنِّي أعلم أَنكُمْ تأتون بشرا يُخطئ ويصيب، فَلَا آمن أَن يسمني ميسماً يكون على عاراً فِي الْعَرَب، قَالَ لَهَا: فَإِنِّي سأمتحنه قبل الْمَسْأَلَة بِشَيْء، وصفر لفرس لَهُ فأدلى ثمَّ أَخذ حَبَّة بر فَأدْخلهَا فِي إحليلة ثمَّ أوكى عَلَيْهَا بسير، وَتَركه حَتَّى إِذا وردوا على

الكاهن أكْرمهم وتحر لَهُم، فَلَمَّا أكلُوا قَالَ عتبَة إِنَّا قد جئْنَاك فِي أَمر وَقد خبأت لَك خبيئاً أختبرك بِهِ فَانْظُر مَا هُوَ فَقَالَ: تَمْرَة فِي كمرة، فَقَالَ لَهُ عتبَة؟ أُرِيد أبين من هَذَا. قَالَ: حَبَّة بر، فِي إحليل مهر. قَالَ: صدقت، فَانْظُر فِي أَمر هَؤُلَاءِ النسْوَة. فَجعل يدنو من إِحْدَاهُنَّ وَيضْرب كتفها وَيَقُول: انهضي، حَتَّى دنا من هِنْد. فَضرب على كتفها وَقَالَ: انهضي غير رسحاء وَلَا زَانِيَة، ولتلدن ملكا يُقَال لَهُ مُعَاوِيَة: فَوَثَبَ إِلَيْهَا الْفَاكِه، فَأخذ بِيَدِهَا وَقَالَ لَهَا: ارجعي إِلَى بَيْتك، فنترت يَدهَا من يَده، وَقَالَت: إِلَيْك عني فوَاللَّه إِنِّي لأحرص أَن يكون من غَيْرك، فَتَزَوجهَا أَبُو سُفْيَان فَجَاءَت بِمُعَاوِيَة. خرج خَمْسَة نفرٍ من طَيئ من ذَوي الحجا والرأي، مِنْهُم برج بن مسْهر، وَهُوَ أحد المعمرين، وأنيف بن حَارِثَة بن لأم، وَعبد الله بن الحشرج أَبُو حَاتِم طَيء، وعارق الشَّاعِر وَمرَّة بن عبد رَضِي، يُرِيدُونَ سَواد بن قَارب الدوسي، ليمتحنوا علمه، فَلَمَّا قربوا من السراة، قَالُوا: ليخبأ كل رجل مِنْكُم خبيئاً، وَلَا يخبر بِهِ صَاحبه، لنسأله عَنهُ، فَإِن أصَاب عرفنَا علمه، وَإِن أَخطَأ ارتحلنا عَنهُ، فخبأ كل وَاحِد مِنْهُم خبيئاً ثمَّ صَارُوا إِلَيْهِ، فأهدوا لَهُ إبِلا وطرفاً من طرف الْحيرَة، فَضرب عَلَيْهِم قبَّة، وَنحر لَهُم، فَلَمَّا مَضَت ثَلَاث دَعَا بهم فَدَخَلُوا عَلَيْهِ. فَتكلم برج - وَكَانَ أسنهم - فَقَالَ: جادك السَّحَاب، وأمرع لَك الجناب، وضفت عَلَيْك النعم الرغاب، وَنحن أولو الآكال والحدائق والأغيال وَالنعَم الجفال، وَنحن أَصْهَار الْأَمْلَاك، وفرسان العراك. يورى عَنهُ أَنهم من بكر بن وَائِل، فَقَالَ سَواد: وَالسَّمَاء وَالْأَرْض، والغمر والبرض وَالْفَرْض وَالْقَرْض، إِنَّكُم لأهل الهضاب الشم، والنخيل الْعم، والصخور

الصم، من أجأ العيطاء، وسلمى ذَات الرَّقَبَة السطعاء. قَالُوا: إِنَّا كَذَلِك، وَقد خبأ كل وَاحِد منا خبيئاً لتخبره باسمه وخبيئته فَقَالَ لبرج: أقسم بالضياء والحلك، والنجوم والفلك، والشروق والدلك، لقد خبأت برثن فرخ، فِي إعليط مرخ، تَحت آسرة الشرخ قَالَ: مَا أَخْطَأت شَيْئا، فَمن أَنا؟ قَالَ: أَنْت برج بن مسْهر، عصرة الممعر وثمال المحجر. ثمَّ قَامَ أنيف بن حَارِثَة فَقَالَ: مَا خبيئ وَمَا اسْمِي؟ فَقَالَ سَواد: والسحاب وَالتُّرَاب، والأصباب والأحداب، وَالنعَم والكثاب، لقد خبأت قطامة فسيط، وقذة مريط، فِي مَدَرَة من مدى مطيط. قَالَ: مَا أَخْطَأت شَيْئا فَمن أَنا؟ قَالَ أَنْت أنيف، قاري الضَّيْف، ومعمل السَّيْف، وخالط الشتَاء بالصيف ثمَّ قَامَ عبد الله بن سعد، فَقَالَ: مَا خبيئي؟ وَمن أَنا؟ فَقَالَ سَواد: أقسم بالسوام العازب، والوقير الكارب، وَالْمجد الرَّاكِب، والمشيح الحارب، وَلَقَد خبأت نفاثة فنن، فِي قطيع قد مرن، أَو أَدِيم قد جرن. قَالَ: مَا أَخْطَأت، فَمن أَنا؟ قَالَ: أَنْت ابْن سعد النوال، عطاؤك سِجَال، وشرك عضال وعمدك طوال، وبيتك لَا ينَال. ثمَّ قَامَ عارق، فَقَالَ: مَا خبيئ وَمَا اسْمِي؟ قَالَ: أقسم بنفنف اللَّوْح، وَالْمَاء المسفوح، والفضاء

المندوح، لقد خبأت زَمعَة طلاً أعفر، فِي زعنفة أَدِيم أَحْمَر، تَحت حلْس نضوٍ أدبر، قَالَ: مَا أَخْطَأت شَيْئا فَمن أَنا؟ قَالَ: أَنْت عارق ذُو اللِّسَان العضب، وَالْقلب النّدب ومضاء الغرب، ومناع السرب، ومبيح النهب، ثمَّ قَامَ مرّة فَقَالَ: مَا خبيئ وَمَا اسْمِي؟ فَقَالَ سَواد: أقسم بِالْأَرْضِ وَالسَّمَاء، والبروج والأنواء، والظلمة والضياء لقد خبأت دمة فِي رمة، تَحت مشيط لمة، قَالَ، مَا أَخْطَأت. فَمن أَنا؟ قَالَ: أَنْت مرّة، السَّرِيع الكرة، البطيء الفرة، الشَّديد الْمرة، قَالُوا: فَأخْبرنَا بِمَا رَأينَا فِي طريقنا إِلَيْك، فَقَالَ: والناظر من حَيْثُ لَا يرى، وَالسَّامِع قبل أَن يُنَاجِي، والعالم بِمَا لَا يدْرِي، لقد عنت لكم عِقَاب عجزاء، فِي شغانيب دوحة جرداء، تحمل جدلاً، فتماريتم إِمَّا يدا وَإِمَّا رجلا، فَقَالُوا: كَذَلِك، ثمَّ مَه؟ قَالَ: سنح لكم قبل طُلُوع الشرق، سيد أمق على مَاء طرق قَالُوا: ثمَّ مَاذَا؟ فَقَالَ: تَيْس أفرق، سَنَد فِي أبرق، فَرَمَاهُ الْغُلَام الْأَزْرَق، فَأصَاب بَين الوابلة والمرفق قَالُوا: صدقت وَأَنت أعلم من تحمل الأَرْض، ثمَّ انصرفوا فَقَالَ عارق: أَلا لله علم لَا يجاري ... إِلَى الغايات، فِي جَنْبي سَواد وَهِي أَبْيَات.

الباب السابع اوابد العرب

الْبَاب السَّابِع أوابد الْعَرَب كَانَ الرجل مِنْهُم إِذا بلغت إبِله مائَة عمد الْبَعِير الَّذِي أمات بِهِ مائَة فأغلق ظَهره لِئَلَّا يركب، وليعلم أَن صَاحبه ممءٍ، حمى ظَهره، وإغلاق ظَهره: أَن تنْزع سناسن فقرته، ويعقر سنامه، وَالْفِعْل: تَعْنِي وَهُوَ معنى معني، قَالَ الفرزدق: علوتك بالمفقئ وَالْمعْنَى ... وَبَيت المحتبي والخافقات التعمية والتفقئة كَانَ الرجل إِذا بلغت إبِله ألفا فَقَأَ عين الْفَحْل، يَقُول: إِن ذَلِك يدْفع عَنْهَا الْعين والغارة وَهِي التفقئة قَالَ: وهبتها وَأَنت ذُو امتنان ... تفقأ فِيهَا أعين البعران فَإِذا زَادَت الْإِبِل على الْألف عموه بِالْعينِ الْأُخْرَى وَهِي التعمية قَالَ الشَّاعِر ينعي عَلَيْهِم ذَلِك: فَكَانَ شكر الْقَوْم عِنْد المنن ... كي الصحيحات وفقء الْأَعْين عقد الرتم

كَانَ الرجل إِذا أَرَادَ سفرا عمد إِلَى شَجَرَة، فعقد غصناً من أَغْصَانهَا بآخر، فَإِن رَجَعَ وَرَآهُ معقوداً زعم أَن امْرَأَته لم تخنه: وَإِن رَآهُ محلولاً زعم أَنَّهَا قد خانته، قَالَ الشَّاعِر: هَل ينفعنك الْيَوْم إِن هَمت بهم ... كَثْرَة مَا توصي وتعقاد الرتم؟ خانته لما رَأَتْ شَيْئا بمفرقه ... وغره حَلفهَا وَالْعقد للرتم ذبح العتائر كَانَ الرجل مِنْهُم يَأْخُذ الشَّاة وَتسَمى العتيرة والمعتورة فيذبحها، وَيصب دَمهَا على رَأس الصَّنَم، وَذَلِكَ يَفْعَلُونَهُ فِي رَجَب، والعتر قيل هُوَ مثل الذّبْح وَقيل هُوَ للصنم الَّذِي يعتر لَهُ. قَالَ الطرماح: فَخر صَرِيعًا مثل عاترة النّسك أزاد بالعاترة الشَّاة المعتورة. ذبح الظباء كَانَ الرجل ينذر أَنه إِذا بلغت إبِله أَو غنمه مبلغا مَا ذبح عَنْهَا كَذَا، فَإِذا بلغت ضن بهَا، وَعمد إِلَى الظباء يصطادها وَفَاء بِالنذرِ ويذبحها، قَالَ الشَّاعِر: عنتاً بَاطِلا وزوراً كَمَا يع؟ ... تَرَ عَن حجرَة الربيض الظباء كي السَّلِيم عِنْد الجرب

زَعَمُوا أَن الْإِبِل إِذا أَصَابَهَا العر فَأخذُوا الصَّحِيح كووه، زَالَ العر عَن السقيم. قَالَ النَّابِغَة: لكلفتني ذَنْب امرئٍ وَتركته ... كذي العر يكوي غَيره وَهُوَ راتع وَيُقَال أَنهم يَفْعَلُونَ ذَلِك وَيَقُولُونَ نؤمن مَعَه الْعَدْوى. ضرب الثور ليشْرب الْبَقر كَانُوا إِذا امْتنعت الْبَقر عَن شرب المَاء ضربوا الثور، وَزَعَمُوا أَن الْجِنّ تركب الثيران، فتصد الْبَقر عَن الشّرْب. قَالَ الْأَعْشَى:؟ وَإِنِّي وَمَا كلفتماني وربكم ليعلم من أَمْسَى أعق وأحربا لكا لثور والجني يضْرب ظَهره ... وَمَا ذَنبه أَن عافت المَاء مشربا؟ وَمَا ذَنبه أَن عافت المَاء باقر ... وَمَا إِن تعاف المَاء إِلَّا ليضربا وَقَالَ آخر: كَذَاك الثور يضْرب بالهراوي ... إِذا مَا عافت الْبَقر الظماء عقد السّلع وَالْعشر كَانُوا إِذا استمطروا يَعْمِدُونَ إِلَى الْبَقر، ويعقدون فِي أذنابها السّلع وَالْعشر يضرمون فِيهَا النَّار، ويصعدونها فِي الْجَبَل، ويزعمون أَنهم يمطرون فِي الْوَقْت. قَالَ أُميَّة بِهِ أبي الصَّلْت:

ويشقون باقر السهل للطو ... د مهازيل خشيَة أَن تبورا عاقدين نيران فِي ثكن الأذ ... نَاب مِنْهَا لكَي تهيج البحورا سلعٌ مَا وَمثله عشرٌ مَا ... عائلٌ مَا وعالت البيقورا كَعْب الأرنب كَانُوا يعلقونه على أنفسهم، وَيَقُولُونَ: إِن من فعل هَذَا لم تصبه عين وَلَا سحر؛ وَذَلِكَ أَن الْجِنّ تهرب من الأرنب؛ لِأَنَّهَا لَيست من مطايا الْجِنّ، لِأَنَّهَا تحيض. قَالَ الشَّاعِر: وَلَا ينفع التعشير إِن حم واقعٌ ... وَلَا ودعٌ يُغني، وَلَا كَعْب أرنب وَقيل لزيد بن كثوة: أَحَق مَا يَقُولُونَ إِن من علق على نَفسه كَعْب الأرنب لم تقربه جنان الْحَيّ وعمار الدَّار؟ فَقَالَ: إِي وَالله وَلَا شَيْطَان الحماطة، وجان الْعَشِيرَة وغول القفر وكل الخوافي، إِي وَالله وتطفأ عَنهُ نيران السعالي. دَائِرَة المهقوع وَهُوَ الْفرس الَّذِي بِهِ الدائرة الَّتِي تسمى الهقعة، فيزعمون أَنه إِذا عرق تَحت صَاحبه اغتلمت حليلته وَطلبت الرِّجَال قَالَ: إِذا عرق المهقوع بِالْمَرْءِ أنعظت ... حليلته وازداد حرا عجانها السنام والكبد زَعَمُوا أَن الْإِنْسَان إِذا عشي ثمَّ قلي لَهُ سَنَام فَأَكله، وَكلما أكل لقْمَة مسح جفْنه الْأَعْلَى بسبابته وَقَالَ: يَا سَنَام:

يَا سناماً وكبد ... ليذْهب الهدبد لَيْسَ شفاءُ الهدبد ... إِلَّا السنام والكبد عوفي صَاحب الْعشي مِنْهُ. والهدابد: الْعشي. الطارف والمطروف ويزعمون أَن الرجل إِذا طرف عين صَاحبه فهاجت، فَمسح الطارف عين المطروف سبع مَرَّات وَقَالَ فِي كل مرّة: بِإِحْدَى جَاءَت من الْمَدِينَة، بِاثْنَتَيْنِ جاءتا من الْمَدِينَة، بِثَلَاث جئن من الْمَدِينَة إِلَى سبع، سكن هيجانها. بكاء الْمَقْتُول كَانَ النِّسَاء لَا يبْكين الْمَقْتُول إِلَى أَن يدْرك ثَأْره، فَإِذا أدْرك بكينه، قَالَ: من كَانَ مَسْرُورا بمقتل مالكٍ ... فليأت نسوتنا بِوَجْه نَهَار يجد النِّسَاء حواسراً يندبنه ... يلطمن حر الْوَجْه بالأسحار وَطْء المقاليت يَزْعمُونَ أَن الْمَرْأَة المقلات إِذا وطِئت قَتِيلا شريفاً بَقِي أَوْلَادهَا، قَالَ بشر بن أبي خازم: تظل مقاليت النِّسَاء يطأنه ... تقلن: أَلا يلقى على الْمَرْء مئزر؟ تَعْلِيق الْحلِيّ على السَّلِيم يَزْعمُونَ أَن السَّلِيم إِذا علق عَلَيْهِ الْحلِيّ أَفَاق فيلقون عَلَيْهِ الأسورة والرعاث

ويتركونها عَلَيْهِ سَبْعَة أَيَّام وَيمْنَع من النّوم. قَالَ النَّابِغَة: يسهد من نوم الْعشَاء سليمها ... لحلي النِّسَاء، فِي يَدَيْهِ قعاقع شقّ الرِّدَاء والبرقع زَعَمُوا أَن الْمَرْأَة إِذا أحبت رجلا أَو أحبها، ثمَّ لم تشق عَلَيْهِ رِدَاءَهُ، أَو يشق عَلَيْهَا برقعها، فسد حبهما، فَإِذا فعلا ذَلِك دَامَ حبهما. قَالَ: إِذا شقّ بردٌ شقّ بالبرد برقعٌ ... دواليك حَتَّى كلنا غير لابس فكم قد شققنا من رِدَاء محبر ... وَكم برقع عَن طفلة غير عانس رمي السن فِي الشَّمْس يَقُولُونَ إِن الْغُلَام إِذا أثغر فَرمى سنه فِي عين الشَّمْس بسبابته وإبهامه وَقَالَ: أبدليني بهَا أحسن مِنْهَا، ولتكن إياتك فِيهَا أَمن على أَسْنَانه العوج والقلح والنغل، قَالَ طرفَة: بدلته الشَّمْس من منبته ... بردا أَبيض مصقول الأشر قَالَ النَّابِغَة: سقته إياة الشَّمْس إِلَّا لثاته وَقَالَ أَبُو دؤاد:

ألقِي عَلَيْهِ إياة الشَّمْس أرواقا ذهَاب الخدر يَزْعمُونَ أَن الرجل إِذا خدرت رجله فَذكر أحب النَّاس إِلَيْهِ، ذهب عَنهُ الخدر. قَالَ كثير: إِذا خدر رجْلي دعوتك أشتفي ... بذكراك من مذل بهَا فيهون وَقَالَت امْرَأَة من كلاب: إِذا خدرت رجْلي ذكرت ابْن مصعبٍ ... فَإِن قلت: عبد الله! أجلى فتورها تراجع القلفة يَزْعمُونَ أَن من ولد فِي القمراء تراجعت قطعته فَكَانَ كالمختون، وَدخل امْرُؤ الْقَيْس مَعَ قَيْصر الْحمام فَرَآهُ أقلف فَقَالَ: إِنِّي حَلَفت يَمِينا غير كاذبةٍ ... أَنَّك أقلف إِلَّا مَا جنى الْقَمَر إِذا طعنت بِهِ مَالَتْ عمَامَته ... كَمَا تجمع تَحت الفلكة الْوَبر التعشير يَزْعمُونَ أَن الرجل إِذا أَرَادَ دُخُول قَرْيَة فخاف وباءها، فَوقف على بَابهَا قبل أَن يدخلهَا فعشر كَمَا ينهق الْحمار، ثمَّ دَخلهَا لم يصبهُ وباؤها. قَالَ عُرْوَة بن الْورْد: لعمري، لَئِن عشرت من خشيَة الردى ... نهاق الْحمير، إِنَّنِي لجزوع تَعْلِيق السن زَعَمُوا أَن الصَّبِي إِذا خيف عَلَيْهِ نظرة أَو خطفةٌ، فعلق عَلَيْهِ سنّ ثَعْلَب أَو

سنّ هرة أَو غير ذَلِك أَمن، فَإِن الجنية إِذا أَرَادَتْهُ لم تقدر عَلَيْهِ، فَإِذا قَالَ لَهَا صواحباتها فِي ذَلِك. قَالَت: كَانَت عَلَيْهِ نغرة. ثعالب وهرره. وَالْحيض حيض السمره. أعوان السّنة يزْعم أَنه قيل للسّنة أَنَّك مبعوثة، فَقَالَت: ابْعَثُوا معي أعواني: الحصبة والجدري وَالذِّئْب والضبع. حبس البلايا كَانُوا إِذا مَاتَ الْمَيِّت يشدون نَاقَته إِلَى قَبره، ويعكسون رَأسهَا إِلَى ذنبها، ويغطون رَأسهَا بوليةٍ - وَهِي البرذعة - فَإِن أفلتت لم ترد عَن مَاء وَلَا مرعى، ويزعمون أَنهم إِنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِك ليرْكبَهَا صَاحبهَا فِي الْمعَاد ليحشر عَلَيْهَا كي لَا يحْتَاج أَن يمشي، قَالَ عَليّ أَبُو زبيد: كالبلايا رءوسها فِي الولايا ... مانحات السمُوم حر الخدود خُرُوج الهامة زَعَمُوا أَن الْإِنْسَان إِذا قتل وَلم يطْلب بثأره، خرج من رَأسه طَائِر يُسمى الهامة وَصَاح على قَبره: اسقوني {} اسقوني {} إِلَى أَن يطْلب بثأره، قَالَ ذُو الإصبع: يَا عَمْرو إِلَّا تدع شمي ومنقصتي ... اضربك حَتَّى تَقول الهامة: اسقوني! الحرقوص

دويبة أكبر من البرغوث يَزْعمُونَ أَنه يدْخل أحراح الأكابر فيفتضهن وأنشدوا: مَا لَقِي الْبيض من الحرقوص من مارد لص من اللُّصُوص يدْخل تَحت الغلق المرصوص بِمهْر لَا غالٍ وَلَا رخيص عض الصفر زَعَمُوا أَن الْإِنْسَان إِذا جَاع عض على شرسوفه حَيَّة، تكون فِي الْبَطن يُقَال لَهَا الصفر، قَالَ الشَّاعِر: لَا يتأرى لما فِي الْقدر يرقبه ... وَلَا يعَض على شرسوفه الصفر تَثْنِيَة الضَّرْبَة يَزْعمُونَ أَن الجنية تَمُوت من أول ضَرْبَة، فَإِذا ثنيت عاشت. قَالَ تأبط شرا: فَقَالَت: عد، فَقلت: رويداً ... إِنِّي على أَمْثَالهَا ثَبت الْجنان خِيَانَة الْقَيْن زَعَمُوا أَن عَمْرو بن شأس كَانَ غيوراً، ينزل ربوة من الأَرْض مُنْفَردا عَن النَّاس فطرق الْجِنّ لَيْلًا فأوجس مِنْهُم خيفة، ثمَّ تنحى عَنْهُم وَيسمع إِلَى مَا قَالُوا، فَقَالُوا: أما إِن مَحَله هَذَا على عين مَا، وَإِن فِي إبِله دويبة وَهِي دَاء إبِله، وَأَن أحد أَوْلَاده لَيْسَ لَهُ. فَلَمَّا أصبح ثاب إِلَيْهِ عقله فحفر الْموضع، فَوجدَ الْعين ثمَّ طلب الدويبة، فَوَجَدَهَا وقتلها ثمَّ فكر فَقَالَ: كَيفَ لي بتعرف خبر أَوْلَادِي؟ فَبينا هم

مَعَ عَمْرو فِي الصَّيْد حَتَّى طردوا النعام، وأصابه الصَّيْد، لجأوا إِلَى ظلّ شَجَرَة فَقَالَ لأَحَدهم: لماذا تصلح هَذِه الشَّجَرَة؟ فَقَالَ: لقوم كرام طردوا الصَّيْد نصف النَّهَار ثمَّ جَاءُوا إِلَيْهَا، وَقَالَ للْآخر مثله فَقَالَ: لِأَن تكسر فتبني مِنْهَا مظلة، فَقَالَ: هما ابناي. ثمَّ قَالَ للثَّالِث: لماذا تصلح هَذِه الشَّجَرَة؟ فَقَالَ: لِأَن تحرق فَتَصِير فحماً. فاتهمه فتسمى بَنو أَسد: القيون: وَقَالَ أَوْس بن حجر: بكرت أُميَّة غدْوَة برهين ... خانتك إِن الْقَيْن غير أَمِين وَقَول آخر: وعهد الغانيات كعهد قين تعفير الزند إِذا قَدَحُوا أخذُوا يعفرون رَأس الزند، يَقُولُونَ إِن ذَلِك يخرج ناره قَالَ الطرماح: وَأخرج أمه لسواس سلمى ... لمعفور الضبا ضرم الْجَنِين حيض الضبع يَقُولُونَ إِن الضبع تحيض، وَأَنَّهَا تنتاب جيف الْقَتْلَى، فتركب كمرها وتستعمله، وَقَالُوا فِي قَول الشَّاعِر مَعَاني، أَحدهَا: هَذَا: تضحك الضبع لقتلي هُذَيْل ... فترى الذِّئْب لَهَا يستهل خضاب النَّحْر

كَانُوا إِذا أرْسلُوا الْخَيل على الصَّيْد، فَسبق وَاحِد مِنْهَا، خضبوا صَدره بِدَم الصَّيْد عَلامَة لَهُ. قَالَ: كَأَن دمكاء الهاديات بنحره ... عصارة حناء بشيب مرجل نصب الرَّايَة كَانَت العواهر تنصب على أَبْوَاب بيوتها رايات لتعرف بهَا، وَمن شتائمهم: يَا بن ذَات الرَّايَة! . دم الْأَشْرَاف يَقُولُونَ إِنَّه ينفع من عضة الْكَلْب، قَالَ: من الْبيض الْوُجُوه بني نمير ... دِمَاؤُهُمْ من الْكَلْب الشِّفَاء رمي البعرة كَانَت الْمَرْأَة إِذا أحدت على زَوجهَا سنة، وَكَانَ رَأس الْحول رمت ببعرة، وَمَعْنَاهُ: أَن هَذَا هَين وَمِنْه الْمثل السائر: " أَهْون من لقعة ببعرة ". ضَمَان أبي الْجَعْد وَهُوَ الذِّئْب قَالَ الراجز: أخْشَى أَبَا الْجَعْد وَأم العمرو يَعْنِي الذِّئْب والضبع، وضمانه أَن الْعَرَب تَقول: إِن الضبع إِذا هَلَكت وَكَانَت لَهُ جراء تكفل الذِّئْب بقوتها. قَالَ الْكُمَيْت:

وكما خامرت فِي حصنها أم عَامر ... لذِي الْحَبل حَتَّى عَال أَوْس عيالها معالجة الضبع كَانَ الرجل يَأْتِي وجارها وَمَعَهُ حَبل فيدخله وَيَقُول: خامري أم عَامر ابشري بشاءٍ هزلي، وجرادٍ عظلي. فتسكن حَتَّى يقيدها فَإِن رَأَتْ الضَّوْء قبل تقييدها، وَثَبت على الصَّائِد فَقتلته. رعية الجأب وَهُوَ الْحمار الوحشي يَقُولُونَ: إِنَّه يَعْلُو نشزا من الأَرْض مَعَ أتنه، مَال على الشَّمْس حَتَّى تغيب ثمَّ شرد؛ يفعل ذَلِك خشيَة القانص قَالَ: وظلت صَوَافِن خزر الْعُيُون ... إِلَى الشَّمْس من رهبة أَن تغيبا شرب العير يَزْعمُونَ أَن الْحمار إِذا ورد المَاء بالأتن تقدمها، فَخَاضَ المَاء من خوف الرماه، ثمَّ رشف المَاء رشفاً خَفِيفا، فَإِذا أَمن أَعلَى الجرع، فجئن إِلَيْهِ إِذا سمعن جرعه، قَالَ الشَّاعِر: فَلَمَّا رَمَاهَا بالنجار وأشرفت ... على راكد كالهدم سكانه الرأل ثناها بهمس الرشف حَتَّى قاربت ... وَأَعْلَى جرعاً، فاستجابت على مهل قطع المشافر كَانُوا إِذا سلكوا مفازةً جدباء أعطشوا الْإِبِل ثمَّ سقوها ريها، وَقَطعُوا مشافرها طولا فَلَا يُمكنهَا أَن ترعى، فَيبقى المَاء فِي أجوافها، فَإِذا أعوزهم المَاء، شَقوا الكرش بِالسَّيْفِ وَشَرِبُوا المَاء استقاء السَّيْف - يَعْنِي بِهِ - هَذَا هُوَ الْقطع. قَالَ الشَّاعِر:

ودويةٍ بهَا يخْشَى الردى ... وَلَيْسَ بهَا إِلَّا الْيَمَانِيّ مخلف المخلف: المسقي أَي لَا يستقى فِيهَا إِلَّا السَّيْف. التسويد كَانُوا يجْعَلُونَ الدَّم فِي الْمصير ويلقونه على النَّار ثمَّ يَأْكُلُونَهُ. التصفيق كَانُوا إِذا ضل مِنْهُم الرجل فِي الفلاة، قلب ثِيَابه، وَحبس نَاقَته، وَصَاح فِي أذنيها كَأَنَّهُ يُومِئ إِلَى إِنْسَان، وصفق بيدَيْهِ قَائِلا: الوحا الوحا، النجا النجا، هيكل، السَّاعَة السَّاعَة، إِلَيّ، إِلَيّ عجل، ثمَّ يُحَرك النَّاقة فتهتدي. قَالَ: وَأذن بالتصفيق من سَاءَ ظَنّه ... فَلم يدر من أَي الْيَدَيْنِ جوابها يَعْنِي: يسوء ظَنّه بِنَفسِهِ إِذا ضل. ضرب الْأَصَم يَزْعمُونَ أَن الْأَصَم يتشدد فِي الضَّرْب لِأَنَّهُ لَا يسمع شَيْئا فيظن أَنه قد قصر، قَالَ الشَّاعِر: فأوصيكما بطعان الكماة ... فقد تعلمان بِأَن لَا خلودا وَضرب الجماجم ضرب الْأَصَم ... حنكل شاته تجني هبيدا جز النواصي كَانُوا إِذا أَسرُّوا رجلا؛ ومنوا عَلَيْهِ وأطلقوه، جزوا ناصيته، ووضعوها فِي الكنانة، قَالَ الحطيئة:

قد ناضلوك فَسَلُوا من كنانتهم ... مجداً تليداً ونبلاً غير أنكاس وَقَالُوا يَعْنِي بِالنَّبلِ: الرِّجَال. وَقَالَت خنساء: جززنا نواصي فرسانهم ... وَكَانُوا يظنون أَلا تجزا الِالْتِفَات زَعَمُوا أَن من خرج من سفر فَالْتَفت وَرَاءه، وتطيروا لَهُ من ذَلِك سوى العاشق، فَإِنَّهُم كَانُوا يتفاءلون إِلَى ذَلِك، ليرْجع إِلَى من خلف. الْبحيرَة كَانَ أهل الْوَبر يقطعون لآلهتهم من أَمْوَالهم من اللَّحْم، وَأهل الْمدر يقطعون لَهَا من الْحَرْث، فَكَانَت النَّاقة إِذا أنجبت خَمْسَة أبطن عَمدُوا إِلَى الْخَامِس - مَا لم يكن ذكرا - فشقوا أذنها وتركوها فَتلك الْبحيرَة، فَرُبمَا اجْتمع مِنْهَا هجمة من الْبَحْر فَلَا يجز لَهَا وبر وَلَا يذكر عَلَيْهَا إِن ركبت اسْم الله، وَلَا يحمل عَلَيْهَا شَيْء، وَكَانَت أَلْبَانهَا للرِّجَال دون النِّسَاء. السائبة كَانَ يسيب الرجل الشَّيْء من مَاله، إِمَّا بَهِيمَة، وَإِمَّا إنْسَانا فَيكون حَرَامًا أبدا، مَنَافِعهَا للرِّجَال دون النِّسَاء. الوصيلة كَانَت الشَّاة إِذا وضعت سَبْعَة أبطن عَمدُوا إِلَى السَّابِع، فَإِن كَانَ ذكرا ذبح، وَإِن كَانَت أُنْثَى تركت فِي الشَّاء، فَإِن كَانَ ذكرا وَأُنْثَى قيل: وصلت أخاها فحرما جَمِيعًا. فَكَانَت مَنَافِعهَا، وَلبن الْأُنْثَى مِنْهَا للرِّجَال دون النِّسَاء. الحامي كَانَ الْفَحْل إِذا أدْرك أَوْلَاد أَوْلَاد أَوْلَاده، فَصَارَ وَلَده جدا، قَالُوا: حمى

ظَهره، اتركوه فَلَا يحمل عَلَيْهِ، وَلَا يركب وَلَا يمْنَع من مَاء وَلَا مرعى، فَإِذا مَاتَت هَذِه الَّتِي جعلوها لآلهتهم، اشْترك فِي أكلهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء وَذَلِكَ قَول الله عز وَجل: " وَقَالُوا مَا فِي بطُون هَذِه الْأَنْعَام خَالِصَة لذكورنا ومحرم على أَزوَاجنَا وَإِن يكن ميتَة فهم فِيهِ شُرَكَاء ". وَأما أهل الْمدر والحرث كَانُوا إِذا حرثوا حرثاً، وغرسوا غرساً، خطوا فِي وَسطه خطا، فقسموه بَين اثْنَيْنِ، فَقَالُوا: مَا دون هَذَا الْخط لآلهتهم، وَمَا وَرَاءه لله. فَإِن سقط مِمَّا جعلُوا لآلهتهم أَقروهُ، وَإِذا أرْسلُوا المَاء فِي الَّذِي لآلهتهم فانفتح فِي الَّذِي سموهُ لله سدوه، وَإِن انْفَتح من ذَاك فِي هَذَا قَالُوا: اتركوه فَإِنَّهُ فَقير إِلَيْهِ. فَأنْزل الله عز وَجل: " وَجعلُوا لله مِمَّا ذَرأ من الْحَرْث والأنعام نَصِيبا، فَقَالُوا: هَذَا لله بزعمهم وَهَذَا لشركائنا، فَمَا كَانَ لشركائهم فَلَا يصل إِلَى الله، وَمَا كَانَ لله فَهُوَ يصل إِلَى شركائهم، سَاءَ مَا يحكمون ". الأزلام كَانُوا إِذا كَانَت مداراة أَو نِكَاح أَو أَمر يريدونه، فَلَا يَدْرُونَ مَا الْأَمر فِيهِ، وَلم يَصح لَهُم، أخذُوا قداحاً لَهُم فِيهَا افْعَل، وَلَا تفعل، وَنعم، لَا، خير، شَرّ، بطيء، سريع أما المداراة فَإِن قداحها كَانَت بيضًا لَيْسَ فِيهَا شَيْء، كَانُوا يجيلونها، فَمن خرج سَهْمه فَالْحق لَهُ، وللحضر وَالسّفر سَهْمَان فَيَأْتُونَ السادن من سدنة الْأَوْثَان فَيَقُول السادن: اللَّهُمَّ أَيهمَا كَانَ خيرا فَأخْرجهُ لفُلَان: فيرضى بِمَا خرج لَهُ. وَإِذا شكوا فِي نسب الرجل أجالوا لَهُ القداح وفيهَا: صَرِيح وملصق فَإِن خرج الصَّرِيح ألحقوه بهم وَلَو كَانَ دعياً، وَإِن خرج الملصق نفوه وَإِن كَانَ صَرِيحًا، فَهَذِهِ قداح الاستقسام. الميسر أما الميسر فَإِن الْقَوْم كَانُوا يَجْتَمعُونَ فيشترون الْجَزُور بَينهم، فيفصلونها على عشرَة أَجزَاء ثمَّ يُؤْتى بالحرضه وَهُوَ رجل يتأله عِنْدهم، لم يَأْكُل لَحْمًا قطّ بِثمن فَيُؤتى بِالْقداحِ وَهِي أحد عشر قدحاً، سَبْعَة مِنْهَا لَهَا حَظّ إِن فازت، وعَلى

أَهلهَا غرم إِن خابت بِقدر مَالهَا من الْحَظ عِنْد الْفَوْز، وَأَرْبَعَة تثقل بهَا القداح، لاحظ لَهَا إِن فازت، وَلَا غرم عَلَيْهَا إِن خابت، فَأَما الَّتِي لَهَا الْحَظ: فأولها: الفدُّ، فِي صَدره حز وَاحِد، فَإِن خرج أَخذ نَصِيبا، وَإِن خَابَ غرم صَاحبه ثمن نصيب. ثمَّ التوءم لَهُ نصيبان إِن فَازَ، وَعَلِيهِ ثمن نَصِيبين إِن خَابَ. ثمَّ الضريب وَله ثَلَاثَة أنصباء. ثمَّ الحلس وَلها أَرْبَعَة. ثمَّ النافس وَله خَمْسَة. ثمَّ المسبل وَله سِتَّة. ثمَّ الْمُعَلَّى وَله سَبْعَة. وَأَسْمَاء الْأَرْبَعَة الَّتِي تثقل بهَا القداح: السفيح والمنيح والمضعف والمصدر. فَيُؤتى بِالْقداحِ كلهَا، وَقد عرف كل رجل مَا اخْتَار من السَّبْعَة، وَلَا تكون الأيسار إِلَّا سَبْعَة، لَا يكونُونَ أَكثر من ذَلِك، فَإِن نَقَصُوا رجلا أَو رجلَيْنِ فَأحب الْبَاقُونَ أَن يَأْخُذُوا مَا فضل من القداح فَيَأْخُذ الرجل الْقدح أَو القدحين فَيَأْخُذ فوزهما إِن فازا، أَو يغرم عَنْهُمَا إِن خابا ويدعى ذَلِك التتميم. قَالَ النَّابِغَة: إِنِّي أتمم أيساري وأمنحهم ... مثنى الأيادي، وأكسوا لجفنة الأدما فيعمد إِلَى القداح، فتشد مَجْمُوعَة فِي قِطْعَة جلد تسمى الربابة، ثمَّ يعمد إِلَى الحرضة فيلف على يَده الْيُمْنَى صنفة ثوب لِئَلَّا يجد مس قدح لَهُ فِي صَاحبه هوى فيحابيه فِي إِخْرَاجه، ثمَّ يُؤْتى بِثَوْب أَبيض يدعى المجول فيبسط بَين يَدي الحرضة، ثمَّ يقوم على رَأسه رجل يدعى الرَّقِيب وَيدْفَع ربابة القداح إِلَى الحرضة وَهُوَ محول الْوَجْه عَنْهَا، فيأخذها بِيَمِينِهِ، وَيدخل شِمَاله من تَحت

الثَّوْب، فينكز القداح بِشمَالِهِ، فَإِذا نهد مِنْهَا قدح تنَاوله فَدفعهُ إِلَى الرَّقِيب، فَإِن كَانَ مِمَّا لاحظ لَهُ رد إِلَى الربابة، فَإِن خرج الْمُعَلَّى أَخذ صَاحبه سَبْعَة أنصباء، فَإِن خرج بعده المسبل أَخذ الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة، وَغرم الَّذين خابوا ثَلَاثَة أنصباء من جزور أُخْرَى، على هَذِه الْحَال يفعل بِمن فَازَ وبمن خَابَ فَرُبمَا نحرُوا عدَّة جزر، وَلَا يغرم الَّذين فازوا من ثمن الْجَزُور شَيْئا، وَإِمَّا الْغرم على الَّذين خابوا، وَلَا يحل للخائبين أَن يَأْكُلُوا من ذَلِك اللَّحْم شَيْئا، فَإِن فَازَ قدح الرجل فأرادوا أَن يُعِيدُوا قدحه ثَانِيَة على خطار مَا فعلوا ذَلِك بِهِ. نِكَاح المقت كَانَ الرجل إِذا مَاتَ، قَامَ أكبر وَلَده فَألْقى ثَوْبه على امْرَأَة أَبِيه، فورث نِكَاحهَا، فَإِن لم يكن لَهُ فِيهَا حَاجَة، يُزَوّجهَا بعض اخوته بِمهْر جَدِيد، فَكَانُوا يَرِثُونَ نِكَاح النِّسَاء كَمَا يَرِثُونَ المَال، فَأنْزل الله تَعَالَى: " يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا يحل لكم أَن ترثوا النِّسَاء كرها وَلَا تعضلوهن ". الاستئسار وَكَانَ الرجل يحمل فِي الْحَرْب على الرجل بالطرف الَّذِي فِيهِ الزج، فَيَقُول: استأسر! فَإِن لم يفعل قلب لَهُ السنان. قَالَ زُهَيْر: وَمن يعْص أَطْرَاف الزّجاج فَإِنَّهُ ... يُطِيع العوالي ركبت كل لهذم الذئاب ويزعمون إِنَّه إِذا ظهر بِأحد الذئاب دم، مَال عَلَيْهِ صَاحبه فَقتله. قَالَ ابْن الطثرية: فَتى لَيْسَ لِابْنِ الْعم كالذئب إِن رأى ... بِصَاحِبِهِ يَوْمًا دَمًا فَهُوَ آكله

نيران العرب

نباح الْكلاب وَيَقُولُونَ: إِن الْكلاب إِذا نبحت السَّمَاء، دلّ ذَلِك على الخصب. قَالَ: وَمَا لي لَا أغزو وللدهر كرة ... وَقد نبحت نَحْو السَّمَاء كلابها نقب لحى الْكَلْب وَكَانُوا ينقبون لحى الْكَلْب فِي السّنة الصعبة، لِئَلَّا يسمع الأضياف نباحه. خرزة السلوان ويزعمون أَن للسلوان خرزة إِذا حكها العاشق بِمَاء، وَشرب مَا يخرج مِنْهَا، سلا وصبر. قَالَ ذُو الرمة: لَا أشْرب السلوان مَا سليت مَا بِي غنى عَنْك وَإِن غنيت نيران الْعَرَب نَار الاسْتِسْقَاء: مِنْهَا النَّار الَّتِي كَانُوا يستعملونها فِي الْجَاهِلِيَّة الجهلاء، وَهِي الْجَاهِلِيَّة الأولى فَإِنَّهُم كَانُوا إِذا تَتَابَعَت عَلَيْهِم الأزمات، وركد عَلَيْهِم الْبلَاء وَاشْتَدَّ الجدب، واحتاجوا إِلَى الاستمطار واجتمعوا وجمعوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ من الْبَقر، ثمَّ عقدوا فِي أذنابها وَبَين عراقيبها السّلع وَالْعشر ثمَّ صعدوا بهَا فِي جبل وعر

وأشعلوا فِيهَا النَّار، وضجوا بِالدُّعَاءِ والتضرع، فَكَانُوا يرَوْنَ أَن ذَلِك من أَسبَاب السقيا. وَأنْشد الورل الطَّائِي: لَا در در رجالٍ خَابَ سَعْيهمْ ... يستمطرون لَدَى الأزمات بالعشر أجاعل أَنْت بيقوراً مسلعةً ... ذَرِيعَة لَك بَين الله والمطر؟ ونار أُخْرَى وَهِي الَّتِي توقد عِنْد ذَلِك، وَيدعونَ الله الحرمان وَالْمَنْع من مَنَافِعهَا، على الَّذِي ينْقض الْعَهْد ويخيس بالعهد، وَيَقُولُونَ فِي الْحلف: الدَّم، الدَّم، وَالْهدم الْهدم. يحركون الدَّال فِي هَذَا الْموضع لَا تزيده الشَّمْس إِلَّا شرا، وَطول اللَّيَالِي إِلَّا ضراً، مَا بل الْبَحْر صوفه، وَمَا قَامَت رضوى فِي مَكَانهَا - إِن كَانَ جبلهم رضوى، وكل قوم يذكرُونَ الْمَشْهُور من جبالهم - وَرُبمَا دنوا مِنْهَا حَتَّى تكَاد تحرقهم، يهولون على من يخَافُونَ الْغدر من جِهَته بحقوقها ومنافعها ومرافقها بالتخويف من حرمَان مَنْفَعَتهَا. قَالَ الْكُمَيْت: هم خوفوني بالعمى هوة الردى ... كَمَا شب نَار الحالفين المهول وَقَالَ أَوْس بن حجر: إِذا استقبلته الشَّمْس صد بِوَجْهِهِ ... كَمَا صد عَن نَار المهول حَالف وَلَقَد تحالفت قبائل من قبائل مرّة بن عَوْف، فتحالفوا عِنْد نَار دنوا مِنْهَا وعشوا بهَا وهولوا بهَا حَتَّى محشتهم النَّار، فسموا المحاش وَكَانَ سيدهم والمطاع فيهم أَبُو ضَمرَة بن سِنَان بن أبي حَارِثَة وَلذَلِك يَقُول النَّابِغَة:

جمع محاشك يَا يزِيد فإنني ... جمعت يربوعاً لكم وتميما وَرُبمَا تحالفوا وتعاقدوا على الْملح. وَالْملح شَيْئَانِ: أَحدهمَا الدقة وَالْآخر اللَّبن، وَأنْشد لأبي الطمحان: وَإِنِّي لأرجو ملحها فِي بطونكم ... وَمَا بسطت من جلد أَشْعَث أغبرا وَذَلِكَ أَنه جاورهم فَكَانَ يسقيهم اللَّبن فَقَالَ: أَرْجُو أَن تسرعوا فِي رد إبلي على مَا شربتم من أَلْبَانهَا. وَقَوله " وَمَا بسطت من جلد أَشْعَث أغبرا " كَأَنَّهُ يَقُول: كُنْتُم مهازيل، - والمهزول يتقشف جلده وينقبض، فسمنتهم - فَبسط ذَلِك من جلودكم. نَار الطَّرْد: نَار أُخْرَى: وَهِي الَّتِي كَانُوا رُبمَا أوقدوها خلف الْمُسَافِر، وَخلف الزائر، الَّذِي لَا يحبونَ رُجُوعه، يَقُولُونَ فِي الدُّعَاء: أبعده الله وأسحقه وأوقدوا نَارا على إثره، وأنشدوا: وجمة أَقوام حملت وَلم أكن ... كموقد نارٍ إثرهم للتندم والجمة: هِيَ الْجَمَاعَة يَمْشُونَ فِي الدَّم وَفِي الصُّلْح، يَقُول: لم تندم على مَا أَعْطَيْت من الْحمالَة عِنْد كَلَام الْجَمَاعَة، فتوقد خَلفهم نَارا لِئَلَّا يعودوا وَمن ذَلِك قَول الشَّاعِر: صحوت وَأوقدت للْجَهْل نَارا ... ورد عَلَيْك الصِّبَا مَا استعارا يَقُول: إِنِّي أردْت أَلا يراجعك الْجَهْل فأوقدت خَلفه نَارا. نَار أُخْرَى: وَهِي: كَانُوا إِذا أَرَادوا حَربًا، فتوقعوا جَيْشًا عَظِيما، وَأَرَادُوا الِاجْتِمَاع،

أوقدوا لَيْلًا نَارا على جبلهم، ليبلغ الْخَبَر أَصْحَابهم قَالَ عَمْرو بن كُلْثُوم: وَنحن غَدَاة أوقد فِي خزازي ... رفدنا فَوق رفد الرافدينا وَرُبمَا جدوا فِي جمع عَشَائِرهمْ فأوقدوا نارين، وَذَلِكَ قَول الفرزدق: ضربوا الصَّنَائِع والملوك وأوقدوا ... نارين، أَشْرَفنَا على النيرَان وَرُبمَا أوقدوا نَارا وَاحِدَة، وَرُبمَا أوقدوا نَارا عدَّة، فَأَما النَّار الْوَاحِدَة فقد توقد للقريب، ويستدل بهَا بِاللَّيْلِ من يلْتَمس ذَلِك من بَاغ وزائر وجائع، فَإِن كَانَ الرجل قَادِرًا مطعاماً، أوقد اللَّيْل كُله، وَأكْثر ذَلِك فِي ليَالِي الشتَاء، وَرُبمَا صَنَعُوا ذَلِك عِنْد توقع الجيوش الْعِظَام، واستجماع قبائلهم، قَالَ ابْن مياده: وناراه نَار كل مدفع ... وَأُخْرَى يُصِيب الْمُجْرمين سعيرها ونار أُخْرَى وتسمي يلمع، وَهُوَ حجر يلمع، ويبصر من بعيد، فَإِذا دَنَوْت مِنْهُ لم تَرَ شَيْئا، قَالَ متمم: وقيساً وجزءاً بالمشقر ألمعاً ونار أُخْرَى وَهِي الَّتِي توقد للسليم إِذا سهد، كَمَا قَالَ النَّابِغَة:

يسهد من اللَّيْل التَّمام سليمها ... ولحلى النِّسَاء فِي يَدَيْهِ فقاقع وَتلك النَّار توقد للمجروح والمضروب إِذا خَافُوا عَلَيْهِ الكزاز من نزف الدَّم، وهم يكْرهُونَ لَهُ النّوم فِي تِلْكَ الْحَال، والشطار لَا يدعونَ الْمَضْرُوب على ظَهره بالسياط أَن ينَام يرَوْنَ أَن حتفه فِيهِ، ويحمون النّوم صَاحب عضة الْكَلْب، وَفِي نَار الْمَجْرُوح يَقُول الْأَعْشَى: بداميةٍ يغشى الْفراش رشاشها ... يبيت لَهَا ضوء من النَّار جاحم ونار أُخْرَى وَذَلِكَ أَن الْمُلُوك إِذا سبوا الْقَبِيلَة بأسرها وَخرجت إِلَيْهِم السادات فِي الْفِدَاء أَو الاستيهاب، فيكرهون أَن يعرضُوا النِّسَاء نَهَارا فيفتضحن فيعرضهن لَيْلًا فِي الظلمَة دون النَّار والضوء، فيخفى عَلَيْهِ قدر مَا يجيس لنَفسِهِ من الصفى، وَقدر مَا تجود بِهِ نَفسه من أَخذ فدَاء أَو امتنان على الوقد فتوقد. لذَلِك قَالَ الشَّاعِر: نسَاء بني شَيبَان يَوْم أوارةٍ ... على النَّار إِذا تجلى لَهُ فتيانها ونار أُخْرَى، وَهِي نَار الوسم والميسم: يُقَال للرجل: مَا نارك؟ فَيَقُول: خباط أَو علاط أَو حَلقَة أَو كَذَا أَو كَذَا وَعرض بعض اللُّصُوص إبِلا قد أغار عَلَيْهَا وسلبها من كل جَانب، وَجَمعهَا من قبائل شَتَّى، ففر بهَا إِلَى بعض الْأَسْوَاق، فَقَالَ لَهُ بعض التُّجَّار. مَا نارك؟ - وَإِنَّمَا يسْأَلُون عَن ذَلِك لأَنهم يعْرفُونَ ميسم كل قوم وكرم إبلهم من لؤمها بِهِ - فَقَالَ: يسألني الباعة مَا نجارها ... إِذا زعزعوها فَسَمت أبصارها وكل دَار لِأُنَاس دارها ... وكل نَار الْعَالمين نارها نَار الزحفتين:

هِيَ نَار أبي سريع، وَهُوَ العرفج، لِأَن العرفج إِذا التهبت فِيهِ النَّار أسرعت وعظمت وشاعت واستفاضت أسْرع من كل شَيْء، فَمن كَانَ يقربهَا يزحف عَنْهَا ثمَّ لَا تلبث أَن تنطفئ من ساعتها، فِي مثل تِلْكَ السرعة فَيحْتَاج الَّذِي زحف عَنْهَا، إِلَى أَن يزحف إِلَيْهَا من سَاعَته، فَلَا تزَال وَلَا يزَال المصطلى بهَا كَذَلِك، فَمن أجل ذَلِك قيل لَهَا نَار الزحفتين. ونار أُخْرَى: وَهِي الَّتِي يذكر الْعَرَب أَن الغيلان توقدها بِاللَّيْلِ للعبث والتخييل وإضلال السابلة. ونار أُخْرَى: وَهِي مَذْكُورَة على الْحَقِيقَة لَا على الْمثل، وَهِي من أعظم مفاخر الْعَرَب وَهِي النَّار الَّتِي ترفع للسَّفر وَلمن يلْتَمس الْقرى، فَكلما كَانَت أضخم وموضعها أرفع، كَانَت أَفْخَر، قَالَ الشَّاعِر: لَهُ نَار تشب بِكُل وادٍ ... إِذا النيرَان ألبست القناعا نَار الإياب: ونار أُخْرَى: وَهِي الَّتِي توقد للقادم من سفر سالما غانماً، قَالَ: يَا لبيني أوقدي النارا ... إِن من تهوين قد حارا حَار: رَجَعَ. قَالَ الله تَعَالَى: " إِنَّه ظن أَن لن يحور بلَى " أَي لن يرجع. نَار الْعَار: ونار أُخْرَى: كَانَت الْعَرَب إِذا غدر الرجل بجار، أوقد لَهُ نَارا بمنى أَيَّام الْحَج على الأخشب، وَهُوَ الْجَبَل المطل على منى ثمَّ صاحوا: هَذِه غدرة فلَان

فيدعو عَلَيْهِ النَّاس قَالَت امْرَأَة من بني هَاشم: فَإِن تهْلك فَلم تعرف عقوقا ... وَلم توقد لنا بالغدر نَارا وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء: النيرَان أَرْبَعَة: نَار تَأْكُل وتشرب، وَهِي نَار الْمعدة، ونار لَا تَأْكُل وَلَا تشرب وَهِي نَار الْحجر، ونار تشرب وَلَا تَأْكُل وَهِي نَار الْبَرْق، ونار تَأْكُل وَلَا تشرب وَهِي نَار الْحَطب. وَيُقَال أَيْضا: النيرَان أَرْبَعَة: فَنَار تشرب وَلَا تَأْكُل، ونار تَأْكُل وَلَا تشرب، ونار تَأْكُل وتشرب، ونار لَا تَأْكُل وَلَا تشرب؛ فَأَما النَّار الَّتِي تشرب وَلَا تَأْكُل فَهِيَ النَّار الَّتِي هِيَ من الشّجر، وَالنَّار الَّتِي تَأْكُل وَلَا تشرب فناركم هَذِه، وَالنَّار الَّتِي لَا تَأْكُل وَلَا تشرب فَالنَّار الَّتِي فِي الْحجر، وَالنَّار الَّتِي تَأْكُل وتشرب فَنَار جَهَنَّم.

الباب الثامن وصايا العرب

الْبَاب الثَّامِن وَصَايَا الْعَرَب أخبرنَا الصاحب إِسْمَاعِيل بن الْقَاسِم عَن الأبجي عَن مُحَمَّد بن الْحسن عَن أبي نصر، عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول لِبَنِيهِ وَهُوَ يوصيهم: اتَّقوا الظهيرة الغراء، والفلاة الغبراء، وردوا المَاء بِالْمَاءِ. أوصى الْحَارِث بن كَعْب بنيه فَقَالَ: يَا بني، قد أَتَت عَليّ مائَة وَسِتُّونَ سنة مَا صافحت يَمِيني يَمِين غادر، وَلَا قنعت نَفسِي بخلة فَاجر، وَلَا صبوت بابنة عَم وَلَا كنة، وَلَا بحت لصديق عَليّ بسر. وَلَا طرحت عِنْدِي مومسة قناعها، وَلَا بَقِي على دين عِيسَى بن مَرْيَم أحد من الْعَرَب غَيْرِي وَغير تَمِيم بن مرّة، وَأسد بن خُزَيْمَة، فموتوا على شريعتي، واحفظوا وصيتي، إِلَهكُم فاتقوه، يكفكم المهم من أُمُوركُم، وَيصْلح لكم حالكم، وَإِيَّاكُم وَالْمَعْصِيَة، يحل بكم الدمار ويوحش مِنْكُم الديار، وَكَانُوا جَمِيعًا، وَلَا تفَرقُوا فتكونوا شيعًا، بزوا قبل أَن تبزوا، فموت فِي عز، خير من حياةٍ فِي ذل وَعجز، فَكل مَا هُوَ كَائِن كَائِن، وكل جمع إِلَى تبَاين، والدهر صرفان: صرف بلاءٍ وَصرف رخاء. وَالْيَوْم يَوْمَانِ: يَوْم حبرَة وَيَوْم عِبْرَة، وَالنَّاس رجلَانِ: رجل مَعَك، وَرجل عَلَيْك. زوجوا النِّسَاء من الْأَكفاء وَإِلَّا فانتظروا بِهن الْقَضَاء، وَليكن طيبهن المَاء، وَإِيَّاكُم والورهاء فَإِنَّهَا أدوأ الدَّاء. يَا بني: قد أكلت مَعَ أَقوام، وشربت مَعَ أَقوام، فَذَهَبُوا وغبرت وَكَأَنِّي بهم قد لحقت. ثمَّ أنشأ يَقُول: أكلت شَبَابِي وأفنيته ... وأمضيت بعد دهورٍ دهورا فِي أَبْيَات أخر:

قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: أنكح ضرار بن عَمْرو الضَّبِّيّ ابْنَته من معبد بن زُرَارَة، فَلَمَّا أخرجهَا إِلَيْهِ قَالَ: يَا بنية أمسكي عَلَيْك الفضلين: فضل الغلمة، وَفضل الْكَلَام، ضرار هُوَ الَّذِي رفع عنزته بعكاظ وَقَالَ: " أَلا إِن شَرّ حَائِل أم، فزوجوا أُمَّهَات "، وَذَلِكَ أَنه صرع بَين القنا، فأشبل عَلَيْهِ إخْوَته لأمه حَتَّى أنقذوه. لما حضرت قيس بن عَاصِم الْوَفَاة، دَعَا بنيه فَقَالَ: يَا بني احْفَظُوا عني، فَلَا أحد أنصح لكم مني. إِذا مت، فسودوا كباركم وَلَا تسودوا صغاركم، فيسفه النَّاس كباركم وتهونوا عَلَيْهِم، وَعَلَيْكُم باستصلاح المَال، فَإِن منبهة للكريم، ويستغني بِهِ عَن اللَّئِيم، وَإِيَّاكُم ومسالة النَّاس فَإِنَّهَا أخر كسب الْمَرْء. لما أَقَامَ ابْن قميئة بَين العقابين قَالَ لَهُ أَبوهُ: أطر رجليك، وأصر إِصْرَار الْفرس، وَاذْكُر أَحَادِيث غدٍ، وَإِيَّاك وَذكر الله فِي هَذَا الْموضع فَإِنَّهُ من الفشل. أوصى أَبُو الْأسود ابْنه فَقَالَ: يَا بني، إِذا جَلَست فِي قوم فَلَا تَتَكَلَّم بِمَا هُوَ فَوْقك فيمقتوك، وَلَا بِمَا هُوَ دُونك فيزدروك، وَإِذا وسع الله عَلَيْك فابسط يدك، وَإِذا أمسك عَلَيْك فامسك وَلَا تجاود الله فَإِن الله أَجود مِنْك. قَالَ بَعضهم لِبَنِيهِ: يَا بني لَا تعادوا أحدا، وَإِن ظننتم أَنه يضركم، وَلَا تزهدوا فِي صداقة أحد، وَإِن ظننتم أَنه لَا ينفعكم، فَإِنَّكُم لَا تَدْرُونَ مَتى تخافون عَدَاوَة الْعَدو، وَلَا مَتى ترجون صداقة الصّديق، وَلَا يعْتَذر إِلَيْكُم أحد إِلَّا قبلتم عذره، وَإِن علمْتُم أَنه كَاذِب، زجوا الْأَمر زجاً. وَقَالَ سعد الْعَشِيرَة لِبَنِيهِ عِنْد مَوته: إيَّاكُمْ وَمَا يَدْعُو إِلَى الِاعْتِذَار، ودعوا قذف الْمُحْصنَات، لتسلم لكم الْأُمَّهَات، وَإِيَّاكُم وَالْبَغي، ودعوا المراء وَالْخِصَام، تهبكم العشائر، وجودوا بالنوال تنم لكم الْأَمْوَال، وَإِيَّاكُم وَنِكَاح الورهاء، فَإِنَّهَا أدوأ الدَّاء، وابعدوا من جَار السوء داركم، ودعوا الضغائن فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى التقاطع. وَقَالَ بَعضهم: سَمِعت بدوياًُ يَقُول لِابْنِهِ: يَا بني: كن سبعا خالساً، أَو ذئباً خانساً، أَو كَلْبا حارساً، وَإِيَّاك وَأَن تكون إنْسَانا نَاقِصا.

قَالَ هَانِئ قبيصَة بن مَسْعُود الشَّيْبَانِيّ يَوْم ذِي قار يحرض بني وَائِل: الحذر لَا يُنجي من الْقدر، والدنية أغْلظ من الْمنية، واستقبال الْمَوْت خير من استدباره، والطعن فِي الثغر، خير وَأكْرم مِنْهُ فِي الدبر، يَا بني: هَالك مَعْذُور، خير من نَاجٍ فرور، قَاتلُوا، فَمَا للمنايا من بُد. قَالَ أَكْثَم بن صَيْفِي: يَا بني تَمِيم لَا يفوتنكم وعظي إِن فاتكم الدَّهْر بنفسي، إِن بَين حيزومي وصدري لبحراً من الْكَلم، لَا أجد لَهُ مواقع غير أسماعكم، وَلَا مقار إِلَّا قُلُوبكُمْ فتلقوها بأسماع صَافِيَة، وَقُلُوب وَاعِيَة، تحمدوا عواقبها: إِن الْهوى يقظان، وَالْعقل رَاقِد، والشهوات مُطلقَة، والحزم مَعْقُول، وَالنَّفس مُهْملَة، والروية مُقَيّدَة، وَمن يجهل التواني، وَيتْرك الروية يتْلف الحزم. وَلنْ يعْدم المشاور مرشداً، والمستبد بِرَأْيهِ مَوْقُوف على مداحض الزلل، وَمن سمع سمع بِهِ، ومصارع الْأَلْبَاب تَحت ظلال الطمع، وَلَو اعْتبرت مواقع المحن، مَا وجدت إِلَّا فِي مقَاتل الْكِرَام، وعَلى الِاعْتِبَار طَرِيق الرشاد، وَمن سلك الجدد أَمن العثار، وَلنْ يعْدم الحسود أَن يتعب قلبه، ويشغل فكره، ويثير غيظه، وَلَا يُجَاوز ضره نَفسه. يَا بني تَمِيم: الصَّبْر على جرع الْحلم، أعذب من جني ثَمَر النَّدَم، وَمن جعل عرضه دون مَاله، استهدف الذَّم، وكلم اللِّسَان، أنكى من كلم الحسام، والكلمة مزمومة مَا لم تنجم من الْفَم، فَإِذا نجمت فَهِيَ سبع محرب، أَو نَار تلهب، وَلكُل خافية مختفٍ، وَرَأى الناصح اللبيب دَلِيل لَا يجور، ونفاذ الرَّأْي فِي الْحَرْب، أنفذ من الطعْن وَالضَّرْب. اسْتَشَارَ قومٌ أَكْثَم بن صَيْفِي فِي حربٍ أرادوها، وسألوا أَن يوصيهم، فَقَالَ: أقلوا الْخلاف على أمرائكم، وَاعْلَمُوا أَن كَثْرَة الصياح من الفشل، والمرء يعجز

لَا المحالة، فَإِن أحزم الْفَرِيقَيْنِ الركين، وَرب عجلة تهب ريثاً، واتزروا للحرب وادرعوا اللَّيْل، فَإِنَّهُ أخْفى للويل، وَلَا جمَاعَة لمن اخْتلف. وَقَالَ عَلْقَمَة بن لبيد العطاردي لِابْنِهِ: يَا بني إِذا نازعتك نَفسك إِلَى صُحْبَة الرِّجَال، فاصحب من إِذا صحبته زانك، وَإِن خدمته صانك، وَإِن عرتك بِهِ مؤونة أعانك. اصحب من إِن قلت صدق قَوْلك، وَإِن ملت سدد صولك، واصحب من إِن مددت يدك بِفضل مدها، وَإِن بَدَت مِنْك ثلمة سدها، وَإِن رأى مِنْك حَسَنَة عدهَا. اصحب من إِن سَأَلته أَعْطَاك، وَإِن سكت أَغْنَاك، اصحب من لَا يَأْتِيك من البوائق، وَلَا يخْتَلف عَلَيْك مِنْهُ الطرائق، وَلَا يخذلك عِنْد الْحَقَائِق. وَقَالَ بَعضهم لِابْنِهِ: كن يَا بني جواداً بِالْمَالِ فِي مَوضِع الْحق، ضنيناً بالأسرار عَن جَمِيع الْخلق، فَإِن أَحْمد جود الْمَرْء، الْإِنْفَاق فِي وَجه الْبر، وَالْبخل بمكتوم السِّرّ. أوصى بعض الْأَنْصَار ابْنه فلقال: يَا بني، إِنِّي مُوصِيك بِوَصِيَّة، إِن لم تحفظها عني كنت خليقاً أَلا تحفظها عَن غَيْرِي: يَا بني اتَّقِ الله، وَإِن اسْتَطَعْت أَن تكون الْيَوْم خيرا مِنْك من أمس، وَغدا خيرا مِنْك الْيَوْم، فافعل. وَإِذا عثر عاثر من بني آدم فاحمد أَلا تكونه، وَإِيَّاك والطمع، فَإِنَّهُ فقر حَاضر، وَعَلَيْك باليأس، فَإنَّك لن تيأس من شَيْء إِلَّا أَغْنَاك الله عَنهُ، وَإِيَّاك وَمَا يعْتَذر مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يعْتَذر من خير أبدا، وَإِذا قُمْت إِلَى صَلَاتك فصل صَلَاة مُودع، وَإنَّك ترى أَنَّك لَا تصلي بعْدهَا أبدا. روى عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: لما قتل قيس بن زُهَيْر أهل الهبات خرج حَتَّى لحق بالنمر ابْن قاسط فَقَالَ: يَا معاشر النمر، أَنا قيس بن زُهَيْر، حريب طريد، شريد، موتور فانظروا لي امْرَأَة قد أدبها الْغنى وأدبها الْفقر، قَالَ: فَزَوجُوهُ امْرَأَة مِنْهُم فَقَالَ: إِنِّي لَا أقيم فِيكُم حَتَّى أخْبركُم بأخلاقي، إِنِّي فخور غيور آنف، وَلست أَفْخَر حَتَّى أَبْتَلِي، وَلَا أغار حَتَّى أرى، وَلَا آنف حَتَّى أظلم، فرضوا أخلاقه، فَأَقَامَ فيهم حَتَّى ولد لَهُ، ثمَّ أَرَادَ التَّحَوُّل عَنْهُم. فَقَالَ: يَا معشر النمر: إِنِّي أرى لكم عَليّ حَقًا بمصاهرتي إيَّاكُمْ، ومقامي بَين أظْهركُم، وَإِنِّي أوصيكم بخصال آمركُم بهَا، وأنهاكم عَن خِصَال: عَلَيْكُم بالأناة فَإِن بهَا تدْرك الْحَاجة،

وتنال الفرصة، وتسويد من لَا تعابون بتسويده، وَالْوَفَاء فَإِن بِهِ يعِيش النَّاس، وَإِعْطَاء مَا تُرِيدُونَ إعطاءه قبل الْمَسْأَلَة، وَمنع مَا تُرِيدُونَ مَنعه قبل الإنعام وَإِجَارَة الْجَار على الدَّهْر، وتنفيس الْبيُوت عَن منَازِل الْأَيَامَى، وخلط الضَّيْف بالعيال، وأنهاكم عَن الرِّهَان فغني بِهِ ثكلت مَالِكًا أخي، وَعَن الْبَغي فَإِنَّهُ صرع زهيراً أبي، وَعَن السَّرف فِي الدِّمَاء، فَإِن قَتْلَى أهل الهبات أورثني الْعَار. وَلَا تعطوا فِي الفضول فتعجزوا عَن الْحُقُوق، وَأنْكحُوا الْأَيَامَى الْأَكفاء، فَإِن لم تصيبوا بِهن الْأَكفاء فَخير بُيُوتهنَّ الْقُبُور، وَاعْلَمُوا أَنِّي أَصبَحت ظَالِما مَظْلُوما؛ ظلمتني بَنو بدر بِقَتْلِهِم مَالِكًا، وظلمتهم بقتلي من لَا ذَنْب لَهُ. ثمَّ رَحل عَنْهُم فلحق بعمان، فَتَنَصَّرَ بهَا، وَأقَام حَتَّى مَاتَ. وَقيل إِنَّه احْتَاجَ فَكَانَ يَأْكُل الحنظل حَتَّى قَتله، لم يخبر أحد بحاجته. بلغ أَبَا الْأَغَر أَن أَصْحَابه بالبادية قد وَقع بَينهم شَرّ، فَأرْسل ابْنه الْأَغَر فَقَالَ: يَا بني كن يدا لأصحابك على من قَاتلهم، وَإِيَّاك وَالسيف فَإِنَّهُ ظلّ الْمَوْت، وَاتَّقِ الرمْح فَإِنَّهُ رشاء الْمنية، وَلَا تقرب السِّهَام فَإِنَّهَا رسلٌ لَا تؤامر مرسلها، قَالَ فبماذا أقَاتل؟ قَالَ: بِمَا قَالَ الشَّاعِر: جلاميد أملاء الأكف كَأَنَّهَا ... رُءُوس رجالٍ حلقت فِي المواسم وَقَالَ رجل من بني هِلَال لِبَنِيهِ: يَا بني اظهروا النّسك فَإِن النَّاس إِن رَأَوْا من أحدكُم بخلا قَالُوا: مقتصد لَا يحب الْإِسْرَاف وَإِن رَأَوْا عياً قَالُوا: متوق يكره الْكَلَام، وَإِن يرَوا جبنا قَالُوا: متحرج يكره الْإِقْدَام على الشُّبُهَات. وَكَانَت الْعَرَب إِذا أوفدت وافداً تَقول لَهُ: إياك والهيبة فَإِنَّهَا خيبة، وَعَلَيْك بالفرصة فَإِنَّهَا خلسة، وَلَا تبت عِنْد ذَنْب الْأَمر، وَبت عِنْد رَأسه. أوصت أعرابية ابْنَتهَا عِنْد إهدائها إِلَى زَوجهَا، فَقَالَت: اقلعي زج رمحه، فَإِن أقرّ فاقلعي سنانه، فَإِن أقرفا كسْرَى الْعِظَام بِسَيْفِهِ، فَإِن أقرّ فاقطعي اللَّحْم على

ترسه، فَإِن أقرّ فضعي الإكاف على ظَهره فَإِنَّمَا هُوَ حمَار. وأوصت أُخْرَى ابْنَتهَا وَقد زوجتها فَقَالَت: لَو تركت الْوَصِيَّة لأحد لحسن أدب أَو لكرم حسب لتركتها لَك، وَلكنهَا تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل. يَا بنية: إِنَّك قد خلفت العش الَّذِي فِيهِ درجت، والموضع الَّذِي مِنْهُ حرجت، إِلَى وكرٍ لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، كوني لزوجك أمة، يكن لَك عبدا، واحفظي عني خِصَالًا عشرا، تكن لَك ذخْرا وذكراً، أما الأولى وَالثَّانيَِة: فَحسن الصَّحَابَة بالقناعة، وَجَمِيل المعاشرة بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة، فَفِي حسن الصَّحَابَة رَاحَة الْقلب، وَفِي جميل المعاشرة رضَا الرب. وَالثَّالِثَة وَالرَّابِعَة: التفقد لموْضِع عينه، والتعاهد لموْضِع أَنفه، فَلَا تقع عينه مِنْك على قَبِيح، وَلَا تَجِد أَنفه مِنْك خبث ريح. واعلمي أَن الْكحل أحسن الْحسن المودود، وَأَن المَاء أطيب الطّيب الْمَوْجُود، وَالْخَامِسَة وَالسَّادِسَة، فالحفظ لمَاله، والإرعاء على حشمه وَعِيَاله، واعلمي أَن أصل الاحتفاظ بِالْمَالِ من حسن التَّقْدِير، والإرعاء على الحشم والعيال من حسن التَّدْبِير. وَالسَّابِعَة وَالثَّامِنَة: التعاهد لوقت طَعَامه، والهدوء عِنْد مَنَامه، فحرارة الْجُوع ملهبة، وتنغيص النّوم مغضبة، وَالتَّاسِع والعاشر: فَلَا تفشين لَهُ سرا وَلَا تعصين لَهُ أمرا، فَإنَّك إِن أفشيت سره، لم تأمني غدره وَإِن عصيت أمره أوغرت صَدره. لما حضرت وكيعاً الْوَفَاة، دَعَا بنيه فَقَالَ: يَا بني إِن قوما سيأتونكم قد فرحوا جباههم وعرضوا لحاهم، يدعونَ أَن لَهُم على أبيكم دينا فَلَا تقضوهم، فَإِن أَبَاكُم قد حمل من الذُّنُوب مَا إِن غفرها الله، لم تضره هَذِه، وَإِلَّا فَهِيَ مَعَ مَا تقدم. لما حضرت سعد بن زيد مَنَاة الْوَفَاة جمع وَلَده، فَقَالَ: يَا بني أوصيكم بِالنَّاسِ شرا، كلموهم نزرا، واظعنوهم شذراً، وَلَا تقلبوا لم عذرا، اقصروا الأعنة، واشحذوا الأٍنة، وكلوا الْقَرِيب يرهبكم الْبعيد. وأوصيت امْرَأَة ابْنَتهَا وَقد أَهْدَتْهَا إِلَى زَوجهَا، فَقَالَ: كوني لَهُ فراشا يكن لَك معاشاً، وكوني لَهُ وطاء يكن لَك غطاء، وَإِيَّاك والاكتئاب إِذا كَانَ فَرحا، والفرح إِذا كَانَ كئيباً، وَلَا يطلعن مِنْك على قَبِيح، وَلَا يسمن مِنْك إِلَّا الطّيب

ريحًا، وَلَا تفشين لَهُ سرا، فَإنَّك إِن أفشيت سره، سَقَطت من عينه، وَلم تأمني غدره، وَعَلَيْك بالدهن والكحل فهما أطيب الطّيب. وَزوج عَامر بن الظرب ابْنَته من ابْن أَخِيه، فَلَمَّا أَرَادوا تحويلهما قَالَ لأمها: مري ابْنَتك أَلا تنزل مفازةً إِلَّا وَمَعَهَا مَاء؛ فَإِنَّهُ للأعلى جلاء وللأسفل نقاء، وَلَا تكْثر مضاجعته، فَإِنَّهُ إِذا مل الْبدن مل الْقلب، وَلَا تَمنعهُ شَهْوَته، فَإِن الحظوة الْمُوَافقَة. فَلم تلبث إِلَّا شهرا حَتَّى جَاءَتْهُ مشجوجة، فَقَالَ لِابْنِ أَخِيه: يَا بني، إرفع عصاك عَن بكرتك تسكن فَإِن كَانَت نفرت من غير أَن تنفر، فَذَاك الدَّاء الَّذِي لَيْسَ لَهُ دَوَاء، وَإِن لم يكن بَيْنكُمَا وفَاق ففراق الْخلْع أحسن من الطَّلَاق، وَإِن لم تنزل أهلك وَمَالك، فَرد عَلَيْهِ صداقه، وخلعها مِنْهُ فَهُوَ أول خلع كَانَ فِي الْعَرَب. قَالَ أَكْثَم بن صَيْفِي: ألزموا النِّسَاء المهابة وأكرموا الْخَيل، وَنعم لَهو الْحرَّة المغزل وحيلة من لَا حِيلَة لَهُ؛ الصَّبْر. وَقَالَ أَكْثَم بن صَيْفِي لوَلَده: يَا بني تقاربوا فِي الْمَوَدَّة، وَلَا تتكلوا على الْقَرَابَة. وصّى رجل من ربيعَة ابْنه، فَقَالَ: يَا بني إِذا حزبك أَمر فحك ركبتك بركبة شيخ من قَوْمك، وشاوره، فَإِنِّي أردْت التَّزْوِيج فَأتيت شَيخا من قومِي فِي بادية، فَجَلَست إِلَيْهِ حَتَّى خف من عِنْده، فَقَالَ، يَا ابْن أخي لَك حَاجَة؟ فَقلت: نعم، أردْت التَّزْوِيج فأتيتك أشاورك. فَقَالَ: أقصيرة النّسَب أم طويلته؟ فَمَا أخيرت وَلَا أردأت، - أَي لم اقل خيرا وَلَا رديئاً - فَقَالَ: يَا ابْن أخي إِنِّي لأعرف فِي الْعين إِذا لم تنكر وَلم تعرف، فَأَما الْعين إِذا عرفت فَإِنَّمَا تتحاوص للمعرفة، وَإِذا أنْكرت فَإِنَّهَا تجحظ للإنكار، وَإِذا لم تعرف وَلم تنكر فَإِنَّهَا تسجو سجواً، يَا ابْن أخي، لَا تزوج إِلَى قوم أهل دناءةٍ، أَصَابُوا من الدُّنْيَا عَثْرَة، فتشركهم فِي دناءتهم، وَلَا يشركونك فِي أَمْوَالهم، فَقَالَ، فَقُمْت وَقد أكفيت. أوصت امْرَأَة من كلب ابْنهَا فَقَالَت: يَا بني إِذا رَأَيْت المَال مُقبلا فانفق،

فَإِنَّهُ يحْتَمل النَّفَقَة، وَإِذا رَأَيْته مدرباً فانفق فَإِن ذَهَابه فِيمَا تُرِيدُ، خيرٌ من ذَهَابه فِيمَا لَا تُرِيدُ. قَالَ الغضبان بن القبعثري لوَلَده: يَا بني إِذا سَمِعْتُمْ صَيْحَة بلَيْل، فَلَا تخْرجُوا غليها، فَإِن صَاحبهَا لَو وجد بدرة لم يدعكم إِلَيْهَا. كَانَ دُرَيْد بن الصمَّة يَقُول: النَّصِيحَة مَا لم تهجم على الفضيحة، وَإِذا اجدبتم فَلَا ترعوا حمى الْمُلُوك، فَإِنَّهُ من عاره غانماً لم يرجع سالما، وَلَا تحقروا شرا فَإِنَّهُ كثير، وَمن خرق ستركم فأرقعوه، وَمن حَارَبْتُمْ فَلَا تغفلوه، وأحيلوا جدكم كُله عَلَيْهِ، وَمن أسدى إِلَيْكُم خطة خير فأضعفوا لَهُ، وَإِلَّا فَلَا تعجزوا أَن تَكُونُوا مثله، وَمن كَانَت لَهُ مُرُوءَة فليظهرها، وَلَا تنكحن دنيا من غَيْركُمْ، فَإِن عاره عَلَيْكُم. وَإِيَّاكُم وفاحشة النِّسَاء، وَعَلَيْكُم بصلَة الرَّحْمَن فَإِنَّهَا تديم الْفضل، وترين النَّسْل، وَأَسْلمُوا كل جريرة بجريرته، وَلَا تسخطن خلقا من غَيْركُمْ فتعلموه بَيْنكُم. قَالَ أَعْرَابِي لِأَخِيهِ وَكَانَ بَخِيلًا، يَا أخي إِن لم تفن مَالك أفناك، وَإِن لم يكن لَك كنت لَهُ، فكله قبل أَن يَأْكُلك. وَقَالَ جد زيد بن حَارِثَة لبنية: اتَّقوا إِلَهكُم، وَلَا تستثيروا السبَاع من مرابضها فَنَدِمُوا، وداروا النَّاس بالكف عَنْهُم تسلموا، وخفوا عَن السُّؤَال وَلَا تتثاقلوا. قيل بلغ ولد طَيئ بن أدد وَولد وَلَده وَهُوَ حَيّ خَمْسمِائَة رجل فَجَمعهُمْ حِين حضرت الْوَفَاة فَقَالَ: يَا بني، إِنَّكُم قد نزلتم منزلا لَا تدخلون مِنْهُ، وَلَا يدْخل عَلَيْكُم، فارعوا مرعى الضَّب الْأَعْوَر، يعرف قدره ويبصر حجره، وَلَا تَكُونُوا كالجراد لقف وَاديا، وَترك وَاديا، وَإِيَّاكُم وَالْبَغي، فَإِن الله إِذا أَرَادَ هَلَاك النملة، جعل لَهَا جناحين. أوصى سعد الْعَشِيرَة بنيه عِنْد مَوته فَقَالَ: يَا بني إِلَهكُم اتَّقوا فِي اللَّيْل وَالنَّهَار، وَإِيَّاكُم وَمَا يدعوا إِلَى الِاعْتِذَار، ودعوا قفو الْمُحْصنَات، تسلم لكم الْأُمَّهَات، وَإِيَّاكُم وَالْبَغي على قومكم، تعمر لكم الساحات، ودعوا المراء

وَالْخِصَام، تسلم لكم الْمُرُوءَة والأحلام، وتحببوا إِلَى العشائر يهبكم العمائر، وجودوا بالنوال تثمر لكم الْأَمْوَال، وَإِيَّاكُم وَنِكَاح الحمقاء الورهاء، فَإِنَّهَا أدوى الدَّاء، وأبعدوا عَن جَار السوء داركم، وَمن قرين الغي مزاركم ودعوا الضغائن فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى التباين، وَلَا تَكُونُوا لآبائكم عاقين، وحياكم ربكُم وسلمكم. وَأوصى قيس بن معدي كرب الْكِنْدِيّ أَوْلَاده حِين بلغُوا فَقَالَ: يَا بني، عَلَيْكُم بِهَذَا المَال، فاطلبوه بأجمل الطّلب، ثمَّ اصرفوه فِي أجمل مَذْهَب وصلوا مِنْهُ الْأَرْحَام، واصطنعوا مِنْهُ الأقوام واجعلوه جنَّة لأعراضكم، يحسن فِي النَّاس مقالكم، فَإِن بذله كَمَال الشّرف وثبات الْمُرُوءَة حَتَّى أَنه يسود غير السَّيِّد، وَيُقَوِّي غير الأيد، حَتَّى يكون فِي أنفس النَّاس نبيها، وَفِي أَعينهم مهيباً، وَمن كسب مَالا، فَلم يصل مِنْهُ رحما، وَلم يُعْط مِنْهُ سَائِلًا، وَلم يصن بِهِ عرضا، بحث النَّاس عَن أَصله، فَإِن كَانَ مَدْخُولا هتكوه، وَإِن كَانَ صَحِيحا كسروه إِمَّا دنية أَو عرقاً لئيماً حَتَّى يهجنوه. وَأوصى الْأَشْعَث بن قيس فَيُقَال: يَا بني ذلوا فِي أعراضكم وانخدعوا فِي أَمْوَالكُم، فَإِن أَبَاكُم كَذَاك كَانَ يفعل، لتخفف بطونكم من أَمْوَال النَّاس، وَظُهُور كم من دِمَائِهِمْ، فَإِن لكل أَمر تبعة، وَأَصْلحُوا المَال لجفوة السُّلْطَان، ونبوة الزَّمَان، وأجملوا فِي طلب الرزق، حَتَّى يُوَافق النجاح قدرا، وَكفوا عِنْد أول مَسْأَلَة؛ فَإِنَّهُ كفى بالود منعا، وامنعوا نساءكم إِلَّا من أكفائكم، فَإِنَّكُم أهل بَيت يَكْتَفِي بكم الْكَرِيم، ويتشرف بكم اللَّئِيم، وَكُونُوا فِي عوام النَّاس مَا لم يضطرب حَبل، فَإِذا اضْطربَ حَبل، فالحقوا بعشائركم، وعودوا بفضلكم على قومكم، فَإِنَّهُ لم يزل رجل مِنْكُم يُرْجَى عذره وتعمريده. وَأوصى أود بن صفر بن سعد الْعَشِيرَة فَقَالَ: يَا بني، سلوا النَّاس وَلَا تخبروهم، وأخيفوهم وَلَا تخافوهم. وَأوصى أسلم بن أفصى الْخُزَاعِيّ فَقَالَ: يَا بني، اتَّقوا ربكُم فِي اللَّيْل إِذا دجا، وَفِي النَّهَار إِذا أَضَاء، يكفكم كل مَا تخافون وَيَتَّقِي، وَإِيَّاكُم ومعصيته، فَإِنَّهُ لَيْسَ لكم وَرَاءه وزر، وَلَا لكم دونه محتضر، يَا بني: جودوا بالنوال وَكفوا عَن السُّؤَال، يَا بني: إِنَّكُم إِن وهبتم قَلِيلا فسيعود لكم نحلاً، فَلَا تمنعن سَائِلًا محقاً

كَانَ أَو مُبْطلًا، فَإِن كَانَ محقاً فَلَا تحرموه، وَإِن كَانَ مُبْطلًا فقد أذهب خفره، وَصرح الْحيَاء عَن بَصَره فَأَعْطوهُ، وَلَا تماروا عَالما وَلَا جَاهِلا فن الْعَالم يحجكم فيغلبكم، وَإِن الْجَاهِل يلحكم فيغضبكم فَإِذا جَاءَ الْغَضَب كَانَ فِيهِ العطب، وَإِيَّاكُم والفجور بحرم الأقوام، فَإِنَّهُ قَلما انتهك رجل حُرْمَة إِلَّا ابتلى فِي حرمته. وَإِيَّاكُم وَشرب الْخمر، فَإِنَّهَا متلفة لِلْمَالِ، طلابة لما لَا ينَال، وَإِن كَانَ فِيهَا صَلَاح الْبدن، فَإِن فِيهَا مفْسدَة لِلْعَقْلِ. وَإِيَّاكُم وَالِاخْتِلَاف فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَه ائتلاف، وَلَا يكونن لكم جَار السوء جاراً، وَلَا خدن السوء زوارا، وَعَلَيْكُم بصلَة الرَّحِم تكْثر أَمْوَالكُم، وَلَا تقطعوا فتعف من دِيَاركُمْ آثَاركُم، وَإِيَّاكُم وَالْعجز والتواني، فَإِنَّهُمَا يورثان الندامة، ويكثرانالملامة، يَا بني: أَنْتُم مثل شَجَرَة نابتة الْأَركان، ملتفة الأغصان وَلَا تختلفوا فتذبل الأغصان، وتجف الشَّجَرَة، فتكونا أشلاء بِكُل مَكَان. يَا بني، قد أَتَت عَليّ مِائَتي سنة مَا شَتَمْتُ وَلَا شُتِمتُ، وَلَا قلت من لوم: مَاذَا صنعت؟ خُذُوا بوصيتي تسلموا، وَلَا تخالفوا فتندموا. يُقَال إِن أَوْس بن حَارِثَة أَبَا الْأَنْصَار لما حَضرته الْوَفَاة وَلم يكن لَهُ ولد غير مَالك، وَكَانَ لِأَخِيهِ الْخَزْرَج خَمْسَة، قيل لَهُ: كُنَّا نأمرك بِالتَّزْوِيجِ فِي شبابك فَلم تفعل حَتَّى حضرك الْمَوْت، وَلَيْسَ لَك ولد إِلَّا مَالك، فَقَالَ: لم يهْلك هَالك، ترك مثل مَالك، وَإِن كَانَ الْخَزْرَج ذَا عدد، وَلَيْسَ لمَالِك ولد فَلَعَلَّ الَّذِي استخرج العذق من الجريمة، وَالنَّار من الوثيمة أَن يَجْعَل لمَالِك نَسْلًا، ورجالاً بسلاً، وكلنَا إِلَى الْمَوْت، يَا مَالك: الْمنية وَلَا الدنية، والعتاب قبل الْعقَاب، والتجلد وَلَا التبلد، وَاعْلَم أَن الْقَبْر خير من الْفقر وَمن لم يُعْط قَاعِدا منع قَائِما، وَشر شَارِب الشَّرَاب المشتف وأقبح طاعم للطعام المقتف، وَذَهَاب الْبَصَر خير من كثير من النّظر، وَمن كرم الْكَرِيم، الدفاع عَن الْحَرِيم، وَمن قل ذل، وَمن أَمر قل وَخير الْغَنِيّ القناعة، وَشر الْفقر الخضوع: والدهر

صرفان، صرف رخاء، وَصرف بلَاء، وَالْيَوْم يَوْمَانِ: يَوْم لَك وَيَوْم عَلَيْك، فَإِذا كَانَ لَك فَلَا تبطر، وَإِن كَانَ عَلَيْك فاصبر، فكلاهما سينحسر، يُمِيتك المفيت، خير من أَن يُقَال هبيت، وَكَيف بالسلامة لمن لَيست لَهُ إِقَامَة؟ وحياك رَبك وَالسَّلَام. جمع زُرَارَة بن عدس التَّمِيمِي بنيه وَهُوَ يَوْمئِذٍ عشرَة: حَاجِب ولقيط ومعبد وَمَالك ولبيد وعلقمة وَخُزَيْمَة وَسعد وَمَنَاة وَعَمْرو وَالْمُنْذر فَقَالَ: يَا بني: إِنَّكُم أَصْبَحْتُم بَيت تَمِيم، بل بَيت مُضر، يَا بني: مَا هجمت على قوم قطّ من الْعَرَب لَا يعرفونني إِلَّا أجلوني فَإِذا عرفوني ازددت عِنْدهم شرفاً، وَفِي أَعينهم عظما، وَلَا وفدت إِلَى ملك عَرَبِيّ قطّ وَلَا أعجمي إِلَّا آثرني وشفعني، يَا بني: خُذُوا من آدابي، وقفُوا عِنْد أَمْرِي، واحفظوا وصيتي، وموتوا على شريعي، وَإِيَّاكُم أَن تدْخلُوا قَبْرِي حوية أسب بهَا، فوَاللَّه مَا شايعتني نَفسِي على إتْيَان دنية وَلَا عمل بِفَاحِشَة، وَلَا جمعني وعاهرة سقف بَيت قطّ، وَلَا حسنت لنَفْسي الْغدر مُنْذُ شدت يداي إزَارِي، وَلَا فارقني جارٌ لي عَن قلي، وَلَا حَملتنِي نَفسِي عَن هوى يعيبني فِي مُضر، يَا بني: إِن القالة إِلَيْكُم سريعة، والآذان سميعة، فَاتَّقُوا الله فِي اللَّيْل إِذا أظلم، وَفِي النَّهَار إِذا انْتَشَر، يكفكم مَا أهمكم، وَإِيَّاكُم وَشرب الْخمر، فَإِنَّهَا مفْسدَة للعقول، والأجساد، ذهابة بالطارف والتلاد، زوجوا النِّسَاء الْأَكفاء، وَإِلَّا فانتظروا بِهن الْقَضَاء، واذْكُرُوا قومكم إِذا غَابُوا عَنْكُم بِمثل الَّذِي تحبون أَن تَذكرُوا بِهِ، يَا بني: انشروا الْخَيْر تنشروا، واستروا الشَّرّ تستروا، يَا بني: قد أدْركْت سُفْيَان بن مجاشع شَيخا كَبِيرا، فَأَخْبرنِي أَنه قد حَان خُرُوج نَبِي من بني مُضر بِمَكَّة يدعى أَحْمد، يَدْعُو إِلَى الْبر وَالْإِحْسَان، ومحاسن الْأَخْلَاق، فَإِن أدركتموه فَاتَّبعُوهُ لتزدادوا بذلك شرفاً إِلَى شرفكم، وَعزا إِلَى عزكم، يَا بني: وَمَا بَقِي على دين عِيسَى بن مَرْيَم غَيْرِي وَغير أَسد بن خُزَيْمَة. يَا بني: لَوْلَا عجلة لَقِيط إِلَى الْحَرْب، وَالْحَرب لَا يصلحها إِلَّا الرجل المكيث، لقدمته أمامكم، وَهُوَ فَارس مُضر الْحَمْرَاء، فَعَلَيْكُم بحاجب؛ فَإِنَّهُ حَلِيم عِنْد الْغَضَب، جواد عِنْد

الْمطلب، فراج للكرب، ذُو رَأْي لَا ينكش، وزماع لَا يفحش، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا، جنبكم ربكُم الردى. أوصى الفرافصة ابْنَته نائلة حِين زفها إِلَى عُثْمَان فَقَالَ: يَا بنية، إِنَّك تقدمين على نسَاء قُرَيْش، هن أقدر على الطّيب مِنْك، فَلَا تلقبي على خَصْلَتَيْنِ أقولهما لَك: الْكحل وَالْمَاء، تطهري حِين يكون ريح جِلْدك كَأَنَّهُ ريح شن أَصَابَهُ مطر. أوصى يزِيد بن الْمُهلب ابْنه مخلداً حِين اسْتَخْلَفَهُ على جرجان فَقَالَ: يَا بني قد استخلفتك، فَانْظُر هَذَا الْحَيّ من الْيمن، فَكُن مِنْهُم كَمَا قَالَ الشَّاعِر: إِذا كنت مرتاد الرِّجَال لنفعهم ... فرش واصطنع عِنْد الَّذِي بهم ترمي وَانْظُر هَذَا الْحَيّ من ربيعَة فَإِنَّهُم شيعتك وأنصارك، فَاقْض حُقُوقهم، وَانْظُر هَذَا الْحَيّ من تَمِيم، فامطر وَلَا تزه لَهُم، وَلَا تُدْنِهِمْ فيطمعوا، وَلَا تقصهم فينقطعوا عَنْك، وَكن بَين الْمُطِيع وَبَين الْمُدبر، وَانْظُر هَذَا الْحَيّ من قيس، فَإِنَّهُم أكفاء قَوْمك فِي الْجَاهِلِيَّة، ومناصفوهم المنابر فِي الْإِسْلَام، ورضاهم مِنْكُم الْبشر. يَا بني: إِن لأَبِيك صنائع فَلَا تفسدها، فَإِنَّهُ كفى بِالْمَرْءِ من النَّقْص أَن يهدم مَا بنى أَبوهُ، وَإِيَّاك والدماء، فَإِنَّهَا لَا بَقِيَّة بعْدهَا، وَإِيَّاك وَضرب الأبشار فَإِنَّهُ عَار باقٍ، ووتر مَطْلُوب، وَاسْتعْمل على النجدة وَالْفضل دون الْهوى، وَلَا تعزل إِلَّا عِنْد الْعَجز أَو الْخِيَانَة، وَلَا يمنعك من اصطناع الرجل أَن يكون غَيْرك قد سَبَقَك إِلَيْهِ، فَإنَّك إِنَّمَا تصطنع الرِّجَال لنَفسك، ولتكن صنيعتك عِنْد من يكافئك عِنْد العشائر، احْمِلْ النَّاس على أحسن أدبك، يكفوك أنفسهم، وَإِذا كتبت كتابا فَأكْثر النّظر فِيهِ، وَليكن رَسُولك فِيمَا بيني وَبَيْنك، من يفقه عني وعنك، فَإِن كتاب

الرجل مَوضِع عقله، وَرَسُوله مَوضِع سره، واستودعك الله فَإِنَّهُ يَنْبَغِي للْمُودع أَن يسكت، وللمشيع أَن ينْصَرف، وَمَا خف من الْمنطق، وَقل من الْخطْبَة أحب إِلَى أَبِيك. وَأوصى الْمُنْذر بن مَالك البَجلِيّ بنيه وَكَانَ قد أصَاب دِمَاء فِي قومه فلحق ببني هِلَال ابْن عَامر، فَلَمَّا حَضَره الْمَوْت جمع بنيه فَقَالَ: بِاسْمِك اللَّهُمَّ، يَا بني احْفَظُوا أدبي يكفكم وابتغوا وصاتي تلحقوا بِصَالح قومكم، فَإِنِّي لم أكلكم إِلَى أديب حَيّ، وَالْمعْنَى بكم غَائِب عَنْكُم، آثروا مَا يجمل، واقنوا أخياركم، وَأَطيعُوا ذَوي الرَّأْي مِنْكُم، وأجلوا ذَوي أسنانكم، وَلَا تعطوا الدنية، وَإِن كَانَ الصَّبْر على خطة الضيم أبقى لكم، وتناصروا تَكُونُوا حمى، وَإِذا قدمتم على قومكم فلتكن خلتكم وَاحِدَة، وَلَا تسثيروا دَفِين داءٍ لم يدْرك مثله، يقطعوا عَنْكُم النَّار، وتعدموا بقومكم غَيرهم، وَلَا تدبروا أعجاز مَا قد أودت صدوره فتفشلوا، وعفوا عَن الدناءة، ووقروا أهل الْكِفَايَة، وَلَا تواكلوا الرفد والنجدة فتجدي عظتكم، وَاتَّخذُوا لأسراركم من علانيتكم حاجزاً تكفوها، وَلَا تفيلوا الرَّأْي بِالظَّنِّ فيبدع بكم، وأطيلوا الصمت، إِلَّا من حق تسبقوا: والزموا الأناة تقر قدمكم، واغتنموا الفرصة تظفروا، وعجلوا تحمدوا، وَلَا تَأْخُذُوا حبلاً من قَلِيل فَإِن الْقَلِيل ذليل، وخذوا الْحَبل من ذِي الْمرة الكاثر، وشمر لدرك الثأر، ومنعة الْجَار، واظعنوا فِي الشَّهْر الْأَصَم تبلغوا دَار قومكم سَالِمين، واوفوا بالعهد، وَاتَّقوا الْغدر، فشؤم النِّسَاء والغدر أورثاني دَار الغربة. وَأوصى عمر بن يشْكر البَجلِيّ فَقَالَ: يَا بني إِذا غدوتم فكبروا، وَإِذا أرحتم فهجروا، وَإِذا أكلْتُم فأوتروا، وَإِذا شربتم فأسئروا أوتروا، أَي كلوا بِثَلَاث أَصَابِع. أوصى مُصعب بن يشْكر فَقَالَ: يَا بني أوسعوا الحبا، وحلوا الرِّبَا، وَكُونُوا أسى تَكُونُوا حمى.

وَأوصى عَمْرو بن كُلْثُوم التغلبي فَقَالَ: يَا بني إِنِّي قد بلغت من الْهَرم مَا لم يبلغهُ أحد من آبَائِي إِلَّا جدي: تِلْكَ الرجل كَانَ ملك جده فَسُمي الرجلُ لكماله، وَلَا بُد من أَمر مقتبل، وَأَن ينزل بِي مَا نزل بِالْآبَاءِ والأجداد والأمهاتِ والأولادِ، وَإِنِّي وَالله مَا عيرت رجلا قطّ بِشَيْء إِلَّا وعيرني بِمثلِهِ، وَإِن حَقًا فحقاً، وَإِن كَانَ بَاطِلا فباطلاً، من سبّ يسب، فكفوا عَن الشتم، فَإِنَّهُ أسلم لأعراضكم، وصلوا أَرْحَامكُم، تعمر داركم، وأكرموا جاركم، يحسن ثناؤكم، وزوجوا بَنَات الْعم بني الْعم، فَإِن تعديتم بِهن إِلَى الغرباء، فَلَا تألوا بِهن عَن الْأَكفاء، وابعدوا بيُوت الرِّجَال عَن النِّسَاء، فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ، وأعف للذّكر، فَإِذا كَانَت المعاينة واللقاء، فَفِي ذَلِك داءٌ من الأدواء، وَلَا خير فِيمَن لَا يغار لغيره، كَمَا يغار لنَفسِهِ، وَقل من انتهك حُرْمَة لغيره، إِلَّا انتهكت مِنْهُ حرمته، وامنعوا ضيم الْغَرِيب من الْقَرِيب، فَإنَّك تذل على قريبك وَلَا يجمل بك ذل غريبك، فَإِذا تنازعتم فِي الدِّمَاء، فَلَا يكونن حقكم اللِّقَاء، وَرب رجل خير من ألف، وود خير من خلف، وَإِذا حدثتم فعوا، وَإِذا حدثتم فأوجزوا، فَإِن مَعَ الْإِكْثَار يكون الإهذار، وَمَوْت عَاجل خير من ضنى آجل، وَمَا بَكَيْت من زمَان إِلَّا دهاني بعده زمَان، وَرُبمَا شجاني من لم يكن أمره عناني، وَلَا عجبت من أحدوثة إِلَّا رَأَيْت بعْدهَا أعجوبة، وَاعْلَمُوا أَن أَشْجَع الْقَوْم العطوف، كَمَا أَن أكْرم الحتوف قتل بِالسُّيُوفِ، وَلَا خير فِيمَن لَا روية لَهُ عِنْد الْغَضَب، وَلَا من إِذا عوتب لم يعتب، وَمن النَّاس من لَا يُرْجَى خَيره، وَلَا يخَاف شَره، فبكؤه خير من دره، وعقوقه خير من بره، وَلَا تَبْرَحُوا فِي حبكم، فَإِنَّهُ من برح فِي حب، آل ذَلِك إِلَى قَبِيح البغض، وَكم من قد زارني وزرته، فَانْقَلَبَ الدَّهْر بِنَا فبرته، وَقل مَا رَأَيْت غَضبا إِلَّا فترته أكتسب بغضاً، وَاعْلَمُوا أَن الْحَلِيم سليم، وَأَن السَّفِيه كليم، إِنِّي لم أمت، وَلَكِنِّي هرمت، ودخلتني ذلة فسكنت، وَضعف قلبِي فأهترت سلمكم ربكُم وحياكم. أوصى تَمِيم بن مر فَقَالَ: يَا بني عَلَيْكُم بِلَا، فَإِنَّهَا ترفع للحنين وَإِيَّاكُم وَنعم، فَإِنَّهَا رجا للمين، وَعَلَيْكُم بِالْمَسْأَلَة، فَإِنَّهُ است الْمَسْئُول أضيق، وَلَا تحقروا الْيَسِير أَن تأخذوه، فَإِن الْيَسِير إِلَى الْيَسِير كثير، واستعيروا وَلَا تعيروا، واظهروا للنَّاس من الْحَاجة لكَي لَا تسألوا فتمنعوا فَتكون استاهم هِيَ الضيقة، وَإِن

وعدتم النَّاس شَيْئا فأكرموهم، وأمطلوهم، فَإِن الَّذِي يصدق فِي الْموعد وَإِن مطل وَهُوَ مقل، يكون حرياً بالنجح فِي الْموعد، إِذا أمكنته الْمقدرَة، وابدأوا النَّاس بِالشَّرِّ يرد عَنْكُم الشَّرّ، وَإِيَّاكُم والوهن فيجرأوا عَلَيْكُم، وَلَا تشتطوا فِي مُهُور النِّسَاء، فَإِن ذَلِك أكسد لأياماكم، جمع الله لكم أَمركُم. وَأوصى قيس بن عَاصِم فَقَالَ: يَا بني خُذُوا عني فَلَا أحد أنصح لكم مني، إِذا دفنتموني فانصرفوا إِلَى رحالكُمْ، فسودوا أكبركم، فَإِن الْقَوْم إِذا سودوا أكبرهم، خلفوا آبَاءَهُم وَلَا تسودوا أصغركم فَإِن الْقَوْم إِذا سودوا أَصْغَرهم أزرى ذَلِك بهم فِي أكفائهم، وَإِيَّاكُم ومعصية الله، وَقَطِيعَة الرَّحِم، وتمسكوا بِطَاعَة أمرائكم، فَإِنَّهُم من رفعوا ارْتَفع، وَمن وضعُوا اتضع، وَعَلَيْكُم بِهَذَا المَال، فاستصلحوه فَإِنَّهُ منبهة للكريم، واستغناء عَن اللَّئِيم، وَإِيَّاكُم وَالْمَسْأَلَة فَإِنَّهَا أخر كسب الرجل، فَإِن أحدا لم يسْأَل إِلَّا ترك كَسبه، وَإِيَّاكُم والنياحة فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنْهِي عَنْهَا، وادفنوني فِي ثِيَابِي الَّتِي كنت أُصَلِّي فِيهَا وَأَصُوم، وَلَا يعلم بكر بن وَائِل بمدفني فَإِنِّي كنت أعاديهم فِي الْجَاهِلِيَّة، وبيننا وَبينهمْ خماشات، فَأَخَاف أَن يدخلوها عَلَيْكُم فيعيبوا عَلَيْكُم دينكُمْ، وخذوا بِثَلَاث خِصَال: إيَّاكُمْ وكل عرق لئيم أَن تلابسوه، فَإِنَّهُ إِن يسرركم يَوْمًا، فَسَوف يسؤكم يَوْمًا، واكظموا الغيظ، واحذروا بني أَعدَاء آبائكم، فَإِنَّهُم على منهاج آبَائِهِم لآبائكم. ثمَّ قَالَ: أَحْيَا الضغائن آبَاء لنا هَلَكُوا ... فَلَنْ تبيد وللآباء أَبنَاء قَالَ الْكَلْبِيّ: فنحل هَذَا الْبَيْت سَابِقًا الْبَرْبَرِي، فعيسى أول من قَالَه. وَأوصى وَكِيع بن حسان بن أبي سود فَقَالَ: يَا بني إِن أبي وَالله مَا ورثني إِلَّا بدعا سحقاً ورمحاً خطيا، وَمَا ورثني دِينَارا وَلَا درهما، وَقد جمعت لكم هَذَا المَال الَّذِي ترَوْنَ من حلّه وَحَرَامه وَإِيَّاكُم إِذا مت أَن تَأْتيكُمْ هَذَا الباعة من أهل

الْأَسْوَاق، فَيَقُولُونَ: لنا على أبيكم دين، يَا بني، إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغْفر لي، فوَاللَّه مَا ديني فِي ذُنُوبِي إِلَّا كشعرة بَيْضَاء فِي ثَوْر أسود، وَإِن كَانَ لَا يُرِيد أَن يغْفر لي، فوَاللَّه مَا ديني فِي تِلْكَ الذُّنُوب إِلَّا كحصاة رمي بهَا فِي بَحر، شدوا أَيْدِيكُم على مالكم، واحفظوه وَلَا تقضوا عني شَيْئا، ثمَّ مَاتَ. وَأوصى عَامر بن صعصعة فَقَالَ: يَا بني جودوا على النَّاس وَلَا تسألوهم، وتهضموا عَدوكُمْ، وَلَا تستذلن جاركم. وَأوصى أبجر بن جَابر الْعجلِيّ ابْنه حجاراً حِين أَرَادَ الْإِسْلَام فَقَالَ لَهُ: إِن كَانَ لَا بُد لَك من الْإِسْلَام، فاحفظ عني ثَلَاثًا: انْزِلْ من هَذَا السُّلْطَان بِحَيْثُ أنزلك، فَإِنَّهُ إِن يُقَال لَك تقدم قدامك، خير لَك من أَن يُقَال لَك تَأَخّر وَرَاءَك. واستكثر من الصّديق، فَإِن الْعَدو كثير، وَإِيَّاك والخطب فَإِنَّهَا نشوارٌ، كثير العثار.

الباب التاسع في اسامي افراس العرب

الْبَاب التَّاسِع فِي أسامي أَفْرَاس الْعَرَب نذْكر أَولا أسامي أَفْرَاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نتبهعا بِذكر سَائِر الأفراس الْمَعْرُوفَة. يُقَال إِن أول فرسٍ ملكه عَلَيْهِ السَّلَام فرس ابتاعه بِالْمَدِينَةِ من رجل من بني فَزَارَة بِعشر أوراق، وَكَانَ اسْمه عِنْد الْأَعرَابِي الضرس فَسَماهُ عَلَيْهِ السَّلَام السكب وَكَانَ لَهُ فرس يدعى المرتجز، وَكَانَ لَهُ لزاز الظرب واللحيف وَقيل لِحَاف، واليعسوب. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَن أول من اتخذ الْخَيل وركبها إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَقَالُوا: كَانَ دَاوُد يُحِبهَا حبا شَدِيدا وَجمع ألف فرس، فَلَمَّا ورثهَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: " مَا ورثني دَاوُد مَالا أحب إِلَيّ من هَذِه الْخَيل " وضمرها وصنعها. فَمن الأفراس الْقَدِيمَة: زَاد الركب: قَالُوا: إِن قوما من الأزد من أهل عمان، قدمُوا على سُلَيْمَان بعد تزَوجه بلقيس ملكة سبأ، فَأَعْطَاهُمْ هَذَا الْفرس وانتشرت الْخَيل مِنْهُ فِي الْعَرَب. الهجيسي: كَانَ لبني تغلب، استطرقوا الأزد لما سمعُوا بِذكر زَاد فنتج لَهُم الهجيسي. الديناري:

لبني عَامر، استطرقوا من بكر بن وَائِل فنتجوه عَن الهجيسي. أَعْوَج: استطرقوها على سبل وَكَانَت أَجود مَا أدْرك وَأمّهَا سوَادَة قسَامَة وَكَانَ فياض وقسامة لبني جعدة، وَيَزْعُم أَن فياض من حوشية وبار، وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ أَعْوَج بني هِلَال من بَنَات زَاد الركب هُوَ أكْرم من ذَلِك، هُوَ من بَنَات حوشية وبار. وَإِنَّمَا أَعْوَج الَّذِي كَانَ ابْن الديناري فرس لبهراء سمي باسم أَعْوَج، فَأَما أَعْوَج الْأَكْبَر فَإِن أمه سبل من حوشية وبار. ذُو العقال: لبني ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع هُوَ ابْن أَعْوَج بن ديناري. الْورْد: فرس حَمْزَة بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ من بَنَات ذِي العقال وَمِنْه يَقُول لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا سلَاح وَورد ... قارح من بَنَات ذِي العقال الْغُرَاب والوجيه ولاح وَالْمذهب ومكتوم: هَذِه جَمِيعًا لَغَنِيّ بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان فِيهَا يَقُول طفيل الغنوي: بَنَات الْغُرَاب والوجيه ولاحقٍ ... وأعوج تنمي نِسْبَة المنتسب وَقَالَ: دقاقٌ كأمثال السراحين ضمرٌ ... ذخائر مَا أبقى الغرابُ ومذهبُ أبوهن مكتومٌ وأعوجُ أنجبا ... وراداً وحواً لَيْسَ فِيهِنَّ مغربُ

جلوى: كَانَت لبني ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع أم داحس وَهُوَ ابْن ذِي العقال. الغبراء: كَانَت لقيس بن زُهَيْر، وَهِي خَالَة داحس وَأُخْته لِأَبِيهِ. الحنفاء: أُخْت داحس لِأَبِيهِ من ولد ذِي العقال لِحُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ. قسام: لبني جعدة بن كَعْب، فِيهِ يَقُول الْجَعْدِي: أغر قسامي كميتٌ محجلٌ ... خلا يَده الْيُمْنَى فتحجيله خسا فياض وسوادة أم سبل: لبني جعدة. فِيهَا يَقُول النَّابِغَة الْجَعْدِي: وعناجيج جيادٌ نجبٌ ... نجل فياضٍ وَمن آل سبل الْحمالَة والقريط: لبني سليم. فِيهَا يَقُول الْعَبَّاس بن مرداس: ابْن الْحمالَة والقريط فقد ... أنجبت من أم وَمن فَحل اللطيم: فرس ربيعَة بن مكدم. مصادٌ: فرس ابْن غادية الْخُزَاعِيّ وَلها يَقُول: صبرت مصاداً إزاء اللطي ... م حَتَّى كَأَنَّهُمَا فِي قرن

ويزعمون أَن ابْن غادية هُوَ الَّذِي قتل ربيعَة بن مكدم يَوْم الكديد وَأَنه كَانَ حليفاً لبني سليم، وَنسب النَّاس قَتله إِلَى نُبَيْشَة بن حبيب السّلمِيّ. الأجدل: فرس أبي ذَر الْغِفَارِيّ. اليعسوب: فرس الزبير بن الْعَوام، من نتاج بني أَسد من نَبَات العسجدي والعسجدي من نسل الحرون. ذُو اللمة. فرس عكاشة بن مُحصن الْأَسدي وَرُوِيَ أَنه كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد عكاشة. ثادق: لبَعض بني أَسد فِيهِ يَقُول: وباتت تلوم عَليّ ثادقٍ ... ليشرى فقد جد عصيانها العسجدي: لبني أَسد، من بَنَات زَاد الركب، وَكَانَ من نتاج الديناري. لَاحق الْأَصْغَر: من بَنَات لَاحق الْأَكْبَر. زرة: للجميح بن مُنْقد الْأَسدي وَفِيه يَقُول: رميتهم بزْرَة إِذا تواصوا ... وَسَار بنحرها أسل الرماح حزمة: لحنظلة بن فاتك الْأَسدي وَلها يَقُول: جزتني أمس حزمة سعى صدقٍ ... وَمَا أقفيتها دون الْعِيَال الْحمالَة الصُّغْرَى: لطليحة بن خويلد الْأَسدي وَلها يَقُول:

نصبت لَهُم صدر الْحمالَة إِنَّهَا ... معاودةٌ قيل الكماة: نزال {وَمن خيل بني أَسد: الظليم وظبية ومعروف ومنيحة وناصح. ولبني تَمِيم: الشوهاء: فرس حَاجِب بن زُرَارَة وَلها يَقُول بشر بن أبي خازم. وأفلت حَاجِب تَحت العوالي ... على شوهاء تركع فِي الظراب الحشاء: فرس عَمْرو بن عَمْرو وَكَانَت خُنْثَى وَلها يَقُول جرير: كَأَنَّك لم تشهد لقيطاً وحاجباً ... وَعَمْرو بن عَمْرو إِذْ دَعَا: يال دارم} وَلَوْلَا مدى الحشا وَبعد جرائها ... لقاظ قصير الخطو دامي المراغم ويروى: وَلَا مدى الْخُنْثَى. الرَّقِيب: فرس الزبْرِقَان بن بدر وَهُوَ السَّعْدِيّ. لَهُ يَقُول: أقفي الرَّقِيب أداويه وأصنعه ... عاري النواهق لَا جافٍ وَلَا قفرٌ النباك وحلاب وأثال: لبني حَنْظَلَة، والشيط: من خيل ضبة. والعرادة: فرس كلحية الْيَرْبُوعي وفيهَا يَقُول: تسائلني بَنو جشم بن بكر ... أغراء العرادة أم بهيم؟ هِيَ الْفرس الَّتِي كرت عَلَيْكُم ... عَلَيْهَا الشَّيْخ كالأسد الظليم

يُرِيد الَّذِي يشد فِي الظلام. الْعباب: فرس مَالك بن نُوَيْرَة. وَفِيه يَقُول: تدارك إرخاء الْعباب ومره ... لبون ابْن حبي وَهُوَ أسفان كامد لَازم: فرس سحيم بن وثيل الْيَرْبُوعي، وَفِيه يَقُول ابْنه جَابر: أَقُول لأهل الشّعب إِذْ يسرونني ... ألم تعلمُوا أَنِّي ابْن فَارس لَازم؟ كَامِل: فرس زيد الفوارس الضَّبِّيّ وَفِيه يَقُول العائف الضَّبِّيّ: يَرْمِي بغرة كاملٍ وبنحره ... خطر النُّفُوس وَأي حِين خطار! ذَات الْعَجم، وَذُو الوشوم، ووحفة، وذر الْوُقُوف كلهَا لبني تَمِيم. مبدوعٌ: لِلْحَارِثِ بن ضرار الضَّبِّيّ وَله يَقُول: تشكي الْغَزْو مبدوعٌ وأضحى ... كأشلاء اللجام بِهِ كدوح االجون: لمتمم بن نُوَيْرَة الْيَرْبُوعي وَله يَقُول مَالك أَخُوهُ: وَلَوْلَا داوئي الجون قاظ متمم ... بِأَرْض الخزامي وَهُوَ للذل عَارِف الغراف والسميدع: للبراء بن قيس بن عتاب، وَفِيه يَقُول:

فَإِن يَك عرافٌ تبدل فَارِسًا ... سواي، فقد بدلت مِنْهُ السميدعا المكسر: لعتيبة بن الْحَارِث بن شهَاب وَله يَقُول مَالك بن نُوَيْرَة: وَلَو زهم الأصلاب منا لزاحمت ... عتيبة، إِذْ دمى جبين المكسر شولة: لزيد الفوارس. قصرت لَهُ من صدر شولة إِنَّمَا ... يُنجي من الكرب الكمي المناجد النحام: لسليك بن السلكة وَفِيه يَقُول: كَأَن حوافر النحام لما ... تروح صحبتي أصلا محار المزنوق: لعامر بن الطُّفَيْل وَله يَقُول يَوْم فيف الرّيح، يَوْم فقئت عينه: لقد علم المزنوق أَنِّي أكره ... على جمعهم كرّ المنيح المشهر؟ حذقة: فرس خَالِد بن جَعْفَر وَعَلَيْهَا قتل زُهَيْر بن جذيمة وفيهَا يَقُول: أريغوني إراغتكم فَإِنِّي ... وحذفة كالشجا تَحت الوريد جروة:

لشداد أبي عنترة وَلها يَقُول: فَمن يَك سَائِلًا عني فَإِنِّي ... وجروة لَا تبَاع وَلَا تعار الأبجر: لعنترة وَله يَقُول: لَا تعجلِي، أشدد حزَام الأبجر ... إِنِّي إِذا الْمَوْت دنا لم أضجر الأدهم وَابْن النعامة أَيْضا لعنترة. وَفِي الأدهم يَقُول: يدعوني عنتر، والرماح كَأَنَّهَا ... أشطان بئرٍ فِي لبان الأدهم وَفِي ابْن النعامة: وَيكون مركبك القلوص وَرجله ... وَابْن النعامة يَوْم ذَلِك مركبي وجزة: ليزِيد بِهِ سِنَان بن أبي حَارِثَة. محاج: لمَالِك بن عَوْف النصري وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَدعِي الْأسد الرهيض، وَله يَقُول يَوْم حنين: اقدم محاج إِنَّه يَوْم نكر مثلي على مثلك يحمي ويكر العبيد: فرس الْعَبَّاس بن مرداس الَّذِي يَقُول فِيهِ:

اتجعل نَهْبي وَنهب العبي ... د بَين عُيَيْنَة والأقرع صوبة والصموت: للْعَبَّاس مرداس الَّذِي يَقُول فِيهِ: أَعدَدْت صوبة والصموت ومارنا ... ومفاضة للروع كالسحل الْبَيْضَاء، وقصاف، وزرة، وَالْمصْبح، وزامل، والصيود، وقرزل، والقويس وَسلم: كلهَا لقيٍس. خصاف: لِسُفْيَان بن ربيعَة الْبَاهِلِيّ، وَعَلَيْهَا قتل قولا الْمَرْزُبَان وَضرب بِهِ الْمثل فَقيل: أجرأ من فَارس خصاف. مياس: لشقيق بن جُزْء الْبَاهِلِيّ. السلس: لمهلهل، وَلما قَالَ الْحَارِث بن عباد: قرباً مربط النعامة مني ... لقحت حَرْب وَائِل عَن حِيَال فَقَالَ مهلهل: اركب نعَامَة إِن ... ي رَاكب الساس زيم: للأخنس بن شهَاب التغلبي وَلها يَقُول: هَذَا أَوَان الشد، فاشتدي زيم. الْمُنْكَدر وخميرة والنباك لبني تغلب. العنز: لأبي عفراء بن سِنَان الْمحَاربي، محَارب عبد الْقَيْس وَلها يَقُول:

دلفت لَهَا بصدر العنز لما ... تحامتها الفوارس وَالرِّجَال هراوة، الأعزاب: لعبد الْقَيْس وَلها يَقُول لبيد: تهدي أوائلهن كل طمرةٍ ... جرداء مثل هراوة الأعزاب وَكَانُوا يعطونها العزب مِنْهُم، فيغير عَلَيْهَا، حَتَّى إِذا تأهل أعطوها العزب الآخر. الجون: وَفرس امْرِئ الْقَيْس بن حجر وَله يَقُول: ظللت وظل الجون عِنْدِي مسرجا ... كَأَنِّي أعدي عَن جنَاح قبيض اليحموم: فرس النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَفِيه يَقُول الْأَعْشَى: وَيَأْمُر لليحموم كل عَشِيَّة ... بقت وتعليقٍ، فقد كَاد يستق العطاف: فرس عَمْرو بن معدي كرب. وَله يَقُول: يختب بِي العطاف حول بُيُوتهم ... لَيست عداوتنا كبرق الخلب الهطال: لزيد الْخَيل وَفِيه يَقُول: أقرب مربط الهطال إِنِّي ... أرى حَربًا تلقح عَن حِيَال العطاس:

لعبد الله بن عبد المدان الْحَارِثِيّ وَيَقُول فِيهِ: يخب بِي العطاس رَافع طرفه ... لَهُ ذمراتٌ فِي الْخَمِيس العرمرم الْعَصَا: لجذيمة الأبرش، وَهِي بنت العصية لإياد وَلها قيل: الْعَصَا من العصية وَقيل أَيْضا: يَا ضل مَا تجْرِي بِهِ الْعَصَا، وَيُقَال: إِن قَصِيرا ركبهَا لما صَار جذيمة فِي بِلَاد الرّوم، فركضها فَذكر أَنَّهَا لم تقف إِلَّا على رَأس ثَلَاثِينَ ميلًا، ثمَّ وقفت وبالت، فَبنى على ذَلِك الْموضع برج، فَسُمي برج الْعَصَا. وفيهَا يَقُول عدي: فخبرت الْعَصَا الأنباء عَنهُ ... وَلم أر مثل فارسها هجينا الضبيب: لحسان بن حَنْظَلَة الطَّائِي، حمل عَلَيْهِ كسْرَى حِين انهزم من بهْرَام جوبين فنجا، فَقَالَ حسان بن حَنْظَلَة: تلاقيت كسْرَى أَن يضام وَلم أكن ... لأتركه فِي الْخَيل يعثر رَاجِلا بذلت لَهُ ظهر الضبيب وَقد بَدَت ... مسومةٌ من خيل ترك وكابلا البريت: فرس إِيَاس بن قبيصَة الطَّائِي، وَله يَقُول حَارِثَة بن أَوْس الْكَلْبِيّ. كَأَن استه إِذْ أخطأته رماحنا ... وَفَاتَ البريت لبده يتصبب ذنابي حباري أَخطَأ الصَّقْر رَأسهَا ... فجادت بمكنون من السلح يثعب حومل: لحارثة بن أَوْس الْكَلْبِيّ وَله يَقُول: لَوْلَا جرى حومل يَوْم عذرٍ ... لمزقني وَإِيَّاهَا السِّلَاح

القريط، ونحلة، وساهم: لكندة. وفيهَا يَقُول امْرُؤ الْقَيْس بن عَابس الْكِنْدِيّ: أَرْبَاب نحلة والقريط وساهم ... إِنِّي هُنَالك آلف مألوف مَرْدُود: لرجل من غَسَّان وفيهَا يَقُول ربيعَة بن مقروم الضَّبِّيّ: وَفَارِس مَرْدُود أشاطت رماحنا: وأجزرن مسعوداً ضباعاً وأذؤبا. الضبيح: لخوات بن جُبَير وَفِيه يَقُول يَوْم هوَازن: وعَلى الضبيح صرعت أول فَارس ... أولى فَأولى، يَا بني لحيان الورهاء: فرس قَتَادَة. وَلها يَقُول مَالك بن خَالِد بن الشريد. وأفلتنا قَتَادَة يَوْم ترج ... على الورهاء تطعن فِي الْعَنَان كنزة: لمقعد بن شماس الجذامي وَلها يَقُول: أتأمرني بكنزة أم عَمْرو ... لأشريها؟ فَقلت لَهَا ذَرِينِي الْيَسِير: لأبي النَّضِير السَّعْدِيّ، وَله يَقُول: أَلا أبلغ بني سعد رَسُولا ... بِأَنِّي قد سبقت على الْيَسِير فَإِنِّي واليسير إِذا الْتَقَيْنَا ... لكالمتكافئين على الْأُمُور

الجون: لِلْحَارِثِ بن أبي شمر الغساني، وَله يَقُول عَلْقَمَة بن عَبدة: وَأَقْسَمت لَوْلَا فَارس الجون مِنْهُم ... لآبوا خزايا والإياب حبيب؟ ؟ {العرن: لعمير بن جبل البَجلِيّ وَله يَقُول: يَا لَيْت شعري} وليت أهلكت إرما ... هَل يجزيني بِمَا أبليته العرن؟ هوجل: لِرَبِيعَة بن غزالة السكونِي وَله يَقُول: أَيهَا السَّائِل بهوجل إِنِّي ... قَائِل الْحق فاستمع مَا أَقُول: الهداج: للريب بن الشريق السَّعْدِيّ، وَفِيه قتل شقيقٌ وحرمي: شَقِيق وحرمي أراقا دماءنا ... وَفَارِس هداج أشاب النواصيا العارم: لمنذر بن الأعلم الْخَولَانِيّ. وَله يَقُول: جال بِي العارم فِي مأقطٍ ... يعشى وأغشيه صُدُور العوال نِصَاب: للأحوص بن عَمْرو، والقراع لَهُ أَيْضا وَيَقُول فِيهِ: أرمي المقانب بالقراع مُعْتَرضًا ... معاود الْكر مقداماً إِذا نزقا الغزالة: لمحطم بن الأرقم الْخَولَانِيّ وَلها يَقُول: تجول بِي الغزالة فِي مكر ... كريهٍ، مَا يرام بِضعْف قلب {صعدة: لذؤيب بن هِلَال الْخُزَاعِيّ الكاهن وفيهَا يَقُول يَوْم أخذت مِنْهُ: لعمرك إِنِّي يَوْم حانت بجدةٍ ... وصعدة إِذْ لاقيتهم لذليل} النعامة: لقراص الْأَزْدِيّ وَلها يَقُول:

عرضت لَهُم صدر النعامة أذرعا ... وَلم أرج ذكرا، كل نفسٍ أسوقها الْورْد: لمَالِك بن شُرَحْبِيل وَمِنْه يَقُول الأسعر الْجعْفِيّ: كلما قلت إِنَّنِي ألحق الور ... د تمطت بِهِ صبوحٌ ذنُوب ذُو الريش: لأبي هِنْد الْخَولَانِيّ، وَله يَقُول: لعمري لقد أبقت لذِي الريش بالعدى ... مواسم خزيٍ لَيْسَ تبلى مَعَ الدَّهْر الطيار: لأبي ريسان الْخَولَانِيّ وَله يَقُول: لقد فضل الطيار فِي الْخَيل إِنَّه ... يكر إِذا حامت خُيُول وَيحمل ذُو الْعُنُق: لمقداد بن الْأسود الْكِنْدِيّ: الْجنَاح: لمُحَمد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ. العوراء: قيس بن مُعَاوِيَة بن الفاتك، وَكَانَ يعرف بِفَارِس العوراء. الْمُعَلَّى: لأسعر بن أبي حمْرَان الْجعْفِيّ وَفِيه يَقُول: أُرِيد دِمَاء بني مَازِن ... وراق الْمُعَلَّى بَيَاض اللَّبن بهْرَام: للنعمان الْعَتكِي وَله يَقُول: قد جعلنَا بهْرَام للنبل ترسا ... وأجبنا الْمُضَاف حِين دَعَانَا صهبي: للنمر بن تولب العكلي وَلها يَقُول: أيذهب بَاطِلا عدوات صهبي ... وركض الْخَيل تختلج اختلاجاً؟ أطلال: لبكير بن عبد الله بن الشداخ اللَّيْثِيّ وَشهد مَعَ سعد الْقَادِسِيَّة وَيُقَال: إِنَّه لما قطعُوا الجسر الَّذِي على نهر الْقَادِسِيَّة صَاح بهَا وَقَالَ: أطلال فاجتمعت وَوَثَبْت فَإِذا هِيَ من وَرَاء النَّهر وَهزمَ الله بِهِ الْمُشْركين يَوْمئِذٍ، فَيُقَال إِن عرض ذَلِك النَّهر يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ ذِرَاعا فَقَالَت الْأَعَاجِم: هَذَا أَمر من السَّمَاء.

وَقَالَ فِيهِ الشَّاعِر: لقد غَابَ من خيل بموقان أحجمت ... بكير بن عبد الله فَارس أطلال الحليل: فرس مقسم بن كثير الأصبحي وَله يَقُول: لَيْت الفتاة الأصبحية أَبْصرت ... صَبر الحليل على الطَّرِيق اللاحب الْعُصْفُرِي: لمُحَمد بن يُوسُف أخي الْحجَّاج وَكَانَ من ولد الحرون الصَّرِيح وثادق والغمامة وَقيد، كَانَت لملوك أَبنَاء الْمُنْذر وَلها يَقُول أَبُو داؤد الْإِيَادِي: نجل الغمامة والصريح وثادق ... وَبَنَات قيدٍ نجل كل جواد الشُّعُور: للحبطات وفيهَا يَقُول بَعضهم: فَإِنِّي لن يفارقني مشيحٌ ... نزيع بَين أَعْوَج والشعور خباس وناعق: لبني فقيم، وفيهَا يَقُول دكنين بن رَجَاء الْفُقيْمِي: بَين الخباسيات والأوافق ... وَبَين آل سَاطِع وناعق والأعوجيات وَآل لَاحق رعشن: لمراد وَفِيه قيل: وخيل قد وزعت برعشني ... شَدِيد الْأسر يَسْتَوْفِي الحزاما الصغا: لمجاشع بن مَسْعُود السّلمِيّ: وَكَانَت من نجل الغبراء اشْتَرَاهَا عمر بن الْخطاب بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم، ثمَّ غزا مجاشع، فَقَالَ عمر: تحبس هَذِه بِالْمَدِينَةِ وصاحبها فِي نحر الْعَدو وَهُوَ إِلَيْهَا أحْوج؟ فَردهَا إِلَيْهِ، فنجبت عِنْده وَلَده حَتَّى بعث الْحجَّاج بن يُوسُف فَأَخذهَا بِعَينهَا. القتادي والترياق: للخزرج فِي الْإِسْلَام، وَلَهُمَا يَقُول إِبْرَاهِيم بن بشير

الْأنْصَارِيّ: بَين القتادي والترياق نسبتها ... جرداء معروقة اللحيين سرحوب الحرون: لمُسلم بن عَمْرو الْبَاهِلِيّ اشْتَرَاهُ من رجل من بني هِلَال من نتاجهم وَهُوَ الحرون ابْن الخزز، وَكَانَ مُسلم تزايد هُوَ والمهلب بن أبي صفرَة، على الحرون حَتَّى بلغا بِهِ ألف دِينَار وَكَانَ مُسلم أبْصر النَّاس بفرس،، وصنعة لَهُ، إِنَّمَا كَانَ يلقب بالسائس من بَصَره بِالْخَيْلِ فَلَمَّا بلغ ألف دِينَار، وَقد كَانَ الْفرس أَصَابَهُ مغلة فلصق خاصرتاه، وَكَانَ صَاحبه يبرأ من حرانه، فَقَالَ الْمُهلب: فرس حرونٌ مخطفٌ بِأَلف دِينَار! قيل لَهُ: إِنَّه ابْن عوج. قَالَ: لَو كَانَ أَعْوَج نَفسه على هَذِه الْحَالة مَا سَاوَى هَذَا الثّمن. فَاشْتَرَاهُ مُسلم. ثمَّ أَمر بِهِ فعطش عطشاً شَدِيدا، وَأمر بِالْمَاءِ، فبرد فَشرب مِنْهُ حَتَّى امْتَلَأَ، ثمَّ أَمر رجلا فَرَكبهُ، وركضه حَتَّى ملأَهُ ربواً، فَرَجَعت خاصرتاه، وَسبق النَّاس دهراً، لَا يتَعَلَّق بِهِ فرس، ثمَّ افتحله فَلم ينجل إِلَّا سَابِقًا. وَلَيْسَ فِي الأَرْض جوادٌ من لدن زمن يزِيد بن مُعَاوِيَة ينْسب إِلَّا إِلَى الحرون. نتج البطين والبطان بن البطين، - لم ير مثلهمَا قطّ - والقتادي، وَكَانَت ترسل الْخَيل فيجئ السَّابِق لمُسلم ثمَّ الْمُصَلِّي، ثمَّ توالى لَهُ عشرُون فرسا لَيْسَ لأحد فِيهَا شَيْء، فَلَمَّا مَاتَ مُسلم وَورد الْحجَّاج أَخذ البطين من قُتَيْبَة بن مُسلم، فَبعث بِهِ إِلَى عبد الْملك فوهبه لِابْنِهِ الْوَلِيد، فَسبق النَّاس ثمَّ استفحله فَهُوَ أَبُو الذائد، والذائد أَبُو أشقر مَرْوَان. جلوى: لعبد الرَّحْمَن بن مُسلم هِيَ بنت الحرون لصلبه، وَمن ولد الحرون. مناهب: لبني يَرْبُوع. الضَّيْف: لبني تغلب. حميل: لبني عجل. والبواب: أَخُو الذائد بن البطين. والصاحب: لَغَنِيّ.

والقدح: لَهُم، سبق النَّاس بِالْمَدِينَةِ فِي زمَان عمر بن عبد الْعَزِيز. وغطيف: لعبد الْعَزِيز بن حَاتِم الْبَاهِلِيّ. والعصفري: لمُحَمد بن يُوسُف أخي الْحجَّاج. وَذُو الموتة: لبني سلول اشْتَرَاهُ بشر بن مَرْوَان بِأَلف دِينَار. وَكَانَ بِالْيَمَامَةِ عِنْد الحكم بن عرْعرة فرس يُقَال لَهُ الحموم من نسل الحرون فطلبها مِنْهُ هِشَام بن عبد الْملك، فَقَالَ الحكم: إِن لَهَا حَقًا وصحبةً، وَمَا تطيب نَفسِي عَنْهَا، وَلَكِنِّي أهب لأمير الْمُؤمنِينَ ابْنا لَهَا، سبق النَّاس عَاما أول، وَإنَّهُ لرابض: قَالَ: فَضَحِك الْقَوْم فَقَالَ: وَمَا يُضْحِككُمْ؟ أرسلتها عَاما أول بجو فِي حلبة ربيعَة وَأَنَّهَا لعقوق بِهِ، قد ربض فِي بَطنهَا، فسبقت، فَبعث بِهِ إِلَى هِشَام، فَسبق النَّاس وَمَا أثغر وَإِنَّمَا قَالَ وَهُوَ رابض، لِأَن الْوَلَد لَا يربض فِي بطن الْفرس إِلَّا بعد عشرَة أشهر فَأَرَادَ أَنَّهَا سبقت وَهِي مثقل. الْكُمَيْت، وَرِيش، وذؤاب: لبني المعجب بن سُفْيَان. يَقُول: فِيهَا المرقال: ورثت عَن رب الْكُمَيْت منصبا ... ورثت ريشاً وورثت ذؤابا وَمن سوابق أهل الشَّام من الخارجية، الَّتِي لَا يعرف لَهَا نسب، فرسا عباد بن زِيَاد القطراني، والأعرابي وَمِنْه يَقُول التَّمِيمِي: قدنا من الشَّام إِلَى الْبلدَانِ ... بَنَات الْأَعرَابِي كالعقبان وَفِيمَا تقدم ذكره عدَّة من حر الأفراس، لم ننسبها إِلَى أَرْبَابهَا ونذكرها الْآن فَمن خيل بني أَسد: ظَبْيَة، ومعروف، والمنيحة وناصح. وَأما ظَبْيَة فلهراش وَلها يَقُول: ظننتم أَن ظَبْيَة لن تُؤدِّي ... وَرَأى السوء يزري باللئام ومعروف، لسَلمَة بن هِنْد الغاضري وَله يَقُول:

أكفئ مَعْرُوفا عَلَيْهِم كَأَنَّهُ ... إِذا أَزور من وَقع الأسنة أحرد والمنيحة: فرس دثار بن فقعس الْأَسدي وَلها يَقُول: قرباً مربط المنيحة مني ... شهت الْحَرْب للصَّلَاة سعارا وناصح لفضالة بن هِنْد بن شريك، وَله يَقُول: أناصح شمر للرهان فَإِنَّهَا ... غَدَاة حفاظٍ جمعتها الحلائب أَثَال: لضمرة بن ضَمرَة، وفيهَا يَقُول: وَلَو صادفتني وأثال فِيهَا ... رَأَيْت العَبْد يطعن فِي ذراها والخذواء: للشَّيْطَان بن الحكم الغنوي، وَفِيه يَقُول الطُّفَيْل بن عَوْف: لقد منت الخذواء منا عَلَيْهِم ... وَشَيْطَان إِذْ يدعوكم ويثوب ولبني ضبة الشيط: فرس أنيف بن جبلة الضَّبِّيّ، وَهُوَ جد داحس من قبل أمه فِيمَا يزْعم العبسيون. وَله يَقُول الشَّاعِر: أنيف لقد بخلت بعسب عودٍ ... على جارٍ بضبة مستراد والفينان: فرس قرَابَة بن هقرام الضَّبِّيّ، وَله يَقُول: إِذا الفينان ألحقني بِقوم ... فَلم أقتل، فشل إِذا بناني! وذت الْعَجم: لرجل من بني حَنْظَلَة، وفيهَا يَقُول الزبْرِقَان بن بدر: رزئت أبي وَابْني شريفٍ كليهمَا ... وَفَارِس ذَات الْعَجم تحلو شمائله ذُو الوشوم: لعبد الله بن عداء البرجمي. وَمِنْه يَقُول: أعارض فِي الْحزن عدوا بِرَأْسِهِ ... وَفِي السهل أعلو ذَا الوشوم فاركب وحفة: لعلائة الْحَنْظَلِي وَلها يَقُول: فَمَا زلت أرميهم بوحفة عارضاً ... لَهُم صدرها وحداً أَزْرَق منجل

ذُو الْوُقُوف: لرجل من بني نهشل وَله يَقُول الْأسود بن يعفر: خَالِي ابْن فَارس ذِي الْوُقُوف مطلقٌ ... وَأبي أَبُو أَسمَاء عبد الْأسود ذُو الْخمار: لمَالِك بن نُوَيْرَة، مِنْهُ يَقُول: جزاني دوائي ذُو الْخمار وصنعتي ... على حِين لَا يُقَوي على الْخَيل عالف الشقراء: للرقاد بن الْمُنْذر الضَّبِّيّ وفيهَا يَقُول: إِذا المهرة الشقراء أدْرك ظهرهَا ... فشب الْإِلَه الْحَرْب بَين الْقَبَائِل الْورْد: لاحمر بن جندل بن نهشل وَله يَقُول الشَّاعِر: تجنبتنا بالورد يَوْم رَأَيْتنَا ... يمر كمر الثَّعْلَب المتمطر الْورْد أَيْضا لعامر بن طفيل: وَفِيه قتل يَوْم الرقم. وَلَوْلَا نجاء الْورْد لَا شَيْء غَيره ... وَأمر الْإِلَه لَيْسَ لله غَالب إِذا لسكنت الْعَام نفء ومنعجا ... بِلَاد الأعادي، أَو بكتك الحبائب وجزة: لزيد بن سِنَان بن أبي الحارثة وَلها يَقُول: رميتهم بوجزة إِذْ تواصوا ... وسال بحدها أسل الرماح الْبَيْضَاء: لبحير بن عبد الله بن سَلمَة بن قُشَيْر، وَلها يَقُول: تمطت بِي الْبَيْضَاء بعد اختلاسةٍ ... على دهشٍ، وخلتني لم أكذب قصاف: لزياد بن الْأَشْهب الْقشيرِي. وَلها يَقُول: أَتَانِي بالقصاف وَقَالَ خُذْهُ ... عَلَانيَة فقد برح الخفاء زرة: لمرداس بن أبي عَامر أبي الْعَبَّاس، وفيهَا يَقُول: وَمَا كَانَ تهليلي لدي إِذْ رميتهم ... بزْرَة إِلَّا حاسراً غير معلم المصبح: لعوف بن الكاهن السّلمِيّ، وَله يَقُول:

نصبت لَهُم صدر المصبح بَعْدَمَا ... تدارك ركضٌ مِنْهُم متعاجل زامل: لمرداس بن مُعَاوِيَة السّلمِيّ، وَقيل مُعَاوِيَة بن مرداس أَخُو الْعَبَّاس وَفِيه يَقُول: لعمري لقد أكثرت تَعْرِيض زاملٍ ... لوقع السِّلَاح أَو ليفزع عابرا الصيود: لبني سليم وَمِنْهَا يَقُول عَبَّاس بن مرداس: أَبوهَا للضبيب أَو افتلتها ... ذَوَات السن من آل الصيود العراد: لأبي داؤد الْإِيَادِي واسْمه حَارِثَة بن الْحجَّاج وَلها يَقُول: قرباً مربط العرادة إِن ال ... حَرْب فِيهَا تلاتلٌ وهموم الْحمالَة: لطفيل بن مَالك، ثمَّ صَارَت إِلَى عَامر بن الطُّفَيْل وفيهَا يَقُول سَلمَة بن عَوْف النصري. نجوت بنصل السَّيْف لَا غمد فَوْقه ... وسرج على ظهر الْحمالَة قاتر قرزل: للطفيل بن مَالك أَيْضا، وَيَقُول فِيهِ أَوْس بن حجر: وَالله لَوْلَا قرزل إِذْ نجا ... لَكَانَ مثوى خدك الأخرما القويس: لسَلمَة بن الْحَارِث الْعَبْسِي وَلها يَقُول: عطفت لَهُ صدر القويس وأتقي ... بلين من المزان: أسمر مطرد سلم: لزبان بن سيار الْفَزارِيّ، وَفِيه يَقُول لزيد الْخَيل: مننت فَلَا تكفر بلائي ونعمتي ... وأد كَمَا أداك يَا زيد سلما الْمُنْكَدر: لرجل من بني غنم بن ثَعْلَب، وَله يَقُول المرار: بِبَعِيد قدره ذِي عذرٍ ... صلتانٍ من بناتِ الْمُنْكَدر

خميرة: لشيطان بن مُدْلِج الْجُشَمِي وَلها يَقُول: أَتَتْنِي بهَا تسري خميرة موهناً ... كمسرى الدهيم أَو خميرة أشأم نباك: لمخلد بن شماخ التغلبي وَله يَقُول: فَإِنِّي لن يفارقني نباكٌ ... يرى التَّقْرِيب والتعداء دينا الشموس: ليزِيد بن خذاق وَلها يَقُول: أَلا هَل أَتَاهَا أَن شكة حازمٍ ... عَليّ، وَأَنِّي قد صنعت الشموسا أسامي الأفراس الَّتِي ذَكرنَاهَا ونسبناها إِلَى أَرْبَابهَا أَفْرَاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: السكب، المرتجز، لزاز، الظرب، واللحيف، واليعسوب. الأفراس الْقَدِيمَة: زَاد الركب، الهجيس، الديناري، أَعْوَج، سبل، فياض، قسَامَة، ذُو العقال، جلوى، حمالَة. أَفْرَاس مُضر وَرَبِيعَة: الْورْد، الْغُرَاب، الْوَجِيه، لَاحق، الذَّهَب، مَكْتُوم، داحس، الغبراء، الحنفاء، قسام، فياض، سوَادَة، الْحمالَة، القريط، اللطيم، مصاد الأجدل، اليعسوب، ذُو اللمة، ثادق، العسجدي، لَاحق الْأَصْغَر، زرة، حزمة، الْحمالَة الصُّغْرَى، الظليم، ظَبْيَة، مَعْرُوف، نَاصح، الشوهاء، الْخُنْثَى، الرَّقِيب، النباك، العرادة، حلاب، أَثَال، نشيط، الخذواء، الشيط، الْعباب، لَازم، كَامِل، ذَات الْعَجم، ذُو الوشوم، وحفة، ذُو الْوُقُوف، مبدوع، الجون، الغراف، شولة، النحام، المزنوق، الحذفة، جروة، الأبجر، وجزة، محاج، العبيد، صونة، الصموت، الْبَيْضَاء، قصاف، المصبح، زامل، الصيود، قرزل، القويس، سلم، خصاف، ميأس، السلس، الْيَسِير، العزاج، نِصَاب، الصَّفَا، النعامة، صهباء، أطلال، الشموس، حباس، مناهب، حميل، البواب، الصاحب، الْقدح، الْعُصْفُرِي، ذُو الموتة، الحموم، الْكُمَيْت، رس، ذؤاب، القطراني، الْأَعرَابِي، الفينان، الْمُنْكَدر، الخميرة، النباك، العنز، هراوة الأعزاب، الورهاء، السميدع، الْوَدِيعَة، الشقراء.

أَفْرَاس الْيمن: الجون، اليحموم، العطاف، الهطال، العطاس، الْعَصَا، العصية، الضبيب، البريت، حومل، مريط، نحلة، شاهر، مودود، الضبيح، كنزة، العارم، العرن، مُوكل، هوجل، القزاع، الغزالة، صعدة، الْورْد، ذُو الريش، الطيار، ذُو الْعُنُق، الحشاء، الْمُعَلَّى، بهْرَام، الْخَلِيل، ثادق، الغمامة، مُرِيد، رعشن، القتاري، الترياق، صهبي، الْخَيل. وَمن الأفراس الَّتِي لم تنْسب إِلَى أَرْبَابهَا،: الأتان، الطيار، الربيب، الْعُرْيَان، الصبيح، مَنْدُوب، اليحموم، الظليم، أم غليط، الْيَسَار، الحفار، الخطار، الصموت، غزلاء، المياس، سبْحَة، الضاوي، الْأَصْفَر، الحواء، الْغُرَاب، الوالقي، الْبَقِيَّة، الطريح.

الباب العاشر فيه اسامي سيوف العرب

الْبَاب الْعَاشِر فِيهِ أسامي سيوف الْعَرَب أسياف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: المخذم، ورسوب، وَأصَاب من سلَاح بني قينقاع ثَلَاثَة أسياف مِنْهَا: سيف قلعي، وَسيف يدعى الحنف، وَسيف يدعى يساراً. أسياف عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ: ذُو الفقار كَانَ للعاص بن مُنَبّه السَّهْمِي قَتله عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَوْم بدر وأتى بِسَيْفِهِ فنفله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه، وَفِيه قيل: لَا سيف إِلَّا ذُو الفقار، وَلَا فَتى إِلَّا عَليّ وَرُوِيَ أَنه سمع ذَلِك فِي الْهَوَاء يَوْم أحد، وَرُوِيَ أَن بلقيس أَهْدَت إِلَى سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام سَبْعَة أسياف. ذُو الفقار، وَذُو النُّون، وضرس الْحمار، والكشوح، والصمصامة، وهذاما، ورسوبا. فَأَما ذُو الفقار: فَكَانَ لمنبه بن الْحجَّاج السَّهْمِي، وَأما الصمصامة وَذُو النُّون فَكَانَا لعَمْرو بن معد يكرب، وَأما مخذم ورسوب فَكَانَا لِلْحَارِثِ بن جبلة الغساني شهد بهَا يَوْم حليمة مُظَاهرا بَين درعين مُتَقَلِّدًا لسيفين فَقَالَ عَلْقَمَة بن عَبدة فِيهِ: مظَاهر سربالي حَدِيد عَلَيْهِمَا ... عقيلاً سيوف مخذم ورسوب فقلدهما الْحَارِث صنماً كَانَ لطيء فِي الْجَاهِلِيَّة يُقَال لَهُ الْفلس وَكَانَ أهل

الْجَاهِلِيَّة يقلدون الْأَصْنَام السيوف فَبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا رَضِي الله عَنهُ، فهدم الْفلس وَأخذ السيفين، فَقدم بهما على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل أَن الْحَارِث كَانَ قلدهما مَنَاة. وَسيف حَمْزَة بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ: الليام، وَفِيه قتل يَوْم أحد وَقتل عُثْمَان ابْن أبي طَلْحَة وَمَعَهُ اللِّوَاء. قد ذاق عُثْمَان يَوْم الْحَد بن أحد ... مَعَ الليام، فأودى وَهُوَ مَذْمُوم سيف عبد الْمطلب الَّذِي وَرثهُ عَن أَبِيه العطشان، وَفِيه يَقُول: من خانه سَيْفه فِي يَوْم ملحمةٍ ... فَإِن عطشان لم ينكل وَلم يخن سيف عبد الرَّحْمَن بن عتاب بن أسيد ولول وَفِيه يَقُول: أَنا ابْن عتاب وسيفي ولول ... وَالْمَوْت دون الْجمل المجلل سيف هُبَيْرَة بن أبي وهب المَخْزُومِي الهذلول وَفِيه يَقُول: وَكم من كمى قد سلبت سلاحه ... وغادره الهذلول يكبو مجدلا سيف الْحَارِث بن هِشَام الأخيرش قَالَ فِيهِ: وجنبت خيلي بنحل وَلَا ونت ... وَلَا لمت يَوْم الروع وَقع الأخيرش نحل: مَوضِع بالأردن. سيف عِكْرِمَة بن أبي جهل النزيف، قَالَ يَوْم بدر وَقد قتل ابْن عفراء: وقبلهما أردى النزيف سميدعا ... لَهُ فِي سناء الْمجد بيتٌ منقب

سيف عمر بن مُحَمَّد بن أبي قيس بن عبدود الْملك قَالَ: إِن الْملك لسيف مَا ضربت بِهِ ... يَوْمًا من الدَّهْر إِلَّا جد أَو كسرا سيف ضرار بن الْخطاب الفِهري، السَّحَاب، قَالَ فِيهِ: فَمَا السَّحَاب غَدَاة الْحر من أحدٍ ... بناكل الْحَد إِذْ عَايَنت غسانا سيف عَمْرو بن الْعَاصِ اللج قَالَ فِي بعض حروب الشَّام: أضربهم باللجحتى يجلو الفجلمن مَشى ودج سيف عمر بن سعد بن أبي وَقاص الملاء قيل فِيهِ: تجرد فِيهَا والملاء بكفه ... وأبيض يعشو من ملاوة الْبَصَر سيف خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة الْعُمر قَالَ: قطعت بهَا مستبطنا تَحت ربطتي ... وَفَوق قَمِيص الْعُمر ذَا شطب عضبا سيوف خَالِد بن الْوَلِيد المرسب وَفِيه يَقُول: ضربت بالمرسب رَأس البطريق عَلَوْت مِنْهُ مجمع الفروق الآؤلق وَفِيه يَقُول:

أضربهم بالآولق ضرب غُلَام ممئنقبصارم ذِي رونق والقرطبا: عَلَوْت بالقرطبا رَأس ابْن مَارِيَة ... عَمْرو، فاصبح وسط الْحَرْب مثلولا وَذُو القرط، وَمِنْه يَقُول: وبذي القرط قد قتلت رجلا ... من كهول طماطم وعراب سيف الْمُخْتَار بن أبي عبيد الثَّقَفِيّ، ذُو الرَّاحَة، قَالَ فِيهِ: رب كمي عَاشَ دهراً مصعباً ... بني عَلَيْهِ الْمجد بَيْتا مُرَتبا علاهُ ذُو الرَّاحَة حَتَّى أجلبا ... تركته فِي دَمه مخضبا سيف حَكِيم بن جبلة الْعَبْدي، الْيَابِس، قَالَ فِيهِ يَوْم الْجمل: أضربهم باليابس ضرب غُلَام عَابس سيف الْحَارِث بن ظَالِم ذُو الْحَيَّات، قَالَ: ضربت بِذِي الْحَيَّات مفرق رَأسه ... وَكَانَ سلامي يحتويه الجماجم والمغلوب وَمِنْه يَقُول: أَنا أَبُو ليلى، وسيفي المغلوب سيف قيس بن زُهَيْر الْعَبْسِي، ذُو النُّون، وَمِنْه يَقُول: سيخبر قومه حَنش بن عَمْرو ... إِذا لاقاهم وابنا بِلَال

ويخبره مَكَان النُّون مني ... وَمَا أَعْطيته عرق الْحَلَال سيف عبد الرَّحْمَن بن سراقَة بن جعْشم الْكِنَانِي، المجر، قَالَ فِيهِ: فَأَضْرب فَحلهَا فهوى صَرِيعًا ... وغادره المجر إِلَى ثَلَاثَة سيف عبد الله بن مسبره الجرشِي، المرهف، قَالَ فِيهِ: عَلَوْت بالمرهف الْمَأْثُور هامته ... فَمَا اسْتَجَابَ لداعيه وَقد سمعا سيف عبد الله بن الْحجَّاج التغلبي، القوط، قَالَ: فَمَا ذممت أخي قوطاً فَأَبْغضهُ ... وَلَا نبا نبوة يَوْمًا فيخزيني سيف عَمْرو بن معد يكرب، ذُو النُّون، قَالَ: وَذُو النُّون الصفي، صفي عَمْرو ... وكل وَارِد الغمرات نابي وصمصامة: قَالَ: خليلٌ لم أهبه عَن قلاه ... وَلَكِن الْمَوَاهِب فِي الْكِرَام سِنَان أَزْرَق لَا عيب فِيهَا ... وصمصامي يصمم فِي الْعِظَام سيف عدي بن حَاتِم الأفل وَفِيه يَقُول: إِنِّي لأبذل طارفي وتلادي ... إِلَّا الافل وشكتي والجرولا سيف معقل الْجراح الجو قَالَ: وَرب قرن عَلَوْت مفرقه ... بالجو فِيهِ كشعلة القبس سيف زيد الْخَيل الطَّائِي القرين وَقَالَ فِيهِ: فَمن يَك أَمْسَى لائماً لكميعة ... فَمَعَ القرين مَا نبا بِي وَلَا نكل سيف قيس بن المكشوح الْمرَادِي، الْمُقَوّم، قَالَ: لَيْسَ الْمُقَوّم حِين أخبرهُ ... يَوْم الْحفاظ بِنَا كل الْحَد سيف الأشر اليم قَالَ يَوْم الْجمل:

مَا خائن اليم فِي مآقط ... وَلَا مشهر إِذا شددت الإزارا على أَنه قد نبا نبوة ... فأجمعت النَّفس مِنْهُ حذارا يَعْنِي، حِين ضرب ابْن الزبير على رَأسه فنباً. سيف بجير بن حَارِثَة بن لَام لِسَان الْكَلْب قَالَ فِيهِ: فَإِن لِسَان الْكَلْب مَانع حوزتي ... إِذا حشدت معن وأفناء بحتر سيف زُهَيْر بن جناب الْكَلْبِيّ اليج قَالَ فِيهِ: ضربت قذاله باليج حَتَّى ... سَمِعت السَّيْف قبقب فِي الْعِظَام سيف عرْفجَة بن سَلامَة الْكَلْبِيّ، اللَّيْل، قَالَ: آتِيك سلمى بَاطِلا ... وَاللَّيْل ذُو الغربين كمعي سيف عبد الرَّحْمَن بن سليم الْكَلْبِيّ، عَابس، قَالَ الفرزدق: إِذا مَا تردى عَابِسا فاض سَيْفه ... دِمَاء وَيُعْطى مَاله أَن تبسما سيف عبد الْملك بن الغافل الْخَولَانِيّ، الخطير وَكَانَ سَيْفا عريضاً، أَخْضَر، فِي معزبه فل. فَلَمَّا ولى الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْيمن، اسْتعْمل روق بن عباد بن مُحَمَّد بن كثير ابْن شهَاب الْخَولَانِيّ، على مخلاف خولان فَقَالَ: حَاجَتي الخطير تهبه لي. فوهبه لَهُ. وَقَالَ ابْن شهَاب: وَلَا ابْتغِي بَدَلا بالخطير ... فَكل بديل بِهِ أَعور سيف أبي الْحُسَيْن بن عَمْرو الْكِنْدِيّ القفزن قَالَ: إِنِّي ابْن الحبر، وسيفي القفزن ... أسبره حجر بن عَمْرو بن هوزن سيف قيس بن معد يكرب القلزم قَالَ:

أَنا ابْن وَقاص وسيفي القلزم ... كم من كميٍّ بطلٍ مُسَوَّم تركته يحكو مكاء الْأَعْجَم سيف الْأَشْعَث بن قيس، التمثال. سيف أَبْرَهَة بن الصَّباح الْحِمْيَرِي، الْعمار، مَكْتُوب فِيهِ: أَنا الْعمار، أضْرب بِي، وَلَا تمار سيف ابْن مرْثَد بن عبس، ذِي جدن، مَكْتُوب فِيهِ: أَنا برثن الْأسد، المفرق بَين الْوَالِد وَالْولد. سيوف الْمُنْذر: القحزنات قَالَ الغوي حِين قَتله الْمُنْذر عبيد بن الأبرص الْأَسدي: دَعَا أسدا والقحزنات تنوشه ... وَمن دونه هضب الرجام فالعنق سيف ابْن ذِي يرحم مَكْتُوب فِيهِ: أَنا ثأر الله من الظَّالِمين. سيف شرحيل، الصقل. سيف عَمْرو بن الْحَيّ الكلَاعِي الحبحاب قَالَ فِيهِ: مقتدار فَمَا قضا ... ك للحبحاب إِذْ وَقعا سيف عَمْرو أبي سَلمَة، الملواح، قَالَ سراقَة الْبَارِقي: إِذا قبضت أنامل كف عَمْرو ... على الملواح واحتدم اللِّقَاء سيف قيس بن الخطيم، ذُو الخرصين، قَالَ: ضربت بِذِي الخرصين رَقَبَة مَالك ... فَأَنت نفسٌ قد أصبت شفاءها سيف مَالك بن كَعْب الْهَمدَانِي ثمَّ الأرحبي، البانك، قَالَ: أَنا أَبُو حَارِث واسمي مَالك من أرحب فِي الْعدَد الضبارك

أمهى غرابيه لنا ابْن فاتك سيف مَالك بن العجلان الْأنْصَارِيّ، الْمسنون، قَالَ: أَنا ابْن عجلَان زعيم الحبين ... عَلَوْت بالمسنون رَأس البطين سيف أبي دُجَانَة سماك بن حَرْب السَّاعِدِيّ، الحت. أَنا سماكٌ وقبيلي سَاعِدَة ... وسيفي الحت ودرعي الزَّائِدَة سيف أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ الهجوم، وَقَالَ: إِذا كَانَ الهجوم ضجيع جَنْبي ... ورمحي والهراء من العوالي سيف أسيد بن الْحضير الأشْهَلِي الْأَزْرَق قَالَ: أَنا أَبُو يحيى وسيفي الْأَزْرَق ... كم قطّ من جماجم وأسوق سيف ثَابت بن قيس بن شماس، الملوح، قَالَ: فَمن يَك لائماً للسيف مِنْكُم ... فَمَا كَانَ الملوح بالملوم سيف عَامر بن يزِيد بن عَامر الْكِنَانِي، القراقر، لقِيه مكرز بن حَفْص من بني معيص وَكَانَ عَامر قد قتل أَخَاهُ فَابْتَدَرَهُ بِالسَّيْفِ فَأَخذه وعلاه بِهِ حَتَّى قَتله وَقَالَ: وأيقنت أَنِّي إِن أَجله بضربة ... مَتى مَا أصبه بالقراقر يعطب سيف عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ، ذُو الوشاح، أَخذه من ابْنه عبد الله بصفين يَوْم قتل وَفِيه قَالَ: إِذا كَانَ سَيفي ذَا الوشاح ومركبي ... الظليم فَلم يطلّ دم أَنا طَالبه سيف زَمعَة بن الْأسود بن الْمطلب، لِسَان الْكَلْب، صَار لِابْنِهِ عبد الله وَبِه قتل هدبة بن خشرم، وَقَالَ المسود بن الوباك لما قَتله: لِسَان الْكَلْب قطع ويل ثَأْرِي ... فَأذْهب غلي، وشفيت نَفسِي سيف زيد بن الحارثة الْكَلْبِيّ الغريف قَالَ فِيهِ: سَيفي الغريف وَفَوق جلدي نثرةٌ ... من صنع دَاوُد لَهَا أزرار

سيف عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل، الشَّقِيق، أَرَادَهُ مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ على بَيْعه واثمن لَهُ فَأبى وَقَالَ: آلَيْت لَا أشري الشَّقِيق برغبةٍ ... معاوي، إِنِّي بالشقيق ضنين وَقَالَ الْجَرِير للفرزدق: فَلَو بشقيق النَّوْفَلِي ضَربته ... لقسمته وَالسيف لَيْسَ بناكل وَلَكِن بِسيف الْقَيْن سبحك غَالب ... ضربت بِهِ بأشر حاف وناعل سيف خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ أَبُو أحيحة، ذعلوق، قَالَ: إِنِّي سعيد ووشاحي ذعلوق ... أعلو بِهِ هَامة كل بطرِيق سيف سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل، الفائز، وَآخر اسْمه، الْخَيل، قَالَ: أضْرب بالفائز وَالْخَيْل، ضرب كريم ماجد بهْلُول سيف خَالِد بن المُهَاجر بن خَالِد بن الْوَلِيد، ذُو الْكَفّ، قَالَ: سل ابْن أثالٍ هَل عَلَوْت قذاله ... بِذِي الْكَفّ حَتَّى خر مِنْهُ موسد؟

الباب الحادي عشر نوادر الاعراب

الْبَاب الْحَادِي عشر نَوَادِر الْأَعْرَاب دخل أَعْرَابِي الْبَصْرَة فِي يَوْم جُمُعَة، وَالنَّاس فِي الصَّلَاة، فَرَكَعَ مَعَهم فرجموه، فَرفع يَده، وَلَطم الَّذِي يَلِيهِ، وَأخذ يزاحم وَيَقُول فِي صلَاته: ترحماني بحذاءٍ من حمى ... عبل الذراعين، شَدِيدا ملطما ولى يُوسُف بن عمر أَعْرَابِيًا عملا لَهُ فَأصَاب عَلَيْهِ خِيَانَة فَعَزله، فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا عَدو الله أكلت مَال الله، قَالَ: فَمن مَال من آكل إِذن. كَانَت فِي وَكِيع بن أبي سود أعرابية وهوجٌ شَدِيد، فَقَالَ يَوْمًا وَهُوَ يخْطب: إِن الله خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتّ سِنِين، فَقَالَ بعض جُلَسَائِهِ: فِي سِتَّة أَيَّام. فَقَالَ: قلت الأولى وَإِنِّي لأستقلها. وَصعد الْمِنْبَر فَقَالَ: إِن ربيعَة لم تزل غضاباً على الله مُنْذُ بعث نبيه فِي مُضر، أَلا وَإِن ربيعَة قوم كشف، فَإِذا لقيتموهم فأطعنوا الْخَيل فِي مناخرها، فَإِن فرسا لم يطعن فِي منخره إِلَّا كَانَ أَشد على فارسه من عدوه. ورؤي بَعضهم فِي شهر رَمَضَان نَهَارا يَأْكُل فَاكِهَة، فَقيل لَهُ: مَا تصنع؟ قَالَ: سَمِعت الله يَقُول: " كلوا من ثمره إِذا أثمر " وَخفت أَن أَمُوت من قبل أَن أفطر، فَأَكُون عَاصِيا. قيل لآخر: مَا يمنعك أَن تمنع جارتك، فَإِنَّهُ يتحدث إِلَيْهَا فتيَان؟ قَالَ: وَهِي طائعةٌ أَو كارهة؟ قَالُوا: طَائِعَة. فَقَالَ: أما امْتنعت جارتي مِمَّا تكره؟ قَالَ: لما صرفت اليمانية من أهل مزة المَاء عَن أهل دمشق، ووجهوه إِلَى

الصَّحَارِي كتب إِلَيْهِم أَبُو الهيذام: يَا أهل مزة، ليمسينني المَاء أَو لتصبحنكم الْخَيل؟ قَالَ: فوافاهم المَاء قبل أَن يعتموا فَقَالَ أَبُو الهيذام: الصدْق يني عَنْك لَا الْوَعيد. قيل لأعرابي من طَيئ: أَبَا مرأتك حَبل؟ فَقَالَ: لَا، وَذُو بَيِّنَة فِي السَّمَاء، مَا أَدْرِي، مَا لَهَا ذَنْب تشتال بِهِ، وَلَا آتيها إِلَّا وَهِي ضبعة. وقف أَعْرَابِي فَسَأَلَ قوما، فَقَالُوا: عَلَيْك بالصيارفة فَقَالَ: هُنَاكَ وَالله قرارة اللؤم. خطب عتاب بن وَرْقَاء فَحَث على الْجِهَاد وَقَالَ: هَذَا كَمَا قَالَ الله عز وَجل. كتب الْقَتْل والقتال علينا ... وعَلى الغانيات جر الذيول وخطب وَالِي الْيَمَامَة فَيُقَال: إِن الله لَا يَأْخُذ عباده على الْمعاصِي، وَقد أهلك أمة عَظِيمَة فِي نَاقَة مَا كَانَت تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم. خطب عدي بن وتاد الْإِيَادِي فَقَالَ: أَقُول لكم كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالح " مَا أريكم إِلَّا مَا رأى وَمَا أهديكم إِلَّا سَبِيل الرشاد " قَالُوا لَيْسَ هَذَا قَول العَبْد الصَّالح، إِنَّمَا هُوَ من قَول فِرْعَوْن، فَقَالَ: وَمن قَالَه، فقد أحسن. سمع أَعْرَابِي سُورَة بَرَاءَة فَقَالَ: يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا آخر الْقُرْآن، قيل لَهُ: وَلم؟ قَالَ: رَأَيْت عهوداً تنبذ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: صلى أَعْرَابِي فَأطَال الصَّلَاة، وَإِلَى جَانِبه نَاس فَقَالُوا: مَا أحسن صلَاته! فَقطع صلَاته وَقَالَ: وَأَنا مَعَ هَذَا صَائِم. اسْتشْهدُوا أَعْرَابِيًا على رجل وَامْرَأَة، فَقَالَ: رَأَيْته قد تقمصها، يحفزها بمؤخره، ويجذبها بمقدمه، وخفي عَليّ المسلك.

رفع أَعْرَابِي يَده بِمَكَّة فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي قبل أَن يدهمك النَّاس. وَكَانَ أَعْرَابِي بِالْيَمَامَةِ والياً على المَاء، وَإِذا اخْتصم إِلَيْهِ اثْنَان، وأشكل عَلَيْهِ الْقَضَاء حبسهما جَمِيعًا حَتَّى يصطلحا، وَيَقُول: زَوَال اللّبْس أَو الْحَبْس. رأى أَعْرَابِي رقاقة فَقَالَ: مَا هَذِه؟ قَالُوا: خبْزَة مرققة، قَالَ: فيكف تُؤْكَل؟ قَالُوا: تلف وتؤكل قَالَ: فَمَا عناؤكم ببسطها؟ سمع أَعْرَابِي الْمُغيرَة بن شُعْبَة يَقُول: من زنا تسع زنيات وَعمل حَسَنَة وَاحِدَة محيت عَنهُ التسع، وكتبت لَهُ الْوَاحِدَة، فَقَالَ الْأَعرَابِي: فَهَلُمَّ نتجر فِي الزِّنَا. وجد أَعْرَابِي مرْآة وَكَانَ قبيحاً، فَنظر فِيهَا وَرَأى وَجهه فاستقبحه، فَرمى بهَا وَقَالَ: لشر مَا طرحك أهلك. الْعُتْبِي: كَانَ مجالساً لرجل من بني الْحجاز، فَقَالَ يَوْمًا: نظرت فِي جنسي، فَلم أَجِدهُ فأصابتني هجنة إِلَّا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام، فَقُلْنَا لَهُ: هَذَا أَنْت الْآن صَرِيح، وَإِسْمَاعِيل هجين فأيكما أشرف؟ قَالَ: فَمسح سباله وَقَالَ: أما أَنا فَلَا أَقُول شَيْئا. ولي أَعْرَابِي تبَالَة فَصَعدَ الْمِنْبَر، فَلَا حمد الله وَلَا أثنى عَلَيْهِ، حَتَّى قَالَ: اللَّهُمَّ أصلح عَبدك، وخليفتك أَنِّي أَنْت، إِن الْأَمِير أصلحه الله ولاني عَلَيْكُم وأيم الله مَا أعرف من الْحق مَوضِع سَوْطِي هَذَا، وَإِنِّي وَالله لَا أُوتِيَ بظالم وَلَا مظلوم إِلَّا ضَربته حَتَّى يَمُوت. شهد آخر عِنْد بعض الْوُلَاة على رجل بِالزِّنَا فَقَالَ لَهُ: أشهد أَنَّك رَأَيْته كالميل فِي المكحلة، فَقَالَ الْأَعرَابِي: لَو كنت جلدَة استها مَا شهِدت بهَا. تغدى أَعْرَابِي مَعَ قوم فَأتى بخلال قلبه ثمَّ قَالَ: وأصنع بِهَذِهِ الصيصية مَاذَا؟

جلس أَعْرَابِي وأعرابية، طائي وطائية، فأكلا من التَّمْر، وشربا من اللَّبن فَقَالَ الرجل: أَنَحْنُ أشْبع يَا أم فلَان أم مُعَاوِيَة؟ فَقَالَت: نَحن أشْبع، وهم أكسى؟ ؟ ؟ ؟ {ركب شيخ من بني تَمِيم سفينة وَمَعَهُ ابْن لَهُ، وَفِي السَّفِينَة جمَاعَة نسبهم الشَّيْخ فَإِذا كلهم من الأزد، فَأخذ الشَّيْخ حَدِيدَة، وَجعل ينقر بهَا السَّفِينَة فَقَالَ لَهُ ابْنه: يابَهْ مَا تصنع؟ قَالَ: أخرقها، قَالَ: إِذا تغرق} قَالَ: يَا بني: أَلا ترْضى أَن أغرق أَنا وَأَنت وَثَمَانِية عشر رجلا من الأزد؟ {. كَانَ أَعْرَابِي إِذا تَوَضَّأ، غسل وَجهه قبل استه، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: لَا أبدأ بالخبيثة قبل الطّيبَة. قَالَ بَعضهم: أتيت لخماً وجذاماً، فَكَانُوا يقدمُونَ الْعَرُوس، فصلى بهم سَبْعَة أَيَّام، فَقلت لَهُم: مَا هَذِه السّنة؟ قَالُوا: أما سَمِعت الله يَقُول فِي كِتَابه: كَاد الْعَرُوس أَن يكون ملكا. قَالَ الْأَصْمَعِي: عذلت أَعْرَابِيًا فِي الْكَذِب، فَقَالَ: وَالله إِنِّي لأسمعه من غَيْرِي، فيدار بِي من شَهْوَته. كَانَ بعض الْأَعْرَاب يَأْكُل وَمَعَهُ بنوه، فَجعلُوا يَأْخُذُونَ اللَّحْم من بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: يَا بني إِن الله تَعَالَى يَقُول: " فَلَا تقل لَهما إفٍ وَلَا تنهرهما "، وَلِأَن تَقولُوا لي أُفٍّ ألف مرّة، إِذْ فِي كل مرّة سَبْعُونَ انتهاراً، أَهْون عَليّ مِمَّا تَفْعَلُونَ. قَالَ بَعضهم: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول فِي صلَاته: أَغفر لي ولمحمد فَقَط، وَأَسْأَلك تَعْجِيل حسابي قبل أَن يهْلك الْخلق. قيل لأعرابي: مَا طعم اللَّبن؟ قَالَ: طعم الْخَيْر. قَالَ أَعْرَابِي: خطب منا رجل مغموز امْرَأَة مغموزة فَقيل لوَلِيّ الْمَرْأَة: تعمم لكم فزوجتموه، فَقَالَ: إِنَّا تبرقعنا لَهُ، قبل أَن يتعمم لنا. قدم بَعضهم الصَّلَاة على امْرَأَة كَانَت فَاسِدَة فَقَالَ فِي الدُّعَاء: اللَّهُمَّ} إِنَّهَا كَانَت تسيء خلقهَا، وتعصي بَعْلهَا، وتبذل فرجهَا، وتحزن جارها، فحاسبها حسابا أدق من شعر استها! .

ولي أَعْرَابِي الْبَحْرين فَجمع الْيَهُود فَقَالَ لَهُم: مَا تَقولُونَ فِي عِيسَى؟ قَالُوا: قَتَلْنَاهُ وصلبناه؛ فَقَالَ: لَا تخْرجُوا من السجْن حَتَّى تُؤَدُّوا دِيَته. قيل لأعرابي: أتعرف أَبَا عَمْرو؟ قَالَ: وَكَيف لَا أعرفهُ؟ وَهُوَ متربع فِي كَبِدِي، يَعْنِي الْجُوع. خرج الْمهْدي يتصيد فغار بِهِ فرسه حَتَّى دفع إِلَى خباء أَعْرَابِي فَقَالَ: يَا أَعْرَابِي: هَل من قرى؟ قَالَ: نعم، وَأخرج لَهُ فضلَة من ملةٍ فَأكلهَا، وفضلةً من لبن فِي كرش فَسَقَاهُ، ثمَّ أَتَاهُ نبيذٍ فِي زكرةٍ، فَسَقَاهُ قَعْبًا، فَلَمَّا شرب الْمهْدي قَالَ: أَدْرِي من أَنا؟ قَالَ: لَا وَالله، قَالَ: أَنا من خدم الْخَاصَّة، قَالَ: بَارك الله لَك فِي موضعك، ثمَّ سقَاهُ آخر، فَلَمَّا شربه قَالَ: يَا أَعْرَابِي أَدْرِي من أَنا؟ قَالَ: نعم زعمت أَنَّك من خدم الْخَاصَّة، قَالَ: لَا بل أَنا من قواد أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ: رَحبَتْ بلادك، وَطَالَ مزارك، ثمَّ سقَاهُ قدحاً آخر ثَالِثا، فَلَمَّا فرغ مِنْهُ قَالَ: يَا أَعْرَابِي أَتَدْرِي من أَنا؟ قَالَ: زعمت أخيراً أَنَّك من قواد أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: لَا وَلَكِنِّي أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَأخذ الْأَعرَابِي الزكرة فأوكاها وَقَالَ: وَالله لَئِن شربت الرَّابِع لتقولن: إِنَّك لرَسُول الله، فَضَحِك الْمهْدي وأحاطت بهم الْخَيل وَنزل أَبنَاء الْمُلُوك والأشراف، فطار قلب الْأَعرَابِي فَقَالَ لَهُ: لَا بَأْس عَلَيْك، وَأمر لَهُ بصلَة فَقَالَ: أشهد أَنَّك صَادِق وَلَو ادعيت الرَّابِعَة لَخَرَجت مِنْهَا. رَأَوْا أَعْرَابِيًا يَبُول فِي الْمَسْجِد، فصاحوا إِلَيْهِ فَقَالَ: أَنا وَالله أفقه مِنْكُم، إِنَّه مَسْجِد باهلة. وَقيل لآخر: لم لَا تشتري الْبِطِّيخ؟ قَالَ: لَا وَالله لَا أَشْتَرِي حَتَّى يبلغ من رخصه أَن يكون من تنَاول من بَائِعه بطيخة، وَعدا، رَمَاه بِأُخْرَى. لزم أَعْرَابِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة حَتَّى سمع مِنْهُ ثَلَاثَة آلَاف حَدِيث، ثمَّ جَاءَ يودعه فَقَالَ لَهُ سُفْيَان: يَا أَعْرَابِي! مَا أعْجبك من حديثنا؟ قَالَ: ثَلَاثَة أَحَادِيث: حَدِيث عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يحب الْحَلْوَاء وَيُحب الْعَسَل، وَحَدِيث عَلَيْهِ

السَّلَام إِذا وضع الْعشَاء وَحَضَرت الصَّلَاة فأبدأوا بالعشاء، وَحَدِيث عَائِشَة عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ من الْبر الصَّوْم فِي السّفر. دخل أَعْرَابِي على يزِيد بن الْمُهلب، وَهُوَ فِي فرَاشه وَالنَّاس سماطان فَقَالَ: كَيفَ أصبح الْأَمِير؟ قَالَ يزِيد: كَمَا تحب. فَقَالَ: لَو كنت كَمَا أحب، كنت أَنْت مَكَاني، وَأَنا مَكَانك. فَضَحِك. وَقيل لأعرابي: لم يُقَال للْعَبد: باعك الله فِي الْأَعْرَاب؟ قَالَ: لأَنا نجيع كبده، ونعري جلده، ونطيل كده. توفّي ابْن لأعرابي، فَعَزاهُ بعض إخوانه فَقَالَ لانتهم الله فِي قَضَائِهِ فَقَالَ: وَالله لَا أتهم غَيره، وَلَا ذهب بِابْني سواهُ. قيل لأعرابي: فِي خلَافَة من ولدت؟ قَالَ: فِي خلَافَة يُوسُف بن عمر أَو كسْرَى بن هُرْمُز وَأَعُوذ بِاللَّه أَن أَقُول على الله إِلَّا حَقًا! قَالَ الْأَصْمَعِي: رَأَيْت أَعْرَابِيًا يرفع على والٍ ضربه فَقَالَ: وَالله إِنَّه ليقبل الرِّشْوَة، وَيَقْضِي بالعشوة، ويطيل النشوة، وَلَقَد بنى جماماً زندقةً وَكفرا. قدم إِلَى أَعْرَابِي كامخ فَقَالَ: مِم يعْمل هَذَا؟ قَالُوا: من اللَّبن وَالْحِنْطَة، قَالَ: أصلان كريمان، لكنهما مَا أنجبا. قَالَ ابْن قريعة: سمع أَعْرَابِي قَارِئًا يقْرَأ الْقُرْآن " الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم "، وَقَوله عز وَجل: " تخشع قُلُوبهم لذكر الله " فَقَالَ الْأَعرَابِي: اللَّهُمَّ لَا تجعلني مِنْهُم، فَقيل لَهُ: وَيحك لم قلت هَذَا؟ قَالَ: لَوْلَا أَنهم قوم سوء، لم توجل قُلُوبهم. قَالَ الْأَصْمَعِي: أصابتنا السَّمَاء بالبدو فنزلنا بعض أخبية بني نعيم، وَفِيهِمْ عروس فَلَمَّا حضرت الصَّلَاة قدموه فصلى بهم، وَكَانَ ذَلِك سنتهمْ أَن يقدموا

الْعَرُوس سَبْعَة أَيَّام، فَقلت لَهُم: مَا هَذِه السّنة؟ قَالُوا: أوما سَمِعت الله يَقُول: كَاد الْعَرُوس أَن يكون ملكا. مر أَعْرَابِي بِقوم من الْيَهُود فَقَالَ: وَيْلكُمْ أَلا تسلمون، أَلا تأنفون مِمَّا أنزل الله فِيكُم وعيركم بِهِ؟ قَالُوا: يَا أَعْرَابِي، وَمَا الَّذِي أنزلهُ فِينَا؟ قَالَ قَوْله: أَلا لعنة الله على الْيَهُود، إِن الْيَهُود إخْوَة القرود، قَالُوا: فَإِن الَّذِي أنزل فِيكُم أعظم من هَذَا، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالُوا قَوْله: " الْأَعْرَاب أَشد كفرا ونفاقاً " فَقَالَ: يَا أخوتاه، مَكْذُوب علينا وَعَلَيْكُم. وَأخذ رجل ينْكح شَاة، فَرفع إِلَى الْوَالِي وَكَانَ أَعْرَابِيًا، فَقَالَ الرجل: يَا قوم أوليس الله يَقُول: " أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم " وَالله مَا ملكت يَمِيني غَيرهَا، فخلى عَنهُ وحد الشَّاة، وَقَالَ: الْحُدُود لَا تعطل، فَقَالَ إِنَّهَا بَهِيمَة، فَقَالَ: لَو وَجب حكم على بَهِيمَة وَكَانَت أُمِّي وأختي لحددتهما. قَالَ بَعضهم: وليت مخلافاً من مخاليف الْيمن فَأتيت بشيخ كَبِير فَقلت: أمسلم أَنْت؟ قَالَ: بلَى، قلت: أتعرف النَّبِي؟ قَالَ: بَلغنِي أَنه كَانَ رجلا صَالحا، قلت: فَابْن من كَانَ؟ قَالَ: لَا وَالله مَا أَدْرِي، إِلَّا أَنِّي أَظُنهُ رَهْط معن بن زَائِدَة. أصَاب أَعْرَابِي سروالاً وَهُوَ لَا يدْرِي مَا هُوَ، فَأَخذه فَأدْخل يَده فِي رجل السروال وَبَقِي رَأسه دَاخِلا، وَجعل يقلب وَلَيْسَ يدْرِي كَيفَ يلْبسهُ، فَلَمَّا أعياه، رمى بِهِ وَقَالَ: مَا أَظن هَذَا إِلَّا من قمص الشَّيْطَان. وَقيل لأعرابي: إقرأ: لم يكن فَقَالَ: مَا وددت أَن أحس مَا كَانَ فَكيف مَا لم يكن؟ قَالَ الْأَصْمَعِي: نزلنَا على الْمِيَاه، فَإِذا أعرابية نَائِمَة، فأنبهناها للصَّلَاة، فَأَتَت المَاء فَوَجَدته بَارِدًا فتركته، وتوجهت إِلَى الْقبْلَة وَهِي قَاعِدَة، فكبرت ثمَّ قَالَت: اللَّهُمَّ إِنِّي قُمْت إِلَيْك وَأَنا عجلى، وَصليت وَأَنا كسلى، فَاغْفِر لي مَا ترى، عدد الثرى، قبل غَيْرِي وَمَا جرى، قَالَ: فعجبنا، فَقلت: يَا هَذِه، لَيست هَذِه بِصَلَاة، قَالَت: يَا عَم، إِنَّهَا وَالله صَلَاتي مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة.

قَالَ: تقدم أَعْرَابِي للصَّلَاة فَقَرَأَ: الْحَمد لله ثمَّ قَالَ: قد أَفْلح من هم فِي صلَاته، وَأخرج الْوَاجِب من زَكَاته، أطْعم الْمِسْكِين من نخلاته، وجانب الْفُحْش وفاعلاته، وحافظ على بعيره وشاته، الله أكبر، فَضَحِك من كَانَ خَلفه فَقَالَ: أَنِّي ضحكتم؟ وَالله لقد علمتني عَجُوز لنا أدْركْت النَّبِي؛ يَعْنِي مُسَيْلمَة. كَانَ أَعْرَابِي إِذا تَوَضَّأ بَدَأَ بِوَجْهِهِ فَغسله، ثمَّ غسل فرجه، وَيَقُول: لَا أبدأ بالخبيثة. قَالَ الْأَصْمَعِي: حضرت الصَّلَاة، فَقَالَ أَعْرَابِي: حَيّ على الْعَمَل الصَّالح، قد قَامَ الْفَلاح، ثمَّ قَامَ يُصَلِّي، وَقَالَ: اللَّهُمَّ احفظ لي حسبي ونسبي، واردد على ضالتي، واحفظ هملي وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله. قَالَ: وَقَامَت امْرَأَة تصلي فَقَرَأت: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من شَرّ قُرَيْش وَثَقِيف، وَمن شَرّ مَا جمعت من اللفيف، وَأَعُوذ بك من حر ملك أمره، وَعبد مَلأ بَطْنه، الله أكبر. وقف أَعْرَابِي يسْأَل شَيْئا فَقيل لَهُ: يَا أَعْرَابِي، هَل لَك فِي خير مِمَّا تطلب؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تعلمنا سُورَة من الْقُرْآن، قَالَ: وَالله إِنِّي لَا أحسن مِنْهَا مَا إِن حفظت كفاني، أحسن مِنْهُ خمس سور، قَالَ: فَقُلْنَا اقْرَأ، فَقَرَأَ: الْحَمد لله، وَإِذا جَاءَ نصر الله، وَإِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر. ثمَّ سكت، فَقُلْنَا لَهُ: هَذِه ثَلَاثَة فَأَيْنَ الثنتان؟ قَالَ: إِنِّي وهبتهما لِابْنِ عَم لي، يُرِيد أَنِّي علمتهما إِيَّاه، وَلَا وَالله أَعُود فِي شَيْء وهبته أبدا. خَاصم أَعْرَابِي امْرَأَته إِلَى السُّلْطَان فَقيل لَهُ: مَا صنعت؟ قَالَ: خيرا،

تجاثينا لركبنا قبلا، فأكبها الله لوجهها، وَلَو أَمر بِي إِلَى السجْن. قَالَ: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَدْعُو مَادًّا يَده عِنْد الْكَعْبَة وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِن كنت ترى يدا أكْرم مِنْهَا، فاقطعها. صعد بَعضهم الْمِنْبَر فِي عمله يخْطب فَقَالَ: وَالله لَئِن أكرمتموني أكرمتكم، وَإِن أهنتموني لتكونن أَهْون عَليّ من ضرطتي هَذِه، وضرط. قيل لأعرابي: أتعرف الْأَنْبِيَاء؟ قَالَ: أَي وَالله، إِنِّي بهم لعالم، قَالُوا: فسمهم، قَالَ: لَا تمسكوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ، وَعِيسَى، ومُوسَى، وأمسكوا فِرْعَوْن، وَالله مَا الثَّنَاء عَلَيْهِ بِحسن، ولوطاً وَالله أهل الْبَادِيَة يكْرهُونَ فعله، وَلَكِن أهل الْعرَاق لَا يرَوْنَ بِهِ بَأْسا. وَقَالَ: رَأَيْت أَعْرَابِيًا من طَيئ، وَهُوَ يتَوَضَّأ للصَّلَاة وَلَا يحسن، فَقلت: يَا أَعْرَابِي مَا هَذَا الْوضُوء؟ قَالَ: يَا جَاهِل! أما سَمِعت الله يَقُول فِي مُحكم كِتَابه: من شدد على عبَادي شددت عَلَيْهِ. وَقيل لأعرابي: كَيفَ أَصبَحت؟ قَالَ: بِخَير. فَقَالَ لَهُ آخر: كَيفَ أَصبَحت؟ قَالَ: كَمَا أخْبرت هَذَا. وَشهد أَعْرَابِي عِنْد عَامل على رجل، فَقَالَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ: لَا تقبل شَهَادَته فَإِنَّهُ لَا يقْرَأ من كتاب الله شَيْئا قَالَ: بلَى، قَالَ: فاقرأ، فَقَالَ: بنونا بَنو أَبْنَائِنَا وبناتنا ... بنوهن أَبنَاء الرِّجَال الأباعد فَقَالَ القَاضِي: إِنَّهَا لمحكمة، قَالَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ: تعلمهَا وَالله البارحة. قَالَ رَأَيْت أَعْرَابِيًا يتَيَمَّم فَقَالَ: وَالله إِنِّي لأكْره عَادَة السوء. قَالَ: بَلغنِي أَن أعرابيين كَانَا يطوفان بِالْبَيْتِ، فَكَانَ أَحدهمَا يَقُول: اللَّهُمَّ

هَب لي رحمتك، فَأغْفِر لي، فَإنَّك تَجِد من تعذبه غَيْرِي، وَلَا أجد من يرحمني غَيْرك. فَقَالَ صَاحبه: اقصد حَاجَتك وَلَا تغمز بِالنَّاسِ. أقبل عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ قبل إِسْلَامه إِلَى الْمَدِينَة. فَلَقِيَهُ ركب خَارِجين مِنْهَا، فَقَالَ لَهُم: أخبروني عَن هَذَا الرجل، يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا لَهُ: النَّاس فِيهِ ثَلَاثَة: رجل أسلم فَهُوَ مَعَه يُقَاتل قُريْشًا وَالْعرب، ورجلٌ لم يسلم فَهُوَ يقاتله، وَبينهمْ الترابح، وَرجل يظْهر لَهُ الْإِسْلَام إِذا لقِيه، وَيظْهر لقريش أَنه مَعَهم: قَالَ: مَا يُسمى هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: المُنَافِقُونَ، قَالَ: لَيْسَ فِيمَن وصفتم أحزم من هَؤُلَاءِ، أشهدكم أَنِّي من الْمُنَافِقين. قَالَ الْأَصْمَعِي: مر أَعْرَابِي بِقوم يختصمون فِي مسيل مَاء، فَقَالَ: فيمَ يختصمون؟ قَالُوا: فِي مسيل مَاء. قَالَ: وَالله مَا بلت فِي مَوضِع مرَّتَيْنِ. قَالَ: وَشَكتْ أعرابية زَوجهَا فِي صَوَاحِب لَهَا فَقُلْنَ لَهَا: طلقيه، فَقَالَت: أشهدن أَنه طَالِق، فَقُلْنَ لَهَا: ثني فَقَالَت: اشهدن أَنه طَالِق، فَقُلْنَ لَهَا ثُلثي فَقَالَت: اشهدن أَنِّي طَالِق ثَلَاثًا، فاختصموا إِلَى وَالِي المَاء، فتكلمت فَقَالَ: إيهاً أَفِي ثَلَاث لَا يجوز فيجازيك، الزمي الطَّرِيق المهيع، ودعي ببنات الطَّرِيق، وانتعلي الْمَيِّت، كَيفَ قلت؟ قَالَت: قلت هُوَ طَالِق ثَلَاثًا، قَالَ: فتفكر الْوَالِي سَاعَة، ثمَّ قَالَ: أَرَاك تحلين لَهُ، وَلَا أرَاهُ يحل لَك. حضر أَعْرَابِي مَجْلِسا يتذاكرون فِيهِ قيام اللَّيْل فَقيل لَهُ: يَا أَبَا أُمَامَة أتقوم بِاللَّيْلِ؟ قَالَ أَي وَالله، قَالُوا: فَمَا تصنع؟ قَالَ: أبول فأرجع. قيل لآخر: أَي بنيك الثَّلَاثَة أثقل؟ فَقَالَ: لَيْسَ بعد الْكَبِير أثقل من الصَّغِير إِلَّا الْوَسِيط. اغتاب أَعْرَابِي رجلا، ثمَّ الْتفت فَرَآهُ فَقَالَ: لَو كَانَ خيرا مَا حَضرته. ولي الْمُهلب بعض الْأَعْرَاب كورة بخراسان وعزل والياً كَانَ بهَا، فَلَمَّا وردهَا الْأَعرَابِي، صعد الْمِنْبَر، فَحَمدَ الله، وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: أَيهَا الناص اقصدوا لما أَمركُم الله بِهِ فَإِنَّهُ عز وَجل رغبكم فِي الْآخِرَة الْبَاقِيَة وزهدكم فِي الدُّنْيَا الفانية فرغبتم فِي هَذِه. وزهدتم فِي تِلْكَ، فيوشك أَن تفوتكم الفانية وَلَا

تحصل لكم الْبَاقِيَة فتكونوا كَمَا قَالَ الله لَا ماءك أبقيت، وَلَا حرك أنقيت. واعتبروا بِهَذَا الْمَعْزُول عَنْكُم، كَيفَ سعى وَجمع فَصَارَ ذَلِك كُله إِلَيّ، على رغم من أَنفه، وَصَارَ كَمَا قَالَ الله فِي مُحكم كِتَابه: أنعمي أم خَالِد ... رب ساعٍ لقاعد أَتَى أَعْرَابِي برقاقة فتأملها ثمَّ قَالَ: لقد سحقك الدَّهْر. قدم إِلَى أَعْرَابِي كامخ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قيل: كامخ. فَقَالَ: من كمخ بِهِ؟ وَذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ: كمخت الْبَقَرَة إِذا تلطت. وَاجْتمعَ اثْنَان مِنْهُم على كامخ فَقَالَ أَحدهمَا: خيرا وَرب الْكَعْبَة، وذاقه الآخر فاستطابه فَقَالَ: أَحْسبهُ خبز الْأَمِير. دخل أَعْرَابِي على سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَبَين يَدَيْهِ فالوذج فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: هَذَا شَيْء من أكله مَاتَ، قَالَ: أَفلا أذوقه {قَالَ: ذقه، فذاقه وشمر عَن ساعده، وَجعل يَأْكُل وَيَقُول: أوصيكم بعيالي خيرا. مر أَعْرَابِي بقرص سفود وَقد سقط من بعض الْحَاج فَأَخذه فَلَمَّا نظر إِلَى وَسطه رمى بِهِ وَقَالَ: من سلح عَلَيْك؟ لَا حياك الله. قَالَ الْأَصْمَعِي: سمع أَعْرَابِي وَاحِدًا يقْرَأ: " هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا " فَقَالَ: وَأَبِيك، إِنِّي لأعرف هَؤُلَاءِ الْقَوْم بنعتهم فَقيل لَهُ: وَمن هم} قَالَ: الَّذين يثردون، وَيَأْكُل غَيرهم. قدم أَعْرَابِي رجلا إِلَى القَاضِي واستعدى عَلَيْهِ، وَتقدم شَاهِدَانِ فَقَالَا: نشْهد أَنه قد ظلم الْأَعرَابِي، فَقَالَ الْأَعرَابِي: كذبا، مَا ظَلَمَنِي وَلكنه لوى حَقي. نظر بعض الْأُمَرَاء إِلَى أَعْرَابِي كَانَ قَائِما بَين يَدَيْهِ نظرا شَدِيدا، فَقَالَ الْأَعرَابِي: لقد هم الْأَمِير لي بِخَير؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فبشرٍ! قَالَ: لَا، قَالَ:

فالأمير إِذا مَجْنُون! . قَالَ النَّضر بن شُمَيْل: مَا شيت أَبَا جَابر الْأَعرَابِي فَرَأى بقْعَة شمس فَرمى بِنَفسِهِ فِيهَا فَقلت: مَالك؟ قَالَ: الشَّمْس، قلت: أوتعجبك؟ قَالَ: هِيَ أدفأ ثِيَابِي. قَالَ: وسمعته يَقُول: اللَّهُمَّ اسقنا شمساً. قيل لَهُ: إِنَّمَا يُقَال هَذَا فِي الْغَيْث، قَالَ: أَنا إِلَى الشَّمْس أعطش. قيل لأعرابي: أَلا تغزو؟ فَإِن الله قد أنذرك فَقَالَ: وَالله إِنِّي لأبغض الْمَوْت على فِرَاشِي فِي عَافِيَة، فَكيف أَن أمضي إِلَيْهِ ركضاً. حكى أَنه أولم رجل وَلِيمَة، فحضرها أَعْرَابِي، وَجعل يَأْكُل وَلَا يرفع رَأسه، حَتَّى حَضَره الفالوذج فَرفع رَأسه فَنظر إِلَى شيخ معتزلٍ عَن الْقَوْم فَقَالَ: مَا بَال شَيخنَا لَا يَأْكُل؟ قيل إِنَّه صَائِم، فَقَالَ: وَمَا أحوجه إِلَى الصَّوْم؟ قَالَ: طلب الْمَغْفِرَة والفوز بِالْجنَّةِ، فَقَالَ الْأَعرَابِي: فَإِذا نَالَ الْجنَّة أفتراه يطعم فِيهَا أطيب من الفالوذج. ركب أَعْرَابِي بحيرة، فَقيل لَهُ: إِنَّهَا حرَام لَا يحل ركُوبهَا، قَالَ: يركب الْحَرَام من لَا حَلَال لَهُ. قدم أَعْرَابِي إِلَى وَالِي، ليشهد على رجل بِالزِّنَا، فَقَالَ لَهُ الْوَالِي: بِمَ تشهد؟ قَالَ: رَأَيْت هَذَا دَائِم الأفكل كَأَنَّمَا هُوَ عسالة عسل تلسب خصييه وَالْمَرْأَة سطيحة تَحْتَهُ، وَهِي تغط غطيط الْبكر، ولعابها يهمع، وَالله أعلم بِمَا وَرَاء ذَلِك. وَسُئِلَ أَبُو المغوار، وَقد تقدم ليشهد مثل ذَلِك فَقَالَ: رَأَيْت امْرَأَة صرعى، وَرجل يُقَوي فوه على فِيهَا، ومسربته على مسربتها، والقنب غَائِب واليافعان يضربان بَين المسفعة وَهُوَ يردي باسته وَالله أعلم بِمَا وَرَاء ذَلِك. دخل أَعْرَابِي سوق النخاسين يَشْتَرِي جَارِيَة فَلَمَّا اشْتَرَاهَا وَأَرَادَ الِانْصِرَاف، قَالَ النخاس: فِيهَا ثَلَاث خِصَال، فَإِن رضيت وَإِلَّا فدعها، قَالَ: قل: قَالَ: إِنَّهَا

رُبمَا غَابَتْ أَيَّامًا ثمَّ تعود إِذا طلبت، قَالَ: كَأَنَّك تَعْنِي أَنَّهَا تأبق قَالَ: نعم، قَالَ: لَا عَلَيْك أَنا وَالله أعلم النَّاس بأثر الذَّر على الصَّفَا، فلتأخذ أَي طَرِيق شَاءَت فَإنَّا نردها، ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ: إِنَّهَا رُبمَا نَامَتْ فقطرت مِنْهَا القطرة بعد القطرة، قَالَ: كَأَنَّك تَعْنِي أَنَّهَا تبول بالفراش؟ قَالَ: نعم، قَالَ: لَا عَلَيْك فَإِنَّهَا لَا تتوسد عندنَا إِلَّا التُّرَاب، فلتبل كَيفَ شَاءَت، ثمَّ مَاذَا؟ قَالَ: أَنَّهَا رُبمَا عبثت بالشَّيْء تَجدهُ عندنَا، قَالَ: كَأَنَّك تَعْنِي أَنَّهَا تسرق مَا تَجِد.؟ قَالَ: نعم قَالَ: لَا عَلَيْك فَإِنَّهَا وَالله مَا تَجِد مَا يقوتها، فَكيف مَا تسرقه، وَأخذ بِيَدِهَا وَانْطَلق بهَا. قيل لأعرابي: أَيَسُرُّك أَنَّك نَبِي؟ قَالَ: لَا. قيل: وَلم.؟ قَالَ: يطول سَفَرِي، وأهجر دَار قومِي، وأنذر بِالْعَذَابِ عشيرتي، قيل لَهُ: فيسرك أَنَّك خَليفَة؟ قَالَ: لَا، قيل: وَلم؟ قَالَ: ينقص عمري وَيكثر تعبي، وَلَا تكبروني، أَمْشِي وحدي، قيل: أَيَسُرُّك أَن تدخل الْجنَّة وَأَنت باهلي؟ قَالَ: على أَن لَا يعرف فِيهَا نسبي. سمع أَعْرَابِي قوما يَقُولُونَ: إِذا كَانَ للْإنْسَان على شحمة أُذُنه شعر كَانَ دَلِيلا على طول عمره، فَضرب يَده على شحمة أُذُنه فَوجدَ عَلَيْهَا شعرًا فَقَالَ: أَنا بِاللَّه وَبِك. قيل لأعرابي مَا ترى يصنع الْخَلِيفَة فِي مثل هَذَا الْيَوْم الشَّديد الْبرد. قَالَ: تَجدهُ قد أَخذ لحم جزورٍ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وقدرة تمر بِيَدِهِ الْيُسْرَى، وَبَين يَدَيْهِ قَصْعَة لبن، وَقد اسْتقْبل الشَّمْس بِوَجْهِهِ، واحتبى بكسائه فيكدم هَذَا مرّة وَهَذِه مرّة ويتحسى من اللَّبن مرّة. وقفت أعرابية على قوم يصلونَ جمَاعَة فَلَمَّا سجدوا صاحت وَقَالَت: صعق النَّاس وَرب الْكَعْبَة. قيل لأعرابي: أتعرف إِبْلِيس؟ قَالَ: أما الثَّنَاء عَلَيْهِ فسيء، وَالله أعلم بسريرته. وَدخل آخر مَسْجِدا وَالْإِمَام يقْرَأ: " حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير " فَقَالَ الْأَعرَابِي: والكامخ فَلَا تنسه أصلحك الله. وَسمع آخر رجلا يقْرَأ: " وَفِي السَّمَاء رزقكم وَمَا توعدون " فَقَالَ: يَا بن عَم، إِنَّه لبعيد سحيق.

قَالَ الْأَصْمَعِي: صلى بِنَا أَعْرَابِي بالبادية فَقَالَ الْحَمد لله، بفصاحة وَبَيَان، ثمَّ قَالَ: ثَبت مَا يُوسُف ذَوي ماءٍ وَلَا غلَّة، فَأصْبح فِي قَعْر الرَّكية ثاوياً. ثمَّ ركع، فَقلت: يَا أَعْرَابِي، لَيْسَ هَذَا من الْقُرْآن قَالَ: بلَى وَالله، لقد سَمِعت كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ. قَالَ: وَقَرَأَ آخر وَالضُّحَى " بِقِرَاءَة حَسَنَة حَتَّى بلغ إِلَى قَوْله: " ألم يجدك يَتِيما فأوى " قَالَ: وَإِن هَؤُلَاءِ العلوج يَقُولُونَ: قَالَ " ووجدك ضَالًّا فهدى " لَا وَالله مَا أقولها فَمَا أَنا ضال، الله أكبر. وَقَرَأَ آخر: " إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح " ثمَّ ارتج عَلَيْهِ، وَجعل يُكَرر فَلم يذكر الْآيَة فَالْتَفت فِي صلَاته وَقَالَ لمن وَرَاءه: قد بقيت عَليّ آيَة لَا أذكرها، وَلَكِنِّي سآتيكم بِآيَة خير مِمَّا نسيت وَهِي: " مُحَلِّقِينَ حجاجاً " الله أكبر. قَالَ: وَسمعت آخر وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ هَب لي مَا مضى من سيئ عَمَلي، فَإِن عدت فلك الْخِيَار فِيمَا وهبت لي. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت أَعْرَابِيًا فِي بعض أَيَّام الصَّيف قد جَاءَ إِلَى نهر، وَجعل يغوص فِي المَاء، ثمَّ يخرج ثمَّ يغوص أَيْضا، وَيخرج وَكلما خرج مرّة، حل عقدَة من عقدٍ فِي خيطٍ كَانَ مَعَه، قلت: مَا شَأْنك؟ قَالَ: جنابات الشتَاء أحصيهن كَمَا ترى وأقضيهن فِي الصَّيف. وَسُئِلَ آخر عَن مَسْأَلَة من الْفَرَائِض ففكر سَاعَة، ثمَّ قَالَ: انْظُرُوا هَل مَاتَ مَعَ هَذَا الْمَيِّت أحد من قرَابَته؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: إِن الْفَرِيضَة لَا تصح لَا بِمَوْت آخر. وَقدم إِلَى أَعْرَابِي موز فَجعل يقلبه وَيَقُول: لَا أَدْرِي، مِمَّن أتعجب، مِمَّن خاطه، أَو مِمَّن حشاه.!

قيل لآخر: هَل فِي بَيْتك دَقِيق؟ فَقَالَ: لَا. وَالله، وَلَا جليل. قيل لأعرابية: مَا صفة الأير عنْدكُمْ؟ فَقَالَت: عصبَة ينْفخ فِيهَا الشَّيْطَان فَلَا يرد أمرهَا. وشربت أعرابية نبيذاً، فسكرت، وَقَالَت: لبَعض الْحَاضِرين: أيشرب هَذَا نِسَاؤُكُمْ.؟ قَالَ: نعم، قَالَت: لَئِن صدقت، مَا يدْرِي أحدكُم من أَبوهُ. قَالَ بَعضهم: سَأَلت أَعْرَابِيًا عَن شهر رَمَضَان، كَيفَ صاموه. فَقَالَ: تجرد منا ثَلَاثُونَ رجلا، وأنذرناه فِي يَوْم وَاحِد. مَاتَ لأعرابي ابْن صَغِير فَقيل: هَذَا شفيعك يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ: هلكنا وَالله، هُوَ أضعفنا حجَّة، وأقطعنا لِسَانا، وليته يقوم بِأَمْر نَفسه. شرب أَعْرَابِي لَبَنًا، وَابْنه على يسَاره وَرجل آخر عَن يَمِينه، فسقى ابْنه قبل الرجل، فَقيل لَهُ: السّنة أَن تَسْقِي من عَن يَمِينك فَقَالَ: قد علمت أَنه أحب إِلَيّ من السّنة. قيل لأعرابي أتخاف أحدا قَالَ: نعم، الذِّئْب فِي الْبَادِيَة، والشرطى فِي الحضرة. صلى أَعْرَابِي خلف إِمَام قَرَأَ: " قل أَرَأَيْتُم إِن أهلكني الله وَمن معي " فَقَالَ: أهْلكك الله وَحدك مَا ترد إِلَّا من مَعَك. قيل لآخر: مَالك لَا تغزو الرّوم؟ قَالَ: أخْشَى أَن أقتل وَلَا يطْلب بِثَأْرِي. سقط أَعْرَابِي عَن بعيره فانكسر بعض أضلاعه، فَأتى الجابر يستوضفه فَقَالَ: خُذ تمر شَهْرَيْن فانزع أقماعه ونواه واعجنه بِسمن، واضمد عَلَيْهِ، فَقَالَ الْأَعرَابِي: تمن؟ قَالَ: خباء خلق فِي أَرض قفر وجله، فِي أَسْفَلهَا تمر، وكلب إِذا أمْطرت السَّمَاء يزاحمني فِي الْبَيْت. قيل لأعرابي: كَيفَ أكلك؟ قَالَ: كَمَا لَا يحب الْبَخِيل. سَأَلَ رجل من بني تَمِيم عَن رجل فَقيل لَهُ: دَعَاهُ ربه، فَأجَاب، فَقَالَ: وَلم أجَاب؟ لَا أجَاب، أما علم أَن الْمَوْت إِحْدَى المهالك؟ .

جَاءَ أَعْرَابِي الْحَضَر وَكَانَ يَوْم جُمُعَة، فَرَأى النَّاس فِي الْجَامِع، فَقَالَ لبَعْضهِم: مَا هَذَا؟ وَكَانَ الْمَسْئُول مَاجِنًا، قَالَ: هَذَا يَدْعُو إِلَى طَعَام، قَالَ: فَمَا يَقُول صَاحب الْمِنْبَر؟ قَالَ: يَقُول مَا يرضى الْأَعْرَاب أَن يَأْكُلُوا، حَتَّى يحملوا مَعَهم، فتخطى الْأَعرَابِي رِقَاب النَّاس، حَتَّى دنا من الإِمَام فَقَالَ: يَا هَذَا إِنَّمَا يفعل مَا تَقول سفهاؤنا. جَاءَ آخر إِلَى صيرفي بدرهم، فَقَالَ الصَّيْرَفِي: هَذَا الستوق، قَالَ: وَمَا الستوق؟ قَالَ: دَاخله نُحَاس، وخارجه فضَّة، فَكَسرهُ فَلَمَّا رأى النّحاس قَالَ: بِأبي أَنْت، أشهد أَنَّك تعلم الْغَيْب. وَجَاء آخر إِلَى السُّوق بدرهم يَشْتَرِي بِهِ تَمرا، فَقيل لَهُ مثل ذَلِك، فَقَالَ: أعطوني بِالْفِضَّةِ تَمرا، وبالنحاس زيتاً. نزل عطار يَهُودِيّ بعض أَحيَاء الْعَرَب وَمَات، فَأتوا شَيخا لَهُم لم يكن يقطع فِي الْحَيّ أَمر دونه فأعلموه خبر الْيَهُودِيّ، فجَاء فَغسله وكفنه، وَتقدم وَأقَام النَّاس مَعَه، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن هَذَا الْيَهُودِيّ جَاءَ وَله ذمام، فأمهلنا نقضي ذمامه، فَإِذا صَار فِي لحده فشأنك والعجل. مر أَعْرَابِي وَفِي يَده رغيف، بِغُلَام مَعَه سيف، فَقَالَ لَهُ: يَا غُلَام، بِعني هَذَا السَّيْف بِهَذَا الرَّغِيف قَالَ: وَيلك أمجنون أَنْت؟ قَالَ الْأَعرَابِي: لعن الله شرهما فِي الْبَطن. قيل لأعرابي: هَل تعرف من النُّجُوم شَيْئا؟ قَالَ: مَا أعرف مِنْهَا إِلَّا بَنَات نعش، وَلَو تفرقن مَا عرفتهن. عض ثَعْلَب أَعْرَابِيًا، فَأتى راقياً، فَقَالَ لَهُ الراقي: مَا عضك؟ قَالَ: كلب؛ واستحى أَن يَقُول ثَعْلَب، فَلَمَّا ابْتَدَأَ يرقيه، قَالَ: اخلط بِهِ شَيْئا من رقية الثَّعْلَب. سُئِلَ آخر عَن حَاله مَعَ عشيقته فَقَالَ: مَا نلْت مِنْهَا محرما، غير أنني إِذا هِيَ بَالَتْ بلت حَيْثُ تبول.

قَالَ بَعضهم: صليت الْغَدَاة فِي مَسْجِد باهلة بِالْبَصْرَةِ، فَقَامَ أَعْرَابِي فَسَأَلَ، فَأمر لَهُ إنسانٌ مِنْهُم بِرَغِيفَيْنِ فرآهما صغيرين رقيقين، فَلم يأخذهما، وَمضى، وَجَاء برغيفٍ كبيرٍ حسنٍ فَقَالَ لباهلة: استفحلوا هَذَا الرَّغِيف لخبزكم فَلَعَلَّهُ ينجب. دخل أَعْرَابِي الْحمام وَفِيه نبطي، فَبَال الْأَعرَابِي وضرط، فَقَالَ النبطي: باسم هان الله، قَالَ الْأَعرَابِي: يَا ابْن الخبيثة، فِيكُم ضراطي، أحسن من سبيحك. قَرَأَ إِمَام فِي صلَاته: " إِذا الشَّمْس كورت " فَلَمَّا بلغ إِلَى قَوْله: " فَأَيْنَ تذهبون " أرتج عَلَيْهِ، فَجعل يُرَدِّدهَا وَكَانَ خَلفه أَعْرَابِي مَعَه جرابه، فَلَمَّا طَال عَلَيْهِ الْأَمر، وَلم يكن ينبعث. تقدم الْأَعرَابِي فصفعه بالجراب، وَقَالَ: أما أَنا فَإِنِّي كلواذي، وَهَؤُلَاء الكشاخنة لَا أَدْرِي أَيْن يذهبون. {أَبُو زيد: قلت لأعرابي: أَتَقْرَأُ من الْقُرْآن شَيْئا؟ قَالَ: مَا أنْشد مِنْهُ حرفا. تفاخر قوم بكبر الأيور، فَقَالَ أَعْرَابِي حضرهم: لَو كَانَ ذَلِك فخراً، لَكَانَ الْبَغْل من قُرَيْش. سَأَلَ أَعْرَابِي عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكرُوا لَهُ، حَتَّى انْتَهوا إِلَى ذكر مُعَاوِيَة فَقَالُوا: إِنَّه كَانَ كَاتبه، فَقَالَ: أَفْلح وَرب الْكَعْبَة، فَإِن الْأُمُور بيد الْكَاتِب. سمع أَعْرَابِي قَوْله تَعَالَى: " وَفِي السَّمَاء رزقكم وَمَا توعدون " فَقَالَ: وَأَيْنَ السّلم؟} وَقَرَأَ بَعضهم فِي صلَاته: إِنَّا بعثنَا نوحًا فَقيل لَهُ: إِنَّمَا هُوَ أرسلنَا، فَقَالَ: مَا بَينهمَا إِلَّا لجاجك.

وَقَرَأَ آخر: فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره، وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره فَقيل لَهُ: غيرت فَقَالَ: خذا صدر هرشي أَو قفاها فَإِنَّهُ ... كلا جَانِبي هرشي لَهُنَّ طَرِيق صلى آخر بِقوم وَجعل يردد: " أَرَأَيْتُم إِن أهلكني الله وَمن معي ". فَقَالَ أَعْرَابِي من خَلفه: أهْلكك الله وَحدك، مَا تُرِيدُ إِلَّا من مَعَك. قيل لأعرابي: أَيهمَا أحب إِلَيْك: أَن تلقى الله ظَالِما أَو مَظْلُوما؟ فَقَالَ: بل ظَالِما قيل. وَلم؟ قَالَ: وَمَا عُذْري إِذا قَالَ لي: خلقتك قَوِيا، ثمَّ جِئْت تستعدي. {سَأَلَ أَعْرَابِي عبد الْملك فَقَالَ: سل الله فَقَالَ: قد سَأَلته فأحالني عَلَيْك، فَضَحِك وَأَعْطَاهُ. سمع أَعْرَابِي يَقُول: أَتَرَى هَذِه الْأَعَاجِم تنْكح نِسَاءَنَا فِي الْجنَّة؟ فَقَالَ لَهُ آخر: ذَلِك بأعمالهم الصَّالِحَة، فَقَالَ: تُوطأ إِذا رقابناً وَالله قبل ذَلِك. وَكَانَ آخر يَدْعُو فَيَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر للْعَرَب خَاصَّة، وللموالي عَامَّة، فَأَما الْعَجم فهم عبيدك وَالْأَمر إِلَيْك. أكل أَعْرَابِي قرشياً فَقيل لَهُ: مَا تَأْكُل.؟ فَقَالَ: فالوذج، إِلَّا إِنَّكُم قد حمصتموه بعدِي. امْتنع أَعْرَابِي من غسل الْيَد بعد الْأكل، وَقَالَ: فقد رِيحه كفقده.} قيل لآخر: هَل تعرف التُّخمَة.؟ فَقَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ أَن يمتلئ الْإِنْسَان من الطَّعَام حَتَّى يُؤْذِيه وَلَا يشتهيه، قَالَ: وَهل يكون إِلَّا فِي الْجنَّة؟ ! قيل لآخر اشْتَدَّ بِهِ الوجع: لَو تبت؟ فَقَالَ: لست مِمَّن يُعْطي على الضيم، إِن عوفيت تبت.

طلبُوا يَوْمًا هِلَال شهر رَمَضَان فَقَالَ لَهُم أَبُو مهدية: كفوا فَمَا طلب أحد عَيْبا إِلَّا وجده. خرجت من وَاحِد مِنْهُم ريح، وَحَضَرت الصَّلَاة، فَقَامَ يُصَلِّي، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: لَو أوجبت على نَفسِي الْوضُوء بِكُل ريح تخرج مني، لخلتموني ضفدعاً أَو حوتاً. قَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت أَبَا غرارة يَقُول: من أكل سبع موزات وَشرب من لبن الأوارك، تجشأ بخور الْكَعْبَة. قَالَ هِشَام بن عبد الْملك، من يسبني وَلَا يفحش، هَذَا الْمطرف لَهُ، فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِي حضر: ألقه يَا أَحول. فَقَالَ هِشَام: خُذْهُ قَاتلك الله. دخل أَعْرَابِي الْمخْرج، فَخرج مِنْهُ صَوت، فَجعل فتيَان حَضَرُوهُ يَضْحَكُونَ مِنْهُ فَقَالَ: يَا فتيَان هَل سَمِعْتُمْ شَيْئا فِي غير مَوْضِعه! . قَالَ الْأَصْمَعِي: قيل لأبي المخش: كَيفَ كَانَ ابْنه المخش؟ قَالَ: كَانَ أشدق خرطمانياً، إِذا تكلم سَالَ لعابه كَأَنَّمَا ينظر من قُلَّتَيْنِ كَأَن ترقوته بوان أَو خالفةٌ، وَكَأن مَنْكِبه كركرة جمل ثفال، فَقَأَ الله عَيْني هَاتين إِن كنت رَأَيْت بهما أحسن مِنْهُ، قبله وَلَا بعده. وَقَالَ أَبُو المخش: كَانَت لي ابْنة تجْلِس معي على الْمَائِدَة فَتبرز كفا كَأَنَّهُ صلفةً فِي ذِرَاع كَأَنَّهُ جمارة، فَلَا تقع عينهَا على أَكلَة نفيسةٍ إِلَّا خصتني بهَا، فزوجتها، وصرت أَجْلِس مَعَ ابْن لي على الْمَائِدَة، فيبرز كفا كَأَنَّهَا كرنافة ذِرَاع كَأَنَّهُ كربَة فوَاللَّه مَا إِن تسبق عَيْني إِلَى لقْمَة طيبَة إِلَّا سبقت يَده إِلَيْهَا. ذكر أَن رجلا من الأزد كَانَ يطوف بِالْبَيْتِ وَهُوَ يَدْعُو لأمه وَلَا يذكر أَبَاهُ، فعوتب فَقَالَ: هَذِه ضعيفةٌ وَأبي رجل، فَقَالَ: باهلي؟ قَالَ: أُعِيذك بِاللَّه من ذَاك قَالَ: أَي وَالله وَأَنا مَعَ ذَاك مولى لَهُم فَأقبل الْأَعرَابِي يقبل يَدَيْهِ ويتمسح بِهِ، فَقَالَ

لَهُ الرجل: لم تفعل ذَلِك؟ قَالَ: لِأَنِّي أَثِق بِأَن الله عز وَجل لم ينلك بِهَذَا فِي الدُّنْيَا، إِلَّا وَأَنت من أهل الْجنَّة. وروى أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي جَائِع فأطعمني، فَقدم لَهُ لقْمَة من سلت وَقَالَ لَهُ سم وكل، يَا أَعْرَابِي، فَأكل حَتَّى شبع، وَبقيت مِنْهَا بَقِيَّة، فَقَالَ الْأَعرَابِي للنَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: إِنَّك لرجل صَالح. قيل لأعرابي: مَا اسْم المرق عنْدكُمْ؟ قَالَ: السخين. قيل: فَإِذا برد؟ قَالَ: لَا ندعه حَتَّى يبرد. قَالَ بَعضهم: أبقيت جاريةٌ للحي فَقيل لنا: إِنَّهَا عِنْد بني أبي الحلاج، فَأَتَيْته وَقلت لَهُ: إِن جَارِيَة من الْحَيّ أبقت، وبلغنا أَنَّهَا عِنْد بنيك، فَقَالَ: حَتَّى أنظر، فَدخل ثمَّ خرج فَقَالَ: هِيَ عِنْدهم، فأوردوا قَلِيلا لمخجونها بخجات ثمَّ ندفعها إِلَيْكُم. ذكر أَعْرَابِي امْرَأَة وَزوجهَا بالحدة فَقَالَ: هِيَ قداحة وَزوجهَا حراق. قيل لأعرابي: أتعرفون التُّخمَة عنْدكُمْ؟ قَالَ: نعم، هِيَ كثيرةٌ عندنَا، قيل: وَمَا هِيَ، قَالَ: يصبح الْإِنْسَان وَكَأن بَنَات الْبَقر تلحس فُؤَاده، يَعْنِي الْجُوع. قيل لأعرابي من بني تَمِيم: أَيهمَا أحب إِلَيْك أَن تلقى الله ظَالِما أَو مَظْلُوما، قَالَ: لَا بل ظَالِما وَالله، قَالُوا: سُبْحَانَ الله أَتُحِبُّ الظُّلم، قَالَ فَمَا عُذْري إِن أَتَيْته مَظْلُوما. يَقُول: خلقتك مثل الْبَعِير الصَّحِيح ثمَّ تَأتِينِي تعصر عَيْنك وتشتكي.؟ ؟ ؟

الباب الثاني عشر امثال العامه

الْبَاب الثَّانِي عشر أَمْثَال الْعَامَّة بَاعَ كرمه وَاشْترى معصرةً. بَاعَ الدَّوَاء وَاشْترى رمكة. إِن كَانَ معلم وَإِلَّا فدحرج. من صير نَفسه نخالة، أَكلته الدَّجَاج. اصبر من خلد الْحداد. أنذل من فأر السجْن. من أنْفق وَلم يحْسب، خرب بَيته، وَلم يعلم. المنخل جَدِيد سَبْعَة أَيَّام. ينيك الْمولى، ويفرح الْخصي. الْفُضُولِيّ دخل النَّار. مَا فرحنا بإبليس، فَكيف بأولاده؟ ! مَا رضياه نديم، صَار زوج أم. اسْكُتْ بخرا فِي حق. كَأَنَّهُ حر قد تحسى كشكية.

لَيْسَ لِلْأَمْرِ بِصَاحِب، من لم ينظر فِي العواقب. انفلت كل إِنْسَان يتهجى مَا يَشْتَهِي. حِين تقلين تدرين. الحائك إِذا بطر، سمى ابْنَته سمانة. عَاص غاص، أخرج إحره. ببطرٍ يلْعَب الشَّرّ. الشَّيْطَان يدْرِي من ربه، وَلَكِن، تحتر نَفسه. الشَّيْطَان يعدو بِلَا منشور، فيكف إِذا سجل لَهُ. أول الدن دردي. شبرٌ من ألية الْحمل، خير من ثَلَاثَة أَذْرع من ذَنْب الثور. اللَّيْلَة فِي الْبَريَّة من البلية. سف السويق، وَنفخ البوق لَا يَجْتَمِعَانِ. الحولاء مَعَ العور الملوزة الْعَينَيْنِ. كَادَت الْجدّة أَن تكون عروساً. الرّيح تصفق الْأَبْوَاب، والأبواب تصفق الْحِيطَان، والبلية على صَاحب الدَّار. الْحجر يجاز، والعصفور مجَاز. فلَان كالكعبة، يزار وَلَا يزور. الجل خير من الْفرس. الساجور خير من الْكَلْب.

الجل خير من الغرب. إِذا أَرَادَ الله إهلاك النملة، أنبت لَهَا جناحين. شَرّ السّمك الَّذِي يكدر المَاء. حق من كتب بالمسك، أَن يخْتم بالعنبر. اخْرُج الطمع من قَلْبك قبل أَن تحل الْقَيْد من رجلك. من غضب بِلَا شَيْء، رَضِي بِلَا شَيْء. كل شيءٍ وثمنه. كل إنسانٍ وهمه. يسمون، ودونه. من ضَاقَ صَدره، اتَّسع لِسَانه. إِذا ذكرت الْكَلْب، فأعد لَهُ الْعَصَا. من لم يذقْ اللَّحْم، أَعْجَبته الرئة. مد رجليك، على قدر الكساء. الجالب مرزوقٌ، والمحتكر ملعونٌ. لَيْسَ فِي الْحبّ مشورة. لَيْسَ فِي الشَّهَوَات خُصُومَة. هان على النظارة، مَا يمر على ظهر المجلود. كلما كثر الْجَرَاد، طَابَ لقطه. من كَانَ فِي الخان فغمه عَلَيْك. الْمُسْتَقْرض من كيسه يَأْكُل. كل واشبع ثمَّ أذلّ وارفع.

ضيقَة عاجلة، خير من ربح بطيء. اختم الطين مَا دَامَ رطبا. رَأس المَال أحد الربحين. العَبْد من لَا عبد لَهُ. الحرحر، وَإِن مَسّه الضّر. العَبْد عبد وَإِن ملك الدّرّ. الْهوى إِلَه معبود. استراح من لَا عقل لَهُ. اللَّذَّات بالمؤنات. كف بخت، خير من كوم علم. للحيطان آذان. من لم يتغد بدانقين، تعشى بأَرْبعَة دوانيق. خُذ اللص قبل أَن يأخذك. إِذا تخاصم اللُّصُوص، وجد صَاحب الْمَتَاع مَتَاعه. من طلى نَفسه بالنخالة، أَكلته الْبَقر. كَلَام اللَّيْل يمحوه النَّهَار. لكل جَدِيد لَذَّة. وَلكُل مُقيم حُرْمَة. جَزَاء مقبل الوجعاء ضرطة. الثقيل حمى الرّوح. حدث عَن الْبَحْر وَلَا حرج.

من كَانَ لَهُ دهن، طلى استه. الِاسْتِقْصَاء شُؤْم. الْعَيْب تحدث. من ساعةٍ إِلَى سَاعَة فرج. لَا تأمن الْأَمِير، إِذا غشك الْوَزير. الصّرْف لَا يحْتَملهُ الظّرْف. رُبمَا غلا الرخيص. انقص من أشنانك، وزد فِي ألوانك. من كَانَ دَلِيله البوم، كَانَ مَأْوَاه الخرابات. إِذا جَاءَ نهر الله، بَطل نهر عِيسَى. لَيْسَ على الطَّبِيب اسفيدباج. لَا نعلم الْيَتِيم الْبكاء. من جرب المجرب، حلت بِهِ الندامة. الطبل قد تعود اللطام. كل واحدٍ يَقُول: نَفسِي نَفسِي. الثقيل إِذا تخفف، صَار طاعوناً. صَفْقَة نقد، خير من بدرة النَّسِيئَة. تشويش الْعِمَامَة من الْمُرُوءَة. من اشْترى مَا لَا يَنْبَغِي بَاعَ بِمَا لَا يَنْبَغِي. هُوَ ألوط من ثغرة. ألوط من حَيَّة.

أنعى من علق. صمت حَصَاة بِدَم. أقبح من السحر. أوحش من الهجر. فيهم من كل رق رقْعَة. هم أَبنَاء الدهاليز. مَا أشبه السَّفِينَة بالملاح لَهُ فِي كل قدرٍ مغرفة. يضرط من أست وَاسِعَة. نزلت بوادٍ غير ذِي زرع. تنفخ فِي حَدِيد بَارِد. أثقل من كِرَاء الدَّار. أكسد من الفرو فِي الصَّيف. هُوَ ابْن زَانِيَة مريب. فلانٌ فِي النفط، فَإِن الزَّيْت مبارك. بَاعه الله فِي الْأَعْرَاب. لَا يُقَاس الْمَلَائِكَة بالحدادين. هُوَ أوسع من رَحْمَة الله. بِهِ دَاء الْمُلُوك. إيش فِي الضرطة من هَلَاك المنجل؟ يَأْكُل أكل الْيَتِيم فِي بَيت الْوَصِيّ.

يَأْكُل أكل الشص فِي بَيت اللص. رَأسك والحائط. هُوَ ألزم من الدَّقِيق. لَيْت الفجل يهضم نَفسه. عجوزٌ منتقبة. قفل على خربة. أضيع من حلىِّ على زنجية. أضيع من سراج فِي شمس. هُوَ رَقِيق الْحَافِر. يدهن رَأسه من قَارُورَة فارغة. يرضى من الْمعاصِي بالتهم. يظنّ بِالنَّاسِ، مَا يظنّ بِنَفسِهِ. دَعوته دَعْوَة السّنة. دَعوته قبح حرشنه. الْغَنِيّ فساه شمامات. أوحش من زَوَال النِّعْمَة، وَالنعَم. وَقع نقبه على كنيف. حسبته صيدا، فَصَارَ قيدا. يضْبط ضبط الْأَعْمَى.

اقلب وَقد أصبت. لَيْسَ وَرَاء عبادان قَرْيَة. أُخْفِي من خصى. أبخل من حوزي. أَكثر من با جَعْفَر فِي الديلم. خُذْهُ بِالْمَوْتِ حَتَّى يرضى بالحمى. أَنْت نَائِم ورجلك فِي المَاء. هُوَ أحسن من الدُّنْيَا الْمُقبلَة. لَا تلاطم إِلَّا شقي. لَيْسَ حَفْصَة من رجال أم عَاصِم. لَيْت كل أرملة مثل أم جَعْفَر. تحول الْقوس ركوةً. زَاد فِي الشطرنج بغل. الْبُسْتَان كُله كرفس. وَقع اللص على اللص. نزلت سملى بسلمى. من هالكٍ إِلَى مَالك. إِن كَانَ لَا بُد من قيد، فَلْيَكُن مجلو. لَا يعلم مَا فِي الْخلف، إِلَّا الله والإسكاف يستلب الْقطعَة من شَرق الْأسد. اسْتُرْ مَا لله.

بِسَاط النَّبِيذ يطوى. فلَان كالضريع، لَا يسمن وَلَا يُغني من جوع. هُوَ يطين عين الشَّمْس. تخلصت مِنْهُ بشعرة. كلما طَار قصوا أجناحيه. أخلق من قفا نبك. أعتق من الأهيئ. أعتق من الْحِنْطَة. جاهك عندنَا جاه كلب مَمْطُور فِي مَقْصُورَة فِي الْجَامِع. لَا يُسَوِّي باقة بقل. لَا يقوم عطره بفساه. لَيْسَ فِي عَصَاهُ سير. حرساً وَمَا يسطرون. رَأسه فِي القلية، واسته فِي الخرية. هُوَ كَإِيمَانِ المرجئ، لَا يزِيد وَلَا ينقص. يقوم أيرك، وينيك غَيْرك. كَاد المجرب أَن يكون ساحراً. اتكلنا مِنْهُ على خص. أَخْطَأت استه الحفرة.

هُوَ مَعَ كفره قدري. هُوَ مَعَ وسخه لوطي. أم الْكَاذِب عَرَبِيَّة. كلما دَار ضرطت. انصب دقيقك على الشوك. لَا يجني من خله عصيدة. هِيَ الطَّاقَة من تِلْكَ الباقة. هُوَ قُرَّة عين الشامت. هُوَ من طبقَة السه. غضب الصَّارِف على المصروف، غضب الجلاد على الْمَضْرُوب. لَو ضَاعَت صفعة، مَا وجدت إِلَّا على قَفاهُ. سوقنا سوق الْجنَّة. هُوَ أعرى من الْخَشَبَة. هُوَ أكسى من الْكَعْبَة. هُوَ حَائِط مائل. بخر أحد بِشعرِهِ. وَجهه يرد الرزق من فراسخ. هُوَ فالوذج الجسر. هُوَ كالشبت فِي الْقدر. فلَان يفسو على الكنيف. هُوَ رَئِيس الْجَدِيد، وَبَيت القصيد، وَرَأس التخت.

هُوَ سبع فِي قفص. هُوَ ابْن عَم النَّبِي من دُلْدُل. هُوَ قرَابَته من يَعْفُور. قد أدّى عَنهُ حق الْخَمِيس. الظفر بِهِ هزيمَة. فلَان يفزع من ظله. يضْرب بَين الدَّابَّة وَالشعِير. يلجم الفأر فِي بَيته. ينيك حمير الْحَاج. من عبد الله فِي خلق الله! كَلَامه ريح فِي قفص. مَعَ الْحمى دمل. قد وَقعت إصبعه فِي الذّرة. قَوْله وبوله سَوَاء. أعرفهُ بشري الأَصْل. حَدثنِي من الْخُف إِلَى مقنعه. ومق الطست إِلَى الطسة. رقصت فِي زورقة. يكثر الجون بالعفن. قد تعود خبز السفرة.

حاضرنا شَيْئا وَالَّذِي كَانَ مَعنا انفلت. زلق الْحمار وَكَانَ من شَهْوَة المكاري. فلَان يسرج بِالْخَيْلِ. إِذا اسْتَوَى فسكين، وَإِن أَعْوَج فمنجل. هُوَ مَا تَحت التِّبْن. لَا يقوى على الْحمار، فيميل على إِلَّا كَاف. يصيد الْحَيَّة بيد غَيره. كَانَ سندانا فَصَارَ مطرقة. حوصلي وطيري. هَذَا الْفرس، وَهَذَا الميدان. الْعَمَل، للزرنيخ وَالِاسْم للنورة. إِذا استطعم السَّكْرَان، فأضحك فِي وَجهه. من أَنْت فِي الرقعة؟ لَا يقتل الصَّبِي بعلة الداية. افرش لَهُ بنفخة. فلَان يضْرب الطبل تَحت الكساء. يَده تَحت الوجاء. لَيْسَ على الرف إِلَّا الرف. يفعل ذَلِك فِي موت كل خَليفَة. قد حرك السلسلة.

فلَان زِيَادَة الكرش. هُوَ أخلق من بردة النَّبِي. هُوَ أطوع لي من خَاتمِي. أنطق من ببغاء. أَقُود من دِرْهَم وَاضح. أطيب من عرسي. أجد من النُّور فِي شَعْرَة القَاضِي. أحسن من سوق الْعَرُوس. أشر من زنديق. أعبس من هرةٍ مقشعرة. أسعى من شص بر قعيد. أنتن من الجورب العفن. ألزم من الذُّنُوب. أطمع من قيم الرِّبَاط. أنشط من أير دخل نصفه. كَأَنَّهُ عَامل الْبر يتحنن. مواعيد والكمون. كودي يسخر من جندي. يركب الْفِيل، وَيَقُول: لَا تبصروني. فِيهِ كل عيب وعنين. هُوَ دَابَّة أبي دلامة.

هُوَ زنبيل الْحَوَائِج. لَو كَانَ فِي البومة خير، مَا تَركهَا الصياد. من زرع فِي سبخَة، حصد الْفقر. عناية القَاضِي، خير من شَاهِدي عدل. طَرِيق الحافي على أَصْحَاب النِّعَال. طَرِيق الأصلع على أَصْحَاب القلانس. بَحر النَّار إِلَى قرصه. اللَّيْلَة فِي الْبَريَّة من البلية. من ير السلجم وبياضه، يَظُنّهُ كُله دسما. لَا تَرَ الصَّبِي بَيَاض أسنانك، فيرك حمرَة استه. لَيْسَ كل من قَالَ نَار، احْتَرَقَ لِسَانه. الخنفساء فِي عين أمهَا مليحة. لَا تسب أمتِي اللئيمة، فأسب أمك الْكَرِيمَة. من تكلم بِمَا يحب سمع مَا لَا يحب. تَمْرَة وزنبور. كل نَكِير شَره. لَا تَأْكُل خبزك على خوان غَيْرك. أَنا اجرة إِلَى الْمِحْرَاب وَهُوَ يجرني إِلَى الخراب. الشَّيْطَان لَا يخرب كرمه. من أنْفق وَلم يحْسب، هلك وَلم يدر. أنذل من زند المراق.

أعتق من الْحَمَامَة. أَحمَق من الْجمل الَّذِي يضْرب استه ويصيح رَأسه. إِذا لم تَجدهُ، كم تجلده؟ لَيْسَ من كَرَامَة الدَّجَاج غسل رِجْلَيْهَا. انفخي فِي استه وعظيمة فَإِن التينور جَاره. ذكر الْفِيل بِلَاده. يَأْكُل الْفِيل ويقنص من البقة. من لم يَثِق باسته، لم يشرب اهليلج. من اشْتهى اللَّهْو، علق فِي خصاه جرساً. ضرطت فلطمت عين زَوجهَا. من حب طب، واستقى ثمَّ صب. من يطرف من وتد إِلَى وتد، يدْخل آخرهَا فِي استه. من أكل على مائدتين اختنق. مَا أطيب الْعرس لَوْلَا النَّفَقَة. من كَانَ طباخه أَبُو جعران، مَا عَسى أَن يكون الألوان؟ هَذَا هَوَاك فذق كَمَا عشقت الشبوق. كل التَّمْر على أَنه كَانَ رطبا. الْخصي ابْن مائَة سنة، واسته ابْن سنتَيْن. إِذا بطر الحائك، اشْترى بخبزه رماناً. قَامَت الإبنة تعلم الْأُم النيك. من استحيي من ابْنة عَمه، يُولد لَهُ فِي الْآخِرَة.

فر من الْقطر، وَقَعَدت تَحت الْمِيزَاب. خُذ سرة الخصى، ينفتح شرجه. الْجمل بدرهم وَالْحَبل بِأَلف دِينَار وَلَا أبيعهما إِلَّا مَعًا. كل شَيْء فِي الْقدر يُخرجهَا المغرفة. مَا تَركه اللص، أَخذه العراف. مَا أشبه التِّين بالسرفين. وَهَذِه أَمْثَال اشْترك فِيهَا الْخَواص والعوام، فَقَالَ أهل الْأَدَب وَقَالَ السّفل الْعِزّ فِي عرف الْفرس. لَا بغال إِلَّا بغال البردعة. الذل فِي ذيل الْبَقر. تَأْكُل اثْنَيْنِ وتكسب أَرْبَعَة. السَّيِّد يُعْطي، وَالْعَبْد يألم قلبه. الْمولى يرضى، وَالْعَبْد يشق استه. من اصْطنع قوما اجتنى. إِن البراطيل، تنصر الأباطيل. لَا تعرف من لَا تعرف. افْعَل الْخَيْر، ودعه. لَا تعرف الْخَيْر بِالشَّرِّ. لَا تفعل الْخَيْر لَا يصيبك سوء. الغمرات ثمَّ ينجلين.

لَا يكون بعد الْغم إِلَّا الضّيق الشَّديد. قيمَة كل امْرِئ مَا يحسن. من لَيْسَ مَعَه دِرْهَم لَا يُسَوِّي درهما. من اشْترى، فقد اشتوى. قيمَة كل امْرِئ مَا يملك. لَا يعرف قبيله من دبيره. لَا يعرف محساه من مفساه. لَا فِي العير وَلَا فِي النفير. لَا فِي حرهَا وَلَا فِي استها. مَا بقيت لَهُم ثاغية وَلَا راغية. مَا تبقى إِلَّا حرهَا والبادية. جِيءَ بِهِ من حَيْثُ ليْس، وليْس. بعض الشَّرّ أَهْون من بعض. الشَّرّ يطفي بِالشَّرِّ. القَرْضُ قَرْض. النَّسِيئَة نِسْيَان. التقاضي هذيان. وَافق شن طبقه. طوال لاثْنَيْنِ يَكْفِي أَرْبَعَة. الْجَمَاعَة مجاعَة. من فمي أستلبها.

من استي لفقها. هُوَ يغْرف من بَحر. أكار نزل على صَاحب الدَّار. بقرٌ تنيك حمارا. لَيْسَ كل أَخْضَر طري. لَيْسَ كل مدور بعر. هُوَ يضرط من استٍ وَاسِعَة. قدم خيرا إِثْمًا تَجدهُ. قدم خيرك ثمَّ أيرك. أَصبَحت شطراً بطراً. أَصبَحت وَقد وجدت فِي خراك فلسًا. عَاد غيثٌ وَلَا خسرنا. فَلَا علينا وَلَا لنا.

الباب الثالث عشر نوادر اصحاب الشراب والسكاري

الْبَاب الثَّالِث عشر نَوَادِر أَصْحَاب الشَّرَاب والسكارى قَالَ بَعضهم: إِذا رَأَيْت الرجل يشرب وَحده، فَاعْلَم أَنه لَا يفلح أبدا، وَإِذا لم يشرب إِلَّا مَعَ الإخوان فارج لَهُ الإقلاع. كَانَ بعض أَوْلَاد الْمُلُوك إِذا شرب وسكر، عربد على ندمائه، وَكَانَ إِذا صَحا ينْدَم، ويستدعي من عربد عَلَيْهِ وَيُعْطِيه ألف دِرْهَم وَمَا يقاربها، فَقَالَ لَهُ بَعضهم يَوْمًا: أَنا رجل مضيق، وَأَنا مَعَ ذَلِك ضَعِيف وَلَا أحتمل عربدة بِأَلف دِرْهَم فَإِن رَأَيْت أَن تعربد عَليّ بِمِائَتي دِرْهَم، فَقلت: فاستظرفه وَأَعْطَاهُ وَأحسن إِلَيْهِ. سقط سَكرَان فِي كنيف قد امْتَلَأَ، فَجعل يَقُول: يَا أَصْحَابِي ماللقعود هَاهُنَا معنى. قَالُوا: للنبيذ حدان، حد لَا هم فِيهِ، وحد لَا عقل فِيهِ، فَعَلَيْك بِالْأولِ وَاتَّقِ الثَّانِي. كَانَ أَبُو نواس يَقُول: خمر الدُّنْيَا، خير من خمر الْجنَّة وَقد وصفهَا الله تَعَالَى بِأَنَّهَا لَذَّة للشاربين. فَقيل: كَيفَ؟ قَالَ: لِأَن هَذَا نموذج والأنموذج من كل شَيْء أبدا أَجود. قيل لبَعْضهِم: فلَان هَل يشرب الْخمر؟ قَالَ: نعم إِذا اشْترِي بِثمن لحم خِنْزِير مَسْرُوق. قَالَ رجل لبَعض أَصْحَاب النَّبِيذ: وجهت إِلَيْك رَسُولا عَشِيَّة أمس، فَلم يجدك، قَالَ: ذَاك وَقت لَا أكاد أجد فِيهِ نَفسِي. قَالَ أَبُو العيناء: النَّبِيذ بمكسود الْغم.

سقى بَعضهم ضيفاً لَهُ نبيذاً رديئاً، وَقَالَ لَهُ: هَذَا النَّبِيذ من عانة. فَقَالَ الضَّيْف: من أَسْفَل الْعَانَة بأَرْبعَة أَصَابِع. قَالَ بَعضهم: مَا نحب أَن تدعى الْقَيْنَة فِي الصَّيف نَهَارا، وَفِي الشتَاء لَيْلًا إِلَّا لنذهب الْبرد. قيل لبَعْضهِم: كم الصَّلَاة؟ قَالَ: الْغَدَاة، وَالظّهْر. قَالُوا: فالعصر، قَالَ: تعرف وتنكر. قَالُوا: فالعشاء: قَالَ: يبلغهَا الْجواد، قَالُوا: فالعتمة؟ قَالَ: مَا كَانَت لنا فِي حِسَاب قطّ. قَالَ بَعضهم: ليكن النَّقْل كَافِيا، وَإِلَّا أبْغض بَعْضنَا بَعْضًا. خرج بعض السكارى من مجْلِس وَمَشى فِي طَرِيق فَسقط وتبوع وَجَاء كلب يلحس فَمه وشفتيه والسكران يَقُول: خدمك بنوك، وَبَنُو بنيك فَلَا عدموك {ثمَّ رفع الْكَلْب رجله وبال على وَجهه فَجعل يَقُول: وَمَاء حارٌ يَا سَيِّدي} بَارك الله عَلَيْك. خرج سوار القَاضِي يَوْم من دَاره يُرِيد الْمَسْجِد مَاشِيا، فَلَقِيَهُ سَكرَان فَعرفهُ، فَقَالَ: القَاضِي أعزه الله يمشي، امْرَأَته طَالِق إِن حَملتك إِلَّا على عَاتِقي. فَقَالَ: إدن يَا خَبِيث. فَدَنَا فَحَمله على عَاتِقه ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ: اهملج أَو أعنق؟ قَالَ يَا خَبِيث! مشياً بَين مشيتين وَاحْذَرْ العثار والزلق والصق بأصول الْحِيطَان. فَقَالَ السَّكْرَان: كَأَنَّك أردْت الملا من الفروسية يَا أَبَا عبد الله، فَلَمَّا أوصله إِلَى الْمَسْجِد، أَمر سوار بحبسه فَقَالَ: أَيهَا القَاضِي هَذَا جزائي مِنْك، فَتَبَسَّمَ، وَتَركه. قَالَ: توَاثب اثْنَان من المعربدين فِي مجْلِس وتواجا بسكينيهما، فَأصَاب السكين طرف أنف أَحدهمَا وكمرة الأير للْآخر، وَسقط من أنف هَذَا مَا أشرف، وَكَذَلِكَ من كمرة هَذَا، وَطلب كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي الظلمَة مَا انْقَطع مِنْهُ

فَوَقَعت كمرة هَذَا فِي يَد هَذَا، فلزقه على أَنفه بجرارته وشده، وَوَقع طرف أنف هَذَا فِي يَد صَاحبه، فلزقه بجرارته وشده، فالتحم الجرحان، وبرآ، وَصَارَ هَذَا يتنفس من كمرة صَاحبه، وَصَاحبه يَبُول وينيك بِأَنْفِهِ مَا عاشا {. وعاتبت امْرَأَة ابْنهَا على شرب النَّبِيذ فَقَالَ: وَالله لأشربن الْيَوْم خَاصَّة، حَتَّى أرى هذَيْن الديكين أَرْبَعَة - وَفِي الدَّار ديك وَاحِد يدرج - وَكَانَ الْغُلَام قد شرب، فَقَالَت لَهُ أمه: فاترك من يدك الْقدح، فقد بر قسمك، وَرَأَيْت الْوَاحِد اثْنَيْنِ. شرب الأقيشر فِي حَانُوت خمار حَتَّى أنفد مَا مَعَه، ثمَّ شرب بثيابه حَتَّى غلقت، وَبَقِي عُرْيَان لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء، وَجلسَ فِي وسط تبن يسْتَتر بِهِ، فَمر بِهِ رجل ينشد ضالته فَقَالَ: اللَّهُمَّ أردد عَلَيْهِ، واحفظ علينا. فَقَالَ لَهُ الْحمار: سخنت عَيْنك} أَي شَيْء يحفظ عَلَيْك رَبك؟ قَالَ: هَذَا التِّبْن لَا يَأْخُذهُ صَاحبه فَأهْلك من الْبرد. كَانَت علية بنت الْمهْدي، تَقول: من أصبح وَعِنْده فضلَة طباهجة، وقنينته نَاقِصَة. وتفاحة معضوضة، فَلم يصطبح فَلَا تعده من الفتيان. وَكتب أَخ كَانَ لأبي عبد الرَّحْمَن العطوي، إِلَيْهِ يعذله فِي النَّبِيذ، فَكتب إِلَيْهِ: يَا أخي، أما تَسْتَحي لي أَن تكون تَوْبَتِي على يدك؟ دخل رجل على ابْن سيابة وَبَين يَدَيْهِ خمر قد اشْتَرَاهُ وَلم يشرب مِنْهُ بعد، فَقَالَ: لَك الويل إِن كَانَ إِلَّا الْخمر. فَقَالَ ابْن سيابة: الويل لي إِن لم يكن خمرًا. سُئِلَ إِسْحَق عَن الندماء فَقَالَ: واحدٌ: غم، وَاثْنَانِ: هم، وثلاثةٌ: قوامٌ، وأربعةٌ: تَمام، وخمسةٌ: مجلسٌ، وستةٌ: زحام، وسبعةٌ: جيشٌ، وَثَمَانِية: عسكرٌ، وَتِسْعَة: اضْرِب طبلك، وَعشرَة: آلوبهم من شِئْت. قَالَ إِبْرَاهِيم الْموصِلِي: دخلت يَوْمًا على الْفضل بن جَعْفَر، فصادفته وَهُوَ

يشرب وَعِنْده كلب، فَقلت لَهُ: أتنادم كَلْبا؟ قَالَ: نعم، يَمْنعنِي أَذَاهُ ويكف عني أَذَى سواهُ، يشْكر قليلي، ويحفظ مبيتي، ومقيلي وعقيلي. وَأنْشد: وأشرب وحدي من كَرَاهِيَة الْأَذَى ... مَخَافَة شرٍ أَو سباب لئيم وَكَانَ آخر يشرب وَحده، وَكَانَ مدمناً للشُّرْب، وَكَانَ إِذا جلس وضع بَين يَدَيْهِ صراحية الشَّرَاب، وصراحية فارغة، ثمَّ يصب الْقدح ويشربه، وَيَقُول للصراحية الفارغة: هَذَا سروري بك، ثمَّ يصب الْقدح ويشربه، وَيَقُول للصراحية الفارغة: هَذَا سروري بك، ثمَّ يصب الْقدح ويشربه، وَيَقُول للصراحية: هَذَا سرورك بِي، ويصبه فِيهَا، وَيكون هَذَا دأبه إِلَى أَن يسكر. حضر بعض التُّجَّار مجْلِس شرب فَجعل يسْرع فِي النَّقْل فَقَالَ بعض الظراف: هَذَا يشرب النَّقْل، وينتقل بالنبيذ. قَالَ بَعضهم: لَيْسَ يقوم سكر العشى بمكروه خمار الْغَدَاة، فَقَالَ آخر: لَوْلَا سرُور خمار الْغَدَاة، لم أحتمل سكر الْعشي. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت أَبَا نواس يضْحك من سَكرَان، فَقَالَ: مَا رَأَيْت سكراناً قبله. قيل: وَكَيف ذَلِك؟ قَالَ: لِأَنِّي كنتُ أسكر قبل النَّاس، وَلَا أعلم مَا يكون حَالهم. قَالَ: رَأَيْت سكراناً قد وَقع فِي الطين وَهُوَ يَصِيح وَيَقُول: رحم الله من أَخذ بيَدي، وَله أبنة فِي مثل حالتي، وَهُوَ يرى حَاله، حَال نعْمَة. حمل آخر على قفا حمال ليَرُدهُ إِلَى منزله، فَسَأَلَ النَّاس الْحمال، وَقَالُوا: مَا هَذَا؟ فَرفع السَّكْرَان رَأسه وَقَالَ: بقيةٌ مِمَّا ترك آل مُوسَى، وَآل عمرَان، تحمله الْمَلَائِكَة. قَالَ بَعضهم: مر بِنَا سَكرَان فَسلم، فَلم نرد عَلَيْهِ، فَحل مِئْزَره ليبول وَسطنَا، فَقيل لَهُ: مَا تصنع؟ وَيلك {قَالَ: مَا ظَنَنْت أَنا هَاهُنَا إِنْسَان} . تقدم سَكرَان فصلى بِقوم، فَلَمَّا سجد نَام فِي سُجُوده، فحركوه فأنتبه، وَقَالَ: الْقدح لَيْسَ هُوَ لي. وَصلى الْوَلِيد بن عقبَة وَهُوَ أَمِير الْكُوفَة بِالنَّاسِ صَلَاة الْفجْر أَربع رَكْعَات، وَقَرَأَ:

علق الْقلب الربابا ... بعد مَا شابت وشابا إِن دين الله حق ... لَا أرى فِيهِ ارتيابا ثمَّ سلم والتفت إِلَى أَصْحَابه وَقَالَ: أَزِيدكُم! أَي يكفيكم. ونام فِي الْمِحْرَاب وتقيأ. قيل لبَعض الْحُكَمَاء: كَيفَ ابْنك؟ قَالَ: على مَا أريده مَا لم يسكر، وعَلى مَا يُريدهُ النَّبِيذ إِذا سكر. قَالَ بَعضهم: شربت يَوْمًا عِنْد ختنى النباذ إِذْ دفع الْبَاب، فَدخل فقاع ختنى، وَقَالَ: أُمِّي زَانِيَة إِن تركتك تذوق قدحاً أَو توفّي ثمنه أَو تُعْطِي رهنا بِمَا تشرب، قَالَ: فساره بِشَيْء لم أسمعهُ، وتراضياً، وَجلسَ يشرب، فَقلت: ختنى، مَا أَعْطَاك؟ قَالَ: أَعْطَانِي رهنا وثيقاً قَالَ: جعل امْرَأَته فِي يَدي إِلَى أَن يَجِيء بِثمن مَا يشرب يَوْم كَذَا. قَالَ: فغلبني الضحك، وَقلت: مَا ظَنَنْت أَن الطَّلَاق يرْهن إِلَى السَّاعَة. وَشرب آخر عِنْد بعض الخمارين، فَلم يكن يسكر، فَشَكا ذَلِك إِلَى الْخمار فَقَالَ: اصبر فَإِن هَذَا يَأْخُذ فِي آخِره، فَلَمَّا خرج أَخذه الطَّائِف فَقَالَ: صدق الرجل، هَذَا أَخذ فِي آخِره. قَالَ بَعضهم: قلت لوَاحِد من السّفل، رَأَيْته فِي بَيت خمار: جِئْت إِلَى هَاهُنَا مطفلاً؟ فَقَالَ: بل اتكيت على دِرْهَم ودانقين، وَجئْت. أَخذ الطَّائِف بِالْبَصْرَةِ رجلا سَكرَان فَقَالَ لرجاله: جروه. فَقَالَ: أصلحك الله، لست سكراناً قَالَ: فاقرأ سُورَة الْبَقَرَة، قَالَ: أعزّك الله، لَعَلَّك لَا تُرِيدُ أَن تَطوف اللَّيْلَة. شرب جعفري ولهبي على سطح، فَلَمَّا أَخذ الشَّرَاب مِنْهُمَا، رمى الْجَعْفَرِي بِنَفسِهِ إِلَى أَسْفَل وَقَالَ: أَنا الطيار فِي الْجنَّة، فتكسر. وتشبث اللهبي بِالْحَائِطِ، وَقَالَ: أَنا ابْن المقصوص فِي النَّار. مر سَكرَان وَهُوَ يترنح بِرَجُل يَبُول، فَقَالَ لَهُ: من أَنْت؟ قَالَ: رجلٌ من أهل الأَرْض، قَالَ: فاقطعني نصفهَا.

قَالَ: قد فعلت. قَالَ السَّكْرَان: أمه زَانِيَة، إِن درعها إِلَّا دَاري. قيل لشيخ: أتشرب النَّبِيذ؟ قَالَ: مِقْدَار مَا أتقوى بِهِ على ترك الصَّلَاة. قَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش: كنت وسُفْيَان الثَّوْريّ وَشريك ابْن عبد الله نمشي بَين الْحيرَة والكوفة، فَرَأَيْنَا شَيخا أَبيض الرَّأْس واللحية، حسن السمعة، لَهُ رواء فَقُلْنَا: هَذَا شيخ جليل، قد سمع الحَدِيث، وَرَأى النَّاس، وَكَانَ سُفْيَان أطلبنا للْحَدِيث، وأشدنا بحثا وَأَعْلَمنَا بِهِ، وأحفظنا لَهُ، فَتقدم إِلَى الشَّيْخ وَسلم، ثمَّ قَالَ: أعندك رَحِمك الله شيءٌ من الحَدِيث؟ قَالَ: أما الحَدِيث فَلَا، وَلَكِن عِنْدِي عَتيق سنتَيْن. فَنَظَرْنَا، فَإِذا هُوَ خمار. بَاعَ بَعضهم ضيعته فَقَالَ لَهُ المُشْتَرِي: بالْعَشي أشهد عَلَيْك. قَالَ: لَو كنت مِمَّن يفرغ بالْعَشي، مَا بِعْت ضيعتي. خرج ثُمَامَة من منزلٍ ضيق لَهُ، مَعَ الْمغرب، وَهُوَ سَكرَان، فَإِذا هُوَ بالمأمون قد ركب فِي نفر، فَلَمَّا رَآهُ ثُمَامَة عدل عَن طَرِيقه وبصر بِهِ الْمَأْمُون، فَضرب كفل دَابَّته وحاذاه، فَوقف ثُمَامَة، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: ثُمَامَة! ، قَالَ: إِي وَالله، قَالَ: من أَنا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي وَالله. فَضَحِك الْمَأْمُون حَتَّى انثنى على دَابَّته. وَقَالَ: عَلَيْك لعائن الله. فَقَالَ ثُمَامَة: تترى إِن شَاءَ الله. وَأمر لَهُ بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم. قدم شراعه بن زيد على الْوَلِيد بن يزِيد، وَكَانَ كثب فِي إقدامه عَلَيْهِ، فَلَمَّا دخل مَا سَأَلَهُ عَن سفرة، وَلَا عَن نَفسه، حَتَّى قَالَ: يَا شراعة، إِنِّي وَالله مَا أرْسلت إِلَيْك لأسألك عَن كتاب الله، وَلَا أستفتيك عَن سنة رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَالَ: لَو سَأَلتنِي عَنْهُمَا لَوَجَدْتنِي حمارا. قَالَ: إِنَّمَا أرْسلت إِلَيْك لأسألك عَن الفتوة، قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فاسأل عَنْهَا طبيبها الرفيق، ودهقانها الْعَالم. قَالَ: أَخْبرنِي عَن الْأَشْرِبَة. قَالَ: سلني: قَالَ مَا تَقول فِي المَاء؟ قَالَ: لَا بُد لي مِنْهُ، وَالْحمار شَرِيكي فِيهِ. قَالَ مَا تَقول فِي اللَّبن؟ قَالَ: مَا رَأَيْته مُنْذُ فطمت، إِلَّا استحيلت أُمِّي لطول مصي ثديها. قَالَ: فَمَا تَقول فِي

السويق: قَالَ: شراب الْمَرِيض والمحزون والمستعجل. قَالَ: فَمَا تَقول فِي نَبِيذ التَّمْر؟ قَالَ سريع امتلاؤه، وسريع انتشاره، وضرط أَكْثَره، قَالَ فَمَا تَقول فِي الزَّبِيب: قَالَ: يحام بِهِ حول الْأَمر. قَالَ: فَمَا تَقول فِي الْخمر؟ قَالَ: فَوضع يَده على صَدره ثمَّ قعد، وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تِلْكَ صديقَة روحي، قَالَ: وَأَنت أَيْضا صديقي. قَالَ فَمَا تَقول فِي الطَّعَام؟ قَالَ: لَيْسَ لصَاحب النَّبِيذ على الطَّعَام سَبِيل. قَالَ: فَأَي الْمجَالِس أعجب إِلَيْك؟ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَالله الْعجب لمن لم يغرقه الْمَطَر، أَو تحرقه الشَّمْس، كَيفَ يجلس إِلَّا تَحت السَّحَاب؟ {وَالله مَا شرب النَّاس على وجهٍ، أحسن من وَجه السَّمَاء. قيل لعبد الْعَزِيز بن آدم: إِن بنيك يشربون النَّبِيذ. قَالَ: صفوهم لي. فوصفوهم بالخرق والطيش قَالَ: هَؤُلَاءِ يَدعُونَهُ: قَالُوا لَهُ. وَلَكِن آدم أوقر مَا يكون إِذا شرب، قَالَ: إِنَّه وَالله هُوَ الَّذِي لَا يَدعه أبدا. كتب أَخُو العطوي إِلَيْهِ يعذله فِي النَّبِيذ. فَكتب إِلَيْهِ: أما تَسْتَحي أَن تكون تَوْبَتِي على يَديك؟} قَالَ الجاحظ: رَأَيْت أسود فِي يَده قنينة وَهُوَ يبكي، فَقلت لَهُ: مَا يبكيك؟ قَالَ: أَخَاف أَن تنكسر قبل أَن أسكر {} !

الباب الرابع عشر في الكذب

الْبَاب الرَّابِع عشر فِي الْكَذِب قَالَ دَغْفَل: حمى النُّعْمَان ظهر الْكُوفَة، وَمن ثمَّ قيل: شقائق النُّعْمَان، فَخرج يَوْمًا يسير فِي ذَلِك الظّهْر، فَإِذا هُوَ بشيخ يخصف النَّعْل. فَقَالَ: مَا أولجك هَاهُنَا؟ قَالَ: طرد النُّعْمَان الرعاء، فَأخذُوا يَمِينا وَشمَالًا، فانتهيت إِلَى هَذِه الوهدة فِي خلاءٍ من الأَرْض، فنتجت الْإِبِل، وَولدت الْغنم، وامتلأت السّمن. والنعمانً معتم لَا يعرفهُ الرجل. قَالَ: أوما تخَاف النُّعْمَان؟ قَالَ: وَمَا أَخَاف مِنْهُ لربما لمست بيَدي هَذِه بَين عانة أمه وسرتها، فأجده كَأَنَّهُ أرنب جاثم، فهاج النُّعْمَان غَضبا وسفر عَن وَجهه، فَإِذا خَرَزَات الْملك، فَلَمَّا رَآهُ الشَّيْخ قَالَ: أَبيت اللَّعْن! ، لَا تَرَ أَنَّك ظَفرت بِشَيْء، قد علمت الْعَرَب أَنه لَيْسَ بَين لابتيها شيخ أكذب مني. فَضَحِك النُّعْمَان وَمضى. سَمِعت الصاحب رَحْمَة الله عَلَيْهِ، يَحْكِي عَن الْوَزير أبي مُحَمَّد المتنبي أَن بعض الْأَحْدَاث من أهل بَغْدَاد من أَوْلَاد أَرْبَاب النعم فَارق أَبَاهُ مستوحشاً، وَخرج إِلَى الْبَصْرَة، وَكَانَ فِي الْفَتى أدب وظرف وَفضل، فَدَخلَهَا وَقد انْقَطع عَنهُ، وتحير فِي أمره، فَسَأَلَ عَمَّن يستعان بِهِ من أَهلهَا من الْفُضَلَاء، فوصف لَهُ نديم الْأَمِير، كَانَ بهَا فِي ذَلِك الْوَقْت من المهالبة فقعده وَعرض عَلَيْهِ نَفسه وعرفه أمره فَقَالَ لَهُ: أَنْت من أصلح النَّاس لمنادمة هَذَا الْأَمِير، وَهُوَ أحْوج النَّاس إِلَيْك إِن صبرت مِنْهُ على خلة واحدةٍ فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: هُوَ رجل مشغوف بِالْكَذِبِ لَا يصبر عَنهُ، وَلَا يفِيق مِنْهُ، وَلَا بُد لَك من تَصْدِيقه فِي كل شيءٍ يَقُوله، وكل كذب يختلقه، لتحظى بذلك عِنْده، وَإِن لم تفعل ذَلِك لم أَمنه

عَلَيْك. فَقَالَ الْفَتى: أَنا أفعل ذَلِك واحتذ من رسمك فِيهِ، وَلَا تجاوزه فوصفه هَذَا النديم لصَاحبه، فَقَالَ: لَا يكونن بغدادياً سيئ الْأَدَب، فضمن عَنهُ حسن الْأَدَب، وَإِقَامَة شُرُوط الْخدمَة. فَاسْتَحْضرهُ وَحضر، وأعجب بِهِ، وخلع عَلَيْهِ، فَحملت إِلَيْهِ صلَة من الثِّيَاب وَالدَّرَاهِم وَغَيرهَا، وَوضعت بَين يَدَيْهِ وواكله وأحضر مجْلِس أنسه وَهُوَ فِي أثْنَاء ذَلِك يَأْتِي بالعظائم من الْكَذِب فيصدقه إِلَى أَن قَالَ مرّة - وَقد أَخذ الشَّرَاب من الْفَتى - إِن لي عَادَة فِي كل سنة أَن أطبخ قدرا كَبِيرَة وَقت وُرُود حَاج خُرَاسَان، وأدعوهم وأطعمهم جَمِيعهم من تِلْكَ الْقدر الْوَاحِدَة، فتحير الْفَتى وَقَالَ: أَي شَيْء هِيَ هَذِه الْقدر بادية الْعَرَب؟ دهناء تَمِيم؟ بَحر قلزم؟ ! فَغَضب الْأَمِير، وَأمر بتمزيق الْخلْع عَلَيْهِ وطرده فِي بعض اللَّيْل، وَأَقْبل على النديم يعنفه ويلومه، وَعَاد الْفَتى إِلَى بَاب النديم، وَبَات عَلَيْهِ إِلَى أَن أصبح، وَعَاد الرجل إِلَى منزله، فَدخل إِلَيْهِ وَاعْتذر بالسكر، وَضمن أَن لَا يعود لمثل ذَلِك، فَعَاد إِلَى صَاحبه وَحسن أمره وَقَالَ: أَنه كَانَ بعيد عهدٍ فِي الشَّرَاب، وَعمل النَّبِيذ فِيهِ عملا لم يشْعر مَعَه بشيءٍ مِمَّا جرى. وَأَنه بكر إِلَى سير، فَرَآهُ اللُّصُوص عِنْد عوده فعارضوه وَأخذُوا مِنْهُ حلَّة الْأَمِير ومانعهم فمزقوا عَلَيْهِ خلعة، فرسم بإعادته إِلَى الْمجْلس، وأضعف لَهُ فِي الْيَوْم الثَّانِي الْجَائِزَة والخلعة وَجعل الْفَتى يتَقرَّب بأنواع التَّقَرُّب إِلَيْهِ، وَإِذا كذب الْأَمِير صَدَقَة، وَحلف عَلَيْهِ. إِلَى أَن جرى ذكر الْكلاب الربيبة وَالصغَار فَقَالَ الْأَمِير: قد كَانَ عِنْدِي مِنْهَا عدَّة فِي غَايَة الصغر، حَتَّى أَتَى لأمر بِأَن تلقى فِي المكحلة، وَكَانَ لي مضحك أعبث بِهِ، فَأمرت أَن يكحل من تِلْكَ المكحلة إِذا قَامَ وسكر وَكَانَ إِذا أصبح وأفاق من سكره يرى تِلْكَ الْكلاب وَهِي تنبح فِي عينه وَلَا يقدر عَلَيْهَا لصغرها. قَالَ: فَقَامَ الْفَتى وخلع الثِّيَاب المخلوعة عَلَيْهِ، وَترك الْجَائِزَة وَعَاد عُريَانا. قَالَ: لَا صَبر لي على كلابٍ تنبح من أجفان الْعين، اعْمَلْ بِي مَا شِئْت، وَفَارق الْبَصْرَة، وَعَاد إِلَى بَغْدَاد. قَالَ الْمَدَائِنِي كَانَ عندنَا بِالْمَدَائِنِ رجل يُقَال لَهُ: دينارويه وَكَانَ خبيثاً، قَالَ لَهُ وَالِي الْمَدَائِن: إِن كذبت كذبةً لم أعرفهَا فلك عِنْدِي زق شراب ودراهم وَغَيرهمَا. قَالَ لَهُ دينارويه: هرب لي غلامٌ فَغَاب عني دهراً لَا أعرف لَهُ خَبرا

فاشتريت بطيخة فشققتها فَإِذا الْغُلَام فِيهَا يعْمل خفاً وَكَانَ إسكافاً، قَالَ الْعَامِل: قد سَمِعت هَذَا. قَالَ: كَانَ لي برذون يدبر، فوصف لي قشر الرُّمَّان فألقيتها على دَبرته، فَخرج فِي ظَهره شَجَرَة رمان عَظِيمَة. قَالَ: قد سَمِعت بِهَذَا أَيْضا. قَالَ: كَانَ لغلامي فروةٌ فقمل: فطرحها فحملها الْقمل ميلين. قَالَ: قد سَمِعت بِهَذَا. فَلَمَّا رأى أَنه يبطل عَلَيْهِ كل مَا جَاءَ بِهِ قَالَ: إِنِّي وجدت فِي كتب أبي صكا، فِيهِ: أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم والصك عَلَيْك. فَقَالَ: وَهَذَا كذب وَمَا سمعته قطّ. قَالَ: فهات مَا خاطرت عَلَيْهِ. فَأَخذه. قَالَ الشّعبِيّ: حضرت مجْلِس زِيَاد وحضره رجلٌ فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير، إِن لي حُرْمَة أذكرها؟ قَالَ: هَاتِهَا. قَالَ: رَأَيْتُك بِالطَّائِف وَأَنت عَظِيم ذُو ذؤابة، قد أحَاط بك جمَاعَة من الغلمان فَأَنت تركض هَذَا مرّة برجلك وتنطح هَذَا مرّة برأسك وتكدم هَذَا مرّة بأنيابك، فَكَانُوا مرّة ينثالون عَلَيْك هَذِه حَالهم، وَمرَّة يندون عَلَيْك وَأَنت تتبعهم حَتَّى كاثروك، واستعدوا عَلَيْك فَجئْت حَتَّى أخرجتك من بَينهم وَأَنت سليمٌ وَكلهمْ جريح. فَقَالَ: صدقت، أَنْت ذَلِك الرجل.؟ قَالَ: أَنا ذَاك. قَالَ: حَاجَتك؟ قَالَ: حَاجَة مثلي الْغَنِيّ عَن الطّلب، قَالَ: يَا غُلَام اعطه كل صفراء وبيضاء عنْدك، فَنظر فَإِذا قيمَة مَا يملكهُ فِي ذَلِك الْيَوْم أَرْبَعَة وَخَمْسُونَ ألف دِرْهَم فَأَخذهَا وَانْصَرف. فَقيل لَهُ بعد ذَلِك: أَأَنْت رَأَيْت زياداً وَهُوَ غُلَام فِي شدَّة الْحَال. قَالَ: أَي وَالله لقد رَأَيْته اكتنفه صبيان صغيران كَأَنَّهُمَا من سخال الْمعز، فلولا أَنِّي أَدْرَكته، لظَنَنْت أَنَّهُمَا يأتيان على نَفسه. قَالَ رجلٌ من آل الْحَارِث بن ظَالِم: وَالله لقد غضب الْحَارِث يَوْمًا فانتفح فِي ثَوْبه فبدر فِي عُنُقه أَرْبَعَة أزرارٍ، ففقأت أَرْبَعَة أعين من عُيُون جُلَسَائِهِ. وَمِمَّا حَكَاهُ أَبُو العنبسي عَن أبي جَعْفَر الرزاز. قَالَ: رَأَيْت بِبِلَاد الْأَغْلَب خَصيا نصفه أَبيض، وَنصفه أسود، شعر رَأسه أشقر، وَكنت فِي مركب، وأشرف علينا طَائِر من طيور الْبَحْر فِي منقاره فيل، وعَلى عُنُقه فيل، وَفِي كل مخلب من مخالبه فيل، وَتَحْت إبطه كركدن، وَهُوَ يطير بهَا إِلَى وَكره ليزق فِرَاخه. وَرَأَيْت بالمراغة عين مَاء وَرَأَيْت شَجَرَة تحمل مشمشاً دَاخل المشمس

تَمْرَة، وَنوى التمرة باقلاء عباسية. وَرَأَيْت بالنعمانية رجلا تعشى ونام، وَبِيَدِهِ تَمْرَة، فجره النَّمْل سِتَّة أميالٍ، وَرَأَيْت خَمْسَة من المخنثين تغدوا فِي قَصْعَة، وجدفوا بكفاف طبولهم حَتَّى عبروا نهر بَلخ، وَكَانَ لأبي خف من مرى مصاعد. قَالَ بَعضهم: كَانَ لأبي منقاشٌ اشْتَرَاهُ بِعشْرين ألف دِرْهَم. فَقيل لَهُ: مَا كَانَ ذَلِك المنقاش؟ كَانَ من جَوْهَر أَو مكللاً بالجوهر؟ ! فَقَالَ: لَا كذبت. قَالَ: كَانَ هَذَا المنقاش إِذا نتفت بِهِ شَعْرَة بَيْضَاء، عَادَتْ سَوْدَاء. قَالَ الْمبرد. تكاذب أَعْرَابِيَّانِ فَقَالَ أَحدهمَا: خرجت مرّة على فرس لي، فَإِذا أَنا بظلمة شَدِيدَة فتممتها حَتَّى وصلت إِلَيْهَا، فَإِذا قطعةٌ من اللَّيْل لم تنتبه، فَمَا زلت أحمل عَلَيْهَا بفرسي حَتَّى أنهيتها فانجابت. فَقَالَ: أَلا لقد رميت ظَبْيًا مرّة بِسَهْم. فَعدل الظبي يمنة، فَعدل السهْم خَلفه، ثمَّ تياسر السهْم، ثمَّ على الظبي فعلا السهْم ثمَّ انحدر فَأَخذه. قَالَ وَزعم الروَاة أَن عُرْوَة بن عتبَة بن جَعْفَر بن كلاب قَالَ: لِابْني الجون الكنديين: إِن لي عَلَيْكُمَا حَقًا لرحلتي ووفادتي، فدعوني أنذر قومِي من موضعي، فَقَالُوا: شَأْنك. فصاح بقَوْمه فأسمعهم على مسيرَة لَيْلَة. وَسُئِلَ أَبُو عُبَيْدَة عَن مثل هَذِه الْأَخْبَار من أَخْبَار الْعَرَب فَقَالَ إِن الْعَجم تكذب فَتَقول: كَانَ رجلٌ نصفه من نُحَاس وَنصفه من رصاص. فتعارضها الْعَرَب بِمثل هَذَا وَشبهه. وَمن ذَلِك مَا يحكون فِي خبر لُقْمَان بن عَاد فَإِنَّهُم يصفونَ أَن جَارِيَة لَهُ سُئِلت عَمَّا بَقِي من بَصَره لدُخُوله فِي السن. فَقَالَت: وَالله لقد ضعف بَصَره، وَلَقَد بقيت مِنْهُ بَقِيَّة إِنَّه ليفصل بَين أثر الْأُنْثَى وَالذكر من الذَّر إِذا دب على الصَّفَا. فِي أَشْيَاء تشاكل هَذَا من الْكَذِب. قَالَ الْأَصْمَعِي: قلت لأعرابي كنت أعرفهُ بِالْكَذِبِ: أصدقت قطّ؟ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي أصدق فِي هَذَا لَقلت لَك: لَا.

وتحدثوا عَن عَمْرو بن معدي كرب أَنه كَانَ مَعْرُوفا بِالْكَذِبِ وَأَن أهل الْكُوفَة الْأَشْرَاف كَانُوا يظهرون بالكناسة فيتحدثون على دوابهم إِلَى أَن تطردهم الشَّمْس، فَوقف عَمْرو بن معدي كرب، وخَالِد بن الصَّقْعَب النَّهْدِيّ وَأَقْبل عَمْرو يحدثه فَقَالَ: أغرنا على بني نهد، فَخَرجُوا مستغيثين بِخَالِد بن الصقعبي فَحملت عَلَيْهِ فطعنته فأذريته ثمَّ ملت عَلَيْهِ بالصمصامة فَأخذت رَأسه فَقَالَ خَالِد: خلا، أَبَا ثَوْر، إِن قتيلك هُوَ الْمُحدث. فَقَالَ: يَا هَذَا إِذا حدثت فاسمع، فَإِنَّمَا يتحدث بِمثل هَذَا لنرهب بِهِ الْأَعْدَاء. وَقيل لخلف الْأَحْمَر، وَكَانَ شَدِيد التعصب لليمن أَكَانَ عَمْرو بن معد يكرب يكذب؟ فَقَالَ: كَانَ يكذب فِي الْمقَال، وَيصدق فِي الفعال. وَذكر أَن قَاصا كَانَ يكثر التحديث عَن هرم بن حَيَّان، فاتفق أَن كَانَ مَعَه هرم فِي الْمَسْجِد وَهُوَ يَقُول: حَدثنِي هرم مرّة بعد مرّة بأَشْيَاء لَا يعرفهَا هرم فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا أتعرفني؟ أَنا هرم بن حَيَّان، مَا حدثتك بِهَذَا من شَيْء، فَقَالَ لَهُ الْقَاص: وَهَذَا أَيْضا من عجائبك، أَنه ليُصَلِّي فِي الْمَسْجِد خَمْسَة عشر رجلا اسْم كل وَاحِد مِنْهُم هرم، فَكيف توهمت أَن لَيْسَ فِي الدُّنْيَا هرم غَيْرك.؟ وشبيه بِهَذَا مَا شهدناه، وَهُوَ أَنه لما وَفد أَبُو الْقَاسِم بن بابك على الصاحب رَحمَه الله وأنشده مدائحه فِيهِ، طعن عَلَيْهِ بعض الْحَاضِرين وَذكر أَنه منتحل وَأَنه ينشد قصائد قد قَالَهَا ابْن نَبَاته، فَأَرَادَ الصاحب أَن يمْتَحن، فاقترح عَلَيْهِ أَن يَقُول قصيدة يصف فِيهَا الْفِيل على ورق عرد فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم قصيدته الْمَعْرُوفَة الَّتِي أَجَاد فِيهَا واستحسنها الصاحب. وَقَالَ لَهُ: شَككت لَهُ، خيب الشَّك، وَلَام الطاعن على كذبه، وادعائه أَنه ينتحل شعر غَيره فَقَالَ: يَا مَوْلَانَا، هَذَا وَالله مَعَه سِتُّونَ فيلية كلهَا على هَذَا الْوَرق لِابْنِ نباتة. وَقَالَ الْمبرد كَانَ بالرقة قاص يكثر الحَدِيث عَن بني إِسْرَائِيل، فيظن بِهِ

الْكَذِب، فَقَالَ لَهُ يَوْمًا الْحجَّاج بن خَيْثَمَة: مَا كَانَ اسْم بقرة بني إِسْرَائِيل؟ فَقَالَ خَيْثَمَة عجل فَقَالَ لَهُ رجل من ولد أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: فِي أَي كتب وجدت هَذَا؟ قَالَ: فِي كتاب عَمْرو بن الْعَاصِ. وَقَالَ الْعُتْبِي أَنا أصدق فِي صغيرٍ مَا يضرني، ليجوز كذبي فِي كبيرٍ يَنْفَعنِي. وَرُوِيَ أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّمَا أوخذ من الذُّنُوب بِمَا ظهر، وَأَنا استسر بخلال أَربع: الزِّنَا، وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر، وَالْكذب، فأيهن شِئْت تركت لَك، يَا رَسُول الله قَالَ: دع الْكَذِب. فَلَمَّا ولي عَنهُ هم بِالزِّنَا فَقَالَ: يسألني رَسُول الله فَإِن جحدت نقضت مَا جعلت لَهُ، وَإِن أَقرَرت حددت أَو رجعت، فَلم يزن، ثمَّ هم بِالسَّرقَةِ ثمَّ بِشرب الْخمر، ثمَّ فكر فِي مثل ذَلِك، فَرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، قد أخذت على السبل، قد تركتهن جَمِيعًا. شهد أَعْرَابِي عِنْد مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ: كذبت، فَقَالَ الْأَعرَابِي: الْكَاذِب وَالله المتزمل فِي ثِيَابك، فَقَالَ مُعَاوِيَة: هَذَا جَزَاء من عجل. وَذكروا أَن رجلا نظر إِلَى ظبيةٍ، فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِي: أَتُحِبُّ أَن تكون لَك؟ قَالَ: نعم قَالَ: فاعطني أَرْبَعَة دَرَاهِم حَتَّى أردهَا إِلَيْك، فَفعل، فَخرج يمحص فِي أَثَرهَا فحدق وجد، حَتَّى أَخذ بقرنيها، فجَاء بهَا، وَهُوَ يَقُول: وَهِي على الْبعد تلوي خدها تريغ شدى وأريغ شدها كَيفَ ترى عَدو غُلَام ردهَا. ذكر أَنه أضلّ أَعْرَابِي بَعِيرًا لَهُ عَرَبيا، وَكَانَ فِي الصائغة، فَبينا هُوَ يطوف فِي طلبه، إِذا هُوَ فِي حجرَة الْوَالِي ببختي لنابه صريف، عَلَيْهِ بلمة فَتَأَمّله طَويلا، ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ: بَعِيري الَّذِي ضل قد وجدته، فجَاء مَعَه نَحْو من خمس مائَة رجل من قومه من حمير إِلَى الْوَالِي فَقَالُوا: نشْهد إِنَّه بعيره، فَقَالَ لَهُ الْوَالِي: خُذْهُ، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ لَهُ بَعضهم: يَا فلَان ألم يكن بعيرك الَّذِي أضللته عَرَبيا.؟

قَالَ: بلَى، وَلكنه أكل من شعير الْأَمِير فتبخت. اشْترى رجلٌ من الْأَعْرَاب شَاة على أَنَّهَا تحلب قَفِيزا فَإِذا هِيَ تحلب أقل من ذَلِك، فَقَالَ لأَصْحَابه: تَشْهَدُون بِي على شاتي هَذِه أَنَّهَا تسرق السّمع، فَأتى بهَا أَبَا عَطاء فَقَالَ: أصلحك الله، إِن هَذَا بَاعَنِي شَاة على أَنَّهَا تحلب قَفِيزا، وَامْرَأَته طَالِق إِن لم يكن عوج عِنْدهَا فِي الْأكل جَائِع وَهَذِه، وَهَؤُلَاء الْأَرْبَعَة يشْهدُونَ على مَا قلت، فَالْتَفت إِلَيْهِم فَقَالَ: أتشهدون على شَهَادَة محدودة؟ قَالَ أَوَّلهمْ: أشهد أَنِّي رَأَيْت هَذِه الشَّاة وَثَبت على شَيْء طوله أَرْبَعُونَ ذِرَاعا فأكلته حَتَّى بلغت طرفه فَقَالَ للثَّانِي: بِمَ تشهد؟ قَالَ: أشهد أَنِّي رَأَيْت هَذِه الشَّاة وَثَبت على قدر لرجل من الْجِيرَان يطْبخ فِيهَا لحم، فَأكلت اللَّحْم وحسيت المرق وَكسرت الْقدر، وَضربت عظما برجلها، فشحب القَاضِي وَهُوَ لَهُ بِهِ، ثمَّ قَالَ للثَّالِث: بِمَ تشهد قَالَ: أشهد إِنِّي رَأَيْت هَذِه الشَّاة وَثَبت على جمَاعَة تبول، فَأكلت بَعْضهَا صحاحاً، وَبَعضهَا مقطعاً، فَقَالَ أَبُو عَطاء للرابع: لَا تشهد بِشَيْء، فَإِنِّي أخْشَى أَن يشْهد أَنَّهَا أهلكت رجلا فآخذك بِالدِّيَةِ. وَكَانَ ورد على كَافِي الكفاة أَبُو الْفضل ابْن العميد، وَقَبله شيخ حسن الْهَيْئَة والشيبة والشارب وَالْبزَّة، يرجع إِلَى فضل كثير، ويفتق فِي الْعُلُوم، وَيَقُول شعرًا جيداًُ وَكَانَ مشغوفاً بِالْكَذِبِ، وَكَانَت لَهُ أوابد، وعجائب، يحدث بهَا عَن نَفسه وَلَا يتحاشى من كَبِير وَلَا صَغِير، مِمَّا حكى أَنه قَالَ: إِنِّي سلكت طَرِيقا بالروم فِي شدَّة الْبرد، فَلَمَّا ارْتَفع النَّهَار سمعنَا فِي الْهَوَاء أصواتاً مختلقةً، وكلاماً عَالِيا، وَلم نر أحدا، فَإِذا قومٌ كَانُوا سلكوا طَرِيقا فَقطعُوا الطَّرِيق قبلنَا فِي اللَّيْل، وجمدت أَصْوَاتهم من شدَّة الْبرد فِي الجو، فَلَمَّا حمى النَّهَار وطلعت الشَّمْس على الْأَصْوَات الجامدة، ذَابَتْ، فَكُنَّا نسمعها، وَوَاحِد يَقُول: اشْدُد الرحل، وَآخر يَقُول: اسرج الدَّابَّة، وَمَا يجانس ذَلِك من كلامٍ حفظ عَنْهُم. وَذكر أَنه وجد فِي هَذَا الطَّرِيق جبلا أسود، فَشد بِهِ رَحْله، فَلَمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس، تقطع وطار وَسقط رَحْله على الطَّرِيق، وَأَن ذَلِك كَانَ من اجْتِمَاع خطا طيف كَثِيرَة أَصَابَهَا الْبرد، فَادْخُلْ كل وَاحِد رَأسه فِي است الآخر، وَصَارَت على هَيْئَة الْجَبَل، فَلَمَّا مَسهَا حر الشَّمْس طارت {}

قَالَ أَبُو حَيَّة: رميت وَالله ظَبْيَة فَلَمَّا نفذ السهْم ذكرت بالظبية حَبِيبَة لي، شبهتها بهَا فشددت السهْم حَتَّى قبضت على قذذة فرددته. وَقَالَ الجاحظ: قيل لخباز أَنَّك لتكذب بِالْحَدِيثِ قَالَ. وَمَا عَلَيْك إِذا كَانَ الَّذِي أَزِيد فِيهِ أحسن مِنْهُ، فوَاللَّه مَا ينفعك صدقه وَلَا يَضرك كذبه، وَمَا يَدُور الْأَمر إِلَّا على لفظٍ جيد وَمعنى حسن، لكنك وَالله لَو أردْت ذَلِك، لتلجلج لسَانك، ولذهب كلامك. قَالَ أَبُو بكر الشَّيْبَانِيّ كنت أَسِيرًا مَعَ بني عَم لي من بني شَيبَان، وَفينَا من موالينا جمَاعَة فِي أَيدي التغالبة، فَضربُوا أَعْنَاق بني عمي وأعناق الموَالِي، على وهدة من الأَرْض، فَكنت وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره أرى دم الْعَرَبِيّ ينماز من دم الْمولى، حَتَّى أرى بَيَاض الأَرْض بَينهمَا فَإِذا كَانَ هجيناً قَامَ فَوْقه، وَلم يعتزل عَنهُ.

الباب الخامس عشر نوادر المجان

الْبَاب الْخَامِس عشر نَوَادِر المجان قَالَ بعض المجان: الْيَمين الْكَذِب كالترس خلف الْبَاب. شرب الهفني دَوَاء فأسرف عَلَيْهِ حَتَّى أنحله وَذهب بجسمه فَأَتَاهُ إخوانه يعودونه فَقَالَ: مَا علمت أَنِّي من جراحتي الْيَوْم. دنا جمَاعَة مِنْهُم إِلَى فقاعي فَشَرِبُوا من عِنْده فقاعاً ثمَّ قَالُوا: لَيْسَ مَعنا شَيْء، فَخذ منا رهنا قَالَ: وَمَا الرَّهْن؟ قَالَ: تَأْخُذ من كل واحدٍ منا صفعة، فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام، جَاءُوهُ وَقَالُوا: خُذ ثمن الفقاع ورد علينا الرهون، فَجعل يَأْبَى وَيمْتَنع وَيَقُول: لَا حَاجَة لي فِي الثّمن. قَالُوا: يَا أَحمَق: لَك حَقك والسلعة لنا رهن عنْدك، فَأخذ مَا أَعْطوهُ شَاءَ أم أَبى، وصفعوا خَدّه بِقدر مَا كَانَ صفعهم كلهم وَاحِدًا وَاحِدًا. تداين من بقال شَيْئا بنسيئة، وَحلف لَهُ أَنه لَا يُجَامع امْرَأَته إِلَى أَن يقْضِي دينه، فَكَانَ قد رَاهن أَن يدع امْرَأَته عِنْد الْبَقَّال. شرب دَاوُد الْمُصَاب مَعَ قوم فِي شهر رَمَضَان لَيْلًا، وَقَالُوا لَهُ فِي وَجه السحر: قُم فَانْظُر هَل تسمع أذاناً؟ فَأَبْطَأَ عَنْهُم سَاعَة ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ: اشربوا فَإِنِّي لم أسمع الْأَذَان سوى من مَكَان بعيد. نظر رجل إِلَى ابْن سيابة يَوْم جُمُعَة وَقد لبس ثِيَابه فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَق أَظُنك تُرِيدُ الْجَامِع قَالَ: لعن الله الظَّالِم والمريد.

كتب بَعضهم إِلَى صديق لَهُ: أما بعد، فقد أظلنا هَذَا الْعَدو يَعْنِي شهر رَمَضَان. فَكتب إِلَيْهِ فِي الْجَواب لَكِن أَهْون عَلَيْك من شَوَّال. قيل لبَعْضهِم: من أبْغض النَّاس إِلَيْك؟ قَالَ: مَشَايِخ الدَّرْب. قيل لِابْنِ مضاء الرَّازِيّ: قد كَبرت، فَلَو تبت وَحَجَجْت كَانَ خيرا لَك، قَالَ: وَمن أَيْن لي مَا أحج بِهِ؟ قَالَ: بِعْ بَيْتك، قَالَ: فَإِذا رجعت فَأَيْنَ أنزل؟ وَإِن أَقمت وجاورت بِمَكَّة أَلَيْسَ الله يَقُول: يَا صعفان، بِعْت بَيْتك وَجئْت تنزل على بَيْتِي؟ وَتزَوج بِامْرَأَة وَأَمْهَرهَا أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم، فَاسْتَكْثر ذَلِك بعض أصدقائه فَقَالَ: الْأَمر يسهل مَعَ غَرِيم كلما ألفيته نكته. وَكَانَ بسجستان ماجنٌ يعرف بِعَمْرو الخزرجي، استقبله يَوْمًا رجل من أصدقائه وَقد شجوه وسالت الدِّمَاء على وَجهه، فَقَالَ لعَمْرو: لَيْسَ تعرفنِي؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُك فِي هَذَا الزي قطّ فاعذرني، إِنِّي لم أتثبتك. وَكَانَ فِي بعض السنين قحط وَغَلَاء وَوَقع بَين امْرَأَته وَبَين جيرةٍ لَهَا خُصُومَة، فَضربت وَكسرت ثنيتها، فَانْصَرَفت إِلَيْهِ باكية وَقَالَت: فعل بِي مَا هُوَ ذَا ترَاهُ، وَضربت وَكسرت لي ثنية فَقَالَ: لَا تغتمي، مَا دَامَ الثغر هَذَا، تكفيك ثنية وَاحِدَة. ومازحه يَوْمًا إِنْسَان وَمد يَده إِلَى أيره وَجعل يرطله فَقَالَ عَمْرو: إِن أَحْبَبْت أَن تَأْكُله فكله هُنَا، فَإنَّك إِن رَددته إِلَى الْبَيْت، غصبتك أم الصّبيان عَلَيْهِ. وَسُئِلَ عَن زَوجته وجمالها فَقَالَ: هِيَ كباقة نرجس، رَأسهَا أَبيض، ووجهها أصفر، ورجلها خضراء. وَقَالَ رجل لصديق لَهُ: إِن لَك شَيْئَيْنِ لَيْسَ لله مثلهَا قَالَ: مَا ذَاك؟ قَالَ: لَك ابْني عَم بغاءين، وَلَيْسَ لله ذَلِك. وَصَارَ جماعةٌ من جِيرَانه إِلَيْهِ وسألوه أَن يعطيهم شَيْئا يصرفونه فِي ثمن يواري مَسْجِد فِي جيرته فَقَالَ لَهُم: إِن كُنْتُم رَأَيْتُمُونِي فِي الْمَسْجِد يَوْمًا فِي

الْأَيَّام، أَو دخلت لحَاجَة فضلا عَن الصَّلَاة، فكلفوني أَن أفرشه طولا فِي جهرمية اشتريها لكم. وَقَالَ يَوْمًا النَّاس لَا يعلمُونَ مَتى يموتون، وَأَنا أعلم مَتى أَمُوت. قَالُوا: وَكَيف علمت؟ قَالَ: أَنا أعلم أَنه إِذا دخل كانون الثَّانِي وهبت الرّيح الْبَارِدَة وَلَيْسَ لي جُبَّة وَمَا أتدثر بِهِ، فَإِنِّي أَمُوت لَا محَالة. وَقيل لَهُ: هَل تعرف الدِّرْهَم وتنقده؟ فَقَالَ: مُنْذُ زمَان رَأَيْته، فَإِذا رَأَيْته رَجَوْت أَن أعرفهُ. وَقع بَينه وَبَين امْرَأَته كلامٌ فَقَالَت لَهُ: قد وَالله شيبتني وبيضت رَأْسِي، فَقَالَ: إِن كنت أَنا بيضت رَأسك، فَمن قلع أسنانك؟ وَصَارَ بعض المجان إِلَى بَاب دَاره ودق الْبَاب، فَلَمَّا دنت امْرَأَته من الْبَاب قَالَ لَهَا: افتحي حَتَّى أَدخل وأنيكك، وَأنْظر أَنْت أطيب أم امْرَأَتي.؟ فَقَالَت: سل عمرا فقد ناكنا جَمِيعًا. وَقَالَ لَهُ يَوْمًا إِنْسَان: مَتى عَهْدك بالنيك؟ فَقَالَ: سل أمك فقد نَسِيته. قيل لبَعض المجان: الْبُشْرَى! فقد رزق الْأَمِير البارحة ابْنا، فَقَالَ: سَمِعت هَذَا الْخَبَر من يَوْمَيْنِ. قيل لَهُ: إِنَّمَا ولد البارحة، كَيفَ سمعته أَنْت من يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: خبر السوء يتَقَدَّم بِثَلَاثَة أَيَّام. صرع امْرَأَة بعض المجان، فَقَرَأَ عَلَيْهَا مثل مَا يقْرَأ المعزم، ثمَّ قَالَ: أمسلم أَنْت أم يَهُودِيّ أم نَصْرَانِيّ.؟ فَأَجَابَهُ الشَّيْطَان على لسانها وَقَالَ: أَنا مُسلم، قَالَ: فَكيف استحللت أَن تتعرض لأهلي وَأَنا مُسلم مثلك؟ قَالَ: لِأَنِّي أحبها، قَالَ: وَمن أَيْن جِئْت؟ قَالَ: من جرجان قَالَ: فَلم صرعتها؟ قَالَ: لِأَنَّهَا تمشي فِي الْبَيْت مكشوفة الرَّأْس. قَالَ: يَا سَيِّدي إِذا كنت بِهَذِهِ الْغيرَة، هلا حملت من جرجان وقاية تلبسها وَلَا تتكشف؟ قَامَ بَعضهم من مجْلِس ليُصَلِّي فَقيل لَهُ: أَي صَلَاة تصليها الأولى أَو الْعَصْر؟ فَقَالَ الماجن وَكَانَ حَاضرا: أَي صَلَاة صلاهَا فَهِيَ الأولى، فَإِنَّهُ مَا صلى غَيرهَا.

وَكَانَ بَعضهم لَا يُصَلِّي فَقبل لَهُ فِي ذَلِك. فَقَالَ: أليست الصَّلَاة مَعَ الْميتَة حرَام؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فَإِن أيري هَذَا هُوَ ميت من ثَلَاثِينَ سنة. قَالَ أَحْمد بن أبي طَاهِر: دَعَوْت أصدقائي فَجَاءُوا مَعَهم بصفغ فمددت يَدي إِلَيْهِ فَقَالَ لي: يَا ابْن البظراء، هَذَا مزاج من دَاره على دجلة، وَفِي بستانه طَاوُوس، وَفِي اصطبله فيل، وعَلى بَاب دَاره زرافة، لَيْسَ من دَاره بكرا وخبزه شرا، ودواؤه فِي رنقة وَفِي حجرته ديك، وعَلى بَابه كلب. قَالَ آخر: الصفع غلَّة، وَلكنه مذلة. قَالَ آخر: الصفع المجان، خير من البطالة بكرَاء. قيل لأدهم المضحك، وَكَانَ أسود، وَقد أَمر الْوَالِي أَن لَا يخرج أحد إِلَى الْمصلى إِلَّا فِي سَواد قَالَ: فَأَنا أخرج عُرْيَان. قَالَ المتَوَكل لبَعض المجان، أطلب لي نَصَارَى يسلمُونَ، فَغَاب عَنهُ أَيَّامًا ثمَّ عَاد إِلَيْهِ، وَقَالَ: الْإِسْلَام وَالْحَمْد لَك فِي الإقبال، وَلم أجد مَا طلبت، وَلَكِن هَاهُنَا مَشَايِخ مصورون من الْمُسلمين يتنصرون إِن أردْت. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت بعض المجان المتنادرين بعد مَوته فِي النّوم فَقلت لَهُ: يَا فلَان مَا فعل بك رَبك؟ قَالَ: يَا أَحمَق، ترى صهري فعل أبي مَا يَفْعَله بِكُل أحد، وعاملني مَا يُعَامل بِهِ غَيْرِي؟ قَالَ بَعضهم: رَأَيْت العتابي فِي سوق البزارين جَالِسا يَبُول على أعقاب منادين فَقلت: تفعل هَذَا مَعَ أدبك البارع فَقَالَ: إِنَّمَا اغتنمت هَذِه الْخلْوَة. قَالَ بَعضهم: مر بِي عبَادي بَين يَدَيْهِ حمَار عَلَيْهِ قفص من زجاج فَقلت: أَي شَيْء مَعَك {قَالَ: إِن عثر الْحمار، فَلَا شَيْء. قَالَ: كوني أَنا سفلَة فِي الدُّنْيَا، سفلَة فِي الْآخِرَة قيل: كَيفَ ذَلِك} قَالَ:

أما دنياي فَكَمَا ترَوْنَ، وَأما الْآخِرَة فَإِن دخلت الْجنَّة فَلم أطمع أَن أكون مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ، وَإِن دخلت النَّار، لم أطمع أَن أكون مَعَ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان {} استرث رجل حَال بِي هفان فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْنك قَالَ: لَا أَدْرِي: إِمَّا أَن أكون عِنْد الله فِي عداد الْمَوْتَى، أَو تكون الْمَلَائِكَة تسرق لذتي. كَانَ نعْمَان أحد ولد الْفضل بن نعْمَان مَاجِنًا ذَا نَوَادِر، فَقَالَ لَهُ جماعةٌ من أَصْحَابه، هَذَا شهر رَمَضَان فَمن يُصَلِّي بالجيران التَّرَاوِيح؟ فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا: لَيْسَ فِينَا من ينشط لذَلِك قَالَ: نعم. فالعبوا بالنرد إِحْدَى عشرَة فصلة ترويحتين فَمن تقمر صلى ترويحتين، ثمَّ ألعبوا أبدا حَتَّى يفرغوا من عداد التَّرَاوِيح حَتَّى لَا يَقع على وَاحِد مِنْهُم خيف. كَانَ بعض المجان لَا يَصُوم تَطَوّعا إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء، فعوتب على ذَلِك فَقَالَ: أصومه رَحْمَة لَهُ، لِأَنِّي لَا أجد أحدا يَصُومهُ. أكل بَعضهم سمكًا كثيرا ففلج فَلَمَّا كَانَ من الْغَدَاء اشْتهى اللَّبن والسمك. فَقَالُوا لَهُ: أبده الله فِي نَفسك فَقَالَ: تخافون أفلج مرّة أُخْرَى. قَالَ بَعضهم: مَرَرْت بشيخ يَأْكُل فِي شهر رَمَضَان جهاراً فَقلت لَهُ، أما تتقي الله؟ فَقَالَ: لست مرائياً، عافاك الله. قيل لبَعْضهِم: رُوِيَ فِي الحَدِيث: أَن الله إِنَّمَا رزق الأحمق ليعلم الْعَاقِل أَنه لَا يجر إِلَى نَفسه بعقله شَيْئا. فَقَالَ: كَانَ يَكْفِي إِنْسَان وَاحِد للأنموذج. قَالَ بعض الظرفاء لصديق لَهُ. أَنْت عِنْدِي غَدا، فَقَالَ: تقَوِّي ظَهْري برقعة. أشرف قوم كَانُوا فِي سفينة على الْهَلَاك، فَأخذُوا يدعونَ الله بالنجاة ويتضرعون ورجلٌ فيهم ساكتٌ لَا يتَكَلَّم فَقَالُوا لَهُ: لم لَا تَدْعُو أَنْت أَيْضا؟ فَقَالَ: هُوَ مني إِلَى هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى أَنفه، وَإِن تَكَلَّمت، غرقكم.

قَالَ بَعضهم: غضب العشاق مثل مطر الرّبيع. قَالَ بَعضهم: نيك الخصى أَوله بكاء وَآخره ضحك قَالُوا: وَكَيف ذَاك؟ قَالَ: لِأَنَّهُ إِذا ناك الْمَرْأَة عضها فتبكي، وَإِذا نزع ضرط فتضحك. قيل لبَعْضهِم: مَا بَال الْكَلْب إِذا بَال يرفع رجله؟ قَالَ: يخَاف أَن يتلوث دراعته قيل: وللكلب دراعة؟ قَالَ: هُوَ يتَوَهَّم أَنه بدارعة. حُكيَ عَن بعض الشُّيُوخ أَنه قَالَ: مَرَرْت بِالْبَصْرَةِ فَرَأَيْت ماجنين يَقُول أَحدهمَا للْآخر: تحَالفا علينا على غير أمرٍ كَانَ منا، فَجمعت خطى وأنني استطعم حَدِيثهمَا، فَإِذا هما يَقُولَانِ: أَي وَالله إِن هَذَا لعجب يَقُول إِبْلِيس، فوربك لأغوينهم أَجْمَعِينَ. وَيَقُول الله: فَالْحق وَالْحق أَقُول لأملأن جَهَنَّم وَمن يقوم لتحالفهما. قَالَ: فَلَمَّا رأياني حولا وَجه الحَدِيث، وانثنيا فِي معنى آخر. قيل لِابْنِ سيابة: مَا نظنك تعرف الله. قَالَ: وَكَيف لَا أعرف من أجاعني، وأعراني، وأدخلني فِي حر أُمِّي. قَامَ شملة وَلَزِمَه آخر وَكَانَا ماجنين. فَقَالَ: حَتَّى لَا تفلح أبدا تَعَالَى فَقَالَ: أما أَنا فقد جِئْت، فَإِن شِئْت أَنْت، فتعال. سُئِلَ أَبُو الريان الْحِمصِي عَن معنى قَول النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام حِين سُئِلَ مَتى تقوم السَّاعَة؟ فَأَشَارَ بأصابعه الثَّلَاث وَتَأَول على ثَلَاثمِائَة سنة، فَقَالَ: إِنَّمَا أَرَادَ الطَّلَاق إِنَّه لَا يدْرِي. قَالَ بَعضهم: سَمِعت بعض المجان يَقُول: فلانٌ أَخذ من الحافي نَعله. قَالَ: وَسمعت آخر يَقُول: لعن الله فلَانا، يطر من الْعُرْيَان كمه. مر ماجنٌ بِالْمَدِينَةِ بِرَجُل قد لسعته عقرب، فَقَالَ: أَتُرِيدُ أَن أصف لَك داواءها؟ قَالَ: نعم. قَالَ: عَلَيْك بالصياح إِلَى الصَّباح. نظر بَعضهم إِلَى صبي بغيض فَقَالَ: هَذَا وَالله من أَوْلَاد الْإِيمَان، فَقَالُوا: كَيفَ قَالَ: يَقُول أَبوهُ نحرت ابْني هَذَا عِنْد الْكَعْبَة، اهديت ابْني هَذَا إِلَى مقَام إِبْرَاهِيم، ثكلت ابْني هَذَا.

قَالَ قدامَة بن نوح: أَوْلَاد الزِّنَا أَنْجَب، وَذَلِكَ أَن الرجل يَزْنِي بشهوته كلهَا ونشاطه فَيخرج الْوَلَد كَامِلا، وَالْبَاقُونَ من جماع بِغَيْر شَهْوَة وتصنع من الرجل لامْرَأَته. قَالَ بَعضهم: حفظت من أَحَادِيث النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَرْبَعَة وَنصف قيل لَهُ: وَمَا هُوَ {قَالَ: حَدِيثه إِذا ابتلت النِّعَال، فَالصَّلَاة فِي الرّحال. وَحَدِيثه؛ عَلَيْهِ السَّلَام: ابردوا بِالظّهْرِ فَإِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم. وَحَدِيثه: إِذا حضرت الصَّلَاة وَالْعشَاء فابدأوا بالعشاء. وَحَدِيثه: لَيْسَ من الْبر الصّيام فِي السّفر، وَنصف الحَدِيث. حبب إِلَيّ من دنياكم النِّسَاء وَالطّيب، وَكَانَت قُرَّة عينه فِي الصَّلَاة وَلَيْسَت كَذَلِك. مر بَعضهم فِي طَرِيق فعي من الْمَشْي، فَرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: يَا رب، ارزقني دَابَّة، فَلم يمش إِلَّا قَلِيلا حَتَّى لحقه أَعْرَابِي رَاكب رمكة وَخَلفه مهر لَهَا صَغِير قد عي فَقَالَ للرجل: احمله سَاعَة، فَامْتنعَ الرجل فقنعه بِالسَّوْطِ حَتَّى حمله، فَلَمَّا حمله نظر إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: يَا رب، لَيْسَ الذَّنب لَك، إِنَّمَا الذَّنب لي حَيْثُ لم أفسرك، دَابَّة تركبني أَو أركبها. اشْترِي بَعضهم جَارِيَة فَقيل لَهُ: اشْتَرَيْتهَا لخدمتك أَو لخدمة النِّسَاء} فَقَالَ: بل لنَفْسي، وَلَو اشْتريت للنِّسَاء لَكُنْت اشْترِي مَمْلُوكا فحلاً. كَانَ أَبُو زهرَة مَاجِنًا كَانَ يحمق، فَصَعدَ يَوْمًا فِي دَرَجَة طَوِيلَة فَلَمَّا قطعهَا، قَالَ مَا بَيْننَا وَبَين السَّمَاء إِلَّا مرحلة وَقد رميت الشَّيَاطِين من دون هَذِه الْمسَافَة. وَدخل يَوْمًا من بَاب صَغِير وَكَانَ طَويلا فَقَالَ: أدخلتم الْجمل فِي سم الْخياط قبل يَوْم الْقِيَامَة؟ ؟ قَالَ بَعضهم: لَو أعْطى الله النَّاس أمانيهم لافتضحوا. . قيل: وَكَيف! قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا امْرَأَة إِلَّا وَهِي تشْتَهي أَن يكون أير صَاحبهَا مثل أير الْحمار، وَهُوَ يَشْتَهِي أَن يكون حرهَا أضيق من حَلقَة الْخَاتم، مَتى كَانَ هَذَا فِي هَذَا. ورث بَعضهم مَالا، فَكتب على خَاتمه الوحى، فَلَمَّا أفلس كتب على خَاتمه اسْتَرَحْنَا.

الباب السادس عشر نوادر في الفساء والضراط

الْبَاب السَّادِس عشر نَوَادِر فِي الفساء والضراط قَالَ بعض العباديين: من حبس ضرطته، كتب استه من الكاظمين الغيظ. ضرط أَبُو الْأسود عِنْد مُعَاوِيَة واستكتمه فَأَرَادَ أَن يضع مِنْهُ، لما كَانَ عَلَيْهِ من التَّشَيُّع فَلَمَّا اجْتمع النَّاس أخْبرهُم بضرطه قَالَ أَبُو الْأسود: إِن امْرَءًا اؤتمن على ضرطة فَلم يكتمها لحريٌّ، أَن لَا يؤتمن على أَمر الْأمة. مشت فتاة فِي الطَّرِيق وإِلى جَانبهَا شيخ فاستعجلت فضرطت فَقَالَ الشَّيْخ: سُبْحَانَ الله. فوقفت وَقَالَت لَهُ: سبحت فِي غل وقيدين، يَا بغيض يَا مقيت، مِمَّن تسبح؟ قطعت عَلَيْك الطَّرِيق؟ فتعلقت لَك بِثَوْب؟ شتمت لَك عرضا؟ رميتك بِفَاحِشَة؟ حبستك عَن حَاجَة؟ امْضِ على حالك لَا مصحوباً وَلَا مَحْفُوظًا، فَخَجِلَ الشَّيْخ حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضرط. ضرط الرجل بِحَضْرَة عمر فَلَمَّا حضرت الصَّلَاة، قَالَ عمر: عزمت على من كَانَت هَذِه الرّيح مِنْهُ، إِلَّا تَوَضَّأ. فَقَالَ جرير بن عبد الله: لَو عزمت علينا جَمِيعًا أَن نَتَوَضَّأ كَانَ أتسر للرجل وَأكْرم فِي الْفِعْل. فَقَالَ لَهُ عمر: جَزَاك الله خيرا، فَلَقَد كنت سيداً فِي الْجَاهِلِيَّة، سيداً فِي الْإِسْلَام، عزمت عَلَيْكُم أَلا توضأتم، فَقَامُوا جَمِيعًا وسترت على الرجل. وَكَانَ سعيد بن جُبَير الْكَاتِب من المعروفين بالضراط، وَكَانَ يضرط على عيدَان القيان وَيَزْعُم أَن الضراط أحسن من السماع. وضارط مرّة أَبَا هفان ثَلَاثًا. قَالَ: اجعلهما نَغمَة بَين شدوين، فغلط أَبُو هفان وضرط، فَقَالَ سعيد: نقضت الشَّرْط، قَالَ: صدقت، زِدْت على قومِي مَا

لَيْسَ فيهم، وَكَانَ أَبُو هفان عبدياً، وَعبد قيس تعير بالفسو. وَقَالَ مرّة لأبي هفان: وَالله لَئِن ضرطت عَلَيْك ضرطة لأبلغنك فِيهَا إِلَى فِيهِ فِي دفعةٍ. فَقَالَ: الله الله يَا مولَايَ، زِدْنِي أُخْرَى، وَبَلغنِي مَكَّة فَإِنِّي صرورة. فضرط عَلَيْهِ ضرطة أصعقت أَبَا هفان، ورجي عَلَيْهَا بِالْقُرْآنِ مَا تذر من شَيْء أَتَت عَلَيْهِ إِلَّا جعلته كالرميم، وَقَالَ أَبُو هفان: يَا سَيِّدي، ردني من الثعلبية فقد كفاني {} وَقَالَ الْمَأْمُون لحاتم الريش وَكَانَ ضراطاً: أَنْت أَمِير الضراطين، وَقَالَ: أَنا أوسع مِنْك سُلْطَانا إِذن، لِأَن الْإِيمَان خَاص، والضراط عَام. وَقَالَ لَهُ مرّة: يَا حَاتِم أَيْن بلغ ابْنك؟ فَقَالَ: أول مَا فسا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! دخل أَعْرَابِي إِلَى الْحجَّاج فَجعل يشكو إِلَيْهِ جَدب السّنة فَبينا هُوَ مفرط فِي ذَلِك إِذْ ضرط فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير، وَهَذِه أَيْضا من بلية هَذِه السّنة. فَضَحِك وَأَجَازَهُ. وَخَاصم آخر خصما لَهُ بَين يَدي بعض الْوُلَاة، فَغَضب أَحدهمَا وأزرى على صَاحبه فِي الْكَلَام، فَبينا هُوَ على تِلْكَ الْحَال حَتَّى ضرط، فَقَالَ: وَهَذِه أَيْضا فِي لحيتك. قيل للمنصور وَكَانَ مَرِيضا: إِن فلَانا ضرط فِي مجْلِس فَتنبه فَقَالَ: ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء. كَانَ بالأهواز عاملٌ أَصمّ، وَكَانَ يضرط فِي مَجْلِسه، ويحسب أَنه يفسو، فضرط مرّة بَين أهل عمله وَبَين يَدَيْهِ كَاتب لَهُ، فَأخذ كَاتبه رقْعَة وَكتب فِيهَا: أصلح الله الْأَمِير إِن هَذَا الَّذِي يخرج ضراط يسمع، وَهُوَ يرى أَنه فسَاء يخفى، فَإِن رأى أَن يمسك، فعل إِن شَاءَ الله. فَوَقع فِي حَاشِيَته: إِنَّمَا استكفيناك أَمر خراجنا، وَلم نصدرك على ضراطنا، فتغافل كَمَا تغافل الْقَوْم، فَأَنت واحدٌ مِنْهُم.

ذكر أَن ابْن سيابة كَانَ عِنْد كَاتب من كتاب الْمهْدي فَسَأَلَهُ حَاجَة فَمَنعه، وجر الْكَاتِب دواته فضرط فَقَالَ: ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم. فَقَالَ ابْن سيابة: إِذا أذنبوا قَالُوا مقادير قدرت ... وَمَا الْعَار إِلَّا مَا تجر المقادر دخل إعرابي على يزِيد وَهُوَ يتغدى فَقَالَ لأَصْحَابه أفرجو لأخيكم فَقَالَ الْأَعرَابِي: لَا حَاجَة لي إِلَى ذَلِك أَن أطنابي وَالْحَمْد لله طوال، فَلَمَّا جلس وتهيأ ليَأْكُل، ضرط، فَقَالَ لَهُ يزِيد واستضحك: مَا أَظن إِلَّا طنباً من أطنابك قد انْقَطع. وعطس رجلٌ فضرط وَأَرَادَ بعض جُلَسَائِهِ أَن يَقُول: يَرْحَمك الله، فَقَالَ: ضرطت وَالله. فَقَالَ: صدقت وَالله. وحَدثني بعض مَشَايِخ الْكتاب بِالريِّ: لما مَاتَ ابْن فراشكين صَاحب جَيش خُرَاسَان بِالريِّ، قَامَ بِالْأَمر بعده وَاحِد كَانَ يُقَال لَهُ نبال غز قَالَ: فَكُنَّا بَين يَدَيْهِ يَوْمًا إِذا تقدم صَاحب الْبَرِيد، وَقَالَ لَهُ: أَيهَا الْأَمِير قد نزل ركن الدولة خَارِجا من أصفهان طامعاً فِي الرّيّ، قَالَ: وَتغَير لَونه وتحرك وضرط، وَأَرَادَ أَن يَسْتَوِي قَاعِدا فضرط ضرطةً أُخْرَى وَثلث وَربع، فَقَالَ لَهُ صَاحب الْبَرِيد: الرجل منا بعد على ثَمَانِينَ فرسخاً. قَالَ: فَغَضب وَقَالَ لَهُ: يَا فَاعل تقرر أَنِّي أضرط هُوَ ذَا من الْفَزع؟ أَنا إِنَّمَا أضرط من الْغَضَب. وضرط بعض جلساء الصاحب رَحمَه الله فِي مَجْلِسه وَكَانَ مَعَه على سَرِير، فَخَجِلَ وَأَرَادَ أَن يدْفع عَن نَفسه، فَقَالَ: هُوَ صرير التخت. يَعْنِي السرير، فَقَالَ الصاحب: بل هُوَ صرير التحت. وَكَانَ يتَكَلَّم يَوْمًا فِي مَسْأَلَة من الْأَصْوَات فضرط بعض الْحَاضِرين فَقَالَ الصاحب: وَهَذَا أَيْضا من الْأَصْوَات، وَمر فِي الْمَسْأَلَة يتَكَلَّم على عَادَته فِيهَا. قيل لبَعْضهِم: لَا تضرط، فَإِن الضراط شؤوم. قَالَ: أَحْرَى أَن أَدَعهُ فِي جوفي. نظر الْحسن الْبَصْرِيّ إِلَى رجل عَلَيْهِ بزَّة سَرِيَّة فَقَالَ: مَا يصنع هَذَا؟ قَالُوا:

يضرط فَقَالَ: مَا طلب الدُّنْيَا بِمَا يسْتَحق أحد غير هَذَا. مد رجل رجله إِلَى أكار لَهُ، وَقَالَ: اطلب شَوْكَة قد شاكتني. فَجعل الأكار يطْلبهَا بإبرة فانفلتت من الرجل ضرطة فَقَالَ الأكار: لست أرى الشَّوْكَة، وَلَكِن هُوَ ذَا اسْمَع صَوتهَا. وَتزَوج رجل بِامْرَأَة فضرطت لَيْلَة الزفاف، فخجلت، وبكت، فَقَالَ لَهَا: لَا تبْكي فقد قيل: إِن الْمَرْأَة إِذا ضرطت لَيْلَة الزفاف، كَانَ ذَلِك دَلِيلا على خصب السّنة، قَالَ: فضرطت أُخْرَى، قَالَ: لَا فَإِن بيتنا الَّذِي ندخر فِيهِ الْغلَّة بَيت وَاحِد صَغِير، وَلَا يسع أَكثر من هَذَا. قَالَ الْمَدَائِنِي: أَتَى عبد الله بن عَليّ بِرَجُل من أَصْحَاب مَرْوَان فَعرفهُ فَقَالَ: يَا غُلَام الصاعقة بِسيف كَانَ لَا لمرتشي إِلَّا هتكته. فَقَالَ الشَّامي: من لَا يحسن هَذَا. أما وَالله لَو كَانَ هَذَا الْكَلَام مِنْك لعَلِمت أَنَّك لَا تَقوله: قَالَ: يَا ابْن الفاعلة، وتخاطبني أَيْضا، اضربوا رَأسه بالعمود، فضرط الشَّامي ضرطة وَقع العمود لَهَا من يَد الْغُلَام، ونفرت دَابَّة عبد الله، فَضَحِك، وَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَأَنت عتيقها. قَالَ الشَّامي. وَهَذَا أَيْضا من الإدبار، كُنَّا ندفع الْمَوْت بأسيافنا، فصرنا ندفعه بأستاهنا. صعد الْمُغيرَة الْمِنْبَر فضرط فحرك يَده وَضرب بهَا استه وَقَالَ: كل است ضروط، ثمَّ نزل وَتَوَضَّأ، وَعَاد إِلَى مَكَانَهُ. قَالَ بَعضهم: كنت جَالِسا عِنْد صديق لي، فَجَاءَتْهُ رقْعَة من منزله، فَنظر فِيهَا وضرط، فحادثته سَاعَة واغتفلته، وَأخذت الرقعة، وقرأتها فَإِذا فِيهَا: فني، الدَّقِيق وندر الْخبز. تلاعب اثْنَان بالشطرنج، وعدلهما آخر فشرطاً عَلَيْهِ أَن لَا يدبدب، وَلَا يعلم وَاحِدًا مِنْهُمَا وينبهه على لعب، فَرَأى شاه رخ لأَحَدهمَا وَلم يملك نَفسه وَلم يقدر أَن يتَكَلَّم ليمينه، فضرط من القلق الَّذِي أَخذه وفطن الرجل بضرطه

لشاه رخ، فَادّعى خَصمه أَن ذَلِك دبدبة واحتكما إِلَى الصولي، فَقَالَ: إِن كَانَ جرى من هَذَا الرجل فِي مثل هَذَا الْمجْلس وسم الضراط، فَلَيْسَ ذَلِك بدبدبة، وَإِن لم يعرف مِنْهُ ذَلِك قبل هَذَا، فَهُوَ دبدبة. كَانَ بعض الْعلمَاء بِهِ طرش، وَكَانَ يُرْسل الضرطة فِي مَجْلِسه ويحسبها فسوة، فَعرفهُ كَاتبه ذَلِك فِي رقْعَة فَوَقع فِي جوابها: أقل مَا لي عِنْد أهل علمي، أَن يحتملوا إِلَى صرف مَا بَين الفسوة والضرطة. أَدخل إِنْسَان أبخر إِلَى بعض الرؤساء وساره بِشَيْء فتأذى ببخره، فَلَمَّا فرغ من حَدِيثه فسَاء وَزَاد الْبلَاء على الرجل فَقَالَ لَهُ: قُم يَا ابْن الفاعلة، عافاك الله فَإنَّك غَارِم الطَّرفَيْنِ. دخل رجل من أهل السوَاد فِي يَوْم جُمُعَة، الْمَدِينَة، وَأَرَادَ تَجْدِيد الْوضُوء، فَأخذ كوز مَاء من عِنْد بعض من يجلس على بَاب الْجَامِع وتطهر بِهِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَن يذهب. طَالبه صَاحب المَاء بِقِطْعَة مِمَّا مَعَه، فَقَالَ: لَيْسَ معي شَيْء، قَالَ: فَلم أخذت المَاء وتطهرت بِهِ؟ فَقَالَ: إِن كنت تطهرت بمائك فها، وضرط ضرطة مُنكرَة، وَقَالَ: خُذ طهورك، فقد رَددته عَلَيْك، وَدخل الْمَسْجِد وَصلى بحالته. سمع عبَادَة من جَوف ابْن حمدون قرقرة، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْن حمدون ولدت فِي شباط؟ أَي أَنْت كثير الرِّيَاح، وَذَلِكَ أَن ابْن حمدون ضرط فِي مجْلِس المتَوَكل وَفِي ذَلِك للشعراء أشعارٌ كَثِيرَة. مر ابْن عَلْقَمَة على جمَاعَة من عبد الْقَيْس، فضرط بعض فتيانهم، فَالْتَفت إِلَيْهِم فَقَالَ: يَا عبد الْقَيْس، فسائين فِي الْجَاهِلِيَّة، ضراطين فِي الْإِسْلَام، إِن جَاءَ دين آخر خريتم. أثنى رَئِيس وَفد على الْملك، فَإِنَّهُ كَذَلِك إِذا فلتت مِنْهُ ضرطة فَالْتَفت إِلَى

استه فَقَالَ يخاطبها: مثل هَذَا الْملك، يصلح أَن يثني عَلَيْهِ من جَمِيع الْجَوَارِح، وَلَكِن إِذا رَأَيْت اللِّسَان يتَكَلَّم فاسكتي. فَضَحِك الْملك وَقضى حوائجهم. سَأَلَ بعض الْوُلَاة عَن أبي نصر الْهَرَوِيّ ليعبر لَهُ رُؤْيا رَآهَا، فَقيل هُوَ ممرور يأوي للصحراء، فَبعث إِلَيْهِ، فَأتى بِهِ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت كَأَن فِي كمي عصافير، فَجعلت تفلت وَاحِدَة وَاحِدَة وَتَطير، فَلَمَّا كَانَ آخر عصفورة كَادَت تفلت فحبستها. قَالَ: أكلت عدسية فبدت تضرط ليلتك فَلَمَّا كَانَ آخرهَا أردْت أَن تسلح فحبسته قَالَ الْوَالِي: اسْكُتْ قبحك الله، قَالَ: هُوَ وَالله مَا قلته. فَلَمَّا خرج قَالَ: الرجل وَالله مَا أَخطَأ شَيْئا. كَانَ بِالْمَدِينَةِ عطاران يَهُودِيَّانِ فَأسلم أَحدهمَا ولقيه صَاحبه بعد حِين فَقَالَ: كَيفَ رَأَيْت دين الْإِسْلَام؟ قَالَ: خير دين، إِلَّا أَنهم لَا يَدْعُونَا نفسو فِي الصَّلَاة قَالَ صَاحبه: وَيلك! افس وهم لَا يعلمُونَ. صلى أطروش خلف إِمَام وإِلى جَنْبَيْهِ أبخر، فَلَمَّا سلم الإِمَام قَالَ الأبخر للأطروش: سهل الإِمَام فِي صلَاته، فَقَالَ: نعم قد علمت أَنه فسا، وَهُوَ ذَا أَشمّ الرَّائِحَة. قَالَ بَعضهم: دخلت على يزِيد بن مُرِيد فَقَالَ لي: رَأَيْت البارحة رُؤْيا. فَقلت: وَمَا هِيَ، أعز الله الْأَمِير؟ قَالَ: رَأَيْت كَأَنِّي اصطدت طيطوية فذبحته، وسال الدَّم قلت: افتض الْأَمِير جَارِيَة بكرا. قَالَ: قد كَانَ ذَاك، قلت: مَا فِي الرُّؤْيَا شَيْء آخر؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قلت: وَكَانَ بَيْنكُمَا ضرطة. قَالَ: مني وَالله كَانَت، فَمن أَيْن علمت؟ قلت: رَأَيْت فِي الرُّؤْيَا طيطي فَعلمت ذَلِك. فَضَحِك وَأمر لي بِجَارِيَة. دخل رجل الْحمام وَمَعَهُ أطروش، فَجعل الرجل يضرط، ثمَّ الْتفت إِلَى الأطروش فَقَالَ: مَا بَقِي من سَمعك؟ قَالَ، أسمع الْكَلَام، بعد الْكَلَام، والضراط فِي الْحمام. وَمَرَّتْ امْرَأَة فِي زقاق فضرطت، والتفتت فَإِذا شيخ خلفهَا، فَقَالَت، ويلي: مذ كم أَنْت خَلْفي؟ قَالَ الشَّيْخ: مذ قدمت طبق التقل.

كَانَ للمدائني غُلَام فَدَعَاهُ يَوْمًا ليغمزه فَأقبل الْغُلَام يغمز رجلَيْهِ، والمدائني يفسو، ثمَّ قَالَ: تبَارك الله مَا أَضْعَف ابْن آدم. فَقَالَ الْغُلَام بالعجلة: وأفساه {} قَالَ بَعضهم. حَضَرنَا مَجْلِسا فِيهِ قينة. فتحركت فضرطت وقشورت وَقطعت الزير، فتغافلوا ثمَّ قَالَت لبَعْضهِم: مَا تحب أَن أغنيك، فَقَالَ: يَا ريح مَا تصنعين بالدجن ... كم لَك من محو منظر حسن؟ ! قَالَ فَكَأَنَّمَا خجلها من اقتراحه. أَشد من خجلها من ضرطتها. روى أَن حجاماً كَانَ يَأْخُذ من شَارِب عمر فتنحنح عمر، فضرط الْحجام، فَأعْطَاهُ أَرْبَعِينَ درهما. صلى أشعب يَوْمًا إِلَى جَانب مَرْوَان بن عُثْمَان، وَكَانَ مَرْوَان عَظِيم العجيزة والخلق فأفلتت مِنْهُ ريح عِنْد نهوضه لَهَا صَوت فَانْصَرف أشعب من الصَّلَاة يُوهم النَّاس أَنه هُوَ الَّذِي خرجت مِنْهُ الرّيح، فَلَمَّا انْصَرف مَرْوَان إِلَى منزله، جَاءَ أشعب فَقَالَ لَهُ: الدِّيَة، قَالَ: دِيَة مَاذَا. قَالَ: الضرطة الَّتِي تحملتها عَنْك، وَإِلَّا شهرتك وَالله، فَلم يَدعه حَتَّى أَخذ مِنْهُ شَيْئا صَالحا. وَصلى الله على مُحَمَّد وحسبنا الله وَنعم الْمعِين. الْحَمد لله للصَّوَاب، وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد الْمُؤَيد بفصل الْخطاب، وَبعد، قَالَ أَحْمد ابْن نوشراز القَاضِي، كبت الله أعاديه وحساده، وبلغه فِي الدَّاريْنِ أقْصَى مُرَاده. كنت قد ابتدأت بتصحيح هَذَا الْجُزْء السَّادِس من كتاب نثر الدّرّ الَّذِي جَمِيع آخرآيه السَّبْعَة مَوْجُودَة فِي هَذَا المجلد يَوْم السبت سَابِع عشر من شعْبَان عقب صَبِيحَة لَيْلَة الصَّك بيومين لسنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة، فيسر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منوى من التَّصْحِيح، إِلَى أَن بلغت مُنْتَهى السَّادِس الْمَذْكُور مُقَيّدا النِّعْمَة العلمية فِي هَذَا الْوَرق يَوْم الْخَمِيس الْمَعْمُور سادس من شهر رَمَضَان للسّنة

الْمَذْكُورَة تيسيراً جلياً مَعْلُوما لِذَوي الأفهام، مكتوماً عَن أعين أولي الأوهام، ويتلوه الْجُزْء السَّابِع الَّذِي نختم بِهِ السياحة فِي بحار الْمعَانِي وَمُرَاد المباني، والسبع المثاني، انْتهى. كتبه الْمُصَحح حامداً ومصلياً وَمُسلمًا. /

الجزء 7

/ الْجُزْء السَّابِع بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب يسر الْفَصْل السَّابِع بتوفيقك اللَّهُمَّ نلزم الجدد الْوَاضِح، وَالسّنَن القاصد، والمنار الْمُنِير، والصراط الْمُسْتَقيم، والنهج المفضي إِلَى سَعَادَة الْأَبَد، وَإِلَى النَّعيم الدَّائِم السرمد، وَإِلَى جنتك الَّتِي لَا هادي إِلَيْهَا غير فضلك وإحسانك، وَلَا دَلِيل عَلَيْهَا غير رضاك ورضوانك، بك نستعين ونعتضد، وَعَلَيْك نتوكل ونعتمد، وَإِيَّاك نعْبد وَنَحْمَد، ولرضاك ندأب ونجهد، وبحمد نبيك نتوسل، وبشفاعته نتوصل. هَذَا هُوَ الْفَصْل السَّابِع من كتاب نثر الدّرّ ويشتمل على سِتَّة وَعشْرين بَابا. الْبَاب الأول: نكت من كَلَام الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وَكَلَام لُقْمَان الْحَكِيم. الْبَاب الثَّانِي: نكت للفلاسفة. الْبَاب الثَّالِث: نكت للْفرس. الْبَاب الرَّابِع: مواعظ ونكت للزهاد. الْبَاب الْخَامِس: نكت لجَماعَة من الأدباء وَالْعُلَمَاء. الْبَاب السَّادِس: الْكبر والمستحسن والمستقبح. الْبَاب السَّابِع: نَوَادِر فِي الْجُود والسخاء ومحاسن الْأَخْلَاق. الْبَاب الثَّامِن: فِي الشجَاعَة والجبن. الْبَاب التَّاسِع: فِي الْأَسْمَاء الْحَسَنَة والقبيحة. الْبَاب الْعَاشِر: فِي التعريضات. الْبَاب الْحَادِي عشر: نكت وَحكم للهند. الْبَاب الثَّانِي عشر: فِي الرُّؤْيَا والفأل والزجر والعيافة والأوهام.

الْبَاب الثَّالِث عشر: فِيمَن قَالَ شعرًا فانتصف مِنْهُ بنثر. الْبَاب الثَّالِث عشر: فِيمَن قَالَ شعرًا فانتصف مِنْهُ بنثر. الْبَاب الرَّابِع عشر: أَمْثَال ونوادر على أَلْسِنَة الْبَهَائِم. الْبَاب الْخَامِس عشر: نَوَادِر ونكت للمتكلمين. الْبَاب السَّادِس عشر: نَوَادِر أبي العبر. الْبَاب السَّابِع عشر: نَوَادِر أبي العنبس. الْبَاب الثَّامِن عشر: نَوَادِر لأَصْحَاب الْخطب وَالْأَذَان وَالصَّلَاة. الْبَاب التَّاسِع عشر: نَوَادِر أَصْحَاب المهن والصناعات الخسيسة. الْبَاب الْعشْرُونَ: نَوَادِر ابْن أبي عَتيق. الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: نَوَادِر اللُّصُوص، وَمن سرق لَهُ شَيْء. الْبَاب الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: نَوَادِر الحمقى والمغفلين. الْبَاب الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: نَوَادِر ابْن الْجَصَّاص. الْبَاب الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: نَوَادِر أَصْحَاب الْمذَاهب والجهال والمتعصبين. الْبَاب الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: نَوَادِر الْأَطِبَّاء. الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ: اتفاقات عَجِيبَة: جدا وهزلا.

الباب الاول نكت من كلام الانبياء عليهم السلام وكلام لقمان الحكيم

الْبَاب الأول نكت من كَلَام الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام وَكَلَام لُقْمَان الْحَكِيم . قَالَ الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام: " الْبر ثَلَاثَة: الْمنطق وَالنَّظَر والصمت، فَمن كَانَ مَنْطِقه من غير ذكر فقد لَغَا، وَمن كَانَ نظره فِي غير اعْتِبَار فقد سَهَا، وَمن كَانَ صمته فِي غير فكر فقد لَهَا ". ورأوه عَلَيْهِ السَّلَام، يخرج من بَيت مومسة فَقَالُوا: يَا روح الله مَا تصنع عِنْد هَذِه؟ قَالَ: " إِنَّمَا يَأْتِي الطَّبِيب المرضى ". وعيّرته الْيَهُود بالفقر فَقَالَ: " من الْغنى أتيتم ". وَكَانَ يَقُول للدنيا: " وَكنت وَلم أكن فِيك، وتكونين وَلم أكن فِيك، شقيت إِن شقيت فيكِ ". فِي زبور دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام " من بلغ السّبْعين اشْتَكَى من غير عِلّة ". قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: " فِي المَال ثَلَاث خِصَال ". قَالُوا: وَمَا هِيَ يَا روح الله؟ قَالَ: " يكسبه من غير حلّه ". قَالُوا: فَإِن كَسبه من حلّه. قَالَ: " يمنعهُ من حَقه ". قَالُوا: فَإِن وَضعه فِي حَقه. قَالَ: " يشْغلهُ إِصْلَاحه عَن عبَادَة ربه ". ويروى عَنهُ أَنه قَالَ: " يباعدك من غضب الله أَلا تغْضب ". قيل ليوسف عَلَيْهِ السَّلَام: لم تجوع وَأَنت على خَزَائِن الأَرْض؟ فَقَالَ: " أَخَاف أَن أشْبع فأنسى الجائع ". لقى يحيى عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: " إِنَّك لتبتسم ابتسام آمن ". فَقَالَ: " إِنَّك لتعبس عبوس قائط ". فَأوحى الله تَعَالَى إِلَى عِيسَى: " الَّذِي يصنع يحيى أحب إِلَيّ فَإِنَّهُ أحسنكما ظنا بِي ". قَالُوا: كتب يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام، على بَاب السجْن " هَذِه منَازِل الْبلوى، وقبور الْأَحْيَاء، وتجربة الأصدقاء، وشماتة الْأَعْدَاء ".

وَقَالَ الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام: " لَو لم يعذب الله على مَعْصِيَته، لَكَانَ يَنْبَغِي أَلا يُعصى شكرا لنعمته ". وَقَالَ: أمرٌ لَا نَدْرِي مَتى يغشاك مَا يمنعك أَن تستعد لَهُ قبل أَن يفجأك؟ ". قَالُوا: مَكْتُوب فِي الصُّحُف الأولى: " إِذا أغنيت عَبدِي عَن طَبِيب يستشفيه، وَعَما فِي يَدي أَخِيه، وَعَن بَاب سُلْطَان يستعديه، وَعَن جَار يُؤْذِيه، فقد أسبغت عَلَيْهِ النعم ". قَالَ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام ليوسف: " مَا كَانَ خبرك؟ قَالَ: لَا تَسْأَلنِي عَمَّا فعل بِي إخوتي وسلني عَمَّا فعل بِي رَبِّي ". قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: " إِنِّي بطحت لكم الدُّنْيَا وأحبستكم على ظهرهَا، فَلَيْسَ ينازعكم فِيهَا إِلَّا الْمُلُوك وَالنِّسَاء، فَأَما الْمُلُوك فَلَا تنازعوهم الدُّنْيَا فَإِنَّهُم لن يعرضُوا لكم مَا تركتموهم، وَأما النِّسَاء فاتقوهن بِالصَّوْمِ ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لرجل لَا يسْتَحق: حفظك الله. فَقيل لَهُ: أَتَقول هَذَا لمثل هَذَا؟ فَقَالَ: " لِسَان عِّود الْخَيْر فَهُوَ ينْطق بِهِ لكل أحد ". وَقَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: " نعم العون الْغنى واليسار على الدّين ". وَقَالَ لِابْنِهِ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: " يَا بني لَا تستبدلن بِأَخ لَك قديم أَخا مستفاداً مَا استقام لَك، فَإنَّك إِن فعلت تَغَيَّرت إِلَيْهِ نعْمَة الله عَلَيْك، وَلَا تستقل أَن يكون لَك عَدو وَاحِد، وَلَا تستكثر أَن يكون لَك ألف صديق ". قيل لأيوب عَلَيْهِ السَّلَام: أَي شَيْء كَانَ فِي بلائك أَشد عَلَيْك؟ فَقَالَ: " شماتة الْأَعْدَاء ". قَالَ الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام: " إِلَى مَتى تصفون الطَّرِيق للمدلجين وَأَنْتُم مقيمون مَعَ المتحيرين، إِنَّمَا ينفع من الْعلم الْقَلِيل وَمن الْعَمَل الْكثير ". وَقَالَ: " لَا يَزْنِي فرجك مَا غضضت طرفك ". وَمر بِخلق من بني إِسْرَائِيل كلما قَالُوا شرا قَالَ الْمَسِيح خيرا. فَقَالَ لَهُ شَمْعُون الصَّفَا: كلما قَالُوا شرا تَقول خيرا؟ ! قَالَ: " كل امْرِئ يُعطى مِمَّا عِنْده ". ويروى عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول: " إِن احتجتم إِلَى النَّاس فَكُلُوا قصدا، وامشوا جانبا ".

وَقَالَ: " كَمَا ترك الْمُلُوك لكم الْحِكْمَة فاتركوا لَهُم الدُّنْيَا ". دخل جاثليق النَّصَارَى إِلَى مُصعب وَكَلمه بِكَلَام أغضبهُ، فعلاه بقضيب. فَتَركه حَتَّى سكن غَضَبه ثمَّ قَالَ: إِن أذن الْأَمِير أخْبرته بِمَا أنزل الله على الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام. قَالَ: أخبر. قَالَ: " لَا يَنْبَغِي للسُّلْطَان أَن يغْضب، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَأْمر فيطاع، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يعجل فَلَيْسَ يفوتهُ شَيْء، وَلَا يَنْبَغِي أَن يظلم فَإِنَّمَا بِهِ يدْفع الظُّلم. فاستحيا مُصعب وترضاه ". مر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِرَجُل وَهُوَ يَأْكُل لَحْمًا فَقَالَ: " لحم يَأْكُل لَحْمًا، أُفٍّ لهَذَا ". قَالُوا: إِن أصل قَوْلهم فِي الْمثل: " كَأَن على رؤوسهم الطير " أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول للريح: أقلينا، وللطير أظلينا، فتقله وَأَصْحَابه الرّيح، وتظلهم الطير فَكَانَ أَصْحَابه يَغُضُّونَ أَبْصَارهم هَيْبَة لَهُ، وَلَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا أَن يسألهم فيجيبوه، فَقيل للْقَوْم إِذا سكنوا: " كانما على رؤوسهم الطير ". رُوِيَ عَن شميط أَنه قَالَ: أوحى الله إِلَى دَاوُد: " قل للملأ من بني إِسْرَائِيل لَا يدعوني والخطايا بَين أضباثهم ليلقوها ثمَّ ليدعوني " بَين أضباثهم أَي فِي قبضاتهم، يُقَال ضبثت لَهُ أَي قبضت عَلَيْهِ. وَرُوِيَ أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا ذكر عِقَاب الله تخلعت أوصاله فَلَا تشدها إِلَّا الْأسر، أَي أَن تعصب. أوحى الله تَعَالَى إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: " ذكّر عبَادي إحساني إِلَيْهِم، فَإِنَّهُم لَا يحبونَ إِلَّا من أحسن إِلَيْهِم ". قَالَ كَعْب فِي التَّوْرَاة: " أَحْمد وَأمته الْحَمَّادُونَ، يوضئون أَطْرَافهم، ويأتزرون على أَنْصَافهمْ ".

قيل: إِن مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام، سَأَلت رَبهَا أَن يطْعمهَا لَحْمًا لَا دم فِيهِ، فأطعمها الْجَرَاد. فَقَالَت: " اللَّهُمَّ عيّشه بِلَا رضَاع، وتابع بَينه بِلَا شياع ". قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، قَامَ خَطِيبًا فِي بني إِسْرَائِيل، فَقَالَ: " يَا بني إِسْرَائِيل لَا تكلمُوا بالحكمة عِنْد الْجُهَّال فتظلموها: وَلَا تمنعوها أَهلهَا فتظلموهم، وَلَا تظلموا، وَلَا تكافئوا ظَالِما فَيبْطل فَضلكُمْ، يَا بني إِسْرَائِيل الْأُمُور ثَلَاثَة: أَمر بيّن رشده فَاتَّبعُوهُ، وَأمر بَين غيُّه فَاجْتَنبُوهُ، وَأمر اختُلف فِيهِ فَردُّوهُ إِلَى الله عز وجلّ ". قَالَ كَعْب فِي التَّوْرَاة: " مُحَمَّد عَبدِي لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غليظ وَلَا صخوب فِي الْأَسْوَاق ". قَالَ كَعْب: قَرَأت فِي بعض مَا أنزل الله على الْأَنْبِيَاء: " الْهَدِيَّة تفقأعين الْحَكِيم ". قيل مَكْتُوب فِي حِكْمَة آل دَاوُد: " على الْعَاقِل أَن يكون عَالما بِأَهْل زَمَانه، مَالِكًا لِلِسَانِهِ، مُقبلا على شانه ". لما قذف إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، فِي النَّار قَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: أَلَك حَاجَة يَا خَلِيل الله؟ قَالَ: أما إِلَيْك فَلَا. قَالَ الحواريون لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام: مَا تَقول فِي الْأُمَرَاء؟ قَالَ: " إِن أَمرهم جعل لكم فتْنَة فَلَا يدخلنكم حبهم فِي مَعْصِيّة الله، وَلَا يخرجنكم بغضهم من طَاعَة الله، أَدّوا إِلَيْهِم حُقُوقهم تخلصوا من شرهم وَيسلم لكم دينكُمْ ". فِي الْإِنْجِيل: " كونُوا حلماء كالحيّات وبُلها كالحمام ". قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: " ليكن أصدقاؤك كثيرا، وَليكن صَاحب سرك مِنْهُم وَاحِدًا من ألف ".

وَقَالَ الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام: " إِن أَوْلِيَاء الله الَّذين لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ، الَّذين نظرُوا إِلَى بَاطِن الدُّنْيَا حِين نظر النَّاس إِلَى ظَاهرهَا، وَإِلَى آجل الدُّنْيَا حِين نظر النَّاس إِلَى عاجلها، فأماتوا مِنْهَا مَا خَشوا أَن يُمِيت قُلُوبهم، وَتركُوا مِنْهَا مَا علمُوا أَنه سيتركهم ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " وَيْلكُمْ يَا عبيد الدُّنْيَا، كَيفَ تخَالف فروعكم أصولكم، وعقولكم أهواؤكم، قَوْلكُم شِفَاء يُبرئ الدَّاء، وعملكم دَاء لَا يقبل الدَّوَاء، ولستك كالكرمة الَّتِي حسن وَرقهَا، وطاب ثَمَرهَا، وَسَهل مرتقاها، وَيْلكُمْ يَا عبيد الدُّنْيَا، أَنْتُم كالشجرة الَّتِي قل وَرقهَا وَكثر شَوْكهَا وخبث ثَمَرهَا، وصعب مرتقاها، وَيْلكُمْ يَا عبيد الدُّنْيَا، جعلتم الْعلم تَحت أقدامكم، من شَاءَ أَخذه، وجعلتم الدُّنْيَا فَوق رؤوسكم لَا يُسْتَطَاع تنَاولهَا، لَا عبيد أتقياء، وَلَا أَحْرَار كرام، وَيْلكُمْ يَا أجراء السوء، أما الْأجر فتأخذون، وَأما الْعَمَل فتفسدون، سَوف تلقونَ مَا تجرون، يُوشك رب الْعَمَل أَن ينظر فِي عمله الَّذِي أفسدتم، وَفِي أجره الَّذِي أَخَذْتُم. وَيْلكُمْ يَا غُرَمَاء السوء، تبدأون بالهدية قبل قَضَاء الدّين، بالنوافل تطوعون، وَمَا أمرْتُم بِهِ لَا تؤدون، إِن رب الدّين لَا يرضى بالهدية حَتَّى يُقضى دينه ". وَقَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: " اللَّهُمَّ لَا صِحَة تطغيني، وَلَا مرض يضنيني، وَلَكِن بَين ذَلِك ". عيّرت الْيَهُود عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بالفقر فَقَالَ: " من الْغنى أتيتم ". وَقَالَ: " الدُّنْيَا لإبليس مزرعة، وَأَهْلهَا لَهُ حراثون ". وَقَالَ: " تَعْمَلُونَ للدنيا وَأَنْتُم ترزقون فِيهَا بِغَيْر عمل وتتركون طلب الْجنَّة وَأَنْتُم لَا تدخلونها إِلَّا بِالْعَمَلِ ". وَمر بِقوم يَبْكُونَ على ذنوبهم فَقَالَ: " اتركوها تغْفر لكم ". وَقيل لَهُ: من نجالس؟ قَالَ: " من تذكركم الله رُؤْيَته، وَيزِيد فِي علمكُم منْطقَة، ويرغبكم فِي الْآخِرَة عمله ". وَقيل: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة: " لَا يُعَاد الحَدِيث مرَّتَيْنِ ".

وَقَالَ وهب: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة: " الزَّانِي لَا يَمُوت حَتَّى يفْتَقر، والقواد لَا يَمُوت حَتَّى يعمى، ومدحة الظَّالِم تسخط الرب ". رُوِيَ أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، سَأَلَ ربه عز وجلّ فَقَالَ: " رب مَا أحكم الحكم، وَمَا أغْنى الْغنى، وَمَا أفضل الشُّكْر؟ ". فَقَالَ جلّ ثَنَاؤُهُ: " أحكم الحكم أَن تحكم على النَّاس بِمَا تحكم بِهِ على نَفسك، وأغنى الْغنى أَن يرضى العَبْد بِمَا قسم لَهُ، وَأفضل الشُّكْر ذكر الله ". كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: " كَثْرَة الطَّعَام تميت الْقلب كَمَا تميت كَثْرَة المَاء الزَّرْع ". وَقَالَ: " تحببوا إِلَى الله ببغض أهل الْمعاصِي، وتقربوا إِلَيْهِ بالتباعد مِنْهُم، وأحبوا مَا أحب الله، واكرهوا مَا كره الله، وَلَا تجالسوا أهل الْمعاصِي فيرغبوكم فِي الدُّنْيَا وينسوكم الْآخِرَة ". قَالُوا: فِي الزبوب مَكْتُوب " إِذا كَانَ فِي الْبَيْت بر فتعبد ". وَلما حبس يُوسُف أَخَاهُ كتب إِلَيْهِ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام: " إِن الْأَنْبِيَاء لَا تسرق وَلَا تَلد سَارِقا ". قَالَ دَاوُد: " يَا رب كَيفَ لي أَن أشكر نِعْمَتك؟ فَأوحى الله إِلَيْهِ: " إِذا علمت أَن النعم الَّتِي لَك مني فقد شكرتني ". وَقيل لنوح عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ فِي بَيت عَلَيْهِ خص: لَو اتَّخذت بَيْتا؟ ! " فَقَالَ: هَذَا كثير لمن يَمُوت ". أوحى الله إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: " أَتَدْرِي لم اتخذتك خَلِيلًا؟ قَالَ: لَا يَا رب، قَالَ: لِأَنِّي اطَّلَعت إِلَى قَلْبك فوجدتك تحب أَن تُرزأ وَلَا تَرزأ ".

أوحى الله تَعَالَى إِلَى الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام: " أَن عظ نَفسك، فَإِن اتعظت فعظ النَّاس وَإِلَّا فاستحي مني ". لُقْمَان: قَالَ: " ضرب الْوَالِد للْوَلَد كالسماد فِي الزَّرْع ". وَقَالَ: " نقلت الصخر، وحملت الْحَدِيد فَلم أر شَيْئا أثقل من الدّين، وأكلت الطَّيِّبَات، وعانقت الحسان، فَلم أر ألذ من الْعَافِيَة ". وَقَالَ لِابْنِهِ: " إِذا أردْت أَن تؤاخي رجلا فأغضبه فَإِن أنصفك فِي غَضَبه وَإِلَّا فَدَعْهُ ". وَقَالَ: " لَا تمنعنك مسائ أَخِيك من ذكر محاسنة ". وَقَالَ: " ثَلَاثَة لَا يعْرفُونَ إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن: الْحَلِيم عِنْد الْغَضَب، والشجاع عِنْد الْحَرْب، وَالْأَخ عِنْد الْحَاجة ". وَقَالَ لِابْنِهِ: " يَا بني تودد إِلَى النَّاس، فَإِن التودد إِلَيْهِم أَمن، ومعاداتهم خوف ". وَقَالَ: " يَا بني كل أطيب الطَّعَام، ونم على أوطأ الْفراش، يَقُول: أَكثر الصّيام، وأطل بِاللَّيْلِ الْقيام ". وَقَالَ لِابْنِهِ: " يَا بني خصلتان إِذا أَنْت حفظتهما فَلَا تبالي مَا ضيعت بعدهمَا: دينك لمعادك ودرهمك لمعاشك ". وَقَالَ: " إياك والكسل والضجر، فَإنَّك إِذا كسلت لم تُؤَد حَقًا، وَإِذا ضجرت لم تصبر على حق ". وَقَالَ: " يَا بني استعذ بِاللَّه من شرار النِّسَاء وَكن من خيارهن على حذر ". وَقَالَ: " إياك وَصَاحب السوء، فَإِنَّهُ كالسيف المسلول يعجب منظره ويقبح أَثَره ". وَقَالَ لِابْنِهِ: " إِذا أتيت مجْلِس قوم فَارْمِهِمْ بِسَهْم الْإِسْلَام ثمَّ أَجْلِس، فَإِن أفاضوا فِي ذكر الله فأجل سهمك مَعَ سِهَامهمْ، وَإِن أفاضوا فِي غَيره فخلهم وانهض، يُرِيد بِسَهْم الْإِسْلَام السَّلَام ".

وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي للعاقل أَن يخلى نَفسه من أَرْبَعَة أَوْقَات: فوقت مِنْهَا يُنَاجِي فِيهِ ربه، وَوقت يُحَاسب فِيهِ نَفسه، وَوقت يكْسب فِيهِ لمعاشه، وَوقت يخلي فِيهِ بَين نَفسه وَبَين لذتها فِي غير محرم يَسْتَعِين بذلك على سَائِر الْأَوْقَات ". وَقَالَ: " يَا بني إِن الأوطار تكسب الأوزار، فَارْفض وطرك، واغضض بَصرك ". دخل كَعْب على عمر فأدناه، وَأمره بِالْجُلُوسِ إِلَى جنبه، فَتنحّى كَعْب قَلِيلا، فَقَالَ لَهُ عمر: وَمَا مَنعك من الْجُلُوس إِلَى جَنْبي؟ فَقَالَ: لِأَنِّي وجدت فِي حِكْمَة لُقْمَان مِمَّا أوصى بِهِ ابْنه قَالَ: " يَا بني إِذا قعدت لذِي سُلْطَان فَلْيَكُن بَيْنك وَبَينه مقْعد رجل، فَلَعَلَّهُ أَن يَأْتِيهِ من هُوَ آثر عِنْده مِنْك فيريد أَن تتنحى لَهُ عَن مجلسك فَيكون ذَلِك نقصا عَلَيْك وشينا ". قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ: " ارْحَمْ الْفُقَرَاء لقلَّة صبرهم، والأغنياء لقلَّة شكرهم، وَارْحَمْ الْجَمِيع لطول غفلتهم ". وَقَالَ: " يَا بني لَا تَأْكُل شَيْئا فَوق شبع، فَإنَّك إِن تنتبذه للكلب خير لَك من أَن تَأْكُله. وَقَالَ: يَا بني أكلت الْمقر، وأطلت على ذَلِك الصَّبْر، فَلم أجد شَيْئا أَمر من الْفقر. كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام، يسْرد درعاً، ولقمان عِنْده، فَقَالَ مَا هَذَا؟ فَسكت عَنهُ، فَلَمَّا فرغ لبسهَا وَقَالَ: نعم اللبَاس للحرب " فَقَالَ لُقْمَان: " الصمت حكم وَقَلِيل فَاعله ". وَقَالَ: " يَا بني قد نَدِمت على الْكَلَام، وَلم أندم على السُّكُوت ". وَقَالَ: " الْعَالم مِصْبَاح فَمن أَرَادَ الله بِهِ خيرا اقتبس مِنْهُ ". وَقَالَ: " لَا يهونن عَلَيْكُم من قبح منظره ورث لِبَاسه، فَإِن الله تَعَالَى إِنَّمَا ينظر إِلَى الْقُلُوب، ويجازى بِالْأَعْمَالِ ". وَقَالَ: " يَا بني من كذب ذهب جمال وَجهه، وَمن سَاءَ خلقه كثر غمه، وَنقل الصخور من موَاضعهَا أيسر من تفهيم من لَا يفهم ".

وَقَالَ: " لَا مَال كصحة الْبدن، وَلَا نعيم كطيب نفس ". وَقَالَ: " يَا بني إِذا افْتَقَرت فَلَا تحدثن أحدا بفقرك؛ كَيْلا يبغضك النَّاس وتهون عَلَيْهِم ". وَقَالَ: " يَا بني عَلَيْك بمجالس الْعلمَاء، واسمع كَلَام الْحُكَمَاء؛ فَإِن الله يحيي الْقلب الْمَيِّت بالحكمة كَمَا يحيي الأَرْض بوابل الْمَطَر ". وَقَالَ: " يَا بني إِن غَايَة الشّرف والسؤدد فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة حسن الْعقل؛ لِأَن العَبْد إِذا حسن عقله غطى ذَلِك عيوبه، وَأصْلح مساوئه، وَرَضي عَنهُ خالقه، وَكفى بِالْمَرْءِ عقلا أَن يسلم النَّاس من شَره ".

الباب الثاني نوادر ونكت للفلاسفه

الْبَاب الثَّانِي نَوَادِر ونكت للفلاسفة نظر فيلسوف إِلَى امْرَأَة قد خنقت على شَجَرَة فَقَالَ: لَيْت كل شَجَرَة تحمل مثل هَذِه الثَّمَرَة. مرت بسقراط امْرَأَة، وَهُوَ يتشرق، فَقَالَت لَهُ: يَا شيخ مَا أقبحك! فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّك من الْمرَائِي الصدئة لغمنّى مَا بَان من قبح صُورَتي فِيك. وَرَأى سقراط رجلا يضْرب غُلَاما لَهُ ويرعد، فَقَالَ: مَا الَّذِي بلغ بك هَذَا الَّذِي رأى؟ فَقَالَ: إساءة هَذَا الْغُلَام، فَقَالَ: إِن كَانَ كلما جنى عَلَيْك جِنَايَة سلطته على نَفسك تفعل بِهِ مَا أرى فَمَا أسْرع مَا تهرم نَفسك من هَذَا الْفِعْل. وَنظر إِلَى امْرَأَة حِين أُرِيد قَتله، وَهِي تبْكي، فَقَالَ لَهَا: مَا يبكيك؟ قَالَت: وَكَيف لَا أبْكِي وَأَنت تقتل ظلما؟ فَقَالَ لَهَا: فكأنك أردْت أَن أقتل بِحَق. وَكَانَ سقراط يَقُول لتلامذته: أقلوا من الْقنية تقل مصائبكم. وَقَالَ لَهُ تلميذ لَهُ: كَيفَ لَا أرى أَيهَا الْحَكِيم فِيك أثر حزن؟ قَالَ: لِأَنِّي لَا أملك شَيْئا لإن فقدته حزّنني. فَقَالَ لَهُ آخر: فَإِن انْكَسَرَ هَذَا الْحبّ الَّذِي أَنْت فِيهِ فَمَاذَا تفعل؟ - وَكَانَ سقراط يأوى إِذْ ذَاك فِي كنف حب - فَقَالَ سقراط إِن انْكَسَرَ الْحبّ لم ينكسر الْمَكَان. وَقَالَ: " إِن اخْتَرْت أَن تحيا لَهُ فمت دونه ". خطب رجلَانِ إِلَى ديمانوس بنته، وَكَانَ أَحدهمَا فَقِيرا وَالْآخر غَنِيا، فَاخْتَارَ الْفَقِير، فَسَأَلَهُ الاسكندر عَن ذَلِك، فَقَالَ: لِأَن الْغَنِيّ كَانَ جَاهِلا فَكنت أَخَاف عَلَيْهِ الْفقر، وَالْفَقِير كَانَ عَاقِلا فرجوت لَهُ الْغنى. قيل لبَعْضهِم: مَا أهم الْأَشْيَاء نفعا؟ فَقَالَ: موت الأشرار.

قيل لأفلاطون: مَا الشَّيْء المعزّي للنَّاس على مصائبهم؟ فَقَالَ: أما للْعُلَمَاء فعلمهم بِأَنَّهَا اضطرارية، وَأما لسَائِر النَّاس فتأسِّي الْحسن. قَالَ بَعضهم: لَا شَيْء أنفس من الْحَيَاة، وَلَا غبن أعظم من إنفادها لغير حَيَاة الْأَبَد. قَالَ آخر للإسكندر: إِذا كَانَ سر الْملك عِنْد اثْنَيْنِ دخلت على الْملك الشُّبْهَة، واتسعت على الرجلَيْن المعاريض فَإِن عاقبهما عاقب اثْنَيْنِ بذنب وَاحِد، وَإِن اتهمهم اتهمَ بَرِيئًا بِجِنَايَة مجرم. وَإِن عَفا عَنْهُمَا كَانَ الْعَفو عَن أَحدهمَا وَلَا ذَنْب لَهُ، وَعَن الآخر وَلَا حجَّة عَلَيْهِ. قيل لآخر: مَا الْعقل؟ قَالَ: الْإِصَابَة بِالظَّنِّ، وَمَعْرِفَة مَا لم يكن بِمَا كَانَ. قَالَ أرسطاطاليس: العاقلُ يُوَافق العاقلَ، والجاهلُ لَا يُوَافق العاقلَ وَلَا الجاهلَ، وَمِثَال ذَلِك المستقيمُ الَّذِي ينطبق على الْمُسْتَقيم، فَأَما المعوُّج فَإِنَّهُ لَا ينطبق على المعوجِّ وَلَا على الْمُسْتَقيم. نظر سقراط إِلَى السَّيْل، وَقد حمل امْرَأَة، فَقَالَ: زَادَت الكدر كدرا وَالشَّر بِالشَّرِّ يهْلك. طلب أهل يونان رجلا للْملك بعد موت ملك لَهُم، فاسموا بِوَاحِد فَقَالَ فيلسوف لَهُم: لَا يصلح هَذَا للْملك. فَقَالُوا: وَلم؟ قَالَ: هُوَ كثير الْخُصُومَة، فَلَيْسَ يَخْلُو فِي خصومته أَن يكون ظَالِما أَو مَظْلُوما، والظالم لَا يصلح للْملك لظلمه، والمظلوم أَحْرَى أَلا يصلح لضَعْفه، فَقَالُوا لَهُ: صدقت، أَنْت أولى مِنْهُ، وملكوه. قيل لبَعْضهِم: إِن فلَانا يَحْكِي عَنْك كل سوء، فَقَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَهْتَدِي إِلَى الْخَيْر فيحكي. قيل لبَعْضهِم، وَكَانَ مَحْبُوسًا: أَلا تكلم الْملك فِي إطلاقك؟ قَالَ: لَا، قيل: وَلم؟ قَالَ: لِأَن الْفلك أحدُّ، والفضاء أجد، من أَن تبقى حَال على حد. قَالَ اٌسكندر لما قتل دَارا: قَاتل دَارا لَا يبْقى.

قيل لديوجانس: لمَ تَأْكُل فِي السُّوق؟ قَالَ: لِأَنِّي جعت فِي السُّوق. وَرَأى غُلَاما لقيطاً يَرْمِي بِالْحِجَارَةِ، فَقَالَ: لَا ترم، لَعَلَّك تصيب أَبَاك وَلَا تَدْرِي. وَرَأى آخر مؤدباً يعلم جَارِيَة الْكِتَابَة، فَقَالَ: لَا تزد الشَّرّ شرا، تَسْقِي سهمها سما لترمي بِهِ يَوْمًا مَا. وَرَأى جَارِيَة تحمل نَارا، فَقَالَ: نَار على نَار، وَالْحَامِل شَرّ من الْمَحْمُول. وَرَأى مرّة امْرَأَة فِي ملعب فَقَالَ: مَا خرجت لترى، وَلَكِن خرجت لتُرأى. وَرَأى امْرَأَة عوراء تصنع نَفسهَا فَقَالَ: نصف الشَّرّ شَرّ أَيْضا. قَالَ بَعضهم: إِنِّي لأعجب من النَّاس، وَقد مكنهم الله من الِاقْتِدَاء بِهِ، فَيدعونَ ذَلِك إِلَى الِاقْتِدَاء بالبهائم. وَقيل لآخر: مَا الْفضل بَيْنك وَبَين الْملك؟ قَالَ: هُوَ عبد الشَّهَوَات وَأَنا مَوْلَاهَا. وَقيل لآخر: إِن الْملك لَا يحبك، قَالَ: إِن الْملك لَا يحب من هُوَ أكبر مِنْهُ. وَقيل لآخر: من الْجواد؟ قَالَ: من جاد بِمَالِه، وصان نَفسه عَن مَال غَيره. قيل لسقراط: لم لَا تذكر فِي شرائعك عُقُوبَة من قتل أَبَاهُ؟ قَالَ: لم أعلم أَن هَذَا يكون. قَالَ سقراط لأرسجانس: لَا تسوطن النَّار بسكين - قيل: أَرَادَ إِذا رَأَيْت الغضبان فَلَا تهيجه -. وَقَالَ أَيْضا لَهُ: احذر الْأسد غير ذِي الْأَرْبَع، - قَالَ: أَرَادَ السُّلْطَان -. قيل للإسكندر: إِن فلَانا يثلبك فَلَو عاقبته! قَالَ: هُوَ عِنْد الْعقَاب أعذر. وَقَالَ الْإِسْكَنْدَر: لَيْسَ من الْإِنْصَاف أَن يُقَاتل أَصْحَابِي عني، وَلَا أقَاتل عَن نَفسِي.

قيل لفيلسوف: مَا بَال الثَّمَرَة غشاؤها هر الْمَأْكُول مِنْهَا والنواة فِي جوفها، والجوزة بِخِلَاف ذَلِك؟ قَالَ: لم تكن الْعِنَايَة بِمَا يُؤْكَل فِي حَال الْأكل، إِنَّمَا كَانَت الْعِنَايَة بِبَقَاء النَّوْع، فَحفِظت النواة بالغشاء، والجوزة بالقشرة. قَالَ بقرط: سلوا الْقُلُوب عَن المودات فَإِنَّهَا شُهُود لَا تقبل الرشى. قَالَ رجل للإسكندر: إِن الْعَسْكَر الَّذِي فِيهِ دَارا كثير، فَقَالَ الْإِسْكَنْدَر: إِن الْغنم وَإِن كثرت تذل لذئب وَاحِد. وَرَأى الْإِسْكَنْدَر سمياً لَهُ لَا يزَال ينهزم فِي الحروب، فَقَالَ: أَيهَا الرجل، إِمَّا أَن تغير فعلك، وَإِمَّا أَن تغير اسْمك. رأى فيلسوف مَدِينَة حَصِينَة بسور مُحكم فَقَالَ: هَذَا مَوضِع النِّسَاء لَا مَوضِع الرِّجَال. جَاءَ بعض الكلبيين، وَهُوَ جنس من اليونانيين، إِلَى الْإِسْكَنْدَر فَقَالَ: هَب لي مِثْقَالا وَاحِدًا، فَقَالَ الْإِسْكَنْدَر: لَيْسَ هَذَا عَطاء ملك، قَالَ: فَهَب لي قِنْطَارًا. فَقَالَ الْإِسْكَنْدَر: لَيْسَ هَذَا سُؤال كلبيّ. أُشير على الْإِسْكَنْدَر بالبيات فِي بعض الحروب فَقَالَ: لَيْسَ من آيين الْمُلُوك استراق الظفر. قيل لأرسطاطاليس: مَا بَال الحسدة يَحْزَنُونَ أبدا؟ فَقَالَ: لأَنهم لَا يَحْزَنُونَ لما ينزل بهم من الشَّرّ فَقَط، بل لما ينَال النَّاس أَيْضا من الْخَيْر. وَقَالَ: الإفلال حصن للعاقل من الرذائل، وَطَرِيق إِلَيْهَا للجاهل. قيل لفيلسوف: مَا صناعَة الْخَطِيب؛ قَالَ: أَن يعظِّم شَأْن الْأَشْيَاء الحقيرة، ويصغِّر شَأْن الْأَشْيَاء الْعَظِيمَة. قَالَ آخر: الدُّنْيَا لذات مَعْدُودَة: مِنْهَا لَذَّة سَاعَة، وَلَذَّة يَوْم، وَلَذَّة ثَلَاثَة، وَلَذَّة شهر، وَلَذَّة سنة، وَلَذَّة الدَّهْر، فَأَما لَذَّة سَاعَة فالجماع، وَأما لَذَّة يَوْم فمجلس شراب، وَأما لَذَّة ثَلَاثَة فلين الْبدن بعد الاستحمام، وَأما لَذَّة شهر فالفرح بالعرس، وَأما لَذَّة سنة بالفرح بالمولود الذّكر، وَأما لَذَّة الدَّهْر فلقاء الإخوان مَعَ الْجدّة.

قَالَ آخر: التفكر فِي الْخَيْر يَدْعُو إِلَى الْعَمَل بِهِ، والتفكر بِالشَّرِّ يَدْعُو إِلَى تَركه. قَالَ آخر: الْعِشْق جهل عَارض وَافق قلباً فَارغًا. قَالَ أرسطاطاليس للإسكندر: احفظ عني ثَلَاث خِصَال، قَالَ: وَمَا هن؟ قَالَ: صل عجلتك بتأنيك، وسطوتك برفقك، وضرك بنفعك، قَالَ: زِدْنِي، قَالَ: انصر الْحق على الْهوى تملك الأَرْض ملك الاستعباد. قَالَ أفلاطون: تُعرف خساسة الْمَرْء بِكَثْرَة كَلَامه بِمَا لَا يَنْفَعهُ، وإخباره بِمَا لَا يسْأَل عَنهُ. وَقَالَ: لَا تُؤخر إنالة الْمُحْتَاج إِلَى غَد، فَإنَّك لَا تَدْرِي مَا يعرض فِي غَد. وَقَالَ: أعن الْمُبْتَلى إِذا لم يكن سوء عمله ابتلاه. وَقَالَ: إِن تعبت فِي الْبر فَإِن التَّعَب يَزُول وَالْبر يبْقى، وَإِن التذذت بالآثام فَإِن اللَّذَّة تَزُول والآثام تبقى. وَقَالَ: أَجْهَل الْجُهَّال من عثر بِحجر مرَّتَيْنِ. وَقَالَ: كَفاك موبخاً على الْكَذِب علمك بأنك كَاذِب، وَكَفاك ناهياً عَنهُ خوفك إِذا كذبت. كَانَ على خَاتم فيثاغورس " شَرّ لَا يَدُوم خير من خير لَا يَدُوم ". قَالَ آخر: الْعَالم يعرف الْجَاهِل؛ لِأَنَّهُ كَانَ جَاهِلا، وَالْجَاهِل لَا يعرف الْعَالم؛ لِأَنَّهُ لم يكن عَالما. قَالَ آخر: الْهَالِك على الدُّنْيَا رجلَانِ: رجل نافس فِي عزها، وَرجل آنف من ذلها. قَالَ آخر: " من زَاد أدبه على عقله كَانَ كَالرَّاعِي الضَّعِيف مَعَ غنم كثير ". قَالَ آخر: أعجب مَا فِي الْإِنْسَان أَن ينقص مَاله فبقلق، وَينْقص عمره فَلَا يقلق.

قَالَ آخر: الشُّكْر مُحْتَاج إِلَى الْقبُول، والحسب مُحْتَاج إِلَى الْأَدَب، وَالسُّرُور مُحْتَاج إِلَى الْأَمْن، والقرابة محتاجة إِلَى الْمَوَدَّة، والمعرفة محتاجة إِلَى التجارب، والشرف مُحْتَاج إِلَى التَّوَاضُع، والنجدة محتاجة إِلَى الْجد. قَالَ رجل لسقراط، وَرَآهُ يَأْكُل العشب: لَو خدمت الْملك لم تحتج أَن تَأْكُل الْحَشِيش، فَقَالَ لَهُ: لَو أكلت الْحَشِيش لم تحتج أَن تخْدم الْمُلُوك. قَالَ بَعضهم لوَلَده يحثهم على الْكسْب: لَا تتكلوا على البخت؛ فَإِنَّهُ رُبمَا لم يكن وَرُبمَا كَانَ وَذهب، فَأَما الْحسب فرأيته بلَاء على أَهله، فَإِنَّهُ يُقَال للناقص: هَذَا ابْن فلَان فيتضاعف غمه وعاره، وَلَو لم يكن فِي الْعلم إِلَّا أَن الْعَالم يكرم وَإِن لم يكْسب لكفاه. حُكيَ عَن الْإِسْكَنْدَر أَنه لما احْتضرَ كتب إِلَى أمه وَهِي بالإسكندرية: إِذا قَرَأت كتابي يَا أمه فاصنعي طَعَاما كثيرا وأطعميه للنَّاس، وَلَا تطعمي مِنْهُ إِلَّا من لم تصبه مُصِيبَة، فَعرفت مَوته. قَالَ بَعضهم لسقراط: ذكرتك لفُلَان فَلم يعرفك، فَقَالَ: لَا يضرني أَلا يعرفنِي هُوَ، ويضره أَلا يعرفنِي وَلَا أعرفهُ، لِأَنِّي لَا أعنى بِمَعْرِِفَة خسيس، وَلَا يجهل مثلي إِلَّا خسيس. قيل لبَعْضهِم: مَا بالكم لَا تأنفون من التَّعَلُّم من كل أحد؟ قَالَ: لأَنا قد علمنَا أَن الْعلم نَافِع من حَيْثُ أُصِيب. قيل لآخر أَلا تخوض مَعنا فِي حديثنا؟ فَقَالَ: الْحَظ للمرء فِي أُذُنه، والحظ فِي لِسَانه لغيره. قيل لآخر: أَي الْحَيَوَان لَا يشْبع؟ قَالَ: الَّذِي يربح. قيل لأفلاطون: مَا بالكم إِذا أصبْتُم الشَّيْء الَّذِي يسركم تسرون بِهِ، وَإِذا أَصَابَكُم الشَّيْء الَّذِي يغم لم يغمكم؟ قَالَ: لِأَن الشَّيْئَيْنِ جَمِيعًا إِمَّا أَن يتركانا أَو نتركهما. وَقيل لَهُ: فلَان يخضب بِالسَّوَادِ، فَقَالَ: لِأَنَّهُ يكره أَن يُؤْخَذ بحنكة الشَّيْخ.

قَالَ آخر: لتلميذ لَهُ فهمه شَيْئا: أفهمت؟ قَالَ: نعم، قَالَ: كذبت؛ لِأَن دَلِيل الْفَهم السرُور، وَلم أرك سررت. قيل لآخر: مَتى يحمد الْكَذِب؟ قَالَ: إِذا قرب بَين المتقاطعين، قيل: فَمَتَى يذم الصدْق؟ قَالَ: إِذا كَانَ غيبَة، قَالَ فَمَتَى يكون قَلِيل الْبَذْل أَحْمد؟ قَالَ: إِذا كَانَ قَلِيله فِي الْحُقُوق، وَكَثِيره فِي الفسوق، قيل: فَمَتَى يكون الصمت خيرا؟ قَالَ: عِنْد النِّسَاء. قيل لإيدجانس: أَلَك بَيت تستريح فِيهِ؟ قَالَ: حَيْثُ أستريح فَهُوَ بَيْتِي. وَنظر رجل إِلَى حَكِيم يُجَامع فَقَالَ لَهُ: أَي شَيْء تعْمل؟ قَالَ: إنْسَانا إِن تمّ. قيل لسقراط: أَي السبَاع أحسن؟ قَالَ: الْمَرْأَة. صعد إيدجانس إِلَى مَوضِع عَال ثمَّ صَاح، معاشر النَّاس، فاجتمعت الْعَامَّة إِلَيْهِ من كل جَانب، فَقَالَ: مَا بالكم؟ لم أدعكم، إِنَّمَا دَعَوْت النَّاس. قَالَ سولون: أصلح مَا عوشر بِهِ الْمُلُوك قلَّة الْخلاف وَتَخْفِيف المؤونة. وَسُئِلَ: مَا أصعب الْأَشْيَاء على الْإِنْسَان؟ فَقَالَ: أَن يعرف نَفسه، ويكتم سره. سقراط: استشاره فَتى فِي التَّزَوُّج فَقَالَ لَهُ: احذر من أَن يعرض لَك مَا يعرض للسمك فِي المصيدة، فَإِن الْخَارِج عَنْهَا يطْلب الدُّخُول فِيهَا والداخل فِيهَا بِطَلَب الْخُرُوج مِنْهَا. دخل أرسطاطاليس إِلَى الْإِسْكَنْدَر ليعزيه بفجيعة فَتَأَخر عَن المعزين ثمَّ قَالَ: لم أَدخل إِلَيْك لأعزيك، وَلَكِن لأرى صبرك على المصائب فأقتني ذَلِك مِنْك. رأى ديوجانس تعلّم الْكِتَابَة فَقَالَ: سهم يسقى سما. وَسُئِلَ عَن وَقت الْغَدَاء فَقَالَ: لمن أمكنه إِذا احْتَاجَ، وَلمن لَا يُمكنهُ إِذا وجد. وَقيل لَهُ: مَا الْغنى؟ فَقَالَ: الْكَفّ عَن الشَّهَوَات.

وَسُئِلَ مَا الَّذِي يَنْبَغِي للرجل أَن يتحفظ مِنْهُ؟ قَالَ: يتحفظ من حسد إخوانه، ومكر أعدائه. قَالَ قَرَاطِيس: " إِن أَحْبَبْت أَلا تفوتك شهوتك فاشته مَا يمكنك ". جلس الْإِسْكَنْدَر يَوْمًا فَلم يسْأَله أحد حَاجَة، فَقَالَ لجلسائه، إِنِّي لَا أعد هَذَا الْيَوْم من أَيَّام ملكي. قَالَ سولون: " الْجواد من جاد بِمَالِه، وصان نَفسه عَن مَال غَيره ". قَالَ أفلاطون: لَا يَنْبَغِي للعاقل أَن يتَمَنَّى لصديقه الْغنى فيزهو عَلَيْهِ، وَلَكِن يتَمَنَّى أَن يُسَاوِيه فِي الْحَال. سَأَلَ الْإِسْكَنْدَر حكماء أهل بابل: أَيّمَا أبلغ عنْدكُمْ الشجَاعَة أَو الْعدْل؟ قَالُوا: إِذا استعملنا الْعدْل استغنينا عَن الشجَاعَة. كتب أرسطاليس إِلَى الْإِسْكَنْدَر: املك الرّعية بِالْإِحْسَانِ فَإِنَّهَا إِذا قدرت أَن تَقول قدرت أَن تفعل، فاجتهد أَلا تَقول تسلم من أَن تفعل. قَالَ بَعضهم لَا سر إِلَّا فِي مكيدة تحاول، أَو منزلَة تزاول، أَو سريرة مدخولة تكْتم، وَلَا حَاجَة فِي ظُهُور شَيْء من ذَلِك. وَقَالَ: " مَا كتمته عَدوك فَلَا تظهر عَلَيْهِ صديقك ". سُئِلَ بَعضهم: أَي شَيْء أولى أَن يتعلمه الْأَحْدَاث؟ فَقَالَ: الْأَشْيَاء الَّتِي إِذا صَارُوا رجَالًا احتاجوا إِلَيْهَا. هم الْإِسْكَنْدَر بِأَن يُوَجه رَسُولا إِلَى الْفرس ثمَّ تخوَّف أَن يغدر بِهِ، فَقَالَ لَهُ الرَّسُول: أَيهَا الْملك إِن نَفسِي طيبَة بِأَن أُقتل فِيمَا تحب، فَقَالَ لَهُ الْإِسْكَنْدَر: وَالْوَاجِب أَن أشْفق على مثلك. سُئِلَ أرسطاطاليس: أَي شَيْء أصعب على الْإِنْسَان تحملاً؟ فَقَالَ: السُّكُوت. سُئِلَ ديوجانس عَن رجل يعرفهُ هَل هُوَ غَنِي؟ فَقَالَ: أَنا أعلم أَن لَهُ مَالا، وَلَكِنِّي لَا أعلم أغنيٌّ هُوَ أم لَا؟ لِأَنِّي لست أَدْرِي كَيفَ عمله فِي مَاله. سُئِلَ بَعضهم مُلُوكهمْ أَيْن أموالك وكنوزك؟ فَالْتَفت إِلَى أَصْحَابه وَقَالَ: عِنْد هَؤُلَاءِ.

قيل لبَعض الْحُكَمَاء: إِنَّه يصعب أَن ينَال الْإِنْسَان مَا لَا يَشْتَهِي، فَقَالَ: أصعب من ذَلِك أَن يَشْتَهِي مَا لَا يَنَالهُ. لتز أفلاطون على الزّهْد فِي المَال فَقَالَ: كَيفَ يرغب فِيمَا يُنال بالبخت لَا بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَيَأْمُر الْبُخْل والشَّرَهُ بحفظه، والجود والزهد بإتلافه؟ . وَسُئِلَ مَا أصلح حالات المدن؟ فَقَالَ: أَن يتفلسف مُلُوكهَا، وَيملك فلاسفتها. وَقَالَ: يَنْبَغِي إِذا عُوقِبَ الْحَدث أَن يتْرك لَهُ مَوضِع من ذَنبه لِئَلَّا يحملهُ الإحراج على المكابرة. وَسُئِلَ بِمَاذَا ينْتَقم الْإِنْسَان من عدوه؟ قَالَ: بِأَن يتزيد فضلا فِي نَفسه. قَالَ أرسطاطاليس: لَا يَنْبَغِي للْملك أَن يرغب فِي الْكَرَامَة الَّتِي ينالها من الْعَامَّة طَوْعًا أَو كرها، وَلَكِن فِي الَّتِي يَسْتَحِقهَا بحُسن الْأَثر، وصواب التَّدْبِير. أُهدي إِلَى الْإِسْكَنْدَر أوانٍ من فخار فاستحسنها ثمَّ أَمر بِكَسْرِهَا، فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: علمت أَنَّهَا تُكسر على أَيدي الخدم وَاحِدًا وَاحِدًا فيهيج فِي الْغَضَب، فأرحت نَفسِي مِنْهَا مرّة وَاحِدَة. قيل لجادوسيس الصّقليّ: إِنَّك من مَدِينَة خسيسة، فَقَالَ أما أَنا فيلزمني الْعَار من قبل بلدي، وَأما أَنْت فعار لَازم لأهل بلدك. وعيّر آخر سقراط بنسبه فَقَالَ سقراط: نسبي مني ابْتَدَأَ، ونسبك إِلَيْك انْتهى. قيل لأفلاطون: لم لَا نكاد تَجْتَمِع الْحِكْمَة وَالْمَال؟ فَقَالَ: لعزة وجود الْكَمَال. قيل لبَعْضهِم: مَا الشَّرّ المحبوب؟ فَقَالَ: الْغنى. قيل لبَعْضهِم: إِن فلَانا يشتمك بِالْغَيْبِ، فَقَالَ: لَو ضَرَبَنِي بِالْغَيْبِ لم أبال.

قيل لأرسطاطاليس: مَا بَال الحسدة يَحْزَنُونَ أبدا؟ قَالَ: لأَنهم لَا يَحْزَنُونَ لما ينزل بهم من الشَّرّ فَقَط، بل لما ينَال النَّاس من الْخَيْر أَيْضا. وَقَالَ: " كَيفَ يَرْجُو الْعقل النجاه، والهوى والشهوة قد اكتنفاه ". قَالَ الْإِسْكَنْدَر لبَعض حكماء بابل: أوصني، فَقَالَ: " لَا تكْثر الْقنية فَإِنَّهَا ينبوع الأحزان ". قَالَ سقراط إِذا كَانَ الْعَالم غير معلم قل غناء علمه كَمَا يقل غناء المكثر الْبَخِيل. وَقَالَ أرسطاطاليس: يمْنَع الْجَاهِل أَن يجد ألم الْحمق المستقر فِي قلبه مَا يمْنَع السَّكْرَان من أَن يجد مس الشَّوْكَة تدخل فِي يَده. كَانَ سقراط يَقُول: " الْقنية مخدومة وَمن خدم غير نَفسه فَلَيْسَ بَحر ". وَقيل لَهُ: بِأَيّ خصْلَة تتفضل على أهل زَمَانك؟ فَقَالَ: بِأَن غرضهم فِي الْحَيَاة أَن يَأْكُلُوا، وغرضي فِي الْأكل أَن أَحْيَا. تزوج بَعضهم امْرَأَة نحيفة، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: اخْتَرْت من الشَّرّ أَقَله. وَقيل لآخر أَرَادَ سفرا: تَمُوت فِي الغربة، فَقَالَ: لَيْسَ بَين الْمَوْت فِي الوطن وَالْمَوْت فِي الغربة فرق؛ لِأَن الطَّرِيق إِلَى الْآخِرَة وَاحِد. رأى أفلاطون مُدعيًا للصراع - وَلم يكن صرع أحدا قطّ - تحول طَبِيبا، فَقَالَ: الْآن أحكمت الصراع، يتهيأ لَك أَن تصرع من شِئْت. وصف للإسكندر حسن بَنَات دَارا وجمالهن، فَقَالَ: من الْقَبِيح أَن نغلب رجال قوم، ويغلبنا نِسَاؤُهُم. تحاكم إِلَى الْإِسْكَنْدَر رجلَانِ من أَصْحَابه فَقَالَ لَهما: الحكم يُرْضِي أَحَدكُمَا ويسخط الآخر، فاستعملا الْحق ليرضيكما جَمِيعًا. قَالَ سقراط: " الْعَامَّة إِذا رَأَتْ منَازِل الْخَاصَّة حسدتها عَلَيْهَا، وتمنت أَمْثَالهَا، فَإِذا رَأَتْ مصارعها تُدالها ". وَقَالَ: " الْعَفو يفْسد من اللَّئِيم بِقدر مَا يصلح من الْكَرِيم ".

وسافر مرّة مَعَ بعض الْأَغْنِيَاء، فَقيل لَهُ: فِي الطَّرِيق صعاليك يَأْخُذُونَ سلب النَّاس ويطالبونهم بِالْمَالِ، فَقَالَ الْغَنِيّ: الويل لي إِن عرفوني، فَقَالَ سقراط: الويل لي إِن لم يعرفوني. قَالَ الْإِسْكَنْدَر لأرسطاطاليس: أوصني فِي عمالي خَاصَّة، فَقَالَ: انْظُر من كَانَ لَهُ عبيد فَأحْسن سياستهم فولّه الْجند، وَمن كَانَت لَهُ ضَيْعَة فَأحْسن تدبيرها فوله الْخراج. قيل لحكيم: مَا الشَّيْء الَّذِي لَا يُستغنى عَنهُ؟ قَالَ: التَّوْفِيق. كتب فيلسوف على بَابه لَا يدْخل هَذَا الْمنزل شَرّ، فَقَالَ لَهُ ديوجانس: فَمن أَيْن تدخل امْرَأَتك إِذن؟ . رأى ديوجانس رجلَيْنِ لَا يفترقان، فَسَأَلَ عَنْهُمَا، فَقيل: إنَّهُمَا صديقان، فَقَالَ: فَمَا بَال أَحدهمَا فَقير وَالْآخر غَنِي؟ . قيل لأفلاطون: لم يخضب فلَان بِالسَّوَادِ؟ قَالَ: يكره أَن يُؤْخَذ بحنكة الشَّيْخ. نظر فيلسوف إِلَى رجل يَرْمِي، وسهامه تذْهب يَمِينا وَشمَالًا، فَقعدَ مَوضِع الهدف، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: لم أر موضعا أسلم مِنْهُ. قَالَ سقراط: لَيْسَ يَنْبَغِي أَن يَقع التَّصْدِيق إِلَّا بِمَا يَصح، وَلَا الْعَمَل إِلَّا بِمَا يحل، وَلَا الِابْتِدَاء إِلَّا بِمَا تحمد فِيهِ الْعَاقِبَة. دخل رجل على بَعضهم وَهُوَ يَأْكُل خبْزًا يَابسا قد بله فِي المَاء فَقَالَ: كَيفَ تشْتَهي هَذَا؟ قَالَ: أَدَعهُ حَتَّى أشتهيه. حُكيَ عَن الْإِسْكَنْدَر أَنه قَالَ: علم النُّجُوم ضَرْبَان: غامض دَقِيق لَا يُدرى غوره وَظَاهر جليل لَا يُؤمن خطاؤه. قيل لبقراط: مَالك لَا تشاهد النَّاس؟ قَالَ: لِأَنِّي وجدت الِانْفِرَاد بالخلوة أجمع لدواعي السلوة، وَعز فِي الْوحدَة خير من ذل فِي الْجَمَاعَة، والوحدة أسهل من مداراة الْخلطَة. قصد الْإِسْكَنْدَر موضعا لمحاربة أَهله، فحاربه النِّسَاء فَكف عَنْهُن، وَقَالَ: هَذَا جَيش إِن غلبناه لم يكن فِيهِ فَخر، وَإِن غلبوا كَانَت الفضيحة.

قَالَ سقراط: " اللين جَوْهَر الْكَرم، والشدة جَوْهَر اللؤم ". وَقَالَ أرسطاطاليس: " لكل شَيْء صناعَة، وَحسن الِاخْتِيَار صناعَة الْعقل ". وَقَالَ بقراط: " من ضرّ نَفسه لنفع غَيره فَهُوَ أَحمَق ". وَقَالَ: " للْمَرْأَة ستران: بَعْلهَا وقبرها ". وَقَالَ: " من حسدك لم يشكرك على إحسانك إِلَيْهِ ". وَقَالَ الْإِسْكَنْدَر: " الْبَغي آخر مُدَّة الْمُلُوك ". وَقَالَ: " الاستطالة تهدم الصنيعة ". قَالَ بقراط: " لِأَن يكون الْحر عبدا لعبيده خير من أَن يكون عبدا لشهواته ". قَالَ بعض الفلاسفة: " أنقص النَّاس عقلا من ظلم من دونه ". قيل لبَعْضهِم: لم تخالط السّفل؟ فَقَالَ: لِأَن الْحُكَمَاء قد فقدوا. وَقيل لآخر: أَي الْعُلُوم أفضل؟ قَالَ: مَا الْعَامَّة فِيهِ أزهد. قَالَ فيلسوف لأهل مدينته: لَيْت طبيبكم كَانَ صَاحب جيشكم فَإِنَّهُ قد قتل الْخلق وليت صَاحب جيشكم كَانَ طبيبكم؛ فَإِنَّهُ لم يقتل أحدا قطّ. قَالَ أفلاطون: من جهل الشَّيْء وَلم يسْأَل عَنهُ جمع على نَفسه فضيحتين. وَقَالَ: أشرف النَّاس من بذل مَعَ الإضاقة، وَصدق عِنْد الْغَضَب. قَالَ بقراط: يَنْبَغِي للعاقل إِذا أصبح أَن ينظر فِي الْمرْآة، فَإِن كَانَ وَجهه حسنا لم يشنه بقبيح، وَإِن كَانَ قبيحاً لم يجمع بَين قبيحين. ذكر المَال عِنْد أفلاطون فَقَالَ: مَا أصنع بِمَا يُعْطِيهِ الْحَظ، ويحفظه اللؤم، ويهلكه الْكَرم. قَالَ بَعضهم لسقراط: مَا أفقرك! فَقَالَ: لَو عرفت رَاحَة الْفقر لشغلك التوجع لنَفسك عَن التوجع لي، فالفقر ملك لَيْسَ عَلَيْهِ محاسبة.

كتب الْإِسْكَنْدَر من بِلَاد فَارس إِلَى أرسطاطاليس: من الْإِسْكَنْدَر الْملك إِلَى الأرسطاطاليس الْحَكِيم، عَلَيْك منا السَّلَام. أما بعد: فَإِن دوائر الْأَسْبَاب ومواقع الْعِلَل وَإِن كَانَت أسعدتنا بالأمور الَّتِي أصبح النَّاس لنا بهَا دائنين، فَإنَّا جد واجدين لمس الِاضْطِرَار إِلَى حكمتك، غير جاحدين للإقرار بِفَضْلِك، والاستتامة إل مشورتك، والاجتباء لرأيك، والاعتقاد لأمرك ونهيت، لما بلونا من جداء ذَلِك علينا، وذقنا من جنى منفعَته، حَتَّى صَار ذَلِك بنخوعه فِينَا، وترشيحه لعقولنا، كالغذاء لنا، فَمَا ننفك نعول عَلَيْهِ، ونستمد مِنْهُ، كاستمداد الجداول من البحور، وتحويل الْفُرُوع على الْأُصُول، وَقُوَّة الأشكال بالأشكال. وَقد كَانَ فِيمَا سبق إِلَيْنَا من النَّصْر والفلج، وأتيح لنا من الظفر والقهر، وبلغناه من الْعَدو من النكاية، مَا يعجز القَوْل عَن وَصفه، وَيقصر الشُّكْر للمنعم على الإنعام بِهِ. وَإنَّهُ كَانَ من ذَلِك أَنا جاوزنا أَرض سَرِيَّة والجزيرة وبابل إِلَى أَرض فَارس، فَلَمَّا حللنا بعقوة أَهلهَا وساحة بِلَادهمْ لم يكن ذَلِك إِلَّا ريثما أَن تلقانا نفر مِنْهُم بِرَأْس ملكهم هَدِيَّة إِلَيْنَا، وطلباً للحظوة عندنَا، فَأمرنَا بصلب من جَاءَ بِهِ وشهرته؛ لسوء بلائه، وَقلة ارعوائه ووفائه. ثمَّ أمرنَا بِجمع من كَانَ هُنَالك من أَبنَاء مُلُوكهمْ وأحرارهم وَذَوي الشّرف مِنْهُم، فَرَأَيْنَا رجَالًا عَظِيمَة أجسامهم وأحلامهم، حَاضِرَة ألبابهم وأذهانهم، رائعة مناظرهم ومناطقهم، دَلِيلا مَا ظهر من روائهم أَن وَرَاءه من قُوَّة أَيْديهم، وَشدَّة بأسهم وتحديهم، مَا لم يكن ليَكُون لنا مَعَه سَبِيل إِلَى غلبتهم، وإعطابهم بِأَيْدِيهِم، لَوْلَا أَن الْقَضَاء أدالنا مِنْهُم، وأظفرنا بهم، وأظهرنا عَلَيْهِم، وَلم نر بَعيدا من الرَّأْي فِي أَمرهم أَن نستأصل شأفتهم، ونجتث أصلهم، ونلحقهم بِمن مضى من أسلافهم، لنسكن الْقُلُوب بذلك إِلَى الْأَمْن من جرائرهم وبوائقهم،

فاجابه ارسطاطاليس

فَرَأَيْنَا أَلا نعجل بإسعاف بَادِي الرَّأْي فِي قَتلهمْ، دون الِاسْتِظْهَار عَلَيْهِم بمشورتك فيهم، فارفع إِلَيْنَا مشورتك فِيمَا استشرناك فِيهِ بعد صِحَّته عنْدك، وتقليبك إِيَّاه على نظرك. وَسَلام أهل السَّلَام فَلْيَكُن علينا وَعَلَيْك. فَأَجَابَهُ أرسطاطاليس : للإسكندر الْمُؤَيد بالنصر على الْأَعْدَاء الْمهْدي الظفر بالملوك من أَصْغَر عبيده وأوضع خوله أرسطاطاليس الخنوع بِالسُّجُود، والتذلل فِي السَّلَام، والإذعان بِالطَّاعَةِ. أما بعد: فَإِنَّهُ لَا قُوَّة بالنطق - وَإِن احتشد النَّاطِق فِيهِ، واجتهد فِي تثقيف مَعَانِيه، وتأليف حُرُوفه - على الْإِحَاطَة بِأَقَلّ مَا يَنَالهُ الْعذر من بسطة علو الْملك، وسمو ارتفاعه عَن كل قَول، وإيتائه على كل وصف، واغترابه لكل إطناب. وَقد تقرر عِنْدِي من مُقَدمَات أَعْلَام فضل الْملك فِي مهلة سبقه، وبروز شأوه، ويمن نقيبته - مُنْذُ أدَّت إِلَى حاسة بَصرِي صُورَة شخصه، واضطرب فِي حس سَمْعِي صَوت لَفظه وَوَقع وهمي على تعقب مخارج رَأْيه، أَيَّام كنت أؤدي إِلَيْهِ من تعليمي إِيَّاه - مَا أَصبَحت قَاضِيا على نَفسِي بِالْحَاجةِ إِلَى تعلمه مِنْهُ. وَمهما يكن مني إِلَيْهِ فِي ذَلِك فَإِنَّمَا هُوَ عقل مَرْدُود إِلَى عقله، مستنبطة أَوَائِله وتواليه من علمه وحكمته، وَقد حكى لي كتاب الْملك مخاطبته إيَّايَ ومسألته لي عَمَّا لَا يتخالجني الشَّك فِي أَن لقاح ذَلِك ونتاجه من عِنْده صدر، وَعَلِيهِ كَانَ ورد. وَأَنا فِيمَا أُشير بِهِ على الْملك - وَإِن اجتهدت فِيهِ، واحتشدت لَهُ، وتجاوزت حد الوسع والطاقة مني فِي استنظافه - كَالْعدمِ مَعَ الْوُجُود، بل كَمَا لَا يتجزى فِي جنب أعظم الْأَشْيَاء، وَلَكِنِّي غير مُمْتَنع من إِجَابَة الْملك إِلَى مَا سَأَلَ على يقيني تَعْظِيم غناهُ عني وَشدَّة فَاقَتِي إِلَيْهِ، وَأَنا راد إِلَى الْملك مَا أفدته مِنْهُ، ومشير عَلَيْهِ بِمَا أَخَذته عَنهُ، فَقَائِل لَهُ: إِن لكل تربة لَا محَالة قسما من كل فَضِيلَة، وَإِن لفارس قسمتهَا من النجدة وَالْقُوَّة، وَإنَّك إِن تقتل أَشْرَافهم تخلّف الوضعاء بأعقابهم، وترث سفلتهم منَازِل عليتهم، ويغلب أدنياؤهم على

مَرَاتِب ذَوي أخطارهم، وَلم يبتل الْمُلُوك قطّ ببلاء هُوَ أعظم عَلَيْهِم، وأشدتوهيناً لسلطانهم من غَلَبَة السفلة وذل الْوُجُوه، فاحذر الحذر كُله أَن تمكن تِلْكَ الطَّبَقَة من الْغَلَبَة وَالْحَرَكَة، وَإِن نجم مِنْهُم بعد الْيَوْم على جندك وَأهل بلدك ناجم دهمهم مِنْهُ مَالا روية فِيهِ وَلَا بَقِيَّة مَعَه. فَانْصَرف عَن هَذَا الرَّأْي إِلَى غَيره، واعمد إِلَى من قبلك من أُولَئِكَ العظماء والأحرار فوزع بَينهم مملكتهم، وألزم اسْم الْملك كل من وليته مِنْهُم نَاحيَة، واعقد التَّاج على رَأسه، وَإِن صغر ملكه، فَإِن المتسمي بِالْملكِ لَازم لاسمه، والمعتقد التَّاج لَا يخضع لغيره، وَلَا ينشب ذَلِك أَن يُوقع بَين كل ملك مِنْهُم وَبَين صَاحبه تدابراً وتقاطعاً وتغالباً على المُلك، وتفاخراً بِالْمَالِ حَتَّى ينسوا بذلك أضغانهم عَلَيْك، وأوتارهم قبلك، وتعود حربهم لَك حَربًا بَينهم، وحنقهم عَلَيْك حنقا مِنْهُم على أنفسهم، ثمَّ لَا يزدادون فِي ذَلِك بَصِيرَة إِلَّا أَحْدَثُوا بهَا لَك استقامة، فَإِن دَنَوْت مِنْهُم دانوا لَك، وَإِن نأيت عَنْهُم تعززوا بك، حَتَّى يثبت كل ملك مِنْهُم على جَاره بِاسْمِك، ويسترهبه بجندك، وَفِي ذَلِك شاغل لَهُم عَنْك، وأمان لأحداثهم بعْدك، وَلَا أَمَان للدهر، وَلَا ثِقَة بِالْأَيَّامِ. قد أدّيت إِلَى الْملك مَا رَأَيْته لي حظاً، وعليّ حَقًا من إجَابَتِي إِيَّاه إِلَى مَا سَأَلَني عَنهُ، مَعَ أدائي النَّصِيحَة إِلَيْهِ فِيهِ، وَالْملك أَعلَى عينا، وأنفذ رويةً، وَاصل رَأيا، وَأبْعد همة فِيمَا اسْتَعَانَ بِي عَلَيْهِ، وكلفني تبيينه لَهُ، والمشورة بِهِ، فَلَا زَالَ الْملك متغرفاً من فَوَائِد النعم، وعواقب الصنع، وتوطد الْملك، وتنقل الْأَجَل، ودرك الأمل، مَا تَأتي فِيهِ مقدرته على غَايَة قصوى مَا ينَال الْبشر، وَالسَّلَام الَّذِي لَا انْقِضَاء لَهُ وَلَا انْتِهَاء وَلَا مُدَّة فَلْيَكُن على المُلك والمَلك.

الباب الثالث حكم ونوادر للفرس

الْبَاب الثَّالِث حكم ونوادر للْفرس فِي رِسَالَة كسْرَى إِلَى الهرمزان: اما بعد: فَإِنَّهُ لَو كَانَ الْمُلُوك يعْرفُونَ من حَاجتهم إِلَى ذَوي الرَّأْي مثل الَّذِي يعرف أهل الرَّأْي من حَاجتهم إِلَى الْمُلُوك لم يكن عجبا أَن ترى مواكب الْمُلُوك على أَبْوَاب الْعلمَاء، كَمَا ترى مواكب الْعلمَاء على أَبْوَاب الْمُلُوك، وَلذَلِك قَالَ الْأَولونَ: " إِذا أَرَادَ الله بِأمة خيرا جعل المُلك فِي عُلَمَائهمْ وَالْعلم فِي مُلُوكهمْ ". قَالَ كسْرَى: أَنا على مَا لم أقل أقدر مني على رد مَا قد قلته. وَقَالَ: اجْتِمَاع المَال عِنْد الأسخياء أحد الحصبين واجتماعه عِنْد البخلاء أحد الجدبين. وَقَالَ: من عمل عمل أَبِيه كفي نصف التَّعَب. قَالَ بزرجمهر: التذلل للغلبة فِي حينها خير من الظفر فِي غير حِينه. نظر ملك مِنْهُم يَوْمًا إِلَى مُلكه فأعجبه فَقَالَ: إِن هَذَا لمُلك إِن لم يكن بعده هلك! وَإنَّهُ لسرور لَوْلَا أَنه غرور، وَإنَّهُ يَوْم لَو كَانَ يوثق لَهُ بغد. قيل لبزرجمهر: هَل تعرف نعْمَة لَا يحْسد صَاحبهَا عَلَيْهَا؟ قَالَ: نعم، التَّوَاضُع. قيل: فَهَل تعرف بلَاء لَا يرحم صَاحبه؟ قَالَ: نعم، العُجب. وَقَالَ: مَا أحسن الصَّبْر لَوْلَا أَن النَّفَقَة عَلَيْهِ من الْعُمر. قَالَ لَهُ أنوشروان: مَتى يكون العي فصيحاً؟ قَالَ: إِذا وصف حبيباً. قَالَ بَعضهم: الصدْق زين إِلَّا أَن يكون سِعَايَة، فَإِن السَّاعِي أَخبث مَا يكون إِذا صدق.

وَقَالَ بَعضهم: من زعم أَنه لَا يحب المَال فَهُوَ عِنْدِي كَاذِب حَتَّى يثبت صدقه، فَإِذا ثَبت صدقه فَهُوَ عِنْدِي أَحمَق. سُئِلَ بزرجمهر عَن الرزق قَالَ: إِن كَانَ قد قسم فَلَا تعجله، وَإِن كَانَ لم يقسم فَلَا تتعبه. وَقَالَ: المصطنع إِلَى اللَّئِيم كمن طوق الْخِنْزِير ثبرا، وقرّط الْكَلْب دُرّا، وألبس الْحمار وشيا، وألقم الْحَيَّة شَهدا. وَقَالَ: من قوي فليقو على طَاعَة الله، وَمن ضعف فليضعف عَن محارم الله. وَكَانَ يَقُول: السعيد يتبع الرزق، والشقي يتبع مسْقط الرَّأْس. وَقيل لَهُ: أَي الْعُيُوب أقبح؟ قَالَ: قلَّة معرفَة الرجل بِنَفسِهِ. كتب رجل من الْخَاصَّة إِلَى أنوشروان: إِن رجلا من الْعَامَّة دَعَاهُ إِلَى منزله فأطعمه من طَعَام الْخَاصَّة وسقاه من شرابها، وَقد كَانَ الْملك نهى عَن ذَلِك وأوعد فِيهِ، فَأَحْبَبْت أَلا أطوي عَنهُ خَبرا. فوقّع فِي كِتَابه: أحمدنا نصيحتك، وذممنا صَاحبك لسوء اخْتِيَاره الإخوان. قَالَ بزرجمهر لكسرى، وَعِنْده أَوْلَاده: أَي أولادك أحب إِلَيْك؟ قَالَ: أرغبهم فِي الْأَدَب، وأجزعهم من الْعَار، وأنظرهم إِلَى الطَّبَقَة الَّتِي فَوْقه. وَقَالَ: من عيب الدُّنْيَا أَنَّهَا لَا تُعْطِي أحدا اسْتِحْقَاقه، إِمَّا أَن تزيده وَإِمَّا أَن تنقصه. وَقَالَ بزرجمهر: الحازم إِذا أشكل عَلَيْهِ الرَّأْي بِمَنْزِلَة من أضلّ لؤلؤة فَجمع مَا حول مسقطها من التُّرَاب ثمَّ التمسها حَتَّى وجدهَا، فَكَذَلِك الحازم يجمع وُجُوه الرَّأْي فِي الْأَمر الْمُشكل ثمَّ يضْرب بعضه بِبَعْض حَتَّى يخلص الرَّأْي. رفع إِلَى أنوشروان إِن عَامل الأهواز قد جبى من المَال مَا يزِيد على الْوَاجِب فِي وقته، وَأَن ذَلِك أجحف بالرعية، فوقّع: رد هَذَا المَال إِلَى هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاء؛ فَإِن تَكْثِير الْملك لمَاله بظُلْم رَعيته بِمَنْزِلَة من حصّن سطوحه بِمَا اقتلعه من قَوَاعِد بُنْيَانه.

قَالَ بزرجمهر: " الْمُلُوك تعاقب بالهجران وَلَا تعاقب بالحرمان ". قَالَ أردشير: " الدّين أس، وَالْملك حارس، وَمَا لم يكن لَهُ أس فمهدوم، وَمَا لم يكن لَهُ حارس فضائع ". كَانَ على عهد كسْرَى رجل يَقُول: من يَشْتَرِي ثَلَاث كَلِمَات بِأَلف دِينَار؟ فيُطنز مِنْهُ، إِلَى أَن اتَّصل الْبَرِيد فأنهى خَبره إِلَى كسْرَى، فَأحْضرهُ وَسَأَلَهُ عَنْهَا. فالتمس إِحْضَار المَال فأحضر، فَقَالَ الرجل: لَيْسَ فِي النَّاس كلهم خير، فَقَالَ كسْرَى: هَذَا صَحِيح، ثمَّ قَالَ: وَلَا بُد مِنْهُم، فَقَالَ: صدقت، وَالثَّالِث أَي شَيْء؟ قَالَ: فالبسهم على قدر ذَلِك، فَقَالَ لَهُ كسْرَى: قد اسْتَوْجَبت المَال فَخذه، قَالَ: لَا حَاجَة لي بِهِ، قَالَ: فَلم طلبته؟ قَالَ: لِأَنِّي أردْت أَن أرى من يَشْتَرِي الْحِكْمَة بِالْمَالِ، فاجتهد بِهِ كسْرَى فِي قبُوله، فَأبى أَن يقبل. قَالَ كسْرَى لبَعض عماله: كَيفَ نومك بِاللَّيْلِ؟ قَالَ: أنامه كُله، قَالَ: أَحْسَنت لَو سُرقت مَا نمت هَذَا النّوم! . وَقَالَ لأَصْحَابه: أَي شَيْء أضرّ على الْإِنْسَان؟ قَالُوا: الْفقر، فَقَالَ كسْرَى: الشُّح أضرّ مِنْهُ؛ لِأَن الْفَقِير إِذا وجد اتَّسع، والشحيح لَا يَتَّسِع وَإِن وجد. وَكَانَ مُلُوك الْفرس إِذا بَلغهُمْ أَن كَلْبا مَاتَ فِي قَرْيَة لَا يعرف لمَوْته سَبَب أمروا بِأخذ أهل الْقرْيَة بِالْبَيِّنَةِ بِأَن الْكَلْب مَاتَ حتف أَنفه لم يمت جوعا. قَالَ بزرجمهر: لَا شرف إِلَّا شرف الْعقل، وَلَا غنى إِلَّا غنى النَّفس. قَالَ أنوشروان: العطلة تهيج الفكرة، والفكرة تهيج الْفِتْنَة. وَكَانَ على خَاتمه " لَا يكون عمرَان بِحَيْثُ بجور السُّلْطَان ". قَالَ بزرجمهر: أخيب النَّاس سعياً من أَقَامَ فِي دُنْيَاهُ على غير سداد، وارتحل إِلَى آخرته بِغَيْر زَاد. وَرَأى فَقِيرا جَاهِلا فَقَالَ: بئْسَمَا اجْتمع على هَذَا: فقر ينغص دُنْيَاهُ، وَجَهل يفْسد آخرته.

قَالَ أبرويز لِابْنِهِ شيرويه: لَا توسعن على جندك فيستغنوا عَنْك، وَلَا تضيقنّ عَلَيْهِم فِي الْعَطاء فيضجوا مِنْك، أعطهم عَطاء قصدا، وامنعهم منعا جميلاً، ووسع عَلَيْهِم فِي الرَّجَاء، وَلَا توسع عَلَيْهِم فِي الْعَطاء. قَالَ بزرجمهر: الإخوان كالسلاح فَمنهمْ كالرمح تطعن بِهِ من بعيد، وَمِنْهُم كالسهم الَّذِي ترمي بِهِ وَلَا يعود إِلَيْك، وَمِنْهُم كالسيف الَّذِي لَا يفارقك. قَالَ كسْرَى: لَا تظهر إِنْكَار مَالا عدَّة مَعَك أَن تَدْفَعهُ. وَقَالَ لبزرجمهر: مَا بَال معاداة الصّديق أقرب مأخذاً من مصادقة الْعَدو؟ فَقَالَ: لِأَن إِنْفَاق المَال أَهْون من كَسبه، وَهدم الْبناء أَهْون من رَفعه، وَكسر الْإِنَاء أَهْون من إِصْلَاحه. وَقَالَ بزرجمهر: يسْتَحبّ من الخريف الخصب، وَمن الرّبيع الزهر، وَمن الْجَارِيَة الملاحة، وَمن الْغُلَام الْكيس، وَمن الْغَرِيب الانقباض. قيل لكسرى: أَي النَّاس أحب إِلَيْك أَن يكون عَاقِلا؟ قَالَ: عدوي، قيل: وَكَيف ذَلِك؟ قَالَ: لِأَنَّهُ إِذا كَانَ عَاقِلا فَأَنا مِنْهُ فِي عَافِيَة. سُئِلَ بزرجمهر فِي نكبته عَن حَاله، فَقَالَ: عولت على أَرْبَعَة أَشْيَاء قد هونت على مَا أَنا فِيهِ: أَولهَا، أَنِّي قلت: الْقَضَاء وَالْقدر لَا بُد من جريانهما. وَالثَّانِي، أَنِّي قلت: إِن لم أَصْبِر فَمَا أصنع؟ وَالثَّالِث، أَنِّي قلت: قد كَانَ يجوز أَن يكون أَشد من هَذَا، وَالرَّابِع، قلت: لَعَلَّ الْفرج قريب وَأَنت لَا تَدْرِي. قَالَ أنوشروان: جَمِيع أَمر الدُّنْيَا منقسم إِلَى ضَرْبَيْنِ لَا ثَالِث لَهما، وَاحِد فِي دَفعه حِيلَة فالاصطبار دواؤه، وَالْآخر لَا حِيلَة فِي دَفعه فالاضطرار شفاؤه. وَكَانَ إِذا ولى رجلا وقّع فِي كِتَابه: " سس خِيَار النَّاس بالمحبة، وامزج للعامة الرَّغْبَة بالرهبة، وسس سفلَة النَّاس بالإخافة ". وَسمع الموبذ فِي مَجْلِسه ضحك الخدم فَقَالَ: أما يمْنَع جلالة الْملك وهيبته هَؤُلَاءِ الغلمان من الضحك؟ فَقَالَ أنوشروان: إِنَّمَا يهابنا أعداؤنا.

وَلما قُتل بزرجمهر بعث إِلَى ابْنَته فَجَاءَتْهُ مكشوفة الرَّأْس، فَلَمَّا رَأَتْهُ غطت رَأسهَا، فَقَالَ أنوشروان: سلوها عَن ذَلِك فَقَالَت: مَا رَأَيْت أحدا حَتَّى رَأَيْته. قَالَ سَابُور: " لم أهزل فِي أَمر وَلَا نهى قطّ، وَلم أخلف وَعدا وَلَا وعيداً قطّ، وولّيت للغناء لَا للهوى، وَضربت للأدب لَا للغضب، وأودعت فِي قُلُوب الرّعية الْمحبَّة من غير جرْأَة، والهيبة من غير ضغينة، وعممت بالقوت، ومنعت الفضول ". سُئِلَ أنوشروان أَي الْأَشْيَاء أَحَق بالتقاء؟ قَالَ: أعظمها مضرَّة، قيل: فَإِن جُهل قدر الْمضرَّة؟ قَالَ: أعظمها من الْهوى نَصِيبا. وَقَالَ: " لَا تنزلن بِبَلَد لَيْسَ فِيهِ خَمْسَة أَشْيَاء: سُلْطَان قاهر، وقاض عَادل، وسوق قَائِمَة، وطبيب عَالم، ونهر جَار ". وَسَأَلَ كسْرَى موبذه: أَيّمَا أَكثر الشَّيَاطِين أَو النَّاس؟ فَقَالَ: إِن حسبت الأكراد والرعاة والعامة وَأهل الْأَسْوَاق من النَّاس فَإِن النَّاس لَهُ كثير. وَيُقَال: إِن كسْرَى أنزل الكتّاب كلواذي، وَكَانُوا يأْتونَ فِي كل يَوْم فيعملون عَمَلهم ثمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ، وفرّق إذْنهمْ، فَكَانَ يَأْذَن لَهُم فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة؛ ليشغلهم ببعد الْمسَافَة، وَلِئَلَّا يجتمعوا فيدبّروا على الْملك. وَكَانُوا يَقُولُونَ: " كل عَزِيز دخل تَحت الْقُدْرَة فَهُوَ ذليل، وكل مَقْدُور عَلَيْهِ مَمْلُوك محقور ". قَالَ بزرجمهر: " من أحبك نهاك وَمن أبغضك أغراك ". وَقيل لَهُ: هَل من أحد لَا عيب فِيهِ؟ قَالَ: الَّذِي لَا عيب فِيهِ الَّذِي لَا يَمُوت. وَقَالَ كسْرَى: أَي شَيْء أضرّ؟ فَأَجْمعُوا على الْفقر، فَقَالَ: الشُّح أضرّ مِنْهُ؛ لِأَن الْفَقِير قد يُصِيب الفرجة. وَسُئِلَ أنوشروان عَن مَنْفَعَة الْوَلَد الصَّالح قَالَ: يستلذ بِهِ الْعَيْش، ويهون بِهِ الْمَوْت.

سَأَلت امْرَأَة بزرجمهر عَن مَسْأَلَة فَقَالَ: لَا أعرف جوابها، فَقَالَت: أَنْت تَأْخُذ من الْملك مَا تَأْخُذ وَلَا تعرف جَوَاب مَسْأَلَة لي؟ فَقَالَ: إِن الْملك يعطيني على مَا أعلمهُ وَلَو أَعْطَانِي على مَا لَا أعلمهُ لم يسعني بَيت مَاله ليَوْم وَاحِد. وَقَالُوا: من قدر أَن يحترس من أَربع خِصَال لم يكن فِي تَدْبيره خلل: الْحِرْص، والعُجب وَاتِّبَاع الْهوى، والتواني. قيل لأنوشروان: اصطنعت فلَانا وَلَا نسب لَهُ، فَقَالَ: اصطناعنا إِيَّاه نسبه. دخل دهقان على الْمُهلب فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير: مَا أشخصتني إِلَيْك الْحَاجة، وَلَا قنعت بالْمقَام على الْغنى، وَلَا أرْضى إِذْ قُمْت هَذَا الْمقَام بالنصفة مِنْك، فَقَالَ: وَيحك مَا تَقول؟ قَالَ: أصلحك الله، النَّاس ثَلَاثَة: فَقير، وغني ومستزيد، فالفقير من مُنع حَقه، والغني من أعطي مَا يسْتَحقّهُ، والمستزيد من طلب الْفضل بعد دَرك الْغنى، وَإنَّك - أعزّك الله - لما أنصفتني بإدائك لي حَقي، تطلعت نَفسِي إِلَى استزادتك فَوق حَقي، فَإِن منعتني فقد أنصفتني، وَإِن زدتني زَادَت منتك عظما عليّ، فَأحْسن جائزته، وَأمره بلزومه، وَأَعْجَبهُ مَا رأى من ظرفه. قَالَ كسْرَى: النَّبِيذ صابون الْغم. حكى المعلّى بن أَيُّوب عَن بعض حكماء فَارس أَنه قَالَ: تعجب الْجَاهِل من الْعَاقِل أَكثر من تعجب الْعَاقِل مِنْهُ. من وَصِيَّة كسْرَى: " لَا تستشعروا الحقد فيدهمكم الْعَدو وَلَا تحبوا الاحتكار فيشملكم الْقَحْط، وَكُونُوا لأبناء السَّبِيل مأوى تؤووا غَدا فِي الْمعَاد، وَتَزَوَّجُوا فِي الْأَقَارِب، فَإِنَّهُ أثبت للنسب، وَأقرب للسبب، وَلَا تركنوا إِلَى الدُّنْيَا. فَإِنَّهَا لَا تدوم، وَلَا ترفضوها مَعَ ذَلِك؛ فَإِن الْآخِرَة لَا تنَال إِلَّا بهَا ".

وَقَالَ: " الْحَرْب سوق، وتجارتها الْغَلَبَة، فَمن لم يكن لَهُ بضَاعَة لم يكن لَهُ تِجَارَة ". وَقَالَ: من حَارب بِأُجْرَة فَهُوَ يعرض هزيمَة؛ لِأَن حربه بِلَا غضب وَلَا نِيَّة وَلَا أَنَفَة وَلَا حمية. قَالَ بزرجمهر: " أدنى الْأَنْفس نفس تكرى للحرب ". قَالَ اسفنديار: أفره مَا يكون من الدَّوَابّ لَا يَسْتَغْنِي عَن السَّوْط، وأعف من تكون من النِّسَاء لَا تَسْتَغْنِي عَن الزَّوْج، وأعقل من يكون من الرِّجَال لَا يَسْتَغْنِي عَن مُشَاورَة ذَوي الْأَلْبَاب. وَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لدهقان نهر تيري: بِمَ ينبل الرجل عنْدكُمْ؟ فَقَالَ: بترك الْكَذِب؛ فَإِنَّهُ لَا يشرف إِلَّا من يوثق بقوله، وبقيامه بِأَمْر أَهله، فَإِنَّهُ لَا ينبل من يحْتَاج أَهله إِلَى غَيره، وبمجانية الريب؛ فَإِنَّهُ لَا يعز من لَا يُؤمن أَن يُصَادف على سوأة، وبالقيام بحاجات النَّاس؛ فَإِنَّهُ من رُجي الْفرج لَدَيْهِ كثرت غاشيته. وَقَالَ بزرجمهر: من كثر ادبه كثر شرفه وَإِن كَانَ قبل وضيعا، وبعُد صَوته وَإِن كَانَ خاملاً، وساد وَإِن كَانَ غَرِيبا، وَكَثُرت الْحَاجَات إِلَيْهِ وَإِن كَانَ مقتراً، وَقَالَ بعض مُلُوكهمْ لوزيره، وَأَرَادَ محنته: مَا خير مَا يرزقه العَبْد؟ قَالَ: عقل يعِيش بِهِ، قَالَ: فَإِن عَدمه؟ قَالَ: فَمَال يستره، قَالَ: فَإِن عَدمه؟ قَالَ: فأدب يتحلى بِهِ، قَالَ: فَإِن عَدمه؟ قَالَ: فصاعقة تحرقه. وَقَالَ أردشير: " من لم يكن عقله أغلب خِصَال الْخَيْر عَلَيْهِ كَانَ حتفه فِي أغلب خلال الْخَيْر عَلَيْهِ ". لما مَاتَ قُباذ قَالَ المُوبذ: كَانَ الْملك أمس أنطق مِنْهُ الْيَوْم، وَهُوَ الْيَوْم أوعظ مِنْهُ أمس. وَقيل لبَعض أَشْرَافهم فِي علته الَّتِي مَاتَ فِيهَا: مَا بك؟ فَقَالَ: فكر عَجِيب، وحسرة طَوِيلَة. فَقيل لَهُ: مِم ذَاك؟ فَقَالَ: مَا ظنكم بِمن يقطع سفرا قفراً بِلَا زَاد، ويسكن قبراً موحشاً بِلَا مؤنس، وَيقدم على حكم عدل بِلَا حجَّة؟ .

وَقَالَ أردشير: إِن للآذان مجةً، وللقلوب مللاً، ففرقوا بَين الحكمتين بلهو يكن ذَلِك استجماما. وَكَانَ أنوشروان يَقُول: الْقُلُوب تحْتَاج إِلَى أقواتها من الْحِكْمَة كاحتياج الْأَبدَان إِلَى أقواتها من الْغذَاء. وَقَالَ أردشير: " الدَّاء فِي كل مَكْتُوم ". قَالَ سَابُور: لما رَأَيْت تأتّي الْأَشْيَاء لِذَوي الْجَهْل على جهلهم وانصرافها عَن ذَوي الْأَلْبَاب والعقول، علمت أَن المدبّر غَيرهمَا، وَأَنَّهَا جَارِيَة بِغَيْر تَدْبِير الْعَاقِل والأحمق. قَالَ أردشير: اشغل النَّفس بِمَا يحسن قطعا لَهَا عَمَّا لَا يحسن. كَانَ كسْرَى إِذا غضب على بعض حَاشِيَته هجره وَلم يقطع عَنهُ خَيره، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: " نَحن نعاقب بالهجران لَا بالحرمان ". وَقَالَ أنوشروان: إياك وَمَا يعْتَذر أَو يستحيا مِنْهُ؛ فَإِنَّمَا يعْتَذر من الذَّنب، ويستحيا من الْقَبِيح. قَالَ أردشير: " الِابْتِدَاء بِالْمَعْرُوفِ، نَافِلَة وربه فَرِيضَة ". قَالَ بزرجمهر: إِذا اشْتبهَ عَلَيْك أَمْرَانِ فَانْظُر أحبهما إِلَى نَفسك فاجتنبه، وَإِذا أعياك فَشَاور امْرَأَة وخالفها. قيل لأردشير: هَل نَدِمت على شَيْء قطّ؟ قَالَ: نعم، على مَعْرُوف أمكنني فأخرته. قيل لأنوشروان: أَي شَيْء أَحَق أَن نجتهد فِيهِ فِي الصِّبَا وَفِي الشَّبَاب وَفِي كل حِين؟ قَالَ: أما فِي الصِّبَا فالتأدب، وَأما فِي الشَّبَاب فَالْعَمَل، وَأما فِي كل حِين فاجتناب الذُّنُوب. قيل لمزدك: مَا الْفرق بَين الْحزن وَالْغَضَب؟ قَالَ: إِذا كَانَ الْأَمر مِمَّن فَوْقك أحزنك، وَأما إِذا كَانَ مِمَّن دُونك أغضبك.

جلس كسْرَى للمظالم فَتقدم إِلَيْهِ رجل قصير وَجعل يَصِيح أَنا مظلوم، وَهُوَ لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الموبَذ: انْظُر فِي أمره، قَالَ كسْرَى: الْقصير لَا يَظْلمه أحد، فَقَالَ الرجل: أَيهَا الْملك، الَّذِي ظَلَمَنِي هُوَ أقصر مني، فَضَحِك وَنظر فِي أمره. وَقَالَ بزرجمهر: الْفَرَاغ يهيّج الفكرة، والفكرة تهيّج الْفِتْنَة. قَالَ أنوشروان: النَّاس ثَلَاث طَبَقَات، تسوسهم ثَلَاث سياسات: طبقَة من خَاصَّة الْأَبْرَار، يسوسهم الْعَطف واللين وَالْإِحْسَان، وطبقة من خَاصَّة الأشرار تسوسهم الغلظة والشدة والعنف، وطبقة هم الْعَامَّة، يسوسهم اللين والشدة، لِئَلَّا تحرجهم الشدَّة، وَلَا يبطرهم اللين. وَقَالُوا: الْتِقَاط الرشى وَضبط الْملك لَا يَلْتَقِيَانِ. كَانَت الْفرس تَقول: نَحن لَا نملك من يحْتَاج أَن يشاور، فَقَالَ بَعضهم: نَحن لَا نملك من يَسْتَغْنِي عَن المشورة. قيل لأنوشروان: مَا وثائق الحزم؟ قَالَ: أَن يخْتل الْأَعْدَاء من المَال، فَإِن النَّاس أَتْبَاعه. قَالَ بعض مُلُوكهمْ: يكَاد الْملك أَن يكون مستغنياً عَن كل شَيْء إِذا كَانَ حكيماً إِلَّا عَن شَيْء وَاحِد وَهُوَ المشورة. قَالَت أم بزرجمهر: يَا بني ركُوب الْأَهْوَال يَأْتِي بالغنى، وَهُوَ أوثق أَسبَاب الفناء. وَأوصى بعض مُلُوكهمْ ابْنه فَقَالَ: أطلق من النَّاس عقد كل حقد، واقطع عَنْهُم سَبَب كل وتر، وتغاب عَن كل دنية، وَلَا تركبن شُبْهَة، وَلَا تعجل إِلَى تَصْدِيق ساع، فَإِن السَّاعِي غاش، وَإِن قَالَ قَول النصيح.

قَالَ بزرجمهر: إِذا كَانَ الْقدر حَقًا فالحرص بَاطِل، وَإِذا كَانَ الْغدر فِي النَّاس طباجاً فالثقة بِكُل أحد عجز، وَإِذا كَانَ الْمَوْت لكل أحد راصداً فالطمأنينة إِلَى الدُّنْيَا حمق. قَالَ أردشير: " إصْلَاح الشيم بالقناعة، ونمو الْعقل بِالْعلمِ ". كتب أنوشروان إِلَى مرازبة خُرَاسَان: عَلَيْكُم بِأَهْل الشجَاعَة والسخاء فَإِنَّهُم أهل حسن الظَّن بِاللَّه. وَقَالَ بعض حكمائهم: لَو كَانَ الإفراط مَحْمُودًا فِي شَيْء مَا كَانَ إِلَّا فِي الْحلم والجود، وَلَو تلاحى فيهمَا الإفراط والاعتدال لَكَانَ الِاعْتِدَال أولاهما بالذم؛ لِسَلَامَةِ الْجُود من جَمِيع الْعُيُوب. كتب أبرويز من حَبسه إِلَى ابْنه: إِن كلمة مِنْك تسفك دَمًا، وَإِن أُخْرَى مِنْك تحقن دَمًا، وَإِن سخطك سيوف مسلولة على من سخطت عَلَيْهِ، وَإِن رضاك بركَة مستفيضة على من رضيت عَنهُ، وَإِن نَفاذ أَمرك مَعَ ظُهُور كلامك، فاحترس فِي غضبك من قَوْلك أَن يُخطئ، وَمن لونك أَن يتَغَيَّر، وَمن جسدك أَن يخف؛ فَإِن الْمُلُوك تعاقب قدرَة، وَتَعْفُو حلماً، وَمَا يَنْبَغِي للقادر أَن يستخف وَلَا للحليم أَن يزدهى، فَإِذا رضيت فابلغ بِمن رضيت عَنهُ يحرض سواهُ على رضاك، وَإِذا سخطت فضع من سخطت عَلَيْهِ يهرب من سواهُ من سخطك، وَإِذا عَاقَبت فانهك لِئَلَّا يتَعَرَّض لعقوبتك، وَاعْلَم أَنَّك تجل عَن الْغَضَب، وَأَن الْغَضَب يصغر عَن ملكك، وقدّر لسخطك من الْعقَاب كَمَا تقدّر لرضاك من الثَّوَاب. وَكتب إِلَيْهِ رِسَالَة: لَا زَالَت النِّعْمَة عِنْد الأجواد، وَالسُّلْطَان فِي أهل الْعلم، وَالْعدْل فِي الحكّام؛ لِأَن بِنِعْمَة الأجواد يعم الدُّنْيَا الخصب، وبعلم الْملك يَشْمَل النَّاس الْأَمْن، وبعدل الحكّام تَخْلُو الدُّنْيَا من الظُّلم.

وَفِي عهد سَابُور إِلَى ابْنه: وزيرك فَلْيَكُن مَقْبُول القَوْل عنْدك، رفيع الْمنزلَة لديك، يمنعهُ مَكَانَهُ مِنْك، وَمَا يَثِق بِهِ من لطافة مَنْزِلَته عنْدك، من الخنوع لأحد والضراعة إِلَى أحد، والمداهنة لأحد فِي شَيْء مِمَّا تَحت يَدَيْهِ؛ لتبعثه الثِّقَة بك على مَحْض النَّصِيحَة لَك، والمنابذة لمن أَرَادَ غشك وانتقاصك حَقك، وَإِذا أورد عَلَيْك رَأيا يخالفك وَلَا يُوَافق الصَّوَاب عنْدك، فَلَا تجتهد جهد الظنين، وَلَا ترده عَلَيْهِ بالتجهم، فيفتّ فِي عضده ذَلِك، ويقبضه إثباتك كل رَأْي يلوح لَهُ صَوَابه، با اقبل مَا رضيت من رَأْيه وَقَوله، وعرفه مَا تخوفت من ضَرَر الرَّأْي الَّذِي انصرفت عَنهُ، لينْتَفع بأدبك فِيمَا يسْتَقْبل النّظر فِيهِ، وَاحْذَرْ كل الحذر من أَن تنزل بِهَذِهِ الْمنزلَة سوى وزيرك مِمَّن يطِيف بك من خاصتك وخدمك، أَو أَن تسهّل لأحد مِنْهُم السَّبِيل إِلَى الانبساط بالنطق عنْدك، والإفاضة فِي أَمر رعيتك وعملتك، فَإِنَّهُ لَا يوثق بِصِحَّة رَأْيهمْ، وَلَا يُؤمن الانتشار فِيمَا ائتمنوا عَلَيْهِ من السِّرّ المكتوم من سواهُم. وَفِي هَذَا الْعَهْد: وَاعْلَم أَن قوام أَمرك بدرور الْخراج، ودرور الْخراج بعمارة الْبِلَاد، وبلوغ الْغَايَة فِي ذَلِك باستصلاح أَهله بِالْعَدْلِ عَلَيْهِم، والمعاونة لَهُم؛ فَإِن بعض ذَلِك لبَعض سَبَب، وعوّام النَّاس لخواصهم عدَّة، وَبِكُل صنف مِنْهُم إِلَى الآخر حَاجَة، فاختر لذَلِك أفضل من تقدر عَلَيْهِ من كتّابك، وليكونوا من أهل الْبَصَر والعفافا والكفاية، وَأسْندَ إِلَى كل امْرِئ مِنْهُم شِقْصا يضطلع بِهِ، ويمكنه تَعْجِيل الْفَرَاغ مِنْهُ، فَإِن اطَّلَعت على أَن أحدا مِنْهُم خَان أَو تعدى فنكّل بِهِ، وَبَالغ فِي عُقُوبَته، وَاحْذَرْ أَن تسْتَعْمل على الأَرْض الْكثير خراجها إِلَّا الْبعيد الصَّوْت، الْعَظِيم شرف الْمنزلَة، وَلَا توايّنّ أحدا من قواد جندك الَّذين هم عدَّة للحروب، وجنة من الْأَعْدَاء خراجاً؛ فلعلك تهجم من بَعضهم على خِيَانَة الْأَمْوَال، وتضييع للْعَمَل، فَإِن سوّغته المَال وأغضبت لَهُ عَن التضييع كَانَ ذَلِك إهلاكاً وإضراراً بالرعية وداعية إِلَى فَسَاد غَيره، وَإِن أَنْت كافأته فقد استفدته وأضغنت صَدره، وَهَذَا أَمر توقّيه حزم، والإقدام عَلَيْهِ خرق، وَالتَّقْصِير فِيهِ عجز. وَفِيه: وَاعْلَم أَن من أهل الْخراج من يلجئ بعض أرضه وضياعه إِلَى خَاصَّة الْملك وبطانته لأحد أَمريْن، أَنْت حري بكراهتهما: إِمَّا للامتناع من جور

الْعمَّال وظلم الْوُلَاة، فَتلك منزلَة يظْهر بهَا سوء أثر الْعمَّال وَضعف الْملك وإخلاله بِمَا تَحت يَده، وَإِمَّا للدَّفْع بِمَا يلْزمهُم من الْحق، وَالْكَسْر لَهُ، فَهَذِهِ خلة يفْسد بهَا أدب الرّعية، وتنتقص بهَا الْأَمْوَال، فاحذر ذَلِك، وعاقب الملجئين والملجأ إِلَيْهِم. وَفِي كتاب للموبذ إِلَى هُرْمُز بن سَابُور: فَأَما وزراء الْملك فَيجب أَن يختارهم من أهل بَيت الوزارة والحسب وَالْعقل وَالصَّلَاح والتجربة والأناة ومحض الطَّاعَة وَشدَّة الاهتمام بصلاح الْخَاصَّة والعامة، وَقلة الشره والحرص على الدُّنْيَا. وَلَا يُؤثر على الْملك قَرِيبا وَلَا بَعيدا، وَلَا يمالئ عَلَيْهِ لرغبة وَلَا رهبة، وَلَا يلتمسه شَيْئا يَرْجُو بِهِ نفعا، أَو يخَاف بِهِ ضراً، وَأَن يُطِيع آراءهم، ويتهم بَعضهم على بعض، وَألا يُطمع أحدا فِي أَعْمَالهم، وَلَا فِي الإصغاء إِلَيْهِ، فَإِن الْوَزير: الناصح أَكثر النَّاس لَهُ عَامَّة وبطانة الْملك قرَابَته خَاصَّة، وَمَا شَيْء أزين للْملك وَلَا أَنْفَع وَلَا أَعُود عَلَيْهِ من الْوَزير الناصح. وَقَالَ أبرويز لوزيره: اكتم السِّرّ، واصدق فِي الحَدِيث، واجتهد فِي النَّصِيحَة، واحترس بالحذر، فعلي أَلا أعجل عَلَيْك حَتَّى أستأني، وَلَا أقدم عَلَيْك حَتَّى أستيقن وَلَا أطمع فِيك فأغتالك. وَقَالَ لكَاتبه: إِنَّمَا الْكَلَام أَرْبَعَة أَقسَام: سؤالك الشَّيْء، وسؤالك عَن الشَّيْء، وامرك بالشَّيْء، وخبرك عَن الشَّيْء، فَهَذِهِ دعائم المقالات، إِن التمس إِلَيْهَا خَامِس لم يُوجد، وَإِن نقص مِنْهَا وَاحِد لم تتيم، فَإِذا طلبت فَأَسْجِحْ، وَإِذا سَأَلت فأوضح، وَإِذا أمرت فاحتم، وَإِذا خبّرت فحقق. وصف رجل أنوشروان فَقَالَ: كَانَ وَالله من أَصْبِر النَّاس، قيل: وَمَا بلغ من صبره؟ فَقَالَ: كَانَ لَهُ كَاتب بليد فَكَانَ يكْتب لَهُ تذكرة بحوائجه فينسى التَّذْكِرَة. يَقُولُونَ: للوزير على الْملك، وللكاتب على الصاحب ثَلَاث خِصَال: رفع الْحجاب عَنهُ، واتهام الوشاة عَلَيْهِ، وإفشاء السِّرّ إِلَيْهِ. وحُكي أَن سَابُور اسْتَشَارَ وزيرين كَانَا لَهُ، فَقَالَ أَحدهمَا: " لَا يَنْبَغِي للْملك أَن يستشير منا أحدا إِلَّا خَالِيا بِهِ، فَإِنَّهُ أصون للسر، وأحزم فِي الرَّأْي، وأدعى

نسخه عهد اردشير بن بابك الي من يخلفه من بعده

إِلَى السَّلامَة، وأعفى لبعضنا من غائلة بعض؛ لِأَن الْوَاحِد رهن بِمَا أفشي إِلَيْهِ، وَهُوَ أَحْرَى أَلا يظهره رهبة للْملك، ورغبة إِلَيْهِ، وَإِذا كَانَ عِنْد اثْنَيْنِ فَظهر، دخلت على الْملك الشُّبْهَة، واتسعت على الرجلَيْن المعاريض، فَإِن عاقبهما عاقب اثْنَيْنِ بذنب وَاحِد، وَإِن اتَّهَمَهُمَا اتهمَ بَرِيئًا بِجِنَايَة مجرم، وَإِن عَفا عَنْهُمَا عَفا عَن وَاحِد لَا ذَنْب لَهُ، وَعَن الآخر وَلَا حجَّة عَلَيْهِ ". نُسْخَة عهد أردشير بن بابك إِلَى من يخلفه من بعده من ملك الْمُلُوك أردشير بن بابك إِلَى من يخلفه بعقبه من مُلُوك فَارس السَّلَام والعافية. أما بعد: فَإِن صَنِيع الْمُلُوك على غير صَنِيع الرّعية، فالملك يطيعه الْعِزّ والأمن وَالسُّرُور وَالْقُدْرَة على طباع الأنفة والجرأة والعبث والبطر. ثمَّ لَهُ، كلما ازْدَادَ فِي الْعُمر تنفساً وَفِي الْملك سَلامَة، زِيَادَة فِي هَذِه الطبائع الْأَرْبَعَة حَتَّى تسلمه إِلَى " سُكر السُّلْطَان الَّذِي هُوَ أَشد من سكر الشَّرَاب " فينسى النكبات والعثرات والغِير والدوائر. ويحين تسلط الْأَيَّام ولؤم غلية الدَّهْر، فَيُرْسل يَده بِالْفِعْلِ وَلسَانه بالْقَوْل. وَقد قَالَ الْأَولونَ منا: " عِنْد حسن الظَّن بِالْأَيَّامِ تحدث الْغَيْر ". وَقد كَانَ من الْمُلُوك من يذكرهُ عزه الذل، وأمنه الْخَوْف، وسروره الكآبة، وَقدرته الْعَجز، فَإِذا هُوَ قد جمع بهجة الْمُلُوك، وفكرة السوقة، وَلَا حزم إِلَّا فِي جَمعهمَا. اعلموا أَن الَّذِي أَنْتُم لاقوه بعدِي هُوَ الَّذِي لَقِيَنِي من الْأُمُور، وَهِي بعدِي وَارِدَة عَلَيْكُم بِمثل الَّذِي وَردت بِهِ عليّ، فيأتيكم السرُور والأذى فِي الْملك من حَيْثُ أتياني، وَأَن مِنْكُم من سيركب الْملك صعباً فيُمنى من شماسه وجماحه وخبطه واعتراضه بِمثل الَّذِي منيت بِهِ، وَأَن مِنْكُم من سيرث الْملك عَن الكفاة المذللين لَهُ مركبه، وسيجري على لِسَانه ويلقى فِي قلبه أَن قد فرّغ لَهُ وكفي وَاكْتفى وفرّغ للسعي فِي الْعَبَث والملاهي، وَأَن من قبله من الْمُلُوك إِلَى التوطيد لَهُ أجروا، وَفِي التَّمْكِين لَهُ سعوا، وَأَن قد خص بِمَا حرمُوا، وأُعطي مَا مُنعوا، فيكثر أَن يَقُول مسرّاً ومعلناً، خصوا بِالْعَمَلِ وخصصت بالدعه، وقدّموا قبلي إِلَى الْغرَر وخُلّفت فِي الثِّقَة.

وَهَذَا الْبَاب من الْأَبْوَاب الَّتِي يكسر بهَا سكور الْفساد، ويهاج بهَا دواهم الْبلَاء، ويعمى الْبَصِير عَن لطيف مَا يُنتهك من الْأُمُور فِي ذَلِك. فَإنَّا قد رَأينَا الْملك الرشيد السعيد الْمَنْصُور المكفي المظفر الحازم فِي الفرضة، الْبَصِير بالعورة، اللَّطِيف للشُّبْهَة، الْمَبْسُوط لَهُ الْعلم والعمر، يجْتَهد فَلَا يعدو إصْلَاح ملكه حَيَاته إِلَّا أَن يتشبه بِهِ متشبه. ورأينا الْملك الْقصير عمره، الْقَرِيبَة مدَّته، إِذا كَانَ سَعْيه بإرسال اللِّسَان بِمَا قَالَ، وَالْيَد بِمَا عملت، بِغَيْر تَدْبِير يدْرك، أفسد جَمِيع مَا قُدم لَهُ من الصّلاح قبله، ويُخلّف المملكة خراباً على من بعده. وَقد علمت أَنكُمْ ستبلون مَعَ الْملك بالأزواج وَالْأَوْلَاد والقرناء والوزراء والأخدان وَالْأَنْصَار وَالْأَصْحَاب والأعوان والمتنصحين والمتقربين والمضحكين والمزينين، وكل هَؤُلَاءِ، إِلَّا قَلِيلا، أَن يَأْخُذ لنَفسِهِ أحب إِلَيْهِ من أَن يعْطى مِنْهَا، وَإِنَّمَا عمله لسوق يَوْمه وحياة غده، فنصيحته الْمُلُوك نصيحة لنَفسِهِ، وَغَايَة الصّلاح عِنْده صَلَاح نَفسه، وَغَايَة الْفساد عِنْده فَسَاد من يَجْعَل نَفسه هِيَ الْعَامَّة، والعامة هِيَ الْخَاصَّة، فَإِن خُص بِنِعْمَة دون النَّاس فَهِيَ عِنْده نعْمَة عَامَّة، وَإِذا عُم النَّاس بالنصر على الْعَدو وَالْعدْل فِي الْبَيْضَة والأمن على الْحَرِيم وَالْحِفْظ للأطراف والرأفة من الْملك والاستقامة من الْملك وَلم يخصص من ذَلِك بِمَا يُرضيه سمى تِلْكَ النِّعْمَة نعْمَة خَاصَّة، ثمَّ أَكثر شكيته الدَّهْر ومذمته الْأُمُور، بقيم للسُّلْطَان سوق الْمَوَدَّة مَا أَقَامَ لَهُ سوق الأرباح، وَلَا يعلم ذَلِك الْوَزير القرين أَن فِي التمَاس الرّيح على السُّلْطَان فَسَاد جَمِيع الْأُمُور. وَقد قَالَ الْأَولونَ منا: " رشاد الْوَالِي خير للرعية من خصب الزَّمَان ". وَاعْلَمُوا أَن الْملك والدّين توأمان، لَا قوام لأَحَدهمَا إِلَّا بِصَاحِبِهِ لِأَن الدّين أس الْملك وعماده، ثمَّ صَار الْملك بعد حارس الدّين، فَلَا بُد للْملك من أسه وَلَا بُد للدّين من حارسه، فَإِن مَا لَا حارس لَهُ ضائع، وَإِن مَا لَا أس لَهُ مهدوم، وَأَن رَأس مَا أَخَاف عَلَيْكُم مبادرة السفلة إيَّاكُمْ إِلَى دراسة الدّين وتأويله والتفقه فِيهِ فتحملكم الثِّقَة بِقُوَّة الْملك على التهاون بهم فَتحدث فِي الدّين رياسات مستسرات فِيمَن قد وترتم وجفوتم وحرمتم وأخفتم وصغّرتم

من سفلَة النَّاس والرعية وحشو الْعَامَّة. وَلم يجْتَمع رَئِيس فِي الدّين مسر وَرَئِيس فِي الْملك معلن فِي مملكة وَاحِدَة إِلَّا انتزع الرئيس فِي الدّين مَا فِي يَد الرئيس فِي الْملك، لِأَن الدّين أس، والمُلك عماد، وَصَاحب الأس أولى بِجَمِيعِ الْبُنيان من صَاحب الْعِمَاد. وَقد مضى قبلنَا مُلُوك كَانَ الْملك مِنْهُم يتعهد الْجُمْلَة بالتفتيش، وَالْجَمَاعَات بالتفصيل، والفراغ وَكَانُوا بالأشغال، كتعهده جسده بقص فضول الشّعْر وَالظفر، وَغسل الدَّرن والغمر ومداواة مَا ظهر من الأدواء وَمَا بطن. وَقد كَانَ من أُولَئِكَ الْمُلُوك من صِحَة ملكه أحب إِلَيْهِ من صِحَة جسده، وَكَانَ بِمَا يخلّفه من الذّكر الْجَمِيل الْمَحْمُود أفرح وأبهج مِنْهُ بِمَا يسمعهُ بأذنه فِي حَيَاته، فتتابعت تِلْكَ الْأَمْلَاك بذلك كَأَنَّهُمْ ملك وَاحِد، وَكَأن أَرْوَاحهم روح وَاحِدَة، يمكّن أَوَّلهمْ لآخرهم، ويصدّق آخِرهم أَوَّلهمْ، تَجْتَمِع أنباء أسلافهم ومواريث آرائهم وصياغات عُقُولهمْ عِنْد الْبَاقِي مِنْهُم بعدهمْ، فكأنهم جُلُوس مَعَهم يحدثونه، ويشاورونه، حَتَّى كَانَ على رَأس دَارا بن دَارا مَا كَانَ من غَلَبَة الْإِسْكَنْدَر على مَا غلب عَلَيْهِ من مُلكنا، فَكَانَ إفساده أمرّنا، وتفريقه جماعتنا، وتخريبه عمرَان مملكتنا أبلغ لَهُ فِيمَا أَرَادَ من سفك دمائنا، فَلَمَّا أذن الله فِي جمع مملكتنا ودولة أحسابنا كَانَ من ابتعاثة إيانا مَا كَانَ " بِالِاعْتِبَارِ يتّقى العثار " وَمن يخلفنا أوجد للاعتبار منا، لما استدبروا من أَعَاجِيب مَا مرّ علينا. اعلموا أَن سلطانكم إِنَّمَا هُوَ على أجساد الرّعية، وَأَنه لَا سُلْطَان للملوك على الْقُلُوب. وَاعْلَمُوا أَنكُمْ إِن غلبتم النَّاس على مَا فِي أَيْديهم فَلَنْ تغلبوهم على عُقُولهمْ. وَاعْلَمُوا أَن الْعَاقِل المحروم سَالَ عَلَيْكُم لِسَانه، وَهُوَ أقطع سيفيه، وَإِن أَشد مَا يضر بكم من لِسَانه مَا صرف الْحِيلَة فِيهِ إِلَى الدّين، فَكَانَ بِالدّينِ يحْتَج، وللدين فِيمَا يظْهر، يغْضب فَيكون للدّين بكاؤه، وَإِلَيْهِ دعاؤه، ثمَّ هُوَ أوجد للتابعين والمصدقين والمناصحين والموالين والمؤازرين مِنْكُم، لِأَن بغضة النَّاس موكلة بالملوك، ومحبتهم ورحمتهم موكلة بالضعفاء والمغلوبين.

وَقد كَانَ من قبلنَا من الْمُلُوك يحتالون لعقول من يحذرون، بتخريبها، فَإِن الْعَاقِل لَا تَنْفَعهُ جودة تجربة إِذا صير عقله خرابا، وَكَانُوا يحتالون للطاعنين بِالدّينِ على الْمُلُوك فيسمونهم بالمبتدعين، فَيكون الدّين هُوَ الَّذِي يقتلهُمْ ويربح الْمُلُوك مِنْهُم. وَلَا يَنْبَغِي للْملك أَن يعْتَرف للعبّاد والنسّاك والمتبتلين أَن يَكُونُوا أولى بِالدّينِ وَلَا أحدب عَلَيْهِ وَلَا أغضب لَهُ مِنْهُ. وَلَا يَنْبَغِي للْملك أَن يدع النسّاك بِغَيْر الْأَمر وَالنَّهْي لَهُم فِي نسكهم وَدينهمْ، فَإِن خُرُوج النساك وَغير النساك من الْأَمر وَالنَّهْي عيب على الْمُلُوك وعيب على المملكة، وثلمة يستبينها النَّاس بَيِّنَة الضَّرَر للْملك وَلمن بعده. وَاعْلَمُوا أَن تصبر الْوَالِي على غير أخدانه وتقريبه غير وزرائه فتح لأبواب مَحْجُوب عَنهُ علمهَا. وَقد قيل: " إِذا استوحش الْوَالِي مِمَّن لم يوطن نَفسه عَلَيْهِ أطبقت عَلَيْهِ ظلم الْجَهَالَة ". وَقيل: " إِن أخوف مَا يكون الْعَامَّة آمن مَا يكون الوزراء ". اعلموا أَن دولتكم تُؤْتى من مكانين: أَحدهمَا، غَلَبَة بعض الْأُمَم الْمُخَالفَة لكم، وَالْآخر فَسَاد دينكُمْ، وَلنْ يزَال حريمكم من الْأُمَم محروساً ودينكم من غَلَبَة الْأَدْيَان مَحْفُوظًا مَا عظّمت فِيكُم الْوُلَاة، وَلَيْسَ تعظيمهم بترك كَلَامهم، وَلَا إجلالهم بالتنحي عَنْهُم وَلَا الْمحبَّة لَهُم بالمحبة لكل مَا يحبونَ، وَلَكِن تعظيمهم تَعْظِيم أديانهم وعقولهم، وإجلالهم إجلال مَنْزِلَتهمْ من الله جلّ وَعز، ومحبتهم محبَّة إصابتهم وحكاية الصَّوَاب عَنْهُم. وَاعْلَمُوا أَنه لَا سَبِيل إِلَى أَن يعظّم الْوَالِي إِلَّا بالإصابة فِي السياسة، وَرَأس إِصَابَة السياسة أَن يفتح الْوَالِي لمن قبله من الرّعية بَابَيْنِ: احدهما، بَاب رقة وَرَحْمَة ورأفة وبذل وتحنن وإلطاف ومواتاة ومواساة وَبشر وتهال وانبساط وانشراح، وَالْآخر، بَاب غلظة وخشونة وتعنت وَشدَّة وإمساك ومباعدة وإقصاء، وَمُخَالفَة وَمنع وقطوب وانقباض ومحقرة إِلَى أَن يبلغ الْقَتْل.

وَاعْلَمُوا أَنِّي لم أسم هذَيْن الْبَابَيْنِ بَاب رفق وَبَاب عنف، وَلَكِنِّي سميتهما جَمِيعًا بَابي رفق؛ لِأَن فتح بَاب الْمَكْرُوه مَعَ بَاب السرُور هُوَ أوشك لإغلاقه حَتَّى لَا يبتلى بِهِ أحد. وَاعْلَمُوا أَن فِي الرّعية من الْأَهْوَاء الغالية للرأي، والفجور المستثقل للدّين، والسفلة الحنقة على الْوُجُوه بالنفاسة والحسد مَا لَا بُد مَعَه أَن يقرن بِبَاب الرأفة بَاب الغلظة، وبباب الاستبقاء بَاب الْقَتْل. وَاعْلَمُوا أَن الْوَالِي قد يفْسد بعض الرّعية من حرصه على صَلَاحهَا، أَو قد يغلظ عَلَيْهَا من شدَّة رقته لَهَا، وَقد يقتل مِنْهَا من حرصه على حَيَاتهَا. وَاعْلَمُوا أَن قتالكم الْأَعْدَاء من الْأُمَم قبل قتالكم الْأَدَب من أنفس رعيتكم لَيْسَ بِحِفْظ وَلكنه إِضَاعَة، وَكَيف يُجَاهد الْعَدو بقلوب مُخْتَلفَة وأيد متعادية؟ وَقد علمْتُم أَن الَّذِي بني عَلَيْهِ النَّاس وجبلت عَلَيْهِ الطباع حب الْحَيَاة وبغض الْمَوْت، وَإِن الْحَرْب تبَاعد من الْحَيَاة، وتدني من الْمَوْت، فَلَا دفع وَلَا منع وَلَا صَبر وَلَا محاماة مَعَ هَذَا إِلَّا بِأحد وَجْهَيْن: إِمَّا بنية، وَالنِّيَّة مَا لَا يقدر عَلَيْهِ الْوَالِي عِنْد النَّاس بعد النِّيَّة الَّتِي تكون فِي أول الدولة، وَإِمَّا بِحسن الْأَدَب وإصابة السياسة. وَاعْلَمُوا أَن بَدْء ذهَاب الدولة إِنَّمَا يبْدَأ من قبل إهمال الرّعية بِغَيْر أشغال مَعْرُوفَة وَلَا أَعمال مَعْلُومَة، فَإِذا فَشَا الْفَرَاغ تولّد مِنْهُ النّظر فِي الْأُمُور والفكر فِي الْأُصُول، فَإِذا نظرُوا فِي ذَلِك نظرُوا فِيهِ بطبائع مُخْتَلفَة، فتختلف بهم الْمذَاهب، ويتولد من اخْتِلَاف مذاهبهم تعاديهم وتضاغنهم، وهم فِي ذَلِك مجتمعون فِي اخْتلَافهمْ على بغض الْمُلُوك؛ لِأَن كل صنف مِنْهُم إِنَّمَا يجْرِي إِلَى فجيعة الْملك الَّذِي يملكهُ، وَلَكنهُمْ لَا يَجدونَ سلما إِلَى ذَلِك أوثق من الدّين، وَلَا أَكثر أتباعاً، وأعز امتناعا، وَلَا أَشد على النَّاس صبرا، ثمَّ يتَوَلَّد من تعاديهم أَن الْملك لَا يَسْتَطِيع جمعهم على هوى وَاحِد، فَإِذا انْفَرد ببعضهم فَهُوَ عَدو لبَعض. ثمَّ يتَوَلَّد من تعاديهم وعداوتهم للْملك كثرتهم، فَإِن من شَأْن الْعَامَّة الِاجْتِمَاع على الاستثقال للولاة والنفاسة عَلَيْهِم، لِأَن فِي الرّعية المحروم

والمضروب وَالْمقَام عَلَيْهِ وَفِيه وَفِي حميمه الْحُدُود، والداخل عَلَيْهِ بعز الْملك الذل فِي نَفسه وخاصته، فَكل هَؤُلَاءِ يجْرِي إِلَى مُتَابعَة أَعدَاء الْملك، ثمَّ يتَوَلَّد من كثرتهم أَن يجبن الْملك على الْإِقْدَام عَلَيْهِم؛ فَإِن إقدام الْملك على جَمِيع الرّعية تغرير بِملكه وَنَفسه، ويتولد من جبن الْوُلَاة عَن تَأْدِيب الْعَامَّة تَضْييع الثغور الَّتِي فِيهَا الأهم من ذَوي الدّين وَذَوي الْبَأْس؛ لِأَن الْملك إِذا سد الثغور بِخَاصَّة المناصحين لَهُ وخلت بِهِ الْعَامَّة الحاسدة والمعادية، لم يعد بذلك تدريبهم فِي الْحَرْب وتقويتهم فِي السِّلَاح، وتعليمهم المكيدة مَعَ البغضة، فهم عِنْد ذَلِك أقوى عَدو وأخفره وأخلفه للظفر، وَلَا بُد من استطراد هَذَا كُله إِذا ضيّع أَوله. فَمن ألغى مِنْكُم الرّعية بعدِي وَهِي على حَال أقسامها الْأَرْبَعَة - الَّتِي هِيَ: أَصْحَاب الدّين وَالْحَرب وَالتَّدْبِير والخدمة. من ذَلِك: الأساورة صنف، والعبّاد والنسّاك وسدنة النيرَان صنف، والكتّاب والمنجمون صنف والأطباء صنف، والزرّاع والمهّان والتجار صنف. فَلَا يكونن بإصلاح جسده أَشد اهتماماً مِنْهُ بإحياء تِلْكَ الْحَال، وتفتيش مَا يحدث فِيهَا من الدخلات؛ فَلَا يكونن لانتقاله عَن الْملك بأجزع مِنْهُ لانتقال صنف من هَذِه الْأَصْنَاف إِلَى غير مرتبته؛ لِأَن تنقل النَّاس عَن مَرَاتِبهمْ سريع فِي نقل الْملك عَن ملكه، إِمَّا إِلَى خلع وَإِمَّا إِلَى قتل؛ فَلَا يكونن من شَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء بأوحش مِنْهُ من رَأس صَار ذَنبا، وذنب صَار رَأْسا، أَو يَد مَشْغُولَة أُحدثت فراغاً، أَو كهيم صَار ضريرا، أَو لئيم مرج. فَإِنَّهُ يتَوَلَّد من تنقل النَّاس عَن حالاتهم أَن يلْتَمس كل امْرِئ مِنْهُم فَوق مرتبته، فَإِذا انْتقل عَنْهَا أوشك أَن يرى أَشْيَاء أرفع مِمَّا انْتقل إِلَيْهِ فيغبط أَو ينافس فِيهِ. وَقد علمْتُم أَن من الرّعية أَقْوَامًا هم أقرب النَّاس إِلَى الْمُلُوك حَالا، وَفِي تنقل النَّاس عَن حالاتهم مطمعة للَّذين يلون الْمُلُوك فِي الْملك، ومطمعة للَّذين دون الَّذين يلون الْمُلُوك فِي تِلْكَ الْحَال، وَهَذَا لقاح بوار الْملك.

وَمن ألْقى مِنْكُم الرّعية وَقد أضيع أول أمرهَا فألفاها فِي اخْتِلَاف من الدّين، وَاخْتِلَاف من الْمَرَاتِب وضياع من الْعَامَّة، وَكَانَت بِهِ على المكاثرة قُوَّة فليكاثر بقوته ضعفهم، وليبادر بِالْأَخْذِ بأكظامهم قبل أَن يبادروا بِالْأَخْذِ بكظمه، وَلَا يَقُولَن أَخَاف العسف، فَإِنَّمَا يخَاف العسف - من يخَاف جريرة العسف - على نَفسه، وَأما إِذا كَانَ العسف لبَعض الرّعية صلاحاً لبقيتها، وراحة لَهُ وَلمن بَقِي مَعَه من الرّعية من النغل والدغل وَالْفساد فَلَا يكونن إِلَى شَيْء بأسرع مِنْهُ إِلَى ذَلِك، فَإِنَّهُ لَيْسَ نَفسه يعسف، وَلَا أهل مُوَافَقَته يعسف ولكنما يعسف عدوه. وَمن ألغى مِنْكُم الرّعية فِي حَال فَسَادهَا، وَلم ير بِنَفسِهِ عَلَيْهَا قُوَّة فِي صَلَاحهَا، فَلَا يكونن لقميص قمل بأسرع خلعاً مِنْهُ لما لبس من ذَلِك الْملك، وليأته الْبَوَار، إِذا أَتَاهُ، وَهُوَ غير مَذْكُور بشؤم وَلَا منوّه بِهِ فِي دناءة، وَلَا مهتوك بِهِ ستر مَا فِي يَدَيْهِ. وَاعْلَمُوا أَن فِيكُم من يستريح إِلَى اللَّهْو والدعة ثمَّ يديم من ذَلِك مَا يورّثه خلقا وَعَادَة فَيكون ذَلِك لقاح جد لَا لَهو فِيهِ، وتعب لَا خفض مَعَه، مَعَ الهجنة فِي الرَّأْي، والفضيحة فِي الذّكر، وَقد قَالَ الْأَولونَ منا: " لَهو رعية الصدْق بتقريظ الْمُلُوك وَلَهو مُلُوك الصدْق بالتودد إِلَى الرّعية ". وَاعْلَمُوا أَنه من شَاءَ مِنْكُم أَلا يسير بسيرة إِلَّا قُرّظت عَلَيْهِ فعل، وَمن شَاءَ مِنْكُم بعث الْعُيُون على نَفسه فأزكاها فَلم يكن النَّاس بِعَيْب نُفُوسهم بِأَعْلَم مِنْهُم بِعَيْبِهِ فعل. ثمَّ أَنه لَيْسَ مِنْكُم ملك إِلَّا كثير الذّكر لمن يَلِي الْأَمر بعده. وَمن فَسَاد الرّعية نشر أُمُور وُلَاة العهود، فَإِن فِي ذَلِك من الْفساد أَن أولّه دُخُول عَدَاوَة ممضة بَين الْملك ووليّ عَهده، وَلَيْسَ يتعادى متعاديان بأشد من أَن يسْعَى كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي قطع سؤل صَاحبه، وَهَكَذَا الْملك ووليّ عَهده، لَا يسر الأرفع أَن يُعْطي الأوضع سؤله فِي فنائه، وَلَا يسر هَذَا الأوضع أَن يُعْطي الآخر سؤله فِي الْبَقَاء، وَمَتى كَانَ فَرح أَحدهمَا فِي الرَّاحَة من صَاحبه تدخل فِي كل وَاحِد وَحْشَة من صَاحبه فِي طَعَامه وَشَرَابه، وَمَتى تباينا بالتهمة يتَّخذ كل

وَاحِد أحباء وأخداناً وَأهلا، ثمَّ يدْخل كل وَاحِد مِنْهُمَا وغر على أحباء صَاحبه، ثمَّ تنساق الْأُمُور إِلَى إهلاك أَحدهمَا لما لَا بُد لَهُ من الفناء، فتفضي الْأُمُور إِلَى الآخر وَهُوَ حنق على جيل من النَّاس يرى أَنه موتور إِن لم يحرمّهم ويضعهم وَينزل بهم الَّتِي كَانُوا يريدونها بِهِ، لَو ولوّا، فَإِذا وضع بعض الرّعية وأسخط بَعْضًا على هَذِه الْجِهَة تولّد من ذَلِك ضغن وَسخط من الرّعية، ثمَّ ترامى ذَلِك إِلَى بعض مَا أحذر عَلَيْكُم بعدِي. وَلَكِن لينْظر الْوَالِي مِنْكُم لله تَعَالَى ثمَّ للرعية ثمَّ لنَفسِهِ، ثمَّ لينتخب وليا للْعهد من بعده، ثك يكْتب اسْمه فِي أَربع صَحَائِف فيختمها بِخَاتمِهِ فَيَضَعهَا عِنْد أربعو نفر من خِيَار أهل المملكة، ثمَّ لَا يكون مِنْهُم فِي سر وَلَا عَلَانيَة أَمر يسْتَدلّ بِهِ على وليّ ذَلِك الْعَهْد، لَا فِي إدناء وتقريب يعرف بِهِ، وَلَا فِي إقصاء وتنكب يستراب لَهُ، وليتق ذَلِك فِي اللحظة والكلمة، فَإِذا هلك جُمعت تِلْكَ الْكتب الَّتِي عِنْد الرَّهْط الْأَرْبَعَة إِلَى النُّسْخَة الَّتِي عِنْد الْملك، ففضضن جَمِيعًا ثمَّ نوّه بِالَّذِي وضح اسْمه فِي جَمِيعهنَّ. يلقى الْملك، إِذا لقِيه، بحداثة عَهده بِحَال السوقة، فيلبس ذَلِك الْملك، إِذا لبسه، على بصر السوقة وسمعها ورأيها - أُذُنه -، فَإِن فِي سكر السُّلْطَان الَّذِي يَنَالهُ مَا يُكتفى بِهِ لَهُ من سكر ولَايَة الْعَهْد مَعَ سكر الْملك، فيصم ويعمى قبل لِقَاء الْملك كصم الْمُلُوك وعماهم، ثمَّ يلقى الْملك فيزيده صمًّا وعمى مَعَ مَا يلقى فِي ولَايَة الْعَهْد من بطر السُّلْطَان وحيلة العتاة وبغي الْكَذَّابين وترقية النمامين، وتحميل الوشاة بَينه وَبَين من فَوْقه. ثمَّ اعلموا أَنه لَيْسَ للْملك أَن يكذب؛ لِأَنَّهُ لَا يقدر أحد على استكراهه. وَلَيْسَ لَهُ أَن يلْعَب وَلَا يعبث، لِأَن الْعَبَث واللعب من عمل الْفَرَاغ، وَلَيْسَ لَهُ أَن يفرغ، لِأَن الْفَرَاغ من عمل السوقة، وَلَيْسَ لَهُ أَن يحْسد؛ لِأَن الْحَسَد لَا يجب أَن يكون إِلَّا على مُلُوك الْأُمَم على حسن التَّدْبِير، وَلَيْسَ لَهُ أَن يخَاف، لِأَن الْخَوْف من المعوز. وَلَيْسَ لَهُ أَن يتسلط إِن هُوَ أعوز. وَاعْلَمُوا أَن زين الْملك فِي استقامة الْحَال أَلا تخْتَلف مِنْهُ سَاعَات الْعَمَل والمباشرة وساعات الْفَرَاغ والدعة وساعات الرّكُوب والنزهة، فَإِن اختلافها مِنْهُ خفَّة، وَلَيْسَ للْملك أَن يخف.

وَاعْلَمُوا انكم لن تقدروا على ختم أَفْوَاه النَّاس من الطعْن والإزراء عَلَيْكُم، وَلَا قدرَة بكم على أَن تجْعَلُوا الْقَبِيح حسنا. وَاعْلَمُوا أَن لِبَاس الْملك ومطعمه مقارب للباس السوقة ومطعمهم، وبالحري أَن يكون فرحهما بِمَا نالا من ذَلِك وَاحِدًا، وَلبس فضل الْملك على السوقة إِلَّا بقدرته على اقتناء المحامد واستفادة المكارم، فَإِن الْملك إِذا شَاءَ أحسن وَلَيْسَ السوقة كَذَلِك. وَاعْلَمُوا انه يحِق على الْملك مِنْكُم أَن يكون ألطف مَا يكون نظرا، أعظم مَا يكون خطراً، وَألا يذهب حسن أَثَره فِي الرّعية خَوفه لَهَا، وَألا يَسْتَغْنِي بتدبيره الْيَوْم عَن تَدْبِير غَد، وَأَن يكون حذره للملاقين أَشد من حذره للمباعدين وَأَن يَتَّقِي بطانة السوء أَشد من اتقائه عَامَّة السوء. " وَلَا يطمعنّ ملك فِي إصْلَاح الْعَامَّة إِذا لم يبْدَأ بتقويم الْخَاصَّة ". وَاعْلَمُوا أَن لكل ملك بطانة، وَأَن لكل رجل من بطانته بطانة، ثمَّ لكل امْرِئ من بطانة البطانة بطانة، - حَتَّى يجْتَمع فِي ذَلِك جَمِيع أهل المملكة، فَإِذا أَقَامَ الْملك بطانته - على حَال الصَّوَاب أَقَامَ كل امْرِئ مِنْهُم بطانته على مثل ذَلِك، حَتَّى تَجْتَمِع على الصّلاح عَامَّة الرّعية. وَاعْلَمُوا أَن الْملك مِنْكُم قد تهون عَلَيْهِ الْعُيُوب؛ لِأَنَّهُ لَا يُستقبلُ بهَا، وَإِن عَملهَا، حَتَّى يرى أَن النَّاس يتكاتمونها بَينهم كتكاتمهم إِيَّاه تِلْكَ الْعُيُوب، وَهَذَا من الْأَبْوَاب الداعية إِلَى طَاعَة الْهوى، وَطَاعَة الْهوى دَاعِيَة إِلَى غلبته " فَإِذا غلب الْهوى اشْتَدَّ علاجه من السوقة المغلوبة فضلا عَن الْملك الْغَالِب ". اتَّقوا بَابا وَاحِدًا طالما أمنته فضرني، وحذرته فنفعني، احْذَرُوا إفشاء السِّرّ عِنْد الصغار من أهليكم وخدمكم؛ فَإِنَّهُ لَا يصغر أحد مِنْهُم عَن حمل ذَلِك السِّرّ إِلَّا ضيّع مِنْهُ شَيْئا يَضَعهُ حَيْثُ تَكْرَهُونَ، إِمَّا سقطا وَإِمَّا عَبَثا، والسقط أَكثر ذَلِك. اجعلوا حديثكم لأهل الْمَرَاتِب، وحباءكم لأهل الْجِهَاد، وبشركم لأهل الدّين، وسركم عِنْد من يلْزمه خير ذَلِك وشره، وزينة وشينة.

وَاعْلَمُوا أَن " صِحَة الظنون مَفَاتِيح الْيَقِين " وأنكم ستستيقنون من بعض رعيتكم بِخَير وَشر، وستظنون ببعضهم خيرا وشراً، فَمن استيقنتم مِنْهُ الْخَيْر وَالشَّر فليستيقن مِنْكُم بهما. وَمن ظننتموهما بِهِ فليظنهما بكم فِي أمره، فَعِنْدَ ذَلِك يَبْدُو من المحسن إحسانه، فيخالف الظَّن بِهِ فيغتبط وَمن الْمُسِيء إساءته فيصدّق الظَّن بِهِ فيندم. وَاعْلَمُوا أَن للشَّيْطَان فِي سَاعَات من الدَّهْر طَمَعا فِي السُّلْطَان عَلَيْكُم: مِنْهَا سَاعَة الْغَضَب والحرص والزهو، فَلَا تَكُونُوا لَهُ فِي شَيْء من سَاعَات الدَّهْر أَشد قتالاً مِنْكُم عِنْدهن حَتَّى تنقشعن. وَكَانَ يُقَال: " اتَّقِ مقارفة الْحَرِيص الْقَادِر؛ فَإِنَّهُ إِن رآك فِي الْقُوت رأى مِنْك أَخبث حالاتك، وَإِن رآك فِي الفضول لم يدعك وفضولك ". اسْتَعِينُوا بِالرَّأْيِ على الْهوى فَإِن ذَلِك تمْلِيك للرأي على الْهوى. وَاعْلَمُوا أَن من شَأْن الرَّأْي الاستخذاء للهوى، إِذا جرى الْهوى على عَادَته، وَقد عرفنَا رجَالًا كَانَ الرجل مِنْهُم يؤنس من قُوَّة طباعه ونبالة رَأْيه مَا تريه نَفسه أَنه على إزاحة الْهوى عَنهُ - وَإِن جرى على عَادَته، ومعاودته الرَّأْي وَإِن طَال بِهِ عَهده - قَادر، لثقة يجدهَا بِقُوَّة الرَّأْي، فَإِذا تمكن الْهوى مِنْهُ فسخ عزم رَأْيه، حَتَّى يُسَمِّيه كثير من النَّاس نَاقِصا فِي الْعقل، فَأَما البصراء فبستبينون من عقله عِنْد غَايَة الْهوى عَلَيْهِ مَا يستبان من الأَرْض الطّيبَة الْموَات. وَاعْلَمُوا أَن فِي الرّعية صنفا من النَّاس هم بإساءة الْوَالِي أفرح مِنْهُم بإحسانه وَإِن كَانَ الْوَالِي لم يترهم، وَكَانَ الزَّمَان لم ينكبهم، وَذَلِكَ لاستطراف حادثات الْأَخْبَار فَإِن استطراف الْأَخْبَار مَعْرُوف من أَخْلَاق حَشْو النَّاس، ثمَّ لَا طرفَة عِنْدهم إِلَّا فِيمَا اشْتهر؛ فَجمعُوا فِي ذَلِك سرُور كل عَدو لَهُم ولعامتهم مَعَ مَا وتروا بِهِ أنفسهم وولاتهم. فَلَا دَوَاء لأولئك إِلَّا بالأشغال.

وَفِي الرّعية صنف وتروا النَّاس كلهم، وهم الَّذين قووا على جفوة الْوُلَاة، وَمن قوي على جفونهم فَهُوَ غير سَاد ثغرا، وَلَا مناصح إِمَامًا، وَمن غش الإِمَام فقد غش النَّاس طرا وَإِن ظن أَنه للعامة مناصح. وَكَانَ يُقَال: " من لم ينصح عملا من غش عَامله ". وَفِي الرّعية صنف تركُوا إتْيَان الْمُلُوك من قبل أَبْوَابهم وأتوهم من قبل وزرائهم، فَليعلم الْملك مِنْكُم أَنه من أَتَاهُ من قبل بَابه فقد آثره بنصيحة إِن كَانَت عِنْده، وَمن اتاه من قبل وزرائه فَهُوَ مُؤثر للوزير على الْملك فِي جَمِيع مَا يَقُول وَيفْعل. وَفِي الرّعية صنف دعوا إِلَى أنفسهم الجاه بالأياء وَالرَّدّ لَهُ ووجدوا ذَلِك عِنْد المغفلين نافقاً، وَرُبمَا قرّب الْملك الرجل من أُولَئِكَ لغير نبل فِي رَأْي، وَلَا إِجْزَاء فِي الْعَمَل، وَلَكِن الأياء وَالرَّدّ أغرباه. وَفِي الرّعية صنف أظهرُوا التَّوَاضُع واستشعروا الْكبر، فالرجل مِنْهُم يعظ الْمُلُوك زارياً عَلَيْهِم بِالْمَوْعِظَةِ، يعْتد ذَلِك تقربّاً إِلَيْهِم، ويتخذ ذَلِك أسهل طريقي طعنه عَلَيْهِم: ويسمّى ذَلِك هُوَ وَكثير مِمَّن مَعَه تحرياً للدّين؛ فَإِذا أَرَادَ الْملك هوانهم لم يعرف لَهُم ذَنبا يهانون عَلَيْهِ، وَإِذا أَرَادَ إكرامهم فَهِيَ منزلَة حبوا بهَا أنفسهم على رغم الْمُلُوك، وَإِن أَرَادَ إسكاتهم كَانَ السماع فِي ذَلِك أَنه استثقل مَا عِنْدهم من حفظ الدّين، وَإِن أمروا بالْكلَام قَالُوا: إِنَّمَا نفسد وَلَا نصلح، فَأُولَئِك أَعدَاء الدول وآفات الْمُلُوك: فَالرَّأْي للملوك تقريبهم من الدُّنْيَا، فَإِنَّهُم إِلَيْهَا أجروا، وفيهَا عمِلُوا، وَلها سعوا، وَإِيَّاهَا أَرَادوا، فَإِذا تلوثوا بهَا بَدَت فضائحهم، وَإِن امْتَنعُوا مِمَّا فِي أَيدي الْمُلُوك فَإِن فِيمَا يحدثُونَ مَا يَجْعَل للملوك سلّماً إِلَى سفك دِمَائِهِمْ. وَكَانَ بعض الْمُلُوك يَقُول: " الْقَتْل أقل للْقَتْل ". وَفِي الرّعية صنف أَتَوا الْمُلُوك من قبل النصائح لَهُم، والتمسوا إصْلَاح مَنَازِلهمْ بإفساد منَازِل النَّاس، فَأُولَئِك أَعدَاء النَّاس، وأعداء الْمُلُوك " وَمن عادى الْمُلُوك وَجَمِيع النَّاس والرعية فقد عادى نَفسه ".

وَاعْلَمُوا أَن الدَّهْر حاملكم على طَبَقَات: مِنْهُنَّ حَال السخاء حَتَّى تَدْنُو من السَّرف، ومنهن حَال التَّقْدِير حَتَّى تقرب من الْبُخْل، ومنهن حَال الأناة حَتَّى تصير إِلَى البلادة، ومنهن حَال المناهزة للفرصة حَتَّى تدنوا من الخفة، ومنهن حَال الطلاقة فِي اللِّسَان حَتَّى تَدْنُو من الهذر، ومنهن حَال الْأَخْذ بِحكم الصمت حَتَّى تَدْنُو من العي. فالملك مِنْكُم جدير أَن يبلغ من كل طبقَة من محاسنها حَدهَا، فَإِذا وقف على الْحُدُود الَّتِي وَرَاءَهَا سرف ألْجم نَفسه عَمَّا وَرَاءَهَا. وَاعْلَمُوا أَن الْملك مِنْكُم ستعرض لَهُ شهوات فِي غير ساعاتها، وَالْملك إِذا قدّر سَاعَة الْعَمَل، وَسَاعَة الْفَرَاغ وَسَاعَة المشرب، وَسَاعَة الْمطعم، وَسَاعَة الفضلة، وَسَاعَة اللَّهْو، كَانَ جَدِيرًا أَلا يعرف مِنْهُ الاستقدام بالأمور وَلَا الاستئخار بهَا عَن ساعاتها، فَإِن اخْتِلَاف ذَلِك يُورث مضرتين: إِحْدَاهمَا، السخف، وَهِي أَشد الْأَمريْنِ، وَالْأُخْرَى، نقض الْجَسَد بِنَقْض أقواته وحركاته. وَاعْلَمُوا أَن من ملوككم من سَيَقُولُ: لي الْفضل على من كَانَ من قبلي من آبَائِي وعمومتي وَمن ورثت عَنهُ هَذَا الْأَمر؛ لبَعض الْإِحْسَان يكون مِنْهُ، فَإِذا قَالَ ذَلِك سوعد عَلَيْهِ بالمتابعة لَهُ، فَليعلم ذَلِك الْملك أَنه والمتابعين لَهُ إِنَّمَا وضعُوا أَيْديهم وألسنتهم فِي قصب آبَائِهِ من الْمُلُوك وهم لَا يَشْعُرُونَ، وبالحري أَن يشْعر بعض المتابعين لَهُ فيغمض على مَا لَا يحزنهُ من ذَلِك. وَاعْلَمُوا أَن ابْن الْملك وأخاه وَابْن أَخِيه وَعَمه وَابْن عَمه يَقُول: كدت أكون ملكا، وبالحري أَلا أَمُوت حَتَّى أكون ملكا، فَإِذا قَالَ ذَلِك قَالَ مَا لَا يسر الْملك، فَإِن كتمه " فالداء فِي كل مَكْتُوم " وَإِن أظهره كلم ذَلِك فِي قلب الْملك كلما يكون لقاحاً للتباين والتعادي، وسيجد ذَلِك الْقَائِل، من المتابعين والمحتملين والمنمنمين مَا تمنى لنَفسِهِ مَا يزِيدهُ إِلَى مَا اشتاق إِلَيْهِ شوقاً، فَإِذا تمكن فِي صَدره الأمل لم يرج النّيل إِلَّا فِي اضْطِرَاب من الْحِيَل وزعزة تدخل على الْملك وَأهل المملكة، فَإِذا تمنى ذَلِك فقد جعل الْفساد سلّماً إِلَى الصّلاح، وَلم يكن الْفساد سلّماً إِلَى صَلَاح قطّ: وَقد رسمت لكم فِي ذَلِك مِثَالا لَا مخرج لكم من هَذَا إِلَّا بِهِ.

اجعلوا الْملك لَا يَنْبَغِي إِلَّا لأبناء الْمُلُوك من بَنَات عمومتهم، وَلَا يصلح من أَوْلَاد بَنَات الْعم إِلَّا كَامِل غير سخيف الْعقل، وَلَا عَازِب الرَّأْي، وَلَا نَاقص الْجَوَارِح، وَلَا معتوب عَلَيْهِ فِي الدّين؛ فَإِنَّكُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك قلّ طلاب الْملك، وَإِذا قلّ طلابه استراح كل امْرِئ إِلَى مَا يَلِيهِ، وَنزع إِلَى جديلته، وَعرف حَاله، وغض بَصَره، وَرَضي بمعيشته، واستطاب زَمَانه. وَاعْلَمُوا أَنه سَيَقُولُ قَائِل من عرض رعيتكم أَو من ذَوي قرابتكم: مَا لأحد عليّ فضل لَو كَانَ لي ملك، فَإِذا قَالَ ذَلِك فقد تمنى الْملك وَهُوَ لَا يشْعر، ويوشك أَن يتمناه بعد ذَلِك وَهُوَ يشْعر، فَلَا يرى ذَلِك من رَأْيه خطلاً، وَلَا من فعله زللا، وَإِنَّمَا يسْتَخْرج ذَلِك فرَاغ الْقلب وَاللِّسَان مِمَّا يُكَلف أهل الدّين والكتّاب والحسّاب، أَو فرَاغ الْيَد مِمَّا يُكَلف الأساورة، أَو فرَاغ الْبدن مِمَّا يكلّف التُّجَّار والمهنة والخدم. وَاعْلَمُوا أَنا على فضل قوتنا، وَإجَابَة الْأُمُور إياناً، وَجدّة دولتنا، وَشدَّة بَأْس أنصارنا، وَحسن نِيَّة وزرائنا لم نستطع إحكام تفتيش النَّاس حَتَّى بلغنَا من الرّعية مَكْرُوها، وَمن أَنْفُسنَا مجهودها. وَاعْلَمُوا أَن الْملك ورعيته جَمِيعًا يحِق عَلَيْهِم أَلا يكون للفراغ عِنْدهم مَوضِع " فَإِن التضييع فِي فرَاغ الْملك، وَفَسَاد المملكة فِي فرَاغ الرّعية ". وَاعْلَمُوا أَنه لَا بُد من سخط سيحدث مِنْكُم على بعض إخْوَانكُمْ المعروفين بِالنَّصِيحَةِ لكم، وَلَا بُد من رضى سيحدث لكم على بعض أعدائكم المعروفين بالغش لكم، فَلَا تُحدثوا، عِنْدَمَا يكون من ذَلِك، انقباضاً عَن الْمَعْرُوف بِالنَّصِيحَةِ، وَلَا استرسالاً إِلَى الْمَعْرُوف بالغش. وَقد خلّفت لكم رَأْيِي إِذْ لم أستطع تخليف بدني، وَقد حبوتكم بِمَا حبوت بِهِ نَفسِي، وقضيت حقكم فِيمَا آسيتكم بِهِ من رَأْيِي، فاقضوا حَقي بالتشفيع لي فِي صَلَاح أَنفسكُم والتمسك بعهدي إِلَيْكُم، فَإِنِّي قد عهِدت إِلَيْكُم عهدي وَفِيه صَلَاح جَمِيع ملوككم وعامتكم وخاصتكم، وَلنْ تضيعوا مَا احتفظتم بِمَا رسمت لكم مَا لم تضعوا غَيره، فَإِذا تمسكتم بِهِ كَانَ عَلامَة فِي بقائكم مَا بَقِي الدَّهْر.

وَلَوْلَا الْيَقِين بالبوار النَّازِل على رَأس الْألف من السنين لظَنَنْت أَنْت قد خلّفت فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ كَانَ عَلامَة فِي بقائكم مَا بَقِي الدَّهْر، وَلَكِن الفناء إِذا جَاءَت أَيَّامه أطعتم أهواءكم، واستثقلتم ولاتكم، وأمنتم، وتنقلتم عَن مراتبكم، وعصيتم خياركم، وَكَانَ أَصْغَر مَا تخطئون فِيهِ سلّماً إِلَى أكبر مِنْهُ حَتَّى تفتقوا مَا رتقنا، وتُضيعوا مَا حفظنا. وَالْحق علينا وَعَلَيْكُم أَلا تَكُونُوا للبوار أغراضاً، وَفِي الشؤم أعلاما، فَإِن الدَّهْر إِذا أَتَى بِالَّذِي تنتظرون اكْتفى بوحدته. وَنحن نَدْعُو الله تَعَالَى لكم بنماء الْمنزلَة، وَبَقَاء الدولة، دَعْوَة لَا يفنيها فنَاء قَائِلهَا، وَلَا يُميتها موت داعيها حَتَّى المُنقلب، ونسأل الله الَّذِي عجّل بِنَا وأخّركم، وقدّمنا وخلّفكم، أَن يرعاكم رِعَايَة يرْعَى بهَا من تَحت أَيْدِيكُم، وَأَن يرفعكم رفْعَة يضع بهَا من عاداكم، وَأَن يكرمكم كَرَامَة يُهين بهَا من ناوأكم، ونستودعكم الله الْعَظِيم وَدِيعَة يكفيكم بهَا الدَّهْر الَّذِي يُسلمكم وباله وَغَيره وعثراته وغدراته وَالسَّلَام على أهل الْمُوَافقَة مِمَّن يَأْتِي عَلَيْهِ الْعَهْد من الْأُمَم الكائنة بعدِي.

الباب الرابع مواعظ ونكت للزهاد

الْبَاب الرَّابِع مواعظ ونكت للزهاد قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لبَعْضهِم: " إِنِّي أَخَاف الله مِمَّا دخلت فِيهِ " قَالَ: لست أَخَاف عَلَيْك أَن تخَاف، إِنَّمَا أَخَاف عَلَيْك أَلا تخَاف. قَالَ بَعضهم: لَا تجْعَل بَيْنك وَبَين الله منعماً، وعد النعم مِنْهُ عَلَيْك مغرماً. دخل سَالم بن عبد الله على هِشَام فِي الْبَيْت فَقَالَ لَهُ هِشَام: سل حَاجَتك، قَالَ: " أكره أَن أسأَل فِي بَيت الله غير الله ". وَقيل لرابعة القيسية: لَو كلّمت أهلك أَن يشتروا لَك خَادِمًا يَكْفِيك مؤونة بَيْتك! فَقَالَت: " إِنِّي أستحي أَن أسأَل الدُّنْيَا من يملكهَا، فَكيف أسألها من لَا يملكهَا؟ ". قَالَ بكر بن عبد الله: " أطفئوا نَار الْغَضَب بِذكر نَار جَهَنَّم ". وَلما خبّر أَبُو حَازِم سُلَيْمَان بن عبد الْملك أَبُو عبد الله للمذنبين، قَالَ: فَأَيْنَ رَحْمَة الله؟ قَالَ: " قريب من الْمُحْسِنِينَ ". كَانَ بِلَال بن سعد يَقُول: " زاهدكم رَاغِب، ومجتهدكم مقصر، وعالمكم جَاهِل، وجاهلكم مغتر ". وَقَالَ عَامر بن عبد قيس: " الدُّنْيَا وَالِدَة للْمَوْت، ناقضة للمبرم، مرتجعة للعطية، وكل من فِيهَا يجْرِي إِلَى مَا لَا يدْرِي، وكل مُسْتَقر فِيهَا غير رَاض بهَا، وَذَلِكَ شَهِيد على أَنَّهَا لَيست بدار قَرَار ".

بَاعَ عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أَرضًا لَهُ بِثَمَانِينَ ألفا فَقيل لَهُ: لَو اتَّخذت لولدك ذُخراً من هَذَا المَال! قَالَ: أَنا أجعَل هَذَا المَال ذخْرا لي، وَأَجْعَل الله ذخْرا لوَلَدي. رأى إِيَاس بن قَتَادَة العبشمي شيبَة فِي لحيته فَقَالَ: " أرى الْمَوْت يطلبني، وَأرَانِي لَا أفوته، أعوذ بك من فُجاءة الْأُمُور. يَا بني سعد قد وهبت لكم شَبَابِي فهبوا لي شيبتي " وَلزِمَ بَيته فَقَالَ لَهُ أَهله: تَمُوت هُزلاً، قَالَ: " لِأَن أَمُوت مُؤمنا مهزولاً أحب إليّ من أَن أَمُوت منافقاً سميناً ". قَالَ بكر بن عبد الله: وَمَا الدُّنْيَا؟ أما مَا مضى مِنْهَا فحلم، وَمَا بَقِي مِنْهَا فأماني. قَالَ مُوّرق: خير من الْعجب بِالطَّاعَةِ أَلا تَأتي بِطَاعَة. وَقَالَ: ضَاحِك معترف بِذَنبِهِ خير من باك مدلّ على ربه. وَقَالَ بكر بن عبد الله: اجتهدوا فِي الْعَمَل فَإِن قصر بكم ضعف فكفوا عَن الْمعاصِي. قَالَ: أوحى الله إِلَى الدُّنْيَا من خدمني فاخدميه، وَمن خدمك فاستخدميه. قيل لرابعة: هَل عملن عملا تَرين أَنه يُقبل مِنْك؟ قَالَت: إِن كَانَ شَيْء فخوفي أَن يُرد عليّ. قيل لرجل مَرِيض: كَيفَ تجدك؟ قَالَ: لم أَرض حَياتِي لموتي. نظر حبيب يَوْمًا إِلَى مَالك بن دِينَار وَهُوَ يقسم صَدَقَة لَهُ عَلَانيَة فَقَالَ لَهُ: يَا أخي إِذا ركزت كنزاً فاستره. دخل الْأَوْزَاعِيّ على الْمهْدي فَقَالَ لَهُ: إِن الله قد أَتَاك فَضِيلَة الدُّنْيَا، وَكَفاك طلبَهَا؛ فاطلب فَضِيلَة الْآخِرَة فقد فرّغك لَهَا. قَالَ عَمْرو بن عبيد للمنصور: إِن الله أَعْطَاك الدُّنْيَا بأسرها؛ فاشتر نَفسك مِنْهُ بِبَعْضِهَا، وَإِن هَذَا الَّذِي أصبح بِيَدِك لَو بَقِي فِي يَد من كَانَ قبلك لم يصر إِلَيْك، فاحذر لَيْلَة تمخّض بِيَوْم هُوَ آخر عُمرك، قَالَ: فَبكى الْمَنْصُور، وَقَالَ

لَهُ: سل حَاجَة، قَالَ: نعم، يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لَا تعطني حَتَّى أَسأَلك، وَلَا تدعُني حَتَّى أجيئك. قيل: لَيْسَ من قدر الدُّنْيَا أَن تُعطي أحدا مَا يسْتَحقّهُ، إِمَّا أَن تزيده وَإِمَّا أَن تنقصه. قيل لخَالِد بن صَفْوَان: من أبلغ النَّاس؟ قَالَ: الْحسن، لقَوْله: فَضَح الْمَوْت الدُّنْيَا. وَقيل لزاهد: كَيفَ سخت نَفسك عَن الدُّنْيَا؟ قَالَ: أيقنت أَنِّي خَارج مِنْهَا كَارِهًا فَأَحْبَبْت أَن أخرج مِنْهَا طَوْعًا. سمع بَعضهم سَائِلًا يَقُول: أَيْن الزاهدون فِي الدُّنْيَا الراغبون فِيمَا عِنْد الله فَقَالَ: اقلب وضع يدك على من شِئْت. قيل لأبي حَازِم: كَيفَ النَّاس يَوْم الْقِيَامَة؟ فَقَالَ: أما العَاصِي فآبق قدم بِهِ على مَوْلَاهُ، وَأما الْمُطِيع فغائب قدم على أَهله. وَمر إِبْرَاهِيم بن أدهم بِبَاب الْمَنْصُور فَنظر إِلَى السِّلَاح والحرس فَقَالَ: الْمُرِيب خَائِف. قيل لراهب: مَا أصبرك على الْوحدَة؟ قَالَ: أَنا جليس رَبِّي إِذا شِئْت أَن يناجيني قَرَأت كِتَابه، وَإِن شِئْت أَن أناجيه صلّيت. كَانَ يُقَال: " خف الله لقدرته عَلَيْك، واستحي مِنْهُ لقُرْبه مِنْك ". قَالُوا: " احذر أَن يصيبك مَا أصَاب من ظلمك ". قَالَ الرشيد للفضيل بن عِيَاض: مَا أزهدك! قَالَ الفضيل: أَنْت أزهد مني؛ لِأَنِّي زهدت فِي الدُّنْيَا وَهِي فانية، وزهدت أَنْت فِي الْآخِرَة وَهِي بَاقِيَة. قَالَ الفضيل: يَا رب إِنِّي لأَسْتَحي أَن أَقُول: توكلت عَلَيْك، لَو توكلت عَلَيْك لما خفت وَلَا رَجَوْت غَيْرك.

قَالَ بَعضهم: من اكْتسب غير قوته فَهُوَ خَازِن غَيره. عوتب بَعضهم على كَثْرَة الصَّدَقَة فَقَالَ: لَو أَرَادَ رجل أَن ينْتَقل من دَار إِلَى دَار مَا ترك فِي الأولى شَيْئا. بعث ملك إِلَى عَابِد: مَالك لَا تخدمني وَأَنت عَبدِي. فَقَالَ: لَو اعْتبرت لعَلِمت أَنَّك عبد لعبدي؛ لِأَنِّي أملك الْهوى، فَهُوَ عَبدِي، وَأَنت تتبع الْهوى فَأَنت عَبده. حَكِيم: أمسك مَاض، ويومك منتقل، وغدك مُتَّهم. قَالَ أَبُو حَازِم: إِنَّمَا بيني وَبَين الْمُلُوك يَوْم وَاحِد؛ أما أمس فَلَا يَجدونَ لذته، وَلَا أجد شدته، وَأما غَد فَإِنِّي وإياهم مِنْهُ على خطر، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم فَمَا عَسى أَن يكون؟ . دخل متظلم على سُلَيْمَان بن عبد الْملك فَقَالَ: اذكر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يَوْم الْأَذَان، فَقَالَ: وَمَا يَوْم الْأَذَان؟ قَالَ: الْيَوْم الَّذِي قَالَ الله فِيهِ: " فَأذن مُؤذن بَينهم أَن لعنة الله على الظَّالِمين ". فَبكى سُلَيْمَان، وأزال ظلامته. سُئِلَ الْفضل عَن الزّهْد قَالَ: هُوَ رفان فِي كتاب الله " لكيلا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم ". كتب مَحْبُوس إِلَى الرشيد إِنَّه مَا مر يَوْم من نعيمك إِلَّا مر يَوْم من بؤسي وَالْأَمر قريب وَالسَّلَام. قيل لبَعْضهِم: مَا الْخَبَر؟ قَالَ: طَابَ الْخَبَر " كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة ". وَقيل: المحسن فِي معاده كالغائب يقدم على أَهله مَسْرُورا، والمسيء: كالآبق يُرّد إِلَى أَهله مأسورا. وقف أَعْرَابِي على قبر هِشَام، وخادم لَهُ يَقُول: مَا لَقينَا بعْدك! فَقَالَ: إيهاً عَلَيْك، أما إِنَّه لَو نشر لأخبرك أَنه لَقِي أَشد مِمَّا لَقِيتُم.

كتب طَاوس إِلَى مَكْحُول: أما بعد، فَإنَّك قد أصبت بِمَا ظهر من علمك عِنْد النَّاس منزلَة وشرفا، فالتمس بِمَا بطن من عَمَلك عِنْد الله منزلَة وزلفى، وَاعْلَم أَن إِحْدَى المنزلتين ستزيد الْأُخْرَى وَالسَّلَام. قَالَ ابْن الْمُعْتَمِر: النَّاس ثَلَاثَة أَصْنَاف: أَغْنِيَاء، وفقراء، وأوساط، فالفقراء موتى إِلَّا من أغناه الله بعز القناعة، والأغنياء سكارى إِلَّا من عصمه الله بتوقع الْغَيْر، وَأكْثر الْخَيْر مَعَ أَكثر الأوساط، وَأكْثر الرَّاحَة مَعَ الْفُقَرَاء، والأغنياء تستخف بالفقر من بطر الْغنى. قيل لحاتم: علام بنيت أَمرك؟ قَالَ: على أَربع خِصَال: علمت أَن رِزْقِي لَا يَأْكُلهُ غَيْرِي فَلم أهتم بِهِ، وَعلمت أَن عَمَلي لَا يعمله غَيْرِي فَأَنا مَشْغُول بِهِ، وَعلمت أَن الْمَوْت يأتيني بَغْتَة فَأَنا مبادره، وَعلمت أَنِّي بِعَين الله فِي كل حَال فَاسْتَحْيَيْت مِنْهُ. قَالَ بعض السّلف: أَنْت فِي طلب الدُّنْيَا مَعَ الْحَاجة إِلَيْهَا مَعْذُور، وَأَنت فِي طلبَهَا مَعَ الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا مغرور. دخل سُفْيَان الثَّوْريّ على الْمهْدي وَهُوَ بِمَكَّة فَقَالَ لَهُ: حَدثنَا أَبُو عمرَان أَيمن بن نابل عَن قدامَة بن عبد الله الْكلابِي قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر: " لَا ضرب، وَلَا طرد، وَلَا إِلَيْك إِلَيْك " فقد رَأَيْت النَّاس يضْربُونَ بَين يَديك. وَجَاء عَن عمر بن الْخطاب أَنه أنْفق فِي حجَّة حَجهَا بضعَة عشر دِينَارا وَقَالَ: مَا أَحسب هَذَا إِلَّا سَرفًا فِي أَمْوَال الْمُسلمين، وَمَا أَرَاك

تَدْرِي كم أنفقت؟ فَقَالَ لَهُ الْمهْدي: لَو كَانَ الْمَنْصُور حَيا مَا احْتمل هَذَا الْكَلَام مِنْك، فَقَالَ سُفْيَان: لَو كَانَ الْمَنْصُور حَيا ثمَّ أخْبرك بِمَا لَقِي مَا تقاربك مجلسك. نظر بَعضهم إِلَى رجل يُفحش فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا إِنَّك إِنَّمَا تُملي على حافظيك كتابا إِلَى رَبك، فَانْظُر مَا تَقول. قيل لبَعْضهِم: ولي فلَان ولَايَة، فَلَو أَتَيْته! فَقَالَ: وَالله مَا فرحت لَهُ فأهنيه، وَلَا ساءته فأعزّيه. قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: كم بَيْنكُم وَبَين أَقوام أَقبلت الدُّنْيَا عَلَيْهِم فَهَرَبُوا مِنْهَا، وأدبرت عَنْكُم فتبعتموها؟ . قَالَ أَبُو حَازِم: إِذا تَتَابَعَت عَلَيْك نِعمُ رَبك وَأَنت تعصيه فاحذره. وَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان بن عبد الْملك: عظني، قَالَ: عظّم رَبك أَن يراك حَيْثُ نهاك، أَو يفقدك حَيْثُ أَمرك. قَالَ مطرّف: لِأَن يسألني رَبِّي أَلا فعلت؟ أحب إِلَيّ من أَن يسألني لمَ فعلت؟ . قيل لحكيم: صف الدُّنْيَا وأوجز، قَالَ: ضحكة مستعبر. قَالَ آخر لبَعض الصَّالِحين بِالْبَصْرَةِ: أَنا خَارج إِلَى بَغْدَاد فَهَل لَك من حَاجَة؟ قَالَ: مَا أحب أَن أبسط أملي حَتَّى تذْهب إِلَى بَغْدَاد وتجيء. قيل للعتابيّ: إِن فلَانا بعيد الهمة، قَالَ: إِذن لَا يقنع بِدُونِ الْجنَّة. وَقيل لَهُ: إِن فلَانا بعيد الهمة عَالم، قَالَ إِذن لَا يفرح بالدنيا.

كَانَ وهب بن منبّه يَقُول: " مثل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كَمثل رجل لَهُ ضرّتان إِن أرْضى أَحدهمَا أَسخط الْأُخْرَى ". وقف رجل على قبر بعض الْجَبَابِرَة فَقَالَ: أَيهَا الْجَبَّار، كم من نفس قتلتها طلبا للراحة مِنْهَا أَصبَحت الْيَوْم وَهِي أَكثر شغلك. قَالَ الْفضل الرقاشِي: إِنَّا وَالله مَا نعلّمكم مَا تجهلون وَلَكنَّا نذكركم مَا تعلمُونَ. كَانَ الفضيل، وَهُوَ يعظ ابْنه عليا، كثير الزّهْد وَيَقُول: يَا بني ارْفُقْ بِنَفْسِك. وَكَانَ يَوْمًا خلف الإِمَام يُصَلِّي، وَقَرَأَ سُورَة الرَّحْمَن، فَجعل يَتْلُو إِلَى قَوْله تَعَالَى: " حور مقصورات فِي الْخيام " فَلَمَّا سلّم الإِمَام سمع أَبَاهُ يُنَادي: يَا عَليّ، أما سَمِعت مَا قَرَأَ الإِمَام؟ فَيَقُول ابْنه: يَا أَبَة شغلني مَا كَانَ قبلهَا: " يُعرف المجرمون بسماهم فَيُؤْخَذ بالنواصي والأقدام ". قيل لِابْنِ عُيَيْنَة: إِن فلَانا ينتقصك: فَقَالَ: نطيع الله فِيهِ على قدر مَا عصى الله فِينَا. قيل لبَعْضهِم: مَا مثل الدُّنْيَا؟ قَالَ: هِيَ أقل من أَن يكون لَهَا مثل. عوتب سهل بن عبد الله على كَثْرَة الصَّدَقَة فَقَالَ: لَو أَرَادَ الرجل أَن ينْتَقل من دَار إِلَى دَار أَكَانَ يتْرك فِي الأولى شَيْئا؟ لَا وَالله. دخل لص على بعض الزهاد فَلم ير فِي دَاره شَيْئا: فَقَالَ: يَا هَذَا أَيْن متاعك؟ قَالَ حوّلته إِلَى دَار أُخْرَى. قيل للربيع بن خثيم: يَا ربيع، أَنا مَا رَأَيْتُك تذم أحدا، قَالَ: وَيلك! مَا أَنا عَن نَفسِي رَاض فأتحول من ذمِّي إِلَى ذمّ النَّاس؛ إِن النَّاس خَافُوا الله على ذنُوب الْعباد؛ وأمنوه على ذنوبهم.

قَالَ عِيسَى بن مُوسَى، وَهُوَ أَمِير الْكُوفَة لأبي شيبَة قَاضِي الرّيّ: لم لَا تغشانا فِيمَن يغشانا؟ قَالَ: لِأَنِّي إِن جئْتُك فقربتني فتنتني، وَإِن أقصيتني حزنتني؛ وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أخافك عَلَيْهِ، وَلَا عنْدك مَا أرجوك لَهُ. قَالَ بعض الزهاد: تَأمل ذَا الْغنى، مَا أدوم نَصبه، وَأَقل رَاحَته، وأخس من مَاله حَظه، وَأَشد من الْأَيَّام حذره، ثمَّ هُوَ بَين سُلْطَان يهتضمه، وعدو يَبْغِي عَلَيْهِ، وَحُقُوق تلْزمهُ، وأكفاء يسوءونه، وَولد يود فِرَاقه، قد بعث عَلَيْهِ الْغنى من سُلْطَانه الْعَنَت، وَمن أكفائه الْحَسَد، وَمن أعدائه الْبَغي، وَمن ذَوي الْحُقُوق الذَّم، وَمن الْوَلَد الْمَلَامَة {} . قَالَ سُفْيَان: يَا ابْن آدم، إِن جوارحك سلَاح الله عَلَيْك بأيها شَاءَ قَتلك. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت صوفياً فِي الْبَادِيَة فَقلت لَهُ: أَيْن الزَّاد؟ قَالَ: قدّمته إِلَى الْمعَاد. قَالَ بَعضهم: مَا تبالي حسّنت جوراً أَو دخلت فِيهِ، وقبّحت عدلا أَو خرجت مِنْهُ؟ . قَالَ مَيْمُون بن هَارُون: فِي قَوْله تَعَالَى: " وَلَا تحسبن الله غافلاً عَمَّا يعْمل الظَّالِمُونَ " تَعْزِيَة للمظلوم ووعيد للظالم. دخل عبد الْوَارِث بن سعيد على رجل يعودهُ فَقَالَ: كَيفَ أَنْت؟ قَالَ: مَا نمت مُنْذُ أَرْبَعِينَ لَيْلَة، فَقَالَ: يَا هَذَا، أحصيت أَيَّام الْبلَاء، فَهَل أحصيت أَيَّام الرخَاء؟ . قَالَ آخر: الْعجب لمن يغتر بالدنيا، وَإِنَّمَا هِيَ عُقُوبَة ذَنْب. قَالَ ابْن السماك: " خف الله حَتَّى كَأَنَّك لم تطعه، وارج الله كَأَنَّك لم تعصه ". قَالَ آخر: الْعَالم طَبِيب هَذِه الْأمة وَالدُّنْيَا داؤها، فَإِذا كَانَ الطَّبِيب يطْلب الدَّاء فَمَتَى يُبرئ غَيره؟ . دخل قوم منزل عَابِد فَلم يَجدوا شَيْئا يَقْعُدُونَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا خَرجُوا قَالَ: لَو كَانَت الدُّنْيَا دَار مقَام لاتخذنا لَهُم أثاثا.

قَالَ بعض الزهاد: قد أعياني أَن أنزل على رجل يعلم أَنِّي لست آكل من رزقه شَيْئا، قَالَ آخر: يَا ابْن آدم، مَالك تأسف على مَفْقُود لَا يردهُ عَلَيْك الْفَوْت، وتفرح بموجود لَا يتْركهُ فِي يدك الْمَوْت. قَالَ إِبْرَاهِيم بن ادهم: نَحن نسل من نسل الْجنَّة سبانا إِبْلِيس مِنْهَا بالمعصية، وحقيق على المسبي أَلا يهنأ بعيشه حَتَّى يرجع إِلَى وَطنه. قيل لمُحَمد بن وَاسع: فلَان زاهد فَقَالَ: وَمَا قدر الدُّنْيَا حَتَّى يحمد من يزهد فِيهَا؟ . كتب زاهد إِلَى آخر: صف لي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. فَكتب إِلَيْهِ: " الدُّنْيَا حلم، وَالْآخِرَة يقظة، والمتوسط بَينهمَا الوت، وَنحن فِي أضغاث ننقل إِلَى أجداث ". قيل لآخر: مَالك تدمن الْمَشْي على الْعَصَا، وَلست بكبير وَلَا مَرِيض؟ قَالَ: لأعْلم أَنِّي مُسَافر، وَأَنَّهَا دَار قُلعة، فَإِن الْعَصَا من آلَة السّفر. قيل لآخر: أَتعبت نَفسك، قَالَ: راحتها أطلب. كتب آخر إِلَى عَابِد: بَلغنِي تفرغك لِلْعِبَادَةِ فَمَا سَبَب المعاش؟ فَكتب إِلَيْهِ: يَا بطال يبلغك عني أَنِّي مُنْقَطع إِلَى الله وتسألني عَن المعاش؟ . قَالَ الرشيد لِابْنِ السمّاك: عظني وأوجز. فَقَالَ: اعْلَم أَنَّك أول خَليفَة يَمُوت. قيل لأبي حَازِم: مَا مَالك؟ قَالَ: شَيْئَانِ لَا عدم لي مَعَهُمَا: الرضى عَن الله، والغنى عَن النَّاس. شتم رجل زاهداً، فَقَالَ لَهُ: هِيَ صحيفتك أمل فِيهَا مَا شِئْت. قَالَ سُفْيَان: إِذا أردْت أَن تعرف الدُّنْيَا فَانْظُر عِنْد من هِيَ. وَقَالَ غَيره: " كل شَيْء فاتك من الدُّنْيَا فَهُوَ غنيمَة ". وَقَالَ معدان: اعْمَلْ للدنيا على قدر مكثك فِيهَا، وللآخرة كَذَاك.

مر عبد الله بن الْمُبَارك بِرَجُل وَاقِف بَين مَقْبرَة ومزبلة فَقَالَ: يَا رجل، إِنَّك بَين كنَزين: كنزِ الْأَمْوَال، وكنز الرِّجَال. دخل الْإِسْكَنْدَر مَدِينَة فتحهَا، فَسَأَلَ عَن أَوْلَاد الْمُلُوك بهَا، فَقَالَ أَهلهَا: بَقِي رجل مِنْهُم يسكن الْمَقَابِر، فَدَعَا بِهِ فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا دعَاك إِلَى لُزُوم الْمَقَابِر؟ قَالَ: أَحْبَبْت أَن أميز بَين عِظَام مُلُوكهمْ وَعِظَام عبيدهم، فوجدتهما سَوَاء، فَقَالَ لَهُ الْإِسْكَنْدَر: هَل لَك أَن تتبعني فأحيي شرفك وَشرف آبَائِك إِن كَانَت لَك همة؟ فَقَالَ: همتي عَظِيمَة، فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: حَيَاة لَا موت مَعهَا وشباب لَا هرم مَعَه، وغنىً لَا فقر مَعَه، وسرور لَا مَكْرُوه فِيهِ، قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي هَذَا، قَالَ: فَدَعْنِي أَلْتَمِسهُ مِمَّن هُوَ عِنْده. قَالَ مطرف: إِنِّي لأستلقي بِاللَّيْلِ على فِرَاشِي فأتدبر الْقُرْآن كُله، فَأَعْرض نَفسِي على أَعمال أهل الْجنَّة فَأرى أَعْمَالهم شَدِيدَة " كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا يهجعون ". " يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياما ". " أمّن هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا ". " تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع ". فَلَا أرى صِفَتي فيهم. ثمَّ أعرض نَفسِي على أَعمال أهل النَّار " مَا سلككم فِي سقر ". " وَأما إِن كَانَ من المكذبين الضَّالّين " فَلَا أَرَانِي فيهم. ثمَّ أمرّ بِهَذِهِ الْآيَة " وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ " فأرجو أَن أكون أَنا وَأَنْتُم يَا إِخْوَاننَا مِنْهُم. قَالَ يحيى بن معَاذ: الْوَعْد حق الْخلق على الله، فَهُوَ أَحَق من وفى، والوعيد حَقه على الْخلق، فَهُوَ أَحَق من عَفا.

مَاتَ ابْن لعمر بن ذَر فَقَالَ: أَي بني شغلني الْحزن لَك عَن الْحزن عَلَيْك. وَقَالُوا: من هوان الدُّنْيَا على الله أَلا يُعصى إِلَّا فِيهَا، وَلَا يُنال مَا عِنْده إِلَّا بِتَرْكِهَا. قَالَ عبد الله بن شَدَّاد: أرى دواعي الْمَوْت لَا تُقلع، وَأرى من مضى لَا يرجع، لَا تزهدوا فِي مَعْرُوف؛ فَإِن الدَّهْر ذُو صروف، كم رَاغِب قد كَانَ مرغوباً إِلَيْهِ، وطالب أصبح مَطْلُوبا إِلَيْهِ، وَالزَّمَان ذُو ألوان، من يصحب الزَّمَان ير الهوان، وَإِن غلبت يَوْمًا على المَال، فَلَا تغلبنّ على الْحِيلَة على حَال، وَكن أحسن مَا تكون فِي الظَّاهِر حَالا أقل مَا تكون فِي الْبَاطِن مَالا. قَالَ شبيب بن شيبَة لأبي جَعْفَر: إِن الله لم يَجْعَل فَوْقك أحدا، فَلَا تجعلن فَوق شكرك شكرا. وَقَالَ عَمْرو بن عبيد للمنصور: إِن الله قد وهب لَك الدُّنْيَا بأسرها، فاشتر نَفسك من الله بِبَعْضِهَا. قَالَ خَالِد الربعِي: كُنَّا نحدّث " إِن مِمَّا يُعجّل الله عُقُوبَته، أَو قَالَ: لَا نؤخر عُقُوبَته: الْأَمَانَة تخان، وَالْإِحْسَان يُكفر، وَالرحم تُقطع، وَالْبَغي على النَّاس ". كَانَ بعض الزهاد يَقُول: ابْن آدم تكلأ بحفظه وتُصبح عَازِمًا على مَعْصِيَته؟ . دخل الْمُبَارك بن فضَالة على الْمَنْصُور وَهُوَ بالجسر فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، حَدثنِي فلَان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد من تَحت الْعَرْش من كَانَ لَهُ على الله دَالَّة فَليقمْ، فَلَا يقوم إِلَّا أهل الْعَفو " فَقَالَ أَبُو جَعْفَر: قد عَفَوْت، وَرجع من الجسر وَلم يدْخل الْبَصْرَة.

نسب مُحَمَّد بن كَعْب نَفسه إِلَى القُرظي فَقيل لَهُ: ولمَ لم تقل: الْأنْصَارِيّ؟ قَالَ: " أكره أَن أَمن على الله بِمَا لم أَفعلهُ ". مر مُحَمَّد بن وَاسع بِقوم فَقيل لَهُ: هَؤُلَاءِ زهاد، فَقَالَ وَمَا قدر الدُّنْيَا خحتى يحمد الزَّاهِد فِيهَا؟ . كَانَ شُعْبَة يَقُول لأَصْحَابه: " لَو أردْت الله مَا خرجت إِلَيْكُم، وَلَو أردتم الله مَا جئتموني ". كَانَ الرّبيع بن خثيم يَقُول: " لَو كَانَت الذُّنُوب تفوح مَا جلس أحد إِلَى أحد ". قيل لبَعْضهِم: كَيفَ أَصبَحت؟ قَالَ: آسفاً على أمسي كَارِهًا ليومي: مُتَّهمًا لغدي ". وَقيل لآخر: لَك تركت الدُّنْيَا؟ قَالَ: لِأَنِّي أُمنع من صافيها وأمتنع من كدرها. وَقيل لآخر: مَا الَّذِي تطلب؟ فَقَالَ الرَّاحَة، قيل: فَهَل وَجدتهَا؟ قَالَ: قد وجدت أَنِّي لَا أَجدهَا فِي الدُّنْيَا. وَقيل لآخر: لم تركت الدُّنْيَا؟ قَالَ: أنفت من قليلها، وأنف مني كثيرها. قَالَ أَبُو هفان: كَانَ مزين يخْدم رَئِيسا وَكَانَ الرئيس قد خالطه بَيَاض، فَكَانَ يَأْمر المزين بلقطه، فَلَمَّا انْتَشَر الْبيَاض قَالَ المزيّن: يَا سَيِّدي قد ذهب وَقت اللقّاط وَجَاء وَقت الصرام، قَالَ: فَبكى الرئيس من قَوْله. دخل سُفْيَان بن عُيَيْنَة على الرشيد وَهُوَ يَأْكُل بملعقة فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، حَدثنِي عبيد الله بن يزِيد عَن جدك ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ وَعز: " وَلَقَد كرمنا بني آدم " قَالَ: جعلنَا لَهُم أيدياً يَأْكُلُون بهَا، فَكسر الملعقة.

قيل لميمون بن مهْرَان: إِن رقيّة امْرَأَة هِشَام مَاتَت فأعتقت كل مَمْلُوك لَهَا، فَقَالَ مَيْمُون: يعصون الله مرَّتَيْنِ: يتجملون بِهِ وَهُوَ فِي أَيْديهم بِغَيْر حق. فَإِذا صَار لغَيرهم أَسْرفُوا فِيهِ. عزّى رجل الرشيد فَقَالَ: آجرك الله فِي الْبَاقِي، ومتّعك بالفاني: فَقَالَ: وَيحك، مَا تَقول؟ وَظن أَنه غلط، فَقَالَ: ألم تسمع الله يَقُول: " مَا عنْدكُمْ ينْفد وَمَا عِنْد الله بَاقٍ " فسرّي عَنهُ. دخل عمر بن ذَر على ابْنه وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ فَقَالَ: يَا بني إِنَّه مَا علينا من موتك غَضَاضَة، وَلَا بِنَا إِلَى أحد سوى الله حَاجَة، فَلَمَّا قضى نحبه، وَصلى عَلَيْهِ، وواراه، وقف على قَبره فَقَالَ: يَا ذَر، إِنَّه قد شغلنا الْحزن لَك عَن الْحزن عَلَيْك؛ لأَنا لَا نَدْرِي مَا قلت وَمَا قيل لَك، اللَّهُمَّ إِنِّي قد وهبت لَهُ مَا قصّر فِيهِ مِمَّا افترضت عَلَيْهِ من حَقي، فَهَب لي مَا قصّر فِيهِ من حَقك، وَاجعَل ثوابي عَلَيْهِ لَهُ، وزدني من فضلك إِنِّي إِلَيْك من الراغبين. قَالَ بعض الصَّالِحين: لَو أنزل الله عز وجلّ كتابا أَنه معذّب رجلا وَاحِدًا لخفت أَن أكونه، وَأَنه رَاحِم رجلا وَاحِدًا لرجوت أَن أكونه، وَأَنه معذبي لَا محَالة مَا ازددت إِلَّا اجْتِهَادًا. لِئَلَّا أرجع على نَفسِي بلائمة. وَقَالَ مطرّف بن عبد الله لِابْنِهِ: " يَا عبد الله، الْعلم أفضل من الْعَمَل، والحسنة بَين السيئتين كَقَوْل الْحق بَين فعل المقصر والغالي ". وَمن كَلَامه: " خير الْأُمُور أوساطها، وَشر السّير الْحَقْحَقَةُ، وَشر الْقِرَاءَة الْهَذْرَمَةُ ". وَكَانَ ابْن السمّاك يَقُول: إِذا فعلت الْحَسَنَة فافرح بهَا واستقللها؛ فَإنَّك إِذا استقللتها زِدْت عَلَيْهَا، وَإِذا فرحت بهَا عدت إِلَيْهَا. ويروى عَن أويس الْقَرنِي أَنه قَالَ: " حُقُوق الله لم تدع عِنْد مُسلم درهما ".

قَالَ يحيى بن معَاذ الرَّازِيّ: إِن لله عَلَيْك نعمتين: السَّرَّاء للتذكير، وَالضَّرَّاء للتطهير، فَكُن فِي السَّرَّاء عبدا شكُورًا، وَفِي الضراء حرا صبورا ". دخل ابْن السمّاك يَوْمًا على الرشيد فَدَعَا الرشيد بِمَاء ليشربه فَقَالَ: مَاء! ناشدتك الله، أَرَأَيْت لَو مُنعت من شربه مَا الَّذِي كنت فَاعله؟ فَقَالَ: كنت أفتديه بِنصْف ملكي، فَقَالَ: اشرب هَنِيئًا لَك، فَلَمَّا فرغ من شربه قَالَ: ناشدتك الله، أَرَأَيْت لَو منعت من خُرُوجه ماك نت تفعل؟ قَالَ: كنت أفتديه بِنصْف ملكي، فَقَالَ: إِن ملكا يفتدى بِشَربَة مَاء لخليق بألا ينافس عَلَيْهِ. كَانَ يحيى بن معَاذ يَقُول للنَّاس: لَا تَكُونُوا مِمَّن يفضحهم يَوْم مَوْتهمْ مِيرَاثه، وَيَوْم الْقِيَامَة ميزانهز قَالَ الْمَنْصُور لعَمْرو بن عبيد: عظني، فَقَالَ: أعمّا رَأَيْت أَو مَا سَمِعت؟ فَقَالَ: بل عظني بِمَا رَأَيْت، فَقَالَ لَهُ: مَاتَ عمر بن عبد الْعَزِيز فخلّف أحد عشر ابْنا وَبَلغت تركَتُه سَبْعَة عشر دِينَارا، كُفّن مِنْهَا بِخَمْسَة دَنَانِير، وَاشْترى مَوضِع قَبره بدينارين، وَأصَاب كل وَاحِد من وَلَده ثَمَانِيَة عشر قيراطا، وَمَات هِشَام فخلّف أحد عشر ابْنا وَأصَاب كل وَاحِد من وَلَده ألف ألف دِينَار، فَرَأَيْت رجلا من ولد عمر بن عبد الْعَزِيز قد حمل فِي يَوْم وَاحِد على مائَة فرس فِي سَبِيل الله، وَرَأَيْت رجلا من ولد هِشَام يسْأَل النَّاس ليتصدق عَلَيْهِ. قَالَ بَعضهم: الدُّنْيَا دَار تِجَارَة، فويل لمن تزوّد مِنْهَا الخسارة. قَالَ بَعضهم: اصْبِرُوا عباد الله على عمل لَا غنى بكم عَن ثَوَابه، واصبروا عَن عمل لَا صَبر لكم على عِقَابه.

قَالَ أَبُو حَازِم: مَا كرهت أَن يكون مَعَك غَدا فَاتْرُكْهُ الْيَوْم، وَمَا أَحْبَبْت أَن يكون مَعَك غَدا فقدمه الْيَوْم. قَالَ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ: مثّلت فِي نَفسِي الْجنَّة آكل من ثمارها وأعانق أزواجها، وألبس حللها: ومثلت فِي نَفسِي النَّار أعالج أغلالها، وآكل من زقومها، فَقلت: يَا نفس، أَي شَيْء تريدين الْآن؟ قَالَت: أُرِيد أَن أرد إِلَى الدُّنْيَا فأعمل، فَقلت: الْآن أَنْت فِي الأمنية فافعل. كَانَ بعض التَّابِعين إِذا قيل لَهُ: كَيفَ أَصبَحت؟ يَقُول: فِي أجل مَنْقُوص، وَعمل مَحْفُوظ، وَالْمَوْت فِي رقابنا، وَالنَّار من وَرَائِنَا، وَلَا نَدْرِي مَا الله يفعل بِنَا. وَكَانَ روح بن مدرك يَقُول فِي موعظته: الْآن قبل أَن تسقم فتضنى، وتهرم فتفنى ثمَّ تَمُوت فتُنسى، ثمَّ تُقبر فتُبلى، ثمَّ تُنشر فتحيا، ثمَّ تُبعث فتشقى، ثمَّ تُحضر فَتُدْعَى، ثمَّ توقف فتُجزى بِمَا قدمت فأمضيت، وأذهبت فأفنيت، من موبقات سيئاتك، وسالفات شهواتك، وملفقات فعلاتك، الْآن سَالِمُونَ، الْآن وَأَنْتُم مستعتبون. قَالَ أَبُو حَازِم: عجبا لقوم يعْملُونَ لدار يرحلون عَنْهَا كل يَوْم مرحلة، ويتركون أَن يعملوا لدار يرحلون إِلَيْهَا كل يَوْم مرحلة. قيل لمُحَمد بن وَاسع: كَيفَ حالك؟ فَقَالَ: كَيفَ حَال من لَا يدْرِي كَيفَ حَاله؟ . أَرَادَ رجل الْحَج فَقَالَ لامْرَأَته: إِنِّي عازم على الْحَج، فَقَالَت: بِسم الله، قَالَ: فكم أخلّف عَلَيْك من النَّفَقَة؟ قَالَت: بِقدر مَا تُخلّف عليّ من الْحَيَاة. يُروى عَن خَالِد بن صَفْوَان أَنه قَالَ: مَلَأت الْبَحْر الْأَخْضَر بِالذَّهَب الْأَحْمَر، فَإِذا الَّذِي يَكْفِينِي من ذَاك رغيفان وكوزان وطمران. دخل مَالك بن دِينَار على بِلَال بن أبي بردة - وَهُوَ أَمِير الْبَصْرَة - فَقَالَ: إِنِّي قَرَأت فِي بعض الْكتب: " من أَحمَق من السُّلْطَان؟ وَمن أَجْهَل مِمَّن عَصَانِي؟ وَمن أغرّ مِمَّن اغترّ بِي؟ أيا راعي السوء دفعت إِلَيْك غنما سماناً

سحاحا، فَأكلت اللَّحْم وشربت اللَّبن، وائتدمت بالسمن، ولبست الصُّوف، وتركتها عظاماً، مَا تقَعْقع ". قيل: طَاف الرشيد بِالْبَيْتِ فوطئ جَرَادَة، فَلم يدر مَا عَلَيْهِ فِيهَا، فَبعث الْمَأْمُون إِلَى الفضيل بن عِيَاض، فسلّم عَلَيْهِ وَقَالَ: أَمِير الْمُؤمنِينَ يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول: لنا إِلَيْك حَاجَة فَأحب أَن تصير إِلَيْنَا، فَلم يُجب الفضيل بِشَيْء، فَرجع الْمَأْمُون وَقَالَ: رَأَيْت رجلا لَيست بِهِ إِلَيْك حَاجَة، فَقَامَ الرشيد مغضباً حَتَّى تخوّفنا على الفضيل مِنْهُ، قَالَ: فَوقف عَلَيْهِ وسلّم، فوسّع الفُضيل، أورد السَّلَام عَلَيْهِ، فَلَمَّا جلس أقبل على الفضيل فَقَالَ: رَحِمك الله، قد كَانَ الْوَاجِب أَن تَأْتِينَا، وتعرف حقّنا؛ إِذْ ولاّنا الله أُمُوركُم، وصيرنا الحكُام فِي دمائكم، والذابين عَن حريمكم، وَإِذ لم تأتنا فقد أَتَيْنَاك، إِنِّي وطِئت الْآن فِي الطّواف على جندبة فَمَا دِيَتهَا؟ قَالَ: فَبكى الفضيل بكاء شَدِيدا حَتَّى علا صَوته، وَقَالَ: إِذا كَانَ الرَّاعِي يسْأَل الْغنم هَلَكت الْغنم، وَإِنَّمَا يجب على الرَّاعِي أَن يرتاد لغنمه الرعى وجيد الْكلأ وعذب المَاء، فَإِذا كنت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ غافلاً عَن معالم الدّين فَبِأَي شَيْء تسوس رعيتك؟ قَالَ: فَخَجِلَ الرشيد حَتَّى عرق وَانْصَرف. اخْتلفُوا بِحَضْرَة الزُّهْرِيّ فِي معنى قَول الْقَائِل: فلَان زاهد، فَقَالَ الزُّهْرِيّ: الَّذِي لَا يغلب الْحَرَام صبره وَلَا الْحَلَال شكره. قَالَ عمر بن ذَر: الْحَمد لله الَّذِي جعلنَا من أمة تُغفر لَهُم السَّيِّئَات وَلَا تُقبل من غَيرهم الْحَسَنَات. قَالَ يُونُس بن عبيد: سَمِعت ثَلَاث كَلِمَات لم أسمع بِأَعْجَب مِنْهُنَّ: قَول حسان ابْن أبي سِنَان: مَا شَيْء أَهْون من ورع، إِذا رَابَك شَيْء فَدَعْهُ. وَقَول ابْن

سِيرِين: مَا حسدت أحدا على شَيْء قطّ. وَقَول موّرق الْعجلِيّ: لقد سَأَلت الله حَاجَة أَرْبَعِينَ سنة مَا قَضَاهَا وَلَا يئست مِنْهَا، قيل: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: ترك مَا لَا يعنيني. قَالَ أَبُو حَازِم الْأَعْرَج: إِن عوفينا من شَرّ مَا أُعطينا لم يضرنا فقد مَا زوي عَنَّا. وَقَالَ: الدُّنْيَا غرّت أَقْوَامًا فعملوا فِيهَا بِغَيْر الْحق ففاجأهم الْمَوْت فخلّفوا مَا لَهُم لمن لَا يحمدهم، وصاروا إِلَى من لَا يعذرهم، وَقد خلفنا بعدهمْ فَيَنْبَغِي لنا أَن نَنْظُر إِلَى الَّذِي كرهنا مِنْهُم فنجتنبه، وَالَّذِي غبطناهم بِهِ فنستعمله. قَالَ قَتَادَة: يُعطي الله العَبْد على نِيَّة الْآخِرَة مَا شَاءَ من الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَلَا يُعْطِيهِ على نِيَّة الدُّنْيَا إِلَّا الدُّنْيَا. قَالَ مطرّف بن عبد الله: لَا تنظروا إِلَى خفض عيشهم، ولين لباسهم، وَلَكِن انْظُرُوا إِلَى سرعَة ظعنهم، وَسُوء منقلبهم. لقى ناسك ناسكاً وَمَعَهُ خف، فَقَالَ لَهُ: مَا تصنع بِهَذَا؟ قَالَ: عدَّة للشتاء، قَالَ: كَانُوا يستحيون من هَذَا. رأى ناسك ناسكاً فِي الْمَنَام فَقَالَ: كَيفَ وجدت الْأَمر يَا أخي؟ قَالَ: وجدنَا مَا قدّمنا، وغرمنا مَا أنفقنا، وَخَسِرْنَا مَا خلّفنا. قَالَ أَبُو حَازِم: نَحن لَا نُرِيد أَن نموت حَتَّى نتوب، وَنحن لَا نتوب حتة نموت. قَالُوا: لَيْسَ فِي النَّار عَذَاب أَشد على أَهلهَا من علمهمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ لكربهم تَنْفِيس، وَلَا لضيقهم ترفيه، وَلَا لعذابهم غَايَة، وَلَيْسَ فِي الْجنَّة نعيم أبلغ من علمهمْ بِأَن ذَلِك الْملك لَا يَزُول. سمع مطرّف رجلا يَقُول: أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ، فَأخذ بذراعه وَقَالَ: لَعَلَّك لَا تفعل! من وعد فقد أوجب. قَالَ رجل من الزهاد: إِذا ابْتليت أَن تدخل مَعَ النَّاس إِلَى سُلْطَان فَإِذا أخذُوا فِي الثَّنَاء فَخذ فِي الدُّعَاء.

رُوِيَ أَن عبد الْملك قَالَ حِين ثقل وَرَأى غسالاً يلوي ثوبا بِيَدِهِ: وددت أَنِّي كنت غسالاً لَا أعيش إِلَّا بِمَا أكسب يَوْمًا فيوماً فَذكر ذَلِك لأبي حَازِم فَقَالَ: " الْحَمد لله الَّذِي جعلهم عِنْد الْمَوْت يتمنون مَا نَحن فِيهِ، وَلَا نتمنى عِنْد الْمَوْت مَا هم فِيهِ ". كَانَ الرّبيع بن خشيم إِذا قيل لَهُ: كَيفَ أَصبَحت أَبَا يزِيد؟ قَالَ: مذنبين نَأْكُل أرزاقنا وَنَنْظُر آجالنا. قَالَ بعض الْمُلُوك لبَعض الزهاد: اذمم الدُّنْيَا، فَقَالَ: أَيهَا الْملك، هِيَ الآخذة لما تُعطي، الموّرثة بعد ذَلِك النَّدَم، السالبة مَا تكسو، الوارثة بعد ذَلِك الفضوح، تسد بالأراذل مَكَان الأفاضل، والعجزة مَكَان الحزمة، تَجِد فِي كل من كل خلفا، وترضى بِكُل من كل بَدَلا، تُسكن دَار كل قرن قرنا، وتُطعم سُؤْر كل قوم قوما. ذكر أَنه كَانَ للنعمان بن الْمُنْذر إخْوَة ثَلَاثَة يُقَال لأَحَدهم: مَالك، وَللْآخر عَمْرو، هُوَ محرّق، وَالثَّالِث عَلْقَمَة، وَكَانَ مَالك ذَا فضل بيّن، وَرَأى جزل، فَهَلَك مَالك فأعظم ذَلِك عَمْرو وكربه - وَكَانَ عَمْرو مرجوّاً عِنْد عَامَّة مَمْلَكَته لبوائق الدَّهْر، وحوادث الْأَيَّام - فَلَمَّا رأى الْمُنْذر بن النُّعْمَان بن الْمُنْذر مَا بِعَمِّهِ عَمْرو من الوجد على مَالك أفظعه ذَلِك وكربه، وكسف باله وَغير حَاله، وَدخل عَلَيْهِ من ذَلِك مَا كَاد أَن يكون شبيهاًَ بِمَوْت مَالك فَسَأَلَ الْمُنْذر بن النُّعْمَان أَبَاهُ أَن يجمع لَهُ رُؤَسَاء أهل مَمْلَكَته وعلماءهم وخطباءهم وحلماءهم وَذَوي الشّرف مِنْهُم، ثمَّ يَأْذَن لَهُ فِي الْكَلَام وَالْقِيَام فِي أَمر مَالك، والتعزية بِعَمِّهِ. فَأَجَابَهُ أَبوهُ النُّعْمَان إِلَى ذَلِك، وَأَعْجَبهُ مَا دَعَاهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا توافت الرِّجَال احتفل النُّعْمَان - يَعْنِي حفّل الْمجْلس، وحشدهم، وأنزلهم على قدر مَنَازِلهمْ - فَلَمَّا أخذُوا مجَالِسهمْ قَامَ الْمُنْذر ابْن النُّعْمَان فثنيت لَهُ نمرقة الشّرف على مِنْبَر الْكَرَامَة عَن يَمِين النُّعْمَان - وَهُوَ كَبِير الْمُتَكَلِّمين فِي جسيم الْأُمُور - فَرفع صَوته فَقَالَ: يَا عَمْرو، يَا ابْن ثَمَرَة الرَّأْي ومعدن الْملك، إِنَّمَا الْخلق للخالق، وَالشُّكْر للمنعم، وَالتَّسْلِيم للقادر، وَلَا بُد مِمَّا هُوَ كَائِن.

يَا عَمْرو، إِنَّه لَا أَضْعَف من مَخْلُوق، وَلَا أقوى من خَالق، وَلَا أقوى مِمَّن طلبته فِي يَدَيْهِ، وَلَا أعجز مِمَّن هُوَ فِي يَد طَالبه. يَا عَمْرو، إِن التفكر نور، والغفلة ظلمَة والجهالة ضَلَالَة، وَقد ورد الأول، وَالْآخر مسوق متعبد، وَفِي الأسى عزاء، والسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ. يَا عَمْرو، إِنَّه قد جَاءَك مَا لَا يرد، وَذهب عَنْك مَا لَيْسَ براجع، فَمَا الْحِيلَة لبَقَاء مَا سيذهب؟ . يَا عَمْرو، إِنَّمَا الشَّيْء من مثله، وَقد مَضَت قبلنَا أصُول نَحن فروعها، فَمَا بَقَاء فرع بعد أَصله. يَا عَمْرو، انْظُر إِلَى طَبَقَات حالاتك من لدن فِي صلب أَبِيك إِلَى أَن بلغت منزلَة الشّرف، وحد الْعقل، وَغَايَة الْكَرَامَة، فَهَل قدرت - أَو قدرُوا - على أَن ينقلوك أَو تنْتَقل عَن طبقَة قبل انْقِضَائِهَا، أَو بتعجيل نعْمَة قبل أَوَان تحيّنها؟ وَانْظُر إِلَى آبَائِك الَّذين كَانُوا أهل الْملك والأخلاق المحمودة، هَل وجدوا سَبِيلا - أَو وجدت لَهُم - إِلَى بَقَاء مَا أحبّوا أَو بقوا بعده؟ . يَا عَمْرو، فلأي أَيَّام الدَّهْر ترتجي؟ أيوم لَا يَجِيء بِمَا فِي غَيره، أَو يَوْم لَا يسْتَأْخر مَا فِيهِ عَن أَوَان مَجِيئه؟ وَانْظُر إِلَى الدَّهْر تَجدهُ أَيَّامًا ثَلَاثَة: يَوْمًا مضى لَا ترجوه، وَيَوْما بَقِي لَا بُد مِنْهُ، وَيَوْما يَأْتِي لَا تأمنه. يَا عَمْرو أمس موعظة، وَالْيَوْم غنيمَة، وَغدا لَا تَدْرِي من أَهله: فأمس شَاهد مَقْبُول شَهَادَته، وَحَكِيم مؤدب، قد فجعك بِنَفسِهِ، وخلّف فِي يَديك حكمته؛ وَالْيَوْم صديق مودّع، كَانَ طَوِيل الْغَيْبَة، وَهُوَ سريع الظعن، أَتَاك وَلم تأته، وَقد مضى قبله شَاهد عدل، فَإِن كَانَ مَا فِيهِ لَك فَأتبعهُ بِمثلِهِ، وَاتَّقِ اجْتِمَاع شَهَادَتهمَا عَلَيْك؛ وَغدا يَجِيء بِمَا فِيهِ. يَا عَمْرو، إِن أكمل الأداة الصَّبْر عِنْد المصائب، وَالْيَقِين، فَأَيْنَ الْمَهْرَب مِمَّا هُوَ كَائِن؟ إِنَّمَا تنْقَلب فِي كف الطَّالِب. يَا عَمْرو، إِن أهل هَذِه الدَّار سفر لَا يحلّون عقد الرّحال إِلَّا فِي غَيرهَا، وَإِنَّمَا يتبلغون فِيهَا بالعواري، فَمَا أحسن الشُّكْر للمنعم، وَالتَّسْلِيم للمُعير! .

يَا عَمْرو، من أَحَق بِالتَّسْلِيمِ مِمَّن لَا يجد مهربا من طالبها إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا معينا لَهُ إِلَّا عوناً إِلَيْهِ؟ . يَا عَمْرو، انْظُر مِمَّا جزعت، وَمَا استنكرت، وَمَا تحاول؟ فَإِن كَانَ الْجزع ردك إِلَى ثِقَة من دَرك الطّلبَة، وَكنت قَوِيا على رد مَا كرهت، فَكيف تعجز من الْغَلَبَة على مَا أحبهت؟ فَإِن كنت حاولت - مَغْلُوبًا - فَمن أفنى الْقُرُون الأولى قبلك؟ . يَا عَمْرو، إِنَّه من يتَنَاوَل ثَمَرَة مَا لَا يكون اسْتَقَرَّتْ فِي يَدَيْهِ الخيبة. أَفَمَن هَذَا الْمَعْدن ترجو دَرك الْغَنِيمَة؟ . با عَمْرو، " إِن أعظم الْمُصِيبَة سوء الْخلف مِنْهَا ". يَا عَمْرو، " إِن الْعلم لَا ينَال إِلَّا بالتعلم " فَمن رَأَيْت تعلم مَا لَا يعلم، وَأدْركَ مَا لَا يكون فِيمَن كَانَ قبلك؟ . يَا عَمْرو، فَمَا غناؤك فِي طلب من فِي طَلَبك أم كَيفَ رَجَوْت رَجْعَة مَالك إِلَيْك وَأَنت تساق إِلَيْهِ؟ وَمَا جزعك على الظاعن عَنْك الْيَوْم وَأَنت مرتحل فِي طلبه غَدا؟ وَمَا طمعك فِي رد مَا هُوَ كَائِن بِمَا لَا يكون، فأفق فَإِن الْمرجع قريب، وَلَا تمعن فَيضر بك الْعَمى، وتنوهك الْجَهَالَة، وَأَنت ذُو الْحَظ الْكثير من الدُّنْيَا فِي قسمك، وأخو ذِي الْملك فِي قرابتك، وَابْن الْمُلُوك المتبعن فِي نسبك، قد أَتَاك الْخَبَر فِي كل مَا قَالُوا، وَأَنت غافل، فَلَا تكونن فِي الشُّكْر دون الْحق عَلَيْك. يَا عَمْرو، إِنَّمَا ابتلاك بالمصيبة الْمُنعم، وَأخذ مِنْك الْعَطِيَّة الْمُعْطِي، وَمَا يُرِيد أَكثر، فَإِن نسيت الصَّبْر فَلَا تغفل الشُّكْر، وكلا فَلَا تدع. يَا عَمْرو، إِنَّه لَا أغْنى من منعم، وَلَا أحْوج من منعم عَلَيْهِ وَاحْذَرْ من الْغَفْلَة استلاب النعم وَطول الندامة. وَاعْلَم أَنه لَا أضيع مِمَّن غفل عَن نَفسه وَلَا يغْفل عَنهُ طَالبه. يَا عَمْرو، إِن أَخَاك قد برز لعَظيم صلتك، ولاستكمال كرامتك ولطف بِمَا ترَاهُ لموعظتك.

يَا عَمْرو، فَهَذَا يَوْم ثَنَاؤُهُ عَظِيم، وَبَقَاء مَا فِيهِ بَعدنَا طَوِيل، وسيحظى بِهِ الْيَوْم السعيد، ويتذكر من مَنَافِعه اللبيب. يَا عَمْرو، إِنَّمَا جمعت مَنَافِع هَذَا الْيَوْم وَجُنُوده لدفع ضرّ الْجَهَالَة عَنْك، وَإِنَّمَا أوقدت مصابيح الْهدى لتيه تحيرك وسهلت سبل الْخَيْر لرجاء رجعتك، فَلم أر كَالْيَوْمِ ضل مَعَ نوره متحير، وَلَا أعيا مداويه سقيم. يَا عَمْرو، مَا أَصْغَر الْمُصِيبَة مَعَ فَائِدَة أهل الْغَنِيمَة غَدا، وَكثر فِيهِ خيبة الخائب. يَا عَمْرو، إِن أَبَت نَفسك إِلَّا علم رأى من جَمِيع التجارب فقد كفيت فاسمع جوابهم: زعم فرسَان الحروب وقادة الْجنُود أَنه غلب على مَالك غَالب آبَائِك أهل التتويج وَالْملك الْكَبِير، وَزعم حفظَة الخزائن أَنَّهَا عوار عِنْد كم أهل الْبَيْت، وانها لَا تقبل فِي فكاك الْأُسَارَى، وَزعم رُؤَسَاء الْأَطِبَّاء أَن مَالِكًا هلك بداء معلميهم الَّذين مَاتُوا بِهِ، وَلَا دَوَاء لدائهم ذَلِك، وَزعم أهل التجارب وَالْحِيلَة الْكُبْرَى أَن صَاحب مَالك قد شغلهمْ بِأَنْفسِهِم عَنْك، فَإِن فرغوا أتوك. يَا عَمْرو، وَقد أسْرع فِيك الدَّاعِي، وأعذر فِيك الطَّالِب، وانْتهى الْأَمر بك إِلَى حد الرَّجَاء، وَلَا أحد أعظم رزية فِي عقله مِمَّن ضيع الْيَقِين واعطى الأمل قياده. قَالَ: ثمَّ أقبل الْمُنْذر على الْملك أَبِيه النُّعْمَان فَقَالَ: أَيهَا الْملك الْمُنعم، إِن أعظم العظة الْيَوْم مَا أعطيتهَا بجمعك إيانا وإذنك لنا فِي الْكَلَام، وَخير الْهَدِيَّة للْغَائِب مَا حملتنا، وَإِنَّا أَيهَا الْملك الرفيع جده - مَعَ معرفتنا بِفَضْلِك - لن نرفعك فَوق منزلتك، وَبِحَسْبِكَ أَلا يكون فَوْقك إِلَّا الْخَالِق، وَنعم الْمَخْلُوق أَنْت، ترد الْمُدبر إِلَى حَظه وتكف المتتايع عَن حمقه، وتدل مبتغي الْخَيْر على هَيئته، وَمثل دوائك شِفَاء السقيم. قَالَ: ثمَّ أقبل الْمُنْذر على النَّاس بِالْمَوْعِظَةِ فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، إِنَّمَا الْبَقَاء بعد الفناء، وَقد خلقنَا وَلم نك شَيْئا ثمَّ نعود، أَلا إِنَّمَا العوارى الْيَوْم، والهبات غَدا، وَقد رزئنا من قبلنَا، وَلنَا وارثون، قد حَان الرحيل عَن مَحل النَّازِل، أَلا

وَقد تقَارب تسلب فَاحش، أَو عَطاء زل، فاستصلحوا مَا تقدمون عَلَيْهِ بِمَا تظعنون عَنهُ، واسلكوا سبل الْخَيْر، وَلَا تستوحشوا فِيهَا لقلَّة أَهلهَا، واذْكُرُوا حسن صحابة الله إيَّاكُمْ. أَيهَا النَّاس، إِنِّي أعظكم وأبدأ بنفسي، فاستبدلوا العوارى بالهبات، وارضوا بِالْبَاقِي خلفا، من الفاني تلفاً، وَاحْتَملُوا المصائب بالحسبة تستجلبوا بهَا النعماء واستديموا الْكَرَامَة بالشكر تستوجبوا الزياجة، واعرفوا الْفضل فِي الْبَقَاء فِي النِّعْمَة، والغنى فِي السَّلامَة قبل الْمثلَة الْفَاحِشَة، أَو المثلات السَّيئَة، وَقبل انْتِقَال النعم، ودول الْأَيَّام، وَتصرف الخطوب. أَيهَا النَّاس، إِنَّمَا أَنْتُم فِي هَذِه الدُّنْيَا أغراض تنضل فِيكُم المنايا، وَمَا أَنْتُم فِيهِ نهب للمصيبات: مَعَ كل جرعة لكم شَرق، وَفِي كل أَكلَة لكم غصص، لَا تنالون نعْمَة إِلَّا بِفِرَاق أُخْرَى، وَلَا يسْتَقْبل معمر مِنْكُم يَوْمًا من عمره إِلَّا بهدم آخر من أَجله، وَلَا تجدّد لَهُ زِيَادَة فِي أكله إِلَّا بإنفاد مَا قبله من رزقه، وَلَا يحيا لَهُ أثر إِلَّا مَاتَ لَهُ أثر، فَأنْتم أعوان الحتوف على أَنفسكُم، وَفِي معايشكم أَسبَاب مناياكم، لَا يمنعكم شَيْء مِنْهَا، وَلَا يغيبكم شَيْء عَنْهَا، لَهَا بِكُل سَبَب مِنْكُم صريع يحتزز، ومقرب ينْتَظر، لَا ينجو من حبائلها الحذر، وَلَا يدْفع عَن مقاتله الأريب، وَهَذِه أَنفسكُم تسوقكم إِلَى الفناء، فَلِمَنْ تطلبون الْبَقَاء؟ وَهَذَا اللَّيْل وَالنَّهَار لم يرفعا شَيْئا شرفاً إِلَّا أَسْرعَا الكرة على هدم مَا شرفا بتفريق مَا جمعا. أَيهَا النَّاس، اطْلُبُوا الْخَيْر ووليه، واحذروا الشَّرّ ووليه. وَاعْلَمُوا " أَن خيرا من الْخَيْر معطيه، وشراً من الشَّرّ فَاعله ". ذكر أَن قس بن سَاعِدَة كَانَ يخْطب متوكئاً على عَصا فَيَقُول: مطر ونبات، وآباء وَأُمَّهَات، وذاهب وَآت، وآيات فِي إِثْر آيَات، وأموات بعد أموات، وضوء وظلام، وليال وَأَيَّام، وفقير وغني، وَسَعِيد وشقي، ومحسن

ومسيء. أَيْن الأرباب الفعلة، ليصلح كل عَامل عمله، كلا بل هُوَ الله إِلَه وَاحِد، لَيْسَ بمولود وَلَا وَالِد، اعاد وَأبْدى، وَإِلَيْهِ المآب غَدا. أما بعد: يَا معشر إياد، أَيْن ثَمُود وَعَاد، وَأَيْنَ الْآبَاء والأجداد، أَيْن الْحسن الَّذِي لم يشْكر، وَالظُّلم الَّذِي لم ينقم؟ كلا وَرب الْكَعْبَة ليعودن مَا بدا، وَلَئِن ذهب يَوْمًا ليعودن يَوْمًا مَا، افهموا مَا سَمِعْتُمْ، واحفظوا وعوا. تمنى قوم عِنْد يزِيد الرقاشِي فَقَالَ: أَتَمَنَّى أَنا كَمَا تمنيتم، فَقَالُوا: تمن، فَقَالَ: ليتنا لم نخلق، وليتنا إِذْ خلقنَا لم نعص، وليتنا إِذْ عصينا لم نمت، وليتنا إِذْ متْنا لم نبعث، وليتنا إِذْ بعثنَا لم نحاسب، وليتنا إِذْ حوسبنا لم نعذب، وليتنا إِذْ عذبنا لم نخلد. قَالُوا إِن رَأس مَال أبي خُزَيْمَة كَانَ درهما وَاحِدًا سِتِّينَ سنة، كَانَ يشترى صُوفًا فيغزله ويبيعه. قَالَ مُحَمَّد بن سَلام: قَالَ لنا يُونُس ذَا صباح: إِنِّي فَكرت فِي أَمر فَاسْمَعُوا، قُلْنَا: هَات، قَالَ: كل من أصبح على وَجه الأَرْض فِي النَّار، فَقُلْنَا مَا تزيد؟ قَالَ: إِلَّا أمتنَا هَذِه، فَإِذا صرت إِلَى أمتنَا فالسلطان وَمن يطِيف بِهِ هلكي إِلَّا الْقَلِيل، وَإِذا قطعت هَذِه الطَّبَقَة حَتَّى تبلغ الشاش والبطائح، فَأَكلَة رَبًّا وباعته وشربة خمر وباعتها إِلَّا الْقَلِيل، وَإِذا خلفت هَذَا الخَنْدَق حَتَّى تَأتي رمل يبرين وأعلام الرّوم، فَلَا غسل من جَنَابَة وَلَا إسباغ وضوء، وَلَا إتْمَام صَلَاة وَلَا علم بحدود مَا أنزل الله على رَسُوله إِلَّا قَلِيل، فَإِذا صرت إِلَى الْأَمْصَار فأصحاب هَذِه الكراسي من أهل السُّوق والكلأ فَلَيْسَ إِلَّا ذِئْب مُستد فر بذئبة، يختلك عَن دينارك ودرهمك، يكذب فِي الْمُرَابَحَة، ويطفف فِي الْمِكْيَال، ويخسر فِي الْمِيزَان، إِلَّا قَلِيل، فَإِذا صرت إِلَى أَصْحَاب هَذِه الغلات الَّذين كفوا المؤونة وأنعم الله عَلَيْهِم، فيُمسى أحدهم سَكرَان، وَيُصْبِح مخموراً إِلَّا قَلِيل، وَالله الرَّحْمَن إِن فِي هَذِه الدَّار معب لقطيعاً، فَإِذا صرت إِلَى قوم دون هَؤُلَاءِ لم يُنعم

عَلَيْهِم بِمَا أُنعم على هَؤُلَاءِ فواحد طرّار وَآخر يستقفي، فَإِذا صرت إِلَى أَصْحَاب هَذِه السَّوَارِي فَهَذَا يشْهد على هَذَا بالْكفْر، وَهَذِه على هَذَا بِالْبَرَاءَةِ، فوَاللَّه لَئِن لم يعمنا الله بالمغفرة إِنَّهَا للفضيحة. دخل عَمْرو بن عبيد على بعض الْأُمَرَاء وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ فَقَالَ لَهُ: إِن الله تعبّدك فِي حَال الصِّحَّة بِالْعَمَلِ، وَوضع عَنْك فِي هَذِه الْحَال عمل الْجَوَارِح، وَلم يُكلّفك إِلَّا عملا بقلبك، فأعطه بقلبك مَا يجب لَهُ عَلَيْك. كتب ناسك إِلَى آخر يستوصفه الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَكتب إِلَيْهِ: الدُّنْيَا حلم، وَالْآخِرَة يقظة، والمتوسط بَينهمَا الْمَوْت، وَنحن فِي أضغاث ننقل إِلَى أجداث. رأى دهثم وَهُوَ أحد العبّاد، رجلا يضْرب غُلَامه، فوعظه وَنَهَاهُ، فَقلب السَّوْط وَأخذ يضْرب دهثما، وتسارع النَّاس، فَقَالَ دهثم دَعوه فقد أمرت بِالْمَعْرُوفِ ونهيت عَن الْمُنكر وأحتاج الْآن أَن أَصْبِر على مَا أصابني، فبذلك نطق الْكتاب. وَكَانَ مَعْرُوف الْكَرْخِي يَقُول: ليكن الله جليسك وأنيسك وَمَوْضِع شكواك، فَإِن النَّاس لَا ينفعون وَلَا يضرون، وَلَا يُعْطون وَلَا يحرمُونَ، و " إِن شِفَاء مَا ينزل بك من المصائب كتمامه ".

الباب الخامس نكت من كلام العلماء والادباء

الْبَاب الْخَامِس نكت من كَلَام الْعلمَاء والأدباء حكى الصاحب رَحمَه الله عَن الإيجي عَن ابْن دُرَيْد قَالَ: سَمِعت أَبَا حَاتِم يَقُول: فَاتَنِي نصف الْعلم، فَقلت: وَكَيف ذَاك؟ قَالَ: تصدرت وَلم أكن للتصدر أَهلا، وَاسْتَحْيَيْت أَن أسأَل من دوني، وَاخْتلف إِلَى من فَوقِي، فَذَلِك الْجَهْل إِلَى الْيَوْم فِي نَفسِي. وَحكى عَن ابْن المنجم قَالَ: كنت أحضر وَأَنا صَغِير مجْلِس ثَعْلَب فَأرَاهُ رُبمَا سُئِلَ عَن خمسين مَسْأَلَة وَهُوَ يَقُول: لَا أَدْرِي، لَا أعلم، لم أسمع. وَحكي عَن ابْن كَامِل عَن أبي العيناء قَالَ: سَمِعت أَبَا زيد يَقُول: يَا أهل الْبَصْرَة، جِئتُكُمْ بِالْقَلِيلِ الصَّحِيح. مد الشّعبِيّ يَده على مائدة قُتَيْبَة بن مُسلم يلْتَمس الشَّرَاب، فَلم يدر صَاحب الشَّرَاب أأللبن يُرِيد أمِ الْعَسَل أم المَاء، فَقَالَ لَهُ: أَي الْأَشْرِبَة أحب إِلَيْك؟ قَالَ: أعزها مفقوداً، وأهونها مَوْجُودا، قَالَ قُتَيْبَة: اسْقِهِ مَاء. قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: لَو كَانَت ربيعَة فرسا لكَانَتْ شَيبَان غرتها.

قيل لأبي عُبَيْدَة: إِن الْأَصْمَعِي قَالَ: بَينا أبي يُسَايِر سلم بن قُتَيْبَة على فرس لَهُ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: سُبْحَانَ الله! " المتشبع بِمَا لم يُؤْت كلابس ثوبي زور " وَالله مَا كَانَ يملك أَبوهُ دَابَّة إِلَّا فِي ثِيَابه. وَقَالَ رجل بَين يَدي أبي عُبَيْدَة: إِن الْأَصْمَعِي دعيٌّ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كذبت، لَا يدّعي أحد إِلَى أصمع. قَالَ أَبُو عَمْرو: غَايَة الْمَدْح أَن يمدحك من لَا يُرِيد مدحك، وَغَايَة الذَّم أَن يذمك من لَا يُرِيد أَن يذمك. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: لَا يزَال الْإِنْسَان بِخَير مَا اشْتَدَّ ضرسه وأيره. قَالَ بَعضهم: كنت أَمْشِي مَعَ الْخَلِيل فَانْقَطع شسع نَعْلي، فَخلع نَعله، فَقلت: مَا تصنع؟ فَقَالَ: " أواسيك فِي الحفاء ". قيل للمفضل: لم لَا تَقول الشّعْر وَأَنت من الْعلمَاء بِهِ؟ قَالَ: علمي بِهِ يَمْنعنِي مِنْهُ. قَالَ الْخَلِيل: أشتهي أَن أكون عِنْد الله من أرفع النَّاس، وَعند النَّاس من أَوسط النَّاس، وَعند نَفسِي من أَسْفَل النَّاس. قَالَ رجل للمبرّد: أسمعني فلَان فِي نَفسِي فاحتملته، ثمَّ أسمعني فِيك فجعلتك أسوتي واحتملته، فَقَالَ لَهُ: ليسَا سَوَاء، احتمالك فِي نَفسك حلم، وَفِي صديقك غدر. قَالَ الْخَلِيل: أخرج من منزلي فَألْقى رجلا من أَرْبَعَة: رجلا أعلم مني فَهُوَ يَوْم فائدتي، أَو رجلا مثلي فَهُوَ يَوْم مذاكراتي، أَو تعلماً مني فَهُوَ يَوْم ثوابي، أَو رجلا دوني فِي الْحَقِيقَة، وَهُوَ يرى أَنه فَوقِي، يحاول أَن يتَعَلَّم مني وَكَأَنَّهُ يعلّمني، فَذَاك لَا أهتم بِهِ وَلَا أنظر إِلَيْهِ. قَالَ مُحَمَّد بن مناذر: كنت مَعَ الْخَلِيل فلقي صديقا لَهُ قد ولي عملا، فعذله وَقَالَ لَهُ: أمكنت هَؤُلَاءِ من خلاقك يرتكضون فِيهِ، وَمن دينك يترامون بِهِ، فَاعْتَذر إِلَيْهِ الرجل، فَمَا مَضَت الْأَيَّام حَتَّى ولي الْخَلِيل ضيَاع يزِيد بن حَاتِم

فَلَقِيَهُ الرجل فَقَالَ: نهيتني عَن شَيْء وأوتيته! فَقَالَ الْخَلِيل: اعْمَلْ بعلمي وَإِن قصّرت فِي عَمَلي ... ينفعك علمي وَلَا يضررك تقصيري لما عزم الرشيد على الْحَج قَالَ لجلسائه، وَفِيهِمْ الْأَصْمَعِي، من يُعادلني على أَلا يسكت؟ فصكتوا إِلَّا الْأَصْمَعِي، فَإِنَّهُ ضمن معادلته على الْوَفَاء بِهَذِهِ الشريطة، فَلَمَّا اسْتَويَا فِي الْقبَّة أَخذ فِي كتاب الْمُبْتَدَأ، فَلم يزل يَسُوقهُ حَتَّى استتمه فِي آخر معادلته إِيَّاه. قَالَ الْخَلِيل: من اسْتعْمل الْجَزْم فِي وَقت الِاسْتِغْنَاء عَنهُ اسْتغنى عَن الاحتيال فِي وَقت الْحَاجة إِلَيْهِ. كَانَ يُونُس يَقُول: " إِذا شهر لَك الأحمق سَيْفا فتوقه بجنة الرِّفْق ". قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: الْغبن غبنان: الغلاء والرداءة، فَإِن استجدت الشرى ذهب أحد الغبنين. قَالَ جحظة: قَالَ لي ثَعْلَب: " الْمَرْأَة الصَّالِحَة كالغراب الأعصم "، وَهُوَ الْأَبْيَض الرجلَيْن، وَلَا يكَاد يُوجد. قَالَ الصولي: كُنَّا عِنْد ثَعْلَب فَغَضب على وَاحِد، ثمَّ سكن بعد إفراط فَقَالَ: حَدثنَا من رأى العتابي يُخَاصم - وَقد زَاد فِي القَوْل فعوتب - فَقَالَ: " إِذا تشاجرت الْخُصُوم طاشت الحلوم، ونُسيت الْعُلُوم ". قَالَ أَبُو مُوسَى الحامض قرئَ على ثَعْلَب من كتاب بِخَط ابْن الْأَعرَابِي خطأ، فَقيل: أفنغير؟ قَالَ: دَعوه ليَكُون عذرا لمن أَخطَأ ".

وقف رجل حسن الشارة، جميل البزة حُلْو الْإِشَارَة، على الْمبرد فَسَأَلَهُ عَن مَسْأَلَة، فأحال ولحن وتسكع، فَقَالَ لَهُ الْمبرد: يَا هَذَا أنصفنا من نَفسك إِمَّا أَن تلبس على قدر كلامك، وَإِمَّا أَن تَتَكَلَّم على قدر بزتك. قَالَ الْمبرد: كَانَت فِي أَخْلَاق الْحسن بن رَجَاء شراسة، وَفِي كَفه ضيق، فَكتبت إِلَيْهِ: النَّاس - أعز الله الْأَمِير - رجلَانِ: حر وَعبد، فثمن الْحر الْإِكْرَام، وَثمن العَبْد الإنعام، فأصلحه هَذَا القَوْل - لي ولغيري - مُدَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى طبعه. وَقَالَ الْمبرد: إِذا عمل الرجل كتابا أَو قَالَ شعرًا فقد استهدف، فَإِن أحسن فقد استشرف، وَإِن أَسَاءَ فقد استقذف. قَالَ أَبُو العيناء: مَا رَأَيْت مثل الْأَصْمَعِي قطّ، أنْشد بَيْتا من الشّعْر فاختلس الْإِعْرَاب ثمَّ قَالَ: سَمِعت أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول: كَلَام الْعَرَب الدرج. وحَدثني عبد الله بن سوار أَن أَبَاهُ قَالَ: الْعَرَب تجتاز بالإعراب اجتيازاً. وحَدثني عِيسَى بن عمرَان أَن أبي إِسْحَاق قَالَ: الْعَرَب ترفرف على الْإِعْرَاب وَلَا تتفيهق فِيهِ. وَسمعت يُونُس يَقُول: الْعَرَب تشام الْإِعْرَاب وَلَا تحَققه. وَسمعت الخشخاش بن جناب يَقُول: الْعَرَب تقع بالإعراب وَكَأَنَّهَا لم ترده. وَسمعت أَبَا الْخطاب يَقُول: إِعْرَاب الْعَرَب الخطف والحذف، قَالَ: فتعجب كل من حضر مِنْهُ. قَالَ أَحْمد بن المعذل: لما جَاءَنَا الْأَخْفَش ليؤدبنا قَالَ: جنبوني ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَن تَقولُوا: بس، وَأَن تَقولُوا: هم، وَلَيْسَ لفُلَان بخت. قَالَ الصولي: قَالَ لي مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِسْحَاق وَقد تَذَاكرنَا فضل الْمبرد فَقَالَ: مَا رأى مثل نَفسه؛ دخل إِلَى عِيسَى بن فرخانشاه - وَقد رَضِي لَهُ بعد أَن غضب عَلَيْهِ - فَقَالَ لَهُ: أعزّك الله، لَوْلَا تجرع مرَارَة الْغَضَب مَا التذت حلاوة الرضى، وَلَا يحس مدح الصفو إِلَّا عِنْد ذمّ الكدر، وَلَقَد أحسن هَذَا

البحتري فِي قَوْله: مَا كَانَ إِلَّا مُكَافَأَة وتكرمةً ... هَذَا الرضى، وامتحاناً ذَلِك الْغَضَب وَرُبمَا كَانَ مَكْرُوه الْأُمُور إِلَى ... محبوبها سَببا مَا مثله سَبَب فَقَالَ لَهُ عِيسَى: أَطَالَ الله بَقَاءَك، وَأحسن عَنَّا جزاءك، قَائِل كَمَا قَالَ أَبُو نواس: من لَا يعد الْعلم إِلَّا مَا عرف ... كُنَّا مَتى نشَاء مِنْهُ نغترف ... رِوَايَة لَا تُجتنى من الصُّحُف ... وَأَنا أصل البحتري لتمتلك بِشعرِهِ، وَوَصله بِنَحْوِ صلته. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ألأم النَّاس الأغفال الَّذين لم يهجوا وَلم يمدحوا. قَالَ أَبُو حَاتِم: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لَا تردن على أحد خطأ فِي حفل؛ فَإِنَّهُ يَسْتَفِيد مِنْك: ويتخذك عدوا. قَالَ الْخَلِيل: قَوْلهم: " أرسل حكيماً وَلَا توصه " هُوَ الدِّرْهَم. صَار أَبُو العيناء إِلَى الْأَصْمَعِي فَقَالَ لَهُ: مَا مَعَك؟ قَالَ: شعر الْمَجْنُون، قَالَ: لَيْسَ لَهُ عِنْدِي إِسْنَاد، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي أَتَاهُ فَقَالَ: مَا مَعَك؟ قَالَ: شعر المخبلّ، قَالَ: أمس مَعَك الْمَجْنُون، وَالْيَوْم المخبل، إِذا كَانَ غَدا تعال أَنْت وَحدك. سُئِلَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد لما سميت الْمبرد؟ قَالَ: كَانَ سَبَب ذَلِك أَن صَاحب الشرطة طلبني للمنادمة والمذاكرة، فَكرِهت ذَلِك، فَدخلت يَوْمًا إِلَى أبي حَاتِم السجسْتانِي، فجَاء رَسُول الْوَالِي يطلبني، فَقَالَ لي أَبُو حَاتِم: ادخل فِي

هَذَا، يَعْنِي غلاف مزملة فَارغًا، فَدخلت فِيهِ، وغطى رَأسه، ثمَّ خرج إِلَى الرَّسُول، فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي، فَقَالَ: أُخبرت أَنه دخل إِلَيْك، قَالَ: فَادْخُلْ الدَّار وفتشّها، فَدخل وَطَاف فِي كل مَوضِع من الدَّار، وَلَك يفْطن للغلاف ثمَّ خرج، فَجعل أَبُو حَاتِم يصفق وَيَقُول: الْمبرد الْمبرد، وتسامع النَّاس بذلك فلهجوا بِهِ. قَالَ اليوسفي الْكَاتِب كنت يَوْمًا عِنْد أبي حَاتِم السجسْتانِي إِذا أَتَاهُ شَاب من أهل نيسابور فَقَالَ: يَا أَبَا حَاتِم، إِنِّي قدمت بلدكم، وَهُوَ بلد الْعلم وَالْعُلَمَاء، وَأَنت شيخ أهل الْمَدِينَة، وَقد أَحْبَبْت أَن أَقرَأ عَلَيْك كتاب سِيبَوَيْهٍ، فَقَالَ لَهُ: الدّين النَّصِيحَة، إِذا أردْت أَن تنْتَفع بِمَا تَقْرَأهُ فاقرأ على هَذَا الْغُلَام - مُحَمَّد بن يزِيد - فتعجبت من ذَلِك. قَالَ الْمبرد: الْغَيْبَة جهد الْعَاجِز. وَكتب يَوْمًا كتابا إِلَى الطَّائِي يعْتَذر فِيهِ ثمَّ أَخّرهُ وَقَالَ: الْكتاب إِلَى الطَّائِي بِمَنْزِلَة الديكبريكة إِن أقللت خلّها صَارَت قلبّة، وَإِن زِدْت فِيهَا صَارَت سكباجاً، وأكره أَن أعرب فَلَا يفهم أَو أقصّر فيستخف بِالْكتاب. قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: الْغبن فِي شَيْئَيْنِ الغلاء والرداءة، فَإِن استجدت الشّرى أحرزت أحد الغبنين. قَالَ الْأَصْمَعِي: رَأَيْت فرس أبي النَّجْم الَّذِي قَالَ فِيهِ: فَجَاءَت الْخَيل وَنحن نشكله ... فقومته أَرْبَعِينَ درهما.

ورؤي بعض الْعلمَاء، وَهُوَ يكْتب - من فَتى - حَدِيثا، فَقيل لَهُ، مثلك يكْتب عَن هَذَا؟ فَقَالَ: أما إِنِّي أحفظ لَهُ مِنْهُ، لكني أردْت أَن أذيقه كأس الرياسة لِيَدْعُوهُ ذَلِك إِلَى الازدياد من الْعلم. سَأَلَ كيسَان خلفا فَقَالَ: يَا أَبَا مُحرز، عَلْقَمَة بن عُبَيْدَة جاهلي أَو من بني ضبة؟ فَقَالَ: يَا مَجْنُون، صحّح الْمَسْأَلَة حَتَّى يَصح الْجَواب. قَالَ بَعضهم: التَّعْلِيق فِي حَوَاشِي الْكتب كالشنوف فِي آذان الْأَبْكَار. قَالَ أَبُو إِسْحَاق الكلابزي: تخرّق كتاب سِيبَوَيْهٍ فِي كم الْمَازِني نيفاً وَعشْرين مرّة. ذكر شُعْبَة بن الْحجَّاج عِنْد أبي زيد الْأنْصَارِيّ فَقَالَ: هَل الْعلمَاء إِلَّا شُعْبَة من سعبة؟ أخبرنَا بذلك الصاحب رَحمَه الله قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن خلف قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن الْقَاسِم أَبُو العيناء عَن أبي زيد. قَالَ الْخَلِيل: كن على مدارسة مَا فِي قَلْبك أحرص مِنْك على حفظ مَا فِي كتبك. وَقَالَ أَيْضا: اجْعَل مَا فِي كتبك رَأس مَال، وَمَا فِي صدرك للنَّفَقَة. قَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَ يُقَال: ثَلَاثَة يحكم لَهُم بِالنَّبلِ حَتَّى يُدرى من هم، وهم: رجل رَأَيْته رَاكِبًا، أَو سمعته يعرب، أَو شممت مِنْهُ طيبا، وَثَلَاثَة يحكم عَلَيْهِم بالاستصغار حَتَّى يدرى من هم، وهم: رجل شممت من رَائِحَة نَبِيذ فِي محفل، أَو سمعته فِي مصر عَرَبِيّ يتَكَلَّم بِالْفَارِسِيَّةِ، أَو رجل رَأَيْته على ظهر طَرِيق يُنازع فِي الْقدر. قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: الْأَيَّام ثَلَاثَة: مَعْهُود ومشهود وموعود، فالمعهود أمس، والمشهود الْيَوْم، والموعود غَدا، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كُنَّا نكتب عَن أَعْرَابِي فصيح أرجوزةً ومعنا كيسَان، فطالت حَتَّى نفدت أَلْوَاح كيسَان فَجعل يمحو مَا كتب فِي أول ألواحه مِنْهَا، فَقلت: وَيحك لم تفعل هَذَا؟ فَقَالَ: حَتَّى تكون الأرجوزة عِنْدِي بِتَمَامِهَا.

قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أدخلني الْفضل بن يحيى على الرشيد، فَقَالَ لي: يَا معمر، بَلغنِي أَنَّك وضعت كتابا فِي الْخَيل حسنا، وَأَنا أشتهي أَن أسمعهُ، قَالَ: وَكَانَ عِنْده الْأَصْمَعِي فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَمَا تصنع بِكِتَاب؟ نجيء بفرس السَّاعَة فنصفه، فَقَالَ الرشيد: هاتوا فرسا، فَمَا كَانَ أسْرع أَن جِيءَ بِهِ، فَقَالَ الْأَصْمَعِي فَأخذ بأذنه ثمَّ قَالَ: هَذَا كَذَا وَقَالَ فِيهِ الشَّاعِر: كَذَا، وَهَذَا كَذَا وَقَالَ فِيهِ الشَّاعِر: كَذَا، قَالَ: فَأقبل عليّ الرشيد فَقَالَ: مَا تَقول يَا معمر فِيمَا قَالَ؟ قَالَ: قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أصَاب فِي بعض، وَأَخْطَأ فِي بعض، فَأَما مَا أصَاب فِيهِ فمني تعلّمه، وَأما مَا أَخطَأ فِيهِ فَلَا أَدْرِي من أَيْن جَاءَ بِهِ، والرشيد يضْحك. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْعَارِضَة كِنَايَة عَن البزا. قَالَ يُونُس: المفحم يَأْتِيهِ دون مَا يرضى، وَيطْلب فَوق مَا يقوى. قَالَ الْأَصْمَعِي: قَالَ لي أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: من عرف فضل من فَوْقه عرف فَضله فَإِن جَحد جُحد. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: لَا تأت إِلَّا من ترجو نائله، أَو تخَاف سطوته، أَو ترجو بركَة دُعَائِهِ أَو تقتبس من عمله.

الباب السادس الكبر المستحسن والمستقبح

الْبَاب السَّادِس الْكبر المستحسن والمستقبح قَالَ أَبُو عُثْمَان: من الْكبر المستحسن قَول وَكِيع بن أبي سود لعدي بن أَرْطَاة حِين قَالَ: سو عليّ ثوبي فَقَالَ لَهُ: أذكرتني ضيق خفّي، أَيهَا الْأَمِير، خُذ خفّي، فَضَحِك عدي وَقَالَ: يَا أَبَا مطرف، إِن الجليس ليلِي من جليسه أَكثر من هَذَا. فَقَالَ: إِذا عُزلت فكلفنا مَا أَحْبَبْت، ثمَّ ركب الْحسن الْبَصْرِيّ فَأخذ وَكِيع - مُتَبَرعا - بركابه حَتَّى ركب، فَاسْتحْسن ذَلِك الْكبر مَعَ هَذَا التَّوَاضُع. دخل عمَارَة بن حَمْزَة على الْمَنْصُور فَقعدَ فِي مَجْلِسه، وَقَامَ رجل فَقَالَ: مظلوم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: من ظلمك؟ قَالَ: عمَارَة غصبني ضيعتي، فَقَالَ الْمَنْصُور: يَا عمَارَة قُم فَاقْعُدْ مَعَ خصمك، فَقَالَ: مَا هُوَ لي بخصيم؛ إِن كَانَت الضَّيْعَة لَهُ فلست أنازعه فِيهَا، وَإِن كَانَت لي فَهِيَ لَهُ، وَلَا أقوم من مجْلِس قد شرفني أَمِير الْمُؤمنِينَ بالرفعة إِلَيْهِ لأقعد فِي ادنى مِنْهُ بِسَبَب ضَيْعَة. لما عزل الْحجَّاج أُميَّة بن عبد الله عَن خُرَاسَان أَمر رجلا من بني تَمِيم فعابه بخراسان وشنّع عَلَيْهِ، فَلَمَّا قفل لقِيه التَّمِيمِي فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير لَا تلمني فَإِنِّي كنت مَأْمُورا فَقَالَ: يَا أَخا بني تَمِيم، وحدثتك نَفسك أَنِّي وجدت عَلَيْك؟ قَالَ: قد ظَنَنْت ذَلِك، قَالَ: إِن لنَفسك عنْدك قدرا. جرى بَين الرشيد وزبيدة نزاهة نفس عمَارَة بن حَمْزَة وَكبره، فَقَالَت لَهُ: ادْع بِهِ وهب لَهُ سبحتى هَذِه، فَإِن شراءها خَمْسُونَ ألف دِينَار، فَإِن ردهَا عرفنَا نزاهته، فوجّه إِلَيْهِ فَحَضَرَ، فحادثه وَأَعْطَاهُ السبحة، فَجَعلهَا عمَارَة بَين يَدَيْهِ،

فَلَمَّا قَامَ تَركهَا، فَقَالَت: أنسيها؟ فأتبعوه خَادِمًا بالسبحة، فَقَالَ للخادم: هِيَ لَك، فَرجع وَقَالَ: وَهبهَا لي عمَارَة، فأعطت زبيدة بهَا الْخَادِم ألف دِينَار وأخذتها. وَقد رُوِيَ أَن هَذَا الْخَبَر كَانَ مَعَ أبي الْعَبَّاس السفاح وَزَوجته أم سَلمَة. كَانَ مَالك بن مسمع بن شَيبَان بن شهَاب، أحد بني قيس بن ثَعْلَبَة، وَإِلَيْهِ تنْسب المسامعة، سيد بكر بن وَائِل فِي الْإِسْلَام، وَهُوَ الَّذِي قَالَ - لِعبيد الله بن زِيَاد بن ظبْيَان، أحد بني تيم اللات بن ثَعْلَبَة، وَكَانَ حَدثهُ أَمر مَسْعُود بن عَمْرو من الأزد وَلم يُعلمهُ فَقَالَ لَهُ عبيد الله، وَهُوَ أحد فتاك الْعَرَب، وَقَاتل مُصعب بن الزبير -: أَيكُون مثل هَذَا الحَدِيث وَلَا تعلمني؟ لقد هَمَمْت أَن أضرمها عَلَيْك نَارا، فَقَالَ مَالك: اسْكُتْ أَبَا مطر، فوَاللَّه إِنَّك فِي كِنَانَتِي سهم أَنا أوثق بِهِ مِنْك، فَقَالَ لَهُ عبيد الله: أَنا فِي كنانتك {فوَاللَّه لَو قُمْت فِيهَا لطلتها، وَلَو قعدت فِيهَا لخرقتها، فَقَالَ مَالك - وَأَعْجَبهُ -: أَكثر الله فِي الْعَشِيرَة مثلك، فَقَالَ: سَأَلت رَبك شططاً. خطب عبد الْملك بن مَرْوَان إِلَى عقيل بن علّفة ابْنَته على أحد بنيه - وَكَانَت لعقيل إِلَيْهِ حاجات - فَقَالَ: أما إِذْ كنت فَاعِلا فجنبني هجناءك. وَحدث الجاحظ قَالَ: أتيت أَبَا الرّبيع الغنوي، وَكَانَ من أفْصح النَّاس وأبلغهم، وَمَعِي رجل من بني هَاشم فناديت: أَبُو الرّبيع هَا هُنَا؟ فَخرج إِلَيّ وَهُوَ يَقُول: خرد إِلَيْك رجل كريم، فَلَمَّا رأى الْهَاشِمِي استحيا من الْفَخر بِحَضْرَتِهِ فَقَالَ: أكْرم النَّاس رديفاً، وأشرفهم حليفا} فَتحدث مَلِيًّا، ونهض الْهَاشِمِي، فَقلت: يَا أَبَا الرّبيع من خير الْخلق؟ قَالَ: النَّاس وَالله، قلت فَمن خير النَّاس؟ قَالَ: الْعَرَب وَالله، قلت فَمن خير الْعَرَب؟ قَالَ: مُضر وَالله، قلت: فَمن خير مُضر؟ قَالَ: قيس وَالله، قلت: فَمن خير قيس؟ قَالَ: يعصر وَالله، فَقلت: فَمن خير يعصر؟ قَالَ: غَنِي وَالله، قلت: فَمن خير غَنِي؟ قَالَ: الْمُخَاطب لَك وَالله، قلت: فَأَنت خير الْخلق؟ قَالَ: إِي وَالله، قلت: أيسرّك أَن تكون ابْنة يزِيد بن الْمُهلب تَحْتك؟ قَالَ: لَا وَالله، قلت: وَلَك ألف دِينَار، قَالَ: لَا وَالله، قلت: فألفا دِينَار، قَالَ: لَا وَالله، قلت: وَلَك الْجنَّة، فَأَطْرَقَ مَلِيًّا ثمَّ قَالَ: على أَلا تَلد مني.

قَوْله: أكْرم النَّاس رديفاً وأشرفهم حليفا، فَإِن أَبَا مرئد الغنوي كَانَ رَدِيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وحليف حَمْزَة بن عبد الْمطلب رَحمَه الله. يرْوى عَن الْأَصْمَعِي أَنه رأى رجلا يختال فِي أزيرة فِي يَوْم قر فَقَالَ لَهُ: مِمَّن أَنْت يَا مقرور؟ قَالَ: أَنا ابْن الوحيد، أَمْشِي الْخَيْر لي، ويدفئني حسبي. وَقيل لآخر فِي مثل هَذِه الْحَال: أما يوجعك الْبرد؟ قَالَ: بلَى، ولكنني أذكر حسبي فأدفأ. كَانَ عَوْف ابْن الْقَعْقَاع بن معبد بن زراة من أتيه النَّاس وأشدهم وأجفاهم، قَالَ لَهُ رجل مرّة: الطَّرِيق يَا عبد الله، فَقَالَ: أعبد الله أَنا؟ فَكَانَ الْحجَّاج يَقُول: لَو أَدْرَكته لقتلته تقرباً إِلَى الله عز وجلّ. كَانَ جذيمة الأبرش لَا ينادمه أحد تَعَظُّمًا وَيَقُول: إِنَّمَا ينادمني الفرقدان ونظن أَن قَول الشَّاعِر: وَكُنَّا كندماني جذيمة حقبةً ... أَرَادَ بِهِ الفرقدين، وَلَيْسَ كَمَا ذكرته الروَاة من حَدِيث مَالك وَعقيل، فَإِنَّهُمَا كَانَ يجوز عَلَيْهِمَا الِافْتِرَاق وَلَا يجوز ذَلِك لفرقين. حكى ابْن ثوابة أَنه قَالَ لغلامه: اسْقِنِي مَاء فَقَالَ: نعم، إِنَّمَا تقوا: من يقدر أَن يَقُول: لَا، وَأمر بصفعه. ودعا يَوْمًا أكارا وَكَلمه، فَلَمَّا فرغ دَعَا بِمَاء وتمضمض استقذاراً لمخاطبته.

الباب السابع نوادر في الجود والسخاء ومحاسن الاخلاق

الْبَاب السَّابِع نَوَادِر فِي الْجُود والسخاء ومحاسن الْأَخْلَاق كَانَ هرم بن سِنَان آلي على نَفسه أَلا يسلّم عَلَيْهِ زُهَيْر إِلَّا أعطَاهُ، فقلّ مَال هرم فأبقى عَلَيْهِ زُهَيْر، فَكَانَ يمر بالنادي، وَفِيه هرم، فَيَقُول: أنعموا صباحاً مَا خلا هرماً وَخير الْقَوْم تركت. آتى الْحسن بن شهريار الْحسن بن سهل فكلّمه فِي رجل فَقَالَ لَهُ: الْعِيَال متوافرون، والضياع متحيّفة، والوظائف قَائِمَة، وَذُو الْعَادة لَا يرضيه دون عَادَته، وَقد أمرت لَهُ بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم، فَقَالَ لَهُ الْحسن بن شهريار: إِنَّمَا مِقْدَار الرجل الَّذِي سَأَلتك أَن يُعطى ألفا وألفين، فَقَالَ: يَا حسن، إِن لكل شَيْء زَكَاة، وَزَكَاة الجاه بذله، فَإِذا أجْرى الله لإِنْسَان على يدك خيرا فَلَا تعترض فِيهِ. كَانَ طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف الزُّهْرِيّ أَجود قُرَيْش فِي زَمَانه، فَقَالَت لَهُ امْرَأَته: مَا رَأَيْت قوما الْأُم من إخوانك، قَالَ لَهَا، لمه وَأَنِّي قلت؟ قَالَت: أَرَاهُم إِذا أَيسَرت أتوك، وَإِن أعسرت تركوك، قَالَ: هَذَا وَالله من كرمهم، يأتوننا فِي حَال الْقُوَّة عَلَيْهِم، ويتركوننا فِي حَال الْعَجز عَنْهُم. بعث روح بن حَاتِم بن الْمُهلب إِلَى رجل بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم، وَكتب إِلَيْهِ: قد وجّهت إِلَيْك بِمَا لَا أقلله تكبراً، وَلَا أَكْثَره تمنناً، وَلَا أستثيبك عَلَيْهِ ثَنَاء، وَلَا أقطع لَك بِهِ رَجَاء. وصف رجل خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي بالشجاعة، ورد عَلَيْهِ بعض من حضر وَقَالَ: إِن خَالِدا لم يشْهد حَربًا قطّ، فَقَالَ لَهُ صَاحبه: اسْكُتْ فَإِن الصَّبْر عِنْد الْجُود أعظم من الصَّبْر عِنْد الْبَأْس. لما قُتل جَعْفَر بن يحيى قَالَ أَبُو النواس: مضى وَالله الْكَرم والجود وَالْأَدب وَالْعقل، فَقيل لَهُ: وَيحك! تهجوه فِي حَيَاته وتمدحه فِي مماته؟ فَقَالَ:

ذَاك وَالله لجهلي، وشقاء جدي. وركوبي هواي، أَيكُون فِي الدُّنْيَا أكْرم من جَعْفَر، وَلَقَد رفع إِلَيْهِ صَاحب الْخَبَر أَنِّي هجوته. وَقلت: لقد غرني من جَعْفَر حسن بَابه ... وَلم أدر أَن اللؤم حَشْو إهابه وَلست وَإِن أطنبت فِي مدح جَعْفَر ... بِأول إِنْسَان خرى فِي ثِيَابه فَوَقع فِي رقعته: يُدفع إِلَيْهِ عشرَة آلَاف دِرْهَم يغسل بهَا ثِيَابه؟ حُدّث أَن رجلا شَيخا أَتَى سعيد بن سلم وكلّمه فِي حَاجَة وَمَا شاه، فَوضع زج عَصَاهُ الَّتِي يتَوَكَّأ عَلَيْهَا على رجل سعيد حَتَّى أدماها، فَمَا تأوّه لذَلِك، وَمَا نَهَاهُ، فَلَمَّا فَارقه قيل لَهُ: كَيفَ صبرت مِنْهُ على هَذَا؟ قَالَ: خفت أَن يعلم جِنَايَته فَيَنْقَطِع عَن ذكر حَاجته. مر عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بِمصْر فَسمع امْرَأَة تصيح بابنها يَا عبد الْعَزِيز، فَوقف فَقَالَ: من المسنى باسمنا؟ ادفعوا إِلَيْهِ خَمْسمِائَة دِينَار، قَالَ: فَمَا ولد فِي أَيَّامه مَوْلُود بِمصْر إِلَّا سمي عبد الْعَزِيز. مرض قيس بن سعد بن عبَادَة، فاستبطأ عواده، فَقَالَ لمولى لَهُ: مَا بَال النَّاس لَا يعودونني؟ قَالَ: للدّين عَلَيْهِم، قَالَ: بَادر فيهم: من كَانَ عَلَيْهِ شَيْء فَهُوَ لَهُ، فكسروا دَرَجَته من تهافتهم عَلَيْهِ. كَانَ عبد الله بن جدعَان حِين كبر أخذت بَنو تيم على يَده ومنعوه أَن يُعطى شَيْئا من مَاله، فَكَانَ الرجل إِذا أَتَاهُ يطْلب مِنْهُ قَالَ لَهُ: ادن مني، فَإِذا دنا مِنْهُ لطمه، ثمَّ قَالَ: اذْهَبْ فاطلب بلطمتك أَو تُرضى فترضيه بَنو تيم من مَاله، وَفِيه يَقُول الشَّاعِر: وَالَّذِي إِن أَشَارَ نَحْوك لطما ... تبع اللَّطْم نائل وَعَطَاء وَكَانَ سعيد بن الْعَاصِ إِذا سَأَلَهُ سَائل فَلم يكن عِنْده مَا يُعْطِيهِ قَالَ: اكْتُبْ عَليّ سجلاً إِلَى أَيَّام يسرى.

اشْترى عبد الله بن أبي بكر جَارِيَة بستين ألف دِرْهَم فطلبت دَابَّة تحمل عَلَيْهَا، فَلم تُوجد، فجَاء رجل بدابته فحملها، فَقَالَ لَهُ عبد الله: اذْهَبْ إِلَى مَنْزِلك ووهبها لَهُ. أرتج على عبد الله بن عَامر بِالْبَصْرَةِ يَوْم أضحى، فَمَكثَ سَاعَة ثمَّ قَالَ: لَا أجمع عَلَيْكُم عياً وبخلاً، من أَخذ شَاة من السُّوق فَهِيَ لَهُ، وعليّ ثمنهَا. أهْدى رجل إِلَى مَالك هَدِيَّة، فأظهر الْغم بهَا، فَقَالَ لَهُ جُلَسَاؤُهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: فَكيف وَهِي لَا تَخْلُو من أَن تكون من مبتد أَي من رجل أتقلد لَهُ يدا، أَو من رجل قلّدته نعْمَة، فَأَكُون قد أخذت على نعمتي ثمنا. قصد رجل طَلْحَة الطلحات بسجستان وَاسْتَأْذَنَ الْحَاجِب فَقَالَ هَل: بِمَ تمت؟ قَالَ: إِن لي عِنْد الْأَمِير يدا، قَالَ: فخبرني أرفع إِلَيْهِ، قَالَ: لَا أَقُول إِلَّا لَهُ، فَدخل الْحَاجِب وعرفه، فَأذن لَهُ، فَمثل بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذِه الْيَد الَّتِي لَك عندنَا؟ قَالَ: كنت يَوْمًا مَعَ الْأَمِير جَالِسا فأماط عَن لحيتي أَذَى، قَالَ: فَهَذِهِ يَدي لَا يدك، قَالَ: صدقت أَيهَا الْأَمِير جِئْت لتربها، قَالَ: حبا ونعمةً، وَأحسن إِلَيْهِ. استحمل رجل معن بن زَائِدَة فَقَالَ معن: يَا غُلَام أعْطه بَعِيرًا وبغلاً وبرذونا وفرساً وَجَارِيَة، وَلَو وجدنَا مركوباً غير هَذَا لأعطيناه. طلب رجل من أبي الْعَبَّاس خطراً فَلم يُعْطه، فَبلغ ذَلِك معن بن زَائِدَة - وَهُوَ بِالْيمن - فَأرْسل إِلَيْهِ بجراب خطر فِيهِ ألف دِينَار وَكتب إِلَيْهِ: اختضب بالخطر وانتفع بالنخالة. بَاعَ أَبُو الجهم دَاره، فَلَمَّا أَرَادوا الْإِشْهَاد عَلَيْهِ قَالَ: بكم تشترون من جوَار سعيد ابْن الْعَاصِ؟ قَالُوا: سُبْحَانَ الله! وَهل رَأَيْت أحدا يَشْتَرِي جوارأحد أَو يَبِيعهُ؟ قَالَ: لَا تشترون مني جوَار إِنْسَان إِن أَسَأْت إِلَيْهِ أحسن؟ لَا أُرِيد أَن أبيعكم شَيْئا، ردوا عليّ دَاري، فَبلغ ذَلِك سعيداً فَبعث إِلَيْهِ بِأَلف دِينَار.

قَالَ رجل لآخر: اثت فلَانا فَإِنَّهُ لم ينظر إِلَى قفا محروم قطّ. أَرَادَ الرشيد أَن يخرج إِلَى القاطول فَقَالَ يحيى بن خَالِد لرجاء بن عبد الْعَزِيز - وَكَانَ على نفقاته -: مَا عِنْد وكلائنا من المَال؟ قَالَ: سَبْعمِائة ألف دِرْهَم، قَالَ: فاقبضها إِلَيْك يَا رَجَاء، فَلَمَّا كَانَ من الْغَد غَدا غليه رَجَاء فقبّل يَده - وَعِنْده مَنْصُور بن زِيَاد - فَلَمَّا خرج قَالَ الْمَنْصُور: قد ظَنَنْت أَن الرجل قد توهم أَنا وهبنا المَال لَهُ وَإِنَّمَا أمرناه بِقَبْضِهِ من الوكلاء ليحفظها علينا؛ لحاجتنا إِلَيْهَا فِي وجهنا هَذَا، قَالَ مَنْصُور: فَأَنا أُعلمه ذَلِك، قَالَ: إِذن يَقُول لَك قل لَهُ: يُقبّل يَدي كَمَا قبلت يَده فَلَا تقل شَيْئا فقد تركتهَا لَهُ. اسْتَلَبَ رجل رِدَاء طَلْحَة بن عبيد اللهفذهب رجل يتبعهُ فَقَالَ لَهُ طَلْحَة: دَعه، فَمَا فعل هَذَا إِلَّا من حَاجَة. كَانَ خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي يُكثر الْجُلُوس ثمَّ يَدْعُو بالبدر وَيَقُول: إِنَّمَا هَذِه الْأَمْوَال ودائع لابد من تفريقها، فَقَالَ ذَلِك مرّة، وَقد وَفد عَلَيْهِ أَخُوهُ أَسد بن عبد الله من خُرَاسَان، فَقَامَ فَقَالَ: هدأت أَيهَا الْأَمِير، إِن الودائع تجمع لَا تفرق، قَالَ: وَيحك! إِنَّهَا ودائع للمكارم وأيدينا وكلاؤها، فَإِذا أَتَانَا المملق فأغنيناه، والظمآن فأرويناه، فقد أدينا فِيهِ الْأَمَانَة. وَكَانَ طَلْحَة الطلحات يَقُول: من كَانَ جواداً فليعط مَاله أخول أخول، إِن المَال إِذا كثر زيّن وَأحب صَاحبه صحبته. قَالُوا: حد السخي أَن يُعطى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْوَقْت الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ. وَسُئِلَ عَمْرو بن عبيد عَن السخاء فَقَالَ: أَن تكون بِمَالك مُتَبَرعا، وَعَن مَال غَيْرك متورعا. قيل لإسحاق بن الْموصِلِي صف لنا سخاء أَوْلَاد يحيى بن خَالِد، فَقَالَ: أما الْفضل فيرضيك بِفِعْلِهِ، وَأما جَعْفَر فيرضيك بقوله، وَأما مُحَمَّد فيفعل بِحَسب مَا يجد، وَأما مُوسَى فيفعل بِمَا لَا يجد.

قرع رجل بَاب بَعضهم، فَقَالَ لجاريته: أبصري من القارع، فَقَالَت: من ذَا؟ قَالَ: أَنا صديق لمولاك، قَالَ الرجل: قولي: وَالله إِنَّك لصديق؟ فَقلت لَهُ، فَقَالَ: وَالله إِنِّي لصديق، فَنَهَضَ الرجل، وَبِيَدِهِ سيف وكيس، يَسُوق جَارِيَته وَفتح الْبَاب وَقَالَ: مَا شَأْنك؟ قَالَ: راعني أَمر، قَالَ: لَا بك مَا ساءك، فَإِنِّي قد قسمت أَمرك بَين نائبة فَهَذَا المَال، وَبَين عدوّ فَهَذَا السَّيْف، أَو أيمة فَهَذِهِ الْجَارِيَة. أولم عدي بن حَاتِم وَلِيمَة فَقَالَ لِابْنِ لَهُ حدث: كن بِالْبَابِ فَأذن لمن تعرف، وامنع من لَا تعرف، فَقَالَ لَهُ مرتجلاً: أَنا فِي الطَّاعَة أمضي ... لَك من سيف حسام لَا يكن أول مَا ول ... لَيْتَني منع الطَّعَام فضمّه إِلَيْهِ وَقَالَ: نزعك عرق جدك. مر يزِيد بن الْمُهلب بأعرابية فِي خُرُوجه من سجن عمر بن عبد الْعَزِيز يُرِيد الْبَصْرَة فقرته عَنْزًا فقبلها، ثمَّ قَالَ لِابْنِهِ مُعَاوِيَة: مَا مَعَك من النَّفَقَة؟ قَالَ: ثَمَان مائَة دِينَار، قَالَ: فادفعها إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنه: إِنَّك تُرِيدُ الرِّجَال، وَلَا تكون الرِّجَال إِلَّا بِالْمَالِ، وَهَذِه يرضيها الْيَسِير، وَهِي بعد لَا تعرفك. قَالَ: إِن كَانَت ترْضى باليسير فَإِنِّي لَا أرْضى إِلَّا بالكثير، وَإِن كَانَت لَا تعرفنِي فَإِنِّي أعرف نَفسِي، ادفعها إِلَيْهَا. قَالَ الْأَحْنَف: كثرت عليّ الدِّيات بِالْبَصْرَةِ لما قتل مَسْعُود، فَلم أَجدهَا فِي حَاضِرَة تَمِيم فَخرجت نَحْو يبرين فَسَأَلت عَن الْمَقْصُود هُنَاكَ، فأرشدت إِلَى قبَّة، فَإِذا شيخ جَالس بفنائها مؤزر بشملة محتب بِحَبل فسلّمت عَلَيْهِ، وانتسبت لَهُ. فَقَالَ: مَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: توفّي، قَالَ: فَمَا فعل عمر بن الْخطاب الَّذِي كَانَ يحفظ الْعَرَب ويحوطها؟ قلت: مَاتَ. قَالَ: فَأَي خير فِي حاضرتكم بعدهمَا؟ قَالَ: فَذكرت الدِّيات الَّتِي لزمتنا للأزد وَرَبِيعَة، فَقَالَ: أقِم، فَإِذا رَاع قد أراح عَلَيْهِ ألف بعير فَقَالَ: خُذْهَا، ثمَّ أراح عَلَيْهِ آخر مثلهَا، فَقَالَ: خُذْهَا، قلت: لَا أحتاج إِلَيْهَا، فَانْصَرَفت بِالْألف، وَوَاللَّه مَا أَدْرِي من هُوَ إِلَى السَّاعَة.

كَانَ يُقَال لطلْحَة بن عبيد الله: طَلْحَة الْخَيْر، وَطَلْحَة الْجُود. ورُوي أَنه بَاعَ ضَيْعَة لَهُ بِخَمْسَة آلَاف ألف دِرْهَم، فقسّمها فِي الأطباق، وَأَنه مَنعه أَن يخرج إِلَى الْمَسْجِد حَتَّى لُفق لَهُ بَين ثوبيه. وَيُقَال: إِن شَاعِرًا أَتَى أَبَا البخْترِي وهب بن وهب - وَكَانَ جواداً - فمدحه فهشّ إِلَيْهِ وثنى لَهُ الوسادة ورفده وَحمله وأضافه، فَلَمَّا أَرَادَ الرجل الرحلة لم يَخْدمه أحد من غلْمَان أبي البحتري، وَلَا عقد لَهُ وَلَا حل، فَأنْكر الرجل ذَلِك مَعَ جميل فعله بِهِ، فعاتب بَعضهم، فَقَالَ لَهُ الْغُلَام: إِنَّا إِنَّمَا نعين النَّازِل على الْإِقَامَة، وَلَا نعين الراحل على الْفِرَاق، فَبلغ هَذَا الْكَلَام جَلِيلًا من القرشيين فَقَالَ: وَالله لفعل هَؤُلَاءِ العبيد على هَذَا الْمَقْصد أحسن من رفد سيدهم. قَالَ أَبُو يَعْقُوب الْخطابِيّ: قدمت على السّري بن عبد الله فتحرّك، فَرَأَيْت عَلَيْهِ إزاراً قوّمته خَمْسَة دَرَاهِم فأبدرته بَصرِي فَقَالَ: هَذَا إزَارِي، وَقد فرقت فِي قَوْمك الْعَام أَرْبَعِينَ ألف دِينَار؟ ! . قَالَ معن بن زَائِدَة: قاتلنا ابْن هُبَيْرَة بواسط فظفرنا وغنمنا، وأصابني عشرَة آلَاف دِرْهَم فرّقتها فِي زوّاري وأضيافي، وأحرز أَصْحَابِي مَا كَانَ لَهُم، فَلَمَّا كَانَ الْغَد ظفر بِنَا وَأخذ مَا كَانَ مَعَ أَصْحَابِي، وَبَقِي مَا كَانَ لي منناً فِي أَعْنَاق الرِّجَال. بَاعَ حَكِيم بن حزَام من مُعَاوِيَة دَاره بستين ألف دِينَار، فَقيل لَهُ: غبنك مُعَاوِيَة. فَقَالَ: وَالله مَا أَخَذتهَا فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَّا بزقّ خمر، وأشهدكم أَنَّهَا فِي سَبِيل الله فانظروا أَيّنَا المغبون؟ . قَالَ بعض الْعَرَب: " حدّث عَن الْبَحْر وَلَا حرج، وحدّث عَن بني إِسْرَائِيل وَلَا حرج، وحدّث عَن معن وَلَا حرج ". ذُكر عِنْد سُفْيَان بن عُيَيْنَة سخاء عبد الله بن جَعْفَر وتُعُجب مِنْهُ، فَقَالَ: كَيفَ يُتعجب من سخائه وَقد دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجَعْفَر أَن يخلفه الله فِي وَلَده - بِأَفْضَل مَا خلف بِهِ أحدا من عباده الصَّالِحين - السخاء؟ .

أَخذ سُلَيْمَان بن عبد الْملك بن هُبَيْرَة بِأَلف ألف دِرْهَم، فَأتى يزِيد بن الْمُهلب فَقَالَ: زَاد الله فِي توفيقك وسرورك، أُخذت بِمَا لم يَسعهُ مَالِي، فَقلت: مَا لما نزل بِي إِلَّا السَّيِّد الْكَرِيم، مدره الْعَرَب، ووزير الْخَلِيفَة، وَصَاحب الْمشرق. فَقَامَ رجل من قوم ابْن هُبَيْرَة فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير، إِنَّه مَا خص هَذَا عمّنا، وَقد أَتَيْنَاك فِيمَا شكا، فَإِن تكفه فَلَيْسَ بِأَعْجَب مَا فِيك، وَإِن تَدْفَعهُ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرك. وَقَامَ آخر فَقَالَ: لَو أصبْنَا أحد فَوْقك اخترناه، أَو دُونك انحططنا إِلَيْهِ، وَقد أَتَيْنَاك فِيمَا فدحه فَإِن تستقلله فقد تُرجى لأكْثر، وَإِن تستكثره فقد تضطلع دونه، فوَاللَّه مَا الدُّخان بأدل على النَّار، والعجاج على الرّيح، من ظَاهر أَمرك على بَاطِنه. وَقَامَ آخر فَقَالَ: عظم شَأْنك أَن يستعان عَلَيْك أَو يستعان بك، وَلست تَأتي شَيْئا من الْمَعْرُوف إِلَّا صغر عَنْك، وعظمت عَنهُ، وَلَا غَايَة بلغَهَا أحد من الْعَرَب إِلَّا بلغتهَا، فحظك فِيهَا مقدم، وحقك فِيهَا مُعظم، لَا نقيسك بِأحد من الْمُلُوك إِلَّا عظمت عَنهُ، وَلَا نزنك بِأحد مِنْهُم إِلَّا رجحت بِهِ، وَالله مَا الْعجب أَن تفعل، وَلَكِن الْعجب أَلا تفعل. فَقَالَ يزِيد: مرْحَبًا بكم، وَأهلا، إِن خير المَال مَا قضي بِهِ الْحق، وابتُني بِهِ المكرمة، وَإِنَّمَا لي من مَالِي مَا فضل عَن النَّاس، وأيم الله أَن لَو أعلم أحدا أَهلا لحاجتكم مني أرشدتكم إِلَيْهِ، فاحتكموا وَأَكْثرُوا، فَقَالَ ابْن هُبَيْرَة: النّصْف أصلحك الله، فَقَالَ: آغد على مَالك فاقبضه، فدعوا لَهُ وَقَامُوا فَمَضَوْا غير بعيد، فَنَدِمُوا، فَظن ذَلِك بهم يزِيد، فَقَالَ: ردوهم، فَرَجَعُوا فَقَالُوا: أقلنا أصلحك الله، قَالَ: قد فعلت، وتحملها كلهَا عَنهُ. قَالَ ابْن عَبَّاس قدم علينا الْوَلِيد بن عتبَة الْمَدِينَة والياً كَأَن وَجهه ورقة مصحف، فوَاللَّه مَا ترك فِينَا عانياً إِلَّا فكّه، وَلَا غريماً إِلَّا أدّى عَنهُ، ينظر إِلَيْنَا بِعَين أرق من المَاء ويكلمنا بِكَلَام أحلى من الجنى، وَلَقَد شهِدت مِنْهُ مشهداً لَو كَانَ من مُعَاوِيَة لذكرته مِنْهُ أبدا: تغدينا عِنْده، فَأقبل الخباز بالصحفة، فعثر بوسادة، وبدرت الصحفة من يَده، فوَاللَّه مَا ردّها إِلَّا ذقنه، وَصَارَ مَا فِيهَا فِي حجره، ومثُل الْغُلَام وَمَا فِيهِ من الرّوح إِلَّا مَا يُقيم رجله، فَقَامَ فَدخل فَغير

ثِيَابه، ثمَّ أقبل تبرق أسارير وَجهه، فَأقبل على الخبّاز فَقَالَ: يَا بائس مَا أرانا إِلَّا وَقد روّعناك، أَنْت وأولادك أَحْرَار لوجه الله. فَهَذَا هُوَ التَّوَاضُع الْجَمِيل، والبذل الْحسن، وَالْكبر الْمَحْض. قَالَ سلم بن زِيَاد لطلْحَة بن عبد الله بن خلف الْخُزَاعِيّ: إِنِّي أُرِيد أَن أصل رجلا لَهُ عليّ حق وصحبة بِأَلف ألف دِرْهَم فَمَا ترى؟ قَالَ: أرى أَن تجْعَل هَذِه لعشرة، قَالَ: فأصله بِخمْس مائَة ألف دِرْهَم؟ قَالَ: كثير، فَلم يزل بِهِ حَتَّى وقف على مائَة ألف دِرْهَم، قَالَ: أفترى مائَة ألف يُقضى بهَا ذمام رجل لَهُ انْقِطَاع وصحبة ومودة وَحقّ وَاجِب؟ قَالَ: نعم، قَالَ: هِيَ لَك، وَمَا أردْت غَيْرك، قَالَ: فأقلني، قَالَ: لَا أفعل وَالله. قبض غَرِيم لِلْحسنِ بن سهل - بعد محنته - عَلَيْهِ، وَصَارَ بِهِ إِلَى مجْلِس أَحْمد بن أبي دَاوُد أَرَادَ أَن يضع مِنْهُ حسداً لَهُ، وَركب أَحْمد، وَجلسَ الْحسن ينتظره فَدخل كَاتب لِلْحسنِ فَقَالَ لَهُ: بِعْت الضَّيْعَة؟ قَالَ: نعم، قَالَ: بكم؟ قَالَ: بِثَلَاثِينَ ألف دِينَار، قَالَ: وقبضت الثّمن؟ قَالَ: نعم، قَالَ: زن لهَذَا الْغَرِيم مَا لَهُ، وَسَأَلَ جَمِيع من كَانَ حضر للْحكم، وَكَانَ بَعضهم يُطَالب بَعْضًا، وهم ينتظرون عود ابْن أبي دَاوُد، فأدّى عَن كل مطَالب مَا عَلَيْهِ، وَرجع ابْن أبي دَاوُد فَلم يجد فِي مجْلِس الحكم أحدا، فَسَأَلَ عَن الْخَبَر فَأخْبر بالقصة، فَكَانَ بعد ذَلِك من الواصفين لجلالة الْحسن بن سهل وَكَرمه. دخل رجل على خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا مُفْلِح، قَالَ: وَكَيف قلت ذَلِك؟ قَالَ: لِأَن الله عز وجلّ قَالَ فِي كِتَابه: " وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون " وَقد وقاك الله شح نَفسك. قَالَ الْمَأْمُون لمُحَمد بن عباد المهلبي: بَلغنِي عَنْك سرف فِي إعطائك، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ " منع مَا يُوجد سوء ظن بِاللَّه ". وَرُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله، أُتي بأسرى من بني العنبر، فَأمر بِقَتْلِهِم وأفرد مِنْهُم رجلا، فَقَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: الرب وَاحِد، وَالدّين وَاحِد، والذنب وَاحِد، فَمَا بَال هَذَا من بَينهم؟ فَقَالَ: " نزل عليّ جِبْرِيل فَقَالَ: اقْتُل هَؤُلَاءِ واترك هَذَا، فَإِن الله شكر لَهُ سخاءً فِيهِ ".

وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله لآخر: " لَوْلَا سخاء فِيك ومقك الله عَلَيْهِ لشردت بك أُفٍّ لَك من وَافد قوم ". وَرُوِيَ أَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام " لَا تقتل السامريّ فَإِنَّهُ سخيّ ". أنفذ جبلة بن الْأَيْهَم من الرّوم مَالا إِلَى حسان بن ثَابت، فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُول وأقرأه السَّلَام عَن جبلة، قَالَ لَهُ: هَات مَا بعث مَعَك من المَال، قَالَ: وَمَا علمك بِأَنَّهُ بعث معي بِشَيْء؟ قَالَ: مَا أرسل إِلَيّ بِالسَّلَامِ قطّ إِلَّا وَمَعَهُ مَال. كَانَ الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام فِي جَيش مسلمة حِين غزا الرّوم فِي خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى أَن بلغ فِيهَا الْقُسْطَنْطِينِيَّة فتشابها فسامه مسلمة بِمَالِه الَّذِي يعرف بالمعرضة فَأبى الْمُغيرَة أَن يَبِيعهُ، ثمَّ أَصَابَت أهل تِلْكَ الْغُزَاة مجاعَة فَبَاعَهُ إِيَّاه بِخَمْسَة عشر ألف دِينَار فنقده مسلمة الثّمن، فَبعث الْمُغيرَة بذلك المَال مَعَ من اشْترى لَهُ إبِلا من كلب، وَاشْترى لَهُ دَقِيقًا وزيتاً وقباطيّ، وَحمل ذَلِك على الْإِبِل، وَكَانُوا لَا يقدرُونَ على الْحَطب، فَأمر بِالْقبَاطِيِّ فأُدرجت بالزيت وأوقدها، وَنحر الْإِبِل واطّبخ واختبز وَأطْعم النَّاس، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغُزَاة أَخُوهُ أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن فَقيل لَهُ: نرى نَارا فِي الْعَسْكَر، فَقَالَ: لَا تجدونها إِلَّا فِي رَحل الْمُغيرَة من طَعَامه. فَلَمَّا قفل النَّاس من غزاتهم تِلْكَ وَبلغ الْخَبَر عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ عمر لمسلمة: أَنْت كنت أقوى وَأولى بإطعام النَّاس من الْمُغيرَة، وَذَلِكَ لَك ألزم؛ لِأَنَّك إِنَّمَا كنت تطعمهم من بعض مَالك، وَهُوَ أطْعمهُم بحطمة مَاله، فاقصمه البيع، فَإِنَّهُ بيع ضغطة لَا يجوز، فَعرض ذَلِك مسلمة على الْمُغيرَة فَأبى، وَقَالَ: قد أنفذت البيع. فَأمر عمر بن عبد الْعَزِيز بِتِلْكَ الضَّيْعَة فَردَّتْ على الْمُغيرَة، وَأمر بِالْمَالِ يدْفع إِلَى مسلمة من بَيت المَال، فتصدّق الْمُغيرَة بالمعرضة، أَو أَمر أَن يُطعم الْحَاج مِنْهَا يَوْم عَرَفَة وَثَلَاثَة منى، فَهُوَ السويق وَالسمن وَالتَّمْر الَّذِي يُطعم بمنى من صَدَقَة الْمُغيرَة.

الباب الثامن الشجاعه والجبن

الْبَاب الثَّامِن الشجَاعَة والجبن قيل لبَعْضهِم: مَا الشجَاعَة؟ قَالَ: صَبر سَاعَة. حُكي عَن ابْن أبي عَتيق قَالَ: نظرت إِلَى عبد الله بن الزبير وَعبد الله بن صَفْوَان، وَقد ذهب النَّاس عَنْهُمَا، فَلم يبْق مَعَهُمَا أحد، وهما نائمان يغطان فِي اللَّيْلَة الَّتِي قتلا فِي صبيحتها. قيل لبني الْحَارِث: كَيفَ كُنْتُم تَفْعَلُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا لَا نبدأ أحدا بظُلْم، وَلم نك بالكثير فنتواكل، وَلَا بِالْقَلِيلِ فنتخاذل وَكُنَّا نصبر بعد النَّاس سَاعَة. قَالَ بعض الشجعان لرفيق لَهُ، وَقد أقبل الْعَدو: اشْدُد قَلْبك، قَالَ: أَنا أشده وَلكنه يسترخي. اجتاز كسْرَى فِي بعض حروبه بشيخ قد تمدد فِي ظلّ شَجَرَة وَنزع سلاحه وَشد دَابَّته فَقَالَ لَهُ: أَنا فِي الْحَرْب وَأَنت على مثل هَذِه الْحَال؟ ! فَقَالَ الشَّيْخ: أَيهَا الْملك، إِنَّمَا بلغت هَذِه السن باستعمالي هَذَا التوقي، فَقَالَ كسْرَى: زهٍ. خرج المعتصم إِلَى بعض متصيّداته فَظهر لَهُ أَسد، فَقَالَ لرجل من أَصْحَابه أعجبه قوامه وسلاحه وَتَمام خلقه: هَل فِيك خير؟ فَقَالَ بالعجلة: لَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَضَحِك المعتصم وَقَالَ: قبّحك الله وقبّح طللك؟ . لما ذُهب بهدبة ليقْتل انْقَطع قبال نَعله، فَجَلَسَ يصلحه، فَقيل لَهُ: تصلحه وَأَنت على مَا أَنْت عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: أَشد قبال نَعْلي لن يراني ... عدوّي للحوادث مستكينا

كَانَ الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي فِي وقْعَة اليرموك، وَبهَا أُصِيب، فاثبتته الْجراح، فَاسْتَسْقَى مَاء، فأُتي بِهِ، فَلَمَّا تنَاوله نظر إِلَى عِكْرِمَة بن أبي جهل صَرِيعًا فِي مثل حَاله، فردّ الْإِنَاء على الساقي وَقَالَ: امْضِ إِلَى عِكْرِمَة ليشْرب أَولا فَإِنَّهُ أشرف مني، فَمضى بِهِ إِلَيْهِ، فَأبى أَن يشرب قبله، فَرجع إِلَى الْحَارِث فَوَجَدَهُ مَيتا، وَرجع إِلَى عِكْرِمَة فَوَجَدَهُ أَيْضا مَيتا، لم يشرب أحد مِنْهُمَا المَاء. قَالَ الْموصِلِي: حَدثنِي رجل من أهل الْأَدَب قَالَ: كَانَ لفتىً من قُرَيْش وصيفة نظيفة جميلَة الْوَجْه حَسَنَة الْأَدَب، وَكَانَ بهَا معجباً، فأضاق، فَاحْتَاجَ إِلَى ثمنهَا، فحملها إِلَى الْعرَاق، زمن الْحجَّاج، فَبَاعَهَا فَوَقَعت إِلَى الْحجَّاج، فَكَانَت تلِي خدمته، فَقدم عَلَيْهِ فَتى من ثَقِيف أحد بني أبي عقيل، فأنزله قَرِيبا مِنْهُ وألطفه، فَدخل عَلَيْهِ يَوْمًا والوصيفة تقمز رجل الْحجَّاج، وَكَانَ للفتى جمال وهيئة، فَجعلت الوصيفة تسارق الثَّقَفِيّ النّظر، وفطن الْحجَّاج فَقَالَ للفتى: أَلَك أهل؟ قَالَ: لَا، قَالَ: خُذ بيد هَذِه الوصيفة فاسكن إِلَيْهَا واستأنس بهَا، إِلَى أَن أنظر لَك بعض بَنَات عمك، فَدَعَا لَهُ وَأَخذهَا مَسْرُورا، وَانْصَرف إِلَى رَحْله، فباتت مَعَه لَيْلَتهَا وهربت بِغَلَس فَأصْبح، لَا يدْرِي أَيْن هِيَ، وَبلغ الْحجَّاج ذَلِك فَأمر منادياً فَنَادَى بَرِئت الذِّمَّة مِمَّن آوى وصيفةً من صفتهَا وأمرها كَيْت وَكَيْت، فَلم يلبث أَن أُتِي بهَا فَقَالَ لَهَا: يَا عدوة الله، كنت عِنْدِي من أحب النَّاس، واخترت لَك ابْن عمي شَابًّا حسن الْوَجْه، ورأيتك تسارقينه النّظر، فدفعتك إِلَيْهِ، وأوصيته بك، فَمَا لَبِثت إِلَّا سَواد ليلتك حَتَّى هربت. قَالَت يَا سَيِّدي اسْمَع قصتي ثمَّ اصْنَع مَا أَحْبَبْت، قَالَ: هَات، قَالَت: كنت لفُلَان الْقرشِي، وَكَانَ بِي معجباً، فَاحْتَاجَ إِلَى ثمني، فَحَمَلَنِي إِلَى الْكُوفَة، فَلَمَّا صرنا قَرِيبا مِنْهَا دنا مني فَوَقع عليّ، فَلم يلبث أَن سمع زئير الْأسد فَوَثَبَ عني إِلَيْهِ، وَاخْتَرَطَ سَيْفه، ثمَّ حمل عَلَيْهِ فَضَربهُ وَقَتله، ثمَّ أقبل إليّ وَمَا برد مَا عِنْده، فَقضى حَاجته. وَقَالَت: ابْن عمك هَذَا الَّذِي اخترته لي، لما أظلم اللَّيْل قَامَ إليّ، فَإِنَّهُ لعلى بَطْني إِذْ ةقعت فَأْرَة من السّقف عَلَيْهِ فضرط ثمَّ وَقع مغشياً عَلَيْهِ، فَمَكثَ زَمَانا طَويلا

أقلّبه وَأرش على وَجهه المَاء وَهُوَ لَا يفِيق، فَخفت أَن تتهمني بِهِ فهربت فَزعًا من الْقَتْل، فَمَا ملك الْحجَّاج نَفسه وَقَالَ: وَيحك {لَا تُعلمي بِهَذَا أحدا فَإِنَّهُ فضيحة، قَالَت: يَا سَيِّدي على أَلا تردني إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: لَك ذَاك. سَمِعت عَائِشَة النَّاس يَوْم الْجمل يكبرُونَ فَقَالَت: لَا تكبّروا فَإِن كَثْرَة التَّكْبِير عِنْد الْقِتَال من الفشل. قَالَ عمر لعَمْرو بن معدي كرب: أَخْبرنِي عَن الْحَرْب، قَالَ: مرّة المذاق، إِذا قلصت عَن سَاق، من صَبر فِيهَا عُرف. وَمن ضعف عَنْهَا تلف. حدّث جَار لأبي حَيَّة النميري قَالَ: كَانَ لأبي حَيَّة سيف لَيْسَ بَينه وَبَين الْخشب فرق، وَكَانَ يسمّيه " لعاب الْمنية "، فأشرقت عَلَيْهِ، وانتضاه واستذفره، وَهُوَ وَاقِف على بَاب بَيت فِي دَاره، وَقد سمع حسّاً وَهُوَ يَقُول: أَيهَا المغتر بِنَا، والمجترئ علينا، بئس وَالله مَا اخْتَرْت لنَفسك، خير قَلِيل، وَسيف صقيل، لعاب الْمنية الَّذِي قد سَمِعت بِهِ، مَشْهُورَة: ضَربته، لَا تُخاف نبوته، اخْرُج بِالْعَفو عَنْك، قبل أَن أَدخل بالعقوبة عَلَيْك، إِنِّي وَالله إِن أدع قيسا تملا الفضاء خيلاً ورجلاً، فيا سُبْحَانَ الله} مَا أَكْثَرهَا وأطيبها، ثمَّ فتح الْبَاب على وَجل، فَإِذا كلب قد خرج، فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي مسخك كَلْبا، وكفاني حَربًا، قَالَ رجل من الْعَرَب انهزمنا من قطريّ وَأَصْحَابه، فأدركني رجل على فرس، فَسمِعت حسا مُنْكرا خَلْفي، فَالْتَفت فَإِذا أَنا بقطري، فيئست من الْحَيَاة، فَلَمَّا عرفني قَالَ: أوجع خَاصرتهَا، وَاشْدُدْ عنانها، قطع الله يدك، قَالَ: فَفعلت ومضيت. قَالَ عُمَيْر بن الْحباب: إِذا رَأَيْت سواداً بلَيْل فَلَا تكن أَشد السوادين فرقا؛ فَإِنَّهُ يهابك كَمَا تهابه، وَلَو صدمت الْأسد لحاد عَنْك. قيل لعَمْرو بن معدي كرب: إِن الْآثَار فِي ظهرك لكثيرة، قَالَ: لِأَنِّي كُفيت أَمَامِي وَلم يكفني أحد مَا وَرَاء ظَهْري. قيل لعباد بن الْحصين الحبطي: فِي أَي جنَّة تحب أَن تلقي عَدوك؟ قَالَ: فِي اجل مستأخر.

سُئِلَ الْمُهلب عَن رجل فِي شجاعته فقدّمه، فَقَالَ لَهُ: فَأَيْنَ ابْن الزبير: وَابْن خازم؟ فَقَالَ: إِنَّمَا سَأَلتنِي عَن الْإِنْس وَلم تسْأَل عَن الْجِنّ. كَانَ عُمَيْر بن الْحباب السّلمِيّ فَارس الْإِسْلَام، وَكَانَ مَعَ ابْن زِيَاد لما حَارب ابْن الأشتر فَقَالَ: لما كَانَ فِي اللَّيْلَة الَّتِي يُرِيد ابْن الأشتر أَن يواقع فِي صبيحتها خرجت إِلَيْهِ، وَكَانَ لي صديقا، وَمَعِي رجل من قومِي، فصرت فِي عسكره فرأيته وَعَلِيهِ قَمِيص هروي وملاءة وَهُوَ متوشح بِالسَّيْفِ يجوس عسكره فيأمر فِيهِ وَينْهى، فالتزمته من وَرَائه، فوَاللَّه مَا الْتفت إليّ وَلَكِن قَالَ: من هَذَا؟ قلت: عُمَيْر بن الْحباب، فَقَالَ: مرْحَبًا بِأبي المغلّس كن بِهَذَا الْموضع حَتَّى أَعُود إِلَيْك، فَقلت لصاحبي: أَرَأَيْت أَشْجَع من هَذَا قطّ؟ يحتضنه رجل من عَسْكَر عدوّه وَلَا يدْرِي من هُوَ فَلَا يلْتَفت! ثمَّ عَاد إليّ فَقَالَ: مَا الْخَبَر؟ - وَكَانَ فِي أَرْبَعَة آلَاف - فَقلت: الْقَوْم كثير، والرأي أَن تناجزهم، فَإِنَّهُ لَا صَبر بِهَذِهِ الْعِصَابَة على مطاولة هَذَا الْجمع الْكثير، فَقَالَ: نصبح إِن شَاءَ الله فنحاكمهم إِلَى ظبات السيوف وأطراف القنا، قلت: فَأَنا منخزل عَنْك بِثلث النَّاس غَدا. سَأَلَ ابْن هُبَيْرَة عَن مقتل عبد الله بن خازم فَقَالَ رجل مِمَّن حضر مَجْلِسه: سَأَلت وَكِيع بن الدورقية كَيفَ قتلته؟ فَقَالَ: غلبته بِفضل فتاء كَانَ لي عَلَيْهِ، فصرعته وَجَلَست على صَدره، وَقلت: يَا لثارات الدويلة - يَعْنِي أَخَاهُ من أمه - فَقَالَ من تحتي: قَتلك الله، تقتل كَبْش مُضر بأخيك وَهُوَ لَا يُسَاوِي كف نوى؟ ثمَّ تنخّم فَمَلَأ وَجْهي نخاما، فَقَالَ ابْن هُبَيْرَة هَذِه وَالله البسالة. اسْتدلَّ عَلَيْهَا بِكَثْرَة رِيقه فِي ذَلِك الْوَقْت. كَانَ حبيب بن مسلمة الفِهري يَغْزُو التّرْك، فَخرج ذَات مرّة إِلَى بعض غَزَوَاته فَقَالَت لَهُ امْرَأَته: أَيْن موعدك؟ قَالَ: سرادق الطاغية أَو الْجنَّة، قَالَت: إِنِّي أَرْجُو أَن أسبقك إِلَى أَي الْمَوْضِعَيْنِ كنت فِيهِ، فجَاء فَوَجَدَهَا فِي السرادق: سرادق الطاغية تقَاتل التّرْك. قَالَ: عرض الْأسد لأهل قافلة، فَخرج رجل، فَلَمَّا رأى الْأسد سقط وَركبهُ الْأسد، فشدوا عَلَيْهِ بأجمعهم واستنقذوه، فَتنحّى الْأسد، فَقَالُوا: مَا حالك؟ قَالَ: لَا بَأْس وَلَكِن الْأسد خري فِي سراويلي.

قَالَ الْمُهلب: أَشْجَع النَّاس ثَلَاثَة: ابْن الْكَلْبِيَّة، وأحمر قُرَيْش، وراكب البغلة: فَابْن الْكَلْبِيَّة: مُصعب بن الزبير، أفرد فِي سَبْعَة وأُعطي الْأمان، وأحمر قُرَيْش: عمر بن عبيد الله بن معمر، مَا لَقِي خيلاً قطّ إِلَّا كَانَ فِي سرعانها، وراكب البغلة: عباد بن حُصَيْن الحبطي، مَا كُنَّا فِي كربَة قطّ إِلَّا فرّجها، قَالَ: فَقَالَ الفرزدق وَكَانَ حَاضرا: فَأَيْنَ أَنْت من عبد الله بن الزبير، وَعبد الله بن خازم السّلمِيّ؟ فَقَالَ: وَيحك! إِنَّمَا ذكرنَا الْإِنْس فَأَما الْجِنّ فَلم نذكرهم بعد.

الباب التاسع الاسماء الحسنه والقبيحه

الْبَاب التَّاسِع الْأَسْمَاء الْحَسَنَة والقبيحة تقدّم رجلَانِ إِلَى شُرَيْح فَقَالَ أَحدهمَا: ادْع أَبَا الكويفر ليشهد، فردّه شُرَيْح وَلم يسْأَل عَنهُ وَقَالَ: لَو كنت عدلا لم تَرضهَا. سَأَلَ عمر رجلا - أَرَادَ أَن يَسْتَعِين بِهِ على أَمر - عَن اسْمه، فَقَالَ: ظَالِم بن سرّاق، فَقَالَ: تظلم أَنْت وَيسْرق أَبوك {} وَلم يستعن بِهِ. وَسمع عمر بن عبد الْعَزِيز رجلا يُنَادي آخر: يَا أَبَا العقلين، فَقَالَ: لَو كَانَ عَاقِلا لكفاه أَحدهمَا. قيل لبَعْضهِم: قد رُزقت ابْنا فاختر لَهُ كنية، فَقَالَ: كنّوه أَبَا عبد رب السَّمَوَات السَّبع وَرب الْعَرْش الْعَظِيم. نَادَى مُنَادِي مُعَاوِيَة وَهُوَ يعرض الْجند: أَيْن فيشلة بن الرّهاز؟ فَأقبل فَتى شَاب، فَقَالَ مُعَاوِيَة: وَيلك! مَا هَذَا الِاسْم؟ قَالَ: سماني بِهِ أبي، قَالَ: فهلاّ غيّرت بالكنية؟ قَالَ: قد فعلت، قَالَ: مَا الكنية؟ قَالَ: أَبُو اليقّاط، فنفاه. قَالَ هِشَام: خرج عمر إِلَى حرّة واقم، فلقي رجلا من جُهَيْنَة فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمك؟ قَالَ: شهَاب، قَالَ: ابْن من؟ قَالَ: ابْن جَمْرَة، قَالَ: وَمِمَّنْ أَنْت؟ قَالَ: من الحرقة، قَالَ: ثمَّ مِمَّن؟ قَالَ: من بني ضرام، قَالَ: وَأَيْنَ مَنْزِلك؟ قَالَ: بحرّة ليلى، قَالَ: فَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: لظي - وَهُوَ مَوضِع - فَقَالَ عمر: أدْرك أهلك فَمَا أَرَاك تُدْرِكهُمْ إِلَّا وَقد احترقوا، قَالَ: فأدركهم وَقد أحاطت بهم النَّار. سَأَلَ رجل أَبَا عُبَيْدَة عَن اسْم رجل، فَقَالَ: مَا أعرف اسْمه. فَقَالَ حسان: أَنا أعرف النَّاس بِهِ، وَهُوَ خرَاش أَو خِدَاش أَو رياش أوشيء آخر، فَقَالَ أَبُو

عُبَيْدَة: مَا أحسن مَا عَرفته، فَقَالَ: إِي وَالله هُوَ من قُرَيْش أَيْضا، قَالَ: وَمَا يدْريك؟ قَالَ: أما ترى احتواءه على الشين من كل جَانب؟ . كَانَ لأبو الْعَتَاهِيَة ابْن يسمّى عتاهية، وَابْن آخر اسْمه عبد إلهي، يَعْنِي الله، وَبنت اسْمهَا بهاء الله، وَكَانَ لَهُ أختَان: اسْم إِحْدَاهمَا سر الله، وَالْأُخْرَى حسبها الله. استعرض المعلّى بن أَيُّوب الْجند، فَقَالَ لوَاحِد: مااسمك؟ قَالَ: برادة، قَالَ: ابْن من؟ قَالَ: بريد، قَالَ: وَمِمَّنْ أَنْت؟ قَالَ: من البردان، قَالَ: وَأَيْنَ مَنْزِلك؟ قَالَ: فِي درب الثَّلج، فصاح المعلّى يَا غُلَام دواج وبرجد، وَالله كُززنا. وشبيه بِهَذِهِ الْحِكَايَة قَوْلهم: لَقِي الْمبرد برد الْخِيَار فِي سوق الثَّلج، فِي كانون الثَّانِي فَسَأَلَهُ عَن قَوْلهم: ثلج صَدره، أَو ثلج. لَقِي وَاحِدًا أَعْرَابِيًا فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمك؟ قَالَ: قوّاد، قَالَ: قبّح الله أَبَاك، ضُيّقت عَلَيْهِ الْأَسَامِي حَتَّى سماك قواداً؟ فَقَالَ: إِن كَانَ ضيّق الِاسْم فقد وسّع الكنية، قَالَ: أَبُو من؟ قَالَ: أَبُو الصَّحَارِي. وسمّى رجل جَارِيَته مائَة ألف أَو يزِيدُونَ. وقف أعرابيّ على قوم فَسَأَلَهُمْ عَن أسمائهم، فَقَالَ أحدهم: اسْمِي مُحرز، وَقَالَ آخر: اسْمِي وثيق، وَقَالَ آخر: منيع، وَقَالَ آخر: ثَابت، وَقَالَ آخر: شَدِيد، فَقَالَ الْأَعرَابِي: قبحكم الله! مَا أَظن الأقفال عُملت إِلَّا من أسمائكم. كنى بَعضهم ابْنه أَبَا عبد رب السَّمَوَات السَّبع وَرب الْعَرْش الْعَظِيم. وُلد لبَعْضهِم ابْن، فَقَالَ: سمّوه عمر بن عبد الْعَزِيز؛ فَإِنَّهُ بَلغنِي أَنه كَانَ رجلا صَالحا. قيل لرجل: أَبُو من؟ فَقَالَ: أَبُو عبد الْملك الْكَرِيم الَّذِي يُمسك السَّمَاء أَن تقع على الأَرْض إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَقَالَ: مرْحَبًا بك يَا نصف الْقُرْآن، ارْتَفع.

قَالَ السفاح للسَّيِّد الْحِمْيَرِي: أَأَنْت السَّيِّد؟ قَالَ: أَنا ابْن فلَان وأمير الْمُؤمنِينَ السَّيِّد. قَالَ ابْن أبي الْبَغْل لرجل: ولد لي مَوْلُود فَمَا اسميه؟ فَقَالَ: لَا تخرج من الإصطبل وسمّه مَا شِئْت. قَالَ برصوما الزامر لِأَبِيهِ: لم تَجِد اسْما تسميني أحسن من هَذَا؟ فَقَالَ: لَو علمت أَنَّك تجَالس الْخُلَفَاء بِاسْمِك لسميتك يزِيد من مزِيد. رفع رجل قصَّة إِلَى مُحَمَّد بن عبد الله وَعَلَيْهَا حُرَيْث ابْن الفراس فصيّره خريت فِي الْفراش، ووقّع تَحْتَهُ بئس مَا فعلت. كَانَ للفرزدق عدَّة بَنِينَ أَسمَاؤُهُم لبطة وعبطة وسبطة. وَسمعت الصاحب رَحمَه الله يَقُول: كَانَ عَليّ بن عِيسَى يلّقب بسكتكت، وَله أَخ بكلملم، وَالْآخر يلقب بعرمرم. كتب رجل كتاب عناية لِابْنِ عبد الله الْعَاقِل، فعنون الْكتاب لأبي الْفَيَّاض بَحر ابْن الْفُرَات فَقَالَ لَهُ: زن بِي الزورق وَإِلَّا غرقت وَلم أصل إِلَيْهِ. كَانَ أَبُو العاج على جوالي الْبَصْرَة فأُتي بِرَجُل من أهل الذِّمَّة فَقَالَ: مَا اسْمك؟ فَقَالَ: بنْدَار بن بنْدَار، فَقَالَ اسْم ثَلَاثَة وجزية وَاحِد؟ لَا وَالله الْعَظِيم، وَأخذ مِنْهُ ثَلَاث جزيات. قَالَ أَبُو مسمع الْبَصْرِيّ: كُنَّا نجالس أَبَا الْهُذيْل فِي مَجْلِسه، فجاءنا شَاب لَهُ رواء ومنظر وسمت، فَقعدَ فأجللناه لظاهره، فَقَالَ أَبُو الْهُذيْل: لَيْسَ للعجم كتاب أجلّ من الْكتاب المترجم بجاودان كرد، وَقد استفتح مؤلّفه بِثَلَاث كَلِمَات وَلَيْسَ لهنّ نَظِير، مِنْهَا أَنه قَالَ: من أخْبرك أَن عَاقِلا لم يصبر على مضض الْمُصِيبَة فَلَا تصدقه، وَمن أخْبرك أَن عَاقِلا أَسَاءَ إِلَى من أحسن إِلَيْهِ فَلَا تصدقه. وَمن أخبركأن حماة أحبت كنة فَلَا تصدقه فانبرى الْغُلَام وَجَثَا وَقَالَ: حَدثنِي أبي عَن جدي بِثَلَاث هن أحسن مِنْهُنَّ، فَقَالَ أَبُو الْهُذيْل: مُنّ علينا بهنّ فَقَالَ: قَالَ جدي - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - من أخْبرك أَن الجائع كالشبعان فَلَا تصدقه، وَمن أخْبرك أَن النَّائِم كاليقظان فَلَا تصدقه، وَمن أخْبرك أَن الراضي كالغضبان فَلَا

تصدقه. فَقُلْنَا لَهُ: أَمن الْعَرَب أَنْت أم من الْعَجم؟ قَالَ: من بَينهمَا، قُلْنَا: فَمن أَي بلد أَنْت؟ قَالَ: من دوين السَّمَاء وقويق الأَرْض فَقَالَ لَهُ الجاحظ: مَا اسْمك؟ قَالَ: لجام، قَالَ: فالكنية؟ قَالَ: أَبُو السرج، فَقَالَ لَهُ: فمالك لَا تنهق وَأَنت حمَار؟ فَقَامَ مغضباً يجر إزَاره وَهُوَ يَقُول: لَيْسَ الذَّنب لكم، إِنَّمَا الذَّنب لي حِين أجالس أمثالكم وَأَنْتُم لَا تَدْرُونَ مَا طحاها. قَالَ الْحسن بن شهويار: قَالَت وصيفتي لوَاحِد: مَا اسْمك؟ قَالَ: عَبْدَانِ، قَالَت: ابْن من؟ قَالَ: عذار، قَالَت: فَلذَلِك سمي أَبوك عذار؟ . قَالَ أَبُو بكر بن دُرَيْد: قلت لِابْنِ شاهين مابال الْحُسَيْن بن فهم يشتمك؟ قَالَ: مَا أَدْرِي، غير أَنِّي سَمِعت أَن أَبَاهُ حدث عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ إِذا ولد لأبي مَوْلُود فتح الْمُصحف فَقَرَأَ أول الورقة فيسمى ذَلِك الْمَوْلُود بِهِ، رَضِي أم سخط، فولد لَهُ مَوْلُود فَفتح الْمُصحف فَقَرَأَ " فهم لَا يعلمُونَ " فَفتح الْمُصحف ثَانِيًا فَقَرَأَ " فهم لَا يبصرون " فَسَماهُ فهما. كَانَ مُحَمَّد بن المتنبية على وَاسِط فَتقدم إِلَيْهِ رجل مَعَ خَصمه فَقَالَ: ادْع بيّنتك، فَقَالَ: تعال يَا أَبَا الذِّئْب، تعال يَا أَبَا زعفران، تعال يَا أَبَا الياسمين، تعال يَا أَبَا الصلابة، فَقَالَ: انْطلق، مَا هَؤُلَاءِ بِشُهُود. نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ على كُلْثُوم فَدَعَا غلامية يَا يسَار وَيَا سَالم، فَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لأبي بكر: " سلمت لنا الدَّار فِي يُسر ". كَانَ أَبُو ثَوْر الْفَقِيه يمشي فِي السُّوق فَإِذا بِرَاكِب خَلفه يَقُول: الطَّرِيق الطَّرِيق {فَلم يتَنَبَّه لَهُ، فَقَالَ: يَا ثَوْر، الطَّرِيق} فَرفع إِلَيْهِ رَأسه وَقَالَ: مَا أقرب مَا وَقعت. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " سمّوا أَوْلَادكُم أَسمَاء الْأَنْبِيَاء، وَأحسن الْأَسْمَاء عبد الله وَعبد الرَّحْمَن، وَأصْدقهَا الْحَارِث وَهَمَّام، وأقبحها حَرْب وَمرَّة ". وَرُوِيَ عَن ريطة بنت مُسلم عَن أَبِيهَا قَالَ: شهِدت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حنيناً فَقَالَ: مَا اسْمك؟ قلت: غراب، قَالَ: أَنْت مُسلم، كَأَنَّهُ كره أَن يكون اسْمه غراباً.

كَمَا قَالَ لقوم - قَالُوا لَهُ: نَحن بَنو زِينَة -: " أَنْتُم بَنو رشدة "، وكما قَالَ لحزن جد سعيد بن الْمسيب: " أَنْت سهل ". ذُكر أَنه كَانَ لمعاوية بنت اسْمهَا أمة رب الْمَشَارِق. وسمّى رجل بِأَذربِيجَان ابْنه: عبد من الأَرْض جَمِيعًا قَبضته، وَالسَّمَوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ. كَانَت امْرَأَة لَهَا زوج يُقَال لَهُ: مُوسَى، فَكَانَت تسميه إِذا خاطبته، فكره ذَلِك مِنْهَا، فَحلف بِالطَّلَاق إِن سمّته باسمه، فَكَانَت بعد ذَلِك تَقول: أَبُو الصّبيان، فَلَمَّا كَانَت ذَات لَيْلَة صلّت صَلَاة الْوتر، فَقَرَأت " سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى " فَلَمَّا انْتَهَت إِلَى آخر السُّورَة خَافت إِن هِيَ قَالَت " صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى " أَن تطلق، فَقَالَت: صحف إِبْرَاهِيم وَأَبُو الصّبيان، الله أكبر. وَمثل ذَلِك أَمر عليّة بنت الْمهْدي فَإِنَّهَا كَانَت تشبّب فِي شعرهَا بخادم لَهَا اسْمه طلّ، فَنَهَاهَا الرشيد عَن ذَلِك وَعَن أَن تسميه أَو تذكره، فتسمّع يَوْمًا عَلَيْهَا وَهِي تقْرَأ الْقُرْآن، فَلَمَّا بلغت قَوْله تَعَالَى: فَإِن لم يصبهَا وابل فطل " قَالَت: فَإِن لم يصبهَا وابل فَالَّذِي نَهَانَا عَنهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ. خَاصم إِلَى إِيَاس بن مُعَاوِيَة رجل فادّعى دَعْوَى قَالَ: أحضرني شُهُودًا، فَنَادَى الرجل شَاهدا يَا أَبَا الرازقي، فَقَالَ إِيَاس: ادْع غير هَذَا وَقل لهَذَا ينْصَرف. قَالَ ابْن الْمُبَارك: كَانَ عندنَا رجل يكنّى أَبَا خَارِجَة، فَقلت لَهُ: لم كنوك أَبَا خَارِجَة؟ فَقَالَ: لِأَنِّي ولدت يَوْم دخل سُلَيْمَان بن عليّ الْبَصْرَة. دخل شيخ على هِشَام بن عبد الْملك فَقيل لَهُ: مَا اسْمك؟ فَقَالَ: أَبُو الْحسن وإليها، فَقيل لَهُ: أما يَكْفِيك وَاحِدَة؟ فَقَالَ: إِن ضَاعَت وَاحِدَة كَانَت الْأُخْرَى. قيل وَكَانَ بحمص قَاض كنيته أَبُو العمشليق. قَالَ رجل لِابْنِهِ: يَا بني، أَتَدْرِي لم سميتك مَعْرُوفا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: لِئَلَّا يُنسى اسْمك.؟

الباب العاشر التعريضات

الْبَاب الْعَاشِر التعريضات حُكي أَن بشر بن مَرْوَان قَالَ يَوْمًا: من يدّلني على فرس جواد سَابق؟ فَقَالَ عِكْرِمَة ابْن ربعي: قد أصبته - أصلحك الله - عِنْد حَوْشَب بن يزِيد، نجا عَلَيْهِ يَوْم الرّيّ. يعرّض بانهزامه عَن أَبِيه فَذَلِك قَول الشَّاعِر: نجّى حليلته وَأسلم شَيْخه ... لما رأى وَقع الأسنة حَوْشَب فَضَحِك بشر، واضطغنها حَوْشَب. فَقَالَ بشر بعد أَيَّام من يعلم مَكَان بغلة قَوِيَّة؟ فَقَالَ حَوْشَب: بغلة وَاصل بن مساور: فَإِنَّهُ بَلغنِي قوّته، يحمل واصلاً وَعِكْرِمَة، وَكَانَ عِكْرِمَة يُتّهم بِامْرَأَة وَاصل. اجْتمع الشُّعَرَاء بِبَاب أَمِير من أُمَرَاء الْعرَاق، فمرّ رجل بباز، فَقَالَ رجل من بني تَمِيم لآخر من بني نمير: هَذَا الْبَازِي! فَقَالَ النميري: إِنَّه يصيد القطا. عرّض الأول بقول جرير: أَنا الْبَازِي المطلّ على نمير ... أُتيح من السَّمَاء لَهَا انصبابا وَأَرَادَ الآخر قَول الطرمّاح: تَمِيم بطرق اللؤم أهْدى من القطا ... وَإِن سلكت طرق المكارم ضلّت قَالَ عبد الْملك لِثَابِت بن عبد الله بن الزبير: أَبوك أعلم بك حَيْثُ كَانَ يشتمك. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَتَدْرِي لم كَانَ يَشْتمنِي؟ قَالَ: لَا، قَالَ:

نهيته أَن يُقَاتل بِأَهْل مَكَّة وَأهل الْمَدِينَة؛ فَإِن الله لَا ينصره بهما قَالَ: وَكَيف؟ قَالَ: أما أهل مَكَّة فأخرجوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وخانوا، ثمَّ جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَة فَأخْرجهُمْ مِنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وسيّرهم، يعرّض بالحكم بن أبي الْعَاصِ. وَأما أهل الْمَدِينَة فخذلوا عُثْمَان حَتَّى قُتل بَينهم. فَقَالَ: عَلَيْك لعنة الله قد علمتُ مَا تُرِيدُ. وَقَالَ لَهُ مرّة: مَا ثَابت من الْأَسْمَاء، لَيْسَ باسم رجل وَلَا امْرَأَة. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لَا ذَنْب لي، لَو كَانَ اسْمِي إليّ مَا سميت نَفسِي إِلَّا زينباً. يعرّض بِأَنَّهُ كَانَ يعشق زَيْنَب بنت عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام، وخطبها فَقَالَت: لَا أدع نَفسِي بِأبي الذبان. وَقَالَ عبد الْملك لخَالِد بن يزِيد - وَقد ابيضّت عنفقته -: مَالك كَأَنَّك عاض على صوفة؟ فَقَالَ خَالِد: إنهنّ يلثمنني لَا يُكْرهن ذَلِك وَلَا يُعرضن عنّي. يعرض ببخر عبد الْملك وشيب عَارضه. عرض مُعَاوِيَة أفراسه على عبد الرَّحْمَن بن الحكم، فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن: هَذَا أجش، وَهَذَا هزيم. يعرّض بِمُعَاوِيَة. فَقَالَ مُعَاوِيَة: لكنه لَا يُشبّب بكنائنه. يعرض بِهِ، وَذَلِكَ أَنه كَانَ يُشبّب بِأم أبان بنت عُثْمَان، وبقطيّة بنت بشر بن عَامر بن مَالك ملاعب الأسنة. وكانتا عِنْد أَخِيه مَرْوَان. وَأَرَادَ عبد الرَّحْمَن قَول الشَّاعِر: ونجّى ابْن هِنْد سابح ذُو علالة ... أجش هزيم والرماح دواني دخل مُطِيع بن إِيَاس على قوم، وَعِنْدهم قينة فَقَالُوا: اسقوه - وَلم يكن أكل - فاستحيا وَشرب، فَلَمَّا أوجعهُ النَّبِيذ قَالَ لَهَا: تُغنين: خليليّ داويتما ظَاهرا ... فَمن ذَا يداوي جوى بَاطِنا؟ فَعلم أَنه يُعرض بِالْجُوعِ. فأطعموه.

نظر الفرزدق إِلَى ابْن هُبَيْرَة وَعَلِيهِ ثِيَاب تقَعْقع، فَقَالَ: تُسبح. أَرَادَ بذلك قَول الشَّاعِر: إِذْ ألبست قيس ثيابًا لزينة ... تُسبّج من لؤم الْجُلُود ثِيَابهَا لما عُزل إِسْمَاعِيل بن حمّاد بن أبي حنيفَة عَن الْبَصْرَة شيعوه فَقَالُوا: عففت عَن أَمْوَالنَا وَعَن دمائنا. فَقَالَ: وَعَن أَبْنَائِكُم. يُعرّض بِيَحْيَى بت أَكْثَم فِي اللواط. كَانَ جَعْفَر بن يحيى يكني الْفضل بن الرّبيع أَبَا روح - وَهِي كنية الفرخ - وَأهل الْمَدِينَة يسمون اللَّقِيط فرخا، وَكَانَ الرّبيع لقيطاً مَجْهُول الْأَب، فختلفاً فِي نسبه، فَكَانَ جَعْفَر يَأْكُل مَعَ الرشيد يَوْمًا، فوُضعت بَين أَيْديهم ثَلَاثَة أفراخ، وَقَالَ الرشيد لجَعْفَر يمازحه: قاسمني هَذِه نستوفي أكلهَا. قَالَ: قسْمَة عدل أَو قسْمَة جور؟ فَقَالَ: قسْمَة عدل. فَأخذ جَعْفَر فرخين وَترك فرخاً وَاحِدًا. فَقَالَ الرشيد: أَهَذا الْعدْل؟ قَالَ: نعم. معي فرخان، ومعك فرخان. قَالَ: فَأَيْنَ الآخر؟ قَالَ: هَذَا، وَأَوْمَأَ إِلَى الْفضل، فَتَبَسَّمَ الرشيد وَقَالَ: يَا فضل، لَو تمسكت بولائنا لسقط هَذَا عَنْك. وَلم يفهم الْفضل مَا قَالَا. قَالَ بَعضهم: حضرت عِنْد بعض الكتّاب الأجلاّء، وَقد ناظره رجل فِي شَيْء فغصّصه الْحجَّة، فَغَاظَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا مأبون، فاعتمد الرجل بيدَيْهِ على الأَرْض يقوم وَأنْشد: كِلَانَا يرى الجوزاء يَا جمل إِن بَدَت ... وَنجم الثريا والمزار بعيد قَالَ الْمَأْمُون لقارئ: اقْرَأ، فَقَرَأَ: " فسوّلت لَهُ نَفسه قتل اخيه فَقتله " فَأمر بحبسه. قَالَ الجاحظ: كَانَ عندنَا أنَاس من الأزد وَمَعَهُمْ ابْن حزن، وَابْن حزن هَذَا عدوي، وَكَانَ يتعصب لأَصْحَابه من بني تَمِيم، وَكَانُوا على النَّبِيذ، فَسقط

ذُبَاب فِي قدح بَعضهم، فَقَالَ بَعضهم: غط التَّمِيمِي، ثمَّ سقط آخر فِي قدح آخر، فَقَالَ: غطّ التَّمِيمِي، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَة قَالَ ابْن حزن: غطّه فَإِن كَانَ تميمياً رسب وَإِن كَانَ أزدياً طفا. يُعرّض بِأَن أَزْد عُمان ملاحون. نظر ابْن الهفتي إِلَى دستيجة فِيهَا من كل فَاكِهَة أطيبها، وَمن كل ريحَان أحْسنه فرمقها، ولحظها، وشره إِلَيْهَا، وَكَانَت فِي منزل بخيل يعلم أَنه يمنعهُ مِنْهَا فَقَالَ للمغنى: بِاللَّه غنّني - تعريضاً بِمَا رَآهُ -. أيا زِينَة الدُّنْيَا الَّتِي لَا ينالها ... مُناي، وَلَا يدنو لقلبي صريمها دخل رجل من محَارب قيس على عبد الله بن يزِيد الْهِلَالِي - وَهُوَ بأرمينية فَقَالَ لَهُ عبد الله: مَاذَا لَقينَا البارحة من شُيُوخ محَارب؟ مَا تركونا ننام - يَعْنِي الضفادع - فَقَالَ الْمحَاربي: أصلحك الله، إِنَّهُم أَضَلُّوا برقعا لَهُم فَكَانُوا فِي بغائه. أَرَادَ الأول قَول الشَّاعِر: تكش بِلَا شَيْء شُيُوخ محَارب ... وَمَا خلتها كَانَت تريش وَلَا تبرى ضفادع فِي ظلماء ليل تجاوبت ... فدلّ عَلَيْهَا صَوتهَا حيّة الْبَحْر وَأَرَادَ الآخر قَول الشَّاعِر: لكل هلاليّ من اللؤم برقع ... وَلابْن يزِيد برقع وجلال قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: بَينا أَشْرَاف الْكُوفَة بالكناسة إِذْ أقبل أَسمَاء بن خَارِجَة الْفَزارِيّ، فَوقف، وَأَقْبل ابْن المكعبر فَوقف متنحياً عَنهُ، فَأخذ أَسمَاء خَاتمًا كَانَ فِي يَده، فصّه فيروزج فَدفعهُ إِلَى غُلَام، وَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى ذَاك فادفعه إِلَيْهِ. يَعْنِي ابْن المكعبر، فَأخذ ابْن المكعبر شسع نَعله، فربطه فِي الْخَاتم وردّه. أَرَادَ الْفَزارِيّ قَول الشَّاعِر: لقد زرقت عَيْنَاك يَا ابْن مكعبر ... كَمَا كل ضبيّ من اللؤم أَزْرَق

وَأَرَادَ الضبيّ قَول الشَّاعِر: لَا تأمننّ فزاريّاً خلوت بِهِ ... على قلوصك واكتبها بأسيار قَالَ رجل لآخر: مرْحَبًا بِأبي الْمُنْذر، فَقَالَ: لَيست هَذِه كنيتي، فَقَالَ: نعم، وَلكنهَا كنية مُسيلمة. يعرّض بِأَنَّهُ كَذَّاب. أسرت طيّء غُلَاما من الْعَرَب، فَقدم أَبوهُ ليفديه فاشتطّوا عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبوهُ: لَا وَالَّذِي جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان على جبل طيّء مَا عِنْدِي غير مَا بذلته، ثمَّ انْصَرف وَقَالَ: لقد أَعْطيته كلَاما إِن كَانَ فِيهِ خير فهمه. كَأَنَّهُ قَالَ: الزم الفرقدين على جبل طيّء، ففهم الابْن تعريضه، وطرد إبِلا لَهُم من ليلته وَنَجَا. قَالَ عمر بن هُبَيْرَة الْفَزارِيّ لأيوب بن ظبْيَان النميري، وَهُوَ يسايره: غضّ من بغلتك. فَقَالَ: إِنَّهَا مكتّبة. أَرَادَ ابْن هُبَيْرَة قَول جرير: فغض الطّرف إِنَّك ... وَأَرَادَ النميري قَول ابْن دارة: لَا تأمنن فزاريا خلوت بِهِ ... وَمر الفرزدق بمضّرس وَهُوَ ينشد قَوْله: تحمّل من وَادي أشيقر حاضره ...

وَقد اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس، فَقَالَ الفرزدق، يَا أَخا بني فقعس، مَتى عَهْدك بالقنان؟ قَالَ: تركته تبيض فِيهِ الحمّر أَرَادَ الفرزدق قَول نهشل بن حرى: ضمن القنان لفقعس سوآتها ... إِن القنان لفقعس لمعمّر وَأَرَادَ مُضرس قَول أبي المهوّش الْأَسدي - يرد عَلَيْهِ -: قد كنت أحسبكم أسود خفيّة ... فَإِذا لصاف تبيض فِيهِ الحمّر وَإِذا تسّرك من تَمِيم خصْلَة ... فَلَمَّا يسوؤك من تَمِيم أَكثر مر أَبُو خَليفَة الْمحَاربي على أبي عَمْرو الْعَدوي - عديّ تيم الربَاب - وَعِنْدهم بقرة قد ذُبحت، وَكَانَت غثّةً، فَقَالَ أَبُو خَليفَة: يَا أَبَا عَمْرو، مَا ننفي عَن دَارنَا جيفةً إِلَّا صَارَت إِلَيْكُم. فَقَالَ أَبُو عَمْرو: يَا أَبَا خَليفَة، إِنَّمَا هِيَ سَحَابَة تمر فتغسل ذَلِك كُله. أَرَادَ أَبُو خَليفَة قَول الشَّاعِر: إِذا مَا نَفينَا جيفةً عَن دِيَارنَا ... رَأَيْت عديّاً حول جيفتنا تسري وَأَرَادَ أَبُو عَمْرو قَول الشَّاعِر: إِذا كنت نَدْمَانِي على الْخمر فاسقني ... بِمَاء سَحَاب لم يخضه محَارب عرض ابْن هُبَيْرَة على ضبيّ كَانَ يمازحه فصّ فيروزج. يعرّض بقول الشَّاعِر: أَلا كل ضبيّ من اللؤم أَزْرَق دخل أَبُو الْحسن بن طَبَاطَبَا العلويّ على أَحْمد بن عُثْمَان، قَاضِي أَصْبَهَان - وَكَانَ قد هجاه بأهاج كَثِيرَة - فَأَرَادَ أَن ينتصف مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ: بَلغنِي أَنَّك تشعر وتُجيد. فَقَالَ: كَذَا يَقُول النَّاس. فَقَالَ تعريضاً بنسبه: أشعرت أَن قُريْشًا لم تكن تجيد الشّعْر؟

قَالَ رجل متّهم فِي النّسَب لآخر مثله: يَا دعيّ، فَأَنْشد تعريضاً بِهِ: عبد شمس أَبوك وَهُوَ أَبونَا ... لَا نناديك من مَكَان بعيد قَالَ بَعضهم: اكتريت من جمّال فَكَانَ يَحْدُو بِنَا فِي الطَّرِيق بقول الشَّاعِر: أَبْلَج بَين حاجبيه نوره ... وَلَا يزِيد عَلَيْهِ، فَلَمَّا بلغنَا الْمَقْصد قَالَ: إِذا تغدّى رُفعت ستوره ... فَقُلْنَا: هلاّ حدوت بِهِ مَعَ الْبَيْت الأول؟ قَالَ: خشيَة أَن تحسبوا أَنِّي أعرّض بزادكم. قيل لِابْنِ مُجَاهِد: إِن الصّولي قد صنّف كتابا فِي الْقُرْآن سمّاه " الشَّامِل " فَقَالَ هُوَ جيد الدّست. يُعرّض بِأَنَّهُ شطرنجي، لَا يحسن غَيره. خرج الْمَأْمُون يَوْمًا وَمَعَهُ رقْعَة مَكْتُوب فِيهَا: يَا مُوسَى. فَقَالَ: هَل تعرفُون لَهُ معنى؟ فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الطاهري: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، هَذَا إِنْسَان يُحدّر إنْسَانا، أما سَمِعت قَوْله تَعَالَى: " قَالَ يَا مُوسَى إِن الْمَلأ يأتمرون بك ليقتلوك فَاخْرُج إِنِّي لَك من الناصحين "؟ فَقَالَ الْمَأْمُون: صدقت، هَذِه صرف جاريتي كتبت إِلَى أُخْتهَا مُتيّم جَارِيَة عليّ بن هِشَام: أَنِّي عازم على قَتله، فحذّرته. قَالَ رجل من بني هَاشم لأبي العيناء: يَا حلقي، فَقَالَ: مولى الْقَوْم مِنْهُم. يعرض بولائه فيهم. كَانَ هِشَام بن عَمْرو التغلبي على نَصِيبين، فَخرج يشيّع أَبَا مُسلم، فَقَالَ أَبُو مُسلم: كَيفَ يَقُول عمك مهلهل: إِنِّي لأذكر ميتتي، ونجيبتي ... تحتي، فأدفعها تخبّ ذميلا إِنِّي لأكْره أَن أعيش مظّلماً ... طول الْحَيَاة، وَأَن أعيش ذليلا

فَقَالَ هِشَام لكَاتبه: اكْتُبْ إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ، وعرّفه أَن أَبَا مُسلم قد خلع الطَّاعَة. قيل: دخل الْحسن بن سهل إِلَى الْمَأْمُون فَحلف عَلَيْهِ أَن يشرب عِنْده فَأخذ الْقدح بِيَدِهِ، فَقَالَ لَهُ: بحقّي عَلَيْك إلاّ أمرت من شِئْت أَن يغنّيك فَأَوْمأ الْحسن إِلَى إِبْرَاهِيم ابْن الْمهْدي. فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: غنّه يَا إِبْرَاهِيم، فَانْدفع وغنّى: تسمع للحلي وسواساً إِذا انصرفت ... كَمَا اسْتَعَانَ برِيح عشرق زجل فَغَضب الْمَأْمُون، ووثب عَن مَجْلِسه، ودعا بإبراهيم فَقَالَ لَهُ: لَا تدع كيدك وغلّك؟ أنفت من إيمائه إِلَيْك، فغنيته - معرّضاً بِمَا يعرّض لَهُ من السوَاد - بِشعر فِيهِ ذكر الوسواس؟ وَالله لقد كنت أقدمت على قَتلك حَتَّى قَالَ لي: إِن قتلته فعلت مَا فعله النَّاس قبلك، وَإِن عَفَوْت عَنهُ فعلت مَا لم يَفْعَله أحد قبلك فعفوت عَنْك لقَوْله، فَلَا تعد. قَالُوا: مَا فتح قُتَيْبَة بن مُسلم سَمَرْقَنْد أفْضى إِلَى أثاث لم ير مثله وآلات لم ير مثلهَا، فَأَرَادَ أَن يري النَّاس عَظِيم مَا فتح الله عَلَيْهِم، فَأمر بدار ففرشت لَهُ، وَفِي صحنها قدور يرتقى إِلَيْهَا بالسلاليم، فَإِذا بالحضين بن الْمُنْذر بن الْحَارِث بن وَعلة الرقاشِي قد أقبل - وَالنَّاس جُلُوس على مَرَاتِبهمْ، والحضين شيخ كَبِير - فَلَمَّا رَآهُ عبد الله بن مُسلم قَالَ لقتيبة: ائْذَنْ لي فِي مُعَاتَبَته؟ قَالَ: لَا ترده فَإِنَّهُ خَبِيث الْجَواب، فَأبى عبد الله إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ، وَكَانَ عبد الله يُضعّف، وَكَانَ تسوّر حَائِطا إِلَى امْرَأَة قبل ذَلِك، فَأقبل على الحضين فَقَالَ: أَمن الْبَاب دخلت يَا أَبَا ساسان؟ قَالَ: أجل. أسنّ عمّك عَن تسوّر الْحِيطَان، يعرض بِهِ، قَالَ: أَرَأَيْت هَذِه الْقُدُور؟ قَالَ: هِيَ أعظم من أَلا ترى. قَالَ: مَا أَحسب بكر بن وَائِل رأى مثلهَا؟ قَالَ: أجل، وَلَا عيلان لَو كَانَ رَآهَا سُمّي شبعان، وَلم يُسمّ عيلان، قَالَ لَهُ عبد الله: يَا أَبَا ساسان: أتعرف الَّذِي يَقُول:

عزلنا وأمرنا وَبكر بن وَائِل ... تجر خصاها تبتغي من تحالف قَالَ: أعرفهُ، وَأعرف الَّذِي يَقُول: وخيبة من يخيب على غنيّ ... وباهلة من يعصر والركاب يُرِيد يَا خيبة من يخيب. قَالَ: أفتعرف الَّذِي يَقُول: كُنَّا فقاح الأزد حول ابْن مسمع ... إِذا عرقت أَفْوَاه بكر بن وَائِل قَالَ: نعم وَأعرف الَّذِي يَقُول: قوم قُتَيْبَة أمّهم وأبوهم ... لَوْلَا قُتَيْبَة أَصْبحُوا فِي مجهل قَالَ: أما الشّعْر فَأَرَاك ترويه، فَهَل تقْرَأ من الْقُرْآن شَيْئا؟ قَالَ: أَقرَأ مِنْهُ الْأَكْثَر الأطيب " هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا " قَالَ: فأغضبه، فَقَالَ وَالله لقد بَلغنِي أَن امْرَأَة الحضين حُملت عَلَيْهِ وَهِي حَامِل من غَيره. قَالَ: فَمَا تحرّك الشَّيْخ عَن هَيئته الأولى، ثمَّ قَالَ على رسله: وَمَا يكون؟ تَلد غُلَاما على فِرَاشِي فَيُقَال: فلَان ابْن الحضين، كَمَا يُقَال: عبد الله بن مُسلم. فَأقبل قُتَيْبَة على عبد الله وَقَالَ: لَا يُبعد الله غَيْرك. بعث بشّامة بن الْأَعْوَر الْعَنْبَري إِلَى أَهله بِثَلَاثِينَ شَاة ونحى صَغِير فِيهِ سمن، فَسرق الرَّسُول شَاة وَاحِدَة وَأخذ من رَأس النحي شَيْئا من السّمن. فَقَالَ لَهُم الرَّسُول، ألكم إِلَيْهِ حَاجَة أخبرهُ بهَا؟ قَالَت امْرَأَته: أخبرهُ، أَن الشَّهْر محاق، وَأَن جدينا الَّذِي كَانَ يطالعنا وَجَدْنَاهُ مرثوما. فَاسْتَرْجع مِنْهُ الشَّاة وَالسمن.

مر ابْن أبي عَلْقَمَة بِمَجْلِس بني نَاجِية، فكبا حِمَاره لوجهه، فضحكوا، فَقَالَ: مَا يُضْحِككُمْ؟ رأى وُجُوه قُرَيْش فَسجدَ. عرّض بنسبهم. كَانَ الْبَراء بن قبيصَة صَاحب شراب، فَدخل إِلَى الْوَلِيد بن عبد الْملك وبوجهه أثر. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: فرس لي أشقر ركبته فكبا بِي. فَقَالَ: لَو ركبت الْأَشْهب لما كبا بك. يُرِيد المَاء.

الباب الحادي عشر حكم ونوادر للهند

الْبَاب الْحَادِي عشر حكم ونوادر للهند فِي كليلة ودمنة: قد قد تصل النضال إِلَى الأجواف، فتستخرج وتندمل جراحها، وَالْقَوْل إِذا وصل إِلَى الْقلب لم يُستخرج. قَالُوا: كَانَ فِي سنّة الْهِنْد، إِذا أُصيب أحدهم بمصيبة تعظم عَلَيْهِ، أَن يلبسوا السِّلَاح ويحتشدوا، ويبلغوا الطَّاقَة فِي العدّة، ثمَّ يصيروا إِلَى بَابه، فيقولوا: بلغنَا أَنَّك سُلبت شَيْئا بلغ مِنْك، فاستعددنا وَجِئْنَا لنحارب من سلبك، ونرد عَلَيْك مَا سُلبت. فَيَقُول لَهُم: إِنَّكُم لَا تقدرون على ذَلِك، وَالَّذِي سلبنيه لَا يُقاتل وَلَا يُغالب. فَيَقُولُونَ لَهُ: فَإِذا كَانَ الْأَمر هَكَذَا فَلَا تجزع على فَائت لَا حِيلَة فِي رده، ثمَّ يتفرقون عَنهُ. فِي كتاب كليلة ودمنة: لَا يطْمع الْملك الضَّعِيف الْوَزير فِي ثبات ملكه. وَفِيه: الدُّنْيَا كَالْمَاءِ المالح الَّتِي مَتى يزدده شاره شُرباً يَزْدَدْ بِهِ ظمأً وعطشا. الْأَدَب يذهب عَن الْعَاقِل السكرة وَيزِيد الأحمق سُكرا، كالنهار يزِيد الْبَصَر بصراً وَيزِيد الخفاش سوء بصر. صُحْبَة الأخيار تُورث الْخَيْر، وصحبة الأشرار تُورث الشَّرّ، كَالرِّيحِ إِذا مرّت على النتن حملت نَتنًا، وَإِذا مرت على الطّيب حملت طيبا. من نصح لمن لَا شكر لَهُ، كَانَ كمن ينثر بذره فِي السباخ، أَو كمن أَشَارَ على معجب أَو كمن سارّ الْأَصَم. لَا يردّ يأس الْعَدو الْقوي مثل التذلل والخضوع، كَمَا أَن الْحَشِيش يسلم من الرّيح الْعَاصِفَة بلينه لَهَا وانئنائه مَعهَا.

لَيْسَ الْعَدو بموثوق بِهِ، وَلَا مفتقر إِلَيْهِ، وَإِن أظهر جميلا؛ فَإِن المَاء لَو أطيل إسخانه لم يمنعهُ ذَلِك من إطفاء النَّار إِذا صبّ عَلَيْهَا. تَقول الْهِنْد: الشَّارِب تعتريه أَربع أَحْوَال: تعتريه أَولا طاوسيّة، ثمَّ قردية، ثمَّ سبعية، ثمَّ خنزيرية. وَفِي بعض كتبهمْ: الْكِرَام أَصْبِر نفوسا، واللئام أَصْبِر أبدانا. قَالُوا: شرّ السُّلْطَان من خافه البريئ، وَشر الْبِلَاد مَا لَيْسَ لَهُ خصب وَلَا أَمن، وَشر الإخوان الخاذل، وَشر المَال مَا لَا ينْفق مِنْهُ. وَقَالُوا: من التمس الرُّخْصَة من الإخوان عِنْد المشورة، وَمن الْأَطِبَّاء عِنْد الْمَرَض وَمن الْفُقَهَاء عِنْد الشُّبْهَة، أَخطَأ الرَّأْي، وازداد مَرضا، وحُمّل الْوزر. الحازم يحذر عدوّه على كل حَال، يرهب المواثبة إِن قرب والغارة إِن بعد، والكمين إِن انْكَشَفَ، والاستطراد إِن ولّى، وَالْمَكْر إِن رَآهُ وحيدا، وَيكرهُ الْقِتَال مَا وجد مِنْهُ بُدّاً، لِأَن النَّفَقَة فِيهِ من الْأَنْفس، وَالنَّفقَة فِي غَيره من المَال. جَانب الموتور وَكن أحذر مَا تكون مِنْهُ، ألطف مَا يكون بك، فَإِن السَّلامَة بَين الْأَعْدَاء وَحْشَة بَعضهم من بعض، وَمَعَ الأُنس والثقة حُضُور آجالهم. ثَلَاثَة أَشْيَاء لَا تُنال إِلَّا بارتفاع همّة، وعظيم خطر: عمل السُّلْطَان، وتجارة الْبَحْر، ومناجزة الْعَدو. بعض المقاربة حزم، وكل المقاربة عجز، كالخشبة المنصوبة فِي الشَّمْس، تُمال فيزيد ظلها، ويفرط فِي الإمالة فينقص الظل. لَيْسَ من خلة يمدح بهَا الْغَنِيّ إِلَّا وَالْفَقِير يُذم بهَا، فَإِن كَانَ شجاعاً قيل: أهوج، وَإِن كَانَ وقوراً قيل: بليد، وَإِن كَانَ لسناً قيل: مهذار، وَإِن كَانَ زمّيتاً قيل: عيّ. قَالُوا: لَا ثَنَاء مَعَ كبر. وَسِتَّة أَشْيَاء لَا ثبات لَهَا: ظلّ الْغَمَام، وخلّة الأشرار، وعشق النِّسَاء، وَالْمَال الْكثير، وَالسُّلْطَان الجائر، وَالثنَاء الْكَاذِب.

قَالَ أَبُو الْأَشْعَث: سَأَلت بهلة الْهِنْدِيّ، مَا البلاغة فِيكُم؟ فَأخْرج إليّ صحيفَة كَانَت ترجمتها: " أول البلاغة اجْتِمَاع آلَة البلاغة، وَذَلِكَ أَن يكون الْخَطِيب رابط الجأش، سَاكن الْجَوَارِح، قَلِيل اللحظ، متخيّر اللَّفْظ، لَا يكلم سيّد الْأمة بِكَلَام الرّعية، وَلَا الْمُلُوك بِكَلَام السوقة، وَأَن يكون فِي قواه فضل للتَّصَرُّف فِي كل طبقَة، وَلَا يدّقق الْمعَانِي كل التدقيق، وَلَا ينقّح الْأَلْفَاظ كل التَّنْقِيح، وَلَا يصفّيها كل التصفية، وَلَا يهذبها غَايَة التَّهْذِيب. وَلَا يفعل ذَلِك حَتَّى يُصَادف حكيماً، أَو فيلسوفاً عليماً، وَمن قد تعوّد حذف فضول الْكَلَام، وَإِسْقَاط مشتركات الْأَلْفَاظ. قَالَ بعض حكمائهم لِابْنِهِ: يَا بنيّ، عَلَيْك بالحكمة وَالْأَدب، فلَان يذم الزَّمَان فِيك خير من أَن يعاب بك.

الباب الثاني عشر في الرؤيا والفال والزجر والعيافه والاوهام

الْبَاب الثَّانِي عشر فِي الرُّؤْيَا والفأل والزجر والعيافة والأوهام لما خرج مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن بن حسن، عَلَيْهِم السَّلَام، على الْمَنْصُور رأى الْمَنْصُور فِيمَا يرَاهُ النَّائِم كَأَنَّهُ قد صارع مُحَمَّدًا، وَأَن مُحَمَّدًا صرعه، وَقعد على صَدره فهمّه ذَلِك، وَنفى رَاحَته. وَجمع العاربين، فكلّ وقف. فَسَأَلَ جد أبي العيناء، فَقَالَ: إِنَّك تغلبه، وَتظهر عَلَيْهِ، قَالَ: وَكَيف؟ قَالَ: لِأَنَّك كنت على الأَرْض، وَالْأَرْض لَك، وَكَانَ هُوَ فَوْقك، وَالسَّمَاء لَهُ. فسرّي عَنهُ. اتّفقت الْقَافة من بني مُدلج أَنهم لم يرَوا قدماً أشبه بالقدم الَّتِي فِي الْمقَام من قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. رَوَت الكافّة عَن الكافة ذَلِك. وروى الْمَدَائِنِي عَن أشياخه قَالُوا: بعث صَاحب الرّوم إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، رَسُولا، وَقَالَ لَهُ: انْظُر أَيْن ترَاهُ، وَمن إِلَى جنبه، وَانْظُر مَا بَين كَتفيهِ، حَتَّى ترى الخامة أَو الشامة. فَقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ، على نشز، وَاضِعا قَدَمَيْهِ فِي المَاء، عَن يَمِينه عليّ عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ: تحوّل فَانْظُر إِلَى مَا أُمرت بِهِ، فَنظر، ثمَّ رَجَعَ إِلَى صَاحبه فَأخْبرهُ الْخَبَر. فَقَالَ: ليعلونّ أمره، وليملكنّ مَا تَحت قدميّ. قَالَ: تفاءل بالنشز العلوّ، وبالماء الْحَيَاة. وَأخْبر عَن أشياخه أَن شيرويه بعث إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، مصوّراً وزاجراً، فَأتيَاهُ، وصوّر المصوّر صورته، وَلم يجد الزاجر شَيْئا يزْجر بِهِ

فَرجع، فَلَمَّا دخلا على شيرويه أَخذ الصُّورَة فوضعها على وسادته، وَقَالَ للزاجر: مَا زجرت، قَالَ: لم أر هُنَاكَ شَيْئا أزْجر عَلَيْهِ وَقد زجرت هَا هُنَا، وَالرجل قاهر، مظفّر، وَذَلِكَ أَنَّك أخذت صورته فَوَضَعتهَا على وِسَادَتك. قيل: لما توارى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُرِيد الْهِجْرَة خرجت قُرَيْش بمعقل ابْن أبي كرز الْخُزَاعِيّ، فوجدوا أَثَره، عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ معقل: لم أر وَجه مُحَمَّد قطّ، وَلَكِن إِن شِئْتُم ألحقت لكم هَذَا الْأَثر؟ قَالُوا: قل. قَالَ: هُوَ من الَّذِي فِي مقَام إِبْرَاهِيم فَبسط أَبُو سُفْيَان بن حَرْب ثَوْبه عَلَيْهِ وَقَالَ: قد خرفت، وَذهب عقلك. قَالَ: والقافة بَنو كرز من خُزَاعَة، وهم أفوف النَّاس. قَالَ: اخْتلف رجلَانِ من الْقَافة يَوْم الصَّدْر فِي أثر بعير فِيمَا بَين مَكَّة وَمنى، فَقَالَ أَحدهمَا: جمل، وَالْآخر: نَاقَة. فاتّبعا الْأَثر، يَبْدُو مرّة وَيخْفى أُخْرَى، فَلم يَزَالَا كَذَلِك حَتَّى دخلا شعب بني عَامر، فَإِذا بعير وَاقِف، فاستدارا بِهِ، فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: أهوهو؟ قَالَ: نعم. فَنظر فَإِذا هُوَ خُنْثَى، وَقد أصابا جَمِيعًا. روى الْمَدَائِنِي: أَن عليا، عَلَيْهِ السَّلَام، بعث معقل بن قيس الرياحيّ من الْمَدَائِن فِي ثَلَاثَة آلَاف، وَأمره أَن يَأْخُذ على الْموصل، وَيَأْتِي نَصِيبين وَرَأس الْعين، حَتَّى يَأْتِي الرقّة فيقيم بهَا، فَسَار معقل حَتَّى نزل الحديثة، فَبينا معقل ذَات يَوْم جَالس إِذْ نظر إِلَى كبشين ينتطحان، حَتَّى جَاءَ رجلَانِ، وَأخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا كَبْشًا فَذهب بِهِ. فَقَالَ شَدَّاد بن أبي ربيعَة الْخَثْعَمِي - وَكَانَ زاجراً - يَنْصَرِفُونَ من وجهكم هَذَا، لَا يغلبُونَ وَلَا تغلبون. قَالُوا: وَمَا علمك؟ قَالَ: أَو مَا رَأَيْت الكبشين انتطحا حَتَّى حُجز بَينهمَا، لَيْسَ لوَاحِد على صَاحبه فضل؟ . وَأخْبر، قَالَ: خرج زاجر يزْجر لغَائِب قد طَالَتْ غيبته، وَمَعَهُ تلميذ لَهُ، فتلقاهما قوم يحملون جَنَازَة، وَيَد الميّت على صَدره، فَقَالَ الزاجر للتلميذ: مَاتَ الرجل، فَقَالَ: لَا، مَا مَاتَ، أَلا ترى يَد الْمَيِّت على صَدره يُخبر أَنه هُوَ الْمَيِّت. وَالرجل حَيّ؟ فَرَجَعَا، وَقدم الْغَائِب.

وَأخْبر عَن ابْن أبي ليلى: تمارت الْجِنّ، أهم أعيف أم بَنو أَسد؟ فَأتوا بني أَسد، فوجودوا الحيّ خلوفاً، فَقَالُوا: ابْعَثُوا مَعنا من يُخبرنا عَن لقاح ذهبت لنا. فَقَالَ النِّسَاء: لَيْسَ عندنَا غير هَذَا الْغُلَام، فَإِن وثقتم لنا أَن تردّوه علينا بعثنَا بِهِ مَعكُمْ. فَفَعَلُوا. فَلَمَّا خَرجُوا وَرَأى الْغُلَام عُقاباً، فَبكى. فَقَالُوا: مَا يبكيك؟ قَالَ: رفعت جنَاحا، وخفضت جنَاحا، وَحلفت بِاللَّه صُراحا، مَا أَنْتُم بإنس وَلَا تطلبون لقاحاً، فردّوه. قَالَ: كَانَ عَامل بِالسَّوَادِ يكذّب زاجراً عِنْدهم، وَأَرَادَ امتحانه يَوْمًا، فَسَأَلَهُ عَن غم لَهُ قد أُخرجت إِلَى نَاحيَة، هَل وصلت؟ فَأخْرج الزاجر غُلَامه؛ ليستمع مَا يزْجر بِهِ - وَقد كَانَ الْعَامِل أَمر غُلَامه أَن يكمن فِي نَاحيَة، ويصيح صياح ابْن آوى - فَعَاد غُلَام الزاجر فَأخْبرهُ بِمَا سمع، فَقَالَ لِلْعَامِلِ: قُطع على الْغنم، وسيقت، فَضَحِك الْعَامِل، وَقَالَ مَا أَرَاهَا إِلَّا وَقد وصلت، وَكَانَ الصائح غلامي. قَالَ: إِن كَانَ الصائح ابْن آوى فقد ذهبت، وَإِن كَانَ غلامك فقد قُتل راعيها قبل ذهابها. فَبَلغهُمْ بعد ذَلِك قتل الرَّاعِي وَذَهَاب الْغنم. وَلما دَعَا ابْن الزبير إِلَى نَفسه قَالَ عبد الله بن مُطِيع ليبايع، فَقبض ابْن الزبير يَده، وَقَالَ لِعبيد الله بن عَليّ بن أبي طَالب: قُم فَبَايع. فَقَالَ عبيد الله: قُم يَا مُصعب فَبَايع، فَقَامَ فَبَايع، فَقَالَ النَّاس: منع ابْن مُطِيع أَن يُبَايع، وَبَايع مصعباً، ليتعرفنّ فِي أمره صعوبة وشرا. وَهَذَا مثل مَا قَالَه رجل من بني أَسد، وَقد نظر إِلَى طَلْحَة بن عبيد الله يُبَايع أَمِير الْمُؤمنِينَ عليا، عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ أول من بَايع، فَقَالَ: يَد شلاء، وبيعة لَا تتمّ. وَكَانَت يَد طَلْحَة أُصيبت يَوْم أُحد. قَالَ سلم بن قُتَيْبَة: إِنِّي لأعجب مِمَّن يتطيّر. ذهبت لي نَاقَة فَخرجت فِي طلبَهَا، فأدركني هَانِئ بن عبيد يرْكض وَهُوَ يَقُول: فلايق إِن بعثت لَهَا بُغاة ... وجدّك، مَا البُغاة بواجدينا

ثمَّ لَحِقَنِي آخر، وَهُوَ يَقُول: والشرّ يلقى مطالع الأكم ... قَالَ: ثمَّ لَقِيَنِي رجل قد ذهبت معالم وَجهه بالنَّار، فَقلت: هَل أحسست من نَاقَة؟ ووصفتها لَهُ. فَقَالَ: هَاهُنَا، وَأَشَارَ بِيَدِهِ، وَإِذا أَبْيَات، فأتيتهم فَوَجَدتهَا عِنْدهم. قَالُوا: خرج رجل فِي حَاجَة لَهُ، وَمَعَهُ سقاء من لبن فَسَار صدر يَوْمه ثمَّ عَطش، فَأَنَاخَ ليشْرب. فَإِذا غراب ينعب، فأثار رَاحِلَته ثمَّ سَار، فَلَمَّا أظهر أَنَاخَ ليشْرب، فنعب الْغُرَاب، فأثار رَاحِلَته ثمَّ سَار، فَلَمَّا عَطش أَنا خليشرب، فنعب الْغُرَاب وتمرّغ فِي التُّرَاب، فَضرب الرجل السقاء بِسَيْفِهِ فَإِذا فِيهِ أسود ضخم، فَمضى، فَإِذا غراب وَاقع على سِدْرَة، فصاح بِهِ، فَوَقع على سَلمَة، فصاح بِهِ، فَوَقع على صَخْرَة، فَانْتهى إِلَيْهَا، فأثار كنزاً وَذهب. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَبِيه قَالَ لَهُ: إيه، مَا صنعت؟ قَالَ: سرت صدر يومي، ثمَّ أنخت لأشرب، فنعب الْغُرَاب. فَقَالَ أَثَره. قَالَ: أثرته. ثمَّ أنخت لأشرب، فنعب الْغُرَاب قَالَ: أَثَره. قَالَ أثرته. ثمَّ أنخت لأشرب فنعب الْغُرَاب وتمرّغ فِي التُّرَاب. قَالَ: اضْرِب السقاء وَإِلَّا فلست بِابْني. قَالَ: فعلت، فَإِذا أسود ضخم. قَالَ: ثمَّ مَه؟ قَالَ: ثمَّ رَأَيْت غراباً وَاقعا على سِدْرَة. قَالَ: أطره وَإِلَّا فلست بِابْني. قَالَ: أطرته، فَوَقع على سَلمَة. قَالَ: أطره وَإِلَّا فلست بِابْني. قَالَ: فعلت، فَوَقع على صَخْرَة. قَالَ: أحذني يَا بني. قَالَ: أفعل، وأحذاه. قَالَ بَعضهم: كُنَّا مَعَ يزِيد بن الْوَلِيد، وَهُوَ متبدّ قبل خِلَافَته، فَخرج يَوْمًا لحَاجَة، ثمَّ رَجَعَ متغيراً، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلكُمْ عَن نَفسِي فاصدقوني. قُلْنَا: مَا كُنَّا لنقول شَيْئا تكرههُ. فَقَالَ: أنْشدكُمْ الله إِلَّا قُلْتُمْ: هَل تعلمُونَ مني شؤماً؟ قُلْنَا: معَاذ الله، أَنْت أَيمن النَّاس نقيبة. قَالَ: فَإِن رجلا لَقِيَنِي فَقَالَ: يَا ذَا الْخَال، أَتَرَى هَذَا الْخَال الَّذِي بِوَجْهِك؟ قلت: لَا، وَأَنا وَالله أرَاهُ. قَالَ: لَو كنت ترَاهُ مَا كَانَ على وَجه الأَرْض أشأم مِنْك على أهل بَيته، وَمضى. قَالَ الْمَدَائِنِي: فَكَانَ كَمَا قَالَ. قُتل الْوَلِيد بن يزِيد، وَوَقع بأسهم بَينهم، وَذهب مُلكهم.

وَقيل: إِن الْخَال إِذا كَانَ على الْفَم كَانَ صَاحبه مهبوطاً بِهِ أبدا، وَإِذا كَانَ بَين الْعَينَيْنِ لم يمت صَاحبه حَتَّى يجوز بِإِنْسَان يقْتله، وَإِذا كَانَ على الْحَاجِب والأشفار لم يزل صَاحبه ينظر فِي خير أبدا، وَإِن كَانَ على الشّفة كَانَ صَاحب شراب، وَإِن كَانَ فِي الْحلق كَانَ معظّماً، وَإِن كَانَ فِي الْعَضُد لم يزل ذَا عضد من مَال وقرابة قَوِيَّة، وَإِذا كَانَ فِي الظّهْر كَانَ ذَا ظهر من مَال وَولد، وَإِن كَانَ فِي الْبَطن كَانَ مبطوناً ذَا أَوْلَاد. وَإِذا كَانَ على الكشح لم يزل بإزائه كاشح خَبِيث ينظر إِلَيْهِ، وَإِذا كَانَ على ظهر الْكَفّ كَانَ ممسكاً، وَإِن كَانَ فِي بَطنهَا كَانَ متلافاً، وَإِن كَانَ فِي الأرفاغ والمذاكير فَهُوَ كثير الْجِمَاع، وَإِن كَانَ فِي الألية لم يزل مخمولاً، وَإِن كَانَت تَحت الْقدَم فَكَذَلِك. وَكَانَ على لِسَان سلم بن قُتَيْبَة شامة سَوْدَاء، فَكَانَ الْحسن يَقُول: ليلغنّ دَمًا. قَالَ الْمَدَائِنِي: فَكَانَ من أمره بِالْبَصْرَةِ مَا كَانَ مَعَ سُفْيَان بن مُعَاوِيَة بن يزِيد بن الْمُهلب. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: اسْتعْمل عمر بن الْخطاب حَابِس بن سعد الطَّائِي على قَضَاء حمص، وَدفع إِلَيْهِ عَهده فَأَتَاهُ من الْغَد فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنِّي رَأَيْت رُؤْيا، فأتيتك؛ لأقصّها عَلَيْك. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: رَأَيْت الشَّمْس وَالْقَمَر اقتتلا. قَالَ: فَمَعَ أَيهمَا كنت؟ قَالَ: مَعَ الْقَمَر. قَالَ: كنت مَعَ الْآيَة الممحوة ارْدُدْ عليّ عهدي. فَقتل بصفين مَعَ مُعَاوِيَة. كَانَ سعيد بن الْمسيب يعبر الرُّؤْيَا، فَرَأى عبد الْملك بن مَرْوَان كَأَنَّهُ قد بَال فِي الْكَعْبَة أَربع مَرَّات - وَكَانَ سعيد يلعن عبد الْملك وَآل مَرْوَان: الظُّلم مِنْهُم - فدسّ إِلَيْهِ رجلا، فَقَالَ لَهُ: قصّ عليّ الرُّؤْيَا، وَلَا تخبره أَنِّي أَنا رَأَيْتهَا. فَلَمَّا قصّها عَلَيْهِ الرجل قَالَ: لَعَلَّ هَذَا اللعين، رأى هَذِه الرُّؤْيَا. إِنَّه سُملّك لصلبه أَرْبَعَة. فَملك الْوَلِيد، وَسليمَان، وَيزِيد، وَهِشَام. أَتَى رجل عَنْبَسَة بن سعيد فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْت الْحجَّاج فِي النّوم فَقلت: مَا صنعت وَمَا صنع بك؟ فَقَالَ: مَا أَنْت وَذَاكَ يَا عاضّ أير أَبِيه؟ فَقَالَ: أشهد أَنَّك رَأَيْت أَبَا مُحَمَّد حَقًا.

شخص أَبُو الشمقمق مَعَ خَالِد بن يزِيد بن مزِيد، وَقد تقلّد الْموصل، فَلَمَّا أَرَادَ الدُّخُول إِلَيْهَا اندقّ لِوَاؤُهُ فثي أول درب مِنْهَا، فتطيّر من ذَلِك وَعظم عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو الشمقمق: مَا كَانَ مندق اللِّوَاء لريبة ... تُخشى، وَلَا أَمر يكون مبدّلا لَكِن هَذَا الرمْح ضعف مَتنه ... صغر الْولَايَة فاستقلّ الموصلا فسرّي عَن خَالِد، وَكتب صَاحب الْبَرِيد بذلك إِلَى الْمَأْمُون، فزاده ولَايَة ديار ربيعَة، وَكتب إِلَيْهِ: هَذَا التَّضْعِيف لوصل متن رمحك. فَأعْطى خَالِد أَبَا الشمقمق عشرَة آلَاف دِرْهَم. جَاءَ رجل فَوقف بِبَاب الْمهْدي، وَأعلم الرّبيع أَنه قد رأى للمهدي رُؤْيا يُرِيد أَن يقصّها عَلَيْهِ مشافهةً، فَاسْتَأْذن لَهُ، فَدخل، وَكَانَ الرجل ذَا رواء وهيئة فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت كَأَن آتِيَا أَتَانِي، فَقَالَ: أخبر أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنه يعِيش ثَمَانِينَ سنة والعلامة أَنه يرى فِي مَنَامه فِي هَذِه اللَّيْلَة ثَمَانِينَ فصّاً يَوَاقِيت قد وُهبت لَهُ. قَالَ: تُمتحن هَذِه اللَّيْلَة، فَإِن صدقت رُؤْيَاك أعطيناك، وَإِن كَانَ الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك لم نعاقبك. لِأَن الرُّؤْيَا تصدق وَتكذب. فَقَالَ الرجل: فَمَا تَقول لي عيالي وصبياني إِذا علمُوا أَنِّي وصلت إِلَى الْخَلِيفَة وبشّرته وَخرجت هَكَذَا. فيعجّل إليّ أَمِير الْمُؤمنِينَ شَيْئا من صلته، وانا أَحْلف بِالطَّلَاق أَنِّي مَا كذبت، فَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم، وَأخذ مِنْهُ كَفِيلا ليحضر فِي غَد، فَلَمَّا كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَة رأى الْمهْدي فِي الْمَنَام مَا قَالَه الرجل، وَأصْبح مُتَعَجِّبا، وَحضر الرجل، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: مَا رَأَيْت شَيْئا. فَقَالَ الرجل: امْرَأَته طَالِق إِن لم تكن رَأَيْت ذَلِك فَقَالَ: وَيلك! أَحْلف لَك بِالطَّلَاق قد وَالله رَأَيْت ذَلِك. فَقَالَ: الله أكبر، يجب أَن تفي بِمَا وَعَدتنِي. فَأمر لَهُ بِثَلَاثَة آلَاف دِينَار، وَأَخذهَا وَانْصَرف. فَقيل للرجل بعد ذَلِك: هَل صدقت؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي لما ألقيت إِلَيْهِ ذَلِك أخطره بِبَالِهِ، وحدّث بِهِ نَفسه، وشغل بِهِ فكره، فَرَآهُ فِي الْمَنَام، فَحَلَفت بِالطَّلَاق، وطلّقتُها وَاحِدَة، وزدت فِي مهرهَا عشرَة دَرَاهِم، وَأخذت خمسين ألف دِرْهَم.

لما انْصَرف أَبُو مُسلم من حَرْب عبد الله بن عليّ رأى كَأَنَّهُ على فيل وَالشَّمْس وَالْقَمَر فِي حجره، فَأرْسل إِلَى عَابِر كَانَ يألفه، وقصّ عَلَيْهِ - فَقَالَ: الرَّسْم، فَقبض عشرَة آلَاف دِرْهَم، وَقَالَ: قل، فَقَالَ: اعهد عَهْدك فَإنَّك هَالك قَالَ الله: " ألم تَرَ كبف فعل رَبك بأصحاب الْفِيل، ألم يَجْعَل كيدهم فِي تضليل "؟ وَقَالَ: " وجُمع الشَّمْس وَالْقَمَر. يَقُول الْإِنْسَان يَوْمئِذٍ أَيْن المفر ". اضْطر النَّاس فِي قديم الدَّهْر إِلَى ملك، فَجَاءُوا بِوَاحِد، وَوَضَعُوا التَّاج على رَأسه. فَقَالَ: هَذَا ضيق، فتطيروا من ذَلِك، وَجَاءُوا بتاج وَاسع وطمعوا أَن يَقُول: هَذَا وَاسع فَيكون ضد قَوْله الأول، فَقَالَ: أُرِيد أضيق من هَذَا، فنفوه. جَاءَ رجل إِلَى عَابِر فَقَالَ: رَأَيْت فِي النّوم كَأَنِّي رَاكب دَابَّة أَشهب لَهُ ذَنْب أَخْضَر قَالَ: إِن صدقت رُؤْيَاك استدلجت فُجلةً. قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: خرجنَا حُجاجا، واكترينا من رجل فَجعل فِي طَرِيقه يرتجز إِذا حدا بِنَا وَلَا يزِيد على قَوْله: يَا لَيْت شعري، هَل بَغت عُليّه؟ ... فَلَمَّا انصرفنا من مَكَّة قَالَهَا فِي بعض الطَّرِيق، فَأَجَابَهُ صَوت فِي ظُلمة: نعم نعم، وناكها حُجّييه ... أَحْمَر، ضخم فِي قَفاهُ كيّه ... فأسكت الرجل، فَلَمَّا صرنا إِلَى الْبَصْرَة أخبرنَا، قَالَ: دخل عليّ جيراني يًسلّمون، فَإِذا فيهم رجل ضخم أَحْمَر، قلت لأهلي: من هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا رجل كَانَ ألطف جيراننا بِنَا، وَأَحْسَنهمْ تعهداّ لنا، فجزاه الله خيرا، فَلَمَّا ولّى إِذا أثر كيّ فِي قَفاهُ، قلت للْمَرْأَة: مَا اسْمه؛ قَالَت: حُجيّة. قلت: الحقي بأهلك فقد أَتَانَا خبر حُجية.

بَيْنَمَا كَانَ أَبُو الْحسن بن الْفُرَات فِي أَيَّامه الأولى يشرب فِي يَوْم ثلاثاء - وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي قُيض عَلَيْهِ فِي غده - وَيعْمل فِي خلال شربه، إِذْ مرّت بِهِ رقْعَة فِيهَا: إِن كَانَ مَا أَنْتُم فِيهِ يَدُوم لكم ... ظَنَنْت مَا أَنا فِيهِ دَائِما أبدا لَكِن سكنت إِلَى أَنِّي وأنكم ... سنستجدّ خلاف الْحَالَتَيْنِ غَدا فَكَأَنَّهُ اغتم بذلك، ثمَّ أَخذ فِي شَأْنه، وَقَالَ لجارية كَانَت فِي الْمجْلس كَانَ يألف غناءها، ويتفاءل بِمَا لَا تزَال تغنيه: غنّي، فابتدأت وغنت: أمنعيّة بالبين ليلى وَلم تمت ... كَأَنَّك عمّا قد أظلّك غافل ستعلم إِن جدّت بكم غُربة النَّوَى ... وَنَادَوْا بليلى أَن صبرك زائل فَكَأَنَّهُ تنغّص والتاث، ووافته بِدعَة الصَّغِيرَة، فَقَامَ إِلَى دَار لَهُ جَدِيدَة، ودعا بِالشرابِ، وَتَنَاول قدحاً، وَالْتمس من بِدعَة صَوتا فتطلّبت لَهُ صَوتا تتفاءل بِهِ بِسَبَب الدَّار الجديدة فغنت: أمرت لي منزلا لأسكنه ... فصرت عَنهُ المعبّد القاسي وَلم تحفظ الْبَيْت الثَّانِي، فَلَمَّا كَانَ من غَد حدثت عَلَيْهِ الْحَادِثَة. قَالَ إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي: لما حصر طَاهِر الْأمين فِي الْمَدِينَة كنت مَعَه، فدعاني لَيْلَة، فَقَالَ: مَا ترى طيب هَذِه اللَّيْلَة، وَحسن الْقَمَر، وضوءه فِي المَاء؟ فَقلت: إِنَّه لحسن، فَاشْرَبْ، فَشرب رطلا، وسقاني مثله، وابتدأت فغنيت بِمَا يشتهيه عليّ. فَقَالَ: هَل لَك فِيمَن يضْرب عَلَيْك؟ فَقلت: مَا أستغني عَن ذَلِك. فَدَعَا بِجَارِيَة مُتَقَدّمَة يُقَال لَهَا: ضعف فتطيرت من اسْمهَا: فَلَمَّا جَاءَت قَالَ: غنّي، فغنت: كُلَيْب لعمري كَانَ أَكثر ناصراًوأيسر ذَنبا مِنْك، ضُرّج بِالدَّمِ

فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِ، وعليّ أَنِّي لم أره. فَقَالَ لَهَا: غنيني غير هَذَا، فغنت: أبْكِي فراقهم عَيْني وأرّقها ... إِن التَّفَرُّق للأحباب بكاء مَا زَالَ يعدو عَلَيْهِم ريب دهرهم ... حَتَّى تفانوا، وريب الدَّهْر عدّاء فَقَالَ: لعنك الله، أما تعرفين من الْغناء غير هَذَا؟ فَقَالَت: مَا تغنّيت إِلَّا بِمَا كنت تُحبّه، ثمَّ غنّت: أما وربّ السّكُون والحرك ... إِن المنايا كَثِيرَة الشّرك مَا اخْتلف اللَّيْل وَالنَّهَار وَلَا ... دارت نُجُوم السَّمَاء والفلك إِلَّا لنقل السُّلْطَان من ملك ... عان بحب الدُّنْيَا إِلَى ملك فَقَالَ لَهَا غضبة الله عَلَيْك، قومِي، فَقَامَتْ. وَكَانَ لَهُ قدح بلّور حسن يحيّه، فَعَثَرَتْ بِهِ فَكَسرته، فَقَالَ لي، أما ترى؟ أَظن أَمْرِي قد قرب فَقلت: بل يُطِيل الله بَقَاءَك، ويكبت عدوّك. فسمعنا قَائِلا يَقُول: " ٌُضي الْأَمر الَّذِي فِيهِ تستفيان ". فَقَالَ أما سَمِعت يَا إِبْرَاهِيم؟ قلت: مَا سَمِعت شَيْئا، وَكنت قد سَمِعت. وَكَانَ ذَلِك آخر عهدي بِهِ. دخل رجلَانِ على عَائِشَة، فَقَالَا: إِن أَبَا هُرَيْرَة يُحدّث أَن النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ: " إِنَّمَا الطَّيرَة فِي الْمَرْأَة وَالدَّار وَالدَّابَّة ". فطارت شفقاً. فَقَالَت: كذب. وَالَّذِي أنزل الْقُرْآن على أبي الْقَاسِم، عَلَيْهِ السَّلَام، إِنَّمَا قَالَ: " كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ: إِن الطَّيرَة فِي الدَّابَّة وَالْمَرْأَة وَالدَّار " ثمَّ قَرَأت: " مَا أصتب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها ". جَاءَ رجل إِلَى مُعبّر، فَقَالَ: رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي - هوذا - أقلى بعر الْجمل على مقلاة. قَالَ المُعبّر: هَات قِطْعَة حَتَّى أًعبّرها لَك. قَالَ: لَو كَانَت معي قِطْعَة كنت اشْتريت باذنجان وأقليه وَلَا أقلى البعر.

قَالَ بَعضهم: كنت فِي بعض الْأَوْقَات مُصاعداً من الْبَصْرَة إِلَى بَغْدَاد، فَلَمَّا بلغت البطائح رَأَيْت ضريراً يُرِيد أَن يصاعد، فَسَأَلته عَن حَاله ومعاشه، فَقَالَ: أَنا أًعبّر الرُّؤْيَا. فَقلت لَهُ: وَيحك! فَلم اخْتَرْت بَغْدَاد مَعَ كَثْرَة المعبّرين بهَا على هَذَا الْمَكَان الَّذِي لَيْسَ فِيهِ ينازعك فِي صناعتك؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ النبط بَنو البظر لَا يدعهم البقّ أَن يَنَامُوا، وَإِذا لم يَنَامُوا كَيفَ يرَوْنَ الرُّؤْيَا؟ فَضَحكت مِنْهُ. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت فِي الْمَنَام الْحجَّاج بن يُوسُف، كَأَنِّي قلت لَهُ: مَا فعل رَبك بك؟ فَقَالَ: قتلني بِكُل رجل قتلته قتلةً، ثمَّ رَأَيْته بعد ذَلِك بِمدَّة فِي النّوم، وَكَأَنِّي أَقُول لَهُ: مَا فعل بك رَبك؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ قد قلت مرّة يَا ابْن الفاعله؟ جَاءَ رجل إِلَى سعيد بن المسيّب، فَقَالَ: رَأَيْت كَأَن حديّاً: جَاءَت فوقفت على شرفة من شرفات الْمَسْجِد. فَقَالَ: إِن صدقت رُؤْيَاك تزوّج الْحجَّاج فِي أهل هَذَا الْبَيْت. فَتزَوج الْحجَّاج أم كُلْثُوم بنت عبد الله بن جَعْفَر. قَالَ بعض بني أَسد: لَا يُخطئ الرجل عَن أَبِيه خصْلَة من ثَلَاث: رَأسه أَو صَوته أَو مَشْيه. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت بعض المُجّان المتنادرين بعد مَوته، فِي النّوم، فَقلت لَهُ: يَا فلَان، مَا فعل بك رَبك؟ فَقَالَ: يَا أَحمَق، تُرى صاهرني؟ فعل بِي مَا يَفْعَله بِكُل أحد. يرْوى أَن رجلا قَالَ: حضرت الْموقف مَعَ عمر بن الْخطاب فصاح بِهِ صائح يَا خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ رجل من خَلْفي: دَعَاهُ باسم ميت، مَاتَ، وَالله، أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَالْتَفت فَإِذا رجل من لَهب، وَلَهَب من بني نصر من الأزد. فَلَمَّا وقفنا لرمي الْجمار، إِذا حَصَاة قد صكّت صَلْعَةٌ عمر، فَقَالَ قَائِل: أُشعر، وَالله، أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَالله لَا يقف هَذَا الْموقف أبدا. فَالْتَفت فَإِذا ذَلِك اللهبي بِعَيْنِه، فَقتل عمر قبل الْحول.

وَزعم أَبُو عُبَيْدَة أَن فَاطِمَة بنت خرشب الأنمارية أُريت فِي الْمَنَام قَائِلا يَقُول: أعشرة هدرة أحب إِلَيْك، أم ثَلَاثَة كعشرة؟ فَلم تقل شَيْئا، فَعَاد لَهَا فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة، فَلم تقل شَيْئا، ثمَّ قصّت ذَلِك على زَوجهَا زِيَاد بن عبد الله بن ناشب الْعَبْسِي، فَقَالَ: إِن عَاد اللَّيْلَة فَقولِي: ثَلَاثَة كعشرة، فولدتهم كلهم غَايَة: ولدت ربيع الحُفّاظ، وعُمارة الوهّاب، وَأنس الفوارس، فَهِيَ إِحْدَى المنجبات من الْعَرَب. يرْوى عَن حسان الْمَعْرُوف بالنبطي قَالَ: رَأَيْت الْحجَّاج فِيمَا يرى النَّائِم، فَقلت: أصلح الله الْأَمِير {مَا فعل بك رَبك؟ قَالَ: أتشتمني؟ قَالَ: يَا نبطيّ، أَهَذا عَلَيْك} قَالَ: فقصصت هَذِه الرُّؤْيَا على ابْن سِيرِين، فَقَالَ: لقد رَأَيْت الْحجَّاج بِالصِّحَّةِ. رأى الْحجَّاج فِي مَنَامه أَن عَيْنَيْهِ قُلعتا، فَطلق الْهِنْد - ين: هِنْد - بنت الْمُهلب، وَهِنْد بنت أَسمَاء بن خَارِجَة، فَلم يلبث أَن جَاءَهُ نعيّ أَخِيه من الْيمن فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ ابْنه مُحَمَّد فَقَالَ: هَذَا - وَالله - تَأْوِيل رُؤْيَايَ. وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " رَأَيْت كَأَنِّي فِي دَار عقبَة بن رَافع، فأُتيت برطب ابْن طَابَ، فأوّلت أَن الْعَاقِبَة - قَالَ: أَو الرّفْعَة - لنا، فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَأَن ديننَا قد طَابَ ". قَالَ سعيد بن المسيّب: إِنِّي رَأَيْت مُوسَى النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، يمشي على الْبَحْر حَتَّى صعد إِلَى قصر، ثمَّ أَخذ برجلي شَيْطَان فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْر، وَإِنِّي لَا أعلم نَبيا هلك على رجله من الْجَبَابِرَة مَا هلك على رجل مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، وأظن هَذَا قد هلك، يَعْنِي عبد الْملك. قَالَ: فَأتى نعيه بعد أَربع. وَرَأى ابْن سِيرِين فِي مَنَامه كَأَن الجوزاء تقدّمت الثريا، فَجعل يُوصي، وَقَالَ: يَمُوت الْحسن، وأموت بعده، وَهُوَ أشرف مني، فَمَاتَ الْحسن، وَمَات مُحَمَّد بعده بِمِائَة يَوْم. قيل للصادق، عَلَيْهِ السَّلَام: كم تتأخر الرُّؤْيَا؟ فَقَالَ: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَأَن كَلْبا أبقع يلُغ فِي دَمه، فَكَانَ شمر بن ذِي الجوشن قَاتل

الْحُسَيْن، عَلَيْهِ السَّلَام، ذَلِك الْكَلْب، وَكَانَ أبرص، فَكَانَ تَأْوِيل الرُّؤْيَا بعد سِتِّينَ سنة. روى مُصعب قَالَ: قَالَ لي رجل: شَردت لنا إبل، فَأتيت حلبسا الْأَسدي، فَسَأَلته عَنْهَا، فَقَالَ لبنيّة لَهُ: خُطي لَهُ، فخطّت وَنظرت، ثمَّ تقبّضت وَقَامَت، وَنظر إِلَيْهَا حَلبس فَضَحِك وَقَالَ: أَتَدْرِي لم قَامَت؟ قلت: لَا. قَالَ: رَأَتْ أَنَّك تتزوجها، وتجد إبلك، فاستحيت فَقَامَتْ. قَالَ: فَخرجت، فَأَصَبْت إبلي، ثمَّ تَزَوَّجتهَا بعد. وروى الْمَدَائِنِي عَن شُرَيْح بن الأقعس الْعَنْبَري قَالَ: عزبت لي إبل، فَأتيت رجلا من بني أَسد، فَقلت: انْظُر. قَالَ: فخطّط خُطُوطًا، فَقَالَ: تُصيب إبلك بكُناسة الْكُوفَة. قلت: بيّن. قَالَ: وَتذهب عَيْنك. قلت: زِدْنِي. قَالَ: وتُزوج امْرَأَة أشرف مِنْك، قَالَ: فَخرجت وَمَا شَيْء أبْغض إليّ من أَن أُصيب إبلي؛ ليكذب فِيمَا قَالَ. قَالَ: فَأتيت الكُناسة فَأَصَبْت إبلي، وَخرجت مَعَ ابْن الْأَشْعَث فَذَهَبت عَيْني. وَحَجَجْت مَعَ ابْنة قيس بن الحسحاس العنبريّ فَقَالَت لي مولاة لَهَا فِي الطَّرِيق: هَل لَك أَن تزوّج؟ قلت: وددت، قَالَت: فاخطبها إِذا قدمت. فَفعلت، فَأَبَوا ذَلِك، فَلم أزل حَتَّى زوّجونيها. قَالَ سلم بن قُتَيْبَة: لَقِيَنِي إِيَاس بن مُعَاوِيَة، وَأَنا لَا أعرفهُ وَلَا يعرفنِي، فَقَالَ: أَنْت ابْن قُتَيْبَة؟ قلت: نعم، قَالَ: عرفتك بشبه عمك عَمْرو بن مُسلم. قلت: وَأَيْنَ أَنا من عمّي؟ وعمّي ضخم أمعر، وَأَنا آدم نحيف الْجِسْم. فَقَالَ: لَيْسَ الْقيَاس على هَذَا. خرج عَمْرو بن عبيد الله بن معمر، وَمَعَهُ مَالك بن خِدَاش الْخُزَاعِيّ، غازيين، فمرّا بِامْرَأَة، وَعَلَيْهَا جمَاعَة، وَهِي تخط لَهُم، فَنظر إِلَيْهَا مَالك. فَضَحِك مِنْهَا هزؤاً. فَقَالَت أَيهَا الضاحك، أما وَالله لَا تخرج من سجستان حَتَّى تَمُوت، ويتزوّج هَذَا الرجل امْرَأَتك، وأشارت إِلَى عمر. فَمَاتَ سجستان، فتزوّج عمر امْرَأَته. وَهِي رَملَة بنت عبد الله الْخُزَاعِيّ.

ولّى الْمَنْصُور الْحسن بن زيد الْمَدِينَة، ثمَّ غضب عَلَيْهِ فَعَزله، وبيعت أَمْوَاله فَاشْترى رجل من أهل الربذَة أمة لَهُ، فَقَالَت: إِن ابْن زيد قد وَقع بِي فَحملت. فكفّ عَنْهَا، فَوضعت غُلَاما، فَخرج بِهِ إِلَى ولد الْحسن، فخرجواجميعاً بِهِ. فَأتوا وَالِي مَكَّة، فَبعث إِلَى شيخ من الْقَافة، فَقَالُوا لَهُ: إِن هَذَا الْغُلَام لَهُ نسب يلْحقهُ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو يَنْفِيه مِنْهُ. قَالَ: فَخرج الشَّيْخ يتخطّى النَّاس ويقوف، فَأخذ بيد الْغُلَام وَقَالَ: هَذَا عَمه، فصيح بِهِ فَتَركه، ثمَّ أَتَى آخر فَقَالَ: عمّه، فصيح بِهِ فَتَركه، حَتَّى عدّد ولد الْحسن غير أَبِيه، وَكَانَ مُتكئا فَرفع رَأسه، فَقَالَ الشَّيْخ: الله أكبر، هَذَا أَبُو الْغُلَام. فَألْحق بِهِ. جَاءَ رجل إِلَى معبّر، فَقَالَ: رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن على حر امْرَأَتي كلبين يتهارشان. فَقَالَ: تَأْوِيله أَنَّهَا طلبت دبقاً تنتفه بِهِ فَلم تَجدهُ، فجزّته بمقراض. فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ. جَاءَ رجل إِلَى ابْن سترين فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت فِي مَنَامِي كَأَنِّي أَشد الزقاق شداً شَدِيدا - وَكَانَ مَعَ الرجل جراب - فَقَالَ لَهُ ابْن سِيرِين: أَنْت رَأَيْت هَذَا؟ قَالَ: نعم. فَقَالَ لمن حوله: يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا الرجل يخنق الصّبيان، وَيَنْبَغِي أَن يكون فِي جرابه آلَة الخنق. فَوَثَبُوا إِلَى الجراب، فوجدوا فِيهِ أوتاراً وحلقاً، فسلموه إِلَى السُّلْطَان. رأى عبد الله بن الزبير أَنه صارع عبد الْملك بن مَرْوَان، فصرعه عبد الله وغرز فِيهِ أَرْبَعَة أوتاد فِي يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، فَأرْسل فَسَأَلَ سعيد بن الْمسيب. فَقَالَ: إِن صدقت رُؤْيَاهُ غَلبه عبد الْملك، وَخرج من صلبه أَرْبَعَة كلهم يكون خَليفَة. رُوِيَ عَن مُحَمَّد بن عمار بن يَاسر قَالَ: وَالله إِنِّي لبسوق من أسواق الْمَدِينَة، بَعْدَمَا ذهب نصف اللَّيْل، إِذْ سَمِعت صائحاً يَقُول: رب خير ومير، ودينار كحافر عير ...

قَالَ: فصاح بِهِ صائح آخر فَقَالَ: وَيلك! ضلّك ضلّك. فَقَالَ: بشرقيّ غربيّ بَيت أم عُمَيْر ... قَالَ: فَأتيت بَيت أم عُمَيْر، فَجَلَست عِنْد جِدَار خرب، فَوجدت عِنْده دِينَارا مثل القرص، فَبِعْته بتسعين درهما، وغُبنت فِيهِ. خرج هِشَام بن عبد الْملك يَوْمًا، فلقي أَعور، فتشاءم بِهِ، وَأمر بضربه. فَقَالَ الْأَعْوَر: إِن الْأَعْوَر شؤمه على نَفسه، وَالْأَحْوَال شؤمه على النَّاس. وَكَانَ هِشَام أَحول، فاستحيا وخلاّه. وَكَانَ عَمْرو بن اللَّيْث أَعور، وَكَانَ يتطيّر، فَخرج يَوْمًا مبكراً للصَّيْد، فلقي رجلا أَعور، فتطيّر مِنْهُ، وَأمر بضربه، فَقَالَ الرجل: لم تضربني؟ فَقَالَ: لِأَنَّك أَعور، وَقد تشاءمت بك، وَأَنا خَارج إِلَى الصَّيْد. فَقَالَ الْأَعْوَر: انْظُر الْآن أَي الأعورين أشأم على صَاحبه؟ فَضَحِك وخلاّه.؟

الباب الثالث عشر من قال شعرا فانتصف منه بنثر

الْبَاب الثَّالِث عشر من قَالَ شعرًا فانتُصف مِنْهُ بنثر هجا الأخطل سُوَيْد بن منجوف، فَقَالَ: وَمَا جذع سوء خرّق السوس جَوْفه ... لما حمّلته وَائِل بمطيق فَقَالَ لَهُ سُوَيْد: وَالله يَا أَبَا مَالك، مَا تحسن تهجو وَلَا تمدح، أردْت هجائي فمدحتني، جعلت وائلاً تحمّلني امورها، وَمَا طمعت فِي بني تغلب، فضلا عَن بكر. طعن عَامر بن الطُّفَيْل ضُبيعة بن الْحَارِث. فَقَالَ ضُبيعة: لَوْلَا اعْتِرَاض فِي الأغرّ وجرأة ... لفَعَلت فاقرةً بِجَيْش سعيد فَقَالَ عَامر: يعجز عَن فرسه ويتوعدني {} أنْشد بَعضهم: يَا مسمع ابْن مَالك يَا مسمع ... اصْنَع كَمَا كَانَ أَبوك يصنع ... فَقَالَ قَائِل: إِذا ينيك أمّه. أنْشد الْأَحْوَص جَرِيرًا: يقرّ بعيني مَا يقرّ بِعَينهَا ... وَأفضل شَيْء مَا بِهِ الْعين قرت فَقَالَ جرير: يقر بِعَينهَا أَن يولج فِيهَا مثل ذِرَاع الْبكر، أفيقر ذَلِك بِعَيْنِك؟ .

لما قَالَ مِسْكين الدِّرَامِي: نَارِي ونار الْجَار وَاحِدَة ... وَإِلَيْهِ قبلي تُنزل الْقدر قَالَت امْرَأَته: صدق، لِأَنَّهَا ناره وَقدره. دخل عبد الله بن الْحُوَيْرِث على بشر بن عبد الْملك بن بشر بن مَرْوَان، فأنشده: إِنِّي رحلت إِلَى بشر لأعرفه ... إِذْ قيل بشر وَلم أعدل بِهِ أحدا فَقَالَ: لَو قلت: ليعرفني، لأعطيتك مَا سَأَلت، لَيْسَ الْمَدْح كَمَا قلت. أنْشد جرير قَول الأخطل: وَإِنِّي لقوّام مقاوم لم يكن ... جرير وَلَا مولى جرير يقومها فَقَالَ: صدق، أَنا لَا أقوم بَين يَدي قسّ لأخد القربان، وَلَا بَين يَدي سُلْطَان لأَدَاء الْجِزْيَة. سمع أَبُو الْهُذيْل رجلا ينشد: يُغشون حَتَّى مَا تهرّ كلابهم ... لَا يسْأَلُون عَن السوَاد الْمقبل فَقَالَ: يُوشك أَن تكون هَذِه دَار قوّاد أَو خمّار. سَأَلَ جَعْفَر بت سُلَيْمَان نُدماءه عَن قَول جرير: لَو كنت أعلم أَن آخر عهدكم ... يَوْم الرحيل فعلت مَا لم أفعل

فَقَالَ أَعْرَابِي من أخر الْمجْلس: أَنا أعلم مَا كَانَ يفعل: كَانَ ينيكها. فضحكوا، وَقَالُوا: أصبت. أنْشد رجل يحي بن خَالِد: إِنِّي امْرُؤ فِي أعالي بَيت مكرمَة ... إِذا تمزّق ثوبي أرتدي حسبي فَقَالَ يحيى: مَا أقلّ غناء هَذَا الرِّدَاء فِي كانونين. وقف أَعْرَابِي من بني فقعس على جمَاعَة يسألهم، وَهُوَ عُرْيَان، فَأَنْشد: كساني فقعس وكسا بنيه ... عطاف الْمجد إِن لَهُ عطافا فَقَالَ بَعضهم: لَو كساك خرقَة تواريك كَانَت أصلح لَك من هَذَا العطاف. قصد بعض الشُّعَرَاء أَبَا دلف، فَقَالَ لَهُ: مِمَّن أَنْت؟ فقالك من بني تَمِيم. فَقَالَ أَبُو دلف: من الَّذين يَقُول فيهم الشَّاعِر: تَمِيم بطرق اللؤم أهْدى من القطا؟ ... فَقَالَ: نعم، بِتِلْكَ الْهِدَايَة جئْتُك. فَخَجِلَ أَبُو دلف، واستكتمة، وَأحسن جائزته. قَالَ بَعضهم فِي الصاحب رَحمَه الله: وردنا لنشكر كَافِي الكفاة ... ونسأله الكفّ عَن برّنا فَقَالَ لَهُ بَعضهم: قد كُفيت، فَلَيْسَ يُعطى أحدا شَيْئا. وَلما قَالَ إِبْرَاهِيم بن هُرمة: لَا أُمتع العوذ بالفصال وَلَا ... أبتاع إِلَّا قريبَة الْأَجَل

قَالَ مزبّد: صدق ابْن الخبيثة؛ فَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِي إِلَّا شَاة الْأَضْحَى الَّتِي يذبحها من سَاعَته. سمع بَعضهم منشداً ينشد: وَمَا طبخوها غير أَن غلامهم ... سعى فِي نواحي كرمهم بشهاب فَقَالَ: أحرقوها أحرقهم الله. أُنشد الْمَأْمُون قَول الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف: هم كتموني سيرهم ثمَّ أزمعوا ... وَقَالُوا: اتّعدنا للرواح وبكّروا فَقَالَ: سخروا بِأبي الْفضل أعزه الله. لما قَالَ أَرْطَاة بن سُهيّة للربيع بن قعنب: لقد رَأَيْتُك عُريَانا ومؤتزراً ... فَمَا علمت أأنثى أَنْت أم ذكر؟ قَالَ لَهُ: لَكِن سهيّة قد علمت، وسهيّة أمه، فغلبه. حضر أَعْرَابِي حَلقَة يُونُس، فَأَنْشد قَول جرير: يصرعن ذَا اللب حَتَّى لَا حراك بِهِ ... وَهن أَضْعَف خلق الله أركانا فَقَالَ: مَا أَرَادَ - وَالله - إِلَّا البراغيث. عمّى أَبُو الْحُسَيْن الصُّوفِي على الْأُسْتَاذ أبي الْفضل ابْن العميد بَيْتا على طَرِيق التَّرْجَمَة، وَهُوَ: أَنا إِن لم أك أهوا ... ك فرأسي فِي حرمّي فَأخْرجهُ، ووقّع تَحْتَهُ: وَإِن هويت؟

قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم: أَنْشدني ابْن الْأَعرَابِي يَوْمًا: وَأصْبح من حَيْثُ الْتَقَيْنَا عَشِيَّة ... سوار، وخلخال ورد، ومطرف ومنقطعات من عُقُود تركنها ... كجمر الغضا فِي بعض مَا تتخطرف قَالَ: فَقلت لَهُ: يَا أَبَا عبد الله، لَا وَالله، وَلَا فِي معترك الرشيد وَأم جَعْفَر يكون هَذَا. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: أنشدت أَبَا الْهُذيْل: وَإِذا توّهم أَن يَرَاهَا نَاظر ... ترك التوّهم وَجههَا مكلوما فَقَالَ يَنْبَغِي أَن تناك هَذِه بأير من خاطر. وأنشدت النظام: غذا همّ النديم لَهُ بلحظ ... تمشّت فِي مفاصله الكلوم فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي أَن ينادم هَذَا إِلَّا الْأَعْمَى. لما قتل مسلمة بن عبد الْملك يزِيد بن الْمُهلب قَالَ ثَابت قطنة يرثيه: يَا لَيْت أسرتك الَّذين تغيّبوا ... كَانُوا ليومك بالعراق شُهُودًا فَقَالَ مسلمة: وَأَنا - وَالله - وددت حَتَّى أسقيهم بكأسه. أنْشد عبد الْملك قَول بعض الْخَوَارِج: وَمنا سِنَان الْمَوْت وَابْن عُوَيْمِر ... ومرّة فَانْظُر أَي ذَاك تعيب؟

فَقَالَ عبد الْملك: كل ذَاك أعيب. لما أسلمت رَملَة ابْنة شيبَة بن ربيعَة قَالَت هِنْد بنت عتبَة فِيهَا: تدين لمعشر قتلوا أَبَاهَا ... أقتل أَبِيك جَاءَك بِالْيَقِينِ؟ فَقَالَت: نعم، قَتله جَاءَنِي بِالْيَقِينِ. وقف أَعْرَابِي من بني فقعس على جمَاعَة يسألهم - وعَلى عُنُقه جراب - وَعَلِيهِ خرقَة لَا تواري عَوْرَته، وَأنْشد: كساني فقعس وكسا بنيه ... عطاف الْمجد إِن لَهُ عطافا فَقَالَ لَهُ ابْن أبي حُصَيْن: أَفلا كساك خرقَة تُواري بهَا عورتك؟ لما قَالَ جرير: صَارَت حنيفَة أَثلَاثًا فثلثهم ... من العبيد وَثلث من مواليها قيل لرجل من بني حنيفَة: من أَي الأثلاث أَنْت؟ قَالَ: من الثُّلُث الملغيّ. أنْشد ابْن أبي عَتيق قَول عمر بن أبي ربيعَة: حبذا أَنْت يَا بغوم وأسما ... ء وليل بضمّنا وخلاء فَقَالَ: وقمقم يسخّن فِيهِ المَاء. أنْشد عبد الْملك قَول بعض الْخَوَارِج: فمنّا يزِيد والبطين وقعنب ... وَمنا أَمِير الْمُؤمنِينَ شبيب وَمنا سِنَان الْمَوْت وَابْن عُوَيْمِر ... ومرّة فَانْظُر أَي ذَاك تعيب فَقَالَ عبد الْملك: كل ذَاك أعيب.

عُرض على بِلَال بن أبي بردة الْجند، فَمر بِهِ رجل من بني نمير مَعَه رمح قصير، فَقَالَ لَهُ بِلَال: يَا أَخا بني نمير، مَا أَنْت كَمَا قَالَ الشَّاعِر: لعمرك مَا رماح بني نمير ... بطائشة الصُّدُور وَلَا قصار فَقَالَ أصلح الله الْأَمِير، ماهو لي، إِنَّمَا استعرته من رجل من الْأَشْعَرِيين. وَلما قَالَ إِسْمَاعِيل بن يسَار فِي قصيدته الَّتِي يفتخر فِيهَا بالفرس على الْعَرَب: إِذْ نربي بناتنا وتدسّو ... ن سفاهاً بناتكم فِي التُّرَاب قَالَ لَهُ العربيّ: لِأَن حاجتنا للبنات غير حَاجَتكُمْ. يَعْنِي أَن الْفرس تنْكح بناتهم. كتب عَليّ بن الجهم إِلَى جَارِيَة كَانَ يهواها: خَفِي الله فِيمَن قد تبلت فُؤَاده ... وتيمته حَتَّى كَأَن بِهِ سحرًا دعِي الْبُخْل لَا أسمع بِهِ مِنْك إِنَّمَا ... سَأَلتك شَيْئا لَيْسَ يُعري لكم ظهرا فَكتبت إِلَيْهِ على ظهر الرقعة: إِن لم يعر لنا ظهرا فَإِنَّهُ يمْلَأ لنا بَطنا. قَالَ مُحَمَّد بن الْحَارِث: كَانَ علوّية بعيد الخجل، صفيق الْوَجْه، لَا يكَاد يخجله شَيْء، فَاجْتَمَعْنَا يَوْمًا عِنْد المعتصم ومعنا إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي، فَلَمَّا خرجنَا قَالَ إبراهي لعلوية: هَل أحدثت شَيْئا من الْغناء؟ قَالَ: صنعت: إِذا كَانَ لي شَيْئَانِ يَا أم مَالك ... فَإِن لجاري مِنْهُمَا مَا تخيّرا وَفِي وَاحِد إِن لم يكن غير وَاحِد أرَاهُ لَهُ أَهلا وَإِن كنت مُعسرا

فَقَالَ إِبْرَاهِيم: وَإِن كَانَ امْرَأَتك كَانَت؟ فَانْقَطع علوِيَّة انْقِطَاعًا قبيحاً، وخجل حَتَّى لم ينفع نَفسه ذَلِك الْيَوْم. أنْشد الرشيد قَول ابْن عُيَيْنَة: لقد قُنّعت قحطان خزياً بخالدفهل لَك فِيهِ يخزك الله يَا مُضر؟ فَقَالَ: لَا، بل تؤثرون بِهِ وتكرمون. سمع مُحَمَّد بن مُوسَى المنجم قَول عديّ بن الرّقاع: وَعلمت حَتَّى لست أسأَل وَاحِدًا ... عَن علم وَاحِدَة لكَي أزدادها فَقَالَ مُحَمَّد: أَنِّي رَأَيْته فاعرض عَلَيْهِ أَصْنَاف الْعُلُوم، فَكلما مر بِهِ مَا لَا يُحسنه صفعته. سَمِعت سكينَة بنت الْحُسَيْن - عَلَيْهِ السَّلَام - قَول العرجي: يقعدن فِي التطواف آونةً ... ويطفت أَحْيَانًا على فتر فنزعن عَن سبع وَقد جثهدت ... أحشاؤهنّ: موائل الْخمر فَقَالَت لِلْجَارِيَةِ: قولي لَهُ: وَيحك! لَو طَاف الْفِيل بِهَذَا الْبَيْت لجهدت أحشاؤه. بصر الفرزدق بجرير محرما فَقَالَ: وَالله لأفدنّ على ابْن المراغة حجّه، ثمَّ جَاءَ مُسْتَقْبلا لَهُ فجهره بمشقص كَانَ مَعَه، ثمَّ قَالَ: إِنَّك لَاق بالمشاعر من منى ... فخاراً فخبّرني بِمن أَنْت فاخر؟ فَقَالَ جرير: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك. وَلم يجبهُ.

وَلما قَالَ جرير: أعياش قد ذاق القيون مواسمي ... وأرقدت نَارِي فادن دُونك فاصطل قَالَ عَيَّاش: إِنِّي إِذا لمقرور، فغلب عَلَيْهِ. وَقَامَ عبد الله بن الْحجَّاج الثَّعْلَبِيّ إِلَى عبد الْملك، فَقَالَ: أدنو لترحمني، وتجبر خلّتي ... وأراك تدفعني، فَأَيْنَ المدفع؟ فَقَالَ عبد الْملك: إِلَى النَّار. قَالَ إِسْحَاق الْموصِلِي: أَنْشدني ابْن كُناسة لنَفسِهِ: لقد كَانَ فِيهَا للأمانة مَوضِع ... وللكف مرتاد، وللعين منظر فَقلت: مَا بَقِي شَيْء. قَالَ: فَأَيْنَ الْمُوَافقَة؟ . قَالَ صَالح بن حسان للهيثم بن عدي: أعلمت أَن النَّابِغَة كَانَ مخنثاً؟ فَقَالَ: كَيفَ ذَاك؟ قَالَ: لقَوْله: سقط النصيف وَلم تُرد إِسْقَاطه ... فتناولته واتقتنا بِالْيَدِ وَالله مَا يحسن هَذِه الْإِشَارَة إِلَّا مخنث. فَسمع ذَلِك رجل من قيس، فَقَالَ: بل صَاحبك الْأَعْشَى هُوَ المخنث حَيْثُ يَقُول: قَالَت هُرَيْرَة لما جِئْت زائرها: ويلي عَلَيْك، وويلي مِنْك يَا رجل قَالَ يزْدَاد بن المتطبب: أَبُو الْعَتَاهِيَة أشعر النَّاس فِي قَوْله: فتنقّست ثمَّ قلت: نعم، حُب ... باً جرى فِي الْعُرُوق عرقاً فعرقا فَقَالَ لَهُ بعض الظرفاء: صَار عنْدك أشعر النَّاس من طَرِيق الْمحبَّة وَالْعُرُوق.

الباب الرابع عشر امثال ونوادر علي لسان البهائم

الْبَاب الرَّابِع عشر أَمْثَال ونوادر على لِسَان الْبَهَائِم قَالُوا: عيّر ثَعْلَب لبؤةً بِأَنَّهَا إِنَّمَا تَلد فِي عمرها جرواً وَاحِدًا. فَقَالَت: نعم، إِلَّا أَنه أَسد. قَالُوا: يَقُول الأرنب: أَنا أسْرع عدوا من كل كلب، وَلَوْلَا أَنِّي ألتفت - فَأرى اللحي الَّتِي تركض أَصْحَابهَا خَلْفي، وأسمع صِيَاحهمْ، وَأرى اجتهادهم، فَيَقَع عليّ الضحك تَعَجبا من عُقُولهمْ، فأسترخي - لما لَحِقَنِي قطّ كلب. قَالُوا: صحب ذِئْب وثعلب أسداً، فاصطادوا عيرًا وظبياً وأرنبا، فَقَالَ الْأسد للذئب: اقْسمْ هَذَا بَيْننَا. فَقَالَ: العير لَك، والظبي لي، والأرنب للثعلب. فَغَضب الْأسد، وَأخذ الذِّئْب حَتَّى قطع رَأسه، وَقَالَ للثعلب: اقسمه أَنْت. فَقَالَ: العير لغدائك، والظبي لعشائك، والأرنب تتفكّه بِهِ فِي اللَّيْل. فَقَالَ: من علّمك هَذِه الْقِسْمَة العادلة؟ فَقَالَ: رَأس الذِّئْب الَّذِي بَين يَديك. قَالُوا: وجد بعير وأرنب وثعلب جبنة، فَاصْطَلَحُوا على أَن تكون لأكبرهم سنّاً، فَقَالَ الأرنب: أَنا ولدت قبل أَن خلق الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض. فَقَالَ الثَّعْلَب: صدق فَإِن حضرت وَقت وِلَادَته، فَأخذ الْبَعِير الجبنة بِفِيهِ، وَرفع رَأسه وَقَالَ: من رَآنِي يعلم أَنِّي لم أولد البارحة. قيل للثعلب: تحمل كتابا إِلَى الْكَلْب وَتَأْخُذ مائَة دِينَار؟ فَقَالَ: أما الْكِرَاء فوافر، وَلَكِن الطَّرِيق مخوف. وَقع فِي شرك صياد ثعلبان، فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: يَا أخي، أَيْن نَلْتَقِي؟ قَالَ: فِي الفرّائين بعد ثَلَاثَة أَيَّام.

دخل كلب مَسْجِدا خرابا، فَبَال على الْمِحْرَاب، وَفِي الْمَسْجِد قرد نَائِم، فَقَالَ للكلب: أما تخَاف الله؟ تبول فِي الْمِحْرَاب {قَالَ الْكَلْب: مَا أحسن مَا صورك حَتَّى تتعصب لَهُ} . قَالُوا: إِن جدياً وقف على سطح يشْتم ذئباً فِي الأَرْض. فَقَالَ لَهُ الذِّئْب: لست الَّذِي يَشْتمنِي، وَلَكِن مَكَانك يفعل ذَلِك. وَقَالُوا: إِن ثعلباً تعلّق بعوسجة ليصعد حَائِطا، فعقرته، فَأقبل يلومها. فَقَالَت: يَا هَذَا، لم تفسك فِي التَّعَلُّق بِمَا يتَعَلَّق بِكُل شَيْء. كَانَ رجل من بني أَسد يُسَايِر عَاملا للبند نيجين، فمرّا بدار خربة عَلَيْهَا بومتان تصفران، فَقَالَ الْعَامِل: لَيْت شعري مَا يَقُولَانِ؟ فَقَالَ الْأَسدي: إِن أمّنتني أَخْبَرتك. قَالَ: فَأَنت آمن. قَالَ: خطب أَحدهمَا، وَهُوَ الذّكر، الْأُخْرَى، وَهِي الْأُنْثَى، على ابْنه. فَقَالَت: قد زَوجتك على مِائَتي خربة. قَالَ: وَمن أَيْن لي مِائَتَا خربة؟ فَقَالَت: إِن بَقِي هَذَا الْعَامِل علينا إِلَى آخر السّنة فَأَنا أُعطيك خَمْسَة آلَاف خربة. فَغَضب الْعَامِل لذَلِك، وَقَالَ: لَوْلَا الْأمان لقتلتك. عدا كلب خلف ظَبْي، فَقَالَ لَهُ الظبي: إِنَّك لَا تلحقني. قَالَ: لم؟ قَالَ: لِأَنِّي أعدو لنَفْسي، وَأَنت تعدو لصاحبك. قَالُوا: قَالَت الخنفساء لأمها: مَا أمرّ بِأحد إِلَّا بزق عليّ. قَالَت: من حُسنك تُعوّذين. قَالُوا: قبض كلب على أرنب، فَقَالَ الأرنب: وَالله مَا فعلت بِي هَذَا لقوتك، وَلَكِن لضعفي. وَقَالُوا: صَاد رجل قُنبرةً، فَلَمَّا صَارَت فِي يَده قَالَت: مَا تُرِيدُ أَن تصنع بِي؟ قَالَ: أُرِيد أَن أذبحك وآكلك. قَالَت: فَإِنِّي لَا أُشفي من قرم، وَلَا أُشبع من جوع، وَإِن تَرَكتنِي علّمتك ثَلَاث كَلِمَات هِيَ خير لَك من أكلي، أما الأولى فأُعلّمك وَأَنا فِي يدك، وَأما الثَّانِيَة فأعلمك وَأَنا على الشَّجَرَة، وَالثَّالِثَة إِذا صرت على الْجَبَل. فَقَالَ: هَاتِي. فَقَالَت: لَا تلهفنّ على مَا فاتك. فَتَركهَا وَصَارَت

على الشَّجَرَة، ثمَّ قَالَت: لَا تُصدقنّ بِمَا لَا يكون، ثمَّ قَالَت: يَا شقيّ، لَو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درّتين هما خير لَك من كنز. فعضّ على شَفَتَيْه متلهفاً، ثمَّ قَالَ: علميني الثَّالِثَة. فَقَالَت: أَنْت قد أُنسبت الثِّنْتَيْنِ، فَكيف أعلّمك الثَّالِثَة؟ ألم أقل لَك: لَا تتلهفنّ على مَا فاتك، وَلَا تُصدقنّ بِمَا لَا يكون؟ أَنا وريشي ولحمي لَا أكون زنة درّتين، فَكيف يكون فِي حوصلتي ذَاك؟ ثمَّ طارت فَذَهَبت. كَانَ أَبُو أَيُّوب الموريانيّ وَزِير الْمَنْصُور إِذا دَعَاهُ الْمَنْصُور يُصفرّ ويرعد مَعَ مَكَانَهُ مِنْهُ، ومحلّه عِنْده - فَقيل لَهُ فِي ذَلِك. فَقَالَ: - مثلي ومثلكم فِي هَذَا مثل باز وديك تناظرا، فَقَالَ الْبَازِي: مَا أعرف أقل وَفَاء مِنْك. قَالَ: وَكَيف؟ قَالَ: تُؤْخَذ بَيْضَة، فيحضنك أهلك وَتخرج على أَيْديهم، فيطعمونك بأكفهم، ويحسنون إِلَيْك، حَتَّى إِذا وجدت مِنْهُم غَفلَة طرت، وَصحت وعلوت الْحِيطَان، وَفَارَقت الدَّار الَّتِي كَبرت فِيهَا إِلَى غَيرهَا، وَأَنا أوخذ من الْجبَال، فأوثق، وتُحاط عينيّ، وأُطعم الشَّيْء الْيَسِير، وأؤنس يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ، ثمَّ أُطلق على الصَّيْد، فأطير وحدي، وَآخذه لصاحبي، وأُمسكه عَلَيْهِ، وأعود إِلَى مَكَاني. فَقَالَ لَهُ الديك: ذهب عَلَيْك الصَّوَاب، أَنْت وَالله لَو رَأَيْت على السَّفَافِيد من البزاة الْيَسِير من الْكثير الَّذِي أرَاهُ من الديكة، مَا عدت عَلَيْهِم قطّ - وَلَكِن لَو عَرَفْتُمْ من الْمَنْصُور مَا أعرفهُ لكنتم أَسْوَأ حَالا مني عِنْد طلبه لكم. وَقَالَ الثَّعْلَب: إِذا كَانَ البخت مُقبلاً كَانَ الْكَرم حَامِلا، وحافظ الْكَرم نَائِما، وَالنّهر مادّا، وَالْقَمَر زاهرا. وَقَالُوا: لَو كَانَ عِنَب الثَّعْلَب حُلواً مَا تركته الثعالب فِي الصحارى.

الباب الخامس عشر نوادر ونكت للمتكلمين

الْبَاب الْخَامِس عشر نَوَادِر ونكت للمتكلمين حكى الصاحب - رَحمَه الله - أَنه كَانَ فِي أَصْحَاب أبي الْهُذيْل غُلَام يعرف بِعَبْد الله الْفَارِسِي، فَدَعَاهُ يَوْمًا يحيى بن أصفح - وَكَانَ رَأس المُجبرة - إِلَى دَعوته، فأكلا، وَدعَاهُ إِلَى الشَّرَاب فَأَجَابَهُ وَشرب مَعَه، وَأَرَادَ يحيى أَن يُسكر الْغُلَام ويعدّه، فَسَكِرَ قبل الْغُلَام، فَقَامَ إِلَيْهِ الْغُلَام، وَفعل مَا أَرَادَ يحيى أَن يَفْعَله. وَأخذ قِطْعَة رقّ، وَكتب عَلَيْهَا: فعلة جَاءَت لعمري مُنكرهنيك شيخ من شُيُوخ الْمُجبر قدرَة أوجبت الْفِعْل وَلم ... يكن الله ليأبى قدره وألصقها بجبهته، فَلَمَّا أَفَاق وَرَأى ذَلِك قَالَ: لعن الله الْقَدَرِيَّة جِئْنَا ننيكهم، ناكونا.

قَالَ رجل لعَمْرو بن عبيد: إِنِّي لأرحمك مِمَّا يَقُول النَّاس فِيك. قَالَ: فَمَا تسمعني أَقُول؟ قَالَ: مَا أسمعك تَقول إِلَّا خيراًز قَالَ: فإياهم فارحمم. ومرّ بِجَمَاعَة عكوف فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: سَارِق يُقطع. فَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله! سَارِق السِّرّ يقطعهُ سَارِق الْعَلَانِيَة. قَالَ رجل لثمامة: لم كفر الْكَافِر؟ فَقَالَ: الْجَواب عَلَيْهِ. وَقَالَ هِشَام بن الحكم - وَكَانَ يَقُول بالجسم - لأبي الْهُذيْل: مَا الدَّلِيل على أَن الْبَارِي - عز وجلّ - لَيْسَ بجسم؟ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا نصف لَهُ. قَالَ أَبُو شمر: مَا شَككت فِي شَيْء قطّ. قَالَ النظام: لكني مَا شَيْء إِلَّا شَككت فِيهِ. ففضّل النَّاس قَول النظام. نَاظر بختويه الْجند يسابوري عَافِيَة بن شبيب البصريّ، فَقَالَ بختويه: مَا دليلك على إِثْبَات الْخَالِق؟ فَقَالَ: شَعْرَة أمك الَّتِي تحلقها فتنبت، فَلَو لم يكن لَهَا منبت لم تنْبت. قَالَ بختويه: فَيَنْبَغِي أَن يكون بظر أمك حِين قُطع فَلم ينْبت دَلِيلا على أَنه لَا منبت. قَالَ بعض وُلَاة الْبَصْرَة بَينا أَنا فِي مجلسي إِذْ سَمِعت صَحِيحَة عَظِيمَة ظَنَنْت أَنَّهَا فتْنَة، فَإِذا شيخ قد لبّب رجلا شَابًّا، فَلَمَّا دنيا مني قلت للشَّيْخ: مَا شَأْنك؟

قَالَ: شَتَمَنِي وَشتم أبويّ، قَالَ: كَانَا يجمعان بَين الزَّانِي والزانية. قَالَ: فَقلت للشاب: مَا تَقول؟ قَالَ: صدق، وَقد فعلت ذَلِك، وَكَانَت خَطِيئَة، وَأَنا أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ، فَإِن عَفا وَإِلَّا فَأَنا بَين يَديك، خُذ لَهُ بِحقِّهِ مني. قَالَ الشَّيْخ: قد عَفَوْت عَنهُ. فَلَمَّا أَرَادَ الشَّيْخ أَن يقوم سَأَلَهُ الشَّاب أَن يجلس. فَقلت: مَا بالك؟ قَالَ: قد قلت فِي أَبَوَيْهِ مَا قلت، واستغفرت الله من ذَلِك، وَهُوَ يزْعم أَن الله يجمع بَين الزَّانِي والزانية، فليستغفر الله من ذَلِك. قَالَ: فجهدنا بالشيخ أَن يسْتَغْفر مِنْهُ فَأبى. وَإِذ أَن الْكَلَام قد جرى بَينهمَا فِي الْعدْل والجبر، وَكَانَ الشَّيْخ مجبرا. قَالَ رجل من الْمُجبرَة: مَا سرق حماري بعد الله إِلَّا فلَان. فَقَالَ لَهُ آخر: قد وَقعت على أحد السارقين، فَخذ فِي طلب الآخر. قيل لمُحَمد بن وَاسع: مَا تَقول فِي الْقدر؟ فَقَالَ: إِن الله تَعَالَى إِذا جمع الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة سَأَلَهُمْ عَمَّا عهد إِلَيْهِم، وَلم يسألهم عَمَّا قضى عَلَيْهِم. وَقَالَ آخر: إِذا جمع الله الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة سَأَلَهُمْ عَمَّا فَعَلُوهُ، وَلم يسألهم عَمَّا فعل هُوَ بهم. قَالَ الشغافيّ: كَانَ عندنَا نَصْرَانِيّ خَبِيث يتَكَلَّم ويناظر، فَكَانَ إِذا أَتَاهُ مجبر ليناظره قَالَ: أَنْت تزْعم أَن الله خلق كُفري، وَأَنِّي لَا أقدر على الْإِسْلَام. فَمَا معنى مناظرتي؟ وَإِذا أَتَاهُ معتز لي قَالَ: خُذ سِلَاحك حَتَّى آخذ سلاحي؛ فَإِن الْأَمر بيني وَبَيْنك جد. قَالَ بَعضهم: سَمِعت مجبراً يَقُول - وَقد احْتج عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ، وَاحْتج هُوَ أَيْضا بِالْقُرْآنِ. فَقيل لَهُ: أَتَرَى الَّذِي تلونا عَلَيْك ينْقضه مَا تلوته علينا؟ - فَقَالَ: لَا، وَلَكِن إِذا خلط رَبنَا علينا فَلَا بُد من أَن يخلّط عَلَيْكُم. وَقَالَ الشغافيّ: حضر أَبُو عبد الرَّحْمَن الحبلي عِنْد بعض الْوُلَاة بِالْبَصْرَةِ، وَحضر رجل من الْمُجبرَة، فَأتي الْوَالِي بطرّاز أَحول. فَقَالَ الْوَالِي للمجبر: مَا ترى فِيهِ؟ قَالَ: أرى أَن تضربه عشْرين درّة. فَقَالَ لأبي عبد الرَّحْمَن: مَا ترى؟ قَالَ: أرى أَن تضربه أَرْبَعِينَ: عشْرين لطرّه، وَعشْرين لحوله. فَقَالَ: يَا أَبَا

عبد الرَّحْمَن، أأضربه على الْحول؟ قَالَ: نعم، إِذا كَانَا جَمِيعًا من خلق الله: الطر والحول، فَمَا جعل الله الضَّرْب على أَحدهمَا أَحَق مِنْهُ على الثَّانِي. قَالَ دَاوُد الْأَصْبَهَانِيّ للموفق: أصلح الله الْأَمِير، لقد أهلك أَبُو مخالد النَّاس. فَقَالَ لَهُ: الله أم أَبُو مخالد أهلكهم؟ سَأَلَ رجل أَبَا الْهُذيْل، فَقَالَ: أَفعَال الْعباد مخلوقة؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمن خلقهَا؟ قَالَ أَبُو الْهُذيْل: أَنْت مشجوج؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمن شجك؟ قيل للنظام: أتناظر أَبَا الْهُذيْل؟ قَالَ: نعم، وأطرح لَهُ رخاء من عَقْلِي. سُئِلَ بعض الْمُتَكَلِّمين عَن النَّفس فَقَالَ: هِيَ النَّفس. وَسُئِلَ عَن الرّوح فَقَالَ: هِيَ الرّيح. فَقَالَ السَّائِل: فعلى هَذَا كَمَا تنفس الرجل خرجت نَفسه، وَكلما ضرط خرجت روحه، فَانْقَلَبَ الْمجْلس ضحكاً. قَالَ عُثْمَان الطَّوِيل: جَاءَ عَمْرو بن عبيد إِلَى أبي عَمْرو بن الْعَلَاء فَقَالَ: هَل تعرف فِي كَلَام الْعَرَب أَن أحدا فرّط فِيمَا لَا يثدر عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن قَول الله تَعَالَى: " يَا حسرتا على مَا فرّطت فِي جنب الله " أفرّط فِيمَا قدر عَلَيْهِ، أَو فِيمَا لَا يقدر عَلَيْهِ؟ قَالَ أَبُو عَمْرو لأَصْحَابه: قد أبان لكم أَبُو عُثْمَان الْقدر بحرفين. سَأَلَ بعض الْمُجبرَة أَبَا الْهُذيْل العلاف: من يجمع بَين الزَّانِي والزانية؟ فَقَالَ: أما عندنَا بِالْبَصْرَةِ فالقوّادون. اجْتمع مُحَمَّد بن جرير الطبريّ مَعَ أبي الْقَاسِم الْبَلْخِي الْمُتَكَلّم عِنْد

الدَّاعِي، أَو النَّاصِر، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بن جرير: كم فِي خمس من الْإِبِل؟ قَالَ أَبُو الْقَاسِم: لَيْسَ هَذَا من صناعتي. وَلَكِنِّي مَعَ ذَلِك أَقُول: فِيهَا شَاة. قَالَ: فأسألك عَن صناعتك. أَخْبرنِي عَن هَذَا الْعَالم بأسره، أَلَيْسَ هُوَ ملك الله عز وجلّ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَيملك مَا لم يخلقه؟ - يُرِيد أَفعَال الْعباد - قَالَ أَبُو الْقَاسِم: فَأَخْبرنِي عَن هَؤُلَاءِ الْقيام من العبيد، أَلَيْسَ هم ملك النَّاصِر؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فخلقهم؟ فَانْقَطع ابْن جرير وخجل. فَقَالَ لَهُ النَّاصِر: هلاّ بَرِئت إِلَيْهِ من صناعته كَمَا برِئ إِلَيْك من صناعتك وَلم يزاحمك فِيهَا؟ . كَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول: كَانَ لبيد مجبراً، وَكَانَ الْأَعْشَى عدلّيا وَأنْشد للبيد: من هداه سبل الْخَيْر اهْتَدَى ... ناعم البال، وَمن شَاءَ أضلّ وللأعشى: اسْتَأْثر الله بِالْوَفَاءِ وبال ... عدل، وولّى الْمَلَامَة الرجلا قَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين: دخانا على فينون النَّصْرَانِي، وَجرى ذكر ابْن كلاب الْمُتَكَلّم، فَقَالَ: رَحمَه الله، عني أَخذ مذْهبه فِي تِلْكَ الرِّوَايَة وَلَو عَاشَ نصّرنا الْمُسلمين. قَالَ رجل من أهل الْكُوفَة لهشام بن الحكم: أَتَرَى الله جلّ ثَنَاؤُهُ فِي فَضله وعدله وَكَرمه كلفنا مَا لَا نطيق ثمَّ يعذبنا عَلَيْهِ؟ قَالَ: قد فعل، وَلَكِن لَا نستطيع أَن نتكلم. قَالَ أَبُو عُثْمَان: كَانَ أَبُو إِسْحَاق النظام أضيق النَّاس صَدرا بِحمْل سر، وَكَانَ شَرّ مَا يكون إِذا يُؤَكد عَلَيْهِ صَاحب السِّرّ، وَكَانَ إِذا لم يُؤَكد عَلَيْهِ نسي الْقِصَّة، فَيسلم صَاحب السِّرّ.

وَقَالَ لَهُ مرّة قَاسم التمار: سُبْحَانَ الله {مَا فِي الأَرْض أعجب مِنْك، أودعنّك سرا فَلم تصبر عَن نشره يَوْمًا وَاحِدًا؟ وَالله لأشكونّك فِي النَّاس. فَقَالَ: يَا هَؤُلَاءِ سلوه، نممت عَلَيْهِ مرّة ومرتين وَثَلَاثًا وأربعا فَلِمَنْ الذَّنب الْآن؟ فَلم يرض أَن يُشاركه فِي الذَّنب حَتَّى صيّر الذَّنب كلّه لصَاحب السِّرّ. كَانَ وَاصل بن عَطاء طَوِيل الْعُنُق، فيروى عَن عَمْرو بن عبيد أَنه نظر إِلَيْهِ من قبل أَن يكلمهُ فَقَالَ: لَا يفلح هَذَا مَا دَامَت عَلَيْهِ هَذِه الْعُنُق. وَكَانَ وَاصل ألثغ، قَبِيح اللثغة فِي الرَّاء، فحذفها من كَلَامه؛ لاقتداره. وَمِمَّا حُكي عَنهُ أَنه ذكر بشاراً فَقَالَ: أما لهَذَا الْأَعْمَى المُكتني بِأبي معَاذ من يقْتله؟ أما وَالله لَوْلَا أَن الغيلة خلق من أَخْلَاق الغالية لبعثت إِلَيْهِ من يبعج بَطْنه على مضجعه، ثمَّ لَا يكون إِلَّا سدوسيّاً أَو عُقيليّاً} . فَقَالَ: الْأَعْمَى وَلم يقل: الضَّرِير، وَقَالَ: المكتني وَلم يقل: بشار، وَقَالَ: الغالية وَلم يقل: المغيرية وَلَا المنصورية، وَقَالَ لبعثت وَلم يقل: لأرسلت، وَقَالَ: على مضجعه وَلم يقل: على فرَاشه، وَذكر بني عقيل؛ لِأَن بشاراً كَانَ يتوالى إِلَيْهِم. قَالَ مُحَمَّد بن الجهم للمكي صَاحب النظام: أَرَاك مستبصراً فِي اعْتِقَاد الْجُزْء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ، فَيَنْبَغِي أَن يكون عنْدك حَقًا حَقًا. قَالَ: أما أَن يكون عِنْدِي حَقًا حَقًا فَلَا، وَلكنه عِنْدِي حق.

وَكَانَ مُحَمَّد بن الجهم قد ولاّه موضعا فِي كسكر، فَكَانَ الْمَكِّيّ لَا يُحسن أَن يسمّي ذَلِك الْمَكَان وَلَا يتهجاه وَلَا يَكْتُبهُ وَلَا يقرأه، وَكَانَ اسْم الْموضع شاتمشنا. قَالَ الْحجَّاج يَوْمًا: عليّ بعدوّ الله: معبد الجهمي - وَكَانَ فِي حَبسه، قد حَبسه فِي الْقدر - فأُتي بشيخ ضَعِيف فَقَالَ لَهُ: تثكذّب بِقدر الله؟ قَالَ: أَيهَا الْأَمِير، مَا أحب لَك أَن تكون عجولاً. إِن أهل الْعرَاق أهل بهت وبُهتان، وَإِنِّي خالفتهم فِي أَمر فشهّروا عليّ. قَالَ: وفيم خالفتهم؟ قَالَ: زَعَمُوا أَن الله قدّر عَلَيْهِم وَقضى قتل عُثْمَان، وَزَعَمت أَنا أَنهم كذبُوا فِي ذَلِك. قَالَ: صدقت أَنْت وكذبوا. خلّوا سَبيله.

الباب السادس عشر نوادر ابي العبر

الْبَاب السَّادِس عشر نَوَادِر أبي العبر قيل لَهُ: قد أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ بردّ الْمَظَالِم. قَالَ: فَقولُوا لَهُ: يردّ على سُورَة بَرَاءَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. عهد لأبي العبر من أبي العبر الرقيع ذِي الْحسب الرفيع لأبي الْعجل الوضيع: إِنِّي ولّيتك خراج ضيَاع الْهَوَاء، ووكّلت بك الْبلَاء، وفوّضت إِلَيْك مساحة سَحَاب الْهَوَاء، وعدّ ثمار الْأَشْجَار، وَكيل مَاء الْأَنْهَار، وَحفظ طراز الأوقار، وإحصاء حُمام الفار، وحدقات البوم، وورق الزقّوم، وَقِسْمَة الشوم بَين الْهِنْد وَالروم. وأجريت فِي ذَلِك لَك من الأرزاق بُغض أهل الحمص لأهل الْعرَاق، وأمرتك أَن تجْعَل ديوانك بالمغرب ومجلسك بإفريقية، وَعِيَالك بِمَيْسَان، وإصطبلك بأصبهان، ومطبخك بحرّان، وَبَيت مَالك بسجستان. وخلعت عَلَيْك خفّي حُنين، وقميصاً من الدّين، وسيفاً من حِين، وَسَرَاويل من شين، وعمامةً من سُخنة عين، وحملتك على حمَار مَقْطُوع الذَّنب والأذنين، مكوّر الرجلَيْن. وأمرتك أَن تَطوف على عَمَلك فِي كل يَوْم مرَّتَيْنِ. وَكتب الْأَرْبَعَاء غَدَاة الْأَحَد بعد الْعَصْر لست مَضَت من شهر ربيع الأول سنة ثَمَانِينَ إِلَّا مِائَتَيْنِ. وَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس ثَعْلَب: الظبي معرفَة أَو نكرَة؟

قَالَ: إِن كَانَ مشويّاً مَوْضُوعا على الْمَائِدَة فَهُوَ معرفَة، وَإِن كَانَ فِي الصَّحرَاء فَهُوَ نكرَة. قَالَ أَبُو العبر: سَأَلت أَبَا الجحش فَقلت: أَيهَا الْحَكِيم، لم صَار الديك بالغدوات يرفع إِحْدَى رجلَيْهِ دون الْأُخْرَى؟ فَقَالَ: لِأَنَّهُ لَو رفعهما جَمِيعًا لسقط. قَالَ: وَقلت لَهُ: أَي شَيْء لَا يُمكن أَن تلحم بِهِ؟ فَقَالَ: الهاون. دخل أَبُو العبر إِلَى مَالك بن طوق، وَمَالك لَا يعرفهُ، فَقَالَ: أَبُو من؟ قَالَ: أَبُو كل بصل. قَالَ: وَمَا هَذَا من الكنى؟ قَالَ: وَمَا أنْكرت؟ كم بَين كل ثوم وَبَين كل بصل؟ فَغَضب مَالك - وَكَانَت كنيته أَبُو كُلْثُوم - وَقَالَ: أَظُنك شارباً. قَالَ: بل إِنِّي صَاحب الكيلجة. قَالَ: خُذُوا مِنْهُ كَفِيل حَتَّى نَنْظُر فِي أمره. فَقَالَ: أَنا - أصلحك الله - إِنْسَان فَقير، فَخذ مني كشاة. قَالَ مَالك: وَيْلكُمْ! من هَذَا؟ خذوه. قيل: هَذَا أَبُو العبر. فسكن وعانقه. قَالَ: أما قبل: فَإنَّا وجدنَا فِي حِكْمَة أهل الشَّام أَنه لَا يَأْكُل إِنْسَان الْفَاكِهَة إِلَّا شرى أَو صَدَقَة أَو هَدِيَّة أَو سَرقَة. وَمن كَانَ فِي الْبَيْت لم ير النَّاس وَلم يروه إِلَّا أَن يدخلُوا إِلَيْهِ، أَو يخرج إِلَيْهِم. وَمَا أقلّ مَا تَجِد فِي مائَة يَهُودِيّ وَاحِدًا مُسلما. ويروى عَن أبي الزنبور بِأَن أول من يدْخل الْجنَّة من الْبَهَائِم الطنبور. قَالَ: وَكَيف ذَاك يَرْحَمك الله؟ قَالَ: لِأَنَّهُ فِي دَار الدُّنْيَا يُعصر حلقه، ويُعرك أذنَاهُ، ويُضرب بَطْنه فَيُقَال لَهُ يَوْم الْقِيَامَة: خُذُوا بِرجلِهِ ألقوه فِي الْجنَّة فَإِنَّهُ متعوب. وحدّث لبادة عَن أبي سوَادَة قَالَ: أول من يدْخل النَّار من الْبَهَائِم البرادة، لِأَنَّهَا تشرف على حرم الْجِيرَان السَّادة فتُحشر مَعَ المنجنيق والعرادة. وَقيل لَهُ، لم صَارَت دجلة أكبر من الْفُرَات؟ قَالَ: لِأَن الْقَلَم يكون فِي الدواة. وَقيل لَهُ: لم صَار الْجمل إِذا ضُربت استه صَاح رَأسه؟ قَالَ: لِأَن الأرزّ إِذا طبخوه أكلوه بسُكر، وَإِذا خبزوه أكلوه بمالح. قيل لَهُ: فَلم صَار كل أعرج يجمع؟ وَالْحب لَا يُشترى حَتَّى يُصفع؟ قَالَ: لِأَن المرآه ترى وَجهك فِيهَا، والسمكة لَا تأكلها حَتَّى تشويها.

قَالَ: إِذا أردْت أَن تعلّم ابْنك السباحة حَتَّى تَمُوت أَنْت وَجِيرَانك من الْعَطش، فَخذ رَطْل داذي، وأوقيتين حبك، وَثَلَاثَة أَربَاع نهر كرخايا، وثلّثه بتسع سَاعَات من لَيْلَة الميلاد، فيجيك خف وَاسع. وَإِذا أردْت أَن تعلّم ابْنك رمي النشاب فَلَا تعرف الْقوس من الطباطب فِي سيته، فَخذ رَطْل نورة، وشمعة مربعة، وَمَا أَدْرِي مَا أَقُول، وَقد - وَالله - تعلّمت، فَإِن أردتها حامضةً فاصرح فِيهَا شيا من مصل. رقية الزنبور إِذا رَأَيْته فاهرب مِنْهُ، فَإِن لسعك فقد لسعك، وَإِن لم يلسعك فَخذه وسل حُمته وطيّره. حِيلَة مجربة. خطْبَة نِكَاح الْحَمد لله المفرّق بَين الْأَحِبَّة، ومعيدهم إِلَى التربة، خَالق الْمَوْت. ومبدّد الشمل، ومبعّد الآمال من الْأَهْل وَالْأَوْلَاد، ومدني الْآجَال، إِلَى من كثرت عِنْده الْأَمْوَال. أَحْمَده وَأَسْتَعِينهُ، وأومن بِهِ وَأَتَوَكَّل عَلَيْهِ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَبده وَرَسُوله، وَأشْهد أَن كل شَيْء - لَا محَالة - زائل، وَمَا شَاءَ كَانَ من قَضَائِهِ، وَقد جعل الله لكل شَيْء سَببا، وَجعل سَبَب الطَّلَاق غَضبا، وَقد قَالَ عز وجلّ: " يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلّقتموهنّ من قبل أَن تمسوهنّ ". وَقَالَ: " يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقتم النِّسَاء فطلّقوهنّ لعدتهنّ ". فَعَلَيْكُم بالاقتداء بِمن كَانَ قبلكُمْ من الحمقى فقد سنّوا للحرّة حولا، وللأمة شهرا، فطلقوهن من بعد سنة وأخرجوهن من بُيُوتكُمْ، فقد قَالَ الأول: اذهبي قد قضيت مِنْك مرادي ... فَمَتَى شِئْت أَن تبيني فبيني واستبدلوا بهنّ فِي كل حول مرَّتَيْنِ؛ فَإِن ذَلِك أذهب لِلْمَالِ، وأسخن للعين. واحذروا كيدهنّ ومكرهنّ وخلافهنّ وعقوقهنّ، وعاملوهنّ بالسب، وتعاهدوهن بِالضَّرْبِ، إِن الله تَعَالَى يَقُول: " واهجروهن بالمضاجع واضربوهنّ " وَهَذَا فلَان بن فلَان.

قَالَ أَبُو العبر: كُنَّا نَخْتَلِف - وَنحن أَحْدَاث - إِلَى رجل يعلّمنا الْهزْل فَكَانَ يَقُول: أول مَا تُرِيدُونَ قلب الْأَشْيَاء. فَكُنَّا نقُول إِذا أصبح: كَيفَ أمسيت؟ وَإِذا أَمْسَى: كَيفَ أَصبَحت؟ وَإِذا قَالَ لِأَحَدِنَا: تعال إليّ تَأَخّر إِلَى خلف، وَإِذا قَالَ اذْهَبْ سعى بَين يَدَيْهِ. وَكَانَت لَهُ أرزاق يعْمل كتَابَتهَا فِي كل سنة، فعملها مرّة - وَأَنا مَعَه - فَلَمَّا فرغ من التوقيع فِيهَا، وَبَقِي الْخَتْم قَالَ لي: أتربها وهاتها. قَالَ: فمضيت وصببت عَلَيْهَا مَاء، فبطلت، فَلَمَّا رَآهَا قَالَ لي: وَيلك! مَا صنعت؟ قلت: مَا نَحن فِيهِ طول النَّهَار من عكس الْأَشْيَاء. فَقَالَ: وَالله لَا صحبتني، أَنْت أَجْهَل مني وأحمق.

الباب السابع عشر نوادر ابي العنبس

الْبَاب السَّابِع عشر نَوَادِر أبي العنبس كَانَ يَقُول: أَنا أقطع الْمُجبر بِمَسْأَلَة وَاحِدَة، أرفع يَدي بحذاء قَفاهُ وَأَقُول لَهُ: هَل أقدر على صفعك؟ فَإِن قَالَ: بلَى، فقد رَجَعَ عَن مذْهبه، وَإِن قَالَ: لَا، أعلمته اني قَادر على ذَلِك. قَالَ أَبُو العنبس: رَأَيْت رجلا يعرج، فَقلت لَهُ: مَالك؟ قَالَ: غَدا يُرِيد أَن يدْخل فِي رجْلي شوك. وَقَالَ: أَنا وَأخي توأمان، وَخرجت أَنا وَهُوَ من الصيمرة فِي يَوْم وَاحِد وَسَاعَة وَاحِدَة، وَدخلت أَنا وَهُوَ سر من رأى فِي وَقت وَاحِد، فولي هُوَ الْقَضَاء وصرت أَنا صفعانا، فَمَتَى يَصح أَمر النُّجُوم؟ . قَالَ أَبُو العنبس: سَمِعت حَمْدَوَيْه بنت الْخُرَاسَانِي فِي لَيْلَة كسوف وَهِي تبْكي، وتتضرّع وَتقول: يَا رب، عذّبني بِكُل شَيْء وَلَا تعذبني بالنَّار، اضربني بالفالج، ارمني بقاصمة الظّهْر، كل شَيْء وَلَا النَّار، أصرخ - وَالله - وأصيح إِن احترقت ثِيَابِي أبقى مُجَرّدَة {} . قَالَ: وَكَانَت مثل ياسمينة نقيّة أَو فضَّة مصفّاة إِلَّا أَنَّهَا كَانَت بلهاء.

قَالَ أَبُو العنبس: سَأَلت أَبَا الْفضل بن الراشدية الْحَنْبَلِيّ المتصوف، فَقلت: يَا أَبَا الْفضل، صف لي الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ: قوم أحرزوا براهينهم فِي الهرر، واستعملوا قبل ذَلِك الحذر، وَعَلمُوا ان الْأُمُور بِقَضَاء وَقدر. قلت: رَحِمك الله، فَصف لي أهل التَّوَكُّل. قَالَ: نعم، قوم تركُوا سَعَة الطَّرِيق، وسلكوا سبل الْمضيق، واستعملوا الْحَرَكَة بالشهيق، فَخرجت براهينهم وَلها بهيق. قلت: رَحِمك الله. فَمَا عَلامَة حب الْآخِرَة؟ قَالَ: أَن ترى أَعينهم ساهرة، وَقُلُوبهمْ طائرة، حَتَّى يضعوا الْبَرَاهِين فِي الْمَوَاضِع الغائرة. قلت: رَحِمك الله، فَمَا عَلامَة صدق الْمَوَدَّة؟ قَالَ: تراهم إِذا انكشفت حقائق الظُّهُور، وَبَلغت الْبَرَاهِين الصُّدُور، وَاشْتَدَّ الِاضْطِرَاب الْمَقْدُور، ظهر الكيد المستور، فَإِنَّهُ خرج من التَّنور. قلت: رَحِمك الله، فَمَا عَلامَة الرِّفْق؟ قَالَ: اللطف لإِخْرَاج الكيد من الْحَقِيقَة، إِذا كَانَت الطبيعة رقيقَة. قلت: فَمَا عَلامَة المؤيدين؟ قَالَ: إِذا كَانَ أول لَيْلَة من رَجَب، رَأَيْتهمْ قد جثوا على الركب، فوضعوا الْبَرَاهِين فِي الثقب، بِلَا كد وَلَا تَعب. قلت: فَمَا عَلامَة التقى؟ قَالَ: أَن ترى أَعينهم نَائِمَة، وَقُلُوبهمْ هائمة، وبراهينهم قَائِمَة. قلت: فَصف لي أهل الْإِخْلَاص؟ قَالَ: نعم، اعْلَم أَن لله عباداً عاينوا الْحَقَائِق بمكنون الْإِضْمَار، فَصَارَت الكمرات مِنْهُم كالمنار، وطلبوا الطَّرِيق إِلَى الِاعْتِبَار، فَالْتَفت السَّاق بالساق، وتبدت الأفخاذ بالزاق، فيا حسنهم فِي الشهيق والحنين، والزفير والأنين، حَتَّى إِذا صبّوا مَاء الصفاء، على حافات أَنهَار الْوَفَاء، وانتزعوا الْأَعْوَر الغريق، على رَأسه شَيْء أَحْمَر رَقِيق، فَذَاك عَلامَة التَّوْفِيق. قلت: فعلامة الْأَمَانَة؟ قَالَ: قوم أخرجُوا الكيد من السيدانة، وَهُوَ أَحْمَر مثل الرمانة. قلت: فعلامة الْخِيَانَة؟ قَالَ: إِذا وضع أحدهم الدِّرْهَم فِي الشدق والمرديّ فِي البثق، ثمَّ انتزعه بِرِفْق، رَأَيْت على رَأسه مثل الدبق. قلت: كَيفَ الطَّرِيق إِلَى الْمصر؟ قَالَ: أَن تَأْخُذ الشوذر بالقهر، فتضع البيرم فِي الْحفر، وتُظهر الِاضْطِرَاب عِنْد المتر، تنجو بذلك من أهوال يَوْم الْحَشْر. قلت: فعلامة

ضعف الْيَقِين؟ قَالَ: أَن تخرج الْبَرَاهِين من الورا، وَهِي مخضوبة بالخرا. قلت: فعلامة الصابرين؟ قَالَ: قوم أخذُوا براهين العارفين بأيمانهم، وأودعوها فِي مَكْنُون حقائقهم، فجالت فِي الظُّلُمَات، بفنون الحركات. فَلَمَّا دنا تدفق مَاء الْمحبَّة، فِي عُيُون رياض الْمَوَدَّة، ظهر الكيد المستور، وَهُوَ أَحْمَر مسرور. قلت: فعلامة أهل الْحزن؟ قَالَ: إِذا رَأَيْتهمْ فِي أَوْقَات السحر، قد أُولجت الْبَرَاهِين فِي الهرر، وتحركت الْجَوَارِح بِقدر، ثمَّ ظهر مَا استتر، شممت من الْقَوْم رَائِحَة القذر. قَالَ أَبُو العنبس: سَمِعت رجلا طَوِيل اللِّحْيَة يَقُول لآخر: لَيْسَ شعري من كَانَ القَاضِي على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ لَهُ الآخر: كَانَ هُوَ، عَلَيْهِ السَّلَام، القَاضِي بَين الْمُسلمين، والناظر فِي أُمُورهم. فَقَالَ الألحى: اسْكُتْ يَا أَحمَق، كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتقى خلق الله، وأعقل من أَن يدْخل فِي عمل السُّلْطَان. قَالَ أَبُو العنبس: كنت إِذا لقِيت حجاجاً الْكَاتِب أَقُول لَهُ: حيّا الله وَجها أَرَاك بِهِ. فَقيل لَهُ: إِن أَبَا العنبس يطنز بك يَقُول إِذا لقيك: حيّا الله وَجها أَرَاك بِهِ، وَإِنَّمَا يُرِيد وَجه نَفسه. فَقَالَ: أَنا لَهُ العاضّ حر أمّه. قَالَ: فَلَمَّا لَقِيَنِي بعد ذَلِك قلت لَهُ: - وَأَنا لَا أعلم أَنه قد فطن - حيّا الله وَجها أَرَاك بِهِ. فَقَالَ لي: وَلَكِن لَا حيّا الله وَجها أَرَاك بِهِ. فَقلت: وَلَا بيّاه.

الباب الثامن عشر نوادر لاصحاب الخطب والاذان والصلاه

الْبَاب الثَّامِن عشر نَوَادِر لأَصْحَاب الْخطب وَالْأَذَان وَالصَّلَاة جَازَ شيخ بِبَاب مَسْجِد، والمؤذن يُقيم الصَّلَاة، فَدخل يستغنم الْجَمَاعَة، فَلَمَّا نظر الْمُؤَذّن إِلَى شيهته ووقاره سَأَلَهُ أَن يتَقَدَّم وَيُصلي بهم، فَامْتنعَ، وَتقدم الْمُؤَذّن فصلى بهم، فَلَمَّا فرغ أقبل على الشَّيْخ وَقَالَ: مَا مَنعك أَن تصلي بِنَا وتكتسب أجرا مَعَ محلّك من السن؟ فَقَالَ: أَنا - وحقّك - إِذا كنت على غير طهر لَا أؤم بِالنَّاسِ. قيل لأعرابي: مَا قَرَأَ إمامكم البارحة؟ فَقَالَ: أوقع بَين مُوسَى وَهَارُون شرا وشمرّاً. قَرَأَ إِمَام فِي صلَاته " وَمن يكن الشَّيْطَان لَهُ قريناً فسَاء. . " وَركع. وَقَرَأَ آخر: " قل إِن كَانَ للرحمن ولد فَأَنا ... " وَركع. كَانَ بعض المغفلين يُؤذن فِي مَسْجِد، فَكَانَ إِذا فرغ من أَذَانه يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله، سُبْحَانَكَ، هَذَا بهتان عَظِيم. اسْتَأْجر أهل ضَيْعَة مُؤذنًا بِعشْرَة دَرَاهِم كل شهر، فاستزادهم فَقَالُوا: لَا نزيدك، وَلَكِن نسامحك حيّ على الْفَلاح. كَانَ ابْن مكرم يسْجد سجدتيّ السَّهْو قبل الصَّلَاة، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: إِذا لم أَشك فِي أَنِّي أسهو فَلم لَا أقدّم سَجْدَتي السَّهْو؟ رأى أَبُو حنيفَة رجلا يُصَلِّي وَلَا يرْكَع، فَقَالَ: يَا هَذَا، لَا صَلَاة لَك بِغَيْر رُكُوع. فَقَالَ: إِنِّي رجل عَظِيم الْبَطن، فَإِذا ركعت ضرطت، فأيما خير: صَلَاة بِلَا رُكُوع، أَو رُكُوع بضراط.

قَالَ بَعضهم: رَأَيْت مُؤذنًا قد أذن ثمَّ عدا، فَقلت لَهُ: إِلَى أَيْن؟ فَقَالَ: أحب أَن أسمع أذاني من بعيد. وَفعل آخر مثل ذَلِك، فَسئلَ عَنهُ فَقَالَ: أردْت أَن أنظر إِلَى أَيْن يبلغ أذاني؟ . قَالَ: وَرَأَيْت مُؤذنًا يُؤذن من رقْعَة من فِي يَده، فَسَقَطت الرقعة واحتملها الرّيح، فَجعل يعدو وَيَقُول: خُذُوا أذاني، خُذُوا أذاني. قَالَ: وَرَأَيْت آخر يُؤذن من رقْعَة، فَقلت لَهُ: لم لَا تحفظه؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، وَلَكِن سل القَاضِي. فَجئْت إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد، فَدخلت وسلّمت عَلَيْهِ. فَعدا إِلَى بَيته وَأخرج دفتراً وتصفّحه ثمَّ قَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام. فعذرت الْمُؤَذّن لما رَأَيْت سخنة عين القَاضِي. بَينا إِمَام يُصَلِّي بِقوم التَّرَاوِيح فِي شهر رَمَضَان، وَهُوَ يقْرَأ سُورَة يُوسُف، إِذْ عرضت لَهُ فِي بَطْنه ريح، وَقد كَانَ بلغ قَوْله تَعَالَى: " قَالَت امْرَأَة الْعَزِيز " وقدّر أَنه قد غلط فَرَكَعَ، وأفلتت مِنْهُ ضرطة عَظِيمَة، فَقَالَ وَاحِد من خَلفه: " الْآن حصحص الْحق ". وأحدث إِمَام فِي الصَّلَاة، فَتَأَخر وَقدم رجلا، وَذهب يجدد الْوضُوء، فقدّر الإِمَام الثَّانِي أَنه لَا يجوز أَن يصلّي لَهُ، فَوقف ينْتَظر صَاحبه، فَلَمَّا طَال قِيَامه تنحنحوا من خَلفه، فَالْتَفت إِلَيْهِم وَقَالَ: مالكم؟ إِنَّمَا قدمني رجل فَأَنا أحفظ مَكَانَهُ إِلَى أَن يرجع وَيعْمل مَا يرى. وَقيل ليونس النَّحْوِيّ - وَكَانَ لَهُم إِمَام يقنت ويطيل -: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، لَو قلت لإمامنا: يُخفف من قنوته؟ فَقَالَ: قد سَأَلته فَلم يفعل. قَالُوا: فَهَل عنْدك من الدُّعَاء مَا تَدْعُو بِهِ فِي طول قِيَامه؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي إِذا فرغت من دعائي لم أزل أَدْعُو عَلَيْهِ حَتَّى يرْكَع. قَرَأَ إِمَام فِي الصَّلَاة سُورَة القارعة، فَلَمَّا بلغ قَوْله تَعَالَى: " وَأما من خفّت مَوَازِينه. فأمه هاوية " قَالَ: فأمه زَانِيَة. فَقطع الْقَوْم صلَاتهم، وأنكروا ذَلِك. فَقَالَ: يَا قوم، تَمْنَعُونِي من شتم الْكفَّار؟ !

قَالَ بشر المريسي لأبي الْعَتَاهِيَة: لَا تصلّ خلف إِمَام مَسْجِدكُمْ فَإِنَّهُ مُشبّه. قَالَ كلا، إِنَّه قَرَأَ بِنَا البارحة فِي الصَّلَاة " قل هُوَ الله أحد ". صعد عديّ بن أَرْطَاة الْمِنْبَر، فَلَمَّا رأى جمع النَّاس حصر فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي يُطعم هَؤُلَاءِ ويسقيهم. خطب مُصعب بن حَيَّان خطْبَة نِكَاح، فحصر فَقَالَ: لقّنوا مَوْتَاكُم قَول: لَا إِلَه إِلَّا الله. قَالَت أم الْجَارِيَة: عجل الله موتك، أَلِهَذَا دعوناك؟ . وَلما حصر عبد الله بن عَامر على مِنْبَر الْبَصْرَة، فشقّ ذَلِك عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ زِيَاد: أَيهَا الْأَمِير، إِنَّك إِن أَقمت عَامَّة من ترى أَصَابَهُ أَكثر مِمَّا أَصَابَك، فَقيل لرجل من الْوُجُوه: قُم فاصعد الْمِنْبَر وتكلّم، فَلَمَّا صعد حصر وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي يرْزق هَؤُلَاءِ، وَبَقِي ساكتاً، فأنزلوه، وَصعد آخر، فَلَمَّا اسْتَوَى قَائِما وقابل بِوَجْهِهِ وُجُوه النَّاس وَقعت عينه على صَلْعَةٌ رجل، فَقَالَ: اللَّهُمَّ الْعَن هَذِه الصلعة. وَقيل لوازع الْيَشْكُرِي: قُم فاصعد وتكلّم، فَلَمَّا رأى جمع النَّاس قَالَ: لَوْلَا أَن امْرَأَتي حَملتنِي على إتْيَان الْجُمُعَة الْيَوْم مَا جمّعت، وَأَنا أشهدكم أَنَّهَا طَالِق ثَلَاثًا. وَلذَلِك قَالَ الشَّاعِر: وَمَا ضرّني أَلا أقوم بِخطْبَة ... وَمَا رغبتي فِي ذَا الَّذِي قَالَ وازع؟ خطب وَال قلم تسمع خطبَته، فَسئلَ من كَانَ قَرِيبا مِنْهُ: مَا قَالَ الْأَمِير؟ قَالَ: سَار أهل عمله بِشَيْء لم أفهمهُ. حكى الصاحب عَن الطَّبَرَانِيّ قَالَ: كَانَ لأبي خَليفَة الْفضل بن حباب

ابْن رقيع يركب مَعَ أُمَرَاء الْبَصْرَة، يضْرب الصوالجة، ويدّعي الفروسية ويحتل مَكَان أَبِيه، إِلَى أَن ورد عَلَيْهِم أَمِير غَرِيب، فَركب مَعَه على عَادَته، وتبرّم الْأَمِير بِهِ، فَتقدم إِلَى حَاجِبه بتنفيره. فَتقدم الْحَاجِب إِلَى أَصْحَاب الغواشي فَدَارُوا عَلَيْهِ دورةً، وَأخذت الغواشي قَفاهُ فهرب وَعَاد إِلَى منزله، وَسبق الْخَبَر إِلَى أَبِيه. وَكَانَ يصلّي الابْن بِأَبِيهِ وَأَصْحَابه، فَلَمَّا حَان وَقت الصَّلَاة وابتدأ بالركعة الأولى، فَقَرَأَ فَاتِحَة الْكتاب، ثمَّ ابْتَدَأَ فَقَرَأَ " هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية "؟ وتذكر الْقِصَّة فأُرتج عَلَيْهِ، فَأَعَادَ ذَلِك ثَلَاث مَرَّات، فصاح أَبوهُ من خَلفه: نعم، قد أَتَانِي حَدِيث الغاشية، مَا تتخلف. مرّ فِي صَلَاتك. اخْتصم بعض التُّجَّار فِي جَارِيَة، فجعلوها على يَدي الْمُؤَذّن وسألوه أَن تبيت عِنْده إِلَى غَد، فَلَمَّا أصبح الْمُؤَذّن قَالَ: ذهبت الْأَمَانَة من النَّاس. فَقيل لَهُ: وَكَيف ذَلِك؟ قَالَ: ذكرُوا أَنَّهَا بكر، وَقد جرّبتها فَوَجَدتهَا ثيّباً. صعد وَكِيع بن أبي سود الْمِنْبَر بخراسان، فَقَالَ فِي خطبَته: إِن الله تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه: لَيْسَ شَيْء على الْمنون بباق ... غير وَجه المسبّح الخلاق فَقَالَ لَهُ رجل: أصلح الله الْأَمِير، هَذَا شعر قَالَه عديّ بن زبد. قَالَ: أحسن - وَالله - عدي وأجمل، ثمَّ قَالَ: فَتى حروب لَا فَتى مَنَابِر. وَولي آخر الْيَمَامَة، فَلَمَّا صعد الْمِنْبَر أُرتج عَلَيْهِ، فَقَالَ: حيّا الله هَذِه الْوُجُوه السارّة، وَجَعَلَنِي فداءها، قد أمرت طائفي بِاللَّيْلِ لَا يرى أحدا إِلَّا أَتَانِي بِهِ وَلَو كنت أَنا، ثمَّ نزل. نظر رجل إِلَى آخر يُصلّي، فَقَالَ الآخر: مَا أحسن صلَاته! فَقطع الرجل الصَّلَاة وَقَالَ: وَأَنا مَعَ هَذَا صَائِم.

كَانَ بَعضهم إِذا فرغ من صلَاته وضع خدّه على الأَرْض وَقَالَ: المستغيث بِعَمْرو عِنْد كربته ... كالمستغيث من الرمضاء بالنَّار وَهُوَ يقدّر أَنه يستجير بِاللَّه من النَّار. قَالَ بَعضهم: دخلت الشَّام فَرَأَيْت جمَاعَة يتنقّصون أَمِير الْمُؤمنِينَ عليا - عَلَيْهِ السَّلَام - وَمِنْهُم من يشتمه، فأنكرت ذَلِك، وَجَزِعت لَهُ، ولجأت إِلَى مَسْجِد كَانَ مني بِالْقربِ، فشكوت ذَلِك إِلَى الْمُؤَذّن، فَقَالَ: مَا أنْكرت؟ قد كَانَ هَا هُنَا مُنْذُ أَيَّام رجل يتنقّص أَبَا مُحَمَّد الْحجَّاج بن يُوسُف! . وَقَالَ: رَأَيْت بِالشَّام حانوتاً تَحت مَسْجِد، يُباع فِيهِ الْخمر. كَانَ سعيد بن حميد يهوى غُلَاما؛ فزاره يَوْمًا وَأقَام عِنْده، فَلَمَّا كَانَ وَقت الْمغرب أَرَادَ أَن ينْصَرف، فَقَالَ لَهُ: حِين سررنا بك أردْت أَن تُكدّره؟ لَا أقلّ من أَن تقيم إِلَى الْعشَاء؟ فَحلف الْغُلَام أَنه إِذا سمع أَذَان الْعَتَمَة لم يقْعد. فَقَالَ سعيد: رضيت، ثمَّ عمد إِلَى الدواة فَكتب إِلَى مُؤذن المحلّة: قل لداعي الْفِرَاق: أخّر قَلِيلا ... قد قضينا حق الصَّلَاة طَويلا لَيْسَ فِي سَاعَة تؤخّرها وز ... ر تجازى بِهِ، وَتَأْتِي جميلا وتُراعى حق الفتوة فِينَا ... وتُعافى من أَن تكون ثقيلا فَلَمَّا قَرَأَ الرقعة لم يُؤذن تِلْكَ اللَّيْلَة، وَمر الْقَوْم فِي سرورهم، والفتى يترقب الْأَذَان إِلَى أَن سمع صَوت الحارس، فَقَالَ لَهُ: إِذا شِئْت؟ قَالَ أَخَاف نَكِير الحارس. قَالَ: يَا غُلَام، افرش لَهُ، فَبَاتَ عِنْده. قَالَ المتَوَكل لعبادة: رُفع إليّ أَنَّك ضربت إِمَام مَسْجِد، وَإِن لم تأت بِعُذْر أدّبتك. قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، كنت قد خرجت فِي بعض الْأَيَّام لحَاجَة لي

غلسا، فمررت بِمَسْجِد قد أُذّن فِيهِ لصَلَاة الْفجْر، فَقلت: أَقْْضِي هَذِه الْعِبَادَة، ثمَّ أتوجه لحاجتي، فَدخلت، فاقام الْمُؤَذّن، ودخلنا فِي الصَّلَاة، فابتدأ الإِمَام فَقَرَأَ الْفَاتِحَة، وافتتح سُورَة الْبَقَرَة، فَقلت: لَعَلَّه يُرِيد أَن يقْرَأ آيَات من هَذِه السُّورَة فَانْتهى إِلَى آخرهَا فِي الرَّكْعَة الأولى، ثمَّ قَامَ إِلَى الثَّانِيَة، فَلم أَشك فِي أَنه يقْرَأ مَعَ الْفَاتِحَة سُورَة الْإِخْلَاص. فَافْتتحَ سُورَة آل عمرَان حَتَّى أتمهَا، ثمَّ أقبل بِوَجْهِهِ على النَّاس، وَقد كَادَت الشَّمْس تطلع. فَقَالَ: أعيدوا صَلَاتكُمْ - رحمكم الله - فَإِنِّي لم أكن على طَهَارَة، فَقُمْت إِلَيْهِ وصفعته. فَضَحِك المتَوَكل من ذَلِك. خطب عتّاب بن وَرْقَاء، فَقَالَ: هَذَا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: إِنَّمَا يتفاضل النَّاس بأعمالهم، وكلّ مَا هُوَ آتٍ قريب. قَالُوا لَهُ: إِن هَذَا لَيْسَ من كتاب الله. قَالَ: مَا ظَنَنْت إِلَّا أَنه من كتاب الله. قَرَأَ إِمَام سُورَة ق فِي صَلَاة الْفجْر، وَخَلفه أَعْرَابِي لَهُ حَاجَة فَلَمَّا بلغ الإِمَام قَوْله تَعَالَى: " هَل من محيص "؟ قَالَ الْأَعرَابِي: لَا وَالله أَو أُخْرَى فِي ثِيَابِي. صعد بعض الْوُلَاة الْمِنْبَر ليخطب فِي يَوْم الْجُمُعَة، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ حصر، فَلم يدر مَا يَقُول، ثمَّ قَالَ: معاشر الْمُسلمين، تَدْرُونَ مَا أُرِيد أَن أَقُول لكم؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِذا لم تدروا فلماذا أتعب نَفسِي؟ وَنزل. فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْم الْجُمُعَة الثَّانِيَة اجْتمع النَّاس وَقَالُوا: نقُول لَهُ: نعم، إِن قَالَ لنا مَا قَالَ فِي الْجُمُعَة الأولى. فَصَعدَ الْمِنْبَر وَقَالَ: معاشر النَّاس، تَدْرُونَ مَا أَقُول لكم؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: فَإِذا كُنْتُم تَدْرُونَ فلماذا أرذي نَفسِي؟ وَنزل. فَلَمَّا كَانَت فِي الْجُمُعَة الثَّالِثَة قَالَ مثل قَوْله. فَقَالَ بعض النَّاس: لَا. وَقَالَ بَعضهم: نعم. قَالَ فَلْيقل من يعلم لمن لَا يعلم، وَنزل. صلّى الرشيد لَيْلَة فَقَرَأَ " وَمَالِي لَا أعبد الَّذِي فطرني "؟ وأُرتج عَلَيْهِ، فكرّر مرَارًا، وَابْن أبي مَرْيَم يُصَلِّي خَلفه، فصاح: لَا أَدْرِي وَالله! فَضَحِك الرشيد حَتَّى قطع صلَاته.

الباب التاسع عشر نوادر اصحاب المهن والصناعات الخسيسه

الْبَاب التَّاسِع عشر نَوَادِر أَصْحَاب المهن والصناعات الخسيسة حج رجل من أهل الْعرَاق، فَتقدم إِلَى مزيّن وَقَالَ لَهُ: احْلق رَأْسِي حلقا جيدا، واستقبل الشّعْر بِالْمُوسَى، وَأَقْبل يصف لَهُ كَيفَ يعْمل. فَقَالَ لَهُ: حَسبك {هوذا، أحلق رَأسك حلقا لَا يرَاهُ أحد إِلَّا اشْتهى أَن يصفعك. حدّث بَعضهم قَالَ: نكب بعض ندماء الْخَلِيفَة نكبةً اضْطر مَعهَا إِلَى الاستتار، فاستتر وَطَالَ شعره، فَقَالَ للرجل الَّذِي كَانَ مستتراً عِنْده: قد كَانَ لي غُلَام سنديّ مزين أَعتَقته وَلَا أعرف خَبره مُنْذُ حِين، واذهب إِلَى مَوضِع كَذَا واطلبه، واجلس إِلَيْهِ، ثمَّ اذْكُرْنِي لَهُ؛ فَإِن رَأَيْته يتوجع لي فعرفّه مَكَاني، وَخذ بِهِ مَعَك، وَإِن رَأَيْته يذمني أَو يشكوني فَدَعْهُ وَلَا تذكرني لَهُ. فَذهب الرجل حَتَّى لقِيه وجاراه فِي خبر مَوْلَاهُ. فَقَالَ: يَا سَيِّدي، وَمن أَيْن تعرفه؟ فَإِنِّي - وَالله - تَالِف شوقاً إِلَيْهِ، واغتماماً لَهُ، أحسن الله صحبته حَيْثُ كَانَ. فَقَالَ الرجل: هُوَ عِنْدِي، وَقد استدعاك، فَنَهَضَ السندي وقبّل يَد الرجل، وَصَارَ مَعَه إِلَيْهِ، فَلَمَّا دخل إِلَيْهِ أظهر سُرُورًا بِهِ، وقبّل الأَرْض بَين يَدَيْهِ، وَأخذ شعره وَحَجمه، فَأعْطَاهُ دِينَارا. فَلَمَّا خرج لَقِي ابْنا لَهُ، فَقَالَ لَهُ: وَيحك} أَلَيْسَ وجّه إليّ فلَان مولَايَ وَهُوَ مستتر فِي دَار فلَان فِي الْموضع الْفُلَانِيّ، فصرت إِلَيْهِ وخدمته وحجمته النقرة وَأَعْطَانِي دِينَارا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنه ذَلِك: حجمته النقرة بِلَا أخدعين؟ قتلته! وَلَيْسَ هَذَا حقّه علينا، وَمَا عرّج على شَيْء حَتَّى قصد الدَّار الَّتِي وصفهَا لَهُ أَبوهُ، ودقّ الْبَاب، وَقَالَ: أَنا فلَان ابْن خادمك المزيّن، ففتحوا لَهُ، وقبّل يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، واظهر من الاغتمام بأَمْره، مثل مَا أظهره أَبوهُ، ثمَّ قَالَ: عرّفني غلامك أبي أَنه حجمك النقرة وَحدهَا، وَهَذَا وَقت حَار، وَقد ثار الدَّم. وَالْوَجْه أَن تُحجم الأخدعين. فَقَالَ لم يكن بِي إِلَى هَذَا حَاجَة، والآن وَقد أَشرت بِهِ،

فاستخر الله، فحجمه الأخدعين، وَأَعْطَاهُ دِينَارا وَأخرجه. فلقي أَخا لَهُ، فَقَالَ ذَلِك: كَانَ من الْأَمر كَذَا وَكَذَا، فَمر مبادراً، وَقَالَ مثل قَوْله، وَفعل مثل فعله حَتَّى حجمه على السَّاقَيْن، وَأخذ دِينَارا وَخرج. فلقي صهراً لَهُ فَأخْبرهُ بالقصة، فبادر مسرعاً حَتَّى صَار إِلَى بَاب الدَّار وَدخل، وَفعل مثل فعلهمَا، وَقَالَ: لَا بُد مَعَ حجامة السَّاقَيْن والأخدعين من قطع الجهارك. فَقَالَ الرجل: نعم، لَا أَدْرِي أيش ذَنبي إِلَيْكُم يَا بني القحاب، اجْلِسْ. فأجلسه وَقَامَ وَجلسَ فِي سمارية، وَانْحَدَرَ إِلَى دَار الْخَلِيفَة، فَلَمَّا رَآهُ الْحجاب يسْتَأْذن تعجبواودخلوا فَاسْتَأْذن لَهُ فَلَمَّا دخل انكب بَين يَدي الْخَلِيفَة فقبّل الأَرْض، ثمَّ قَالَ: يَا سَيِّدي، يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، اسْمَع قصتي وحالي، وقص عَلَيْهِ خبر الحجامين وَمَا لَقِي مِنْهُم، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَوْلَاد القحاب هوذا، يَأْخُذُونَ دمي بالمحاجم، خُذْهُ أَنْت بِالسَّيْفِ دفْعَة وَاحِدَة، وارحمني مِمَّا أَنا فِيهِ. فَضَحِك، وَرجع لَهُ، ورده إِلَى منزله. جَاءَ حائك إِلَى الْأَعْمَش فَقَالَ: مَا تَقول فِي الصَّلَاة خلف الحائك؟ قَالَ: لَا بَأْس بهَا على غير وضوء. قَالَ: فَمَا تَقول فِي شَهَادَته؟ قَالَ: تقبل شَهَادَته مَعَ شَاهِدين عَدْلَيْنِ. فَقَالَ الحائك: فَهَذَا وَلَا شَيْء وَاحِد. تنبّى حائك بِالْكُوفَةِ، فَقَالُوا: مَا رَأينَا نبيّاً حائكاً. فَقَالَ: وَهل رَأَيْتُمْ نبيّاً صيرفيّاً؟ . وَقيل لحائك: لَو كنت خَليفَة أَي شَيْء كنت تشْتَهي؟ قَالَ: تمر وَكسب. قيل لِابْنِهِ: وَلَو كنت ابْن خَليفَة مَا كنت تشْتَهي؟ فَقَالَ: وَهل ترك هَذَا من اللَّذَّات شَيْئا حَتَّى أشتهيه؟ ارْتَفع رجل كَانَ فِي الأَصْل حائكاً حَتَّى ولي ولَايَة، فَقَالَ لَهُ يَوْمًا مغنّ لَهُ - وَقد كَانَ قرُب الْعِيد -: هَب لي أَيهَا الْأَمِير عِمَامَة أتعمم بهَا يَوْم الْعِيد. فَقَالَ لَهُ: هَات الْغَزل حَتَّى أرد عَلَيْك الْعِمَامَة قبل الْعِيد بِثَلَاثَة أَيَّام. رُوِيَ عَن مُجَاهِد فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: " واتّبعك الأرذلون ". قَالَ: الحاكة.

وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: عقل سبعين امْرَأَة عقل رجل وَاحِد، وعقل سبعين حائكاً عقل امْرَأَة وَاحِدَة. وَقَالَ مَيْمُون بن مهْرَان: السَّلَام على الحائك يوهن الْعقل الركين. وَقَالَ فيهم: إِنَّهُم سرقوا نعل النَّبِي - عَلَيْهِ السَّلَام - وعمامة يحيى بن زَكَرِيَّا، وجراب الْخضر، وعصا مُوسَى، وغزل سارةً، وشَاة دانيال، وقصعة هود، وفأس عمر، وسمكة عَائِشَة من التَّنور. واستدلتهم مَرْيَم فدلّوها على غير الطَّرِيق، فدعَتْ عَلَيْهِم أَن الله يجعلهم سخرية النَّاس، وَألا يُبَارك فِي كسبهم. جَاءَ رجل بِهِ وجع الضرس إِلَى قلاّع ليقلعه، فَقَالَ: أُرِيد درهما فَقَالَ لَهُ: أحسن. فَقَالَ: أقلع ضرساً آخر - إِن أردْت - وَلَا أنقص من الدِّرْهَم شَيْئا. استدعى بَعضهم قلاّعاً ليقلع ضرساً لَهُ، وَكَانَ الرجل أبخر، فَلَمَّا فتح فَاه قَامَ القلاع وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا من عَمَلي، هَذَا من عمل الكناسين. دَعَا حجام جمَاعَة من الكناسين يكسحون لَهُ بِئْرا، فَقَالَ أحدهم لصَاحبه: اسْقِنِي مَاء. فَقَالَ الآخر: تَدْرِي عِنْد من نعمل نَحن! ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: إِنَّا نعمل عِنْد حجّام. قَالَ: إِنَّا لله، الْحَمد لله حَيْثُ علمنَا بِهِ قبل أَن نشرب فِي كيزانهم، أردْت، وَالله، أَن أرمي بِكُل مَا فِي جوفي. قَالَ: وَسمعت وَاحِدًا يَقُول للْآخر: إِن كنت كناس بن كناس فَقل لي: كم رجل لابنَة وردان. قَالَ بَعضهم: نظرت إِلَى كناسين فِي دَاري، وهم يتغدّون، فَلَمَّا رأوني من بعد صَاح أحدهم: إِن كنت تُرِيدُ أَن تَأْكُل مَعنا فاغسل يدك أَولا؟ . جَاءَت امْرَأَة إِلَى صفّار بمرجل مثقوب ليصلحه، فسدّ الثقب بِقَلِيل طين، وسوّده، وردّه عَلَيْهَا. فَلَمَّا صبّت فِيهِ المَاء ابتل الطين، وسال المَاء، فَجَاءَت

إِلَيْهِ وَقَالَت لَهُ: وَيلك {أَلَسْت قلت: قد أصلحت الْمرجل؟ وَهَا هُوَ بعد مثقوب كَمَا كَانَ. قَالَ: لَعَلَّك صببت فِيهِ مَاء؟ قَالَت: نعم، لأيش نريده إِلَّا لماء؟ قَالَ: ظَنَنْت أَنَّك تجعلين فِيهِ نوى أَو نخالة أَو صُوفًا، فَأَما مَا يصبّ فِيهِ المَاء فَأَنا لَا أحسن أَن أصلحه. نظر ملاّح إِلَى رجل قد وثب على ظهر فرسه فَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله} مَا أحسن مَا اسْتَوَى على كوثله {} قيل لملاح: كم بَيْننَا وَبَين الْعَصْر؟ قَالَ: مُرديّ شمس. قيل للمجّدر القرّاد: كَيفَ أَصبَحت؟ فَقَالَ: كَيفَ يصبح من يَرْجُو خير هَذَا؟ وَأَشَارَ إِلَى قرده. قَالَ الْأَصْمَعِي: مَرَرْت بكنّاس فِي بعض الطّرق، وَهُوَ ينْقل على ظَهره وينشد: وأُكرم نَفسِي إِنَّنِي إِن أهنتهاوحقك لم تُكرم على أحد بعدِي فَقلت: عَن أَي شَيْء أكرمتها وَهَذِه الجرة على رقبتك؟ فَقَالَ: من الْوُقُوف بِبَاب مثلك. قَالَ الْوَاقِدِيّ: رَأَيْت بقّالاً بِالْمَدِينَةِ، وَقد أشعل بَين يَدَيْهِ سِرَاجًا بِالنَّهَارِ، فَقلت لَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: أرى النَّاس يبيعون ويشترون حَولي، وَلَا يدنو مني أحد، فَقلت: عَسى لَا يروني، فأسرجت لَهُم حَتَّى يروني. وقف رجل على صَاحب لَهُ، وَهُوَ يُنَادي: هَذَا عسل، هَذَا سكر، هَذَا قند. فَتقدم إِلَيْهِ رجل وَقَالَ: عِنْدِي عليل يَشْتَهِي بطيخة حامضة، فَقَالَ لَهُ: خُذ وَلَا تلْتَفت إِلَى قولي فَإِنَّهُ خلّ. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت ثَلَاثَة من الهراسين على بقْعَة وَاحِدَة، وهم يتكايدون فِي مدح هرائسهم، فَرَأَيْت وَاحِدًا وَقد أخرج من هريسته قِطْعَة على المغرفة وأشالها وَهُوَ يَقُول: انزلي وَلَك الْأمان. فَقَالَ الثَّانِي: يَا قوم، أدركوني،

الحقوني، أَنا أجذبها وَهِي تجذبني وَالْغَلَبَة لَهَا. فَقَالَ الثَّالِث: أَنا لَا أَدْرِي مَا يَقُولُونَ. من أكل من هريستي أَسْرج ببوله شهرا. خَاصم حجّام مرّة حذّاءً فَقَالَ للحذاء: أَنْت تمشّط وتسرّج وَأَنا أمشّط وأسرّج، وَأَنت تحذف وَأَنا أحذف وَأَنت تشقّ الْجلد بشفرة وَأَنا أشقه بمشراط، فَأَي فضل لَك عليّ؟ . تخاصم رجلَانِ، وَكَانَ أَحدهمَا ندّافاً. فَقَالَ الآخر: وَالله لَو وضعت إِحْدَى رجليك على حراء وَالْأُخْرَى على ثبير، ثمَّ اخذت قَوس قزَح وندفت الْغَيْم على جباب الْمَلَائِكَة، مَا كنت إِلَّا ندّافاً. قدّمت امْرَأَة رزام الطحّان إِلَى صَاحب الشرطة؛ فادّعت عَلَيْهِ شَيْئا، فجحدها، وَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير، إِن كَانَت صَادِقَة فحريت سَيْفا بِالْعرضِ. قَالَ بَعضهم: مَرَرْت بِجَمَاعَة من الكنّاسين قد وقفُوا على بِئْر لينقّوه فَقَالُوا لأَحَدهم: انْزِلْ، فتجرّد، فَنزل وَهُوَ يَقُول: لم يطيقوا أَن ينزلُوا ونزلنا ... وأخو الْحَرْب من أطَاق النزولا قَالَ بَعضهم: وَردت القرما - وَهِي على أَرْبَعَة فراسخ من الرملة - مَعَ رُفقاء لي، فَإِذا بصائح يَصِيح بِالْغَدَاةِ: الهريسة الهريسة. فأنفذنا من يَشْتَرِيهَا، فَرجع وَقَالَ: الهرّاس يَقُول: اثردوا، فثردنا، وَعَاد إِلَيْهِ. قَالَ: فَفتح بُزالا من قدر، فَإِذا بِمَاء صَاف قد انحدر مِنْهَا، فَبعد حِين خرجت حبّات حِنْطَة، فَضرب بِيَدِهِ على مَنْكِبي وَقَالَ: بختك مقبل، فَإِنَّهَا الْيَوْم ثخينة. جَاءَ رجل إِلَى صديق لَهُ من أهل السُّوق، فَشَكا إِلَيْهِ إضاقةً، وَسَأَلَهُ أَن يُقرضه دَرَاهِم. فَقَالَ نعم، وكرامةً، يَا غُلَام، هَات الْكيس وَالْمِيزَان والمرآة، وَوزن لَهُ مَا التمسه، فَأَخذه الرجل وَأثْنى عَلَيْهِ، وَقَامَ ليقبّل رَأسه فَقَالَ: يَا أخي،

لَا أحب أَن تُقبّل رَأْسِي، وَلَكِن لي إِلَيْك حَاجَة. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: انْظُر فِي هَذِه الْمرْآة، كَيفَ تُبصر وَجهك من الْفَرح ناضراً مُشرقاً؟ فأُحبّ أَن يكون وَجهك إِذا سَأَلتك ردّ مَا قبضت مِثْلَمَا هُوَ السَّاعَة. أحب الرشيد أَن ينظر إِلَى أبي شُعَيْب القلاّل كَيفَ يعْمل القلال، فأدخلوه الْقصر وأتوه بِجمع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من آلَة الْعَمَل، فَبينا هُوَ يعْمل إِذْ هُوَ بالرشيد قَائِما فَوق رَأسه، فَلَمَّا رَآهُ نَهَضَ قَائِما. فَقَالَ لَهُ الرشيد: دُونك مَا دُعيت لَهُ، فَإِنِّي لم آتٍ بك لتقوم لي، وَإِنَّمَا أتيت بك لتعمل بَين يَدي. قَالَ: وَأَنا لم آتِك ليسوء أدبي، وَإِنَّمَا أَتَيْتُك لِأَزْدَادَ بك فِي كَثْرَة صوابي. قَالَ لَهُ الرشيد: بَلغنِي أَنَّك إِنَّمَا تعوّضت بِي حِين كسدت صنعتك. فَقَالَ أَبُو شُعَيْب: يَا سيد النَّاس، مَا كساد عَمَلي فِي جلال وَجهك؟ فَضَحِك الرشيد حَتَّى غطى وَجهه. ثمَّ قَالَ: مَا رَأَيْت - وَالله - أنطق مِنْهُ أَولا، وَلَا أعيا آخرا. يَنْبَغِي أَن يكونر هَذَا أَعقل النَّاس أَو أجن النَّاس. هاج بِأبي عَلْقَمَة الدَّم، فَأتوهُ بحجام يحجمه، فَقَالَ لَهُ: أنق غسل المحاجم، وَاشْدُدْ قصب الملازم، وأرهف ظبات المشارط، وأسرع الْوَضع، وَعجل النزع، وَليكن شرطك وخزاً، ومصك نهزا، وَلَا تكرهن أَبَيَا، وَلَا تردن أَتَيَا. فَوضع الْحجام محاجمه فِي جونته وَقَالَ: اسقوا هَذَا شربة، فَإِنَّهُ إِلَى الدَّوَاء أحْوج مِنْهُ إِلَى الْحجامَة. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت بِمَكَّة زنجياً قد خرج من كنيف يكنسه، وعل عُنُقه حرَّة، وَفِي رجله لبنة، وَهُوَ يَقُول: جنباني ديار هِنْد وسعدى ... لم أكن رَاضِيا بدار هوان قَالَ: فَقلت: وَيحك! وَأي هوان أعظم مِمَّا أَنْت فِيهِ؟ فَقَالَ: تَنَح عني، وَلَا تقذرني. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت سماكاً بَين يَدَيْهِ حرى منتن، وَهُوَ يَقُول: من يَشْتَرِي الشنة جزَافا؟ .

قَالَ أَبُو هفان: سَمِعت فِي بعض أَصْحَاب السماد بِالْبَصْرَةِ من يَقُول: اشْتريت فِي ضيعتنا هَذِه سماداً بِأَلف وسِتمِائَة دِينَار مَا كَانَ فِي جَمِيعه جعس تَأْخُذهُ الْعين. قَالَ: دَعَا حجام كناسين. كَانُوا يسمون الحائك أَخْضَر الْعين والأكار أَخْضَر النواجذ. استحضر عبيد الله بن سُلَيْمَان الْوَزير حجاماً غَرِيبا وَقَالَ: قد تبرمت بحجامي لِكَثْرَة فضوله، فأحضروه شَيخا، فَلَمَّا أَخذ آلَته قَالَ عبيد الله: " أعْط الْقوس باريها " فَقَالَ: أَيهَا الْوَزير، مَا أول هَذَا الْبَيْت؟ فَقَالَ عبيد الله: الله أكبر! هربنا من فُضُولِيّ ووقعنا فِيمَا هُوَ شَرّ مِنْهُ، هَات أَنْت، مَا أَوله؟ فَقَالَ الْحجام: أنشدنا الرياشي بِمَكَّة: يَا باري الْقوس برياً لَيْسَ يُحسنهُ ... أفسدت قوسك أعْط الْقوس باريها قيل للحجام: قبيس، لِأَن المسان الَّتِي لَهُم تحمل من جبل أبي قبيس: كَانَ بِالْبَصْرَةِ رَئِيس للكناسين يُقَال لَهُ: أَبُو إِبْرَاهِيم، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان يَوْمًا: احْمِلْ مائَة سفينة إِلَى النّخل وَخذ ثمنهَا مَعَ الْمِائَة الَّتِي كنت حملتها فَقَالَ: تِلْكَ الْمِائَة كنت جَعلتهَا طمعةً للأمير. قَالَ الْأَصْمَعِي: شَرّ النَّاس الدلالون، لِأَن أول من دلّ إِبْلِيس، حَيْثُ قَالَ لآدَم: " هَل أدلّك على شَجَرَة الْخلد وَملك لَا يبْلى ". وَقَالَ غَيره: نعم الْمعِين على البيع والابتياع وعَلى الألفة والاجتماع الدلالون. اسْتَأْجر رجل حمالاً ليحمل قفصاً فِيهِ قَوَارِير على أَن يعلّمه ثَلَاث خصل ينْتَفع بهَا، فَلَمَّا بلغ ثلث الطَّرِيق قَالَ: هَات الْخصْلَة الأولى؟ فَقَالَ: من قَالَ لَك

إِن الْجُوع خير من الشِّبَع فَلَا تصدقه، فَقَالَ: نعم، فلّما بلغ نصف الطَّرِيق قَالَ: هَات الثَّانِيَة؟ فَقَالَ: من قَالَ لَك: الْمَشْي خير من الرّكُوب فَلَا تصدقّه. قَالَ: نعم، فَلَمَّا انْتهى إِلَى بَاب الدَّار قَالَ: هَات الثَّالِثَة؟ قَالَ: من قَالَ لَك: إِنَّه يُوجد حمّال أرخص مِنْك فَلَا تصدقه. فَرمى الْحمال بالقفص وَقَالَ: من قَالَ لَك: بَقِي فِي القفص قَارُورَة صَحِيحَة فَلَا تصدقه.

الباب العشرون نوادر ابن ابي عتيق

الْبَاب الْعشْرُونَ نَوَادِر ابْن أبي عَتيق دخل على عَائِشَة - وَكَانَت عمّته - فِي مَرضهَا الَّذِي مَاتَت فِيهِ، فَقَالَ: كَيفَ أَصبَحت؟ جعلني الله فدَاك، قَالَت: أجدني ذَاهِبَة. قَالَ: فَلَا إِذن. كَانَت لَهُ جَارِيَة، وَلها صديق، فَكَانَ يَجِيء كل عَشِيَّة فَيَصِيح من الْبَاب: اقدحوا لنا نَارا، فَتخرج إِلَيْهِ الْجَارِيَة. فَخرجت الْجَارِيَة مرّة إِلَى الْبُسْتَان، وَجَاء الرجل على الْعَادة فَقَالَ: اقدحوا لنا نَارا. فصاح ابْن أبي عَتيق: يَا هَذَا، قدّاحنا فِي هَذِه اللَّيْلَة فِي الْبُسْتَان. قَالَ: بَينا هُوَ مرّة على سطحه، وَجَارِيَة لَهُ تعشّيه، إِذْ مطرَت عَلَيْهِ حِجَارَة من فَوق السَّطْح، فَأَشْرَف فَإِذا فَتى يَرْمِي بهَا وَيُؤذن الْجَارِيَة بمجيئه. فَقَالَ لَهُ: عافاك الله. السَّاعَة تعشّيني وتنزل إِلَيْك. وَقَالَت لَهُ جَارِيَته يَوْمًا: إِن فلَانا الْقَارئ - وَكَانَ يُظهر التنسك - قد قطع عليّ الطَّرِيق وَآذَانِي وَيَقُول لي: أَنا أحبك. فَقَالَ لَهَا: فَقولِي لَهُ: وَأَنا أَيْضا أحبك ثمَّ واعديه الْمنزل، فَفعلت، وأدخلته الْمنزل، وَكَانَ قد وَاعد جمَاعَة من أَصْحَابه؛ ليضحكوا من الرجل. وَدخلت الْجَارِيَة إِلَى الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الرجل، فَدَعَاهَا، فاعتلت عَلَيْهِ، فَوَثَبَ إِلَيْهَا، فاحتمالها، وَضرب بهَا الأَرْض. فَدخل عَلَيْهِ ابْن أبي عَتيق وَأَصْحَابه، وَقد تورّكها، فَخَجِلَ وَقَامَ، وَقَالَ: يَا فساق، مَا تجمّعكم هُنَا إِلَّا لريبة. فَقَالَ ابْن أبي عَتيق وَأَصْحَابه: اسْتُرْ علينا، ستر الله عَلَيْك.

تغدّى يَوْمًا عِنْد عبد الله بن جَعْفَر، فِي عدّة من قُرَيْش، وَإِذا الْكَرِيم رثّ الثِّيَاب، فَقَالَ ابْن أبي عَتيق: أصلحك الله، مَا تُطعمنا إِلَّا فِي كَفَّارَة يَمِين. وَقع بَين حيّين من قُرَيْش مُنَازعَة، فَخرجت عَائِشَة على بغلة، فلقيها ابْن أبي عَتيق فَقَالَ: إِلَى أَيْن؟ جُعلت فدَاك. فَقَالَت: أُصلح بَين هذَيْن الْحَيَّيْنِ. قَالَ: وَالله مَا غسلنا رؤوسنا من يَوْم الْجمل، فَكيف إِذا قيل يَوْم الْبَغْل {؟ فَانْصَرَفت. وَلما بلغه قَول نُصيب: وُلدت وَلم أُخلق من الطير إِن بدا ... سنا بارق نَحْو الْحجاز أطير قَالَ: قل: غاق غاق وطر، أَي أَنَّك غراب، لِأَنَّهُ كَانَ أسود. وَلَقي ابْن أبي عَتيق عبد الله بن عمر فَقَالَ لَهُ: مَا تَقول فِي إِنْسَان هجاني، فَقَالَ لي: أذهبت مَالك غير مُترك ... فِي كل مومسة وَفِي الْخمر ذهب الْإِلَه بِمَا تعيش بِهِ ... وَبقيت وَحدك غير ذِي وفر؟ فَقَالَ: أرى أَن تَأْخُذ بِالْفَضْلِ وتصفح. فَقَالَ لَهُ ابْن أبي عَتيق: أَنا، وَالله أرى غير ذَلِك. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أرى أَن أنيكه. فَقَالَ عبد الله: سُبْحَانَ الله} ! مَا تتْرك الْهزْل؟ وافترقا، ثمَّ لقِيه ابْن أبي عَتيق بَعْدَمَا ظن أَن ابْن عمر قد نسي ذَلِك، فَقَالَ لَهُ: أَتَدْرِي مَا فعلت بذلك الْإِنْسَان؟ قَالَ: أَي إِنْسَان؟ قَالَ الَّذِي أعلمتك أَنه هجاني. قَالَ: مَا فعلت بِهِ؟ قَالَ: كل مَمْلُوك لي فَهُوَ حر إِن لم أكن قد نكته، فأعظم ذَلِك ابْن عمر، واضطرب. فَقَالَ لَهُ ابْن أبي عَتيق: امْرَأَتي - وَالله - هِيَ الَّتِي قَالَت الشّعْر وهجتني. قَالَ: وَامْرَأَته أم إِسْحَاق بنت طَلْحَة بن عبيد الله.

كَانَ ابْن أبي عَتيق يتعشّى، وَمَعَهُ رجل من الْأَنْصَار، فَوَقع حجر فِي الدَّار، وَوَقع آخر، وثالث. فَقَالَ لجاريته: اخْرُجِي فانظري أذنّوا للمغرب؟ فَخرجت وَجَاءَت بعد سَاعَة وَقَالَت: قد أذنّوا وصلّوا. فَقَالَ لَهُ الرجل الَّذِي كَانَ عِنْده: أَلَيْسَ قد صلينَا قبل أَن ندخل؟ قَالَ: بلَى، وَلَكِن لَو لم أرسلها تسْأَل عَن ذَلِك لرُجمنا إِلَى الْغَدَاة، أفهمت؟ قَالَ: نعم قد فهمت. وَلما سمع قَول عمر بن أبي ربيعَة: من رَسُولي إِلَى الثريا فَإِنِّي ... ضقت ذرعاً بهجرها وَالْكتاب ركب بغلته من الْمَدِينَة يُرِيد مَكَّة، فَلَمَّا بلغ قيل لَهُ: أحرم. قَالَ: إِن ذَا الْحَاجة لَا يحرم. وَجَاء حَتَّى دخل على الثريا، فَقَالَ: ابْن عمّك يَقُول: ضقت ذرعاً بهجرك وَالْكتاب ... ثمَّ ركب بغلته وَعَاد. وَقَالَ مَرْوَان بن الحكم يَوْمًا إِنِّي مشغوف ببغلة لِلْحسنِ بن عليّ - عَلَيْهِمَا السَّلَام - فَقَالَ لَهُ ابْن أبي عَتيق: إِن دفعتها إِلَيْك أتقضي لي ثَلَاثِينَ حَاجَة؟ ومروان يَوْمئِذٍ أَمِير بِالْمَدِينَةِ. قَالَ: نعم، قَالَ: إِذا اجْتمع النَّاس عنْدك العشية فَإِنِّي آخذ فِي مآثر قُرَيْش، وَأمْسك عَن ذكر الْحسن، فلُمني على ذَلِك، فَلَمَّا أَخذ الْقَوْم مجَالِسهمْ أَفَاضَ فِي أوليّة قُرَيْش. فَقَالَ لَهُ مَرْوَان: أَلا تذكر أوليّة أبي مُحَمَّد، وَله فِي هَذَا مَا لَيْسَ لأحد؟ قَالَ: إِنَّمَا كُنَّا فِي ذكر الْأَشْرَاف، وَلَو كُنَّا فِي ذكر الْأَنْبِيَاء لقدّمنا لأبي مُحَمَّد مَاله. فَلَمَّا خرج ليركب تبعه ابْن أبي عَتيق، فَقَالَ لَهُ الْحسن - عَلَيْهِ السَّلَام، وتبسّم - أَلَك حَاجَة؟ فَقَالَ ذكرت البغلة، فَنزل الْحسن وَدفعهَا إِلَيْهِ. وَلما ولي عُثْمَان بن حَيَّان المُرّيّ الْمَدِينَة اجْتمع إِلَيْهِ الْأَشْرَاف من قُرَيْش وَالْأَنْصَار، فَقَالُوا: إِنَّك لَا تعْمل عملا أجدى وَلَا أولى من تَحْرِيم الْغناء وَالزِّنَا.

فَفعل، وأجلّهم ثَلَاثًا، فَقدم ابْن أبي عَتيق فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة، فحطّ رحاله بِبَاب سلاّمة الزَّرْقَاء، وَقَالَ لَهَا: بدأت بك قبل أَن أصير إِلَى منزلي. فَقَالَ: أَو مَا تَدْرِي مَا حدث؟ وأخبرته الْخَبَر. فَقَالَ: أقيمي إِلَى السحر حَتَّى أَلْقَاهُ. قَالَت: إِنِّي أَخَاف ألاّ نغني. قَالَ: إِنَّه لَا بَأْس عَلَيْك. ثمَّ مضى إِلَى عُثْمَان بن حيّان، فَاسْتَأْذن عَلَيْهِ وأعلمه أَن أجدّ مَا أقدمه حب التَّسْلِيم عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن أفضل مَا عملت تَحْرِيم الْغناء. فَقَالَ: إِن أهلك أشاروا عليّ بذلك. فَقَالَ: إِنَّك قد وُقّفت، وَلَكِنِّي رَسُول امْرَأَة إِلَيْك، تَقول: قد كَانَت هَذِه صناعتي، فتبت إِلَى الله مِنْهَا، وَأَنا أَسأَلك أَيهَا الْأَمِير أَن لَا تحول بَينهَا وَبَين مجاورة قبر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام. فَقَالَ عُثْمَان: إِذا أدعها لَك. قَالَ: إِذن لَا يدعك النَّاس. وَلَكِن تَدْعُو بهَا فتنظر إِلَيْهَا، فَإِن كَانَت مِمَّن يُترك تركتهَا. قَالَ: فَادع بهَا. فَأمرهَا ابْن أبي عَتيق فتقشّفت وَأخذت بِيَدِهَا سبْحَة، وَصَارَت إِلَيْهِ، فَحَدَّثته عَن مآثر آبَائِهِ، ففكه لَهَا، فَقَالَ لَهَا ابْن أبي عَتيق: اقرئي للأمير، فَقَرَأت، فأُعجب بذلك. فَقَالَ لَهَا: احدى للأمير. فحّركه حُداؤها. فَقَالَ لَهُ ابْن أبي عَتيق: فَكيف لَو سَمعتهَا فِي صناعتها؟ فَقَالَ: قل لَهَا فَلْتَقُلْ، فَأمرهَا فغنت: سددن خصاص الخيم لما دخلنه ... بِكُل لبان وَاضح وجبين فَنزل عُثْمَان عَن سَرِيره حَتَّى جلس بَين يَديهَا، وَقَالَ: لَا وَالله، مَا مثلك يخرج عَن الْمَدِينَة. فَقَالَ ابْن أبي عَتيق: يَقُول النَّاس: أذن لِسَلَامَةِ فِي الْمقَام، وَمنع غَيرهَا. قَالَ عُثْمَان: قد اذنت لَهُم جَمِيعًا. وَقيل لِابْنِ أبي عَتيق لما خُصي المخنثون: إِن الدَّلال قد خُصي. فَقَالَ: إِنَّا لله، أما وَالله لَئِن فُعل ذَلِك بِهِ لقد كَانَ يحسن: لمن ربع بِذَات الجي ... ش أَمْسَى دارساً خلقا ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة يُصلّي، فَلَمَّا كبّر سلّم ثمَّ الْتفت إِلَى أَصْحَابه وَقَالَ: اللَّهُمَّ كَانَ يُحسن خفيفه، فَأَما ثقيله فَلَا، الله أكبر.

وَجَاء إِلَيْهِ رجل: فَقَالَ: جئْتُك خاطباً موّدتك. قَالَ: فهلاّ سِفَاحًا فَهُوَ ألذ؟ وَجلسَ يَوْمًا مَعَ أبي بكر حزم فِي مجْلِس الْقَضَاء - وَأَبُو بكر يَوْمئِذٍ على الْمَدِينَة وعَلى قَضَائهَا - فخاصمت إِلَيْهِ امْرَأَة متنقبة، لَهَا عين حَسَنَة حوراء، فَأقبل أَبُو بكر على ابْن أبي عَتيق فَقَالَ: مَا تَقول فِي أَمر هَذِه الْمَرْأَة؟ فَقَالَ: لَهَا عين مظلومة، إِلَى أَن طَالَتْ الْخُصُومَة وأزلفتها، فَكشفت وَجههَا، فَإِذا أنف ضخم قَبِيح، فَقَالَ ابْن أبي عَتيق: لَهَا أنف ظالمة. وَجلسَ يَوْمًا يتغدّى، وَمَعَهُ أَوْلَاده، فَجعلُوا يتناولون اللَّحْم من بَين يَدَيْهِ. فَقَالَ: يَا بني، إِن الله أوصى بالوالدين، فَقَالَ: " فَلَا تقل لَهما أفّ " وَالله لِأَن تَقولُوا لي: أفّ ثَلَاثِينَ مرّة أيسر عليّ من أخذكم اللَّحْم من بَين يديّ. وَكَانَ يُخَاصم الْقَاسِم بن مُحَمَّد فِي صَدَقَة أبي بكر ليليها مَعَه، فوكّل الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن ابْنه بخصومته، وَكَانَت دَار يزِيد بن عبد الْملك تُبنى بِالْمَدِينَةِ بالّلعابين الدفوف، وَالزمر، والصنج. فتقدّم ابْن أبي عَتيق يَوْمًا من ذَاك إِلَى القَاضِي، وَهُوَ فِي رحبة الْقَضَاء، فَجعل عبد الرَّحْمَن يُخاصمه ويحتج عَلَيْهِ، وَابْن أبي عَتيق نَفسه وعينه فِي ذَلِك اللّعب، فعلاه عبد الرَّحْمَن يَوْمئِذٍ. فَقيل لِابْنِ أبي عَتيق: مَا كَانَت قصّتك؟ مَا قُمت الْيَوْم لَهُ، وَلَا قعدت، وَلَا احتججت عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: " ألوى بحُجّتي الزامر ". وَكَانَ يَوْمًا مَعَ عُرْوَة بن الزبير، وهم يجمع، إِذْ ترنم ابْن أبي عَتيق بقول الشَّاعِر: ألم تَرَهَا لَا يبعد الله دارهاإذا مَا مشت فِي مشيها كَيفَ تصنع؟ فَقَالَ عُرْوَة: سُبْحَانَ الله {} أَفِي هَذَا الْموضع وعَلى هَذِه الْحَال؟ فَقَالَ: أما وَالله لَو سمعته من جَارِيَة حَسَنَة الْوَجْه والخلق مَا أدْركْت ذكائك!

ومرّ بصبيان يَلْعَبُونَ، فَقَالَ: يَا أَصْحَابِي، مَا ذقنا عَيْشًا مُنْذُ فارقناكم. اشتاق عبد الله بن عُرْوَة إِلَى حَدِيث ابْن أبي عَتيق، فَبعث إِلَيْهِ يسْأَله أَن يَجِيئهُ. فَقَالَ للرسول: قل لَهُ: موعدك الْحَوْض. فَقَالَ عبد الله بن عُرْوَة: هَذَا موعد مغمّس، ارْجع إِلَيْهِ فَقل لَهُ: أيّ حَوْض؟ فَقَالَ: حَوْض الْقِيَامَة. فَرجع الرَّسُول وَأخْبرهُ. فضجر عبد الله وَقَالَ: قل لَهُ: يَا سَفِيه، أتعدني حوضاً لَا ترده؟

الباب الحادي والعشرون نوادر اللصوص ومن سرق له شيء

الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ نَوَادِر اللُّصُوص وَمن سرق لَهُ شَيْء سرق لرجل دَرَاهِم. فَقيل لَهُ: هِيَ فِي ميزانك. قَالَ: مَعَ الْمِيزَان سرقت. وسرق خرج آخر وَفِيه ثِيَابه وأسبابه، فَقيل لَهُ: وَجب أَن تقْرَأ عَلَيْهِ سُورَة يس، وتعوّذه بهَا. فَقَالَ: كَانَ جَامع الْقُرْآن كُله فِي الخرج. أُخذ طرّار كَانَ قطع طرفا من مركب لنصر بن هَارُون النَّصْرَانِي وَزِير عضد الدولة. فَقيل لَهُ: تجسر على هَذَا فِي مثل هَذِه الْأَيَّام، وَمَعَ سيّد الْملك وهيبة وزيره؟ فَقَالَ: إِن الله تَعَالَى هُوَ أجلّ من الْملك، وَأمره أَعلَى من أمره، وَلست أترك مَا أنزل الله فِي الْقُرْآن لرجل كَافِر نَصْرَانِيّ، وَلَا خوفًا من الْملك، فَقَالُوا: وَمَا الَّذِي أنزل الله فِي الْقُرْآن بِمَا يرخص ذَلِك؟ قَالَ: قَوْله تَعَالَى: " ليقطع طرفا من الَّذين كفرُوا ". لَقِي اللُّصُوص رجلا، فَلَمَّا أَرَادوا نزع ثِيَابه قَالَ لَهُم: لَا تَأْخُذُوا ثِيَابِي؛ فَإِنِّي أبْعث إِلَيْكُم بِثمنِهَا. فَقَالَ كَبِيرهمْ: سُبْحَانَ الله {} مَا أقبح قطع طَرِيق بنسيئة. كَانَ بعض اللُّصُوص لَا يسرق إِلَّا الْحمير، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك. فَقَالَ: قد رُوِيَ أَنه إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَحْيَا الله النَّاس والبهائم كلهَا فَأَنا أسرق الْحمير حَتَّى إِذا جَاءَنِي أَرْبَابهَا يَوْم الْقِيَامَة وطالبوني بهَا قلت: هوذا حِمَارك خُذْهُ وَانْصَرف. أَخذ قوم لصّاً وَمَعَهُ كارة من ثِيَاب قد سَرَقهَا، فجهدوا بِهِ أَن يخلّي عَنْهَا فَلم يفعل، وَجعل يَقُول: أَنا تائب على أَيْدِيكُم. قَالُوا: فدع الثِّيَاب. فَقَالَ: يَا غُفلاً، فَبِأَي شَيْء أستعين على التَّوْبَة؟

دخل لص على رجل لَيْسَ فِي بَيته إِلَّا قِطْعَة باريّة، وَهُوَ نَائِم عَلَيْهَا، فَلم يزل اللص يطوف فِي الْبَيْت، وَيطْلب شَيْئا، وَصَاحب الْبَيْت ينظر إِلَيْهِ، فَلَمَّا طَال عَلَيْهِ ضحك وَقَالَ: كوّر - فديتك - كوّر {} وَسمع اللص ضحكه، فَقَالَ: نعم، اضحك يَا حسن المروّة اضحك. {} وَدخل اللُّصُوص على آخر لَيْسَ فِي بَيته شَيْء، وَجعلُوا يطْلبُونَ ويفتشون، فانتبه الرجل، ورآهم، فَقَالَ: يَا فتيَان، هَذَا الَّذِي تطلبونه بِاللَّيْلِ، قد طلبناه فِي النَّهَار فَلم نجده. قدم رجل من سفر، فَحكى أَن لصين خرجا عَلَيْهِم فقطعا الطَّرِيق، فَقيل لَهُ: وَكم كُنْتُم؟ قَالَ: كنّا سِتِّينَ رجلا، قَالَ: فوُبّخ، فَقَالَ: اسْكُتُوا، إِذا أحَاط بِنَا وَاحِد، وسلبنا الآخر، كَيفَ كُنَّا نصْنَع؟ . سرق مصحف لمَالِك بن دِينَار، فَكَانَ إِذا وعظ بعد ذَلِك فبكوا يَقُول بِصَوْت شج: كلنا نبكي، فالمصحف من سَرقه؟ سُرق لرجل عنز، فَقَالَ: مَا أَخذهَا إِلَّا من أمه زَانِيَة، فَلَمَّا يئس مِنْهَا قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت أَعْطَيْت وَأَنت أخذت. سرق لص ثِيَاب رجل، فَقَالَ الرجل: هَذَا يَوْم مشوم، فَقَالَ اللص: لَيْسَ على كل أحد. دخل لص دَار قوم، فَلم يجد فِيهَا شَيْئا إِلَّا دَوَاة فَكتب على الْحَائِط: عزّ عليّ فقركم وغناي. سُرق لبَعْضهِم دَنَانِير، واتّهم بذلك ابْنا لَهُ، فَجعل النَّاس يدْخلُونَ إِلَيْهِ، ويسألونه، فَقَالَ لَهُ بَعضهم: الْخلف عِنْد الله وَهُوَ يردهُ. فَقَالَ الرجل: بل الدَّنَانِير عِنْد الْخلف وَلَيْسَ يردّها. دخل لص على رجل، فَلم يجد عِنْده شَيْئا، وَجعل يطوف، وَصَاحب الْبَيْت يضْحك، وَيَقُول: كوّر - فديتك - كوّر. فَقَالَ اللص: اضحك يَا حسن المروّة اضحك.

سُرق لبَعْضهِم بغل، فَقَالَ بعض إخوانه: الذَّنب لَك لإهمالك أَمرك، فَقَالَ الآخر: الذَّنب لغلامك لقلَّة تفقده لمنزلك، وَقَالَ الآخر: الذَّنب لسائسك حِين غَابَ عَن إصطبلك. فَقَالَ صَاحب الْبَغْل: فاللص إِذا أبرؤنا من الذَّنب! سرق رجل حمارا، وَدفعه إِلَى آخر ليَبِيعهُ، فسُرق مِنْهُ، فَعَاد إِلَى الأول فَقَالَ لَهُ: بِعْت الْحمار؟ قَالَ: نعم. قَالَ بكم. قَالَ: بِرَأْس المَال. دخل على بَعضهم اللُّصُوص، فَأخذُوا كل شَيْء كَانَ فِي منزله، فَلَمَّا مضوا أَخذ صَاحب الْمنزل الباريّة وَمضى فِي أَثَرهم. فَقَالُوا لَهُ: مَا تصنع مَعنا؟ قَالَ: نطلب بَيْتا نتحوّل إِلَيْهِ بالكلّية. كَانَ بالريّ شيخ من العلوية مستهتر بِالشرابِ، لَا يفِيق مِنْهُ سَاعَة وَاحِدَة، وَكَانَ ضَعِيف الْحَال جدا، لَا يملك على وَجه الأَرْض شَيْئا، وَكَانَ يحتال فِي كل سنة، ويتخذ شَيْئا من الشَّرَاب يدخره لنَفسِهِ، ويضطرب من بعد فِي طلب قوته، وَكَانَ فِي حجرَة بكرَاء. وَاتفقَ أَنه دخل عَلَيْهِ لص، فَطَافَ الْحُجْرَة، فَلم يجد شَيْئا، وَدخل الْبَيْت فَوجدَ فِيهِ حُبّين مملوئين شرابًا، وقصعةً كَانَ يشرب فِيهَا صَاحب الْمنزل من الحُبّ، فاغتنم ذَلِك، وَشرب من ذَلِك الشَّرَاب حَتَّى سكر ونام، وانتبه العلويّ من نَومه، فَرَأى الرجل طريحاً من السكر فَأخذ منديله وَبَاعه فِي السُّوق، وَاشْترى بِهِ طَعَاما وَأكله، وَترك للص فضلَة، وَشرب حَتَّى سكر ونام، وأفاق اللص فَوجدَ الطَّعَام فَقَالَ: هَذَا رجل فَتى قد زلّ لي من طَعَامه زلّةً، فَأكل وَشرب ونام. وأفاق العلويّ فِي الْيَوْم الثَّانِي، فَفعل بجمشك اللص مثل مَا فعله بمنديله، ثمَّ بعد ذَلِك بمئزر كَانَ مَعَه، عساه أَرَادَ أَن يكوّر فِيهِ، وَلم يزل ذَلِك دأبه فِي كل يَوْم ودأب اللص إِلَى أَن انتبه اللص ذَات يَوْم، وَهُوَ عُرْيَان لَيْسَ عَلَيْهِ مَا يواري عَوْرَته، فصاح بالعلويّ وَقَالَ: أَيْن ثِيَابِي؟ فَقَامَ وَقَالَ: خُذ الْحساب: المنديل أَكلته الْيَوْم الأول، والقميص أَكلته الْيَوْم الثَّانِي، وَجعل يعدّد عَلَيْهِ. فَصَبر اللص إِلَى أَن أظلم اللَّيْل، فَخرج عُريَانا. ذُكر أَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك كتب إِلَى أبي بَحر بن نافنّة: أَن ابْن لي قصراً بالجرف أنزلهُ إِذا قدمت الْمَدِينَة. فَبنى لَهُ قصرأ ضيقا، ودأب فِي عمله اللَّيْل وَالنَّهَار فرقا من قدوم سُلَيْمَان، وَعمل فِيهِ أَيَّام الجُمع، وَرَاح إِلَى الصَّلَاة

متخفيّاً، وَقد خلت الطَّرِيق فَلَقِيَهُ أَبُو عَليّ الْأسود - وَكَانَ يقطع الطَّرِيق - فَقَالَ: يَا أَبَا بَحر، ضع ثوبيك. قَالَ: يَا أَبَا عَليّ، رقيقي أَحْرَار لوجه الله إِن كنت أخذتهما إِلَّا بِخَمْسَة دَنَانِير، وهم أَحْرَار إِن لم أردّهما إِلَيْك أَو خَمْسَة دَنَانِير. قَالَ: فأنغض أَبُو عليّ رَأسه، وَقَالَ: يَا أَبَا بَحر، أَرَأَيْت أحدا قطع قطّ بنسيئة؟ ضع ثوبيك. فوضعهما وَرجع عُريَانا. وَقد يعقب ذَلِك سُلَيْمَان بن عبد الْملك، فَنظر إِلَى الْقصر وَإِلَى ضيقه فَقَالَ: عَلَيْك لعنة الله، لقد سرّني مَا صنع بك أَبُو عَليّ، يَا عاضّ كَذَا من أمه. بَات رجل فِي منزله، وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ شَيْء، فطرقه لص فِي اللَّيْل وأحسّ الرجل بِهِ، فَقَالَ: يَا غُلَام، وَدعَاهُ بِبَعْض أَسمَاء العبيد، تعال وغمزّني. فَقَالَ اللص: الرجل سَكرَان، وهوذا يحسبني بعض غلمانه وَإِذا غمّزته سَاعَة غَلبه النّوم، وَقمت فكوّرت جَمِيع مَا فِي الْبَيْت، فَجعل يغمّزه، وَمد الرجل يَده إِلَى اللص فَجَذَبَهُ إِلَى نَفسه، وناكه، واللص سَاكِت لَا يَجْسُر أَن يتَكَلَّم، وَلَا يشك أَن الرجل قد غلط، وَكلما أَرَادَ أَن يقوم وقدّر أَن الرجل قد نَام عاوده وناكه مرّة أُخْرَى، حَتَّى فعل ذَلِك مرَارًا، وَمضى اللَّيْل، وَخَافَ اللص أَن يَفْضَحهُ الصُّبْح فَقَامَ ليتسلق الْحَائِط ويهرب. فصاح بِهِ الرجل: مَتى نشطت للعود فعد. فصاح اللص: أما أَنا فأجد موضعا أسرق مِنْهُ شَيْئا وَلَكِن الشَّأْن فِيك حِين لَا تَجِد نيكاً إِلَّا إِذا أَتَاك لص.

الباب الثاني والعشرون نوادر الحمقي والمغفلين

الْبَاب الثَّانِي وَالْعشْرُونَ نَوَادِر الحمقى والمغفلين كَانَ للمهدي ابْن يُقَال لَهُ: يَعْقُوب يُحمّق، وَكَانَ إِذا خطر بِبَالِهِ الشَّيْء فيشتهيه دَعَا بدفتر فِيهِ ثَبت مَا فِي خزانته فيكتبه هُنَاكَ. فضجّ خازنه وَقَالَ: يَا سَيِّدي، تُئبت عليّ مَا لَيْسَ فِي الخزانة؟ فَكَانَ بعد ذَلِك يُثبت الشَّيْء ثمَّ يُثبت تَحْتَهُ: لَيْسَ عِنْده ذَلِك، وَإِنَّمَا أثبتّه ليَكُون ذكره عِنْده إِلَى أَن نملكه. ووُصف ذَلِك لِلْمَأْمُونِ فكذّب بِهِ حَتَّى أحضر دفتراً لَهُ فِيهِ ثَبت ثِيَاب بِخَطِّهِ، وَفِيه: وَمن الثِّيَاب المثّقلة الإسكندرانية لَا شَيْء، أسْتَغْفر الله، بل عندنَا زر من جُبَّة كَانَ للمهدي رَحمَه الله، وَمن الفصوص الْيَاقُوت الْأَحْمَر البهرمان الصافية لَا شَيْء، أسْتَغْفر الله، بل عندنَا درج كَانَ فِيهِ للمهدي خَاتم هَذِه صفته، وَأَشْيَاء تشبه هَذَا. فَلَمَّا قَرَأَ الْمَأْمُون استفرغ ضحكاً، وَقَالَ: مَا ظَنَنْت أَن مثل هَذَا يُخلق وَلَا سَمِعت بِمثلِهِ فِيمَا مضى. وَيَعْقُوب هَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يتبخر بمثلثة، وفسا والمجمر تَحْتَهُ، فَقَالَ: لَيست هَذِه الْمُثَلَّثَة بطيّبة، فَقَالَت دايته: كَانَت طيبَة وَهِي مثلّثة فَلَمَّا ربّعتها أَنْت فَسدتْ. قَالَ إِسْحَاق الْموصِلِي: تَذَاكر قوم من نزار واليمن أصنام الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ رجل من الأزد عِنْدِي - وَالله - الْحجر الَّذِي كَانَ قَومنَا يعبدونه. قَالُوا: وَمَا ترجو بِهِ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا يكون! وَقَالَ إِسْحَاق: سَمِعت كيسَان يسْأَل خلفا يَقُول لَهُ: يَا أَبَا مُحرز، عَلْقَمَة بن عَبدة جاهلي أَو من بني ضبة؟ فَقَالَ: يَا مَجْنُون، صحّح الْمَسْأَلَة حَتَّى يصحّ الْجَواب.

حضر الْقطيعِي مَعَ قوم جَنَازَة رجل، فَنظر إِلَى أَخِيه فَقَالَ: أَهَذا هُوَ الْمَيِّت؟ من أَخُوهُ؟ نظر ابْن عتّاب إِلَى وَجهه فِي الْمرْآة، فقهقه، فَقيل لَهُ: مَا يُضحكك؟ قَالَ: كَيفَ لَا أضْحك من وَجه لَو كَانَ على غَيْرِي لضحكت حَتَّى أُخْرَى؟ قَالَ عدنان التَّاجِر، وَكَانَ من وُجُوه بَغْدَاد، لبَعض الْفُقَهَاء: إِنِّي قد عزمت - لما أصبت بِهِ من موت وَلَدي - على قتل نَفسِي، فَهَل تخَاف عليّ من السُّلْطَان شَيْئا؟ قَالَ الجاحظ: كَانَ لنا جَار مُغفل جدا، وَكَانَ طَوِيل اللِّحْيَة، فَقَالَت لَهُ امْرَأَته يَوْمًا: من حُمقك طَالَتْ لحيتك، فَقَالَ: من عيّر عُيّر. ووُلد لَهُ ولد، فَقيل لَهُ: مَا تُسميه؟ فَقَالَ: عمر بن عبد الْعَزِيز. وهنئوه بِهِ فَقَالَ: هُوَ من الله ومنكم. أكل بَعضهم مَعَ أمه بزماورد، فِيهِ رَأس، فَقَالَ: يَا أُمِّي، كلي فَإِنَّهُ للجماع. قَالَ الْمَأْمُون لمُحَمد بن عبد الله الطوسي: مَا حَال غلّتنا بالأهواز، وَمَا أَتَاك من خبر سعرها؟ فَقَالَ: أما مَتَاع أَمِير الْمُؤمنِينَ فقائم على سوقه، وَأما مَتَاع أم جَعْفَر فمُسترخى. فَقَالَ: اغرب لعنك الله. قيل لجامع الصيدلاني: لَا تكْثر من أكل الْملح؛ فَإِنَّهُ يضر بالبصر، قَالَ لَا أَزِيد على أَن أمصه وأرمي بثُفله. كَانَ شذرة بن الزبْرِقَان بن بدر من الحمقى، فَدخل يَوْم الْجُمُعَة الْمَسْجِد الْجَامِع فَقَامَ وَأخذ بِعضَادَتَيْ الْبَاب، ثمَّ قَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم، أَأَلِجُ؟ فَقَالُوا: هَذَا يَوْم لَا يسْتَأْذن فِيهِ. فَقَالَ: أيلج مثلي على جمَاعَة مثل هَؤُلَاءِ وَهُوَ لَا يعرف مَكَانَهُ؟ ! كَانَ إِسْمَاعِيل بن علّية يُصلّي اللَّيْل أجمع، وَإِلَى جَانِبه جَارة لَهُ تضرب بالطنبور، فَلَمَّا أصبح قَالَ لوَكِيله: جارتنا هَذِه أَرَاهَا فقيرةً، اللَّيْل أجمع كَانَت تندف، فَأَعْطَاهَا مائَة دِرْهَم.

عَاد رجل مَرِيضا، وَقد كَانَ مَاتَ لأهل الْمَرِيض رجل فَلم يُعلموه بِمَوْتِهِ فَقَالَ: يهون عَلَيْكُم إِذا مَاتَ هَذَا ألاّ تعلموني بِهِ أَيْضا؟ . قَالَ أَبُو خَيْثَمَة اشْتريت لعمّار بن مُحَمَّد فرواً. فَقَالَ: أرى شعره قَصِيرا ترَاهُ ينْبت؟ قَالَ قبيصَة - وَرَأى جَرَادًا يطير -، لَا يهولنّكم مَا ترَوْنَ، فَإِن عامتها موتى. وتغدّى أَبُو السَّرَايَا عِنْد سُلَيْمَان بن عبد الْملك، وَهُوَ يَوْمئِذٍ ولي عهد، وقُدّامه جدي. فَقَالَ: كل من كليته، فَإِنَّهَا تزيد فِي الدِّمَاغ. فَقَالَ: لَو كَانَ هَذَا هَكَذَا كَانَ رَأس الْأَمِير رَأس الْبَغْل. وَكتب مسلمة بن عبد الْملك إِلَى يزِيد بن الْمُهلب: إِنَّك - وَالله - مَا أَنْت بِصَاحِب هَذَا الْأَمر، صَاحب هَذَا الْأَمر مغمور موتور، وَأَنت مَشْهُور غير موتور. فَقَالَ لَهُ رجل من الأزد يُقَال لَهُ عُثْمَان بن الْمفضل: قدّم ابْنك مخلداً حَتَّى يُقتل فَتَصِير موتوراً. وَلَقي رجل رجلا، وَمَعَهُ كلبان، فَقَالَ لَهُ: هَب لي أَحدهمَا. قَالَ: أيّهما تريده؟ قَالَ: الْأسود. قَالَ: الْأسود أحب إليّ من الْأَبْيَض. قَالَ: فَهَب لي الْأَبْيَض. قَالَ: الْأَبْيَض أحب إليّ من كليهمَا. قَالَ الجاحظ: وَقع بَين جَار لنا وجار لَهُ يُكنى أَبَا عِيسَى كَلَام، فَقَالَ: اللَّهُمَّ خُذ مني لأبي عِيسَى. قَالُوا: تَدْعُو الله على نَفسك؟ قَالَ: فَخذ لأبي عِيسَى مني. شرد بعير لهبّنقة الْقَيْسِي، قَالَ: من جَاءَ بِهِ فَلهُ بعيران. فَقيل لَهُ: أَتجْعَلُ فِي بعير بَعِيرَيْنِ؟ قَالَ: إِنَّكُم لَا تعرفُون فرحة الوجدان، وكنيته أَبُو نَافِع، واسْمه يزِيد بن ثروان. وَلما خلع قُتَيْبَة بن مُسلم سُلَيْمَان بن عبد الْملك بخراسان وَقَامَ خَطِيبًا قَالَ: يَا أهل خُرَاسَان، أَتَدْرُونَ من وَلِيكُم؟ يزِيد بن ثروان، كِنَايَة عَن هبنقة الْقَيْسِي قَالَ: وَذَلِكَ أَن هبنقة كَانَ يُحسن من إبِله إِلَى السمّان ويدع المهازيل وَيَقُول: إِنَّمَا أُكرم مَا أكْرم الله، وأُهين من أهان الله، وَكَذَلِكَ كَانَ

سُلَيْمَان، كَانَ يُعْطي الْأَغْنِيَاء، وَلَا يُعْطي الْفُقَرَاء وَيَقُول: أُصلح مَا أصلح الله، وأفسد مَا أفسد الله. دخل كردم على بِلَال فَدَعَاهُ إِلَى الْغَدَاء فَقَالَ: قد أكلت. قَالَ: وَمَا أكلت؟ قَالَ: قَلِيل أرزّ فأكترت مِنْهُ. وَدخل عكابة دَار بِلَال فَرَأى ثوراً مجللاً فَقَالَ: مَا أفرهه من بغل لَوْلَا أَن حَوَافِرِهِ مشقوقة {. قَالَ الْهَيْثَم: خطب قبيصَة، وَهُوَ خَليفَة أَبِيه على خُرَاسَان، فَأَتَاهُ كِتَابه فَقَالَ: هَذَا كتاب الْأَمِير، وَهُوَ - وَالله - أهل أَن أطيعه، وَهُوَ أبي، وَهُوَ أكبر مني. وَاسْتعْمل مُعَاوِيَة رجلا من كلب، فَذكر يَوْمًا الْمَجُوس وَعِنْده النَّاس فَقَالَ: لعن الله الْمَجُوس ينْكحُونَ أمهاتهم، وَالله لَو أُعطيت مائَة ألف دِرْهَم مَا نكحت أُمِّي. فَبلغ ذَلِك مُعَاوِيَة فَقَالَ: قَاتله الله، أترونه لَو زادوه على مائَة ألف فعل؟} وعزله. وَكَانَ مُعَاوِيَة بن مَرْوَان محمّقاً، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لأبي امْرَأَته: ملأتنا بنتك البارحة بِالدَّمِ. قَالَ: إِنَّهَا من نسْوَة يخبأن ذَلِك لِأَزْوَاجِهِنَّ. وَكَانَ عبد الْملك بن هِلَال الهُنائي عِنْده زبيل حصاً، فَكَانَ يُسبّح بِوَاحِدَة وَاحِدَة، فَإِذا مل شَيْئا طرح ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ، ثمَّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، فَإِذا مل قبض قبضتين وَقَالَ: سُبْحَانَ الله بِعَدَد هَذَا، وَإِذا ضجر أَخذ بعرى الزبيل وَقَلبه وَقَالَ: الْحَمد لله وَسُبْحَان الله بِعَدَد هَذَا وَإِذا بكر لحَاجَة لحظ الزبيل وَقَالَ: سُبْحَانَ الله عدد مَا فِيهِ. قَالَ أَبُو شُجَاع الْحِمصِي لحجّام رَآهُ يختن غُلَاما لَهُ بِهِ عناية: ارْفُقْ بِهِ - فديتك - فَإِنَّهُ لم يختن قطّ. ولد رجل طَوِيل اللِّحْيَة ابْن، فجَاء بمنجّم يعْمل لَهُ مولداً، فَقَالَ لَهُ: أحب أَن تجْعَل عُطَارِد فِي طالعه، فَإِنَّهُ بَلغنِي أَنه يُعطي الكتبة. قيل للبكراوي: أَبَا مرأتك حَبل؟ قَالَ: شَيْء يسير لَيْسَ بِشَيْء. وَحكى يَوْمًا عَن الْفرس شَيْئا فَقَالَ: ونادى كسْرَى: الصَّلَاة جَامعه.

قَالَ أَبُو عُثْمَان: إِن عَمْرو بن هدّاب لما ذهب بَصَره وَدخل عَلَيْهِ النَّاس يُعزّونه دخل عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم بن جَامع، وَكَانَ كَالْجمَلِ المحجوم وَله صَوت جهير فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا أسيد، لَا يسوءنك ذهابهما؛ فَإنَّك لَو رَأَيْت ثوابهما فِي ميزانك تمنّيت أَن الله قطع يَديك ورجليك ودق ظهرك وأدمى ضلعك. كَانَ فَزَارَة على مظالم الْبَصْرَة - وَكَانَ مغفّلاً - فَسمع يَوْمًا صياحاً، فَقَالَ: مَا هَذَا الصياح؟ قَالُوا: قوم تكلمُوا فِي الْقُرْآن. فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَرحْنَا من الْقُرْآن. واجتاز بِهِ صَاحب دراج فَقَالَ لَهُ فَزَارَة: كَيفَ تبيع هَذَا الدراج؟ قَالَ: وَاحِدًا بدرهم. قَالَ: لَا، أحسن إِلَيْنَا. قَالَ: كَذَا بِعْت. قَالَ: نَأْخُذ مِنْك اثْنَيْنِ بِثَلَاثَة دَرَاهِم. قَالَ: خُذ. قَالَ: يَا غُلَام، أعْطه ثمن اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ سهل البيع. نظر عَامر بن كُريز إِلَى ابْنه عبد الله يخْطب على مِنْبَر الْبَصْرَة وَأَعْجَبهُ قَالَ: فَأَشَارَ إِلَى أيره وَقَالَ للنَّاس: أميركم خرج من هَذَا. كَانَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم شيخ أَصْحَاب الحَدِيث بالرّي. وَكَانَ ذَا سَلامَة، ذُكر عِنْده مُحَمَّد بن الْحسن الفقيع فَقيل: مَاتَ بالرّي. فَقَالَ: دخل إِلَى الرّيّ دخلتين لَا أَدْرِي فِي أَيهمَا مَاتَ. وذُكر أَنه دخل إِلَى الحمّام وَقد بُخّر بالكندر، وَظن الدُّخان غباراً فَقَالَ للقيّم: قد قلت لكم غير مرّة: إِذا دخلت أَنا الحمّام فَلَا تغبّروا. كتب بَعضهم على خَاتمه أَنا فلَان بن فلَان. رحم الله من قَالَ آمين. قيل لبَعْضهِم: حِمَارك قد سُرق قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي لم أكن فَوْقه. نظر بَعضهم إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: يَا ربّ، مَا أحسن سماءك! زادك الله مزِيد كل خير. قَالَ الجاحظ: قلت يَوْمًا لعبدوس بن مُحَمَّد - وَقد سَأَلته عَن سنّه -، لقد عجّل عَلَيْك الشيب. فَقَالَ: وَكَيف لَا يعجل عَليّ؟ وَأَنا مُحْتَاج إِلَى من لَو نفذ فِيهِ حكمي لسرّحته مَعَ النعاج، والقطّه مَعَ الدَّجَاج، وَجَعَلته قيم السراج، ووقاية يَد الحلاج. هَذَا أَبُو ساسان أَحْمد بن الْعَبَّاس الْعجلِيّ، لَهُ ألف ألف دِرْهَم فِي كل سنة فعطس فَقلت لَهُ يَرْحَمك الله فَقَالَ لي: يعرفكم الله.

قَالَ الجاحظ: قلت لأبي الجسيم: إِن رَأَيْت أَن ترْضى عَن فلَان فافعل - قَالَ: لَا، وَالله، حَتَّى يبلغنِي أَنه قد قبّل رجْلي. وَكَانَ عبدون بن مخلد أَخُو صاعد إِذا قبض يَده عَن الطَّعَام يَقُول: الْحَمد لله الَّذِي لَا يُحلف بأعظم مِنْهُ. كَانَ أَزْهَر الْحمار أحد قواد عَمْرو بن اللَّيْث بَين يَدي عَمْرو يَوْمًا يَأْكُل الْبِطِّيخ. فَقَالَ لَهُ عَمْرو: كَيفَ طعمه يَا أَزْهَر؟ قَالَ: يَا أَيهَا الْأَمِير، أكلت الخراقط؟ . وَكَانَ أَزْهَر هَذَا - قبل بُلُوغ عَمْرو بن اللَّيْث وأخيه مَا بلغا مَكَانا بسجستان، كَانَ - أكرى عشرَة من الْحمر إِلَى بعض الْمَوَاضِع، فَلَمَّا رَجَعَ ركب أَحدهَا وعدّ الْحمير وَلم يعد الَّذِي تَحْتَهُ فَكَانَت تِسْعَة فاضطرب وَقَالَ: كَانَت حميري عشرَة، ثمَّ نزل فعدّها فَكَانَت عشرَة، وَركب وعدّها فَكَانَت تِسْعَة، وَلم يزل هَذَا دأبه إِلَى أَن قَالَ: أَمْشِي أَنا وأربح حمارا، فَنزل وَمَشى على رجلَيْهِ فسُمّي الْحمار لذَلِك. قَالَ ابْن قريعة: دخل بعض هَؤُلَاءِ الحمقى الْخَلَاء وَأَرَادَ أَن يحلّ سراويله، فغلط وحلّ إزَاره، وخرى فِي السَّرَاوِيل. مَاتَ لأبي العطوف ابْن - وَكَانَ يتفلسف - فَلَمَّا دلّوه فِي الْقَبْر قَالَ للحفار: أضجعه على شقّه الْأَيْسَر؛ فَإِنَّهُ أهضم للطعام. عرض هِشَام بن عبد الْملك الْجند فَأَتَاهُ رجل من حمص بفرس كلما قدّمه نفر، فَقَالَ هِشَام: مَا هَذَا عَلَيْهِ لعنة الله؟ قَالَ الْحِمصِي: يَا سَيِّدي، هُوَ فاره، وَلَكِن شبهك ببيطار كَانَ يعالجه، فنفر. صَارَت عَجُوز إِلَى قوم تعزيهم فِي ميت، فرأت عِنْدهم عليلاً، فَلَمَّا أَرَادَت أَن تقوم قَالَت: وَالْحَرَكَة تغلظ عليّ فِي كل وَقت، فأعظم الله أجركُم فِي هَذَا العليل، فَلَعَلَّهُ يَمُوت. قُدّمت إِلَى بنت السلط عصيدة، فَلَمَّا ذاقت قَالَت: مَسَاكِين، أَرَادوا أَن يسوّوا عصيدة فأفسدوها. وَمن حمقى قُرَيْش بكّار بن عبد الْملك بن مَرْوَان، طَار لَهُ باز فَقَالَ لصَاحب الشرطة: أغلق بَاب الْمَدِينَة حَتَّى لَا يخرج الْبَازِي.

قَالَ بَعضهم: رَأَيْت بِالْبَصْرَةِ رجلَيْنِ يتنازعان فِي الْعِنَب الرازقي والنيروزي أَيهمَا أحلى؟ فَجرى بَينهمَا الافتراء وَالْقَذْف، ثمَّ تواثبا، وَقطع الْكُوفِي إِصْبَع الْبَصْرِيّ وفقأ الْبَصْرِيّ عين الْكُوفِي، ثمَّ رأيتهما متصافيين بعد ذَلِك، متنادمين. أجريت الْخَيل مرّة فطلع فِيهَا فرس سَابق، فَجعل رجل من النظارة يكثر الْفَرح ويثب، فَقَالَ لَهُ آخر: يَا فَتى، هَذَا الْفرس لَك؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن اللجام لي. قيل لرجل من أهل حمص - وَقد أملك بنته - كم كَانَ لابنتك من سنة حِين زوّجتها؟ قَالَ: لَا، وَالله مَا أَدْرِي؟ إِلَّا أَنِّي زوّجتها حِين اسودت شعرتها. كَانَ رجل يخْتَلف إِلَى الْأَعْمَش فَيُؤْثِرُهُ، وَكَانَ أَصْحَاب الْأَعْمَش يسوؤهم ذَلِك، ففتشوا الرجل فَإِذا هُوَ حمَار، وَكَانَ سُكُوته للعي. فَقَالُوا: سل الْأَعْمَش كَمَا نَسْأَلهُ نَحن وخاطبه. فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّد، مَتى يحرم على الصَّائِم الطَّعَام؟ قَالَ: إِذا طلع الْفجْر، قَالَ: فَإِن طلع الْفجْر نصف اللَّيْل؟ فَقَالَ الْأَعْمَش: عد إِلَى مَا كنت عَلَيْهِ من الخرس. كَانَ أَبُو يُوسُف ولّى الْفضل بن غَانِم قضار الرّيّ، وَكَانَ النَّاس يَخْتَلِفُونَ إِلَيْهِ، ويقرأون كتب الْفِقْه عَلَيْهِ، فجاؤا يَوْمًا وأخذتهم السَّمَاء. فَقَالَ: ألم أقل لكم: إِذا رَأَيْتُمْ الْغَيْم فتعالوا قبل ذَلِك بِيَوْم؟ . سُئِلَ بَعضهم عَن أَخَوَيْنِ أَيهمَا أسن؟ قَالَ: هما توأمان، وهما على مَا أَظن من أم وَاحِدَة. نقش رجل على فص خَاتمه اللَّهُمَّ أرخص الْحِنْطَة، وَنقش ابْنه آمين. أُخذ رجل ينْكح شَاة، فرُفع إِلَى الْوَالِي، فَقَالَ: يَا قوم، أَلَيْسَ الله يَقُول: " أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم "؟ وَالله مَا ملكت يَمِيني غَيرهَا فخلّى عَنهُ وحدّ الشَّاة. وَقَالَ: الْحُدُود لَا تُعطّل، فَقيل: إِنَّهَا بَهِيمَة. فَقَالَ: وَلَو وَجب حكم على بَهِيمَة وَكَانَت أُمِّي أَو أُخْتِي لحددتها. قَالَ بَعضهم: قَرَأت قصَّة أهل طوس إِلَى الْمَأْمُون يسألونه تَحْويل مَكَّة إِلَى طوس.

لَقِي الطَّائِف رجلا فغمّض عَيْنَيْهِ فَأَخذه فَقَالَ: يَا ابْن الخبيثة، أَنا قد غمضّت عَيْني فَكيف أبصرتموني؟ كَانَ أَبُو ضَمْضَم على شرطة الْكُوفَة، فَلم يحدث فِي عمله شَيْء، فَأخذ رجلا من الطَّرِيق، وجرّده للسياط، وَاجْتمعَ النَّاس، فَقَالَ الرجل: مَا ذَنبي أصلحك الله؟ قَالَ: أحب أَن تجملنا بِنَفْسِك سَاعَة. ومدح بعض الشُّعَرَاء مُحَمَّد بن عَبدُوس صَاحب الشرقية فَقَالَ لَهُ: أما أَن أُعْطِيك شَيْئا من مَالِي فَلَا، وَلَكِن اذْهَبْ فاجن جِنَايَة حَتَّى لَا أحدك فِيهَا. وَرفع رجل فَقَالُوا: إِنَّه قد وجد فِي الْحمام يجلد عميرَة، فَقَالَ: فِي حمام الرِّجَال أَو فِي حمام النِّسَاء؟ قَالُوا: فِي حمام الرِّجَال. قَالَ: قد أحسن، ليته قَتلهَا، مرّة فِي حمام الرِّجَال أيش تصنع؟ {كَانَ بَعضهم يزرع قراحاً لَهُ، ويتعيش فِيهِ، فَبينا هُوَ يَوْمًا يسْقِي أرضه - وَقد أعجبه المَاء فِي زرعه وَفَرح بِهِ، وَأَرَادَ أَن يحمد الله عَلَيْهِ - جعل يَقُول: يَا رب كم لَك من أجر فِيمَا أسقيتنا من هَذَا المَاء. قَالَ بَعضهم: قد رَأَيْت وَاحِدًا قد جلس يَبُول، فَإِذا أيره أير حمَار. فَقلت: وَيلك} مَا أَنْت إِلَّا حمّال، كَيفَ تقدر أَن تحمل هَذَا وتمشي بِهِ؟ فَقَالَ: أَسأَلك الله أهوَ كَبِير؟ قلت: نعم، قَالَ: فَإِن أهل بيتنا يستصغرونه. قَالَ بعض المؤدبين: كنت أؤدب ابْنا لمُحَمد بن الْحجَّاج فَخرج يَوْمًا، وَابْنه يدرس كتاب الصِّفَات للأصمعي، فَسَأَلَنِي عَن مَعْنَاهُ، فَقلت لَهُ: أعزّك الله يعرف بِهِ صِفَات النَّاس والوحوش وَالسِّلَاح والمطر وَغير ذَلِك، فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام نشأت سَحَابَة فَخرج إليّ مُحَمَّد مغضباً فَقَالَ: أَنْت فِي أضيق الْحَرج على مَا أخذت مني فِي تَأْدِيب ابْني، قلت: وَلم؟ قَالَ: سَأَلته السَّاعَة عَن هَذِه السحابة أتمطر أم لَا؟ فَقَالَ: لَا أعلم الْغَيْب. قَالَ: وَبَلغنِي عَن شيخ أَن ابْنه سَأَلَهُ فَقَالَ: يَا أَبَة، مَا الرمادية وَمَا مَذْهَبهم؟ قَالَ: قوم يَبُولُونَ فِي الرماد، قوم سوء أشر مَا يكون. فَقَالَ الصَّبِي:

قد عرفت الْقَدَرِيَّة من غير أَن تَقول لي. قَالَ من هم يَا سيدنَا؟ قَالَ: الَّذين يخرون فِي الْقُدُور، فضمّه إِلَيْهِ وقبّله وَقَالَ: أَحْسَنت يَا أَبَا الْعَبَّاس، أشهد أَنَّك فرخ جماعي. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت ابْن خلف الهمذاني فِي صحراء يطْلب شَيْئا، فَقلت لَهُ: مَا تبغي هَاهُنَا؟ قَالَ: دفنت شَيْئا وَلست أهتدي إِلَيْهِ، فَقلت: هلاّ علّمت عَلَيْهِ بِشَيْء؟ قَالَ: جعلت علامتي قِطْعَة من الْغَيْم كَانَت فَوْقه وَمَا أَرَاهَا السَّاعَة. وَنظر مرّة فِي الْحبّ وَهُوَ الزير فَرَأى فِي وَجهه، فَعدا إِلَى أمّه وَقَالَ: يَا أُمِّي، فِي الْحبّ لص، فَجَاءَت الْأُم وتطلعت فِيهِ وَقَالَت: إِي وَالله وَمَعَهُ قحبة. وَقَالَ: إِنَّمَا سمّي السكنجيين بِهَذَا الِاسْم؛ لِأَن الْإِنْسَان يشتكي جَبينه فَإِذا شربه سكن. قَالَ بَعضهم: سمعته يَقُول فِي كَلَام جرى فِي ذكر رجل: وَهُوَ - وَالله - ألوط من لوط. وَذكر بَين يَدَيْهِ رجل فَقَالَ: هُوَ رجل سوء. قيل لَهُ: وَمن أَيْن علمت؟ قَالَ: قد أفسد بعض أهلنا. قيل: وَمن هُوَ؟ قَالَ: أُمِّي صانها الله. وَمَات لَهُ ابْن فَقيل: هاتوا فلَانا ليغسله، فَقَالَ: لَا أريده، فَإِنَّهُ عسوف وأخاف أَن يقْتله. وزار يَوْمًا قوما فأكرموه، وغلّفوه بِطيبَة وطيبوه، فحكته شفته الْعليا، وخشي إِن حكها أَن تَأْخُذ إصبعه الغالية فَأدْخل إصبعه تَحت الشّفة الْعليا وحكّها من دَاخل. وَقيل لَهُ: كم بَين همذان وروذراور؟ فَقَالَ: سَبْعَة ذَاهِب، وَثَلَاثَة جاي. وَدخل يَوْمًا إِلَى إصطبله، فَرَأى فراريج كَثِيرَة فَقَالَ: يَا فراريج، مَتى تحّم حَتَّى نأكلكم. وَحكى من رَآهُ يعدو وسط دَاره عدوا شَدِيدا وَيَقُول شَيْئا بِصَوْت عَال، قَالَ: فَسَأَلته عَن قصَّته فَقَالَ: أردْت أَن أسمع صوتي من بعيد.

واستُعير مِنْهُ سرج فَقَالَ: وَالله مَا نزلت عَنهُ إِلَّا السَّاعَة. دخل على رجل يعزيه فَقَالَ: عظّم الله مصيبتك، وأعان أَخَاك على مَا يرد عَلَيْهِ من يَأْجُوج وَمَأْجُوج، فَضَحِك من حضر، فَقَالَ: لم تضحكون؟ إِنَّمَا أردْت هاروت وماروت. وَقَالَ يَوْمًا لصديق لَهُ: أُرِيد أَن أشْرب على عَورَة وَجهك عشرَة أَرْطَال نَبِيذ مريق، يُرِيد غرَّة وَجهك، ونبيذ مروق. وَقَالَ يَوْمًا لمغنية كَانَ يحبّها: أَنا - وَالله - لَك مائق، يُرِيد وامق فَقَالَت: لَيْسَ لي وحدي أَنْت مائق، أَنْت - وَالله - مائق لِلْخلقِ. أَخذ الطلق امْرَأَته فَدخل فَقَالَ للقابلة: أخرجيه بِاللَّه ابْنا وَلَك دِينَار، وَلَك مَا شِئْت، بِاللَّه لَا أحتاج إِلَى وصيتك. كَانَ مَنْصُور بن زِيَاد خَال الْمهْدي، ووالي خُرَاسَان من جِهَته يُحمّق، وَكَانَ نقش خَاتمه يَا حنّان يَا منّان تَحَنن تمنن على عَبدك الْأمين مَنْصُور بن زِيَاد. لما مَاتَ المكتنجي حزن المتَوَكل عَلَيْهِ، وَقَالَ: من ينشطني إِذا كسلت؟ ويسلّيني إِذا حزنت، فَقيل لَهُ: قد خلّف ابْنَيْنِ مليحين، فَأمر بإحضارهما وكلمهما فرضيهما، وجُعلت أرزاق أَبِيهِمَا للأكبر مِنْهُمَا، وَجعل للأصغر أَيْضا رزق دون مَا لِأَخِيهِ. فَقَالَ الصَّغِير: هَذَا يَا سَيِّدي خلاف مَا يجب فِينَا قَالَ: وَمَا الَّذِي يجب؟ قَالَ: إِنَّمَا نتقدم نَحن، وَتقدم أَبونَا قبل بالحماقة، وَمن شَأْن الْعُقَلَاء إِذا مَاتَ الرجل مِنْهُم أَن يَجْعَل ابْنه الْكَبِير مَكَانَهُ، فَأَما الحمقى فَإِنَّهُم يجْعَلُونَ الصَّغِير مَكَان أَبِيه، وَمَعَ هَذَا أَنا أَحمَق من أخي بِكَثِير. قَالَ: وَمَا الدَّلِيل على ذَلِك؟ قَالَ: هَهُنَا أَدِلَّة كَثِيرَة، أقربها أَن أبي حج فِي الْعَام الْمَاضِي فَلَمَّا قرب قدومه خرج أخي من سر من رأى إِلَى الْكُوفَة لتلقيّه، ومضيت أَنا إِلَى حلوان؛ لِأَنِّي كنت أَشد شوقاً مِنْهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قدم وَجَاءَنِي كِتَابه من سرّ من رأى إِلَى حلوان جِئْت، وَإِنَّمَا فعلت هَذَا لشدَّة شوقي إِلَيْهِ، فسرّ أبي بِمَا كَانَ مني سُرُورًا عَظِيما. فَقَالَ المتَوَكل: صدقت، أَنْت أَحمَق من أَخِيك بِكَثِير، اجعلوا الرِّئَاسَة لَهُ، وَاجْعَلُوا أَخَاهُ مَكَانَهُ.

اعْترض أَبُو الجندب الأرمني دوابّه فَأصَاب فِيهَا وَاحِدًا مهزولاً قَالَ: هاتوا الطباخ فبطحه وضربه خمسين مقرعةً، فَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدي، أَنا طبّاخ لَا أعرف أَمر الدَّوَابّ. قَالَ: فَلم لم تقل لي؟ اذْهَبْ الْآن فَإِذا أذنبت ذَنبا ضربت السائس سِتِّينَ مقرعة، زِيَادَة عشرَة. وَقَالَ يَوْمًا - وَقد ركب إِلَى الْعِيد - لبَعض غلمانه: أرسل إِلَى المزين حَتَّى يكون حَاضرا، وتقدّم إِلَيْهِ ألاّ يمس من شعر رَأْسِي شَيْئا حَتَّى أَعُود من الصَّلَاة؛ فَإِن الحجّامين كثيرو الفضول. واجتاز بِهِ رجل يَبِيع الثَّلج فَقَالَ: أرنا مَا مَعَك؟ فَكسر لَهُ قِطْعَة ثلج وناوله، فَقَالَ أُرِيد أبرد من هَذَا. فَكسر لَهُ من الْجَانِب الآخر فَقَالَ: نعم، هَذَا أبرد، فَكيف سعر هَذَا وسعر ذَاك؟ فَقَالَ: هَذَا رَطْل بدرهم، وَمن الأول رَطْل وَنصف بدرهم. فَقَالَ: أحسن حَتَّى نَأْخُذ من هَذَا لنا، وَمن ذَاك للحاشية. جَازَ إِبْرَاهِيم المصلحي يَوْمًا بطين مبلول فِي شَارِع بَاب الشَّام فَقَالَ لَهُم: السُّلْطَان يُرِيد أَن يركب، فَإِن أَنا رجعت وَرَأَيْت هَذَا الطين مَكَانَهُ ضَربته بالنَّار وَلَا تنفعكم شَفَاعَة أحد. وَقَالَ الطَّبِيب مرّة لأزهر الْحمار: خُذ رمانتين فاعصرهما بشحمهما واشرب ماءهما، فَعمد إِلَى رمّانتين وَقطعَة من شَحم الْغنم فدقهما فِي مَوضِع وَاحِد وَشرب ماءهما. وَاشْترى بَعضهم جَارِيَة، فَغضِبت امْرَأَته، فَحلف أَنه لَا يُجَامِعهَا سنة وَلَا يتْرك غَيره يُجامعها بِسَبَبِهِ. وَنظر جَامع الصيدلاني فِي الْمرْآة، فَضَحِك، فَقَالُوا: يَا أَبَا مُحَمَّد، مَالك تضحك؟ قَالَ: من وَجْهي، وَهُوَ من بعيد أحسن مِنْهُ من قريب. وَقيل لَهُ يَوْمًا: كم سنة لَك؟ قَالَ: إِحْدَى وَسَبْعُونَ سنة. قيل: فَمن تذكر من خلفاء بني الْعَبَّاس؟ قَالَ: إيتاخ. مضى إِلَى السُّوق ليَشْتَرِي لِابْنِهِ نعلا فَقَالُوا: كم سنّه؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، وَلكنه ولد أول مَا جَاءَ الْعِنَب الرازقي. وَمُحَمّد ابْني - أستودعه الله - أكبر مِنْهُ بشهرين وَنصف سنة.

وأُتي بصك دَار ليشهد فِيهِ فَقَالَ: لَا أشهد حَتَّى أرى الدَّار، فَلَمَّا رأى الدَّار، رمى بالصك وَقَالَ: وَالله لَا شهِدت، قيل لَهُ: وَلم ذَاك؟ قَالَ: لِأَنَّهَا سَرقَة، وَأَنَّهَا أول أمس كَانَت فِي ذَلِك الْجَانِب وَهِي الْيَوْم هَاهُنَا. وَكَانَ بَعضهم يَقُول فِي تسبيحه: لَا إِلَه إِلَّا الله جملَة كَافِيَة. وَحلف بَعضهم فَقَالَ: لَا والقبر الَّذِي تضمّن مُحَمَّدًا وَجِبْرِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام. ورث بَعضهم نصف دَار فَقَالَ يَوْمًا: قد عزمت على بيع نصف الدَّار الَّذِي لي وأشتري بِهِ النّصْف الآخر لتصير كلّها إليّ. وَكتب الْمَنْصُور إِلَى زِيَاد بن عبيد الله الْحَارِثِيّ ليقسم مَالا بَين الْقَوَاعِد والعميان والأيتام. فَدخل عَلَيْهِ أَبُو زِيَاد التَّمِيمِي - وَكَانَ مغفلاً - فَقَالَ: أصلحك الله، اكتبني فِي الْقَوَاعِد، فَقَالَ: عافاك الله، الْقَوَاعِد هن النِّسَاء اللَّاتِي قعدن عَن أَزوَاجهنَّ. فَقَالَ: اكتبي فِي العميان، قَالَ: اكتبوه؛ فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: " فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور " قَالَ أَبُو زِيَاد: واكتب ابْني فِي الْأَيْتَام فَقَالَ: نعم، من كنت أَبَاهُ فَهُوَ يَتِيم. ووجّه بَعضهم بِلَحْم إِلَى بَيته فَقَالَ الرَّسُول: قل لَهُم: اطبخوه سكباجاً، فَقَالَ: لَيْسَ عِنْدهم. فَقَالَ لَهُ: يَا بغيض، فاطبخوه إِذا كشكية. وَوَقعت لبَعْضهِم ابْنة فِي الْبِئْر، فَاطلع فِي الْبِئْر فرآها وناداها، فأجابته فَقَالَ لَهَا: لَا تبرحي من موضعك حَتَّى أذهب أجيء بِمن يخْرجك. وَكَانَ منهال إِذا انكسف الْقَمَر يَقُول: ارْحَمْ تُرحم، فَإِذا انجلى قَالَ: تهنؤك الْعَافِيَة. قَالَ ابْن الْمَاجشون: كَانَ لي صديق من أهل الْمَدِينَة فَفَقَدته أَيَّامًا ثمَّ رَأَيْته فَسَأَلته عَن حَاله، فَقَالَ: نزلت بِالْكُوفَةِ فَقلت: وَكَيف صبرت بهَا وهم يسبون أَبَا بكر وَعمر؟ فَقَالَ: يَا ابْن أُمِّي، قد وَالله صبرت لَهُم على مَا هُوَ أعظم من هَذَا،

إِنَّهُم يُفضّلون الكناسي على معبد فِي الْغناء. فحدّثت الْمهْدي بذلك فَضَحِك حَتَّى اسْتلْقى. قيل لبَعْضهِم: قد جَاءَ الذُّبَاب. فَقَالَ: مَا ذقته بعد. وَسُئِلَ بَعضهم عَن مولده فَقَالَ: ولدت رَأس الْهلَال النّصْف من شهر رَمَضَان بعد الْعِيد بِثَلَاثَة أَيَّام، احسبوا الْآن كَيفَ شِئْتُم. قَالَ: وَسمعت بَعضهم يَدْعُو وَيَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر لأمي ولأختي ولامرأتي فَقلت لَهُ: كَيفَ تركت ذكر أَبِيك؟ قَالَ: لِأَنَّهُ مَاتَ وَأَنا صبي لم أدْركهُ وَلم أعرفهُ. لَقِي رجل رجلا فَقَالَ لَهُ مَتى قدمت؟ قَالَ: غَدا، فَقَالَ: لَو قدمت الْيَوْم لسألتك عَن صَاحب لي، فَمَتَى تخرج؟ فَقَالَ: أمس. قَالَ: لَو أَدْرَكتك لكتبت مَعَك كتابا. وَنظر بَعضهم إِلَى جَرَادَة فِي أول مَا يَجِيء الْجَرَاد فقبّلها ووضعها على عينه، يُرِيد أَنَّهَا باكورة. وانكسرت خَشَبَة فِي منزل بَعضهم، فَمضى إِلَى الخشّابين يَشْتَرِي بدلهَا. فَقَالُوا: كم تُرِيدُ طولهَا؟ فَقَالَ: سبع فِي ثَمَان. وخلا بَعضهم بمناجاة ربه وَجعل يَدْعُو وَيَقُول: اللَّهُمَّ ارزقني خَمْسَة آلَاف دِرْهَم حَتَّى أَتصدق مِنْهَا، وَإِن لم تُصدقني فادفع إليّ ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم واحبس الْبَاقِي عنْدك، فَإِن تصدّقت وإلاّ تصدق بهَا على مَا شِئْت. اعتلّ الهبيري وَالِي الْبَصْرَة، فَدخل إِلَيْهِ بعض عوّاده فَقَالَ لَهُ: مَا تَشْكُو؟ قَالَ: حرارة، قَالَ: فَمَا اكلت؟ قَالَ: شويت خوامزكه فمصصت متوضاها يُرِيد خوامزكها وزماكها. وَقَالَ بَعضهم: سقط ابْني فِي الدّكان فوطئ كلب على لِسَانه فَسَقَطت لهاته فعالجته بِدَم الْأَبَوَيْنِ. وَكتب بَعضهم إِلَى أَبِيه: كتابي إِلَيْك من فَوق فَرسَخ بدورقين يَوْم الْجُمُعَة عَشِيَّة الْأَرْبَعَاء لأربعين لَيْلَة خلت من جُمَادَى الْأَوْسَط، وأُعلمك - أعزّك الله -

أَنِّي مَرضت مرضةً لَو كَانَ غَيْرِي لَكَانَ قد مَاتَ. فَكتب إِلَيْهِ أَبوهُ: أمك طَالِق ثَلَاثًا بتاتاً لَو مت مَا كلمتك أبدا. قيل لبَعْضهِم: دخلت الكتّاب فَأَي شَيْء تعلمت؟ قَالَ: الْحساب. قَالَ: فَأَرْبَعَة بَين ثَلَاثَة أنفس كم يُصِيب كل وَاحِد مِنْهُم؟ قَالَ: لنفسين درهميم دِرْهَمَيْنِ وَلَا يُصيب الثَّالِث شَيْئا. خرج رجل من منزله وَمَعَهُ صبي عَلَيْهِ قَمِيص أَحْمَر، فَحَمله على عَاتِقه ثمَّ نَسيَه، فَجعل يَقُول لكل من لقِيه: رَأَيْت صَبيا عَلَيْهِ قَمِيص أَحْمَر؟ فَقَالَ لَهُ إِنْسَان: لَعَلَّه الَّذِي على عاتقك، فَرفع رَأسه وَلَطم الصَّبِي وَقَالَ: يَا ماصّ كَذَا، ألم أقل لَك: إِذا كنت معي لَا تُفَارِقنِي وَلَا تَبْرَح؟ . وَكَانَ بَعضهم فِي يَده ثَلَاثَة عشر درهما، وَركب زورقاً فَرَأى على عنق وَاحِد كَانَ بجنبه برغوثاً، فَأَخذه بالسبابة والإبهام من الْيَد الَّتِي فِيهَا الدَّرَاهِم ثمَّ توّجه نَحْو المَاء ليرمي البرغوث فَرمى بِالدَّرَاهِمِ وَبَقِي البرغوث فِي يَده، ثمَّ الْتفت إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ: رَأَيْتُمْ مثل هَذَا البرغوث تقوّم عليّ بِثَلَاثَة عشر درهما. وَقَالَ بَعضهم: رَأَيْت خميصاً متعلّقاً بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ هَب لَهَا الْعَافِيَة وفرّح قَلبهَا، وَافْعل بهَا واصنع، وَلم يدع لنَفسِهِ وَلَا لأحد غَيرهَا. فَقلت: من هَذِه الَّتِي تخصّها بِالدُّعَاءِ؟ قَالَ: امْرَأَتي. قلت: مَا أوجب أَن تجْعَل دعاءك كُله لَهَا حَتَّى لَا تَدْعُو لنَفسك وَلَا لِأَبَوَيْك؟ فَقَالَ: أخْبرك يَا أخي، اعْلَم أَنِّي صَحِبت الْخلق، وعاشرت النَّاس، وطفت الْبلدَانِ فَمَا وجدت إنْسَانا أنيكه غَيرهَا. فَقلت لَهُ: يحِق لَك إِن كَانَ هَذَا يَا شيخ. وَقَالَ رجل لحمصي: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يُؤْتى بِالَّذِي فجر بِامْرَأَة جَاره، فَيُؤْخَذ من سيئات الْجَار إِلَى حَسَنَات جَاره. فَقَالَ الْحِمصِي: وَالله إِن كَانَ هَذَا فَمَا فِي يَوْم الْقِيَامَة أحسن من الكشاخنة بعد المخنثين. وَحمل بَعضهم بولاً فِي طست إِلَى الطَّبِيب وَقَالَ: هَذَا بَوْل امْرَأَتي. فَقَالَ: هلا جِئْت بِهِ فِي قَارُورَة؟ ! قَالَ: جُعلت فدَاك إحليلها أوسع من ذَاك.

وَنظر حمصي إِلَى مَنَارَة الْمَسْجِد، فَقَالَ لآخر: مَا كَانَ أطول أُولَئِكَ الَّذين بنوا هَذِه المنارة {فَقَالَ لَهُ: اسْكُتْ مَا أجهلك} ترى أَن فِي الأَرْض أحدا يطول هَذِه المنارة؟ وَإِنَّمَا بنوها على الأَرْض ثمَّ أقاموها، أَو حفروا بِئْرا وقلبوها. حضر جمَاعَة من أهل زنجان بَاب السُّلْطَان فشكوا ثقل أصولهم، وتضاعف الْمُؤَن عَلَيْهِم، فأجيبوا إِلَى حطيئة، فَقَالُوا: نحب أَن نقتصر مِنْهَا على الْأَخْمَاس بدل الأعشار، فَصَارَ ذَلِك رسماً عَلَيْهِم. قَالَ بَعضهم: رَأَيْت شَيخا طَوِيل اللِّحْيَة يعدو، فَقلت مَالك؟ قَالَ: مر بك رجل أَخْضَر عَلَيْهِ كسَاء أصلع؟ . قَالَ: وَرَأَيْت رجلا طَوِيل اللِّحْيَة رَاكِبًا حمارا، وَهُوَ يضْربهُ. فَقلت لَهُ: يَا هَذَا، ارْفُقْ. فَقَالَ: إِذا لم يقر يمشي فَلم صَار حمارا؛. تفاخر أحمقان: مصري ويمني، فَقَالَ الْمصْرِيّ: هَلَكت - وَالله - الْيمن؛ إِن لم يكن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام مِنْهَا لَا تدخل الْجنَّة وَالله أبدا. فَقَالَ اليمني: فَابْن الْمُهلب وَأَوْلَاده يُحَاربُونَ عَلَيْهَا أبدا وَزِيَادَة حَتَّى يدخلوها بِسَلام بِالسَّيْفِ،. وَلما دخل الأكراد مَدِينَة السَّلَام مَعَ أبي الهيجاء، واجتازوا بِبَاب الطاق قَالَ بعض الْمَشَايِخ من التُّجَّار: هَؤُلَاءِ الَّذين قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه: الأكراد أَشد كفرا ونفاقا. فَقَالَ لَهُ إِنْسَان: يَا هَذَا، إِنَّمَا قَالَ الله " الْأَعْرَاب ". قَالَ الشَّيْخ: يَا سُبْحَانَ الله {} يقطع علينا الأكراد، ونكذب على الْأَعْرَاب؟ . قَالَ بَعضهم: دخلت حمّاماً بهيت، وَأَهْلهَا عامتهم قلف، فَإِذا أَنا بِرَجُل قد دخل، وَهُوَ آخذ بِرَأْس إحليله، وَقد أشاله إِلَى فَوق، ثمَّ تمكن جَالِسا، وصب من إحليله شَيْئا ودلك بِهِ رَأسه ولحيته، وَفعل ذَلِك مرَارًا. فَقلت لَهُ: وَيلك! مَا هَذَا؟ قَالَ: دهن يَا سَيِّدي، طلبت من عِنْد العطّار قَارُورَة فَلم تكن عِنْده، فَأخذت الدّهن فِي هَذَا الْموضع، وَهُوَ ذَا اسْتَعْملهُ. قدّم رجل ابْنا لَهُ إِلَى القَاضِي ليحجر عَلَيْهِ. فَقَالَ: فيمَ تحجر عَلَيْهِ؟ قَالَ الْأَب: أصلحك الله، إِن كَانَ يحفظ آيَتَيْنِ من كتاب الله فَلَا تحجر عَلَيْهِ. فَقَالَ

لَهُ القَاضِي: اقْرَأ. فَقَالَ: أضاعوني وَأي فَتى أضاعوا ... ليَوْم كريهة وسداد ثغر فَقَالَ الْأَب: أصلحك الله، إِن قَرَأَ أُخْرَى فَلَا تحجر عَلَيْهِ. فحجر عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. قَالَ بَعضهم: جالسني رجل فغبر لَا يكلمني سَاعَة، ثمَّ قَالَ: هَل جَلَست قطّ على رَأس تنور فخريت فِيهِ آمنا مطمئناً؟ قَالَ: قلت: لَا. قَالَ: فَإنَّك لم تعرف شَيْئا من النَّعيم قطّ. وَقَالَ هِشَام بن عبد الْملك ذَات يَوْم لأَصْحَابه: أَي شَيْء ألذ؟ فَقَالَ لَهُ الأبرش بن حسان: أَصَابَك جرب قطّ فحككته؟ قَالَ: مَالك؟ أجرب الله جِلْدك، وَلَا فرج عَنْك، وَكَانَ آنساً بِهِ. دخل كردم الدارع أَرض قوم يذرعها، فَلَمَّا انْتهى إِلَى زنقة مِنْهَا لم يحسن أَن يذرعها. فَقَالَ: هَذِه لَيست لكم. قَالُوا: هِيَ لنا مِيرَاث، وَمَا نازعنا فِيهَا أحد قطّ. قَالَ: لَا، وَالله مَا هِيَ لكم. قَالُوا: فحصّل لنا حِسَاب مَا لَا نشك فِيهِ. فَقَالَ: عشرُون فِي عشْرين عشرُون. قَالُوا: من أجل هَذَا الْحساب صَارَت الزنقة لَيست لنا. وَقَالَ قَاسم النمار: التوى مني عرق حِين قعدت مِنْهَا مقْعد الرجل من الْغُلَام. مَاتَ رجل من جند أهل الشَّام عَظِيم الْقدر، فَحَضَرَ جنَازَته الْحجَّاج، فصلّى عَلَيْهِ وَجلسَ على شَفير قَبره وَقَالَ: لينزل قَبره بعض إخوانه، فَنزل أحدهم فَقَالَ وَهُوَ يسوّي عَلَيْهِ: يَرْحَمك الله أَبَا قنان، إِن كنت - مَا علمت - لتجيد الْغناء، وتسرع رد الكأس، لقد وَقعت فِي مَوضِع سوء لَا تخرج - وَالله - مِنْهُ إِلَى يَوْم الدكة. فَمَا تمالك الْحجَّاج أَن ضحك فاكثر وَكَانَ لَا يكثر الضحك فِي جد وَلَا هزل. فَقَالَ لَهُ: هَذَا مَوضِع هَذَا لَا أم لَك؟ قَالَ: أصلح الله

الْأَمِير، فرسه حبيس فِي سَبِيل الله لَو سمعته يتغنّى: يَا لُببني أوقدي النارا ... لانتشر الْأَمِير على سعنة - وَكَانَ الْمَيِّت يلقب سعنة، وَكَانَ من أوحش الْخلق صُورَة وأدّمهم - فَلم يبْق أحد إِلَّا استفرغ ضحكاً. وَقَالَ الْحجَّاج: أَخْرجُوهُ، إِنَّا لله {يَا أهل الشَّام، مَا أبين حجَّة أهل الْعرَاق فِي جهلكم} . خرج رجل من المغفلين فَرَأى فِي زرعه فَسَادًا فَقَالَ: يَا رب أَنْت تنْهى عَن الْفَحْشَاء، فَهَذَا حسن هُوَ؟ قَالَ بَعضهم: رَأَيْت رجلا محموماً مصدعاً، وَهُوَ يَأْكُل التَّمْر، ويتكرّهه. فَقلت لَهُ: وَيحك {لم تَأْكُل هَذَا فِي حالك هَذِه؟ هَذَا يقتلك. فَقَالَ: عندنَا شَاة تُرضع، وَلَيْسَ لَهَا نوى، فَأَنا آكل هَذَا التَّمْر مَعَ كراهيتي لَهُ؛ لأطعمها النَّوَى. قَالَ: فَقلت: فأطعمها التَّمْر بالنوى. قَالَ: أَو يجوز هَذَا؟ قلت: نعم. قَالَ: قد - وَالله - فرّجت عني، لَا إِلَه إِلَّا الله، مَا أحسن الْعلم} . أخرج صبي رَأسه من منظرة، فَوَقَعت عَلَيْهِ بردة فأوجعته، فشتم من رمى، فاطّلع أَبوهُ من الكوة لينْظر من رمى فَلَمَّا رأى الْبردَة رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء وَقَالَ: ارْمِ سَيِّدي مَا عرفك الصَّبِي.

الباب الثالث والعشرون نوادر ابن الجصاص

الْبَاب الثَّالِث وَالْعشْرُونَ نَوَادِر ابْن الْجَصَّاص كَانَ ابْن الْجَصَّاص يتّجر فِي الْجَوَاهِر، وَكَانَت لَهُ ثروة عَظِيمَة، ومحلّ عِنْد الْخُلَفَاء. ونُكب فِي أَيَّام المقتدر، فبلغت مصادرته الَّتِي أَدَّاهَا ثَمَانِيَة آلَاف ألف دِينَار، وَكَانَ مغفّلاً. وَهُوَ الَّذِي كَانَت فِي فَمه درة وَأَرَادَ أَن يبصق، فبصق على الْخَلِيفَة وَرمى بِالدرةِ فِي دجلة، وَهُوَ يظنّ أَنه قد ناول الْخَلِيفَة الدرة وبصق فِي المَاء. وَعرض على بعض الْخُلَفَاء عقدا مثمّناً فَقَالَ: هَل رَأَيْت فِي عرس أمك مثله؟ وَكَانَ إِذا قنت يَقُول فِي دُعَائِهِ: يَا أويس الْقَرنِي، يَا كَعْب الْأَحْبَار بحقّ مُحَمَّد وجرجيس إِلَّا وسعت أمتك على الدَّقِيق. وَكَانَ يَقُول أَيْضا فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي من ذُنُوبِي مَا تعلم وَمَا لَا تعلم. وَدخل يَوْمًا على ابْن الْفُرَات فَقَالَ: يَا سَيِّدي، عندنَا فِي الجزيرة كلاب لَا يتركونا ننام من الصياح والقتال. قَالَ: أحسبهم جراءً. قَالَ: لَا تظن ذَلِك أَيهَا الْوَزير، كل كلب مثلي وَمثلك. وَنظر يَوْمًا فِي الْمرْآة فَقَالَ: اللَّهُمَّ سوّد وُجُوهنَا يَوْم تسودّ الْوُجُوه، وبيّضها يَوْم تبيض الْوُجُوه.

وَقَالَ بَعضهم: اطَّلَعت عَلَيْهِ وَهُوَ يقْرَأ فِي الْمُصحف ويبكي وينتحب ويشهق، فَقلت لَهُ: مَالك؟ قَالَ: أكلت الْيَوْم مَعَ الْجَوَارِي المخيض بالبصل فآذاني، فَلَمَّا رَأَيْته فِي الْمُصحف " ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض " قلت: مَا أعظم قدرَة الله {قد بيّن كل شَيْء حَتَّى أكل اللَّبن مَعَ الْجَوَارِي. وَأَرَادَ مرّة أَن يدنو من بعض جواريه فمنعته وتشاجت عَلَيْهِ، فَقَالَ: قد - وَالله - أغضبتني، أُعطى الله عهدا إِن قربتك سنة، وَلَا قربك أحد بسببي. وَقَرَأَ مرّة فِي الْمُصحف، فَجعل يَقُول: رخيص، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك. فَقَالَ: وَيحك} أما ترى تفضّل الله جلّ وعزّ، يَقُول: " ذرهم يَأْكُلُوا ويتمتعوا " أما هَذَا رخيص؟ وعزّاه إِنْسَان عَن ميّت لَهُ وَقَالَ: لَا تجزع واصبر. فَقَالَ: نَحن قوم لم نتعوّد الْمَوْت. وَقَالَ يَوْمًا: أَنا أشتهي بغلة مثل بغلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أسميها دُلْدُل. وَقَالَ يَوْمًا: قد خريت على يَدي، لَو غسلتها ألف مرّة لم تتنظف حَتَّى أغسلها مرَّتَيْنِ. وَنظر فِي الْمرْآة ثمَّ قَالَ لإِنْسَان عِنْده: ترى لحيتي قد طَالَتْ؟ فَقَالَ لَهُ ذَلِك الْحَاضِر: الْمرْآة فِي يدك. فَقَالَ: صدقت، وَلَكِن يرى الشَّاهِد مَا لَا يرى الْغَائِب. وَدخل عَلَيْهِ بَعضهم، وَمَعَهُ ابْن لَهُ، فَقَالَ لَهُ: هَذَا ابْنك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: وَلَيْسَ لأمه غَيْرك؟ قَالَ: وَيصْلح فِي دينكُمْ لامْرَأَة زَوْجَيْنِ؟ ! قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي اردت صِحَة أمرهَا مِنْك، وَكَيف جَاءَ هَذَا الْوَلَد الَّذِي لَا يشبهك. وَسمع رجلا ينشد شعرًا فِي هِنْد. فَقَالَ: لَا تَذكرُوا حماة النَّبِي إِلَّا بِخَير. وَقَالَ بَعضهم: كنت عِنْد أبي إِسْحَاق الزّجاج النَّحْوِيّ أعزيه بِأُمِّهِ وَعِنْده الرؤساء إِذْ أقبل ابْن الْجَصَّاص وَدخل ضَاحِكا، وَهُوَ يَقُول: الْحَمد لله يَا أَبَا إِسْحَاق. قد - وَالله - سرّني. فدهش الزّجاج وَمن حضر، فَقَالَ بَعضهم: يَا هَذَا،

كَيفَ سرّك مَا غمّه وغمنا لَهُ؟ قَالَ: وَيحك {إِنَّه بَلغنِي أَنه هُوَ الَّذِي، فَلَمَّا صَحَّ عِنْدِي أَنَّهَا هِيَ الَّتِي، سرني. فَضَحِك النَّاس. وَقَرَأَ يَوْمًا فِي الْمُصحف: " أَن تَقول نفس يَا حسرتي على مَا فرّطت فِي جنب الله " فَقَالَ: فديت جَنْبك يَا سَيِّدي، أيش أصَاب جَنْبك يَا مولَايَ؟ عز عليّ، لَيْت بِي مَا بك يَا سَيِّدي. كَانَ يكسر مرّة بَين يَدَيْهِ لوز، فطفرت لوزة، وأُبعدت، فَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله} تَعَجبا من كل شَيْء هرب من الْمَوْت حَتَّى فِي الْبَهَائِم. وَمن دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ أرخص السُّوق على الدَّقِيق، اللَّهُمَّ إِنَّك تَجِد من تغْفر لَهُ غَيْرِي، وَلَا أجد من يُعَذِّبنِي سواك، حسبي الله {اللَّهُمَّ امسخني حورية وزوجني من عمر بن الْخطاب. فَقَالَت زَوجته لَهُ: سل أَن يزوجك من النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، إِن كَانَ وَلَا بُد فَقَالَ: لَا أحب أَن أصير ضرَّة عَائِشَة. وصلّى خلف الإِمَام، فَلَمَّا قَالَ: " وَلَا الضَّالّين " قَالَ ابْن الْجَصَّاص: أَي لعمري أَرَادَ آمين. وَقَرَأَ يَوْمًا فِي الْمُصحف " رَبنَا إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته " ثمَّ قَالَ: يحِق لَهُ أَن يخري - وَالله - من أَدخل النَّار، يخرى ثمَّ يخرى. وَقَالَ لِابْنِ الْفُرَات يَوْمًا: أعز الله الْوَزير، امْنَعْ هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَة من الِاجْتِمَاع؛ فَإِنَّهُ بَلغنِي أَنهم يَتَكَلَّمُونَ بالكبائر. قَالَ: وَمَا الَّذِي يَقُولُونَ؟ قَالَ: بَلغنِي أَنهم يَقُولُونَ: إِن الصُّور لَيْسَ هُوَ من قرن. وَأَتَاهُ غُلَامه يَوْمًا بفرخ وَقَالَ: انْظُر هَذَا الفرخ، مَا أشبهه بِأُمِّهِ} قَالَ: أمه ذكر أم أُنْثَى؟ . وَقَالَ يَوْمًا أتبّرك بكتب أَحْمد بن حَنْبَل، وَمَا أعمل كل يَوْم شَيْئا حَتَّى أمرّها على وَجْهي. قيل لَهُ: فَأَيْنَ أَنْت من الْقُرْآن؟ قَالَ: أما هَذَا فقد جربته. وَسمع آيَة من الْقُرْآن فِي بعض الْمجَالِس، فَقَالَ: حسن وَالله، هاتوا دَوَاة وقرطاساً اكْتُبْ هَذَا. قَالُوا لَهُ: هَذَا من الْقُرْآن، وَفِي دَارك خَمْسُونَ مُصحفا.

فكتبها وَقَالَ: لكل جَدِيد لَذَّة، وَبعث بهَا إِلَى معلّم وَلَده وَأمره أَن يحفّظهم ذَلِك. وَبنى ابْنه دَارا، فَأدْخل أَبَاهُ إِلَيْهَا ليبصرها، وَقَالَ: انْظُر يَا أَبَة، هَل ترى عَيْبا؟ فطافها حَتَّى دخل المستراح، فَاسْتَحْسَنَهُ، وَقَالَ: فِيهِ عيب وَاحِد، وَهُوَ ضيق بَابه فَإِن الْمَائِدَة لَا تدخله. وَكتب إِلَى وَكيل لَهُ بِأَن يحمل إِلَيْهِ مائَة منا قطناً، فحملها فَلَمَّا حُلجت اسْتَقل الحليج وَكتب إِلَى وَكيله: إِنَّه لم يحصل من هَذَا الْقطن إِلَّا ربعه، فَلَا تزرع بعْدهَا قطناً بحبه، وازرع الحليج، وَيكون مَعَه أَيْضا شَيْء من الصُّوف. وَقَالَ مرّة لمغنية غنّي: خليليّ هُبّا نصطبح بسماد يُرِيد: بسواد. فَقَالَت لَهُ: إِذا عزمت على هَذَا فاصطبح وَحدك. وَقَالَ يَوْمًا: يَنْبَغِي للْإنْسَان أَن يصير إِلَى الْمَقَابِر ليغتاظ. يُرِيد: ليتعظ. وَقَالَ يَوْمًا لصديق لَهُ: وحياتك الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ. وَاسْتَأْذَنَ يَوْمًا على بعض الوزراء، وَعرض عَلَيْهِ شَيْئا من الْجَوْهَر وَقَالَ: وَقع هَذَا فِي السيق. فَضَحِك الْوَزير. فَقَالَ: أعز الله الْوَزير، إِن فِي تحفض مَا بعْدهَا. وَتردد إِلَى بعض النحوين ليصلح لِسَانه، فَقَالَ لَهُ بعد مُدَّة: الْفرس بِالسِّين أَو بالصين؟ وَقَالَ يَوْمًا: قُمْت البارحة إِلَى المستراح، وَقد طُفئ الْقنْدِيل، فَمَا زلت أتلمّظ المقعدة حَتَّى وَجدتهَا.

وَقَالَ يَوْمًا لِعبيد الله بن سُلَيْمَان: أَيهَا الْوَزير، أَنْت سيف الله فِي أرضه، فَلَا تقع على شَيْء إِلَّا هرّيته، وَلَا يَقع عَلَيْك شَيْء إِلَّا هرّاك، فَأَنت مثل الشوك لَا يمشي عَلَيْهِ إِنْسَان إِلَّا دخل فِي رجله، وَلَا يدْخل فِي رجل إِنْسَان إِلَّا أوجعهُ. وانبثق لَهُ كنيف، فَقَالَ لغلامه: بَادر وأحضر من يُصلحه حَتَّى نتغدّى بِهِ قبل أَن يتعشّى بِنَا. وَأهْدى إِلَى الْعَبَّاس بن الْحسن الْوَزير نبقاً وَكتب إِلَيْهِ: تفيّلت بِأَن تبقى ... فأهديت لَك النبقا فَكتب فِي جَوَابه: لم تتفيل يَا أَبَا عبد الله، وَلَكِنَّك تبقّرت.

الباب الرابع والعشرون نوادر اصحاب المذاهب والجهال من المتعصبين

الْبَاب الرَّابِع وَالْعشْرُونَ نَوَادِر أَصْحَاب الْمذَاهب والجُهال من المتعصبين كَانَ بعض ولد روح بن حَاتِم يتشيّع، وَكَانَ لَا يشْتم من الصَّحَابَة إِلَّا طَلْحَة، فَقيل لَهُ يَوْمًا: كَيفَ وَقعت على طَلْحَة؟ أتعرفه وتعرف قدمه فِي الْإِسْلَام؟ فَقَالَ: وَكَيف لَا أعرفهُ؟ طَلْحَة امْرَأَة الزبير. قَالَ رجل من أهل الْكُوفَة لهشام بن الحكم: أَتَرَى الله - جلّ ثَنَاؤُهُ - فِي فَضله وعدله وَكَرمه كلّفنا مَا لَا نطيق ثمَّ يعذّبنا عَلَيْهِ؟ قَالَ: فعل وَلَكِن لَا نستطيع أَن نتكلم. قَالَ الْأَخْفَش: سَمِعت أَبَا حَيَّة النميري يَقُول: أَتَدْرِي مَا يَقُول القدريون؟ قلت: مَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: إِن الله لم يكلّف الْعباد مَا لَا يُطِيقُونَ، وَصدق - وَالله - القدريون، وَلَكنَّا لَا نقُول كَمَا يَقُولُونَ. قَالَ بَعضهم: مَرَرْت بِجَمَاعَة قد أخذُوا رجلا وضربوه ضرب التّلف، وهم يجرّونه إِلَى السُّلْطَان. فَقلت لبَعْضهِم: مَا تُرِيدُونَ مِنْهُ؟ قَالَ وَاحِد: هُوَ زنديق، لَا يُؤمن بالقيسيّ. دخل بعض الْعَامَّة على جَعْفَر بن سُلَيْمَان، يشْهد على رجل، فَقَالَ: أصلح الله الْأَمِير هُوَ رافضيّ قدري جهمي مرجيّ، يشْتم الْحجَّاج بن الزبير الَّذِي هدم الْكَعْبَة على عليّ بن أبي سُفْيَان. قَالَ لَهُ جَعْفَر: مَا أَدْرِي علام أحسدك {} على علمك بالأنساب، أَو معرفتك بالمقالات؟ قَالَ: وَالله مَا خرجت من الكتّاب حَتَّى تعلمت هَذَا كُله. قَالَ الجاحظ: كَانَ عِنْد الرستمي قوم من التُّجَّار، فَحَضَرت الصَّلَاة فَنَهَضَ الرستمي ليصلّي، فنهضوا مَعَه. فَقَالَ: مالكم وَلِهَذَا؟ إِنَّمَا فرض الله عز وجلّ هَذَا ليذلّ بِهِ المتكبرين مثلي وَمثل فِرْعَوْن وهامان ونمروذ وكسرى.

حج خراساني من أهل السنّة، فَلَمَّا حضر الْمَوْسِم أَخذ دَلِيلا يدلّه على الْمَنَاسِك، فَلَمَّا فرغ أعطَاهُ شيءاً يَسِيرا لَا يرضيه، فَأَخذه مِنْهُ، ثمَّ جَاءَ إِلَى بعض الْأَركان فنطح الرُّكْن بِرَأْسِهِ. فَقَالَ الْخُرَاسَانِي: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَة يَأْتِي هَذَا الرُّكْن فينطحه بِرَأْسِهِ، وَكلما كَانَت النطحة أشدّ كَانَ الْأجر أعظم. فَشد الْخُرَاسَانِي على الرُّكْن ونطحه نطحة سَالَتْ الدِّمَاء مِنْهَا على وَجهه وَسقط مغشياً عَلَيْهِ فَتَركه الرجل وَمر. قيل لبَعْضهِم: مَا تَقول فِي مُعَاوِيَة؟ قَالَ: رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ. قيل: فَمَا تَقول فِي يزِيد؟ قَالَ: لَعنه الله وَلعن أَبَوَيْهِ. قَالَ بَعضهم لِأَبِيهِ: يَا أَبَة، قد علمت أَن الرمادية هم الَّذين يَبُولُونَ فِي الرماد، فَمَا الْقَدَرِيَّة؟ قَالَ: الَّذين يخرؤون فِي الْقُدُور. قَالَ بعض بني هَاشم، وَقد ذكرت الصَّحَابَة عِنْده، قَالَ: أَنا لَا أعرف إِلَّا الشَّيْخَيْنِ الله وَالنَّبِيّ. تشاجر نفسان من الْعَوام: أَحدهمَا يتشيّع وَالْآخر ناصبي، فَقَالَ المتشيع: إِن مولَايَ عليا عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْقِيَامَة على الْحَوْض يسقيني وَلَا يسقيك. قَالَ الآخر: إِن لم يسقني سقاني أَبُو بكر شربةً، وَعمر شربةً، وَعُثْمَان، وَطَلْحَة، وَالزُّبَيْر، حَتَّى عدّ التِّسْعَة، فَقَالَ لَهُ صَاحبه: يَا ماص بظر أمه، أكلت كربج حَتَّى تشرب هَذَا المَاء كُله؟ . كَانَ بعض الشِّيعَة من أهل قزوين لَهُ ضَيْعَة تسمى " شيذكين " فَلحقه جور السُّلْطَان وأجحف بِهِ ثقل الْخراج حَتَّى خربَتْ الضَّيْعَة، وَحج الرجل، فَبينا هُوَ فِي الْموقف إِذْ قَامَ إِنْسَان عمريّ فَجعل يَقُول: أَنا ابْن الَّذِي خرّج الْخراج، ودوّن الدَّوَاوِين، وَفعل وصنع. فَقَالَ الْقزْوِينِي، وَقَالَ لَهُ: اسْكُتْ يَا مشئوم فَإِن بشؤم جدّك خربَتْ " شيذكين ". حدّث أَن ثَلَاثَة من الْمَشَايِخ حَضَرُوا الْجَامِع. فَقَالَ وَاحِد لآخر: جُعلت فدَاك، أَيهمَا أفضل: مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أم عِيسَى بن مَرْيَم؟ فَقَالَ: لَا وَالله مَا أَدْرِي. فَقَالَ الثَّالِث: يَا كشخان، تقيس كَاتب الْوَحْي إِلَى نبيّ النَّصَارَى؟ .

قَالَ بَعضهم: رَأَيْت بالقادسية أَيَّام الْحجَّاج إنْسَانا يَصِيح وَيَقُول: مَا يبغض الْعُيُون إِلَّا عين، فَقلت لَهُ: مَا معنى قَوْلك: الْعُيُون؟ قَالَ: أَبُو بكر، اسْمه عبد الله، وَعمر، وَعُثْمَان، وَعلي، لَا يبغضهم إِلَّا عين مَعْنَاهُ: إِلَّا عاضّ بظر أمه. وعظ وَاحِد مِنْهُم آخر فَقَالَ لَهُ: الزم السُنّة، فَإنَّك إِن لَزِمت السُنّة دخلت الْجنَّة. فَقَالَ لَهُ الآخر: وَمَا السنّة؟ قَالَ: حب أبي بكر بن أبي طَالب وَعمر بن أبي قُحَافَة، وَعُثْمَان بن سُفْيَان؟ وأستاذهم كلهم مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان. قَالَ: وَمن مُعَاوِيَة هَذَا؟ قَالَ: وَيلك أَلا تعرفه؟ هَذَا كَانَ من حَملَة الْعَرْش، فزوّجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنته عَائِشَة. قَالَ أَبُو العيناء: مر بِنَا وَاحِد يُنَادي على جرّيّ، فاستقذرناه. فَقَالَ هَل شيخ كَانَ إِلَى جَنْبي: علمت يَا أَبَا عبد الله أَنِّي لَا آكله إِلَّا مرّة وَاحِدَة فِي السّنة من أجل السُنّة لَا غير؟ قلت: وَأي سنّة فِي أكل الجرى؟ قَالَ: سُبْحَانَ الله! كَانَ عَليّ بن أبي طَالب يكرههُ.

الباب الخامس والعشرون نوادر الاطباء

الْبَاب الْخَامِس وَالْعشْرُونَ نَوَادِر الْأَطِبَّاء قَالُوا: مر ماسروجيه الطَّبِيب ببعضهم، فَقَالَ: وَيلك يَا ماسروجيه! إِنِّي أجد فِي حلقي بححاً. قَالَ: هَذَا من عمل بلغم. فَلَمَّا جاوزه قَالَ: أَنا أحسن أَن أَقُول: بلغم، وَلَكِن كلّمنا بِالْعَرَبِيَّةِ، فكلمته بِالْعَرَبِيَّةِ. قَالَ الصولي: عدت بعض الرؤساء من علّة وسمعته يَقُول للطبيب: أكلت فراريج. فَقَالَ لَهُ: كَانَ يَكْفِيك فروج وَاحِد. فَقَالَ: إِن الفراريج لَا تضر. فَقَالَ الطَّبِيب: يَا سَيِّدي: إِذا لبس الْإِنْسَان عشر غلائل قصب فقد لبس لُبّادةً. قَالَ ابْن ماسويه لرجل شكا إِلَيْهِ قصوره عَن الْبَاءَة: عَلَيْك بالكباب وَالشرَاب، وَشعر أبي الْخطاب، يَعْنِي عمر بن أبي ربيعَة؛ لغزله. قَالَ أَبُو عَلْقَمَة للطبيب: إِنِّي أجد فِي بَطْني قرقرةً ومعمعةً. فَقَالَ: أمّا القرقرة فضراط لم ينضج. وَأما المعمعة فَلَا أَدْرِي مَا هِيَ. قَالَ المتَوَكل لبختيشوع: مَا أخفّ النُّقل على الشَّرَاب؟ قَالَ: نقل أبي نواس. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: مَالِي فِي النَّاس كلّهم مثل ... مائي خمر، ونقلي القُبل قيل لطبيب: مَا يذهب بِشَهْوَة الطين؟ قَالَ: زاجر من عقل. قَالَ بَعضهم: اعْلَم أَنَّك تَأْكُل مَا تستمرئه، ومالا تستمرئه، فَهُوَ يَأْكُلك. قَالَ جالينوس: صَاحب الْجِمَاع مقتبس من نَار الْحَيَاة، فَإِن شَاءَ فليقلل، وَإِن شَاءَ فليكثر.

قيل لِابْنِ ماسويه: الباقلّي بقشره أصحّ فِي الْجوف؟ قَالَ: هَذَا من طب الجياع. يُقَال: إِن أردشير وَمن تقدّمه من مُلُوك الْفرس كَانُوا لَا يثبتون فِي ديوانهم الطَّبِيب إِلَّا بعد أَن يُلسعوه أَفْعَى، ثمَّ يُقَال لَهُ: إِن شفيت نَفسك فَأَنت طَبِيب حقّاً، وَإِن مت كَانَت التجربة عَلَيْك لَا علينا. وَكَانَ مُلُوك الرّوم إِذا اعتلّ طَبِيب أسقطوه من ديوانهم، وَقَالُوا لَهُ: أَنْت مثلنَا. وَكَانَ بعض مُلُوك الْعَرَب إِذا جَاءَهُ طَبِيب قدّم إِلَيْهِ مائدةً، وَأمره أَن يُركّب مِنْهَا غذَاء لتقوية أبدان الْمُجَاهدين، وعلاجاً للمرضى، وتدبيراً للناقهين، وتفكّهاً للمترفين، وسبباً ممرضاً، وسمّاً قَاتلا للأعداء، فَإِذا فعل ذَلِك أثْبته، وَإِلَّا صرفه. حُكيَ عَن بعض الْأَطِبَّاء أَنه قَالَ لإِنْسَان شكا إِلَيْهِ علّة، فَقَالَ: خُذ من البنفسج المربّى قدر رَوْثَة، وصبّ عَلَيْهِ مَاء حاراً قدر محجمة ثمَّ دوفه حَتَّى يصير كَأَنَّهُ مخاط، ثمَّ اشربه. فَقَالَ الْمَرِيض: أمّا دون أَن أُضرب بالسياط فَلَا. قَالَ ابْن ماسويه: قَالَ لي أَخ لِعبيد الله بن يحيى: أَخْبرنِي عَن الطبائع الْأَرْبَع، هِيَ من عقاقير الْجَبَل؟ فَضَحكت. فَقَالَ: مِم تضحك؟ قلت: أَخُو وَزِير لَا يعرف الطبائع؟ فَقَالَ لي: مَا أَنا طَبِيب. قَالَ رجل لطبيب: يَا سَيِّدي، إِن أُمِّي تَجِد فِي حلقها ضيقا ويبساً وحرارة. قَالَ الطَّبِيب: لَيْت الَّذِي فِي حلق أمك فِي حر امْرَأَتك، وَأَن على حلق أمك السكين. وَجَاء ماجن إِلَى طَبِيب فَقَالَ: أجد فِي أَطْرَاف شعري شبه المغص، وَفِي بَطْني ظلمَة، وَإِذا أكلت الطَّعَام تغيّر فِي جوفي. قَالَ الطَّبِيب: أما مَا تَجدهُ من المغص فِي أَطْرَاف شعرك فَاحْلِقْ رَأسك ولحيتك، فَإنَّك لَا تَجِد مِنْهُ شَيْئا، وَأما الظلمَة الَّتِي فِي بَطْنك فعلّق على بَاب استك قِنْدِيلًا حَتَّى لَا تجدها، وَأما تغيّر الطَّعَام فِي بَطْنك فَكل خرا واربح النَّفَقَة.

دخل رجل حَماما فسرقت ثِيَابه، فَخرج وَهُوَ عُرْيَان، وعَلى بَاب الحمّام طَبِيب. فَقَالَ لَهُ: مَا قصتك؟ قَالَ: سرقوا ثِيَابِي. قَالَ: بَادر ونفسّ الدَّم، حَتَّى يخف عَنْك الْغم. قيل لبَعض الْأَطِبَّاء: أَي وَقت للطعام أصلح؟ فَقَالَ: أمّا لمن قدر فَإِذا جَاع، وَلمن لم يقدر فَإِذا وجد. مر طَبِيب بِابْن عبد الْوَاسِع الْمَازِني، فَشَكا إِلَيْهِ ريحًا فِي بَطْنه. فَقَالَ: خُذ كف صعتر. قَالَ: يَا غُلَام، الدواة والقرطاس، ثمَّ قَالَ: أصلحك الله، مَا كنت قلت؟ قَالَ: قلت: خُذ كف صعتر، ومكوك شعير. قَالَ: لم لم تذكر الشّعير أَولا؟ قَالَ: وَلَا علمت أَنَّك حمَار إِلَّا السَّاعَة. مرض أَحمَق، فَدخل إِلَيْهِ الطَّبِيب، فساءله عَن حَاله. فَقَالَ: أَنا الْيَوْم صَالح، وَقد قرمت إِلَى الثَّلج. فَقَالَ الطَّبِيب: الثَّلج رَدِيء يزِيد فِي رطوبتك، وَينْقص من قوتك. فَقَالَ: أَنا إِنَّمَا أمصه وأرمي بثفله. ذكر زرقان الْمُتَكَلّم قَالَ: أَقمت عِنْد ابْن ماسويه يَوْمًا، فقدّمت الْمَائِدَة وَجِيء عَلَيْهَا بسمك وَلبن، فامتنعت من أَحدهمَا. فَقَالَ لي: لم امْتنعت؟ فَقلت: خوفًا من أَن أجمع بَينهمَا. فَقَالَ لي: أَنْت رجل من أهل النّظر وَتقول هَذَا القَوْل! لَيْسَ يَخْلُو أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا ضدّاً لصَاحبه، أَو مُوَافقا لَهُ؛ فَإِن كَانَ ضداً لَهُ فقد أدخلنا على الشَّيْء ضِدّه، وَإِن كَانَ مُوَافقا فاعمل على أنّا وَدِدْنَا سمكًا أكلناه. جَاءَ رجل إِلَى بعض الْأَطِبَّاء، فَشَكا إِلَيْهِ وجع بَطْنه. فَقَالَ لَهُ: مَا أكلت؟ قَالَ: خبْزًا محترقاً. فَدَعَا الطَّبِيب بذرور ليكحله. فَقَالَ الرجل: إِنَّمَا أَشْكُو بَطْني. قَالَ: قد علمت، وَلَكِنِّي أكحلك لتبصر الْخبز المحترق فَلَا تَأْكُله بعد هَذَا. قَالَ شيخ من الْأَطِبَّاء: الْحَمد لله، فلَان يزاحمنا فِي الطِّبّ وَلم يخْتَلف إِلَى البيمارستان تَمام خمسين سنة. قَالَ بَعضهم لطبيب نَاوَلَهُ دَوَاء: قدر كم آخذ مِنْهُ؟ قَالَ: تَأْخُذ مِنْهُ قدر بَعرَة وتدوفه بِقدر محجمة مَاء وتضربه.

قَالَ بَعضهم: قَالَ لي طَبِيب: إياك ومجالسة الثُّقَلَاء؛ فَإنَّا نجد فِيمَا تقدم من كتب الطِّبّ أَن فِي مجالستهم تُخم الْأَرْوَاح. قيل: دخل بعض الهاشميين على أبي جَعْفَر، فسلّم عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَر: كَيفَ الْمَوْلُود؟ قَالَ: فِي عَافِيَة. قَالَ: كم لَهُ؟ قَالَ: سَبْعَة أَيَّام. قَالَ: فَقَالَ متطبب أبي جَعْفَر: كَيفَ عقله؟ قَالَ: أما سمعتني قلت لأمير الْمُؤمنِينَ: إِنَّمَا لَهُ سَبْعَة أَيَّام؟ قَالَ الطَّبِيب إِن الْمَوْلُود إِذا كَانَ حادّ النّظر قَلِيل الْبكاء كَانَ عَاقِلا. ترك لافس التَّصْوِير وتطبب، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك. فَقَالَ: الْخَطَأ فِي التَّصْوِير تُدْرِكهُ الْعُيُون، وَخطأ الطِّبّ تواريه الْقُبُور. سُئِلَ طَبِيب عَن دَوَاء الْمَشْي. فَقَالَ: سهم ترمي بِهِ فِي جوفك أَخطَأ أم أصَاب. وَسُئِلَ آخر فَقَالَ: هُوَ كالصابون فِي الثَّوْب يُنقّيه، وَلَكِن يخلقه ويبليه. شكا رجل إِلَى طَبِيب سوء انهضام طَعَامه، فَقَالَ: كلّه مهضوماً. قَالَ طَبِيب لمريض: لَا تَأْكُل السّمك وَاللَّحم. فَقَالَ: لَو كَانَ عِنْدِي مَا اعتللت. أصَاب بَعضهم صداع، فضمّد رَأسه بدار صيني، وفلفل. فَقَالَ لَهُ الطَّبِيب: عزمت على أَن تضعه فِي التَّنور؟ .

الباب السادس والعشرون اتفاقات عجيبه في الجد والهزل

الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ اتفاقات عَجِيبَة فِي الْجد والهزل قَالَ حمّاد بن الزبْرِقَان: حفظت مَا لم يحفظ أحد، ونسيت مَا لم ينس أحد. كنت لَا أحفظ الْقُرْآن، فأنفت أَن أجيء بِمن يعلّمني، فحفظته من الْمُصحف فِي شهر وَاحِد. ثمَّ قبضت يَوْمًا على لحيتي لأقص مَا فضل عَن قبضتي فنسيت أَنِّي أحتاج أَن أقصّ مَا دون القبضة فقصصت أَعْلَاهَا، فَاحْتَجت أَن أَجْلِس فِي الْبَيْت سنة إِلَى أَن اسْتَوَت. حدّث أَبُو عَاصِم النَّبِيل بِحَدِيث فَقَالَ: حَدثنِي أَبُو بكر ابْني عني. وَكَانَ الابْن كتبه عَنهُ ونسيه الْأَب فذكّره. وَفِي ضد ذَلِك، مَا حَكَاهُ الصاحب رَحمَه الله عَن بَعضهم، قَالَ: كَانَ يَقُول: حَدثنِي ابْني عني كَأَنَّهُ أعلم بِهِ مني، على معنى قَوْلهم: " كمعلمة أمّها البضاع ". قَالَ بَعضهم: من طرائف المحبان أَنِّي بت لَيْلَة عِنْد قوم، وحركتني الطبيعة فِي بعض اللَّيْل، وَلم أعرف مَوضِع الْخَلَاء، فَوَقَعت على بَيت فِيهِ مهد، وَفِيه صبي نَائِم وَلَيْسَ عِنْده أحد، فعمدت إِلَى الصَّبِي فَأَخْرَجته من المهد، وَجَعَلته فِي حجري، وجمعت عَلَيْهِ ذيلي، وحوّلت استي على المهد وخريت فِيهِ، وَقمت أرد الصَّبِي، فَإِذا بِهِ قد وضع فِي حجري أَضْعَاف مَا خريت فِي مهده، فَبَقيت متحيّراً فِي محنة، مَا أعلم أَن أحدا دُفع إِلَى مثلهَا. وَحكي أَنه فعل مثل ذَلِك إِنْسَان آخر ببستوقة فِيهَا صحناة، فِي دَار رجل كَانَ قد أَضَافَهُ، وَأَنه قدّم إِلَيْهِ ذَلِك فِي طَعَامه من غَد. قَالَ عبد الْملك بن عمر اللَّيْثِيّ: دخلت على عبد الْملك بن مَرْوَان وَهُوَ جَالس فِي بهو على سَرِير، وَقد وضع بَين يَدَيْهِ رَأس مُصعب بن الزبير. فَلَمَّا

رَأَيْته قلت مُتَعَجِّبا: لَا إِلَه إِلَّا الله {} لقد رَأَيْت الْيَوْم عجبا تذكرت بِهِ عجائب. قَالَ: وَمَا ذَاك؟ قلت: رَأَيْت عبيد الله بن زِيَاد فِي هَذَا البهو جَالِسا على هَذَا السرير، وَبَين يَدَيْهِ رَأس الْحُسَيْن بن عَليّ، عَلَيْهِ السَّلَام. ثمَّ دخلت بعد ذَلِك على الْمُخْتَار فِي هَذَا البهو جَالِسا على هَذَا السرير، وَبَين يَدَيْهِ رَأس عبيد الله بن زِيَاد. ثمَّ دخلت على مُصعب فِي هَذَا البهو على هَذَا السرير، وَبَين يَدَيْهِ رَأس الْمُخْتَار. وَقد دخلت عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي هَذَا البهو على هَذَا السرير، وَبَين يَديك رَأس مُصعب. فبادر عبد الْملك وَنزل عَن السرير، وَخرج من البهو، وَأمر بهدمه. قُرئ فِي أَخْبَار البرامكة: أَنه وجد فِي بعض الأوارجات السُّلْطَانِيَّة فِي أَولهَا: وَمَا حُمل إِلَى الْأَمِير أبي الْفضل جَعْفَر بن يحيى أعزه الله لهدية النيروز من الْعين الطرز مائَة ألف دِينَار. وَفِي آخر الْحساب: وَمَا أُخرج لثمن النفط والبواري والحطب لإحراق جثة جَعْفَر بن يحيى بضعَة عشر درهما. ركب يزِيد بن نهشل النَّهْشَلِي بَعِيرًا لَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَى فِي غرزه قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك قلت: " سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين ". اللَّهُمَّ إِنِّي أشهدك أَنِّي لَهُ مقرن. فنفر الْبَعِير، وتعلّقت رجله فِي الغرز، وَالْبَعِير يجمز بِهِ حَتَّى مَاتَ. قَالَ ثَعْلَب: قَالَ السدّيّ: أتيت كربلاء أبيع البزبها، فَعمل لنا شيخ من طيّ طَعَاما فتعشينا عِنْده، فَذَكرنَا قتل الْحُسَيْن، رَضِي الله عَنهُ، فَقلت: مَا شرك فِي قَتله أحد إِلَّا مَاتَ بِأَسْوَأ ميتَة. فَقَالَ: مَا أكذبكم يَا أهل الْعرَاق! فَأَنا فِيمَن شرك فِي ذَلِك. فَلم نَبْرَح حَتَّى دنا من الْمِصْبَاح وَهُوَ يتّقد بنفط، فَذهب يُخرج الفتيلة بإصبعه، فَأخذت النَّار فِيهَا، فَجعل يطفئها بريقه، فَأخذت النَّار فِي لحيته، فَعدا فَألْقى نَفسه فِي المَاء، فرأيته كَأَنَّهُ حممة. قَالُوا: كَانَ بِمَدِينَة السَّلَام رجل ذُو يسَار، فَبينا هُوَ ذَات يَوْم فِي منزله - وَقد جلس ليَأْكُل مَعَ امْرَأَته، وَبَين يَدَيْهِ سكباجة قد فاحت رائحتها - إِذْ دنا سَائل

من الْبَاب، وَكَانَ مِمَّن امتحن بنكبة بعد نعْمَة، فَقَالَ: أَطْعمُونِي من فضل مَا رزقكم الله. فَقَامَتْ الْمَرْأَة وغرفت لَهُ من الْقدر، وَأخذت رغيفين لتنَاوله. فَلَمَّا رأى الزَّوْج ذَلِك حلف عَلَيْهَا ألاّ تدفع إِلَيْهِ شَيْئا، وَمضى السَّائِل خائباً حَزينًا، وَاسْتوْفى الرجل طَعَامه، وَصعد السَّطْح لبَعض حَوَائِجه فعثر بِشَيْء وانتكس، فَسقط فِي الأَرْض، ووقص وَمَات. وحازت الْمَرْأَة مِيرَاثه وتصرفت فِيهِ، وفرقّت شَيْئا من أَسبَابه الرثّة فِي الْمَسَاكِين، فَكَانَ فِي جُمْلَتهَا مضرّبة خلقَة وَقعت إِلَى هَذَا الرجل السَّائِل ففتّها ليغسلها ويجعلها قَمِيصًا يلْبسهُ، فَوجدَ فِيهَا ألف دِينَار، فَأَخذهَا وغيّر بهَا حَاله. وَضرب الدَّهْر، وَأَتَتْ على ذَلِك الْأَيَّام، فَطلب امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا. فَقَالَت لَهُ بعض الدلاّلات: هَاهُنَا امْرَأَة صَالِحَة قد ورثت، فَمَا تَقول فِي مواصلنها؟ فأنعم لَهَا. فسعت الدّلَالَة بَينهمَا حَتَّى اتفقَا واجتمعا، فَلَمَّا دخل بهَا تحدثا ذَات يَوْم فَقَالَت الْمَرْأَة: فَاعْلَم أَن هَذِه الدَّار الَّتِي وقفت عَلَيْهَا، وَأَنا تِلْكَ الْمَرْأَة، وَأَن زَوجي صعد فِي ذَلِك الْيَوْم السَّطْح فَسقط وَمَات. وَقد أورثك الله مَاله ومسكنه وَزَوجته، فَسجدَ الرجل شكرا، وحدّث إخوانه تعجّباً. قَالَ بعض تجار الْبَحْر: حملنَا مرّة مَتَاعا إِلَى الصين من الأبلة - وَكَانَ قد اجْتمع ركب فِيهِ عشر سفن، قَالَ: وَمن رسمنا إِذا توجهنا فِي مثل هَذَا الْوَجْه أَن نَأْخُذ قوما ضعفاء، ونأخذ بضائع قوم - فَبينا أَنا قد أصلحت مَا أُرِيد إِذْ وقف عليّ شيخ، فسلّم، فَرددت، فَقَالَ: لي حَاجَة قد سَأَلتهَا غَيْرك من التُّجَّار فَلم يقضها. قلت: فَمَا هِيَ؟ قَالَ: اضمن لي قضاءها حَتَّى أَقُول. فضمنت، فأحضرني رصاصةً فِيهَا نَحْو من مائَة منّا، وَقَالَ لي: تَأمر بِحمْل هَذِه الرصاصة مَعَك، فَإِذا صرتم فِي لجّة كَذَا فاطرحها فِي الْبَحْر. فَقلت: يَا هَذَا، لَيْسَ هَذَا مِمَّا أَفعلهُ. قَالَ: فقد ضمنت لي. وَمَا زَالَ بِي حَتَّى قبلته، وكتبته فِي رزنامجي. فَلَمَّا صرنا فِي ذَلِك الْموضع عصفت علينا ريح فنسينا أَنْفُسنَا وَمَا مَعنا، ونسيت الرصاصة، ثمَّ خرجنَا من اللجة وسرنا حَتَّى بلغنَا موضعا، فَبِعْت مَا صحبني. وَحضر بِي رجل فَقَالَ لي: أَمَعَك رصاص؟ فَقلت لَيْسَ معي رصاص، فَقَالَ لي غُلَام: مَعنا رصاص. قلت: لم أحمل رصاصاً معي. قَالَ: بلَى، الشَّيْخ سلّم إِلَيْك، فَذكرت فَقلت: خالفناه وبلغنا هَاهُنَا وَمَا عليّ أَن أبيعه، فَإِن ذَلِك فِيهِ مَا

أَرَادَ. فَقلت للغلام: أحضرها، وساومني الرجل بهَا، فبعتها بِمِائَة وَثَلَاثِينَ دِينَارا. وابتعت بهَا للشَّيْخ من طرائف الصين. وَخَرجْنَا فوافينا الْمَدِينَة، وبعت تِلْكَ الطرائف فبلغت سَبْعمِائة دِينَار، وصرت إِلَى الْبَصْرَة إِلَى الْموضع الَّذِي وَصفه الشَّيْخ، ودققت بَاب دَاره، وَسَأَلت عَنهُ، فَقيل: قد توفّي قلت: فَهَل خلّف أحدا يَرِثهُ؟ قَالُوا: لَا نعلم إِلَّا ابْن أَخ لَهُ فِي بعض نواحي الْبَحْر. قَالَ: فتحيّرت، وَقيل لي: إِن دَاره مَوْقُوفَة فِي يَد أَمِين القَاضِي، فَرَجَعت إِلَى الأُبُلّة وَالْمَال معي. فَبينا أَنا ذَات يَوْم جَالس إِذْ وقف على رَأْسِي رجل فَقَالَ: أَنْت فلَان؟ قلت: نعم. قَالَ: أَكنت خرجت إِلَى الصين؟ قلت: نعم. قَالَ: وبعت رجلا هُنَاكَ رصاصا؟ قلت: نعم. قَالَ: أفتعرف الرجل وتأملته؟ قلت: أَنْت هُوَ. قَالَ: نعم. إِنِّي قطعت من تِلْكَ الرصاصة شَيْئا لَاسْتَعْمَلَهُ، فَوَجَدتهَا مجوفة، وَوجدت فِيهَا اثْنَي عشر ألف دِينَار، وَقد جِئْت بِالْمَالِ، فَخذ، عافاك الله. فَقلت لَهُ: وَيحك {} وَالله مَا المَال لي، وَلكنه كَانَ من خَبره كَذَا وَكَذَا، وحدثته. قَالَ: فَتَبَسَّمَ الرجل، ثمَّ قَالَ: أتعرف الشَّيْخ؟ قلت: لَا. قَالَ: هُوَ عمي، وَأَنا ابْن أَخِيه، وَلَيْسَ لَهُ وَارِث غَيْرِي، وَأَرَادَ أَن يزوي هَذَا المَال عني، وَهُوَ هرّ بني من الْبَصْرَة سبع عشرَة سنة، فَأبى الله إِلَّا مَا ترى على رغمه. قَالَ: فأعطيته الدَّنَانِير كلّها وَمضى إِلَى الْبَصْرَة وَأقَام بهَا. قَالَ بَعضهم: جلس رجل إِلَى قوم، فصاح بِهِ إِنْسَان من خَلفه، فَالْتَفت إِلَيْهِ فَمَاتَ. فَقيل لِابْنِهِ: كَيفَ مَاتَ أَبوك؟ فَحكى لَهُم كَيفَ مَاتَ أَبوهُ والتفت وَمَات هُوَ أَيْضا. قَالَ يحيى بن الْيَمَان: رَأَيْت رجلا بَات أسود الرَّأْس واللحية شابّاً ملْء الْعين، نَام لَيْلَة فَرَأى فِي مَنَامه كَأَن النَّاس قد حُشروا، وَإِذا بنهر من لَهب النَّار، وَإِذا بجسر يجوز النَّاس عَلَيْهِ، يُدعون بِأَسْمَائِهِمْ. فَإِذا نُودي الرجل أجَاب، فنجا أَو هلك. قَالَ: فدُعي باسمي، فَدخلت الجسر، فَإِذا هُوَ كحدّ السَّيْف يمور بِي يَمِينا وَشمَالًا. قَالَ: فَأَصْبَحت أَبيض الرَّأْس واللحية. قَالَ عبيد الله بن عبد الله بن طَاهِر: حدثنب أَبُو مُحَمَّد الرباطي - رِبَاط خاوة من عمل جرجان - قَالَ: كنت قباراً، فَبينا أَنا فِي منزلي إِذْ طرقني لَيْلًا

ركب مستعجلين فركبت، فَإِذا أَنا بشموع وخدم، فأمروني بِالْحفرِ، فحفرت قبراً، وأدعوه تابوتاً، وعفيت عَلَيْهِ بِالتُّرَابِ، وأجالوا خيلهم عَلَيْهِ، تغويراً للموضع فانصرفوا. فَظَنَنْت أَنه كنز، فأسرعن فانتشته، وكشفت عَن التابوت فَإِذا فِيهِ رجل فَوضعت يَدي على أَنفه، فَإِذا هُوَ قريب من التّلف، فاستخرجته وأعدت التُّرَاب إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، واحتملته إِلَى منزلي. وَعَاد الْقَوْم حذرا أَن يكون قد تُنُبّه على مَا فِي التابوت، ونفضوا الصَّحرَاء الَّتِي كَانَ فِيهَا، فَلم يَجدوا أثرا وَلَا حسّاً لأحد، وَأَنا مشرف من منزلي أرى مَا يصنعون. فَلَمَّا أمنُوا مِمَّا توهمّوا انصرفوا. وترادّت نفس الرجل، فَسَأَلته عَن حَاله. فَقَالَ: أَنا مُحَمَّد ابْن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عليّ بن الْحُسَيْن بن عليّ، رَضِي الله عَنْهُم، فَأَقَامَ عِنْدِي إِلَى أَن قويت نَفسه وتراجعت، ثمَّ شخص إِلَى الْعرَاق، ثمَّ إِلَى الْحجاز، وَظهر بِالْيمن، وبويع لَهُ بأمير الْمُؤمنِينَ، وَدخل مَكَّة، ثمَّ خرج على عَهدهم وَبَايع الْمُؤْمِنُونَ لِابْنِ أَخِيه عليّ بن مُوسَى بالعهد، فَخرج مُحَمَّد إِلَى الْمَأْمُون بخراسان. وأدركته منيته بجرجان، فاحتفرت لَهُ ودفنته، فَكَانَ بَين الدفنين عشر سِنِين. قَالُوا: كَانَت فِي عبد الصَّمد بن عليّ عجائب: مِنْهَا أَنه مَاتَ بِأَسْنَانِهِ الَّتِي ولد بهَا وَلم يثّغر وَكَانَت أَسْنَانه قِطْعَة وَاحِدَة. وَمِنْهَا أَنه كَانَ فِي قعدد يزِيد بن مُعَاوِيَة، هما فِي النّسَب إِلَى عبد منَاف سَوَاء. وَقَامَ على مِنْبَر قَامَ عَلَيْهِ يزِيد وَبَينهمَا مائَة سنة. وَحج بِالنَّاسِ فِي سنة مائَة وَسبعين وحجّ يزِيد بِالنَّاسِ فِي سنة خمسين وَبَينهمَا مائَة وَعِشْرُونَ سنة. وَمِنْهَا أَنه دخل سربا فِيهِ ريش فطارت ريشتان فلصقتا بِعَيْنيهِ فَذهب بَصَره. وَمِنْهَا أَنه كَانَ يَوْمًا عِنْد الرشيد، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، هَذَا مجْلِس فِيهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ، وعمّه، وَعم عمّه وَعم عَم عَمه يَعْنِي سُلَيْمَان بن أبي جَعْفَر عَم

الرشيد، وَالْعَبَّاس بن مُحَمَّد عَم أَبِيه، وَعبد الصَّمد عَم جده. وَيُقَال: إِن أم عبد الصَّمد هِيَ كَثِيرَة الَّتِي يَقُول فِيهَا ابْن قيس الرقيات: عَاد لَهُ من كَثِيرَة الطَّرب ... وَمن الاتفاقات العجيبة، مَا كَانَ من المعتصم وَإِبْرَاهِيم بن الْمهْدي. قَالَ الصولي: لَا نَعْرِف خَليفَة قبل يَد خَليفَة ثمَّ قبل ذَلِك الْخَلِيفَة بِعَيْنِه يَده، إِلَّا مَا كَانَ من فعل المعتصم بإبراهيم ثمَّ فعل إِبْرَاهِيم بالمعتصم. وحدّث قَالَ: كَانَ المعتصم فِي فتْنَة الْأمين يمْضِي مَعَ عَليّ بن الْجُنَيْد إِلَى إسكاف فيقيم عِنْده، وَلَا يقصر عَليّ فِي خدمته وإكرامه وَالنَّفقَة عَلَيْهِ. وَكَانَ عَليّ أَكثر النَّاس مزاحا، واحسنهم كلَاما. فآذاه المعتصم فِي شَيْء فَقَالَ عَليّ: وَالله لَا تفلح أبدا - على المزح - فحفظها المعتصم، فَلَمَّا دخل بَغْدَاد خَليفَة، أَمر وصيفاً بإحضار عليّ، فأحضروه، وَكَانَ عدوّاً للفضل بن مَرْوَان فَقَالَ لَهُ: يَا عليّ، زعمت أَنِّي لَا أَفْلح أبدا، هَل بعد هَذَا الْفَلاح شَيْء من أَمر الدُّنْيَا؟ فَقَالَ لَهُ: الَّذِي أَفْلح عِنْدِي الْفضل بن مَرْوَان، فَضَحِك المعتصم - وَكَانَ يَقُول: من ذَلِك الْيَوْم اعتقدت أَن أنكب الْفضل - ثمَّ قَالَ: يَا عليّ، أَتَذكر حَيْثُ وقفت لإِبْرَاهِيم بن الْمهْدي بمرّبعة الخرسيّ فَنزلت فقبّلت يَده، ثمَّ أدنيت ابْني هَارُون فقبّل يَده، وَقلت: عَبدك هَارُون ابْني، فَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم؟ قَالَ عليّ: أذكر لَك. قَالَ: فَإِنَّهُ ترجّل لي الْيَوْم وقبّل يَدي فِي ذَلِك الْموضع بِعَيْنِه، ثمَّ قَالَ لي: عَبدك هبة الله ابْني، وَأَدْنَاهُ وقبّل يَدي، فَأمرت لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم، وَلم تطب لَهُ نَفسِي بغَيْرهَا. فَقَالَ: بئس وَالله مَا فعل أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: وَكَيف؟ وَيلك! قَالَ: إِبْرَاهِيم أَمر لهارون بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَلَيْسَ فِي يَده إِلَّا بَغْدَاد وَحدهَا. وَفِي يَد أَمِير الْمُؤمنِينَ الشرق والغرب. قَالَ: صدقت، أَعْطوهُ عشرَة آلَاف دِينَار. وفرّق المعتصم فِي أَهله ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم. دخل إيتاخ إِلَى الواثق وَهُوَ بآخر رَمق لينْظر هَل مَاتَ أم لَا، فَلَمَّا دنا مِنْهُ نظر إِلَيْهِ الواثق بمؤخر عينه فَفَزعَ إيتاخ وَرجع الْقَهْقَرِي إِلَى أَن وَقع سَيْفه فِي ملبن الْبَاب فاندق، وَسقط إيتاخ على قَفاهُ هَيْبَة لنظرة الواثق. قيل: فَلم تمض

سَاعَة حَتَّى مَاتَ الواثق فعُزل فِي بَيت ليُغسل، وَاشْتَغلُوا عَنهُ، فَجَاءَت هرّة فَأكلت عينه الَّتِي نظر بهَا إِلَى إيتاخ فتراجع وَسقط واندق سَيْفه هَيْبَة مِنْهَا، فَعجب النَّاس من ذَلِك. وَكَانَ إيتاخ زعيماً لسَبْعين ألف غُلَام تركيّ. وَمثله لِسَان مَرْوَان بن مُحَمَّد، فَإِنَّهُ لمّا قُتل، وَأخذ رَأسه وَأَرَادُوا إِنْفَاذه إِلَى أبي الْعَبَّاس أمروا بتنظيفه، فجَاء كلب فَأخذ لِسَانه وَجعل يمضغه. فَقَالَ عبد الله بن عليّ: " لَو لم يرنا الدَّهْر من عجائبه إِلَّا لِسَان مَرْوَان فِي فَم كلب لَكَفَانَا ذَلِك ". قيل: إِنَّه كَانَ سَبَب موت الْمُنْتَصر، أَنه وجد حرارةً، فقصد بمبضع مَسْمُوم فَمَاتَ. وَأَن الطَّبِيب الَّذِي فعل بِهِ ذَلِك احْتَاجَ إِلَى الفصد بعد ايام، فَأخْرج لتلميذه دست مباضع ليفصده، وفيهَا ذَلِك المبضع، وَقد أُنسيه، فقصده بِهِ تِلْمِيذه فَمَاتَ الطَّبِيب. وحُكي عَن المستعين أَنه قَالَ: كَانَ الْمُنْتَصر قد جعلني فِي نَاحيَة أَخِيه مُوسَى الأحدب - وَكَانَ لِأَبِيهِ وَأمه - وَأحسن إليّ، فَلَمَّا ثقل اغتممت، وَرَأَيْت مُوسَى مَسْرُورا طامعاً فِي الْخلَافَة، فَانْصَرَفت إِلَى بَيْتِي مغموماً فطرقني رَسُول أتامش فَفَزِعت لذَلِك، وودّعت أُمِّي وَخرجت مَعَ جمَاعَة من الموَالِي حَتَّى أُدخلت حجرَة، وَجَاءَنِي كَاتب فسكّن مني، وَجعل يؤنسني ويحدثني ويخدمني، فَأَصْبَحت يومي صَائِما. وأخرجوني فِي عشيّة ذَلِك الْيَوْم، فبايعوني. قَالَ أَحْمد بن أبي الْأَصْبَغ: لما ولى المستعين الْخلَافَة، دَعَاني أَحْمد بن الخصيب - وَقد استوزره - فَقَالَ لي: أكتب السَّاعَة فِي إشخاص أبي صَالح عبد الله بن مُحَمَّد بن يزْدَاد، من فَارس بأسرع من عنْدك وأفرههم. فورد أَبُو صَالح بعد شهر، فَمَكثَ جُمُعَة ودب فِي أَمر أَحْمد بن الخصيب حَتَّى ولّي مَكَانَهُ وَنفي أَحْمد بن الخصيب إِلَى أقريطش. قَالَ: فدعاني أَبُو صَالح حِين ولّي فَقَالَ: اكْتُبْ السَّاعَة إِلَى همذان فِي إشخاص شُجَاع بن الْقَاسِم إِلَى الحضرة، ووجّه إِلَيْهِ بِالَّذِي جَاءَ بِي من فَارس، قَالَ: فَفعلت ذَلِك، فَوَافى شُجَاع، فتقلد كتبة أوتامش، فَلَمَّا تمكن نكب أَبَا صَالح وَقَامَ مَكَانَهُ.

خرج أَبُو العيناء - وَهُوَ ضَرِير لَهُ نيّف وَتسْعُونَ سنة - إِلَى الْبَصْرَة فِي سفينة فِيهَا ثَمَانُون نفسا، فغرقت فَلم يسلم غَيره، فَلَمَّا صَار إِلَى الْبَصْرَة توفّي بهَا وَذَلِكَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ. كَانَ الْوَاقِدِيّ شَيخا سَمحا، وأظله شهر رَمَضَان، وَلم تكن عِنْده نَفَقَة، فَاسْتَشَارَ امْرَأَته بِمن ينزل خلّته من إخوانه؟ فَقَالَت: بفلان الْهَاشِمِي. فَأَتَاهُ فَذكر لَهُ خلته فَأخْرج لَهُ صرة فِيهَا ثَلَاثمِائَة دِينَار فَقَالَ: وَالله مَا أملك غَيرهَا. فَأَخذهَا الْوَاقِدِيّ. فساعة دخل منزله جَاءَهُ بعض أخولته وشكا إِلَيْهِ، خلته فَدفع إِلَيْهِ الصرة بختمها، وَعَاد صَاحب الصرة إِلَى منزله. فَجَاءَهُ الْهَاشِمِي فَشَكا خلته فَنَاوَلَهُ الصرة فعرفها الْهَاشِمِي، فَقَالَ لَهُ: من أَيْن لَك هَذِه؟ فحدثه بِقِصَّتِهِ، فَقَالَ: قُم بِنَا إِلَى الْوَاقِدِيّ، فَأتوهُ. فَقَالَ لَهُ الْهَاشِمِي: حَدثنِي عَنْك وَعَن إِخْرَاج الصرة فحدثه الحَدِيث على وَجهه فَقَالَ الْهَاشِمِي: فأحق مَا يعْمل فِي هَذِه الصرة أَن نقتسمها ونجعل فِيهَا نَصِيبا للْمَرْأَة الَّتِي وَقع اخْتِيَارهَا عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا. جَاءَ وَفد من الْيمن فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، لقد أَحْيَانًا الله تَعَالَى ببيتين من شعر امْرِئ الْقَيْس. قَالَ: وَمَا ذَاك؟ قَالُوا: أَقبلنَا نريدك حَتَّى إِذا كُنَّا بِموضع كَذَا وَكَذَا أَخْطَأنَا المَاء، فَمَكثْنَا ثَلَاثًا لَا نقدر عَلَيْهِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَوضِع طلح وَسمر، فَانْطَلق كل رجل منا إِلَى أصل شَجَرَة ليَمُوت فِي ظلها. فَبينا نَحن فِي آخر رَمق، إِذا رَاكب قد أقبل معتم، فَلَمَّا رَآهُ بَعْضنَا تمثل: لما رَأَتْ أَن الشَّرِيعَة همها ... وَأَن الْبيَاض من فرائصها دامي تيممت الْعين الَّتِي عِنْدهَا ضارج ... يفِيء عَلَيْهَا

الظل عرمضها طامي فَقَالَ الرَّاكِب: من يَقُول هَذَا الشّعْر، فَقَالَ بَعْضنَا: امْرُؤ الْقَيْس. قَالَ: هَذِه وَالله ضارج عَنْكُم - وَقد رأى مَا بِنَا من الْجهد - فزحفنا إِلَيْهَا فَإِذا بَيْننَا وَبَينه نَحوا من خمسين ذِرَاعا؛ وَإِذا هِيَ كَمَا وصف امْرُؤ الْقَيْس يفِيء عَلَيْهَا الظل. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ذَاك رجل مَشْهُور فِي الدُّنْيَا خامل فِي الْآخِرَة، مَذْكُور فِي الدُّنْيَا منسي فِي الْآخِرَة، يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة مَعَه لِوَاء الشُّعَرَاء يقودهم إِلَى النَّار ". قَالُوا: بَينا حُذَيْفَة بن الْيَمَان وسلمان الْفَارِسِي يتذاكران عجائب الزَّمَان وَتغَير الْأَيَّام - وهما فِي عَرصَة إيوَان كسْرَى، وَكَانَ أَعْرَابِي من غامد يرْعَى شويهات لَهُ نَهَارا، فَإِذا كَانَ اللَّيْل صيرهن إِلَى دَاخل الْعَرَصَة، وَفِي الْعَرَصَة سَرِير رُخَام كَانَ رُبمَا عَلَيْهِ جلس كسْرَى، فَصَعدت شويهات الغامدي إِلَى ذَلِك السرير - فَقَالَ سلمَان: " وَمن أعجب مَا تَذَاكرنَا صعُود غنيمات الغامدي إِلَى سَرِير كسْرَى ". قَالَ بَعضهم: دخلت على صابح مولى مَنَارَة فِي يَوْم شات وَهُوَ فِي قبَّة طارمة مغشاة بالسمو، مفروشة بالسمور، وَبَين يَدَيْهِ كانون من فضَّة، وَهُوَ يُوقد عَلَيْهِ بِعُود. ثمَّ مرت سنيات فَرَأَيْت صابحاً على حمَار بإكاف يقف على النَّاس على الجسر فَيَقُول: أَنا صابح مولى مَنَارَة، تصدقوا عَليّ رحمكم الله، فَلَا يطيعه كثير من النَّاس، وَإِن أعطَاهُ إِنْسَان، أعطَاهُ درهما وَاحِدًا فَمَا دونه. قَالَ الجاحظ: نصب ابْن لمُحَمد بن إِبْرَاهِيم - كَاتب ابْن أبي دَاوُد - فخاً على ظهر الطَّرِيق إِلَى جَانب حَائِط. فجَاء بعض الأتراك فَبَال فِي مَوْضِعه، فَلَمَّا أَرَادَ أَن يتمسح، نظر إِلَى نبكة مُرْتَفعَة فتمسح بهَا، فَوَقع الفخ فِي ذكره وخصييه وَظن التركي أَنه أَفْعَى، فَمر يعدو، وَابْن مُحَمَّد يعدو خَلفه ويصيح: فخي، فخي. والتركي يَقُول: فخ إيش؟ وَيلك! فَاجْتمع النَّاس فخلصوا خصيي تركي من الفخ. وَكتب بذلك صَاحب الْبَرِيد إِلَى المعتصم، فَلَمَّا دخل ابْن أبي دَاوُد، قَالَ لَهُ: من كاتبك هَذَا الَّذِي يصيد ابْنه خصى الأتراك بالفخاخ؟ فَقَالَ: وَالله مَا أعرفهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَلَمَّا انْصَرف سَأَلَ عَن الْخَبَر، وَأخرج الْغُلَام من دَاره. قَالَ بعض الْأَعْرَاب: أضللت بَعِيرًا لي فَخرجت فِي طلبه، فَبينا أَنا أَسِير إِذْ رَأَيْت خباء فَإِذا فِيهِ جَارِيَة جميلَة. فاستضفتها فأضافتني، وقدمت إِلَيّ طَعَاما، فَلَمَّا مددت يَدي إِلَيْهِ، طلع بَعْلهَا فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَت: ضيف استقرانا فقريناه.

فَقَالَ: وَإِنَّمَا تزوجت لتقرين الضَّيْف؟ اخْرُج عافاك الله، فَخرجت من الخباء وَركبت بَعِيري وَتركته يذهب حَيْثُ شَاءَ، قَالَ: فأضاء لي الْفجْر عَن فَتى كَأَن وَجهه فلقَة قمر، قلت: هَل من مُضَافَة، قَالَ: انْزِلْ فَقدم إِلَيّ طَعَاما، فَلَمَّا شرعت فِي الْأكل إِذا زَوجته قد طلعت فَقَالَت: مَا هَذَا؟ قَالَ: ضيف استضافنا فأنزلناه. فَقَالَت: إِنَّمَا تَزَوَّجتك على أَن تقري الأضياف؟ قُم عافاك الله واخرج. قَالَ: فَضَحكت. فَقَالَ لي: مِم ضحِكت؛ قلت: نزلت فِي أول اللَّيْل على جَارِيَة كَانَ من قصَّتهَا كَيْت وَكَيْت، ثمَّ نزلت عَلَيْك فَكَانَ من قصتك مَا رَأَيْت. قَالَ: أَفلا أخْبرك بِأَعْجَب من ذَلِك؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: تِلْكَ وَالله أُخْتِي لأبي وَأمي، وَهَذِه أُخْت الرجل لِأَبِيهِ وَأمه. وَصلى الله على مُحَمَّد وَآله.

§1/1