نثار الأزهار في الليل والنهار

ابن منظور

بسم الله الرحمن الرحيم أحمد الله سبحانه على نعمه الباطنة والظاهرة. وأسأله الصلاة على سيدنا محمد وآله الغرة الطاهرة. وأصحابه العصبة الزاهرة. وأجدد حمدي على ما جبلني عليه من تتبع آثار العلماء. واقتفاء سنن الأدباء. وكنت في أيام الوالد رحمه الله أرى تردد الفضلاء إليه. وتهافت الأدباء عليه. ورأيت الشيخ شرف الدين أحمد بن يوسف بن أحمد التيفاشي العبسي في جملتهم وأنا في سن الطفولة لا أدري ما يقولونه. ولا أشاركهم فيما يلقونه. غير أني كنت أسمعه يذكر للوالد كتاباً صنفه أفنى فيه عمره. واستغرق دهره. وإنه سماه (فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب). وأنه لم يجمع ما جمع فيه كتاب. وكنت على صغر السن أنكر تجاسره على هذا الاسم الذي عده الله عز وجل من النعمة. ومنَّ على نبيه بأنه أتاه فصل الخطاب مع الحكمة. وكنت شديد الشوق إلى الوقوف عليه. وتوفي الوالد رحمه الله في سنة خمس وأربعين وستمائة وشغلت عن الكتاب وتوفي شرف الدين التيفاشي بعده بمدة فلما ذكرته بعد سنين وقد جاوزت الستين تطلبته من كل جهة. ورمته من كل وجهة. فلم أجد من يدلني عليه. ولا من يذكر أنه نظر إليه. فبذلت

الجهد في طلبه إلى أن ظفرت به عند شخص من أصحابه. فسعيت إلى بابه. وبذلت له جملة لم تكن في حسابه. فلم يسمح لي مع فقره ببيع ولا عارية. ولا استحسنت تملكه باليد العادية. وعدت إلى طلبه منه. واستعنت عليه بمن لا غنى له عنه. فلم يفد فيه سؤال ولا شفاعة. ولم يعط لنا فيه طاعة. إلى أن قدر الله تعالى تملكه في سنة تسعين وستمائة فرأيته مجرداً في مسودات وحرارات. وظهور وتخريجات. وقد جعله من تجزئة أربعين جزءاً لم أجد منها سوى ستة وثلاثين ربطة وهو في غاية الاختلال لسوء الحظ. وعدم الضبط. ولو لم يكن تكرر وقوفي على خطه في زمن الوالد وعرفت اصطلاحه في تعليقه لما قدرت على قراءة حرف منه غير أني عرفت طريقته في خطه واصطلاحه. وتحققت فساده من صلاحه. ووقفت منه على أوراق مفرقات ومفردات. وحرارات تفعل في مطالعها ما لا تفعل الزجاجات. فضممت ما وجدت منه بعضه إلى بعض. وأحرزته بتجليده من الأرضة والقرض. ورأيته قد جمع فيها أشياء لم يقصد بها سوى تكبير حجم الكتاب. ولم يراع فيه التكرار ولا ما تمجه أسماع ذوي الألباب. فاستخرت الله في تعليق ما يختار منه. ورغبت في إبرازه إلى الوجود فإن ما ذكرت بخطه لا يفهم أحد شيئاً عنه. فأخذت زبده. ورميت زَبَدَه. وأوردت مكرره. وتركت مكرره. وبذلت في تنقيحه جهدي. وجعلته سميري أوقات هزلي وجدي. فإنه روضة المطالع. ونزهة القلوب والمسامع. ويسر به الخاطر. ويقربه الناظر. وإلى الله الرغبة في الصفح عن مصنفه وعني. والعفو عما صدر منا فإن العفو غاية التمني. وسميت هذا الكتاب (نثار الأزهار في الليل والنهار وأطايب الأصايل والأسحار وسائر ما يشتمل عليه من كواكبه الفلك الدوار) وجعله

الباب الأول في الملوين الليل والنهار

أبواباً عدة جمعت أنا جميع ما فيه في عشرة أبواب. (الباب الأول) في الملوين الليل والنهار (الباب الثاني) في أوصاف الليل وطوله وقصره واستطابته والاغتباق ومدحه وذم الاصطباح (الباب الثالث) في الاصطباح ومدحه وذم شرب الليل وإيقاظ النديم للاصطباح (الباب الرابع) في الهلال وظهوره وامتلائه وكماله والليلة المقمرة (الباب الخامس) في انشقاق الفجر ورقة نسيم السحر وتغريد الطير في الشجر وصياح الديك (الباب السادس) في صفات الشمس في الشروق والضحى والارتفاع والطفل والمغيب والصحو والغيم والكسوف (الباب السابع) في جملة الكواكب وأحاديثها المشهورة (الباب الثامن) في آراء المنجمين والفلاسفة الأقدمين في الفلك والكواكب (الباب التاسع) في شرح ما يشتمل عليه من أسماء الأجرام العلوية وما يتصل بها واشتقاقه (الباب العاشر) في تأويل رؤيا الأجرام العلوية وما يتعلق بها في المنام على مذهب حكماء الفلاسفة والإسلام الباب الأول في الملوين الليل والنهار في التنزيل الحكيم (وآية لهم الليل والنهار نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد

كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون)، الليل والنهار يسميان الملوين، ويسميان الجديدين والأجدين والعصرين والقرنين والبردين والأبردين والخافقين والدائرين والحاذقين والخيطين وهما رنمتا الدهر وابنا سبات، وذكر أبو العلا المعري الحرسين والحرس الدهر ولم يسمع مثنى إلا في قوله ويحق في رزء الحسين تغير الحرسين بله الدر في الأصداف. وجمع الحرس أحرس وقد يجمع ما لا يتنى ويثنى ما لا يجمع وما ذكر من مثنى في هذا الباب مسموع لا مقيس، وسيما ملوين لأنهما يملأن الأفاق نورا وظلمة (كذا) وسميا جديدين لتجددهما بالضياء والإظلام على الدوام وسمي النهار نهارا لظهور ضوء الفجر يجري كالنهر من المشرق إلى المغرب معترضا حتى يأتي الليل فيقول هو هو ثم يقول لا لا بها والنهار ضد الليل ولا يجمع كما لا يجمع العذاب والسراب فإن جمعت قلت في قليله أنهر وفي الكثير نهر (بالضم) والنهار ذكر الحباري، وقوله نسلخ منه النهار أي ننزع عنه الضوء فيظهر سواده لأن أصل ما بين السماء والأرض من الهواء الظلمة والنهار في اللغة الضوء والليل الظلمة والشمس تجري مجرى الشمس سيرها على عكس دور الفلك فتقطع الفلك في ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم وجزء من أربعمائة جزء من يوم عند أهل الهند وعند أهل الروم في ثلاثمائة وخمسة وستين يوما إلا جزءا من ثلاثمائة جزء من يوم لمستقر أي محل استقرار الليل والنهار على الاستواء واعتدال الزمان عند حلول أول نقطة الحمل وقيل استقرارها استعلاؤها على جانب الشمال عند نهاية طول النهار في الأقاليم السبعة المائلة نحو الشمال عن الخط الاستواء فتطول اليوم في الإقليم الأول ثلاث عشرة

ساعة ونصف الساعة إلى أن تنتهي في الأقاليم السابع ست عشرة ساعة تتفاوت نصف ساعة بين كل إقليمين حسب بعد الأقاليم من خط الاستواء نحو الشمال وقربها منه. وقيل لمستقر لها أي محل شرف لها في الدرجة التاسعة عشر من الحمل عند ظهور أثرها في نفي آثار الشتاء واعتدال الزمان والهواء ومحل رفعه في أوجها يعني الحورا عند استقامة الحر وبدء وبدء الثمار وتمام الرياحين أو محل قوة لها في بيتها يعني الليل عند أدراك الزروع وبيع الثمار وقيل لمستقر لها أي محل استقرار الدور واستقرار الدور واستمرار السير على الاستقامة من غير رجعة وانعكاس كالخمسة المتحيرة (أعني زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد)، والقمر قدرناه منازل يعني منازلة الثمانية والعشرين المعروفة وهي: السرطان البطن الثريا الدبران الهنعة الذراع النترة الطرف الجرع الزبرة الصوفا العوا السماك الغفر الزبانان الأكليل القلب الشولا النغائم البلدة سعد الذابح سعد بلع سعد الأخبية الفرع المقدم الفرع المؤخر بطن الحوت وهذه المنازل مقسومة على البروج الاثني عشر لكل نرج منها منزلتان وثلث منزلة بالتقريب فينزل القمر كل يوم منزلا حتى إذا أجتمع مع الشمس في منزل انتقص الهلال في ثاني ذلك المنزل كالعرجون القديم، وقيل قدرناه منازل أي قدرنا نوزه في منازل فيزيد في مقدار النور كل يوم في المنازل الاجتماعية وينقص في منازل الاستقبالية. وقيل أي جعلنا أجزاء جرمه منازل لعكس أنوار الشمس فإن جرم القمر مظلم ينزل فيه النور بقبوله عكس ضياء الشمس مثل المرآة المجلوة إذا قوبل بها الشعاع تضاحل إلى الظل فيضرب بالنور المقبول عليه وكذا القمر يقبل نور الشمس ويؤديه إلى الأرض ولا يزال نصف القمر مقابلا للشمس ونصفه غائبا عنها فعند اجتماع الشمس يكون نصفه النير يلي الشمس مضيئا كله فيظلم

نصفه الذي يلي الأرض فإذا جاوزها ليلة الاستهلال أنحرف عن موازاتها قالت الظلمة من النصف الأسفل إلى النصف الأعلى بقدر ما ينجلي منها ليلة الهلال كالعرجون القديم لا يزال ينحرف عنها حتى يبدر عن الشمس نصفه الأعلى ويقابلها نصفه الذي على الأرض عند الامتلاء وهو الاستقبال فيأخذ النور في الاستقبال من نصفه الأسفل إلى نصفه الأعلى حتى ينتهي إلى الاجتماع، ويدور الشمس والقمر على جانب من الأرض إلا ليلة الخسوف تحول الأرض بينهما فتحجب القمر عن الشمس فيخسف بظل الأرض. وقوله عز وجل لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر أي لا يمكنها أن تدرك القمر في سرعة سيره لأن دائرة فلك القمر في فلك عطارد وفلك عطارد داخل في فلك الزهرة وفلك الزهرة داخل في فلك الشمس فإذا كان طريق الشمس أبعد قطع القمر جميع أجزاء فلكه أعني البروج الاثني عشر في زمان تقطع الشمس برجا واحدا من فلكها وقيل لم يكن يليق بمصلحة العباد لو جعلت الشمس في سرعة السير كالقمر فإنها لو قطعت الفلك في ثلاثين يوما لدارت الفصول الأربعة في كل شهر واختلت الزروع والثمار واستقامة الأحوال، وقوله عز وجل ولا الليل سابق النهار أي الشمس التي بها الضياء خلقت مضيئة والليل بكرة الأرض التي يغيب ضوء الشمس يطرف منها عن الأرض وهي في بعدها من الأفلاك بعد واحد من جميع الجهات لأنها في العالم بمنزلة الثقل والأفلاك والكواكب في غاية اللطف لما أديرت وقعت كثافة الأرض إلى السفل فإن اللطف يتحرك إلى الأعلى والثقيل الكثيف إلى أسفل فلما دفعت أجرام الفلك عن التراب من جميع النواحي دفعة واحدة اجتمع إلى الوسط وقد جرب ذلك في قنينة ملئت بالماء وألقى فيها حفنة من تراب ثم أديرت بالخرط فبدأت أجزاء التراب

تجتمع من جميع النواحي حتى استمسكت في الوسط فإذا كان الليل بالأرض والأرض تدفع الأفلاك أجزاءها كما ضربن من المثال كان النهار سابقا الليل فذلك قوله عز وجل ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون أي يعومون كلى عكس سير الفلك كالسباحة على خلاف جري الماء وخص الشمس والقمر بالذكر هاهنا وفي سورة الأنبياء لأن سيرها سباحة أبدا على عكس دور الفلك وسمي الخمسة المتحيرة قد يكون موافقا لدور الفلك عند الرجعة والجري للاستقامة والكنوس الدخول تحت الشعاع والاحتراق هذا كلام السجاوندي وقال أبو الحسن الحوفي لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر أي لا يصلح لها أن تدرك القمر فيذهب نوره بضوئها فتكون الأوقات كلها نهارا لا الليل فيها ولا الليل سابق النهار إي يعاقب النهار حتى يذهب ظلمته بضيائه فتكون الأوقات كلها ليلا أي لكل واحد منهما حد لا يتجاوزه إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا. وقال أبو فورك لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر في سرعة سيره لأن سير القمر أسرع من سير الشمس وروي أن ابن عباس قرأ لا مستقر لها أي أنها تجري في الليل والنهار لا وقوف لها ولا قرار، وقال يحيى بن سلام لا تدرك الشمس القمر ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالمغيب قبل طلوعها. والعرجون القديم العذق اليابس إذا استقوس قال وفي استدلال قوم من هذه الآية على أن الليل أصل والنهار فرع طارئ عليه نظر وفي مستقر الشمس أقوال منها أن مستقرها آخر مطالعها في المنقلبين لأنهما نهايتا مطالعها فإذا استقر وصولها كرت راجعة وإلا فهي لا تستقر عن حركتها طرفة عين، وقال أبو النصر القشيري ولا الليل سابق النهار للتصرف ولتمييز الأوقات ولعلم السنين

والحساب ولا تصير الأوقات كلها ليلا أو نهارا، قال الشيخ شرف الدين أحمد التيفاشي المصنف: (وليس في هذه الأقوال بيان في أن الليل قبل النهار في الوجود أو أن النار قبل الليل وهو محط السؤال) قال: (وأنا أقول أن الليل والنهار لا يخلو إما أن نعتبر وجودهما بالإضافة إلينا أو بالإضافة إلينا أو بالإضافة إلى العالم نفسه فإن كانا بالإضافة إلينا كانا في منزلة المضاف في المنطق كالأب والابن وإذا كانا كذلك لم يكن أحدهما متقدما على الآخر فإنا لا نعرف الليل إلا وقبله نهار ولا النهار إلا وقبله ليل لا يعرف الأب من حيث هو أب إلا ومعه الابن ولا الابن إلا ومعه أب. وسأل الاسكندر بعض الحكماء عن ذلك فقال (هما في دائرة واحدة والدائرة لا يعرف لها أول ولا آخر) وإن اعتبر وجودهما بالإضافة إلى العالم نفسه فلا يخلو أن يكون الاعتبار بالإضافة إلى العالم العلوي وهو من الفلك المحيط إلى مقعر فلك القمر أو إلى العالم السفلي وهو من مقعر فلك القمر إلى كرة الأرض فإن كان بالإضافة إلى العالم العلوي كما أعتبره السجاوندي كان ذلك باطلا إذ العالم العلوي لا ليل فيه ولا نهار إذ لا ظلام يتعاقب عليه فيسمى نوره نهارا بل الأجرام العلوية أجسام شفافة مضيئة نيرة بطبيعتها على الدوام نورا لا ظلمة تشوبه ولا غيمة تتعاقب عليه كما في هذا العالم وإن كنا نرى الشمس والقمر يكسفان عندنا فإنما ذلك لحائل يحول بين أبصارنا في هذا العالم وبين أدراك نوريهما وإلا فهما في عملهما على وتيرة واحدة من النور والضياء والبهجة لا تبديل لها ولا تغيير إلى أن يشاء العزيز القدير، وأن اعتبر وجود الليل والنهار بإضافتهما إلى العالم السفلي وهو من كرة الأرض إلى مقعر فلك القمر كان اعتبارا حقا وهو موضع البحث إلا أنه يجب أن يوجد اسما الليل والنهار هاهنا دالتين على النور والظلمة كما قال الخليل أن الليل عند العرب الظلام والنهار الضوء

حتى لا يكون مدلول أسمي الليل والنهار على ما نفهمه نحن الآن من تعاقب الضياء والظلام عندنا فإن كان ذلك كذلك كان الليل متقدما على النهار بالطبع والذات على رأي المتشرعين والفلاسفة، أما الفلاسفة فإنهم متفقون على أن جميع أجرام العالم شفافة منيرة أو قابلة للنور مؤدية له ما خلا كرة الأرض فإنها كثيفة بذاتها مظلمة بطبيعتها وأن الظلام الموجود في العالم إنما هم منها وإن ذلك ذاتي فيها لا عرض لها بل هو ملازم لها ملازمة الظلام الذاتي الملازم، قال أبو معشر: (الأرض لما وجدت كانت مظلمة من جميع جهاتها فما قابله منها نور الشمس إلى الجهة الأخرى المظلمة أنارت وأنزاح الظلام إلى الجهة التي كانت مضيئة هكذا على الدوام، وأما المتشرعون فإنهم على اختلاف مللهم متفقون على تقديم الليل على النهار في الوجود وفي نص التوراة في مفتتحها أول ما خلق الله السموات والأرض والأرض كانت تيها تيها وظلام على وجه القمر وأرواح الله مرفوفة على وجه الماء وقال الله يكون نور فكان نور ورأى الله النور حسنا وفصل الله بين النور وبين الظلام فسمى عند ذلك النهار نهارا والظلام ليلا وكان مساء وما يليه وصباح وما يتبعه الجميع يوم واحد هذا نص التوراة وهو تصريح جلي قوله تيهاً تيها أي قاعا صفصفا خالية من العمران والغمر هاهنا الماء، قال الشيخ المصنف: (ومن كتاب فردوس السعة للقيس بن المفرح الطبيب في العلة التي من أجلها خلق الله الظلمة أولا من بعدها النور قال: لأن الفاعل الحكيم شأنه أن يدرج مفعولاته من النقصان إلى الكمال ومثال ذلك تصييره الجنس الآدمي الذي هو علة المخلوقات آخر المخلوقات فالواجب أن تجعل النور

آخر لأنه أشرف من الظلمة ولكيما إذا وجد النور بأن الملائكة الروحانيون به وهو ينظر شريف ما تقدم بخلقه من عظيم أفعاله وكان هذا علة جاذبة لهم إلى حسن الطاعة فالمرئيات في النور بينة جدا ولو خلق الظلمة بعد النور لكان هذا مما يخفي حسن الإنارة ولكيما لا يصير الذي يعتقدون أن هاهنا خالقين متضادين حجة بأن يكون خالق الظلمة إذا كان يضاد خالق النور لما رآه قد خلق النور ضاده بخلق الظلمة) فهذه آراء اليهود والنصارى بعد إيراد أقاويل المسلمين والمتفلسفين، وأما العرب فإنهم متفقون في كلامهم على تقديم الليل على النهار وعلى هذا يؤرخون فيقولون لخمس بقين ولست بقين في الشهر والعلة الموجبة لذلك عندهم أن الشهر إنما تعلم بداءته بالهلال فيكون أوله على ذلك الليل، وفي الحديث صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته وفيه من صام رمضان واتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر فقال ستا ولم يقل ستة فدل على أنه (صلى الله عليه وسلم) جعل بداءة الشهر الليل وإنما أراد بالصيام الأيام إذ الليل لا يصام وفي رواية واتبعه خمسا من شوال ووجه الحديثين أن الحسنة بعشر أمثالها فشهر رمضان بعشرة أشهر والستة التي بعده بستين يوما فذلك عام كامل ومن روى خمسا فالشهر بعشرة والخمسة بعده بخمسين يوما فتبقى عشرة منها ستة أيام تسقط بنقصان الشهور وأربعة يوم الفطر وثلاثة أيام التشريق، ولأبي منصور صرار معنى مستظرف في تقديم الليل على النهار يصف سوداء علقتها سوداء مصقولة ... سواد عيني صفة فيها ما انكسف البدر على تمه ... ونوره إلا ليحكيها لأجلها الأزمان أوقاتها ... مؤرخات بلياليها وروى أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: (لا تسبوا الليل والنهار ولا الشمس

ولا القمر ولا الريح فإنها ترسل رحمة لقوم وعذابا لآخرين)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (الليل والنهار مطيتان يقربان كل بعيد ويأتيان بكل موعود)، هذا كلام النبوة المشرق بنور المعرفة، وقال بعض الحكماء: الليل والنهار فرسان يركضان بالبسر إلى انقضاء الأعمار، وقال آخر الليل والنهار رحيان لطحن الأعمار وللشيخ المصنف في ذلك: يا سائلي عن شيب رأسي شيبه ... أسمع جوابي فيه غير معرض طحنت رحى الملوين عمري وانثنى ... في مفرقي أثر الغبار الأبيض وللشريف ابن دقرخوان جيشان مختلفان جيش دجنة ... يتغالبان معا وجيش نهار والليل يكسو الجو مسحا أسودا ... متحرقا عند الشروق بنار والصبح مد على النجوم ملاءة ... بيضاء يمنعها عن الأبصار وفي كتاب كليلة ودمنة مثل أيام العمر ولياليه بغصنين مائلين على فم بئر والإنسان قائم عليهما والليل والنهار بجرذين أبيض وأسود مجدين في قطع الغصنين وهو لاه عنهما. وقال شاعر في أيام الأسبوع ما سبعة وكلهم أخوان ... ليس يموتون وهم شبان لم يرهم في موضع إنسان وذكر أنه وجد قبل الإسلام بألف عام على حجر مكتوبا في بعض غيران نجد: جرمان لم يريا معا في منزل ... وكلاهما يجري به المقدار لو كان شيء يكسوان خلوقه ... ما عاورته الشمس والأمطار وقال شاعر فما مقبلات مدبرات تواترت ... مخالفة الأسماء واللون واحد تصرف في أبنائهن مرارة ... ومنهن حلوات وسحن وبارد

الباب الثاني في أوصاف الليل وطوله وقصره واستطابته والاغتباق ومدحه وذم الاصطباح

ابن أبي الشبل البغدادي ما أسود في حضنه أبيض ... وأبيض في حضنه أسود ما افترقا قط ولا استجمعا ... كلاهما من ضده يولد أعرابي في الليل والنهار والليل يطرده النهار ولن ترى ... كالليل يطرده النهار طريدا فتراه مثل البيت زال بناؤه ... هتك المقوض ستره الممدودا والمولون يشبهون الليل والنهار بالزنجي والرومي والحبشي والتركي فمن ذلك قول أبي العلاء المعري: ودانت لك الأيام بالرغم وانضرت ... إليك الليالي فارم من شئت تقصد فسبع أماء من زغاوة زوجت ... من الروم في نعماك سبعة أعبد أبو بكر بن اللبانة يجري النهار إلى رضاك وليلة ... وكلاهما متعاقب لا يسأم فكأنما الإصباح تحتك أشقر ... وكأنما الإظلام تحتك أدهم أسعد بن إبراهيم المعري وقد ذاب كحل الليل في دمع فجره ... إلى أن تبدي الصبح كاللمة الشمطا كأن الدجى جيش من الزنج نافر ... وقد أرسل الإصباح في أثره القبطا أحمد بن دراج القسطلي وليل كريعان الشباب قطعته ... بجهد السرى حتى استشبت ذوائبه وصلت به يوما أغر صحبتهئ ... غلاما إلى أن طرا بالليل شاربه الباب الثاني في أوصاف الليل وطوله وقصره واستطابته والاغتباق ومدحه وذم الاصطباح

في التنزيل العزيز (ومن شر غاسق إذا وقب) غسق الليل شدة ظلمته ووقب أي دخل قال العسكري: من أتم أوصاف الظلمة الذي ليس في كلام الكثير مثله قوله عز وجل (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها) وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) (جنبوا صبيانكم فحمة العشاء) وفحمة الليل أشد ظلمته، ومن أسماء الليل الدجى والدجن والدجية. والكافر سمي كافرا لأنه يستر الأشخاص والكفر بفتح الكاف الستر ومنه اشتق اسم الكافر لأنه يجحد نعمة الله عز وجل ويسترها والكفور القرى النائية عن حواضر المدن لأن ساكنها يغيب عن جمهور الناس ويستر عنهم وفي الحديث: (لا تسكنوا الكفور فإن ساكني الكفور كساكني القبور) وقال الأصمعي: كل ظلماء من الليل حندس والليلة الليلاء الشديدة الظلمة وكذلك الليل الأليل وعسعس الليل اشتدت ظلمته وكذلك أكفهر وأدلهم وليل مكفهر ومدلهم وغيهب وغيهب كل ذلك شديد السواد. سال هشام ابن عبد الله خالد بن صفوان: كيف كان سيرك؟ فقال: (قتلت أرضا عالمها وقتلت أرض جاهلها بينا أنا أسير ذات ليلة إذ عصفت ريح شديد ظلماؤها أطبق سماؤها، وبق سحابها، وتغلق ربانها، فبقيت محر نجما كالأشقر إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر، لا أسمع لواطئ همسا، ولا لنابح جرسا، تدلت علي غيومها، وتوارت عني نجومها، فلا أهتدي بنجم طالع، ولا بعلم لامع، أقطع محجة، وأهبط بحجة، في ديمومة قفر، بعيدة القعر، فاليرح تخطفني، والشوك يخبطني، في ريح عاصف، وبرق خاطف، قد أوحشني أكامها، وقطعني سلامها، فبينا أنا كذلك قد ضاقت علي معارجي، وسدت مخارجي، إذ بدا نجم لائح، وبياض واضح، عرجت إلى أكام محر ذيله فإذا أنا بمصابيح هذه فقرت العين، وانكشف الرين)

فقال هشام: (لله درك! ما أحسن وصفك) ومن أحسن ما جاء في الليل قول ذي الرمة: وليل كجلباب العروس أدرعته ... بأربعة والشخص في العين واحد أخذه ابن المعتز فقال: وليل كجلباب الشباب قول العسكري: جلباب العروس أطرب من جلباب الشباب، وقال العلوي: ورب ليل بانت عساكره ... تحمل في الجو سود رايات لامعة فوقها أسنتها ... مثل الأزاهير وسط روضات ومن حسن الاستعارات في الليل قول عبد الصمد بن المعذل: أقول وجنح الدجى ملبد ... ولليل في كل فج يد ونحن ضجيعان في مجسد ... فلله ما ضمن المجسد أيا ليلة الوصل لا تنفدي ... كما ليلة الهجر لا تنفد ويا غد إن كنت لي راحما ... فلا تدن من ليلتي يا غذ قال العسكري: وأجود ما قيل في طول الليل من الشعر القديم قول امرئ القيس: وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليبتلي فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل كأن الثريا علقت في مضائها ... بأمراس كتان إلى صم جندل قال العسكري: هذا من فصيح الكلام وأبدعه شبه الليل بالبحر وترادف ظلماته بالموج واستعار له سدولا وهي الستور وأحدهما سدل لما يحول منه بين البصر وبين أدراك المبصرات وقوله وما الإصباح منك بأمثل معناه

أن صبحك إذا كان فيك راحة كأنه يريد به طلوع الفجر المتقدم بين يدي ضوء النهار وقيل معناه أن ليله كنهاره في البث وأنه لا يجد في النهار راحة كما لا يجدها في الليل فجعل الليل والنهار سواء فيما يكابده من الوجد والحب. قال الشيخ المصنف: كنت وقفت لشاعر بعد امرئ القيس على هذا وفيه زيادة مطبوعة وذهبت عني فنظمت في معناه: لا أظلم الليل الطويل واشتكي ... منه وما لي في الصباح رجاء من كان يطمع في الصباح راحة ... ويسره إن لاح منه ضياء فحواي متصل الظلام بضوئه ... الليل عندي والنهار سواء وهذا هو معنى بيت امرئ القيس ثم ذكرت البيت الذي كنت أحفظه وهو للطرماح. ألا أيها الليل الطويل ألا اصبح ... ببم وما الإصباح منك بأروح ولكن للعينين في الصبح راحة ... بطرحهما لحظيهما كل مطرح بم اسم مدينة كرمان بباء موحدة تحتها ويروى: أليلتنا في بم كرمان أصبحي ... بخير وما الإصباح منك بأروح وهذا معنى امرء القيس واستدرك فقال: على أن للعينين في الصبح راحة فحاء بما لا يشك فيه إلا أن لفظه لا يقع من لفظ امرئ القيس موقعا والتكلف في قوله بطرحهما طرفيهما كل مطرح بين الكراهة فيه ظاهرة ونحوه قول أبي الدمنة: أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع وأنشد العسكري لنفسه وازداو في جنح الظلام صبابة ... ولا صعب إلا وهو بالليل أصعب إسحاق الموصلي في معنى النابغة إن في الصبح راحة لمحب ... ومع الليل ناشئات الهموم

هذا مأخوذ من ناشئة الليل وتمني بعض المثقلين بالدين دوام الليل فقال: ألا ليت النهار يعود ليلا ... فإن الصبح يأتي بالهموم دواع لا نطيق لها قضاء ... ولا ردا وروعات الغريم قوله ولا ردا من التتميم الحسن وقول امرئ القيس فيا لك من ليل كأن نجومه إلى آخر الأبيات قالوا إن البيت الأخير مكرر فضل لا معنى له ولا فائدة فيه لأن الثريا في جملة النجوم وقد اكتفى بذكرها في البيت الأول فيا لك من ليل كأن نجومه ولم أجد لأحد من علماء البديع من وجه وجها لامرئ القيس في ذلك قال الشيخ والوجه عندي أن من عادة العرب إذا ذكرت جملة أن يستثنى أشرفها منها ويفرد بالذكر عنها ليدل على شرفه وفضله ومثله في القرآن العزيز (وفيهما فاكهة ونخل ورمان) والنخل والرمان من جملة الفاكهة فلما ذكر امرؤ القيس النجوم استثنى الثريا وأفراها ليدل على شرفها وفضلها القاضي التنوخي وليلة كأنها يوم أمل ... ظلامها كالدهر ما فيه خلل كأنما الإصباح فيها باطل ... أزهقه الله بحق فبطل ساعاتها أطول من يوم النوى ... وليلة الهجر وساعات العدل مؤصدة على الورى أبوابها ... كالنار لا يخرج منها من دخل وهذا مستملح وإن لم يكن مختارا من التشبيه لأن إخراج المحسوس إلى ما ليس بالمحسوس في التشبيه به خفاء. ابن المعتز كأن نجوم الليل في حجراتها ... دراهم زيف لم تحرر على النقد يريد أن نجومه واقفة ليست تسير كأنها دراهم زيف ليست بنقد فتصرف.

ولبعض المحدثين عهدي بنا ورداء الليل منسدل ... والليل أطوله كاللمح بالبصر فالآن ليلي إذ بانوا فديتهم ... ليل الضرير فصبحي غير منتظر قال وهذا أبلغ معنى من قول امرئ القيس إلا أنه لا يدخل في مختار الكلام لابتذال لفظه والمعنى أن ليله ممدود لا انقضاء له كليلة الضرير والدهر كله عند الضرير، ولآخر في معنى قول امرئ القيس: يا ليل ليلك سرمدا أبدا ... ما في الصباح لعاشق فرج وأجود ما قيل في وصف الليل: وليل تعول الناس في ظلمته ... سواء بصيرات العيون وعورها كأن لنا منه بيوتا حصينة ... موج أعاليها وساج كسورها هذا أبدع تشبيه في الليل فانه شبه أعلاه بمسح شعر لتكاثف ظلمته وأسفله بسياج وهو الطيلسان الأخضر لما يشوب ما بين يدي الناظر فيه من يسير الضياء وكسور البيت أسافله المرخاة منه، ولآخر: وليل ذي عياطل من حجون ... رميت بنجمه غرض الأقول يرد الطرف حندسه كليلا ... ويملأ هوله صدر الدليل وآخر وليل فيه تحسب كل نجم ... بدا لك من خصاصه طيلسان وصف الليل بشدة السواد وكأن النجوم تظهر من خروق طيلسان وشبه سواد الليل بالطيلسان لخضرته وشدة الخضرة راجعة إلى السواد ومنه قوله تعالى مدهامتان من شدة الخضرة من الثرى والمدهام الأسود ومنه سمى سواد العراق سوادا لنخيله وجنانه وكثرة مائه وذلك أن الماء الكثير البعيد القعر يظهر أسود ولذلك شبه أمرؤ القيس الليل

بالبحر ويقال لليل إذا أسود أخضر قال الراجز يخاطب ناقته: (وعارضي الليل إذا ما أخضرا) وقال الشماخ: وليل كلون الساج أسود مظلم ... قليل الوغى داج ولون الأرندج أي قليل الأصوات والأندج الجلود السود التي يقال لها بالفارسية رنده وجمع الساج سيجان ومما يحكى من الاستشهاد على أن الساج الطيلسان أن أبا دلامة كان شاعرا خفيف الروح مقبولا عند خلفاء بني العباس، وكان ماجنا منهمكا على الخمر فحظر عليه الخليفة شربها وأمر الشرطي متى وجده سكرانا أن يخرق طيلسانه ويحبس في بيت الدجاج، فأخذ سكرانا فحبس فلما أصبح كتب إلى الرشيد. أمير المؤمنين فدتك نفسي ... علام حبستني وخرقت ساجي أقاد إلى السجون بغير ذنب ... كأني بعض عمال الخراج ولو معهم حبست لهان ذاكم ... ولكني حبست مع الدجاج دجاجات يطيف بهن ديك ... تناجي بالصياح إذا يناجي فضحك منه الرشيد وأطلقه وفي شعر ذي الرمة الزويري: وليل كأبناء الزويري جبته ... بأربعة والشخص في العين واحد قال: الزويري الطيلسان وهي الأكيسة الخضر الزويرية قال المصنف: وكذلك أثبت في كتاب الأنواء لأبي حنيفة الدينوري. لغز في السنة أربعة وهي ثلث واحدة ... كثيرة العد وهي ثنتان دائمة السير لا يدان لها ... تقطع أرضا ولا جناحان أراد بالأربعة الفصول وهي ثلث واحدة أراد أن الأربعة ثلث السنة وكثيرة العد أراد الأيام وهي ثنتان أي أنها أي أنها في الغالب شتاء وصيف كما قال عز وجل رحلة الشتاء والصيف والبيت الثاني ظاهر لأنها تسير وتتصرم وليس لها عضو تتحرك به.

أبو القاسم الزاهي الريح تعصف والأغصان تعتنق ... والمزن باكية والزهر مغتبق كأنما الليل جفن والبروق له ... عين من الشمس تبدو ثم تنطبق العطوي ورب ليل باتت عساكره ... تحمل في الجو منه رايات في كل أفق من السماء له ... كمين جيش من الدجنات ترد عنه العيون خاشية ... مرتبكات ذوات خيرات ومن المبالغة في وصف الليل قول عبد العزيز بن خلوف الجروي من أفريقية: ومن دونها طود من السمر شامخ ... إلى النجم أو بحر من البيض متأق وأسود لا تبدو به النار حالك ... وبيداء لا يجتازها الريح سملق قوله لا تبدو به النار من أعجب المبالغة مع اختصار لفظ وجزالة معنى وذكر ابن رشيق في نموذج الشعراء بإفريقية أن عبد العزيز بن خلوف أحد هذا المعنى من محمد بن إبراهيم وذكر له حكاية لطيفة قال: كان محمد بن إبراهيم هذا محبوب فماحكه فيه أسود أسمه خلف فقطعه عنه، فماحكه فيه عبد آخر اسمه فرج فعمل أبياتا مشهورة بالقيروان أولها: أي الهموم عليه اليوم لم أعج ... وأي باب عن الأحزان لم ألج تأملوا ما دهاني تبصروا قصصا ... ظلامها ليس يمسي فيه بالسرج هذا موضع الاستشهاد ما نالني الخلف إلا وهو من خلف ... وعاقني الضيق إلا وهو من فرج حتى لقد صار كافور المشيب هوى ... أشهى لنفسي من مسك الصبا الأرج النابغة الذبياني غي طول الليل كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب تقاعس حتى قلت ليس بمنجل ... وليس الذي يرعى النجوم بآيب

الذي النجوم الصبح استعار له أسم الراعي لكونه يأتي معقبا وراء النجوم. شاعر ألا هل على الليل الطويل معين ... إذا نزحت دار وحن حزين أكابد هذا الليل حتى كأنما ... على نجمه أن لا يغور يمين آخر ما لنجوم الليل لا تغرب ... كأنها من خلفها تجذب رواكد ما غاب في غربها ... ولا بدا من شرقها كوكب آخر كأن يهيم الليل أعمى مقيد ... تحير في تيه من الأرض مجهل كأن الظلام حين أرخى سدوله ... يبيت على ليل بليل موصول ابن الرقاع وكأن ليلي حين تغرب شمه ... بسواد آخر مثله موصول أرعى النجوم إذا تغيب كوكب ... أبصرت آخر كالسراج يجول أصرم بن حميد وليل طويل الجانبين قطعته ... على كمد والدمع تجري سواكبه كواكبه حسرى عليه كأنها ... مقيدة دون المسير كواكبه وذكر عمر بن شيبة أن الأصل في ذكر الليل الطويل بيت الحرث بن خالد وهو: تعالوا أعينوني على الليل أنه ... على كل عين لا تنام طويل ثم تبعه الناس. بشار بن برد خليلي ما بال الدجى ليس يبرح ... وما لعمود الصبح لا يتوضح أضل النهار المستنير طريقه ... أم الدهر ليل كله ليس يبرح

لطال علي الليل حتى كأنني ... بليلين موصولين لا يتزحزح أظن الدجى طالت وما طالت الدجى ... ولكن أطال الليل هم مبرح وله كأن جفونه سلمت بشوك ... فليس لنومه فيها قرار جفت عيني من التغميض حتى ... كأن جفونها عنها قصار أقول وليلتي تزداد طولا ... أما الليل بعدهم نهار شاعر صباحي ما لضوئك لا ينير ... وليلى ما لنجمك لا يغور أقيد كل نجم كان يجري ... أما الظلماء حائرة تدور أبو الفضل محمد بن عبد الواحد التميمي يا ليل هلا انجليت عن قلق ... طلت ولا صبر لي على الأرق جفت لحافظي التغميض فيك فما ... تطبق أجفانها على الحدق كأنها صورة ممثلة ... ناظرها الدهر غير متطبق التنوخي وليلة مشتاق كأن نجومها ... قد اغتصبت عيني الكرى فهي نوم كأن عيون السامرين لطولها ... إذا شخصت للأنجم الزهر أنجم جحظة البرمكي وليل في كواكبه حران ... فليس لطول مدتها أنتهاء عدمت تبلج الإصباح فيه ... كأن الصبح جود أو وفاء جعفر بن محمد رب ليل كالبحر هولا وكالدهر ... امتدادا وكالمداد سوادا خضته والنجوم توقدن حتى ... أطفأ الفجر ذلك الإيقادا

سعيد بن حميد يا ليل بل يا أبد ... أنائم عنك غد يا ليل لو تلقى الذي ... ألقى بها أو تجد قصر من طولك أو ... ضوعف منك الجلد العباس بن الأحنف أيها الراقدون حولي أعينوني ... على الليل حسبه وانتصارا خبروني عن النهار حديثا ... وصفوه فقد نسيت النهارا وله رقدت ولم ترث للساهر ... وليل المحب بلا آخر ولم تدر بعد ذهاب الرقاد ... ما فعل الدمع بالناظر علي بن الخليل لا أظلم الليل ولا أدعى ... أن نجوم الليل ليست تزول ليلي كما شاءت قصير إذا ... جادت وإن صدت فليلي طويل أخذه ابن بسام فقال: لا أظلم الليل ولا أدعى ... أن نجوم الليل ليست تغور ليلي كما شاءت فإن لم تجد ... طال وإن جادت فليلي قصير وذكر الفرزدق العلة في طول الليل فقال: يقولون طال الليل والليل لم يطل ... ولكن من يهوى من الوجد يسهر شاعر أخو الهوى يستطيل الليل من سهر ... والليل من طوله جار على قدره ليل الهوى سنة في الهجر مدنه ... لكنه سنة في الوصل من قصره الوليد بن يزيد لا أسأل الله تغييرا لما صنعت ... سعدي وإن أسهرت عيني عيناها

فالليل أطول شيء حين أفقدها ... والليل أقصر شيء حين ألقاها شاعر ليل طويل كمثل أحرفه ... أوله في الهجاء آخره وذكر آخر سروره بالسهر فقال: يا نسيم الروض في السحر ... وشبيه الشمس والقمر إن من أسهرت ناظره ... لقرير العين بالسهر ومما يطرب قول محمد بن عبد الملك الزيات: كتب على فص لخاتمها ... من مل من أحبابه رقدا فكتبت في فصي ليبلغها ... من نام لم يشعر بمن سهدا إبراهيم بن خفاجة يا ليل وجدي بنجد ... أما لطيفك مسرى وما لدمعي طليق ... وأنجم الجو أسرى وقد طما بحر ليل ... لم يعقب المد جزرا لا يعبر الطرف فيه ... غير المجرة جسرا ابن الرومي يحول الحول في الوصل ... ويبقى لي تذكاره ويوم الهجر والبين ... كيوم كان مقداره مؤيد الدولة الطغراي ليلي وليلى نفى نومي اختلافهما ... حتى لقد صيراني في الهوى مثلا يجود بالطول ليلي كما بخلت ... بالوصل ليلى وإن جادت به بخلا علي بن أبي غالب من أفريقية كأن نجوم الليل بدل سيرها ... فصارت إلى نحو المشارق تقصد

الخفاجي الحلبي من كان يحمد ليلا في تقاصره ... فإن ليلى لا يدرى له سحر لا تسألوني إلا عن أوائله ... فآخر الليل ما عندي له خبر العسكري بانوا فلم أدر ما ألاقي ... مس من الوجد أم جنون ليلي لا يبتغي براحا ... كأنه أدهم حرون أجيل في صحفيته عينا ... ما يتلاقى لها جفون شاعر في طيبة الأيام يا رب يوم لي كظلك ... أو كظنك أو يقارب رقت حواشيه وغضت ... عين واشيه المراقب قصرت لنا أطرافه ... قصر القناع عن الترائب وتبرجت لذاته ... للخاطبين وللخواطب الأسفرايني ألا هاتها وردية عنبية ... فقد شوشت ريح الصبا طرة الورد شاعر يوم كأن نسيمه من عنبر ... وتخال أن أديمه من جوهر لو باعت الأيام آخر مثله ... بالعمر أجمع كنت أول مشتري ابن رشيق أيها الليل طل بغير جناح ... ليس للعين راحة في الصباح كيف لا أبغض الصباح وفيه ... غاب عني أولو الوجوه الصباح يحيى بن أحمد التيفاشي عم النصف ائتني وقلب البرق يخفق غيرة ... عليها وعين النجم تنظرها شزرا وقد هجعت عين الوشاة وأسبلت ... علينا الدياجي من حنادسها سترا

فبتنا إلى وجه الصباح كأننا ... قضيبان لا صدا نخاف ولا هجرا فيا ليلة قد قصر الوصل طيبها ... تعد إذا أحصى الفتى دهره عمرا العلوي الأصبهاني في قصر اليوم يوم دجن ذي ضمير متهم ... مثل سرور شابه عارض هم صحو وغيرهم وضياء وظلم ... كأنه مستعبر قد ابتسم مازلت فيه عاكفاً على صنم ... مهفهف الكشح لذيذ الملتثم تفاحة وقف على لثم وشم ... ونابه وقف على هصر وضم يا طيبه يوماً تولى وانصرم ... وجوده من قصر مثل العدم قال الأصمعي: قرأت على خلف الأحمر شعراً لجرير فلما بلغت إلى قوله: ويوم كإبهام القطاة محبب ... إلى هواه غالب لي باطله فيا لك يوما خيره قبل شره ... تغيب واشيه وأقصر عاذله قال: ويله وما ينفعه خير يؤول إلى شر. فقلت: كذا قرأته على أبي عمرو قال: صدقت كذا قال جرير وكان قليل التنقيح مشرد الألفاظ وما كان أبو عمرو ليقرئك إلا كما سمع قلت: فكيف كان يجب أن يقول؟ قال: الأجود إن كان قال (فيا لك يوما خيره دون شره) فأروه هكذا فقد كانت الرواة تصلح من أشعار القدماء. فقلت: لا أرويه بعدها إلا هكذا. ابن طباطبا بأبي من نعمت منه بيوم ... لم يكن للسرور فيه نمو يوم لهو قد التقى طرفاه ... فكأن العشي فيه غدو علي بن جبلة العكوك وليلة كأنها نهار ... غراء لا تغشى بها الأبصار مشرقة من حسنها الأقطار ... لا يمكن البدر بها استتار

طالت لنا ساعتها القصار ... ولم يكن لفجرها انفجار كانت سواء هي والأسفار محمد بن أحمد الحسيني المعروف بابن طباطبا وتنوفة مد الضمير قطعتها ... والليل فوق آكامها يتربع ليل يمد دجاه دون صاحبه ... آمال ذي الحرص الذي لا يقنع باتت كواكبه تحوط بقاءه ... في كل أفق منه نجم يلمع زهر يثير على الصباح طلائعا ... حول السماء فهن حسرى ضلع متيقظا في المسير كأنها ... باتت تناجي بالذي يتوقع والصبح يرقب من دجاه غرة ... متضائل من سحقه يتطلع متنفساً فيه جناناً واهنا ... في كل لحظة ساعة يتشجع حتى انزوى الليل البهيم لضوئه ... وقد استجاب ظلامه يتقشع وبدت كواكبه حيارى فيه لا ... تدري بوشل ريالها ما تصنع متهادلات النور في آفاقها ... مستعبرات في الدجى تسترجع وكواكب الجوزاء تبسط باعها ... لتعانق الظلماء وهي تودع وكأنها في الجو نعش أخي ولا ... يبكي ويوقف تارة ويشيع وكأنما الشعرى العبور وراءها ... ثكلى لها دمع غزير يهمع وبنات نعش قد برزن حواسرا ... قدامها أخواتهن الأربع عبرى هتكن قناعهن على الدجى ... جزعا وآلت بعد لا تتقنع وكأن أفقا من تلألأ نجمه ... عند افتقاد الليل عيني تدمع والفجر في صفو الهواء مورد ... مثل المدامة في الزجاج تشعشع يا ليل ما لك لا تغيب كواكبا ... زفراتها وجدا عليل تقطع لو أن لي بضياء صبحك طاقة ... يا ليل كنت أوده لا يسطع حذرا صبح هاك شبيبتي فافتك بها ... ودع الدجى بسواده يتمتع أفقدتني أنسي بأنجمها التي ... أصبحت من فقدي لها أتوجع

هذا الذي أبدع فيه وخالف الشعراء في أنسه بالليل والكواكب وبكائه عليها وتوجعه لفقدها وجميع الشعراء مهيعهم شكوى الليل وطوله والتوجع لرعى النجوم ووصف الليل والنجوم كما أنفرد ابن طباطبا بالإجادة فيه كأبي نواس في الخمر وابن المعتز في التشبيه والصنوبري في صفات الربيع والبحتري في طيف الخيال وأبي تمام في البديع والرثاء وابن حازم في القناعة وأبي العتاهية في الزهد وابن الرومي في الهجو ومحمود الوراق في الحكم والمتنبي في المدح والأمثال والحمدوي في طيلسان ابن حرب والمعري في الدرع وعمر بن أبي ربيعة في النسب وكشاجم في الأوصاف النادرة ومحمد بن هالي في وصف الحرب وأدواتها والسري الموصلي في وصف شعره وأبي العباس الخازن في الاعتذار والاستعطاف وطياب في الخمار وابن الحجاج في المجون وأبي حكيمة راشد بن عبد القدوس في رثاء ذكره ومن المتقدمين أمرؤ القيس في وصف الخيل والنابغة في الاعتذار والأعشى في الخمر وزهير في المدح والشماخ في وصف الإعسار وذو الرمة في وصف الفلوات والهواجر وهذيل في القسي والنبل والفرزدق في الفخر فهؤلاء الشعراء وقف لغيره وذكر هاهنا طبقات الشعراء فقال: الشعراء خمس طبقات الجاهلية ورأسها أمرؤ القيس والمخضرمون ورأسهم حسان والإسلامية ورأسها جرير والمحدثون ورأسهم أحمد بن العباس الرومي وهذه الأسماء واقعة على من جاء بعد هذه الطبقة إلى يوم القيامة وشعراء الأندلس طبقة واحدة ورأسها أحمد بن عبد ربه والعرب تقول الليل أخفى ومنه قول الشاعر:

الليل للويل أخفى ... والدمع للوجد أشفى ما يعرف الليل إلا ... ألف يعانق ألفا وتقول فلان أنم من الصبح وأقود من الليل ومنه أخذ ابن المعتز قوله: لا تلق إلا بليل من تواعده ... فالشمس غامة والليل قواد كم من محب أتى والليل يستره ... لاقى الأحبة والواشون رقاد وقد أحسن أبو الطيب هذا المعنى وأزال عنه هجنة لفظتي نمام وقواد: فقال أزورهم وظلام الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي فصار أحق بالمعنى ممن أخذه منه وقال العلماء فيه أخذ عباءه وأعطى ديباجة اجتمع بغرناطة محمد بن غالب الرصافي الشاعر ومحمد بن عبد الرحمن الكندي الشاعر وغيرهما من الفضلاء الرؤساء فأخذوا أن يخرجوا إلى نجد وحور المؤمل وهما من أشرف متنزهات غرناطة وكان الرصافي قد أظهر الزهد وترك الخلاعة فقالوا: ما لنا غنى عن أبي جعفر بن سعيد، فكتبوا إليه: بعثنا إلى رب السماحة والمجد ... ومن ما له في ملة الظرف من ند ليعدنا عند الصبيحة من غد ... بسعي إلى حور المؤمل أو نجد لتشرح منا أنفس من شجونها ... ثوت في سجون هن شر من اللحد ونظفر من بخل الزمان بساعة ... ألذ من العليا وأشهى من الحمد على جدول ما بين الفاف دوحة ... يهز الصبا فيها بنودا من الرند ومن كان ذا شرب يخلى لشأنه ... ومن كان ذا زهد تركناه للزهد وما طرفه يأبى الحديث على الطلا ... ولا أن يديل الهزل حينا من الجد وما نغص العيش المهنا غير أن ... يمازحه تكليف ما ليس بالود

نظمنا من الخلان عقد فرائد ... ولما نجد إلاك واسطة العقد فماذا تراه لا عدمناك ساعة ... فنحن بما نبديه في جنة الخلد فكان جوابه لهم هو القول منظوما أم الدر في العقد ... هو الزهر تفاح الصفا أم أشد الورد أتاني وفكري في عقال من الأسى ... فحل بنفث السحر ما حل من عقد فيا من بهم تزهى المعالي ومن لهم ... قياد المعاني ما سوى قصدكم قصدي فسمعنا وطوعا للذي قد أشرتم ... به لا أرى عنه مدى الدهر من يد وعندي ما يختار كل مؤمل ... من الراح والمعشوق والكتب والرند فقوموا على أسم الله نحو حديقة ... مقلدة الأجياد موشية البرد وكل ما شاءه لست ناويا ... عتابا له أني المساعد بالود ولست خليا من تأنس قينة ... إذا ما شدت ضل الخلي عن الرشد لها ولد في حجرها لا تزيله ... أوان غناء ثم ترميه بالبعد فيا ليتني قد كنت منها مكانه ... تقلبني ما بين خصر إلى نهد ضمنت لمن قال أني زاهد ... إذا حل عندي أن يحول عن الزهد فإن كان يرجوا جنة الخلد آخلا ... فعندي له في عاجل حبة الخلد فركبوا واجتمعوا ومن لهم أحسن يوم وما زالوا بالرصافي إلى أن شرب معهم فقال الكندي غلبناك عما رمته يا بن غالب ... براح وريحان وشدو وكاعب فقال أبو جعفر بدا زهده مثل الخضاب فلم يزل ... به ناصلا حتى بدا زهد كاذب ثم غربت الشمس فقالوا ما رأينا أقصر من هذا اليوم وما ينبغي أن تترك وصفه فقال أبو جعفر أنا له ثم قال وهو من عجائبه المعجزة:

لله يوم مسرة ... أضوى وأقصر من ذباله طار النهار به كمر ... تاع وأجفلت الغزالة فكأننا من بعده ... بعنا الهداية بالضلالة النهار ذكر الحباري وإليه أشار بقوله طار النهار والغزالة الشمس فتم له المعنى فسلم له الجميع تسليم السامع المطبع. ولأبي جعفر في الغزالة أيضا بدا ذنب السرحان ينبئ أنه ... تقدم سبقا والغزالة خلفه ولم تر عيني مثلها من متابع ... لمن لا يزال الدهر يطلب حتفه قال المصنف: جرت في قصر النهار نادرة أنشدني سليمان بن إسماعيل المارديني المسيحي لنفسه فيما زعم من قصر النهار: ويوم حواشيه ملمومة ... ظنناه من قصر مدعبا قنصت غزالته والتفت أريد ... أختها فاحتمت بالدجى فأثبت البيتين عندي فاخبرني بعد ذلك أبو الحسن بن سعيد أنه وقف في تاريخ أربل لابن المستوفي لأبي عبد الله محمد بن أبي الوفاء القنيصي: ويوم حواشيه ملمومة ... علينا نحاذر أن يفرجا قنصت غزالته والتفت أريد ... أختها فاحتمت بالدجى قال ابن المستوفي: ثم ورد علينا أبو الحسن على بن يوسف الصفار فنسبهما لنفسه قال ولعلهما ليسا له ولا لابن القنيصي قال المصنف فقيدت هذا على هذه الصورة ثم جرى بعد ذلك مذاكرة في هذه الأبيات وتحادث من تحادثها من الشعراء فقال بعض من حضر هذه الأبيات عندي في تعليق لغز من ذكر فرغبنا إليه في الكشف عنها فأحضر التعليق فإذا فيه:

خرج المنتجب العاني - منسوب إلى عانة جزيرة بالفرات - مع الملك الزاهر ابن صلاح الدين صاحب البيرة للصيد فأثاروا ظبية في آخر النهار فاستطرت لهم فلم يدركها السلطان إلا عند غروب الشمس فأمسكها ونظر إلى الشمس وهي تغرب فاستظرف هذا الاتفاق وقال لشاعر قل في ذلك شيئا فقال: ويوم حواشيه ملمومة ... علينا نحاذر أن تفرجا قنصت غزالته والتفت إلى ... أختها فاحتمت بالدجى قال المصنف: فصح عندي أن هذا هو قائلها على الخصوص وأن الجميع لصوص، قال: وقد قرأت كتاب اللصوص للجاحظ فلم أسمع فيه بأن ثلاثة لصوص اجتمعوا بالاتفاق الظريف على بيت واحد. إبراهيم بن محمد القانوني الدمشقي يوم تقاصر حتى خلته حلما ... فليس يبصره إنسان إنسان ما تطلع الشمس إلا وهي غاربة ... كأنما شمسه في الأفق شمسان للشيخ شرف ابن المصنف ويوم سرقناه من الدهر خلسة ... بل الدهر أهداه لنا متفضلا أشبهه بين الضلامين غرة ... لحسناء لاحت بين فرعين أرسلا والحكماء يمدحون الليل والاشتغال فيه قال بعضهم لأبنه: يا بني اجعل نظرك في العلم ليلا فإن القلب في الصدر كالطير ينتشر بالنهار ويعود إلى وكره في الليل فهو في الليل ساكن ما ألقيت إليه من شيء وعاه، وقال بعضهم في الليل يجم الأذهان وتنقطع الأشغال ويصح النظر ويؤلف الحكمة ويدر الخواطر ويتسع مجال القلب والليل أخرى في مذهب الفكر، وأخفى لعمل البر، وأعون على صدقة السر، وأصح لتلاوة الذكر، وأرباب الأمر يختارون الليل على النهار لرياضة النفوس، وساسة التقدير

في دفع الملم، وإمضاء المهم، وإنشاء الكتب ونظم الشعر وتصحيح المعاني، وإظهار الحجج وإصابة غرض الكلام، وتقريبه من الأفهام، وفي الليل تتزاور الأحباب، وتتهيأ بالشراب، وتكمل الأظراب وتغيب الرقاب، وتغلق في أوجه الأضداد الأبواب، ولا يمكن فعل شيء من ذلك كله في النهار، لاستجلاب الظنة بالأستتار، وكان ابن المعتز لا يشرب إلا ليلا ويقول: الليل أمتع لا يطرقك فيه خبر قاطع، ولا شغل مانع، والنهار أبرص لا يتم فيه سرور ونظم ذلك كشاجم فقال: اتخذ الليل حمل ... ما حمل الليل حمل آمن فيه طارقا ... يشغلني عن الشعل كان يحيى بن خالد ولي أبنه الفضل خراسان فبلغه عنه إقبال على القصف وإهمال الرعية وتفقد أعماله فوجدها مختلفة فكتب إليه: بلغني إقبال على القصف وإهمال لأمورك وقد يهفو ذو الفطنة ويزل الحليم ثم يرجع إلى ما هو أولى به حتى كأن أهل دهره لم يعرفوه إلا بذلك وقد كتبت إليك بأبيات إن أنت أخلفتها ولم تمتثلها هجرتك حولا وعزلتك على سخط وكتب إليه: انصب نهارا في طلاب العلا ... وأصبر على فقد لقاء الحبيب حتى إذا الليل دنا مقبلا ... وانحسرت فيه عيون الرقب فأخل مع الليل بما تشتهي ... فإنما الليل نهارا الأريب كم فاتك تحسبه ناسكا ... يستقبل الليل بأمر عجيب غطى عليه الليل أثوابه ... فبات في امن وعيش خصيب ولذة الأحمق مكشوفة ... يسعى بها كل عدو رقيب قال فآلى أن لا يشرب نهارا.

أبو بكر بن دريد وليلة سامرت عيني كواكبها ... نادمت فيها الصبا والنوم مطرود يستنبط الراح ما تخفي النفوس وقد ... جادت بما منعته الكاعب الرود والراح يفتر عن در وعن ذهب ... فالتبر منسبك والدر معقود يا ليل لا تبح الإصباح حورتنا ... وليحم جانبه أعطافك السود بشار بن برد قد نام واش وغاب ذو حسد ... فاشرب هنيئا خلا لك الجو آخر ولم أر مثل الليل جنة فاتك ... إذا هم أمضى أو غنيمة ناسك ابن المعتز سقتني في ليل شبيه بشعرها ... شبية خديها بغير رقيب فأمسيت في ليلين للشعر والدجى ... وصبحين من كأس ووجه حبيب شاعر وليلة قصف ليلة العرس دزنها ... أنارت بها الظلماء والليل لائل وسكرانة سكرى دلال وقهوة ... إذا هي قامت لم تخنها المفاصل تثنت كغصن ذابل عند سكرها ... وذا عجب غصن من الري ذابل البحتري يا ليلي بالسفح من نطباس ... ومعرسي باقصر بل أعراسي باتت تبرد من جواي وغلتي ... أنفاس ظبي طيب الأنفاس هيف الجوانح منه هاض جوانحي ... ونعاس مقلته أطار نعاسي يدنو إلى بخمره وبريفه ... فيعلني بالكأس بعد الكاس آخر وليلة بات يجلو الراح من يده ... أحوى أغن غضيض الطرف جدلان

والليل ترمقنا شزرا كواكبه ... كأنه من دنوي من غيران كأنها نقد بالدو نفرها ... لما بدا ذنب السرحان سرحان آخر وليل قد سهرت ونام فيه ... ندامى صرعوا حولي رقودا أنادم فيه قرقرة القناني ... ومزمارا يحدثني وعودا وكأن الليل يرجمني بنجم ... وقال أراه شيطانا مريدا آخر أشرب الراح واسقني بظلام ... واترك النوم للئام النيام لا أحب اللذات إلا مع الليل ... إذا ما هدت عيون الأنام القائد علي يا رب ليل شربنا فيه صافية ... حمراء في لونها تنفي التباريحا ترى الفراش على الأكواس ساقطة ... كأنما أبصرت منها مصابيحا عبد الله بن محمد المعروف بابن البغدادي من أفريقية كان أبوه ظريفا لبقا فلقب بالبغدادي لذلك: أزرى شاذن ذو قرطق ... يسقي العقار ويعقد الزنارا ولقد شكوت إليه بعض صبابتي ... فحنا وقال أرى بقلبك نارا في ليلة حلفت علي بطيبها ... لأقاطعنك إن شربت نهارا ولأسترن البدر عنك بظلمتي ... فيكون في ليل التمام سرارا ابن المعتز يذم الصبوح على الصبوح لعنة الرحمن ... فاسمع أخبرك ببعض الشان إذا أردت الشرب عند الفجر ... والنجم في لجة ليل يسري وكان برد والنديم يرتعد ... وريقه على الثنايا قد جمد وللغلام ضجرة وهمهمه ... وشيمة في صدره محمحمة

يمشي بلا رجل من النعاس ... ويدفق الكأس على الجلاس فإن يكن لليوم ساق يعشق ... فجفنه بجفنه مدنق ورأسه كمثل فرو قد مطر ... وصدغه كصولجان منكسر ما في فضل للصبوح يعرف ... على الغبوق والظلام مسدف وله لا تدعني لصبوح ... إن الغبوق حبيبي فالليل لون شبابي ... والصبح لون مشيي ناقضه ابن حجاج فقال الصبح مثل البصير نورا ... والليل في صورة الصرير فليت شعري بأي رأي ... يختار أعمى على بصير ظافر الحداد وعشية أهدت لعينك منظرا ... قدم السرور به لقلبك رائدا روض كمخضر العذار وجدول ... نقشت عليه يد النسيم مباردا والنخل كالهيف الحسان تزينت ... فلقيت من أثمارهن قلائدا ابن المعتز لا تذكرن لي الصبوح وعاطني ... كأس المدامة عند كل مساء في ليل شغل الرقاد رقيبها ... عن عاشقين تواعدا للقاء عقدا عناقا طول ليلهما معا ... قد الصقا الأحشاء بالأحشاء حتى إذا طلع الصباح تفرقا ... بتنفس وتلهب وبكاء ما راعنا تحت الدجى شيء سوى ... شبه النجوم بأعين الرقباء قال وشعراء المغرب حازوا قصب السباق في وصف الاغتباق فمن ذلك قول عبد الكريم بن إبراهيم الهشلي مصنف كتاب الممتع في علم الشعر وعمله يصف غبوقا اغتبقه مع المعز بن باديس:

يا رب فتيان صدق رحت بينهم ... والشمس كالذهب المشعوب في الأفق مرضى أصائلها حسرى شمائلها ... تروج الورق الممطور في الورق معاطيا شمس إبريق إذا مزجت ... تقلدت عرق مرجان من البرق عن ما جل طافح بالماء معتلج ... كأن بغيته صيغت من الحدق تضمه الريح أحيانا وتفرقه ... فالماء ما بين محبوس ومنطلق من أخضر ناضر في الماء يلحفه ... وأبيض تحت قبطي الضحى يقق تهزه الريح أحيانا فيمسحها ... للزجر خفق فؤاد العاشق القلق كأن حافاته نطقن من زبد ... مناطقا رصعت من لؤلؤ نسق كأن قيته من سندس نمط ... حسناء محلوة اللبات والعنق إذا تبلج نجم فوق زرقته ... حسنته فرسا دهماء في بلق أو لازودا جرى في متنه ذهب ... فلاح في شارق من مائه شرق عشية كلمت حسنا وساعدها ... ليل يمدد أطنانا على الأفق تجلى بغرة وضاح الجبين له ... ما شئت من كرم دان ومن خلق ولأبي عبد الله محمد بن إدريس الجزيري من جزيرة شقر وهو المعروف بمرج كحل عرج بمنعرج الكثيب الأعفر ... بين الفرات وبين شاطي الكوثر وعشية قد بت أرقب وقتها ... سمحت بها الأيام بعد تعذر نلنا بها آمالنا في روضة ... يهدي لناشقها نسيم العنبر والدهر من ندم يسفه رأيه ... فيما صفا من عيشه المتكدر والورق تشدو والاراكة تنثني ... والزهر بين مدرهم ومدنر والنهر مصقول الأباطح والربى ... بمصندل من زهره ومعصفر وكأنما ذاك الحباب فرنده ... مهما صفا في صفحة كالجوهر

وكأنه وكأن خضرة بسطه ... سيف يسل على بساط أخضر وكأنما وجناته محفوفة ... بالآس والنعمان خد معذر روض يهيم بحسنهن لم يهم ... ويجيد فيه الشعر من لم يشعر ما اصفر وجه الشمس عند غروبها ... إلا لفرقة حسن ذاك المنظر وللحسن بن علي ببجاية يصف اغتباقه مع أمير بجاية ولما نزلنا ساحة القصر راقنا ... بكل جمال مبهج الطرف مونق بما شئت من ظل يرف وجدول ... وروض متى يلمم به الريح يعبق وشاز معاني الشعر في نغماته ... بطارحه شدود الحمام المطوق إذا ما رقصنا بالرؤوس لشدوه ... رمونا بكاسات الرحيق المعتق فيا حسن ذاك القصر لا زال آهلا ... ويا طيب ربى نشره المتنشق وتعنا به في روضة الأنس بعدما ... هصرنا بغصن للمسرة مونق ويضحكنا طيب الوصال وربما ... يمر على الأوهام ذكر التفرق فتضحى مصونات الدموع مذالة ... ينحن على طرف من الدهر أبلق فلله ساعات مضين صوالحا ... عليهن من زي الصبا أي رونق خلعنا عليها النسك إلا اقله ... وإن عاودت نخلع عليها الذي بقي علي بن أحمد من شعراء بلنسية قم اسقني والرياض لابسة ... وشيا من النور حاكه الزهر والشمس مصفرة غلالها ... والروض تبدو ثيابه الخضر في مجلس كالسماء لاح به ... من وجه من قد هويته بدر والنهر مثل المجر حف به ... من الندامى كواكب زهر أبو الفضل بن الأعلم وعشية كالسيف إلا حده ... بسط الربيع بها لتعلى خده عاطيت كأس الأنس فيها واحدا ... ما ضره إن كان جمعا وحده

إبراهيم بن خفاجه وعشي أنس أضجعني نشوة ... فيه تمهد مضجعي وتدمث خلعت علي يد الأراكة ظلها ... والغصن يصغي والحمام يحدث والشمس تجنح للغروب مريضة ... والرعد يرقى والغمامة تنفث الرصافي وعشي رائق منظره ... قد قصرناه على صرف الشمول وكأن الشمس في أثنائه ... ألصقت بالأرض خدا للنزول والصبا يرفع أذيال الربى ... ومحيى الجو كالسيف الصقيل حبذا منزلنا مغتبقا ... حيث لا تنظرنا عين الهزيل طائر شاد وغصن منثن ... والدجى يسرب صهباء الأصيل أبو الحسن بن عبد الكريم أقول لخلي والمدامة تختلي ... كلمع بروق في سجوف غمام ألا فاسقني وقت الأصيل ولا ترع ... فؤادي يا خل الهوى بملام فقد نعست عين الغزالة للكرى ... وقد رققت أجفانها بمنام ألم ترافق الغرب كيف تغرني ... وتشرب شمسا مثل شمس مدام الرصافي وكنت أراني في الكرى وكأنني ... أناول كالديار من ذهب الدنيا فلما انقضى ذاك الوصال وطيبه ... على ساعة من أنسنا صحت الرؤيا ابن أفلج يصف غبوقا من المغرب إلى شروق الشمس ولرب مغتبق خلعت منشطا ... فيه العذار لفاتر لم تنشط وسروج لهوى في ظهور خلاعتي ... مذ شدها داعي الصبا لم تحطط ناديت حي على الغبوق وفي يدي ... نار متى صافحتها لم تغلط صفراء كالذهب السبيك ترى لها ... في بزلها سور الذبال المسلط

يبدي المذلة طعمها فإذا سرت ... فعلت كفعل الغادر المتسلط تعطي الجبان شجاعة عرضية ... والنكس تيه الماجد المتحمط ما خامرت عقل امرئ إلا غدا ... متبسطا سكرا وإن لم يبسط يسعى بها صلف الشمائل أهيف ... لدن كغصن البانة المتخوط سيان فعل مدامهولحاظه ... ورباضه للخابر المستنبط ما بين جام بالمدام مكلل ... فيا وكأس بالحباب مقرط وعلى الهضاب من النهار ملاءة ... سحق الحواشي أن تحط بتمغط والشمس خافضة الجناح مسفة ... في الغرب تنساب انسياب الأرقط أو كالعروس بدت فأسدل دونها ... جنبات ستر كالجياد مخطط وأتى الظلام على الضياء كما أتى ... أجل على أمل فلم يتأبط واستلأمت منه السماء بنثرة ... حصداء شرط فترها لم يمغط والزهر يغمض في المجرة عوما ... عوم المها في جدول متعطمط والنجم يرقى في السماء محلقا ... كنزو طفل في المهاد مقمط واللهو قد سلب الجفون رقادها ... منا اغتباطا بالسرور المفرط حتى تبدى الفجر في ذل الدجى ... يحكي نصول خضاب شعر أشمط وتلاه مبيض الصباح كأنه ... عمل لمجتهد زكا لم يحبط والتاج قرن الشمس عند ذروره ... كالتاج فوق جبين كسرى المقسط هذاك آخر ما عهدت وطاح بي ... برق رعشت به ارتعاش مبرقط وتحكمت فينا الشمول فلم تدع ... فينا صحيح تصور لم تخلط أبو الحسن علي بن عطية البليسي المعروف بابن الدقاق وعشية لبست رداء شقيق ... تزهى بلون للخدود أنيق أبقت بها الشمس المنيرة مثلما ... أبقى الحياء بوجنة المعشوق لو أستطيع شربتها كلفا بها ... وعدلت فيها عن كؤوس رحيق

أبو العلاء المعري والبدر قد مد عماد نوره ... والليل مثل الأدهم المقفر المقفر الذي بلغ تحجيله إلى ركبتيه ومن أوقات الشرب وقتان غير الاصطباح والاغتباق وهما الجاشرية وهي شرب نصف النهار والفحمة وهي شرب نصف الليل ولم يعتن الشعراء بوصف الشرب فيهما لكراهة استعمال الشراب فيهما لأنهما وقتا الهدو والمنام واجمام النفس وراحة الجسم لاستمراء الشراب والطعام. القاضي السعيد بن سنا الملك في ذم الشمس لا كانت الشمس فكم أصدأت ... صفحة خد كالحسام الصقيل وكم وكم صدت بوادي الكرى ... طيف خيال جاءني من خليل وأعدمتني من نجوم الدجى ... ومنه روضا بين ظل ظليل تكذب في الوعد وبرهانه ... إن سراب الفقر منها سليل وتحسب النهر حساما فتر ... تاع ويخطي فيه قلب الدليل إن صدا الطرف فما صقله ... إلا التملي بمحيى جميل وهي إذا أبصرها مبصر ... حديد طرف راح عنها كليل يا علة المهموم يا جلدة ... المحموم يا زفرة حب نحيل يا قرحة المشرق وقت الضحى ... يا سلحة المغرب وقت الأصيل أنت عجوز لم تبرجت لي ... وقد بدا منك لعاب يسيل وأنت بالشيطان قرنانة ... فكيف تهدينا سواء السبيل الشيخ شرف ابن المصنف في خلقه الشمس وأخلاقها ... مثنى عيوب جمة تذكر رمداء عمشاء إذا أصبحت ... عمياء عند الليل لا تبصر وهي رقيب في الهوى كاشح ... تنم بالإلفين لا تستر

الباب الثالث في الاصطباح ومدحه وذم شرب الليل وإيقاظ النديم للاصطباح

وخلقها خلق الملول الذي ... ينكث في العهد ولا يصبر من صبحها النور لا مسائها ... مغاير الأشكال لا تفتر والظل منها زائل دائما ... شبه خليل السوء إذ يغدر ويغدي البدر لها كاسفا ... وجرمه من جرمها أصغر حرورها في القيظ لا تتقى ... ودفؤها في القر مستنزر ليست بحسناء وما حسن من ... تنبو لحاظ عينه إذ تنظر لا تملأ العينين من وجهها ... فالشمس مرأى ساقط يحفر البدر يهدي وهي من شؤمها ... تضل فالخلق بها كفروا وعمرها يوم وفي ليلة ... تقبر في مالحة تنشر تبيت في الحماة من خسة ... وتغتدي منها لنا تظهر الباب الثالث في الاصطباح ومدحه وذم شرب الليل وإيقاظ النديم للاصطباح لما كانت محاسن الأشجار، وما تشتمل عليه من الأزهار، ما يتخللها عن الجداول، والأنهار، إنما تظهر للأبصار بالنهار، وكان في ضيائه أنس القلوب، تنفيس الكروب، وانتشار الحرارة الغريزية في الأبدان، وتنزه العيون في محاسن الألوان، كان الشرب فيه تجاه الرياض المشرقة، وتحت ظلال البساتين المونقة، وعلى حافات البرك والأنهار المتدفقة، ألذ من الشرب في الليل الحائل بين الناظر، وبين إدراك حسن المناظر، إلا أن ذلك مقصور على فصل الربيع تتزين الأرض بأنواع الزخارف ولما تلبسه من خضر المطارف، حتى تبدي لبصرها من أزهارها ما هو أبهى من الجوهر، ويهدي أرجها ما هو أطيب من المسك الأذفر، ففي هذا الفصل خاصة ينبغي لمن ألانت له الدنيا أعطافها، ومهدت له أكتافها، وأدرت

عليه النعم أخلافها، أن يغتنم صبوحه قبل الشروق، ويواصل قائلته بالغبوق، فأما العرب ومن هو في طبقتهم فإنما أثروا الصبوح فرارا من العواذل على الخلاعة، ليسبقوا من يعدلهم قبل أن يغدو عليهم لأن من شأن العواذل أن يبكروا على من يريدون عذله على الشرب في أمسه لأن ذلك وقت صحوة وأفاقة فاستعملوا الاصطباح ليسابقوا عذالهم بمباركة صبوحهم قال عدي بن زيد: بكر العاذلون في وضح ... الصبح يقولون لي ألا تستفيق وقال طرفة بن العبد ولولا ثلاث هن من لذة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عودي فمنهن سبق العادلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزبد ولا بن المعتز أرجوزة في مدح الصبوح وتفصيله على الغبوق ناقض فيها نفسه معنى من المعاني أي معنى كان ضرب من البديع يسمى المغايرة وهو يدل على جودة الطبع وصفاء القريحة وغزارة المعاني وتوسع الألفاظ: لي صاحب أملني ورادا ... في تركي الصبوح ثم عادا قال ألا تشرب في النهار ... وفي ضياء الصبح والأسحار إذا وشى بالليل صبح فاتضح ... وذكر الطائر شدوا فصدح أما ترى البستان كيف تورا ... ونشر المنشور بردا أصفرا وضحك الورد إلى الشقائق ... واعتنق الزهر اعتناق وامق قل لي أهذا حسن بالليل ... ويلي مما تشتهي وعولي بت عندنا حتى إذا الصبح سفر ... كأنه جدول ماء انفجر قمنا إلى زاد لنا معبد ... وقهوة صراعة للجلد

كأنما حبابها المنشور ... كزاكب في فلك تدور ومسمع يلعب بالأوتار ... أرق من نائحة القماري عبد الصمد بن بابك يا صاحبي قضيب البان ريان ... والبدر ملتحف والصبح عريان والنرجس الغض ساه والنسيم ند ... والطل في طرر الريحان حيران قفا لنا نحتسي بالراح واختلسا ... عقلي فقد نفح النسرين والبان واستوطنا وطني واستدعيا طربي ... قبل الشروق فلا طراب أحيان وعرضا بهوى سعدى فلي ولها ... وللزجاجة إن عرضتما شأن أبو عمرو الزعفراني وليل دعاني فجره فأجبته ... بمجلس طلق الوجه سهل التخلق إذا شئت خضنا في حديث منمنم ... وإن شئت عمنا في رحيق معتق يرد شبابي وهو شاسع ... ويدني التصابي بعد ما شاب مفرقي أبو بكر الخالدي هو الفجر قابلنا بابتسام ... ليصرف عنا عبوس الظلام ولاح فخلل كأس الشمو ... ل صرفا وحرم كأس المنام ظللنا على شم ورد الخدو ... د ومسك النحور ونقل اللثام نعين الصباح على كسفه ... قناع الظلام بضوء المدام أبو الحسن الجوهري يا سقيط الندى على الأقحوان ... شأنك اليوم في الصبح وشاني أنت أذكرتني دموعي وقد صوبن ... بين العتاب والهجران إن يكون للخليج فيك أوان ... لتمضي المني فهذا أواني سحر مدنف وجو عليل ... وصباح يميل كالنشوان

كشاجم هذا الصبوح فما الذي ... بصبوح صبحك ينتظر خذ من زمانك ما صفا ... ودع الذي فيه الكدر فالعمر أقصر من معا ... تبة الزمان على الغير وله إذا ما اصطبحت وعندي الكتا ... ب وكان الطباهج في جانبي وكانت رياحينا غضة ... وصفراء من صنعة الراهب فليس الخليفة في ملكه ... بأنعم مني ومن صاحبي ابن شراعة قد عزل الليل على رغمه ... وقد أتتنا دولة الصبح فانهض إلى الراح فقفل الأسى ... ما لم تدرها عسر الفتح واربح على دهرك في شربها ... فلذة العاقل في الربح شاعر طاب شرب الراح مصطبحا ... لا تدع من كفك القدحا إنما عمر الفتى فرح ... فأغتنم من دهرك الفرحا آخر باكر الراح ودعني ... من حماقات النصيح ما رأينا قط أنفى ... لهموم من صبوح من قانون الأدب جنان إذا لاح الصباح تنسمت ... بنشر شذى تثني عليه بآلاء وأشبهت الأسحار طيبا ظلالها ... فجال خبال الغصن في مقلة الماء ابن المعتز يا رب صاحب حانة نبهة ... والليل قد كحل الورى برقاد

في ساعة فيها الجفون سواكن ... قد شمن أعينهن في الأغماد فأتى بها كالنار تأكل كفه ... بشعاعها من شدة الإيقاد ابن وكيع ضحك الفجر ساخرا بالظلام ... حين فلت جيوشه بانهزام لاح في الحندس البهيم يحاكي ... ملك الروم بين أبناء حام فدع اللوم واسقنيها كميتا ... سبكت تبرها يد الأيام شاعر ومغرم باصطباح الراح باكرها ... في فتية باصطباح الراح حذاق فكل شئ رآه ظنه قدحا ... وكل شخص رآه ظنه الساقي آخر ألا أسقاني قبل أن نتفرقا ... وهات فاسقيني شرابا مروقا فقد كاد ضوء الصبح الدجى ... وكاد قميص الليل أن يتمزقا الصوفي عاقر عقارك واصطبح ... واقدح سروك بالقدح واخلع عذارك في الهوى ... وأرح عدولك واسترح وافرح بيومك إنما ... عمر الفتى يوم الفرح ابن حمديس قم هاكها من كف ذات الوشاح ... فقد نعى الليل نسيم الصباح وباكر اللذات واركب لها ... سوابق الليل ذوات المراح من قبل أن ترشف شمس الضحى ... ريق الغوادي من ثغور الأقاح شاعر أديراها على الزهر المفدى ... فحكم الصبح في الظلماء ماضي وما غربت نجوم الأفق لكن ... نقلن من السماء إلى الرياض

آخر قل لصريع الكأس قم نصطبح ... فالراح تحي كل مخمور ما أنت في نومك يا مالكي ... وقد أتى الصبح بمعذور لا سيما والشمس قد قابلت ... بدر الدجى والأفق بالنور كأنما تلك وهذا معا ... جامان من تبر وبلور ابن المعتز قم فاسقني والظلام منهرم ... والصبح باد في كفه علم والطير قد صفرت فأفصحت ... اللحان منها وكلها عجم وميلت رأسها الثريا ... بأسرار إلى الغرب وهي تحتشم في الشرق كأس وفي مغاربها ... قرط وفي أوسط السما قدم وله قم فاسقني قد تبلج الفلق ... من قهوة في الزجاج تأتلق كأننا والمدام دائرة ... نشرب نارا وليس نحترق ولما ابن المعتز أرجوزته في ذم الصبوح، على الصبوح لعبة الرحمن، وقد تقدمت كتب إليه النميري يعيب عليه ذم الصبوح والامتناع منه وكان هو مشهورا بذلك: قبح الله شرب كل نبيذ ... يتوخى في وقت شرب التجار إنما يشرب الملوك مع الفج ... ر وفي الروح قبل نصف النهار قد تأذت منا الشياطين والج ... ن جميعا وصالح العمار حيث نحيي ليل التمام إلى ... الصبح ونهدأ في ساعة الأنتشار

الباب الرابع في الهلال في ظهوره وامتلاء ربعة ونصفه وكماله والليلة المقمرة

أبو نواس نبه نديمك قد نعس ... يسقيك كأسا في الغلس صرفا كأن شعاعها ... في كف شاربها قبس مما تخير كرمها ... كسرى بعانة واغترس تذر الفتى وكأنما ... بلسانه ممنها خرس يدعى ليرفع رأسه ... فإذا استقل به نكس ابن وكيع غرد الطير فنبه من نعس ... وأدر كأسك فالعيش خلس سل سيف الفجر من غمد الدجى ... وتعرى الصبح من قمص الغلس وبدا في حلل فضية ... نالها من ظلمة الليل دنس فاسقني من قهوة مسكية ... في رياض عنبريات النفس الباب الرابع في الهلال في ظهوره وامتلاء ربعة ونصفه وكماله والليلة المقمرة يقال أهللنا بشهر كذا ولا يقال هل الشهر ولا أهل لكن أهل الهلال واستهل واستهلال هو ان ينير كما يستهل الصبي فيعرف أحي هو أم ميت قال حميد بن ثور: إذا الشهر كان لنا موعدا ... نساب إلى القابل المستهل الهاء مفتوحة ويقال أهل الهلال نفسه إذا طلع وأهللنا نحن رأينا ويقال لأول ليلة من الشهر النحيره وقيل النحيرة آخر ليلة من الشهر لأنها تنحر الشهر الداخل وغرة الشهر أول ليلة منة سميت بذلك لأن الهلال يظهر فيها كالغرة في وجه الفرس ويقال لآخر ليلة منة السرار لأن القمر

يستسر فيها أي ينكتم ويخفى كما يخفى السر المكتوم وهو محاق الشهر لأن الشهر ينمحق فيه ولا يبقى له أثر. محمد بن أبي بكر الارموي أما ترى مستهل الشهر حين بدا ... هلال والدجى تسطو غيا هبه كأنما الدجن فيه والهلال معا ... شيخ من الزنج قد شابت حواجبه وأنشد ثعلب كأن ابن مزنتها جانحا ... قسيط لدى الأفق من خنصر القسيط قلامة الظفر أخذه ابن المعتز فقال: وجاءني في قميص الليل مستترا ... معجل الخطو من الخوف ومن حذر ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ... مثل القلامة قد قصت من الظفر أبو العلاء المعري ولاح هلال مثل نون أجادها ... بجاري النضار الكاتب ابن هلال السري الموصلي وقد سلت اكف الفطر جهرا ... على شهر الصيام سيوف باس ولاح لنا الهلال كشطر طوق ... على لبات زرقاء اللباس ابن المعتز كأنه ابن ليلتيه ... من سهده الدائم القديم فخ بوسط السماء ملقى ... ينتظر الصيد للنجوم وله أيضا قم هاتها حمراء في مبيضة ... كالجلنارة في جنى نسرين أو ما رأيت هلال شهرك قد بدا ... في الأفق مثل شعيرة السكين سرقة كشاجم فقال أهلا وسهلا بالهلال ... بدا لعين المبصر

كشعيرة من فضة ... قد ركبت في خنجر شاعر سنان لواه الطعن سن عامل أبو عاص البصري فيه ... وفي الثريا والزهرة رأيت الهلال وقد حلقت ... نجوم الثريا لكي تلحقه فشبهته وهو في الثرها ... وبينهما الزهرة المشرقه بقوس لرام رأى طائرا ... فأرسل في إثره بندقه ابن النبيه في الهلال انظر إلى حسن هلال بدا ... يذهب من أنواره الحندسا كمنجل قد صيغ من عسجد ... يحصد من شهب الدجى نرجسا الخالدي وهلال يلوح في ساعد الغرب ... كدملوج فضة أو سوار الطغرائي قوموا إلى لذاتكم يا نيام ... واترعوا الكأس بصرف المدام هذا هلال الفطر قد جاءنا ... كمنجل يحصد شهر الصيام الحصكفي تباشروا بهلال الفطر حين بدا ... وما قام سوى أن لاح ثم غدا كالحب واعد وصلا وهو محتجب ... فحين بان تقاضوه فقال غدا شاعر قد جاء شهر السرور شوال ... وغال شهر الصيام مغتال أما رأيت الهلال يرمقه ... قوم لهم إن رأوه إهلال كأنه قيد فضة حرج ... فض عن الصائمين فاختالوا ابن وكيع في الهلال والجوزاء

أما ترى الليل قد ولت عساكره ... وأقبل الصبح في جيش له لجب وجد في أثر الجوزاء يطلبها ... في الجو ركض هلال دائم الطلب كصولجان لجين في يد ي ملك ... أدناه من كره صيغت من الذهب أبو الفضل الميكالي أما ترى الزهرة قد لاحت لنا ... تحت هلال نوره نور اللهب ككره من فضه مجلوة ... أوفى عليها صولجان من ذهب ظافر الحداد أما رأيت هلال العيد حين بدا ... للعين منة بقايا جرم دائره كحرف جام من البلور قابلة ... ضوء وأخفى الدجى إشراق سائره أو درهم فوق دينار تجلله ... علوا فضاق عن استيعاب آخره الشريف العقيلي وذي دلال زارني ... من غير وعد يرتقب في ليلة خلستها ... من بين أنياب النوب كأنما هلالها ... مقبض ترس من ذهب عبد المحسن الصوري فاسقنيها ملأا فقد فضح الليل هلال كأنه فتر زند والثريا خفاقة بجناح الغرب تهوى كأنها رأس فهد في أوان الشباب عاجلني الشيب ... فهذا في أول الدن دردي العسكري

قصر العيش باكناف الغضا ... وكذا العيش إذا طاب قصير في ليال كأباهيم القطا ... لست تدري كيف تأتي فتطير ابن المعتز يا ليلة كاد من تقاصرها ... يعثر فيها العشاء بالسحر إبراهيم الصولي وليلة من الليالي الزهر ... قابلت فيها بدرها ببدري أم يك غير شفق وفجر ... حتى تقضت وهي بكر الدهر شاعر يا رب ليل سرور خلته قصرا ... كعارض البرق في جنح الدجى برقا قد كاد يعثر أولاه بآخره ... وكاد يسبق منة فجرة الشفقا كأنما طرفاه طرف اتفق الجفنان ... منه على الإطراق وافترقا أبو جعفر المصحفي سألت نجوم الليل هل ينقضي الدجى ... فخطت جوابا بالثريا كخط لا وكنت أرى أني بآخر ليلتي ... فأطرق حتى خلته عاد أول وما عن هوة سامرتها غير أنني ... أنافسها المجرى إلى طرق العلا كشاجم وليلة فيها قصر ... عشاؤها مع السحر صافية من الكدر ... تقضى ولم يقض الوطر وحيا كلمح البصر ... أو خطرة من الخطر في مثلها التذ السهر ... تمحو إساءات القدر وتترك الدهر أغر علي بن احمد الجوهري يا ليل أفدي أختك البارحة ... ما كان أزكى ريحها الفائحة

كانت لنا خاتمة لو درت ... وجدي بها كانت هي الفاتحة أبو بكر الخوارزمي وكم ليلة لا اعلم الدهر طيبها ... مخافة أن يتقص مني لها الدهر سهاد ولكن دونه كل رقدة ... وليل لكن دون إشراقه الفجر وسكر هوى لو كان يحكيه لذة ... من الخمر سكر لم يكن حرم السكر ابن طباطبا وهو أبلغ ما قيل وليلة مثل أمر الساعة اقتربت ... حتى تقضت ولم نشعر بها قصرا لا يستطيع بليغ وصف سرعتها ... كانت ولم تعتلق وهما ولا نظرا شاعر وليل لم يقصره رقاد ... وقصره منادمة الحبيب نعيم ألب أورق فيه حتى ... تناولنا جناة من قريب ومجلس لذة لم نلو فيه ... على شكوى ولا عدد الذنوب بخلنا أن نقطعه بلفظ ... فترجمت العيون عن القلوب أمية بن أبي الصلب يا ليلة لم تبن من القصر ... كأنها قبلة على حذر لم تك إلا كلا ولا ومضت ... تدفع في صدرها يد السحر شاعر يا ليلتي أحسنت مقبلة ... وأسأت عند تبلج الفجر أقصرت حين وفى بزورته ... هلا قصرت الليالي الهجر شاعر يا ليل يا ليل إلى أين ... أربع على ذين المحبين ناشديك الله تقف ساعة ... فالصبح منا موعد البين

آخر إذ نادى المنادي كاد يبكي ... حذار الصبح لو نفع الحذار وود الليل زيد إليه ليل ... ولم يخلق له أبدا نهار أبو الحسن الأنصاري وليلة غائبة النحوس ... كثيرة الأقمار والشموس قصيرة كالنظر المخلوس ... تمت فكانت منية النفوس البهاء زهير الكاتب وليله كأنها يوم أغر ... ظلامها انس من ضوء القمر كأنها في مقلة الدهر حور ... ما قصرت لو سلمت من القصر حيرانة مرت كلمح بالبصر ... ليس لها بين النهار من اثر تطابق العشاء فيها والسحر ... ألذ من طيب الكرى فيها السهر ابن سنا الملك يا ساقي الرياح بل يا سابق الفرح ... ويا نديمي بل يا كل مقترحي لا يخش من قصر ليل في تواصلها ... أما تراني شربت الصبح في قدحي إبراهيم الغزي وليل رجونا أن يدب أعذاره ... فما دب حتى صار بالهجر شائبا الشريف الموسوي وليلة سال بها صبحها ... والصبح في المشرق كالسيل حتى توهمنا بان الدجى ... طيف يحيينا بلا ليل القاضي الفاضل بتنا على حال يسر الهوى ... وربما لا لكن الشرح بوابنا الليل وقلنا له ... أن غبت عنا دخل الصبح الخفاجي الحلبي إن كان ليلي طويلا بعد بينكم ... فقد نعمت بكم والليل كالسحر

لا اظلم الليل في فراقكم ... بليل وصلكم فالطول كالقصر ابن المعتز يا ليلة نسي الزمان بها ... أحداثه كوني بلا فجر باح الظلام ببدرها ووشت ... فيها الصبا بمواقع القطر ثم انقضت والقلب يتبعها ... في حيث ما سقطت من الدهر شاعر وكان الهلال تحت الثريا ... ملك فوق رأسه إكليل السري الموصلي ضحكت أوجه اللذاذة بالقطر ... ولاحت طوالع السراء وكان الهلال نون لجين ... غرقت في صحيفة زرقاء البحراني في الأمير يوسف بن مكتم عند نظر الهلال تقابلتما فاستجمع الحسن كله ... فمن نظر يرنو ومن نظر يغضي هلالان هذا للظلام يزيله ... سناه وهذا للمظالم في الأرض دخل عبد الله بن عمر بن غانم قاضي أفريقية على أميرها يزيد بن حاتم فجرى بينهما كلام ذكر فيه هلال رمضان فقال بن غانم: أهللنا هلال رمضان فتشايرناه بالأيدي: فقال يزيد: لحنت يا ابن غانم إنما هو تشاورناه، فقال ابن غانم: تشاورنا من الشورى وتشايرنا من الإشارة بالأيدي، قال: ما هو كذلك، قال: بيني وبينك أيها الأمير قتيبة النحوي، وكان إذ ذاك قدم على يزيد وهو إمام الكوفة فبعث إليه وكان في قتيبة غفلة فقال له يزيد: إذا رأيت الهلال وأشرت إليه وأشار غيرك إليه كيف تقول؟ قال: أقول ربي وربك الله، فقال يزيد: ليس هذا أردنا فقال ابن غانم: إذا أشرت وأشار غيرك وقلت تفاعلنا في الإشارة إليه كيف تقول؟ تشايرنا وأنشد لكثير عزة:

قلت وفي الأحشاء داء مخامر ... إلا حبذا يا عز ذال التشاير قال يزيد: فأين أنت يا قتيبة من التشاور، قال: هيهات أيها الأمير ليس هذا من عملك هذا من الإشارة وذال من الشورى، فضحك يزيد وعرف جفاء قتيبة فأعرض عنه واستحي من ابن غانم. صعد الرشيد والأصمعي علية ينظران إلى هلال رمضان فقال: الأصمعي يا أمير المؤمنين ما معنى قول هند بنت عتبة: نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق فقال: أصبت يا أصمعي. فقال: يقول أمير المؤمنين فقال: الطارق الكوكب تقول نحن في الأرض مثل ذلك الكوكب الذي في السماء، قال: أصبت يا أمير المؤمنين وأمر له بعشرة آلاف درهم. القاضي أبو عبد الله محمد بن النعمان أنظر إلى ذا الهلال وقد ... مضى لسبع مضين من عمره مثل زناد قد صيغ من ذهب ... يقدح بالرائعات من شرره ثم تولى يريد مغربة ... في شفق الشمس وهي في إثره فخلته غائصا ببحر دم ... يقذف بالرائعات من درره ابن المعتز أهلا بفطر أنار هلاله ... الآن فاغد على الشارب وبكر وانظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر أبو عاصم البصري قارنت زهرة الهلال وكانا ... في افتراق من غير صد وهجرة فإذا ما تقارنا قلت طوق ... من لجين قد علقت فيه درة ابن الرومي وكان الهلال نصف سوار ... والثريا كف تشير إليه

شاعر من أفريقية كأنما النجم صيغ من ورق ... معلق من هلال الأفق في أذن ولم يقل أحد في امتلاء نصفه كما قال ابن المعتز وهو من نادر التشبيهات الملوكية. ما ذقت طعم النوم لو تدري ... لأن أحشائي على جمر في قعر مسترق نصفه ... كأنه محرقة العطر وللقمر من أول ظهوره إلى أخر سراره أسماء، الهلال، والطالع، والرمد، ونمير، والزبرقان، والباهر، والزمهرير، والغاسق، وطويس، وأوديس، وزريق، ودخير، والبدر، والحلم، وعفراء، والساهور، والسهر، والعقيب، وابن حمير. وقيل أن ابن حمير أسمه إذا أستسر والساتي، وهو اسمه باليونانية وقد تكلموا به والقمر. وقيل في تسميته بدرا قولان أحدهما أنه أشتق له من كونه يبدر بطلوعه غيبوبة الشمس وقيل سمي بدرا لكماله وتمامه. وذلك يكون في أربعة عشر ليلة من الشهر كما قالوا بدرة إذا بلغ المال نهاية العدد من الفضة وهي عشرة آلاف ووزنها من الدنانير وقيل في تسميته أيضا قمرا قولان أحدهما أنه اشتق له ذلك من القمرة وهو بياض تعلوه كدرة وقيل لأنه يقمر النوم ضياءها لأنها لا تدري في ظهوره وإنارته كما ترى في مغيبه ونقصانه ومن ذلك أخذ العرب القمار لأن لاعبه يتغير قمرة له ومرة عليه والفخت ضوء القمر أول ما يظهر وبه سميت الفاختة لشبه لونها بذلك والعرب تسمي الشمس والقمر القمرين فيغلبون القمر والشمس أفضل منه لعلتين أحداهما التذكير والأخرى أنهم أنسوا بالقمر لأنهم يجلسون فيه للسمر، ويهديهم السبل في سرى الليل في السفر، ويزيل عنهم وحشة الغاسق، وينم على المؤذي والطارق، وذلك كما قالوا في دولتي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما

فأنهم قالوا دولتا العمرين فغلبوا أسم عمر رضي الله عنه وإن أبو بكر رضي الله عنه أفضل والسبب في ذلك طول مدة دولة عمر رضي الله عنه وكثرة الفتوحات فيها وما تمهد فيها من قواعد الإسلام وقيل لإعرابي: الشمس أحسن أم القمر؟ فقال: القمر أحسن والشمس أجهر. قيل: وكيف صار القمر أحسن قال: لأن العيون عليه أجسر. وتقول العرب في ليالي القمر سافروا في يمنة الليالي فإن أنس القمر يذهب وحشة السفر ونام أعرابي أعليته، وجعلت السماء بيته، ثم نظر إلى القمر وقال: إن الله صورك ونورك، وعلى البروج دورك. وإذا أراد كورك، وإن أهديت إلى قلبي سروا لقد أسدى الله إليك نورا، وأضل أعرابي ناقته فطلبها أول الليل فلم يجدها فلما طلع القمر رآها إلى جنب ربوة فرفع رأسه إلى القمر وأنشد: ما أقول وقولي فيك ذا حصر ... وقد كفيتني التفصيل والجملا إن قلت لازلت مرفوعا فأنت كذا ... أو قلت زانك ربي فهو قد فعلا والعرب تسمي كل ثلاث ليال من الشهر باسم فيقولون ثلاث غرر وثلاث نفل وثلاث تسع وثلاث عشر وثلاث بيض وثلاث درع وثلاث ظلم وثلاث حنادس وثلاث دادي وثلاث محاق والعرب تسمى كل ليل من لياليه باسم. شاعر في ليلة مقمرة وليلة فضية الأديم ... شعارها أردته بالنعيم كدعت فيها كبد الهموم ... بين رضابي قهوة وريم شاعر شربنا على النيل في ليلة ... بدائع أنوارها معجبه

مفضضة اللون من قهوة ... مذهبة للأسى مذهبه وقد أشرق البدر في شرقه ... وغرب لما أتى مغربه وقد صاغ إذ ذال من نوره ... على الليل منطقه مذهبه الوسي يا من كغرته الهلال أما ترى ... بدو الهلال وقد بدا في المشرق كطريقة نظرت إلى عشاقها ... فتنقبت خجلا بكم أزرق شاعر ومقرطق يسعى إلى الندماء ... بعقيقة في درة بيضاء والبدر في أفق السماء كدرهم ... ملقى على ديباجة زرقاء عبد الله الموصلي الكاتب كشف البدر وجهه لتمام ... فوجوه النجوم مستترات فكأن البدر التمام عروس ... وكأن النجوم منتقبات آخر والبدر في المرآة كاللألاء ... حليتها كواكب الجوزاء كأنه في كبد السماء ... حديقة فيها غدير ماء ابن المعتز قمر بدا لك مشرقا في ليلة ... حسر الدجى أذياله عن ذيله خلعت على الآفاق من أنواره ... خليع البياض فأومضت في ليلة وإذا تقدم في النجوم حسبته ... ملكا تسير مواكب من حوله اللامي نبهت ندماني وقد ... عبرت بنا الشعرى العبور والبدر في أفق السما ... ء كروضة فيها غدير

الواوا الدمشقي ولرب ليل فيك ضل صاحبه ... فكأنما هو حيرة المتفكر والبدر أول ما بدا متلثما ... بيدي الضياء لنا بخد مسفر فكأنما هو خودة من فضة ... قد ركبت في هامة من عنبر الشريف أقول لذا القمر الأسحم ... المشف من الشمس يمتاز نورا سوادك من حيث تمسي هلا ... لا إلى حيث تكمل بدرا منيرا نقاب لتركية أسود ... تنزل منه يسيرا يسيرا الشريف العقلي لا تسمعن إلى العذول واسقني ... مشمولة من خمرة البادنج أو ما ترى زهر النجوم كجوهر ... نثرته غانية على فيروزج والبدر في كبد السماء كوردة ... بيضاء تضحك في رياض بنفسج وله أيضا شربنا على ثوب السماء المنير ... عقارا لها في الكأس أبهج منظر وقد برز البدر المنير ووجهه ... كجام لجين فيه آثار عنبر ابن المعتز في البدر مع الشمس يا ليلة ما كان أط ... يبها سوى قصر المدا أحييتها وأمتها ... وطويتها طي الردا حتى رأيت الشمس تتلو ... البدر في أفق السما فكأنها وكأنه ... قد حان من خمر وما سهل بن المرزبان كم ليلة أحييتها ومؤانسي ... طرف الحديث وطيب حث الأكؤس شبهت بدر سمائها لما دنت ... منه الثريا في ملاءة نرجس

ملكا مهيبا قاعدا في روضة ... حياه بعض الزائرين بنرجس ابن المعتز يا خليلي اسقياني ... قهوة ذات حميا إن يكن رشدا فرشدا ... أو يكن غيا فغيا قد تولى الليل عنا ... وطواه الصبح طيا وكأن البدر لما ... لاح من تحت الثريا ملك أقبل التاج ... يفدي ويحيى الشريف الموسوي في القمر تحت الشعاع خذ صفات البدر المنير إذا ما ... قارن الشمس في احتراق وشين صار تحت الشعاع سرا ففيه ... النور منها في عرض أنملتين مثل ياقوتة بكف فتاة ... تحتها نصف حلقة من لجين نظر شرف الدين ابن الوزير عون الدين ليلة إلى القمر يدخل تحت السحاب تارة وينكشف تارة فقال لمن حضر من الأدباء: ليقل كل منكم في ذلك شعرا فقال الأديب مفلح: كأنما البدر حين يبدو ... لنا ويستحجب السحايا خريدة من بني هلال ... لاثت على وجهها نقابا وقال ابن عون الدين إذا تطلع هذا البدر من فرج ... من السحاب وغارت حوله الشهب تخاله في رقيق من ملاءته ... خرقاء تسفر أحيانا وتنتقب وقال الأكرم من بني هبيرة وكأن هذا البدر حيث تظله ... سجب فيخفي تارة ويؤوب حسناء تبدو من خلال سحوقها ... طورا وتنظر نحوها فتغيب

شرب عبد الملك بن إدريس مع المنصور أبي عامر والبدر يظهر تارة ويخفى بالسحاب تارة فقال: أرى بدر السماء يلوح حينا ... فيبدو ثم يلتحف السحابا وذاك لأنه لما تبدى ... وأبصر وجهك استحيا وغايا أبو طاهر إسماعيل بن عمر في غلام مليح بارد الحركات وممنع كالظبي في الفلوات ... لكنه مستبرد الحركات فكأنه قمر الشتاء وقد بدت ... أنواره في أبرد الأوقات شاعر هذا هلال الأفق يشرق ضاحكا ... يحكيك في نور وحسن بهاء فكأنه طوق من الذهب ابتدى ... في جيد لابس حلة زرقاء سعيد المزرباني في محاق القمر والبدر في كبد السماء قد انطوت ... طرفاه حتى عاد مثل الزورق وتراه من تحت المحاق كأنما ... غرق الجميع وبعضه لم يغرق آخر في محاق الشهر لقد سرني أن الهلال لناظري ... بدا وهو محقور الخيال دقيق طواه مرور الشهر حتى كأنه ... عنان لواه باليدين وفيق وإني بشهر الصوم ما عشت شامت ... وإنك يا شوال لي صديق ابن الرومي شهر الصيام مبارك لكنه ... جعلت لنا بركاته في طوله إني ليعجبني كمال هلاله ... وأسر بعد كماله بنحوله شاعر اسقني الكأس يا نديمي فقد عا ... د بعيد الصيام عهد الوصال

ما رأينا الهلال حتى رأينا ... كل شخص منا شبيه الهلال طلع الملك المعظم ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب إلى مئذنة جامع دمشق لرؤية هلال شوال ومعه القاضي والعدول فغابت الشمس ولم ير الهلال ثم رآه مملوك كان حظيا عند الملك المعظم فقال الملك المعظم لجبريل بن سكر المصري الشاعر المعروف بابن القصار: قل شيئا في ذلك فقال: توارى هلال الأفق عن أعين الورى ... وغطى يستر الغيم زهوا محياه فلما أتاه لاجتلاء خليله ... تبدى له دون الأنام وحياه شاعر تجلى علينا هلال الصيام ... بنجس على الكاس والبربط وكان نشيطا فلما رآ ... هـ هم يريم فلم ينشط فأعرض عنه كما أعرضت ... فتاة عن الحاجب الأشط أبو سعيد بن نصير في خوف القمر كأنما البدر به الكسوف ... جام لجين أبيض نظيف في نصفه بنفسج قطيف آخر أنظر إلى البدر في الكسوف بدا ... مستسلما لقضاء الله والقدر كأنه وجه معشوق أدل على ... عشاقه فابتلاء الله بالشعر آخر والبدر كالمرآة غير صقلها ... عبث العذارى فيه بالأنفاس والليل ملتبس بضوء صاحبه ... مثل التباس النقس بالقرطاس والعرب تقول في ذم الهلال إذا رأته: لا مرحبا بحجين محل الدين ومقرب الحين، قالوا: وفي القمر عيوب عدة: لونه لون الأبرص ووجهه وجه

المجدوم يحل الدين ويعجل كراء المسكن وينهك الأبدان ويخلق الكتان ويتم على العاشق ويفضح السارق. ابن المعتز يا سارق الأنوار من شمس الضحى ... يا مثكلي طيب الكرى ومنغصي أما ضياء الشمس فيك فناقص ... وأرى حرارة حرها لم تنقص لم يظفر التشبيه منك بطائل ... متسلح بهقا كجلد الأبرص علي بن سعيد لبذل وجهي إلى لئيم ... أمر من وقفة الوداع فالبدر في وجهه كدوح ... حين احتذى الشمس في الشعاع ابن الرومي رب عرض منزه عن قبيح ... دنسته تعرضات الهجاء لو أراد الأديب أن يهجو البد ... ر رماه بالخطة الشنعاء قال يا بدر أنت تغرر بالسا ... ري وثغري بزورة الحسناء كلف في أديم وجهك يحكي ... نمشأ فوق ووجنة برصاء يعتريك النقصان ثم يخليك ... شبيه القلامة الحيفاء ويليك السرار في آخر الش ... هر فيمحوك من أديم السماء وإذا البدر نيل باهجو فليخ ... ش أولو الفضل السن الشعراء ما بقدر المديح خيقة ... الهجو وأخذنا جوائز الخلفاء ابن طباطبا في ليلة مقمرة وليلة مثل يوم شمسها قمر ... بدت بدو الضحى طلا وآلاء يا حسنها ليلة عاد النهار بها ... أنا وطيبا وإشراقا ولألاء

الباب الخامس في انشقاق الفجر ورقة نسيم وتغريد الطير في الشجر وصياح الديك وإيذانه الصباح

الباب الخامس في انشقاق الفجر ورقة نسيم وتغريد الطير في الشجر وصياح الديك وإيذانه الصباح الفجر أول ضوء تراه من الصباح ويقال له ابن ذكاء وذكاء من أسماء الشمس. قال الراجز وردته قبل انبلاج الفجر ... وابن ذكاء كامن في كفر والكفر ما غطاه يعني به الليل والفجر مأخوذ من انفجار الماء لأنه ينفجر كالماء شيئا بعد شيء وهما فجران الأول منهما ذنب السرحان تشبيها له بذلك وهو الذي لا يحرم الطعام على الصائم ويسمى الفجر الكاذب لأنه يلوح ثم يخفى والثاني هو الفجر الصادق وهو الذي يحرم الطعام على الصائم والذي يلي الفجر من الليل هو السحر يقال أتيته بسحر وبسحرة وبالسحر الأعلى لآخر السحر وسحيرا لأوله والسدفة ظلمة يخالطها ضوء يكون من أول الليل ومن آخره يذهب إلى بقايا الشفق لأن الشفق في أول الليل كالفجر في آخره ويقال انبلج الصبح انبلاجا فهو أبلج وتبلج يتبلج وساح يسيح وانساح ينساح أنسياحا وانفسح ينفسح وانصاح ينصاح أنصياحا كل ذلك إذا اتسع وانبسط وتنفس يتنفس وفي التنزيل العزيز (والصبح إذا تنفس) وصاح يصيح إذا علا وظهر. وقال الفرزدق والشيب ينهض في النهار كأنه ... ليل يصيح بجانبيه نهار لما علا وظهر شبهه بالصائح الذي دل على نفسه بصياحه فإذا علا بعد ذلك بشيء فعرفت المار وإن كان منك بعيدا قلت أسفر الصبح وفي التنزيل

العزيز (حتى يتبين لكم الخيط البيض من الخيط الأسود من الفجر) والعرب تشبه رقة البياض البادي من الفجر أولا ورقة السواد الحاف به بخطين أبيض وأسود على جهة الاستعارة والتمثيل. قال أبو داود فلما بصرن به غدوة ... ولاح من الفجر خيط أنارا والكتاب العزيز نزل على ما تفهمه العرب في لغتها وتأليفه في عرفها، ونزل الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم يكن فيها من الفجر ومضى على ذلك عام فجاء عدي بن حاتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني جعلت تحت وسادتي عقالين أبيض وأسود أعرف الليل والنهار. فقال له رسول الله إني جعلت تحت وسادتي عقالين أبيض وأسود أعرف الليل والنهار. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هو سواد الليل وبياض النهار، فأستدل بهذا القول على أن النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وعلى ذلك العمل في الصوم والصلاة والإيمان وغير ذلك من جميع ما يناط به حكم شرعي، وأما على ظاهر اللغة فاختلف فيه فروى أبو حنيفة الدينوري في كتاب الأنواء أن النهار محسوب من طلوع الشمس إلى غروبها والليل من غروب الشمس حتى طلوعها ولا يعد شيء قبل طلوعها من النهار ولا شيء قبل غروبها من الليل، وقال الزجاج في كتاب الأنواء أيضا: أول النهار ذرور الشمس، ومن أهل اللغة من جعل وقت النهار من الأسفار إذا أتسع الضوء وانبسط وهو موافق لمن قال بالذرور واعتبر في ذلك التسمية اللفظية وقال النهار مأخوذ من أتساع الضوء واتضاح نوره وانشد: ملكت بها كفي فانهرت فتقها ... يرى قائما من دونها ما وراءها والحكم عند عامة الفقهاء في النهار ما ورد في الحديث وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأما تحديد تبين الخيط الأبيض من الخيط

الأسود من الفجر وهو الذي بسببه تجب الأعمال فقد أختلف فيه ووقع العمل على أنه الفجر المعترض الآخذ في الأفق يمنة ويسرة فبطلوع لأوله في الأفق يجب الإمساك عن الأكل للصيام لما خرجه مسلم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الفجر الذي يقول هكذا) وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض (ولكن الذي يقول هكذا) ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه، وروى عن ابن عباس غيره أن الإمساك يجب بتبين الفجر في الطريق وعلى رؤوس الجبال وعن علي عليه السلام أنه صلى بالناس الصبح وقال: الآن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وإنما قادهم إلى هذا القول أنهم يرون أن الصوم إنما هو في النهار والنهار عندهم من طلوع الشمس لأن أخره غروبها فكذلك أوله طلوعها وذكر عن الخليل بن أحمد أن النهار من طلوع الفجر واستدل بقوله وأقم الصلاة طرفي النهار وهذا من أهل اللغة موافق الحديث ومن أكل وهو يشك في طلوع الفجر فعليه عند مالك القضاء. ومما نقل من كتاب ديوان المعاني للعسكري من أجود ما قيل في الصباح قال الأصمعي: نزلت بقوم من غنى قد جاوروا قبائل العرب من بني صعصعة فحضرت ناديهم وشيخ طويل الصمت عالم بالشعر يأتونه الناس من كل ناحية ينشدونه أشعارهم فإذا سمع الشعر الجيد قرع الأرض بلحجته فينفذ حكمه على من حضر منهم بشاة إن كان ذا غنم أو ابن مخاض إن كان ذا إيل فتذبح أو تنحر لأهل النادي قال فحضرته يوما وأنشده بعضهم يصف ليلا: كأن سميط الصبح في أخرياته ... ملاء ينفى من طيالسة خضر تخال بقائاه التي سار الدجى ... قد وشيعا فوق أردية الفجر فقام الشيخ كالمجنون مصلتا سيفه حتى خالط البرك فجعل يضرب يمينا وشمالا ويقول:

لا تفرغن في أذني بعدها ... ما يستفز فاريك فقدها أنى إذا السيف تولى مدها ... لا أستطيع بعد ذال ردها قال العسكري: وهذا دليل على أن على الشعر وتميزه جيده من رديئه عزيز عند أهل البوادي وهم أصوله ومعدنه واستفزاز هذا الشعر لهذا الشيخ قريب مما روي عن الأمير إني لأطرب على جيد الشعر كما أطرب على حسن الغناء قال ومن غريب ما قيل في الصبح قول ذي الرمة: وقد لاح للساري الذي كمل السرى ... على أخريات الليل فتق مشهر كلون الحصان الأنبط قائما ... تمايل عند الحل واللون أشقر الأنبط الأبيض البطن شبه بياض الصبح تحت حمرته ببياض بطن الفرس الأشقر أخذه ابن المعتز فقال: وما راعنا إلا الصباح كأنه ... جلال قباطي على فرس ورد ولغيره بدا والصبح تحت الليل باد ... كمهر أشقر مرخي الجلال ومن أغرب ما قيل في قول ابن المعتز: وقد رفع الفجر الظلام كأنه ... ظليم على بيض تكشف جانبه وله قد أغتدي والليل في جلبابه ... كالحبشي فر من أصحابه والصبح قد كشف عن أنيابه ... كأنما يضحك من ذهابه ولأبي هلال ياكرتها والخير في بكوري ... والصبح بالليل ملوث النور كما خلطت المسك بالكافور وله وقد باشر الليل النهار كأنه ... بقية كحل في حماليق أزرق

وله إلى أن طوينا الليل إلا بقية ... تزل ضياء الشمس عنها فتزلق وخلل وجه الشرق برد ممسك ... وقابله للغرب برد ممشق فلاح لنا من مشرق الشمس مغرب ... وبان لنا من مغرب الشمس مشرق ومد علينا الليل ثوبا منمقا ... وأشعل فيه الفجر فهو يحرق وصبحنا صبح كأن ضياءه ... تعلم منا كيف يبهى ويشرق ابن المعتز والليل قد رق وأصغى نجمه ... واستوفز الصبح ولما ينتصب معترضا بفجره في ليلة ... كفرس دهماء بيضاء اللبب العلوي الصبهاني إلى أن تجلى الصبح من خلل الدجى ... كما انخرط السيف اليماني من الغمد ابن المعتز في النجم في خمرة الفجر قد أغتدي على الجياد الضمر ... والصبح قد أسفر أو لم يسفر حتى بدا في ثوبه المعصفر ... ونجمه مثل السراج الأزهر كأنه غرة مهر أشقر الشمردل بن شريك ولاح ضوء الصبح فاستمينا ... كما رأيت المفرق الدهينا التنوخي أسامره والليل أسود وأزرق ... إلى أن جلا الإصباح عن أشقر ورد تبسم محمرا خلال سواده ... تبسم ورد الخد في الصدغ الجعد ابن المعتز في الشفق ساروا وقد خضعت شمس الأصيل لهم ... حتى نوقد في جنح الدجى الشفق

وله في الصبح والصبح يتلو المشتري فكأنه ... عريان يمشي في الدجى بسراج الصنوبري وليلة كالرفرف المعلم ... محقوقة الظلماء بالأنجم تعلق الفجر بأرجائها ... تعلق الأشقر بالأدهم ابن المعتز لما تعدى أفق الضياء ... مثل ابتسام الشقة اللمياء التنوخي كأن سواد الليل والفجر ضاحك ... بلوح ويخفي أسود يتبسم شاعر والفجر في روض الدجى جدول ... ساح ليسقي زهر الأنجم ابن بابك كم صحبنا الظلام وهو غلام ... قد تبدى عذاره المختط وسحبنا ذيوله وكان الصبح ... جيب على الظلام يعط أدرعناه والثريا وشاح ... وخلعنا سواده وهي قرط السري الموصلي انظر إلى الليل كيف يصدعه ... راية صبح مبيضة العذب كراهب حن للهوى طربا ... فشق جلبابه من الطرب الأمير تميم شربنا على نوح المطوقة الورق ... وأردية الروض المفوفة البلق

معتقة أفنى الزمان وجودها ... فجاءت كفوت اللحظ أو رنة العشق كأن السحاب الغر أصبحن أكؤسا ... لنا وكان الراح فيها سنا البرق إلى أن رأيت النجم وهو مغرب ... وأقبل رايات الصباح من الشرق كأن سواد الليل والفجر طالع ... بقية لطخ الكحل في الأعين الزرق الأرجاني والليل سيف الفجر في فرقه ... يقتله والديك بنعاه أبو العلاء المعري تخيلت الصباح معين ماء ... فما صدقت ولا كذب العيان تكاد الفجر تشربه المطايا ... وتملأ منه أسقية شنان ظافر الحداد وصبيحة باكرتها في فتية ... أضحوا لكل نفيسة كالأنفس والليل قد ولى بعبة راحل ... والصبح قد وافى ببشر معرس والفجر قد أخفى النجوم كأنه ... سيل يفيض على حديقة نرجس شرف الدين التيفاشي المصنف نبه نديمك أن الديك قد صخبا ... والليل قوض من تخييمه الطنبا والفجر في كبد الليل السقيم حكى ... سر المتيم عن أجفانه غلبا كأنه بظلام الليل ممتزجا ... سمراء تفتر أبدت مبسما شنبا كأنما الفجر زند قادح شررا ... في فحمة الليل لاقى الفحم والتهبا كأن أول فجر فارس حملت ... راياته البيض في أثر الدجى فكما كأن ثاني فجر غرة وضحت ... تل في وجه طرف أدهم ونبأ أبو علي بن رشيق كأنما الصبح الذي تفرا ... ضم إلى الشرق النجوم الزهرا

فاختلطت فيه فصارت فجرا شاعر من العرب وأبدع فيه فأدبر الليل مشمطا ذوائبه ... وأقبل الصبح موشيا أكارعه جعل ذوائب الليل شمطا من ممازحة الصبح وجعل أكارع الصبح موشية من ممازحة الليل وجعل أخذ الليل من آخره وهو المتصل بأول الصبح وأخذ الصبح من مقادمه وهو المتصل بآخر الليل وأصاب في التشبيه كأنه أومأ إلى الصبح فجعله كالثور الوحشي والثيران الوحشية كلها بيض وأكارعها خاصة موشية وهو معنى لم يقع لغيره. عبد الله بن محمد الأزدي يا رب كأس مدامة باكرتها ... والصبح من جبين المشرق والليل يعثر بالكواكب كلما ... طردته رايات الصباح المشرق ابن المعتز يا رب ليل سحر كله ... مفتضح البدر عليل النسيم يلتقط الأنفاس برد الندى ... فيه فيهديه بحر الهموم أخذه من أبي تمام أيامنا مصقولة أطرافها ... بك والليالي كلها أسحار ابن الرومي كأن نسيمها أرج الخزامي ... ولاها بعد وسمي ولي بقية شمال هبت بليل ... لا فنان الغصون بها نجي إذا أنفاسها نسمت سحيرا ... تنفس كالشجي بها الخلي شاعر والفجر كالسيف الخفي الرونق ... أو بدء شيب في سواد مفرق والديك قد صاح بهذا المشرق ... في سدف مثل الرداء المخلق

حتى بدأ في ثوبه الممزق ... كالكمري بارزا في يلمق قاطع زري طوقه المشقشق ... أو تمد من بارد مصفق صافي شعاعي السنا معتق ... في قريات بابل أو جلق شاعر من أفريقيا وكم ليلة هانت علي ذنوبها ... بما يأت يروني من الريق والخمر أقبل منه الورد في غير حينه ... وألثم بدر التم في غيبة الدر إلى أن بدأ نور التبلج في الدجى ... كنور جبين لاح في ظلمة الشعر ابن الرومي حيتك عنا شمال طاف ريقها ... بجنة فحوت روحا وريحانا هبت سحيرا فناجى الغصن صاحبه ... سرا بها وتداعى الطير إعلانا زرق تغني على غصن تهدله ... يسمو بها وتمس الأرض أحيانا تخال طائرها نشوان من طرب ... والغصن من هزه عطفيه سكرانا شاعر جنة من قرقف جدولها ... وهدير الورق منها في أرتفاع لا تلم أغصانها إن سكرت ... فهي ما بين شراب وسماع آخر زارنا سحرة نسيم عليل ... مبطئ الخطو طيب الأنفاس فكأن السرى على البعد أعيا ... هـ وفي جفنه بقايا النعاس ثمل من سلافة الطل في الزهر ... وناهيك حسنها من كأس ابن الرومي وأنفاس كأنفاس الخزامي ... قبيل الصبح بللها السماء تنفس نشرها سحرا فجاءت ... به سحرية السرى رخاء

وفي الخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن ينظر إلى الخضرة وإلى الحمام الأحمر وفي حديث أخر كان يعجبه النظر إلى الأترج وإلى الحمام والطير جماعة مؤنثة واحدها طائر وجمع الطائر أطيار وطيور وقبل جمع الطائر طوائر كفارس وفوارس وجاء تذكير الطير وهو قليل والتأنيث أكثر وأفصح وفي التنزيل العزيز (والطير محشورة)، (والطير صافات) وأما التذكير فعلى قول الشاعر: لقد تركت فؤادك مستجنا ... مطوقة على فتن تغنى يميل بها ويرفع بلحن ... إذا ما عز للمحزون أنا فلا يحزنك أيام تولى ... تذكرها ولا طير أرنا وكل طائر يهدل ويرجع كالقمري والفاختة والورشان واليمامة واليعقوب وما أشبه ذلك، فالعرب تسمية حماما والحمام عند العرب القماري والدباسي وهي وما أشبه ذلك فالعرب تسميه حماما والحمام عند العرب القماري والدباسي وهي التي يصفون بكاءها في بلادهم والفاختة جنس من القماري إلا أنه هجين لا عتق له. مجهك بن خلف تذكرت ليلى إذ رميت حمامة ... وإني بليلى والفؤاد قريح يمانية أمست بنجران دارها ... وأنت عراقي هواك نزوح فإن شعبت ورقاء في رونق الضحى ... على الأيك حماء العلاط صدوح مطوقة طوقا من الريش لا ترى ... لنائحة طوقا سواء يبوح وأسعدنها بالنوح من كل جانب ... صواحب في أعلى الأراك تصيح فها أنا صب بالفراق مروع ... بصوت يعل القلب وهو صحيح وكدت في الشوق المبرح إذ بكت ... بأسرار ليلى في الفؤاد أبوح عدي بن الرقاع ومما شجاني أنني كنت نائما ... أعلل من فرط الحوى بالتبسم

إلى أن بكت ورقاء في روفق الضحى ... تردو مبكاها بحسن الترنم فلو قبل مبكاها بكيت صبابة ... لسعدي شفيت النفس قبل التندم ولكن بكت قبلي فهيج لي البكى ... بكاها فقلت الفصل للمتقدم هذه رواية أهل المغرب ورواية أهل المشرق هو قول الشاعر: وقد كدت يوم الحزن لما ترنمت ... هتوف الضحى محزونة بالترنم أموت لمبكاها أسى أن لوعتي ... ووجدي لسعدى قاتل لي فاعلم ولو قبل مبكاها بكيت صبابة (البيتان) ذكر أن مجنون بني عامر نام تحت شجرة فغرد طائر فانتبه فقال: لقد هتفت في جنح ليل حمامة ... على فنن تدعو وإني لنائم فقلت اعتذارا عند ذال وأنني ... لنفسي فيما قد رأيت للائم أأزعم أني عاشق ذو صبابة ... بليلى ولا أبكي وتبكي البهائم كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم شقيق بن سليك ولم أبك حتى هيجتني حمامه ... تغني حمام الورق فاستخرجت وجدي وقد هيجت مني حمامة أبكة ... من الوجد شوقا كنت أكتمه جهدي تنادي هديلا فوق أخضر ناعم ... لوقت ربيع باكر في ثرى جعد فقلت تعالي نبك من ذكر ما خلا ... ونذكر منه ما نسر وما نبدي فإن تسعديني نبك دمعتنا معا ... وإلا فإني سوف اسفحها وحدي قال أئمة النظم والنثر هذا كله في باب المحبة ناقص وأنقص منه قول جحدر ابن الفقعسي: وكنت قد اندملت فهاج شوقي ... بكاء حمامتين تجاوبان تجاوبتا بلحن أعجمي ... على غصنين من غرب وبان

فكان البان إن بانت سليمى ... وفي الغرب اغتراب غير دافي قالوا فإذا سلى عمن يهواه ولم يبق في قلبه أثر من حبه يكون نوح الحمام أقوى سبب في رد قلبه إلى أحبابه ولكن الذي قال أبو صخر الهذلي قول لا يعاب قائله ولا من انتخبه وهو: وليس المعنى بالذي لا يهيجه ... على الشوق إلا الهاتفات السواجع ولا بالذي إن صد يوما خليله ... يقول ويبدي الصبر إني لجازع ولكنه سقم الجوى ومطاله ... وموت الجفا ثم الشؤون الدوامع رشاشا وتهتانا ووبلا وديمة ... كذلك يبدي ما نحن الأضالع آخر ألا يا حمامات اللوى عدن عودة ... فإني إلى أصواتكم حزين فعدن فلمان عدن كدن يمتنني ... وكدت بأسراري لهن أبين فلم تر عيني مثلهن حمائما ... بكين ولم تدمع لهن عيون آخر يا طائرين على غصن أنا لكما ... من أنصح الناس ولا أبغي به ثمنا طيرا إذا طرتما زوجا فإنكما ... لا تعدمان إذا أفردتما حزنا هذا أنا لا على غيري أدلكما ... فارقت ألفي فما أن أعرف الوسنا الهذلي ألا يا حمام الأيك ألفك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح أفق لا تنح من غير شيء فإنني ... بكيت زمانا والفؤاد صحيح ولوعا فشطت غاربة دار زينب ... فها أنا أبكي والفؤاد قريح آخر دعاني الهوى والشوق لما ترنمت ... على الأيك من بين الغصون طروب تجاوبها ورق أرعن لصوتها ... فكل لكل مسعد ومحب

ألا يا حمام الأيك ما لك باكيا ... أفارقت إلفا أم جفاك حبيب آخر ألام على فيض الدموع وأني ... بفيض الدموع الجاريات جدير أيبكي حمام الأيك من فقد إلفه ... وأحبس دمعي أنني لصبور آخر لقد هيجت شوقا وما كنت ساكنا ... وما كنت لو رمت اصطبار لأصبرا حمائم واد هجن كم بعد هجعة ... حمائم ورق مسعدا أو معذرا كأن حمام الواديين ودومة ... نوائح قامت في دجى الليل حسرا محلاة طوق ليس يخشى انصامه ... إذا هم أن يبلى تبدل آخرا دعت فوق ساق دعوة لو تناولت ... بها صخرا على يذبل لتحدرا قال مصنف كتاب الزهرة: هذه الأبيات من نفيس الكلام ألا ترى إلى احترازي من أن يتوهم أن الحمام أعاد له الشوق بعد سكونه ولق أحسن القائل: وقبلي أبكي كل من كان ذا هوى ... هتوف البواكي والديار البلاقع وهن على الأخلال من كل جانب ... نوائح ما تخضل منها المدامع مزبرجة الأعناق نمر ظهورها ... مخطمة بالدر خضر روائع ومن قطع الياقوت صبغت عيونها ... خواضب بالحناء منها الأصابع قال عبد الله محمد بن المكرم مختار هذا الكتاب عفا الله عنه ولقد عمل محي الدين عبد الله بن الشيخ رشيد الدين عبد الطاهر كاتب الإنشاء بعد موت هذا المصنف في هذا المعنى شيئا ظريفا اخترت إيراده هنا وهو: نسب الناس للحمامة شحوا ... وأراها في الشجو ليست هنالك خضت كفها وكحلت العين ... وغنت وما الحزين كذلك

حميد بن ثور وما هاج هذا الشوق إلا حمامة ... دعت ساق حر ترحة وترنما بكت شجو ثكلى قد أصيبت حميمها ... مخافة بين يترك الحبل أجذما فلم أر مثلي شاقة صوت مثلها ... ولا عربيا شاقه صوت أعجما آخر رويدك يا قمري لست بمضر ... من الشوق إلا دون ما أنا مضمر ليكفك أن القلب منذ تنكرت ... أمامة عن معروفها متنكر سقى الله أياما خلت لامامة ... فلم يبق إلا عهدها والتذكر لئن كانت الدنيا أتت بإساءة ... لما أحسنت في سالف الدهر أكثر المنازي البندبيجي الشاعر وبندبيج قصر بالرافقان بين بغداد وحلوان وقد اجتاز بسوق باب الطاق ببغداد حيث يباع الطير فسمع حمامة تلحن في قفص فاشتراها وأرسلها وقال: ناحت مطوقة بباب الطاق ... فجرى سوابق دمعي المهراق حنت إلى أرض الحجاز بحرقة ... تشجي فؤاد الهائم المشتاق إن الحمائم لم تزل بحنينها ... قدما تبكي أعين العشاق كانت تفرخ في الأراك وربما ... كانت تفرخ في فروع الساق تعس الفراق وجذ حبل وتيه ... وسقاه من سم الأوساد ساقي يا ويحه ما باله قمرية ... لم تدر ما بغداد في الأفاق فأتى الفراق بها العراق فأصبحت ... بعد الأراك تنوح في الأسواق فشريتها لما سمعت حنينها ... وعلى الحمامة عدت بالإطلاق بي مثل ما بك يا حمامة فاسألي ... من فك أسرك أن يحل وثاقي أبو تمام اتسعسعت عبرات عينك أن دعت ... ورقاء حين تشعشع الإظلام

لا تنشحن لها فإن بكاءها ... ضحك وإن بكاءك استغرام هن الحمام فإن كسرت عيافة ... من حانهن حمام ابن المعتز وبكيت من حزن لنوح حمامة ... دعت الهديل فظل غير مجيبها ناحت ونحنا غير أن بكاءنا ... بعيوننا وبكاءها بقلوبها محمد بن يزيد بن مسلمة أشاقك برق أم شجتك حمامة ... لها فوق أطراف الأراك رنيم أطاف إليها الهم فقدان آلف ... وليل يسد الخافقين بهيم تداعت على ساق بليل فرجعت ... وبالوجد منها مقعد ومقيم تميل إذا ما الغصن حارت متونه ... كما مال من ري المدام نديم فباتت تناديه وأنى يجيبها ... منوط بأطراف الجناح رميم أتيح له رام بصفراء نبعة ... على عجسها ماضي الشباة صميم رماها فأصمها فطارت ولم تطر ... فظل لها ما ظل عليه تحوم وظلت بأجراع الغوير نهارها ... مولهة كل المرام تروم قرينة ألف لم تفارقه عن قلى ... غداة غد يوم عليه مشوم وراحت بهم لو تضمن مثله ... حشى آدمي ما استطاع بريم فللبرق إيماض وللدفع واكف ... وللريح من نحو العراق نسيم فطورا أشيم البرق وابن مصابه ... وطورا إلى أعوال تلك أهيم غناء يروع المنصتين وتارة ... بكاء كما يبكي الحميم حميم ومن هاهنا أخذ المنازي قوله شجا قلب الخلي فقال غنى ... وبروح بالشجي فقال ناحا إذا ما استهلت بالغناء تطلعت ... وأصغي لها طب بذاك عليم فمن دون ذا المشتاق من كان ذا هوى ... ويعرب عنه الحلم وهو حليم

شاعر وآلفة التغريد قاسمتها الهوى ... فكان عليها النوح والدمع من عندي وعارضتها بالنوح حتى تشبهت ... بألفي بلبس الطوق في موضع العقد سليمان بن حيان وهتوف ورقاء أرقت العين ... وزادت خبل الفؤاد خبالا ذات طوق من الزبر جد يحكي ... صفو عيش عنا تولى فزالا أيقظتني والصبح قد خالط ... الليل كما طرق الصدود وصالا وتراها كأنما خضبوها ... بدموعي أو خاضت الجمر آلا المعتمد بن عباد وهو معتقل بأغمات بكت أن رأت الفين ضمهما وكر ... مساء وقد أخنى على إلفها الدهر وناحت وباحت فاستراحت بسرها ... وما نطقت حرفا يبوح به سر فما لي لا أبكي أم القلب صخرة ... وكم صخرة في الأرض يجري بها نهر بكت واحدا لم يشجها فقد غيره ... وأبكت لآلاف عديدهم مثر أحمد بن عبد ربه ويهتاج قلبي كلما كان ساكنا ... دعاء حمام لم تبت بوكون وإن ارتاحي من بكاء حمامة ... كذي شجن داويته بشجون كأن حمام الأبيك لما تجاوبت ... حزين بكى من رحمة لحزين في الهزار وخرساء إلا في الربيع فإنها ... نظيرة قس في الغصون الذواهب أنت تمدح النوار فوق غصونها ... كما يمدح العشاق حسن الحبائب تبدل إلحانا إذا قيل بدلي ... كما بدلت ضربا أكف الضوارب ابن قرمان ومما شجاني هاتف يبعث الأسى ... يهيج من قلبي ومن خفقانه

يكاد القضيب اللدن يعشق شدوه ... فيشغله بالميس عن طيرانه عبد الكريم النهشلي أواجدة وجدي حمائم أيكة ... تميل بها ميل النزيف غصونها نشاوى وما مالت بخمر رقابها ... بواك وما فاضت بدمع عيونها أفيقي حمامات اللوى إن عندنا ... لشجوك أمثالا يعود حنينها وكل غريب الدار يدعو همومه ... غرائب محسودا عليها شجونها الحصري يا هل بكيت كما بكت ... ورق الحمائم في الغصون هتفت سحيرا والربى ... للقطر رافعة في الغصون فكأنما صاغت على ... شجوي شجى تلك اللحون ذكرني عهدا مضى ... للأنس منقطع القرين فتصرمت أيامه ... وكأنها رجع الجفون قال عوف بن محلم الشيباني عاد عبد الله بن طاهر إلى خراسان فدخلنا الري في السحر فإذا قمرية تغرد فقال عبد الله بن طاهر: أحسن أبو بكر حيث يقول: ألا يا حمام البيك الفك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح ثم قال: يا عوف أجز فقلت: أعزك الله شيخ غريب حملته على البديهة ولا سيما في معارضة أبي بكر ثم قلت: أفي كل عام غربة ونزوح ... أما للنوى من أوية فتريح لقد طلح البين المشت أحبتي ... فهل أرين البين وهو طليح وأرقني بالري صوت حمامة ... فنحت وذو الشجو الحزين ينوح على إنها ناحت ولم تذر دمعة ... ونحت أسراب الدموع سفوح وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامه فيح

عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فنلقى عصى التطواف وهي طريح فإن الغني يدني الفتى من صديقه ... وبعد الغنى للمقترين طروح فأذن لي من ساعتي ووصلتي بمائة ألف درهم وردني إلى منزلي. حدث رجل من قريش قال: حججنا وعدنا فأتينا في بعض المنازل امرأة في خبائها فاستأذنا عليها فقالت: يا هؤلاء أفيكم من أهل البصرة؟ قلنا: نعم، قالت: هاهنا رجل لما به يريد أن يوصي إلى بعضكم وتشهدوا وفاته. فقمنا إليه وإذا رجل مدنف فكلمناه وإذا طائر سقط على شجرة وصوت فنظر إليه وبكى وأنشد: يا بعيد الدار عن وطنه ... مفردا يبكي على شحنه ولقد زاد الفؤاد شجى ... هاتف يبكي على سكنه ثم أغمي عليه فقلنا نحبه ثم فتح عينه والطائر يصوت على حاله فقال: كلما خد البكاء به ... زاد الأسقام في بدنه شفه ما شفني فبكى ... كلنا يبكي على سكنه ثم تنفس وأغمى عليه فظنناها كالأولى وإذا هو قد مات فسألنا المرأة عنه فقالت: هذا العباس بن الأحنف. فغلناه ودفناه. قال يوسف بن هارون: بكرت ولابن هذيل إلى باب أبي المطرف بن مثنى بقرطبة وهو أميرها فلقبت يحيى بن بكر قد بكر قبلي فقال لي: ما عندك. فقلت: ليس عندي كبير معنى ولكن ما عندك أنت فأخرج قصيدة منها: ومرنة والدجن ينسج فوقها ... بردين من حلك ونوه باكي مالت على طي الجناح كأنما ... جعلت أربكتها قضيب أراك وترنمت لحنين قد خلتهما ... كغناء مسمعة وأنه شاكي ففقدت من نفسي لفرط صبابتي ... نفس الحياة وقلت من أبكاك

فأنشدينها وأنا أعد محاسنها فلما أكملها قال: انصرف إلى المكتب وتأدب حتى تحكم مثل هذا. فحركني كلامه ولم يخرج أبو المطرف ذلك اليوم فبكرت إليه وأنشدت: أحمامة فوق الأراكة بيني ... بحياة من أبكاكح ما أبكاك أما أنا فبكيت من حرق الهوى ... وفراق من أهوى فأنت كذاك فلما سمعها ابن هذيل قال لي: عارضتني. قلت: لا إنما ناقضتك. فقال: أذهب فقد أخرجتك من المكتب. عارض هاتين القصيدتين أبو مروان المعروف بالبلينة فقال: أحمامة بكت الهديك وغنما ... طربت فغنت فوق غصن أراك معشوقة التثويب ذات قلائد ... غنيت جواهرها عن الأسلاك ناحت على فتنم وكل شج بكى ... يوما بلا دمع فليس بباكي لو كنت صادقة وكنت شجية ... جادت دموعك حين جد بكاك علي بن حصن كاتب المعتمد وما هاجني إلا ورقاء هاتف ... على فتن بين الجزيرة والنهر مفستق طوق لازوردي كلكل ... موشى الطلا أحوزى القوادم والظهر أدار على الياقوت أجفان فضة ... وصاغ من العقيان طوقا على الشفر حديد شبا المنقار داج كأنه ... شبا قلم من فضة مد في حبر توسد من فرع الأراك أريكة ... ومال على طي الجناح مع النحر ولما رأى دمعي تؤاما أرابه ... بكائي فاستولى على الغصن النضر وحث جناحه وصفق طائرا ... وطار بقلبي على الغصن النضر وحث جناحيه وصفق طائرا ... وطار بقلبي حيث طار ولا أدري في وصف الحمام سجعت هاتفه الور ... ق غناها شحط بين ذات طوق مثل خط ... النون أقنى الطرفين

وترى ناظرها يل ... مع في ياقوتتين تخرج الأنفاس من ... ثقبين كاللؤلؤتين كشاجم يرثى قمريا وفجعت بالقمري فجعة تأكل ... وفقدت منه أمتع السمار لون الغمامة والعمامة لونه ... ومناسب الأقلام بالمنقار ومطوق من صنع خلقة ربه ... طوقين خلتهما من النوار ولطالما استغنيت في غلس الدجى ... بهديله عن مطرب الأوتار مرح الأصائل يستحث كؤوسنا ... ويقيمنا للفرض في الأسحار لهفي على القمري يبقى دائما ... يكوي الحشا بجوى كلذع النار ولقد هجرت الصبر بعد فراقه ... ولقد مزحت دما بدمع جاري ما كنت في الأطيار إلا واحدا ... هبهات أودى سيد الأطيار أبو إسحاق الصابي في الببغاء أنعتها صبيحة مليحة ... ناطقة باللغة الفصيحة عدت من الأطيار واللسان ... يوهمنا بأنها إنسان تنهي إلى صاحبها الأخبارا ... وتهتك الأسرار والأستارا صماء إلا أنها سميعه ... تعيد ما تسمعه طبيعه وربما لقنت العضيهه ... فتغتدي بذية سفيهه زارتك من بلادها البعيده ... واستوطنت عندك كالقعيدة ضيف قراء الجوز والإوز ... والضيف في أبياتها يعز تراه في منقارها الخلوقي ... كلؤلؤ يلقط بالعقيق تنظر من عينين كالمقصين ... في النور والظلماء بصاصين تميس في حلتها الخضراء ... مثل الفتاة الغادة العذراء خريدة خدروها الأقفاص ... ليس لها من حبسها خلاص

نحبسها وما ها من ذنب ... وإنما نحبسها للحب تلك التي قلبي بها مشغوف ... كنيت عنها واسمها معروف عبد الواحد بن فتوج الوراق في الحمام الداجن يجتاب أودية السحاب بخافق ... كالبرق أومض في السحاب فأبرقا لو سابق الريح الجنوب لغاية ... يوما لجاءك مثلها أو أسبقا يستقرب الأرض البسيطة مذهبا ... والأفق والسقف الرفيعة مرتقى ويظل يسترق السماع مخافة ... في الجو تحسبه الشهاب المحرقا يبدو فيعجب من رآه لحسنه ... وتكاد آية عنقه أن تنطفا مترقرق من حيث درت كأنما ... لبس الزجاجة أو تجلبب زئبقا أبو العلاء المعري في الخطاف ولاية من حندس الليل ظلمة ... مفرجةعن صدرها تشبه القبا برأس تحاكي شاه بلوط أعجم ... تغني بصوت معجم ليس معربا لقد أتقن الصباغ جرى سوادها ... وقد طوسوا منها قذالا ومنكبا تراها إذا ما أقبل الصبح ضاحكا ... وولى الدجى عنها هزيما مقطبا تصفق لا أدري أحزنا على الدجى ... وأما إلى ضوء الصباح تطربا إذا أقبلت في دار قوم تباشروا ... وقالوا لها أهلا وسهلا ومرحبا الصابي وهندية الأوطان زنجية الخلق ... ومسودة الألوان محمرة الحدق كأن بها حزنا وقد لبست له ... حدادا وأذرت من مدامعها علق تصيف إلينا ثم تشتو بأرضها ... وفي كل عام ناتقي ثم نفترق أبو الشيص في الهدهد لا تأمنين على سري وسركم ... غيري وغيرك أو طي القراطيس أو طائر ساجليه وابعثه لنا ... ما زال صاحب تبيين وتأسيس

سود ترائبه ميل ذوائبه ... صفر حماليقه في الحبر مغموس وكان هم سليمان ليذبحه ... لولا سياسته مع ملك بلقيس روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من الدواب أربع لا يقتلن النحلة والنملة والصرد والهدهد) ومن أعاجيب الخفاش أنه طائر وهو مع أنه شديد الطيران كثير التكفي في الهواء سريع التقلب فيه ولا يجوز أن يكون طعمه إلا من البعوض وقوته إلا من الفراش وأشباه الفراش ثم لا يصيده إلا في وقت طيرانه في الهواء وقت سلطانه لأن البعوض إنما يتسلط في الليل فلا يجوز أن يبلغ ذلك إلا بسرعة اختطاف واختلاس وشدة طيران ولين أعطاف وحسن تأت ورفق بالصيد وهو ليس بذي ريش وإنما هو لحم وجلد وطيرانه بلا ريش عجب من أعاجيبه إنه لا يطير في ضوء ولا ظلمة وهو قليل شعاع العين ولذلك لا يظهر في الظلمة لأنها تكون غامرة لضياء بصره غالبة لمقدار شعاع ناظره ولا يظهر نهارا لأن ضعف ناظره يلمع في شدة بياض النهار ولأن الشيء المتلألئ ضار لعيون من يوصف بحدة البصر ولأن شعاع الشمس - لمخالفة مخرج أصوله ومذاهبه - يكون رادعا لشعاع ناظره ومفرقا له فهو لا يبصر ليلا ولا نهارا فلما علم ذلك واحتاج إلى الكسب والطعم التمس الوقت الذي لا يكون فيه من الظلام ما يكون قاهرا غالبا ولا من الضياء ما يكون معيشا مانعا والتمس ذلك في وقت غروب الشمس وبقية الشفق لأنه وقت هيجان البعوض وهو وقت ارتفاعها في الهواء وانتشارها وطلب أرزاقها فالبعوض خرج للطعم وطعمه دماء الحيوان والخفافيش تخرج للطعم فيقع طالب رزق على طالب رزق وزعموا أن النسل له آذان والمسموحة من جميع الحيوان أنها تبيض بيضا وكل أشرف له آذان ولا يلد ولا يبيض ولا يدري على ذلك ولآذان الخفافيش حجم ظاهر وهي

وإن كانت من الطير فإن هذا وهي تحبل وتلد وتحيض وترضع وزعم صاحب المنطق أن ذوات الأربع كلها تحيض على اختلاف في القلة والكثرة والزمان والخضرة والصفرة والغلط والرقة وليس في سائر الطير ما يحيض ولا يبيض إلا الخفافيش وبلغ من ضن الخفافيش يولدها وخوفها عليه أنها تحمله تحت جناحها وربما قبضت عليه بفمها قبضا رقيقا وربما أرضعته وهي تطير وتقوى من ذلك ويقوى ولدها على ما لا يقوى عليه الحمام وسباع الطير وربما أتأمت الخفاش أنه من الطير وليس له منقار مخروط وله فم فيما بين مناسر السباع وأفواه البوم وفيه أسنان حداد صلاب مرصوفة من أطراف الحنك إلى أصول الفك إلى ما كان في نفس الخطم وقد عرفت درب أسنانها ومن أعاجيبها تركها البراري والقفار وقصدها منازل الناس وأرفع مكان وأحصنه من البيوت فتتوطنه وأنها طويلة العمر حتى تجوز حد العقاب والورشان إلى النسر وتجور حد الفيلة والأسد وحمير الوحش إلى أعمار الحيات وإن أبصارها تصلح على طول العمر فيقال أن التي يطرن في القمر من المسنات المعمرات وإن أولادهن إذا بلغن لم تقو أبصارهم على ضياء النور وإنها تصبر على فقد الطعام وأنها تضخم وتجسم وتقبل اللحم على الكبر والسن والنساء وأشباه النساء يزعمون أن الخفاش إذا عض إنسانا فلا يدع سنه من لحمه حتى يسمع نهيق حمار وحش. قال: فما أنى فزعي من مس الخفافيش ووحشتي من قربها إلى أن بلغت والذي لا يبصر بالليل من الناس تسميه الفرس سكون وتأويله أعمى ليل وليس له في لغة العرب أسم أكبر من أنه يقال للذي يبصر بالليل من الناس به هذيل وأما الأغطش فإنه سيئ البصر بالليل والنهار وإذا كانت المرأة رديئة البصر بالنهار قيل لها

جهراء وقيل الجهراء التي لا تبصر في الشمس وقالوا السحاة مقصور أسم الخفاش والجمع سحا وأنشدوا لغزا في الخفاش: أبى شعراء الناس أن يخبروني ... وقد ذهبوا في الشعر في كل مذهب بجلدة إنسان وصورة طائر ... وأظفار يربوع وأنياب ثعلب وعن عبد الله بن عمر أنه قال: لا تقتلوا الضفادع فإن نعيقهن تسبيح ولا تقتلوا الخفاش فإنه إذا خرب بيت المقدس قال يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم وفي رواية لا تقتلوا الخفاش فإنه استأذن البحر أن يأخذ من مائة فيطفئ بيت المقدس حين حرق وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل الوطواط وأمر بقتل الوزاغ والخفاش يأتي الرمانة في شجرتها فينقب عنها فيأكل كل شئ حتى لا يدع إلا القشر وحده فهم يحفظون الرمان من الخفافيش بكل حيلة ولحوم الخفافيش موافقة للشواهين والصقور ولكثير من جوارح الطير وتسمن عليها وتصبح أبدانها ولها في ذلك عمل بين الأثر. وللعسكري في الخطاف وزائرة في كل عام تزورنا ... فيخبر عن طيب الزمان مزارها تخبر أن الجو رق قميصه ... وأن الرياض قد توشى إزارها وأن وجوه الغرب راق بياضها ... وأن وجوه الأرض راع اخضرارها نحن إلينا وهي من غير شكلنا ... فتدنو على بعد من الشكل دارها أغار على ضوء الصباح قميصها ... وفات بألوان الليالي خمارها تصيح كما صرت مع العرائس ... تمشت إلينا هندها ونوارها (عاد الحديث إلى الحمام) العرب تقول أن نوحا أرسل الغراب والحمام من السفينة لما استقرت على الجودي فلم يرجع الغراب فدعى عليه ورجعت الحمامة فدعى لها فتزينت بالطوق عن سائر الطيور قال جهم بن خلف: وقد شاني نوح قمرية ... طروب العشي هتوف الضحى

مطوقة كسيت زينة ... بدعوة نوح لها إذا دعا فلم أر باكية مثلها ... تبكي ودمعتها لا ترى عبد الله بن أبي بكر الصديق ولم أر مثلي طلق اليوم مثلها ... ولا مثلها في غير جرم تطلق أعاتك لا أنساك ما هبت الصبا ... وما ناح قمري الحمام المطوق ومن كتاب الطير للجاحظ قال: كل طائر يعرف بالصوت الحسن والدعاء والهدير والترجيع فهو حمام وإن خالف بعضه بعضا في بعض الصور واللون والقد ولحن الهديل كما تختلف الإبل والبقر والمعز والدجاج في أنواعها وأشكالها ولا يخرجها ذلك عن أن تكون إبلا وبقرا أو معزا أو دجاجا والقمري والفاختة والورشان والشفنين واليام واليعقوب وضروب أخر كلها حمام وزعم أفليمون صاحب الفراسة أن الحمام تتخذ لضروب منها ما يتخذ للأنس ومنها ما يتخذ الفراخ ومنها ما يتخذ للطيران والتهلي بذلك ومنها ما يتخذ للترحل والسباق ومن مناقب الحمام حبه للناس وأنس الناس به وهو أن جميع طبقات الأمم تحبه وتتخذه ثم ذكر قمط الحمام فقال يبتدئ الذكر بالدعاء والطرد وتبتدئ الأنثى بالتأني والاستدعاء ثم تزيف وتتشكل ثم تمكن وتمنع وتجيب وتصدف بوجهها ثم يتعاشقان ويتطاوعان ويحدث لهما من الغزل والقبل والمص والرشف والغنج والخيلاء ومن إعطاء التقبيل حقه كله وإدخال الفم في جوف الفم وذلك هو التطاعم هذا مع إرسالها جناحيها وكتفيها على الأرض وهو مع تدريجها وتنقيلها ومع تنفجه وتنفخه مع ما يعتريه من الحكة والتفلى والتنفش ثم الذي يرى من كشحه بذنبه وارتفاعه بصدره وضربه بجناحه وفرحه ومرحه بعد قمطه والفراغ من شهوته، ثم أنه يعتريه ذلك في الوقت الذي يفتر فيه أنشط الناس وتلك خصلة يفوق

بها الحيوان من الإنسان فمن دمنه ومن عجيب فطن الحمام أنه في كل حين يقلب بيضه حتى يصير ما كان يلي الأرض منه يلي بدن الحمام من بطنه وباطن جناحيه حتى يعطي جميع البيض نصيبها من الحضن ومما أشبه فيه الحمام الناس أن ساعات الحضن على البيض أكثرها على الأنثى وإنما يحضن الذكر في صدر النهار يسيرا كالمرأة التي تكفل الصبي فتطعمه وتمرخه وتتعاهد بالتمهيد والتحريك حتى إذا ذهب الحضن وصار البيض فراخا وصار في البيت عيال وما يحتاجون إليه من الطعام والشراب صار أكثر ساعات الزق على الذكر كما أن أكثر ساعات الحضن على الأنثى. قال مثنى بن زهر وهو أمام في التبصر بالحمام لم أر شيئا في الرجل والمرأة إلا رأيت مثله في الذكر والأنثى من الحمام رأيت حمامة لا تريد إلا ذكرها كالمرأة التي لا تريد إلا زوجها وسيدها ورأيت حمامة لا تمنه شيئا من الذكور ورأيت امرأة لا تدفع يد لامس ورأيت حمامة لا تزيف إلا بعد طرد كثير وشدة طلب ورأيتها تزيف لأول ذكر يريدها ساعة يصل إليها، ورأيت الحمامة لها زوج وهي تمكن ذكرا آخر لا تعدوه ورأيت مثل ذلك في النساء، ورأيتها تزيف لغير ذكرها وذكرها يراها ورأيتها لا تفعل ذلك إلا وذكرها يطير أو يحضن، ورأيت الحمامة تقمط الحمامة ورأيت الحمام الذكر يقمط الحمام الذكر، ورأيت أنثى لا تقمط إلا الإناث ويقمطها افناث ورأيت أنثى لا تقمط إلا الإناث ولا تدع أنثى تقمطها، ورأيت ذكرا يقمط الذكر ويقمطه الذكر ورأيت ذكرا يقمط الذكور ولا يدع ذكرا يقمطه، ورأيت أنثى تزيف للذكور ولا تدع ذكرا منها يقمطها، ورأيت هذه الأصناف كلها في السحاقات من المذكرات والمؤنثات وفي الرجال الخلقيين واللوطيين ورأيت من النساء من تزني أبدا ولا تتزوج ومن الرجال من يلوط ولا يزني أبدا ولا يتزوج ورأيت حماما يقمط ما لقي ولا يتزوج ورأيت حمامة تمكن كل حمام أرادها

ذكرا وأنثى وتسفد الذكور والإناث ولا تتزوج ورأيتها تزاوج ولا تبيض وتبيض فيفسد بيضها كالمرأة وهي عاقر وكالمرأة تلد وتكون خرقاء ويعترض لها العقوق والطلة على أولادها كما يعتري ذلك العقاب قال الجاحظ: ورأيت الجفاء بالأولاد شائعا في اللواتي يحملن من الحرام ولربما ولدت من زوجها فيكون عطفها وتحنتها وبين ذلك الولد رحم وكأنها لم تلده، والحمام والفواخت والأطرغلة والحمام البري يبيض مرتين في السنة والحمام الأهلي يبيض عشر مرات وإذا باض الطير لم يخرج البيضة من جهة التحديد والتلطيف لبل يكون الذي يبدأ بالخروج الجانب الأعظم وكان الظن يسرع على أن الراس المحددة هي التي تخرج أولا والبيضة عند خروجها لينة القشرة غير يابسة ولا جامدة والبيضة في بطن الطائر مستوية الطرفين فإذا خرجت فهي لينة وبرز نصفها أنضم الرحم عليها بطبعه فيحدد النصف الباقي لمكان لينها وكلما انسلتت منم الرحم زاد التحديد ويقولون أن البيض يكون من أربعة أشياء يكون من التراب ومن السماد ومن نسيم يصل إلى أجوافها في بعض الزمان ومنه شيء يعتري الحجل وما شاكله في الطبيعة فإن الأنثى ربما كانت على سفالة الريح التي تهب من شق الذكر في بعض الزمان فتحتشي من ذلك بيضا قال الجاحظ ولا شك في أن النخلة المطعمة تكون بقرب الفحال وتحت ريحه فتلقح بتلك الريح وتكتفي بذلك قال ويكون بيض الريح من الدجاج والحمام والطاووس والإوز قال وبيض الصيف المضون أسرع خروجا منه من الشتاء وكذلك تحضن الدجاجة في الصيف ثمان عشرة ليلة وربما عرض غيم في الهواء ورعد في وقت حضن طائر فيفسد البيض وفساده في الصيف أكثر وفي هبوب الجنائب وكان ابن الجهم لا يطلب من نسائه الولد إلا

والريح شمال والرعد إذا أشتد لم يبق طائر على وجه الأرض واقفا إلا غدا فزعا، وإن كان يطير إلا رمى بنفسه إلى الأرض وكذلك الرعد تلقي له الحمامة بيضها، وليس التقبيل إلا للحمام والإنسان، ولا يدع ذكر الحمام ذلك إلا بعد الهرم. والفرخ يخلق من البياض ويتغذى بالصفرة ويتم خلقه لعشرة أيام والرأس وحده أكبر من سائر الجسد، ويبلغ من تعظيم الحمام لحرمة البيت أن أهل مكة عن أخرهم لم يروا فالحمام قط سقط على ظهر الكعبة إلا من على عرضت له فإن كانت هذه المعرفة اكتسابا فالحمام فوق جميع الطير وكل ذي أربع وأن كان إنما هم من طريق الإلهام ملك صاحبه وكان المطلوب أكثر مالا وأشجع رجالا وأخصب بلادا وكان بينهما مسافة بعيدة فخافه الطالب على ملكه، فأستشار وزراءه فأشاروا عليه بآراء منها مصاهرة الملك والخطبة إليه ليستكفي بذلك شره فأظهر الملك خطبته وأرسل رسولا إليه وهدايا وأمر رسله أن يصانعوا جميع من يصلون إليه ودس رجالا من ثقاته وأمرهم باتخاذ الحمام ببلاده وتوطينهم واتخذ أيضا عند نفسه مثلهن فيرفعوهن من غاية إلى غاية إلى أن بلغ الغرض وجعل هؤلاء يرسلون من بلاد الملك والآخرون يرسلون من بلاد الملك الآخر، وأمرهم بمكاتبته بالخبر كل يوم وتعليق الكتب في أصول أجنحة الحمام فصار لا يخفى عليه شيء من أمر عدوه فأطعمه عدوه في التزويج وطاوله ليطلب غرته، ودس لحرسه رجالا فلاطفوهم حتى صاروا يبيتون بأبوابه، فلما وجدوا منه غرة كتبوا إليه بغرته فأتاه الخير من يومه فسار إليه بجند أنتخبهم بجامع الطرق ووثب أصحابه من داخل وهو وجنده من خارج ففتحوا الأبواب وقتلوا الملك وغلب على تملك المملكة فعظمته الملوك وهابوه وطار صيته بالحزم والكيد وأطاعوه وكان ذلك بسبب الحمام، قال الجاحظ

وللحمام من الفضيلة والفخر أن الحمام الواحد يباع بخمسمائة دينار ولم يبلغ ذلك باز ولا شاهين ولا صقر ولا عقاب ولا طاووس ولا بعير ولا بغل وذلك معروف في البصرة وبغداد، الحمام إذا جاء من الغابة بيع الفرخ الذكر من فراخه بعشرين دينارا وأكثر وبيعت الأنثى بعشرة دنانير وأكثر وبيعت البيضة بخمسة دنانير وأكثر فيقوم الزوج منها في الغلة مقام الصنعة الفاخرة حتى يبيض بمونة العيال ويقضي الدين ويبني من غلاته وأثمان رقابه الدور الجياد ويبتاع الحوانيت المغلة وهو في ذلك ملهى عجيب ومعتبر لم تذكر. وللحمام حسن الاهتداء وجودة الاستدلال وثبات الحفظ والذكر وقوة النزاع إلى أربابه والألف لوطنه وكفاك اهتداء ونزاعا أن الحفظ والذكر وقوة النزاع إلى أربابه والألف لوطنه وكفاك اهتداء ونزاعا أن يكون طائرا من بهائم الطير يجيء من خرشته ومن أفلوة وهما بدرب الروم إلى بغداد والبصرة، ثم الدليل على أنه إنما يستد بالعقل والمعرفة والعيافة أنه إنما يجيء من الغابة بالتدريج والتدريب وعلى ترتيب والدليل على علم أربابه بأن تلك المقدمات قد تجعن فيه وعملن في طباعه إنه إذا بلغ الحد المطلوب طيروه إلى الدرب وما فوق الدرب من بلاد الروم، ولو كان الحمام مما يرسل بالليل لكان ممل يستدل بالنجوم لأنا رأيناه يلزم بطن الفرات أو بطن الأودية التي قد مر بها وهو يرى ويبصر ويفهم انحدار الماء ويعلم بعد طول الجولان إذا هو أشرف على الفرات أو دجلة أن طريقه وطريق الماء واحد وأنه ينبغي أن ينحدر معه وما أكثر ما يستدل على الجولان في الطرق إذا أعيته بطون الأودية فغن لم يدر أمصعد هو أو منحدر تعرف ذلك بالريح ومواضع الشمس في السماء وإنما يحتاج إلى ذلك كله إذا لم يكن وقع بعد على رسم يعمل عليه وربما كسر حين يرحل شمالا وجنوبا وصبا ودبورا. وللحمام نسب اشتملت عليه دواوين أصحاب الحمام أكثر من كتب الإنسان التي تضاف على الكلبي

وغيره من النسابين، وقال صاحب الحمام ليس في الأرض جنس يعتريه الإنضاج والشتات ويكون فيها المصمت وأسود مصمت وأحمر مصمت وأبيض مصمت وضروب كلها مصمتة الألوان إلا أن الهداية للخضر والنمر فإذا أبيض الحمام كالنقيع فمثله من الناس الصقالية فإن الصقلي فطير خام لم تنضجه الأرحام لأنها كانت في البلاد التي شمسها أضعف من غيرها، وإذا أسود الحمام فإنما ذلك احتراق مجاورة لحد النضج ومثله من الناس الزنج فن أرحامهن جازت حد الإنضاج إلى الاحتراق وشيطت الشمس شعورهم فتقصفت والشعر إذا أدنيته إلى النار تجعد فإن زدته تفلفل فإن ردته أحترق فكما أن عقول سودان الناس وحمراتهم دون عقول السمر فكذلك بيض الحمام وسودها دون الخضر في المعرفة والهداية، والنقيع من الخيل لا ينجب وليس فيه إلا حسن بياضه لمن اشتهى ذلك لا غير، والحمام طائر ألوف مألوف محبب موصوف بالنظافة حتى أن زرقة لا يعاب ولا نتن له كسلح الدجاج والديكة وقد يعالج بزرقه صاحب الحصاة، وللفلاحين فيه منافع والخباز يلقي الشيء منه في الخبز لينفخ العجين ويعظم الرغيف ثم لا يبين ذلك فيه ولزرقها غلاب وليس طائر له أطواق إلا الحمام. وفي ذم الحمام روى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أراد أن يذبح الحمام وقال: لولا أنها أمة من الأمم لأمرت بذبحها ولكن قصوهن فدل بقوله قصوهن على إنها إنما تذبح لكثرة من يتخذهن ويلعب بهن من الفتيان والشطار وأصحاب المراهنة والقمار والذين يشرفون على حرم الجيران ويخدعون بفراخ الحمام أولاد الناس ويرمون الجلاهق وما أكثر من فقأ عينا وهشم أنفا وهتم فما وهو لا يدري ما صنع ثم تذهب جنايته جبارا ويعود ذلك الدم مطولا إذ كان صاحبه مجهولا وكان عمر رضي الله عنه أمر بذبح

الديكة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب وروى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه شكوا إليه الحمام فقال: من أخذ منهن شيئا فهو له قال الجاحظ: وقد علمنا أن اللفظ وإن كان وقع على شكاية الحمام أن المعنى إنما هم في شكاية أصحاب الحمام لأنه ليس للحمام معنى يدعو إلى شكايته، وسئل الحسن عن الحمام الذي يصطاده الناس، فقال: لا تأكله فإنه أموال الناس فجعله مالا ونهى عن اصطياده بغير إذن أهله وكلما كان مالا فبيعه حسن وابتياعه حسن فكيف يجوز لشيء هذه صفته أن يذبح إلا أن يكون ذلك على سبيل العقاب والزجر لمن أتخذه لما لا يحل ونهى عثمان رضي الله عنه عن لعب الحمام وعن رمي الجلاهق قال الجاحظ: شهد أبو أحمد صاحب حمام يوم مجيء حمامه من واسط وكانت واسط يومئذ هي الغاية فرآه كلما جاء طائر من حمامه نعر ورقص وقال له: أني أرى مكنك عجبا أراك تفرح بمجيء حمامك من واسط وهو ذاك الذي كان وهو الذي جاء وجاء ولم يجيء معه بشيء فما سبب الفرح؟ فقال: فرحي أني أرجو بيعه بخمسين دينارا قال: ومن يشتريه منك بخمسين دينارا؟ قال: فلان وفلان، فمضى إليها فقال: زعم فلان أنك تشتري حماما جاء له من واسط بخمسين دينارا، فقال: صدق فقال: لم تشتريه بخمسين دينارا، قال: لأنه جاء من واسط قال: وإذا جاء من واسط لم تشتريه بخمسين دينارا، قال لأني أبيع الفرخ منه بثلاثة دنانير والبيضة بدينارين قال: ومن يشتريه منك قال: مثل فلان وفلان ومضى إليها فقال: زعم فلان أنك تشتري منه فرخا جاء أبوه من واسط بثلاثة دنانير والبيضة بدينارين قال: صدق قال: فلم تشتريها بذلك قال: أن أباه جاء من واسط قال: وإذا جاء أبوه من واسط فهو ماذا قال: لأني أرجو أن يجيء هو من واسط قال: فإذا جاء من واسط قال: أبيعه بخمسين دينارا قال: ومن يشتريه منك بخمسين دينارا قال: فلان وفلان فمضى إليهما فقال: زعم فلان

أن فرخا من أفراخه إذا جاء من واسط تشتريه منه بخمسين دينارا، قال: صدق قال: ولم تشتريه إذا جاء من واسط بخمسين دينارا فأعاد عليه مثلما قال له الأول بعينه فقال: لا رزق الله من يشتري حماما جاء من واسط بخمسين دينارا رزقا. ومما جاء في صراخ الديك وآذانه بالصباح قال عبد الله بن عبد الله بن عتبة: صرخ ديك عند النبي صلى الله عليه وسلم فسبه بعض أصحابه فقال (لا تسبوه فأنه يدعو إلى الصلاة) وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن مما خلق الله عز وجل لديكا عرفه تحت العرش ورجلاه في الأرض السفلى وجناحه في الهواء فإذا ذهب ثلثا الليل وبقي ثلث ضرب بجناحه ثم قال سبحان الملك القدوس سبوح قدوس ربي لا شريك له فعند ذلك تضرب الطير بأجنحتها وتصيح الديكة) وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الديك الأبيض صديقي وعدو عدو الله يحرس دار صاحبه وسبع دور) وكان صلى الله عليه وسلم يبيته معه في البيت وزعم أهل التجربة أن كثيرا ما يرون الرجل إذا ذبح الديك الأبيض الأفرق لا يزال ينكب في أهله والديك يسمى العنزفان. قال عدي بن زيد يصف الحمر: ثلاثة أحوال وشهر تجرما ... يضيء كعين العنزفان المحارب سمله بالمحارب كما سماه بالعنزفان قال المصنف وأنا أرى انه لم يسميه بالمحارب وإنما وصفه بذلك لأن غير الديك المحارب اشد حمرة واحد وأحد نظرا من غير المحارب فيكون مبالغة في وصف حمرة العين وبصيصها ويكون كقوله المحارب في البيت موقع حسن مع البديع يسمى التتميم كقول امرئ القيس: كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب فقوله لم يثقب أتم في التشبيه، وفي الديك الصيصة وهي طرف عرفه الحاد وهي سلاحه الذي يقاتل به وبها سمي الثور صيصه وسمية آطام

المدينة للامتناع بها صياصي وفي التنزيل العزيز (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم) ويقال لصوت الديك الدعاء والزقاء والهناف والصياح والصراخ والصقاع وهو يهتف ويصقع ويصيح ويزقو ويصرخ ويقال للهام أيضا يزقو قال الراجز: ومنهل طامسه أعلامه ... يعوي به الذئب ويزقو هامه ثوبة بن الحمير ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي وفوقي جندل وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أوزقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح السري الرفاء كشف الصباح قناعه وتألقا ... وسطا على الليل البهيم فأطرقا وعلا فلاح على الجدار موشح ... بالوشي توج بالعقيق وطوقا مرح فضول التاج من لباته ... ومشمر وشيا عليه منمقا شاعر غدوت بشرية من ذات عرف ... أبا الدهماء من حلب العصير وأخرى بالعقنقل ثم سرنا ... نرى العصفور أعظم من بعير كأن الديك ديك بني نمير ... أمير المؤمنين على السرير كأن دجاجهم في الدار رقطا ... وفود الروم في قمص الحرير فبت أرى الكواكب دانيات ... ينلن أنامل الرجل القصير أدافعهن بالكفين عني ... وأمسح جانب القمر المنير عبد السلام ديك الجن يرثى ديكا لأبي عمرو عمير بن جعفر كان له عنده مدة فذبحه وعمل عليه دعوة وبها ديك الجن دعانا أبو عمرو عمير بن جعفر ... على لحم ديك دعوة بعد موعد فقدم ديكا عند دهرا مدملجا ... مبرنس أبيات مؤذن مسجد

يحدثنا عن قوم هود وصالح ... وأغرب من لاقاه عمرو بن مرثد وقال لقد سبحت دهرا مهللا ... وأسهرت بالتأذين أعين هجد أيذبح بين المسلمين مؤذن ... مقيم على دين محمد فقلت له يا ديك أنك صادق ... وإنك فيما قلت غير مفند ولا ذنب للأضياف إن نالك الردى ... فإن المنايا للديوك بمرصد العسكري متوج بعقيق ... مقرط باللجين يزهى بتاج وطوق ... كأنه دور عين ابن معمعة الحمصي يا ابن اقيال وائل الكرام الصيد ... من تغلب قروم القروم والمير الذي عليه إمارا ... ت المعالي من حادث وقديم قد مدحت الأمير بالأمس منثورا ... وجئت الغداة بالمنظوم فاستمع قصتي وفرج بإحسانك ... ما بي منم طارقات الهموم لي ديك حضنه وهو في البيضة ... من منصب كريم الخيم ثم ربيته كتربية الطفل ... رضيعا وعند حال الفطيم يأكل العفو كيف ما شاء من ما ... لي أكل الولي مال اليتيم هو عندي بصورة الوالد البر ... وفي صورة الصديق الحميم أبيض اللون أفرق العرف نظار ... بعين كأنها عين ريم وعلى نحره وشاحان من شذر ... بديع ولؤلؤ منظوم رافع راية من الذنب المشرف ... يسعى بها كسعي الظليم وإذا ما مشى تبختر مشي الطرب ... المنتشي من الخرطوم وسم الأرض وسم طين كتاب ... بخواتيم كاتب مختوم وله خنجران في قصب الساقين ... قد ركبا لحفظ الحريم

وعليه من ريشه طيلسان ... صيغ من صيغه اللطيف الحكيم وجميع الديوك تشهد في حمص ... له بالحلال والتعظيم يتجاوبن بالصياح مشيرات ... إليه في ذاك بالتسليم وإذا ما رأيته بين خمس ... من دجاجاته كبار الجسوم قلت ملك يخدمنه فتيات ... يتهادين بين زنج وروم وترى عرفه فتحسبه التاج ... على رأس كسروي كريم ثاقب العلم بالمواقيت ليلا ... ونهارا وحاذق بالنجوم ويحث الجيران حولي علي البر ... كحث المدير كأس النديم وله أيها الأمير علي العهد في ... سالف الزمان القديم إنه آمن من الشر عندي ... غير يوم المشيئة المحتوم وقد احتجت أن أضحي في العيد ... به حاجة الأديب العديم وبناتي يقلن يا أبتانا ... أنت في ذاك بين عذر ولوم وتراهن حوله يتباكين ... بدمع سيدي بذبح عظيم تبق في ذال سنة لك يبقى ... ذكرها ذكر كبش إبراهيم اجتمع الأمير أبو الفضل الميكالي ليلة بحبيب له فلما كان في السحر صرخ الديك فقام محبوبه وقال أصبحنا وخرج فقال يهجو الديك: قام بلا عقل ولا دين ... يخلط تصفيقا بتأذين فنبه الأحباب من نومهم ... ليخرجوا في غير ما حين كأنما غص بها حلقه ... أغصه الله بسكين شاعر ما عذرنا في حبسنا الأكوابا ... سقط الندى وصفا النسيم وطابا ودعى بحي على الصبوح مغردا ... ديك الصباح فهيج الأطرابا

آبو بكر الخوارزمي لما بدت روح الضياء ... تدب في جسم الظلام وغدت نحو الليل وهي ... تغر من حدق الأنام والديك يتلو دائما ... هجو النيام على القيام قال المؤذن ما أراد ... وقلت من حسن الكلام هو قال حي على الصلاة ... وقلت حي على المدام قال عبد الله بن محمد مختار هذا الكتاب لم يقل أبو بكر الخوارزمي بيت المؤذن على هذه الصورة وإنما قاله على صورة يستقبحها من يتمسك بيسير من الأدب مع الدين قال: ناقضت ما قال المؤذن بالفعال وبالكلام فغيرته ولا أستحسن أراده كما قاله: كشاجم مطرب الصبح هيج الطربا ... لما قضى الليل نحبه نحبا مغرد تابع الصياح فما ... ندري رضى كان ذلك أم غضبا ما شكر الطير أنه ملك ... لها فبالتاج راح معتصبا مد ليمتد صوته عنقا ... منه وهز الجناح واضطربا طوى الظلام البنود منصرفا ... حين رأى الفجر ينشر العذبا والليل من فتكة الصباح به ... كراهب شق جيبه طربا فباكر الخمرة التي تركت ... بنان كف المدير مختصبا فليس نار الهموم خامدة ... إلا بنور الكؤوس ملتهبا الصابي كوكب الإصباح لاحا ... طالعا والديك صاحا فاسقينها قهوة تأسو ... من الهم جراحا

ذات نشر كنسيم الروض ... غب القطر فاحا حرم الماء وأبعده ... وإن كان مباحا أقراح أنا حتى ... أشرب الماء القراحا شاعر هتف الديك بالدجى فاسقنيها ... قهوة تترك الحليم سفيها لست أدري لرقة وصفاء ... هي في كأسها أم الكأس فيها قال إسحاق الموصلي: أنشدت أم الهيثم الأعرابية قول الشاعر وخمر سلاف يحلف الديك أنها ... لدى المزح من عينه أصفى وأحسن فقالت: لقد بلغني أن الديك من صالحي طيوركم وأعرفها بأوقات الصلوات وما أحسبه يحلف كاذبا. النقاش الحلبي وليل باتت الأوتار فيه ... تجاوبنا بألسنة فصاح جعلنا فرشنا تحت الدوالي ... بها غض البنفسج والأقاحي وباتت جوزة تجلو دجانا ... بأوجهها الصباح إلى الصباح فيا لنجاح وقت وافقتنا ... عليه بشدوها ذات الجناح طردنا ديكه فاقتص منا ... مؤذنه بحي على الفلاح ابن التعاويذي الكاتب أذر الكأس المدام علي صرفا ... ولا تفد كؤوسك بالمزاج فقد خان الصباح وحن قلبي ... إلى عذراء ترقص في الزجاج وهذا الديك من طرب يغني ... ويخطر بين أكليل وتاج ودعني من إقامة كل فرض ... فليس على خراب من خراج محمد بن علي الدينوري

الباب السادس في صفات الشمس في الشروق والضحى والارتفاع والطفل والمغيب والصحو والغيم والكسوف

ومشمر الأذيال في ممزوجة ... متتوج تاجا من العقيان بالجاشرية ظل يهتف موها ... ويصيح من طرب على الندمان هبوا إلى شرب الصبوح فإنما ... لصبوحكم لا للصباح أذاني الباخرزي وليل دجوجي كأن صباحه ... يهز لواء أبيضا فوق كتفه تنزه سمعي فيه من صوت طائر ... غدا مشرئب الجيد ثاني عطفه فأطعمت خلاني كبابا كتجه ... وأسقيت ندماتي شرابا كطرفه الباب السادس في صفات الشمس في الشروق والضحى والارتفاع والطفل والمغيب والصحو والغيم والكسوف للشمس أسماء وهي الشمس وذكاء بالمد وذكا بالقصر وحول مضمومة غير معجمة وإلاهة وألاهة بكسر الهمزة وفتحها والإلاهة بالتعريف والجونة والجارية والغزالة والفتاة والسراج والضحى والبيضاء وبرح وبراح كقطام وحذام والمهاة والقرص والفتاق سميت بذلك لأنها تفتق بنورها الغيم وكل شيء والعرب تقول لمن تصفه بالحسن أحسن من الفتاق والسرقة والسرق والسرق أسمها إذا طلعت ولا تسمى به عند الغروب يقال لا أتيك ما طلع السرق ولا يقال ما غرب السرق ويوح والضحى بفتح الضاد والنير الأكبر والأثير الأصغر والآية المشرقة وأحد القمرين وأفليدس وهو أسمها باليونانية وقد تكلموا به ةيقال لنور الشمس الداخل من كوة البيت الشعرارة وجمعها شعارير بكسر اشين في الواحد وفتحها في الجمع ويقال لما يرى فيه من الهبا المنبث الهبأ والذر

معجمة الذال وقيل أنه المراد بقوله عز وجل (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وذرور الشمس ظهور ضوئها وشعاعها وشرقت الشمس بفتح الراء إذا طلعت وشرقت بكسر الراء إذا قربت من الغروب وأشرقت إذا صفا ضوؤها وأنار وقد أجاد القاضي التنوخي في وصف الشمس فقال: ويوم كأن الشمس من تحت غيمة ... مفاخر فقد غطيتها بعيوب إذا طلعت من فرجة فيه خلتها ... مخيلة جدوى من خلال جدوب وقد مد سترا فوقها فكأنما ... تغطى بكفران ثولاب مثيب قال مصنف الكتاب: إني لينغض علي إحسان هذا الرجل مع كثرة ما جاء به من تشبيه الأظهر بالأخفى وهو شيء كرهه أكابر العلماء ونصوا عليه وهو قد أغرى به لا يكاد يخلى منه تشبيها وهذه الثلاثة أبيات من هذا القبيل شبه فيها الأظهر بالأخفى: أبو العلاء في شفقها في الطلوع رب ليل كأنه الصبح في الحسن ... وأن كان أسود الطيلسان قد ركضنا فيه إلى اللهو لما ... وقف النجم وقفة الحيران ثم شاب الدجى وخاف من الهجر ... فغطى المشيب بالزعفران الطغراني يصف الشمس في طلوعها والبدر في غروبه وكأنما الشمس المنيرة إذ بدت ... يجنح للغروب وما غرب متحاربان لذا مجن صاغه ... من فضة ولذا مجن من ذهب قال ابو الحسن علي بن موسى الغرناطي: ضمني أنا ويحيى الكاتب فتذكرانا ما قيل في معاقرة الشراب في الشيب فأنشدني لنفسه: لاموا على حب الصبى والكأس ... لما بدا زهر المشيب برأسي والغصن أحوج ما يكون لشربه ... أبيان يبدو بالأزاهر كأسي

ثم قال: هل سمعت في هذا المعنى شيئا لغيري؟ لا ثم أعملت خاطري حتى عملت فيه وهو مغنى غريب: يلوموني إن شبت في الخمر ضلة ... وإني إذا وافى المشيب بها أحمق إذا شاب رأس الليل بالفجر قربت ... له اكؤس الصهباء من حمرة الشفق سليمان المارديني رب ليل تخال فيه الدراري ... زهر الروض والمجرة نهرا والثريا كأنها كأس خمر ... أطلعت فوقها الفواقع درا وتخال السماء حلة خز ... نثرت فوقها الدراهم نثرا وكأن الصباح جام لجين ... ملأته أشعة الشمس خمرا المعري في الشفقين وعلى الدهر من دماء الشهدين ... علي ونجله شاهدان فهما في أوائل الفجر فجران ... وفي أخرياته شفقان أعرابي مخبأة أما الليل جنها ... فتخفى وأما بالغدو فتظهر إذا انشق عنها ساطع الفجر وانجلى ... دجى الليل وانجاب الحجاب المستر والبس عرض الأرض لونا كأنه ... على الأفق الشرقي ثوب معصفر بلون كزرع الزعفران يشوبه ... شعاع يلوح فهو أزهر أصفر إلى أن علت وانشق منها اصفرارها ... فلاحت كما لاح المنيح المشهور وتدنف حتى ما يكاد شعاعها ... يبين إذا غابت لمن يتبصر فأفنت قرونا وهي في ذلك لم تزل ... تموت وتحيى كل يوم وتنشر الباخرزي توارت الشمس تحت الدجى واحتجت ... حتى تشابه ممساها ومصبحها

فتلك منسية والآن لو طلعت ... فجاءة لحسبت الكلب ينبحها شاعر في النيرين وسار لا ينقضي الدهر سيرها ... وليست على حي من الناس تنزل لها صاحب لم تلقه الدهر مرة ... على أثر ما تمشي يسير ويعجل العسكري ملأ العيون غضارة ونضارة ... صحو يطالعنا بوجه مونق الشمس واضحة الجبين كأنها ... وجه المليحة في الخمار الأزرق وكأنها غيداء مسك شعاعها ... تبر يذوب على فروع المشرق جرت إذا بكرت ذيول معصفر ... وتجران راحت ذيول ممشق فشربتها عذراء من يد مثلها ... تحكي الصباح مع الصباح المشرق ابن المعتز كأن الشمس يوم الغيم لحظ ... مريض مدنف من خلف ستر تحاول فتق غيم وهو بابي ... كعنين يريد نكاح بكر الوزير المهلبي يوم كان سماءه ... شبه الحصان الأبرش وكأن زهرة روضه ... فرشت بأحسن مفرش والشمس تظهر تارة ... وتغيب كالمتوحش شهبت حمرة عينها ... كحمارة ابن المنتشي شاعر فكأن الشمس بكر حجبت ... وكأن الغيم ستر مسدل ابن طاهر الخباز الكرخي أما ترى الأفق كيف قد ضرب الغيم ... عليه من مرنه قببا وحاجب الشمس من رفاقها ... يضرم فيها بنوره لهيبا

كأنه فضة مطرقة ... أطرافها قد تطوست ذهبا حضر ابن عنين مع الملك المعظم بدمشق ومملوك خاص قائم يستر الشمس عنه فقال لابن عنين قل في هذا شيئا فقال: وغص بان قلوب الناس قاطبة ... منه على خطر أن ماس أو خطرا بدا وأبدى برؤياه لنا قمرا ... فيه من الحسن ما للعقل قد قمرا هو الغزال ولكنني عجبت له ... من الغزالة إذ زارته أن نفرا وظل مستترا منها ومحتجبا ... عنها ونورهما في الناس قد ظهرا فقلت حسبك لا تخش أجتماعكما ... فالشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا جلس المعتمد بن عباد ملك اشبيلية بقصره فبلغت الشمس إليه فقامت جارية من خطاياه لتحجب عنه الشمس فقال: قامت لتحجب قرص الشمس قامتها ... عن مقلتي حجبي عن أعين الغير علما لعمرك منها إنها قمر ... هل يحجب الشمس إلا صفحة القمر ابن التلميذ في الظل وشيء من الأجسام غير مجسم ... له حركات تارة وسكون إذا باتت الأنوار بان لناظري ... وإما إذا باتت فليس يبين بتم أوان كونه وفساده ... وفي وسط محياه المحاق يكون خرج القاضي أبو حفص عمر قاضي قرطبة واشبيلية مع أبي ذر النحوي لفرجة ورجعا عشاء وقد أثرت الشمس في وجه القاضي وكان وسيما فقال أبو ذر: وسمتك الشمس يا عمر ... سمة لم يعدها القمر عرفت قدر الذي صنعت ... فأتت صفراء تعتذر شاعر في الكسوف قلت لها إذ كسفت شمسنا ... قومي أخرجي قد غابت الضره

فأعرضت تيها وقالت لقد ... قابلتني ظلما بما أكره حاشي أن أظهر بين الورى ... أو أن تراني مثلها شهره الحسين بن علي الوزير لمثل ذا اليوم يا معذبتي ... كانت ترجيك أختك الشمس قومي اخلفيها لدى الكسوف ففي ... وجهك منها أن أوحشت أنس وغلطي صاحب الكسوف فأن ... لحت وغابت أصابه لبس الوزير المغربي رأت الغزالة في السماء غزالة ... في الأرض يبهر حسنها الألبابا فاستحسنتها في النقاب وقد بدت ... وقتا فصيرت الكسوف نقابا هبة الله بن التلميذ في ولده أشكو إلى الله صاحبا شرسا ... تسعفه النفس وهو يعسفها كأننا الشمس والهلال معا ... تكسبه النور وهو يكسفها والطفل عند غيبوبة الشمس إذا أصفرت وضعف ضوؤها يقال طفلت تطفيلا وتطلفت تطفلا وذلك حين تجنح للغروب وجنوحها حين تهم بالوجوب وهوز الأصيل وجمعه آصال وفي التنزيل العزيز (يسبح له بالغدو والآصال) وأريت الشمس وريت وصرعت ودنفت كل ذلك دنت للغروب ودلوك الشمس زوالها وقيل غروبها والغروب أكثر والشعراء يصفون الشمس عند مغيبها باصفرار اللون وأنها كالملاء المعصفر وكأنها نقضت ورسا على الآكام والقيعان. ابن الرومي إذا طفلت شمس الأصيل ومفضت ... على الجانب الغربي ورسا مدعدعا وودعت الدنيا لتقضي نحبها ... وصوح باقي عمرها وتسعسعا ولاحظت النوار وهي مريضة ... وقد وضعت خدا على الأرض أضرعا

كما لحظت عوادة عين مدنف ... توجع من أوصابه ما توجعا وقد ضربت في خضرة الروض صفرة ... من الشمس فاخضر اخضرارا مشعشعا عبد الصمد بن المعذل لما رأيت البدر في ... أفق السماء وقد تدلى ورأيت قرن الشمس في ... أفق المغيب وقد تولى شبهت ذال وهذه ... ورأى شبيههما أجلا وجه الحبيب إذا بدا ... وقفا الحبيب إذا تولى إعرابية في السحب تطالعني الشمس من دونها ... طلوع فتاة تخاف اشتهارا تخاف الرقيب على سرها ... وتحذر من زوجها أن يغارا فتستر غرتها بالخمار ... طورا وطورا تزيل الخمارا نشو الملك وعشاء كأنما الجو فيه ... لازورد مضمخ بنضار قلت لما هوت لمغربها ... الشمس ولاح الهلال للنظار أقرض الشرق ضده الغرب دينارا ... فأعطاه الرهن نصف سوار عبد العزيز القرطبي إني أرى شمس الأصيل عليلة ... ترتاد من نحو المغارب مغربا مالت لتحجب شخصها فكأنها ... مدت على الدنيا بساطا مذهبا ابن المعتز في الظل المنحرف والآل ينزو بالصحارى موجه ... نزو القطا الكندري في الأشراك والظل مقرون بكل مطية ... مشي المهاري الدهم بين رماك الأسعد بن بلبلة لو كنت شاهدنا عشية أمنا ... والمزن تبكينا بعيني مذنب

الباب السابع في جملة الكواكب والسماء وآحاد الكواكب المشهورة

والشمس قد مدت أديم شعاعها ... في الأرض إلا أنها لم تغرب قلت الرذاذ به برادة فضة ... قد غربلت من فوق نطع مذهب الباب السابع في جملة الكواكب والسماء وآحاد الكواكب المشهورة الثريا العرب تسمي الثريا النجم اسما علما لها مختصا بها دون النجوم وفي التنزيل العزيز (والنجم إذا هوى) فسر بأنه أقسم الله عز وجل بالثريا معناه والثريا إذا سقطت والعرب تعظيم الثريا وتكثر ذكرها في شعرهم لأنها عندهم من نجوم الأنواء التي لا تخلف وإذا طلعت في الشتاء اشتد البرد عند طلوعها وإذا طلعت في الصيف اشتد الحر عند طلوعها قال الشاعر في طلوعها في الشتاء: طاب شرب الراح لما ... طلع النجم عشاء وابتغي الراعي ... لمشتاه من القر كساء وقال آخر في طلوعها في الصيف طلع النجم غديه ... وابتغى الراعي شكيه أراد شكوة تكون معه وهي القرية يشرب بها الماء واللبن. امرؤ القيس إذا ما الثريا في السماء تعرضت ... تعرض أثناء الوشاح المفصل قال محمد بن سلام أنشدت يونس النحوي هذا البيت الذي لامرئ القيس فزوى وجهه وجمع حاجبيه وقال: أخطأ مع إحسانه إن الثريا لا تعرض إنما الاعتراض للجوزاء هلا قال كما قال ذو الرمة.

وردت اعتسافا والثريا كأنها ... على قمة الرأس ابن ماء محلق أخذه أبو القاسم الإنطاكي وزاد فيه فقال كأن الثريا ابن ماء علا ... فضم الجناح ومد العنق الفهمي رحمه الله للنجم حالان في مغاربه ... وحين يبدو لنا بإشراق في الشرق كأس يدار وفي ... المغرب كأس أراقها الساقي تاج الملك بن كاتب قيصر وكأن الهلال قوس لجين ... والثريا في الغرب كالقرطاس وكأن النجوم افواق نبل ... عابرات حادت عن البرجاس أنشد المبرد لأعرابي إذا ما الثريا في السماء تعرضت ... يراها الحديد العين سبعة أنجم على كبد الجرباء وهي كأنها ... جبيرة در ركبت فوق معصم الجرباء السماء والجبيرة الدستبيج العريض. شاعر خليلي أني للثريا لحاسد ... وإني على ريب الزمان لواجد أيجمع منها شملها وهي سبعة ... وأفقد من أحببته وهو واحد ابن المعتز كأن الثريا هودج فوق ناقة ... يخب بها حاد إلى الغرب مزعج إذا قابلتها العين خالت نجومها ... قوارير فيها زئبق يترجرج شاعر تلوح الثريا في أواخر ليلها ... كعنقود ملاحيه حين نورا ملاحيه بضم الميم وتشديد اللام العنب الأبيض ابن المعتز

قام كالغصن في الربى ... يمزج الشمس بالقمر وسقاني المدام ... والليل بالصبح مؤتزر والثريا كنور ... غصن على الغرب قد نثر القاضي التنوخي أنظر إليها والنسر منحدر ... والليل جيش نجومه خوذه كأنها حين عرضت نمر ... يظهر لي من حجابه فخذه وشبه أبو فراس الثريا بفخذ النمر وهو من المقلوب لأن نجوم الثريا بيض والنقط على فخذ النمر سود. الوزير المهلبي كأن الثريا بينها حين أعرضت ... يواقيت تاج أو تحية نرجس أبو بكر الخالدي كأنما أنجم الثريا لمن ... يرمقها والظلام منطبق مال بخيل يظل يجمعه ... من كل وجه وليس يفترق ابن المعتز أتاني والإصباح يرقل في الدجى ... بصفراء لم تفسد بطبخ واحتراق فناولنيها والثريا كأنها ... جنى نرجس حيى الندامى به الساقي أبو الحسن البديهي رب ليل قطعته باجتماع ... مع بيض من الأخلاء نمر وكأن الكؤوس زهر نجوم ... والثريا كأنها عقد در العسكري تلوح الثريا والظلام مقطب ... فيضحك منها عن أغر مفلج تسير وراء والهلال أمامها ... كما أومات كف إلى نصف دملج شاعر

زارني في الدجى فنم عليه ... طيب أردانه لدى الرقباء والثريا كأنها كف خود ... برزت في غلالة زرقاء آخر كأن الثريا سحرة إذ بدت بها ... عيون إلينا شاخصات ترقب فلما انقضى الإصباح خلت انقضاضها ... شهاب حريق في الدجى يتلهب ابن المعتز ألا اسقينها والظلام مقوض ... ونجم الدجى في حلبة الليل يركض كأن الثريا في أواخر ليلها ... تفتح نور أو لجام مفضض ابن طباطبا أعاد الثريا والهلال كلاهما ... لي الشمس إذ ودعت كرها نهارها كأسماء إذ زارت عشاء وغادرت ... لدينا دلالا قرطها وسوارها الحسين بن الضحاك ويروى لغيره أدر الكأس علينا ... أبها الساقي لنطرب ما ترى الليل تولى ... وضياء الشمس يقرب والثريا شبه كأس ... حين تبدو ثم تغرب وكأن الشرق يسقي ... وكأن الغرب يشرب آخر وكأنما نجم الثريا ... إذ تعرض كالوشاح كأس بكف خريدة ... تسقي المسا بيد الصباح آخر والثريا كأنها ... في بروج المطالع كف خود تختمت ... في رؤوس الأصابع أبو عون الكاتب

الجوزاء

رب ليل لم أنمه ... ونجوم الليل تشهد والثريا في مداها ... حين تنحط وتصعد عقرب تسعى من الدر ... على الأرض زبرجد ظافر الحداد وليلة مثل عين الصب داجية ... عسفتها وجيوش الصبح لم تفد لو هم موقد نار أن يرى يده ... فيها ولو كانت الزرقاء لم يكد كأن أنجمها في الليل زاهرة ... دراهم والثريا كف منتقد عتيق بن عبد العزيز كأن الثريا في ذراه مصفد ... بساحة سجن فهي تخطو ولا يخطو أغرب بذكر التصفيد لشبهها بالقدم والكف وكذا تظهر إذا كانت في قمة الفلك. أبو علي بن رشيق القيرواني كأنها كأس بلور منبتة ... أو نرجس في يد الندمان قد ذبلا قد تقدم تشبيه الثريا بالكأس والنرجس إلا أن ابن رشيق زاد على المتقدمين زيادتين حسنتين في أن جعل الكأس منبته وجعل النرجس ذابلا وهذا شأن الفاضل المتأخر إذا أخذ ممن تقدم معنى أن يزيد فيه زيادة حسنة وإلا كان ما يأتي به فضلا وعيالا على الأول لا يوجب فضلا. عبد الوهاب من شعراء أفريقية رأيت بهرام والثريا ... والمشتري في القرآن كره كراحة خيرت فخارت ... ما بين ياقوتة ودره الجوزاء أبدع ما قيل في الجوزاء على ما رآه أهل المشرق من قول أبي بكر الخالدي: وتمايل الجوزاء يحكي في الدجى ... ميلان شارب قهوة لم تمزج

وتنقبت بخفيف غيم أبيض ... هي فيه بين تبخير وتبرج كتنفس الحسناء في المرآة إذ ... كملت محاسنها ولم تتزوج وأبدع ما قيل على ما رآه أهل المغرب قول القاضي الحسن بن حمد بن الربيب: أنظر إلى صورة الجوزاء غذ طلعت ... كأنها قانص بالدو منجدر شيحان متمنطق عنت له حمر ... صحر قبل غروب الشمس أو بقر فأعرق النزع في قوس براحته ... اليمنى وظل لدى الناموس ينتظر الناموس بيت الصائد جعل الدبران قوما مع الذراع الجنوبية وكذلك الأعراق وتمكن له وصف الجوزاء بقوله شيحان وهو الطويل من الرجال وقبل الحدر المتحبر لما يريبه ويخافه وقوله متمنطق لأن في وسطها نجوما تسمى المنطقة وقوله حمر وبقر من إبداع وصفه لبياض متونها والصحر قريبة من البياض على البعد لا سيما أن هنالك نجوما تسمى البقر جوا من الثريا من برجالثور وذكر الأعراق مع قوله غروب الشمس عجيب يدل على الحرص وخوف القوت ويجوز أيضا أن يكون جعل الهنعة قوسا وإن كانت من نجوم الجوزاء لأن النجوم عندهم إنما هي علامة وليست هي صورة الجوزاء حقيقة وقوله وظل لدى الناموس ينتظر أي اختفى فليس يرى والناموس بيت الصائد الذي يختفي فيه ومن بديع التشبيه قول الأرجاني في غلام يلعب بالدبوق: يهتز مثل الصعدة السمراء ... فقده من شدة التواء كالغصن تحت العاصف الهوجاء ... تراه من تمدد الأعضاء كأنه كواكب الجوزاء ... والدبوق كرة شعر ترمى في الهواء ثم يتلقاها الغلام ضاربا لها تارة بصدر قدمه وتارة بصدر قدمه وتارة بالصفح الأيمن من ساقه الأيمن رادا إياها إلى العلو على الدوام.

العسكري كأنما الجوزاء طبالة ... تحتضن الطبل على مرتبه كأنها في الجو رقاصة ... ترقص في منطقة مذهبة محمد بن عبد الملك الزيات كأن كواكب الجوزاء لما ... سمت وتعرضت للمنكبين فتى حرب تقلد قوس رام ... وقلد خضره بقلادين شاعر كأنما الجوزاء وسط الدجى ... صاحبة تضرب بالصنج قائمة قد جردت سيفها ... مائلة الرأس من الغنج أبو جعفر بن الأسود وكأن الجوزاء هبت من ... النوم وفيها بقية من سبات أو دهاها يوم الفراق ببين ... فهي نحو الحبيب ذات التفات قال العسكري: أجود ما قيل في الجوزاء من الشعر القديم قول كعب الغنوي: وقد مالت الجوزاء حتى كأنها ... فساطيط ركب في الفلاة نزول قال ولو قال فسطاط واحد لكان أجود ومن شعراء المحدثين قول ابن المعتز: وقد هوى النجم والجوزاء تتبعه ... كذات قرط أرادته وقد سقطا وأهل الأندلس يسمون الجوزاء عصى موسى قال أبو الحسن بن سعيد: وشقت عصى موسى من الليل لجة ... تموج بها موج السحاب الذي يسري سليمان بن إسماعيل المسيحي ونجوم الجوزاء كالعقد في نحر ... فتاة قد زينت بالشذور شاخصات في الغرب مائلة تهوى ... نشاوى كالشارب المخمور

الشعري

الشعري عبد العزيز بن عبد الله بن طاهر وهو من ظريف ما قيل فيها واعترضت وسط السماء الشعرى ... كأنها ياقوتة في مدرى ابن المعتز شربتها والديك لم ينتبه ... سكران منم نومه طافح ولاحت الشعرى وجوزاءها ... كمثل رخ جره رامح وشبه أبو نواس الدرهم بها فقال: أنعت صقرا يغلب الصقورا ... مظفرا أبيض مستديرا تخاله في قده العبورا سهيل ابن طباطبا ترى سهيلا أمامها كلفا ... تخاله إذ بدا لميقات ترس مليح أخي مثاقفه ... يديره في الدجى إدارات يرفعه تارة ويخفضه ... دون مجارى النجوم تارات وله كأن سهيلا والنجوم وراءه ... يعاضها راع وراء قطيع ابن المعتز وقد لاح للساري سهيل كأنه ... على كل نجم في السماء رقيب البحتري كأن سهيلا شخص ظمآن جانح ... من الليل في نهر من الماء يكرع النسر العلوي الكوفي وهو لغز مليح

وركب ثلاث كالا ثافى تعاوروا ... دجى الليل حتى إن أتت سنة الفجر إذا جمعوا سميتهم باسم واحد ... وإن فرقوا لم يعرفوا آخر الدهر محمد بن الحسين الآمدي وقد غرد النسر الشمالي هابطا ... كما عكست في هامش يد كاتب وقد وسط النجم السماء كأنه ... طليعة جيش أو دليل مراقب (أعرابي في النسر الواقع) وذي رجلين باثنتين منه ... وليس بجريه في الجري بأس له صدر وليس له فؤاد ... ولم يخلق له في ذاك رأس آخر في النسر الطائر وطير لا يضم له جناحا ... تعالى في السماء وما يطير نهاراً باقياً لا أود فيه ... وليلاً لا يعرس إذ يسير الخفاجي الحلبي والنسر في أفق المغارب تارة ... يهفو كعالية السماك الرامح ابن المعتز والنسر قد بسط الجناح محوما ... حتى تراه كطالب لم يصطد ابن هرمة في النسر والحوت وترفع النسران هذا باسط ... يهوي لسقطته وهذا كاسر والحوت يسبح في السماء كسبحه ... في الماء وهو بكل سبح ماهر ابن المعتز ورنا إلي الفرقدان كما رنت ... زرقاء تنظر من نقاب أسود الشريف الرضي

بنات نعش

كأنهما ألفان قال كلاهما ... لشخص أخيه قل فإني سامع بنات نعش وبنات نعش يستدرن كأنها ... بقرات رمل خلفهن جآذر أخذه ابن هاني فقال كأن بني نعش ولاحت ... مثل نعش عليه ثوب جديد شاعر وأمدت بنات نعش ولاحت ... مثل نعش عليه ثوب جديد التنوخي كأن بني نعش نساء حواسر ... غرائب قد شيعن نعش قريب المجرة كرام لهم نهر المجرة منهل ... إذا عز ماء والثريا لهم قعب العسكري تبدو المجرة منجراً ذوائبها ... كالماء ينساح أو كالأيم ينساب وله وترى الكواكب في المجرة شرعا ... مثل الظباء كوارعاً في منهل الطغرائي كم ليلة سامرت زهر نجومها ... والجو من أنفاس وجدي شاحب أرعى السماء ونجومها متبلد ... حيران قد سدت عليه مذاهب وكأنها بحر يعب عبابه ... وكأنه فيها غريق راسب وترى بها أم النجوم كجدول ... في روضة فيها لجين ذائب

وببابها سرب الظباء فوارد ... أو صادر أو راغب أو راهب الشريف الموسوي وترى السماء كأنما هي غادة ... لبست قميصاً بالمجرة معلما حاكت لها أيدي الدياجي مطرفا ... كالزاهرات مدنرا ومدرهما سليمان بن إسماعيل المسيحي وترى الزهر في المجر كالزهر ... طفا فوق جدول وغدير شاعر تأمل إلى نهر المجرة زاحمت ... عليه مهامن أنجم وظباء فلا صادرات عنه تروي من الظما ... ولا هو يغني من ورود ظماء ومن لطفه يسري مع الصبح جرمه ... فليس يرى إلا عقيب مساء ابن طباطبا مجرة كالماء إذ ترقرقا ... شفت بها الظلماء برداً أزرقا العسكري ليل كما نفض الغراب جناحه ... متلون الأعلى بهيم الأسفل تبدو الكواكب من فتوق ظلامه ... لمع الأسنة من فتوق القسطل الشريف أرى ذنب الدب الصغير مذهبا ... وقد صورته غادة غير عاطل ودائرة الدب الكبير تجلدت ... على القطب في إشراقها والأصائل كأن انوشروان نام على الرحى ... وطافت عليه سبعة بمشاعل السماك الأعزل

الكواكب السيارة

كأن إشراق السماك الأعزل ... في ظلمة الليل البهيم الأليل وجه الذي يتمنى لما بدا ... يمشي الهوينا في رداء أكحل الكواكب السيارة الخمسة المتحيرة زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد فسر قوله تعالى: (فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس) أنها هؤلاء الخمس سميت بذلك لخنسها وهو رجوعها والخنس الرجوع والكنس الاستقامة ومنه كناس الظبية وهو موضع إقامتها لأن هذه الخمسة لها سير ورجوع واستقامة ولذلك سميت المتحيرة مع النيرين الشمس والقمر ويسمون ما عدا هذه الدراري السبعة بالكواكب الثابتة وقيل في قوله عز وجل (فالمدبرات أمراً) أنها هذه السبعة الدراري لأن الله عز وجل جعلها سبباً لما يجريه في العالم الأرضي من جميع الكائنات. زحل كأنما زحل إذ عكسه لحز ... كأس من الخمر ما دارت لأكياس كأنه إذ أراد السير يجذبه ... من خلفه عصبة شوس بأمراس كأنما وجهه في بعد منزله ... يخفي ويظهر حيناً وجه برجاس المشتري والمشتري وسط السماء تخاله ... وسناه مثل الزئبق المترجرج مسمار تبر أصفر ركبته ... في فص خاتم فضة فيروزج ابن طباطبا كأن التئام المشتري في سحابه ... ودية سر في ضمير مذيع

المريخ

القاضي شرف الدين الحسن بن القاضي جلال الدين المكرم قال يا رب ليل بت أرعى نجمه ... حتى الصباح بزفرة وعويل والمشتري في الأفق يخفق لامعا ... كفم الحبيب يشير بالتقبيل المريخ وتوقد المريخ بين نجومها ... كبهارة في روضة من نرجس التوخي في المشتري والمريخ كأنما المريخ والمشتري ... قدامه في شامخ الرفعه منصرف بالليل عن دعوة ... قد اسرجوا قدامه شمعه شاعر ونديم صدق بات يقري راحتي ... بالكأس حين بدا فرار الأنجم وكأنما المريخ يتلو المشتري ... بين الثريا والهلال المعتم ملك وقد بسطت له يد معدم ... فرمى بدينار إليه ودرهم الزهرة لاح الهلال فويق مغربه ... والزهرة الغراء لم تغب وهوى دوين مغيبها فهوت ... تبكي بدمع غير منسكب فكأنها أسماء باكية ... عند انفصام سوارها الذهب عطارد أرى كل نجم عارياً وعطارد ... إذا ما بدا مثل الغلام المدرع

وتحت شعاع الشمس إن راح ساريا ... كلؤلؤة في كأس خمر مشعشع الفلك الأعظم المحيط بالأفلاك المسمى بأطلس وسمي بذلك لأنه لا كواكب فيه. الشريف الموسوي ومن أوصاف النجوم ما قاله أبو الإصبع محمد بن يزيد بن مسلمة بن عبد الملك الأموي وكان من أفصح المحدثين وأوصفهم للأزمنة والنجوم. ولما سمع المأمون هذه القصيدة التي سنوردها له قال: هذا شعر رجل كأنه صعد الفلك فعلم ما فيه. قال الصولي: ولا أعلم شاعراً تشبه به وتبعه في وصف النجوم والأزمنة فأحسن إلا محمد العلوي المعروف بابن طباطبا فأنه مجيد في ذلك وهو أكثر بديعاً والمسلمي أفصح منه. قال محمد بن يزيد بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان: لما تراءى زحل ... ذات العشاء فمنع ولحق النسرين شخص ... الردف بالخيل أدرع أطار نسرا واقعا ... بطائر ليس يقع رنق ذا في سيره ... وسار هذا فشع وعن سعد ذابح ... يتبعه سعد بلع وسعد سعد بعده ... لسعد سعدية تبع ذا مع ذا ذاك وذا ... دافعه ذا فاندفع أمامها رام إذا ... أغرق ذا فوق نزع يقفو نعاما واردا ... وصادرا حيث سكع

يطير ما طرن فإن ... وقعن في الأفق وقع وعقرب يقدمها ... إكليلها حين دسع أما ترى غفر الزبا ... نا ساجدا وقد ركع وانتثرت عواؤه ... تناثر العقد انقطع هتك جلباب الدجى ... صدع من الفجر صدع كلمعة البرق اليما ... ني إذا البرق لمع ثم تنمى صاعدا ... ذا جلح بادي الصلع لها مصابيح دجى ... تحكي مصابيح البيع تتلو الزبانا فإذا ... جد بها السير طلع تتابع الخيل جرت ... منها مسن وجذع حتى إذا ما الدلو في ... حوض من الحوت كرع ووازن الكف التي ... فيها خضاب قد نصع قال الدليل عرسوا ... فليس في صبح طمع هذا ظلام راكد ... ما للري فيه نجع والعيس في داوية ... تعمل فيها وتدع ممتدة أعناقها ... للورد عن غب النسع كأنها شقائق ... تدلج في الموج الدفع فقلت سدد نحرها ... لا كنت من نكس ورع وقبل ذاك ما خبا ... ضوء السماك فخشع حتى إذا الكبش ارتقى ... في مرتقى ثم طلع نقب في حافاته ... هنيهه ثم سطع أو سله السيف انتضى ... سلته القين الصنع في نقبة ينسجها ... بيضاء ما فيها لمع

فراح مثل العين إذ ... جاد البلاد واتسع وانهزمت خيل الدجى ... تركض من غير فزع والضوء في عرصها ... يخب طورا ويضع فقلت إذ طار الكرى ... عن العيون فانقشع لمائد في رحله ... نشوان من غير جزع ليس المذكى سند ... في الصبر كالغمر الضرع وقال أيضا يا ليل ما لك صبح ... يرتاح فيه العميد طال انتظاري لبلق ... تنجاب عنهن سود فبات همي قريني ... كأني مورود أرعى النجوم فمنها ... غوارب وركود وسانح وبريح ... وذابح وقعيد أقول للدلو صوب ... حتام هذا الصعود ما ترويني وسعد ... قد شردته السعود وقبل ذاك نعام ... موله مطرود للقوس في كف رام ... سهم إليها سديد مررن شفعا ووترا ... كما تمر الوفود وانقض منهن نسر ... للأخريات طرود كأنه حين أهوى ... لهن باز صيود ومر آخر يهوي ... فقلت أين تريد ميامنا لغؤور ... والغور منه بعيد فالفرقدان سميراي ... والعيون هجود وآل نعش ركوع ... طوراً وطوراً سجود

كأنهن نشاوي ... للراح فيها وبيد والجدي في منكب القطب ... كالحصان يرود لو رام عنه براحا ... لعاقه تقييد وفي الثريا عن الشرط ... والبطين صدود كأنها بنت ماء ... أسفت عليها الرعود تحيرت واستدارت ... فسرها تأويد تسعى هوينا على أثرها ... اللياح الفريد والتوأمان فهذا ... لاه وذاك طريد ثم استقلت فباتت ... جوزاؤها تستزيد كأن شعلة نار ... تشب فيها الوقود شعري العبور وأخرى ... في الضوء منها خمود ومستقل سن الأفق ... نوؤه محمود موصل بذراعيه ... حبله المقعود سما فصاعد حتى ... ساوى به التصعيد كأنه ليث غاب ... تخشى أذاه الأسود وفي يمين شمال العوا ... سماك عتيد مسدد صدور رمح ... فيه سنان رصيد ورامح مستعد ... وأعزل مستفيد سلم مدى الدهر هذا ... وذاك قرن عنيد فصرفة الليث عنه ... ذات اليسار تحيد كأنها شاة وحش ... فؤادها مزؤود فطال ذلك حتى ... نفى الكرى التسهيد فقلت والليل داج ... خصاصة مسدود

مفضل بالفيافي ... رواقه الممدود له بكل فضاء ... عساكر وجنود وقد تمطى بصلب ... تزل عنه اللبود لا يمتطى الهول فيه ... إلا الشجاع الجليد ما للظلام انحسار ... وما يكر جديد ولا أرى ساطع الفجر مشرفياً يعود لئن أناب لعيني ... أني إذاً لسعيد فلم يرعني وللصبر ... مستغب حميد إلا وغفر الزبانا ... يلوح فيه العمود كأنه قرشي ... تهفو عليه البنود وقال أيضا فخرجت حين بدا سهيل طالعا ... يسرى المصلى قائما يتنقل والجدي كالفرس الحصان شددته ... بالسرج إلا أنه لا يصهل وامتدت للجوزاء نظم قطارها ... وتلاحقت فقطارها مستعمل والنور في جو السماء محلق ... خلف الثريا حائر متململ فإذا استمر مريرها وتحلحلت ... فبقدر ذلك نورها يتحلحل محمد بن أحمد العلوي بن طباطبا رب ليل كأنه عقب البغي ... طويل المدى من التعقب لاحت الزاهرات فيه كزهر ... تتلالا غب النجاب السكوب أو كزرق الرماح في النقع تبدو ... أو كبيض الفظا بروض قشيب والثريا كأنها فصلة الدر ... ع أو العقرب البطيء الدبيب وكأن الجوزاء خود تبدت ... في وشاح من لؤلؤ مثقوب أو كمثل الفريق يسبح في زا ... خر يم أو أقطع مصلوب

وكأن المريخ جذوة نار ... حين يبدو وضوؤه كاللهيب وسهيل كأنه قلب صب ... فاجأته بالحوت عين الرقيب وكأن الهلال لما تبدى ... شطر طوق المرآة ذو التذهيب أو كقوس قد أحنيت أو كنؤى ... أو كنون في مهرق مكتوب شاخصات إلى السماء فما تطرف أجفانها من التعذيب وقال وبت أراعي كوكبا بعد كوكب ... أوان أقول حائن وطلوع إذا سرت سيرا واحدا خلت بعضها ... إلى بعضها مشدودة بنسوع كأن موشي الجو عند اكتمالها ... جلود أفاع أو نسيج دروع كأن سهيلا والنجوم وراءه ... يعارضها راع وراء قطيع إذا قام من مرماته قلت راهب ... أطال انتصابا بعد طول ركوع وقد لاحت الشعرى العبور كأنها ... تقلب طرفا بالدموع هموع وأصبحت الجوزاء في أفق غربها ... تميل كنشوان هناك صريع وراحت تمد الباع حتى كأنما ... يقال لها قيسي السماء وبوعي إلى أن أجاب الليل داعي صحبه ... وكأن ينادي منه غير سميع وقال كأن السماء استكست الليل حلة ... منمنمة حيكت عليها بأزرار كأن اخضرار الجو تحت نجومه ... اخضرار رياض نشرت بين أنوار كأن نجوما سائرات نهارها ... ووافت عشاء وهي انضاء أسفار وله أرقى لبرق لائح في جوه ... لألاؤه كمهندات تلمع والليل قد حجب الصباح كأنه ... مترهب بمسوحه متدرع وترى الثريا مثل كف خريدة ... تومي بها أو عقرب تتسمع

وكأن ثوب الجو صرح لائح ... ونجومه در عليه ترصع أو كالدرهم فوق أرض بنفسج ... أو نرجس من سوسن يتطلع علي بن محمد الكوفي نجوم أراعي طول ليلي بروحها ... وهن لبعد السير ذات لغوب خوافق في جنح الظلام كأنها ... قلوب معناة بطول وجيب ترى حوتها في الشرق ذات سباحة ... وعقربها في الغرب ذات دبيب إذا ما هوى الإكليل منها حسبته ... تهدل غصن في الرياض رطيب كأن التي حول المجرة أوردت ... لتكرع في ماء هناك صبيب كأن رسول الصبح بخلط في الدجى ... شجاعة مقدام يجري هيوب كأن اخضرار الجو صرح ممرد ... وفيه لآل لم تشن بثقوب كأن نذير الشمس يحكي ببشره ... عليّ بن هرون آخي ونسيبي التهامي وللمجرة فوق الأرض معترض ... كأنها حبب يطفو على نهر وللثريا ركود فوق ارحلنا ... كأنها قطعة من جلدة النمر كأن أنجمه والصبح بغمضها ... فترى عيون غفت من شدة السهر فروع السرب لما ابتل أكرعه ... في جدول من خليج الفجر منفجر ولو قدرت وثوب الليل منخرق ... بالصبح رقعته منهن بالشعر الشريف الموسوي ابن دور خوان كأن بروق الجو في حجراته ... سلاسل تبر قطعت من سلاسل كأن النجوم الزهر لاحت بأفقها ... نواهد من نسج الضحى في غلائل كأن التي حول المجرة أنيق ... أقام بها الحادون حول مناهل كأن الثريا ظبية نصبت لها ... يد أنجم الجوزاء شبه حبائل

كأن نجوم الرجم خيل تقابلت ... فوارسها والشهب مثل العوامل كأن شباب الليل وافاه شيبه ... فأسفر عن حق يشاب بباطل كأن الصباح صارم سله الدجى ... من البرق لم تلمسه أيدي الصياقل وقال ولاحت بأرجاء السماء كواكب ... كما جر للحرب العوان جحافل وكرت بها شهب على الدهم والدجى ... لها حومة في الكر وهي عوامل وقد لمعت فيها النجوم كأنها ... من الروم في روض جوار مطافل كأن نجوم الغفر وهي ثلاثة ... أثافي خلاها على الدار راحل كأن بها سرب النعائم راعه ... قنيص فمنه وارد وموائل كأن بها الإكليل تاج متوج ... ومن حوله بالبيض جيش مقاتل كأن بها نهر المجرة منهل ... له قافل نال الورود ونازل ويخفق فيها القلب كالقلب في الهوى ... إذا صدعته بالملام العواذل سليمان بن إسماعيل المسيحي المارديني رب ليل شربت فيه وقد بات ... سهاه منادمي وسميري والثريا كالكأس يظهر فيها ... حبب مثل لؤلؤ منثور وكأن النجوم سرح وقد ... نفرها طلعة الهزبر الهصور وترى الزهر في المجرة كالزهر ... طفا فوق جدول وغدير ونجوم الجوزاء كالعقد في نحر ... فتاة قد زينت بالشذور شاخصات في الغرب مائلة ... تهوي نشاوى كالشارب المخمور محمد بن هاني المعزي أليلتنا إذ أرسلت وارداً وحفا ... وبتنا نرى الجوزاء في أذنها شنفا وبات لنا ساق يقوم على الدجى ... بشمعة صبح ما تقط ولا تطفا أغن غضيض خفق اللين قده ... وثقلت الصهباء أجفانه الوطفا

فلم يبق إرعاش المدام له يدا ... ولم يبق إعنات التثني له عطفا يقولون حقف فوقه خيرزانه ... أما يعرفون الخيرزانة والحقفا جعلنا حشايانا ثيابا مدامنا ... وقد لنا الظلماء من جلدها لحفا فمن كبد يوحي إلى كبد هوى ... ومن شفة تهدي إلى شفة رشفا بعشيك نبه كأسه وجفونه ... فقد نبه الإبريق من بعد ما أغفا وقد فكت الظلماء بعض قيودها ... وقد قام جيش الفجر لليل واصطفاه وولت نجوم للثريا كأنها ... خواتيم تبدو في بنان يد تخفى كأن بني نعش ونعشاً مطافل ... بوجرة قد أضللن في مهمه خشفا كأن سهيلاً في مطالع أفقه ... مفارق ألف لم يجد غيره ألفا كأن سهاها عاشق بين عود ... فآونه يبدو وآونة يخفى كأن ظلام الليل إذ مال ميلة ... صريع مدام بات يشربها صرفا كأن عمود الفجر خاقان معشر ... من الترك نادى بالنجاشي فاستخفى كأن لواء الفجر غرة جعفر ... رأى الوفد فازدادت طلاقته ضعفا الوزير أبو القاسم الحسن بن علي المعزي الليل ميدان الهوى ... والكأس مجموع الأرب يا رب ليل قد قصرنا ... طوله فيما نحب لما هززناه تلاقي ... طرفاه بالطرب يلعب في الخسران والطاعة ... ساعات اللعب تحكى ثرياه لمن ... يرنو إليها من كثب خريطة من أبيض الديباج ... ما فيها عذب والدبران خلفهما ... كفتح بركار ذهب وهقعة الجو كفسطاط ... عمود منتصب ومنكب كوجه مثبور ... للحظ المرتقب

وهنعة كأنها ... قوس لنداف عطب ثم الذراع شمعة ... تشتعل رأساً وذنب ونثرة كوسط مقلاع ... كبير منتخب والطرف طرفا أسد ... في عينه كحل الغضب وجبهة بادية ... كمنبر لمختطب وصرفة تخالها في ... الجو مسماراً ضرب وتحسب العواء في ... آفاقها لاماً كتب ثم السماك مفردا ... كغرة الطرف الأقب كأنه والغفر ميزان ... أمام يحتسب يدنو إليه عرشه ... يريك تابوتاً نصب ثم الزبانا عاشقان ... ذا إلى هذاك صب تكالما من بعد ... وحاذراً من مرتقب ونظم الإكليل والقلب ... جوار تقترب كمشعلين رفعا ... مختلفين في النصب وشولة تخبر عن ... قرب الصباح بالعجب كجانب من عقد أرجوحة ... حبل مضطرب وبعدها نعائم ... مختلفات في الطلب فهذه صادرة ... وهذه تبغي الشرب كمضجعي غانيتين ... يلعبان في الترب فغادرا من بدد الحلي ... كمجمر ملتهب وبلدة مثل شنان ... فارغ لما يجب كأنها صدر سلا ... من بعد ما كان أحب وجاء سعد ذابح ... وبلع على العقب

الحمل

كأن ذا قوس وذا ... سهم عن القوس ذهب وذو السعود ثابت ... عن ذابح إذا انتصب وأسفر الفرغان عن ... أربعة من الشهب كأنها أركان قصر ... عزهن قد خرب والحوت يطفو فإذا ... ما طفح الفجر رسب والسرطان الصولجان ... عند لعاب ذرب ثم البطين بعده ... مثل أثافي اللهب كأنما الحادي له ... في صحة التقدير أب تخدعها مجرة ... من قطب إلى قطب كأنها جسر على ... دجلة مبيض الخشب أعطيت ريعان الصبا ... من المجون ما أحب ثم رجعت سائلاً ... لدى المعالي والحجب لمن يجيب من دعا ... فضلاً ويعطي من طلب إذا استنيل لم يهب ... من الكثير ما يهب ساكتة مغفرة ... لما اجتنيت في الحقب وكنت تهدي شر عبد ... فلتكن لي خير رب ومما جاء في البروج ما أنشده أبو الحسن الشريف الموسوي الطوسي في البروج. الحمل قال الشريف الحمل المعروف كالإبل استأنف ... منه ليل بدا الذبحا

الثور

وقد لوى من خلفه رأسه ... ملتفتاً يستنجد الصبحا الثور وله الثور شطر أن تراه وقد ... نكس منه الرأس للنطح كراهب عان على وسطه ... زناه يسجد للصبح الجوزاء وله لليل فضل بالظلام وسقفه ... وهو النجوم مفضض ومرصص وكأنما الجوزاء جاريتان تو ... أمتان ذي تشدو وهذي ترقص السرطان وله أنظر إلى السرطان أطلع رأسه ... شرقاً وباقيه إلى الغرب كالعلج أثقله الحديد وقام يهرب ... راجياً فمشى على جنب الأسد وله هل لك في وحش السما من عهد ... في أسد خلاف كون الأسد يبدو لنا عكس جلد الفهد السنبلة وله أما رأيت هيأة العذراء ... كغادة ترقص في السماء بدستبندين على التواء ... قد قلبت ذيلا من الحياء

الميزان

بصورة كصورة العنقاء الميزان وله لميزان النجوم علي وصف ... وقد قسم الكواكب باعتبار كجارية تدلت من يديها ... خيوط في قناديل كبار العقرب وله كواكب العقرب عشرون ... والقلب لمن يعجب من ضبطها وقلبها يحكي على خفقه ... واسطة تلعب في سمطها القوس وله أرى القوس ركب في صورتي ... بهيم وإنسانه المفترس فشبهته خابطاً في الدجى ... براقصة رقصت بالعرس الجدي وله أرى جدي السماء بغير رجل ... ولا كفل له لكن براس ونصف الجدي يظهر من سماء ... كنصف الخشف يبدو من كناس الدلو وله تأمل إلى الدلو في خلقه ... تجد ساقياً قام في مائه يصعب على رجله كأسه ... فيسقى الجنوب بصهبائه

الحوت

الحوت وله الحوت شبوطان مفترقان ... مفترقان لا تعدوهما الأمواه شبهته بقلادة من لؤلؤ ... أو كالقضيب إذا التقى طرفاه ومما جاء في المنازل ما أنشده الشريف أبو الحسن أيضاً فيها لنفسه: الشرطان كأن السما روضات حزن تنزهت ... عن الزمر للدولاب أو عن حياضها ويحكي بها الأشراط وهي ثلاثة ... ثلاث نياق رتع في رياضها البطين كأن البطين إذا ما بدا ... رؤوس مسامير درع البطل كأن كواكبه لويت ... جلاجل من فضة للحمل الثريا كأن الثريا قبة من زبرجد ... ترصع فيها لؤلؤ وجمان كأن الثريا خيمة جذبت بها ... البراقع عن حسن الوجوه قيان كأن الثريا سرب عين من المها ... مطافل في روض لهن تصان وله أيضاً دع في الثريا من صاغها قدما ... فهي وللواضعين منهاج في شرقها قرطق ومغربها ... عقد في أوسط السما تاج الدبران النظر إلى الدبران يحكي فارسا ... في خلقه من فوق أشهب عادي وكأنه يستن خلف كواكب ... هن القلاص بها يسمى الحادي

الهقعة والهنعة

علج إلى قصر الثريا سابق ... عنساً تشتت شملها في وادي الهقعة والهنعة إذا ملك الليل رام السما ... وشب به للدياجي حصان فهقعتها في ميادينها ... كرات وهنعتها صولجان الذراع كأن ذراعا للمنازل إذ بدا ... له كوكبان استشرقا عن كواكبه كميان في الحرب العوان تطاعنا ... فانهل كل رمحه صدر صاحبه النثرة أرى النجوم نصالا ... تلوح في كل حجره ونثرة الليل فيها ... كأنها كم نثره الطرف الطرف طرف للخليفة أشهب ... لا يقتفيه سلاهب وصلادم أجرى اللجين لسرجه ولجامه ... ونجومه المتدرجات براجم الجبهة لم أدر إذ مد الدجى أطنابا ... كواكب الجبهة أم أكوابا ول قومت أشبهت المحرابا ... أربعة كم أهلكت حسابا كأنها ولم تسر صوابا ... كؤوس خمر صفقت ورابا الحرتان الحرتان في الدجى فنيق ... يجمعه والأسد الطريق لوجهه في خندس فريق ... قد قيدت في جريه بروق

الصرفة

كأنه في شرقه بطريق ... تؤمه من الروابي نوق للخمر في يمينه إبريق الصرفة كأنما الصرفة مذ فارقت ... ولم تكد تخلص برج الأسد جارية ساهرة الطرف لا ... تحل من أثوابها ما انعقد العواء ألا إنما العوا تسافر وحدها ... بغير مزادات لماء وراويه وقد كتبت في الشرق لا ما فشكلها ... كمسطرة الحجارة أو جنك زوايه السماك أن السماك قميصه لون السما ... هو أعزل في شكله المترجرج وكأنه ما بين در نجومها ... فص كبير الجرم من فيروزج الغفر ثلاثة أنجم للغفر تحكي ... ثلاثة أوجه لمخدرات سبت ميزانه منهن غزلا ... فهن إليه كالمتلفتات الزبانا كأن الزبانا سنان لرمح ... وما حولها شبه خرصانها فلو جثمت بين أترابها ... لصارت لسانا لميزانها الإكليل شبه لنا الأكليل بالغضن الذي ... قد أوثقته ثماره بوثاق وعصابة قد رصعت بجواهر ... بقيت على رأس النجاشي الباقي

القلب

القلب أرى القلب يخفق البروق ... فقل للذي عنده العدل واجب إذا خفق القلب بالعين فاعذر ... على خفق عين بقلب وحاجب الشولة هذه الشولة التي هي للأقمار ... بنت عقيلة ليس تحجب أن أشالت رجلاً من الخوف ... فاعذر فعلها فهي بين قوس وعقرب النعائم هذي النعائم كالنعام كأنها ... قامت سواء عن فراخ نهض شبهتهن بقينتين عليهما ... بشخانتان من الحرير الأبيض البلدة ما للبليد ما أتى بطائل ... بقوله في بلدة المنازل خذ وصفها من عربي باسل ... مثل الإوز طفن بالمناهل أو كالشهود حول مال مائل ... بالطيلسانات وبالغلائل أو كالعفاة حول بذل النائل ... كشكل ثوب من يمين فاضل سعد الذابح وثلاثة وسمت بسعد ذابح ... هو في السعود كحادث لاثنين وسموه بالسمتين وهو فلا يرى ... منه سوى السكين والحملين سعد بلع تعجبوا من بلع كأنه ... عصى لأعمى حائد عن رشده خاف أخوه عرقا بثوبه ... فلم يزل تتراً ببرده

سعد السعود

سعد السعود لسعد سعود كنز مال ولم تزل ... تقسم في جيرانه منه أقبيه كأن أخاه حامل منه بيرقا ... أمام خباء شاده سعد أخبيه سعد الأخبية أرى طارقاً عن سعد أخبية غدا ... بغير رجوع كفه متجمده وليس يرى منه على بعده سوى ... رؤوس تبدت من ثلاثة أعمده الفرغان السعد بعد السعد من يومه ... وماؤها للخصب مصبوب كأنما الفرغان من خلفها ... حوض لصيد الحوت منصوب بطن الحوت كجرافة بطن حوت السما ... وقد تجد حق تقديرها وتلك النجوم بحافاتها ... أحاطت رؤوس مساميرها وأما جملة (الكواكب والسماء) فإن الله تعالى يقول (زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد) وقيل لأعمى: ما تحب أن ترى قال: وجه السماء قيل له: لم خصصته بذلك دون سائر المرئيات الحسان قال: لأن الله عز وجل قال ولقد زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب فهل أحسن مما وصفه الله عز وجل بأنه زينة. وللعرب في النجوم تشبيهات خافية رغب عنها المولدون والمحدثون فإنهم يشبهونها بالقلاص والبقر والكلاب كما قال شاعرهم في الجوزاء: كراع ساق بين يديه ثورا ... بليداً قد أشال عصى طرود أين هذا من قول ابن المعتز

كأنما الجوزاء في أعلى الأفق ... أغصان نورا ووشاح من ورق ولما كان الحال كذلك عدل عن أشعارهم إلى أشعار المحدثين أبو جعفر بن الأسود وكأن النجوم نقع مثار ... تنجلي عن أسنة لامعات وكأن النجوم نرجس روض ... زاهر في رياضه الخضرات ابن المعتز كأن سماءنا لما تبدى ... خلال نجومها صدأ الصباح رياض بنفسج خضل نداه ... تفتح بينه نور الأقاح شاعر إذ السماء روضة ... نجومها كالزهر والجو صاف لم يكدره ... انتشار البشر الواوا وكأن النجوم أحداق روم ... ركبت في محاجر السودان ابن وكيع والجو صاف قد حكى ... بأنجم فيه غرر جام زجاج أزرق ... قد نثرت فيه در ابن طباطبا كأن السماء استكست الأرض حلة ... منمنة حيكت عليها بمقدار مرصعة بالدر من كل جانب ... يزر عليها في الهواء بازار العسكري أراعي نجوم الليل وهي كأنها ... كواعب ترنو من براقع سندس كأن الثريا فيه باقة سرسن ... وما حولها منهن طاقات نرجس

الخالدي وليلة ليلاء في اللون ... كلون المفرق كأنما نجومها ... في مغرب ومشرق دراهم قد نثرت ... على بساط أزرق أبو الحسن النامي ليلة بتها وحبي أسقى ... عاتقاً مداها الدهور وكأن السماء والبدر والأنجم ... روض ونرجس وغدير الخالدي أرعى النجوم كأنها في أفقها ... زهر الأقاحي في رياض بنفسج ابن بابك نبهته وسنان الفجر معترض ... والليل كالبحر يخفي لجه درره العسكري وتلوح النجوم في ظلمة الليل ... كعاج يلوح في ابنوس السلامي وعهدي بنا والليل ساق ووصلها ... عقار وفوها الكأس أو كأسها فم إلى أن صحونا والنجوم بغربها ... تقض عقود الدر والشرق ينظم السري الموصلي في حامل الكأس من بدر الدجى خلف ... وفي المدامة من شمس الضحى عوض دارت علينا كؤوس الراح مترعة ... وللدجى عارض في الجو معترض حتى رأيت نجوم الليل غائرة ... كأنهن عيون حشوها مرض أبو طالب الرقي ولقد ذكرتك والظلام كأنه ... يوم النوى وفؤاد من لم يعشق وكأن أجرام النجوم لوامعا ... درر نثرن على زجاج أزرق

والفجر فيه كأنه قطر الندى ... ينهل في سح الغمام المغدق شاعر وليل كأن نجوم السما ... به مقل رنقت للهجوع ترى الغيم من دونها حاجبا ... كما احتجبت مقلة بالدموع الوزير المهلبي شربنا غبوقا والنجوم كأنها ... نثار دنانير على أرض سندس علي بن أحمد النعمي وكم ليلة مزقت ثوب ظلامها ... أسامر فيها نجمها وأساهره وقد لاح فيها البدر لابس تاجه ... بنظم الثريا والنجوم عساكره كأن أديم الجو جوشن فارس ... وقد جعلت نثر النجوم تسامره فيا لك من ليل نعمنا بظله ... ويا للمنى في أن تعود نظائره أبو بكر الخوارزمي ولقد ذكرتك والنجوم كأنها ... در على أرض من الفيروزج يلمعن من خلل السحاب كأنها ... شرر تطاير عن يبيس العرفج والأفق أحلك من خواطر كاسب ... بالشعر يستجدى اللئام ويرتجي ابن عاصم العباسي وليل كأصداغ العذارى تطلعت ... كواكبه مثل الثغور البواسم إذا سل فيه البرق سيفا تترست ... كواكبه من خوفه بالغمائم إسحاق المارديني ليل قد اختلفت أشكال نجومه ... كأنهن عيون في الدجى حول العباس بن الأحنف والنجم في كبد السماء كأنه ... أعمى تحير ما لديه قائد

الباب الثامن في آراء المنجمين والفلاسفة الأقدمين في الفلك والكواكب

كان بشار يعجب بهذا البيت ويقول لم يرض أن جعله أعمى حتى جعله متحيراً بغير قائد علي بن محمد الكاتب والبدر كالملك الأعلى وأنجمه ... جنوده ومباني قصره الفلك والنهر من تحته مثل المجرة والرشاء ... يشبهه في مائه السمك الرشاء الحوت هو آخر منازل القمر وحكماء الهند تزعم أن الله عز وجل لما خلق النجوم أقرها في الحوت ثم سيرها منه فلا تزال دائرة حتى تجتمع فيه فإذا اجتمعت هلك العالم ويذكر أنها اجتمعت فيه إلا القليل منها زمن الطوفان. الشيخ شرف الدين المصنف وليل سهرناه كأن سماءه ... بساط من الديباج ينشر أزرق تلوح به غر النجوم كأنما ... تبدد في تلك البسائط زئبق أحمد بن الهاشم بن حديدة قد رصعت زهر النجوم سماءها ... فكأنما هي لؤلؤ موضون وكأنها خلل الظلام رواتبا ... أحداق روم ما لهن جفون وكأنما الفلك المدار على الدجى ... بحر أحاط به وهن سفين شاعر أضحكت قرطاسك عن جنة ... أشجارها من حكم مثمره مسودة سطحا ومبيضة ... أرضاً كمثل الليلة المقمرة الباب الثامن في آراء المنجمين والفلاسفة الأقدمين في الفلك والكواكب العالم عند الفلاسفة عبارة عن كل مخلوق لله عز وجل في السموات والأرض،

وهما عالمان، العالم العلوي وهو من دورة الفلك الأعلى المحيط المسمى بالفلك الأطلس إلى مقعر فلك القمر، والعالم السفلي وهو من فلك النار المتصل بمقعر فلك القمر إلى مركز الأرض، وهذا العالم السفلي يسمى عندهم عالم الكون والفساد وهو أربعة أجرام يسمى الأركان والأستقصات والعناصر أعلاها النار ثم الهواء ثم الماء ثم الأرض وحركتها مستقيمة من الوسط وإلى الوسط يستحيل بعضها إلى بعض على الدوام والاستمرار فمتى كيفت النار استحالت هواء ومتى كيف الهواء استحال ماء ومتى كيف الماء استحال أرضا وبالعكس متى لطفت الأرض استحالت ماء ومتى لطف الماء استحال هواء ومتى لطف الهواء استحال نارا. وجميع الكائنات في الأرض فهي متولدة من هذه الأربعة العناصر بتركيب بعضها ببعض وامتزاج بعضها في بعض بالزيادة في الطبائع والنقصان، وجملة المتولدات في الأرض من هذه العناصر يحصرها ثلاثة أجناس: جماد ونبات وحيوان فهذه جملة العالم السفلي وهو عندهم حادث مركب مستحيل كائن فاسد على الدوام، فأما العالم العلوي فإنه عندهم عبارة عن تسعة أفلاك أعلاها الفلك المحيط المسمى بالأطلس وهو فلك لا كواكب فيه ولذلك سموه أطلس ذو نفس وروح وجسم متحرك على الوسط حركة دولابية من المغرب إلى المشرق في كل يوم وليلة دورة واحدة، يليه فلك الكواكب الثابتة وفيه جميع الكواكب ما عدا السبعة السيارة، ويليه فلك زحل وليس فيه غير كوكب زحل، ويليه فلك المشتري وليس فيه غير كوكب المشتري، ويليه فلك المريخ كذلك ثم فلك الشمس ثم فلك الزهرة ثم فلك عطارد ثم فلك القمر وجميع هذه الأفلاك الثمانية تدور من المشرق إلى المغرب، والفلك الأعلى المحيط يردها قسرا ويديرها من المغرب إلى المشرق في كل يوم وليلة وكذلك ترى الشمس طالعة عليه كل يوم من المشرق،

وجميع هذه الأفلاك التسعة أجسام كريات بسائط مشفات متركبة بعضها في بعض متلاصقة، وكل فلك منها ذو جسم ونفس وعقل يعرف نفسه ويعرف بارئه وكلها متحركة على الدوام حركة دورية دولابية. (البروج والدرج) قدماء الفلاسفة قسمت الفلك الثامن ذا الكواكب الثابتة باثني عشر قسما سمتها بروجا وهي: الحمل الثور الجوزاء السرطان الأسد السنبلة الميزان العقرب القوس الجدي الدلو الحوت، وجعلوا كل برج منها ثلاثين درجة يكون جملتها ثلاثمائة وستين درجة وقسموا كل درجة بستين جزءا تسمى دقائق وكل ثانية بستين جزءا تسمى ثوالث وكذلك إلى الروابع والخوامس والسوادس إلى غير نهاية. وبحلول الشمس وانتقالها في هذه البروج يكون اختلاف فصول الزمان إلى غير ذلك مما يحدث في عالم الكون والفساد من نشوء واضمحلال الجماد والحيوان والنبات. وبحلول الكواكب السبعة السيارة أيضاً في هذه البروج تختلف أحوال جزيئات حوادث العالم السفلي في كل ما يفسد منه أو يتلون بل وفي كل تغير يظهر فيه من حركة أو سكون. (في ماهية الكواكب) قال ارسطو طاليس ليست مادة الكواكب مادة نارية ولا أرضية ولا من غيرهما من الطبيعة لكنها من مادة عالية جوهرية شفافة صلبة قوية غير خفيفة ولا ثقيلة ولا متغيرة ولا مستحيلة ومن أجل ذلك صارت طبيعة خامسة منفردة واجراما منيرة متوقدة وثبتت في مواكزها لا منحدرة ولا صاعدة.

(في دوارن الفلك على الأرض) الفلك المحيط يدور على قطبين القطب الشمالي والقطب الجنوبي ودورانه على الأرض بحركة دولابية فيكون نصفه أبداً تحت الأرض ونصفه فوق الأرض فيكون في دائم الأوقات ستة بروح طالعة بدرجها فوق الأرض بالنهار وستة بروج غاربة بدرجها تحت الأرض بالليل لأنا قلنا أنه يدير بدورانه كل ما دونه من الأفلاك وفلك البروج معها وعلى طلوع هذه البروج والدرج وغروبها تنبني علوم التعاديل وسائر علوم المنجمين وللقطبين فيما ذكره الفلاسفة والمنجمون خواص عجيبة. (خواص القطب الجنوبي) (الأولى) أي أنثى من الحيوان على العموم إذا كانت حاملا وعسرت عليها الولادة فنظرت إلى القطب الجنوبي وإلى سهيل ولدت على المكان بعقب وقوع عينها عليه أما في الإنسان فبأن يقصد النظر إليه وأما في سائر الحيوان فبأن يتفق وقوع نظره عليه. (الخاصية الثالثة) إذا أردت قتل الذباب الكبار فخذ أصل خربق أسود وقم حيال كوكب سهيل ثلاث ليال متوالية وارم بأصل الخربق وقل هلك نسل الذباب تقول

ذلك مرارا في كل ليلة تستحق أصل الخربق كله وتدقه مع عيدانه وعروقه واصله ثم أخلطه بماء قراح ورشه في البيت والدار فأن الذباب يموت أن شم رائحته أو دنا منه. (الخاصية الرابعة) إذا كثر خروج الثآليل في بدن الإنسان وأراد قلعها فليأخذ لكل ثؤلول على بدنه وزنه من ورق الغرب أو لكل ثلاثة منها أو أربعة ثلاثة أو أربعة على عددها ويأخذ الورق بيده اليسرى ويومئ بها إلى القطب الجنوبي أو إلى كوكب سهيل فهما في الخاصية واحد وتقول هذا الورق يقطع الثآليل التي على تقول ذلك اثنتين وأربعين مرة في ليلة أو أكثر من ليلة ثم تدق الورق في هاون من أسبيدريه وتجعله على الثآليل فإنها تجف وتنفرك. (الخاصية الخامسة) النظر إلى القطب الجنوبي وإلى سهيل معا في وقت واحد يزيل الماليخوليا وذلك بأن ينظر العليل إلى هذا القطب ويديم النظر إليه ليلة بعد ليلة دواما كثيرا وقد جرب فصح وهذا مما يدل على أن لهذا القطب وهذا الكوكب خاصية في أحداث الطرب والسرور في الناس ولذلك أن الزنج لما كانوا متقاربين من مدار سهيل كان فيهم الطرب الشديد. (الخاصية السادسة) المرأة التي بها عطل الأرحام عن برد ورطوبة إذا قامت وهي تنظر إلى القطب الجنوبي وإلى الكوكبين الصغيرين الذين عن جنبيه ونظرت إلى سهيل أيضاً أن كانت في موضع تراه وأومأت بيدها اليمنى إلى القطب

فقبضت يدها وخمسة أصابع كأنها تريد أخذ شيء من الهواء وضمت أصابعها إلى راحتها ثم أومأت بها إلى فرجها ثم كررت هذا الفعل سبع مرات في ليلة السبت ثم كذلك تفعل سبع مرات في سبع ليال أخر آخرهن ليلة الجمعة التي بعد ذلك السبت وهي تفعل ما ذكرناه في كل مرة تقبض على راحتها بأصابعها الخمسة وتقول: أخذت بيدي هذه قوة من القطب الجنوبي وكواكبه الجنوبية وأشفيت به رحمي بإذن هذه الجواهر الروحانية المقدسة فإن هذه العلة تزول عن رحمها وعلامة ذلك أنها تدخل الحمام بعد أربع ليال من هذا الفعل وتدخل البيت الحار من بيوت الحمام فتنظر إلى رحمها، يسيل منه رطوبة كريهة الريح وتفعل ذلك في يوم السبت الثامن من ابتداء عملها وتفعل كذلك في دخول البيت الحار فإنها ترى مثل تلك الرطوبة قد سالت منها وأكثر وأنتن ريحا وهو من العجائب المجربة. (الخاصية السابعة) إذا عض الإنسان كلب كلب وأخذ المعضوض قطعة من لبد معمولة ببلاد الترك خاصة فبلها ببول كلب أسود ثم أخذها بيده وقام حيال سهيل والقطب الجنوبي وأومأ بالليل نحوهما وخاطبها وقال: هذا اللبد التركي أجعله على موضع هذه العضة التي عضنيها الكلب لتشفيني بها الكواكب من هذه العضة اشفني بحق الشمس. وتكلم بذلك أربع عشرة مرة وأشار بقطعة اللبد باليد اليمنى نحو الكوكب والقطب جميعاً ثم يشد اللبد على موضع العضة فإنه يسيل من ذلك الموضع بعد ثلاث ساعات من الزمان رطوبة قبيحة المنظر والريح كأنها ماء اللحم تضرب إلى السواد ثم بعدها رطوبة لزجة بلغمية ثم يقلب اللبد ويضعه على العضة مرة أخرى إلى تمام اثنتي عشرة ساعة محسوبة فإنه يحصل له الشفاء وأن عاد الوجع فليعاود ذلك

العمل بقطعة أخرى من اللبد غير القطعة الأولى ويعاود شدها على الموضع فإنه يبرأ وليكن قيامه حيال القطب وكلامه ذلك والقمر أما في الثور وأما في السرطان مقارنا للمشتري أو متصلا به اتصالا قوياً. (الخاصية الثامنة) النظر إلى القطب الجنوبي وإلى سهيل معا يشفي من الظفرة التي تظهر في العين وذلك بأن يديم النظر أليهما ويحدق نحوهما ثم يعطف رأس إصبعه السبابة اليمنى نحو عينيه، يفعل ذلك ليالي متوالية أولها ليلة الثلاثاء ويدمن ذلك ولا يقطعه إلى أن تزول الظفرة، فإنها تذهب إلى تمام أثنين وأربعين يوما أو سبعة وأربعين يوما. وليكن هذا النظر والتحديق بالليل ويجب أن يكون أكله من أول النهار إلى زوال الشمس كل يوم من هذه الأيام التي يعالج بها نفسه. (الخاصية التاسعة) للبياض الحادث في العين من القروح يقوم العليل مستقبل القطب الجنوبي وكوكب سهيل في ليلة اتصال القمر بعطارد مقارنا له أو إلى أحد بيتيه، ثم يقول يا كوكب سهيل وأهل عالم القطب العظيم هذه عيني وهي في أيديكم أقلعوا منها هذا البياض الذي قد آذاني، ونغص على حياتي وأريحوني يا أهل العالم العلوي أقلعوا هذا من عيني بقدرتكم آمين، يديم هذا الكلام أربع عشرة ليلة في كل ليلة من الترداد ما أمكنه فإنه يبرأ. (الخاصية العاشرة) الجمال ذكورها وإناثها إذا وقعت عينها بالاتفاق على القطب الجنوبي أو على سهيل ماتت في الحال فجاءة أو مرضت ثم تموت، الجمل الذي يموت من ذلك يصلح لأعمال كثيرة وله خواص (الأولى) أن المرأة التي أحتبس

طمثها أن تحملت في قطنة بشيء من دمه أو من مرارته أدر طمثها (الثانية) أن سحق شيء من عظامه من أي موضع كان من جسمه وطلي به رأس المصروع ملتوتا بزيت أذهب عنه الصرع (الثالثة) أن أخذ من دماغه مثقال وأذيب بشراب متوسط وسقي المصروع من هذا المثقال تمام ربعه ويتبعه حتى يشرب تمام المثقال في أربعة أيام زال عنه الصرع البتة، وأن شرب هذا المثقال مع الشراب من عرض له حذر أو لقوة أو سكتة زال، وأن شرب منه من عرض له خناق في حلقه زال عنه (الرابعة) كبد هذا الجمل إذا أكل منه شيئاً من ابتدأ به نزول الماء في عينيه ثلاثة أيام متوالية زال عنه الماء البتة (الخامسة) أن أخذ من عروقه فجفف وسحق وخلط بخل ورش في دار فيها القردان قتلت بالكلية (السادسة) أن جفف شئ من طحاله وأخذ منه وزن درهم وسحق وسقي بشراب لمن ضعفت فيه شهوة الطعام وضعفت معدته قويت معدته وزال ضعفها، فإن لم يحصل ذلك في دفعة واحدة فليعاود شرب درهم ثان وثالث إلى أن يحصل الشفاء. وأن أخذ من لحم هذا الجمل شئ مع جلده وعروقه وأعصابه وأحرق بالنار بخشب الطرفاء وجمع الرماد وترك حتى يبرد وجمع في أناء زجاج وغمر يوما وليلة وسقى منه درهم لضعف المعدة وشدة الوجع أزال وجع المعدة (السابعة) إذا أحرق بعض أجزاء هذا الجمل بخشب العوسج مع العظم والعصب والعروق والجلد والشعر أو شيء من أحشاء جوفه وأخذ من هذا الرماد ومن المرارة على جهتها ربع مثقال وخلطا وبلا بخل وطليا على موضع من البدن الذي يراد أن لا ينبت الشعر فيه خلق منه، ولم ينبت في ذلك الموضع شعر البتة، وأن طلي بهذا الرماد من في أسفل بدنه قوبة أو بواسير جففها وذلك بعد طليات عدة أما ثلاثا أو أربعا ويجب أن يطلى ذلك على البدن بخمر جيدة مكان الخل

(الثامنة) أن أخذ من كبد هذا الجمل جزء ومن دمه وخلطا بالدق وخلط الجميع بخمر وأضيف أليها بعد الخمر شئ من أشنان جيد مطحون وطلي بها على الرجل المنقرس وساقيه نفعه نفعا بينا، وأن أديم طلاء ذلك عليه أزال الوجع البتة، وأن طلي على الأظفار خاصة وكان فيها تعقف أو سماجة أو تعسر أو وجع أزال ذلك كله (التاسعة) أن قلع ذكر هذا الجمل وعلق كما هو بخيط أبريسم أحمر على من لا يطيق القرب من النساء قوي على الجماع وينبغي أن يكون تعليقه على العصعص (العاشرة) المرأة العاقر يأخذ زوجها من مخ هذا الجمل مخلوطا بشيء من سنامه ويذيبه على النار ويطلي به ذكره طليا كثيرا ويجامعها فإنها تحمل من ذلك الجماع. وأن أخذت مثانة هذا الجمل وجففت وسحقت وخلطت بشيء من شحم سنامه وطلي الرجل بها ذكره وتحملت المرأة منه شيئا بعد الجماع بقطنة فإنها تحمل ولو كانت عاقراً (الحادية عشرة) إذا أردت أن تبطل حس أي موضع شئت من بدن الإنسان فخذ من دماغ هذا الجمل مثقالا ومن سنامه مثقالا وأخلطهما بشيء من ماء الزرع المعتصر، وأجعل الجميع على نار لينه حتى يختلط الكل ويشرب بعضه ويطلي بعضه على الموضع فإنه يبطل حس جميع البدن وتبطل حركته (الثانية عشرة) يؤخذ من لحمه وشحمه وسنامه رطل ونصف من الكل ويعتصر ماء البصل الرطب ويطبخ اللحم والشحم والسنام منه طبخا يسيرا إلى أن يبقى من ماء البصل نصفه، ثم ثم يطلي من تلك المرقة من به داء الثعلب على رأسه طليات عدة ويدخل بعد ذلك الحمام فإنه يبرأ (الثالثة عشرة) من اعتاده سهر مفرط وأخذ من دماغ هذا الجمل دانقين ومن شحم جوفه درهما وأربعة دوانيق ومن عظم العصعص نصف درهم فخلط بعضها ببعض بالسحق ثم صب عليها يسيرا من خمر جيدة حديثة

وطلي منه يافوخه وشمه وطلي منه على خياشمه أزال السهر عنه ونام (الرابعة عشرة) متى يقطع فخذ هذا الجمل مع ساقه وخفه ونصبه في موضع ينتابه الوحش نفر من ذلك الموضع الضباع والذئاب، ولم تقربه ويجب أن ينصب والقمر مقارن المريخ ناقص الضوء. (وأما القطب الشمالي) فله خواص ذكرها مكلوشا وغيره (الأولى) النظر إلى القطب الشمالي وإلى الدب الأصغر يشفى من الجرب في العين والرمد وذلك بأن يقوم العليل ليلة الأحد إذا ظهرت النجوم بعد ساعة من غيبوبة الشمس حيال القطب الشمالي والدب الأصغر فيحدق إليهما، ويأخذ ميلا من فضة مغموساً في عرق الورد الخالص، ويكحل به العين الرمدة والجربة ثم يقول: يا أهل عالم القطب الشمالي ويا كوكب القطب الشمالي أشفوا عيني من هذه العلة التي أنا متأذ منها وعليل من أجلها وأريحوني وارحموني يا رحماء وأقلعوا هذا الجرب وهذا الرمد من عيني هذه التي هي ضيائي بين أبناء البشر. يقول هذا وهو يكحلها بالميل بعرق الورد وينظر إلى القطب وإلى الكواكب الذي حوله يفعل ذلك من ليلة الأحد إلى ليلة الأحد يكتحل في كل ليلة ما أمكنه وكلما كان الاكتحال أكثر كان أجود فإن الجرب والرمد ينقلعان ألا أن ذهاب الرمد أسرع من ذهاب الجرب (الثانية) النظر إلى هذا القطب وما حوله من الكواكب يشفي من اليرقان الشديد وذلك بأن يضع يده التي مدها على كبده ويقول: يا كوكب القطب الشمالي أشفني من علتي هذه آمين. ويبتدئ من ليلة الجمعة إلى ليلة الجمعة وأن صعبت وأن صعبت العلة فليقل بالكلام ويضع يده اليسرى على كبده ويتمرغ عل الأرض سبع مرات

وعليه ثيابه، ثم يقوم عقيب كل مرة يتمرغ ويضع يسراه على كبده ويقول الكلام فإنه يستجاب له ويبرأ (الثالثة) قالوا أن الأسد والنمر والذئب إذا مرضت قامت حيال هذا القطب وأطالت النظر إليه فشفيت، واللبوة إذا حملت نالها شيء وربما بقيت ثلاثة أيام لا تأكل شيئاً فتأتي إلى نهر فيه ماء جار له عين ينبع منها ماء فتقوم في الماء إلى نصف ساقيها وتنظر إلى القطب الشمالي فتبرأ من وجعها (الرابعة) أي جرح كان بإنسان أو جراح أو ورم وآذاه فعمد إلى ذلك الموضع من بدنه فصور فيه صورة سمكة بزرقة أو خضرة ونقط بدنها كله بنقط خضر وزرق، وقام بالليل حيال القطب الشمالي ووضع في نفسه أنه يخاطب الكواكب المطبقة السبعة فقال: أيتها الكواكب المقدسة الشمالية الباعثة بالروح والحياة إلى أبناء البشر كفوا هذا الورم عن الزيادة وأشفوني منه وأعفوني غائلته وسوء عاقبته. ويتفل على السمكة المصورة يفعل ذلك ليالي أولها ليلة الأحد إلى ليلة الأحد المقبل، فإن الورم أما أن يقف وأما أن يزول بالكلية. (الخاتمة) قالوا قد ينتفع بهذين القطبين وما حولهما من الكواكب في شفاء العين أما الباردة وأما رطبة كانت أو يابسة فتعالج بالقطب الجنوبي بما ذكرناه من العلاج وأما الحارة فإنها تعالج بالنظر إلى القطب الشمالي وهذا قانون مطرد. (القول في الدراري السبعة) اتفق المنجمون على توزيع كل ما في هذا العالم من الألوان والطبائع والروائح والطعوم والخواص والأفعال والأخلاق وغيرها من الأحوال على الكواكب السبعة المتحجرة ألا انهم قالوا قلما ينفرد كوكب واحد بالدلالة على الشيء وإنما يشترك فيه كوكبان أو أكثر وذلك لوجود كيفيتين فيه كالذي يكون لزحل بسبب برودته ولعطارد بيبوسته، وربما أشترك في الشيء

الواحد عدة كواكب لحصول عدة كيفيات فيه، وقد يكون الجنس الواحد مضافا إلى كوكب واحد بحسب جنسية آخر كالزهرة الدالة على جهة الرياحين لأجل طيب روائحها ثم شاركها المريخ في الورد الشوك في شجرته والحمرة في لونه والحدة المثيرة للزكام في رائحته ويشاركها المشتري في النرجس وزحل في الآس والشمس في النيلوفر وعطارد في الشاهسفرم والقمر في البنفسج، وقد تنقسم أبعاض الشيء الواحد على الكواكب مثل شجرة واحدة فإن أصلها للشمس وعرقها لزحل وشوكها وقشورها وأغصانها للمريخ وزهرها للزهرة وثمرها للمشتري وورقها للقمر وحبها لعطارد، فهذا هو القول الكلي في هذا الباب ونذكر الآن ما لكل واحد على التفصيل وهو مقوم إلى ثلاثين نوعا. (النوع الأول في الطعوم) زحل له البشاعة والعفوصة والحموضة الكريهة والنتن. المشتري له الحلاوة والمذاقة الطيبة ز المريخ له المرارة. الشمس لها الحرافة. الزهرة لها الدسومة. عطارد له ما أختلط من الطعمين. القمر له الملوحة والتفاهة والحموضة اليسيرة. (النوع الثاني الألوان) زحل له السواد الحالك وما مازج سواده صفرة واللون الرصاصي والظلام. المشتري له الغبرة والبياض المشوب بصفرة وسمرة والضياء والبريق. المريخ له الحمرة المظلمة. الشمس لها الضياء والسفرة والصفرة. الزهرة لها البياض الناصع والسفرة والأدمة وقيل لها الخضرة. عطارد له ما تركب من لونين كالدكية والأسمانجونية القمر له الزرقة والبياض الذي لم يخلص من حمرة أو صفرة أو كدورة أو كمودة.

(النوع الثالث الكيفيات الملموسة) زحل له ابرد الأشياء وأصلبها وأيبسها وأمتنها. المشتري له أعدل الأشياء وألينها وأحسنها وأطيبها وأسلسها. المريخ له أحسن الأشياء وأخبثها وأحدها. الشمس لها أكمل الأشياء وأشرفها وأشهرها وأكرمها. الزهرة لها أنعم الأشياء والذها وأجملها. عطارد له الممتزج من الكيفيتين من هذه الكيفيات. القمر له اغلظ الأشياء وأكثفها وأرطبها. (النوع الرابع المقادير) زحل له القصر واليبوسة والصلابة والثقل. المشتري له الاعتدال والخثورة والملاسة. المريخ له الطول والملاسة والخثورة والحفاف والحسومة. الشمس لها الاستدارة واللمعان والتخلخل. الزهرة لها السيلان واللين. عطارد له ما يتركب من كيفيتين بين هذه الكيفيات. القمر له الغلظ والرطوبة والتكاثف. (النوع الخامس الأمكنة) زحل له الجبال اليابسة التي لا تنبت. المشتري له الأرضون السهلة المريخ له الأرضون الخشنة. الشمس لها الجبال ذوات المعادن. الزهرة لها الأرضون الكبيرة والأنهار والمياه. عطارد له الرمال. القمر له كل قاع وأرض مستوية. (النوع السادس المساكن) زحل له الأسراب والنواويس والآبار والأبنية العتيقة والصحاري والسجون ومرابط الثيران والحمير والخيل ومرابط الفيلة. المشتري المساكن العامرة ومنازل الأشراف والمساجد والبيع والكنائس

ومساجد العبادة وبيوت المعلمين، المريخ مواضع النيران وحيث يصنع الفخار. الشمس بيوت الملوك والسلاطين. الزهرة الأماكن المرتفعة والطرق التي فيها المياه الكثيرة. عطارد الأسواق والدواوين وبيوت المصورين وما يقرب من البساتين. القمر المكان الندي ومضارب اللبن والمساكن التي يبرد فيها الماء والأنهار التي تنبت فيها الأشجار. (النوع السابع البلاد) زحل أرض السند والهند والزنج والحبشة والقبط والسودان ما بين الجنوب والمغرب واليمن والمغرب. المشتري أرض بابل وخراسان والترك والبربر إلى الغرب. المريخ أرض الشام والروم وما كان فيما بين المغرب إلى الشمال. الشمس الحجاز والصين وبيت المقدس وجبل أينان وأرمينية وايلان والديلم وخراسان إلى الصين. الزهرة بابل وأرض العرب والحجاز وكل بلد بلد في جزيرة أو وسط أجمة. عطارد مكة والمدينة وأرض العراق والديلم وجيلان وطبرستان. القمر الموصل وأذربيجان وعوام الناس في كل موضع. (النوع الثامن المعادن) زحل له المرتك وخبث الحديد والحجارة الصلبة. المشتري المرقشيثا والتوتيا والكباريت والزرنيخ الأحمر وكل حجر أبيض وأصفر وحجر مرارة البقر. المريخ المغناطيس والسنبادج والزنجفر. الشمس اللأزورد والرخام والكباريت والزجاج الفرعوني والسندروس والزفت. الزهرة المغنيسيا والكحل. عطارد النورة والكهرباء والزرنيخ والزئبق. القمر الزجاج النبطي والأحجار المتشققة وكل حجر أبيض والروسخنح. (النوع التاسع الفلزات) زحل الأسراب. المشتري الرصاص القلعي والاسبيدريه والشبه الفائق

والمس. المريخ الحديد. الشمس الذهب الإبريز والمناطق المحلاة باليواقيت والجواهر وكل حجر ثمين. الزهرة النحاس واللؤلؤ والزبرجد والجزع والحلي المرصع بالجواهر وأواني البيت من ذهب وفضة أو رصاص أو نحاس ألا الحديد. عطارد الفيروزج والصفر الرديء وكل آنية معيبة والزئبق المعقود. القمر اللؤلؤ والبلور والخرز والفضة والدراهم والاسورة والخواتيم. (النوع العاشر الفواكه والحبوب) زحل له الفلفل والشاه بلوط والزيتون والزعرور والرمان الحامض والعدس والكتان والساهدانج. المشتري له الرمان الحلو المليسي والتفاح والحنطة والشعير والذرة والأرز والحمص والسمسم. المريخ له اللوز المر والحبة الخضراء. الشمس لها الأترج والأرز الهندي الزهرة لها التين والعنب والشعير والحلبة. عطارد له الباقلاء والماش والكراويات والكزبرة. القمر له الحنطة والشعير والقثاء والخيار والبطيخ. (النوع الحادي عشر الأشجار) زحل العفص والهليلج والزيتون والفلفل والخروع وكل شجر كريه الطعم منتن الريح وكل شجرة ذات ثمر خشنة القشر صلبة كالجوز واللوز. المشتري له كل شجرة لها ثمرة قليلة الدسم كالتين والخوخ والمشمش والأجاص والنبق وهو شريك الزهرة في الفواكه. المريخ له كل شجرة لها ثمر حار كثير الشوك لثمرها نوى أو قشر ويكون طعمه حريفا أو حامضا كالكمثرى والخس والعوسج. الشمس لها كل شجرة جافية لثمرها دسم كثير يلبسها يبوسة كالنخل والفرصاد والكرم. الزهرة لها كل شجرة لينة الملمس طيبة الرائحة حسنة المنظر كالسرو والساج والتفاح والسفرجل. عطارد له كل شجرة

قوية الرائحة. القمر له كل شجرة صغيرة الساق ذات شعب وله الرمان الحلو والعنب. (النوع الثاني عشر النباتات) زحل له كل حب بارد يابس. المشتري له الزهر والورد وكل نبات أرج الرائحة. المريخ له الخردل والكراث والبصل والثوم والسداب والجرجير والحرمد والفجل والباذنجان الشمس لها قصب السكر والمن والترنجبين. الزهرة لها الحبوب اللينة والأدهان والحلاوي وكل نبت أرج ذي ألوان له بهجة في المنظر. عطارد له البقول والقصب. القمر له العشب والحلفاء والبرابي ومزارع القطن والكتان وما لا يقوم على ساق كالقثاء والبطيخ. (النوع الثالث عشر الأغذية والأدوية) زحل له الأغذية والأدوية الباردة اليابسة التي في الدرجة الرابعة لاسيما المخدرة. المشتري له ما يكون معتدلا في الحرارة والرطوبة ويكون نافعا محبوباً. المريخ له ما يكون سميا ضاراً وتكون حرارته في الدرجة الرابعة. الشمس لها ما نقصت حرارته عن الدرجة الرابعة وتكون نافعة ومستعملة. الزهرة لها ما يكون معتدلا في البرد والرطوبة ويكون نافعاً لذيذا. عطارد له ما تفضل يبوسته على برودته وليست في الغابة وتكون مجتنبة لا تنفع ألا أحيانا. القمر له ما تفضل برودته على رطوبته وهي تنفع أحيانا ولا تستعمل دائماً. (النوع الرابع عشر القوي) زحل له القوة الماسكة. المشتري له القوى الغضبية. الشمس لها القوة الحيوانية. الزهرة القوة الشهوانية. عطارد القوة الفكرية. القمر القوة الطبيعية.

(النوع الخامس عشر الحيوانات) زحل له الحيوانات السود وما يأوي إلى جحر تحت الأرض والبقر والمعز والنعام والسنجاب والنمور والسنانير والفيران واليرابيع والحيات العظام السود والعقارب والبراغيث والخنافس. المشتري له الناس والبهائم الأهلية وذوات الأظلاف والأخلاف من الضأن والثيران والإبل وكل دابة حسنة اللون أو طيبة اللحم مما يؤكل وما كان متعلما وذا حياء من الأسود والنمور والفهود. المريخ له الأسود والنمور والذئاب والخنازير البرية المتوحشة والكلاب وكل سبع خبيث والحيات والأفاعي. الشمس لها الغنم والخيول العراب والأسود والتماسيح. الزهرة لها كل ذي حافر أبيض أو أصفر من الوحوش ولها الحيتان. عطارد له الكلاب المعلمة والحمير والبغال والثعالب والأرانب وكل حيوان صغير أرضي أو مائي. القمر له الإبل والبقر والشاء وكل ما استأنس بالناس. (النوع السادس عشر الطيور) زحل له طير الماء وطير الليل والغربان والخطاطيف السود والذباب. المشتري له كل طير مستوي المنقار يأكل الحب الذي لا يكون أسود والحمام والدراج والطواويس والديوك والدجاج. المريخ له كل الطيور المعقفة المناقير وكل طائر أحمر والزنابير. الشمس لها العقارب والبازي والديوك والقماري. الزهرة لها الفواخت والوراشين والعندليب والجراد وما يؤكل من الطير. عطارد له الحمام والعصفور والبزاة وطيور الماء. القمر له البط والكراكي وكل طائر ضخم وله الدجاج والعصافير والدراج. (النوع السابع عشر الأعضاء البسيطة) زحل له الشعر والجلد والظفر والريش والصوف والعظام والمخ والقرن.

المشتري له الشريانات القابضة والنطفة والمخ. المريخ له الأوردة. الشمس لها الدماخ والعصب والجانب الأيمن من البدن. الزهرة لها الشحم واللحم والمني. عطارد له العروق القابضة. القمر له الجانب الأيسر من البدن. (النوع الثامن عشر الأعضاء المركبة) زحل له الاليتان والدبر والمصارين والبول والعذرة والركبتان. المشتري له الفخذان والأمعاء والرحم والحلق. المريخ له الساقان والمرارة والكليتان. الشمس لها الصدر والرأس والجنب والفم والأسنان. الزهرة لها الرحم والمذاكير وآلات المباضعة. عطارد له اللسان. القمر له العنق واليدان. (النوع التاسع عشر آلات الحس) زحل السمع. المشتري اللمس. المريخ الشم. الشمس البصر. الزهرة الشم وآلات الاستنشاق. عطارد الذوق. القمر البصر والذوق أيضاً. قالوا والأذن الأيمن لزحل والأيسر للمشتري والمنخر الأيمن للمريخ مع العين اليمنى والمنخر الأيسر للزهرة واللسان لعطارد يشركه القمر والعين اليسرى للقمر. (النوع العشرون الأسنان) زحل له الشيخوخة. المشتري والقمر والمريخ لهم الثلاثة الشباب. الشمس لها وسط العمر. الزهرة لها وقت البلوغ. عطارد والقمر لهما الطفولة. قال أبو الحسن كوشيار في كتابه مجمل الأصول في علم النجوم المولود يتولى أمره من وقت مولده القمر أربع سنين لأن بد ن المولود حينئذ رطب سريع النمو وأكثر غذائه مائي ثم يتولاه عطارد عشر سنين فيقوي فيه سهم النفس وينغرس فيه غروس التعاليم ويتبين فيه أصول الأخلاق وخواص الأعمال التي يحدث منها التعلم والأدب، ثم تتولاه الزهرة ثمان سنين فتبتدئ فيه حركة المني ويتحرك إلى أمور

الجماع والعشق والانخداع، ثم تتولاه الشمس تسع عشرة سنة فتصير النفس مستولية على الأعمال قادرة عليها وينتقل من الهزل واللعب إلى الوقار وصيانة النفس، ثم يتولاه المريخ خمس عشرة سنة فيحدث فيه صعوبة المعاش والهموم والفكر ونفسه تحس بالانحطاط وتزيد في حرصه، ثم يتولاه المشتري اثنتي عشرة سنة فينصرف عن مباشرة الأعمال بنفسه والكد والاضطراب ويلزم حسن المذهب واكتساب الذكر الجميل، ثم يتولاه زحل إلى آخر العمر فيعرض لبدنه البرد والكسل وعسر الحركة إلى الشهوات ويتبين فيه الانحطاط وقلة الاحتمال فأي كوكب من هذه الكواكب كان أقوى في أصل المولد وأسعد كان تأثيره وما يدل عليه في وقت تربيته أظهر وأبين قال وهذه سنون ومقادير أتفق عليها أهل هذه الصناعة والفرس يسمونه أبردارات. (النوع الحادي والعشرون الأنساب) زحل الآباء والأجداد والأخوة الأكابر والعبيد. المشتري الأولاد وأولاد الأولاد. المريخ الاخوة الأوساط. الشمس الإماء والأخوة الأوساط والموالي. الزهرة النساء والأمهات. عطارد الأخوة الأصاغر. القمر الأمهات والخالات والأخوات الأكابر. (النوع الثاني والعشرون الصور) أما زحل فأنه إذا كان في درجة طالع مولد دل على أن صاحبه قبيح المنظر ممشوق عبوس عظيم الرأس أقرن صغير العينين واسع الفم غليظ الشفتين كثير الشعر أسود متغير اللون إلى الأدمة والسواد أوقص ضخم الكفين قصير الأصابع ملتوي الساقين عظيم القدمين. المشتري صاحبه حسن الجسم ملتئم الوجه غليظ الأرنبة قاني الوجنتين عظيم

العينين فيهما شهلة خفيف اللحية. المريخ صاحبه طويل الظهر عظيم الهامة صغير العينين والأذنين والجبهة حديد النظر أزرق قليل اللحم أحمر الشعر سبطه. الشمس عظيم الهامة سمين أبيض مشرب حمرة سبط الشعر في بياض عينيه شقرة قوي البدن. الزهرة صاحبها صبيح ملتئم الوجه أبيض مشرب حمرة سمين ذو تمكن كثير اللحم حسن العينين أسودهما وسوادهما أكثر من بياضهما صغير الأسنان مليح العينين قصير الأصابع غليظ الساقين. عطارد صاحبه حسن القامة آدم يضرب إلى الحمرة مليح ضيق الجبهة غليظ الأذنين حسن الحاجبين مقرون حسن الأنف واسع الفم صغير الأسنان خفيف اللحية رجل الشعر دقيقة حسن النطق طويل القدمين. القمر أبيض جميل اللون صبيح الوجه مدور الوجه تام اللحية في رأسه قرع وله فيه ذؤابة مليح الشعر. (النوع الثالث والعشرون في الأخلاق الباطنة) زحل صاحبه متوحش فزع مقلب جبان بخيل مكار حقود منقبض جبار موسوس لا يعلم أحد ما في نفسه ولا يحب الخير لأحد. المشتري حسن الخلق ملهم العقل حليم عظيم الهمة ورع منصف موصوف بالرئاسة على الأمصار حريص على العمارات. المريخ له اضطراب الرأي وقلة الثبات والخرق والجهل والحمق والشر وقلة الورع. والشمس له العقل والمعرفة والفهم والبهاء والزهو والاستطالة والعظمة والثناء الحسن ومخالطة الناس والانقياد لهم وسرعة الغضب. الزهرة لها حسن الخلق والبهجة والشهوة وحب الغناء واللهو واللعب والصلف والترف والتجمل والعدل والطمأنينة لكل أحد. عطارد له الذكاء والفطنة والحكمة والسكينة والوقار والعطف والرأفة والحفظ والثبات في كل أمر والحرص على الديانة وكتمان السر والمحمدة ورعاية حقوق الأخوان والكف عن الشر. القمر

له سلامة القلب والانطباع بطباع الناس فيكون ملكاً مع الملوك وسوقيا مع السوقة كتوم السر يشتهي الجمال والمدح كثير الانبساط إلى الناس مكرم النفس قوي العقل. (النوع الرابع والعشرون في الأفعال الظاهرة) زحل من كان طالع مولده كان صادق القول والمودة صاحب التؤدة والتجارب بعيد الغور كتوم السر إذا غضب لم يملك نفسه مصر على فعله. المشتري صادق القول فهم شهم النفس صادق المودة متورع كاره الشر. المريخ صاحب الجسارة والأقدام على اللجاج والمشقة وفحش اللسان الطيش والخداع. الشمس صاحب اللطافة وحب الاشتهار والقوة والغلبة والحدة مع سرعة الرجوع. الزهرة السخاء والحرية والرقة على الأخوان والطاعة لهم والعجب والزهو وقوة البدن ومنعة النفس وحب الأولاد وبرهم. عطارد صاحب الصبر والظرف وبعد الغور وتلون الأخلاق وحب الإطلاع على الأسرار والحرص على الديانة والذكر وطاعة الله عز وجل مع المكر والخداع. القمر يكون طيب النفس كثير الكلام أحيانا أكبر همته اليسار وإظهار المروءة. (النوع الخامس والعشرون في الأفعال والطبائع) زحل له العدمة الطويلة والفقر الشديد والثروة مع البخل على نفسه وغيره والعسر والكند والشدائد والهموم والحيرة وإيثار العزلة والاستعباد للناس بالظلم واستعمال الفسق والحيل والبكاء والحزن. المشتري له معونة الناس والإصلاح بينهم وبذل النصفة منهم وإظهار السرور لكل من يقاربه والتمسك بالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصدق الرؤيا وكثرة الضحك والنكاح والمزاح وشدة الرغبة في المال

والمشغلات والتعزز بالنفس. المريخ له العزلة والأسفار والخصومة والحرب وأعمال الشر وقلة الخير وإفساد الأشياء الصالحة والكذب والنميمة والأيمان الكاذبة وكثرة الشهوة للنكاح الفاحش والحرص على القتل والغضب والأباق. الشمس لها الحرص على الرئاسة والرغبة في جمع المال والاهتمام بأمور المعاد والاقتدار على الأسرار وقهر ذوي المعاصي فيضر وينفع ويخفض ويرفع ويسئ إلى من عاداه غاية الإساءة حتى يشقي ويسعد من يوده فإذا كانت في شرفها دلت على الملوك وإذا كانت بالضد فعلى الذي زال عنهم الملك. الزهرة لها البطالة والضحك والاستهزاء والرقص وحب الخمر واللعب بالشطرنج والنرد وكثرة الأيمان والكذب والخداع والتصدي للرجال والتأنيث وكثرة النكاح من وجوده سبعة في الدبر والسحق وحب الرياء والبغاء. عطارد له حسن التعلم للأدب والعلوم الدنيوية والوحي والمنطق وهو حلو الكلام سريع اللسان حسن الصوت حافظ الأخبار مفسد للمال كثير الرزايا من الأعداء كثير الخوف منهم سريع في الأعمال حريص على الاستكثار من الوظائف ويدل على السعاية والنميمة. القمر له الكذب والنميمة والاعتناء بصلاح الأبدان والسعادة في المعاش والسعي في إطعام الطعام وقلة النكاح ويكون طيب النفس. (النوع السادس والعشرون في دلالاتها على طبقات الناس) زحل يدل على أرباب الصنائع وقهارمة الملوك ونساء الملك المتعسفات وعبيد الملك والسفلة والثقلاء والخصيان واللصوص. والمشتري يدل على الملوك والوزراء والأشراف والعلماء والقضاة والعباد والفقهاء والتجار والأغنياء. المريخ يدل على القواد والجنود والسلاطين. الشمس تدل على

الملوك العظماء والرؤساء وأصحاب الذكر والقضاة الزهرة تدل على الأغنياء ونساء الملوك والزواني والزناة وأولادهم. عطارد يدل على التجار والكتاب وأصحاب الدواوين. القمر يدل على الملوك والأشراف والأحرار والحرائر. (النوع السابع والعشرون في الأديان) زحل يدل على اليهودية وسواد اللباس. المشتري يدل على النصرانية وبياض اللباس. المريخ يدل على عبادة الأصنام وشرب الخمور وحمرة اللباس. الشمس تدل على الملك ورفع التاج على الرأس. الزهرة تدل على الإسلام. عطارد يدل على مناظرة الناس في كل دين. القمر يدل على التدين بكل دين غالب. (النوع الثامن والعشرون في أيام الأسبوع ولياليه وساعته) السبت لزحل. الأحد للشمس. الاثنين للقمر. الثلاثاء للمريخ. الأربعاء لعطارد. الخميس للمشتري. الجمعة للزهرة. وقد نظمت وضمنت اختيار الأعمال. لنعم اليوم يوم السبت حقا ... لصيد إن بلا امتراء وفي الأحد البناء فإن فيه ... بدأ الرحمن في خلق السماء وفي الاثنين إن سافرت فيه ... تنبأ بالنجاح وبالنجاء وإن رمت الحجامة فالثلاثا ... فذاك اليوم مهراق الدماء وإن رام أمرؤ يوما دواء ... فنعم اليوم يوم الأربعاء وفي يوم الخميس قضاء خير ... ففيه الله يأذن بالقضاء وفي الجمعات تنعم بأهل ... ولذات الرجال مع النساء (أرباب الساعات في أيام الأسبوع ولياليه) أول ساعة من يوم الأحد وليلة الخميس للشمس. وأول ساعة من يوم الاثنين وليلة الجمعة للقمر. وأول

ساعة من يوم الثلاثاء وليلة السبت للمريخ. وأول ساعة من الأربعاء وليلة الأحد لعطارد. وأول ساعة من يوم الخميس وليلة الاثنين للمشتري. وأول ساعة من يوم الجمعة وليلة الثلاثاء للزهرة. وأول ساعة من يوم السبت وليلة الأربعاء لزحل. وأما سائر ساعات النهار والليل فتقسم بين هذه الكواكب على أفلاكها مثال ذلك إن الساعة الثانية من يوم الأحد للزهرة التي فلكها دون فلك الشمس. والساعة الثالثة لعطارد الذي فلكه دون فلك الزهرة. والساعة الرابعة للقمر الذي فلكه دون فلك عطارد. والساعة الخامسة لزحل الذي فلكه أول أفلاك الدراري. والساعة السادسة للمشتري. والسابعة للمريخ. والثامنة للشمس. وعلى الترتيب سائر ساعات الأيام والليالي تبتدئ بالساعة الأولى من رب الساعة الأولى وتسوقها على توالي الأفلاك كما بيناه. (النوع التاسع والعشرون فيما لها من البخورات) زحل معية يابسة زينب جاوشير قشور كندر قشور بيض. المشتري لأدن حماما قردمانا حنطيانا رومي. المريخ برز اللفت بسباسه سادج هندي. الشمس قشور نارنج أظافر الجن. الزهرة معية يابسة لأدن كافور مسك. عطارد سنبل الطيب ورد فارسي أظافر الجن. القمر صندل أبيض وأحمر قشور بيض النعام نرجس طري. وأعلم أن بخورات الكواكب تختلف بحسب الأغراض والمقاصد المطلوبة بها والنوازل والأحوال المرادة لها. وقد ذكر في البخورات أيضاً زحل معية. المشتري حب الغاز. المريخ سندروس. الشمس عود. الزهرة زغفران عطارد مصطكى. القمر كتان. وفي كتاب هرمس أن دخنة زحل زغفران. وقردمانا وقشور الكندر ووسخ الصوف ومخ السنور وفي نسخة أخرى أفيون وأصطرك أجزاء متساوية يدق ويعجن

بأموال المعز ويعمل فتائل ويبخر بها وقت الحاجة في مجمرة أسرب. وفي كتاب آخر أبهل وشيح ومي وتمر عجوة وبزر لفت ومر أحمر من كل واحد خمس أواقي يدق وينخل بشراب روحاني ويقرص القرص زنة مثقال. وقال ابن وحشية في أبواب زحل ينبغي أن يضاف إلى بخورها كلها الرشاوشان. وفي أبواب عطارد لا بد من شعر الناس وليكن أقل الأجزاء. وفي أبواب المريخ شعر القرد وليكن أقل الأجزاء. وفي أبواب القمر البيروح. وفي أبواب الشمس العود. وأعلم أن جميع هذه البخورات المذكورة على اختلافها صحيحة وإنما الاختلاف فيها بحسب اختلاف الأغراض المقصودة بأعمالها وكذلك أيضاً يختلف ما لكل كوكب منها من القرابين والدعوات والأسماء وفصوص الخواتيم ونقوش الفصوص مما يخص كل كوكب منها ويضاف إليه وقد يختلف ذلك أيضاً بحسب اختلاف الأغراض المطلوبة والمقاصد المرادة بها. (النوع الثلاثون قول كلي في دلالات هذه الكواكب السبعة) (بالأفراد والاجتماع) قال أبو معشر في أسرار النجوم: المريخ إذا أنفرد بطبعه وخلا من كل اتصال ونظر وممازجة ومشاركة لم يدل على شيء من الخير البتة وربما دل على لبوة أو نمر أو على نار لا ينتفع بها ويتأذى بريحها وشررها وربما دل على حرق أو قتل كبير. وزحل إذا أنفرد بدلالته دون نظر أو ممازجة أو غير ذلك لم يدل على شيء من الخير ولكن يدل على براري مقفرة لا أنيس بها وعلى سروب منتنة هائلة في حال أخرى وعلى جبال صعبة جرد لا نبات بها في حال أخرى وعلى آبار مظلمة طوال لا ماء فيها في حال أخرى. قال سادان: قلت

لأبي معشر قد ذكر قوم من أهل هذه الصناعة أنه يدل على معادن الحديد والشجر والطوال العادية! قال: كل ذلك بممازجات تقع فيه أما الحديد فينظر المريخ إليه نظر مودة وعطارد والمشتري نظر تربيع أو مقابلة وأما الشجر الطوال العادي فهو أن يكون في الجوزاء أو في الميزان وتنظر إليه الزهرة وعطارد وليس عن مودة فيصير نظر السعود من غير مودة منفعة لأن السعود إذا نظرت من مودة عملت الخير وسهلته وإذا نظرت من عداوة حللت الشر وحولته إلى الخير في مدة بطيئة فيها مشقة وتعب ومؤونة. (القول في اجتماع الكواكب السبعة وافتراقها) قال أبو معشر: اجتماع الكواكب ممكن وما رأيته قط ولا بلغني أن أحدا رآه ولكن سمعت مشايخنا يقولون إنما يحدث الملك العظيم الكبير من القرانات العظيمة. وقال كهلة الهندي: إذا اجتمعت الكواكب فأسرعها خروجا يتخذ دليلا لمدة دوره الأكبر ثم الذي يليه. وذكر يحيى بن أبي منصور ومحمد بن الجهم إنه إذا اجتمعت الثلاثة العلوية في حد أو صورة ونظرت إليها الشمس فهو القران العظيم الذي يتولد منه الملك والدول العظام ولا يبالي بالكواكب السفلية بعد ذلك. قال كشف سر مصون في بيان السبب الموجب لانفعال هذا العالم السفلي عن العالم العلوي بالطلسمات والسحر والرقى والبخور قال ارسطوطاليس في كتابه العظيم القدر في الحكمة الملقب باثلوجيا ومعناه الربوبية للأعمال الكائنة من الرقي والسحر إنما يكون من جهتين أما بملائمة واتفاق الأشياء المتشابهة، وأما بالتضاد والاختلاف وأما بكثرة القوى واختلافها غير أنها وأن اختلفت فإنها متممة للجزء الواحد فإنه ربما حدثت الأشياء من غير حيلة احتال لها المحتال والسحر الصناعي كذب لأنه كله يخطئ ولا يصيب فأما السحر الحق الذي لا

يخطئ ولا يكذب فهو السحر العالم وهو المحبة والغلبة. والساحر العالم هو الذي يتشبه بالعالم ويعمل أعماله على نحو استطاعته وذلك أنه يستعمل المحبة في موضع والغلبة في موضع آخر، وإذا أراد استعمال ذلك استعمل الأدوية والحيل الطبيعية وتلك مثبتة في الأشياء الأرضية غير أن منها ما يقوي على فعل المحبة في غيره كثيراً ومنها ما ينفعل في غيره فينقاد له وإنما بدون السحر أن يعرف الساحر الأشياء المنقادة بعضها لبعض فإذا عرفها قوي على جذب الشيء لقوة المحبة الفاعلة التي في الشيء وقد يوجد في الأشياء شيء يجمع بين النفس والنفس كالأركان التي في تجمع بين العمودين المتباينة بعضها على بعض. وصاحب الرقي يرقي ويسمي الشمس أو بعض الكواكب ويطلب إليها ويفعل ما يريد فعله لا أن الشمس والكواكب سمع دعاءه وكلامه لكن إنما وافق دعاء الداعي ورقية الراقي أن تتحرك تلك الأجزاء بنوع من الحركة وتتشكل بنوع من الشكل فيحس الجزء السفلي تلك الحركة كما يحس بعض أجزاء الإنسان بحركات بعض وذلك بمنزلة وتر واحد ممتد يحرك أسفله فيتحرك أعلاه وربما حركت بعض وذلك بمنزلة وتر واحد ممتد يحرك أسفله فيتحرك أعلاه وربما حركت بعض الأوتار فتحرك الوتر الآخر كأنه أحس بحركة ذلك الوتر، فكذلك أجزاء العالم ربما حرك المحرك بعض أجزائه فيتحرك لتلك الحركة جزء آخر كأنه يحس بحركة ذلك الجزء لأن أجزاء العالم كلها منظومة بنظام واحد كأنها حيوان واحد وإنسان واحد، وربما حرك الضارب العود فيتحرك أوتار العود الآخر لتلك الحركة كذلك العالم الأعلى ربما حرك جزء من أجزاء هذا العالم مباينا لصاحبه مقارنا فيتحرك بحركته جزء آخر وهذا يدل على أن بعض أجزاء العالم يحس بالآثار الواقعة على بعض أجزاء العالم كما بيناه. قال: فكما إن بعض أجزاء الحي تحس بالأثر الواقع على بعض كذلك يحس بعض أجزاء

العالم بالأثر الواقع على بعض لشدة اتصالها وائتلافها واتحاد بعضها ببعض. قال: ونقول إن لكل الأشياء الأرضية قوى تفعل أفاعيل عجيبة وإنما نالت تلك القوى من الأجرام السمائية فمن استعمل تلك الأشياء الطبيعية ذوات القوى العجيبة في الغرض الملائم له إلى الفعل رأى تلك الآثار في الشيء الذي أراده. قال: وربما أثر بعض أجزاء العالم في بعض أثار عجيبة بلا حيلة يحتلاها أحد وربما جذب بعض أجزاء العالم بعضا جذبا طبيعياً فيتوحد به وربما عرض من دعاء الداعي وطلب الطالب أمور عجيبة أيضاً بالجهة التي ذكرناها آنفا، وذلك أن يكون دعاؤه يوافق تلك القوى فتنزل إلى هذا العالم وتؤثر آثارا عجيبة، وليس يعجب أن يكون الداعي ربما سمع منه لأنه ليس بغريب من هذا العالم ولا سيما إذا كان الداعي مؤمنا صالحا فإن قال قائل فما تقولون إذا كان صاحب الدعاء شريراً وفعل تلك الأفعال العجيبة قلنا أنه ليس بعجب أن يكون المرء الشرير يدعو ويطلب فيجاب إلى ما دعى وطلب لأن المرء الشرير يستقي من النهر الذي يستقي منه المرء الصالح والنهر لا يميز بينهما بل يسقيهما جميعاً فإن كان هذا هكذا ورأينا المرء شريراً كان أو صالحاً ينال من الشيء المباح لجميع الناس فلا ينبغي أن يعجب من ذلك، فإن قال قائل فالعالم إذن كله سره ينفعل فيعمل بعضه الآثار في بعض قلنا إن العالم الأرضي هو الذي ينفعل، وأما العالم السمائي فإنه يفعل ولا ينفعل. وإنما يفعل في العالم الأرضي أفاعيل طبيعية ليس فيها فعل عرضي لأنه فاعل غير منفعل من فاعل آخر جزئي فأفاعيله كلها طبيعية ليس شئ منها عرضيا، لأنه إن عرض فيها عارض فلا يكون بغاية الإتقان والصواب قال محمد بن موسى: دخلت على المأمون وعنده جماعة من المنجمين وعنده رجل تنبأ ودعا له القضاة والفقهاء ولم يحضروا بعد ونحن لا

نعلم فقال لي ولمن حضر من المنجمين: خذوا طالعا لدعوى رجل في شيء يدعيه وعرفوني ما يدل حاله عليه من كذبه في دعواه صدقه. ولم يعلمنا المأمون أنه متنبئ، فأخذنا الطالع واحكمنا فوق الشمس والقمر في دقيقة واحدة مع دقيقة الطالع وسهم السعادة وسهم الغيب في دقيقة الطالع والطالع الجدي والمشتري في السنبلة ينظر إليه وعطارد والزهرة ينظران إليه فقال كل من حضر من القوم كل ما يدعيه صحيح. وأنا ساكت فقال لي المأمون: قل. فقلت: هو في طلب تصحيحه وله به حجة زهرية عطاردية وتصحيح الذي يدعيه لا يتم له ولا ينتظم. فقال لي: من أين؟ قلت: لأن صحة الدعاوى من المشتري والمشتري ينظر إليه نظر موافقة ألا أنه كان لهذا البرج ولا يتم له التصديق والتصحيح والذي قالوا من حجة عطاردية زهرية فإنما هو من جنس الخداع والمنجمون يتعجبون منه. فقال المأمون: أحسنت لله درك أتدري من الرجل؟ قلت: لا. قال: هذا يدعى النبوة. فقلت له: يا أمير المؤمنين معه شيء يحتج به؟ فسأله فقال: نعم معي خاتم ذو فصين البسه فلا يتغير مني شئ ويلبسه غيري فيضحك ولا يتمالك من الضحك حتى ينزعه، ومعي قلم شامي أكتب به ويأخذه غيري فلا ينطلق به يده. فقلت له: هذه الزهرة وعطارد قد عملا عملهما. فأمره المأمون بعمل ما ادعاه فعمله فقلنا: هذا ضرب من الطلمسات. فما زال به المأمون أياما كثيرة يستنزله عن دعواه ويرغبه ويعده بالإحسان حتى أقر بصورة عمله في الخاتم والقلم وتبرأ من دعوى النبوة وأعلمه أنه إنما جعل ذلك سببا للوصول إليه، فوهبه المأمون ألف دينار ووجدناه أعلم الناس بعلم النجوم وهو من أصحاب عبد الله بن السري وهو الذي عمل طلسم الخنافس في دور كثيرة من دور بغداد. قال أبو معشر: نزلت في خان ببعض قرى الري في قافلة ومعنا كاتب من أهل بغداد فلما استقر بنا المجلس أكلنا وأخرجت شرابا كان معي

الباب التاسع في شرح ما تشتمل عليه أسماء الأجرام العلوية وما يتصل بها واشتقاقه

فعرضت على الكاتب فشربنا وذكرنا النجوم فإذا هو قد نظر في شيء منها فسألني عن القمر أين هو الغد فقلت في تربيع المريخ فهل لك أن نقيم غدا؟ قال: نعم أن ساعدنا المكارون على ذلك فكلمناهم فأجابوا على أن نعطيهم العلف، وسألنا أهل القافلة أن يقيموا فأبوا وسخروا منا وأنكروا ما قلنا وارتحلوا، ونظرت في الارتفاع عند رحيلهم فإذا الطالع الثور وفيه المريخ والقمر في الأسد فقلت لهم: الله الله في أنفسكم. فامتنعوا من المقام ومضوا وأقمت أنا والكاتب فلم يبعدوا حتى رأينا جماعة من القافلة مجردين دخلوا علينا وقد قطع عليهم الطريق على فرسخين من الموضع وقد قتل بعضهم وأخذ ما كان معهم، فلما رأوني أخذوا إلي الحجارة والعصي وقالوا: يا ساحر يا كافر قتلتنا وعاملت علينا وقطعت علينا الطريق فخلصت منهم بعد جهد والتزمت أن لا أكلم أحدا من السوقة والعامة بشيء من أسرار النجوم. قال أمير من أمراء أفريقية يوما لشاعر ظريف من شعراء مجلسه: أي برج لك في السماء؟ فقال: وأعجبا منك أنا ما لي بيت في الأرض أيكون لي برج في السماء فضحك وأمر له بدار يسكنها. الباب التاسع في شرح ما تشتمل عليه أسماء الأجرام العلوية وما يتصل بها واشتقاقه (السماء) تذكر وتؤنث والتأنيث أكثر وفي التنزيل العزيز (والسماء بنيناها بأيد) وفي التذكير (السماء منفطر به) وقد تلحق الهاء مع المدة فيقال سمآه وتلحق أيضاً مع غير مدة فيقال سماه وأما السماوة بالواو فسماوة كل شيء أعلاه وسميت سماء لعلوها وكل ما علا فهو سماء وفيه سماء البيت وسماوته وتسمى الجرباء لمكان كواكبها شبهت بالبثور في جلد الأجرب. وتسمى الرقيع اسم علم لها وفي الحديث من فوق سبعة أرقعة كقولك سبع سموات. (الفلك) اسم يقع على الاستدارة ومنه سميت فلكة المغزل ويقال: تفلّك صدر الجارية إذا استدار.

(القطبان) نقطتان في الفلك إحداهما في الشمال والأخرى في الجنوب والكواكب كلها تدور حول القطبين. قال الشاعر: مالت إليه طلانا واستطيف به ... كما تطيف نجوم الليل بالقطب قال أبو عمرو الشيباني: هو القطب والقطب بضم القاف وكسرها والقطب الشمالي ظاهر لنا تدور حوله بنات نعش الصغرى والكبرى وأما القطب الجنوبي فليس بظهر من جزيرة العرب. (الأفق) السماء آفاق والأرض آفاق فآفاق السماء ما ينتهي إليه البصر راجعاً مع وجه الأرض من جميع نواحيها وهو الحد بين ما بطن من الفلك وبين ما ظهر. قال الراجز يصف الشمس: فهي على الأفق كعين الأحول ... صفراء قد كادت ولما تفعل شبهها بعين الأحوال لميلان عينه في إحدى الشقين والصفراء المائلة للمغيب وأما آفاق الأرض فأطرافها من حيث أطافت بك قال الراجز: يكفيك من بعض ازدياد الآفاق ... سمراء مما دوس ابن محراق السمراء الحنطة ودوس بمعنى واحد وكبد السماء وسطها وعين السماء اختلف اللغويون فيها اختلاف غير بعيد مداره على أن عين السماء بين الجنوب والدبور عن يمينك إذا استقبلت قبلة العراق وعين السماء مظنة للمطر إذا نشأت منه السحاب. (المجرة) جاء في الأثر أنها شرح السماء كأنها مجمع السماء كشرح القبة وسميت مجرة على التشبيه لأنها كأثر السحب والمجر وتسميها العرب أم النجوم لأنها ليس في السماء بقعة أكثر عدد كواكب منها كما يقال أم الطريق لمعظمها قال تأبط شراً: يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي ... بحيث اهتدت أم النجوم الشوائل (الهواء) ممدود هو القبو الذي بين السماء والأرض وهو السكاك

بضم السين والسكاكة واللوح بضم اللام والسحاب بسين مفتوحة غير معجمة وحاء. (البروج) في التنزيل العزيز (والسماء ذات البروج) وفيه (ولقد جعلنا في السماء بروجاً) والناس مجمعون على أنها اثنا عشر برجاً وتسميها كل أمة بلغتها ويتفقون في المعنى على معاني لغة العرب ويبدءون كما يبدأ العرب بالجمل ويسمى الكبش ثم يعدون على الولاء الثور والجوزاء وتسميها المنجمون التوأمين فأما الصورة فيسمونها الحبار والبشر وليس هما عند العرب والسرطان والأسد والسنبلة وتسميها المنجمون الرامي والجدي والدلو والحوت وهو السمكة ولم تسم البروج بهذه الأسماء لأن كواكبها مشابهة في الصورة الأسماء المسماة بها كما يظن كثير من العوام وأشباه العوام وإن كنا نرى العقرب صورة للعقرب والجوزاء صورة إنسان ولو كان كذلك لم يسم باقي البروج بأسماء صور غير موجودة فيها على أن هذه الصورة أيضاً غير ثابتة في أماكنها بل هي منتقلة على تأليف كواكبها نقلة خفية يعلمها أهل القياس والرصد جميعاً علم مشاهدة واضطرار وتخفي على العوام وأشباههم فهي بتنقلها تخرج من برج إلى برج، وأسماء البروج غير زائلة عنها وإن زال نظم الكواكب ومن الدليل الظاهر أيضاً على ذلك أن الذراع والنسر والطرف والجبهة والنثرة والصرفة والعواء والسماك منسوبة كلها إلى أعضاء الأسد وهي ثمانية منازل وإنما البرج بمنزلتين وثلث فأنت تجد هذا الأسد متفرقاً في أكثر من ثلاثة أبراج وكذلك في العقرب وغيره من المنازل إذا استقريته وجدته على ما وصفت، واسم البرج في لغة العرب مشتق من البروج وهو الظهور ومنه برج البناء وتبرج المرأة وهو تعرضها لأن تظهر وترى. (المنازل) وتسمى نجوم الأخذ

قال الله عز وجل (والقمر قدرناه منازل) وهي ثمانية وعشرون منزلة بلا خلاف وتسمى نجوم الأخذ كان منها ما هو نجم واحد وكان منها ما هو أكثر وقد قيل للثريا نجم اسم علم وهي ستة كواكب، والنجم وإن كان اسماً علماً للثريا وقد اشتهرت به فقد يقولون هذا النجم الثريا إذا جعلوه اسماً لجماعة كواكبها، ويقولون هذه نجوم الثريا إذا جعلوا كل كوكب منها نجماً، وسميت نجوم الأخذ لأخذ القمر كل ليلة في منزل منها وقيل الأخذ نزول القمر كل ليلة منزلاً من منازله، ويقال أخذ القمر نجم كذا وكذا إذا نزل به وقيل نجوم الأخذ النوازل وهي التي يرمي بها مسترق السمع لأنها تأخذه والعمل على القول الأول وأول المنازل (الشرطان) واحدها شرط وشرط بالإسكان أيضاً وهما كوكبان على أثر الحوت ويقولون هما قرنا الحمل والشرط في لغة العرب القرن ثم (البطين) وهي ثلاثة كواكب خفية على أثر الشرطين بين يدي الثريا وقد تكلموا به مكبراً فيقولون البطن ويزعمون إنه بطن الحمل ثم (الثريا) وهي النجم ولا يتكلمون بها مكبرة وتصغيرها ثروى مشتقة من الثروة في العدد وهي الكثرة وهي أنثى ثروان كعطشى أنثى عطشان والذهب في تصغيرها كالمذهب في تصغير جمعية حقرت لقلتها وصغرها والنجم اسم علم لها قد غلب عليها يقال طلع النجم وغاب النجم ويقولون الثريا ألية الحمل (الدبران) الكوكب الأحمر الذي على أثر الثريا بين يديه كواكب كثيرة مجتمعة من أدناها إليه كوكبان صغيران يكادان يلتصقان يقال هما كلباه والباقي غنيمته ويقولون قلاصة قال ذو الرمة يشبهه: وردت اعتسافاً والثريا كأنها ... على قمة الرأس ابن ماء محلق يرف على آثارها دبرانها ... فلا هو مسبوق ولا هو يلحق

بعشرين من صغرى النجوم كأنها ... وإياه في الخضراء لو كان ينطق قلاص حداها راكب متعتم ... إلى الماء من قرن التنوفة مطلق قرن التنوفة أعلاها: والمطلق الذي تطلب إبله الماء وهو من الطلق قبل القرب، ثم القرب الورد، وسمي دبراناً لدبوره الثريا ويسمى تالي النجم وتابع النجم ثم كبر حتى عرف بالتابع مفرداً من غير إضافة وكذلك حادي النجم من أسمائه والمجدح والمجدح بضم الميم وكسرها والمنجمون يسمونه قلب الثور وليس كل كوكب دبر كوكباً يسمى دبراناً وقد يخص الشيء من بين جنسه بالاسم حتى يصير علماً له وإن كان معناه يعم الجميع كما سمي هذا النجم دبراناً والثريا نجماً (الهقعة) هي رأس الجوزاء وهي ثلاثة كواكب صغار مثفاه وتسمى الأثافي تشبيهاً بها وقال ابن عباس رضي الله عنه لرجل طلق امرأته عدد نجوم السماء يكفيك منها هقعة الجوزاء وهي ثلاثة ويقال للدابرة التي تكون بشق الفرس الهقعة ويقال منها فرس مهقوع وهو نكرة (الهنعة) كوكبان بينهما قيد سوط في رأي العين وهما على أثر الهقعة ويقال الهنعة الزر وسميت الهنعة لتقاصرها عن الهقعة والذراع المنوطة وهي بينهما منحطة عنهما (الذراع) وهي ذراع الأسد المبسوطة وللأسد ذراعان مبسوطة ومقبوضة فالمقبوضة منهما هي اليسرى وهي الجنوبية وبها ينزل القمر وسميت مقبوضة لتقدم الأخرى عليها والمبسوطة هي اليمنى وهي الشمالية وكل صورة من نظم الكواكب فميامنها مما يلي الشمال ومياسرها مما يلي الجنوب وأحد كوكبي الذراع مبسوطة هي (الشعرى الغميصاء) وهي تقابل الشعرى العبور والمجرة بينهما وقد تكبر فيقال الغمصاء والغموص بفتح الغين ويقال لكوكبها الآخر الشمالي المرزم مرزم الذراع وهما مرزمان هذا أحدهما والآخر في الجوزاء وقيل الذراع المقبوضة

بأسرها هي المرزم. وتقول الأعراب في أحاديثهم كان سهيل والشعريان مجتمعة فانحدر سهيل وصار يمانياً وتبعته العبةر عبرت إليه المجرة وأقامت الغميصاء فبكت لفقد سهيل حتى غمصت والغمص في العين ضعف ونقص (النثرة) ثلاثة كواكب متقاربة أحدها كأنه لطخة يقولون هي نثرة الأسد أي أنفه (الطرف) كوكبان بين يدي الجبهة ويقولون هما عينا الأسد (الجبهة) جبهة الأسد وهي أربعة كواكب خلف الطرف معترضة من الجنوب إلى الشمال سطراً معوجاً بين كل كوكبين منها قدر الذراع والجنوبي منها هو الذي يسميه المنجمون قلب الأسد (الزبرة) وهي زبرة الأسد وهي كوكبان على أثر الجبهة بينهما قيد سوط في رأي العين والزبرة كاهل الأسد وفروع كتفيه ويسميان الخراتين الواحدة خراة ويقال الخرتان وكأنه شبه الخرت وهو الثقب (الصرفة) كوكب واحد نير على أثر الزبرة ويقولون هو قنب الأسد والقنب وعاء القضيب وسمي صرفة لانصراف الحر عند طلوعه غدوة وانصراف البرد عند سقوطه غدوة (العواء) قيل أربعة أنجم وقيل خمسة وهي خمسة لمن شاء ومن شاء ترك واحداً إلا أن خلقتها خلقة كتابة الكاف القائمة غير مشقوقة وليست بالنيرة وهي على أثر الصرفة وسميت العواء بالكوكب الرابع الشمالي منها وإذا عزلت هذا الكوكب الرابع كانت الثلاثة الباقية مبقاة الخلقة وهم يجعلون العواء وركي الأسد وآخرون يجعلونها محاشة ويجعلها آخرون كلاباً تتبع الأسد والمحاش حشوة البطن والعواء يمد ويقصر ويقال لها عواء البرد (السمك) سماكان أحدهما الأعزل والقمر لا ينزل الآخر وهو الرامح وسمي رامحاً لكوكب صغير بين يديه يقال له راية السماك

وسمي الآخر أعزل لأنه لا شيء بين يديه كأنه عندهم لا سلاح معه قال كعب بن زهير يصف ناقته: فلما استبان الفرقدان زجرتها ... وهب سماك ذو سلاح وأعزل وهم يجعلون السماكين ساقي الأسد وأحد السماكين جنوبي وهو الأعزل والآخر شمالي وقال ابن كناسة وربما عدل القمر فنزل بعجز الأسد وهي أربعة كواكب بين يدي السماك الأعزل منحدرة عنه في الجنوب وهي مربعة على صورة النعش يقال لها عرش السماك ويسمى الخباء، وهم يجعلون لها في الأنواء حظاً وسمي سماكاً سماكاً لسموكه وإن كان كل كوكب قد سمك، وهذا مثل ما ذكرناه في الدبران (الغفر) كواكب بين زبانا العقرب وبين السماك الأعزل خفية على خلقة العواء وهي ثلاثة ليس لها رابع، والعرب تقول خير منزلة في الأبد بين بين الزبانا والأسد يعنون الغفر (الزبانا) زبانيا العقرب أي قرناه وهما كوكبان مفترقان بينهما أكثر من قدر قامة الرجل في المنظر ويقال لهما زبانا الصيف لأن سقوطهما في زمان تحرك الحر (الإكليل) إكليل العقرب رأسها وهي ثلاثة كواكب معترضة بين كل كوكبين منها قدر ذراع في رأي العين (القلب) قلب العقرب الكوكب النير الأحمر الذي وراء الإكليل وهم يستحسنونه والقلوب أربعة هذا أحدها وقلب الأسد وقد ذكرناه في وصف الجبهة وقلب الثور وهو الدبران وقلب الحوت وسيأتي ذكره (الشولة) وهي إبرة العقرب وهي كوكبان مضيئان صغيران متقاربان في طرف ذنب العقرب وقالوا ربما نزل الفقار فيما بين القلب والشولة والفقار أحد كواكب ذنب العقرب يجعلون كل كوكب منها فقرة وهي ست فقر والسابعة الإبرة (النعائم) ثمانية كواكب أربعة في المجرة وهي النعام الوارد وأربعة خارجة عن المجرة منحدرة وهي النعام الصادر، فكل أربعة منها على شبيه التربيع

وفوقها كوكب إذا تأملته مع كوكبين من النعام الصادر وكوكبين من النعام الوارد شبهته به فيه، وقيل للوارد وارد لشروعه في المجرة وقيل للصادر صادر لتنحيه عنها (البلدة) رقعة من السماء لا كوكب فيها بين النعائم وسعد الذابح ويقولون ربما عدل القمر أحياناً فنزل بالبلادة وهي كواكب صغار خفية فوق البلدة وتسميها العامة الفرس ويسمى موضع النعام الوصل (سعد الذابح) كوكبان غير نيرين وكذلك السعود كلها وبينهما في رأي العين قيد ذراع وذبحه كوكب صغير قد كاد يلصق بالأعلى منه تقول الأعراب هو شاته التي تذبح قال الطرماح: طعائن شمس قريح الخريف ... في الفرغ والأنجم الذابحة قريحة أوله (سعد بلع) نجمان نحو من سعد الذابح أحدهما خفي جداً وهو الذي بلعه أي جعله بلعاً كأنه يسترطه سمي بلعاً لأنه طلع فيما يزعمون حين قيل يا أرض ابلعي ماءك ولا ندري ما هذا (سعد السعود) كوكبان أيضاً في نحو سعد الذابح وسمي سعد السعود بالتفضيل عليها لأن الزمان في السعدين قبله قاس وطلوع سعد السعود يوافق منا ليناً في دبره قالوا وربما قصر القمر فنزل بسعد باشرة وهو أيضاً كوكبان أسفل من سعد السعود (سعد الأخبية) ثلاثة كواكب متجاذبة متقاربة فوق الأوسط منها كوكب رابع كأنها في التمثيل رجل بطة وقيل إن السعد منها واحد وهو أنورها وإن الثلاثة أخبية وقيل سمي بالأخبية لأنه إذا طلع انتشرت الهوام فخرج منها ما كان مختفياً بالبرد لأن طلوعها في قبل الدفاء والسعود متنافسة بعضها على بعض (الفرغ الأول) وهو فرع الدلو والدلو أربعة كواكب مربعة واسعة بين كل كوكبين منها قدر قامة الرجل أو أكثر في رأي العين فهم يجعلون هذه الكواكب الأربعة عراقي الدلو وفرع الدلو مصب الماء من بين العرقوتين وقد يقولون لهما

العرقوة العليا والعرقوة السفلى تدل على الفرغ الأول والفرغ الثاني (الفرغ الثاني) وهو العرقوة كمثل الفرغ الأول وقد يقال للفرغ الأول ناهز الدلو المقدم والفرغ الأسفل ناهز الدلو المؤخر والناهز الذي يحرك الدلو ليمتلئ قالوا وربما يقصر القمر أحياناً فينزل بالكرب الذي وسط العراقي الأربع والكرب في الدلو ما يشد به الحبل على العراقي (الرشا) وهي السمكة وهي كواكب في مثل خلقة السمكة وفي موضع البطن منها من الشق الشرقي نجم منير به ينزل القمر يسمونه بطن السمكة والمنجمون يسمونه قلب الحوت ويقال لما بين المنازل الفرج فإذا قصر القمر عن منزلة واقتحم التي قبلها فنزل بالفرجة بينهما استحبوا ذلك إلا الفرجة التي بين الثريا والدبران فإنهم يكرهونها ويستخسونها ويقال لها الضيقة سميت ضيقة لضيقها عندهم فإنهم يتواصفون قصر مدة ما بين طلوع النجم وطلوع الدبران. (ذكر خطوط البروج في المنازل) اعلم إن لكل منزلتين وثلث يبدأ بالبروج من الحمل وبالمنازل من الشرطين فللحمل الشرطان والبطين وثلث الثريا وللثور ثلثا الثريا والدبران وثلثا الهقعة وللجوزاء ثلث الهقعة والذراع وللشرطان النثرة والطرف وثلث الجبهة وللأسد ثلثا الجبهة والزبرة وثلثا الصرفة وللسنبلة ثلث الصرفة والعواء والسماك وللميزان الغفر والزيانا وثلث الإكليل وللعقرب ثلثا الإكليل والقلب وثلثا الشولة وللقوس ثلث الشولة والنعائم والبلدة وللجدي سعد الذابح وسعد بلع وثلث سعد السعود وللدلو ثلثا سعد السعود وسعد الأخبية وثلثا الفرغ المقدم وللحوت ثلث الفرغ المقدم والفرغ المؤخر والرشا ولكل برج رقيب من البروج ولكل منزلة رقيب من المنازل فرقيب كل برج البرج السابع ورقيب كل منزل المنزل الخامس عشر

ومعنى الرقيب الذي في غروبه طلوع الآخر وهو مأخوذ من المراقبة كأنه يراقب بالطلوع غروب صاحبه. (قال الشاعر) أحقاً عباد الله أن لست آتياً ... بثينة أو تلقى الثريا رقيبها والمعنى لست لاقيها أبداً لأن هذا لا يكون وكيف يلتقيان وأحدهما إذا كان في المغرب كان الآخر في المشرق. (ذكر حلول الشمس في البروج والفصول) الشمس تحل برأس الحمل لعشرين ليلة تخلو من آذار وعند ذلك يعتدل الليل والنهار ويسمى الاستواء الربيعي ثم لا يزال النهار زائد والليل ناقصاً إلى أن يمضي من حزيران اثنان وعشرون يوماً وذلك أربع وتسعون ليلة فعندئذ ذلك ينتهي طول النهار وقصر الليل ويتصرم ربع الربيع ويدخل الربيع الذي يليه وهو الصيف وذلك بحلول الشمس رأس السرطان، ويبتدئ الليل بالزيادة والنهار بالنقصان إلى ثلاثة وعشرين ليلة تخلو من أيلول وذلك ثلاث وتسعون ليلة وعند ذلك يعتدل الليل والنهار ثانية ويسمى الاعتدال الخريفي، ويتصرم ربع الصيف ويدخل ربع الخريف وذلك بحلول الشمس رأس الميزان ويأخذ الليل في الزيادة والنهار في النقصان إلى أن يمضي من كانون الأول إحدى وعشرين ليلة وذلك تسع وثمانون ليلة فعند ذلك ينتهي طول الليل وقصر النهار وينصرف فصل الخريف ويدخل فصل الشتاء، ويبتدئ النهار في الزيادة وذلك بحلول الشمس رأس الجدي إلى مسيرها إلى رأس الحمل وذلك تسع وثمانون ليلة وربع فعندها ينصرف فصل الشتاء ويدخل الربيع فعلى هذا دور الزمان قال وللناس في ذلك خلاف وإنما ذكرنا هاهنا ما عليه الجمهور من مذهب العرب.

(ذكر الشمس والقمر والنجوم المتحيرة) (الشمس) تسمى الشرق يقال آتيك كل يوم طلع شرقه يريد بذلك شمسه ويقال طلع الشرق ولا يقال غاب الشرق والغزالة من أسماء الشمس عند الطلوع أيضاً يقال طلعت الغزالة ولا يقال غابت الغزالة والجونة الشمس وذلك لأنها تسود عند المغيب يقال لا آتيك حتى تغيب الجونة ولا يقال حتى تطلع الجونة والجون من الأضداد يكون للأبيض والأسود ومن أسماء الشمس إلاهة قال أبو حنيفة وإنها تأنيث إله قال وأحسب أنها سميت بذلك لأنها تعبد. (قال الشاعر) تروحنا من العباء قصراً ... فأعجلنا إلاهة أن تؤوبا ويقال لها العين والسراج فأما الضج فما انبسط من ضوءها على الأشياء وقرن الشمس أعلاها وأول ما يبدو منها وحواجبها نواحيها وأيا الشمس شعاعها وضوؤها وأيا الشمس مكسور مقصور وأيا الشمس مفتوح ممدود وزعموا أن أياء النور أيضاً حس زهرته. (القمر) يسمى الزبرقان وبه سمي الرجل ويقال له أيضاً الساهور، وقيل الساهور نبطي معرب والدائرة التي تحيط به الهالة ويقال لما وقع من ضوئه على الأرض الفخت يقال جلسنا في الفخت إذا جلسوا في القمر وقال الجواليقي فيما عرب من كلام العرب فأما الشهر فقيل أصله بالسريانية سهر بسين غير منقوطة فعرب وقال ثعلب سمي شهر لشهرته وبيانه لأن الناس يشهرون دخوله وخروجه وقيل سمي شهراً باسم الهلال لأنه إذا أهل سمي شهراً قال ذو الرمة: ترى الشهر قبل الناس وهو نحيل (المشتري) ويقال له البرجيس (المريخ) يقال له بهرام وهما فارسيان جاءا في شعر

العرب والمريخ وزحل عربيان قال الكميت يصف ثوراً وحشياً: كأنه كوكب المريخ أو زحل وقد جاء في شعر العرب أيضاً الزهرة وعطارد والمشتري وكلها عربية ودرأ الكوكب دروءاً شديداً وهو كوكب دريء من ذلك وقال أبو زيد جاء السيل درأ إذا جاءك من حيث لا تعلم ولم يصبك مطر. وقال ابن الأعرابي: الدريء الكوكب يدرأ من الشرق إلى الغرب وهو مضيء. وذر الشمس معجمة طلوعها وإشراقها وهو أن يستدير ويخلص ضوؤها ويقال غابت الشمس وغيرها من الدراري تغيب غيوباً وغيبوبة وكذلك آيت تؤوب إياباً وغارت تغور غؤوراً وغياراً ووقبت ووجبت ووجبت وأفل الكوكب وغيره يأفل أفولاً وانغمس واغتمس وانقمس بالقاف أيضاً واقتحم وسقط وخفق كل ذلك إذا غاب ويقال أخفق النجم إذا تهيأ للسقوط ولما يسقط وخفق إذا غاب كما يقال خفق الطائر ووجبت وأفل الكوكب وغيره يأفل أفولاً وانغمس واغتمس وانقمس بالقاف أيضاً واقتحم وسقط وخفق كل ذلك إذا غاب ويقال أخفق النجم إذا تهيأ للسقوط ولما يسقط وخفق إذا غاب كما يقال خفق الطائر ذا طار فمر وأخفق إذا ضرب بجناحه ليطير ولما يطر قال الراجز: كأنها أخفاق طير لم يطر ويقال خوت النجوم تخوية وانصبت انصاباً وهوت هوياً يأكل ذلك إذا انحدرت للمغيب. (ذكر اشتقاق الكواكب والنجوم والدراري السبعة السيارة في لغة العرب) (النجم) اشتقاقه من النجوم وهو الظهور ومنه نجم النبت إذا ظهر وعلا على الأرض (زحل) من التزحل وهو بطء الحركة لأنه أبطأ الدراري سيراً في قطع الفلك (المشتري) من الشراء وهو الوضوح والظهور لضياء لونه وصفائه ومنه الشراء في الحدقة وهو تقلص الجفن الأعلى عن الأسفل وانفتاح الحدقة (المريخ) من المرخ وهو اللين والاسترخاء ومنه تمريخ الجسد تليينه بالدهن لأن لونه فيه اضطراب ولين وفي رأي العين (الشمس) من الشماس وهو الامتناع ومنه شماس الدابة

الباب العاشر في تأويل رؤيا الأجرام العلوية وما يتعلق بها في المنام على مذهب حكماء الفلاسفة والإسلام

وهو امتناعها عن القيادة لرائضها وذلك لقوة شعاع الشمس حتى تمتنع الإبصار عن تمكن النظر إليه (الزهرة) من الإزهار وهو الإشراق والإنارة ومنه أزهر الصبح أنار وأشرق وذلك لضيائها وإشراق نورها (عطارد) من العطرة وهي الشرعة والخفة وذلك لسرعة حركته وامتزاجه بكل ما يجاوره وسرعة استحالته إليه (القمر) من القمرة وهي شدة البياض ومنه لون أحمر إذا كان أبيض شديد البياض والشمس تجمع على شموس كأنهم جعلوا كل ناحية منها شمساً كما قالوا لمفرق الرأس مفارق. (قال الشاعر) حمي الحديد عليهم فكأنه ... ومضان برق أو شعاع شموس وتصغيرها شميسة وقد شمس يومنا وأشمس يشمس بالضم والكسر إذا كان ذا شمس وأقمر الليل يقمر إذا كان ذا قمر وليلة مقمرة وقمراء إذا طلع القمر فيها من أولها إلى آخرها والله تعالى أعلم. الباب العاشر في تأويل رؤيا الأجرام العلوية وما يتعلق بها في المنام على مذهب حكماء الفلاسفة والإسلام (رؤيا النهار والليل) قال حكماء اليونان رؤيا النهار في النوم خير من رؤيا الليل لأن النهار وقت المعاش والليل وقت البطالة والعطلة إلا لمن يكون الليل أوفق له وأليق بحاله مثل الهارب والآبق والمستتر المتواري ومن أشبههم فإن رؤيا الليل أوفق له من رؤيا النهار. (رؤيا الشمس والقمر والكواكب) (الشمس) تدل على السلطان

وعلى جميع الحيوانات لأن قواها بها فمن رأى الشمس على أحوالها الطبيعية من الضياء والنور والسير وجهات الطلوع والغروب دل على انتظام أموره وصلاح معاشه بواسطة سعادة السلطان، ومن كان في غم أو حيرة ورأى الشمس طالعة والعالم مستنير بنورها زال عنه الغم والتحير، وكذلك إذا رآها من يرجو شيئا نال ما يرجوه ويؤمله، ويحكي أن رجلا رأى أنه في الشمس وأن صورته فيها فرزق أبنا صار ملكا عظيما، وكما أن طلوع الشمس جيد فغروبها رديء لأنه يدل على اليأس والتحير وكأن رجل ارمد العين فرأى في النوم أن الشمس غابت فعمي بصره لأن الشمس في العالم بمنزلة العين في الجسد وطلوع الشمس من جهة أخرى غير مشرقها رديء مذموم وكذلك على الفساد والشر، ومن رأى أنها أظلمت بحيث لا تضيء البتة أو غابت كان رديئا إلا أن كان هاربا أو عازما على عمل شيء في الخفية، وكثرة الشموس في النوم رديء لأن كثرة الرؤساء تفسد النظام. (القمر) يدل على امرأة عظيمة القدر كما أن الشمس تدل على صاحب البيت فكذلك القمر يدل على سيدة البيت ويد على السفر أيضا لسرعة سيره ورأى رجل القمر فقال: للمعبر رأيت كني قريب من القمر وكلمته، فقال له: المعبر: تسافر في البحر فكان له كما قال، بعد سنة رأى الرجل هذا المنام بعينه فرجع إلى ذلك الموضع فسأل المعبر عن المنام. فقال: تبتلي بحمى الدق، فقال صاحب المنام: سألتك عن تفسير هذا المنام قبل سنة فقلت تسافر في البحر فسافرت والآن تعبره على حمى الدق والمنام واحد فما الفرق؟ فقال المعبر: المنام الأول رأيته لخمس ليال خلون من الشهر والقمر على شكل السفينة فلما قربت منه دل على ركوب السفينة والآن رأيت الهلال وقد بقي من الشهر ليلة واحدة وهو في غاية الدقة والهزال فيدل على أنك

تصير مثله في الدقة وإنما يكون ذلك بحمى الدق فكان كما قال، وكلما تدل عليه الشمس ويكون ذلك الأمر الذي دل عليه القمر من جهة النساء. (رؤيا الكواكب) قال اليونانيون رؤيا الكواكب لمن ينوي السفر جيدة ولمن يعمل عملا في الخفية لأن الكواكب إنما تظهر بعد غيبة الشمس ولا تضيء إضاءة كثيرة وإن السماء مثال البيت فمن رأى أن سقط من السماء كوكب سقط من أهل بيته أحد حسب قدر الكواكب الذي رأى في المنام وحكي أن رجلا رأى في النوم أنه يأكل النجوم فأتفق أنه صار منجما وكان يتعيش بصناعة التنجيم ورأى رجل أنه ظهر في السماء شهب وكواكب كثيرة فقال له المعبر: هذا يدل على أن السنة حارة يابسة لأن هذه الآثار إنما تتولد في مثل هذه السنة وقد جرب ذلك فكان كما قال. (آراء العرب في ذلك) قالت العرب الشمس تدل على السلطان الأعظم فمن رأى أنه قرب من الشمس أو أخذ منها شعاعا ونورا دل على قربه من السلطان ونال منه مرتبة عليه ودرجة رفيعة، القمر يدل على وزير السلطان والهلال على ولد مبارك أو ولاية جليلة أو ربح في تجارة وقال جاماسف ينصر على عدوه ويظفر به الزهرة تدل على زوجة الملك وعطارد يدل على كاتبه والمريخ يدل على سعة بلاده والمشتري يدل على خادمه وزحل يدل على صاحب النقمة والعذاب وكبار الكواكب تدل على الرؤساء وصغارها تدل على العوام والقمر إذا رؤي على الأرض دل على الزوجة وإذا رؤى في السماء دل على الوزير ومن رأى القمر في بيته تزوج بامرأة كبيرة القدر وكثيرا ما تدل الشمس على الأب والقمر على الأم والكواكب على الأخوة خصوصا إذا كانوا تحت حكم الوالدين مثل منام يوسف عليه السلام

فإن الشمس كان أباه والقمر أمه والكواكب أخوته الذين سجدوا له، قال المصنف ومن المجرب أن من رأى أنه ينظر إلى السماء والكواكب والهواء صاف والكواكب نيرة والسماء بادية فإنه إن كان في كرب وغم فرج عنه كربه وغمه ونال مسه وانشراح صدر وقد جرب ذلك مرارا. (رؤيا السماء) من رأى أنه صعد إلى السماء وهو ينظر إلى الأرض فإنه ينال رفعة فإن رأى أنه دخل في السماء وغاب فيها فإنه يموت ويرجع إلى الآخرة ومن رأى كأن سهيلا طلع عليه دل على أدباره وخراب بيته لأنه لا يطلع في البلدان العامرة بل في البراري، ومن طلع عليه الزهرة نال الإقبال إلى آخر عمره، ومن طلع عليه المشتري نال ملكا ورفعة إلى أخر عمره، ومن رأى الفلك كأنه يدور تحول من حال إلى حال أو من دار إلى دار أو من بلد إلى بلد وقال ارطاميدوس من رأى الكواكب تحت السقف دل على خراب بيت صاحبه حتى تكون الكواكب تدخل بيته ويدل على موت رب البيت ودليل المنازل والكواكب ذوات الأذناب في الرؤيا مثل الذي يفعله إذا ظهر في اليقظة وطلوع الفجر لمن رآه نور وهداية كما الليل لمن رآه ضلال وغمة وكل ما رؤي في الشمس والقمر من حدوث كسوف أو خسوف فهي حوادث رديئة تحدث بالملك أو وزيره وباقي الكواكب على التفسير المقدم في حوادثها تدل على حوادث فيمن عرفت به، ومن رأى الشمس استترت بالسحاب فإن الملك يعرض له مرض يسير ويبرأ منه وكذلك في القمر وبقية الدراري السبعة كل دريء منها يدل على من هو منسوب إليه في التعبير المتقدم والله تبارك وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وهو حسبنا ونعم النصير.

§1/1