نتائج البحوث وخواتيم الكتب

مجموعة من المؤلفين

أخلاق وسلوك وآداب

أخلاق وسلوك وآداب

الحوار آدابه وتطبيقاته في التربية الإسلامية

الحوار آدابه وتطبيقاته في التربية الإسلامية ¤خالد بن محمد المغامسي£بدون¥مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني - الرياض¨الرابعة¢1428هـ€أخلاق وسلوك وآداب¶حوار - أسس ومناهج وأبحاث الخاتمة: إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد. فقد وصل البحث إلى نهايته، والحمد لله على توفيقه وإحسانه، وقد اجتهد الباحث في هذا قدر الاستطاعة، وقد استفاد منه فائدة عظيمة، كيف لا، وموضوع الحوار يعد من موضوعات العصر في هذه الأيام. وقد تناول الباحث في هذا البحث تعريف الحوار وأنواعه ودواعيه، ثم تحدث عن آداب الحوار وجعلها آداب عامة للحوار, وآداب خلال الحوار, وآداب بعد الحوار. ثم عدد الباحث بعضاً من فوائد الحوار في الأسرة والمجتمع والمدرسة ثم ذكر الباحث بعض التطبيقات التربوية لآداب الحوار في الأسرة والمجتمع والمدرسة. وقد التزم الباحث بالمنهج العلمي في خلال تناوله لموضوع البحث، فإن كان فيه خلل وتقصير فهذا طبع البشر، والأعمال البشرية لا تخلوا من الخطأ والتقصير، وإن كان فيه شيء من الجدة والإجادة فهذا بتوفيق من الله عز وجل. وأسأل الله عز وجل أن يغفر لي زللي وخطئي في هذا البحث إنه غفور رحيم, وأستغفره من كل تقصير. وقد توصل الباحث بفضل من الله ومنه تعالى على عدد من النتائج والتوصيات وسيذكرها الباحث كما يلي: أولاً: النتائج. ثانياً: التوصيات. أولاً: نتائج الدراسة: توصل الباحث بفضل من الله عز وجل ومنَّة إلى عدد من النتائج أهمها ما يأتي: 1 - أن الحوار يأتي بمعنى المراجعة في الكلام. وكلمة الحوار لم ترد في القرآن والسنة بلفظها, وإنما وردت مشتقات لها. 2 - أن الجدل المحمود ورد في القرآن الكريم عند الأمر بالدعوة إلى الله عز وجل ومجادلة أهل الكتاب. 3 - أن الحوار والجدل يتفقان في أن فيهما مراجعة في الكلام، غير أن الجدل فيه خصومة أما الحوار فلا يشترط وجود الخصومة فيه. 4 - أن من أفضل الطرائق لحل أسباب الاختلاف هو الحوار، ويعد الحوار طريقة نافعة لعلاج الغلو. 5 - أن الحوار دون التحلي بآدابه لا ينفع بل قد تكون نتائجه سيئة. 6 - أن الكثير من الحوارات تفقد قيمتها، لانعدام أدب الإنصاف والعدل فيها. 7 - أن الرجوع إلى الحق في الحوار من أهم الأمور التي قد يحصل من أجلها الحوار، وهو ليس بالأمر السهل الذي يحسنه كل أحد. 8 - أن توثيق المعلومات الواردة في الحوار وذكر مصادرها، يجعل الطرف الآخر يتقبلها. 9 - أن الحوار الهادئ بين الزوجين يزيد من المحبة والود بينهما، كذلك حوارهم حول تربية أبنائهم يزيد من قوة العلاقة بينهم. 10 - من فوائد الحوار بين الزوجين أنه يزيد من معلوماتهم الشرعية ومعلوماتهم الثقافية والعلمية، وكثير من المشكلات الزوجية يمكن حلها بالحوار. 11 - أن الحوار بين الأبوين والأبناء يسهم في إصلاح الأبناء، وتهذيب سلوكهم، ويعود الأبناء على الجرأة ومواجهة الحياة، ويساعدهم في حل مشكلاتهم. 12 - الحوار بين الإدارة والمدرسين يساعد في تنظيم العمل وتطبيق النظام، ويساعد في تبادل الخبرات والمعلومات، كما أنه يسهم في حل المشكلات التي قد تقع داخل المدرسة. 13 - أن الحوار بين المعلمين والطلاب يساعد في تنمية العلاقات الاجتماعية بينهم. 14 - من فوائد الحوار بين المعلمين والطلاب أنه ينمي مهارات الطلاب ويسهم في تنمية تفكيرهم العلمي.

15 - من فوائد الحوار بين المدرسة وأولياء الأمور أنه يسهم في معرفة مشاكل الطلاب, والعمل على حلها، كما أنه يساعد في تنمية مهارات الطلاب، ويساعد في تعليم الطلاب وتثقيفهم. 16 - أن الجار يمكنه أن يعلم جاره ما ينفعه بالحوار، وإذا ظهر على الجار بعض تقصير في تركه لمعروف, أو فعله للمنكر, فعن طريق الحوار يمكن نصحه, وأمره بالمعروف, ونهيه عن المنكر. 17 - ومن فوائد الحوار في وسائل الإعلام الدعوة إلى الإسلام، والعمل على التقريب بين المسلمين. 18 - أن تطبيق الأبوين لآداب الحوار في أحاديثهم مع أبنائهم يساعد الأبناء على اكتساب هذه الآداب. 19 - أن عدم تحلي الأبناء بآداب الحوار قد يكون أحد أسبابه عدم تدريب الآباء لهم في الأخذ بهذه الآداب. 20 - أن وجود آداب الحوار في الكتاب المدرسي أمر ضروري؛ لأن ذلك يساعد الطلاب على التعود على هذه الآداب ثم تطبيقها. 21 - أن طريقة الحوار من أفضل طرائق التدريس التي يجب على المعلم أن يستخدمها في تعليمه للطلاب، غير أن هذه الطريقة قد تكون عديمة الفائدة دون ممارسة آداب الحوار فيها. 22 - يعد النشاط أسلوب تربوياً ناجحاً يمكن من خلاله ممارسة آداب الحوار، وذلك من خلال الإذاعة المدرسية والصحافة المدرسية والندوات والمحاضرات، وغير ذلك من أنواع النشاط. 23 - أن وجود منتديات حوارية في شبكة المعلومات (الإنترنت) يفرض على مستخدمها الأخذ بآداب الحوار؛ لكي يستفاد من هذه المنتديات حق الفائدة. 24 - الحذر من استغلال الحوار في الدعوات المشبوهة، وبث الأفكار المنحرفة. ثانياً: توصيات الدراسة: من التوصيات التي يوصي الباحث بها في بحثه هذا ما يأتي: 1 - دراسة الحوارات التي وردت في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاستفادة منها. 2 - تنبغي دراسة ما ورد إلينا عن سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وغيرهم من علماء هذه الأمة كانوا أشد الناس حرصاً على تطبيق آداب الحوار في كلامهم. 3 - إجراء دراسة تطبيقية لمعرفة مدى الالتزام بآداب الحوار سواء في الأسرة أو في المدرسة أو في المجتمع، ومعرفة أسباب عدم التطبيق والعمل على حلها. 4 - العمل على إجراء دراسة لمعرفة مدى تطبيق وسائل الإعلام لآداب الحوار من خلال برامجها وأفضل الطرائق لتطبيق هذه الآداب إن لم تكن تطبق. 5 - إجراء دراسة لمعرفة مدى التزام الكتاب في الصحف والمجلات (العلمية) والكتب بآداب الحوار. 6 - إجراء دراسة تدرس مدى تطبيق آداب الحوار في حوار المسلمين مع غيرهم. 7 - أن تكون آداب الحوار موضوعاً من موضوعات المنهج المدرسي. 8 - إقامة ندوات عن أدب الحوار، ويفضل تكرار هذه الندوات والتجديد في المشاركين فيها، ويمكن إقامة هذه الندوات في المدارس, والمساجد, والأماكن العامة, كالأندية الأدبية, والمجالس الأدبية. وعرض هذه الندوات في وسائل الإعلام من تلفاز, أو مذياع, أو صحافة, أو غير ذلك من الوسائل. 9 - قيام رابطة العالم الإسلامي أو إحدى مؤسسات الدعوة الإسلامية عند تعريفها بالإسلام ودعوة غير المسلمين للإسلام، أن تذكر آداب الحوار, وأن توضح أن أحد أسباب انتشار الإسلام أنه يعتمد على الحوار في دعوته للآخرين مع مراعاته للآداب. 10 - يقترح الباحث إقامة مسابقات عن آداب الحوار وتشجيع الأفراد على المشاركة فيها، وهذه المسابقات تتكون على شكل أبحاث أو أسئلة أو غير ذلك، ثم تنشر نتائج للجمهور ليتعرف عليها ويستفيد منها. 11 - قيام الدعوة والمصلحين بالحديث عن هذه الآداب, وعلى الرغم من وجود كتب وأشرطة عن الحوار وآدابه؛ إلا أن الناس في حاجة لمن يكرر عليهم هذه الآداب بأساليب مختلفة. 12 - القيام بدراسة عن أسباب الطلاق والتي قد يكون أحد أسبابها عدم مناقشة الزوجين لمشاكلهم, أو لانعدام آداب الحوار بين الزوجين. 13 - القيام بدراسة عن مدى استخدام الأستاذ الجامعي للحوار في تعليمه لطلابه, ومدى تطبيق آداب الحوار من الطرفين. 14 - يوصي الباحث كل مسلم يرغب في نشر الإسلام وتحقيق أفضل النتائج أن يلتزم بهذه الآداب. 15 - دراسة كتب المناظرة والجدل التي وضعها علماء الإسلام والاستفادة منها، وتوظيف ما ورد فيها تربوياً, وكيفية تطبيقه. 16 - إجراء دراسة عن الدعوة القائمة لحوار الحضارات، والعمل على توضيح سلبيات هذه الدعوة، وما تشتمل عليه من أفكار.

المروءة وخوارمها

المروءة وخوارمها ¤مشهور بن حسن آل سلمان£بدون¥دار ابن عفان - الخبر¨الثانية¢1416هـ€أخلاق وسلوك وآداب¶مروءة الخاتمة فوائد تجنب خوارم المروءة، هذه ثلاث فوائد من فوائد تجنب خوارم المروءة، الأولى: صون النفس، وهو حفظها وحمايتها عما يشينها، ويعيبها ويزري بها عند الله عز وجل وملائكته وعباده المؤمنين وسائر خلقه، فإن من كرمت عليه نفسه وكبرت عنده صانها وحماها، وزكاها وعلاها، ووضعها في أعلى المحال، وزاحم بها أهل العزائم والكمالات، ومن هانت عليه نفسه وصغرت عنده ألقاها في الرذائل، وأطلق شناقها، وحل زمامها وأرخاه، ودساها ولم يصنها عن قبيح؛ فأقل ما في تجنب القبائح صون النفس. وثانيها: توفير الحسنات، ويكون ذلك من وجهين: أحدهما: توفير زمانه على اكتساب الحسنات، فإذا اشتغل بالقبائح نقصت عليه الحسنات التي كان مستعدا لتحصيلها. والثاني: توفير الحسنات المفعولة عن نقصانها، بموازنة السيئات وحبوطها، فإن السيئات قد تحبط الحسنات، وقد تستغرقها بالكلية أو تنقصها، فلا بد أن تضعفها قطعا، فتجنبها يوفر ديوان الحسنات، وذلك بمنزلة من له مال حاصل، فإذا استدان عليه؛ فإما أن يستغرقه الدين أو يكثره أو ينقصه، فهكذا الحسنات والسيئات سواء. وثالثها: صيانة الإيمان، وذلك لأن الإيمان عند جميع أهل السنة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد حكاه الشافعي وغيره عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإضعاف المعاصي للإيمان أمر معلوم بالذوق والوجود، فإن العبد، كما جاء في الحديث، " إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب واستغفر صقل قلبه، وإن عاد فأذنب نكت فيه نكتة أخرى حتى تعلو قلبه، وذلك الران الذي قال الله تعالى {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (14) سورة المطففين، فالقبائح تسود القلب، وتطفئ نوره، والإيمان هو نور في القلب، والقبائح تذهب به أو تقلله قطعا؛ فالحسنات تزيد نور القلب والسيئات تطفئ نور القلب، وقد أخبر الله عز وجل أن كسب القلوب سبب للران الذي يعلوها، وأخبر أنه أركس المنافقين بما كسبوا؛ فقال: { ... وَاللهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ} (88) سورة النساء، وأخبر أن نقض الميثاق الذي أخذه على عباده سبب لتقسية القلب؛ فقال: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ} (13) سورة المائدة فجعل ذنب النقض موجبا لهذه الآثار، من تقسية القلب واللعنة وتحريف الكلم، ونسيان العلم، فالمعاصي للإيمان كالمرض والحمى للقوة سواء بسواء، ولذلك قال السلف: " المعاصي بريد الكفر، كما أن الحمى بريد الموت" فإيمان صاحب القبائح والخوارم كقوة المريض على حسب قوة المرض وضعفه، وهذه الأمور الثلاثة – وهي: صون النفس، وتوفير الحسنات، وصيانة الإيمان – هي أرفع من باعث العامة على الورع؛ لأن صاحبها أرفع همة لأنه عامل على تزكية نفسه وصونها، وتأهيلها للوصول إلى ربها، فهو يصونها عما يشينها عنده، ويحجبها عنه ويصون حسناته عما يسقطها ويضعها، لأنه يسير بها إلى ربه، ويطلب بها رضاه، ويصون إيمانه بربه: من حبه له، وتوحيده، ومعرفته به، ومراقبته إياه يطفئ نوره ويذهب بهجته، ويوهن قوته. نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وإيماننا، وأن يجنبنا ما يشيننا في دنيانا وديننا، وأن يرزقنا الهدى والسداد، وأن يرزقنا التقوى والرشاد، إنه جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أديان

أديان

الآثار العقدية للوثنية اليونانية

الآثار العقدية للوثنية اليونانية ¤علي بن عبدالعزيز الشبل£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض¨بدون¢1420هـ€أديان¶وثنية الخاتمة: الحمد لله، وبعد هذه الرحلة مع الوثنية اليونانية القديمة يحسن أن أختم الموضوع بخلاصة لأهم النتائج التي بدت لي من خلال الموضوع: أولها: أننا نحمد الله وحده لا شريك له على أن هدانا إلى أحسن دين، وأنزل علينا أفضل كتاب، وأرسل إلينا خير رسول، فلم نتخبط في الوثنية والهوى والشرك والإلحاد، بل عرفنا أسمى ما طلب منا ومن غيرنا ألا وهو توحيده سبحانه بتجريد التوجه والالتجاء والعبادة له وحده دون سواه، ولم يكلنا إلى أنفسنا، أو يتركنا هملاً أو ينشئنا على غير هداه، بل تكرم وتفضل فأنشأنا في بيئة التوحيد والإيمان، ختم الله لنا عليه آمين. وثانيا: رأينا كيف أن الشياطين استهوت أولئك الأقوام حتى أخرجتهم من سلامة الفطرة السوية إلى الإلحاد والخرافة والوثنية. وثالثاً: كيف أن اعتقاد تعدد الآلهة – مع سقوطه في ميزان العقل فضلاً عن الشرع – أصبح مفخرة لأولئك الأمم ولمن جاء بعدهم ممن يمجدهم أو ينتسب إليهم لاسيما الحضارة الأوربية الحديثة، وكيف أنهم صوروا آلهتهم بتلك الصورة الوضعية والتي لا تناسب أشراف الناس فضلاً عن بقية المخلوقات من الملائكة فكيف بذات الله عز وجل. وكيف أن النصرانية المحرفة بل واليهودية المبدلة قبلتا التأثر بعقائد أولئك الوثنيين دونما رادع من علم أو دين أو عقل، فمن مقل في ذلك منهم ومستكثر، وقوفاً على سنن الله تعالى كما قال تعالى في أول فاطر: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون}. وأيضاً رأينا كيف أن الإفراد في تصور الآلهة في العقل يؤدي إلى تلك الصورة البشعة والدنيئة التي جعلت اليونانية بها معبوداتها. ورابعاً: أنه من آثار القوم في بلاد المسلمين، ما جلبه علينا المغرضون من بذر الخلاف بين المسلمين، وإحداث البدع والضلالة فيهم حتى وجد بين أهل الإسلام بدع كفرية، تمثلت في كثير من الفرق والمقالات والمناهج كالفلسفة، والباطنية، والجهمية، والرافضة، وغلاة التصوف، وفروع كل منها. ورم بنا أن أشهر الفرق الإسلامية التي تأثرت تأثراً جلياً بالوثنية اليونانية من خلال أبعادها المتعددة: 1 - الفلاسفة المنتسبون إلى الإسلام ومن أشهرهم الفارابي وابن سينا. 2 - الباطنيون بمختلف ألقابهم. 3 - غلاة التصوف أو الغنوصية. 4 - الجهمية والمعتزلة، وما تفرع منهما أو تأثر بهما من فرق الكلاميين. وخامساً: ما نراه ونسمع به من آثار القوم مما يسمى بالدورة الأولمبية أو دورة الألعاب الأولمبية، والتي هي امتداد لأعياد الوثنيين ومناسباتهم الدينية، وأيضاً الثعبان الملتوي على كأس والذي أضحى علماً على الصيدليات، وربما المستشفيات الصغيرة والكبيرة. وسادساً: يجب التنبيه والتحذير من السفر إلى تلك البلاد، لأنه ما زالت باقية معالم تلك الأمة الوثنية، في معابدها وملاعبها وتماثيل آلهتها ومساكنها ومواطن أعيادها، كما أن المتأخرين منهم قد اعتنوا بذلك وعدوه تراثاً وآثارا مهمة لهم فحفظوها في متاحفهم وأماكن خاصة، ليرتادها الناس لاسيما السياح منهم – حيث بلاد اليونان من أكبر مراكز الاستقطاب السياحي في العالم – ولو لم يكن في ذلك إلا الحذر من قوله صلى الله عليه وسلم في أمثالهم قوم ثمود كما في الصحيح: (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين بأن يصيبكم ما أصابهم). هذا فضلاً عن حماية جانب العقيدة وكمالها من ضدها وضد كمالها الواجب، من أن يتطرق إليه شيء من آثارها أو تعظيمهم والإشادة بهم واعتقاد تقدمهم ومعرفتهم، نسأل الله العفو والعافية. ثم أنه لو لم يكن من ثمرات الموضوع ونتائجه المهمة إلا معرفة هذا الشر الذي انغمس فيه القوم، وانتقل بعدهم إلى من تأثر بهم بصور متنوعة. أقول لو لم يكن إلا معرفة هذا الشر والحذر والتحذير منه لكفى وشفى، لما في الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – قال: كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه ... الحديث. وبعد: فـ (الحمد لله الذي هدانا وما كانا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق) حمداً وثناءً على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضي الإسلام لنا ديناً، حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده

الأصولية الإنجيلية نشأتها وغايتها وطرق مقاومتها

الأصولية الإنجيلية نشأتها وغايتها وطرق مقاومتها ¤صالح بن عبد الله الهذلول£بدون دار المسلم - الرياض¨الأولى¢1416هـ€أديان¶مسيحية الخاتمة الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له وليٌ من الذل، أن أعانني ويسر لي إتمام هذا الكتاب الذي توصَّلت من خلال عملي فيه إلى نتائج أراها هامة، وهي: 1 - أن الأوضاع الدينية والسياسية والاجتماعية التي سادت أوروبا في العصور الوسطى، هيأت الأجواء هناك لظهور حركات دينية، رأت في الانشقاق عن الكنيسة الكاثوليكية ضرورة تمليها عليها غيرتها الدينية. وكان أبرز تلك الحركات، حركة البروتستانت التي أفرزت حركات (إحيائية) كانت الأصولية الإنجيلية من أهمها، وأقواها، وأوسعها انتشاراً. 2 - كما لعب اليهود المتنصرون (ظاهرياً) دوراً كبيراً في تهيئة المناخ الذي ولدت فيه الحركات (الإحيائية) في القرون الوسطى وما بعدها. 3 - خطورة الاختراق الفكري، والعقائدي، وصعوبة علاجه، فإن بولس اليهودي، دخل المسيحية بعد صحبته للحواري برنابا (ولعل تلاميذ المسيح، ما كانوا ليثقوا بإيمان بولس بعدما كان من شدة عداوته لدينهم لولا برنابا الذي عرفه أولاً، وعرفهم به بعد أن وثق به) (¬1). إن تعجل برنابا في ثقته ببولس، ثم ثقة جميع الحواريين به بعد ذلك -أو أغلبهم- أحدث خطأً منهجياً في الديانة المسيحية، لم يكتف بإلقاء عبئه على مرتكبه فقط، بل إن الأمة كلها ذاقت ويلاته في الماضي، وهي اليوم تعاني من ذلك، وستتجرع غصته إلى يوم القيامة، فليتنبه لذلك دعاة الإسلام. 4 - صهيونية الحركة الأصولية، والعبث اليهودي بها إلى مدى أن اتخذت النبوءات التوراتية صلب دعوتها، وعماد فكرها، وهذا الاتجاه انعكس على تعاملها مع الواقع، فانجرفت بلا ضابط، ولا وازع من خلق، أو دين، أو قانون (¬2) في تأييدها المطلق لكل ما يدعم إسرائيل، ويثبت وجودها، ويضمن استمرارها وبقاءها. 5 - تمكن الحركة الأصولية سياسياً في الغرب، وصل إلى المراكز العليا في السلطة، فكثيراً ما كان الرؤساء الأمريكيون يجاملونها، ويتلمسون رضاها، بل إن عدداً منهم كان أصولياً، وينتمي للحركة الأصولية. 6 - القول بالفصل بين السلطة السياسية، والسلطة الدينية، قول خاطئ، بدليل أن أي حاكم أمريكي لابد أن يحظى بموافقة الكنيسة. والدولة العلمانية هي التي تقوم بجمع الضرائب للكنيسة. وهناك العديد من الحوادث لعبت الكنيسة فيها دوراً كبيراً، والتعليم الأساسي يقوم تربوياً على الدين ... كل هذه الأسباب، هيأت المجال للأصولية أن تخترق الحكم والسياسة. 7 - إن علاقة الأصولية الإنجيلية باليهودية، أعطتها براحاً واسعاً في الدعاية، كما أكسبتها خبرةً في العمل السري والعلني. 8 - الصبغة العدوانية والإرهابية التي تميّزت بها الحركة. ¬

(¬1) محمد علي قطب -نظرات في إنجيل برنابا- مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع -القاهرة- ص36. والكلام المثبت أعلاه من مقدمة ناشر إنجيل برنابا الشيخ محمد رشيد رضا. (¬2) المراد بالدين: دين المسيحية، حيث أشارت الدراسة إلى أن جملة الطوائف المسيحية بما فيها بعض فرق البروتستانت تخالف الأصولية في فكرها، وبعض معتقداتها. وأما (القانون) فوجه تعطيل الأصولية له، أن ضربت بعرض الحائط كل قوانين الأمم المتحدة، والقرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن إذا كانت تدين إسرائيل، أو تهاجم الصهيونية.

9 - على الرغم من أن عدد الذين ينتمون إلى الأصولية لا بأس به، وأن انتشارهم له قوة، لكن أصواتاً عديدة من النصارى واليهود، وقفوا ضد هذا الفكر، ربما لأنه نوعٌ من الصراع بين العلمانية والدينيين أو لأن هذا الفكر بانحرافه أثار حتى المفكرين المسيحيين، وقد يكون الأمران معاً، الأمر الذي أدى لوجود أصوات ومجالس وكنائس نصرانية وكذلك يهودية تجابه هذه النَّزعة. 10 - أن الفهم الحرفي المبتور للنصوص، غالباً ما يولد تطرّفاً، فلابد من أخذ النصوص متكاملةً، وفهمها فهماً شاملاً، وعدم ضرب بعضها ببعض، ثم التخير منها نصاً معيناً ليبني عليه فكر جديد. وهذه المسألة لابد للدعاة أن يعوها، ويدركوها، ليستطيعوا تفسير كثيرٍ من الظواهر الجامحة التي نراها في الساحة الدعوية الإسلامية. 11 - والكاتب، اكتشف ذلك كله، كما حاول بجهده الخاص أن يفند الأفكار الرئيسية عند هذه الفئة، وأن يقدم ذلك للمسلمين في وجازة ووضوح، كما يحفز الهمم إلى مقاومة هذه النّزعة والتحصن ضد الأفكار الهدمية الوافدة من الغرب، وذلك بالرجوع إلى مصادر الدين الإسلامي، والتمسك بها. 12 - وكنتيجةٍ للدراسة أيضاً -فإني أوصي بما يلي: أ) - هناك بعض المواضيع، لها صلةٌ كبيرة بموضوع الكتاب، وقد اكتفيت بالإلماح لها في ثناياه. وأرى أن تفرد ببحوث خاصة تأخذ حقها من الدراسة لما لها من أهمية كبيرةٍ يمكن بيانها بالنقاط التالية: 1 - إذا نظرنا إلى الأحداث الجارية الآن في مختلف أنحاء العالم، وخاصةً المتصلة بالمسلمين والمسلطة عليهم -وهي غالباً- مثل حرب الخليج، والصومال، وليبيريا، وكشمير، والبوسنة والهرسك، وليبيا، وأحداث اليمن، وفي جنوب لبنان، وداخل فلسطين ... ، هل بينها ترابط؟ وهل هي تحقق شيئاً من تطلعات الأصولية الإنجيلية، أو تتفق مع منهجها؟ وهل يمكن اعتبارها إرهاصات وتمهيد وتهيؤ للمواجهة الشاملة التي يعد لها الأصوليون الإنجيليون؟ خاصةً وأن بعض منظري الأصولية يفسرون بعض الأماكن الواردة في سفر حزقيا -الإصحاح 38، 39 - بأسماء هي في الحقيقة مناطق توتر في العالم اليوم، نحو: روش تعني الحبشة، وجومر يقولون إنها اليمن الجنوبية، وتوجرمة هي الأرمن، وبوت ليبيا، وفارس يراد بها إيران. وهذه البلدان كلها في نظرهم ستنضم إلى جيش (أبناء الظلام) أو القوى الشريرة في مهاجمة إسرائيل (¬1). أقول: إن هذا يحتاج لمزيد من البيان والتوضيح المدعّم بالحقائق والدراسة العلمية. 2 - أما وقد اقترب -كما يزعمون- المجيء الثاني للمسيح، وهذا كما هو معلوم -حسب عقيدتهم- تسبقه معركة هرمجدون، والسؤال الذي يحتاج إلى جواب هو: ترتيبات السلام، ومعاهدات الصلح التي تجري الآن، هل يمكن اعتبارها لبنات في المشروع الصهيوني، وما يتصل به من أحداث؟ ب) - إن الأصوليين، وهم يدينون بمسيحية معبرنة، أهل كتاب وأصحاب عقيدة يؤمنون بها أشد الإيمان، ولهذا فإن الدخول معهم في جدل عقائدي، إن لم يكن غير مجدٍ، فإنه يستغرق وقتاً طويلاً، وجهداً كبيراً، ونتيجته وثمرته محدودة جداً، أما جدالهم ومناقشتهم بما يتعلق بمسائل الشريعة، والنظم التي جاءت في العهدين القديم والجديد، فإنه يفحمهم، ويوقفهم، ويلجمهم، نظراً لضحالة التشريعات فيهما، وسطحية النظم الواردة هناك. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،،، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ¬

(¬1) انظر: شفيق مقار -مصدر سابق- ص 395 - 400.

الحوار مع أهل الكتاب أسسه ومناهجه في الكتاب والسنة

الحوار مع أهل الكتاب أسسه ومناهجه في الكتاب والسنة ¤خالد بن عبدالله القاسم£بدون¥دار المسلم - الرياض¨الأولى¢1414هـ€أديان¶حوار - أسس ومناهج وأبحاث أولاً: أهم النتائج من خلال صفحات هذه الدراسة توصلت إلى النتائج التالية: 1 - كمال دين الإسلام من جميع نواحيه، مع نقص ما سواه من الأديان وخاصة أديان أهل الكتاب. 2 - اهتمام الإسلام بالحرية، ومن مظاهر هذا الاهتمام ما يلي: أ- عدم إكراه أحد للدخول في الإسلام. ب- إعطاء المقيمين من أهل الكتاب في الدولة الإسلامية حقوقاً عادلة. جـ- دعوة الإسلام إلى الحوار مع أهل الكتاب وغيرهم بكل حرية ودون ضغوط. 3 - حفل التاريخ بالكثير من تسامح المسلمين مع أهل الكتاب وغيرهم وتعصب أهل الكتاب. 4 - يهدف الإسلام من الحوار مع أهل الكتاب إلى أغراض نبيلة ترجع فائدتها إلى أهل الكتاب أنفسهم، ولا يتعلق شيء منها بمصالح دنيوية. 5 - تحريم موالاة أهل الكتاب، وعدم تمييع القضايا الدينية، أو التنازل عن أي شيء من الإسلام، باسم الحوار مع أهل الكتاب. 6 - لا يجوز لأي أحد الحوار باسم الإسلام مع أهل الكتاب وغيرهم مالم يكن قد انطبقت عليه الشروط اللازمة لذلك، وأساسها الاستقامة في الدين، والتحلي بالأدب الرفيع، مع التمكن من ذلك بالعلم والحكمة. 7 - اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بالأدب في الحوار، وخاصة مع أهل الكتاب، وهذا الأدب جزء من اهتمام الإسلام بالأخلاق. 8 - وجوب التركيز في الحوار مع أهل الكتاب على الموضوعات التي تخدم الأهداف النبيلة التي شرعها الإسلام في محاورتهم، وأفضلها الموضوعات التي حاورهم فيها القرآن الكريم والرسول الأمين صلى الله عليه وسلم. 9 - وجوب دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام، واستخدام كافة المناهج العقلية بشرط أن تكون حقاً في ذاتها، وجواز الاحتجاج بما يسلمون به من مقدمات لبيان تناقضهم واضطرابهم. 10 - احتواء القرآن الكريم على أفضل المناهج العقلية في حواره مع أهل الكتاب، والتي يجب على من تصدى لهذا الأمر الإفادة منها. 11 - قيام العلماء المسلمين خلال العصور المختلفة بعمل الكثير من الحوارات الرائعة مع أهل الكتاب، والتي يجب إبرازها والاستفادة منها. ثانياً: المقترحات أ- إنشاء قسم خاص يُعنى بالحوار مع أهل الكتاب في المؤسسات الدعوية الإسلامية، كرابطة العالم الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وغيرهما، أو إنشاء هيئة خاصة مستقلة تُعنى بهذا الجانب ويكون لها فروع في الدول الإسلامية وخارجها ويكون من نشاطها: 1 - إعداد دعاة مؤهلين للحوار مع أهل الكتاب بتنظيم دورات علمية في هذا الموضوع مع دورات عملية تطبيقية، بحيث يتخرجون وقد استكملوا الشروط اللازمة لذلك. 2 - تشجيع الحوارات بين علماء المسلمين وعلماء أهل الكتاب، والإشراف عليها. 3 - تسجيل هذه المحاورات تلفزيونياً، وعلى أشرطة الكاسيت ونشر الجيد منها في كتب مستقلة، وفي الصحف والمجلات. 4 - جمع وتحقيق ما يمكن جمعه من المحاورات القديمة والحديثة في موسوعة لتسهيل الاستفادة منها. 5 - إصدار نشرة دورية تُعنى بهذا الجانب، للتمكن من متابعة ما يستجد في هذا الموضوع. 6 - رصد النشاط التنصيري، ومخططات أهل الكتاب العدائية تجاه الإسلام، وعمل ما يمكن لمجابهته. 7 - ترجمة الحوارات المفيدة إلى اللغات المختلفة ونشرها. 8 - الدعوة للإسلام عبر وسائل الإعلام الغربية عن طريق استئجار قنوات في التلفزيون لعرض برامج دورية يبين من خلالها فضل الإسلام وسماحته، كما يعرض فيها محاورات منتقاة بين علماء المسلمين وعلماء أهل الكتاب. ب- اقترح للجامعات في الدول الإسلامية ما يلي: 1 - تدريس مادة في قسم الدعوة تعنى بهذا الموضوع. 2 - توجيه أقسام الدراسات العليا ومراكز البحوث للاهتمام بهذا الموضوع وإعطائه حقه من الدراسة والبحث لأهميته في الوقت الراهن. 3 - استضافة من لهم خبرة في هذا المجال للإفادة منهم. 4 - عقد محاورات بين علماء الإسلام وعلماء أهل الكتاب وتشجيع الطلاب على حضورها. 5 - عدم ابتعاث الطلاب للخارج إلا بعد إلمامهم بهذا الموضوع. جـ- أقترح لوزارات الإعلام في الدول الإسلامية الاهتمام بهذا الموضوع وعرض بعض الحوارات المفيدة عبر وسائل الإعلام المختلفة.

الصهيونية النصرانية – دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية

الصهيونية النصرانية – دراسة في ضوء العقيدة الإسلامية ¤محمد بن عبدالعزيز بن أحمد العلي£بدون¥دار كنوز إشبيليا – الرياض¨الأولى¢1430هـ€أديان¶صهيونية - يهودية الخاتمة: وبعد؛ فإن من أهم ما قرره هذا البحث ما يلي: 1 - أن الصهيونية سميت بهذا الاسم نسبة إلى (صهيون) وهو اسم قديم للقدس، أو لهضبة مرتفعة يعلوها المسجد الأقصى. 2 - أن الصهيونية مذهب يسعى إلى جمع اليهود في فلسطين، واتخاذ القدس عاصمة لهم، وهدم المسجد الأقصى وبناء معبد يهودي (الهيكل) مكانه، فكل من يعتقد ضرورة العمل لذلك فهو صهيوني، وبناء عليه فليس كل يهودي صهيونياً، فمن اليهود من لا يعتقد تلك العقيدة، وليس كل صهيوني يهودياً، فمن النصارى طوائف تعتقد تلك العقيدة، بل إن نحلة البهائية تعتقد قريباً مما تعتقده الصهيونية. 3 - ظهر دعاة للصهيونية اليهودية، بصورة أفراد وجمعيات متفرقة، ولم تتشكل بصورة مذهب منظم يسعى إلى تحقيق عقيدته بعمل معلن إلا منذ مؤتمر بال سنة 1897م بقيادة مؤسس المذهب، الصهيوني اليهودي (تيودور هرتزل). 4 - بدأت الصهيونية النصرانية بالظهور منذ نشأة المذهب البروتستانتي النصراني على يد (مارتن لوثر) وأتباعه في القرن السادس عشر الميلادي، ثم قويت بعد ذلك في أوروبا على يد الطائفة البروتستانتية (التطهيرية) ثم في أمريكا على يد الطائفة نفسها، ثم طافة التدبيرية الصهيونية النصرانية، وقد بدأت في أمريكا منذ اكتشافها حتى غلبت على سياساتها. 5 - الصهيونية النصرانية سبب رئيس في نشأة الصهيونية اليهودية، فهي التي حركت الصهاينة اليهود وشجعتهم على التنظيم والظهور، والسعي الجاد والسريع لاحتلال فلسطين؛ لاعتقاد الصهيونية النصرانية بأن ذلك يعجل بمجيء المسيح إلى الأرض, وقيام مملكة الرب الألفية على حد زعمهم. 6 - يطلق على الصهيونية النصرانية أسماء أخرى، وهي: الأصولية، والإنجيلية أو الإيفانجيلية، والبيوريتانية, والتدبيرية، كما أن البروتستانتية تعد بطوائفها ومذاهبها وكنائسها المتعددة، اتجاهاً صهيونياً صريحاً، بل هي الأصل في نشأة الصهيونية النصرانية. 7 - تصدر الصهيونية النصرانية عن مصادر عدة، منها: الكتاب المقدس عند النصارى بعهديه القديم والجديد، وما كتبه روادها الأوائل، وكذلك يعتمدون على الرؤى والنبوءات الواردة في أسفارهم. 8 - للصهيونية النصرانية مبادئ يقوم عليها مذهبهم، أهمها: دعوى عصمة الكتاب المقدس عندهم، ودعوى ألوهية المسيح عليه السلام، وأنه ابن الله، تعالى الله عن ذلك، وقولهم بالقيامة الجسدية والمجيء الثاني للمسيح، وأن بعض اليهود سيؤمن به عند مجيئه، ثم يقيم مملكة الرب الأرضية. 9 - تشترك الصهيونية النصرانية مع الصهيونية اليهودية في عقائد رئيسة في المذهب الصهيوني، ألا وهي: دعوى أن اليهود شعب الله المختار، ضرورة جمع اليهود في فلسطين، ثم إقامة دولتهم فيها وجعل القدس عاصمة لها، ثم هدم المسجد الأقصى، وبناء معبد يهودي (الهيكل) مكانه، ثم وقوع معركة (هرمجدون)؛ ليقدم مخلص للبشرية، كل هذه اشتراك الصهاينة من اليهود والنصارى في اعتقادها، مع اختلاف فيما بينهم في بعض تفاصيلها. 10 - للصهاينة النصارى وسائل كثيرة في نشر مذهبهم، وإخضاع العالم لمطامعهم، ولعل من أهمها: التغلغل في منافذ القرار في دول كثيرة وكبيرة، وكذا استغلالهم لوسائل إعلام قوية، وإقامة جمعيات ومنظمات، وعقد مؤتمرات في دول شتى، ولعل الهيمنة الاقتصادية في دول كثيرة من أهم وسائلهم. 11 - بالرغم من عداء اليهود للنصارى، إلا أن أغلبهم وبخاصة الصهاينة منهم يؤيدون الصهيونية النصرانية ويشجعونها؛ لكونها تعمل لتحقيق مصالحهم ومطامعهم الرئيسة.

12 - الصهيونية النصرانية تقترب من كثير من أفكار اليهود، وبخاصة الصهاينة منهم، وتتقرب إليهم بالسعي إلى تحقيق مطالبهم في التجمع بفلسطين، واحتلالها، واتخاذ القدس عاصمة لهم، ومن ثم حماية دولتهم والدفاع عنها. ولا يلزم من ذلك محبتهم لهم ولدينهم وجميع عقائدهم، وإنما لاعتقاد الصهاينة النصارى بأن الرب قدر أن المسيح لن يأتي آخر الزمان إلا إذا اجتمع اليهود في فلسطين وقامت لهم دولة فيها. وبعض النصارى الصهاينة يصرح بأنه يحب اليهود؛ لكونهم الأصل في بني إسرائيل، ولشعوره بعقدة الذنب تجاه تعذيب النصارى لهم وإهانتهم لهم في قرون طويلة، وهذا ما يكثر اليهود إثارته لتحريك مشاعر العالم نحوهم. وهناك سبب آخر لمناصرة الصهيونية النصرانية لليهود الا وهو الطمع في تنصيرهم عند مجيء المسيح، وهو ما يعتقدون وقوعه. 13 - منذ أن ظهرت الصهيونية وهي تظهر العداء للكاثوليك والأرثوذكس؛ لأن أصلها وهم البروتستانت كان سبب ظهورهم تسلط الكاثوليك على الناس بعقائد وشرائع ومطالب أثقلت كواهلهم, وخالفت الشرع والعقل، فجاءت البروتستانتية محتجة على ذلك ومعارضة له، إلا أنها هي نفسها تخبطت في أفكار متناقضة, وضلالات كثيرة. وبالرغم من عدائها للكاثوليك والأرثوذكس إلى أنها حاولت استمالات بعضهم للتعاون معها لتحقيق مصالح اليهود في فلسطين. 14 - كان للكاثوليك والأرثوذكس موقفاً قوياً ضد البروتستانت والصهاينة النصارى، وأصدروا بذلك بيانات وقرارات كثيرة، إلا أن موقف الكاثوليك قد تغير تدريجياً؛ وبخاصة منذ منتصف القرن الميلادي العشرين تقريباً، فظهر تعاطف الكاثوليك مع مطالب الصهاينة النصارى إلى حد كبير، وذلك بفعل تأثير الصهاينة النصارى عليهم، وللضغوط اليهودية وغيرها. 15 - تقف الصهيونية النصرانية من المسلمين موقفاً شديد العداوة، حيث يرون أنهم الخطر الأكبر عليهم؛ إذ أن دين المسلمين خاتم الأديان ومحفوظ بحفظ الله له، كما أن الإسلام يحث المسلمين على الجهاد، وتطهير المسجد الأقصى وبلاد المسلمين وفلسطين من رجس اليهود والنصارى، كما يرون قوة انتشار الإسلام وتوسعه حتى في البلاد الغربية، وهو ما أقلقهم وجعلهم يسعون إلى حربه ووصفه وأهله بأوصاف سيئة كثيرة. 16 - يجب على المسلمين تجاه الصهيونية النصرانية واجبات كثيرة لعل أهمها: إصلاح أوضاع المسلمين العقدية, والشرعية, والأخلاقية، وإعداد العدة والتربية على القوة والعزة والكرامة، وكشف حقيقة الأعداء ومخططاتهم, وتفنيد عقائدهم، وغير ذلك.

التقارب الديني - خطره - مراحله - آثاره

التقارب الديني - خطره - مراحله - آثاره ¤الأمين الحاج محمد أحمد£بدون¥مكتب الطيب لخدمة التراث الإسلامي والرسائل العلمية - القاهرة¨الأولى¢1418هـ€أديان¶تقارب بين الأديان خاتمة: الحمد لله حمدا كثيرا مباركا فيه، غير مكفي ولا مودع ولا مستغنىً عنه ربنا، الحمد لله على هدايته وإعانته وتوفيقه. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وأزواجه وذريته وآله وصحبه عدد خلقه وزنة عرشه ورضا نفسه ومداد كلماته. وبعد ... يستعظم بعض الإخوة الكرام النقد والمناصحة لبعض العاملين في مجال الدعوة الإسلامية وغيره من العلماء والدعاة وطلاب العلم سواء كان هذا النقد للأفكار والآراء مهما كانت درجة شذوذها ومخالفتها؛ أو كان في الأصول أو في الفروع، لظنهم – زادهم الله حرصا- أن ذلك سيؤدي إلى فتنة وإلى تفرق الجهود وإحداث حزازات وإحن في النفوس. وهذا لعمر الله من الأخطاء الفاحشة الفادحة ومن باب الحرص الذي لا مبرر له ولا داعي له. وما علم هؤلاء أن الفتنة أعظم الفتنة وأشدها في ترك المناصحة في أمور الدين ومجاملة الأشخاص ومداراتهم حيث لا تجوز المجاملة والمداراة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الدين النصيحة)) ثلاثا قالوا: لمن يا رسول الله قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) [متفق عليه من رواية جرير بن عبدالله البجلي – مسلم رقم (45)]. فقد أوجب الله على عباده النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين من علماء وحكام وعامتهم على قدر الطاقة، ورحم الله عمر رضي الله عنه حين دعا لمن نصحه واعتبر ذلك من باب الإهداء الذي يشكر عليه، فقال: رحم الله امرءا أهدى إلي عيوبي.

إن من أوجب حقوق الله على عباده بعد توحيده وعدم الإشراك به رد الطاعنين على الإسلام ومقارعتهم بالحجة والبيان. قال العلامة ابن القيم رحمه الله مبينا بعض حقوق الله على عباده: "ومن بعض حقوق الله على عبده رد الطاعنين على كتابه ورسوله ودينه ومجاهدتهم بالحجة والبيان والسيف والسنان والقلب والجنان وليس وراء ذلك حبة خردل من الإيمان" [هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ص:10] وهذا المراد بالنصيحة لله وكتابه ورسوله. هناك أمور لا يجوز السكوت عنها، بل يجب الرد عليها في الحال على من كان أهلا لذلك، وهناك مسائل يجوز أن يغض الطرف عنها، وهناك أشياء يحرم التحدث عنها علنا. فالمسائل التي يجب الرد عليها على الكافية الطعن في أصول الدين. والتشكيك في الثوابت، والإتيان بالأقوال الشاذة التي تخرق الإجماع القولي والعملي، ومثال ذلك مسألة بحثنا هذا وما شاكلها خصوصا لو صدرت ممن له أتباع وشيع يقلدونه فيما يقول، فالسكوت مع هذه الحال لا تغتفر والخطيئة التي يجب أن يشهر ويعلن إنكارها مهما كانت الظروف والملابسات. أما المسائل التي يمكن أن يغض الطرف عنها فهي الخلافات الفقهية والأمور الاجتهادية التي تتسع لذلك. أما المسائل التي يحرم التحدث عنها علنا فهي المسائل الشخصية والسلوكية فلا بد لنا إذاً من التفريق والتمييز بين هذا فإن لكل مقام مقالا وصدق من قال: ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى، فالأقوال الشاذة والبدع المنكرة والطعن في أصول الدين والتلاعب بما أجمع عليه المسلمون أمور يتعين على بعض طلاب العلم الرد عليها في الحال، لكي لا ينخدع بها الجهال، ثم يصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا. وهذا ليس من باب الغيبة, ولا من باب الطعن والتشكيك في الدعاة، ولا هو سبب للتفريق والتشتيت الذي نهانا عنه الشرع، بل هو نصيحة يجب إسداؤها، وإذا سكت عنها وسكت أنت وسكت هذا ولم يتكلم ذاك فمن لها. رحم الله إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل وقدس الله روحه، حيث قيل له بسبب جرح وتعديل الرواة: لا تغتب العلماء فقال: ويحك هذه نصيحة، ليس هذا غيبة. وقال كذلك رادا على من تحرج من عملية الجرح وقال: (إنه يثقل عليّ أن أقول فلان كذا وفلان كذا قال: (إذا سكتَّ أنت وسكتُّ أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟) [تدريب الراوي للسيوطي 2/ 369] فالنصيحة دين وحق يجب أن يؤدى مهما كان الشخص قريبا أم بعيدا عنك عالما كان أم غير عالم صالحا كان أم طالحا. ورحم الله علماء السلف من هذه الأمة فقد كان الحق أحب إليهم من كل شيء وها هو علي بن المديني من أئمة الجرح والتعديل يسأل عن أبيه هل يؤخذ بروايته أم لا؟ فيقول لمن سألوه: سلوا عنه غيري فأعادوا المسألة فأطرق ثم رفع رأسه وقال: هو الدين، إنه ضعيف. حقا إنه الدين الذي يجعل الولاء أولا وأخيرا لله وحده لا لولد ولا لوالد، ولا لإمام مذهب، ولا لقائد جماعة، ولا لشيخ طريقة، وما فعله الإمام علي فعله أبو داود الإمام صاحب السنن، إذ قال عن ابنه" ابني عبدالله كذاب" ونحو من ذلك قول الذهبي في ولده أبي هريرة: إنه حفظ القرآن ثم تشاغل عنه حتى نسيه. ومن قبل أمير المؤمنين علي محذرا من تزويج ابنه الحسن رضي الله عنه، الحسن مزواج مطلاق لا تزوجوه. ومن قبل سيد الخلق، عندما استشارته فاطمة بنت قيس في الزواج من معاوية أو أبي الجهم قال لها: أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه، ولكن انكحي أسامة بن زيد. ورحم الله مالكا الإمام حيث قال: لقد أدركت في هذا المسجد سبعين شيخا لو استسقى بهم الناس لسقوا ما أخذت منهم حديثا واحدا لأنهم ليسوا من أهل هذا الشأن. وقال يحيى بن معين رحمه الله: إنا لنطعن في أقوام لعلهم حطوا رواحلهم في الجنة أكثر من مائتي سنة. هذا بالنسبة لمن يطعن في الدين أو يشكك في أصوله، أو يخشى من الانخداع به، أما بالنسبة لما يصدر عن بعض العلماء الأثبات من هفوات وسقطات في مسائل الفروع وفي الأمور الاجتهادية خاصة لمن تجاوز القنطرة منهم (وثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه وندر جارحوه) فلا يلتفت إلى جرحه لأن المناقص خبث والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث. ورحم الله الخطيب البغدادي حيث قال: ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل - يعني من غير الأنبياء عليهم السلام - إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه فمتى كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله. أما إذا كان الماء قليلا جدا لا يسد الرمق ولا يزيل الغصة وحلت به النجاسة فإنه ليعرفوا على حقيقتهم، والاشتغال بالرد على هذا الصنف عبادة وقربى إلى الله. ورحم الله أحمد الإمام قيل له: الرجل ليصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين وهذا أفضل. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

أصول فقه

أصول فقه

أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي

أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي ¤مصطفى ديب البغا£بدون¥دار القلم - دمشق¨الثانية¢1413هـ€أصول فقه¶اختلاف فقهاء - أصول فقه إن الله سبحانه وتعالى أرسل نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليكون للعالمين نذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأنزل عليه الكتاب بالحق ليبين للناس ما نُزِّل إليهم ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً، وجعل شريعته خاتمة الشرائع إلى يوم الدين، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم - {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} [الأحزاب:40]. فكان الناس ـ على اختلاف أجناسهم وألوانهم، وتباعد أقطارهم وتباين لهجاتهم ـ مكلفين باتباع هديه والتزام طريقه: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً} [سبأ: 28]. وكان - صلى الله عليه وسلم - المنقذ للإنسانية من غيابات الجهل ومن وهدة الضلال والعمى إلى العلم والمعرفة والإيمان والهدى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107]. وكانت هذه الشريعة جامعة مانعة مهيمنة على الشرائع كلها، لا تحتاج إلى زيادة ولا تعديل: ?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً [المائدة: 3]. كما كانت هذه الشريعة متضمنة لكل خير، منزهة عن كل شر، ليس فيها إلا ما يصلح أمور العباد في داري المعاش والمعاد، لأنها شريعة الخالق إلى المخلوق، فهي طريق العابد إلى المعبود: {وإنه لكتاب عزيز* لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت:41، 42]. ولقد حفظ الله سبحانه هذه الشريعة من أن تنالها أيدي التغيير والتبديل، أو تعبث بها أهواء الزائغين والمضللين بالتحريف والتأويل، أو يطمع ذو مرض أو هوس أن يطمس معالمها ويستأصل شأفتها: ?إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [الحجر: 9]. كما جعل الله تعالى هذه الشريعة هي منهاج الحياة، وأوجب على الإنسانية جمعاء أن تسير على وفقه في شتى مرافق حياتها، حتى تضمن السعادة الخالدة، فتحقق الحياة الفضلى في دنياها، وتكفل النعيم والنجاة في أخراها: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءاً غدقاً} [الجن: 16]. وكان في اتباع هذه الشريعة الهداية والنور: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} [طه: 123]. وكان في الإعراض عنها التعاسة والشقاء والبؤس والفناء: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه:124]. ولهذه المعاني كلها ـ وغيرها مثلها كثيرـ اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، تكفل للناس الحياة المثلى، مهما تباعدت بهم الديار، واختلفت فيهم الأقاليم ومضت فيهم الأجيال، فترعى مصالحهم في كل حين وآن بما يجلب لهم النفع ويدفع عنهم الضر والفساد، وتضفي عليهم اليسر، وترفع عنهم الحرج والعسر في كل شأن من شؤونهم وحال من أحوالهم: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185]. {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78]. وهذا من شأنه أن تكون هذه الشريعة ـ بأحكامها وتشريعاتها، وقواعدها وتقنيناتها، وأصولها وفروعها ـ مرنة مرونة الحياة، ومتسعة اتساع الكون، ليتمكن الناس من العمل بها، والسير على هديها والالتزام بحكمها، وهي شريعة الله المنزلة وآياته المحكمة وقرآنه المعجز، لا تداخلها الجاهليات المختلفة في حكم من أحكامها أو شأن من شؤونها: {فماذا بعد الحق إلا الضلال} [يونس: 32].

وهذا ما كفله الله سبحانه في هذه الشريعة للمهتدين بهديها الذين لا يعدلون عن سننها، ولا تنحرف بهم الأهواء عن سمو تشريعها ولا تزيغ قلوبهم عن فيض حِكَمها وأحكامها: {أفحكم الجاهلية يبعون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} المائدة:50. فكانت هذه الشريعة متعددة المصادر، متنوعة المدارك، لاستنباط ما يصلح حياة الناس من الأحكام التي تحقق مقاصد الشريعة في الخلق كما أرادها الخالق جلت حكمته. ومن هنا كانت المرونة، وكان الاتساع، وكانت الملائمة لكل زمان ومكان وكل شأن وحال. فلقد كانت هذه المرونة في كتاب الله تعالى المنزل على رسوله المصطفى?، وهو أصل الأصول في هذه الشريعة، والغاية التي تنتهي إليها أنظار المتبصرين، ومدارك أهل الاجتهاد والاستنباط، ليعرفوا حكم الله تعالى في كل حادثة ونازلة، وهو المرجع الذي ليس وراءه غاية لمستزيد، فقد فصل كل شيء وبينه أحسن تبيان: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء} [النحل: 89]. وأتى على الأول والآخر: فنظم شؤون الحياة وبين علاقة الفرد بربه، وتناول أموره بتشريع الأحكام منذ كان جنيناً في رحم أمه إلى أن يصير رفاتاً في قبره، ينظم له شؤون حياته، فيضع الأسس السليمة وينير المسالك القويمة التي ترعى شخصه وتهذب نفسه، وتحفظ له حياته وعقله، وتصون ماله وعرضه، وتحكم علاقته ببني نوعه، بعد أن كفلت فيه الدين السليم والعقيدة الصافية، وأيقظت فيه الضمير الحي، وأدبته على مكارم الأخلاق، ولقد تبارك الله تعالى القائل: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام: 38]. ثم كانت هذه المرونة في السنة المطهرة، ذلك المعين الفياض الذي لا ينضب مَدْركاً من مدارك الأحكام، تعرفنا حكم الله سبحانه وتعالى في كل كبير وصغير. فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المبلغ عن ربه: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: 67]. وهو المبين مراد الله عز وجل فيما أنزل: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44]. فالسنة المطهرة تأكيد لما بين في كتاب الله من أحكام، وتفصيل لما أجمل، وتقييد لما أطلق، وتخصيص لما هو عام. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المظهر العملي لشريعة الله تعالى، فهو المكلف الأول: {وأنا أول المسلمين} [الأنعام: 163]. وهو القدوة الصالحة: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21]. وهو الذي يتلقى الوحي من السماء: {وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى} [النجم: 3 - 4]. وهو الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، وهو الذي قذف لله النور في قلبه، وأجرى الحق على لسانه وجعل طاعته من طاعته ومعصيته معصيته: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً} [النساء: 80]. لهذا كله كانت السنة المطهرة ـ في مجمل أحكامها وتشريعاتها ـ بمنزلة كتاب الله تعالى، ما ثبت فيها ثابت بوحي من الله سبحانه وأمر منه وتكليف: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7].

ولما كان الرسول عليه الصلاة والسلام بشراً يعيش على الأرض عيشة المكلفين من عباد الله، وهو على صلة بأحوالهم وشؤونهم ـ والله أعلم بأحوالهم وشؤونهم ـ ويمارس أعمالهم ومصالحهم، ويتبصر بما يوقعهم في الحرج وما يخرج بهم إلى السعة واليسر، وهو أعرف الخلق بما يبلغ عن ربه، وأخبرهم بمقاصد الشريعة التي أفاضها الله على روحه وقلبه ـ {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى: 52] وهو الذي أولاه الله العناية، وعصمه من الزيغ ووفقه إلى الحق، وسدده إلى الصواب، لما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متصفاً بهذه المعاني والصفات كان يشرع للناس من أحكام الله تعالى ما فيه خيرهم وصلاحهم، وما فيه رعاية مصالحهم في دنياهم، وفوزهم في أخراهم، كل ذلك بما يتفق وروح القرآن ومنهجه، وما يتفرع عن أصوله وقواعده، مما ألقاه الله سبحانه وتعالى في روعه فبينه للناس ثم أقره عليه. وبهذا كانت السنة ـ وهي مصدر عظيم من مصادر التشريع، ودليل أساسي من أدلة أحكامه ـ جامعة مانعة، عامة شاملة، لا تفوتها شاردة ولا واردة إلا وقد أعطتها حكماً شرعياً، فيها بيان لما كان وما سيكون، وفيها تنظيم عملي رائع لشؤون الحياة مستوحى عن الله خالق الحياة ومن يحيى، ومرتبط بمالك الملك والملكوت الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. فقلما تحدث حادثة، أو تنزل نازلة إلا ونجد في السنة المطهرة الحكم الشافي والبيان الوافي لها. وهكذا كانت المرونة والاتساع في شرع الله تعالى لعباده في الكتابة المنزل، وسنة نبيه المختار، صلوات الله وسلامه عليه. ومن بدهي القول أن وحي الله قد انقطع، وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد توقفت بقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، ورغم أن كتاب الله تعالى لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وأن السنة كانت المبينة والمفصلة والمتممة، فإن نصوصهما محصورة محدودة، والحوادث تتجدد وتتكرر، والمحصور لا يحيط بغير المحصور نصاً ولفظاً ـ وإن كان يحيط به معنى وتقعيداًـ ولذلك اقتضت حكمة الله تعالى زيادة توسعة على الأمة، مَنًّا منه سبحانه وتفضلاً، ففتح لها باباً لاستخراج الأحكام لا يسد، وفجر لنا ينبوعاً لا ينضب، بل لا يزال يمدنا بالأحكام الشرعية لما يتجدد من تصرفات فيها جلب مصالح العباد وخيرهم، ودفع غوائل الشر والفساد عنهم، وكان هذا الفضل من الله فيما أرشدت إليه نصوص القرآن، ودلت عليه السنة المطهرة من إجماع أهل الحل والعقد، وذوي الخبرة والفهم في دين الله، عندما تقع واقعة أو تحدث حادثة، يعوزهم أن يجدوا لها نصاً صريحاً في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه ?، يدلهم على حكم الله تعالى فيها، فيجتمعون يتلمسون المستند لها في شرع الله بتداول الرأي وتقليب وجهات النظر، استرشاداً بقوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} [الشورى: 38]. ثم يجمع رأيهم على حكم شرعي يصبح بعد الإجماع عليه حكم الله تعالى في هذه الحادثة لا يجوز لأحد أن يخالفه، التزاماً بقوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} [النساء: 115]. والأمة لا تحتاج إلى حكم شرعي في الحادثة إلا إذا كانت ذات شأن في حياتها، ولها صلة بأمور معاش الناس التي يريدونها مطية لمعادهم، وعلماء الأمة المخلصون ـ الذين يلتزمون شرع الله، ويريدون الصلاح للناس ـ لا يجمعون على حكم شرعي ـ سلباً أو إيجاباً ـ إلا إذا أيقنوا أن فيه تحقيق مقاصد الشرع من جلب النفع أو دفع الضر، ورعاية مصالح العباد.

وهكذا نجد أن اعتبار هذه الشريعة إجماع المجتهدين من الأمة حجة في استنباط الأحكام، ومصدراً رئيسياً من مصادر التشريع، قد أكسب هذه الشريعة مرونة واتساعاً، يلازمانها ما قامت السموات والأرض، وما زال على الأرض أناس يتعاملون وعلماء مجتهدون يجتمعون ويجمعون، وما زالت حوادث تتجدد، ووقائع تتشعب، فالإجماع يمدنا بأحكام شرعية مستمدة من شرع الله تعالى ـ تصلح للزمن وتتناسب مع المكان ـ في كل تصرف وشأن، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. على أن الأمر قد يكون فيه حرج وعسر، لو كان لزاماً على الأمة ـ في كل حادثة تجد ـ أو على كل قاض ومفت ـ تعرض له فتوى أو قضاء لا يجد لها نصاً في كتاب الله تعالى ولا في سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ـ أن يجمع لذلك علماء الأمة، أو يحصل على رأيهم فيها. ولو كان الأمر كذلك لارتبكت الأمة في شؤونها وفاتها الكثير من المنافع، وربما سارت في تصرفاتها على غير هدى من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وكان أمرها فرطاً. ولذلك اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون هذه الشريعة أكثر واقعية عما يتصور في كل تشريع لم يكن نابعاً من فيض الله الحكيم، فأرشدت إلى كل ما فيه صلاح ونهت عن كل ما من شأنه الفساد، وكان مما أرشدت إليه ودلت عليه: أن يلجأ المجتهد المتبصرـ في فتواه وقضائه ـ إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه ?، فإن لم يجد ضالته، عمد إلى ما أجمع عليه من سبقه من العلماء المجتهدين والأئمة المتقين، فإن لم يجد لم يقف مكتوف الأيدي حائراً تائهاً يترك الناس في ضياع، بل يعمل فكره ويشحذ ذهنه ويسبر أعماق النصوص والأحكام ليتعرف فيها على العلل والمناسبات، فإذا تجلى له الأمر ألحق الحادثة التي بين يديه بأقربها شبهاً، وأكثرها مناسبة مما نص على حكمه أو انعقد عليه الإجماع: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} [ص: 29]. وهكذا كان القياس مصدراً رئيسياً وأصلاً من أصول التشريع الإسلامي، يستمد منه الفقيه أحكام الحوادث والوقائع، استرشاداً بقول الله تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر: 2]. وإذا كان القياس مصدراً من مصادر التشريع، فأجدر به من مصدر يضفي على هذا التشريع مرونة ما بعدها مرونة، ويكسبه صلاحية ـ لمختلف أطوار الحياة، وتقلب الحقب والأجيال، مع بعد القارات وتنائي الديار، لا تدانيها صلاحية، فما أكثر الأحكام المنصوص عليها والمجمع فيها، والتي يتمكن المجتهد أن ينظر فيها ويلحق بها ويقيس عليها، وليس من مغالاة القول: إنه ما من حادثة قائمة أو يمكن أن تحدث إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ـ ورغم ما نجده من كثرة الاختراع وتطور الحياة وتعقد المعاملات ـ إلا ويستطيع العلماء العاملون والفقهاء الموفقون: أن يجدوا حادثة منصوصاً أو مجمعاً على حكمها، يمكنهم بأدنى جهد أن يقيسوها عليها ويلحقوها بها في الحكم، ثم تأخذ حكمها شرعياً، وتكون من جزئيات التشريع الإسلامي بعد أن كانت خارجة عنه. وهكذا نجد أن الشريعة الإسلامية بمصادرها الأربع هذه ـ والمتفق على اعتبارهاـ مستغنية عما سواها، كفيلة بسد حاجات الزمن وتطورات العصر مما يحتاجه إلى تشريع وتقنين.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ازدادت هذه الشريعة مرونة واتساعاً وتلاؤماً بما اهتدى إليه الأئمة المجتهدون ـ بمجملهم ـ من المصادر التبعية، التي كانت موضوع هذه الرسالة، وقد رأينا مدرك كل إمام فيها، وما أرشده إلى القول بكل منها أو عدمه. والمهم في هذه الخاتمة أن نشير إلى ما كان لاعتبار هذه الأدلة ـ على الإجمال ـ مصادر من مصادر التشريع الإسلامي من أثر بيِّن في إعطاء هذه الشريعة المرونة الكافية، التي تجعلها أكثر صلاحية لكل زمان ومكان أكثر من ذي قبل، إذ إنه من بدهي القول أن التشريع ـ أي تشريع ـ كلما كثرت مصادرة وتعددت وتنوعت كلما كان أكثر مرونة واتساعاً، وبالتالي أكثر صلاحية للأجيال وبقاءً. لاسيما وأن هذا التعدد والتنوع إنما كان حفاظاً على المقاصد الأساسية التي بنى التشريع أحكامه على صيانتها، والإبقاء عليها سلباً وإيجاباً، لأن في هذه المقاصد صلاح المعاش والمعاد. ولسنا بحاجة إلى إعادة تفصيل القول في هذه الأدلة، لبرهان على ما أثمرته من مرونة واتساع، فقد رأينا كيف أن القول بالاستحسان عدل من غلو القياس ـ على رأي القائلين به ـ وأمدَّ التشريع الإسلامي بكثير من الأحكام الشرعية التي ربما وقف ظاهر القياس عائقاً دونها، وأوقع الناس في حرج وضيق، فكان الاستحسان ذاك المخرج الحسن والمتسع المشروع. وكذلك فعل الاستصلاح، حيث أغنى الفقه الإسلامية بكثير من الأحكام الشرعية، لعديد من الحوادث التي فيها جلب منفعة أو دفع مفسدة، لم يشهد لها شاهد بالاعتبار أو الإلغاء، وإنما شهد لها ما فيها من الحكمة المترتبة عليها سلباً أو إيجاباً. وأما القول بمذهب الصحابي ـ على ما عرف بيانه ـ فغني عن البيان ماله من أثر في مرونة التشريع، واتساع في الأحكام الشرعية، فالصحابة ذوو الاجتهاد والعمل ـ والذين يحتج بقولهم من يحتج ـ قد كثرت فتاواهم وتنوعت قضاياهم، وهم الذين فتحوا الآفاق وانتشروا فيها، وحدثت أيامهم الحوادث وتتالت الوقائع مما ليس فيه نص ـ وخاصة أنهم فتحوا بلداناً لها وقائعها وحوادثها مما يختلف عما ألفوه ـ فتعددت اجتهاداتهم وتنوعت مداركهم، واختلفت قضاياهم حسبما فهموا من كتاب الله تعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأصول الشريعة ومنهجها في تشريع الأحكام، وهم الذين تربوا في مدرسة الوحي والنبوة، وتخرجوا من دوحة القرآن والسنة، وهكذا فقد أغنت اجتهاداتهم وفتاواهم وقضاياهم التقنين الإسلامي، بحيث قلما نجد حادثة إلا ولأحدهم اجتهاد فيها أو في مثلها. وأما العرف والقول به فناهيك به من مصدر خصب فياض، يكسب التشريع تلاؤماً مع كل بيئة وزمن، ولا يترك التشريع جامداً غريباً ـ في كثير من أحكامه ـ عما يألفه الناس ويتعارفونه، بل يجعلهم على صلة دائمة بمصادره الأصلية وينابيعه الأساسية، مع المحافظة على رعاية مصالح الناس ورفع الحرج عن تصرفاتهم، إذ إن الناس لا يتعارفون إلا ما هم في حاجة ماسة إليه، وما هو أساسي في حياتهم. وقل مثل هذا في الاستصحاب، فالأصل في الناس براءة ذمتهم، والأصل في الأشياء الإباحة، فيبقى الناس في سعة وبحبوحة، ما دام لم يقم دليل على التزام الفعل أو تركه، فإذا قام الدليل على الفعل أو الترك كانت السعة والبحبوحة فيما قام عليه دليل الشرع. وفي هذا أيضاً مرونة واتساع ملحوظان في التشريع.

ونستطيع أن نقول مثل هذا أو قريباً منه في كل دليل من بقية الأدلة التي فصلناها في هذه الرسالة، وقد رأينا شيئاً من هذا عند بحث كل دليل وبيان أثره. والمهم أننا نرى في هذا التنوع والتعدد لمصادر التشريع مرونة واتساعاً وتلاؤماً، حيث إن المجتهد الفقيه ـ مفتياً كان أو قاضياً أو حاكماً ـ يسعه فيما إذا عرضت له قضية ـ كما يسع الأمة إذا حدثت حادثةـ أن يستنبط الحكم الشرعي لها بناء على هذا الدليل أو ذاك، طالما أنه دليل معتبر لدى إمام من الأئمة له ـ على اعتباره ـ حجته واستدلاله، بغض النظر عن مخالفة غيره له أو موافقته فيه، نظراً منه إلى ما يتلاءم مع ظروف الأمة وحاجات الزمن، وما يتطلبه جلب النفع للناس أو دفع المفسدة عنهم، رعاية لمصالحهم وتحقيقاً لمقاصد الشارع فيهم. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نجد أن هذا التعدد للأدلة وهذا التنوع للمصادر نتج عنه كثرة كاثرة من الفروع الفقيهة والمسائل الاجتهادية، التي كان لها حكم شرعي بناء على اعتبار هذا الدليل أو ذاك، وبرأي هذا الإمام أو غيره، وهذا بلا شك مرونة واتساع من شأنه أن يجعل التشريع متلائماً مع حاجات الزمن واختلاف الأحوال، ولا غضاضة أن هذا القول متفق عليه أو مختلف فيه، إن التشريع إنما ينظر إليه بمجموع ما فيه من نظريات وآراء وأحكام، وقواعد وأسس، سواء ما كان منها محل وفاق أم محل اختلاف، ولا ينظر إلى التشريع برأي إمام أو اجتهاد فقيه، فمهما كان الحكم مختلفاً فيه لا يخرج عن كونه حكماً شرعياً من أحكام التشريع من حيث الجملة، يسع الأمة ـ بعلمائها الأتقياء العارفين ـ أن تختار هذا القول أو ذاك حسبما يتلاءم مع الزمن وما يرجحه لديها من قرائن وأحوال، ولا حرج في ذلك ولا خروج عن طوق الشرع وحكمه، إذ لم يقل أحد من الأئمة المجتهدين، ولا من العلماء ذوي الفقه والفهم في الدين: إن الأمة بأجمعها ملزمة بمذهب إمام أو قول عالم أو رأي فقيه، بل إن الأئمة أنفسهم رفضوا مثل هذا ولم يرضوه لأنفسهم، فضلاً عن أن يقولوا به. فهذا الإمام مالك رحمه الله تعالى يأتيه أبو جعفر المنصور يقول له: قد عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها فتنسخ، ثم أبعث في كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمرهم بأن يعملوا بما فيها ولا يتعدوه إلى غيره. فقال: يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورددوا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وأتوا به من اختلاف الناس، فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم. وحكيت نسبة هذه القصة إلى هارون الرشيد، وأنه شاور مالكاً في أن يعلق الموطأ في الكعبة ويحمل الناس على ما فيه، فقال: لا تفعل، فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في الفروع، وتفرقوا في البلدان، وكل سنة مضت، قال: وفقك الله يا أبا عبدالله. وحسبك هذا الكلام من إمام دار الهجرة شاهداً على ما قلناه، وعلى مرونة هذا التشريع الذي فهمه أمثال مالك رحمه الله تعالى من الأئمة الأبرار والعلماء الأعلام. وبعد، فإن هذه المرونة وهذا الاتساع وهذه الصلاحية وهذا التلاؤم الذي امتازت به الشريعة الإسلامية لا يعني ـ في حال من الأحوال ـ أنها قابلة للتغيير والتبديل، والتعديل والتطوير ـ كما يفهمه بعض من يدعي الإنصاف في نفسه لهذه الشريعة والحدب عليها ـ بحيث تخرج عن أصالتها ولا يبقى لها من الصلة بمصدرها الأساسي وهو كتاب الله المنزل إلا اسمها ورسمها، فتغير نصوصها وتبدل، وتفسر وتؤول بما يتلاءم مع تطور الزمن وما تعارف الناس فيه من مفاسد، وما ألفوه من منكر، وما اعتادوه من تصرفات هي مروق من الدين وخروج عنه، فلا يمكن أن يقرها بحال.

كذلك لا تعني هذه المرونة أن تلفق الاستدلالات والتفسيرات والتبريرات لكل ما دخل على الناس في تشريعاتهم وتقنيناتهم من باطل جاء الإسلام بإنكاره أصلاً وفرعاً، وما تمكن فيهم من جاهليات يتنزه شرع الله أن يسعها بأحكامه تقريراً واعتباراً بل ينبه إليها نفياً وإنكاراً. إن الصلاحية التي تتصف بها الشريعة الإسلامية هي صلاحية بالأصالة، ومرونتها مرونة ذاتية جوهرية، لأنها شريعة الله المحكمة ووحيه المنزل الذي تكفل ـ كما ذكرنا ـ بحفظه ورعايته، ولأن هذا التعدد والتنوع في الأدلة إنما كان ـ أيضاً ـ ليحفظ هذه الشريعة بنقاوتها وصفائها، ويدفع عنها كل ما يشوب هذا الصفاء أو يشوه تلك النقاوة، ولذا كانت هذه المرونة ـ على اتساعها ـ منضبطة بضوابط وقواعد، بحيث تبقى على أصالة هذه الشريعة وذاتيتها وجوهرها، وحتى لا ينطلق العنان بكل باحث ومجتهد أن يشرع في دين الله ما لم يأذن به الله تعالى. ولهذا نجد أن لكل دليل من أدلة التشريع وكل مصدر من مصادر أحكامه قواعده وضوابطه، على أساسها تستنبط الأحكام، وبمراعاتها تستخرج المسائل والفروع، وتفهم المقاصد والغايات، وفي ضوئها تجلب المصالح والمنافع، وتدرأ المضار والمفاسد. فنصوص الكتاب والسنة لها أصالتها وحصانتها، فلا مساغ للاجتهاد عند مورد النص، وما ثبت من حكم شرعي بنص صحيح وصريح فهو حكم ثابت وشرع محكم لا يتغير ولا يتبدل، ولا يجوز لأحد أن يخالفه مهما تغير الزمن وتبدلت الأحوال وادعي من المصلحة بمخالفته ما ادعي، لأن المصلحة ثابتة فيما شرع الله لعبادة أو سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته، والمفسدة في مخالفة أمرهما. وما لم ينص عليه صريحاً في كتاب أو سنة فهناك قواعد وضوابط ـ مستوحاة من الكتاب والسنة أنفسهماـ على أساسها تفهم النصوص وتستخرج الأحكام. ثم الاجتهاد ـ جماعياً كان أو فردياً ـ لا يكون أبداً إلا إذا فقد النص الصريح، وله أيضاً قواعده وضوابطه: فلا بد في الإجماع من مستند شرعي يعتمد عليه، مع ما اشترطه العلماء من شروط وقيود استوحوها من الكتاب والسنة، ليصبح الإجماع حجة ويكون حكمه ملزماً. وللقياس ـ أيضاً ـ أركانه وشروطه، وضوابطه وقيوده، وأسسه وقواعده حتى يكون مُعْتبراً ومَدْركاً من مدارك الأحكام. وكذلك رأينا ـ عند بحث أبواب هذه الرسالة ـ كيف أن كل دليل من الأدلة التي بحثت كان له شروط وقيود حتى يكون حجة معتبرة لدى من يقول به، فلا يخرج عن جوهر الشريعة وأصالتها، فلا عبرة بكل ما يصادم نصاً تشريعياً أو أصلاً متفقاً عليه من أصول الشريعة، سواء كان المصادم مصلحة أم استحساناً أم عرفاً أم غير ذلك، وسواء كان ظاهره جلب منفعة أم دفع مفسدة، لأن المصلحة فيه عندئذ تكون وهمية طالما أنه يصادم نصاً شرعياً ثابتاً، أو أصلاً من أصول التشريع. وحسبنا دليلاً على هذا أن القائلين بسد الذرائع إنما حملهم على القول به خوفهم من التلاعب على أحكام الشريعة، أو الوصول إلى العبث فيها، باتخاذ ما هو حلال من حيث الظاهر والأصل وسيلة إلى ما هو ممنوع ومحرم، فقالوا بسد الذرائع احتياطاً في شرع الله، مع أن الأمر لا يعدو ـ في الغالب ـ قيام شبهة في القصد، فما بالك إذا كان القصد صريحاً، والتحريم لما أحل والتحليل لما حرم مقصوداً وجريئاً؟ .. ويدعي أنه المصلحة وحاجة الزمن؟ .. فلا شك أنه مرفوض ومردود، والقول به فسوق ومروق، يخرج به مستحلة عن الإسلام، ويخلع عنه ربقة الإيمان، خاصة إذا كان معلوماً من الدين بالضرورة، كالقول بحل الربا، أو استباحة الخمر، أو خروج النساء كاسيات عاريات مائلات مميلات بحجة أن العرف قد جرى بهذا، أو أن المصلحة تقتضي ذاك، فالحق أنه لا مصلحة في مخالفة شرع الله، وإنما هي المفسدة والأهواء والضلال، تسيطر على النفوس المريضة كما سيطرت على أتباع الشرائع السابقة، فضلوا وأضلوا، وأضاعوا شرع الله تعالى ودينه المنزل عليهم، واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، فلعنهم الله على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون: ?كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون?. أما وأن هذه الشريعة خاتمة الشرائع فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يحفظها ويصونها، فقيض لها ـ في كل حين وزمن ـ علماء مخلصين ومجتهدين عالمين وطائفة بالحق ظاهرين، أنار قلوبهم لفهم دقائق هذه الشريعة وأسرارها، فهم يمحصون ويدققون، ويقعدون القواعد ويؤصلون الأصول، ويدفعون عن شرع الله تعالى ويكافحون، لتبقى شريعة صافية نقية، مصونة كما أرادها: {وإنه لكتاب عزيز* لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت: 41، 42]. هذه الحقيقة الخالدة أبد الآبدين ودهر الداهرين، نسأل الله التوفيق والسداد والحمد لله رب العالمين.

أصول الفتوى وتطبيق الأحكام الشرعية في بلاد غير المسلمين

أصول الفتوى وتطبيق الأحكام الشرعية في بلاد غير المسلمين ¤علي بن عباس الحكمي£بدون¥مؤسسة الريان - بيروت¨الأولى¢1420هـ€أصول فقه¶فتوى ومفتي ومستفتي خاتمة البحث في ختام هذا البحث أرى لزاماً عليَّ تتمياً للفائدة، وتذكيراً بجوهر الموضوع ولُبَّه، أن أذكر أهم نتائجه وبعض التوصيات المتعلقة به، وهي ما يلي: 1 - الفتوى في اللغة وفي الشرع: إِخبار عن شىء يهم المخْبًر، وإعانة له على أمر يحتاج إلى مساعدة من يستطيع مساعدته فيه، والمفتي هو الشخص المؤهل شرعاً لفعل ذلك في أحكام الشرع. 2 - الفتوى تشبه الحكم والقضاء في أن كلا منهما إِخبار عن الحكم الشرعي ممن هو أهل للإِخبار بذلك 3 - تفترق الفتوي عن الحكم والقضاء في عدة أمور مصدرها اختلاف مهمة الحاكم والقاضي عن مهمة المفتي، فالقاضي والحاكم مهمتهما فصل الخصومات، والإِلزام بالحقوق والواجبات في الدنيا، والمفتي مهمته بيان حكم الشرع الذي يجب على المسلم الالتزام به ديانة بينه وبين ربه. ولهذا كان حكم القاضي مفارقاً لفتوى المفتي فيما يلى: أ - قضاء القاضي وحكم الحاكم ملزم في الظاهر، وفتوى المفتي غير ملزمة في الظاهر. ب - قضاء القاضي لا ينقض في المسائل الاجتهادية مالم يخالف دليلاً مقطوعاً به من نص أو إِجماع. وفتوى المفتي تجوز مخالفتها من المفتي نفسه إذا تغير اجتهاده، أو من مجتهد غيره. جـ- الحكم والقضاء لا يدخل في العبادات إِلا فيما يتعلق منها بحقوق العباد فيما بينهم. والفتيا تدخل في جميع الأحكام من العبادات والمعاملات وسائر التصرفات. د- يشترط في القاضي ما لا يشترط في المفتي من الحرية والذكورية ونحوهما. 4 - التأهل للفتوى، واستكمال شروطهما الشرعية الُممَكِّنة من القدرة عليها فرض على الكفاية، إذا قام به بعض الأمة سقط عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثموا، ويجب على ولاة أمر المسلمين العمل على توفير العدد الكافي من المؤهلين للفتيا، واتخاذ الوسائل وتهيئة السبل الموصلة إلى ذلك. 5 - التصدي للفتيا - بعد التأهل لها - قد يكون فرض عين، وقد يكون فرض كفاية وقد يكون مندوباً، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون حراماً، أما غير المؤهل فتحرم عليه الفتوى مطلقاً. 6 - للفتيا شروط لابد من توافرها فيمن يتصدى لها. وأهمها الإسلام، والعقل والبلوغ والعدالة، والتمكن من معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها، بتوافر شروط الاجتهاد المفصلة في البحث. 7 - وللمفتي صفات يجب توافرها فيه، وأخرى يحسن به التحلي بها، وآداب ينبغي له السير عليها. وقد ذكرنا أهم كل ذلك في مواضعه من البحث. 8 - المفتي قد يكون مجتهداً مطلقاً مستقلاً عن أصول غيره، وقد يكون مجتهداً منتسباً إلى مذهب من المذاهب الفقهية المشهورة، والأول انعدم منذ القرن الرابع الهجرى، والثانى باق ٍ في كل عصر. 9 - لايلزم من انعدام المجتهد المطلق المستقل عدم توافر شروط الاجتهاد في غيره وإِغلاق باب الاجتهاد. 10 - دعوى انعدام المجتهد إِنما المقصود بها عند كثير من قائليها المجتهد المستقل وهذه دعوى صحيحة. وأما انعدام من توافرت فيه شروط الاجتهاد ولو كان منتسباً إلى أحد المذاهب فدعوى غير صحيحة لمخالفتها الواقع، ولمناقضتها قول بعض القائلين بها، وقول كثير من الفقهاء المنتسبين إلى المذاهب أنهم لم يأخذوا بمذاهب أئمتهم تقليداً لهم، بل عن نظر واجتهاد. 11 - الاجتهاد المطلق أي القدرة على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها قد يتجزأ، فقد يكون المرء مجتهداً في بعض فروع الفقه أو أبوابه أو مسائله، وهذا ساعد كثيراً على القيام بفرض الكفاية في الفتوى.

12 - مع وجود المجتهدين في كل العصور إِلا أن العدد الذي يتأدى به فرض الكفاية منهم في القضاء والفتيا لم يتوافر في بعض العصور وفي بعض البلدان والنواحى، ولهذا أجمع أهل الفتيا على جواز تولية القضاء والفتيا لغير المجتهدين للضرورة. 13 - الفتوى شأنها عظيم، وخطرها جسيم، فهي توقيع عن الله، ودخول بين الله وبين خلقه، والقائم بها معرض للخطأ، فعليه أخذ الحيطة والحذر وعدم الإِقدام عليها إِلا بعد التأهل لها مع شدة المراقبة لله وملازمة التقوى. 14 - ولهذا كان السلف يتحاشونها، ويود كل واحد منهم أن يكفيه غيره تحملها ومع ذلك لم يضيعوها أو يفرطوا في التأهل لها والقيام بها عند الحاجة إِليهم. 15 - الفتوى قد تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، وذلك تبعاً لتغير العادات التي علقت بعض أحكام الشرع عليها، وهذا أحد لوازم صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان، فلو جعلت أحكامها وفق عادات زمن معين أو مكان معين فيما يتعلق من الأحكام بالعوائد المختلفة لواقع الناس في ضيق وحرج. وما جعل الله على الناس في الدين من حرج. 16 - العوائد والأعراف التي علقت عليها بعض الأحكام الشرعية، وتتغير بتغيرها هي العوائد والأعراف التي لم يرد في الشرع طلبها بعينها أو منعها بعينها. 17 - فكل ما طلبه الشرع بعينه من العوائد إِيجاباً كالتنزه عن الأنجاس والتطهر منها وستر العورات، أو منعه الشرع بعينه كاجتناب الخبائث، وتحريم بعض المعاملات كالربا ونحوه، كل ذلك لا يجوز تغيير الحكم فيه منعاً أو إِباحة بسبب تغير العرف والعادة فيه. 18 - من شروط صحة الفتوى، ومن واجبات المفتي معرفة الوقائع وفهمها على حقيقتها فهما صحيحاً، والإِحاطة بجميع جوانبها وملابساتها، ومعرفة عوائد الناس وأعرافهم وأحوال المستفتين لتكون فتواه في محلها، وإِيقاع الأحكام مواقعها. 19 - الأحكام الشرعية لازمة لكل مكلف في كل زمان ومكان وحال متى ما توافرت الأسباب والشروط وانتفت الموانع، ولا تأثير لدار غير المسلمين في ترك واجب أو فعل محظور إِلا بعذر من الأعذار المعتبرة شرعاً. 20 - الشريعة الإِسلامية اشتملت على أحكام أفعال العباد في كل الأحوال والأزمان والبقاع، وعلى المجتهدين والمفتين استنباط تلك الأحكام من أدلتها التفصيلية، أو من أصولها الثابتة الشاملة وقواعدها العامة الراسخة، واستعانة المفتين في العصور المتأخرة باجتهادات المجتهدين في مختلف العصور السابقة، مع ضرورة مراعاة الوقائع وخصائص كل واقعة ونازلة على حدة، ليطبق عليها الحكم المناسب. 21 - قد تنشأ أمور تتعلق بالعبادات أو المعاملات بسبب الإقامة في ديار غير المسلمين، تحتاج إلى بيان أحكامها، وهي في حقيقتها لا تخرج عما قرره الشرع من معاملة المسلم لغير المسلم، ومن تكليف المسلم بما كلفه الله به في الحالات العادية والظروف الطارئة. وعلى المسلم المكلف التعرف على حكم الله فيما يخصه، وسؤال أهل العلم والاجتهاد قدر المستطاع في معرفة من يجوز الأخذ عنه وتلقي الأحكام منه.

إعمال قاعدة سد الذرائع في باب البدعة

إعمال قاعدة سد الذرائع في باب البدعة ¤محمد بن حسين الجيزاني£بدون¥مكتبة دار المنهاج - الرياض¨الأولى¢1428هـ€أصول فقه¶سد الذرائع خاتمة البحث: في نهاية هذا الكتاب أحمد الله عز وجل على ما وفق إليه وأنعم به، فله الحمد سبحانه في الآخرة والأولى، ثم هذه خلاصة لأبرز ما ورد في الكتاب: أولاً: معنى قاعدة سد الذرائع: أن الفعل المباح إذا كان ذريعة إلى محرم فالشارع يحرم هذه الذريعة وإن لم يقصد بها المحرم؛ لكونها في الغالب مفضية إليه. ثانياً: البدعة في الشرع هي: (ما أحدث في الدين من غير دليل). ثالثاً: من الأصول الكلية المقررة في هذه الشريعة: أن الذرائع المفضية إلى البدعة يجب سدها ومنعها. ومعنى هذا الأصل: أن كل عمل – ولو كان مشروعاً – يفضي إلى الإحداث في دين الله من غير دليل فهو – إن لم يكن بدعة – ملحق بالبدعة. والمقصود بهذا الأصل حماية جناب الشريعة من البدع، وذلك بمنع الطرق والوسائل التي تؤدي إلى الابتداع. رابعاً: يشترط في أي فعل حتى يصير ذريعة مفضية إلى البدعة؛ فيلحق هذا الفعل بالبدعة شروط ثلاثة: 1 - أن يكون هذا الفعل مفضياً إلى البدعة. 2 - أن يكون إفضاء هذا الفعل إلى البدعة مقطوعاً به أو غالباً. 3 - ألا يترتب على اعتبار هذه الذريعة المفضية إلى البدعة بسدها والمنع منها مفسدة أخرى أعظم من مفسدة البدعة. خامساً: من الأمثلة على تطبيق السلف لقاعدة سد الذرائع في باب البدعة: ترك بعض الصحابة رضي الله عنه الأضحية خشية أن يظن أنها واجبة؛ حيث نقل ذلك عن أبي بكر وعمر وابن عباس رضي الله عنهم. سادساً: يندرج تحت قاعدة سد ذرائع الابتداع الفروع الآتية: 1 - أن يوهم فعل النافلة المطلقة أنها سنة راتبة، وذلك مثل إقامة النافلة جماعة في المساجد. 2 - أن يوهم فعل السنة أنها فريضة، وذلك كالتزام قراءة سورتي السجدة والدهر في صلاة فجر كل يوم جمعة. 3 - أن يوهم فعل العبادة الموسعة أنها مخصصة بزمان أو مكان أو صفة أو كيفية معينة؛ كتخصيص اليوم الفلاني بكذا وكذا من الركعات، أو بصدقة كذا وكذا. 4 - أن يلتصق بالعمل المشروع عمل زائد حتى يصير وصفاً لهذا العمل أو كالوصف له بحيث يوهم انضمامه إليه، وذلك كقول الرجل عند الذبح أو العتق: (اللهم هذا منك وإليك) إذا كان يفهم من هذا القول انضمام ذلك إلى العمل المشروع. أما إن فعل المكلف العبادة المشروعة وأتى بغيرها معها من غير قصد الانضمام، ولا جعله ذريعة للانضمام فلا حرج عليه حينئذ. 5 - كل اجتماع راتب، يتكرر بتكرر الأسابيع, أو الشهور, أو الأعوام غير الاجتماعات المشروعة، وذلك كتخصيص السفر إلى بيت المقدس بيوم عرفة. 6 - إذا فعل ما هو جائز شرعاً على وجه يعتقد فيه أنه مطلوب شرعاً؛ كزخرفة المساجد التي لا تبلغ أحد التحريم. والقدر الجامع لهذه الفروع والأصل الضابط لها: إن لكل حكم شرعي خاصية، والواجب ألا يسوى بين هذه الأحكام الشرعية، لا في القول, ولا الفعل, ولا في الاعتقاد.

إقرار الله جل جلاله في زمن النبوة ومدى الاحتجاج به

إقرار الله جل جلاله في زمن النبوة ومدى الاحتجاج به ¤عبد الحميد بن علي أبو زنيد£بدون¥بدون¨الأولى¢1410هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة خاتمة البحث ونتيجته تبين من البحث أن أول من قال بعدم حجية فعل الصحابي في زمن نزول الوحي إذا لم يطلع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم - وهو ما يسمى بإقرار الله - عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحضور جمع كبير من الصحابة وذلك في الأثر الذي أخرجه أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار وبسند كل رجاله ثقات عدا محمد ابن إسحاق صاحب المغازي كما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده والطبراني في معجمه الكبير والبزار وذلك عندما كان يفتي زيد بن ثابت رضي الله عنه بعدم الاغتسال من الإكسال والذي ورد فيه أن رفاعة بن رافع قال قال لي عمر: "ما يقول هذا الفتى؟ فقلت: إنا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا نغتسل. فقال عمر: أفسألتم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال رفاعة: لا. فقال عمر رضي الله عنه: " لا يبلغني أن أحداً فعله إلا أنهكته عقوبةً". وكان ذلك بحضور جمع من الصحابة وانتشر الأمر مما جعل هذا الأمر يرقى لأن يكون إجماعاً سكوتياً لعدم النقل عن أحد من الصحابة بعدها مخالفة ذلك. ثم أشار إلى عدم حجيته أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي الحنبلي في بداية كتابه الجدل. ولا يشعر كلامه أنه قال رداً على أحدٍ بل قاله استطراداً عند بيان كيفية الاحتجاج بالكتاب والسنة. ثم بقيّ الأمر على ذلك كما يبدو حتى جاء الشيخ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي المتوفى سنة 600هـ وألف كتابه عمدة الأحكام الذي جمع فيه ما اتفق عليه الشيخان من أحاديث الأحكام. وأدرج في حديث العزل ما نقله مسلم في صحيحه عن سفيان بن عيينة على أنه من لفظ جابر رضي الله عنه. وأصل الحديث: "كنا نعزل والقرآن ينزل" ولفظ سفيان المدرج "لو كان شيئاً ينهي عنه لنهانا عنه القرآن" فاطَّلع على عمدة الأحكام ابن دقيق العيد المتوفى سنة 702هـ بقصد شرحه. ولم يتنبه لما حدث في الحديث من إدراج فقال: إن ظاهر لفظ الحديث يقتضي استدلال جابر بإقرار الله سبحانه وتعالى ثم قال: وهذا شيء غريب ويبدو أنه اطلع على الأمر بعده شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية المتوفى سنة 728 هـ وتلميذه المحقق شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيِّم الجوزية المتوفي سنة 751هـ فلم يتنبها لما حدث من الإدراج في حديث العزل اعتماداً على ما فعله الشيخ عبد الغني رحمه الله، ولذا فقد رويا الحديث في المسودة وأعلام الموقعين بلفظ عمدة الأحكام. فأوهم ذلك استدلال جابر بإقرار الله سبحانه وتعالى فقالا به وقسَّماه إلى قسمين: الأول: وهو فعل الصحابة في زمن الوحي ولو لم يطلع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بحجة أن الله لا يقر الصحابة في زمن الوحي على ما يخالف الشرع. والثاني: هو أن الأصل في الأفعال والأشياء الإباحة إذا لم يرد دليل ناقل فسكوت الله دليل على إباحته. وبينت أن الأول ليس بحجة لأن معتمد من قال بحجيته هو ما أدرجه الشيخ عبد الغني في حديث جابر. والذي لو تنبه له من استدل به ما استدل به والعلم عند الله. وأما الثاني فإنه وإن كان له مأخذ وجيه فإن جماهير الأصوليين درجوا على عدم تسميته بإقرار الله سبحانه إنما اعتمدوا على العمومات الواردة الدالة على حكم الإباحة. ثم جاء ابن حجر العسقلاني أحمد بن علي بن محمد المتوفى سنة 852هـ أمير المؤمنين في الحديث صاحب الفتح فكشف عن هذا الإدراج ونبَّه عليه في كتابه فتح الباري، وبين ما فعله الشيخ عبد الغني المقدسي وما حدث مع ابن دقيق العيد.

ثم جاء الأمير الصنعاني محمد بن إسماعيل الكحلاني المتوفي سنة 1182هـ الذي اطلع كما يبدو على ما وقع لابن تيمية وابن القيم فاستدل بإقرار الله سبحانه وتعالى على إمامة الصبي المميز بحديث عمرو بن سلمة على أنه من إقرار الله سبحانه وتعالى مخالفاً بذلك جمهور شراح الحديث الذين احتجوا به على أنه سنة إقرارية لاستبعاد عدم اطلاع الرسول صلى الله عليه وسلم ولاتفاق كل من صنف في علوم الحديث على أن فعل الصحابة المرفوع لزمن الوحي أنه حديث موقوف لفظاً مرفوع حكماً عدا ما نقل عن الاسماعيلي رحمه الله. ولكن الأمير الصنعاني لما وصل لحديث العزل تغيَّر حاله واختلف اختياره وأُعجب بما فعل ابن حجر رحمه الله ولكنه أشار بإشارة لطيفةٍ خفية بدون جزم إلى احتمال إفادة بعض الأدلة حجية إقرار الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكلامه هذا حق. ولذا حققت الكلام فيه وهو أن إقرار الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالتشريع حجة لا مرية فيها عند كل من جَّوز الاجتهاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ. ولذا فإن الذي توصلتُ إليه أنَّ إقرار الله سبحانه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بأمور التشريع دون أمور الدنيا أنه حجة. كما أنه يمكن أن يستفاد حكم الإباحة مما سكتَ عنه الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بالنسبة للأعيان. وأما بالنسبة للأفعال فلا يمكن حملها على إطلاقها بل لابدَّ من تقييدها حيث أن ما يفعل على سبيل القربى والعبادة ليس الأصل فيه الإباحة بل الأصل فيه موافقة التشريع. هذا ما تيسر جمعه وتقييده وكان الفراغ منه ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقين من شعبان سنة تسع وأربعمائة وألف. وصلى الله وسلم على خليله المصطفي ونبيه المجتبى وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً. وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِ العالمين.

اختلاف التنوع حقيقته ومناهج العلماء فيه"دراسة فقهية تأصيلية"

اختلاف التنوع حقيقته ومناهج العلماء فيه"دراسة فقهية تأصيلية" ¤خالد بن سعد الخشلان£بدون¥كنوز إشبيليا - الرياض¨الأولى¢1429هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة الخاتمة: أحمد الله سبحانه وتعالى في الختام كما حمدته في البدء، فهو وحده الذي أعان، ووفق حتى وصلت إلى هذه المرحلة، ولعلي في هذه الخاتمة أن ألخص أبرز ما جاء في البحث. أولاً: بدأت البحث بمقدمة تضمنت الإشارة إلى مقصد من المقاصد المهمة، التي جاءت بها هذه الشريعة المباركة، من الأمر بلزوم الجماعة، والائتلاف، والتحذير من الفرقة، والاختلاف، والشواهد القرآنية، والنبوية على ذلك، والتنبيه على أن الاختلاف الفقهي يجب ألا يكون سبباً في تفريق الجماعة، وحصول التنازع والبغي بين المسلمين، وبخاصة إذا كان الخلاف مرده: الاختلاف في صفات العبادة وهيئاتها، التي جاءت بها الشريعة، وهو ما يعرف باختلاف التنوع، الذي هو موضوع هذه الدراسة. ثم ذكرت أبرز الأسباب للكتابة في هذا الموضوع، والتي من أهمها: أهمية الموضوع، وكونه يسهم في إظهار بعض مقاصد التشريع، ولإزالة ما اكتنف هذا الموضوع من لبس في فهمه وتطبيقه. وختمت المقدمة بذكر خطة البحث، والمنهج المتبع في إعداده. ثانياً: أما المبحث الأول فوضحت فيه المراد بالاختلاف الفقهي، وأنواعه وأسبابه، من خلال ثلاثة مطالب، بينت في المطلب الأول المراد بالاختلاف الفقهي وأنه: تعدد أقوال المجتهدين في المسائل العملية، الفرعية، التي لم يدل دليل قاطع على حكمها. وفي المطلب الثاني: بينت أنواع الاختلاف الفقهي، وأنه يتنوع باعتبارات متعددة من حيث الدوافع والبواعث، ومن حيث ما يسوغ فيه الخلاف من المسائل، وما لا يسوغ، وتنوع الخلاف السائغ إلى اختلاف تضاد، واختلاف تنوع والذي هو محل هذه الدراسة. وفي المطلب الثالث: ذكرت أسباب الاختلاف الفقهي سواء كان اختلافاً مذموماً، أم مقبولاً، فذكرت أن من أسباب الاختلاف الفقهي المذموم: البغي، والجهل، وأتباع الهوى، والتقليد المذموم. وأما أسباب الاختلاف الفقهي المقبول فكثيرة، منها ما يعود إلى المجتهدين أنفسهم، من تفاوت في العقول والفهوم، وتفاوت في العلم، وتطرق السهو النسيان إلى بعضهم. ومن الأسباب ما يتعلق بالنصوص ذاتها من حيث ثبوتها ودلالتها على الأحكام من جهة، ومن حيث إحكامها وسلامتها من المعارض من جهة أخرى. وقسم ثالث: أسباب تعود إلى اختلاف الفقهاء في بعض مصادر التشريع من حيث الحجية وعدمها، وأسباب تعود إلى اختلاف الفقهاء في التقعيد الأصولي، أو التقعيد الفقهي. ثالثاً: أما المبحث الثاني فذكرت فيه حقيقة اختلاف التنوع، وأنواعه من خلال أربعة مطالب. بينت في المطلب الأول المراد باختلاف التنوع وأنه تعدد أقوال المجتهدين في اختيار الأولى، في المسائل التعبدية، التي ثبتت مشروعيتها، على أنواع متعددة. وأما المطالب الثاني فذكرت فيه ما يطلقه الفقهاء على هذا النوع من الاختلاف من أسماء وألقاب، كالاختلاف في الاختيار والأولى، والاختلاف المباح، والاختلاف الصوري. وفي المطلب الثالث بينت ما يجري فيه اختلاف التنوع بمفهومه العام، حيث يمكن جريانه في المسائل العلمية – باعتبار- والمسائل العملية، كما يجري بين المفسرين في تأويل آي القرآن العظيم، وفي أبواب العمل والدعوة. ونبهت على ضرورة العناية بهذا النوع من الاختلاف في هذه المجالات كلها.

وفي المطلب الرابع تحدثت عن أنواع اختلاف التنوع، من حيث مصدره، ورتبة ما اختلف عليه، وأنواعه من حيث اتفاق العلماء واختلافهم من جهة، ودلالة السنة على الوجوه والأفضل منها من جهة أخرى. وكذا أنواعه باعتبار ما يمكن جمعه من الوجوه وما لا يمكن. وأنواعه من حيث تفضيل بعض الوجوه على بعض. رابعاً: وفي المبحث الثالث وضحت الفرق بين اختلاف التنوع، وما يشبهه، فذكرت الفرق بين اختلاف التنوع، واختلاف التضاد، والفرق بين التخيير في اختلاف التنوع، والتخيير النصي، والفرق بين التخيير في اختلاف التنوع، والتخيير في المندوب، والمكروه، والمباح، وذلك كله في ثلاثة مطالب. خامساً: وأما المبحث الرابع فخصصته للحديث عن مشروعية اختلاف التنوع وشروطه، في أربعة مطالب. بينت في المطلب الأول الأدلة التي يستدل بها على وقوع اختلاف التنوع في الشريعة، بل ومشروعيته. وفي المطلب الثاني بينت الحكمة من مشروعية اختلاف التنوع، حيث تتجلى فيه صورة من صور السعة، والرحمة، والتيسير التي تميزت بها هذه الشريعة. وفي المطلب الثالث ذكرت الوجوه الدالة على أهمية العلم باختلاف التنوع بالنسبة للفقيه، والمفتي. وأما المطلب الرابع فبينت فيه شروط اختلاف التنوع، إذ ليس كل تخيير في الشريعة يعد من اختلاف التنوع بل لابد من شروط سبعة، متى توفرت صار الخلاف في المسألة من اختلاف التنوع. سادساً: وفي المبحث الخامس ذكرت مناهج الفقهاء في العبادات الواردة على وجوه متعددة وكان ذلك في أربعة مطالب. تحدثت في المطلب الأول عن مناهج الفقهاء في العبادات التي تعددت وجوهها من حيث النظر حيث ذهب فريق من أهل العلم إلى منهج الترجيح باختيار أحد الوجوه للعمل وترك ما سواه، بينما ذهب آخرون إلى منهج التخيير بين الوجوه بأن يختار المكلف ما شاء منها، دون كراهية لشيء منها. ورجحت هذا المنهج بأدلته. وأما مناهج الفقهاء في العبادات التي تعددت وجوهها من حيث العمل، فكان الحديث فيه في المطلب الثاني، حيث سلك فريق من أهل العلم منهج المداومة على أحد الوجوه، وفريق آخر سلك منهج الجمع، وذلك بالمجيء بالوجوه جميعها في وقت واحد متى ما أمكن ذلك. بينما سلك جماعة من المحققين منهج التنويع، وذلك بفعل الوجوه كلها على سبيل التنويع في أوقات متعددة، وبينت أن الأصل في هذا الباب التنويع بيت الوجوه، وأما الجمع بين الوجوه فمدار القول فيه على شواهد السنة كما تقدم تفصيل ذلك. ثم تحدثت في المطلب الثالث عن ضوابط التنويع في العمل بوجوه العبادة المتنوعة، بحيث تكون الوجوه كلها مما ثبتت مشروعيتها، وألا يكون العمل بالتنويع سبباً للتشويش بين العامة، وحدوث فتنة دينية أو دنيوية. وفي المطلب الرابع ذكرت ست فوائد للعمل بمنهج التنويع وهي أتباع السنة، وتحقيق كمال المتابعة، وحفظ السنة العملية وإحياؤها، والإعانة على حضور القلب، ومراعاة اختلاف الأحوال، وانتفاع المكلف بما في كل وجه من ميزة. سابعاً: وأما المبحث السادس فجعلته للحديث عن المفاضلة بين الوجوه المخير بينها، فبينت في المطلب الأول أن من الوجوه المخير بينها ما يسوغ فيه التفضيل، ومنها ما لا وجه للتفضيل فيه، وأن التفضيل إنما يحكم به بناء على دليل شرعي. حيث ذكرت في المطلب الثاني الأسباب التي من خلالها يمكن للفقيه القول بتفضيل أحد الوجوه على ما سواه.

اختلاف المفتين والموقف المطلوب تجاهه من عموم المسلمين (مؤصلا من أدلة الوحيين)

اختلاف المفتين والموقف المطلوب تجاهه من عموم المسلمين (مؤصلا من أدلة الوحيين) ¤حاتم بن عارف العوني£بدون¥دار الصميعي – الرياض¨الأولى¢1429هـ€أصول فقه¶فتوى ومفتي ومستفتي الخاتمة: أهم نتائج الكتاب: 1 - أن الاختلاف واقع حتمي وفطري، وأن أصله مشروع. 2 - أن للاختلاف أسباباً تُبين أنه قد يحدث: إما لعمق المسألة التي اختلف فيها وعظيم دقتها، وإما لتباين العلماء في درجات علمهم، ولاختلاف مداركهم وطرائق تكفيرهم وطبائعهم، وإما لاختلاف تصوراتهم عن الوقائع والأعيان التي تنزل الأحكام عليها. 3 - ليس الاختلاف بالدال ضرورة على ضعف علم المختلفين، ولا على عدم انضباط علمهم، ولا على نسبية الحق. 4 - أن الاختلاف في الشريعة منه ما هو اختلاف معتبر، وغير معتبر. 5 - لاعتبار القول وسواغه شروط خمسة، مرجعها إلى ثلاثة أمور: • أن يكون القول صادراً ممن له حق الاجتهاد. • وأن لا يكون قوله مخالفاً لدليل ثابت واضح القطعية في دلالته: (فلا يخالف الإجماع، ولا يخرج عن مجموع أقوال السلف، ولا يخالف دليلاً ثابتاً واضح القطعية في دلالته). • وأن يكون صادراً عن أصل معتبر. 6 - الموقف من الاختلاف السائغ: • الترجيح فيه ظني غالباً، وإن قطع به أحياناً، فلا يكون واضح القطعية. • هو اختلاف مباح. • لا يجوز إنكاره، ولا إلزام أحد بتركه، ولا منعه، ويجوز الأخذ به اجتهاداً أو تقليداً، ويجب أن يراعى بعد الوقوع فيه، ولا ينقض الحكم به. • لا يحق لأحد أن ينكر على الآخذ به اجتهاداً ولا تقليداً، ولا أن يناصحه على معنى الإنكار ولا الإلزام بتركه؛ لكن يستحب التناقش فيه بين العلماء على معنى التباحث واستثارة الفوائد. • لعامة ذلك استثناءات، هي خلاف الأصل فيه. 7 - الموقف من الخلاف غير السائغ: • الحكم فيه واضح القطعية بتصويب قول وتخطئة قول. • هو اختلاف محرم ممنوع. • يجب إنكاره، والتحذير منه، وينقض الحكم به، ويجب على الحاكم منع إعلان الأخذ به اجتهاداً أو تقليداً ما دام منع إعلانه مقدوراً عليه. • ينكر على القائل به، مع وجوب الالتزام بمرتبة الإنكار التي يستحقها صاحبه بمراعاة درجة إعذاره، ومكانته في العلم والفضل؛ فلا يلزم من الإنكار عليه إسقاطه والتحذير منه. • لعامة ذلك استثناءات، هي خلاف الأصل فيه. 8 - الذي لا يستحق الاستفتاء واحد من ثلاثة: • الجاهل (من كان خطؤه غالباً على صوابه). • الفاسق (من ارتكب كبيرة، أو أتى من الصغائر ما يصل إلى حد الكبيرة؛ في دلالة على الضعف الشديد في التدين). • من كان له أصل يخالف أصول أهل السنة في مصادر التلقي، ومنهج الاستنباط، أدى به هذا الأصل إلى أن يكون خطؤه أكثر من صوابه. 9 - حاجة المسلمين الماسة إلى وضع منهج لتعاملهم مع الاختلاف، وخطورة معدم وضع هذا المنهج. 10 - ضرورة إشاعة منهج الترجيح من بين اختلاف العلماء المعتبرين حسب الترتيب التالي: • ما يرجحه الدليل. • ما عليه الجمهور. • ما قال به الأعلم والأتقى. • الأخذ بالأحوط. • الأخذ بالأيسر.

استدلال الأصوليين بالكتاب والسنة على القواعد الأصولية

استدلال الأصوليين بالكتاب والسنة على القواعد الأصولية ¤عياض بن نامي السلمي£بدون¥بدون¨الأولى¢1418هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة الخاتمة درج كثير من الباحثين على أن يختموا بحوثهم بذكر أهم النتائج التي توصلوا إليها. واتباعا لهذه السنة الحميدة جعلت الخاتمة في إجمال أهم النتائج التي قاد البحث إليها وأوجزت في ذكرها لئلا تكون تكرارا مملا مع علمي بأن هذه الخلاصة لا تكفي عن قراءة البحث كاملا. ولقد جاءت أغلب النتائج موافقة لما توقعه الباحث بعد قراءته الأولية. والقليل منها كان مخالفا لتقديره وتوقعه. وأهم النتائج هي: 1 – أن الأصوليين قد عنوا بنصوص القرآن والسنة عناية كبيرة وجعلوهما مصدر التشريع الأساس الذي ترجع إليه المصادر الأخرى. ولقد دققوا النظر في دلالات الكتاب والسنة، ووضعوا القواعد الضابطة للاستدلال بهما. 2 – أن أغلب القواعد الأصولية استدل عليها الأصوليون بالقرآن والسنة، على خلاف ما يظنه بعض من لم يدقق النظر في مؤلفاتهم من أن أغلب أدلتهم عقلية محضة. 3 – أن استدلال الأصوليين بالكتاب والسنة على القواعد الأصولية قد أخذ أشكالا متعددة، من جهة استقلال النص المستدل به بالدلالة على القاعدة، وافتقاره إلى دليل آخر من النص أو الإجماع أو دليل العقل. 4 - أن استدلالات الأصوليين على القواعد الأصولية بالكتاب والسنة ليس في درجة واحدة من الظهور والخفاء والقطعية والظنية، فمنها ما هو ظاهر الدلالة يدركه العالم باللغة ومعانيها، ومنها الخفي الذي لا ينتبه إليه إلا من أوتي ذكاء وفطنة، ومنها القوي الذي لا يجادل فيه إلا مكابر والضعيف الذي ينبغي التمسك به، والمتوسط الذي يحتاج إلى ما يقويه. 5 – أن أكثر الأصوليين يستدلون بأخبار الآحاد على القواعد الأصولية إذا كانت القواعد المستدل عليها اجتهادية، لا يدعون فيها القطع، أو كان خبر الآحاد قد تلقته الأمة بالقبول أو تواتر معناه. ومنهم من يستدل به مطلقا. وأما رده مطلقا فلم تصح نسبته لأحد من الأصوليين. وما نقل عن بعضهم من رد الاستدلال به في الأصول لا يعنون به أصول الفقه، بل أصول الدين بدليل أنهم في كتبهم يستدلون به على القواعد الأصولية. 6 – أن الأصوليين قد يصرحون بالدليل من القرآن أو السنة وقد يشيرون إليه إشارة مفهمة. وإذا صرحوا بالآية أو الحديث فإنهم غالبا يقتصرون على موضع الشاهد. وقد تبين للباحث أن اقتصارهم على بعض الدليل أو على معناه له أسباب كثيرة اشتمل البحث على أهمها. 7 – أن كثيرا مما يذكره الأصوليون من الأدلة يبدو للوهلة الأولى أنها أدلة عقلية. وعند التحقيق يتبين للناظر أنها راجعة إلى نصوص من القرآن والسنة، استغنى المستدل عن ذكر نصوصها بالاستدلال بمعانيها، وساقها في صورة أدلة عقلية. 8 – أن الأصوليين يذكرون في كتبهم الأحاديث الضعيفة والموضوعة لغرضين: أ – التمثيل للقاعدة الأصولية. ب – الاستدلال لها. 9 – أن الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة التي وردت في كتبهم في مقام الاستدلال قليلة. إذا قيست بما استدلوا به من الأحاديث الصحيحة. كما أن بعضها صحيح المعنى، وردت أحاديث صحيحة في معناه غير أن إسناده لم يصح باللفظ الذي أورده. 10 - أن أغلب الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة المذكورة في مقام الاستدلال قد ذكروها للاستدلال بها لخصومهم، لا للمذاهب التي يرجحونها. وضموا إليها أدلة أخرى، ولم يكتفوا بها غالبا. 11 – يؤخذ على الأصوليين أنهم يندر أن يتعرضوا لنقد الحديث الذي يذكرونه دليلا لخصومهم أو تخريجه. ولكنهم يلجأون إلى تأويله أحيانا ومعارضته بما هو أقوى منه أحيانا أخرى.

وعدم تعرضهم لنقد الحديث ناشئ عن عدم تضلعهم في علوم الحديث. ولهذا نجد الذين جمعوا بين الأصول والحديث كابن حزم وابن مفلح ينقدون الحديث، ويذكرون من خرجه من الأئمة وما قالوه فيه. 12 – يؤخذ على الأصوليين أنهم ربما غيروا لفظ الحديث المستدل به، ولم يذكروه بلفظه المشهور في كتب السنة. ويبدو أن ذلك ناشئ عن تجويزهم رواية الحديث بالمعنى، وعدم تمكنهم في علم الحديث. 13 – الكتب المصنفة على طريقة الشافعية أكثر اعتمادا على الاستدلال بالكتاب والسنة من الكتب المصنفة على طريقة الحنفية. وذلك ناتج عن أمرين: أ – أن طريقتهم في التأليف تحتم عليهم الاستدلال على كل قاعدة بما يدل على ثبوتها من الأدلة النقلية والعقلية. ب – أن القواعد التي ذكروها في كتبهم أكثر من القواعد التي ذكرها الحنفية. فقد أهملت كتب الحنفية الكلام عن قواعد كثيرة رأوا أنها ليس لها علاقة مباشرة بالفقه. 14 – بلغ عدد القواعد المستدل عليها بالقرآن في عينة البحث 199 قاعدة بعد حذف المكرر منها. وبلغ عدد القواعد المستدل عليها بالسنة 156 قاعدة بعد حذف المتكرر. وهذا يدل على كثرة القواعد المستدل عليها بالكتاب والسنة. كما يدل على أن القواعد المستدل عليها بالكتاب أكثر لأسباب أشرت إليها في ثنايا البحث. 15 – عدد الأدلة التي يذكرونها على القاعدة الواحدة يختلف اختلافا كبيرا. فقد يسوقون على القاعدة الواحدة عشرة أدلة من القرآن والسنة أو أكثر من ذلك. وقد يكتفون بدليل واحد. ولكن الغالب تعدد الأدلة. كما أن الأقوال المختلفة في القاعدة الواحدة قد يستدل عليها كل منهم بالنصوص من القرآن أو السنة، وقد يستدل عليها بعضهم بالنصوص ويستدل غيره بالإجماع، أو أقوال الصحابة، أو الأدلة العقلية. أما التوصيات التي يدعوا الباحث للأخذ بها فأهمها: 1 – أن يتوجه الباحثون لدراسة استدلال الأصوليين بالإجماع وأقوال الصحابة على القواعد الأصولية. 2 – أن يبرز الباحثون في أصول الفقه الأدلة النقلية التي يستدل بها على القاعدة الأصولية، ويعيدوا صياغة الاستدلالات الموجودة في كتب أصول الفقه، ليعيدوها إلى أصولها من الكتاب والسنة لتظهر للقراء على حقيقتها فلا تبدوا في صورة أدلة عقلية محضة لا اعتماد لها على النص. بل يكون النص هو أساسها الذي تبنى عليه. 3 – في الكتب المختصرة والميسرة التي تؤلف لعامة الناس ينبغي الاقتصار على الأدلة النقلية الظاهرة فتذكر الآية أو الحديث ثم يبين وجه الاستدلال منهما. وفي ختام هذا البحث أشكر الله جل وعلا الذي يسره لي واشكر كل من له يد في إخراجه وأرجو الله جل وعلا أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به ويغفر لي تقصيري إنه عفو كريم. والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

اتخاذ القرار بالمصلحة

اتخاذ القرار بالمصلحة ¤عبدالعزيز بن سطام آل سعود£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض¨الأولى¢1426هـ€أصول فقه¶مصالح ومفاسد الخاتمة أحمد الله في الختام كما حمدته في البدء وهو أهل للحمد في كل موطن وكل وقت وأشكره على توفيقه وعونه وهو المتفضل بالتوفيق والعون والمستحق للشكر عليهما وأثني عليه بما هيأه لي من أسباب لإتمام هذا البحث وهو وحده المستحق للثناء وبعد فبعد هذا البحث الذي أجريناه في اتخاذ القرار بالمصلحة نقف حيث انتهت بنا أبوابه ونرسم خلاصة البحث وأهم النتائج التي انتهى إليها فنقول البحث مركب من ثلاثة أمور: المصلحة المعتبرة شرعا والقرار واتخاذه فأما القسم الأول وهو المصلحة فمن أهم ما جاء في البحث عنها الآتي أولا: التفريق بين المصلحة والمنفعة وبيان أن المصلحة نوع من أنواع المنافع وهو أعلاها فكل مصلحة منفعة وليس كل منفعة مصلحة وإن ضابط التفريق هو أن من شروط المصلحة ألا تفوت مصلحة أفضل منها ولا يمكن ذلك إلا إذا كانت المصلحة هي أعلى المنافع فلا شيء فوقها يفوت ثانيا: أن الخيار الذي يكون اتخاذه مصلحة هو الخيار الأعلى نفعا ثالثا: أن معيار الأعلى نفعا لتقدير خيار المصلحة معيار ثابت من حيث إنه مطلوب دائما وممكن دائما وشامل ومن حيث إنه يتضمن جميع ما قد ينتجه الإنسان من أنواع النفع أو طرق الانتفاع رابعا: بيان أن وظيفة ضوابط المصلحة هي إجراء المصالح على عدل واعتدال دون إفراط أو تفريط خامسا: بيان أن وظيفة اعتبارات المصلحة هي تمييز الأعلى من الأدنى ليجري القرار بموجبه سادسا: بيان أن المصلحة هي مقصود القرار وأن المقاصد تمثل الإطار الخارجي للقرار فالقرار متى خرج عن إطار المقاصد الشرعية فسد وأما القسم الثاني وهو القرار فمن أهم ما جاء في البحث عنه الآتي: أولا: تعريف القرار بأنه: الخيار الأبرأ للذمة ثم بيان أن الأبرأ للذمة هو ما كان في اتخاذه مصلحة والمصلحة – كما سبق- متعلقة بالخيار الأعلى نفعا فيصبح الخيار الأبرأ للذمة: هو الخيار الأعلى نفعا وليس في الشرع ما ينفيه ثانيا: تقسيم الخيار الصحيح إلى خيار مجزئ وهو ما تحققت فيه أدنى درجات القبول وخيار مقبول وهو ما تحققت فيه أعلى درجات القبول وأن الأول يترتب عليه زوال الوزر ولا يترتب عليه كامل الأجر وأن الثاني أفضل منه لما يترتب عليه من أعظم مثوبة وأجر ثالثا: تقسيم القرارات إلى قرارات وضعية وقرارات تكليفية وبيان أقسام كل منها وأن القرارات الوضعية مدخلات في عملية اتخاذ القرار وهي علامات على القرارات التكليفية والتي تمثل مخرجات عملية اتخاذ القرار وأن هذا التقسيم مبناه على تقسيم الأصوليين للأحكام في الشريعة الإسلامية رابعا: بيان كيفية إعمال النية بكفاءة وفاعلية وذلك بمراعاة سرعة الشغل مع سرعة التفريغ بحيث لا تشغل النية بما قد يعجز الإنسان عن تفريغه وبيان كيفية إعمال ذلك في القرار واتخاذه وهو جانب المصلحة فيه أما القسم الثالث وهو اتخاذ القرار فمن أهم ما جاء في البحث عنه الآتي أولا: تعريف اتخاذ القرار بالمصلحة أنه الخيار الأبرأ للذمة لالتزامه وتمييزه عن تعريف القرار بإظهار جانب الطلب من جهة وجانب الالتزام من الجهة الأخرى ثانيا: بيان العلاقة بين الضوابط والقرار وأن الضابط الأول- وهو عدم مخالفة شرع الله – يختبر وجود المصلحة من عدمها في القرار وأن الضابط الثاني وهو عدم المصلحة لمصلحة أعلى منها يختبر وجود أعلى نفع في الخيار الذي يتخذ وأن الضابط الثالث وهو ألا يؤدي جلب المصلحة إلى مفسدة مساوية لها أو أكبر منها يختبر إجراء قرار المصلحة بما يحفظ المقاصد الشرعية

ثالثا: بيان أن الحال يمثل مسألة القرار وأنه مركب من تصور عمل الضوابط والاعتبارات – وفق المقاصد – على الواقع حسب الموارد المعنوية والمادية رابعا: بيان أن الموقف يمثل محل القرار وأنه معبر عن الصورة النهائية التي انتهى إليها إعمال الاعتبارات بعد تحقيق المناط خامسا: بيان أن اللازم هو صورة العمل المطلوب شرعا والمبني على الموقف الذي انتهى الأمر إليه سادسا: بيان أن اللازم شرعا قد يختلف عن الحكم الأصلي حسب الموقف فقد يزيد في الطلب أو ينقص وقد يتغير اتجاه الطلب الشرعي حسب ما تغيره الاعتبارات والضوابط والمقاصد سابعا: بيان أن الاجتهاد في اتخاذ القرار بالمصلحة مركب من ثلاث عمليات إجرائية وهي تنقيح مناط القرار وتخريج مناطه وتحقيقه ثامنا: بيان عدم لزوم إجراء العمليات الثلاث في كل قرار سوى تحقيق المناط وأن ذلك يعتمد على نوع القرار فالقرارات الابتكارية تتطلب تفعيل العمليات الثلاث بينما القرارات الجديدة تتطلب تفعيل تنقيح المناط مع تحقيقه فقط والقرارات التأصيلية تتطلب تفعيل تخريج المناط مع تحقيقه فقط وأخيرا القرارات التنفيذية فتتطلب تفعيل تحقيق المناط فقط تاسعا: بيان أن الإدارة هي في الحقيقة عملية منظمة لاستنباط القرارات الصحيحة وأن أصول الفقه عملية منظمة لاستنباط الأحكام الصحيحة وأن كليهما إذا دمجا وجد لدينا منهجية لاستنباط القرارات الصحيحة

اعتبار المآلات ومراعاة نتائج التصرفات

اعتبار المآلات ومراعاة نتائج التصرفات ¤عبدالرحمن بن معمر السنوسي£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1424هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة الخاتمة في ختام هذه الدراسة؛ أتوجه إلى الله سبحانه بالضراعة والإلحاف؛ أن يتقبل مني هذا العمل المتواضع، وأن يسخرني في طاعته ويملأ قلبي من تعظيمه وحبه ويحفني بعنايته وكلاءته. وأسأله – عز وجل – أن يغفر لي ولوالدي وإخواني ومشايخي، ويسدد خطانا على طريقه ويختم لي ولهم بالحسنى. وفي الأسطر التالية موجز لأهم النتائج التي توصل إليها البحث: 1ـ إن مبدأ اعتبار المآلات من أهم القواعد التي يتأسس عليها علم مقاصد الشريعة؛ وذلك لما يمتاز به من خصائص الغائية والواقعية واستهداف الموازنة بين المصالح والمفاسد ولا شك أن هذه العناصر هي المحاور الجوهرية التي ينطلق منها النظر في مقاصد التشريع. 2ـ إن الثروة الأصولية التي بأيدينا غنية جدا بقواعد الاجتهاد التطبيقي في القضايا المستجدة كما أن فيها الكثير من الضوابط والمسالك والقواعد الإجرائية التي تتعلق بتنظيم الروابط العضوية بين مناشئ الأحكام الشرعية والمصالح المتجددة في واقع الحياة ومرد هذا الثراء والخلود إلى القيم العامة والمقاصد الجوهرية التي تتصف بالشمول والواقعية والمرونة. 3ـ إن نظرية اعتبار المآلات تقوم أساسا على مراعاة نتائج التصرفات والأفعال بحيث تتغيى أن تكون آثارها محققة للمصالح العامة والخاصة مع الحرص على ضرورة التطابق بين قصد المكلف في الامتثال وقصد الشارع في وضع التكاليف. 4ـ إن الاجتهاد الذي يهمل ملاحظة المقاصد ولا يعتبر مآلات التصرفات: هو في حقيقته جهد غير مكتمل وقد يقع صاحبه في مناقضة مقاصد الشرع ويتسبب في إحداث المفاسد التي تنزهت الشريعة المطهرة عنها. 5ـ إن اعتبار مآلات التصرفات أصل لاحظه الشارع في نفسه في تصريف الأحكام والتزمه الصحابة رضي الله عنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ويظهر جليا في اجتهادات سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه على وجه الخصوص ففقهه يعتبر بحق " فقه المآلات " كما أن الأئمة المجتهدين قد لا حظوه في اجتهاداتهم أيضا ويظهر ذلك أكثر في كل من المذهب المالكي والحنبلي ثم الحنفي فالشافعي. فالمالكية والحنابلة هم أكثر أهل المذاهب اهتماما بالمقاصد ورعاية المآلات من غيرهم على خلاف ما شاع من أن مذهب الحنابلة مذهب نصوص فقط والسبب – في نظري – هو ذلك الخطأ الشائع الذي يتمثل في توهم علاقة جدلية بين النص والمقاصد لذا فإن هذا البحث حاول في أكثر من موضع إثبات أن المقصد يعتبر عنصرا تكوينيا في بنية النص وليس أمرا خارجا عنه كما هو شائع. 6ـ إن "سد الذرائع" و" إبطال الحيل" و" الاستحسان" و" مراعاة الخلاف" هي قواعد إجرائية تنظم الاجتهاد وليست أدلة في مقابل الأدلة الشرعية كما جرى عليه كثير من الأعلام لأن عدها في جملة " الأدلة" هو واحد من أهم الأسباب التي استثارت حفيظة بعض الفضلاء لشن الغارات ضدها. 7ـ إن نصوص الشريعة العامة وطرائقها في تصريف الأحكام: تعتبر كفيلة بتوفير كل القواعد والمسالك الإجرائية لإصلاح واقع الناس ولا حاجة إلى استيراد النظم والمناهج من المواضعات الأرضية التي لم تسعد أهلها الخبيرين بها فضلا عن غيرهم. 8ـ إن الشريعة لا تقتصر في اعتبار المآلات على ما هو متحقق وواقع بالفعل فقط بل يمتد نظرها إلى ملاحظة ما يتوقع في ثاني الحال أيضا لذا يمثل الطريق الوقائي العلاجي جناحي الاجتهاد المآلي انطلاقا من ضوابط محددة تضمن سلامة ذلك الاجتهاد. 9ـ إن استقراء تصرفات الشريعة في مصادرها ومواردها يهدي إلى منهج دقيق للغاية في الموازنة والترجيح بين المصالح والمفاسد من شأنه أن يضمن استقرار شؤون الأمة وانتظام أمورها على أحسن الأحوال وأفضلها. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اعتبار مآلات الأفعال وأثرها الفقهي

اعتبار مآلات الأفعال وأثرها الفقهي ¤وليد بن علي الحسين£بدون¥دار التدمرية - الرياض¨الأولى¢1429هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة خاتمة البحث: بعد رحلة ماتعة قضيتها بين رفوف المكتبات, وصفحات الكتب, ومفردات البحث, ومسودات الورق أصل, إلى نهاية المطاف, فأضع الترحال, في ختام البحث, موجزاً فيها أهم النقاط التي توصلت إليها بالآتي: أولاً: يقصد باعتبار مآلات الأفعال الاعتداد بما تفضي إليه الأحكام عند تطبيقها بما يوافق مقاصد التشريع، ويعتبر الإمام الشاطبي أول من ذكر هذا المصطلح، ولعل السبب في عدم ذكر المصطلح قبل الإمام الشاطبي هو كونها قاعدة مقاصدية، واكتفاءً بذكر القواعد الأصولية المبنية على اعتبار المآلات والتي تمثل الجانب التطبيقي للقاعدة، وللفظ المآلات صلة بلفظ المسببات فهو لفظ مرادف، ومما يتصل بها أيضاً لفظ الوسائل حيث ينظر فيها إلى المآلات التي تفضي إليها من حيث تحقيقها لمقاصد التشريع لكنها, أخص لشمولية مصطلح المآلات. ثانياً: كان ظهور قاعدة اعتبار المآلات ونشأتها من الجانب التطبيقي, فقد ورد اعتبار المآلات في الأحكام الواردة في القرآن الكريم, والسنة النبوية, وآثار الصحابة، واعتبرها الفقهاء في تطبيقاتهم، ويعتبر المذهب المالكي أسبق المذاهب الفقهية في تأصيل القاعدة, وأوسعهم عملاً بها, فقد توسعوا في الاستدلال بالقواعد المآلية، ويليه المذهب الحنبلي ثم المذهب الحنفي ثم المذهب الشافعي. ثالثاً: تنوعت الأدلة الدالة على اعتبار مآلات الأفعال من القرآن الكريم, والسنة النبوية, وآثار الصحابة، وقد تضافرت بمجموعها ومدلولاتها المتنوعة في الدلالة على قطعية اعتبار المآلات، وإذا ثبت اعتبار الشارع للمآلات فيجب على المجتهد اعتبارها؛ لأنه النائب عن الشرع في الحكم على أفعال المكلفين, وتنزيل الأحكام وتطبيقها، لاسيما في هذا الزمان الذي تتسارع فيه المتغيرات, وتتبدل الأحوال والأزمان وتتجدد الوقائع. رابعاً: تتفرع قاعدة مآلات الأفعال عن قاعدة اعتبار المصالح في الأحكام، وتعدُ قاعدةً مقاصدية فهي جزء من مقاصد التشريع ومتفرعة عنها ومبنية عليها فالقواعد المآلية هي قواعد مقاصدية ولهذا يقترن كثيراً ذكر مآلات الأفعال بمقاصد التشريع. خامساً: يهدف اعتبار المآلات إلى تحقيق مقاصد التشريع في الأفعال ووقوعها موافقة لمقصود الشارع بها في الظاهر والباطن, وعدم مناقضتها في القصد أو المآل، حتى يكون قصد المكلف من الفعل والأثر المترتب عليه موافقاً لقصد الشارع، فلا يقصد المكلف بالفعل غير ما قصده الشارع به، كأن يقصد به التحيل على الأحكام أو المضارة بالغير، أو يفضي الفعل إلى نقيض ما قصد به شرعاً، وبهذا تسد ذرائع الحيل، وتدفع المفاسد قبل وقوعها، ويتحقق العدل الذي جاءت الشريعة به، ومن حكم ذلك أيضاً المحافظة على الغايات والمصالح المقصودة من التشريع، ووقاية مصالح المجتمع، كما يتبين بذلك واقعية الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان، ومراعاتها للحالات الاستثنائية، فقد كثر في الشريعة اعتبار حاجات المكلفين, والأحوال الطارئة, والاستثنائية، وعدم اعتبار المآلات قد يفضي إلى مناقضة مقاصد الشرع، وفوات المصالح المقصودة شرعاً أو حدوث مفاسد.

سادساً: يتفق العلماء جميعاً على اعتبار مآلات الأفعال والأخذ بها حتى الظاهرية فإنهم يعتدون بالمآلات التي يقطع بتحقق وقوعها، لكنهم يختلفون في مدى العمل بها والتوسع في استعمالها، ويرجع هذا الاختلاف إلى الاختلاف في تحقيق المناط الذي يتوصل به إلى معرفة ما سيؤول إليه الفعل بكشف مقاصد المكلفين, ومآلاتها التي لم تتضمنها صيغة العقد، فالحنفية والشافعية يتمسكون بظواهر العقود عملاً بالأصل ولا يحكمون بالتهمة، وهم بذلك نظروا إلى المآل باعتبار ما يؤول إليه ذلك من مصلحة استقرار التعامل بين الناس، وأما المالكية والحنابلة فيعتدون بالقصود الخفية إذا دلت عليها قرائن الأحوال, ويحكمون بالتهمة، وهذا ما يبرر توسعهم في الأخذ بسد الذرائع وإبطال الحيل. سابعاً: يرجع إلى اعتبار المآلات: قواعد تشرعية أصولية وفقهية تعمل على مراعاة المآل، ولا يستلزم اتفاق الأصوليين على اعتبار المآلات أن يتفقوا على حكم الفعل المبني على النظر في المآل، فقد يختلف الفقهاء في حكم الفعل مع اعتدادهم بمآله، وذلك عائد لأسباب منها خفاء المآل فكثيراً ما يكون المآل خفياً وهذا يحتاج إلى التفطن والتنبه له، ومنها تعارض المآلات، والاختلاف في المآل المفضي إليه الفعل، وغيرها من الأسباب. ثامناً: تتنوع مآلات الأفعال إلى أنواع عدة باعتبارات مختلفة، ويشترط لاعتبار المآلات شروط عامة هي أن يكون المآل متحقق الوقوع، وأن يكون جارياً على مقتضى مقاصد الشريعة، وأن يكون منضبطاً، وألا يؤدي اعتبارها إلى تفويت مصلحة راجحة, أو الوقوع في ضرر أشد، ولا يعتبر المآل إن كان نادر الوقوع، أو كان مناقضاً لمقاصد الشرع، أو أفضى إلى تفويت مصلحة راجحة، أو إلى ضرر أشد. تاسعاً: لكشف مآلات الأفعال طرق ومسالك يتوصل بها إلى معرفة المآلات، وهي متفاوتة من حيث مدى ظهورها وخفائها هي: التصريح بالمآل، والقرينة المحتفة، والظن الغالب، والتجربة، وأوسعها دلالة على المآلات القرينة, فيستدل بطبيعة المحل، وبالأحوال الملابسة للمحل، وبدلالة العادة، وبكثرة وقوع الفعل في الخارج، وبحال الشخص، وحال الواقع، ولا تنحصر معرفة المآلات بهذه الطرق فكل ما أفاد ظنا غالباً على مآل الفعل استدل به. عاشراً: تعتبر مآلات الأفعال عند استنباط الأحكام: بالأخذ بالقواعد الأصولية المآلية بشروطها المعتبرة عند الأصوليين، وهي كما يأتي: قاعدة المصالح وتعتمد على اعتبار ما يؤول إليه الفعل من مصلحة ملائمة لتصرفات الشارع. وقاعدة سد الذرائع: وتعتمد على منع الفعل المباح أو المشروع إذا كان يفضي إلى مفسدة، وعلى منع الفعل الذي يكون وسيلة إلى قصد محظور. وقاعدة فتح الذرائع: وتعتمد على طلب الفعل الذي يكون وسيلة على مصلحة ويتفاوت حكمه بتفاوت مصلحته، وعلى إباحة الفعل الممنوع الذي يكون مفضياً إلى مصلحة راجحة على مفسدته. وقاعدة مراعاة الخلاف وتعتمد على الخروج من الخلاف قبل وقوع الفعل من أجل الاحتياط وبراءة الذمة، وعلى مراعاة الخلاف بعد وقوع الفعل بأن يترك المجتهد العمل باجتهاده لما يفضي إليه ذلك من التيسير على المكلف وعدم وقوعه فيما هو أشد عليه من مخالفته وفق شروطه المعتبرة عند الأصوليين. وقاعدة الضرورة وتعتمد على إباحة ارتكاب فعل المحظور, وترك الفعل الواجب, إذا كان ذلك يفضي إلى الحفاظ على مصلحة ضرورية. وقاعدة رفع الحرج: وتعتمد على الترخيص في الفعل الممنوع إذا كان فعله مفضياً إلى حرج ومشقة؛ لأجل التيسير على الملكفين ورفع المشقة عنهم. وقاعدة تعليل الحكم بما يؤول إليه: وتعتمد على النظر في العلة الغائية التي يفضي إليها الحكم واعتبارها عند الحكم عليه.

وقد اتفق الأصوليون على اعتبار هذه القواعد والعمل بها، وما نقل من خلاف فيها فيرجع إلى عدم تحرير المصطلح المختلف في حجيته، أو إلى اعتبارها أصلاً مستقلاً بذاته، ولم قع خلاف في العمل بها, وإنما تفاوتوا في مدى إعمالها. الحادي عشر: تعتبر مآلات الأفعال عند الاجتهاد في تنزيل الأحكام على الواقع وتطبيقها على المكلفين، ففي الفتوى ينظر المجتهد إلى ما يترتب عليها من الوقوع في مفسدة، أو إفضائها إلى مشقة وحرج، أو كونها تفضي إلى تفويت مصلحة أعظم منها، ويراعي زمن الفتوى من حيث فساد الزمان ومدى تورعهم عن الوقوع في المحرمات, من أجل ردعهم والتشديد عليهم في الفتوى، ومعرفة حال الواقع وتغير الظروف والأحوال، وتطور الزمان، والأخذ بالأسهل عند تكافئ الأقوال. وفي حال المستفتي ينظر إلى مآل الحكم في حق المستفتي, ويفتي كل مكلف بما يناسب حاله, من الردع والزجر, أو التسهيل والترخيص, أو التشديد عليه؛ لكونه ممن يقتدى به، وينظر في قصد المكلف من الفعل، ويحذر من مكر الناس وخداعهم، ويراعي حالة المستفتي ومدى قدرته وطاقته وما يفضي إليه الفعل في حقه، وعليه أن يتدرج في تبليغ الأحكام بما يناسب حال المكلف. وفي حال المفتي ينظر المجتهد في مآل الفعل من حيث اقتداء الناس به، فيترك الفعل غير الواجب إذا كان فعله مفضياً إلى اعتقاد وجوبه، أو يفضي إلى وقوع الناس في الحرج والمشقة أو المفسدة، ويترك الأخذ بالرخصة إذا كان الأخذ بها يفضي إلى مفسدة. وفي الفعل المفتى فيه ينظر إلى ما يفضي إليه الحكم وما هو وسيلة إليه ومدى تحقيقة للمقصد التشريعي. الثاني عشر: يجب على المجتهد مراعاة الظروف التي تحيط بالواقعة ويعتبر الخصوصيات نظراً لتأثيرها على الحكم، ومن الخطأ أن يجاب السائل بمقتضى الأصل دون اعتبار التوابع الإضافية ومناطات الأحكام والنظر في حال الزمان والمكان، أو يجعل المجتهد حكماً واحداً لجميع المكلفين دون اعتبار حال في مكلف، لتغير الحكم بتغيرها، أو ينزل الأحكام الفقهية دون اعتبار للواقع، وقد كانت الفتاوى الاجتهادية الصادرة عن الفقهاء المجتهدين مراعية لحال عصرهم وزمانهم، فلا يمكن تطبيقها في هذا العصر دون اعتبار للأحوال المتغيرة والعادات المتحددة. الثالث عشر: قد تتعارض المآلات التي يفضي إليها الفعل فيحتاج إلى الموازنة بينها وتقديم أعظم المصلحتين ودرء أشد المفسدتين، وتقديم ما غلب من المصلحة أو المفسدة عند تعارضهما، ويتفاوت المجتهدون كثيراً في تقدير المصالح والمفاسد وتمييز أعلى المصلحتين وأشد المفسدتين. الرابع عشر: قد يكون مآل الفعل ثابتاً لا يتغير بتغير زمان أو مكان ومن ذلك ما ورد في الشريعة من تعليل بعض الأحكام بمآلاتها التي تفضي إليها، وقد يكون مآل الفعل مما يتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، وهذا هو الغالب في المآلات، مما يؤكد أهمية اعتبار أحوال الزمان والمكان والظروف التي تحيط بالواقعة. الخامس عشر: تؤثر مآلات الأفعال على الأحكام التكليفية فلا يحكم على فعل بحكم تكليفي إلا بعد النظر إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، كما أن الأحكام التكليفية تتغير وتتحول من حكما لآخر، ومن نوع إلى نوع آخر نظراً للمآل المفضي إليه الفعل. السادس عشر: تؤثر المآلات على الأحكام الوضعية فينظر إليها من حيث القصد من إيقاعها، فإن كان القصد من فعل السبب أو الشرط أو المانع عدم ترتب الحكم تحايلاً لإسقاط واجب أو فعل ممنوع فإنه يكون باطلاً، ويأخذ السبب حكم ما يتسبب به, ولذا كان إيقاع الأسباب بمنزلة إيقاع مسبباتها، ولا يبنى الحكم على سبب يغلب على الظن وقوعه لكنه لم يقع بعد. السابع عشر: تؤثر مآلات الأفعال على الترجيح فمن المرجحات ما يرجع إلى اعتبار المآل والنظر فيما يؤول إليه الفعل.

الآراء الشاذة في أصول الفقه – دراسة استقرائية نقدية

الآراء الشاذة في أصول الفقه – دراسة استقرائية نقدية ¤عبدالعزيز بن عبدالله النملة£بدون¥دار التدمرية – السعودية¨الأولى¢1430هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة الخاتمة: أولاً: نتائج البحث: يظهر لي أنه يمكن عرض أهم نتائج البحث من خلال ثلاثة جوانب هي: الجانب الأول: نتائج الدراسة النظرية للرأي الشاذ عند الأصوليين. الجانب الثاني: نتائج عامة لاستقراء ودراسة الآراء الشاذة. الجانب الثالث: نتائج خاصة للآراء الشاذة التي قمت بدراستها. وتفصيل ذلك كما يأتي: الجانب الأول: نتائج الدراسة النظرية للرأي الشاذ عند الأصوليين: من أهم نتائج البحث حول الدراسة النظرية للرأي الشاذ ما يأتي: أولاً: أن للشاذ اصطلاحاً عند القراء، حيث أطلقوه على اللفظ إذا فقد أحد شروط القراءة الصحيحة، وأما الشاذ عند المفسرين فيريدون به الرأي غير المعتبر، وعند المحدثين: أن يروي الثقات حديثاً فينفرد واحد ويخالفهم. ثانياً: أن علماء أصول الفقه استعملوا مصطلح الشاذ بمعناه اللغوي، كما استعملوه باصطلاح القراء، والمحدثين، بالإضافة إلى اصطلاحهم. ثالثاً: أنه يوجد عدد من الفرق والمذاهب اشتهر عنها القول بآراء شاذة، أهمها: الخوارج، والرافضة، والظاهرية، كما يوجد عدد من أهل العلم كثرت نسبة الآراء الشاذة لهم، كربيعة الرأي، وداود الظاهري، وإسماعيل بن علية، وابن حزم. رابعاً: أن الذي يترجح للباحث هو اعتبار قول الظاهرية لانعقاد الإجماع في مسائل أصول الفقه، ولا اعتبار بخلافهم في الفروع الفقهية، وخاصة ما يتعلق بالقياس. خامساً: توصل الباحث إلى أن تعريف الرأي الشاذ في أصول الفقه هو: قول انفرد به قلة من المجتهدين من غير دليل معتبر. سادساً: جمع الباحث الألفاظ التي يوصف بها الرأي الشاذ كالباطل، والمحال، والخطأ، والغلط، والشغب، كما بين الفروق بين مصطلح الشاذ وما يشابهه من مصطلحات، كالنادر، والضعيف. سابعاً: للشاذ أنواع باعتبارات مختلفة، أهمها: أنواعه باعتبار قربه وبعده، وباعتبار القائل به، وباعتبار التصريح به، وباعتبار كونه داخل المذهب، وقد جرى بسطها، وذكر الأمثلة عليها في موضعه. ثامناً: أن لمعرفة الشاذ من الآراء طرق صريحة، كمخالفة الدليل القطعي، ومخالفة الإجماع، ومخالفة الأصل من غير دليل، ومخالفة قواعد الشريعة. وكذلك لمعرفة الرأي الشاذ طرق غير صريحة، ككون الجماهير على خلافه، وعدم نقل الرأي وهجره، وعدم متابعة القائل به، والتشنيع على قائله، وقد جرى بيانها بالتفصيل. تاسعاً: أن لوجود الرأي الشاذ أسباب منها ما يتعلق بأصول الفقه، كإنكار أحد الأصول الشرعية، أو الإفراط في الأخذ ببعضها، ومخالفة الدليل القطعي، وعدم بلوغ النص لصاحب الرأي، وتقديم العقل على النص، ومعارضة النصوص الصريحة بأصول اجتهادية، ومن تلك الأسباب ما هو متعلق بالعلوم الأخرى، كالخطأ في تفسير القرآن، والتعصب للمذهب العقدي، والاعتماد على نص غير معتبر، والنزوع إلى الهوى. عاشراً: ظهر للباحث أن شروط الرأي الشاذ يمكن حصرها بما يأتي: الشرط الأول: أن يكون الرأي مخالفاً للدليل القطعي إن وجد. الشرط الثاني: أن يكون الرأي مخالفاً لقول جماهير أهل العلم. الشرط الثالث: أن لا يمكن الجمع بين الرأي الشاذ، والآراء المعتبرة. حادي عشر: أن العلماء صرحوا بأن الرأي الشاذ قول باطل، لا يجوز القول به، ولا الاعتماد عليه في الفتوى، وأن ما حصل من تساهل في إيراد الرأي الشاذ أو الإفتاء به كان لأسباب من أهمها: عدم الواقعية في الفتوى، والتسرع فيها، وكثرة الفروض والتقديرات، والتعصب لإمام، أو رأي معين.

ثاني عشر: لا يجوز القياس، ولا التخريج على الرأي الشاذ، بل يترك على شذوذه؛ لأنه رأي باطل لا يصح البناء عليه. ثالث عشر: إذا حكم حاكم برأي شاذ فيجوز نقض حكمه؛ لأنه مخالف للدليل القطعي، وذلك له حالات تم بيانها في موضعه. رابع عشر: درس الباحث القواعد الأصولية، والفقهية المتعلقة بالشاذ دراسة موسعة، مبيناً أهم موضوعاتها، وتطبيقاتها. خامس عشر: للآراء الشاذة أثر على علم أصول الفقه، ومن ذلك الأثر ما هو إيجابي، كالتوسع في دراسة كثير من المسائل، والرد على الشبهات فيها، والعمل على تنقية هذا العلم من هذه الآراء، ببيانها، والتحذير منها، وكذلك من الفروع المبنية عليها. كما أن لهذه الآراء أثراً سلبياً على هذا العلم، كوجود اللوازم الباطلة لهذه الآراء، وزعزعة بعض الأصول الراسخة عند عامة المسلمين، وانتشار التقليد، ووضع الحديث، والتعصب، وتضخيم مصنفات أصول الفقه بهذه الآراء مع عدم فائدتها، وظهور بعض الفتن التي اعتمدت على بعضها. سادس عشر: لدفع الرأي الشاذ وإبطاله طرق هي: إثبات عدم صحة المخالفة، وإثبات أن الإجماع انعقد قبل خلاف من شذ، وإثبات أن المخالف رجع عن قوله الذي شذ به، وكذلك إثبات أن اتفاق المجتهدين ينعقد مع مخالفة الواحد والاثنين. الجانب الثاني: نتائج عامة لاستقراء ودراسة الآراء الشاذة: من خلال التأمل في الآراء التي تمت دراستها يظهر لي بعض النتائج العامة حولها، وهي كما يأتي: أولاً: أن الله عز وجل جعل الأدلة الشرعية التفصيلية للاستدلال على الحكم الشرعي من خلال قواعد أصول الفقه، وليس للنص عليه، وبذلك يكون المجتهد المستنبط من النصوص الشرعية دائر بين الأجر، والأجرين. ثانياً: أن عدداً من مسائل أصول الفقه التي نقل فيها آراء شاذة يرجع الخلاف فيها إلى اللفظ، ولا ينبني عليها ثمرة. ثالثاً: أن بعض علماء أصول الفقه تميزوا بنقد الآراء الشاذة عند ذكرها، والتحذير منها، ومن أولئك الآمدي، المرداوي. رابعاً: أن مناهج علماء أصول الفقه تفاوتت في وصف الآراء بأنها شاذة؛ ذلك أن منهم من تساهل فأطلق على الرأي الضعيف، أو المرجوح بأنه رأي شاذ، ومنهم من لم يطلق هذا الوصف إلا على آراء معدودة. خامساً: تميز علماء أصول الفقه بالإنصاف عند مناقشة المخالفين، وخاصة أصحاب الآراء الشاذة، ويدل محاولة بعضهم الجمع بين الرأي الشاذ والآراء المعتبرة، أو بيان سبب وجوده، أو الاعتذار لمن نسب إليه. سادساً: أن التوسع في إدخال المباحث المنطقية في العلوم الشرعية، وخاصة أصول الفقه، وحرص بعض الأصوليين على ذلك أدى إلى وجود الآراء الشاذة، ذلك أن النظر في المشروع يباين النظر في المعقول. سابعاً: أن عقيدة بعض علماء أصول الفقه كان لها أثر على ما يختارونه من آراء، حيث ظهر أن عدداً من الآراء الشاذة عندهم كان سبب الخلاف فيها رجوعها إلى أصل عقدي انفردت به أحد الفرق. ثامناً: دقة علماء أصول الفقه في الاستنباط والاستدلال حيث نبهوا على آراء شاذة بسيطة، لم يعلم قائلها. الجانب الثالث: نتائج خاصة للآراء الشاذة التي قمت بدراستها: الآراء الشاذة في أصول الفقه لا يجوز الاعتماد عليها، ولا الاهتمام بها، كما لا يجوز ذكرها إلا لردها، وبيان بطلانها، وقد قمت بدراسة ذلك بتوسع فكان من أهم نتائجه ما يأتي: 1 - أن القول بمنع نسخ التكليف إلى الأثقل رأي شاذ؛ لمعارضته أصل التكليف، والنص القرآني الصريح. 2 - أن الخلاف في حكم التكليف بالفعل قبل حدوثه خلاف لفظي، والجمهور على أن المنع رأي شاذ. 3 - أن الخلاف في كون المباح مأمور به مع الكعبي خلاف لفظي، ومع ذلك فله جانب معنوي من خلال ما يلزم عليه من لوازم باطلة.

4 - أن القول بمنع وقوع النسخ في القرآن رأي شاذ؛ لمخالفة الإجماع في ذلك. 5 - أو وصف القول بمنع نسخ حكم الخطاب إلى غير بدل بأنه رأي شاذ غير صحيح، بل هو رأي معتبر استدل القائلون به بصريح منطوق القرآن. 6 - أن القول بجواز كتمان أهل التواتر ما يحتاج إلى نقله ومعرفته رأي شاذ، ومن قال به فبناء على أصل عقدي لديه. 7 - أن القول بمنع التعبد بخبر الواحد رأي شاذ لقيام الدليل القطعي على ذلك، وأن لهذا الرأي أثر كبير في التشكيك بأحكام شرعية كثيرة. 8 - أن القول بإنكار الإجماع رأي شاذ، وغاية من قال به المطالبة بالدليل، وقد أثبت علماء أصول الفقه ذلك بأدلة كثيرة. 9 - أن القول بجواز إثبات كل الأحكام الشرعية بالقياس رأي شاذ، وأن الخلاف في ذلك معنوي، حيث بني عليه مسائل في أصول الفقه. 10 - أن القول باشتراط الاتفاق على كون الأصل معللاً رأي شاذ، والخلاف في ذلك معنوي، حيث تخرج عليه عدد من الفروع الفقهية. 11 - أن القول بإنكار الاعتراض على القياس بالمنع رأي شاذ، وقد انفرد به العنبري من غير دليل معتبر. 12 - أن وصف القول بتعبد النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بشريعة إبراهيم عليه السلام بأنه رأي شاذ غير صحيح؛ بل هو قول معتبر، وأقرب الأقوال في المسألة إلى الصواب. 13 - أن القول بحجية رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، وأنها مصدر للأحكام الشرعية رأي شاذ؛ لمخالفة الإجماع في إحداث طريق جديد للأحكام الشرعية، ولهذا الرأي أثر في الترويج لبعض العقائد والفتن على مر التاريخ الإسلامي. 14 - أن وصف القول بإفادة الجمع المنكر للعموم بأنه شاذ غير صحيح، وإن كان المترجح في ذلك عدم إفادته للعموم. 15 - أن ما نقل عن الإمام مالك من القول بقصر العام على سببه، ووصف بأنه رأي شاذ غير صحيح على إطلاقه، والراجح التفصيل، فالعام ذو السبب الخاص يحمل على عمومه في كلام الشارع؛ لأن المقام مقام تشريع، وأما في كلام الناس، وعقودهم فلا يحمل على العموم إن ورد على سبب خاص، وعليه فلا يكون رأياً شاذاً. 16 - أن القول بمنع تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد مطلقاً رأي شاذ لا اعتبار به؛ لمخالفته إجماع الصحابة، وجريان العمل على ذلك. 17 - أن القول بجواز الفصل بين المستثنى والمستثنى منه رأي شاذ، وكذلك لم تثبت نسبته لابن عباس، وما نسب للمالكية فهو مقيد بأن يكون الاستثناء منوياً حال التكلم. 18 - أن القول بمنع دلالة صيغة النهي على الفور رأي شاذ؛ لمخالفة الإجماع في ذلك، واختلف الأصوليون في نوع الخلاف في ذلك، والذي يترجح كونه معنوياً. 19 - أن القول بمنع الترادف في اللغة رأي شاذ، وأن المانعين تكلفوا أدلة لذلك لا اعتبار لها، كما تكلفوا ذكر فروق بين الألفاظ المترادفة. 20 - أن القول بمنع البيان بالفعل رأي شاذ؛ لمخالفته الأدلة الصريحة في جواز ذلك، وأقواها الوقوع. 21 - أن القول بحجية مفهوم اللقب بإطلاق رأي شاذ؛ لمخالفة الأدلة القطعية في ذلك، ومع ذلك فإن تخصيص اللقب بالذكر قد تكون له فائدة، ولا يلزم أن تكون الفائدة الانفراد بالحكم، ومن نقل عن الإمام مالك، والإمام أحمد شيئاً من ذلك فقد قالا به لوجود قرينة تدل على التعليل، وهذا خارج محل النزاع. 22 - أن القول باشتراط الإحاطة بالأحاديث للمجتهد رأي شاذ لمخالفة الدليل القطعي. 23 - أن القول بمنع تقليد الميت مطلقاً رأي شاذ، ومع ذلك ينبغي الرجوع إلى الأحياء، وخاصة عند اختلاف الأزمان والأعراف، ويتأكد ذلك عند غلبة ظن المقلد به. 24 - أن القول برد خبر الواحد لتعارضه مع القواعد العامة لا يخلو إما أن تكون القواعد تفيد القطع، وفي هذه الحالة تقدم القواعد، أو تكون القواعد ظنية فلا تقدم على خبر الواحد. 25 - أن القول بأتباع المجتهد لأحد الدليلين المتعارضين من غير ترجيح مطلقاً رأي شاذ؛ لأنه عمل بلا دليل، وأتباع للهوى فهو مخالف للإجماع بوجوب عمل المجتهد بالدليل الشرعي. ثانياً: توصيات البحث: من خلال إعداد هذه الرسالة في موضوع الآراء الشاذة يرى الباحث أن من أهم التوصيات في ذلك ما يأتي: أولاً: الدعوة إلى الاهتمام بدراسة موقف علماء أصول الفقه من المخالف من خلال استقراء مصنافتهم. ثانياً: التأكيد على أهمية جمع الآراء الشاذة في الفقه، ودراستها، وخاصة في كتب الخلاف العالي. ثالثاً: دعوة الباحثين إلى التوسع في دراسة بعض المسائل، والقضايا الأصولية التي لها أهمية كبيرة، وثمرة فقهية واسعة، ووصف أحد الآراء فيها بأنه شاذ، ومن ذلك حكم إحداث قول جديد، وتعارض الحديث مع القواعد العامة، وغيرها. رابعاً: أهمية بيان الفروق الأصولية بين الحدود والمسائل، وخاصة عند علماء أصول الفقه مختلفي المذاهب. خامساً: الدعوة إلى دراسة أثر العقائد على مسائل أصول الفقه، وكذلك جمع الشبهات حول علم أصول الفقه قديمها، وحديثها، والرد عليها.

الأعراف البشرية في ميزان الشريعة الإسلامية

الأعراف البشرية في ميزان الشريعة الإسلامية ¤عمر بن سليمان الأشقر£بدون¥دار النفائس¨الأولى¢1413هـ€أصول فقه¶عرف وعادة الخاتمة يمكننا أن نوجز أهم ما توصلت إليه هذه الدراسة في النقاط التالية: 1 - العرف والعادة: ما اعتاده الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك، ولا فرق بين العرف والعادة في المعنى الاصطلاحي الفقهي. 2 - للأعراف البشرية مكانة عظيمة عند الأمم التي تسودها تلك الأعراف، ولقوتها كانت هي القوانين التي تحكم الأمم والشعوب، وقد كانت هذه الأعراف الجدار الصلب الذي صدَّ الناس عن اتباع دين الله والانقياد له. 3 - الأعراف البشرية كالقوانين الوضعية كلاهما لا يصلح لأن يكون هو المهيمن على المجتمع الإنساني، ولذا فإن الشريعة أقصت العرف في المجتمع الإسلامي، وحصرته في دائرة ضيقة. 4 - استخدم الذين أرادوا إقصاء الشريعة الإسلامية عن الحكم الأعراف البشرية للصدِّ عن دين الله وشرعه. 5 - المجال الذي يعمل فيه العرف عند المسلمين محصور في أمرين: الأول: تفسير النصوص المطلقة التي لم تفسرها اللغة ولا الشريعة. والثاني: الأحكام التي ليس للشريعة غرض في فعلها على وجه معين، وإنما المراد الإتيان بها على أي وجه كان، ولذا لم تنه الشريعة عنها، ولم تأمر بها، وتركت أمرها إلى ما تجري به العوائد والأعراف. 6 - على الرغم من احتجاج العلماء بالعرف إلا أنه ليس دليلاً مستقلاً من أدلة الفقه الإسلامي، ولكنه دليل ظاهر يُرَدُّ دائما إلى دليل آخر من الأدلة الصحيحة. 7 - يشترط في العرف الذي يعتبر شرعاً أن لا يخالف نصاً شرعياً ولا قاعدة شرعية، كما يشترط أن يكون مطرداً أو غالباً، وأن لا يصرح المتعاقدان بخلافه، وأن يكون موجوداً عند إنشاء التصرف. 8 - العرف قد يكون قوليا أو عمليا، وقد يكون خاصاً أو عاماً. 9 - لا يجوز الجمود على الأحكام الصادرة من أهل العلم المبنية على أعراف تغيرت وتبدلت، وقد كان هذا الجمود من أعظم الظلم الذي نسب إلى الشريعة، والشريعة منه براء.

الأمر صيغته ودلالته عند الأصوليين

الأمر صيغته ودلالته عند الأصوليين ¤محمد بن ناصر بن عبدالعزيز الشثري£بدون¥بدون¨الأولى¢1408هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة الخاتمة الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات ومنه نستمد العون. أما بعد: فقد ختمت بحث الأمر صيغته ودلالته وقد بذلت فيه من الجهد ما الله به عليم وكنت مثلاً أرجع إلى الكتاب الكبير من كتب الأصول الذي يعد مرجعاً في مذهبه فأجد فصلا صغيرا عن الأمر وتحته قول مجمل عن الأمر وهناك من العلماء من لم يذكر بعض مباحث الأمر بالكلية وأيضاً فمعظم الكتب المتقدمة تكون بعبارة غامضة وأسلوب غير واضح حتى أنك لا تدري إلى أي الأقوال يميل ولا أنسى جهود بعض العلماء الأجلاء رحمهم الله من قيامهم بتوضيح ما أجمل وتبيين ما غمض وباستقصاء كامل فجزاهم الله خير الجزاء. وما كان في بحثي هذا من توفيق فمن الله سبحانه وما كان من خطأ فمن نفسي. وإن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله. والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

الإعلام بمخالفات (الموافقات) و (الاعتصام)

الإعلام بمخالفات (الموافقات) و (الاعتصام) ¤ناصر بن حمد الفهد£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1420هـ€أصول فقه¶نقد كتاب أو فكر الخاتمة: وأختم ما سبق بكلمة جميلة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (درء تعارض العقل والنقل) 2/ 102 - بعد أن ذكر مجموعة من العلماء - من جنس الشاطبي رحمه الله - لهم علم وفضل وكلهم شاركوا المبتدعة في بعض أصولهم - حيث قال: (ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساعٍ مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف، لكن لما التبس عليهم هذا الأصل المأخوذ ابتداء من المعتزلة، وهم فضلاء عقلاء، احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه، فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين، وصار الناس بسبب ذلك: منهم من يعظمهم لما لهم من المحاسن والفضائل، ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل، وخيار الأمور أوساطها. وهذا ليس مخصوصا بهؤلاء، بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين، والله تعالى يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات، ويتجاوز لهم عن السيئات، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر:10] ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخطأ في بعض ذلك فالله يغفر له خطأه، تحقيقا للدعاء الذي استجابه الله لنبيه والمؤمنين حيث قالوا: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي

الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي ¤عبدالمجيد السوسرة الشرفي£بدون¥وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - قطر¨العدد 62 - السنة 17¢1418هـ€أصول فقه¶اجتهاد وتقليد الخاتمة وبعد أن أتيت على نهاية الموضوع، أرى من الواجب عليّ أن أسجل أهم النتائج التي انتهت إِليها الدراسة، وهي على النحو الآتي: - الاجتهاد الجماعي هو استفراغ أغلب المجتهدين الجهد لتحصيل ظن بحكم شرعي بطريق الاستنباط، واتفاقهم جميعاً أو أغلبهم على ذلك الحكم بعد التشاور، وأنه بهذا يختلف عن الاجتهاد الفردي في كونه صادراً عن جماعة بعد اشتراكهم في مناقشته بطريقة شورية ... وأن الاجتهاد الجماعي يختلف عن الإجماع الأصولي في كون الأول لا يشترط فيه اتفاق كل المجتهدين، وإنما يكفي أغلبهم، بينما الثاني لابد فيه من اتفاق جميع المجتهدين. - الاجتهاد الجماعي مر في تاريخه بمراحل أربع، الأولى: بدايته على يد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وبعض عصور الدولة الأموية .. ثم توقفه وهيمنة الاجتهاد الفردي .. ثم الدعوة إلى وقف الاجتهاد عموماً .. ثم المرحلة الرابعة، وهي فترة اشتداد الحاجة إِليه في العصر الحديث، واهتمام العلماء بالدعوة إِليه وتنشيطه، ليكون هو سبيل الأمة في معالجتها لقضاياها المعاصرة وتقنين نظمها وتشريعاتها. - لا بد أن يتوفر في كل عضو من أعضاء المجمع الاجتهادي، شروط الاجتهاد في حدها الأدنى على الأقل، وهي شروط المجتهد الجزئي، بعد الأخذ بالمخففات في الشروط العامة للمجتهد، ولا يصح الاجتهاد الجماعي من جماعة ليسوا مجتهدين. - الاجتهاد الجماعي له أهمية كبرى في التشريع، لما يحققه من أمور كثيرة، ولعل من أبرزها أنه يحقق مبدأ الشورى في الاجتهاد، ويكون لذلك أكبر الأثر في دقة الرأي وإِصابته، وتجنيب الاجتهاد الأخطاء التي قد تقع في حالة الاجتهاد الفردي، وبذلك يستمر الاجتهاد، ويقطع الطريق على من قد يحاول إرباكه .. كما أن الاجتهاد الجماعي يحقق للأمة ما فقدت بغياب المجتهد المطلق وتعذّر الإِجماع، ويعوضها عن ذلك بالتكامل الذي يحققه المجتهدون بمجموعهم .. كما أن الاجتهاد الجماعي يعتبر من أنجح السبل إلى توحيد النظم التشريعية للأمة، كما أنه أفضل وسيلة لمعالجة قضايانا المعاصرة، التي تشابكت فيها الأمور، وتداخلت فيها العلوم، وأصبح النظر والاجتهاد فيها لا يتحقق سليماً إِلا برؤية جماعية. - حجية الاجتهاد الجماعي ليست في منزلة حجية الإجماع – بالمعنى الأصولي – التي تكون قطعية يحرم مخالفتها، ولكنها حجية ظنية يكون اتباعها أولى من غيرها، إِلا إذا صدر بتنظيم الاجتهاد الجماعي قرار من ولي الأمر، فيجب اتباع ما يتوصل إِليه بالاجتهاد الجماعي والالتزام به. - أهم المجالات التي يجب أن يركز عليها الاجتهاد الجماعي ويصب اهتمامه بها، تتمثل في استنباط الأحكام للقضايا المستحدثة، التي لم تبحث من قبل الفقهاء السابقين، وكذلك القضايا التي سبق بحثها من قبل الفقهاء السابقين ولكن تعددت فيها آراؤهم، فيسعى المجمع إلى انتقاء أرجح تلك الأقوال وأنسبها لواقع الأمة ومصلحتها .. كما أن على المجمع أن يركز على المسائل التي صدرت فيها أحكام ولكنها بنيت على أسس تتغير لتغير الزمان والمكان أو العرف أو المصلحة .. كل تلك المجالات لا يصلح فيها الاجتهاد إِلا أن يكون جماعياً، أما إذا كان فردياً فلربما أتى على الأمة بالكثير من الأخطاء والمشاكل .. وقد أوردت – أثناء شرحي لتلك المجالات – الاعتبارات التي تلزم أن يكون الاجتهاد في تلك المجالات جماعياً. - الوسيلة المثلى في عصرنا لإقامة الاجتهاد الجماعي هي المجمع الفقهي العالمي، الذي يضم أغلب المجتهدين في الشريعة الإسلامية، ومعهم فريق من العلماء والمفكرين المتخصصين في شتى العلوم والمعارف الإنسانية، ويسعى المجمع إلى تحقيق مجموعة من الأهداف تصب في الاهتمام بمشكلات الأمة ووضع الحلول الشرعية المناسبة لها، والسعي إلى توحيد التشريعات لكافة الأقطار الإسلامية، ليكون بذلك نواة لوحدة الأمة الإسلامية، وأساساً للقائها الفكري والحضاري، وإِثراء فقهها الإِسلامي، على أن يلتزم في تكوينه بمجموعة من الأسس تجعل منه منارة علم وأساس نهضة، بعيداً عن الأهواء والهيمنة السلطوية أو النزعات الضيقة. تلك هي أبرز النتائج التي توصل إِليها البحث، والله أسأل أن يكتب لنا التوفيق والسداد، إِنه على ما يشاء قدير.

الاستقراء وأثره في القواعد الأصولية والفقهية - دراسة نظرية تطبيقية-

الاستقراء وأثره في القواعد الأصولية والفقهية - دراسة نظرية تطبيقية- ¤الطيب السنوسي أحمد£بدون¥دار التدمرية - الرياض¨الأولى¢1424هـ€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية 1ـ النتائج: من النتائج التي توصلت إليها أثناء معايشتي لموضوعات البحث ما يلي: 1ـ أهمية التريث في تسليم العمومات؛ لأنها -غالبا - مبنية على الاستقراء، كما أنها - غالبا - تصاغ بتسرع وقبل أن يتحقق من صحتها والقواعد الكلية لا تقبل إلا إذا أسندها دليل قائم على أساس صحيح. 2ـ الوسيلة الصحيحة للنهوض بأصول الفقه ومضاعفة وظيفته العملية هي دراسة القواعد الأصولية - التي من حقها أن تبنى على الاستقراء - باستقراء ما بنيت عليه من النصوص الشرعية أو الجزئيات اللغوية أو الفروع الفقهية العملية أما الدراسة التقليدية لمسائل أصول الفقه فهي ـ في غالبها - نقل وتكرار لا يأتي بجديد عما عهد في أكثر المراجع الأصولية. 3ـ غياب منهج الاستقراء لدى كثير ممن كتبوا في أصول الفقه قديما وحديثا فقل أن ترى من قام باستقراء حقيقي واسع في دراسة القواعد الأصولية أو الفقهية تأسيسا أو ترجيحا أو نقدا وتصحيحا أو وضعا لضوابط صحيحة وإن الجهد المبذول من بعض ألأصوليين من بعد القرن الخامس والذي لم يتجاوز - في الغالب - التكرار لو بذل في دراسة القواعد الأصولية دراسة استقرائية لكان علم الأصول أكثر نضجا. 4ـ أن دلالة الاستقراء - في ميدان العلوم الشرعية - ينضاف إليها في الغالب قرائن خارجية تؤيدها وتقويها. 5ـ الأمور التي من حقها أن تبنى على الاستقراء إن تبين بالاستقراء الواسع خطأ ما حكي فيها باستقراء سابق فإنه لا يعتمد على أقوال السابقين فيها إذ إن أساس اعتمادها وهو الاستقراء بين الخطأ السابق كما أنه إذا أسس حكم على نص ضعيف ثم تبينت صحته أو العكس. 6ـ أهمية تعلم علم المنطق فإنه مع ما وجه إلى أكثر مباحثه من انتقاد إلا أن فيه أمورا مهمة ثبتت صحتها وفائدتها لاسيما لمن يمارس كتب أصول الفقه، حيث إن طائفة من موضوعات الأصول صيغت بمصطلحات منطقية وبحثت بأسلوب منطقي فالمسائل المنطقية المتعلقة بدلالات الألفاظ وتقاسيم الكلام ومسائل الكلي والجزئي وبعض أشكال القياس وبعض أقسام القضايا مسائل مهمة لا يستغنى عنها ولذا لم يستغن عنها جميع الكاتبين في العلوم في الفقه والأصول والعقيدة واللغة وغير ذلك وبذلك يعلم أن توجيه النقد بإطلاق إلى المنطق من آثار إهمال الاستقراء فإن استقراء مسائله يوجب التفصيل في ذلك. 7ـ أن الاستقراء أحد مباحث علم المنطق وأقسامه إلا أنه لا ينسحب إليه النقد الموجه إلى المنطق الأرسطي إذ الاستقراء بالإضافة إلى كونه أحد مباحث المنطق منهج إسلامي فطري قامت على صحته وأهميته الأدلة من الكتاب والسنة وهو المنطق الصحيح في الاستدلال والمنطق البديل للمنطق الأرسطي المنتقد والمتمثل في القياس. 8ـ أن القاعدة الاستقرائية قد تكون قطعية وقد تكون ظنية وظنيتها لها مراتب متفاوته في القوة والضعف. 9 ـ أن الاستقراء الناقص هو الاستقراء العلمي المؤسس للقواعد الكلية والنتائج العلمية في جميع العلوم. 10ـ خطأ من يظن أن أصول الفقه علم أساسه المنطق وعلم الكلام ويذمه تبعا لذلك. 2ـ المقترحات الموصى بها: من الأمور التي رأيت التوصية بها ما يلي: 1ـ الاهتمام بهذا الدليل (الاستقراء) من قبل طلبة العلم وتطبيقه في دراستهم الشرعية لمسيس الحاجة إليه في سائر العلوم الشرعية.

2ـ أن تتجه البحوث المفروضة على الطلاب أو البحوث المفروضة على الطلاب أو البحوث الحرة إلى اختيار طائفة من القواعد الأصولية أو الفقهية ودراستها على ضوء استقراء النصوص الشرعية المتعلقة بها استقراء واسعا صحيحا واستقراء تصرفات الفقهاء المجتهدين وأقوالهم تجاه تلك القواعد واستقراء ما يتعلق بها من اللغة العربية فهذا السبيل هو المنهج المفيد في دراسة القواعد الأصولية لكنه عمل لا يقوم به إلا قلة من طلبة العلم ممن اتسموا بالصبر على البحث وسعة الاطلاع وسلامة الهدف. إن مما تحتاجه الأمة لمسايرة مستجدات الحياة التي لم تكن تخطر ببالها هو تحقيق طائفة من القواعد الأصولية التي توجه النصوص الشرعية ذات العلاقة ببيان أحكام الحوادث وتحقيق طائفة من القواعد الفقهية التي تحكم تصرفات المكلفين وذلك بترجيح الراجح من تلك القواعد وعدم اعتماد المرجوح منها والتوصل إلى ما يضبطها لأن الأصل في كثير من هذه القواعد أن تؤسس على هذا الطريق وأن يبين الراجح والصحيح منها بهذا الطريق فإذا قدر أنها درست في وقت من الأوقات بمنهج كلامي أو بأسلوب جدلي فإن ذلك لا يسوع التقليد في دراستها على ذلك الوجه لأنها الآن ليست بحاجة إلى دراسة بالكيفية السابقة لكثرة ما بحثت به في الكتب ولكن الذي ينقص هذه المسائل هو الدارسة الاستقرائية. ومع أن قيام مثل هذا الاستقراء لترجيح القواعد الأصولية أو الفقهية هو تأسيس بعض القواعد الفقهية أو الأصولية يعد أمرا صعبا يحتاج إلى صبر جميل وقوة علمية إلا أن ما يسره الله في هذا العصر مما أنتجه العلم الحديث في مجال الحاسب الآلي يسهل بعض الصعاب في سلوك هذا الطريق مع العلم أن هذا النمط من الدارسة يكون جائز كبير من مادته خارج كتب الأصول ككتب التفسير وأحاديث الأحكام وشروحها وكتب اللغة والكتب التي تعنى بنقل النصوص الفقهية للأئمة. وغير ذلك. والحمد لله رب العالمين.

الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية ¤عابد بن محمد السفياني£بدون¥مكتبة المنارة - مكة المكرمة¨الأولى¢1408هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة خاتمة وبعد أن انتهيت من دراسة موضوعات البحث أسجل هنا أهم ما ورد فيه من نتائج وهي: • أن إنزال الشرائع حق الله الخالص لا يشاركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأنه سبحانه عزل عنه أهل السماء والأرض، فلا أحد يطاع لذاته إلاّ هو (والرسول إنما هو بشر يوحى إليه، بشير ونذير وسراج منير). وليس لأحد حق في التشريع، كما أنه ليس لأحد حق النسخ والتبديل والتغيير، فلله الخلق والأمر. • أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يطاع بإذن الله فطاعتهُ طاعةٌ لله، لأنّ كلّ ما جاء به إنما هو وحي أوحاه الله إليه، حكّمه على نفسه وبلّغه لأمته فهو مبلِّغ مبشر ونذير وسراج منير، واجتهاداته صلى الله عليه وسلم لا تكون وحياً إلاّ بإقرار الوحي لها. • أن الرسول وإخوانه من المرسلين عليهم صلوات الله وسلامه، ومن تبعهم من المؤمنين، والبشر بعد ذلك أجمعون مكلفون بالخضوع لما جاء من عند الله من غير تبديل ولا تغيير لا يسعهم إلاّ ذلك. • أن الشريعة هي "نصوص الكتاب والسنة". • الأدلة الشرعية حجة الله على الخلق على الإطلاق والعموم، تثبت بها أمور الدين ابتداء وتخصيصاً وتقييداً .. ، ويزاد بالسنة على ما في القرآن ولا يسع أحد العذر في عدم اعتقاد موجبها والعمل به وعلامة ثبوتها صحة سندها والسلامة من الشذوذ والعلة. • أن هذه هي عقيدة الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان كما نقل العلماء الثقات الإجماع على ذلك قبل نشوء الأهواء. • أن القول بظنية الأدلة النقلية وتضعيفها بدعة من بدع المعتزلة وهي من آثار المسلك العقلي الفلسفي الذي ورثته المعتزلة عن طريق الثقافات الخارجية. • أن شبهة "المعارض العقلي" جهالة من جهالات المتكلمين لا يدعمها دليل شرعي ولا دليل عقلي. • أن علم الكلام هو أساس هذه البدع وبسبب انتشاره وُزّعَ الفكر الفلسفي وأثرّ أَثَرَه في الأصول، وحجب الأدلة عن الاستدلال على أمور العقيدة وتعدى ذلك إلى تضعيفها عند الاستدلال بها على الأحكام الشرعية. • أن علم المجتهدين في هذه الأمة هو الكشف عن أحكام هذه الشريعة وأفهامهم لها صفة الشرعية ويُطلق عليها اسم "الفقه الإسلامي" ومهمتهم هي الفهم والتطبيق لا معارضة النصوص بآرائهم وعقولهم. • الفقه الإسلامي منه المعلوم ومنه المظنون، ويشمل المعلوم من الدين بالضرورة. • أن الفقه الإسلامي يأخذ طبيعته من طبيعة هذه الشريعة من حيث الإلزام، ومن حيث اشتماله على العلم الذي يوجب لأهله الألفة والمتابعة للجيل القدوة، بخلاف "علم الكلام" فهو على الضد من ذلك. • الاجتهاد كشف واستنباط، والتشريع إنشاء للحكم ومن أهم الفروق بينهما: ـ التشريع حق الله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، والعصمة ثابتة لهذه الشريعة ولرسولها صلى الله عليه وسلم. ـ والاجتهاد عمل المجتهدين ولا عصمة له، ويسألون عن الدليل، وهو بعد ذلك قابل للتصحيح، مع ثبوت الأجر في حالة الصواب والخطأ، ولا نُعصّم ولا نؤثّم. • أن المشرع له حق النسخ والتبديل، وأما المجتهد فليس له حق في ذلك. • أن أفهام المجتهدين إما أن تتفق وإما أن تختلف ففي الحالة الأولى هي الإجماع ومن صفاته: ـ أنه لا بد له من مستند وحكمه ثابت لأنه معصوم ولا يتبدّل أبداً، وهو ملزم للأمة جمعاء، وأصل محكم يُبنى عليه. وفي الحالة الثانية وهي حالة الاختلاف: ـ الحكم غير معصوم. ـ ثابت عند المجتهد إلاّ أن يغيّر اجتهاده. ـ ملزم له ولمن تابعه، وفي حالة اختيار الحاكم له يرتفع الخلاف ويكون ملزماً إلزاماً عاماً. ـ أن الاجتهاد لا بد له من مستند.

• الاجتهاد فريضة محكمة وهو الطريق لمعرفة قدرات المكلفين وحفظ عقيدة الأمة، وإدخال الحوادث المستجدة تحت أحكام الشريعة. • أنه ضروري ولا ينقطع إلاّ بانقطاع التكليف وإن تحقيق المناط وتخريجه نوعان من الاجتهاد اتفق الأصوليون على عدم انقطاعهما. • أن أهم شروط الاجتهاد العلم بالعربية، ومقاصد الشريعة، والمقصود منهما تحقق الملكة لا الإحاطة بالمفردات، وبيان أن مذهب الشاطبي مساعد لأقوال أئمة الأصول، وتحقيق ذلك. • أن الشروط الأخرى للاجتهاد يتضمنها هذان الشرطان. • أن ثبات الشريعة وشمولها لا يمكن أن يتحقق في واقع المجتمع إلا عن طريق الاجتهاد. • أن الاجتهاد في الشريعة مراتب كما أن الاجتهاد في اللغة مراتب وعلى علماء السنة السعي لإقامة مهمة الاجتهاد والبناء على ما سبق وللمجتهد أن يستظهر بغيره ويبني على ما عنده ولا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها. • أن مهمة التأسيس ـ كما هو الشأن عند الأئمة الأربعة ـ ليست كمهمة البناء بالنسبة لمن بعدهم فهذه أهون وأيسر. • أن المسالك الفاسدة التي وَرَّثَتْها الفرق الضالة هي أخطر ما يواجه مفهوم الثبات والشمول في الشريعة. • أن البناء على غير أصل من شيم المبتدعة وهو طريق للتبديل والإحداث في الدين. • أجمعت الأمة على أنه لا يجوز للمجتهد أن يبني إلاّ على أصل من كتاب وسنة، وذلك هو منهج الصحابة رضوان الله عليهم، والرد على الدكتور شلبي وتفنيد شبهه. • أن اتباع العقل والمتشابه مانع من ثبات الأحكام الشرعية، والثبات عدة الشمول. • مناقشة الشيخ محمد عبده في حل الفائدة الربوية وبيان أنه بناه على مسلك فاسد ـ وهو اتباع العقل والمتشابه ـ وبيان خطورة ذلك على نظام الاقتصاد الإسلامي. • مناقشة مؤلف كتاب الإسلام وأصول الحكم، وكشف مسلكه الفاسد وبيان خطورته على نظام الحكم الإسلامي ودفع الشبه عن ذلك، وإثبات أصول الحكم الإسلامي من خلال آية واحدة. • الجهل بالعربية مؤد إلى تغيير الأحكام والإخلال بمفهوم الشمول. • البراءة من مسالك المبتدعة هي الضمانة الوحيدة للمحافظة على ثبات الشريعة ولا شمول بغير ثبات. • أهل السنة مجمعون على اعتقاد كمال الدين عقيدة وشريعة، وتضمنه لما يحتاجه الخلق فلا توجد واقعة من الوقائع إلاّ وفي نصوص الشريعة بيان لحكمها. • أن آية {اليوم أكملت لكم دينكم} تفيد معنى الإكمال المقصود وبيان ذلك والجواب عما يعارضه. • أن الشريعة موضوعة على الأبدية فلا يختل لها نظام، وأن الأمة معصومة في تبليغها، كل طائفة وما يخصها، وأن الصحابة أعلم الخلق بذلك وأشدهم محافظة على ثبات الشريعة بالقول والعمل. • منهج القرآن في تربية الصحابة على الاعتقاد في صفات الله من أعظم الأسباب التي جعلتهم مدركين لصفات الشريعة محافظين عليها اعتقاداً وعملاً من التبديل والتغيير، بخلاف سلوك المتكلمين في دراسة الصفات فإنه سبب في نشأة التبديل والتغيير وتحكيم العقل في الشريعة بالزيادة والنقص وذلك خصيم الثبات، وإذا انتفى الثبات انتفى الشمول. • أن الكمال والثبات والشمول ألفاظ أتراب لا يقوم أحدها إلاّ بالآخر. • أن العمومات في الكتاب والسنة من أهم قواعد الثبات والشمول وهي قطعية، وأن الشاطبي أشد العلماء انتصاراً لهذه القضية، وأنه متابع لابن تيمية وأقوالهما فيها بعضها من بعض، وهو مذهب السلف، ولا تخصيص بالمنفصل، وإنما هو بيان لقصد الشارع من العمومات، وإلى ذلك يؤول مذهب الأصوليين عند التطبيق. • سلامة منهج الشاطبي من آثار علم الكلام، واعتماده على مقاصد العربية ومقاصد الشريعة، ووقوع مسلك المتكلمين في الاحتمالات والظنون. • الربط بين مسلكهم في وصف الأدلة بالظنية وفي وصف العمومات بها على الخصوص.

• تقوية العمومات الشرعية والاستدلال بها على القطع بالحكم قاعدة من قواعد الثبات، وتخصيصها بما ثبت من الأدلة متواتراً أو آحاداً قاعدة من قواعد الشمول. • إثبات أن منهج الصحابة في الاستدلال بالعمومات وتخصيصها كما ذكرت آنفاً، وبيان مجافاة مسلك المتكلمين له، وأن ما يُنْسبُ إليهم من القول بظنية العمومات أو ظنية أخبار الآحاد فرض لا صحة له. • الإعجاز التشريعي في العموم اللفظي والمعنوي متسق مع الإعجاز الكوني، وهو طريق لزيادة الإيمان ولإدراك مقاصد الشريعة وتحقيق شمولها وأنهما من العمق والتنوّع وتجدّد العطاء بحيث لا يتصور لهما انقطاع ما دام التكليف. • أن القياس الشرعي قاعدة من قواعد الشمول، وبالتزام ضوابطه كما هو منهج الصحابة رضوان الله عليهم يكون قاعدة من قواعد الثبات. • الشاطبي أعظم العلماء إدراكاً لسبب الخلاف بين المتوسعين في القياس والصادين عنه، وفيه دلالة على أن المنكرين له متأوّلون بخلاف موقف بعض أئمة الاعتزال فإنهم معاندون في إنكاره. • طريقة الشاطبي في دراسة القياس مشابهة لطريقة ابن القيم من حيث الترتيب والاستدلال والأسلوب، وهما متبعان لمذهب الصحابة رضوان الله عليهم ووسط بين المتوسعين في القياس والصادين عنه، وفيما قرراه السلامة من تغيير الأصل وتبديله، وبه يتحقق الشمول، وكل ذلك تبين من خلال مقارنة علمية بين طريقتيهما. • التعليل بالحكمة بشرط انضباطها محقق للشمول وهو قياس شرعي، وبه يتحقق ثبات حكم الأصل، أما إذا لم تنضبط فلا يجوز القياس عليها لأنها تؤدي إلى الاضطراب وهو خصيم الثبات. • أن مذهب الشاطبي في التعليل بالحكمة موافق لذلك، وأن طريقته في العمل بالقياس منضبطة والرد على الدكتور محمد مصطفى شلبي فيما نسبه إليه. • العقل لا يستقل بإدراك المصالح والمفاسد، ومهمته الفهم والتطبيق واكتشاف المعاني الشرعية، وليس من مهمته إنشاء الحكم ولا تغييره ولا تبديله والقياس منهج شرعي لا مسلك عقلي. • أدق التعريفات للمصلحة هو تعريف الشاطبي، فهو متضمن للضوابط الشرعية للعمل بالمصلحة عند أهل السنة. • التزام المجتهد بالعمل بالمصالح على هذا النحو سبب في تحقيق الشمول والثبات في آن واحد. • أن معاني النصوص لا تتناهى وعليها تُحمل الحوادث المستجدة ويُعرف حكمها، وجميع الوقائع متشابهة فهي في الحقيقة متناهية، ورد الشبه عن ذلك وتصحيح مقالة ابن الجويني. • الشريعة ثابتة كليات وجزئيات وما كان حكماً لله فهو كذلك إلى يوم القيامة، الواجب واجب، والمندوب مندوب، والحرام حرام، وتغيّر الفتوى إنما هو تحقيق مناط واختلاف وقائع ولا تغيّر في حكم الشريعة ولا اختلاف. • الصحابة رضوان الله عليهم محافظون على ضوابط الاستدلال الشرعي وعلى ثبات الأحكام، وما ذكره صاحب كتاب "تعليل الأحكام" من أنهم غيّروا وبدّلوا الأحكام تقوّلٌ عليهم بغير علم، وكذلك زعمه أنهم يبنون على غير أصل، وأن منهج الأصوليين على خلافهم، كل ذلك قول بلا علم ولا برهان. • أن اتباع المصلحة مشروط بشروط شرعية، والأصل في العبادات التعبد والأصل في العادات الالتفات إلى المعنى، وفي كلٍ معنى التعبد، وتحقيق مذهب الشاطبي والرد على صاحب تعليل الأحكام فيما نسبه إليه. • أن ما يسمى بقاعدة "تغيّر الأحكام بتغيّر الزمان" لا أصل لها عند السلف الصالح، وأن ما نسبه صاحب رسالة "تغيّر الأحكام بتغيّر الزمان" إلى الشاطبي وابن القيم، وكذلك ما نسبه الدكتور صبحي الصالح ليس بصواب. • عصمة الإجماع أصل من أصول الثبات في الحكم المجمع عليه، ويرفع الخلاف عن سنده بعد ذلك، والعبرة فيه بإجماع العلماء ولا عبرة فيه برأي العوام، والمقصود بالجماعة هم العلماء المتمسكون بالسنة والاتباع. • كما تدل السنة على عصمة الإجماع يدل القرآن والحجة في ذلك بيّنةٌ كما هو مذهب الشافعي وابن تيمية. • حكم الإجماع لا يُبدّل ولا يغيّر فهو معصوم أبداً وسبب في ربط أجيال الأمة بعضها ببعض، ومانع من تسرب آثار الكيد الذي يقوم به أعداء الإسلام وفي الوقت نفسه قاعدة من قواعد الشمول والثبات. وبعد الفراغ من هذا الكتاب نختم بحمد الله على توفيقه وإحسانه، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين {إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}.

الحاجة وأثرها في الأحكام – دراسة نظرية تطبيقية

الحاجة وأثرها في الأحكام – دراسة نظرية تطبيقية ¤أحمد بن عبدالرحمن بن ناصر الرشيد£بدون¥كنوز إشبيليا – الرياض¨الأولى¢1429هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تنال المكرمات، أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأشكرك على ما يسرت من إتمام هذا البحث وإنهائه، بالرغم مما صاحبه من صعوبات ومعوقات، هان أمرها، وسهل الخلاص منها – بعد توفيق الله عز وجل – الجد والمثابرة والحرص والمصابرة والبحث والمدارسة. ويجدر بي في هذا المقام أن أقدم خلاصة هذا البحث وعصارته، وأخلص أهم ما توصلت إليه من نتائج وثمرات، وأتبع ذلك بذكر أهم التوصيات التي تبينت لي من خلال هذا البحث المتواضع، فأقول: أولاً: أهم نتائج البحث: - المقصود بالحاجة في البحث: الافتقار إلى الشيء، لأجل التوسعة ورفع الضيق والمشقة، مما يخالف الأدلة أو القواعد الشرعية. - ترتبط الحاجة ارتباطاً وثيقاً بعدد من المصطلحات الأصولية المتعلقة بأسباب التخفيف في الشريعة، حيث تكون سبباً لها، وهذه المصطلحات: المشقة، والحرج، وعموم البلوى. - تشترك الحاجة مع الضرورة في طائفة من الصفات والأحكام، ومن ذلك: - أن كلاً منهما يدل على معنى لغوي متقارب إن لم يكن واحداً، فكلاهما يطلق على ما يفتقر إليه بغض النظر عن درجة الافتقار. - أن كلاً منهما مفتقر إليه في الجملة، الأمر الذي جعل بعض أهل العلم يتوسع في إطلاق أحدهما على الآخر. - أن الحاجة والضرورة لهما أثر متقارب في تغيير الأحكام, أو تبديلها, أو تقديمها, أو تأخيرها, وما إلى ذلك، ولا أدَل على هذا التقارب من أن العلماء كثيراً ما يطلقون القول بأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة. - تفترق الحاجة عن الضرورة من جهات عديدة، وهي: - أن الحاجة هي: الافتقار إلى الشيء، لأجل التوسعة ورفع الضيق والمشقة، مما يخالف الأدلة أو القواعد الشرعية، أما الضرورة فهي: الحالة الملجئة لتناول الممنوع شرعاً. - أن الأحكام الثابتة بالضرورة أحكام مؤقتة معلقة بوجودها، أما الأحكام الثابتة بالحاجة فهي على قسمين: أ- الأحكام الثابتة بالحاجة العامة. وهذه أحكام مستمرة ودائمة. ب- الأحكام الثابتة بالحاجة الخاصة. وهذه الأحكام مؤقتة معلقة بوجود الحاجة. - أن الضرورة لابد من تحقيقها لكل فرد من أجل صحة العمل بما تقتضيه، أما الحاجة فهي على قسمين كذلك: أ- الحاجة العامة. وهذه لا يشترط تحققها في كل فرد من الأفراد. ب- الحاجة الخاصة. وهذه كالضرورة، فلابد من تحققها في كل فرد من الأفراد. - أن الحاجة أضعف من الضرورة في التأثير على المحرمات، ولذلك اختصت الحاجة بالتأثير على المحرمات الضعيفة وهي محرمات الوسائل، أما المحرمات القوية وهي محرمات المقاصد فإن التأثير فيها من خصائص الضرورة وحدها. - أن الضرورة مقدمة على الحاجة عند تعارضهما؛ لأنها أقوى منها. - أن الحاجة أعم من الضرورة وأوسع منها مدلولاً، ولذلك فإن كل ضرورة حاجة وليست كل حاجة ضرورة. - تنقسم الحاجة إلى أقسام متعددة من حيثيات مختلفة، لكل قسم منها أحكامه وآثاره، ومعرفة هذه الأقسام مفيد جداً في معرفة مراد أهل العلم بما أطلقوه من الحاجات، وتكون هذه الأقسام من حيثيات متعددة، كالآتي: - من حيث العموم والخصوص: حاجة عامة، وحاجة خاصة. - من حيث الإلحاح وعدمه: حاجة ملحة، وحاجة غير ملحة. - من حيث الوقوع وعدمه: حاجة واقعة، وحاجة متوقعة، وحاجة متوهمة. - من حيث تعلقها بفعل العبد وعدمه: حاجة واقعة بفعل العبد، وحاجة واقعة عليه من غير فعله. - من حيث تنزيلها منزلة الضرورة وعدمه: حاجة منزلة منزلة الضرورة وحاجة غير منزلة منزلة الضرورة.

- من حيث الثبوت والتجدد: حاجة ثابتة، وحاجة متجددة. - من حيث الأصلية والزيادة: حاجة أصلية وحاجة زائدة. - دلت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على اعتبار الحاجة ومشروعية العمل بها والحكم بمقتضاها، وعلى هذا انعقد إجماع الأمة على مر العصور. - هناك جملة من الأسباب التي أدت إلى تحقق الحاجة في مختلف المسائل والأحكام، وهذه الأسباب متنوعة، منها ما هو راجع إلى الأعذار الطارئة التي يتلبس بها بعض الناس وتقتضي التخفيف عنهم، ومنها ما هو عائد إلى تحقيق المصلحة المعتبرة في الخلق. - لا يجوز العمل بالحاجة على كل حال بل لابد من تحقق شروط العمل بها، وهذه الشروط منها ما هو شامل لأنواع الحاجة، ومنها ما هو خاص ببعض أنواعها، وهي: الشرط الأول: أن تكون الحاجة بالغة درجة الحرج والمشقة غير المعتادة. الشرط الثاني: أن تكون الحاجة متحققة يقيناً أو ظناً. الشرط الثالث: أن تكون الحاجة متعينة. الشرط الرابع: ألا يكون في الأخذ بالحاجة مخالفة لقصد الشرع. الشرط الخامس: ألا يعارض الحاجة ما هو أقوى منها. - لابد أن يكون العمل بالحاجة وفق الضوابط التالية: الضابط الأول: وجوب الرجوع إلى أهل العلم في الحكم بالحاجة والعمل بمقتضاها. الضابط الثاني: السعي لتقصير وقت الاستباحة المبنية على الحاجة. الضابط الثالث: أن يتقيد ما يباح للحاجة بوجودها. الضابط الرابع: أن يقدر ما يباح للحاجة بقدرها. الضابط الخامس: وجوب التقيد بالحدود التي تؤثر فيها الحاجة. يمكن إرجاع أثر الحاجة في الأحكام الشرعية عموماً إلى عدد من الآثار، وهي: الأثر الأول: الاستثناء من القواعد الشرعية ومخالفة القياس. الأثر الثاني: مشروعية الرخص. الأثر الثالث: إباحة المحظورات، وترك المأمورات. الأثر الرابع: اختلاف الأحكام باختلاف أحوال الناس؟ - الشواهد الدالة على اعتبار الحاجة والحكم بمقتضاها واضحة جلية في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكتب أهل العلم شاهد واضح على هذا الأمر، حيث اشتملت على ما لا يمكن حصره من هذه الشواهد، سواء أكانت في العبادات أو المعاملات أو المناكحات أو الجنايات. - تختلف الحاجة باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة، ولا يمكن تقديرها بمقدار ضابط لا يختلف باختلاف هذه الأمور، ولذلك ربطها أهل العلم بحالة الشخص المتوسط من الناس قوة وضعفاً في ظل الظروف العادية، ما لم يكن الشارع قد قدر الحاجة وربطها بأسبابها، فحينئذ يجب الالتزام بما قدره الشارع. - الزيادة على مقدار ما أبيح للحاجة يختلف باختلاف نوع الحاجة، فإن كانت الحاجة هي العامة فالزيادة على مقدارها جائز، وليس لزوال الحاجة فيه تأثير، وإن كانت الحاجة هي الحاجة الخاصة فلا يجوز الزيادة على مقدارها، وإذا زالت الحاجة انتهى أثرها، ورجع الحكم إلى ما كان عليه قبلها. - إذا اجتمعت الحاجات في حكم واحد وأمكن العمل بهن جميعاً، فهو الواجب، وإن تعذر ذلك قدم الأقوى منهن. - تتفاضل الأعمال والأوامر الشرعية بمقدار حاجة الناس إليها، فكل عمل اشتدت حاجة الناس إليه فهو أفضل من غيره من الأعمال، وأجر القائم به أكثر من أجر القائم بغيره. - يسر الشارع الحكيم في الواجبات التي يشق على الناس امتثالها والتزامها، وخفف عنهم فيها بجواز إسقاطها, أو تنقيصها, أو إبدالها بما هو أخف منها, أو بتقديمها على وقتها أو تأخيرها عنه. - إذا اشتدت الحاجة إلى شيء من المستحبات، فإنها تنقله من الاستحباب إلى الوجوب مراعاة لحاجة الناس وإن كان في الأصل غير واجب.

- إذا احتاج الإنسان إلى الإقدام على شيء من المحرمات فإنه يجوز له الإقدام عليه، ولا إثم عليه بسبب ذلك، بشرط أن يكون المحرم محرماً لغيره أو محرماً تحريم الوسائل، أما المحرمات تحريم المقاصد فالتأثير فيها من خصائص الضرورة. - المكروهات التي تدعو الحاجة إلى فعلها يزول عنها وصف الكراهة حال الحاجة إليها. - للحاجة أثر واضح في طائفة من الأحكام الوضعية، وهي كالتالي: - التخفيف في تحقق الأركان والشروط الشرعية. - التخفيف في الالتزام بالمواقيت الشرعية. - التخفيف في الالتزام بالمقادير الشرعية. - تشريع العقوبات التعزيرية أو درؤها بحسب ما تدعو الحاجة إليه. - عدم وجوب الضمان في طائفة من المسائل التي تقع الحاجة إليها. - مشروعية رخص الشارع وتخفيفاته. - الأصل في باب الاستدلال ألا يكون بالقطعي اليقيني، لكن لما كانت حاجة الناس داعية إلى التخفيف عليهم في هذا الأمر، أجاز الشارع الاستدلال بالظن على الأحكام، ولذلك عمل النبي صلى الله عليه وسلم به في كثير من الوقائع. - العمل بأخبار الآحاد جائز ومشروع لحاجة الناس إليه، سواء أكانت فيما تعم الحاجة إليه أم لم تكن كذلك. - الحاجة من أقوى الأدلة الدالة على حجية الإجماع السكوتي عند من يحتج به من العلماء. - لا يسوغ الاستدلال بالقياس على حكم المسائل الشرعية إلا عند الحاجة إليه، وذلك بألا يوجد للمسألة نص خاص ولا إجماع، إلا إذا كان القياس موافقاً لحكم النص أو الإجماع. - حقيقة الاستحسان غالباً ما تكون راجعة إلى العمل بالحاجة؛ لأن فيه تقديماً للأرفق من الدليلين المتعارضين. - الحاجة من أهم الأسباب الداعية إلى سد الذرائع وفتحها. - الحاجة سبب من أسباب نشوء أعراف الناس وعاداتهم، وهي داعية إلى اعتبارها، كما أنها سبب من أسباب تغيرها وتبدلها. - الحاجة داعية إلى وضع صيغ دالة على العموم والشمول رفعاً للحرج عن الناس بالتنصيص على كل الأفراد. - يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة على الراجح من أقوال أهل العلم، ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة شرعاً باتفاق العلماء. - إذا سكت النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواطن التي تدعو الحاجة فيها إلى البيان، فإن سكوته حينئذ يعد بياناً، ولذلك صورتان، وهما: - أن يسكت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن سمع قولاً من أحد أصحابه أو رأى فعلاً من أحد منهم، ولم ينكر ذلك القول أو الفعل، فإن سكوته حينئذ دال على جواز ذلك القول أو الفعل، وهو ما يسمى بالتقرير الذي يعده أهل العلم نوعاً من أنواع السنة المحتج بها. - أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم سؤالاً ويسكت عن إجابته، فإن سكوته حينئذ دال على أنه لا حكم للمسألة. - خفف أهل العلم في شروط الاجتهاد لضعف العلم وقلة العلماء، والتخفيف فيها على صور ثلاث، وهي: - التخفيف في تحقيق شروط الاجتهاد في نفسها، وذلك بالتمكن منها عند الحاجة إليها، وهو وقت الاجتهاد. - التخفيف في تحصيل شروط الاجتهاد في كل المسائل والأبواب، وذلك بالقول بجواز تجزؤ الاجتهاد. - التخفيف فيما كان الاجتهاد شرطاً له من المناصب والأعمال كالقضاء والإفتاء، وذلك بجواز تولي هذين المنصبين من لم يكن مجتهداً اجتهاداً مطلقاً. - يجب على المفتي أن يكون عارفاً بأحوال الناس بصيراً بحاجاتهم مطلعاً على ظروفهم المختلفة؛ وذلك من أجل أن يراعيها في فتاويه وأحكامه؛ لتكون مناسبة لأحوالهم ملائمة لظروفهم. - الحاجة سبب من أسباب تغير الأحكام المبنية على المصلحة، ولذلك فإن الفتوى المتعلقة بتلك الأحكام تتغير بتغير حاجات الناس وتنوع ظروفهم وتبدل أحوالهم.

- يجب على المفتي إجابة السائلين وبيان أحكام الشريعة للمستفتين إذا كانت الحاجة داعية إلى ذلك، بأن تكون المسألة واقعة، أما إن لم تكن واقعة لكنها متوقعة قريبة الحصول أو كان قصد السائل التعلم والتفقه والاعتبار استحب للمفتي الجواب. - الحاجة داعية إلى الترجيح بين الأدلة والقواعد المتعارضة؛ ليتمكن المكلفون من العمل، كما أنها طريق من طرق الترجيح بين الأدلة والقواعد المتعارضة عند بعض أهل العلم، وذلك بتقديم الأيسر والأرفق من الدليلين المتعارضين. - المقاصد الحاجية قسم مهم من أقسام مقاصد الشريعة بحسب قوتها في ذاتها، وتحتل مرتبة متوسطة بين الضروريات والتحسينات، والمقاصد الحاجية والحاجة والحاجي ألفاظ متقاربة في الدلالة والمعنى، وإن اختلفت فإنما تختلف باختلاف جهة النظر، فمن نظر إلى الافتقار نفسه عبر بالحاجة، ومن نظر إلى الأمر المفتقر إليه عبر بالحاجي، ومن نظر إلى المحافظة على الأمور المفتقر إليها عبر بالمقاصد الحاجية. - الحاجة لها أثر واضح في تقرير طائفة من القواعد الفقهية واعتبارها، وهي: - قاعدة العادة محكمة. - قاعدة الإشارات المعهودة للأخرس كالبيان باللسان. - قاعدة الكتاب كالخطاب. - قاعدة السكوت عند الحاجة إلى البيان بيان. - قواعد الانتقال إلى البدل. - الحاجة داعية إلى الاستدلال بالقواعد الفقهية على المسائل التي ليس لحكمها نص خاص من الكتاب أو السنة أو من الإجماع، وهذه الثمرة من أهم ثمرات تقعيد القواعد وتأصيل الأصول. - الحاجة الماسة من جملة الأسباب الداعية إلى استثناء بعض المسائل من قواعدها وأصولها، وغالباً ما تكون هذه الحاجة هي الحاجة العامة، والشواهد الدالة على كون الحاجة سبباً في استثناء المسائل من قواعدها وأصولها كثيرة مشهورة عند العلماء. - دلت عدد من القواعد الفقهية على طبيعة العلاقة القائمة بين الحاجة والضرورة، وأهم هذه القواعد على الإطلاق القاعدة المشهورة: الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة، والكلام على هذه القاعدة عظيم الشأن خطير العاقبة، وأول من أطلقها من أهل العلم – حسب ما اطلعت عليه – أبو المعالي الجويني، ثم تناقلها أهل العلم من مختلف المذاهب، وهذه القاعدة ليست على ظاهرها، ولذلك فإن التنزيل فيها لا يجوز أخذه على الإطلاق والعموم؛ لأنه لو كان كذلك لما كان هناك فرق بين الحاجة والضرورة، وغاية ما تفيده القاعدة أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحظور الذي هو من خصائص الضرورة أصلاً، وذلك في بعض الحالات التي تشتد فيها الحاجة, وتقترب حقيقتها من الضرورة، ولذلك فإنه لابد من التعبير عن القاعدة بما يدفع هذا الإشكال، كأن يقال: الحاجة يجوز أن تنزل منزلة الضرورة، أو: الحاجة قد تنزل منزلة الضرورة، أو: الحاجة يمكن أن تنزل منزلة الضرورة. - تعتبر الحاجة ضابطاً للقدر المستباح لأجل الضرورة، كما تدل عليه قاعدة: الضرورة تبيح التناول من مال الغير بقدر الحاجة. - دلت عدد من القواعد الفقهية على حقيقة الحاجة وثبوتها ومقدارها والفرق بين بعض أنواعها: وهي القواعد التالية: - الحوائج الأصلية للإنسان لا تعد مالاً فاضلاً. - كل ما أبيح للحاجة العامة لم يعتبر فيه حقيقة الحاجة. - الحاجة العامة إذا وجدت أَثْبَتت الحكم في حق من ليس له حاجة. - ما أبيح للحاجة لم يبح مع عدمها. - ما كان مباحاً للحاجة قدر بقدرها. - دلت عدد من القواعد الفقهية على أثر الحاجة في تغيير الأحكام أو تبديلها، وهي القواعد التالية: - الفعل المنهي عنه سدا للذريعة يباح للحاجة. - لو عم الحرام الأرض اكتفي بالحاجة في إباحته دون الضرورة.

- ما تدعو الحاجة إلى التصرف فيه من مال الغير أو حقه، ويتعذر استئذانه؛ إما للجهل بعينه أو لغيبته ومشقة انتظاره؛ فهذا التصرف مباح جائز موقوف على الإجازة، وهو في الأموال غير مختلف فيه. - العقد على المنفعة في موضع الحاجة من غير تقدير مدة جائز. - ما يحتاج إلى بيعه يجوز بيعه وإن كان معدوماً. - كل شيء يكون فيه دفع حاجة الناس الماسة فهو جائز. - البيع يصح في المجهول عند الحاجة. - كل ما اشتدت الحاجة إليه كانت التوسعة فيه أكثر. - ما احتيج إلى بيعه فإنه يوسع فيه ما لا يوسع في غيره. - قد توجب الشريعة التبرع عند الحاجة. - الحاجة توجب الانتقال إلى البدل عند تعذر الأصل. - ما تدعو الحاجة إلى الانتفاع به من الأموال والأعيان ولا ضرر في بذله؛ لِتَيسره وكثرة وجوده، أو المنافع المحتاج إليها؛ يجب بذله مجاناً بغير عوض في الأظهر. - الواجب بالشرع قد يرخص فيه عند الحاجة. - الواجبات تسقط للحاجة. - ثبوت الولاية على المعاوضة شرعاً للحاجة. - ما احتاج إلى بيعه وشرائه عموم الناس، فإنه يجب أن يباع بثمن المثل، إذا كانت الحاجة إلى بيعه وشرائه عامة. - كل ما كره استعماله مع الجواز فإنه بالحاجة لا يبقى مكروهاً. - السكوت عند الحاجة إلى البيان بيان. - أثرت الحاجة في طائفة من المسائل النازلة في مختلف كتب الفقه وأبوابه، وذلك بعد التأكد من ملائمة هذه المسائل لقواعد الحاجة وأصولها، وموافقتها لشروطها وضوابطها، وهذه المسائل كثيرة، ومنها المسائل الآتية: - استعمال قطرة الأنف والعين للصائم. - الطواف والسعي على سطح الحرم. - رمي الجمار في غير وقته المعتبر. - مبيت أيام التشريق في خارج منى. - التوسع في حقيقة القبض وحكمه. - شراء بيوت للسكنى في ديار الكفار. - تنازل المرأة عن حقها في النفقة أو المبيت أو فيهما. - التلقيح غير الطبيعي. - إجهاض الحمل المشوه. - إثبات النسب بالبصمة الوراثية. - الاعتماد على البصمة الوراثية في إثبات الجرائم. - استعمال الأجهزة الحديثة في إثبات الجنايات. - السجن مدى الحياة. - التبرع بالأعضاء وزراعتها. - إجراء عمليات التجميل. - تصوير ذوات الأرواح. - لم تقوى الحاجة على التأثير على بعض المسائل النازلة التي قد تدعو الحاجة إليها في هذه الأزمان؛ وذلك لمعارضتها لقواعد الحاجة وأصولها، ومخالفتها لشروطها وضوابطها، وهذه المسائل كثيرة، درست منها مسألتين، وهما: - الاستثمار والمتاجرة في أسهم الشركات المختلطة بمحرم. - عقد الإجارة المنتهية بالتمليك. ثانياً: التوصيات: - دراسة المسائل الفقهية التي أثرت الحاجة في حكمها، لاسيما ما نص على حكمه في الكتاب والسنة, أو انعقد عليه إجماع الأمة، وهذا الأمر من أهم المهمات لمن أراد الحديث عن الحاجة؛ لأن تلك المسائل قد انطوت مباحثها على طائفة مهمة من أحكام الحاجة وصفاتها، مما يسهم إسهاماً كبيراً في إيضاح حقيقة الحاجة ورسم حدودها وإبراز معالمها. - حصر الأصول والقواعد والضوابط الفقهية المتعلقة بالحاجة، وجمعها في مكان واحد، ودراستها دراسة علمية تأصيلية تطبيقية، ولا يغني عن هذا الأمر ما تمت كتابته في هذا البحث؛ لأنه وإن جمع طائفة من تلك القواعد والضوابط إلا أنه لم يكن من مقاصده حصر جميعها ولا استقصاء القول في تفصيلاتها. - الاهتمام بالمقاصد الحاجية ودراستها دراسة مستفيضة، أسوة بما تحقق لقسيمتها المقاصد الضرورية, التي أكثر أهل العلم من الكلام عنها قديماً وحديثاً. - أوصي جميع الباحثين في العلوم الشرعية – خصوصاً المشتغلين بتحقيق كتب أهل العلم – أن يقوموا مشكورين بوضع فهارس دقيقة للقواعد والضوابط الفقهية المتعلقة بالحاجة؛ من أجل أن يسهل الوصول إليها والإطلاع عليها، ومن ثم يمكن الاستفادة منها في معرفة مذاهب أهل العلم حول الحاجة تأصيلاً وتطبيقاً. - كما أوصي من تصدى لإفتاء الناس, والتوقيع عن رب العالمين بجملة من الأمور المتعلقة بالحاجة، وهي: - أن يكون بصيراً بحاجات الناس مطلعاً عليها مهتماً بها عالماً بأثرها؛ ليراعيها في أحكامه وفتاويه، ومن أجل أن يعطي كل مستفت ما يناسبه من الأحكام. - التنبيه على اختصاص الفتاوى المبنية على الحاجة بأصحابها الذين وقعت لهم الحاجة أو من شابههم في ذلك، وعدم مشاركة غيرهم لهم في ذلك، لاسيما في الفتاوى العامة المبثوثة في وسائل الإعلام المختلفة التي يستمع إليها غالب الناس في سائر الأقطار. - التأكيد على ربط العمل بالحاجة بالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية، وعدم مخالفتها لها حقيقة ولا ضمناً.

الرخص الشرعية وإثباتها بالقياس

الرخص الشرعية وإثباتها بالقياس ¤عبدالكريم بن علي النملة£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1410هـ€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية الخاتمة بعد نهاية الكتابة في هذا الموضوع أحببت أن أختمه بتذكير القارئ بأهم ما تضمنه هذا البحث للوقوف عليه وقفة إجمالية فأقول: أولاً: بعد ما ذكرت عدة تعريفات للرخصة، وشرحت كل تعريف وتبين في آخر الأمر أنها وإن اختلفت في اللفظ إلا أنها متقاربة في المعنى، وأن أقرب وأنسب تعريف للرخصة هو ما ذكره البيضاوي من أنها (الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر). ثانيا: أشرت إلى تعريف العزيمة بسبب أن الرخصة تقابلها في أكثر المباحث فقلت: إنها (الحكم الثابت بدليل شرعي خال عن معارض) وذكرت أن العلماء اختلفوا في شمولها للأحكام الشرعية. ثالثا: بينت أن العذر من مشقة وحاجة وضرورة – المشروط في الرخصة – أمر إضافي ليس له ضابط معين بحيث يكون المكلف فقيه نفسه في الأخذ بالرخصة فالمشاق تختلف بحسب الأفراد وبحسب الأزمان والأعمال، وليس كل الناس في تحمل المشاق على حد سواء. رابعا: رجحت أن الرخصة من أقسام الأحكام الوضعية؛ لقوة التصاقها بها. خامسا: فصلت القول في تقسيمات الرخصة؛ وقلت: إن لها تقسيمات أربعة: فهي تنقسم باعتبار أنواع الأحكام الشرعية إلى: واجبة كأكل الميتة للمضطر، وشرب الخمر لمن غص بلقمة ولم يجد ما يسيغها به سوى هذا الخمر، والتيمم للمريض الذي يزيد مرضه إذا استعمل الماء، أو به جراحة كذلك، ولمن زيد في ثمن الماء له، والفطر في رمضان لمن خشي على نفسه الهلاك من الصيام وإن كان غير مسافر ولا مريض. وإلى مندوبة كقصر الصلاة في السفر، والإبراد بالظهر في شدة الحر. وإلى مباحة كالعريا، والسلم، والإجارة والقراض والمساقاة، والتلفظ بكلمة الكفر لمن أكره على ذلك وقلبه مطمئن بالإيمان، وذكرت أن المكره على التلفظ بكلمة الكفر لو امتنع عن ذلك فقد أخذ بالعزيمة وهو أفضل؛ لأنه بذل نفسه في دين الله تعالى، ومن أمثلة الرخصة المباحة – أيضا – الجمع بين الصلاتين في السفر، وتعجيل الزكاة، والنظر إلى المخطوبة، ورؤية الطبيب لعورة الرجل والمرأة عند الحاجة وغير ذلك من الأمثلة. وإلى رخصة خلاف أولى كالإفطار في رمضان للمسافر الذي لا يشق عليه الصيام ولا يتضرر به، والمسح على الخفين. وإلى رخصة مكروهة كالسفر للترخيص، وغسل الخف بدلا من مسحه. ووضحت بالأدلة أن الرخصة لا تكون محرمة. ثم ختمت تلك الأقسام للرخصة عند الجمهور ببيان أنه لا خلاف بين قول الشاطبي من أن حكم الرخصة الإباحة مطلقا وبين وصف الجمهور للرخصة بالوجوب والندب والإباحة والكراهة وخلاف الأولى؛ لأن معنى الرخصة العام هو اليسر والسهولة ورفع الحرج عن المكلفين أما وصف الرخصة بالوجوب والندب وغيرهما: فهو قدر زائد على مسمى الرخصة أثبتته الأدلة الخارجية. والرخصة تنقسم باعتبار الحقيقة والمجاز إلى قسمين رخصة حقيقية ورخصة مجازية وهذا عند الحنفية. والرخصة تنقسم باعتبار الكمال والنقصان إلى كاملة كالتيمم، وإلى ناقصة كالإفطار في رمضان. والرخصة تنقسم باعتبار المسبب لها إلى اختياري كالسفر، وإلى اضطراري كالغصة بلقمة. وبينت أن الأدلة على كل مثال في كل قسم من الأقسام تعتبر أدلة لمشروعية الرخصة بصورة عامة. سادسا: تكلمت عن موضوع يعتبر من أهم موضوعات الرخصة ألا وهو: (إثبات الرخص بالقياس) وقبل الخوض في هذا الموضوع ذكرت تمهيدا للدخول فيه بحثت فيه تعريف القياس لغة واصطلاحا وحجيته – باختصار -. ثم بعد ذلك فصلت القول في هذه المسألة مبينا خلاف العلماء فيها، وخلصت إلى أن القول الحق في هذه المسألة هو أن الرخص تثبت قياسا؛ لقوة الأدلة على ذلك، فنتيجة لذلك نقول بجواز بيع العنب بالزبيب قياسا على العرايا، وأن الصلاة تجمع من أجل الثلج قياسا على المطر وغير ذلك من الأمثلة. سابعا: وضعت بعض التنبيهات المهمة في آخر كل بحث أو مطلب إذا لزم الأمر. وأخيرا أدعو الله عز وجل أن يجعل هذا العمل في موازين أعمالي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، وأن يدخل والدينا ومشائخنا وجميع أصحاب الحقوق علينا بواسع رحمته إنه سميع مجيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الرخص الشرعية – أحكامها وضوابطها

الرخص الشرعية – أحكامها وضوابطها ¤أسامة محمد الصلابي£بدون¥دار الإيمان – مصر¨بدون¢بدون€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية الخاتمة: وبعد أن منَّ الله سبحانه وتعالى علي بإتمام هذا البحث رأيت أن أختمه بأهم النتائج التي توصلت إليها من هذا البحث وهي كما يلي: 1 - أن الفقه الإسلامي يمتاز بالمرونة والشمولية وتغطية جميع مجالات الحياة. 2 - الشريعة الإسلامية مبنية على رفع المشقة عن الناس وإزالة الحرج عنهم، فالشريعة جاءت لتحقيق مصالحهم, ومن مصالحهم رفع الحرج عنهم. 3 - أن المشقة تجلب التيسير أصل من أصول الشريعة الإسلامية ونصوص القرآن والسنة وأعمال الصحابة رضي الله عنهم دالة على ذلك في أكثر من موضع. 4 - أثبت أن لرخص الشريعة ضوابط يجب أن تخضع لها وهي ضوابط كفيلة للفصل بين المشقة الوهمية والمشقة الحقيقية, وعلى من يفتي الناس أن يحيط بهذه الضوابط حتى لا ينزلق في فتواه فيفتي بالترخص في غير محله الصحيح. 5 - ضوابط الرخص هي المعيار الأصلي الذي ينبغي الاستناد إليه فيما يباح بالرخص وما لا يباح. 6 - فهم مقاصد الشريعة وفقه تفصيلاته أمر هام للغاية وينبغي مراجعتها ودقة النظر فيه. 7 - إباحة الرخصة لا يسقط حق الآخرين من الضمان. وسيجد القارئ نتائج أخرى أثناء البحث.

الرخص الفقهية من القرآن والسنة النبوية

الرخص الفقهية من القرآن والسنة النبوية ¤محمد الشريف الرحموني£بدون¥مؤسسات عبدالكريم بن عبدالله - تونس¨الثانية¢1992م€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية الخاتمة آن لنا – في خاتمة هذه الرسالة – أن ننبه جميع المكلفين: من مستفتين ومفتين إلى بعض المسائل الهامة التي خرجت بها بعد مسيرة طويلة قضيتها مع رخص الشرع وتخفيفاته، مقارنة بعزائمه وحتمياته. أريد أن أقول لهم جميعا: أولا: إن الرخص الفقهية – على تضافر أدلتها، وعلى ما صح من حث المشرع عليها، وترغيبه في الأخذ بها، وعلى ما بذل في تقعيد قواعدها، وضبط جزئياتها وعلى ما تم ذكره من قيام أسبابها، وتوفر شروطها، وانتفاء موانعها. وحد حدودها، وتعيين مجالاتها – أنها رغم كل الاحتياطات والتحريات التي تتخذ قبل تطبيقها تبقى – مع ذلك – إضافية أي أن كل أحد من المكلفين فقيه نفسه في الأخذ بها أو في عدمه. ولزيادة توضيح هذه المسألة يمكن التذكير بأن المشقة – مثلا – التي تعتبر سببا هاما من أسباب الرخص تختلف قوة وضعفا، وتزداد شدة وخفة بحسب أحوال المسافرين، وأزمنة السفر، ومدته، ووسائله، وبحسب طبيعة الأعمال، ودرجة التصميم في العزائم، وما إلى هذا مما يتعذر ضبطه واطراده في جميع الناس، الأمر الذي جعل المشرع الحكيم يعدل عن إناطة الحكم بذات المشقة وبسنده إلى أمر آخر مما يدل غالبا عليها كما هو الحال في السفر، فقد أنيط به الحكم لأنه أقرب مظان حصولها. وقد ترك أمر المكلفين – مع ذلك – في أكثر الحالات موكولا إلى الاجتهاد الشخصي والفقه النفسي: فرب مريض يقوى في مرضه على ما لا يقوى عليه الآخر فتكون الرخصة مشروعة لأحد المريضين دون صاحبه، ورب مضطر قد اعتاد الصبر على الجوع والخصاصة فلا تختل مداركه بفقد الطعام بل تلحقه المشقة فقط، في حين تختل بفقده حال غيره فهذا يجب عليه الترخص والأول يكون مخيرا فيه إذا خلا عن المرجح. ورُبّ عامل حمله التحمس للعمل حتى خف عليه ما ثقل على غيره من الناس. وحسبك من ذلك ما يروى من أخبار أهل العبادات الذين صابروا الشدائد وتحملوا أعباء المشقات من تلقاء أنفسهم فخفت عليهم أنواع ثقلت على من كانوا دونهم، بل كانت – بالنسبة لهؤلاء – عذابا شديدا وألما أليما حسب تعبير الإمام الشاطبي. ولا غرابة في ذلك فإن القلوب إذا امتلأت بالإيمان نشطت للعبادة أعضاء الأبدان وجوارحها. أضف إلى ذلك أن بعض الناس يقطعون المسافات العظيمة يوميا: كالموزعين والموردين وأصحاب البريد قديما، فلا يترخصون – وليس لهم أن يترخصوا – وبعضهم يسافرون مرة في حياتهم أو مرتين مسافة دونهم فيترخصون – ويكون لهم ذلك – لأن طبيعة عمل أولئك أخرجتهم عن حد السفر إلى حد العادة بالنسبة إليهم بخلاف غيرهم. ثانيا: إن تتبع رخص المذاهب والجري وراءها والتحيل لدخول منطقتها دون سبب وجيه يعتبر هروبا من التكاليف وتخلصا من المسؤولية وهدما لعزائم الأوامر والنواهي وجحودا لحق الله تعالى في العبادة وهضما لحقوق عباده، وهو يتنافى مع مقصد الشارع من شرع التخفيف عموما والرخص بصفة خاصة، ولا يكون ذلك إلا من جبان هان عليه دينه فضعفت عزيمته. وقد عبر العلماء عن هذا العمل بأنه فسق لا يحل. وحكى ابن حزم الإجماع على اعتباره كذلك وقال – نقلا عن غيره -: لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.

ونقلوا عن الإمام أحمد أنه قال: لو أن رجلا عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في السماع وأهل مكة في المتعة كان فاسقا. كما نقلوا عن إسماعيل القاضي أنه قال: دخلت على المعتضد فرفع إلي كتابا لأنظر فيه وقد جمع فيه صاحبه الرخص من زلل العلماء وما احتج له كل منهم، فقلت: مصنف هذا زنديق، فقال: ألم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر، وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب. مع ملاحظة أن هذه النقول لا تعني منع العامي الذي التزم بتقليد مذهب معين أن يأخذ بمذهب غيره في مسألة ما، خاصة إذا توفرت شروط مبسوطة في كتب الأصول. ثالثا: إن الرخص أحكام الله تعالى شرعها لعباده في حالات خاصة وهي من الدقة والخفاء ما قد علمنا، ولذلك تعين على المجتهدين أن يتحروا في الفتوى بها غاية التحري، وأن لا يراعوا من أحوال المستفتين سوى ما يساعدهم على الاهتداء إلى حكم المولى تبارك وتعالى، الذي يتلاءم مع أعذارهم ويتماشى مع أحوالهم، ولا حرج عليهم إذا اختلفت فتواهم في النازلة الواحدة باختلاف الأشخاص، فإنما شأنهم في هذا الأمر شأن الطبيب الحاذق مع مرضاه: يتعرف بدقة على أحوالهم ظاهرا وباطنا ويوظف ذلك في وصف العلاج لهم، وكثيرا ما تختلف وصفاته للمرض الواحد باختلافهم. لكن الحرج الذي لا يحتمل والمكروه الذي لا يبيحه الشرع هو أن يفتي هذا المفتي أو ذاك بما يشتهي أو يفتي زيدا بما لا يفتي به عمرا لصداقة بينهما، أو قرابة تشدهما أو وجاهة تستقطب أحدهما دون الآخر، ناسيا أو متناسيا أن المفتي مخبر عن الله تعالى في حكمه، وأنه لا يجوز لأحد أن يفتي في دين الله إلا بالحق الذي يعتقد أنه حق رضي بذلك من رضيه وسخطه من سخطه. يقول الشاطبي – في هذا المعنى – وقد صار كثير من مقلدة الفقهاء يفتي قريبه أو صديقه بما لا يفتي به غيره من الأقوال اتباعا لغرضه وشهوته أو لغرض ذلك القريب أو ذلك الصديق. وقال القرافي: لا ينبغي إذا كان في المسألة قولان أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تخفيف أن يفتي العامة بالتشديد والخواص من ولاة الأمور بالتخفيف فذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين وهو دليل على فراغ القلب من تعظيم الله تعالى وإجلاله وتقواه وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب للخلق دون الخالق فنعوذ بالله من صفات الغافلين. الذين أخرجوا الأمر – بتصرفهم الأخرق – عن كونه قانونا شرعيا وجعلوه متجرا ومكسبا حتى كتب بعض المؤلفين من المتطفلين على الفقه ما نصه: (نحن مع الدراهم كثرة وقلة.) ثم يعود الشاطبي إلى القول: بأن هذا الأمر وجد في الأزمنة الماضية فضلا عن زماننا ويدعم رأيه بنماذج من الأقوال والأفعال التي حوتها خزائن الكتب في مختلف الأغراض: فهذا البهلول بن راشد يقول – لعبد الرحيم بن أشرس حين جاء يطلب الرخصة في نازلة نزلت به -: يا ابن أشرس ما أنصفتم الناس إذا أتوكم في نوازلهم قلتم: قال مالك، قال مالك فإذا نزلت بكم النوازل طلبتم لها الرخص. وذاك الإمام الباجي يتحدث عن بعض الفقهاء ممن عاصروه فيفيدنا بأن أحد المقربين إليهم اكترى جزءا من أرض على الشياع ثم أن رجلا آخر اكترى باقي الأرض فأراد المكتري الأول أن يأخذ بالشفعة ولكنه غاب عن البلد قبل أن يطالب بحقه فيها، فأُفتي المكتري الثاني بإحدى الروايتين عن مالك أن لا شفعة في الإجارات فلما عاد الأول من سفره سأل أولئك الفقهاء عن مسألته فقالوا: ما علمنا أنها لك، وإلا أخذنا لك برواية أشهب عن مالك بالشفعة فيها، وفعلا تم له الحكم على هذا الأساس. أما القاضي عياض فإنه ينقل إلينا بأمانة ما قاله محمد بن يحيى لزملائه من القضاة والمفتين لما امتنعوا من إفتاء أمير المؤمنين الناصر لدين الله في مسألة الوقف بغير مذهب مالك، وذكر أنه قال لهم – مبالغة في إحراجهم وتقربا من الخليفة -: ناشدتكم الله العظيم ألم تنزل بأحدكم مسألة بلغت بكم أن أخذتم فيها بقول غير مالك في خاصة أنفسكم، وأرخصتم لأنفسكم في ذلك؟ قالوا: بلى. قال: فأمير المؤمنين أولى بذلك فخذوا به مآخذكم، وتعلقوا بقول من يوافقه من العلماء فكلهم قدوة. ولعل القارئ الكريم يشاطرني الرأي بأن هذه الفتاوى المنتقدة لو جانبت الهوى وتعرت عن الأطماع والمحاباة لكانت مقبولة شرعا بل ربما عدت محققة لمقاصد الشارع في التخفيف والرحمة وإخراج المكلفين من الضيق. أما حين نقرأ رأي قاضي القضاة أبي عمر: محمد بن يوسف المتوفى سنة 320هـ في التداوي من الخمار فلا يسعك إلا أن تقول مع من قال – إن صح الخبر – إنه مجون مرذول لا يصدر إلا عن الفساق والمستهترين. ولله الأمر من قبل ومن بعد {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} صدق الله العظيم.

السبب عند الأصوليين

السبب عند الأصوليين ¤عبدالعزيز عبدالرحمن الربيعة£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض¨بدون¢1399هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة الخاتمة بعد هذه الجولة التي أمضيناها مع "السبب عند الأصوليين" في فصوله ومباحثه، نقف حيث انتهت بنا مباحثه، ونرسم خلاصة هذه الجولة وأهم النتائج التي انتهت إليها، ثم نتقدم ببعض المقترحات التي هدى إليها البحث. فنقول: 1 - استهلت هذه الجولة الموضوع بتمهيد في معنى الحكم وأقسامه وتعريف كل قسم، إذ السبب وثيق الصلة بهذا، حيث إنه أحد أقسام الحكم الوضعي، فذهب التمهيد يعرف الحكم ويقسمه إلى عقلي وعادي وشرعي، ويقسم العقلي والعادي إلى أقسامهما الفرعية. وحيث كان الحكم الشرعي هو الذي يحتاج إليه الباحث في علم الفقه وأصوله، فقد ذهب التمهيد يبين تعريفه عند كل من الأصوليين والفقهاء ويشرح التعريفين ويبين وجهة كل واحد من الفريقين في تعريفه، كما ذهب يبين الخلاف في تقسيمه إلى تكليفي ووضعي أو أنه لا أقسام له وأنه واحد لا يتعدد، بحيث إنه يشمل معنى الاقتضاء والتخيير، والحكم الوضعي راجع إلى ما يسمى بالحكم التكليفي، فلا تقسيم إذن للحكم الشرعي. وقد سلك للدخول على ذلك بيان معنى كل من الحكم التكليفي والوضعي، حتى يكون الإنسان على بينة من حقيقتيهما عند عرض أدلة المختلفين في تقسيمه أو عدم تقسيمه. وقد كانت النتيجة التي انتهى إليها البحث، أن الراجح تقسيم الحكم الشرعي، وأن الخلاف في التقسيم وعدمه، لا تظهر له ثمرة عملية. كما بين التمهيد أقسام الحكم التكليفي باعتبار الطلب ونوعه عند كل من الجمهور والحنفية، وفصل القول في آراء العلماء في وجه إدخال الندب والكراهة والإباحة تحت أقسام الحكم التكليفي. ثم مضى التمهيد يبين ما حصل من الخلاف الكثير في أنواع الحكم الوضعي وعدتها، واقتصر على التعريف بالأنواع المشهورة، وهي السبب، والعلة، والشرط، والمانع، والعزيمة والرخصة، والصحة والبطلان والفساد، مبينا وجهة نظره في الاقتصار عليها. وفي بحث العزيمة والرخصة تطرق التمهيد إلى الخلاف في أي النوعين يدخلان: أفي الحكم التكليفي أم في الوضعي، وقد انتهى إلى إدخالهما في الوضعي. كما أنه في بحث الصحة والبطلان والفساد تطرق إلى الخلاف في أي الأنواع تدخل، أفي الأحكام الشرعية التكليفية، أم في الوضعية، أم أنها أمور عقلية لا علاقة لها بأحكام الشرع. وقد كانت النتيجة التي انتهى إليها في هذا، ترجيح القول بأنها أحكام وضعية. كما أنه في هذا البحث بين منشأ الخلاف بين الحنفية والجمهور في التفرقة بين الفاسد والباطل في المعاملات وعدم التفرقة بينهما. وعلى ضوء ما تقدم من حقيقة الحكم التكليفي والوضعي وأمثلتهما والأحكام التي تجري عليهما، استطاع التمهيد أن يبرز الفروق بين الحكم التكليفي والوضعي ويحصرها في الأمور الآتية: الأول: أن حقيقة الحكم التكليفي الطلب أو التخيير، أما الوضعي فحقيقته مخالفة لذلك كل المخالفة، فهو لا يحمل شيئا من الطلب أو التخيير، بل غاية ما يحمله جعل الشارع شيئا لشيء آخر وربطه به. الثاني: أن الحكم التكليفي مقصود بذاته حين يكون طلبا، وقد يقصد به ذات الفعل، لكن لا على التعيين للفعل أو الترك، بل على التخيير بينهما، لكن قصد ذات الشيء موجود، وإن لم يوجد التعيين لنوع المقصود من فعل أو ترك. أما الحكم الوضعي فليس مقصودا بذاته. الثالث: أن الحكم التكليفي – كما يراه بعضهم – هو الأحكام الخمسة: الإيجاب، والتحريم، والندب، والكراهة، والإباحة. أما الوضعي، فينحصر في الأسباب، والشروط، والموانع، والصحة، والبطلان، والعزائم، والرخص.

الرابع: أن الحكم التكليفي يشترط فيه علم المكلف به، وقدرته على الفعل المكلف به، وكونه من كسبه. أما الحكم الوضعي فلا يشترط فيه علم المكلف، ولا قدرته على الفعل المكلف به، ولا كونه من كسبه، إلا قاعدتان اشترط فيهما ما اشترط في الحكم التكليفي، وهما: الأسباب التي هي جنايات وأسباب للعقوبات، وأسباب انتقال الأملاك. الخامس: أن الخطاب في الحكم التكليفي، يتعلق دائما بفعل المكلف اقتضاء أو تخييرا، أما في الحكم الوضعي، فإن الخطاب قد يكون متعلقا بفعل المكلف، وقد يكون متعلقا بفعل غير المكلف، وقد لا يكون متعلقا بفعل الإنسان مطلقا. السادس: أن الأحكام التكليفية كلها من تكليف الشارع وحده. أما الأحكام الوضعية، فقد تكون من الشارع وضعا وإنشاء، وقد تكون من المكلف إنشاء لا وضعا. ومن أجل ما بين العلة والسبب من أمور كثيرة يتفقان فيها، فقد ذهب التمهيد يوطئ لموضوع البحث ببيان مذاهب العلماء في معنى العلة. 2 - وقد سجل الفصل الأول البحث في حقيقة السبب، وفي بحثه له قسمه إلى مبحثين. المبحث الأول: معنى السبب، وفيه تطرق إلى ما قيل في معناه من حيث اللغة، ثم انتقل إلى ذكر معناه الاصطلاحي مبينا الخلاف في ذلك ومنشأه، ومقارنا بين كل معنى قيل فيه وبين المعاني التي قيلت في العلة لبيان أوجه التباين أو التشابه بينهما، ولهذا الغرض نفسه أجرى مقارنة بين المعنى الواحد للسبب الذي قال فيه أحد العلماء أو جملة منهم، أجرى مقارنة بينه وبين المعنى الذي قاله به في العلة. وفي نهاية بحث هذا المبحث أعلن عن أن التعريف الذي ستدور عليه دراستنا للسبب، هو الوصف الظاهر المنضبط الذي دل الدليل السمعي على كونه معرفا لحكم شرعي. وهو تعريف يشمل ما كانت المناسبة بينه وبين الحكم ظاهرة تدركها عقولنا، أو غير ظاهرة لا تدركها عقولنا. كما أعلن عن أن دراستنا للسبب، ستتناول السبب بالمعنى الذي ذكره العلماء في تخصيص العام بالسبب الخاص، وهو الداعي إلى الخطاب على طريق الورود، لا على طريق الوجوب والتأثير. أما المبحث الثاني:، فهو أسباب الأحكام، وفيه ذكر خلاف العلماء، في أن للأحكام أسباباً أو لا، وحصر الخلاف في ثلاثة مذاهب: المذهب الأول: إثبات الأسباب للأحكام كلها. المذهب الثاني: إنكار الأسباب للأحكام كلها. المذهب الثالث: إثبات الأسباب للأحكام سوى العبادات. وقد كانت النتيجة التي انتهى إليها ترجيح مذهب من قال بإثبات الأسباب للأحكام كلها. وفي هذا المذهب تطرق إلى الخلاف بين المعتزلة والغزالي في أن السبب مؤثر في الحكم بذاته، أو أنه مؤثر فيه لا بذاته، وأعطى القول الذي رآه حقا في هذا. ثم تطرق إلى ثلاثة أبحاث مبهمة، هي بيان أن نصب السبب سببا، حكم شرعي، وفائدة نصب الأسباب أسبابا للأحكام، والطرق التي بها يعرف السبب. ثم عقد بحثا فصل فيه الأحكام مع بيان سبب كل حكم على طريقة المتأخرين من الأصوليين الحنفية، وذكر الخلاف في سبب الحكم حيث وجد مع الأدلة وترجيح المختار. وأعقب هذا بطريقة المتقدمين من الأصوليين الحنفية في أسباب الأحكام في العبادات، ثم ختم ذلك بالموازنة بين الطريقتين، لبيان ما اتفقنا فيه وما اختلفنا فيه، ولبيان قرب إحداهما من الأخرى.

3 - أما الفصل الثاني: فقد سجل البحث في تقسيم السبب باعتبارات مختلفة، وقد بلغت عدة مباحث هذا الفصل تسعة عشر مبحثا، كل واحد منها يمثل تقسيما مستقلا للسبب، وفي طليعتها تقسيم السبب باعتبار ما يطلق عليه اسم السبب، وهو ما سجله المبحث الأول من هذا الفصل، وفي بحثه له ذكر الخلاف في أن السبب ينقسم من هذه الناحية إلى أربعة أقسام: سبب حقيقي، وسبب في معنى العلة، وسبب مجازي، وسبب له شبهة العلة، أو أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: سبب حقيقي، وسبب في معنى العلة، وسبب مجازي. وبين معنى كل واحد، وحكمه، ومثل له، كما ذكر وجهة كل من الرأيين في التقسيم، ومورد القسمة للسبب في هذا التقسيم، ثم ختم البحث فيه بذكر اصطلاح الحنابلة في تقسيم السبب من هذه الناحية. ثم أخذ هذا الفصل يتابع البحث في المباحث، حتى وصل إلى المبحث الحادي عشر، وهو تقسيم السبب من حيث المشروعية وعدمها، وفي بحثه له بين أن السبب يقسم من هذه الناحية إلى قسمين: سبب مشروع وسبب ممنوع، وعرف كلا منهما ومثل له، ثم ذكر رأي بعض الباحثين في هذا التقسيم من حيث نفيه له وزعمه أن المجال لا يسمح بإقحام السبب الممنوع، بحجة أننا إنما نبحث تقسيم السبب الشرعي، والسبب الممنوع ليس من الشرعي في شيء، ولكنه تصدى لهم بالمناقشة التي أسفرت عن بطلان قولهم، ورجحان قول من قسم السبب الشرعي من حيث المشروعية وعدمها إلى هذين القسمين. وفي المبحث الثاني عشر بحث تقسيم السبب المشروع لحكمة من حيث العلم أو الظن بوقوع الحكمة به أو عدم ذلك، وذكر فيه أنه إذا علم أو ظن وقوع الحكمة به، فلا إشكال في المشروعية، أما إذا لم يعلم ولم يظن وقوع الحكمة به، فهو على ضربين: الأول: ألا يعلم ولا يظن وقوع الحكمة به، لعدم قبول المحل لتلك الحكمة، فترتفع المشروعية أصلا. الثاني: ألا يعلم ولا يظن وقوع الحكمة به لأمر خارجي، مع قبول المحل لها. وهو موضوع خلاف بين الأصوليين، فالجمهور يقولون ببقاء السبب على مشروعيته، وبعض الأصوليين يمنع من بقاء السبب سببا في هذا النوع. وبعد أن ساق هذا الفصل أدلة المختلفين وما يرد على كل من المناقشة، أعلن أن تحرير الخلاف غير دقيق، ذلك أن السبب الذي لا يعلم ولا يظن وقوع الحكمة به لأمر خارجي مع قبول المحل لها، تحته قسمان: القسم الأول: أن يتوهم وقوع الحكمة به، وهذا لا خلاف في بقاء السبب على مشروعيته. القسم الثاني: أن يعلم عدم وقوع الحكمة به، وهذا هو محل الخلاف. ثم مضى هذا الفصل يتابع بحثه في مباحثه حتى وصل المبحث الثامن عشر، وهو تقسيم السبب من حيث زمن ثبوت المسبب إلى ما يتقدم مسببه عليه وإلى ما لا يتقدم مسببه عليه، وفي ثنايا بحثه له بين ما انفرد به ابن عبدالسلام من المخالفة في بحث بعض جزئياته. ولما استوفى ذلك بحثا، بين أن هذا التقسيم هو منهج القرافي ومن تابعه، وهو مبني على وقوع ما يتقدم مسببه عليه من الأسباب الشرعية، وذكر أنه منهج منتقد، إذ لا يجوز تقدم المسبب على سببه، ثم مضى يستدل لذلك، ويجيب عن الأمثلة التي ذكرها القرافي وغيره ممن تابعه في القول بوقوع ما يتقدم مسببه عليه من الأسباب الشرعية. وبعد أن خلص له ذلك مضى يبين منهج غير القرافي ومتابعيه في السبب الشرعي من حيث زمن ثبوت مسببه. 4 - وحيث كانت هناك أمور تشتبه بالسبب، فقد سجل الفصل الثالث البحث في إزالة هذا الاشتباه بعنوان (الفرق بين السبب وما قد يكون بينه وبينه نوع اتصال) وعقد له ثمانية مباحث، خصص لكل مبحث نوعا من الأنواع التي تشتبه بالسبب: بين فيه معناه، ومثل له، واستوعب خصائصه، ثم خلص في كل نوع بمقتضى المقارنة بين خصائصه وخصائص السبب إلى الفرق بينهما.

5 - ثم جاء الفصل الرابع مسجلا البحث في حكم القياس في الأسباب. وقد مهد لذلك ببيان معناه في اللغة والاصطلاح وبيان معنى القياس في الأسباب، ونراه في المعنى الاصطلاحي لقياس الطرد قد اعترف بأن أسلم تعريف له، ما اختاره ابن الهمام وعزاه أمي ربادشاه إلى الجمهور، وهو "مساواة محل لآخر في علة حكم له شرعي، لا تدرك من نصه بمجرد فهم اللغة". ثم خاض في بحث حكم جريان القياس في الأسباب وكونه حجة فيها، فذكر أن من العلماء من جوز جريان القياس في الأسباب، فيكون حجة فيها، ومنهم من منع جريان القياس في الأسباب، فيكون حجة فيها، ومنهم من منع جريان القياس في الأسباب. فلا يكون حجة فيها، وعرض أدلة المذهبين، وما يرد عليها من مناقشات، وما يمكن الإجابة به عن بعض هذه المناقشات. وقد انتهى في ذلك إلى نتيجتين هامتين: الأولى: أن الخلاف بين القائلين بجواز القياس في الأسباب والقائلين بالمنع، لا يترتب عليه ثمرة. الثانية: أن الراجح هو مذهب المانعين للقياس في الأسباب. 6 - أما الفصل الخامس، فقد جاء مسجلا البحث فيما يشبه السبب، وعقد ذلك ثلاثة مباحث: أما المبحث الأول، ففي العلة اسما ومعنى لا حكما. وقد بين فيه ضابطها، ووجه شابهتها للسبب، وأردف ذلك بأمثلة وضح فيها انطباقها على الممثل له ووجه الشبه فيها بالسبب. ولم يفته أن يسجل على التفتازاني (في التلويح) وهمه في تفسيره لصدر الشريعة (في التنقيح) بأن مرض الموت. والجرح، من قبيل علة العلة، وهما من قبيل العلة اسما ومعنى لا حكما. كما لم يفته أن يبين أن العلة اسما ومعنى لا حكما، قد توجد غير متشابهة للسبب. وأما المبحث الثاني، ففي العلة معنى لا اسما ولا حكما، وقد اتبع في توضيحه الخطوات التي اتبعها في المبحث الأول، وبين أن هذا المبحث هو علة العلة، وانطلاقا من هذا، مضى يبحث ثلاث نقاط مهمة: الأولى: هل تخلو علة العلة عن مشابهتها للسبب: الثانية: إذا كانت علة العلة لا تخلو عن مشابهتها للسبب، فما النسبة بينها وبين العلة اسما ومعنى لا حكما. وفي هذا سجل أن بينهما عموما وخصوصا من وجه. الثالثة: ما جرى من الخلاف في أن علة العلة، علة معنى لا اسما ولا حكما، أو أنها علة اسما ومعنى لا حكما. وكانت النتيجة التي انتهى إليها، ترجيح الرأي المشهور، وهو أن علة العلة، علة معنى لا أسما ولا حكما. وأما المبحث الثالث، ففي الشرط، وفي بحثه له، ذكر أقسامه، مع بيان حقيقة كل قسم وتوضيحه بالأمثلة، ثم استنتج من ذلك ما كان منها يشبه السبب، ووجه مشابهته له. 7 - وحيث إن الأسباب إنما، تشرع من أجل ما يترتب عليها من المسببات، فقد جاء الفصل السادس مسجلا البحث فيما فيه ارتباط بين السبب أو المسبب، وعقد لذلك سبعة عشر مبحثا. وبحث في المبحث الأول مشروعية الأسباب من حيث استلزامها لمشروعية المسببات وعدم ذلك، وبين فيه أن الأسباب إذا تعلق بها أحكام شرعية تكليفية، فإنه لا يلزم أن تتعلق تلك الأحكام بمسبباتها، ثم عرض شبهة من يقول بالاستلزام، وانتهى بعد ذلك إلى رجحان قول من قال بعدم الاستلزام. كما عرض طريقة الشاطبي ومن تابعه من الباحثين المحدثين في الاستدلال لكون مشروعية الأسباب لا تستلزم مشروعية المسببات، وناقشها مناقشة موضوعية، إذ أنها طريقة تخالف واقع المسببات، كما أنها تخالف ما قاله الشاطبي نفسه في صدر المسألة. ثم مضى يتابع بحثه في هذه المباحث، حتى وصل إلى المبحث الحادي عشر، وهو أن الأسباب الممنوعة، قد يترتب عليها أحكام ضمنية ومصالح تبعية، فسجل في بحثه – فيما سجل – مناقشته للشاطبي في جعله القصد بالسبب المسبب الذي منع لأجله، مصلحة من شأن العاقل أن يقصد إليها، وهي مناقشة مبنية على ما يعضدها من أدلة.

وبحث في المبحث الثاني عشر تداخل الأسباب وتساقطها، فأوضح معنى التداخل بين الأسباب، وأن الأصل عدمه، وذكر ما ورد منه في أبواب الشريعة، والصور التي تتأتى في التداخل بين الأسباب، ومنهج ابن رجب في التداخل. ثم أوضح معنى تساقط الأسباب، وأن الأصل عدمه، كما ذكر قسمي تساقط الأسباب. ثم استنتج مما تقدم أوجه الاتفاق والافتراق بين قاعدتي تداخل الأسباب وتساقطها. ثم مضى في البحث حتى وصل إلى المبحث السادس عشر، وهو حكم الشرط إذا دخل على السبب في أنه هل يمنع انعقاده سببا في الحال، أو لا يمنع انعقاده سببا في الحال، وإنما يكون تأثيره في تأخير حكم السبب إلى حين وجوده، فعرض الخلاف في ذلك مع بيان دليل كل فريق، ثم فرع مسائل على الخلاف في هذه القضية. وفي المبحث السابع عشر بحث حكم السبب عند الشك في طريانه، من حيث الإلغاء والاعتبار، فبين أن القاعدة المجمع عليها من حيث الجملة، أن كل سبب شك في طريانه، فهو ملغي، فلا يترتب عليه مسببه، بل يجعل ذلك السبب كالمعدوم فلا يترتب عليه الحكم، كما أوضح تعذر الوفاء بهذه القاعدة المجمع عليها من حيث الجملة، في الطهارات من جميع الوجوه. ثم أتى بعد ذلك إلى بحث بقية المباحث التي عقدها. 8 - ثم جاء الفصل السابع مسجلا البحث في مباحث متفرقة، وعقد في ذلك سبعة مباحث. وقد كان المبحث الأول في حالات الشك، باعتبار نصبه سببا وعدم نصبه. وقد تحصل له من ذلك أن الشك ينقسم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما ألغاه صاحب الشرع بالإجماع، فلم يعتبره سببا للحكم. الثاني: ما اعتبراه صاحب الشرع بالإجماع سببا للحكم. الثالث: ما اختلف في نصبه سببا. وكان المبحث الثاني فيما إذا كان وجوب الشيء مطلقا غير مقيد بسبب، لكنه في الخارج يتوقف على سبب، فهل يكون الخطاب الدال على وجوب ذلك الشيء دالاً أيضاً على وجوب السبب أو لا؟. وقد عرض فيه خلاف العلماء فيما إذا كان هذا السبب الذي يتوقف عليه وجود الشيء في الخارج، مقدورا للمكلف، عرض خلافهم في أن الدليل الدال على وجوب ذلك الشيء، هل يكون دالا أيضاً على وجوب هذا السبب الذي يتوقف عليه ذلك الشيء من حيث الوجود، أو لا يكون ذلك الدليل دالا على وجوبه، وإنما يكون وجوبه مستفادا من الدليل الذي دل عليه استقلالا. وقد كانت النتيجة التي انتهى إليها. رجحان مذهب جمهور الأصوليين، وهو أن الخطاب الدال على وجوب الشيء، يدل أيضاً على وجوب السبب الذي يتوقف وجود ذلك الشيء في الخارج عليه، وتكون دلالته عليه التزامية. ثم مضى في بحث المباحث حتى وصل إلى المبحث الخامس، وهو الفرق بين قاعدة الإيجابات التي يتقدمها سبب تام، وبين قاعدة الإيجابات التي هي أجزاء الأسباب، فذكر فيه أن الإيجابات تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما اتفق على أن السبب التام تقدمه. الثاني: ما اتفق على أنه جزء السبب. الثالث: ما اختلف فيه، هل هو من القسم الأول، أو من القسم الثاني. وقد بين حكم كل قسم من هذه الأقسام، من حيث جواز تأخيره عن السبب وعدم جواز ذلك، وحكى الخلاف فيما فيه خلاف. وجاء المبحث السادس، وهو الفرق بين السبب ودليل تقدم السبب. فأوضح الفرق بينهما، وفرع على مقتضاه مسائل. أما المبحث السابع، فقد كان في الفرق بين قاعدة الأسباب الفعلية، وقاعدة الأسباب القولية. وقد تحصل له أن الفرق بينهما يتم من ثمانية وجوه. ولم يكتف بعدها، بل أردفها بما يوضحها من مسائل. ولم ينس أن يذكر رأي ابن القيم في بعض ما ذكر من الفروق من حيث عدم صلاحيتها فروقا.

9 - تلك الفصول السابقة كانت تسجل أبحاثا في السبب، بمعنى كونه وصفا ظاهرا منضبطا، دل الدليل السمعي على كونه معرفا لحكم شرعي، سواء كانت المناسبة بينه وبين الحكم ظاهرة، تدركها عقولنا، أم غير ظاهرة، لا تدركها عقولنا. وحيث كان السبب في اصطلاح الأصوليين معنى آخر غير هذا، وذلك هو الداعي إلى الخطاب على طريق الورود، لا على طريق الوجوب والتأثير، وهو ما يتحقق في ورود اللفظ العام بناء على سبب خاص. حيث كان الأمر كذلك، فإننا نجد الفصل الثامن ينقلنا إلى بحث هذا المعنى للسبب في دائرة ما يتحقق فيه، ويسمه بتخصيص العام بالسبب الخاص. وقد مهد لذلك ببيان معنى العام والتخصيص في اللغة والاصطلاح. ثم ذكر أن لورود اللفظ العام بناء على سبب خاص أربع حالات: الحالة الأولى: أن يخرج العام مخرج الجزاء للسبب الذي تقدمه. الحالة الثانية: أن يكون اللفظ العام غير خارج مخرج الجزاء للسبب الذي تقدمه، ولا يستقل بنفسه، أي لا يفهم بدون ما تقدمه من السبب. الحالة الثالثة: أن يستقل العام بنفسه، أي يفهم معناه بدون ما تقدمه من السبب، ولكنه خرج مخرج الجواب، وهو غير زائد على مقدار الجواب. وقد وضحها بالأمثلة، وبين حكمها. فذكر أن الأولى يختص العام فيها بسببه. وذكر الخلاف في الثانية، مبطلا ما حكاه ابن ملك والعضد من الاتفاق على أن العام فيها يختص بسببه، لكنه انتهى إلى ترجيح القول بأن العام فيها يختص بسببه. كما ذكر أن الحالة الثالثة تحتمل اختصاص العام فيها بسببه، كما تحتمل عدم اختصاصه به. أما الحالة الرابعة: فهي أن يستقل العام بنفسه – أي يفهم بدون ما تقدمه من السبب – ويكون زائدا على مقدار الجواب. وبين أن هذه الحالة، لا يخلو الأمر فيها من أن يكون العام أعم من السبب في غير ذلك الحكم، أو أن يكون أعم منه في ذلك الحكم لا غير. فأما العام الذي هو أعم من السبب في غير ذلك الحكم، فقد اتفق العلماء على أن العبرة فيه بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وأما العام الذي هو أعم من السبب في ذلك الحكم لا غير، فإنه لا يخلو من حالة واحدة من أربع حالات: إما أن يوجد قرينة تدل على التعميم. أو يوجد قرينة تدل على التخصيص. أو لا يوجد شيء من هاتين القرينتين، لكن المتكلم نوع الجواب، دون قصد لمعنى ما جاء زيادة على مقدار الجواب. أو لا يوجد شيء من ذلك مطلقا. فأما الحالة الأولى، وهي ما إذا وجد قرينة تدل على التعميم، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. بلا خلاف كما ذكره بعض العلماء. وأما الحالة الثانية، وهي ما إذا وجد قرينة تدل على التخصيص، فإن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ. وأما الحالة الثالثة، وهي ما إذا نوى المتكلم الجواب، دون قصد لمعنى ما جاء زيادة على مقدار الجواب فإنه يدين – أي يصدق – فيما بينه وبين الله تعالى، وتصير تلك الزيادة للتوكيد، لكنه لا يدين قضاء. وبهذا تكون العبرة بخصوص السبب، لا بعموم اللفظ، ديانة لا قضاء. وأما الحالة الرابعة، وهي أن يكون هذا العام الذي هو أعم من السبب في ذلك الحكم لا غير، خاليا من قرينة تدل على التعميم، ومن قرينة تدل على التخصيص، ولم يكن المتكلم به ناويا الجواب، فهي محل خلاف بين العلماء، هل العبرة فيها بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، أو العبرة فيها بخصوص السبب لا بعموم اللفظ. وقد عرض هذا الفصل هذين القولين، وذكر من قال بهما وأدلة كل فريق وما يرد عليه من مناقشة والثمرة المترتبة على هذا الخلاف. وقد كانت النتيجة التي انتهى إليها، رجحان مذهب القائلين بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

كما تطرق هذا الفصل إلى حكم تخصيص السبب وإخراجه عن العموم بالاجتهاد، فبين أنه إن كان هناك قرينة تدل على قطعية دخول السبب في العموم، فهو محل اتفاق على قطعية دخوله وعدم جواز تخصيصه وإخراجه عنه بالاجتهاد. وإن لم يكن هناك قرينة تدل على قطعية دخوله في العموم، فهو محل خلاف بين العلماء: فقيل: إنه مقطوع بدخوله في العموم فلا يجوز إخراجه منه بالتخصيص بالاجتهاد، وقيل: إنه مظنون دخوله في العموم، فيجوز إخراجه منه بالتخصيص بالاجتهاد، وقيل: إن السبب إن كان معيناً فمقطوع بدخوله في العموم، فلا يجوز إخراجه منه بالتخصيص بالاجتهاد، وإن كان نوع السبب، فمظنون الدخول في العموم، فيجوز إخراجه منه بالتخصيص بالاجتهاد. وقد كانت النتيجة التي انتهى إليها، رجحان مذهب من قال، إن السبب مقطوع بدخوله في العموم، فلا يجوز إخراجه منه بالتخصيص بالاجتهاد. كما حقق القول فيما عزي إلى أبي حنيفة رحمه الله من تجويزه إخراج السبب عن عموم اللفظ بالتخصيص بالاجتهاد. ولما كان الشافعي رحمه الله، قد نقل عنه كلا القولين في حكم العام الذي هو أعم من السبب في ذلك الحكم لا غير، حين يكون خاليا من قرينة تدل على التعميم أو التخصيص، ومن نية المتكلم به الجواب، دون قصد لمعنى ما جاء زيادة على مقدار الجواب، وكان التحقيق في القول الذي قال به من هذين القولين، يستحق أن يفرد بالبحث. لما كان الأمر كذلك، صنع هذا الفصل ذلك، وقد كانت النتيجة التي انتهى إليها، ترجيح القول بأنه يرى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وحيث كان الحديث فيما تقدم مقصوداً به كلام الشارع، فقد أردفه بالبحث في كلام غير الشارع، وقد تحصل من بحثه أن للعلماء فيه ثلاثة مذاهب: المذهب الأول: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. المذهب الثاني: أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ. المذهب الثالث: الفرق بين صور النهي وما أشبهها، وبين غيرها، فإن كانت صور نهي وما أشبهها، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن كانت غير صور نهي وما أشبهها، فالعبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ. ثم ختم الفصل بحثه ببيان أن واقع أصول القوانين الوضعية على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. 10 - وقد بدا لنا في أثناء البحث في هذا الموضوع مقترحات نتقدم ببعضها فيما يلي: أولا: أن السبب عند الأصوليين له من الأهمية ما يجعله حقيقا بأن يدرس بصفة مستقلة في كتاب مستقل أيضا. ثانيا: أنه يتعين على الحكومات الإسلامية تكوين هيئات علمية لتحقيق هذا التراث الضخم في علم أصول الفقه الإسلامي، الذي مازال حبيس خزائن الكتب، قابعا في أوراقه الأصلية، لم تهيأ له الوسائل ليأخذ طريقه إلى دور الطباعة. كما يتعين عليها طباعة ما يستحق الطبع – وما أكثره – مما تم أو يتم تحقيقه من هذه المخطوطات. كما يتعين عليها إعادة طبع ما نفد مما طبع من نفائس هذا الفن. ويتعين عليها أيضا تكوين هيئات علمية للإشراف على ما ينشره الباحثون المحدثون، لتلافي ما يقع فيه من أخطاء، وتقويمه التقويم الصحيح الذي به يعرف استحقاقه للنشر أو عدمه. وإني لمتفائل بأن هذه الهيئات العلمية، ستحد من هذا الخلط العجيب في المباحث التي نشاهدها فيما ينشر، ومن هذه السرقات التي صارت عادة سيئة يحترفها بعض الباحثين. ثالثا: ينبغي أن تفهرس مؤلفات العلماء السابقين فهرسة حديثة تكشف كل محتويات ما في الكتاب. كما ينبغي أن يقوم الباحثون المحدثون بذلك فيما ينشرونه من بحوث. رابعاً: الاهتمام بالموضوعات التي تبين سماحة الشريعة ويسرها، ومراعاتها للمصالح، وكمالها، وخلودها، ونحو ذلك، وتشجيع الباحثين للكتابة فيها. خامساً: ينبغي أن تكون البحوث المقررة للقواعد، مقرونة بالتطبيق عليها بما يندرج تحتها من مسائل، إذ المقصود منها معرفة أحكام هذه المسائل، حيث هي التي يحتاج إليها العامل في عمله. سادسا: أوصي بإعادة طباعة ثلاثة كتب هي: الموافقات للشاطبي، والفروق للقرافي، وكشف الأسرار لعبدالعزيز البخاري، وأن تكون هذه الطباعة قائمة على الأصول الفنية للطبع، ولاسيما الفروق وكشف الأسرار، حيث يفقدان في طباعتهما الموجودة بأيدينا الأصول الفنية أكثر مما يفقدها كتاب الموافقات. كما أوصي بفهرسة هذه الكتب الثلاثة فهرسة حديثة تكشف كل محتوياتها. وأوصي أيضا بتعاهد الجامعات والمعاهد بدراستها والرجوع إليها. سابعا: والمعاني الأصولية شديدة التأثر، فهي تتأثر بأدنى تحريف أو تصحيف في عبارة أو كلمة، وهو ما يعانيه الباحثون عند الاطلاع على كتب الأصول، وهذا التحريف أو التصحيف أو نحوهما راجع – بعد تحقيق الكتاب – إلى الأخطاء التي يرتكبها عمال الطباعة، وهذا جدير بالاقتراح بألا تمس هذه الكتب إلا أيد مدربة تدريبا ممتازا على أصول الطباعة الفنية. وبهذا نتلافى ما يمكننا تلافيه من أخطاء، ونخرج للباحثين كتبا خالية مما يعانون فيها بسببه. والحمد لله أولا وأخيرا.

الشرائع السابقة ومدى حجتها في الشريعة الإسلامية

الشرائع السابقة ومدى حجتها في الشريعة الإسلامية ¤عبدالرحمن بن عبدالله الدرويش£بدون¥بدون¨الأولى¢1410هـ€أصول فقه¶شرع من قبلنا الخاتمة تلخيص أهم نتائج البحث وما انتهى إليه 1ـ إنه لمن نعم الله تعالى عليّ أن وصلت إلى نهاية البحث وخاتمته وقد ازددت إيماناً بالله وملائكته، وكتبه ورسله، وإيماناً وثقة بشريعته الإسلامية الخالدة التي ختم الله بها جميع شرائع دينة، وجمع فيها محاسنها، وجعل أهلها خير أمة أخرجت للناس. ولا أدعي أنني وفيت البحث حقه، أو استقصيته وأتممته من جميع جوانبه، ولا أنني لم أخطئ في شيء منه، فهو جهد مقل، ويد الكاتب قصيرة وعين الناقد بصيرة. 2ـ وإن مما واجهته أثناء البحث عدا كثرة المشاغل وعدم التفرغ، أن المكتوب في الموضوع لم يكن إلا مجملاً في كتب أصول الفقه سواء المطبوع منها أو المخطوط فيما أعلم، وما اشتملت عليه، يكاد أن يكون صورة مكررة. وإلا نتفاً مفرقة في كتب التفسير، والحديث والتاريخ، والتوحيد. هذا بالإضافة إلى قلة المراجع التي تعني بالتطبيق وتخريج الفروع على الأصول فيما أعلم، ولذا أعتقد أن رسالتي هذه أول محاولة لجمع الموضوع مع التطبيق عليه بأكثر أمثلته، وإفراده في كتاب مستقل. 3ـ ولقد حرصت أن يكون البحث وافياً شاملاً لكل ما له علاقة بالموضوع وأن يكون الترتيب بين أبوابه وفصوله منسقاً مرتبطاً بعضها ببعض وبعناوين بارزة، ليكون أقرب إلى الفهم والانتفاع. 4ـ وقد بدأت البحث بمقدمة اتضح بها معنى الشرع والشريعة والشرعة والمنهاج، والقانون. وتبين أن لفظ الشرع أو الشريعة لا يطلق على القوانين الوضعية والمبادئ الهدامة والعقائد الفاسدة، وأن الشارع على وجه الحقيقة هو الله وحده، وأحكامه هي التشريع الحق، وشريعته المحكمة هي المورد العذب الصافي الذي لا ينضب معينه وهي الغذاء للأرواح والنفوس ?أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نواً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها? ?يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين? وأنها تنتظم كل ما شرعه الله لعباده وسنه لهم من الأمر والنهي والحلال والحرام، والفرائض، والحدود، والعقائد، والمعاملات، والأخلاق وغير ذلك من جوانب الحياة المتعددة، وأن ما وافقها فهو حق مقبول، وما خالفها فهو مردود. وأن سموها وفضلها على القوانين الوضعية كفضل الخالق جل وعلا على المخلوق. وأن حاجة الإنسان إلى الشريعة الإسلامية المحكمة ضرورية، فهو أحوج إليها من حاجته إلى الطعام والشراب والهواء، ومن حاجته إلى السمع والبصر، كما شهد لذلك النقل والعقل. 5ـ وبعد المقدمة أربعة أبواب، الباب الأول في الشرائع السابقة المذكورة في القرآن وأصحاب تلك الشرائع والكتب النازلة عليهم وفق ما جاء في القرآن العظيم. والباب الثاني في مقارنة إجمالية بين تلك الشرائع والشريعة الإسلامية. والباب الثالث في حكم الاحتجاج بالشرائع السابقة في الشريعة الإسلامية. والباب الرابع في التطبيق بذكر جملة مما قيل فيه إنه مأخوذ من شرع من قبلنا الوارد به شرعنا من الأحكام والقواعد التشريعية.

6ـ وقد بينت في الباب الأول: أن الشرائع السابقة للإسلام قد باد أكثرها وما هو موجود منها محرف ومبدل كشريعتي التوراة والإنجيل وهما أشهر الشرائع السابقة، وقد وقع فيهما التحريف والتبديل، فهما غير التوراة التي جاء بها موسى والإنجيل الذي جاء به عيسى ابن مريم عليهما السلام المشتملتين على الهدى والنور كما وصفهما القرآن، فليستا من شرع من قبلنا الوارد به شرعنا إذاً وذكرت منهما كثيراً من الأمثلة التي تؤكد وقوع التحريف والتبديل فيهما، ومن ذلك ما هو مختلق ومكذوب على الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في قصصهم الموجودة فيهما. مما يخالف ما قصه القرآن ونهجه في قصصهم وسيرتهم الطاهرة كما ذكرناه في الفصل الأول من هذا الباب وذكرنا فيه أصل دعوتهم ونماذج من شرائعهم. وبينت الطوائف ذات الأديان والكتب الإلهية المذكورة في القرآن، فذكرت طائفة اليهود وبعض مواقفهم السيئة مما فضحهم به القرآن وسجله عليهم من قبائح الأعمال، من زمن موسى عليه السلام حتى مجيء الإسلام ورسوله ?. وذكرت طائفة النصارى وضلالهم في عيسى عليه السلام وما نسبوه إلى الله عز وجل مما ينزه عنه وبينت أن مذهب المسلمين في عيسى عليه السلام وسط بين اليهود الذين نصبوا العداء له وحاولوا قتله وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه، وبين مذهب النصارى الذين غلوا فيه وزعموه إلهاً وبينت تناقضهم في الاتحاد والتثليث مع الرد عليهم، وبينت كذلك أن الشياطين هي أول من أضل النصارى وزين لهم القول بألوهية عيسى وأنه ابن الله وأوردت أمثلة تدل على ذلك من أناجيلهم التي بأيديهم ويزعمون أنها الإنجيل الحق الذي جاء به عيسى عليه السلام، وأمثلة أخرى تدل على أن عيسى ابن مريم عليه السلام عبد الله ورسوله وأنه إنسان ابن إنسان لا مزية له على غيره من البشر. ولكن النصارى غلب عليهم الجهل والشرك أكثر من اليهود فهم ضالون على جهل واليهود غلب عليهم الكبر والحسد والحقد فهم أشد عداوة للمؤمنين من النصارى ومغضوب عليهم وضالون على علم كمثل الحمار يحمل أسفاراً. وفيه بينت نسخ الشرائع السابقة في الجملة بشريعة الإسلام بعد أن ذكرت معنى النسخ في اصطلاح المتقدمين والمتأخرين وعلى أي الاصطلاحين نسخ الشرائع بعضها لبعض وأن مذهب المسلمين في النسخ وسط بين المنكرين له والمغالين فيه من أصحاب الشرائع والرد على المنكرين للنسخ من اليهود.

7ـ وبينت في الباب الثاني أن المتفق عليه بين الشرائع أكثر من المختلف فيه وأن أصل دين الأنبياء عليهم السلام واحد هو أصل دين الإسلام وذكرت الحكمة في اختلاف الشرائع في الفروع دون الأصول كما بينت اشتمال الشريعة الإسلامية على محاسن الشرائع السابقة، لأنها قد جمعت في تشريعها بين العدل والفضل، وجاءت بأضعاف محاسن الوصايا العشر التي جاءت بها التوراة. ومحافظتها على الضروريات الخمس فوق كل الشرائع. وذكرت أبرز خصائص الشرائع السابقة: أن كل شريعة خاصة بأهلها، وأنها محدودة الجوانب لا تفي بكل حاجات أهلها الدينية والدنيوية، وأنها وقتية سرعان ما تزول إما بنسخ أو تحريف وتبديل، واشتمالها على الحرج والشدة في تكاليفها. وذكرت جملة من خصائص الشريعة الإسلامية: منها العموم، حيث أثبت بالأدلة الكثيرة من القرآن والسنة وإجماع الأمة وشهادة الواقع وما يقتضيه العقل، أن شريعة الإسلام التي بعث بها محمد ? عامة للجميع الإنس والجن. والخلق كلهم مطالبون بها من غير تفريق بين كتابي وأمي ولا بين عربي وأعجمي، فمن آمن بها واتبعها فهو من المسلمين الناجين يوم القيامة من النار الفائزين برضى الله عز وجل، ومن لم يؤمن بها وبرسولها ويتبعه فهو من الكافرين المعاندين المخلدين في النار يوم القيامة لا خيرة لأحد في ذلك. ومنها كمالها وشمولها لجميع متطلبات الحياة في كل زمان ومكان لا يحتاج المتمسكون بها إلى شيء معها أبداً من الأنظمة والقوانين الوضعية المخالفة لها ولا من الشرائع المحرفة المنسوخة بها. وبينت بعض الجوانب مما أولته الشريعة عنايتها .. ومنها حفظ الله لها فلا يقع فيها تحريف ولا تبديل كما وقع في الشرائع السابقة وأدلة ذلك من وجوه متعددة. ومنها التيسير في تكاليفها ورفع الحرج عنها. وقد ذكرت الأدلة على ذلك مع بعض الأمثلة على بعض الواجبات وبينت أن ما يلحق المكلف من المشقة والتعب أحياناً، غير مقصود. وبينت منزلة الرسل وفضلهم على غيرهم من الخلق وأن أفضلهم أولو العزم منهم وأفضل أولى العزم هو محمد ? وذكرت بعض ما خصه الله به من الفضائل. وبينت وجه الجمع بين ما يمنع من التفاضل بين الرسل من النصوص وبين قوله تعالى ?تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات? وبينت بعض ما خص الله به أمة النبي ? وفضلهم به على غيرهم من الأمم وأن ذلك الفضل كان بسبب نبيهم ? واتباعهم له فإذا ابتعدوا عن طاعته فليسوا بأهل لذلك التكريم والفضل وبينت كيف كانت حالة أهل الأرض قبيل بعثة النبي ? من التدهور الديني والخلقي وكيف تبدد هذا الظلام بنور الإسلام.

8ـ وفي الباب الثالث ذكرت خلاف العلماء وأقوالهم في تعبد النبي ? قبل بعثته بشرع من قبله من الأنبياء، وبينت أدلة الأقوال وما يرد عليها من نقاش ثم رجحت القول الذي رأيته صواباً، وبينت الفائدة من بحث هذه المسألة وثمرة الخلاف فيها. وخلصت منها الآتي إلى مسألة أهم منها وهي: حكم تعبد النبي ? وأمته بعد البعثة بالشرائع السابقة، فأوضحت أولاً تحرير محل النزاع في المسألة بتقسيمها إلى ما هو متفق عليه بين الشرائع وإلى ما هو مختلف فيه ومثلت للمتفق عليه بأمثلة توضحه. وقسمت المختلف فيه إلى خمسة أقسام وبينت كل قسم منها ببعض الأمثلة ومن ذلك اتضح ما يفهم من كلام بعض العلماء أنه محل النزاع وليس كذلك، وبينت أن محل النزاع هو ما ثبت في شرعنا أنه شرع لمن قبلنا ولم يرد في شرعنا ما يوافقه أو يخالفه وهو القسم الخامس كما نص عليه كثير من الأصوليين، وذكرت خلاف العلماء وأقوالهم فيه مفصلة وبينت ماله حظ من الأدلة والنقاش من الأقوال، وجمعت أدلة كل قول على انفراد وناقشتها وبينت ما يستقيم الاستدلال به منها على محل النزاع وما لا يستقيم الاستدلال به منها عليه. وخلصت منها واحداً واحِداً إلى النظر في إمكان الجمع بينها وهل بينها منافاة أو لا؟ وهل الخلاف حقيقي أو صوري، وقد تبين لي بعد النظر والتدقيق في جميع الأدلة للأقوال المختلفة أن لا منافاة بينها وأن الخلاف أشبه ما يكون بالخلاف اللفظي وذكرت أنه على تقدير أن الخلاف حقيقي فأنا أختار القول بحجية شرع من قبلنا الوارد به شرعنا من غير نسخ. وسقت الأدلة على ذلك. وحققت في مذاهب الأئمة الأربعة عند أهل السنة في العمل بشرع من قبلنا الوارد به شرعنا من غير نسخ، وبينت من أقوال أصحابهم أنه لا يخلو مذهب منها في الجملة من العمل بشرع من قبلنا الوارد به شرعنا من غير نسخ قل ذلك أو كثر في بعضها دون بعض. وفي نهاية هذا الباب أوضحت حكم العمل بالقسم الرابع الذي سبق في تحرير محل النزاع وهو ما يسمى بالإسرائيليات. فبينت المراد منها وحكم التحدث بها وسؤال أهل الكتاب عن شيء من أخبارهم وحكم العمل بها، وبينت أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحذرون من الإسرائيليات ومن سؤال أهل الكتاب عن شيء من أخبارهم وينهون عن التحدث بها، وأنه إن وجد من بعضهم شيء فهو قليل جداً, لأنهم أقل الناس تحديثاً بها. وبينت أن ما قيل عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه كان يحدث بالإسرائيليات ليس كما قيل عنه، وأن أبا هريرة رضي الله عنه وهو أكثر الصحابة حديثاً عن رسول الله ?لم يكن يروي الإسرائيليات ولا يأخذ عن أهل الكتاب شيئاً. 9ـ أما الباب الرابع فقد خصصته للتطبيق، حيث ذكرت فيه ما أمكنني ذكره من القواعد والأحكام التشريعية التي قيل إنها مأخوذة من شرع من قبلنا الوارد به شرعنا. وحرصت أن تكون شاملة لأكثر أبواب الفقه، فذكرت مجموعة من المسائل المتعلقة في العبادات. منها ما هو في التوحيد مما قد ينافي كماله ومنها ما هو في الطهارة، ومنها ما هو في الصلاة، ومنها ما هو في الزكاة، ومنها ما هو في الصيام، ومنها ما هو في الحج، ومنها ما هو في الجهاد. ومجموعة أخرى من المسائل في المعاملات، ومنها ما هو في البيع والشراء. ومنها ما هو في القرض، ومنها ما هو في الجعالة ومنها ما هو في الإجارة، ومنها ما هو في الهبة وغير ذلك. ومجموعة أخرى في النكاح. في أبواب منه متفرقة. ومجموعة في الحدود والقصاص والدية. ومجموعة أخرى في الأيمان والنذور ومجموعة أخرى في الحكم والقضاء ومجموعة في مواضيع مختلفة من أبواب متفرقة. هذا وقد بينت بعد كل مسألة ما يشهد لها في شرعنا بالموافقة أو المخالفة وذكرت حكمها في شرعنا مكتفياً بذكر الخلاف مع القول الذي يظهر لي رجحانه ووجه الترجيح في المسائل الخلافية من غير استقصاء المذاهب وأدلتها على التفصيل. وانتهيت من تلك المسائل كلها إلى أنه لم يوجد منها شيء إلا وله شاهد في شرعنا بالموافقة أو المخالفة جملة أو تفصيلاً من قريب أو بعيد مما يؤكد أن الخلاف في شرع من قبلنا الوارد به شرعنا من غير نسخ، خلاف لفظي يكاد أن لا يوجد له محل. ولا أدعي أنني استقصيت جميع ما ورد به شرعنا من شرائع السابقين فهي كثيرة، لكنها محاولة بذلت فيها ما أمكنني بذلة. والله أسأل أن يجعله عملاً خالصاً لوجهه الكريم والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد. حرر في 10/ 11/1398هـ الموافق 12/ 10/ 78م

الصحابي وموقف العلماء من الاحتجاج بقوله

الصحابي وموقف العلماء من الاحتجاج بقوله ¤عبدالرحمن بن عبدالله الدرويش£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1413هـ€أصول فقه¶قول الصحابي الخاتمة تلخيص أهم نتائج البحث وما ورد فيه: 1ـ في الختام أحمد الله سبحانه وتعالى وأشكره على ما يسره وهدى إليه وأسأله سبحانه: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} هذا وأعتذر عما وقع في البحث من تقصير فلا أدعي أنني وفيته حقه أو استقصيته من جميع جوانبه، أو أنني لم أخطئ في شيء والتسامح من شيم الكرام. والله وحده الذي يعلم قدر الجهد والعناء الذي لقيته في إعداده، فأسأله الثواب عليه وأن يجعله خالصا لوجهه إنه جواد كريم. 2ـ لقد حرصت أن يكون البحث وافيا شاملا لأهم ما له علاقة بالموضوع وأن يكون الترتيب بين فصوله منسقا ومرتبطا بعضها ببعض وبعناوين بارزة ليكون أقرب إلى الفهم والانتفاع. 3ـ كما حرصت أن يكون البحث في مسائله الخلافية جامعا لجميع أقوال أهل العلم في موضوعه، وأن تكون الأقوال والمذاهب منقولة بنصها عن العلماء السابقين أصحاب الكتب المعتمدة حتى يغني القارئ ويكفيه عن الرجوع إلى الكتب الأخرى في الموضوع وهذا على خلاف ما عليه بعض الكتبة من الاكتفاء بذكر اسم الكتاب أو صاحب القول فقط، مما يضطر القارئ إلى الرجوع إلى الكتاب والبحث عنه للاطلاع على القول بنصه. 4ـ يطلق الصحابي عند جمهور المحدثين وبعض الأصوليين على من لقي النبي – صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به عاقلا مميزا ومات على الإسلام ولا عبرة بما عدا ذلك من الاعتبارات والقيود في الأقوال الأخرى. 5ـ من رآهم النبي – صلى الله عليه وسلم – صغارا دون التمييز ووجدوا بحضرته الشريفة جاز إطلاق اسم الصحابي عليهم من هذا الوجه فقط لينالهم من شرف الصحبة والكرامة ما يميزهم عمن لم يروه – ولا رآهم ولا يدخلون في مسمى الصحابي من الوجوه الأخرى التي تخص الصحابي عرافاً كالعدالة للرواية عند المحدثين والاحتجاج بقوله عند من يراه حجة أو الترجيح بقوله عند الأصوليين. 6ـ الخلاف في مسمى الصحابي خلاف حقيقي له ثمرة وليس لفظيا كما يفهم من كلام بعضهم. 7ـ إنما نال الصحابة – رضوان عليهم – ما نالهم من الكرامة والفضل لكرامة النبي – صلى الله عليه وسلم – وتفضيله على سائر المرسلين فصحابته خير الأصحاب باتفاق المسلمين وهم خير أمة أخرجت للناس وقرنهم خير القرون بلا منازع وأفضلهم وأتقاهم أشدهم اتباعا للنبي – صلى الله عليه وسلم – وأشدهم تمسكا بهديه وهكذا من جاء بعدهم. 8ـ الصحابة – رضي الله عنهم – كلهم عدول بتعديل الله ورسوله لهم فلا يسأل عن أحوالهم من أجل قبول أخبارهم وشهاداتهم، وكفي بشهادة الله ورسوله لهم بالعدالة والفضل والرضا عنهم تزكية فلا تطلب تزكيتهم ولا الحكم عليهم ممن هو دونهم وقد زكى بعضهم بعضا وهم خيار الأمم بلا مراء وجدال. 9ـ الصحابة رضوان الله عليهم طبقات متفاوتون في العلم والفضل والرواية عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وملازمتهم له في حضره وشهود المشاهد الفاضلة مع النبي – صلى الله عليه وسلم وملازمتهم له في حضره وسفره وجهادهم معه بالنفس والمال فليسوا في ذلك كله على درجة واحدة مع الاتفاق أن أفضلهم على الإطلاق الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي – رضي الله عنهم – باتفاق أهل السنة والجماعة على أن أفضل الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر – رضي الله عنهم -.

10ـ تبين من خلال النقول عن العلماء في بيان تحرير محل النزاع في الاحتجاج بقول الصحابي أن قول الصحابي المختلف فيه هو قوله في المسائل التكليفية الاجتهادية التي لم يظهر له فيها مخالف ولا موافقة الباقين سواء انتشر قوله في الباقين أو لم ينتشر فكلا القولين في الواقع محل نزاع بين العلماء وفرق بعضهم بين القولين في الحكم ولم يفرق بعضهم الآخر وأطلق كثير من الأصوليين على قول الصحابي إذا انتشر في الباقين ولم يظهر له مخالف الإجماع السكوتي. 11ـ إنه من خلال النقول عن أصحاب المذاهب الأربعة وتتبع أقوال العلماء في الاحتجاج بقول الصحابي إذا انتشر ولم يظهر له مخالف تبين أنه لا يخلو مذهب منها في الجملة من القول بالاحتجاج في هذه المسألة وإن كان لبعضهم فيها أكثر من قول وأن القائلين فيها بالإجماع يعنون به الإجماع الظني ومن يقول بأنها حجة وليست بإجماع يعنون به كذلك أنها حجة ظنية فكان الخلاف بين أكثر المحتجين بها خلافا لفظيا وأنها على التحقيق حجة ظنية كخبر الواحد تقدم على القياس وهو ما يمكن به الجمع بين أدلة الأقوال وتعليلاتهم. والله أعلم. 12ـ قول الصحابي إذا لم ينتشر ولم يظهر له مخالف ولا موافقة الباقين مما عده أكثر الأصوليين محلا للنزاع في الاحتجاج بقول الصحابي وإنه من خلال حصر الأقوال في هذا المسألة وما استدل به لكل قول وبعد مناقشة الأدلة والنظر فيها بإمعان تبين أن قول الصحابي في تلك المسألة ليس بحجة تبنى عليها الأحكام استقلالا لكن يمكن أن يستأنس بقوله ويرجح به خلافا لمن منع من ذلك. 13ـ تقليد العامي للصحابي جائز مطلقا ولا يجوز ذلك للعالم إلا إذا لم يمكنه الاجتهاد أو كان اجتهد ولم يظهر له الحق خلافا لبعضهم. 14ـ تقليد الصحابي لا يعني الاحتجاج بقوله للفرق بينهما خلافا لقلة من العلماء وبعض المعاصرين. 15ـ يجوز على الصحيح من أقوال العلماء أن يرجح بقول الصحيح أحد الخبرين المتعارضين أو أحد القياسين المتساويين أو أحد الاحتمالين للحديث المحتمل خلافا لمن خص ذلك بقول الصحابي الذي شهد له الشرع بمزيد علم ولمن منع من الترجيح بقوله مطلقا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.

التحرير في قاعدة المشقة تجلب التيسير

التحرير في قاعدة المشقة تجلب التيسير ¤عامر سعيد الزيباري£بدون¥دار ابن حزم - بيروت¨الأولى¢1415هـ€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية الخاتمة إن الشريعة الإسلامية تمتاز بقابليتها للتجديد ومواكبتها للتطور الزمني والبشري على مر الأزمان والعصور، وتمتاز كذلك بخاصية التيسير ورفع الحرج ورعاية المصالح فحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله. فهي شريعة تستحق البقاء والخلود وهي بحق أساس سعادة البشرية في ظل حضارة شاملة وكاملة. وصدق الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: {قَدّ جَآءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإذنِهِ وَيَهدِيِهم إلى صِرَاطٍ مُّستَقِيم ٍ}. فمن خلال هذا البحث اتضح أن الشريعة الإسلامية مثلما سلكت مسلك الحزم في تقرير أحكامها. اتخذت كذلك مسلك التيسير والرحمة بالقدر الذي لا يفضي إلى الإخلال بمقاصد الشريعة. ويتجلى ذلك بما ثبت من التيسيرات والأحكام الخاصة بالأعذار وفي هذا تأكيد على أن المقصود من التكليف هو حصول الامتثال وتحقيق مقاصد الشرع من جلب المصالح ودرء المفاسد. والمكلف مطالب بتحقيق طلب الشارع ما دام أنه قادر لما كلف به في الطلب الأول، فإذا حصل له ظرف طارئ من مرض أو سفر أو حاجة ونحو ذلك من أسباب التيسير فإنه يعدل إلى هذه الأحكام المخففة ولا يكلف نفسه معاناة الطلب الأول من غير أن ينقص من أجره شيء بل الأبعد من ذلك، أن المسلم إذا كان له عادة في أداء عبادة في حالة الصحة أو الإقامة ثم طرأ عليه من المرض أو السفر ما يمنعه ذلك، ثبت له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحاً أو مسافراً. يقول عليه الصلاة والسلام:"إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً". كما اتضح أن التيسير قد لا يكون مقصوراً على الظروف العارضة للأفراد في أحوال الاضطرار بل ربما يشمل كذلك الحاجيات والضرورات العامة المؤقتة وذلك كأن يعرض الاضطرارللأمة أو طائفة عظيمة منها تستدعي إباحة الفعل الممنوع لتحقيق مقصد شرعي كسلامة الأمة وإبقاء قوتها. وهذا مما جعل الموضوع خصباً وقابلاً لأن ينال حظه من الدراسة الجادة والموضوعية لحاجة المسلم المعاصر إلى توضيح وضبط كثير من الأمور وبشكل خاص ما يتعرض له في حياته اليومية وكذلك ما يطرأ على المجتمع في مختلف جوانب الحياة من ظروف وتطورات أو طوارئ تتبدل بها الأحكام تخفيفاً أو تيسيراً. والله ولي التوفيق.

التحسين والتقبيح العقليان وأثرهما في مسائل أصول الفقه مع مناقشة علمية لأصول المدرسة العقلية الحديثة

التحسين والتقبيح العقليان وأثرهما في مسائل أصول الفقه مع مناقشة علمية لأصول المدرسة العقلية الحديثة ¤عايض بن عبدالله بن عبدالعزيز الشهراني£بدون¥كنوز إشبيليا – الرياض¨الأولى¢1429هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة الخاتمة: أهم النتائج التي توصلت إليها: 1) أن العقل في اللغة يدور حول معنى المنع والحبس، ويطلق على عدة معان أخرى لها علاقة بهذا المعنى. وأما في الاصطلاح؛ فقد اختلف فيه العلماء كثيراً، والذي ترجَّح لي أنه يطلق على ثلاثة معان، وهي: 1 - الغريزة التي خلقها الله تعالى في الإنسان، والتي بها يَعلَم ويعقل، وتُميِّزه عن سائر الحيوان. 2 - العلوم الضرورية التي لا يمكن أن يخلو منها عاقل. 3 - العلوم المستفادة من التجارب. 2) أن العقول تتفاوت بين الناس كما تتفاوت سائر صفات الأحياء؛ من القدرة والإرادة والسمع والبصر. 3) أن العقل له مكانة كبيرة في شريعة الإسلام، ولا أدل على ذلك من كثرة تكرار مادة (عقل) في كتاب الله تعالى، وقد وردت كلها على سبيل مدح من اتصف به، أو ذم من انتفى عنه، أو على سبيل الحث على إعماله للوصول إلى حقيقة ما. 4) أن المجالات التي يمكن للعقل أن يُعمل فيها دورَه كثيرة جداً، سواء في مجال الاعتقاد أو الشرائع أو الأخلاق أو التجارب والابتكارات. غير أن هناك مجالات يعجز العقل عن دركها؛ فينبغي عدم إقحامه فيها؛ وذلك كأمور الغيب، وإثبات أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، والخوض في القدر، والحكم بالحل والحرمة والوجوب والندب والكراهة من دون الاستناد إلى النصوص الشرعية. 5) أن التحسين مأخوذ من الحسن، وهو في اللغة: ضد السيء، والتقبيح مأخوذ من القبح، وهو في اللغة: ضد الحسن. ومعنى الحسن اصطلاحاً: هو النافع، أو ما يعود به على فاعله نفع. ومعنى القبيح اصطلاحاً: هو الضار، أو ما يعود به على فاعله ضرر. 6) أن أول من وقع في شبهة التحسين والتقبيح العقليين هو إبليس عياذاً بالله منه، ثم تتابع على ذلك أتباعه من بني آدم؛ كالمجوس والثنوية والتناسخية والصابئة والبراهمة والفلاسفة وبعض اليهود والنصارى. 7) أن أبرز فرقة من فرق أهل القبلة اشتهر عنها القول بالتحسين والتقبيح العقليين هي فرقة المعتزلة، وقد انتقل إليهم هذا القول عن طريق روافد غير إسلامية؛ كبعض النصارى من أمثال يوحنَّا أو يحيى الدمشقي، وكالثنوية المجوس، والبراهمة، وفلاسفة اليونان، وكان الفلاسفة اليونان من أقوى الروافد في ذلك. 8) أن قاعدة التحسين والتقبيح العقليين من مهمات القواعد وكبار المسائل، وذلك لارتباطها بعلوم عدة؛ كعلم الكلام، وعلم أصول الفقه، وعلم الفقه، إلى جانب كثرة الثمرات المترتبة على الخلاف فيها. 9) أن الأصوليين ذكروا مسألة التحسين والتقبيح العقليين في كتب أصول الفقه لعلاقتها الكبيرة بمبحث الحكم التكليفي؛ إذ أن من قال بالتحسين والتقبيح بإطلاق رتَّب على ذلك الإيجاب والتحريم والندب والكراهة والإباحة، ومن لم يقل بذلك نفى هذا. 10) الذي ظهر لي أن مسألة التحسين والتقبيح العقليين فيها مواطن اتفاق بين العلماء، ومواطن اختلاف بينهم. أما مواطن الاتفاق فهي: 1 - الأحكام العقلية، كالحسابيات والهندسيات، ونحوها، فهذه الأحكام قد اتفق الجميع على أنها من مدارك العقول، ولا يتوقف دركها على الشرع المنقول. 2 - الأحكام الشرعية التعبدية، وهذه لا خلاف بين العلماء في أن مرجعها إلى الشرع دون العقل. 3 - أن كل ما أمر الله به ورسوله فهو حسن، وأن كل ما نهى الله عنه ورسوله فهو قبيح. وأما مواطن الاختلاف، فهي:

أ) إدراك العقول لحُسن الأشياء وقبحها؛ بمعنى أن الأفعال والأعيان هل في ذواتها حقائق متقررة هي أهل لأن تراعى وتؤثر وتستتبع الرفع من شأنها أو شأن المتصف بها؟ وحقائق هي أهل في نفسها لأن يُعدل عنها، وتستتبع الوضع من شأن من اتصف بها؟ ب) المجازاة على الأفعال بذم أو عقاب أو مدح أو ثواب هل تعرف بالعقل أو يستقلُّ الشرع بها؟ 11) أن العلماء اختلفوا في محل النزاع في مسألة التحسين والتقبيح العقليين على ثلاثة أقوال مشهورة إجمالاً، وهي: القول الأول: نفي التحسين والتقبيح العقليين؛ بمعنى نفي إدراك العقل لحسن الأشياء أو قبحها، وأن الأفعال لا توصف بالحسن والقبح لذواتها، وليس في العقل حُسْن حَسَن ولا قُبْح قَبيح؛ بل حُسْن الأفعال وقُبْحها مستفادان من الشرع فحسب، ولا مدح ولا ثواب ولا ذم ولا عقاب إلا بالشرع. القول الثاني: أن العقل يمكنه إدراك حُسْن أو قُبْح كثير من الأفعال والأشياء؛ لما تشتمل عليه من صفات الحُسْن أو القُبْح الذاتيين، فتسمى الأشياء والأفعال قبل الشرع حَسَنة أو قَبيحة، لكن لا يترتب على ذلك الإدراك وجوب ولا تحريم ولا ثواب ولا عقاب؛ بل الأمر في ذلك متوقف على ورود الدليل الشرعي به. 12) أن الخلاف في التحسين والتقبيح العقليين يعود إلى الخلاف في عدة أصول، أهمها ما يلي: أ) أفعال الله تعالى وأوامره ونواهيه: هل هي معللة بالحِكم والغايات أو لا؟ والحق في ذلك ما عليه السلف من أن الله تعالى خلق المخلوقات وفعل المفعولات وأمر بالمأمورات ونهى عن المنهيات لحِكمة مقصودة. ب) الحِكمة المثبتة لله تعالى: هل هي فعل يقوم بالله سبحانه قيام الصفة به؛ فيرجع إليه حُكمها ويشتق له اسمها أم ترجع إلى المخلوق فقط من غير أن يعود إلى الرب منها حُكم أو يشتق له منها اسم؟ والحق هو الأول، وهو ما عليه السلف الصالح. ج) إرادة الله تعالى هل تعلقها بجميع الأفعال تعلق واحد؟ فما وجد منها فهو مراد له، محبوب مرضي - طاعة كان أو معصية - وما لم يوجد منها فهو مكروه مبغوض، طاعة كان أو معصية أو لا؟ والحق ما عليه السلف من أن الإرادة لا تستلزم الرضا والمحبة، فالمعاصي كلها مكروهة لله؛ وإن وقعت بمشيئته وخلقه، والطاعات كلها محبوبة لله؛ وإن لم يشأها كوناً ممن لم يطعه. د) أفعال العباد هل هي مخلوقة لله أو لأنفسهم؟ والحق في ذلك ما عليه السلف من أن الله خالق أفعال العباد كلها، والعباد فاعلون لها حقيقة، ولهم قدرة حقيقية على أفعالهم، ولهم إرادات، والله خالقهم وخالق قُدَرِهم وإراداتهم، وإراداتهم خاضعة لمشيئة الله الكونية. 13) أن الخلاف في التحسين والتقبيح العقليين خلاف معنوي؛ ترتبت عليه ثمرات عقدية وأصولية وفقهية. فمن الثمرات العقدية المترتبة على الخلاف في التحسين والتقبيح العقليين ما يلي: أ) معرفة الله تعالى هل هي واجبة بالشرع أو بالعقل؟ ب) الخلاف في وجوب شكر المنعم عقلاً. ج) الخلاف في وجوب الصلاح والأصلح على الله تعالى. د) الخلاف في وجوب اللطف على الله تعالى. هـ) الخلاف في وجوب الثواب على الطاعات. و) الخلاف في إثبات عذاب القبر. ز) الخلاف في الجنة والنار هل هما مخلوقتان الآن، وغير ذلك من الثمرات .. ومن الثمرات الفقهية المترتبة على الخلاف في التحسين والتقبيح العقليين ما يلي: أ) الخلاف في صحة إسلام الصبي المميز. ب) الخلاف في قبول خبر الواحد في رؤية الهلال في الصحو. ج) الخلاف في انعقاد نَذْرِ من نَذَر صوم يوم العيد وأيام التشريق. د) الخلاف في قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض.

14) أن الذي يترجح لي في مسألة التحسين والتقبيح العقليين هو ما عليه أئمة السلف من إثبات إدراك العقل لحُسن أو قُبح كثير من الأشياء والأفعال؛ لكن لا يترتب على ذلك الإدراك حكم شرعي من إيجاب أو تحريم أو ندب أو كراهة أو إباحة؛ بل الأمر في ذلك متوقف على ورود النصوص الشرعي؛ وذلك لأن هذا القول هو ما تشهد له النصوص الشرعية والِفطَر المستقيمة والعقول السليمة. 15) لقد ظهر لي تأثُّر كثير من المسائل الأصولية بالخلاف في التحسين والتقبيح العقليين، بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد ذكرت من ذلك المسائل التالية: 1 - مسألة شكر المنعم. 2 - مسألة الصلاح والأصلح. 3 - حد الواجب. 4 - الواجب المخيَّر. 5 - حد الحرام. 6 - المنهي عنه في مسألة النهي عن أحد الأمرين. 7 - حد المندوب. 8 - قبح المكروه. 9 - حد المباح. 10 - تسمية المباح حسناً. 11 - دخول الإباحة في الحكم الشرعي. 12 - هل المباح مأمور به؟ 13 - التكليف هل يكون مقيداً بالأصلح؟ 14 - حكم أفعال العقلاء قبل ورود الشرع. 15 - تكليف ما لا يطاق. 16 - تقدير خلو واقعة عن حكم الله تعالى. 17 - فتور الشريعة. 18 - هل فعل غير المكلف حسن أو لا؟ 19 - وقت توجه التكليف بالفعل. 20 - هل الكف فعل أو ليس بفعل؟ 21 - حسن التكليف إذا توجه إلى من عُرفت معصيته. 22 - تكليف المكره. 23 - تكليف المعدوم. 24 - تكليف من لم تبلغه الدعوة. 25 - دلالة أفعال النبي صلى الله عليه وسلم من حيث الوجوب وغيره. 26 - تقرير الرسول صلى الله عليه وسلم على فعل، هل يدل على الجواز من جهة الشرع أو من جهة البراءة الأصلية؟ 27 - العلم الحاصل من خبر التواتر هل هو ضروري أم نظري؟ 28 - العمل بخبر الواحد عقلاً. 29 - حكم العمل بالقياس عقلاً. 30 - اشتراط أن يكون الطريق إلى معرفة حكم الأصل المقيس عليه سمعياً. 31 - حد العلة. 32 - حجية شرع من قبلنا. 33 - حجية الاستصحاب. 34 - حجية المصلحة المرسلة. 35 - حجية الاستحسان. 36 - حجية الاحتياط العقلي. 37 - حقيقة النسخ. 38 - ثبوت النسخ. 39 - نسخ الأخبار. 40 - نسخ جميع التكاليف والعبادات. 41 - نسخ التلاوة دون الحكم. 42 - نسخ الحكم دون التلاوة. 43 - نسخ المأمور به قبل التمكن من فعله. 44 - نسخ الحكم إلى بدل أثقل منه. 45 - أمر الله للمكلف بما يعلم أنه لا يمكنه منه، ويحال بينه وبينه. 46 - ورود الأمر من الله متعلقاً باختيار المأمور. 47 - هل يجوز أن يكون الفعل الواحد مأموراً به منهياً عنه أم لا؟ 48 - اقتضاء النهي الفساد. 49 - حكم إسماع الله المكلف الخطاب العام المخصوص دون أن يسمعه الدليل المخصص. 50 - تخصيص العموم بالعقل. 51 - وجود الألفاظ المشتركة في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. 52 - تأخير البيان. 53 - عصمة الأنبياء. 54 - تعبد النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد فيما لا نص فيه. 55 - تعبد الصحابة رضي الله عنهم بالاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. 56 - حكم التقليد في الفروع. 57 - حكم الأخذ بالأخف من أقوال المجتهدين المتساوين. 16) أن المدرسة العقلية الحديثة تعبير اصطلاحي عن ذلك التوجه الفكري الذي يسعى إلى التوفيق بين النصوص الشرعية وبين الفكر الغربي المعاصر، وذلك بتطويع النصوص وتأويلها تأويلاً يتلاءم مع المفاهيم المستقرة لدى الغربيين، وبما يتناسب مع انفجار المعلومات والاكتشافات الصناعية الهائلة، منادين بتجديد الأفكار والمفاهيم بما يساير العصر وبما يتفق ومقررات العقل، وبدعوى أن الغرب لم يتقدم علمياً حتى جدد في مفاهيم الدين، وجعله تابعاً لحكم العقل وهيمنته.

17) أن من رجال المدرسة العقلية الحديثة المؤسسين لها جمال الدين الأفغاني، وقد ترسخت أفكارها وازدادت قوتها على يد تلميذه محمد عبده. 18) أن هناك أموراً تميز بها أصحاب المدرسة العقلية الحديثة عن غيرهم، على تفاوت بينهم في درجة الأخذ بها، ومن أبرزها ما يلي: أ) الغلو في تعظيم العقل. ب) رد السنة النبوية كلياً أو جزئياً. ج) التوسع في باب الاجتهاد وتحميله ما لا يحتمل. د) تناول الأحكام الشرعية تناولاً يستجيب لضغوط الواقع على حساب النصوص الشرعية. هـ) اعتماد الفهم المقاصدي للإسلام، وبما يخالف النصوص الشرعية في كثير من الأحيان. و) استباحة الخوض في أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله، وإعمال العقل فيها. ز) السخرية من المخالف، واحتقار المتَّبِعين لمنهج السلف والتهوين من شأنهم، ورميهم بالجمود والتعصب. ح) الثناء على أهل البدع والضلال، والترويج للفرق المنحرفة، وإحياء مقالات النِّحَل الضالة؛ كالمعتزلة والقرامطة والباطنية والخوراج، وغيرهم. 19) أن أصحاب المدرسة العقلية الحديثة قد تأثروا بالتحسين والتقبيح العقليين في نظرتهم للقرآن الكريم من خلال ما يلي: أ) تفسير بعضهم الوحي بأنه عرفان يجده الشخص من نفسه، أو أنه العقل الباطن لدى اتصاله بالعالم الروحاني. وهذا تفسير مخالف للنصوص الشرعية المبيِّنة لأنواع الوحي المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم. ب) دعوى بعضهم الاكتفاء بالقرآن وحده في فهم أحكام الإسلام كلياً أو جزئياً. وهذه الدعوى لا يخفى بطلانها ومخالفتها للكتاب والسنة وإجماع الأمة. ج) التقليل من شأن التفسير بالمأثور. وهذا أمر مخالف لما عليه السلف من الإشادة بهذا النوع من التفسير؛ وجَعْله أعلى أنواع التفسير قوة. د) تحكيمهم العقل في تفسير كتاب الله تعالى. وهذا فيه إعراض عن نصوص الكتاب والسنة المفسِّرة للآيات، واتباع للهوى، وتحريف للكلم عن مواضعه. 20) أن أصحاب المدرسة العقلية الحديثة قد تأثروا بالتحسين والتقبيح العقليين في نظرتهم للسنة النبوية من خلال ما يلي: أ) إنكار بعضهم السنة النبوية كلياً. وهذا فيه إنكار لأصل متفق عليه بين أهل الإسلام. ب) إنكار العمل بخبر الآحاد في العقائد وأصول الإسلام. وهذا تفريق بين شرائع الإسلام بلا حجة ولا برهان؛ بل وبما يخالف النصوص الشرعية وما عليه سلف الأمة من أن خبر الآحاد إذا تلقَّتْه الأمة بالقبول أفاد العلم وأوجب العمل. ج) تقسيمهم السنة إلى تشريعية وغير تشريعية؛ بحيث يلزم الأخذ بالأولى دون الثانية. وهذه من بدَعِهم المحدثة التي تخالف النصوص الشرعية القاضية بأن كل ما صدر من النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير يعتبر تشريعاً، ولا يخرج شيء عن هذا الأصل إلا ما جاء الدليل على أنه من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، أو كان اجتهاداً صدر منه صلى الله عليه وسلم ولم يُقَرَّ عليه. د) ردُّ بعض الأحاديث الصحيحة من غير حجة؛ سوى مخالفتها عقولَهم! وهذا لا شك في بطلانه؛ إذ لا يتصور تعارض صريح المعقول مع صحيح المنقول مطلقاً، وعلى فرض وَهْم التعارض فالواجب تقديم النقل الصحيح؛ كما دلت عليه الأدلة الشرعية الموجبة تحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حصل فيه خلاف. هـ) طعن كثير منهم في منهج المحدِّثين في قبول أو ردِّ الأحاديث النبوية، وسلوكهم المنهج العقلي في ذلك، وجَعْله معياراً للرد أو القبول. وكل ما ذكروه في ذلك مجرد افتراء محض على المحدِّثين يبطله جهودهم العظيمة في نقد الأحاديث وتمحيصها سنداً ومتناً؛ مما لا مثيل له في أي أمة من الأمم.

وأما بخصوص اتباعهم المنهج العقلي في نقد الأحاديث فقد سبق الكلام عليه في النقطة السابقة، هذا إلى جانب كون هذا المعيار العقلي الذي انتهجوه ليس منضبطاً؛ بل هو نسبي إضافي، يتفاوت فيه الناس، وما هذا حاله لا يصلح أن يكون معياراً. 21) أن أصحاب المدرسة العقلية الحديثة قد تأثروا بالتحسين والتقبيح العقليين في نظرتهم للإجماع، وذلك من خلال ما يلي: أ) التشكيك في الإجماع كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي أو التصريح بإنكار حجيته. وهذا مخالف للنصوص الشرعية وإجماع السلف، وإنكار لأصل من أصول التشريع. ب) الدعوة إلى الاجتهاد فيما أجمع عليه السابقون كنتيجة لإنكار الإجماع أصلاً. وهذا كما سبق مخالف لما جاءت به النصوص الشرعية واتفق عليه السلف من تحريم مخالفة الإجماع. ج) إحداث مفاهيم جديدة للإجماع؛ كالاستفتاء أو التصويت، وما يترتب على ذلك من توسيع دائرة الإجماع، وإدخال من ليس من أهل الإجماع فيه. وهذا مخالف لمعنى الإجماع الأصولي المعروف، وليس منه في شيء. 22) أن أصحاب المدرسة العقلية الحديثة قد تأثروا بالتحسين والتقبيح العقليين في نظرتهم للمصالح، وذلك من خلال ما يلي: أ) التوسع في العمل بالمصالح من دون ضوابط أو قيود. وهذا مخالف لما عليه الأئمة من السلف؛ من أن العمل بالمصالح المرسلة لابد أن يكون وفق ضوابط وشروط، أهمها ما يلي: 1 - أن تكون من المصالح الدنيوية الواقعة في قسم العادات والمعاملات، مما يعقل معناه لنا. 2 - أن تكون ملائمة لتصرفات الشرع في الجملة، ولا تنافي أصلاً من أصوله ولا قاعدة من قواعده العامة. 3 - أن لا تعارض نصاً من كتاب أو سنة ولا إجماعاً ولا قياساً صحيحاً. ب) تقديم العمل بالمصالح على النصوص الشرعية. وهو أمر مخالف للشروط التي وضعها العلماء للعمل بالمصالح المرسلة كما سبق، ثم إنه لا يتصور في النصوص الشرعية - التي إنما جاءت لتحقيق مصالح العباد الدنيوية والأخروية - أن تخالف ما جاءت لأجله. 23) أن أصحاب المدرسة العقلية قد تأثروا بالتحسين والتقبيح العقليين في نظرتهم للاجتهاد، وذلك من خلال ما يلي: أ) زعمهم أن الاجتهاد لا ينحصر في الفروع؛ بل لابد أن يكون في الأصول أيضاً. وهذا يؤدي إلى التحلل من الشريعة والتفلُّت من أصولها. ب) دعوتهم إلى إلغاء اجتهادات الفقهاء السابقين وعدم الاعتداد بها، واتهامهم الفقهاء بالعزلة والبعد عن الحياة العامة. وهذه الدعوة تهدف إلى فكرة الاجتهاد المفتوح التي لا تبالي بإجماع ولا خلاف، وفي ذلك خطر الخروج عن إجماع المسلمين. وبخصوص ما ذكروه عن فقهاء السلف فهو افتراء محض؛ يكذِّبه التاريخ وسير أولئك الأعلام. ج) تقسيمهم التشريع إلى ثابت ومتغير. وهذا يهدف إلى إلغاء كثير من أحكام الشرع وتأويل الأدلة؛ لتكون تابعة لواقع بعض المجتمعات في العصر الحاضر، ثم إنَّ ما ثبت حكمه بنص القرآن والسنة فهو ثابت لا يمكن تغييره إلا بنص من القرآن أو السنة، وهذا ممتنع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما استدلوا به في هذا الشأن فمردُّه إلى تغير صورة المسألة، أو تغير الاجتهاد في مَدْرَك حكمها. د) دعوتهم إلى الاجتهاد الطليق من كل قيد أو شرط. وهذه الدعوة يلزم منها لوازم باطلة؛ منها: فتح باب الاجتهاد على مصراعيه في كل مجال ولكل أحد، ولا شك أن للاجتهاد مجالاته المعروفة، ولابد أن يكون القائم به مجتهداً مستجمعاً لشروط الاجتهاد المعروفة. هـ) زعمهم أن النسخ يمكن أن يكون بِيد المجتهد، يستخدمه إذا رأى قصور أحكام الشريعة عن تحقيق المصالح. وهذا كلام بيِّن البطلان؛ إذ فيه اتهام الشريعة بعدم تحقيق مصالح العباد في بعض أحكامها، ومن ثَم تحتاج إلى من يسد ذلك بنسخ ما فيه قصور من النصوص. هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى فإن النسخ لا يكون إلا بدليل شرعي من الكتاب أو السنة، ولا يحل لأحد أن ينسخ من عند نفسه بلا دليل. و) ترجيحهم في مسائل الشرع بحسب ما يناسب الشخص أو المجتمع؛ دون اعتبار بالبحث والنظر في الأدلة وفق قواعد الترجيح المعروفة. وهذا - بلا شك - تحكيم الهوى والتشهي، يرفضه من له عقل سليم وفطرة مستقيمة. ثانياً: التوصيات: 1) القيام بدراسة علمية مفصلة في موضوع تخريج الأصول على الأصول تتناول قسماً تأصيلياً، وقسماً تطبيقياً في مشروع علمي يتبناه قسم أصول الفقه، ويشتمل في آحاده على استقراء الأصول المتعلقة بالعقيدة أو المتعلقة بأصول الفقه، والتي أثر الخلاف فيها في جملة من المسائل الأصولية، وتحرير الكلام في ذلك. 2) القيام بدراسة نقدية جادة لموضوع الاجتهاد لدى أصحاب المدرسة العقلية الحديثة، وذلك بحصر كل ما كتبوه في ذلك وتقويمه حسب منهج علمي شرعي، يقبل الحق ويرد الباطل. وذلك لأهمية هذا الموضوع بصفة خاصة، ولعدم وجود دراسة وافية لهذا الموضوع في حدود علمي.

التداخل بين الأحكام في الفقه الإسلامي

التداخل بين الأحكام في الفقه الإسلامي ¤خالد بن سعد الخشلان£بدون¥دار إشبيليا - الرياض¨الأولى¢1419هـ€أصول فقه¶تداخل الأحكام الخاتمة الحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً. أما بعد: فلا يسعني وقد من الله علي بتمام هذا البحث، إلا تكرير الشكر والثناء لله عز وجل على حسن الختام والتمام، وأسأله سبحانه وتعالى المزيد من فضله، وهو أكرم الأكرمين. كما لا يفوتني أن أعيد ما ذكرته في المقدمة من أن هذا البحث جهد بشري قابل للخطأ والصواب، وحسبي أني اجتهدت وتحريت الصواب، فإن كان هذا فهو محض فضل الله عز وجل والله ذو الفضل العظيم، وإن كان الآخر فأستغفر الله وأتوب إليه، وأنا راجع إلى الحق عند ظهوره لي. ولا أزعم أني أتيت بجديد لم أسبق إليه، غير أني جمعت ما تفرق، ونظمت ما تناثر، وهذه جملة من أبرز ما دونته في هذا البحث: 1 - المقصود بالتداخل: اجتماع مخصوص، لحكمين شرعيين، مخصوصين، والاكتفاء بواحد منهما على سبيل التخيير غالباً، مع حصول ثوابهما معاً، أو ثواب واحد منها. 2 - إن التداخل واقع في أبواب كثيرة في الفقه الإسلامي. 3 - إن التداخل إنما ينشأ عن أسباب ثلاثة وهي: الاجتماع، والتعدد، والتكرار. 4 - إن وقوع التداخل يتوقف على توافر شروط وانتفاء موانع. 5 - إن وقوع التداخل بين الأحكام يتجلى فيه مبدأ التخفيف، ورفع الحرج ودفع المشقة. 6 - إن الأصل أن الأحكام تتعدد بتعدد مسبباتها، والتداخل على خلاف الأصل. 7 - إن للنية علاقة وثيقة بالتداخل من حيث الإجزاء، والثواب. 8 - إن المسائل الفقهية التي اختلف العلماء في وقوع التداخل فيها، لم يكن خلافهم في الجملة مبنياً على نفي التداخل في الأصل، وإنما كان مبنياً على خلافهم في التقعيد والتأصيل للمسألة، ومثال ذلك: التداخل في كفارة الوطء إذا تكرر في أيام من رمضان، فالقائلون بتداخل الكفارة بنوا ذلك على أن الشهر كله عبادة واحدة، والقائلون بتكرر الكفارة بتكرر الأيام بنوا ذلك على أن كل يوم عبادة مستقلة، ولم يكن خلافهم مبنياً على القول بعدم وقوع التداخل، وهكذا القول في عامة مسائل التداخل. وأختم هذه الإشارة الموجزة لأبرز ما احتوته الرسالة بسؤال الله عز وجل الإخلاص في القول والعمل، والثبات على السنة في الحياة وعند الممات، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل خير أعمارنا آخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقائه، وأن يغفر لي، ولوالدي، ولمشايخي، وسائر إخواني المسلمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

التداخل وأثره في الأحكام الشرعية

التداخل وأثره في الأحكام الشرعية ¤محمد خالد عبدالعزيز منصور£بدون¥دار النفائس - عمان¨الأولى¢1418هـ€أصول فقه¶تداخل الأحكام الخاتمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله، وصحبه أجمعين، وبعد:- فقد توصلت من خلال البحث إلى نتائج، ومن أهمها: 1 - أن التداخل هو: "ترتب أثر واحد عند اجتماع أمرين أو أكثر متفقين، أو مختلفين من جنس، أو من جنسين، لدليل شرعي". 2 - محل التداخل عند جمهور الفقهاء هو: الأسباب، وعند الحنفية: فمحل التداخل في العبادات: الأسباب، وفي العقوبات: الأحكام. 3 - أن مفهوم التداخل له صلة وثيقة بمقاصد الشريعة؛ بما يساهم في تحقيقها، وتنميتها، والمحافظة عليها. 4 - أن التشريك في النية صورة من صور التداخل في العبادات جاءت استثناء على خلاف الأصل. 5 - أن التداخل في العبادات يكون فيما يلي: أولا: التداخل في الطهارات، ويكون في المسائل التالية: أ- إذا اجتمعت أسباب متعددة للوضوء، فيكفي لها وضوء واحد. ب- إذا اجتمعت أسباب الغسل الواجب، والمسنون، فإنه يكفي للواجب، ويحصل الأجر للمسنون. جـ- إذا اجتمعت أسباب الوضوء، والغسل، فإنه يكتفي بالغسل. د- إذا ولغت كلاب في إناء أو ولغ كلب مرارا، فيكفي لذلك غسل واحد للإناء. ثانيا: التداخل في الصلاة، ويكون في المسائل التالية: أ- إذا تكرر الأذان لوقت واحد، فتكفي لذلك إجابة واحدة. ب- الاكتفاء بأذان واحد؛ لفوائت متعددة. ج- الجمع بين الصلاتين صورة من صور التداخل في وقتي الصلاتين المجموعتين. د- الاكتفاء بأذان واحد للصلاتين المجموعتين إعمالا لمفهوم التداخل. هـ- أن تحية المسجد تتداخل مع الفرض، أو النفل، لاتحاد مقصودهما. وإذا اجتمع الجمعة والعيد، فإنه يكتفي بحضور إحداهما، مع بقاء المطالبة سهو واحد. ن- إذا تلا القارئ سجدات للتلاوة في مجلس واحد، ولآية واحدة، فإن السجدات تتداخل، ويكفي لها سجود تلاوة واحد. ثالثاً: التداخل في الصوم، ويكون في المسائل التالية: أ- يتداخل صوم رمضان، وصوم الاعتكاف عند المالكية، ويجزئ عنهما صوم واحد. ب- يكون التداخل في كفارة المجامع في نهار رمضان في حالتين: الأولى: إذا جامع مرارا في يوم واحد قبل أن يكفر عن الجماع الأول. الثانية: إذا جامع مرارا في يوم واحد بعد أن يكفر عن الجماع الأول، فتكفي لهما كفارة واحدة. رابعاً: التداخل في الحج، ويكون في المسائل التالية: أ- يتداخل طواف الإفاضة، وطواف الوداع، ويكفي عنهما طواف واحد؛ لاتحاد مقصودهما. ب- تتداخل أفعال الحج والعمرة في حج القران، فيكفي لهما نية واحدة، وسفر واحد، وإحرام واحد، وميقات واحد، وحلق واحد، وذلك بإدخال الحج على العمرة، لا العكس. ج- يلزم القارن بين الحج والعمرة طواف واحد، وسعى واحد. د- يكون التداخل في فدية الحج في الصور التالية: الأول: إذا قتل المحرم صيدا في الحرم، فإن حرمة الحرم تتداخل في حرمة الإحرام، ويكفي لذلك فدية واحدة. الثانية: إذا جامع المحرم مرة بعد مرة، ولم يكفر عن الجماع الأول، فإن الفدية تتداخل، ويكفيه فدية واحدة عن ذلك كله. الثالثة: تتداخل محظورات غير الجماع والصيد، إذا كانت من جنس واحد إذا اتحد المجلس، أو تقارب فعلها، ويكفي لها فدية واحدة. الرابعة: تتداخل محظورات غير الجماع، إذا كانت من جنسين، إذا ظن المحرم إباحة ارتكاب تلك المحظورات، فيكفي لها فدية واحدة. الخامسة: تتداخل أسباب الدماء الواجبة في الحج، إذا كانت من نوع واحد، ويكفي لها دم واحد. خامساً: يكون التداخل في الجنائز إذا دفن أكثر من ميت في قبر واحد للضرورة. سادساً: يكون التداخل في الأيمان في الصور التالية:

أ- إذا تكرر اليمين مع اتحاد المحلوف به، والمحلوف عليه، فإنه يكفي لذلك كفارة واحدة. ب- إذا تكرر اليمين مع اتحاد المحلوف عليه، واختلاف المحلوف به، فإنه يكفي لذلك كفارة واحدة. سابعاً: أن التداخل في النكاح، وما يتصل به يكون فيما يلي: أولا: التداخل في النكاح، ويكون فيما إذا تكرر الوطء الفاسد، أو الوطء بشبهة متحدة بالنوع، أو بالشخص، ويكفي لذلك مهر واحد، ويعتبر في تقديره مهر المثل يوم الوطء كيفما كان حال الموطوءة. ثانيا: التداخل في العدد، ويكون في الحالات التالية: الحالة الأولى: إذا كانت العدتان من جنس واحد، ولرجل واحد، فإنهما تتداخلان. الحالة الثانية: إذا كانت العدتان من جنسين، لرجل، أو لرجلين، فإنهما تتداخلان. ثالثا: التداخل في الإيلاء، ويكون فيما إذا كرر الإيلاء أكثر من مرة على امرأة واحدة، فيجب عليه كفارة واحدة. رابعاً: التداخل في كفارة الظهار، ويكون في الحالتين التاليتين: الحالة الأولى: إذا كرر الظهار، وكان المظاهر منهن أكثر من زوجة، واتحد لفظ الظهار، فإنه يكفي لذلك كفارة واحدة. الحالة الثانية: إذا كرر الظهار، وكان المظاهر منها زوجة واحدة، وتعدد لفظ الظهار، فإنه يكفي لذلك كفارة واحدة. ثامناً: أن التداخل في العقوبات، يكون فيما يلي: أولاً: التداخل في الجناية على النفس، وما دونها، وتكون في المسائل التالية: أ- إذا كانت الجناية على النفس والطرف متحدة جنسا، عمدا، أو خطأ، وقبل اندمال الجرح؛ فإن جناية الطرف تتداخل مع الجناية على النفس، ويكفي لذلك استيفاء الجناية على النفس، سواء أكانت قصاصا، أم دية. ب- إذا اعتدى رجل واحد على رجلين، وكانت الجنايتان عمدا، فإن الجناية على النفس تتداخل مع الجناية على ما دون النفس، ويكفي لذلك القصاص في النفس. ثانيا: التداخل في الديات، ويكون في الحالات التالية: الأولى: التداخل بين دية النفس، وما دونها، إذا كانت الجنايتان متفقتين، كانتا قبل البرء، فيكفي لذلك دية النفس. الثانية: التداخل في ديات الأطراف، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: التداخل في ديات الأطراف، وذلك بتداخل دية بعض الطرف في دية بعضه الآخر، أو أن دية البعض تشمل دية الكل، ومن صور التداخل في ديات الأطراف ما يلي: 1 - دخول دية الكف في دية اليد، ودية الأصابع في دية الكف، وحكومة الأظفار والشعر في دية اليد، فيكفي لذلك دية اليد. 2 - دخول دية أصابع الرجل في دية الرجل، فيكفي لذلك دية الرجل. 3 - دخول دية الأجفان في دية الأهداب، فيكفي دية الأهداب. 4 - وجوب حكومة عدل إذا قطع الثدي بعد قطع الحلمتين؛ لدخول دية الثدي في دية الحلمتين. 5 - دخول دية بقية الذكر في دية الحشفة، فلا دية للباقي. 6 - دخول أرش الظفر في الأنملة، فيكفي أرش الأنملة. 7 - دخول حكومة السنخ في دية السن، فتكفي دية السن. 8 - دخول حكومة قصبة الأنف في دية المارن، فيكفي أرش المارن. القسم الثاني: التداخل في ديات المعاني، ومنافع الأعضاء، وذلك إذا كان الطرف محلا لمنفعة، وزالت تلك المنفعة، وجبت دية واحدة لذهاب العضو، ومنفعته. القسم الثالث: التداخل في أروش الجراح، والشجاج، وذلك في صورتين: الأولى: حصول موضحتين، أو جائفتين، وبينهما حاجز، وخرق الجاني ذلك الحاجز، أو ذهب الحاجز بالسراية، أو شجه شجة واحدة، بعضها موضحة، وبعضها دون ذلك، فيجب في كل ذلك دية واحدة لموضحة واحدة. الثانية: إذا شج رجلا، فذهب شعره، دخل فيه أرش الموضحة. ثالثا: التداخل في الحدود، ويكون في قسمين: القسم الأول: التداخل في الحدود المتفقة في الجنس، وذلك قبل إقامة الحد الأول، فيكتفي بعقوبة واحدة، وحد واحد، وفيه المسائل التالية.

1 - التداخل في حد الزنا، ويكون في الصور التالية: الأولى: إذا كرر الزنى بعد إقامة جزء من حد الجريمة الأولى؛ فإنه يكفيه إتمام الحد الأول، ويتداخل الحدان، إذا كانت العقوبة المطبقة الجلد. الثانية: إذا كانت العقوبة التغريب، فزنى مرة أخرى، وهو في البلد المغرب فيه، فإنه يغرب إلى بلد آخر، وتدخل مدة التغريب الأولى في المدة الثانية. الثالثة: إذا تغير حال الزاني، كأن كان بكرا، ثم قبل إقامة الحد زنى ثانية، وهو محض، فإن العقوبتين تتداخلان، ويكفي الرجم لهما. الرابعة: إذا زنى المحصن فإنه لا يقام عليه سوى حد الرجم؛ لتداخل حد الجلد في الرجم. 2 - التداخل في حد السرقة، ويكون في الصور التالية: الأولى: إذا سرق النصاب على دفعات، فإن هذه المرات تتداخل، ويقطع. الثانية: أن المسروق إذا كان من جماعة؛ فإن حد السرقة يتداخل، ويكفي لذلك حد واحد. 3 - التداخل في حد القذف، ويكون في الصور التالية: الأولى: من قذف واحدا مرارا قبل إقامة الحد، فإنه يكفيه لذلك حد واحد. الثانية: إذا قذف رجل جماعة بكلمة، أو بكلمات؛ فإن الحد يتداخل، ويكفي لذلك حد واحد. 4 - التداخل في حد الحرابة، ويكون في الصور التالية: الأولى: إذا قتل المحارب، وأخذ المال؛ فإنه يكفي لذلك تطبيق حد القتل، ويدخل حد السرقة فيه. الثانية: إذا اجتمعت جناية على ما دون النفس، وقتل في الحرابة، فإنهما يتداخلان، ويحيط القتل بذلك كله. القسم الثاني: التداخل في الحدود المختلفة في الجنس، ويكون في الصور التالية: الأولى: إذا اجتمعت حدود خالصة لله عز وجل، وفيها قتل، فإن القتل يكفي لذلك كله. الثانية: إذا اجتمعت حدود خالصة لله عز وجل، فإنها تدخل في القتل، سواء أكان القتل من حدود الله تعالى، أم كان حقا لآدمي.

الترتيب في العبادات في الفقه الإسلامي

الترتيب في العبادات في الفقه الإسلامي ¤عبدالله بن صالح الكنهل£بدون¥كنوز إشبيليا - الرياض¨الأولى¢1425هـ€أصول فقه¶ترتيب في العبادات الخاتمة: في ختام هذا البحث لا يسعني إلا أن أحمد الله عز وجل الذي بنعمته تتم الصالحات، كما أسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم. وحسبي في نهاية المطاف أن أشير بإيجاز إلى بعض أبرز النتائج التي ظهرت لي من خلال البحث. فمن النتائج العامة ما يأتي: 1 - الترتيب في الاصطلاح العام لا يكون إلا بين شيئين فأكثر. ولا يجب الترتيب في الفروع الفقهية إلا بين شيئين مختلفين، فالمتماثلات لا يجب الترتيب بينها، إلا أن يجب تعيين النية فيها، فتصير كالمختلفة باختلاف النية. 2 - الترتيب المشروع بين مستحبين أو بين واجب ومستحب لا يكون واجباً غالباً. وأما الترتيب بين واجبين فقد يكون واجباً وقد يكون مستحباً. 3 - العلاقة بين الترتيب والتوقيت – من حيث ما ينطبق عليه لفظ كل منهما – في استعمال الفقهاء هي العموم والخصوص الوجهي، فيشتركان في بعض المسائل، وينفرد كل منهما ببعضها. 4 - هناك بعض القواعد التي يستدل بها بعض الفقهاء في مسائل الترتيب، منها ما يأتي: أ- الأصل في القرب إذا كانت كل قربة مقصودة بنفسها ألا تتعلق بجواز فعل إحداها بفعل الأخرى إلا بدليل. ب- المبدوء بكذا في التلاوة مقدم في الحكم على ما بعده. ج- ما يلزم ترتيبه أداء يلزم قضاء. د- إذا اجتمعت عبادتان: كبرى وصغرى، فالسنة تقدم الصغرى على الكبرى منهما. هـ- المضيق مقدم على الموسع. ومن النتائج التفصيلية في الفروع الفقهية ما يأتي: 1 - الترتيب واجب بين فروض الوضوء، ولا يجب في الغسل، وأما التيمم فجيب الترتيب فيه إن كان عن حدث أصغر، فإن كان عن حدث أكبر لم يجب. 2 - من جمع بين استعمال الماء والتيمم، فإن كان ذلك لجرح ونحوه لم يجب عليه ترتيب بينهما، وإن كان لقلة الماء وجب عليه استعمال الموجود منه ثم التيمم. 3 - ما يقضيه المسبوق هو آخر صلاته، ويترتب على ذلك فروع عدة. 4 - مراعاة ترتيب الآيات في الفاتحة والسورة واجبة، فلا يجوز تنكيسها. وأما ترتيب السور فتستحب مراعاته، والإخلال به خلاف الأولى من غير كراهة. 5 - الترتيب بين فرائض الصلوات واجب، سواء أكان ذلك في قضاء الفوائت أم في الجمع بنوعيه. ويسقط الترتيب بالنسيان إذا تذكر الفائتة بعد فراغه من الحاضرة، كما يسقط بالجهل وخشية فوات الجماعة. ويسقط بين الفائتة والحاضرة بضيق وقت الحاضرة، ولا يسقط بضيق وقت الثانية في جمع التأخير، ولا بكثرة الفوائت عند قضائها. 6 - لا يصح الوتر إلا بعد صلاة العشاء، يستوي في ذلك العامد والناسي. 7 - تفعل خطبة العيد بعد الصلاة، فإن فعلت قبل لم يعتد بها، وشرعت إعادتها. وأما خطبة الاستسقاء فقد جاءت السنة بتقديمها على الصلاة وتأخيرها عنها، فيخير بين الأمرين. 8 - يبدأ الإمام في صرف الزكاة بنصيب العامل، وأما بقية الأصناف فيراعى في تقديم بعضها على بعض تفاوت الحاجة. كما أن القرابة، والفضل بالعلم والصلاح، والجوار، كلها أوصاف معتبرة في التقديم. 9 - لا يجوز تأخير إخراج زكاة الفطر عن صلاة العيد إلا لعذر. 10 - يجب تبييت النية من الليل في صوم الفرض دون النفل. 11 - يصح التطوع بالصيام ممن عليه قضاء من رمضان، وأما الحكم على فعله بالكراهة فيختلف باختلاف الأحوال. 12 - كفارة الجماع في نهار رمضان على الترتيب. 13 - يجب الترتيب بين الجمرات الثلاث في الرمي أيام التشريق. كما يجب الترتيب بين رمي كل يوم والذي يليه إذا أخر الرمي إلى آخر أيام التشريق. 14 - الترتيب بين أعمال يوم النحر الأربعة سنة، ولا شيء على من أخل به. 15 - يجب على المستطيع للحج أن يحج عن نفسه الفريضة قبل حجة عن غيره. ومن ناب عن غيره في الرمي الأولى أن يقدم الرمي عن نفسه، فإن رمى عن غيره قبل جاز ذلك. وبعد فهذه جملة من أبرز ما دونته في هذا البحث، ولست أزعم أني أتيت فيه بما لم يأت به الأوائل، ولكني جمعت بين متفرق، وأبديت وجهة نظر في مسائل، فما كان فيه من صواب فالحمد لله على توفيقه، وما كان فيه من خطأ فأستغفر الله منه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية

التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية ¤عبداللطيف بن عبدالله البرزنجي£بدون¥دار الكتب العلمية - بيروت¨الأولى¢1413هـ€أصول فقه¶تعارض وترجيح الخاتمة ولقد توصلنا في هذه الرسالة إلى استنتاجات وسائل أصولية أهمها ما يلي: الأول: أن التعارض له إطلاقان يطلق على التناقض المنطقي وعلى مطلق المنافاة. أما بالمعنى الأول فلا يوجد بين الأدلة الشرعية الصحيحة وعليه يحمل قول المنكرين له مطلقاً وأما بالمعنى الثاني فلا شك في جوازه ووقوعه بين الأدلة الشرعية، سواء كان في نفس الأمر، أو في ظن المجتهد، وعليه يحمل كلام القائلين بجواز التعارض مطلقاً. الثاني: أن مفهوم التعارض الأصولي غير مفهوم التناقض المنطقي ولهذا فلا يشترط فيه ما يشترط في التناقض. الثالث: أن الترجيح يبنى على التعارض، فما لا يوجد فيه تعارض لا ترجيح فيها. الرابع: التعارض بالمعنى العام وكذا الترجيح ما يمكن تحققه بين الأدلة الشرعية القطعية كالأدلة الظنية. الخامس: أن الدليل يطلق على القطعي والظني لدى التحقيق عند الأصوليين والمنطقيين، وإن التحقيق أن دليل الأصوليين مفرد. السادس: إن حكم التعارض الجمع والتوفيق ما أمكن ثم الترجيح عند وجود الفضل والمرجح به لأحدهما. السابع: أنه يوجد للتعارض الظاهري في الأدلة الشرعية ولكن عند التحقيق والتروي لا يوجد دليلان متخالفان لا يمكن الجمع بينهما أو دفع التعارض فيهما. الثامن: أن الغرض من مسلك التعارض والترجيح والتوفيق بين النصوص هو خدمة الشريعة والدفاع عنها ولهذا فمنهم من هو مشدد في الجمع والتأويل، ومنهم من هو متساهل. التاسع: أن الفقهاء ردوا خبر الآحاد بعدة أمور، جلها لا يستند إلى حجة قوية. العاشر: التأويل للجمع بين المتعارضين نوعان: 1ـ الجمع الذي تبنى عليه الأحكام الشرعية فلا يقبل التأويل البعيد فيه. 2ـ أن ترجح أحد المتعارضين وتعمل به ثم تأول الدليل الآخر للتوفيق بينهما ففي مثل هذا يقبل التأويل القريب والبعيد. الحادي عشر: النصان المتعارضان الممكن الجمع بينهما على ثلاثة أنواع: 1ـ ما يمكن التوفيق بالتأويل أحد الطرفين المعين. 2ـ ما يجمع بينهما بالتصرف في أحد الطرفين غير المعين. 3ـ ما يمكن الجمع بينهما بالتصرف في الطرفين. الثاني عشر: الراجح جواز نسخ السنة بالكتاب، وأن رأي الإمام الشافعي هو جواز نسخ الكتاب بالسنة ونسخ السنة بالكتاب عند وجود معاضد للناسخ من جنسه، أو من الإجماع. الثالث عشر: الراجح جواز التخصيص مطلقاً بالفعل أو بالنقل مع التقارن أو التقدم أو التأخر. الرابع عشر: أن المؤمن لا يخلد في النار مهما كان عاصياً، وانعقد الإجماع على ذلك وما يعارضه من النصوص تأول. الخامس عشر: الراجح ـ جواز تخصيص العمومات مطلقاً للأدلة الكثيرة القوية سيقت بالموضوع. السادس عشر: أن المطلق والمقيد كالعام والخاص، فما يجوز به التخصيص يجوز تقييد المطلق به اتفاقاً أو اختلافاً. السابع عشر: يجب العمل بمقتضى النص مطلقاً أو مقيداً، فلا يجوز تقييد المطلق، ولا إبطال القيد إلا بدليل يقاومه. الثامن عشر: نقل الجمهور الاتفاق على حمل المطلق على المقيد في صورة اتحادهما سبباً وحكماً غير صحيح. التاسع عشر: الراجح أن المطلق يحمل على المقيد عند وجود علة جامعة بينهما. العشرون: الأمور المخلة بالفهم في النصوص تخل بقطعية الدليل وبظنيته، فوجودها لا يؤدي إلى رفض النص. الحادي والعشرون: تقديم المثبت على النافي عند تعارضهما. الثاني والعشرون: أن حمل الرواية على الشهادة غير صحيح لوجود فروق كثيرة بينهما فترجح الرواية بالكثرة دون الشهادة. الثالث والعشرون: وجوب الترجيح، وبالتالي وجوب العمل بالدليل الراجح. الرابع والعشرون: جواز الترجيح بكل من كون الراوي متقدماً في الإسلام أو متأخراً, وعند تعارضهما تساقطاً. الخامس والعشرون: التحقيق أنه يمكن تعارض الفعلي في بعض الصور. السادس والعشرون: الأصح تقديم المصلحة الأخروية عل الدنيوية. السابع والعشرون: النزاع بين الإمام الرازي وابن تيمية نزاع لفظي، وإن ما رد به ابن تيمية على الرازي لا يصيب الهدف. الثامن والعشرون: أن المراد بالقياس الذي يقدمه العلماء على خبر الآحاد ـ القاعدة الكلية المستنبطة من نصوص الكتاب والسنة.

التعارض والترجيح عند الأصوليين في الفقه الإسلامي

التعارض والترجيح عند الأصوليين في الفقه الإسلامي ¤محمد إبراهيم الحفناوي£بدون¥دار الوفاء - مصر¨الأولى¢1405هـ€أصول فقه¶تعارض وترجيح الخاتمة في نتائج هذه الدراسة ومقترحات وتوصيات بعد أن انتهيت من كتابة هذه الدراسة المتواضعة حول هذا الموضوع ظهر لي بوضوح عدة أمور أهمها ما يلي: 1 - أن موضوع التعارض والترجيح من الموضوعات الأصولية المهمة الجديرة بالبحث المتأني والتحليل الحصيف. 2 - أن الأدلة الشرعية متوافقة متآلفة ولا يمكن أن يتأتى التعارض في شيء منها مطلقا إلا بحسب الظاهر فقط بالنسبة للمجتهد أو بحسب توهمه ما ليس بدليل دليلا، أو بحسب تصوره أن نصين من النصوص يدلان على حكمين متعارضين. بينما النصان في الواقع لا تعارض في حكمهما بل لكل واحد منهما جهة غير جهة الآخر. فالتعارض حينئذ يكون في عقل المجتهد لا في نص ولا في مدلوله. 3 - أن من التعارض الظاهري بين النصوص تعارض العام والخاص والمطلق والمقيد. فهو تعارض بحسب الظاهر فقط، ومن ثم نجد العلماء يدفعونه بتخصيص العام وتقييد المطلق. 4 - أن التعارض لا يمكن أبدا أن يتأتى بين دليلين قطعيين ولا بين قطعي وظني وذلك لتقدم القطعي على الظني. 5 - أن هذا التعارض الظاهري يُدفع بالجمع بين المتعارضين بأي نوع من أنواع الجمع لأن الأصل في كل واحد من المتعارضين هو الإعمال. فإن تعذر الجمع لعدم توافر شروطه فإن على المجتهد أن يلجأ إلى الترجيح بوجه من وجوهه المذكورة في هذه الرسالة. فإن تعذر الترجيح أيضا كان على المجتهد مهمة البحث في تاريخ المتعارضين فإن عرفه حكم بنسخ المتأخر للمتقدم حيث أنه لا يتصور ورود نصين متعارضين من الشارع الحكيم في زمن واحد، فإن عزّ على المجتهد معرفة التاريخ أو عرف تقارنهما مع عدم إمكان الجمع والترجيح حكم بسقوط الدليلين. ثم بعد ذلك يكون الرجوع إلى البراءة الأصلية ويفرض كأن الدليلين غير موجودين. ولقد ذهب بعض العلماء إلى القول بالتخييرحينئذ بدلا من السقوط، وذلك إذا كان الدليلان مما يمكن فيهما التخيير، وإلا يحكم بالسقوط والرجوع إلى البراءة الأصلية. 6 - أن الترجيح لا يدخل في الأدلة القطعية سواء كانت نقلية أو عقلية. حيث أن الترجيح إنما يتحقق عند وجود التعارض في القطعيات والتعارض في القطعيات محال - على المختار. أضف إلى ذلك: أن الترجيح فرع التفاوت في العلم بالشيء والمعلوم المقطوع به لا تفاوت فيه، ومن ثم لا يوجد الترجيح في القطعيات. 7 - الأصح عند تعارض ظاهرين أحدهما من الكتاب والآخر من السنة أنه لا يقدم أحدهما على الآخر، وذلك لأن مصدرهما واحد لا فصل بينهما أبدا. 8 - قد يظهر أمام المجتهد تعارض الترجيحات وفي هذه الحالة يجب عليه أن يعمل ذهنه ويبذل جهده من أجل معرفة ما يكون سببا في تقوية أحد المرجحات المتعارضة. وبعد: فهذه هي أهم نتائج الدراسة في موضوع التعارض والترجيح، وإذا كان لي أن أقترح أو أوصي بشيء في هذا المقام فإني أقترح وأوصي بما يلي: أولا: بالاهتمام بتحقيق ونشر كتب التراث بصورة دقيقة مضبوطة مع التعليق عليها، وايضاح الغامض منها، وجعل ذلك فرضا على طلاب التخصص في المادة (الماجستير) وطلاب الشهادة العالمية (الدكتوراه). ثانيا: الاهتمام بتبسيط وتيسير عبارات كتب الأصول القديمة بصورة ترغب الطلاب فيها وتجعلهم يقبلون عليها. ثالثا: الاهتمام بقاعة البحث المتعلقة بمادة الأصول ولا سيما في الدراسات العليا بحيث يعود الطالب كيفية التحليل والاستنباط والرجوع إلى أمهات هذا الفن وحسن استخدامها، ونحو ذلك مما يعين على إجادة أبحاث الماجستير والدكتوراه. هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،

التقديرات الشرعية وأثرها في التقعيد الأصولي والفقهي

التقديرات الشرعية وأثرها في التقعيد الأصولي والفقهي ¤مسلم بن محمد بن ماجد£بدون¥دار زدني – الرياض¨الأولى¢1430هـ€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية الخاتمة: إن مما يسعى إليه الباحثون في خواتيم دراساتهم أن يضعوا أمام المطالعين لها جملة ما وصلوا إليه من نتائج، وما يمكن أن ينادوا به من توصيات؛ فبذلك تجمع أطراف كل موضوع، ويوقف على ما يهدي إليه فكر الباحث من آراء وتحقيقات، وجرياً على هذه السنة فإنه يمكنني أن ألخص بعض ما وصلت إليه من نتائج فيما يأتي: 1 - أن التقدير الشرعي يمثل قاعدة ومعنى عاماً في الشرع لا يخلو منه باب فقهي كان لعلماء الحنفية، وخاصة عند الكاساني منهم، وأما في مجال تأصيل هذا الموضوع فإنا نجد أن العلماء الشافعية الأسبقية في الكلام عنه في مؤلفاتهم في أصول الفقه والقواعد الفقهية، وخاصة عند الفخر الرازي والعز بن عبد السلام، ثم انتقلت العناية بهذا الموضوع إلى علماء المالكية بسطاً وشرحاً وتعليلاً سواء في مؤلفاتهم في أصول الفقه أو القواعد الفقهية أو الفقه، ومن أعلامهم في هذا الشأن: القرافي، والمقري، والمنجور. وأما علماء الحنابلة فلا أجد عندهم هذا الاهتمام سوى إشارات يسيرة إلى شيء من التقعيد الفقهي المرتبط بهذا الموضوع، كما عند شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، والمرداوي، وابن النجار. 3 - أنه لما كان التقدير الشرعي عبارة عن إعطاء الشيء منزلة على خلاف واقعه، كان هذا مستدعياً لأن يكون التقدير منبعثاً عن سبب معتد به شرعاً، ثم إن صورة التقدير هذه قد جعلته واقعاً على خلاف الأصل؛ إذ الأصل أن يعطي الشيء حكمه على وفق واقعه، ولما كان هذا شأن التقدير الشرعي كان لابد من الاقتصار على ما تدعو الحاجة إليه منه. 4 - أن للتقدير أسباباً متعددة ومتنوعة بحسب تنوع التقدير ذاته، وقد اجتهدت في حصر هذه الأسباب، فظهر لي أن أكثرها عدداً وأوسعها أثراً ما كان منها متعلقاً بتقدير الموجود معدوماً، ويقرب منها ما كان متعلقاً بتقدير الموجود بمنزلة موجود آخر، وأقل من ذلك ما كان منها متعلقاً بتقدير المعدوم موجوداً أو بمنزلة معدوم آخر. ولعل السبب في هذا التفاوت هو النظر إلى الركن الأول في التقدير، وهو الأمر المقدر وكونه موجوداً أو معدوماً؛ فإن كونه موجوداً أدعى عقلاً لتكرر النظر إليه، ومراعاة حال وجوده، بخلاف المعدوم في هذا الشأن. وهذا يدعونا إلى القول: إن عناية الشرع بالموجود أشد من عنايته بالمعدوم، ولعل هذا عائد إلى ما هو معلوم في التأصيل الفقهي من أن التكليف متعلق بالموجود، يستوي في ذلك المكلف أو المكلف به. 5 - أن محل التقدير قد يتنازعه أكثر من سبب، وقد لا يبدو الأمر مشكلاً حين يكون نوع التقدير واحداً، لكن محل الإشكال حينما يكون كل سبب منتجاً لنوع من أنواع التقدير مناقض للنوع الآخر، وحينئذ يكون محل التقدير مجالاً لتعارض الأنظار وتنازع الأفكار، وهذا يفسر لنا توارد الأمثلة الفقهية وتكررها في جملة من أسباب التقدير الشرعي التي تتناقض مواردها. 6 - أن اختلاف الحكم في محل التقدير بناء على هذا التنازع المشار إليه في الفقرة السابقة قد يكون في النوع الواحد من أنواع التقدير الشرعي، وذلك كما في اختلاف الحكم عند التعارض بين الشك في الشيء والاحتياط للشيء في تقدير الموجود معدوماً، وقد يكون في نوعين من أنواع التقدير الشرعي، وذلك كما في اختلاف الحكم عند التعارض بين ترتب المشقة على اعتبار وجود الشيء وكون الشيء غالباً. وحينئذ فإن هذا التعارض والاختلاف في الحكم فيه إشارة إلى سبب من أسباب التقدير المختلف فيه، وهو الاختلاف في مأخذ التقدير وسببه الصحيح.

7 - أن من أسباب التقدير ما له جهتان، بحيث يؤدي من إحداهما إلى نوع من التقدير، ويؤدي من الأخرى إلى نوع آخر مناقض له، ومن هذا: أن ترتب المشقة له جهتان؛ فقد يكون بالنظر إلى اعتبار الشيء موجوداً، وقد يكون بالنظر إلى اعتبار الشيء معدوماً، وكل من هاتين الجهتين له أثره في إحداث نوع من أنواع التقدير، فالأولى تتعلق بتقدير الموجود معدوماً، والثانية تتعلق بتقدير المعدوم موجوداً، بل إن صور ترتب المشقة الناتجة عن أسباب المشقة المعلومة شرعاً من عموم البلوى، والجهل، والنسيان، والإكراه، يختلف أثرها في التقدير كما مر معنا. وهذا يخلص بنا إلى القول: إن من أسباب التقدير ما يختلف أثره بناء على اختلاف نوع الحادثة؛ هل هي من المأمورات، أو من المنهيات، وهل هي مما يطلب جلبه، أو مما يطلب دفعه. ولذلك حصل الاختلاف في أثر عموم البلوى باعتباره صورة من صور ترتب المشقة، فإن كانت الحادثة مما يعسر الاحتراز منها فإن ترتب المشقة بناء على عموم البلوى بها يعد سبباً في تقدير الموجود معدوماً، وإن كانت الحادثة مما يعسر الاستغناء عنها فإن ترتب المشقة بناء على عموم البلوى بها يعد سبباً في تقدير المعدوم موجوداً. وأما الجهل والنسيان والإكراه فحصل الاختلاف في أثرها في التقدير بناء على الاختلاف في نوع الحادثة؛ هل هي من قبيل المأمورات أو من قبيل المنهيات، ومثل هذا حصول الاختلاف في أثر الاحتياط؛ بين أن يكون احتياطاً للشيء أو احتياطاً من الشيء، ولذلك لا يصح في نظري إطلاق القول في بعض أسباب التقدير بأنها سبب للتقدير مطلقاً دون تقييد لها بحالة معينة منها. 8 - أن للتقدير أثراً مباشراً في جملة من مسائل أصول الفقه وقواعده، وهذا الأثر متفاوت؛ إذ قد يكون ظاهراً ومؤثراً تأثيراً مباشراً في بعض المواضع، وقد يكون تأثيره أقل من ذلك في مواضع أخرى، وهذا الأمر من الظهور بحيث لا يحتاج إلى تمثيل؛ فبتأمل ما تم عرضه من أثر للتقدير في التقعيد الأصولي والفقهي يتقرر ما ذكرناه آنفاً، على أن المتأمل لهذا الأثر يجد أن تأثير التقدير في التقعيد الفقهي أكثر وضوحاً منه في التقعيد الأصولي. 9 - تقرر لي من خلال البحث في أثر التقدير الشرعي في الاستحسان أن الاستحسان قد ينبني على الاحتياط بشقيه المذكورين هنا، أي على الاحتياط للشيء، والاحتياط من الشيء، ووضحت ذلك بالأمثلة، وفي هذا التقرير إضافة على أمر كان متقرراً عند عامة العلماء في الجملة من أن الاستحسان مبناه على التيسير والتوسعة ورفع الحرج فحسب. 10 - أن من آثار التقدير الشرعي في التقعيد ما يعد من صور التقدير كما في قاعدة الرفض، وقاعدة الانعطاف، وقاعدة الظهور والانكشاف، ومنه ما يكون قاعدة مستقلة وللتقدير أثر فيه، وأمثلة هذا ما مر بحثه في الباب الثالث. 11 - أنه قد ثبت أن لإعمال التقدير الشرعي أثراً في دفع كثير من الإشكالات الفقهية، سواء أكان الإشكال في إقامة دليل وتوجيهه أم في دفع اعتراض ومناقشته، وما ذكر في هذه الرسالة إنما هو نزر يسير مما هو واقع في التفريعات الفقهية. وأما ما يمكن أن أختم به من توصيات، فمنها: 1 - أنه ينبغي للباحثين في أصول الفقه الاهتمام بكتب القواعد الفقهية في مختلف المذاهب؛ وذلك لما في هذه المؤلفات من الإضاءات السديدة والإشارات المفيدة في كثير من موضوعات أصول الفقه، والتي ربما لا توجد في كتب أصول الفقه أنفسها. 2 - أنه ينبغي للباحثين في علوم الشريعة الاهتمام بكتب الفقه ذات المنحى التقعيدي والاتجاه لها استخراجاً لقواعدها، وتمحيصاً لتعليلاتها، واسترشاداً بتطبيقاتها. 3 - أنه ينبغي إعادة النظر في جملة من القواعد التي يفهم من إطلاقها ما لا يحتمله واقعها الشرعي، ومن تلك القواعد قاعدة (تنزيل الحاجة العامة منزلة الضرورة)؛ إذ لا زالت هذه القاعدة بحاجة إلى مزيد نظر وتأمل في ضوابطها، وتتبع لواقعها الفقهي.

التكليف في ضوء القضاء والقدر

التكليف في ضوء القضاء والقدر ¤أحمد بن علي عبدالعال£بدون¥دار هجر - أبها¨الأولى¢1418€أصول فقه¶قدر وقضاء الخاتمة وبعد ... فها أنا ذا أضع قلمي، بعد أن أنهيت الخوض في هذه القضية، كما يضع المحارب سيفه، وقبل أن أفارق القلم أود أن أسجل بعض الأفكار، التي انتهيت إليها من خلال معايشتي لهذا الموضوع. 1 - إن الإنسان مكلف شرعاً بأوامر ونواهي، لا تخلو من المشقة، ولكنها مشقة محتملة، يهون عليه تحملها، كلما ازداد يقيناً بالثواب الأخروي على امتثاله. 2 - إن الالتزام بالتكاليف الشرعية هو السبيل الوحيد لتحقيق العبودية الصحيحة، والتي هي سبب سعادة المكلف في الدنيا، وفوزه ونجاته في الآخرة. 3 - القضاء والقدر من متعلقات صفات الكمال، لأنه يستلزم الإيمان بعلم الله الأزلي المحيط بكل شيء، والكتابة في اللوح المحفوظ لما علم من المقادير، والإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وأيضاً الإيمان بأن الله خالق كل شيء. 4 - إن الإيمان بالله تعالى، وبكمال عدله، وحكمته، يستوجب الإيمان بما قدر وقضى، وبما أعطى ومنع، وبما أغنى وأفقر، وبما أنعم وابتلى، إذ كل شيء منه، وصائر إليه، لأنه سبحانه عالم وقدير وحكيم، لا يفعل شيئاً عبثاً، ولا لغير حكمة، وإن كانت عقولنا تقصر عن الإحاطة بحكم أفعاله، وهو محمود على كل حال. 5 - يجوز السؤال عن حكم وعلل بعض الأقدار على سبيل اليقين بالقدر خيره وشره، لا على سبيل الاعتراض والشك، فإذا وصل الأمر إلى المراء والجدال، فالإمساك عندئذ واجب. 6 - إن الله تعالى هدى المكلفين جميعاً إلى الحق والخير، ومنحهم العقول التي يميزون بها، والقدرة التي يفعلون بها، وبين لهم عاقبة أعمالهم، خيراً أو شراً، فمن استحق العقاب فبعدله، ومن نجا فبإعانته وفضله، ولا حجة لأحد على الله، بل له الحجة البالغة على خلقه. 7 - إن الله تعالى عادل لا يظلم أحداً، وإن كان الظلم مقدوراً له، ولكن الله لا يفعله، بل حرمه على نفسه، وعلى خلقه، فلا يضل إلا من استحق الضلال، ولا يهدي إلا من استحق الهدى، وهو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون. 8 - المكلف فاعل لفعله حقيقة ومختار له، وليس في القدر السابق إكراه، أو اجبار على الفعل أو الترك، لذا كانت المسؤولية والجزاء على أفعال المكلف الاختيارية تامة وعادلة. 9 - إن الإيمان بالقضاء والقدر لا يعفي المكلف من تبعة مسؤوليته عن أعماله، فلا يحتج بالقدر السابق على الذنوب، ولكن إذا أصابته مصيبة، نظر إلى القدر الذي مضى عليه، صابراً وملتجئاً إلى ربه، قائلاً: حسبنا الله ونعم الوكيل. 10 - الأخذ بالأسباب لا ينافي القدر والتوكل، بل هي جزء منه، ولكن إذا وقع القدر وجب الرضا به والتسليم له، وأما قبل أن يقع فإن سبيل المكلف هو الأخذ بالأسباب المشروعة، ومدافعة الأقدار بالأقدار. 11 - إن ما يصيب المكلف من قدر الله الكوني ألطاف الله وعنايته به، وهو في خير على كل حال، فإن أصابه خير شكر الله على ذلك، معتقداً أن هذا لطف من الله وفضل، وإن أصابه شر صبر معتقداً أنه لطف أيضاً، فهو إما رفع لدرجاته، وإما تكفير عن سيئاته، وفي كلا الأمرين خير له. 12 - إن دخول الشر في القضاء الإلهي، لا يتعدى أن يكون شراً بالنسبة للمخلوق، لأن الشر إنما هو الذنوب وعقوباتها، في الدنيا والآخرة، فهو شر بالإضافة إلى العبد، وأما بالإضافة إلى الله تعالى فكل ما يقدره خير، فإنه صادر عن علمه وحكمته، وما كان كذلك فهو خير محض بالنسبة إلى الرب سبحانه، لذلك لا يضاف الشر إلى الله – وإن كان خالقه -، وإنما يضاف إلى المخلوق باعتبار أنه متسبب فيه. 13 - حسن الأفعال وقبحها أنواع: فبعضها يشتمل على مصالح ومفاسد ذاتية، يمكن للعقل إدراكها، وبعضها أفعال أنشأ الشرع أحكامها تحسيناً أو تقبيحاً، ورتب عليها الثواب والعقاب، وقد يعجز العقل عن إدراكها، وهناك أفعال أخرى يرجع حسنها إلى نفس الأمر، وليس إلى الفعل المأمور به، وإنما القصد من هذه الأفعال اختبار الله تعالى للمكلف. 14 - تتنوع مصادر معرفة الخير والشر في الإسلام بتنوع موضوعات المعرفة ذاتها، فمعرفة العبد ربه، وتنظيم علاقة الإنسان بغيره مصدره الشرع، وأما المعرفة المتعلقة بالقوانين العلمية التي تسير الأشياء المادية والطبيعية وفقها، فمصدرها العقل المسترشد بنور الشرع ومقاصده. هذا وآمل أن أكون قد أسهمت في تجلية وتوضيح هذه الأفكار، كما سبق أن وعدت في البداية، ورجائي لكل من قرأ هذا البحث أن يسدد ما به من خلل، أو يستر ما به من زلل، والمعصوم من عصمه الله سبحانه وتعالى. وفي الختام أسأل الله العلي القدير أن يلهمنا الصواب في أقوالنا وأعمالنا، ويوفقنا للخير في كل مقاصدنا، وأن يجعل عملنا خالصاً متقبلاً، إنه سميع مجيب. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

العرف حجيته، وأثره في فقه المعاملات المالية عند الحنابلة (دراسة نظرية تأصيلية تطبيقية)

العرف حجيته، وأثره في فقه المعاملات المالية عند الحنابلة (دراسة نظرية تأصيلية تطبيقية) ¤عادل بن عبد القادر بن محمد ولي قوته£بدون¥المكتبة المكية - مكة المكرمة¨الأولى¢1418هـ€أصول فقه¶عرف وعادة الخَاتِمَةٌ وبَعْدُ ... فقد آن لهذا القلم أَنْ يوضَعَ، ولهذا البحث أَنْ يبلغَ غايتَه، وإن لمْ أَقْضِ منه كلَّ لُبَاناتي، ففي النفْس منه بقيَّاتٌ لكنْ لمْ يَعُدْ في قوسِيَ منزَع، والأمر إذا اتسعَ ضاق! والحقُّ أنَّ موضوع هذا البحث في بعض جوانبه أَكْبرُ مِنْ أن تستوعبه مِثْلُ هذه الرسالة، وأنَّ المسائل والفروع التي بنيتْ على العُرْف وعُلِّلَتْ بالعوائد في فقه المعاملات الماليّة توشك أن تِندَّ عن الحَصْر، وألاَّ يستوعِبَها الاستقراءُ، ولا يأتيَ عليها مِثْلُ هذا البَحْث المتواضع. وهذا منها هو مَبْلغُ العلم، وجُهْد المُقِلِّ، وقَدْر الوُسْع، ومدَى الوقْت، وغايةُ الطاقة، لم آلُ فيه جُهداً, ولم أَدَّخِرُ عنه وُسْعاً, ولمْ أقصِّرْ فيه عن نَدَى. والرجاءُ أني أتيتُ بجملتها، وأَشْهر مسائلها، وأَظْهر أمثلتها، وأهمِّ فروعها، وما بدا لي منه دقَّةُ نظرٍ, أو تجليةُ مُدْرَكٍ فقهيٍّ معتبرٍ، أو وضوحُ دلالةٍ، أو فقَاهةُ تخريج ٍ, أو طرافةُ موضوع ٍ، أو ما كان منها في حاجة العَصْر، ومَدْرجة ً إلى تجديد الاجتهاد فيها. والرجاءُ أَيضاً أن يكون قد أدركني بعضُ الحظِّ الذي تحدَّثَ عنه إمامُ الحرمين - رحمه الله تعالى - في قوله: " ومَنْ لمْ يخرِّج العُرْف في المعاملات تفقُّهاً لمْ يكن على حظِّ كاملِ فيها "، وأَن يكون ما قدَّمْتُه في هذه الرسالة لبنةً طيبةً متماسكةً تصلحُ لاعتمادها والبناء عليها. اللهم إنّي أسألك حسن العاقبة في الدنيا والآخرة، اللهم توفَّني مُسْلِماً وألحقني بالصالحين، ربنا اغفر لي ولوالديَّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب. وصلَّى الله على سيدنا ونبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. والحَمْدُ للَّه ربِّ العالمين.

العرف وأثره في الشريعة والقانون

العرف وأثره في الشريعة والقانون ¤أحمد بن سير المباركي£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض¨الأولى¢1412هـ€أصول فقه¶عرف وعادة الخاتمة (مقارنة بين العرف في الفقه والعرف في القانون) من الخطل في القول، والسفاهة في الرأي: أن تقارن نظريات الفقه الإسلامي، بنظريات القانون الوضعي، وذلك للبون الشاسع بين شرع الله وتقنين الإنسان، بين الخالق والمخلوق، بين الثريا والثرى، ولكن هذا لا يمنع من أن نلقي نظرة خاطفة على نظرية العرف في كل من الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، ولا تثريب علينا في ذلك ما دمنا نريد بيان الحقيقة للناس، ليقف عليها من يريد الفهم والإنصاف. فنقول: إن هناك توافقا في جوانب، وتخالفا في جوانب أخرى: أما الجوانب المتفق فيها: فتتلخص في الأمور الآتية: الأول: أن للعرف دورا هاما في قسم المعاملات في كل من الفقه الإسلامي، والقانون الوضعي، فكثيرا ما تجد العرف هو المحكم في بيع الناس وشرائهم، بل وفي معاملاتهم كلها. الثاني: أن كلا من الفقه الإسلامي، والقانون الوضعي، يحيل في نصوصه على العرف في كثير من المسائل فمثلا: الفقه الإسلامي، أحال على العرف في مقدار النفقة وجنسها، والتفرق في البيع، والحرز في الوديعة وفي باب السرقة، كما أن القانون يحيل على العرف، لأن كل إقليم له عرفه الخاص به، والقانون لا يمكنه التنصيص على عرف كل إقليم؛ لأنه يؤدي إلى التناقض والاضطراب، حيث إن العرف في إقليم قد يكون مخالفا لعرف الإقليم الآخر. الثالث: أن كلا من الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي لا يعتبر العرف إذا عارض نصوصه، اللهم إلا إذا كان العرف موجودا في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – كما مضى الحديث عن ذلك في تعارض العرف مع النصوص الشرعية. وكذلك ما سارت عليه بعض الدول من جعل العرف في منزلة التقنين. الرابع: يشترط للعرف في كل من الفقه الإسلامي والقانون الوضعي: أن يكون مطردا وثابتا، وموجودا عند إنشاء التصرف، حتى يتمكن الفقيه والقانوني من الإلزام به، وبناء الحكم عليه. الخامس: أن كلا من الفقيه في الشريعة الإسلامية، والقانوني في القانون الوضعي في حاجة ماسة إلى العلم بالعرف، حتى يتمكنا من إجراء الحكم على الوجه السليم. أما الجوانب المختلف فيها: فيمكن الإشارة إلى أهمها فيما يلي: أولاً: أن العرف في الفقه الإسلامي يعتمد في إقراره والإلزام به على شريعة الله تعالى العالم بما يصلح للناس؛ لأنه خالقهم، وخالق الحقيقة أعلم بما يصلح لها. أما العرف في القانون الوضعي: فإنه يعتمد في إقراره والإلزام به على القانون الذي هو من وضع البشر، يعتريه القصور والنقص؛ لأن صانعه قاصر ناقص، والصنعة تأخذ صفة صانعها. ثانياً: أن العرف في القانون مصدر أصيل من مصادره العامة، فهو ثاني مصدر للقانون الحديث، بل هو والتقنين في مرتبة واحدة لدى بعض الدول. أما العرف في الشريعة الإسلامية: فلا يعدو أن يكون قاعدة من قواعدها الفقهية، يعمل به في نطاق خاص. ثالثا: أن الشريعة الإسلامية: لا تعتبر من الأعراف إلا ما كان صحيحا، يحقق المصلحة للناس، ولذلك قسم الفقهاء العرف إلى صحيح وفاسد. أما العرف في القانون، فلا تعتبر فيه هذه النظرة، بل يعمل بالعرف الفاسد كما يعمل بالعرف الصحيح، ولذلك لم يقسم القانونيون العرف إلى صحيح وفاسد، شأن علماء الشريعة الإسلامية. رابعا: العرف في الفقه الإسلامي يأتي في وسائل العبادات، بل وفي جميع أبوابه، وهذا بخلاف العرف في القانون، فإنه لا دخل له إلا في المعاملات، إنطلاقا من مبدأ فصل الدين عن الدولة، وأن ما لله لله وما لقيصر لقيصر. خامسا: أن العرف في الشريعة الإسلامية منظم وموجه، ومن ثم عبر القرآن الكريم عنه بالمعروف في أكثر من موضع، وهذا بخلاف القانون: فإنه منظم وليس بموجه؛ لأنه فقد الصيغة الدينية التي تذكي الشعور، وتحاسب الضمير. سادسا: أن العادة في الفقه الإسلامي أعم من العرف، فكل عرف عادة من غير عكس، أما القانون فإنه يعتبر العادة مرحلة أولية للعرف، أي: الركن المادي له، فإذا ما توفر فيهما الركن المعنوي (اعتقاد الناس بأن هذه العادة ملزمة) ارتقت إلى درجة العرف. وإلى هنا نأتي إلى نهاية هذا البحث الذي يعالج نظرية (العرف) التي تعد من أوسع النظريات في الفقه الإسلامي، مقارنة بنظرية (العرف) في القانون، وليقف المنصف على مدى حيوية ونماء الفقه الإسلامي، وصلاحه لكل زمان ومكان، رضي الأعداء أم سخطوا، فالحق يجب أن يعلو ويجب أن يقال. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

العرف وأثره في التشريع الإسلامي

العرف وأثره في التشريع الإسلامي ¤مصطفى عبدالرحيم أبو عجيلة£بدون¥المنشأة العامة والإعلان¨الأولى¢1395هـ€أصول فقه¶عرف وعادة خاتمة البحث على ضوء ما تقدم عرضه من النصوص الشرعية، وأقوال الأئمة والفقهاء والمؤرخين يمكننا أن نؤكد على ملازمة العرف للجماعات البشرية منذ تكونت هذه الجماعات، وهذا راجع إلى أنه: وليد حاجتها، وعامل على تماسك وحدتها وترابط أعضائها وحكم بين أفرادها عند غياب أو نقص القوانين، وربما جاز القول إنه حتى مع وجود هذين فإنه لا يتخلى عن دوره بسهولة، بل يحتفظ بأداء وظائفه – ولو في بعض الجوانب – مستعيناً بحيويته وعطف الجماعة عليه وميلها إليه، لشعورها بأنه: غير مفروض عليها بل هو صادر عنها. غير أنه قد تفرض بعض الأعراف أحياناً على مجموعات من الناس تكون في أغلبها ضارة لأكثرهم نافعة لأقلهم، وفي مثل هذه الظروف يتوقف بقاء هذه الأعراف على قوة المستفيدين منها، الذي يبذلون أقصى ما لديهم من القوة في سبيل الحفاظ عليها، ولا يتخلون عنها إلا لسبب قاهر، قد يكون ثورة أرضية، وقد يكون ثورة سماوية إن صح التعبير. وأياً كان الأمر فإن تلك الأعراف: تنهار بانهيار حماتها، عكس الأعراف الصادرة عن ضمير الجماعة والمعبرة عن حاجاتها، فإنها قد تبقى حيث يتبناها المسؤولون الجدد سواء كانوا رسلاً أو مجرد قادة. وهذا عين ما حصل من الشريعة الإسلامية إذ نراها – من باب تكريمها للإنسان – قد راعت العرف الذي فيه مصلحة الجماعة ولا يتعارض مع أهدافها باعتبارها مصلحة الجماعة ولا يتعارض مع أهدافها باعتبارها مصلحة لكل الناس لا لفرد دون غيره، أو طبقة دون أخرى. كما أنها هدمت ما عداه من الأعراف الفاسدة والمتضمنة لضرر الجماعة سواء كان ذلك الضرر بعيداً أو قريباً، ظاهراً أو خفياً حيث إن بعض المضار قد تخفي على كثير من الناس. وما ينبغي للشريعة – ولا ينتظر منها – أن تفعل غير ذلك إذ يستحيل اجتماع الضدين وتوافق النقيضين. ولا يشكل علىّ القول بمراعاة الشريعة الإسلامية للعرف موقف بعض الأصوليين منه واختلافهم في حجيته، إذ ليس هو المصدر الوحيد المختلف فيه، فهناك الإجماع والقياس ناهيك عن بقية المصادر الأخرى إذ لم يتفق إلا على القرآن والسنة، ثم إن هذا الاختلاف في حد ذاته لا يعتبر مشكلة إذا قدر سبب الاختلاف حق قدره. على أن هذا الخلاف يختفي – أو يكاد – عند التطبيق أو تأسيس الأحكام، فكم من أصولي لم يقل بالعرف في أصوله ولكنه على صعيد التطبيق لا يسعه إلا القول به، حتى قال ابن القيم في مثل هؤلاء: " فإنهم ينكرونهم بألسنتهم ولا يمكنهم العمل إلا به " أو كما قال القرطبي: " ... ينكرونه لفظاً ويعملون به معنى " إذا فالصحيح أن الشريعة الإسلامية راعت العرف وجعلته أصلاً من أصولها. ولقد تجلت هذه المراعاة في إقرار الشريعة بعض العادات والأعراف، وفي الأسلوب التدريجي الذي اتبعته في هدم ما هدمته منها، ناهيك عما أحالته نصوصها عليه من بيان وتفصيل بعض الأحكام، كما في النفقة والإجارة والبيوع وغيرها وفق ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، بمقتضى فهمهم لنصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، المؤيد بعمل الصحابة والتابعين، باعتبارهم الهداة المهتدين والأقدر على فهم المراد من الشريعة. ومن لطف الله بنا أن مكن لهم في الأرض حتى اختلطوا بأناس غير ناسهم ورأوا عادات غير عاداتهم، فما رابهم من ذلك شيء، ولم يستنكروا إلا ما نهي الشرع عنه، ولعل في عمل حذيفة رضي الله عنه ما يدل على ذلك عندما أكل على مائدة أحد الدهاقين بالمدائن، فلم يستنكر حذيفة شيئاً إلا آنية الشراب التي كانت من فضة، وأنه لم يستعملها لنهيه عن ذلك عليه السلام.

وكان من أثر إقرار هذا المبدأ – اعتبار العرف – وغيره أن زخر الفقه الإسلامي على مر العصور بشتى الحلول لما استجد ويستجد من القضايا بين الناس ولما يتطلبه التطور الحضاري بما يصاحبه من التعقيد وتشابك الأمور، ولم يقف هذا الفقه عاجزاً عن حل أية قضية في يوم من الأيام، رغم انتشاره في بيئات مختلفة الظروف والمناخ، وتطبيقه على أكبر مساحة من الأرض عرفها دين من الأديان، الأمر الذي يمكن القول معه أن الشريعة الإسلامية لاحظت تأثير المناخ في تشكيل العادات التي تحكم تصرف الإنسان قبل أن يعرفها ويقول بها منتسكيو في روح القوانين بمئات السنين. وخلاصة القول إن الفقه الإسلامي قد ازدهر على مر العصور وكان من جملة أسباب ازدهاره مراعاة العرف حتى يمكن القول إن الثروة الفقهية الإسلامية تعد – بحق – أكبر ثروة فكرية عرفها الإنسان – وبخاصة – في مجال الفقه. وقد ذكرنا طائفة من الأحكام المبنية على العرف أو المحال عليه الفصل فيها في ما تقدم من هذا البحث. وأخيراً وبناء على ما تقدم فإنني: أقرر أمرين، الأول أن العرف – متى استكمل شرائطه – مصدر أساسي من مصادر التشريع الإسلامي تبنى عليه الأحكام، ويستعان به في التوصل إلى الحق، ومعرفة مقاصد الناس في عقودهم التبادلية، وأيمانهم ووصاياهم ومقاصدهم في جميع معاملاتهم. الثاني: أنه من الأفضل لهذه الشريعة أن تتوازى فيها الرخص والعزائم دون التركيز على أي منهما دون الأخرى، وإذا كان لابد من تغليب إحداهما على الأخرى في بعض المجالات، فليكن التركيز على العزائم في العبادات، وعلى التيسير والسماحة في المعاملات. وما من شك في أن في العمل بالعرف: أحد مظاهر السماحة والتيسير في هذه الشريعة، وهو الأمر الذي طلبه محمد صلى الله عليه وسلم وأوصى به أتباعه بقوله: " يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ". وما احتواه هذا البحث، عن طريق إثبات حجية العرف، وذلك لما في العمل به من رفع الحرج عن هذه الأمة التي خاطبها ربها بقوله: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}

العرف والعادة في رأي الفقهاء - عرض نظرية في التشريع الإسلامي

العرف والعادة في رأي الفقهاء - عرض نظرية في التشريع الإسلامي ¤أحمد فهمي أبو سنه£بدون¥بدون¨الثانية¢1412هـ€أصول فقه¶عرف وعادة الخاتمة كلمة عن أثر العرف في التشريع وهل يمكن عده من أسباب الخلاف ذكرت آثار العرف المختلفة في غضون ما تقدم من الموضوعات. وأختم هذا البحث بإجمال هذه الآثار، كلها آيات بينات على سماحة التشريع وتوسعته على الناس وصيانته للحقوق. ويمكن حصرها في اثني عشر. الأول: إقرار التشريع للعرف القائم في الأمة لصلاحه واستقامته، ولما في هذا من التيسير على المكلفين، كما كان من إقرار الكتاب والسنة لبعض العوائد العربية كالبيع والمضاربة والمكافأة بين الزوجين، وإقرار المجتهدين لبعض العوائد في البلاد المفتوحة من أمتي الفرس والرومان وغيرهما كتدوين الدواوين وبعض الشروط في البيع. الثاني: جعله دليلاً على مشروعية الأحكام ظاهراً، وهو في الواقع ليس بدليل، بل الدليل أصل من أصول الفقه، لكنه اكتسب اسم العرف لأنه هو العامل على وجوده كالإجماع العملي وبعض المصالح المرسلة، أو لأن التعامل جرى على ما أفاده الدليل من قرآن، أو سنة أو إجماع أو قياس. الثالث: جعله علة ظاهرة للحكم كما في الإجارة، فإن علة صحتها الظاهرة في غير مورد النص هي العرف، والعلة الحقيقة هي الحاجة. الرابع: جعله مقياساً يرجع إليه في تطبيق الأحكام المطلقة كالنفقة والمعيار في الربا وما تحصل به الرؤية الموجبة للخيار في البيع، وتأثيره في هذه الناحية واسع قوي. الخامس: تأثيره في تكوين الحكم الذي يستنبطه المجتهد أو يخرجه المفتي، كما أظهر هذا في بيع النحل وصبغ الثوب المغصوب باللون الأسود. السادس: تأثيره على الأدلة الشرعية بالتخصيص والتقييد كالاستصناع وبيع الثمار عند وجود بعضها دون البعض، ولكن الأثر في هذه الحالة منسوب إليه في الظاهر، والواقع أن التأثير لأصل شرعي يكافئ الدليل المعارض له أو يترجح عليه. السابع: أن النص قد يكون معللاً بالعرف أو بعلة مرجعها إليه، ثم تتغير العلة بتغيير العرف، فيظهر تغير الحكم الذي تضمنه النص. فمثال الأول: ما روي عن أبي يوسف من بناء المأثور في معيار الربا على العرف. ومثال الثاني: قضاؤه ? بالدية على عصبة القاتلة فإنه معلل النصرة التي يرجع في معرفتها إلى العرف، وقد كانت في عهده ? بالعصبة، ولما كانت في عهد عمر بالديوان، لتغير العرف، جعلها عمر على أهله. الثامن: أن يكون سبباً لعدول عن ظاهر الرواية من المذهب، وسبباً كذلك للترجيح بين أقوال الأئمة التي استنبطت بوجه شرعي صحيح. وهذا منصب العالمين بمباني الأئمة أصحاب المذاهب والمتأهلين للنظر فيها، أما غيرهم فليس لهم إلا نقل ما رجحه الفقهاء في الكتب المعتبرة بطريق الرواية، وهذه ناحية تحدث بأفصح لسان عن خصوبة الفقه وفتوته وجدارته للحكم بين الخلق متى كانوا وأين كانوا حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وتقع ألسنة الذين يجاهرون بالباطل في بلاد الإسلام ويرضون بغير حكم الله. ولعمري إن الفقه لا يبلغ مثله الأعلى إلا بالقضاء بأحكامه، لأن فيه وفيما يقوم حوله من المرافعات وعرض الخصومات مواجهة لمشاكل الحياة ومعرفة ما يجعلها من نظريات الفقه وآراء الفقهاء، ففي القضاء تكميل للفقه بترجيح الآراء التي تضمن المصلحة، وتخريج الأحكام التي تستدعيها الظروف الحادثة، وقد فصلت فيما تقدم أنواع العرف الأربعة، وشرحت معنى اعتبار الفقهاء لها، وكلها صالحة في هذا العصر الذي انتعش فيه الفقه لجعلها مبنى للأحكام. التاسع: أنه يرجع إليه. في فهم معاني الكتاب والسنة بما هو المعهود عند العرب في مخاطباتهم ومعاملاتهم.

العاشر: أنه يحدد مراد المتصرفين، فيجري الشارع أحكام تصرفاتهم على ما يفيده العرف كما في العقود والطلاق واليمين. الحادي عشر: أن يكون قرينة تظهر الحق من الباطل والحلال من الحرام، وأكثر ما يكون ذلك في الإفتاء والقضاء، كتحكيمه في اللقطة وعيوب المبيع. الثاني عشر: اتساع المجاميع الفقهية، فإنها لم تقتصر على أحكام النوازل التي فصل فيها القرآن والسنة، بل دونت فيها أحكام العادات التي جرت في الأمم المسلمة على مر العصور، فإنه لما فتحت الممالك وانتشر الإسلام، عرضت على المجتهدين عادات مدنية وفارسية ورمانية ومصرية وإفريقية في مختلف مسائل الفقه، كالمهر وجهاز الزوجين وبيع الثمار، وما يدخل في المبيع تبعاً وما لا يدخل، والاستصناع والإجارة على نسيج الثياب وخياطتها وصبغها، والشروط في العقود وصيغتها ولعبة الشطرنج لم تكن هذه العادات معروفة في عهد الرسالة، وكانت محل اجتهاد المجتهدين وإفتاء المفتين، ثم جمعت في المؤلفات الفقهية على أنها آثار وفتاوى يجب العمل بها. الكلمة الأخيرة: هي: هل يكون العرف سبباً من أسباب الخلاف بين الفقهاء؟. لم يعده من أسباب الخلاف البَطَلْيُوسي في كتابه الإنصاف. ولا ابن تيمية في رسالته رفع الملام. وذكر الشاطبي في الموافقات أنه لا ينبغي إن يعد اختلافاً بين الأئمة إلا ما كان خلافاً على الحقيقة، فما كان ظاهره الخلاف والواقع الوفاق فحكاية الخلاف فيه خطأ. ونحن كثيراً ما نرى العرف منشأ للاختلاف بين الأئمة لاختلاف أزمنتهم وأمكنتهم، كاختلاف الإمام وصاحبيه في تزكية الشهود، وتحقق الإكراه من غير سلطان، واعتبار الكفاءة في الحرف، ولا يكون هذا خلافاً على الحقيقة، إذ لو شاهد كل إمام ما شاهد آخر لقال بما قال. فأخذاً بكلام الشاطبي ينبغي أن لا يعد العرف من أسباب الخلاف. والظاهر أن فقهاءنا على هذا الرأي، إذ كثيراً ما يقولون في المسائل التي تختلف الآراء فيها لاختلاف العادات: وهذا اختلاف في عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان. اللهم إلا في بعض مسائل يكون العرف فيها من أسباب الخلاف على الحقيقة، كاختلاف الشافعية في أن المعروف كالمشروط، فإنه ترتب عليه خلاف حقيقي بينهم في بعض الفروع كما تقدم في ص170. وبعد. فهذه نظرية العرف والعادة عند الفقهاء، مؤيدة بأصول الدين، معضدة بكلام الثقات من علماء المسلمين، أعرضها على الناس في وضوح ليطالعوا فيها سمو الفقه وسماحته وعدالته، ويقفوا بها عليه مبلغ ما وصل إليه فقهاء المسلمين من نيل التفكير وحصافة الرأي وحسن الاستنباط، ويؤمنوا بأن شريعة السماء هي وحدها التي يجب أن تتصدر للحكم بين الناس، وهي وحدها التي يجب أن تستمد منها التشريعات المدبرة لأمر الأفراد والجماعات. وهذا آخر ما أمكنني الوصول إليه في بحث هذا الموضوع بعد قراءات واسعة وبحوث شاقة، في الحق أني مستقل هذه النتيجة الضئيلة معها. ولكن إن كان الله قد وفقني إلى الصواب فقليل الصواب كثير. والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على رسوله العظيم.

الفتيا المعاصرة – دراسة تأصيلية تطبيقية في ضوء السياسة الشرعية

الفتيا المعاصرة – دراسة تأصيلية تطبيقية في ضوء السياسة الشرعية ¤خالد بن عبدالله بن علي المزيني£بدون¥ابن الجوزي – السعودية¨الأولى¢1430هـ€أصول فقه¶فتوى ومفتي ومستفتي الخاتمة: وبعد؛ فإني حامد الله تعالى ما أعان ويسر من إتمام هذا البحث، الذي قسمته إلى أربعة أبواب: الباب الأول: أصول الفتيا المعاصرة. الباب الثاني: مناهج الفتيا العاصرة. الباب الثالث: وسائل الفتيا المعاصرة. الباب الرابع: أساليب الفتيا المعاصرة. وقد خرجت منه –بفضل الله تعالى- بنتائج متعددة، أهمها ما يأتي: - تقرير حجية الأدلة الأصلية في الشريعة، من كتاب، وسنة، وإجماع، وقياس، وأنها ما تزال غنية ثرة بالمعاني، وأنها مصادر خصبة لاستقاء الأحكام، بشرط إحسان النية، وإحضار الآلة العلمية. - أن ما يثار بين آونة وأخرى من اعتراضات حول هذه الأدلة، كلها أو بعضها، ما هو إلا شبهات ووساوس لا ترقى إلى الإيراد العلمي الصحيح، نعم ما يخطئ المستدل – أحياناً -، لكن لا يجوز بحال أن يوجه اللوم إلى الدليل نفسه. - أن المشاريع الفكرية المنحرفة، الداعية إلى نزع القداسة من القرآن الكريم، أو قراءته قراءة تأويلية غير منضبطة، وغيرها من الدعوات المشابهة إن هي إلا أفكار ملفقة من فلسفات لا دينية متعددة، أريد لها تستنبت في ديار الإسلام، وأنَّى لها ذلك. - أن الأصل في السنة أن تكون للتشريع، وأنه إن كان المقصود من تقسيم بعض المعاصرين للسنة إلى تشريعية وغير تشريعية؛ رد بعض السنن فهو غير مسلم؛ لأنه ما زال الأئمة يحتكمون إلى السنة، من غير فرق بين ما كان من باب العبادات أو في غيرها. - أن الأصل في السنة الصحيحة ألا تعارض نصوص القرآن الكريم معارضة حقيقية، وأن الخطأ نشأ لدى بعض المعاصرين من ظن التعارض في أذهانهم، لا في واقع الأمر. ومن النتائج المهمة في هذا الصدد أن كثيراً مما يذكره بعض المعاصرين من المعارضة يكون تخصيصاً لعموم القرآن بالسنة، أو تقييداً لمطلقها، أو أن تكون السنة مبتدئة لحكم سكت عنه القرآن، وفي هذه الأحوال لا يمكن القول بالتعارض أصلاً. - للمعاصرين نزعات متعددة حول الإجماع، نفياً وإثباتاً، بيد أن التحقيق أنه لا مانع من وقوع الإجماع السكوتي في هذا العصر. - أنه قد وقع التساهل لدى بعض المعاصرين في إعمال القياس تأصيلاً وتنزيلاً، فمن جهة التأصيل نجد دعوة الترابي إلى القياس الواسع، التي جاءت في سياق دعوته إلى التغيير العملي في أصول الفقه، التي يسميها (تجديداً)، وكذا هجوم بعض المفكرين على تأصيل الشافعي لدليل القياس، واتهامهم إياه بالتشدد، والواقع أنهم هم المتساهلون. ومن جهة التنزيل وقع القياس بين المختلفين من حيث الحقيقة والأثر، كما في الدعوة إلى إباحة تأجير الأرحام، قياساً على تأجير الظئر. - أن المصلحة لا تساوي المنفعة لا لغة ولا شرعاً، كما يظن بعض المعاصرين، بل بينهما فرق مقرر في موضعه في البحث، وأن المصلحة أتم وأسمى من المنفعة، وأنها أثبت وأدوم في الدارين، ومن ثم صلحت المصلحة لأن تكون مقصوداً شرعياً، بخلاف المنفعة، وقد وقع لبعض المعاصرين أخطاء في تقرير بعض المسائل الشرعية، من حيث خلطوا بين المصلحة والمنفعة. - أن الاستحسان حجة شرعية، وأن المذاهب الفقهية متفقة على إعمال الاستحسان الشرعي، إذا فسرناه بأنه العدول عن مقتضى دليل إلى دليل آخر، لسبب شرعي، وأن الاستحسان المجرد المبني على الهوى لا يقول به أحد من الأئمة. - أن الشبهات التي أثيرت حول الاستحسان في العصر الحاضر، ما هي إلا أوهام جاء بها بعض الداعين إلى التغيير في أصول الشريعة بأهوائهم.

- أن مبدأ الذرائع – فتحاً وسداً – من المبادئ الكبرى في هذه الشريعة، وهو معتبر عند عامة الفقهاء، وأن اختلافهم في بعض تطبيقاته راجع إلى ما يحتف بالمسألة أو بالباب من حواف، لا إلى أصل الذرائع. - أن ما يثيره بعض المفكرين والصحفيين من شبهات حول مبدأ الذرائع إنما هو محاولة لتطويع الشريعة للواقع، وليس غيرة على نصوص القرآن والسنة، كما أن ما يقع في بعض المعاصرين من غلو في الذرائع لا يسوغ إلغاء هذا الأصل الأصيل. - أن الاحتجاج بالعرف معتبر – في الجملة- عند عامة الفقهاء، وأن اعتباره في هذا العصر بالغ الأهمية، لما حصل فيه من خلل في الحدود الجغرافية، بسبب تطور وسائل الاتصال. - أن المعاصرين قد انقسموا في اعتبارهم للعرف إلى ثلاثة أقسام: متوسعين، ومضيقين، ومتوسطين، وهذا الأخير هو الحق. - أن استصحاب البراءة الأصلية معتبر في الشريعة، لكن تبين أنه قد حصل توسع من بعض المعاصرين في إعمال هذا الأصل، إما لسهولة إعماله، أو للجهل ببعض أدلة الباب. - أن دعوة بعض المفكرين المعاصرين إلى التوسع في استصحاب البراءة مرجعها إلى الرغبة في التحلل من بعض التكاليف الشرعية التي تخالف توجهاتهم. - أهمية أقوال الصحابة في تقرير الأحكام المتعلقة بالنوازل المعاصرة، وأنها حجة بشروطها المقررة، وبضابطين مهمين، هما: التثبت من صحة الإسناد إلى الصحابي، والتثبت من فهم مراده. - أن التخريج على أقوال الأئمة ليس حجة بنفسه، والحجة في قول الشارع، لكن التخريج مفيد في النظر في مسائل العصر، وأنه يمكن الاستئناس بالأقوال المخرجة في هذا المجال. - أن المذاهب الفقهية الأربعة قد جرت على التخريج على أقوال إمام المذهب عند عدم النص من الإمام على المسألة، وأنه قد حصل توسع في هذا الباب عند جميع المذاهب، واقترح الباحث إعادة النظر في حجية بعض الأقوال المخرجة على أقوال الأئمة، مما لا تتحقق فيه شروط التخريج الصحيح. - أنه يمكن الاستناد إلى اقتضاءات قول الإمام المفهومة عنه في هذا الصدد بشرطين: الأول: أن يتعذر معرفة الحكم من النص مباشرة، إما لقصور المكلف، أو لطبيعة النازلة، أو لضيق الوقت على المجتهد. الثاني: ألا تتخذ أقواله كأقوال الشارع، فيقلد في كل ما قاله، من غير نظر في حجته. - أن المعاصرين قد اعتنوا بالتخريج على أقوال الأئمة، لما لها من أثر في استئناس الفقيه بما ذهب إليه، واطمئنانه من صحة فهمه للأدلة. - أن شرع من قبلنا حجة إذا ثبت بشرعنا، ولم يأت في شرعنا ما ينفيه. - أنه لا يجوز اقتباس التشريعات من الأديان المعاصرة أياً كانت، ويندرج في هذا السياق ما يدعى اليوم بالتقريب بين الأديان. - ضرورة مراعاة المفتي لمقاصد الشريعة، وأن المقاصد تراعى بالضوابط الآتية: الضابط الأول: ضابط تحقق القصدية. الضابط الثاني: ضابط الموازنة بين المقاصد والأدلة الأخرى. الضابط الثالث: ضابط مراعاة مراتب المقاصد. - أن هنالك ثغرات تأصيلية في الفتيا المعاصرة، وأن التصدي للفتيا من غير المتأصلين له آثاره السيئة على الفتيا وعلى الأمة. - أن تناقض الفتاوى المعاصرة سببه خلل تأصيلي. - للخروج من الخلل التأصيلي عند بعض المعاصرين؛ ينبغي العمل على محورين: المحور الأول: تنقيحي، وبه يتم استقراء القواعد الأصولية من مظانها من مدونات الفقه والأصول، ثم تمرر على نظر التنقيح والتدقيق، ثم ينتقل بها بعد ذلك إلى إعادة الصياغة والتبويب والتصنيف، بأسلوب يناسب طبيعة العصر، ويسهل الوصول إلى المراد منه بأقصر طريق. المحور الثاني: تفريعي، وهو امتداد لطريقة تخريج الفروع على الأصول. - أن عناية المفتي بالقواعد الفقهية ضروري جداً.

- أن تقعيد الفتيا المعاصرة ضمانة لاستمرار فاعلية الشريعة. - أن ثمة ثغرات تقعيدية في الفتيا المعاصرة. - ضرورة العناية بالضوابط الفقهية، وبالأخص ما كان منها محققاً لمقصد كلي في الشريعة في بابه، ومن ذلك قول الفقهاء (كل قرض جر منفعة فهو ربا). - أنه وقع للفتيا المعاصرة توسع موضوعي ومكاني. وأنه بفعل هذا التوسع ظهرت مستجدات في عامة أبواب الفقه، لكن يمكن حصر مجالاتها في أربعة مجالات رئيسية: أ- مستجدات في مجال العبادات. ب- مستجدات في مجال المعاملات. ج- مستجدات في مجال الطب. د- مستجدات في مجال الجنايات والقضاء. - ضرورة العناية بالفتيا الموجهة إلى الأقليات المسلمة، وبالأخص ما له أثر على عموم الجالية، أعني الفتاوى العامة التي لا تخص الفرد بعينة، فقد وقع إفراط وتفريط في هذا المجال بالذات. - أن التغيُّر الواقع في الفتيا المعاصرة لا يخلو من أن يقع على أحد مستويات ثلاثة: المستوى الأول: التغير الواقع على النص: ولا ريب أن هذا النوع من التغير مردود، وحقيقته افتئات على صاحب الشرع. المستوى الثاني: التغير الواقع على الأحكام التي من شأنها الثبات: وهذا النوع من التغير مردود أيضاً، لأنه مضاد لمقصود الشارع من هذه الأحكام. المستوى الثالث: التغير الواقع على الأحكام التي من شأنها ألا تبقى على وجه واحد: هذا النوع من التغير مقبول. - أنه يمكن حصر أسباب التغير في الفتيا المعاصرة في نوعين: الفساد، والتطور. - أنه عند القول بتغير الفتيا في مسألة ما ينبغي مراعاة الضوابط الآتية: الضابط الأول: ألا يخالف نصاً ولا إجماعاً. الضابط الثاني: اعتبار مقاصد الشريعة. الضابط الثالث: مراعاة واقع المجتمع: والواقعية في الفتيا تعني مراعاة المفتي لثلاثة أمور: أ- طبيعة البلاد. ب- ما جرى به عمل المفتين في بلاده. ج- ما يسنه ولاة الأمر من الأنظمة المعتبرة. - أنه قد وقع اضطراب في حركة الفتيا المعاصرة، ومن مظاهر هذا الاضطراب ما يأتي: المظهر الأول: الاضطراب في المصطلحات. المظهر الثاني: الاضطراب في الاستدلال. المظهر الثالث: الاضطراب في الردود. - أن هذا الاضطراب نتج عن: أ- دخول غير المتخصصين. ب- تجاوز القواعد والأصول. ج- غربة الدين. - أن لهذا الاضطراب آثاراً وخيمة – إن لم تستدرك -، منها: الأثر الأول: إضعاف هيبة الشريعة في النفوس. الأثر الثاني: إفساح المجال للمبطلين. الأثر الثالث: مناقضة أصل الشريعة. - أن التشدد يقال في اللغة على معان ثلاث، هي موجودة في معناه الاصطلاحي، وهذه المعاني هي: أ- الصلابة والقساوة. ب- المبالغة في المنع. ج- الإيغال والتعمق. والفتيا التي تسلك هذا المسلك يصح إطلاق وصف التشدد عليها. - أن من مظاهر التشدد في الفتيا المعاصرة ما يأتي: أ- المبالغة في الاحتياط. ب- إلغاء الحاجات المرعية. - أن التساهل في الفتيا المعاصرة يعني الإفتاء بالأسهل، والأخذ بالأيسر في الفتيا على الدوام، أو في غالب الأحوال، ولو خالف ذلك دليلاً شرعياً راجحاً. - أن من مظاهر هذا التساهل ثلاثة: أ- المبالغة في التمسك بالمقاصد. ب- تتبع الرخص. ج- تسويغ الواقع. - أن لهذا التساهل أسباباً، أهمها أربعة: السبب الأول: الجهل بالشريعة. السبب الثاني: الغفلة عن المقاصد والمآلات. السبب الثالث: وقوع التشدد في الفتيا. السبب الرابع: الخضوع لضغط الواقع. - أنه قد نتج عن تساهل بعض المعاصرين في الفتيا آثار سيئة على الأفراد والمجتمعات، أهمها: الأثر الأول: الإخلال بصورة الشريعة. الأثر الثاني: التقليل من أهمية الفرعيات. الأثر الثالث: الإخلال بمقاصد الشريعة. - أن المطلوب في منهجية الفتيا التوسط بين طرفي التشدد والتساهل، ولهذا التوسط معالم أهمها خمسة:

أ- الموازنة بين النصوص والمقاصد. ب- الموازنة بين المصالح والمفاسد الحقيقية. ج- رد المتشابه إلى المحكم. هـ- الموازنة بين الغيرة على الحق، والرحمة للخلق. - أن وسائل الإعلام المستخدمة في تبليغ الفتيا المعاصرة تنقسم على قسمين: القسم الأول: الوسائل الملتزمة بأحكام الشريعة. القسم الثاني: الوسائل غير الملتزمة بأحكام الشريعة. - أنه يجوز للمؤهلين من العلماء الإفتاء في وسائل غير ملتزمة بشرط مراعاة ستة ضوابط: الضابط الأول: ألا يوجد البديل النقي من الشوائب. الضابط الثاني: تحقيق مقصد الشريعة في الفتيا. الضابط الثالث: مراعاة أحوال المستفتين. الضابط الرابع: حسن اختيار المفتي. الضابط الخامس: أن لا يتقيد المفتي إلا بسلطان الشرع. الضابط السادس: التثبت في الفتيا العامة، وأنه يحصل التثبت بمراعاة خسمة أمور: أ- الاحتياط في النوازل العامة. ب- استشارة أهل العلم. ج- الإفتاء بلفظ النص. د- مراعاة مراتب التحريم. هـ- التفصيل لا التعميم. - أنه قد توسع الناس في وسائل الفتيا، حتى شمل ذلك عامة وسائل الاتصال المعاصرة، من إذاعة، وتلفاز، وصحف، ومجلات، وهاتف، وفاكس، وأخيراً الشبكة العالمية، وأنه يجب مراعاة ضوابط استعمال كل أداة منها للحصول على المطلوب الصحيح. - أنه يجوز ترجمة الفتيا من لغة إلى أخرى، بل ينبغي ذلك عند الحاجة، لكن مع مراعاة شروط أربعة: الشرط الأول: عدالة المترجم. الشرط الثاني: معرفته التامة بلغة المفتي والمستفتي. الشرط الثالث: إلمامه العام بالفقه الإسلامي. الشرط الرابع: دقته في اختيار الألفاظ. - أن التطوير الموضوعي لبرامج الفتيا المعاصرة مهم في تحسين أدائها، ولذلك ينبغي مراعاة الأسس التي تختار على ضوئها الأسئلة في تلك البرامج، وهي خمسة أسس: أ- الأهمية. ب- الجدة. ج- الحيوية. د- الموضوعية. هـ- التحديد. - أن الدور المنوط بمقدمي برامج الفتيا في وسائل الإعلام بالغ الأهمية، وهو أبعد من مجرد التقديم المعتاد في البرامج الأخرى، وأنه مع التسليم بنجاح بعض هؤلاء في أداء الدور المطلوب منهم، إلا أنه لابد من تطوير أداء آخرين، ليكونوا على مستوى تلك البرامج. - للفتيا في وسائل الإعلام مستقبل زاهر – بإذن الله -، لكنه رهن بحسن إعداد المفتي المناسب لهذا النوع من المنابر. - الفتيا الفردية هي الأصل في الفتيا، وهي حجة تجاه المستفتي، فلا ينبغي إلغاؤها، أو الدعوة إلى سد أبوابها بواسطة الإفتاء الجماعي، كما دعا إليه بعض الفضلاء من أهل العصر، لكن مع ذلك ينبغي السعي في تقويمها وترشيدها وتصحيحها. - أن عوامل تقويم الفتيا الفردية متعددة، أهمها ستة عوامل: أ- تأصيل علم الفتيا. ب- بروز العلماء الكبار. ج- إعداد الفقيه الراسخ. د- تفنيد الفتاوى الخاطئة. هـ- امتحان الفتاوى الزائفة. - أن قضية النقد لفتاوى العلماء ذات أهمية بالغة، ولذا فقد اقترحت ضابطين يأخذ بهما من تصدى لذلك: الضابط الأول: التجرد عن الهوى. الضابط الثاني: التأدب مع أهل العلم. - اشتداد الحاجة إلى الفتيا الجماعية في هذا العصر، من مظاهر هذه الحاجة ما يأتي: أ- الفتيا الجماعية تنفي الفتاوى الضعيفة. ب- الفتيا الجماعية طريق إلى وحدة الأمة. ج- الفتيا الجماعية قوة للأمة. - أن فتاوى المجامع الفقهية العامة هي قول جماعة من أهل العلم، لا جميعهم، وتعد من قرائن الترجيح بين الأقوال، لكن لا يصح اعتبارها إجماعاً، ولا حجة فيها تجاه المخالف، وإنما الحجة في الدليل الشرعي السالم من المعارض الراجح. - أنه لابد من السعي في تعزيز العمل بالفتيا الجماعية، ويتلخص ذلك في وسيلتين: الوسيلة الأولى: أن تأخذ الفتاوى حظها من النشر.

الوسيلة الثانية: أن يتبناها أولو الأمر في البلاد الإسلامية. - أنه لابد من السعي في تطوير مؤسسات الفتيا الجماعية في العصر الحاضر، وسبيل ذلك تطويرها من حيث التشكيل والمرجعية والاستفتاءات المقدمة: أولاً: من حيث التشكيل: وذلك بأن تتشكل من: أ- الفقهاء الراسخين. ب- الخبراء الناصحين. ج- الباحثين المتمرسين. ثانياً: من حيث المرجعية: وذلك بتعميم الفتاوى الصادرة من هذه المؤسسات، وإلزام الكافة بها. ثالثاً: من حيث الاستفتاءات المقدمة: وذلك بأن يتم التركيز على النوازل المعاصرة، تأصيلاً وتنزيلاً. - أن لأجل تطوير هذه المؤسسات؛ لابد من دعم أعضائها، وذلك بما يأتي: أ- الفقهاء: أن تراعى الشرائط اللازمة لاختيار الفقهاء أعضاء في مؤسسات الفتيا الجماعية، وهذه الشرائط نوعان: النوع الأول: الشرائط العلمية: وهي ما يتعلق بالتكوين العلمي للفقيه، وهي ثلاثة شرائط: الأول: الإحاطة بمدارك الأحكام. الثاني: الإلمام بمقاصد الشريعة العامة. الثالث: أن يكون عالماً بلسان العرب. النوع الثاني: الشرائط الشخصية: وهي ما يتعلق بشخصية الفقيه وخصاله النفسية والاجتماعية، وهي ثلاثة شروط: الأول: العدالة. الثاني: حسن السمت. الثالث: معرفة الواقع. - أنه ليس هنالك عدد محدد لتكوين مؤسسة الفتيا الجماعية، لكنني أؤكد على أهمية تزويدها بالعدد الكافي لإنجاز المهام المنوطة بها. ب- الباحثون: لابد أن تتوفر في الباحث الفقهي في المجامع الفقهية الشرائط الآتية: أ- الكفاية العلمية. ب- الأمانة العلمية. ج- الاستعداد النفسي. د- الخبرة التقنية.

القواعد الفقهية - المبادئ - المقومات - المصادر - ….

القواعد الفقهية - المبادئ - المقومات - المصادر - …. ¤يعقوب عبدالوهاب الباحسين£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1418هـ€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية خاتمة على الرغم من كثرة الكتب المؤلّفة في مجال القواعد الفقهيّة، فإنّه لا يزال هناك مجال واسع للكتابة في هذا الموضوع. سواء كان في مجال التأصيل، أو مجال التطبيق. وحتى الدراسات المعاصرة في هذا المجال، على الرغم من هذه الدراسات، وما ينبغي أن تكون عليه هو إعادة النظر في منهج البحث، وفي الخطط التي وضعت لدراسة الجوانب المتنوعة من هذا الموضوع. وقد وجدت، من خلال معاشرتي الطويلة له، مدى الحاجة إلى ما أشرت إلية. ولهذا فإنّي أذكر فيما يأتي بعض المقترحات التي أتصوّر أنها مفيدة في هذا المجال، وأنها من الممكن أن تساعد في تحرك عجلة القواعد، ودفعها إلى الأمام، وأن تؤدي إلى تطوير الاستفادة منها في المجالات المختلفة: 1ـ ففي مجال منهج إقرار بعض القواعد بالدراسة، نرى أنّ هذا الموضوع يحتاج إلى إعادة نظر، أو تعديل في المنهج المتّبع، إذ الذي نراه أنّ هذه الدراسات تعيد ما هو في كتب القواعد الفقهيّة، وليس فيها اختلاف عن ذلك إلاّ في جانب الشكل الخارجي، عن طريق تنظيم المعلومات، وترتيبها بالأبواب والفصول والمباحث. ولا نجد منها ما تحدّث عن مقوّمات القاعدة من أركان وشروط، باستثناء من بحثوا عن قاعدة العرف والعادة، أو الضرورة. وهذا يعود إلى أنهم وجدوها كذلك في الكتب السابقة. ولذا فإنّنا نرى أنّه من وضع ذلك في اعتبار من يقومون بأمثال هذه الدراسات. 2ـ وفي مجال استكشاف القواعد وتخريجها، لا نجد في الدراسات المعاصرة شيئاً من ذلك. وقد ظهرت دراسات تتعلّق باستكشاف قواعد إمام معيّن من كتبه، وهي أشبه بالدراسات التطبيقية لقواعد الفقه عند هذا الإمام. وقلّ أن نجد له قواعد خاصّة انفرد بها عن غيره. مثل هذا العمل له فائدة، لا شكّ في تحقّقها، لكنّ الذي نرومه هو إنشاء قواعد فقهيّة جديدة، من خلال تتبّع الأحكام الفقهية، والتعرّف على مقاصد الشارع، فالفقه الإسلامي متحرّك، وأحكامه متجددة، والتوقّف عند ما توصّل إليه علماء السلف من القواعد، هو كالقول بالتوقّف عند ما توصّل إليه علماء السلف من القواعد، هو كالقول بالتوقّف عن الاجتهاد، والتعرّف على أحكام الوقائع والنوازل ـ وفي ذلك تحجيم وتحجير لدور الفقه.

وتوضيحاً لذلك نذكر أنّ بعض الباحثين ذكر من القواعد والضوابط "المتّهم برئ حتى تثبت إدانته" و "الشكّ يفسّر لصالح المتّهم"، و "الأصل براءة المتّهم"، و "الشكّ يفسرّ لمصلحة المدين". وهذه القواعد لم ينص عليها فيما سبق، على ما أعلم، فهي قواعد جديدة، لكنّها استنبطت من أصول قديمة، إذ هي مستندة إلى قاعدتي "الأصل براءة الذمّة" و "الحدود تدرأ بالشبهات"، ولكنّها علم جيّد ومفيد. ومن المؤسف أنّ هذه القواعد لم يستنبطها أو يخرّجها الفقهاء المعاصرون، بل وردت في كتابات رجال القانون. أمّا ما نراه من المؤلفات التي انبرى كاتبوها إلى وضع ما سمّوه القواعد والضوابط في بعض المجالات، فينبغي أن لا نأخذ عناوينها على أنّها فعلاً في القواعد والضوابط، فهي أشبه بالمباحث الفقهيّة العادية، وإن عرضت طائفة من الشروط عرضتها على هيئة تقرير المسائل الفقهية، وقد يرد في بعضها، ما هو على هيئة قاعدة أو ضابط، ولكنّ ذلك قليل ومن أمثال هذه المؤلفات: "ضوابط الدراسات الفقهيّة" لسلمان بن فهد العودة، و "قواعد ومنطلقات في أصول الحوار وردّ الشبهات" للدكتور عبدالله بن ضيف الله الرحيلي، و "قواعد فقهيّة لترشيد الصحوة الإسلامية" لناصر درويش، و "قواعد الاستدلال على مسائل الاعتقاد" لعثمان بن علي حسن، و "الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن" لصالح بن عبدالعزيز آل الشيخ, و "قواعد في التعامل مع العلماء" لعبدالرحمن بن معلاّ اللويحق. وغيرها من المؤلفات التي لم تلتزم بالمعاني الاصطلاحية، عند علماء هذا الموضوع. 3ـ وفي مجال ترتيب القواعد وتنظيمها نجد جهوداً محدودة في ذلك، مع أنّ هذا أمر جدير بالاهتمام، فجمع القواعد والضوابط، ذات الموضوع الواحد يعطي تصوّراً جيّداً لموضوعها، ويُرسي أسساً قويمة في بحثها ودراستها. وعَرْضُ القواعد والضوابط، بحسب الأبواب الفقهية، الذي نجده في طائفة من كتب التراث، لا يحقّق الهدف الذي نقصده. وقد تطرّقت بعض الكتب المعاصرة إلى شيء من ذلك، ففي كتاب "نظرية الضمان" للدكتور وهبة الزحيلي نجد المؤلّف عقد فصلاً خاصاً للقواعد الفقهية المتعلقة بالضمان، ذكر فيه عشرين قاعدة فقهيّة شرحها وعلّق على كل واحدة منها على انفراد. ولكنّ مثل هذا العمل محدود، ومنهج الدراسة فيه لم يكن القصد منه تكوين تصوّر كلّي عن الموضوع. إنّ التوجّه إلى هذا التكوين، وهو ما ندعو إليه، يحقّق هدفين: الأول: تصوّر الموضوع، منطلقاً فيه من أسسه وقواعده العامّة. الآخر: المساعدة على التعرّف على الجوانب التي لم تعالجها القواعد الفقهية، مما يفسح المجال لإنشاء قواعد تسدّ مثل هذا النقص، في موضوع الدراسة. ولا يعيق مثل هذا العمل، أنّ بعض القواعد تدخل في إطار موضوعات متعدّدة، إذ لا ضير من إعادة القاعدة، وتكررها، إن كانت ذات تعلّق بالموضوع الخاص. ومما لا شك فيه أن الحياة المعاصرة، والدراسات العلمية المتنوعة، وذات الاختصاصات المختلفة تدعو لمثل هذا الأمر. فلماذا لا تكون هناك قواعد تفسيرية، وقواعد في العقود، وقواعد في الأحكام الجنائية، وقواعد في المعاملات، وقواعد في البيّنات والمثبتات والترجيح بينها، وقواعد في الاقتصاد وغير ذلك من المجالات. ولماذا لا توجّه الدراسات في الجامعات، وفي مجال الرسائل العلميّة والأبحاث العلمية، إلى مثل هذا النوع والنشاط، بتنظيم هذه القواعد والربط فيما بينها، وتكوين صورة عن الموضوع بالاستناد إليها. والكشف عن الفجوات المحتاجة إلى أن تملأ بما ينظمّها من الأحكام. هذه بعض الآراء نطرحها في مجال التأليف في القواعد الفقهية، نسأل الله ـ تعالىـ أن تكون مفيدة، وأن يكون لها وجه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين للعلامة ابن قيم الجوزية

القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين للعلامة ابن قيم الجوزية ¤عبدالمجيد جمعة الجزائري£بدون¥دار ابن القيم - الدمام¨الأولى¢1421هـ€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية نتائج واقتراحات: وبعد هذا الجهد المضني الذي بذلته في خضم هذا البحث فإني توصلت إلى نتائج من أهمها ما يلي: 1ـ إن الإمام ابن القيم – رحمه الله – نشأ في أسرة ذات علم وفضل كانت السبب الرئيسي في تكوين شخصيته العلمية. 2ـ بدأ يشتغل بالعلم، ويكب على تحصيله في السن السابعة ويظهر ذلك بالمقارنة بين تاريخ ولادته سنة 691هـ وتاريخ وفاة شيخه الشهاب العابر سنة 676 هـ 3ـ من خلال دراستي لكتاب " إعلام الموقعين" فقد سجلت النقاط التالية: أـ يجوز ضبط اسم الكتاب بكسر الهمزة فيقال: " إعلام الموقعين" ويجوز بفتحها فيقال: أعلام الموقعين" ب ـ إن موضوعه يدور حول أصول الفتيا وشروطها، وآداب المفتي والمستفتي. ج ـإن منهج ابن القيم فيه متميز وقد كشفت عن جوانب مهمة من خصائصه ومميزاته. 4ـ إن كتاب " إعلام الموقعين" يعتبر مرجعا أساسيا في علم أصول الفقه. 5ـ إن القاعدة الفقهية كلية ولا يضر تخلف آحاد جزئياتها أو وجود مستثنيات منها. 6ـ إن الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي لم يتميز إلا في العصور المتأخرة حيث اصطلحوا على أن القاعدة هي ما تجمع جزئيات كثيرة من أبواب مختلفة والضابط يجمعها من باب واحد. 7ـ بدأ ظهور علم القواعد في عصر النبوة حيث يعتبر القرآن والسنة النواة الأولى لهذا الفن ثم لاحت معالمه في عصر الصحابة ومن بعدهم حيث أثر عنهم عبارات جرت مجرى القواعد ولا يزال في نمو وترعرع حتى برز في صورة فن مستقل قائم على ساقه في مطلع القرن الرابع الهجري. 8ـ إن القواعد الفقهية ليست على درجة واحد من حيث الاحتجاج بل تنقسم إلى قسمين. القسم الأول: قواعد متفق عليها من حيث الجملة وإنما اختلف في بعض جزئياتها مثل القواعد الخمس الأساسية. 9ـ ساهم الإمام ابن القيم رحمه الله مساهمة فعالة في خدمة هذا الفن وإثرائه وبناء صرحه وذلك من خلال تأسيسه بعض القواعد وتعرضه للبعض الآخر بالنقد. 10ـ تميزت القاعدة الفقهية عنده بحسن الصياغة والدقة في العبارة. 11ـ بعد استقرائي للقواعد الفقهية في " إعلام الموقعين" ظهر لي أهم خصائصها: أـ أنها مستوحاة من النصوص الشرعية: الكتاب والسنة والإجماع وآثار الصحابة والقياس الصحيح. ب ـ أنها موافقة لمقصود الشارع ومراعية لمصالح العباد. ج ـ أنها اتسمت بطابع التيسير والتسهيل.

القواعد الفقهية تاريخها وأثرها في الفقه

القواعد الفقهية تاريخها وأثرها في الفقه ¤محمد بن حمود الوائلي£بدون¥بدون¨الأولى¢1407هـ€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية الخاتمة وتشتمل على النتائج التالية: 1 - إن حركة تقعيد القواعد الفقهية وتدوينها قد بدأت في أوائل القرن الرابع الهجري لكنها لم تشتهر إلا في بداية القرن السابع الهجري. 2 - إن القواعد الفقهية لم توضع جملة واحدة، بل أخذت في النمو والتدرج حتى بلغت الغاية في النضج والازدهار والكمال. 3 - إن للقواعد الفقهية أثرا عظيما في الفقه بضم الجزئيات المتفرقة بعضها إلى بعض مما يعين على معرفة فروع المذهب، ويساعد على الحفظ والفهم ويسهل مهمة الموازنة في الدراسات الفقهية المقارنة بين المذاهب الفقهية، فتكون الموازنة بين الأصول، لا بين الفروع. 4 - إن القواعد الفقهية تصور كيف يكون التخريج في ذلك المذهب، وتفريع فروعه واستخراج أحكام ما يجد من حوادث لم تكن في عصر الأئمة بحيث تكون الأحكام غير خارجة عن مذهبهم، فلا يقف العلماء فيه عند جملة الأحكام المروية عن أئمتهم، بل يوسعون ويقضون فيما يجد من وقائع على طريقتهم. وإنه بذلك ينمو المذهب، وتتسع رحابه، وتمده بأغزر الفقه وأحكمه وأتقنه وتجنبه الشطط وتهديه سواء السبيل. 5 - إن الفقه الإسلامي ليس حلولا جزئية لا تربطها قاعدة، ولا يضبطها ضابط فكري كما يدعي ذلك مخالفوه، بل هو أسس جامعة، وقواعد كلية ثابتة مستقرة، تهدي وترشد. 6 - إن المؤلفات في القواعد الفقهية لم تقف عند مذهب معين، فقد شملت كافة المذاهب الفقهية المشهورة. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

القواعد الفقهية والأصولية المؤثرة في تحديد حرم المدينة النبوية مع ملحق بالوثائق والصور والخرائط

القواعد الفقهية والأصولية المؤثرة في تحديد حرم المدينة النبوية مع ملحق بالوثائق والصور والخرائط ¤محمد بن حسين الجيزاني£بدون¥مكتبة دار المنهاج – الرياض¨الأولى¢1430هـ€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أما بعد: فقد تبين من خلال دراسة مسألة حدود حرم المدينة النبوية أن المؤثر في تحديد هذا الحرم طائفة من الأصول العلمية المتنوعة، فمنها قضايا لغوية، وأخرى حديثية وجغرافية وتاريخية، ومنها قواعد فقهية، ومسائل أصولية. وقد خصصت بشيء من البيان تلكم القواعد الفقهية والأصولية التي يمكن أن يبنى عليها ويستند إليها في ضبط حدود هذا الحرم، وعدد هذه القواعد إحدى عشرة قاعدة، وهي: أولاً: القواعد الفقهية: 1 - ما قارب الشي أُعطي حكمه. 2 - ما ثبت للبعض يثبت للكل. 3 - هل الحد يدخل في المحدود؟ ثانياً: القواعد الأصولية: 1 - معرفة التاريخ شرط في النسخ. 2 - دلالة سنة الترك. 3 - خبر الواحد فيما تعم به البلوى. 4 - الفرق بين المصلحة المرسلة والبدعة. 5 - الموقف من النص المطلق ومن النص المقيد. 6 - تخصيص العموم أولى من النسخ أو الترجيح. 7 - الجمع بين الأدلة متى أمكن فهو أولى من الترجيح. 8 - تحقيق المناط. وفي نهاية المطاف يحسن التنبيه على قضية مهمة، ألا وهي: أن مسألة تحديد حرم المدينة النبوية من المسائل التي لا تزال بحاجة إلى مزيد بحث وتحرير، وما هذا الجهد المتواضع إلا محاولة لرسم الضوابط العلمية، ووضع المعايير المنهجية لهذه المسألة المعضلة. وإني لأرجو أن يثمر هذا الجهد فتحاً لآفات البحث والإنتاج، ودفعاً للمزيد من الفقه والاستنباط.

القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير

القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير ¤عبدالرحمن بن صالح العبداللطيف£بدون¥الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة¨الأولى¢1423هـ€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية (الخاتمة) الحمد لله على توفيقه وتيسيره، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وبعد: فإنه يحسن بي ــ بعد أن أنهيت الكتابة في هذا الموضوع، وبعد أن قضيت زمناً غير يسير في جمع مادته العلمية، ثم تنسيقها ــ أن أدوّن أبرز ما ظهر لي من نتائج فمن أهمها ما يلي: 1) أن القواعد المتضمنة للتيسير في غالبها محل اتفاق بين الفقهاء، وأن الخلاف بينهم إنما هو في كيفية تطبيق بعض هذه القواعد على فروعها، أو في إدراج هذا الفرع أو ذاك تحت هذه القاعدة أو تلك. كما يحصل الاتفاق ــ أحياناً ــ على ثبوت الدليل ثم يُخْتَلف في الحكم المستنبط منه. 2) أن قواعد التيسير مستمدة من نصوص الكتاب والسنة وقائمة على أدلة شرعية هي مجموع الأدلة الدالة على الفروع المندرجة تحتها. 3) أن الشريعة الإسلامية وأحكامها الفقهية قائمة على رفع الحرج والتيسير على المكلفين وأن هذه هي إحدى خصائص هذه الشريعة المطهرة ومحاسنها. 4) أهمية هذه القواعد في الفقه واندراج كثير من مسائله تحتها. كما ظهر لي من خلال استعراض كتب القواعد الفقهية لاستخلاص المادة العلمية بعضُ النتائج العامة ومنها: 1) أن سبب إغفال كثير من المؤلفين في القواعد الفقهية لذكر الأدلة على صحة تلك القواعد هو طريقة استنباطها وهي استقراء الفروع. 2) أن أولئك العلماء الأجلاء قد بذلوا جهوداً عظيمة في استنباط تلك القواعد من خلال استقراء الفروع، وفي صياغتها تلك الصياغات المحكمة، وفي تتبع ما استثني منها من مسائل. نسأل الله أن يجزيهم عن الدِّين وأهله خير الجزاء. وبعد فهذا هو جهد المقل وأسأل الله تعالى أن أكون قد وفّقت فيه للصواب كما أسأله تعالى أن يغفر لي ما أخطأت فيه إنه سميع مجيب. وأوجه رجائي إلى كل من اطلع على هذا العمل أن يستر العيب ويسدّ الخلل، ويبدي النصح، وأن يعلم أن هذه هي طبيعة عمل البشر. والله المستعان وعليه التكلان والحمد لله أولاً وآخراً.

المشقة تجلب التيسير

المشقة تجلب التيسير ¤صالح بن سليمان اليوسف£بدون¥المطابع الأهلية للأوفست- الرياض¨بدون¢1408هـ€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية الخاتمة الحمد لله الذي بعونه تتم الصالحات وله الشكر على ما أنعم به وتفضل من التوفيق في البدء والختام. وبعد .. فلقد جئت على جميع فقرات الخطة الموضوعة للبحث في قاعدة من أعظم قواعد هذه الشريعة الحنفية السمحة، ألا وهي قاعدة المشقة تجلب التيسير، ثم بينت مدى بناء الفروع الشرعية في شتى أبواب العبادات والمعاملات مما يشهد لأهمية هذه القاعدة وأنها جديرة بالبحث والدرس. وبذلك يظهر فضل هذا الدين وأنه جدير بأن يكون خاتم الأديان وأن من ابتغى غيره باء بالخسران. كما يظهر من هذا البحث مدى أهمية قواعد الفقه الكلية على الإجمال، وأنها لا تقل عن القواعد الأصولية أهمية في استنباط الأحكام الفقهية وربطها ببعضها البعض وتخريج الفروع عليها. فبقدر إحاطة الفقيه بها يعلو قدره ويكون قادرا على السيطرة على زمام الفروع. فلا تتضارب مع الأحكام ولا تتعارض. زد على أن القواعد الفقهية أسهل فهما وانقيادا من قواعد الأصول لغلبة الأدلة العقلية على الثانية، وميل أهلها إلى الاعتماد على المقدمات المنطقية، فالقواعد الفقهية سهلة العبارة واضحة الغاية ثمرتها مؤكدة. ولا يسعني في هذه الخاتمة إلا أن أبين بعض ثمرات هذا البحث ونتائجه على سبيل الإيجاز لكي يأخذ القارئ لمحة موجزة عنه: 1 – إن القواعد الفقهية تمتاز بالأسلوب الواضح، والإيجاز في العبارة، على عموم معناها واستيعابها للفروع الكثيرة، فهي مهمة عظيمة النفع، ينطوي تحتها من الفروع ما لا يحصى، فبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه لأن من ضبط الفقه بقواعده، أحاط بمعظم الجزئيات لاندراجها تحتها. 2 – إن قاعدة المشقة تجلب التيسير من القواعد المتفق عليها في الشريعة الإسلامية، وقد توافرت الأدلة عليها من الكتاب والسنة والإجماع والعقل، ومن تتبع سيرة الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان، وجد أنهم أخذوا بمبدأ التيسير وابتعدوا عن الأعمال الشاقة. 3 – إن الشارع الحكيم، لم يعلق التخفيف في بعض الأحكام الشرعية على وجود المشقة أو عدمها، وذلك لأن المشاق تختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة، والمشاق بالقوة والضعف، بحسب الأحوال، وبحسب قوة العزائم، وضعفها، وبحسب الأزمنة، وبحسب الأعمال. فليس سفر الإنسان راكبا على الدابة أو ماشيا على الأقدام كسفره على السيارة أو الطيارة، كما أن الأشخاص في تحمل المشاق يختلفون فرب رجل جلد ضرى على قطع المسافة حتى صار ذلك عادة له، وآخر بخلافه، وكذلك يتحمل أحدهما في مرضه ما لا يتحمل الآخر. وإذا كان الأمر كذلك، فليس للمشقة المعتبرة في التخفيف ضابط مخصوص ولا حد محدود يطرد في جميع الناس. لذلك أقام الشارع السبب مقام العلة، فاعتبر السفر مثلا لأنه أقرب مظان وجود المشقة، وترك كثيرا منها موكولا إلى اجتهاد الشخص. 4 - إن المشاق المؤثرة في التخفيف تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: مشاق رابطها الشارع بأسباب معينة، بحيث يدور التخفيف معها وجودا وعدما، كربط التخفيف بالسفر والإكراه والمرض والنسيان ... الخ. القسم الثاني: مشاق لم يرد بشأنها من الشارع ضبط ولا تحديد، وهذه تتنوع إلى نوعين: النوع الأول: مشاق ملازمة للعبادة، فلا يمكن تأدية العبادة بدونها كمشقة الوضوء مثلا، فمثل هذه المشاق لا أثر لها في التخفيف. النوع الثاني: مشاق منفكة عن العبادة في الغالب، وهذه ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: مشقة عظيمة كمشقة الخوف على النفوس، فهذه موجودة للتخفيف. المرتبة الثانية: مشقة خفيفة كأدنى وجع الإصبع، فهذه لا أثر لها في التخفيف.

المرتبة الثالثة: مشقة واقعة بين المرتبتين، وضابطها هو أنه ما كان منها قريب من المرتبة الأولى يلحق بها، فيكون مؤثرا في التخفيف، وما كان منها قريب من المرتبة الثانية يلحق بها فلا يكون مؤثرا في التخفيف، وما توسط بينهما، فمثل هذا النوع لا ضابط له، فيرجع فيه إلى العرف. 5 – تبين عند تقسيم المشاق، أن منها ما هو مانع من التكليف، كالمشقة الخارجة عن المعتاد، ومنها ما هو غير مانع من التكليف، كالمشقة الزائدة عن المعتادة، وهي المشقة الطبيعية التي يستطيع الإنسان تحملها دون إلحاق الضرر به. 6 – في مباحث أسباب التخفيف التي تتخرج على قاعدة المشقة تجلب التيسير، تبين أن أسباب التخفيف التي هي – النسيان والجهل والمرض والسفر والعسر وعموم البلوى والإكراه .. الخ – تعالج ما يواجه المكلف من المشاق بإيجاد تخفيفات مقابلة لها بمعنى أن المشقة المرتبة عليها توجب التخفيف، ثم أن هذه التخفيفات مرعي بها مصالح من وجدت بهم الأعذار، أو يتوقع وجودها بهم. والتخفيفات المترتبة على هذه الأسباب أكثرها تتناول حقوق الله تعالى لأنها مبنية على التسامع والرحمة والمغفرة، أما ما يتعلق بحقوق العباد فقد خفف في شأنها ما ينتفى فيه القصد فترتفع العقوبة البدنية، أما الأضرار اللاحقة بالغير فإنها مضمونة، لأن في إهمالها حرج على من وقعت عليه، فكل غلط أو نسيان أو خطأ أو سبق لسان أو التكلم مكرها أو جهلا بما لا يريده العبد وإنما يريد خلافه، لا مؤاخذة عليه، لأنه لو رتب عليه حكم لحرجت الأمة وأصابها غاية التعب، والمشقة مرفوعة عن هذه الأمة، فلا مؤاخذة بهذه الأشياء. 7 – في مباحث العسر وعموم البلوى، تبين أن العسر، هو ما يقوم به الإنسان مع المشقة الزائدة عن المعتاد، وبذل كل الطاقة والمجهود. وعموم البلوى، هو ما تمس الحاجة إليه في عموم الأحوال، وينتشر وقوعه بحيث يعسر الاستغناء عنه، ويعسر الاحتراز منه إلا بمشقة زائدة. وفي المباحث المتعلقة بالعسر تبين ما يلي: أ – في مبحث العسر والاستحسان: تبين أن أهم مقاصد هذا المبحث، هو تجنب الإيغال في طرد القياس الموقع في الحرج والمشقة، فجميع أنواع الاستحسان هادفة إلى التيسير والتخفيف، فهي مظهر من مظاهر رفع الحرج والمشقة ومعالجة لغلو اطراد القياس، كما جاء تعريفه عند بعضهم، بأنه طلب السهولة في الأحكام، فيما يبتلى فيه الخاص والعام، وقيل: أنه هو الأخذ بالسعة وابتغاء الدعة إلى غير ذلك. ب – وفي مبحث العسر والمصالح المرسلة: تبين أن المصالح المرسلة مظهر من مظاهر التخفيف والتيسير على العباد، فهي مظهر لمرونة الشريعة الإسلامية، تحقيقا لمطالب الحياة ومناسبتها لكل مكان وزمان، إذ أن رفع المشقة عن الناس فيما لزمهم من أحكام يقتضي أن تكون تلك الأحكام دائرة مع مصالحهم ومقتضيات سعادتهم وإلا لما ارتفع العسر. والآئمة يقولون بالاستصلاح، سواء كان ذلك باسم الاستصلاح أو الاجتهاد أو القياس أو الاستحسان أو العرف. جـ - وفي مبحث العسر وسد الذرائع: في دراسة أنواع الذرائع يتبين أن الشريعة الإسلامية فتحت من الذرائع مقدار ما يرتفع معه العسر والضرر، فإذا زال العسر بقيت على سدها، لأن أصل سد الذرائع مجمع عليه. فسد الذرائع دائما وفي كل الظروف والأحوال يكون سببا لوقوع المشقة للأمة. د – وفي مبحث العسر والعرف: تبين أن العرف يرجع إليه كثير من الأحكام الشرعية، ونزع الناس عما ألفوه واعتادوا عليه وتلقته طباعهم السليمة بالقبول، عسر وحرج شديد وعليه ينبغي للمفتي أن يتعرف على أعراف الناس وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم فما وجده في العرف الذي لا يتعارض مع نصوص الشريعة اعتبره، وما أسقط أسقطه.

وبهذا يتبين أن مراعاة العرف، فيه تخفيف وتيسير، ومخالفته، توقع في المشقة ولكن العرف إنما يعمل به في حدود الشروط المعتبر له، لأن الأخذ بالعرف دون قيد ولا شرط يؤدي إلى التلاعب بالأحكام الشرعية. 8 – إن الرخص ليست هي الأحكام الأصلية، وأنها تهدف إلى رفع الحرج عن هذه الأمة، وأقرب تعريف لها هو تعريف البيضاوي وهو قوله: (هي الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر). 9 – إن قصد المشقة نفسها في التكليف لا يصح، لأنه مخالف لقصد الشارع، وما كان مخالفا لقصد الشارع فهو باطل، أما قصد العمل الذي من لوازمه المشقة كمن يختار الجهاد على نوافل العبادات فهذا قصد صحيح، لأنه في هذه الحالة لم يقصد المشقة نفسها وإنما قصد العمل الذي من لوازمه المشقة. أما دخول المكلف في المشقة باختياره، فإن كانت معتادة فللمكلف الدخول فيها باختياره، ولكن ليس القصد من الشارع نفس المشقة بل القصد المصلحة الراجحة. وإن لم تكن معتادة، فإن كانت المشقة حاصلة بسبب المكلف واختياره والفعل لا يقتضيها بأصله، فهذا بأصله، فهذا منهي عنه ولا يصح التعبد به. وإن كان الفعل مقتضيا لها، فهذا هو الذي شرعت الرخص من أجله فإن شاء عمل بالرخصة، وإن لم يعمل بها، فلا يخلو من أن يعلم أو يظن أنه يدخل عليه في نفسه أو جسمه أو عقله أو ماله أو حال من أحواله ضرر يكره بسببه العبادة، فهذا أمر ليس له، وكذلك إن لم يعلم بذلك ولا ظن ولكنه لما دخل في العمل دخل عليه ذلك فحكمه الإمساك عما أدخل عليه المشوش. أو من أن يعلم أو يظن أنه لا يدخل عليه الضرر ولكن في العمل مشقة غير معتادة. فهذا موضع لمشروعية الرخصة. 10 – تبين أن السبب في رفع المشقة عن المكلفين هو الخوف من الانقطاع عن العبادة أو بغض العبادة أو كراهة التكليف أو الخوف من فساد قد يحصل في عقله أو جسمه أو ماله أو حاله، أو الخوف من التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد المختلفة الأنواع، فربما كان التوغل في جزء منها يكون شاغلا عنها. فالنهي لعلة معقولة المعنى مقصودة للشارع، وإذا كان كذلك، فالنهي يدور مع العلة وجودا وعدما، فإذا وجد ما علل به الشارع، كان النهي موجودا وإذا لم توجد كان النهي مفقودا. 11 - إن المشاق والشدائد التي يجدها المكلف في طريق قيامه بالعبادة وسائر التكاليف مثاب عليها قل ذلك أم كثر، فإذا تساوت الأفعال في الشرف والشرائط والسنن والأركان، وكان إحداهما أشق من الآخر استوت في الأجر لتساويها في الوظائف، وانفرد الشاق عنها بتحمل المشقة، فأثيب على تحمل المشقة لا على عين المشقة، إذ لا يصح التقرب بالمشاق، لأن المشقة ليست مناطا للأجر، بل الأجر على المشقة يأتي بسبب كونها ملازمة للعبادة لا لكونها مقصودة من الشارع إذ ليست شدة العمل ومشقته هي السبيل لتحصيل الأجر بل مناط الأجر هو الامتثال لأمر الشارع. 12 – وبالتطبيقات الفقهية على القاعدة تبين أن قاعدة المشقة تجلب التيسير، تحتل جزءا كبيرا في مجال التطبيق على الفروع الفقهية، فتطبيقاتها تأتي على جميع أبواب الفقه، فقلما تجد بابا من أبواب الفقه، إلا وللقاعدة أثر عليه، فما وجدت عزيمة إلا وجد في جانبها رخصة، إلا الشرك والقتل والزنا. فإذا نظرت إلى أبواب الفقه وبدأتها من كتاب الطهارة وتتبعتها بابا بابا إلى كتاب القضاء، فإنك تدرك أن هذه القاعدة لها نصيب كبير في مجال التطبيق، ولكن أثر القاعدة في العبادات أكثر منه على المعاملات. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه،،،

المصالح المرسلة وأثرها في مرونة الفقه الإسلامي

المصالح المرسلة وأثرها في مرونة الفقه الإسلامي ¤محمد أحمد بوركاب£بدون¥دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث¨الأولى¢1423هـ€أصول فقه¶مصالح مرسلة خاتمة الكتاب: وفي نهاية هذه الرحلة الممتعة مع المصالح المرسلة، أود أن أسجل أهم ما توصلت إليه من نتائج، منذ بداية الطريق إلى نهايته. 1 - المصالح المرسلة، هي كل منفعة ملائمة لمقصود الشارع وما تفرع عنه من قواعد كلية، ولم يشهد لها نص خاص بالاعتبار أو الإلغاء. فهي عبارة عن أخذ حكم في حادثة معنية، من مجموع نصوص، بحيث لو انفرد كل منها لم يفدنا ذلك الحكم. وهي بهذا المعنى مقبولة اتفاقاً، خلافاً للظاهرية الذين أنكروا القياس. ولذا قال الإمام القرافي: (وأما المصلحة المرسلة فالمنقول أنها خاصة بنا، وإذا افتقدت المذاهب وجدتهم إذا قاسوا وفرقوا بين المسألتين، لا يطلبون شاهداً بالاعتبار لذلك المعنى الذي به جمعوا وفرقوا، بل يكتفون بمطلق المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة، فهي حينئذ في جميع المذاهب). 2 - المصالح المرسلة معتبرة شرعاً، بجنسها لا بعينها، وتسميتها مرسلة تجوزاً، من أجل التفريق بينها وبين المصالح المعتبرة في باب القياس. ولذا فتسميتها (بالمرسل المعتبر) أدق؛ لأنها مرسلة من حيث إن النصوص الخاصة لا تشهد لها، لا باعتبار ولا بإلغاء، ومعتبرة من حيث إنها ملائمة لمقصود الشارع وما تفرع عنه من قواعد كلية. 3 - المصالح المرسلة، ما هي إلا إجراء للقواعد الكلية على عمومها الذي ثبت باستقراء مجموع النصوص، فهي التفات من المالكية إلى ضرورة الرجوع إلى مقاصد الشريعة وقواعدها الكلية عند استنباط الأحكام من النصوص الخاصة. 4 - منشأ اختلاف العلماء في حجيتها ثلاثة أمور: الأول: إطلاق الأسماء على غير مسمياتها عند أصحابها. الثاني: عدها دليلاً مستقلاً كما فعل المالكية، أو إدراجها تحت دليل من الأدلة المتفق عليها كالقياس على ما عليه الجمهور، أو إرجاعها لمقصود الشارع الذي يدل عليه الكتاب والسنة والإجماع، على ما ذهب إليه الإمام الغزالي. الثالث: التخوف من اتخاذها وسيلة لتحقيق المصالح الخاصة، والقول في الدين بالتشهي والرأي المجرد. ومن أجل ذلك التخوف الذي رد به بعض العلماء المصالح المرسلة، وضعت لها ضوابط وقيود، تضمن للمجتهد اجتناب الزلل والقول في الدين بالرأي، وهي: أ- أن تكون ملائمة لمقصود الشارع وما تفرع عنه من قواعد كلية. ب- ألا تصادم نصاً خاصاً. ج- أن تكون معقولة المعنى في ذاتها. د- أن يكون الذي يفرع الأحكام عليها، مجتهداً جامعاً لشروطه، ومن شروطه الأساسية للقول بها: 1 - فهم مقاصد الشريعة على كمالها، كما ذكر الشاطبي. 2 - معرفة الناس وأحوالهم وظروفهم (معرفة الواقع)، كما ذكر الإمام أحمد. 3 - أن يكون الذي يفرع الأحكام عليها ورِعاً لا يخاف في الله لومة لائم، لكي لا تستهويه قلوب الأغنياء والساسة والحكام، فيحيد عن الحق قصد إرضائهم. 4 - من أجل الفهم الصحيح والدقيق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة الظني منها يجب علينا أن نفهمها مقرونة بالنظر في عمومات القرآن، والمقاصد العامة من التشريع الإسلامي وما تفرع عنها من قواعد كلية، ظنية كانت أو قطعية. 5 - لا مانع شرعاً من تخصيص النص العام بالمصلحة المرسلة، سواء اعتبرناها دليلاً مستقلاً، أو داخلة تحت باب القياس بمفهومه الواسع. لأن التعارض الجزئي بين النص العام والمصلحة المرسلة، هو في حقيقة الأمر تعارض بين عامين، عام استقيد من الصيغ، وعام استفيد من استقراء مجموع النصوص التي استخلصت منها القاعدة الكلية.

وإذا كانت المصلحة المرسلة فرداً من أفرادها، فالتخصيص ليس بها، وإنما بما استندت إليه من أصل كلي وما تفرع عنه من قواعد كلية. 6 - التخصيص بالمصلحة المرسلة، هو تعطيل مؤقت لفرد من أفراد العموم للحاجة والمصلحة، فإذا زالت الحاجة رجع ذلك الفرد المستثنى إلى حكمه الأصلي، وفي هذا خير دليل على أن التشريع الإسلامي لا يعرف العجز والجمود عند نزول النوازل، وتغير الظروف والأحوال. 7 - بوسع المصالح المرسلة أن تعالج كثيراً من القضايا التي تجدُّ في حياة المسلمين، سياسية كانت أم اقتصادية، أم ثقافية، أم اجتماعية، ذلك أن مجالها النوازل التي لم يرد فيها نص خاص بالاعتبار أو الإلغاء؛ فإن لاءمت مقصود الشارع وقواعده الكلية اعتبرتها ودعت إليها؛ وإن خالفت ألغتها وحذرت من شرها ومفاسدها. ومن هنا كانت تسعة أعشار العلم. وما بقى من نوازل بدون علاج، وسعته المصادر التبعية الأخرى، كالاستحسان، والاستصحاب، وأصل اعتبار المآل الذي يتفرع عنه: قاعدة سد الذرائع، والحيل، ومراعاة الخلاف، والاستثناء. وإذا كان الأمر كذلك، فينبغي للمسلمين أن يكونوا في غنى عن التفكير في تجديد وتوسيع علم أصول الفقه، بحجة أن قواعده ومصادره صارت ضيقة ولا تفي بمتطلبات العصر. بل عليهم أن يجددوه بإحياء ما اندرس من العمل به، وتبسيط مسائله، وتخليصه مما ليس منه من الأمور التي اقتضاها ظرف من الظروف، وتوسيع بعض مباحثه، كالاجتهاد الجماعي الذي أصبح من حاجيات العصر إن لم نقل من ضرورياته. فما أحوج الأمة الإسلامية إلى أن ترى علماءها ومفكريها، على اختلاف تخصصاتهم وانتماءاتهم، جالسين على طاولة واحدة، يسودهم الحب في الله، والتعاون على نصرة شريعة الله، والنصح لعباد الله، يتدارسون مشاكل المسلمين، وما جد في حياتهم، وفق منهج علمي بعيد عن العواطف والعصبية، كي ينهضوا بهذه الأمة التي تترقب فجر يوم جديد، يوشك أن تشع شمسه، ليعم نورها مشارق الأرض ومغاربها، {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم: 4 - 6]. فإذا استجابوا لنداء الأمة، سار الكل وراءهم، والتأم الشمل، وقويت الشوكة، وتحقق في الجميع قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} [آل عمران: 110]. وفي هذا القدر كفاية، وأحمد الله ربي حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، على أن وفقني، وأعانني على هذا العمل. فما كان فيه من صواب فبتوفيقه تعالى، وما كان فيه من خطأ ونقص فبتقصيري، ومن نفسي ومن الشيطان، ولا يسعني إلا فضله تعالى وعفوه، فاللهم فاعف عني. وقبل أن أضع القلم من كتابي هذا أذكر القارئين وأهل العلم بما قاله العماد الأصفهاني رحمه الله تعالى: (إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يوم، إلا قال في غده أو بعد غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر).

المعايير الجلية في التمييز بين الأحكام والقواعد والضوابط الفقهية

المعايير الجلية في التمييز بين الأحكام والقواعد والضوابط الفقهية ¤يعقوب بن عبدالوهاب الباحسين£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1427هـ€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية في هذه الخاتمة نجمل ما ذكرناه من المعايير بشأن التمييز بين القواعد الفقهية والأحكام إذ إننا انتهينا إلي ما يأتي: 1 - إن القواعد والضوابط هي قضايا كلية فقهية جزئياتها قضايا كلية أيضا. أما الأحكام الفرعية فهي قضايا كلية لكن جزئياتها أفراد , أو أشخاص , سواء كانت الأفراد والأشخاص من أفراد المكلفين , أو غيرهم , وسواء كان هذا من الكاءنات الحية , أو من غيرها , سواء كان تصرفا أو غير ذلك. 2 - إذا احتملت القضية الكلية الأمرين أي كانت جزئياتها قضايا كلية , مع احتمال أن تكون أشخاصا وأفرادا نظرنا إلى محل القضية أي الموضوع الذي تتناوله القضية فإن كان عاما أو أنواعا أو أجناسا حملنا القضية على أنها قاعدة فقهية وإن كان أفرادا حملنا القضية على أن تكون حكما فرعيا. 3 - لا ينبغي الحكم على قضية ما بأنها قاعدة بمجرد أنها وردت في كتب القواعد كذلك لأن العلماء يتساهلوا في ذلك وأدخلوا في القواعد والضوابط ما ليس منها. 4 - لا يلزم من كون القضية كلية أن تكون قاعدة فقهية لأن الأحكام الفرعية هي من القضايا الكلية أيضا لكون موضوعها محكوما عليه ر بشخصه بل بوصفه. 5 - ينبغي أن يستبعد من القواعد والضوابط الفقهية ما يأتي: أ - التعريفات ب - التقاسيم ج – تعداد الأركان أو الشروط أو الأسباب وما أشبه ذلك 6 - النظر في الكليات والأصول الواردة عل ألسنة العلماء في كتب الفقه والقواعد الفقهية وتطبيق المعيار الذي ارتضنياه عليها ولا يلزم من قول العلماء إن الأصل في كذا كذا أنه قاعدة أو ضابط بل لابد من تطبيق المعيار على ذلك ليتبين الأمر. وكذلك الشأن في الكليات لتساهل العلماء في هذه الإطلاقات. 7 - إدا احتاج من أراد تمييز القواعد أو الضابط عن الأحكام الفرعية إلى مرجحات عند الاشتباه أو التساوي بين الاحتمالات فإن من الممكن الاستفادة من السمات الاستئناسية للقواعد والضوابط الفقهية والسمات الاستئناسية للأحكام وإن كانات هذه الصفات أو السمات غير حاسمة في الموضوعز 8 - من الأمور التي تعين مستخرجي القواعد الفقهية وتمييزها عن الأحكام: أ- إن كل قضية كلية فيها تلازم عقلي أو حسي أو عادي بين موضوعها ومحمولها في القضايا الحملية وبين المقدم والتالي في القضايا الشرطية هي قاعدة أو ضابط غالبا. ب- إن القضايا الكلية إن كان محمولها حكما شرعيا لفعل محدد أي ليس عاما مشتملا على جزئيات متنوعة فهي من الأحكام الفرعية وأما إذا كان محمولها حكما شرعيا لما يدخل تحته طائفة من الأفعال فهي قاعدة أو ضابط. فمثلا قاعدة (المشقة تجلب التيسير) تشمل أمورا متعددة ذات مشقة وإن التيسير متنوع ومتعدد أيضا وهو بما يناسب المشقة فهي القاعدة. ولكن أمثال الإطار والمسح على الجبيرة وجواز التيمم والجمع بين الصلاتين وقصر الصلاة والعفو عن دم البراغيث وما أشبهها هي تيسيرات محددة لأفعال ذات مشقة محددة أيضا. فهي محمولة على أمر خاص. كالإفطار للمسافر والمريض والمسح على الجبيرة لمن يتضرر بنزعها والتيمم لفاقد الماء والجمع بين الصلاتين للسفر أو المرض وقصر الصلاة للمسافر والعفو عن دم البراغيث لعموم البلوى وهكذا يقال عن كثير من الأمور المحددة.

المقاصد العامة للشريعة الإسلامية

المقاصد العامة للشريعة الإسلامية ¤يوسف حامد العالم£بدون¥دار الحديث - القاهرة¨بدون¢بدون€أصول فقه¶مقاصد الشريعة خاتمة البحث وبعد فهذا ما قد كنت أردت بيانه من الأهداف العامَّة للشريعة الإسلامية وهي أهداف سَامِية، ولا أحسب أن أحداً يَتَمتَّعُ بِسَلامة العقل، وصفاء البصيرة يُنازع فيها. وحتى لا أعيد ما سطرته في صلب الرسالة ألخص ما توصلت إليه من خلال هذه الرحلة الطويلة بإيجاز كي أعطي القارئ فكرة عامة، وخلاصة إجمالية عن نتائج البحث. 1ـ إن الشريعة الإسلامية وافيه بجميع مصالح العباد الدنيوية والأخروية كبيرةً كانت أو صغيرةً، ثَابِتةً أو مُسْتَحْدثةً. وإن هدفها الأعظم هو إسعاد العباد في الدنيا والآخرة، وإن السعادة المطلوبة لا تتحقق إلا بمتابعة أحكامها، وقواعدها، ومبادئها، وموافقة مقاصدها ولذا كانت معرفة المقاصد لابد منها، وخاصة للفقيه والمجتهد، لأنها منارة يهتدي بها في اجتهاده واستنباطه للأحكام من النصوص، أو من المَبَادِئ والقواعد العامة، وإن المصلحة الشرعية لها خصائص وضوابط تميزها عن مصالح الأهواء. هذه المصلحة تتفاوت قوةً وضعفاً، وضيقاً واتساعاً وهذا التفاوت يجعلها تنقسم إلى ضرورية، وحاجية وتحسينية، وكلية وجزئية. وهذا التقسيم يصلح أساساً للنظر في تنظيم المجتمع الذي يهدف إليه الإسلام بحيث تتوفر الضروريات والحاجيات لجميع أفراد المجتمع ولا بأس بتفاوتهم في التحسينات، وذلك عن طريق التربية، وغرس المشاعر الإنسانية التي تدفع بأفراد الجماعة إلى مشاركة الآخرين بوازع الدين، والتشريع معاً. 2ـ إن إساءة مفهوم الدِّين في البلاد الإسلامية ترتَّبت عليها آثار سيئة منها انفصال الإيمان عن العمل والقول عن الفعل، مع أن الدين الكامل ـ وهو الإسلام ـ يشمل الإيمان والعمل، ويقتضي توافُق القول مع الفعل، والدين الكامل هو المقبول عند الله، وأن الدين ضروري لحياة البشر في الدنيا والآخرة، مهما أعرض عنه الناس فإنهم سيعودون إليه، وإن المحافظة على الدين تتطلب الإيمان، وأصول العبادات، من جانب الوجود، والجهاد، وقتل المرتدين، والزَّنادقة ومحاربة الابتداع من جانب العدم. 3ـ لقد عُنِيَ الإسلام بالنفس الإنسانية، ووضع لها من التشريعات ما يحقق لها جميع المصالح في جميع الأطوار من غذاء، وكساء، ومسكن، وما يمنع عنها الاعتداء بأي صورة، وشرع من العقوبات ما يكون زاجراً ورادعاً لمن يعتدي عليها، والزاجر قد يكون عقاباً في الدنيا أو عذاباً في الآخرة. 4ـ أما العقل فقد مَيَّز الله به الإنسان عن سائر الحيوانات، وقد عني به ووضع له من التشريعات الكفيلة بحفظه من الإضعاف أو الإزالة، مثل وجوب التعليم وتحريم المسكرات والمُخدِّرات، والعقاب على شرب المسكر، والعقل أحد دوائر وسائل المعرفة، وهي الحواس والعقل والوحي، وأضيق هذه الثلاث الحواس ثم تليها دائرة العقل، ودائرة الوحي تعتبر المحيط الأعظم وكل دائرة تكمل الأخرى بدون تعارض أو تناقض، ويترتب على إساءة فهم حدودها، أو علاقة بعضها ببعض نشوء المفاسد العقائدية والفكرية والأخلاقية تبعاً لذلك. وفي الواقع لا يوجد تعارض أو تناقض بينها، بل يوجد تعاون كامل، فالوحي حاكم على العقل ولكنه معتمد عليه، والعقل حاكم على الحواس ومعتمد عليها. 5ـ أما النسل فقد وضع الله له طريقاً للدَّوام والاستمرار وهو الزواج، وحرَّم الزنى ومقدماته من أجل المحافظة على هذا الطريق بعيداً عن العبث، وشرع عقوبات بدون رأفة لمن يعبث بحرمة هذا الطريق ويسلك غيره متعدياً بذلك ما حده الشرع للمحافظة على النوع الإنساني.

6ـ أما المال فهو قوام الحياة، وضرورة من ضرورات الوجود البشري، ولذا عُنِي به الشرع الإسلامي ووضع له من القواعد والأحكام، لكسبه، وتملكه، وإنفاقه، وتنميته. أما الكسب فقد بين الله للإنسان طريق الحلال والحرام، وأمره أن يسلك طريق الحلال، وإذا سار في هذا الطريق لا يقيد سيره بأي سرعة، بل يعطيه الحق في السير بأكبر جهد يستطيعه، وأعطاه الحق في تملك ثمرات جهده وطاقته، ولكنه يوجب عليه أن يمد يد العون، لمن لا يستطيع السير بمقدار سرعته وجهده لظروف العجز أو لخيانة الحظ مع بذل الجهد، كما أوجب عليه الجهاد بالمال لحماية الدين والوطن وإذا كان الإسلام أعطى الفرد حق تملك المال مع إلزامه بأداء ما عليه من واجبات فإنه لم يعطه حق حبس المال وتعطيله عن الحركة في داخل الشبكة الاجتماعية، لأن حركة الأموال، هذه، ملك وحق للمجتمع، فإن استغنى الفرد عنها لا يحق له حبس ماله وتعطيله عن الحركة في داخل تلك الشبكة. ولذا كان مقصد تَدَاوُل الأموال بين الناس من أعظم مقاصد الشارع في المال، والإسلام يصل إلى تحقيق تداول المال بين الناس عن طريق تحريم الكنز، والرِّبا، والميسر والاحتكار، وتحريم جعل المال دولة بين الأغنياء دون الفقراء، وتحريم أكل أموال الناس بالباطل، وشرع أنواع التعامل بينهم لتحقيق هذا المقصد العظيم، وإذا كان المال محترماً في نظر الإسلام فإنه يحظى بحمايته من الاعتداء عليه بالحرابة، أو السرقة أو الغصب، وجميع أنواع أكل أموال الناس ظلماً. والمقصود من ذلك كله المحافظة على المال. وبالكلام على المال انتهى البحث. وفي هذه المسيرة الطويلة انتابني شعور عميق خلاصته: هو أنني فيما أعتقد أن المسلمين لا يكتب لهم النجاح ولا الفلاح إلا بالرجوع إلى إسلامهم والتمسك به عقيدةً وشريعةً، وقولاً وفعلاً، ولا صلاح لهم ولا إصلاح إلا في ظل مبادئ الدين الإسلامي وقواعده وأحكامه في جميع مجالات الحياة، لأن الإسلام هو دين الله الكامل، ولا يقبله إلاّ كاملاً، أما إن آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضه الآخر، فلا يكون جزاؤهم أقل من الذّلة، والمهانة، والضياع والشَتَات والضعف والشِّقاق، يظلون كغثاء السيل إلى حين أوبتهم إلى ربهم، ووفائهم له بعهده قبل وفائه لهم بعهدهم، وبذلك ينصرهم ويثبت أقدامهم ويؤلف بين قلوبهم، وبذلك يصيرون خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وأختم كلامي كما بَدأْتُه بحمدِ الله، سبحانه وتعالى أن يهديني إلى الحق ويوفقني للتمسك به، وأضرع إليه أن يختم حياتي بصالح الأعمال ويمن على المسلمين بالهداية، والتوفيق ليرجعوا إلى دينهم مصدر عزّهم ومجدهم وشرفهم إنه نعم المولى ونعم النصير. تمت بحمد الله وعونه

النهج الأقوى في أركان الفتوى

النهج الأقوى في أركان الفتوى ¤أحمد بن سليمان بن يوسف£بدون¥دار العاصمة – السعودية¨الأولى¢1429هـ€أصول فقه¶فتوى ومفتي ومستفتي الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وهو الموفِّق سبحانه لسلوك طريق السلامة حتى الممات، أما بعد: فحيث انتهى مطاف البحث إلى الخاتمة، فإليك أيها القارئ أهم نتائجه، منتقاة على ترتيب فصوله ومباحثه: • غزارة الفقه الإسلامي وسعة ألفاظه، وقوة معانيه وعمق مقاصده، وشمول أحكامه واستيعابه للحوادث في كل زمان ومكان، وابتعاده عن جمود الأنظمة وقسوة القوانين. • الاشتغال بالعلم الشرعي تعلماً وتعليماً أشرف الأمور قدراً، وأعظمها أجراً، وهو أفضل من نوافل العبادات؛ لأن نفع العلم مُتعدٍّ. • حاجة الأمة الإسلامية إلى الاجتهاد، وهو: بذل واستفراغ المجتهد الوسع في طلب الأحكام الشرعية، ومجاله: كل حكم شرعي ليس فيه دليل قاطع، وله أحوال؛ فقد يكون فرضاً، وقد يكون ندباً ... والمجتهدون أيضاً مراتب أعلاها الاجتهاد المطلق. وللاجتهاد شروط لابد من توافرها. • من مظاهر التيسير في الشريعة جواز التقليد، وهو: قبول قول الغير من غير حجة. وطلب العلم لا يجب على كل أحد، والناس في العلم مراتب، فمنهم: العامي، والعالم المجتهد، والعالم الذي حصَّل بعض العلوم، دون الاجتهاد. فحق العالم الاجتهاد، وحق العامي التقليد. • من حكمة الله تعالى ورحمته بعباده: وجود الخلاف فيما يجوز فيه الاجتهاد. وليس الخلاف عيباً في الشريعة؛ لأن الخلاف إنما هو في فهوم المجتهدين لا في الشريعة، وله حِكم مفيدة، وأسباب عديدة، وينبغي لطالب العلم التحلي بأدب الخلاف. • للفتوى في اللغة إطلاقات عديدة؛ أهمها تبيين المشكل من الأحكام، شرعية كانت أو غير شرعية. وهي في الاصطلاح: تبيين الحكم الشرعي والإخبار به من غير إلزام. وللفتوى ترادف وارتباط لفظي مع مصطلحات الإمامة والخلافة، والقضاء والحكم والاجتهاد، والنوازل والواقعات، مع فروق بينها. • للفتوى عناصر ثلاثة: فتوى، ومفتي، ومستفتي. • للشريعة الإسلامية مقاصد عظيمة في الفتوى؛ فهي طريق العلم الشرعي لأغلب الناس في عباداتهم ومعاملاتهم. • للفتوى منزلة عظيمة وتاريخ عريق في الإسلام؛ فقد تولاها الله سبحانه بذاته، ثم تولاها المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم أصحابه في زمنه ومن بعده، ثم التابعون وصالحوا الأمة إلى يومنا هذا. ولكل مذهب من المذاهب الفقهية مؤلفات خاصة بالفتوى على مر العصور. • للفتوى خطورة بالغة، وهيبة عظيمة في نفوس العلماء؛ حتى كانوا يهرُبون منها ويهابونها، وصرَّحوا بتحريم التساهل فيها. • تعتري الفتوى الأحكام التكليفية الخمسة: الوجوب، والندب، والكراهة، والإباحة، والتحريم، ولكل حُكم حالات. • تدخل الفتوى في أبواب الفقه كلها؛ عبادات كانت أو معاملات أو جنايات. وستظل حاجة الناس للفتوى قائمة إلى قيام الساعة. • هناك حالات يجب الإمساك فيها عن الفتوى؛ كالفتوى في علم الكلام والمتشابهات من أمور الدين، وما لم يقع، وما لا يصلح للسائل، وإفتاء القاضي في أمور القضاء، وهناك حالات هي محل خلاف موَضَّحة في موضعها. وهذه حالات يمسك فيها المفتي عن الفتوى لسبب شرعي لا من تلقاء نفسه. • الفتوى في الشريعة الإسلامية مؤصَّلة ومبنيَّة على قواعد وأدلة تُبنى عليها (مصادر وأدلة الفقه والأحكام)، وهي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس ... • قد يذكر المفتي الدليل على الفتوى، وقد يُعرض عنه؛ بحسب المصلحة ونوع السائل والمسألة. • اختلف العلماء في جواز تجزُّئ الفتوى، والمسألة مبنيَّة على تجزُّئ الاجتهاد من عدمه، والصحيح جوازه في أبواب العلم عامة.

• ينبغي لمن تصدى للفتوى أن يتبرع بذلك، ويطلب الأجر والثواب من الله تعالى، ويجوز للمفتي أخذ الرَّزق من بيت المال، وينبغي للإمام أن يفرض للمفتين ونحوهم من بيت المال ما يسد حاجتهم، وإذا لم يكن للمفتي رزق من بيت المال جاز له أخذ الأجرة من المستفتين؛ ما لم تتعين عليه الفتوى؛ فلا يجوز حينئذ. ويجوز للمفتي أن يأخذ الهدية، وينبغي له أن يكافئ المهدي عليها؛ ما لم تكن الهدية لأجل الترخيص للمستفتي أو لأجل حيلة غير مشروعة؛ فتحرُم. • تجوز ترجمة الفتوى عند الحاجة، ويُكتفى بمترجم عدل واحد؛ على الصحيح من قولي العلماء. • ليس للفتوى والإفتاء مكان مخصوص؛ بل تجوز في أي مكان وعلى أي حال. • تحصل الفتوى بالقول والفعل والتقرير. وللفتوى بالقول (اللفظ) آداب وضوابط تتعلق بإتقان اللفظ ودقته، ويندرج تحت الفتوى بالفعل: الأفعال الصريحة، والكتابة، والإشارة. وتجوز كتابة الفتوى، ولكتابتها ضوابط وآداب تتعلق بإتقان الكتابة ودقتها. • اتفق العلماء على جواز نقل العلم والفتوى من الكتب المشهورة الموثوق بها، ولهم في ذلك ضوابط. ويجوز العمل بفتوى المفتي المكتوبة. • لفقهاء المذاهب مصطلحات وألفاظ في معرفة القول المفتى به، وفي كل مذهب علماء تؤخذ عنهم الفتوى وكتب تنقل منها الفتوى. • شمول الشريعة الإسلامية لأحكام النوازل والمستجدات في كل زمان ومكان، واستحالة عُروِّ أي واقعة عن أحكام الدين. ولذلك صرح المحققون من أهل العلم بجواز الفتوى في النوازل والأمور المستجدة. • للحيل أنواع، وأسباب ودوافع، والإفتاء بالحيل يرجع إلى نوعها وسببها، وفي ذلك تفاصيل للعلماء. والمجوزون للإفتاء بالحيل لهم ضوابط لابد من توفرها. • لولي الأمر في الإسلام شأن رفيع ومنزلة عالية، وطاعته في المعروف واجبة، ومسؤولياته عظيمة، ومن أهمها: إقامة الفتوى، ونَصبُ المفتين، وله سلطة في الحجر على من لا يصلح للفتوى ممن تصدى لها، وليس له تقنين الفتوى بمذهب معين. • النساء شقائق الرجال، ولهن من أحكام الشريعة ما للرجال؛ إلا ما ورد اختصاص الرجال فيه دون النساء. ولم يرد تخصيص الرجال بالفتوى؛ فللمرأة أن تطلب العلم وتُفتي وتدرس. وفي الإسلام نماذج كثيرة من ذلك. • تختلف أهمية الفتوى بحسب اختلاف الموضوع المفتى به، وهناك أمور كبار يجب حصر الفتوى فيها على أهل العلم الكبار الفطاحلة الأبرار، ومن ذلك: التكفير، والجهاد، والطلاق، والفتوى المباشرة. • من مقاصد الشريعة الإسلامية رفع الحرج عن المكلفين، وله مظاهر كثيرة بارزة في العبادات والمعاملات. • الرخص في الشريعة جاءت على خلاف الأصل، وهي أنواع، فمنها: ما هو مشروع: وهي ما دل عليها دليل شرعي، ومنها الممنوع المذموم: وهي ما قُصد منها الفرار من التكاليف. ولتتبع الرخص مخاطر عظيمة؛ قد تؤدي إلى الانسلاخ من الدين بالكُلية. ومما يتفرُّع عن تتبع الرخص: مسألة التلفيق بين المذاهب، أو في المذهب الواحد، وهي مسألة خلافية؛ حيث منعه كثير من العلماء، وأجازه بعضهم بشروط وضوابط، وهو الأقرب للصواب. • القول الأحق بالفتوى هو القول الراجح في المذهب، المستند إلى الدليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع، أو ما رجّحه العلماء المعتبرون، وللقول الراجح علامات يعرفها محققو المذاهب؛ إذ ليست منضبطة بضوابط واضحة لكل أحد. • قد تتغير الفتوى تبعاً لتغير الأعراف أو المصالح - أو غير ذلك مما تُبنى عليه الفتوى أحياناً- بمستند شرعي مما هو قابل للاجتهاد، ولا يمكن تغيُّرها في الأحكام القطعية الثابتة، ولا أن يُنسب التغيُّر للأحكام وإنما للفتوى؛ فهي المتغيرة تبعاً لتغيُّر مبناها، وليس الزمان والمكان مؤثَّرَين بذاتهما في الفتوى.

• تغير الفتوى من أخطر ما يكون في علم الفتوى، ويجب قصره على فطاحل العلماء. • المفتي هو من يبين الحكم الشرعي ويخبر به من غير إلزام. • للمفتي مكانة سامية في الشرعية الإسلامية؛ إذ هو قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم. وهو أيضاً على خطر عظيم؛ لما للفتوى من خطورة لا تخفى. • للمفتي شروط لابد من توافرها، أهمها: الإسلام، والتكليف، والعلم، والعدالة. • للمفتي آداب ينبغي التحلي بها، أبرزها: صلاح النية، والورع، والوقار، ومعرفة أحوال الناس، والظهور بمظهر حسن، ومداومة النظر في العلم ... • للمفتي علامات يعرفه بها من أراد الاستفتاء، أبرزها: انتصابه للفتيا بمشهد من العلماء، مع ظهور سمات الدين والخير عليه. • المفتون نوعان، أحدهما: المفتي المستقل، ويسمى المجتهد المطلق، كالأئمة الأربعة ونحوهم، وقد انقطع هذا النوع منذ قرون بعيدة. والنوع الآخر: المفتي المنتسب، وهو على أربع مراتب: الأولى: مفتٍ منتسب لإمامه في طريقة الاجتهاد، لكنه يخالفه في المذهب والدليل والاستنباط، فهو مجتهد في فتاواه. الثانية: مفتٍ مقيد في مذهب إمامه في أدلته وقواعده، مستقل بتقرير مذهبه وأقواله بالدليل، وهؤلاء هم أصحاب الوجوه في المذهب. الثالثة: مفتٍ حافظ لمذهب إمامه، عارف بأدلته، لكنه قَصُر عن أصحاب الوجوه لقصوره في حفظ المذهب أو القدرة على الاستنباط، وهذا النوع هو مجتهد الفتوى. الرابعة: مفتٍ لم يحفظ مذهب إمامه، لكن معظم المذهب على ذهنه، وعنده دُربة تمكنه من الوقوف على نصوص المذهب وتفريعات الأصحاب. • قد يرجع المفتي عن فتواه لأسباب شرعية؛ كظهور الخطأ بمخالفة النص أو الإجماع، وهذا من طريقة العلماء الربانيين، منذ عهد الصحابة إلى يومنا. وإذا رجع المفتي عن فتواه لزمه إعلام المستفتي بالرجوع إذا كانت الفتوى الأولى واجبة النقض – على القول الراجح -، وحرم على المستفتي العمل بهذه الفتوى إذا لم يعلم برجوع المفتي إلا بعد العمل بالفتوى، أما إذا علم برجوعه قبل العمل بالفتوى فإنه يسأل غيره ويتحقق من صحتها – على القول الراجح أيضاً -. وأما المفتي نفسه فيحرم عليه العمل بفتواه الأولى ما لم يحكم بها قاض. • إذا كان المفتي من أهل الاجتهاد فبذل جهده وأصاب الحق؛ فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد على اجتهاده، وخطؤه مغفور بإذن الله. وإذا لم يكن من أهل الاجتهاد، أو لم يبذل وسعه في إصابة الحق فإنه يأثم على الخطأ. • إذا أتلف المستفتي شيئاً بناء على فتوى المفتي، فإن المفتي يضمن إن لم يكن أهلاً للفتوى، أو كان أهلاً وخالف دليلاً قاطعاً، وما سوى ذلك فلا يضمن – على القول الراجح -. • إذا أفتى المفتي في مسألة، فتكررت نفسُها مرة أخرى؛ فإن كان ذاكراً للمسألة ومستندها، ولم يتجدد له ما يوجب تغيير الفتوى: فإنه يفتي بالجواب نفسه من غير نظر آخر، أما إن طرأ عليه ما يغير اجتهاده الأول: فإنه يعيد النظر مرة أخرى، وأما إذا ذكر المسألة ونسي مستندها: فإنه يجب عليه تجديد النظر مرة أخرى أيضاً – على القول الصحيح-. • قد يمسك المفتي عن الفتوى ويمتنع لأسباب يقدِّرها باجتهاده؛ كالإمساك ورعاً، أو لمصلحة يراها ويجتهد في تقديرها، أو خوفاً مما يترتب على الفتوى، أو كان في البلد من يقوم مقامه، أو لتعارض الأدلة عنده ... • ليس للمفتي أن يقلِّد غيره في الفتوى؛ ما لم يطَّلع على مأخذ المسألة وهو أهل للنظر – على القول الراجح -. • للمفتي وطالب العلم أن ينقل مذاهب العلماء وأقوالهم للمستفتي؛ فيقول: قال الشافعي كذا، وقال أحمد كذا، ولا يدخل ذلك في التقليد الممنوع.

• إذا التزم المفتي مذهباً معيناً فله أن يفتي بخلافه إذا اعتقده أرجح من مذهب إمامه، ولم يكن قصده تتبع الرخص – على القول الراجح -. • يجوز للمفتي تقليد العلماء الأموات – على القول الراجح – بعد التحقق من نسبة الأقوال لقائليها. • إذا اعتدل عند المفتي قولان، ولم يستطع ترجيح أحدهما على الآخر؛ لزمه التوقف حتى يتبيَّن له الراجح منهما – على القول الراجح من أقوال أهل العلم في المسألة -. • المستفتي هو الذي يطلب الفتوى ممن لم يبلغ درجة المفتي. • للمستفتي آداب ينبغي له التحلي بها، وغالبها تتعلق بتعامله مع المفتي. • هناك مواضع يكره للمستفتي السؤال عنها؛ كالسؤال عما لا ينفع، والسؤال عن الأغلوطات وشرار المسائل، والسؤال على سبيل التعنت وإفحام المفتي. • يلزم العامي السؤال عما نزل به من أمور الدين، ولا يجوز له الاجتهاد. • يجوز للمستفتي – على القول الراجح – أن يسأل المفتي عن دليل المسألة؛ إذا كان سؤاله للتثبيت لا للتعنت، ويلزم المفتي في هذه الحالة إخبار المستفتي بالدليل، لاسيما إذا كان قطعياً ظاهراً. • يلزم المستفتي – على القول الراجح – أن يعمل بالفتوى؛ إن لم يوجد مفتٍ آخر، فإن وَجد مفتٍ آخر فالمستفتي بالخيار بينهما. • إذا لم يوجد إلا مفتٍ واحد: لزم المستفتي مراجعته. • إذا تعدد المفتون، وتساووا في الصفات؛ فالمستفتي مخير بينهم – على القول الراجح –، فيستفتي من شاء منهم، ولا يلزمه الاجتهاد في اختيار أحدهم. • إذا تعدد المفتون وتفاضلوا في الصفات، جاز للمستفتي أن يقلد المفضول مع وجود الفاضل؛ إذا ترجح المفضول بديانة، أو ورع، أو تحر للصواب. • إذا سأل المستفتي أكثر من مفتٍ، واختلفت أجوبتهم مع تساويهم في الصفات؛ فهو بالخيار يأخذ بقول من شاء منهم – على القول الراجح –، وقيل: يأخذ بالقول الأشد، وقيل: بالأخف، وقيل غير ذلك. • إذا استفتى العامي عن مسألة فحصل على الفتوى، ثم وقعت له المسألة مرة أخرى؛ فإن كانت الفتوى الأولى مستندة إلى نص أو إجماع فلا حاجة لإعادة الاستفتاء، وإن كان دليل المسألة اجتهادياً، ولم يكثر وقوعها؛ فقيل: يلزمه إعادة الاستفتاء مرة ثانية، والصحيح: أنه لا يلزمه أيضاً. • إذا لم يجد العامي في بلده من يستفتيه بحدود مسافة القصر؛ فلا يلزمه الرحيل – على القول الراجح –، وإنما يأخذ حكم من لم تبلغه الرسالة؛ فيسقط عنه التكليف. • يجوز للمستفتي أن يستفتي بنفسه مباشرة – وهذا هو الأصل –، ويجوز له الاستفتاء بواسطة موثوق به؛ فينقلَ له الفتوى مشافهة أو مكتوبة. • أجمع العلماء على أن فرض العامي التقليد وسؤال أهل العلم، ولا يجوز له الاجتهاد. • لا يلزم العامي – على القول الراجح – التزام مذهب معين، وإنما يجوز له ذلك جوازاً؛ فله أن يلتزم أحد المذاهب الأربعة أو غيرها، وله أن يستفتي على أي مذهب شاء. • إذا التزم العامي مذهباً معيناً جاز له مخالفته في بعض المسائل – على القول الراجح –؛ لاسيما إذا اعتقد رجحان المذهب أو القول الآخر، ولم يكن قصده تتبع الرخص. • إذا عرف العامي حكم مسألة فلا يجوز له أن يفتي فيها من غير أن يحكي القول عن أحد، أو يعرف دليل المسألة. • إذا عرف العامي حكم مسألة ودليلها جاز له – على القول الراجح – أن يفتي فيها؛ إن كان الدليل على المسألة نصاً من كتاب أو سنة، أما إن كان الدليل مبنياً على الاجتهاد والنظر فلا يجوز له الإفتاء فيها. • لا ينبغي للعامي أن يحكي فتوى أو مذهب غيره، ما لم تدع الحاجة إلى ذلك، ويكون العامي نبيهاً فطناً.

الواجب الموسع عند الأصوليين

الواجب الموسع عند الأصوليين ¤عبدالكريم بن علي النملة£بدون¥مكتبة الرشد - بالرياض¨الأولى¢1414هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة الخا تمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشكره على توفيقه وعونه، وبعد: فإني بعد أن انتهيت من الكتابة في هذا الموضوع – وهو: " الواجب الموسَّع عند الأصوليين ": لا بدَّ لي أن أحيط القارئ الكريم بملخص لما كتبته فيه، وأهم النتائج التي انتهيت إليها؛ وذلك للوقوف عليه وقفة إجمالية فأقول وبالله التوفيق:- لقد قسَّمت الكتابة في هذا الموضوع إلى خمسة فصول:- أما الفصل الأول: - وهو الفصل التمهيدي – فقد جعلته في الحكم الشرعي فعرَّفت الحكم عند أهل اللغة، وذكرت عدداً من تعريفات الأصوليين للحكم الشرعي، واخترت ما هو أقرب – عندي – للصواب وهو:" خطاب الله – تعالى – المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، أو التخيير أو الوضع ". ثم فرَّقت بين الحكم الشرعي عند الأصوليين، والحكم الشرعي عند الفقهاء. ثم ذكرت أن الحكم التكليفي هو: " خطاب الله المتعلِّق بأَفعال الكلفين اقتضاء أو تخييراً". ثم بينت أن الحكم الوضعي هو: " خطاب الله – تعالى – المتعلق بجعل الشيء سبباً لشيء آخر، أو شرطاً له، أو مانعاً منه، أو كون الفعل صحيحاً، أو فاسداً، أو عزيمة، أو رخصة، أو أداء, أو إعادة، أو قضاء ". ثم تكلمت عن الفرق بين الحكم التكليفي والوضعي عند الفقهاء مع التمثيل. ثم أشرت إلى قول بعض العلماء: إن الحكم الشرعي قسم واحد وهو " الحكم التكليفي " مع وذكر دليلهم على ذلك، ثم بينت بطلانه بالبرهان. ثم عرَّفت كل قسم من أقسام الحكم التكليفي وهي: " الوجوب"، و" الندب" و" الإباحة " و" الكراهة" و" التحريم " مع الإيضاح بالتشريح والأمثلة وذلك عند الجمهور. ثم – بينت أقسامه عند الحنفية -، وأشرت إلى سبب تفريقهم بين " الفرض " و" الإيجاب "، و" التحريم " و" الكراهية التحريمية ". ثم عرَّفت كل قسم من أقسام الحكم الوضعي وهي: " السبب" والعله و" الشرط "، و" المانع "، " والصحة " و" الفساد"، و" الرخصة " و " العزيمة " و" الأداء" و" القضاء" و" الإعادة " مع التمثيل لكل قسم والإيضاح، وبيان أن الأصوليين لم يتفقوا على هذه الأقسام كلها، بل اختلفوا في بعضها. أما الفصل الثاني: فقد بحثت فيه حقيقة الواجب الموسَّع حيث عرفت الواجب عند أهل اللغة، ثم ذكرت تعريفات الأصوليين للواجب وقد قسًّمتها إلى قسمين: قسم وجد فيها ما يفيد إدخال الواجب الموسَّع، وقسم آخر لم يوجد فيها ما يفيد إدخاله. فذكرت تعريفات كل قسم بالتفصيل مع ذكر من قال بكل تعريف، ثم اخترت أقرب تلك التعريفات إلى الصحة – في نظري – وهو: " ما ذم شرعاً تاركه قصداً مطلقاً" مع بيان شرحه ومحترزاته. ثم بعد ذلك بينت: أن " الفرض " و " الواجب" مختلفان في اللغة، أما من جهة الشرع فقد اختلف العلماء هل هما مترادفان أو متغايران؟ والحق أني أطلت الكلام في هذه المسألة؛ نظراً لأهميتها، فذكرت فيها مذهبين وأدلة كل مذهب. وتبين لي بعد ذلك أن القول بأنهما غير مترادفين وأن لفظ " الفرض " آكد من لفظ " الواجب " هو الصواب وهو الذي ينبغي أن يؤخذ به، وصوبته بأدلة وبراهين، وناقشت أدلة المخالفين، وبينت هل لهذا الخلاف في هذه المسألة من أثر في الفروع الفقهية أو أنه خلاف لفظي؟ وبعد أن انتهيت من تعريف الواجب, وفرقت بينه وبين الفرض، شرعت في بيان المراد من التوسيع، وأنه خلاف التضييق.

ثم بعد ذلك عرَّفت: " الواجب الموسَّع " بأنه: الفعل الذي طلب الشارع من المكلف إيقاعه وأداءه في وقت يسعه ويسع غيره من جنسه طلباً جازماً "، وقد شرحته وبينت محترزاته، ووازنت بينه " أعني الواجب الموسع " وبين غيره من الواجبات كالواجب المضيق، والواجب المخير, والواجب المعين، والواجب الكفائي، والواجب العيني، والواجب المحدد، والواجب غير المحدد، وذكرت في هذه الموازنة تعريف كل واحد من تلك الواجبات، مع التمثيل له وذلك ليتصور القارئ الكريم كل واحد منها حتى يكون الواجب الموسع جلياً واضحاً لديه، وبينت في ذلك أن الواجب الموسع يشترك مع بعض الواجبات في أمور، ويختلف عنها في أمور أخرى. أما الفصل الثالث: فقد تكلمت فيه عن " إثبات الواجب الموسع " فذكرت فيه: أن جمهور العلماء من فقهاء وأصوليين قد أثبتوه وأن أكثر الحنفية مع الجمهور في ذلك، بعكس ما كان ينقله بعض الأصوليين من أن أكثر الحنفية أو كلهم ينكرون الواجب الموسع. ثم بعد ذلك ذكرت أدلة المثبتين له بالتفصيل، مجيباً عن الاعتراضات التي وجهت إلى كل دليل. ثم ذكرت أن المثبتين للواجب الموسع قد اختلفوا فيما إذا ترك المكلف الفعل في أول الوقت وأراد فعله في آخر الوقت هل يشترط العزم أو لا؟ على مذهبين: - فذكرت المذهب الأول، وهو عدم اشتراط العزم، مبيناً في ذلك المراد من عدم اشتراط العزم، والقائلين به، وأدلتهم على ذلك، مع مناقشتها. ثم ذكرت المذهب الثاني، وهو: اشتراط العزم، مبيناً في ذلك المراد من اشتراط العزم، وذاكراً القائلين به، وأدلتهم على ذلك الاشتراط مجيباً عن كل اعتراض وجه إلى أي دليل من أدلتهم. ثم ذكرت مذهباً أورده الزركشي في " البحر المحيط " زاعماً أن الغزالي اختاره طريقة وسطى بين المشترطين للعزم والنافين له، وقررت – هناك – أن هذا المذهب لا يُسلَّم من وجوه ذكرتها هناك ومنها: أنه على فرض أن الغزالي قال مثل ذلك فإنه – بعد التحقيق – يرجع إلى مذهب القائلين باشتراط العزم ووجوبه. ثم رجَّحت القول باشتراط العزم وذكرت أدلة لهذا الترجيح، ثم قررت أن الخلاف في اشتراط العزم وعدمه خلاف لفظي لا ثمرة له في الفروع الفقهية. ثم بعد ذلك سردت عدداً من أقوال بعض الأصوليين الذين لم يشترطوا العزم لتزييف وإبطال مذهب المشترطين للعزم، فقمت بالرد على كل قول ومناقشته. حتى أن بعض الأصوليين اتهموا القاضي أبا بكر الباقلاني بالخروج عن الحق حيث اشترط العزم, فناقشت كل قول على حده. ثم بينت أن المشترطين للعزم اختلفوا في هذا البدل – وهو العزم – هل هو بدل عن نفس الفعل، أو هو بدل عن تقديم الفعل، وقلت هناك: إن الصواب: أنه بدل عن تقديم الفعل لا عن أصل الفعل. كذلك ذكرت أن المشترطين للعزم اختلفوا فيه هل هو من فعل الله – تعالى – أو هو من فعلنا؟ وهل هو على الفور أو على التراخي؟ ثم حققت القول في كل حالة من حالات تأخير الفعل إلى آخر الوقت، وبينت حكم كل حالة، مبيناً المذاهب في ذلك. وقررت – بعد ذلك – أن الصلاة لا تُقْضَى عن المكلف لو مات قبل انتهاء وقت الواجب الموسع بالأدلة. ثم تكلمت عن مسألة: المكلف إذا عاش مع ظنه أنه لا يعيش وهو لم يفعل الواجب – في أول الوقت – وفعله في آخر الوقت فهل فعله هذا أداءَ أو قضاءً؟ فذكرت – هناك – أن العلماء اختلفوا في ذلك على مذهبين، ورجَّحت القول بأنه أداءً، لوقوع الفعل في وقته المحدد له شرعاً وهذا هو تعريف الأداء. ثم بينت أن الواجب الموسع قسمان: " ما له غاية معلومة كالصلاة " و " ما ليس له غاية معلومة كالحج وقضاء العبادات الفائتة " وفصَّلت القول في كل قسم، مبيناً – في ذلك – متى يتضيق كل قسم، ومتى يعصي المكلف فيه مع ذكر أقوال العلماء في ذلك؟

ومما قررته في ذلك أن المكلف يعصي بالموت إذا لم يفعل ما كلف به – مع استطاعته – سواء غلب على ظنه البقاء أو لا. وقررت – أيضاً- أن الحج لا يصلح أن يكون مثالاً للواجب الموسع بالأدلة والبراهين. ثم بينت أن الوجوب يستقر بمجرد دخول الوقت وهو المذهب الأول من أربعة مذاهب ذكرتها هناك. أما الفصل الرابع: فقد جعلته وخصصَّته للكلام عن " إنكار الواجب الموسَّع " فبينت فيه شبهة المنكرين له، والرد عليها. ثم ذكرت أن المنكرين للواجب الموسع تفرقوا إلى خمس فرق: - أما الفرقة الأولى: فهي تذهب إلى أن الوجوب يتعلق بأول الوقت وهم بعض الشافعية، وبعض المتكلمين على الرغم من أن علماء الشافعية ينكرون أن يكون هذا مذهبهم، ثم بينوا للآخرين السبب الذي من أجله نسب هذا المذهب إليهم، واختلافهم في ذلك السبب على خمسة أقوال ذكرتها هناك بالتفصيل. ثم ذكرت أدلة هذه الفرقة على أن الوجوب متعلق بأول الوقت، وأجبت عن كل دليل. ثم بيَّنت أن أصحاب هذا المذهب اختلفوا فيما إذا أخر المكلف الفعل عن أول الوقت هل يأثم أو لا؟ على قولين ذكرتهما مع دليل كل قول. أما الفرقة الثانية: فقد ذهبت إلى أن الوجوب متعلَّق بآخر الوقت،- فذكرتها، مبيناً المراد من قولهم هذا، ذاكراً أصحاب هذا المذهب وقلت: إنهم بعض الحنفية، وقررت هناك خطأ الأصوليين حيث نسبوا هذا المذهب إلى الحنفية كلهم أو بعضهم. ثم أوردت أدلة هذا المذهب، مجيباً عن كل واحد منها. ثم بينت أن أصحاب هذا المذهب قد اختلفوا في تقدير زمن الوجوب فبعضهم قال: إن وقته ما يسع جملة الصلاة، والبعض الآخر قال: إذا بقي قدر تكبيرة الإحرام. ثم ذكرت أن هؤلاء اختلفوا – أيضاً – فيما إذا أوقع المكلف الفعل في غير الجزء الأخير هل هو نفل أو فرض؟ على ثلاثة مذاهب، ذكرتها، مبيناً أدلة كل مذهب، وأجبت عنها. أما الفرقة الثالثة: فقد ذهبت إلى أن الوجوب متعلق بالجزء الذي يتصل به الأداء، وهذا المذهب – محكي عن أبي الحسن الكرخي، وقد ناقشت هذا المذهب مناقشة تبين منها بطلانه. أما الفرقة الرابعة: فقد ذهبت إلى أن الوجوب متعلق بوقت إيقاع الفعل أي وقت كان، فقمت بمناقشة هذا المذهب كسابقه. أما الفرقة الخامسة: فقد ذهبت إلى أن إيقاع الفعل قبل آخر الوقت يمنع من تعلق الوجوب بالمكلف آخر الوقت، وبينت المراد من هذا المذهب، وأنه غير متشابه مع ما قبله من المذاهب كما زعم الطوفي. ثم ذكرت مذهبين ذكرهما بعض الأصوليين ضمن فرق المنكرين للواجب الموسع، وبينت – بعد التحقيق – أنهما لا يخرجا ن عن مذهب الجمهور المثبتين للواجب الموسع. أما الفصل الخامس: فقد خصصته في بيان نوع الخلاف بين المثبتين للواجب الموسع وبين النافين له، وقررت – هناك -: أنه خلاف معنوي قد تأثرت بعض المسائل الفقهية فيه، وقد ذكرت بعضاً منها على سبيل التمثيل، لا الحصر. هذا ما تكلمت عنه وبحثته في هذا الكتاب، فإن وفقت فمن الله، وإن كان غير ذلك فإني أسأل الله العلي القدير أن يسدد خطانا وأن لا يحرمنا من الأجر والثواب إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. فالحمد لله الذي ألهم بابتدائه وأعان على انتهائه فهو سبحانه صاحب الفضل الذي لا ينكر. وأخيراً أدعو الله – عزوجل – أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم بمنه وكرمه إنه سميع مجيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

حقيقة البدعة وأحكامها

حقيقة البدعة وأحكامها ¤سعيد بن ناصر الغامدي£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1412هـ€أصول فقه¶أصول فقه - البدع الخاتمة نتائج البحث: وبعد هذه المرحلة العلمية الشاقة والشائقة خرجت من هذا البحث بالنتائج التالية: 1 - أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً أريد به وجهه سبحانه وصواباً مرافقاً لمراده الشرعي. 2 - أن الاعتصام بالسنة نجاة والبعد عنها هلاك وضلال، وأن أهل السنة هم الطائفة الناجية المنصورة. 3 - ليس في البدع ما هو حسن أبداً، بل كل بدعة في دين الله بالزيادة أو النقصان فهي ضلالة، ولا يستثنى شيء من هذه العموم. 4 - أن كل ما يتعلق به الخطاب الشرعي يتعلق به الابتداع. 5 - أن البدع تكون بالفعل والترك، بالزيادة في الدين أو النقصان منه. 6 - أن البدع تكون في العقائد والأعمال، وفي العبادات والعادات والمعاملات. 7 - أن البدعة هي التي تفعل بقصد القربة. 8 - أن البدعة هي التي ليس لها أصل في الدين من كتاب أو سنة أو إجماع أو قول صحابي لم يعارض نصاً ولا قولاً لصاحبي آخر .. 9 - أنه لا تخصيص لشيء من الأزمنة والأمكنة أو الهيئات أو غير ذلك بكونها قربة إلا من قبل الشرع. 10 - أن الألفاظ والمعاني والمصطلحات التي لم ترد في الشرع لا يحكم عليها بالبدعة أو عدمها إلا بعد الاستفصال والتبين ومعرفة المراد. 11 - ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإن لم يكن معمولاً به عند السلف بشرط عدم معارضته لدليل شرعي. 12 - أن الحكم على عمل ما بأنه بدعة أو لا، من الأمور الاجتهادية وقد يصيب فيه المرء وقد يخطيء. 13 - أن البدعة تكون كفراً وتكون كبيرة وتكون صغيرة ولكل حكم يخصه. 14 - أن هناك فرقاً بين التبديع والتفسيق والتكفير بالإطلاق والعموم والتبديع والتفسيق والتكفير بالتخصيص والتعيين. 15 - أن أحكام المبتدع من حيث الإثم في الآخرة والعقوبة في الدنيا تختلف باختلاف أحواله من حيث الجهل والعلم والتأول وعدمه والدعوة للبدعة والتستر بها. 16 - أن لازم القول لا يقتضي التبديع إلا إذا التزمه القائل. 17 - أن توبة المبتدع ممكنة وواقعة ومقبولة عند الله سواء كان داعياً أو لا. وأخيراً فلست أزعم الكمال ولا المقاربة وحسبي أني بذلت جهدي واستفرغت طاقتي وأديت ما أرجو أن يكون معذراً لي عند الله في الخطأ الذي لا أنفيه عن نفسي وعملي، و: من ذا الذي ما ساء قط ... ومن له الحسنى فقط؟ فإن يكن من صواب فهو من الله، وإن يكن من خطأ فهو مني ومن الشيطان والله وكتابه ورسوله منه براء، والذي يعزيني في أخطائي ويهون ثقلها عني: أني لم أتعمدها، ولم أقصد سوى الحق، وأن غيري ممن هو أفضل مني وأجل وأعلم لم يخل من خطأ، فقد: ذهب الكمال وأبقى ... كل نقص لذلك الإنسان والحمد لله أولاً وآخرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه واتباعه ..

حكم الإنكار في مسائل الخلاف

حكم الإنكار في مسائل الخلاف ¤فضل إلهي ظهير£بدون¥إدارة ترجمان الإسلام - باكستان¨الأولى¢1417هـ€أصول فقه¶العلماء - اختلافهم خاتمة الحمد لله الذي أنعم على العبد الضعيف بإنجاز هذا البحث. فلولا فضله ورحمته ما كنت لأهتدي إليه. فله الحمد عدد ما خلق في السماء، وعدد ما خلق في الأرض، وعدد ما بين ذلك، وعدد ماهو خالق. وأسأله ذا الجلال والإكرام قبوله، وجعله حجة لي لا عليَّ، ونافعاً ومفيداً للإسلام والمسلمين. وقد تجلّى في هذا البحث عدة أمور، منها ما يلي: 1ـ هناك اختلاف بين العلماء في حكم الإنكار في مسائل الخلاف. 2ـ يرى الإمام الغزالي رحمه الله تعالى أن معيار الإنكار في مسائل الخلاف من أحكام الأفعال هو مذهبُ المحتسب عليه. فلا يُنكَر عليه إذا كان فعله موافقاً لمذهبه سواءً أكان موافقاً للنصوص أم مخالفاً لها. ويلاحظ على هذا ما يلي: أـ دلالة النصوص على وجوب الطاعة لله تعالى ولرسوله e من غير تفريق بين أحكام الأفعال ومسائل الاعتقاد. ب ـ تقرير علماء الأمة أنه لا رأي لأحد في الكتاب والسنة من غير تفريق بين أحكام الأفعال ومسائل الاعتقاد. ج ـ وجودشواهد إنكار سلف الأمة على من خالف النص في أحكام الأفعال. 3ـ يرى الإمام الماوردي رحمه الله تعالى أن معيار الإنكار في مسائل الخلاف هو مذهب المحتسب عليه إلا إذاكان الخلاف ضعيفاً، وكان الفعل مؤدياً إلى محظور متفق عليه، فيُرغِّب المحتسب آنذاك في العقود المتفق عليها بدل الإنكار. ويُلاحظ على هذا ما يلي: أـ عدم وجود سند لمنع الإنكار في مسائل الخلاف. ب ـ دلالة النصوص على ردّ التنازع إلى الكتاب والسنة، والإنكار على من خالفهما. ج ـ وجود شواهد ردّ الصحابة التنازع إلى الكتاب والسنة، وإنكارهم على من خالفهما. د ـ توفّر أمرين لاستثناء الإنكار في مسائل الخلاف أمر مختلف فيه. هـ عدم تفريق الإمام المارودي بين مسائل الخلاف والمسائل الاجتهادية. 4ـ يتفق القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله تعالى مع الإمام الماوردي رحمه الله تعالى في هذا الأمر إلا أنه يرى أنّ للمحتسب الإنكار إذا كان الخلاف ضعيفاً، وكان مؤدياً إلى محظور متفق عليه. ويلاحظ على هذا ما يلي: ضرورة ارتباط حق المحتسب في الإنكار أو مع مخالفة النص وجوداً وعدماً دون غيرها من الأمور. 5ـ يرى الإمام السيوطي رحمه الله تعالى أنه لا يُنكر في مسائل الخلاف إلا في ثلاث صور، وهي: أـ إذا كان سند الفعل ضعيفاً. ب ـ إذا كان الأمر معروضاً لدى الحاكم فيحكم بعقيدته. ج ـ إذاكان للمنكِر حق فيه. ويُلاحظ عليه ما يلي: أـ ضرورة ارتباط الإنكار مع مخالفة النص وجوداً وعدماً دون غيرها من الأمور. ب ـ على الحاكم أن يحكم بالكتاب والسنة، وليس له أن يحكم بعقيدته. ج ـ العبرة بموافقة النص أو مخالفته وليست بحق المنكِر. 6ـ يرى الأئمة النووي وابن تيمية وابن القيم والشوكاني رحمهم الله تعالى أن معيار الإنكار في مسائل الخلاف هو الكتاب والسنة، وليس مذاهب الناس. فمن خالف النص يُنكَر عليه سواءً أكان فعله موافقاً لمذهبه أم مخالفاً له. ومما يدل على صحة هذا الرأي ما يلي: أـ ما خالف الكتاب والسنة منكر، ويجب الإنكار عليه بقدر الاستطاعة. ب ـ كثرة الشواهد الدالة على تقرير السلف بنقض حكم الحاكم إذا خالف الكتاب والسنة. ج ـ ضرورة التفريق بين مسائل الخلاف الاجتهادية وغير الاجتهادية، فلا يُنْكَر في الأولى حيث لا يجوز لأحد حملُ غيره على اجتهاده، ويُنكَر في الأخرى على كل من خالف نصاً. د ـ إخبار أحد أو تذكيره بوجود نص يعارض رأيه لا يعني الطعن فيه. هـ وجود كثرة المسائل الخلافية التي توجد فيها النصوص الدالة على صحة أحد الأقوال فيها .. وـ نهي الأئمة الأربعة وغيرهم عن أخذ قول أحد خالف الكتاب أو السنة. ح ـ ترك أصحاب الأئمة بعض أقوال الأئمة اتباعاً للنصوص. ويلاحظ على هذا الرأي: أنَّ الأخذ بهذا الرأي يسبب الفرقة ويثير الفتن. ويرد على الملاحظة بأن مراعاة ما يترتب على الإنكار تعالج المشكلة المثارة في الملاحظة. 7ـ ترجَّح لدى الكاتب ـ بتوفيق الله تعالى وعونه ـ أن الرأي الأخير هو الصحيح دون غيره من الآراء.

حكم الاحتجاج بخبر الواحد إذا عمل الراوي بخلافه

حكم الاحتجاج بخبر الواحد إذا عمل الراوي بخلافه ¤عبدالله بن عويض المطرفي£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1420هـ€أصول فقه¶خبر الآحاد الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها في هذه الرسالة يمكن أن أوجزها في النقاط التالية: أولاً: القسم النظري - خبر الواحد عند جمهور الأصوليين والمحدثين هو ما لم يجمع شروط التواتر. وينقسم إلى مشهور وعزيز وغريب. إن خبر الواحد العدل يجب العمل به إذا ثبت فقد تعبدنا الله به. وتظافرت الأدلة على وجوب العمل به وأشهرها الإجماع من الصحابة ومن بعدهم. وما روي عن بعضهم من التوقف فيه أو رده إنما كان لريبة أو قرينة أو وجود معارض راجح وليس رده لكونه خبر واحد. خبر الواحد العدل إذا تلتقه الأمة بالقبول والتصديق أفاد العلم، لإجماع الأمة على صحته، وكذا إذا وقع الإجماع على العمل بمقتضاه فإنه يفيد العلم؛ لأن الإجماع عليه قد صيره من المعلوم صدقه. وإجماع الأمة معصوم من الخطأ، لأنها لا تجتمع على ضلالة. الخبر المحتف بالقرائن فإنه يفيد العلم – على الراجح – كخبر الصحيحين ما لم يبلغ حد التواتر، وما لم ينتقد عليهما. خبر الواحد العدل المجرد عن القرائن يفيد العلم على الراجح من أقوال العلماء. ومن أقوى ما يرجح إفادته للعلم: هو ثبوت نسخ المقطوع بخبر الواحد كما في قصة أهل قباء. لا يقبل الخبر حتى تجتمع في ناقله شروط خمسة: أن يكون الراوي مكلفاً هو العاقل البالغ، مسلماً، عدلاً، ضابطاً. لا يشترط في الراوي أن يكون فقيهاً، فرب حامل فقه غير فقيه. وإنما يرجع إلى فقه الراوي عند التعارض والترجيح بين الأدلة. شروط قبول خبر الواحد والعمل به محل خلاف بين العلماء قديماً وحديثاً، لأهل كل مذهب قواعد وشروط يخالفه أو يوافقه فيها غيره. والراجح تقديم الحديث الصحيح عليها اتباعاً لنصوص الكتاب والسنة وأقوال الأئمة المعتبرين، بل ونصوص الأئمة الأربعة، ولا يجوز أن تضع قواعد أو شروطاً أمام تلك الأحاديث الصحيحة فنحجر بها على دلالتها من أن تدل على مقصودها. إن أسباب مخالفة الراوي لروايته كثيرة وأعظمها عن تأويل واجتهاد أو نسيان وهذه أسلم الوجوه. إن أخذ العلماء برواية الراوي والاعتذار عن رأيه أو الأخذ برأيه والاعتذار عن روايته أو تركهما معاً كان بسبب أيهما أولى بالتقديم والتأخير عند الاختلاف والمعارضة. إن محل النزاع عند من يجعل مخالفة الراوي لما رواه علة قادحة في روايته هو إذا كانت المخالفة بعد روايته. إن مخالفة الراوي لما رواه – على التسليم بها – ينبغي تخصيصها بالصحابي فلا تتعداه إلى ما بعده لأسباب كثيرة سبق ذكرها. ومن باب أولى مسألة تخصيص العموم بقوله. إن كان الخبر ظاهرا وجب حمله على ظاهره إلا أن يدل دليل يوجب العدول عن ظاهره. وظاهر الخير أولى من تأويل الراوي؛ لأن الحجة في ظواهر النصوص لا في مذهب الرواة. لا يخص ظاهر العموم بقول الراوي مطلقاً سواء كان صحابياً أم غيره وسواء كان هو الراوي له أم غيره؛ لأنه محجوج به كغيره. إذا كان الخبر مجملاً أو مشتركاً ففسره الصحابي ببعض وجوه احتمالاته حمل الخبر عليه فالعبرة بتفسيره؛ لأن تفسيره أولى من تفسير غيره فيقدم عليه. إذا كان الخبر نصاً لا يحتمل التأويل ويدل على معنى واحد دلالة قطعية فإنه يصار إليه ولا يترك إلا بنص آخر يعارضه. فالعبرة برواية الراوي دون رأيه. النسخ من الأمور المهمة في حياة الأمة فلا يقبل فيه قول الصحابي – فضلاً عن غيره – هذا ناسخ أو منسوخ فقط دون بيان، سواء كان هو راوي الخبر أم لا. أما إذا ذكر دليل النسخ فيقبل. ومن طرق معرفة تأخر الناسخ قول الصحابي: هذا سابق أو متأخر أو كان كذا ثم نسخ.

لا يصح جعل مخالفة الراوي لما رواه بمنزلة روايته للناسخ، لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، ومجرد المخالفة لا يلزم أن تكون للنسخ فقط لجواز أن يكون لتقديم دليل آخر راجح. إن النسخ له شروط معتبرة من حيث الثبوت والقوة ومعرفة التاريخ للمتأخر .. الخ. إن السنة الصحيحة قاضية على كل تأويل واجتهاد يخالفها وأقوال الصحابة ليست حجة من اختلافها. ثانياً: القسم التطبيقي: وبحثت فيه ثمان وعشرين مسألة عن جماعة من الصحابة وهم أبو هريرة وابن عمر وعائشة وابن عباس ومعمر بن عبد الله وجماعة من التابعين ومن بعدهم وظهر لي النتائج الآتية: أن مخالفة الراوي لما رواه لا تصلح للقدح والطعن في روايته لأسباب منها: أ – أنها غير متفق عليها. ب – أن مخالفتهم في هذه القاعدة سوف يقلب عليهم الأمر فيقول: لماذا لا تكون الرواية الثابتة الصحيحة دليلاً على سقوط رأيه المخالف لها. كما قاله ابن عبد البر في المسألة الأولى. ج – إن من المسائل مسائل لم يثبت فيها تأخر الرأي عن الرواية فما يدري أقبل الرواية أم بعدها وإذا كان الأمر كذلك فنجعله من القسم الذي لم يعلم تاريخه وهنا يتفق الجميع على الأخذ بالرواية. د – إن القول بأن العبرة بما رآه لا بما رواه يجعل أصحاب هذا القول حين استدلالهم برواية راوٍ ينظروا هل لراويها مخالفة أم لا. وهو غير صحيح مثل رواية ابن عباس في نكاح الأيم والبكر حيث استدل بها على جواز النكاح بغير ولي ولراويها رأي مخالف لها. هـ - إن المخالفة والمعارضة بين الرأي والرواية أحياناً نحتاج للترجيح بينهما النظر في الأدلة الأخرى كمسألة زكاة الحلي ومسألة الطلاق الثلاث. و– إن القول بما رآه الراوي لا بما رواه ينبغي أن يقيد عندهم بما إذا لم يكن له رأي آخر موافق لروايته كمسألة صيام يوم الشك. فإن صور مخالفة الراوي لما رواه من حيث موافقته أو مخالفته لروايته على قسمين: 1 - رأي موافق لروايته وهو الأصل. 2 – رأي مخالف لروايته وهو خلاف الأصل. فإذا وجد للراوي رأي موافق لروايته ورأي آخر مخالف لها فلا شك في تقديم رأي الموافق لروايته من باب الترجيح بين الرأيين مثل مسألة قتل المرأة المرتدة. مخالفة الراوي لروايته الصحيحة لا تخلو إما أن تثبت بسند صحيح أولاً. فإن كان الثاني ترجح الخبر على ذلك الأثر بالضرورة لترجح الثابت الصحيح على غيره بالقوة وهذا الشرط ينبغي اعتباره واستصحابه عند كل مخالفة راوي لروايته، ولا يصح أن نجعل الأثر الضعيف مقياساً لرد الخبر الصحيح. وإن كان الأول: وهو ثبوت المخالفة سنداً وكانت بعد الرواية فإن مخالفته على قسمين: 1 – رواية محتملة المخالفة. 2 – رواية غير محتملة المخالفة. ومن الشروط أيضاً: أن تتحقق المخالفة التامة بين الرواية والرأي من ناحية المتن وعدم الجمع بين روايته ورأيه، وأن لا يكون رأيه معتمداً على رواية أخرى، وأن لا يخالفه صحابي آخر. وعند التحقيق والنظر في بعض المسائل أجد أنه لا تعارض بين رواية الراوي وبين رأيه لإمكان الجمع بينهما كمسألة صلاة الوتر على الدابة، ومسألة حكم القيء للصائم وقد سبقا الجمع بينهما. أما مسألة أقل مسافة للقصر فإن رواية الراوي لم تسق لبيان تحديد مسافة القصر وفعله في قصر الصلاة موضوع آخر فليس هناك مخالفة بين الرواية وبين الرأي. إذا اعتمد الصحابي في رأيه على رواية أخرى فإن المسألة تخرج من باب المخالفة وتكون من باب التعارض بين الأدلة كمسألة رضاع الكبير. إذا خالف الصحابي في رأيه صحابياً آخر فإن المسألة تقرب من باب قول الصحابي وفعله حجة أم لا كمسألة صيام يوم الشك. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

حكم تقنين الشريعة الإسلامية

حكم تقنين الشريعة الإسلامية ¤عبدالرحمن بن سعد الشثري£بدون¥دار الصميعي - الرياض¨الأولى¢1428هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة الخاتمة تبين لنا مما مضى: أن تقنين الشريعة الذي يريد به من دعا إليه – مع إحسان الظن به – درء مفسدة اختلاف القضاة؟ يستلزم مفاسد أعظم من ذلك: فهو خطوة إلى الانتقال عن الشريعة الإسلامية إلى الأنظمة الوضعية، ولعل من دعا إليه يجهل ذلك، أو يتجاهله. قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي)): وإيضاح ذلك: أن النظام الوضعي تتركب حقيقته من شيئين: أحدهما: صورته التي هي شكله وهيئته في ترتيب مواده والحرص على تقريب معانيها وضبطها بالأرقام. الثانية: حقيقة روحه التي هي مشابكة لذلك الهيكل والصورة كمشابكة الروح للبدن، وتلك الروح هي حكم الطاغوت، فصار التدوين مشتملاً على أحدهما والواحد نصف الاثنين. ومما يظن ظناً قوياً ويخشى خشية شديدة أن وضع شكل وصورة النظام الوضعي بالتدوين، وضع حجر أساس لنفخ روح هذا الهيكل الأصيلة فيه. ولاشك أن الظروف الراهنة، ومخايل الظروف المستقبلة، تؤكد أن تيارات الإلحاد الجارفة في أقطار المعمورة الناظرة إلى الإسلام بعين الحظ والازدراء يغلب على الظن، ويخاف خوفاً شديداً أنها بقوة مغناطيسها الجذابة التي جذبت غير هذه البلاد من الأقطار من نظامها الإسلامي التي توارثته عشرات القرون، إلى النظام الوضعي الذي شرعه الشيطان على ألسنة أوليائه، ستجذب هذه البلاد يوماً ما إلى ما جذبت إليه غيرها من الأقطار التي فيها مئات العلماء كمصر، لضعف الوازع الديني في الأغلبية الساحقة من شباب المسلمين، وكون الثقافة المعاصرة من أعظم الأسباب للانتقال إلى القوانين الوضعية. فجميع الملابسات العالمية معينة على الشر المحذور إلا ماشاء الله، ولا سيما إن كانت هيئة كبار العلماء قد يقال أنها ابتدأت وضع الحجر الأساسي لذلك بالرضا بالانتقال عما توارثته الأمة جيلاً بعد جيل إلى وضع نظام شرعي ديني في مسلاخ نظام وضعي بشري شيطاني. وليس هذا من الأمور الدنيوية البحتة التي تؤخذ عن الكفار!. لأنه أمر قد يقال: إنه ذريعة إلى أعظم فساد ديني، مع أن اختلاف القضاة في بعض المسائل المتماثلة أمر موجود من عهد الصحابة إلى اليوم، ولم يستلزم مفسدة عظيمة، والقضاة المختلفون في المسألة الواحدة في هذه البلاد يلزم رفع اختلافهم إلى هيئة تمييز من أمثل من يوثق بعلمه وعدالته، وربما رفع بعد ذلك إلى هيئة قضائية عليا)). فدعوة الداعين للتقنين: ممتنعة شرعاً وواقعاً، فموقع دعوتهم من أحكام التكليف حسب الدلائل والوجوه الشرعية أنه: محرم شرعاً، لا يجوز الإلزام به، ولا الالتزام به. ودعوتهم مولودة غريبة، ليست في أحشاء أمتنا الإسلامية، غريبة في لغتها، غريبة في سيرها وأصالة منهجها غريبة في دينها ومعتقدها ,فهي أجنبية عنها، ومجلوبة إليها. فغريب جداً على هؤلاء أن يحتضنوها بمجرد فكرة: الله أعلم بدوافعهم إليها، هدانا الله وإياهم لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه سبحانه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. {يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} [المائده:8] أسأل الله تعالى لي وللداعين للتقنين ولعموم المسلمين الهداية والرشاد، والرجوع للعلماء المعتبرين، وعلينا جميعاً أن نولي حارها من قارها. وهذا من سنة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فعن محمد بن سيرين قال: ((قال عمر رضي الله عنه لابن مسعود: ألم أنبأ، أو أنبئت أنك تفتي ولست بأمير، ولِّ حارها من تولى قارها)).

وأختم رسالتي هذه بما رواه يزيد بن عميرة قال)):كان معاذ لا يجلس مجلساً للذكر إلا قال: الله حكم قسط، هلك المرتابون. إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والعبد والحر، فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن، ماهم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة. وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق. قال: قلت لمعاذ: مايدريني رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق قد يقول كلمة الحق. قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها: ما هذه، ولا يثنينك ذلك عنه، فإنه لعله أن يراجع، وتلق الحق إذا سمعته، فإن على الحق نوراً)). وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. فقلت يارسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال صلى الله عليه وسلم)):نعم))!. فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((نعم، وفيه دخن)). قلت وما دخنه؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر)). فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((نعم، قوم من جلدتنا! ويتكلمون بألسنتنا!)). قلت: يا رسول الله: فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم!)). فقلت: فإن لم تكن لهم جما عة ولا إمام؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)). وفق الله القائمين على القضاء للصواب والإخلاص في الأقوال والأعمال، ونفع بهم البلاد والعباد، وأعانهم على ذكره، وشكره، وخشيته، وحسن عبادته، ونصرة كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وعباده الصالحين، وهداهم لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه سبحانه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، كما أسأله سبحانه أن يهدي ضال المسلمين، وأن يذهب عنا وعنهم البأس، وأن يصرف عنا وعنهم كيد الكائدين، وأن يحفظنا بالإسلام قائمين، وقاعدين، وراقدين، وأن لا يشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين، إن الله لسميع الدعاء {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} [هود:88]، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم.

رفع الحرج في الشريعة الإسلامية

رفع الحرج في الشريعة الإسلامية ¤عدنان محمد جمعة£بدون¥دار العلوم الإنسانية - دمشق¨الثالثة¢1413هـ€أصول فقه¶رفع الحرج الخَاتِمة الله جل جلاله عليم .... حكيم .... رحيم ... وهو سبحانه يبين الطريق المستقيم الذي فيه سعادة الدارين. لقد اقتضت حكمته سبحانه أن لا يدع أمة قبل إرسا ل خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام إلا وأرسل إليها رسولاً " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " / فاطر: 24 /، حتى إنه لا قرية إلا خصت ببشير ونذير " وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون " / الشعراء: 208 /. " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى " / يوسف: 109 /. وبدهي بعد هذا إمكان وجود أكثر من نبي على الأرض في وقت واحد قبل الإسلام. ومن حكمته تعالى أن أوحى إلى كل رسول من أولئك الرسل تعاليم تبين لأقوامهم مافيه صلاح أمرهم في الدنيا، والآخرة. وهكذا فكل رسول منهم كان يخصص لأداء مهمته في قوم معينين. قال عليه الصلاة والسلام: (كان النبي يبعث إلى قومه خاصة) [متفق عليه]. وكانت شريعته تناسب قومه بما يتفق وعقولهم، وزمانهم، بحيث إذا ذهب ذلك النبي، وانقضت فترة أراد الله بعدها إرسال نبي آخر، أنزل عليه شريعة جديدة تتناسب مع عصرهم الجديد، وتطور عقولهم. فشرائع الله فيما قبل الإسلام مرحلية تتلائم مع تطور إِدراك الناس ... ذلك الإدراك المرتبط بالحس غالباً. هذا إلى جانب كونها خاصة بأقوام الرسل عليهم الصلاة والسلام. وعندما بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم كان عقل البشرية قد دخل مرحلة النضج، وفكرها قد ولج مرحلة الاكتمال، وصارت مهيأة لقبول الشريعة العقلية المنطقية التي تتصف بثلاث خواص: الأولى: العموم لكل الأمم، والأقوام، والأمكنة، والأزمنة. قال تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً} [سبأ: 28]. {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً} [الأعراف:157]. وقال عليه الصلاة والسلام: (بعثت إلى الناس عامة) [متفق عليه]. الثانية الشمول: حيث تنظم كل شؤون الحياة: عقيدة، وعبادة، وأخلاقاً، وأحوالاً شخصية، وقضايا جنائية، وأحوالاً اجتماعية، ومعاملات، وأحوالاً اقتصادية، وسياسية داخلية، وخارجية. الثالثة: الخلود ما دام الإنسان العاقل موجوداً على ظهر الأرض حتى قيام الساعة. فكان من المنطق السليم أن تجيء شريعة الله هذه التي أنزلها على محمد صلى الله عليه وسلم خاتمة لما قبلها, ومعترفة بما سبقها قبل تحريفه، وتبديله، وناسخة له. قال تعالى: {وأنزلنا إِليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه} [المائدة: 48]. كما شاء الله بحكمته أن يكون محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين. قال عز وجل: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} [الأحزاب: 40]. وقال عليه الصلاة والسلام: (أنا خاتم النبيين ولا فخر) وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا العاقب الذي ليس بعده نبي) [متفق عليه]. وبناء على كل هذا أرادها الله العليم، الحكيم، الرحيم، حنيفية، سمحة، يسيرة، حتى لا يبقى عذر لأي إِنسان يدير ظهره لتعاليمها، إذ هو آنذاك متبع لهوى نفسه، وسائر وفق ما تمليه عليه وساوس الشيطان. أجل! إن الله رضيها متكفلة بإيصال الناس المتبعين لها إلى سعادتهم العاجلة، والآجلة، وذلك بما احتوته من تنظيم إلهي حكيم متحدية تنظيمات البشر الغارقة في الأهواء، والنقص. " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً" / الإسراء: 9 /. " وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " / الأنعام: 153/. ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " / آل عمران:85/. " إِن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " / ق: 37/. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.

رفع الحرج في الشريعة الإسلامية دراسة أصولية تأصيلية

رفع الحرج في الشريعة الإسلامية دراسة أصولية تأصيلية ¤يعقوب عبدالوهاب الباحسين£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الثالثة¢1420هـ€أصول فقه¶رفع الحرج وبعد هذه الجولة في رحاب هذا الموضوع، نختم رسالتنا بالفقرات الآتية: 1. إن رفع الحرج الذي هو منع وقوع أو بقاء ما أوقع مشقة زائدة عن المعتاد على بدن العبد، أو نفسه، أو عليهما معا في الدنيا أو الآخرة، أو فيهما معا، حالا أو مآلا، غير معارض بما هو أشد منه، أو بما يتعلق به حق للغير مساو له أو أكثر منه، نقول إن رفع الحرج بهذا المعنى هو ما تواترت الأدلة على صحته، وأثبتت الأحكام الشرعية على نهجه وطريقته. 2. وإن الشارع الحكيم قد سلك في تحقيق هذا المعنى ثلاثة سبل: أ- السبيل الأول: هو رفع الحرج ابتداء، بعدم وضع تكاليف ليست في طاقة الإنسان، سواء كان ذلك بمنع التكليف بما لا يطيق، أم بعدم تكليف من لم يكن أهلا، أم بإعفائنا من أحكام شديدة قاسية كانت على الأمم التي سبقتنا، وعلى ذلك انبنت مباحث التكليف بما لا يطاق، واشتراط الأهلية، والعلم بما كلف به، وغيرها. ب- السبيل الثاني: هو رفع الحرج الطارئ لوجود أعذار طارئة صيرت الحكم الذي كان مقدورا للإنسان الطبيعي غير مقدور له بعد طروء العذر، وذلك بالتخفيف عنه في تلك الحالات، كما هو الشأن في الرخصة إذا ما تحققت الأعذار المشار إليها، والتي هي من أسباب المشقة، كالضرورة، والحاجة، والسفر، والمرض، وغيرها ... وعلى هذا الأساس انبنت أحكام الرخصة، وبعض القواعد الفقهية، كالمشقة تجلب التيسير، والضرورات تبيح المحظورات، وغيرها. والحرج في هذه الحالة لم يقع، بل منع وقوعه أصلا بهذا التخفيف، فالطروء في الحقيقة وصف للعذر، أما الحرج فإنه لم يطرء بالفعل، ما دام سبب التخفيف قائما يؤتي ثمراته في الترخيص. ج- السبيل الثالث: هو رفع الحرج بتدارك ما وقع منه، أي إن حالة المشقة قد حصلت، ولكن الشارع أوجد لمن حلت به هذه المشقة مخرجا منها، وعلى ذلك انبنت قواعد كثيرة، كقاعدة التوبة، والإسلام يجب ما قبله، والكفارات، وضمان المتلفات، ورد المظالم، وما شابهها مما طالب الشارع به العباد. 3. إن رفع الحرج لم يكن وصفا قائما لأحكام موجودة بالفعل فقط، بل هو بالإضافة إلى ذلك نبراس يستضيء به المجتهد في استنباط الأحكام، وفي الترجيح بين الأدلة والعلل. وقد بينا بالدليل أن ما أثير من اعتراض حول عدم صلاحية رفع الحرج لذلك، بسبب عدم انضباطه، مما يمكن رده ومناقشته. وذكرنا أن للحرج بواعث وأسباب، منها ما ضبطها الشارع بنفسه، ومنها ما يمكن ضبطه بالعرف، أو التقريب من منهج الشارع في ذلك، وأوضحنا أن استقراء صنيع العلماء في كتبهم كشف عن أن رفع الحرج عمل في ثلاثة ميداين: أ- الميدان الأول: في تعليل الأحكام الشرعية، لغرض بيان ما فيها من حكم ومصالح. ب- الميدان الثاني: في بناء الأحكام الشرعية عليه، سواء كان ذلك ابتداء كما هو الشأن في المصالح المرسلة، وبعض مجالات العرف، أم استثناء، كما هو الشأن في الاستحسان، والعرف، والمصالح المرسلة أيضا، وكما هو الشأن في بعض القواعد الفقهية، كقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وغيرها مما أشرنا إليه سابقا. ج- الميدان الثالث: في ترجيح الأحكام والعلل المتعارضة فيما بينها، مما انبنى عليه القول بالأخذ بالأخف، أو ترجح العلل النافية للحد على الموجبة له، والموجبة لحكم أخف على ما أوجبت حكما أشد.

4. وأنه بناء على ما ثبت من ابتناء الشريعة على رفع الحرج، وإجماع الأمة على أن جميع ما فيها من الأحكام كان لصالح العباد، لم يصح القول بأن يعارض به النص القطعي، وذلك لأن رفع الحرج -وإن كان قد ثبت بالدليل القاطع- إلا أن تحققه في أفراد جزئياته لا قطع فيه إلا في مجالات محددة، وهو في هذه المجالات لا يعتبر معارضا للنص حقيقة، لأن استثناءه لم يرد اعتباطا، بل ثبت بالنصوص الشرعية نفسها. ولكن متى تحقق الحرج في مجالات أخف من مواضع الضرورة، فإنه لا يجوز أن يعارض به غير الأمور المظنونة التي لم تعضدها قواعد شرعية معتبرة، ومن أجل هذا رجحنا العمل به في هذا الميدان، ورجحناه في بعض مجالاته أيضا على القياس. 5. وإن رفع الحرج لا علاقة له ببعض المبادئ القانونية، كالقانون الطبيعي، ومبدأ العدالة، لاختلاف حقائقها عن حقيقته، ولأن هذه المبادئ ليست من القوانين، وإنما هي شيء خارج عنها يكمل ما فيها من نقص، أما رفع الحرج فهو من صلب القانون الإسلامي، والعمل به عمل بنصوصه. 6. وقد كشفنا في هذه الرسالة عن أن كثيرا من الأدلة المختلف في شأنها، لا خلاف فيها لدى التحقيق، وأنها تستند إلى رفع الحرج في الشرع عند التأمل. وقد لاحظنا أنها في الحقيقة أشبه بالقوانين والقواعد الموضوعة لضبط الحرج وتحديده، وإنها مرتبطة فيما بينها ترابطا قويا، وإن كانت متناثرة في الكتب ذات المناهج والمسالك المختلفة، من كلام، وأصول، وقواعد، وفقه. وعملنا في هذه الرسالة على جمعها في عقد واحد، وتنسيق ما بينها من عمل واختصاص، وعلى سبيل المثال نذكر ما حددنا، من علاقات بين قاعدة الأصل في المنافع الحل وفي المضار التحريم، ودليل المصلحة المرسلة وبين قواعد الضرورة والمشقة ودليلي العرف والاستحسان، وبين عوارض الأهلية، وأسباب المشقة والرخص وما شابه ذلك من الأمور. وقد اجتذبنا من علم الكلام بعض قواعده، وأدخلناها في هذا المجال، نظرا لعلاقتها المباشرة به، كما كان الشأن في قاعدة التوبة، سواء كانت من المسلم أم من الكافر. وبعد فهذه هي حصيلة جهدي، وما استطعت أن أقوم به من عمل، ولا يكلف الله نفسها إلا وسعها، فلله الحمد ثانية على ما أولاني من نعمه، وأسبغ علي من فضله وكرمه، وأرجو أن يعفو عني ويغفر لي ذنبي ويسدد خطاي، ويوفقني إلى ما فيه الخير، إنه سميع مجيب الدعاء.

سد الذرائع عند شيخ الإسلام ابن تيمية

سد الذرائع عند شيخ الإسلام ابن تيمية ¤إبراهيم بن مهنا المهنا£بدون¥دار الفضيلة - الرياض¨الأولى¢1424هـ€أصول فقه¶سد الذرائع الخاتمة الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وأشكره على أن وفقني على إتمام هذا الجهد العلمي المبارك والذي أتاح أن أعيش في سويداء المكتبة التيمية قرابة أربع سنوات ولقد تمكنت ولله الحمد والمنة من قراءة كتب شيخ الإسلام بعضها قراءة دقيقة وبتمعن وبعضها قراءة استطلاع ونظر، وكنت حريصا على تدوني كل ما أجده يخدم البحث ولو من بعيد فجمعت نصوصا كثيرة لشيخ الإسلام تكلم فيها عن الذرائع. وكان من أعظم ثمرات هذا الوقت في المكتبة التيمية أنني خرجت بتصور كبير ينشرح له الصدر عن الذرائع ما يسد منها وما يفتح وما هو ذريعة وما هو سبب أو مقتضى ومتى تجتمع الذريعة والحيلة ومتى يفترقان وغير ذلك مما له صلة بالذرائع. وما من بحث إلا ويكون له نتائج وتوصيات ولله الحمد والمنة قد وفقت في بعض النتائج والتوصيات في هذا البحث. أولا: نتائج عامة من قراءة كتب شيخ الإسلام. 1ـ ظهر شيخ الإسلام في عصر كثرت فيه الطوائف المنحرفة فدافع عن عقيدة السلف مما عرضه إلى محن كثيرة بسبب ذلك وكان لمناظراته مع هذه الطوائف أثر في بيان شخصيته العلمية وقدرته على الاحتجاج ورد الشبه المثارة. 2ـ قضى شيخ الإسلام حياته كلها مشغولا بالعلم والدروس والتدريس والإفتاء والدعوة والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد. 3ـ إن لشيخ الإسلام شخصية علمية قوية في مجال البحث والترجيح ووضوح الفكرة ذات تأثير قوي منه على من حضر دروسه، أو اطلع على مؤلفاته، أو عايش فكره وفقهه وعلمه. 4ـ إن شيخ الإسلام ابن تيمية كان إماما في بيان عقيدة السلف الخالصة النقية وإماما في التفسير وإماما في علوم الحديث وإماما في الفقه وأصوله. 5ـ جعل شيخ الإسلام ابن تيمية من فقهه مجالا للدعوة والتوجيه فلقد تخلل فقهه جوانب هامة في العقيدة والتربية جعل منها وسيلة وأداة لإصلاح أحوال الناس بدلا مما هو متعارف عليه عند بعض الفقهاء من تقدم الفقه على شكل مادة علمية مستقلة. 6ـ قيام شيخ الإسلام على جانب الإصلاح ورعاية المصالح فهو حريص على مراعاة ذلك في فتاواه الفقهية دون إخلال بتعاليم الشريعة وهو ليس بدعا في هذا فقد صنع العز بن السلام ذلك في كتابه قواعد الأحكام حيث رد الأحكام الشرعية كلها إلى قاعدة رعاية المصلحة. ثانيا: النتائج الخاصة بالبحث. 1ـ صحة إطلاق مصطلح الأصل، والدليل والقاعدة على سد الذرائع، وأنه أقرب ما يكون إلى القاعدة الأصولية. 2ـ إن عدم التزام علماء الأصول الذين تحدثوا عن سد الذريعة أثناء كلامهم عنها بإطلاق واحد فتارة عليها أصلا، وتارة أطلقوا عليها دليلا، وتارة أطلقوا عليها قاعدة، فهذا ناتج من اعتبارهم أن هذه معاني مترادفة. في بعض المواطن. 3ـ إن قاعدة سد الذرائع معمول بها عند جميع المذاهب عدا الظاهرية فإنهم يمنعون العمل بالذرائع. 4ـ إن الذريعة التي تفضي إلى المفسدة قطعا يجب سدها بالإجماع والتي تفضي إلى المفسدة نادرا ملغاة بالإجماع. 5ـ إن الذريعة التي تفضي إلى المفسدة غالبا، أو كثيرا فقد قال بسدها المالكية والحنابلة وخالفهم فيها الحنفية والشافعية فالعمل بسد هذا القسم منوط ينظر المجتهد كان الفعل الذي عليه الناس يؤدي إلى المفسدة كثيرا أو غالبا في ذلك العصر الذي يفعل فيه فإن المالكية يمنعون هذا الفعل مع إباحته في أصله وذلك لأنهم نظروا إلى مآل هذا الفعل وأنه يؤدي إلى المفسدة، ونظروا أيضا إلى كثرة وقوعه؛ فيمنعونه سدا للذريعة حتى لا يتوصل بهذا الفعل المباح أمر محرم.

6ـ إن أقوى المذاهب إعمالا لسد الذرائع المؤدية إلى الفساد هم المالكية، فهم في أعلى درجات الأخذ بسد هذه الذرائع، والشافعية في أدنى درجات الأخذ بها، والحنابلة أقرب للمالكية، والحنفية أقرب للشافعية. 7ـ إن بعض المسائل الفرعية التي حكمت بمنعها بعض المذاهب أرجع ذلك لسد الذرائع ونجد أن بعض المذاهب الأخرى حكمت عليها بالسد من باب آخر كالاستحسان؛ أو المصالح؛ أو غيرها – أي منعها استحسانا وسدها من باب المصلحة. 8ـ إن الإمام الشافعي – رحمه الله – يقول بسد الذرائع إذا كان الفعل المتذرع به لازم لحصول محرم فهنا الذريعة، أما إذا انتفي هذا اللزوم فإن الإمام الشافعي لا يعمل هذه القاعدة فهو يحكم على هذا الفعل أنه حرام ديانة، ويصححه قضاء إذا كانت النية إلى الحرام لدى المتعاقدين موجودة حال العقد وأخفوها. 9ـ إن أكثر علماء الشافعية إيضاحا لموقف الإمام الشافعي – رحمه الله – لقاعدة سد الذرائع، هو الإمام تقي الدين السبكي – رحمه الله – وذلك في إكماله كتاب المجموع للنووي. 10ـ تبين أن الإمام ابن الرفعة – رحمه الله – ليس له تقسيمات للذريعة كما ذكر الإمام الشوكاني – رحمه الله – وتبعه في ذلك كثير من الباحثين، إنما كلامه على بعض المسائل الفرعية وتخريجات في المذهب؛ ولم يزد على أن ذكر أن للإمام الشافعي قولين في قاعدة سد الذرائع بناء على نصه في إحياء الأرض الموات. 2ـ نتائج الباب الثاني: 1ـ الاهتمام الكبير لشيخ الإسلام بسد الذرائع 2ـ إن من أقوى الدوافع التي جعلت شيخ الإسلام ابن تيمية يتمسك بقاعدة سد الذرائع. أـ كثرة الأهواء والبدع في عصره. ب ـ كثرة وجود الحيل. ج ـ الموازنة بين المصالح والمفاسد. 3ـ يرى شيخ الإسلام – رحمه الله – أن من أهم الأسباب التي أوقعت الناس في الحيل هي: 1ـ ظلم الناس لأنفسهم بارتكاب المحرمات وترك الواجبات. 2ـ الجهل في دين الله تعالى مما جعلهم يحرمون ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله. 3ـ شيوع الفقه الافتراضي في عصره في مسائل الحيل وكيفية الخروج منها بأي طريق. 4ـ يرى شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أن من أقوى الفروق بين الذريعة والحيلة هو: جانب القصد، فإن الذريعة قد تفضي إلى الأمر المحرم ولكن دون قصد من المكلف، أما الحيلة، فإن المكلف قصد من وجودها الوصول إلى الأمر المحرم. 5ـ يرى شيخ الإسلام أن الحيل أعم من الذرائع، أي أن الحيل تكون بالذريعة وتكون بأسباب أخرى. 6ـ يرى شيخ الإسلام أن سد الذرائع حماية لمقاصد الشارع، وتوثيق للأصل العام الذي قامت عليه الشريعة من جلب المصالح ودرء المفاسد، وحماية مقصد الشارع من أعظم المقاصد. 7ـ قسم شيخ الإسلام الذرائع إلى أربعة أقسام هي: 1ـ ذرائع تفضي إلى المفسدة غالبا. 2ـ ذرائع تحتمل الإفضاء إلى المفسدة وتحتمل عدم الإفضاء إلى المفسدة، ولكن الطبع متقاض لإفضائها إلى المفسدة. 3ـ ذرائع تفضي إلى مفسدة راجحة على ما فيها من مصلحة. 4ـ ذرائع تفضي إلى مصلحة راجحة على ما فيها من مفسدة. 8ـ نظر شيخ الإسلام في إعماله لسد الذرائع إلى المآل الذي تؤول إليه الذريعة. 9ـ تبين من خلال البحث خطأ بعض الباحثين في جعلهم الفرق الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بين الذريعة والحيلة أقساما للذريعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية. 10ـ إن منهج شيخ الإسلام – رحمه الله – عند تزاحم الذرائع هو: 1ـ النظر إلى المتعارضات من حيث قوتها وضعفها. 2ـ مدى مصلحة المكلف في ترجيحه لأي من هذه المتعارضات. 11ـ يرى شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أن الواجب على المجتهد عند وجود التزاحم هو:

1ـ إذا تزاحمت مصلحه مع مصلحه ولا يمكن الجمع بينهما فالواجب على المجتهد اختيار الأصلح منهما من جهة قدر ثواب المصلحة ومن جهة صلاحها للمكلف. 2ـ إذا تزاحمت مفسدة مع مفسدة وجب درء المفسدة العظيمة بارتكاب المفسدة الدنيا من جانب عظم الإثم ومن جانب المفسدة على المكلف، وشيخ الإسلام يرى أن المفسدة الدنيا عند ارتكابها تسمى مصلحه حيث أنها الأصلح للمكلف بتركها المفسدة الأشد، وهذا يسمى بفتح الذرائع. 3ـ أما إذا ازدحمت مصلحه مع مفسدة فالواجب الموازنة بين المصلحة والمفسدة فإن كانت المصلحة أفضل من جهة ثوابها وصلاحها للمكلف وجب اختيارها وإهمال المفسدة الناتجة عنها وهذا ما يسمى أيضا بفتح الذرائع، بل ذكر شيخ الإسلام: أن الأمر إذا حرم سدا للذريعة وعارضته مصلحه راجحة فإنه يباح للمصلحة الراجحة. 4ـ أما إذا كانت راجحة على المصلحة من جانب الإثم ومن جانب أثرها على المكلف فالواجب إهمال المصلحة وسد ذريعة المفسدة. 12ـ ظهر لي أن شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – لا يرى التساوي بين المصلحة والمفسدة تساويا لا يمكن فيه ترجيح بعضها على بعض، فهو يرى أن المجتهد ينبغي عليه النظر إلى المصالح والمفاسد من حيث الثواب والعقاب وصلاحية ذلك للمكلف، فإذا دقق النظر في هذين الطريقين مع سعة علمه بالشرع وعلمه بمقاصده، فإنه لا بد أن يظهر له ترجيح المصلحة على المفسدة؛ أو المفسدة على المصلحة. 13ـ يرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن الفعل الذي يمنع سدا للذريعة يباح للمصلحة الراجحة. 14ـ ظهر لي أن شيخ الإسلام ابن تيمية هو أكثر العلماء توضيحا وتأصيلا لقاعدة سد الذرائع على من أتى بعده. 15ـ ظهر لي خطأ بعض الباحثين الذين وضعوا أقساما للذريعة عند الإمام الشاطبي وإن ما ذكروه في الحقيقة هي أقسام للفعل المأذون فيه المؤدي إلى ضرر. 3ـ نتائج الباب الثالث. 1ـ أن سد الذرائع داخل تحت اعتبار المصلحة حيث إن كل مسألة تمنع سدا للذريعة نكون بذلك أعملنا المصلحة. فالعمل بسد الذرائع يفضي إلى المحافظة على المصالح حيث إننا إذا أغفلنا الباب أمام كل مفسدة نكون بذلك فتحنا الباب للمصلحة وأعملناها. فلذلك نجد أن الأمثلة التي تضرب للمصلحة، وسد الذرائع متقاربة إن لم تكن متطابقة. 2ـ أن مجال سد الذرائع أعم وأشمل عند تطبيقه من المصالح المرسلة؛ حيث إن سد الذرائع داخل في العبادات والمعاملات، أما المصلحة المرسلة فإنها عامة في المعاملات وقاصرة على الأسباب والشروط والموانع في العبادات. 3ـ إن كل فعل تسد فيه الذريعة يكون فيه مصلحة وليس كل مصلحة يكون فيها سد الذرائع. 4ـ إن من أقر العمل بالاحتياط يلزمه العمل بسد الذرائع، وذلك لقوة العلاقة بين القاعدتين. 5ـ فرق شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بين ما لا يتم الوجوب إلا به وما لا يتم الواجب إلا به، فإن ما لا يتم الوجوب إلا به ليس بواجب، حيث إن الواجب لا يتحقق على المكلف إلا بوجود الشروط والأسباب وتحصيل الشروط والأسباب ليس واجبا على المكلف، أما إذا تحقق الوجوب باكتمال الأسباب والشروط للمكلف فإن الفعل يصبح واجبا، وكل ما يلزم لتحقيق هذا الواجب يكون واجبا وهذا الضابط الذي خرج به شيخ الإسلام ابن تيمية وإن خالف فيه البعض. ثالثا التوصيات. 1ـ عمل دراسة علمية مفضلة وشاملة عن موقف الأحناف والشافعية من قاعدة سد الذرائع وتكون الدراسة مستوعبة ومفصلة وممحصة لكل ما ذكروه في ذلك لأهميته. 2ـ عمل دراسة علمية عن المقاصد عند شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث أنه أولاها اهتماما واسعا في فقهه بل إن كثيرا من تقريراته، واختياراته كانت النظرة فيها منصبة على الشارع. 3ـ تبني الجامعات والمراكز العلمية عمل دراسات علمية عن الأصول التي لم تبحث عند شيخ الإسلام ابن تيمية، وذلك لأهميته العلمية، ولاختياراته التي ينفرد بها أحيانا عن كثير من العلماء ولبسطه الموسع للمسائل والأصول التي يبحثها مما يحتاج إلى جمع ومقارنة مع رأي غيره من سائر العلماء حتى يبرز فقه هذا العالم الفذ، ويظهر علمه واختياراته بشكل موسع. والله أعلم وفي الختام أختم بحثي بالحمد لله كما بدأته ببسم الله، فهذا جهد المقل أقدمه، فما كان فيه من صواب فمن الله وهو المحمود على توفيقه، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله منه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

سد الذرائع في الشريعة الإسلامية

سد الذرائع في الشريعة الإسلامية ¤محمد هاشم البرهاني£بدون¥بدون¨الأولى¢1406هـ€أصول فقه¶سد الذرائع خاتمة الرسالة وفي هذا الموقف، وبعد أن أتيت على نهاية الموضوع، أحب ألا يغادر القارئ الكريم البحث، حتى يقف على خاتمةٍ، يجد فيها عرضاً سريعاً لأهم ما تضمنه، تمكيناً له من جمع أطرافه، والوقوف عليه وقفة إجمالية، وإشارة إلى أهم ما هدى إليه البحث، من نتائج، وتحقيقات، وعرضاً لبعض المقترحات المستفادة على ضوء تجربة البحث. وقد مهدت للبحث بالكلام عن الاجتهاد بالرأي، فعرّفته، وأوردت ما ذكره العلماء من مظاهره، بما فيها سدّ الذرائع، ثم رجعت كلّ هذه المظاهر إلى مصدرين أساسيين، هما: القياس، والاستصلاح، وبيّنت كيف يرجع في واقع الأمر كلُّ ما عداها إليهما، أو إلى المصادر الثلاثة الأولى، وأعني بها الكتاب، والسنة، والإجماع. وتكلمت في القسم الأول، وضمن الباب الأول منه، عن الذريعة في اللغة، وعند الفلاسفة، وفي الاصطلاح الشرعي. وقررت في الفصل الأول منه: (1) ـ أن الذريعة في جميع هذه المعاني، تقوم على ثلاثة عناصر، أمر ينطلق منه التذرع، وحركةً تتطلع الذريعة بها إلى الأمام، وهدف يقصد من التحرك، وقد عبرت عنها في المعنى الاصطلاحي بالوسيلة، والمتوسل إليه، والإفضاء. (2) ـ وأن كلاً من الوسيلة، والمتوسل إليه، في حدود المعنى اللغوي للذريعة، يمكن أن يكون فعلاً، أو شيئاً، أو حالة قائمة في شيء، كوصف، أو علاقة، وهما كذلك في اصطلاح الفلاسفة، وفي الاصطلاح الشرعي العام، الذي فرّقت بينه، وبين الاصطلاح الشرعي الخاص، بأن هذا يتميز بكون الوسيلة، والمتوسل إليه فيه، فعلاً مقدوراً للمكلف. (3) ـ وأنه لا بدّ في المعنى اللغوي، والفلسفي، من وجود القصد في الإفضاء، بخلاف الاصطلاح الشرعي بنوعيه، الذي يتجه فيه إلى النتائج، ويراعى فيه المآل، بصرف النظر عن نية العامل. (4) ـ وأن أهم ما يتميز به المعنى اللغوي للذريعة، كونها غير مرتبطة بحال المقصود، المتوسل إليه، من حسن أو قبح، بخلاف المعنى الفلسفي الذي يشترط كونها نافعة في نظر العقل، وبخلاف الاصطلاح الشرعي الذي يشترط كونها صالحة في نظر الشرع. (5) ـ وأن أهم ما يميز المتوسل إليه، في المعنى اللغوي، أنه مطلق من قيد الحسن، أو القبح، وكذلك في الاصطلاح الشرعي العام، أما في الاصطلاح الشرعي الخاص فلا بد من كونه مفسدة في نظر الشرع. (6) ـ وأنه يتصور وجود سدّ الذرائع، وفتحها في اللغة، وفي الاصطلاحين: الشرعي، والفلسفي. (7) ـ وأن سدّ الذرائع في اللغة، يعني ترك مباشرة الذريعة، أو الحيلولة بين الذريعة، والمقصود، بحائل مادي، أو معنوي، ومعناه في الاصطلاح الفلسفي هدم، وإعاقة، وإضرار بالحياة. ثم عقدت مقارنات بين الذريعة، والمقدمة، وبين الحيل، وسدّ الذرائع، وبين سدّ الذرائع، وتحريم الوسائل. ثم تكلمت في الفصل الثاني عن أركان الذريعة الثلاثة: الوسيلة، والمتوسل إليه، والإفضاء، وبيّنت كيف يثبت كون الركن الأول ذريعة، بالاستنباط من تقسيم الذرائع، إلى ما هو مجمع على سدّه، وما هو مجمع على إهماله، وما هو مختلف فيه، واستخرجت بعد ذلك قاعدة المنع في الذرائع، ثم بيّنت حدّ الإفضاء ومعناه، وضرورة كون المتوسل إليه فعلاً محرماً، وأنه الأساس في تقدير قوة الإفضاء. ثم تكلمت في الفصل الثالث عن سدّ الذرائع في استعمال الفقهاء، والأصوليين، وبيّنت أنه قد يَردُ بمعنى الأصل، وقد يردُ بمعنى الدليل، وقد يردُ بمعنى القاعدة، لكنه أقرب ما يكون إلى القاعدة الأصولية، وذلك بعد عرضه على المعاني الاصطلاحية لكل من الأصل، والدليل، والقاعدة، وعلى مزايا كلٍّ من القواعد الأصولية، والقواعد الفقهية.

وفي الباب الثاني عرضت أقسام الذرائع، بحسب موقف العلماء منها، سدًّا وفتحاً، وبحسب أصل الوضع الشرعي للذريعة، وبحسب ما يلزم عنها من أضرار، تلحق العامل بها، أو غيره، وبحسب وجود القصد، وعدم وجوده، وبحسب قوة إفضائها إلى المفسدة، وبحسب مكانها بين المصالح، والمفاسد، وأوردت ملاحظات على كل تقسيمٍ منها، ثم اقترحت تقسيماً لمعنى الذريعة العام، وتقسيماً لمعناها الخاص. ثم تكلمت عن أحكام الذرائع، بالمعنى العام، فبيّنت حكم الوسيلة الجائزة، المؤدية إلى الجائز، وحكم الوسيلة الممنوعة، المؤدية إلى الممنوع، وحكم الوسيلة الممنوعة، المؤدية إلى الجائز، وفصّلت حكم الوسيلة الجائزة، المؤدية إلى الممنوع، بالنظر إلى إباحة الوسيلة أو وجوبها، وكراهة المتوسل إليه، أو حرمته، وبالنظر إلى عموم، وخصوص المفسدة، المتوسل إليها، وإلى قطعية وظنية الإفضاء. ثم تكلمت عن أحكام الذرائع بالمعنى الخاص، فبيّنت حكم الوسيلة المباحة، المؤدية إلى فعل محرم قطعاً، أو غالباً، أو كثيراً، أو نادراً، وحكم الوسيلة المندوبة، المؤدية قطعاً، أو غالباً أو كثيراً، أو نادراً إلى فعل محرم، وحكم الوسيلة الواجبة، المؤدية قطعاً، أو غالباً، أو كثيراً أو نادراً إلى فعل محرم. وفي أثر المخالفة لحكم الذرائع، قدّمت بأن التذرع قد يكون بالفعل، وقد يكون بالترك، وفي حالة فتح الذرائع، تكلمتُ عن أثرها عندما يدخل التذرع في حدود المباحات، وعن أثرها عندما يدخل في حدود المطلوبات المندوبة وعن أثرها عندما يدخل في حدود المطلوبات الواجبة. وفي حالة سدّ الذرائع، قدمت الكلام عن أثر المخالفة في الذرائع النصية، من جهة الصحة والفساد، ومن جهة الحرمة، والكراهة، ومن جهة العقوبة وعدمها، ثم عقبت بذكر أثر المخالفة في الذرائع الاجتهادية من الجهات الثلاث كذلك: الصحة والفساد، والحرمة والكراهة، والعقوبة وعدمها. وأما القسم الثاني من الرسالة، فقد تكلمت فيه عن الاحتجاج بسدّ الذرائع، فمهدت بأن سدّ الذرائع دليل صحيح، مؤيد بالعقل، ثم بيّنت في ثلاثة أبواب، أنه معتبر في الشرع، بعموم يفيد القطع، واستدللت على ذلك في الباب الأول باستقراء الوقائع، والشواهد، بالنقل من الكتاب، والسنة، وفي الباب الثاني باستقراء الوقائع من اجتهاد الصحابة، والتابعين، ومن فقه المذاهب الأربعة، وناقشت في الباب الثالث موقف المخالفين من الشافعية، والظاهرية، وبيّنت بالأدلة فساده، ثم ختمت القسم، بذكر بعض الشواهد والتطبيقات في حياتنا المعاصرة. أهم ما هدى إليه البحث: أولاًـ تحقيق معنى الذريعة في اللغة، وأنها تقوم على عناصر ثلاثة. ثانياًـ إظهار التفرقة لأول مرة بين المعنى العام، والمعنى الخاص للذرائع. ثالثاًـ تحليل الذريعة في معناها الاصطلاحي، إلى أركان ثلاثة، هي: الوسيلة، والمتوسل إليه، والإفضاء، والكلام بالتفصيل عن كل واحد من هذه الأركان، وعلاقته بالآخر. رابعاًـ استنباط قاعدة المنع في الذرائع. خامساًـ الإشارة إلى أن المتوسل إليه في الذريعة، بالاصطلاح الشرعي، هو الأساس في تقدير قوة الإفضاء. سادساًـ بيان صحة إطلاق مصطلحات الأصل، والدليل، والقاعدة على سدّ الذرائع، وأنه أقرب ما بكون إلى القاعدة الأصولية. سابعاًـ بيان أحكام الذرائع بالتفصيل، ما يمنع منها، وما لا يمنع. ثامناًـ بيان أثر المخالفة لحكم الذرائع، في الذرائع النصية، والأخرى الاجتهادية، من جهات الصحة والفساد، والحرمة والكراهة، والعقوبة وعدمها. تاسعاً ـ استقصاء لشواهد سدّ الذرائع في الكتاب الكريم. عاشراً ـ استقصاء لشواهد سدّ الذرائع في السنة النبوية. الحادي عشرـ استقصاء لشواهد سدّ الذرائع في فقه الصحابة والتابعين.

الثاني عشرـ بيان تفصيلي لإثبات أن سدّ الذرائع موجود في كل المذاهب من النظر والاجتهاد. مقترحات على ضوء تجربة البحث: 1ـ الظاهرة الواضحة في علماء الشريعة الأقدمين: أنهم كانوا يُلمون بموضوعات المسائل، وأبواب الأحكام، جملة وتفصيلاً، ويعرفون بالخبرة مظانّ المسائل، ومواطن البحث، في المراجع التي كانوا يتداولونها، فلم يكن يعوزهم الدليل المرشد، إلا في ابتداء التحصيل، وفي مقدمة الشروع في طلب العلم، كما كان الواحد منهم، يُلم بموضوعات شتى، وفنون متعددة، ويتقنها إتقان المتخصص، ويبحث فيها بحث الخبير المدقق، بفضل ما آتاهم الله من بركة في الوقت، واستقامة على أحسن مناهج الخير، مع الخُلق، والدين, والإخلاص لرب العالمين، لكنّ الحال قد تغيرت في هذه الأيام، تغيراً كبيراً ـ وتعقّدت حياة الناس تعقداً ملموساً، فلم يعد هَمُّ الباحث ينصرف فيها إلى الإحاطة بكل ما يقرأ، بمقدار ما يهمه جمع الأفكار المتعلقة بموضوع واحد، فيقرأ ما يتصل به، ويدع ما عداه، وليست المراجع التي بين يديه، معدة له على هذا الأساس، وإنما ألّفَها أصحابها ليقرأها طالبها من أَلِفِهَا إلى يائها، ولذلك لم يهتموا بوضع فهارس تفصيلية، تساعد المطالع على تتبع الموضوعات في مظانها، بيسر وسهولة، ولهذا كان من الضروري أن تتجه جهود العاملين في حقل الشريعة إلى إحياء التراث القديم، الذي يفيض بالخير، ويُمدّ الباحثين بزاد غني من الثقافة والعلم، وذلك بأمرين: الأول: إحياء المخطوطات القديمة، ونشرها نشراً حديثاً، يسهل سبيل الرجوع إليها، والتعرف على ما فيها، وأخص بالذكر منها: الحاوي للماوردي، والمحيط البرهاني في الفقه، وأصول الجصاص، والبحر المحيط للزركشي، في علم الأصول، لأنها موسوعات في الفقه والأصول، تغني عن كثير من الكتب المتداولة. الثاني: إعادة طبع التراث من أمهات الكتب المتداولة، بتحقيق جديد، وفهرسة كاملة، لكل موضوعاتها الكلية والجزئية، وأخص بالذكر منها: بدائع الصنائع للكاساني، والمدونة، والأم للشافعي، والمغني لابن قدامة، فإنها من أمهات الكتب والمراجع. 2ـ وفي سبيل النهوض بهذا العبء أرى أن تتألف بين المشتغلين في عالم الفقه والتشريع، ومن الغيورين على تراث الشريعة، جمعيات علمية، تختص كلُّ واحدة منها بكتاب من التراث، تنظم نفسها، ومواردها، وتجمع مشتركيها لإحيائه ونشره، على أحدث أساليب النشر، وأقرب طرائق العرض، وأدق أسباب التحقيق، ليكون عدة الباحثين، توفر عليهم الوقت الكثير، والجهود المضنية. 3ـ وفي المكتبات كتب غنية، ومخطوطات مهمة، حبذا لو توجّه عناية طلاب الماجستير، والدكتوراه، إلى تحقيقها مستقلة، أو مع دراسات حولها، تلقي الأضواء عليها، وتقرّبها إلى طالبها، وتحفظها من خطر التلف، والاندراس، ما دامت رهينة في خزائن الكتب، وفيها الكنوز الدفينة، والمعارف الجليلة النافعة.

ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية

ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية ¤محمد سعيد رمضان البوطي£بدون¥مؤسسة الرسالة - بيروت¨الثانية¢1397هـ€أصول فقه¶مصالح ومفاسد خاتمة الكتاب وبعد، فهذا ما قد كنت أردت بيانه، من ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية. وأحسب انها ضوابط متفق عليها، لا مجال للنزاع فيها، فليس من خلاف في أن المصلحة المعتبرة شرعا، ينبغي أن تكون غير مخالفة لكتاب الله ولا لسنة رسوله ولا للإجماع أو القياس الصحيح، وأن لا تكون مفوته لمصلحة مساوية لها أو أهم منها. بل ولا ينبغي أن يكون في هذا أي مجال للخلاف ما دام الاتفاق قائما على أن منبع هذه الشريعة (بما فيها من أصول وقواعد وأحكام) هو كتاب الله وسنة رسوله فكل قاعدة أو أصل أو حكم لابد أن تجده منتهيا إليهما، وما وجدته من ذلك متنكبا عنهما غير موصول السبب بهما، فاعلم أنه دخيل في الشريعة ومزور عليها، مهما رأيته مزوقا بشارات المصلحة والفوائد والمنافع. وإذا كانت ضرورة انضباط المصالح بما ذكرنا محل اتفاق فينبغي أن يكون ما يترتب عليه محل اتفاق أيضا. ولقد اتضح فيما مضى، أن من أبرز ما يترتب على ضبط المصالح بما ذكرنا، الأمور التالية: 1 - لا يجوز تخصيص شيء من الكتاب أو السنة بالمصلحة المجردة، لأن الكتاب إنما يفسره أو يقيده أو يخصصه كتاب مثله أو سنة ثابتة، والسنة إنما يفسرها أو يقيدها أو يخصصها سنة مثلها أو آية من الكتاب. والمصلحة العارية عن شاهد من أصل تقاس عليه ليست واحدة منهما، بل هي - بسبب مخالفتها للكتاب أو السنة - تعتبر مصلحة موهومة، وهي إذا باطلة. ولم يخالف في هذا أحد من الأئمة الأربعة، لا في أصوله وقواعده ولا في فتاواه واجتهاداته الجزئية. وكلما تلقفه بعضهم من ذلك مما يوهم ظاهره أنه تخصيص أو تقييد للنص بالمصلحة، هو في الحقيقة قائم على أساس غير الذي توهموه. ولعل القارئ قد رأى أنني لم آل جهدا في تتبع عامة هذه الجزئيات التي أوهمت البعض أنها قائمة على أساس تخصيص المصلحة للنص، وبيان أنها ليست من ذلك في شيء بالدليل الواضح الذي لا غموض ولا لبس فيه. 2 - ما شاع من قول بعضهم " تتبدل الأحكام بتبدل الأزمان " لا يجوز أخذه على ظاهره، لأن ما ثبت بدلالة الكتاب أو السنة أو القياس عليهما، باق مابقي الكتاب والسنة. ولو كان لتبدل الأزمان سلطان على الأحكام وقدرة على تبديلها، لانمحت معالم التشريع وأحكامه منذ عصر بعيد. ولكن الذين أطلقوا هذه الكلمة أرادوا بها معنى غير المتبادر منها، وهو أن الأحكام التي ربطها الشارع بأعراف الناس وعاداتهم، ينبغي أن تدور مع هذه الأعراف والعادات، بناء على ضرورة اتباع حكم الله في ذلك، وواضح أن هذا ليس إلا استمرار للحكم، وليس ما قد يبدو من التغيير فيه عند تغير متعلقاته إلا ممارسة حقيقية له، كما لو قلنا بوجوب استعمال الماء في رفع الحدث عند التمكن من استعماله وبوجوب التيمم عند عدم التمكن من ذلك. 3 - على كل من نصب نفسه للاجتهاد والبحث في الأحكام، أن يلاحظ خصائص المصلحة في الشريعة الإسلامية، حتى لا تلتبس عليه هذه المصالح بالمصالح التي ينادي بها أرباب المدنية الحديثة والحضارة المادية الجانحة. ولقد تسللت كثير من أفكار هذه الحضارة المادية إلى رؤوس كثير من الباحثين بشعور منهم أو بدون شعور، وتكون من ذلك لقاح فكري خطير لديهم، جعلهم ينظرون شطر الغرب ومدنيته، قائلين: هذه مصالح، ثم ينظرون إلى الشريعة وأصولها قائلين: وكل مصلحة فهي مرعية شرعا، ثم يستولدون من هذا اللقاح غير الشرعي نتيجتهم المطلوبة: ويقررون أن معظم أو جميع ما تعصف به علينا رياح الغرب أو الشرق أمور مرعية شرعا.

وليس من سبيل للوقاية من هذا الخلط في البحث وتركيب المقدمات سوى أن يكون الباحث على بينة من الخصائص الجوهرية للمصلحة التي اعتبرها الشارع الحكيم لعباده، مع ملاحظته في الوقت نفسه أهم ما يمتاز به ما يسمى بالمصالح عند مفكري الغرب أو الشرق؛ ثم أن يعرض ما قد يراه مصلحة على الضوابط التي ذكرناها، فإن رآها منضبطة بها مندرجة تحتها، فتلك مصلحة حقيقية تجدر مراعاتها، وإن رآها خارجة عليها متجاوزة لحدودها فتلك مفسدة ولا ريب، وإن توهمها مصلحة. هذه الأمور الثلاثة هي أبرز ما حاولت التركيز عليه فيما مضى من أبحاث هذا الكتاب. وهي أهم ما أحب أن ألفت إليه أنظار الذين يطرقون باب الاجتهاد والرأي في أحكام الشريعة. فأنا لا أريد أن أصد أهل العلم عن الاجتهاد فيما جد من أمور الحياة ووقائعها، ولكني أريد أن أقول: إنه لابد للمجتهد - بعد تمكنه من علوم الشريعة على اختلافها - من التنبّه إلى ضوابط المصلحة الشرعية وما يجب أن تتقيد به، والتنبه إلى أن كثيرا من أوباء الانحطاط المادي من حولنا يفد إلينا باسم القيم والمصالح ويحاول التسلل إلى مبادئنا وشرعتنا متقنعا بهذا الوصف. فإذا روعيت هذه الأمور مع توفر العلم والتقوى، فإن الاجتهاد لن يكون إلا بابا للخير إن شاء الله. وإن أهملت، وكان اسم المصلحة وحده هو المنار والدليل في طريق البحث فلعمري ان مثل هذا الاجتهاد لن يكون إلا أوسع باب شر مستطير يحيق بالمسلمين وحسبك من شر يخرج أحكام الشريعة من حصن النصوص وحرزها إلى ساحة الأهواء ومتاهة الآراء التي تضل وراء اسم المصلحة والمنفعة. ولو كان اجتهاد المسلمين من قبل قائما على هذا الأساس، لضاعت الشريعة في غمار الآراء المختلفة المتطورة، ولماعت حتى لا يعلم منها إلا اسمها. ولكن الله حافظ لدينه، حام لشريعتة {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، ولا تزال خيرة من عباده يدعون إلى الحق ويهدون به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وأختم كلامي كما بدأته بحمد الله تعالى، وأسأله أن يهديني إلى الحق ويوفقني للتمسك به، وأضرع إليه أن يختم حياتي بصالح الأعمال إنه نعم المولى ونعم النصير.

ضوابط تيسير الفتوى والرد على المتساهلين فيها

ضوابط تيسير الفتوى والرد على المتساهلين فيها ¤محمد سعد بن أحمد اليوبي£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1426هـ€أصول فقه¶فتوى ومفتي ومستفتي خاتمة كتاب ضوابط تيسير الفتوى والرد على المتساهلين فيها في نهاية هذا البحث أذكر أهم نتائجه، وهي: 1 - أن الفتوى هي بيان الحكم الشرعي لمن سأل عنه. 2 - أن السلف الصالح - رضي الله عنهم – كانوا يتدافعون الفتوى حتى ترجع إلى الأول؛ مخافة الوقوع في القول على الله بلا علم. 3 - وجوب مراعاة الوسطية والاعتدال في الفتوى بعيداً عن طرفي الإفراط والتفريط، والتشديد والتساهل. 4 - حرمة التساهل في الفتوى، وعدم قبول فتوى مَنْ عُرف به. 5 - أن جوانب التيسير ومجالاته التي جاءت بها الشريعة كافية في تحصيل مصالح الخلق، ولا تحتاج إلى اختراع وجوه جديدة من التيسير تخالف النصوص الشرعية. 6 - أن تيسير الفتوى له ضوابط متى ألتزم بها تحقق على أحسن الوجوه وأكملها، ومن أهمها ما يلي: • التحقق من حصول المشقة التي تستدعي التيسير. • التحقق من حصول التيسير. • طلب التيسير من الوجه الذي شرعه الشارع. • عدم ترتب مفسدة على التيسير عاجلاً أو آجلاً. • مراعاة حال المستفتي. • عدم مخالفة التيسير للنصوص الشرعية. • صدوره ممن هو أهل للنظر والاجتهاد. 7 - أن دوافع دعاة التيسير متعدده، فمنهم من يفعل ذلك بدافع الترغيب في الدين أو الذب عنه، ومنهم من يفعل ذلك بقصد التوفيق بين الإسلام والحضارة الغربية، ومن يفعل ذلك بدافع توهين الأحكام الشرعية، وفتح باب الفوضى العلمية. 8 - أن دعوة تيسير الفتاوى تحمل في طياتها أبعاداً خطيرة إذا علمنا أن تلك الدعوة يتبناها – في كثير من الأحيان- بعض دعاة العلمنة وأصحاب الفكر المشبوه. 9 - أن من أعظم مواضع الخلل عند دعاة التيسير ما يلي: • حصر التيسير في الحل والإباحة. • عدم جعل واسطة بين الترخيص والتشديد. • قصر النظر في التيسير على المصالح الدنيوية. • جعل التيسير مقصد المقاصد. • الخلل في تقدير المشقة. • إهمال قاعدة المآل وسد الذرائع. • الخلط بين الثابت والمتغير. • تقديم العقل على النقل، والمصلحة على النص. • قياس المفتي على العامي. • أخذ القواعد على إطلاقها من غير نظر إلى القيود التي وضعها العلماء. 10 - أن دعاة تيسير الفتوى اعتمدوا على أدلة التيسير العامة في الشريعة، وقاعدة الأصل في الأشياء الحل، واختلاف العلماء، وقاعدة تغيير الفتوى وغيرها، وليس لهم في ذلك دليل؛ لأن استدلالهم مبني على الأخذ بالإطلاقات العامة دون النظر إلى القيود التي ذكرها العلماء، أو لعدم أخذهم بالقواعد المنهجية في الاستدلال، وغير ذلك مما ذكرته في موضعه. وفي الختام – أسأل الله حسن الختام – أحمده – سبحانه – على إتمام هذا البحث وأسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعله لوجه خالصاً ولعباده نافعاً، إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طرق الكشف عن مقاصد الشارع

طرق الكشف عن مقاصد الشارع ¤نعمان جغيم£بدون¥دار النفائس - عمان¨الأولى¢1422هـ€أصول فقه¶مقاصد الشريعة الخاتمة تبين من خلال البحث أن العمدة في التعرف على مقاصد الشارع هي نصوصه، والمقصود بالنص هنا معناه العام الذي يشمل منظوم النص ومنطوقه، وفحواه ومفهومه، ومعقوله المقتبس من روحه التي بني عليها وهي العلل التي أقيمت عليها الأحكام؛ ذلك أن النصوص هي الواسطة بين الشارع والعباد، وهي المعبرة عما يريده منهم. والقول بمرجعية النص يقتضي الأخذ بعين الاعتبار كل عنصر من العناصر أو عامل من العوامل المعينة على حسن فهمه واستجلاء مكنونه والتعرف على المقصود منه؛ فينبغي النظر في ظواهر النصوص، وعللها وحكمها، وأسباب نزولها إن كانت قرآنا وأسباب ورودها إن كان أحاديث، والنظر في السياق الذي جاءت فيه – سواء السياق الخاص أو السياق العام الذي يتضمن مجموع النصوص الشرعية – والنظر في الملابسات والظروف التي صاحبت صدور النص الشرعي والقرائن التي حفت به، وتحقيق المناط في الواقعة التي يراد تطبيق النص عليها، والنظر في مآلات ذلك التنزيل هل تتفق مع ما قصده الشارع منها أم لا؟ كل هذا في منهج علمي متكامل شعاره البحث عن الحق مجردا عن الهوى، واتباع الدليل الأقوى والأقرب إلى معهود الشارع. وقد يقول قائل: إن هذه خلاصة مفادها إعطاء سلطة مطلقة للنص! والجواب: نعم للنص سلطة، وإذا لم تكن له سلطة فما جدوى إنزاله إذا؟ إن الناس أمام النصوص الشرعية صنفان: صنف يعترف بكون النبي محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله صدقا، وأن القرآن وحي من الله تعالى، وأن هذه النصوص إنما أنزلت لغرض هو أن تكون مرجعا للمؤمنين بها، يهتدون بهديها، ويحتكمون إليها، وصنف ينكر ذلك. أما من ينكر كونها كذلك فلا حديث معه هنا، فهو لا يعترف لتلك النصوص بمرجعية أصلا. أما إذا اعترفنا بكون هذه النصوص إنما أنزلت لتكون مرجعا للمؤمنين بها، فلابد من الاعتراف بأن لها سلطة، وإلا آل الآمر إلى إنكار مرجعيتها؛ إذ ما القيمة المرجعية لنص لا سلطة له؟ والقول بعدم إلزامية هذه النصوص لكل الأجيال ومن ثم حرية التصرف فيها إثباتا وإسقاطا وتفسيرا من غير ضوابط معتبرة قول بإسقاط مرجعيتها، ولا فرق بين عدم الاعتراف بمرجعية النص وتبديل معناه بما يجعله مخالفا لما قصده منه صاحبه؛ إذ كلاهما عدم اعتراف بمرجعيته وإسقاط لسلطته. والغريب أن الناس يعترفون لنصوص القوانين الوضعية والعقود والاتفاقيات والمعاهدات، بل وللكلام العادي بينهم بالسلطة المطلقة، ثم يسعى بعضهم إلى نفي تلك السلطة عن النصوص الشرعية! هل لأن سلطة النص الوضعي أقوى من سلطة النص الديني؟ أم لأن عقوبة مخالفة النصوص الوضعية ناجزة أما عقوبة إهدار النصوص الدينية – بحكم غياب سلطة تحميها – فهي في حكم الغيب؟! وبعد إثبات سلطة النصوص الشرعية يقال: إن المرجع في فهم تلك النصوص – مع مراعاة كل العناصر المعينة على فهمها كما سبقت الإشارة – هو أن تفهم على معهود العرب في لغتهم. والقصد من القول بفهم النصوص الشرعية على معهود العرب في لغتهم هو: أولاً: وضع معيار موحد لضبط طريقة فهم النصوص؛ إذ مع غياب المعيار الضابط يستحيل فهم النصوص فهما معقولا؛ إذ يستطيع كل إنسان أن يدعي أي معنى لأي لفظ أو نص من النصوص! ولنتصور عند ذلك الفوضى التي تعم بين الناس إذا طبقنا ذلك على المخاطبات العادية بينهم! أما فيما يخص نصوص الشارع فإن النتيجة الحتمية لذلك هي إعدام النصوص الشرعية وإلغاؤها تماما، وإيجاد شرائع جديدة تتعدد بتعدد الأفهام والأشخاص، وهو ما وقع فيه الباطنية.

وثانيا: لأن طبيعة الاتصال بين الناس وطبيعة اللغة يقتضيان وجود قواعد ومعايير يحتكم إليها في فهم وسائل الخطاب، وما دامت النصوص الشرعية قد جاءت باللغة العربية فلا طريق إلى فهمها فهما سليما إلا بالخضوع لقواعد تلك اللغة وأساليبها كما عرفها أهلها الأصلاء. ثم بعد النصوص يأتي الاستقراء، ومع أن الاستقراء نفسه يعتمد على النصوص بمنطوقها ومفهومها ومعقولها، فإن فائدته أنه يوفر لنا النظرة الكلية المتكاملة لمقاصد الشارع، فهو الذي يكشف لنا عن الناظم الذي ينظم الجزئيات المتناثرة، فيكشف عن الكليات الشرعية والمقاصد العامة، فتستخلص الكليات من خلال تتبع الجزئيات، وتفهم الجزئيات بعد ذلك في ضوء تلك الكليات، فيعلم ما ينضوي منها تحت تلك الكليات، وما هو مستثنى منها استثناء يعتد به، وما هو معارض لها يلغى في مقابلتها طبقا لقواعد التعارض والترجيح. لقد أحدث الاطلاع على الدراسات اللغوية والألسنية عند الغربيين في القرن الأخير انبهارا لدى بعض الباحثين من أبناء المسلمين الذين غلبت عليهم الثقافة الغربية، فظنوا ذلك اكتشافا غير مسبوق، وراحوا يدعون إلى إعادة قراءة النصوص الشرعية بناء عليها، وصارت نظرية السياق – عندهم – كشفا جديدا حرمت منه الدراسات الشرعية، وغاب عنهم أن ما يتحدثون عنه هو جزء مما بنيت عليه النظريات الأصولية التي تمثل المنهج الإسلامي في فهم النصوص الشرعية وتفسيرها واستنباط الأحكام منها. وبغض النظر عما قدمه علماء اللغة – كالجرجاني – في ذلك فإن الإشارة هنا مقصورة على علم أصول الفقه لكونه يمثل منهج تفسير النصوص الشرعية، ولبيان أن مراعاة السياق بأطره المختلفة لم يكن أمرا غائبا عن الأصوليين في فهم النصوص الشرعية وتفسيرها، وأن تلك النصوص قد قرئت وفق منهج دقيق لم يكن ينقصه ما ظنه هؤلاء كشفا جديدا في عالم الدراسات اللغوية والألسنية. لقد قسم الأصوليون طرق دلالة اللفظ على المعنى إلى ثلاثة أقسام: النظم، والمفهوم، والمعقول، فاللفظ إما أن يدل على معناه بصيغته ومنظومه، أو بفحواه ومفهومه، أو بمعناه ومعقوله. وبنوا مباحث دلالات الألفاظ – وهي صلب علم أصول الفقه – على نظرية السياق والقرائن. فمباحث التخصيص، والتقييد، والحقيقة والمجاز، والتأويل، وتقسيم دلالة اللفظ إلى منطوق ومفهوم عند الجمهور، وتقسيم الحنفية لطريق دلالة اللفظ على المعنى إلى: عبارة النص، وإشارة النص، ودلالة النص، واقتضاء النص، كلها مباحث قائمة على السياق والقرائن. وهذا موضوع يحتاج إلى بحث مستفيض تبرز فيه معالم نظرية السياق في علم أصول الفقه وامتداداتها في مباحثه المختلفة. ومن الموضوعات التي تحتاج إلى مزيد من البحث موضوع أسباب ورود الحديث، فإنه – على عكس ما هو واقع في أسباب النزول التي لقيت حظها من البحث – لم يجد العناية الكافية على أهميته في فهم نصوص السنة النبوية وتوجيه المشكل منها.

تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهدين من الأقوال

تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهدين من الأقوال ¤عياض بن نامي السلمي£بدون¥بدون¨الأولى¢1415هـ€أصول فقه¶اجتهاد وتقليد الخاتمة الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، وترفع الدرجات، والصلاة والسلام عل محمد بن عبدالله المبعوث بأكمل الرسالات، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والكرامات أما بعد:- فإنني بعد الفراغ من هذا البحث بتوفيق الله وعونه يطيب لي أن أتبع سنة حميدة درج عليها الباحثون قبلي، وهي ذكر أهم النتائج التي أسفر عنها البحث وتجلت بعد مكابدته ومعايشته وقتاً طويلاً. وإنني لا أزعم أن ما أذكره في هذه النتائج سر لم ينكشف لغيري، ولا أزعم أن ما توصلت إليه لم أسبق إليه، بل قد يكون سبقني إليه أو إلى بعضه بعض الفضلاء، ولكن حسبي أن أبوح للقارئ الكريم بأهم النتائج التي أخذ البحث بيدي إليها لعله يشاركني الاقتناع بها، أو يدلني على الحق إن كان في سواها، فقد بذلت قصارى جهدي، ولم أدخر وسعا، ولكن يأبى الله أن يكون الكمال إلا له ولكتابه وشرعه. وإليك أهم نتائج البحث: 1 - تحديد المسالك الصحيحة التي يجب أن تتبع لمعرفة مذاهب الأئمة السابقين ذو أهمية بالغة أحسب أن البحث أفصح عنها. 2 - أن أهم الأسباب التي دفعت بعض الفقهاء إلى سلوك مسالك ضعيفة لمعرفة مذاهب الأئمة المجتهدين ما اشتهر في القرن الخامس الهجري وما بعده من سد باب الاجتهاد، وإلزام الفقهاء في تلك القرون باتباع مذهب معين، مما جعلهم يصرفون جهودهم في محاولة التعرف على مذاهب أئمتهم بطرق شتى، منها ما هو صحيح يؤدي إلى المقصود، ومنها ما هو ضعيف يؤدي إلى نسبة أقوال ضعيفة للأئمة المتبوعين لو علموا بها لأنكروها. وقد مرت الإشارة إلى شيء من هذه الأقوال في ثنايا البحث. وبدلاً من أن يصرف الفقيه جهده ووقته في معرفة حكم الشرع من الكتاب والسنة مستعيناً بما نقل عن العلماء السابقين من تفسير آية، أو شرح حديث أو تصحيحه أو تضعيفه، بدلاً من ذلك كله أصبح الفقيه يصرف جهده ووقته في التعرف على حكم الإمام الذي يقلده في مسألة لم تحدث في عصره، ولا أفتى فيها، ويزيد الطين بلة، فينسب هذا القول المستنتج إلى الإمام نفسه. 3 - أن ما في بطون الكتب المذهبية من الفروع الفقهية لا يصح أن ينسب برمته لإمام المذهب، بل ينبغي أن ينظر في الطريق الذي اتبعه المؤلف في نسبة القول للإمام فلا ينسب إليه إلا ما استخرج بطرق صحيحة، وما عداه ينسب لقائله. وفي هذا المعنى يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي:"اعلم أن كل من يرى أنه لابد له من تقليد الإمام في كل شيء بدعوى أنه لا يقدر على الاستدلال بكتاب ولا سنة ... يجب عليه أن يتنبه تنبهاً تاماً للفرق بين أقوال ذلك الإمام التي قالها حقاً، وبين ما ألحق بعده على قواعد مذهبه، وما زاده المتأخرون وقتاً بعد وقت من أنواع الاستحسان، التي لا أساس لها في كتاب الله، ولا في سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ولو علم الإمام بإلحاقها بمذهبه لتبرأ منها وأنكر على ملحقها. فنسبة جميع ذلك للإمام من الباطل الواضح، ويزيده بطلاناً نسبته إلى الله ورسوله بدعوى أنه شرع ذلك على لسان رسوله، ونحو هذا كثير في المختصرات في المذاهب وكتب المتأخرين "، ثم مثل له بأمثلة من مختصر خليل وغيره. 4 - وجوب مراعاة الدقة في نسبة الأقوال إلى أصحابها من المجتهدين فلا ينسب إلى المجتهد إلا ما صرح به أو جرى مجرى ما صرح به على النحو الذي سبق تفصيله في ثنايا البحث بما يغني عن إعادته هنا.

5 - ينبغي أن يتفطن لذلك المهتمون بدراسة فقه السلف، وأصولهم من الباحثين، والدارسين، فيقتصروا في ذلك على الطرق الصحيحة. ولا يتقولوا على أئمة الصحابة والتابعين، ومن بعدهم بنسبة أقوال لهم لم يصرحوا بها أو تجري مجرى ما صرحوا به من غير فرق، وأن يبينوا ما نصوا عليه وما هو مستخرج بطريق القياس أو غيره حتى يكون الناظر فيما يكتبونه على بينة، فيعرف ما ثبتت نسبته، وما لم تثبت نسبته. وقد اعتاد كثير من فقهاء الحنابلة في نقل مذهب إمامهم أن يبينوا ما نص عليه وما هو مخرج على ما نص عليه. فينبغي الالتزام بذلك المنهج لكل من يكتب فقه أحد من السلف أو ينقل رأيه في مسألة معينة. وإذا كان هذا هو المنهج المطلوب ممن يدرس فقه من دون الصحابة فهو على من يدرس فقه الصحابة أوجب، لأن كثيرا من العلماء يرون أن مذهب الصحابي حجة، إما مطلقاً أو في بعض المواطن، فإذا نسب الباحث إلى الصحابي قولاً لم ينص عليه فقد غرر بمن يقرأ كتابه ممن جاء بعده. ويترتب على ذلك فساد كبير من جهة الاستدلال بقول لم يقله الصحابي. 6 - أنه لا مانع من قول الفقيه المتأخر، هذا قياس مذهب الشافعي، أو قياس مذهب أحمد أو غيرهما, أو هو مفهوم كلامه، لأنه قال: كذا وكذا، ولكن المحذور في أن يقول هذا مذهب الشافعي ولا يبين من أين أخذه ولا الطريق الذي سلكه في معرفة المذهب. وفي الختام أضرع إلى الله العلي القدير أن يجعل عملنا منتظماً في سلك النصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم والحمد لله أولاً وآخراً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

تغير الأحكام دراسة تطبيقية لقاعدة (لا ينكر تغير الأحكام بتغير القرائن والأزمان في الفقه الإسلامي)

تغير الأحكام دراسة تطبيقية لقاعدة (لا ينكر تغير الأحكام بتغير القرائن والأزمان في الفقه الإسلامي) ¤سها سليم مكداش£بدون¥دار البشائر الإسلامية - بيروت¨الأولى¢1428هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة خاتمة البحث: وبعد، فأحمد الله تعالى أن سهل لي فأنهيت هذه الأطروحة التي لا أنكر مدى الصعوبات التي واجهتني خلال عملية البحث وخاصة في المسائل التطبيقية حول موضوع التغير لاستنساب المسائل الفقهية الملمة بالموضوع ووضعها في إطارها المحدد من الرسالة. هذا وإني قد عملت ما بوسعي، واستنفدت الكثير من الجهود محاولة بإذن الله أن أحيط بالموضوع في الكثير من جوانبه؛ إلا أنني أدرك أن الخوض في مثل هذه القضايا والأحكام - وخاصة المتغيرة منها - هي أمور لا تنتهي عند حد معين؛ لأنها من المسائل الاجتهادية التي يطرأ عليها التغير بتغير حركة الزمان والمكان والأحوال والأعراف والمصالح وحتى العلل. فمستجدات الحياة كثيرة ومتطورة، وموضوع التغير موضوع مهم وخاصة في الأحكام الفقهية؛ لأنها من أفعال المكلفين ويجب فيها مراعاة واقع الناس المتجدد، مما يجعل المجتهد يراجع اجتهادات القدامى وفتاويهم؛ لأنها عالجت زمناً أو مرحلة قد تغيرت، فوجب أن يتغير الحكم الفقهي بتغير طبيعة المحل، وعلى المجتهد أن يبذل ما في وسعه للوصول إلى أحكام تنطبق والواقع الجديد، لأنه لا يلزم تقليد المجتهدين في اجتهاداتهم مطلقاً، فالمسائل الفقهية التي كانت تلائم عصرهم تغيرت الأحكام فيها لاختلاف العصر والزمن. ولذلك اشتهر بين الفقهاء القاعدة الأصولية (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان). والمقصود من ذلك التغير ما جرى على طبيعة الحياة من تغير أعراف وعادات ومصالح ... وأصل التغير ليس هو الحكم في حد ذاته؛ إنما هو تطبيق الأحكام ومناسبتها للواقع؛ لأن الأحكام الشرعية في الأصل لا تتغير، إنما الذي يتغير هو تنزيلها وتطبيقها على واقع يتناسب في وقت ما وعصر ما، فإذا ما تغير هذا الواقع تغير هذا الحكم ليأتي حكم آخر يتناسب معه. فقد قال (ابن عابدين) رحمه الله في رسالته (نشر العرف): (كثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله، أو لحدوث ضرورة، أو لفساد أهل الزمان؛ بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولاً للزم منه المشقة والضرر بالناس ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد). وقد قال الشيخ (القرافي): (الجمود على المنقولات أبداً ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين). وقال (ابن القيم) في فصل (تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد) من أن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها ... وقد مر الكثير من الشواهد في الرسالة تبرز مدى اهتمام الفقهاء القدامى بمسألة التغير وأن الجمود على الأحكام وعدم الاجتهاد فيها ليس من مقاصد الشريعة إنما تؤدي إلى الفساد والعبث. فتغير الفتاوى والاختلاف في الأحكام الفقهية من الأمور التي يجب على الباحثين العناية بها بتأصيلها وتنزيلها على المسائل الفقهية المعاصرة؛ لحاجة العصر والواقع إلى ذلك.

تغير الفتوى

تغير الفتوى ¤محمد بن عمر بن سالم بازمول£بدون¥دار الهجرة - الخبر¨الأولى¢1415هـ€أصول فقه¶فتوى ومفتي ومستفتي الخَاتمَة لعلك بعد أن وصلت إلى هذا الموضع من البحث قد أدركت خطأ تفسير بعض الناس لقول الفقهاء: " لا ينكر تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان ". حيث قال بعض الناس: إن في هذه القاعدة التي قررها الفقهاء بيان أن المصلحة معتبرة في تفسير النص لكل زمن بحسبه؛ فالمصلحة مقدّمة على دلالة النص الشرعي، ومراعاتها هو الأصل! ولا يخفي أن هذا القول يجرّ الناس إلى التلاعب بنصوص الكتاب والسنة، كما أنه يتعارض مع جملة من المسلّمات الشرعية. وقبل أن أبين معارضة هذا التفسير لهذه القاعدة الذي جاء به بعض الناس أقول: إن أهم ما يستخلص من البحث: أن قضية (تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان) ليست على ظاهرها بل هي مقيّدة بقيود، ولعل دقة العبارة في التعبير عن هذه القضية تكون هكذا: الفتوى التي اعتبر فيها للحكم مناطاً, إذا تغير هذا المناط؛ تغيرت. وتغيّر الفتوى لتغير مناط الحكم ليس تغييراً في الشرع، بل هو تغير في مناط الحكم أنتج واقعة جديدة تحتاج إلى فتوى غير الأولى. وذلك التفسير الجائر لقول الفقهاء: " لا ينكر تغيّر الفتوى بتغير الزمان والمكان ": فوق أنه يجر إلى التلاعب بنصوص الكتاب العزيز والسنة النبوية، فوق ذلك؛ فإنه يعارض مسلّمات شرعية؛ كما يلي: 1 - أن هذا التفسير الذي جاؤوا به يتعارض مع قوله تبارك وتعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} [سورة المائدة: 6]. والآية نص على أن جميع ما يدين العبد به ربّه عز وجل قد أكمله الله لنا. فكيف يقال بمصلحة لم يبينها لنا شرعنا؟! 2 - أن هذا التفسير يتعارض مع ما قرره أهل العلم من أن الشرع يقوم في نصوصه وما دلت عليه من أحكام على مراعاة المصلحة والعوائد بحسب الزمان والمكان؛ فلا توجد معارضة أو مخالفة بين مصلحة ونصوص الكتاب والسنة. فكيف يقال بتقديم المصلحة على النص أو تفسيره بها؟! 3 - أن هذا التفسير يجعل المصلحة التي يراها المجتهد وعارضت النص أصلاً معتمداً يرجع إليه في التشريع، وهذا يتعارض مع حقيقة شرعية: أن أصل الأدلة الشرعية جميعها القرآن العظيم والسنة النبوية؛ فلا يقبل اجتهاد مع النص! 4 - كما يتعارض مع مسلمة بدهية شرعية: أن لا شارع إلا الله. إذ يعطي هذا التفسير للفقيه الحق في تشريع مستقل ولو خالف النص. قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله (ت 792هـ): ((ليس إلى العلماء من أمر الدين؛ إلا التبليغ وإيضاح المشكل، وأما أمر التكفير والتفسيق والتحليل والتحريم؛ فإلى الله ورسوله)) اهـ. قال الشيخ د. عبد الستار فتح الله سعيد حفظه الله تعالى: " كان المسلمون طوال تاريخهم، يعطون علماءهم أسماء ذات دلالة مقصودة، مثل: (المجتهد) , و (الفقيه)، و (القارئ)، و (الحافظ)، وهي كلمات تحمل معاني التبعية لا الاستقلال في أمر التشريع والأحكام؛ إذ الأمر كله لله تعالى، وليس للناس إلا اتباع حكمه، وبذل الوسع في تعرف أمره، وتلمس الحق الذي يريده، بما شرع لهم من طرق، وسن لهم من قواعد. ولهم أجرهم طالما كانوا في دائرة هذا الاجتهاد الصحيح ولو أخطؤوا! والفقه في معناه العام يُراد به: فهم ومعرفة مقاصد الشريعة وأحكامها، وفي معناه الاصطلاحي يراد به: استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها الشرعية، وكلاهما جهد مبذول للفهم عن الله ورسوله، وقواعد دينه. و (القارئ) و (الحافظ) وأمثالهما من الألقاب، تدل جميعاً على استيعاب نصوص هذا الدين، في مصدري الوحي الإلهي، من كتاب وسنة، ولا تدل على استقلال في أمر الشرائع والأحكام.

ولقد كان المسلمون بهذا متسقين مع عقيدتهم، حتى في الأسماء والألفاظ، ولذلك؛ لم يقر المحققون من العلماء إطلاق لفظ (الشارع) على غير الله تعالى؛ إلا على سبيل التجوز والتساهل، لا على سبيل الحقيقة والتحقيق. يقول الشيخ محمد فرج السنهوري في بحث جامع: لا حاكم سوى الله سبحانه، ولا حكم إلا ما حكم به، ولا شرع إلا ما شرعه، على هذا اتفق المسلمون، وقال به جميعهم، حتى المعتزلة ... الذين يقولون: إن في الأفعال حسناً وقبحاً يستقل العقل بإدراكهما، وإن على الله أن يأمر وينهي على وفق ما في الأفعال من حسن وقبح؛ فالحاكم عند الجميع هو الله سبحانه وتعالى، والحكم حكمه، وهو الشارع لا غيره. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُطلق عليه اسم الشارع في بعض عبارات العلماء؛ فما كان ذلك إلا تجوزاً؛ مراعاة لأنه المبلغ عنه. وإذا كان الشاطبي في بعض المواضع قد سمى عمل المجتهد تشريعاً؛ فما كان منه تساهلاً، أساغه أن عمل المجتهد كاشف عن التشريع، ومظهر له؛ فالسلطة التشريعية هي لله وحده. والله جلت حكمته لم يفوِّض إلى أحد من عباده؛ لا إلى رسول، ولا نبي، ولا إمام، ولا ولي، ولا إلى غيرهم: أن يشرع للناس من الأحكام مايريد، أو أن يحكم بينهم بما يراه هو من عند نفسه، أو كيفما اتفق. أمّا (العرف)؛ فلا توجد إحالة تشريعية إلى أحكامه، إنما يلجأ إليه في معرفة ما يريده المتكلم من الأيمان والعقود وما إلى ذلك، وفي معرفة قيم المتلفات وأشباهها، وفي الوقوف على الشروط التي يصحح العرف اشتراطها في العقود، هذا هو كل ما يلجأ إليه في تكييف الواقعات والنوازل؛ ليطبق عليها الحكم المعروف في الشريعة، ولا يترك بسببه حكم نص ولا إجماع ولا حكم فقهي لم يكن مبنيّاً على العرف، وإنما يترك به الحكم الفقهي إذا كان مبنيّاً على عرف ثم تغير إلى عرف آخر. فاعتبار العرف في الشريعة الإسلامية ليس من باب الإحالة التشريعية، كما أنه ليس من الأدلة الإجمالية، ولا يعدو أن يكون قاعدة فقهية. أما جمهور المسلمين؛ فعلى أنه لا حكم للعقل، وأن حكم الله لا يعرف إلا من قبله، ولا يكون ذلك إلا من طريق الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (الكتاب والسنة)، الذي أمر بتبليغه إلى الناس فبلغه. فالطريق الوحيد إلى ذلك هو تبليغ الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فلا عبرة بالإلهام والمكاشفة وأشباههما؛ فكل هذا لا يكون طريقاً لمعرفة حكم الله؛ لأنه ليس وحياً، والتبليغ إنما يكون من الرسول عليه الصلاة والسلام في يقظة المبلغ إليه؛ فلا عبرة بتبليغ الأحلام. وبهذا اتضح أن الدليل الحقيقي والمصدر الوحيد للتشريع الإسلامي بأجمعه هو الوحي الإلهي، وأن مرد الإجماع والقياس إليه. وأن المصادر الأخرى ليست خارجة عن الأربعة، أو هي ليست مصادر الفقه " اهـ. وبهذا يتم ما أردت تقريره هنا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

علم أصول البدع

علم أصول البدع ¤علي بن حسن بن عبدالحميد الحلبي£بدون¥دار الراية - الرياض¨الأولى¢1413هـ€أصول فقه¶أصول فقه - البدع الخاتمة: رزقنا الله حسنها: بعد أن وفق الله سبحانه وتعالى بتأصيل قواعد رد البدع، وتقعيد أصولها، سهل – بمشيئة الله – على العبد الموفق مجاوزة عقبة (البدع)، وهي عقبة كؤود من العقبات التي يضعها الشيطان الرجيم أمام طريقه تنفيراً له عن سبيل الحق، وإبعاداً له من طريق الصواب. "فإن قطع هذه العقبة، وخلص منها بنور السنة، واعتصم منها بحقيقة المتابعة، وما مضى عليه السلف الأخيار من الصحابة والتابعين لهم بإحسان" [مدارج السالكين 1/ 223]؛ كان ممن أراد الله جل وعلا لهم الخير والسداد وحسن الإيمان. فالبدع في حقيقتها سم ناقع، "فالحذر الحذر من هذا السم؛ فإنه قاتل، ومل مع الحق حيث كان، وكن متيقظاً لخلاص مهجتك بالاتباع، وترك الابتداع، واقبل نصيحة أخ مشفق، فإن الاتباع أفضل عمل يعمله المرء في هذا الزمان" [المدخل 2/ 263]، بل وفي كل زمان. "ولقائل أن يقول: إذا أمرت الناس باجتناب البدع واتباع السنن؛ ثاروا علي، وأقاموا على القيامة، وقالوا: هل أنت أعلم من فلان؟ فهو يقول بكذا وكذا!! ويأمر به! ويمضي عليه! وأنت تنهى عنه، وتظن أنك أكثر اتباعاً للسنة منه!!. فليعلم من يدور بخلده ذلك القول أو هذا السؤال: أن الجهل قديم قدم الزمان، وهو دائماً في عناد ولجاجة مع العلم! فإذا اجتمع أهل العلم، وتركوا التفرق والتحزب؛ خفي الجهل، وعم العلم. وإذا اتبع كل واحد منهم هواه، وترك دينه وراءه ظهرياً؛ ظهر الجهل، وعلا، وعم بين الناس، حتى يروا المنكر معروفاً والمعروف منكراً"!! "فهنيئاً لمن وفقه الله في عبادته لاتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولم يخالطها ببدعة، إذاً؛ فليبشر بتقبل الله عز وجل لطاعته، وإدخاله إياه في جنته" [حجة النبي صلى الله عليه وسلم، ص101]. "جعلنا الله من المتبعين للسنن كيفما دارت، والمتباعدين عن الأهواء حيثما مالت؛ إنه خير مسؤول، وأعظم مأمول" [الإحسان إلى تقريب صحيح ابن حبان 1/ 164]. وصلى الله تعالى وسلم على نبيه وعبده وعلى آله وصحبه ووفده. وكتبه: علي بن حسن بن علي بن عبدالحميد، أبو الحارث الحلبي الأثري؛ حامداً لله، مصلياً ومسلماً على رسوله صلى الله عليه وسلم، سائلاً ربه تفريج الكرب، في الثالث من شهر رجب، سنة 1411هـ، وفي القلب غمة، وفي النفس حسرة، وفي الفؤاد لذعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله

علم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري دراسة تاريخية استقرائية تحليلية

علم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري دراسة تاريخية استقرائية تحليلية ¤أحمد بن عبدالله الضويحي£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عمادة البحث العلمي¨الأولى¢1427هـ€أصول فقه¶دراسات توثيقية ومنهجية الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على من جاء بخاتمة الرسالات إمام المتقين وسيد الخلق أجمعين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد فلم يكن البحث في موضوع (علم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري) أمرا يسيرا بل كان مركبا صعبا تطلب الكثير من الجهد والمشقة وهذه هي سمة البحوث التي تقوم على الاستقراء والتحليل والاستنتاج وحسبي أنني حاولت مجتهدا جمع شتات الموضوع وإلقاء الضوء على أهم جوانبه فما كان في هذا العمل من حق وصواب فبتوفيق من الباري سبحانه وما كان فيه من خطأ وزلل فمن نفسي والشيطان وأهم القضايا التي حاولت دراستها في هذا البحث حال أصول الفقه قبل التدوين وبداية التدوين الحقيقي له وأبرز أعلامه في القرنين الثالث والرابع وآثارهم فيه والعوامل التي أسهمت في تميزه واستقلاله ومظاهر النمو والتطور التي شهدها في القرن الرابع إضافة إلى استقراء الآثار الأصولية في كتب غير الأصوليين ودراسة ما وصل إلينا من المؤلفات الأصولية في هذه الحقبة دراسة تحليلية وقد خرجت من دراسة هذه الموضوعات بنتائج مهمة أبرزها ما يلي: 1 - لم يظهر علم الأصول بشكله الاصطلاحي في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عصر الصحابة ولم تكن هنالك حاجة إلى تدوينه وذلك لقرب العهد بحامل الشرع وكون المجتهدين من الصحابة أصوليين بالفطرة حيث شاهدوا التنزيل وعلموا التأويل وامتازوا عن غيرهم بالملكات اللغوية المركوزة في جبلاتهم السليمة 2 - ظهرت الحاجة إلى تدوين هذا العلم في عصر التابعين وتابعيهم مع دخول الدخيل في لسان العرب وفشو اللحن واحتياج الأدلة إلى واسطة النقل والإسناد وغير ذلك من العوامل التي أسهمت بشكل ظاهر في تعدد طرق الاجتهاد واختلاف مناهج المجتهدين وما تبع هذا الأمر من كثرة الخلاف واشتداده خصوصا بين أهل الحديث وأهل الرأي ومع هذا لم يشهد هذا العهد ظهور مؤلفات مستقلة في علم الأصول بل شهد ظهور بعض الكتابات في بعض موضوعاته استقلالا أو في ثنايا الكتب المصنفة في الحديث والفقه وربما اعتبر بعضها بمثابة البدايات الأولى للتأليف في هذا العلم 3 - أضحت الحاجة إلى تدوين هذا العلم أكثر إلحاحا مع ظهور المذاهب الأربعة وانتشارها واستقلال كل مذهب بأصوله وقواعده الخاصة 4 - لا خلاف في وجود أقوال متفرقة وكتابات جزئية في هذا العلم قبل الشافعي فقد جرى على ألسنة الصحابة والتابعين وتابعيهم وأثر عن بعضهم جملة من الأقوال والآثار الأصولية وإنما الخلاف في أسبقية التدوين المتكامل والمستقل وقد تبين – من خلال دراسة هذه المسألة ومناقشة الأقوال فيها – أن القول المختار هو قول الجمهور القاضي بأن الشافعي هو صاحب السبق في هذا الفضل وذلك لأنه القول الوحيد المعتضد بالدليل المادي حيث لم يصل إلينا من كتب الأصول كتاب متقدم على كتاب الرسالة في التاريخ 5 - اشتمل كتاب الرسالة على جملة من القضايا الأصولية المهمة كمنزلة السنة من القرآن والبيان والنسخ وخبر الآحاد والإجماع والقياس والاجتهاد والعلم والاستحسان وأقوال الصحابة لكنه لم يحو كل مادة هذا العلم وإنما كان بمثابة اللبنة الأولى التي بدأ منها البناء الأصولي إلى أن اكتمل على يدي العلماء الذين جاءوا من بعده في القرنين الرابع والخامس

6 - لم تقتصر آثار الشافعي الأصولية على أقواله التي اشتمل عليها كتاب الرسالة وإنما اشتملت كتبه الأخرى التي وصلت إلينا – وهي أحكام القرآن وجماع العلم والأم واختلاف الحديث وإبطال الاستحسان – على العديد من القضايا والمسائل الأصولية المهمة 7 - كانت بداية معرفة المسلمين بعلم المنطق في عصر بني أمية لكن انتشاره الحقيقي كان في العصر العباسي وتحديدا في خلافة المأمون وقد أعجب بهذا العلم بعض من اطلع عليه من علماء المسلمين وكان له تأثير على علومهم ويأتي في مقدمة هؤلاء علماء الكلام لكن الثابت من سيرة الإمام الشافعي أنه لم يحفل بهذا العلم ولم يكن لانتشاره في عصره أي أثر في مؤلفاته الأصولية سواء من حيث المنهج أو الموضوع 8 - شهد القرن الثالث ظهور عدد من أعلام الأصول – عدا الشافعي – ومن أبرزهم: الإمام أحمد وعيسى بن أبان والنظام وداود الظاهري وابنه أبو بكر وابن القاسم والقاشاني وغيرهم وقد صنف هؤلاء وغيرهم جملة من المصنفات في هذا العلم لم يصل إلينا شيء منها 9 - كانت أبرز خصائص التأليف الأصولي في القرن الثالث كثرة المؤلفات في الموضوعات الجزئية وكون الهدف من أغلبها مناظرة الخصوم والرد عليهم واندماج الكتابة في الأصول مع الكتابة في الفقه في كثير من الأحيان وقلة الشروح والمختصرات 10 - تأثر الفكر الأصولي في هذا القرن بجملة من العوامل أهمها: ظهور الفرق الإسلامية المختلفة وتميز المذاهب الفقهية واستقلال كل منها بأصوله والنضج الفكري في كثير من العلوم الإسلامية وبخاصة علوم القرآن والسنة واللغة وانتشار علم المنطق وعناية بعض المسلمين به إضافة إلى الحالة السياسية والاجتماعية السائدة 11 - شهد القرن الرابع ظهور عدد كبير من أعلام الأصول المتميزين ومن أبرزهم أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم والكعبي وأبوالحسن الأشعري وأبو بكر الصيرفي والكرخي والقفال الكبير الشاشي وأبو عبد الله البصري وأبو بكر الجصاص وأبو بكر الباقلاني والقاضي عبد الجبار وقد خلف هؤلاء وغيرهم كما كبيرا من المصنفات في هذا العلم لم يصل إلينا منه إلا النزر اليسير 12 - برزت في هذا القرن طريقتان للتأليف الأصولي هما: أ – طريقة المتكلمين التي تعنى بتقعيد القواعد اعتمادا على النظر والاستدلال ومن دون اعتبار مذهبي. ب – طريقة الحنفية التي تعنى ببناء القواعد على الفروع الفقهية المنقولة عن أئمة المذهب. وقد تميزت كل طريقة بخصائص معينة تخالف بها الطريقة الأخرى وصنف على كل واحدة جملة من المصنفات. 13 - شهد علم الأصول في هذا القرن نموا وتطورا شمل كافة جوانبه وتبرز مظاهر هذا التطور بشكل واضح في جوانب التأليف والموضوعات والحدود والاصطلاحات والمنهج والأسلوب 14 - تأثر الفكر الأصولي في القرن الرابع بعوامل عدة أهمها: انتشار المذاهب الفقهية وسد باب الاجتهاد وركون الناس إلى التقليد وشيوع التعصب وكثرة المناظرات وظهور علم الجدل وانتشار علم المنطق إضافة إلى الحالة السياسية والاجتماعية السائدة 15 - ظهرت في هذا القرن بعض العلوم ذات العلاقة بعلم أصول الفقه وأهمها علم القواعد الفقهية وعلم الخلاف وعلم آداب المفتي والمستفتي وصنف في هذه العلوم عدة مصنفات لم يصل إلينا منها إلا النزر اليسير 16 - لم تكن الآثار الأصولية في هذا القرن محصورة في كتب الأصول والمؤلفات ذات العلاقة به بل جرى بحث كثر من القضايا والمسائل الأصولية في ثنايا الكتب المصنفة في العلوم الإسلامية الأخرى وبخاصة كتب علم الكلام والتفسير والحديث والفقه 17 - أبرز ما وصل إلينا من مؤلفات الأصوليين في هذا القرن أصول الكرخي وأصول الشاشي وأصول الجصاص وأصول الفتيا للخشني ومقدمة ابن القصار وتهذيب الأجوبة لابن حامد والتقريب والإرشاد للباقلاني والعمد للقاضي عبد الجبار وقد تميز كل واحد من هذه الكتب عن غيره بجملة من الخصائص في منهجه وموضوعه تقدم بيان أهمها في ثنايا الدراسات التحليلية لهذه الكتب 18 - يعتبر كتاب " الفصول للجصاص " نموذجا للتأليف الأصولي المتكامل على طريقة الحنفية كما يعتبر كتابا " التقريب والإرشاد للباقلاني " و" العمد للقاضي عبد الجبار " نموذجين للتأليف الأصولي المتكامل على طريقة المتكلمين هذه إجمالا – أبرز النتائج التي خرجت بها من بحث هذا الموضوع وهي تؤكد ما سبق أن ذكرته في المقدمة من الأهمية البالغة وتظهر مدى الحاجة إلى هذا النوع من البحوث حيث لا يخفى على المهتمين بهذا العلم افتقار المكتبة الأصولية إلى الدراسات المتخصصة في تاريخه وعليه فأوصي بتكثيف الدراسات والبحوث التي تعنى بالجوانب التاريخية والمنهجية لعلم الأصول من القرن الخامس وإلى يومنا هذا وفي الختام أبتهل إلى المولى جل شأنه أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن يغفر لي ما حصل فيه من الزلل والخطأ إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

عموم البلوى - دراسة نظرية تطبيقية-

عموم البلوى - دراسة نظرية تطبيقية- ¤مسلم بن محمد الدوسري£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1420هـ€أصول فقه¶عموم البلوى الخاتمة الحمد لله الذي يسر لي أمر إتمام هذا البحث برغم ما عرض لي فيه من صعوبات، وما عن لي فيه من مشكلات هون أمرها، وأنار لي طريق التغلب عليها فضيلة شيخي الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الشعلان، المشرف على هذه الرسالة. وفي ختام هذا البحث يمكن أن ألخص بعض ما توصلت إليه من نتائج فيما يأتي: 1 - عدم وجود تصريح بحقيقة عامة لعموم البلوى عند المتقدمين والمتأخرين على حدٍ سواء، وقد تأثرت حقيقة عموم البلوى الاصطلاحية بالموضوعات التي يرد عرضه فيها، سواء عند الأصوليين أو الفقهاء، فقد كان عرض الموضوع عند الأصوليين بصورة أكبر في مسألة (خبر الواحد)، وكان التصريح ببيان حقيقته بارزاً عندهم في هذا الموضع، وتأثر ذلك البيان بطبيعة بحث المسألة التي كان لعموم البلوى صلة بها، فكان تفسيرهم لحقيقة عموم البلوى مقتصراً على ما يفيد في إبراز صلة عموم البلوى بخبر الواحد، وهو بيان الاشتهار والانتشار لحكم الحادثة. وكذا فقد كان لعرض الموضوع عند الفقهاء أثر بارز في بيانهم لحقيقة الموضوع؛ إذ كان تفسيرهم لحقيقته مقتصراً على ما يفيده هذا الموضوع من مشقة جالبة للتيسير. 2 - من خلال النظر في عرض الأصوليين والفقهاء لموضوع عموم البلوى تم التوصل إلى حقيقة عامة لعموم البلوى، وهي أن عموم البلوى يعني شمول وقوعه الحادثة مع تعلق التكليف بها، بحيث يعسر احتراز المكلفين أو المكلف منها، أو استغناء المكلفين أو المكلف عن العمل بها إلا بمشقة زائدة تقتضي التيسير والتخفيف، أو يحتاج جمع المكلفين، أو كثير منهم إلى معرفة حكمها مما يقتضي كثرة السؤال عنه واشتهاره. فيكون ما تعم به البلوى هو الحادثة التي تقع شاملة مع تعلق التكليف بها، بحيث يعسر احتراز المكلفين أو المكلف منها، أو استغناء المكلفين أو المكلف عن العمل بها إلا بمشقة زائدة تقتضي التيسير والتخفيف، أو يحتاج جميع المكلفين، أو كثير منهم إلى معرفة حكمها مما يقتضي كثرة السؤال عنه واشتهاره. 3 - أن حقيقة عموم البلوى عند الفقهاء تشمل جهتين: الأولى: عسر الاحتراز، وهذا في الغالب مختص بما يقع بغير اختيار من المكلف، وتكون الحادثة في هذه الجهة مطلوب دفعها. الثانية: عسر الاستغناء، وهذا في الغالب مختص بما يقع باختيار من المكلف، وتكون الحادثة في هذه الجهة مطلوب جلبها والعمل بها. وقد تبين أن العسر بمعنييه جزء من حقيقة عموم البلوى الاصطلاحية، ولذلك فلا داعي للتفريق بينهما فهو سب واحد للتيسير، وأن من فرق بينهما من العلماء من خلال العنوان كان قصده فيما ظهر لي إبراز هذا المعنى في عموم البلوى وتقريره. 4 - أن عموم البلوى قائم على الوقوع العام للحادثة، سواء للمكلفين أو للمكلف، وكما أن التكليف مع ذلك العموم يورث مشقة على من ابتلي بملابسة هذه الحادثة، فيكون ذلك داعياً إلى التيسير، فكذلك يورث ذلك حاجة عامة إلى معرفة حكم الحادثة مما يدعو إلى السؤال عنه، ومن ثم اشتهاره وانتشاره. إلا أن هذا التأثير في الاشتهار والانتشار لا يكون إلا في حال عموم وقوع الحادثة للمكلفين، دون ما إذا كان وقوعها للمكلف الواحد، فإن الحاجة إلى معرفة الحكم وإن كانت موجودة في هذه الحال إلا أنها ليست عامة حتى تؤثر في الاشتهار والانتشار للحكم.

5 - أن الحكم بوجود عموم البلوى منضبط بوقوع أحد أسبابه العامة أو الخاصة، وهذه الأسباب يرجع تقديرها في الغالب إلى نص من الشارع من خلال الوقائع التي تعم بها البلوى، فإن لم يكن هناك نص فإنه يرجع في تقدير ذلك إلى العرف ومعتاد الناس، أو إلى تقريب المشقة الحاصلة في الحادثة التي تعم بها البلوى، وذلك بموازنتها بالمشاق المشابهة لها فيما اعتبره الشارع في جنسها، وهذا إنما هو في الغالب؛ إذ إن هناك بعض الأسباب التي يرجع تقدير مشقة عموم البلوى فيها إلى أمر خاص، كتقدير المكلف واجتهاده كما في الضرورة وكبر السن والمرض الذي لا يرجى برؤه، وفي حال المطر والثلج والوحل، أو بالاعتماد على قول أهل الخبرة كالأطباء، كما في حال كبر السن والمرض الذي لا يرجى برؤه. 6 - أن بحث الأصوليين لعموم البلوى في بعض المسائل قد جاء بحسب طبيعة بحثه عند الفقهاء في الغالب، وهو كون عموم البلوى يمثل سبباً في التيسير، وذلك كما في صلة عموم البلوى بالقياس، والاستحسان، وسد الذرائع، مما يدل على شمول نظر الأصوليين لهذا الموضوع عند بحثهم له. 7 - أن عموم البلوى يعتبر أكثر أسباب التيسير مساساً للتفريع الفقهي، وأثره لا يقتصر على قسم معين من أقسام الفقه دون غيره، بل هو في الغالب شامل لمجموع أقسام الفقه، وإن كان التصريح بالتعليل به قد كثر فيما يتعلق بأمور العبادات، خاصة فيما يتعلق بالطهارة وإزالة النجاسة، على أن التأمل في الفروع الفقهية يتضح منه شمول أثره لغير ذلك، ويتقرر هذا عند النظر في الفروع الفقهية التي جاء إيرادها في هذا البحث. 8 - أن عموم البلوى يعتبر أحد الأمور التي يتم بها ضبط المشقة؛ إذ إن المشاق منها ما هو منضبط بأسباب معينة، وعموم البلوى يعتبر سبباً في التيسير باعتباره مظنة للمشقة، وإذا كان عموم البلوى منضبطاً بوقوع أحد أسبابه فالسعي في ضبطه حينئذ سعي في ضبط المشقة بصورة أعم. 9 - أن اعتبار عموم البلوى سبباً في التيسير قد قامت عليه أدلة كثيرة من تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم، وتصرفات الصحابة والتابعين رضي الله عنهم تفيد كلها القطع باعتبار عموم البلوى سبباً في التيسير. 10 - أن اعتبار عموم البلوى سبباً في التيسير مقيد بشروط يلزم مراعاتها؛ ليتحقق ذلك الاعتبار، وفقد شرط منها مؤثر في إنعدام ذلك الاعتبار، ولذا ينبغي لمن أراد الترخص اعتبارا لعموم البلوى مراعاة هذه الشروط. 11 - أن التكليف في حال عموم البلوى يعتبر من قبيل الضرر، ولذلك تلزم إزالته تبعاً لقاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، أو (الضرر يزال). وإزالة الضرر هنا مقيدة بشرط ينبغي أن يراعى، وهذه الإزالة تتمثل في القول بعدم التكليف في حال عموم البلوى. 12 - أن عموم البلوى يعتبر من أسباب نشوء العادة والعرف، ولذا فإن العمل بما تعم به البلوى يحكم باعتباره من قبيل العادة المحكمة، وهذا التحكيم مقيد بشروط معينة. 13 - أن عموم البلوى كما يلاحظ من خلال التفريع الفقهي يعتبر من أعظم أسباب تغير الأحكام والفتاوى، وذلك بناء على اختلاف العمل بما تعم به البلوى باختلاف الأحوال، إلا أن هذا الاعتبار ليس على إطلاقه، بل فيه تفصيل سبق بيانه. 14 - كثرة تطبيقات عموم البلوى في هذا العصر، ودخوله في تعليل أحكام كثير من الوقائع تصريحاً أو ضمناً مما يؤكد أهمية هذا الموضوع.

ومن خلال النظر في كلام بعض العلماء والباحثين لتلك القضايا المستجدة نخلص إلى أن إطلاق التعليل بعموم البلوى، أو بأحد أسبابه لحكم قضية من تلك القضايا أمر غير سديد؛ إذ لا بد من التفصيل في أحكام كثير من القضايا، والنظر في مدى تحقق عموم البلوى في جميع حالات القضية وصورها، والتحقق من اعتبار عموم البلوى في هذه الحالة أو تلك، فكثيراً ما يؤثر اختلاف الأحوال والأشخاص في اختلاف الحكم بعموم البلوى. ثم إن بعض تلك القضايا المستجدة كان واضحاً فيه مدى الاعتماد على عموم البلوى في إثبات حكم معين لها، وبعضها الآخر كان التعليل بعموم البلوى فيها على سبيل الاعتضاد. ويمكن بعد ذلك أن أختم ببعض التوصيات: 1 – ضرورة اهتمام الباحثين بالتأصيل والتقعيد في القضايا الفقهية؛ للحاجة إلى ذلك في هذا العصر على وجه الخصوص، فبذلك تنضبط أحكام كثير من الجزئيات. 2 – يعتبر تغير الفتاوى واختلاف الأحكام في الشريعة الإسلامية من الأمور البارزة في مجال التفريع الفقهي، ولا شك أن التأصيل والتقعيد لهذا الموضوع يحتاج إلى المزيد، وإن وجد فيه بعض الرسائل العلمية والكنايات القليلة التي تناولت بعض جوانبه. وختاماً أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا البحث، وأن يجعله خالصاً لوجهه، وأن يجعله حجة لي يوم ألقاه، وحسبي فيه أني أعملت جهدي؛ لأصل إلى ما يغلب على ظني أنه الصواب والحق. وينبغي أن يعلم أن هذا البحث جهد بشر لم يجعل الله له العصمة، فما كان فيه من صواب فمن الله، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، وأرجو من قارئه أن يغمر سيئات هذا البحث في حسناته، والله تعالى هو المستعان والمسئول على كل حال، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

فقه الأولويات دراسة في الضوابط

فقه الأولويات دراسة في الضوابط ¤محمد الوكيلي£بدون¥المعهد العالمي للفكر الإسلامي - أمريكا¨الأولى¢1401هـ€أصول فقه¶أولويات الخاتمة وأخيراً أعود مع القارئ الكريم لأقف معه وقفة إجمالية أستعرض فيها ما تضمنه البحث، وما يحسب صاحبه أنه حققه من نتائج فأقول: كان أول مهمة عليَّ أن أقوم بها، هي تعريف مصطلح الأولويات، ثم تعريف الفقه بهذه الأولويات. خصوصاً وأنني لم أعثرـ فيما اطلعت عليه ـ على تعريف لهذا المصطلح أو للفقه الذي يهتم به. ما عدا تعريف الدكتور يوسف القرضاوي الذي ارتأى لي أنه غير دقيق. وبعد أن حاولت تعريفه، انتقلت إلى إبراز أسباب ظهوره باعتباره فقهاً جديداً، وقد حددتها في سببين رئيسيين: الأول: اختلال مراتب الأعمال الشرعية. وهي اختلالات ظهرت من قديم أوقعت الأمة في شرور ومفاسد. اكتفيت بذكر نماذج منها قديماً في مجال علم الكلام والتصوف والفقه وأصوله، وحديثاً في بعض ممارسات المسلمين العملية خصوصاً الدعوية منها. والثاني: الضرورة الدعوية التي أرغمت الدُّعاة على إحياء سُنّة التدرج من جديد، بعدما وقفت عراقيل كثيرة في وجه التطبيق الكلي والسريع لأحكام الإسلام. وقد بينت أن منهج التدرج الأولوي، أمر ضروري كمنهج عمل في إعادة التمكين للإسلام لعدة أسباب. وبعد أن أبرزت العوامل التي أفرزت هذا النوع من الفقه، ونبهت إلى أهميته في تقويم الاختلالات التي ظهرت في مراتب الأعمال الشرعية وأهميته كذلك في التقعيد لضوابط الترجيح عند التزاحم أو التدرج الدعوي، انتقلت إلى التأصيل الشرعي للأولويات. فبينت أن القرآن الكريم قد استعمل مادة "أولى" في أكثر من آية. وأن هذا الاستعمال، جاء موافقاً للاستعمال اللغوي لهذه الكلمة. كما بينت أن السُنّة النبوية استعملت هي الأخرى هذه المادة في أكثر من حديث. بعد ذلك أوضحت أن القرآن الكريم يوجه المسلم في كثير من آياته إلى ما هو أولى وأفضل سواء في عمله الديني أو الدنيوي. كما أشرت إلى أن أول من طولب منه فعل الأولى، هم الرسل عليهم الصلاة والسلام. مشيراً في نفس الوقت قضية وجوب فعل الأولى أو الأصلح على الله. وهي قضية عالجها علماء الكلام وانتصر لها بعضهم إلا أنني أكدت موقف أهل السُنة الذي لا يوجب على الله شيئاً. والذي يرى أن كل ما يفعله هو خير وصلاح وإن بدا فيه شر. ثم انتقلت إلى السُنّة لأثبت أنها هي الأخرى أكدت هذا الإرشاد نحو الأولى والأفضل. وقد وقفت فيها مع اختلاف أجوبته e عن أفضل الأعمال بختلاف أحوال السائلين. مستنتجاً من ذلك دليلاً آخر على مراعاته e لمبدأ الأولويات. وبعد ذلك تناولت التدرُّج التشريعي والدعوي في القرآن والسُنّة كمستند آخر واضح الدلالة على شرعية الأولويات، سواء في طريقة نزول القرآن الكريم أو في تشريعه للأحكام أو في دعوته e. ثم انتقلت لإبراز نماذج من الأولويات في القرآن والسُنّة. إلا أنني لم أستقصِها وإنما أشرت فقط إلى بعضها. لأن الغرض ليس استقراء هذه الأولويات التي يمكن القول بأن استقراءها يشكل وحده بحثاً مستقلاً. وبعد أن تأكَّدَت بوضوح شرعية الأولويات، انتقلتُ إلى الطرق التي تُعرف بها. فبينت أن معرفتها تتم عن طريقين: الأول: طريق نصِّي لا اجتهاد فيه. وهذه الأولويات المنصوصة منها ما تُدرَك علته ومنها ما لا يُدرك. وأن ما يُدرك منها هو الأغلب. مبرزاً في نفس الوقت بعض المرجِّحات التي على أساسها يرجِّح الشرع بعض الأعمال على الأخرى. وهي مرجِّحات مهمة ينبغي اعتبارها عند إرادة تقديم حكم أو فعل على آخر. الثاني: طريق اجتهادي وقد حددت مجاله في منطقتين:

الأولى: منطقة النصوص والأدلة. نبهت فيه إلى أننا لسنا في حاجة كبيرة إليه وأنه لاقى حظاًّ كبيراً من الدراسة. الثانية: منطقة الطاعة والامتثال وقسمت "الاجتهاد الأولوي" فيها إلى قسمين: ـ اجتهاد في تقديم حكم على آخر في العمل الدعوي. ـ اجتهاد في تقديم عمل على آخر عند التزاحم. وهذا المجال هو الذي نحتاج إلى الاجتهاد فيه. لذا دعوته إلى الاهتمام بما سميته "فقه التزاحم". بعد هذا ذكرت بعض المصادر التشريعية التي تعين على معرفة أولوية أحكام معينة. فتكلمت عن الأولوية القياسية والأولوية الاستحسانية ثم الأولوية المصلحية مدعماً كل نوع منها بكثير من الأمثلة. وإلى هنا كنت قد قطعت الشوط الأول من البحث، فانتقلت إلى الشوط الثاني منه الذي خصصته للضوابط. وهي ضوابط أحسب أنها مهمة في تسهيل عملية الترجيح والتقديم لعمل علىآخر. وقد قسمتها إلى نوعين بعدما تبين لي أن موضوع الأولويات إنما يتصور في حالتين: الأولى: حالة التدرج الدعوي والثانية حالة تزاحم الأحكام. في الحالة الأولى ذكرت ضابطين أساسيين هما: الفقه بمراتب الأحكام والفقه بالواقع. في الضابط الأول حاولت أن أضع خريطة لمراتب الأحكام الشرعية. ولا أزعم أنني استوفيت الموضوع حقه بذكر كل المراتب لأن هذا العمل وحده يستحق هو الآخر أن يشكل بحثاً مستقلاً. لذا فإنني أشرت إلى نماذج منها لبيان أن الأحكام الشرعية، ليست علىدرجة واحدة، مما يستلزم استحضارها أثناء العمل الدعوي أو أثناء تزاحم الأحكام. أما في الضابط الثاني فبينت فيه أهمية فقه الواقع بمفهومه الواسع في تحديد الأولويات إلى جانب الفقه بمراتب الأحكام. وجزَّأت هذا الضابط إلى محدِّدات هي: ـ المحدِّد الظرفي الشخصي الذي يتعلق بأحوال كل شخص. ـ المحدِّد الظرفي الواقعي الذي يتحرك فيه الداعية. ـ والمحدِّد الإمكاني الفردي أو الجماعي. ولتأكيد أهمية هذه الضوابط في تحديد الأسبقيات الشرعية، أرفقتها ببعض النماذج من فروض العصر وأولوياته المتفق عليها والمختلف فيها. أما في الحالة الثانية، وهي حالة تزاحم الأحكام، فقد حاولت أن أذكر أكبر عدد ممكن من الضوابط. وفعلاً تمكنت من ذكر اثنين وعشرين ضابطاً. ورغم ذلك فلا أزعم أنني استوفيتها. ولكن يمكن القول بكل ثقة أنني ذكرت معظمها وأهمها. وهي ضوابط مهمة جداً في معرفة ما ينبغي أن يقدّم، خصوصاً وأننا نعيش في عصر كثرت فيه التزاحمات بين المصالح والمفاسد أو بين الحلال والحرام. هذه خلاصة مجملة وشريعة لأهم خطوات البحث. ويمكن إجمال أهم ما اهتدّى إليه فيما يلي: 1ـ إبراز أهمية فقه الأولويات في تحركاتنا الدعوية. إذ إغفاله يضر بالدعوة ويعرقل نموها. 2ـ وضع ضوابط يستنير بها المسلم في معرفة الحكم الأولى بالتقديم عند تزاحم الأحكام في عالم الامتثال. 3ـ تحديد الضوابط التي تعطي أحقية السبق لنوع من الأحكام على آخر في العمل الدعوي. 4ـ التذكير بالمراتب الشرعية للأعمال وأهميتها في تغيير المنكر والأمر بالمعروف من جهة وفي توحيد اهتمامات الدعاة ومناهجهم من جهة ثانية. 5ـ التنبيه إلى خطورة الاشتغال بالأمور الجزئية الهامشية على حساب القضايا الجوهرية التي ينبغي أن تحتل صدارة أولوياتنا. 6ـ التنبيه إلى المفاسد والشرور التي ابتُليت بها الأُمة وما زالت تُبتلى بها، بسبب غياب فقه الأولويات. وفي الختام فهذه محاولة بذلت فيها ما أمكن من الوسع والجهد، وهي قطعاً لا تخلو من الزلاَّت والعثرات. فهي بداية والبداية لا تكتمل إلا بما يرفقها من تكميلات. فأسأل الله سبحانه أن يوفقني إلى إكمالها أو يوفق غيري إلى ذلك, وهو الهادي إلى سواء السبيل. كان الانتهاء من تحريره بعون الله وتوفيقه يوم الأحد مساء 23 رجب الفرد 1413هـ الموافق 17 كانون الثاني/ يناير 1993م.

فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة - آفاق وأبعاد

فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة - آفاق وأبعاد ¤عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان£بدون¥البنك الإسلامي للتنمية¨الأولى¢1414هـ€أصول فقه¶ضرورات وضرر خاتمة البحث كشف البحث في جانبيه: النظري، والتطبيقي: أن فقه الضرورة ثمرة مصدرين متنوعين من مصادر التشريع الإسلامي، ونتائج عنصرين متقابلين: النقلي بخصائصه، وحكمه التشريعي، والعقلي بمنطقه، وتأملاته. كما أثبت آفاقه البعيدة في جميع المجالات، وآثاره الشرعية في كافة الموضوعات والحقوق الفقهية في الشريعة الإسلامية التعبدية منها، وغير التعبدية، مهما تباعد الزمان والمكان. وأن الفقه الإسلامي لا يتوقف على المنقول فحسب بل يعتمد المعقول غير المنقول، يقول العلامة ابن القيم – رحمه الله: "فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسفر صبحه بأي طريق كان، فتم شرع الله، ودينه ورضاه وأمره، والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته، وأماراته في نوع واحد، وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه، وأدل وأظهر. بل بين بما شرعه من الطرق: أن مقصوده إقامة الحق والعدل، وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها الحق، ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها، ومقتضاها، والطرق أسباب، ووسائل لا تراد لذاتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد، ولكن نبه بما شرعه من الطرق على أسبابها، وأمثالها، ولن تجد طريقاً من الطرق المثبتة للحق إلا وهي شرعه، وسبيل للدلالة عليها، وهل يظن بالشريعة الكاملة خلاف ذلك؟ ولا نقول إن السياسة العادلة مخالفة للشريعة الكاملة، بل هي جزء من أجزائها، وباب من أبوابها، وتسميتها سياسة أمر اصطلاحي، وإلا فإذا كانت عدلاً فهي من الشرع". ومن المسلم به في الفقه الإسلامي أن أحكام الشرع مراعى فيها مصالح العباد، فضلاً عن الله، لا وجوباً عليه، وفقه الضرورة أحد دعائم العدل في الشريعة الإسلامية فيما بين الله، وبين العبد، وفيما بين العبد، والآخرين من بني الإنسان، وقد تجلت فيه عدالة الإسلام، ووضحت من خلاله مقاصد الشرع، وكملت به محاسنه. ولا أدل على هذا من الآية الكريمة التي بدأها المولى بقوله جل وعلا: { ..... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا .... }، (المائدة آية 3) فهي عنوان لواقع ملموس وحقيقة مشاهدة، وبرغم هذا فقد دلل على هذا الكمال والتمام لشرعه اعتبار الضرورة في أحوال العباد، برهاناً واضحاً على استكمال جوانبه الظاهرة، والخفية، فقال بعد ذلك مباشرة: { .... فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المائدة آية: 3). هذه إشارة مقصودة إلى أن من ينشد الكمال في التشريع فهو في الإسلام ومن ينشده، ويبحث عنه في التشريع الإسلامي فإن (الضرورة) أصولاً وفقهاً أحد معالمه البارزة، وأدلته البينة. وقد استرعى هذا المعنى انتباه الفقهاء قديماً، فوجدت (الضرورة) مجالاً فسيحاً في علوم ثلاثة من العلوم الإسلامية: أصول الفقه، الفقه، القواعد الفقهية؛ لتؤدي وظائف مختلفة، ونتائج متنوعة، فهي للحجة والاستنباط في أصول الفقه والتفريع في الفقه أحكاماً، وشرائع للعمل، والتطبيق، وفي علم القواعد الفقهية يتذكر بها المفتي ما لا يحصي من التفريعات ويستأنس بها القاضي في الأحكام.

وجد النبغة من الأئمة، والفقهاء أمثال الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام محمد بن إدريس الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل وغيرهم من المجتهدين وأتباعهم عبر القرون، والأجيال – في فقه الضرورة حلاً لكل معضلة، وبلسماً لكل مشكلة قديمة أو طارئة، يقررون في ضوئها أحكام الشريعة، مستوحين سماحتها ويسرها، متوخين وسطيتها وعدلها، في غير تهاون، أو استرخاء أو تشدد، أو تزمت. وكلما تقدم الزمن، وتطورت الحياة حضارياً لا يزيد هذا أو ذاك الشريعة الإسلامية إلا أصالة وثباتاً. وتتجلى المعجزة التشريعية في الفقه الإسلامي في العصر الحديث حيث تتعدد الأطروحات وتتنوع القضايا التي تحمل الكثير في طياتها من تحديات، وانحراف في الممارسات، وغرائب الاكتشافات فتتصدى لها المحافل الفقهية، باجتهاد جماعي من فقهاء العصر، تتجلى فيه الأمانة والانضباط والسمو، والارتفاع، وكان ولا يزال لفقه الضرورة في مجال اجتهاداتهم النصب الأوفى، في كافة المجالات، وبخاصة المجالات العملية التطبيقية دون عجز، أو تخاذل، مما أثبت ويثبت غناء الشريعة، وكفاءتها التشريعية، في عصر تعددت أسماؤه لتنوع مخترعاته وإنجازاته. والتطبيقات المعاصرة لفقه الضرورة مما جرى عرضه في ثنايا هذا البحث يمثل جانباً من الاجتهاد الجماعي لفقهاء العصر، في كافة القضايا والمستجدات العصرية من خلال المجامع الفقهية والهيئات الشرعية. تقدم الدليل تلو الدليل على واقعية مثالية في معالجة ما تتطلبه مقتضيات هذا العصر، وصلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان، والله يهدي إلى الحق وإلى طريق المستقيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

فقه الممكن على ضوء قاعدة (الميسور لا يسقط بالمعسور) دراسة تبحث في قواعد التكاليف الشرعية ضمن القدرة والاستطاعة

فقه الممكن على ضوء قاعدة (الميسور لا يسقط بالمعسور) دراسة تبحث في قواعد التكاليف الشرعية ضمن القدرة والاستطاعة ¤ناجي إبراهيم السويد£بدون¥دار الكتب العلمية - بيروت¨الأولى¢1426هـ€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية الخاتمة: إن التكليف الشرعي يبدأ مع المكلف من بلوغه ويتنوع حجم التكليف بحال المكلف ما بين الأشد أو الأخف أو الإلغاء. ويعتبر هذا الأمر معقدا لكثرة تفريعاته ولنتائج عدة، وإذا كان بهذه الصورة كان لابد من تبيانه لوجود إظهار الحكم في القضية والمكلف، ولجعله في دائرة الطاعة والالتزام. وهذا ما توصلت إليه من هذه الدراسة إلى النتائج التالية: - وجود مبتكرات ومصطلحات جديدة مستنبطة في الفقه الإسلامي هي بمثابة حلول للفرد والأمة. - القواعد الفقهية خلاصة نتائج الفقيه، وهي من أسس البحث والاجتهاد. - إن خطاب المكلف يكون بالممكن، وأنه يكلف المتمكن، أي أن الحجة تقوم على المكلف بحسب حاله، فلا يكلف فوق طاقته أو أن يضيق عليه، فالأمر إذا ضاق اتسع. - إن صور التمكين وخطاب الممكن متنوع، وبصور كثيرة، فيشمل مواقع المكلف في الحياة كافة. - إن الالتفات إلى مبادئ التكليف بالنسبة للمكلف لها أسس تتمحور حول استطاعة المكلف وقدرته وبالنظر إلى ظروفه الضرورية والحاجية ومدى المشقة التي سوف يتحملها أو الرخصة التي ينالها. - إن خطاب المكلف بالممكن ينطبق في الأحكام كافة على مستوى العبادات أو المعاملات أو أحكام الأسرة أو أحكام السير ... فالعبادات ذات خصوصية لها استثناءات عدة مرتبطة بالقدرة وكذلك الأمر بالنسبة للمعاملات ... - إن الخطاب المكلف بالممكن له توابع وارتباط مع ما يلزم من أمور، فتوابعه تشمل المكلف بالنسبة إلى إزالة الضرر بالتخفيف أو إسقاط التكليف عنه في حالة المرض، فالمرض بحالاته المتنوعة مدعاة للتخفيف أو الإسقاط في مجال الأحكام كافة. - إسقاط الأحكام بالكلية عند عدم العقل لعدم العقل لعدم ثبوت الأهلية لدى المكلف، وهذا الأمر يستوجب عكسه في صور خاصة وكذلك الأمر بالنسبة إلى حالة التوسط بينهما. - التخفيف عن المكلف في حالات خاصة مؤقتة كالنوم والإغماء ... أو في حالة الضعف الحكمي كالرق. - إسقاط القصاص والعقوبة دون إسقاط العوض وهذا من مدعاة التخفيف في حالة الخطأ. - التخفيف الجزئي لا الكلي بالنظر في أحوال المكلف إن ارتبط بطارئ كالسفر ... - سقوط الخطاب، بصورة خاصة، - وهذا محل خلاف لدى العلماء – إن تعلق بالإكراه. - العلم شرط من شروط التكليف ويترتب على عدمه نفي الحجة على المكلف وهذا تكليف فوق الطاقة. - منع الضرر عن المكلف، برفعه أو إلغائه، ومن صوره: التوبة، والكفارة ... أو بالتسهيل عليه في قبول الأحكام ضمن الأمور المعقولة. - مراعاة خصوصية الزمان والمكان لارتباطها بالأحكام الشرعية. - الاختيار الأسهل والأهون والأضبط في عملية الموازنة بين المصلحة والمفسدة. - اللحوق بركب العلم والتطور، والاستفادة التامة والوافية منه، لأن نتائج العلم في غالبها قطعية مما يؤدي إلى حل وحسم الخلافات والمعضلات وإلغاء الفوضى ونبذها، والوصول إلى الحق والحقيقة، وتحمل المسؤولية. - اختصار الوقت والاستفادة من التجاوب وعدم الإسراف، والتخفيف من الكلفة بحيث يحقق المكلف ما هو الأنفع له والأجدى. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

فقه الموازنات في باب المصالح والمفاسد"دراسة أصولية فقهية تطبيقية"

فقه الموازنات في باب المصالح والمفاسد"دراسة أصولية فقهية تطبيقية" ¤جبريل بن محمد بن حسن البصيلي£بدون¥دار هجر -أبها¨الأولى¢1425هـ€أصول فقه¶موازنات الخاتمة من خلال رحلة ومعايشة مع هذا الموضوع الكبير، ذي الفوائد الكثيرة، والأهمية البالغة، توصلت إلى النتائج والتوصيات الآتية: 1 - أهمية هذا الموضوع، وعظم الحاجة إليه في كل زمان ومكان، وحال، ولاسيما في هذا العصر حيث زيادة المستجدات، وكثرة الوقائع المحدثات، وتداخل المصالح والمفاسد وتجاذبها في أكثر الأمور والوقائع، وحياة الناس، فنادراً جداً أن تتمحض مصلحة خالصة أو مفسدة خالصة؛ ولأن مدار الشرع والواقع على المصالح والمفاسد، فما من مسألة صغيرة أو كبيرة إلا وهي مبنية على المصالح والمفاسد. 2 - هذا الموضوع مدار الاجتهاد، وقطب رحاه، ولحتمه وسداه، بل ليس للاجتهاد وظيفة ومهمة سواه. 3 - يحقق هذا الموضوع كمال الشريعة وشمولها لحياة الناس، ورعايتها لمصالحهم، وحفظها لحقوقهم، ومسايرتهم لمستجداتهم، وتغطيتها لحاجتهم. 4 - عناية الشريعة بمصدريها – الوحيين – بهذا الموضوع كبيرة جداً، ففي ثنايا نصوصها، وحفظها لحقوقهم، ومسايرتها لمستجداتهم، وتغطيتها لحاجتهم. 5 - رعاية العلماء لهذا الموضوع، وعنايتهم الفائقة به، فقد وضعوا له الضوابط، ورسموا المنهج وأسسوا القواعد، وبنوا عليه فتاواهم وأقضيتهم وأحكامهم، وسائر تصرفاتهم. غير أن ذلك في نصوص متفرقات، وجزئيات متشتتات، وليس في كتب وأبواب مجتمعات تضم جزئياته المتفرقات. 6 - تجدد هذا الموضوع على مر الأوقات لارتباطه الوثيق بالمستجدات، والوقائع المحدثات، وتطوره بتطور حياة الناس، ولذلك فهو يحتاج إلى دراسات متتابعة في جوانبه التطبيقية. 7 - صعوبة هذا الموضوع في الجانب التطبيقي، ولذلك فهو يحتاج إلى علم راسخ، وملكة فقهية، ونظرة فاحصة، وشاملة، تتصف بالعمق والدقة؛ إذ هو موازنة بين أمور متعارضة، ونظر في جوانب متنوعة، وتعامل مع أحوال متداخلة، وتمييز بين أشياء متشابهة مجتمعة. 8 - إن الأخطاء جميعها سوءا كانت في الأقوال أم في الأفعال، أم في الأحكام، أم في غير ذلك من سائر التصرفات عائدة إلى الخطأ في الجانب التطبيقي لهذا الموضوع، سواء كان الخطأ في تقدير المصلحة، أم في تقدير المفسدة، وذلك عند انفراد كل منهما، أم في تقدير الراجح عند التزاحم والتعارض، وهو أكثر وغالب. وسواء كان الخطأ ناتجاً عن جهل أم عن هوى، أم عن قصور في التقدير والنظر. 9 - جزئيات هذا البحث قواعده، وضوابطه هي محل اتفاق بين العلماء نظرياً، تقعيداً وتفريعاً، وإنما يقع الخطأ في جانبه التطبيقي من حيث تقدير المصلحة والمفسدة عند الانفراد، أو تقدير الراجح عند التزاحم والتعارض.

قاعدة اليقين لا يزول بالشك دراسة نظرية تأصيلية وتطبيقية

قاعدة اليقين لا يزول بالشك دراسة نظرية تأصيلية وتطبيقية ¤يعقوب بن عبدالوهاب الباحسين£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨بدون¢1417هـ€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية الخاتمة وبعد ما تقدم من عرض لقاعدة (اليقين لا يزول بالشك)، والضوابط التي تعين على فهمها، وتطبيقها على الفروع الفقهية، بتخريج أحكامها عليها، فإنه من المفيد، والمتمم لذلك، أن نذكر ما قيل بشأن صلاحية القواعد والضوابط الفقهية للدليلية، وبناء الأحكام عليها تخريجا واستنباطا بوجه عام، وما قيل في هذه القاعدة بوجه خاص. لقد تكلم عدد ممن كتبوا في القواعد الفقهية، أو حققوا بعض الكتب المؤلفة فيها، من العلماء المعاصرين عن ذلك، وتكاد آراؤهم تتفق على أن القواعد الفقهية لا تصلح أن تكون دليلا يستند إليه في استنباط الأحكام الشرعية، إلا إذا كان أصلها دليلا معتدا به من كتاب أو سنة أو غيرهما. وقد تكلم من هم أسبق عصرا من هؤلاء عن هذه القضية، وكانت لهم آراء مختلفة، منها ما يستفاد منه الاعتداد بهذه القواعد وبناء الأحكام عليها، ومنها ما يرفض مثل ذلك. فممن بنى بعض أحكامه أو ترجيحاته عليها، أبو العباس القرافي (ت 684هـ)، الذي رد فتاوى من لم يوقع الطلاق في مسائل الدور، التي منها قول القائل لزوجته: إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا. وقال بنقض قضاء من حكم ببقاء الزوجية وعدم إيقاعه للطلاق، وعلل ذلك بمخالفة قاعدة الشرط التي هي صحة اجتماعه مع المشروط. قال: (لو قضى باستمرار عصمة من لزمه الطلاق بناء على المسألة السريجية، نقضناه لكونه على خلاف قاعدة إن الشرط قاعدته صحة اجتماعه مع المشروط، وشرط السريجية لا يجتمع مع مشروطه أبدا، فإن تقدم الثلاث لا يجتمع مع لزوم الطلاق بعدها) ومعنى ذلك إلغاء الشرط غير الصحيح في إيقاع الطلاق الذي أوقعه بعد ذلك. وقد ينازع في أن هذه القاعدة هي من قواعد الفقه، وإنما هي ألصق بالقواعد الأصولية. وفي شرح الكوكب المنير نص على أن القواعد الكلية الكبرى (ليست بأدلة، ولكن ثبت مضمونها بالدليل، وصار يقضي بها في جزئياتها، كأنها دليل على ذلك الجزئي). وممن نقل عنه عدم الاحتجاج بالقواعد الفقهية ابن نجيم (ت 970هـ)، إذ نسب له الحموي (ت 1098هـ) في غمز عيون البصائر أنه صرح في الفوائد الزينية: (أنه لا يجوز الفتوى بما تقتضيه الضوابط، لأنها ليست كلية، بل أغلبية، خصوصا وهي لم تثبت عن الإمام، بل استخرجها المشايخ من كلامه). وذكر واضعو مجلة الأحكام العدلية في المقدمة التي كتبوها لها، (إن المقالة الثانية من المقدمة هي عبارة عن القواعد التي جمعها ابن نجيم (ت 970هـ)، ومن سلك مسلكه من الفقهاء – رحمهم الله تعالى – نعم ليس لحكام الشرع الشريف أن يحكموا لمجرد الاستناد إلى واحدة من هذه القواعد، ما لم يقفوا على نص صريح. وعلل الشيخ مصطفى الزرقا وجه عدم دليلية القواعد الفقهية، وحدها، على الأحكام الشرعية، بأنها أحكام أغلبية غير مطردة، وأنها (إنما تصور الفكرة الفقهية المبدئية التي تعبر عن المنهاج القياسي العام في حلول القضايا وترتيب أحكامها، والقياس كثيرا ما ينخرم، ويعدل عنه في بعض المسائل إلى حلول استحسانية استثنائية لمقتضيات خاصة من تلك المسائل .. ولذلك كانت تلك القواعد الفقهية. قلما تخلو إحداها من مستثنيات في فروع الأحكام التطبيقية خارجة عنها .. ومن ثم لم تسوغ المجلة أن يقتصر القضاة في أحكامهم على الاستناد إلى شيء من هذه القواعد الكلية فقط، دون نص آخر خاص، أو عام يشمل بعمومه الحادثة المقضي فيها؛ لأن تلك القواعد الكلية، على ما لها من قيمة واعتبار، هي كثيرة المستثنيات، فهي دساتير للتفقه، لا نصوص للقضاء).

ومن الملاحظ أن أهم ما استندت إليه هذه الآراء، هو كون هذه القواعد أغلبية، وأن المستثنيات فيها كثيرة، وأنه من المحتمل أن يكون الفرع المراد إلحاقه بها، مما يشمله الاستثناء. وهذا الاحتمال صحيح، وهو متحقق في كل القواعد الاستقرائية، لكنه لا يبطل الاستدلال بها، لاسيما في الأحكام الفرعية الفقهية. والظاهر من أقوال من نفوا ذلك مطلقا أنهم لم يفرقوا بين القواعد، ونظروا إليها جميعا بمنظار واحد، وأدخلوا ضمن فهمهم لها الضوابط الفقهية المحدودة النطاق أيضا، الأمر الذي كان له أثر واضح في حكمهم الرافض للاحتجاج بالقواعد، وجعلها قاعدة استنباط. ومن الغريب أن بعضهم، كابن دقيق العيد (ت 702هـ)، بالغ في ذلك، وادعى عدم جواز استنباط أحكام الفروع حتى من قواعد أصول الفقه. على أنه مهما يكن من أمر، فإن لقاعدة (اليقين لا يزول بالشك) مزية خاصة تقتضي أن يكون لها حكم تتميز به عن كثير من القواعد. والذي يترجح لدينا أنها صالحة لتكون من قواعد الاستنباط، عند عدم وجود نص يتناول المسألة المجهول حكمها، كما أنها صالحة لتعليل كثير من الأحكام التي تدخل في نطاقها، ولترجيح بعض الأحكام على بعض. والذي دعانا إلى ذلك عدد من الأمور، منها: 1 – أن هذه القاعدة قد استندت، كما ذكرنا في الاستدلال لها، إلى طائفة من الأدلة الشرعية، كالكتاب، والسنة، والإجماع، وأدلة العقل. وعلى هذا فهي تكتسب قوتها من الأدلة المذكورة. والثابت بها ثابت بهذه الأدلة بطريق غير مباشر. وأكثر من منعوا جعل القواعد الفقهية أدلة، استثنوا ما هو من طراز هذه القاعدة المستندة إلى الأدلة الشرعية. ومن الملاحظ، أيضا، أن الأدلة لم تقم على عنوان القاعدة وحده، بل إن كثيرا من الأصول، المتفرعة عنها، مما قامت على صحته، وبناء الأحكام عليه الأدلة الشرعية. 2 – إن ما يثار من موضوع المستثنيات، بينا أنه لا يقدح في كلية القاعدة، من وجوه عدة. ومن أهم هذه الوجوه أن العلماء – رحمهم الله – حينما تكلموا عن هذه القواعد لم يتطرقوا إلى أركانها وشروطها – عدا ما أوردوه بشأن العرف والعادة – ليعلم ما إذا كان ما يذكرونه من المستثنيات، هو مما فقد بعض تلك الشروط، أو أنه من مستثنيات القاعدة بالفعل. ثم إن ما ذكر من مستثنيات بشأن القاعدة موضوع البحث، يعد قليلا، إذا قيس بالكم الهائل من الفروع التي تدخل في نطاقها. 3 – إنّ هذه القاعدة دخل في إطارها عدد كبير من القواعد والأدلة الأصولية، كالأصل في المنافع الحل، وفي المضار التحريم، وكالاستصحاب، ودلالات الألفاظ وما هو المتيقن فيها. وقد نبه الزركشي (ت 794هـ) إلى ذلك، فذكر أن هذه القاعدة لا تختص بالفقه (بل تجري في أصوله، ويمكن رجوع غالب مسائل الفقه إلى هذه القاعدة إما بنفسها أو بدليلها؛ ولأجل هذه القاعدة كان الاستصحاب حجة، ولم يكن على المانع في المناظرة دليل .. ). وكرر هذا المعنى شارح الكوكب المنير، أيضا. وعلى هذا فإن منع بناء الأحكام عليها، ورفض جعلها من مصادر الاستنباط مخالف لما تقتضيه قواعد أصول الفقه، وموقفهم منها. 4 – إنّ واقع ما هو موجود في كتب الفقه يعزز دليلية القاعدة، فقد استدل بها العلماء في أكثر أبواب الفقه، ورجحوا بها الأحكام، والأصول المتعارضة التي تتنازع طائفة من الجزئيات. 5 – ونجد أن عددا من شراح مجلة الأحكام العدلية، ذكروا أن منع اتخاذ القواعد مدارا للحكم والفتوى إنما هو للمقلد. قال الأتاسي (ت 1326هـ) في شرحه للمجلة، بشأن الاستئناس بالقواعد، (أي يتنور بها المقلد، ولا يتخذها مدارا للفتوى والحكم، فلعل بعضا من حوادث الفتوى خرجت عن اطرادها بقيد زائد، أو لأحد الأسباب المتقدم ذكرها. وهذا يحتاج إلى نظر دقيق، وتبحر عميق يجري تلك القواعد في مشتملاتها الحقيقية، ويستثنى منها ما خرج عنها بقيد أو سبب من الأسباب المارة). ولهذا فإن مثل هذا الحكم لا ينطبق على المجتهدين القادرين على استنباط الأحكام، أو تخريجها على أصولها. ومن الملاحظ أن شارح الكوكب المنير الذي نقلنا نصه النافي لدليلية القواعد الكبرى، فيما سبق، يذكر أن هذه القواعد يقضي بها في جزئياتها، كأنها دليل على ذلك الجزئي. ولا ندري كيف لا تكون دليلا، إذا كان يقضى بها في جزئياتها؟ نعم ربما أراد أنها ليست بدليل مباشر، ولكنا دليل بالواسطة، فإن كان أراد ذلك لم تنتف عنها الدليلية أيضا. ولعل تعليل البناني (ت 1198هـ) لذكر القواعد الكبرى في خاتمة الأدلة في جمع الجوامع بقوله: (إنها تشبه الأدلة، فناسب كونها خاتمة لبحث الأدلة) يجري في هذا المجال. والذي يظهر – والله أعلم – أن ذكر ابن السبكي (ت 771هـ) لها في خاتمة الأدلة، إيماء منه بصلاحيتها للدليلية والترجيح.

قوادح الاستدلال بالإجماع – الاعتراضات الواردة على الاستدلال بالدليل من الإجماع والجواب عنها

قوادح الاستدلال بالإجماع – الاعتراضات الواردة على الاستدلال بالدليل من الإجماع والجواب عنها ¤سعد بن ناصر الشثري£بدون¥دار كنوز أشبيليا – الرياض¨الثانية¢1425هـ€أصول فقه¶إجماع الخاتمة: خلاصة البحث: خلاصته أن هناك اعتراضات يُعترض بها عند الاستدلال بالإجماع، بعضها صحيح وبعضها فاسد، وعلى هذه الاعتراضات أجوبة قد تزيل وتبعد هذه الاعتراضات، فالمقصود من هذه الاعتراضات منع تمسك المستدل بالدليل من الإجماع به. أهم نتائج البحث: أ- بيان معنى الإجماع والاعتراضات في التمهيد؛ ليكون بمثابة التوطئة والتمهيد للدخول في صلب الموضوع. ب- أن الاعتراضات الواردة على الاستدلال بالدليل من الإجماع كثيرة جداً، وتختلف جهة ورودها على هذا الدليل؛ إما من جهة ذاته، أو حجيته، أو مستنده، أو المخالفة فيه، أو صفته، أو سنده، أو وجه الاستدلال به، أو المعارضة له، وقد حاولتُ في هذا البحث أن أتتبَّع هذه الاعتراضات؛ فجزَّأتُ مادة البحث على أبوابه تبعاً لذلك، وبحثت كل مسألة على حسب ما تقتضيه طبيعة الموضوع. ج- بيان المقصود من هذه الاعتراضات بياناً شافياً واضحاً. د- توضيح موقف المعترض في كل اعتراض. هـ- ذكر جواب المستدل عند كل اعتراض يوجه له، ولم أكتف في بحث هذا الجانب بذكر منهج المستدل في الجواب؛ بل أذكر الجواب نفسه وأفصل في ذلك، وقد اعتمدت في تغطية هذه الناحية على كتب أصول الفقه المعتمدة في كل مذهب. وجعلت للنواحي التطبيقية نصيباً وافراً من هذا البحث؛ فذكرت بعد كل اعتراض جملة من المسائل التطبيقية من واقع كتب الفقه، وقد بذلت في سبيل ذلك جهوداً كبيرة؛ فتصفَّحت معظم كتاب المغني لابن قدامة؛ لكي أستخرج أمثلة على الاعتراضات الواردة على الاستدلال بالدليل من الإجماع.

قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية

قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية ¤مصطفى بن كرامه الله مخدوم£بدون¥دار إشبيليا للنشر والتوزيع¨الأولى¢1999م€أصول فقه¶قواعد فقهية وأصولية الخاتمة وبعد هذه الجولة في قواعد الوسائل وأحكامها أود أن أذكر خلاصة البحث وأهم نتائجه على سبيل الإيجاز: 1ـ أن مصطلح "الوسائل" له معنيان عند العلماء، أحدهما عام، والآخر خاص. أما المعنى العام، فهو: "الأفعال التي يتوصل بها إلى تحقيق المقاصد"، وأما المعنى الخاص فهو: "الأفعال التي لا تقصد لذاتها لعدم تضمنها المصلحة أو المفسدة، ولكنها تقصد للتوصل بها إلى أفعال أخرى هي المتضمنة للمصلحة أو المفسدة والمؤدية إليها". 2ـ أن الفعل قد يكون مقصداً باعتبار، ووسيلة باعتبار آخر. 3ـ أن التوابع داخلة في معنى الوسائل وراجعة إليه. 4ـ أن قواعد الوسائل وأحكامها العامة مبثوثة في نصوص الكتاب والسنة وفتاوى السلف الصالح، ولكنها لم تظهر بشكل قواعد علمية محددة لها صياغة معينة إلا عن طريق التدرج عبر العصور. ويعد القرنان السابع والثامن أهم القرون التي خدمت فيها قواعد الوسائل، وتبلورت بصورتها الأخيرة على يد العز بن عبدالسلام والقرافي والمقري والشاطبي وابن تيمية. 5ـ أن الأفعال التي تعد من باب المقاصد أشرف وأهم من الأفعال التي تعد من باب الوسائل، لأن المقاصد مطلوبة لذاتها، والوسائل لم تطلب إلا من أجل التوصل بها إلى مقاصد. وتميزُ الوسائل ببعض الصفات لا يستلزم أفضليتها على المقاصد. 6ـ أن الغالب على المقاصد والوسائل التعدد، بمعنى أن الوسيلة المعينة تكون لها ـ غالباً ـ مقاصد متعددة، وكذلك المقصد المعين تكون له غالباً وسائل متعددة. وأما الانحصار الذي يعرض للوسائل في بعض الأزمنة والأمكنة فليس من جهة أن الوسائل كذلك في أصل الوجود والتشريع، ولكن لظروف خارجية. 7ـ أن كون الفعل المعين وسيلة يعرف بطرق، منها: النص والعقل والتجربة والعادة، وأما حكم الوسائل فلا يعرف إلا من جهة الشرع، ولا دخل للعقل والتجربة في ذلك. 8ـ أن الوسائل تتفاضل فيما بينها تفاضلاً عظيماً، وهذا التفاضل ينبني على أمور معينة، منها: أـ مكانة المقاصد لكل وسيلة. ب ـ مدى قوة أداء الوسيلة إلى المقصود. ج ـ المشقة والسهولة. د ـ النص على الوسيلة وعدمه. هـ ـ الاتفاق على حكم الوسيلة وعدمه. 9ـ أن الأصل مباشرة كل الوسائل المشروعة المؤدية إلى تحقيق المقاصد الشرعية، فإن لم يمكن فتقدم الوسيلة الفاضلة على المفضولة بحسب معايير الترجيح التي سبق ذكرها. 10ـ أن الفقيه لا يستغني بقواعد الوسائل الكلية عن النظر التفصيلي في حكم كل وسيلة، وما يتعلق بها من النصوص والأدلة. 11ـ أن الأصلح من الوسائل قد تدخله النسبية، فيختلف باختلاف الأشخاص والأماكن والأزمان. 12ـ أن الترجيح بين الوسائل المشروعة لمعرفة الأفضل مجال يدخله النظر والاجتهاد، ولا تثريب فيه على المخالف باجتهاد. 13ـ ضرورة التفريق بين الأفعال التي هي من باب العبادات ـ وهي مما يطلق عليها اسم الوسائل بالمعنى العام ـ وبين الأفعال التي هي من باب العادات والمعاملات، وذلك لما يترتب على التفريق من أحكام كالتوقيف وعدمه. 14ـ أن الشرائع متفقة على أصول المقاصد والوسائل، وبينها خلاف في بعض الجزئيات والوسائل، وأن هذا الخلاف مبناه على اختلاف المصالح. 15ـ أن الخلاف في باب الوسائل له في الغالب أسباب مقبولة شرعاً تجعل من الخلاف فيه أمراً سائغاً لا مفر منه، وذلك ما دامت الوسيلة ليس فيها دليل قاطع. ومن تلك الأسباب: أـ الاختلاف في تحديد المقصود من الوسيلة. ب ـ الاختلاف في كون الفعل مقصداً أو وسيلة. ج ـ تردد الوسيلة بين المصلحة والمفسدة.

د ـ الاختلاف في مدى أداء الوسيلة إلى المقصود. هـ ـ الاختلاف في تحديد الأصلح من الوسائل المشروعة. وـ الاختلاف في مراعاة المقصود أو النظر إلى مجرد حكم الوسيلة. زـ الاختلاف في كون الوسيلة من باب العبادات أو العادات. ح ـ تعارض الأدلة في حكم الوسيلة. ط ـ اشتمال الوسيلة على وصف ممنوع شرعاً أو عدمه. ي ـ الاختلاف في حجية بعض القواعد الأصولية والفقهية التي ينبني عليها حكم الوسيلة. 16ـ ضرورة الرجوع ـ عند معرفة حكم الوسيلةـ إلى القواعد الشرعية العامة كالقياس والاستصلاح، وذلك في الوسائل التي لم ينص على حكمها في الكتاب والسنة. 17ـ أن الوسائل لها أحكام المقاصد ـ من حيث الجملةـ فإن كانت الوسيلة يتوقف عليها حصول المقصود فإنها تعطى حكمها، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المندوب إلا به فهو مندوب ... إلخ. وأما إن كانت الوسيلة لا يتوقف عليها حصول المقصود، وذلك عند تعدد الوسائل المؤدية إلى مقصود واحد، ففيه تفصيل، فإن كان المقصود منهياً عنه أو مباحاً فتأخذ الوسائل حكمها. وأما إن كان مطلوباً فإحداها تكون مطلوبة دون غيرها لتوقف المقصود المطلوب على مباشرة إحداها، ومردها إلى اختيار المكلف واجتهاده، كالواجب المخير. وبهذا يظهر أن القاعدة المذكورة أغلبية. 18ـ أن تطور الوسائل له أثر كبير في أحكامها الشرعية، وذلك في الوسائل التي يختص النظر فيها بمدى المصلحة والمفسدة المتعلقة بها. 19ـ أن توابع الطاعات ملحقة بالطاعات في الأجر والثواب ترغيباً من الشرع فيها، وكذلك الآثار الناشئة عن الطاعات. وأما توابع المعاصي فلا مؤاخذة فيها كالانصراف عن مواضع الفساد، وأما آثار المعصية ـ التي هي مفسدة في ذاتهاـ فإنها تابعة للمعاصي في الإثم والعقاب. 20ـ أن الوسائل تسقط بسقوط المقاصد إلا بدليل فتكون من باب الأحكام التعبدية، ومحل السقوط المذكور عند اتحاد المقصد، أو سقوط جميع مقاصد الفعل، أما إن تعددت المقاصد وسقط بعضها فلا تسقط الوسيلة. 21ـ أن حصول المقصود بإحدى الوسائل المتساوية في المرتبة مسقط لاعتبار التعين فيها. 22ـ أن مراعاة المقاصد أولى من مراعاة الوسائل عند التعارض، وبعد تعذر مراعاة الجميع. 23ـ أنه يغتفر في الوسائل مالا يغتفر في المقاصد، فالأفعال التي هي وسائل ـ بالمعنى الخاص ـ تباح عند الحاجة، أما الأفعال التي هي مقاصد ـ بالمعنى الخاص ـ فلا تباح إلا عند الضرورة. 24ـ أن الفعل المنهي عنه سداً للذريعة يباح للحاجة والمصلحة الراجحة. 25ـ أن الوسيلة المؤدية إلى المقصود المشروع لا بد أن تكون مشروعة، فلا يتوسل بالوسائل المنهي عنها، ونظرية "الغاية تبرر الوسيلة" نظرية فاسدة ومتناقضة. 26ـ أن الوسائل الممنوعة تباح عند الضرورة الشرعية بشروطها. 27ـ أن وسائل الدعوة ليست توقيفية، إلا إن كانت من باب العبادات، وقد عرفنا أنها تسمى وسائل بالمعنى العام لا بالمعنى الخاص. أما إن كانت من باب العادات والمعاملات فهي مشروعة ما دامت تحقق مصالح شرعية راجحة، ولم يرد في النهي عنها نص خاص، إلا إذا اعتقد المكلف أنها قربة في ذاتها كالصلاة والصيام فينهى عن هذا الاعتقاد. 28ـ أن وسائل الدعوة لها ضوابط شرعية خمسة يجب الالتزام بها، وهي: أـ عدم مخالفها لنصوص الشرع أو قواعده. ب ـ أن يكون المقصود من الوسيلة مشروعاً. ج ـ أن تؤدي الوسيلة إلى المقصود المشروع قطعاً أو ظناً على التفصيل السابق. د ـ أن لا يترتب على الأخذ بتلك الوسيلة مفسدة أكبر من مصلحتها. هـ ـ أن لا يعلق بالوسيلة وصف ممنوع شرعاً.

29ـ أن الوسائل المحضة لا تشترط فيها نية الامتثال ولا قصد المعنى المقصود منها، أما غير المحضة ـ وهي التي تكون وسيلة باعتبار ومقصداً باعتبار ـ ففيها خلاف بين الفقهاء، والظاهر إلحاقها بأقوى الطرفين شبهاً، وهذا يختلف باختلاف المواضع. 30ـ أن قاعدة سد الذرائع وفتحها قاعدة شرعية صحيحة، وأن أصل سد الذرائع متفق عليه في الجملة، وإنما الخلاف في بعض أنواعه وفروعه. وبناء على ذلك فالوسائل الجائزة في ذاتها إذا كانت تؤدي إلى مفسدة قطعاً أو ظناً فينهى عنها. والوسائل الجائزة في ذاتها إذا كانت تؤدي إلى مصلحة قطعاً أو ظناً فتطلب شرعاً. 31ـ أن قاعدة "مقدمة الواجب" قاعدة صحيحة، والخلاف فيه لفظي يرجع إلى طريق الإيجاب. فكل وسيلة يتوقف عليها حصول مقصودها فإنها تأخذ حكم مقصودها شرعاً. 32ـ أن المصالح المرسلة ملحقة بالمصالح المعتبرة في الشرع، ولا يكاد يخلو مذهب من المذاهب الفقهية من اعتبارها في الجملة. وبناءً على ذلك فكل وسيلة تتضمن مصلحة حقيقية راجحة ولم يرد نص خاص في النهي عن مباشرتها، فإنها تكون وسيلة مشروعة. وهذا القول هو الذي ينسجم مع مقاصد الشريعة، ومصالح الناس المتجددة. 33ـ أن البدع مذمومة شرعاً، فلا يتقرب إلى الله إلا بما شرعه، وأن ذلك الحكم شامل للوسائل العبادية التي لم يقم دليل على مشروعيتها. وأن الأفعال التي هي من باب العادات والمعاملات لا تدخل في البدع المذمومة شرعاً إلا إن اعتقد المكلف أنها قربة في ذاتها كالصلاة والصيام. 34ـ أن المكلف إذا أتى بالسبب مستكملاً لشروطه وأركانه مع انتفاء موانعه، فإنه يترتب عليه المسبب ـ أي الحكم المعلق عيه ـ سواء علم به المكلف أم لا، وسواء رضي به المكلف أم لا. 35ـ أن المكلف لو أتى بالسبب المطلوب على وجه الكمال فقد امتثل الأمر، وبرئت ذمته من الطلب، ولو لم يترتب عليه المسبب. 36ـ أن المعتبر في الأحكام المعاني دون صور الأسباب. 37ـ أن الحيل مذمومة شرعاً، والمراد بها "الأخذ بالوسائل المشروعة للتوصل بها إلى مقاصد غير مشروعة كتحليل المحرم" وأن القول بإباحة الحيل مناقض للمقاصد الشرعية، ولقاعدة سد الذرائع. 38ـ أن الأخذ بالاحتياط حجة في الشرع، وقد يكون واجباً أحياناً، وقد يكون مندوباً، بحسب قوة الشبهة، وما يترتب على الأخذ بذلك الفعل من المفاسد. 39ـ أن العمل بالاحتياط مشروط بقوة الشبهة ووجاهة الرأي المخالف. 40ـ أن قاعدة الاحتياط تتعلق بالوسائل الجائزة إذا كان الأخذ بها يخشى منه الأداء إلى المفسدة والوقوع فيه، وهي تشترك مع سد الذرائع في هذا المعنى، وبينهما فروق يسيرة. 41ـ أن من توسل بالوسائل غير المشروعة تعجلاً منه لحقٍّ له، فإنه يعزر بحرمانه من ذلك الحق، ويعامل بنقيض مقصوده. "والحمد لله أولاً وآخراً"

قواعد معرفة البدع

قواعد معرفة البدع ¤محمد بن حسين بن حسن الجيزاني£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1419هـ€أصول فقه¶أصول فقه - البدع خاتمة: 1 - عرض مجمل لقواعد معرفة البدع: 1) كل عبادة تستند إلى حديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي بدعة. 2) كل عبادة تستند إلى الرأي المجرد والهوى فهي بدعة؛ كقول بعض العلماء أو العباد أو عادات بعض البلاد أو بعض الحكايات والمنامات. 3) إذا ترك الرسول صلى الله عليه وسلم فعل عبادة من العبادات مع كون موجبها وسببها المقتضي لها قائما ثابتا، والمانع منها منتفيا؛ فإن فعلها بدعة. 4) كل عبادة من العبادات ترك فعلها السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم أو نقلها أو تدوينها في كتبهم أو التعرض لها في مجالسهم فإنها تكون بدعة بشرط أن يكون المقتضي لفعل هذه العبادة قائما والمانع منه منتفياً. 5) كل عبادة مخالفة لقواعد هذه الشريعة ومقاصدها فهي بدعة. 6) كل تقرب إلى الله بفعل شيء من العادات أو المعاملات من وجه لم يعتبره الشارع فهو بدعة. 7) كل تقرب إلى الله بفعل ما نهى عنه سبحانه فهو بدعة. 8) كل عبادة وردت في الشرع على صفة مقيدة، فتغيير هذه الصفة بدعة. 9) كل عبادة مطلقة ثبتت في الشرع بدليل عام؛ فإن تقييد إطلاق هذه العبادة بزمان أو مكان معين أو نحوهما بحيث يوهم هذا التقييد أنه مقصود شرعا من غير أن يدل الدليل العام على هذا التقييد فهو بدعة. 10) الغلو في العبادة بالزيادة فيها على القدر المشروع والتشدد والتنطع في الإتيان بها بدعة. 11) كل ما كان من الاعتقادات والآراء والعلوم معارضا لنصوص الكتاب والسنة، أو مخالفا لإجماع سلف الأمة فهو بدعة. 12) ما لم يرد في الكتاب والسنة ولم يؤثر عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين من الاعتقادات فهو بدعة. 13) الخصومة والجدال والمراء في الدين بدعة. 14) إلزام الناس بفعل شيء من العادات والمعاملات، وجعل ذلك كالشرع الذي لا يخالف، والدين الذي لا يعارض بدعة. 15) الخروج على الأوضاع الدينية الثابتة، وتغيير الحدود الشرعية المقدرة بدعة. 16) مشابهة الكافرين فيما كان من خصائصهم من عبادة أو عادة أو كليهما بدعة. 17) مشابهة الكافرين فيما أحدثوه مما ليس في دينهم من العبادات أو العادات أو كليهما بدعة. 18) الإتيان بشيء من أعمال الجاهلية، التي لم تشرع في الإسلام بدعة. 19) إذا فعل ما هو مطلوب شرعا على وجه يوهم خلاف ما هو عليه في الحقيقة فهو ملحق بالبدعة. 20) إذا فعل ما هو جائز شرعا على وجه يعتقد فيه أنه مطلوب شرعا فهو ملحق بالبدعة. 21) إذا عمل بالمعصية العلماء الذين يقتدى بهم على وجه الخصوص وظهرت من جهتهم حتى أن المنكر عليهم لا يلتفت إليه، بحيث يعتقد العامة أن هذه المعصية من الدين فهذا ملحق بالبدعة. 22) إذا عمل بالمعصية العوام وشاعت فيهم وظهرت، ولم ينكرها العلماء الذين يقتدى بهم وهم قادرون على الإنكار، بحيث يعتقد العامة أن هذه المعصية مما لا بأس به فهذا ملحق بالبدعة. 23) كل ما يترتب على فعل البدع المحدثة في الدين من الإتيان ببعض الأمور التعبدية أو العادية فهو ملحق بالبدعة؛ لأن ما انبنى على المحدث محدث

ما له حكم الرفع من أقوال الصحابة وأفعالهم

ما له حكم الرفع من أقوال الصحابة وأفعالهم ¤محمد بن مطر الزهراني£بدون¥دار الخضيري - المدينة المنورة¨بدون¢1418هـ€أصول فقه¶قول الصحابي الخاتمة: وفيها أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث: أولا: يمكن تقسيم الصيغ الواردة في هذا البحث إلى قسمين: 1ـ ما كان منها بصيغة الجمع ودالة على تكرار القول أو الفعل من الصحابة مثل قول الراوي: كانوا يفعلون كذا، كنا نقول كذا، كانوا لا يرون بأسا بكذا، أمرنا أو نهينا عن كذا، ونحو ذلك، فهذه محمولة على الرفع إلا ما استثني من ذلك، كأن يكون الفعل مما يخفى غالبا. 2ـ ما كان بصيغة الإفراد كقول الصحابي أو فعله أو تفسيره، فهو محمول على الوقف إلا ما استثني من ذلك، كالتفسير المتعلق بسبب النزول، وما قاله الصحابي أو فعله مما لا مجال للرأي فيه فيكون مرفوعا حكما. ثانيا: إن من أمثله ما لا مجال للرأي فيه ما يأتي: 1ـ الإخبار عن الأمور الماضية كقصص الأنبياء وبدء الخلق ونحو ذلك. 2ـ الإخبار عن الأمور الآتية كالملاحم والفتن وما يكون في اليوم الآخر وصفة الجن والنار ونحو ذلك. 3ـ الإخبار عن عمل أنه طاعة أو معصية ويحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص. ثالثا: يمكن تقسيم تفسير الصحابي للقرآن إلى ثلاثة أقسام هي: 1ـ ما كان في تفسير مفرد بمفرد أو استنباط حكم ونحو ذلك فهو موقوف. 2ـ ما كان في ذكر سبب النزول ونحوه فهذا مرفوع. 3ـ ما كان من التفسير مما لا مجال للرأي فهه فهذا – أيضا – مرفوع. رابعا: إن هذه المباحث من المباحث المشتركة بين علوم الحديث وأصول الفقه، وذلك إن غالب الأحاديث المروية بهذه الصيغ تدخل تحت تقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقريره صلى الله عليه وسلم أحد أقسام السنة إذ السنة ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير لهذا اهتمت جل كتب أصول الفقه بذكر هذه المباحث وعلى وجه الخصوص المباحث الأول والثاني والثالث والرابع. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته أجمعين.

مباحث العلة في القياس عند الأصوليين

مباحث العلة في القياس عند الأصوليين ¤عبدالحكيم عبدالرحمن السعدي£بدون¥دار البشائر الإسلامية - بيروت¨الأولى¢1406هـ€أصول فقه¶قياس وعلة وتعليل نتائج البحث اعتاد الباحثون أن يختموا بحوثهم بأهم النتائج التي توصلوا إليها من خلال رحلتهم مع البحث، ويقدموا توصياتهم ومقترحاتهم بشأنه، ولما كان بحثنا هذا – رغم الاختصار فيه والحذف الكثير فيه – لا يخلو من طول بحكم طبيعته، فإنه من الصعب بمكان أن أذكر نتائجه كلها، فذلك مما يزيده طولا وسعة، وعليه: فإني سأكتفي بذكر بعض الأمور العامة التي قدحت في ذهني من خلال رحلتي الطويلة مع هذا البحث. أولاً: إن مثل هذا الموضوع - أعني: البحث في العلة وأحكامها - من أهم الموضوعات في أصول الفقه، بل يكاد يكون أهمها إذا ما لا حظنا أن بالعلة يفهم الحكم الذي دل عليه النص أو الإجماع، وليس في قولي هذا افتيات على النص، بل إنه سند له، ما دام فهم العلة مخرجا من مخارج الحكم فيه، فمن مقتضى الاهتمام بالنص الاهتمام بالعلة وأحكامها، وما من مجتهد أو فقيه إلا ويكون التعمق في هذا البحث له من أهم متطلبات أمره في الاجتهاد واستنباط الأحكام ومن هنا أجد أن ما عليه الباحثون المحدثون الآن لم يوف حق هذا الركن من أركان القياس، فلم أجد منهم إلا المرور عليه مر الكرام، وخاصة فيما يتعلق بالأمور العقلية منه، بل إني وجدت الكثيرين يهربون منها أو يتجاهلونها، ومن هنا أقدم اقتراحي لهم وأستحثهم في أن يجعلوا من هذا الركن موضوعات عديدة لهم في بحوثهم لدراستها دراسة عميقة، وتبسيط ما أغفله الأقدمون بعباراتهم الشديدة الصعبة، حتى يكون في متناول كل باحث ممن لم يصل إلى درجة عالية من الإدراك والفهم، ويستفيد منه كل طالب علم شرعي، حتى لو كان في أول السلم. ثانياً: ومن خلال بحثي وجدت أن أصول الفقه توأم لعلم العربية، فإذا ما نظرنا إلى ألفاظ التعليل وما ذكره الأصوليون فيها مما عرفوه من قواعد اللغة العربية، نجد أنه لا سبيل للباحث في هذا العلم إلا أن يلم بعلم العربية، حتى يكون على قدم راسخة وقاعدة صلبة يرتكز عليها بحثه، وبدون ذلك فإنه من المستحيل أن يصل إلى نتيجة سليمة فيما يذهب إليه، ومن لا عربية له لا أصول له. ثالثا: هناك أمر مهم أحببت التنبيه عليه، ذلك أني وجدت كثيرا من الأصوليين يستشهدون بالأحاديث النبوية الشريفة، وفي كثير من الأحيان يكون موطن الشاهد في الحديث يتعلق بلفظه، ولدى المتابعة والبحث نجد أنهم إما اتبعوا في ذلك رواية ضعيفة، أو رواية بالمعنى، وكل هذا يفسد الاستشهاد به، لأنه يخرجه عن أن يكون معتمدا في الاستدلال ما دام أن موطن الشاهد يتعلق بلفظ مخصوص من الحديث، ومن هنا حاولت جهدي أن أتلمس لفظ الحديث وروايته الصحيحة، ليتم الاستدلال به بوجه صحيح. رابعا: كما يلاحظ في أكثر من موضع أن الأصوليين قد يذكرون المثال على القاعدة، مع أنه ربما كان الحكم ثابتا بخلاف مدعاهم في ذلك المنال، وما كان إيرادهم له إلا لمجرد توضيح القاعدة أو الأصل الذي ذهبوا إليه، وهذا ما يطلقون عليه: (المثال التقديري) أو (الافتراضي) فمثلاً: تعليل حرمة الخمر بكونه مسكرا، يذكر في أماكن عديدة للاستشهاد بها على ثبوت الحكم بكل مسكر بالاستنباط، وليس الأمر كذلك، فإن حرمة المسكر إنما ثبتت بالنص – كما رأينا – في أكثر من موضع.

خامساً: عبارات الأقدمين من الأصوليين مغلقة مقفلة، ربما تناسب عصرهم أما وقد فترت الهمم، واختلف النظر، وأصبح الشرح والتطويل والإسهاب سمة الكاتبين في هذا العصر، فإني لا أجد بداً من القول: بأنه لا بد من أن تقوم طائفة من الكتاب والمؤلفين المحدثين بشرح قواعد أصول الفقه شرحا بسيطا يكون في متناول الجميع وهذا لا يعني دعوة مني إلى نبذ كتب السلف والخروج عن عباراتهم، بل إني أؤكد أن في تصانيفهم البركة كلها والخير كله، والعلم النافع، وربما لا يستطيع باحث في بعض المواقف أن يأتي بعبارة أفضل صيغة مما صيغت به من قبل السلف، وهذا ما واجهته بنفسي خلال إعداد بحثي، حيث استخدمت في كثير من الأماكن عبارات الأصوليين بنفسها، لأني وجدت في الخروج عنها تضييعاً للدليل وسلامته، ولم أكن بدعا في ذلك بل إن الأقدمين أنفسهم يستخدم اللاحق منهم عبارة السابق متى ما وجدها سهلة، إلا أني في هذه الدعوة أود أن ألفت أنظار الباحثين في هذا العصر إلى أن يجعلوا من هذا العلم ملجأ لجميع من يتحرى الدقة في أحكام القواعد التي يريد وضعها وفي مقدمة هؤلاء الناس واضعوا قواعد القوانين والأنظمة التي هي أساس تعايش الأمم بأمن وسلام، ولا يتحقق ذاك إلا بإبراز هذا الفن بشكل يفهمه المبتدئ قبل المنتهي، وبذلك نكون قد قدمنا للشريعة الإسلامية خدمة ليس بعدها خدمة. وأخيراً أدعو الله تعالى مخلصاً أن يوفق الجميع لما فيه خدمة الإسلام والمسلمين، وأن يكلأ والدينا ومعلمينا وأساتذتنا وشيوخنا وجميع أصحاب الحقوق علينا بواسع رحمته في الدنيا والآخرة، والله ولي التوفيق. وآخر دعوانا (أن الحمد لله رب العالمين). عبد الحكيم السعدي الاثنين – 26 / جمادي الآخرة 18/ مارس – آذار سنة 1985م

مخالفة الصحابي للحديث النبوي دراسة نظرية وتطبيقية

مخالفة الصحابي للحديث النبوي دراسة نظرية وتطبيقية ¤عبد الكريم بن علي النملة£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1416هـ€أصول فقه¶قول الصحابي الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبعد: فإني بعد أن أنهيت الكتابة عن هذا الموضوع، أحببت أن أحيط القارئ الكريم بإلمامة سريعة لما بحثته، وذكر أهم النتائج التي توصلت إليها فأقول. وبالله التوفيق: أولاً: مخالفة الصحابي هي: ما يقوله أو ما يفعله أو يفتي به مناقضاً ومغايراً لما دل عليه الحديث. ثانياً: الصحابي هو: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم واختص به اختصاص المصحوب، متبعاً إياه مدة يثبت معها إطلاق صاحب فلان عليه عرفاً، بلا تحديد لمقدار تلك الصحبة سواء روى عنه أو لا، تعلم منه أو لا. وقد اخترت هذا المذهب في المراد بالصحابي بعد مناقشتي للمذاهب الأخرى في ذلك. ثالثاً: الخلاف في المراد بالصحابي له ثمرة. رابعاً: الصحابي - نعرفه بطرق ذكرها العلماء - وقد أشرت إليها بإيجاز. خامساً: الصحابة عدول بتعديل الله ورسوله لهم وبينت ذلك. سادساً: الصحابي إذا خالف الحديث مخالفة كلية وقد قطعنا بعلمه به مع عدم معرفة سبب المخالفة، فإن الحكم في هذا: أنه لا تقبل تلك المخالفة، ويبقى الحديث حجة، يعمل به، هذا هو الراجح، وأجبت عن أدلة المذهب المرجوح، مع ذكر عدد من الأمثلة تبين ثمرة الخلاف. سابعاً: الصحابي إذا خالف الحديث مخالفة كلية، وقد قطعنا بعلمه به، مع معرفتنا لسبب تلك المخالفة ففيه تفصيل. فإن كان سبب تلك المخالفة دليلاً صرح به المخالف فإنا ننظر في ذلك الدليل، فإن قبلناه تركنا الحديث من أجل ذلك الدليل، لا من أجل تلك المخالفة من الصحابي، وإن لم نقبله ــ بمعنى لم يصلح دليلاً معارضاً للحديث ــ عملنا بالحديث. وإن كان سبب تلك المخالفة " عدم إحاطته بمعنى الحديث "، أو " التورع والحرج " أو " نسيان الحديث والغفلة عنه " فإنا في هذه الحالات نعمل بالحديث ويستمر على حجيته، ولا نلتفت إلى مخالفة الصحابي. ثامناً: الصحابي إذا خالف الحديث مخالفة كلية وقد غلب على ظننا علمه به فإن الحديث يبقى على حجيته، ولا ننظر إلى مخالفة الصحابي، هذا ما رجحته، وأجبت عن أدلة المخالفين، مع ذكر بعض الأمثلة التي تبين من خلالها ثمرة الخلاف. تاسعاً: الصحابي إذا خالف الحديث مخالفة كلية وقد شككنا في علمه به، فإن الحديث يبقى على حجيته، ولا تؤثر تلك المخالفة عليه بالإجماع. عاشراً: الصحابي إذا خالف الحديث مخالفة كلية وقد غلب على ظننا عدم علمه به فالحديث يبقى على حجيته، ولا يلتفت إلى تلك المخالفة بالإجماع مع ذكر بعض الأمثلة على ذلك. حادي عشر: الصحابي إذا خالف الحديث مخالفة كلية وقد قطعنا بعدم علمه به فإن الحديث يبقى على حجيته، ولا يلتفت إلى تلك المخالفة وضربنا لذلك عدة أمثلة. ثاني عشر: أن حضور بعض الصحابة مجالس النبي صلى الله عليه وسلم دون بعض هو من أهم أسباب خفاء الحديث عن الصحابة الذين غابوا. ثالث عشر: أن الصحابي إذا خالف عموم الحديث، وخصصه ببعض أفراده فإن الحديث يبقى على عمومه، ولا يلتفت إلى تخصيص الصحابي هذا ما رجحته، وقد أجبت عن أدلة المخالفين، وضربت عدة أمثلة تبين ثمرة الخلاف. رابع عشر: أن الصحابي إذا خالف ظاهر الحديث، وحمل المطلق على المقيد، والحقيقة على المجاز، وما ظاهره الوجوب على الندب، فإن الحديث يبقى على ظاهره، ولا يلتفت إلى مخالفة الصحابي. خامس عشر: أن الصحابي إذا ادعى أن الحديث منسوخ فلا يعتبر بذلك أنه مخالف له. سادس عشر: أن الصحابي إذا حمل الحديث على أحد محمليه فإنه لا يعتبر بذلك مخالفاً له. هذه أهم نتائج هذا الموضوع، ولكل ما قلته أدلة وبراهين تجدها في أماكنها أثناء البحث. أرجو من الله العلي القدير أنّ ينفعني وإياكم بما جاء فيه، وأن يجعله في موازين أعمالي يوم لا ينفع مال ولا بنون. والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة

معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة ¤محمد بن حسين بن حسن الجيزاني£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1416هـ€أصول فقه¶دراسات إسلامية النتائج في هذا المقام تحسن الإشارة إلى أهم النتائج المستفادة من هذا البحث وعددها أربع: وبيانها على النحو الآتي: أولاً: أن لأهل السنة والجماعة منهجاً واضحاً في أصول الفقه. ومعالم هذا المنهج: سلامة المنُطلَق، وقوة المُسْتَنَد، وشمول النظرة، ووضوح الفكرة. • لقد امتاز هذا المنهج أولاً: بسلامة المنطلق، إذ بُني على إجماع السلف الصالح وانطلق من عقيدتهم في أبواب الإيمان والتوحيد. • وامتاز ثانياً بقوة المستند، إذ استند هذا المنهجُ في تقرير القواعد وإقامة الشواهد على نصوص الكتاب والسنة الصحيحة، وما صحَّ من الآثار المروية عن خير القرون من الصحابة والتابعين. والمستند أيضاً إلى الفهم والاستنباط، وإعمال الرأي واستهداف العقل في حدود الشرع، كما استند أيضاً إلى قواعد اللغة العربية واستعمالاتها. • وامتاز ثالثاً بشمول النظرة، إذ اجتمع في هذا المنهج الالتفاتُ إلى هذه الشريعة الغراء في مقاصدها العامة وقواعدها الكلية وفي أحكامها الفرعية وتفاصيلها الجزئية. • وامتاز رابعاً بوضوح الفكرة، فقد اتصف هذا المنهج بالخلو من التعقيد والإشكال، والسمو عن التناقض والاضطراب. ثانياً: أن لمنهج أهل السنة والجماعة في علم أصول الفقه أئمة ورجالاً. فمن أبرز أعلام هذا المنهج: 1ـ الإمام الشافعي. 2ـ أبو المظفر السمعاني. 3ـ ابن قدامة المقدسي. 4ـ شيخ الإسلام ابن تيمية. 5ـ ابن قيم الجوزية. 6ـ ابن النجار الفتوحي. 7ـ الشيخ محمد الأمين الشنقيطي. ثالثاً: أن للمعتقد أثراً بليغاً في أصول الفقه. يظهر هذا الأثر جلياً في المسائل المشهورة، وذلك كالقول بأن الأمر لا صيغة له بناء على إثبات الكلام النفسي الباطل، ومذهب أهل السنة أن للأمر صيغة تخصه بناء على إثبات اللفظ والمعنى في كلام الله سبحانه، ونفي الكلام النفسي الباطل. ولكن هذا الأثر يكون خفياً في مسائل أخرى وهي تلك المسائل التي حصل الاتفاق فيها بين أهل السنة وبعض مخالفيهم في ظاهر المذهب مع الاختلاف في المأخذ، وذلك في مواجهة من خالف الفريقين في المذهب والمأخذ معاً، وذلك مثل مسألة النسخ قبل التمكن إذ اتفق رأيُ أهل السنة ورأيُ الأشاعرة في القول بالجواز وخالف في ذلك المعتزلةُ فقالوا بالمنع. والحقيقة أن رأي الأشاعرة وإن كان موافقاً في الظاهر لرأي أهل السنة إلا أنهما مختلفان في المأخذ: فأهل السنة قالوا بالجواز بناء على إثبات الحكمة والتعليل في أفعاله سبحانه وتعالى، وأن الحكمة قد تكون الابتلاء والتمحيص. أما الأشاعرة فقد قالوا بالجواز بناء على إنكار الحكمة والتعليل في أفعال الله سبحانه، واستواء هذه الأفعال بالنسبة للأمر والنهي. وأما المعتزلة فقد قالوا بالمنع بناء على أصل عقدي باطل وهو إثبات التحسين والتقبيح العقليين وترتيب الثواب والعقاب عليهما. والمقصود: أن الأثر العقدي تارة يكون جليّاً كالقول بأن الأمر لا صيغة له، وكمنع المعتزلة من النسخ قبل التمكن، وتارة يكون هذا الأثر خفيًّا كتجويز اِلأشاعرة النسخ قبل التمكن. رابعاً: أن تاريخ علم أصول الفقه بحاجة إلى مزيد من الدراسة. فإن الكتابة في تاريخ هذا العلم قاصرة على تقسيم جهود الأصوليين إلى ثلاث طرق: طريقة المتكلمين، وطريقة الفقهاء، وطريقة المتأخرين أو الجمع بين الطريقتين. والواقع: أن هذا التقسيم ـ وإن كان صحيحاًـ قاصر على اعتبارٍ واحد، وهو النظر إلى منهج الكتابة وطريقة التأليف. وهناك اعتبارات أخرى لم يلتفت إليها. وذلك مثل: اعتبار العقيدة فهناك كتب للأشاعرة، وأخرى للمعتزلة، وأخرى للماتريدية، وأخرى للشيعة، وهناك كتب لأهل السنة والجماعة. ومثل اعتبار المذاهب الفقهية: فهناك كتب أصولية على المذهب الحنفي، وعلى المذهب المالكي، وعلى المذهب الشافعي، وعلى المذهب الحنبلي، وعلى المذهب الظاهري. ومثل اعتبار شمول هذه المؤلفات لمباحث هذا العلم أو الاقتصار على بعضها: فهناك مؤلفات أصولية شاملة لجملة مباحث علم الأصول، وهناك مؤلفات خاصة ببعض المباحث، مثل كتاب "تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم" للعلائي.

مقاصد الشريعة الإسلامية في فكر الإمام سيد قطب

مقاصد الشريعة الإسلامية في فكر الإمام سيد قطب ¤نصير زرواق£بدون¥دار السلام- القاهرة¨الأولى¢1430هـ€أصول فقه¶مقاصد الشريعة خاتمة: نخلص مما سبق إلى أن البحث وصل إلى تحقيق نتائج أهمها: 1 - محاولة بسط مفهوم المقاصد، وتوسيع مدى مناقشة هذه المفاهيم، وتوسيع وعاء النظر وأفق البحث في فكرة المقاصد. 2 - بيان أن دراسة علم المقاصد ومحاولة سبر أغوار الشريعة الإسلامية إنما يكون بالالتفات إلى العلاقة التي تربط الإنسان فرداً ومجتمعاً بالكون والحياة والأحياء؛ لأن ذلك يساعد كثيراً في فهم روح الشريعة والاجتهاد في نصوص التشريع. 3 - محاولة وضع كليات ثابتة مستخلصة من أحكام التشريع هي من مقاصد الشارع الحكيم سواء بالنسبة للأفراد أم المجتمع أو الدولة، بينا كيف أن مثلاً، تكريم الفرد هو قيمة مطلقة لا يمكن تغيرها بتغيير زمان أو مكان، وكذلك إيجاد عمل يسترزق منه الإنسان أو إعطاؤه الكفاية إذا عجز عن العمل أو عجزت الدولة عن إيجاد عمل له، وكيف أن المجتمع مطالب بتأدية رسالته وهي رسالة تتضمن ثوابت كذلك لا تختلف باختلاف الزمان أو المكان، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأهمية ذلك في خلق المجتمع الصحي السليم، وكذلك التكافل وأهميته، وكيف أن الشريعة الإسلامية بما شرعت من أحكام رمت إلى تحقيق هذه الأهداف والمقاصد في واقع المجتمع، كذلك بالنسبة للدولة وكيف أن هناك ثوابت كذلك لا تتغير بتغير الزمان والمكان، كالعدل بين الرعايا والمساواة ونشر الدعوة وحماية المستضعفين وتوفير التعليم والعمل لمواطنيها وتوفير الأمن لهم، وكفالة الحريات. 4 - أن الأستاذ سيد قطب ترك ثروة عالية القيمة يجب الالتفات إليها بالدراسة والبحث؛ لأنها الأقرب إلى حاجاتنا وواقعنا بحكم القرب الزمني. 5 - أن الأستاذ سيد قطب هو مجدد القرن الرابع عشر الهجري بلا جدال. 6 - أن المقاصد لا يمكن أن تحل مكان الأصول، وأنه لا يمكن الاستغناء عن علم الأصول، وإنما بوضع القواعد والضوابط لفكرة المقاصد لتكون مكملة لعلم الأصول لا بديلا عن الأصول.

مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية

مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية ¤محمد سعد بن أحمد اليوبي£بدون¥دار الهجرة - الخبر¨الأولى¢1418هـ€أصول فقه¶مقاصد الشريعة الخاتمة والنتائج بعد هذه الرحلة الطويلة الممتعة التي عشتها مع هذا البحث، ألقي عصا الترحال منتهياً حيث انتهت بي مباحث هذا البحث وتمت فصوله، مسجلاً أهم النتائج التي توصلت إليها والفوائد، التي وقفت عليها، وهي فوائد كثيرة ومتعددة، لذا رأيت أن أجعلها على قسمين: 1 - فوائد عامة وهي مأخوذة من إيحاءات مباحث هذا الموضوع ومعايشة ما يتعلق به أو هي عبارة عن فوائد دراسة المقاصد على وجه الإجمال. 2 - فوائد خاصة وهي عبارة عن خلاصة لنتائج مباحث الرسالة. أولاً: الفوائد العامة .. وهي ما يلي: الأولى: أنّ معرفة مقاصد الشريعة سبب في زيادة الإيمان وتقويته، واستمالة القلب وطمأنينته. وبيان ذلك: أن المسلم مأمور باتباع ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، علم الحكمة والمقصد من ذلك أم لم يعلم. ولكنه حين يقف على المقصد من الأمر الشرعي ويدركه يزداد إيماناً وتعلقاً بهذا الدين وتمسكاً به، لأنه يدرك حينئذِ أن هذا الدين جاء بالسعادة في الدنيا والآخرة ومإذا بعد السعادة إلا الشقاء، ومإذا بعد الحق إلا الضلال. فضلاً عما جبلت عليه النفوس من الميل والإقبال على ما عرفت هدفه وغايته وأدركت نفعه ومصلحته، فإن ذلك حادٍ للنفوس إلى الإقبال عليه، وداع ٍ إلى التوجه إليه. قال الغزالي: " معرفة باعث الشرع ومصلحة الحكم استمالة ٌ للقلوب إلى الطمأنينة والقبول بالطبع والمسارعة إلى التصديق؛ فإن النفوس إلى قبول الأحكام المعقولة الجارية على ذوق المصالح أميل منها إلى قهر التحكم ومرارة التعبد ولمثل هذا الغرض استحب الوعظ وذكر محاسن الشريعة ولطائف معانيها وكون المصلحة مطابقة للنص، وعلى قدر حذقه يزيدها حسناً وتأكيداً ". الثانية: أن في معرفة مقاصد الشريعة تعرفاً على محاسن الشريعة ومزاياها وهو أمر له أهميته في استمالة القلوب كما سبق؛ وأيضاً يفتح آفاقاً جديدة في الدعوة إلى الله، لا سيما دعوة أولئك الذين لم يبلغهم الدين إلا من خلال كتابات مشوهة، وأفكار مضللة، فحين يدركون مقاصد هذا الدين السامية، وأهدافه النبيلة العالية، وما يسعى إليه من سعادة للناس، حين يدركون ذلك، ويعرض لهم الإسلام من خلاله يدركون ضآلة ما هم عليه من أفكار، وحقارة ما يقدسونه من حضارة. الثالثة: أن في إبراز مقاصد الشريعة وإظهارها، ومدارستها وبحثها، رداً لشبه المغرضين، وتفنيداً لآراء المنحرفين الذين يتهمون الشريعة بالقصور وعدم الوفاء بحاجات الناس ومتطلباتهم في هذا العصر ومنْ ثَمّ يطالبون باستبدالها وإبعادها، فإذا عرضت مقاصدها وما اشتملت عليه من حكم باهرة، ومصالح ظاهرة، علم على الحقيقة كذبهم فيما يقولون، وزيف ما يدعون. والدفاع عن الشريعة ورد الشبه عنها واجب على العلماء، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. الرابعة: أنّ معرفة مقاصد الشريعة لها أهمية كبرى للمجتهد. فالمجتهد محتاج إلى مقاصد الشريعة والاطلاع عليها، وقد أشار العلماء إلى هذا، قال السبكي: " واعلم أن كمال رتبة الاجتهاد تتوقف على ثلاثة أشياء: أحدها: التأليف في العلوم التي يتهذب بها الذهن كالعربية وأصول الفقه .. الثاني: الإحاطة بمعظم قواعد الشريعة حتى يعرف أن الدليل الذي ينظر فيه مخالف لها أو موافق.

الثالث: أن يكون له من الممارسة والتتبع لمقاصد الشريعة ما يكسبه قوة يفهم منها مراد الشرع من ذلك، وما يناسب أن يكون حكماً له في ذلك المحل وإن لم يصرح به، كما أن من عاشر ملكاً؛ ومارس أحواله، وخبر أموره؛ إذا سئل عن رأيه في القضية الفلانية يغلب على ظنه ما يقوله فيها، وإن لم يصرح له به، ولكن بمعرفته بأخلاقه وما يناسبها من تلك القضية ... ". وقال الشاطبي: " إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين: أحدهما: فهم مقاصد الشريعة. والثاني: التمكن من الاستنباط بناءً على فهمه فيها ... ". فالشاطبي رحمه الله يعطي المقاصد أهمية كبرى للمجتهد حيث يجعلها شرطاً في الاجتهاد ويجعل هذا الشرط سبباً للشرط الآخر حيث يقول:" وأما الثاني ــ أي التمكن من الاستنباط ــ فهو كالخادم للأول، فإن التمكن من ذلك إنما هو بواسطة معارف محتاج إليها في فهم الشريعة أولاً ومن هنا كان خادماً للأول، وفي استنباط الأحكام ثانياً، لكن لا تظهر ثمرة هذا الفهم إلا في الاستنباط، فلذلك جُعل شرطاً ثانياً، وإنما كان الأول هو السبب في بلوغ هذه المرتبة، لأنه مقصود والثاني وسيلة ". وقد قرر ابن عاشور احتياج الفقيه إلى مقاصد الشريعة بكلام نفيس يطول ذكره. وهذه الأهمية التي ذكرها العلماء نابعة من ارتباط المقاصد بالأدلة الشرعية لأن المجتهد لا بدّ أن يكون اجتهاده مبنياً على دليل من الكتاب والسنّة أو الإجماع أو القياس أو قول الصحابي، أو الاستصحاب أو غيره من الأد لة النقلية أو العقلية. وقد بينا في باب علاقة المقاصد بالأدلة ارتباط المقاصد بالأدلة، وحاجة المجتهد إليها. ثانياً: الفوائد الخاصة: 1 - أن مقاصد الشريعة في تدوينها وبروزها علماً مستقلاً قد مرت بثلاث مراحل: المرحلة الأولى: اقترانها بغيرها في كتب التفسير وشروح الأحاديث والكتب الفقهية والأصولية. المرحلة الثانية: تميزها عن غيرها وذلك بتخصيصها بمباحث مستقلة في الكتب الأصولية. المرحلة الثالثة: تخصيصها بالتأليف. 2 - أن للشارع مقاصد في تشريع الأحكام، وأن أفعاله معللة بالحكمة والمصلحة سواء علمنا تلك المقاصد والحكم أم جهلناها، وأن خلاف الأشاعرة والظاهرية في قضية تعليل الأحكام غير صواب ولا عملي، حيث تخلوا عنه لا سيما الأشاعرة عند إثبات العلة في القياس والمناسبة. وأن الأدلة النقلية والعقلية قد تضافرتا على أن أحكامه تعالى لمقاصد وحكم. 3 - أن هناك طرقاً للكشف عن المقاصد وهي: أ - الاستقراء لنصوص الكتاب والسنّة. ب - معرفة علل الأمر والنهي بمسلك من مسالك العلة المعروفة عند الأصوليين. ج - مجرد الأمر والنهي فإن الأمر دليل على طلب الفعل وقصده والنهي دليل على عدم قصده. د- معرفة الألفاظ التي يستفاد منها معرفة قصد الشارع كالتعبير بالإِرادة الشرعية. أو أنه خير ومنفعة ونحو ذلك. هـ - سكوت الشارع مع قيام المقتضي للفعل وانتفاء المانع دليل على عدم القصد إلى حصول الفعل. 4 - أن كل ما أدى إلى تأكيد المقاصد الأصلية وتقويتها أو توقفت عليه تلك المقاصد فهو مقصود شرعاً. 5 - أن الشريعة جاءت بجلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها. 6 - أن أقسام مقاصد الشريعة باعتبار المصالح التي جاءت بحفظها أربعة: الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات، والمكملات. وأن أعظمها الضروريات التي لو فقدت لاختل نظام العالم وفسدت الدنيا وأن أعظم الضروريات حفظ الدين. 7 - أن الضروريات هي (الدين والنفس، والعقل، والنسل، والمال، والعرض عند بعضهم). وأن كل واحد منها له وسائل في الشريعة تحفظه. فمن وسائل حفظ الدين: العمل به، والجهاد من أجله، والدعوة إليه والحكم به ورد كل ما يخالفه من الأقوال والأعمال.

ومن وسائل حفظ النفس، تحريم الاعتداء عليها، وسد الذرائع المؤدية إلى القتل، والقصاص، وضمانها بالدية، وإباحة المحظورات من أجلها عند خوف الهلاك، ونحو ذلك. ومن وسائل حفظ العقل: تحريم المفسدات الحسية كالخمر والحشيشة مثلاً وتحريم المفسدات المعنوية كالأفكار الهدامة. ومن وسائل حفظ النسل: الحث على ما يحصل به استمراره وبقاؤه وتكثيره كالنكاح. ومنع ما يؤدي إلى تقليله أو إعدامه بالكلية كالإعراض عن النكاح، ومنع الحمل، والإجهاض. ومن وسائل حفظ المال: تحريم الاعتداء عليه، وتحريم إضاعته وتبذيره وما شرع من الحدود الزاجرة من الاعتداء عليه كحد السرقة والحرابة، وضمان المتلفات، ومشروعية الدفاع عنه، وتوثيق الديون، ونحو ذلك. 8 - أن حفظ العرض راجع إلى حفظ النسب أو النسل وليس مقصداً ضرورياً مستقلاً. 9 - أن المصالح المتعلقة بمقصد الدين مقدمة على غيرها عند التعارض. إلا إذا كانت المصلحة المتعلقة بالنفس أو العقل تفوت بالكلية فوتاً لا يمكن تداركه والمصلحة الدينية يمكن تداركها ببدلها وقضائها فههنا تقدم المصلحة المتعلقة بالنفس أو بغيرها، وكذا إذا كان تحقيق المصلحة الدنيوية يلزم منه تحقيق الدينية دون العكس. 10 – أن حفظ العرض على قسمين: منه ما يرجع إلى حفظ النسب فهذا مقدم على المال، ومنه ما لا يرجع إلى حفظ النسب كشتم الإنسان بغير القذف فهذا لا يقدم على المال. 11 - أن الحاجيات في الشريعة هي ما كان مفتقراً إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي إلى الحرج والمشقة. فهي مهمة وتظهر أهميتها من النواحي التالية: أ - رفع الحرج عن المكلف. ب - حماية الضروريات وذلك بدفع ما يفسدها أو يمسها. ج- خدمة الضروريات وذلك بتحقيق ما به صلاحها وكمالها. 12 - أن التحسينيات هي الأخذ بما يليق من محاسن العادات فهي مظهر من مظاهر الكمال والجمال في هذه الشريعة ثم هي خادمة للمصالح الحاجية والتحسينية. 13 - أن مكملات المقاصد لها أهمية في الشريعة وذلك من النواحي التالية: أ - سد الذريعة المؤدية إلى الإخلال بالحكمة المقصودة. ب - تحقيق مقاصد أخرى تابعة غير مقصودة بالقصد الأصلي. ج- دفع مفاسد أخرى حاصلة في طريق الحصول على المقصد الأصلي. د- تحسين صورة المكّمل وجعله سائراً على المألوف. 14 - أن المكمل له شرط وهو ألا يعود اعتباره على أصله بالإبطال. 15 - أنه يلزم من إبطال الأصل إبطال التكملة. 16 – أنه يلزم من اختلال التكملة بإطلاق اختلال الأصل بوجه ما. 17 - أنه لا يلزم من اختلال التكملة بوجه ما اختلال الأصل. 18 - أن المقاصد الأصلية هي المقاصد المشروعة ابتداءً لتحقيق أعظم المصالح سواء كانت هذه المصالح ضرورية أم غيرها. 19 - أن في مراعاة المقاصد الأصلية موافقة ومطابقة لقصد الشارع. 20 – أن المقاصد الأصلية هي الأصل، والمقاصد التابعة خادمة ومكملة لها ومقوية لحكمتها، وداعية إليها وسبب في حصول الرغبة فيها. 21 - أن للشريعة مقاصد عامة تشمل جميع أبوابها مطردة في جميع أحكامها وهي: جلب المصالح ودرء المفاسد، ورفع الحرج، والعدل، والحث على الاجتماع والائتلاف، وأعظمها عبادة الله وحده لا شريك له وأن هذه المقاصد بعضها أشمل من بعض. 22 - أن للشريعة مقاصد خاصة وجزئية تفهم من أدلتها التفصيلية. 23 - أن لمقاصد الشريعة خصائص تميزها عن غيرها وهذه الخصائص على قسمين: أ - خصائص أساسية قامت عليها المقاصد وهي: الربانية، ومراعاة الفطرة وحاجة الإنسان. ب - خصائص فرعية منبثقة عن الخصائص الأساسية وهي: العموم والاطراد، والثبات، والعصمة من التناقض، والبراءة من التحيز والهوى، والقداسة والاحترام، والضبط والانضباط.

24 - أن الشريعة الإسلامية وحدة متكاملة ونظام شامل، اتحدت جزئياتها وكلياتها على جلب المصالح وتكثيرها، ودفع المفاسد وتقليلها. 25 - أن الناظر في الأدلة لا يستغني عن النظر إلى مقاصد الشريعة كما أن الناظر في المقاصد لا يستغني عن النظر في الأد لة. 26 - أن هناك علاقة وثيقة بين المقاصد وكل دليل من أدلة الشريعة فهي مرتبطة بالكتاب والسنّة ارتباط الفرع بالأصل لأن أصل استمداد المقاصد من الكتاب والسنّة، وقد اشتمل الكتاب والسنّة على بيان كثير من المقاصد. وأيضاً هي خادمة لبيان وتفسير ما أشكل تفسيره منهما. 27 - أن المقاصد مرتبطة بالإجماع من حيث كون الاجتهاد شرطاً فيه والمقاصد شرط في الاجتهاد، وأيضاً يحتاج إليها في الإجماع المستند إلى المصلحة. 28 - أن ارتباط المقاصد بالقياس عن طريقة العلة، وبالأخص باب المناسبة حيث اعتبرت المناسبة شرطاً في صحة العلة. وأن أكثر كلام الأصوليين في مقاصد الشريعة جاء من خلال باب المناسبة. 29 - أن ارتباط المقاصد بالمصالح المرسلة من حيث كون شرط اعتبارها ملاءمة مقاصد الشريعة. 30 - أن علاقة المقاصد وارتباطها بالاستحسان من خلال كون الاستحسان العدول بالمسألة عن نظائرها، ولا يعدل بالمسألة عن نظائرها إلا لتحقيق مصالح أعظم ودفع مفاسد، وتظهر هذه العلاقة جلية في استحسان الضرورة عند الحنفية. 31 - علاقة المقاصد بسد الذرائع تظهر من كون فتح الذريعة إلى الحرام يؤدي إلى إفساد مقاصد الشريعة، فاتضح أن سد الذرائع من باب المحافظة على مقاصد الشريعة وكذا إبطال الحيل. 32 - أن ارتباط المقاصد بقول الصحابي من خلال كون الصحابة أعلم الناس بمقاصد الشريعة، فأقوالهم مبنية على نظر فاحص للمقاصد، ورأي صائب فاعتبرت مصدراً من مصادر المقاصد تستفاد المقاصد منه. 33 - أن علاقة المقاصد بالعرف من حيث كون الشارع راعى مصالح الناس فما كان منها ثابتاً أورد فيه نصاً يبين مقداره وهيئته، وما لم يكن ثابتاً تركه لعرف الناس لكون المصلحة تتغير فيه بتغير الزمان أو المكان والحال. 34 - أن ارتباط المقاصد بالشرائع السابقة يظهر من خلال كون الشريعة لها خصائصها ومقاصدها المميزة لها عن غيرها، فالعمل بمقاصدها أولى من التزام نص عن الشرائع السابقة لا يحقق تلك المقاصد، فضلاً عن معارضته لها. 35 - أن الاستصحاب راجع إلى الأدلة الأخرى وليس دليلاً مستقلاً لذا علاقة المقاصد به ــ وإن أمكن تصورها في بعض أقسامه ــ إلا أنها هي علاقتها بغيرها من الأدلة والله أعلم. وبعد فهذه الرسالة قد تمت بحمد الله ومَنِّه وكرمه أضعها بين يدي قارئيها، ولا أدعي الكمال فيها. " وما بها من خطأ ومن خلل أذنت في إصلاحه لمن فعل لكن بشرط العلم والإنصاف فذا وذا من أجمل الأوصاف والله يهدي سبل السلام سبحانه بحبله اعتصامي" فلله الحمد على ما منَّ به عليّ أولاً وآخراً، وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يجعل هذه الرسالة لوجهه خالصة ولعباده نافعة، وأن ينفعني بها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأن ينفعنا بما كتبنا وقرأنا وسمعنا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها

مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها ¤علال الفاسي£بدون¥دار الغرب الإسلامي - بيروت¨الخامسة¢1993م€أصول فقه¶مقاصد الشريعة خاتمة الكتاب تلك هي مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها فصلنا منها ما تتوقف عليه حاجة الطالبين وما تدعو إليه تذكرة الراغبين، من أسرار الشرع الحنيف، ومعالم الفقه البينة، وكل أملنا أن يكون طلبتنا قد وعوا منه ما سمعوه، وأدركوا من محاسن قانوننا السماوي سره الذي يهدي للحق وإلى صراط مستقيم. ولقد مضى على المسلمين حين من الدهر نسوا ما ذكروا به وذهلوا عما يحتوي عليه دينهم من هدى ومن إرشاد واتبعوا ما تملي شياطين الاستعمار من آراء وتشريعات لا قبل لهم بها، ولا اقتناع لعقولهم بمغازيها، ولا تمثل من مجتمعهم شيئا، وإنما هي إنقاض لحضارات متباينة مع حضارتهم، أرغموا على قبولهم بالحديد وبالنار، وبالضغط الفكري الذي يتمثل في هذه المدارس الأجنبية والبرامج الأعجمية. وإن الاستعمار الغربي في بلاد المسلمين لم يحدث من الخراب في الأرض وفي الأجسام ما أحدثه في العقول والقلوب والأفهام. فقد أصبح المسلمون بما تسرب إلى بواطنهم يجهلون أنفسهم ولا يعرفون من حقيقة أمرهم شيئا. واختلفوا باختلاف عدوهم، فمنهم من يؤمن باليمين ومنهم من يؤمن باليسار ومنهم من يظل فارغا من كل عقيدة ومجردا من غير التبعية في الهوى وفي الشهوة، فكان عاقبة أمرهم أن تسلطت عليهم هذه الحكومات البوليسية في كل مكان تصليهم ظلما، ولا تألوهم اضطهادا وهضما، فإذا انتبهوا وظنوا أنهم قادرون على أن يقاوموا الجور وينازلوا الطغيان، جاءهم من فكر الغرب ما يوجههم نحو طغيان آخر واضطهاد جديد، وسيبقون كذلك ما داموا ينشدون العدل من غير الإسلام، والصلاح من غير القرآن؛ وقد صدق مالك حين قال؛ (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) فعسى أن يتنبه طلبتنا، والدارسون للقانون والأخلاق منا، والمتيقظون على العموم، إلى أن الفقه الإسلامي وحده الكافي لعلاج المجتمع، والأخلاق القرآنية وحدها المحققة لتوازن القوى وتعادل الوحدات الاجتماعية في البر والتقوى، فيتقدمون إلى دراسة الفقه، واستخلاص أسراره، وإلى الأخلاق واستنباط جماعها ومعالمها، ثم يشرحون ذلك لإخوانهم. ويبلغونه لجمهور الأمة التي لا تنتظر إلا من يخاطبها بما يوافق قبلها ويعيد وعيها. ثم يجاهدون جهاد الأبطال لإقرار شريعة الإسلام قانونا للدولة، وأخلاق القرآن معيارا للشرف والفضيلة والقيم الاجتماعية. وأنهم متى فعلوا سيجدون من الاستجابة في الشعب والتأييد من عقلاء الأمة وفلاسفة الدنيا ما يشجعهم ويقوي عزمهم ويثبتهم في مواقفهم. فأما عقلاء أمتنا فما زالوا يتألمون من هجوم الاستعمار الفكري عليهم، ومازالوا يحللون مع أنفسهم أسباب الانحطاط الذي أصاب بلادهم وقومهم فلا يردونه إلا إلى إعراض الكل عن شريعة الإسلام وتعاليمه الحق. وهم مؤمنون بأن الخير كل الخير لهم ولذويهم في العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله. وهم مستعدون ليكونوا حواريى كل داعية يدعو إلى الحق، وإلى نصرة الشرع. وأما المثقفون ثقافة غربية من أبناء قومنا فهم مقتنعون بأن الفكر الغربي هو كل شيء والقانون الأجنبي هو المثل الأعلى، ولكن عذرهم أنهم لم يدرسوا الفقه الإسلامي ولا تعرفوا إلى مصادره ولا تعمقوا أسراره ومقاصده، وهم ولا شك مستعدون متى ما وجدوا من ينصبون أنفسهم لتوعيتهم وإرشادهم لأن يستجيبوا، وهم أقدر على المقارنات والمقابلات التي تريهم مزايا الفقه الإسلامي وتفوقه على كل القوانين.

وأما فلاسفة الدنيا وعظماء الغرب فقد سبقوا بعقلهم وإنصافهم إلى إدراك ما في الشرع من محاسن ومميزات لم يصل إليها غيره من القوانين، وشهدوا أن كل من يهمه الإنصاف والعدالة لا مجرد المساواة والعدل، يجب أن يستمد من شريعة الإسلام وأخلاق القرآن، وسننقل هنا بعض هذه الشهادات لتكون عونا لمن لم يدركوا الحقيقة، ومن لا يزالون تحت عقدة النقص أمام غيرنا. والا فان فقه الإسلام ومقاصد الشريعة لا يحتاجان إلى دليل خارجي لإثبات تفوقهما وامتيازهما. يقول الاستاذ جيبون: إن الفقه الإسلامي مسلم به من حدود الأقيانوس والأطلانطي إلى نهر الفانج بأنه الدستور ليس لأصول الدين فقط ... بل للأحكام الجنائية والمدنية، وللشرائع التي عليها مدار حياة نظام النوع الإنساني وترتيب شؤونه: وقد أهاب مسيو لاكازيلي المشرع الايطالي بالعالم كله ان يستمد قانونه من الشرع الإسلامي لأنه حسب قوله أكثر تمشيا مع روح الحياة القانونية. وقد قرر مؤتمر لاهاى للقانون المقارن المنعقد سنة 1932: اعتبار الشريعة الإسلامية مصدر القانون العالمي). وقال العلامة جيب في كتابه (وجهة الإسلام) لا يزال الإسلام يسلك سبيلا وسطاً بين المتناقضات الشديدة. وهو على معارضته لفوضى القومية الأوربية وللنظام العسكري لروسيا الشيوعية، لم يقع بعد عرضة للهجمات الاقتصادية الملحة التي تمتاز بها أوربا وروسيا. وقال صديقنا المرحوم الأستاذ ماسينيون: للإسلام الفضل في أنه يمثل لنا فكرة عادلة مما يقوم به كل فرد من أبناء الوطن بدفع عشر ربع الأرض للخزانة العامة. أنه يشن الغارة على المبادلة المطلقة، وعلى رأسمالية المصارف. وقروض الدولة والضرائب غير المباشرة على الأشياء ذات الأهمية الجوهرية. ثم هو يؤكد حقوق الأب والزوج والملكية الفردية ورأس المال التجاري. ونراه هنا يقف مرة في مكان وسط بين الرأسمالية البورجوازية، وبين الشيوعية البولشفية. ولكن لا تزال للإسلام رسالة يؤديها من أجل الإنسانية، ولا يوجد مجتمع سجل له من النجاح في أن يجمع بين كثير من الأجناس المختلفة وإن سوى بينهم في العمل والمكانة وتهيئة الفرص كما سجل الإسلام. وإن الجماعات الإسلامية العظيمة، في إفريقيا والهند، وأندونسيا؛ والجماعات الإسلامية الصغيرة في الصين، والجماعات الصغرى في اليابان؛ لتبين جميعا أنه لا تزال للإسلام القوة على أن يتألف العناصر التي لا سبيل إلى التوفيق بينها بسبب الجنس والتقاليد. وإذا لم يكن بد من أن يحل التعاون محل التضامن بين المجتمعات العظيمة في الشرق والغرب، فإن وساطة الإسلام شرط لابد منه، لأنه في يده إلى حد كبير حل المشكلة التي تواجه أوربا في علاقاتها مع الشرق. وإن اتحدا زاد الأمل زيادة لا حد لها في بلوغ نتيجة سليمة. وقال مستر جون، دي، فو؛ نبرت: إن محمدا حرم سفك الدماء، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وأقر المساواة، واستنكر الاستبداد، ومنح الإنسان حقوقه المدنية. فلتتذكر أوربا أنها مدينة بالفضل لهذا الرجل العظيم ( I ). وإذا فلن ينظر إلينا المفكرون الواعون من الغرب إذا رجعنا إلى ديننا وشريعتنا إلا نظرة التقدير والاحترام. ومن حسن الحظ أن جماعة مهمة من علماء القانون في العالم الإسلامي، أخذت تدرس الفقه الاسلامى وتؤلف فيه وتبحث على ضوئه مشاكل العصر، وأخذت ترغب في تنظيم مؤتمرات ومجامع لإبراز محاسن الشريعة الإسلامية، وتطوير طريقة عرضها، وأساليب التأليف فيها. وإذا كانت هذه الطائفة ما تزال قليلة العدد ولا زال سلطان القانون المستمد من الغرب والحاكمون بمقتضاه ِ حائلين بينها وبين إنجاز برامجها وتحقيق مقصدها فإنها تبشر بصدق ما أخبر به الرسول عليه السلام من أنه: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى ياتى امر الله. ولا شك أنهم سينتصرون متى ثبتوا وصبروا وصابروا. لأن الحق معهم وهم رجاله. (وإن حزبنا لهم المنتصرون) وكل أملنا في أن تخرج كل من كليتي الحقوق والشريعة مجازين قادرين على المساهمة بنصيب أوفي في دراسة الشريعة واستجلاء محاسنها وعرضها في ثوب قشيب عصري، يسهل على غيرهم أن يدرسوها ويفهموها. فإذا كانت هذه المحاضرات التي ألقيت في كل من الكليتين، قد فتحت لطلبتها آفاقا لمعرفة مقاصد الشريعة وأسرارها وأخلاق الإسلام ومكارمه، فإن ذلك خير جزاء لي على ما بذلت من مجهود، والله سبحانه المسؤول أن يوفقنا جميعا لما فيه خير أمتنا وديننا ويسلك بنا وبالإنسانية كلها مسالك النجاة والمعرفة والسلام. (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب).

مقاصد الشريعة عند الإمام العز بن عبدالسلام

مقاصد الشريعة عند الإمام العز بن عبدالسلام ¤عمر بن صالح بن عمر£بدون¥دار النفائس- الأردن¨الأولى¢1423هـ€أصول فقه¶مقاصد الشريعة الخاتمة في ختام جولتي مع هذا الرجل العملاق في علمه وورعه وجهاده أقف معه وقفتين توديعيتين حتى ألقاه في جنات الخلد إن شاء الله. الوقفة الأولى: بعض نقاط الجديد عند الإمام العز. ليس المراد بالتجديد تغيير حقائق الدين الثابتة القطعية لتلائم أوضاع الناس وأهواءهم ولكنه تصحيح للمفاهيم المترسبة في أذهان الناس عن الدين وتعديل لأوضاعهم وسلوكهم وفقا لتعاليمه وإرجاعه غضا طريا بعد أن تراكم عليه البدع والانحرافات. وكل هذا ينطبق على إمامنا العز – رحمه الله – فقد أمات البدع، وأحيا السنن، كما حارب التقليد وأحيا الاجتهاد ومارس دور العالم المجاهد في قيادة الأمة فالتف الناس حوله واتخذوه إماما بدون منازع – كما مر معنا في ترجمته - وهو جدير بذلك فقد كان يدافع عن مصالح الأمة بيده وبلسانه وبقلمه ويحفظ حقوقها ويدرأ عنها كل المافسد. ومن نقاط التجديد عند الإمام ما يلي: - النقطة الأولى: سعي الإمام لتقنين أصول الفقه. يظهر سعي الإمام لتقنين أصول الفقه فيما نلاحظه أثناء دراسة كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام من تفريعات واستثناءات وشواهد وضوابط انظر مثلا حديثه عن النسيان وما يتعلق به وما يسقط به وما لا يسقط به وضابطه وكذلك في حديثه عن المشقة وأنواعها وضوابطها وكل ما يحتاج إلى ضابط فإن الإمام يغفل عن تجديد ضابطه فها هو يقول مثلا: "والضابط أن اختلال الشرائط والأركان إذا وقع لضرورة أو حاجة فإن لم يختص وجوبه بالصلاة كالستر فإن كان في قوم يعمهم العري فلا قضاء عليه لما فيه من مشقة ... ويواصل في تحديد ضابط ما يتدارك إذا فات بعذر وما لا يتدارك مع قيام العذر. وهكذا توجهت همة الإمام إلى تجديد بناء العقلية الإسلامية بالتأكيد على العقلية الأصولية التي لا ينبغي أن تغرق في الجزئيات وإنما اختصرها في كليات وضبطها في قواعد لمواجهة مستجدات الحياة مهما تعقدت وتشبعت ويبدو هذا جليا في الثروة الهائلة من القواعد التي خلفها لنا الإمام – رحمه الله – متناثرة في كتبه هذه القواعد التي تتوجه بالهمم والأنظار نحو المستقبل لتواكب تطور الحياة عن وعي وإدراك وتلبي احتياجات العصر المتغيرة عبر الزمان والمتنوعة عبر المكان أما الفروع فغالبا ما تعني بالماضي لتحكم له أو عليه. والقواعد التي ذكرها الإمام كثيرة أقتصر على نماذج منها تمهيدا لبحثها بحثا مستقلا بإذن الله تعالى. - أولاً القواعد الفقهية: 1ـ تحصيل مصلحة الواجب أولى من دفع مفسدة المكروه 2ـ تصرف الولاة ونوابهم بما هو الأصلح للمولي عليه 3ـ لا يقدم في أي ولاية إلا أقوم الناس بمصالحها ودرء مفاسدها 4ـ لا يجوز تعطيل مصالح صدقها الغالب خوفا من وقوع مفاسد كذبها النادر 5ـ حفظ البعض أولى من تضييع الكل 6ـ حفظ الموجود أولى من تحصيل المفقود 7ـ تحمل أخف المفسدتين دفعا لأعظمهما 8ـ دفع الضرر أولى من جلب النفع 9ـ الأصل في الأموال التحريم ما لم يتحقق السبب المبيح ويمكن القول بأن الإمام قد ألقى أوسع ما يمكن من الضوء على قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد وأظهر باستقرائه جريانها في مسائل لا تحصى وأحكام لا تعد أصليها وفرعيها حتى استطاع أن يرجع الفقه كله إلى هذه القاعدة الشاملة الجامعة الأصيلة " اعتبار المصالح ودرء المفاسد" ب ـ في مراعاة التخفيف ورفع الحرج: 1ـ لا يسقط المقدور عليه بالمعجوز عنه 2ـ الأشياء إذا ضاقت اتسعت 3ـ قد وسع الشرع في النوافل ما لم يوسعه في الفرائض 4ـ الضرورات مناسبة لإباحة المحظورات جلبا لمصلحتها

5ـ ما أحل لضرورة يقدر بقدرها ويزول بزوالها ج ـ في المقاصد والوسائل: 1ـ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب 2ـ كل ما كان أقرب إلى تحصيل المقصود من العقود كان أولى بالجواز لقربه إلى تحصيل المقصود 3ـ لا تقدم التتمات والتكملات على مقاصد الصلاة 4ـ الوسائل تسقط بسقوط المقاصد 5ـ كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل 6ـ إذا كان المطلوب محرما فسؤاله حرام 7ـ يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع د ـ في مقاصد المكلفين: 1ـ مقاصد الألفاظ على نية اللافظين ويستثنى من ذلك اليمين فإنه على نية المستحلف 2ـ من أطلق لفظا لا يعرف معناه لم يؤاخذ بمقتضاه 3ـ العقود مبنية على مراعاة المقصود دون صور الأعواض الأغلب على الناس هو الجزم هـ ـ في أمور متفرقة: 1ـ المتوقع كالواقع 2ـ ما لا يمكن ضبطه [يجب] الحمل على أقله 3ـ القليل يتبع الكثير في العقود 4ـ من لا يملك تصرفا لا يملك الإذن فيه وذكر لهذه القاعدة مستثنيات 5ـ من ملك الإنشاء ملك الإقرار ثانيا: القواعد الأصولية: أـ في الأحكام التكليفية: 1ـ لا تكليف بما لا يتعلق به قدرة ولا إرادة 2ـ لا يجوز تأخير حق يجب على الفور لأمر محتمل إذا كان المطلوب محرما فسؤاله حرام 4ـ لا يترك الحق لأجل الباطل ب ـ في تعليل الأحكام: 1ـ الأصل أن تزول الأحكام بزوال عللها 2ـ الضرورات مناسبة لإباحة المحظورات جلبا لمصلحتها ج ـ في العموم والخصوص: دلالة العادات وقرائن الأحوال بمنزلة صريح الأقوال في تخصيص العموم وتقييد المطلق د ـ في الدلالات: 1ـ تقدير ما ظهر من القرآن أولى في بابه من كل تقدير 2ـ يقدر من المحذوفات أخفها وأحسنها وأفصحها وأشدها موافقة للغرض 3ـ الكلام الصريح لا يفتقر إلى نية لأنه بصراحته منصرف إلى ما دل عليه هـ في سد الذرائع: 1ـ يحتاط لدرء مفاسد الكراهية والتحريم كما يحتاط لجلب مصالح الندب والإيجاب ولهذه القاعدة مستثنيات 2ـ تنزيل الموهوم (من المصالح والمفاسد) منزلة المعلوم وـ في العرف والعادة: 1ـ دلالة العادات وقرائن الأحوال بمنزلة صريح الأقوال في تخصيص العموم وتقييد المطلق وقد تقدم ذكرها قريبا في العموم والخصوص. 2ـ ينزل الاقتضاء العرفي الاقتضاء اللفظي 3ـ دلالة العرف كدلالة اللفظ ز ـ في الاستصحاب: 1ـ استصحاب الأصول مثاله من لزمه طهارة أو .. ثم شك في أداء ذلك .. لزمه ذلك لأن الأصل بقاؤه في عهدته 2ـ الأصل براءة الذمة مثاله من شك هل لزمه شيء .. لا يلزمه شيء من ذلك لأن الأصل براءة ذمته ج ـ في الخروج من الخلاف: الخروج من الخلاف مستحب ط ـ في الاجتهاد: الاجتهاد لا ينقض ويعد الإمام أول من فتح باب التأليف في القواعد ثم تبعه من جاء بعده النقطة الثانية: من تجديدات الإمام: ربط الأصول بأهدافها الحيوية وإعادة دمج ثمارها في واقع الحياة فقد اتجه الإمام بأصول الفقه اتجاها عمليا بعيدا عن التكلف النظري إذ إنه لا يؤمن بأن هناك قضايا فلسفية لذا نجده يكثر من التمثيل والتطبيقات الفقهية في قواعد الأحكام ومصالح الأنام خاصة مما يخرج تلك القواعد من الجمود النظري إلى التطبيق الفقهي. ـ النقطة الثالثة: تقسيم المصالح والمفاسد تقسيمات كثيرة الواقف على كلام العز في كتابه قواعد الأحكام يجده أفاض في المصلحة (وكذلك المفسدة) تقسيما وتمثيلا وأتى في هذا الموضوع بما لم يأت به غيره ممن تكلموا فيها بل كثير منهم اتخذوه قدوة ورائدا في هذا الشأن ومما راعاه الإمام في تقسيمه عظم المصلحة وشر المفسدة فقدم من المصالح ما هو أعظم خيرا للمكلف وأبعد من المفاسد ما هو أكثر شرا للمكلف فجاء ترتبيه حسب نفع المكلف من حيث الإقدام على المصالح والإحجام عن المفاسد فدفع الكفر – في أعلى المراتب،

ودفع القتل بعده ثم تترتب فضائل الدفع بمراتب المدفوع في سوئه وقبحه وعد هذا معروفا بالعقل قبل ورود الشرع ومن أراد أن يعرف المصالح والمفاسد راجحها من مرجوحها فليعرض ذلك على عقله بتقدير أن الشرع لم يرد به ـ النقطة الرابعة: إبراز الوسائل وتنوعها لتحقيق مقاصد الشريعة حتى لا يصيب المكلف ملل ولا ضيق أو يعتريه فتور في تحقيق والمحافظة عليها. النقطة الخامسة: كثرة الطرق الموصلة إلى معرفة المصالح الدنيوية عند الإمام. النقطة السادسة: النظرة الشاملة من الإمام لتحقيق المقاصد العامة إذ يرى إصلاح القلوب وتزكية النفوس والتخلق بصفات الله والاتصاف بها عامل مهم في تحقيق المقاصد المكلفة لقصد الشارع. ـ النقطة السابعة: تحريره تحريرا شافيا كافيا لمسألة الثواب في المصائب فكان بذلك أستإذا لمن جاء بعده كالشاطبي ـ النقطة الثامنة: اتسام منهج الإمام التغييري بالشمولية بحيث نجده يتراوح بين اللين والشدة وبين الموعظة والقتال ذلك بأن الإمام ينظر إلى كل الظروف التي يحتمل أن تواجه الداعية في دعوته لتطبيق شرع الله وتحقيق مقاصده. الوقفة الثانية: أهم النتائج المتوصل إليها. ـ أولا: الاعتراف بجهود هذا الإمام ولفت الأنظار إلى فضله العظيم في تأسيس علم المقاصد واهتمامه بها الأمر الذي مهد الطريق للذين جاؤوا من بعده. ويمكن القول بأن مشروعه تجديديا إحيائيا لترميم تصدعات الحياة الإسلامية ولكن لم تتهيأ له الأجواء السياسية والثقافية والاجتماعية ليعطي ثماره الحضارية تجديدا ونهضة ذلك بأن عصره – كما مر معنا في ترجمته – عصر انقسامات واستعانة بالكفار وإعانة لهم على المسلمين. ومن حقنا أن نتساءل عن المصير الذي قدر لهذا المشروع منذ نهاية القرن السابق مرورا بالشاطبي وابن عاشور إلى يومنا هذا ولعل همم بعض طلاب العلم تجعل هذا التساؤل رسالة علمية كما أنني لست بمبالغ عند اعتبار أن الفكر الإسلامي اليوم في أمس الحاجة إلى الاستنارة بمثل أفكار هذا الإمام العالم ذي الشخصية العلمية الفذة وإلى كل من آرائه واجتهاداته هذه الآراء والاجتهادات التي أعلت من شأن أصول الفقه بأن فتحت له بابا جديدا وهو فن مقاصد الشريعة. وأن ما في هذا الرسالة من اجتهادات الإمام وآرائه لا تغني عن الرجوع إلى مؤلفاته والنهل من نبعها الصافي. ثانيا: الاعتراف بجهود الإمام في محاربة التقليد والركود والجمود ودعوته إلى الاجتهاد المتعمق الذي يستوعب كل الحياة بجميع تطوراتها ومتغيراتها الاجتماعية والسياسية ولا يتوصل إلى ذلك إلا بالتعمق في فهم النصوص الشرعية في أبعادها الأصولية والفقهية والمقاصدية. ثالثا: المقاصد العامة ثابتة لا تتغير ولا تختلف باختلاف الأمم والعوائد والأزمنة وإن اختلفت بعض مصالح الناس باختلاف الأزمان والأعراف ومن هنا كانت دعوة ابن عاشور لصهر مسائل أصول الفقه وإعادة ذوبها في بوتقة التدوين وتسميتها بمقاصد الشريعة ـ رابعا: تعد مقاصد الشريعة الركن الثاني من أركان أصول الفقه – وركنه الأول هو: الفهم الذي يقوم على جانب الاستكشاف والتجريد والتعميم – وهي بمثابة تنزيل الأحكام المجردة على واقع الأحداث ومستجدات الأمور بمعطياتها الزمانية والمكانية وملابساتها الشخصية فـ "مثل ما يتوقف استنباط الأحكام الشرعية على الألفاظ فإنه يتوقف على مقاصد اللافظ ومع كون المقاصد مبحثا أصوليا إلا أنه يكاد يكون مفقودا في كتب الأصول كمبحث مستقل قائم الذات إلا من بعض الإشارات في مباحث العلة أو المناسبة أو الاستصلاح ...

وإذا اعتبرنا أصول الفقه قانونا يتوصل به إلى استنباط الأحكام وكيفية التطبيق السليم فإن الاهتمام اليوم بالمقاصد أكثر من ذي قبل يعد خطوة نحو تلبية متطلبات الحياة ومسايرة قضاياها المستجدة لاستيعاب جميع متغيراتها. ومن المعلوم أن التشريع وليد الحاجة فما قام تشريع في أمة ولا نشر فيها قانون إلا وقد قام في البلاد قبلهما حاجة تدعو إليهما فيأتي التشريع ويصاغ القانون على قدر تلك الحاجة الداعية والقوانين في جميع أنحاء العالم لا تلبث بعدة مدة من وضعها أن تصبح غير وافية بالنسبة لبعض الأحداث فالاهتمام بالمقاصد يساعد على إيجاد الحلول المناسبة لما استجد من القضايا في إطار من الضوابط قد سبق بيانها في أثناء الرسالة حتى لا يكون لأهواء الناس مدخل في استنباط الأحكام أو تطبيقها. وقد بين ابن عاشور شدة حاجة الفقيه إلى معرفة المقاصد في مثل هذه الحالة " فاحتياجه فيها ظاهر وهو الكفيل بدوام الشريعة الإسلامية للعصور والأجيال التي أتت بعد عصر الشارع والتي تأتي إلى انقضاء الدنيا " ـ خامسا: المقاصد متداخلة لا يكاد ينفك بعضها عن بعض ولقد تبين فيما سبق أنها خادمة لبعضها فقد يكون المقصد وسيلة مفضية إلى مقصد أعلى منه كما أن المقاصد الجزئية للأحكام تندرج بدورها في دوائر تنتهي إلى المقاصد الكلية التي تنتهي بدورها إلى المقصد الأعلى وهو تحقيق مصالح العباد في الدنيا والمعاد. سادسا: المقاصد العامة معان حقيقية تهدف الشريعة إلى تحقيقها في واقع الحياة حتى تكون على تلبية حاجيات المسلمين وساعية نحو الأفضل في تنظيم مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وإلى تحقيق كل ما ينفع الأفراد والأمة من خير يعود على خدمة الضروريات والحاجيات والتحسينيات. سابعا: المقاصد العامة مع الفطرة وهي أساس هام بني عليه هذا الدين قال تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (30) سورة الروم ومما يؤكد عليه الإمام أن تقديم الأصلح فالأصلح ودرء الأفسد فالأفسد مركوز في طبائع العباد نظرا لهم من رب الأرباب ثامنا: ينبغي أن تكون الاجتهادات الفردية أو الجماعية المؤقتة أو الدائمة مرتبطة بواقع الحياة وبمقاصد الشريعة الإسلامية كضابط لهذه الاجتهادات من الزيغ والانحراف وليكون أقرب ما تكون إلى الصواب وأجدر بالتطبيق العلمي في الحياة. الضابط الأول: ارتباط الاجتهاد بواقع الحياة. الارتباط كما نعيشه من ناحية ويشمل جميع مجالات هذا الواقع من ناحية أخرى نتفادى الثغرات – إن لم نقل الفراغ – الذي نعيشه في عدد غير قليل من مرافق التنظيم الاجتماعي الذي ما تزال مبادئ التشريع فيها معتمدة على حضارة وفلسفة أجنبيتين. لذا كان لزاما على العالم أن تكون علاقته بالمجتمع الذي نعيشه علاقة وطيدة – كعلاقة إمامنا العز بمجتمعه – حتى تكون آراؤه آراء عالم خبير بأحوال النفوس دارس لها متعمق في دراستها فاحص لأحوال عصره عارف بظروفه ذلك بأن هذه الآراء والفتاوى مواقف يتحرك بها المجتمع نحو التغيير ولا يقتصر ضررها على الفرد بل يتجاوزه إلى الأمة وكل خطأ في تقدير الموقف محسوب على توجهات المجتمع وسلامته. الضابط الثاني: انبناء الاجتهاد على مقاصد الشريعة. ويبدو ارتباط الاجتهاد فيما قرره الإمام من أن المقاصد مرجوع إليها وأن كل غافل عنها في حكمه أو فتواه يلزمه أن ينقض حكمه ويرجع عن فتواه وأما من أفتى على ما تقتضي قواعد الشريعة وإقامة مصالحها فكيف يحتاج إلى نقل جزئي مخصوص من كلي اتفق على إطلاقه من غير استثناء

وأكد الشاطبي هذا المعنى بقوله: " فمن أخذ بنص في جزئيه معرضا عن كليه فقد أخطأ وكما أن من أخذ بالجزئي معرضا عن كليه فهو مخطئ" 1ـ إضفاء صفتي الشمولية والاستمرارية على الشريعة فلا تعرف حدودا للزمان ولا للمكان. 2ـ استعمال الأقيسة المعتبرة والاستنتاجات العقلية السليمة بشكل يتلاءم مع واقع الناس ويراعي ظروفهم دون إبطال للنص أو تحريف له. 3ـ تطلع المتعاملين فيما بينهم إلى أعلى مثل العدل والإحسان والتعاون لبلوغ المصلحة الشرعية من التعامل فيتوفر بذلك جو من الثقة والنية الحسنة بين الناس ويؤمن الغش والاحتكار وأكل مال الغير بالباطل. 4ـ الحد من الخلافات المذهبية بين المسلمين التي منشؤها – في الغالب – سوء فهم مقاصد الشريعة أو عدم فهمها على الإطلاق وتوحيد المسلمين مقصد من مقاصد هذا الدين وضرورة من ضروراته. 5ـ تحديد مفاهيم الحقوق وتعيين مواقعها حتى لا يبقى للحق الشخصي المطلق ولا للأنانية الفردية البغيضة مكان في نفوس الناس ذلك بأن المقاصد العامة بحيث تندرج في مضمونها كافة الحقوق ما كان منها ذا مضمون ديني أو خلقي أو سياسي أو اقتصادي وما إلى ذلك مما يتعلق بجميع نواحي الحياة ماديا ومعنويا فكانت كل الحقوق الجديدة التي لم يعرفها العالم الغربي إلا في هذا العصر مقررة في الشريعة الإسلامية فيما رسم من مقاصدها وغاياتها وشرع من وسائل علمية لتحقيقها وتنميتها والمحافظة عليها. 6ـ تنظيم حياة المجتمع البشري والموازنة بين حاجيات الناس فلا تطغى حاجة إنسان على آخر ولا تصطدم حريته مع حرية غيره. 7ـ إيجاد الحلول لكثير من المسائل الطارئة في حياتنا المعاصرة. ـ تاسعا: علم المقاصد علم دقيق لا يخوض فيه إلا من لطف ذهنه واستقام فهمه لذا أكد الإمام على ضرورة الفهم السليم، والطبع المستقيم ـ عاشرا: لا يزال فن المقاصد مهمة مطروحة تنتظر من ينجزها فعليا ويتوغل فيها إلى أقصى دلالاتها فهي مادة ثرية لا غنى عنها لباحث أو مجتهد إلا أن هذا الإنجاز يتطلب شيئا من الإحاطة بثقافة العصر وقيمه خاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ـ حادي عشر: ضرورة معرفة المقاصد وإيضاحها في نسق عقلي ومنهج علمي سليم وأن يجعل منها مادة تربوية علمية يُربى عليها أبناء الأمة وتقام على أساسها كياناتهم النفسية وغذائهم الفكري ووضوح المقاصد يوفر لنا أمرين: 1ـ الوضوح في أولويات العمل الإسلامي – اليوم – لتطبيق شرع الله في أرضه وإعلاء كلمته. 2ـ القضاء على الغبش والتخبط مما لا يدع مجالا ولا موضعا يعتد به للنظر الجاهل بالنصوص وأولوياتها وغايتها. ـ ثاني عشر: الالتفات إلى المصلحة في الاجتهاد مطلوب إلا أن تقديمها على النصوص أمر خطير يؤدي إلى تعطيل الشريعة من أساسها ولو جاز أن تقل الأمة هذا الرأي على إطلاقه في تشريعها وتسمح به لرجال الحقوق والقضاء في اجتهادهم لسادت الفوضى في العمل بالشريعة فمن تراءت له مصلحة في أمر ما وزينها له هواه عمل به وإذا تصور أن فيه مفسدة نبذة وذلك منتهي الاضطراب والتخبط. ثالث عشر: الشريعة تعمل على تحقيق المقاصد العامة والمحافظة عليها فهي: 1ـ تحافظ على المصلحة أبدا وفق نظام ثابت لا يتأثر بوجود شخص أو موته قال تعالى: {أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (144) سورة آل عمران] وسواء كانت هذه المصلحة عامة أم خاصة صغيرة أم كبيرة حفظا للحق العام والحق الخاص في آن واحد حتى إن الإنسان لا يعتبر حرا في نفسه وأعضائه فلا يحق له أن يتصرف فها إلا وفق ما يرضي الله " لأن الحق في ذلك مشترك بينه وبين ربه" على حد قول الإمام

ومن هنا يمكن القول بأن المصالح متداخلة فالمحافظة على المصلحة العامة محافظة لمصلحة الأفراد بحيث يستطيع كل من يتمكن من الانتفاع بها أن ينتفع بها وفقا للوجوه المعروفة شرعا. وكذلك القول في المصلحة الخاصة: بها يتحقق صلاح المجتمع تبعا فحفظ مال اليتيم – مثلا – حتى سن الرشد فيه نفع لليتيم عند رشده إذ يجد ماله كاملا غير منقوص وفيه نفع لغيره سواء كان وارثا أم غير وارث بما يحققه ذلك المال من نفع عام بإقامة مشاريع أو صدقات خاصة أو عامة ولعل هذا هو معنى قوله تعالى {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً} (5) سورة النساء] فعد أموال اليتيم كأنها أموال من يرعاها. وكذلك في حفظ النفس فإنها مصلحة خاصة ولكن المحافظة عليها على النظام العالمي. وإذا نزلت بالأمة نازلة أو طرأت بعض الطوارئ وجب اعتبار مصالح هذه الأمة كلا متكاملا لا كدويلات متفرقة " وطريق المصالح أوسع طريق يسلكه الفقيه في تدبير أمور الأمة عند نوازلها ونوائبها إذا التبست عليه المسالك" كما قال ابن عاشور وتداخل المصالح يستدعي إيجاد قواعد وخطط تشريعية يلتزمها المجتهد لإعطاء كل ذي حق حقه فلا يظلم أحد. وأساس هذه القواعد هي: الموازنة بين ما يعود على صاحب الحق من نفع مشروع وبين ما يلحق الغير من ضرر لازم أو فساد ممنوع. وفي هذه الموازنة يتفاوت نظر النظار وتتعارض فيه الخواطر والأفكار لذا أكد الإمام على الفهم السليم والطبع المستقيم. ولقد استطاع أن يستنبط من استقرائه للشريعة سلما للمصالح يتدرج بحسب آثارها في دنيا الناس فتحدث عن الضروري والحاجي والتحسيني وبنى على ذلك مواقف عملية حتى يتمكن الناس من الموازنة بين المصالح وترتيبها فلا يقعوا أمام طريق مسدود يجعلهم مخيرين بين مصالح الدنيا أو الآخرة. ولو وضع المسلمون هذا السلم نصب أعينهم قبل اتخاذ بعض القرارات أو تبني بعض المواقف لسملت الأمة – الآن – من كثير مما هي فيه من المشاكل 2ـ كما أنها تراعي التخفيف والتيسير وترفع الحرج عن الناس باعتبارها شريعة عملية واقعية تسعى إلى أن تكون واقعا حيا في نفوس أتباعها ولا يتم ذلك إلا بسلوك الرفق والتيسير ذلك بأن اليسر من الفطرة والنفوس مجبولة على حب الرفق والنفور من الشدة والإعنات ومن هنا كان الحرج مرفوعا والمشقة منفية وليس المراد بنفي المشقة أن لا مشقة ولا كلفة في شيء من التكاليف الشرعية أصلا بل المراد أن تكون المشقة في حدود طاقة المكلفين. كما أن الدعوة إلى التيسير ليست على إطلاقها بل المراد أن يكون التيسير بقدر لا يفضي إلى انخرام مقاصد الشريعة وإلا لزم ارتفاع جميع التكاليف أو أكثرها. 3ـ وتقيم العدل وتدعو إلى أن تكون إقامة العدل عن إدراك وتفهم عميق لأبعاده ومراميه وللمسالك والوسائل المفضية إليه فمن راعى ذلك وفق إلى جني ثماره إذ لا ثمرة تجنى دون تصور سليم وتنفيذ واع حكيم. كما بينت الشريعة أن عاقبة العدل كريمة وعاقبة الظلم وخيمة ولهذا يرى أن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة ـ رابع عشر: شرعت الشريعة من الوسائل ما يتلائم مع تحقيق مقاصدها ويحافظ عليها ولولا ذلك لفات الكثير منها ولذا كان اعتناؤها بالوسائل كاعتنائها بالمقاصد إلا أن العناية بالمقاصد أولىواعتبرت الوسائل بمثابة التتمات والتكملات وصارت كل وسيلة تخدم مقصدا مطلوبة التحصيل وكل وسيلة لا تؤدي إلى ذلك مطلوبة الترك مع أنه قد تتعد الوسائل إلى المقصد الواحد فيقدم أقواها تحصيلا للمقصد المتوسل إليه بحيث يحصل كاملا ميسورا يقدم على ما هو دونه في هذا التحصيل. هذا ما وفقني الله إليه وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى من اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

مناقشة الاستدلال بالإجماع

مناقشة الاستدلال بالإجماع ¤فهد بن محمد السدحان£بدون¥بدون¨الأولى¢1414هـ€أصول فقه¶إجماع الخاتمة في ختام هذا البحث: أحمد الله على توفيقه، وأشكره – سبحانه – على عونه وتسديده. وأود أن أسجل – هنا – أهم النتائج والفوائد، وأهم الملحوظات والمقترحات: أولاً: النتائج والفوائد: 1 - أهمية هذا الموضوع للمناظر وللناظر (الباحث). 2 - عناية العلماء المتقدمين به من الجهتين: التأصيلية، والتطبيقية. وقد سبق بيان هذين الأمرين في المقدمة. 3 - لم أجد مثالا لما يسميه الأصوليون (الإجماع الصريح) الذي ينقل فيه القول عن الجميع، أو الفعل عن الجميع، أو القول عن البعض والفعل عن البعض الآخر. فالإجماعات المستدل بها في مسائل الخلاف إجماعات سكوتية. 4 - أن الإجماع يمكن أخذه من الاختلاف، فاختلاف العلماء المستقر في مسألة ما على أقوال يدل دلالة غير مباشرة على اتفاق على بعض الأمور، ويمكن أن يسمى هذا بالإجماع الخفي أو بالإجماع الضمني، ويسميه بعضهم بالإجماع المركب. ومن هذه الأمور: أ – الإجماع على منع إحداث قول آخر في المسألة. ب - الإجماع على تسويغ الأخذ بكل قول وأن المسألة اجتهادية، وينبني على هذا منع انعقاد الإجماع بعد الخلاف. جـ - الإجماع على الأخذ بأقل ما قيل في المسألة. 5 – أن محل الخلاف في إمكان الإجماع (إمكان وقوعه، وإمكان العلم به، وإمكان نقله) وفي حجيته: إنما هو الإجماع على الأحكام التي لا تكون معلومة من الدين بالضرورة، ويسمى (إجماع الخاصة) أي: المجتهدين وحدهم. أما الإجماع على الأحكام التي تكون معلومة من الدين بالضرورة فلا نزاع في إمكانه، ولا في حجيته، ويسمى (إجماع العامة) أي: الإجماع الذي أجمعت عليه الأمة قاطبة: مجتهدوها وعوامها. 6 – أن الإجماع دليل نقلي كغيره من الأدلة النقلية، ولذا فلا بد لصحة الاستدلال به من: أ – صحة السند. ب – وضوح الدلالة في المتن. جـ - الرجحان على المعارض. 7 – أن القول بتقديم الإجماع على الأدلة الأخرى ليس على إطلاقه، بل ينبغي أن يقيد بالقطعي، أما الظني من الإجماع فشأنه شأن الأدلة الظنية الأخرى، فيمكن أن يكون راجحا، ويمكن أن يكون مرجوحا، ويرجع هذا إلى نظر المجتهد واجتهاده. 8 – أن الإشكال الناشئ من الاستدلال بالإجماع في مسائل الخلاف يزول بإدراك أمرين: أ – أن المستدل بالإجماع – هنا – إنما يريد إجماعا سابقا للخلاف الذي أبداه – أو حكاه – الطرف الآخر، فهو بهذا يبين أن ذلك الخلاف يعد خرقا للإجماع السابق، وأنه يجب على من بلغه وعلم به وثبت عنده أن يرجع عن الخلاف. ب – أن أكثر ما يذكر في هذه المسائل إنما هو من قبيل الإجماعات الظنية .. وإذ آل إلى الظنية صار الإجماع كغيره من الأدلة، وزال الإشكال الناشئ من حكاية الخلاف. 9 – أن الإجماع ينقسم إلى قسمين: مقطوع ومظنون. والظنية تتطرق إليه من جهة الثبوت ومن جهة الدلالة، فتكون الأقسام أربعة. وقد سبق بيان هذا في المبحث السابع من التمهيد. 10 - أن الإجماع القطعي بضوابطه التي وضعها الأصوليون في قولهم: (ما وجد فيه الاتفاق، مع الشروط التي لا يختلف فيه مع وجودها، ونقله أهل التواتر) لم يتحقق له – حسب علمي – مثال في الواقع، ولا يمنع هذا أن تستفاد القطعية من انضمام قرائن أخرى إليه، لكن المقصود – هنا – هو فيما إذا جردنا النظر إلى الإجماع. 11 – أن منشأ الاعتراضات على الاستدلال بالإجماع أحد أمور ثلاثة: أ – المنازعة في أصول الإجماع. ب – المنازعة في ضوابط ثبوته: إما في اعتبارها، وإما في تحققها. جـ - المنازعة في ضوابط الاستدلال به المتعلقة بمتنه: إما في اعتبارها، وإما في وجودها.

12 - أن الخلاف في أصل حجية الإجماع لم يظهر له – حسب علمي – أثر في التطبيق؛ لأن المنكرين لها – إذا استثنينا الإمامية – قلة من المتكلمين ليسوا بأصحاب مذاهب لها فروعها المبنية المدونة. أما الإمامية فإن خلافهم – فيما يحكي فيه أهل السنة الإجماع – ليس راجعا إلى مسألة حجية الإجماع، بل إلى مسألة تحقق الإجماع وانعقاده؛ لأنهم – حين يسلمون بتحققه في مسألة – لابد لهم من الأخذ بها أجمع عليه، وإن كان مستندهم – في هذه الحالة – هو قول المعصوم الداخل في جملة المجمعين، فالنتيجة واحدة، ولذا لم يظهر لي أن للاختلاف في حجية الإجماع أثراً عند التطبيق. ثانياً: الملحوظات والمقترحات: 1 – أن المثبتين للإجماع والمنكرين له أطالوا في بحث مسائل: (إمكان وقوع الإجماع، وإمكان العلم به، وإمكان نقله)، وكأن الإمكان هو المقصد الأهم. والمقترح: أن يصرف الجهد إلى المسألة التي حكي وقوع الإجماع عليها وتحقيق القول فيها، إذ أن هذا هو الغاية الأولى، فإذا كان المستدل في مسألة يحكي الإجماع عليها، فالأمر قد تجاوز الإمكان إلى الوقوع، فلا يبدو – حينئذ – أن لبحث موضوع الإمكان وجها، وبخاصة أن الأمر يتعلق بإمكان عادي أو استحالة عادية، والمستحيل العادي ليس له صفة الثبات؛ فما يكون مستحيلا – عادة – في وقت قد يقال بإمكانه في وقت آخر، تبعا لتغير الظروف. 2 – أن مسائل الإجماع المحكية في مصادرها (وموسوعاتها) لم تحظ بما تستحق من التحقيق والتنقيح وتمييز الثابت من غيره، ولم تخضع لمعايير نقد السند والمتن، وكان المنتظر أن تحظى بمثل ذلك؛ لأنها جزئيات دليل ثابت من أدلة التشريع، فهي كجزئيات دليل السنة النبوية التي حظيت بذلك كما لا يخفى. والمقترح: أن تتضافر جهود الباحثين لتتبع مسائل الإجماع المنقولة في مصادرها، ونقدها، فالإجماع دليل نقلي، وله سند ومتن، فيجب أن يحقق القول فيهما. 3 – أن الذين يستدلون بالإجماع يذكرون في كثير من المواضع – إجماعات مجردة؛ فيقولون – مثلا -: (دليلنا الإجماع؛ فقد أجمع العلماء على كذا) أو نحو ذلك. والمقترح: اتباع المنهج الآتي للاستدلال بالإجماع: أ – ذكر الطريق الذي ثبت به الإجماع – إما بالرواية أو بالعزو إلى كتاب – مع تصحيح ذلك الطريق، وبيان نوع النقل (متواتر أم مشهور أم آحاد؟)، وذكر عبارة الناقل. ب – ذكر صفة الإجماع، وذلك ببيان دليل حصول الاتفاق بين العلماء (قول الجميع، أم فعل الجميع، أم قول بعضهم وفعل البقية، أم قول بعضهم وسكوت البقية، أم فعل بعضهم وسكوت البقية؟). جـ - ذكر وجه الدلالة من متن الإجماع (نص أم ظاهر؟ منطوق أم مفهوم؟ ... ) وأخيرا: أرجو أن يسهم هذا البحث (مناقشة الاستدلال بالإجماع) في تكوين منهج يعين على تطبيق تلك المقترحات. والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة

منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة ¤مسفر بن علي القحطاني£بدون¥دار الأندلس الخضراء - جدة¨الأولى¢1424هـ€أصول فقه¶استنباط الخاتمة بعد هذه الرحلة الطويلة الممتعة التي عشتها مع هذا البحث، ألقي عصا الترحال منتهياً حيث انتهت بي مباحثه وتمت فصوله، مسجلاً أهم النتائج التي توصلت إليها والفوائد التي وقفت عليها من خلال النقاط التالية: 1 - أن ثبات أحكام الشريعة مع تعاقب الأزمنة واختلاف أحوال الناس والمجتمعات دليل على صلاحيتها لكل زمان ومكان؛ وذلك أن الله عز وجل قد تكفل بحفظها من كل خطأ أو نسخ أو تبديل. ومن مكملات هذه الصلاحية للشريعة أن بقيت هناك أحكام تتغير من ظرف إلى آخر بحسب ارتباطها بالمصلحة أو العرف المتغير. 2 - شمول الشريعة لكل ما يحتاجه الناس على الإطلاق فلا تخلو حادثة واحدة عن الحكم الشرعي في جميع الأعصار والأقطار والأحوال، فالمعاني التي تضمنتها الشريعة تعمّ جميع الحوادث وتسعها إلى يوم القيامة. 3 - أن الله عز وجل قد نصب لكل مسألة حكماً شرعياً معيّناً يجتهد العالم في معرفته، فكانت الحاجة لبيان معنى الأحكام الشرعية التكليفية منها والوضعية لأنها خالدة باقية لا تختلف باختلاف الأزمنة أو الأمكنة، إنما يختلف تنزيلها فيما يحدث من وقائع ونوازل تحتاج إلى تلك الأحكام الشرعية. 4 - التعريف المختار للنوازل المعاصرة هي: " الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد ". 5 - أن هناك بعض المصطلحات للنوازل تدل على المعنى نفسه تقريبا ً مثل: الحوادث والوقائع والمسائل والقضايا والمستجدات. 6 - أن الاجتهاد في حكم النوازل نشأ منذ تنزّل القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم بحسب الوقائع والأحداث ليجيب عما يحدث في حياة الصحابة من نوازل، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتصرفه بالفتيا وتبليغ الرسالة والصحابة والتابعين ساروا على هدي الكتاب والسنة في معالجة الوقائع الحادثة بهم. 7 - تكمن أهمية البحث في أحكام النوازل من خلال الجوانب التالية: أ - التأكيد على صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان. ب - مراعاة حاجات ومصالح العباد. ج- تفويت الفرصة على الأخذ بالقوانين الوضعية. د- تجديد الفقه الإسلامي. 8 - أن الاجتهاد في طلب الأحكام جائز في الجملة، وقد يجب للمجتهد المتأهل عند الحاجة وضيق الوقت ويندب إذا كان الوقت متسعاً، وقد يحرم الاجتهاد لغير المتأهل أو في المسائل التي لا يسوغ فيها النظر، ويكره للمتأهل أن يجتهد فيما يستبعد وقوعه. 9 - الصحيح الذي ذهب إليه الجمهور أنه: لا تخلو واقعة عن حكم لله تعالى فيها. 10 – لا يسوغ الاجتهاد في النوازل التي فيها نص قاطع أو مجمع عليها أو مسائل الاعتقاد التي لارأي فيها، أو كانت من المعضلات أو الأغلوطات أو مما يستبعد وقوعه في حياة الناس. 11 - التعريف المختار للاجتهاد هو ما ذهب إليه الإمام البيضاوي – رحمه الله – وهو: " استفراغ الجهد في درك الأحكام الشرعية ". 12 - أنه لا فرق بين استعمال مصطلح الاجتهاد أو النظر إذا كان مقيداً بالاجتهاد في الأحكام كما صرح بذلك بعض الأصوليين. 13 - من الشروط التي ذكرها العلماء في المجتهدين: معرفة آيات الأحكام لغة وشرعاً، معرفة أحاديث الأحكام لغة وشرعاً، معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، التمكن من معرفة مسائل الإجماع ومواطن الاختلاف، معرفة وجوه القياس وشرائطه المعتبرة، معرفة العلوم اللغوية التي تعينه على فهم الكتاب والسنة, التمكن من علم أصول الفقه، معرفة مقاصد الشريعة 14 - قسَّم العلماء المجتهدين إلى مراتب لا تخرج عن قسمين: الأول: المجتهد المطلق. ويتفرع إلى نوعين: أ - مجتهد مطلق مستقل.

ب - مجتهد مطلق غير مستقل. الثاني: مجتهد المذهب. وهو ثلاثة أنواع: أ - مجتهد التخريج. ب - مجتهد الترجيح. ج – مجتهد الإفتاء. وكل نوع من أنواع المجتهدين له نوع نظر واجتهاد في التعرف على النوازل، إما مباشرة من نصوص الشرع أو من خلال قواعد المذهب وآراء الأئمة. 15 - المراد بالاجتهاد الجماعي: " استفراغ جمهور أهل العلم وسعهم في درك الحكم الشرعي واتفاقهم عليه بعد التشاور فيه " من خلال مجالس علم أو مجامع فقه. 16 – ظهرت أهمية الاجتهاد الجماعي في عصرنا الحاضر، لكونه أكثر دقة وإصابة من الاجتهاد الفردي، وأنه مرحلة لسد الفراغ الحاصل بسبب توقف الإجماع، كما أنه ينظم الاجتهاد ويمنع توقفه، وأكثر إحاطة بالنوازل المعاصرة. 17 – أن الاجتهاد الجماعي ليس إجماعاً ولكنه حجة ظنية اتباعه أولى من غيره. 18 - أن إنشاء المجامع الفقهية التي تضم أغلب المجتهدين في الشريعة، هو الثمرة العملية لتحقيق الاجتهاد الجماعي الأقرب إلى الصحة والصواب للنظر في النوازل المعاصرة. 19 - لا يجوز خلو عصر من العصور عن مجتهدٍ في الأحكام قبل أشراط الساعة الكبرى، من حيث الوقوع الشرعي. 20 – يصح تجزؤ الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض، على الراجح من أقوال أهل العلم. 21 - الرجوع إلى المذاهب الأربعة في التعرف على أحكام النوازل له أهميته في الاطلاع على طريقة الفتوى ومستندها وكيفية تنزيل هذا المستند عليها وفي ذلك كله تمرين للمجتهد على النظر في أحكام النوازل المعاصرة. 22 - المنهج العام للنظر في النوازل، يبدأ من اختيار الأدلة الصحيحة بدءاً بالإجماع القطعي ثم الكتاب والسنة. ثم تحليل تلك الأدلة تحليلاً علمياً يبين دلائل النص وتفسيراته ومفهوماته، ثم ينظر بعد ذلك في أخبار الآحاد فإن لم يجد نظر إلى القياس الشرعي واعتبر القواعد الأصولية عند استنباط الحكم. 23 - من المناهج المعاصرة للنظر في النوازل منهج التضييق والتشديد ومن أبرز ملامحه: التعصب للمذهب أو للآراء أو لأفراد العلماء، التمسك بظواهر النصوص فقط، الغلو في سد الذرائع والمبالغة في الأخذ بالاحتياط عند كل خلاف. 24 - ومن المناهج المعاصرة أيضاً: منهج المبالغة في التساهل والتيسير، ومن أبرز ملامحه: الإفراط في العمل بالمصلحة ولو عارضت النصوص، تتبع الرخص والتلفيق بين المذاهب، التحايل الفقهي على أوامر الشرع. 25 - أن المنهج الوسطي المعتدل هو أولى المناهج بالنظر في أحكام النوازل المعاصرة، ومن الضوابط التي ينبغي للناظر أن يراعيها في نظره واجتهاده لتحقيق الاعتدال والتوسط والوصول إلى الحق نوعان من الضوابط: أ - ضوابط يحتاجها قبل الحكم في النازلة وهي: 1) - التأكد من وقوعها. 2) - أن تكون من المسائل التي يسوغ فيها النظر. 3) - فهم النازلة فهماً دقيقاً. 4) - التثبت والتحري واستشارة أهل الاختصاص. 5) - الالتجاء إلى الله عز وجل وسؤاله الإعانة والتوفيق. ب - ضوابط يحتاجها أثناء الحكم على النازلة وهي: 1) - الاجتهاد في البحث عن الحكم الشرعي، مع مراعاة ذكر دليل الحكم، وتبيين البديل المباح عند المنع من المحظور، والتمهيد للحكم المستغرب لتأليف الناس به. 2) - مراعاة مقاصد الشريعة، من خلال: تحقيق المصلحة الشرعية عند النظر، واعتبار قاعدة رفع الحرج، والنظر في المآلات. 3) - فقه الواقع المحيط بالنازلة. 4) - مراعاة العوائد والأعراف. 5) - الوضوح والبيان في الإفتاء. 26 - أن التكييف الفقهي للنوازل المعاصرة مرحلة من النظر لا يستغني عنها المجتهد من أجل فهم النازلة الفهم السليم للوصول إلى حكمها الصحيح.

والتعريف المختار للتكييف الفقهي هو: " التصور الكامل للواقعة وتحرير الأصل الذي تنتمي إليه " وقد يرادف مصطلح التكييف: التصوّر أو التصوير، أو التوصيف للنازلة. 27 - من الضوابط التي ينبغي مراعاتها عند القيام بالتكييف الفقهي: أ - أن يكون التكييف الفقهي مبنياً على نظر معتبر لأصول التشريع. ب - بذل الوسع في تصور الواقعة التصور الصحيح الكامل. ج- تحصيل المجتهد الملكة الفقهية في استحضار المسائل وإلحاقها بالأصول. 28 - أن أول طريق يبدأ به المجتهد المتأهل بعد تكييف النازلة وفهمها البدء بعرض النازلة على النصوص الشرعية المتمثلة بنصوص الكتاب والسنة، وهو أول طريق للتعرف على حكم النوازل وأهمها، وذلك بنص الكتاب والسنة وفعل الصحابة في اجتهاداتهم. 29 - إن وجه الردّ إلى الكتاب والسنة في معرفة أحكام النوازل قد يتأتى بالمنصوص من الآيات والسنن أو من خلال دلالات النصوص وأماراتها على الأحكام. 30 - إن الإجماع هو الدليل الذي يلي النص في القوة والاحتجاج إلا أن يكون إجماعاً قطعياً لا يقبل النسخ أو التأويل فإنه أولى بالاعتبار، ووجه الردّ إليه في التعرف على أحكام النوازل: أنه ردّ في الحقيقة إلى نصوص الكتاب والسنة لأنها مُستندَهُ الذي يقوم عليه، أن في معرفة الإجماع معرفةٌ لنوع المسألة النازلة هل هي من المجمع عليها أو المختلف فيها حتى يتسنى بحثها والاجتهاد فيها. 31 - الدليل الرابع من الأدلة المتفق عليها هو القياس الذي به يُتعرف على أحكام كثير من النوازل التي لا نص فيها، فهو الأصل المسترسل على جميع تلك الحوادث والوقائع والمستوفي لأحكام ما جَدّ ويستجدّ من أمور. 32 - قد يقع التعرف على حكم النازلة بالردّ إلى الأدلة المختلف فيها كقول الصحابي، والاستحسان، والاستصحاب الذي لا يصار إليه إلا عند عدم وجود الدليل الخاص في حكم المسألة. 33 - من الضوابط العامة التي ينبغي للمجتهد مراعاتها عند الردّ إلى الأدلة الشرعية: أ - اعتبار دلالات الألفاظ في فهم النصوص. ب - عدم إخراج النصوص عن ظواهرها لأغراض فاسدة وتأويلات بعيدة لا تحتملها اللغة. ج- اعتبار العوارض المؤثرة في الحكم سواء كانت في ذات الدليل، أو مؤثرة في تنزيل الدليل على الواقعة. د- معرفة طرق الجمع والترجيح عند تعارض النصوص والدلالات. هـ- الاعتناء بمكانة العقل في فهم النصوص. 34 - من طرق التعرف على حكم النازلة الردّ إلى القواعد والضوابط الفقهية. والمراد بالقاعدة الفقهية في الاصطلاح: " أنها حكم كلي فقهي ينطبق على فروع كثيرة من أكثر من باب ". أما الضابط الفقهي فيراد به في الاصطلاح:" أنه حكم كلي فقهي ينطبق على فروع كثيرة من باب واحد". 35 - أن القواعد والضوابط الفقهية لها أهمية كبرى في معرفة أحكام النوازل؛ إذ في ضبطها غنية عن حفظ كثير من الفروع والجزئيات الفقهية، أن معرفة القواعد يزيل التناقض بين الفروع الذي قد يطرأ إلى فهم من يشتغل في دراسة الفروع الفقهية فقط، كذلك تعين دراسة القواعد على فهم مقاصد الشرع وكلياته، كذلك يؤدي فهم القواعد الفقهية إلى إكساب المجتهد الملكة الفقهية التي تعينه على الاستدلال والترجيح والتخريج. 36 - من طرق التعرف على أحكام النوازل، طريق التخريج الفقهي، والمقصود به: " استنباط الأحكام الشرعية العملية وما يوصل إليها من خلال آراء أئمة المذهب وقواعدهم " وهذا التعريف يشمل أنواع التخريج الثلاثة: تخريج الأصول من الفروع، وتخريج الفروع على الأصول، وتخريج الفروع على الفروع.

37 - إن أكثر أنواع التخريج الفقهي عملاً عند المجتهدين في أحكام النوازل المعاصرة هو: تخريج الفروع من الفروع وهناك بعض الضوابط التي ينبغي للناظر مراعاتها عند هذا النوع من التخريج وهي: أ - ألا يخرِّج الحكم على أقوال الأئمة مع وجود النص الشرعي من القرآن والسنة. ب - أن يكون للمخرِّج دراية كاملة بقواعد المذهب وفروعه. ج- أن يكون المخرِّج عالماً بأصول الفقه على وجه العموم وبالقياس على وجه الخصوص. د- أن يكون للمخرِّج ملكة الاقتدار على معرفة المآخذ وربط الفروع بأصول المذهب. هـ- أن يكون ذا دراية بالعوارض الطارئة على الحكم والفوارق الفقهية بين الفروع. وأن يكون التخريج على آراء أئمة المذهب من مصادره المعتبرة عند العلماء. 38 - إن أهم طرق تخريج الفروع على الفروع لمعرفة أحكام النوازل: طريق القياس، وهو ثلاثة أنواع: 1) - ما قطع بنفي الفارق. 2) - ما نص على علته. 3) - وما عرفت علته عن طريق الاستنباط. والراجح من أقوال العلماء جواز النوعين الأوليّن دون الثالث. 39 - من طرق التعرف على أحكام النوازل الردّ إلى المقاصد الشرعية. والمراد بالمقاصد الشرعية على المختار من تعريفات العلماء: " المعاني والحِكَم التي رعاها الشارع عموماً وخصوصاً من أجل تحقيق مصالح العباد في الدارين ". 40 - تنقسم المقاصد الشرعية باعتبار حفظها ومدى الحاجة إليها إلى: ضرورية وحاجية وتحسينية، وباعتبار مرتبتها في القصد إلى أصلية وتابعة، وباعتبار شمولها لأحكام الشريعة إلى: عامة وخاصة وجزئية. 41 – وللمقاصد الشرعية دور كبير في التعرف على أحكام النوازل، فمعرفتها شرط في بلوغ المجتهد مرتبة النظر في الأحكام، كما صرّح بذلك أكثر من إمام في الأصول، كذلك مراعاتها شرط في جميع أنواع الاجتهاد. 42 - أن الردّ إلى المقاصد الشرعية في التعرف على الأحكام ردّ إلى المصلحة المرسلة القائمة على المحافظة على مقصود الشرع من إيجاد مصالح الخلق ودرء المفاسد عنهم بشرط أن تكون هذه المصلحة: ضرورية أو حاجية، وكلية، وقطعية أو ظنية ظناً غالباً. 43 - أن المتتبع لكثير من النوازل المعاصرة سواء كانت في العبادات أو المعاملات أو الأحوال الشخصية أو الطبية يجد أن طريق اجتهاد العلماء فيها لا يخرج عما ذكرناه من طرق ٍ للتعرف على أحكام النوازل وذلك بأن يكون حكمها راجعاً إلى نصٍ شرعي أو قاعدةٍ أصولية أو فقهية أو عن طريق التخريج الفقهي أو بردها إلى مقاصد الشريعة العامة.

منهج التيسير المعاصر دراسة تحليلية

منهج التيسير المعاصر دراسة تحليلية ¤عبدالله بن إبراهيم الطويل£بدون¥دار الهدي النبوي - مصر¨الأولى¢1426هـ€أصول فقه¶تيسير وتشديد وفي نهاية المطاف وبعد أن طويت مراحل هذا البحث، وأنهيت الحديث في أغلبه بما أمكن، فإني أسجل هنا أهم ما ورد فيه من نتائج وهي: 1. أن لهذا المنهج جذورا تاريخية ونفسية وفكرية فهو ليس جديدا برمته. 2. أن مفهوم هذا المنهج لدى العلماء المعاصرين كان منطلقا من الرؤية الشرعية له، لذا كانت ردودهم متوالية وتعقيباتهم متتالية. 3. أن مفهوم هذا المنهج لدى العلمانيين كان مؤيدا له بل ومتجاوزا له بمراحل بعيدة. 4. أن لهذا المنهج مدرستين كبيرتين هما: الإسلاميون، والعلمانيون علما أن المنتمين لهاتين المدرستين ليسوا سواء في منطلقاتهم وأهدافهم. 5. أن لهذا المنهج أصولا متعددة وطرقا متكاثرة انطلقوا منها واعتمدوا عليها. 6. أن في تطبيقات هذا المنهج التجاوز البين والتيسير المفرط من أصحابه ومناصريه. 7. أن ظهور هذا المنهج عائد إلى أسباب متعددة منها ما هو: داخلي مثل: المؤثرات البيئية، ومنها ما هو خارجي مثل: الانبهار بالحضارة الغربية. 8. أن هذا المنهج له آثار غير حميدة وفي عرضها ودراستها نفع كبير للحذر من هذا المنهج وسلوك طريقه، وهذه الآثار منها: ما هو أثر من الناحية التشريعية كالتفلت من بعض الأحكام الشرعية. ومنها ما هو أثر سلوكي كالتفرق. ومنها ما هو فكري كالاجتهاد من غير أهله. ختاما: فإن الموضوع لا يزال غضا طريا، يحتاج إلى كثير من البحوث والدراسات حتى يمكن تحديد معالمه والوصول به إلى مرحلة النضج. وهذا ما يزيدني ثقة أن هذا البحث خطوة في الطريق-ليس إلا- وللمتعقب فضل الزيادة والتمحيص. والحمد لله الذي بنعمته تم الصالحات وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة

موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة ¤سليمان بن صالح بن عبدالعزيز الغصن£بدون¥دار العاصمة - الرياض¨الأولى¢1416هـ€أصول فقه¶استدلال الخاتمة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: ففي نهاية هذا البحث – الذي حرصت فيه على التركيز في مباحثه والتجلية لمسائله، وحسن العرض لدلائله، والذي أفدت منه فوائد جليلة، وتوصلت فيه إلى نتائج كثيرة – يمكن إيجاز أهم ما توصلت إليه بما يلي: أولاً: أن علم الكلام هو الذي يقوم على إثبات العقائد الدينية عن طريق الأدلة العقلية، وأن أهل الكلام هم كل من سار على هذا المنهج في الكلام في مسائل العقيدة. ثانياً: أن الفرق الكلامية – وإن تعددت أسماؤها – فإنها متفقة في أصل المنهج الذي تتناول من خلاله مسائل العقيدة، وإنما يختلفون في التوسع في تطبيق هذا المنهج أو عدم التوسع في ذلك. ثالثاً: تبين لنا كيف نشأ علم الكلام، والعوامل التي أثرت فيه، كالالتقاء بأصحاب الديانات الأخرى، وكذلك حركة الترجمة لكتب المنطق والفلسفة، والجهل بنصوص الشرع وغير ذلك. رابعاً: أن منهج أهل الكلام أعقبهم بلايا كثيرة من الفرقة والاختلاف والشك والحيرة والجدل والاستهانة بنصوص الشرع وغير ذلك. خامساً: تجلى منهج السلف في الأخذ بنصوص الكتاب والسنة من خلال ثمانية أمور، تم عرضها هناك. سادساً: أن السلف قد أدركوا خطر الكلام والمتكلمين منذ بداية ظهورهم، وحذروا منهم. سابعاً: أن أساطين المتكلمين تراجعوا عن منهجهم، وندموا على مسلكهم. ثامناً: أن المتكلمين يعتقدون ثبوت النص القرآني والأحاديث المتواترة. تاسعاً: تعلق بعض المتكلمين بالقراءات الشاذة والموضوعة لنصرة مذهبهم. عاشراً: أنكر بعض المتكلمين أموراً ثبتت بالأخبار المتواترة كالشفاعة والرؤية. حادي عشر: أن المتكلمين – وإن اعتقدوا قطعية ثبوت النص القرآني والأحاديث المتواترة – إلا أنهم يرون أنها ظنية الدلالة، ويرى كثير منهم أنه لا يصح الاستمساك بها في مسائل الصفات والقدر ونحو ذلك، مما يطلب فيه القطع واليقين، وقد تبين بطلان ذلك من خلال سبعة عشر وجها، وتبين أن إطلاق القول بأن جميع النصوص لا تفيد اليقين إلا عند تيقن عشرة أمور – ذكروها – من أعظم الإلحاد في شرع الله ودينه. ثاني عشر: يرى المتكلمون أنه لا يجوز الاستمساك بأخبار الآحاد في مسائل العقيدة بحجة أنها ظنية، ومسائل العقيدة مبناها على القطع، وقد تبين بطلان هذا الزعم وتناقضه ومخالفته لمنهج السلف. ثالث عشر: اتضح أن أهل الكلام – لجهلهم بالسنة وقلة ورعهم – فإنهم قد يضعون أحاديث، أو يستدلون بأحاديث ضعيفة وموضوعة، كما أهم في المقابل ربما ردوا أحاديث صحيحة وكذبوها. رابع عشر: أن للعقل مكانة في العقيدة الإسلامية، وأن الإسلام قد أثنى على أرباب العقول، وأنه لم يلغ عمل العقل، كما أنه لم يطلق له العنان ليخوض فيما لا يدركه، أو يحار فيما لا يفهمه. خامس عشر: أن المتكلمين غلوا في تعظيم العقل حتى جعلوه حاكماً على الشرع، ومقدماً عليه عند التعارض، وحتى أوجب بعضهم على الله – بالعقل – أموراً، ومنعوا عليه أموراً أخرى، وقد تبين لنا وجه الصواب في كل هذه المسائل، وتناقض أهل الكلام في مقالاتهم هذه. سادس عشر: أبطل المتكلمون دلالات كثير في النصوص الشرعية من خلال عدة طرق: كاتباع المتشابه، والقول بالمجاز، والتأويل، والتفويض. سابع عشر: عرفنا أقوال العلماء في المحكم والمتشابه، والقول الراجح في ذلك، كما تبين لنا تحقيق القول في حكم تأويل المتشابه.

ثامن عشر: أن إطلاق القول بأن نصوص الصفات من المتشابه غير صحيح، وكذلك القول بأنها من المتشابه الذي لا يعلم معناه إلا الله باطل، وأنه على القول بأن بعض نصوص الصفات من المتشابه، فإن معناها معلوم غير مجهول. تاسع عشر: عرفنا معنى المجاز وأثره في تحريف معاني النصوص الشرعية وتحقيق الكلام في مسألة القول بوجوده في القرآن واللغة العربية، وتبين أن الدافع لتحقيق الكلام في ذلك ومثار الخلاف فيه هو الزعم بأن نصوص الصفات لا تطلق على الله حقيقة بل مجازاً، وعلمنا بأن هذا الزعم باطل. عشرين: عرفنا معاني التأويل في اللغة والاصطلاح والأسباب الحاملة لأهل الكلام على التأويل. واحداً وعشرين: أن ما نسب إلى الإمام أحمد من تأويله لبعض النصوص، فبعضه غير ثابت عنه، وبعضه الآخر من قبيل التأويل الصحيح الموافق للشرع، لا كتأويلات أهل الكلام. ثانياً وعشرين: أن التأويل الباطل قد استخدمه أهل الكلام في كثير من النصوص الشرعية في عامة أبواب العقيدة، وذلك كنصوص الصفات والقدر والإيمان وبعض أمور اليوم الآخر، وكذلك كلام الجمادات وأفعالها، وقد تم عرض أمثلة لذلك مع الرد على هذه التأويلات وبيان الحق فيها. ثالثاً وعشرين: تبين بجلاء كثير من لوازم تأويلات أهل الكلام الباطلة وآثارها السيئة على النصوص الشرعية وعلى عقيدة الأمة. رابعاً وعشرين: أن التأويل ليس كله مردوداً، بل إن من التأويل ما بعد صحيحاً، وهو ما توافرت فيه شروط التأويل الصحيح كما هي مبينة في صلب البحث. خامساً وعشرين: تم عرض معنى التفويض وبداية القول به وشبه أهله المتبنين له والزاعمين بأنه مذهب السلف، وقد تبين بطلان هذه الشبه وهذا الزعم، وما يلزم عليه من لوازم فاسدة، واتضح أن التفويض من منهج أهل الكلام، وأنه مثل التأويل في نتائجه السيئة وجنايته على النصوص وتعطيل معانيها، بل قد يكون التفويض شراً من التأويل، وقد استبان أن التفويض مخالف للكتاب والسنة ومذهب سلف الأمة. وبعد، فهذه أبرز النتائج التي تضمنها هذا البحث. والحق أني أشعر بأن عامة مسائله لا زالت تحتاج إلى مزيد بحث وتحقيق، كما أني أرى ضرورة القيام بدراسات خاصة لبيان صلة المناهج والتوجهات المنحرفة في العصر الحديث بالمناهج والفرق المتقدمة، لا سيما أهل الكلام المذموم، فإن أصولهم لا زالت متبعة، وطرائقهم لا زالت منتهجة، وإن تنوعت الشعارات المرفوعة، وتجددت المسائل المطروحة، فالمنطلقات والشبه – في الغالب – واحدة. وفي الختام فهذا جهد المقل، أسأل الله أن ينفع به، وأن يجعله خالصاً لوجهه، وأن يجعلنا من جنده وأوليائه المنافحين عن عقيدة الإسلام، وأن يبارك في أفعالنا، ويأخذ بنواصينا لما يحبه ويرضاه، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

نظرة في الإجماع الأصولي

نظرة في الإجماع الأصولي ¤عمر بن سليمان الأشقر£بدون¥دار النفائس¨الأولى¢1410هـ€أصول فقه¶إجماع الخاتمة: أهمّ النّتائج التي توصَّلت إليَها هَذه الدَراسة يمكننا أن نوجز أهم النتائج التي خلصت إليها هذه الدراسة في النقاط التالية: 1 - الإجماع الممكن الوقوع الذي احتج به علماؤنا يطلق بإطلاقين: الأول: المعلوم من الدين بالضرورة الذي لا يكون مسلماً من أنكره. الثاني: اتفاق من حفظ قوله من أهل العلم على حكم من الأحكام، بحيث لا يعرف لهم مخالف فيما ذهبوا إليه. 2 - رتبة الإجماع بالمعنى الأول التقديم على غيره من الأدلة، لأنه إجماع على الأدلة القطعية الثبوت القطعية الدلالة، وما كان كذلك فإنه لا يقدم عليه دليل من الأدلة بحال. والنوع الثاني حجّة ودليل يجب المصير إليه، ولكنَّ مرتبته متأخرة عن نصوص الكتاب والسنة، فلا يصار إليه إلا عند فقد الدليل. 3 - منكر النوع الأول من الإجماع يكفر ويفسق، لأنه أنكر أمرا لا قوام لإسلام العبد وإيمانه إلا بالإقرار به, والمصير إليه. كمنكر وجوب الصلاة أو الزكاة أو الحج ونحو ذلك. أما منكر النوع الثاني فإنه لا يضلل ولا يفسق وإن كان ينكر عليه، ويلام وينصح ويرشد، لأن العلماء مختلفون في حجية هذا النوع من الإجماع. 4 - الإجماع الذي يعتد به بعض علماء الأصول والذي هو إجماع جميع علماء الأمة في عصر من العصور على حكم من الأحكام، حجّة ودليل لو أمكن وقوعه لا يخالف في ذلك أحد من أهل العلم، ولكنَّ وقوعه غير ممكن بحال، للأسباب التي عرضنا لها في هذه الدراسة. 5 - بينت الدراسة أن الإجماع الذي ارتضاه بعض أهل الأصول ليس هو الإجماع المعتمد عند علمائنا الأوائل، وأن الذين ابتدعوا القول به ليسوا هم علماء أهل السنة، وأن الذين ابتدعوا القول به ليسوا هم علماء أهل السنة، وأن القول به أدى إلى عدم الاحتجاج بالإجماع، لأن هذا النوع من الإجماع لا وجود له حتى يحتج به في واقع الأمر. 6 - فتح القول بهذا النوع من الإجماع باب شرّ على المسلمين، فبعض ضعاف النفوس الذين يريدون أن يلبسوا على المسلمين دينهم يجادلون وينازعون في قضايا مسلَّمة عند جمهور الأمّة، وعندما يواجهون ويحاورون يقولون: إن هذه المسائل خلافية ليس فيها إجماع، أثبتوا لي أن جميع علماء الأمّة ذهبت هذا المذهب أو قالت بهذا القول، فإذا لم نستطع إثبات ذلك جعل هذا الرجل عدم قدرتنا على تلبية طلبه ذريعة لمخالفته ما سار عليه جمهور علماء الأمّة كما هو حادث في هذه الأيام.

نظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب في إطار المذهب المالكي

نظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب في إطار المذهب المالكي ¤عبدالسلام العسري£بدون¥وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب¨بدون¢1417هـ€أصول فقه¶أصول فقه - أعمال منوعة الخاتمة وبعد: يطيب لي في نهاية المطاف بنظرية الأخذ بما جرى به العمل في المذهب المالكي، أن أختم الكلام بخلاصة لأهم ثمرات هذه الرسالة. لقد قسمنا البحث إلى قسمين: درسنا في القسم الأول نشأة نظرية الأخذ بما جرى به العمل وتطورها. وفي القسم الثاني: درسنا ضوابط نظرية الأخذ بما جرى به العمل. فخلاصة القسم الأول هي: 1 - إن تعدد الأقوال أمر ضروري لابد منه في كل مذهب حي متطور، ولا يضيره ذلك التعدد، وإنما يعتبر ذلك ثروة فقهية تغني الفقه الإسلامي عموما بالاجتهادات السديدة المناسبة لجميع الحاجيات. 2 – إذا كان تعدد الأقوال في المجال النظري يدل على حيوية الفقه لإعطائه الحلول المتعددة لكن هذا التعدد في المجال التطبيقي يؤدي إلى تعارض الاجتهادات، هنا وجدنا فقهاء الأندلس والمغرب أسسوا ضوابط للترجيح بين تلك الأقوال المتعددة، فاعتمادا على تلك الضوابط استطاعوا الخروج بقول واحد، أوجبوا على القضاة والمفتين العمل به. 3 – إن ما توصل إليه فقهاء الأندلس والمغرب من قواعد لنظرية عمل الفقهاء المتأخرين، إنما يعتبر ذلك اقتداء بالإمام مالك في قاعدته (عمل أهل المدينة) التي اعتمدها على صعيد الاجتهاد المطلق. 4 – إن تطبيق نظرية الأخذ بما جرى به عمل الفقهاء المتأخرين، بدأ بالتدريج خلال قرون متعددة، وكانت البداية في قرطبة أهم مدن الأندلس، فقد اشترط أهل قرطبة على القضاة من أجل الخروج من الخلاف، أن يحكم القاضي بقول ابن القاسم وما عليه أهل الإقليم، وقد اقتدى بذلك أهل المغرب، فكانت ظهائر تولية القضاة تنص على أنه يجب الحكم بالمشهور أو المعمول به. وخلاصة القسم الثاني المتعلق بضوابط عمل الفقهاء المتأخرين ترتكز على ما يلي: 1 – أن يثبت جريان العمل، بأن يذكر الفقهاء في كتبهم أو في وثائقهم القول الذي جرى به العمل، مع الإشارة إلى القاضي أو المفتي الذي أجرى ذلك العمل، أو الإشارة إلى من أقر ذلك العمل وأيده. 2 – إن إجراء العمل يدخل في تكييف الوقائع ومحاولة وصفها بأوصاف تقبل الاندراج تحت الأصول الشرعية، ونظرا إلى أن الشريعة جاءت لمصالح العباد، ونظرا إلى أن هذه المصالح تختلف باختلاف البلدان والأزمان، كان لابد لإجراء العمل من مراعاة خصوصيات كل بلد وكل زمان، وكان لابد من اختلاف أحكام العمل باختلاف البلدان والأزمان. 3 – ومن أجل تحقيق المصلحة ربطت أحكام العمل بأسس وموجبات اجتماعية وكان القول الذي يستند إلى إحدى تلك الأسس والموجبات الاجتماعية قولا جديرا بأن يعمل به، ويرجح على غيره من الأقوال، وقد استفاد الفقهاء المتأخرون بعض تلك الأسس والموجبات من أسس عمل أهل المدينة، كاعتبار ما اعتمده القضاء والإفتاء، والعرف، وعموم البلوى، واعتبار الاتصال والاستمرار في التطبيق، كما أضافوا إلى ذلك موجبات أخرى أخذوها من الأصول العامة للمذهب المالكي، كاعتبار المصلحة المرسلة، وسد الذريعة وفتحها، ورعاية الضرورة والحاجة. 4 – إن باب إجراء العمل والترجيح بين الأقوال، ليس بابا مفتوحا لكل أحد، بل لابد لمن يرجح بجريان العمل من الحصول على مؤهلات فقهية، وتوصلنا إلى أن المرتبة المحتاج إليها في بناء أحكام العمل على ما سوى العرف هي مرتبة مجتهد المذهب (أي مجتهد التخريج) وعند انعدامه فيمكن أن يسد فراغه مجتهد الفتيا (أي مجتهد الترجيح). أما أحكام العمل التي تبنى على العرف، فإنه تكتفي في إجرائها بمرتبة الفقيه المقلد الصرف لأن العرف أمر ظاهر، يشترك في إدراكه الخاص والعام. وأختم كلامي بحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

نظرية الضرورة الشرعية

نظرية الضرورة الشرعية ¤وهبة الزحيلي£بدون¥مؤسسة الرسالة - بيروت¨الرابعة¢1405هـ€أصول فقه¶ضرورات وضرر خاتمة البحث هذه هي أهم الأحكام الاستثنائية التي تتطلبها ضرورات الناس وحاجياتهم، مما يستوجب رفع المسؤولية الأخروية أو عدم ترتب الإثم والعقاب في الدار الآخرة، أو إباحة الفعل المحظور، أو التيسير على الناس في أداء الواجبات الدينية حسبما يتلاءم ذلك مع واقع الحياة وظروف الإنسان المختلفة. وهذه الاستثناءات التشريعية هي المقصودة في قولنا: المعنى الأعم للضرورة الذي يشمل الحاجة، وهو الذي يتبادر فهمه إلى ذهن الناس، فلا يسألون عادة عن حكم الأوضاع الاستثنائية النادرة جداً، كما في حالة ضرورة المخمصة المستجيزة لأكل الميتة ونحوها من المحرمات، وإنما يهتمون بمعرفة أحكام الأوضاع الخاصة التي يتكرر وقوعها حسب الظروف المعيشية الحاضرة راجين من وراء سؤالهم بيان الترخيصات الشرعية، والاستفادة من محاولات الفقهاء في التخفيف عن الناس بما أنتجته عبقرياتهم بحيث لا يصادمون صراحة النصوص التي تحرم المحظورات وتنه عن المفاسد والآثام. ومن خلال هذا البحث يتبين أن نظرية الضرورة الشرعية تشمل كل جوانب الأحكام الشرعية، سواء في العبادات أو الالتزامات والعقود والمعاملات، أو الجرائم والعقوبات (نظرية الشبهة في الحدود، وامتناع العقاب على جريمة وقعت خطأ أو نسياناً بإكراه) أو في القرارات الإدارية، والعلاقات الدولية في السلم والحرب. وإطلاع كل إنسان على هذا البحث يضيف إليه دليلاً جديداً على أن الشريعة الإسلامية الخالدة شريعة الحياة والواقع والفطرة، وأنها صالحة للتطبيق والعمل بها في كل زمان ومكان فلا يضيق بها أحد، ولا يحس امرؤ بأنها غلّ على النفوس أو قيد يمنع من التطور والحضارة، أو مسايرة ركب الحياة، أو الانطلاق بحرية كاملة في كل الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. بل إن هذا المعنى لي بجديد في الحقيقة إذا حسنت نية الذين يريدون تطبيق الأحكام الإسلامية، وحاولوا وضعها قيد التجربة والتنفيذ، وفي ميدان البحث والدرس والتثقيف، والتاريخ أصدق شاهد على ما نقول، فقد ظلت هذه الشريعة عشرات القرون الزمنية لها الحاكمية المطلقة في مجالات التشريع والتنفيذ والتخطيط تلبي مصالح الناس، وتحقق تطلعاتهم وأمنياتهم إلى مستقبل حافل بالأمجاد، ولكن مع الاستعانة بالعلماء الأمناء المخلصين المتفتحة قرائحهم، المتجاوبة اجتهاداتهم مع واقع العصر، دون أن يعجزوا في حل مشكلة، أو يضيقوا ذرعاً في مصادر الشريعة وأصولها ومبادئها العامة؛ لأن شرع الله ملازم للمصلحة. قال الشاطبي: لقد ثبت أن الشارع قد قصد التشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية؛ وذلك على وجه لا يختل لها به النظام، لا بحسب الكل؛ ولا بحسب الجزء، وسواء في ذلك ما كان من قبيل الضروريات، أو الحاجيات؛ أو التحسينات. والله تعالى نسأل الرشد والهداية والتزام جادة الاستقامة والتوفيق في بيان محامد الإسلام ومحاسن شرعة الله والبعد عن الأهواء وأتباع التقليد؛ وعدم التماس الأحكام والحلول من أعداء الله؛ أو محاكاة فعل الجاهلين: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

نظرية الضرورة الشرعية - حدودها وضوابطها

نظرية الضرورة الشرعية - حدودها وضوابطها ¤جميل محمد مبارك£بدون¥دار الوفاء - مصر¨الأولى¢1408هـ€أصول فقه¶ضرورات وضرر خاتمة بعد هذه الجهود التي بذلتها في إخراج هذا البحث على الصورة التي أرجو أن يحصل بها على بعض الرضى، أعرض أمام القارئ النتائج الأساسية التي أوصلتني إليها تلك الجهود: 1ـ بينت أن الشريعة الإسلامية مبنية على إزالة الضرورة عن الخلق، لأن الشريعة جاءت لمصالحهم، ومن مصالحهم إزالة الضرورة عنهم. 2ـ تبين لي أن إزالة المشقة عن المكلف هو المعيار الذي تستند إليه الضرورة، وبينت نوع هذه المشقة التي تعتبر معياراً للضرورة. 3ـ بينت أن المجال الخصب لنظرية الضرورة هو الحاجيات والتحسينات أو المكملات للضروريات أو الحاجيات أو التحسينات. 4ـ سجلت أن أغلب صور المشقة لا ضابط لها في نفسها، وإنما المكلف هو فقيه نفسه فيها. 5ـ أكدت أن المشقة التي في التكاليف الشرعية عادة مقصود للشارع قصداً تبعياً، وليست مقصودة قصداً أولياً. 6ـ بينت أن التسبب في الضرورة لا يمنع إباحة إزالتها، وإن أثم المتسبب فيها. 7ـ أثبتُّ أن الضرورات تثبت بالقياس. 8ـ وضحت المعيار الأصولي الذي ينبغي الاستناد إليه فيما يباح بالضرورة وما لا يباح. 9ـ بينت أن حدود الضرورة وحكمها يختلفان باختلاف الأشياء المضطر إليها. 10ـ بحثت علاقة الضرورة بمصطلحات أصولية، كالمصلحة والاستحسان والرخص وسد الذرائع، لما لهذه العلاقة من أهمية كبرى في تفهم أسس نظرية الضرورة في الشريعة الإسلامية. 11ـ أزلت شبهة توهم أن الضرورة مخالفة صرفة للنصوص، وبينت أن الضرورة لا تخالف دليلاً إلا لتوافق دليلاً آخر أكثر جلباً للمصلحة ودفعاً للمضرة، ولم يبق للمتعلل بالضرورة في مخالفة النصوص متعلق يستند إليه. 12ـ أثبتُّ أن للضرورة ضوابط يجب أن تخضع لها، وهي ضوابط كفيلة بالفصل بين الضرورة الحقيقية والضرورة الوهمية، ولا بد لمن يفتي بالضرورة أن يتقيد بهذه الضوابط حتى لا ينزلق في فتواه ويفتي بالضرورة في غير محلها الصحيح، فيكون بذلك ممن يحرفون الكلم عن مواضعه. ولعل القارئ يدرك أن البحث كله محاولة لوضع أسس وضوابط للتمييز بين الضرورة الشرعية النابعة من نصوص الشريعة وقواعدها، وبين الضرورة النابعة من الهوى ووهن العزيمة. وسيجد القارئ نتائج أخرى أثناء قراءة البحث. وفي الختام أبتهل إلى ربي سبحانه أن يجعلني من عباده المخلصين في علمهم وفي عملهم، وأن يزيدني علماً وتوفيقاً وسداداً، وأن يختم أيامي بما ختم به لعباده الصالحين، إنه سبحانه سميع مجيب.

واقعية التشريع الإسلامي وآثارها

واقعية التشريع الإسلامي وآثارها ¤زياد بن صالح لوبانغا£بدون¥عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية¨بدون¢1426هـ€أصول فقه¶تشريع - حكمته وأسرار الشريعة الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أشكره تعالى على ما أنعم علي من إتمام هذا البحث وإكماله، وأسأله تعالى أن ينفعني به والمسلمين أجمعين. أما بعد: فقد كان هذا البحث متضمناً للنتائج التي تزيد في جلاء الإسلام وشريعته الكاملة، والتي يزداد بها المؤمن إيماناً، ويستطيع من خلالها غير المسلم أن يستبين صوراً من عظم هذا الدين في تنظيم الحياة الإسلامية. وإليك أبرز هذه النتائج مجملة دون تفصيل: 1 - مصطلح (الواقعية) من المصطلحات التي جرى تداولها واستخدامها حديثاً، واشتهر بمناداتها المذاهب والفلسفات الفنية لدى الغرب، وكانوا يعنون به ما يقع تحت الحس والشهادة، حتى يتمكنوا من مواجهة الفكر الكنسي، والتيار المثالي، اللذين ظلا مرتكزين على الأمور الروحية والعقلية، بعيدين عن الأمور الحسية والواقعية. وهؤلاء في ذلك عنوا ما عني به الفلاسفة الأقدمون، من الاحتفاء بالمادة، ورفع كل ما من شأنه قبول المشاهدة والتجربة، وراحوا ينكرون كل ما يمت إلى الروح بصلة، مما لا تدركه حواسهم، ولا تطيق تجربته أدواتهم. أما بعد ما استخدم المسلمون هذا المصطلح، فقد تغير مفهومه تبعاً لتغير الفكر المستخدم فيه، إذ الإسلام يختلف عن جميع الأنظمة في رؤيته للحقائق، وإقراره لها، سواء كانت مادية، أو معنوية، فصار هذا المصطلح يطلق على ما يلاحظه الإسلام من واقع الأشياء الحسية، وما يقرره من حقيقة الأمور الغيبية، وأن الأشياء المادية كما لها واقع يتناسب مع مجاله الدائر فيه، فكذلك الحقائق الغيبية لها واقع يتناسب مع وضعها وحالتها. وأحسب أن هذا المعنى للواقعية، كان خافياً على بعض الباحثين المسلمين، الذين رفضوا وصف الإسلام وأنظمته بالواقعية، حتى لا يختلط بما عناه فلاسفة الغرب. 2 - راعت الشريعة الإسلامية بواقعيتها فطرة الإنسان وظروفه، فأصبحت بذلك سهلة يسيرة، لأي امرئ امتثالها أينما كان، وكيفما وجد، فهي شريعة شاملة لم تراع حالة واحدة يتعرض لها الإنسان فقط، كالصحة مثلاً، أو الغنى فحسب، بل شملت مراعاتها جميع أحوال الإنسان وظروفه، صغره وكبره، شبابه وشيخوخته، صحته ومرضه، غناه وفقره، علمه وجهله، تذكره ونسيانه، عمده وخطأه، اختياره وإكراهه، ونحو ذلك من أحواله المتعددة، ورتبت على كل حالة منها أحكاماً تتناسب مع طبيعة الإنسان، وتتفق مع قدرته وطاقته. فالغني الواجد يطالب بالعبادات المالية كالزكاة والصدقة والوقوف ونحوه، ما دام قادراً على أدائها، ومالكاً لها ملكاً تاماً، والرجل الصحيح الجسم يطالب بأداء العبادات على تمامها، بكامل شروطها وأركانها ما دام يملك القدرة على ذلك، ولا يلجأ إلى الرخصة إلا إذا عجز عن ذلك: لأنه حينئذ يعد مضطراً تقدر ظروفه وضرورته قدرها. 3 - دعم التشريع الإسلامي الأخلاق لهدفين بارزين:

أ- هدف مادي، يضمن بقاء الحياة البشرية، ويحافظ على النوع الإنساني. إذ التاريخ البشري قد شهد عواقب وخيمة للأمم التي استهانت بالأخلاق، وانحلت من القيم والفضائل، فما أن استبدلت السيئات بالصالحات، والمنكرات بالحسنات، حتى أذن الله لهم بالهلاك، لما أودع في السيئات قوة الهدم والتدمير، وما تجنيه للمجتمعات من الزوال والاضمحلال، وهذا ما دل عليه قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16]، ولا يأذن الله تعالى لقوم بالهلاك إلا الذين لم يأخذوا بأسباب النجاة والفلاح، وتنصلوا من مسئولية الرقابة والتوجيه لأفراده، وخاصة الذين يقع منهم التفريط والتقصير، وتجافوا عن الاستقامة والرشاد، فإذا ما انتبهوا لذلك واعتنوا بالإصلاح كتب الله لهم بالبقاء، وأورثهم أرضه بما رحبت، وهذا مقرر في القرآن في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] , وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117]. ب- هدف معنوي يحرك الهمم والنفوس، ويجذبه نحو التحلي بالأخلاق الفاضلة، والتخلي عن الرذائل، حتى يكون التحلي بهذه، والتخلي عن تلك، سبباً لنيل المعالي والدرجات في الدنيا والآخرة. فخلق (الإنفاق) مثلاً: إضافة إلى تحرير النفس من الشح والبخل، ونشره للألفة بين الناس؛ إذ النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، وكره من أساء إليها، فإنه يجلب رضا الله تعالى وعظيم أجره للشخص المنفق. وخلق (العفو) عن الناس، إضافة إلى نزعه للإحن والأحقاد من النفوس، وزرعه للمحبة والمودة فيها، فإنه يستعطف رضوان الله تعالى، وجزيل ثوابه لمن عفا وتجاوز. وهذا ما قرره قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133، 134]. 4 - نحا التشريع الإسلامي منحى الاعتدال والتوازن في تلبية حاجات الإنسان وإشباع غرائزه، من أجل أن تتحقق له مصلحتان عظيمتان: أ- تجدد الحياة واستمرارها، دون تعثر أو توقف، وذلك أن الإنسان إذا لبيت حاجاته المادية، ومطالبه الروحية باتزان، استطاع أن يمضي قدماً في أداء رسالته، والقيام بدوره المنوط به بين الكائنات، وما مثل هذا التوازن في الأهمية والقيمة، إلا كمثل التنفس هو عبارة عن حركة تعادل بين الشهيق والزفير، حيث لو اختل التوازن فيهما، بأن طال الشهيق أكثر مما يجب، فطغى على الزفير: أو امتد الزفير أكثر مما ينبغي، فجار على الشهيق، اختل معه التنفس، فإذا تساويا وتعادلا، بقي التنفس مستمراً في حركته وأدائه، وكذلك الإنسان، تتعطل حياته وتتعثر إذا لم يوازن المرء حاجات جسده وروحه. ب- الانسجام مع الفطرة والكون، فتوازن المرء في إشباع جسده وروحه، انسجام حقيقي مع الفطرة، وتناسق كبير مع الكون والحياة. أما انسجامه مع الفطرة؛ فلأن الإنسان السوي يتقبل التوازن في إرواء حاجاته، ولا يستسيغ إطلاق العنان لها، كما لا يستمرئ كبتها وحرمانها.

وأما انسجامه مع الكون كله؛ فلأن مخلوقات الله تعالى التي تسيح في الأرض، أو التي تسبح في الفضاء، تخضع جميعها لنظام التوازن، فمنها ما توازنه مصمم في دورته بين السرعة والبطء، ومنها ما توازنه مركوز في حركته بين الزيادة والنقصان، ومنها ما توازنه مركوز في طبيعته وتكوينه البيولوجي والكيميائي، فكل هذه الكائنات ينسجم معها الإنسان في نظام توازنها، بل إن توازنها لمما يدعوه إلى الاستمساك به، حتى يقدر على القيام بواجباته الفطرية نحو ربه ومجتمعه وما يحيط به من الكائنات. 5 - نوَّع التشريع الإسلامي الشعائر والشرائع، مراعاة لأمور ثلاثة: أ- احتواء الحاجات البشرية، فالبشر تتعدد حاجاتهم، وتتنوع مطالبهم، وتختلف رغباتهم، فكان لابد من تنوع الشرائع حتى يسع الحياة كلها، ويلبي حاجات الناس ومطالبهم. ب- مرعاة الفطرة الإنسانية، فإن الإنسان سرعان ما يتسرب إليه الملل والسآمة من الحياة، إذا كانت على وتيرة واحدة. مثال ذلك: ما وقع للنصارى من ابتداع الرهبانية، وجعلها أسلوباً واحداً للحياة، فقد اتجهوا صوب المعنويات وحدها، واستهانوا بالأمور المادية، إلى درجة أنهم حاولوا الامتناع عن الشعور بها، لكنهم في النهاية سئموا من هذه الحياة الرتيبة، وعجزوا عن الالتزام برهبانيتهم التي ابتدعوها، حتى سجل ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حتى رعايتها}، فقد راح رجال الكنيسة يتنافسون في جمع المادة والمال، وفرضوا على الناس عشر أموالهم، وجابوا الضرائب من كل مكان، وباعوا صكوك الغفران لكل مخطئ. ج- الرحمة بالإنسان الضعيف، إذ تعتريه نقائص وعيوب، وتميل به الأهواء والشهوات، فتنويع تلك الشرائع نعمة له ورحمة، إذ هي بجملتها تكمله إذا نقص، وتصوبه إذا أخطأ، وترفعه إذا هبط، وترشده إذا ضل سواء السبيل، حتى إنها لتصل به إلى المستوى الذي يؤهله للخلافة في الأرض، ونيل رضوان الله تعالى ومغفرته في الدنيا والآخرة. 6 - تشريع الرخص في الشريعة الإسلامية، إنما جاء تفادياً لضررين: أ- الانقطاع عن التكاليف والإعراض عنها، وذلك بأن تمل منها النفوس وتكرهها، إذ العمل الشاق يوقع الضرر على نفسه أو عقله أو ماله بعمل يتحرج به، أمسك عنه، وتجاوزه إلى غيره. ب- التقصير في بعض الأعمال، وخاصة إذا كثرت وتزاحمت، فالإنسان الموغل في العمل الشاق، ربما قطعه عن غيره، ولاسيما حقوق الغير التي تتعلق به، فيكون عمله الداخل فيه قاطعاً عما كلفه الله به من سائر الأعمال، فيفرط فيها ويقصر، ويصبح ملوماً لا معذوراً.

7 - انتقى التشريع الإسلامي (الزواج) مما سواه طريقاً أمثل لإشباع غريزة الجنس؛ لانسجامه مع الفطرة، إذ به يسمو الإنسان عن إشباع حاجته بالطرق الدنيئة، ويضمن استقرار نفسه، وسكون قلبه، وقضاء وطره. أضف إلى ذلك أنه نظام كوني، يسير عليه كل شيء في الكون؛ لأن الزوجية – التي جعلها الله تعالى في مخلوقاته – عبارة عن أن يكون شيء متصفاً بالفعل، وآخر متصفاً بالقبول والانفعال، ويكون في أحدهما التأثير وفي الآخر التأثر، وهذا وذلك هو علاقة الزوجية بينهما، وهي أساس تركيب الأشياء في هذا الكون، وعليه يجري نظام الكون، فكل شيء في الكون يرتبط – من حيث المبدأ والأصل – بهذه العلاقة الزوجية، التي يكون أحدهما فاعلاً، والآخر قابلاً ومنفعلاً، ولا ريب أن تختلف هذه العلاقة باختلاف طبقات المخلوقات وتنوعها. فمن المزاوجة ما يوجد بين العناصر والجواهر، ومنها ما يكون بين المركبات غير النامية، وآخر تراه بين الأجسام النامية، ونوع تعهده في أنواع الحيوان، وكل هذه الأنواع من المزاوجة تختلف في نوعيتها وكيفيتها، ومقاصدها الفطرية، ولكنها تتفق في أصل المزاوجة وجوهرها، ولتحقيق مقصود الفطرة الرئيس، لابد أن يكون أحد زوجيه متصفاً بقوة الفعل، والآخر بقوة الانفعال. 8 - أوجب التشريع الإسلامي تقديم حكم الله مطلقاً لعدة أمور، منها: أ- حكم الله تعالى مشتمل على الحق والعدل المطلق دون حكم غيره، ذلك أن الله تعالى وصف نفسه بالحق، ووصف كلماته بالصدق والعدل، وكلها صفات تقتضي مطابقة الحق والعدل، كما أن مقتضى عدل الله سبحانه أن يكون بريئاً من العواطف والنزعات، سالماً من التحيز لفئة، منزهاً عن الرغبات والشهوات، فهو سبحانه وتعالى لا يظلم في الحكم أحداً من الناس كائناً من كان؛ لأنه لا يحقق مصلحة فئة دون فئة، ولا يؤثر جنساً على آخر، بل هو رب الجميع وخالقهم ورازقهم وحاكمهم، ومن كان هذا شأنه لا ينحاز في الحكم أبداً، بل حكمه فيهم عدل مطلق. ب- حكم الله تعالى ذو هيبة ومكانة عالية في النفوس، يجله الأصاغر والأكابر، ويحترمه الرعاة والرعية، وذلك لما ركز في فطرهم أن الله تعالى كامل في ذاته، منزه عن كل نقص وعيب، سواء كان ذلك في نفسه، أو في فعله, أو في قوله, أو شرعه، وما دام الناس يعتقدون ذلك، ويعرفون أن التشريع من عند الله تعالى، وأنه الصيغة النهائية للتكليف الرباني، فإن له في نفوسهم شأناً عظيماً، وإجلالاً كبيراً، يظهر ذلك من شدة حرصهم على تنفيذه حسب ظروفهم وأحوالهم، حتى لو كان أحدهم في مكان بعيد عن أعين الناس لا يطلع عليه أحد؛ لأنه يعلم أنه – وإن اختفى عن الناس- لكنه لا يختفي عن الله تعالى، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ج- حكم الله تعالى ثابت ومستقر، لا يتغير بتغير الحكام وتبدل الحكومات، فيستوي فيه أن تكون الهيئة الحاكمة محافظة، أو مجددة، ويستوي فيه أن يكون الحكم جمهورياً أو ملكياً، أو أي شكل من أشكال الحكم، فإن ذلك لا يؤثر عليه؛ لأنه لا يرتبط بهيئة الحكم ولا بجهازه، وإنما يرتبط بنظام الحكم ومنهجه.

9 - التكافل الاجتماعي الذي أقره الإسلام، أنسب حل وأمثل منهج للقضاء على المشكلة الاقتصادية، فهي إما أن تكون ناشئة عن العجز وعدم الطاقة على العمل، وقد يكون العجز جسدياً أو عقلياً، أو تكون ناشئة عن قلة المصادر الطبيعية وندرتها، بحيث لا تكون كافية لإشباع حاجات البشر إشباعاً كافياً، فالتكافل الاجتماعي المقر بنوعيه المادي والأدبي، يلعب دوراً رئيساً في القضاء على هذه المشكلة، حيث يجعل آحاد الناس الأثرياء في كفالة جماعتهم الفقراء، فالقادر المطيق كفيل للعاجز المعدم، والغني الموسر ضامن للفقير المعسر، حتى تظل القوى البشرية متلاقية في جلب المصالح والمنافع، ودفع المفاسد والمضار. 10 - أقر التشريع الإسلامي العقوبة لأنها تحمل الناس على امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، فهي التي تجعل الأمر منقاداً ومتبوعاً، والنهي متروكاً ومهجوراً، والفساد مخفياً ومستوراً، إذ المرء مجبول على حب ذاته، حريص على حمايتها من كل أذى ومكروه، والعقوبة تحتوي على أكبر الأذى الذي يحمل المرء على اتقاء أسبابها؛ لأنه يعلم أن صدور ذلك منه سيعود وباله عليه، فكما اكتوى الناس بنار إجرامه وإساءته، سيكتوي هو بنار عقابهم وتأديبهم، ومتى شعر بذلك راجع نفسه كثيراً قبل الإقدام على الجريمة، وحاسبها حساباً شديداً يقيها من وطأة العقاب، بإبعادها عن كل ذريعة تؤدي إليه، ولهذا قيل: إن العقوبات موانع قبل الفعل، وزواجر بعده. 11 - جدوى العقوبة وكفايتها مدركة بأربعة أمور: أ- اشتمال العقوبة على الردع والتخويف، وذلك بأن تكون كفيلة لردع كل مجرم عن تكرار الإجرام واعتياده، وتخوف غيره من أن تسول له نفسه سلوك مثله؛ لأن ما يعود عليه من ضرر العقاب، يفوق ما يجنيه من نفع الجريمة. ب- قدرتها على الإصلاح والتأديب؛ لأن العقوبة لم تقر انتقاماً من المجرم، أو امتهاناً لشخصيته، ولكنها شرعت وأقرت لقدرتها على إصلاح الخلل الكامن في نفسه، وتطهيره مما اقترفته جوارحه من الإثم والعدوان. ج- تناسبها مع الجريمة حجماً ومقداراً، فقد وضعت العقوبات على قدر الجرائم، ونوعت بحسب تفاوتها في القوة والضعف، وما تحدثه من الضرر والفساد. د- سريانها على جميع الأشخاص، وذلك بأن تكون العقوبة مطبقة على كل من ارتكب جريمة، دون أن يعفى منها أحد لمركزه أو جاهه، أو أي سبب آخر؛ لأن العقوبة مرتبطة بنوع الإجرام لا بشخصية المجرم. 12 - إنما كان التشريع الإسلامي صالحاً لحكم الأجيال كلها لأمرين: أ- يسر تكاليفه وسهولتها، ذلك أن أحكام الإسلام ومبادئه كلها سهلة يسيرة، لا تخرج عن مكنة الإنسان وطاقته، ولا تستعصي على الامتثال والتطبيق، فالشارع الحكيم عندما سن هذه الأحكام والتكاليف، لم تغب عنه طبيعة الإنسان وطاقته المحدودة، بل وضع هذا الأمر في سلم الاعتبار والاهتمام، ولهذا وجد من التكاليف ما أسقط عن الإنسان لمنافاتها لوسعه، وخروجها عن طاقته، كما وجد منها ما خفف عليه كيلا يكون عليه حرج في أدائه. ب- تلبيته لضرورات الحياة ومطالبها، ذلك أن الإنسان مهما أوتي من رزانة العلم والمعرفة، وسداد العقل والرأي، لا يمكنه أن يضع نظاماً ومنهجاً شاملاً؛ يلبي كافة حاجاته وضرواته، ويعالج جميع شئونه وقضاياه، وإنما القادر على ذلك هو الله تعالى وحده، الذي أحاط بالإنسان وبكل شيء علماً وخبرة وقدرة، فهو العليم بحاجات الإنسان ومصالحه كلها، ولهذا لما رضي له الإسلام ديناً ومنهجاً للحياة، جعله قادراً على تلبية كل ما تمس إليه حاجته، وتقضي بها مصلحته من الضرورات الخمس، التي هي الدين, والنفس, والعقل, والعرض, والمال. 12 - ظروف العصر الحالي تدعو إلى التطبيق العلمي للإسلام، وذلك لأمور ثلاثة:

أ- حاجة البشرية كلها إلى نظام شامل ومتكامل، وذلك أن البشرية في كل زمان ومكان تحتاج إلى الرقي المادي والمعنوي معاً، أما في الآونة الأخيرة، فقد تحقق لها رقيها المادي، وبلغت فيه شأواً بعيداً استطاعت أن تعرج إلى بعض الأجرام السماوية، وتنسمت الحياة عليها، ولكنها ظلت جوعى إلى رقيها الأدبي والمعنوي، لتعيش حياتها بطبيعتها الإنسانية، المكونة من الجسد والروح، بحيث لا يكون ثمة تجاوز على الروح لصالح الجسد، أو تضييق على الجسد لصالح الروح، بل يعطي كل جوهر منها حقه بالقسطاس المستقيم، وما عرف نظام على وجه الأرض غير الإسلام، يقدر أن يحقق للبشرية هذا التوازن والاتزان بين هذين الجوهرين، إذ لا يهمل شقها المادي، ولا يغفل جانبها المعنوي، وإنما يوائم بينهما، حتى ترتقي البشرية بشقيها، دون أن يهبط جانب منها، وتتقدم بكل قواها وطاقتها دون أن يتخلف جزء منها. ب- اتساع التشريع الإسلامي لكل حادث ونازل، وذلك بفضل ما يمتاز به من الثبات والمرونة، فثباته منصب على الأمور الخالدة خلود الجبال الراسيات، والتي تدوم وتبقى بقاء الأرض والسماء، كالكليات, والجواهر, والأهداف, والغايات، والأركان, والواجبات، ومرونته مرتكزة على الأمور المتغيرة والمتبدلة تبدل الليل والنهار، وتغير الظروف والأحوال، كالفروع والجزئيات، والوسائل والأساليب. فبثباته على الجواهر والكليات، استعصى على الذوبان والخضوع لكل تطور صالح وفاسد، وبالمرونة في الفروع والجزئيات، استطاع أن يواجه كل بيئة وظرف، ويعالج كل حادث ونازل، ويتصدى لكل تغير وتطور، فيقر منه ما كان نافعاً ومفيداً، ويتفق مع اتجاهه ولا يخالفه، ويرد منه ما كان فاسداً وضاراً. ج- قدرته على إصلاح ما أفسدته النظم البشرية، ذلك أن النظم الوضعية التي صنعتها يد الإنسان، لا توصف بالصحة المطلقة، والاستقامة الكاملة، فيكتفى بها عن بديل آخر، ولهذا وجدت ثمة مفاسد وأضرار احتوت عليها هذه النظم، وعجزت هي نفسها عن إدراكها وتفاديها، بينما أدركها الإسلام ودفعها منذ أربعة عشر قرناً؛ إذ لم تكن لتخفى عليه مصلحة راجحة من المرجوحة، أو مفسدة غالبة من اليسيرة، وهو صادر عن الله تعالى الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. توصيات: 1 - موضوع (واقعية التشريع الإسلامي) كبير جداً، من الصعب أن تستوعب كافة جوانبه في رسالة مختصرة، إذ ما من نظام من أنظمة الإسلام المختلفة، وأهدافه، سواء كان عقيدة أو عبادة أو معاملة، وما تناولته في هذا البحث يعد مجرد إلمام للموضوع، أشبه بمن يغترف من ماء البحر. 2 - لابد من مضاعفة الجهد في دراسة مزايا الإسلام وخصائصه الكبرى؛ لأن ذلك يجعل الإسلام أكثر نصاعة ووضوحاً، ويزيد المرء يقيناً بأن هذا المنهج أحق بالاحتذاء والامتثال مما سواه، وهذا ليس لسبقه المتميز في كل مجال، بل أيضاً لبلوغه رتبة الكمال في النظر والتطور، وسلامة مبادئه كلها من التناقض والتضاد، الذي اشتملت عليه النظم البشرية فهدمت آخرها ما بناه أولها، فما كان حراماً بالأمس أصبح حلالاً اليوم، وكذا العكس. 3 - بما أن ظاهرة الانحراف من الظواهر التي ترتفع نسبتها في أكثر من مجتمع، رغم وجود الوسائل المانعة منها، فإن ذلك لا يرجع إلى صعوبة تلك الظواهر في القضاء عليها، والحد منها، وإنما ذلك راجع إلى عدم جدوى هذه الوسائل، وفقدانها القوة الضرورية الكافية للحد منها، ووضع الخناق عليها، بينما وسائل الإسلام بواقعيتها استطاعت أن تقضي على الجرائم قضاء مبرماً طيلة أربعة عشر قرناً؛ لما فيها من قوة الكبت والمنع ما يبطل الدوافع إلى الإجرام والبواعث لها، فهي بحق زواجر قبل الإجرام، ومانع بعدها، ومن هنا وجب على المسلمين المصير إليها، والالتزام بها؛ ليتحقق لهم ما يصبون إليه من الأمن والأمان في الأنفس والآفاق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آهل وصحبه أجمعين.

إدارة وأعمال

إدارة وأعمال

الديوان النبوي الشريف أحكامه ونظامه

الديوان النبوي الشريف أحكامه ونظامه ¤عبدالله بن محمد بن سعيد الحجيلي£بدون¥مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية¨الأولى¢1430هـ€إدارة وأعمال¶سيرة وشمائل - دراسات وعبر الخاتمة وأهم النتائج والتوصيات: لعل أهم ما أختم به كتابي هذا هو ذكر أهم النتائج التي ظهرت لي من خلال ما كتبته في هذا الكتاب؛ وهي كالتالي: 1 - إن كلمة الديوان كلمة عربية وليست أعجمية، وهذا ما ذهب إليه جمهرة من العلماء القدماء والمعاصرين، من أجلهم شيخا أهل اللغة الكسائي وسيبويه، وقد وردت في الأحاديث النبوية، فلا ننسبها إلى العجمة، وقد وردت على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وهم فصحاء الأمة. 2 - أن مصطلح الديوان عرف في كافة العصور الإسلامية؛ من عصر الدولة النبوية إلى عصرنا الحاضر في الدولة السعودية. 3 - أن مصطلح الديوان له تعاريف كثيرة ومسميات متعددة، واختصاصات متنوعة من عصر الدولة النبوية إلى عصرنا الحاضر. 4 - أن ديوان الإنشاء أول من أسسه النبي صلى الله عليه وسلم في العهد النبوي، وبقي معروفاً – في اختصاصاته إلى نهاية الدولة المملوكية – بما هو عليه في العهد النبوي، وليس مأخوذاً من دولة قيصرية أو فارسية. 5 - أن الدواوين في العصر النبوي كثيرة، ولكنها ليست في الشهرة متساوية، فبعضها – كديوان الإنشاء – أشهر من غيره. 6 - أن كُتَاب الديوان في العهد النبوي الشريف معروفة أعيانهم، واختصاصاتهم، وتحدث عن سيرتهم كل مؤرخ لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من رجال الحديث الشريف، علاوة عن حديث رجال السير والتاريخ. 7 - أن حصر عدد كتاب الديوان النبوي يحتاج إلى دراسات معاصرة جادة بحسب المصادر الموجودة أو التي ستوجد، ولكن لا يقل عددهم عن أربعين رجلاً بحال من الأحوال. 8 - أن تحديد اختصاصات ومهمات كل كاتب من كتاب الديوان النبوي محدد من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وقد يخص أحد الكتاب بمهمات غير الآخر، بحسب تقدير النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته الخاصة. 9 - أن تشرف هؤلاء الكتاب بالكتابة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يعد من المناقب العظيمة لهؤلاء الكتاب التي يجب إبرازها، والحديث عنها، وكتابة الدراسات حولها، ولماذا خصوا بها. 10 - أن الديوان النبوي كان يكتب الكتب الصادرة، ويستقبل الكتب الواردة ويجيب عليها أيضاً. 11 - أن حصر الكتب الواردة والصادرة من الديوان النبوي يحتاج لدراسات متخصصة بحسب المصادر المتاحة، ودراسة علمية لكل الكتب الصادرة والواردة. 12 - أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لكافة ملوك الأطراف المجاورة لجزيرة العرب من كافة الجهات الشرقية والشمالية والغربية، وكافة زعماء القبائل والديانات في عصره. 13 - أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لمجموعة كبيرة من زعماء القبائل المسلمين، وحصر هؤلاء يحتاج لدراسات عميقة، وقد بذلت جهداً في حصر أغلب هؤلاء الأعلام، ولعلي أول من حاول حصر ذلك. 14 - أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغَّ دعوة الإسلام لكافة ملوك الأرض المعروفين في عصره، والكتاب كالخطاب، وشهد له ربه بالإبلاغ، وإكمال الرسالة على الوجه المطلوب. 15 - أن موضوعات الكتب النبوية تحتاج لدراسات متعمقة من علماء الإدارة والسياسة الشرعية، ويجب التأسي بها عند الكتابة للآخرين. 16 - أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب أصنافاً متعددة من الكتب، وفي شتى شؤون الدولة من الولاية العامة، والجباية والبيع والشراء، والمنح، والإقطاعات، وغير ذلك. 17 - إن البريد النبوي كان عبارة عن هؤلاء الرسل الكرام الذين بعثهم في أداء رسالته إلى أمم الأرض في عصره، فتجب العناية بسيرهم وأخبارهم، وإفرادها في مؤلفات مستقلة. 18 - أن فقه الكتب والرسائل النبوية من أجل أصناف علم الحديث الشريف الخاصة، والفقه عامة، فيجب العناية بهذا الفن الرائع المهم. 19 - أن إنشاء الدواوين في العهد النبوي كان له الأثر العظيم في العصور التالية إلى عصرنا الحاضر، مع تعدد مسمياتها واختصاصاتها، فتجب العناية بهذا الفن بإفراد كل عصر بمؤلفات مستقلة؛ لأن هذا من بيان عظمة الإدارة النبوية الشريفة. 20 - أن الدراسات العلمية التي أجراها عدد من المستشرقين على النسخ الذاتية التي وصلت إلى عصرنا الحاضر، تحتاج إلى ترجمة إلى اللغة العربية، وتحتاج أيضاً إلى دراسات علمية معاصرة من علماء المسلمين الأكفاء، وهم كثيرون –والحمد لله- في عصرنا؛ لأن منهج المستشرقين الدراسي مخالف لكثير من المناهج المتبعة في عالمنا الإسلامي، فيجب تكثيف الجهود من قبل الدول الإسلامية الغنية والأفراد؛ لإعادة ذلك التراث الإسلامي إلى مصدره الذي خرج منه، حتى يسهل على كل باحث الاطلاع عليه، وإجراء الدراسات حوله.

القيادة الإدارية

القيادة الإدارية ¤نواف كنعان£بدون¥دار العلم¨الثانية¢1402هـ€إدارة وأعمال¶مدير - معلم - صفات وشروط ومهارات الخاتمة يتضح لنا من هذه الدراسة أن للقيادة دوراً هامّاً في الإدارة، يبرز من خلال مسؤوليتها في تحقيق التكامل بين الجوانب التنظيمية والإنسانية والاجتماعية للعملية الإدارية، وتوفير الفاعلية للإدارة لتمكينها من تحقيق أهدافها. والقيادة الإدارية بمفهومهما الحديث ليست وليدة فكر معين أو بيئة دون الأخرى، ولكن تطورها جاء عبر مراحل متعّددة في الفكر الإداري، كما أن جذورها تمتد إلى الوقت الذي بدأ فيه التفاعل الاجتماعي وتوزيع العمل بين الأفراد والجماعات في التنظيمات الاجتماعية. ولم يكن من الممكن هذه الدراسة أن تحقق هدفها إلاَّ إذا أحاطت بالجهود السابقة في هذا الصدد، وأفادت من تصوراتها وتحليلاتها وتفسيراتها ونتائجها، فتبدأ من حيث انتهت هذه الجهود لتضيف إليها من النتائج ما يتعلق بموقف جديد ـ زماناً ومكاناً ـ وما قد يدعمها أو يخالفها مما يسهم في عملية الحفاظ على الاستمرار في البحث العلمي، ويلقي الضوء على الأهمية النظرية لهذه الدراسة. ولهذا فقد ركزنا اهتمامنا على إبراز المفاهيم التي عرفتها الإدارات القديمة والتي استهدفت تطوير مفهوم القيادة الإدارية ... كما سعينا جاهدين إلى إبراز المفاهيم التي تبنتها المدارس السلوكية، والتي تنظر للعنصر البشري على أنه العامل الحاسم والفعّال في الإدارة، محاولين طرحها كبديل للمفاهيم التي تبنتها المدارس الكلاسيكية، والتي تنظر لمشكلات الإنتاج والكفاءة الإنتاجية على أنها مشكلات فنية وتكنولوجية بالدرجة الأولى، وأن وسيلة زيادة كفاءة القيادة تتركز في تحسين أساليب ومعدات الإنتاج ... كما ارتكز منهجنا في البحث على أساس النظرة التكاملية الشاملة للقيادة الإدارية والنظر إليها كنظام متناسق مترابط ـ بجوانبه التنظيمية والإنسانية والاجتماعيةـ يؤثر ويتأثر بالبيئة التي ينشأ أو يعمل فيها، لتكون هذه النظرة بديلاً للنظرة الجزئية التي تؤكد على بعض جوانب القيادة وكأنها جوانب مستقلة عن بعضها ... وقد حاولنا التأكيد على ضرورة المقارنة بين الافتراضات النظرية وبين ما هو كائن فعلاً في التطبيق العملي، مع محاولة إجراء الملاءمة اللازمة بين الصورتين على ضوء المتغيرات والظروف المختلفة. وفيما يتعلق بأساليب القيادة الإدارية فقد تبين لنا أن هذه الأساليب كانت انعكاساً للمفاهيم الإدارية التي سادت في مراحل مختلفة من مراحل الفكر الإداري، وأسهمت في توجيه أساليب الإدارة نحو الأخذ بأسلوب قيادي معين في مرحلة معينة من هذه المراحل. ولذلك ركزنا اهتمامنا على دراسة وتحليل الافتراضات التي قدمها كتّاب الإدارة في إطار هذه المفاهيم. وقد تبين لنا من خلال هذا التحليل كيف أن الافتراضات التي قامت عليها النظرة السلبية للإدارة، قد وجهت الأنظار إلى أن الأفراد العاملين في الإدارة محتاجون إلى إشراف حازم ورقابة شديدة، ومن هنا تتأتى ضرورة اتباع القادة لأسلوب القيادة الأتوقراطية باعتباره الأسلوب الذي يتلاءم مع هذه الافتراضات، لأنه يمكّن القائد من ممارسة مهامه وتحقيق أهداف الإدارة ... وكيف أن الافتراضات التي قامت عليها النظرة الحديثة للإدارة قد وجهت الأنظار إلى ضرورة تهيئة الظروف الملائمة التي تساعد مرؤوسيهم على إشباع حاجاتهم المادية والمعنوية وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في تحقيق أهداف الإدارة والعمل على تنميتهم وتطويرهم، ومن هنا تتأتى ضرورة اتباع القادة لأسلوب القيادة الديمقراطية باعتباره الأسلوب الذي يتلاءم مع هذه الافتراضات.

ولقد رأينا أن الأسلوب الديمقراطي للقيادة الذي يرتكز على العلاقات الإنسانية السليمة بين القائد ومرؤوسيه، من خلال تحقيق الاندماج بين العاملين، وعلاج مشكلاتهم، وتطويعهم، والتأثير فيهم بحوافز معنوية ضماناً لحسن مشاركتهم في تحقيق الأهداف المطلوبة ... هذا الأسلوب يساعد على جعل المجموعة العاملة في ظله أكثر تعاوناً وإيجابية، ويرفع بالتالي من كفاءتها الإنتاجية. كما ركزنا الاهتمام على القيادات غير الرسمية وأهمية دورها في الإدارة، وأكدنا على أن هذه القيادات يمكن أن تؤدي دوراً إيجابياً إذا ما أحسنت القيادات الرسمية التعامل معها من خلال إيجاد التكامل بين متطلبات وأهداف هذه القيادات، ومتطلبات وأهداف التنظيم الرسمي الذي تعمل في إطاره ... وأنه بدون التعاون بين القيادات الرسمية والقيادات غير الرسمية فإن الأخيرة ستخلق مواقف سلبية أو عدائية من الأولى، وعندها تكون القيادات الرسمية مضطرة لمواجهة هذه القيادات بالطرق التي تراها ملائمة لإضعافها أو الحد من نشاطاتها. وفيما يتعلق بخصائص القيادة الإدارية الناجحة، فقد بيّنا أن اختيار القيادات الإدارية يعتبر من المشكلات الهامة التي تعني بها الدول الحديثة على اختلاف أنظمتها، وأن صعوبة حل هذه المشكلة نابعة من كون متطلبات النجاح في القيادة تختلف من وظيفة إلى أخرى، ومن فترة زمنية إلى أخرى، ومن موقف لآخر في المنظمة الواحدة ... وقد استعنا في حل هذه المشكلة بالجهود التي قام بها علماء الإدارة والنفس والاجتماع، لوضع معايير يمكن على أساسها اختيار القادة الأكفاء، وما أسفرت عنه هذه الجهود من نظريات ... ابتداء من نظرية السمات التي تركزت مجهودات أنصارها حول الكشف عن مجموعة من السمات والقدرات والمهارات المشتركة للقادة الناجحين ... إلى نظرية الموقف التي تركزت مجهودات أنصارها حول تحليل عناصر الموقف كعامل هام يؤثر في تحديد خصائص القيادة، والقول بأن متطلبات القيادة تختلف بحسب المجتمعات، والتنظيمات الإدارية داخل المجتمع الواحد، والمراحل التي يمر بها التنظيم، والمنصب القيادي المطلوب شغله ... وانتهاء بالنظرية التفاعلية التي حاولت التوفيق بين نظريتي السمات والموقف، من خلال النظر للقيادة على أنه عملية تفاعل اجتماعي، وإن متطلبات القيادة الناجحة نابعة من التفاعل بين شخصية القائد وجميع المتغيرات المحيطة بالموقف الكلي وخاصة المجموعة العاملة ... ولقد رأينا أن متطلبات القيادة الناجحة ترتبط بالموقف الإداري الذي يوجد فيه القائد. وأن النمط القيادي الملائم يعتمد بالدرجة الأولى على قدرة القائد على تحليل عناصر الموقف ومتطلبات كل عنصر على ضوء الانعكاسات البيئية والإيديولوجيات السياسية والاقتصادية، ومن ثم معرفة ما إذا كان النمط القيادي المستخدم يحقق النتائج المطلوبة ... وأن نظرية الموقف بهذا المفهوم قدمت مفهوماً ديناميكياً للقيادة، لأنها ربطت بين القيادة والموقف الإداري، على أساس أن عوامل الموقف والمتغيرات المرتبطة به هي التي تحدد السمات والمهارات التي يمكن أن تعزز مركز القائد ونجاحه. كما أنها من ناحية أخرى قدمت مفهوماً ديمقراطياً للقيادة، لأنها لم تحصر القادة في عدد محدد من الأفراد هم من تتوفر فيهم سمات وقدرات معينة، بل جعلت قاعدة القيادة عريضة بحيث يمكن لأي شخص أن يكون قائداً في بعض المواقف ... ولأنها رفضت المفهوم القائل بأن القادة يُولدون ولا يُصنعون، من خلال تأكيدها على أن هناك الكثير من السمات والقدرات والمهارات القيادية يمكن اكتسابها بالتعليم والتدريب.

والتطورات التكنولوجية الحديثة في مجال الإدارة، وما أدت إليه من زيادة الأعباء على القائد الإداري، أوجدت خصائص جديدة للقيادة القادرة على مواجهة متطلبات الإدارة الحديثة، وتحقيق الفاعلية الإدارية. ومن أهم هذه الخصائص: قدرة القائد على اتخاذ قرارات فعّالة، من خلال التشخيص الواعي للمشكلة والتقدير السليم للواقع والاسترشاد بآراء المرؤوسين، والموازنة بين المخاطر التي قد يسببها اتخاذ القرار .... وقدرته على الاتصال الفعّال، من خلال حسن إصغائه لموظفيه، وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن أنفسهم، وتوضيح أفكاره حتى تكون مؤثرة فيهم، وتفهمه للأهداف المتوخاة من الاتصال وتقييمه باستمرار لاتصالاته، ومحاولة تذليل العوائق التي تعترض اتصالاته ... وقدرته على إدارة وقته: من خلال تسجيل وقته وتحليل توزيعه ووضع الأسس لأولوية الأعمال التي تستحق وقتاً أكثر حتى لا يكون الإفراط في استخدامه للوقت في العمل على حساب صحته ... وقدرته على الإدارة بالأهداف من خلال: تفهمه للنظام وأسلوب عمله، وتعرفه على السمات المميزة لمرؤوسيه وإشراكهم في وضع الأهداف، ومراعاة استخدامه للوقت في تطبيق هذا النظام ... وأخيراً على إدارة التغيير من خلال: وضع استراتيجية للتغيير وتنفيذها، واعتماده في ذلك على ردود الفعل لدى موظفيه ومعرفة كيفية معالجتها، ومرونته التي تمكنه من التكيف مع المواقف التي يجد صعوبة في تغييرها، واستخدام النمط القيادي الذي يتلاءم مع متطلبات التغيير. والله ولي التوفيق

اقتصاد

اقتصاد

آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها

آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها ¤موسى آدم عيسى£بدون¥مجموعة دلة البركة¨الأولى¢1414هـ€اقتصاد¶اقتصاد - أعمال منوعة الخاتمة وأهم نتائج البحث بعد أن ناقشنا أسباب وآثار ووسائل معالجة التغيرات في قيمة النقود، ففيما يلي ملخصاً لأهم النقاط التي تناولها البحث والنتائج التي توصل إليها: أولاً: ناقشنا في الباب التمهيدي لهذه الدراسة، حقيقة النقود الورقية الإلزامية وماهية التغيرات في قيمتها، ولقد ظهرت لنا من خلال المناقشة النتائج التالية: 1 - ظل المسلمون في صدر الإسلام وحتى سنة 76 هجرية يتعاملون بالدينار والدرهم، غير أن مفهوم لفظ الدينار والدرهم كان ينصرف إلى وزنهما وليس إلى عملة محددة كما يتبادر للذهن، إذ أن مفهوم الدينار كان ينصرف في العصر النبوي وما بعده إلى كل وزن يساوي مثقالاً ولا يدل على عملة محددة العيار أو النقش. 2 - رغم وجود تشابه كبير بين حقيقة النقود الورقية المعاصرة وبين النقود المغشوشة من حيث إن كليهما نقد ائتمان ذو قيمة تبادلية أكبر من قيمته الذاتية، إلا أننا لا نستطيع أن نقيس عليها أحكام النقود الورقية الإلزامية، وذلك لأن الأحكام الشرعية في النقود المغشوشة تنصرف عند غالبية المذاهب إلى ما فيها من ذهب أو فضة. كما أن الوجود النسبي للذهب والفضة في النقود المغشوشة ينفي العلاقة بينها وبين النقد الورقي الإلزامي المعاصر. 3 - تبين للباحث أن الفلوس رغم أن نشأتها كانت كنقد مساعد يستخدم لبيع وشراء توافه السلع، إلا أنها احتلت في بعض الفترات التاريخية مكانة رفعتها إلى مرتبة النقدين، بحيث أصبحت النقد الأساسي الذي تنسب إليه أثمان سائر السلع والخدمات. 4 - تبين للباحث أن فقهاء المسلمين انقسموا بشأن أحكام الفلوس إلى فريقين: فريق ربط أحكامها الشرعية بأصلها ومعدنها، واعتبر الثمنية فيها شيئا عارضاً يجب إلا برفعها إلى مكانة النقدين، ومن ثم لم ير جريان الربا فيها، أو استحقاق الزكاة فيها. وفريق ثان نظر إلى وظيفتها فاعتبرها نقداً، طالما أنها تقوم بوظائف النقود الشرعية. وقد تبين للباحث بعد المناقشة رجحان ما قال به الفريق الثاني الذي يرى أن الفلوس تجري عليها أحكام النقود الشرعية وذلك: أ- لأن الإسلام لم يلزم الناس بنقد معين، وتفضيل المسلمين للذهب والفضة كان لما فيهما من خصائص ومميزات جعلتهما يفيان بالشروط المطلوبة في النقود، غير أن ذلك لا يعني أن غيرها لا تنطبق عليه الأحكام الشرعية. ب- تعتبر الفلوس في حقيقتها القاعدة العامة للنقود الاصطلاحية في المجتمعات الإسلامية، إذ تمثل نقطة التحول والتحرر من الذهب والفضة. وإذا كان الذهب والفضة قد قاما بوظائف النقود في فترة من الفترات التاريخية خير قيام وتأسست الأحكام الشرعية بهما، فلا يعني ذلك بالضرورة لزوم الاقتصار عليهما. 5 - توصل الباحث بعد ترجيحه لعلة الثمنية التي قال بها بعض فقهائنا المسلمين، إلى أن النقود الورقية في العصر الحاضر هي نقود اصطلاحية يجري فيها الربا كجريانه في الفلوس، كما تجب فيها الزكاة وكل أحكام النقود الشرعية، غير أنها تختلف عن النقدين في بعض الجزئيات، منها: أ- لا تعتبر النقود الورقية مالاً بذاتها، ولكنها مال بالقياس إلى غيرها، والدليل على ذلك أن الدولة لو أحرقت منها الملايين لا تكون قد فقدت من ثروتها إلا بقدر تكاليف طبعها وقيمة الأوراق المصنوعة منها. ب- إذا لم تكن مالاً بذاتها فإنها تضمن بماليتها والتي تتمثل في قوتها الشرائية. ثانياً:

ناقشنا في الباب الأول من هذا البحث أسباب التغيرات في قيمة النقود واستعرضنا أهم النظريات النقدية، وتوصلنا إلى أنه لا يوجد اختلاف جوهري بين مختلف النظريات التي ناقشت أسباب التغيرات في قيمة النقود، خاصة فيما يتعلق بوضعية البلدان النامية. إذ تتفق هذه النظريات في أن كمية وسائل الدفع تعتبر محدداً أساسياً لأسباب التغيرات في قيمة النقود، وقد يؤثر حجم الإنفاق أو حجم الطلب في إحداث التغيرات في قيمة النقود، غير أنه لن تتوفر أسباب زيادة الإنفاق بدرجة محسوسة ما لم تكن هناك زيادة في عرض النقود أو سرعة تداولها، بالنسبة إلى العرض الكلي للسلع والخدمات عند مستوى الأسعار السائد. وأثبت الباحث أن الخلل الناشئ، سواء بين كمية وسائل الدفع، أو بين حجم الإنفاق وبين العرض الكلي للسلع والخدمات، يعود في ظل الأنظمة الربوية إلى ثلاثة أسباب جوهرية: أولها: البنيان الاقتصادي القائم على الربا كوسيلة للتمويل. ثانيها: سيادة نظام الإنتاج الاحتكاري. ثالثها: انحراف هيكل الطلب بسبب انتشار أنماط الإنتاج والاستهلاك الترفي. وخلصنا بعد مناقشة هذه الأسباب إلى أن جزءاً كبيراً من أسباب التغيرات في قيمة النقود في هذا العصر، يعود في الواقع إلى وجود خلل سلوكي جاء نتيجة لعدم وجود قيم وقواعد يرتكن إليها في التعامل الاقتصادي. ثالثاً: ناقشنا في الفصل الثاني من الباب الأول دور البناء الاقتصادي الإسلامي في استقرار قيمة النقود، وتبين لنا من المناقشة ما يلي: أ- أن تحريم الربا كوسيلة للتمويل وإحلال نظامي المشاركة والمضاربة، يدعم استقرار مستوى الأسعار عن طريق تأثيره في القضاء على الروح السلبية التي يحدثها نظام سعر الفائدة في قرارات المدخرين والمستثمرين. إذ يعمل نظام المشاركة على تضييق الفجوة بين قرار الادخار وقرار الاستثمار، كما أن عدالة توزيع الناتج في ظل نظام المشاركة تضمن عدم تركز الثروة عند فئة قليلة من المجتمع، مما قد يعرض الاستثمار للتقلب من فترة لأخرى، ومعلوم أن تقلب الاستثمار تترتب عليه تقلبات مستوى الأسعار وتغيرات قيمة النقود. هـ- إن سلطة إصدار النقود في الاقتصاد الإسلامي إنما هي سلطة سيادية تختص بها الدولة. ولا يجوز تبعاً لذلك للأفراد أو القطاعات أن تمارس هذه السلطة، لأن ذلك يعتبر نوعاً من الافتئات على الإمام الذي هو أدرى الناس بمصلحة الرعية، ولأن تصرفاته منوط بها تحقيق المصلحة. وقررنا، تبعاً لذلك، جواز قيام مصارف تجارية خاصة، وأنه يجوز لها أن تمنح الائتمان تحت سيطرة ورقابة المصرف المركزي. ومن عرض جميع المكونات البنائية السابقة توصلنا إلى نتيجة هي الأساس الذي عقدنا من أجله هذا الفصل، وهي أن الاقتصاد الإسلامي الملتزم بكل الضوابط التي أشرنا إليها آنفاً، يتميز باستقرار نسبي في مستوى الأسعار ومن ثم في قيمة النقود يفوق بذلك النظام الربوي بدرجات كبيرة، وأن فرص الكساد والانكماش فيه تبدو ضئيلة للغاية. كما استنتجنا مما تقدم، أن أسباب التغيرات في قيمة النقود في ظل الاقتصاد الإسلامي تنحصر في الآتي: 1 - تعتبر كمية وسائل الدفع العامل المتغير الأساسي الذي قد تنتج عنه تقلبات مستوى الأسعار وتغيرات قيمة النقود. وهذا قد يفسر لنا الاهتمام الواسع الذي أولاه فقهاء المسلمين لقضية إصدار النقود، إذ إنهم قصروها على الإمام أو من ينيبه، كما أنهم ذهبوا إلى تعزيز كل من يتدخل في سلطات ولي الأمر، لأن ذلك يخل بمصلحة كلية تمس حياة المجتمع واستقراره، ومن ثم فهو نوع من أنواع الفساد في الأرض.

2 - من الممكن أن تؤثر الأجور في إحداث تقلبات الأسعار حتى في ظل النموذج التنافسي الذي يعمل فيه الاقتصاد الإسلامي، وذلك فيما إذا كانت الأجور تزيد أو تنقص بنسبة تختلف عن نسبة زيادة الإنتاجية. وقد ناقشنا بعض النماذج من التاريخ الإسلامي، وتوصلنا إلى أن الإطار النظري الذي قدمناه يتوافق إلى حد كبير مع بعض التجارب التاريخية. رابعاً: ناقشنا في الباب الثاني من هذا البحث الآثار الاقتصادية والاجتماعية للتغيرات في قيمة النقود، وكما تشير الدراسات الاقتصادية المعاصرة، فإن التغيرات في قيمة النقود تؤدي إلى: - إعادة توزيع الدخل الحقيقي والثروة القومية بطريقة عشوائية لا تستند إلى أي أساس شرعي أو منطقي. - كما أنها تؤثر تأثيراً سلبياً في الدخل القومي ومعدل النمو الاقتصادي. - كما أنها تشوه نمط الاستثمار في المجتمع، إذ تعمل على نزوح الاستثمار من القطاعات الأساسية إلى القطاعات الثانوية وغير المفيدة لتقدم الاقتصاد ونموه. - إضافة إلى ذلك، فإن التغيرات في قيمة النقود تؤدي إلى اختلال ميزان المدفوعات, ويشكل ذلك في الواقع استنزافاً لموارد الدولة لصالح الدول الأخرى. وبعد مناقشة وافية لهذه النقاط، توصلنا إلى أن الآثار المترتبة على التغيرات في قيمة النقود تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وذلك من خمس نواح: الناحية الأولى: تؤدي التغيرات في قيمة النقود إلى الإضرار بمصلحة المجتمع الكلية، إذ أنها تؤثر في قدرة الأمة في النهوض والتطور والأخذ بأسباب القوة، وذلك بتأثيرها السيئ على الوسائل المادية التي تساعد على النمو والتطور، وعلى ذلك فهي تدخل في نظاق الضرر العام الذي يجب أن يمنع بناء على قوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار). الناحية الثانية: تؤدي التغيرات في قيمة النقود إلى الإخلال بقضية الملكية الخاصة المصونة في الشريعة الإسلامية، إذ يترتب عليها انتقال الثروة والدخل الحقيقي من فئات اجتماعية إلى أخرى، فهي في واقعها سرقة خلقية وأكل لأموال الناس بالباطل. الناحية الثالثة: تؤدي ظاهرة التضخم في العصر الحاضر إلى تحقيق المبدأ الرأسمالي التقليدي الذي يدعو إلى تركيز الثروة عند فئة الرأسماليين. فالتمويل التضخمي في العصر الحاضر، ما هو إلا وسيلة لتركيز الثروة عند الدولة أو عند الرأسماليين، بحجة أن ذلك وسيلة للنمو الاقتصادي. وقد أثبتنا بالتحليل والتجربة فساد هذا الرأي، خاصة في الدول النامية. وأثبتنا أنه لا يجوز شرعاً للدولة الإسلامية أن تنتهج هذا النهج في التنمية، لأنه لا تنطبق عليه شروط المصلحة. إذ أنه يعارض مصالح ورد بها النص الشرعي، كما أن وجه المصلحة فيه موهوم إن لم نقل معدوم، كما أنه لا يعتبر وسيلة لرفع حرج عن المسلمين، فقد دلت التجارب على أن الاستقرار في مستوى الأسعار – مع بعض الشروط – يعتبر أفضل مناخ للنمو الاقتصادي المقرون بالعدالة. الناحية الرابعة: تؤثر التغيرات في قيمة النقود تأثيراً سيئاً في أصحاب الدخول الثابتة والمتغيرة. ومن وظائف الدولة في الإسلام ترشيد سياستها الاقتصادية بحيث تهيئ لهذه الفئات حياة كريمة، كما دلت التجارب على أن انتشار الظلم الاجتماعي في فترة تقلبات الأسعار يؤدي إلى تخفيض إنتاجية العمال. الناحية الخامسة: تؤثر التغيرات في قيمة النقود في سلوك الأفراد الملتزم بالشريعة الإسلامية، ومن وظائف الدولة في الإسلام العمل على أحكام صلة الناس بخالقهم بكل الوسائل والأساليب.

واستنتجنا من هذه النقاط الخمس أنه لا يجوز لولي الأمر اللجوء إلى أي سياسة من شأنها أن تؤدي إلى التغيرات في قيمة النقود، كما يجب عليه الحيلولة دون كل الأسباب المفضية إليها، حفاظاً على مصلحة المجتمع في الحياة الدنيا والآخرة. خامساً: ناقشنا في الفصل الأول من الباب الثالث كيف يمكن للدولة الإسلامية أن تحول دون حدوث تقلبات في مستوى الأسعار تؤدي إلى تغيرات في قيمة النقود، وكيف يمكن أن تسيطر عليها بفرض حدوثها، وأثبتنا في هذا الصدد ما يلي: 1 - تعتبر سياسة تثبيت قيمة النقود أفضل سياسة تفي بالمقاصد الشرعية التي يجب توفرها في التعامل النقدي، غير أن صعوبة تطبيق هذه السياسة من الناحية العملية، دفع بنا إلى اقتراح تطبيق سياسة استقرار قيمة النقود، والتي في ظلها تسعى الدولة بكل وسائلها منع ظهور اتجاه واضح لارتفاع الأسعار في الأجل الطويل أو تقلبات حادة في الأجل القصير. وقد اقترحنا منهجاً لتحقيق استقرار قيمة النقود – على النحو المتقدم – يستند على ما يلي: أ- السياسة النقدية: ترتكز السياسة النقدية على مبدأ أساسي وهو أن تكون نسبة الزيادة في كمية النقود مرتبطة بنسبة الزيادة في حجم الناتج القومي الصافي. ب- السياسة المالية: تقوم السياسة المالية على الإنفاق العام كمحور ارتكازي، وللدولة أن تلجأ إلى الضرائب والدين العام كأدوات مساعدة، كما لها أن تلجأ إلى تأخير وتقديم الزكاة بهدف تحقيق الاستقرار في قيمة النقود، غير أننا اشترطنا إلا تلجأ الدولة إلى تعجيل وتأجير الزكاة إلا عند الضرورة، إذ أن للزكاة أهدافاً اجتماعية شرعت من أجلها، فيجب ألا تنصرف عنها إلا لضرورة شرعية أو حاجة مقتضية. جـ- سياسة الأجور: أثبت الباحث أن أفضل سياسة للأجور تتلاءم مع قواعد الشريعة الإسلامية هي ربط الأجور بالإنتاجية، وأوضحنا أن ربط الأجور بالإنتاجية بالإضافة إلى أنه يحقق العدالة لجميع الأطراف، فإنه يساهم في استقرار الأسعار ومن ثم استقرار قيمة النقود، كما أثبتنا أن ربط الأجور بالإنتاجية هو مبدأ إسلامي أصيل تشير إليه قواعد الإجارة التي فصلها الفقهاء. واقترحنا لتطبيق هذه السياسة لجنة أطلقنا عليها لجنة "الأجور العادلة" على غرار لجنة الأسعار التي قال بها الفقيه المسلم ابن حبيب المالكي. وتتكون اللجنة من ولي الأمر أو من ينيبه، وممثلين لأرباب الأعمال وممثلين للعمال لتحديد نسبة الزيادة في الإنتاجية التي تستحق زيادة في الأجر، بتحكيم ولي الأمر ولجانه المختصة وتحكيم الأخلاق الإسلامية، مع مراعاة تقديم مصلحة المجتمع الكلية على المصالح الجزئية عند التعارض. وتكون هذه اللجان بديلاً عن النقابات غير الملتزمة بمنهج معين، والتي بسبب تعنتها وتحكم أرباب الأعمال، ضاعت مصالح المجتمعات. سادساً: أثبت الباحث أن الاستقرار في قيمة النقود الذي اقترحناه يحقق أهدافاً اقتصادية واجتماعية واسعة، بالإضافة إلى أنه يعتبر شرطاً ضرورياً لصحة عقد المضاربة التي تستند عليه معظم المعاملات الشرعية في هذا العصر، كما أنه شرط لصحة عقد الإجارة إذ تتوقف صحة الإجارة على العلم بالأجرة، وذلك يكون بقدرها وجنسها وصفتها، ولا يتحقق ذلك إلا حينما تكون قيمة وحدة النقد ثابتة أو مستقرة خلال الزمن. سابعاً: ناقشنا في الفصل الأخير من هذه الدراسة الآراء الفقهية في كيفية معالجة آثار التغيرات في قيمة النقود بفرض حدوثها في المجتمع الإسلامي، وتوصلنا إلى النتائج التالية:

1 - يقرر الباحث كما قال الفقهاء وكما أثبتت دراسات سابقة في هذا المجال، أن التغيرات في قيمة النقود الذهبية والفضية لا يجب فيها إلا المثل وذلك لتمتع هذه النقود بقيمة ذاتية تجعلها لا تفقد من جراء التغيرات الحادثة في قيمتها شيئاً يذكر. وهذا الحكم ينطبق على الظواهر النقدية التي تعتريها كالكساد والانقطاع والإبطال، فحيث وجدت فإنه لا يلزم المدين إلا مثلها، فإن لم توجد تجب قيمتها. 2 - يثبت الباحث أن الظواهر النقدية، كالكساد والانقطاع، التي كانت تعتري النقود الاصطلاحية في العصور الماضية تفقد أهميتها النسبية في العصر الحاضر، وذلك لأن تلك الظواهر ترتبط بقاعدة النقود المعدنية والتي خرج عنها العالم بتطبيقه لقاعدة النقود الائتمانية. وحتى بفرض حدوث بعضها، فإن العرف السائد يجعل أمر معالجتها ميسوراً. ثامناً: تناولنا في المبحث الأخير من هذه الدراسة الرأي الفقهي في معالجة آثار التغيرات في قيمة النقود بالنسبة لأصحاب الالتزامات المالية المؤجلة، توصلنا إلى أن للفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال: القول الأول: على المدين الوفاء بمثل النقود التي ترتبت في ذمته بغض النظر عن تغيرها. القول الثاني: أن على المدين الالتزام بدفع قيمة النقود التي تغيرت يوم ثبوتها في ذمته. القول الثالث: يلتزم المدين بدفع المثل إذا كانت التغيرات في النقود يسيرة، بينما عليه الالتزام بالقيمة إذا كانت التغيرات فاحشة. وبعد أن استنبطنا – وبحمد الله – أدلة كل قول من هذه الأقوال ومناقشتها مناقشة وافية، نثبت ما يلي: 1 - أن أساس الاختلاف بين الفقهاء في هذه المسألة يعود إلى ضمان المدين لما أخذ. فأصحاب القول الأول يرون أن التغيرات في قيمة النقود لا تعتبر عيباً من العيوب الموجبة للضمان، وذلك لأن تغيرات قيمة النقود تقاس عندهم بتغيرات أسعار السلع المثلية. أما أصحاب القول الثاني فهم يرون أن تغيرات قيمة النقود تعتبر أحد العيوب الموجبة للضمان، ذلك لأن الأعيان لا يتصور عيبها إلا بنقصان قيمتها، وحيث إن يد المدين يد ضمان، فعليه يقع ضمان الصورة والمعنى. 2 - يرجع الباحث القول الثاني الذي يرى جواز تعويض المدينين أو الدائنين عن تغيرات قيمة النقود، وذلك تحقيقاً للعدالة بين الأموال المترتبة في الذمة والأعواض البديلة عنها. غير أنه يقرر أن ترجيح هذا القول في العصر الحاضر، لا يعني إطلاقاً جواز فرض أسعار فائدة تحدد مسبقاً نظير الانخفاض المتوقع في قيمة النقود، وذلك لأن التحديد المسبق لأسعار الفائدة حتى بفرض تساويها مع نسبة التغير، فإنه يفضي إلى الجهل بالتماثل. وهو يؤدي إلى الربا اتفاقاً. كما أن التحديد المسبق لأسعار الفائدة يفترض أن التعويض يجب في حالة الانخفاض فحسب، وهذا خطأ، إذ إن القواعد الإسلامية ثابتة تهدف إلى تحقيق العدالة في كل الأحوال. 3 - اقتراح الباحث منهجاً لتطبيق مبدأ التعويض، يقوم على ترجيح ما قال به شيخ الإسلام ابن تيمية والقاضي أبو يوسف، وعلى أن التعويض جزء من ضمان المدين لما أخذ. وفي المنهج المقترح يتم التعويض عن طريق اختيار وحدة للتحاسب الآجل أطلقنا عليها "الدينار الإسلامي"، ولا يشترط لهذه الوحدة وجود مادي، ولكن يتم التحاسب على أساس النسبة الموجودة بين سعر الذهب وسعر العملة الورقية وقت الوفاء بالدين. وبعد: فإن هذا البحث لا يزيد عن كونه قطرة في خضم هذا الموضوع، بذلنا فيه أقصى ما نملكه من جهد. فإن وفقنا فالحمد لله، وإن كانت الأخرى فنسأل الله أن يعطينا أجر إثارته، فالإثارة تعني المناقشة التي تستدعي التفكير، والتفكير بداية للبحث عن الحق. {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}. والحمد لله في البدء والانتهاء وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (تم بحمد الله)

أحكام الأسواق المالية (الأسهم والسندات) ضوابط الانتفاع والتصرف بها في الفقه الإسلامي

أحكام الأسواق المالية (الأسهم والسندات) ضوابط الانتفاع والتصرف بها في الفقه الإسلامي ¤محمد صبري هارون£بدون¥دار النفائس - الأردن¨الأولى¢1419هـ€اقتصاد¶اقتصاد - إسلامي الخاتمة نستخلص من هذا البحث الأمور الآتية: 1 - سوق الأوراق المالية قسم من أقسام السوق المالية، إذ تجري فيها المعاملات على الأوراق المالية (الأسهم والسندات) بوساطة أشخاص مؤهلين لهذا النوع من العمل. 2 - تمثل الأسهم حصة في رأس مال الشركة وعدد الأسهم التي يحملها الشخص يعبر عن مدى مشاركته ونسبة الأرباح التي يستحقها، وهي أنواع: ا- الأسهم العادية ب - الأسهم الممتازة: وهذه لها ميزات لا تتمتع بها الأسهم العادية مثل زيادة حصة الربح أو استيفاء فائدة سنوية ثابتة. ج- أسهم تمتع: وهي الأسهم التي يستوفي أصحابها ما دفعوه ويبقى لهم الحق في الأرباح. 3 - أما السندات: فإنها تمثل دينا على الشركة وهي على أنواع أيضا ومنها: ا- سند النصيب: وهو السند الذي تصدره الشركة بقيمة اسمية حقيقة وتحدد لصاحبه فائدة ثابتة بتاريخ استحقاق معين عن طريق القرعة. ب - السند المستحق الوفاء بعلاوة إصدار: وهو السند تصدره الشركة بقيمة 100 دينار مثلا ويستوفى منه 80 دينارا فقط. ج- السند ذو الاستحقاق الثابت: وهو السند الذي تصدره الشركة بقيمة اسمية ويحصل صاحبه على فائدة ثابتة عن هذه القيمة. 4 - سوق الأوراق المالية تؤدي دورا بالغ الأهمية في جمع المدخرات وتحريك رؤوس الأموال من القطاعات ذات الفائض التمويلي إلى القطاعات ذات العجز المالي. ومن هذه الوظائف الاقتصادية: ا-تسهيل عملية تداول الأوراق المالية بصفة سريعة ومستمرة. ب - تعطي مؤشرا لتعيين الفعاليات الاقتصادية الناجحة. ج- توزيع رؤوس الأموال على مختلف أنواع الصناعات. د- تعتبر واسطة بين جميع شبكة فعاليات الاقتصاد الكلي، لها من القدرة على تجميع المعلومات وتوثيق البيانات، ما يوفر قاعدة جيدة لاتخاذ القرارات الاستثمارية الموثوقة. هـ- المساعدة على تحديد الأسعار وفق مبادئ العرض والطلب. 5 - العاملون في السوق أ - سماسرة الأوراق المالية وهم ينقلون إلى السوق أومر زبائنهم ويجرون العمليات المطلوبة منهم. ب - مندوبون رئيسيون: وهم معاونون للسمسار يعملون بأمره. ت - الوسطاء: وهم أداة الاتصال بين الزبون والسمسار. 6 - عمليات السوق أ-عمليات عاجلة: تتم فوراً بحيث يدفع الثمن وتستلم الأوراق المالية. ب-عمليات آجلة: بحيث يحدد موعداً لتسليم الأوراق ويسمى موعد التصفية. 7 - يشجع الإسلام الناس على استثمار أموالهم دون تجميدها حتى لا تأكلها الزكاة. 8 - الدول الإسلامية تزخر بالثروات المادية والمعدنية، وهذه بالطبع بحاجة إلى تنميتها بطريقة شرعية منضبطة بالضوابط الإسلامية. وعلى هذا تقوم البنوك والمؤسسات الإسلامية خصوصاً فيما يتعلق بإصدار الأوراق المالية الإسلامية ومنها البنك الإسلامي للتنمية. 9 - ضوابط التعامل بالأسهم والسندات: أ - تنبثق ضوابط السلوك الإسلامية من القرآن والسنة لأنهما المصدران الوحيدان في التشريع الإسلامي فالقرآن الكريم حدد أساليب الإنفاق ووضع ضوابطه، وأهمها أن المال مال الله، والبشر مستخلفون فيه، ومن الضوابط ترشيد الإنفاق وعدم الإشراف أو التبذير وعدم التقتير.

ب - ومن هذه الضوابط: العلم بأحوال السوق وأحكامها لأن العمل في السوق عبادة، وعلى هذا فعلى المتعامل أن يبتعد بقد الإمكان عن الشبهات وأن يكف عن التعامل بالمحرمات كالتعامل بالربا والخمر وغير ذلك، وأن يتصف بالأمانة والعدل والإحسان والصدق والوفاء وأن يتجنب الكذب والحسد وغير ذلك من الرذائل. وعلى المتعاملين أن يتصرفوا بالتراضي والإختيار، وأن يحسنوا السداد في القول، وأن يعملوا على إظهار الحقائق، وتيسير سبل التعامل، وتوثيق العقود والمعاملات دون إكراه، أو خلابة، أو تغرير، أو تدليس، وأن يبتعدوا عن التناجش، والإحتكار، والغبن، والقمار في المضاربة وغيرها من سبل التعامل. جـ –ولا بد للمتعاملين من مراعاة العرف والعادة كأساس لتحديد الالتزامات ما دام لا يفضي إلى الضرر أو المفسدة أو يخالف أمرا شرعيا. د - إن التصرفات في السوق بحاجة إلى الرقابة الشرعية سواء تم تعيينها من قبل الدولة أو المؤسسات وهي نوع من الحسبة لتدبير أحوال السوق للمصلحة تحقيقا للعدل بين الناس وعملا بالقاعدة (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة). فمن أعمال المحتسب: مراقبة الأسعار، ومنع تبادل السلع الضارة ومنع المعاملات التي حرمها الإسلام. 10 - وفيما يتعلق بأحكام الأسهم والسندات فهي كما يلي: ا- لما كان السهم يمثل حصة في رأس مال الشركة، فإن المتاجرة بأسهم شركة ربوية غير جائز. ب - إن من أنواع الأسهم ما لا يجوز التعامل فيه لأنه خارج عن قواعد الشركة المشروعة وذلك مثل الأسهم الممتازة التي تمنح لصاحبها فائدة سنوية أو أرباحا زائدة على غيره من المساهمين. جـ- ومن أنواع الأسهم ما يعرف باسم أسهم التمتع وهي أسهم تسلم لصاحبها قيمتها ويبقى شريكا يأخذ الأرباح، وهذا أكل لأموال الناس بالباطل باعتبار أنه قد انقطعت صلته بالشركة. د- إن الأسهم الوحيدة التي يجوز التعامل بها هي الأسهم العادية التي تعطي لأصحابها حقوقا متساوية وما عداها فهي أسهم باطلة شرعا. هـ- وأما السندات فإنها تمثل دينا على الشركة والواجب في الديون استيفاؤها بلا زيادة ولا نقصان، لأن الزيادة ربا والنقصان ظلم، وكلاهما حرام، ولذلك فالتعامل مع السندات غير جائز لأسباب: 1 - أن حامل السند يستوفي فائدة ثابتة على دينه بغض النظر عن وضع الشركة من حيث الربح والخسارة. 2 - أن من السندات ما يصدر بخصم إصدار فيدفع المكتتب أقل من القيمة الاسمية ويستوفي القيمة كاملا وهو ربا. 3 - ومنها ما يصدر بعلاوة زائدة على القيمة التي دفعها المكتتب ولا شك أن هذا أيضا نوع من الربا. 11 - أما عمليات السوق فالعمليات العاجلة إذا كان البيع فيها حالا وباتا ولم يكن قائما على محظور شرعي، فإن هذه المعاملة عن طريق البورصة جائزة، شريطة أن لا يكون العقد قائما على المجازفة، حيث تصبح عملية البيع والشراء صورية، حيث تباع العقود وتنتقل من يد إلى يد، وغاية العاقدين الاستفادة من فروق الأسعار مثل البيع على المكشوف. أما العمليات الآجلة فهي غير جائزة لأن هذا النوع من العمليات لا يتم فيه تسليم المعقود عليه، لا الثمن ولا المثمن، بل يشترط تأجيلهما، وعلى هذا فإن هذه العملية لا تجوز لأن شرط صحة العقود أن يتم تسليم العوضين أو أحدهما ولا يجوز اشتراط تأجيل الاثنين، ودخلت بالتالي في معنى بيع الكالئ بالكالئ، فهذه العمليات أيضا تدخل في القمار الممنوع لأن البائع يضارب على هبوط السعر في اليوم المحدد، والمشتري يضارب على صعوده، ومن يصدق توقعه يكسب الفرق. 12 - وفيما يتعلق بزكاة الأسهم فهي كما يلي: ا- لا تزكى الأصول الثابتة مثل المبنى والآلات. ب- زكاة الأسهم التجارية 2.5%. أ - زكاة الأسهم للشركات الاستثمارية في الزراعة، ما يسقى منها بماء المطر 10% والذي يسقى بالآلة 5% د- زكاة الأسهم المتخذة للإستثمار في الصناعات المختلفة تجب في الناتج الصافي قياسا على نماء زكاة الأصول الثابتة 10% بعد أن تخصم جميع النفقات بما في ذلك استهلاك الآلات. 13 - ومن أنواع الأوراق المالية الإسلامية: سندات المقارضة، شهادات ودائع الاستثمار، شهادات الاستثمار للبنك الإسلامي للتنمية، وشهادات التأجير أو الإيجار المتناقصة، وهناك سبل وإمكانيات لتطوير الأوراق المالية الإسلامية، ومن ذلك: - أ - تشجيع قيام المؤسسات المالية والبنوك الإسلامية المتخصصة بالتمويل المتوسط وطويل الأجل. ب - استحداث أوراق مالية إسلامية يمكن التعامل بها بالإضافة إلى ما تم استحداثه فعلا. ج - دعم الاتجاه نحو إنشاء المزيد من المشروعات المشتركة كأحد الأشكال التي يمكن أن تجسد التعاون الاقتصادي بين البلدان الإسلامية. د - تنمية وتطوير التجارة بين الدول الإسلامية عن طريق تكوين مناطق تجارية حرة. هـ- اتخاذ التدابير التي من شأنها تثبيت أسعار الصرف فيما بين العملات المحلية الإسلامية مع ضمان حرية التحويل فيما بينها. انتهى بحمد الله

إسهامات الفقهاء في الفروض الأساسية لعلم الاقتصاد

إسهامات الفقهاء في الفروض الأساسية لعلم الاقتصاد ¤رفيق يونس المصري£بدون¥البنك الإسلامي للتنمية¨الأولى¢1419هـ€اقتصاد¶اقتصاد - إسلامي خاتمة لم يكن علم الاقتصاد منفصلاً في تراثنا الإسلامي عن العلوم الأخرى، إلا أن هذا التراث العظيم قد ضم إسهامات عديدة لعلمائنا في الفقه والأصول، في مجال الفروض الأساسية لعلم الاقتصاد. 1 - ففي مجال الرشد (الرشاد) الاقتصادي، اتضح لنا اهتمام هؤلاء العلماء بصلاح المال حفظاً وتنمية وحسن إدارة، يضطلع به بالغ عاقل رشيد، غير ذي سفه ولا غفلة، بل عارف بمصالحه ومدرك لسبل التصرفات الرابحة. وقد حث الإسلام الأولياء على تأهيل أولادهم وترشيدهم واختبارهم، حتى يتمتعوا بأهلية عالية في الأداء والتصرف. وقد جعل الإسلام الولاية على القاصرين وناقصي الأهلية أو عديميها، ورتبها على أساس القرابة والحافز. 2 - وفي مجال فرض بقاء الأشياء الأخرى على حالها، رأينا أن علماءنا قد سبقوا إلى صياغة قريبة من هذا الفرض، إذ عبروا عنه بقولهم: "والمسألة بحالها" أو "إذا تساوت (أو استوت) الشروط الأخرى". وهذا الفرض قد لا يغفل عنه الباحثون نظرياً، ولكن قد يغفلون عملياً، أو يسيئون تطبيقه، فتأتي نتائجهم وأحكامهم غير منضبطة. 3 - وفي مجال فرض الندرة، اكتشفنا أن علماءنا على وعي كبير بها، في أبواب تطبيقية مختلفة، فلا عجب أن رأيناهم طرحوا المشكلة الاقتصادية، وصاغوها بعبارات معاصرة، وسعوا إلى حلها بطرائق مختلفة تناسب كل باب. ولعل الذين أنكروا الندرة أو المشكلة الاقتصادية، أو كادوا ينكرونها، ما كانوا ليفعلوا ذلك لو أنهم اطلعوا أولاً على جهود هؤلاء الأئمة الكبار في هذا المجال. إنه يجب علينا أن نميز بين المشكلة وحلها. 4 - وفي مجال فرض التعظيم، رأينا أن فقهاءنا لا يكتفون من بالحسن، بل يطالبوننا بالتي هي أحسن، كي لا يفوت الفرق بين الحسن والأحسن. وقد طبقوا هذا في المنفعة والربح والريع ... إلخ، وعبروا عنه بعبارات مختلفة، وكانت لهم في ذلك كتب وكتابات فريدة في بابها ومفيدة وواضحة، لا غموض فيها ولا تعقيد، لو أننا علمناها لطلابنا لتركت في نفوسهم أثراً فاعلاً، لا تقوى على بلوغه الكتب والكتابات الغريبة، التي لا تكاد تدخل في وعيهم، وإذا دخلت فإنها سرعان ما تخرج. ترى هل يستطيع علماؤننا وباحثونا المعاصرون أن يبنوا على هذه الثروة الفكرية، في اشتقاق علوم إسلامية تضاهي علوم الحضارات السائدة اليوم؟ إن أهم ما نحتاج إليه في هذا الاتجاه هو صفاء العقيدة والذهن. وبعد، فهذا ما قدمه الفقهاء المسلمون، فماذا قدم الاقتصاديون المسلمون؟ هذا ما قدمه الفقهاء القدامى، فماذا قدم فقهاؤنا المعاصرون؟

الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول الإسلامية في ضوء الإقتصاد الإسلامي

الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول الإسلامية في ضوء الإقتصاد الإسلامي ¤محمد عبدالعزيز عبدالله عبد£بدون¥دار النفائس- الأردن¨الأولى¢1425هـ€اقتصاد¶اقتصاد - إسلامي الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: في ختام هذا البحث، يمكن إبراز أهم النتائج، وذلك كما يلي: 1 - إن الدافع الرئيسي وراء قيام الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الدول الإسلامية، هو تحقيق الأهداف الخاصة واستجابة للاستراتيجيات الإدارية، متمثلة في: أ) الرغبة في الحصول على المواد الخام الأولية، وبأسعار لا تقارن بذات التكلفة التي كانوا سيحصلون عليها في بلادهم. ب) الاستفادة من ميزة انخفاض عناصر التكلفة في الدول الإسلامية، كرخص الأيدي العاملة، وانخفاض أسعار المواد الخام. ج) الاستفادة من فرص تحقيق الأرباح المضاعفة، والتي تفوق بكثير الأرباح التي يجنيها هذا المستثمر من عملياته داخل بلده الأصلي. 2 - أن الاستثمار الأجنبي المباشر هو استثمار طويل الأجل، ومن هنا يلاحظ أن المستثمر الأجنبي يستوطن داخل البلد ويستفيد من خيراته ويأخذ ما يحتاج من الخامات والمواد الأولية، ولا يعطي البلد المضيف إلا الشيء اليسير. كما أنه لا يبقى في ذات الدولة بجميع الظروف والأحوال، بل إنه يعمل على سحب نشاطاته بمجرد حدوث أي اضطراب أو ضعف في العوامل المحفزة لقدومه. 3 - إن الحوافز والتشجيعات المقدمة من الدول الإسلامية للمستثمر الأجنبي قد ساوت ما بينه وبين المستثمر المحلي، كما أن الإعفاءات التي أعطيت له هي إعفاءات كبيرة حرمت خزينة الدولة الكثير من الإيرادات المضمونة، حتى لجأت الدول إلى زيادة العبء الضريبي على المواطنين أملاً في تعويض النقص في مواردها. 4 - على الرغم مما انتهجته الدول الإسلامية من توفير لحوافز الاستثمار، ومحاولاتها المتعددة للتأثير على المجدات المؤثرة في القرار الاستثماري، إلا أن حصتها من مجمل الاستثمارات الأجنبية الكلية كانت محدودة للغاية. فضلا عن تركز هذه الاستثمارات في عدد محدود من الدول الإسلامية. كالمملكة العربية السعودية، ومصر، وإندونيسيا، وماليزيا، وتركيا، في حين لم تحصل باقي الدول إلا على النذر اليسير. 5 - بالنظر إلى مجالات تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول الإسلامية، يلاحظ: أن هذه الاستثمارات كانت تتركز في قطاع الصناعات الاستخراجية حتى مطلع الثمانينات. ثم تحولت إلى مجال الصناعات الخدمية، كشركات التأمين، وقطاع البنوك، والفنادق ... إلخ. وبقي نصيب قطاع الصناعات التحويلية ضئيلاً من تلك التدفقات. مما يعني ضعف أثر الاستثمارات الأجنبية في الحد من ارتفاع معدلات البطالة في هذه الدول. ذلك أن قطاعي الصناعات الاستخراجية والتحويلية هي التي تقوم باستيعاب الأيدي العاملة بمستويات عالية التأثير وليس قطاع الخدمات متمثلاً بالفنادق. 6 - ارتفاع معدل العائد على الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول الإسلامية بدرجة فاقت حجم رأس المال المتدفق. 7 - قلة أرباح الاستثمار الأجنبي المباشر التي يعاد استثمارها داخل الدول الإسلامية. 8 - لقد سجلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بعض التأثيرات الإيجابية من الناحية الاقتصادية في الدول الإسلامية، شملت: التأثير على العمالة، والتكنولوجيا، والنقد الأجنبي، وميزان المدفوعات، وغيرها من المجالات. لكن هذه التأثيرات يمكن وصفها بأنها ضئيلة نسبياً. 9 - أما من الناحية الشرعية فقد وجدت دلائل وآثار فقهية تعطي الأجانب من غير المسلمين الحق في إنشاء مشاريع أو استثمارات مالية داخل الاقتصادي الإسلامي، في الإنتاج، والاستثمار وبما لا يترتب عليه إلحاق الضرر بالدولة الإسلامية. 10 - يعطي الاقتصاد الإسلامي أولياء الأمور في الدول الإسلامية الحق بالاستعانة بالمستثمرين الأجانب بحسب ما تستدعيه الحاجة وتقتضيه الضرورة للإفادة من خبراتهم وتقنياتهم في بعض المجالات. طالما كان ذلك تحت إشراف الدول. ومراقبتها، وضمن القيود والضوابط الشرعية والتنظيمية.

الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة

الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة ¤علي أحمد السالوس£بدون¥دار الثقافة - قطر¨بدون¢1416هـ€اقتصاد¶اقتصاد - إسلامي الخاتمة الحمد لله تعالى الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله عز وجل، والصلاة والسلام على النبي الخاتم الذي تركنا على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين. أما بعد: فقد رأيت أيها القارئ المسلم أن الفتاوى الجماعية التي تتصل بموضوعات هذا الكتاب انتهت إلى ما دافعت عنه، وأيدته بما استطعت من الأدلة. ولعل هذه النتيجة تجعلك تطمئن إلى الأخذ بالفتاوى الجامعة، ونبذ آراء أولئك الذين يتجرءون على الفتوى بغير هدي من الله عز وجل، و [أجرؤكم على الفتيا أجروكم على النار] كما رواه الدارمي عن عبدالله ابن أبي جعفر مرسلاً. قال العلامة المناوي في شرحه فيض القدير. لأن المفتي مبين عن الله حكمه، فإذا أفتى على جهل، أو بغير علمه أو تهاون في تحريره أو استنباطه، فقد تسبب في إدخال نفسه النار لجراته على المجازفة في أحكام الجبار. وقال: كان ابن عمر إذا سئل قال: اذهب إلى هذا الأمير – الذي تقلد أمر الناس، فضعها في عنقه. وقال: يريدون أن يجعلونا جسراً يمرون علينا على جهنم. فمن سئل عن فتاوى فينبغي أن يصمت عنها ويدفعها إلى من هو أعلم منه بها، أو من كلف الفتوى بها، وتلك طريقة السلف. وقال ابن أبي ليلى: أدركت مائة وعشرين صحابياً، وكانت المسألة تعرض على أحدهم فيردها إلى الآخر حتى ترجع إلى الأول. قال حجة الإسلام: فانظر كيف انعكس الحال؛ صار المرهوب منه مطلوباً، والمطلوب مرهوباً؟! وفي صفحات سابقة من الكتاب رأيت نماذج لأولئك المجترئين على الفتيا، وكيف انكشف أمرهم عند مناقشتهم، بل كيف وصل الأمر إلى تأييد زورهم بالافتراء على الآخرين، وبتر النصوص، ووضعها في غير ما وضعت له ولا ندري لمصلحة من مثل هذا التصرف؟! على كل حال لا أريد أن أتوجه إلى المجترئين على الفتيا – نسأل الله تعالى لهم الهداية – وإنما أتوجه إلى المسلم الذي يريد أن يعرف الحلال ليتبعه والحرام ليبتعد عنه، والشبهات ليتقيها استبراء لدينه وعرضه، فإلى هذا المسلم أقول: إن الكتاب عالج قضية البنوك في ثلاثة أبواب، ثم بين البدائل الشرعية للقروض الربوية بطريقة علمية عملية، وبعد هذا كله ما حكم فوائد البنوك؟ أفتى بأنه من الربا المحرم السادة العلماء المشتركون في المؤتمر الثاني لمجتمع البحوث الإسلامية بالقاهرة سنة 1385هـ (1965م) وكانوا يمثلون خمساً وثلاثين دولة إسلامية. وأفتى بهذا أيضاً مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة بعد إحدى وعشرين سنة من مؤتمر القاهرة، وهذا المجمع يمثل العالم الإسلامي، كما يضم خبراء متخصصين في الموضوعات التي تبحث، وكذلك مجمع الفقه لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة. وبين المؤتمر الأول المؤتمرين الأخيرين مؤتمرات كثيرة، انتهت كلها إلى ما انتهت إليه المؤتمرات الثلاثة للمجامع من تحريم فوائد البنوك. إلى أخي المسلم: بعد كل هذا أسألك أخي المسلم: أتعد فوائد البنوك من الحلال البين؟ أم من الشبهات؟ ألست معي أيها المسلم أنها أصبحت من الحرام البين بلا جدال؟ بل كما قال فضيلة الإمام الأكبر: "صارت في حكم الأمر المعلوم من الدين بالضرورة، ويعلو على الأمور المختلف عليها" وهذا ما جاء في نص بيان فضيلة شيخ الأزهر. والمعلوم من الدين بالضرورة لا يحل لمسلم أن ينكره أو يخالفه، فكيف بمن يدعو إلى استحلاله؟!! وإذا جاء مثل الدكتور فلان وقال: هي حلال 100% وعلى مسئوليتي!! (نعم هكذا قال!! وإنا لله وإنا إليه راجعون).

أيحمل الدكتور وزر من يأخذ بقوله مع وزر نفسه فقط، ويعفي الأخر أيطمئن القلب إلى موافقة هذا الزيغ ومخالفة كل هذه المؤتمرات؟ أيكون لمن أخذ بقوله حجة يوم القيامة؟! بعد هذا أوجه حديثي لأخي المسلم أيضاً: إن هذه الفتاوى جميعها تبين أن ودائع البنوك عقد قرض، وهو ما أثبته بالتفصيل، وفوائد القرض التي يعترف بها القانون الوضعي هي من ربا الديون الذي حرم بالكتاب والسنة، وبينت أن هذه الفوائد أسوأ من ربا القرض الإنتاجي الربوي في الجاهلية، وإلى جانب الصورة المألوفة للودائع والفوائد، ابتكرت البنوك صوراً أخرى للإغراء والجذب، من هذه الصور ما أعلنه البنك الأهلي المصري، حيث قال: إن لديه ستة عشر وعاء ادخار بالعملات المحلية والأجنبية، وعندما يعلن البنك عن هذه الأوعية يذكر ضمنها شهادات الاستثمار بمجموعاتها الثلاث. وصور الودائع – أي القروض – التي أعلن عنها البنك تنوعت من حيث العملة، ومدة القرض، والفائدة الربوية، وطريقة صرفها. والبنوك الربوية الأخرى في طلبها للقروض تحاول الإغراء بمثل هذا التنوع. فمن أحل البنوك وقع في الحرام البين، ومن حرم فوائد بعض هذه الأوعية الادخارية، وأحل بعضها الآخر، وقع في تناقض واضح؛ فكلها صور مختلفة لعقد واحد! فما الفرق بين شهادات إيداع البنك الأهلي المصري الثلاثية، أو الخماسية، وشهادات استثمار البنك الأهلي المصري المجموعة ألف أو باء؟! وما الفرق بين ودائعه ذات الجوائز وشهادات استثماره ذات الجوائز؟! وما الفرق بين شهادات الاستثمار والسندات الحكومية التي يكاد ينعقد الإجماع على تحريمها؟! فقد أفتى بالتحريم مجمع الرابطة، ومجمع المنظمة وكل المؤتمرات التي تعرضت لحكم السندات. فالقروض الربوية بجميع صورها المختلفة، وأسمائها المتعددة، حكمها واحد. وطرق الاستثمار في الإسلام متنوعة تصلح لكل زمان ومكان، لأن خاتم الأديان الذي أباحها وحرم القرض الربوي جاء ليطبق في كل زمان ومكان، واقرأ الباب الأخير، وتأمل العقود البديلة للقروض الربوية في التطبيق المعاصر. ظهور البديل الإسلامي: ومن فضل الله – عز وجل – ظهور البديل الإسلامي في التطبيق: فنشأت المصارف الإسلامية، وأثبتت بطريقة عملية إمكان قيام مصارف بلا فوائد ربوية، كما ظهرت شركات إسلامية كثيرة في بلاد الإسلام، أنشأها المسلمون هناك، ونجحت في التطبيق. وقامت باكستان بخطوة رائدة، حيث أعلنت إسلام مصارفها، وحققت هذه المصارف نتائج أفضل من عهدها الربوي. ونرى تحولاً إسلامياً! فأعلنت إسلام بعض فروعها فقط، ونقرأ في إعلاناتها: الرزق الحلال! وتجنب الربا! والخضوع للرقابة الشرعية!!!! وهذا اعتراف منها بأن هذه الفروع الإسلامية تأكل الربا، ولا تخضع لشريعة الله عز وجل، وكسبها ليس حلالاً طيباً. ظهر البديل الإسلامي للسندات الربوية، وشهادات الاستثمار كما ذكرت من قبل عند الحديث عن صكوك المقارضة بالتفصيل. وبدأت هيئة البريد في الاتجاه إلى مثل هذا التحول الإسلامي، فأعلنت أنها قررت تطبيق نظام مصرفي جديد يطبق لأول مرة في التوفير البريدي، وهو نظام التوفير الإسلامي الذي يعتمد على المضاربة الإسلامية، حيث تجرى دراسة عن كيفية تطبيق هذا النظام لاستثمار أموال المودعين الذين يصرون على عدم تقاضي الفوائد، وإدخالها في مشروعات إنتاجية بنظام المشاركة الإسلامية على غرار البنوك الإسلامية. وتعتمد الدراسة على اختيار أحد الاقتراحين التاليين لتطبيق هذا النظام، وهما: تخصيص مكاتب توفير للمعاملات الإسلامية فقط، أو تخصيص شباك في كل مكتب توفير لهذا النظام. أفنقول لهيئة البريد: لا حاجة إلى المشروعات الإنتاجية، واتباع نظام المشاركة الإسلامية، ففوائدها حلال، ونظامك الحالي إسلامي! أو ندعوها، كما ندعو غيرها إلى تعميم النظام الإسلامي؟ فلنتعاون جميعاً في الدعوة إلى تطبيق الإسلام في جميع معاملاتنا المعاصرة وفي تذليل الصعاب وتخطي العقبات التي تعترض هذا التطبيق، والوقوف أمام أولئك الذين يثيرون من الشبهات ما يقوي المؤسسات الربوية، ويخدم مصالحها، ويؤثر في الصحوة الإسلامية منهجاً وتطبيقاً، والله – جلت قدرته – من وراء القصد، والهادي إلى سواء السبيل، وهو نعم المولى ونعم النصير، وله الحمد في الأولى والآخرة. {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.

البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد (دراسات اقتصادية إسلامية)

البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد (دراسات اقتصادية إسلامية) ¤عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان£بدون¥البنك الإسلامي للتنمية¨الأولى¢1415هـ€اقتصاد¶اقتصاد - إسلامي خاتمة البحث: خلصت الدراسات الشرعية: والقانونية، والاقتصادية، والميدانية، للبطاقات البنكية، بقسميها: الإقراضية، وبطاقة السحب المباشر من الرصيد، إلى النتائج والملاحظات والتوصيات الآتية: أولا: النتائج: 1 - تعرف البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد تعريفا يبين حقيقتها وأقسامها بأنها: (أداة يصدرها بنك أو تاجر، أو مؤسسة تخول حاملها الحصول على السلع والخدمات، سحبا لأثمانها من رصيده، أو قرضا مدفوعا من قبل مصدرها ضامنا لأصحاب الحقوق وما يتعلق بذمة حاملها، الذي يتعهد بالوفاء والتسديد للقرض خلال مدة معينة من دون زيادة على القرض إلا في حالة عدم الوفاء، أو بزيادة ربوية لدى اختياره الدفع على أقساط مع حسم عمولة على التاجر من قيمة مبيعاته في جميع الحالات. 2 - البطاقات البنكية على قسمين: بطاقة إقراض، وبطاقة سحب مباشر من الرصيد، أما البطاقات الإقراض فهي ثلاثة أنواع: 1 - بطاقة الإقراض بفوائد والتسديد على أقساط ( credit card ) . 2- بطاقة الإقراض المؤقت الخالي من الفائدة ابتداء ( charge card ) . 3- بطاقة شراء التجزئة ( Retailer card ) . تخضع هذه البطاقات لأحكام عقد الإقراض في الفقه الإسلامي من صحة الشروط وبطلانها. 3 - الشروط الصحيحة فيها هي كل ما يقتضيه العقد ولا ينافيه: كالاشتراط بالتزام المسئوليات، والوفاء في التسديد، واشتراط فتح حساب، أو رصيد بالبنك، ودفع رسوم الاكتتاب، والعضوية، والتجديد، والاستبدال، مما هو بالفعل لخدمة العملاء، وليس لها دخل في الإقراض، كذلك الجوائز وغيرها التي هي مباحة أصلا، واشتراك إنهاء العقد لدى عدم التزام حامل البطاقة بشروطه وأحكامه. 4 - العمولة التي يشترطها البنك المصدر للبطاقة على التاجر هي خصم من قيمة المبيعات ليس زيادة فليس ما يقال فيها إنها ربا. كما أنها ليست من قبيل (الوضع من الدين على التعجيل بتسديده)، لأن تسديد البنك الضامن المصدر للبطاقة فوري لدى تسليم سندات البيع صحيحة، وليس في هذا شيء من الغرر، انتفاء هذه الأسباب والصفات الموجبة للبطلان يؤيد صحتها، حملا لها بأنها مقابل الخدمات التي يقدمها مصدر البطاقة من تسويق، وتأمين للعملاء، وتحصيل لقيمة البضائع. كما أن لها توجيها آخر ذلك هو الوكالة بأجر، إذ يعد البنك المصدر للبطاقة وكيلا للتاجر في قبض استحقاقات قيمة المبيعات من حاملي البطاقات وضمها إلى حسابه، كما أنه وكيل عنه في السحب من رصيده، فيما هو مستحق عليه للبضائع المرجوعة، كل هذه أعمال لها تكاليفها الإدارية والمكتبية. 5 - الشروط الباطلة تتمثل في الزيادات المفروضة على عقد الإقراض في بطاقات الإقراض، من عمولات على القرض، وتأجيل التسديد، والسحب النقدي، والزيادة على تحويل العملات الأجنبية، وعمولة الشراء بأزيد من القرض المحدد .. . الخ. ما ورد التنويه عنه في عرض البحث. هذه الشروط تؤثر على صحة العقد بالبطلان عند المالكية والشافعية، في حين أنها تعتبر باطلة وملغاة عند الحنفية والحنابلة، ويظل العقد الأصل صحيحا في هذين المذهبين.

6 - بطاقة السحب المباشر من الرصيد، أو ما تسمى بـ (القيد المباشر على الحساب المصرفي) ( Debit card ) ليست معدودة في بطاقات الإقراض، ولا ينزل عليها أحكام باب القرض في الفقه الإسلامي الزيادات المضافة إلى قيمة الشراء أو السحب النقدي أو صرف العملات الأجنبية، لا تعد في باب الزيادة الربوية، في عقد هذه البطاقة ما دامت لا تتعارض مع الأحكام الأخرى، لأنه لا يوجد إقراض حتى يحكم بوجود زيادة ربوية أساسا، ومن باب أولى أنه لا مجال لإدخالها في عموم حديث: (كل قرض جر نفعا فهو ربا) إلا إذا عد سحبه النقدي من غير بنكه قرضا مسجلا عليه ليتقاضاه هذا البنك من بنك حامل البطاقة، ويسجل عليه عمولة على اعتبار أنه قرض فحينئذ يعد من باب الإقراض تسري عليه أحكامه في الحل والتحريم، كما أن أي مزاولة أخرى بهذه البطاقة خارجة عن طبيعتها وحقيقتها ينبغي أن تخضع لتكيف وأحكام شرعية تتلاءم وتلك المزاولة. إذا استعملت بطاقة السحب المباشر من الرصيد ( Debit card ) بقصد الإقراض بزيادة ربوية، أو خالية من الزيادة الربوية ابتداء فإنها تضم إلى قسم بطاقات الإقراض تأخذ حكمها في الصحة والبطلان من حيث الشروط، ويتم تبعا لهذا تصحيح عقد الضمان أوبطلانه كما هو الأمر بالنسبة لبطاقات الإقراض. 7 - البطاقات الأخرى كبطاقات شركات الطيران، وتأجير السيارات وبطاقات المحلات التجارية تصنف حسب الاتفاق والعقد بين مصدر البطاقة وحاملها. هل هي من نوع بطاقات الإقراض أم لا؟ هذا يخضع لطريقة تسديد المستحقات وكيفيته، والشروط المفروضة من قبل مصدرها. في ضوء التأكد من الإجابة على هذه الأسئلة تأخذ حكم العقود التي تكيف بها إباحة وتحريما، صحة وبطلانا. 8 - يشتمل نظام بطاقات المعاملات المالية، سواء منها بطاقات الإقراض بأنواعها، أو السحب المباشر من الرصيد على عدة عقود بحسب طبيعة العقد وأطرافه. أ –العقود التي تتم بين مصدر البطاقة وحاملها: يرتبط هذان الطرفان بعقدين أساسين: الأول: عقد إقراض، حيث يخول مصدر البطاقة حاملها التصرف في حدود مبلغ يحدده له. الثاني: عقد وكالة، وذلك حين يوقع حامل البطاقة على بنود اتفاقية البطاقة التي تتضمن تفويضه للبنك مصدر البطاقة السحب من رصيده لقضاء ديونه، والتسديد للتجار نيابة عنه لكافة المستحقات والعمولات للبنك نفسه ولغيره. ب) العقود التي تتم بين مصدر البطاقة والتاجر: يرتبط هذان الطرفان بعقدين أساسين: الأول: عقد ضمان مالي، يلتزم به البنك المصدر للبطاقة للتاجر الممول حاملي البطاقات بالبضائع والخدمات - دفع قيمة مبيعاته وأجوره، يقوم بتسديدها لحسابه مباشرة إذا توفرت كافة الشروط المطلوبة في سندات البيع. يصبح مصدر البطاقة ضامنا، والتاجر مضمونا له، وحامل البطاقة مضمونا، وقيمة المبيعات الدين المضمون به، الثاني: عقد وكالة، حين يقوم البنك بتحصيل مستحقات التاجر من حاملي البطاقة ووضعها في حسابه بعد خصم عمولته، وبالخصم من حسابه لإرجاع قيمة السندات غير الصحيحة، وقيمة البضاعة المعادة إليه من دون رجوع إليه، كل هذا يقوم به مصدر البطاقة توكيلا وتفويضا من التاجر حسب الاتفاقية بينهما. ج) العقود يبن حامل البطاقة والتاجر: يعتمد تفعيل نظام البطاقة على التعامل بين حاملها وفئة التجار والمؤسسات بيعا، أو إجارة، أو غير ذلك من العقود المالية التي قد يرتبط بها حامل البطاقة مع المحلات التجارية والمالية. تخضع هذه العقود للشروط والأركان في أبوابها من الفقه، وفي ضوئها يحكم لها بالصحة من عدمها.

9 - لا تعارض بين أحكام الضمان في الفقه الإسلامي، وعقد بطاقات الإقراض، من حيث احتمالية ثبوت الدين وجهالته أثناء العقد وغير هذا من الأحكام مما سبق عرضه تفصيلا، ذلك أن مبنى الضمان في الفقه الإسلامي على التوسع فيتحمل فيه الجهالة، وفي الفقه الإسلامي للتاجر المضمون له حق مطالبة مصدر البطاقة الضامن، وحامل البطاقة المضمون سويا، إلا إذا شرط التاجر استيفاء حقه من مصدر البطاقة الضامن خاصة. 10 - أما فيما يخص سلامة البضاعة المباعة من قبل التاجر لحامل البطاقة، فقد نفت البنوك ضمانها، وصلتها به، في أي صورة وشكل صراحة، فلا علاقة ضمان، ولا وكالة تربطها به في هذا الخصوص، معنى هذا أن مسئولية سلامتها هي مسئولية التاجر لا غير، وهذا مقبول شرعا. برغم أن المادة (75) من قانون القرض الاستهلاكي الإنجليزي تثبت مسئولية البنك مصدر الطاقة بالشراكة مع التاجر. 11 - من الضوابط الفقهية المقررة أنه: يصح عقد الضمان إذا صح الأصل الذي ترتب عليه. ولما أن عقد القرض في بطاقتي. 1 - الإقراض بزيادة ربوية والتسديد على أقساط ( credit card ) . 2- الإقراض المؤقت الخالي من الزيادة الربوية ابتداء ( charge card ) يتضمن شروطا باطلة تؤثر على صحة العقد بالبطلان والفساد، فإن عقد الضمان يعد فاسدا لفساد المتحمل به. أما عقد الضمان في بطاقة شراء التجزئة ( Retailer card ) فإنه يحكم فيه على الصحة من عدمها حسب الشروط المتفق عليها بين مصدر البطاقة وحاملها، يعد عقد الضمان صحيحا إذا كانت الشروط صحيحة مقبولة شرعا، وباطلا إذا كانت على خلاف ذلك. (وبطل) الضمان (إن فسد متحمل به) أصالة كدراهم بدنانير أو عكسه لأجل، أو عروضا كما لو باع ذمي سلعة لذمي بخمر أو خنزير، وضمنه ذمي، فأسلم الضامن فلا يلزم الضامن حينئذ شيء، وظاهره ولو فات المبيع الفاسد، ولزم فيه القيمة). 12 - بطاقة السحب المباشر من الرصيد ( Debit card ) هي الأصح والأسلم شرعا بين جميع أنواع البطاقات، وهي التي تنسجم مع القواعد الشرعية، وفي نفس الوقت تحقق ربحا إسلاميا حلالا للبنوك، خصوصا إذا طورت واتخذ رصيد حاملها في البنك أداة استثمارية بالمضاربة والمشاركة مع البنك، يتحقق به العدل للطرفين، إذ يستفيد حامل البطاقة من تنمية رصيده، فلا يجمد بالنسبة له، ولا يكون المستفيد الوحيد من الرصيد البنك فحسب، بل يصبح الربح مشاركة بين الطرفين حسب الاتفاق دون غبن، أو شطط. ثانيا: الملاحظات: 1 - يستبدل الاقتصاديون الوضعيون والمؤسسات المصرفية التقليدية الربوية كلمة (ائتمان) بكلمة (إقراض) أو (دين) ويتجاهلون عمدا استعمال إحدى هاتين الكلمتين برغم وضوحهما ومعرفة مدلولهما لدى عامة الناس 2 - كلمة (ائتمان) بمدلول (إقراض) أو (دين) لا وجود لها في المصطلح الأجنبي في اللغة الإنجليزية بمعنى القرض خصوصا في معرض الكلام عن بطاقات المعاملات المالية والشؤون المالية والاقتصادية والبنكية، فاستعمالها بهذا المدلول لا أصل له في اللغة العربية، ولا في اللغة الإنجليزية المنقولة عنها. 3 - إغفال الكثير من اتفاقيات البنوك المصدرة للبطاقات الإقراضية ذكر نسبة رسوم الزيادات والعمولات الربوية الدورية على اختلاف أنواعها قصدا، وإنما تذكر مجملة مبهمة. 4 - عدم توافر نشرات اتفاقيات إصدار البطاقة الإقراضية والشروط والأحكام لدى البنوك المحلية، جل الاهتمام ومعظمه، مركز على استمارة الطلب التي لا تحمل سوى خصائص الحصول على البطاقة وامتيازاتها. إغفال مثل هذه البيانات، وكل ما ينبغي أن يعرفه حامل البطاقة تحاسب عليه البنوك المصدرة للبطاقة في القوانين الغربية، في الوقت الذي لا تجد من يحاسبها عليه هنا وهناك في البلاد الإسلامية.

5 - نسبة الزيادات الربوية على كافة أنواع البطاقات التي تتقاضاها البنوك في منطقتنا متفاوتة وأعلى من نسبة زيادات قروض البطاقة في البلاد الغربية بشكل عام. 6 - تعطي البنوك الربوية التقليدية الأفضلية والأولوية لبطاقات الإقراض ( credit card ) بجميع أنواعها على ما عداها من البطاقات، إذ تدر عليها أرباحا طائلة بصورة وزخم أكبر وأفضل من صيغ ربا قرض النسيئة بأسلوبه التقليدي القديم. 7 - يقبل أفراد المجتمع على كافة مستويات دخولهم المالية إقبالا شديدا متزايدا على الحصول على بطاقات الإقراض بخاصة، دون تبصر بأحكامها الشرعية، أو إدراك لعواقبها المدنية، والاقتصادية، والكثير منهم لا يعرف ما تعنيه كلمة (بطاقة ائتمان) في مصطلح البنوك الربوية. أما الأسباب لهذا الإقبال فهو التقسيط المريح والذي تقدمه البنوك لعملائها في تسديد الديون، لتتضاعف أرباحها أولا، والسبب الثاني: الجهل بأحكام الشريعة الإسلامية، والأهم من كل ذلك هو الأسلوب الذي تستعمله البنوك في طريقة العرض والتوهيم على العميل، بحيث لا يشعر بخطورة الأمر دينينا واقتصادية إلا حين تثقله الديون ولا يجد ما يسدد به ديونه. 8 - الحماية القانونية مكفولة لحاملي البطاقات بكافة أقسامها وأنواعها بخاصة، وللمستقرضين قرضا استهلاكيا بعامة في القوانين الغربية، في حين أنه ليس لها وجود في البلاد الإسلامية، برغم الحماية الدينية الشرعية لفئات المحتاجين المقترضين. 9 - تضمنت القوانين الغربية لحماية المقترض المستهلك جوانب عديدة أهمها: 1) حماية المقترض قبل العقد بالنسبة للإعلانات، والحملات الدعائية، وصدق المعلومات المعلن عنها. 2) فرض أنظمة وقوانين صارمة على الشركات والمنظمات المالية والمحلات التجارية المخولة صلاحية إقراض المستهلكين. 3) وضع ضوابط للاتفاقيات التي تبرم بين المقرضين والمقترضين. الأمر الذي لا تضطلع به جهة مسئولة في أغلب البلاد الإسلامية، وإن ترك الحبل على الغارب للبنوك جعلها تضع من الشروط والأحكام ما يحقق مصلحتها دون نظر إلى مصلحة المقترضين، أو مراعاة للعواقب السيئة على الاقتصاد الوطني. 10 - تخطط البنوك العالمية لإصدار البطاقات أن تحل البطاقة الإقراضية محل النقود، يجري بها التعامل محليا ودوليا، لا يخفي الخبراء الاقتصاديون تخوفهم أن يكون لهذا دوره على المدى الطويل في احتكار التجارة بأيدي فئة محدودة من التجار، تتحكم في الأسواق وتحتكر العملاء ولا تترك الفرصة لجمهور التجار. قد أعلن هذا التخوف وكيل مدير بنك شيس منهاتن مستر إرك كومبتن ( Eric N compton ) قائلا: (إن الكثير من البنكيين أصحاب الفكر يخشون أن تؤدي طريقة اعتماد المستهلكين على الشراء بالبطاقة إلى احتكار سوق التجارة محليا ودوليا، فتكون بيد فئة معينة محدودة). 11 - تفتقد المكتبة العربية الدراسات العلمية المتعمقة للبطاقات البنكية في المجالين: القانوني والاقتصادي، فأثر هذا بدوره على تأخر الدراسات الشرعية لها، وأسهم في عدم وضوح الرؤية لدى الفقهاء لإصدار دراسات وأحكام شرعية سليمة بخصوصها. ثالثا: التوصيات: 1 - ضرورة إعادة صياغة المصطلحات الاقتصادية ذات العلاقة والأبعاد الشرعية فيما يتعلق بالمعاملات الجائزة والمحرمة بما يناسب حقيقتها، ويكشف عن ماهيتها. وإيثار ماله وجود في المصطلح الشرعي على غيره فلا يعدل عنه بحال، حيث ترسخ لفظه ومعناه، خصوصا ما يكون له آثار حكمية شرعية مثل: كلمة (قرض)، و (إقراض) و (دين) فلا يعدل عنها إلى كلمة (ائتمان) وغيرها مما يجهل معناه العامة والخاصة، إذ أنها لا تكشف بلفظها عن المقصود منها، وقد أثبتت الدراسات جهل غالبية حاملي بطاقة الإقراض بمعنى كلمة (ائتمان).

المسؤولية في هذا تقع على علماء الاقتصاد الإسلامي، والمؤسسات المالية الإسلامية، في تقويم صياغة المصطلحات الاقتصادية وانسجامها مع المصطلحات الفقهية ما أمكن، مستخرجة من تراث الأمة ومفاهيمها الشرعية. 2 - الإكثار من الدارسات والبحوث الشرعية والقانونية والاقتصادية للبطاقات البنكية عموما، وترجمة بعض الكتب العلمية المهمة في هذا الموضوع، ونشرها بما يكفل وعي أفراد المجتمع الإسلامي في التمييز بين البطاقات الإقراضية الربوية المحرمة، فيمتنعوا من الحصول عليها مهما كانت الإغراءات، والأخرى الخالية منها حتى يكونوا على بصيرة بأحكامها الشرعية. 3 - منع البنوك من إصدار بطاقات الإقراض الربوية صيانة للأمة من الوقوع في مستنقع الربا المحرم، وحفظا للاقتصاد الوطني وأموال الأفراد، وهي مسؤولية الحكومة الإسلامية التي قلدها الله حكم هذه الأمة. 4 - إيجاد هيئة شرعية، وأخرى مالية واقتصادية تكون مسؤوليتها حماية الأفراد من استغلال البنوك، والمحافظة على حقوقهم في حدود الأحكام الشرعية، والسياسة المالية لحماية الاقتصاد الوطني، ووضع لوائح محكمة لحماية المجتمع والأفراد من استغلال البنوك، لتفادي النتائج الوخيمة المترتبة على ذلك. تم الفراغ بحمد الله وتوقيفه من بحث (البطاقات البنكية الإقراضية والسحب المباشر من الرصيد ( DeBit Credit Card ) . دراسة فقهية تحليلية مقابلة) بيد كاتبه عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان بمكة المكرمة يوم الأحد 25/ ربيع الآخر عام 1417 هـ، الموافق 8 سبتمبر عام 1996م. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وكتبه / الأستاذ الدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان.

البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق

البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق ¤عبدالله بن محمد الطيار£بدون¥دار الوطن - الرياض¨الثانية¢1414هـ€اقتصاد¶بنوك إسلامية ومعاملات مصرفية منظمة الخاتمة في نهاية هذا البحث أحمد الله الذي وفقني وأمد في عمري حتى فرغت منه كما أحمده، وهو أهل الحمد وحده، أن وفقني للخروج منه بمكاسب عظيمة لا تقدر بثمن، وهذه المكاسب منها ما سطرته بين ثنايا البحث، ومنها ما هو خاص كالصبر وطول النفس في القراءة وتتبع النصوص ما أمكن وقراءة مواضيع كثيرة خارجة عن نطاق البحث، وأنه ليجدر بي وأنا أسطر آخر هذا البحث أن أنبه على أمر اعتاده كثير من الباحثين فيما يقدمونه من بحوث ورسائل علمية، ذلك أنهم يأتون بملخص للبحث أو الرسالة في الخاتمة وهذا أمر لا يتمشى مع منهج البحث العلمي الأصيل، ولهذا فقد ارتضيت أن أسطر في هذه الخاتمة الاقتراحات التي أراها ضرورية لتمام هذا البحث، وما أقترحه اليوم قد يطرأ عليه شيء من التعديل في المستقبل، ولكنها بنات الفكر تسجل في وقتها. أسأل الله أن أكون موفقاً فيما أقدمه من اقتراحات، كما أسأله أن تجد التجاوب التام من المعنيين بها. ومقترحاتي كالتالي: 1 - أقترح إنشاء بنوك إسلامية في كبريات المدن في البلاد الإسلامية ليتسنى لفئات كثيرة من المسلمين الانتفاع بخدمات هذه البنوك، ولا أخال المهتمين بشئون الاقتصاد في البلاد الإسلامية يعجزون عن ذلك متى تضافرت الجهود وحسنت النيات ووجد التعاون من جماهير المسلمين. 2 - أقترح أن تقوم الحكومات في البلاد الإسلامية بتصحيح أوضاع البنوك الربوية، وذلك بجعل هذه البنوك دوائر حكومية كغيرها من الدوائر التي تؤدي خدمات للناس، ويعطى الموظفون في هذه البنوك رواتب شهرية كغيرهم من الموظفين في مختلف المصالح الحكومية، وتبقى هذه البنوك تؤدي مهمتها كاملة مبتعدة عن الربا بجميع صوره وأشكاله، وما أيسر ذلك إذا وجد الإيمان الصادق والعزائم القوية. 3 - فكرة البنوك الإسلامية لا تزال غامضة لدى عامة المثقفين في البلاد الإسلامية. ولإزالة الغموض عن هذه البنوك ولمزيد شرح فكرتها وبيانها للناس أقترح ما يأتي: (أ) تكثيف النشرات التي ترسم خطوات البنوك الإسلامية وكيفية نشأتها، وتوضح أعمالها المصرفية والاستثمارية. (ب) تكثيف الكتيبات التي تبحث في البنوك الإسلامية وما حققته من إنجازات وما ستقدم عليه من خطوات لتكون المنجزات أمام الناس فيطلعون على الماضي المشرف والمستقبل المرسوم لهذه البنوك. (ج) القيام بمحاولة استقصاء لما كتب حول الاقتصاد الإسلامي وبالذات البنوك الإسلامية لتكون سهلة التناول بيد الباحثين والمهتمين بشئون الاقتصاد الإسلامي، ولقد أحسن الدكتور نجاة الله الصديقي صنيعاً حينما وضع القائمة – الببلوجرافية – لمراجع الاقتصاد الإسلامي. (د) تشجيع الباحثين في المجالات المختلفة التي لها علاقة بالاقتصاد الإسلامي وتقديم كافة التسهيلات لهم ليكون العطاء كثيراً والإنتاج وافراً. (هـ) التعاون مع بعض الجامعات الإسلامية لتفريغ بعض الباحثين المؤهلين للكتابة في القضايا المختلفة التي تتعلق بالبنوك الإسلامية. (و) مجلة البنوك الإسلامية من أنجح الوسائل – في نظري – للتعريف بالبنوك الإسلامية، ولكن مما يؤسف له أن هذه المجلة غير معروفة عند كثير من مثقفي البلاد الإسلامية لقلة انتشارها، والذي أراه محاولة تكثيف انتشارها بمختلف الوسائل الكفيلة بذلك ومن أهمها عرضها للبيع في الأسواق وإيصالها للمؤسسات التعليمية المختلفة لتصل إلى أيدي المثقفين في كل مكان.

(ز) تكثيف الندوات والمحاضرات لشرح فكرة البنوك الإسلامية، وليلتقي عن طريقها العاملون بالبنوك الإسلامية بجماهير الناس ويجيبوا عن أسئلتهم واستفساراتهم. (ح) تكثيف الدورات التدريبية للعاملين في البنوك الإسلامية ليتعرف بعضهم على بعض ويتدارسوا مشاكلهم وقضاياهم في جو تسوده الألفة والمحبة والعلم المشترك لغاية واحدة. (ط) محاولة نشر الميزانية الختامية وتوزيع الأرباح في جميع البنوك الإسلامية بالجرائد والمجلات واسعة الانتشار في مختلف البلاد الإسلامية ليتسنى لعامة المثقفين في هذه البلاد الإطلاع على نتائج أعمال البنوك والحكم عليها من خلال نتائجها، وهذا له أثره الكبير في إقبال الناس على المساهمة في هذه البنوك وتشجيعها لتواصل رسالتها في الحياة. 4 - بعض الناس لا يزال يساوره شك في معاملات البنوك الإسلامية، ولهذا أقترح أن تقوم البنوك الإسلامية كل بمفرده بنشر جميع ما تقوم به من خدمات في مجال العمل المصرفي ومجال الاستثمار بكل صوره وأشكاله، وتذكر الأصول الشرعية لهذا التعامل حسب ما أقرته هيئة الرقابة الشرعية للبنك، وباطلاع المسلم على هذه المعلومات يقطع بسلامة وصحة تعامل هذه البنوك، أو يتضح له غبشها وعدم نزاهتها وبالتالي يحدد موقفه منها. 5 - البنوك الإسلامية القائمة حالياً تجربة رائدة في الاقتصاد الإسلامي الأمثل، ومحاولة مني في تصحيح بعض الأوضاع لها أقترح أن تبتعد ابتعاداً كلياً عن الأمور التالية: (أ) أخذ المصاريف على القروض الحسنة. (ب) تمويل بعض الأفلام لعرضها في التلفاز أو السينما. (ج) اقتطاع جزء من الربح للاحتياطي قبل توزيع الأرباح في العمليات الاستثمارية. (د) أخذ المصاريف قبل قسمة الربح في العمليات الاستثمارية. (هـ) بيع المرابحة للأمر بالشراء واعتبار العقد ملزماً للطرفين. (و) اقتطاع جزء من رأس المال في المضاربة يأخذه المضارب مع أن له حصة مشاعة من الربح. (ز) التصرف في أموال الزكاة بأشكال مستحدثة. (ح) حسم 5% من المنسحبين في مضاربة التكافل التي هي بديل عن التأمين على الحياة. (ط) التوسع في عملية بيع التورق بحيث يقترن بها بعض المحاذير الشرعية. وأخيراً ليكن في علمك أيها المسلم أن العالم الإسلامي من أقصاه يتلهف لعودة المنهج الرباني وهيمنته على مجريات الأمور في كل شئون الحياة ليتفيأ الناس في ظلاله الخير كل الخير في جو تسوده المحبة، والألفة، والتعاون المثمر البناء بين شعوب العالم الإسلامي، وإن الأمة الإسلامية ما أصيبت بها أصيبت به من كوارث ونكبات وأزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية إلا لبعدها عن منهج الله ويوم أن تفيء إليه ستسعد بإذن الله في العاجل والآجل: {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة

الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة ¤عبدالله بن محمد السعيدي£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1420هـ€اقتصاد¶ربا وبنوك ربوية الخاتمة:- الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأصلي وأسلم على عبده النبي الأمي الذي بعثه الله ليحل لنا الطيبات، وبعد: فهذه رسالة في الربا، ومعاملاته المعاصرة، ومؤسساته، ويطيب لي أن أختمها بخلاصة تبين أهم ما توصلت إليه من نتائج، وما ارتأيته من توصيات، ومن ذلك ما يلي: 1 - إن الربا محرم، لا فرق بين قليله وكثيره، ولا ما كان غايته الإنتاج، أو الاستهلاك. 2 - إن ما تقوم عليه البنوك التجارية من عمل، لهو ربا الدين، وهو ربا الجاهلية المحرم بصريح الكتاب. 3 - إن معظم ما تقوم به البنوك التجارية من أعمال سوى عملها الأساس (القرض بالزيادة) إنما غايتها الربا، وإيقاع الناس فيه. 4 - إن الضرورة والحاجة ينبغي تقديرهما تقديرا صحيحا، ولا يجوز ركوبهما بمجرد الإدعاء. 5 - إن التحايل على الربا طريق الوقوع فيه، كما جاء في الحديث: (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه). وإن القول بتعويض الدائن عن تأخير الدين باعتباره عوض ما فاته من منفعة وكذا القول بضمان مال المضاربة، كل ذلك سبيل سلكه المرابون من قبل للاحتيال على الكنيسة التي تحرم عليهم الربا، وقد بين ذلك ثروت أنيس فقال: (وامتد الصراع بين المرابين، والمجتمع بضع قرون، ومر على عدة مراحل .... وراحوا يتحايلون على النصوص التي تحرم الربا: قالوا: إن المدين الذي اقترض لا يلتزم بفوائد ربويه، لكن عليه أن يدفع تعويضا للمقرض عن التأخر في سداد الدين، ليعوض ما لحقه من خسارة بسبب هذا التأخير). وقال: (غير أن أهم وسيلة للتحايل على الربا اتخذت صورة الشركة، كان المرابي يسلم شخصا آخر قرضا ليستغله في التجارة في عملية واحدة، أو عدة عمليات، حتى إذا ما انتهت هذه العمليات استرد المرابي ماله، وحصل كذلك على ثلاثة أرباع الربح، تاركا الربح فقط لمن قام بالعمل. وهكذا تمكن المرابون من أن يوظفوا أموالهم في الربا، ويحصلوا على ثلاثة أرباع الربح دون أيما مجهود. وأفلتت هذه الصورة من قاعدة تحريم الربا بحجة أن الرأسمالي يتعرض لخطر ضياع رأسماله، فالربح الربوي مقابل تحمل المخاطر، وقد تطورت هذه الشركة الربويه حتى صارت شركة التوصية الحالية). 6 - إن البديل للمعاملات المصرفية قد لا يكون بوسع الباحث منفردا اقتراحه، فإن المعاملة لم تعد اليوم محصورة في إطار الفقه فحسب، بل إن ثمة اعتبارات أخرى يلزم مراعاتها عند اقتراح البديل، منها ما يتعلق بالاقتصاد، ومنها ما يتعلق بالنظام العام، ومنها ما يتعلق بيسر وسهولة إجراءات المعاملة لتكون ممكنة التطبيق عمليا، وهكذا. ولهذا فإن الاقتراحات فيما هذا سبيله - ليكون ناضجا - يلزم له فريق عمل من تخصصات شتى. 7 - إن الاعتماد المستندي فيه لعملاء البنك حاجتان: أ - حاجة ممنوعة، وهي التمويل (الإقراض بالزيادة). ب - وحاجة مشروعة، وهي التوثيق. وقد تبين في مبحث الاعتماد المستند أن لا توثيق من خلاله في الحقيقة. أما حاجة التوثيق فيمكن تلبيتها من خلال طرق متعددة منها: أ- أن يتوقف تسليم النقود للمصدر على تسليمه السلعة سليمة، والواسطة في هذا وذاك يكون بمثابة الأمين في مسألة الرهن، سواء كان مصرفا، أو جهة أخرى. ب- أو أن يحتجز جزء من قيمة السلعة، فلا يسلم للمصدر إلا بعد تسليمه السلعة للمستورد سليمة، حتى إذا ظهر فيها عيب، أو نقص أمكن جبرانه من ذلك.

ج- ويمكن من خلال فحص السلعة في بلد المصدر قبل شحنها للتأكد من سلامتها، ومطابقتها شروط العميل (المستورد) ويتم ذلك عن طريق شركات متخصصة، عملها فحص البضائع، لكن مثل هذه الشركات ستحتسب على العميل أجرا لقاء عملها هذا، فإذا أضيف ذلك إلى أجر الشحن، ومبلغ التأمين، وغيره من التكاليف التي يتحملها التاجر، كأجر العمال، وكراء المحل، ونحو ذلك، وكل ذلك يحمله التاجر والمستهلك في النهاية، من خلال احتسابه ضمن ثمن البضاعة، تبين أننا لسنا بحاجة إلى إضافة مزيد تكلفة للتاجر المستهلك وعلى أي حال فالوسائل التي يمكن من خلالها الوصول إلى توثيق حق المصدر، والمستورد يمكن تحقيقها بطرق مختلفة، لكن تبقى مسألة المفاضلة بينها تبعا لاعتبارات متعددة، ومتى كان لدى الناس همة لإيجاد بديل صحيح، فلن يعدموا إليه سبيلا. 8 - إن بطاقة الائتمان لهي خير وسيلة لإعانة البنوك على الربا إذ غايتها الاستحواذ على النقود، بحيث لا تغادر خزائنها، وهذا مبدأ مادي، لا يستقيم على المنهج الإسلامي، ذلك أن البنوك التجارية تقوم على خلق الائتمان، ووسيلتها في ذلك استقطاب الودائع من الناس ما أمكنها إلى ذلك سبيلا، مهما زاد حجمها وعدها، ومن ثم تغرق السوق بها من خلال القراض بالربا، وذلك بخلاف ما تقوم عليه البنوك الإسلامية من منهج. وعلى هذا فإن البديل الإسلامي لبطاقة الائتمان هو أن تكون بطاقة وفاء لا تتضمن قرضا، كما لا ينبغي للبنك الإسلامي أن يتوسع في إصدارها، ويتخذ منها طريقا للكسب، من خلال ما يأخذه من عمولة على التاجر، وعمولة على العميل، ونحو ذلك، فذلك طريق غير مأمون، ولما يترتب على التعامل بها من آثار لا تتفق وما عليه البنك الإسلامي. 9 - إن العالم الإسلامي اليوم بات يحتذي المناهج الوضعية غالبا فيما سبيله المال وجمعه، ويستخدم وسائلها، ومن ذلك شركة المساهمة، فإن الملاحظ على سوق الأسهم التذبذب، والاضطراب، وتأثره بالدعاية حيث يمكن أن ترتفع أسهم شركة دون مسوغ من زيادة في الإنتاج، أو الممتلكات، وتهبط أخرى دون مسوغ كذلك. ومرد هذا وذاك الدعاية الكاذبة، وتحكم الرأسماليين المسيطرين على سوق الأسهم. وهي على هذا النحو تكون أداة للاستغلال ينتهزها الاستغلاليون كما كان الشأن في بداية عهدها، وفي هذا يقول ثروت أنيس: (تطورت شركة المساهمة بعد عصرها الاستعماري إلى أن غدت أداة بيد حفنة من الرأسماليين، لاستغلال جماهير صغار المدخرين، الذين يشترون الأسهم. وقد مكن من ذلك بعد المساهمين عن مقر الشركة، وعدم حضورهم الجمعيات العمومية، لانشغالهم بأعمال حياتهم اليومية، ولما كانت قرارات الجمعية العمومية العادية تصدر بأغلبية الحاضرين، وصغار المدخرين لا يحضرون، فمعنى ذلك أن قرارات الجمعية العمومية تصدر دون أن يشترك فيها جمهور المدخرين، ويكفي أن يوجد مساهم كبير يمتلك مثلا خمس أو ربع أموال الشركة، حتى يسيطر تماما عليها، ويصبح هو أغلبية الحاضرين في الجمعية العمومية، أي الأغلبية التي تعين مجلس الإدارة، وتعين هيئة المراقبة، وتصدق على أعمال مجلس الإدارة وبالاختصار تهيمن على الشركة. غير أن الخطر أبلغ من مجرد السيطرة على شركة واحدة: إن الرأسمالي يمكنه إن يبدأ مشروعاته الاستغلالية بمليون جنيه مثلا ن فينشأ شركة مساهمة راس مالها أربعة ملايين جنيه، ويكتفي بالاكتئاب في ربع أسهمها، حتى يضمن أغلبية الحاضرين في الجمعية العمومية.

ثم عن طريق هيمنته على هذه الشركة يوظف أموالها في شراء اسهم شركات أخرى، فينشأ أربع شركات جديدة رأسمال كل منها أربعة ملايين جنيه، ويكتتب بأموال الشركة الأولى في 25% من أسهم كل شركة من الشركات الأربع الجديدة، فيسيطر عليها كلها، ويصبح بالتالي مهيمنا على 16 مليون جنيه بالرغم من أن رأس ماله هو مليون واحد. فإذا لعب نفس اللعبة مرة أخرى بأموال الشركات الأربع الجديدة وساهم في إنشاء 16 شركة رأسمال كل منها ملايين جنيه، واشترك هو بالربع في كل شركة من هذه الشركات، فإنه يتمكن من السيطرة على 64 مليون جنيه. وإذا أعاد الكرة سيطر على 256مليون جنيه، ثم على 1024 مليون جنيه. وهكذا يظل الرأسمالي عن طريق شركة المساهمة يمد أذرعه كالأخطبوط ليمتص دماء الناس، كل جنيه واحد يدفعه يتحكم به في ألف جنيه من أموال الشعب). ويقول أيضا: (كما استخدم المقامرون شركات المساهمة في عملية المضاربة بالأسهم، وتحصيل المبالغ الطائله من فروق الأسعار. ويضرب المثل في هذا الصدد بالمليونير (جاي جولد) عاث فسادا في بورصة نيويورك حتى تعرض أكثر من مرة بالرغم من حراسة المسلحين للاعتداء عليه بالضرب من الحانقين على طرقه غير المشروعة. كان مبدؤه اللعب بمال الغير عن طريق الربح من خلال الهدم. 10 - إشترى صحيفة (ورلد) (العالم) في مدينة نيويورك، وسخرها لحسابه كان إذا طمع في أموال شركة معينة، يسلط عليها حملة صحفية بقصد الإساءة إلى سمعتها، فيتهمها بضعف المركز المالي، بأنها على وشك الإفلاس والانهيار، أو النيابة سوف تشرع في تصفيتها، أو أن الحكومة ستسحب ترخيصها. حتى إذا ساد الذعر بين حملة الأسهم وتسابقوا إلى التخلص منها بأي ثمن، اشترى هو بأتفه الأسعار قدرا من الأسهم يكفي لسيطرته على الشركة. ثم يقوم بعد فترة بحملة صحفية ثانية لتزكية سمعة الشركة ومركزها المالي، ويوزع أرباحا صورية يقتطعها من رأس المال. حتى إذا ما استعاد الجمهور ثقته وأقبل على شراء الأسهم من جديد بادر جولد ببيع أسهمه، بعد أن يكون قد حلب أموال الشركة، وترك خزائنها خاوية. فعل ذلك في شركة (يونيون باسيفيك) 1879م فخربت الشركة، وربح هو عشرة ملايين دولار. كما ربح عشرة ملايين أخرى عن طريق إجبار مجلس الإدارة على شراء اسهم شركتي (دنفر) و (باسيفيك) اللتين اشتراهما من قبل بلا شيء. إن (جاي جولد) أحد أولئك (البارونات اللصوص) الذين سيطروا على اقتصاديات أمريكا في أواخر القرن الماضي، ممتطين صهوة تلك المهرة الطيعة - شركة المساهمة -). ولست بحاجة إلى بيان علاقة الشركات المساهمة بالاستعمار فالحديث فيه يطول. 10 - إن المسلم ينبغي له أن يحرص على استطابة مطعمه، فإن المال الحرام تبعته عظيمة، فبسببه ينبت الجسد على سحت، ويمتنع قبول الدعاء. وإن التخلص منه في الآخرة ليس بالأمر اليسير، لما جبلت عليه النفوس من حب المال والميل إليه. 11 - إن الهوى والشهوة ليسا مسوغا للاختيار بين الأقوال فيما اختلف فيه، ومتى اشتهر ذلك بين الناس، أمكن حملهم على ما يصلحهم، تبعا للسياسة الشرعية. 12 - إن التميز، والتحرر من التقليد، والتبعية، أمر مطلوب للبنوك الإسلامية، لتصل إلى هدفها، وذلك معلوم من مقاصد الشارع الحكيم، فإن الشارع الحكيم قد قصد إلى تمييز الخبيث من الطيب، فنهى عن مشاكلة الكفار في هديهم في شعائر العبادة: كالصلاة والحج، وهيئتهم: كاللباس ونحوه، وعادتهم: كالسلام ونحوه، وغير ذلك، وشرع لهم ما يتميزون به مما ليس مجال تفصيله هاهنا. 13 - إن الإلمام بمقاصد الشارع الحكيم، وأصول الفقه، وقواعده والاستهداء بها، وابتناء الأحكام عليها، لهو أمر لا تستقيم الدراسات الشرعية دونه، خاصة فيما سبيله الفقه منه.

وإن من استهداء البنوك الإسلامية، ومنظريها، بمقاصد الشارع الحكيم عدم التساهل في الربا، فإن الشارع الحكيم لما قصد إلى حرب الربا، قصد إلى تضييق مسالكه، وسد ذرائعه. وخير سبيل لمن كانت غايته حرب الربا لهي سبيل الشارع الحكيم هذه. 14 - إن البنك الإسلامي ليصل إلى غايته يلزم له رقابة شرعية تقية، ورعة فيما موضوعه الربا خاصة، فذلك مقتضى هدف البنك الإسلامي، وغايته التي أعلنها، فإنه لا معنى لقيامه، ولا لما أعلنه من مبادئ إن هو في الآخرة وقع في الربا وشبهته بدعوى الاجتهاد. فليس ذلك غاية البنك الإسلامي التي قام لأجلها، كما أن الوصول إلى القول بإباحة كثير من مسائل الربا بدعوى الاجتهاد ممكن، دون حاجة لقيام البنك الإسلامي. 15 - إن النظام المصرفي المعقد، ينجم منه إشكالات توقع في كثير من المحاذير، وإن مما يجنب الناس هذه المحاذير استثمارهم أموالهم بطرقهم الخاصة، جماعات كانوا على هيئة شركاء أو فرادي. فينبغي توجيه الناس لهذا، ففيه إسهام في الجانب الإيجابي، من خلال توجيه الأموال لأوجه من النشاط والتنمية ليست في مقدور المصارف - وإن كانت إسلامية - توجيهها إليها، وإسهامها فيها. وفيه حجب للمال عن الجانب السلبي، وهو الإيداع لدى البنوك وما يترتب عليه من آثار. 16 - وختاما أوصي بالمعروف فإن من سمات المعاملة في الإسلام، وهو ظاهر فيما ندب إليه الشارع الحكيم من القرض الحسن، والعارية، والمنيحة، فينبغي التواصي به على مستوى الأفراد والمؤسسات ليترفع الناس عن الحرص على الاعتياض حتى فيما من شأنه أن يوقع في الربا أو شبهته. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه

المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق

المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق ¤عبدالرزاق رحيم الهيتي£بدون¥دار أسامة - عمان¨الأولى¢1998م€اقتصاد¶بنوك إسلامية ومعاملات مصرفية منظمة الخاتمة في نهاية البحث: أحمد الله الذي وفقني وأمدني بالعون والقوة والتيسير، حتى ظهر البحث بهذه الصورة، فله الحمد على ما امتن به عليّ في ذلك كله حتى وصلت إلى الغاية التي سعيت لها، وحاولت تحقيقها، من وراء هذا البحث، وقد انتهيت فيه إلى النتائج الآتية، والتي سأعقبها بذكر بعض التوصيات: أولا: النتائج 1 - توصلت في هذا البحث إلى: أن الأعمال المصرفية، ما هي إلا وسائل يقصد من ورائها سد الحاجات، والوفاء بمتطلبات الجانب الاقتصادي في هذه الحياة، وأن بعض هذه الأعمال كان معروفا قبل نشأة المصارف الحديثة، وأن الحضارة الإسلامية – ومنذ عصورها الأولى – قد عرفت بعض هذه الأعمال. 2 - وانتهيت من الباب الأول: إلى أن الربا بجميع أنواعه، سواء كان ربا ديون، أو ربا بيوع، وسواء كان لقرض استهلاكي أو إنتاجي، وسوءا كان بين الأفراد بعضهم مع بعض، أو بينهم وبين الدولة، أو بين الدول بعضها مع بعض، وسواء كان مضاعفا أو غير مضاعف، فذلك كله حرام قطعا لا فرق بين قليله وكثيره في الحرمة وليس من مصلحة الناس محاولة الدعوة إلى إباحته، وأيدت ذلك بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وآراء الفقهاء والمفسرين، كما بينت علة التحريم. 3 - أن المصارف الإسلامية أصبحت حقيقة واقعة في عالم المال والاقتصاد، ولم تعد مجرد أمنية أو حلما يداعب خيال المفكرين والباحثين في مجال الاقتصاد الإسلامي. وقد تمثل رسوخ هذه التجربة ابتداء في الانتشار السريع في مختلف أرجاء المعمورة، حيث أصبح عددها حتى بداية هذا العام 1993م يفوق على تسعين مصرفا ومؤسسة مالية تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية كما تمثل رسوخ هذه التجربة من ناحية أخرى في تطور حجم الأعمال والأنشطة المصرفية الاستثمارية التي تمارسها، وتحقيق معدلات مناسبة من الأرباح للمستثمرين والمساهمين على حد سواء. 4 - من العوامل الأساسية والهامة التي ساعدت على إنشاء وانتشار هذه المصارف والمؤسسات المالية على نحو ملفت للأنظار، تمسك شريحة كبيرة جدا من أبناء هذه الأمة بأحكام دينها ورفضها التعامل بكل ما من شأنه أن يؤدي إلى الربا أو إلى شبهته في المعاملات المصرفية المعاصرة، الأمر الذي جعل هذا الجمهور من أبناء الأمة يندفع نحو هذه التجربة الإسلامية الفتية، ويلتف حولها، ويتفاعل معها. 5 - إن المصارف الإسلامية على نوعين: أ -مصارف إسلامية تعمل في بلدان تنص قوانينها على حرمة التعامل بالربا كالسودان وباكستان، والأمل قائم ومعقود في أن يعم ذلك جميع البلدان الإسلامية. ب -مصارف إسلامية تعمل في بلدان لا تلتزم أنظمتها المالية بعدم التعامل بالربا، وهذا هو حال معظم المصارف الإسلامية المعاصرة. فمعظم المصارف الإسلامية القائمة إذن هي تجربة إسلامية في بيئة لا يتحاشى نظامها المالي التعامل بالربا، مما تسبب في تعدد أشكال هذه المصارف وتنوعه، وذلك نظرا لحداثة هذه التجربة، وعدم وجود نموذج فكري متكامل معد ومنظر على نحو يغنيها عن التأثر بالأشكال المصرفية القائمة، كما تسبب غرابة البيئة التي تعمل فيها هذه المصارف، في تأثرها في طبيعة النشاط الاقتصادي السائد في البلد الذي تقوم فيه. 6 - للمصارف الإسلامية أهداف سامية ونبيلة تسعى لتحقيقها، ويمكن إجمال هذه الأهداف بما يأتي:

أ – الابتعاد عن كل أشكال التعامل الربوي، أو ما يؤدي إليه، والالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية في مجال المعاملات المصرفية، ويعتبر هذا الهدف من الأهداف الأساسية التي قامت من أجلها هذه المصارف والمؤسسات، ويمكن القول: بأن تحقيق هذا الهدف، يعتبر من أهم منجزات المصارف الإسلامية، فقد استطاعت، بفضل الله تعالى أن تقوم بالكثير من الأنشطة والأعمال المصرفية بأسلوب شرعي بعيد عن كل أشكال الربا. ب – المساهمة في الخطط التنموية للمجتمعات الإسلامية: عنيت المصارف الإسلامية بالقيام بهذا الدور باعتباره أمرا أساسيا يجب عليها الاهتمام به، وعدم إغفاله، ذلك لأنها تعتبر نفسها جزءا من المجتمعات التي تعيش فيها، وأن الواجب يدعوها إلى المساهمة في تنميتها ودفع عجلة التقدم فيها، لذلك كله، قامت هذه المصارف بالمساهمة في الاستثمار التجاري، والزراعي، والصناعي، حسب ما تقتضيه مصلحة المصرف والمجتمع الذي يقوم فيه، ووفقا لمقدار الربح الذي تحققه لها تلك المشاريع. جـ - المساهمة في توفير الخدمات الاجتماعية باعتبار أن دور هذه المصارف لا ينحصر في الجانب المادي فقط، بل هي معنية بتحقيق جوانب اجتماعية، حيث أنها قمت بتقديم خدمات عديدة لم تكن معروفة في القطاع المصرفي، ومن أبرزها: المساهمة في جمع الزكاة والصدقات، وتوزيعها على مستحقيها من أفراد وجماعات، كما تقوم أيضا بتقديم القروض الحسنة (وبدون فوائد) للمحتاجين وإضافة لذلك قامت هذه المصارف – وفي المجال الثقافي – بنشر الفكر الإسلامي في مجال فقه المعاملات، ونشر الفتاوى الشرعية المتعلقة بالأعمال والأنشطة الخاصة بها، وعقد الندوات والمؤتمرات لبحث ما تقوم به هذه المصارف من أنشطة وأعمال وأساليب عمل، وبيان الحكم الشرعي في ذلك. 7 - وتوصلت كذلك إلى أن هذه المصارف تسعى إلى عرض العمليات المصرفية التي تقوم بها على الأصول والقواعد الشرعية، ومن ثم ترفض منها ما يؤدي الاجتهاد إلى أنها مخالفة لتلك الأصول والقواعد وتقر ما كان متفقا مع تلك الأصول والقواعد، وحسب الاجتهاد أيضا. وعلى هذا الأساس، فإنه يمكننا القول: بأن ما تقوم به هذه المصارف من أنشطة وأعمال، سواء ما كان متعلقا منها بالخدمات المصرفية، أو الاجتماعية، أو التسهيلات المصرفية، أو متعلقا بالجانب الاستثماري، كالمضاربة، والمشاركة، والمرابحة، والسلم، وما شابه ذلك من العقود، كلها معروضة سلفا على أحكام الشريعة، وما نجد من خلاف بينها أحيانا مرده إلى أن بعض القضايا تعد من الأمور الاجتهادية التي تختلف فيها آراء الباحثين، وقد يترجح لدى المستشارين الشرعيين لمصرف ما حكم ما، ويترجح لدى مستشارين آخرين لمصرف آخر حكم آخر يعارضه، ومن هنا يأتي الاختلاف. 8 - كما توصلت من خلال دراستي الميدانية لثلاثة نماذج من هذه المصارف، فوجدتها تعاني من بعض المشاكل والصعوبات التي تسهم في الحد من نشاطها في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، ومن أبرز هذه المشاكل: أ – عدم كفاية مستوى الرقابة الشرعية، وذلك لاقتصار أعضاء هيئة الرقابة في هذه المصارف على الفقهاء الشرعيين فقط، وعدم إشراك متخصصين في مجال الأعمال المصرفية، في عضوية هذه الهيئة، مما يؤدي إلى عدم الدقة في بعض الأحكام الشرعية الصادرة بحق بعض العمليات المصرفية، نتيجة لأن الهيئة الشرعية ليس لديها الاطلاع الكافي على حقيقة هذه العمليات وطبيعتها. ب – عدم توفر عاملين مؤهلين ومدربين تدريبا مصرفيا، يؤهلهم للعمل في المصارف الإسلامية لنقص معرفتهم بالأحكام الشرعية التي تحكم الأعمال التي يقومون بها.

جـ - عدم وجود سوق مالي إسلامي يمكن هذه المصارف من استثمار فائض أموالها فيه بمشاريع تحقق لها الأرباح، وتضمن عدم استمرارية استثماراتها لفترات طويلة الأجل. د – هناك مشاكل تعاني منها هذه المصارف مصدرها طبيعة الأنظمة المصرفية في البلدان التي تعمل فيها هذه المصارف كعدم اعتراف الجهات المختصة بغير صورة الشركات للمصارف الإسلامية، وفرض ضرائب على الحسابات الاستثمارية في هذه المصارف، بينما تعفى الفوائد المدفوعة من قبل المصارف الربوية من مثل هذه الضرائب. إضافة إلى ذلك هناك مشكلة أساسية تعاني منها هذه المصارف تتعلق بالجانب الاستثماري فيها وهو محدودية الفرص الاستثمارية والانتاجية وشحتها في البلدان الإسلامية، مما يدفعها إلى القيام باستثمار معظم أموالها في سوق السلع الدولي، خارج البلدان الإسلامية. هـ - وبالإضافة لكل ما سبق فإن من أهم ما تعاني منه هذه المصارف في الميدان العملي هو: عدم وضوح العلاقة القائمة بينها وبين المصارف المركزية في البلدان القائمة فيها، مما يسبب لها مشاكل وصعوبات وهي تمارس بعض أنشطتها وخصوصا الاستثمارية منها، كالمرابحة، والمضاربة، وما شابه ذلك. ثانيا: التوصيات أولا: إن فكرة المصارف الإسلامية لا تزال غامضة لدى معظم الناس في البلدان الإسلامية، وبعض الناس ما زال الشك يساوره في مشروعية أعمال هذه المصارف، ومن أجل إزالة هذا الغموض الذي يكتنفها، اقترح ما يأتي: 1 - تكثيف النشرات التي يتعرف الناس من خلالها على طبيعة عمل هذه المصارف، وأهدافها، والوسائل التي تتبعها، وبيان الأعمال المصرفية والاستثمارية التي تمارسها، والأسس الشرعية التي تستند عليها في كل خطوة من هذه الخطوات. 2 - تشجيع الباحثين في المجالات المختلفة التي لها علاقة بالاقتصاد الإسلامي، وتقديم جميع التسهيلات لهم، لكي يكون العطاء وافرا، والإنتاج كثيرا. 3 - التعاون مع بعض الجامعات الإسلامية، لتفريغ بعض الباحثين المخلصين للكتابة في القضايا المختلفة التي تتعلق بهذه المصارف. 4 - تكثيف الندوات والمحاضرات لشرح فكرة هذه المصارف، وليتمكن من خلالها العاملون في هذه المصارف من اللقاء بجماهير الناس والإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم وجها لوجه. 5 - محاولة نشر الميزانيات والتقارير السنوية لهذه المصارف، بالصحف والمجلات الواسعة الانتشار في مختلف البلاد الإسلامية، ليتسنى لعامة الناس في هذه البلاد الاطلاع على نتائج أعمال هذه المصارف، والحكم عليها من خلال هذه النتائج، مما يساعد على إقبال الناس، نحوها وتشجيعها لمواصلة رسالتها. ثانيا: من أجل ضمان قيام هذه المصارف بأداء المهام الملقاة على عاتقها على أحسن وجه، لابد لها من حسن اختيار العاملين فيها، بحيث تتوفر فيهم الكفاءة والخبرة بالأعمال المصرفية والاستثمارية الحديثة، والفهم الصحيح لطبيعة هذه الأعمال من الناحية الشرعية، وهذا – بدون شك – يستوجب منهم معرفة مناسبة بالشريعة الإسلامية، لاسيما فقه المعاملات. ونظرا لصعوبة توفر كلا الجانبين في آن واحد، أقترح أن تقوم هذه المصارف بفتح دورات مكثفة للعاملين فيها، ويتم فيها التركيز على الأحكام الفقهية التي تخص أعمالهم، إضافة إلى الجوانب المصرفية. ثالثا: إن التعاون الوثيق المبني على الإدراك الواعي بين هذه المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية هو الضمان الأساسي لنجاحها، فبدون هذا التعاون سيبقى أثر هذه التجربة محدودا وغير واضح، لاسيما ونحن نعيش في مرحلة تستدعي منا جميعا وحدة الموقف والعمل ويمكن لهذه المصارف إبراز هذا التعاون من خلال القنوات الآتية:

1 - إنشاء مصرف إسلامي عالمي، يتولى مهمة جمع فوائض الأموال في هذه المصارف واستثمارها في مشاريع مشتركة ومجدية، يعود نفعها إلى هذه المصارف من خلال ما تحققه من ربح، وإلى المجتمعات الإسلامية عموما وذلك بدلا من أن تستخدم أموال بعض هذه المصارف في الأسواق المالية العالمية، كما يمكن لهذا المصرف أيضا: توثيق التعاون بين جميع المصارف الإسلامية من خلال قيامه بتأسيس شركات استثمارية كبرى تسهم جميعها فيها وإضافة لما سبق فإنه يمكن لهذا المصرف تنسيق الجهود وتكثيفها في مجال البحوث والدراسات الإسلامية المتعلقة بالجوانب العملية والفقهية من أعمال هذه المصارف، بدلا من قيام كل مصرف منها بذلك كله على حدة، مما يؤدي إلى تكرار الجهد وضياع الفائدة. 2 - إنشاء سوق مالي إسلامي مشترك، يمكن لهذه المصارف من خلاله تداول الأوراق المالية الإسلامية في حال إصدارها، لكي تكون لهذه المصارف شخصيتها المستقلة، وتبتعد قدر الإمكان عن التعامل مع المصارف والمؤسسات المالية التقليدية. رابعا: توضيح حدود وأطر العلاقة بين المصارف الإسلامية والمصارف المركزية. ذلك لأن العلاقة الواضحة بين هذه المصارف والمصارف المركزية يساعد الأولى منهما على القيام بأعمالها على أفضل وجه، ويمكنها من ممارسة أنشطتها بحرية وبدون معوقات ويمكن تحديد هذه العلاقة على النحو الآتي: 1 - قيام المصارف المركزية – بعد دراستها لخصوصيات ومميزات المصارف الإسلامية والطرق الاستثمارية الخاصة بها – بمنح هذه المصارف صلاحيات أوسع تمكنها من استخدام العمليات الاستثمارية الخاصة بها، كالمضاربة والمرابحة، والمشاركة، الخ، وذلك نظرا لما تحتاج إليه هذه المصارف – في تنفيذها لهذه الأنشطة الاستثمارية – من الأشكال والصيغ التوفيقية المستمدة من الشريعة الإسلامية. 2 - قيام المصارف المركزية بتقديم الأموال إلى بعض المصارف الإسلامية التي تعاني من نقص في السيولة، على أساس أنها أموال مستثمرة لدى هذه المصارف، وفقا لمبدأ الخسارة والربح الذي تعتمده المصارف الإسلامية في أنشطتها. 3 - رفع الحد الأدنى لرأس مال هذه المصارف على نحو يفوق الحدود المقررة للمصارف التجارية، نظرا للمخاطر التي تتعرض لها أموال العملاء لدى المصارف الإسلامية والذي يعتبر رأس المال فيها هو العامل الرئيسي في تقليل تلك المخاطر. خامسا: تنص جميع أنظمة المصارف الإسلامية على ضرورة وجود رقابة شرعية تتولى مهمة متابعة ومراقبة سير المعاملات في هذه المصارف وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وحيث أن بعض هذه المصارف تقتصر في تحقيق ما سبق على مستشار شرعي واحد، لذا فإني أرى أن الأولى هو أن يكون لكل مصرف من هذه المصارف هيئة رقابة شرعية بدلا من الاقتصار على مستشار شرعي واحد، وذلك تحاشيا من الوقوع في الخطأ ذلك لأن الفرد يكون أكثر عرضة للوقوع في الخطأ من الجماعة. وحبذا لو ضمت هذه الهيئة في عضويتها إضافة إلى فقهاء الشريعة أحد رجال القانون، وأحد المتخصصين في الأعمال المصرفية، لكي تكون الصورة واضحة أمام هؤلاء الفقهاء وهم يصدرون الحكم الشرعي في تلك الأنشطة والأعمال، من الناحيتين الاقتصادية والقانونية على حد سواء. سادسا: أما ما يتعلق بتوزيع الأرباح لدى هذه المصارف، فأرى أن من الأولى أن يكون وفق ما يأتي: 1 - ضرورة النص على حصة كل من المصرف وأصحاب الحسابات الاستثمارية من الأرباح في بداية كل سنة مالية، تمشيا مع عقد المضاربة الذي يجب أن يتضمن النص على معلومية نسبة الربح لكل من العامل ورب المال قبل البدء بتنفيذ العقد.

2 - عدم اقتطاع أي جزء من مخصص مخاطر الاستثمار إلا بعد تقسيم الأرباح، وبيان حصة كل من المستثمرين والمساهمين، ومن ثم اقتطاعها من حصص المساهمين فقط، باعتبارها حقا خالصا لهم. 3 - عدم تحميل الحسابات الاستثمارية أية مصاريف إدارية أو أية مصاريف أخرى، والاكتفاء بالنسبة المخصصة للمصرف من الربح في تلك الأنشطة الاستثمارية. سابعا: وهناك أمران هامان أود التنبيه عليهما: 1 - أما الأمر الأول: فهو أن لهذه المصارف أعداء حريصين على تشويه سمعتها والإساءة لها، وقد يلجأ هؤلاء الأعداء إلى تحقيق أهدافهم الخبيثة عن طريق الزج لعملائهم للعمل لدى هذه المصارف، ومن ثم الإساءة إليها من خلال عملهم فيها. لذا: فإن الواجب يحتم الحذر من مثل هؤلاء المندسين، وضرورة مراقبتهم حتى لا تتاح لهم الفرصة في تحقيق ما يصبون إليه. 2 - أما الأمر الثاني: فهو ضرورة تشدد هذه المصارف في الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية في كل أعمالها ونشاطاتها وسلوكها. ونظراً لأن طبيعة العمل تقتضي استخدام كلا الجنسين، فإني أرى من الضروري أن تنص أنظمة هذه المصارف على قواعد في السلوك تضمن عدم خروج العاملين عن حدود الشرع، ومن ذلك التزام العاملات لديها بالحجاب الإسلامي، لكي تكون هذه المصارف نموذجا للمؤسسات الإسلامية الملتزمة بأحكام الشرع في أنشطتها وسلوك عامليها. أخيرا: فإن هذا الجهد الذي أرجو الله أن يسجله في صحيفة عملي هو جزء بسيط مما يجب عليّ أن أقدمه خدمة لديني وأمتي، وإني شديد الطمع في رحمة الله التي وسعت كل شيء، أن يكون هذا العمل من الأعمال المقبولة التي لا ينقطع الثواب عنها. وإن مما أسعدني وملأ نفسي سعادة وغبطة أن تأتي دراستي هذه مواكبة لدخول هذه التجربة الإسلامية إلى بلدنا في مستهل هذا العام 1993م. وكلي أمل في أن تجد المؤسسات المصرفية الإسلامية في هذه الدراسة شيئا تنتفع به في إثراء تجربتها، أو تصحيح ما يحتاج إلى تصحيح في مسيرتها. كما أرجو أن تكون وسيلة من وسائل الكشف والإيضاح لحقيقة ما تقوم به هذه المصارف من أنشطة وأعمال، كي تكون صورتها وضاءة واضحة أمام الجميع لا لبس فيها ولا غموض. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بورصة الأوراق المالية والضرائب

بورصة الأوراق المالية والضرائب ¤عبدالرزاق عفيفي£بدون¥دار الصميعي - الرياض¨الأولى¢1422هـ€اقتصاد¶نقود وعملات وأوراق تجارية الخلاصة: مما تقدم يتبين ما يلي: أولا: أصل معنى كلمة بورصة كيس نقود، ثم استعملت في المكان الذي يجتمع فيه تجار مدينة وصيارفتها وسماسرتها تحت رعاية حكومة في ساعات محدودة للمضاربة في السلع التجارية والأسواق الآجلة للعملات الأجنبية وفي أسواق الأوراق المالية (الأسهم والسندات) نشأت في رومانيا، ثم كانت في فرنسا في منتصف القرن السادس الميلادي تقريبا، ثم انتشرت في الدول وتطورت حتى انتهت إلى ما هي عليه اليوم وبهذا يعلم أن أنواعها: أـ مضاربة في السلع التجارية. ب ـ مضاربة في العملات الأجنبية. ج ـ مضاربة في الأوراق المالية (الأسهم والسندات) ثانيا: أن تقلب الأسعار في هذه الأسواق ارتفاعا وانخفاضا مفاجئا وغير مفاجئ بحدة وغير حدة لا يخضع لمجرد اختلاف حالات العرض والطلب، بل يخضع لعوامل أخرى مفتعلة، فإن السياسة النقدية أو المالية للحكومات ذات العملة الرئيسية: الدولارات الإستراليني؛ التي تفرضها هذه الحكومات من خلال بنوكها المركزية ومؤسساتها النقدية تؤثر كثيرا على تقلب أسعار العملات بين الدول وعلى اقتصادها أضف إلى ذلك قوة السياسة المالية الحكومية وبنوكها على إنشاء نقد واتخاذ عوامل تؤدي إلى تضخم أو انكماش نقد ما ويسري ذلك إلى عملات أخرى من خلال التبادل الدولي الكبير للسلع والخدمات، يوضح ذلك ما جاء في (ص 170، 175، 178، 191، 198، 203، 208، 243، 244،) من البحث وبذلك يعلم ما في أنواع البورصة من غرر فاحش ومخاطرة بالغة وأضرار فادحة قد تنتهي بمن يخوض غمارها من التجار العاديين ومن في حكمهم إلى الإفلاس، وهذا ما لا تقره شريعة ولا ترضاه؛ فإنها شريعة العدل والرحمة والإحسان. ثالثا: أن كثيرا مما ذكر في البورصة من المضاربات في السلع والأوراق المالية فيه بيع كالئ بكالئ دين بدين وصرف آخر فيه أحد العوضين وكلاهما ممنوع بالنص والإجماع كما تبين في (175، 177، 178، 186، 191، 195، 200، 224، 226، 239، 245،) وغيرها من البحث رابعا: إن كثيرا مما ذكر في البورصة من المضاربات في السلع بيع للشيء قبل قبضه وهو منهي عنه؛ كما تبين في (205، 212، 214، 226،) وغيرها من البحث. خامسا: إن هذه الأسواق متوفرة في الدول الغربية؛ فالاستثمار فيها يترتب عليه نقل الثروة من البلاد الأخرى التي يسكنها المستثمر إلى الدول الغربية التي تقع فيها تلك الأسواق مع أن بلاد المستثمر في أشد الحاجة إليها وقد تكون النتيجة نقل مدخرات المسلمين واستثمارها في بلاد غير إسلامية، وفي هذا من الضرر والخطر ما فيه، يتبين هذا من (ص 196) من البحث فعلى ولاة أمور المسلمين حماية شعوبهم من المغامرة في هذه الأسواق حفاظا على دينهم وحماية لثرواتهم والله الموفق.

سوق المال

سوق المال ¤عبدالله بن محمد بن حمد الرزين£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - عمادة البحث العلمي¨الأولى¢1427هـ€اقتصاد¶أسواق مالية وتجارية الخاتمة فبعد توفيق الله سبحانه وتعالى انتهيت من هذه الدراسة التي تضمنت تعريفا لبعض المفاهيم في أسواق المال ثم دراسة عن سوق الأوراق المالية في اقتصاديات السوق، ثم دراسة لسوق الأوراق المالية في ظل الاقتصاد الإسلامي. وفي هذه الخاتمة نلخص أهم ما كشفت عنه هذه الدراسة من نتائج وتوصيات فيما يلي: 1 ـ النتائج: أولا: تميز النظام الاقتصادي في الإسلام بقواعد للسلوك وضوابط للتعامل تؤكد استقلالية منهجه وسمو نظامه. ثانيا: بعد استعراضنا لأنواع الأدوات المالية المتداولة في السوق وعرضها على قواعد الشريعة الإسلامية تبين لنا ما يلي: أـ بالنسبة لأنواع الأسهم من حيث الحقوق بالاستدلال بآراء العلماء المسلمين في حكم إنشاء الأسهم وتداولها تبين لنا جواز إنشاء الأسهم بشرط النظر إلى مضمون الشركة ونوع السهم أما أسهم الامتياز فلا يجوز التعامل بها إلا ما كان الامتياز فيه لتقديم المساهمين القدامى. ب ـ بالنسبة لأنواع الأسهم من حيث الاستهلاك وعدمه: تبين لنا أنه إذا أعطى المساهم القيمة الحقيقة لأسهمه فإنه لا يبقى له حق في الشركة فهو على سبيل التنازل عن الأعيان أما حالة الاستهلاك التي تجوز فهي: استهلاك نسبة معينة من جميع الأسهم حتى تنتهي الشركة بالتصفية أو الإعدام. ج ـ بالنسبة لأنواع الأسهم من حيث ملكيتها. تبين لنا أن ما يسمى بالأسهم الاسمية والأسهم لأمر، لا يوجد ما يمنع شرعا من إصدارهما، وأما ما يسمى بالأسهم لحاملها فلا يجوز إصدارها شرعا لجهالة مالكها. د ـ بالنسبة لتداول الأسهم اتضح لنا ما يلي: - جواز انتقال حصة الشريك إلى آخر إذا اتفق الشركاء على الاستمرار مع الشريك الجديد. - بالنظر إلى مسألة أن المشتري لا يعلم كمية السهم المشتري ناضاً، تبين لنا أن ذلك مباح شرعا ولا شبهة فيه لكونه من باب المخرجة والأصل في العقود الإباحة إلا ما دل الشرع على تحريمه. ـ تداول الأسهم قبل مباشرة الشركة لنشاطها لا يجوز إلا بشرط الحلول والتساوي. - بعد مباشرة الشركة لنشاطها لا تخلو الحال من أن يكون رأس المال كله أو أغلبه أعيانا فيجوز تداولها أو أن يكون رأس المال ديونا فتطبق عليه أحكام التعامل بالديون. 2 ـ بالنسبة للسندات: بعد استعراضنا لآراء العلماء في الحكم على السندات التي هي قروض مقابل فوائد معلومة ومحددة اتضح لنا عدم جواز التعامل بالسندات لتضمنها الربا. وعليه فلا يجوز إصدارها أو تداولها في سوق إسلامية للأوراق المالية. 3 ـ بالنسبة لحصص التأسيس: لا يجوز شرعا إدراج حصص التأسيس ضمن الأوراق المالية التي يباح تداولها في سوق إسلامية. ثالثا: بعد دراستنا لأشكال العمليات التي يجري التعامل بها في الأسواق المالية وعرضها على قواعد الفقه الإسلامي تبين لنا ما يلي: أـ إن البيع الفوري بيع جائز لا يتعارض مع قواعد الفقه الإسلامي. ب ـ التعامل بالهامش بيع متضمن للربا لا يجوز التعامل به. ج ـ البيع القصير لا يجوز التعامل به لتضمنه المقامرة والتضليل للمشتري ولتعارضه مع عدد من القواعد الشرعية المعتبرة. د ـ التعامل بالامتياز: ظهر لنا جواز التعامل به في سوق الأوراق المالية بشرط ملكية البائع للأوراق المالية محل الصفقة. رابعا: بعد اطلاعنا الضوابط الشرعية ظهر لنا ما يلي: أـ عدم جواز المضاربة في سوق الأوراق المالية في ظل الاقتصاد الإسلامي. منع الربا وكذا تنظيم البيع الآجل – باعتبارهما من أهم مقومات المضاربة – وسوف يقلل ذلك من فرصة المضاربين على الأسعار.

ج ـ إن إشهار المعلومات والإفصاح المالي عن المؤسسات المتعاملة في سوق الأوراق المالية وكذا حرية الدخول إلى السوق تشكل في مجموعها ضوابط مهمة لقيام سوق عادلة للأوراق المالية. د ـ إن بذل المشورة للمتعاملين في الأوراق المالية مطلب مهم لضمان العدالة وعدم الغبن بين المتعاملين وتلك من قواعد السلوك في التعامل المالي بين المسلمين. خامسا: بعد استعراضنا لوظائف سوق الأوراق المالية تبين لنا أن سوق الأوراق المالية تقوم بوظائف اقتصادية مهمة في المجتمع. وعليه فإن تحقيق مقاصد الإسلام يتطلب وجود مؤسسات مالية منظمة تعبئ المدخرات العاطلة وتوجهها بكفاءة نحو الاستخدامات المنتجة. سادسا: وبدراستنا لموضوع الكفاءة الاقتصادية لسوق الأوراق المالية تبين لنا: أـ إن الأسواق المالية المعاصرة لا تتحقق لها الكفاءة الاقتصادية بقسميها (الخارجية والداخلية) ب ـ إن قواعد التعامل والضوابط الشرعية التي جاءت بها التعاليم الإسلامية كفيلة في مجموعها بإيجاد سوق مالية منضبطة وكفؤة اقتصاديا واجتماعيا. سابعا: باستعراضنا لعلاقة الجهاز المصرفي بسوق المال وجدنا ارتباط هذين الجهازين بعضهما ببعض حيث تأخذ العلاقة بينهما عدة أشكال تظهر في مجملها أن حاجة المؤسسات المالية إلى الأسواق المالية حاجة ماسة. 2 ـ التوصيات: 1 ـ ينبغي أن تعمل كل من المؤسسات التعليمية والمالية بالدول الإسلامية على تشجيع إعداد البحوث في مجال الأسواق المالية وتطوير أدواتها المالية في إطار قواعد الشريعة الإسلامية. 2 ـ يتعين على الباحثين في الاقتصاد الإسلامي دراسة الجهود التي تبذلها بعض الدول الإسلامية التي تسعى للتحول عن نظامها المالي التقليدي الذي تعمل به إلى النظام المالي الإسلامي وينبغي تقييم تلك الجهود لمصلحة الدول الإسلامية الأخرى. 3 ـ المرجو من مجلس مجمع الفقه الإسلامي تكوين مجموعة من كبار فقهاء الشريعة وعلماء الاقتصاد وكبار العاملين في الأسواق المالية وذلك لمتابعة الجهود المبذولة لإنشاء أدوات مالية إسلامية. 4 ـ حث الأسواق المالية التقليدية لتسهيل التعامل في الأدوات المالية الإسلامية المطروحة وتداولها. 5 ـ تشجيع الدول الإسلامية لتسهيل إنشاء سوق للأوراق المالية الإسلامية وذلك بإزالة العوائق وتذليل الصعوبات القانونية إضافة إلى منح الحوافز كالإعفاءات الضريبية ونحوها. وأخيرا فالحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات والحمد لله الذي وفقني وهداني إلى ما كتبت، وأستغفره مما أخطأت وأسأله تعالى أن يتقبل ما قدمت وأعتذر إليه عما قصرت هو حسبي ونعم الوكيل وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وعلى أتباعه إلى يوم الدين.

صيانة المديونيات ومعالجتها من التعثر في الفقه الإسلامي (بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة)

صيانة المديونيات ومعالجتها من التعثر في الفقه الإسلامي (بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة) ¤محمد عثمان شبير£بدون¥دار النفائس¨الأولى¢1418هـ€اقتصاد¶عقود مالية - مداينة الخاتمة: بعد عرض الأحكام الخاصة بالشرط الجزائي ومعالجة المديونيات المتعثرة نستطيع أن نوجز أهم ما انتهينا إليه في النقاط التالية: 1 - أسباب تعثر المديونيات في الفقه الإسلامي هي: الإعسار، المماطلة، الموت، الجحود، كساد النقود أو انقطاع التعامل بها. 2 - ينبغي أن يتخذ الدائن الاحتياطات الممكنة لصيانة الديون من التعثر، ومن ذلك توثيق الدين بالكتابة والإشهاد والرهن والكفالة. 3 - الشرط الجزائي المتضمن الاتفاق على مقدار معين من التعويض عن ضرر تأخير الدين لا يجوز لأنه ربا نسيئة. 4 - زيادة مقدار الدين لأجل تأخير الأجل وهي ما تسمى "جدولة الديون" لا تجوز لأنها ربا نسيئة. 5 - التعويض عن ضرر التأخير في الديون لا يجوز سواء حصل عليه الدائن باشتراط أو وعد أو عرف؛ لأنه زيادة مشروطة في قرض، وكل قرض جر منفعة فهو ربا. 6 - يجوز للدائن اشتراط حلول باقي الأقساط إذا تأخر المدين عن سداد قسط منها، بحيث تكون المدة التي تأخر فيها دالة على التأخير عرفاً. 7 - يجوز للدائن اشتراط دفع صدقة للفقراء إذا تأخر المدين عن الوفاء بدينه في المدة المحددة؛ لأن هذا الشرط تضمن مقصوداً صحيحاً في الشرع وهو البر بالفقراء. 8 - يجوز للدائن اشتراط اشتراك المدين في صندوق للتأمين التبادلي لأنه يتضمن مقصوداً صحيحاً كاشتراط الصدقة للفقراء وتأميناً مشروعاً للدائن على ماله. 9 - المدين المعسر يمهل وينظر، ويعان على سداد دينه، إما بإعطائه من الزكاة وإما بتوفير العمل اللائق به وإجباره على التكسب به. 10 - يجوز للبائع الذي لم يقبض الثمن أن يفسخ البيع ويسترد المبيع، إذا أفلس المدين، وكانت السلعة باقية على حالها ولم يطرأ عليها تغيير، ولم يتصرف فيها المشتري ببيع أو هبة أو رهن، ويقاس على ذلك المدين المماطل. 11 - يجوز للدائن شراء سلعة من مدين مفلس، ولو كانت تلك السلعة قد انتقلت إلى المدين بسبب بيع عقده مع الدائن، ولا يعتبر ذلك من قبيل بيع العينة لتباعد الزمان بين البيعين وتغير السلعة بالاستعمال. 12 - للحاكم إجبار المدين المماطل على تأجير الأملاك الموقوفة عليه لقضاء الدين من أجرتها وأنصاف الدائنين. 13 - يتحمل المدين المماطل تكاليف رفع القضية إلى القضاء وأتعاب المحامي التي يدفعها الدائن؛ لأن المدين هو الذي تسبب في ذلك. 14 - يعاق المدين المماطل بعقوبات تعزيرية من شأنها حمله على قضاء دينه: ومن ذلك الحبس والضرب ورد شهادته وحظر التعامل المالي معه.

عقد الاستصناع ومدى أهميتة في الاستثمارات الإسلامية المعاصرة

عقد الاستصناع ومدى أهميتة في الاستثمارات الإسلامية المعاصرة ¤مصطفى أحمد الزرقاء£بدون¥البنك الإسلامي للتنمية¨الأولى¢1416هـ€اقتصاد¶عقود مالية - منوعات الخلاصة والنتيجة بعد كل ما تقدم بيانه، أنتهي إلى الخلاصة والنتيجة التالية: (1) أن عقد الاستصناع هو عقد مستقل، وهو نوع من البيع يتميز بخصائص وملابسات تستلزم بعض استثناءات من أحكام البيع العادي (كغيره من أنواع البيع الخاصة)، وليس صورة من صور عقد السلم، فلا يشترط فيه تعجيل الثمن كما يشترط في السلم. (2) أن عقد الاستصناع هو نوع من البيع محله الشيء المتعاقد على صنعه، في مدة محددة، فالمحل فيه معدوم حين العقد، يلتزم البائع بصنعه. (3) أن الاستصناع، بمقتضى كونه نوعا من البيع، يخضع مبدئيا لأحكام البيع العامة. لكنه بمقتضى كونه نوعا خاصا ذا خصائص توجب له بعض أحكام استثنائية (كغيره من أنواع البيع) فإنه يتميز ببعض أحكام استثنائية من قواعد البيع العادي (المطلق). (4) أن البائع في عقد البيع بجميع أنواعه يعتبر ملتزما بتسليم المبيع صالحا لأداء المنفعة المقصودة منه، وخاليا من كل عيب فيه قبل تسليمه إلى المشتري، وأن البائع مسئول بضمان العيب بحكم القانون السائد دون حاجة إلى اشتراط هذه السلامة في العقد. أما تبرؤه من هذه المسئولية عن عيوب المبيع فهذا الذي يحتاج إلى اشتراط في العقد. (5) أن البائع إذا اشترط في البيع العادي براءته وعدم مسئوليته عن عيوب المبيع أو تحديد مسئوليته بحد لا تتجاوزه، وهو حسن النية (غير مدلس لعيب يعلمه وكتمه) فشرطه هذا صحيح في نظر القانون الوضعي وفي بعض مذاهب الفقه الإسلامي مطلقا، وغير صحيح لدى معظم المذاهب الفقهية إلا في حالات خاصة. (6) أن اشتراط البائع الصانع في عقد الاستصناع عدم مسئوليته عن عيوب المبيع الذي سيصنعه (أو تحديدها) قد سكنت عنه النصوص، فيجب أن يعتبر هذا الاشتراط، في الاستصناع بخاصة، باطلا، وأن يبقى البائع الصانع مسئولا تجاه المشتري المستصنع مسئولية كاملة عن عيوب الشيء الذي سيصنعه للمشتري. وأن بطلان هذا الاشتراط من جملة الأحكام الاستثنائية من قواعد البيع العادي، لأن هذا الاشتراط في الاستصناع يحمي سوء نية البائع وفساد الأخلاق، فيكون مخالفا لقواعد النظام العام الذي هو قيد على سلطان الإرادة العقدية بإجماع القانونيين في عالم القانون الوضعي، ومخالفا لمقاصد الشريعة الإسلامية في نظر فقهائها. (7) أن سكوت فقهاء الشريعة في القديم، وعدم تعرضهم لحكم هذا الاشتراط في عقد الاستصناع، مرده إلى أن هذا الاشتراط لم يكن يقع بالفعل في عقود الاستصناع، للأسباب المبينة في هذا البحث. فاليوم حيث تطور الاستصناع، فأصبح يشمل الأجهزة والآليات الضخمة والمعامل الكاملة، وأصبح الصانع البائع يشترط هذه البراءة من العيوب ليحمي نفسه من المسئولية عن الأخطاء التقانية (التكنولوجية)، وجب أن يعالج ما سكت عنه الفقهاء والقانونيون باجتهاد مناسب يقرر الحل والحكم العادل المتفق مع قواعد العدل والإنصاف، وسلطان الإرادة العقدية، وقيود النظام العام عليها في القانون، وقيود مقاصد الشريعة في الفقه الإسلامي، أي في ضوء هذه الأصول كلها. وحصيلة النظر في هذه الأصول كلها توجب بطلان هذا الاشتراط في عقد الاستصناع، إقامة للتوازن القانوني بين العاقدين، وحماية لكل منهما من سوء نية الآخر وغشه وإهماله، وحماية للأخلاق العامة، كما أوضحته بالتفصيل خلال البحث. والله سبحانه وتعالى أعلم، وهو الموفق للصواب.

مفهوم الزمن في الاقتصاد الإسلامي

مفهوم الزمن في الاقتصاد الإسلامي ¤رضا سعد الله£بدون¥المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب - جدة¨المجلد الثاني العدد الأول¢1415هـ€اقتصاد¶اقتصاد - أعمال منوعة الخاتمة يستفاد من متابعتنا السابقة لأحكام القرض والبيع – أن القول بجواز الزيادة في البيع نظير الأجل – وهو الأظهر من أقوال العلماء – وبتحريم الزيادة في القرض لا ينطوي على تصور مزدوج للقيمة الاقتصادية للزمن. والأرجح في نظرنا – والله أعلم – أن كلا من أحكام البيع والقرض لا تتعارض مع وجود قيمة اقتصادية للزمن. صحيح أن الزمن بمفرده لا ينتج ولا يغل، ولكنه إذا اقترن المال – عينا كان هذا المال أم نقدا – اكتسب قيمة غير مباشرة. فالذي يتنازل لغيره عن قدر من المال لمدة من الزمن بالبيع أو بالإقراض يتنازل في ذات الوقت عن أرباح محتملة قد تتحقق باستخدام ذلك القدر من المال في أحد أوجه النشاط الاقتصادي. وتلك الأرباح الموهومة هي الكلفة الاقتصادية للدائن، وهي القيمة غير المباشرة للزمن في نظره. وفي المقابل يتوقع المدين – بالشراء الآجل أو بالاقتراض – الحصول على منافع بمال لا يملكه، وتمثل تلك المنافع المحتملة العائد الاقتصادي لتداين المدين، وهي القيمة غير المباشرة للزمن بالنسبة إليه. وبهذا المعنى وجدنا أن الإمام فخر الدين الرازي لا يجادل في وجود قيمة اقتصادية للزمن في القرض كما هي موجودة في البيع. وهذا أيضا معنى عموم قول الإمام الكاساني بأن المعجل خير من المؤجل، والعين خير من الدين. إلا أنه يجب التنبيه إلى أن الاعتراف بوجود قيمة اقتصادية غير مباشرة للزمن لا يستدعي بالضرورة الإقرار بمشروعية التعويض عنها ماديا في كل الأحوال. ولقد رأينا أن قيمة الزمن معتبرة في البيع حسب الراجح من أقوال العلماء. أما في القرض فإن تحريم الزيادة الذي نص عليه القرآن الكريم يعني منع التعويض المادي عن قيمة الزمن ومقابلتها بالثواب الذي يحصل عليه المقرض من الله إذا كان عمله خالصا لوجهه تعالى. وهذا معنى إدخال القرض في باب التبرعات وليس في باب المعاوضات. وظننا أن الحكمة من ذلك – إضافة إلى منع الظلم – هي في توجيه المسلمين لاعتماد وسائل أخرى غير القرض، لتمويل نشاطهم الاقتصادي وصرف القرض لمجالات التكافل الاجتماعي بين المسلمين وإهدار القيمة الاقتصادية للزمن في القرض يعني افتراق معاملة الزمن بين القرض والبيع. وبذلك نخلص إلى النتيجة الهامة التالية: "وهي أن أحكام البيوع والقرض في الفقه الإسلامي يمكن أن تندرج تحت مفهوم واحد للزمن يعترف بأن للزمن قيمة اقتصادية، وإن كانت تقبل الاختلاف في المعاملة لحكمة، بينا فيما سبق ما نظنه بشأنها، وإن كان علمها عند رب العالمين".

الأسرة المسلمة وتربية الأولاد

الأسرة المسلمة وتربية الأولاد

الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة في مرحلة الطفولة

الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة في مرحلة الطفولة ¤حنان عطية الجهني£بدون¥المنتدى الإسلامي - لندن¨الأولى¢1422هـ€الأسرة المسلمة وتربية الأولاد¶تربية الأولاد نتائج البحث وتوصياته أسفر البحث عن عدة نتائج تبع كل منها عدد من التوصيات يمكن إيجازها فيما يلي: أولاً: أن التنشئة الإيمانية تعتبر أُولى المهام التي أوكلها الإسلام الوالدين تجاه تنشئة الفتاة المسلمة، ولإتاحة فرص أفضل تُيسِّر للوالدين القيام بهذا النوع من التنشئة كان مما أوصى به البحث ضرورة اهتمام المدرسة، ومناهج تعليم البنات، ومؤسسات الإعلام بالتنشئة الإيمانية للفتاة. ثانياً: لم يهمل الإسلام جانب التنشئة الجسمية إدراكاً لما للجسم السليم من دور في تنشئة الفتاة المسلمة، ولإتاحة فرص أفضل تُيسِّر للوالدين القيام بدورهما في التنشئة الجسمية كان من بين ما أوصى به البحث ضرورة تدريس مقرر في الصحة العامة، وتقليل فترة البث التلفزيوني، وتيسير سبل الزواج المبكر للفتاة. ثالثاً: حرص الإسلام على صحة الفتاة النفسية، وما يضمن لها النضج الانفعالي والاتزان العاطفي، ولإتاحة فرص أفضل تُيسِّر للوالدين القيام بدورهما في التنشئة الوجدانية كان مما أوصى به البحث ضرورة توافر أخصائيات اجتماعيات في المدارس، وضرورة تدريس مقرر في الصحة النفسية للطالبات وكذلك ضرورة إصدار قرارات من شأنها أن تتيح للأم العاملة فرصاً أكثر للتواجد مع ابنتها لتملأ عليها حياتها العاطفية. رابعاً: أن الإسلام لم يصادر عقل المرأة، بل دعا إلى تحريره من كل ما يعطل عمله، لذا كان مما أوصى به البحث لمساعدة الوالدين على القيام بدورهما في التنشئة الفكرية للفتاة تيسير كل السبل لتحفيظ القرآن الكريم للفتاة، وتيسير كتب اللغة العربية على الطالبات تأليفاً وتدريساً، وضرورة تدريس مقررات في فقه المرأة المسلمة، وفي علم نفس الطفولة والمراهقة. خامساً: أن الإسلام قَدَّر حب المرأة للتجمل والزينة، ولم يهمل الحس الجمالي الغريزي فيها، ولإتاحة فرص أفضل تيسِّر للوالدين القيام بدورهما في التنشئة الجمالية كان مما أوصى به البحث تعليم الطالبات في المدارس أحكام التلاوة، ودعوتهن إلى ترتيل القرآن عند قراءته، ومنع الحفلات الماجنة في المدارس وغيرها، وأن تكون المدرسة بيئة جمالية في كل ما تشمله، مع ضرورة تحلي المعلمات ـ لكونهن قدوة للفتاة ـ بمعنى جمال الشخصية. سادساً: أن الإسلام أولى التنشئة الاجتماعية اهتماماً لا يقل عن اهتمامه بجوانب التنشئة الأخرى، ولإتاحة فرصاً أفضل تيسِّر للوالدين القيام بدورهما في التنشئة الاجتماعية كان من بين توصيات البحث زيادة فرص الاتصال بين البيت والمدرسة من خلال اجتماعات مجالس الأمهات، مع توفير كل ما يتيسر من أسباب نجاحها لما لها من أهمية في الوقوف على حقيقة شخصية الفتاة الاجتماعية، وكذا الاستفادة من الأنشطة اللامنهجية في تثبيت بعض الآداب والقيم والفضائل الاجتماعية الإسلامية للفتاة ودعمها، وتدعيم الدور الذي تقوم به هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعزيزه. سابعاً: أن نجاح الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة يرتبط بما لديهما من مقومات تتسم بها شخصيتهما، ولكي يؤدي الوالدان هذا الدور بكفاءة عالية ـ فإنه يجب عليهما زيادة ثقافتهما التربوية من المنظور الإسلامي، وتحقيقاً لذلك فإنه كان مما أوصى به البحث ضرورة إصدار مجلة تربوية للأسرة المسلمة، وتخصيص عمود ثابت في الصحف اليومية يتحدث عن الدور التربوي للوالدين تجاه تنشئة أبنائهم، وإصدار سلسلة أفلام تربوية إسلامية وأشرطة سمعية تبين للوالدين كيفية أداء دورهما التربوي، وعقد دورات منظمة للآباء والأمهات تقوم بها مراكز خدمة المجتمع لتثقيفهم بفنون التربية الإسلامية…. إلى غير ذلك. وختاماً أتضرع إلى الله العلي القدير الذي منَّ عليَّ بإتمام هذا البحث المتواضع أن ينفع به ـ سبحانه ـ المسلمين والمسلمات من الآباء والأمهات في تربية بناتهم ـ نواة الصلاح في المجتمع ـ تربية إسلامية ترضيه ـ عز وجل ـ إنه سميع مجيب.

الرقابة الأسرية في عصر البث العالمي المباشر من وجهة نظر المعلمين

الرقابة الأسرية في عصر البث العالمي المباشر من وجهة نظر المعلمين ¤هليل بن محيسن العميري£بدون¥جامعة أم القرى - مكة المكرمة¨بدون¢1421هـ€الأسرة المسلمة وتربية الأولاد¶أثر وسائل الإعلام ونماذج للأخطاء الإعلامية أهم النتائج من خلال استعراض فصول الدراسة في جانبيها النظري والميداني، فقد توصل الباحث إلى جملة من النتائج تتمثل فيما يلي: 1ـ أصبحت الأسرة تنظر إلى العالم بأسره من خلال التلفزيون دون رقيب أو وسيط. 2ـ هناك قنوات فضائية تشرف على برامجها الدينية كنائس كشبكة البث المسيحي ( C.B.N) وشبكة ( N.B.N) هذا ولا شك يؤثر على ثقافات الشعوب والمجتمعات ذات الخصوصية الدينية والثقافية كالمجتمع المسلم. 3ـ لبعض برامج التلفزيون آثار سلبية على الجانب الاجتماعي وذلك لتصويره للفعل الإجرامي والتفنن في التخطيط والتنفيذ له. 4ـ للتلفزيون أثار سلبية على التحصيل الدراسي أحياناً وذلك نظراً للساعات الطوال التي يقضيها الطالب أمام شاشة التلفزيون. 5ـ هناك بعض الآثار السلبية لبرامج التلفزيون من الناحية الجسمية والنفسية حيث يبقى الطفل أمام التلفزيون ساعات طوال تمنعه من الحركة والنشاط وتدفعه إلى الكسل والخمول. 6ـ ظهرت الرقابة على أنها مصطلح استعماري لفرض القوة على الحرية الفكرية. 7ـ أو ل ما عرفت الرقابة عند اليونان والرومان إبان القلاقل الدينية في عصر (الإصلاح). 8ـ شرع الإسلام الرقابة ووضع في يد الرقيب نوعين من الروادع (العقوبات): أـ عقوبات مقدرة شرعاً خاضعة للاجتهاد البشري. ب ـ عقوبات خاضعة لاجتهاد الحاكم الشرعي. 9ـ الإسلام يشعر الفرد دائماً بأنه مراقب من قبل خالقه، والملائكة، والمجتمع ومن قبل ولي الأمر ومن قبل نفسه ولذلك فالمجتمع في الإسلام رقيب على نفسه. 10ـ للرقابة أهمية بالغة نظراً لتعلق الأطفال الشديد وفي سن مبكرة بالتلفزيون وبرامجه المتنوعة. 11ـ يعتبر التلفزيون من وسائل الترفيه المهمة جداً في حياة الطفل. 12ـ يستحوذ التلفزيون على اهتمام الأطفال منذ السنة الثانية من عمرهم وذلك عن طريق الأصوات المنبعثة منه ثم يتطور الأمر إلى الصور والرسومات والألوان. 13ـ للبث المباشر إيجابيات عديدة غير أن هذه الإيجابيات لا تخفي ما به من سلبيات أكثر. 14ـ يمكن للبث المباشر أن يخدم ما نصت عليه السياسة الإعلامية في المملكة العربية السعودية في الجانب الخارجي وهو ما يتعلق بالدعوة إلى التضامن الإسلامي والدفاع عن قضايا الإسلام ومناهضة التيارات الهدامة والتصدي للتحديات الإعلامية المعادية. 11ـ تبلغ نسبة من يملكون الصحن الهوائي (43.5%) بينما تبلغ نسبة من لا يملكونه (56.5%) من أفراد عينة الدراسة. 16ـ اتضح أن نسبة الذين يملكون صحونا هوائية تمكنهم من استقبال قنوات (عربسات) أعلى من الفئات الأخرى. 17ـ أن (12.18%) من أفراد العينة لا يملكون أجهزة تلفزيون في منازلهم. 18ـ تحوز الأفلام المتحركة (الكرتون) على أكبر قدر من المشاهدين حيث يبلغ متوسط المشاهدة (3.86) وبتكرارات تقارب نصف أفراد العينة. 19ـ تمثل القناة السعودية الأولى المرتبة الأولى بين القنوات الفضائية من حيث إقبال أبناء المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية على مشاهدتها بمتوسط بلغ (3.66). 20ـ إن القناة السعودية الأولى تحظى بنسبة عالية تقدر بـ (3.95) من الإقبال على مشاهدتها من قبل أبناء المعلمين الذين لا يملكون صحوناً هوائية. 21ـ البرامج الإخبارية في مقدمة البرامج التي يشارك المعلمين أبناءهم في مشاهدتها.

22ـ إن درجات المشاركة في المشاهدة في برامج المسابقات الثقافية والبرامج الرياضية والتعليمية والترفيهية وكذلك برامج الطبيعة والأفلام المتحركة (الكرتون) متقاربة. 23ـ تحتل أفلام الرعب والعنف وأفلام الحب والغرام آخر القائمة من حيث مشاركة المعلمين لأبنائهم في مشاهدتها وبمتوسطات متدنية جداً هي على التوالي: (1.95)، (1.69). 24ـ أن (282) معلماً وبنسبة (73.8%) من أفراد العينة يمنعون أبناءهم من مشاهدة التلفزيون بعد العاشرة ليلاً. 25ـ أن (248) معلماً وبنسبة (64.9%) من أفراد العينة يكون وقت المذاكرة لدى أبنائهم قبل المشاهدة. 26ـ أن (306) معلماً وبنسبة (80.1%) من أفراد العينة يشاهد أبناؤهم التلفزيون مع الأسرة مجتمعة. 27ـ أن (195) معلماً وبنسبة (51%) من أفراد العينة أفادوا بأن موضوع المناقشة هو البرنامج المشاهد نفسه. 28ـ أن (112) معلماً وبنسبة (29.3%) من أفراد العينة أفادوا بأن المناقشة تكون عن أمور حياتية أخرى غير البرنامج المشاهد. 29ـ أن (210) معلماً وبنسبة (55%) من أفراد العينة يشاركون أبناءهم في مشاهدة التلفزيون من ساعة إلى ساعتين في اليوم. 30ـ أن (103) معلماً وبنسبة (27%) من أفراد العينة يشاركون أبناءهم في مشاهدة التلفزيون من ساعتين إلى أربع ساعات في اليوم. 31ـ أن (198) معلماً وبنسبة (51.8%) من أفراد العينة أفادوا أن أبناءهم يشاهدون التلفزيون وحدهم من ساعة إلى ساعتين في اليوم. 32ـ أن (219) معلماً وبنسبة (47.3%) من أفراد العينة يناقشون أبناءهم فيما يشاهدون من برامج مرة إلى مرتين في الأسبوع. 33ـ أن (88) معلماً وبنسبة (23.1%) من أفراد العينة أفادوا بأن مرات المناقشة لديهم ثلاث مرات فأكثر على مدار الأسبوع. 34ـ أن (193) معلماً وبنسبة (50.5%) من أفراد العينة يناقشون أبناءهم فيما يشاهدون من برامج لمدة عشر دقائق في كل مرة. 35ـ أن أكثر الأساليب الرقابية المتبعة عند غالبية أفراد العينة هو أسلوب المنع وذلك بإقفال الجهاز عند ظهور ما يخالف الدين والخلق ثم يلي ذلك أسلوب التفسير والإقناع ثم أسلوب التحكم في اختيار القنوات المناسبة بطريقة (التشفير) وبمتوسطات عالية تراوحت بين (4.62) و (4.05). 36ـ هناك فئة كبيرة من المعلمين يرون أن البرامج التي تشاهد مشتركة تلبي جميع الرغبات وبمتوسط بلغ (3.13). 37ـ أن فئة كبيرة من المعلمين يجدون متعة في الحديث (المناقشة) مع أبنائهم حول ما يشاهدون من برامج وبمتوسط بلغ (3.75). 38ـ أن المعلمين الذين يناقشون أبناءهم فيما يشاهدون بعد المشاهدة بلغ متوسطهم (3.18). 39ـ أن المعلمين الذين يناقشون أبناءهم أثناء المشاهدة بلغ متوسطهم (3.13). 40ـ تستخدم المناقشة لدى كثير من المعلمين لتعزيز القيم التربوية الإيجابية بمتوسط بلغ (3.98). 41ـ أن فئة كبيرة من المعلمين ترى أن المشاهدة المشتركة للبرامج التلفزيونية تحقق التفاعل الإيجابي بين الآباء والأبناء بمتوسط بلغ (3.85). 42ـ يشعر كثير من المعلمين بالرضا عند مناقشة ما يشاهد بمتوسط بلغ (3.73). 43ـ تستخدم المناقشة لدى كثير من المعلمين في ربط ما يشاهد بالواقع بمتوسط بلغ (3.70). 44ـ يكون هناك تعليق وتوجيه من قبل كثير من المعلمين على ما يشاهد بمتوسط بلغ (3.59). 45ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث أساليب الرقابة والمؤهل التعليمي لدى أفراد عينة الدراسة. 46ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث أساليب الرقابة والمرحلة الدراسية التي يعمل بها أفراد عينة الدراسة.

47ـ اتضح أن معلمي الرياضيات هم الأكثر من بين زملائهم مدرسي اللغة العربية والمواد الاجتماعية في بيان السبب عند إقفال الجهاز أو تغيير القناة عند ظهور مخالفات للدين والخلق، حيث بلغ المتوسط (4.60). 48ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث أساليب الرقابة وأعمار أفراد عينة الدراسة. 49ـ يتحكم المعلمون الذين يملكون صحوناً هوائية في اختيار قنوات معينة لأبنائهم أثناء مشاهدتهم وذلك بمتوسط عالٍ جداً بلغ (4.48). 50ـ يستخدم المعلمون الذين يملكون صحوناً هوائية المشاهدة وسيلة إيجابية لدفع أبنائهم إلى المذاكرة حيث بلغ المتوسط (3.38). 51ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث أساليب الرقابة وإمكانيات الصحن الهوائي لدى أفراد عينة الدراسة. 52ـ أن أبناء المعلمين الذين يحملون شهادات دون الجامعة يقبلون على مشاهدة القناة السعودية الأولى أكثر من أبناء المعلمين الذين يحملون مؤهلات جامعية وبمتوسط بلغ (4.05). 53ـ تحظى قناة مركز تلفزيون الشرق الأوسط ( M.B.C) على إقبال أبناء المعلمين الذين يعملون في المرحلة المتوسطة أكثر من أبناء المعلمين الذين يعملون في المرحلة الثانوية بمتوسط بلغ (2.47). 54ـ تحظى قناة راديو وتلفزيون العرب ( ART3) بإقبال أبناء المعلمين الذين يعملون في المرحلتين المتوسطة والابتدائية أكثر من نظرائهم أبناء المعلمين الذين يعملون في المرحلة الثانوية وذلك بمتوسطين بلغا على التوالي (2.2) و (2.22). 55ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث المحطات التي تحظى بأكبر قدر من الإقبال لدى أبناء المعلمين والمواد التي يدرسونها. 56ـ إن أبناء المعلمين الذين تتراوح أعمارهم بين 40 ـ 50 عاماً أكثر إقبالاً على مشاهدة القناة السعودية الأولى من أبناء المعلمين الذين تتراوح أعمارهم بين 20ـ 30 عاماً وبمتوسط بلغ (4.10). 57ـ إن أبناء المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية تمكنهم من استقبال قنوات (عربسات) أكثر إقبالاً من أبناء باقي المعلمين في مشاهدة تلفزيون الكويت وقناة أبو ظبي وقناة راديو وتلفزيون العرب ( ART3) وبمتوسطات بلغت على التوالي (3.06) و (3.08) و (3.93). 58ـ إن أبناء المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية تمكنهم من استقبال قنوات تزيد على قنوات (عربسات) أكثر من أبناء باقي المعلمين في الإقبال على مشاهدة قناة راديو وتلفزيون العرب ( ART1) بمتوسط بلغ (3.57). 59 ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث البرامج التي تحظى بأكبر قدر من الإقبال لدى أبناء المعلمين والمؤهل التعليمي الذي يحمله آباؤهم أو المرحلة التي يدرسون بها أو المواد التي يقومون بتدريسها. 60ـ إن أبناء المعلمين الذين تتراوح أعمارهم بين 20ـ 30 عاماً أكثر إقبالاً على أفلام الرعب والعنف من نظرائهم أبناء المعلمين الذين تتراوح أعمارهم بين 30 ـ 40 عاماً وذلك بمتوسط بلغ (2.09). 61ـ إن أبناء المعلمين الذين تتراوح أعمارهم بين 40ـ 50 عاماً أكثر إقبالاً من أبناء باقي المعلمين على مشاهدة البرامج التالية: أـ البرامج الرياضية بمتوسط (3.85). ب ـ البرامج الترفيهية بمتوسط (3.91). ج ـ الأفلام المتحركة بمتوسط (3.82). د ـ المسابقات الثقافية بمتوسط (3.47). هـ برامج الطبيعة بمتوسط (3.65). وـ البرامج التعليمية بمتوسط (4.15). 62ـ إن أبناء المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية أكثر إقبالاً من نظرائهم أبناء المعلمين الذين لا يملكون صحوناً هوائية على مشاهدة البرامج التالية: أـ البرامج الرياضية بمتوسط (3.74). ب ـ البرامج الترفيهية بمتوسط (3.81). ج ـ الأفلام المتحركة بمتوسط (3.63).

د ـ أفلام العنف والرعب بمتوسط (2.10). هـ أفلام الحب والغرام بمتوسط (2.04). 63ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث البرامج التي تحظى بأكبر قدر من الإقبال لدى أبناء المعلمين وإمكانيات الصحن الهوائي لديهم. 64ـ يشارك معلمو المرحلة الإبتدائية أبناءهم مشاهدة التلفزيون أكثر من زملائهم معلمو المرحلة الثانوية بمتوسط بلغ (1.48). 65ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث مشاركة المعلمين لأبنائهم في المشاهدة والمواد التي يدرسونها. 66ـ يشارك المعلمون الذين تتراوح أعمارهم بين 20ـ 30 عاماً مشاهدة التلفزيون أكثر من المعلمين الذين تتراوح أعمارهم بين 40 ـ 50 عاماً وبمتوسط بلغ (1.57). 67ـ إن ساعات المشاركة في المشاهدة لدى المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية أكثر من ساعات المشاركة في المشاهدة لدى المعلمين الذين لا يملكون صحوناً هوائية بمتوسط بلغ (1.52). 68ـ أن المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية يجدون أن البرامج التي تشاهد مشتركة تلبي جميع الرغبات أكثر من المعلمين الذين لا يملكون صحوناً هوائية بمتوسط بلغ (3.31). 69ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث مشاركة المعلمين لأبنائهم في المشاهدة وإمكانيات الصحن الهوائي لديهم. 70ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث البرامج التي يشارك المعلمون أبناءهم في مشاهدتها والمؤهل التعليمي الذي يحملونه. 71ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث البرامج التي يشارك المعلمون أبناءهم في مشاهدتها والمرحلة التي يدرسون بها. ـ161ـ 72ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث البرامج التي يشارك المعلمون أبناءهم في مشاهدتها والمواد التي يدرسونها. 73ـ أن المعلمين الذين تتراوح أعمارهم بين 40ـ50 عاماً يشاركون أبناءهم أكثر من زملائهم المعلمين الذين تتراوح أعمارهم بين 30 ـ40 عاماً في مشاهدة البرامج التالية: أـ البرامج الرياضية بمتوسط بلغ (3.73). ب ـ البرامج الترفيهية بمتوسط بلغ (3.66). ج ـ المسابقات الثقافية بمتوسط بلغ (3.43). د ـ برامج الطبيعة بمتوسط بلغ (3.52). هـ البرامج التعليمية بمتوسط بلغ (3.74). وـ البرامج الإخبارية بمتوسط بلغ (3.91). 74ـ أن المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية أكثر مشاركة لأبنائهم من المعلمين الذين لا يملكون صحوناً هوائية في مشاهدة البرامج التالية: أـ البرامج الرياضية بمتوسط بلغ (3.83). ب ـ البرامج الترفيهية بمتوسط بلغ (3.71). ج ـ المسابقات الثقافية بمتوسط بلغ (3.86). د ـ برامج الطبيعة بمتوسط بلغ (3.45). هـ البرامج التعليمية بمتوسط بلغ (3.69). وـ الأفلام المتحركة بمتوسط بلغ (3.38). زـ أفلام الحب والغرام بمتوسط بلغ (1.90). 75ـ أن المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية تمكنهم من استقبال قناة مركز تلفزيون الشرق الأوسط ( M.B.C) والقناتين المحليتين أكثر مشاركة لأبنائهم في مشاهدة أفلام العنف والرعب من باقي المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية تمكنهم من استقبال قنوات (عربسات). أو قنوات تفوق (عربسات) عدداً بمتوسط بلغ (3.22). 76ـ أن المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية تمكنهم من استقبال قنوات (عربسات) أكثر مشاركة لأبنائهم في مشاهدة البرامج التعليمية من المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية تمكنهم من استقبال قنوات تفوق قنوات (عربسات) عدداً بمتوسط بلغ (3.88). 77ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث مناقشة المعلمين لأبنائهم فيما يشاهدونه والمؤهل التعليمي الذي يحملونه.

78ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث مناقشة المعلمين لأبنائهم فيما يشاهدونه والمرحلة التي يدرسون بها. 79ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث مناقشة المعلمين لأبنائهم فيما يشاهدونه والمواد التي يدرسونها. 80 ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث مناقشة المعلمين لأبنائهم فيما يشاهدونه وأعمار أولئك المعلمين. 81 ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث مناقشة المعلمين لأبنائهم فيما يشاهدونه وامتلاك الصحن الهوائي من عدمه. 82 ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث مناقشة المعلمين لأبنائهم فيما يشاهدونه وإمكانيات الصحن الهوائي لديهم. 83 ـ إن المعلمين الذين يحملون شهادة أعلى من الجامعة أكثر إدراكاً لأهمية المناقشة من المعلمين الذين يحملون مؤهلات جامعية وبمتوسط بلغ (2.90). 84 ـ إن معلمو المرحلة الابتدائية أكثر إدراكاً لأهمية المناقشة من نظرائهم معلمو المرحلة الثانوية وبمتوسط بلغ (3.35). 85 ـ أن معلمو المرحلة الابتدائية أكثر شعوراً بالرضا عند مناقشة أبنائهم فيما يشاهدون من معلمي المرحلة الثانوية بمتوسط بلغ (3.87). 86 ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث أهمية المناقشة لدى المعلمين والمواد التي يقومون بتدريسها. 87 ـ لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات من حيث أهمية المناقشة لدى المعلمين وأعمارهم. 88 ـ أن المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية يتم التعليق والتوجيه من قبلهم أكثر من المعلمين الذين لا يملكون صحوناً هوائية بمتوسط (3.77). 89 ـ أن المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية أكثر استخداماً للمناقشة في تعزيز القيم التربوية الإيجابية من المعلمين الذين لا يملكون صحوناً هوائية وبمتوسط بلغ (4.11). 90ـ أن المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية أكثر شعوراً بالرضا عند مناقشة أبنائهم فيما يشاهدون من المعلمين الذين لا يملكون صحوناً هوائية وبمتوسط بلغ (3.92). 91ـ أن المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية تمكنهم من استقبال قنوات أكثر من قنوات (عربسات) عدداً أكثر إحساساً بأهمية المناقشة لأبنائهم فيما يشاهدون من المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية تمكنهم من استقبال قناة مركز تلفزيون الشرق الأوسط ( M.B.C) والقناتين المحليتين وبمتوسط بلغ (2.57). 92ـ أن المعلمين الذين يملكون صحوناً هوائية تمكنهم من استقبال قناة مركز تلفزيون الشرق الأوسط ( M.B.C) والقناتين المحليتين يربطون بين ما يشاهدون وبين حقائق الحياة وذلك أثناء مناقشتهم لأبنائهم ولذلك فهم أكثر إدراكاً لأهمية المناقشة لما يشاهد وذلك بمتوسط بلغ (4.5).

تربية الأطفال في رحاب الإسلام في البيت والروضة

تربية الأطفال في رحاب الإسلام في البيت والروضة ¤محمد الناصر وخولة درويش£بدون¥مكتبة السوادي - جدة¨الثانية¢1412هـ€الأسرة المسلمة وتربية الأولاد¶تربية الأولاد الخاتمة تعتبر مرحلة الطفولة من أخطر مراحل النمو، وأكبرها أثراً في النفس .. فهي مرحلة البناء الفعلي للشخصية بما أودع الله فيها من استعدادات ومواهب… ومن حق الطفل علينا: أن نربي عقله لنبعده عن الخرافة والأسطورة، أن ننمي ملكاته، ونفتح عقله ومواهبه، نثقفه ليصبح مؤهلاً للقيام بدوره الإيجابي النشيط في المجتمع. أن نعمق لديه الوازع الديني، ليصبح قوياً في عقيدته صلباً في رسالته، يتحمل المشاق والصعاب راضياً في سبيل الله تعالى. نهتم لسلوكه داخل الأسرة، حتى إذا ما انطلق خارجها كان مثالاً للأمانة والاستقامة والإخلاص، واحترام حقوق الآخرين. نشعره بالغاية من حياته، وأنها ليست عبثاً، فيحترم قيمة الوقت، ويتعلم كيف يمضي أوقات فراغه. نسمو بعواطف طفلنا، ونربي انفعالاته، لتصبح كما يحب الله ويرضى به رسوله المصطفى e. نبني كيانه ونشعره بالثقة في نفسه، نبتعد عن التحقير والتقريع حتى لا يعتاد المذلة والمهانة والخنوع. لا نكثر من تعنيفه حتى لا يصبح العنف طبعاً له وسجية. أن ينشأ واحترام الأخوّة الإسلامية رائده، تشده إلى الجماعة المؤمنة وثائق المحبة والترابط والوئام كما دعا إليها الإسلام وسار على نهجها سلف هذه الأمة. ولذلك ومن أجل بناء جيل متوازن معطاء، فإننا نأمل من الآباء والمربين أن يأخذوا مكانهم في هذه المسيرة الضخمة مسيرة تربية الأجيال، ولعل هذه المبادئ مما يعمق هذه التربية: 1ـ الرفق والرحمة بالأطفال، ومراعاة أحوالهم وطاقاتهم. 2ـ الأناة وعدم العجلة، وتكرار النصح والتوجيه، بأساليب مختلفة بعيداً عن الغضب. قال e لأشجع عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة". 3ـ المرونة والتيسير في غير إثم: "إن الدين يسر ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا". 4ـ التوسط والاعتدال والعدل في معاملة الأطفال. 5ـ القدوة الحسنة من الوالدين والمربين أمام الأطفال. 6ـ مساعدة الأبناء على البر، وأداء حقوق الطفولة. 7ـ البعد عن كثرة اللوم، والتركيز على التشجيع والحوافز الطيبة. 8ـ الدعاء للأطفال، ودعاء الوالدين مستجاب إن شاء الله تعالى. والحمد لله رب العالمين. مكة المكرمة: 14/ ذو القعدة سنة 1410هـ 7/ حزيران سنة 1990م

تربية المراهق .. في رحاب الإسلام

تربية المراهق .. في رحاب الإسلام ¤محمد الناصر وخولة درويش£بدون¥دار المعالي¨الثانية¢1419هـ€الأسرة المسلمة وتربية الأولاد¶تربية الأولاد الخاتمة نتائج وملاحظات الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وخير المربين محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد: فإننا بعد الانتهاء من أبواب الكتاب وفصوله، نود أن نختمه ببعض النتائج والملاحظات، ومن أبرزها: 1ـ أن المعنى الشائع حول المراهقة، منذ بداية هذا القرن الميلادي، فيه كثير من المبالغة والخطأ. إذ يرى بعض العلماء الغربيين: أن المراهقة هي فترة من القلق والاضطراب، وهي عاصفة شديدة، تكتنفها الأزمات النفسية، وتسودها المعاناة والإحباط والصراع والقلق…. وأنها فترة حتمية يمر بها كل إنسان. حتى أن بعضهم، يشبه حياة المراهق بحلم طويل في ليل مظلم، تتخلله أضواء ساطعة تخطف البصر، أكثر مما تضيء الطريق، فيشعر المراهق بالضياع، ثم يجد نفسه عند النضج. إن هذا المفهوم مأخوذ من دراسات غربية، أجريت على مجتمعات أوروبا وأمريكا، ثم عممت نتائجها على الآخرين، فكأن المجتمع الغربي عينة صحيحة، تمثل الإنسان السوي. ويرى هؤلاء المربون، أنه لا بد من التغاضي عن هفوات المراهقين، ريثما يجتازون هذه المرحلة، لأن المراهق ـ عندهم ـ مريض، وهذا يعني أن الشاب لا يحاسب في القوانين الوضعية حتى سنّ الثامنة عشرة من العمر. • بينما يعتبر سن التكليف الشرعي في الإسلام هو سن البلوغ، أو سنّ الخامسة عشرة. ولا يجوز تجاوز التكاليف الشرعية، والله الذي خلق الخلق أعلم بمدى تحمل عباده لهذه التكاليف، من عبادات وجهاد في سبيله، ودعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. 2ـ ويدحض الرأي السابق، المعنى العلمي للمراهقة، وهو ما أثبته علم النفس لدى علماء المسلمين، أو المعتدلين من المربين الغربيين. فالمراهقة حقيقة: هي مرحلة نمو سريع، وتغيرات شاملة وسريعة، تشمل نواحي النفس والجسد والعقل والروح، هي فترة النمو الجنسي والانفعال والحساسية، والشعور بالذات، حتى قيل: "إن المراهقة هي فترة انقلاب كامل". المراهقة فترة انتقال من الطفولة إلى الرشد، وذلك يعني أن القلق والاضطراب ليسا حتميين بالضرورة. ومما يؤكد ذلك، ما قام به فتيان الدعوة الإسلامية من بطولات في ميادين الجهاد والإمامة في العلوم المختلفة أو الدعوة إلى نشر هذا الدين، وهم لم يتجاوزوا الخامسة عشرة إلا قليلاً، كان أحدهم يبكي لو رُدّ عن الاشتراك في الجهاد، لأنه دون الخامسة عشرة من العمر. • ومعنى ذلك أن التربية المتوازنة في ظل العقيدة والإيمان قد قلبت الموازين. ولذلك فقد خصصنا معظم هذا الكتاب، للبحث في أفضل السبل لتربية هؤلاء الفتيان والفتيات، من خلال رعاية الأسرة، ومتابعة المدرسين والدعاة، وفي أجواء الصحبة النظيفة .. والنشاطات البناءة خلال أجواء المراكز الصيفية، وحلقات حفظ القرآن الكريم، حتى يشغل الشباب أوقاته فيما يرضي الله ويعود بالنفع على نفسه وأمته. 3ـ إن التربية الجادة، القائمة على أسس علمية مدروسة هي الكفيلة بالتفاهم مع المراهق، وإن تهيئة البيئة الصالحة التي سينمو فيها الفتى أو الفتاة، وإتاحة الجو النفسي من أجل نمو الشخصية السوية، وضرب المثل الصالح، والقدوة الحسنة أمام الشباب لهي خير الوسائل لإيجاد تربية متوازنة للفتيان والفتيات. والقدوة المثلى، هي تربية المصطفى e، ومَنْ اهتدى بهديه من الصالحين ومن سار على دربهم خلال توالي القرون. • ومن أفضل السبل الناجعة للمربي، أن يكون صديقاً لمن يربيه، يعايشه ويلاطفه، دون إفراط ولا تفريط فلا قسوة ترهبه، ولا تدليل (يميّعه).

وأن يجعل الصلة التي تربطه بالمنزل أقوى من الصلة التي تربطه بالمجتمع، وأن تكون صلة المودة بين الفتى وأبيه وبين الفتاة وأمها، كافية للمكاشفة والمصارحة، لإشعارهما بالمشاركة والمعاونة على أساس من تبادل التجربة، وتحمل المسؤولية، واستخدام المنطق والعقل. 4ـ فبالحكمة والموعظة الحسنة خلال معاملة المراهقين، وبإغلاق منافذ الشر عليهم، واعتصامهم بحبل الله المتين، سيتحولون بإذنه تعالى إلى شباب مستقيم، عفيف النفس، طاهر القلب، يقف عند حدود الله، ويخلومن العقد والانحرافات. ويعيش حياة طاهرة صافية، لا تشوبها الرغبات النهمة، ولا تلوثها جواذب الأرض الهابطة. قال تعالى: ?بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (. • فبالمتابعة منذ الصغر، وخلال فترة المراهقة، ولتكن متابعةً غير مباشرة، ليشعر المراهق بكيانه، وبالتربية الجادة المسؤولة، وعدم إهمال فلذات القلوب فلا يراهم بعض الآباء إلا وهم عائدون من سمرهم في أواخر الليالي… كل ذلك سيوصلنا إلىأفضل النتائج بإذنه تعالى، وإنها لمسؤولية ضخمة أمام الله، سيُحاسب مَنْ فرَّط فيها… ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَهٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (. أخي الشاب: إن أمتك تنتظر منك أن تقيل عثرتها، وأن تعيد أمجادها، بهمة الأبطال، وحصافة العقول، على منهج الرعيل الأول، في التمسك بالكتاب والسنة، مع الصبر والمصابرة، والجهاد الدؤوب، والعمل الجاد… قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربَأْ بنفسك أن ترعى مع الهَمَل وفّقنا الله وإياك إلى ما يحبه ويرضاه، والحمد لله رب العالمين.

تربية الموهوب في رحاب الإسلام

تربية الموهوب في رحاب الإسلام ¤محمد حامد الناصر وخولة درويش£بدون¥دار المعالي¨الأولى¢1421هـ€الأسرة المسلمة وتربية الأولاد¶تربية الأولاد الخاتمة: نتائج وملاحظات: الحمد لله الذي بشكره تدوم النعم، والصلاة والسلام على خير المربين محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد: فإننا بعد الانتهاء من بحثنا هذا، نوصي ببعض النتائج ونورد ما لفت نظرنا من ملاحظات كان من أبرزها: • أن الموهوبين كنز عظيم من كنوز الأمة، ويتحمل مسؤولية إهمالهم شرائح المجتمع كلها: الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع الأخرى. فعلينا أن نكتشف المواهب مبكراً، ونتابعها بالصقل والتوجيه بحرص وأمانة "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". ولا يكون ذلك إلا بوسائل علمية موضوعية، وفهم واع لنفسية الأجيال الناشئة من بنين وبنات. • فالأسرة تقدم للموهوب منذ الطفولة التسهيلات الممكنة ابتداء من اللعب التعليمي، وكذا الخبرات المفيدة، من اختيار الكتب والمجلات المناسبة لمستويات الأبناء، والأجهزة التي تشبع هواياتهم .. بأسلوب محبب ومفيد، مع الاهتمام بالجانب السلوكي والعقدي، إذ لا قيمة لنبوغ يجافي تعاليم ديننا الحنيف. • والمدرسة مسؤولة عن تهيئة الأجواء العلمية النافعة واستغلال الإمكانات والظروف الملائمة، ذلك أن بدايات الابتكار… تظهر على مقاعد الدراسة، كما ويشجع الطلاب على البحث والتجريب، وتقديم بعض إنتاجهم الجيد. ولا بد من تهيئة المعلم المناسب، من ذوي الخبرة والتخصص والفهم الدقيق لقدرات الموهوبين، ومعرفة نفسياتهم، أما قضية تخصيص فصول معينة للموهوبين، فهي فكرة ما تزال بين أخذ ورد بين المربين، وما تزال قيد التجارب الميدانية حتى الآن. • وحيث أن الوقاية خير من العلاج، فعلينا أن نهيئ الأجواء الملائمة ليدرس أبناؤنا في ديار الإسلام، وأن تُحل مشكلة الابتعاث تدريجياً، فيُضيّق نطاقها إلا عند الضرورة، مع متابعة المبتعثين في ديار الغربة، ليربطوا بالمراكز الإسلامية هنالك. أم الطالبات خاصة فيمنعن من الابتعاث، وخاصة مع عدم وجود محارمهن، ويشترط تأمين أجواء نظيفة هنالك ولكن هيهات .. هيهات!! • هذا وإن تمسكنا بتعاليم ديننا لا يعني أبداً الجمود، والبعد عن الإبداع كما يظن بعضهم، وإنما نبحث ونبتكر، ونربي العقل على النظر والتفكير مع إيمان عميق، وعبادة خاشعة. • وإذا كانت المغريات أمام هجرة العقول المسلمة، هي سبب اجتذاب الكفاءات إلى ديار أعدائنا، فلا بد من تأمين حرية التعبير واحترام المعتقدات الدينية، وكرامة الإنسان، ليتسنى لنا الاستفادة من كفاءات أبنائنا، ومن ثم توفير المستوى المناسب لهم مادياً ومعنوياً. • إن تربية النخبة ورعايتها واجب ديني واجتماعي حضاري، حيث يستخدم الإبداع لإعلاء كلمة الله، والرقي بالأمة على أسس العدل والاستقامة، وإلا انحرفت تلك الحوافز الذكية نحو الشر والتخريب. • والمجتمع بكل مؤسساته يتحمل مسؤولية إعداد الأجيال، ورعاية أصحاب المواهب، فيهيئ الفرص المتساوية في التعليم والتوظيف واختيار المهن المناسبة لكل تخصص… • ويسهّل للطلبة زيارة المتاحف والمعامل الطبية والعلمية والمعارض الفنية، وزيارة المطارات والمصانع ومحطات الكهرباء وحدائق الحيوان. • ولقد تبين لدينا، أن المقدرة والنبوغ هما نتيجة الكد الطويل، والسهر المستمر، والاجتهاد في البحث، إضافة إلى المواهب الفطرية. فلا بد من المثابرة، لا بد من تنمية الموهبة وتعهدها، فلا يشتت لموهوب نشاطه في مجالات عديدة ويجب أن يكون فكره منظماً، بعيداً عن الفوضوية، يتقدم بنفس واعية، لا تعرف الخور، يتحمل المسؤولية بعزم وتصميم. • إن الموهوبين من أبنائنا وبناتنا، هم الخميرة الحضارية، التي يجب أن نستفيد منها، ونحسن استغلالها، والإبداع الفكري أخذ وعطاء، فبقدر ما توليه من رعاية، بقدر ما تجني الأمة من الخير العميم .. فكم من المواهب ذهبت أدراج الرياح، لأن أصحابها أغفلوها ولم يصقلوها، والمجتمع لم ينمّها ولم يشجع أصحابها. • لقد آن الأوان للاستفادة من الطاقات، وإعداد العدة لغدنا، فأمتنا تنتظر، وأعداؤنا يخططون، ويتربصون بنا الدوائر… • لا بد من أن نربط إشراقة الماضي بمعطيات الحاضر، ففي تاريخنا المجيد صور مشرقة لعلمائنا الأفاضل، ممن رزقوا الموهبة والنبوغ، ونالوا رعاية أسرهم، ومتابعة مشايخهم في حلقات العلم، واستغلوا أوقاتهم بالمثابرة والبحث والتحصيل، فتركوا مؤلفات ضخمة، ونالوا الإمامة في الدين، والريادة في العلوم. وما زالت ذكراهم عطرة يفوح شذاها، نأمل أن يكونوا قدوة للأجيال المعاصرة في عقيدتهم المتينة، وصبرهم الدؤوب وهمتهم العالية. • هذا وكلنا أمل في أن تتحول الطاقات المبدعة، إلى ابتكارات تخدم الإسلام وأهله، وأن نعيد إلى أمتنا مكان الريادة الذكية، لحضارة إسلامية، نعيد للعالم العدل والأمن والأمان، في ظل تعاليم الكتاب والسنة، وذلك ما نصبو إليه، وما ذلك على الله بعزيز. والحمد لله رب العالمين.

مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة

مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة ¤عدنان حسن باحارث£بدون¥دار المجتمع - جدة¨الأولى¢1410هـ€الأسرة المسلمة وتربية الأولاد¶تربية الأولاد النتائج والتوصيات من خلال فصول وفقرات البحث توصلنا إلىنتائج هامة تهم الأب المسلم في تربية أولاده، وقد انبثقت عن هذه النتائج توصيات تُبَصِّرُ الأب بأولويات المهام والمسؤوليات التي لا بد من أخذها في الاعتبار عند ممارسته لواجباته التربوية تجاه أولاده. وفيما يلي نستعرض أهم هذه النتائج والتوصيات: 1ـ يوجب الإسلام على الأب تعليم ولده وتأديبه، وتعريفه أحكام الحلال والحرام مما يتطلب علم الأب بهذه الأحكام ومعرفته بها، لهذا يُوصى الأب بأن يطلع على التشريعات الإسلامية، خاصة الأساسية منها، ليتمكن من تعليم أولاده ـ منذ حداثتهم ـ أحكام الحلال والحرام في صورة مبسطة سهلة يمكنهم إدراكها واستيعابها. ومن ثم متابعتهم في العمل بها وتطبيقها في واقع الحياة. 2ـ يُعتبر التلقين لأساسيات الدين ومفاهيمه الكبرى في مرحلة الطفولة وسيلة هامة من وسائل التربية الفكرية، فكل ما يتلقاه الولد الصغير من معلومات ومفاهيم تُسجل في حافظته، وتُنقش في قلبه، فإذا كبر عقلها بصورة أفضل، وطبقها بصورة أحسن، كما أن اقتناعة وقبوله لهذه المعلومات والمفاهيم سهل ميسر في هذه المرحلة، وبناء على ذلك يُوصى الأب بوضع هذه المفاهيم موضع الاعتبار عند ممارسته للتربية. 3ـ تؤثر اللغة المستخدمة مع الطفل على فكره وخلقه ونموه العقلي، فهي الأوعية والقوالب التي تنقل الاعتقادات والرموز والأفكار والتصورات من جيل إلى جيل، لهذا يُوصى الأب بحسن استخدامها، واختيار أفضل الألفاظ، وأثرى العبارات المهذبة، مع التركيز على طول الجمل الكلامية عند مخاطبة الولد، وتنويع الكلمات والعبارات، وذلك ليتزود الولد بالمعلومات الجديدة حول طريقة اللفظ، والتعرف على مفردات جديدة تثري مخزونه من الكلمات وتعرفه أساليب عرض المعلومات. 4ـ يعد التقليد الأعمى، واتباع الهوى، وانحراف المدرسة الحديثة من معوقات التربية الفكرية للولد، مما يتطلب توصية الأب بتنمية شخصية الولد، ورفع معنوياته، وبذر روح الطموح والمثابرة وعلو الهمة في نفسه وعقله، ليواجه بقوة هذا الانحراف، مع حفظه وحمايته من انحرافات المدرسة، بحسن اختيارها، ومتابعة مناهجها، وتزويد الولد بالقدرات والمهارات الفكرية اللازمة، ليتمكن من التمييز بين الحق والباطل من المعلومات والأفكار والتصورات التي يتلقاها من أساتذته. 5ـ أثبتت بعض البحوث الميدانية أن الفراغ من أهم أسباب الوقوع في المعاصي والمنكرات، والانحرافات الخلقية والسلوكية، ويرجع سبب وجود هذا الفراغ إلى عدم معرفة الهدف الصحيح والغاية من الحياة، وعدم وجود التصور الواضح المتكامل لهذه الحياة، والجهل بمهام الإنسان ومسؤولياته في هذا الكون، فأدى الجهل بهذه المفاهيم إلى أن تصل ساعات الفراغ عند بعض فئات الشباب إلى أربع ساعات يومياً، وسبع ساعات في أيام الإجازات، مما ينذر بخطورة سوء استغلال هذه الأوقات الطويلة فيما لا يعود بالخير على النفوس والأوطان. وليس ثمة حل لهذه المشكلة سوى أن يوصى الأباء بإشغال هذا الوقت الطويل لدى أولادهم من خلال إقامة النشاطات والبرامج الثقافية والرياضية المختلفة، ووضع هذه النشاطات في جداول زمنية منظمة تكفل شغل كامل يوم الولد دون ثغرات. 6ـ تشكل ظاهرة انتشار الخادمات الأجنبيات خطراً فادحاً على عقيدة الولد وخلقه وثقافته خاصة اللاتي لا يجدن اللغة العربية منهن، وقد دلت البحوث الميدانية بمنطقة الخليج على أن أكثرهن غير مسلمات، ولديهن اهتمام بعقائدهن وشعائرهن التعبدية، إلى جانب ثبوت انحرافات خلقية وسلوكية عند كثير منهن، مما يشير إلى مدى الخطورة المتوقعة من أمثالهن على الأولاد. ولا شك أن الأب هو المسؤول الأول عن تربية أولاده، ورعايتهم وحفظهم من الانحرافات، لهذا يوصى الأب بأن يحرص غاية الحرص على حسن انتقاء الخادمة المسلمة العربية ـ إذا دعت الحاجةـ الملتزمة شرع الله، والكبيرة السن والعارفة بشؤون تدبير المنزل، والمتزوجة مع مراعاة عدم تكليفها شيئاً من شؤون تدبير الأولاد المباشرة.

الإسلام

الإسلام

الإسلام والشباب (بحوث في مؤتمرات دعوية وعلمية)

الإسلام والشباب (بحوث في مؤتمرات دعوية وعلمية) ¤عمر بن سليمان الأشقر£بدون¥دار النفائس - الأردن¨الأولى¢1427هـ€الإسلام¶فكر إسلامي - دراسات شاملة ومنوعة الإسلام والشباب عنوانه: الإسلام والشباب، وقد تحدثت عن مرحلة الشباب أيام أن كنت شابا، وكيف حماني ربي في ذلك الزمان، وكيف انحزت بعد تخرجي من الجامعة إلى الشباب، فدرستهم وألفت لهم، وخالطتهم. ثم تحدثت عن أهمية هذه الرحلة، فالشباب عماد الأمة، وقوتها الضاربة، وسورها الذي يحفظها من الضياع. وقد تحدثت عن الأخطار التي تحيط بالشباب في هذه الأمة، وبخاصة في مجال الإعلام الذي يحاول أن يغتال هذه الأمة وشبابها وتاريخها، وكيف حاول هذا الإعلام أن يربط شباب هذه الأمة بالأخلاق والقيم والمثل. ومن أهم الموضوعات التي عنيت بها في هذا البحث طريقة بناء الإسلام نفوس الشباب، وعقدت لهذا الموضوع أربعة مطالب: الأول: الإيمان بأن مصدر هذا الدين من عند الواحد الديان. والثاني: تحديد الوجهة والغاية. والثالث: الاتصال بالله وربط القلوب به، وقد أطلت النفس شيئا ما للتعرف على الكيفية التي ربطت القلوب بالله تبارك وتعالى. والرابع: تصفية القلوب والأرواح بالإيمان. وعقدت في هذا البحث مبحثا مهما لتحديد ما نريده من الشباب، فنحن نريد منه أن يعرف من هو، ويحمل هذه الرسالة لأهله، وقومه، والعالمين. وفي الختام قررت أن الإسلام حركة شباب.

الجمعيات القومية العربية وموقفها من الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري

الجمعيات القومية العربية وموقفها من الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري ¤خالد بن إبراهيم بن عبدالله الدبيان£بدون¥دار المسلم - الرياض¨الأولى¢1425هـ€الإسلام¶قومية عربية عرفت هذه الدراسة بعدد من القضايا المهمة، بل الخطيرة في حياة الأمة الإسلامية في تاريخها الحديث والمعاصر، ومن خلال طرح تلك القضايا، وبيان عللها ومعالجتها انتهت الدراسة إلى النتائج التالية: 1. الكشف عن حقيقة الجمعيات القومية العربية، بذكر مبادئها وأهدافها مع الإشارة إلى مكان النشأة وتاريخها، وبيان التطور الذي رافق تأسيس تلك الجمعيات، حيث بدأت بالدعوة إلى اللغة العربية وآدابها، ثم تجردت إلى المطالبة بحكومة علمانية جاهلية. 2. إن غياب مفهوم شمولية (الدين)، والجهل بحقيقة كلمة (التوحيد)، أمران جوهريان لوحظا على واقع بعض المسلمين في القرن الرابع عشر الهجري عامة، وعلى (المثقفين) و (المتنورين) منهم خاصة، فغدت عبادة القبور من المناظر المألوفة، وحرفت مفاهيم عدد من مسائل العقيدة: كالتوكل على الله، والولاء والبراء، وتحكيم الشريعة الربانية، ورافق هذا كله ظهور عقيدة الفكر الإرجائي. 3. التعريف بأعضاء الجمعيات القومية العربية، بإيراد ترجمة موجزة لكل عضو من أعضائها-الوارد ذكرهم في ثنايا البحث- مع ذكر دوره في تأسيس الجمعيات، ثم بيان المنصب القيادي الذي تبوأه في البلاد العربية بعد القضاء على الحكومة العربية الأولى في دمشق (1338هـ - 1920مـ)، وتوزع أعضاء الجمعيات القومية العربية في الدول العربية، لنشر مبادئ وأهداف الجمعيات القومية، والمشاركة في تأسيس نظام الحكم في الدول حديثة النشأة. 4. إن رابطة الدين هي العروة الوثقى، واستبدالها بغيرها دعوة من دعاوى الجاهلية التي ارتضتها الجمعيات القومية العربية، فحل بالمسلمين البلاء واستعمار البلاد نتيجة نبذ عقيدة التوحيد ظهريا، وتحكيم النظم الكافرة. 5. الاعتبار والاتعاظ بحال الأمة في ظل قيادة الجمعيات القومية، بتدرج العقوبة الإلهية عليها- بعد استبدالها الشرع الإلهي بالقانون الوضعي الجاهلي- فبدأت العقوبة عندما قسمت دولهم وجعل بأسهم بينهم فاستعمرت بلادهم، ثم تمكنت أفراخ النصارى والعلمانيون في سدة الحكم ومنابر التوجيه، ليسلكوا بهم إلى سنة اليهود والنصارى. 6. تتبع مواقف الجمعيات القومية العربية، التي اتخذتها من مصادر التشريع وأصول العقيدة ومناقشتها وبيان مخالفتها لأحكام الشرع الحنيف، وتوضيح أن مواقفهم –مما ذكر- نابعة من فساد عقيدة بعضهم وتأثر البعض الآخر منهم بالمبادئ والدعوات الإلحادية، وقد اتخذت الجمعيات القومية أسماء ظاهرها السلامة والصلاح، وباطنها الكفر البواح، فهي تعلن أنها إصلاحية، ولكن على المنهج الجاهلي، أو أنها أدبية، ولكن على المبدأ الإلحادي. 7. كشف تآمر الدول الصليبية على تغريب المسلمين، وتعاونهم وتكاتفهم للقضاء على أصل وحدتهم (الإسلامية)، وتم استبدالها بشعارات قومية، فأمد الصليبيون الجمعيات القومية بالأموال، ودعموا الثورة العربية بالسلاح والرجال، مع الإغراء والأماني الكاذبة والتي تحقق فيهم قول الله جل ذكره {الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا}.

8. لما خلت الساحة من العلماء الربانين –إلا من رحم ربك-، والدعاة المخلصين الذي يفقهون أبعاد مبادئ وأهداف تلك الجمعيات، انفسح المجال للشر أن يستفحل، فأحدثت النظم والقوانين الجاهلية في واقع المسلمين مما ساهم في دعم أهداف الجمعيات القومية، ونشرها وتطبيع المسلمين بها، وهذا من السنن الكونية، قال تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون}. 9. إن وجود نصارى العرب في عناصر تأسيس الجمعيات القومية العربية وأعضائها أمر ملفت للنظر ساعد على قبول هيمنة الدول الصليبية، ونشر مبادئها واستعمار بعض البلاد العربية. 10. أصبحت الجمعيات القومية العربية منابر إعلامية للأفكار والمبادئ الماسونية العالمية وتعرف بأعلام ودعاة هذه الأفكار عبر وسائلها المختلفة، وإظهارهم للناس بصورة: (دعاة الإصلاح) و (شهداء الحرية)، كما أوضحت الدراسة عن هذه القضية بذكر أسماء محافل الماسونية في بعض البلاد العربية، وتزعم أعضاء الجمعيات لرئاستها، مما أظهر مبدأ التوافق بين وسائلها وأهدافها مع الجمعيات القومية العربية. 11. إن الفرق المعادية لأهل السنة: كالرافضة، والدروز والنصيرية، ازداد نشاطها في تأسيس وتنظيم الجمعيات، وكان تعاونها مع الاستعمار وعملها لحسابه سببا في سيطرتها على كثير من مراكز التوجيه، والتأثير في بعض الدول الإسلامية، وقد غيب ذكر معتقد الأعضاء في تنظيم الجمعية. 12. إن عقدية الولاء والبراء-لدى أعضاء الجمعيات القومية العربية من المسلمين-، قد تحطمت في نفوسهم، تحت تأثير مبادئ الجمعيات والشعارات الوثنية والرايات الجاهلية، حتى قال قائلهم: (الدين لله والوطن للجميع، نحن عرب قبل موسى وعيسى ومحمد، إن محمدا لعربي قبل أن يكون مسلما)، ودون النظر إلى عقيدة الأعضاء تولى أصحاب العقائد الفاسدة- من نصارى وباطنيين وعلمانيين- رئاسة بعض الدول، وسيطر آخرون منهم على مراكز التوجيه، فكان منهم: قادة الجيش، ووزراء التعليم والثقافة، ووزراء الإعلام والتربية، والمستشارون والخبراء، وكان فيهم المدرسون وقادة الرأي ... الخ. 13. البعثات (العلمية) للدول الصليبية، كانت من أهم العوامل المساعدة في تأثر أعضاء الجمعيات القومية من المسلمين بمبادئ الثورة الفرنسية، وتقبل أفكار زعمائها ودعاتها، ونشر في واقع المسلمين، ولذا كانت بداية تأسيس بعض الجمعيات القومية العربية في بلاد أوربا. 14. إن تأسيس الجمعيات القومية العربية على (مبدأ قومي)، هو امتداد للجمعيات النصرانية في الدول الصليبية، وتحقق فيهم ما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (لتتبعن سنن من قبلكم، شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن). 15. كان للجمعيات القومية العربية دور بارز، في القضاء على مفهوم (الخلافة الإسلامية) واستبدالها بحكومة علمانية، يحكمها الدستور تحت شعار الديمقراطية، ثم الاتفاق مع الدول الصليبية (الحلفاء) للقضاء على الدولة العثمانية، ودعم هذا الدور كتابات (الكواكبي) و (رفيق العظم) و (عبد الحميد الزهراوي) ممن تم تصنيفهم –لدى أعضاء الجمعيات- من كتاب التوجه الإسلامي، وبمواقف علماء الصوفية وأصحاب المصالح الشخصية. 16. إن تاريخ الدولة العثمانية خلال تأسيس الجمعيات القومية العربية، يعتبر دليلا على السنة الكونية (أن تتأثر الأمة المتأخرة بغيرها من الأمم المتقدمة، وأن تحاكيها وتحاول الاقتداء بها) وما حصل في الدولة العثمانية-كما يقول من كتب عنها-يتدرج في مقتضى هذه السنن، فقد تأخرت الدولة لما أهملت جوانب تقدم الأمة، ولم تهتم بما كان يوليه الغرب للعلوم والمعارف، ولكن الغريب في الأمر أن الذين تولوا زمام أمور البلاد في تركيا منذ فترة بدايات الإصلاحات وابتعاث الطلاب إلى الغرب، لم يتحرروا من ظاهرة انبهارهم بكثير من مظاهر البراقة ما ينفع البلاد والعباد، وكان أولى بهم أن يفرقوا في الأخذ مما عند الغرب بين اللباب والقشور. 17. إن انتشار الفكر القومي على أيدي أعضاء الجمعيات القومية العربية، لم يكن خصيصا بأرض العرب فحسب، بل كانت هناك دعوات تنادي بقوميات أخرى كالتركية، أو الأندنوسية أو الألبانية .. الخ، فقد فرقتهم الشعارات الزائفة، بعد أن جمعهم الدين الواحد. 18. إن الباطل لا يدوم، وإن الحق ظاهر لا محالة، وإن الله قد حكم في كتابه: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}، ومن لوازم التمكين في الأرض وتولي قيادة الأمة بالمنهج الرباني، كشف عورات المبادئ والشعارات الجاهلية، وفضح الداعين لها.

التسامح والعدوانية بين الإسلام والغرب

التسامح والعدوانية بين الإسلام والغرب ¤صالح بن عبدالرحمن الحصين£بدون¥مؤسسة الوقف الإسلامي - الرياض¨الأولى¢1429هـ€الإسلام¶تسامح خاتمة: 1) أَوضَح الفصل الأول مدى المساحة التي أتاحتها نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة وكتابات علماء المسلمين من الرحمة والعفو والصبر، وأن هذه المعاني هي جذور التسامح، وفي الوقت نفسه هي مظاهره وثمراته. وأوضح الفصل الثاني منزلة حسن الخلق في الإسلام ومدى عناية الإسلام بالتربية عليه، وليس التسامح إلا صورة من صوره. وأوضح الفصل الثالث أن تصور المسلم - للكون والحياة - المؤسس على فكرة الانسجام والتكامل ووحدة القانون الحاكم، هذا التصور يجعل التسامح بالضرورة جزءاً من طبيعة الإسلام ومن مكونات جوهره. وأوضح الفصل الرابع أن سيادة طابع الوسطية والاعتدال والتوازن ورفض التطرف من شأنه – بحكم ما تقتضيه طبائع الأمور – أن يضيق المجال أمام العدوانية وعدم التسامح. وأوضح الفصلان الخامس والسادس أن آثار ارتباط التسامح بالإسلام ظهرت في إلغاء التمييز العنصري، وفي قبول التعددية والتعايش مع الآخر بصورة نَدَر وجود مشابه لها في تاريخ الحضارات المختلفة. وأوضح الفصل السابع أن التسامح لم يكن ليغيب في ثقافة الإسلام؛ حتى في ظروف تناقض مصالح الدول أو قيام الحرب بينها. وبغرض تمام الإيضاح بالمقارنة، جاء الفصل الثامن يبين منزلة التسامح قيمة إنسانية، وتطبيقاته عملياً في الثقافة الغربية؛ ممثلة في نموذج الثقافة الأمريكية. 2) إن التسامح - فكرة وتطبيقاً - يخضع لفكرة الانسجام والتكافل والتوازن التي تحكم تعاليم الإسلام ومبادئه وأحكامه؛ فهو لا يعني التفريط في أن تكون لله العزة ولرسوله وللمؤمنين، ولا يعني الخضوع للظلم أو خذلان المظلومين، ولا يعني عدم التمييز بين الحق والباطل، ولا يعني الإخفاق في تحقيق الولاء والبراء في صورته الصحيحة المنسجمة مع روح الإسلام وتعاليمه. 3) حفل تاريخ المسلمين - كما حفل تاريخ غيرهم - بصور من العدوانية والتعصب وعدم التسامح؛ ولكن الضمير الخلقي الجمعي للأمة الإسلامية ظل واعياً بمناقضة تلك الصور لروح الإسلام ومبادئه. وفي العصر الحاضر يُخشى- بسبب التأثير الطاغي للثقافة الغربية الذي يسنده الانبهار بالتقدم المادي والتكنولوجي والمعرفي للغرب وسلطان الإعلام المسيطر - أن يصاب الضمير الخلقي الجمعي للأمة بتشوهات غير إسلامية، وإن تسرب بعض اتجاهات الثقافة الغربية إلى مجتمعات المسلمين؛ مثل النسبية الأخلاقية والميكيافيلية والأنانية والتسليم بفكرة الصراع والمغالبة حتى في أوساط بعض العاملين للإسلام، يدعو إلى تلك الخشية. كل ما سبق حري بأن يلفت نظر الجهات المسؤولة عن التربية في المجتمعات الإسلامية إلى ضرورة توعية النشء بالتصور الإسلامي عن التسامح باعتباره قيمة أساسية في حياة المسلم، وتحصينه من أي تشويه يمكن أن تتعرض له هذه القيمة الإنسانية من قيم الإسلام.

العمل التطوعي في ميزان الإسلام

العمل التطوعي في ميزان الإسلام ¤أحمد محمد الجمل£بدون¥دار السلام-القاهرة¨الأولى¢1430هـ€الإسلام¶جمعيات خيرية - أعمال شاملة ومنوعة خاتمة: أحمد الله سبحانه وتعالى الذي وفقني إلى إتمام هذا البحث، والذي لا أدعي الكمال فيه – فسبحان من تفرد بالكمال – وأستغفر الله عما يكون قد بدر مني من خطأ فيه، وإن كان هذا هو أفضل ما استطعت الوصول إليه، ولعله يأتي من بعدي من يتم هذا الجهد المتواضع، فأنا لا أدعي أنني وفيت البحث حقه، أو استقصيته وأتممته من جميع جوانبه، فهو جهد مقل، ويد الكاتب قصيرة، وعين الناقد بصيرة. وبعد: فقد اعتاد الباحثون أن يختتموا بحوثهم بأهم النتائج التي توصلوا إليها، من خلال رحلتهم مع البحث، ويقدموا توصياتهم ومقترحاتهم بشأنه، ولما كان بحثنا هذا لا يخلو من طول بحكم طبيعته، فإنه من الصعب بمكان أن أذكر نتائجه كلها، وعليه: فإني سأكتفي بذكر بعض الأمور العامة. فهذه الصفحات بين يديك – أخي القارئ الكريم – ما هو إلا محاولة يسيرة لرسم صورة عامة للعمل التطوعي في الإسلام، حاولت فيها أن أذكر النصوص الشرعية المؤصلة للتكافل الاجتماعي والتطوعي، والتطبيقات العملية في سير السلف، وآثار تطبيقاتها على الفرد والمجتمع، مقارنة ببعض النظم الحديثة. ولعل نتيجة بحثي تتلخص في أن: 1 - العمل التطوعي له في أدبيات اللغة العربية أكثر من عشرة معان ومصطلحات، تعارف عليها العرب منذ الجاهلية، وترسخت تلك المعاني في أذهان ونفوس المسلمين عند العمل به. 2 - العمل التطوعي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحدوث الكوارث والطوارئ، وهو ما دفع المختصين إلى دراساتها وتقسيمها. 3 - في الفقه الإسلامي مورد ضخم للحديث عن أحكام العمل التطوعي، وهو فعل جائز مباح والأصل فيه الندب كغيره من أفعال الخير. 4 - للعمل التطوعي في الإسلام أصول متينة، ونصوص صريحة، عرضت منها لحوالي 100 آية، و63 حديثاً نبوياً شريفاً. 5 - للعمل التطوعي تطبيقات شهيرة عند الأنبياء جميعاً، وخصوصاً المصطفى صلى الله عليه وسلم وعند التابعين، والسلف الصالح. 6 - للعمل التطوعي مورد هائل لا ينضب يتمثل في الوقف الإسلامي والزكاة، وهو ما يزيح عبء العمل عن كاهل الدول. 7 - للعمل التطوعي آثار ضخمة، منها العام ومنها الخاص، منها آثار نفسية واجتماعية وإنسانية ومالية، فهو يؤثر في اكتساب رضا الله وشكر نعمته، والعمل على ابتغاء الدار الآخرة. 8 - هناك فتاوى صريحة لدار الإفتاء المصرية، تعرضت فيها للعمل الإغاثي في الإسلام، وأصوله وكيفية التعامل مع الكوارث المختلفة.

حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها

حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها ¤سليمان بن صالح الخراشي£بدون¥بدون¨بدون¢1429هـ€الإسلام¶العلمانية والعلمانيون الخاتمة: الحمد لله أولاً وأخراً وظاهراً وباطناً على إتمام هذا البحث وإنجازه، وهذا من فضل الله ونعمته وعطائه الذي لا يعد ولا يحصى. وفي ختام هذا البحث سوف أذكر أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال بحثي لهذا الموضوع، مع ذكر أهم التوصيات التي أرى ضرورتها لإتمام ثمرة هذا البحث من الناحية العلمية: أولاً: النتائج: فيما يلي أستعرض أبرز نتائج البحث باختصار: 1 - أن الليبرالية ظهرت كرد فعل للأوضاع الدينية والاجتماعية في أوروبا غير واعية بذاتها، ومتجهة نحو التحرير من قيود الدين والنظم الاقتصادية والسياسية الصارمة للإقطاع والملكية، ولكنها تبلورت بعد ذلك وأصبح لها أسس فكرية عامة وهي: (الحرية الفردية العقلانية). 2 - أن (الليبرالية) ارتبطت منذ نشأتها الأولى بالطبقة الرأسمالية، وأصبحت خادماً فكرياً لها، يبرر طغيانها وأنانيتها تبريراً عقلياً، وقد تغيرت الأفكار الليبرالية زماناً ومكاناً بناء على مصالح الرأسمالية، وهذا ما يفسر التعدد الغريب في الفكر الليبرالي. 3 - أن (الليبرالية) منذ أن تكونت وهي خاطر إطار الدين، وتعتمد على العقل اعتماداً كاملاً لأنه المصدر الأساسي في المنفعة، وهو مستقل في إدراك مصالح الإنسان دون الحاجة إلى قوى خارجية غيبية تبين له المصلحة، فالليبرالية تكونت في رحم العلمانية من جهة موقفها من الدين والقيم والأخلاق. 4 - ارتبطت (الليبرالية) بالديمقراطية (كنظام سياسي يحقق الحرية الفردية)، وقد شكلت هذا النظام بما يوافق اتجاهاتها المتعددة، ولهذا تعددت الديمقراطية – أيضاً – كتعدد الليبرالية، و (الليبرالية) و (الديمقراطية) ظهرتا كنتاج للحركة الصناعية التي أحدثتها (الرأسمالية)، ولهذا فقد خدمت (الديمقراطية) الرأسمالية كما فعلت الليبرالية مع أن الليبراليين في أول الأمر كانوا في مواجهة حقيقية مع الديمقراطية والديمقراطيين؛ لأن الفكر الليبرالي يقوم على (الحرية) والفكر الديمقراطي يقوم على (المساواة)، وإشكالية العلاقة بينهما هي سبب الاختلاف والتعدد في أنماطهما، ثم اتخذت الليبرالية صورة معينة للديمقراطية توافق مفهومها عرفت فيما بعد (بالديمقراطية الليبرالية). 5 - تعتبر (الفردية) الأساس الفلسفي، والمنطلق الفكري لليبرالية، و (الحرية) هي جوهرها، ومن هنا تسعى الليبرالية على تحقيق الفرد لذاته بصورة حرة مطلقة، وهذا يدل على أن الأنانية، والانفلات الأخلاقي والفكري أمور ذاتية في الفكر الليبرالي. 6 - تعددت اتجاهات الليبرالية في الموقف من الدولة، والشكل الأصلي لليبرالية هو عدم تدخل الدولة إلا فيما لابد منه، وجعل الدولة حارسة على تطبيق الحرية بالمفهوم الليبرالي، ولكن (الليبرالية) غيرت جلدها بعد ظهور آثارها الكارثية فأظهرت نوعاً آخر يؤكد على تدخل الدولة لحماية (الحرية)، وهذان الاتجاهان هما أبرز اتجاهاتها (الليبرالية الكلاسيكية، والاجتماعية). 7 - أن فكر الليبرالية وتطبيقه في القرن التاسع عشر أظهر الوحشية العنيفة له في تعامله مع الفقراء والمحتاجين، والقضايا الاجتماعية بصورة عامة، وقد اضطر هذا الفكر لتعديل نفسه بعد الحرب العالمية الثانية وظهور أزماته ليتجه إلى دعم القضايا الاجتماعية بهدف تحفيز الطلب ليزيد بالتالي العرض وهو هدف الرأسمالية الأول. 8 - أن الليبرالية فكر استعماري يريد الهيمنة على شعوب العالم وينهب ثرواتهم، ولهذا كان القرن التاسع عشر هو قرن الاستعمار، وهو العصر الذهبي – أيضاً – لليبرالية، وتطبيقاته المعاصرة (العولمة) تدل على ذلك.

9 - أن الليبرالية فكر مفتوح لا يتضمن قضايا معرفية محددة؛ لأنه يدعو إلى حرية الفكر والتسامح فلا يوجد أفكار معينة صحيحة أو عقائد ثابتة محكمة فالثقة بالأفكار مناف للحرية، ولهذا لا يوجد لدى الفكر الليبرالي إجابات حول الأسئلة الكبرى في حاية الإنسان؛ لأن من حق كل إنسان أن يجيب بما يشاء، ولا يحق لغيره منعه مهما كان جوابه شاذاً أو منكراً، ومستند ذلك (الحرية) المفتوحة دون قيد. 10 - أن (الليبرالية) دخلت إلى العالم الإسلامي عن طريق الاستعمار وعملائه من الأحزاب والجمعيات السرية التي تكونت على حين غفلة من المسلمين، وقد كان للنصارى العرب دور بارز في ذلك. 11 - أن (هذا الفكر) لم يكن له أن يغرس في بلاد المسلمين لو لم يكن له أرضية مهدت له وهي الانحراف العقدي (وخاصة الإرجاء والتصوف)، والاستبداد السياسي، والجمود والتقليد، والذي بدأ في الأمة الإسلامية في فترة مبكرة، وقد ترسخ في نفوس المسلمين وخاصة بعد سيطرة هذه الانحرافات حتى أصبحت ظاهرة اجتماعية واضحة. 12 - أن (علم الكلام) و (التصوف) وغلو بعض أهل السنة والجماعة في طاعة ولي الأمر دعم الاستبداد السياسي وأنسى الأمة الإسلامية الصورة المشرقة للشورى الإسلامية، وقد اختلط (الاستبداد السياسي) في حياة المسلمين كنتيجة خاطئة مع حقيقة الإسلام مما سبب انبهار شباب المسلمين بالديمقراطية الغربية مع تناقضاتها وماديتها، وكراهيتهم لأحكام الإسلام وعقائده، وجعلهم يتصورونه كالنصرانية المحرفة خاصة مع الجهل العظيم بحقائق الإسلام الكبرى. 13 - أن (الليبرالية) لم تطبق بصورة كاملة في البلاد الإسلامية، لكن طبق منها ما يخدم مصالح الاستعمار بعد رحيله لاسيما ما فيه عدوان على العقيدة كالإلحاد والأفكار التغريبية التي جاء بها عملاؤه، وبأدنى نظرة فاحصة في البلاد الإسلامية تظهر نتائج الفساد الأخلاقي، ودمج الاقتصاد في المنظومة العالمية وعدم سيطرة الدول على ثرواتها، وظهور الإلحاد والمذاهب الفكرية المعاصرة وغيرها، مع غياب كامل لحقوق الإنسان، والتوزيع العادل للثروة، وتقييد سلطة الحاكم، وتداول السلطة وغيرها. 14 - أن البلاد الإسلامية أصبحت حقل تجارب للأفكار الغربية المتناقضة، وقد نهبت ثرواتها من خلال الاستعمال، بعد ذلك من خلال الاستثمار الأجنبي، وبرامج الإصلاح الاقتصادي لصندوق النقد الدولي. 15 - أن الحرية قيمة عظيمة في التربية الإسلامية تدل عليها مقاصد الشريعة وقواعدها الأساسية وهي مناط التكليف لأن المجبر لا تكليف عليه، ولهذا جاءت الشريعة بالحرية السياسية والاقتصادية، وحرية الرأي والاعتقاد في أكمل وجه بصورة أخلاقية تناسب طبيعة الإنسان وتحقق له السعادة بشكل متوازن دون حيف أو شطط، ولا إفراط ولا تفريط، وكل الفلسفات المادية التي تنادي بالحريات لا تمثل أي منهج أخلاقي أو متوازن بل هي تحققه لطرف على حساب آخر، وتصبح شقاء لمن حققتها له لأنها لا تتناسب مع خلقته الفطرية. 16 - أن (الفكر الليبرالي) فكر ظالم يستعبد الشعوب الضعيفة، وهو فكر امبريالي احترابي لا يوقفه إلا (المقاومة) من خلال جهاده عندما يحتل بلداً إسلامياً، أو بالاحتساب عندما يمارس ضغوطاً سياسية أو اقتصادية على البلاد الإسلامية لتطبيق أجندة معينة، أو من خلال الكشف والبيان عندما يدعم عملاءه، لتحقيق مآربه وأفكاره. 17 - أن الأمة الإسلامية لا يمكن أن تخرج من أزمتها الحالية إلا بالعودة الصادقة إلى الإسلام الصحيح بعيداً عن آراء الفرق الضالة، أو الشهوات المنحرفة، وذلك بالتربية للأجيال عليه، والتكاتف بين فئات الأمة لرفض العدو الجاثم على صدرها، والمستبد عليها.

18 - أن (الليبرالية) تناقض أصل الدين، وتتضمن أنواعاً من الكفر الأكبر الناقل عن الملة مثل: كفر الاستحلال، وكفر الشك، وكفر الإباء والامتناع، وشرك الإرادة، وكل واحد منها يكفي في الخروج عن الإسلام. وغيرها من النتائج المهمة التي تضمنها البحث، وتوجد في أبوابه وفصوله. ثانياً: التوصيات: وفيما يلي أهم التوصيات: 1 - توجيه الدراسات العلمية في الجامعات الإسلامية إلى دراسة الأفكار والمذاهب والاتجاهات الفكرية المعاصرة، وتحذير الأمة من خطرها، وكشف ألاعيبها وخططها التدميرية للمجتمع الإسلامية. 2 - أهمية إبراز المفاهيم الإسلامية الغائبة عن المجتمع مما أفسدته الليبرالية مثل: الحرية، والتسامح، والانفتاح، والحوار، والمشاركة السياسية وغيرها، وضبط المنهجية الإسلامية في التعامل مع المصطلحات المعاصرة. 3 - دراسة المشاريع الفكرية الليبرالية في العالم العربي والإسلامي بصورة تفصيلية خصوصاً بعد التغير الكبير في منهجية المفكرين الليبراليين العرب، والعودة إلى التراث الإسلامي لتأصيل الحداثة الليبرالية من خلاله. مثل مشروع التاريخية عند محمد أركون، والتأويلية لدى نصر أبو زيد، والتجديد في فكر حسن حنفي، ونقد العقل العربي عند الجابري وغيرهم. 4 - إحياء روح المقاومة للظلم في الأمة الإسلامية لأنه كفيل بصد عدوان الليبرالية على المجتمعات الإسلامية، فإذا أُحتل بلد فيجب على أهله مقاومة الاحتلال وجهاده، كما يجب مقاومة الضغوط السياسية لتغيير المناهج أو فرض أنماط السلوك والنظم الليبرالية من خلال النصيحة والاحتساب، وتحريك الأمة للدفاع عن دينها وعقيدتها واستقلالها. 5 - أهمية دور العلماء والمفكرين والمثقفين لحماية الأمة من الأفكار الهدامة، والقيام بأعمال بنائية تكفل حمايتها مثل: الاصلاح الديني، والتربية والتعليم، وبناء المؤسسات الاجتماعية الأهلية الفاعلة، وتحريك الأمة لتكون أمة منتجة. 6 - بناء مراكز الدراسات الفكرية والثقافية المتخصصة لتقديم الأبحاث والتقارير حول قضايا الأمة المصيرية، ووضع الحلول الممكنة لمواجهة تيارات التغريب وآثارها الاجتماعية على الأمة، وتقديمها لصناع القرار والمؤثرين في المجتمع. 7 - ضرورة إجماع الأمة الإسلامية على منهج أهل السنة والجماعة، ونبذ الفرقة والاختلاف، والتمييز بين الخلاف الذي يعذر صاحبه به، والذي لا يعذر به، والحرص على الاجتماع ولم الشمل، والبعد عن التحزب والعنصرية فهي سبب الضعف، مع أن التيار الليبرالي الكبير لا يواجه بالتفرق بل باجتماع الكلمة الواحدة. 8 - ضرورة التفريق بين من ينتمي لليبرالية وهو يعرف مقاصدها، ومن ينتمي إلى الشعار دون معرفة حقيقية له، وأرى أهمية إجراء الحوارات الهادئة مع كافة شرائح هذه الاتجاهات، وتوضح الحق، وإزالة سوء الفهم، فإن بعض هؤلاء لديهم مفاهيم خاطئة تزول مع المناقشة والحوار البناء.

موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه - واقع المسلمين وسبيل النهوض بهم

موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه - واقع المسلمين وسبيل النهوض بهم ¤أبو الأعلي المودودي£بدون¥مؤسسة الرسالة - بيروت¨الثالثة¢1398هـ€الإسلام¶تجديد الدين آراء وتوجهات الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم .. وبعد: في نهاية هذا البحث أوجز أهم ما توصلت إليه بما يلي: الأول: أن التجديد في اللغة: هو إعادة الشيء بعدما خَلِق وبلي إلى ما كان عليه في حالته الأولى. الثاني: أن التجديد في الشرع: هو إحياء ما اندرس من معالم الدين وانطمس من أحكام الشريعة، وإعادة ما ذهب من السنن وخفي من العلوم، وإماتة البدع والرد على أهلها. الثالث: أن لأهل العلم تعريفات كثيرة للتجديد الشرعي كلها تتفق في المقصود والمراد من التجديد. الرابع: أن مصطلح التجديد ورد في القرآن والسنة لمعان عدة، وقد بسطتها في موضعها. الخامس: أن مجالات التجديد الشرعي كثيرة، فأصول الدين وأحكام الشريعة كل ذلك يناله التجديد بالمفهوم الشرعي الصحيح. السادس: أن تجديد الدين لا يقوم به كل أحد من الناس، بل هناك ضوابط وشروط عظيمة للقيام بهذا العمل العظيم. السابع: أن من أهم تلك الضوابط أن يكون المجدد من أهل السنة والجماعة، وسائراً على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين. الثامن: أنه لابد من التفريق بين الثوابت العقدية والمسلَّمات الشرعية، وبين المتغيرات كالأمور المستجدة ونحوها. التاسع: أن المجدد على رأس المائة قد يكون أكثر من واحد، كما لا يلزم أن يكون المجدد مجدداً في العلوم كلها، بل قد يكون مجدداً في مجال من المجالات، ويكون غيره مجدداً في مجالات أخرى. العاشر: أن لعمل المجددين في الماضي آثاراً عظيمة في حفظ الدين عقيدة وشريعة وسلوكا، وقد أشرت إلى أهم تلك الآثار في موضعها. الحادي عشر: أن الأمة بحاجة ماسة إلى مجددين، يحملون مؤهلات التجديد ويتحلون بضوابطه؛ إذ لظهور هؤلاء أهمية عظمى في حاضر الأمة ومستقبلها للسير بها إلى معالي العزة والقيادة، وصدْق التعبد لله تعالى على عقيدة صحيحة ومنهج سليم، وفق ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. الثاني عشر: أن من الناس من ادعى التجديد، وهو لا يملك مؤهلاته؛ فابتدع في الدين وأحدث فيه ما ليس منه، وأخرج منه ما هو من حقائقه ومسلِّماته. الثالث عشر: أن للتجديد المنحرف، الذي يقوم به من لا يعرف ضوابطه وشروطه أخطاراً عظيمة على دين المسلمين، وتتجلى خطورة أدعياء التجديد في تبنيهم لنظرية التطور والتغيير، وكذلك دعوتهم إلى التقارب بين الأديان وإلغاء الفوارق بينها، ومحاولتهم إخضاع الإسلام للمناهج الغربية الضالة، أو للعقول القاصرة. الرابع عشر: وتتجلى خطورة التجديد المنحرف في كونه يُحدث في الدين ما ليس منه، وينقض ويحرف ما هو منه، كما أنه يؤدي إلى فصل حاضر الأمة عن ماضيها، ونسبة النقص إلى أسلافها. الخامس عشر: أن للمفاهيم الخاطئة في التجديد آثاراً سيئة في ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها؛ إذ تشوش تلك المفاهيم على الناس دينهم، وتخلط الحق بالباطل، وتبعد الأمة عن مصدر عزها وكرامتها، وبخاصة إذا جاءت تلك المفاهيم تحت شعار تجديد الدين، فهي أشد خطورة وأعظم أثراً.

نحو موقف جديد من التصوف

نحو موقف جديد من التصوف ¤طارق محمد الهدية£بدون¥جامعة الملك سعود - الرياض¨الأولى¢1426هـ€الإسلام¶تصوف - صوفية الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فقد انتهيت بعون الله وتوفيقه من إكمال هذه الدراسة. ورأيت أن أورد في خاتمتها أبرز النتائج التي توصلت إليها، وهي كما يلي: 1 - عرفت الدراسة التصوف – بمعناه العام – بأنه مذهب سلوكي خلفي (لا يكاد يخلو من البدع صغيرها وكبيرها) منتسب إلى أهل السنة والجماعة، يتعامل مع الكتاب والسنة وفق منهج الكشف. 2 - بينت الدراسة أن أبرز من مثل الموقف السلفي المعاصر والمشهور من التصوف هو عبد الرحمن الوكيل من خلال كتابه (هذه هي الصوفية) الذي نقد فيه التصوف في جميع جوانبه وهاجمه هجوما شاملا. أما الموقف السلفي غير المشهور فقد مثله رشيد رضا الذي كان يرى تقسيم التصوف والمتصوفة على أقسام ولا يكتفي بحكم واحد عام على الجميع. 3 - ثم بيان أن التصوف مر منذ نشأته بنحو ست مراحل هي: (مرحلة نشأة التصوف) والتي كانت في القرن الثاني الهجري، ومن رموز هذا التصوف الزهدي إبراهيم بن أدهم ورابعة العدوية، ثم المرحلة الثانية وهي (مرحلة التصوف العملي). هذه المرحلة تنتظم القرنين الثالث والرابع الهجريين. ومن أهم أعلام هذه المرحلة الجنيد بن محمد. وخلال هذين القرنين تكامل التصوف واتسع أبان هذه المرحلة الكلام في الأذواق والكشف والمواجد والأحوال القلبية والروحية بصفة عامة. أما المرحلة التاريخية الثالثة للتصوف فهي (مرحلة التصوف المعرفي). هذه المرحلة تقع في القرن الخامس الهجري. ومن أهم أعلام هذه المرحلة أبو حامد الغزالي والذي كان أكثر جهده جمع ما نقل عن الصوفية الذين سبقوه وترتيبه وتهذيبه وشرحه والاستنباط منه والبناء عليه واستقراء القواعد والموجهات للتصوف. المرحلة الرابعة للتصوف هي (مرحلة التصوف الفلسفي) وقد بدأت هذه المرحلة في أواخر القرن السادس الهجري. وأهم ما يميز رموز هذا التصوف تأثرهم الواضح بالفلسفة اليونانية. من أهم رموز هذه المرحلة محي الدين ابن عربي. وقد جمع هؤلاء بين كونهم صوفية وكونهم فلاسفة في آن واحد. المرحلة السادسة للتصوف: (مرحلة تصوف المتأخرين) وقد ظهرت في أواخر القرن السابع حين دخل التصوف في فترة انحطاط وتخلف وغلب على مشايخ التصوف والمنتسبين إليه التقليد والتعصب الأعمى وتفشت ألوان من الخرافات والدجل والشعوذة. 4 - قسم ابن تيمية الصوفية إلى ثلاثة أقسام: صوفية الحقائق وهم الصوفية الحقيقون وهم الذين يستحقون اسم الصوفية. وبين ابن تيمية أنهم قوم مجتهدون في طاعة الله، وصوفية الأرزاق وهم الذين وقفت عليهم الأوقاف. صوفية الرسم وهم الذين اقتصروا على لباس الصوفية دون حقائق التصوف. أما صوفية الملاحدة فهم – عنده – ليسوا من الصوفية. 5 - أما موقف ابن تيمية من التصوف فقد تميز بأمرين: الأول: أنه تعامل مع الصوفية بنفس الأسلوب الذي تعامل به مع غيرهم من المذاهب الفقهية والكلامية، حيث كان يقر ما وافق الكتاب والسنة ويعارض ما خالف الكتاب والسنة، والثاني أنه لم يرفض التصوف جملة.

6 - قسمت الدراسة التصوف إلى مراتب هي: التصوف الباطني: وهو أقبح أنواع التصوف حيث أنه تأثر بالحركات والاتجاهات الباطنية التي اجتاحت ديار الإسلام. وتصوف إباحي: وأعني به ذلك اللون من الممارسات الصوفية التي يدعي أصحابها أنهم وصلوا إلى درجة رفعت عنهم التكاليف الشرعية. وتصوف فلسفي: وهو ذلك التصوف الذي اختلط بالفلسفة وهو تصوف القائلين بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود. التصوف الاستغاثي: وهو الذي يسميه البعض بالتصوف القبوري. وتمارس فيه البدع التي تصل إلى درجة الشرك الجلي. تصوف شطحي: ومرادي به ما يتضمن عبارات ظاهرة في اشتمالها على الكفر الصريح. وقد اعتبرت مثل هذه العبارات من الشطح لأن من قالها قد خرجت منه وهو في حالة ذهول. تصوف كشفي: وأعني به ذلك النوع من التصوف الذي يعول فيه كثيرا على الكشف كمصدر رئيسي من مصادر التلقي. تصوف قلبي: ومقصدي به ذلك القسم من التصوف الذي يعتني أهله بأعمال القلوب ومقاماتها. تصوف زهدي: ويراد بهذا النوع من التصوف هو التقلل من أمور الدنيا من نحو المأكل والمشرب والملبس والمسكن ونحوها، أي مما لا نفع له في الآخرة. تصوف أخلاقي: هذا اللون من التصوف هدفه اكتساب الأخلاق الفاضلة والتخلص من الصفات الذميمة. 7 - قسمت الدراسات التصوف إلى قسمين رئيسين هما: أولا: التصوف السائغ: وهو الذي يحوي بدعا إضافية وأموراً مختلفاً في كونها بدعا أم لا، وهو لا يوجب على القائل به تكفيرا ولا تبديعا، وأرى أن هذا التصوف يشمل: التصوف الأخلاقي والزهدي والقلبي. ثانيا: التصوف غير السائغ: وهذا يتضمن نوعين: التصوف البدعي: وهو الذي يحوي بدعا حقيقة وبدعا عقدية ولكن دون درجة بدع الفرق كالشيعة والمعتزلة. وهو يشمل التصوف الكشفي والشطحي. وتصوف الغلاة: وهو يحوي نوعين: أ- تصوف فرقي: وهو الذي يتضمن بدعا في درجة بدع الفرق. ويشمل هذا النوع – في تقديري –: التصوف الفلسفي والاستغاثي. ب- تصوفي نحلي: وهو الذي يتضمن بدعا في درجة بدع ومقالات النحل الضالة، ويشمل هذا النوع: التصوف الباطني والإباحي. 8 - أن الموقف الذي اقترحته يختلف حسب نوع التصوف من حيث كونه سائغا أو غير سائغ: أولا: الموقف من التصوف السائغ: ينبغي أن يكون كالموقف من الخلافات الفقهية، أي أن يكون نقدا ترجيحيا هدفه بيان الأرجح والأصح والأحوط والأسلم. ثانيا: الموقف من التصوف غير السائغ: وهذا يتضمن: 1 - الموقف من التصوف البدعي: الموقف منه يماثل إلى درجة كبيرة الموقف من المقالات البدعية الكلامية التي تنتسب إلى الخلف الأشاعرة والماتوريدية، وأرى أن يكون النقد هنا نقدا تصحيحيا غرضه تمييز السنة من البدعة والحق من الباطل. 2 - الموقف من تصوف الغلاة: وأرى أن تستمر جماعات التوحيد في نقدها الحازم لهذا التصوف أي أن يكون نقد الدعاة من النوع الاستئصالي تجاه هذا النوع من التصوف. أخيرا أقول: ما كان في هذا المؤلف من صواب فهو من الله تعال ومن هدي نبيه صلى الله عليه وسلم. وما فيه من خطأ فمني وأستغفر الله منه. وما وجدتم فيه من مخالفة للكتاب والسنة فاضربوا به عرض الحائط كما قال أئمة السنة وأعلامها.

المرأة

المرأة

الإعلام فيما يخص المرأة في الحج من أحكام

الإعلام فيما يخص المرأة في الحج من أحكام ¤يحيى بن أحمد الجردي£بدون¥بدون¨بدون¢1412هـ€المرأة¶حج وعمرة - أعمال شاملة الخاتمة وفيها أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث. وبعد أن من الله علي بإنهاء هذا البحث المتواضع والذي كان على عجل فيما يتعلق بأحكام النساء التي يختص بهن في أحكام الحج وفي الحقيقة لا أعتقد أني حصرت كل أحكامهن وأنما أهمها، وأجلها وقد جاء في البحث الأحكام الآتية: 1 - أن الحج حكمه واجب فوري مع اشتراط الاستطاعة. 2 - أن وجود المحرم شرط لابد منه للمرأة وأن الحج لا يجب بدون وجود محرم. 3 - ذكر بعض الأمثلة على خطورة ترك المرأة بدون محرم جوا وبحرا وبرا. 4 - عدة أحكام فيما تخالف المرأة الرجل في لباس الإحرام ومنها وجوب خلع النقاب والبرقع والقفازين في أثناء الإحرام. 5 - السنة في حق المرأة خفض صوتها بالتلبية وغيرها. 6 - جواز استعمال الحناء ونحوه أثناء الإحرام. 7 - بطلان نكاح المرأة المحرمة. 8 - كراهية الخطبة للمرأة المحرمة. 9 - صحة الطواف من غير الطهارة الصغرى بلا ضرورة. 10 - جواز طواف الحائض والنفساء للضرورة. 11 - لا رمل على النساء سواء كان في الطواف أو بين العلمين في المسعى. 12 - المشروع في حق المرأة التقصير دون الحلق. 13 - سقوط طواف الوداع عن الحائض والنفساء. 14 - الصحيح أن العمرة لا تحتاج إلى طواف وداع. 15 - استحباب الطواف للمرأة في الأوقات الخالية من الزحام إذا أمنت الفتنة. 16 - حكم من حاضت بعد إحرامها. 17 - التحذير من مصافحة النساء للأجانب. 18 - التحذير من كثرة القيل والقال في أثناء الإحرام. 19 - استحباب الاشتراط عند الإحرام وتوضيح ذلك. 20 - الحث على التبكير بالحج. هذا ولا أدعي الكمال أو قريبا منه ولكن محاولة مني جادة ويعلم الله أن قصدي هو تقريبي تلك المسائل والأحكام لنصف المجتمع حتى يكن على بينة من أمرهن ولأبين سماحة الإسلام في الاعتناء بخلقه وحاولت تقريبه وتسهيله بأسلوب مبسط يفهمه الجميع وأدرجت ضمن البحث أمثلة واقعية عصرية يجهلها بعض من الناس فأحببت أن يكون سهل المنال بدون عناء أو كلفة بحث وما هي إلا دقائق معدودة والمرأة تشرب كوبا من الشاي تحصل على ما تريد في هذا الموضوع موضوع الحج والعمرة. راجيا من الله الثواب وأن يسامحني على التقصير فإن كنت وفقت فهذا من فضل الله علي وإن كنت قد أخطأت فأستغفر الله من ذلك وهو مني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الضوابط الشرعية للممارسات الطبية المتعلقة بالمرأة

الضوابط الشرعية للممارسات الطبية المتعلقة بالمرأة ¤وفاء غنيمي محمد غنيمي£بدون¥دار الصميعي - الرياض¨الأولى¢1430هـ€المرأة¶أحكام طبية الخاتمة: قلت: انتهيت والحمد لله على ما من علي من بحث: (الضوابط الشرعية للممارسات الطبية المتعلقة بالمرأة) وفي النقاط التالية أعرض خلاصة لما توصلت إليه من نتائج من خلال البحث وبالله التوفيق. من نتائج الفصل التمهيدي: - لم يرد تعريف للممارسات الطبية ولكن ورد استعمال العمل الطبي، والممارسة الطبية أشمل من العمل الطبي؛ إذ أنها تشمل كل عمل طبي يقوم على بدن الإنسان مصرح له قانوناً بمزاولة هذا العمل أو لا. - ثبوت مشروعية الممارسات الطبية للمرأة، وجواز تطبيب الرجل للمرأة والعكس بضوابط معينة. - وجود مانع الخلوة شرط لتوقيع الكشف الطبي لمعالجة المرأة، وهذا المانع المحرم أو الزوج باتفاق الفقهاء، وجواز معالجة المرأة عند المرأة غير المسلمة عند الضرورة. - التزام الطبيب ومساعديه بالضوابط العلمية والأخلاقية. ثبوت مسئولية الطبيب الجاهل عما أتلفه، وإذا كان عالماً وأخطأ فأتلف بذلك نفساً أو عضواً فهو ضامن لما نتج عن خطأه، ولا ضمان عليه لما يحدث من السراية إن كان عالماً مأذوناً له ولم يتعد أو يقصر فيما هو لازم لعلاج المريض. من نتائج الفصل الأول: - أن حكم الخفاض للمرأة يتدرج فيه الحكم الشرعي بين التحريم والوجوب والإباحة بضوابط معينة. - جواز ثقب الغشاء جراحياً لضرورة المعالجة مع الالتزام بالضوابط الشرعية والطبية في ذلك، ومنع عمليات رتق غشاء البكارة مطلقاً صغيرة أو كبيرة ذات زوج أو بسبب الفاحشة. - ثبوت مشروعية الفحص الطبي للمرأة قبل الزواج بضوابط معينة، واستثناء ذكر عيب الخاطب أو المخطوبة عند الاستشارة من الغيبة المحرمة شرعاً، وثبوت مسئولية الطبيب ومساعديه إذا أخل بواجبه في صيانة سر المريض في الفحص الطبي. من نتائج الفصل الثاني: - أن من أسباب العقم الأمراض الجنسية الناتجة عن الممارسات المحرمة في الإسلام، ومعاجلة عقم النساء بالعلاج الطبي الوقائي، ويكون العلاج الشرعي في البعد عما حرمه الله. - جواز معالجة ضعف خصوبة المرأة بالعقاقير الطبية والجراحة بضوابطها. - جواز تدخل الطبيب لمعالجة العقم بين الزوجين بالإخصاب الطبي المساعد داخلياً أو خارجياً في ظل ضوابط معينة بعد استنفاذ وسائل العلاج الشرعية الأخرى وعدم تدخل طرف ثالث. - ثبوت مسئولية الطبيب في الإخصاب الطبي المساعد عند مخالفته واجبات الحيطة والحذر قبل تطبيق الوسيلة محل البحث. - جواز تجميد البييضات وأنسجة المبيض بضوابط معينة. - حرمة تأجير الأرحام أو استخدام الرحم البديل أو الرحم الظئر بكل صوره وأشكاله، سواءً في ذلك الرحم الأجنبي أو رحم الضرتين لمن له زوجتان أو أكثر. - نسب المولود لصاحبة الرحم البديل، وتكون إما من الرضاع هذا إذا كانت – رغم عدم جواز الرحم البديل – أجنبية غير متزوجة أو ضرة لتلك المرأة وتيقن بالضوابط الشرعية والطبية عدم اختلاط نسب هذا الوليد من جهة الأم، وإما أن تكون المرأة صاحبة الرحم البديل متزوجة فأرى – والله تعالى أعلى وأعلم – أنه يثبت نسب الطفل لها ولزوجها. - عدم جواز نقل وزراعة الأعضاء التناسلية سواء في ذلك الغدد التناسلية للمرأة (المبيضين أو أحدهما) والرحم والقنوات والمهبل وغيرهم.

- اختيار نوع الجنين بالوسائل الطبيعية مباح شرعاً بضوابط معينة، واستخدام الحمض النووي, والاستنساخ من الزوج, والتحليل الجيني للأجنة قبل الانغمار ( PBD) لاختيار نوع الجنين لا يجوز العمل بها، أما في غير هذه الحالات فيجوز اختيار نوع الجنين في حالة الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، وذلك وفق ضوابط معينة. - أن بداية الحياة الإنسانية تكون من وقت التلقيح حتى تستقر في الرحم، ونفخ الروح يكون بعد تمام الأربعة أشهر أو مائة وعشرين يوماً من وقت تلقيح البيضة. - عدم جواز إجهاض الجنين قبل نفخ الروح أو بعده، سواء كان مصاب بالإيدز أو مشوه؛ إلا لضرورة المحافظة على حياة الأم بضوابط معينة. - جواز إجهاض جنين الزنا قبل نفخ الروح مع الكراهة إذا كانت المرأة بينها وبين الله قد تابت وندمت على ما فعلت وعزمت على ألا تعود لمثل هذا الإثم أبدا. - جواز إجهاض المرأة المغتصبة مع الكراهة بضوابط معينة. - في الجنين الحر الغرة إذا سقط ميتاً، وفيه الدية كاملة إذا سقط حياً ثم مات من أثر الاعتداء عليه، وفي كل واحد غرة عند التعدد إذا سقطوا أمواتاً، وإذا سقطوا أحياءً ثم ماتوا ففي كل واحد دية كاملة. - لا فرق في إيجاب الغرة في الجنين المجهض إذا كان الجنين ذكراً أم أنثى. - قيمة الغرة نصف عشرة دية الأب المسلم أو عشر دية الأم المسلمة، وهي رقيق قيمته خمسة أبعرة، ويجمع بين الكفارة والغرة عند التعدي على الجنين. - نتيجة التتمة: جواز شق بطن الحامل الميتة لإخراج الجنين الحي الذي بلغ ستة أشهر ثم خياطة المكان كما في الحي من قبل أهل الخبرة. - تحريم ما يمنع الحمل دائماً سواء للرجل أو للمرأة، وجواز العزل بالتراضي بين الزوج وزوجته الحرة عند وجود سببه مع الكراهة بترك الأفضل، ولا يجوز للدولة المسلمة تحديد النسل الجماعي. نتائج الفصل الثالث: - جواز جراحة التجميل العلاجي بضوابط معينة. - جواز عملية سحب الدهون بقصد تخفيض الوزن وتعديل القوام لحاجة التداوي لمريض السكر والقلب إن لم تغني عنها بعض الأدوية، ولم تؤدي إلى ضرر أكبر؛ أما من غير ذلك فالحكم بالكراهة. - لا فرق بين العجوز والشابة في عدم جواز عمليات شد التجاعيد. - يختلف حكم زرع الشعر تبعا لاختلاف الغاية والهدف منه، فإذا كان للتداوي فلا بأس بزراعته بشرط أن يكون نامياً، وإذا كان بغرض تغيير الخلقة فهذه غاية فاسدة وطريق فاسد، ولا يجوز لها أو للطبيب فعله، واستحباب إزالة المرأة ما نبت لها من شعر زائد في اللحية أو العنفقة والشارب. - جواز ثقب أذن الفتاة لأغارض الزينة بضوابط معينة. - تحريم الوشم والتاتو الدائم، وجواز التاتو المؤقت بضوابط معينة. - تحريم قشر الوجه والتفليج والوشر وجواز الوشر بقصد المعالجة والتداوي.

التعامل المشروع للمرأة مع الرجل الأجنبي في ضوء السنة

التعامل المشروع للمرأة مع الرجل الأجنبي في ضوء السنة ¤نبيلة بنت زيد الحليبة£بدون¥الرشد - الرياض¨الأولى¢1429هـ€المرأة¶المرأة المسلمة - أعمال شاملة ومنوعة الخاتمة: أحمد الله – عز وجل – الذي أنعم علي بإتمام هذا البحث، وأسأله – جل وعلا – أن يكون على الوجه الذي يرضاه. وبعد، فقد توصلت في هذا البحث إلى نتائج من أبرزها ما يلي: 1 - كانت المرأة قبل بزوغ الإسلام في درجة وضيعة منحطة، فجاء الإسلام وأعزها وأعلى مكانتها، وشرع لها حقوقاً. 2 - ينظر الإسلام إلى المرأة إلى أنها مساوية للرجل في أصل الإنسانية، وعليهما أقام بناء المجتمع الإسلامي، وبهما سارت دفة الأمور. 3 - الأصل في المرأة القرار في بيتها، وتخرج منه لحاجتها، ومسؤوليتها الأساسية رعاية هذا البيت، والقيام بحقوق أسرتها، وتربية نشئها، وهذا من تكريم الإسلام للمرأة؛ إذ صانها في بيتها ولم يحملها مسؤولية النفقة والخروج للسعي والبحث عن الرزق، بل هذه مسؤولية الرجل أباً وزوجاً. 4 - لا يعني قرار المرأة في بيتها تعطيلها عن فاعليتها في الحياة، أو أنها محبوسة الطاقات، كما يدعي البعض إما جهلاً وإما مكراً، ومن يعي أبعاد مسؤولية رعاية الأسرة، ويدرك خطورة التقصير في تربية النشء، وضرره الذي يرجع على الأمة – وليس فقط على الأسرة – لشعر بمكانة المرأة العظيمة، ودورها الخطير. 5 - المرأة تشارك الرجل في تعاملات كثيرة، وصيانة لعلاقة المرأة بالرجل الأجنبي من الفساد، شرع الإسلام ضوابط تحكم هذه العلاقات، وتسد ذرائع الفتن. 6 - مشاركة المرأة للرجل لا يعني اختلاطها به، فالمتأمل في واقع النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يجدهن فاعلات في المجتمع، مع كونهن مصونات، بعيدات عن الخلطة بالرجال، ودواعي الفتنة. 7 - من ضوابط التعاملات بين المرأة والرجل الأجنبي: أن لا تخرج المرأة من بيتها إلا لحاجة؛ فتخرج متسترة بعيدة عن الزينة والطيب، ومن الضوابط: غض البصر، وتجنب الخلوة، والملامسة، والخضوع في القول. 8 - من مجالات تعاملات المرأة مع الرجل الأجنبي: التعليم؛ فالصحابيات كن حريصات على تعلم أمور دينهن، ولكن دون اختلاط بالرجال، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يفرد لهن يوماً خاصاً، أو ينعزلن عن صفوف الرجال. كذلك ساهمن في تبليغ دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ونشر علمه، وكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة. 9 - ومن مجالات تعاملات المرأة مع الرجل الأجنبي: مجال العبادات؛ فشهدت الصحابيات الصلوات في المساجد ولكن بعيداً عن الطيب، والزينة، ودواعي الفتنة، والخلطة بالرجال، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقوم من مصلاه، فكان يفعل ذلك لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال. كما اعتكفن في المساجد، مع الاستتار بشيء، فأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما أردن الاعتكاف أمرن بأخبيتهن فضربت. 10 - للمرأة دور فاعل في بعض المجالات السياسية: وليس يعني ذلك إدارة دفة البلاد، أو تولي القضاء فإن هذا من القوامة العامة التي نهيت عن توليها، وإنما المراد أنه كان لها قدر من المشاركة في شؤون عامة كالبيعة، وأمان بعض الحربيين، وفداء الأسرى، ومشاركة في الهجرة والجهاد. 11 - بيعة النساء للرسول صلى الله عليه وسلم لا يعني حكمهن بتوليته، إنما هي بيعة إقرار، وأتباع له صلى الله عليه وسلم وعهد على ما ورد في آية الممتحنة. 12 - تشرع مشاورة المرأة العاقلة، والأخذ برأيها إذا كان صواباً، ولكن لا يتعدى ذلك إلى تأهيلها لعضوية مجلس الشورى لأمرين رئيسين:

الأول: مهام هذا المنصب وقراراته مرتبطان بالولاية العامة التي لا تجوز للمرأة. كما أن بيئة العمل، ومستلزماته قد تضطر المرأة إلى البروز إلى الناس، والاختلاط بهم، والخلوة بهم، والسفر وحدها بدون محرم، وهذه الأمور لا تحل للمرأة المسلمة بحال. الثاني: طبيعة المرأة، وذلك من حيث الأمور التالية: أ- ما وصفت به من نقص العقل والدين. ب- تكوينها العاطفي، والجسدي؛ بمعنى ما يعتريها من حيض ونفاس ورضاع، وانعكسات ذلك على أدائها. 13 - مشاركة المرأة في الجهاد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان بما يناسب طبيعتها، فلم تكن تبارز الرجال، وتلتحم في صفوفهم، إنما كانت تسقي القوم وتداويهم للضرورة، وحسب ما تقتضيه الحاجة، وقد تقاتل دفاعاً عن نفسها إن لزم الأمر وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرضخ لهن ولا يسهم لهن. 14 - قامت الصحابيات في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أوساطهن، ولم يكن يخرجن يتتبعن ويبحثن عن المنكر في أوساط الرجال. 15 - من مجالات تعامل المرأة مع الرجل الأجنبي: ما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية، كتبادل التحية، والإعانة والتهادي، وإكرام الضيف، وعيادة المرضى، والتعزية .. إلخ، وكل ذلك غير محظور بشرط أمن الفتنة، فحينها يعمل بقاعدة درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة. 16 - يجوز علاج المرأة للرجل والعكس، للضرورة، حيث لم يتوفر طبيب من جنس المريض يكفي الحاجة، ولابد مع ذلك من مراعاة ما يلي: عدم الخلوة، وعدم الكشف والنظر إلا إلى موضع الحاجة، وتقديم الطبيب الأمين إن وجد. 17 - من مجالات تعامل المرأة مع الرجل الأجنبي: البيع والشراء، والقيام بالمهن، فكانت المرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تعمل وتخرج لحاجتها، فقامت برعاية مالها، وأعانت زوجها، ونفعت مجتمعها، وكان عملها مناسباً لطبيعتها، غير ممتهن لها، ضمن ما شرعه الإسلام من ضوابط، ولم يكن عملها على حساب مهمتها الأساسية، وهي رعاية بيتها، وزوجها، وأولادها. 18 - ترفع المرأة حاجتها إلى القاضي. وفي أمور الشهادات اتفق العلماء على قبول شهادة امرأتين ورجل في الأموال، كالبيع والوقف، والإجارة والصلح، كما اتفقوا على قبول شهادتهن منفردات فيما لا يطلع عليه الرجال غالباً. 19 - صان الإسلام كرامة المرأة، وراعى حالها، وسترها حتى في حال إقامة الحد عليها. 20 - والخلاصة: إن من تأمل في عهد وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، خير الأنام، يجد أن المرأة سطرت صفحات مشرقة في تاريخ الأمة، وساهمت مع الرجل في مسيرة الحياة، ضمن ما يناسب طبيعتها، ويتوافق مع أحكام الشريعة.

العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية

العدوان على المرأة في المؤتمرات الدولية ¤فؤاد بن عبدالكريم آل عبدالكريم£بدون¥مجلة البيان¨الأولى¢1426هـ€المرأة¶المرأة المسلمة - تحريرها وتغريبها الخاتمة نتائج البحث وتوصياته: وقد توصلت إلى بعض النتائج في هذا البحث، منها ما هو مقرر سابقا، وكان هذا البحث تأكيداً لها، وهي نتائج عامة، مثل: 1 - بالنسبة للمؤتمرات، فعلى اختلاف أسمائها: مؤتمرات المرأة - السكان - البيئة - التنمية الاجتماعية - حقوق الإنسان، فإننا نلاحظ ما يلي: أ- إن القاسم المشترك بينها هو المرأة ومساواتها التامة بالرجل في كافة مجالات الحياة المختلفة، وكذلك الجنس، والحرية المطلقة. ب- إنها تستظل بمظلة الأمم المتحدة، وتستثمر شعارات العولمة وأدبياتها. ج- إنها توظف سلطان الدول الكبرى سياسيا واقتصاديا وحضاريا؛ لفرض تنفيذ توصياتها. د- إنها سلسلة متصلة ومتواصلة من المؤتمرات الأممية العالمية، والاجتماعات الإقليمية. هـ- إن الهدف النهائي لها هو: عولمة الحياة الاجتماعية بالمفهوم الغربي الإباحي. 2 - إن هذه المؤتمرات قامت على أسس عامة، منها: أ- العلمانية؛ فتقارير هذه المؤتمرات والاتفاقيات وتوصياتها تقوم على مفهوم تفصل الحياة - بجوانبها المختلفة - عن الدين، بل إن هذه المؤتمرات والاتفاقيات تعتبر الدين شكلا من أشكال التمييز ضد المرأة. وإن دينهم الذي يحتكمون إليه في مناقشة قضايا المرأة، هو دستور هيئة الأمم المتحدة وميثاقها، واتفاقياتها. ب- الحرية؛ فتقارير هذه المؤتمرات والاتفاقيات وتوصياتها تقوم على المفهوم الغربي لكلمة الحرية، والذي يعني - باختصار- فعل المرء ما يشاء - بشرط عدم الإضرار بالآخرين - ولذلك فإن توصيات هذه المؤتمرات فيما يتعلق بالفتيات المراهقات، وغير المراهقات تنطلق من مبدأ الحرية هذا في جميع شئون حياتهن، وبالأخص حرية المرأة الشخصية بإقامة علاقات جنسية خالية من رباط النكاح. وهكذا فهمت المرأة الغربية الحرية فهما معكوسا، وفي ظل هذه الحرية الزائفة تحررت من الآداب، والأخلاق، وداست على شرفها وعفتها، وأهملت واجباتها أماً، وزوجة، وربة منزل فتهدم المجتمع بأكمله. ج- العالمية أو ما تسمى بالإنسانية؛ فهي شعار رفعته هيئة الأمم المتحدة - التي تقيم المؤتمرات قيد الدراسة في هذه الرسالة - وهو يركز على الإنسان، وطريقة معاملته، وإعطائه حقوقه - بالمفهوم الغربي - دون اعتبار للدين في ذلك. 3 - أن هيئة الأمم المتحدة بدأت اهتمامها بالمرأة منذ عام (1365هـ - 1946م) أي بعد عام واحد من إنشائها للجنة مركز المرأة، التي كان لها دور كبير في إعداد الاتفاقيات والمؤتمرات المتعلقة بالمرأة. 4 - أن المساواة التامة بين الرجل والمرأة دون أي اعتبار لأي فوارق بينهما طبيعية أو شرعية تعتبر من القضايا المهمة التي اهتمت بها هذه المؤتمرات والاتفاقيات الخاصة بحقوق المرأة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والمدنية، والثقافية، بالمفهوم الغربي لهذه الحقوق، وهذا الأمر يؤكد الظلم والإهمال الذي كانت تواجهه المرأة في الغرب، وكان لفظ (المساواة) شعاراً للعديد من مؤتمرات المرأة وإن لم يكن له رصيد في الواقع، فالمؤشر في مجال الوظائف الإدارية العليا داخل أروقة الأمم المتحدة (كمثال) لا يزال يميل لصالح الذكور دون الإناث بنسبة كبيرة - واعتبرت المساواة مدخلا ومبررا لأمور كثيرة - مخالفة للإسلام - دعت إليها تقارير هذه المؤتمرات.

5 - أن المفهوم العام للتنمية - بالمفهوم الغربي - والتعريفات المصاحبة لذلك، كلها تصب في الجوانب الإنتاجية المادية من الحياة، مما يستلزم تغييراً اجتماعيا في القيم والأخلاق والعادات، وأنماط السلوك بين الناس، وأسلوب الاستهلاك، وتغفل إغفالا تاما الأهداف الروحية والأخروية للتنمية. 6 - أن تقارير هذه المؤتمرات قد تجاهلت أن الوظيفة الفطرية والأساسية للمرأة هي أن تكون ربة أسرة، ومسئولة عن تنشئة الأطفال التنشئة السليمة؛ فعدت إلى أن تخرج المرأة من بيتها إلى المجتمع؛ لتشارك في التنمية، ويعود الرجل إلى المنزل؛ ليشارك المرأة في أعبائها. 7 - لا يوجد مصطلح واضح ومحدد لمعنى السلم في العقد الأممي لمؤتمرات المرأة، ولكن من خلال تقارير هذه المؤتمرات الدولية، يمكن القول أن مفهوم السلم يعني: - الأمن على روح الإنسان وحياته، وأنه شرط أساس للحياة وللبقاء. - إيقاف التوتر الدولي، كسباق التسلح - خصوصا النووي - والحروب والنزاعات، والعدوان، والاستعمار .. إلخ. - أن استخدام القوة، والتدخل في شئون الدول، والعدوان، ومنع حق تقرير المصير، يشكل خطراً على السلم والأمن الدوليين، وأن هذه الانتهاكات تثير مشاكل لا يمكن حلها إلا بالتزام مبادئ ومواثيق الأمم المتحدة! - أن مفهوم السلم مرتبط بالمساواة والتنمية، فلا يقوم السلم إلا بوجود تنمية، ولا يكون السلم حتى تتحقق المساواة. - أن تحقيق السلم يتطلب نوعا من التعليم هدفه النهائي تربية وإعداد المجتمعات؛ للتغلب على ما ورثته عن العصور الماضية من جهل وتعصب!! 8 - إن المعنى الوارد للسلم في هذه المؤتمرات معنى ناقص، فالسلم في اللغة له عدة معان، منها: الاستسلام، وإظهار الخضوع، والانقياد والرضا بالأحكام. وهذه هي حالة الهزيمة التي يفرضها الغالب على المغلوب. وهذا المعنى اللغوي للسلم هو المطبق - فعليا - من قبل الأمم المتحدة، ممثلاً بالدول الكبرى - المهيمنة على قراراتها تجاه الدول الضعيفة - خاصة الدول الإسلامية. 9 - إن حديث الدول الكبرى عن السلم، من خلال دساتير الأمم المتحدة، وصكوكها وقراراتها، ومؤتمراتها، إنما هو للاستهلاك الإعلامي، ولتبرير استمرار الدول الضعيفة تابعة ومنقادة لها، ويؤكد ذلك أمران: الأول: زيادة هذه الدول في النفقات العسكرية، والمضي في سباق التسلح. الأمر الثاني: الدفاع عن الصهاينة المعتدين على دولة فلسطين - الذين يسهمون باحتلالهم للأراضي الإسلامية في عدم استقرار السلم والأمن. 10 - إن السلم في الاصطلاح الشرعي يعني: مصالحة المسلمين للكافرين على تأخير الجهاد إلى أمد معين؛ لضرورة أو مصلحة. ويطلق عليها لفظ المسألة أو الموادعة. 11 - إن السلم في الشرع يعتبر حالة استثنائية، لا يتوقف فيها الاستعداد للجهاد، وإنما يتم للضرورة فقط، أي لأن المسلمين ليس لهم قوة، أو لأن للمسلمين مصلحة في ذلك، كتحييد بعض القوى. 12 - إن دعوة الأمم المتحدة للسلم والأمن الدوليين - حسب مفهومها - دعوة مرفوضة من عدة أوجه: الوجه الأول: أن الإسلام يأمر المسلمين ألا يضعفوا أمام أعدائهم من الكفار، ويتركوا الجهاد، ويميلوا إلى المهادنة والمسألة إذا كانوا في حالة من القوة. الوجه الثاني: أن هناك دولا وشعوبا إسلامية انتهكت حقوقها، وسلبت أراضيها، وصودرت حرياتها، يأتي في مقدمتها أرض فلسطين، وغيرها من الأراضي والبلاد الإسلامية، فليس هناك سلم أو أمن دولي، حتى تعود للمسلمين ديارهم وممتلكاتهم، وتعلو راية التوحيد. الوجه الثالث: أن مفهوم السلم العالمي الدائم مفهوم مخالف لسنة من سنن الله الكونية، ألا وهي سنة الصراع والتدافع في الأرض.

13 - لم يشر مفهوم السلم في تقارير هذه المؤتمرات إلى مفهوم الأمن الذاتي أو ما يسمى الأمن النفسي، وهو مفهوم مهم جدا في عملية عمارة الأرض. وهذا الأمن لا يمكن أن يتحقق إلا بالإيمان بالله تعالى وتوحيده. 14 - مبالغة تقارير هذه المؤتمرات الواضحة في بيان أن المرأة خاضت نضالا نشطا من أجل السلم ونزع السلاح، ومكافحة الاستعمار والعدوان والعنصرية والسيطرة الأجنبية وغير ذلك وأنها لعبت - وبوسعها أن تلعب - دورا نشطا على الصعيدين الوطني والدولي في سبيل الانفراج الدولي وجعله عملية مستمرة وعالمية ... إلخ. فهذه العبارات منمقة وليس لها رصيد في الواقع كما أنها عبارات غير مقيسة. 15 - أن قضايا السلم والسياسة التي تدعو تقارير هذه المؤتمرات إلى مشاركة المرأة فيها وتوفير فرص لتدريب وتعليم المرأة في الجامعات والدراسات العليا من أجل ذلك، لا تتناسب وطبيعة المرأة، ومما يؤكد ذلك، أن الدراسات والبحوث والبيانات الإحصائية الصادرة من مراكز البحوث والمنظمات بعضها تابع للأمم المتحدة، كمنظمة اليونسكو، أثبتت أن المرأة تتجه إلى ما يتناسب مع طبيعتها وفطرتها. 16 - التناقض الواضح والعجيب بين تصاريح نشر السلم العالمي، وما يتبعها من ألفاظ جذابة وبراقة، وبين الواقع الأليم والمخزي في عدم نصرة المرأة المسلمة المظلومة حقوقها المنتهكة، في مواقع شتى من الأرض، في فلسطين، والبوسنة، وكوسوفا، وكشمير، والشيشان، والفلبين، وغيرها من بقاع الأرض، كحقها في الحفاظ على دينها، وعرضها وشرفها، وأرضها، ومالها، وغيرها من الحقوق التي تقرها حقوق الإنسان، فضلا عن الشريعة الإسلامية. 17 - إيهام المرأة، زورا وبهتانا، بأن مهمة صون السلم العالمي، وتفادي وقوع كارثة نووية، من أهم المهام التي ينبغي أن تضطلع بدور فيها، لاسيما عن طريق تأييدها الفعال لوقف التسلح. 18 - إن الدعوة إلى فتح باب العلاقات الجنسية المحرمة، وما يتعلق بها كالسماح بحرية الجنس، خاصة بين المراهقين والمراهقات، ونشر وسائل منع الحمل؛ للقضاء على الثمرة المحرمة لهذه العلاقة الآثمة، أو ما يسمى (الحمل غير المرغوب فيه) جاءت في هذه المؤتمرات وتوصياتها بصورة متكررة ومنتشرة في أكثر من مؤتمر، وفي أكثر من موضع في تقرير المؤتمر لوحده. وهذا الأمر فيه محاولة لنشر الفحشاء والرذيلة بين المجتمعات البشرية. خاصة المجتمعات الإسلامية التي لم تنشر فيها هذه الأوساخ الأخلاقية. 19 - أن الإجراءات الأخلاقية الواردة في تقارير هذه المؤتمرات تدعو إلى معالجة الآثار المترتبة على الحرية الجنسية، كانتشار الأمراض الجنسية والإجهاض دون مناقشة لأصل المسألة وهي الحرية والانفلات الجنسي الموجود في المجتمعات غير المسلمة، وكيفية علاج ذلك وضبطه بالضوابط الشرعية. 20 - اعتراض كثير من الدول الإسلامية وغير الإسلامية على مصطلحي (الحصة الإنجابية والصحة الجنسية، وما يرتبط من إجراءات ومفاهيم مخالفة للعقائد والمبادئ والقيم) وغيرهما من المصطلحات، كالحقوق الإنجابية، والسلوك الجنسي المأمون، والعلاقات الجنسية، وغير ذلك من المصطلحات، وكذلك لفظ (الأفراد) المقرون بلفظ الأزواج، لأن ذلك - كله - يعتبر منطلقا لهذه المؤتمرات لتمرير نشر الحرية الجنسية بين الناس - خاصة بين فئة المراهقين والمراهقات - خارج نطاق الزواج. 21 - أن نظرة الإسلام إلى الغريزة الجنسية تتمثل في الاعتراف بوجودها، وبحاجة الإنسان، - ذكرا وأنثى - إلى الإصغاء إلى تلبية متطلباتها وحاجتها الملحة للإشباع، فيشبعها وفق نظام محدد - دون كبت ممقوت أو انطلاق مجنون - وذلك عن طريق الزواج الشرعي - أو ملك اليمين المشروع.

22 - دعت تقارير وتوصيات هذه المؤتمرات - في المجال الاجتماعي - إلى الأمور التالية: الأمر الأول: إهمال دور الأسرة في البناء الاجتماعي وتهميشه؛ وذلك عن طريق السماح بأنواع الاقتران الأخرى غير الزواج (ذكر ذكر، أنثى أنثى، ذكر مع أي أنثى، أنثى مع أي ذكر) واعتبار ذلك من الأشكال الأخرى المختلفة والمتعددة للأسرة، التنفير من الزواج والإنجاب المبكر، واعتباره عائقا أمام تقدم المرأة تعليميا، واقتصاديا، واجتماعيا، تحديد النسل، (أو ما يطلقون عليه تنظيم النسل، وهو موجه للعالم غير الغربي) ودفع مليارات الدولارات، من أجل تحقيق هذا الهدف. الأمر الثاني: سلب قوامة الرجال على النساء، وذلك عن طريق إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل، وكذلك دور المرأة في المجتمع والأسرة، إقرار مبدأ تقاسم السلطة والمسؤولية بين المرأة والرجل، بالتساوي، في البيت وفي مواقع العمل، إنهاء تبعية المرأة والبنت من الناحية الاجتماعية، قبول وتشجيع أدوار للجنسين جديدة أو معدلة، استبعاد عبارات مثل [رب الأسرة]. الأمر الثالث: سلب ولاية الآباء على الأبناء، ويظهر ذلك واضحا، من خلال الإجراءات المتعلقة بتثقيف المراهق والمراهقة، فيما يتعلق بقضايا الصحة الجنسية والإنجابية، حيث تنص توصيات هذه المؤتمرات على المحافظة على حقوق المراهقين والمراهقات في الخصوصية والسرية. 23 - إن هذه الأشكال المختلفة للأسرة، وكذلك صورة الترابط والاقتران الجنسي، كارتباط الذكر مع الذكر، أو الأنثى مع الأنثى، يعتبر مخالف للطبيعة والفطرة البشرية السوية، وثمرة ونتيجة للانفلات الجنسي، والإباحية المطلقة والحرية الشخصية غير المنضبطة كما أنه محرم في الشريعة الإسلامية. 24 - إن التنفير من الزواج المبكر، كما تدعو إلى ذلك توصيات هذه المؤتمرات، فيه مخالفة لسمة الله الكونية والشرعية، وكذلك فيه مخالفة للأبحاث الطبية التي تثبت أن تأخير الزواج وبالتالي الإنجاب يسبب أمراضا للأم. كما أن تأخير الزواج قد يؤدي للوقوع في المحظورات الشرعية، وكذلك فيه إهدار للطاقة النفسية والمعنوية وقد يؤدي إلى العنوسة. 25 - إن برامج ما يسمى تنظيم الأسرة؛ كوسائل منع الحمل، تستخدم للتأكيد على الحرية في إقامة العلاقات الجنسية المحرمة والتخلص من ثمرة هذه العلاقات المحرمة. كما أن وسائل منع الحمل المتعارف عليها لها أضرار طبية وبعضها محرم شرعا، كالتعقيم، أو ما يسمى شرعا بالخصاء إلا إن كان هناك ضرورة. 26 - إن تقارير هذه المؤتمرات تعتبر زيادة السكان، خاصة في البلدان النامية تؤثر بصورة ضارة على صحة الأفراد والأسرة، وتشكل عائقا خطيرا أمام التقدم الاجتماعي والاقتصادي في كثير من البلدان. وهذه دعوى كاذبة، تعتبر تلخيصا لنظرية القسيس والعالم والاقتصادي الإنجليزي "مالتوس" التي عرفت فيما بعد باسم النظرية المالتوسية، التي ثبت بطلانها واقعياً بعدم حصول ما حذر منه من وقوع المسغبة والمجاعات بسبب زيادة السكان. 27 - إن حكم الإسلام في مسألة تحديد النسل هو التحريم للأدلة المتضافرة على ذلك من الكتاب والسنة، ولتوافقه مع الفطرة وحاجة الأمة الإسلامية لزيادة نسلها وللأضرار الأخلاقية والاجتماعية والصحية والاقتصادية المترتبة على تحديد النسل. 28 - الدعوة إلى تشجيع التعليم المختلط وأن ذلك يساعد في تحقيق هدف القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور المرأة ودور الرجل في جميع مراحل التعليم بجميع أشكاله كما نصت على ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام (1399هـ - 1979م) ودعت إليه تقارير هذه المؤتمرات.

29 - إن اختلاط النساء بالرجال الأجانب عنها في دور العلم والمكاتب والمستشفيات وغيرها من الأماكن محرم شرعاً لأن الاختلاط وسيلة إلى الوصول إلى الفتنة والوقوع في الحرام وكل ما من شأنه ذلك فهو حرام. 30 - إن هناك آثار سيئة للتعليم المختلط منها: • الأثر الأخلاقي: والمتمثل في الانحلال الأخلاقي، وانتشار العلاقات الجنسية المحرمة بين الذكور والإناث في سن مبكرة، والتحرشات غير الأخلاقية وحالات الاغتصاب. • الأثر التعليمي: فالاختلاط في التعليم له تأثير سلبي على المستويات الدراسية للطلاب والطالبات لانشغالهم بالتفكير في الأمور التي تلبي حاجاتهم الجنسية. • الأثر النفسي: ويظهر هذا الأثر جليا في الفتيات اللاتي يتعرضن للاغتصاب أو للمضايقات الجنسية، أو التحرشات غير الأخلاقية، حيث تصاب الفتيات بحالات نفسية سيئة تجعلهن يرفضن الذهاب إلى المدرسة أو أنهن يعشن حالات خوف ورعب داخل المدرسة أو في السكن الداخلي. • التمييز على أساس الجنس: ففي المدارس المختلطة يكون الاهتمام، وتكون الحظوة عند المعلمين للطلاب على حساب الطالبات وفرص المشاركة في الإجابات والحصول على المنح وغيرها من الأمور التي تأتي لصالح الطلاب. 31 - إن الغرب ذاق ويلات هذا النوع من التعليم، بعد تجربته وتطبيقه، وتجرع مرارته التلاميذ خصوصا الإناث، ابتداء من التحرشات الجنسية مروراً بالعلاقات الجنسية الآثمة، وما يترتب عليه من حمل المراهقات، والاغتصاب ومن ثم القلق النفسي والخوف وانتهاء بضعف التحصيل العلمي؛ إما بسبب انشغال الجنسين بالتفكير بالجنس ومقدماته، وإما بسبب التمييز على أساس الجنس أي الاهتمام بالذكر على حساب الإناث. 32 - كانت هناك دعوات جادة لإلغاء الاختلاط بين الجنسين في التعليم، من بعض الحكومات الغربية، وبعض الحركات النسائية، وبعض التربويين والتربويات في أمريكا وأوروبا. وكذلك كانت هناك دعوات للعودة إلى التعليم المنفصل، بل أقيمت بعض المدارس المنفصلة الخاصة بكل جنس في بعض الدول الغربية. 33 - إن تقارير هذه المؤتمرات وتوصياتها، تدعو لإزالة العوائق القانونية، والتنظيمية، والاجتماعية، التي تعترض سبل توفير المعلومات والتثقيف في مجال الصحة الجنسية والإنجابية الموجهة للمراهقين والمراهقات، في إطار برامج التعليم الرسمي. 34 - إن السويد تعتبر من أقدم دول العالم التي اهتمت بالتربية الجنسية في المدارس فقد بدأ هذا الأمر قبل أكثر من مائة سنة. 35 - أشارت توصيات هذه المؤتمرات من خلال إجراءات التثقيف الجنسي إلى بعض القضايا التي تتضمنها التربية والتثقيف الجنسي ومنها: - المعلومات فيما يتعلق بمنع حالات الحمل غير المرغوب فيه، وخطر العقم، وفسيولوجية الإنجاب، بالنسبة للنساء. - ترويج أساليب منع الحمل بالنسبة للرجال، كاستخدام الواقيات الذكرية. - الحصول على المعلومات عن: • الوقاية من الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس - خاصة الإيدز -. • الاعتداءات الجنسية. • ما يتعلق بالسلوك الجنسي المسئول. ما يتعلق بمجال العلاقات بين الجنسين والمساواة بينهما. • مكافحة الخرافات والأفكار الخاطئة التي تتردد حول القضايا السكانية. • تقديم المعلومات بأن قضايا الصحة الجنسية والإنجابية. 36 - إن هناك أصوات في الغرب اعترضت على التربية الجنسية، ونادت برفض تعليم الأولاد الجنس في المدارس، والعودة إلى الفضيلة، وإلى البعد عن موجة الإباحية التي سادت لسنوات طويلة في الغرب، كما كانت هناك دعوات إلى أن تتوافر الثقة بين الآباء والأبناء، فيغرس الآباء في أبنائهم حب النقاء والطهارة، تمهيداً لحياة زوجية نظيفة.

37 - إن تقارير هذه المؤتمرات تدعو إلى إباحة الإجهاض بشرط أن يكون مأمونا طبيا وغير مخالف للقانون، وذلك بإنشاء مستشفيات خاصة لهذا الأمر. 38 - إن في إباحة الإجهاض الآمن، طبياً وقانونياً، دعوة صريحة إلى حرمان الجنين من أهم حقوقه، ألا وهو حقه في الحياة، فالإجهاض قتل للنفس التي حرمها الله إلا بالحق. كما أن في إباحة الإجهاض - ولو كان آمنا - أضرارا صحية، ونفسية، واجتماعية، على الأم. كما سيترتب على إباحة الإجهاض، عموما أضرارا منها: تناقص النسل إلى درجة خطيرة، بسبب كثرة حالات الإجهاض، وكذلك انتشار الفاحشة وشيوعها، وتيسر الوصول إليها. 39 - إن هناك دورا بارزاً للحركات النسائية والجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية بالغرب، من خلال مؤتمرات الأمم المتحدة، في تقنين الإجهاض والدعوة إليه، فالإجهاض يعد أحد أهم مطالب الحركات النسوية في العالم. 40 - إن قضية الإجهاض والسماح به أو منعه تعتبر أهم نقاط الخلاف بين الحركات النسوية المتعاكسة، إذ تعد بعض هذه الحركات أحد حقوق المرأة التي يحرمها القانون منه، كما ترفع بعض الحركات المعارضة للإجهاض شعار (حق الحياة) للجنين القتيل. 41 - إن تقارير هذه المؤتمرات تسمي الحمل السافح الناتج عن زنا (الحمل غير المرغوب فيه) وتشجع المراهقات للتخلص منه، أي من الحمل غير المرغوب فيه، لا إلى التخلص من الزنا، كما أن تقارير هذه المؤتمرات لم تشر إلى أن من أهم العوامل الكامنة وراء الإجهاض المأمون وغير المأمون التخلص من الحمل السفاح وكذلك لم تدع إلى منعه. 42 - لم تلق هذه المؤتمرات أي اعتبارات للمعتقدات الدينية والقوانين الخاصة بكل دولة في قضية الإجهاض فالإسلام يحرم الإجهاض، ولا يبيحه إلا في حدود ضيقة وبشروط محدودة. والنصارى الكاثوليك يحرمون الإجهاض في جميع مراحل الحمل ما لم تتعرض حياة الأم للخطر، وما لم يكن هناك ما يدعو طبياً لإزالة الرحم بأكمله. وأما البروتستانت فقد أباحوا الإجهاض بمجرد طلب الأم لذلك وبدون سبب طبي، متى تم ذلك في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وأباحوه قبل مرور 134 يوماً (20 أسبوعا) متى كان له سبب طبي. وكذلك هناك دول كثيرة تحرم الإجهاض يبلغ عددها 95 دولة تحوي 37% من مجموع سكان العالم. 43 - إن الإجراءات المتعلقة بالنساء المصابات بالأمراض الجنسية الواردة في تقارير مؤتمرات الأمم المتحدة كثيرة ومنتشرة في أكثر من فصل وفي أكثر من موضع كما أنها نوقشت في أكثر من مؤتمر وما ذاك إلا لأن هذه الأمراض الجنسية ابتليت بها أمم الغرب والشرق ومن اقتدى بها، حتى أصبحت تشكل هاجسا مقلقا لهذه الأمم والمجتمعات التي أباحت الزنا والشذوذ الجنسي، فأصبحت تتحدث عن هذه الأمراض الجنسية وكأن نساء الدنيا كلهن مصابات بها. 44 - إن هذه الإجراءات تناقش مشكلة هذه الأمراض الجنسية، وكأن وقوعها شر لا بد منه، ولا تناقش أصل المشكلة وهو الانفلات الجنسي والإباحية المطلقة في إقامة العلاقات الجنسية المحرمة والشذوذ الجنسي، التي تعتبر ثمرة من ثمرات مفهوم الحرية عند الغرب، فهذه الإجراءات لا تدعو إلى تحريم العلاقات الجنسية غير الشرعية والشذوذ الجنسي ولا إلى قصر العلاقة الجنسية بين الزوجين فقط ولا تدعو إلى العفة إلا في عبارات مقتضبة وإنما تدعو إلى بعض الإجراءات التي تؤكد على استمرار هذه العلاقات الجنسية المحرمة من جهة، وتؤكد على اتخاذ بعض التدابير التي تخفف من انتشار هذه الأمراض الجنسية من جهة أخرى.

45 - إن هذه الإجراءات لم تعنف أو تعاقب المصابين بهذه الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي غير المشروع بما فيها الإيدز بل دعت الحكومات إلى وضع برامج خاصة لتقديم ما يلزم من التعاطف والرعاية للرجال والنساء المصابين بالإيدز وإسداء المشورة إلى عائلاتهم وأقاربهم. 46 - إن هذه الإجراءات تستنفر جهودا بشرية هائلة وأموالا طائلة، وتشغل معاهد البحوث العلمية، وبرامج الرعاية الصحية الأولية، لإيجاد حلول لهذه الأمراض الجنسية، فلو صرفت هذه الجهود وهذه الأموال والبحوث العلمية في مجالات أخرى لخدمة الإنسان لكان أولى وأجدى؛ لأن مكافحة هذه الأمراض الجنسية وهذا الوباء الخطير - الإيدز - يتمثل في أمر مهم وأساسي، ألا وهو التعفف عن الاتصالات الجنسية المحرمة والشذوذ الجنسي والاقتصار على الطريق الشرعي والآمن وهو الزواج وهذا ما دعا إليه الإسلام الذي يتوافق مع الفطرة في كل شأن من شئونه. 47 - إن سبب انتشار هذه الأمراض الجنسية هي العلاقات الجنسية المحرمة، خارج نطاق الزواج على اختلاف أنواعها (الزنا - اللواط - السحاق - الشذوذ الجنسي باختلاف صوره، أو ما تسميه هذه المؤتمرات: السلوك الجنسي غير المأمون) وهذه الأسباب اعترف بها الأطباء والعلماء في الغرب. 48 - إن تقارير هذه المؤتمرات تنفر بشدة من بتر أجزاء من الأعضاء التناسلية وتعتبر ذلك من الممارسات التمييزية ضد المرأة والطفلة، وأن ذلك يسبب أضراراً صحية، وتدعو لأجل ذلك إلى سن وإنفاذ القوانين لمواجهة مرتكبي ممارسات العنف ضد المرأة ومن ذلك ختان الإناث. 49 - تناقض تقارير هذه المؤتمرات وتوصياتها، فهي تعتبر ختان الأنثى تمييزاً ضد الطفلة، ولا تعتبر الإجهاض من أسباب التمييز ضد الطفلة وذلك بإسقاط حق الجنين إذا كان أنثى في الحياة. 50 - إن التنفير من الأمراض الجنسية في تقارير مؤتمرات الأمم المحتدة التي أفرزتها الحرية والإباحية الجنسية في الغرب، لم يكن كالتنفير الشديد من ختان الأنثى، بالرغم من أن الأمراض الجنسية أشد خطراً وفتكاً بالنساء والرجال معاً، والأرقام المخيفة المتعلقة بهذا الجانب تؤكد هذا الأمر. 51 - إن إجراءات وتوصيات مؤتمرات الأمم المتحدة لم تفرق بين الختان الشرعي، والخفاض الفرعوني؛ حيث إن الخفاض الفرعوني لا يمت للإسلام بصلة، فهو يقوم على قطع جزء أو كل الأعضاء التناسلية الخارجية للبنت، وهذا النوع من الخفاض محرم؛ لما فيه من الأضرار الصحية والنفسية، والاجتماعية. كما أن هذه الإجراءات لم تدع إلى الختان الآمن، كما هو الشأن في الإجهاض. 52 - إن خروج المرأة للعمل في أوروبا - في السابق - جاء نتيجة مخططات الرأسماليين اليهود الذين قاموا بتحطيم نظام الأسرة، واستغلال الرجال أولاً، فلما بدأ هؤلاء يتجمعون لأخذ بعض حقوقهم لجأوا إلى استغلال النساء والأطفال، الذين دفع بهم العوز والمسغبة إلى براثن الرأسماليين. فالمرأة الأوروبية لم تخرج طائعة مختارة، وإنما خرجت مكرهة مجبرة سداً للرمق. 53 - إن خروج المرأة الأوربية للعمل، في العصر الحاضر، كان لأسباب يمكن إجمالها كما يلي: • إجبار الأب لها بالعمل؛ لأنه غير مكلف بالإنفاق عليها بعد بلوغها الثامنة عشرة من عمرها. • أن الناس هناك يحيون لشهواتهم، فهم يريدون المرأة في كل مكان، فأخرجوها من بيتها لتكون معهم ولهم، ويدل على ذلك تسخيرهم لها لشهواتهم الدنيئة من خلال الأفلام الداعرة، والصور العارية، والإعلانات ... إلخ. • أن أولئك القوم لا يقبلون أن ينفقوا على من لا يعمل إلا أعمالاً بسيطة في زعمهم، فهم لا يرون تربية الأولاد أمراً مهما، ومهمة شاقة؛ لأنهم لا يبالون بدين ولا تربية ولا أخلاق.

• أن المرأة عندهم هي التي تهيئ بيت الزوجية، فلا بد لها أن تعمل وتجمع المال حتى تقدمه مهراً، أو ما يسمى عندهم دوطة لمن يريد الزواج بها، وكلما كان مالها أكثر كانت رغبة الرجال فيها أكثر. • البحث عن الحرية المزعومة، فالمرأة إذا خرجت من بيتها فعملت واستقلت اقتصاديا فإنها تشعر أنها حرة، وبالتالي فإنها تخادن من تشاء، وتصادق من تشاء، وتذهب حيث تشاء، بل وتنام حيث تشاء. 54 - إن إجراءات مؤتمرات الأمم المتحدة حول عمل المرأة لم تدع إلى مشاركة المرأة في الأعمال التي تناسب طبيعة المرأة الجسدية والنفسية والعاطفية، كالعمل في القطاع الاجتماعي والتعليمي والصحي وما شابه ذلك، بل دعت إلى مشاركتها في مجالات العمل التقنية والمهنية والتكنولوجية، ووجهت الرجل، عكس ذلك إلى العمل في القطاع الاجتماعي!!. 55 - إن تقارير هذه المؤتمرات: المساواة بين الرجل والمرأة. 56 - إن تقارير هذه المؤتمرات تبين أن المرأة الغربية العاملة تواجه معضلة كبيرة ألا وهي نصيب أجرها من العمل، حيث يقل كثيراً عن نصيب أجر الرجل، مع تساوي العمل. 57 - أن تقارير هذه المؤتمرات تبين أن المرأة العاملة تواجهها معضلة أكبر من سابقتها، ألا وهي معضلة المضايقات والتحرشات الجنسية التي تواجهها المرأة في أماكن عملها المختلطة مع الرجال. وهذه المضايقات والاعتداءات الجنسية على المرأة العاملة في أماكن العمل المختلطة ليس أمراً جديدا ولا طارئاً، بل إنه بدأ منذ ظهور الرأسمالية ومنذ التحاق المرأة بالعمل. كما أن هذه المضايقات والاعتداءات الجنسية، لم تسلم منها حتى موظفات هيئة الأمم المتحدة، التي تتبنى مؤتمرات المرأة. 58 - إن الغرب بعد أن عاش النتيجة الطبيعية لوجود نساء مع رجال في مكان واحد ولمدة طويلة، ألا وهي الميل الغريزي والفطري غير المنضبط من الرجل تجاه المرأة، بدأ بالمناداة بالفصل بين الجنسين في أماكن العمل كحل لهذه المشكلة. 59 - إن المرأة في الغرب هي التي تعول نفسها، وهذا يستلزم أن تعمل وإلا ستواجه مشاكل كثيرة في حياتها. 60 - إن تقارير مؤتمرات الأمم المتحدة تؤكد أن قيمة المرأة عند الغرب، تتمثل في عملها خارج المنزل وأما عملها داخل المنزل لتربية أبنائها ورعاية شئون زوجها وبيتها فلا قيمة له ولا وزن. 61 - إن عمل المرأة داخل منزلها، يعتبر في نظر القائمين على هذه المؤتمرات - لا اعتبار له - بل هو من أسباب فقر المرأة، فعملها المعتبر هو ما كان خارج المنزل، وما سوى ذلك فهو بطالة!!. 62 - إن عمل المرأة المنزلي يدخل ضمن مفهوم العمل بمعناه اللغوي والاقتصادي، والاقتصاديون يعتبرون العمل المنزلي عملا منتجاً. 63 - إن خروج المرأة للعمل قد سبب أضراراً مختلفة على المرأة، والأسرة، والمجتمع، اجتماعية، وأخلاقية، واقتصادية، ونفسية، وصحية .. إلخ. 64 - إن العقلاء من الغرب، رجلا ونساء، بدأوا محاولة التصدي للآثار السلبية لخروج المرأة للعمل، وذلك بالدعوة إلى عودة المرأة إلى مملكتها المتمثلة بالمنزل. 65 - إن نظرة الغرب إلى المرأة متوجهة إلى أنها مخلوق ناقص الأهلية، وهذا الأمر بقي شائعا في أوروبا وملحقاتها حتى فترة قريبة، إذ قضت دساتيرهم على أنه لا يجوز للمرأة أن تتصرف بمالها وما تملك، إذا كانت متزوجة، إلا بإذن زوجها وموافقته. 66 - إن تقارير مؤتمرات الأمم المتحدة تطالب بمساواة المرأة بالرجل في حق الميراث، وتعتبر عدم المساواة من باب التمييز ضد المرأة، وفي هذا الكلام لمز بأحكام الشريعة الإسلامية، فيما يتعلق بميراث المرأة، فهذا الأمر من أحكام الإسلام القطعية التي لا تقبل الأخذ والرد.

67 - إن المرأة في جميع الأمم القديمة قبل الإسلام، كانت محرومة من الميراث، كلياً إلى أن كانت شريعة الإسلام فقررت للمرأة حقها في الميراث. 68 - إن هناك من المؤلفين والمفكرين الغربيين من أنصف نظام الميراث في الإسلام، فوصفه بأن فيه من العدل والإنصاف للمرأة ما لا يوجد مثله في القوانين الغربية. 69 - الدعوة من قبل توصيات هذه المؤتمرات إلى مشاركة المارة في المناصب العامة فالمرأة كما تزعم تقارير هذه المؤتمرات تعاني تمييزاً بسبب جنسها من فرص الوصول المتساوية إلى السلطة السياسية التي تحكم المجتمع، وكذلك الدعوة إلى اشتراك المرأة اشتراكاً كاملاً في عملية اتخاذ القرار وصنعه، على المستوى السياسي، وكذلك الدعوة إلى أن تكون المرأة قاضية. 70 - إن أول اتفاقية للحقوق السياسية للمرأة صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على ما وجهت به لجنة مركز المرأة التابعة للأمم المتحدة كانت في عام (1372 - 1952م). 71 - إن تقارير هذه المؤتمرات تدعو إلى سن التشريعات التي تضمن للمرأة الحق في التصويت وأن تكون لها الأهلية للانتخاب وكذلك تدعو إلى تمثيل المرأة تمثيلا منصفا في المناصب والوظائف العامة الحكومية والإقليمية والمشاركة في الوفود لدى الهيئات الدولية، والمؤتمرات واللجان السياسية، وكذلك المشاركة في الهيئات التشريعية والدعوة إلى تعيين المزيد من النساء كدبلوماسيات ومشاركتهن كذلك في الأحزاب السياسية والبرلمانات. 72 - هناك من يرى المشاركة في مثل هذه المؤتمرات العالمية التي تقيمها الأمم المتحدة، وتناقش من خلالها قضايا المرأة ولهم حجج في ذلك منها: • حتى يتسنى طرح الرأي الإسلامي من خلال الحوار واللقاءات مع المشاركين. • أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستمع إلى وجهات نظر المشركين وأهل الكتاب وغيرهم، ويجيب عن استفساراتهم، ويكشف لهم خطر ما يعتقدون، ويقدم لهم ما أنزل عليه بأسلوب حكيم مشهود. • عدم ترك الفرصة للآخرين - أياً كانوا - يقولون ما يريدون ويقررون ما يشاءون ويتخذون من القرارات والتوصيات ما يتمشى مع أهوائهم وغاياتهم. بحيث تؤثر في مسيرة أجيال من الأمة الإسلامية. • أن غياب الصوت الإسلامي في الملتقيات والمؤتمرات الدولية التي عقدتها المنظمة الدولية، وغيرها من المنظمات الشعبية وغير الحكومية. كان له انعكاسات سلبية على فهم الغرب لوضع المرأة في الدول الإسلامية وحقيقة المشاكل التي تواجهها. وأدى هذا الغياب إلى أن تصاغ القرارات الدولية، في هذا المجال بطريقة لا تضع في اعتبارها خصوصية وضع المرأة في الإسلام وتعتبر هذه القرارات المتعلقة بالمرأة قرارات عالمية ملزمة لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. • إن الإسلام له نهجه الرباني ونظرته التي ينفرد بها عن غيره من الأديان والأفكار الأخرى، وهذه النظرة الربانية لا بد من إيصالها للمؤتمرين على أنها البديل الحقيقي لكل مشاريعهم ومخططاتهم. 73 - هناك من يرى مقاطعة مثل هذه المؤتمرات، وعدم المشاركة فيها، وذلك لما دعت إليه هذه المؤتمرات من المبادئ والإجراءات والأهداف الإباحية، مما هو مخالف للإسلام، ولجميع الشرائع التي جاءت بها الرسل عليهم الصلاة والسلام وللفطر السليمة، والأخلاق القويمة فهي كفر وضلال. 74 - وهناك من يرى أن الأمر يختلف بحسب المناسبة، وبحسب المشاركين والذي يقرر في هذا الجانب هم العلماء العارفون بواقع الأمور والمقدرون للمصلحة في المشاركة أو عدم المشاركة.

المرأة المسلمة المعاصرة إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة

المرأة المسلمة المعاصرة إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة ¤أحمد بن محمد أبابطين£بدون¥دار عالم الكتب - الرياض¨الثالثة¢1413هـ€المرأة¶المرأة المسلمة - تربيتها ودعوتها الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على إمام الدعاة معلم الناس الخير وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أحمد الله على ما وفقني فيه من الكتابة في موضوع إعداد المرأة المسلمة للدعوة الذي أرجو أن ينفع الله به المسلمين والمسلمات في كل بقاع المعمورة، وأن يجعله عملاً صالحاً ينفعني به في دار البقاء إنه سميع مجيب. وإن الأمل في الله قوي بأن يأخذ هذا الجهد طريقه إلى التطبيق في حياة الأمة وأن تتضافر جهود الأمة برجالها ونسائها وعلمائها وطلاب العلم فيها وحكامها ومحكوميها للقيام بهذه المسؤولية العظيمة، مسؤولية الدعوة إلى الله كل حسب طاقاته وإمكاناته العلمية والمادية، مستشعرين بعظم مسؤولية المرأة في الدعوة وأهليتها لذلك. ولقد برزت من خلال البحث عدة نتائج وتوصيات من أهمها ما يلي: أولاً: النتائج: 1ـ أن المرأة في الجاهلية قد نالت حظاً من التكريم، لكن هذا التكريم ليس على إطلاقه، فقد كانت بعض القبائل العربية تهين المرأة بل تعتبرها من سقط المتاع. 2ـ أن الله سبحانه وتعالى قد أكرم المرأة فساوى بينها وبين أخيها الرجل في أصل الخلقة، كما ساوى بينهما في أصل التكاليف الشرعية في الإسلام، وضمن كل ما يكفل للمرأة المسلمة القيام بهذه المسؤوليات. 3ـ أن الله سبحانه وتعالى قد جعل لكل من الرجل والمرأة وظائف خاصة وفطر كل جنس على ما يلائمه، فأكرم المرأة بأن جعلها مستودعاً للجنس البشري وأمينة عليه، وجعلها أهلاً لهذه المسؤولية العظيمة. وحفاظاً على هذه الفطرة وعلى بقاء الجنس البشري وسلامته من الانحراف عن الصراط المستقيم، فقد شرع الإسلام أموراً تكفل هذا الجانب. فجعل المكان الأصلي لهذا البيت فإذا خرجت لحاجة فإن عليها أن تلتزم بشروط معينة. 4ـ أن الإسلام قد تضمن واجباً عليها في التعلم والتعليم واعتبر ذلك حقاً لها. 5ـ أن الإسلام قد كلف المرأة المسلمة بالدعوة إلى الله. وقد قامت عدة نساء مسلمات بهذا العمل العظيم. 6ـ لعل ما كتبته في الفصل الثاني من الباب الثاني بعنوان الإعداد التطبيقي مفيد في منهج مادة التطبيقات العملية، وما كتبته في الفصل الثاني والثالث من الباب الرابع يفيد في منهج مادة ميادين الدعوة في كليات الدعوة وأقسامها العلمية. ثانياً: التوصيات: ومن أهمها ما يلي: 1ـ تقوى الله سبحانه وجعل كتابه وسنة رسوله محمد e المصدرين الرئيسين في التشريع والتعليم والإعلام. 2ـ مراعاة فطرة المرأة ووظيفتها في هذه الحياة عند رسم خطط التعليم ومناهجه، والعمل، وأنواعه، وأماكنه، فيوضع لها ما يلائمها، فليس كل ما يلائم الرجل ويصلح له يلائمها ويصلح لها. 3ـ فصل مباني التعليم النسوي عن التعليم الرجالي ابتداء من مرحلة الروضة حتى المراحل الجامعية والعليا. 4ـ إن مما ينبغي اعتماده هو الأخذ بالحكم الشرعي الوارد في الحجاب للمرأة المسلمة ويشمل ذلك الوجه والكفين. وقد يظن البعض أن الحجاب الذي أنادي به يعوق حركة التعليم النسوي، وليس كذلك، ولبث الطمأنينة في نفوس هؤلاء أسوق لهم تجربة المملكة العربية السعودية الرائدة في هذا المجال جزى الله المسؤولين فيها والقائمين عليها كل خير وأمدهم بعونه وتوفيقه وسدد على طريق الخير خطاهم. 5ـ ينبغي على ولي أمر المرأة المسلمة من أب وزوج وغيرهما أن يشعروا بمسؤولية المرأة في الدعوة. وعلى المرأة كذلك أن تعرف حدود مسؤوليتها في ذلك فتوازن بين كافة مسؤولياتها.

6ـ ينبغي على طلاب العلم وطالباته الكتابة في موضوع الإعداد للدعوة على مستوى الدراسات العليا لكل من الرجال والنساء وقيام فئة من طالبات العلم في الدراسات العليا بإجراء بحوث ميدانية دعوية في الوسط النسائي تتناول على سبيل المثال واقع الدعوة إلى الله في المنزل والمدرسة والمجتمع ومواقع العمل المختلفة ومن خلال الخدمة الاجتماعية كذلك. 7ـ كما يلزم المرأة المسلمة أن تتوسع في ثقافتها الإسلامية مهما كان تخصصها العلمي ووظيفتها. 8ـ ومن اللازم أن تحرص المسلمة على إتقان بعض المهارات المهنية التي تفيدها أو تفيد مجتمعها. وختاماً، أسأل الله أن ينفع بهذا الجهد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على إمام الدعاة معلم الناس الخير وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أحمد الله على ما وفقني فيه من الكتابة في موضوع إعداد المرأة المسلمة للدعوة الذي أرجو أن ينفع الله به المسلمين والمسلمات في كل بقاع المعمورة، وأن يجعله عملاً صالحاً ينفعني به في دار البقاء إنه سميع مجيب. وإن الأمل في الله قوي بأن يأخذ هذا الجهد طريقه إلى التطبيق في حياة الأمة وأن تتضافر جهود الأمة برجالها ونسائها وعلمائها وطلاب العلم فيها وحكامها ومحكوميها للقيام بهذه المسؤولية العظيمة، مسؤولية الدعوة إلى الله كل حسب طاقاته وإمكاناته العلمية والمادية، مستشعرين بعظم مسؤولية المرأة في الدعوة وأهليتها لذلك. ولقد برزت من خلال البحث عدة نتائج وتوصيات من أهمها ما يلي: أولاً: النتائج: 1ـ أن المرأة في الجاهلية قد نالت حظاً من التكريم، لكن هذا التكريم ليس على إطلاقه، فقد كانت بعض القبائل العربية تهين المرأة بل تعتبرها من سقط المتاع. 2ـ أن الله سبحانه وتعالى قد أكرم المرأة فساوى بينها وبين أخيها الرجل في أصل الخلقة، كما ساوى بينهما في أصل التكاليف الشرعية في الإسلام، وضمن كل ما يكفل للمرأة المسلمة القيام بهذه المسؤوليات. 3ـ أن الله سبحانه وتعالى قد جعل لكل من الرجل والمرأة وظائف خاصة وفطر كل جنس على ما يلائمه، فأكرم المرأة بأن جعلها مستودعاً للجنس البشري وأمينة عليه، وجعلها أهلاً لهذه المسؤولية العظيمة. وحفاظاً على هذه الفطرة وعلى بقاء الجنس البشري وسلامته من الانحراف عن الصراط المستقيم، فقد شرع الإسلام أموراً تكفل هذا الجانب. فجعل المكان الأصلي لهذا البيت فإذا خرجت لحاجة فإن عليها أن تلتزم بشروط معينة. 4ـ أن الإسلام قد تضمن واجباً عليها في التعلم والتعليم واعتبر ذلك حقاً لها. 5ـ أن الإسلام قد كلف المرأة المسلمة بالدعوة إلى الله. وقد قامت عدة نساء مسلمات بهذا العمل العظيم. 6ـ لعل ما كتبته في الفصل الثاني من الباب الثاني بعنوان الإعداد التطبيقي مفيد في منهج مادة التطبيقات العملية، وما كتبته في الفصل الثاني والثالث من الباب الرابع يفيد في منهج مادة ميادين الدعوة في كليات الدعوة وأقسامها العلمية. ثانياً: التوصيات: ومن أهمها ما يلي: 1ـ تقوى الله سبحانه وجعل كتابه وسنة رسوله محمد e المصدرين الرئيسين في التشريع والتعليم والإعلام. 2ـ مراعاة فطرة المرأة ووظيفتها في هذه الحياة عند رسم خطط التعليم ومناهجه، والعمل، وأنواعه، وأماكنه، فيوضع لها ما يلائمها، فليس كل ما يلائم الرجل ويصلح له يلائمها ويصلح لها. 3ـ فصل مباني التعليم النسوي عن التعليم الرجالي ابتداء من مرحلة الروضة حتى المراحل الجامعية والعليا. 4ـ إن مما ينبغي اعتماده هو الأخذ بالحكم الشرعي الوارد في الحجاب للمرأة المسلمة ويشمل ذلك الوجه والكفين.

وقد يظن البعض أن الحجاب الذي أنادي به يعوق حركة التعليم النسوي، وليس كذلك، ولبث الطمأنينة في نفوس هؤلاء أسوق لهم تجربة المملكة العربية السعودية الرائدة في هذا المجال جزى الله المسؤولين فيها والقائمين عليها كل خير وأمدهم بعونه وتوفيقه وسدد على طريق الخير خطاهم. 5ـ ينبغي على ولي أمر المرأة المسلمة من أب وزوج وغيرهما أن يشعروا بمسؤولية المرأة في الدعوة. وعلى المرأة كذلك أن تعرف حدود مسؤوليتها في ذلك فتوازن بين كافة مسؤولياتها. 6ـ ينبغي على طلاب العلم وطالباته الكتابة في موضوع الإعداد للدعوة على مستوى الدراسات العليا لكل من الرجال والنساء وقيام فئة من طالبات العلم في الدراسات العليا بإجراء بحوث ميدانية دعوية في الوسط النسائي تتناول على سبيل المثال واقع الدعوة إلى الله في المنزل والمدرسة والمجتمع ومواقع العمل المختلفة ومن خلال الخدمة الاجتماعية كذلك. 7ـ كما يلزم المرأة المسلمة أن تتوسع في ثقافتها الإسلامية مهما كان تخصصها العلمي ووظيفتها. 8ـ ومن اللازم أن تحرص المسلمة على إتقان بعض المهارات المهنية التي تفيدها أو تفيد مجتمعها. وختاماً، أسأل الله أن ينفع بهذا الجهد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تربية المرأة على الستر

تربية المرأة على الستر ¤عادل بن حسن بن يوسف الحمد£بدون¥دار اليقين - مملكة البحرين¨الأولى¢1427هـ€المرأة¶المرأة المسلمة - تربيتها ودعوتها وفي ختام هذا البحث أحمد الله عز جل أن وفقني لكتابته راجيا منه سبحانه أن يتقبله مني وأن ييسر لي الوقت لإتمام ما فيه من نقص وإخراجه بصورة أفضل. ويمكن أن نخلص في هذه الخاتمة بنتائج عدة من هذا البحث منها: 1 - أن تربية المرأة على الستر من الأمور المهمة والتي ينبغي أن تنشأ معها من الصغر. 2 - أن المقصود من اللباس هو الستر فإذا اختل الستر مع وجود اللباس دل ذلك على مخالفة هذا اللباس للباس الشرعي 3 - أن فهم موضوع الحجاب يحتاج منا إلى فهم الألفاظ المتعلقة بالموضوع في لغة العرب واصطلاح العلماء حتى لا نصرفها عن معناها الشرعي إلى معنى حادث يؤثر سلبا على فهمنا للحجاب الشرعي. 4 - أن شروط اللباس التي تربي المرأة على الستر هو سترها لجميع بدنها وأن كشف شيء من بدنها قصدا هو هتك للستر وإبداء للزينة. 5 - أن شروط اللباس أيضا أن يكون سميكا لا يشف ولا يصف وأن لبس الملابس التي تشف أو تصف يجعل المرأة في مصاف الكاسيات العاريات. 6 - أن القواعد مرخص لهن في التخفف من الملابس بشرط عدم التبرج والزينة والستر لهن أفضل. 7 - أن المشي له أثر على حياء المرأة وسترها. 8 - أن المرأة المتسترة لا تسير في وسط الطريق وإنما على حافة الطريق. 9 - أن التحايل على إظهار المخفي من الزينة بحركات تبديها المرأة في أثناء سيرها مما حرمه الله وهو من هتك الستر. 10 - أن مخاطبة المرأة للرجال ينبغي أن يكون عند الحاجة ومن وراء ساتر يستر بينهما كالجدار والباب والستارة لا أن يكون كفاحا. 11 - أن التحكم في نبرات الصوت وخفضها من تمام الستر 12 - أن أحكام الشريعة المختلفة تربي المرأة على الستر وإن كانت في ظاهرها في غير موضوع الحجاب. 13 - أن صلاة المرأة في المسجد جائزة ولكن صلاتها في بيتها أستر لها. 14 - أن المقصود من تأخر المرأة في الصفوف إذا صلت مع الرجال هو البعد عن الرجال وكلما كانت أبعد كانت أستر. 15 - أن أفضل شيء للمرأة أن تقر في بيتها وهو اختيار الله لها وهو من تمام الستر مع جواز خروجها للحاجة وأن كثرة الخروج قد تؤدي إلى الإخلال بموضوع الستر. 16 - أن خلع المرأة لملابسها خارج بيتها مما حرمه الله وهو هتك صريح للستر وذهاب للحياء وهو موجود اليوم بصور مختلفة نسال الله أن يحفظ نسائنا من ذلك. 17 - أن تربية المرأة على الستر طهارة لقلبها وصيانة لها وأبعد لها من الوقوع في الفتن وأحفظ لعرضها. هذه بعض النتائج التي توصل إليها البحث فنسأل الله العظيم أن يوفقنا لاتباع دينه وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه. وختاما أود أن أشير إلى أن مما يؤثر على رد كثير من حقائق الشرع ما يسمى اليوم بضغط الواقع فإن المسلمة قد تترك بعض ما يتبين لها أنه الحق لا لشيء إلا لأن الواقع لا يرد ذلك وهي لا تريد أن تواجه الواقع والناس وتحرص على نيل رضى الناس وهذا يؤدي إلى ترك ما أمر الله به وما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم فالواجب علينا جميعا أن نسلم لأمر الله وأن ندعو الله عز وجل أن يوفقنا للعمل بكتابه والسير على منهاج نبيه صلى الله عليه وسلم. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعل هذا البحث في موازين حسناتي يوم القيامة وأن يجعله لوجهه خالصا وأن يوفقني لما يحب ويرضى وأن يستر علينا وعلى نسائنا وبناتنا أجمعين والحمد لله رب العالمين.

فتاوى وكلمات لعلماء الإسلام حول تمكين المرأة من الترشيح والانتخاب

فتاوى وكلمات لعلماء الإسلام حول تمكين المرأة من الترشيح والانتخاب ¤عبدالرزاق بن خليفة الشايجي£بدون¥مكتبة الإمام الذهبي¨الأولى¢1413هـ€المرأة¶المرأة والسياسة خاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وبعد، فلم يبق مجال للشك عند من عنده إنصاف أن تمكين المرأة من الانتخاب والترشيح وإصدار قانون بذلك فتح لباب الشر والمفاسد، ومصادمة لشرع الله وانشغال المرأة عن وظيفتها ومهمتها التي خلقها الله من أجلها وإرباك المجتمع كله رجاله ونسائه في الاختلاف والتحيزات. وفيما قدمناه من أقوال أهل العلم في الماضي والحاضر تذكرة وعبرة والله سبحانه وتعالى نسأل أن يجنبنا الشر كله وأن يوفقنا إلى محبته ورضوانه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مصطلح حرية المرأة بين كتابات الإسلاميين وتطبيقات الغربيين

مصطلح حرية المرأة بين كتابات الإسلاميين وتطبيقات الغربيين ¤محمد بن موسى الشريف£بدون¥دار الأندلس الخضراء - جدة¨الثانية¢1428هـ€المرأة¶المرأة المسلمة - تحريرها وتغريبها الخاتمة والتوصيات ظهر في هذا البحث جلياً إخفاق الغرب إخفاقاً فاضحاً في تعقيد القواعد المناسبة في قضية المرأة , وأن كل المزاعم بأنها قد نالت حريتها قد ذهبت أدراج الرياح , وأنهم أخفقوا في الوصول إلى الحرية الحقيقية للمرأة التي تؤتي ثمارها على هيئة مكاسب وفوائد دنيوية وأخروية. أما المكاسب الأخروية فليست من موضوع البحث؛ إذ لا مكاسب لهم في هذا الباب لكفرهم، وأما المكاسب الدنيوية فلم نجد منها إلا النزر اليسير، وأما استعباد المرأة وربطها بالشهوات، وتصويرها على أنها لذائذ فقط فلا زال قائماً على قدم وساق، وأما اضطهادها والتمييز بينها وبين الرجال فلا زال ظاهراَ، وأما الحديث عن ظلمها وانتقاص حقوقها فحدث عنه ولا حرج، وقد تكفل ببيان كل ذلك أعلام في كتب كبار مبسوطات موسوعات. وأظن – والله أعلم – أن مهمة علمائنا ومفكرينا في هذه الأيام ينبغي أن تكون في إبراز المنهج الإسلامي في قضية المرأة جلياً واضحاً، والبعد عن الدفاع الذي لايجدي شيئاً إنما هو التوضيح والبيان فمن أقبل علينا وعلى منهجنا فمرحباً به، ومن أعرض فنسأل الله له الهداية، وأن من مهمة علمائنا الأكيدة هي بيان عورات منهج الغرب في هذا الباب، وأنه مليء بالثغرات الفاضحة، والأخطاء الواضحة، وبهذا تكتمل صورة البيان. وعليهم ألا يبالغوا في تصوير حال المرأة المسلمة في ديار الإسلام بصورة مزرية منفرة وأن ينظروا النظرة المعتدلة العادلة. والواجب على المسلمين ألا يستجيبوا أبداَ لأي ضغط غربي في هذه المسألة ومثيلاتها، وأن يرفضوا بشدة الحديث المغرض في هذا الباب؛ وذلك لأن الغربيين غير مؤهلين أصلاَ لفرض أي تصور علينا قد ثبت إخفاقه في بناء حياة كريمة للمرأة عندهم، وكيف يفرض من جعل إلهه الشيطان تصوره على من جعل إلهه الرحمن. وعلى الله تعالى التكلان في الهداية والرشاد، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

واقع المرأة الاجتماعي بين دعاة المحافظة ودعاة التحرر (بحوث في مؤتمرات دعوية وعلمية)

واقع المرأة الاجتماعي بين دعاة المحافظة ودعاة التحرر (بحوث في مؤتمرات دعوية وعلمية) ¤عمر بن سليمان الأشقر£بدون¥دار النفائس - الأردن¨الأولى¢1427هـ€المرأة¶المرأة المسلمة - تحريرها وتغريبها واقع المرأة الاجتماعي بين دعاة المحافظة ودعاة التحرر تحدثت عن واقع المرأة الاجتماعي بين دعاة المحافظة ودعاة التحرر، وهي محاضرة دعيت إليها في الكويت، وكنت مع مجموعة من الإسلاميين نمثل التيار الإسلامي، وفي مقابل مجموعة أخرى من دعاة التحرر. وقد استعرضت في هذه المحاضرة أهمية دور المرأة في المجتمعات الإنسانية، وعرفت بدعاة المحافظة ودعاة التحرر، وبينت أنهما فريقان مختلفان متنازعان، وألقيت الضوء على دعاة التحرر فيما قاموا به تجاه المرأة، وبينت الفقه السديد الذي جاء به الإسلام لبيان حقيقة المرأة، ودورها الفطري، موضحا العلاقة بين الرجل والمرأة في الفقه الإسلامي. وفي آخر المبحث تحدثت عن المدى الذي وصلته المرأة الغربية والمرأة المسلمة.

ثقافة عامة

ثقافة عامة

الأعياد وأثرها على المسلمين

الأعياد وأثرها على المسلمين ¤سليمان بن سالم السحيمي£بدون¥الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة¨الأولى¢1422هـ€ثقافة عامة¶أعياد إسلامية - عيد هذا وبعد أن منّ الله علي بإتمام هذا البحث فإني أختمه بأهم النتائج التي توصلت إليها وهي كما يلي: 1 - إن العيد اسم يطلق على كل اجتماع يحدثه الناس أو يعتادونه في زمان معين، أو مكان معين أو هما معاً، سواءً كان ذلك في الأسبوع أو الشهر أو السنة. 2 - إن الأعياد من أهم الخصائص التي تتميز بها الديانات ولكل ديانة أعيادها وأفراحها النابعة من أصل الاعتقاد فيها. 3 - إن أعياد الكفار لا تثبت على حال لا من ناحية العدد والوقت ولا من ناحية الاحتفال بها فهي باطلة وقصورها واضح بيّن، حيث أن قوامها اللهو وإطلاق العنان للشهوة بما يتنافى مع الفضائل والأخلاق، ويعارض الفطر السليمة. 4 - إن احتفال بعض المسلمين بعيد ميلاد المسيح أو النيروز أو شم النسيم أو عيد الأم، ونحو هذه الأعياد تشبه بأهل الكتاب ومن تشبه بقوم فهو منهم. 5 - وجوب مخالفة الكفار في عاداتهم وأعيادهم، وما هو من خصائصهم. 6 - إن الله شرع للمسلمين من الأعياد الزمانية والمكانية، ما يغنيهم والتي اشتملت على خيري الدنيا والآخرة. 7 - إن الأعياد الشرعية اتصفت بالشمولية والاستقرار والثبات في كلّ، فهي ثابتة في العدد والتسمية كما أنها ثابتة في الوقت وكيفية الاحتفال بها. 8 - أنه لا بدعة حسنة، وأن البدعة كل ما خالف السنة، فلا محمود فيها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. 9 - إن البدع تتفاوت في أحكامها فمنها ما هو كفر ومنها ما هو دون ذلك. 10 - وقوع بعض البدع والمخالفات من بعض المسلمين في الاحتفال بالأعياد الشرعية مما قلل من أهدافها. 11 - ابتداع بعض المسلمين للأعياد الزمانية والمكانية على غرار أعياد الكفار، وهي ما تعرف بالذكريات، وكان أول من ابتدعها واشتهر بها فيما اطلعت عليه الفاطميون وذلك في أواخر القرن الرابع الهجري والذي أستطيع أن أقول إن العصر الفاطمي كان قاموساً للأعياد والمواسم المبتدعة وغيرها من أعياد الكفار. 12 - بدعية اتخاذ يوم عاشوراء مأتماً أو عيداً. 13 - إن أول من ابتدع الاحتفال بالمولد النبوي وسائر الموالد الأخرى الفاطميون. 14 - بدعية صلاة الرغائب التي تكون في ليلة أول جمعة من رجب وأنها أول ما أحدثت بعد سنة 480هـ. 15 - بدعية الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج والتي يزعمون أنها في السابع والعشرين من رجب. 16 - بدعية الاحتفال بليلة النصف من شعبان. 17 - بدعية الاحتفال بليلة القدر والذي يكون في السابع والعشرين من رمضان. 18 - بدعية الاحتفال بعيد الأبرار في الثامن من شوال. 19 - بدعية الاحتفال بغدير خم الذي يعد أهم الأعياد عند الرافضة والذي يزعمون أن فيه حصلت الإمامة والوصية لعلي رضي الله عنه. 20 - بدعية احتفال الرافضة بمقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والذي يتضح فيه معتقد الرافضة تجاه صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم. 21 - إن من أعظم الفتن في هذا العصر اتخاذ القبور والآثار أعياداً وتعظيمها وتفضيلها على الكعبة والمشاعر المقدسة. 22 - أن الأعياد الزمانية والمكانية المبتدعة كان لها الأثر السيئ على المسلمين، حيث يقع فيها من الشرك والمفاسد الكثيرة ما الله به عليم، فضلاً عن عدم الاهتمام بالأعياد الشرعية، بل قد يفضل البعض تلك الأعياد عليها. هذا وأسأل الله أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم وأن يوفقني لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقني حسن الاعتقاد في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ..................

البطاقات اللدائنية تاريخها وأنواعها، وتعاريفها وتوصيفها، ومزاياها، وعيوبها

البطاقات اللدائنية تاريخها وأنواعها، وتعاريفها وتوصيفها، ومزاياها، وعيوبها ¤محمد بن سعود العصيمي£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1424هـ€ثقافة عامة¶بطاقات بنكية - تجارية مخلص البحث: قدم البحث عرضاً موسعاً لتاريخ البطاقات اللدائنية المستخدمة للدفع. وقد قام الباحث بالرجوع فيه إلى مصادر أجنبية نظراً لانعدام الكتابات العربية في هذا المجال. ويعتقد الباحث أن الفصل الخاص بتاريخ البطاقات أول كتابة موسعة عن تاريخ البطاقات في اللغة العربية. قدم البحث عرضاً مختصراً لكل التعاريف التي اطلع عليها الباحث للبطاقات اللدائنية المختلفة. وقد استعرض الباحث في ذلك نيفاً وعشرين تعريفاً. قسم البحث البطاقات اللدائنية التي تستخدم وسائط للدفع إلى أحد عشر نوعاً، موضحاً في كل نوع كيفية عمله والحصول عليه وأقسامه وتعريفاً مختاراً من الباحث، وأهم خصائصه التي يمكن أن تكون مرشداً للباحثين في تصنيف الأنواع الجديدة التي تصدر فيما يستقبل من الزمن. نظراً لأن الباحث تبني تقسم البطاقات اللدائنية المستخدمة للدفع على الأساس التاريخ، ونظراً لأن هناك طرقاً بديلة أخرى يمكن معها تقسيم البطاقات، فقد قدم البحث عرضاً موسعاً لتقسيم البطاقات بناء على اعتبارات أخرى غير التاريخية. وهذه الاعتبارات قد تكون معيناً للباحثين على بيان بعض الأحكام القانونية أو الشرعية بناء على تقسيم معين. ويمكن معه بيان بعض أحكام أنواع محددة من البطاقات "سواء الموجودة أو التي تأتي في المستقبل" بناء على تقسيم معين. تبني البحث وضع تعريف موحد مركب من حدود مهمة لكل البطاقات التي غطاها البحث. وقد تم مناقشة وشرح هذه التعريفات في كل بطاقة على حدة. وتتميز هذه التعريفات بأنها مستوعبة – إن شاء الله – للأنواع اللاحقة التي يمكن أن تأتي. وقد روعي فيها كون البطاقات وسائل دفع جديدة وهذا ييسر على الباحثين في النقود في وضع تصور واضح لمدى إلحاق هذه البطاقات أو غيرها بأحكام النقود من عدمه. قدم البحث بعض الجوانب الاقتصادية لعمل البطاقات، وكيفية وضع وتحديد الرسوم المختلفة على حامل البطاقة، وعلى التاجر. وكذلك التكاليف المختلفة التي تتكبدها الشركات والبنوك التجارية المصدرة للبطاقات. ولأهمية بيان مزايا وعيوب البطاقات اللدائنية في التصور الكامل عنها، ختم البحث بها. وقد تطرق البحث لتلك المزايا والعيوب بالنسبة لحامل البطاقة ولمصدرها وللتجار القابل لها وللمجتمع. نتائج البحث: الأهمية الكبرى التي تتبوأها البطاقات اللدائنية المستخدمة وسائل للدفع في الوقت الحاضر والتي تعبر عنها الأرقام الضخمة من البطاقات المستخدمة في العالم اليوم، والتطور الذي تشهده أنواعها الجديدة التي تصدر بين الحين والآخر. إن مما يزيد الموضوع أهمية أن مجال البطاقات ما زال بكراً في كثير من نواحيه، سواء الخاصة بالبحوث الاقتصادية أو الشرعية أو الأمنية أو البحوث الخاصة بتطوير أنواع أخرى من البطاقات مغايرة تماماً لما ذكره. أن كنه وحقيقة البطاقات اللدائنية قد تغير بصورة كبيرة منذ استخدامها أول الأمر من المحلات التجارية. فبعد أن كانت أداة مبتكرة لتسهيل التعامل مع الزبون، أصبح هناك أنواع مختلفة منها تقوم بمهمات متعددة أهمها كونها وسيلة للدفع الفوري أو الآجل أو التقسيطي. بل إنها قد تحل بديلاً نهائياً محل النقود الورقية. أن القدرة على جعل النقود الآن قيوداً محاسبية في البنوك التجارية "مما يعني أنه لا فرق بينها وبين المعلومات الأخرى من حيث إمكانية نقلها عبر أسلاك الهاتف" قد أسهم إسهاماً قوياً في نشوء كثير من البطاقات وكونها على الصور الموجودة الآن.

أن تعدد أنواع البطاقات اللدائنية – من بطاقات محلات تجارية وبطاقات سفر وترفيه وبطاقات بنكية ائتمانية متنوعة وبطاقات ذكية وبطاقات صراف آلي – يجعل اختزالها في نوع واحد حين الحديث عنها أمراً غير دقيق. سواء كان الكلام عنها أو عن أحكامها وآثارها من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأمنية أو الفقهية الشرعية. إذ الاختلاف بينها في كثير من الجوانب المؤثرة في الحكم كبير في كثير من الأحيان. بيان الأثر المهم للتقنيات الجديدة في الاتصالات السلكية واللاسلكية والتقنية الحديثة للحواسيب، على إصدار وعمل هذه البطاقات، حيث أصبحت مجالاً لهذه التطورات. ولا شك أن أثر هذه التقنيات ما زال في أوج ذروته، مما يشعر أن المراحل القادمة للبطاقات اللدائنية مليئة بالجديد. اتضح من الدراسة أن كثيراً من شروط عقود البطاقات في واقعها الحالي لها أساس واضح في الاستراتيجيات التسويقية والاعتبارات الاقتصادية الموضوعة حين بدء نشوئها. وهذا يحتم على الباحثين والمنظرين الشرعيين النظر والانتباه إلى أهمية ذلك على المقترحات التي تقدم كبدائل. فلا بد من كون الاقتراح صالحاً كبديل مربح عن القديم. أن أثر دخول البنوك التجارية لم يقتصر على إصدار البطاقات اللدائنية وتطوير الأنواع الموجود وزيادة قبولها على نطاق واسع في أنحاء العالم المختلفة. بل تعداه بأن جعلت البنوك التجارية البطاقات ميداناً فسيحاً لتسويق كثير من الأدوات والاستراتيجيات التي تستخدمها في تسويق خدماتها التقليدية وغيرها من الخدمات المفصلة على البطاقات من أجل الربح من ورائها. أهمية هذا الموضوع بالنسبة للبنوك الإسلامية ولجانها الشرعية التي يصدر كثير منها أنواعاً مختلفة من البطاقات اللدائنية، والتي تعاني من النقص الشديد في الأدبيات العربية في هذا المجال التي تعين اللجان الشرعية والباحثين في وضع التكييف الشرعي الصحيح بناء على العرض الدقيق للموضوع. تبين من البحث جلياً أن دور البنوك التجارية، والمنظمات المالية فيما بعد "كمنظمتي فيزا وماستركارد وأمريكان أكسبرس" كان مهما جداً للوصول للصورة الحالية في انتشار البطاقات اللدائنية. وقد تبين أن الدراسات السابقة قد ركزت على البطاقات الائتمانية بدرجة كبيرة جداً. ولا شك أن النوع الائتماني من أكثر الأنواع انتشاراً، وعموم البلوى به واضح جداً. وتحتاج مباحثة إلى دراسات شرعية موسعة، لكن الاكتفاء بعرض البطاقات الائتمانية جزئياً فيه إخلال كبير. تبين من البحث كذلك أن البطاقات الأخرى غير الائتمانية لها نصيب كبير آخذ بالزيادة. وكل ذلك على حساب الأنواع التقليدية من البطاقات. ولا شك أن هذا يصب في صالح المنظرين للبطاقات الخالية من المخالفات الشرعية، إذ إن أغلب الملحوظات الشرعية موجهة للبطاقات التي تقدم الائتمان. اتضح من الدراسة أن فوائد البطاقات كثيرة جداً لكل الأطراف. وهي كذلك – في مجملها – تعاني من سلبيات على مستويات الأفراد والمجتمع. ولا شك أن بعض هذه السلبيات تحتاج حلولا جذرية على مستويات دولية كبيرة وبعض هذه السلبيات لها تفاعلات اجتماعية واقتصادية وقانونية خطيرة على المستويات المختلفة. توصيات البحث: يوصي الباحث بتكثيف البحوث في المجالات الاقتصادية التي تمس الحاجة لها. ويثني على وجه الخصوص على جهود العلماء المهتمين بهذه البحوث، وخاصة منهم من يعمل في اللجان الشرعية في البنوك الإسلامية، ويخص مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة بثناء عاطر لسبقه في تغطية كثير من الأمور الاقتصادية التي تهم المسلمين.

يوصي الباحث بتبني البنك الإسلامي للتنمية للقيام – تدريجياً – وبعد إعداد الصياغات الشرعية اللازمة بالدور الذي تقوم به الشركات الكبرى المصدرة للبطاقات. وكذلك بتبني إصدار بطاقة ائتمانية خالية من المحاذير الشرعية. والقيام بالمهمات التنظيمية الضرورية للبطاقات المختلفة كالتأكيد من الشخص والتسويات المالية على مستوى الدول الإسلامية لكل البطاقات المصدرة في العالم الإسلامي. يدعو الباحث إلى التوسع في دراسة فقه المعاملات المعاصرة في الكليات الشرعية، وتكثيف بحوث الدراسات العليا فيه، وجعله مجالاً لبحوث الترقيات الخاصة بأعضاء هيئة التدريس. يدعو الباحث إلى قيام البنوك المركزية في الدول الإسلامية إلى اختيار بطاقات لدائنية ذات تقنيات متطورة تتناسب مع الجوانب الفقهية. ويعتقد الباحث أن تقنيات البطاقات الذكية تشكل بديلاً يستحق الغاية. يدعو الباحث القائمين على البنوك المركزية للدول الإسلامية بسرعة تبني أدوات الاقتصاد الإسلامي، خاصة ما يتعلق بالبنوك التجارية وجعل تخصص الاقتصاد الإسلامي في القائمين على البنوك التجارية والشركات المشابهة شرطاً ملزماً في توظيفهم. وجعل المستشار الشرعي وظيفة إلزامية في كل المؤسسات المالية في كل البلدان الإسلامية. يوصي الباحث القائمين على البنوك المركزية والواضعين للسياسات التنظيمية والإجرائية المسارعة بعمل الدراسات والتنظيمات والأطر الرقابية والتنظيمية الخاصة بالبطاقات المختلفة وفقاً للشرع المطهر، وذلك لحفظ حقوق الأطراف ذات العلاقة كاملة. وختاماً، أسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، صواباً على سنة سيد المرسلين، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحوار من أجل التعايش

الحوار من أجل التعايش ¤عبدالعزيز بن عثمان التويجري£بدون¥دار الشروق - القاهرة¨الأولى¢1419هـ€ثقافة عامة¶حوار - أسس ومناهج وأبحاث خاتمة أبرزت هذه الفصول الحاجة إلى قيام حركةٍ فكريةٍ رشيدةٍ، على صعيد العالم الإسلامي، تدفع في اتجاه تجديد علاقات التعاون مع شعوب العالم وأممه، من منطلق الحرص المشترك على استقرار المجتمع الإنساني والحفاظ على مكاسب الحضارة الإنسانية في شتى مناحي الحياة. وأكدت مسؤولية المفكرين والعلماء والباحثين والمثقفين عموماً في البلاد العربية الإسلامية، في النهوض بدور شديد التأثير بالغ الأهمية عظيم الفائدة، لتطوير الحياة العربية الإسلامية على مختلف المستويات، لتتيسّر الوسائل والسبل التي تساعد على الانفتاح على آفاق العصر، والتعامل مع العالم كلِّه بروح الأخوة الإنسانية، ومن منطلق الإيمان بالقيم الإسلامية الثابتة التي تحثّ على التعاون، وتدعو إلى التسامح، وتبشر بالخير والسعادة للبشر أجمعين. ولقد حرصت فيما كتبته عن قضايا الحوار والتعايش والتفاهم والتعاون والعمل من أجل تعميق التعايش بين الشعوب والأمم وبناء المستقبل الإنساني المشرق، على التأكيد على أهمية العمل الجماعي المشترك التي تتضافر فيه جهود أطراف عديدة تعمل من أجل تحسين الحياة الإنسانية ودرء المخاطر عنها وتوفير الأسباب الكفيلة بضمان الأمن وكفالة الاستقرار وترسيخ أسس التعايش الثقافي والتعاون الحضاري الراقي القائم على المبادئ الإنسانية. وإذا كان الحوار ضرورة للعيش الآمن المطمئن المستقر فوق هذه الأرض، وكانت المسؤولية في الدعوة إليه وتطبيقه في واقع الحال، مسؤولية مشتركة بين جميع الأطراف التي يهمها الحوار، والتي تعمل من أجله وتملك شروطه ومؤهلاته ووسائله، فإن العالم الإسلامي مدعوٌّ اليوم، وبحافزٍ من مبادئه وقيمه، إلى أن يوسّع من دائرة تعامله مع مختلف الشعوب، ويعمّق رؤيته إلى رسالة الحوار في تجديد العلاقات الإنسانية وتطويرها والدّفع بها نحو تحقيق المنافع والمصالح لبني البشر كافّة. ولئن كان المسلمون قد تعرضوا لأزمات كثيرة عبر مسيرتهم التاريخية، ولا يزال بعضٌ من هذه الأزمات يعمل عمله في إضعاف الكيان الإسلامي إلى اليوم، فإن مصلحتهم العليا في الحاضر والمستقبل، تتطلب منهم أن يكونوا حملة مشعل الحوار في مدلولاته الثقافية الشاملة، وفي معانيه الحضارية الراقية، وعلى شتى المستويات، وفي مختلف الموضوعات، لأن خروج العالم الإسلامي من أزماته الراهنة، وتغلّبه على المعضلات التي تعوق مسيرته التنموية، يفرضان عليه الانفتاح على العالم، والتعامل مع كل التيارات الثقافية والفكرية والإبداعات العلمية والتقانية، والتعاون مع الأمم والشعوب والدول والحكومات، حرصاً على جلب أكبر قدر من المصالح والفوائد والمنافع للأمة الإسلامية، ودرء ما يمكن درؤه من مخاطر ومساوئ ومفاسد. ولذلك فمسؤولية رجال الفكر والثقافة والعلم والأدب والفن، في هذا المجال، على قدر كبير من الأهمية لا تقل عن الأهمية التي تكتسبها رسالة العاملين في المجالات الأخرى. وأحسب أن هذا الكتاب يستجيب لهذه الضرورة، ويتجاوب مع هذه الرسالة.

الفضائيات العربية التنصيرية أهدافها - وسائلها – سبل مقاومتها

الفضائيات العربية التنصيرية أهدافها - وسائلها – سبل مقاومتها ¤تركي بن خالد الظفيري£بدون¥مجلة البيان - لندن¨الولى¢1428هـ€ثقافة عامة¶تنصير واستشراق ومستشرقين الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشكره – سبحانه – على ما منّ به من إتمام هذه الدراسة، والتي أسأل الله أن يبارك فيها وينفع بها. ومن خلال دراستي للفضائيات العربية التنصيرية توصلت إلى نتائج وتوصيات هامة، أجملها فيما يلي: أولا: أبرز النتائج: 1 - إن المنصرين يفعلون كل وسيلة مؤثرة ممكنة لإنجاح المشروع التنصيري؛ لذلك لمسنا تسابقهم في إنشاء القنوات الفضائية. 2 - بدأ استغلال التلفزيون كوسيلة لتنصير المسلمين والعرب في عام 1991م عند افتتاح تلفزيون (تيلي لوميار) وتلتها قناة سات7 في عام 1995م وفي عام 2003م انطلقت قناتا نورسات التابعة لمؤسسة تيلي لوميار، وقناة الحياة، ثم في عام 2005م انطلقت ثلاث قنوات هي المحبة والكرامة والشفاء. 3 - استطاع المنصرون اختراق بعض قنوات الدول الإسلامية، ونشر ثقافتهم ومعالم دياناتهم. 4 - إن خطورة هذه القنوات كبيرة جدا، ومن أوجه الخطورة ما يلي: انتشار القنوات الفضائية. احتواؤها على كثير من الشبهات. تناقل الشبهات بين المسلمين. خطورة التنصير بين المسلمين. كسر الحواجز بين المسلم وسماعه لكلام دعاتهم. تعميق الضلال في نفوس النصارى. توجيه النصارى المسلمين، وتخريج الدعاة، وتزويدهم بما يخدم دعوتهم. الدعم التنصيرية حلقة وصل بين المشاهد والمؤسسات التنصيرية. الدعم المعنوي للهيئات التنصيرية وتحفيزها. خداعهم للمرضى والمحتاجين وأصحاب الظروف الخاصة. القنوات التنصيرية تحقق نظرية صراع الحضارات. زعزعة الأمن داخل البلاد الإسلامية. التغيير الاجتماعي. 5 - تؤكد كل القنوات - عدا قناة الحياة- على عدم الطعن في الطوائف والأديان الأخرى، مع أنها تعرض كثيرا بالدين الإسلامي. 6 - تتفق كل القنوات على نشر النصرانية لجميع الأمم مع اختلافها في الوسائل. 7 - تعتبر قناة سات7 نفسها قناة كل الطوائف النصرانية، حيث تعرض صلوات وترانيم ومواعظ الكنائس على اختلافها، فقد اشترك في تأسيسها 25 مؤسسة وكنيسة نصرانية من البلاد العربية وأوروبا وأمريكا الشمالية. 8 - أعلنت قناة الحياة عداءها السافر على عقيدة الإسلام وشريعته، وذلك بالهجوم على الكتاب والسنة ونقدهما نقدا غير موضوعي، يعتمد على التحريف والكذب والتلبيس، وبعرض المتنصرين وهم يحكون رحلتهم بين الإسلام والنصرانية. 9 - أعلن القمص زكريا بطرس هجومه السافر على الإسلام في عام 2001 عندما بدأ نشاطه في البالتوك، وهذا العام هو العام الذي أعلنت فيه أمريكا حربها على الإسلام، وقد تكرر ذهابه إلى أمريكا في هذا العام والأعوام التي بعده. 10 - زكريا بطرس أراد إخراج الشبهات حول الإسلام من بطون كتب المستشرقين والمنصرين، ولم يأت بجديد في هذا الإطار والجديد الذي أتى به تبسيط الشبهات وعرضها بكل صفاقة في قناة فضائية. 11 - تعتبر قناة نورسات قناة نصرانية مارونية تخدم مصالح الكنائس النصرانية وخاصة مصالح الموارنة في لبنان، وقد رفعت شعار الوطنية في العديد من برامجها. وهي القناة الوحيدة التي تبث بعض برامجها على الهواء مباشرة. 12 - هدفت قناة معجزة إلى نشر معجزات المسيح – عليه السلام- في أغلب برامجها، وربطت بين النجاح في الحياة والإيمان بالمسيح- عليه السلام-. 13 - تنحصر أهم أهداف هذه القنوات في سبعة أهداف رئيسة: أ) عودة النصارى إلى دينهم. ب) دعوة غير النصارى للدخول في النصرانية. ج) تشكيك المسلمين بدينهم. د) جمع كلمة النصارى على اختلاف طوائفهم. هـ) نشر معجزات المسيح لمن قبلوه مخلصا، وإجابة أسئلتهم.

و) تعميق فكرة الخلاص. ز) الوطنية. 14 - إن من أهم وسائل الدعوة للدين النصراني ما يلي: أ) نشر الكتاب المقدس. ب) التركيز على معجزات المسيح – عليه السلام- وبثها للمشاهدين، وأنه قريب منهم، ويكلمهم ويحبهم، ويخلصهم من الشرور ومشاكل الحياة. ج) عرض العقائد والشرائع النصرانية، ومحاولة تأصيلها. د) استضافة رموز الطوائف الكنسية المختلفة. هـ) إبراز المشاريع الإنسانية والإغاثية. و) تحسين صورة النصراني المتدين وأنه الرجل المثالي. 15 - من أهم وسائل التشكيك والافتراءات حول عقائد الإسلام وشرائعه. أ) إجراء اللقاءات مع أناس تنصروا – كما زعموا-. ب) تكليف بعض المتنصرين بتقديم البرامج. 16 - حرصت القنوات على تنويع البرامج وعرضها بصورة محببة إلى النفوس. 17 - نوعت القنوات الخطاب؛ مراعاة لاختلاف أعمار المشاهدين وتوجهاتهم وأفكارهم. 18 - الاستفادة من مهارات الاتصال اللغوية والبدنية للتأثير على المشاهد، وتوظيفها لخدمة أهدافهم. والعناية البالغة في استخدام اللهجات العامية. 19 - التواصل مع المشاهد إما أن يكون عن طريق العنوان البريدي، أو البريد الإلكتروني، أو الاتصال الهاتفي. 20 - إن على الأمة؛ حكاما ومحكومين، علماء ودعاة، وإعلاميين ورجال أعمال، أفرادا وجماعات، مواجهة هذه الهجمة الشرسة بتوزيع الأدوار وتضافر الجهود.

المرأة السعودية قضايا وآمال

المرأة السعودية قضايا وآمال ¤نجاح بنت أحمد الظهار£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1425هـ€ثقافة عامة¶المرأة - السعودية خاتمة كتاب المرأة السعودية قضايا وآمال بعد هذه الجولة الطويلة في أعمال المرأة السعودية، تعرَّفنا خلالها على قضايا وهموم المرأة السعودية، وعشنا داخل عقلها وفكرها وقلبها، وبعد سماع المحاورات والمداخلات على بعض القضايا من أقلام نسائية ورجالية، بعد ذلك كله تُلخص مطالب المرأة السعودية في التالي: • ضرورة الحفاظ على صورة المرأة السعودية، وحمايتها من الأفكار الهدَّامة بزيادة وعيها وثقافتها، عن طريق تكثيف البرامج والدورات التثقيفية، وقبل ذلك المناهج التعليمية، فتعي حقوقها التي خصَّها بها الإسلام، وتعمل على المطالبة بها كلما اقتضت الحاجة، بعيداً عن المؤثرات الغربية، والتقليد الأعمى لمطالب المرأة في الغرب، فتكون بذلك المرأة السعودية النموذج للمرأة المسلمة خاصة والمرأة عامة. فللمرأة السعودية خصوصية، مهما حاول بعضهم نفي هذه الخصوصية عنها لفهمهم المغير لمعني الخصوصية الحقيقي، المتمثل في الالتزام والمسؤولية والقدرة الصالحة، وليس المقصود بالخصوصية والفوقية على الغير. • العمل على تغيير فكر الرجل نحو المرأة، وتخليصه من النظرة الجاهلية لها وجعله يؤمن إيمانً كاملاً بمكانتها ودورها، أو إحساسه الصادق بقدراتها وإمكاناتها. وهذا التغيير، يحتاج إلى تعاضد المؤسسات الاجتماعية بأكملها ابتداءً من الأسرة فالمدرسة فالمسجد فوسائل الأعلام جميعها. إذا استطعنا إعادة تشكيل فكر الرجل وتغيير نظرته للمرأة نكون بذلك حللنا صُلب المشكلة. • على المؤسسات التربوية والإعلامية، أن تعمل بجد ونشاط وصدق على تغيير السلوكيات الاجتماعية الخاطئة التي ترتكب في حق المرأة، وكذلك يقع العبء الأكبر على عاتق المؤسسات التعليمية؛ لِمَا لها من تأثير مباشر على الفكر، فحبذا لو قررت مناهج عن التربية الزوجية والأسرية للطلبة، يتعرَّف من خلالها كلُّ منهم على حقوقه وواجباته تجاه الآخر. • حماية المرأة من الإرهاب الاجتماعي الذي يفرض عليها قبول أوضاع اجتماعية قهرية بتخويفها من العنوسة والطلاق والترمُّل، فترضى بواقعها خوفاً من المجتمع ونظراته الناقدة. • تعاني المرأة من الظلم الاجتماعي المتمثل في قضايا الطلاق، والخلع وحضانة الأولاد، والحرمان من النفقة والميراث، أو حق التعلم والعمل والعضل عن الزواج، وإجبارها على الزواج بمن لا ترغب، إضافة إلى الروتين القاتل في المحاكم ودور القضاء الذي يؤدي إلى تأخير البت في القضايا الأسرية مما ينعكس سلباً على نفسية المرأة، لذا لا بد من إنشاء أقسام نسائية في المحاكم بضوابط تكفل للمرأة حقوقها وكرامتها، تعمل على مساعدة النساء في حل مشكلاتهن وتهتم بقضايا الأسرة، على أن يختار لهذا القسم الكفاءات النسائية المتخصصة الحاصلة على درجات عليا في الفقه الإسلامي والمحاماة والتربية الإسلامية وعلم الاجتماع وعلم النفس. • كذلك لا بد من إنشاء أقسام نسائية بجميع الدوائر الحكومية التي للمرأة معاملات وعلاقات بها، كإدارة الجوازات والبلديات، والحقوق المدنية، وأن تكون مجهزة تجهيزاً إدارياً مواكباً للعصر ولائقاً بمكانة المرأة. • معاودة النظر في مقدار فدية الخلع، بحيث يكون بقدر صداق المرأة دون زيادة، وهذا ما يتناسب مع متغيرات العصر الحالي، ويحد من تلاعب أصحاب النفوس الضعيفة، وهذا ما نص عليه قرار هيئة كبار العلماء برقم 26 بتاريخ 21/ 8/1394هـ وبالإجماع، وقد عمّمه رئيس مجلس الوزراء آنذاك الملك فيصل - رحمه الله – تحت رقم (6895) بتاريخ 6/ 3/1395هـ.

• مراجعة النظر في صلاحيات الولي والوكيل، ووضع حدود وضوابط لها منعاً لاستغلال الوكالة استغلالاً يسيء للمرأة. • الاعتراف بأن المرأة كاملة الأهلية ولها الحرية المطلقة في التصرف في مالها وعقارها وجميع عروض التجارة. • النظر في أمر تقاعد المرأة بعد وفاتها وعوده كإرث لورثتها ولها حق الوصاية بثلثه والتصرف فيه كإرث شرعي، فليس من المنطق أن تتوفى المرأة وعليها ديون لا تجد من يسددها عنها، وتبقى روحها معلقة، وهي تملك رصيد ضخماً في جيب مصلحة التقاعد. • النظر في مسألة عوائد الطوافة وحق المرأة فيها فليس هناك وجه حق لحرمان أبنائها من هذا العائد مع صرفه لأبناء وبنات الأخوة من الذكور. • حماية المرأة من صور الزواج الغربية عن المجتمع كالزواج المسيار والزواج بنية الطلاق، والزواج من غير ولي، لما في ذلك من هضم حقوقها والإساءة إليها. • دراسة عوائق الزواج دراسة منصفة من غير رمي اللوم وتحميل المسئولية للمرأة وحدها. • تصحيح مفاهيم التعدد في فكر كثير من الرجال. • تصحيح نظرة المجتمع عن الفتاة التي تأخرت عن الزواج، وحمايتها من الاستغلال الأسري كتعطيلها عن الزواج للاستفادة من راتبها أو تزويجها بأي رجل بغية التخلص من عار لفظة (عانس). • إعطاء الفتاة العانس حقوقها في استقدام سائق أو عاملة، وكذلك منحها قروضاً من بنك التنمية العقاري، كما هو الحال في أمر الأرملة والمطلقة. • حماية الدولة للمرأة المطلقة والأرملة والعانس والمسنَّة، وكذلك الواقعات في مشكلات زوجية وأسرية، ممّن ليس لهن عائل كفء يرعى شؤونهن، ببناء مساكن ودور إيواء تحميهن وتأويهن وتكفل لهن العيش الكريم. • فتح أبواب العمل أمام المرأة بما يتوافق مع فطرتها وطبيعتها وظروفها الاجتماعية، وحمايتها من الأعمال المختلطة التي تسيء إلى كرامة المرأة، كالعمل مضيفة، وشرطية، ومشرفة استقبال في الفنادق والمذيعة في الفضائيات. • المساواة بين الرجل والمرأة في المنح والعطايا والجوائز الحكومية. • منح المرأة حقوقها الإدارية والمالية بإعطائها حق اتخاذ القرار وتنفيذه وتطبيقه على دائرتها النسائية لا أكثر ولا أقل، والسماح لها بالمشاركة في وضع الخطط والبرامج التي تخصَّ دائرتها، مع حرية التصرف المالي في تنمية مواردها المالية، وكيفية إنفاقها. • إعطاء الأستاذات الجامعيات حق المشاركة في تطوير المناهج التعليمية، وفي مجالس الأقسام والكليات عن طريق الشبكة المغلقة. • إعطاء حق التجنُّس لأبناء المرأة السعودية المتزوجة من غير السعودي منذ ولادتهم أسوة بالرجل المتزوج بغير السعودية. • ضرورة إنشاء مركز دراسات علمية لدراسة قضايا المرأة والأسرة والطفل تكون مهمته البحث في تلك القضايا ودراستها دراسة ميدانية، مع متابعة النتائج والحلول والأسباب سنوياً. بعد هذا كله تعترف المرأة السعودية بأنها ما زالت بخير، وأنَّ حالها أفضل من حال المرأة في المجتمعات الأخرى، وهي تعلم أن هذه المشكلات والمعاناة أمر طبيعي في الحياة، تفرضه الظروف الانتقالية في المجتمع، وأنّ ما تمر به الآن ما يلبث أن يزول غداً، وهي مع ذلك تعلم أنّ معاناتها لن تزول إلا إذا سُمع صوتها ووصل إلى صُنّاع القرار، وعرفوا مطالبها، ففيهم كل الخير، وهي متفائلة جداً بأن وضع المرأة السعودية سيغشاه الإصلاح العميم، ولن يأخذ ذلك وقتاً، ولن يأخذ ذلك وقتاً، لأن حقوقها قد وضعها وكفلها لها الإسلام من أول يوم لظهوره، فلم يبق إلا العودة إلى التطبيق.

المصطلح - خيار لغوي .. وسمة حضارية

المصطلح - خيار لغوي .. وسمة حضارية ¤سعيد بشار£بدون¥وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - قطر¨العدد 62 - السنة 17¢1418هـ€ثقافة عامة¶مصطلحات وحدود وتعريفات ومداخل فنون وأصول بحث الخاتمة تمت الإشارة في مطلع هذا البحث إلى أن الغرض منه ليس الدفاع ولا الإثبات، وإنما معرفة واقع معاصر سائد في سياق تطور تاريخي للمصطلح، ونختمه بالتأكيد مرة أخرى على القدرة الذاتية لعموم اللغات في الصمود والاستجابة للتطورات والمستجدات إذا ما اعتنى بها أصحابها، واللغة العربية منها بصفة أخص، لأنها أيضاً لغة دين، تستجيب لا للمتطلبات المادية والدنيوية للإنسان فقط، بل لمتطلباته الروحية والنفسية والأخروية أيضاً. فـ " ليس هناك لغة مهما كانت ضعيفة لا تقدر على استيعاب العلوم والتقنيات. وقد أحيى الإسرائيليون لغة توراتية قديمة لم يكن أحد يتحدثها، وصارت لغة علمية وتقنية ". و" ليس التهجم على العربية في بعض أقطارنا إلا وسيلة للتغطية على إخفاق السياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي اتبعت في العقود الماضية، والرغبة في التحلل من المسؤولية، وتحميل التاريخ والأجداد والآخرين مسؤولية هذه السياسات السيئة، التي قضت على الاقتصاد والمجتمع. وتريد أن تقضي على اللغة ". إِن السؤال الذي يجب طرحه ليس: هل اللغة العربية ضعيفة بالمصطلحات العلمية والتقنية أم لا، بل ليس أيضاً: هل العربية تصلح لإنتاج المصطلحات العلمية أم لا؟ ولكن كيف نطور لغتنا لتصبح على مستوى التجربة العلمية والتقنية؟ بالطبع، هذا يفترض أن يكون لدينا شعور أدنى بأننا أمة، وأن لدينا لغة خاصة بنا. فإذا كان شعورنا أننا حشد من الناس لا رابط بينهم، لا تجمعهم لا لغة ولا ثقافة ولا دين ولا تاريخ، ولا حضارة تربطهم ومنها يستمدون الروح والقوة والمعنى، فليس هناك أي مانع في أن نتداول فيما بيننا حول اللغة التي نختارها كما نتداول حول الملابس التي نلبسها ".

خرافة السر مع ملحق من (قانون الجذب) إلى (قانون الطرد) قصة الحوار بيني وبين د. صلاح الراشد حول قانون الجذب

خرافة السر مع ملحق من (قانون الجذب) إلى (قانون الطرد) قصة الحوار بيني وبين د. صلاح الراشد حول قانون الجذب ¤عبدالله بن صالح العجيري£بدون¥بدون¨الأولى¢1430هـ€ثقافة عامة¶نقد كتاب أو فكر الخاتمة: وبعد ما تقدم جميعاً من بيان حقيقة (السر)، وما تضمنه هذا الكتاب من مفاهيم، هل يصح أن يقال فيه: هو كتاب يدعو للتفاؤل والإيجابية ليس إلا، فلم التهويل؟! أو يقال: أنه يشجع قرَّاءه على وضع الأهداف بوضوح ليسعى الإنسان من ثم وراءها؟! هل الكتاب – فعلاً- بمضامينه قائم على تأكيد أن (الدعاء مخ العبادة)؟! وأن (شكر النعمة ينميها ويزيدها)؟! وهل هو – حقيقة – يدعو قرَّاءه إلى تعظيم الرب سبحانه وإجلاله، (والإيمان العميق بالله وقدرته)؟! والله لو كان الأمر كذلك لما كان كلام، ولا خُطَّ حرف، ولكان نصيب هذا البحث الطي والكتمان، لكن الأمر – والله- ليس كذلك، فالكتاب كما رأيت دعوة إلى التوكل والقعود، والتعلق بالأماني الزائفة وأحلام اليقظة، وأن الإنسان – أي إنسان- يمكنه أن يحصل على كل ما يريد وهو متكئ على أريكته، يركز, ويتأمل, ويتخيل, ثم يطلق مشاعره الإيجابية ليلبي له الكون مطالبه وأمانيه! فإذا أردت أن تخفف وزنك – مثلاً- ففكر في الوزن الذي تريده, واعتقد صادقاً أن الإفراط في الطعام لا يسبب السمنة, وإنما الفكرة هي من يسببها، وسيبدأ بالتناقص تلقائياً! وإذا كنت فقيراً معدماً فقم بكتابة المبلغ الذي تريده على (شيك السر)، وركز طاقتك العقلية على تأمله باستمرار، وسترى الأموال تتدفق عليك بتلقائية! وإذا كنت مريضاً فلا عليك إن تركت العلاج والدواء فقط ركز، وردد (أنا لست مريضاً، أنا لست مريضاً)، وأبشر بالصحة والعافية! والخلاصة أنك إذا أردت أي شيء، في أي وقت، وعلى أي حال، فما عليك إلا أن تطلبه، وتؤمن أنك قد حصلته، ثم استعد لاستقبال أمانيك. هذا هو لب الكتاب، وبيت القصيد، ومحوره الرئيس، فدع عنك تحسين الظن الزائد، أو (فلترة) هذه المعاني المنحرفة بقراءة تبحث عما تريد لا ما يريده الكتاب. فالسر لا يعدو أن يكون خرافة يراد لها أن تروج بين الناس عبر بهرجة الألفاظ، وحسن الإخراج، والدعاية والإعلان. إنها دعوة للانخلاع من العلوم والمعارف كافة، وتأسيس لمدرسة لا تقيم وزناً للعلوم التجريبية, ولا للمعارف الصحية, فهي تريد من الناس أن يصدقوا أنه لا يوجد قوانين فيزيائية, أو اقتصادية, أو طبية, أو غيرها، وأن الأمر كله يعود إلى (قوى خارقة) و (قوانين خرافية) تستطيع أن تخلق كل شيء بمجرد التخيل والتفكير، إنها (رؤية سحرية حالمة) للعالم، تعلق القلوب بالخرافات والأساطير، وتطالب (باستقالة العقل)، وتقوم بتدمير واقع الناس بصرفهم عن العمل الجاد المثمر, ليكونوا أسرى التعلق بالقوى الخارقة والأسرار!

ولنا أن نتساءل الآن لم هذا الافتتان – بني قومي – بكل فكرة غريبة، وكل وافد من الغرب، مهما بلغت تلك الفكرة من انحطاط وسفول؟! وكيف يرضى من أكرمه الله بنعمة الإسلام أن يلتفت عنه ليصوب وجهه تلقاء المشرق أو نحو المغرب طالباً الهدى والفلاح؟ وما بال بعض الدعاة أضحى – بعد إذ أكرمه الله- مجرد مذياع ضبط نفسه على موجة غربية، فهو يذيع فكرهم بلساننا، ويستدل لهم بشريعتنا، ويستبدل منهاجهم بمنهاجنا. إنني لا أتحدث عن الإفادة من أي فكرة صحت في نظر الحس أو العقل، مما يتعلق بجزئي من أمر الناس يصح دخوله تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمر دنياكم)، وإنما حديثي هنا عند استبدال المناهج بالمناهج، ومزاحمة الهوية بالهوية، ورسم الحياة في ضوء مناهج وضعية، وبالله عليكم ماذا يبقى من الهوية المسلمة إن دعونا المسلمين إلى أن يأكلوا على طريقة الماكروبيوتيك، ويصححوا أجسادهم ويقووها على طريقة الريكي، والتشي كونغ، ويسكنوا ثائرة نفوسهم ويطمئنوها برياضات اليوجا وعلى الطريقة البوذية، ويوفقوا بين حاجات الجسد والروح وفق مذاهب (النيو أيج)، ويستجلبوا ما يريدون بواسطة (السر)!! وهكذا في سلسلة من المناهج المستوردة عن اليمين والشمال. ونحن إذا ابتلينا اليوم بالسر، فغداً سيأتينا ما بعد السر، وما ندري ما يخبأ لنا بعده من أسرار!! إن الأمة اليوم بحاجة إلى أن تراجع دينها، وتلتزم بشريعتها، وتقيم حياتها على وفقها، وواجب عليها أن ترسخ في نفوس أبنائها تعظيم الكتاب والسنة، والاكتفاء بهما عن كل وافد من شرق أو غرب، فيما يتعلق بالمفاهيم المنهجية التي تضبط حياتهم وتصوراتهم، (ولا والله ما نظر عبد في كتاب الله تعالى، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم طالباً صلاح (الكفاية) بهما عما سواهما، إلا وفقه الله لصلاح (النهاية) وأعطاه فوق مأموله، وسدده فوق ما كان يطمع، وأيده بما لم يكن علم). وفرق كبير بين عقدة: (والإسلام جاء بمثله)، وعزة: (إسلامنا فيه الكفاية، وهو خير من هذا وأعظم)! إن على الدعاة واجب الاحتساب على كتابات السوء هذه، وبيان حقيقتها للناس، والتحذير منها، والتذكير بالمنهج الإسلامي وتكامله، واشتماله على خير الدنيا والآخرة، وإشاعة ذلك ونشره، وتقريب ذلك أجمع للناس، بعد تأصيل هذه الأحكام الشرعية التأصيل الشرعي الصحيح، والتي تتخذ من الكتاب والسنة وتراث الأمة منطلقاً وقاعدة تؤسس عليها، وليحذروا أن يكونوا قنطرة يجوز الناس عليهم ليصلوا إلى الباطل، وجسراً يوطأ نحو الضلال، فيكونوا سبب إضلال بدل أن يكونوا أسباب هداية. وإن أمتنا اليوم في غنى – والله – عن كل نظرية تدعوها إلى القعود, والتواكل, والاشتغال بالأماني والأحلام، فالأمر جد وليس بالهزل، فالعود للصدارة, وبناء المجد والحضارة، لا يكون إلا بالعمل والسعي وفق سنن الله – جل وعلا – في عمارة الأرض، وأشهد بالله أن (قانون الجذب) ليس منها، وأنه كذب وخرافة، (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل, والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها، اللهم، إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها)، (اللهم رب جبريل, وميكائيل, وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تجديد المنهج في تقويم التراث

تجديد المنهج في تقويم التراث ¤طه عبدالرحمن£بدون¥المركز الثقافي العربي – المغرب¨الثالثة¢2007م€ثقافة عامة¶منهجية وموضوعية وأسس تفكير خاتمة الكتاب: لقد اتبعنا في الاشتغال بمسالك تقويم التراث منهجية تستمد أوصافها الجوهرية من المبادئ التي قامت عليها الممارسة التراثية الإسلامية العربية؛ فكانت، في مقصها منهجية آلية لا مضمونية: فلم تنظر في مضامين الإنتاج التراثي بقدر ما نظرت في الآليات التي تولدت بها هذه المضامين وتفرعت تفرعاً، عملاً بمبدأ تراثي، مقتضاه (أن اعتبار المعاني لا يستقيم حتى يستند إلى اعتبار المباني)؛ كما كانت، في منطلقها، منهجية عملية لا مجردة: فلم تعتمد معرفة نظرية منقولة ومقطوعة عن الضوابط المحددة والقيم الموجهة للممارسة التراثية، بل استندت إلى أساليب التبليغ العربي في خصوصيتها، وإلى معاني العقيدة الإسلامية في شموليتها، وإلى مضامين المعرفة الإسلامية العربية في موسوعيتها، عملاً بمبدأ تراثي ثان، مقتضاه (أن المعرفة لا تثمر حتى تكون على قدر عقول المخاطبين بها)؛ وكانت في مسلكها، أخيراً منهجية اعتراضية لا عرضية: فلم تكن تقرر الأحكام تقريراً وترسلها في عموم التراث إرسالا، وإنما كانت تفتح باب السؤال، فتورد ما جاز من الاعتراضات على ما ادعاه بعض من تعاطوا لتقويم التراث من أقوال، بل على ما جئنا به نحن من دعاوى، حتى تمحصها كما ينبغي وتقومها بالوجه الذي ينبغي، عملاً بمبدأ تراثي ثالث، مقتضاه (أن الظفر بالصواب لا يكون إلا بمعونة الغير). وإذا صح أن منهجنا مأخوذ من التراث، فليس يصح أننا تركنا العمل بموجب العقل العلمي الصحيح كما قد يتوهم ذلك من يجعل كل مأخوذ من التراث خارجاً عن مقتضى العقل والعلم؛ فقد سلكنا فيما أخذنا مسلكاً لا يتساهل فيما يجب على الناظر في التراث استيفاؤه من دقيق الشرائط المنطقية ومن صارم المقررات المنهجية وراسخ الضوابط المعرفية؛ والشاهد على ذلك ما قضينا به على أنفسنا من التزام أقصى، بل أقسى القيود المنهجية، حتى ندفع عن دعاوينا أشد الاعتراضات المحتملة، فيكون لنا في دفعها غناء عن دفع ما هو دونها. وقد أثمرت هذه المنهجية الآلية في مقصدها والعملية في منطلقها والاعتراضية في مسلكها عشر نتائج مدللة، نهض بعضها بالمعارضة، وقام بعضها الآخر بواجب التأسيس. أما النتائج المعارضة، فقد اختصت بالكشف عن آفات النظرة التجزيئية إلى التراث، وهي ثلاث: أولاها: أن الاشتغال بمضامين التراث وحدها يفضي إلى اتخاذ موقف تجزيئي من التراث فيبطل بذلك ادعاء الجمع بين الاجتزاء بالمضامين التراثية والأخذ بالنظرة التكاملية، فضلاً عن بطلان فائدة التوسل بأدوات العقلانية المجردة والفكرانية المسيسة في هذا الاشتغال. والثانية: أن الاشتغال بالآليات المنتجة للتراث قد يكون اشتغالاً بالخطاب التراثي الذي دار على هذه الآليات، وليس اشتغالاً بها هي ذاتها، فيقع الباحث في النظر في المضامين حيث يظن أنه ينظر في الآليات كما يقع في الأخذ بالنظرة التفاضلية حيث يظن أنه يأخذ النظرة التكاملية. والثالثة: أن التوسل بالآليات المنقولة في تقويم التراث قد يكون توسلاً قلقاً لا يحيط بدقائقها، فيؤدي بالباحث إلى السقوط في نظرة تجزيئية ظاهرة التهافت. أما النتائج المؤسسة، فقد اختصت بالكشف عن فوائد النظرة التكاملية إلى التراث وانقسمت قسمين: أحدهما، النتائج المتعلقة بالتكامل التداخلي؛ والثاني، النتائج المتعلقة بالتكامل التقريبي. أما نتائج التكامل التداخلي، فهي ثلاث:

إحداها: أن الاشتغال بالآليات المنتجة للمضامين التراثية يؤدي إلى اتخاذ موقف تكاملي من التراث، مما يدل على أن التوجه الآلي راسخ رسوخاً في الممارسة التراثية وأنه مانع منعاً من المفاضلة بين عناصرها المختلفة. والثانية: أن التداخل الذي يقع بين علمين أصليين يوجب أن يكون العلم الذي يدخل في غيره أكثر العلوم حظاً في النسبة إليه وفي إفادته له، وأن يكون أقربها إلى مجال التداول باعتبار هذه النسبة والإفادة، فيكون علم الأخلاق عندئذ أنسب العلوم للتداخل مع علم أصول الفقه. والثالثة: أن دخول علم مأصول في علم منقول يوجب أن يكون العلم المأصول أنسب العلوم الأصلية له، استشكالاً واستدلالاً، وأن يكون أقربها إلى مجال التداول باعتبار هذه المناسبة الاستشكالية والاستدلالية، فيكون علم الكلام حينئذ أنسب العلوم للتداخل مع الإلهيات. وأما نتائج التكامل التقريبي، فهي أربع: أولاها: أن المجال التداولي الإسلامي العربي ينبني على أصول لغوية وعقدية ومعرفية تضبطها قواعد تقوم بوظائف تداولية مخصوصة، وتؤدي مخالفتها إلى آفات تداولية تختلف درجة ضررها باختلاف أنواع هذه القواعد وعددها. والثانية: أن تقريب العلوم المنقولة إلى مجال التداول الإسلامي العربي يوجب تخريجها على مقتضيات أصوله الثلاثة: اللغة والعقيدة والمعرفة، فتأخذ بالاختصار في العبارة مكان التطويل، وبتشغيل المعقتد بدل تعطيله، وبتهوين الفكرة بدل تهويلها. والثالثة: أن تقريب علم المنطق يوجب إخراجه عن وصفه التجريدي إلى وصف عملي يجعل عبارته راسخة في الاستعمال العادي، وأدلته مستخرجة من النصوص الشرعية، ونتائجه موصولة بأسباب التطبيق النافع للغير نفعه للذات. والرابعة: أن تقريب علم الأخلاق يوجب إخراجه عن وصفه التجريدي إلى وصف عملي يجعل مفاهيمه موصلة بالمدلولات اللغوية المستعملة، وأحكامه مستمدة من الأحكام الأخلاقية المبثوثة في الشرع، ويجعل هذه المفاهيم والأحكام جميعاً تدخل حيز التحقيق النافع في الآجل نفعه في العاجل. وبفضل هذه النتائج التي توصلنا إليها، نكون قد طرقنا آفاقاً في الممارسة التقويمية للتراث تحمل على الاهتمام بكلية التراث وجمعية دوائره من غير حذف ولا استثناء، كما تجدد الاعتبار لجوانب من الممارسة التراثية تعرضت للتشنيع الباطل، وتحيي النظر في جوانب منها تعرضت للإهمال الفاحش، فضلاً عن أنها تفتح باب استئناف عطاء التراث من غير انتحال آليات منقولة تنزل عليه إنزالاً. والراجح أن يتخذ عطاء التراث مسالك مخصوصة غير المسالك التي تتبعها الآليات المستحدثة المنقولة؛ فقد يتطلب التقيد بالعمل الحي حيث تتطلب هذه الآليات الاكتفاء بالنظر المجرد، وقد يستلزم منفعة الغير حيث تقتصر هي على منفعة الذات، وقد يشترط المنفعة الآجلة حيث تنحصر هي في المنفعة العاجلة؛ ولا تقل مسالك التراث في العطاء عن المسالك المنقولة استيفاء لمقتضيات العقل والعلم، إن لم تعل عليها علواً؛ فعقل التراث عقل واسع يجمع، إلى النظر في الأسباب، النظر في المقاصد، وعلمه علم نافع يجمع، إلى النظر في الأسباب والمقاصد، العمل بها وفق ما يفيد الغير ويفيد الآجل، بينما عقل الآليات المنقولة عقل ضيق يقطع الأسباب عن مقاصدها، وعلمها علم مشبوه، لا يوجب العمل ويحتمل الضرر؛ وشتان ما بين العقلين وما بين العلمين!

فطرية المعرفة وموقف المتكلمين منها

فطرية المعرفة وموقف المتكلمين منها ¤أحمد بن سعد بن حمدان£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1415€ثقافة عامة¶فطرة - أعمال شاملة خاتمة: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين .. وبعد. فقد اشتمل هذا البحث على عدة فوائد ونتائج أعرض أهمها بإيجاز: 1 - أن معرفة الله عز وجل بل قصد طاعته ومحبته وتعظيمه فطرة في قلوب البشر. 2 - أن الرسالات السماوية لم تأت لتقرير هذه المعرفة وإنما جاءت لتحقيقها بدعوة الناس إلى عبادة الله عز وجل. 3 - أن القرآن والسنة قد اشتملا على أعلا الطرق وأفضلها لبيان العقيدة مما يجعل الأمة غنية عن كل منهج سواهما. 4 - أن أرباب المناهج الكلامية قد أخطأوا في ترك منهج القرآن والسنة إلى مناهج البشر مما نتج عنه مفاسد عقيدة وتفريق وحدة الأمة. 5 - ضرورة العودة إلى القرآن والسنة لتصحيح ما تعرضت له العقيدة من مفاسد وإعادة وحدة الأمة على منهج سلفها الصالح. هذا وأسأل الله عز وجل أن ينفع بهذا البحث وأن يكتب الأجر والثواب لمن كتبه ولمن قرأه أو سمعه إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه

مناهج الفكر العربي المعاصر في دراسة قضايا العقيدة والتراث

مناهج الفكر العربي المعاصر في دراسة قضايا العقيدة والتراث ¤شاكير أحمد السحمودي£بدون¥مركز التأصيل للدراسات والبحوث- جده¨الأولى¢1431هـ€ثقافة عامة¶منهجية وموضوعية وأسس تفكير الخاتمة: نتائج وتقويم وترشيد: إذا كان التجديد المنهجي أحد المطالب الأساسية لمشروع الإصلاح الإسلامي المعاصر، فإن بيان المرجعيات المنهجية وأسسها النظرية التي ارتبطت بها تيارات الفكر العربي والإسلامي المعاصر، وتطبيقاتها في دراسة قضايا الدين والتراث، وفي مقدمتها القضايا العقدية والموقف من تفسير النصوص والموقف من الحركات الفكرية والعقدية التي زخر بها التراث الإسلامي، لهو أمر يسهم في تأصيل معرفة أسلم، وعلم أحكم، بمطلب التجديد المنهجي الذي يشكل من الإسلام أسه المكين، ومن التصور الإسلامي مقومه المتين. وقد تأدى بنا البحث في هذه الأنساق – نظراً ومنهجاً – إلى جملة من النتائج، تلزم الدارس باستكمالها عبر نظرة نقدية تقويمية، تبين حدود المشروع المنهجي العلماني، ونظرة تأصيلية ترسم شروط التجديد الإسلامي المطلوب. 1 - نتائج البحث: تتلخص هذه النتائج في العناصر التالية: 1 - 1 - إن الفكر العربي والإسلامي المعاصر، قد عرف ثلاثة إشكالات كبرى، يشتمل كل واحد منها على عدد كبير من الأسئلة لازمته من نشأته إلى الآن، فأولها: إشكال الألوهية والوجود الإنساني، وهو يدور على علاقة الله بالإنسان، وعلاقة الجبر بالاختيار، والنص بالواقع، والنظر بالعمل. والثاني: إشكال النهضة والصحوة، ويتضمن ثلاثة أسئلة: سؤال النموذج، وسؤال الوحدة والتعدد، وسؤال تقريب المذاهب. والثالث: إشكال المنهاج، الذي له شقان: أحدهما نظري عن أسئلة الآليات المنهجية، والآخر تطبيقي عن أسئلة الممارسة التأويلية. 1 - 2 - يعرف الدرس العقدي المعاصر مشكلة منهجية، فضلاً عن مشكلة تعدد تياراته الثقافية المختلفة، والوعي بقضية المنهج لم يظهر في صورته الناضجة إلا بعد تمايز الفريقين: الإسلامي والعلماني، وازدياد الحاجة إلى صياغة (علمية) للمواقف التي اتخذها الفريقان من مسائل الدين والتراث بصفة عامة. وقد انقسمت تلك المناهج بحسب ظهورها التاريخي، ولحظات هيمنتها إلى ثلاثة اتجاهات كبرى: • المناهج التاريخية، وتشمل: المنهج التاريخي الوثائقي، والمنهج التاريخي الجدلي، والمناهج التاريخية البنيوية. • المناهج النفسية: وقد اتخذت مسارات ثلاثة: أحدها المنهج الجواني مع عثمان أمين، والثاني تحليلي مع علي زيعور، والثالث فينومينولوجي مع حسن حنفي. • المناهج التكاملية التي ظهرت بعد حدوث أزمة منهجية في قراءة المتن الديني والتراثي، بسبب ما عرفته تلك المناهج السابقة من اختلافات ونزاعات، وسلفيات مضادة، وخلط المنفصل وفصل المتصل، ونقد مزدوج هو عبارة عن سفسطائية جديدة. ويتمثل المنهج التكاملي في صورتين: إحداهما يمثلها دعاة المنهج المنطقي الحجاجي وأبرزهم طه عبد الرحمن، والثانية يمثلها دعاة مدرسة الإحياء الإسلامي، التي وضعت قضية المنهج في سياق تدبير مشروع البناء الحضاري المستقبلي الإسلامي، هذا التدبير الذي يستمد فعله التاريخي، ومشروعيته الإسلامية من قواعد التفكير العليا التي تحكم أركان التصور الإسلامي ومبادئ الفهم فيه. 2 - تقويم نقدي للموقف المنهجي:

إن سلبيات المناهج العلمانية لا تظهر في الخاصية التجزيئية فيها فقط، بل في كثرة التناقضات والمفارقات التي تميز الموقف العلماني من الوقائع والنصوص والأشخاص. وقد يفسر البعض هذه التناقضات باختلاف المناهج المستعملة، لكن الواقع أن تحليل ظاهرة التناقض في الفكر العلماني عامة، ما ينبغي له أن يستبعد طبيعة هذا الفكر من جهة، وعلاقته بمجاله التداولي الإسلامي من جهة ثانية. أما من حيث طبيعة هذا الفكر، فإن تباين المرجعيات النظرية التي يستمد منها مفاهيمه، يسكنها الاختلاف، ونظرا لأن الفكر العلماني يرى في الغرب سقف العقلانية الوحيدة، فإنه يلجأ إلى عملية توفيق بين الأسس الفلسفية والمنهجية والمفهومية للمذاهب الغربية، دون تحرير النزاع بينها، ورفع الاختلاف العميق في مكوناتها، والاعتراف بمحدودية اجتهاداتها البشرية. وأما من حيث علاقتها بمجال تداولي غير مجالها، فمن الواضح أن تلك المذاهب والمناهج تضرب بجذورها في التاريخ الثقافي والديني للغرب، مما يجعلها تشتغل بخلفيات الصراع الفلسفي العريق بين سقراط والشكاك، وبين أفلاطون وأرسطو، وبين مادية التراث اليهودي ورهبانية التراث النصراني، وبين طموحات الثورات والصولات في العلم والسياسة، وقيود الموروثات والكهنوت. وهل استطاعت هذه المناهج عند أهلها أن تفكر حقاً خارج السقف الديكارتي؟! وهل فكر ديكارت حقيقة خارج السقف الأرسطي؟! إن من انشغل بدراسة مذاهب القوم وحدث في سبر إشكالاتهم، وتفنن في الدراية باصطلاحاتهم، ليعلم أن مفاهيمهم ومناهجهم ومذاهبهم شديدة الارتباط بمجالهم التداولي العريق في القدم، ولذا، فطبيعي أن يكون موقع العلمانيين من المجال التداولي الإسلامي المعاصر، أسوأ من موقع الفارابي وابن سينا وابن رشد في العصور الإسلامية السابقة، من حيث اضطرابهم في القول والنظر، وهدمهم لتراثهم بألوان من (السفسطة في العقليات) و (القرمطة في السمعيات). على أن الموقف المنهجي التكاملي لا يخلو من مشاكل دقيقة أحياناً: فمنها جنوحه إلى النزعة الجوانية الصوفية تصريحاً كما عند طه عبد الرحمن أو تلميحاً عند كثير من دعاة الإحياء الإسلامي المعاصر. ومنها انتشار دعوة إلى تجديد الاشتغال الكلامي، كما نجد عند كثير من (المتكلمين الجدد) الذي تفرقوا كما تفرق القدامى بين من يريد إحياء الاعتزال، ومن يريد العود إلى الأشعرية والماتريدية، ومن يبتغي سبيل التشيع ... إن هذا (النكوص إلى العقلية الكلامية) - كما سماه المفكر المعاصر أبو يعرب المرزوقي – لهو من أخطر المظاهر المرضية التي تهدد العقل الإسلامي المعاصر، وتفقده القدرة على الإبداع الفكري والمنهجي، وتهوي به إلى أرذل أعمار الفكر: حين يفقد المنكر صفاء الذاكرة ودقة الرؤية وقوة الحركة الفاعلة في العلم المشاركة في صنع تاريخه. ولا ريب في أن في انتشار ألوان من الخلل العقدي والفساد السياسي والاجتماعي في الحياة الإسلامية المعاصرة دافعاً إلى انتشار مثل هذه المواقف العلمانية، ودعوتها إلى الهجوم على الأنساق العقدية التقليدية، ولكن هذا الدافع لا يبرر تطاول العلمانية على عقائد الألوهية والنبوة واليوم الآخر؛ لأنها النواة التي بها تشكلت أمة المسلمين أول ما تشكلت، وبفضلها تكونت الدولة الإسلامية وشيدت حضارتها، لذلك فإن إعادة ترشيد الفكر العقدي الإسلامي الحديث، والعودة به إلى صفاء النبع الذي صدر عنه، لهو من أوجب واجبات الباحثين في مشروع التجديد الإسلامي المعاصر، الذي ينبغي أن يجعل من الإصلاح العقدي مجاله الأساسي. 2 - مقدمات منهجية في الإصلاح العقدي:

لما كانت (العقيدة الإسلامية في تحديدها لحقيقة الوجود والإنسان والكون هي الفكرة التي صنعت الحضارة الإسلامية)، وكانت (العقيدة هي أساس الدين، وهي بالتالي المحدد الأصلي للهوية الإسلامية، وهي المحرك الأساسي لحركة التحضر، والطابع له بطابعه المميز)، فإن الإصلاح العقدي هو المدخل الرئيسي لإعادة البناء الحضاري للأمة الإسلامية في العصر الراهن، والمستقبل الآتي، وحيث إن طريق هذا الإصلاح شاق وطويل، نظراً لبعد الشقة بين المسلمين وبين النموذج الأصلح بسبب ما طرأ على عقائدهم من التشويش والخلط والانحسار، فقد وجب التنبيه في هذا المقام على مقدمات أساسية ينبغي استحضارها لصياغة الإصلاح العقدي المطلوب، وتتمثل هذه المقدمات في جملة أمور: 3 - 1 - الترشيد والتجديد: لقد انتشر مصطلح التجديد في الربع الأخير من القرن العشرين انتشاراً واسعاً على يد العلمانيين، وما قدروه حق قدره، إذ كان التجديد عندهم هدما للدين وعقائد المسلمين. وإنما التجديد تنقية العقيدة مما علق بها من شوائب الشرك والبدع، والانحسار عن شمول المطالب الفكرية والثمار العملية، فالتجديد إجلاء للأصل، وإيضاح للقول الحق فيه، ولما كان الأمر كذلك، فقد وجب ترشيد المسلم اليوم لكي يتمكن من تحصيل ذلك الأصل السليم، فإذا كان التجديد بياناً للمفهوم، فإن الترشيد تحريض للمسلم على منهج يوصل إلى تبين ذلك البيان، وتقبله، والعمل بمقتضاه. 3 - 2 - ترشيد الفهم والقراءة: يقصد (بترشيد الفهم العقدي) للمسلمين، حصول تصور لمفهوم العقيدة مستمد من أصل الوحي دون زيادة أو نقصان أو تغير أو اضطراب. وإنما يكون ذلك بمبدأ (صفاء النبع) الذي سبق تفصيل القول فيه، أعني مرجعية القرآن والسنة دون غيرهما من مصنفات المتكلمين والفلاسفة التي كدرت صفاء الفهم العقدي، وحصرت العقيدة في قضايا جامدة، وخلافات عميقة ما ينبغي للعقل الناهض المبدع أن ينكص إليها. وأما (ترشيد القراءة) فإنما أعني به شحذ همة المسلم نحو قراءة القرآن الكريم قراءة التدبر، والقراءة الشريعة باسم ربه الذي خلقه من علق، وعلمه ما لم يكن يعلم، لا قراءة (التأويل) الذي يحرف الكلم عن مواضعه، بحثاً عن (الرأي) في النص، فيصرف النص عن مراده الشرعي إلى مرادات مذهبية خاصة. وإنما تكون القراءة شرعية بأن تراعى قواعد التفكير والتدبير التي سبق تفصيل القول فيها، لأن سوء التأويل من أخطر محذورات القراءة الشرعية. 3 - 3 - تجديد المفهوم: أعني مدلول العقيدة ومفرداتها. - أما مدلول العقيدة: فإن اصطلاح العقيدة قد أصابه الاضطراب والتحريف والانحسار، فانفصلت عن العقيدة أمور كثيرة كانت تعد في أصل الوحي جزءاً لا يتجزأ منها، كقضية تطبيق الشريعة، مثلاً، وأسهم علم الكلام بحظ وافر في ذلك الفصل والاختصار، فانتهى الأمر بمفهوم العقيدة إلى الانفصال عن الحياة، والإغراق في التجريد، ولذلك فبقدر ما ينبغي تجديد مفهوم العقيدة ببيان مركزية المفاهيم العقدية في البناء المفهومي العام للإسلام، بقدر ما ينبغي تجديده ببيان تأثيره في كافة مكونات النسيج المفهومي للقرآن الكريم والسنة الصحيحة: سواء من ذلك ما تعلق بالمفاهيم النظرية أو المفاهيم العملية التشريعية، إذ الإيمان جوهر العمران، وكفيله ومجدده.

- وأما مفردات العقيدة: فإن تجديدها يعني إدخال العديد من مفردات العقيدة في الوعي العقدي للأمة، بحيث (تصبح هذه المفردات تتنزل في الأذهان على أنها أسس في الدين، وأن الإخلال بها إنما هو إخلال بالدين، وليس ذلك من باب الابتداع، وإنما هو من باب إرجاع المفاهيم إلى نصابها الحقيقي، وإحلالها في التصور على الوضع الذي جاءت عليه في نصوص الوحي، والذي كانت عليه في أذهان أوائل المسلمين). ومن هذه المفردات ما يتعلق بقضايا خلافة الإنسان في الأرض، والقضايا الاجتماعية والتشريعية .. التي غابت عن الوعي العقدي الإسلامي نتيجة ذلك الانحسار في مدلول العقيدة نفسها. 3 - 4 - تجديد الإيمان العقدي: من مظاهر الانحسار أيضاً أن صار البحث العقدي خاصة، والوعي العقدي لدى المسلمين عامة، يحصر مفهوم الإيمان في التصديق، جرياً على التعريف الكلامي وهيمنة الإرجاء على النفوس، وإن لم تكن في غالبها معتقدة بعقائد المرجئة والمتكلمة. والناظر في حقيقة مسمى الإيمان في نصوص الوحي وعبارات السلف واجد أن التصديق جزء من الإيمان لا كله. لقد كان الإيمان يصوغ الشخصية المسلمة: فكراً وقلباً وعملاً، لذلك فإن تجديد الإيمان العقدي في نفوس المسلمين يقتضي أموراً ثلاثة: أولها: الصياغة العقدية للأفكار، أو قل: صياغة الفكر الشرعي صياغة عقدية بحيث تبدو فيه روح العقيدة سارية في مفرداته، وفي هيكله العام، مؤطرة له في كل مساراته، ويلحق بالفكر كل ما هو شبيه به من ألوان المنازع الإنسانية في توليد الصور والتعبير عنها، كالآداب والفنون. الثاني: شمول العقائد للأفعال، وهو ناجم عن دخول العمل تحت مسمى الإيمان، وسواء كانت الأفعال عبادات أو معاملات، فإنها ما كانت في أصل الشرع مفصولة عن روح العقيدة، وإنما هي تجل لازم من تجلياتها، وجزء لا يتجزأ من مقوماتها. فالعقيدة المفصولة عن الأفعال إرجاء، والأفعال المفصولة عن العقيدة نفاق ورياء. وكمال الإيمان تصديق وقول وعمل. الثالث: التربية العقدية للنفوس: وإنما أعني بها التزكية الروحية التي تخولها العقيدة الصحيحة، فلم يكن بناء العقائد مفصولاً عن طبيعتها التربوية الروحية في الوعي العقدي لدى الجيل الإسلامي الأول، الذي تلقى مفردات العقيدة من مشكاة النبوة. لقد كانت مبادئ التوحيد ممتلئة بمعاني الخوف والرجاء والحب والشوق والرضى والأنس ... إلخ. فقد كانت العقيدة تتوجه – ببساطة العبارة وصفاء الفكرة – إلى فطرة الإنسان العاطفية فضلاً عن تفكيره السليم، وكان العقل نفسه وظيفة من وظائف القلب غير مفصول عنه. ولما طغى على العقائد التنسيق الكلامي المجرد، والبناء الفلسفي النظري، ظهر التصوف، فانفصم جسد الشخصية الإسلامية إلى شطرين متناكرين، مع أن العقيدة جاءت لصناعة شخصية مسلمة متكاملة، لا ينفصل فيها القلب عن الفكر ولا عن السلوك. عموماً، فإن نهضة الأمة الإسلامية اليوم رهينة بإنجاز تجديد شامل، يقوم على رؤية واضحة وبسيطة وواقعية: تعود إلى مرجعية القرآن والسنة، وفهم منهجي بدون تأويل ولا تعطيل ولا تفويض، وبدون تحريف ولا اختزال، وتقدم تجديداً في منهج عرض العقائد، وربطها بواقع البشرية اليوم، بهدف إصلاح الأمة والنهوض بشأن خلافة الإنسان في الأرض.

موقف الإسلام من نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ

موقف الإسلام من نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ ¤أحمد العوايشة£بدون¥دار مكة - مكة المكرمة¨الأولى¢1402هـ€ثقافة عامة¶شيوعية الخاتمة وفي نهاية هذا البحث، بعد أن منَّ الله عز وجل عليّ فأبطلت بمنهج علمي وعقلي ادعاءات الفكر الشيوعي فيما أسموه بالتفسير المادي للتاريخ، والأسانيد التي اعتمد عليها هذا الفكر المزيف. أقدم للقارئ الكريم أمهات القضايا التي تبيّن لي بالمناقشة العلمية بطلانها وأهمها: أولاً ـ فيما يتعلق بالظروف التي مهدت لانتشار التفكير المادي في أوروبا، فقد توصلت إلى النتيجتين التاليتين: (أ) الفكر المادي ليس من ابتداع ماركس، بل هو ضارب في أطناب الزمن حيث يعود إلى عهد الحضارتين الإغريقية والرمانية. (ب) ما كان للتفكير المادي أن ينتشر لو أن الكنيسة حكمت بشرع الله ولم تحل بين الناس وبين اعتناق الدين الإسلامي. ثانياً ـ وفي الباب الأول لم أناقض نظريات الماديين، بل عرضتها عرضاً أميناً كما جاءت من وجهة نظرهم، وأبرزت الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها وعلى سبيل المثال إن قولهم بأزلية المادة وأبديتها يستهدف إنكار وجود الله سبحانه وتعالى. ثالثاً ـ أما الباب الثاني والذي خصص لمناقشة النظرية، فقد توصلت فيه إلى النتائج التالية: (أ) ناقشت أزلية المادة وأبديتها وأسبقيتها في الوجود على الفكر، وأظهرت لي البحوث العلمية بطلان هذا الادعاء من أساسه، وأن المادة حادثة خلقها الله بعد أن لم تكن، وأن مصيرها إلى الفناء، كما ظهر لي تراجع الماركسيين عن القول بأسبقية المادة في الوجود على الفكر. (ب) توصلت بالأدلة العلمية إلى بطلان فهم الماديين لقوانين المادة في ذاتها، كما وجدت أن التطور لا يكون دائماً صاعداً، وأن التغير هو الموجود بالفعل، وقد يكون نحو الأدنى أو الأعلى. وأن التناقض غير موجود في المادة. وأن الماديين خالفوا علم المنطق في فهمهم لقانون التناقض، وأنهم يقفون بقانوني التطور والتناقض عن العمل عند حدود الشيوعية، وهذا العمل مخالف للمنهج العلمي، كما أن قوانين المادة لا تنطبق على الإنسان لأنه كائن ذو حرية وإرادة منحهما الله سبحانه وتعالى له. (ج) وجدت من خلال البحث أن نظرية التطور لم تصل إلى درجة الحقيقة العلمية، وأن كثيراً من العلماء في أوروبا لم يتقبلوها على أنها حقيقة علمية، وإنما لأنه لا يوجد بديل عنها سوى الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وهذا مما يحرم التفكير فيه عند كثير منهم، وذلك راجع إلى حماقة الكنيسة التي كرَّهت الناس بالدين ونفَّرَتهم منه، كما أنه لو صحت هذه النظرية فإنها لا تنطبق على الإنسان لأنه كائن متفرد له قوانين خاصة يسير عليها في حياته تختلف عن قوانين الحيوانات. (د) وتوصلت إلى أن العامل الاقتصادي هو أحد العوامل المؤثرة في حياة الإنسان، وأن أدوات الإنتاج تحقيق لفطرته، وأن حصره في نطاق البحث عن الطعام والشراب خرافة لا تستند إلى دليل علمي، وأن السبب في تغيير النظام لا يعود إلى أدوات الإنتاج، لأن دولاً كثيرة تملك أدوات إنتاج متماثلة مع أن أنظمتها مختلفة، كما اتضح لي أن القول بالحتميات مخالف للمنهج العلمي، وأن نظرية الاحتمالات هي النظرية السائدة في ميدان العلوم اليوم. وأن حتمية التطور خرافة، فقد تجاوزتها الشيوعية بانتقالها من المرحلة الإقطاعية إلى المرحلة الاشتراكية دون أن تمر بالمرحلة الرأسمالية. ووجدت أنهم لا يملكون الدليل العلمي القاطع على أن الناس في المجتمعات الأولى كانوا يعيشون في شيوعية عامة، لا جشع فيها ولا طمع ولا نهب ولا استغلال.

كما توصلت إلى أن الظلم الذي شهده عصر الرق والإقطاع والرأسمالية ناتج عن غياب شرع الله عن التطبيق، وأن تلك الصورة المظلمة خاصة بتاريخ أوروبا وحدها ولا تشمل غيرها، وأن أسلوب التعميم الذي سلكه ماركس في تفسيره المادي للتاريخ مخالف للمنهج العلمي، لأنه لا يجوز للباحث التاريخي أن يجعل دراسته قاصرة على حياة أمة من الأمم في فترة من الفترات، ثم يعمم النتيجة التي توصل إليها على جميع الأمم، وأن القول بأن التاريخ البشري أصبح بكامله منذ ظهور الملكية الخاصة مسرحاً للصراع الطبقي باطل، لأنه لا ينطبق على الإسلام الذي لا يقر نظام الطبقات، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو الحاكم والمشرع، والأفراد منفذون لشرعه. كما توصلت إلى أن الملكية الفردية نزعة فطرية، وأن الظلم ناشئ عن سوء استخدامها، وأن الأمم قد تشكلت قبل مرحلة الرأسمالية، بدليل أن الأمة الإسلامية تشكلت قبلها، والدول الرأسمالية الحالية لا تشكل أمة واحدة، وأن الاستعمار وجد في العصور القديمة لأنه شهوة منحرفة ناشئة عن بعد الناس عن شرع الله، وأن السوء الذي وصلت إليه الرأسمالية، لم يكن نتيجة حتمية لطبيعة رأس المال، ولم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه لو أنها استقامت على دين الله، وحاربت الربا ومخططات اليهود الشريرة الرامية إلى إفساد البشرية وتدمير أديانها وأخلاقها، ونهب اقتصادها. كما توصلت إلى أن التفسير المادي للتاريخ لا يستطيع أن يفسر ظهور الإسلام تفسيراً اقتصادياً. فالإسلام مثلاً حرر الرقيق قبل أوروبا بسبعة قرون، وأعطى المرأة حقوقاً وامتيازات لا مثيل لها في تاريخ البشر، دون أن يكون وراء ذلك دوافع اقتصادية، كما أن الإسلام لا يقر نظام الإقطاع، لأن التشريع بيد الله، والمال مال الله والإنسان مستخلف فيه، ونظام الإرث يفتت الثروة ويحول دون التضخم الذي يؤول إلى جعل المال دولة بين الأغنياء. كما وجدت أن شعار "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته" الذي أطلقه الماديون خرافة لا يمكن أن تتحقق بحال من الأحوال، وأن الحوادث التاريخية كذبت تنبؤات ماركس. كما وجدت أنهم تراجعوا عن تطبيق كثير من مبادئ الشيوعية كإباحتهم أنواعاً من الملكية الفردية والإرث. (هـ) وقد ظهر لي ولله الحمد بطلان النظرة الشيوعية للدين ـ التي تزعم أن الدين مخترع بشري يتطور تبعاً لتطور العوامل الاقتصادية، وهو مخدر لإِتباعه، وأثبت أن التدين فطري ثابت في النفوس، والتوحيد أصل التدين والشرك أمر طارئ، ووجدت أن القول بأن الدين مخترع وهم خداع يقصد منه هدم الأديان ـ أمنية اليهود والمفسدين الغاليةـ وأن الدين الصحيح لم يكن مخدراً لأتباعه في يوم من الأيام، بدليل أن الثورات المعاصرة التي ثارت على الاستعمار الرأسمالي والشيوعي معظمها قامت تحت راية الدين، وأن الدين لا يشوه نظرة الإنسان إلى العالم، فالدين الإسلامي مثلاً يأمر أتباعه أن ينظروا إلى العالم نظرة تفاؤل وأمل، وأن يسعوا في الأرض لإعمارها، وأن ينهلوا من ينابيع العلم والمعرفة ما يستطيعون وفق شرع الله وهديه. (و) كما توصلت إلى أن الأخلاق فطرية ثابتة في النفوس لا تتغير، وتستمد تعاليمها من الدين وأن ما يزعمه الماديون تطوراً أخلاقياً ليس إلاَّ انحرافاً في السلوك نتيجة لعدم تحكيم شرع الله في حياة الناس، وأن انحراف أوروبا عن المعايير الخلقية كان نتيجة حتمية لابتعادها عن دين الله ومخالفتها لشرعه. (ز) توصلت إلى بيان غرض الماديين من إنكار دور الأفراد البارزين وهو إنكار دور الأنبياء والمصلحين، وأكدت على أن دور الأنبياء والمصلحين في دفع عجلة التاريخ حقيقة ثابتة لا سبيل إلى نكرانها.

(ح) تبين لي أن شيوعية النساء لم يقم عليها دليل علمي قاطع، وأن الأسرة فطرية، وأن آدم وحواء كانا أول زوجين أنشآ أول أسرة على وجه الأرض، وأن تطور الأسرة تبعاً لتطور العوامل الاقتصادية خرافة، وأن الانحلال الذي صارت إليه المرأة الأوروبية ليس إلاَّ نتيجة لجفاف الينابيع الأخلاقية والظلم الاقتصادي وذلك لانحراف أوروبا عن الدين الصحيح، وانسياقاً مع مخططات اليهود الرامية إلى إشاعة الفاحشة في الأرض والقضاء على نظام الأسرة. رابعاً ـ أما فيما يتعلق بالتصور الإسلامي فقد توصلت من خلال النظرة الإسلامية للإنسان أنه مخلوق مكرم ذو حرية وإرادة سخر الله له الكون المادي ليستفيد منه وأمره بالاستقامة على دينه لينال سعادة الدنيا والفوز بالآخرة. كما تبين لي أن الإسلام يقيس حضارات الأمم بمقدار قربها أو بعدها عن الله، وليس بما تملك من وسائل الإنتاج، وأن الظلم والفجور والترف والضعف المادي والمعنوي والبعد عن شرع الله والسكوت على المنكر إذا أصيبت به أمة من الأمم فإنها ستنهار حتماً لا محالة. * * * من خلال ما تقدم أستطيع أن أقول أن موقف الإسلام من نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ بصفة خاصة والشيوعية بصفة عامة، هو الرفض التام المطلق، لأنهما قائمتان على تصور ملحد ينكر وجود الله ويحارب دينه، ويخالف فطرة الإنسان والمنهج العلمي الصحيح، ويسعى إلى نشر الفساد في الأرض. هذا وقد مكنني الله سبحانه وتعالى من إتمام هذا البحث لا يسعني إلاَّ أن أتوجه إليه سبحانه وتعالى بالشكر على ما أنعم، وإنني لا أستطيع أن أدّعي لنفسي الكمال وإنني أتيت في هذا الموضوع ما لم يستطعه الأوائل، ولكنني أقول أنني بذلت جهداً وقضيت وقتاً أمتد قرابة ثلاث سنوات، وحاولت خلالها أن أبحث وأستقصي وأن أرجع إلى كل ما له مساس بالموضوع التماساً لإيفائه ما يستحق من بحث وتمحيص، فكم من رجل من كبار رجال الفكر والعلم ورواد المعرفة قد كتب بحثاً اليوم وأولاه من الجهد والوقت ما رآه أهلاً له، ولكنه بعد أن فرغ منه وجد فيه هنات وهنات، وقال لو قدمت لكان أحسن أو أخرت لكان أجمل، وتلك طبيعة البشر وغاية إمكانه فسبحان من تفرد بالكمال واستعلى على النقد والنقصان. وإنني وأنا أقدم هذا البحث لآمل أن أكون وفيته حقه، وأتيت فيه بجديد، فإن كنت وفقت لذلك فهذا ما أردت، وإن يكن قصر جهدي عن إدراك الغاية، فعزائي أني لم آل جهداً في هذا السبيل، وأن الله لم يكلف نفساً إلاَّ وسعها فإن أنا أحسنت فمن الله، وإن أسأت فمني ومن الشيطان وأستغفر الله. والله سبحانه وتعالى أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن يرجح به كفة حسناتي وحسنات شيوخي، ومن ساعدني على إتمامه يوم الدين. يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُون * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلاَّ أنت أستغفرك وأتوب إليك. رَبَّنَا ءاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها في العلوم الإسلامية

نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها في العلوم الإسلامية ¤أحمد الريسوني£بدون¥مطبعة مصعب - المغرب¨الأولى¢1994م€ثقافة عامة¶دراسات إسلامية الخاتمة لقد عشت مع هذا البحث - مع قضيته وقضاياه الفرعية - في مراحل وأطوار، كان لكل منها سمته الخاصة وطعمه الخاص. عشت معه مرحلة التأمل في بعض الجزئيات، ومحاولة إدراك تفسيراتها وعللها. تتمثل هذه الجزئيات في أحكام فقهية ومقولات أصولية، وفي أقوال وآراء عند المفسرين وعند المحدثين، وتتمثل أحيانا حتى في بعض المنصوصات الشرعية. كنت أعمل على أن أجد التفسير المقنع والجواب الشافي لكل مسألة جزئية على حدتها. فتارة أجد ذلك وتارة أجد بعضه، وتارة ألتزم بما هو سائد على مضض وتشوف إلى ما هو أفضل وأكمل. ثم عشت معه مرحلة الربط بين الجزئيات، واكتشاف العناصر المشتركة بين عدد من الجزئيات بدأ ذلك عفويا، ولكن التزايد، مع الاستمرار، ولدا عندي نوعا من الاهتمام بالتفسير العام المشترك لتلك الجزئيات الفقهية والأصولية، والحديثية والتفسيرية، التي كنت أنشغل بتفسيرها كلا على حدة. هذه المرحلة أفضت بي - بتلقائية، وبقصد - إلى مرحلة التشكل والتخلق لنظرية التقريب والتغليب، فقد وقع من التراكم الكمي والنوعي للمسائل الجزئية، ولتفسيراتها المتشابهة والمترابطة، ولو اختلفت الظواهر والأشكال، وقع من هذا التراكم ما أحدث عندي طفرة في الفهم والاكتشاف. وعند ذلك عزمت أن أخوض في هذا الموضوع. ثم دخلت في طور التتبع والتنقيب والتأمل، وهو طور المواجهة المكثفة لقضايا الموضوع واشكالاته. ثم جاءت مرحلة الاستخلاص والاستنساخ والتحرير ... وأخيرا عشت مع هذا البحث قارئا مراجعا. وشعرت - وأنا أقرأه - أن لدي إضافات واستدراكات، وشروحا وتوضيحات، ولكن صرفني عن هذا كله أن هذه أمور لا تنتهي. ثم إن القارئ المتخصص، وأيضا القارئ المتفحص، يغنيه ما قيل عما يمكن أن يضاف ويوسع، خصوصا وأني أعتقد أن البحث قد أدى رسالته الأساسية وحقق غايته الكبرى، وأعني بها إبراز نظرية التقريب والتغليب. والحقيقة أن إبراز هذه النظرية وكشف معالمها، وبيان وجودها وسريانها في العلوم الإسلامية، قد تم في الباب الأول بفصوله الثلاثة، وتطبيقاته وأمثلته الكثيرة والمتنوعة. وأحسب أن قارئ هذا الباب - والمدخل قبله - يخرج بقناعة ثابتة وفكرة واضحة، عن العمل بالتقريب والتغليب، بمختلف أشكاله وصوره، عند علمائنا، وأن ذلك جار عندهم في انسجام وتكامل، ومنتظم عندهم في نظام علمي منهجي واحد. لكن هذا لا يسد بعض الثغرات، ولا يرفع عددا من الإشكالات .. فهذه النظرية الموصوفة بالشرعية الإسلامية، تحتاج إلى أدلة شرعية تشهد لصحتها وشرعيتها، ولابد لهذه الأدلة أن تكون دالة على المقصود دلالة واضحة قطعية، لأن ما يبنى عليها ليس حكما جزئيا أو قاعدة محدودة الأثر، بل تنبني عليها نظرية كبرى، تتحكم في تقرير ما لا يحصى من الأحكام والمعاني الشرعية، وتتحكم في تفسيرها وترتيبها وتطبيقها. فمسألة الأدلة القطعية الواضحة على هذه النظرية، هي مسألة حياة أو موت لها. لأجل هذا، كان الفصل المخصص لأدلة النظرية. ولأجل هذا أيضا كان الاستطراد المطول مع الإشكالات والاعتراضات التي قد تثار في وجه النظرية كلا أو جزءا. على أن خدمة قدمتها لهذه النظرية، هي المتمثلة في تحرير فصل خاص عن (الضوابط العامة للعمل بالتقريب والتغليب). ولاشك أن الضوابط الستة التي قدمتها، تتسع لكثير من الاستدراك والتفصيل والتنقيح. ولكنها على كل حال لبنة أصولية، كان موضعها شاغرا فملأته. ثم إن هذه الضوابط تجعل من نظرية التقريب والتغليب آلة منهجية مكتملة وجاهزة للاستعمال والإنتاج، في أمان واطمئنان.

ولإثبات ذلك عمليا، وجدت من الضروري تقديم قضايا ومباحث تتسم بالجدة، ومعالجتها من خلال نظرية التقريب والتغليب، وتعبيرها بمعيارها. فجاء الباب الثالث، ليبرهن على فعالية هذه النظرية، وعلى قيمتها الأصولية المنهجية، وعلى أنها أصل من أصول التشريع الإسلامي، والتفكير الإسلامي، والتقويم الإسلامي. وفي ثنايا هذه الغايات الأساسية للبحث، يسر الله تعالى أيضا تحقيق عدد من المسائل العلمية: الفقهية، الأصولية، والتفسيرية، والحديثية، وغيرها. ومن هذه المسائل: مزيد من التوضيح والضبط لبعض المصطلحات كالعلم، واليقين، والخوف. ومنها: تحقيق مذاهب العلماء في مسألة (خبر الواحد ماذا يفيد؟) وتحرير محل النزاع فيها، مما يسهل حسها وإنهاء النزاع فيها أو تضييقه على الأقل، وهو ما تحقق فعلا. ومنها: البحث المفصل لمسألة تصويب المجتهدين، والرد الحاسم على القائلين بأن كل مجتهد مصيب، وبيان ما يفضي إليه الغلو في هذه البدعة .. ومنها: محاولة الإجابة عن سر وجود الظنية والاحتمال في أحكام الدين ومعانيه. ومنها: نصرة الرأي القائل بأن ولد الزنى يلحق بالزاني، إذا أقر به، ولم ينازعه فيه صاحب فراش صحيح، مع بيان المعنى الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش) وهو رأي مخالف لما عليه الجمهور، ولكني وجدت أن الأدلة والقواعد، تحتم نصرته والقول به، ففعلت. وأما الباب الثالث، فأحسب أن الجدة هي الأصل فيه، وهي الغالبة عليه وعلى مباحثه واستنتاجاته وتحقيقاته. وقد تميز هذا الباب بالرد والابطال لعدد من الآراء الرائجة عند القدماء والمحدثين، مثل كون القرآن الكريم ذم الكثرة والأكثرية ومدح القلة والأقلية، ومثل الزعم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان يستشير الصحابة تطييبا لخواطرهم ثم كان يفعل ما يراه دون اعتبار لأكثريتهم ولا لمجموعهم، وأن الخلفاء الراشدين وخاصة أبا بكر وعمر، أمضيا آراءهما على خلاف سائر الصحابة، ومثل الزعم بأن الخلافة تنعقد بالواحد والاثنين، وبمن حضر .. ومثل الاعتقاد بأن الغاية الشريفة المشروعة لا يمكن أن تسوغ بحال من الأحوال استعمال وسيلة غير مشروعة. هذه بعض التحقيقات والثمرات، التي أفضى إليها هذا البحث بفضل نظرية التقريب والتغليب، وبفضل تطبيقها والالتزام بمقتضياتها. وقد التزمت في هذا البحث بمبدأ أصبحت أرى الالتزام به والإلحاح عليه، أمرا في غاية الأهمية والخطورة، ألا وهو طرد القواعد والموازين العلمية، وتقبل نتائجها وثمراتها مهما تكن دون تهيب ولا تعصب، ولا آراء مسبقة، ولا خوف من أحد. وقد يبدو هذا الكلام بدهيا مسلما، ولكني أعلم يقينا أن الالتزام به قليل، وأن الوفاء له ضعيف، وخاصة عندما يتعارض مع العصبيات والأهواء. وهذا سبب كبير من أسباب التعثر والتخبط العلمي والانحراف العلمي. العلم هو الخضوع للقواعد العلمية المقررة، والتسليم للموازين العلمية المعتمدة، الخضوع لها ابتداء وانتهاء. وبدون التمسك بهذا المبدأ، بصرامة وتشدد، سيبقى العلم عرضة للغش والتلاعب، وعرضة للتطويع والتوجيه، وعرضة للخضوع لمؤثرات غير علمية. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما. الخميس خامس ذي القعدة 1412 موافق سابع مايو 1992م.

جغرافيا

جغرافيا

المفهوم الجغرافي لمعنى محاذاة الميقات المكاني للحج

المفهوم الجغرافي لمعنى محاذاة الميقات المكاني للحج ¤بدر الدين يوسف محمد أحمد£بدون¥جامعة أم القرى¨بدون¢بدون€جغرافيا¶حج وعمرة - مواقيت الإحرام الخاتمة في ختام هذه الدراسة يشار إلى موضوع المحاذاة للمواقيت المكانية وإن كان حيويا جدا ويشكل مسألة ملحة تقتضي حلا إلا أنها لم تطرق بالوجه المطلوب. ذلك لأن التركيز عليها سقط بسبب ما اعترى هذا الزمن الحالي من مشاكل التخصص. فالموضوع يقع في منطقة التداخل والتكامل في تخصص الفقه وتخصص الجغرافيا والهندسة. وقد كان كل تخصص يعمل في دائرته دون النظر إلى التكميل من التخصص الآخر فإذا جاء ذكر المحاذاة كان مبتورا غامضا وغير شاف، وهذا الذي حدا بالباحث أن يطرق هذا الموضوع ليدعو رجال الفقه والجغرافيين ورجال الهندسة وغيرهم للتفكير في هذا الموضوع وغيره من مواضيع التداخل والتكامل عسى أن يخرجوا بحلول جيدة. ولابد هنا في الختام من إيراد أهم ما أبانته الدراسة وأسهمت به بإيجاز وما تقترحه في مجال المحاذاة بصفة خاصة. 1 - تأتي هذه الدراسة لتسلط الأضواء على المواقيت لقاصدي نسك الحج والعمرة، وإبانة خصائصها علها تسد ثغرة بين الدراسات السابقة حول هذا الموضوع والتي كانت ترتكز على المسالك ودروب الحجاج قديما وحديثا مع مرور عابر بالمواقيت، وتلك الدراسات التي ركزت على الحرم وتحديد معالمه وحدوده. فهذه الدراسة وقفة وسطية مكملة لكلا الاهتمامين. 2 - أبانت الدراسة مشكلة المحاذاة للمواقيت المكانية وتعقيدها وتركيبها رغم أنه كان ينظر إليها وكأنها مسألة سهلة بدليل أن عديدا من الفقهاء لا يذكر إلا كلمة " المحاذاة " دون إبانة أو توضيح. 3 - طرحت الدراسة عديدا من الخيارات لعلاج مسألة المحاذاة الأمر الذي ييسر للفقهاء تصور كافة الاعتبارات حال الفتوى في ذلك الأمر. وقد أبانت الدراسة أن هناك فائدة من إبراز البعد الجغرافي المكاني للمسائل الفقهية ذات الصلة. 4 - خرجت الدراسة بتصور لحمي (مساحة) لنسك الحج جامع يصلح لأن تحدد معالمه من واقع الخريطة والمدن والقرى التي يحوطها ويحتويها مما يحقق المحاذاة التي تعمق في الحاج أو المعتمر الطمأنينة وتبعد عنه الشك في أنه حاذى أم لم يحاذ. 5 - جمعت الدراسة بين أقوال الفقهاء والترجمة العلمية الجغرافية لتلك الأقوال كما أنها بحثت في المواقيت المكانية وتاريخها وتطورها وبيئتها الطبيعية ومغزى اختيارها مواقيت للحج والعمرة. 6 - أبرزت الدراسة الأفكار المتقدمة والآراء النيرة للفقهاء وبينت مقاصدها من حيث المنطق المكاني الجغرافي كما جمعت بين الأقوال وقارنت ونقدت، بخاصة فيما يتعلق بخصوصية تلك الأقوال وتقدمها، وهذا جانب مكمل لما جاء في الفقرة السابقة إلا أنه يختص بالأفكار للفقهاء التي تتسم بالجدة والأصالة. 7 - إن كانت هذه الدراسة قد مالت لبعض آراء الفقهاء دون البعض الآخر في موضوع بأصله مكاني جغرافي، فليس هذا الميل من منطلق يجعل من الباحث مقدما لآراء الفقهاء والعلماء الأجلاء أو فتاواهم، ولكن من منطلق استيعابه، ومن منطلق السند من الجانب الجغرافي الذي تلقاه هذه الآراء دون غيرها. والمسألة هنا مسألة قياس ونظر إلى الخريطة والمواقع فإذا قال فقيه مثلا بأن مسافة يلملم قدر مسافة الجحفة نظر إلى الخريطة وقيست المسافة قيل هذا غير صحيح وليس فيه شيء. فقد كان الفقهاء في أمر المسافات يأتون بتقديرات تتفاوت على هذه المواقيت فلابد من ضبط هذا الأمر قياسا دقيقا وإعطاء مسافة صحيحة. ثم إن بعض الفقهاء المتأخرين أخذوا بمسافات من أسلافهم وتبنوها فلابد من تصحيحها على الخريطة التي صارت في هذا الزمن في غاية الدقة.

ولا تعتبر هذه الدراسة بأي حال من الأحوال داخلة في أي مجال من مجالات الإفتاء ولكنها في حقيقتها محاولة للتأمل بصورة عملية جغرافية في مسألة المواقيت والمحاذاة فيها بصفة خاصة، وهو اجتهاد في تقريب البعد الجغرافي يقدم للعلماء والمفتين. 8 - مما تقدم تلح الدراسة إلحاحا شديدا على الفقهاء والمفتين الإبانة القاطعة لمفهوم المحاذاة بناء على القواعد العلمية التي في علومهم والقواعد العلمية الجغرافية والهندسية، وتقترح أن يتم ذلك على أيدي لفيف من العلماء يساعدهم المختصون في الجغرافيا والهندسة في مؤتمر، والعبرة هنا ليست فيما يخص أهمية المحاذاة لأهل التحوط في الإحرام من الحجاج والمعتمرين فهؤلاء حريصون على ألا يقع منهم ما يمكن أن يسمى تجاوزا للميقات، ولكن العبرة هي الخوف على من يمكن أن يسوف ويفوت الإحرام مما يترتب عليه الجزاء فلابد هنا من حدود واضحة ليقال للشخص أنت تجاوزت المحاذاة ويكون هذا القول مبنيا على أسس واضحة جلية. 9 - تقترح الدراسة في هذا المجال، وعند الاتفاق على المعيار الأوفق في اعتبار المحاذاة وتحديد مداها أن توضع بعض اللوحات الإرشادية أو الأعلام على الطرق الرئيسية والفرعية لأماكن محاذاة المواقيت ويمكن أن تحمل بعض المعلومات: أ. اسم الميقات الذي يحاذيه ذلك الموقع. ب. اتجاه ذلك الميقات من الموقع. ج. مسافة الميقات من ذلك الموقع. د. الطريق (سالك – معبد) أو (وعر – غير معبد). وللمعلومات المقترحة أهمية إذ قد يكتشف الحاج أو المعتمر أنه على بعد 15 أو 10 وقت أكيال فقط من الميقات، والطريق جيد للميقات فهنا أولى إتيان الميقات من محاذاته، في وقت سهلت فيه المواصلات وسائلها وطرقها. وحبذا لو طورت بعض نقاط المحاذاة المهمة على الطريق وأصبحت نواة للخدمات من إقامة مساجد فيها وخدمات غذاء ومحطات وقود وإصلاح سيارات وغيره مما يساعد على الحط وتيسير الإحرام والطمأنينة فيها.

حاسب وإنترنت وتقنية معلومات

حاسب وإنترنت وتقنية معلومات

حمى سنة 2000

حمى سنة 2000 ¤عبدالعزيز بن مصطفى كامل£بدون¥دار السليم¨الثانية¢1420هـ€حاسب وإنترنت وتقنية معلومات¶مشاكل وحلول الخاتمة هذه وقفات رأيت ضرورة تسجيلها .. أولاً: إن ما ينتظره أهل الكتاب من توقعات مرتبطة بالألفية الجديدة، قد يقع أكثره أو أقله، ووقوع شيء مما يتوقعونه ويبشرون به، ليس دليلاً على أن الحق معهم، وما لن يقع، ليس دليلاً على أننا نتقوَّل عليهم. إن قُصارى ما نقول في أمرهم ـ إذا وقع شيء مما يقولون به ـ أن يكون ذاك من بقايا ما أخبرت به الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ, أو أن يكون استدراجاً لأهل الكتاب وزيادة في فتنتهم إذ اختاروا الفتنة لأنفسهم، أو أن يكون ذلك تصديقاً لسُنة ترتب النتائج على مقدماتها والأسباب على مسبباتها، فالأخذ بالأسباب له نتائجه ولو كان الآخذون بها من أهل الباطل، وتعطيل الأسباب له نتائجه ولو كان المعطلون لها من أهل الحق. ثانياً: قد تتأجل عند أهل الكتاب بعض أحلامهم لعام آخر بعد نهاية العام 1999م، إذ أن القرن الحادي والعشرين لن يبدأ في الحقيقة إلا بنهاية العام 2000، وليس ببدايته، فهكذا تحسب القرون، فالقرن الميلادي الحالي سيتم بتمام السنة 2000 وليس بنهاية السنة 1999م، كما هو شائع خطأ. بل إن التأريخ لميلاد المسيح، لم يبدأ ـ عند المحققين من المؤرخين ـ إلا بعد أربع سنوات من ميلاده ـ عليه السلام ـ. إن هذا يعني أن مسلسل حمى سنة 2000، لن ينتهي بنهاية العام 1999م، بل سيمتد لعام آخر، بل ربما أعوام. ثالثاً: ما تم إيراده في هذا الكتاب من معلومات عن الأحلام والأوهام الألفية المستقبلية لأهل الكتابين، ليس إلا مجرد رصد لظواهر لافتة تجمع بينها روابط عقدية يؤمنون بها، ورصد الظواهر لا يعني بالضرورة تصديقها أو الموافقة على التحليلات المرتبطة بها، إنما المقصود من رصد تلك المظاهر، وصف خطورتها وتفاعلاتها العملية المحتملة. رابعاً: قد يقال بأن مثل هذه الكتابات، يمكن أن تشيع روح اليأس والإحباط في النفوس! والجواب: إن نفوس أهل الإيمان مطمئنة إلى أنه لا حول ولا قوة لأحد إلا بالله، فمهما علا الباطل وقدر وتجبر، فهو تحت قهر العلي القدير، والذي أمدَّ لأهل الباطل وأملى لهم قادر على أن يديل الدولة عليهم. ومهما بلغ شأنهم فلن يخرج أمرهم عما حكى الله لنا أمرهم في كتابة:) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ? [إبراهيم: 46] ثم قال:) فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ? [إبراهيم: 47] فأي حسبان يتحسب له اليائسون والمُحبطون؟! إنه لا ينبغي لمن يستقوي بالقوي العزيز أن يهن أو يضعف، فضلاً عن أن يستدرج إلى يأس أو إحباط:) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ? [آل عمران: 139]. خامساً: إن ضخامة وجسامة التحدي الذي يفرضه اليهود والنصارى على الأمة الإسلامية اليوم، سرعان ما يتكشف أنه ثمرة تحالف غير مقدس لتخويف المؤمنين، ونحن مأمورون بألا نستجيب لهذا التخويف) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ?. [آل عمران: 175]. فخوفنا من الله ورجاؤنا فيه، ومحبتنا له ولأوليائه، هي المخرج من كل خوف، والرجاء عند كل خطر، والعافية من كل فتنة.

سادساًًًًًًً: عندما يشتد الظلام، يؤذن الليل بالرحيل، ويتأذن الفجر بالبزوغ، وعندما يستغرق الظلم جنبات الأرض، فاعلم أن العدالة ستحل من السماء. وما عندنا من أخبار الوحي الصادق، تبشر هذه الأمة بأعلى درجات السناء والرفعة والتمكين قبل أن تطوي الدنيا أيامها، فما لم يحدث في الزمان الأول من غلبة سلطان الإسلام على بقاع الأرض كلها سيحدث فيما يسميه أهل الكتاب (الأيام الأخيرة) فإذا كنا فعلاً نعيش تلك الأيام ـ كما يقولون ـ فيا خيبة كل من عارض الإسلام أو وقف في طريقة، إن الإسلام سيجرفهم بطوفانه الهادر، الذي يقصم الله به ظهر كل طاغية جبار، وعندها سيتم (تجفيف منابع) الظلم، بـ (المواجهة الشاملة) لجند الباطل، و (الإجهاض المبكر) لمؤامرات حزب الشيطان، و (مكافحة الإرهاب) الذي طالما سلّوا سيفه و (محاربة التطرف) الذي صدهم عن قبول الحق، عند ذلك ستزول العقبات عن طريق دعوة الإسلام التي ستبلغ كل منهل، وتصل كل أرض:) وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً? [الإسراء: 51]. قال الصادق المصدوق ?: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر". سابعاً: إذا كنا على يقين بأن الله سينصر دينه ويعلي كلمته كما قال ـ سبحانه وتعالى ـ:) كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنا وَرُسُلِي? [المجادلة: 21]، فإن هذا النصر يستدعي نصرة منا أولاً:) إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ? [محمد:7] ونُصرة الدين مسؤولية الجميع، وحذار أن يضع أحدنا نفسه خارج الدائرة، أو يكتفي بأحد كراسي المراقبة والمشاهدة عن بُعد، إن أحدنا إن فعل ذلك يكون خاسراً شرف المشاركة في نصرة الإسلام في زمن الغربة، هذا من ناحية، ويكون محروماً من أجر الله العظيم لمن أحسن عملاً، من ناحية أخرى، ومع هذا وذاك، يكون مفرطاً في حق نفسه، وأهله وأرضه وعرضه، وقبل هذا في حق ربه الذي خلقه فسواه فعدله، فهل جهَّزنا إجابة إذا سُئلنا عن نعم الله علينا، ماذا عملنا فيها؟ أظن أن لدينا الكثير من النعم التي تحتاج إلى شكر، والعمل لنصرة الدين من أعظم الشكر:) اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مَنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ? [سبأ: 13]. ثامناً: عندما تمر السنوات الأولى للألفية الثالثة، فإن اليهود والنصارى، سيكونون بين أمرين، إما أن تتحقق بعض أحلامهم، فيزدادون عند ذلك فتنة، ويزدادون بالتالي طغياناً، وإنما أن تتبخر أحلامهم الكبار، فيذيع الشك بينهم في أصول دينهم، ويزدادون ارتياباً وحيرة وضلالاً، وعلى كلا الاحتمالين، فمسؤولية أهل الإسلام في السنوات المقبلة عظيمة، فهم إما أن يجدوا أنفسهم أمام مرحلة مفروضة من الصراع الديني الصريح، أو يفاجأوا بتبعة دعوية ثقيلة، ستنشئها موجات الارتياب وربما الارتداد الذي يمكن أن تنتشر بين الكتابيين عندما تصطدم عقائدهم الزائفة أمام صخرة الحقيقة والواقع، فمن لهؤلاء الضالين يهديهم إلى صراط الله المستقيم إذا تطلعوا للبحث عنه، إنها تبعة جسيمة، لابد أن يتهيأ لها أهل الدعوة من أمة البلاغ، خير أمة أخرجت للناس.

تاسعاً: إذا كان الكلام قد كثر في الكتاب عن حتمية الصراع بين أهل الحق من المسلمين، وأهل الباطل من الكتابيين، فإنه يجدر بنا هنا أن نقول: إن ما بيننا وبين أهل الكتاب ليس احتراباً فقط، ولكن دعوتنا لهم هي الأصل، أما الجهاد والجلاد فهو لمن طغى وبغى منهم، ولا ينبغي أن تنسينا غلبة الطغيان والبغي فيهم، أنهم محل دعوتنا قبل أن يكونوا محل جهادنا:) قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ? [آل عمران: 64]. صحيح أن المرحلة قد تكون مرحلة مواجهة مفروضة، ولكن من قال أن المواجهة هي الحروب فقط؟ إنها أيضاً مواجهة العقول والأفكار والحجج والبراهين. وإذا كان النصارى مثلاً يملأون الدنيا نشاطاً باسم (التبشير)، فماذا أدّينا نحن تجاه دعوة البشير النذير ? وأنا أسأل هنا سؤالاً محدداً: أمام عشرات، بل مئات المواقع على (الإنترنت) والتي تتحرك في العالم بدعوات مفعمة بالتبشيرات الألفية، المنطلقة من العقائد الباطلة، كم يا ترى عدد المواقع الإسلامية في الإنترنت أو غيره، التي تطرح على القوم دعوة الحق في مقابل دعواتهم المرتبطة أساساً بمسائل عقدية في الألوهية والرسالة والنبوة والوحي والبعث؟ إنهم يخاطبون العالم كله اليوم بخطاب الخرافة، فمن يخاطبهم ويخاطب هذا العالم بحديث الحق والصدق الذي يكشف زيف ما يدّعونه وما يدعون إليه؟! عاشراً: العلمانيون سيبرهنون ـ كعادتهم ـ على شدة الغباء في التعامل مع الظروف المصيرية التي تتعرض لها الأمة، فغالب الظن أن نصيبهم من التفاعل مع تداعيات الألفية، هو الالتهاء بالمشاركة في مظاهرها الاحتفالية الشركية التي تُعَظم فيها الصلبان، وترفع فيها الأوثان، ويتضاعف فيها العصيان وتنتهك فيها العقائد. إن هؤلاء (العوام) المتربعين على كراسي القيادة والريادة الفكرية والإدارية لأمة الإسلام، لم يفهموا، ولن يفهموا أبعاد الصراع الديني الواقع والمتوقع، ولذلك فإنهم ـ إلا من شاء الله رحمته ـ سيكونون أول ضحايا الفتنة في الدين إذا عرضت أسبابها، وسيكونون أول الفارين، إذا ما نودي على من يحبون الشهادة أن هلموا للذود ـ في سبيل الله ـ عن الذات والمقدسات. ولا شك أن هذا أيضاً مما يضاعف من مسؤولية أهل الإسلام الصادقين. حادي عشر: في أزمنة الفتن والاستضعاف، تتعلق النفوس كثيراً بالمغيبات، والغيب حق، والإيمان به أول صفات المتقين في القرآن الكريم، ولكن الإيمان بالغيب أقوى دافع للعمل في عالم الشهادة، هكذا تعامل خير أجيال البشر من الصحابة ومن تبعهم ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ مع الغيب، أما أن تتخذ من أخبار الغيب تكأة للقعود والخمول باسم الانتظار، فهذا ليس دأب الفاقهين لسنن الله في الأنفس والآفاق، وقد شاعت في أوساط المسلمين في الآونة الأخيرة موجة حُمِّية أشبه بموجة الحمى الألفية غير أنها تختلف عنها من حيث مصادرها وموضوعها، فنحن نسمع بين آن وآخر عن كتب تصدر ومقالات تدبج، وأشرطة توزع، تتحدث عن إرهاصات أخروية أقرب ـ ربما ـ مما يتحدث عنه أهل الكتاب، فيما يتعلق بقرب القيامة وقرب مجيء المهدي، بل ووجوده بالفعل حياً بيننا!!. ولست بصدد مناقشة تلك الأقوال الآن، ولكن أنصح نصيحة مشفق حريص: ألا نصنع بأنفسنا أجواءً تتفرخ فيها أفكار الانتظار أو ادعاءات المهدوية أو انتحالات السفيانية والعيسوية، فقد حذر رسول الله ? من (مسحاء كذبة)، فحذار أن نستخرج من بيننا مسيحاً كذاباً، أو مخلِّصاً دجالاً فليس لمثل هذه الدعوات من مناخ أنسب من المناخ الذي يمكن أن تشيعه انعكاسات الحمى الألفية في أوساط المسلمين. ثاني عشر: لله ـ تعالى ـ أحكام شرعية، وأحكام قدرية، ونحن متعبدون بالأحكام الشرعية من تكليفات وأوامر ونواه، أما الأحكام القدرية التي تدخل فيها المغيبات المستقبلية، فنحن غير متعبدين إلا بالتصديق بها، ثم الامتثال لأحكام الله الشرعية فيها إذا جاء أوانها، ومع ذلك فإن الله ـ تعالى ـ لم يتعبدنا بالانتظار حتى تقع الأقدار خيرها أو شرها، ولكن تعبدنا بالإعداد والاستعداد لملاقاة أي خطر قائم أو قادم يتهدد ديننا وأمتنا ودعوتنا. وأخيراً: هذا سؤال يتردد في القلب والعقل .. إلى متى نظل نمثل نحن (رد الفعل) ويقوم أعداء الأمة بـ (الفعل)؟ أما آن لنا أن ننتقل من دائرة ردود الأفعال إلى دائرة الأفعال؟ سؤال ينتظر الإجابة في زمن الانتظار!!

حديث

حديث

أحاديث الهجرة

أحاديث الهجرة ¤سليمان بن علي السعود£بدون¥مركز الدراسات الإسلامية - برمنجهام¨الأولى¢1411هـ€حديث¶هجرة - أحكامها الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشكره سبحانه أن يسر لي إنجاز هذه الرسالة التي تناولت البحث في أحاديث الهجرة جمعا ودراسة وتحقيقا، وهذه الرسالة تقع في مقدمة وتعريف للهجرة وخمسة أبواب. فأما المقدمة فقد اشتملت على سبب اختياري لهذا الموضوع والدافع لي على الكتابة فيه، وبينت من خلالها المنهج الذي سرت عليه أثناء الكتابة في الرسالة، ثم عرفت الهجرة. ثم تلي المقدمة والتعريف الباب الأول، وفيه ذكر أحاديث هجرة الحبشة وقد بدأت الباب بتمهيد عرفت به الحبشة وملكهم آنذاك وقصة تملكه ثم أردفت التمهيد بفصول خمسة، تناول الفصل الأول مسير الهجرتين حيث أوردت الأحاديث الدالة على مسير الهجرة الأولى وعن رجوعهم من الحبشة وسببه. بعد ذلك أوردت ما ذكر عن قضية رجوعهم إلى الحبشة مرة ثانية ذاكراً الأحاديث التي وردت في شأنهم وهم في أرض الحبشة وما حصل لهم فيها، ثم عقدت فصلا في آخر الباب ذكرت فيه مسائل متفرقة قمت بتبيينها وتحقيق القول فيها وبيان وجه الصواب فيها كالتحقيق في رسولي قريش إلى النجاشي والتحقيق في الإسلام النجاشي ومتى أسلم .. وغير ذلك. وفي الباب الثاني كان الحديث عن مقدمات الهجرة إلى المدينة حيث تعرضت لعرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل حيث استمر أكثر من عشر سنوات، ومع ذلك هو صابر على الجفا والإعراض إلى أن منّ الله على الأنصار رضي الله عنهم فآمنوا به واستجابوا له فكانت البيعتان ثم ذكرت ما ورد فيها من أحاديث وأحداث .. ثم ذكرت بعد ذلك أهمية الهجرة وأنها كانت معروفة عند من سبقنا من الأمم وأردفت ذلك بإذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالانتقال إلى الأنصار حينما تمكن من وجود هذا البلد الآمن الذي يأمن به هو وأصحابه على دينهم ودعوتهم، فسار الصحابة إلى المدينة مهاجرين إلى الله، ثم تلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعدما أذن الله له ونجاه من تآمر المشركين وكيد الكائدين. وما تقدم كله تحت هذا الباب إضافة إلى أنني قمت باستنباط الدروس المستفادة منه. ثم تلا هذا، الباب الثالث وهو يضم مسير النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وما حصل له من المعجزات والدلالات، وكان ذلك حينما حماه الله وهما في الغار وحينما لحق بهما سراقة، وما حصل في قصة أم معبد. ثم تلا ذلك تعريف بالأماكن التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم أثناء هجرته. ثم دخل الباب الرابع ذكرت فيه أحاديث وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكيف استقبله الأنصار رضي الله عنهم؟ وأين استقر صلوات الله وسلامه عليه؟ وبعض أعماله التي قام بها. ثم تلا ذلك ذكر أحاديث فيها أحكام تتعلق بالهجرة والبيعة عليها وانقطاع الهجرة من مكة بعد فتحها. أما الباب الأخير: فجعلته عن الهجرة الباقية، ويشمل الهجرة الحسية وهي الانتقال من بلد الكفر إلى دار الإسلام، وأنه لا تعارض بينها وبين حديث لا هجرة بعد الفتح على القول الصحيح، ثم ذكرت هجرة الشام التي في آخر الزمان ثم ذكرت الهجرة المعنوية، هجرة الذنوب والمعاصي، وأهمية هذه الهجرة في واقع المسلمين اليوم.

وبعد ذلك أنهيت هذا الباب بذكر فضل الهجرة والمهاجرين وما أعد الله لهم من الثواب العظيم. وألحقت بالرسالة ملحقا يضم أسماء المهاجرين إلى الحبشة، وأصحاب البيعة من الأنصار، وبهذا أكون قد أنهيت هذا البحث راجيا من الله أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، والله من وراء القصد، وكان من نتائج البحث الأمور الآتية: أولا: بالنسبة للبحث ذاته، فهو جمع الأحاديث المتعلقة بالهجرة الحسية والمعنوية في كتاب مستقل ودراسة تلك الأحاديث، من نظر في أسانيدها وشرح غريبها واستنباط لبعض الدروس منها مما يسهل للمطلع الوصول إلى هذا الموضوع. ثانيا: بالنسبة لما استنتجته من خلال معاشرتي له فهي الأمور الآتية: 1 - عظمة الجهود التي بذلها سلفنا الصالح رضوان الله عليهم في شتى ميادين العلم، وأن الدافع لهم لبذل تلك الجهود هو صدق العزيمة وإخلاص العمل لوجه الله، فأينعت ثمار جهودهم وأبقوا ذخرا يثني عليهم ويدعي لهم به إلى يوم القيامة فجزاهم الله خير الجزاء. 2 - اهتمام هذه الأمة المحمدية بالسند وعنايتها بنقل الأخبار وعرض قواعد النقد على أي خبر يرد إليهم، فما صح سنده قبلوه وما لم يصح سنده ردوه ولو كان الخبر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم أو في ذكر صفاته، فعمدتهم ما صح من الأخبار. وهذا الصنيع يدل على الفرق بين هذه الأمة التي تستمد تشريعها من مصادر صحيحة ثابتة، وبين الأمم الأخرى التي تبني نفسها على جرف هار من مصادر مزعزعة وأفكار منحرفة. 3 - كما أنه لا بد من العناية بتراث سلفنا من جانب الطباعة والإخراج فكم كتاب استولت عليه أيد لا يهمها إلا جمع المادة وإخراج الكتاب على أي حال كان، فوقع الخلط والغلط وسوء الطباعة مما يجعل القارئ يضيق ذرعا بتلك الطبعات السيئة فلو تضافرت جهود مخلصة للعناية بهذا الجانب والاهتمام به لحققت خيرا كثيرا لأمتنا الإسلامية وتراثنا الإسلامي. هذا أهم ما ظهر لي من نتائج خلال البحث كما أنه بمجموعة جهد مقل قليل البضاعة في هذا الشأن راجيا من ربه التوفيق والسداد والغفران، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحاديث حياة البرزخ في الكتب التسعة

أحاديث حياة البرزخ في الكتب التسعة ¤محمد بن حدير بن مهدي بن حسن£بدون¥دار ابن حزم - بيروت¨الأولى¢1425هـ€حديث¶برزخ - الموت وعذاب القبر ونعيمه الخاتمة ظهر لي من خلال العمل في هذا البحث، بعض القضايا، التي تقتضي البيان، والتوضيح، والتنويه، وهي كالآتي: أولاً: أن الإيمان بعذاب القبر، يعد من مقتضيات الإيمان بالغيب، وأن الإيمان بالغيب، هو الإيمان باليوم الآخر، واليوم الآخر، هو الركن الخامس، من أركان الإيمان، الذي لا يصح إيمان العبد إلا به. ثانياً: إن حسن الظن بالله، يعتبر من كمال إيمان العبد، وأن سوء الظن بالله يعد من أكبر الكبائر الاعتقادية، بعد الكفر، لأنه يؤدي إليه. ثالثاً: إن للسعادة، والشقاء علامات تدل عليها عند الموت، وقد ذكرتها، يعرف بها المطيع، من غير المطيع، بلغ جميعُها، خمس عشرة علامة، ثلاث عشرة من حسن الخاتمة، واثنتان من سوء الخاتمة، أسأل الله حسن الخاتمة، للجميع. رابعاً: إن المؤمن يشعر بالسعادة، من حين قبض روحه، يشم رائحةً طيبةً، ويرى وجوهاً حساناً، وأما الكافر فإنه يرى ملائكة سود الوجوه، ويشمُ رائحةٌ كريهة. خامساً: إن الروح لها اتصال بالبدن، وبالقبر، وجرمها في السماء، بعد مفارقتها البدن، كشعاع الشمس، ساقط بالأرض، وأصله متصل بالشمس. سادساً: إن الضمة التي يجدها المؤمن، عندما يوضع في قبره، إنما هي ليست من عذاب القبر في شيء، إنما هي كالألم الذي يجده من يفقد ولده في الدنيا، وكمن يجد ألم المرض، وألم خروج نفسه. سابعاً: إن الروح تعاد إلى الميت، عندما يوضع في قبره، وإن العذاب يكون تارة على البدن، وتارةً على الروح، وتارة على كليهما. ثامناً: إن الأدلة قد استفاضت من الكتاب والسنة، على عذاب القبر ولا مجال لردها، لأنه أصبح معلوماً من الدين بالضرورة. تاسعاً: عذاب القبر يكون من عدم التنزه من البول، والنميمة، والغيبة، والنوح على الميت، وغيرها، أما المنجية من عذاب القبر منها، قراءة سورة الملك، وعموم الأعمال الصالحة، والموت يوم الجمعة، والموت بمرض البطن، وغيرها. عاشراً: عذاب القبر، منه ما هو دائم، ومنه ما هو منقطع، دائم للكفار ومنقطع لعصاة المؤمنين. الحادي عشر: مستقر الأرواح في البرزخ، متفاوتٌ على حسب قربها، وبعدها من الله، منها ما هو في أعلى عليين، وهي أرواح الأنبياء، ومنها ما هو في حواصل طير خضر، ومنها من يكون محبوساً في قبره، ومنها ما يكون محبوساً على باب الجنة. الثاني عشر: إن أرواح الموتى تلتقي، وتتعارف وتتزاور، ويستبشر أحدهم بمقدم أقاربه، ومعارفه، إذا كانوا على عمل صالح. الثالث عشر: إن الموتى تنتفع، وتستبشر، بسعي الأحيان، وبما يقومون به من أعمال صالحة، يهدونها لهم، وقد ثبت ذلك. الرابع عشر: إن الراجح في عدد نفخات الصور هي نفختان، في الأولى: يموت الخلق، وفي الثانية: يحيون. الخامس عشر: قد أَثْبَتُ روايات ولكن لن أحكم عليها، لأنها مندرجة تحت الصحيحين أو أحدهما، بغرض إظهار تنوع الروايات والألفاظ وهي ليست بالكثيرة، مثال ذلك (وفي رواية لأبي داود (ح 15) ص77)، وآخر (وفي رواية لأحمد (ح13) ص77). السادس عشر: سقط سهواً وضع رقم جانبي لرواية النسائي بعد رقم (ح45) صفحة 114، وكذلك في صفحة 294 للرواية: (ومن أدلتهم ... ) بعد رقم (ح176). السابع عشر: أسقط الترقيم سهواً، (ح215) صفحة 284. فيصبح إجمالي الأحاديث الواردة في الرسالة – بالمكرر- مضاف لها الساقط 276 حديثا، الصحيح منها 241 حديثا، والضعيف 35 حديثا.

أشراط الساعة في مسند الإمام أحمد وزوائد الصحيحين - جمعا وتخريجا وشرحا ودراسة

أشراط الساعة في مسند الإمام أحمد وزوائد الصحيحين - جمعا وتخريجا وشرحا ودراسة ¤خالد بن ناصر الغامدي£بدون¥دار ابن حزم - بيروت¨الأولى¢1420هـ€حديث¶أشراط الساعة وفتن آخر الزمان الخاتمة اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك جل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت. والصلاة والسلام على نبيك ورسولك محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. أما بعد: فإني أحمد الله أن يسر لي وأعانني على إنجاز هذا البحث الذي أسجل في خاتمته نتائج قيدتها أثناء عملي فيه وبعد الانتهاء منه، وهي: 1 - أنه لا يوجد نص على تقسيم الأشراط إلى صغرى وكبرى، بل هو استنباط من أهل العلم من خلال فهمهم للأحاديث. 2 - أن الأشراط الصغرى منها ما ظهر وانتهى، ومنها ما ظهرت مباديه ولم يستحكم، ومنها ما لم يظهر بالكلية. 3 - وأنها في غالبها معتادة الوقوع عند الناس فلا غرابة في ظهورها. 4 - لم يأت حديث يحصرها ويبين وقت ظهورها جميعاً، بل هي منثورة في الصحاح والسنن والمسانيد، وقد ذكرت ما ورد في المسند وما زاد عنه في الصحيحين، وإلا فهي أكثر مما ههنا بكثير. 5 - غالب الأشراط الصغرى في لفظ أحاديثها ما يدل على أنه من علاماتها كحديث جبريل، وقوله: أعدد ستاً بين يدي الساعة، وقوله: لا تقوم الساعة، أو لا تزول الدنيا، أو لا تذهب الأيام والليالي، أو قوله: في آخر الزمان، ونحوها. فدلالتها لفظية، ومنها ما دلالته استنباطية؛ كونه في آخر الزمان، أو ملاصق للأشراط العظمى ولكن ليس منها، أو عده أهل العلم من أشراطها. 6 - أن كل الأشراط من دلائل نبوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. 7 - أن الأشراط الكبرى عشرة أشراط؛ وهي ما تضمنه حديث حذيفة بن أسيد، وأنها غير معتادة الوقوع، وإذا وقع أولها تتابعت سريعاً كتتابع الخرز من عقد انقطع. 8 - أنه لم يقع أي واحد من الأشراط الكبرى إلى زماننا هذا ومن زعم أنه قد وقع بعضها فهو قول مرجوح، قد بين آنفاً. 9 - أنها علوية وأرضية، فالأرضية المؤذنة بتغير أحوال الأرض أولها الدجال والعلوية المؤذنة بتغير العوالم العلوية؛ أولها طلوع الشمس من مغربها. 10 - أول الأشراط الكبرى الدجال، وآخرها خروج نار من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر. 11 - الأشراط غالباً ما تكون شراً، أو مذمومة، مثل: اقتتال فئتين عظيمتين من المسلمين، وكثرة الهرج، وظهور الفحش وضياع الأمانة، ونحوها. وقد تكون خيراً، مثل: بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وعودة أرض العرب مروجاً وأنهاراً، وظهور النعم والأمان، ونزول عيسى ابن مريم. ونحوها. وقد لا تكون ممدوحة أو مذمومة، مثل خروج نار أرض الحجاز ونحوها. 12 - الآية تكون معروفة لكل أحد، بخلاف العلامة فلا يعرفها كل واحد. 13 - العصريون لا ينكرون الأشراط، وإنما يتأولونها على غير وجهها الصحيح، فراراً من نقد العلمانيين، لئلا يوسموا بالخرافة، وقد بينت المعتقد الحق بالأحاديث الصحيحة، ورددت على أهل البدع والمتأولين والمنكرين. 14 - وقد تبين لي في (المسند) للإمام أحمد من خلال دراستي له ما يلي: أ - أن (المسند) للإمام أحمد قد خدم من بعض العلماء وطلبة العلم؛ كـ (إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي) لابن حجر، و (القول المسدد في الذب عن المسند) له أيضاً، و (عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد) للسيوطي، و (المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد) لأبي اليمن العليمي، و (ثلاثيات مسند الإمام أحمد) للسفاريني الحنبلي، و (الفتح الرباني) للبنا، و (شرح المسند) لأحمد شاكر، و (الموسوعة الحديثية) لجماعة من المحققين، بإشراف شعيب الأرناؤوط، و (طبعة مرقمة للمسند) من داب الفكر، ومن المكتب الإسلامي، و (فهرس المنهج الأسعد في ترتيب أحاديث مسند الإمام أحمد) لعبد الله رحماني، وثلة من طلبة جامعة الإمام في مشروع أحاديث العقيدة في مسند الإمام أحمد وقد انتهى بعضهم منها، وهذا العمل في أشراط الساعة منها، وأسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم. ولا ريب أن هذا السفر الجليل – على ما سبق من خدمته – يحتاج إلى مزيد من الشرح والتبيان، وقد كانت خطوة موفقة تلك التي اقترحها قسم العقيدة على طلابه في شرح أحاديث العقيدة فيه. وعسى أن تحذو بقية الأقسام بما قام به هذا القسم من خدمة المسند في تخصصه. ب - وتميز مسند الإمام أحمد ببيان اختلاف ألفاظ مشائخه في السند والمتن وكان الإمام لهجاً مميزاً لها، وهذه من الخصائص الفريدة للمسند كما قاله ابن حجر في تعجيل المنفعة، ص: 90. وأخيراً أدعو الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه، ولست أدعي الكمال ولا مقاربته، وحسبي أن بذلت جهدي في إخراج هذا البحث ...

أضواء على حديث افتراق الأمة

أضواء على حديث افتراق الأمة ¤عبدالله بن يوسف الجديع£بدون¥مؤسسة الريان - بيروت¨الأولى¢1419هـ€حديث¶تخريج - تحقيق حديث مفرد خاتمة: وبعد هذا التجوال في حديث الافتراق وما جر إليه من التفريع، أختم هذه المقالة بالتذكير بكلمات كخلاصة لما تقدم: 1 - الجماعة والوحدة سبيل النجاة، والفرقة سبيل الهلاك. 2 - الجماعة هي عامة المسلمين الذين جعلوا متبوعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعصبون إلا له ولما جاء به من الهدى والحق في الكتاب والسنة، وأولو العلم والقيادة منهم الذين يربون الناس على هذا المنهاج؛ هم أولو الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، وما أجمعوا عليه فهو منهاج الجماعة. 3 - قاعدة الجماعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه، ثم خلفاؤه الراشدون من بعده والأمة معهم، فمن جاء من بعدهم مقيس بهم موافقة ومخالفة. 4 - يبقى في إطار الجماعة كل من قصد البقاء فيها وإن أخطأ أو أذنب. 5 - الفرقة كل ما وقع به الخروج عن سبيل المؤمنين مما يسبب خرق الصف، اعتقاداً أو قولاً أو فعلاً، فتندرج تحته العقائد المخالفة لأصول الإسلام، كما يندرج تحته العمل على إفساد ذات البين، والبغي على المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم بالشبهات. 6 - من منهاج الجماعة الرحمة بالمسلمين وحب الخير لهم ونصيحتهم بقصد نفعهم، كما أن منه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونفي البدع وما يسبب الفرقة والخروج عن الجماعة. 7 - من خرج عن الجماعة بتأويل فثابت له اسم الإسلام وولاء الإسلام، وإن كان داعية إلى فرقته فإن أمكن منعه بالحق منع، وإلا فلا تقر دعوته يضل بها الناس وتزداد بها الفرقة؛ إنما يؤخذ على يديه ولو بتحذير من يخاف عليهم الضرر به، وقاية للمسلمين وحيلولة دون تماديه في الباطل، وذكره وذكر ضلالته لا بقصد التشفي والانتقام بل بقصد النصيحة، فلا يجاوز بها قدر حاجتها، كما لا يحل أن يقوم بها إلا أهلها. 8 - لا يحل لأحد أن ينزل فرقة أو طائفة من المسلمين موافقة أو مخالفة جنة ولا ناراً، ولا يشهد لها بمطلق الإيمان أو النفاق. 9 - يجب أن يحذر المسلم من كل سبب للفرقة، فلا يبتدع من الأسماء والألقاب ما يقع به تفريق الجماعة. 10 - العمل الجماعي مطلب مشروع، وعلى المسلمين أن يجتهدوا فيما يعينهم من الأسباب على أداء رسالتهم، لكن في دائرة منهاج الجماعة العظمى، من غير عصبية أو حزبية. وختاماً؛ أسأل الله تعالى أن تكون هذه الكلمة ذكرى نافعة، وما أبرئ نفسي من الزلل فذلك طبعها، فلك من هذه التذكرة غنمها وعلي غرمها، والله أعلم، أستغفره وأتوب إليه

إنصاف الذهبي في حديث الولي " مناقشة علمية لاعتراضات السيد عبدالعزيز الصديق الغماري على الذهبي"

إنصاف الذهبي في حديث الولي " مناقشة علمية لاعتراضات السيد عبدالعزيز الصديق الغماري على الذهبي" ¤الزبير دحان£بدون¥طوب بريس - الرباط¨بدون¢2006م€حديث¶نقد كتاب أو فكر الخاتمة: حاولت هذه الرسالة النظر في اعتراضات السيد عبدالعزيز بن الصديق الغماري ـ رحمه الله وغفر لنا وله ـ على الذهبي حافظ عصره وإمام فنه شمس العلماء، ودرة النبلاء في مسألة صوفية لبست لباس قضايا حديثية! وقد تبين أن كلا م الذهبي في حديث الولي الذي خرجه البخاري كلام نقاد خبير وإمام حبير وأن استدراكات المعترضين كابن حجر وغيره التي رامت تصويب ما في الحديث من خلل وجبر ما فيه من علل لا تغير من حاله شيئا لاسيما في تلك الحروف الغريبة التي من أجلها قام السيد ابن الصديق على الذهبي معترضا ولأجل وحدة الوجود غاضبا! وكما تبين الضعف على اعتراضات السيد الصديق من الناحية الحديثية تجلى الضعف في الدفاع عن التصوف كما يراه السيد لاسيما دندنته على عقيدة الوحدة الدخيلة على عقائد الإسلام مما لا أصل له في كتاب ولا سنة ولا إجماع من سلف الأمة مما لا يبرئ الحافظ الذهبي مما رمي به فحسب بل يضع السيد عبدالعزيز في الحرج والمواطن الخطرة بانحيازه إلى العقائد القذرة! وأخيرا فالمرجو أن تكون هذه الرسالة قد أنصفت الشريعة كما أنصفت الحقيقة وأنصفت الذهبي صاحب الأيادي البيضاء في الدفاع عن نبلاء الأمة كما أنصفت السيد ابن الصديق وكلاهما أفضى على إلاه العدل والرحمة.

الأحاديث الواردة في الطائفة المنصورة – دراسة حديثية فقهية

الأحاديث الواردة في الطائفة المنصورة – دراسة حديثية فقهية ¤حافظ بن محمد الحكمي£بدون¥دار الصميعي - السعودية¨بدون¢1429هـ€حديث¶حديث مفرد - شرح - فوائد - دروس الخاتمة: الحمد لله الذي أعان على إتمام هذا البحث وإخراجه بهذه الصورة، وبعد: فأود في ختامه أن أشير إلى أهم النتائج التي انتهى إليها، فأقول مستعينا بالله تعالى: 1 - كثرة الأحاديث التي وردت في الطائفة المنصورة وصحة أسانيدها، فقد بلغت اثنين وعشرين حديثاً، وجلها صحيحة، وفيها الحسن لذاته والحسن لغيره، أما الضعيف فلا يعدو حديثين. ثم إن كثرة أحاديث تلك الطائفة تدل على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها وعمله على إبراز أمرها وإظهاره للأمة. 2 - اشتملت تلك الأحاديث على أوصاف عظيمة للطائفة المنصورة تدل على جلالة قدرها وعلو منزلتها ومن ذلك وصفها بالاستقامة على الدين، والقيام بأمره، وأنها ظاهرة على الحق قاهرة لعدوها. وهذه الأوصاف وما في معناها تبرز الدور الكبير الذي تقوم به تلك الطائفة في حفظ الدين، وتمثيل الأمة في التصدي لأعدائها، وفي ذلك كله بيان لمكانة تلك الطائفة من الأمة، وأنها تقع منها موقع القلب النابض من الجسد. 3 - أفادت تلك الأحاديث أن الطائفة المنصورة معنية بالعلم الشرعي، وأن ربان سفينتها هم العلماء، وذلك يشعر باعتدال منهجها وسلامته من الغلو والتطرف: لأن أهل العلم يستضيئون بنور الله، ويقتفون أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويترسمون خطاه. 4 - أثبتت الدراسة السابقة أن تلك الطائفة لا يخلو منها زمان ولا يحصرها مكان، فمن أراد اللحاق بركبها والانضواء تحت لوائها أمكنه ذلك حيثما كان إن هو استوعب صفاتها وأخلص وجد في طلبها وحالفه التوفيق من ربه عز وجل. 5 - ما سبق الإشارة إليه من عناية النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الطائفة المنصورة، وبيانه لصفاتها يدعو بإلحاح أتباعه السالكين سبيله من المنتسبين للعلم والدعوة أن يتأسوا به في ذلك فيجتهدوا في نشر أحاديث تلك الطائفة، وإبراز صفاتها، والدعوة لتكثير سوادها، لاسيما في هذا الزمان الذي دب فيه الإحباط إلى نفوس كثير من أبناء الأمة الإسلامية: لما يرون من تداعي أمم الكفر وتكالبهم على الأمة الإسلامية، وغزوهم لها في عقر دارها عسكريا وفكريا، مع تفوقهم في مختلف المجالات المادية، فنشر تلك المعاني السامية والصفات العظيمة للطائفة المنصورة تبعث في أبناء الأمة روح الأمل وتغرس في نفوسهم الثقة، وتكسبهم القناعة بأن الإسلام باق ما بقي الليل والنهار، وأن أهله المتمسكين به بصدق سيظلون صامدين ظاهرين على الحق مهما بلغت قوة عدوهم ومهما عظم كيدهم. كما أن نشر منهج الطائفة المنصورة القائم على العدل والوسطية يعين على جمع الكلمة وعلى مجانبة الغلو والتطرف وغير ذلك من العقبات التي تعترض مسيرة الدعوة الإسلامية. نسأل الله بمنه وفضله أن يسلك بنا سبيل الطائفة المنصورة، وأن يثبتنا على ذلك ما حيينا. آمين. وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأحاديث الواردة في شأن السبطين الحسن والحسين- جمعا وتخريجا ودراسة وحكما

الأحاديث الواردة في شأن السبطين الحسن والحسين- جمعا وتخريجا ودراسة وحكما ¤عثمان بن محمد الخميس£بدون¥دار الآل والصحب – الرياض¨الأولى¢1430هـ€حديث¶دراسات حديثية الخاتمة: نتائج الدراسة: 1 - عدد الأحاديث التي خرجها بلغت (تسعة وثمانين ومائة)، عدد الأحاديث الصحيحة أو الحسنة (ثمانية وثلاثون)، والأحاديث التي تدور بين القبول والرد ستة أحاديث، والأحاديث الضعيفة أو الموضوعة (ستة وأربعون ومائة). 2 - ينقسم أهل البيت إلى قسمين: أ- أهل البيت بالأصالة: وهم أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بالنسب. ب- أهل البيت بالتبعية: وهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومواليه، وموالي أقاربه. 3 - أكثر الأحاديث المكذوبة في حق الحسن والحسين من وضع الشيعة. 4 - إن الله تبارك وتعالى قيض لهذا الدين رجالاً يمحون عنه كذب الكاذبين. 5 - الغالب على أحاديث الفضائل الكذب. 6 - إن السنة النبوية محفوظة مصانة بحفظ الله – تبارك وتعالى – لها. المقترحات والتوصيات: وإذا كان لي من مقترحات وتوصيات في هذا المقام فأهمها: 1 - عمل دراسة موسوعية عن الرواة المختلف فيهم جرحاً وتعديلاً كي يسهم ذلك في بيان درجة الأحاديث المختلف فيها. 2 - عمل دراسات موسوعية في أحاديث الفضائل لما في ذلك من توفير جهود الباحثين كي يتسنى لهم دراستها والحكم عليها. 3 - أن تفرد أحاديث الفضائل الصحيحة في مصنفات خاصة بها حتى يتعرف المسلمون على فضائل سلفهم الصالح، ويعرفوا لهم قدرهم.

الأحاديث الواردة في فضائل المدينة جمعا ودراسة

الأحاديث الواردة في فضائل المدينة جمعاً ودراسة ¤صالح بن حامد الرفاعي£بدون¥دار الخضيري - المدينة المنورة¨الثالثة¢1418هـ€حديث¶فضائل المدينة الخاتمة أما بعد: فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشكره عز وجل على ما وفقني إليه من إتمام هذا البحث المتواضع المشتمل على الأحاديث الواردة في فضائل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اشتمل البحث ـ بعد المقدمةـ على تمهيد تناولت فيه بعض الأمور ذات الصلة القوية بموضوع البحث، حيث ألمحت إلى ضرورة التثبت في نسبة الأحاديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتحذير من التساهل في ذلك، سواء كانت تلك الأحاديث في الأحكام أم في الفضائل. ثم تكلمت ـ في التمهيد أيضاً ـ عن دلالة الأحاديث الواردة في فضائل المدينة على استمرار ما اشتملت عليه من فضل، وذكرت أن تلك الأحاديث تنقسم إلى قسمين: قسم لم أر خلافاً بين العلماء في دلالته على استمرار ما اشتمل عليه من فضل، وقسم آخر اختلف العلماء فيه، وقد بينت أن الراجح في تلك الأحاديث القول بعمومها، وأن ما تضمنته من فضل ليس خصوصاً بزمن معين. ثم تكلمت عن تسمية المدينة، وبينت أن الثابت من أسمائها في السنة المطهرة ثلاثة أسماء هي: المدينة، وطابة، طيبة، أما يثرب فقد كانت تسمى به في الجاهلية، وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم تسمية المدينة بهذا الاسم. ثم ذكرت حدود المدينة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي: ما بين عير إلى ثور من جهة الجنوب والشمال، والحرتان الشرقية والغربية وما بينهما من جهة الشرق والغرب، وكذلك وادي العقيق داخل في حرم المدينة أيضاً، ابتداء من ذي الحليفة إلى منتهاه عند مَجْمع السيول لوقوعه بين عير وثور. أما الأبواب الثلاثة التي تضمنت الأحاديث الواردة في فضائل المدينة، فقد اشتملت على خمسة وسبعين وثلاثمائة حديث غير المكرر، وبعض الأرقام السابقة ذكرت تحتها عدة ألفاظ بطرق مختلفة إلى الصحابي راوي الحديث، ولو جعلت لكل طريق رقماً خاصاً به لتضاعف العدد السابق. وقد بلغ عدد الأحاديث الصحيحة والحسنة ثلاثة وثلاثين ومائة حديث، وثمانية وخمسون حديثاً منها في الصحيحين أو أحدهما، وبلغ عدد الأحاديث الضعيفة ثلاثة وتسعين ومائة حديث، واحد وسبعون حديثاً منها ضعيف من جهة الإسناد، ومعانيها ثابتة في الطرق المتقدمة، أما الأحاديث الموضوعة فقد بلغ عددها تسعة وأربعين حديثاً. وهذه الأعداد التي ذكرتها ـ خلا ما في الصحيحين ـ هي بحسب ما توصلت إليه من خلال تتبعي لأقوال النقاد في الحكم على تلك الأحاديث، وكذلك من خلال دراستي للأسانيد والحكم عليها بما تقتضيه القواعد التي قعدها أئمة هذا الشأن، وبعض تلك الأحكام قد تختلف فيها وجهات النظر بحسب اختلاف النقاد في بعض الأمور التي بنيت تلك الأحكام عليها، كاختلافهم في بعض الرواة ونحو ذلك. ومن الجدير بالذكر أن كثيراً من الأحاديث الثابتة المتقدمة التي تضمنت فضائل للمدينة، تضمنت أيضاً فضائل لمكة، وتلك الأحاديث تبرز مكانة هاتين المدينتين الكريمتين وتُبيِّن فضلهما على غيرهما من البلدان، والتزام الأدب معهما من الساكن فيهما والقادم عليهما، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وتضمن البحث فوائد في علم الرجال والعلل وكذلك التنبيه على عدد من الأوهام التي وقع فيها بعض من سبقني، وقد حرصت على عدم التسرع في ذكرها إلا بعد البحث والتنقيب، والتزام الأدب في بيانها، مع قناعتي التامة بأن بحثي هذا لا يخلو من أوهام تحتاج إلى تنبيه، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. واحتوى البحث أيضاً التنبيه على عدد كبير من التصحيفات الواقعة في بعض الكتب التي استفدت منها، ولم أستقص في ذلك، خوفاً من إثقال الحواشي بتلك التنبيهات. ومن أسباب معرفة تلك الأوهام والتصحيفات ـ بعد توفيق الله عز وجل ـ طريقة جمع المرويات الواردة في موضوع واحد والمقارنة بينها، وقد رُوِيَ عن علي بن المديني أنه قال: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه"، لذلك فإني أحث إخواني الباحثين، وأخص بالذكر منهم طلاب شعبة السنة بالدراسات العليا على اختيار مثل هذه الموضوعات التي تعتمد على الاستقراء والمقارنة بين المرويات لما تحققه من فوائد جمة. وفي الختام: أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يتقبل منا جميعاً أعمالنا وأن يرزقنا حسن الخاتمة في الدنيا والآخرة. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .. والحمد لله رب العالمين

الأحاديث الواردة في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة

الأحاديث الواردة في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة ¤عبدالله بن فوزان بن صالح£بدون¥دار ابن الجوزي- السعودية¨الأولى¢1431هـ€حديث¶تخريج - تحقيق حديث مفرد خاتمة البحث: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فله الحمد حمداً لا يتناهى عدداً، ولا ينقضي أبداً، ففي ختام هذه الورقات أقيد للقارئ الكريم أبرز النتائج، وهي: 1 - أهمية وأولوية دراسة مثل هذه الأحاديث التي اشتهر العمل بها؛ مع وجود شيء من الكلام في أسانيدها. 2 - كثرة طرق وأوجه أحاديث الباب؛ لاسيما حديث أبي سعيد رضي الله عنه. 3 - أن أصل أحاديث الباب وأشهرها وأقواها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال ابن حجر: (وهو أقوى ما ورد في سورة الكهف). 4 - أن حديث أبي سعيد مداره على أبي هاشم الرماني، وقد رواه عنه ستة من أصحابه، والذين ذكروا قراءة سورة الكهف ثلاثة فقط: هشيم، والثوري، وشعبة. 5 - أن الحديث روي عن أبي هاشم على وجهين: مرفوع وموقوف، والمحفوظ - بل الصحيح صناعة - أنه موقوف على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه دون ذكر الجمعة فيه. 6 - أن تخصيص فضيلة قراءة سورة الكهف بيوم الجمعة أو ليلتها في الحديث لم تأت عن أبي هاشم الرماني إلا من طريقين: - طريق هشيم، وقد انفرد بها عن الثوري وشعبة؛ فلا تقبل مع مخالفته لهما، كما أن روايته مشكوك في اتصالها. - طرق قبيصة عن الثوري عن أبي هاشم، وقد انفرد قبيصة بهذه اللفظة في حديث سفيان، وقبيصة ضعيف في سفيان لو انفرد، فكيف مع المخالفة، ولمثل وكيع وابن مهدي! فتلخَّص لنا: أن تخصيص قراءة السورة بيوم الجمعة أو ليلتها لا يصح مرفوعاً ولا موقوفاً. 7 - ما سوى حديث أبي سعيد مما ورد في الباب ضعيف جداً، وفي متون بعضها شيء من النكارة. 8 - أنه لا يثبت في ذلك حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. 9 - أن المحفوظ في فضيلة قراءة شيء من السورة هو ما ورد في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: في أن من حفظ عشراً من أولها عصم من فتنة الدجال، وبمعناه من حديث النواس رضي الله عنه عند مسلم أيضاً، وإعلال أحاديث الباب بمثل هذا مما جرى به عمل الأئمة الحذاق، صيارفة نقد الأحاديث، وأطباء العلل. قال ابن عراق: (وقد صح الحديث في العصمة من الدجال بحفظ بعض سورة الكهف من غير تقييد بيوم الجمعة، رواه مسلم من حديث أبي الدرداء، فالمستنكر من الحديث ما سوى ذلك، والله أعلم). 10 - لم أقف – حسب جهدي – على شيء موقوف عن الصحابة رضي الله عنهم يفيد العمل بمدلول الحديث يوم الجمعة، وقد تأملت وراجعت ما كان يعملونه ويعتنون به في هذا اليوم فلم أقف على ما يفيد عنهم هذا العمل، ومثله لو كان لا يخفى؛ بل الهمم والدواعي متوافرة على نقله. 11 - لم أقف على خلاف بين أهل العلم في القول بمشروعية قراءة السورة يوم الجمعة، وأول من وقفت له على قول بمدلول الأحاديث الإمام الشافعي رحمه الله، ولعل من بعده تابعه عليه، وحجة أكثرهم: أن الحديث - وإن قيل بوقفه على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه - فمثله لا يقال بالرأي. وهذا بناء منهم على ثبوت لفظ الجمعة في الحديث، وفيه ما سبق. ويمكن أن يقال: لعل مما يسند العمل بذلك: الاحتجاج بالموقوف مطلقاً، ومن المعلوم أن قاعدة العمل أوسع من قاعدة النقد والاحتجاج، فلا يترتب على ذلك نفي المشروعية مطلقاً، فضلاً عن الحكم بالبدعة، أو الوصف بالإحداث، على أن الاسترواح إلى القول بأفضلية المداومة على قراءتها يوم الجمعة يحتاج إلى دليل أقوى من ذلك، والله تعالى أعلم.

الاتجاهات المعاصرة في دراسة السنة النبوية في مصر وبلاد الشام

الاتجاهات المعاصرة في دراسة السنة النبوية في مصر وبلاد الشام ¤محمد عبدالرزاق أسود£بدون¥دار الكلم الطيب - دمشق¨الأولى¢1429هـ€حديث¶دراسات توثيقية ومنهجية الخاتمة: أحمد الله سبحانه وتعالى في نهاية هذه الرسالة أن يسر لي سبل البحث والدراسة، ومكنني بفضله من إنجاز هذه الرسالة. ثم أود في هذه الخاتمة أن أقدم خلاصة ما توصلت إليه في هذه الرسالة بين يدي الباحثين والدارسين؛ بعد أن استقصيت كل ما قيل في الاتجاهات المعاصرة في دراسة السنة النبوية في مصر وبلاد الشام؛ فجاءت نتائج بحثي كما يلي: أولا: حصرت الاتجاهات المعاصرة في دراسة السنة بأربعة اتجاهات وهي: 1ـ اتجاه جمهور علماء الحديث في دراسة السنة النبوية. 2ـ الاتجاه السلفي ودراسته للسنة النبوية. 3ـ الاتجاه العقلي ودراسته للسنة النبوية. 4ـ الاتجاه المنحرف ودراسته للسنة النبوية. ثانيا: تنوعت صور دراسة السنة النبوية عند اتجاه جمهور علماء الحديث منذ بداية القرن الرابع عشر الهجري إلى الآن (1426هـ) إلى ثمان صور وهي: 1ـ اهتمام العلماء بدراسة وتبسيط السنة النبوية بأسلوب يناسب عصرنا سواء في علم الدراسة أو الرواية. 2ـ كانت للرسائل الجامعية العلمية المحكمة (الماجستير والدكتوراه) في السنة النبوية دور إثراء دراسة السنة بشكل جاد ومفيد، وقد شملت هذه الرسائل أكثر علوم السنة النبوية، والتي بدأت في ستينيات القرن الرابع عشر الهجري تقريبا. 3ـ ساهمت دراسات اللغة العربية (البلاغية واللغوية والأدبية) المتصلة بالحديث الشريف في إبراز قيمته اللغوية الرفيعة. 4ـ ظهرت عظمة السنة النبوية من خلال دراسات الإعجاز العلمي في السنة؛ والهدي النبوي في الطب التي بدأت في أوائل القرن الخامس عشر الهجري والتي كان لها أثرا جيدا في توعية الناس بفوائد تطبيق أمور وردت في السنة النبوية. 5ـ ساهمت المؤتمرات والندوات والدراسات التي ألقيت فيها، والتي انعقدت تحت رعاية الحكومات الإسلامية، في تسعينيات القرن الرابع عشر الهجري؛ في دعم وتفعيل السنة النبوية لتكون منارة للتطبيق في كل مجالات الحياة الإنسانية؛ التشريعية والقانونية والتربوية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية. 6ـ أعطت الأبحاث العلمية المحكمة المختصة بدراسة السنة النبوية التي تنشر في المجلات العلمية تطورا كبيرا في النهضة الحديثية المعاصرة، والتي بدأت في تسعينيات القرن الرابع عشر الهجري. 7ـ تأسست المراكز والمؤسسات العلمية المرتبطة بالسنة النبوية في بداية القرن الخامس عشر الهجري، على المستوى الحكومي في بعض الدول الإسلامية والعربية، والتي كان لها الدور الكبير في نشر وخدمة السنة النبوية تأليفا وتحقيقا. 8ـ دخلت السنة النبوية مرحلة جديدة من خلال ثورة المعلومات المتمثلة في نتاج الحاسب الآلي ومواقع الشبكة الدولية، في بداية العقد الثاني من القرن الخامس عشر الهجري، فأصبحت السنة في متناول كل باحث، مما أوجد استفادة كبرى للعلماء والباحثين. ثالثا: أما الاتجاه السلفي ودراسته للسنة النبوية توصلت فيه إلى ما يلي: 1ـ أنه فكر منتشر بقوة لا يستهان بها، وله أعلامه ومبادئه تنشر فكره في كل مكان. 2ـ أنه أبرز علم أثر في الفكر السلفي المعاصر هو الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. 3ـ لا يمكن لأحد إنكار جهود الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في خدمة السنة النبوية مؤلفاته (238) مؤلفا ما بين مطبوع ومخطوط؛ مما ساهم في نشر الوعي بين المسلمين بالتمسك بالسنة النبوية المشرقة. تناولت أبرز المسائل العلمية التي تناولتها في بيان منهج الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في السنة النبوية في مؤلفاته من خلال أربع مسائل وهي:

أـ تصحيح الأحاديث ب ـ تضعيف الأحاديث. ج ـ تناقض الحكم على الأحاديث. د ـ استنباط فقه الأحاديث. وقد ذكرت أمثلة على هذه المسائل ووضحت فيها رأي جمهور العلماء فيها المتقدمين والمعاصرين، وذكرت أن آراء الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في هذه المسائل هي اجتهادات في السنة النبوية يؤجر فيها مرتين إن أصاب وإن أخطأ فله أجر واحد وهي لا تلزم المسلمين. 5 ـ ظهور المؤلفات التي أثبتت رجوع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني عن بعض اجتهاداته الخاطئة في بعض المسائل التي ذكرتها؛ وهذا مما يحمد للشيخ رحمه الله تعالى. 6ـ كثرة الردود على الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والتي بلغت (65) مؤلفا. رابعا: أما الاتجاه العقلي ودراسته للسنة النبوية فقد توصلت فيه إلى ما يلي: 1 ـ بدأت أفكار هذا الاتجاه تنتشر منذ بداية القرن الرابع عشر الهجري، بهدف التجديد والدفاع عن الإسلام لمواجهة الأعداء الذين تألبوا عليه من كل جانب. 2ـ تبين لي أنه فكر يحاول أن يستعيد عافيته في ظل أفكار التجديد؛ والانسجام مع الواقع المعاصر، وله مبادئه وأعلامه التي تحاول أن تنشره في كل مكان، ولاحظت تشابها كبيرا بين أفكارهم وأفكار المعتزلة، وهذا لا يخفى على أي باحث. 3ـ تبنى أكثرهم القول بظنية أخبار الآحاد وعدم جواز الاعتماد عليها في إثبات مسائل العقيدة الإسلامية، أو الأحكام الفقهية، بعد أن اعتمدوا على أدلة تؤيد وجهة نظرهم، وقد رددت عليها لإثبات حجية خبر الواحد في العقيدة والأحكام. 4ـ أدى تبنيهم مبدأ عدم حجية خبر الواحد في العقيدة والأحكام إلى استبعاد أو تأويل كثير من الأحاديث الشريفة سواء في العقيدة أو السيرة أو الأحكام؛ مما أغرى أصحاب الاتجاه المنحرف بذلك فاعتمدوا عليهم في تبرير انحرافاتهم الفكرية، وقد أثبت ذلك بذكر نماذج تبين مبدأهم هذا. خامسا: أما الاتجاه المنحرف ودراسته للسنة فقد توصلت فيه إلى ما يلي: 1ـ بدأت أفكار هذا الاتجاه تنتشر مع الغزو العسكري الغربي للبلاد العربية والإسلامية للتشكيك في حجية السنة النبوية؛ فانتشر أولا في الهند ثم في مصر ثم انتقل منها إلى بقية البلاد العربية، وذلك في أواخر القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر الهجري. 2ـ أنه فكر دخيل ومستورد وغير منسجم مع الإسلام، ويحاول أن ينظر إلى الإسلام بعيون تغريبية أو علمانية أو ماركسية أو حداثية؛ بعيدة كل البعد عن حضارتنا وقيمنا ومبادئنا وهناك تشابه كبير بين أفكارهم وأفكار المستشرقين الحاقدين؛ وهم يبررون انحرافاتهم باعتمادهم على مبادئ رجال الاتجاه العقلي. 3ـ تنوعت أفكارهم المنحرفة؛ ولكن الذي يجمعهم هو التشكيك في السنة النبوية وإنكارها كليا أو جزئيا. 4ـ لم يقف انحرافهم عند ذلك؛ بل تعدى إلى ابتداع أفكار نابعة من أتباع الهوى والشيطان، متمثلين في أكثرها بأفكار المستشرقين، وذلك مثل شبهتهم في النهي عن كتابة السنة النبوية أو تأخر تدوينها، أو الطعن بالصحابة رضي الله عنهم، أو التفسير الماركسي اليساري للسنة النبوية، وغير ذلك. وفي الختام أسأل الله تعالى أن يجعلني صادقا مخلصا في هذه الرسالة؛ وأن يتقبلها مني؛ ويجعلها في صحيفتي يوم لا ينفع مال ولا بنون وأن يختم لي ولأساتذتي ولمن مد لي يد العون بالحسنى، إنه على ذلك قدير، وهو نعم المولى ونعم النصير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والله ولي التوفيق.

الحجامة في الفقه والحديث

الحجامة في الفقه والحديث ¤وضاح مجد الدين الخطيب£بدون¥دار الفكر - دمشق¨الأولى¢1425هـ€حديث¶حجامة 1. الحجامة طب شعبي قديم، عرفه الصينيون والآشوريون والفراعنة والعرب، وورد في السنة النبوية تبعا لما هو شائع عند العرب من أنواع الطب. وورد في حديث صحيح أمر الملائكة للنبي صلى الله عليه وسلم بها، لكن دون تحديد للأمراض التي تعالج بها، ولا لكيفيتها، ولا لأوقاتها. 2. الحجامة في الطب الحديث ما تزال قيد التجربة والدراسة، وهي تحتاج إلى المزيد من الدراسة السريرية المتأنية. ولذلك فإن الأطباء مدعوون إلى بحث القضية من منظار علمي، وبالقدر الذي تستحقه، تماما كما هو مطلوب دراستها من الناحية الشرعية. 3. السنة النبوية أنواع: منها ما هو تشريعي، ومنها ما هو غير تشريعي، ومنها ما هو مشكل بين النوعين، لا يمكن القطع فيه إلا بعد دراسة وتمحيص من قبل أهل الاختصاص الشرعي. 4. في الحجامة شفاء من بعض الأمراض، وليست شفاء من كل الأمراض، والبعض الذي تشفي منه الحجامة مخصوص ببيئة صحية معينة، وبعمر معين. 5. الأمر النبوي بالحجامة (أمر إرشاد) دنيوي، وليس (أمر تشريع) ديني. 6. لا يصح في أوقات الحجامة شيء من الحديث الشريف، إلا ما يحدد السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين من الشهر، وقد وردت في حرمة الحجامة في بعض الأيام أحاديث متناقضة لا يصح منها شيء، أما الذي يحدد السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين فهو يتوافق مع الطب القديم، وهو قابل للنقاش العلمي في ضوء العلم الحديث، وعبر دراسة الآثار الفيزيائية لحركة القمر على الأجسام في الأرض. 7. وردت أحاديث تحدد للحجامة عدة مواضع منها: الرأس، بين الكتفين، على الأخدعين (وهما عرقان في جانبي العنق)، على ظهر القدم، على الورك، وغيرها. ووردت مواضع أخرى في كتب الطب القديم. والحكم في جدوى الحجامة في هذه المواضع يرجع إلى ما يقرره الطب الحديث بعد الدراسة العلمية المتأنية. 8. وردت أحاديث معظمها ضعيف، تحدد الأمراض التي تعالجها الحجامة، والفوائد التي تأتي منها، ومن هذه الأمراض والفوائد: لعلاج الشقيقة والصداع، للنشاط والخفة، لجلاء البصر، لزيادة العقل وتقوية الحفظ، للجنون، للجذام، للبرص، للنعاس، لوجع الأضراس، لظلمة العينين، للسم، للرضوض، للرهص، ولتبيغ الدم (ثورانه وهيجانه). والحكم في جدوى علاج هذه الأمراض بالحجامة يرجع إلى الطب الحديث، وبخاصة أن أكثر أحاديثها ضعيفة. 9. لم يرد أثر يفهم منه الإيجاب أو الندب في طريقة التخلص من دم الحجامة، لذا يمكن التخلص منه بأي طريقة لا تتناقض مع القواعد الصحية والشرعية، ولا تتحتم طريقة الدفن ولا غيرها. 10. تجوز الحجامة للمحرم، بشرط ألا تتسبب بقطع الشعر، وهو من محظورات الإحرام، وتجوز في حالة الضرورة ولو تسببت بقطع الشعر، وتجب حينئذ الفدية. 11. تجوز الحجامة للصائم عند الجمهور، وتكره إن أدت إلى ضعف الصائم، وهي عند الحنابلة محرمة في أثناء الصوم وتفطر الصائم. 12. لا يجب بالحجامة الغسل، وقد رأى البعض استحبابه خروجا من الخلاف. 13. أجر الحجام مباح عند الجمهور، وحرام في إحدى الروايتين عن أحمد. 14. لا تنقص الحجامة من كفاءة الحجام في الزواج ولا غيره.

السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها

السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها ¤عثمان بن سعيد الداني£رضاء الدين بن محمد المباركفوري دار العاصمة - الرياض¨الأولى¢1416هـ€حديث¶أشراط الساعة وفتن آخر الزمان بعد ما انتهيت من إنجاز هذه الرسالة وخدمة الكتاب على وجه أحسبه أنه واف بالغرض أو يحوم حوله أبتهل إلى الله تعالى الذي بنعمته تتم الصالحات بالشكر والثناء اللائقين بجلاله وعظمته على عونه وحسن توفيقه لإتمام هذا العمل. وأرجوه سبحانه أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وينفع به عباده المخلصين، إنه ولي ذلك، والقادر عليه. وآتي بعد ذلك لبيان ما توصلت إليه خلال الاشتغال بهذه الرسالة من نتائج مهمة، فألخص بعضها فيما يلي: أولاً: ما يتعلق بالفتن وأشراط الساعة، وقد ظهر لي أثناء البحث أن الاشتغال بأحاديث الفتن وأشراط الساعة بحثاً ودراسة، وتعلماً وتعليماً من آكد الضرورات في الوقت الحاضر، وذلك للأسباب التالية: أ- تغلب الجانب المادي على حياة الناس، بحيث أن إقبالهم على الدنيا وجريهم وراءها للحصول على شيء من متاعها قد أنساهم أو أنسى الكثير منهم الحياة الأخروية والاستعداد لها. ب- ابتعاد الناس عن الكتاب والسنة، مما جعل كثير منهم يجهل بعض أو جل هذه الفتن أو الأشراط، وهو يسبب لديهم فراغاً في هذا الجانب، وقد يملأ هذا الفراغ بالأفكار المخالفة لما هو ثابت بالكتاب والسنة الصحيحة، علماً بأن أفكاراً كهذه قد يثبت ولا تزال تثبت في مجتمع المسلمين من قبل أناس مغرضين أو مجتهدين مخطئين. ج- تجرؤ بعض الكتاب على إنكار بعض كبرى أشراط الساعة بدعوى أنها تتنافى مع العقل، وأنها من قبيل الخرافات. د- انتشار الفتن والأهواء المضللة في هذه الأزمان. هـ- ذهول كثير منهم عن هذه الفتن والأشراط، علماً بأن بعضها وصفت بأن نسيان الناس لها من علامات ظهورها، فروى الصعب بن جثامة مرفوعاً: (لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر) (¬1). فهذه الأمور وغيرها تؤكد لنا أن البحث في موضوع الفتن والأشراط ودراسة الأحاديث الواردة فيها وعرضها على الناس بمختلف الوسائل من مقتضيات العصر الحاضر، تتطلبه الظروف الراهنة، فإن ذلك مما يمكن أن يبعث في قلوب الذين طرأت عليهم غفلة، روح الإيمان ويُقَوّيه، ويحثهم على العمل الصالح استعداد للقدوم على الدار الآخرة، ويزيد المؤمن إيماناً بالله تعالى وخشية منه ورهبةً، ويحثه على الإكثار من الأعمال الصالحة، ويجعله دائماً على حذر كامل وتنبه دائم من الساعة وعلامتها كما أنه يمكن أن يملأ الفراغ الناشيء من ابتعادهم عن الكتاب والسنة، فلا تؤثر فيهم الأفكار المخالفة. وقد ظهر لي أيضاً أن مجال البحث في الفتن والأشراط واسع الجوانب، خلاف ما يزعمه بعض الناس اليوم إذ يوجد فيهم من يرى أنه ليس هناك داعي للاشتغال بهذا الباب كتابة وتعليقاً وتحقيقاً لأنه مبني على المغيبات التي لا مجال فيها سوى النقل من الكتاب والسنة، كما يوجد فيهم من يرى أن هذا الباب مخدوم قد خدمه الأوائل بحيث لم يتركوا للأواخر مجالاً للبحث والدراسة. ¬

(¬1) أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (4/ 71 - 72) وقال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد من رواية بقية عن صفوان بن عمرو، وهي صحيحة كما قال ابن معين، وبقية رجاله ثقات. مجمع الزوائد (7/ 335).

وكلا الرأيين -مع احتوائه على جانب من الحق والصواب من جهة- فإنه غير مسلم من جهة أخرى، وهي تضيق مجال الاشتغال بهذا الباب فإنه قد ظهر لي من خلال الاشتغال بالرسالة خلاف ذلك، إذ وجدت أن هذا الباب قد دخلت فيه الموضوعات والواهيات بكثرة، ومع أن أئمة الحديث قد قاموا بتوضيح الأمر فنجد بعض من كتب في هذا الموضوع اعتمد على الواهيات والموضوعات، فهناك مجال للقيام بالبحث والتمحيص عن هذه الأحاديث، والتمييز بين ما يصلح للاحتجاج منها وما لا يصلح. ثم أنه قد ظهر الكثير من هذه الفتن والأشراط، ولا يزال يتجدد فيظهر يوماً فيوماً طبق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على صدقه وصحة نبوته، فهناك ضرورة لبيان ذلك بأسلوب مناسب للظروف الراهنة، يساعد في تثبيت الإيمان وتقويته في قلوب المسلمين، ويكون مدعاة لدخول البعض من غير المسلمين في الإسلام. ثانياً: ما يتعلق بكتاب السنن الواردة في الفتن: وقد ظهر لي أن للكتاب أهمية بالغة، وذلك للأسباب التالية: (أ) أنه من المؤلفات التي ألفت في العصور القديمة. (ب) حسن المنهج الذي تبعه المؤلف في تأليفه للكتاب حيث استوعب الكلام على أغلب الجوانب المتعلقة بموضوع الفتن وأشراط الساعة رغم صغر حجمها نسبياً، وقسم الكتاب تقسيماً يساعد القارئ في إدراك الموضوع، وأوضح الكثير من العلامات في أبواب مستقلة، وقلّل من إيراد المرويات الإسرائيلية. (ج) غلبة روح المعالجة للقضايا المتعلقة بالفتن وفساد الأزمنة. (د) حفظ الكثير من النصوص الواردة في المصادر التي تعتبر في حكم المفقود، وغير ذلك من الأمور التي سبق ذكرها أثناء الدراسة النقدية للكتاب. وقد ظهر لي أيضاً عند المقارنة بين الكتاب والسنن وغيره من الكتب السابقة واللاحقة أنه لا يمكن الاستغناء بكتاب عن آخر، لا سيما كتب المتقدمين، لأن كل واحد منها يشتمل على ما لم يشتمل عليه الآخر، كما أن لكل منها ميزته الخاصة. ثالثاً: ما يتعلق بمؤلف الكتاب أبي عمرو الداني. وقد ظهر لي من خلال ترجمته: أنه واحد من علماء السلف الذين اتصفوا بأغلب الصفات اللازمة التي يجب توفرها في عالم من علماء الدين، ولذلك لم أهتد إلى من تكلم فيه بشيء ينال من عدالته أو مروءته. وقد رزقه الله تعالى شهرة كبيرة في القراءات وعلومها مما أهله لأن يتبوأ مكان الصدارة والإمامة فيها، وقد اتصف أيضاً بمعرفته بالحديث وغيره من العلوم الأخرى، كما أنه يعرف بسلامة منهجه في العقيدة. ولهذه الأسباب فقد تضافرت أقوال العلماء على ثنائه، ووصفه بالأوصاف الحميدة، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة، وتغمده بمغفرته ورضوانه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وصحبه أجمعين.

الشهيد في السنة النبوية من واقع الكتب الستة

الشهيد في السنة النبوية من واقع الكتب الستة ¤عادل جاسم صالح المسبحي£بدون¥الإمام الذهبي – الكويت¨الأولى¢1429هـ€حديث¶شهادة وشهداء النتائج والتوصيات: بعد هذه الرحلة والتطواف مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم في موضوع الشهيد والشهادة من خلال الكتب الستة، يمكن أن نستخلص الآتي: أولاً: نتائج المقدمة: أ- سمي الشهيد شهيداً، لأنه حي لم يمت، فهو عند الله –تعالى- شاهد حاضر حي. ب- الشهادة أقسام: 1 - الشهادة الكبرى أو شهيد الدنيا والآخرة: وهو من قتل مجاهداً في سبيل الله، مقبلاً غير مدبر في حرب الكفار. 2 - الشهادة الصغرى أو شهيد الآخرة وهو المبطون والمطعون وصاحب الهدم وغيرهم ممن مات بسبب فيه شدة على النفس تفضل الله بها على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فجعلهم من الشهداء، ممن جاءت الروايات الصحيحة بتسميته شهيداً. 3 - قد يطلق لفظ الشهادة – تجوزاً- على من أفسد جهاده وشهادته بغلول أو فساد نية، أو استعجل الموت فقتل نفسه، فهو شهيد الدنيا فقط. ج- تكرر لفظ (شهيد) وما يشتق منه في كتاب الله تعالى، بنحو مئة وستين موضعاً تقريباً. ثانياً: نتائج الباب الأول: أ- أسباب الشهادة متعددة، منها ما يتعلق بأسباب الشهادة الكبرى، ومنها ما يتعلق بالشهادة الصغرى. ب- من قتل مجاهداً في سبيل الله بحرب الكفار مقبلاً غير مدبر فقد نال الشهادة الكبرى ت- من مات بسبب من الأسباب الآتية فهو من شهداء الآخرة، أو يكتب له أجر شهيد:- 1 - المبطون. 2 - الغريق 3 - صاحب الهدم. 4 - النفساء. 5 - الخار عن دابته في سبيل الله. 6 - المجنوب. 7 - من مات بالحرق. 8 - المطعون. 9 - المقتول دون ماله. 10 - المقتول دون دينه. 11 - المقتول دون أهله. 12 - المقتول دون دمه. 13 - المقتول دون مظلمته. 14 - من مات بأي صفة كانت في سبيل الله. 15 - المرتث. 16 - من مات مرابطاً. 17 - المائدة في البحر. 18 - من قتل نفسه بسلاحه خطأ. 19 - من قتل بسلاح إخوانه خطأ. 20 - من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم. ث- من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه حتف أنفه. ج- من سأل الشهادة بصدق يسر الله له أسبابها. ح- أن الشهداء مراتب وهم في التفاصل منازل. خ- السبب الحقيقي للطاعون هو وخز الجن وطعنه، على حين يكون فساد الهواء، وفساد الروح والبدن من العوامل والأسباب المساعدة للطاعون وليست هي السبب الوحيد. د- الطاعون عذاب يعذب الله به من يشاء. ذ- إن الله تعالى جعل هذا الطاعون رحمة للمؤمنين، وشهادة للمسلمين. ر- شهداء الطاعون يلحقون بشهداء المعركة يوم القيامة. ز- حرص الإسلام على حفظ الضرورات الخمس، فوضع من التشريعات ما يكفل حفظها وصيانتها. نتائج الباب الثاني: أ- أسبغ الله على الشهيد النعيم السرمدي واللذة الأبدية الخالدة. ب- تكريم الله للشهداء حيث اصطفاهم للشهادة من دون سائر الخلق. ج- يعطي الشهيد خصالاً بطريق الخصوصية ما لم يعطه أحد من المؤمنين، ومن النعيم الذي يتنعم به الشهيد: 1 - إن الله يضمن الجنة للشهيد. 2 - أن الشهيد في نعيم لم ير مثله قط. 3 - أن الله يكرم الشهيد فيضحك إلى القاتل والمقتول في سبيل الله. 4 - أن الشهيد مع الملائكة الذين يحبهم الله عز وجل. 5 - أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون. 6 - استحقاق الشهيد لمرضاة الله تعالى. 7 - يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين. 8 - الشهداء مع النبيين والصديقين والصالحين. 9 - يأمن الشهيد من عذاب القبر. 10 - يزوج الشهيد بسبعين حورية من الحور العين. 11 - يأمن الشهيد من الفزع الأكبر. 12 - يوضع على رأس الشهيد تاج الوقار، ويحلى بحلة الإيمان. 13 - يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته.

14 - المرابط الشهيد يجري عليه عمله ورزقه. 15 - يكرم الشهيد يوم القيامة فيأتي تنفجر جراحه، اللون لون الدم، والريح ريح المسك. 16 - خفة مس القتل على الشهيد. د- فضل شهداء الصحابة رضي الله عنهم، وإكرامهم خير الإكرام، ومن ذلك: 1 - تظليل الملائكة عبد الله بن حرام بأجنحتها حتى رفع. 2 - يطير جعفر رضي الله عنه في الجنة مع الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم، أبيض الفوائد. 3 - إنها جنان كثيرة وحارثة بن سراقة رضي الله عنه، في الفردوس الأعلى. 4 - كلم الله تعالى والد جابر رضي الله عنه، في الفردوس الأعلى. 5 - أم حرام ورؤيا ملوك على الأسرة. 6 - {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} وأنس بن النضر منهم. نتائج الباب الثالث: أ- جاءت السنة النبوية بأحاديث وافرة ترغب المؤمنين في طلب الشهادة وتمنيها. ب- كما حرصت السنة النبوية على بيان الشروط الواجب توافرها حتى يكون العمل متقبلا عند الله وهي: 1 - أن يكون القتال في الإسلام نصرة لدين الله تعالى، لتكون كلمة الله هي العليا. 2 - أن يقتل المسلم في ساحة القتال مقبلاً غير مدبر، صابراً محتسباً. ج- من صور انتقاض شروط الاعتبار بالشهادة: 1 - الرياء وفساد النية. 2 - الغلول. 3 - من لم يصبر على جراحه فقتل نفسه. نتائج الباب الرابع: 1 - لا يغسل الشهد ولا يزال عنه أثر الدم والجراح. 2 - ينزع عن الشهيد الجلود والحديد والسلاح وغير ذلك مما ليس من جنس الثياب. 3 - اختلف العلماء في حكم الصلاة على الشهيد. 4 - أن المسلم مخير بين الصلاة على الشهداء من عدمه، وإن كانت الصلاة عليهم أفضل إن تيسرت أسبابها؛ لأن الصلاة دعاء وعبادة. 5 - يكفن الشهيد بالثياب التي قتل بها. 6 - إذا قصرت ثياب الشهيد عن تغطية جسده فينبغي إتمام التغطية المطلوبة بما تيسر. 7 - إذا ضاق الكفن عن ستر جميع البدن، ولم يوجد غيره جعل مما يلي الرأس، وجعل النقص مما يلي الرجلين ويستر الرأس، فإن ضاق عن ذلك سترت العورة، فإن فضل شيء جعل فوقها فإن ضاق عن العورة سترت السوءتان لأنهما أهم. 8 - يجوز أن يكفن الجماعة في الثوب الواحد، بأن يقسم الكفن بينهم، فيكفن كل واحد ببعضه للضرورة. 9 - يدفن الشهيد في موضعه الذي قتل فيه، ولا ينقل إلى مكان آخر. 10 - يجوز عند الضرورة دفن الجماعة في القبر الواحد، ويقدم أكثرهم حفظاً للقرآن. 11 - يجوز نقل الشهيد من موضعه الذي دفن فيه إلى موضع آخر وذلك عند الضرورة التي يقدرها أولو الأحلام والنهي. 12 - إطلاق لفظ الشهيد يندرج تحت أمرين: أ- بصفة العموم من دون تعيين فلا ريب في صحة هذا الإطلاق. ب- بصفة التعيين فهذا إما أن يكون بصيغة القطع والجزم بأنه من أهل الجنة، فهذا لا يصح، وإما أن يراد به الحكم على الظاهر فتطبق عليه أحكام الشهيد من دون الحكم والقطع بأنه من أهل الجنة، لأن علم ذلك إلى الله، فهو شهيد إن شاء الله والله حسيبه، فلا ريب في صحة هذا القول. 13 - تنقسم العمليات الفدائية التي يقوم بها المسلمون إلى قسمين: أ- قسم المصلحة فيه ظاهرة بينه ومنفعته أكبر من مفسدته، وله شواهده وأدلته من سيرة الصحابة رضي الله عنهم، فهذا لا شك في صحته وجوازه. ب- وقسم الضرر فيه بين ومفسدته أعظم من منفعته فهذا لا شك في بطلانه وعدم مشروعيته. أهم نتائج ملحق الأحاديث الضعيفة: قلة الأحاديث الضعيفة الواردة في باب الشهيد والشهادة. النتائج العامة: 1 - تكريم الله عز وجل –للشهيد- إذ جعل الشهادة في سبيله من أعظم الأعمال في الإسلام. 2 - عناية الإسلام بأمر الجهاد وحث المسلمين عليه، إذ بلغت المرويات الخاصة بالشهيد والشهادة خاصة ما يقارب 360 حديثا منها في الصحيحين ما يقرب من 150 حديثا.

3 - الإسلام دين الحق والعدالة، دين يرفض الظلم وينبذه، دين أباح للمسلم أن يقاتل من أجل حماية دينه وعرضه وماله ودمه. 4 - رحمة الله عز وجل، بهذه الأمة حيث بينت السنة النبوية ذلك من خلال النظر في عموم أسباب الشهادة، وأن كل ميتة فيها شدة على النفس تجعل صاحبها برحمة الله وفضله من الشهداء. 5 - عدالة مبادئ الإسلام التي تمنع أن تكون الشهادة وسيلة لظلم الآخرين وسبباً لضياع حقوقهم. 6 - لا تعارض حقيقيا فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث. التوصيات: وبعد هذه الرحلة والنظر في مرويات الكتب الستة المتعلقة بموضوع الشهيد، واستخلاص أهم النتائج يمكن أن نخرج ببعض التوصيات والتي يمكن أن ينتفع منها الباحثون وطلاب العلم الشرعي: 1 - جمع مرويات الشهيد والشهادة من غير الكتب الستة، وعمل موسوعة حديثية متكاملة في مرويات الشهيد والشهادة. 2 - عمل دراسة متأنية لمن وصف بالتدليس، حيث وصف الحافظ ابن حجر بعض الرواة بالتدليس في كتابه التقريب، ولم يصنفهم في كتابه تعريف أهل التقديس ومنهم –المطلب بن عبد الله المخزومي – كما ذكر الحافظ ابن حجر بعض الرواة في كتابه تعريف أهل التقديس ولم يصفهم بالتدليس في كتابه التقريب ومنهم –سالم بن أبي الجعد- وعلمت أخيراً من فضيلة الدكتور سيد نوح أن الشيخ مسفر الدميني أصدر كتابا له بعنوان التدليس في الحديث وأقسامه – وجمع فيه أسماء المدلسين فأفاد وأجاد. 3 - دراسة كتابي (الكاشف والتقريب) دراسة متأنية لا سيما الرواة الذين سكت عنهم الحافظ الذهبي، والرواة الذين قال فيهم الحافظ ابن حجر (مقبول) والخروج بكتاب كامل يحمل في طياته ما فيهما من الفوائد، وجبر ما ظهر فيهما من بعض القصور ليستفيد منه الباحثون وطلبة العلم الشرعي. 4 - استخدام الكمبيوتر في البحث العلمي لما له من أهمية بالغة في توفير الوقت والجهد، وتنظيم العمل ودقته. 5 - ومن خلال نظري في بعض المصادر العلمية قرأت كتابا للإمام السيوطي بعنوان: (أبواب السعادة في أسباب الشهادة)، وقد اجتهدت في البحث عنه حسب جهدي فاتصلت بمركز المخطوطات الإسلامية، ومكتبة الآداب في الشويخ، وبعض المكتبات التجارية فلم أعثر عليه مما يمكن أن يسجل من ضمن جملة التوصيات في البحث عنه وتحقيه إن كان مخطوطة أو رسالة مطبوعة.

الموطآت للإمام مالك

الموطآت للإمام مالك ¤نذير حمدان£بدون¥دار القلم¨الأولى¢1412هـ€حديث¶الموطأ الخاتمة إن الدراسة تهدف إلى إبراز مجالين هامَّين: • أولاً ـ المجال العلمي الخاصّ: تقدمت صحة الموطأ كمصنف في الرواية، وأهميَّته وعناية العلماء به كمصنّف في الفقه في العهد المبكّر من التصنيف. وعرفنا من خلال ذلك أن مالكا واحدٌ من أئمة المسلمين، وعَلَم من أعلامهم الذين يمثِّلون حضارة المسلمين ومناراتهم، وذلك بسبب حياته الزاخرة وتأليفه الموطأ، ثم روايات نسخه طول حياته المديدة وعقبها. فماذا قَدَّم الموطأ أو الموطآت من الفقه والحديث؟ 1ـ حفظ كثيراً من السنة وآثار الصحابة والتابعين وعلماء الجيلين الأوَّلين أو على الأقل: السنَّة المدنيَّة بالإضافة إلى حفظ الله للقرآن الكريم في الصدور والسطور. 2ـ الفقه العملي الملتزم بالتأصيل والمرونة، فلا انحراف عن الأصول الإسلامية المعتبرة ولا مندوحة عن الإبداع الفقهي المتناسب مع حاجات العصر الملحَّة. 3ـ التنبيه والتنويه بالمصادر التشريعية التبعيَّة أو الثانوية من إعمال الرأي واتخاذ المصالح المرسلة واعتبار العرف وعمل أهل المدينة ومصالح الأمة. 4ـ الدعوة إلى صفاء العقيدة ووضوح الإيمان والتحذير من البدع وأهلها والنفور من الأهواء واتباعها في منهج سلفيّ مبارك. 5ـ إغناء المكتبة الفقهية بمسائل الموطآت ثم بمسائل وكتب تلامذته الأقارب والأباعد ونشر مذهبه في أقطار إسلامية فسيحة. وهذا برهان صادق على أحقيَّته وأهميته العلمية على الرغم مما يدَّعيه (شاخت) وأمثاله من المستشرقين المغرضين. وحسبنا أن نشير إلى أن "الموطأ" صورة رائعة معبِّرة عن نفسية الأمام مالك رحمه الله، وهو في الوقت ذاته مرجع صحيح وهامّ في رواية المدينة وفي غيرها، وهو ثالثاً أثر خالد من تراث أئمة العلماء المسلمين. • ثانياً ـ المجال التشريعي العام: فقد ألمحت الدراسةُ إلى مبادئ وكلِّيات هامَّة وعامة: 1ـ منهجية الإسلام حتى في أبسط المسائل الفرعية والعملية التي لا بد من أن تستند إلى نصّ، وحكم مستند إليه مهما تلوَّنت هذه المسائل وتعدَّدت في الفردية والاجتماعية والعالمية. 2ـ منهجية العلم الإسلامي وخاصة الفقه الذي هو ثمرة الأصول التشريعية، فالأحكام الفقهية والحديثية ليست مزاجية المنزع ولا اعتباطية المقصد والمنهج، وإنما تعتمد على أصولها الشرعية والعلمية مثل اعتمادها على الطرائق في استنباط الأحكام. 3ـ تآزر الفضيلة الدينية مع القيمة العلمية المنهجية وذلك لتحقق مصداقية العمل والسلوك، والحثّ على العمل بالنص وروحه ودلالته بأسمى وجدانية الصدق والأمانة. 4ـ قابلية الفقه الإسلامي للتطوُّر الحضاري وذلك بربطه بالنص الثابت ومراعاة طوارئ الأحداث ونوازل الأمور وواقعية العمل، وبذلك يمكن أن يستجيب الفقه إلى منافع العقل ومعطيات العلم وتنظير الأحداث والنوازل، وعالمية القبول والتطبيق. 5ـ رحابة التقنين الفقهي والتشريعي وتحرزه من المذهبية الضيقة، والانطلاق به إلى سعة الفقه العام في العمل الفردي والاجتماعي واتخاذ مسائله في جميع الحياة الإسلامية: في القضاء والحكم والنظام، ثم رحابته بالاعتماد على الأسس الروحية والخلقية الإسلامية. 6ـ مبدئيَّة العلاقة بينه وبين النظام السياسي ومسؤولية الحاكم من ناحية وصلته بسائر الأمة من ناحية أخرى: (أ) فلا بد من أن يتحرر من الضغوط السياسية: الترغيب والترهيب في أشكالهما المنحرفة. (ب) ولا بد من أن يلتزم بالأحكام الفقهية المناسبة والنابعة من مصادرها الأصلية والتبعية. (ج) ولا بد من تنشيط المجامع العلمية واللغوية عموماً، وفي طليعتها المجامع الفقهية ضمن إطار يجمع بين (العلمية) و (المصداقية)، متحررة من المؤثرات وأساليب التحايل والخداع ملتزمة بالتأصيل والمرونة، هادفة إلى وضع الأحكام الفقهية موضعها الحق، ونشرها في عالم الفكر والمادة بالأخلاقية الإسلامية الحية. (د) ولا بدَّ من قناعة أفراد الأمة بالنموذجية العلمية والفقهية الإسلامية ضمن التحدِّيات القانونية والنظامية العالمية، واتخاذه المرجع الفكري والعلمي في شؤون الحياة ومرافقها. والله من وراء القصد

بيعة سقيفة بني ساعدة في كتابات المحدثين

بيعة سقيفة بني ساعدة في كتابات المحدثين ¤سعد بن موسى الموسى£بدون¥دار القاسم – الرياض¨الأولى¢1427هـ€حديث¶حديث مفرد - شرح - فوائد - دروس الخاتمة ونتائج البحث: هذه الآراء التي أوردتها من كتابات المستشرقين يشاركهم بأخذهم عنهم – مع الأسف – عدد من كتاب ومؤرخي العرب المعاصرين الذين كتبوا عن تاريخ الخلافة الراشدة، والعجب أن كثيراً منهم لا يشير إلى أصول هذه الأفكار وأنه أخذها عن المستشرق الفلاني بل ينسبها إلى نفسه ثم يبحث لها عن مستند من خلال كتب التاريخ. ونظرة المستشرقين للإسلام نظرة عدائية من خلال استناد بعضهم على بعض ومن خلال كتابات رجال الكنيسة إبان الاصطدام بين العالم الإسلامي المتحضر وأوربا المتخلفة، والمتعصبة للكنيسة ورجالها. يقول د. محمد ياسين صديقي: إن التحليل التاريخي الذي يحاول المستشرقون والمؤرخون الجدد نشره بين الناس إنما بنى على روايات خاطئة وأدلة ممسوخة واستنتاجات فاسدة. ويشهد بهذا أحد النصارى، إذ يقول بندلي جوزي: إن هؤلاء المؤرخين بنوا أحكامهم ونظرياتهم على تاريخ الغرب وحده، إذ لم يكونوا يعرفو من تاريخ الشرق إلا الشيء اليسير، وسهل علينا والحالة هذه أن ندرك مقدار ما في أقوال بعض مؤرخي الغرب عن الشرق وتاريخه من الغرابة والطيش. يقول الشيخ محمد قطب: كنت قد قرأت من كتب المستشرقين ما أكد لي بعدهم الكامل عن روح الإنصاف وعن روح (البحث العلمي) التي يدعونها، وكنت قد قرأت كذلك من كتابات (المثقفين) الذين يحملون أسماء إسلامية، ما أكد لي مدى تأثرهم بأفكار المستشرقين. فما من رأي يكتبونه أو فكرة يعرضونها إلا ولها أصل في كتابات أولئك المستشرقين. ولذا لا يستغرب منهم أن يحاولوا تشويه التاريخ الإسلامي. لذلك ينبغي التفطن في عدم الاعتماد على أقوالهم لاسيما عند الحديث عن أخبار القرون المفضلة وبالذات عصر النبوة والخلافة الراشدة. ومن خلال عرض هذه المسألة في كتابات المستشرقين والمتابعين لهم من العرب والمسلمين ظهر لي النتائج التالية: 1 - أن المستشرقين ينقسمون إلى فئات ويغلب على الكثير منهم الجهل، وبناء النتائج على أوهام وإن أحسنا الظن فعلى روايات لا تصح؛ فهم لا علم لهم بطريقة المسلمين في صياغة ومعالجة الأخبار حيث لا يفرق المستشرقون من حيث قوة المصدر بين كتب الحديث وكتب التاريخ وكتب الفكاهة والكتب التي لا سند لها، فكلها في ميزانهم سواء. 2 - أن كثيراً من كتاب التاريخ المحدَثين اغتر بكتابات المستشرقين وظن أنها تمثل المنهج العلمي بما أحسنوا من طرائق في الترتيب والتنسيق والحواشي في حين أنهم قد جهلوا المنهج العلمي الصحيح المعتمد عند علماء المسلمين فلم يستفيدوا منه، ويغلب على كثير منهم جهله بالشريعة والعقيدة الإسلامية فيقبل أقوال المستشرقين لجهله بالإسلام وأحكامه. 3 - أن الحوار الذي جرى بين الصحابة في السقيفة كان حواراً علمياً حضارياً هدفه الوصول إلى الحق في مسألة الخلافة، ولم يصل الأمر إلى التهديد بالطرد من قبل الأنصار كما في روايات بعض الإخباريين كأبي مخنف، وهي رواية لا يعتمد عليها لما فيها من الغرائب والزيادات التي تدل على وضعها. 4 - أن صورة الحكم في الإسلام كانت واضحة بينة في أذهان الصحابة، ومسمى الخليفة ورد في القرآن والسنة، ولم يكن غريبا عليهم. 5 - أبو بكر وعمر لم يكن لهما طمع في الخلافة استناداً إلى النصوص المروية عنهما، وإنما المسؤولية التي تعينت على كل واحد منهما في وقته وبيعة المسلمين هي التي ألزمتهما بذلك.

جهود الشيخ الألباني في الحديث رواية ودراية

جهود الشيخ الألباني في الحديث رواية ودراية ¤عبدالرحمن بن محمد صالح العيرزي£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1427هـ€حديث¶دراسات توثيقية ومنهجية الخاتمة الحمد لله على توفيقه، وإعانته على إكمال هذا البحث والدراسة فبعد أن عشت مع الشيخ الألباني قرابة ثلاث سنوات، ومع أكثر من ثلاثين كتابا من كتبه، تصل إلى أكثر من خمسين مجلدا، ورسالة، ومقالا، أكون قد حاولت بقدر الاستطاعة أن أصل إلى هدف هذه الأطروحة العلمية، وهو: توضيح معالم مدرسة الشيخ الألباني الحديثية، - رواية ودراية – ومدى تأثيرها على المشتغلين بعلم الحديث في هذا العصر، تأثرا وتأثيرا، - رواية ودراية – وأهم نتائج البحث على الآتي: 1 - معرفة مكانة أهل الحديث الرفيعة، وجهودهم العظيمة في خدمة الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة. 2 - معرفة السيرة الذاتية للشيخ الألباني، وأهم مراحل حياته، ومعرفة أهم العوامل التي أثرت في نبوغه في علم الحديث. 3 - معرفة شيوخه، وتأثره بهم، ومعرفة تلامذته، وأثره عليهم. 4 - التعرف على مؤلفاته المخطوطة، والمطبوعة التي وقفت عليها، وذكر نبذة عن كل كتاب مطبوع، بما يوضح موضوع الكتاب، وأهم المسائل المطروقة فيه. 5 - التعرف على أعماله العلمية التي تولاها، وذكر جهوده الدعوية، والعلمية التي أسهمت في إنعاش العمل الإسلامي في هذا العصر، ومدى تأثير الشيخ الألباني ومدرسته الدعوية على المجتمع المسلم. 6 - بيان جهود الشيخ الألباني في علم الحديث رواية والتي تمثلت في الآتي: 1 - جهوده في تصحيح الحديث، والتي أسفرت عن توافق منهج الشيخ الألباني في تعريف الحديث الصحيح، وتقسيمه مع منهج جمهور المحدثين في الجملة، وإن كان قد خالفهم في بعض الجزئيات التي لا تؤثر في المنهج العام، إذ أن منهج الشيخ الألباني في التصحيح هو: منهج المحدثين من عدم الاكتفاء بالنظر إلى ظاهر السند دون البحث عن علته، وأما موقف الشيخ الألباني من قواعد تصحيح الحديث فهي كالتالي: - تصحيحه للحديث بتلقي العلماء بالقبول للحديث، ولكن بقيد إجماع علماء الحديث على ذلك. - موافقة القرآن للحديث تعتبر شاهدا لا معيارا في التصحيح. - عمل العالم وفتواه على وفق الحديث ليس دليلا على صحة الحديث لا يأخذ بالكشف الصوفي، والمنامات، والذوق في تصحيح الحديث - مطابقة الواقع للحديث لا يستلزم صحته. - لا يصحح الحديث بالتجربة. - شهرة الحديث ليست معيارا في تصحيح الحديث. - لا يصحح الحديث لوروده في كتاب مبوب. - قولهم في الحديث "رجاله ثقات" أو "رجاله رجال الصحيح" لا يستلزم تصحيح الحديث. 2 - جهود الشيخ الألباني في الحديث الحسن فقد تمثلت في الآتي: - وافق جمهور المحدثين في تعريف الحديث الحسن بقسميه "الحسن لذاته ولغيره". - وافق المحدثين على تقسيم الحديث الحسن إلى قسمين، وإن كان قد زاد قسما ثالثا وهو "الحسن الصحيح" وعرفه بأنه "الحديث الحسن لذاته إذا اعتضد بشاهد آخر" وهذا التقسيم لا مشاحة فيه، ما دام قد عرف اصطلاحه، وهو في المآل ليس مخالفا للجمهور في ذلك إذ أن كل حسن لذاته إذا اعتضد بشاهد فيرتقي إلى أن يكون صحيحا لغيره، وهو بين الحسن والصحيح في القوة. وأما موقف الشيخ الألباني من قواعد تحسين الحديث فهي كالآتي: - تحسينه للحديث بكثرة الطرق، بشرط أن لا يشتد ضعفها. - تقوية الحديث الموصول بالمرسل إذا اختلف مخرج الحديث. - الاستشهاد بالحديث المنقطع، وبحديث مجهول العين إذا احتف بالقرائن. - تحسين الحديث بشهادة القرآن الكريم. 3 - جهود الشيخ الألباني في الحديث الضعيف فيتمثل في الآتي:

- فمنهج الشيخ الألباني في تضعيف علة الحديث لعلة السند موافق للجمهور إلى حد كبير من الجهة النظرية، وأما من الجهة التطبيقية العلمية لقواعد المصطلح على تضعيف الحديث لعلة السند، فقد خالف المحدثين في بعض الأحكام على بعض الأحاديث، ويرجع هذا الاختلاف إلى أمور اجتهادية منها: - الاختلاف في توثيق الراوي وتضعيفه. - الاطلاع على طرق للحديث، أو شواهد أخرى لم يطلع عليها الآخر. - الأخذ ببعض القواعد في تصحيح الأحاديث، أو في تضعيفها بين التساهل، والتشديد. وأما منهج الشيخ الألباني في تضعيف الحديث لعلة المتن فتتمثل في الآتي: - وافق جمهور المحدثين في اعتبار النظر إلى ضعف الحديث لنكارة متنه دون الاكتفاء بظاهر صحة السند فقط. وأما في الجمل الكلية لهذه القاعدة، فقد وافق الشيخ الألباني المحدثين في معظمها، وتفرد بأخذه بقاعدة تضعيف متن الحديث لعلة عدم عمل السلف به، وله مبررات في الأخذ بها إلا أن الصواب أنها غير معتبرة في ذلك. 4 - جهود الشيخ الألباني في الجرح والتعديل، وقواعد المصطلح فهي كالآتي: - أن الشيخ الألباني يعتبر من المتوسطين في باب الجرح والتعديل، فلم يجنح لمذهب المتشددين، أو المتساهلين، وهو كذلك لم يسلم للمتأخرين – كابن حجر والذهبي – في أحكامهما في الجرح والتعديل بل خالفهما في أشياء ووافقهما في أخر. - وأما في قواعد المصطلح فله اجتهادات في بعض القواعد منها: - قول الصحابي: من السنة كذا. أو أمرنا بكذا فله حكم الرفع. - أن حديث المختلط يرد بعد الاختلاط، ويقبل قبله، ويتوقف في ما لم يعلم. - قبول زيادة الثقة إذا لم تكن مخالفة لمن هو أوثق. - الحديث المعلق بصيغة الجزم يكون صحيحا إلى من علقه، ثم ينظر في السند ويحكم عليه بما يستحق. 7 - جهود الشيخ الألباني في الحديث رواية، واستنباطا، فتتمثل في الآتي: - بيان اهتمام الشيخ الألباني بالدليل الشرعي – مفهوما، واعتناء، وحجية. - موافقة الشيخ الألباني لجمهور الفقهاء في اعتبار الأدلة الشرعية الأربعة "الكتاب والسنة والإجماع والقياس" مع ضم فهم السلف الصالح لمعاني الكتاب والسنة، وأن القياس المخالف للنص لا يعتد به. - لا يقدم العقل على النقل، إذا عارضه العقل. - دعوة الشيخ الألباني إلى الاجتهاد، ونبذ التقليد، ومناشدة الدليل، مع احترام العلماء في ذلك، ونبذ التعصب لهم. - اتضح موقف الشيخ الألباني من الاحتجاج بحديث الآحاد في العقائد والأحكام، وأنه يرى حجية الآحاد في العقائد والأحكام والرد على من خالف ذلك. - الشيخ الألباني لا يرى العمل بالحديث الضعيف مطلقا، سواء في فضائل الأعمال أو في غيرها. - وتبين مدى اهتمام الشيخ الألباني بالدليل الشرعي ثبوتا، واستدلالا، وأنه وإن كان يميل كثيرا إلى مذهب أهل الحديث، والأخذ بظاهر النص، لكنه لا يهمل الأخذ بتفسير النصوص، على مذهب أصل الأصول والفقهاء. - تبين موقف الشيخ الألباني من تعارض النصوص، وأنه يذهب إلى مذهب العلماء في البدء بالجمع بين النصوص مهما أمكن، وإلا فالترجيح. - ذكرت قرابة مائة مسألة فقهية، في باب العبادات والمعاملات – رجح فيها الشيخ الألباني ما رآه راجحا. - ذكرت أربع مسائل من أهم المسائل التي أثيرت حول الشيخ الألباني وبينت أدلته في ذلك، ومناقشته فيها، وترجيح الراجح فيها، وسواء كان الصواب حليفه أم لا، فالمهم أنه تبين انطلاقه من منطلق علمي، وأنه مجتهد في تحرير تلك المسائل، وسائر على القواعد الصحيحة. وتوصية الباحث الاهتمام بتحريرات الشيخ الألباني الحديثية، وكذا الفقهية، ولا يحمل البعض حجاب المعاصرة عن أن يستفيد من علمه، واجتهاداته، وأيضا لا يأخذ البعض الإفراط في محبته الشيخ الألباني بأن يتعصب له في كل قول، وفي كل تصحيح، وتضعيف للأحاديث، فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد حاولت أن أتجرد في ما كتبته حول الشيخ الألباني – رحمه الله تعالى – مع حبنا له الكبير – لكن الحق أحق أن يتبع. تلك خلاصة موجزة عن جهود الشيخ الألباني في الحديث – رواية ودراية – وهذه النتائج أقدمها في تواضع، وشعور بالتقصير، وآمل أن أكون قد أتممت الرسالة على الوجه المطلوب، والله أسأل أن يغفر لي زلاتي، ويكفر عني سيئاتي إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

حديث الطائفة المنصورة

حديث الطائفة المنصورة ¤خالد القريوتي£بدون¥الدار العثمانية - عمان¨الأولى¢1425هـ€حديث¶تخريج - تحقيق حديث مفرد أما النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث فهي كما يلي: 1. استضافة هذا الحديث الشريف واشتهاره وتواتره حتى رواه ثمانية عشر صحابيا، كما ذكرنا ذلك في الفصل الأول. 2. إن مما ساعدنا على فهم ألفاظ هذا الحديث الشريف التأييدات التي أوردناها من الكتاب والسنة، والتي كان من شأنها أنها أزالت الغموض أو اللبس على بعض الألفاظ الواردة، وساعدتنا على تعيين الأماكن التي أشار إليها الحديث. 3. لا مانع من تعدد المعاني وانتشار المفاهيم حول تعيين المقصود من (الطائفة المنصورة) في هذا الحديث الشريف فهو يضم كل من يعمل جاهدا لنصرة هذا الدين، ويجاهد من أجله سواء كان عالما دينيا أو دنيويا – أيا كانت علومهم – أو كان مقاتلا بكل أنواع القتال وأساليبه، لأن روايات الحديث وألفاظه تشير إلى ذلك. 4. ولا مانع كذلك أن يكون تواجد هذا الطائفة في كل أقطار الأرض وبالذات في منطقة الشام، فروايات الحديث واختلاف ألفاظه تحتمل ما ذهبنا إليه. 5. إن من أهم ما تتصف به هذه الطائفة هو الحق الذي تجاهد من أجله وتدعو الناس للتمسك به، وثباتها على مبادئ دينها وعدم التنازل عنها أو التفريط فيها. 6. إن الطريق الذي تسلكه هذه الطائفة طريق شائك وملتوي، لأنه مليء بالفتن والابتلاءات والمحن. وعلى جنباته كثير من المفارقين والمخالفين والمناوئين. الذين يعملون على الإعاقة والتثبيط والتخاذل. 7. لا يضير هذه الطائفة كل ذلك فهي سائرة – رغم ما يصيبها من لأواء وضراء – لأن اعتمادها على الله عز وجل وهو معينها وناصرها إن شاء الله. 8. لا يمكن القضاء بالكلية على هذه الطائفة – رغم كل ما تلاقيه – من عناء وعنت وضيق وقتل. هذه بشرى ببقاء الإسلام إلى أن يأتي أمر الله تعالى. 9. إن هذا الحديث يعتبر إعجازا نبويا. وهو جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم لأنه أشار إلى كل المعاني التي أشرنا إليها في هذا البحث وبما أوردناه من مؤيدات له من الكتاب والسنة، وأقوال العلماء في العصر القديم والحديث.

ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر

ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر ¤مقبل بن هادي الوادعي£بدون¥دار الآثار - صنعاء¨الثانية¢1420هـ€حديث¶تخريج - تحقيق حديث مفرد قد عرضتُ عليك بعض ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر، وعرضتُ بعض آراء محمد رشيد رضا المنحرفة، وكشفت لك عن تلبيس تستّره بالسلفية، وما لم أذكره أكثر، فهو يشكك في حديث رجوع الشمس من مغربها، وهو يقول: إن ذكر القرآن بعض الخوارق، هو الذي صد أحرار الإفرنج عن الإسلام. ذكر هذا صاحب " منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير" فواحدة مما ذكرت توجب ضلاله وانحرافه، نعوذ بالله من عمى البصيرة. وإن تشهيرنا بضلال محمد رشيد رضا المتستر بالسلفية، ليدل على أن أهل السنة ليس لديهم محاباة، وهذا بخلاف جهلة الإخوان المسلمين الذي يدندنون بقول من قال: نتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. وقوله: وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، باطلٌ، لأن من المختلف ما لا يجوز أن يعذر عليه صاحبه، كما هو معلوم من الشرع. وبخلاف أيضاً الحزب الشيوعي والبعثي، فإن من تظاهر بالكفر والإلحاد والطعن في الإسلام، رفعوا شأنه، وتحدثت عنه وسائل الإعلام، وإن كان لا يساوي بعرة، ولكن يأبى الله إلا أن يهين أعداءه ويذلهم {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ}. والحمد لله قد باء أعداء السنة بالفشل، وباء الملاحدة بالخزي والذل، وأصبحت السنة هي السائدة في اليمن، والفضل في هذا لله وحده وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

فضائل مكة الواردة في الكتاب والسنة

فضائل مكة الواردة في الكتاب والسنة ¤محمد بن عبدالله الغبان£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1421هـ€حديث¶فضائل مكة المكرمة الخاتمة: أحمد الله عز وجل وأشكره، وأثني عليه الخير كله، فهو المحمود على كل حال، وهو المحقق للآمال. وبعد فهذا أوان حط الرحال، بعد المسيرة المباركة في رحاب السنة العطرة، حول المكان المبارك، حرم الله الآمن، فلقد عشت سنينا وأياما سعيدة - رغم مشاق البحث والتنقيب - وتوصلت من خلال هذا البحث إلى النتيجة التالية: 1 - بلغ عدد الأحاديث التي جمعتها ودرستها (498) حديثا وأثرا، توزعت على النحو التالي: • 120 حديثا وأثرا صحيحا بذاته ولغيره. • 98 حديثا وأثرا حسنا بذاته ولغيره. • 161حديثا وأثرا ضعيفاً. • 119حديثا وأثرا ضعيفا جدا أو تالفا أو موضوعا. ويدخل في الصحيح ما أخرجه البخاري ومسلم أو أحدهما، ويدخل في الحسن بعض الأحاديث المحتملة لذلك، وكذا الضعيفة التي تقوي الجزء محل الشاهد من إيراده. وقد تابعت في قليل من هذه الأحكام علماء معتبرين، وذلك حيث لا يترجح لي شيء، أو لاحتمال وقوفهم على ما لم أقف عليه، ونحو ذلك، وأدخلت الأحاديث التي لم أقف على بعض رجال أسانيدها أو كلهم في قسم الضعيف، إلا إذا دلت الشواهد على أن الحديث ضعيف جدا أو أسوأ من ذلك. 2 - مكة والمدينة لا يفضلهما بلد آخر، وقد بلغ عدد الأحاديث التي تشمل البلدين بالفضل نحو: (103) أحاديث منها (95) حديثا خرجها الدكتور الرفاعي في كتابه: الأحاديث الواردة في فضائل المدينة. 3 - عقدت فصلا خاصا بفضل جزيرة العرب، وضمنته (24) حديثا في فضلها وفضل الحجاز؛ لأن مكة تدخل في ذلك دخولا أوليا كما لا يخفى. 4 - لم أكن أتوقع أن يصل عدد الأحاديث إلى ما وصل إليه، وهذا يدل على أن البحث والاستقراء التام ضروري للقيام بأي بحث من هذا القبيل. 5 - جمع طرق الحديث والمقارنة بينها سبيل للوصول إلى الحقيقة، فكم من حديث له طرق كثيرة اغتر بها بعض الأكابر، فصحح الحديث أو قواه بناء على ذلك والحال أن هذه الطرق مرجوحة أو تعود في حقيقتها إلى طريق واحد. 6 - تتبع أقوال العلماء في الرواة والمقارنة بينها هو منهج المحدثين النقاد، لذا فإن السير على منهجهم كفيل في استخراج الأحكام الصحيحة على الرواة. 7 - الناظر في الأحاديث الثابتة في فضل مكة يرى أفضليتها المطلقة على جميع البلدان، بما في ذلك المدينة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام. 8 - الفوائد العلمية للبحوث كثيرة، ففيها التمرن على ممارسة البحث والمناقشة، والوقوف على النكات العلمية ومصطلحات العلوم ومفرداتها. 9 - عقدت تمهيدا، تناولت فيه أسماء مكة، وحدودها، وبعض ما صنف في فضائلها، وقد ظهر من ذلك التمهيد كثرة أسماء مكة؛ لمكانتها، وشرفها. وأشرت إلى كثرة الأعلام المحيطة بها، واعتناء الأجيال ببنائها، والمحافظة عليها. ولم أقف على مصنف حديثي في فضلها على الصورة التي قمت بها، والحمد لله على ذلك.

مخالفة الكفار في السنة النبوية

مخالفة الكفار في السنة النبوية ¤علي بن إبراهيم عجين£بدون¥دار المعالي - عمان¨الأولى¢1419هـ€حديث¶مخالفة الكفار الخاتمة الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، والحمد لله على ما وفق وأتم وتفضل، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله الطيبين. وبعد: فهذه خاتمة البحث ملخصاً فيها أهم نتائجه: 1 - تميز الشخصية المسلمة واستقلاليتها، بمخالفة الكفار ومنع التشبه بهم مقصداً شرعياً حرصت السنة المطهرة على تحقيقه. 2 - تنوع الأساليب النبوية في تحقيق هذا المقصد. 3 - مخالفة الكفار تشمل مجالات كثيرة في العبادات والمعتقدات والعادات والسلوك والمظاهر. 4 - إن مخالفة الكفار لم تقتصر على فئة منهم، بل جاءت شاملة لملل الكفر كلها. 5 - الأحاديث الواردة في مخالفة الكفار فيها المرفوع والموقوف والمقطوع. 6 - اهتمام العلماء قديماً وحديثاً بموضوع مخالفة الكفار، فنبهوا عليه وأصلوا قواعده وبينوا أحكامه. 7 - بلغ عدد الأحاديث مائتين وأربعة أحاديث بالمكرر، ومائة وثلاثة وتسعين بدون تكرار، وبلغ عدد الأحاديث الصحيحة لذاتها أو لغيرها اثنين وتسعين حديثاً، بنسبة 48% وهو ما يقارب النصف، وعدد الأحاديث الحسنة لذاتها أو لغيرهاواحد وعشرون حديثاً بنسبة 11% وعدد الأحاديث الضعيفة ثمانية وستون، بنسبة 35% وهو ما يقارب الثلث، وعدد الأحاديث الضعيفة جداً تسعة أحاديث، بنسبة 5%، وعدد الأحاديث الموضوعة حديثان بنسبة 1%، وهناك حديث واحد لم أحكم عليه. 8 - التوصية بتوجه الباحثين في السنة وعلومها من الدراسة التقليدية، إلى إخراج كنوز السنة في ميادين العلم كله، ومحاولة ربطها بالعلوم الإنسانية الأخرى وفق الضوابط الشرعية. 9 - التوصية للعلماء وطلاب العلم والقائمين على الدعوة في سبيل الله، بتحذير المسلمين من التشبه بالكفار، وتذكيرهم بأمر مخالفتهم، لاسيما في ظروف العصر الذي نعيش. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مرويات ابن مسعود

مرويات ابن مسعود ¤منصور بن عون العبدلي£بدون¥دار الشروق¨الأولى¢1406هـ€حديث¶مرويات صحابي - حديث مفرد أو منوع الخاتمة نسأل الله حسنها: بعد هذا العرض الذي تقدم يتجلى لنا ما يلي: 1 - عناية الصحابة الفائقة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلقيا وحفظا وأداء. 2 - أن ابن مسعود رضي الله عنه من قبيلة هذيل المشهورة. 3 - أن علاقة ابن مسعود رضي الله عنه ببني زهرة علاقة حلف ونصرة. 4 - أن ابن مسعود رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام. 5 - أن ابن مسعود رضي الله عنه كان من الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. 6 - أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يحظى بمنزلة سامية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو صاحب نعله وسواكه وطهوره وهو الذي أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخول منزله من غير استئذان كما أذن له بسماع سره. 7 - أن هجرة ابن مسعود إلى أرض الحبشة كانت في المرة الثانية. 8 - أن ابن مسعود رضي الله عنه حضر المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أبو بكر أن يتولى العسس بالمدينة واستخلفه على حرص أنقاب المدينة لما خرج لمحاربة المرتدين. 9 - أن ابن مسعود شهد معركة اليرموك. 10 - في سنة إحدى وعشرين أرسله سيدنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة ليقرئهم القرآن ويعلمهم الشرائع والأحكام واستعمله على بيت مالها وأسند إليه القضاء. 11 - أن ابن مسعود استمر على تعليم أهل الكوفة القرآن وشرائع الإسلام وأحكامه حتى قرب وفاته. 12 - وأن الجهد الذي بذله ابن مسعود في تعليم أهل الكوفة كان له أثر كبير في رفع اسم الكوفة. 13 - أن ابن مسعود رضي الله عنه كان من أعلم الصحابة بالقرآن وعلومه وتفسيره. 14 - أن المقدار الذي وصل إلينا عن ابن مسعود في هذه الرسالة زاد على ألف حديث، والراوي - كما هو مقرر في علوم الحديث - إذا زاد على ألف حديث عد من المكثرين، فعلى ذلك يكون ابن مسعود رضي الله عنه من المكثرين، والمكثرون من الصحابة ذكرهم السيوطي في ألفيته حيث قال: والمكثرون من رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي. 15 - أن ما ورد عنه بأسانيد صحيحة وصل على سبيل التقريب إلى (1103). 16 - أن ما ورد عنه بأسانيد حسان وصل إلى (16). 17 - أن ما ورد عنه بأسانيد حسنة لغيرها وصل على سبيل التقريب إلى (577). 18 - أن ما ورد عنه من الأحاديث الشاذة وصل إلى (13). 19 - أن ما ورد عنه بأسانيد ضعيفة لا يعتبر بها وصل إلى (24). 20 - أن ابن مسعود رضي الله عنه توفي سنة 32هـ، بالمدينة المنورة ودفن بها. وفي الختام أسأل الكريم رب العرش العظيم أن يعيذني وجميع مشايخي وذوي الحقوق عليّ وزملائي وإخواني من طلبة العلم وغيرهم من المسلمين من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها. كما أسأله النفع بهذه الرسالة التي أعانني على إكمالها وإتمامها ويسر لي جمعها وبيانها، فاللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وأصحابه الغر الميامين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

مرويات اللعن في السنة

مرويات اللعن في السنة ¤باسم بن فيصل الجوابرة£بدون¥مكتبة المعلا - الكويت¨الأولى¢1406هـ€حديث¶أحاديث مفردة الخاتمة الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات والصلاة والسلام على أفضل الخلق سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطاهرين الطيبين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: وفي ختام هذه الرسالة بعد توفيق الله سبحانه وتعالى ـ لإتمام هذا البحث، أود أن أدون خلاصة هذا البحث، وذلك فيما يلي: أولاً: أَنَّ اللعن من أشد المحرمات التي حَرَّمها الله والكبائر التي توعد فاعلها أشد وعيد. ثانياً: أن أحاديث اللعن أفادت حكمين: حكم التحريم والوعيد. ثالثاً: لا يجوز لعن المعين سواءً كان كافراً أو مسلماً، إلا إذا عُرِفَ موتُه على الكفر. رابعاً: لا يجوز أن نُعين شخصاً ممن فعل بعض الأفعال التي توجب اللعن ونقول هذا المعين أصابه هذا الوعيد، لإمكان التوبةِ وغيرها من مسقطات العقوبة. خامساً: بلغت أحاديث اللعن التي جمعتها مائة وأربعة أحاديث المتفق عليه منها أحد عشر حديثاً وأما ما انفرد به البخاري عن مسلم ستة أحاديث، وما انفرد به مسلم عشرة أحاديث. سادساً: تبين لي من الدراسة في هذا الموضوع أن أحاديث اللعن شاملةٌ لمعظم نواحي الإسلام، فمنها أحاديث في التوحيد، ومنها في الطهارة، وأخرى في الصلاة والزكاة والنكاح والآداب وغيرها، ولكن غلبت عليها أحاديث الآداب. سابعاً: إنَّ معظم أحاديث اللعن ثابتة، سواءً كانت بلفظ اللعن أم لا، فالحديث الضعيف بلفظ اللعن له شواهد ثابتة بغير لفظ اللعن. ثامناً: لقد كان نصيب النساء من أحاديث اللعن كبير، فأكثر من ربع الأحاديث التي جمعتها هو خاصٌ بالنساء، في حين أن عدداً قليلاً من الأحاديث مختص بالرجال وباقي الأحاديث تشمل الرجال والنساء على حدٍ سواء. والله أعلم، وسبحانك اللهم بحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

مرويات غزوة الخندق

مرويات غزوة الخندق ¤إبراهيم بن محمد عمير المدخلي£بدون¥الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة¨الأولى¢1424هـ€حديث¶غزوة الخندق أذكر في هذه الخاتمة خلاصة لما اشتملت عليه هذه الغزوة من أحكام وفوائد وعبر وذلك من خلال دلالة النصوص الواردة أو مقتضى عمله صلى الله عليه وسلم وقد مرت بعض الأحكام في مواضعها. وإنما جعلت هذه الخاتمة لإجمال ما سبق تفصيله وليكون كالخلاصة الجامعة يمكن للقارئ من خلالها الوقوف بسهولة على بعض تلك الأحكام. وقد أكون مقلدا في هذا العمل الإمام ابن القيم – رحمه الله – فقد ذكر أشياء كثيرة عقب كل غزوة إلا أنه للأسف لم يعرج على غزوة الخندق كما فعل ذلك أيضا في غزوة بدر الكبرى حيث لم يتكلم عن الأحكام المستفادة من الغزوتين. ولكن حسبي أن أنهج نهجه في بقية الغزوات حيث سأذكر بعض الأحكام الفقهية المستنبطة من هذه الغزوة المباركة والتي كانت بمثابة درس أخير للكفر وأهله. فأيقنوا أن الله مع المؤمنين ومن كان الله معه كفاه شر أعدائه. ومن تلك الأحكام: 1 - الشورى: الشورى في الإسلام مبدأ من مبادئ نظام الحكم الإسلامي وعليه المعول عندما لا يوجد دليل من الكتاب أو السنة يحتم الأخذ بشيء معين. وقد شاور الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه كثيرا كما فعل ذلك الخلفاء الراشدون بعده. والشورى مصطلح إسلامي لا ينبغي أن يطلق على غير مدلوله الشرعي لأن الشورى في الإسلام لها ميزات لا توجد في أي نظام آخر أو أي قانون مستحدث. وهي خاصة بأهل الحل والعقد فلا يدخل فيها من لا يستحقها لأن ذلك يخل بهذا المبدأ العظيم وفي غزوة الخندق حصلت المشاورة من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حول خطة الدفاع التي يتخذونها حيال الجموع الزاحفة صوب المدينة التي جاءت من بلادها عاقدة النية استئصال هذا الدين الحنيف الذي أصبح يهدد كيانهم ويبدد أصنامهم. وقد أشار عليه سلمان الفارسي – رضي الله عنه – بحفر الخندق وذلك لإقناعه بأنها خطة عظيمة جيدة في هذا الظرف الخطير والوقت القصير ولأنها قد نفذت في بلاد فارس ونفعت. واقتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الرأي السديد وسارع إلى تنفيذه وسارع أصحابه – رضي الله عنهم – في هذا العمل العظيم وأنجزوه في مدة وجيزة حيث لا تستطيع الآلات الحديثة في هذا العصر المتطور ماديا أن تفعل فعلهم إذا أخذنا في الحسبان أنهم حفروا من طرف الحرة الغربية الشرقي إلى طرف الحرة الشرقية الغربي. علما بأن الحفر واسع وعميق بحيث لم تستطع الخيل اقتحامه مما يدل دلالة واضحة على عظمه واتساعه وما ذلك إلا بقدرة الله وقوته وتوفيقه لرسوله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه الكرام – رضي الله عنهم – (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) 2 - مشروعية جعل الإمام من ينوب عنه أثناء غيابه في قتال أو غيره وهذا مبدأ إسلامي مشروع شرعه النبي صلى الله عليه وسلم في عهده فالاقتداء به في ذلك مشروع. وقد كان صلى الله عليه وسلم في كل غزوة وفي كل سفر يعزم عليه يعين نائبا على المدينة يقوم بالصلاة بأهلها ممن تخلفوا عن القتال لعجز أو إعالة ضعفاء أو تمريض مرضى وغير ذلك من رعاية شئون أهل المدينة. وفي هذه الغزوة عين صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم وقد تقدم الخلاف في اسمه قال الحافظ: وكون اسمه عمرو أشهر وأكثر قال وقد استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة ثلاثة عشرة مرة قال وكان يستخلفه على المدينة يصلي بالناس في عامة غزواته وأشار إلى هذا قبله ابن الأثير. 3 - التواضع في الإسلام:

مبدأ شرعي من مبادئ هذا الدين الحنيف وخلق كريم ولقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في حجته التي تسمى حجة الوداع وقال: " أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى. أبلغت .... " الحديث ومن هذا المنطلق يتبين أن التواضع من الرئيس لمرؤسيه ومن الكبير للصغير بل التواضع من كل أحد مما دعا إليه الإسلام وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم وطبق بنفسه هذا المبدأ العظيم. حيث باشر بنفسه في هذه الغزوة حفر الخندق ونقل التراب وقد روى البراء بن عازب – رضي الله عنه – أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك حتى اغبر بطنه. وما ذلك إلا لمعرفته بالله وتواضعه لمن شرح صدره ووضع وزره ورفع ذكره حيث لا يذكر الله إلا ويذكر صلى الله عليه وسلم. وتواضعه يتجلى دائما بين أصحابه سواء في الحرب أو في السلم وسنته مليئة بمثل ذلك. 4 - المبارزة: وهي ملاقاة الند من المشركين أمام الصفوف واحدا لواحد. وقد حصل في هذه الغزوة المباركة لقاء هام بين علي رضي الله عنه وبين أعتى أعداء الله عمرو بن عبد ود حتى إن المؤرخين أثبتوا جميعا بأنه فارس قريش وأحد شجعانها المبرزين. ومبارزة علي لعمرو رواها الحاكم في مستدركه وهي ثابتة عنده. وقد تقدم الكلام عليها في مبحث خاص وهي جائزة وبالجواز قال الجمهور وخالف في ذلك الحسن البصري. 5 - بيع جيفة الكافر جوازها وعدمه: وقد جاء في كتب الحديث ما يمنع ذلك فقد عنون البخاري بقوله: باب (طرح جيف المشركين في البئر ولا يؤخذ لهم ثمن) وفي ذلك دليل على أنه لا يجوز بيع جيفة المشرك قال المباركفوري: وإنما لا يجوز بيعها وأخذ الثمن فيها لأنها ميتة لا يجوز تملكها ولا أخذ عوض عنها وقد حرم الشارع ثمنها وثمن الأصنام. قال الحافظ: قوله لا يؤخذ لهم ثمن أشار به إلى حديث ابن عباس أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم. 6 - لا يعدل عن الوضوء إلى التيمم مع وجود الماء أي أن الوضوء قد أوجبه الله سبحانه وتعالى فقال: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) الآية قال الحافظ والوضوء بالضم الفعل والفتح الماء الذي يتوضأ به على المشهود فيهما. والوضوء واجب إلا في حالات نادرة. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك الوضوء حتى في أثناء الحروب ذلك لأنه لما كان في هذه الغزوة وفاتته صلاة العصر كما مر في الأحاديث الصحيحة وفي بعضها أنه فاتته الظهر والعصر والمغرب والعشاء. عمد صلى الله عليه وسلم عندئذ إلى بطحان ليتوضأ وترك التيمم مع أنه في وقت حرب وأوضاع حرجة ولأنه هو المشرع صلى الله عليه وسلم ولوجود الماء قريبا منه لم يترك الوضوء لما فيه من الأجر العظيم لذلك روى البخاري حيث قال في حديث تقدم وشاهدنا منه هو: قال عمر بن الخطاب يا رسول الله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب قال النبي صلى الله عليه وسلم والله ما صليتها فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان فتوضأنا لها. الحديث. قال الحافظ: والوضوء فرض على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة كما فرضت الصلاة وأنه لم يصل قط إلا بوضوء وهذا يوضح أنه من شروط الصلاة لذلك ذكر الحاكم حديث ابن عباس دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك فقال " ائتوني بوضوء " فتوضأ الحديث. قلت وهذا يصلح ردا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة لا على من أنكر وجوبه حينئذ قال وقد جزم ابن الجهم المالكي بأنه كان قبل الهجرة مندوبا.

7 - الخديعة في الحرب: قال الحافظ: وأصل الخداع إظهار أمر وإضمار خلافه. وقد أورد البخاري رحمه الله في ذلك حديثين أحدهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم (سمى الحرب خدعة) والثاني عن جابر بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " الحرب خدعة " وقد أورد مسلم أحدهما عن أبي هريرة. ثم قال النووي: واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب كيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل. قال الطبري ك إنما يجوز من الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب فإنه لا يحل. قال الحافظ: ذكر الواقدي أن أول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الحرب خدعة) في غزوة الخندق. وقد فعل ذلك نعيم بن مسعود رضي الله عنه في الخندق حيث أنه كان قد أسلم ولم يعلم به قومه فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بإسلامه وأن قومه لا يعلمون بذلك. وأراد مساعدة المسلمين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فذهب إلى بني قريظة فقريش فغطفان وخذلهم الله وفرق جمعهم وشتت شملهم وكان نعيم سببا هاما في ذلك. ولذلك قال الحافظ: وفي الحديث إشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة. 8 - مشروعية إرسال العيون لأخذ أخبار الأعداء: قال البخاري: باب الجاسوس قال الحافظ الجاسوس بجيم ومهملتين أي حكمه إذا كان من جهة الكفار ومشروعيته إذا كان من جهة المسلمين. ومن هذا المنطلق فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ليلة الأحزاب ليأتيه بأخبار تلك الجموع التي حاولت جاهدة في حرب المسلمين وإيذائهم. وقد قام حذيفة رضي الله عنه بالمهمة خير قيام حيث ذهب إليهم وجلس بينهم وسمع ما يدور في معسكرهم وقد كان على مسافة قريبة من القائد أبي سفيان وأراد أن يرميه فتذكر تحذير النبي صلى الله عليه وسلم له من ذلك " ولا تذعرهم علي. فعاد رضي الله عنه يحمل أخبارا سارة وبشرى هامة هي رحيلهم وانكشافهم عن المدينة التي ضاقت بهم ذرعا (وكفى الله المؤمنين القتال) الآية ومن هنا يؤخذ: جواز استعمال العيون وإرسالها للتعرف على حالة الأعداء ومدى استعدادهم وكيفية تحركاتهم حتى يكون المسلمون على علم بأعدائهم فيعد المسلمون لكل أمر عدته ولا ينبغي للمسلمين أن يغفلوا عن تحركات أعدائهم وما يكيدونه للإسلام وأهله. 9 - استعراض الإمام للجيش قبل وقوع القتال كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه) الحديث. وقد وقع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في بدر وغيرها وخروج صغيري السن لم يحدث إلا عند أولئك الذين يستشعرون قيمة الشهادة وتهون أنفسهم في سبيل الله طمعا عنده من مغفرة ورضوان. أما في هذه العصور المتأخرة طغى فيها حب الحياة وحب متاعها الفاني فلربما لا يخرج كبار السن إلا بالقوة ويدفعون إلى الخير دفعا. قال الحافظ: وعند المالكية والحنفية لا تتوقف الإجازة للقتال على البلوغ بل للإمام أن يجيز من الصبيان من فيه قوة ونجدة قرب مراهق أقوى من بالغ. ثم قال: وحديث ابن عمر حجة عليهم ولا سيما الزيادة التي جاءت عن ابن جريج ولفظها: (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فلم يجزني ولم يرني بلغت) وفي الحديث من العبر: حسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم ومعرفته التامة بأحوال أصحابه واحترامه لهم ولأبنائهم رغم عظم الرسالة والأعباء التي حملها ولا غرو فقد قال صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا " 10 – تعاون الجميع إذا هوجمت البلاد:

وفي ذلك حديث سهل بن سعد الساعدي وحديث أنس رضي الله عنهما وكلاهما في الحفر وما دار فيه ففيهما من العبر والدروس الشي الكثير منها: 1 - أنهم باعوا أنفسهم لله وحرصوا على كل خير يقربهم إليه وكان الرسول صلوات الله وسلامه عليه هو القدوة في ذلك. 2 - مباشرة الرسول صلى الله عليه وسلم الحفر بنفسه تحريضا للمسلمين على العمل ليتأسوا به في ذلك وحتى يبتعدوا عن الاتكالية وما يعقبها من تبعات. 3 - فيهما إشارة إلى تحقير عيش الدنيا مهما بلغ لما يعرض له من التكدير وسرعة الفناء (والآخرة خير وأبقى) (وللآخرة خير لك من الأولى) 4 - ترديده صلى الله عليه وسلم بعض الكلمات إجابة لأصحابه لما كانوا يقولونه أثناء الحفر وذلك مما ينشط حيث إن الإنسان إذا اشتغل في عمل جسماني شاق فالسكوت يشق عليه ويتعب بسرعة أكثر مما لو كان يتكلم حيث ينسيه الكلام التعب وهذا مجرب. 5 - ملاطفته لأصحابه رضي الله عنهم وهو الموصوف بقول ربه تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) حيث كان أصحابه يرتجزون أثناء الحفر برجل من المسلمين يقال له جعيل فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم عمرا فكانوا يقولون: سماه من بعد جعيل عمرا وكان للبائس يوما ظهرا فإذا مروا بعمرو قال صلى الله عليه وسلم: عمرا وإذا مروا بظهر قال صلى الله عليه وسلم ظهرا 11 - من المعجزات التي حصلت في هذه الغزوة: الكدية والطعام المبارك فيؤخذ منه: 1 - طاعتهم رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومحافظتهم على ذلك بدليل أنهم لما صادفوا تلك البقعة لم يتصرفوا حسب أرائهم بل رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ونتيجة لتلك الطاعة أعانهم الله عز وجل على تلك العقبات فأنجزوا ذلك العمل في وقت وجيز. 2 - حبهم الشديد لله ولرسوله وشفقتهم على بعضهم (رحماء بينهم) ذلك أنه حينما رأى جابر ما يعانيه المصطفى صلى الله عليه وسلم من الجوع استأذن وعاد أدراجه إلى بيته ليجهز ما يستطيع عليه من طعام يدعو إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثلة من أصحابه وفعلا وجد عناقا وصاعا من شعير فذبح العناق وطحنت زوجته صاع الشعير وجهزوه ودعا جابر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء به ومن معه ضيفا على تلك المأدبة المتواضعة. 3 - تكثير الطعام الذي خجل جابر من قلته فأكل الجميع وشبعوا وذلك بفضل الله على نبيه وإظهاره على يديه تلك المعجزات الباهرة. 4 - تواضعه عليه الصلاة والسلام لربه ولأصحابه حيث كان يغرف بنفسه اللحم ويكسر لهم الخبز حتى صدروا عنه 5 - الإهداء للجيران من الطعام سنة وخاصة في أوقات المجاعة وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كما في حديث أبي ذر حيث قال: إن خليلي أوصاني " إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف ". 12 - أهمية الصلاة: وفيه حديث عمر رضي الله عنه: (يا رسول الله ما كدت أن أصلي) .. الخ. وفيه من الفوائد: 1 - جواز اليمين من غير استحلاف إذا اقتضت مصلحة من زيادة طمأنينة أو نفي توهم. 2 - استحباب قضاء الفوائت في جماعة وبه قال أكثر أهل العلم إلا الليث مع أنه أجاز صلاة الجمعة جماعة إذا فاتت. 3 - استدل به على عدم مشروعية الأذان للفائتة. 13 - كثرة جند الله: وفيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما (نصرت بالصبا) وفيه: 1 - تفضيل بعض المخلوقات على بعض. 2 - إخبار المرء عن نفسه بما فضله الله به على سبيل التحدث بالنعمة وبيان المنزلة لا على الفخر. 3 - الإخبار عن الأمم الماضية وكيفية هلاكها.

4 - الصبا هي أفضل الرياح التي تهب حيث أنها بفضل الله مبشرة بالخير ويستفيد منها الزرع بخلاف غيرها من الرياح فمثلا الرياح الشمالية إذا هبت تميت المزروعات غالبا وهذا ما جربه الفلاحون. وقد ذكر ذلك الحافظ وعليه فالرياح هي: أ- شرقية وهي الصبا وهي مباركة بدليل الحديث حيث أرسلها الله عذابا لأعدائه وخيريتها مجربة لدى المزارعين. ب- غربية وهي الدبور وقد أرسلت على عاد فأهلكتهم. ج- جنوبية وهي التي تهب من جهة الجنوب وهي الدرجة الثانية بعد الصبا من حيث خيريتها. د- شمالية وهي إذا هبت بإذن الله جاءت بالزمهرير – البرد القارس – وتؤثر على الزرع وتتغير منها الأجسام. 14 - الجاسوس في الإسلام: 1 - جواز استعمال التجسس في الإسلام 2 - منقبة للزبير رضي الله عنه وقوة قلبه وصحة يقينه. 3 - جواز سفر الرجل وحده وأن النهي عن سفر الإنسان وحده إنما هو حيث لا تدعو الضرورة إلى ذلك أما في مثل هذه المهمات فهو جائز لأن فيه مصلحة للمسلمين وقد يحدث للإنسان حاجة للسفر ولا يجد من يرافقه فهل يا ترى يترك أمرا هاما لأنه لم يجد مرافقين والأمر بذلك إنما هو للاستحباب. قال الحافظ: وقد وقع في كتب المغازي بعث كل من حذيفة ونعيم بن مسعود وغيرهما. أما حديث الزبير حينما أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قريظة وهو عن عبد الله بن الزبير عن أبيه ... ففيه كما قال الحافظ: صحة سماع الصغير وأنه لا يتوقف على أربع أو خمس لأن ابن الزبير كان يومئذ ابن سنتين وشهرا أو ثلاث وشهرا بحسب الاختلاف في وقت مولده وفي تاريخ الخندق. 15 - أهمية الدعاء: وفيه حديث عبد الله ابن أبي أوفى " اللهم منزل الكتاب " ومن الفوائد ما ذكره الحافظ: أن فيه التنبيه على عظم هذه النعم الثلاث: إنزال الكتاب – إجراء السحاب – هزيمة الأحزاب وفيه استحباب الدعاء عند اللقاء والاستنصار. ووصية المقاتلين بما فيه صلاح أمرهم وتعليمهم ما يحتاجون إليه وسؤال الله تعالى بصفاته الحسنى وبنعمه السابغة ومراعاة نشاط النفوس لفعل الطاعة والحث على سلوك الأدب وغير ذلك. وفيه حديث علي رضي الله عنه (لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا ... ) الحديث. قال الحافظ: وفيه الدعاء عليهم بأن يملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا وليس فيه الدعاء عليهم بالهزيمة لكن يؤخذ من لفظ الزلزلة لأن في إحراق بيوتهم غاية التزلزل لنفوسهم. وقال: وفيه جواز الدعاء على المشركين بمثل ذلك. كما تضمن كذلك دعاء صدر من النبي صلى الله عليه وسلم على من يستحقه وهو من مات مشركا منهم وفيه شدة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أداء الصلوات وخاصة صلاة العصر والتي قال صلى الله عليه وسلم في تاركها من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله. وأخيرا يتبين من مجريات الأمور والأحداث في هذه الغزوات وغيرها من الغزوات أن النصر في المعارك لا يكون بكثرة العدد ووفرة السلاح وإنما يكون بقوة الروح المعنوية لدى الجيش. وقد كان الجيش الإسلامي في هذه المعارك يمثل العقيدة النقية والإيمان الصادق والفرح بالاستشهاد والرغبة في ثواب الله وجنته. كما يمثل الفرحة من الانعتاق من الضلال والفرقة والفساد بينما كان جيش المشركين يمثل فساد العقيدة وتفسخ الأخلاق وتفكك الروابط الاجتماعية والانغماس في الملذات. والعصبية العمياء للتقاليد البالية والآباء الماضين والآلهة المزيفة انظر إلى ما كان يفعله الجيشان قبل بدء القتال. فقد حرص المشركون قبل بدء معركة بدر مثلا على أن يقوموا ثلاثة أيام يشربون فيها الخمور وتغني لهم القيان وتضرب لهم الدفوف وتشعل عندهم النيران لتسمع العرب بما فعلوا فتهابهم. وكانوا يظنون ذلك سبيلا إلى النصر بينما كان المسلمون قبل بدء أي معركة يتجهون إلى الله بقلوبهم يسألونه النصر ويرجونه الشهادة ويشمون روائح الجنة ويخر الرسول صلى الله عليه وسلم ساجدا مبتهلا يسأل ربه أن ينصر عباده المؤمنين وقد ابتهل كثيرا في هذه الغزوة ودعا الله حتى نصره وكانت النتيجة أن انتصر الأتقياء الخاشعون وانهزم اللاهون العابثون. والذي يقارن بين أرقام المسلمين في أي معركة وبين أرقام المشركين يجد دائما أن المشركين أكثر من المسلمين أضعافا مضاعفة ومع ذلك فقد كان النصر حليف المسلمين رغم ذلك كله. والحمد لله رب العالمين

مرويات غزوة بني المصطلق (المريسيع)

مرويات غزوة بني المصطلق (المريسيع) ¤إبراهيم بن إبراهيم قريبي£بدون¥الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة¨بدون¢بدون€حديث¶غزوة بني المصطلق الخاتمة: تناول هذا البحث (مرويات غزوة بني المصطلق) جمعا وتحقيقا ودراسة ويقع في مقدمة وأربعة أبواب. أما المقدمة: فقد اشتملت على أسباب اختياري لموضوع رسالتي في السيرة النبوية، ثم سبب تخصيصي غزوة بني المصطلق بالذات بهذه الدراسة، وقد أشرت في هذه المقدمة إلى أهمية علم التاريخ، وضرورة العناية بالسيرة النبوية خاصة، كما حللت أهم المصادر التي استقيت منها في هذا الموضوع. وأما الباب الأول: فقد تناول نسب بني المصطلق وصلتهم النسبية بقبائل المدينة المنورة، محققا الخلاف الوارد في نسبهم، ومشيرا إلى أرجح الأقوال في نظري، مدعما ذلك بما أورده أهل هذا الفن من حجج وتعليلات، مع الإشارة إلى حجج المخالفين ومناقشتها بإيجاز غير مخل كما بحثت في تحقيق مواقعهم وديارهم التي كانوا يسكنونها وقد عانيت في ذلك عناء كبيرا، ولكنني بحمد الله وصلت إلى تحديد أماكنهم، وضبطها، مستعينا بالمراجع العلمية في هذا الباب قديمها وحديثها، وانتهيت إلى نتيجة مرضية في ذلك حيث تم لي تحديدها بالأميال والكيلومترات، وانحصرت ديارهم فيما بين مر الظهران والأبواء. وهذا التحديد والتفصيل لم أر من قام به قبلي. وبعد ذلك تحدثت عن موقفهم من الدعوة الإسلامية، وتأخر إسلامهم بسبب تأثرهم بموقف قريش، فقد كانوا من الأحابيش الموالين لقريش وقد تكتلوا معهم في موقعة أحد ضد المسلمين. فكانوا ينتظرون ما تصنعه قريش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانت لهم تحركات ضد المسلمين بينتها بجلاء في هذا الباب، كما تحدثت عن موقف المسلمين من هذه التحركات وبينت أيضا وجوب إنذار الكافرين أو عدم إنذارهم ناقلا في ذلك أقوال العلماء ومرجحا ما ظهر لي أنه الراجح بالدليل، كما رجحت أن بني المصطلق كانت قد بلغتهم الدعوة الإسلامية وأن عندهم الإنذار المسبق وبهذا يسقط الاعتراض الوارد على المشركين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذهم على غرة. وأشرت في هذا الباب إلى سبب هذه الغزوة محددا تاريخا مع وصف ما دار فيها من أحداث خطيرة، وما انتهت إليه من نتائج عظيمة ونصر للإسلام والمسلمين، مبينا موقف بني المصطلق بعد الغزوة كما رجحت وجود سعد بن معاذ في هذه الغزوة على القائلين بخلاف ذلك.

أما الباب الثاني: فقد تركز الحديث فيه عن دور المنافقين في بدء الدعوة الإسلامية بوجه عام وعن دورهم في هذا الغزوة بصفة خاصة. وقد حاولت أن أضع صورة وافية للدسائس الخبيثة والمكايد المتنوعة التي كان يقوم بها حزب النفاق من أجل عرقلة انتشار الدعوة الإسلامية، مبينا ظهور نشأة النفاق وأسبابه ومواقف المنافقين في الغزوات التي سبقت هذه الغزوة مع الإشارة إلى خطورة النفاق وأضراره الجسيمة على الإسلام والمسلمين. وقد حظي موقفهم في غزوة المريسيع بحديث واسع بينت فيه كل ما قاموا به من أعمال عدوانية وتخذيل في صفوف المسلمين، واستغلالهم الفرص التي يبثون فيها شبههم وأفكارهم السيئة ومن ذلك إثارتهم للعصبية الجاهلية في هذه الغزوة ورفعهم للشعارات القبلية وما صاحب ذلك من فتن كادت تعصف ريحها بكثير من المسلمين وأشرت إلى حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم في معالجة هذه السموم التي ينفثها المنافقون مع حلمه في عدم مؤاخذة القائمين بذلك وأسوأ عمل قام به المنافقون على الإطلاق في هذه الغزوة هو اختلاقهم لحادثة الإفك التي كان لها أثرها السيئ في نفوس المسلمين ووقعها الأليم في ساحة النبوة الطاهرة وقد استغرق الحديث عن هذه الحادثة وقتا طويلا لتشعب رواياتها وكثيرة أحداثها وقد تكلمت على جميع الجوانب المتصلة بها من تخريج الروايات وتحقيقها مع الكلام على الأحكام الفقهية المستنبطة منها، وهو أمر لم أر أحدا من المؤرخين قام به في مكان واحد بهذه الصورة التي انتهيت إليها. أما الباب الثالث: فقد كان بحثي فيه عن تخريج حديث الإفك، وعن الانتقاد والرد على الزهري في تلفيقه الحديث عن مشايخه الأربعة دون أن يفرد حديث كل واحد منهم على حدة، وبينت أن هذا جائز لا مانع منه لأن الكل ثقات وقد بينت أن بعض الحديث عن بعضهم وبعضه عن بعضهم الآخر ثم حققت القول في الذي تولى كبر الإفك وأنه عبدالله بن أبي بن سلول، كما بينت ما حصل للصحابة من مواقف متباينة في هذه الحادثة. فكان منهم من نفاها من أصلها وصرح بأن هذا بهتان وكذب، وذلك مثل أسامة بن زيد وبريرة وأبي أيوب الأنصاري وزوجه ومنهم من نفاها كذلك ولكنه أشار تلويحا على رسول صلى الله عليه وسلم بأمر مشكوك فيه فأراد راحة رسول صلى الله عليه وسلم مما لحقه من هم وغم وذلك هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يردد قول أهل النفاق دون وعي وإدراك لما يقصده المنافقون وذلك مثل حسان بن ثابت وحمنة بنت جحش ومسطح بن أثاثة رضي الله عنهم، وقد بينت ذلك في محله بيانا شافيا، كما بينت في هذا الباب النزاع الحاصل بين الأوس والخزرج، في شأن عبدالله بن أبي بن سلول، الذي هو أساس هذه الفتنة ورأسها، وبينت أيضا الانتقاد الوارد على البخاري في سماع مسروق من أم رومان ورجحت القول بسماعه منها مع ذكر وجهة المخالفين والرد عليها بأدلة مبسوطة في محلها. وآخر أبواب الرسالة هو الباب الرابع. وقد أفردته للحديث عن الأحكام الفقهية الواردة في هذه الغزوة. وهذا هو الفصل الأول منه، وعن العبر والحكم المستنبطة من هذه الغزوة وهذا هو الفصل الثاني من هذا الباب فأما الأحكام الفقهية فقد بلغت عشر أحكام تحدثت عن كل حكم منها بإيجاز واختصار غير مخل ومشيرا إلى الخلاف مستدلا للأقوال مرجحا الراجح بالدليل. ولم أطل في ذلك لأن البحث ليس فقهيا بالمعنى الدقيق، وإنما عرضت لذلك حسب ما اقتضته نصوص الروايات الدالة على بعض الأحكام الفقهية. وأما العبر فإنها كثيرة وقد تكلمت على خمس عبر منها مأخوذة من هذه الغزوة. وأما الجديد في هذا الموضوع فيمكن إيجازه فيما يلي:

1 - إن هذه الغزوة لم يفردها أحد بالتأليف قديما ولا حديثا وإنما تذكر ضمنا مع غيرها شأن المؤلفين في التاريخ عامة أو في السيرة النبوية خاصة وأحسن من تكلم فيها من المعاصرين محمد أحمد باشميل ضمن الأحداث الواقعة قبل غزوة الأحزاب، لكنه غير متقيد بتحقيق أو تدقيق ولم يستوعب الموضوع من جميع جوانبه. 2 - تحديد مساكن هذه القبيلة وضبطها بالأميال والكيلومترات. 3 - ذكر نبذة في نسبهم وصلتهم بقبائل المدينة المنورة. 4 - عقد مبحث في وجوب إنذار العدو أو عدم إنذاره بينت فيه مذاهب العلماء وأيدت القول الراجح بالدليل. 5 - تفصيل الكلام على حديث الإفك بكل جوانبه المتعلقة به، وهذا يعتبر جديدا وأحسن من تكلم على حديث الإفك ابن القيم في الزاد، ولكن ليس بهذا الاستقصاء الذي قمت به. 6 - عقد مبحث حول جواز استرقاق العرب أو عدمه، لأن له صلة بموضوعي بينت فيه أقوال العلماء ونصصت على القول الراجح بدليله وهذا جديد بالنسبة لهذه الغزوة. 7 - عقدت فصلا للأحكام المستنبطة من هذه الغزوة وخاصة حديث الإفك وهذا وإن لم يكن جديدا بالمعنى الحقيقي، إلا أنه يوجد فيه بعض الأحكام أشار إليها بعض المؤرخين إشارة خاطفة وذلك مثل متى شرع التيمم؟ وصحة جعل العتق صداقا وغير ذلك. 8 - منهجي في هذا البحث هو: أنني أورد الحديث ثم أترجم لرجاله، وإن كان هناك حديث آخر يؤيده أو يعارضه أورده أيضا، ثم أحكم بعد ذلك على الحديث بما تقتضيه تلك الدراسة صحة أو ضعفا بعد المناقشة والفحص. وإذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فقد أترجم لرجاله من باب التعريف بهم لا للنقد فيهم، وأحيانا أقتصر على المتن أو جزء منه مجردا عن الإسناد وذلك لاتفاق العلماء على توثيق رجالهما، وعلى أن كتابيهما أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل. وهذا المنهج لم يسبقني أحد إليه في دراسة هذه الغزوة، وهو محاولة لتطبيق مناهج المحدثين في دراسة السيرة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مرويات غزوة حنين وحصار الطائف

مرويات غزوة حنين وحصار الطائف ¤إبراهيم بن إبراهيم قريبي£بدون¥الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة¨بدون¢بدون€حديث¶غزوة حنين بعد تلك الرحلة العلمية الممتعة في دراسة غزوة حنين وتحقيق مروياتها وترتيب أبوابها وفصولها ومباحثها ووضع كل جزئية علمية بإزاء ما يشاكلها ويلائمها، وبعد الفراغ من ذلك التطواف الحقيق في غضون المصادر العلمية لرصد كل ما يمت بصلة إلى هذه الغزوة بعد تمحيصه وتحقيقه. بعد ذلك كله أريد أن أنوه إلى أبرز النتائج العلمية التي يحسن ذكرها ولا يجمل بالباحث إهمالها، وما من شك أن أي باحث يمارس عملا علميا معينا تمر به نتائج كثيرة وقضايا متعددة تستحق الإشادة والبيان. ولكني أجتزئ بذكر أبرز نتائج هذه المعركة مشيرا إلى بعض ما توصلت إليه بإيجاز من خلال معايشتي لهذا الموضوع العلمي الخطير. وفي البداية أود أن أقرر أن هذا البحث بهذه الصورة التي انتهيت إليها في دراسة هذه الغزوة لم يسبق له نظير في حدود علمي لم أطرفاها وجمع شتاتها وحقق مروياتها ونظم معلوماتها على هذا النسق العلمي الذي أعانني الله على إنجازه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ولا ينبغي أن يغيب عن البال أن هذه المعركة وما تبعها من أحداث تشكل في سلسلة غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، خطورة بالغة، وأهمية قصوى فقد كان ينتظر نتائجها الفريقان: المؤمنون والمشركون، وقد أدرك حماة الوثنية العربية أن نجاح المسلمين في غزواتهم السابقة وآخرها فتح مكة يعني الإجهاز عليهم والقضاء على معاقل العبادة الوثنية من أصنام وأوثان، ومن هنا رصدوا تحركات المسلمين نحوهم وجمعوا قواهم المادية والمعنوية وقرروا في أنفسهم أن هذه هي آخر تجربة يخوضها الإسلام مع الشرك، وفي الصورة المقابلة كان المسلمون قد اغتبطوا بانتصاراتهم المتلاحقة وكانوا على يقظة تامة بما يبيته المشركون من هوازن وثقيف وسائر القبائل الأخرى الباقية على شركها وضلالها، وعلم المسلمون بعزم المشركين المجاورين لمكة على القتال والنضال فأعدوا العدة وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه تلك الأعداد الغفيرة التي لم يسبق لها مثيل في الكثرة، وكان في هذه الكثرة بعض المغموزين في إسلامهم من الأعراب والطلقاء وذوي الريب في حقيقة الإسلام، ودارت المعركة الخطيرة التي لا تقل خطورة عن معركة بدر الكبرى، فقد كانت معركة بدر الكبرى أول تجربة عسكرية للمسلمين مع المشركين كما كانت معركة حنين آخر تجربة عسكرية مع الوثنيين. فالأولى أرهبتهم وكسرت من حدتهم وجعلت للمسلمين هيبة في قلوب أعدائهم. ومعركة حنين استفرغت قواهم واستنفدت سهامهم وأذلت جمعهم، فلم يجدوا بدا من الدخول في دين الله. ولذلك لا يبالغ الباحث إذا قال إن معركة حنين هي خاتمة المطاف في مواجهة تحديات الوثنية العربية وتكون هذه النتيجة العظيمة أبرز نتائج هذه المعركة، ولا يعكر على ذلك إندحار المسلمين في بداية الغزوة فقد تبين بما لا يدع مجالا للشك أن ذلك كان تربية من الله لجنده وحزبه لكي لا يغفلوا عن مصدر انتصارهم ولا ينخدعوا بكثرتهم، والعبرة في الانتصارات الحربية إنما هي بالخاتمة التي تنتهي إليها المعارك الإنسانية، والنهاية كانت كما قال الله عز وجل، {ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ} (26) سورة التوبة، إنها نهاية العذاب للكافرين ونهاية النصر للمؤمنين. ومن مظاهر تعذيب الكافرين هدم أوثانهم وتحطيم معبوداتهم وأسرهم وغنيمة أموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم وقتل العديد منهم، كما فصلت ذلك في أماكنه من البحث.

ومما ينبغي ملاحظته في هذه الغزوة أن الجيش الإسلامي لم يخل بعض أفراده من رواسب الوثنية لحداثة عهدهم بالجاهلية، فقد حن بعضهم لجاهليته حيث طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط، وهذا الصنف من الناس من جملة الجيش الذي خرج لحرب المشركين، كما كان في الجيش الإسلامي أيضا الطلقاء والأعراب الجفاة وبعض المغموزين في إسلامهم، وقد سمح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، جميعا أن يخرجوا معه مجاهدين. والنتيجة التي يخلص منها الباحث إذا تأمل هذا الموقف أنه لا مانع أن يكون في جيوش المسلمين بعض ضعفاء الإيمان مع وجوب العمل على تقوية إيمانهم وتعليمهم بحكمة وصبر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم، واجه جفاء الأعراب وسؤال السائلين له أن يجعل لهم ذات أنواط وبعض الأخبار التي كانت تنقل إليه من بعض المغموزين، واجه كل ذلك بحلم وصبر وحكمة عظيمة، يجب الاقتداء به صلى الله عليه وسلم، فيها، كما أنه صلى الله عليه وسلم تحمل بخلقه العظيم وشجاعته النادرة بعض النيات الخبيثة التي كانت تحاول اغتياله كما يتضح ذلك في موقفه من شيبة بن عثمان وما آل إليه أمر شيبة حيث صار جنديا من جنود الإسلام وعد فيمن ثبت يوم حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن كان الهدف من خروجه إلى غزوة حنين أن يجد من رسول صلى الله عليه وسلم، غرة فيقتله ثأرا بأبيه كما حدث هو عن نفسه. وقد اتهم صلى الله عليه وسلم، وحاشاه من ذلك بعدم العدالة وصبر على ذلك القول الجائر وأعدل يا محمد فإنك لم تعدل" وقال لقائله: "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل" وهو في ذلك يقتدى بمن سبقه من الأنبياء الذين صبروا على الأذى فقد قال في هذا الموقف "رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" وقد امتثل صلى الله عليه وسلم قول الله تبارك وتعالى له {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (90) سورة الأنعام، ولقد واجه الرسول صلى الله عليه وسلم كل تلك المواقف الحرجة بما حباه الله به من حكمة وشجاعة وصبر وخلق عظيم، فحري بالدعاة إلى الله أن يتمثلوا هذه المواقف ويأخذوا منها القدوة الحسنة لهم في حياتهم العملية، وهذا من الدروس العظيمة التي تقدمها لنا سيرته العطرة المليئة بمثل هذه النماذج العالية في حسم المواقف وعلاج أمراض القلوب ومواجهة النفسيات المختلفة. ولا أدل على ذلك من الأسلوب الذي قسم به صلى الله عليه وسلم غنائم هذه الغزوة فقد منح أولئك المتطلعين إلى حطام الدنيا وأعطاهم عطايا عظيمة جعلتهم يطلقون عبارات الشكر والثناء ويعترفون صراحة أن هذا العطاء الهائل لا يكون إلا من نبي لا يخشى الفقر، وهم على علم بأن كل بشر عادي ولو كان أكرم الناس يخشى الفقر، وقد صرح بعضهم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم يعطيه وإنه لأبغض الناس إليه فما يزال يعطيه حتى يصير أحب الناس إليه، وهذه هي النتيجة التي كان يتوخاها صلى الله عليه وسلم من قسم الغنائم على أولئك المغموزين ووكل أهل الإيمان واليقين إلى إيمانهم وثباتهم على الحق كما مر تفصيل ذلك في محله غير أن هذا التقسيم في الأظهر خاص بتلك الغزوة فليس لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرم الجيش الإسلامي المقاتل الغنائم التي غنموها ويعطيها لغيرهم والمسألة خلافية، ولكن هذا هو المذهب الأمثل الذي توصلت إليه في ذلك. ولقد انهال على المدينة المنورة بعد هذه الغزوة الوفود من عرب الجزيرة معلنين إسلامهم، ومن تلك الوفود وفد هوازن ووفد ثقيف وكان ذلك من نتائج هذه المعركة الفاصلة بين الكفر والإيمان، ومن المعلوم أن العرب كانوا ينتظرون نتائج فتح مكة، فلما خضعت قريش للإسلام وهم قوم الرسول صلى الله عليه وسلم وسكان بيت الله الحرام ومصدر التشريع للعرب جميعاً كان ذلك مؤذنا بزوال الشرك وتمكن التوحيد في أرض الجزيرة، والذين لم يخضعوا بعد وغرتهم قوتهم وجموعهم هم قبائل هوازن وثقيف كما سبق، فلما دارت الدائرة عليهم للمسلمين لم يبق أمام العرب جميعا قوة تذكر لمقاومة الإسلام والمسلمين فما بقى أمام الجاهليين إلا أن يفدوا على عاصمة الإسلام المدينة المنورة ليعلنوا إسلامهم أو ليتفاوضوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وتعد سنة الوفود نتيجة طبيعية لهذه الغزوة وقد تعنت وفد ثقيف في شروطهم

مرويات قنوت الفجر

مرويات قنوت الفجر ¤طلال الطرابيلي£بدون¥مكتبة عباد الرحمن - مصر¨الأولى¢1425هـ€حديث¶قنوت خاتمة هي "حاصل القول في المسألة": وبعد استعراض أدلة الفريقين، وأقوال أهل العلم في المسألة نلخص فيها بإذن الله تعالى إلى ما يلي: 1 - أن القنوت في الفجر ليس ببدعة. 2 - أنه لم يأت في شيء من الأحاديث ما يدل على استمرارية القنوت، إلا ما روي عن أنس: مازال النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا وقد أعل كما تقدم. 3 - جميع أحاديث الباب قاضية بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله عندما ينزل بالمسلمين نازلة. 4 - كان صلى الله عليه وسلم إذا قنت في نازلة ربما قنت في جميع الصلوات، وربما اقتصر على بعضها. 5 - دلت الروايات على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت لنازلة إلا في جماعة فريضة. 6 - كان قنوته صلى الله عليه وسلم قبل الركوع، وبعده إلا أن أكثر الروايات على أنه بعد الركوع. 7 - يشرع فيه تقديم الثناءات والمحامد على الله عز وجل بين يدي دعائه. 8 - يقتصر في دعاء القنوت على ما يناسب سببه، وبلا حد لطوله وقصره. 9 - أنه ترفع فيه الأيدي، ويجهر به، ويؤمن عليه. 10 - يستحب للمأموم فيه متابعة الإمام عليه وإن كان لا يراه. 11 - يجوز فيه تسمية المعين المدعو له، وكذا أيضاً المدعو عليه إلا باللعن. 12 - أن من ترك القنوت ليس عليه أن يسجد للسهو. 13 - لا يشرع مسح الوجه أو الصدر باليدين بعد الفراغ من الدعاء. 14 - أن يجهر به في الصلاة السرية كما يجهر به في الجهرية على السواء بلا فرق بينهما. والله تعالى أعلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. وكتبه طلال بن محمد الطرابيلي. مصر – دمياط.

دعوة ودعاة

دعوة ودعاة

أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة

أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة ¤حمد بن ناصر العمار£بدون¥دار إشبيليا¨الأولى¢1416هـ€دعوة ودعاة¶دعوة - وسائلها وطرق التأثير الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات، والشكر له سبحانه على توفيقه لي بأن ذلّل لي جميع العقبات، حيث منّ عليّ فأتيت على جميع مفردات خطة البحث التي رسمتها للكتابة فيه. ونعم الله عليّ عظيمة كثيرة، فأسأله سبحانه أن يوفقني إلى شكرها، والعمل بمقتضاها ?ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ، وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين (. فمن نعم الله سبحانه: أـ نعمة الإيجاد. ب ـ نعمة الإمداد. ج ـ نعمة الهداية. فالله سبحانه تفضّل عليّ بنعمة الإيجاد والإمداد، وأرجو أن أكون ممّن تُفضِّل عليه بنعمة الهداية بقسميها، وأن يثبتني على طريق الاستقامة إلى أن ألقى الله سبحانه. وإنّ من المناسب هنا أن أذكر أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث وهي كما يلي: 1ـ أنّ حياة الأمة ـ الحياة الحقيقية ـ في قيامها بواجب الدعوة إلى الإسلام. 2ـ أنّ نجاح الدعوة الإسلامية يكون غلباً إذا أُخذ بالأساليب الدعوية المعاصرة للمدعو. 3ـ أنّ أساليب الدعوة الإسلامية ليست قضيَّة يجب الوقوف عندها، ويمتنع الأخذ بغيرها، بينما هي من المجالات المتاحة للداعية، يختار منها ويبتكر ما يناسب مدعوّه، بشرط عدم اصطدامها بقاعدة شرعيّة ثابتة. 4ـ أنّ من أهمّ الأساليب الدعويّة المعاصرة ما يلي: أـ إثبات القضايا الرئيسة مثل وجود الله، وإثبات نبوّة نبيّنا محمد e، وإثبات صحة رسالة الإسلام. ب ـ العناية بالبناء قبل الهدم مع المدعو، فإنّ حرص الداعية على هدم الباطل الذي يقيم عليه المدعو لربّما كان حائلاً تجاه قبول البناء والحقّ. ج ـ ضرورة لفت نظر المدعو إلى قدرة الله سبحانه في بعض المخلوقات مثل خلق الإنسان وخاصة الجنين، وخلق الحيوان، وخلق النبات، وبعض مظاهر الكون، لما في ذلك من أثر إيجابي في نفسيّة المدعو. د ـ ضرورة أن يكون النقد للباطل متكاملاً، فلا يعنى بظاهر الباطل دون جذره وأصله، فمثلاً حينما تُنقد الحضارة الغربيّة ينبغي أن تُنقد في قيمها وأفكارها، وأن تنقد في أخلاقها ورسالتها للناس. هـ الموضوعيّة في عرض الدعوة، فينبغي ذكر الحقّ وماله من مزايا وفضل، وذكر الباطل، وماله وما عليه، ثم تعقد موازنه فيما بين الأمرين حتى يتبيّن بروز الحق وتفوّقه، وخذلان الباطل وسفالته، مثل: الموازنة بين الدين الإسلامي الصحيح، والأديان التي يتبناها اليهود والنصارى في وقتنا الراهن والمعاصر، وما للأمرين من حسنات وسيئات، ومثل الموازنة بين بعض الأنظمة الاقتصادية المعاصرة مثل نظام الاقتصاد الشيوعي ونظام الاقتصاد الرأسمالي وموازنتها بنظام الاقتصاد الإسلامي، وكيف أنّ كلاً من النظامين السابقين لهما إيجابيات، لكن عليهما سلبيات كبيرة وكثيرة علت إيجابياتهما، بينما جمع نظام الاقتصاد الإسلامي أفضل ما عند الطرفين، وتجنّب سلبياتهما ومثالبهما، ومثل الموازنة بين التفاضل بين بني الإنسان، ففي المذاهب الوضعيّة يفضّل الإنسان بجنسه، أو بدمه، أو عرقه، أو لونه، أو مركزه، أو شرفه، أو ماله… إلخ. بينما جعل الإسلام معيار التفاضل تحقّق أكبر قدر من تقوى الله ومراقبته. 5ـ ينبغي تنبّه الداعية إلى ضرورة استعمال لغة العصر في المنهج: من حيث مراعاة سنة التدرّج، وأنّ هذه المسألة لم تنته في جميع صورها، فينبغي أن يبدأ مع المدعو إلى الإسلام حديثاً بالرفق، وأن يدعي إلى الأصول أولاً وأن تُرَتّب له الأولويات، وغيرها يأتي بالتّبع، كما ينبغي على الداعية الفقيه الابتعاد عن توجّه بعض الدعاة اليوم من تبنّي:

المناداة بأخذ الإسلام جملة أو تركه جملة، فلربّما شقَّ على هذا المدعو الجديد الانصياع ـ في أوّل إسلامه، أو أوّل استقامته ـ إلى أوامر الإسلام كلّها، أو ترك نواهي الإسلام كلّها. ومن حيث مراعاة المصطلحات الحديثة، الأيديولوجيّة منها، والاجتماعية، والسياسيّة وغيرها. ومن حيث مخاطبة المدعو بما يعرف، ومن خلال ما يفكر فيه، وما يحبّ، وما يكره، ومن خلال مستوى بيئته التي يعيش فيها، فإنّ ذلك أدعى إلى استجابته واستمالته، حتى يكون فهمه أسرع. كما ينبغي استعمال لغة العصر في مداخل الدعوة: من حيث العناية بالجوانب التي فيها جاذبيّة أكثر من خلال جودة الإخراج الفني لأعمال الدعوة، والعناية بالإطار العام والخارجي لها، فإنّ الحق بنفسه جذّاب، وعليه مسحة من جمال لكن لربّما أثّر الداعية بأسلوبه السيئ على جاذبيّة الحقّ الذي يحمله، أو على جمال الحق الذي يحمله فكان حاجزاً بدل أن يكون سراجاً مضيئاً. ومن حيث العناية بالهموم العامّة للأمّة وللمدعو، والمشكلات التي يعانيها، ومحاولة تذليلها ما أمكن، فإنّ ذلك هو السبيل المناسب للتأثير في المدعو واستمالته إلى الداعية. 6ـ أنّ حال الداعية في دعوته، كحال المزارع في زراعته، فإنّ المزارع يقوم ببعض الأعمال الإجرائيّة والاحتياطيّة قبل الزراعة، وفي أثنائها، وبعدها حتى تكون زراعته صالحة، ومنها: أنّه يختار الأرض الصالحة للإنبات، ومن ثمّ يقوم بتسويتها وتعديلها… وبعد ذلك لا يلقي البذر، ولا يغرس فسيلة إلاّ في الأوقات الصالحة للغرس، ثم بعد ذلك يتعاهد هذه البذرة والفسيلة بالرعاية والسقاية، وبإذن الله تمرّ هذه النبتة بمراحلها الزراعيّة المعروفة، فإذا ماخرجت الشجرة قام المزارع بحمايتها من آفات البيئة ومشكلاتها، ولذا يقوم برشّها بالمبيدات…إلخ، إلى أن تنتج هذه الشجرة تلك الثمرة فيأكل الناس. والداعية لا يكون همّه أن يلقي بكلمته، فلربّما كان لهذه الكلمة الملقاة أثراً مستقبلياً، ولربّما كانت هباءً كحبّة البذر إذا ما ألقاها المزارع في أرض فلاة، ولم يتعاهدها، وربّما ساقتها الرياح إلى أرض صمّاء لا تصلح لزراعة، وربّما لم ينزل عليها المطر، ولذا تكون نهايتها قريبة وسريعة. إنّ الداعية الناجح هو من يحرص على دعوة الناس عموماً، وعلى اختيار العيّنة المناسبة لغرس الدعوة المركّزة من خلالها، فالناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة، فبعد اختيار عيّنة المدعو من سائر الناس، تقدّم الدعوة له من خلال عامل الهدم والبناء، هدم الباطل الذي يحمله، وإقامة بناء خير جديد صالح له، وليس هناك نصٌ صحيح صريح يوجب تقدّم أحد هذين الأسلوبين على الآخر، لكن يرتكب ألطفهما بحال المدعو، من خلال عامل الترهيب والترغيب، ومن خلال لفت نظره إلى ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان السويّ، كيف خلق، ولماذا يسير؟. إنّ الداعية ينبغي عليه أن يقرأ في صفحات وجه المدعو، وعلى محيّاه مدى استجابته من عدمها، ومدى قربه من بعده، وعلى ضوء هذا يحدّد مستواه، ويتقدّم أو يتراجع، ويحاسب طريقته التي يسير فيها. 7ـ إنّ على الداعية أن يدين الله باتخاذ أفضل الأساليب في حقّ المدعو، التي تناسبه، وأن ينوّعها، وأن يجتهد في الدعوة والرعاية والنماء والتربية، وأن لا يتشدّد في ضرورة استجابة المدعو للحق، فإنّ استجابة جميع المدعوين للداعية لم تتحقّق للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم المعصومون، والمبلغون عن الله تعالى، فإن هداية التوفيق والإلهام خاصّة بالله سبحانه، وما على الداعية إلاّ الاجتهاد في حدود هداية الدلالة والإرشاد، وعلى الداعية أن لا يضجر في عدم الاستجابة له في أوّل وهلة، أو في المرّة الثانية، بل عليه أن يدعو، وأن يكرر الدعوة، وأن يختار لها الأساليب المعينة لقبولها، وأن يبتعد عن الأسباب المانعة لقبول دعوته ما أمكن، ويفوّض أمره إلى الله تعالى. هذه أهمّ النتائج التي توصّلت إليها في هذا البحث، والله أسأل أن ينفعنا بما علّمنا، وأن يزيدنا علماً، وأن يعيننا على القيام بحقّه فيما كلّفنا. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أعلام التصحيح والاعتقاد - مناهجهم وآراؤهم

أعلام التصحيح والاعتقاد - مناهجهم وآراؤهم ¤خالد بن محمد البديوي£بدون¥بدون¨الأولى¢1427هـ€دعوة ودعاة¶مناهج دعوية وجماعات - انتماء للجماعات أولا: أهم النتائج: لعل أبرز النتائج التي نستخلصها من البحث ما يلي: 1. أن الإمامي مصطلح يراد به من اعتقد بوجود أئمة اثني عشر منصوص عليهم من الله وأنهم معصومون واعتقد بأن محمد بن الحسن هو المهدي وأنه قد ولد ثم غاب، وقد يختلفون في تفاصيل القول في هذه العقائد الأساسية مثل اختلافهم في تفاصيل العصمة، ويلحق بهؤلاء من سيقول بأن ثمة أئمة اثني عشر منصوص عليهم ولكنهم أئمة علم وديانة وليس سياسة وهو قول الموسى بالإمامة الروحية – وإن كان أخف من غيره بكثير-. وأما بقية العقائد فإنها لا تشكل المعنى الأساسي للإمامية، وهم قد يختلفون في إثباتها مثل اختلافهم في إثبات الرجعة، والقول بتحريف القرآن ونحوها. 2. أن الإمامية المعاصرين منهم غلاة، وهؤلاء درجات في الغلو، ومنهم طائفة تسعى إلى مدافعة الغلو في أبواب التوحيد مثل نسبة العلم بالغيب لغير الله والقول بتصرف الأئمة بالكون " الولاية التكوينية " وصرف العبادة لغير الله من دعاء أو استغاثة وهو يختلفون في درجات ما ينكرون كل بحسب ما ظهر له. 3. التحولات المحمودة التي سبق الحديث عنها تشمل من تحول إلى خارج مذهب الإمامية وذلك بأن ترك القول بالإمامة والعصمة، قد يكون جمع مع ذلك ترك انحرافات أخرى في أبواب التوحيد والقرآن والصحابة وغيرها بحسب ما ظهر لكل متحول، وأما التحول الآخر: هو التحول المحمود داخل المذهب بمعنى أنه لم يترك القول بالإمامة، ولكنه مثل الشركيات في باب الربوبية وفي باب العبادة، ومثل القول بتحريف القرآن وتكفير الصحابة ونحوها. 4. أن المذهب الإمامي لم يظهر من أول وهلة بصورته الحالية , بل تكامل شيئا، وكان تسلسل تطوره – بحسب ما ظهر لي – على النحو التالي: • المرحلة الأولى: مرحلة تفضيل علي على سائر الصحابة وآخر هذه المرحلة شهدت انتشار فكرة الطعن في الشيخين – من غير براءة – وهذه المرحلة كانت إلى نهاية القرن الأول. • المرحلة الثانية: وهي مرحلة البراءة من الشيخين بحيث أصبح هو قول عامة شيعة الكوفة، وهو ما تجلى بشكل واضح سنة 122هـ في حادثة خروج زيد بن علي رحمه الله. • المرحلة الثالثة: وهي مرحلة النص والعصمة ومع أن هذه الفكرة كانت قد ظهرت قبيل نهاية القرن الأول إلا أنها لم يكتب لها إلا في زمن الإمام الصادق ما بين 122هـ وسنة وفاته 148هـ. المرحلة الرابعة: وهي المرحلة التي شهدت تحديد الأئمة بعدد اثني عشر، وهذه المرحلة بدأت مع موت الإمام الحادي عشر " الحسن بن العسكري" رحمه الله بلا ولد سنة 260هـ مما اضطر المنظرون للقول بالإمامة لختم النظرية وادعاء الغيبة. 5. أبرز من وقفت عليهم من الذين تحولوا عن المذهب الإمامي – في القرن الأخير -: أ- آية الله العظمى السيد أبو الفضل البرقعي. ب- الناقد المثقف أحمد الكسروي. ت- السيد محمد الياسري. ث- آية الله العظمى إسماعيل آل إسحاق (علامة خوئيني). ج- الأستاذ أحمد الكاتب 6. وأبرز من وقفت عليه من الذين كانت لهم تحولات محمودة داخل مذهب الإمامية – في القرن الأخير-: أ- آية الله العظمى المجاهد محمد الخالصي. ب- الدكتور السيد موسى الموسى. ت- آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله. وهؤلاء جميعا يختلفون في مستوى التحول والتصحيح الذي طرحوه، بحسب ما بان لكل واحد منهم، كما أن لبعضهم حسنات كبيرة مثل الجهاد ضد الكفار والأفكار الإلحادية، وجميعهم يشتركون في مقدار ليس بالهين في مجاهدة بعض البدع والخرافات. وأهم ما أجمعوا على دفعه عن الدين الإسلامي الصحيح:

أ- القول بأن الأئمة يتصرفون بالكون، حيث عدوه من الانحراف عن التوحيد. ب- نسبة العلم بالغيب لغير الله سواء للأئمة أو غيرهم. ت- النهي عن توجيه العبادة لغير الله تعالى ,كالسجود والاستغاثة وطلب الحاجات، واتخاذ الوسطاء من أجل طلب الغفران وغيره. ث- إنكار القول بتحريف القرآن, والرد على من قال بذلك من غلاة الإمامية. ج- إنكار القول بتكفير الصحابة. ح- ذم الخرافات والأساطير 7 - أن النقد الداخلي في كل مذهب قد يكون حركة تكاملية، بحيث يكمل الناقد الثاني طريق الأول فيجب أن تعزز عملية النقد الموضوعي ولو كانت جزئية , لأن هذا يصيب في صالح الوحدة على المنهج الواحد الصحيح في النهاية وهذا يمثل عملية تقريب صحيحة وجيدة على مدى بعيد وهذا ما يجب أن يدركه بعض الأطراف من أهل السنة الذين لا يرتضون أن يعززوا أي مصحح ما لم ينتقل إلى الحق المطلق وبدون أي شائبة. ثانيا: أهم التوصيات: 1 - أن دراسة التحولات المحمودة والمذمومة بموضوعية أمر مهم للغاية والقرآن مليء بكثير من الإشارات لمثل هذه الدراسة. ومن هذه الموضوعية أن لا تدرس هذه التحولات على سبيل التكثر والانتصار بهم على الخصم لأن هذا مما يعزز روح الطائفية حتى عند أهل الحق فضلا عن المخالف لهم بل الصحيح أن تدرس كلماتهم وآراؤهم بموضوعية تامة بحيث يستفاد من نقدهم من أجل الوصول إلى وحدة إسلامية على منهج واحد موافق للقرآن والسنة الصحيحة. 2 - يعد الاستقراء الواقعي لتطورات المذهب والفرق ومنها فرقة الإمامية من الأمور المهمة جدا من أجل بناء تعامل وأحكام عادلة ومنصفة على أفرادها بدلا من الأحكام العامة. 3 - دعم المتحولين يجب أن يكون عملية متوازنة بحيث لا يترك جانب التنمية على الأخطاء لديه ولا يهمل جانب التصحيح الذي يعد من الجهاد الذي يجب دعمه بكل الوسائل وهذا ما يدفعنا إلى السؤال: كيف يحصل هذا التوازن؟ للإجابة على هذا ينبغي أن نسلك عدة خطوات: أولا: إشاعة روح الإنصاف في الأحكام لدى العلماء أو ما نسميه بنفس المحدثين في مراتب الجرح والتعديل. ثانيا: أن يعلم الناس تفاوت الناس في الخير والشر حتى يستطيع العلماء تجاوز مرحلة " عدم القدرة على إبداء أي تعزيز للمتحول جزئيا" خوفا من أن يفهم الناس التزكية المطلقة ولا مناص من هذه الخطوة لاسيما وأن كثير من الناس باتوا يسمعون ويرون كل شيء في ظل الإعلام المفتوح وقد ألف الناس السماع مع أصناف متعددة فإما أن يتواكب علماء الفرق الإسلامية ودعاتها مع المرحلة التي يعيشها الناس – وليس مع طلابهم ومريديهم- أو أنهم سيجدون أنفسهم معزولين فكريا عن الناس. ثالثا: ضرورة فتح الصلات بين أعلام أهل السنة وبين أمثال هؤلاء المصححين بكل الأساليب التي تقرب القلوب قبل كل شيء من أجل فتح مناخ غير متشنج للحوار للوصول إلى دعم حركة التصحيح في كل الفرق الإسلامية. رابعا: أن السكوت عن هذه التحولات هو أبعد المواقف المطلوبة شرعا, لأن التحولات إن كانت خيرا للأمة فالسكوت لم ينصروها ويعززوها وإن كانت باطلا فهم لم يبطلوها ويردوها وإن كان فيها خير وشر فهم لم يصنعوا شيئا تجاه خيرها أو شرها. كما أن النقد المجحف وغير المنصف يخالف قوله تعالى (اعدلوا هو أقرب للتقوى) [المائدة:8]. خامسا: ضرورة تجديد الخطاب السني وطرح الأسلوب التعميمي بحيث ينتهج المسلك الذي " يستهدي ولا يستعدي " لا سيما وأن الشدة والغلظة لن تجدي مع كون المخالفين لأهل السنة ملايين المسلمين بل الغلظة والحالة هذه لا توجد إلا صورة إعلامية قبيحة في الذهنية العالمية تجاه أهل السنة ولا يستفيد منها الحانقون على أهل السنة في صد الناس عنهم. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم القدوة حيث ترك قتل بعض من ثبت لديه نفاقه مع أن أصل قتل من ثبت نفاقه مشروع إلا أنه ترك ذلك من أجل أن يكون قتلهم رسالة إعلامية تصد الناس عن الدخول في الإسلام فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لمن أشار عليه بقتل بعض المنافقين: " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " متفق عليه. قال الإمام الشاطبي: " النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا سواء كانت الأفعال موافقة أو مخالفة .. وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه صعب المذاق محمود الغب [يعني: العاقبة والمآل] جار على مقاصد الشريعة هذا ما تيسر جمعه في هذا البحث فما أصبت فيه فمن الله وما أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان وأسأل الله تعالى أن يرحمنا وأن يغفر لنا وأن يوفقنا لما يحب ويرضى. اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والحمد لله رب العالمين.

إمامة المسجد فضلها وأثرها في الدعوة

إمامة المسجد فضلها وأثرها في الدعوة ¤عبدالعزيز بن محمد العبلاني£بدون¥دار الراية - الرياض¨الأولى¢1414هـ€دعوة ودعاة¶مساجد - أحكام وفضائل الخاتمة: وفي نهاية المطاف اتضحت لنا أهمية الإمامة ودورها في الدعوة إلى الله، وإن مما يساعد على القيام برسالة المسجد على الوجه الصحيح اختيار الإمام المناسب في علمه ودينه وخلقه، ولقد خلصت من هذه الدراسة المختصرة لإمام المسجد ودوره في الدعوة إلى نتائج أهمها ما يلي: أولا: إن إمامة المسجد لها فضل عظيم مع الإتمام وأنها أفضل من الأذان، ولكن عند تقصير الإمام فيها فإن عليه إثم عظيم ووزر كبير قد وردت الأحاديث الصحيحة ببيان ذلك فينبغي للإمام أن يحذر من هذا فإن كان أهلا للإمامة فليستعن بالله وليؤدها على الوجه الصحيح وإن كان ليس من أهلها فما عليه إلا أن يفسح المجال لغيره من القادرين على التوجيه والنصح والإرشاد ولا يكن همه تلك المكافأة التي يأخذها في نهاية كل شهر فإن الأمر جد خطير. ثانيا: إن إمام المسجد - وخاصة الجامع - له دوره الكبير في الدعوة إلى الله وهداية الحيارى وإصلاح الفاسدين، ولن يتكلل جهده بالنجاح إلا إذا سلك الطريق الأقوم، وكان داعية بحاله قبل لسانه يؤيد منهجه بالحكمة والموعظة الحسنة، كما أن إمامة المسجد أمر لا يؤخذ إلا بحقه فهنالك صفات لا بد أن يتحلى بها الإمام، وآداب لا بد أن تتوفر فيه ليستطيع من خلالها تأدية دوره، فإن فقدت هذه الصفات والآداب فيه فغيره بها أجدر. ثالثا: أن على إمام المسجد واجبات كثيرة منها ما يتعلق بصلاة من خلفه ومنها ما يتعلق بتوجيه من حوله، فينبغي عليه أن يحذر من التقصير في شيء من هذا فيكون ممن ضيعوا الأمانات التي ائتمنوا عليها وسيسألهم الله عنها يوم القيامة. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، إماما ومربياً ومعلما، ومرشدا، فعلى الإمام أن يدرس سيرته عليه الصلاة والسلام ويستفيد منها. رابعا: أن خطبة الجمعة مجال عظيم الفائدة في دعوة الناس وتوجيههم نحو تعاليم الإسلام الصحيحة إذا كلف بها الداعية المخلص لدينه وأمته، وأما إذا تركت بأيدي أناس لا يحسنون الخطابة ولا يهتمون بها بل جعلوها مصدر رزق لهم؛ فإن هذا سيكون من الأمور التي تسهم في جهل المسلمين وحجب النور عنهم. فعلى ولاة الأمر في بلاد المسلمين أن يولوا هذا الأمر عناية تامة وأن لا يعين أحد خطيبا إلا إذا كان أهلا لذلك. هذا آخر ما تيسر لي كتابته والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ¤خالد بن عثمان السبت£بدون¥المنتدى الإسلامي - لندن¨الأولى¢1415هـ€دعوة ودعاة¶الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الخاتمة يمكن أن نستخلص أهم النتائج التي توصلنا إليها من خلال هذا البحث بالأمور الآتية: 1 - أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعد من أشرف الأعمال والقائمين به هم صفوة الأمة، وهم أصحاب الغربة الكاملة. 2 - أن الأمر بالمعروف يشمل جميع الصور الداخلة تحته، سواء كان ذلك عن طريق التعليم، أو التوعية، أو التربية على الإسلام، أو غير ذلك من الصور التي لا تحصى. 3 - أن النهي عن المنكر يشمل جميع الطرق المشروعة في إزالته، سواء قبل وقوعه أو في أثنائه، كما أنه يدخل في جميع ما نهى الله عنه ورسوله – صلى الله عليه وسلم -. 4 - أن بين الحسبة من جهة كونها منصباً ووظيفة وبين القضاء موافقة وعموماً وخصوصاً من وجه كما أن بين المنصوب للاحتساب وبين المتطوع تسعة فروق سبق ذكرها. 5 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُعد ضرورة لابد منها لصلاح المجتمعات واستقامتها، فهو يحفظ الضرورات الخمس من جانب الوجود والعدم. 6 - هناك حكم عظيمة وفوائد جمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منها ما يعود على الآمر والناهي، ومنها ما يعود على المأمور المنهي، ومنها ما يعود على سائر الأمة. 7 - أن الأصل في مشروعيته هو أمر الله وأمر رسوله – صلى الله عليه وسلم – ولا يحتاج إلى تشريع أحد ولا التفضل بوضعه. 8 - كان هذا المطلب واجباً على الأمم السابقة، كما أنه واجب على هذه الأمة إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وقد يسقط الوجوب في بعض الأحوال، ولهذا ضوابط معروفة. 9 - المنكر أعم من المعصية، فكل معصية منكر دون العكس. 10 - من الاحتساب ما يحتمل التأجيل ومنه ما لا يحتمل. 11 - لهذا العمل أركان أربعة هي: المحتسب، والمحتسب عليه، والعمل الذي هو الاحتساب، والمحتسب فيه. 12 - هناك ستة شروط للمحتسب لابد من توافرها وهي: التكليف، والإسلام، والإخلاص، والمتابعة، والعلم، والقدرة. 13 - هناك شروط لا تعتبر في المحتسب وهي: العدالة، وإذن السلطان، والذكورة، والحرية. 14 - هناك آداب يجب توافرها في المحتسب وهي: الرفق، والبدء بالنفس، والمساواة بين القرابة وغيرهم، والبدء بالأهم، والصبر على الأذى، والحلم، والبدء بالأرفق، ومراعاة المصالح، ودفع المفاسد. 15 - هنا آداب يستحب توافرها في المحتسب وهي: العمل على إيجاد بديل عن المنكر، وتقليل العلاقات مع الناس إن كانت المصلحة في ذلك، والإسرار بالنصح. 16 - الناس أقسام تجاه القيام بهذا العمل أو عدمه، فمنهم من لا يلتفت إليه، ومنهم من يقوم به، وهم على درجات مختلفة. 17 - أن المحتسب عليهم لهم شروط، وهم أنواع مختلفة. 18 - أن المحتسب فيه له ضوابط وشروط محددة لابد من توافرها. 19 - لا يصح أن يقال: لا إنكار في مسائل الخلاف، وإنما يقال: مسائل الاجتهاد مع مراعاة بعض الضوابط التي سبق ذكرها. 20 - أن الاحتساب له خطوات يسير فيها، كما أن له مراتب لابد من مراعاتها. 21 - الإنكار بالقلب يقتضي مفارقة المنكر وأهله. 22 - الاحتساب لا يسقط إذا لم يُرج الانتفاع من جرائه. 23 - في حال تفشي المنكرات ينبغي القيام بهذا الواجب حسب الاستطاعة كما أمر الله. وختاماً أحمد الله تعالى على التيسير، وأسأله المزيد من فضله .. وأن يبارك بهذا الجهد وينفع به من كتبه ومن نظر فيه، إنه جواد كريم. ثم إن ما في هذا البحث من صواب فهو منْ منِّ الله وتفضله، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في حفظ الأمة

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في حفظ الأمة ¤عبدالعزيز بن أحمد المسعود£بدون¥دار الوطن - الرياض¨الثانية¢1414هـ€دعوة ودعاة¶الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الخاتمة: الحمد لله الذي جعل أمة محمد خير أمة أخرجت للناس بسبب أمرها المعروف ونهيها عن المنكر. وأشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له. القائل: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [سورة آل عمران:110]، والصلاة والسلام على خير الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر محمد بن عبدالله والقائل: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه إلى يوم الدين. أما بعد: فلقد عرفت من خلال هذا البحث أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الموضوعات الجديرة بالبحث والدراسة والتأليف حيث إنني تعبت كثيرا وكثيرا للحصول على مراجع متخصصة في هذا البحث تصلح لأن تكون مرجعا يغني الباحث ويريه اللهم إلا النزر القليل. لذا فإنه من الضروري أن يعني علماء الإسلام بهذا الموضوع ويدرسوه ويكتبوا فيه في جميع جوانبه. كما أنني عرفت من خلال البحث أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين على كل مسلم مستطيع على ما فصلناه في موضعه لمفهوم الاستطاعة. وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الوسائل، إن لم يكن هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على المنكرات وفي الوقت نفسه فإنه لا سعادة ولا فلاح للناس في أمور دينهم ودنياهم إلا بقيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لذا كان لزاما على كل المسلمين، أفرادا وجماعات رؤساء ومرؤوسين، أن يسهموا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن الأمة إن لم تفعل فإنها بهذا تكون قد عرضت نفسها لعذاب الله تعالى. عرضت نفسها للكوارث والأزمات في جميع جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وأن أمنها سيبدله الله خوفا، وغناها فقرا، وشبعها جوعا، واستقرارها واجتماعها تفرقا وتشريدا، وأدلة ذلك موجودة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما بينا ذلك في موضعه، وأما إذا قامت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنها ستسعد في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ... وتأمن من عذاب الله تعالى في الدارين الدنيا والآخرة. ولا شك أن ولاة الأمر في أي بلد يتحملون الجانب الأكبر من المسئولية عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهم الذين يستطيعون أن يرفعوا من شأنه، ويمنحوا الصلاحيات للقائمين به، ويشجعوا كل من ساهم فيه. وهم الذي يستطيعون توفير جميع الإمكانات التي تسهم في إنجاحه .. وفي الوقت نفسه هم الذين يستطيعون أن يحدوا منه ويقلصوا من صلاحيات الآمرين ويمنعوا المساهمين فيه. بل وهم الذين يستطيعون أن يحطموا القائمين به والمساهمين فيه ويبخلوا في الإمكانات حتى تنشل حركتهم ... وكان عليهم أن يعرفوا جيدا أن عزهم وأمنهم واستقرارهم واستمرارهم في مسئولياتهم يكمن في مناصرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فإذا ما تخلوا عنه فهذا إيذانا وإعلانا بزوالهم، والله المستعان.

الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى

الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى ¤سعيد بن علي القحطاني£بدون¥بدون¨الأولى¢1412هـ€دعوة ودعاة¶دعوة - فقه أحكام وضوابط وتصورات الخاتمة الحمد لله الذي أعانني على إتمام هذه الرسالة على هذه الصّورة، فالفضل والمنّة له أولاً وآخراً، ?ولَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (، ?الحَمْدُ لله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ (. بعد هذه الرّحلة المباركة ـ إن شاء الله تعالىـ التي طُفت في خلالها بمفهوم الحكمة الصّحيح في الدعوة إلى الله تعالى وأنواعها، ودرجاتها، وأركانها التي تقوم عليها، ومعاول هدمها، وطرق ومسالك اكتسابها، ومواقف الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى، التي أعزّ الله بها الإسلام وأهله، وأذلّ بها الكفر والعصيان والنّفاق وأعوانها، وحكمة القول مع أصناف المدعوين على اختلاف عقائدهم وعقولهم وإدراكاتهم ومنازلهم، وحكمة القوة الفعلية مع المدعوين: الكفار، ثم عصاة المسلمين، أقول: هذا ما منّ الله به، ثم ما وسعه الجهد، وسمح به الوقت، وتوصّل إليه الفهم المتواضع، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن فيه خطأ أو نقص فتلك سنة الله في بني الإنسان، فالكمال لله وحده، والنفص والقصور واختلاف وجاهت النظر من صفات الجنس البشري، ولا أدعي الكمال، وحسبي أني قد حاولت التّسديد والمقاربة، وبذلت الجهد ما استطعت بتوفيق الله ـ تعالىـ، وأسأل الله أن ينفعني بذلك، وينفع به جميع المسلمين، فإنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. أما أهم النتائج التي أعانني الله ويسّر لي التوصل إليها في هذا البحث فمنها ما يلي: 1ـ إن الحكمة في الدّعوة إلى الله لا تقتصر علىالكلام اللّيّن والتّرغيب والرّفق والحلم والعفو الصّفح، بل تشمل جميع الأمور التي عُملت بإتقان وإحكام، وذلك بأن تنزل في منازلها الائقة بها، فيوضع القول الحكيم والتّعليم والتّربية في مواضعها، والموعظة في موضعها، والمجادلة بالتي هي أحسن في موضعها، ومجادلة الظّالم المعاند، والمستكبر في موضعها، والزّجر والغلظة والقوّة في مواضعها، وكلّ ذلك بإحكام وإتقان، ومراعاة لأحوال المدعوين، والواقع والأزمان والأماكن، في مختلف العصور والبلدان، مع إحسان القصد والرّغبة فيما عند الكريم المنان. 2ـ إنّ الدّاعية الحكيم هو الذي يدرس ويعرف أحوال المدعوين: الاعتقادية، والنفسية والاقتصادية، والاجتماعية، والعلميّة، ويعرف مراكز الضّلال ومواطن الانحراف، وعاداتهم ولغتهم ولهجاتهم، والإحاطة بمشكلاتهم، ومستواهم الجدلي، ونزعاتهم الخلقية، والشُّبه التي تعلق بأذهانهم، ثم ينزل الناس منازلهم ويدعوهم على قدر عقولهم وأفهامهم، ويُعْطِي الدّواء على حسب الداء. 3ـ إن النبي e هو القدوة الحسنة للدُّعاة الحكماء، فقد كان يُلازم الحكمة في جميع أموره، وخاصة في دعوته إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ، وهذا من فضل الله عليه وعلى أتباعه، فقد أرسل جبريل ففرج صدره ثم غسله بماء زمزم، ثم أفرغ في صدره طستاً من ذهب ممتلئٍ حكمةً وإيماناً، وأقبل الناس، ودخلوا في دين الله أفواجاً بفضل الله ثم بحكمة هذا النبي الكريم، وما من خلق كريم ولا سلوك حكيم إلا كان له منه أوفر الحظّ والنصيب. 4ـ إنّ أحسن الطّرق في دعوة الناس ومخاطبتهم ومجادلتهم طريقة القرآن الكريم، وطريقة النبي e، وسوق النصّ القرآني والحديث النبوي في ألصق الأمور مساساً بها من أعظم الحكم التي من أوتيها فقد أوتِيَ خيراً كثيراً.

5ـ إن الحكمة تجعل الدّاعي إلى الله يُقدّر الأمور ويعطيها ما تستحقه، فلا يزهد في الدنيا والناس في حاجة إلى النّشاط والجدّ والعمل، ولا يدعو إلى الانقطاع والانعزال عن الناس، والمسلمين في حاجة إلى الدفاع عن عقيدتهم وبلادهم وأعراضهم، ولا يبدأ بتعليم الناس البيع والشراء وهم في مسيس الحاجة إلى تعلم الوضوء والصلاة، فالحكمة تجعل الداعية ينظر ببصيرة المؤمن، فيرى حاجة الناس فيعالجها بحسب ما يقتضيه الحال، وبذلك ينفذ إلى قلوب الناس من أوسع الأبواب، وتنشرح له صدورهم، ويرون فيه المنقذ الحريص على سعادتهم ورفاهيتهم وأمنهم. 6ـ إن البصيرة في الدعوة إلى الله هي أعلى درجات الحكمة والعلم، وهذه الخاصيّة اختصّ بها النبي e، ثم أصحابه، والمخلصين من أتباعه، وهي أعلى درجات العلماء، وحقيقتها الدّعوة إلى الله على علم ويقين وبُرهان عقلي وشرعي، وترتكز البصيرة في الدعوة إلى الله على ثلاثة أمور: (أ) أن يكون الدّاعية على بصيرة، وذلك بأن يكون عالماً بالحكم الشّرعيّ فيما يدعو إليه. (ب) وأن يكون على بصيرة في حال المدعو حتى يُقدّم له ما يُناسبه. (ج) وأن يكون على بصيرة في كيفية الدعوة. 7ـ إن العلم النافع المقرون بالعمل الصّالح، والحلم والأناة من أعظم الأسس التي تقوم عليها الحكمة في الدعوة إلىالله ـ تعالىـ، ولهذا فقد يكون المرء عالماً أو حليماً، ولا يكون حكيماً حتى يجمع هذه الأسس الثلاثة. 8ـ إن العلم والحِلْم والأناة لها أسباب تُؤدي وتوصل إليها، وأسباب تعين على التمسك بها، والمحافظة عليها. 9ـ إنّ العلم لا يكون من دعائم الحكمة إلا باقترانه بالعمل الصالح، وقد كان علم الصّحابة مقروناً بالعمل والإخلاص والمتابعة، ولهذا كانت أقوالهم وأفعالهم وسائر تصرفاتهم ـ في دعوتهم إلى الله وأمورهم ـ تزخر بالحكمة. 10ـ إن العجلة وعدم التّثبت والتأني والتبصر أو التباطؤ والتّقاعس، كل ذلك يؤدي إلى كثير من الأضرار والمفاسد، والداعية أولى الناس بالابتعاد عن ذلك كله، فمقتضى الحكمة أن يعطي كل شيء حقّه، ولا يعجّله عن وقته، ولا يؤخّره عنه، فالأشياء لها مراتب وحقوق تقتضيها، ونهايات تصل إليها ولا تتعداها، ولها أوقات لا تتقدّم عنها ولا تتأخر. 11ـ إن الحلم من أعظم ركائز الحكمة ومبانيها العظام، وقد كان خلقاً من أخلاق النبوة والرّسالة، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم عظماء البشر، وقدوة أتباعهم من الدعاة إلى الله، والصّالحين في أخلاقهم كافة، وعلى رأسهم محمد e وأتباعه. 12ـ إن الأناة عند الداعية تسمح له بأن يحكم أموره، فلا يُقدم على أي عمل إلا بعد النظر والتأمل ووضوح الغاية الحميدة التي سيجنيها، ولا يَتعجّل بالكلام قبل أن يُديره على عقله، ولا بالفتوى قبل أن يعرف دليله وبرهانه الذي اعتمد عليه وبنى عليه فتواه. فالداعية بحاجة ماسّة إلى الأناة، لما يحصل بذلك من الفوائد الكثيرة، والكفّ عن شرور عظيمة، وهذا يجعل الداعية بإذن الله ـ تعالىـ في سلامة عن الزلل. 13ـ إنّ الدّاعية لا يكون حكيماً في أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته وأفكاره وموافقاً للصّواب في جميع أموره إلا بتوفيق الله ـ تعالىـ له، ثم بسلوك طرق الحكمة، وذلك بالتزام السّلوك الحكيم، والسّياسة الحكيمة مع مراعاة التسديد والمقاربة والأساليب الحكيمة، وفقه أركان الدعوة، وأن يكون عاملاً بما يدعوا إليه مخلصاً متخذًا في ذلك محمداً e قدوةً وإماماً.

14ـ إنّ الخبرات والتّجارب والمران من أعظم ما يُعين الدّاعية على التزام الحكمة واكتسابها، فهو بتجاربه بالسّفر ومعاشرة الجماهير سيكون له الأثر الكبير في نجاح دعوته، وابتعاده عن الوقوع في الخطأ في منهجه ودعوته إلى الله، لأنه إذا وقع في خطأ مرة لا يقع فيه أخرى، فيستفيد من تجاربه وخبراته. 15ـ إن تحرّي أوقات الفراغ والنّشاط والحاجة عند المدعوين وتخولهم بالموعظة والتّعليم من أعظم ما يُعين الدّاعية على استجلاب الناس وجذب قلوبهم إلى دعوته. 16ـ إن المصالح إذا تعارضت أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذّر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بُدئ بالأهمّ، فيدفعَ أحد المفسدتين أو الضررين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما. 17ـ إنّ لتأليف القلوب بالمال والعفو والصّفح والرّفق واللّين والإحسان بالقول أو الفعل أعظم الأثر في نفوس المدعوين. 18ـ إنّ من أعظم الأساليب البالغة في منتهى الحكمة عدم مواجهة الدّاعية أحداً بعينه عندما يُريد أن يؤدّبه أو يُعاتبه أو يزجره ما دام يجد في الموعظة العامة كفاية، وذلك إذا كان المدعو المقصود بين جمهور المخاطبين أو يبلغه ذلك، كأن يقول الدّاعية: ما بال أقوام، أو ما بال أناس، أو ما بال رجال يفعلون كذا، أو يتركون كذا. 19ـ إنّ الدّاعية لا يكون حكيماً في دعوته إلا بفقهه لركائز الدعوة، وذلك: بمعرفة ما يدعو إليه، وما هي الصفات والأخلاق والآداب التي ينبغي أن يلتزم بها الداعية، ومعرفة المدعوين وأصنافهم، والوسائل والأساليب التي تستخدم في نشر الدعوة وتبليغها. 20ـ إنّ الدّعوة بالمواقف الحكيمة المشرّفة، لها الأثر البالغ في قلوب المدعوين، لأنها تدفعهم إلى التّفكر والتأمل، ثم تكون نقطة التحوّل في نظام حياتهم بإذن الله تعالى. 21ـ إن اطلاع الداعية على مواقف النبي e الحكيمة في عفوه وصفحه، ورفقه وحلمه وأناته، وشجاعته، وجوده وكرمه، وإصلاحه، من أعظم ما يُفيد الدّاعية في حياته، وخاصّة في دعوته إلى الله ـ تعالىـ. 22ـ إنّ للصحابة وأتباعهم ومن سار على نهجهم مواقف حكيمة في دعوتهم إلى الله ـ تعالىـ، تدلّ على صدقهم ورغبتهم فيما عند الله ـ تعالىـ، وتبيّن مدى جهودهم، وتغذّي وتربيّ من اطلع عليها من الدعاة إلى الله ـ تعالىـ. 23ـ إن من أعظم الحكمة في دعوة الملحِدِين أن تقدّم لهم الأدلّة الفطرية على وجود الله ـ تعالىـ وربوبيته، والبراهين العقليّة القطعيّة بمسالكها التفصيليّة، والأدلّة الحسيّة المشاهدة، ثم يختم ذلك بالأدلة الشّرعيّة. 24ـ إنّ من الحكمة في دعوة الوثنيين بالحكمة القولية أن يُقدِّم لهم الدّاعية الحُجَجَ والبراهين العقليّة على إثبات ألوهية الله ـ تعالى ـ، وأنّ الكمال المطلق له من كل الوجوه، وما عُبِدَ من دونه ضعيف من كل وجه، وأن التّوحيد الخالص دعوة جميع الرّسل عليهم الصلاة والسلام والغلوّ في الصّالحين سبب كفر بني آدم، والشّفاعة لا تنفع إلا بإذن الله للشّافع ورضاه عن الشّافع والمشفوع له، وأن البعث ثابت بالأدلة العقليّة والنقليّة القطعيّة، وأن الله الذي سخّر جميع ما في هذا الكون الفسيح لعباده فهو في الحقيقة المستحقّ للعبادة وحده. 25ـ إنّ دعوة اليهود بالحكمة القولية إلى الله ـ تعالى ـ ترتكز على إثبات نسخ الإسلام لجميع الشّرائع، وإظهار وإثبات وقوع التّحريف في التوراة، واعتراف المنصفين من علمائهم، وإثبات رسالة عيسى ومحمد، عليهما الصلاة والسلام.

26ـ إنّ دعوة النّصارى بالحكمة القوليّة إلى الإسلام تَقومُ على إبطال عقيدة التّثليث، وإثباتِ وحدانية الله ـ تعالىـ، وتقديم الأدلّة العقليّة والبراهين القطعيّة على إثبات بشرية عيسى e، وأنه عبد الله ورسوله، ثم تقديم البراهين على إبطال قضيّة الصّلب والقتل، وإثبات وقوع النّسخ والتّحريف في الأناجيل، وتتويج ذلك بالاعترافات الصادقة من المنصفين من علماء النّصارى. 27ـ إنّ من حكمة القول مع أهل الكتاب وغيرهم من الكُفّار أن تُقدَّم لهم الأدلّة والبراهين القطعيّة على صدق رسالة النبي محمد e، وذلك ببيان معجزات القرآن الكريم التي عجز عنها جميع الجنّ والإنس، ومعجزات النبي e الحسيّة المشاهدة، ثم تتويج ذلك بالأدلّة القطعيّة على عموم رسالة الإسلام في كل زمانٍ ومكانٍ إلى قيام الساعة. 28ـ إنّ من مُقتضى العقول السليمة والحكمة السّديدة أن لا يُخاطب المسلم ـ في توجيهه وإرشاده وحثِّه على الالتزام بدينه ـ كما يخاطب الملحد، أو الوثني، أو الكتابي، أو غيرهم من الكفّار. 29ـ إن من الدّعوة إلى الله بالحكمة أن يبدأ الدّاعية بالمهم، ثم الذي يليه، وأن يجعل للمدعو من الدروس ما يسهل عليه حفظها وفهمها، والتفكرّ التام فيها، وأن يُعلّم العوامّ ما يحتاجون إليه بألفاظ وعبارات قريبة من أفهامهم تناسب مستواهم مع مراعة التنويع في الأسلوب والتشويق. 30ـ إن مراتب الدعوة بحسب مراتب البشر، فالقابل للحق يُدعى بالحكمة، فيبيَّن له الحق بدليله: علماً وعملاً واعتقاداً، فيقبله ويعمل به وهذا هو القسم الأول من المسلمين، والقابل للحق الذي عنده شهوات تصده عن اتباع الحق يُدعى بالموعظة الحسنة المشتملة على الترغيب في الحق والترهيب من الباطل، ويُغَذَّى بالحكمة التصويرية: من القصص الحكيم، وضرب الأمثال، ولفت القلوب والأنظار إلى الصور المعنوية وآثارها، والآثار المحسوسة. وهذا هو القسم الثاني من المسلمين وهم العصاة. والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن. والظالم الذي عاند وجحد ولم يقبل الحق بل وقف في طريقه، فهذا يُدعى بالقوة إن أمكن. فهذه مراتب الدعوة بحسب مراتب البشر، ويلاحظ أن مرتبة الحكمة ملازمة لجميع المراتب الأخرى، وذلك لأن الحكمة في الحقيقة هي وضع الشيء في موضعه والإصابة في الأفعال والأقوال والاعتقادات إصابة محكمة متقنة. 31ـ إن استخدام القوة الفعلية في الدعوة إلى الله ـ تعالىـ من أعظم الحكم عند الحاجة إليها، وهي تكون بقوة الكلام، والتأديب، وبالضرب، وبالجهاد في سبيل الله تعالى. ومفهوم القوة الحكيمة في الدعوة إلى الله تعالى ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: حكمة القوَّة مع جميع الكفَّار: من الملحدين، والوثنيين، وأهل الكتاب، وغيرهم من الكفار، فهؤلاء إذا لم ينفع فيهم جدالهم بالتي هي أحسن، ولم يستفيدوا من حكمة القول: العقلية والحسية، والنقلية، والبراهين والمعجزات، وأعرضوا وكذبوا، فحينئذ يكون آخر الطب الكي: وهو استخدام القوة بالجهاد في سبيل الله ـ تعالىـ: بالسيف، والسنان، والحجة، والبيان، وبجميع ما يستطيع المسلمون من قوة، بشرط مراعاة الشروط والضوابط الشرعية، مع الإعداد المعنوي والحسي للجهاد، والعمل بأسباب النصر على الأعداء. القسم الثاني: حكمة القوَّة مع عصاة المسلمين، فهؤلاء، إذا لم ينفع فيهم الوعظ، والترغيب، والترهيب، والقصص الحكيم، وضرب الأمثال، ولم يؤثر فيهم ما يُلقى إليهم من الحكمة التصويرية، ولفت أنظارهم إلى الصور المعنوية والآثار المحسوسة، فحينئذٍ يكون من الحكمة في دعوتهم إلى الله استخدام القوَّة: بالكلمة القوية مع الفعل الحكيم، وبالتهديد الحكيم والوعيد بالعقوبة، وبالتعزير، والهجر لله ـ تعالىـ، وإقامة الحدود الشرعية بالشروط والضوابط التي دل عليها الكتاب والسنة.

الحكمة والموعظة الحسنة وأثرهما في الدعوة إلى الله في ضوء الكتاب والسنة

الحكمة والموعظة الحسنة وأثرهما في الدعوة إلى الله في ضوء الكتاب والسنة ¤أحمد بن نافع بن سليمان المورعي£بدون¥دار الأندلس الخضراء - جدة¨الأولى¢1418هـ€دعوة ودعاة¶دعوة - فقه أحكام وضوابط وتصورات الخاتمة الحمد لله رب العالمين، ذي الشأن عظيم البرهان، شديد السلطان، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، رب السموات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم، قديم الإحسان، دائم النعم، كثير الجود، واسع العطاء. الحمد لله المحمود على كل حال في السراء والضراء، فالحمد لله أولاً وآخراً كما يحب ويرضى. الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبتوفيقه تنصلح الأحوال، وبإعانته تكتمل الأمور وتستقيم. اللهم كما وفقت لابتداء البحث فقد تم فضلك وإنعامك عليّ بإتمامه. اللهم لك الحمد في الابتداء والانتهاء، حمداً كثيراً كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. أسألك ربي أن تجعل عملي خالصاً لوجهك الكريم، وأن تتقبله مني، وأسألك ربي أن تتجاوز عن الخطأ فيه، وأن ترشدني إلى الصواب، وأستغفرك ربي وأتوب إليك إنك غفور رحيم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق فسوى وقدر فهدى ويسر لليسرى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام الهدى والرحمة المهداة وقدوة الداعين إلى الله. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين أئمة الهدى ومصابيح الظلام، الذين ترسموا منهج رسولهم e في الدعوة إلىالله بالحكمة والموعظة الحسنة. أما بعد: فإن مقام الدعوة إلى الله من أفضل المقامات وأشرف الغايات وأسمى المكانات، لا ينال هذا المقام إلا من اصطفاه الله واختاره، والله أعلم بمن يصطفيه ويختاره. وقد رسم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة المنهج الأكمل والطريق الأوحد والسبيل الأقوم للدعوة إلى الله على بصيرة. وقد قمت في هذه الرسالة بوضع النقاط على حروف هذا المنهج وإيضاحها وضرب الأمثلة والنماذج عليها من الكتاب والسنة، وأرجو أن أكون قد أديت الغرض ووفيت بالمقصود. وإن هذا الجهد المتواضع يحتاج من العلماء العاملين والأساتذة المربين والدعاة المصلحين تتبعاً أكثر فأكثر، حتى يفصل المنهج تفصيلاً دقيقاً محكماً محرراً. وقد أبان البحث عن ما يلي: 1ـ أبان فضل الدعوة إلى الله وحكم تبليغها وفضل الدعاة إلى الله وبيان مكانتهم والمدعوين وأصنافهم. 2ـ بين المراد من الحكمة وتتبع أقوال العلماء والجمع بينها. 3ـ كشف عن مواطن الحكمة، وذكر منها عشرة مواطن، وضرب لكل موطن النماذج والأمثلة المبيّنة له من الكتاب والسنة. 4ـ بين المراد من الموعظة، وذكر الفرق بينها وبين الحكمة. 5ـ أوضح عن مواطن الموعظة الحسنة، وذكر منها سبعة مواطن، وضرب لكل موطن النماذج والأمثلة المبينة له من الكتاب والسنة. 6ـ كثرة النماذج والأمثلة على كل موطن من مواطن الحكمة والموعظة والجدل ليزداد المعنى وضوحاً وجلاءً عن حقيقته، وتقريباً للمعنى من القارئ ترجمه له في واقع عملي. 7ـ جمع البحث مادة علمية وفيرة من الكتب الأصيلة والمصادر المعتمدة على اختلاف مناهجها، وصاغها في أسلوب سهل وأفكار مترابطة وعرضها عرضاً حسناً. 8ـ قام بدراسة المنهج الذي قرره القرآن في الدعوة إلى الله دراسة تحليلية فأتى بكثير من الأمثلة الرائعة والنماذج الفائقة والقدوات الحسنة المؤثرة من كتاب الله وسنة رسول الله e. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعل هذا المنهج نبراساً ومناراً لي ولإخواني الدعاة إلى الله حتى تؤتي الدعوة ثمارها على الوجه المطلوب. 9ـ أبان أنه ينبغي للدعاة إلى الله أن يستغلوا أجهزة ووسائل الإعلام المعاصرة بجميع أنواعها وأشكالها في الدعوة إلى الله، بعد أن بين أثر تلك الوسائل والأجهزة في تغيير الأفكار والمعتقدات. وفي الختام أسأل الله الحكيم الكريم رب العرش العظيم أن يوفق المسلمين إلى تطبيق منهج القرآن الكريم في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن. وأن يحسنوا استخدام أجهزة الإعلام الحديثة في توسيع دائرة الوعي الإسلامي، وهذا لا يتم إلا بإيجاد المادة البديلة لما هو موجود، حتى يستفاد منها على الوجه المطلوب، وأن يعنوا بتربية أبنائهم على استخدام هذا المنهج في الدعوة إلى الله عقيدة وشريعة وغاية. ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، واعف عن زلاتنا وتقصيرنا. الله أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. وسبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك علىنبيه الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علىالمرسلين، والحمد لله رب العالمين.

السلفية وأعلامها في موريتانيا (شنقيط)

السلفية وأعلامها في موريتانيا (شنقيط) ¤الطيب بن عمر بن الحسين£بدون¥دار ابن حزم - بيروت¨الأولى¢1416هـ€دعوة ودعاة¶تراجم العلماء والدعاة الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من أكمل الله به الرسالات وبعد .. فبفضل الله تعالى ونعمه، قد أنهيت هذا الكتاب، بعد أن عشت ثلاث سنوات في البحث في عقيدة السلف، والأعلام الذين تمسَّكوا بها في القطر الموريتاني، على مدى تاريخ الإسلام في المنطقة. ويعلم الله أني بذلت في هذا البحث قصارى جهدي، وغاية وسعي، وآمل أن أكون قد وُفِّقت في إبراز العقيدة السلفية، وأعلامها في بلاد موريتانيا بالصورة اللائقة، وأن أكون قد حققت هدف البحث في الوصول إلى الفائدة العلمية المنشودة. وفي الخاتمة –نسأل الله حسنها- أود أن أضع بين يدي القارئ أهم ما توصَّلت إليه من نتائج، وما تمخَّض عنه البحث من توصيات ومقترحات .. أهم نتائج البحث: 1 - إنَّ الإسلام دخل في موريتانيا ما بين عامي 63 - 64هـ خلافاً لما ذهب إليه كثيرٌ من الباحثين، من أنه لم يدخل في تلك البلاد إلا بعد نهاية القرن الأول للهجرة، ودعمت ما ذهبت إليه بكلام العارفين بالتاريخ وبعض الوقائع التي تؤكد ذلك. 2 - أن العقيدة السلفية قامت في المنطقة منذ دخول الإسلام فيها، وتعزَّزت وتوطدت على يد المرابطين طيلة فترة حكمهم. 3 - إن مكان رباط عبدالله بن ياسين الجزولي –الذي عضد عقيدة السلف ومنهجهم- يقع في إحدى جزر التيدرة شمال رأس تيمريس على بعد ثلاثين كيلو متر من مدينة نواكشوط العاصمة الحالية للدولة الموريتانية، ورددت على القائلين بأن مكانه في جزيرة صغيرة بمنحنى النيجر. 4 - إن سبب إحراق المرابطين لكتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي يعود بالدَّرجة الأولى إلى ما تضمنه الكتاب من الفكر الصوفي الفلسفي، وليس للخلاف المذهبي في الفقه دخل في هذه القضية. 5 - إن العقيدة الأشعرية دخلت إلى بلاد المغرب قبل ظهور دعوة ابن تومرت ولكن وجودها ظل قليلاً منحصراً في أفراد من العلماء، ولم تدخل في مناهج التعليم، وتنتشر في الساحة العامة إلا في عهد الموحدين. 6 - إن دعوة ابن تومرت قامت على الزيف، والخداع، والابتداع، وسفك الدماء، وأن المهدية ما هي إلا قناع مزيف، تقنَّع به محمد بن تومرت تمهيداً للخروج على دولة المرابطين السلفية، وليعظم اعتقاد الناس فيه وتزداد طاعتهم له. 7 - إن العقيدة السلفية اغتيلت في المنطقة –ظلماً وعدواناً- على يد ابن تومرت، وأتباعه الذين سماهم بالموحدين، وأن اتهام محمد بن تومرت للمرابطين بالتجسيم والكفر، اتهامٌ لأهل السنة والجماعة عامةً؛ لأن سببه إثبات صفات الجلال والكمال لله عز وجل، على الوجه اللائق به تعالى، ورفض التأويل الكلامي، ونبذ علم الكلام وأهله. 8 - إن العقيدة السلفية عادت إلى البلاد بعد عهد المرابطين في القرن الحادي عشر، على يد الإمام نصر الدين، ومكثت في القطر متسلسلة إلى الآن. 9 - إن فرنسا وقبائل بني حسان، تعاونا على القضاء على الحركة السلفية الإصلاحية التي قادها الإمام ناصر الدين، ونجحا في ذلك. 10 - إن العقيدة السلفية تعزَّزت في البلاد بظهور [باب] بن الشيخ سيدي داعيةً سلفياً، فأصبح لها بعد ذلك وجودٌ قويٌ في الساحة العلمية وأتباع ومؤلفات إلى يومنا هذا. 11 - إن العقيدة الإسلامية في القطر الموريتاني لم تكن ذات مسار واحدٍ وإنما ظل يتنازعها مذهبا السلف والأشاعرة على مرِّ العصور. 12 - إن العقيدة السلفية الآن في القطر الموريتاني في ازدياد ملموسٍ يتمثل في عددٍ من المدارس والمعاهد السلفية، بالإضافة إلى عددٍ كبيرٍ من الدعاة السلفيين في مناطق مختلفةٍ من البلاد.

التوصيات والمقترحات: 1 - نظراً لأن الكثير من الناس –حتى من طلبة العلم والباحثين- يظنون أن جميع الموريتانيين أشاعرة، وليس لمذهب السلف وجودٌ فيهم، فإنني أوصي طلاب العلم، والباحثين بتناول موضوع السلفية في موريتانيا في البحوث، والمحاضرات، والندوات، حتى يتم تصحيح هذا المفهوم الذي يخطئ الكثير فيه. 2 - إن الدعاة السلفيين في موريتانيا يحتاجون إلى مد يد العون لهم في مجابهة المبتدعة، والتيارات المعادية للإسلام، لذا فإنني أوصي القائمين على أمر المؤسسات السلفية، وخاصةً في المملكة العربية السعودية بتشجيعهم ودعمهم ومؤازرتهم، حتى يتمكنوا من السير في الدعوة السلفية بنجاح. 3 - إن المخطوطات الموريتانية وخاصةً مؤلفات السلفيين ما زالت تنتظر من ينفض عنها الغبار، ويخرجها من الظلمات إلى النور، والبعض منها بحاجةٍ إلى التصنيف، والتبويب، والتحقيق. لذا فإنني أوصي المسؤولين عن الدراسات العليا في جامعات المملكة العربية السعودية، والجامعات الإسلامية كلها، بالعناية بهذا التراث ضمن عنايتها بالتراث الإسلامي عامةً. 4 - تقديراً للجهد الذي قام به المعهد الموريتاني للبحث العلمي –رغم ضعف وسائله- فإنني أقترح على المؤسسات الإسلامية والعربية دعم هذا المعهد ومؤازرته لكي يتمكن من أداء مهمته في البحث عن المخطوطات وجمعها وحفظها وفهرستها، حتى يستطيع طلاب العلم والباحثون أن يستفيدوا من هذه المصنفات. 5 - بناءً على أن المحاضر أثبتت جديتها ونجاحها في نشر الإسلام والثقافة العربية، وفي تخريج العلماء الأجلاء، على مدى قرون عديدة، فإن من الضروري المحافظة عليها، وتنقية مناهجها من كل ما يُخالف منهج السلف وعقيدتهم وتطوير نظامها ومناهجها، بما يتلاءم ومقتضيات العصر. وفي هذا الصدد أقترح على كتابة الدولة للتعليم الأصلي ومحو الأمية في الحكومة الموريتانية أن تقوم بمبادرة فعَّالة بإدخال إصلاحات في مناهج المحاضر ونظامها، وتشجيعها، ودعمها المتواصل، حتى يستمر وجودها على المستوى اللائق. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

السلفية وقضايا العصر

السلفية وقضايا العصر ¤عبدالرحمن بن زيد الزنيدي£بدون¥مركز الدراسات والإعلام - دار إشبيليا¨الأولى¢1418هـ€دعوة ودعاة¶سلفية - دراسات شاملة أو منوعة خاتمة: في ختام البحث عن قضايا السلفية في هذا العصر وعن بعض قضايا العصر التي ذكرت منها ثلاثا في مجال المعرفة وثلاثا في مجال الوجود، والموقف السلفي إزاءها، أؤكد باختصار شديد أن السلفية، وإن اتفقت في بعض الرؤى مع غيرها من التيارات الفكرية إسلامية أو غير إسلامية، إلا أنها تختلف عنها برؤى أخرى تميزها - مجتمعة - بصفتها منهجية خاصة. ولكن هذا التميز ليس خاصا بالرؤى غير المشتركة في النظر في قضايا الوجود أو المعرفة ونحوها، ولكنه يعود إلى أعمق من ذلك إلى المنطلق الذي تنطلق منه، وتقوم عليه السلفية: • فالسلفية تنطلق من قاعدة إن النصوص حاكمة لا مجال للتحايل عليها، والارتفاع بمستوى الفكر إلى مساءلتها وحملها على مقتضيات عصرية، ولو بهدف نصرة الإسلام، أو إقناع الناس به. • ولا تنظر إلى المعاني الإسلامية عقدية أو خلقية كتراث مجيد يفتخر به ويسترشد بدلالاته العامة في ضوء المبادئ والنتائج التي انتهت إليها الإنسانية في المجال العلمي والإنساني. إنها بالعكس تنظر إلى تلك المعاني بصفتها حقائق مطلقة، تحمل الصدق والعدل {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} [الأنعام: 115] وتؤصل الإنسانية في أعمق حقائقها وينبغي أن يعدل العصر رؤاه ونظرياته على أساسها. • ليس هناك مجال للذوق أمام ما يسمى بالتراث، إن الموقف لدى السلفية حاسم وبدهي: هناك الوحي (تعاليم القرآن الكريم والسنة المطهرة) ومعه الفهم الأعلى له الذي تلقاه الصحابة من رسولهم صلى الله عليه وسلم ثم من تبعهم منهم، وما سواه يحاكم إليه أيا كان مجاله، وأيا كان قائله أو فاعله. • العبودية لله هي مرتكز النظر لدى السلفية؛ على ضوئها - من خلال النصوص - يقوم التصور للإنسان وحقيقته ومقامه وحقوقه وواجباته وعلاقاته بالوجود كله. • والسلفية في عامة مواقفها - خاصة في القضايا الرئيسة - تمتاز بالحسم الواضح، وليس ذلك كما تصور البعض؛ لأنها لم تروض نفسها على المضادات الفكرية - الفلسفية - أو لأنها تغفل الواقع بأبعاده المتشابكة، وإنما لأنها ترتكز على الوحي الذي يمتاز بالوضوح والحسم دون تردد يراعي مشاعر الواقع المنحرف ويترضاه.

التآلف بين الفرق الإسلامية

التآلف بين الفرق الإسلامية ¤محمد حمزة£بدون¥دار قتيبة - دمشق¨الأولى¢1405هـ€دعوة ودعاة¶وحدة إسلامية - أعمال شاملة ومنوعة خاتمة المطاف: الإسلام ديانة التوحيد، فمعبود المسلمين واحد، وجوهر الإسلام واحد، والديانة واحدة، والملة واحدة، والأمة واحدة، قال الله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [سورة الأنبياء:92]، إذن فلماذا هذا التفرق والاختلاف في أمهات الأمور، وخصوصاً في العقائد. والقرآن الكريم يعلنها بآيات بينات واضحات محكمات هن أم الكتاب بلسان عربي مبين: قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [سورة النساء:136]، وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [سورة القمر:49]، فالآيتان تفصحان عن أركان الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى. وبعد هذا البيان الواضح المحكم الذي تنزيله تأويله هل يسوغ لأحد أن يدعو تجزئة أو فرقة؟! فيم التفرق والإسلام دينكم ... وأنتمُ يا عباد الله إخوانا. وإذا ما رجعنا إلى الجولة التي جعلناها بين الفرق الإسلامية نجد أن أكثر الفرق المتطرفة قد اندثرت. ولم يبق منها أثر إلا في ثنايا التاريخ. وإن كان قد بقي منها بعض الأفكار في عقول الرجعية من الناس السذج البسطاء. فقد ولت الأزارقة والنجدات، والبيهسية، والصفرية والصالحية وغيرهم من الخوارج، ولم يبق منهم إلا الإباضية، الذين ينتمون إلى عبدالله بن إباض. وعند الكلام عليه وعلى أتباعه لم نجد عندهم أي تطرف. وقد حافظوا على تعاليم الإسلام الحقة؛ بل إنهم يكرهون من ينسبهم إلى الخوارج. والمذاهب البائدة من الشيعة كثيرة مثل السبئية والكيسانية والمغيرية. ولم يبق منهم إلا الإمامية. والزيدية، والإسماعيلية، والعلوية والدروز. وأما المعتزلة فقد اندثرت فرقتهم كمذهب قائم بذاته. فإذا خلصت النيات، وصفت القلوب، وحكم العقل يمكن الجمع بين أكثر هذه المذاهب الإسلامية إن لم نقل بين جميعها. فالثقافات عمت سائر الأرجاء، وقد بزغ الصبح لكل ذي عينين. فنحن الآن أحوج إلى التآلف والتآزر من أي وقت مضى. لاسيما وقد تداعت علينا الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها. فبتفرقنا أصبحنا غثاء كغثاء السيل. كان التعصب المذهبي سائدا في الصدر الأول من المجتهدين وأصحاب الحديث حتى كان يلعن بعضهم بعضا. ولكن بعد أن نضجت البحوث الفقهية وجادت القرائح سلمت المذاهب، قال أحمد بن حنبل: ما زلنا نلعن أهل الرأي ويلعنوننا حتى جاء الشافعي فمزج بيننا [ترتيب المدارك 1/ 95] فزال الخلاف وكنا نجد الجدال المستمر حتى بين أصحاب المذاهب من أهل السنة. فامتنع بعضهم أن يصلي خلف إمام من غير مذهب. ولكن هذا الجدال خفت حدته في هذا العصر وينبغي أن تزول التفرقة إلى الأبد. فلكل إمام وجهة نظر وفي المجتمع مشكلات ومشكلات لا يمكن أن تحل على أصول مذهب واحد كمشاكل الحلف بالطلاق، وتعليق الطلاق، والطلاق الثلاث دفعة واحدة، وطلاق الغضبان. فقد جنحت المحاكم إلى جليها ولو على رأي ابن تيمية وإذا ما رجعنا إلى الوراء قليلا نجد أن الإمام أبا حنيفة النعمان السني كان تلميذا للإمام زيد بن علي زين العابدين إمام الزيدية من الشيعة، كما كان أيضا تلميذا للإمام جعفر الصادق. وقد مرت المناقشة بين الإمامين على القياس عند ترجمة الإمام جعفر. والإمام زيد الشيعي كان تلميذا لواصل بن عطاء المعتزلي مؤسس مذهب الاعتزال وكان ملازما له. وكان الإمام مالك تلميذا للإمام جعفر الصادق أيضا وقد كان واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد تلميذان عند الحسن البصري وقد سئل الحسن البصري عن عمرو بن عبيد فقال لسائله: لقد سألت عن رجل كأن الملائكة أدبته، وكأن الأنبياء ربته إن قام بأمر قعد به، وإن قعد بأمر قام به، وإن أمر بشيء كان ألزم الناس له، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له. ما رأيت ظاهرا أشبه بباطن منه، ولا باطنا أشبه بظاهر منه. فينبغي أن نرجع ونعود إلى شرعنا وعزنا ومجدنا. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه. وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه يا رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بهديهم إلى يوم الدين. والحمد لله رب العالمين.

التعامل مع الآخر شواهد تاريخية من الحضارة الإسلامية

التعامل مع الآخر شواهد تاريخية من الحضارة الإسلامية ¤إبراهيم بن محمد المزيني£بدون¥مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني - الرياض¨الثانية¢1429هـ€دعوة ودعاة¶تعامل مع الناس الخاتمة كان من أهداف هذه الدراسة: إبراز تميز حضارتنا الإسلامية بتكامل رقيها المادي والمعنوي لشمولها على الرقي في ميادين الحياة المادية، إضافة إلى تميزها في النزعة الإنسانية، وهو أمر يؤكد أنها حضارة ذات طابع إنساني لكونها قاصدة سعادة الإنسان وبناء شخصيته عن طريق تكريمه ومن ذلك التعريف بحقيقة تشريع هذه الحضارة في مجال تعامل المسلمين مع غيرهم من أتباع الديانات الأخرى. فالإسلام بما اشتمل عليه من مبادئ سامية تجاه بني الإنسان قد سجل سبقه الأديان البشرية كافة والقوانين الوضعية بحيث لم تعرف تنظيماته أي صورة التعصب المذموم الذي يؤدي بالناس إلى الشحناء والبغضاء والفرقة ويؤصلهم إلى حالة من التمزق الممقوت في المجتمع الإنساني فعاش غير المسلمين تحت لوائه في ظلال من العدالة والسماحة والبر والإنصاف، ذلك أننا إذا رجعنا لمصدري التشريع، القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بشأن نظر الإسلام لغير المسلمين لا يمكن أن نخرج بغير حقيقة أن الإسلام أكد على مشروعية معاملة هؤلاء معاملة عادلة ومتسامحة في مختلف جوانب هذا التعامل وأنماطه. ثم إن هذا الخلق السامي الذي رسخته المبادئ الإسلامية في تعاملها مع الشعوب غير الإسلامية وطبق واقعها عبر حضارة المسلمين كان سببا في التعريف بالإسلام ووسيلة سامية لعرضه والتعريف بمادئه السمحة، بل والدعوة إليه بطريق غير مباشر، وهذا ما حققه عدد غير قليل من المستشرقين وهم يدلون بشهاداتهم حيث سجل المؤرخون شهاداتهم بأن ديننا الإسلامي إنما انتشر طواعية دون إكراه فرغم ما حدث من معارك ضارية في فتوح كثير من البلاد ودخول المسلمين منتصرين إلا أنهم لم يكرهوا أحدا في اعتناق الدين دون قناعته واختياره وبقوا على ذلك حتى دخل الناس في الإسلام طواعية فحملوا الدين في قلوبهم قبل أن يحملوا السيف دفاعا عنه، بل اتخذوا لغة القرآن العربية لغتهم. لقد تمتع غير المسلمين بقسط وافر من الحرية داخل مجتمعات المسلمين عبر العصور لقاء تأديتهم الجزية وارتبطت قضاياهم في أمورهم المدنية والجنائية برؤسائهم الروحيين، وأقاموا في مزارعهم ومنازلهم الريفية، وتمسكوا بتقاليدهم الثقافية وحافظوا على لغاتهم الأصلية، وفي المدن تقلدوا مناصب مهمة في دوائر المال والكتابة والمهن الحرة وبلغوا إثراء واسعا في ذلك. لقد فتح المسلمين صدورهم لغير المسلمين يهودا ونصارى ومجوسا وصابئة وأتاحوا للعناصر المتميزة من هؤلاء وأولئك احتلال مواقعهم الاجتماعية والوظيفية في إطار من مبدأ تكافؤ الفرص لم تعرفه أمة من الأمم عبر تاريخ البشرية كله. ثم إنه ربما يناسب هنا أن من تمام هذا التعامل هو حرص حكام المسلمين على استمرار هذا التعامل بما ينبغي أن يكون وأنه حينما تبدو بعض بوادر التعصب أو الجمود الفكري الذي يبعد عن روح هذا التعامل الذي أسسه الإسلام وسار عليه رسول الله ـ عليه أفضل الصلاة والتسليم ـ ومن بعده خلفاؤه الراشدون، ومن تبعهم بإحسان من ولاة أمر المسلمين إلى يومنا هذا، هؤلاء يجدون القوة والضبط مع وقفة للعلماء والفقهاء ضد ذلك والدراسة استشهدت في عديد من هذه الشواهد. ليس هذا التعامل فقط مع من هم داخل حدود الدولة الإسلامية، بل تميز المسلمين بتعاملهم مع ذلك الآخر باعتباره جماعة، ودولة وكيان منفصل عن الدولة الإسلامية من تعاهد وتسالم وترابط على مختلف الأصعدة وفي مختلف العصور وهو ما يمكن أن يندرج ضمن مفهوم العلاقات الدولية.

وربما تبينت الدراسة بهذا العرض صفحة من صفحات التعامل المثالي مع غير المسلمين من أهل الأديان الأخرى، وأن هذا التعامل حقيقة ثابتة، شهدت بها نصوص الوحي، من الكتاب والسنة وشهد بها التاريخ الناصع منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده عهد الخلفاء الراشدين ـ رضوان الله عنهم ـ ومن بعدهم من الأمويين والعباسيين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين وغيرهم، في شتى أقطار الإسلام، وشهد بهذا الواقع الماثل في كثير من بلاد العالم الإسلامي، حيث تتجاور فيه الجوامع والكنائس، وتسمع صيحات الأذان ودقات النواقيس، وتعيش الأقليات غير المسلمة ناعمة بالأمان والاستقرار والحرية في ممارسة حقوقها الدينية والدنيوية، على حين تعيش الأقليات الإسلامية في كثير من دول آسيا وإفريقيا وأوربا، مضطهدين، لا يسمح لهم أن يقيموا دينا، أو يملكوا دنيا. وبهذا يسن الإسلام أعدل القوانين في التعامل مع الآخر ولم يكن هذا أمرا نظريا لم يطبق على أرض الواقع، كما هي عليه أغلب المواثيق الدولية التي تنادي بحقوق الإنسان، ولكن دونما نصيب من التطبيق، بل كان واقعا شهد بتطبيقه الجميع من مسلمين وغيرهم عبر العصور. ومما يناسب ذكره هنا أن هناك من أثار مجموعة من الشبهات التي ظن أنه بتصيدها ثم بترويجها سيطمس الحقائق، ويغيب الوقائع قصدا لتشويه واقع هذا التعامل ضمن قصد تشويه تاريخ الإسلام وإنجازات المسلمين والتشكيك ومتحججين بأحداث وتصرفات جانبية، حسبوها على تاريخ هذا المنهج كما قصر إدراكهم عن فهم مقاصد كثير من النصوص الواردة بشأن هذا الآخر. ومما تخلص إليه هذه الدراسة هو ضرورة فهم الشرع الشريف، بأصليه القرآن والسنة، وأن لا يفهما بعيدا عن التطبيق الفعلي لنصوصهما، وسيرة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، بتطبيقه العملي للشرع الحنيف، وسيرة خلفائه الراشدين وصحابته الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ ومن تبع منهجهم من ولاة أمر المسلمين عبر العصور. ثم يناسب أن أشير هنا، ضمن خاتمة الدراسة إلى أن هناك من يستغل فكرة التسامح هادفا إلى تمييع الدين ومحاولة حل عراه وإطفاء حرارة الإيمان بدعوى التسامح أو التعايش أو التحاور، أو غير ذلك من المصطلحات المستجدة دون إدراك لمفاهيمها. نعم نحن دعاة تسامح لأن ديننا نفسه يأمر به، ويدعونا إليه ويربينا عليه. ولكن ليس معنى التسامح أن نتنازل عن ديننا إرضاء لأحد كائنا من كان ولكن ليس من التسامح في شيء. إنما هو إعراض عن الدين أو كفر به، إيثارا للمخلوق على الخالق، وللهوى على الحق. ونحن لا نلزم غيرنا بترك دينه، حتى يطالبنا بترك ديننا. ليس من التسامح أن يطلب من المسلم (تجميد أو تجاهل) أحكام دينه، وشريعة ربه وتعطيل حدوده، وإهدار منهجه للحياة من أجل أن يكون مثالا لتطبيق هذا المبدأ. ثم إن حضارتنا الإسلامية بما ارتكزت عليه من مبادئ سامية، قابلة لمواصلة السر بثقة واطمئنان لثبوت الثوابت، التي ترتكز عليها هذه الحضارة، بمعنى صلاحيتها لكل زمان ومكان، فإنسانية الإسلام ثابتة، وسماحته مستقرة، وعدالته راسخة، إذا فهي حضارة التوازن والشمول والعطاء، وصدق الله تعالى حينما بين الغاية من إرسال نبينا ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ فقال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} سورة الأنبياء آية 107] ختاما، أرجو أن أكون قد وفقت في تناول موضوع مهم يسلط الضوء على جانب مشرق من الجوانب المضيئة في حضارتنا الإسلامية وأن تكون هذه الدراسة نواة لأطروحات أشمل وأنفع. والله ولي التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

العزلة والخلطة

العزلة والخلطة ¤سلمان بن فهد العودة£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1413هـ€دعوة ودعاة¶عزلة وخلطة وغربة الخاتمة: الحمد لله على كل حال، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أما بعد؛ فمن خلال هذا البحث لابد أن يكون القارئ وصل معنا إلى النتائج التالية: 1 - الأحكام الشرعية منها ما يختلف باختلاف الأحوال والأسباب كالجهاد, والعزلة والخلطة وغيرها. 2 - ورد في مدح الخلطة أحاديث، وورد في مدح العزلة أحاديث، ولابد من التوفيق بين هذه وتلك. 3 - الإسلام دين الجماعة، والاجتماع على الحق أصل عظيم في الشريعة، والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم، ومخالطة الناس بغرض دعوتهم هو الأمر الذي كان عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. 4 - الأحاديث الواردة في مدح العزلة مطلقاً تحمل على أحد معنيين: الأول: أن يكون خاصاً بأفراد معينين تكون العزلة في حقهم أولى؛ لأن مخالطتهم للناس تضر بدينهم ودنياهم وتضر بغيرهم أيضاً. الثاني: أن يكون هذا خاصاً في زمان الفتن التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر باعتزالها. 5 - وهناك حالات تشرع فيها العزلة؛ منها: أ- عند فساد الزمان. ب- عند الفتنة التي تحدث بين المسلمين من القتال ونحوه. ج- اعتزال السلطان عند فساده وانحرافه. هذا فيما يتعلق بموضوع العزلة والخلطة، وتفصيل هذه المسائل والاستدلال لها موجود في ثنايا الرسالة. أما موضوع التقية – وهو الجزء الأخير من هذه الرسالة – فشرحت فيه معنى التقية لغة وشرعاً وبينت حكمها من الجهة الشرعية وشروطها وأنواعها وهي: الأول: المداراة. الثاني: الكتمان والاستسرار. الثالث: إظهار الموافقة للمشركين على دينهم، وله شروط معروفة. وختمت بتمييز تقاة أهل السنة عن تقية أهل البدع، وأهم الفروق التي رصدت هي: 1 - هي عند أهل السنة استثناء مؤقت مخالف للأصل، أما عند الشيعة فواجب مفروض حتى يقوم القائم من آل البيت! 2 - ينتهي العمل بها عند أهل السنة بمجرد زوال السبب الداعي إليها، أما عند الشيعة فواجب جماعي مستمر لا ينتهي العمل به حتى يخرج مهديهم الذي لا يخرج أبداً. 3 - تقية أهل السنة هي مع الكفار في الغالب، وقد تكون مع الفساق والظلمة، أما تقية الشيعة فهي أصلاً مع المسلمين المخالفين لهم من أهل السنة. 4 - أن التقاة عند أهل السنة حالة ممقوتة يلجأ إليها المسلم دون رضى واطمئنان إليها، أما عند الشيعة فقد أصبحت خلة ممدوحة محمودة مرضية، جاء في مدحها من النصوص عن أئمتهم الكثير الكثير. أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الجهد وأن يجعله من العمل الصالح المقرب إليه، وأن يكفينا شر أنفسنا، ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه، والحمد لله رب العالمين

العلاقة بين الفقه والدعوة

العلاقة بين الفقه والدعوة ¤مفيد خالد عيد£بدون¥دار ابن حزم - بيروت¨الأولى¢1416هـ€دعوة ودعاة¶دعوة - فقه أحكام وضوابط وتصورات نبذة مختصرة عن عملي في بحث الماجستير العلاقة بين الفقه والدعوة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد… أتقدم بجزيل الشكر والامتنان إلى جميع أساتذتي في كلية الدعوة بالمدينة المنورة، على كل ما بذلوه من علم وجهد ونصيحة لي ولزملائي في مرحلة الماجستير، وأخص بالذكر فضيلة الشيخ/ الدكتور علي بن سعيد الغامدي ـ المشرف على البحث ـ لاعتنائه بمتابعة هذا البحث من مهده ولتوجيهاته الكريمة، كما أشكر فضيلة الشيخ/ الدكتور محمد أبو الفتح البيانوني، وفضيلة الشيخ/ الدكتور عبدالله الزايد لتفضلهما بالمشاركة في مناقشة هذا البحث، وأسأل الله ـ عز وجل ـ أن تبقى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية نبراساً للدين والعلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها… آمين. جعلت البحث من مقدمة وتمهيد وأربعة فصول، ثم ختمته بخاتمة لبيان النتائج التي توصلت إليها، وفهارس تسهل البحث فيه. قدمت للبحث بذكر أسباب اختياره وأهميته في إبراز التفاعل الفقهي الدعوي في العمل الإسلامي، وقمت بتحديد مشكلة البحث وحدود الدراسة، وانتهجت الدراسة التأصيلية التحليلية كمنهج للبحث، ثم استعرضت الدراسات السابقة في العلاقة بين الفقه والدعوة. وتمهيداً للبحث قمت بتعريف الفقه والدعوة لغة واصطلاحاً، والتعريف بالفقيه الداعية وعلاماته عند السلف، وبينت أهمية الدعوة وضرورتها للأمة، لتتمكن من تحقيق الريادة والسيادة الشرعية على الأمم، وأهميتها البالغة في تحقيق أهداف الرسالة، وإصلاح العقائد والسلوك والأخلاق، وبث الفضيلة ومكافحة الرذيلة، وضرورة التفقه في الدين، لتحقيق صواب العمل ومشروعيته، إذ صحة العمل أحد شرطي قبوله بجانب الإخلاص، ثم بينت صلة الدعوة بالعلوم الشرعية الأخرى، وأنها الجانب التطبيقي والمنهج العلمي لِبَث العلوم الشرعية في الأمة، فتصحح العقائد، وتُنْفِذ شرائع الله في جميع مجالات الحياة، وعلى المستويات كافة، كما بينت قوة الوشائج والروابط بين الفقه والدعوة، واستحالة الفصل بينهما في أي مرحلة من مراحل الدعوة أو أي جانب من جوانبها، فسلف هذه الأمة لم يعرفوا فقهاً لا دعوة فيه، أو دعوة لا فقه لها، بل تحركوا بفقههم على كافة الأصعدة تحركاً دعوياً. ثم تكلمت في الفصل الأول عن مجالات تأثر الفقيه بالدعوة، فجعلته في ثلاثة مباحث، بينت في المبحث الأول أثر المشرب الدعوي على فهم النصوص، وأن المشرب الدعوي الذي ينشأ عليه الفقيه له بالغ الأهمية في إدراكه الفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة، فكما أن المشرب الدعوي القويم يشكل حاجزاً مانعاً من الزلل في الفهم، ودافعاً قوياً لحمل النصوص على مراد الشارع، فإن المشرب الدعوي السلبي قد يجعل الفقيه عاجزاً عن حمل النصوص على وجهها الصحيح ردحاً من الزمن، بل ربما الدهر كله، مع سعة علمه ورجاحة عقله.

واستشهدت لأثر المشرب الدعوي على فهم النصوص بأحوال ثلاثة من الأئمة: الإمام أبي الحسن الأشعري، الذي نشأ في أحضان الاعتزال، ثم تبرأ منه ـ بعد أن أقام عليه أربعين سنةـ وتحول إلىإثبات الصفات العقلية السبعة، وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، وتأويل الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك، ثم تحول إلى منهج السلف في إثبات جميع صفات الباري ـ عز وجل ـ من غير تأويل أو تعطيل أو تشبيه أو تكييف أو تحريف، كما أثبت ذلك في كتابه الإبانة عن أصول الديانة، إلا أن أتباعه تشبثوا في كل مرحلة من مراحل دعوته بنسبة مقالاتهم إلى أبي الحسن الأشعري مع رجوعه عما ينسبونه له، وتحوله إلى منهج السلف في هذا الباب، ثم الإمام الحافظ عبدالغني المقدسي، الذي نشأ على منهج السلف، فكان المشرب الدعوي القويم حاجزاً مانعاً له من الزلات، ودافعاً قوياً لحمل النصوص علىمراد الشارع، وسبباً لقدرته على مقاومة المخالف للمنهج القوي، وثباته وصموده أمام الاضطهاد والبلاء بالغير، ثم الإمام محمد بن علي الشوكاني، الذي نشأ على المذهب الزيدي، ثم انقلب على الزيدية، إلا إنه لم يشأ أن يسخطهم كل السخط، فاستدل بأدلتهم، ورد أقوالهم متسعيناً بمنهجهم، بما جعله يتنزل في الحجة تنزلاً خالف فيه منهج أهل السنة، كما يستشعر القارئ البصمات الزيدية في طيات فقهه، وما سبب ذلك إلا المشرب الدعوي الزيدي الذي نشأ عليه الإمام الشوكاني. وفي المبحث الثاني بينت عمق أثر الممارسة الدعوية على الفقيه في علمه وتقواه وورعه وحسن أخلاقه وتواضعه وثقته بربه وغيرته على دينه ومهاراته في أداء رسالته، إذ الدعوة مدرسة للداعية والمدعو، وتزيد الفقيه فضلاً إلى فضله. وفي المبحث الثالث تحدثت عن تأثر الفقيه بدعوة غيره، ومدى حساسيته وشفافيته لنداء ربه، ودعوة غيره لامتثال أوامر الله ونواهيه، فالفقه والعلم سبب للوقوف عند حدود الله، لا لتعديها، فإذا نُهي الفقيه عن منكر لم يستنكف أن ينزجر عنه، وإذا أُمِرَ بمعروف لم يتعال أن يرجع إليه. كما أنه بالمقابل يدرك خطورة الدعوة الفاسدة وضررها على الأمة أكثر من غيره، فيتصدى لها ـ بقدر خطورتها وفسادهاـ ليحفظ للأمة دينها وعقيدتها، بخلاف غيره الذي ربما لا يدرك أي فساد أو خطر من تلك الدعوة.

وفي الفصل الثاني تكلمت عن آثار التفقه على الداعية، وجعلته في ثلاثة مباحث، تحدثت في المبحث الأول عن قدرة الداعية على استيعاب المدعو بالتفقه في الدين، وعرّفت الاستيعاب لغة، ثم بينت أن المراد منه في البحث القدرة على أسر قلوب المدعوين واجتذابهم إلى الدعوة على اختلاف عقولهم وأمزجتهم وثقافاتهم ومشاربهم وطبقاتهم الاجتماعية، وبينت أهمية الاستيعاب في الدعوة، وأن نجاح الداعية مرتبط بقدرته على الإيغال في نفوس المدعوين، ومعرفة الوسيلة الأمثل لسَوْقهم إلى تطبيق شرع الله في حياتهم، وأن هذا يحتاج إلىعلم راسخ ومهارة شخصية وخبرة وتجربة، وأن القدرة على الاستيعاب تختلف من داعية إلى آخر، إلا أن كل داعية لا بد أن يتمتع بحد أدنى من القدرة على استيعاب المدعوين، وإلا كان مُنَفراً عن دين الله، فمهما كان حال المدعو من قوة أو سلطان أو ضعف أو فقر أو غنى أو صحة أو مرض أو كفر أو معصية أو إيمان يستطيع الداعية بفقهه ومهارته أن يستوعبه في دعوته، وأن يصل إلى أعماق نفسه، واستشهدت لذلك بقدرة سعيد بن المسيب على استيعاب الحجاج بن يوسف الثقفي مع قوته وجبروته، عندما أخذ يسابق الإمام في الركوع والسجود، ثم بينت حاجة الدعوة الملحة إلى تفقه الدعاة القائمين عليها، خشية أن يلحقوا بها الأضرار من حيث لا يشعرون، وعظم أثر التفقه على قدرات الداعية في تأدية مهمته على الوجه الذي يرضي الله تعالى، إذ به يستوعب المدعوين في الإسلام، ويبشرهم ولا ينفرهم، ويجمعهم ويؤلف بينهم ولا يفرقهم، وينصرهم ولا يخذلهم، ويُكْرِمهم ولا يحتقرهم، فيحقق لهم خيري الدنيا والآخرة. وفي المبحث الثاني تحدثت عن وقاية الداعية العثرات والزلات بالتفقه في الدين، فلا يتخبط في دين الله بالتقول على الله ورسوله بغير علم، أو بالغلو في الدين والتشدد فيه، بما يخالف شرع الله، ولا يخذل أي دعوة ـ لها وجهة شرعية مقبولةـ وإن كانت لا تروق له، وبينت حاجة الأمة إلى تكامل الجهود الدعوية، بحيث يُكَمِّل كل داعية جهود أخيه، ولا يكون حجر عثرة في طريق دعوته بسبب تنافس أو تحزُّب أو تحاسد أو تباغض، لأن ذلك يسبب تساقط الجهود الدعوية، وإضعاف أثرها في الأمة، والدعاة العاملون في الساحة لم يستوعبوا بعد حجم الأمة الهائل بالنسبة لقلة أعدادهم، فليس من الحكمة ولا من مصلحة الدعوة أن يزيد الداعيةُ الدعوةَ ضعفاً وخوراً بإبطال دعوة الآخرين، والتي لها وجهة شرعية مقبولة. وفي المبحث الثالث تحدثت عن التخطيط والاستمرارية والثبات كثمرة من ثمرات التفقه في الدين، الذي يمكِّن الدعوة من تحقيق أهدافها ومقاصدها في هداية الناس إلى طريق الحق والرشاد، كما تتمكن من الاتساع والانتشار والصمود أمام المحن والشدائد. وفي الفصل الثالث تحدثت عن تبادل الدعم بين الدعوة والفقه، والحاجة المساة إلى تضافر الجهود الدعوية والفقهية لتحقيق أهداف كل منهما، فلا يمكن أن تؤتي جهود العاملين في الحقلين ثمارها بمعزل أحدهما عن الآخر.

وجعلت الفصل الثالث أربعة مباحث، ففي المبحث الأول تكلمت عن دور الممارسة الدعوية في تنمية الفقه الإسلامي، وأهمية الدعوة البالغة في تنمية الفقه الإسلامي كمًّا وكيفاً، لا بتكاثر مسائله تكاثراً نظرياً محضاً، بل بانتشار الفقه المنهجي القادر على حل مشاكل المسلمين ومخاطبتهم بلغة عصرهم وواقع حياتهم، وزيادة من يطبقه في الأمة لكل ما يعرض لهم من أمور دينهم ودنياهم، وتحكيمه في كل المجالات وعلى المستويات كافة، والتنمية الفقهية بممارسة العمل الدعوي تنمية مستمرة باستمراره، تُنَقِّح الفقه وتصحح مساره بحيث يتفاعل مع الواقع، وتتطالبه ببيان شرع الله في كل ما يستجد في حياة المسلمين، وعدم الوقوف على ما انتهى إليه السابقون. وفي المبحث الثاني تحدثت عن دور الدعوة في حماية الفقه الإسلامي، وأنها وحدها القادرة على حماية شرع الله من التعطيل والإهمال، كما تحرسه من العابثين بنصوصه ومفاهيمه ومناهجه القويمة، ولا يكون ذلك إلا على أيدي دعاة مخلصين أَكْفَاء باعوا أنفسهم لله واشتروا الآخرة، واستشهدت لذلك بصمود الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ أمام محنة خلق القرآن، حيث استطاع أن يحفظ للأمة عقيدتها بصموده وثباته، وما كان الإمام أحمد ليتراجع، أو يستخدم التقية مع المعتزلة، لأنه إمام متبوع، وإلا لضل الناس وفسد اعتقادهم، فتحمل ـ رحمه الله ـ الضرر الخاص في سبيل تحقيق المصلحة العامة العظمى، وما كان من سبيل إلى حماية الحق ونشره إلا بالخضوع للبلاء والامتحان في بدنه، كما استشهدت أيضاً بدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وثباته على منهج السلف في الأصول والفروع، وحرصه الشديد على الدعوة إلى هذا المنهج دون التخلي عنه تحت أيّة ضغوط، فحماية الفقه ليست بحماية مسائله فحسب، ولكن بحماية المنهج القويم في فهم النصوص على طريقة سلف الأمة، من العدول عنه إلى غيره أو محاربته أو الجمود على مناهج المتأخرين المخالفة لمنهجهم، وهكذا كان موقف ابن تيمية عندما أُمر بالعدول عن منهجه الاجتهادي، الذي كان يرى أنه على طريقة السلف، فلم يرده عن منهجه تهديد أو حبس. وفي المبحث الثالث تحدثت عن دور الدعوة في تحقق الرسالة الأصلية للفقه الإسلامي، فمقاصد الشريعة الإسلامية لا يمكن تحقيقها بحال من الأحوال إلا بالدعوة إلى الله ـ تعالى ـ، فالعبودية لله وحده وتهذيب السلوك والأخلاق والرحمة والتراحم والعدل وتحقيق مصالح العباد مبادئ سامية رفيعة، استطاعت الدعوة وحدها تحويلها إلى واقع عملي ملموس في حياة الناس. وفي المبحث الرابع تحدثت عن ثمرة الدعم الفقهي للدعوة الإسلامية، إذ أن الفقه يمكن الدعوة من تحقيق مقاصدها وأهدافها، كما أنها تستمد قوتها وثباتها واستمرارها من فقه القائمين عليها، فالدعوة الواعية المتحصنة بالفقه قادرة على تحقيق مرضاة الله ـ تعالىـ، وعلى التصدي للمتربصين بالإسلام، والمشككين في مصداقيته. وفي الفصل الرابع تكلمت عن الفقيه الداعية، وجعلته في ثلاثة مباحث، تحدثت في المبحث الأول عن صفات الفقيه الداعية, وأن الله قد جمع له صفات أهل الفقه وأهل الدعوة، فآتاه الله مع العلم شرف تَحَمُّل مسئولية نشره وتبليغه، فصفاته التي لا يكتسبها بقراءة الكتب وحفظ معانيها لغة واصطلاحاً فحسب، بل بدعوة الناس ومخالطتهم والصبر على أذاهم، وتدريب النفس على اكتسابها، فالعلم بالتعلم والحلم بالتحلم.

وفي المبحث الثاني تحدثت عن أثر الفقية الداعية في الأمة، ومدى حاجة الأمة الماسة إلى ممارسة الفقهاء للعمل الدعوي، إذ هم العارفون بصحيح الأعمال من سقيمها، فتقع المسئولية العظمى عليهم في بيان شريعة الإسلام للناس، بل سَوقهم إليها وحثهم حثاً دؤوباً على الامتثال لأحكامها، مع التخطيط للعمل الدعوي، ومتابعة النتائج وتقويمها، واستشهدت لذلك بدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله ـ التي غيرت مجرى التاريخ، وأثرت تأثيراً بالغاً في شبه جزيرة العرب وخارجها، فأصبحت جزيرة العرب ـ بفضل دعوته المباركةـ تنعم بالأمن والسلام والحرية والوحدة والازدهار العلمي والفقهي وسيادة منهج السلف وعقيدتهم، فالفقيه الداعية يصحح للمسلمين عقيدتهم ويقضي لهم على الخرافات والأوهام، وينشر فيهم العلم والفقه، ويضبط لهم نصوص الشرع ويحققها، ويرفع عن أعينهم غشاوة الجهل والتقليد الأعمى، كما يوحِّد كلمتهم ويبث فيهم روح المحبة والأخوة والوئام، ويحقق لهم الأمن والاستقرار بنشر الفضيلة ومكافحة الرذيلة، ويصلح لهم حُكَّامَهُم ورؤساءَهم، ويجدد لهم فقه دينهم ليكونوا قادرين على حل مشاكل عصرهم، ويبث فيهم دعائم الجهاد ويغرسها في نفوسهم. وفي المبحث الثالث ذكرت مواقف للفقهاء الدعاة من سلف الأمة الصالح، كاستبسال أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ في حماية الدعوة من مهدها بماله ونفسه وكل ما يملك، وحرصه الشديد على سلامتها وسلامة رسول الله e، ومنهج مصعب بن عمير ـ رضي الله عنه ـ في دعوة أهل المدينة (مثل أسيد بن حضير وسعد بن معاذ) رضي الله عنهماـ) عندما أرسله رسول الله e إليهم كأول رسول في الإسلام لدعوة أهلها، وموقف الحسن البصري ـ رحمه الله ـ من عمر بن هبيرة في طاعته لأوامر يزيد بن عبد الملك المخالفة لشرع الله، وموقف المنذر بن سعيد البلوطي ـ رحمه الله ـ من الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد عندما توسع في بناء وزخرفة قصوره، وموقف العز بن عبد السلام سلطان العلماء ـ رحمه الله ـ من السلطان أيوب كامل عندما خرج على الناس في زينته، والأمراء تقبل الأرض بين يديه، فعاتبه وأنبه على السكوت على المنكرات والخمور في مصر. ثم ختمت البحث بخاتمة بينت فيها نتائج البحث وخلاصة ما توصلت إليه، وأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، بتحقيق سلامة الاعتقاد والتوحيد الخالص، واتباع منهج السلف في فهم نصوص الكتاب والسنة وتطبيق أحكامهما، والاعتزاز بهما، والصبر علىأداء أمانتهما. ثم وضعت للبحث فهارس تسهل البحث فيه، وألحقته بقائمة المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها في البحث، والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المراكز الإسلامية في أمريكا الشمالية نشأتها – أنشطتها والأحكام الفقهية المتعلقة بها

المراكز الإسلامية في أمريكا الشمالية نشأتها - أنشطتها والأحكام الفقهية المتعلقة بها ¤محمد موفق الغلاييني£بدون¥دار عمار - الأردن¨الأولى¢1430هـ€دعوة ودعاة¶دعوة - فقه أحكام وضوابط وتصورات الخاتمة: لعلي بعد هذا التجوال عبر الأبواب الثلاثة استطعت الإلمام بواقع الوجود الإسلامي في القارة الأمريكية، ومن ثم استجلاء معالم الأنشطة الممارسة في المساجد والمراكز الإسلامية، وتقويمها من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، وما يجدر بالعاملين فيها أن يقوموا به لأداء الأمانة، فما وكل إليهم إنما هو تكليف لا تشريف. وأخيراً بيان واقع الأئمة في هذه الديار، والمسؤوليات المتنوعة والكثيرة المناطة بهم. ولعل من تتميم الفائدة أن ألخص النتائج العامة التي توصلت إليها ومن ثم أذكر التوصيات التي أرى ضرورة مراعاتها بصورة عاجلة كيما ننهض بمساجدنا، ومراكزنا الإسلامية بما يرضي الله سبحانه، ويعود بالنفع على المسلمين خاصة وعلى جميع القاطنين في هذه القارة بصورة عامة. النتائج العامة للكتاب: 1 - النمو الكمي للمسلمين لا يتناسب مع النمو الكيفي: هناك نمو كمي مطرد في عدد المراكز والمدارس الإسلامية، وكذلك في عدد المسلمين أنفسهم في هذه القارة - كما سبق أن ذكرت في الباب الأول - وهذا مؤشر خير، ولكن هذا النمو الكمي لا يرافقه - مع الأسف - نمو كيفي بصورة مطردة. وهذا يؤكد لنا ضرورة العناية بالتعليم والتوجيه والتربية في مراكزنا بصورة أكبر، فالمسجد لا يعمر بالجدران فحسب، ولكن بالمصلين والركوع السجود، وبحلق العلم والذكر والتربية. قال تعالى: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وأتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} [التوبة: 17 - 18]. فالعناية بالكيف والمضمون يجب أن يكون عنوان المرحلة القادمة للمسلمين في هذه الديار، فنحن بحاجة ماسة إلى زيادة التربية والثقافة الإسلامية في مراكزنا كمّاً ونوعاً بما يعين على تخريج أجيال مسلمة توقن بالإسلام وتلتزم بأحكامه أكثر من حاجتنا إلى زيادة عدد المراكز الإسلامية. 2 - عدم وجود مرجعية شرعية واحدة متفق عليها بين المسلمين في أمريكا: فرغم وجود عدد لا بأس به من الجماعات والمنظمات الإسلامية فإنه لا توجد هيئة واحدة متفق عليها كمرجع للمسلمين جميعاً. وبذا انطبق علينا قول الشاعر: لكل جماعة فينا إمام ... ولكن الجميع بلا إمام نعم يوجد تنسيق بين بعض هذه المنظمات، ولكن لا يوجد تنسيق عام بينها جميعاً. وهذا من الأسباب الرئيسية لضعف الكيان الإسلامي في هذه القارة. والحل واضح، وهو قوله سبحانه: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} [آل عمران: 103] وفي قوله عز من قائل: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [الأنفال: 46]. إن مرد هذا التباعد إنما هو أمراض النفوس الناشئة من التحزب والتعصب، وحب الرئاسة والزعامة فنجد الأتباع أو كثير منهم يتعصبون لجماعتهم، والزعماء يسعون للحفاظ على رئاستهم، ولذلك تذهب فرص التوحيد والتعاون سدى. لذا فإن على المنتمين لهذه الجماعات والمنظمات رؤساء ومرؤوسين أن يتقوا الله في أنفسهم وفي المسلمين الذين لا يشكلون في هذا المجتمع سوى أقلية مستضعفة. 2 - اختلاف درجة الالتزام بين المراكز الإسلامية.

فبعضها أكثر التزاماً من الأخرى، ولعل الملتزمة أقل عدداً من غير الملتزمة، وعدم الالتزام قد يظهر في صور مختلفة، فقد يكون نابعاً من فهم خاطئ لمهمة المركز الإسلامي، أو من تبني وجهة نظر جماعة أو منظمة معينة. وهذه الأوضاع المختلفة تحتاج إلى دراسة أخرى تركز اهتمامها على هذا الجانب لمعرفة الأسباب، وطرق العلاج. والذي أقترحه في هذا المجال أن يضاعف أهل العلم - سواء المقيمين أو الزائرين - من جهودهم ليبينوا للمسلمين أن المركز إنما يسمى: (إسلامياً) لكونه يتبنى هذا الدين: الإسلام، فالإسلام ليس مجرد اسم أو لافتة ترفع، وإنما هو عقيدة ومبدأ ومنهج حياة. أما إذا أصر القائمون على هذه المراكز أن لا يلتزموا بأحكام الإسلام فإن عليهم أن يختاروا اسماً آخر لا علاقة له بالإسلام، لأن اسم الإسلام - مع الأسف - قد يستغل للتأثير عاطفياً على بعض المسلمين البسطاء الذين لا معرفة لهم بحقائق الأمور. 4 - ضعف التوازن في ممارسة الأنشطة المختلفة: هذا الأمر يكاد أن يكون ظاهرة في مراكزنا الإسلامية. ففي الوقت الذي ترى فيه الأنشطة الاجتماعية والترويحية رائجة منتعشة، نجد الأنشطة الفكرية والتربوية لا تحظى بالاهتمام نفسه، ولعل السبب الرئيسي لهذا كامن في عدم التطوير في وسائل هذه الأنشطة، فالطرق التقليدية من محاضرة وندوة وما إليهما لم تعد قادرة على جذب جمهور عريض، وهذا يستدعي إعادة التفكير في طرق جديدة نعرض من خلالها ما نريد قوله ولكن بطرق حديثة مبتكرة. 5 - دور المسجد في حل الخلافات الزوجية دور حيوي وهام: فالمسجد هو موئل المسلمين في جميع قضاياهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية. والزوجان عندما يقع بينهما خلاف ولا يستطيعان الوصول إلى حل مناسب، فإن المسجد يقوم بدور هام وفعال، فهو يقوم بدور المستشار الشرعي أو الاجتماعي أحياناً، ودور القاضي الشرعي في أحيان أخرى إذا رضي الزوجان به حَكماً نهائياً. وهذا يريح الطرفين من التحاكم لغير شريعة الله، وبالتالي يريحهما من عناء التقاضي أمام المحكمة ودفع التكاليف الباهظة التي تزيد الخلاف تعقيداً وسوءاً. 6 - ضرورة تطوير الخدمات الاجتماعية المقدمة لحل المشكلات الزوجية: تناط مهمة حل الخلافات الزوجية بالإمام في أغلب الأحيان، ونظراً للأمور الكثيرة التي توكل إليه فإنه يصبح عاجزاً عن ملاحقة جميع ما يعرض عليه، ولذا فلابد من وجود بعض المتبرعين - وبخاصة من عندهم اختصاص في مجال الخدمات الاجتماعية ولديهم قدر من الخليفة الشرعية - لمساعدة الإمام في هذا المجال. أو من الممكن التوسع في تجربة مكتب الخدمات الاجتماعية التابع لـ: ICNA والذي أعطيت لمحة عنه فيما سبق ليمارس في ولايات أخرى. 7 - إمكانية الصرف من أموال الزكاة في سبيل نشر الدعوة: فقد رجَّحت هذا الرأي الفقهي بسبب وجاهته شرعاً، وحاجة المسلمين الملحة في أمريكا لدعم جهود الدعوة الإسلامية، إذ لا توجد أوقاف للمسلمين في أمريكا لينفق منها على هذا المجال، وما تقوم به مؤسسة الوقف التابعة لمنظمة المجتمع الإسلامي في أمريكا الشمالية لا يفي بالمطلوب، بل إن جهودها في هذا المضمار آخذة بالتضاؤل لأسباب شتى لا مجال لذكرها. 8 - أهمية استخدام وسائل الإعلام الحديثة في مجال الدعوة:

فالوسائل التقليدية لم تعد تكفي، ولعل من المفيد في هذا المجال أن أؤكد أهمية البدء ببرنامج إذاعي يبث مواده على مستوى أمريكا كلها، وكذلك العمل على إيجاد قناة تلفزيونية إسلامية تكون من مهماتها تقديم الإسلام لغير المسلمين بصورة حقيقية مشرقة تعكس صورة الإسلام الصادقة، وترد عنه شبهات الأعداء وكذلك تثقيف المسلمين بدينهم، وتذكيرهم بواجبهم تجاه دينهم والدعوة إليه، ومن الممكن دعوة أغنياء المسلمين في العالم الإسلامي للإنفاق على هذا المشروع لاحتياجه إلى دعم مالي كبير، وليس من الصعب إقناعهم بجدوى هذا المشروع لأنه جد هام في تخفيف حدة العداء للإسلام والمسلمين الآخذ بالانتشار في العالم أجمع نتيجة الظروف الحالية المعروفة. 9 - التواصل مع المنظمات غير الإسلامية ذات الاهتمامات المشتركة: فقد رأينا كيف شارك نبينا عليه الصلاة والسلام في حلف الفضول وقال فيما بعد بأنه لو دعي إلى مثله في الإسلام لأجاب. فالمسلمون في أمريكا عليهم أن يمدوا الجسور مع من يشاركهم ولو جزءاً من همومهم واهتماماتهم مثل الاهتمام بالقيم الروحية والدينية، ونشر الفضيلة والعدل، والسلام المبني على حفظ حقوق الآخرين، والمحافظ على الأسرة كخلية هامة للمجتمع السليم، ومنع الإجهاض، وعدم الاعتراف بالزواج المثلي، ومحاربة كل أنواع الجريمة المنظمة وغير المنظمة، وتعاطي المخدرات والكحول، والعلاقات الجنسية غير المشروعة. إن إيجابية المسلمين في علاقاتهم مع غيرهم يمكن غير المسلمين من فهم ديننا بطريقة عملية، ويمكننا من مد جسور التفاهم معهم. إذ سيعلم أن ما نقوم به إنما هو من تعاليم ديننا الحنيف الذي يقول كتابه الكريم: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} [الممتحنة: 8 - 9]. 10 - إيجاد صيغة علمية للتعاون بين المسجد والمدرسة الإسلامية المجاورة: فلا ينبغي الفصل بينهما، لأن كلّاً منهما يكمل الآخر. فآباء الطلاب إنما هم رواد للمسجد بطبيعة الحال، ووجود صلة طيبة لأولادهم بالمسجد سيزيد من علاقتهم به. والطلاب أنفسهم - وخلال وجودهم في المدرسة - لابد أن يمارسوا بعض الشعائر الإسلامية - وبخاصة الصلاة - في المسجد، وبهذا تتعلق قلوبهم ببيت الله مع مرور الوقت، ويتعلمون كذلك آداب دخول المسجد، والمكث فيه. ولعل من الخير أن تكون للإمام صلة مميزة أيضاً بالمدرسة الإسلامية، إذ يمكن أن يكون المستشار الشرعي لإدارتها، كما أن بإمكانه أن يتولى مهمة الإشراف التربوي على مواد القرآن الكريم والدراسات الإسلامية واللغة العربية إن كانت لديه المقدرة على هذا، وأسعفه وقته في القيام بهذه المهمة الجليلة والهامة، وبهذا تصبح سياسة المركز الإسلامي واحدة سواء بالنسبة للكبار أو الصغار، فالإمام بهذه المشاركة يضفي الروح الإسلامية على الجميع، ويجعل من ربط الإسلام بالحياة قضية يومية معاشة. 11 - مشروعية المشاركة بالعمل السياسي بضوابطه الشرعية: فبعد دراسة متأنية لهذا الموضوع رأيت أنه لا مانع شرعاً من هذه المشاركة باعتبارها من باب السياسة الشرعية، بتحقيق أكمل المصلحتين، ودفع أعظم المفسدتين، أو ارتكاب أخف الضررين. لكن هذه المشاركة مقيدة بالضوابط الشرعية التي بينتها، فمنها ما يتعلق بالمنظمات الإسلامية الرئيسية في أمريكا، وأخرى بالمنظمات الإسلامية المتخصصة بالعمل السياسي، وأخيراً ما يتعلق بالمراكز الإسلامية.

لابد من الاعتراف بأن لهذا العمل مخاطره ومزالقة الكثيرة، لذا فلابد من إعداد الكوادر المسلمة المتخصصة بالسياسة، المتحصنة بتقوى الله وبوعيها الإسلامي، والفاهمة لأهداف المسلمين من مشاركتهم في هذا العمل. وقد يكون هذا الاقتراح صعب المنال في الوقت الحالي، ولكن لابد من العمل على تحقيقه من الآن لتكون خطواتنا علمية ومدروسة. وقد أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن نتقن العمل فقال فيما روته عائشة رضي الله عنها: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) ولاشك بأن وضع الخطط طويلة الأمد هو من إتقان العمل. 12 - تقديم أنشطة ملتزمة تجذب أكبر عدد من المسلمين لاشتمالها على جانب ترويحي: فمن المعلوم أن المغريات الصادة عن سبيل الله في هذه البلاد كثيرة جداً، فلابد من ابتكار أنشطة ثقافية ترويحية تجذب أكبر عدد من أفراد الجالية المسلمة، وبخاصة الشباب الذين تستهويهم الأنشطة الرياضية وما شابهها من أنشطة تشتمل على الترويح عن النفس. إن الإسلام دين واقعي يتلاءم مع الفكرة البشرية، لذا فقد أباح الترويح البريء عن النفس، ولكن نظراً للتفنن الأخذ بالنمو في هذا المجال والذي لا يراعي خلقاً ولا ديناً، فقد بينت الضوابط الشرعية لهذا النشاط الهام، ومن المؤمل أن يتنبه المسلمون لهذه الضوابط فيأخذوا بها إرضاء لربهم، والتزاماً بدينهم الذي يريد بهم اليسر لا العسر كما بين سبحانه في كتابه الكريم فقال: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185]. 13 - ضرورة الاهتمام بإعداد الأئمة الأكفاء: اقترحت أن يتولى المسلمون في أمريكا إعداد الأئمة في داخلها، وهذا يحقق لنا عدة أهداف هامة منها: - تلبية حاجات المساجد والمراكز الإسلامية من الأئمة. - معرفة الأئمة بواقع البيئة الأمريكية، وواقع المسلمين فيها. - إتقان الأئمة للغة الإنجليزية. - إمكانية التواصل مع وسائل الإعلام. 14 - ضرورة ذكر ما يتعلق بالأئمة (الأمور الأساسية) في دساتير المراكز الإسلامية: ولعل من أهم هذه الأمور ما يلي: - كونه عضواً مصوتاً في اللجنة التنفيذية. إذ لا يعقل أن لا يشارك الإمام في اتخاذ القرارات وربما كان أعلم عضو في هذه اللجنة، ورأيه له أهمية كبيرة فيما يتعلق بالمركز في جوانب كثيرة، وربما كان لهذه القرارات انعكاس على مهامه. - إشرافه على اللجنة الثقافية أو التربوية، وكذلك لجنة الدعوة. وعندما لا يمكنه وقته من ذلك فيكفي أن يكون مستشاراً في هذه اللجان. لأن لرأيه أهمية في توجيه هذه الأنشطة بما يتلاءم مع شرع الله سبحانه. - أن ينص في الدستور على أن الإمام هو المرجع الشرعي لجميع ما يمارس من أنشطة في المركز أو المدرسة الإسلامية التابعة له. وبهذا نضمن سلامة التوجه بما ينسجم مع الهدف الذي أنشأ المركز أو المدرسة من أجله. 15 - التعامل مع الإمام بالاحترام المطلوب: فالإمام هو حامل ميراث النبوة، ومن غير المقبول ولا المعقول أن يعامل وكأنه موظف عادي يُقضى في شأنه وهو شاهد بدون استشارة ولا احترام. فحاله في كثير من الأحوال في مراكزنا الإسلامية كحال بني تيم الذين وصف الشاعر حالهم بقوله: ويقضي الأمر حين تغيب تيم ... ولا يستشهدون وهم شهود كما أن واجب الإمام في الوقت نفسه أن يترفع عن السفاسف، وينأى بنفسه من الانحياز لطرف أو جماعة أو تنظيم معين، فهو إمام للجالية كلها، وهو قدوة للكبير والصغير فيجدر به أن يكون مرجعاً للجميع لا طرفاً يحابي طرفاً على حساب آخر: قد رشحوك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

المسجد وأثره في المجتمع الإسلامي

المسجد وأثره في المجتمع الإسلامي ¤علي عبدالحليم محمود£بدون¥دار المعارف - مصر¨بدون¢بدون€دعوة ودعاة¶مساجد - دورها خاتمة: في الختام أحب أن أؤكد أن المسجد جزء هام بل من أهم مكونات المجتمع المسلم، ولا يستطيع هذا المجتمع المسلم أن يؤدي وظيفته في الحياة والأحياء إلا بالمساجد. وإذا أصبح المسجد على نحو ما تصورنا أو على نحو أمثل منه وأحسن فإن المتوقع بل الأكيد أن تكون حال المجتمع المسلم كله على النحو الأحسن وعلى الصورة الأمثل. وإذا كانت الأمة الإسلامية تشكو الآن من انحراف الشباب فيها عن جادة الإسلام فإن عودة هؤلاء الشباب إلى الجادة وتربيتهم على الأخلاق الإسلامية السوية إنما يبدأ في المسجد. وإذا كان للأمة الإسلامية مشكلات تعترضها من أي نوع كانت هذه المشكلات فإن أسلوب التغلب على هذه المشكلات إنما يبدأ في المسجد. وإذا كانت الأمة الإسلامية تحس بأنها مقصرة في نشر الدين الإسلامي والتبشير به في البشرية كلها، فإن تلافي هذا التقصير، وإن الانطلاق الحقيقي بدعوة الإسلام إلى العالم كله إنما يبدأ من المسجد. وحسبي وأنا أختم هذا البحث أن أذكر بأن أول عمل وأهم عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد أن انتقل إليها وأسس فيها أول دولة إسلامية عرفتها البشرية هو أنه بنى المسجد، ومنه كان الانطلاق. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المسجد ونشاطه الاجتماعي على مدار التاريخ

المسجد ونشاطه الاجتماعي على مدار التاريخ ¤عبدالله قاسم الوشلي£بدون¥مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت¨الأولى¢1410هـ€دعوة ودعاة¶مساجد - دورها الخاتمة: وبعد، فهذا آخر ما يسر الله لي كتابته عن المسجد ونشاطه الاجتماعي وأرجو أن أكون قد وفقت في الكتابة، وجمعت فيه ما تحصل به الفائدة وأكون قد دللت على الطريق الأقوم الذي يجب أن يكون عليه المسجد في هذا العصر الذي كادت رسالة المسجد فيه أن تنسى، ونشاطه أن يدرس، فلعل في هذا المكتوب تذكيرا وتنبيهاً، وفي الموضوعات المطروحة بالبحث بياناً وتفصيلا، وفي العرض لما كان عليه المسجد قديما من النشاط والحيوية دليلا وحده، وفي النماذج من مساجد النشاط على مدار التاريخ قدوة، وفيما تعرضنا له من الآثار الناتجة عن الإهمال في هذا الصدد عبرة وعظة وتذكيرا، وفي المقارنة بين الماضي والحاضر تصحيحاً وتشميرا للجد والاجتهاد، وفيما اقترحنا من أسلوب الإحياء والإخلاص والعودة بالمسجد إلى سالف مجده بداية تؤخذ بعين الاعتبار فتجد من الاهتمام من قبل الدارس ما ينبغي أن تأخذه فتهذب وتشذب وينقص ويزيد بما يخدم الفكرة وينمي المقترح ويجعله صالحا للتنفيذ في الواقع والحياة، إذ أني لا أقول بلغت فيها النضج ولا وصلت بها النهاية، وإنما هي بداية ومحاولة بحاجة إلى المخلصين من أصحاب الظن الحسن والقلب السليم أن يسلكوا بها المسلك الصحيح القويم ويسعوا لتكون محلا للتنفيذ. أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه، وأن يكتب الأجر والمثوبة لكل من أسهم وشجع في ذلك، وأرجو من القارئ أن يحسن الظن فيما يجد من خطأ أو هفوة فهي ليست مقصودة ولا متعمد فيها، إذ أنها إما أن تكون سهوا أو غفلة أو اجتهادا فالإصابة مع الاجتهاد محمودة، والخطأ فيه مغفور. وأسأل من ربي غفران الخطأ وهو الكريم المتفضل يعطي الكثير على القليل ويعفو عن الكثير بالنية المخلصة الصادقة، كما أني أرجوه أن يكتبني من عباده المخلصين وهو على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

المنهاج النبوي في دعوة الشباب

المنهاج النبوي في دعوة الشباب ¤سليمان بن قاسم العيد£بدون¥دار العاصمة - الرياض¨الأولى¢1415هـ€دعوة ودعاة¶دعوة - وسائلها وطرق التأثير الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على نبينا محمد إمام المرسلين وسيد الدعاة. وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فقد عشت مدة هذا البحث مع منهاج النبي e في دعوته للشباب حيث كان عارفاً بخصائص النفوس وحاجاتها، مهتماً بالعلم، باذلاً له، مرغباً فيه .. ومجتهداً في ترسيخ الإيمان في قلوب الشباب متبعاً في ذلك أنجح الوسائل، وأفضل الأساليب مع حرصه (عليه الصلاة والسلام) على ترجمة ذلك الإيمان إلى سلوك عملي متمثلاً بالعمل الصالح، والآداب الفاضلة ومن تمام دعوته e للشباب تربيتهم على الدعوة نفسها، لتخريج جيل يحمل رسالته من بعده. وفي ذلك كله ما كانت الحكمة تغيب عنه في أسلوب أو وسيلة، فكان يعطف على الشباب في مواقف العطف، ويشتد عليهم في مواقف الشدة، ويوجههم إلى الخير، ويرغبهم فيه، وينفرهم من الشر، ويحذرهم منه. سالكاً في ذلك سبيل الموعظة الحسنة أو الوصية الجامعة، أو الإشارة العابرة. ومن خلال معايشتي لذلك المنهاج خرجت بنتائج أهمها: • هناك خصائص وحاجات أساسية لمرحلة الشباب من الضروري معرفتها ومراعاتها في الدعوة ضماناً لنجاحها. • كان النبي e يعامل الشباب معاملة خاصة نظراً لما فيهم من خصائص وحاجات تختلف عن غيرهم. • كان النبي e وخلفاؤه الراشدون يثقون بالشباب ويستشيرونهم ويولونهم المهمات الصعبة. • أن معظم أصحاب النبي e الذي آمنوا به وعزروه ونصروه كانوا شباباً، وبالأخص فإن المبرزين منهم في العلم والجهاد من الشباب. • قدرة الشباب على القيام بمسؤوليات كبيرة كإمارة البلدان وقيادة الجيوش وإدارة الأعمال وغيرها. • أن تقدم الأمم وحضارتها مرهون باهتمامها بشبابها واستفادتها منهم. • أن لدى الشباب من القدرة على التغيير في المجتمعات ما ليس لغيرهم. هذه أهم النتائج، وأجد في نفسي بعض التوصيات لجهات مختلفة أحب أن أوصي بها ومنها: • على الحكومات الإسلامية إعادة النظر في شبابها، والاهتمام بهم فهم زينة حاضرها وعدة مستقبلها. • وعلى الإدارات العامة والخاصة إشراك الشباب في المجالس الاستشارية كما كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يستشير الشباب طلباً لحدة عقولهم. وقد قالت العرب: عليكم بمشاورة الشباب، فإنهم ينتجون رأياً لم ينله طول القدِم. • وعلىالدعاة عموماً دراسة خصائص مراحل نمو الإنسان، لمعرفة أنسب الوسائل وأفضل الأساليب في الدعوة. وخاصة مرحلة الشباب فهي الشريحة العظمى من المجتمع وهي البيئة الخصبة للدعوة. • وعلى أولياء الأمور والقائمين علىالشباب، مراعاة هذه الفترة مراعاة خاصة، وتحري الحكمة في التعامل معهم، واتباع أفضل الأساليب في تقويم أخطائهم. والنظر إلى حماسهم في العبادة أو الدعوة وتوجيهه الوجهة الصحيحة التي تضمن استمرارهم وسلامتهم. • كما على المسؤولين أن يثقوا بالشباب، بتوليتهم بعض الأمور المهمة لما فيهم من صفاء في الأذهان وحماس للتنفيذ وقبل للتوجيه والإرشاد، ورغبة في التجديد والإبداع. هذه بإيجاز شديد أهم النتائج والتوصيات. نسأل الله (سبحانه وتعالى) التوفيق لما يحب ويرضى. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الموقف المعاصر من المنهج السلفي في البلاد العربية (دراسة نقدية)

الموقف المعاصر من المنهج السلفي في البلاد العربية (دراسة نقدية) ¤مفرح بن سليمان العوسي£بدون¥دار الفضيلة - الرياض¨الأولى¢1423هـ€دعوة ودعاة¶دراسات توثيقية ومنهجية الخاتمة أحمد الله عز وجل وأشكره وأثني عليه الخير كله، فله الحمد سبحانه على ما يسّر وأعان على إتمام هذا البحث، الذي درستُ فيه الموقف المعاصر من المنهج السلفي في البلاد العربية، ولم يبق عليَّ في خاتمته إلا الوفاء بحق أمرين هامين هما: استخلاص أبرز نتائجه، ورصد بعض التوصيات والمقترحات ذات العلاقة بموضوعه. أولاً: أبرز نتائج البحث: لقد توصلتُ من خلال دراستي للموقف المعاصر من المنهج السلفي في البلاد العربية إلى نتائج كثيرة، أبرزها ما يلي:1ـ أن الموقف المعاصر من المنهج السلفي في البلاد العربية ينقسم إلى قسمين: ـ موقف عقلاني. ـ وموقف تغريببي. وأصحاب الموقف العقلاني في ذلك صنفان هما: ـ اتجاه عقلاني يرتكز على تراث الفرق المختلفة. ـ واتجاه عقلاني يدعو إلى التحديث في الفكر الإسلامي المعاصر. كما أن أصحاب الموقف التغريببي في ذلك صنفان أيضاً: ـ اتجاه تغريببي علماني. ـ واتجاه تغريببي ماركسي. 2ـ أن موقف الاتجاه العقلاني المرتكز على تراث الفرق المختلفة من المنهج السلفي يتمثل ـ بوجه عام ـ في ادعائه ما يلي: أـ أن "السلفية" مذهب جديد مبتدع في الدين، والتمذهب بها بدعة، فهي لا تعني إلا مرحلة زمنية وصفها الرسول ? بالخيرية، وأنه ليس في الإسلام طائفة متميزة تُسمى بالسلفية. ب ـ أن الالتزام في العصر الحاضر بالمنهج السلفي الذي سار عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين أمرٌ لا موجب له، لأن هذا المنهج إنما هو موقف اجتهادي منهم ولا يلزم غيرهم الأخذ به. ج ـ أن السلف أهل السنة والجماعة يتنكرون للعقل ويغضون من شأنه وينحون به جانباً، ويُنكرون استخدام القياس، ويحكمون بالضعف أو الوضع على كل ما ورد في فضل العقل من أحاديث. د ـ أن إثبات الصفات على ظاهرها كما وردت في النصوص الشرعية يقتضي التشبيه والتجسيم، ولذا فإن سلف الأمة وأئمتها سلكوا حيالها أحد المسلكين التاليين: أحدهما: تفويض معانيها وكيفياتها واعتبارها من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله. الثاني: تأويل نصوصها وحملها على المعاني المجازية. ومن هنا فإنهم أوَّلوا ـ في زعم أصحاب هذا الاتجاه ـ صفة العلو إلى علو الشأن والمكانة، وعلو القهر والغلبة، وعلو العظمة والعزة. وأوَّلوا صفة الاستواء إلى استئثار المُلْك، واستواء الحكم والإقبال والقصد ونحو ذلك. وأوَّلوا صفة النزول إلى نزول أمره سبحانه وقدرته، أو إقباله جل جلاله على عباده. هـ أنه لم يقل أحد من السلف أن الله سبحانه وتعالى تكلم بحرف وصوت، وأن الإمام أحمد يرى أن القرآن في اللوح المحفوظ وفي لسان جبريل عليه السلام وفي لسان محمد ? وألسنة التالين وقلوبهم وألواحهم حادث محدث ضرورة، وأما القديم فهو المعنى القائم بالله سبحانه وتعالى وهو الكلام النفسي. وـ أن أحاديث الآحاد ليس حجة في مسائل الاعتقاد، وأن من احتج بها من علماء السلف في تلك المسائل فقد جانب الصواب. زـ أن السلف يرون جواز شد الرحال لزيارة قبر النبي ?، لورود الأحاديث الكثيرة الدالة على مشروعية زيارة القبور وعلى أن زيارة قبره ? فضيلة وسنة، ولإجماع العلماء على استحباب هذه الزيارة. ح ـ أن السلف أهل السنة والجماعة يرون طبقاً للأدلة الشرعية جواز نداء النبي ? بعد موته والتوسل به لتفريج الكربات، وكذا التوسل بمن عُرفوا بالصلاح والاستقامة في حياتهم وبعد مماتهم، وأنه لم يقل أحد بتحريم ذلك إلا ابن تيمية.

ط ـ أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب مذهب وهابي مبتدع في الدين، تقف أفكاره وأصوله عند الشيخ محمد بن عبدالوهاب ولا ترقى إلى علماء السلف السابقين، وأن من أهدافها الدعوة إلى القومية العربية، وإقامة دولة عربية مستقلة عن دولة الأتراك، وأنها ظلت دعوة ودولة في شبه الجزيرة العربية ولم تنتشر في غيرها من بلاد المسلمين بسبب فكرها المحافظ وأساليبها البدوية العنيفة، وأنها دعوة بادية بسطاء لم تنل ما ناله غيرها من أهل البلاد الأخرى من التحضر والتمدن، وأن أصحابها لا يحترمون النبي ?، بل يبغضونه ويمقتون مادحيه والمصلين عليه. 3ـ أن موقف اتجاه التحديث في الفكر الإسلامي المعاصر من المنهج السلفي يتمثل ـ بوجه عام ـ في ادعائه ما يلي: أـ أن سنة رسول الله ? تنقسم إلى سنة تشريعية يلزم العمل بها، وسنة غير تشريعية لا يلزم العمل بها، وأنه يدخل في القسم الثاني مسائل باب (المعاملات) في الفقه الإسلامي، لأنه من أمور دنيانا التي نحن أعلم بها، كما يدخل فيه تصرفات الرسول ? في القضاء والإمامة. ب ـ أن قضايا الاعتقاد مسائل فكرية، وأن الفكر يتغير بتغير الزمان والمكان، فالعقيدة إذن متجددة متغيرة وعلى المسلمين أن يختاروا ما يناسبهم من المناهج بحسب الظروف والملابسات التي يعيشونها. ج ـ أنه لا بد ـ لتجديد الإسلام وتحقيق النهضة المنشودة في وقتنا الحاضر ـ أن نتجاوز منهج متأخري العلماء في الأخذ بالأسلم والأحوط والأضبط، وألا نتواصى بالمحافظة بل بالانفلات والانطلاق بكل حرية. د ـ أن الفقهاء المسلمين منغلقون ضيقو الأفق، وأن الحياة العامة وشؤون الاقتصاد والسياسة تدور من حولهم وهم لا يشعرون، وأنهم أغفلوا حق طاعة ولاة الأمر في كتبهم ومصنفاتهم، واحتكروا الدين واتخذوه سراً من الأسرار حجبوه عن الناس، وأصبحوا بذلك وسطاء بين العباد وربهم، وسلطة مركزية تستبد بأمر الاجتهاد. هـ أن الأحكام تتغير بتغير الزمان، وأنه لا يمكن تطبيق الشريعة على المستجدات والظروف والأحوال المختلفة المتباينة إلا بتأسيس معقولية الأحكام الشرعية، وذلك: باتخاذ تحقيق المصالح أساساً للتشريع، وبجعل دوران الحكم الشرعي مع الحكمة والمصلحة لا مع العلة، وبربط الأحكام الشرعية بأسباب نزولها. وـ أن "أهلية الاجتهاد" شيء نسبي إضافي، وجملة مرنة ليس لها ضوابط ولا شرائط، وأما تلك الشروط والضوابط التي اعتمدها علماء الإسلام فما هي إلا قيود وضعها مناطقة الإغريق ثم اقتبسها الفقهاء عنهم. وأنه ينبغي فتح باب الاجتهاد الحر لجمهور المسلمين بما فيهم العوام، لأنه ليس في الإسلام كنيسة أو سلطة رسمية تحتكر النظر في المسائل الشرعية والإفتاء فيها. زـ أن (الإجماع) حق لجميع أفراد الشعب المسلم، وأنهم استعملوه في عصور الإسلام الأولى، ثم باشر هذا الحق نيابة عنهم الفقهاء في عصور الجهل والانحطاط، وأنه لا بد في هذا العصر من إعادة الحق إليهم عن طريق التصويت على الأحكام الشرعية، فما صَوَّت له جمهور المسلمين وسوادهم الأعظم أصبح حكماً لازماً ينزل عليه كل المسلمين. ح ـ أنه لابد من التدرج في تطبيق الشريعة في المجتمع الإسلامي المعاصر، إذ لا يمكن تطبيقها تطبيقاً كاملاً في هذا المجتمع ـ ولا سيما إقامة الحدود الشرعية ـ إلا بعد تهيئته من جميع النواحي: السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والفكرية. ولذا فإن الشريعة لم تطبق تطبيقاً كاملاً في أي مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي بما فيها المرحلة الأولى منه في عصر النبي ?.

ط ـ أن العقوبات المقررة في الشرع ليست مقصودة بأعيانها بل بغاياتها، وهي الردع عن ارتكاب الجريمة، فكل ما أدى مؤداها يكون بمثابتها، ولذا فإنه لا رجم في الإسلام ولا قطع ولا جلد ولا حد إلا بعد معاودة الجريمة وتكرارها والإصرار عليها. ي ـ أنه لا رجم في الإسلام، لأن ما شاع وذاع من قول بالرجم يعتمد على طائفة من أحاديث لم ترتفع عن درجة الحسن، ولأن هذه الأحاديث مخالفة مخالفةً صريحة للقرآن فلا يُعتد بها، ولأنه لو كان عقاب المحصنة من الحرائر الرجم حتى الموت كان أحرى أن يُنص عليه تعييناً لهوله. ك ـ أن الفقه الإسلامي فقه تقليدي مؤسس على علم محدود بطبائع الأشياء وحقائق الكون وقوانين الاجتماع، وأن كتب الفقه تفتقر إلى الأحكام التي ترشد المسلم إلى ما يجب عليه اتباعه في أمور التجارة والفن والسياسة. ل ـ أن أصول الفقه مطبوع بأثر الظروف التاريخية التي نشأ فيها، وأنه نظرٌ مجرد، كله مبالغة في التشعيب والتعقيد بغير طائل، ومقولات نظرية عقيمة لا تلد فقهاً البتة، بل تُولِّد جدلاً لا يتناهى. 4ـ اشتراك الاتجاهين العلماني والماركسي ـ في موقفهما من المنهج السلفي ـ في جوانب عديدة، أهمها: أ) الخلط في مفهوم "السلفية"، بحيث يُدخل هؤلاء تحته كل من انتمى إلى الإسلام، سواء كان انتماؤه صحيحاً أم خاطئاً. ب) التعامل مع الاتجاه السلفي بطريقة قائمة على مواقف مسبقة، وليست علمية حيادية ـ وإن ادَّعوا ذلك ـ بحيث يتم تناوله بطريقة تحريفية تتعمد تشويه هذا الاتجاه والتنفير منه ووصمة بالتطرف والرجعية، والعقم والعجز عن الوعي بالعصر ... إلخ. ج) التعامل معه باعتباره مشكلة كبيرة وخطراً داهماً يتهدد المجتمعات المدنية، وأنه يجب التصدي له ـ بكل السبل ـ للقضاء عليه أو للحد من خطره وضرره على الأقل. 5ـ أن موقف الاتجاه التغريببي العلماني من المنهج السلفي يتمثل ـ بوجه عام ـ في ادعائه ما يلي: أـ أن أصحاب المنهج السلفي يحصرون (العلم) في الشرع وينكرون ما عداه من العلوم، كما ينكرون السببية، وأنهم يرون اشتمال القرآن على كل علم، وتضاداً وتعارضاً بين العلم الحديث ومتطلبات الإيمان وروحانية الإسلام، كما يرون هذا العلم علماً غير يقيني وعديم النفع غير مستحق للطلب والتحصيل، ولذا فهم يرفضونه ويدينونه. ب ـ أن المنهج السلفي منهج انتقائي، فأصحابه ينتقون في طريقة عرضهم للتراث الإسلامي ما يُناسب توجهاتهم وأفكارهم، ويحجبون كل ما يتعارض معها، ويقدمون ذلك بوصفه الممثل لهذا التراث. ج ـ أن أصحاب الاتجاه السلفي إنما يُركزون في منهجهم في الأخذ بالإسلام وتمثله وتطبيقه على منطوق النص لا روحه، وعلى الشكليات والقشور دون الجوهر واللباب، فيركزون على الزي ومنع الاختلاط وتطبيق الحدود وأداء الشعائر، ويُغفلون التفكير في إيجاد حل للمشكلات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها مجتمعاتهم. د ـ أن الاقتداء بالسلف الصالح والالتزام بمنهجهم: مناف للأصالة واغتراب زماني وقفز فوق الزمن، لانقطاع الخيط الذي يصلنا بزمن السلف الصالح، ولأن منهجهم لم يُطبق إلا في فترة زمنية محدودة هي فترة صدر الإسلام.

هـ أن المنهج السلفي من شأنه الثبات ـ المناقض للتطور ـ وأن التمسك به وتطبيقه في حياة المسلمين المعاصرة يؤدي إلى الجمود والتحجر، ذلك أن من مقررات السلف التشبث بمبادئ الإسلام ونصوصه وشريعته، وهذه الشريعة ثابتة، بينما الحياة البشرية متغيرة متطورة، فإذا أُريد تطبيق الشريعة على الحياة، فإما أن تتغير الشريعة تبعاً لتغير مجال تطبيقها فينتقض الحكم بثباتها وتكون متطورة مسايرة للزمن في تحولاته ـ وهذا ما يرفضه السلفيون ـ، وإما أن تجمد الحياة عند صورة واحدة وتُرفض صورها المستجدة التي حدثت بعد اكتمال نزول التشريع. وـ أن الإسلام دين وعقيدة وليس حكماً وسيفاً، وأن هناك فرقاً كبيراً بين الإسلام الدين والإسلام الدولة، وأن انتقاد الثاني لا يعني الكفر بالأول ولا الخروج عليه، وأنه لا ضرر في فصل الدين عن الدولة في الإسلام، بل فيه تحقيق لصالح الدين وصالح السياسة معاً. زـ أنه لا يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد الإسلامية في الوقت الحاضر: لأن تطبيقها يؤدي إلى قيام دولة دينية، وهذه تقود إلى الحكم بالحق الإلهي الذي لا يتم إلا من خلال رجال الدين، ولافتقاد البرامج العملية اللازمة لتحكيمها، ولأن تطبيقها يهدد أمن الوطن ووحدته بإثارة الفتنة الطائفية. 6ـ أن موقف الاتجاه التغريبي الماركسي من المنهج السلفي يتمثل ـ بوجه عام ـ في ادعائه ما يلي: أـ أن المنهج السلفي منهج رجعي ماضوي، يقدس الماضي ويحن إليه، ويجعله مقياساً للحاضر، ويقتضي الانطلاق منه وحده، بل البقاء فيه وحده، لعدم قابليته التحرك خطوة واحدة إلى الحاضر، ولذا فالالتزام بهذا المنهج يؤدي إلى العقم والجمود والتأخر والتخلف الحضاري، والعجز عن مواكبة التغيرات وتقديم حلول ناجعة للمشكلات الآنية. ب ـ أن المنهج السلفي منهج أسطوري لا تاريخي، متعال عن الواقع، عاجز عن إدراكه، مغرق في التجريد والمثالية. ج ـ أن السلفية تتسم بالجور في نظرتها للتراث العربي الإسلامي وتعاملها معه، فهي تسعى إلى إلغاء حركة التاريخ بفرض نسق تاريخي معين على التاريخ كله، وتقوم بإغفال أو تهميش قسم كبير من هذا التراث مما لا يوافق توجهها. د ـ أن الخطاب السلفي خطاب غالٍ ينعت (السلف) بأنه (سلف صالح) من دون تمييز بين من كان منهم صالحاً ومن كان طالحاً، ويرفع النبي ? إلى مرتبة الألوهية، والصحابة رضي الله عنهم إلى منزلة الأنبياء، وكلهم كانوا بشراً يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. هـ أن الإسلام في تشريعاته الاقتصادية ـ كتحريم الربا والاحتكار وفر ض الزكاة ـ يُقرّ التمايز الطبقي، ولا يحل مشكلة الفقر، كما لا يحقق العدالة للفقراء وينصفهم من قوى الاضطهاد الاجتماعي، بل يحيل ذلك إلى يوم القيامة. وـ أن دوافع حركة الفتح الإسلامي كانت مادية أكثر منها دينية، وأن التسامح الديني الذي اتبعه الفاتحون كانت له قاعدة مادية، وهي محاولة التقليل من عدد المسيحيين الذي يدخلون في الإسلام، لكي لا تقل موارد ضريبة (الجزية) التي فُرضت على غير المسلمين. 7ـ وبدراسة الدعاوى السابقة ـ التي تمثل الموقف المعاصر من المنهج السلفي في البلاد العربيةـ، وبمناقشتها وتحليلها، خلصت هذه الدراسة إلى نتائج كثيرة يتمثل أبرزها ـ باقتضاب ـ فيما يلي: أولاً: أن "السلفية" ليست مذهباً جديداً مبتدعاً في الدين، وليست مرحلة زمنية بل هي اصطلاح جامع يُطلق للدلالة على منهج السلف الصالح في تلقي الإسلام وفهمه والعمل به، وللدلالة على التمسك بهذا المنهج والعض عليه بالنواجذ إيماناً وتصديقاً واتباعاً، وللدلالة أيضاً على الملتزمين به قديماً وحديثاً.

ثانياً: أن الالتزام بالمنهج السلفي واجب على كل مسلم ومسلمة، لأنه منهج الإسلام نفسه وصراط الله المستقيم وحبله المتين الذي أمرنا الله عز وجل باتباعه، وسبيل الرشاد الموصل إلى دار الجنان، وليس موقفاً اجتهادياً من السلف الصالح تجوز مخالفته. ثالثاً: أن إثبات الصفات لله تعالى على ظاهرها كما وردت في النصوص الشرعية لا يقتضي التشبيه والتجسيم، لأن لله عز وجل صفات تخصه وتليق به، وللمخلوقين صفات تخصهم وتليق بهم، ولا يلزم من الاشتراك في المعنى الكلي الموجود في الأذهان بين صفات الله وصفات خلقه الاشتراك بينها في الحقيقة والكنه والكيفية، وقد أثبت الله لنفسه الصفات ونفى عن نفسه المماثلة والمشابهة للمخلوقات. رابعاً: إجماع السلف على الإيمان بأن الله تعالى فوق سماواته، مستو على عرشه عال على جميع مخلوقاته، بائن منها بالكيفية التي يعلمها سبحانه وعلى ما يليق بجلاله، وأن له العلو المطلق من كل وجه. وإجماعهم على إثبات صفة استواء الله على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته سبحانه، من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تكييف ولا تعطيل، شأنهم فيها كشأنهم في سائر صفاته جل وعلا. وإجماعهم كذلك على أنه سبحانه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا نزولاً حقيقياً يليق بجلاله وعظمته، من غير تشبيه له بنزول المخلوقين. خامساً: أن مذهب السلف في كلام الله هو أن كلامه سبحانه غير مخلوق، وأنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء وكيف شاء ومتى شاء، وأن الكلام صفة له قائمة بذاته، وهو سبحانه يتكلم بمشيئته وقدرته بحرف وصوت يُسمع، وأن نوع الكلام قديم، وإن لم يكن الصوت المعين قديماً، وأن القرآن جميعه حروفه وألفاظه ومعانيه كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، تكلّم به وأسمعه جبريل فنزل به على نبينا محمد ?. سادساً: إجماع السلف على العمل بخبر الآحاد، والاحتجاج به في العقائد والأحكام. سابعاً: أن السلف يرون عدم جواز شد الرحال لأجل زيارة القبور، لا قبر النبي ? ولا قبر غيره من الأولياء والصالحين وغيرهم، وأما من ذهب إلى المسجد النبوي الشريف فإنه يُسن له حينئذ أن يزور قبر المصطفى ?. ثامناً: أن التوسل عند السلف قسمان: مشروع، وممنوع. أما المشروع فهو ما قام عليه الدليل من الشرع، كالتوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا، والتوسل إلى الله بعمل صالح قام به الداعي، والتوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح. وأما الممنوع فهو ما لم يقم عليه الدليل من الشرع، كالتوسل إلى الله تعالى بذات المتوسل به وشخصه، والتوسل إلى الله تعالى بحق أحد الخلائق أو جاهه أو حرمته، والإقسام على الله تعالى بالمتوسل به. تاسعاً: أنه ليس للشيخ محمد بن عبدالوهاب مذهب خاص به، فهو في العقيدة على مذهب السلف أهل السنة والجماعة، وفي الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل الذي كان عليه علماء نجد من قبله ومن بعده، وأتباع دعوته يسيرون على مذهب السلف ويدعون إلى التمسك به، وأن هذه الدعوة تهدف إلى تصحيح العقيدة الإسلامية وتطهيرها مما علق بها من أدران الشرك والبدع والخرافات، والعودة بالإسلام إلى ما كان عليه من صفاء ونقاء في صدره الأول، وأنها لاقت قبولاً حسناً في العالم الإسلامي، وانتشرت فيه انتشاراً واسعاً، فعرفها الخاص والعام. عاشراً: أن كل ما أُقر عليه رسول الله ? من قول أو فعل أو تقرير قبل وفاته ثم لم يُنسخ هو شرع ودين يُتَعبَّد الله به، ولكن هذا الدين والتشريع يختلف حكمه، فإما أن يكون فرضَ عين، أو فرضَ كفاية، أو واجباً، أو سنةً مؤكدة، أو مندوباً، أو مباحاً. وكل من عمل شيئاً من ذلك بنية التقرب إلى الله عز وجل يثاب على فعله.

حادي عشر: أن علماء المسلمين منذ زمن السلف الصالح كانوا يؤثرون الأخذ بالأسلم والأحوط والأضبط، والتزام الرفق في الأمور كلها. ثاني عشر: وجود فرق واضح بين مصطلحي (تغير الفتوى) و (وتغير الأحكام)، فإن تغير الأحكام نسخ، وهذا قد انقطع بانقطاع الوحي، أما تغير الفتوى فهو: انتقال المجتهد من حكم إلى حكم آخر لتغير صورة المسألة، أو ضعف مدرك الحكم الأول أو زواله أو ظهور مصلحة شرعية، أو سداً لذريعة فساد، أو رفع حرج، مستصحباً في ذلك الأصول الشرعية والعلل المرعية والمصالح الموافقة لمراد الله ورسوله. ثالث عشر: أنه لا يجوز قصر الأحكام الشرعية على حوادث نزولها المتعَيِّنة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولأن قصر الأحكام الشرعية على أسباب نزولها إجراء عقلاني تعسفي ليس للداعين إليه دليل ومستند شرعي، ولأن من لوازمه إبطال حكم النصوص الشرعية وفتح الباب واسعاً للأهواء والشهوات في تحديد ما يؤخذ وما يُرد من أحكام الشرع. رابع عشر: أن الشريعة الإسلامية طبقت تطبيقاً كاملاً في تاريخ الإسلام، ولا سيما في صدره الأول، وأنه يجب على المجتمع الإسلامي أن يطبق شرع الله في كل مناحي الحياة تطبيقاً كاملاً في حال القدرة على ذلك. خامس عشر: أن العقوبات المقررة في الشرع مقصودة بأعيانها وغاياتها معاً، وليس كل ما أدَّى مُؤداها يكون بمثابتها. سادس عشر: إجماع علماء السلف على رجم الزاني المحصن. سابع عشر: اشتمال كتب الفقه الإسلامي على الأحكام التي تُرشد المسلم إلى ما يجب عليه اتباعه في أمور التجارة والسياسة وغيرهما من المجالات. ثامن عشر: أن العلم عند السلف ـ على الرغم من أنه ينصرف عند إطلاق لفظه إلى العلم الشرعي ـ يتسع ليشمل جميع أنواع المعارف الإنسانية، كالرياضيات والطب والكيمياء والفيزياء والفلك والمنطق واللغة والأدب وغيرها، وأنهم لا يرفضون العلم الحديث، بل ينظرون إلى العلوم الكسبية نظرة معيارية أخلاقية، ومن ثم يقسمونها إلى قسمين: علم محمود، وعلم مذموم. فالمحمود: هو المنضبط بهدي الوحي الإلهي نهجاً وغاية، المحقق للمصالح المعتبرة شرعاً، الدافع للضرر عن الناس. والمذموم: هو الذي لا يحقق مصلحة معتبرة أو مباحة شرعاً، بل يقوم على الضرر والأذى وجلب الشرور والمفاسد. تاسع عشر: أن الانتقاء في المنهج السلفي ليس انتقاءً تحكمياً، يمارسه المنتقي من أجل إثبات وجهة نظر يعتمدها أو يبرر به رغبة ذاتية لديه، فيأخذ من التراث ما يوافق هذه الرغبة ويهمل ما سواه، بل هو انتقاء قائم على دراسة التراث في تاريخيته ثم نقده وتصفيته، اعتماداً على الوحي الإلهي بمقرراته وأحكامه الحاملة أعلى درجات الحق والموضوعية والصدق. عشرون: أن السلفيين يركزون في نهجهم في الأخذ بالإسلام وتمثله وتطبيقه على منطوق النص وروحه معاً، وعلى المظاهر والجوهر واللباب معاً. واحد وعشرون: أن الاقتداء بالسلف والالتزام بمنهجهم في فهم الإسلام وتمثله والعمل به نصاً وروحاً هو عين الأصالة التي يشرف بها كل مسلم، وأن المنهج السلفي ـ بوصفه منهج الإسلام نفسه ـ منهج قائم مطبق ومتصل منذ فجر تاريخ الإسلام وحتى يومنا هذا. اثنان وعشرون: أن ثبات المنهج السلفي في دين الإسلام إنما يعني الثبات على أمرين رئيسين هما: ـ حقائق الإسلام الخبرية وأصوله الإيمانية. ـ وأحكامه التشريعية. وأن ثباته على هذين الأمرين لا يعني تثبيت الحياة الملتزمة به في صورة واحدة لا تتغير، كما يتوهم خصوم السلفية من العلمانيين وغيرهم.

ثلاث وعشرون: أن الدين ـ كما يرى السلف ـ هو النظام العام والقانون الشامل لأمور الحياة كلها ومناهج السلوك للإنسان التي أوحى بها الله عز وجل إلى نبيه محمد ? وأمره بتبليغها إلى الناس كافة، مع ما يترتب على التقيد بها أو عدمه من ثواب وعقاب. وأن الدين مرتبط بالدولة في الإسلام ارتباط القاعدة بالبناء، فالدين أساس الدولة وموجهها، فلا يمكن تصور دوله إسلامية بلا دين، كما لا يمكن تصور الدين الإسلامي فارغاً من توجيه المجتمع وسياسة الدولة، لأنه حينئذ لا يكون إسلاماً. أربع وعشرون: أن الحكومة الدينية بصورتها الكهنوتية الكنسية لا وجود لها في الإسلام على الإطلاق، لأن الله عز وجل سَوَّى بين الناس جميعاً من ناحية الحقوق والواجبات، ولم يجعل للتفاضل ميزاناً إلا تقواه سبحانه. خمس وعشرون: أن "السلفية" نفي للمحاذير التي ارتبطت بوصف الماضوية، نتيجة ما حدث لحركة الارتداد الفكري نحو اليونان في أوائل عصر النهضة، وهي في حقيقتها دعوة إلى الماضي وتَطلّع إلى المستقبل في آن واحد، وعلماء السلف وإن كانوا يصرحون بتشددهم في التمسك بثوابت الإسلام، فهم في الوقت نفسه يحملون راية الانفتاح الحضاري، ويشجعون على الانتفاع بالعلوم الطبيعية والرياضية، بغض النظر عن عقائد أصحابها أو توجهاتهم الفكرية. ست وعشرون: أن التقدم في الإسلام إنما هو تقدم أخلاقي، ومضيٌ في تحقيق الرسالة التي أناطها الله بهذه الأمة، مع الأخذ بأسباب العمران المادي في نواحي الحياة كلها. سبع وعشرون: أن المنهج السلفي يقف في تعامله مع الواقع موقفاً إيجابياً، ليس في مجالات العقيدة والعبادة فحسب، بل وفي المجال الاجتماعي سياسياً واقتصادياً ونحوه. وأن هناك فارقاً أساسياً كبيراً بين صلة المنهج الإسلامي بالواقع، ونظرة الاتجاهات المادية له، فنظرة هذه الاتجاهات تجعل الواقع هو الأساس الذي تتشكل منه الثقافة بتصوراتها وقيمها وأحكامها، وأما في الإسلام فإن الواقع مجالُ تَنزّل أحكام التشريع الإسلامي، لتبقى تغيراته محققة لمصلحة الإنسان والمجتمع. ثمان وعشرون: أن الموقف الحقيقي للسلف من التراث يتمثل في العناصر التالية ذات الصبغة المنهجية: 1ـ الانفتاح المنضبط على التراث. 2ـ السلفية بوصفها مرجعية معيارية. 3ـ الشمولية. 4ـ التاريخية. 5ـ الانتقاء الموضوعي. تسع وعشرون: أن تشريعات الإسلام الاقتصادية تسعى إلى القضاء على التمايز الطبقي بين الناس، وإلى تحقيق العدالة بينهم، ومعالجة مشكلة الفقر والفاقة بصورة فريدة تعجز عن مضاهاتها فيها جميع الأنظمة والنظريات الاقتصادية الوضعية، رأسمالية كانت أم اشتراكية شيوعية. ثانياً: التوصيات والمقترحات: 1ـ أوصي نفسي وإخواني المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، والإخلاص له في القول والعمل، واتباع منهج السلف رحمهم الله والالتزام به في مختلف المجالات، وفي شتى دروب الحياة، فإنه بقدر اتباع هذا المنهج والالتزام به يكون الابتعاد عن الانحراف والضلال. 2ـ الحذر من خطر الدعاوى والشبهات الكثيرة المثارة حول المنهج السلفي وأهله، ولا سيما أنها تصدر من شخصيات وفئات لها ثقلها وعظيم أثرها في البلاد الإسلامية. 3ـ الحذر من الانسياق خلف المفتونين بالغرب وحضارته المادية من أبناء المسلمين، والعمل على انتقاء النافع من مكتشفات الحضارة الغربية ومخترعاتها، مما نحن بحاجة ماسة إليه ويتفق مع عقيدتنا ومبادئنا وأحكام ديننا، ونبذ كل ما سوى ذلك. 4ـ أقترح على المؤسسات التعليمية ومراكز البحوث العلمية والعلماء والباحثين أمرين. أحدهما: العمل على جمع تراث السلف وآثارهم العلمية في مختلف المجالات وتحقيقها ونشرها، فذلك من أقوى الأسباب الداعية إلى فهم المنهج السلفي وإبرازه وإيضاحه، وقطع الطريق على الخصوم المُلَبِّسين. والثاني: العمل على إنصاف السلفيين ـ قدماء ومحدثين ـ والذب عنهم، وإبراز جهودهم الكبيرة التي بذلوها خدمة للإسلام والمسلمين، وغيرة على محارم هذا الدين. والله أسأل أن يصلح أمر آخر هذه الأمة كما أصلح أمر أولها، وأن يهب لنا من لدنه رحمة وعلماً ورشداً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

جماعة أنصار السنة المحمدية نشأتها-أهدافها-منهجها-جهودها

جماعة أنصار السنة المحمدية نشأتها-أهدافها-منهجها-جهودها ¤أحمد محمد الطاهر£بدون¥دار الفضيلة - الرياض¨الأولى¢1425هـ€دعوة ودعاة¶حركات وأحزاب إسلامية قبل بيان نتائج هذا البحث أشير على ما لاقيته فيه من صعوبات تمثلت في الآتي: 1. قلة المراجع والمصادر المتعلقة بهذا الموضوع. 2. عدم تيسير السفر إلى مصر لجمع معلومات من المركز العام لجماعة أنصار السنة المحمدية، وذلك لأسباب خارجة عن إرادتي. 3. عدم وجود معلومات وافية عن الجماعة في مصر والسودان. 4. صعوبة الحصول على الأعداد الكاملة لمجلة الهدي النبوي في بداية البحث، وتعتبر مرجعا رئيسيا للبحث. 5. قلة تأليف علماء جماعة أنصار السنة في السودان. 6. صعوبة توثيق بعض المعلومات المتلقاة من اللقاءات الشخصية والأشرطة المسجلة والزيارات الميدانية. ومع ذلك –والفضل لله عز وجل-أتممت هذه الرسالة، وبتوفيق الله تعالى طوفت في دراستي موضوع جماعة أنصار السنة المحمدية وجودها في نشر عقيدة السلف وانتهيت إلى نتائج أهمها: 1. أن جماعة أنصار السنة المحمدية تعد مظهرا من مظاهر تجديد الدين الذي هو سنة الله تعالى، ظهرت في القطر المصري الذي يعيش كغيره من البلاد الإسلامية واقعا كثر في الابتعاد عن الدين بتفشي مظاهر الشرك والبدعة والخرافة، لعوامل تسلط الاستعمار وتقليد الغرب وحصول كثير من التحولات في حياة الناس من النواحي السياسية والاجتماعية. 2. أن مؤسس جماعة أنصار السنة المحمدية (الشيخ محمد حامد الفقي) شخصية قوية، تحرك بقوة يدعو إلى التوحيد وينشر السنة حتى أثمرت دعوته وصار لها آثار واسعة. 3. أن آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإيجابية في الجزيرة العربية كانت عاملا من عوامل وجود جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر. 4. أن أصول وأهداف دعوة جماعة أنصار السنة المحمدية مستمدة من منهج الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة. 5. تنوع جماعة أنصار السنة المحمدية منهجها في الدعوة إلى الله، فبعد أن كانت تركز على الخطاب الشفاهي انتقلت إلى التأليف والكتابة في الصحف ودخول وسائل الإعلام، ثم الكمبيوتر والإنترنت. 6. اختلاف نوع النشاط بين جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر والسودان تأليفا وعملا ميدانيا عائد إلى كثرة العلماء في مصر ووفرة الدعاة واقتحامهم للمجالات الدعوية في السودان. 7. ضعف التواصل بين جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر وجماعات أنصار السنة في غيرها من البلدان وبين الجماعات السلفية مؤخرا، ولذلك بسبب عوامل خارجية عن إرادتها. 8. أن جماعة أنصار السنة المحمدية لا يمنعها مخالفتها في الرأي لجماعات أخرى دعوية من أن يكون لها صلات وعلاقات والارتباطات معها. 9. أن لأعلام جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر جهودا مقدرة في نشر عقيدة السلف، ونشر السنة النبوية، ومحاربة التبشير النصراني والبدعة والخرافة. 10. أن أغلب أعلام جماعة أنصار السنة المحمدية في السودان الذين لهم جهود كبيرة في بيان منهج السلف معاصرون. 11. أن ضعف الجانب الإعلامي لدى جماعة أنصار السنة المحمدية كان حائلا دون إبراز جهودهم في نشر عقيدة السلف. 12. أن مجلات جماعة أنصار السنة في مصر والسودان قد حققت مطلبا كان يفتقر إليه المجتمع المسلم، وذلك بتميزها والتزامها بمنهج الكتاب والسنة. 13. أن ما استدرك على جماعة أنصار السنة المحمدية أمور تتعلق ببعض القضايا التكميلية غير الجوهرية أو التقصير فيما حقه الإبراز والعناية ولا تعد شيئا بالنسبة لجهودهم العظيمة البناءة. 14. أن بعض ما استدرك على جماعة أنصار السنة المحمدية هو أخطاء أفراد منهم لا تعتبر ممثلة لمنهجهم. 15. أن المدرسة العقلية آثارا سلبية على بعض شيوخ جماعة أنصار السنة المحمدية مما يعتبر من قبيل التأثر الخاص. 16. أن روح التجرد ونصرة الحق وعدم التعصب للمشايخ والزعماء سمة يتسم بها علماء ودعاة أنصار السنة. 17. أن عدم تقبل دعوة جماعة أنصار السنة وإثارة الشبهات حولهم عائد إلى انتشار الفكر الصوفي عدو السلفية اللدود. 18. أن كثيرا من الشبهات المثارة حول دعوة جماعة أنصار السنة ليست جديدة فهي ما أثر على منهج السلف، لأن عقيدة الجماعة هي عقيدة الفرقة الناجية والطائفة المنصور أهل السنة والجماعة. 19. أن منهج جماعة أنصار السنة في الإصلاح يبدأ بإصلاح الفرد والأسرة والمجتمع وهو منهج المصطفى صلى الله عليه وسلم في الدعوة وبه صلاح الدول. 20. أن لجماعة أنصار السنة المحمدية أثارا واضحة في المجتمع من تصحيح مسار العقيدة والأخلاق والمعاملات والنواحي الاجتماعية والسياسية. 21. أن جماعة أنصار السنة تركز في دعوتها على جميع جوانب الدين، مع أخذها بالأولويات منهجا لها. هذه أبرز الجوانب التي لمستها من خلال معالجة جزئيات هذا الموضوع، والله أسأل الإخلاص في القول والعمل وأن يجعل خير أيامنا خواتيمها. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

خطبة الجمعة أهميتها، تأثيرها، واقعها كيفية النهوض بها

خطبة الجمعة أهميتها، تأثيرها، واقعها كيفية النهوض بها ¤محمد عبداللطيف الرفاعي£بدون¥جروس برس - لبنان¨الأولى¢1415هـ€دعوة ودعاة¶الجمعة - الخطبة الخاتمة: الجهاد في سبيل الله أحب من الأهل والمال والوطن والعشيرة والمسكن والتجارة، وخلاف ذلك ضلال وفسوق عن أمر الله، قال الله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [سورة التوبة:24]، وفي الآية دليل على أنه إذا تعارضت مصلحة من مصالح الدين مع مهمات الدنيا وجب ترجيح جانب الدين على الدنيا ليبقى الدين سليما، وهذا موقف تزل فيه الأقدام. الجهاد دعوة وقتال مقدمة على القتال، وركناها تفقه في الدين وإعلام بهذا الدين. الدعوة: إعداد للدعاة وتبليغ للرسالة وإعلام بالإسلام قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [سورة التوبة:122]. والإعداد: دراسة، وتصميم، وتخطيط وتنفيذ، ومراقبة وتقويم مستمر. والعدة هنا: علم، ومال، وقوة، ورجال. ولقد عرفنا أهمية الإعلام ووسائله وأساليبه وأدواته، وعرفنا عوامل ضعف وازدهار الخطابة عامة والخطابة الدينية خاصة. وكذلك عرفنا واقع خطبة الجمعة وبعض أسباب الضعف والفشل في تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية. وعرفنا كذلك عوامل نهوض وانتفاع توظيف لها في تحقيق البناء والتوعية الإسلامية. وعلى ضوء تلك الدراسات المتواضعة أقترح مشروعا أتوجه به إلى أهل الذكر، إلى أولي العلم واليسار والغنى، إلى ذوي النفوذ والشأن، إلى أبناء التجارب والخبرة والاختصاص، إلى أصحاب المؤسسات والمعاهد الإسلامية في طرابلس والأقضية التابعة لها، مع التذكير بوجوب التنفيذ والتقويم المستمر، والسهر على استمرارية العمل في التوعية والتوجيه والإرشاد ومراقبة حركة المسجد والتحسس من أحوال المسلمين والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر 1 - 3]، وها هي أهم بنود المشروع المقترح للنهوض بخطبة الجمعة، هذه الوسيلة الأهم والأبرز في وسائل الدعوة والإعلام بالإسلام: أولا: العودة بالمسجد إلى عهده الأول مقر قيادة ومحطة إعلام بالدين، ومركز تربية اجتماعية عقدية. وإعادة توظيفه في صنع الإنسان المسلم المتكامل في كل ناحية من نواحي شخصيته وبشكل متوازن حتى لا تطغى ناحية على أخرى. إعادة توظيف المسجد في تربية جيل قرآني يحمل الدعوة كما حملها جيل الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم. وللعودة هذه شروط أهمها:

1 - استرجاع العلماء لدورهم في الإمامة والتوعية والتوجيه والبناء وقيادة الجماهير الشابة في صراعها ضد الباطل والطغيان. واستعادة الخطيب حقه في الإيواء، وهو إحاطته بالقوة واليسر المادي والتربية العملية والعصبة أولي القوة حتى يتفرغ للوظيفة والعطاء المثمر، فيدعو في قوة مدعمة باليقين، في قوة لا تزلزلها الأهواء، ولا تغير فيها قوى الخصوم، ولا يقف دونها حب الدنيا وزخرف الشهوات، وحتى تتغير النظرة إلى وظائف الإمامة، الأمر الذي يجعل العلماء يؤثرونها على الوظائف الأخرى، ويؤثرونها على الهجرة إلى حيث المرتبات أسخى والوضع الاجتماعي في نظر الناس خير مردا وخير أملا، وبهذا يصبح بالإمكان إعفاء المرتزقة من الخدمات المسجدية، وإبعاد المشبوهين ومنع القاصرين من المخاطرة في دين الله لأن هؤلاء يسيئون من حيث يريدون الإحسان ويفسدون من حيث يريدون الإصلاح. ويصبح كذلك بالإمكان اعتماد الكفاءات العملية والخلقية إلى جانب الممارسة والمران والوضع الاجتماعي. ويكون ميسورا وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. 2 - توسيع بعض المساجد إذا أمكن بدلا من بناء مساجد جديدة ومتقاربة يضار بعضها بعضا. 3 - تدريب العاملين في مجال الدعوة والخطابة والإعلام الديني، ورفع مستوى تأهيلهم المهني والتزام الأساليب العلمية والوسائل الحديثة. 4 - إحداث وتشجيع معاهد وبرامج بحيث تقدم للمسجد خطيبا فيه مقومات الخطيب الناجح، واعتماد دورات توعية وتبصير للدعاة ومنهم خطباء المساجد. 5 - دراسة أحوال المسلمين الاجتماعية والسكانية والمعيشية والثقافية والإنسانية. 6 - مراقبة المساجد، ومنع طرح الأمور الخلافية والحيلولة دون اتباع المتشابهات والخوض في أمور لا تنفع المسلم لا في عاجله ولا في عاقبة أمره. وتشكل لهذا الغرض لجان مختصة تحظى بإشراف ومؤازرة العلماء وأولي الأمر وعامة المسلمين. ثانياً: مؤازرة خطباء المساجد وترشيد مسيرة الإعلام بالإسلام ويكون ذلك على الشكل التالي: 1 - إحداث منتديات خطبة الجمعة والمساجد على غرار منتديات وسائل الإعلام. وذلك بغية دراسة ومناقشة الأفكار والمفاهيم الإسلامية مع أئمة المساجد ونشر ثقافة إسلامية نقية صافية، وتلاوة القرآن تلاوات كاملة، والحذر من اتخاذ القرآن مهجورا أو التركيز على بعضه دون بعضه الآخر. 2 - تأليف مرشد أو دليل خاص بالخطباء المسلمين يحتوي على المعلومات والتوجيهات التي تهم الخطيب. 3 - تأليف كتاب نموذجي يحتوي على مجموعة من الخطب التي تغطي كافة الموضوعات الإسلامية الأساسية ليستهدي بها المبتدئون على أن تقوم بإعداد هذا الكتاب نخبة من العلماء المتمرسين في هذا المجال إعدادا لغويا فكريا يتناسب مع العصر. وإنه لمن المفيد أن يقوم بعض الخطباء البارعين بإلقاء هذه الخطب إلقاء نموذجيا وتسجيل الإلقاء على أشرطة توضع في خدمة المتدربين على الخطابة. وليحذر واضعو هذا الكتاب أن تكون الغاية إظهار سعة في العلم وطول باع في ضروب المعرفة والفنون. فليتقوا الله في عملهم هذا وليقولوا قولا سديدا يصلح الله أعمالهم ويغفر لهم ذنوبهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما. 4 - إعداد مطبوعات دورية تحتوي على خطب تعالج بعض مستجدات العصر وتوزيعها على خطباء المساجد وأئمتها والعاملين في ميدان الدعوة إلى الله. وليراع في هذه الخطب حسن الاستشهاد بالكتاب والسنة كما يراعي التفنن في الاستدلال. ثالثا: الالتزام بمبادئ وأصول الدعوة والإعلام بالإسلام وذلك بما يلي: 1 - الشمولية: وتعني توجيه خطبة الجمعة إلى كافة الطبقات ومواجهة جميع المشكلات، مع طرح الحلول الإسلامية المناسبة لها.

2 - التزام الصدق والواقعية بأن يكون العمل بالدين واقعيا حيا في المجتمع الإسلامي. وذلك باتباع القول العمل مع مراعاة واقع المسلمين والأخذ بأيديهم إلى الأفضل. 3 - التصدي للغزو الفكري، والتيارات الهدامة، والشبهات التي أوجدها أعداء الإسلام تضليلا للرأي العام الإسلامي، وتفريغا للشريعة من أصولها وخصائصها وصفائها، وتشويها لصورة الإسلام وثقافته وحضارته وللبارزين من الشخصيات الإسلامية. 4 - العمل على تصحيح المفاهيم وإيجاد ثقافة إسلامية أصيلة. 5 - صيانة المفاهيم والحقائق الدينية من التحريف ومن إخضاعها للتصورات العصرية والمصطلحات السياسية والاقتصادية التي نشأت في أجواء خاصة وبيئات مختلفة. ولها خلفيات وعوامل تاريخية، هي خاضعة دائما للتغيير وللفشل المتواصل. رابعا: الوقاية والنقد الذاتي وذلك التزاما بما يلي: 1 - إنشاء تليفزيون إسلامي ولو متنقلا. وذلك في محاولة إنقاذ أطفال المسلمين من خطر الإعلام المتلفز الذي يحرق بيوت المسلمين. 2 - التزام الدعاة وأئمة وخطباء المساجد بمكارم الأخلاق وحسن المظهر وإقران القول بالعمل. 3 - إقامة صندوق استفتاء في كل مسجد وذلك لجمع آراء المصلين بالخطبة وموضعها حتى يتم تحسين الوضع من خلال النقد الذاتي. خامسا: التخطيط والمال: 1 - لا بد أن يكون التنظيم والتخطيط قبل مباشرة العمل حتى لا يضيع الوقت وحتى لا تذهب الطاقات هدرا ... 2 - المال عصب الحياة وشريان العمل، ولا بد في مشروع النهوض بخطبة الجمعة من دراسات وتقدير للأموال اللازمة والتوعية بالمشروع والتحذير من عدم توظيف خطبة الجمعة وما حدث ويحدث من جراء ذلك من أخطار. على أن يقوم بذلك لجان تتكون من أهل الخبرة والشهرة والإخلاص في كل حي أو قرية. ويساهم أغنياء تلك الأحياء والقرى في التمويل ولا مانع من التوجه إلى خارج المنطقة، إلى من هنالك من المسلمين. وفي تأمين المال يجب احترام شروط ثلاثة: 1 - أن يقدم المال قربة عند الله وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2 - أن لا يقبل من أحد مال يقدمه مغرما ومنة يمن بها على الدعوة أو العاملين ويتربص بالمسلمين الدوائر. 3 - أن لا يقبل خطيب المسجد بقيد سوى ما تقتضيها شريعة الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

دائرة الفتنة وسبل الخروج منها

دائرة الفتنة وسبل الخروج منها ¤عمر بن عبدالله كامل£بدون¥بيسان - بيروت¨الأولى¢1422هـ€دعوة ودعاة¶فتن معاصرة الخاتمة: وبعد هذه الجولة المتنوعة التي طفنا من خلالها في معنى الثقافة والمجتمع والحضارة، وتأملنا أثناء جولتنا في واقعنا الثقافي، وما يسوده من تيارات فكرية معاصرة، واختلافات بين الاتجاهات، وقطعية بين التيارات الثقافية والمجتمعات. ووقفت في هذه الجولة عند محطات عدة مهمة منها: العلمانية والدين. ومنها: ضرورة توضيح المصطلحات وتحديد المفاهيم. وأوضحت كثيراً من القضايا المهمة التي تتعلق بنظام الحكم والخلافة، ومفهوم الراعي والإمام والنزاع حول القوة. كما حذرت وأنذرت من بوادر الفتنة التي ترفع رأسها من خلال غياب الوعي الثقافي، والفكر الإسلامي المعتدل، وافتعال المعارك الوهمية وظهور العلمانية، وغياب مدلول المصطلحات والمفاهيم مثل (الشرك، والتكفير). ومن تلك البوادر المخيفة والفتن المحدقة: المشكلات الاجتماعية التي تنذر بالكوارث وانهيار القيم. ثم بينت السبيل وأوضحت الطريق للخروج من دائرة الفتنة، بالتأكيد على احترام الرأي الآخر، والتزام أدب الاختلاف في الحوار. ووضعت المعالم الكبرى في سبيل الإصلاح، وذلك بالإصلاح الديني عن طريق إصلاح المناهج التعليمية، والتحذير من ظاهرة الغلو والتطرف، ثم الإصلاح الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي، والقضائي، ودعوت في كل ذلك إلى سبيل العلاج، وطريق الخروج من دائرة الفتنة، التي أسأل الله سبحانه أن يجنبها أمتنا، وأن يأخذ بيدها للوصول إلى بر الأمان والسلامة، وما أردت في ما كتبت إلا النصح والإصلاح: (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله)

داعية وليس نبيا - قراءة نقدية لمذهب الشيخ محمد بن عبدالوهاب في التكفير

داعية وليس نبياً - قراءة نقدية لمذهب الشيخ محمد بن عبدالوهاب في التكفير ¤حسن بن فرحان المالكي£بدون¥دار الرازي - عمان¨الأولى¢1425هـ€دعوة ودعاة¶ردود ومناظرات الخاتمة: أختصرها فيما يلي: 1 - أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله شيخ فقيه حنبلي نجله ونحترمه ونقدر له حرصه على التوحيد الخاص، ونشكر له جهوده التي كان من ثمرتها توحيد هذا الوطن الكبير، ونشكر له الدعوة لتنقية التوحيد مما لحقه من شوائب عند كثير من العوام، وأن هذا لا يعني أن الشيخ أصاب في مسائل التكفير. 2 - أن الشيخ محمد – مع خطئه في التكفير – بريء من كثير من التهم الموجهة إليه كادعاء النبوة أو تنقص النبي صلى الله عليه وسلم أو أنه يريد زعامة لنفسه ... وهو مصيب في الجملة باستثناء الغلو في التكفير وما تبعها من استباحة الدماء المعصومة. 3 - أن التكفير هو المنهج السائد والأساس عند الشيخ محمد ويختلف عن هذا المنهج في فتاوى معدودة لظروف سياسية أو أنها رجوع أو قد تكون عامة تحتمل التكفير والإيهام بالتبرؤ من التكفير. 4 - أن التكفير في منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، ثابت في مؤلفاته ورسائله، وفيما ينقله المعارضون عنه، وفيما دونه المؤرخون عن تلك المرحلة. 5 - أن الوهابية الرسمية اليوم ليسوا على منهج الشيخ في التكفير، وبقي على منهجه جماعات التكفير المعاصرة، وبعض السلفيات المحلية التي خارج السلطة. 6 - أن من الأمور التي يجعل منها الشيخ محمد شركاً أكبر ما هو مباح عند كثير من أئمة الحنابلة كأحمد بن حنبل وإبراهيم بن الحربي وغيرهما. 7 - البراءة من تكفير المسلمين وتخطئة ذلك يجب أن يكون واضحاً صريحاً دون طلب من أحد، لما له من آثار سيئة على الفرد والمجتمع. 8 - أوصي بفتح المجال لدراسة الفكر الوهابي بوصفه إنتاجاً بشرياً قابلاً للخطأ والصواب، كسائر الإنتاجات المذهبية والفكرية، وأن يتم فسح الكتب التي تنحو منحى المراجعة لفكر الشيخ، أسوة بالكتب التي تناقش تيارات ومذاهب أخرى، وأسوة بالكتب التي تغلو في الشيخ. 9 - يجب مع هذا كله أن تتآلف القلوب حتى مع وجود النقد والحدة العلمية، فاختلاف الرأي لا ينبغي أن يفسد أساس الأخوة الإسلامية. 10 - أن جميع أبناء هذا الوطن لا يجوز أن يتحدث عنهم إلا من يمثلهم، ولن تمثلهم طائفة ولا مذهب، لحقيقة وجود التنوع والاختلاف، فلذلك يجب على الدولة – وهو من باب العدل – ألا تقصر الخطاب الداخلي على فئة دون فئة، وألا يكون الخطاب الديني الرسمي مستفزاً للمذاهب الإسلامية الموجودة داخل الوطن وخارجه، أما الخطاب غير الرسمي فمن الصعب السيطرة عليه، والعدل الذي يجب على كل دولة أن يكون لكل مذهب دروسه وكتبه ومنابره ومساجده ودراساته ومدارسه العلمية، دون أن يعتدي أحد على أحد، فمن حرض منهم على عنف أو تكفير للطرف الآخر فيجب إتاحة الفرصة للطرف الآخر أن يرد ويدفع عن نفسه ظلم المكفرين، هذا على أقل تقدير، وهذا لا يعني ترك المحاورة بالتي هي أحسن، ولا المناظرة الأخوية ولا النقد العلمي المسئول. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان

دعوة أهل البدع

دعوة أهل البدع ¤خالد بن أحمد الزهراني£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1427هـ€دعوة ودعاة¶دعوة - وسائلها وطرق التأثير وبعد: فقد تبين ـ بفضل الله تعالى ومنه ـ مما سبق من المباحث فضل الدعوة إلى الله تعالى ,وأنها من أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى , بل إنها أفضل مقامات العبد , وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام. وتبين كذلك أن الدعوة إلى الله ليست مقتصرة على غير المسلمين فقط , بل أنها تعم كذلك عصاة المسلمين الذين انحرفوا عن الصراط المستقيم ,ويدخل فيهم من باب الأولى المخالفون لأهل السنة والجماعة الذين انحرفوا عن المنهج الحق , منهج أهل السنة والجماعة .. وتبين كذلك خطر البدعة وتأثيرها على المسلمين ,وأنها أحب إلى إبليس من المعصية , ولأن المعصية يتاب منها , والبدعة لا يتاب منها , بمعنى أن صاحبها يعتقد أنه على دين صحيح , فكيف إذا يتوب منه؟! وتبين كذلك أن توبة المخالفين مقبولة إن أخلصوا فيها لله رب العالمين, فإنه لا يحول بينهم وبين التوبة أحد , والله تعالى يغفر الذنوب جميعا لمن تاب إليه وأناب. ومن كل ذلك تتبين أهمية دعوة المخالفين حتى يرجعوا إلى جادة الصواب, إلى منهج أهل السنة والجماعة , المنهج الحق الذي أمر باتباعه جميع المسلمين , ذلك أن أهل السنة هم أرحم الناس , ومن رحمتهم بالمخالفين أن يدعوهم حتى يتمسكوا بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه , لعلهم أن ينجوا بين يدي الله عز وجل ويكونوا من الفائزين بجنات النعيم. على الداعية إلى الله تعالى أن يجعل هذا الأمر ـ وهو دعوة المخالفين لأهل السنة والجماعة ـ من جملة اهتماماته , وأن يسخر لسانه وقلمه وجهده وكل ما يستطيع في دعوة من يستطيع دعوته منهم , بالأسلوب الحسن , والحكمة النافعة , وأن لا يألوا جهدا في استخدام شتى الوسائل في دعوتهم ـ التي ذكرت في البحث والتي لم تذكر ـ وأن يكون على بصيرة مما يدعو إليه , حتى تكون دعوته ناجحة بإذن الله تعالى. وعليه أن يكون قريبا من أهل العلم , يستنير بعلومهم , ويسترشد بكلامهم , ويسألهم عما يشكل عليه في دعوته للمخالفين , ويستشيرهم فيما يواجهه من مشكلات وعقبات , وقد ذكر في هذا البحث بعض فتاويهم وتوجيهاتهم في دعوة المخالفين ونصحهم وإرشادهم والتعامل معهم. فنسأل الله تعالى أن يهدي كل مخالف للتمسك بمنهج أهل السنة , وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه , ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه , وأن يوفقنا للدعوة في سبيله , على منهج نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ... وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

دعوة التقريب بين الأديان

دعوة التقريب بين الأديان ¤أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان القاضي£بدون دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1422هـ€دعوة ودعاة¶تقارب بين الأديان أولاً: النتائج. 1 - دين الله واحدٌ من لدن آدم إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وهو الإسلام بمعناه العام، الذي هو الاستسلام لله بالطاعة، وإفراده بالعبادة، والخلوص من الشرك. وهذا هو المعنى الوحيد الصحيح لـ (وحدة الأديان). أما الشرائع الإلهية فمتعددة. 2 - أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى قد رغبوا عن ملة إبراهيم، وفرقوا الدين الحق الذي جاءت به أنبياؤهم، وحرفوا كتب الله المنزلة عليهم؛ بالزيادة والنقصان، والتحريف اللفظي والمعنوي. فاليهودية تقوم على (توراة عزرا)، و (تلمود الحاخامات). والنصرانية تقوم على (الأناجيل المحرفة)، و (رسائل بولس) الذي أدخل عليها التثليث، وتأليه المسيح، وبنوته، وسائر البدع العقدية والعملية، وأبطل الشريعة، وقد آلوا جميعاً إلى جملة من الأوضاع الشركية، والرسوم البدعية، والأخلاق الذميمة. 3 - أن الإسلام بمعناه الخاص، هو ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من الهدي ودين الحق، وأنزل به كتابه وكلامه؛ (القرآن)، مصدقاً لما بين يديه من الكتاب، ومهيمناً عليه. فنسخ الله بالإسلام جميع الأديان السابقة، وختم بنبيه النبوات، وأرسله للناس كافة، فلا يقبل الله ديناً سواه، ولا يتعبد لله بعبادةٍ سوى ما شرع على لسان نبيه الخاتم صلى الله عليه وسلم. 4 - أن من آمن من أهل الكتاب بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم واتبعه، أتاه الله أجره مرتين، ومن أصر على دينه فهو كافر مشرك ضال فاسق، محكوم عليه باللعن والغضب، والخلود بالنار. ولا يحل لأهل الإسلام موادة أهل الكتاب واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، ولا التشبه بهم في شيء مما يختصون به، من العقائد والعبادات والعادات. ويتعين على أهل الإسلام، - عند القدرة- جعل الدين كله لله بدعوتهم إلى الإسلام، أو بذلهم الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، أو قتالهم، إظهاراً لدين الله، وتمييزاً لأوليائه من أعدائه. ومع ذلك فلا يجوز إكراههم على اعتناق الإسلام، وتحرم أذية ذميهم ومعاهدهم ومستأمنهم. ولا يجوز ظلمهم وخفر ذمتهم، ويجب الوفاء بعهدهم وعقدهم، واستعمال العدل معهم. ويشرع الإحسان إليهم بالقول والعمل؛ من هدية وعطية وزيادة وعيادة ونحوها، لا سيما إذا قارنها نية تأليف قلوبهم على الإسلام. ويحل طعامهم المذكى، ونساؤهم المحصنات. وسر ذلك: التفريق بين قاعدة حفظ الدين وتميز المسلمين، المقتضية تحريم موالاتهم وموادتهم والتشبه بهم، وقاعدة العدل والإحسان، المقتضية جواز برهم، وحفظ حقوقهم، ومنع ظلمهم. ومن لم يدرك الفرق وقع في الغلط من إحدى الجهتين. 5 - كان النصارى أقرب مودة للذين آمنوا، فاعتنق كثير منهم الإسلام. وكان اليهود أشد عداوة للذين آمنوا، فاستكبروا عن قبول الإسلام، وجحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكادوا له المكائد. واستنكفت الزعامات الدينية والسياسية لأهل الكتاب عن توقيع البشارات الواضحة المذكورة في كتبهم بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم عليه، ضناً بملكهم ورياستهم. وأكل كثير من الأحبار أموال الناس بالباطل، وصدوا عن سبيل الله.

6 - اتسم تاريخ العلاقات الإسلامية- الكتابية، وخاصة مع النصارى، لكون الملك في أيديهم، بالعداء، والجهاد المستمر، الذي كان فتحاً مبيناً في القرون الفاضلة الأولى، وسجالاً في العصور الوسيطة، وانحساراً في العصور الحديثة، مع بعض الشذوذات التي لا تلغي القاعدة. وكان النصر والتمكين متناسباً تناسباً طردياً مع التزام المسلمين بدينهم، وأخذهم بأسباب القوة المعنوية والمادية، عبر مراحل تاريخية متمايزة، دون أن تشهد على الإطلاق أي لونٍ من (الوفاق الديني)، أو (التقارب العقدي). إن هي إلا المفاوضات، والعهود، والصلح المؤقت. وستظل هذه السمة باقية، والجهاد باقٍ إلى قيام الساعة، كما نطقت بذلك النصوص الصحيحة. 7 - خلا التاريخ اليهودي من وجود بذور لفكرة التقريب بين الأديان، لما طبع عليه اليهود من الكبر وازدراء الآخرين، واعتقادهم أنهم شعب الله المختار. ولكنهم دعوا إلى هذه الفكرة من خلال الحركة الماسونية، المتفرعة من الشجرة اليهودية الخبيثة، بهدف حلحلة الروابط الدينية الأخرى، وهدم الأديان سوى اليهودية. وقد ظل التراث النصراني ينضح بالحقد والتشويه والتضليل، لا الموضوعية، فضلاً عن المقاربة، تجاه الإسلام حتى قيام الحملات الصليبية المتتابعة منذ 490هـ- 1096م، حيث قارنه أسلوب المجادلة العقلية وإثارة الشبهات، ثم التنصير. وإثر سقوط القسطنطينية عام 857هـ، 1453م، نشأت محاولات لفهم الإسلام بعيداً عن الموروث الكنسي المضلّل. وتخلل ذلك ظهور كتابات متفرقة تصوِّب التدين بجميع صوره، وتدعوا إلى التقارب مع الإسلام، بلغت ذروتها على يد فلاديمير سولوفيوف (1853هـ-1900م)، ولويس ماسينيون (1883 - 1962م)، الذي حاول أن يقيم جسراً بين الإسلام والنصرانية، من خلال التصوف الحلولي، عبر على متنه دعاة التقريب فيما بعد. وفي حواشي التاريخ الإسلامي نبتت نوابت شاذة، خارجة عن الإسلام سوغت وحدة الأديان، تمثلت في غلاة الصوفية أرباب القول بوحدة الوجود، والفرق الباطنية السرية كإخوان الصفا، ثم تسللت إلى الفرق الباطنية اللاحقة، كالبهائية، حتى تحمل فكرة التقريب بين الأديان آخر القرن الثالث عشر الهجري، مؤسس العصرانية الحديثة جمال الدين الأفغاني (1254 - 1315هـ)، وتلميذه محمد عبده التركماني (1266 - 1323هـ)، بمعاونة نفر من النصارى الإنجليز، الرافضة. 8 - خرجت دعوة التقريب بين الأديان من حيز الكمون إلى الاستعلان، ومن نطاق الفكرة إلى التنفيذ، في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري، من خلال مؤتمرات إسلامية- نصرانية متفرقة. ثم أطلق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962 - 1965م) الفكرة من مقالها، وفتح الباب للنصارى على مصراعيه للتقارب مع المسلمين وغيرهم، بالتخلي عن عقيدتهم العتيدة (لا خلاص خارج الكنيسة)، وإعلان أن (الخلاص) يمكن أن يشمل سواهم، وخاصة المسلمين. ودعا إلى التقارب مع المسلمين واليهود، ونسيان الماضي، والتفاهم، والتعاون. 9 - تتدرج حقيقة التقريب بين الأديان في العصر الحديث عبر ثلاثة مستويات: أ- التقريب دون التوفيق أو التفليق، بأن يبقى لكل دين خصائصه العقدية والتعبدية المميزة، لكن مع اعتقاد إيمان الآخرين، واحترام عقائدهم وشعائرهم، والدعوة للتعرف عليهم، وإبراز أوجه التشابه والاتفاق، وإقصاء أوجه الاختلاف والافتراق، وتحاشي البحث في مسائل الاعتقاد، والاعتذار عن أخطاء الماضي، والتعاون على تحقيق القيم المشتركة، وإشاعة المحبة والمودة والمجاملات الدينية. وهذا الاتجاه هو السائد، وتمثله قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني.

ب- وحدة الأديان: باعتقاد صواب جميع صور التدين، وانتمائها إلى حقيقة واحدة، وإن تنوعت مظاهر العبادة. فهذه المرتبة تستلزم المرتبة السابقة، وتزيد عليها الدعوة إلى التخفيف من الخصائص العقدية والتشريعية، في سبيل الانضواء تحت وحدة صغرى كالإبراهيمية، أو كبرى كالإنسانية. ويمثل هذا الاتجاه محاولات المفكر الفرنسي روجيه جارودي. ج- توحيد الأديان: بجعل الدين واحداً، إما بالالتقاطية التي تستمد عناصر الدين الجديد من مصادر شتى، كما هو الحال في (المونية)، أو بالسعي لاجتذاب الآخرين نحو عقيدة معينة لأحد الأديان، كمحاولات جماعة (كريسلام)، الرامية إلى التوحد حول (تأليه المسيح). ولا ريب أن الصورة الوحيدة الصحيحة لتوحيد الأديان، أن يتحد جميع أتباع الديان والملل والنحل على الدين الحق الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، دين الإسلام، الذي لا يقبل الله ديناً سواه. 10 - مصطلح (الحوار)، قد يراد به (حوار التقريب) بين الأديان، وقد يراد به (حوار التعايش) بين أتباع الأديان، لتحقيق مصالح مشتركة من أمور المعايش. فهو بالمعنى الأول مذموم مطلقاً، وبالمعنى الثاني يخضع للسياسة الشرعية للأمة. 11 - نشأت دعوة التقريب بين الأديان في العصر الحديث، وترعرعت في حجر النصارى الغربيين، على اختلاف طوائفهم. وانطلقت المبادرات الأولى من المرجعيتين الكبيرتين لنصارى العالم: الكنيسة الكاثوليكية، ومجلس الكنائس العالمي، وذلك لبواعث شتى: تنصيرية، وعالمية، وسياسية، ولصد المد الإسلامي أمام العالم المفتوح في أعقاب الحربين العالميتين. وأسس كل منهما دائرة مستقلة للحوار مع غير النصارى. وقد دار في أروقة الفاتيكان، واجتماعات الجمعية العمومية لمجلس الكنائس العالمي جدلٌ عميق، حول معضلة الجمع بين الحوار والبشارة، انعكس على فاعلية واتجاه حركة التقريب. ويمكن تمييز مراحل ثلاث في موقف النصارى من حوار التقريب: أ- مرحلة تجربة الحوار: وقد سادت منذ نهاية المجمع الفاتيكاني الثاني حتى أواخر السبعينات الميلادية، وكانت متأثرة بقرارات المجمع التقاربية، وشخصية البابا بولس السادس، وسيادة الاتجاه الاشتمالي الاحتوائي في مجلس الكنائس العالمي. وامتازت بعقد العديد من المؤتمرات العالمية والإقليمية، وإعداد الدراسات. ب- مرحلة تقويم الحوار: وقد امتدت من أواخر السبعينات إلى أواسط الثمانينات الميلادية، وانحسرت فيها مؤتمرات الحوار بشكل ملحوظ. ج- مرحلة البشارة من خلال الحوار: وقد أعقبت المرحلة السابقة، بعد أن تغلب التيار المحافظ في الكنيسة الكاثوليكية، والتيار الحصري الضيق في مجلس الكنائس العالمي، الداعيان إلى تدعيم التنصير، واستغلال الحوار للأغراض التنصيرية. وقد واكب ذلك تسنم البابا يوحنا بولس الثاني سدة البابوية، وقيامه بنشاط دؤوب في تعزيز مكانة الكنيسة في شتى أرجاء العالم، مع الحفاظ على شعار الحوار إعلامياً. 12 - تأخرت دعوة التقريب بين الأديان لدى النصارى العرب، من أتباع الكنائس الشرقية، والاتحادية الغربية، إلى ما بعد انتهاء الحرب اللبنانية، باستثناء شواهد قليلة، وظلت مفتقدة بالنسبة لأكبر طائفة نصرانية في البلاد العربية، القبط. وركزت محاولات النصارى العرب، لبواعث أمنية واجتماعية، على قضيتين: هما: • محاولة إثبات أن النصارى المذمومين في القرآن، فرقة منقرضة، وأن أحكام الكفر لا تطالهم، ومحاولة فلسفة عقيدة التثليث والبنوة بما يرفع عنها وصمتها. • حوار التعايش، وتحقيق مكاسب اجتماعية، وحريات دينية، والقيام بدور الوسيط في الحوار الإسلامي- النصراني مع الغرب، تعويضاً عن الفراغ الناجم عن تراجع القومية العربية.

13 - تتناقض فكرة التقريب بين الأديان مع اليهودية الأرثذوكسية بشقيها: التقليدي العنصري، والأصولي السياسي في إسرائيل. وتتقبلها اليهودية الإصلاحية في دول الشتات، لبواعث مصلحية بحتة: اجتماعية، وسياسية، كما في الولايات المتحدة الأمريكية. 14 - نشأت محاولات محلية واسعة، في العديد من مناطق العالم التي تقطنها جماعات دينية متنوعة، للتقريب بينها، وإشاعة المبادئ الفكرية التي نادت بها دعوة التقريب بين الأديان، إما لتخفيف حدة التوتر والعنف الطائفي، كما في لبنان، والسودان، والفلبين، أو لتحقيق مكاسب تنصيرية كما في شبه القارة الهندية (الهند، باكستان، بنجلاديش، بالإضافة إلى سيريلانكا)، وأرخبيل الملايو (ماليزيا وأندونيسيا)، أو لاستيعاب المهاجرين الجدد من المسلمين، ودمجهم في المجتمعات النصرانية المضيفة، كما في أوربا وأمريكا. وتشرف على هذه المحاولات المحلية جهات حكومية وأهلية ودينية. 15 - استجاب لدعوة التقريب بين الأديان نفر من المسلمين ذوي الثقافة العصرانية، المتحررين من ضوابط العقيدة الإسلامية، فضاهئوا النصارى، ومالئوهم وداهنوهم، وأقروا لهم- غالباً- بوصف الإيمان، ورددوا أصداء قرارت المجمع الفاتيكاني الثاني. وقد أعوزهم ذلك إلى اعتساف الأدلة، وتأويل الثوابت العقدية، وليّ أعناق النصوص، إما لبواعث انهزامية أمام الاتجاهات الفكرية الحديثة، أو لبواعث قومية وطنية مراعاة للنصارى العرب، أو بدعوى مواجهة الإلحاد، أو حتى لمجابهة إسرائيل. 16 - برزت محاولات فردية متميزة في العصر الحديث، لتعزيز فكرة التقريب بين الأديان والدعوة إليها، جمعت بين الجانب النظري، والنشاط العملي، منها: أ- محاولات المفكر الفرنسي روجيه جارودي، الذي زعم الانتساب إلى الإسلام، ثم نادى بتاريخية الشريعة الإسلامية وما تقوم عليه من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وهاجم علماء الإسلام، ودعا المسلمين إلى الانخراط أولاً في (الإبراهيمية) مع اليهود والنصارى، ثم إلى (الإنسانية) ثانياً، مع سائر ملل الملاحدة والوثنيين، وابتدع قراءة شاذة للتاريخ الإسلامي وتقويم أعلامه، ومشروعاً مستقبلياً للتحلل من الإسلام عقيدة وشريعة. وبذل في سبيل ذلك جهوداً فكرية وعملية. ب- محاولات الأب الأسباني، المنصر في جماعة الآباء البيض، آميليو غاليندو، مؤسس مجموعة كريسلام، الذي يسعى لجعل الإيمان بألوهية المسيح محوراً لالتقاء الأديان. ج- محاولات المتنبئ الكذاب المليونير الكوري صن مون، الداعي إلى انخراط الأديان تحت دعوته، والذي ينفق نفقاتٍ باهظة إلى عقد المؤتمرات العالمية لتوحيد الأديان. د- محاولات الشيخ أحمد كفتارو العلنية للتقارب مع النصرانية خاصة، والملل الأخرى عامة، تحت مسمى (الروحانية)، والقيام بالرحلات، والكتابات في هذا السبيل. 17 - دلت النصوص الشرعية القاطعة على بطلان (دعوة التقريب بين الأديان)، لأن دين الله واحد هو الإسلام الذي ابتعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، وما سواه إما باطل أو منسوخ. فمن رام التقريب بينه وبين غيره، فقد رغب عن ملة إبراهيم، وابتغى ديناً غير دين الإسلام، وطعن في صدق محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعموم رسالته، وأنكر هيمنة القرآن على الكتب السابقة، ونسخه لأحكامها، وخالف إجماع المسلمين، واتبع غير سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين، ووالى أعداء الدين، واتبع أهواءهم، وسقط في الفتنة عن بعض ما أنزل الله، وداهن في دين الله، ولبّس الحق بالباطل، ووقع في الصد عن سبيل الله. وكلها لوازم لا محيد لدعاة التقريب عنها. وفسادها معلومٌ من الدين بضرورة. وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم، وبطلان الفرع يعود على الأصل بالإبطال.

18 - دل الواقع العملي المشاهد، خلال فورة دعوة التقريب بين الأديان في العقود الأربعة المنصرمة على ظهور بعض النتائج والآثار الملموسة، الناجمة عن تجربة التقريب، كالتسوية بين كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، القرآن، والكتب المحرفة المنسوبة إلى أنبياء الله، التي بأيدي اليهود والنصارى اليوم، ووصفها جميعاً بـ (مقدسة) و (سماوية) و (كلام الله). وكذلك التسوية بين بيوت الذكر والرحمة؛ المساجد، وبيوت العذاب والشرك، من معابد اليهود والنصارى والمشركين، ومشاركتهم في صلواتهم، واحتفالاتهم الدينية والفكرية، وإقامة المؤسسات البحثية المشتركة بين الأديان، بغرض تنقية المناهج الدراسية، والوسائل الإعلامية من النقد المتبادل، ورفع الأحكام العقدية والشرعية في شأن أهل الكتاب، واستلال اعترافات صريحة وضمينة من نظرائهم المسلمين على صحة دينهم وكتبهم، وإعادة عرض الإسلام بصورة مشوهة خداج، كالتصوف الباطني. ومع ذلك كله، لم يحد النصارى قيد أنملة عن معتقداتهم، فلم ينتهوا عن قولهم (ثلاثة)، ولا عن غلوهم في الدين، وأصروا على إنكار نبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعلى المضي في تضليل الخلق بما يسمونه (التبشير)، مستغلين الفاقة المعيشية، والصحية، والأمنية، لكثير من شعوب العالم الثالث -وغالبيتهم مسلمون- ولتحقيق مكاسب جديدة، ومواطئ أقدام لمنصريهم، وإقامة كنائسهم، تحت شعار التقارب والحوار والتسامح. وفي الوقت ذاته لا يكفون عن موالاة بعضهم بعضاً وموالاة اليهود والمشركين على الظلم والعدوان ضد المسلمين، وإحياء مطامعهم القديمة في القدس. وكل هذه الآثار والنتائج الواقعية، ثمار فجة لدعوة التقريب، شواهدها ماثلة لا يمكن إنكارها. 19 - إن الدعوة إلى (وحدة الأديان) إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام، لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطل صدق القرآن، ونسخه لجميع ما قبله من الكتب. وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان. وبناءًا على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعاً، محرمةٌ قطعاً، بجميع أدلة التشريع في الإسلام، من قرآنٍ وسنةٍ وإجماع .. وتأسيساً على ما تقدم: فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها) (¬1). 20 - إن المنهج الشرعي في مخاطبة أهل الكتاب هو دعوتهم إلى سبيل الله المتضمن: أ- تحقيق توحيد العبادة، ونبذ الشرك بجميع صوره. وهذا هو المراد بـ: (كلمة سواء). ب- ترك الغلو في الدين، والقول على الله بغير الحق، من التثليث، وتأليه المسيح، ودعوى بنوة المسيح وعزير لله تعالى، وتعظيم الصور والتماثيل ... إلخ. ج- الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه. د- الإيمان بالقرآن، ونسخه لما سبقه من الكتب. أما أسلوب هذه الدعوة فيقوم على ثلاثة أوصاف: الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، كما جاءت مبينة في القرآن، وفي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما وسائل ذلك فمتعددة، وأشرفها الوسائل النبوية التي دلت عليها سيرته العطرة، كغشيانهم في محافلهم ومناسباتهم، لدعوتهم دعوةً صريحةً مباشرة إلى الإسلام، واستدعائهم إلى دار الإسلام لهذا الغرض، ومكاتبة زعمائهم الدينيين وغيرهم، واستقبال وفودهم استقبالاً حسناً لدعوتهم ومحاجتهم، وجهادهم بالسيف حتى يقبلوا الإسلام، أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون. وفي عمل الأمة الإسلامية عبر القرون، وطريقة السلف الصالح، ترجمة لهذه المقاصد الإيمانية، والوسائل الشرعية، وبيان لسبيل المؤمنين، والصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين. ¬

(¬1) فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية رقم (19402) في 25/ 1/1418هـ انظر: النص الكامل في قسم الملاحق رقم (1).

دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة الاستخفاء في العهد المكي

دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة الاستخفاء في العهد المكي ¤علي بن أحمد الأحمد£بدون¥دار التوحيد – الرياض¨الأولى¢1431هـ€دعوة ودعاة¶العهد المكي الخاتمة: بنهاية هذا المبحث، تكون الدراسة قد أجابت بحمد الله تعالى عن التساؤلات التي أثيرت في نطاق موضوع استخفاء النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله في العهد المكي، وانتهت إلى ما سنجمله في النتائج الآتية: نتائج الدراسة: 1 - استخفاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالدعوة هو مرحلة من مراحل الدعوة، وهي ثابتة من خلال النصوص والأخبار على نحو ما ذكر، واستمرت ثلاث سنوات، طويت بعدها مرحلة الاستخفاء، وابتدأت مرحلة الجهر بالدعوة. 2 - لم يكن استخفاء النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة استخفاء مطلقاً؛ بل كان استخفاء له سماته العامة والخاصة، ومتميزاً بالحكمة والبصيرة، وهو ما تم الحديث حوله في طيات هذه الدراسة. 3 - كان الاستخفاء بالدعوة يقوم على الدعوة الفردية بوسيلة القدوة الحسنة والقول المباشر الذي كان يتسم بأسلوب النصح، وتم الاقتصار على ذلك بناء على ما اقتضته طبيعة الاستخفاء. 4 - أن الاستخفاء بالدعوة - بكامل تفاصيلها التي جاءت في الدراسة - مرحلة من مراحل الدعوة إلى الله، انتهت بقوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} وقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}؛ ولهذا فإن الاستنان بدعوته في العصر الحاضر مناط بمرحلة (الدعوة الجهرية)؛ إذ هي الأصل، وهو ما استقر عليه التشريع الإلهي، هذا من جهة؛ من جهة أخرى العلة التي لأجلها كان (الاستخفاء بالدعوة) قائماً في العهد النبوي نجدها منتفية في العصر الحاضر في الجملة؛ باعتبار انتشار الإسلام اليوم وظهور مبادئه علناً على مرأى ومسمع من العالم، خاصة في ظل وسائل الاتصال المتقدمة التي تصل بالدعوة إلى كل مكان؛ دون تبعات أو خوف من وأد الدعوة كما كان في بداية الدعوة. 5 - إذا توفرت ظروف مقاربة للظروف التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المرحلة - وهذا محتمل في البلاد التي تتخذ سياسة (المجتمعات غير الدعوية) بأشكالها وأطيافها، وهو ما حدث في الماضي كما تقدم، وسيحدث أيضا في آخر الزمان وهو ما جاءت الإشارة إليه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريبا ... ) - فالاستخفاء بالدعوة في ضوء مسلك الرسول صلى الله عليه وسلم المشار إليه بالضوابط التي سبق بيانها يكون حينئذ مشروعاً؛ بهدف مسايرة حال التضييق والتنكيل الذي قد تلقاه الدعوة وأتباعها، مما يجعلها في أمان من الصدام؛ لتتمكن الدعوة من البقاء حتى يتهيأ لها الانتقال من حال الضعف إلى حال القوة في الجانب الديني؛ كما فعل صلى الله عليه وسلم، ولله عاقبة الأمور.

رسالة المسجد في الإسلام

رسالة المسجد في الإسلام ¤عبدالعزيز بن محمد اللميلم£بدون¥بدون¨الأولى¢1407هـ€دعوة ودعاة¶مساجد - دورها خاتمة: والآن وقد ألقينا نظرة فاحصة على المسجد في الإسلام ودوره العلمي والسياسي منذ أسس النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة المنورة إلى يومنا هذا، ورأينا كيف كان المسجد ولا يزال عبر القرون والأجيال مصدر إشعاع علمي وثقافي، وكيف كانت له مع مرور الشهور والأعوام رسالته الخالدة في خدمة العلم والدين. كما أن مهمته لم تنحصر في اتخاذه مكانا للعبادة؛ بل إنه كان ولا يزال يعتبر معقلا من معاقل الهداية والإرشاد، ومركزا من مراكز التعليم والتوجيه لما ينفع الناس في الدنيا والآخرة، ومدرسة لتقويم سلوك الإنسان وتقوية إرادته، ودفعه إلى الاستقامة والخير، ترعرعت محافل العلماء بين عمده ومحاريبه، وتخرجت قوافل القادة والزعماء من ميادين أفنيته. كان المسجد هو أول المنشآت التي عني بإقامتها المسلمون، يمارسون فيه عبادة خالقهم، ويوجهون فيه حياتهم في كل اتجاه، كما يعتبر المسجد هو فاتحة التاريخ الحضاري للمسلمين، وأول الثمار لتمكين الله لهم في الأرض، فمن المسجد انطلقت جحافل المسلمين، مكبرة مهللة لافتتاح أقطار واسعة شاسعة وإدخالها في حوزة الإسلام، وفي المسجد تتجلى المساواة بأجلى مظاهرها، فأية مساواة أفضل من تلك المساواة التي تحققها الصلاة؟ {صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} [سورة البقرة:138]، وأية وسيلة لتعليم المسلم خلق التواضع كتلك الوسيلة؟ هذا المظهر من المساواة الذي يتمثل في الصلاة لا فرق بين غني وفقير، وكبير وصغير، وعبد وحر، هذا المظهر الذي يقضي على جميع الفوارق وقف أمامه العديد من الأجانب والمستشرقين مشدوهين، ومن بين هؤلاء "رينان الفيلسوف الفرنسي" الذي يقول: "إنني لم أدخل مسجدا من مساجد المسلمين من غير أن أهتز خاشعا وأن أشعر بشيء من الحسرة على أنني لم أكن مسلما". ويقول سير توماس أرنولد أيضا عن الصلاة في المسجد: "هذا الفرض المنظم من عبادة الله، هو من أعظم الأمارات المميزة للمسلمين عن غيرهم في حياتهم الدينية، فكثيرا ما لاحظ السائحون وغيرهم في بلاد الشرق ما لكيفية أدائه من التأثير في النفوس". وتأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يجلس في المسجد لتعليم الناس أمور دينهم ودنياهم، فقد ارتبط المسجد بتاريخ التربية الإسلامية، وأصبح المنارة التي تشع في المجتمع الإسلامي بنور العلم والمعرفة، وإذا عرفنا أن المسجد في عصور الإسلام الزاهرة كان مركزا للتوجيه الفكري والأخلاقي والأدبي والاجتماعي. وإذا كان المسجد يتخذ مكانا للتعبد، ومعهدا للتعليم ودارا للقضاء وساحة لتجمع الجيوش وتعيين القواد، وتسليم الألوية، وتوجيه المجاهدين، وموضعا لاستقبال السفراء، وميدانا للتدريب الحربي، إذا عرفنا ذلك كله أدركنا الرسالة العلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي يضطلع بها المسجد في المجتمع الإسلامي على مر العصور.

ولو طالعنا صفحات التاريخ الإسلامي البشري لوجدنا أن الأعمال الكبرى التي تمت فيه قد بدأت الدعوة إليها في أغلب الأحيان من المسجد ففي المسجد صدرت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والحكام وفيه كتب كتاب الوحي كتاب الله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه كانت توضع الخطط وترسم المناهج ويعين الولاة وأمراء الجيوش، كما كانت تتقبل فيه البيعة من الناس ومنه يعلن الخليفة سياسته للمسلمين، بل أكثر من هذا نرى أن المسجد قد استخدم لأغراض أخرى غير ما ذكر، حيث خصص جزءاً منه مستشفى يعالج فيه المصابون، كما حصل في غزوة الأحزاب وكما حصل في جامع أحمد بن طولون في مصر حينما خصص جزء منها بيمارستاناً يعالج فيه المرضى بالإضافة إلى صيدلية يصرف منها العلاج. كما كان يتخذ مجالا للتعليم والتقويم الاجتماعي. وعلى الإجمال فإن رسالة المسجد تستمد رسالتها وجوهرها من رسالة سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، ورسالته عليه الصلاة والسلام كانت رسالة شاملة تهدف إلى إصلاح العبد فيما بينه وبين ربه، وإصلاحه فيما بينه وبين نفسه، كما كانت تهدف إلى إصلاح طبقات المجتمع والرفع من شأنها، والدفع بها في ميدان العمل الصالح البناء ليصبح المجتمع الإسلامي مجتمعا مثاليا، حتى يتحقق فيه وينطبق عليه ما أراده الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة من أن تكون خير أمة أخرجت للناس، يقول الله تبارك وتعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [سورة آل عمران:110]؛ ففي المسجد يشعر المؤمن بكرامته التي كرمه الله بها، وأنه متساو في الحقوق والواجبات مع جميع من يجلسون معه، سواء كانوا حكاما أو محكومين، أغنياء أو فقراء، جهالا أو علماء فهم واحد من كل ولا ميزة لأي واحد إلا بالتقوى يقول تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات:13]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى)). ومن المسجد أيضا تنطلق الدعوة إلى الله صارخة هادفة موضحة مبينة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [سورة الأنفال:24]، نعم لقد أدى المسجد في الإسلام دورا خطيرا في التوجيه والإرشاد والدعوة وإصلاح البشر وتربيتهم، وتقوية الشعور الديني، وتدريب المصلين من المؤمنين على الأعمال الجماعية التي يدعو إليها الإسلام، والحفاظ على الوحدة الإسلامية حقيقة ومظهرا، وما صلاة الجماعة التي تعقد خمس مرات في اليوم والليلة في المسجد ويحضرها كل من وجبت عليه في الحي إلا دليلا حيا على ذلك.

وعلى المسلم أن لا يعيش لنفسه، وإنما يجب عليه أن يتعاون مع إخوانه فيما يخدم الصالح العام للأمة الإسلامية، إذ يقول تبارك وتعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة:2]، وليس من شك في أن المسجد هو الأساس لكل نهضة وإصلاح، في إطار الأمة الإسلامية التي أشرقت على الدنيا من خلال المسجد، شمس هداية ونور معرفة، ورائد حضارة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، وهي مؤهلة اليوم وفي كل يوم إذا ما عرفت كيف تعيد إلى هذا المنطلق قوته وتأثيره في البعث والتجديد والقيادة الصحيحة للبشرية قاطبة، بعد أن أوردتها الحضارة الغريبة موارد الدمار والهلاك والضياع، وإن نظرة واحدة فاحصة إلى مراحل الدعوة الإسلامية تاريخيا تبين بما لا يقبل الشك والجدل أهمية دور المسجد ورسالته العظمى في بناء الأمة بناء قويا سليما يضطلع عن جدارة واستحقاق بأعباء المسيرة وإيصالها إلى الهدف المنشود، وهو سعادة الدارين، فلقد كان بناء المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة أول أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وصوله مهاجرا إليها لأن المسجد هو بيت الله تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [سورة الجن:18]، وهو بيت المسلمين أيضا. هو بيت الله؛ إذ لا يذكر فيه معه أحد ولا ينسب إلا له عز وجل. وهو بيت المسلمين؛ لأنه مستقرهم وحرمهم ومأمنهم وطمأنينتهم، ففيه وحدة صفتهم ورأيهم ومشورتهم، وفيه اجتماعهم، والمسجد ليس حجارة ترفع وأعمدة تشاد وتعلو، أو زينة تملأ الجدران، بل قلوبا متعاطفة عامرة بالإيمان وعقولا نيرة تنعم بالعلم والمعرفة، وأرواحا تصقل وتهذب، وجنودا يعبّأون لرسالة الحق. من كل هذا: نريد عودة المسجد بصورته الأصلية المشرقة، ورسالته السامية النظيفة، ودوره الصحيح السليم، كي تتفاعل معه حياتنا علما وفهما وتطبيقا، فنستعيد مركزنا القيادي في الوجود البشري، والواقع الحضاري الإنساني، وبغير المسجد علما وتعلما وتأثرا لن نصل إلى ما نريد لأن المسجد من حيث الرسالة هو الإسلام، والإسلام وحده هو باب الحياة الفاضلة. إذا فمن واجب المسلمين أن يعيدوا إلى المسجد وظيفته ومهابته وحيويته حتى يصبح مصدر إشعاع يرشد فيعلم ويهدي فيقوم ويحض على المكرمات ويعلم الناس كيف يعملون لدنياهم كأنهم يعيشون أبداً ويعملون لآخرتهم كأنهم يموتون غدا. فرسالة المسجد إذا ضخمة متشعبة الجهات، متنوعة الأهداف، فيها الخير كل الخير للدين والخلق والثقافة، وسلامة الأبدان، وتقويم ما اعوج من شئون المجتمع إذا أحسن أداؤها. لهذا نرى أنه من الواجب علينا أن نستجيب لهذه الأصوات التي تنبعث من هذه المساجد كل يوم خمس مرات، تدعو الناس إلى الصلاة، ثم تدعوهم بعد ذلك إلى الفلاح، ولن يكون هناك فلاح بمعناه الحقيقي لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا إذا أعادت للمساجد رسالتها العظيمة في خدمة العلم والدين، فتصبح المساجد معابد يذكر فيها اسم الله، وتقام بين جنباتها شعائر الدين واللغة العربية وفي وجوب العودة إلى ما كانت عليه المساجد في العهود السابقة يقول البعض في هذا أثناء حديثه في مؤتمر رسالة المسجد.

أيها الأخوان عودوا بالمساجد إلى ما كانت عليه في عهود أسلافكم الأمجاد، أعيدوا إليها الحياة العلمية. وضعوا لها المناهج الدراسية، وأعدوا لها المدرسين والوعاظ والمحاضرين، ولا يعني ذلك أن تنقل إليها الدراسة التي بالمدارس والمعاهد الثقافية، ولا أن تكون بديلا عنها وعن الجامعات، فلكل طريقه في الحياة العلمية والعملية، ولا أن تبخس حظها من ذلك أو تهضمه حقوقها، إن للدراسة بها روحانية توثق الصلة بين العلم والعمل، فاجعلوها مصدر بلاغ وبيان، ومبعث حياة للقلوب ونور للبصائر، وتهذيب للنفوس والأخلاق، يكتب الله لكم القوة والنصر، ويتم عليكم نعمته. ترى هل في استطاعة مسلمي اليوم أن يعيدوا إلى المسجد رسالته ومكانته العلمية التي فقدها منذ قرون أم ليس في استطاعتهم ذلك؟ الإجابة في نظري على هذا التساؤل سهلة وميسرة؛ فإذا تمكن المسلمون من إعداد نماذج طيبة من الدعاة الحقيقيين المخلصين الذين يحملون كفاءة علمية وفكرية وروحية وخلقية دعاة إلى الله بكل ما تحمل هذه العبارة من معنى ثم حملوا هذه الأمانة بكل صدق وإخلاص نبراسهم في هذا تحقيق قول الله تعالى فيهم: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ} [سورة آل عمران:110]، إذا تحقق هذا كله فإنه سيتبدل خوفهم أمنا، وضعفهم قوة، وهزائمهم نصرا، وسيعود المسلمون كما كانوا من قبل، ليكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليهم شهيدا. وقبل هذا كله فإن المسلمين إن أخلصوا دينهم لله، واجتمعت كلمتهم على الحق، وترسموا خطى النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، وعاشوا في ضوء هدايته، فإن باستطاعتهم أن يعيدوا إلى المسجد عظمته وبهاءه التي تمتع بها قرونا عديدة. وليس مؤتمر رسالة المسجد الذي عقد في مكة المكرمة في عام 1395هـ، والقرارات والتوصيات التي اتخذها المؤتمرون إلا بادرة خير أريد بها إعادة المجد والعزة للمسجد في عصوره الأولى التي فقدها {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [سورة الروم: 4 - 5]. هذه دراسة أقدمها للقارئ الكريم أرجو أن أكون قد وفقت في عرض بعض الحقائق عن الأدوار التي اضطلع بها المسجد في عصور الإسلام المتتالية، في جوانب متعددة، سواء العلمي منها أو السياسي أو الاجتماعي بالإضافة إلى الديني. ولا يعني هذا أنني أدعي الوصول إلى الكمال في هذا البحث، وإنما أعتقد أنه ما زال بحاجة ماسة إلى معالجة ولكن هذه لبنة أضيفها إلى لبنات تحدث عنها من سبقني في هذا الموضوع. تلك الدراسة ما هي إلا مجرد نافذة أفتحها لمن يريد أن يطرق هذا الموضوع ويحاول فتح نوافذ جديدة يصل من خلالها إلى كثير من الحقائق التي لم يكشف عنها بعد. والله أسأل مخلصا له الدين، أن يجعل عملنا خالصا لوجهه، وأن يمن علينا بالتوفيق والسداد، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.

صدى حركة الجامعة الإسلامية في المغرب العربي 1876 - 1981م

صدى حركة الجامعة الإسلامية في المغرب العربي 1876 - 1981م ¤التليلي العجيلي£بدون¥دار الجنوب - تونس¨الأولى¢2005م€دعوة ودعاة¶مغرب عربي الخاتمة: كانت الإمبراطورية العثمانية – في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين – ضحية خطرين فادحين: ففي الوقت الذي أدت فيه التحولات الاقتصادية والسياسية التي عرفتها بعض الدول الأوربية على إثر الثورة الصناعية إلى موجات استعمارية ذهبت ضحيتها أغلب الإيالات العثمانية في السابق، فإن السياسة العثمانية نفسها، في الجزء الأروبي من الإمبراطورية، إضافة إلى تحريض القوى الاستعمارية لشعوب الجزء المذكور كان وراء تأجج النزعة القومية فيه، وتعدد الحركات الانفصالية التي آلت – في النهاية – إلى فقدان الدولة العثمانية لنفوذها على عدة ولايات وقوميات, خرجت تماما عن سلطتها في الجزء الأوروبي من رقعتها. لقد دفعت خطورة تلك التورات على مستوى موازين القوى والعلاقات الدولية السلطات العثمانية – حماية لنفسها، ودرءا للأخطار والتحديات الاستعمارية المحدثة بها – إلى استغلال نفوذها الديني على العالم الإسلامي, وتجنيده من حولها. فكانت سياسة الجامعة الإسلامية التي جعلت من الآستانة (مكة ثانية) غدت قبلة جميع المضطهدين والمهاجرين من جميع أنحاء العالم الإسلامي، فاستقطبت –بذلك- عاصمة الخلافة أغلب الوطنيين والفاعلين على المستوى الفكري والسياسي من عناصر النخبة في البلاد الإسلامية، ولفتت إليها أنظار المسلمين, ولفتهم حولها، ملوحة بتحريك أولئك الذين سقطوا منهم ضحية الاستعمار الغربي ضد مستعمريهم، وإعانتهم على التخلص منهم, واستعادة حرياتهم واستقلالهم، وهي وعود مغرية، وشعارات محفزة زادت من نفوذ الخلافة وسلطتها الروحية والسياسية كقطب, ليس فقط موحد للمسلمين وجامع لكلمتهم، ولكن بالخصوص كَمَرْكز مسؤول عن شؤونهم ومؤتمن عن مصيرهم، لأن حمايتهم والذود عنهم يعد من أبرز مقتضيات الاستخلاف. ورغم أن كل ذلك لا يعدو أن يكون إلا قولا لعجز الدولة العثمانية عن حماية نفسها فضلا عن حمايتها لغيرها، فإن تلك المعاني روجت لها – على أوسع نطاق – وسائل الدعاية العثمانية، وزادها انتشارا وذيوعا بين المسلمين ما ترسب في أذهانهم –نظريا- عن مؤسسة الخلافة ومستلزماتها، فأزدادوا –دون أن يدركوا حقيقة الأوضاع – تمسكا وولاء لها، وتعويلا عليها في تخليص بلدانهم من الاحتلال الأجنبي، فلا غاربة أن ينخرط العديد من الوطنيين في تيار الجامعة الإسلامية خدمة لقضايا بلدانهم، وتعويلا عليه في إعانتهم على تحررهم الوطني: ففي الوقت الذي راهنت فيها الدولة العثمانية على ايديولجية الجامعة الإسلامية كخيار استراتيجي لتوحيد المسلمين حولها والاستفادة من وزنهم في حماية نفسها ودفع الأخطار المهددة لها، فإن الوطنيين علقوا من جانبهم الآمال على الإيديولجية المذكورة، معولين على توظيفها في خدمة قضاياهم، فعملوا على جر الدولة العثمانية إلى الاهتمام بها، وحملها على مساعدتهم على التحرر والانعتاق.

ودون الخوض في مسألة من استفاد الأكثر من الآخر، فإن مما لاشك فيه أن تحركات الوطنيين المغاربة ونضالاتهم في إطار الجامعة الإسلامية لم يكن فقط وبالدرجة الأولى خدمة لمصالح الدولة العثمانية وقضاياها تبعا (لوطنيتهم العثمانية)، وإنما كانت في إطار خدمة قضايا بلدانهم في إطار استراتيجية قوامها المراهنة على معاني الأخوة والتضامن الإسلامي الذي يحتم نجدة المسلمين لبعضهم في تصور – رغم عدم واقعيته – يجعلهم متماسكين، متآلفين ومدعوين إلى المسارعة بنصرة بعضهم بعضا، وهي كلها معاني جاءت الجامعة الإسلامية لتجسيدها، واعتبرت أحداث طرابلس الغرب والبلقان أفضل فرصة لتطبيقها، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان حيوية وجدوى مؤسسة الخلافة، ودورها في ترسيخ تلك المعاني، خصوصا وأن ظروف التحديات والخطوب التي تأكدت في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين أوجدت لدى المسلمين قابلية لاستيعاب تلك الأطروحات والتعويل على نجاعتها في خدمة الإسلام والمسلمين، بدعوى ما حققته رابطة الملة والدين – في الماضي – من أمجاد وبطولات بالإمكان – دون تقدير منهم للتحولات في الظروف وموازين القوى – تحقيق مثلها في واقع معاصر لا علاقة له البتة بواقع أسلافهم.

لقد جاءت تصفية الوجود الإسلامي بالأندلس على إثر حركة الاسترداد، إضافة إلى التوغلات الإسبانية في سواحل شمال إفريقيا والاستيلاء على عدة ثغور هناك لتعيد إلى الذاكرة الجماعية الحملات الصليبية, والهجمات المسيحية, على العالم الإسلامي, والتي جاء تدخل العثمانيين في كل من الجزائر وتونس في القرن السادس عشر ليضع لها حدا نهائيا، ويخلص مسلمي البلدين من خطر عجزوا على دحره بمفردهم، الأمر الذي جعل ما استهدف له المسلمون في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وراء شعورهم بالاضطهاد والاستعداء عليهم، وتنامي إحساسهم بالتآمر الغربي جراء تشتتهم وتشرذمهم، وهو مناخ نفسي هيأهم للتقارب والتآزر، وأوجد لديهم قابلية قصوى للتوحد والالتفاف حول الخلافة العثمانية رمز تلك الوحدة وذلك التآزر، خصوصا وأن الأوضاع المذكورة أعادت – بالنسبة إلى مسلمي المغرب العربي – تحديات وأخطار القرن السادس عشر، فلم يجدوا – آنذاك – غير العثمانيين الذين هبوا – كما أسلفنا – لنجدتهم وتخليصهم من الوجود الإسباني، وهي (منة) جاء الاستعمار الفرنسي وسياسته القائمة أساسا على ضرب معالم سيادتهم ورموز هويتهم, فضلا عن إضراره بموارد حياتهم, والمس بمواقعهم الاجتماعية, ليزيد من تمجيد المغاربة للفترة العثمانية في تاريخ بلدانهم، ويساهم في تدعيم ولائهم لهم، والتعويل عليهم مرة أخرى – كما كان الشأن في القرن السادس عشر – في نجدتهم وإعانتهم على التخلص من الاستعمار الجاثم على أوطانهم، فانخرطوا في حركة الجامعة الإسلامية التي كانوا من أبرز رموزها والمروجين لها، والمساهمين – بالتالي – في كسر الجمود والركود الذي يمزق العالم الإسلامي في تاريخه الحديث، وإخراجه من السكونية التي غرق فيها بإيجاد حركية فكرية وثقافية وسياسية رجت النفوس الخاملة، وهزت الهمم المحتقنة، وحررت الطاقة الكامنة والمكبوتة، ووفرت لها أرضية ومجالات للتعبير عما يختلج بداخلها، فَمَثَّل كل ذلك بداية تلمس معالم نهضة حضارية، وحرص على إيجاد موقع قدم يحفظ وجود الذات، ويثبت الكيان، ويخرج المسلمين من موقع المستضعف وخانة المفعول به إلى صف المبادر والفاعل على مستوى الأحداث والتوازنات الدولية، وبذلك نتبين أن الولاء للعثمانيين يجد مبرراته بالأساس في الأوضاع الدقيقة، والظروف الحرجة التي حاقت بالعالم الإسلامي منذ الفترة الوسيطة من تاريخه، والتي لعبوا فيها دورا بارزا ومحددا في الدفاع عن (بيضة الإسلام)، وهي امتيازات أهلتهم (العثمانيون) للظهور – على مسرح الأحداث – كقوة ضاربة أوكلت لها – بعد نهاية العباسين – مسؤولية الدفاع عن المسلمين ومهمة حمايتهم، الأمر الذي خولهم لتولي منصب الخلافة وتقلد الزعامة الروحية للعالم الإسلامي. لقد كان ذلك الولاء التاريخي، إضافة إلى مستجدات نهاية القرن التاسع عشر, وبدايات القرن العشرين, وراء إلتفاف مسلمي المغرب الغربي حول مركز الخلافة، وتدعم ولائهم له، وهو ولاء لا يمكن البتة اعتباره مندرجا في إطار حرص الوطنيين على استعادة استقلال بلدانهم في ظل الدولة العثمانية – كما كان الشأن في الفترة الحديثة -، وإنما يهدف بالأساس إلى الاستفادة من نفوذ مركز الخلافة وثقله الديني والسياسي في إعانتهم على تحرير بلدانهم.

إن ما يؤكد أهمية الدولة العثمانية في أذهان المسلمين، وقيمة مؤسسة الخلافة في المنظور الإسلامي أن ولاء المسلمين لها لم يكن له أبدا علاقة بضعفها أو قوتها، حتى أن ولاء المغاربة مثلا للدولة العثمانية لم ينقطع بانتهاء الحرب العالمية الأولى، ووجودها في صف المنهزمين، بل إن اندحارها وانكسارها مع حلفائها زاد في انشغال المغاربة بمصير مركز خلافتهم وتلهفهم على تتبع الأحداث والتطورات المتعلقة به، ولا أدل على صدى الأحداث التركية وانعكاساتها المباشرة على الرأي العام المغاربي, من الرجة التي اهتزت لها نفوس المغاربة وخفقت لها قلوبهم من جراء الاحتلال اليوناني – في مارس 1920 – لعاصمة الخلافة. لقد كانت تلك التطورات وراء ردود فعل شعبية في كل من طرابلس الغرب, وخصوصا في تونس أي تظاهر الطلبة الزيتونيون أمام مقر الإقامة العامة احتجاجا على احتلال جيوش الحلفاء لعاصمة الخلافة، كما تتبعت الصحافة سير المعارك على التراب التركي، بحيث لم تنفرج الأوضاع إلا بورود أنباء انتصارات مصطفى كمال على الجيش اليوناني، فانتظمت الاحتفالات وأبرق التونسيون للكماليين، كما انبرى الشعراء مخلدين تلك الانتصارات المدوية، كما عرفت الجزائر نفس الأجواء الاحتفالية، وتتبع أهالي المغرب الأقصى أصداء الزحف التركي وتحرير البلاد. إن أهمية الخلافة وقدسيتها – بقطع النظر عن مدى جدوى وفاعلية المؤسسة المذكورة – كان وراء ليس فقط لهفة المسلمين عامة وأهل المغرب العربي خاصة عن مصيرها على إثر اقتحام جيوش الحلفاء للتراب التركي، وإنما بالخصوص سببا لقبولهم بفصل الكماليين بين السلطتين الدينية والدنيوية بجعل الخليفة صاحب منصب ديني وشخصية روحية فقط، مقابل جعل السلطة السياسية من مشمولات الوزراء، ورغم أن الفصل المذكور مخالف تماما للمفهوم التقليدي لمؤسسة الخلافة، فإنه قوبل – في تونس مثلا – بالاستحسان، وتكونت، سنة 1922 – (لجنة الخلافة) برئاسة أحمد توفيق المدني أبرقت إلى الخليفة عبد المجيد!، كما أيد الأمير خالد وبعض الأوساط الدينية الجزائرية ذلك الفصل!. ورغم إقرارنا بأن قبول المسلمين آنذاك بما ذكر يجد مبرراته في انتصارات الكماليين التي أوجدت لهم – لدى الرأي العام الإسلامي – عذرهم فقبل (تجاوزاتهم) وغض عنها الطرف، فإن السبب الرئيسي في ذلك القبول يعود – في نظرنا – إلى عدم مس الكماليين – إلى حد سنة 1923 – بمؤسسة الخلافة لحساسيتها بالنسبة إلى المسلمين، وخطورة المس بها، والدليل هو أنه لما تجرؤوا (الكماليون) – في مارس 1924 – على إلغائها وطرد الخليفة، صعق المسلمون، واستنكروا التجاوز الخطير الذي لم يعد كل ما أنجزه مصطفى كامل – الذي لقبوه بالغازي – كافيا ولا مبررا للسكوت عنه، وبذلك استهدف الكماليون إلى جملة تشنيع واسعة النطاق، وانبري الشعراء يهاجمون من كانوا – بالأمس القريب – يمدحونهم، كما انقلب عليهم العديدون ممن ناصروهم وساندوهم حتى نهاية سنة 1923. إن إجلال المسلمين وتقديسهم لمنصب الخلافة، ورفضهم المطلق لزوال مؤسسة ارتبطت بوجودهم، وامتزجت بتاريخهم وحضارتهم جعل التونسيين مثلا يتمسكون ببيعة الخليفة عبد المجيد حتى وهو مبعد في سويسرا!!، بل أن الأيمة استمروا في الجوامع – حتى مطلع الثلاثينات – يخطبون باسم الخليفة العثماني، بل إن الإصرار على ضرورة وجود خليفة كان وراء تهافت العديد من (المترشحين) على الفوز بالمنصب المذكور الذي انعقدت من أجل إحيائه العديد من المؤتمرات في ظرفية بدأت فيها بعض البلدان الإسلامية تعرف بوادر تيارات ثقافية وسياسية ليبرالية وعلمانية!!. إن كل تلك التطورات والتحولات تحملنا على التساؤل عما إذا كان إلغاء الخلافة قد شكل قطيعة جذرية على مستوى الفكر السياسي في تاريخ العالم الإسلامي بأن حَرَرَهُ من كابوس مؤسسة ضاغطة حالت دون تطوره خصوصا في ظرفية لم تعد فها الثقافة الإسلامية التقليدية هي السائدة، الأمر الذي كان وراء بداية انزياح المعالم الفكرية والثقافية المميزة لفترة تاريخية سادت فيها مفاهيم (أممية) جسدتها في المنظور الإسلامي التقليدي مصطلحات (الأمة) والجامعات الإسلامية، وأشرت – بالتالي – لبداية مرحلة جديدة من النضال السياسي، قوامها الأحزاب والتنظيمات الوطنية، وتكريس القطرية في مفهومها الإقليمي الضيق، الأمر الذي جعل حركات التحرر تعول – في كسبها للمعركة – ليس فقط على الالتصاق بالجماهير الشعبية توسيعا لقاعدتها، وإنما كذلك على دعم ومساندة القوى الحرة المناهضة للاستعمار، والمنافحة عن حق الشعوب في التحرر والانعتاق.

صناعة الخطبة الإسلامية (بحوث في مؤتمرات دعوية وعلمية)

صناعة الخطبة الإسلامية (بحوث في مؤتمرات دعوية وعلمية) ¤عمر بن سليمان الأشقر£بدون¥دار النفائس - الأردن¨الأولى¢1427هـ€دعوة ودعاة¶خطابة ومحاضرات صناعة الخطبة الإسلامية معد لبيان المنهجية لصناعة الخطبة الإسلامية، وهذا البحث الذي قدم لمؤتمر متقدم من مؤتمرات كلية الشريعة بالجامعة الأردنية تناولت فيه ثلاث نقاط: الأولى: تحديد موضوع الخطبة، وما يتعلق به. والثاني: تحضير هذا الموضوع. والثالث: إلقاء الخطبة.

تبصير المسلمين لغيرهم بالإسلام: أحكامه وضوابطه وآدابه (معاملة غير المسلمين في الإسلام)

تبصير المسلمين لغيرهم بالإسلام: أحكامه وضوابطه وآدابه (معاملة غير المسلمين في الإسلام) ¤وهبة الزحيلي£بدون¥المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية - الأردن¨بدون¢1989م€دعوة ودعاة¶معاملة غير المسلمين الخاتمة 123 - نحن في عصر تصطرع فيه الآراء والمذاهب الفكرية والسياسية والاقتصادية والفلسفات والتيارات المتعددة، العلمانية والمادية الملحدة وغيرها. وفي جوار ذلك تنتشر في العالم الأديان السماوية من يهودية ونصرانية وإسلام، وغير السماوية من بوذية وبرهمية ووثنية ونحوها. والعالم يعيش في جو من حمّى المادية الطاغية والعنصرية والقومية والنزعات العرقية، ويعاني من داء الترفع والتكبر والاستعلاء الدولي. ويكاد يكون هناك ظاهرة من التحزب والتجمع بين الدولتين العظميين ضد الإسلام، والاستهانة بمقدساته، وما تزال عقلية الاستعمار الأوربي والأمريكي بشكليه القديم والحديث هي المهيمنة في علاقات الدول الكبرى بالعالم الإِسلامي الذي يعاني من أوضاع الضعف السياسي والاقتصادي والعسكري الشيء الكثير وربما كان الإِعلام والتسلط الصهيوني هو داء الأمم المعاصرة. 124 - وفي هذا الجو المحموم لابد من محاولة إنقاذ وإسهام، إما بتغيير المناهج والعقائد المضادة والمعارضة لمفهوم رسالة القرآن العظيم، وإما بوضع المعوقات على الأقل لصد السيل العارم للاتجاه غير الديني، وإيقاف التيار الجارف المعارض للمفاهيم الإسلامية؛ لأننا نحن المسلمين نشعر بأن علينا واجباً مقدساً نحو العالم يتمثل بالقيام بحركة تصحيح وجهاد ونشر دعوة الله في الأرض، وإلا كنا آثمين جميعاً. 125 - والوسيلة لذلك إما جهود فردية أو جماعية أو دولية، وأداء الجهد الفردي هي نشاط كل مسلم، حيثما كان في العالم، فعليه واجب التبليغ والتبصير والدعوة إلى الله تعالى. والجهد الجماعي يتجلى في ضرورة التكتل عن طريق الجمعيات والمؤسسات والأوقاف الإِسلامية لبعث وفود الدعاة إلى أنحاء العالم. والواجب الأكبر والأهم هو واجب كل دولة إسلامية بقدر إمكاناتها أن تساهم في إرسال البعوث والدعاة إلى الله إلى بلاد الدنيا؛ لأن الدولة أقدر على هذا العمل من الفرد قطعاً، فقد فرضت الدولة هيمنتها في العصر الحديث على كل نشاط فردي وجماعي في إقليمها، وعليها طبعاً وبداهة تكوين الدعاة على المستوى المطلوب، وعلى النحو الذي ذكرت ضوابطه وآدابه وأصلت له أصوله، وأبنت مصدره وغايته. 126 - وأخيراً لا ننسى الدور المهم الحيوي الذي يمكن أن تقوم به المرأة المسلمة، زوجة الداعية، والأخت المسلمة، والبنت المسلمة في الدعوة إلى ربها داخل الدولة وخارجها بين بنات جنسها النساء وبين الأسر، فلها تأثيرها الذي لا ينكر. 127 - ولابد من وجود دورات تدريبية متكررة للدعاة، وإيجاد معاهد دعوة في كل دولة، وإقامة مراكز ثقافية إسلامية في أنحاء العالم، ودعم رسالة المساجد أينما كانت، وتوفير الدولة الدعم المادي والمعنوي والثقافي للدعاة، حتى لا يكونوا ضحية المكر والخداع والتعصب والأحقاد، ثم الطرد والإِبعاد. {والله يقول الحق وهو يهدي السبيل}. ولعل أفضل ما ينبغي التذكير به في ختام البحث هو قول الله تبارك وتعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}. ويتزود الداعية بطاقات ومهارات وافرة، فيتعمق في معرفة القرآن والسنة وعلوم الشريعة، ويطلع على المعارف الحديثة ما أمكنه، ويتمكن من لغة القوم الذين يخاطبهم، ويكون خبيراً بأسلوب الدعوة والتوجيه، ويتحلى بالخلق الكريم، ويكون حسن الهندام جميل الهيئة، حكيماً، سليم الفكرة حسن الأداء، متنزها ً عن فحش القول والكلام، مترفعاً عن الأمثلة والتشبيهات الوضعية، يحسن اختيار الموضوع، ويبتعد عن إثارة الشبهات بتبسيط العقيدة وتيسير الأخذ بأحكام الشريعة، وهو في الجملة إمام وقائد، وقدوة ومثل أعلى، فيلتزم بما يدعو إليه، ويحرص على هداية الناس، ويظهر حبه لغيره، ويشعرهم بأن سعادته في سعادة الآخرين. وشعاره آيات ثلاث: الأولى - قول الله تبارك وتعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً}. والثانية - قول الله عز وجل: {كنتم خير أمة ٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله}. والثالثة - قول الله سبحانه: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أربابا ًمن دون الله، فإن تولوا، فقولوا اشهد وا بأنا مسلمون}.

فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري

فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري ¤خالد بن عبدالله القريشي£بدون¥بدون¨الأولى¢1418هـ€دعوة ودعاة¶دراسات توثيقية ومنهجية الخاتمة بعد أن منَّ الله سبحانه وتعالى، بإكمال هذا البحث على الصورة التي تم بها، فإنه لا يسعني في ختامه إلا أن أتوجه بالشكر لخالقي جل جلاله الذي يسر لي معايشة أصح كتاب بعد كتابه العزيز، وهو صحيح الإمام البخاري – رحمه الله تعالى – ومعايشة شروحه العظيمة لأئمة الدين وعلماء الأمة من سلفنا الصالح. كما أسأل الله سبحانه وتعالى، أن يجعل العمل العلمي الذي أنجز خلال هذه المعايشة خالصاً لوجهه الكريم، ونافعاً للإسلام والمسلمين. هذا وقد تجلى في هذا البحث عدة أمور، ألخصها في الآتي: أهمية السنة النبوية لتأصيل علم الدعوة، وخاصة: صحيح الإمام البخاري، وصحيح الإمام مسلم – رحمهما الله تعالى – وذلك لإجماع الأمة على صحة وقبول ما فيهما. وضوح منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وتطبيقه له في حياته الدعوية التي استمرت ثلاثاً وعشرين سنة، مما يؤكد على أهمية التزام الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، بمنهجه واقتفاء أثره، والسير على سبيله، يقول الله جل جلاله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}. وجود الحل والعلاج في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصحيحة الثابتة عنه، لجميع القضايا التي قد يحدث فيها نزاع واختلاف بين الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى. عمق فهم سلفنا الصالح لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومبادرتهم إلى تطبيقها والعمل بها، والدعوة إليها، مما يؤكد على أهمية التمسك بهذا الفهم، والاقتداء بهذا المنهج، والسير على خطاه. أهمية ومكانة الداعية في حلقة العملية الدعوية، وأنه هو الشخص المؤثر في المجهود الدعوي، فعلى قدر فقهه وفهمه ووعيه وصفاته، كثيراً ما يرتبط نجاح الدعوة وفشلها، وأن عليه مسؤولية كبيرة في البيان والإيضاح للناس. كل مسلم: داعية إلى الله سبحانه وتعالى، يُبلغ هذا الدين على قدر استطاعته وعلمه، ومن خلال ذلك ينبغي له أن يمر بمرحلة من الإعداد النفسي والروحي والبدني، التي من خلالها يزداد رسوخاً وتقدماً في تبليغ هذا الدين ونشره بين الناس، وكذلك هو مطالب بمجموعة من الصفات والأخلاق، التي بها ينجح في دعوته ويؤثر في المدعوين. أهمية ومكانة المدعو في حلقة العملية الدعوية، وأنه قطبها ومحورها الذي ترتكز عليه، وهو هدفها وغايتها، وأن عليه مسؤولية كبيرة في البحث عن الحق وطلبه، والعمل به متى ما استبان له. المدعوون هم: جميع الخلق من الجن والإنس، في كل زمان ومكان، وأنهم أصناف كثيرة، ولهم سمات، وأحوال وظروف مختلفة، وهم في قبول هذا الدين ما بين سريع الاستجابة والتأثر بالدعوة، والعمل بها، وبين المعرض عنها، الذي يكيد للدعوة وصاحبها. إن موضوعات الدعوة كثيرة جداً، وعند اختيار الداعية لواحد منها يجب عليه مراعاة الآتي: أ – أن تُرتب في الأهمية والأولية بحسب ما جاء الشارع من ترتيب لها. ب – مراعاة القواعد الدعوية، والسمات والخصائص التي تُميز هذا الدين عن غيره. 10 - إن وسائل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، كثيرة جداً، وأنه يجوز للداعية إلى الله عز وجل، استخدام كل وسيلة بشرط أن لا يرد مانع شرعي من استخدامها. 11 - إن أساليب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، كثيرة جداً، فلذا ينبغي للداعية إلى الله عز وجل، عند اختيار بعض هذه الأساليب أن تكون مما لم يرد مانع شرعي من استخدامها، وأن يكون حكيماً في اختيار الأسلوب المناسب للمدعوين، كما ينبغي له التنويع بين هذه الأساليب وطرحها. التوصيات:

أوصي نفسي وإخواني العاملين في مجال الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، بالتمسك بكتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك على فهم سلفنا الصالح من خير القرون، ومن تبعهم بإحسان من الأئمة أعلام الدين. الالتزام برد التنازع فيما يقع من خلاف إلى كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما أمر الله عز وجل في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}. أوصي بتدريس هذا الموضوع في كليات الدعوة، والأقسام العلمية ذات التخصصات الشرعية، وذلك إما أن يكون على شكل مادة مستقلة بعنوان: (فقه الدعوة في صحيحي الإمامين: البخاري ومسلم). أو من خلال بعض المواد الشرعية المناسبة. وأخيراً فإن هذا البحث ما كان فيه من صواب فمن الله سبحانه وتعالى، وحده وهو المحمود عليه، وما فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، والله جل جلاله، المسؤول أن يتقبل الصالحات، وأن يغفر الزلات والهفوات، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قبل الكارثة نذير .. ونفير

قبل الكارثة نذير .. ونفير ¤عبدالعزيز بن مصطفى كامل£بدون¥المنتدى الإسلامي - لندن¨الأولى¢1421هـ€دعوة ودعاة¶نصيحة وموعظة خاتمة وبعد: لعل القارئ يكون قد أدرك معنا أهم جوانب القضية، ووعى معالم المؤامرة المحكمة ضد المسجد الأقصى. ولعله يكون قد ألمَّ بخلفياتها وملابساتها ودوافعها. ولعله يكون قد أحس بخطورة الأمر، وفداحة المصيبة إذا جرت الأمور حسبما يخطط له اليهود ويساعد عليه النصارى. ولعلي ـ أيها المسلم ـ أكون قد أوصلت إليك نيابة عن المسجد الأقصى رسالة تقول لك: "هل ستشارك في المؤامرة بإصرارك على الصمت والسكوت .. ؟! ". إن أرض فلسطين ـ في الوجدان الإسلامي ـ لم تُشرَّف إلا لأن فيها بيت المقدس، وبيت المقدس يستمد الشرف من المسجد الأقصى الموجود فيه .. بينما (أرض إسرائيل) ليست لها قيمة عند اليهود إلا بـ (أورشليم) القدس، ولا قيمة للقدس عندهم إلا بالهيكل .. فهل أدركت خطورة هذه المفارقة؟! إن تكريمنا وتعظيمنا وحرصنا على حفظ المسجد الأقصى، صادف حرصاً وإصراراً من اليهود على إلغائه وإفنائه. وحرص الفريقين ينبع من العقيدة. ولهذا، فإن أحداً من الناس لن يستطيع فهم حقيقة المعركة إلا المسلم، وإن أحداً من الناس لن يستطيع مواجهة العقيدة بالعقيدة إلا المسلم، وإن أحداً من الناس لا يستطيع العمل بنفس طويل لإنقاذ المسجد الأقصى إلا رجال مسلمون صادقون. إن المسجد الأقصى وبيت المقدس أمانة تسلمتها أمة الإسلام منذ أُسرى برسولها ? إليه من المسجد الحرام. ولقد حفظ المسلمون هذه الأمانة في عهودهم المتوالية، حتى جاء عصرنا فضاع بيت المقدس ... وها هو الخطر يلاحقنا بمصيبة أعظم. ولئن خلُص اليهود إلى المسجد الأقصى وأتموا مؤامرتهم بين ظهراني جيل من المسلمين يبلغ ربع سكان العالم، فوالله إنه لعار لا يمحوه الزمان ولا يغسله الماء. وعلى الرغم من أنه لا يوجد مانع قدري من وقوع تلك الكارثة، إلا أننا نرجوا الله ألاَّ نكون محلاً لهذا العار، وندعوه سبحانه أن نكون أهلاً لحفظ الأمانة، بل إننا نأمل أن يكون من بركات المسجد الأقصى أن تبدأ عودة الروح الحقيقية إلى هذه الأمة من تلبيتها لندائه المتردد الأصداء: (حي على الفلاح .. حي على الفلاح) فتهزم رايات صهيون عند ساحاته، كما صُدّت موجات الصليبيين عند أعتابه، ودحرت جحافل التتار قرب أبوابه، إن المتأمل في أحوال الدنيا في السنوات الأخيرة، يدرك للوهلة الأولى أن الله ـ تعالى ـ يهيء الدنيا لعودة جديدة للإسلام. وما تلك الصحوة ـ التي لم يدبر لها أحد من الناس ـ في أرجاء العالم الإسلامي إلا من بشريات هذا الفجر الجديد. ومن سنن الله ـ تعالى ـ أن تكون العاقبة للمتقين ولو بعد حين، ولكن عندما يبتعد المتقون عن التقوى تأتي سنة أخرى من سنن الله، قال ـ تعالى ـ:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُنَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ? [المائدة: 54]. وقال ـ عز وجل ـ:) وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ?. [محمد: 38]. إن التمكين لدين الله قادمٌ قادم .. بنا أو بغيرنا:) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ?. [التوبة: 33]. ولكن هذا التمكين، كيف يبدأ؟ .. لا ندري .. ومتى سيبدأ؟ .. لا ندري، ولكنا ندري فقط أن من واجبنا أن نعمل من أجله، وخصوصاً أن إرهاصاته قد بدت لكل ذي عينين.

ولعلي هنا أستعير كلمات مضيئة لأحد رواد الجيل وهو الأستاذ محمد قطب في كتابة (واقعنا المعاصر) حيث تحدث ـ حفظه الله ـ عن الصحوة الإسلامية، وكيف أنها بدأت تلفت الأنظار بشدة في مبدئها عندما وقع الصدام بين الفدائيين المسلمين وعصابات اليهود في حرب 1948م، ثم تناول في آخر الكتاب حديثاً شيقاً عن الروافد التي تمد هذه الصحوة بالحياة والقوة والتمكين, وتساءل كما يتساءل كل مسلم ـ عن السبيل إلى هذا التمكين، ثم قال: "ولا نعلم بطبيعة الحال كيف يكون التمكين، فذلك غيب .. ولكننا نستشف من أحاديث الرسول ? بعض الملامح لهذا التمكين". فاليهود اليوم هم المسيطرون في الأرض، وهم الذين يرسمون سياسة العالم، وهم الذين يخططون ضد الإسلام والمسلمين، وبصفة خاصة في المنطقة المحيطة بإسرائيل، ويقول رسول الله ?: "لا تقوم الساعة حتى يُقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم، يا عبدالله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله". واليهود يعرفون هذا الحديث ويؤمنون به، فقد ورد في أخره: "إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود"، وهم يغرسون اليوم شجر الغرقد حول بيوتهم في فلسطين. فنستطيع أن نستشف من ذلك قيام معركة حاسمة بين المسلمين واليهود، يستظل المسلمون فيها براية لا إله إلا الله، لا بالعروبة ولا بالقومية، ولا بالتراب الوطني، وينتصر المسلمون فيها نصراً حاسماً بتقدير الله ويكون هذا من أحداث التاريخ التي تغير التاريخ. وأعود فأُذكِّر بحقيقة مهمة وهي: إن جهاد الأعداء .. كل الأعداء، لا يتوقف على تحول الغيب إلى شهادة، ولكنه تكليف شرعي، وواجب ديني لا يحل لمسلم أن يتخلف عنه إذا قامت شروطه ووجدت مبرراته. وأختم هذه الخاتمة مردداً النداء الذي كان سماحة الشيخ عبدالعزيز بن بازـ رحمه الله ـ قد وجهه إلى كل المسلمين عندما قال: "يا معشر المسلمين من العرب وغيرهم في كل مكان .. بادروا إلى قتال أعداء الله من اليهود، وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، بادروا إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين والمجاهدين الصابرين، وأخلصوا النية لله، واصبروا وصابروا واتقوا الله ـ عز وجل ـ تفوزوا بالنصر المؤزر أو شرف الشهادة في سبيل الحق ودحر الباطل". الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ* فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتْبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ* إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ?. [آل عمران: 173ـ175]. أيها المسلمون، هل من إعذار إلى الله ـ تعالى ـ بقول أو عمل لوقف قطار المؤامرة ....... ......... قبل أن يُهدم الأقصى؟ اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كيف نعيد للمسجد مكانته؟

كيف نعيد للمسجد مكانته؟ ¤محمد أحمد لوح£بدون¥دار الخضيري - المدينة المنورة¨بدون¢1418هـ€دعوة ودعاة¶مساجد - دورها لقد تناولت في هذه الدراسة أهم الأسس التي أحسب أن إقامتها يعيد إلى المسجد دوره المفتقد في كثير من الأقطار الإسلامية، وإعادة أثر المسجد أمر بالغ الأهمية يلزم كل مسلم مؤمن أن يسعى قدر ما أوتي من جهد لأجل العمل على تحقيقها، وبعث النشاط العلمي والدعوي والتربوي والاجتماعي للمسجد، وبإحياء أثر المسجد يمكن تحقيق الأمور التالية: 1 - إعادة المكانة اللائقة بالمسجد وأهله فيحترم ويقدر حق قدره في المجتمع المسلم. 2 - انتشار العلم بين جميع طبقات الشعب. 3 - إعادة البعيدين عن التدين بسبب الجهل إلى دائرة الالتزام بتعاليم الشرع الحنيف. 4 - إزالة ما يعاني منه المسلمون من الفرقة والتشتت بسبب سوء الفهم وعدم التفقه في التدين. 5 - إزالة الفجوة أو الجفوة القائمة بين طلبة العلوم الإسلامية وبين ما يسمى بالتعليم المدني أو العلماني؛ لأنهم جميعا إذا جلسوا في المسجد بين أيدي علماء ربانيين، وتعلموا دينهم من مصادر موثوقة عرفوا أن العلوم الكونية التي فيها مصالح حقيقة لا يمكن أن تتعارض مع قواعد الشريعة الإسلامية بحال. 6 - تعليم المسلمين حقوقهم وواجباتهم فيشاع العلم بالحقوق والواجبات بين فئات الشعب؛ فالعامل والموظف والرئيس والمرؤوس والزوج والزوجة كلٌ على علم بما له وما عليه، وبذلك يتم القضاء على كثير من المنازعات والخلافات الاجتماعية الدائرة في دنيا الناس. 7 - القضاء على الانحرافات الخلقية لدى الشباب، والأخذ بأيديهم إلى سلوك الطرق الشرعية في وضع الشهوات في محلها، وكذلك القضاء على الانحرافات الفكرية كاعتناق المذاهب الهدامة والسبل البدعية، أو الجنوح عن وسطية المنهج وتوازن الاتجاه. 8 - تغيير ما بالأنفس والقلوب من الأمراض كالمعاصي والبدع وسوء الأخلاق، إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة، والإيمان الصحيح الذي يستحق به بقاء النعمة، والتمكين والاستخلاف في الأرض. وأخيرا هناك بعض الاقتراحات أرى أن أختم بها هذه الرسالة عسى الله أن ينفع بها من يشاء من عباده، وذلك إنما هو من باب التأكيد للأهمية، وإلا فقد سبقت ضمن الدراسة: 1 - على المسلمين أينما كانوا أن يهتموا بربط المساجد بالمؤسسات التعليمية، والدوائر الحكومية، والأسواق، ومواقف سيارات الأجرة للمسافرين، وفي القرى والمناطق التي ينزل بها المسافرون، وأن ينسقوا بين مواعيد العمل والدراسة وبين مواقيت الصلاة، حتى تكون المساجد مرتبطة بالحياة وحركتها، وحتى يتيسر للمسلم - أينما كان وتحت أي ظرف - أداء الفرائض في المسجد دون عناء أو مشقة. 2 - على الحكومات الإسلامية والمؤسسات الدعوية الاهتمام بإعداد الأئمة، حيث يتوقف الجزء الأكبر من رسالة المسجد على كفاءتهم وقدرتهم على تأدية المهمة المناطة على عواتقهم بصدق وإخلاص. 3 - عدم المغالاة في تشييد المساجد تشييدا يقصد به المباهاة؛ لأن ذلك منهي عنه وهو من عمل أهل الكتاب. 4 - عدم التشدد في ادعاء حفظ المساجد من العبث والتلوث إلى حد المنع مما كان مشروعا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك منع الصبيان من دخول المساجد. 5 - العناية بخطبة الجمعة ومخاطبة الناس بما يعرفونه من الألسن، وترك الجمود والتعصب المذهبي المؤدي إلى تفويت مصالح الدعوة إلى الله. هذا آخر ما سمح به الوقت وتيسر جمعه، نسأل الله عز وجل أن ينفع به المسلمين في مغارب الأرض ومشارقها، ويكتب الأجر والمثوبة لكاتبه ولكل من أعانه ويتوب عنه وعنهم وعن كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة، وينصر دينه، ويخذل أعداءه من الكفرة والملحدين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين واختم اللهم بالصالحات أعمالنا. كان الفراغ من إعداد أصل المحاضرة في 7 ربيع الأول 1414هـ الموافق 7/ 8/ 1993م ومن الزيادات الموعود بها في 7 ربيع الأول 1418هـ الموافق 10/ 7/ 1997م. والله تعالى الموفق.

مبادئ علم أصول الدعوة دراسة تأصيلية

مبادئ علم أصول الدعوة دراسة تأصيلية ¤محمد يسري£بدون¥بدون¨الأولى¢1429هـ€دعوة ودعاة¶دعوة - فقه أحكام وضوابط وتصورات الخاتمة: الحمد لله أولاً وآخراً، والصلاة والسلام على النبي المجتبي، والرسول المصطفى، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: فقد انتهى هذا البحث الموجز إلى جملة نتائج يمكن تحديدها في النقاط التالية: 1 - علم أول الدعوة علم أصيل قام على قواعد وأسس محكمة، تلقاه السلف الأوائل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنهم أخذ من بعدهم، رواية وتلقيناً، ثم تصنيفاً وتدويناً. 2 - تعتبر كتابات الزهد والمواعظ، وأبواب الرقاق في الصحاح والسنن، النواة الأولى لهذا العلم المبارك، وقد برز ابن الجوزي في هذا الميدان ببعض كتبه الوعظية إضافة إلى كتابه (القصاص والمذكرين) الذي تضمن قواعد الدعوة، تأصيلاً وتطبيقاً، ثم تتابعت المصنفات من الأئمة الأعلام. 3 - اشتدت في العصر الحديث الحاجة لاستخراج الأصول العلمية والعملية، والقواعد الشرعية في الدعوة والإصلاح، وتشعبت روافد هذا العلم، وتعددت علاقاته، واتسع نطاقه، فعني أهل الدعوة بتأصيل علمها نظرياً، وإيجاد أشكال جديدة لممارسته عملياً، وأعدت مداخل للعلم، وصنفت كتب في مناهج علماء السلف في الدعوة إلى الله، فاكتملت أركان علم أصول الدعوة بحمد الله. 4 - انتهى البحث إلى تعريف اصطلاحي مقترح لعلم أصول الدعوة وهو: علم بقواعد وأحكام وأسباب وآداب يتوصل بها إلى تبليغ الإسلام للبشر عامة، وتعليم وتربية المستجيبين كافة، وتحقيق التمكين لهذا الدين خاصة. 5 - موضوع علم أصول الدعوة يدور حول بيان الإسلام وأركانه وعقيدته وأخلاقه وتشريعاته، ومعرفة ما يجب في ذلك من القواعد والضوابط والأولويات والمآلات، كما يعالج مشكلات الدعوة، وما يستجد بساحتها من نوازل، وما يستعان به من الوسائل والأساليب لتحقيق أهدافها، والتغلب على معوقاتها. كما لا يغفل الداعي تكويناً وتربية وإعداداً. 6 - تعددت أسماء هذا العلم المبارك، وما ذاك إلا لشرفه وعلو قدره، فربما أطلق عليه (علم الدعوة)، وربما دعي (فقه الدعوة)، أو قيل (مناهج الدعوة) وهي مصطلحات متقاربة في معناها. 7 - ينبني حكم تعلم هذا العلم على حكم ممارسة الدعوة، وهي لا تخرج عن كونها فرض عين، أو فرض كفاية، فيتعين على كل داعية أن يعرف ما يصح به تدينه وما لا يسعه أن يجهله في العقيدة والعبادات والمعاملات، مع إلمام عام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة، ويجب على طائفة من الدعاة الفقهاء أن يطولوا الباع في علوم الاجتهاد؛ ليتمكنوا من القيام بواجب الإفتاء في النوازل والمهمات المستجدة في ساحة الدعوة إلى الله. 8 - فضائل هذا العلم كثيرة فهو سبب لزيادة أجر الدعاة، وعصمة لهم من الاختلاف والافتراق، وسبيل لتحقيق البصيرة بأساليب الدعوة ووسائلها، ومعرفة الواجب باختلاف الظروف والأحوال؛ والدعاة المتفقهون بعلم أصول الدعوة في الطليعة من كل خير ينال الدعاة، فهم أحسن الدعاة قولاً وأصلحهم في المسلمين عملاً. 9 - لعلم أصول الدعوة روافد ومصادر علمية عديدة منها: علم الإيمان وأصوله، وعلم الأخلاق والسلوك، وعلم الفقه وقواعده وأصوله، وعلم السيرة والتاريخ، وتراجم الدعاة وتجاربهم، إضافة إلى العلوم العصرية المنضبطة بضوابط الشرع وقيوده. 10 - علاقة أصول الدعوة بغيره من العلوم علاقة دقيقة، فهو أعم من الفقة والسيرة –مثلاً- من جهة، وأخص من جهة أخرى، فدائرة العالم بالفقه أعم وأوسع من جهة درايته بتخصصه، واتساع فهمه، واشتغاله بعلوم الوسائل والآلات، أما دائرة درايته واشتغاله بتاريخ وواقع الدعوات، وأساليب التأثير والتربية، ووسائل التعبير وفنون الاتصال، ونحو ذلك فهي أخص، فبين علم (أصول الدعوة) والعلوم الشرعية عموم وخصوص وجهي. 11 - ثمرة علم أصول الدعوة إجمالاً هي استفاضة الدعوة والبلاغ، وإقامة سلطان الشريعة، والتحاكم إليها، وإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وجهها الصحيح، وإقامة السنة وقمع البدعة، وعن ذلك يتحقق النصر والتمكين في الدنيا، والفوز بالجنة والنعيم في الأخرى، ومن وراء ذلك كله مرضاة الله تعالى. 12 - مسائل هذا العلم متعددة ومتنوعة؛ فهي تدور حول مبادئ هذا العلم ومقدماته، وأركان الدعوة وأصولها ومنطلقاتها، والداعي إلى الله وصفاته وواجباته، وتاريخ الدعوة ومنهجها، وأنواع الدعوة وأساليبها ووسائلها، وإدارة الدعوة وطرائقها.

مختصر دعوة أهل البدع

مختصر دعوة أهل البدع ¤خالد بن أحمد الزهراني£بدون¥دار ابن الجوزي- الدمام¨الأولى¢1429هـ€دعوة ودعاة¶معاملة المخالف وأهل البدع وبعد: فقد تبين – بفضل الله تعالى ومنه – مما سبق من المباحث فضل الدعوة إلى الله تعالى، وأنها من أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى؛ بل إنها أفضل مقامات العبد، وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام. وتبين كذلك أن الدعوة إلى الله تعالى ليست مقتصرة على غير المسلمين فقط؛ بل إنها تعم كذلك عصاة المسلمين الذين انحرفوا عن الصراط المستقيم، ويدخل فيهم من باب الأولى المخالفون لأهل السنة والجماعة الذين انحرفوا عن المنهج الحق؛ منهج أهل السنة والجماعة .. وتبين كذلك خطر البدعة وتأثيرها على المسلمين، وأنها أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها، بمعنى أن صاحبها يعتقد أنه على دين صحيح؛ فكيف إذاً يتوب منه؟! وتبين كذلك أن توبة المخالفين مقبولة إن أخلصوا فيها لله رب العالمين، فإنه لا يحول بينهم وبين التوبة أحد، والله تعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب إليه وأناب. ومن كل ذلك تتبين أهمية دعوة المخالفين حتى يرجعوا إلى جادة الصواب، إلى منهج أهل السنة والجماعة، المنهج الحق الذي أمر باتباعه جميع المسلمين، ذلك أن أهل السنة هم أرحم الناس بالناس، ومن رحمتهم بالمخالفين أن يدعوهم حتى يتمسكوا بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لعلهم أن ينجوا بين يدي الله عز وجل ويكونوا من الفائزين بجنات النعيم. فعلى الداعية إلى الله تعالى أن يجعل هذا الأمر – وهو دعوة المخالفين لأهل السنة والجماعة – من جملة اهتماماته، وأن يسخر لسانه وقلمه وجهده وكل ما يستطيع في دعوة من يستطيع دعوته منهم، بالأسلوب الحسن، والحكمة النافعة، وأن لا يألوا جهداً في استخدام شتى الوسائل في دعوتهم – التي ذكرت في البحث والتي لم تذكر – وأن يكون على بصيرة مما يدعو إليه، حتى تكون دعوته ناجحة بإذن الله تعالى. وعليه أن يكون قريباً من أهل العلم؛ يستنير بعلومهم، ويسترشد بكلامهم، ويسألهم عما يشكل عليه في دعوته للمخالفين، ويستشيرهم فيما يواجهه من مشكلات وعقبات، وقد ذكرت في هذا البحث بعض فتاويهم وتوجيهاتهم في دعوة المخالفين ونصحهم وإرشادهم والتعامل معهم.

ملامح الشورى في الدعوة الإسلامية

ملامح الشورى في الدعوة الإسلامية ¤عدنان النحوي£بدون¥دار الإصلاح - الدمام¨بدون¢بدون€دعوة ودعاة¶شورى وديمقراطية الخلاصة في ختام هذا البحث نحب أن نورد موجزاً وملخصاً يجمع أهم القضايا، في نقاط محددة، تهدف للتثبيت والتذكرة. 1ـ إن فهمنا للشورى وتصورنا لها، وسياغتها وممارستها يجب أن تنبع كلها من منهاج الله قرآناً وسنة، ومن فهم الواقع الذي نعيشه فهماً نابعاً عن منهاج الله. يعنينا في ذلك سيرة الرسول e ومماسة الخلفاء الراشدين والصحابة رضي الله عنهم أجمعين. على أن تكون العودة إلى منهاج الله عودة متكاملة متناسقة، لا تتجزأ إلى آيات من هنا وهناك، أو أجزاء من آية أو حديث أو صورة مجزوءة لممارسة وتطبيق. 2ـ إن الشورى المؤمنة أساس في طبيعة هذا الدين، في طبيعة الإيمان، وطبيعة الممارسة الإيمانية في شتى الميادين والظروف والمستويات، إنها حاجة الفرد المؤمن، والأسرة المؤمنة، والجماعة المؤمنة والأمة المؤمنة. إنها لا تقتصر على ميدان الحكم والدولة، وإن كان هذا ميداناً من أوسع ميادينها، ولكنها تمتد امتداد الحياة والممارسة والتطبيق. 3ـ إن الشورى المؤمنة، كما يفصلها منهاج الله، لها خصائصها، الإيمانية المميزة لها، والتي تحدد أهدافها، ونهجها وأسلوبها، ووسائلها في تفصيل رباني معجز، صالح لكل زمان ولكل جيل، ولكل واقع. 4ـ إن هدف الشورى المؤمنة هو: تحري الحق والخير والتقوى في الممارسة الإيمانية، أو تحري ما هو أقرب إلى ذلك وأدنى، من خلال جهد بشري، له خصائصه الإيمانية والعلمية والتطبيقية في هذا المجال أو ذاك. إنّ اتباع الحق أو ما هو أقرب إليه واجب المؤمن لا مجال للتفلت منه. وتحري الحق أو ما هو أقرب للتقوى والأمانة والعدالة، يحتاج إلى رد الأمور كلها إلى منهاج الله رداً أميناً، رداً يقوم على الإيمان والعلم والقدرة والاختصاص. وهذا الرد يحتاج إلى علم منهاج الله وعلم بالواقع والقضية وخبرة في الممارسة والتطبيق. ومن خلال هذاالرد إلى منهاج الله ينشأ الدليل الذي يدعم رأياً أو عدة آراء. فكل موقف أو رأي لا يتفق مع منهاج الله فهو رأي مستبعد مرفوض مهما حمل من زخارف الرايات والشعارات. والقول بالبيّنة والدليل لا يعني بالضرورة وجود النص المطابق لهذه الحادثة أو تلك، ولكنه يعني وجود النص الذي يرتبط بهذه الحادثة أو تلك ارتباطاً يعين على سلامة الممارسة، وأمانة الاستنتاج، وصدق الرؤية. وقصة معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه رسو ل الله e إلىاليمن فسأله رسول الله e فأجاب معاذ رضي الله عنه بأنه يحكم بالكتاب فإن لم يجد فبالسنة فإن لم يجد يجتهد برأيه ولا يألو. فهذا الاجتهاد واضح أنه يقوم على القرآن والسنة وفهم الواقع والقضية فتحري الحق أو ما هو أقرب إليه يدور كله حول وجود هذا الميزان الثابت العادل الذي يتسع لكل قضايا الإنسان والعصور والأجيال. إنه هذا الجهد البشري في هذه الممارسة يمثل صورة من صور الابتلاء الذي يمتحن الإيمان ويمحص القلوب، ويختبر العلم والقدرات. 5ـ من خلال هذه الممارسة في الشورى، وهذا الابتلاء والتمحيص قد تنشأ عدة آراء مؤمنة صادقة لا رأي واحد. وذلك نتيجة للتفاوت في المواهب والقدرات، والاختلاف في الفهم والتقدير. إنها طبيعة الاختلاف القائمة في سنة الحياة، وممارسة الإنسان. إنه أمر طبيعي.

فإذا اتضح الدليل الأقوى والحجة الأبين في رؤية الحقيقة والعدالة فإنه واجب الاتباع يمضيه المسئول سواء كانت معه الأكثرية أو الأقلية، وما دام هذا الأمر في نطاق مسئوليته وأمانته. ونطاق المسئولية والأمانة محددة في إطارها العام في منهاج الله. ولكن الصياغة التنفيذية تحدد تفاصيل هذه المسئولية والأمانة لكل مستوى من المستويات. وتظل هذه السياغة جهداً بشرياً قابلاً للنمو والنضج مع مداومة الممارسة واستمرار الجهد ولا يمضي المسئول رأياً دارت حوله الشورى إذا لم يحمل معه الحجة والبيّنة وإذا لم يتم رده إلى منهاج الله رداً يستوعب الشروط الإيمانيةكلها. ولكم كان الخلفاء الراشدون يلجأون إلى الله سبحانه وتعالى دعاءً وابتهالاً، وصلاةً واستخارةً، وكم كانوا يجهدون فكراً وتدبراً، ودراسة وتمحيصاً حتى يتلمسوا وجه الحق هنا أو هناك والله سبحانه وتعالى يهدي عباده المؤمنين وهم يجهدون ويجاهدون، ويدرسون ويتدبرون، ويدعون ويبتهلون، ويعبدون ويستخيرون. 6ـ إن الشورى المؤمنة، وهي تمتد في حياة الأمة المؤمنة، تصبح مدرسة تصقل المواهب، وتنمي الزاد، موهبة الإيمان وزاد التقوى. إن الشورى في ممارستها الحقيقية مدرسة عظيمة في حياة الفرد وحياة الأمة. 7ـ ومن ناحية أخرى فإن الشورى المؤمنة تحتاج إلى رعاية وتدريب، ومراقبة وتوجيه، أثناء الممارسة الإيمانية وبذلك تكون هي مصدر تدريب وإعداد من ناحية، وتحتاج إلى تدريب وإعداد من ناحية أخرى. إن كثيراً من قواعد الإيمان تحتاج إلى هذه الرعاية من مدرسة الإسلام حتى تصدق النفوس عليها. 8ـ عند ممارسة الشورى في أي مستوى، أو أي مجال، فإننا لا نمارس قاعدة إيمانية واحدة ولكننا نمارس الإيمان بقواعده المترابطة المتناسقة. إننا نمارس صدق الأخوة، وخالص النصح، وطيب الكلمة، والابتعاد عن الغرور والكبر والغلو والتفريط، ونمارس السمع والطاعة، ونمارس قواعد كثيرة أخرى يستدعيها الموقف المعين من كظم للغيظ أحياناً، ومن سماحة ولين، أو قوة وشدة، أو رحمة ورأفة، أو أمر بمعروف ونهي عن منكر ... وهكذا فإن ممارسة الشورى هي ممارسة واسعة للإيمان. ولذلك تحتاج إلى إعداد وتدريب، ومراقبة وتوجيه، حتى تجمع ممارسة الشورى هذه القواعد الإيمانية الممتدة في موازنة أمينة، ونهج نظيف، ووضوح مشرق. إنها تكون بذلك قاعدة من قواعد مدرسة الإسلام، وجامعة القرآن، وساحة الإيمان. 9ـ تمتد ساحة الشورى حتى تشمل الأمة المؤمنة أو معظمها، وتضيق حتى تشمل أفراداً. ويحدد ذلك عدة أمور أهمها: الواقع البشري، القضية المطروحة، ظروف الأمة المؤمنة وحالاتها الطارئة، الطاقة البشرية المتخصصة والمؤسسسات الإيمانية المتخصصة، والتنظيم الإداري، ومستويات المسئولية والأمانة، كل ذلك من خلال منهاج الله وعلى أساس هديه ونوره، والطاقة الإيمانية العاملة في الأمة. ولكن الشورى لا تسقط عن الأمة المؤمنة أبداً مهما ضاقت بها الظروف أو اشتدت بها المحن. ومن هنا تكون مسئولية الجهد البشري المؤمن أن يتجاوب مع كل ظروفه ليلبي داعي الشورى المؤمنة وفقاً لقواعد منهاج الله فلا تتعطل أبداً، ولا تتعطل المواهب. 10ـ الشورى جهد ودراسة ومعاناة. إنها أمانة. إنها من أخطر صور الأمانة. إنها لا تخرج نتيجة استرخاء وراحة، وإمعة ولا مبالاة. إنها مسئولية في الدنيا والآخرة. إنها توجب أن لا يخرج الرأي إلا مستكملاً لعناصرة الإيمانية، حتى لا تتحول إلى فتنة وفساد، وفرقة وشقاق. 11ـ للشورى أهلها ورجالها يتميزون بخصائص إيمانية توّفي الجهد والمسئولية والأمانة. وهذا يستدعي في المجتمع المؤمن أن يعرف المؤمن حدوده فلا هو يتجاوزها بطغيانه وكبره، ولا هو يقصر عنها بلهوه واسترخائه.

12ـ إن ممارسة الشورى في أي مرحلة أو عصر أو مستوى تحتاج إلىصياغة تنفيذية تحقق من خلال ممارستها أهداف الشورى ووسائلها، وأساليبها، ومنطلقها، وتظل هذه الصياغة التنفيذية نامية قوية، في أمة نامية قوية، تنمو وتنبغ كما تنمو الأمة وتنبغ، وتقوى وتسود كما تقوى الأمة وتسود. وتمضي في نموها، ونبوغها وقوتها، وسيادتها، تحافظ على جميع خصائص الإيمان، وأسس الشورى الإيمانية، وقواعد الممارسة الإيماينة، سواء في الصياغة أو الممارسة. 13ـ حين نقول: إن الشورى الإيمانية تقوم أولاً وقبل كل شيء على قواعد المنهاج الرباني، فإن المنهاج الرباني يمثل النهج العام والتخطيط الكامل، لكل عصر، أو قوم، أو جيل ومع هذا النهج العام والتخطيط الكامل يجب أن يكون للدعوة والأمة نهجاً مرحلياً وتخطيطاً واقعياً، وينبع من النهج العام والتخطيط العام، ينبع من منهاج الله ويناسب الواقع الذي تعيشه الدعوة أو الأمة. وهذا النهج المرحلي يجب أن يكون لكل ميدان، وكل ساحة، وكل اختصاص، وكل ممارسة، وكل وجه من أوجه النشاط. ولقد رأينا ذلك في سيرة الرسول e والخلفاء الراشدين. وهذا النهج المرحلي بخصائصه الإيمانية يكون قاعدة من قواعد الشورى المؤمنة، وضرورة من ضروراتها. 14ـ إن الاختصاص العلمي ضروري وواجب في حياة الأمة الإسلامية أو الدعوة الإسلامية. ويجب أن يمتد التخصص العلمي إلى جميع آفاق النشاط البشري من اقتصاد، واجتماع، وسياسة، وشئون عسكرية، وطب، وهندسة، وجيولوجيا, وعلوم الفضاء، إلىكل فرع، وكل اتجاه. إن هذا التخصص العلمي الممتد، القائم على أساس العلم بمنهاج الله، والعلم بالواقع، يجب أن ينتظم في حياة الأمة في مؤسسات تقوم على ممارسة الشورى وممارسة النهج والتخطيط، وممارسة نمو الجهد البشري الذي يرعاه الإيمان ويغذيه منهاج الله. 15ـ وبذلك لا تصبح الآراء في ميدان الشورى، آراء ارتجال، أو جهل أو ظن، أو هوى. إنها آراء تنطلق من جهد ومعاناة، وبحث ودراسة، وعلم وخبرة يقوم كله علىالإيمان ويحوطه منهاج الله. 16ـ وكذلك تصبح الشورى تضم صلاحيات ومسئوليات، حقوقاً وواجبات، حدوداً وميادين، تضم هذا كله بصورة متوازنة لأنها كلها مرتبطة بميزان ثابت، غير متفلتة من منهاج الله، محتفظة بكل خصائص الممارسة الإيمانية. يعرف كل فرد في الأمة أو الدعوة وسعه، وطاقته، وحدوده واختصاصه، ومنزلته ومكانه. وهو يعرف كذلك منازل الآخرين ومكانهم، وحدودهم واختصاصهم، ووسعهم وطاقتهم. وبذلك تتم الممارسة الإيمانية على موازنة عادلة أمينة، بقدر ما تحمل معها من عدالة الإيمان, وأمانة العلم، وصدق التجربة. والأمة التي لا يعرف أفرادها حدودهم ولا حدود غيرهم، والأمة التي لا يتدرب أبناؤها علىمعرفة منازلهم ومنازل غيرهم، الأمة التي تفقد هذه الخصائص، أولى بها أن تضيع مواهبها، وتموت كفاءاتها، وتتمزق قدراتها، في أجواء: الكبر والغرور، التحاسد والتناجش، التباغض والعداء، الظن والافتراء، الكذب والاعتداء، التناحر والتطاحن، الفتنة بعد الفتنة، الظلام بعد الظلام، يصنعونه بأنفسهم، ويُغذيه الشيطان… حتى تهدر الطاقات في حمى صراع مجنون، أو تيه ضياع وفتون. 17ـ إن للشورى أهلها ورجالها الذين يتميزون بخصائص إيمانية حقيقية لا تقوم على أي أساس جاهلي، إقليمي، عائلي، قومي… ولا على أساس هوى ومصالح، ولا على أساس ظنون وتخمين. إن خصائص أهل الشورى الإيمانية يجب أن تكون قوية بارزة، ظاهرة معلومة، حتى تستطيع بخصائصها الذاتية أولاً أن تطرد كل أساس جاهلي أو هوى ومصالح، أوظن وتخمين. والخصائص الإيمانية لأهل الرأي والمشورة تدور كلها حول ثلاث قضايا أساسية:

• الإيمان على ظواهره البيّنة المعلومة للناس، إيماناً يمثل ممارسة وجهداً وبذلاً. • العلم بمنهاج الله، والوعي بالواقع الذي يجري، علماً يبرز من خلال الممارسة والتطبيق. • الموهبة الذاتية والوسع والطاقة. موهبة صقلتها التجربة حتى برزت، ووسعاً تزود بالممارسة والتقوى والعلم حتى اتضح وبان. وأي ميزة أخرى فإنها يجب أن تنبع من هذه الميزات. 18ـ ومع ذلك فإن أهل الرأي قد يمتدون حتى يشملون الأمة كلها، في أمر جامع… وقد يضيق أهل الرأي حتى يكونوا رجلاً أو رجلين، أوعدة رجال… ولقد رأينا كيف كان الرسول e يستشير أبا بكر، أو عمر، أو كليهما، وحيناً يستشير السعدين، وحيناً يحصر الشورى بالمهاجرين، وحيناً بالأنصار، وحيناً آخر بالأمة كلها في أمر جامع. واليوم تحدد هذه الصورة على ضوء الصياغة الإيمانية النابعة من منهاج الله، والملبية لحاجات الواقع البشري المتجدد. وأهم ما يبرز في عصرنا الحالي مما يناسب هذا الموضوع هو قيام المؤسسات الإيمانية المتخصصة، التي تستطيق أن توفر الجهد والبذل والمعاناة، لتقدم الرأي الناضح المدروس مستكملاً لشروطه الإيمانية. 19ـ وكذلك فإن "الرأي العام" عنصر من عناصر التأثير في أجواء القرن العشرين بما يحمل من طاقات الدعاية والإعلام. وهو عنصر يؤثر في أجواء الشورى، وأجواء الشورى تؤثر فيه. فلا بد للأمة المؤمنة أن يكون لها رأياً عاماً مؤمناً، يتمتع بخصائص الأيمان، حتى تنهار كل جهود المنافقين، والمرائين، والأعداء والمفترين، والمفسدين. تنهار كل جهودهم أمام حصون الرأي العام المؤمن الذي له عقيدته وإيمانه، وله ميزانه، وله حدوده وله روابطه ووشائجه، وله شيوخه ووجوهه، كل ذلك علىأساس إيماني، رباني، قرآني. إنه "رأي عام" لا يبنى بلحظة، ولكن تبنيه الممارسة الإيمانية الشاملة، الممارسة الإيمانية الجامعة، زمناً غير يسير، يحمل التجربة الصادقة التي تتجمع بعد تمحيصها وردها إلى منهاج الله، لتصبح زاداً للعالمين، وسلاحاً للمجاهدين. فلا تضيع تجربة، ولا تطوى خبرة، لا تضيع ولا تطوى في أجواء الضياع والحيرة والظنون والشكوك، والقيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال. 20ـ إن أي صياغة إيمانية للشورى يجب أن تواكب الدعوة مع بدايتها وأن تستوفي منذ اللحظة الأولى جميع الخصائص الإيمانية، بقدر ما تحتاجه تلك المرحلة أو اللحظة. ثم تمضي الممارسة الأيماينة لتنمو وتمتد من خلال الجهد البشري النامي في ظلال الإيمان، وعلى أسس المنهاج الرباني. تنمو الممارسة الإيمانية وتنمو كل ميادينها، وتنمو الصياغة الإيمانية للشورى أيضاً، نمواً يلبي كل حاجات الواقع المؤمن، وأجواء الإيمان. 21ـ إن الصياغة الإيمانية للشورى، يجب أن توفر خصائص الشورى الإيمانية من جميع جوانبها، وأن تستكمل قواعد الشورى الإيمانية، على نسق إيماني، ونهج إيماني، وأهداف إيمانية. إن الصياغة يجب أن توضح المنطلق، والنهج والسبيل، والهدف والغاية، توضيحاً يحمل الاطمئنان إلى صدق ذلك كله، وإلى التزامه الإيماني البين، وإلى صدوره عن منهاج الله قرآناً وسنة. إن الصياغة يجب أن لا تدع مجالاً لريب، أو فرجة لشك، أو احتمالاً لزيغ، بالنسبة إلىالالتزام الإيماني. 22ـ لقد عرضت سورة الشورى معظم الخصائص الإيمانية للشورى، عرضاً مستوفياً للمرحلة التي كانت تمر بها الدعوة في مكة المكرمة، حين لم تكن هنالك دولة الإسلام، ولم يكن قد نهض له سلطان. وهذا العرض في تلك المرحلة يوحي لنا بأهمية الشورى، وعظمة منزلتها، في الدعوة الإسلامية في الإيمان نفسه، في السلوك والنهج، في التربية والإعداد، في حياة الفرد أو الجماعة والأمة.

منهج ابن تيمية في الدعوة

منهج ابن تيمية في الدعوة ¤عبدالله بن رشيد الحوشاني£بدون¥دار إشبيليا¨الأولى¢1417هـ€دعوة ودعاة¶ابن تيمية - ترجمة كاملة أو دراسة منهجية الخاتمة الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، وأشكره على أن وفقني على إتمام هذا الجهد العلمي المبارك إن شاء الله، والذي أتاح لي أن أعيش في سويداء المكتبة التيمية لمدة خمس سنوات، وقد تمكنت من قراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية بعضها قراءة دقيقة، وبعضها قراءة استطلاع ونظر. وكنت حريصاً على تدوين كل ما أجده يخدم الدعوة في أي جانب من جوانبها حتى ولو لم يكن داخلاً في موضوع الرسالة، فتكّون لدي والحمد لله ثروة نصية من مؤلفات ابن تيمية في عدد من المواضيع سوف أعمل جهدي على أن تكون بين يدي القارئ إن شاء الله تعالى. وكان من أعظم ثمرات هذا الوقت في المكتبة التيمية أنني خرجت بتصور كبير ينشرح له الصدر عن منهج السلف في الدعوة إلى الله تعالى وما يلزم للداعية في الجوانب العلمية والعملية. وهذه الرسالة التي بين يديك تكشف لك هذا المنهج بجوانبه النظرية والعملية. وأرى من المناسب أن أضع بين يديك بعض ثمرات هذه الرسالة: أولاً: الباب الأول: فيه كثير من جوانب المنهج النظري العلمي للدعوة إلى الله تعالى عند ابن تيمية ومما جاء فيه: 1ـ التأكيد على اللغة العربية وأنها مهمة بين المسلمين لفهم الكتاب والسنة، وتبين لنا أن من أبرز أسباب الاختلاف بين علماء المسلمين وطوائفهم غير المشبوهة هو عدم فهم لغة القرآن ولغة الرسول e ولغة الصحابة رضوان الله عليهم، وقد رسم منهجاً للاستدلال وفهم الأدلة. 2ـ الاستدلال يكون بالأدلة النقلية والعقلية والدليل العقلي هو دليل شرعي والذي يقابل الدليل الشرعي هو الدليل البدعي. 3ـ فهم الأدلة يكون وفق لغة من صدر منه الدليل. ونستطيع تحديد لغته بالرجوع إلى اللفظ في كل موطن ذكره وننظر لأي شيء كان يستعمله، ونحدد دلالته في لغة المتكلم به، فإذا ورد هذا اللفظ من قوله علمنا مراده به. 4ـ ويكون فهم لفظ المتكلم في عصره الذي عاش فيه لأن الألفاظ والمصطلحات قد أضيف إليها معاني لم تكن عند السلف، أو تبدلت معانيها عما كان عليه السلف، فلما جاء الخلف لتقرير الحقائق العقدية وغيرها فهموا المصطلحات على ضوء ما عندهم من المعاني، ظانين أن السلف كانوا يستعملون المصطلح لهذا المعنى، وهذا سبب أن كل من ضل عن منهج السلف كان يظن أنه على منهجهم لأنهم استعملوا نفس مصطلحاتهم. 5ـ ونتج لنا أهمية العناية بالمصطلحات والألفاظ وتحديد معانيها، لأنه استطاع أقوام أن يدلسوا على المسلمين باستعمال ألفاظ إسلامية لمعاني فلسفية، وكثيراً ما كانوا يستعملون الألفاظ والمصطلحات الإسلامية ذات المعاني المشتركة والدلالة المجملة. فإذا كانوا عند من لا يدرك المعاني الإسلامية ويمكن أن يقبل منهم أظهروا له ما يريدون من المعاني المخالفة لما تدل عليه هذه المصطلحات عند المسلمين. 6ـ وتقرر أنه لا يحل نزاع الأمة إلا كتاب منزل يحتكم الجميع إليه لأنه هو المهيمن، والعقول لا يمكن أن تفصل النزاع لأنَّ لكلِّ عقلاً، وليس هناك عقل معصوم من عقول سائر الناس يمكن اللجوء إليه لِفَضّ الخلاف. فلا بد للدعاة إذا أرادوا أن ينهوا نزاع الأمة ونزاع جماعتها أن يكون ميزانهم الكتاب والسنة. 7ـ ومن المميزات البارزة في هذه الدعوة: الشمول لأنواع العلوم والمعارف، ولجوانب الفكر كلها، وكذلك الشمول لأنواع المدعوين من المسلمين وغير المسلمين، حاكمين، ومحكومين، فجاءت دعوته تجربة رائدة ذات خبرات ميدانية واسعة، مما جلعها عظيمة النفع للدعوات الإصلاحية.

وهذا الشمول جعلنا نجد له نظريات وآراء في أغلب ميادين الحياة. فصار ليس غريباً أن تجد كل حركة إصلاحية ما تبغيه من ابن تيمية فتقبس منه قبسة أو قبسات تسترشد بها في مسيرتها. 8ـ التميز وحسم القضايا والوضوح في الأهداف والمقاصد. وإعلان موقفه من كل المخالفات التي في المجتمع الإسلامي، أو في الدولة سواء في مصر، أو الشام. ومعالجة تلك الأدواء بعد أن تتبع أسباب حدوثها، كل هذا وغيره جعل دعوته تسلم من الغموض والتذبذب، ومن ثم صارت أمام الناس في عصره وبعده إلى يومنا هذا واضحة المعالم مضيئة الأركان والجوانب، من كان له قلب سليم قبِلها، ومن له قلب مشرب بالبدع والأهواء أو النفاق خاصمها ونابذها العداء. 9ـ المرأة جزء من هذا المجتمع الذي يلزم دعوته والعناية به، بل إصلاحها له أهيمة قصوى في إصلاح المجتمع، فتحصّل في هذه الرسالة قواعد منهجية، ونظريات واقعية، ودراسات نفسية للمرأة، ينتظم من خلالها إرساء خطة عملية قويمة لإصلاح المرأة، وأعظم بداية لهذا الإصلاح أن يكون منذ الصغر في فترة القوة التقليدية غير المستبصرة. وأكّد على أن إصلاح المرأة لا يتم بمعزل عن إصلاح الرجل، بل إن عمليتي الإصلاح تسيران معاً نظراً لوجود الارتباط العاطفي والقلبي، والاجتماعي بين هاتين الفئتين المكملتين لبعض. 10ـ قدم دراسة عظيمة القدر عن الأسباب والمسببات، مما يعطي أهمية كبيرة لمعرفة الداعية للمؤثرات وما ينتج عنها، فيكون لديه البصيرة في وقاية الأمة ومجتمعاتها من الأدواء والفتن، ويجنبها مخاطر الانزلاقات المفسدة، والمهلكة. 11ـ مما أبرز دعوة ابن تيمية وجعلها قوية التأثير تلك النظرة الواقعية للإنسان والمجتمع والحياة كلها، يضاف إلى هذا سعة الأفق في التعامل مع النصوص الشرعية وربطها بالواقع، والحرص على جلب المصالح ودرء المفاسد، ووضع منهجاً يتم به التعامل مع هذا الإنسان لإصلاحه فجاء هذا المنهج مؤسساً على وعي، ومعرفة واسعة بطبيعة النفس البشرية وما يكتنفها ويؤثر في تصرفاتها من داخلها وخارجها. 12ـ ابن تيمية من العلماء القلائل الذين اهتموا بمسألة الفروق الفردية بين الناس، فكان رحمه الله مدركاً لها، وقد أسس تعامله مع الناس على ضوء اعتبار هذه الفروق الفردية وهذا منهج من مناهج السلف رحمهم الله تولاه ابن تيمية بالدراسة، والإيضاح، وأبرزه إلى واقع الدعوة بسلوك عملي. 13ـ نظراً لمعرفة ابن تيمية بالطبيعة البشرية، وإدراكه للفروق الفردية، وتوزع القدرات بين الناس، فإنه خرج بنظرية دعا إليها الدعاة والعلماء وعموم الأمة وهي: تقسيط الدعوة بين أفراد الأمة. فكل فرد أو جماعة من الأمة يحمل من واجب الدعوة حملاً على حسب قدراته، وإمكاناته، وما أودعه الله فيه من مواهب، ويصبح ما التزمه مما يحسنه في جانب الدعوة في حقه ألزم وأوجب، ولا بد أن يكون كل من حمل واجباً من الواجبات مقدراً أن هذا ليس هو كل الواجب فيشعر بحاجته إلى إخوانه الآخرين، وبهذا تتكامل الأمة، ومن مجموع هذه الواجبات المقسّطة بين هؤلاء يتكون مجموع متكامل للدعوة. 14ـ قرر الاهتمام بالبدائل لأن النفوس إذا منعت من شيء لا تبقى فارغة لأنها خلقت لتعمل لا لتترك، فإذا لم يُقدم لها البديل النافع فإنها قد تشتغل بضده، وقد تعمل بأسوأ مما منعت منه. 15ـ قدم نظرية للدعاة عندما يريدون مخاطبة المدعوين، فعليهم أن يراعوا أصول الحسنات وأصول السيئات، فعند الأمر بفعل الحسنات يأمر بالأصول التي فعل واحد منها يترتب عليه فعل كثير من الفروع، وأثناء ذلك يقدمونها بالتدريج فلا يهجموا على قلبه بالتكاليف، والأوامر، والمطالب.

16ـ المدعو يعيش في ظرف مكاني، وظرف زماني، وهذان الظرفان يختلفان بما يحيطهما ويوجد فيهما. والداعية لا بد أن يكون على علم بالمكان الذي يدعو فيه، ويقدر الزمان الذي يعيش فيه، فلكل زمان دولة ورجال، ولكل ماكان إمكاناته وأحواله. وبناءً على هذا فإن ما يصلح في مكان، قد لا يصلح في آخر، وما يناسب في زمان قد لا يناسب زماناً آخر. وهذا يحتم النظرة الواقعية التي يتم بها مراعاة ظروف الزمان والمكان، حتى تسير الدعوة سيراً سليماً يتم به تحقيق المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها. ثانياً: الباب الثاني: أوضحت الرسالة منهج ابن تيمية في الدعوة إلى العقيدة والعبادة، وأنه ركز في دعوته على الأصول ومن أبرزها العقيدة، والعبادة، والأخلاق. وكان هناك العديد من المبررات لقوة توجه ابن تيمية في دعوته إلى هذه الأصول، حيث تأثيرها في تفكير الإنسان، وتصرفاته، ورفضه، وقبوله، وسلوكياته مع الآخرين، فالمحافظة عليها في نسق علمي وعملي سليم يؤدي إلى انضباط متكامل في حياة الفرد والجماعة. كما أن هذه الأصول بينها ترابط في التأثر والتأثير في بعضها البعض، فإصلاح أحدها يشكل إصلاحاً كلياً أو جزئياً للآخر. واستطاع ابن تيمية أن يبرز قواعد منهجية منبثقة من نصوص الكتاب والسنة في شبكة العلاقات بين الدعاة المصلحين وبين فئات الأمة المسلمة وبين أهل الذمة المقيمين في كنف الدولة الإسلامية، وقدم في ذلك منهجاً نظرياً، وتطبيقاً عملياً لهذا المنهج من خلال مسيرته الدعوية. وهذا كله مبثوث ومفرق في العديد من كتبه، وقد عملت هذه الرسالة على تجميع هذا الشتات وتقديمه بطريقة تخدم القارئ وتختصر المسافات الزمنية التي يحتاجها للجولة على تلك الكتب. ومما تناولته هذه الرسالة في مجال منهج التعامل الأخلاقي: أـ مع العلماء والشيوخ. ب ـ مع العامة. ج ـ مع ولاة أمور المسلمين. د ـ مع أصحاب البدع والمنكرات. هـ ـ مع غير المسلمين. وقد سبق ذلك مقدمة هي عبارة عن قواعد ونظريات منهجية، الأخذ بها يكلل الجهود بالنجاح في أقل فترة زمنية، إضافة إلى أنها تكشف للمصلح عن معان دقيقة في تركيبة النفوس البشرية، وتلقي الأضواء عليها لتكشف عن أبوابها ونوافذها للدخول إليها منها. ومن القضايا المنهجية التي أبرزتها هذه الرسالة قواعد ونظريات التعامل مع علماء الأمة الذين هم أصحاب القدرة العلمية وهم من خلفاء الرسول e وهم من ولاة أمر المسلمين، وهم المكونون لاتجاه الأمة العقدي، والفكري، والمؤثرون عليه. فمنزلتهم ومكانتهم في الأمة ومصيرها ذات شأن كبير، فلا بد أن يكون للدعوة منهج للتعامل معهم بما يليق بهذه المكانة، ويحقق المنافع للمسلمين، ويبعد المضار. وجاء هذا المنهج الذي حدده ابن تيمية معتمداً على معرفته بالمسارب النفسية مع اعتبار عدد من المؤثرات الداخلية في كل منهم، والخارجية في المجتمع، وحساب دقيق لكل هذه المؤثرات، يضاف إلى هذا رصيد التجربة الميدانية التي عمقت لديه بعض النظريات كما كشفت له حقائق لم تكن مسلمة لديه من ذي قبل. وكل هذه الجوانب جعلت منهج ابن تيمية في التعامل مع العلماء فريداً يتسم بالإيجابية، والمرونة، والصراحة، والوضوح، ويكلل ذلك العدل، والإنصاف، وإعطاء كل ذي حق حقه. وتناول الحكام أو الولاة بشكل عام بالدراسة فقدم نظريات نادرة تستند على علم بطبائعهم، وأحوالهم النفسية، والدوافع وبواعثها. كما أنه ذكر المواقف التي تصدر منهم وضدهم وقدم آراء فيها، واضعاً تحت المجهر بدايات هذه الأمور وما تؤول إليه. وبعد ذلك قدم منهجاً للتعامل مع هذه الفئات من أجل تحقيق الخير لهم وللمسلمين، ومن أجل تحقيق المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها.

وقدم آراءه في الموقف الأسلم فيما يصدر من هذه الفئات من المخالفات والتجاوزات علىأحكام الشريعة، وأبدى تجارب الدعاة السابقين من أهل الغيرة على الدين من الذين أدت بهم غيرتهم إلى الصدام مع السلطة، وأنها لم تحقق النتائج التي أرادوها، فزاد الظلم وقتل كثير من الأخيار. وكان ابن تيمية يركز على الطلاب النابهين الذين يرى عليهم مخايل النبوغ والجد والعزيمة والإرادة، فكان يحرص على هؤلاء ويلازمهم ملازمة يتأكد بها أنه أعطاهم ما يعصمهم من الانفلات عن منهج السلف، ونظراً لمعرفته التامة بأن الفروق الفردية أمر واقع بين الناس، وأنه يلزم مراعاته في منهج الدعوة أثناء التنظير والتنفيذ، فإنه قسم تلاميذه إلى قسمين: الأول: تلاميذ عامون: وهؤلاء الذي يحضرون دروسه العامة. الثاني: تلاميذ خاصون: وهؤلاء يحضرون الدروس العامة وكان يخصهم بدروس خاصة في منزله يقول فيها ما لا يقوله عند من لا يثق بقدرتهم على الفهم من عموم التلاميذ. ويطالب هؤلاء ما لا يطالب به الصنف الأول. والتلاميذ الخاصون هم الذين حملوا أفكاره وآراءه العلمية والعملية ونشروها في تلاميذهم وفي العديد من البلدان التي عاشوا فيها. وعامة المسلمين لا يستجيبون إلا لمن أثر فيهم بسلوكه وأقواله في فعله، وفعله في قوله، وإذا كان فيهم فهو أب شفيق، وأخ رفيق، وصديق حميم، إذا جاءت الضراء فإذا هو في مقدمتهم يكافح وينافح، وإذا جاءت السراء فإذا هو أخرهم يؤثرهم بها، ويترفع عنها. دوماً معهم صاحب يد عليا تعطي ولا تأخذ. وإذا أراد نقلهم من سلوكهم المألوف وطبعهم المعروف، تحيّن الوقت المناسب وقدم لهم ما يحبون من أجل أن يصل إلىما لا يحبون، ومزج لهم مع المرة الحلوة حتى تذهب مرارتها، يراعي فيهم ما كوَّنهم الله عليه من الفروق الفردية، والقدرات العقلية والبدنية فيعطي كلاً ما يناسبه. ويراعي عدم إعطائهم ما لا تقدر عليه عقولهم من الحق حتى لا يكون لهم فتنة فيكذبوا الله ورسوله. وأصحاب البدع والمنكرات في نظره مرضى مستحقون للعلاج، ويلزم السير معهم في مسالك متعددة لإشعارهم أنهم مرضى، وأنهم محتاجون للعلاج، وهو يختلف من شخص إلىشخص، فما يصلح لهذا قد لا يصلح لذاك، ويجب النظر في المصالح والمفاسد ومراعاة الظروف والواقع الذي يكتنف الداعية والمدعو، فإذا كان الهجر للمتبدع وصاحب المنكر من أنواع العلاج الشرعي فإن فعله لا بد فيه من النظر إلى قدرة الداعية على تحقيقه من دون أضرار تزيد على المصالح، وكذلك النظر إلى المهجور ومدى انتفاعه بهذا العلاج، فإن كان شره يزيد بالهجر فما أصبح علاجاً فيلزم تركه. وغير المسلمين من أهل الذمة في داخل الدولة الإسلامية، أو الذين لا ذمة لهم، هؤلاء من أمة الدعوة الذين يلزم إيصالها إليهم بطرق يزيل ما لديهم من شبهات، كمناظرتهم، ومجادلتهم حتى يتبين لهم أن الإسلام هو الحق. وقد وضع ابن تيمية لدعوة غير المسلمين منهجين: الأول: منهج يُدعى به من كان من أهل الكتاب. الثاني: منهج يُدعى به من ليس لهم كتاب من المشركين وسائر الكافرين. وإذا كان هؤلاء الكفار لهم وجود ودول، فإن الداعية يكون له احتكاك بهؤلاء، فما هو الشيء الذي يلزم أن يفعله، والمنهج الذي يسير عليه في التعامل معهم؟ هذا ما كشفته هذه الرسالة وجمعت شتاته لتضعه بين يدي القارئ. ثالثاً: الباب الثالث: الأساليب والوسائل:

استعمل ابن تيمية أساليب كثيرة ليوصل دعوته من خلالها إلى المدعوين، واتخاذ هذه أمر لازم، فإن أي أمر من الأمور هو عبارة عن فكر أو منهج يحتاج في تنفيذه إلى وسيلة أو عدد من الوسائل والأساليب، واتخاذ الوسائل في الدعوة هو من الأسباب التي أمر الشرع بالأخذ بها، وتعطيل الأسباب أن تكون أسباباً قدح في العقل، والاعتماد عليها قدح في الشرع. والوسائل والأساليب التي اتخذها ابن تيمية في دعوته كثيرة وقد تناولت الرسالة بعضها: أـ الأساليب: 1ـ القدوة: أبرزت آراء ابن تيمية في أهميه هذا الأسلوب، وأهمية ما ركب عليه ابن آدم من التأثر في المجتمع الذي يعيش فيه ويخالطه، واعتمد في ذلك على أدلة نقلية وعقلية وحسية. والصورة المشاهدة تؤثر في الإنسان أكثر من تأثير الكلمة، وهذا ما جعل الإسلام يؤكد في حصر القدوة في النبي e، والنبي e حصرها في اثنين من أمته وهما: أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما. ونظراً لهذه الاستجابة السريعة في التأثر فإن ابن تيمية يؤكد على ضرورة إبعاد المدعوين عن الاختلاط بغير المسلمين، أو أصحاب البدع والمنكرات. 2ـ الجدل والحوار والمناظرة: والحديث في هذا الأسلوب تناولته الرسالة ببيان: المنهج العلمي، وهو عبارة عن عدد من المسائل في قواعد وآداب الجدل والمناظرة، والمنهج العلمي التطبيقي الذي سار عليه ابن تيمية في جدله مع الخصوم وغيرهم، وكان ابن تيمية في هذا كما كان في الذي قبله قدوة باهرة، وآية من الله ظاهرة، وحجة على الخصوم قاهره، كشف الله به أسرارهم، وهتك به أستارهم، وأبان به ما كانوا يبيتون. والجدل في المنظور التيمي لا يدعى به، إنما هو مما يدفع به صيال من يصول على الدعوة والدعاة بالأهواء والشبهات. 3ـ الفتاوى: تشكل جزءاً كبيراً من مجال الإصلاح سواء منها المشافهة أو المكتوبة، والمكتوب منها انتشر في الجهات انتشار الضوء في الظلام، فأقضّت مضاجع أصحاب البدع والأهواء. خصوصاً أنه استطاع أن يجذب الناس إليه بحسن خلقه معهم وغزارة علمه حتى جعلوه صاحب معضلاتهم ورجل حاجاتهم. وأدت هذه الفتاوى دوراً في الإصلاح، والقضاء علىالبدع. وهذا يؤكد على الدعوات الإصلاحية إعداد مفتين مؤهلين. ب ـ الوسائل: 1ـ الاتصال الشخصي: أوضحت الرسالة الجهود التيمية في الاتصال بشتى فئات المجتمع ومستوياته من أجل أغراض الدعوة والإصلاح، ومن أجل مصالح المسلمين العديدة. وقد اتصل بغير المسلمين من أهل الذمة وغيرهم يدعوهم إلى الإسلام ويرد على أسئلتهم ويفنّد حججهم. 2ـ الرسائل الشخصية والمؤلفات: وهي سجل لأفكار الدعوة تنتقل إلى أماكن عديدة، فتنقل الدعوة معها عبر قرون متطاولة لتخلد آثار الدعوة في أجيال كثيرين. وهذا التراث التيمي من الكتب والرسائل قام بدور فعّال في تعديل مسار الأمة خصوصاً العلماء، وآتى ثمرات عظيمة أقضّت مضاجع الخصوم حتى استعدوا السلطة عليه بأنه يشكل خطراً على عقائد الناس وآرائهم. 3ـ الخطابة: من الوسائل التي أوصل بها ابن تيمية صوت الدعوة إلى كل من خاطبهم من علماء وحكام وطلبة علم وعامة. وكانت خطب ابن تيمية تتميز بصدق اللهجة والعاطفة التفاعلية مع الأحداث، وعمق الاستدلال. وهي من وسائل الاتصال المباشر بالمدعوين. 4ـ الرحلات: لم يغفل ابن تيمية وهو في دمشق ـ عن مصر قلعة الإسلام، خصوصاً وهي تعاني من انتشار بدع الجهمية والصوفية وليس لها من يعارضها ويبين لها ما فيها من باطل. وإقامة الداعية في أي مكان تخضع لعاملين: الأول: قدرته على إظهار شعائر دينه، وأمانه على الضرورات الخمس. الثاني: انتفاع الناس به، وحاجتهم إليه، فإذا كان في مكان أهله محتاجون مع تقبلهم منه فإنه لا يتركهم بحثاً عن غيرهم.

وإذا وجد الداعية نفسه غير مفيد في مكان فإنه ينتقل إلى مكان يفيد منه. وابن تيمية رأى حاجة مصر إلى ما عنده من العلم والهدى أكثر من حاجة الشام فآثر مصر بنفسه علىالشام رغم خطورة هذه الرحلة. وقد حقق رحمه الله في رحلاته هذه كثيراً مما كان يتمناه. 5ـ الجهاد: قام ابن تيمية بأنواع الجهاد كله العلمي والعملي. وكان من أهداف دعوته تهيئة الأمة للجهاد وإيصالها إلى مستوى الثقة بالله ونصره للمؤمنين، وقد تحقق له ذلك، فكان النصر المبين على التتار في موقعة "شقحب" التي يعد بحق ابن تيمية قلبها النابض وشريانها المتدفق. ومن ثمرات جهاده القضاء على أهل الجرد وكسروان وتخليص المسلمين من شرهم وغدرهم. وقد وجد الناس ـ من الحاكم إلى أقل واحد منهم ـ في ابن تيمية حقيقة المؤمن الذي يقول ويفعل، حينما حول النظريات الجهادية إلى واقع وكان هو في مقدمته. ولم تقم قائمة التتار بعد ابن تيمية، فأمنت مصر والشام من الداخل حينما قضى على أصحاب البدع المغلظة من الروافض وغيرهم، وأمنت من الخارج باندحار القوة التترية. 6ـ الاتصال الجماهيري الواسع: لتعريفهم بالداعي والدعوة وإقناعهم بالتزام مضامينها وهو من الركائز العملية المنهجية التي اختص بها شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد مارس هذا من خلال العديد من الوسائل ذات الأهمية منها: ـ المساجد: فقد كان يلقي فيها الخطب والدروس وكان يناظر بعض المبتدعة فيها منكراً عليهم ما يفعلونه من بدع يضللون بها الناس. ـ المدارس: فقد تولى التدريس في بعض المدارس في دمشق ومصر. وإذا لم يتولاه بنفسه فإنه كان حريصاً على أن يولي من يثق بكافاءته وسلامة فكره. ـ السجون: وخصوصاً في مصر حيث حوّل السجون التي دخلها في مصر إلى قلاع للدعوة، فلما دخل سجون مصر وجد السجناء في ضياع وقت ولعب ولهو، فجدّ معهم حتى حوّلهم إلى تلاميذ له، وكثير منهم يرفض الخروج من السجن ويرغب البقاء فيه مع ابن تيمية لما وجد من العلم والعمل والخير الواسع. بل إنَّ بعضهم كان يخرج ثم يعود إلى السجن يطلب أن يبقى فيه لأنه فقد الفوائد التي لم يجدها إلا عنده. ـ المجامع العامة: في وقت اجتماع الناس في شأن من الشئون، يهتم معهم بشأنهم، بل يجعل شأنهم شأناً له إذا كان فيه نفع للأمة، كما حدث في لقاءاته مع الجيوش الشامية، والمصرية، ومع قادتها. وبعد: فإن هذا من القضايا البارزة التي تضمنتها الرسالة، ومن العسير جداً أن نختصر هذا الحجم الكبير من صفحات الرسالة بهذه الورقات القليلة في الخاتمة، وكلي أمل أن يكون هذا الجهد العلمي مؤدياً لحقيقة ما كان عليه ابن تيمية، وأن يكون نافعاً لجميع الأمة الإسلامية المباركة في الحاضر والمستقبل. رجاء أن ينفعني الله به في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ويشرفني أن أتقدم ببعض المقترحات والتوصيات أرى أهميتها ونفعها. المقترحات والتوصيات: 1ـ منهج السلف الصالح في الدعوة في جانبي الفكر والعمل يحتاج منا إلى تحديد أطره وإبرازه من أجل تقديمه للأمة بصورة ميسرة يستطيع الإفادة منه الدعاة بشتى ألوان تخصصاتهم العلمية. ومن خلال هذه الرسالة تحققت أن أموراً مهمة في منهج السلف في الدعوة في جانبيه تخفى على كثير من الدعاة إما على وجه التفصيل وإما على وجه الإجمال. وبما أنه قد صدر من جامعاتنا في المملكة بعض الرسائل العلمية، وأيضاً بعض علمائنا له اهتمام في الكتابة في النواحي المنهجية في الدعوة فإنني أتقدم بالإقتراح الآتي: تكون لجنة علمية يتم اختيارها ممن سبق الإشارة إلى إنجازهم العلمي وتهيأ لهم الظروف من أجل الاجتماع لإعداد مؤلف بمسمى "منهج السلف الصالح في الدعوة إلى الله تعالى".

2ـ لقد عثرت أثناء مسيرتي البحثية في التراث التيمي على كنوز ثمينة من النظريات والآراء والدراسات التي تدخل في اختصاص كثير من كليات جامعة الإمام وأمثالها من الجامعات، فياحبذا أن تولي هذه الكليات العناية بالفكر التيمي فتوجه الرسائل والبحوث الطلابية إلى تراث ابن تيمية لتستخرج كل فئة منه ما يخصها، ولو كان هذه لسعدت المكتبة الإسلامية بثروة علمية تسهم في الإصلاح. 3ـ في كلية الدعوة والإعلام يكلف الطلاب في كل فصل دراسي بأنواع من البحوث في جوانب كثيرة، وهذه البحوث لها منزلة في مقررات الكلية المنهجية ولها اهتمام لدى الطلاب. ولذا أقترح أن يربط كثير من هذه البحوث بتراث السلف الصالح ليخرجوا لنا آراءهم ونظرياتهم، وتشخيصاتهم وعلاجاتهم في كل قضايا الأمة وشؤونها وخصوصاً ما يتعلق بالنواحي المنهجية الدعوية. 4ـ إلى علماء المسلمين الذين ينضوون تحت جماعات إسلامية أو يعملوا بشكل فردي أتوجة إليهم بالتوصية الآتية: أن يكرسوا جهودهم ويضعوا في خططهم التربوية ربط المسلمين بتراث السلف الصالح خصوصاً: العقيدة، والعبادة، ومنهج الدعوة، وهو تراث أصيل يعتمد على الكتاب والسنة وفق فهم الصحابة الأجلاء، وهو أيضاً واسع الأرجاء، غني بالمضامين الحيوية اللصيقة بحياة الأمة العلمية والعملية، وهو تراث يجمع الشمول، والعمق، والمرونة. وإنني لأجزم أن هذا العمل من أكبر ما ترشَّد به الصحوة الإسلامية المباركة في عالمنا الإسلامي الواسع. ولعلي وسائرالذين قدموا في الجوانب العلمية والعملية جهداً من تراث سلفنا الصالح، سهلنا تلك المهمة على علمائنا الفضلاء وقيادات الدعوة والإصلاح في كل مجتمع مسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

منهج الدعوة النبوية في المرحلة المكية

منهج الدعوة النبوية في المرحلة المكية ¤علي بن علي جابر الحربي£بدون¥الزهراء للإعلام العربي - مصر¨الأولى¢1406هـ€دعوة ودعاة¶العهد المكي وقد توصلت من خلال البحث إلى النتائج الآتية: 1 - إن طريق الدعوة ليست مفروشة بالورود فالوصول بهذه الدعوة إلى غايتها لصعب بل في غاية من الصعوبة إنها البأساء والضراء والزلزال؛ إنها تعرض للأذى، إنها الغربة في العقيدة، إنها السجن أو الإخراج أو القتل بشتى أنواعه، فالغرض الوحيد في مخطط القوى المجابهة للدعوة هو القضاء عليها وعلى أصحابها في مهدها. فإذا طال الزمن وبطأ النصر، كانت أشد وأقصى، مع التعرض لفتنة الرغبات والشهوات وفتنة البعد عن الأهل والأحباء، ولكن الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة لا يتم إلا بالمعاناة العملية. فالحق لا يقوم بنفسه بل لا بد من قائمين به، ولا بد من تضحيات في سبيل إقامته ولكن ليس ذلك سدودا أمام السالك عن بلوغ الغاية بل سلوك في الطريق الطبيعي للدعوة إلى الله – عز وجل- فقد مشط الكثير بأمشاط الحديد وأحرقوا بالنار في الأخاديد ولكن العقيدة استعلت في نفوسهم على العذاب وعلى كل رغائب الحياة. 2 - ينبغي للداعية أن يلفت العقول والفطر إلى الكون وما يحيط بالإنسان من كل الجوانب يعرض آيات القدرة القادرة التي لا يعجزها شيء في السموات ولا في الأرض، في الخلق في الموت، في الحياة، في إحداث الأحداث وتدبير الأمر ... تلك هي منافذ الفطرة التي تلجئها إلى البحث عن الخالق والتوجه إليه. فقد أخذ القرآن الكريم الإنسان من مواطن اهتمامه في الكون ونعم الله عليه، ونقله منها إلى الخالق المنعم، فأكسبه بذلك الاقتناع بمنطق العقل والشعور ليخامر إيمانه النفس فكرا وعاطفة، وأن يعرض الداعية، نماذج مناسبة عن أخبار قوم هدوا فمكن الله لهم في الأرض، وأقوام ضلوا فساءت حالهم وخربت ديارهم ووقع عليهم العذاب والنكال يضرب بهم المثل ويدعو الناس إلى العبرة. 3 - إثارة الوجدان بالثواب والعقاب، فالإنسان مجبول على حب ما ينفعه وبغض ما يكرهه لما فيه من غريزة حب الذات، فمخاطبة العقول وحدها لا تثير وجدانا، ولا تغذى أرواحا، فالنفس محتاجة إلى الغذاء الروحي كحاجة الجسد إلى الغذاء المادي ثم التوازن بينهما. 4 - الدخول إلى النفوس لترسيخ عقيدة التوحيد النقية الواضحة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، كل بحسب المؤثرات، فالداعية المسلم ينبغي أن يعرف من أين يبدأ؟ وإلى أين ينتهي؟ فالبدء بالأصل قبل الفرع وبالقاعدة قبل البناء وبالتخلية قبل التحلية وكما يقال: المربي هو الذي يبدأ بتعليم صغار العلم قبل كباره. 5 - استعمال أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، يا حصين كم تعبد من آله؟ قال: سبعة في الأرض وواحد في السماء. قال: فإذا أصابك الضر فمن تدعو؟ قال: الذي في السماء. فإذا هلك الناس من تدعو؟ قال الذي في السماء. قال فيستجيب لك وحده وتشرك معه غيره. يا حصين أسلم تسلم ..... عرض وأخذ وعطاء وإقناع. (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا. {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (108) سورة يوسف، ومع هذا فليس في العقيدة مساومة ولا حلول نصفية فلا يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق .. ولو جازت المساومة لجازت في أحرج الظروف المكية. فالشدة في موضعها لا تتنافى مع أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، بل هي من الحكمة (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أموت دونه ما تركته)

6 - تقسيم مراحل الدعوة وتنظيمها من حيث السرية والجهرية، بدأ الاتصال الفردي مع مراعاة الأقرب فالأقرب في السر والجهر على السواء. ثم التكوين ويبدأ من دار الأرقم. وينتهي بالمرحلة المكية وكلها تكوين وإعداد. أما التنظيم السري الحركي فما انفك عن الدعوة حتى في المرحلة الجهرية. إلى بيعة العقبة الكبرى إلى المجتمع الإسلامي في المدينة كالتورية في الغزوات وكالحرب خدعة وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن جحش وكان حذيفة بن اليمان صاحب سر رسول صلى الله عليه وسلم. 7 - لا عمل إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بقيادة، ولا قيادة إلا بتنظيم فالخير لا يكون فلتة عارضة، إنما ينبعث عن دوافع ويتجه إلى هدف يتعاون عليه الأفراد المرتبطون في الله- عز وجل- فتقوم الجماعة المسلمة ذات الهدف الواحد، بأعباء الدعوة إلى الله عز وجل فالنوايا الطيبة لا تكفي، بل لا بد من أن تتمثل في حركة تكون بناء ضخما في صميم الحياة. 8 - الصبر والاستمرار في الدعوة في حق من لم يستجب وعدم استعجال النتائج وإن طال الزمن، فالمثابرة على الدعوة والاستعانة على وعثاء الطريق بطول الصبر وحسن التأسي برسول الله – صلى الله عليه وسلم- وصدق الاعتماد على الله- سبحانه- هو طريق النجاح، إن الدم الذي يراق هو غذاء الدعوة ومحاولة الإفلات من هذه السنة العامة لا يتاح لأحد {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (90) سورة يوسف، فلا بد من توفيق الله تعالى. وكفى بالداعية المسلم المخلص أن يكون الله – عز وجل- معه وهاديه {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (69) سورة العنكبوت، ثم لا بد للدعوة من سند يهيئه الله – سبحانه- كدفاع أبي طالب والساعين في نقض الصحيفة، والنجاشي في الحبشة حتى وإن كانوا لا يدينون بالدعوة مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام (وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر). واستعجال النتائج قبل أوانها لا يتناسب مع طبيعة الدعوة إلى الله فكم لبث نوح في قومه، وكم كم .. غيره من الأنبياء والمصلحين (والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون) وقد حدث هذا بالفعل، كما هو معروف في تاريخ الإسلام، ونرجو الله أن يعود هذا عن قريب. إن على الدعاة أن يؤدوا واجبهم، وهو أن يختاروا الله- عز وجل- وأن يؤثروا العقيدة على الحياة وأن يستعلوا بالإيمان على الفتنة وأن يصدقوا الله في العمل والنية، ثم يفعل الله بهم وبأعدائهم كما يفعل بدعوته ودينه ما يشاء وينتهي بهم إلى نهاية من تلك النهايات التي عرفها تاريخ الإيمان أو إلى غيرها مما يعلمه ويراه. إنهم أجراء عند الله- أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا عملوا وقبضوا الأجر المعلوم وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير فذلك شأن صاحب الأمر، لا شأن الأجير. 9 - استخدام الوسائل لنشر الدعوة كالتنظيم الدقيق، العمل المتواصل، الاتصال الفردي والجماعي، تكليف من أسلم بتبليغ من لم يسلم، مع استخدام وسائل الإقناع وجمع الناس ودعوتهم كما فعل رسول صلى الله عليه وسلم، حين صعد على الصفا والذهاب إلى أماكن تجمع الناس ودعوتهم والخروج إلى البلدان لتبليغ الدعوة كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في عكاظ وغيرها، كل هذا حسب ما تنظمه القيادة على ضوء المنهج النبوي

10 - إبعاد الأتباع عن ساحة المواجهة إلى حينها، فسلاحها الصبر والصبر وحده، وقد ضاق البعض فاستنجد بدعوة القيادة فكان الجواب الصارم حديث خباب وفي ليلة العقبة الكبرى طلب الأنصار الميل على أهل منى بأسيافهم فكان الجواب من القيادة الحكيمة (لم نؤمر بهذا) فلما حان الأوان فعلت الأفاعيل، وكتب التاريخ بالفتوحات الإسلامية في شتى بقاع المعمورة فكم لها من مآثر وبطولات ومحامد، ومكارم في كل ناحية من نواحي الحياة الإنسانية. 11 - إن الدعوة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، أنقذت البشرية من بحر الشقاء إلى ساحل السعادة، ومن عبادة الأحجار والعبيد إلى عبادة الله وحده، ومن حمأة الرذيلة إلى قمة الفضيلة، إنها دعوة خالدة صالحة لكل زمان ومكان. 12 - إن الهدف من الدعوة تأسيس القاعدة الصلبة للجماعة التي ستقوم بأعباء تلك الدعوة إلى الناس والتي تتمثل في: الله غايتهم، والرسول قدوتهم، والقرآن دستورهم، والجهاد في سبيل الله أغلى أمانيهم. ثم المحافظة على هذه القاعدة وتكميلها وتمحيصها. وهناك هدف عام هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وأن يعبد الله وحده لا يشرك به شيء (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) 13 - إن قوة الباطل وطغيان الموجة الجاهلية لا تفيد معها موعظة ترق لها القلوب ثم تترك يجرفها التيار الضخم، ومواجهة الناس بالحق والقيام على أمره من أهم الخصال التي تحيا بها الدعاة إلى الله - سبحانه- وفي مقدمتهم الأنبياء. إذن فلا بد من احتضان الفرد وتربيته وإعداده إعدادا خاصا وملاحقته حتى يصلب عوده، وإلا فهو كالنبتة الصغيرة في مهب الأعاصير، ومرة أخرى أؤكد أنه لا بد أن يعمل الدعاة ضد التيار، ولو قال الصحابة رضوان الله عليهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الأرض مليئة بالشرك والأخطار ولا نستطيع القيام بشيء لما قامت الدعوة. 14 - الداعية إذا لم ينجح في بلده عليه أن يتحول إلى بلد آخر كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن الأفضل له أن يدرس تلك المنطقة التي يريد الخروج إليها، دراسة عامة ليعرف المنافذ التي يمكنه الدخول منها قبل الدخول في نشر الدعوة وأن يكون قدوة يطبق تعاليم الإسلام على نفسه ومن يحيط به ثم يدعو الناس إليها. 15 - إن واقع الإسلام المعاصر يعاني من مرارة عودته إلى الغربة، معاناة شديدة مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم، (بدأ الإسلام غريباُ وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء). فقد لحق المسلمين النقص والإخلال، اللهم إلا أفراداً قلة، هم المصلحون لما أفسد الناس، فهذه العودة لا ترتبط بزمان ولا مكان معين، وإنما تعود كلما انتقل زمام الحكم من أيدي المسلمين إلى غيرهم إذ يحصل الفساد في الأرض نتيجة ذلك. إن واقع المسلمين يقرر بأن غربة النبي عليه الصلاة والسلام، وأسرة ياسر وبلال وغيرهم من خريجي دار الأرقم، قد عادت للذين قالوا ويقولون ربنا الله لا قيصر، والحاكمية لله لا للبشر. إن تعذيب أولئك الغرباء الأوائل وتشريدهم قد عاد على المصلحين في كل زمان ومكان، عاد عليهم بالسجون والمشانق والتشريد والتقتيل بشتى أنواعه، فما هي أداة التحويل التي نحول بها المجتمع إلى المنهج الإسلامي وما هو الخلاص؟ 16 - إنه لا أداة لذلك إلا بتربية جيل جديد على المنهج الذي تربت وأعدت عليه الجماعة الأولى في العهد المكي، والذي ينبغي أن تكون عليه كل أجيال المسلمين على مدى التاريخ. والمهم عندنا أمور ثلاثة رئيسية: الأول: أن نعلم من أين نبدأ، ثم ما هو المطلوب منا بعد نقطة البدء وما هي وسيلتنا لأداء المطلوب منا.

الثاني: أن نعلم أن الجماعة الأولى التي رباها وأعدها الرسول صلوات الله وسلامه عليه- في العهد المكي-على عينه، وحقق فيها منهج التربية والإعداد بكاملها هي القدوة الدائمة لنا بعد شخص الرسول – صلى الله عليه وسلم- وأن صورتها الواقعية هي المرجع الدائم لنا في المنهج والإعداد بعد كتاب الله – عز وجل- وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم. وأن هذه الجماعة ستظل لأجيال المسلمين بل لأجيال البشرية كلها هي النور الذي يستضيئون به ويحاولون أن ينسجوا على منواله. فإن استطاع المسلمون أن يعيدوا سيرتها في أنفسهم في أي جيل من أجيالهم فهو الخير لهم ولكل البشرية وإن لم يستطيعوا فلن تذهب محاولتهم هباء لأنهم سيكونون في أثناء المحاولة قد ارتفعوا بأنفسهم إلى أقصى طاقاتهم فيكون الخير. الثالث: أن نعلم أنه لا طريق لنا إلا ذلك الطريق الذي سلكته الجماعة الأولى في خروجها من جاهليتها حتى استوى بها إلى قمة الإسلام الشامخة. إن وجهة المسلمين إن أرادوا أن يعودوا إلى الحياة مرة أخرى وينفضوا عنهم ذلك الهوان المخزي الذي يعيشون فيه ينبغي أن تكون هي تلك الجماعة الأولى وعلى رأسها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تكون هي موسكو، أو لندن، أو واشنطن أو بكين .. ولا بأس بعد أن يتجهوا إلى تلك الجماعة لينسجوا على منوالها ويحاولوا الاقتداء بها أن يستفيدوا مما يجدونه صالحا للاستفادة به في تلك البلدان. وإذا تعجلنا النظر إلى مجتمع المدينة المنورة أول مجتمع إسلامي نجده قام على تلك القاعدة نفسها وإنما توسعت آفاتها حسب الزمان والمكان وملاءمة الظروف، فاندمجت جماعة الأنصار في المدينة فأصبحت جيلا واحداً وأمة واحدة تحمل شهادة خالدة تتلى في الليل والنهار ويتعبد بها على يد الرسول والمربي صلى الله عليه وسلم، لم ينالوا تلك الشهادة عفوا صفوا، بل ببذل الغالي والنفيس {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ ..... } (110) سورة آل عمران، هذه الجماعة التي تربت على هدي القرآن الكريم وعلى يد الرسول صلى الله عليه وسلم هي التي كتبت التاريخ بأحرف من نور. 17 - إن هذا الدين لم يصل إلينا عفوا صفوا، وإنما وصل إلينا كما عرفت بعد التضحيات بالأوطان، بالأموال، بالدماء، بالأشلاء، بالمهج التي بذلها الجيل الأول، رضوان الله عليهم، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لهذا يجب على المسلمين أن يتمسكوا بهذا الدين، وأن يعضوا عليه بالنواجذ لأنه نزل من عند الله الخالق العليم بمصالح عباده ومضارهم، الحكيم في تدبير أمورهم وفيه سعادتهم في الدارين.

18 إن الإسلام لم ينتشر بالسيف كما يقول بعض ذوي الأغراض وإنما انتشر عن طريق الدعوة بالبرهان والإقناع والموعظة الحسنة حتى خالطت بشاشته الإيمان وحلاوته قلوب أولئك السابقين المعذبين في مكة، ثم سرى سريان الماء في العود، وسريان النور في الظلام، حتى تجاوز هؤلاء واخترق البادية حتى وصل طيبة الطيبة، وكان إسلام المسلمون في غاية من الكتمان خوفاً من سلطة الشرك والمشركين، لأن زمان السلطة والقوة ليس في أيدي المسلمين حينها. فهل تجد في التاريخ الإسلامي أن الإسلام سل سيفه على بلال وعمار وخباب وغيرهم؟ فالواقع يقرر أن سيوف الشرك كانت هي القائمة على رؤوس المسلمين، ولكنها هانت أمام قوة الإيمان، بل إن بعضهم كان يستعذب العذاب والموت في سبيل نشر الإسلام. وهل تجد في التاريخ أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يتصدى للوافدين في مواسم الحج هو وأصحابه بالسيوف أم بالدعوة إلى الله سبحانه وبأسلوبها الجذاب وهل كان يرميهم بالحجارة أو يرمونه؟ وهل تجد في التاريخ أن الأوس والخزرج سلت في وجههم سيوف الإسلام حتى دخلوا فيه مكرهين، أم حدا بهم الإيمان إلى أن بايعوا متزاحمين ومتنافسين، على نصره حتى الفوز بإحدى الحسنيين؟ ومعلوم أن القتال لم يشرع إلا في المدينة على مراحله المعروفة، وقد كان محرما، ثم مأذوناً به ثم مأموراً به لمن بدأ بالقتال، ثم مأموراً به في مواجهة جميع المشركين وذلك لإزاحة العقبات التي تقف في سبيل الدعوة إلى الله سبحانه أما إذا لم تكن صعوبة في الطريق فلا داعي لاستعمال السيف. 19 - إن الجماعة المسلمة ذات الشمول في المنهج والوضوح في الهدف بادئة من إعداد الفرد، منتهية بإقامة الحكم لله وحده ثم الانطلاق في الأرض لإعلاء دين الله، هي الجديرة بالولاء والنصرة. 20 - الدعوة للجماعات الإسلامية العاملة في الميدان للتعاون في الأمور المتفق عليها، وأن يعذر كل منها الأخرى فيما اختلف فيه من الفروع والمناهج والأفكار وكف الحملات الكلامية ضد بعضها البعض، كيلا تبلبل أفكار العامة إذ ليس ذلك من صالح الدعوة إلى الله عز وجل بل في صالح أعداء الإسلام والمسلمين والله الموفق للصواب. وإني وأنا أختم هذا البحث المتواضع لا أستطيع أن أقول إني قد أتيت بجديد أو بلغت مرتبة من الكمال فكم من باحث طويل الباع يكتب بحثا اليوم ثم يراجعه غدا فإذا هو يقول: لو أنني قدمت هذا لكان أحسن ولو أخرت هذا لكان يستحسن ولو أضفت ذلك لكان أكمل ولو حذفت ذلك لكان أجمل. فغاية القول أني بذلت كل ما في وسعي حسب ظروفي وحسبي أني حاولت إخراج الموضوع على هذه الصورة فإن أصبت فبتوفيق الله عز وجل وله الحمد والمنة وإن قصرت أو أخطأت فذلك طبيعة البشر وأستغفر الله وعزائي أن الكمال لله وحده وأن فوق كل ذي علم عليما. والحمد لهل رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.

موقف عثمان بن معمر من دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب "بحوث علمية محكمة"

موقف عثمان بن معمر من دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب "بحوث علمية محكمة" ¤عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف£بدون¥الرشد - الرياض¨الأولى¢1429هـ€دعوة ودعاة¶نقد وتوجيه خاتمة: ونختم هذا البحث بجملة من النتائج الآتية: 1 - أن معالجة النوازل لا تحتاج إلى مجرد العلم والتنظير فحسب، بل تحتاج إلى رسوخ وبصيرة ويقين، كما تحتاج إلى فهم للواقعة، بحيث تستصحب تلك الأدلة والمسائل أثناء تنزيلها على الوقائع، وإلا فقد يقع الذهول عن تلك المعلومات وقت النوازل والأزمات. 2 - تميز هؤلاء العلماء بتحقيق لمقاصد الشريعة ومراعاة لقواعد المصالح والمفاسد. 3 - أن سبب التصنيف مما يعين على فهم كلام أولئك العلماء، فالأجوبة الواردة في الدرر السنية – مثلاً – قد لا يتحقق فهمها بطريقة صحيحة، حتى ينظر إلى الظروف والملابسات التي حررت فيها تلك الأجوبة. 4 - لما كانت هذه الجهود تجاه نوازل حادثة ومستجدات عارضة، لذا غلب عليها الرد والمنافحة وإزالة الاشتباه، ولكي تتحقق النظرة الشمولية لتراث هؤلاء العلماء، ويمكن استيعابها، فلابد من النظر إلى جهودهم الأخرى في مقام تقرير العقيدة وبيانها. 5 - ظهر من خلال تلك الجهود ما عليه هؤلاء العلماء من دراية بالحق، ورحمة بالخلق، فقد بينوا الحق بأدلته، ونصروا دين الله تعالى، وأجابوا عن شبهات المخالفين، كما أنهم نصحوا لأئمة المسلمين، وعامتهم، وأشفقوا على الراعي والرعية.

نحو إحياء دور المسجد / من أجل مسجد فاعل

نحو إحياء دور المسجد / من أجل مسجد فاعل ¤عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون£بدون¥ابن لعبون¨الأولى¢1416هـ€دعوة ودعاة¶مساجد - دورها الخاتمة: كثير من بيوت الله قد اهتمت ببعض ما ذكر ولم يتسنى لها القيام بجميعه، وما لا يمكن أن يقام في هذا المسجد يمكن أن يقام في ذاك، وطرح هذه الاقتراحات يدفع بإذن الله إلى بدأ النشاط أو إضافة نشاط جديد، وستظهر المثبطات المختلفة أثناء العمل: أولا: في ذات القائمين على إحياء دور المسجد، من فتور العزم وتردد واستبطاء للنتائج، مع انخفاض في مستوى تقديم الدروس وطرح البرامج الأخرى. ثانيا: من جماعة المسجد، والتي تتمثل في قلة المشاركة؛ فالمجلة لا تصدر إلا كل شهرين أو أكثر، وعدم الإقبال المتوقع على المسابقات، وتناقص عدد المسجلين في حلقات التحفيظ، وتلفت أثناء الدرس فلا ترى إلا القليل من الحضور، وهكذا في بقية النشاطات، وهذا أمر يكاد أن يكون عاما وليس غريبا كما هو ملاحظ في كثير من المساجد، ومع ذلك فبالاستعانة بالله ثم بإخلاص النية والعمل الجاد، مع قليل من الصبر والجهد، تظهر نتائج الجهود الخيرة وتقطف الثمرات، وإن تأخر الحصاد فيكفي أن العمل لله وفي مرضاته والله لا يضيع أجر من أحسن عملا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

رقائق وزهد وترغيب وترهيب

رقائق وزهد وترغيب وترهيب

الابتلاء وأثره في حياة المؤمنين كما جاء في القرآن

الابتلاء وأثره في حياة المؤمنين كما جاء في القرآن ¤عبدالله ميرغني صالح£بدون¥دار الاعتصام¨بدون¢بدون€رقائق وزهد وترغيب وترهيب¶ابتلاء ومحنة وصبر وشكر الخاتمة: وبما أنني قد انتهيت من دراسة: (الابتلاء وأثره في حياة المؤمنين كما جاء في القرآن الكريم) فإنه يحق لي أن أبدي فيما يلي النتائج المهمة المستفادة من هذا البحث: لقد جعلت هذه الرسالة مكونة من: مقدمة، وتمهيد، وبابين، وخاتمة. فالمقدمة: تكلمت فيها بإيجاز عن موضوع الرسالة، والدوافع التي حفزتني على اختياره، والخطة التي سرت عليها في بحثه ودراسته. وأما التمهيد فقد جاء في أربعة مباحث: ذكرت في المبحث الأول: تعريف البلاء والابتلاء والفتنة. وحيث إن هناك أكثر من تعريف فقد ذكرت أبرزها، وكنت أشرح التعريف إذا كان يحتاج إلى شرح وبيان وضرب أمثلة عليه. وإذا دعت الحاجة لذكر أكثر من تعريف ذكرت ذلك، وأجريت موازنة بينها، واستخلصت النتيجة. وفي المبحث الثاني: بينت أن ابتلاء المؤمنين سنة ربانية جارية، ومهدت لذلك بمقدمة، تكلمت فيها عن الابتلاء وسنة الله تعالى في الحياة عامة وفي الناس كافة. ثم سلكت مسلكين في معالجة هذا الموضوع، فتكلمت أولا عن سنة الله تعالى في ابتلاء الأنبياء، وأثبت بالنصوص القرآنية أن سنة الله سبحانه وتعالى قد جرت بأن يكون لهم أعداء - هم شياطين الإنس والجن - يمكرون بهم، ويكيدون لهم، ويتربصون بهم الدوائر؛ وذلك ليتم الابتلاء، وينفذ القدر، وتتحقق الحكمة، ويمضي كل فيما هو ميسر له، وينال كل جزاءه العادل في يوم الفصل. ثم تحدثت عن سنة الله تعالى في ابتلاء المؤمنين - أتباع الأنبياء - ببعض ضروب الخوف من الأعداء، وبعض المصائب المعتادة في المعاش، كالجوع ونقص الثمار. وفي خلال ذلك وضحت التوجيهات الإلهية للجماعة المسلمة التي تحمل الدعوة وتنهض بتكاليفها، والتي تحاول تحقيق منهج الله تعالى في الأرض ثم في ثنايا ذلك كله تطرقت لأثر البلاء في تربية النفوس. كما بينت بعض جوانب الحكمة في ابتلاء المؤمنين. أما المبحث الثالث: فقد وضحت فيه أن الطريق إلى الجنة محفوف بالمكاره، وأن زاده التقوى والصبر. وبينت أن الجنة سلعة غالية، ولا بد لها من ثمن، وقد دفعه الأنبياء والذين آمنوا معهم منذ فجر البشرية، فلا بد أن يدفعه المؤمنين - من بعدهم - ليكونوا أهلا لدخول الجنة. فلا يكفي الإنسان أن يقولها كلمة باللسان: (آمنت) فيبلغ بهذه الكلمة أن يؤدي تكاليف الإيمان وأن ينتهي إلى الجنة والرضوان! إنما هي التجربة الواقعية والامتحان العملي، إنما هو الجهاد في سبيل الله وملاقاة البلاء والابتلاء. ثم الصبر على تكاليف الجهاد ومعاناة البلاء. ثم الصبر على تكاليف الدعوة إلى الله تعالى، التكاليف المستمرة المتنوعة التي لا تقف عند الجهاد في الميدان، كالصبر على معاناة الاستقامة على أفق الإيمان، والاستقرار على مقتضياته في الشعور والسلوك، والصبر على طول الطريق وبعد الشقة وكثرة العقبات، والصبر على أشياء كثيرة في الطريق المحفوف بالمكاره، طريق الجنة التي لا تنال بكلمات اللسان ولا بالأماني التي لا تثبت عند البلاء والمحن والشدائد.

ثم تحدثت في المبحث الرابع: عن تحذير الله تعالى للمؤمنين من فتنة متاع الحياة الدنيا وزينتها. فبينت أولاً: أن الله عز وجل زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث؛ وذلك لحفظ الحياة ونموها واطرادها، ولتكون الشهوات موضوع ابتلاء واختبار وامتحان للناس؛ ليعلم الله تعالى من يطيعه ممن يعصيه؛ ولهذا وجه الله سبحانه المؤمنين إلى ضبط نفوسهم عن الاسترسال في هذه الشهوات المحببة الزينة، وعن الركون إليها، والانهماك فيها؛ حتى لا ينحرفوا عن الصراط المستقيم. ثانيا: تكلمت عن تحذير الله تعالى للمؤمنين من فتنة آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وأزواجهم وعشيرتهم وأموالهم والتجارة التي يخشون كسادها والمساكن المريحة. فوضحت أن هذه الزينة والمطامع واللذائذ، وتلك الوشائج قد تقعد الناس - خوفا وبخلا - عن الاستجابة لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم، ولعلها قد تنأى بهم عن حب الله ورسوله وحب الجهاد في سبيله؛ ولهذا نبه الله سبحانه وتعالى المؤمنين ليكونوا في حذر ويقظة تامة من فتنة متاع الحياة الدنيا وزينتها. ثم أخبرهم بأنه من تلهى بالدنيا، وشغلته عن أداء فراض الله، فقد باء بغضب من ربه، وهو في الآخرة من الخاسرين. ثالثا: تحدثت عن الابتلاء بالمال، وفصلت القول فيه، وضربت أمثلة عليه، وذكرت من ضمنها قصة ثعلبة، واستخلصت منها دروسا وعبرا. وفي خلالها تطرقت للابتلاء بالشر والخير، ووضحت أن الابتلاء بالخير هو أشد وطأة من الابتلاء بالشر. ثم أشرت إلى أن اليقظة للنفس في الابتلاء بالخير أولى من اليقظة لها في الابتلاء بالشر، والصلة بالله في الحالين هي وحدها الضمان. وأما الباب الأول: فقد خصصته لدراسة ابتلاء الأولين. فعرضت فيه نماذج من ابتلائهم، وذلك بعد أن قسمته إلى خمسة فصول: تناولت بالدراسة في الفصل الأول: الابتلاء بالطاعة. وقسمت هذا الفصل إلى خمسة مباحث: تكلمت في المبحث الأول: عن ابتلاء آدم عليه السلام فوضحت أن الله تعالى أسكن آدم وزوجة الجنة، وأباح لهما كل شيء فيها إلا شجرة واحدة. ولكن إبليس ما أن علم بتلك الشجرة المحرمة، حتى طفق يكيد لهما، حتى أنزلهما من طاعة الله إلى معصيته، فأمرهما الله بالهبوط من الجنة على الأرض محل البلاء ودار التكليف. ثم تناولت بالدراسة في المبحث الثاني: ابتلاء إبراهيم عليه السلام بتكاليف خاصة. فأشرت إلى أن الله ابتلاه بكلمات، فوفى بها؛ طاعة لله سبحانه وتعالى. فكان جزاؤه أن جعله الله إماما للناس. ثم تكلمت عن ابتلائه بذبح ابنه، فوضحت أنه عرض الأمر على إسماعيل عليه السلام فلبى طائعا. ولما شرعا عليهما السلام في أداء هذا التكليف، كان الابتلاء قد وصل غايته، واجتاز الخليل وابنه الامتحان. ومن ثم فداه الله بذبح عظيم.

وأما المبحث الثالث: فقد عرضت فيه صورا من ابتلاء بني إسرائيل بالطاعة. فتكلمت - أولاً - عن فتنة قوم موسى بالعجل. وبينت أنه لشدة البلاء بذلك الصنم، خالف غالبية القوم أمر نبيهم هارون عليه السلام وهموا بقتله، وأصروا على عبادة الوثن، ولما رجع إليهم موسى عليه السلام لم يقرهم على عبادة الصنم. فسقط في أيديهم. ثم تابوا إلى بارئهم، وقتلوا أنفسهم كما بين لهم موسى عليه السلام. ثم تحدثت عن قصة بقرة بني إسرائيل؛ فوضحت أن الله تعالى كلفهم بذبح بقرة، ولكنهم كما صورتهم الآيات القرآنية الخاصة بهذه القصة، كانوا يتسمون بالتعنت وعدم الالتزام بالطاعة. ثم تكلمت عن ابتلاء بني إسرائيل بدخول الأرض المقدسة؛ فبينت أن الله تعالى أمرهم بدخولها وكتب عليهم القتال، ولكنهم تخلوا عن الجهاد وأصروا على مخالفة أمر الله، آنذاك حرمها الله عليهم مدة أربعين سنة. ثم لما انتهت تلك المدة، أذن لهم بدخولها، وأمرهم بأن يدخلوا الباب سجدا وأن يقولوا: حطة. ولكن الظالمين منهم خالفوا أوامر الله فأنزل عليهم عذاباً من السماء. ثم تحدثت عن قصة أصحاب السبت، فوضحت أن الله تعالى جعل لبني إسرائيل يوم السبت عيدا للعبادة، ثم ابتلاهم بوجود الحيتان في ذلك اليوم دون سواه. فتجاوز فريق منهم حدود الله واعتدوا في السبت، هناك تصدى لهم فريق آخر فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر، ولكنهم أصروا على معصيتهم، آنذاك حل العذاب الأليم بالظالمين. ثم تناولت بالدراسة في المبحث الرابع: ابتلاء قوم طالوت. فبينت أنهم لما خرجوا معه للجهاد في سبيل الله، نهاهم عن شرب الماء من نهر الأردن، فلم يلتزموا له بالطاعة ولما رأوا كثرة جنود جالوت تخاذل أكثرهم ولم يبق فيهم إلا فئة قليلة، خاض بها طالوت المعركة فتلقت النصر من رب العالمين، واستحقت العز والتمكين. وأما المبحث الخامس: فقد تحدثت فيه عن ابتلاء يونس عليه السلام فبينت أنه لم يصبر على إيذاء قومه وإعراضهم. فخرج من بين أظهرهم بغير إذن صريح له من الله تعالى. ولذلك ابتلاه الله بالحبس في بطن الحوت. فلما أقر بأنه كان من الظالمين لأنفسهم بمخالفة أوامر الله، نجاه تعالى من الغم، وشفاه من سقمه، ثم بعثه مرة أخرى إلى قومه. وأما الفصل الثاني: فقد تكلمت فيه عن الابتلاء في مرحلة الإعداد للدعوة وبينت ذلك في مبحثين: تناولت بالدراسة في المبحث الأول: ابتلاء يوسف عليه السلام فحصرت الابتلاءات التي عاناها في ثلاثة عناصر كما يلي: أ- يوسف وكيد إخوته له. ب- امرأة العزيز تراود يوسف عن نفسه. ج- يوسف في غياهب السجن. ثم تكلمت في المبحث الثاني: عن ابتلاء موسى عليه السلام؛ فبينت أنه ولد حين كان فرعون عاليا في الأرض، يذبح أبناء بني إسرائيل ويستحيي نساءهم. ولكن الله سبحانه وتعالى رعاه وحماه ورباه في قصر فرعون. ولما بلغ أشده واستوى، ابتلاه الله بقتل رجل من قوم فرعون، فأتمر به الملأ ليقتلوه، ولما علم بذلك خرج إلى مدين. وهناك هيأ الله له مأوى في بيت الشيخ الصالح، ولما بلغ سن النبوة واستعد للدعوة، عاد رسولا من رب العالمين؛ ليعالجه بالقول اللين والبرهان المبين. وأما الفصل الثالث: فقد خصصته لدراسة الابتلاء بالإعراض والأذى من المكذبين بالدعوة. وقسمته إلى أربعة مباحث: تحدثت في المبحث الأول: عن ابتلاء نوح عليه السلام فبينت أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، يدعوهم إلى التوحيد، وينذرهم لقاء يوم الدين، فاتهموه بالسفه والضلال وكثرة الجدل، ووصموه بالجنون، وهددوه بالرجم. وقابلوه بالسخرية والتهكم. فما زاده ذلك إلا إيمانا وتسليما، وصبرا وثباتا.

ثم تكلمت في المبحث الثاني: عن ابتلاء إبراهيم عليه السلام فبينت أنه دعا أباه وقومه إلى التوحيد. فقابل آزر دعوته بالتكذيب، وهدده بالرجم والهجران. وكذبه قومه، وأعرضوا عنه. فكسر أصنامهم؛ ليبرهن لهم أنها لا تضر ولا تنفع، ولكن القوم غضبوا عليه وألقوه في النار. ولما وجده الله صابرا مخلصا له الدين، نجاه من كيدهم أجمعين. ثم تحدثت في المبحث الثالث: عن ابتلاء موسى عليه السلام فوضحت أنه لما بلغ رسالته إلى فرعون، كذبه واتهمه بالسحر والجنون، وأخذ يهدده بالرجم ويتوعده بالسجن. ثم عقد حلقة للسحرة يتحداه بها. ثم ائتمر فرعون وملؤه بموسى وقومه لإيذائهم. واقترح فرعون قتل موسى عليه السلام فتصدى للمتآمرين رجل مؤمن من آل فرعون، فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر. فقاوموه وهموا بقتله. فنجاه الله من مكرهم. ولما تمادى فرعون وجنوده في الكفر والضلال، أغرقهم الله في اليمِّ ونجّى موسى وأصحابه من كيدهم. ثم تكلمت في المبحث الرابع: عن ابتلاء عيسى عليه السلام فبينت أنه دعا بني إسرائيل إلى التوحيد. فكذبوه وأعرضوا عنه، واتهموه بالسحر، وتفننوا في إيذائه، حتى إنهم حرضوا عليه الحاكم الروماني، ثم اتفقوا على قتله وصلبه. فلما وجده الله صابرا على المكروه، نجاه من سيئات ما مكروا. وأما الفصل الرابع: فقد تناولت فيه بالدراسة الابتلاء بالنعم. وقسمته إلى مبحثين. فعرضت في المبحث الأول: نماذج من ابتلاء بني إسرائيل بالنعم. ولخصت ذلك تحت العناصر الآتية: أ- نعمة تفضيلهم على عالمي زمانهم. ب- نعمة إيتاء موسى التوراة لهدايتهم. ج- نعمة بعثهم من بعد موتهم. د- نعمة شمول الله إياهم بفضله ورحمته برغم نقضهم للميثاق. هـ- نعمة تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم. ونعمة إغاثتهم بالماء بعد أن اشتد بهم العطش. ثم تحدثت في المبحث الثاني: عن ابتلاء أصحاب الجنة الذي ورد ذكرهم في سورة القلم. فوضحت أنهم كانوا في غفلة عن ذكر الله تعالى حيث حاولوا أن يستأثروا بثمار جنتهم دون المساكين. فلما وجدهم الله يمكرون، مكر بهم، وابتلاهم بإحراق جنتهم. وأما الفصل الخامس: فقد خصصته لدراسة ابتلاء قوة العقيدة. وقسمته إلى ثلاثة مباحث: تحدثت في المبحث الأول: عن ابتلاء أيوب عليه السلام فبينت أنه تعرض للفتنة في نفسه وأهله وماله. فصبر على الضر والابتلاء. ولما وجده الله تعالى راسخ العقيدة، رحمه وكشف ما به من ضر، وأحسن إليه، ثم خلد ذكره في القرآن الكريم. وأما المبحث الثاني: فقد تكلمت فيه عن ابتلاء سحرة فرعون، فوضحت أنهم لما آمنوا بالله العظيم، لم يبالوا بتهديد فرعون، ولما وجدهم ثابتين على إيمانهم قتلهم جميعا وصلبهم، فماتوا شهداء أبراراً رضي الله عنهم. ثم تحدثت في المبحث الثالث: عن حادث أصحاب الأخدود؛ فبينت أن الطغاة المتجبرين قتلوا المؤمنين والمؤمنات حرقا بالنار. فاستعلى المؤمنون بإيمانهم، واحتملوا العذاب، من أجل انتصار عقيدتهم، ولإيثارهم رضوان الله تبارك وتعالى على متع الحياة الفانية. وأما الباب الثاني: فقد عقدته لدراسة الابتلاء في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقسمت هذا الباب إلى فصلين: عرضت في الفصل الأول: صورا من الابتلاء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة وقسمت هذا الفصل إلى تمهيد ومبحثين: أما التمهيد: فقد أشرت فيه إلى بعض ما لاقاه صلى الله عليه وسلم من الابتلاء منذ مولده إلى أن بعثه الله رسولا للعالمين. ثم عرضت في المبحث الأول: صوراً عنيفة لمواقف الكافرين من النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته. وقسمت هذا المبحث إلى قسمين: فأبرزت في القسم الأول: نماذج لبعض الأشخاص في المناوأة والتكذيب.

ثم عرضت في القسم الثاني: صوراً أخرى من مواقف الجاحدين في المكابرة والإعراض. وأما المبحث الثاني: فقد تحدثت فيه عن الابتلاء بالتحدي والأذى من المكذبين بالدعوة. فتكلمت أولا: عن تحديات متصلة بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم. وثانيا: أشرت إلى تحديات متصلة بالقرآن الكريم خاصة. ثم ذكرت نماذج أخرى مما تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى. وأما الفصل الثاني: فقد أبرزت فيه صورا من الابتلاء في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة. وقسمت هذا الفصل إلى مبحثين: عرضت في المبحث الأول: صوراً من ابتلاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الغزوات. واقتصرت في ذلك على ابتلاء المؤمنين في غزوتي أحد والخندق. فبينت أنه لما انتصر المسلمون يوم أحد، خرج الرماة على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فترتب على ذلك أن كرَّ المشركون على المسلمين وقتلوا منهم سبعين صحابياً، وأوذي الرسول صلى الله عليه وسلم وأثخن أصحابه بالجراح. ثم تحدثت عن ابتلاء المؤمنين في غزوة الخندق، فوضحت أن الله تعالى ابتلى المؤمنين هنالك بشدة الخوف، وشدة الجوع، وشدة البرد، والمحاصرة والنزال والقتال. فكان الابتلاء كاملا وشديدا، حتى زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وزلزلوا زلزالا شديدا. وأما المبحث الثاني: فقد عرضت فيه نماذج من ابتلاء المؤمنين بمكر المنافقين، ووضحت ذلك تحت العناوين الآتية: أ- حديث الإفك وقصته. ب- تعرض المنافقين لنساء المسلمين بالأذى. ج- زعيم المنافقين يدعو إلى مواقف كيدية للمسلمين. وأما الخاتمة: فقد ذكرت فيها النتائج التي توصلت إليها في هذه الرسالة، ولخصت القضايا التي عالجتها في هذا البحث. وهذا ما فتح الله به عليّ، ويسّر لي تحريره وتدقيق مسائله في موضوع (الابتلاء وأثره في حياة المؤمنين) وإني لأرجو أن أكون قد وفقت فيما أردت من تجلية هذا الموضوع، وتسليط الأضواء على ما فيه من دروس وعبر ومعالم في طريق الدعاة إلى الله تعالى. والله الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد.

التأثر بالقرآن والعمل به أسبابه ومظاهره

التأثر بالقرآن والعمل به أسبابه ومظاهره ¤بدر بن ناصر البدر£بدون¥مدار الوطن – الرياض¨الأولى¢1428هـ€رقائق وزهد وترغيب وترهيب¶قرآن - فضائله وخصائصه وآداب أهله الخاتمة: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فأوجز ما ظهر لي من النتائج بعد كتابة هذا البحث فيما يلي: - أنزل الله تعالى كتابه القرآن الكريم لثلاثة مقاصد، تلاوته والتعبد به، فهم آياته وتدبره، العمل به والسمع والطاعة له. - حثنا ربنا عز وجل على تدبر كتابه وتفهم آياته ورغب في ذلك، مبينا آثاره الحميدة على أهله، وفي المقابل حذر من الإعراض عن كتابه وآثار الصدود عنه. - المروي عن سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى في الحث على التأثر بالقرآن والعمل به كثير، وكانوا بذلك قدوة لغيرهم، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم خير المتأثرين بالقرآن. - الواجب على أهل القرآن التواصي على العمل به والتعاون على ذلك، ومحض النصيحة من أجله، ودعوة الناس إلى هذا الخير المبارك. - الإخلاص في القول والعمل لله عز وجل أحد شرطي القبول، من ذلك التأثر بالقرآن والعمل به، ولن ينتفع قارئ القرآن وسامعه به حتى يخلص نيته لله تعالى، ولذلك علامات وأمارات بينها سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى. - جاء التحذير في الكتاب والسنة من الرياء والسمعة وطلب الشهرة في التأثر بالقرآن والعمل به، وبين أهل العلم صفات أولئك، وآثار أحوالهم السيئة في الدنيا والآخرة. - أبان تعالى الصنف الذي ينتفع بالقرآن ويتأثر به، وهو المؤمن الذي استكمل شروط التأثر به، وابتعد عن الموانع والصوارف التي تحول بينه وبين ذلك، ومن فقد شرطاً من هذه الشروط أو حصل له مانع كان انتفاعه بالقرآن أقل نصيباً وأنقص حظاً. - شروط التأثر بالقرآن وعوامل ذلك كثيرة، جاء بيانها في الكتاب والسنة والحث على تحقيقها واستيفائها، وفي سير سلفنا الصالح بيانها وتطبيقها قولاً وعملاً. - ومن شروط التأثر بالقرآن: الإيمان بالله تعالى وتعظيمه ومحبته، وحياة القلب وطهارته وحضوره، وحسن الاستماع والإنصات له، وأن يعلم العبد أنه المقصود بكل خطاب في القرآن، وتحسين الصوت حال القراءة وترتيلها، والعلم بتفسير القرآن ومعرفة معانيه، ومراعاة الأدب مع القرآن كالوضوء واستقبال القبلة والاستعاذة قبل التلاوة، والصدق في طلب فهمه والتأثر به. - هناك موانع وصوارف تحول بين قارئ القرآن وسامعه وبين التأثر والانتفاع به، كالعجلة في تلاوته طلباً لختمه، وقصر الهمة على تحقيق القراءة وتجويد التلاوة دون التدبر والعمل. - من الموانع أيضاً ارتكاب الذنوب والمعاصي وإلفها ومحبتها، وأيضا إتباع الهوى والاستجابة له، فلذلك أثر واضح في الحرمان من فهم القرآن والتأثر به. - إن فضل السلف على الخلف عظيم، وبخاصة أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين، فقد كانوا أعمق هذه الأمة علماً, وأقومها هدياً, وأقلها تكلفاً, وأسلمها منهجاً، على نور من كتاب الله تعالى وهدي من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، محذرين من البدع وأهلها. - من تلك البدع التي نهى عنها السلف وحذروا منها ما يكون عند تلاوة القرآن وسماعه من التكلف والتقعر في إخراج حروفه وتحقيقها وتطبيق التجويد، ومن ذلك الصعق, والغشي, ورفع الأصوات, والصراخ عند تلاوته أو سماعه، والقيام بحركات وتصرفات منكرة لم ترد في كتاب ولا سنة ولا مروي عن أئمة السلف وعلمائهم.

- ما وقع لبعض السلف من الصعق والغشي عند تلاوة القرآن أو سماعه قليل نادر، ويحتاج إلى مراجعة إسناده إليهم والتحقق من صحته، فإن ثبت فهو محمول على ضعف القلب وعدم احتماله، والقدوة في هذا وغيره نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. - للتأثر بالقرآن صفات ومظاهر مباركة، وأحوال وآثار مرضية ترى على أهله، من الخشوع ورقة القلب ودمع العين، والانقياد والاتباع والسمع والطاعة، وصلاح الظاهر والباطن وغير ذلك. - جاء في القرآن والسنة بيان تلك المظاهر والأحوال، وفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته امتثال ذلك وتطبيقه والتزامه، ثم سيرة أصحابه رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحم الله الجميع. - من أدلة محبة العبد للقرآن الكريم وصدقه في ذلك سرعة استجابته وانقياده له، وتنفيذ أوامره والقيام بحقوقه، والحذر من مخالفته والإعراض عنه. - بالعمل بالقرآن وأتباعه يكون الشرف الأعلى والذكر المبارك لأهله في الدنيا والآخرة، وبخلاف ذلك يعد هاجراً له وإن آمن به وقرأه وحفظه. - من مظاهر التأثر بالقرآن حسن الاستدلال به واستنباط الأحكام منه والتوفيق لذلك، وهو دليل على ارتباطه الوثيق به, ونظره الدائم في آياته, وتفهم مدلولاتها وهداياتها، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. - أفضل دعاء لله تعالى وسؤاله إنما يكون بكلامه (القرآن الكريم) ففيه أجمع الدعاء وأنفعه وأكثره بركة، وهو دليل واضح على تعلق الداعي بربه وتوسله إليه بكلامه. - القرآن الكريم شفاء للمؤمنين من الأمراض والأدواء الحسية والمعنوية، شفاء من فتن الشبهات وفتن الشهوات، شفاء من الحيرة والشك، شفاء من أمراض القلوب والأبدان. - القرآن بعمومه شفاء بإذن الله تعالى، لكن دلت السنة على خاصية بعض سوره وآياته بذلك، كسورة الفاتحة والمعوذتين، وآية الكرسي، وشواهد نفعه قديماً وحديثاً كثيرة. - من النصح لكتاب الله تعالى تعليم تلاوته والعناية بتحفيظه وتدريس أحكامه وفقه آياته والدعوة إلى العمل به وأتباعه، وخير من يقوم بهذه المهمة الشريفة ويؤدي هذا الواجب العظيم أهله المتأثرون العاملون به. - رسالة القرآن عالمية، ليست مقصورة على قوم أو زمن أو مكان، وهذا من مميزاتها وخصائصها، وهذا يوجب أداءها والقيام بها وتبليغها للعالمين، والبشرية في هذا الزمن أحوج ما تكون إلى نور القرآن وهدايته. - من توفيق الله لعبده تأثره بالقرآن الكريم والعمل به وانتفاعه به، وهذا من فضل الله عليه وإحسانه إليه، فلولا فضل الله وهدايته ما حصل له هذا. - يجني المتأثرون بالقرآن العاملون به ثماراً عظيمة وحسنات كثيرة وآثاراً مباركة في الدنيا والآخرة، من ذلك: زيادة الإيمان، ونيل الرحمة من الله عز وجل، وحصول البركة لقارئه وسامعه، والهداية والتوفيق لمن اتبعه في الدنيا والآخرة. - اختلف السلف في أيهما أفضل، القراءة عن ظهر قلب أم القراءة من المصحف، والأقرب أن معيار التفضيل في هذه المسألة هو التأثر والخشوع والانتفاع بالقرآن حال تلاوته. - حصول الأمن المطلق في الدنيا والآخرة متوقف بعد فضل الله تعالى وإحسانه على أمور، منها العمل بالقرآن وأتباعه والسير على نهجه والتمسك به والتحاكم إليه في صغير الأمور وكبيرها. - خلق الله تعالى الجن للغاية التي من أجلها خلق الإنس وهي عبادته وتوحيده، وكلفهم الإيمان بكتبه ورسله، والقيام بطاعته والبعد عن معصيته والحذر من مخالفته. - كان للجن مواقف ولقاءات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم استمعوا منه القرآن فآمنوا وصدقوا ثم انطلقوا دعاة خير إلى قومهم.

العذاب الأدنى – حقيقته – أنواعه – أسبابه

العذاب الأدنى – حقيقته – أنواعه – أسبابه ¤محمد عبدالله بن صالح£بدون¥مكتبة دار المنهاج – الرياض¨الأولى¢1430هـ€رقائق وزهد وترغيب وترهيب¶دراسات إسلامية الخاتمة: فقد تبين من خلال هذا البحث حقيقة العذاب الأدنى، وأنه واقع في الأمم السابقة، ومتوعد به العصاة من هذه الأمة، وأن أنواع هذا العذاب كثيرة؛ منها ما يكون في الحياة الدنيا، ومنها ما يكون في القبر، وأن هذا النكال متنوع، فتارة يكون زلزالاً مدمراً، وتارة يأتي على هيئة ريح عاتية، وتارة ثالثة يكون مرضاً عضالاً، وتارة رابعة يكون خسفاً ومسخاً ... إلى آخر صور هذا العذاب. كما تبين لنا أن أسبابه متعددة، يأتي على رأسها الكفر بالله، والشرك، وترك الصلاة، ثم اللواط، والزنا، والإحداث في الدين، والنميمة ... إلى آخر هذه الأسباب المذكورة في ثنايا البحث. ومن خلال استعراض هذه الأسباب اتضح أنه كلما كان السبب خاصاً كان العذاب والنكال خاصاً، وكلما كان السبب عاماً كانت العقوبة عامة، وما ربك بظلام للعبيد. وظهر لنا أن هذا العذاب المتوعد به ليس خبراً ماضياً، بل هو حق على حقيقة، وهو وعيد متحتم الوقوع، أقسم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض صوره أنها ستقع قبل يوم القيامة إذا توافرت أسبابها، وبين في صور أخرى أنها مقبلة لا محالة، فويل لمن أدركها! وينبغي لطلبة العلم الشرعي الإحاطة بأسباب هذا العذاب، ومعرفة أنواعه، وتحذير الأمة من الوقوع في أسبابه؛ لئلا تستجلب غضب الله ومقته، وعلى أئمة المساجد وأرباب المنابر ورجال الإعلام توعية الأمة بنحو ذلك، وإرشادهم إلى ما يحقق لهم السلامة من مغبة هذه الأهوال العظام والمخاطر الجسام، أليست إسرائيل ومن معها يبنون استراتيجياتهم العسكرية والسياسية على أوهام وخرافات تضمنها الكتاب المحرف المعتمد لديهم؟ وهو كله أوهام وأساطير، أفلا يكون أرباب الرسالة الخالدة والوحي المحفوظ أولى بالاستفادة من هذه الإرشادات النبوية والأخبار الإلهية؟!

الغرباء الأولون

الغرباء الأولون ¤سلمان بن فهد العودة£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1410هـ€رقائق وزهد وترغيب وترهيب¶عزلة وخلطة وغربة خاتمة: وفي ختام هذه الجولة الممتعة مع سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنته نخلص إلى النتائج التالية: 1 - الحديث الوارد في الغربة صحيح بل متواتر عن أكثر من عشرين طريق. 2 - معرفة أسباب غربة الإسلام الأولى. 3 - معرفة المظاهر والصور التي تمثلت فيها هذه الغربة من الإيذاء والحصار والقلة وغيرها. 4 - وتبين كيف استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه أن يجاهدوا بهذا الدين (جهاد الدعوة بالقرآن، ثم جهاد السيف والسنان) حتى كتب الله لهم النصر والتمكين، وفتح لهم البلاد، فدانت الجزيرة للإسلام قبل موت النبي عليه الصلاة والسلام، وأكمل الله الدين، وأتم النعمة على المؤمنين وبذلك زالت غربة الإسلام في بلاد العرب، وصار له وجوده القائم المتميز. 5 - كما تم التعرف على الأسباب والعوامل والوسائل التي أفاد منها المسلمون في إعزاز الدين ودفع الغربة عنه وعن أهله. وهي دروس للمسلم في كل زمان ومكان، خاصة المسلم المتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، السائر على هديه، السالك منهج أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين والسلف المهتدين. وسيمر في رسالة (صفات الغرباء وواجباتهم في هذا العصر) حديث عن واجب أهل السنة والجماعة في نشر الدعوة وحماية الدين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

القلب ووظائفه في الكتاب والسنة

القلب ووظائفه في الكتاب والسنة ¤سلمان زيد سلمان اليماني£بدون¥دار ابن القيم - الدمام¨الأولى¢1414هـ€رقائق وزهد وترغيب وترهيب¶أعمال القلوب الخاتمة أما بعد حمد الله الذي هو فاتحة كل كتاب، والصلاة على رسله التي هي خاتمة كل خطاب، نشكره جلّت عظمته أن حبانا بنعمه، وأغدق علينا من فضله. كل صنعة يخترعها العبد، لا بد أن تحوي دليلاً يوضح كيفية العناية بهذه الآلة، وطرق وقايتها، وأسباب إتلافها، وكذلك الإنسان، هو صنعة الخالق جلّت عظمته، أعطاه ينبوع الإسلام الأول، يُقلب في ثناياه ما شاء، وسيجد في كل آية من الكتاب المفصل، ما يشفي صدره، ويعالج قلبه، ويجعله يسيطر بروحه على بدنه، ويسمو بنفسه فوق حسه. وكان الهدف الأسمى من هذا البحث، معرفة هذه اللطيفة الربانية، المرتبطة ارتباطاً معنوياً باللحم الصنوبري الشكل المودوع في الجانب الأيسر من الصدر، ولها به تعلق وثيق، ولا أقصد بالمعرفة الكشف التام، إنما لمسات منيرة أوضحها الذكر الحكيم والسنة المطهرة، واقتبستها منهما، مع الاستدلال والاستئناس بأقوال الأكابر من العلماء، على مختلف الطبقات والأشربة، مع التحفظ عن المجاز ومشتقاته. أوضحت بقدر الإمكان معاني القلب ومترادفاته، والتوضيح يُظهر الفوارق. فالفؤاد اشترك مع القلب في الصغو والتقليب، وانفرد بالفراغ والرؤيا والتثبيت وغيرها، فهو جزء من القلب اختص ببعض الأحوال، من معرفة وخواطر تتقارب مع اللب حيناً وتغايره أحياناً، كما أن العقل نور يقذف في القلب، يستعد به لإدراك الأشياء، وليس عيناً قائمة بذاتها، إنما التعقل عمل من أعمال القلب المؤمن الحي، وبالتتبع وجدنا أن الصدر استقل ببعض الأحوال، فهو يضيق أحياناً وينشرح أُخرى، وهو أول مقامات القلب وموضع نور الإسلام، والقلب مقرّه ومكمنه. وبالنسبة للفطرة: توصلت إلى أنها أعم من أن تكون في قلب أو صدر، فهي تهيئة النفس لقبول الحق، وميثاق أقدم من الرسل والرسالات، ولكنها تتعرض إلى الاجتيال بالشبهة أو الشهوة، ولا حادي لها سوى الإسلام، به ترتقي إلى حقيقة التوحيد، ومع الإيمان تصور وقفة بين الحظ الأدنى والأعلى، وعلى قدره يكون النور في القلب، وبقدر عظم النور يحترق الاجتيال، وفيه تم التفريق بين الإسلام والإيمان إذا افترقا، وذكرنا بعضاً من أنوار لا إله إلاَّ الله بقدر ما صرح به الوحي. وبتتبع أحوال القلب الحي حالة بعد أُخرى استقصاءً، بقدر ما يسر الله بين الكتاب والسنة وأقوال العلماء، مع المحافظة على لغة الذكر الحكيم، تبيّن لنا من النصوص أن أول ما يطالب به العبد بعد سلامة القلب الخشوع، حتى يترقى في الثواب ويسلم من العقاب. وبيّنا معاني ورود الحالة في كتاب الله وأقوال العلماء فيها، ثم أثر تلك الحالة على الجوارح وعلى المجتمع سلباً وإيجاباً، ومقدار دوام الحالة في الأمة، وما ينتج عن ذلك، وكيف يتم الانتقال في درجات الإحسان، ومن هو المحظوظ بهذه المكانة من الأمة، وحين ترد الحالة في اللغة تحتمل المدح والذم، فصلت لمن تكون تلك الأحوال كشدة القلوب مثلاً، مرغوبة في وقت ومرفوضة في وقت آخر، وأن من الأحوال ملكات في استطاعة العبد أن ينميها، حتى يطمئن قلبه إلى ذكر الله فيزول ما فيه من القلق والوحشة، ومن التتبع تبيّن أن أعلى حالات القلب الحي، ومنتهى الكمال، وأقصى ما تتحمله طاقة القلب، الغين عليه، وهي من مراتب النبوة التي اختص بها المفضَّل بالشفاعة ?.

وتبيّن لنا أن لله تبارك وتعالى أفعالاً في قلوب عباده، يعطيها لمستحقها إذا بلغ مرحلة من مراحل القلب، سواء كانت المرحلة رقياً أو دركاً. فالطهارة والتزين والتثبيت والهداية، من خلق الله أو إنشائه في القلوب المترقية، وللدرك أحوال أُخرى، ولا تتفق القلوب على المودة والألفة إلاَّ بالمحبة الخاصة التي وعد الله أهل التقوى أن يؤتيهم كفلين منها. والإنسان وإن كان يولد بقلب سليم على الفطرة، إلاَّ أنه قابل للانحراف، لا عاصم له من وساوس الجن والأنس، إلاَّ بالتمسك بما يحييه ويرتقي به في مراتب الإيمان. وهو محل الميل والإرادة، فإذا مال إلى الهدى فهذه إرادة الرحمن، وإن مال إلى الضلال فبغية الشيطان، والقلب المريض اتضح لنا أنه لا يخلو من أحوال: كالغل والغلظة والغيظ والإباء، وكلها مراحل كبر أو نفاق أو كفر لا يخرجان عن الملة، وفصّلت القول مستشهداً بقول السلف في هذه الأحوال، متى تكون مرضاً من أمراض القلوب، ومتى تخرج من الملة، وكيفية معالجة هذه الأمراض، مع توضيح لأثر الذنوب على القلوب، مستدلاً على ذلك بنصوص الوحي الكريم. وحتى أوضح أخر مراحل موت القلب، فصّلت تعريف الموت وأنواعه وأوجه وروده في القرآن الحكيم، مع ذكر الآيات التي تدل إشارة إلى موته، فلا بد من الحيطة، إذ كثير من المشركين أزيحت الغشاوة عن قلبه فآمن، وهذا يعني بالضرورة: أنهم لم يبلغوا المرحلة النهائية من مراحل موت القلب، وتبيّن لنا أن هناك صفات وحالات، تمر على القلب المتهالك في المرض، فتقوده إلى الموت التام، كاللهو والغمر والإنكار والاشمئزاز والإكنان وما تابعهم من صفات، حتى يشرب القلب حب المعاصي، فتقوده إلى الطبع ثم الختم عليه، وكل ذلك راجع إلى ما كسب العبد من الخطايا والرزايا. وتحدثت عن مقر العقل والفرق بينه وبين الفكر والنظر، وبيّنت أن التعقل عمل من أعمال القلب، وليس هناك عين بذاتها في الإنسان تسمى العقل، مستأنساً بأقوال العلماء في شرح الآيات والأحاديث الدالة على ذلك، فقادنا هذا إلى أن موضع التمييز والاختيار وإلزام الحجة هو القلب، وحتى يتم التوضيح أكثر عرّفت الفهم ومراتب الناس بالنسبة لتعقل وتعريف العاقل، كل ذلك يقودنا إلى مراتب المعرفة عند الإنسان، سواء كانت معرفة مباشرة أو غير مباشرة للقلب، وظهر لنا أن زيادة أعمال الخير فَتْح من الله تبارك وتعالى، تدل على ترقي الفهم الذي يقود إلى التعقل، ولا يتم ذلك إلاَّ بزيادة الإيمان، أو بخصوصية المشرع للصفوة الطاهرة، برجحان القوة العملية الإرادية أو القوة العملية النظرية. والمهم أن يكون العلم بتدبر وانتفاع وتصديق وطاعة، حتى يؤدي ذلك إلى تعظيم الله. أما العلم القاصر على الاستمتاع الدنيوي فقط، فهو درك يهوي بصاحبه. وتحدثت عن وسائل المعرفة غير المباشرة للقلب، كالسمع والبصر ووظائف كل منهم، بقدر ما يحتاج إليه البحث مع بيان أهميتها بالنسبة للإنسان. أما المعرفة المباشرة فهي الرؤى والأحلام، وظهر أنه بقدر الإيمان وبرقيه تزداد المعرفة عن طريق الرؤى، وكذلك الخاطر والإلهام والتحديث، وتقييد كل معرفة بقيود شرعية موافقة لمرضاة الله، مع توضيح مراتب كل معرفة، وما يترتب على ذلك من مخاطبات ومكاشفات، وإسناد ذلك كله على أقوال السلف الطاهر، ثم الفراسة بصفتها نوع من أنواع المعرفة، وختمت أبواب المعرفة بكلام الله لأنبيائه بصفته أعلى أنواع المعارف وأشرفها, وأرقاها، مع تفصيل مستند من الوحي. وأتمنى على الله تبارك وتعالى، أن يتبع هذه البحث ببحوث متممة تسانده وتوضحه أكثر وأجلى لتتم الاستفادة منه على ما ينبغي، ومن ذلك التوضيح التام لكل حالة تكرر ذكرها في الكتاب والسنة بتفصيل، كالتقوى والطمأنينة والسكينة، وكذلك المعرفة: فهي أنواع، كل نوع تتكون منه رسالة علمية يستفيد منها المسلمون، كالرؤى، فقد كان اهتمام الرسول ? بها كثيراً، فلا بد من وضع قواعد لها مستقاة من الشرع، وكذلك التحديث والإلهام وفراسة المؤمن. ومن المواضيع التي يحتاجها هذا البحث، معرفة النفس أحوالاً وتفصيلاً، لا دراسة عامة كما هو مشاهد، بل حَوَت من الأحوال والصفات أكثر من ثمانين حالة ما بين حياة ومرض وموت، ومدى ارتباط الحالات بالقلب، مع التركيز على التفريق بين أمراض النفوس وأمراض القلوب. فدراسة فردية يمكن أن تلم بالموضوع أمر من الصعوبة بمكان، فأشد الناس حماقة أقواهم اعتقاداً في فضل نفسه، وأثبت الناس عقلاً أشدّهم اتهاماً لنفسه. نسأل الله جلّت عظمته أن يلهمنا الصواب في القول والعمل. ومما نختم به، قول الحبيب المصطفى ?: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

فقه الابتلاء

فقه الابتلاء ¤محمد أبو صعيليك£بدون¥دار البيارق - الأردن¨الأولى¢1420هـ€رقائق وزهد وترغيب وترهيب¶ابتلاء ومحنة وصبر وشكر وبعد هذه الجولة الطويلة التي تعرفنا على سنة من سنن الله تعالى في حياة البشر، وفي طريق الدعوات منذ بدء الخليقة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، تلك هي سنة الابتلاء، تلك السنة التي جعلها الله تعالى في حياة البشر لتمحيص الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، ولتعرف بها أحقية الدعوات، وصدق توجهاتها، وصدق نوايا أصحابها، تلك السنة التي ما سلم منها داعية، ولا نجا منها مصلح، ولا تخلفت في حياة نبي، ولا غابت من حياة صادق، تلك السنة التي تخصصت في إظهار حسن معادن الرجال، وصدق طوايا النفس، تلك السنة التي ما برحت مسير الصادقين لحظة، فأظهرت فضلهم، وأنارت طريقهم، وأومأت إلى مواطن الخير في نفوسهم، تلك السنة التي تعجز الصحائف عن تعداد مفردات الخير فيها. وقد وقفنا في هذا البحث عند معنى الابتلاء في اللغة والاصطلاح، وثم عرضنا لحكمة الابتلاء، ثم عرضنا لفوائد الابتلاء التي يستفيدها الإنسان في حياته سواء كان فردا بمفرده أو في جماعته، وهي فوائد جليلة عظيمة أشار إليها أهل العلم عليهم رحمة الله تعالى واقتبسوها من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ثم عرضنا لأنواع الابتلاء وهما اثنتان، ثم عرضنا للشدائد في حياة المسلم، وهي شدائد تحتاج إلى مزيد استعانة بالله تعالى، وحسن توكل عليه، وكثرة إقبال عليه سبحانه. ثم عرضنا لما يجب على المسلم نحو الشدائد الخمس من لزوم اللجوء إلى الله، والتحلي بأعلى درجات الصبر ولزوم اتباع الحذر من حياته الدنيا، وليكن منهم العفو عمن كان سببا في وقوع إحدى تلك الشدائد والمحن به، ثم لزوم التحلي بتربية صادقة للنفس. ثم عرضنا لأساليب الكفار في تعذيب المؤمنين، وهي أساليب قديمة حديثة، تتشابه في الدافع إليها، وقد رأينا خلال البحث منها الأذى في النفس بصورة من تشويه صورة الداعية، والاستهزاء بالمؤمنين، والتشكيك في شخصية المؤمن، واتهامه بالكذب والسفه والضلال والفساد، واتهامه بالسحر والكهانة والشعر، واتهامه بالنفعية وحب الزعامة، واتهامه بالعمالة لدولة أجنبية، والعمل على إيصال اليأس والقنوط إلى نفسه، ومنها الأذى في المال، بمحاربة المؤمن في رزقه ومصادرة أمواله وممتلكاته، ومحاصرته ومنعه من الاكتساب، ومنها منافعها، وتعذيبه بالنار وتعذيبه بالخنق، وإلقاء الأذى والقاذورات عليه إلى غير ذلك من صور الابتلاء في البدن. كما عرضنا لصور الممارسات القاسية المشينة التي استعملها الكفار مع المؤمنين في العصر الحديث، وخاصة في روسيا أيام الشيوعيين، وفي الصين وتركيا وغيرها، ثم الأذى في النفس والمال والبدن معا ومن صوره: السجن والمطاردة والتهجير من الأوطان، ومنه أذى المؤمن في دينه، بمساومته على مواقفه، ومحاربته في مشاعره، وفتح الأبواب للأفكار المنحرفة. ثم عرضنا لصور الابتلاء بالسراء من إقبال الدنيا والتنافس عليها، ونشوة النصر. ثم عرضنا لما يعين على الابتلاء من عون الله تعالى بالذكر والدعاء والعبادة بصورها كالصلاة والصوم، ومن وجود التقوى التي تحمل الإنسان على القيام بالواجبات، وترك المحرمات، ومن المعينات كذلك الإرادة القوية التي تمنع صاحبها من الضعف أمام خصوم دينه، وأعداء فكرته، ومنها الاعتبار بأحوال البشر، ثم عرضنا للابتلاء بين المحنة والمنحة، فرأينا أنه في ظاهره محنة لكنه في باطنه نعمة ومنحة كبيرة لا يعلم مقدارها إلا من أكرمه الله تعالى بالثبات على أمره في مثل تلك الأحوال.

ثم عرضنا لكون الابتلاء طريق للتمكين لعباد الله تعالى من المؤمنين، ولأن الصابر المبتلى يمكن له في الأرض، وهي سنة من سنن الله تعالى في حياة الناس. ثم عرضنا لنماذج ابتلاء المؤمنين في مختلف العصور: فبدأنا بذكر ابتلاء أولي العزم من الرسل وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وبذكر ما أصابهم من أقوامهم من الأذى والإعراض، ويكف قلب الله تعالى لهم الحالة حتى أصبحت المحن هذه منحاً جليلة ومنناً عظيمة في حياة أولئك الرسل عليهم السلام، وقد عرضنا لصور الابتلاء التي ألمت بهؤلاء الأنبياء عليهم السلام. كما عرضنا معهم لابتلاء سيدنا يوسف عليه السلام، وكيف أن الله تعالى قد أخرجه من تلك المحن الشديدة والابتلاءات الصعبة صابرا كريما، ما لانت له قناة، ولا تغير له عليه السلام موقف. ثم عرضنا للابتلاءات التي تعرض لها أذى قومه له وحربهم إياه، وتكذيبهم لدعوته، وقتلهم لأصحابه، وتأليبهم الكفار في الجزيرة عليه، إلى ابتلائه بأهل النفاق وما فعلوه معه صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فتأ في عضده، وإضعافا لقوته، وإعانة لأعدائه، وتثبيطا لأصحابه، وما تعرض له صلى الله عليه وسلم، من أذى اليهود، فقد حاكوا له المؤامرات، فحاولوا قتله، وأعانوا عليه أعدائه، ونكثوا معه العهود، وخانوا المواثيق، وما تركوا بابا من الأذى إلا أتوه منه، لكن الله تعالى أعانه عليهم، وسلطه عليهم، فأخرجهم من المدينة ثم من خيبر. كما عرضنا لما أصابه من البلاء في نفسه من موت بناته وهن شابات، وموت أبنائه الذكور صغارا. ثم عرضنا لما أصاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، من الابتلاءات وما نزل بهم من الملمات، وما وقع بهم من البليات، فذكرنا نماذج لأولئك الصحب الكرام الذين ابتلوا، وما فعل بهم الكفار من صنوف الأذى وأنواع التعذيب، بلا ذنب ولا جريمة إلا كونهم يقولون: ربنا الله، فذكرنا ابتلاء أبي بكر وعمر وعبدالله بن مسعود، وأبي ذر الغفاري، وخباب بن الأرت، وابن فهيرة، وعثمان وطلحة بن عبيدالله، ومصعب بن عمير، وعياش بن أبي ربيعة، وسعيد بن زيد، وسعد بن عبادة رضي الله عنهم، وما أصاب النساء الصحابيات من الأذى فذكرنا ما أصاب أم سلمة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وأسماء بنت أبي بكر، وأم عبيس وزنيرة وجارية بني مؤمل رضي الله عنهن جميعا، وما أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أصاب أم عمار بنت خياط، رضي الله عن الجميع. ثم عرضنا لنماذج من ابتلاء العلماء الصادقين والدعاة العاملين، فذكرنا ابتلاءات: عبدالله بن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن عبدالله من الصحابة رضي الله عنهم، وابتلاءات: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعبدالرحمن بن أبي ليلى، وأبي حنيفة، ومالك بن أنس، والشافعي، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، والبخاري، والنسائي، وابن حزم الظاهري، وعبد الغني المقدسي، وأبي شامة المقدسي، والعز بن عبدالسلام، وأحمد بن تيمية، وابن قيم الجوزية، ومحمد بن عبدالوهاب، والصنعاني، والشيخ السادات، والجبرتي، ومحمد عليش، ومحمد عبده، وسليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله جميعا. وهذه النماذج التي اخترت وذكرت في هذا الكتاب دالة على الأمور التالية: 1 - شمول المحنة لأهل الخير والفضل والصلاح والدين في مختلف العصور وشتى البقاع. 2 - المحنة مستمرة في مختلف الأجيال كالأنبياء، والصحابة، والتابعين من بعدهم. 3 - المحنة سنة من سنن الله تعالى في حياة البشر، ولا تتخلف هذه السنة في حياة الناس. 4 - المحنة علامة صحة ودليل صواب، وليس العكس. 5 - المحنة تقضي أن يعرف الإنسان قدر نفسه فيعمد إلى الإعداد الروحي لها ولا يتكل على جهد نفسه، وعلى ما يظنه عند نفسه من قوة وتحمل. 6 - للمحنة فوائد عظيمة وآثار جليلة على النفس والجماعة لا يجوز للمرء بحال أن يغفل عنها أو أن ينساها. 7 - المحنة تقتضي أن يعرف الإنسان أحكام الرخص الشرعية عند العلماء من جواز الكذب إذا تعلق بكلامه أذى لغيره، وجواز التورية والتعريض، ومن معرفة أحكام التيمم والوصية، والرضى بالقضاء، وحسن الإقبال على الله تعالى وغير ذلك من أحكام. 8 - المحنة عامة شاملة تشمل الذكر والأنثى والوجيه وغيره، والعبد والسيد، والعربي، والأعجمي، والقديم والمعاصر، وهكذا. 9 - لا يتمنى المؤمن البلاء ولا لقاء العدو لكن يستعين بالله تعالى إذا وقع به شيء من ذلك أو ألمت به ملمة من تلك الملمات. هذا ما أردت أن أقوله في هذا الباب، ومن الله تعالى أرجو القبول والسداد وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم إنه نعم المولى ونعم النصير. والحمد لله رب العالمين.

محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

محبة الرسول بين الاتباع والابتداع ¤عبدالرؤف محمد عثمان£بدون¥مكتبة الضياء - جدة¨الأولى¢1412هـ€رقائق وزهد وترغيب وترهيب¶محبة الرسول الخاتمة بعد معالجتي لهذا الموضوع توصلت إلى النتائج التالية: • محبة الرسول صلى الله عليه وسلم هي ميل قلب المسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ميلاً يتحقق فيه إيثاره على كل من سواه من البشر. • أن المحبة أمرٌ زائدٌ على الاتباع، إذ هي بمنزلة الباعث والدافع إلى هذا الاتباع. • أن المحبة ركنٌ أساسي من أركان الإيمان لا يصح الإيمان بدونه. • أن التعبير الحقيقي عن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم يتمثل في صدق الاتباع له، والاقتداء به وتعظيمه وتوقيره والقيام بحقوقه ومحبة ما يحبه وبغض ما يبغضه. • أن بين المحبة والاتباع علاقة مطّردة إذ لا يوجد أحدهما بدون وجود الآخر فمن حقق الاتباع وبذل الوسع في معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم فقد صدق في المحبة. • أن بين المحبة والغلو بوناً شاسعاً، فالمحبة أمرٌ شرعي والغلو مذمومٌ ومنهي عنه شرعاً، ولا يمكن اتفاقهما. • أن من غلا في الرسل صلى الله عليه وسلم فهو متشبه بالنصارى في غلوهم في عيسى عليه السلام. • أن بداية الغلو في هذه الأمة كانت لدى الشيعة وعنهم انتقل إلى الصوفية. • كان الحلاج أول صوفي اشتهر عنه الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم منطلقاً من مذهبه في حلول الإله في الإنسان، وهو في هذا يشبه النصارى في غلوهم في عيسى عليه السلام. • كان مقتل الحلاج تحولاً كبيراً في من أتى بعده من الصوفية عامةً وغلاتهم خاصةً، وتمثل ذلك في: - استتارهم بمذهبهم، ومحاولة إخفاء حقيقته عن عامة المسلمين. - اتخاذ الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم ذريعةً إلى نشر العقائد الهدامة في صفوف الأمة بدعوة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم. • كان ابن عربي من أكبر السائرين على درب الحلاج في محاولة الخروج على الإسلام. • يعد ابن عربي صاحب مذهب وحدة الوجود في المحيط الصوفي، إذ بذل في سبيل نشره ودعوة الناس إليه كل ما في وسعه. • أن ابن عربي قد غلا في الرسول صلى الله عليه وسلم ورفعه إلى مرتبة الألوهية بمذهبه في الحقيقة المحمدية المساوية للحقيقة الإلهية. • إن غلو ابن عربي ومثله الحلاج وغيرهما من غلاة الصوفية لم يكن نتيجة حبٍ للرسول صلى الله عليه وسلم، بل كان زندقةً وإلحاداً وكيداً لهذا الدين. • كان للغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم أكبر الأثر في إفساد العقيدة والعبادة لدى أكثر الصوفية، وتمثل ذلك في ضلال معتقدهم في الله ورسوله. • إن الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم محرّم شرعاً لما يفضي بصاحبه إلى الخروج من الدين. • من اعتقد مقالة غلاة الصوفية كالقول بالحقيقة المحمدية، وأن الرسول مخلوقٌ من نور، وأنه كان موجوداً بحقيقته قبل خلق السموات والأرض، وأن الكون خلق من نوره، أو أنه روح الله المنفوخ في آدم إلى غير ذلك من مقالات الغلاة. من اعتقد بمثل هذا فقد كفر بعد قيام الحجة عليه. • إن من آثار الغلو ظهور البدع الاعتقادية والعملية. • إن البدعة أمرٌ مذموم شرعاً بلا استثناء إذ كلها ضلالة. • إن القول بتقسيم البدعة إلى حسنةٍ وسيئة قولٌ غير مستقيم شرعاً. • اتخذ كثيرٌ من الصوفية اختلاف العلماء في تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة ذريعة إلى ترويج بدعهم تحت ستار اسم البدعة الحسنة. • إن الصوفية وبالأخص غلاتهم من أكثر الناس ابتداعاً وخروجاً على السنة. • استغل كثيرٌ من الصوفية دعوى المحبة في إظهار كثيرٍ من البدع، مثل الحضرات والموالد والتوسل البدعي والشركي وصيغ الصلوات المبتدعة. • أن للابتداع آثاراً سيئة على المبتدعة، وتمثل ذلك في حرمانهم من الهدى وقضاء أعمارهم في التيه والضلال، ثم ما ينتظرهم من أليم العقاب، إذا لم يتوبوا ويرجعوا إلى حظيرة السنة والجماعة. • كما كان الغلو سبباً من أسباب الانحراف بالمحبة عن وضعها الشرعي، فإن الجفاء والتقصير في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم يعتبر مرضاً خطيراً يجب معالجته عند بعض المسلمين. • إن التوسط في أمر المحبة لن يكون إلا بصدق الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً تأدباً بآدابه وتخلقاً بأخلاقه صلى الله عليه وسلم.

سياسة شرعية

سياسة شرعية

أهل الحل والعقد صفاتهم ووظائفهم

أهل الحل والعقد صفاتهم ووظائفهم ¤عبدالله بن إبراهيم الطريقي£بدون¥دار الفضيلة - الرياض¨الثانية¢1425هـ€سياسة شرعية¶أهل الحل والعقد الخاتمة: الحق – والحق أقول – بعد هذه السياحة العلمية المضنية في موضوع "أهل الحل والعقد" أنه بقدر ما كان شائقاً ماتعاً، ومؤنساً، مستطاباً، فقد كان كذلك شاقا وشائكاً. ولكنني لم ولن أندم على هذه السياحة لما وجدت فيها من الفوائد الكثيرة والجليلة والتي من أهمها: اكتشاف ما لهذه الهيئة من المكانة الاجتماعية السامقة، ثم ما يترتب عليها من وظائف كبيرة عامة، ومتى "صلحت هذه الفئة من الأمة صلح حالها وحال حكامها، وإذا فسدت فسدا، ولذلك كان مقتضى الإصلاح الإسلامي أن يكون أهل الحل والعقد في الإسلام من أهل العلم الاستقلالي بشريعة الأمة، ومصالحها السياسية والاجتماعية والقضائية والإدارية والمالية، ومن أهل العدالة والرأي والحكمة". ذلك ما أردت الإشارة إليه بين يدي هذه الخاتمة. أما ما أختم به هذا الموضوع وبإيجاز شديد؛ فهو أمران: أحدهما: أهم نتائج البحث. والثاني التوصيات. أولاً: أهم نتائج البحث: لقد ظهر من خلال البحث أن من القضايا المطروحة ما هو يقيني قطعي، ومنها ما هو مظنون. فأما اليقيني فقد برز في أمور كثيرة منها: 1 - مشروعية التشاور في أمر المسلمين. 2 - النصيحة للمسلمين عامة ولأولي الأمر خاصة، والاهتمام بأمورهم. 3 - أنه لا بد أن يتصدى لأمور المسلمين العامة فئة من الناس تتميز بسمات وصفات معينة من أجل عقد تلك الأمور وحلها. وذلك من فروض الكفايات، وإذا لم تقم فعلى الأمة جميعاً تقع المسؤولية والتبعة. 4 - وفي مقدمة هؤلاء أهل العلم العاملون، فإن لهم مكان الصدارة وبهم تقتدي الأمة، وعليهم تستند. 5 - ومن صفات هؤلاء الذين يتولون عقد الأمور وحلها: الإسلام، والتكليف، والعدالة، والعلم الضروري، والشوكة، والذكورة. 6 - وعليهم وظائف كبيرة من أبرزها: اختيار من يصلح للإمامة ومبايعته، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح للأمة كافة. وفي حال خلو الزمان من الإمام فإن عليهم مسؤوليات مضاعفة وضخمة، حتى يقوموا ببيعة إمام. 7 - وفي حال إجماعهم على شيء فتجب طاعتهم، ولا يحل الخروج عنهم أو عليهم. تلك من أبرز القطعيات في هذا الموضوع. أما المظنون فهو كثير هنا، ولكنه – قد بدأ خلال البحث – ذا صور ووجوه مختلفة. فمنه ما هو ظاهر الرجحان، ومنه ما هو محتمل، ومنه ما هو ضعيف أو شاذ. ومن أمثلة الأول "ظاهر الرجحان": 1 - مفهوم أهل الحل والعقد وأنه يشمل ثلاث فئات، العلماء، والأمراء، والوجهاء. وأما الاقتصار على واحدة منها أو اثنتين فهو مرجوح. 2 - اعتبار صفة الاجتهاد – ولو أدناه – في بعض أهل الحل والعقد للحاجة الشديدة إليه. 3 - اشتراط صفات الرأي والحكمة والخبرة فيهم. 4 - أن مسؤوليتهم مستمرة في حال وجود الإمام وعدمه. 5 - وهذه المسؤولية ذات شمولية في كل ما هو من شؤون المسلمين العامة "الفكرية، والسياسية، والاجتماعية، والأمنية، ونحو ذلك". 6 - وفي حال اختيار الإمام ومبايعته فلا بد من اتفاق جمهورهم من ذوي الشوكة، ولا يكتفي بأفراد محدودين، ولاسيما إذا كانوا ذوي كثرة. 7 - وفي حال اختلافهم مع الإمام القائم، فإذا كانوا مجمعين على الرأي وجب اتباعهم مطلقاً. وإن اختلفوا فينظر في الإمام أهو مجتهد أم لا؟ فإن كان مجتهداً فيطاع هو، وإن كان غير ذلك فيطاع جمهور أهل الحل والعقد المؤيدون بالعلماء. ومن أمثلة الثاني "وهو المحتمل": 1 - اشتراط المواطنة في عضو أهل الحل والعقد أو عدم اشتراطها. 2 - هل للإمام أن يعين أهل الحل والعقد؟ أيعينون بطريق الانتخاب؟ أو أنهم يتعينون من خلال واقعهم؟

3 - وهل تكون شوراهم ملزمة للإمام أو غير ملزمة، وهل يجب الأخذ برأي الأغلبية أو برأي الإمام؟ 4 - وهل يشارك رجال العلم والدعوة في المجالس البرلمانية في الدولة العلمانية أو لا؟ على أنه قد بدا خلال البحث تفصيلات مفيدة في مثل تلك المسائل. ومن أمثلة الثالث "وهو الضعيف أو الشاذ": 1 - جواز مشاركة الذمي لأهل الحل والعقد. 2 - جواز مشاركة المرأة لهم أيضاً. 3 - اشتراط صفة الاجتهاد في كل واحد منهم. 4 - اعتبار شروط أهل الحل والعقد اجتهادية صرفة قابلة للتغير والتبديل. 5 - عدم اشتراط العلم مطلقاً، والاكتفاء بشرط الإسلام والخبرة والرأي. 6 - تحديد العدد من أهل الحل والعقد الذين تنعقد بهم البيعة: بالواحد والاثنين والثلاثة ونحوها. 7 - القول بأن نظام "أهل الحل والعقد" برمته غير واضح المعالم، وأنه مجرد اصطلاح شكلي لا يحقق الغرض المطلوب. 8 - والقول بأن وظائف أهل الحل والعقد تنحصر في اختيار الإمام ومبايعته ثانيا: التوصيات: إذا كان أهل الحل والعقد يمثلون النخبة الطيبة من علماء الأمة وعقلائها فإني ملي أن يتقدم بالتوصيات إليهم وهم أصحاب الخبرة والدراية بواقع أمتي، بل هم أصحاب العلم بالشريعة. ولكنني – وقد بحثت هذا الموضوع – أستأذن مثل هؤلاء الأفاضل كما استأذن القارئ الكريم بإبداء هذه المرئيات التي أراها نافعة ومفيدة: 1 - يعلم الدعاة والعلماء وذوو الغيرة في أنحاء العالم الإسلامي أن صلاح الأمة منوط بهم بعد الله. ولذلك فإن عليهم أن يدركوا حقيقة المسؤولية وجسامتها، وأن يكونوا عند حسن ظن الأمة بهم، وأن يتقوا الله تعالى في الناس، فلا يتركوهم تتخطفهم الأهواء ودعاة الضلالة. 2 - والدعاة – وهم يقومون بوظيفة الرسل وهي الدعوة – مطالبون بأن تكون دعوتهم قائمة على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه من الصحابة والتابعين ومن سار على دربهم. وبهذا المنهج تلتقي الدعوات كلها، وتتقارب أهدافها، كما تلتقي القلوب على الحق. ولعل من أهم الوسائل المساعدة هنا الاهتمام بالعلم الشرعي، والالتفاف حول رجالات العلم العاملين. إنه رجاء موجه إلى كل الحركات والجماعات والجمعيات الدعوية – نأمل أن يتحقق. 3 - وبجانب ذلك الرجاء فهنا تحذير لا بد منه وهو أن يحذر الدعاة الأفاضل في كل مكان من الاغترار بأنفسهم والاستغناء عن أهل العلم، أو اعتبار أنفسهم هم أهل الحل والعقد في بلادهم مع عدم تأييدهم للعلماء وتأييد العلماء لهم. 4 - كما ينبغي الحذر من الاغترار بالغوغائية أو ما يسمى بالتأييد الجماهيري غير المنضبط، الذي يتأثر بالدعايات والمظاهر، دون اقتناع علمي وعقلي، الأمر الذي قد يزج بالدعاة والمصلحين في المضايق، بل في الطرق المسدودة. 5 - ومن الحكمة أن تراعى الظروف المحيطة "المحلية والخارجية" سواء أكانت ظروفاً سياسية أم فكرية أو اجتماعية أم غيرها، والتي بناء عليها يستطيع أهل الحقل والعقد في كل بلد أن يقوموا بوظائفهم على الوجه المقبول. ولابد أن الظروف والملابسات تختلف من مكان إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى. إذ بعض البلاد المسلمة مازالت محافظة على أصل الإسلام وجوهرة ورعايته في الجملة، وبعضها يأخذ بأنظمة وقوانين مزدوجة منها الإسلامية، ومنها القانونية البحتة. وبعضها قد فسح المجال للدعوة والتربية وربما أيدت، وفي المقابل يوجد دول تنتمي إلى الإسلام وهي تحارب الدعاة ورجال الإصلاح، بل تعلن حربها على شريعة الله بشكل سافر.

6 - ولعل من أهم الوسائل التي بها يتمكن أهل العلم والرأي في الأقطار الإسلامية كافة، عقد المؤتمرات واللقاءات لبحث أمور المسلمين العامة فيما يحقق الخير للمسلمين. وهنا ينبغي الاستفادة من بعض المؤسسات القائمة التي تعني بأمور المسلمين العامة مثل: رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، والمجامع الفقهية الموجودة في بعض البلدان المسلمة. ونظراً لأن هذه المؤسسات كثيرة جداً وهي موجودة في أقطار مسلمة وغير مسلمة، لذلك فإنني أتمنى لو أن إحدى هذه المؤسسات الكبرى كالرابطة مثلاً، أو منظمة المؤتمر الإسلامي، أو أحد المجالس الإسلامية الموجودة في الغرب تنظم لقاء عاما يجمع هذه المؤسسات كلها للمشاورة في أمر الدعوة الخاصة وفي مصالح المسلمين عامة. على أنه ينبغي أخذ الحذر من المؤسسات المشبوهة التي تنتمي إلى طوائف ضالة منحرفة، أو تمول من قبلها أو من قبل الدول والقوى المعادية للإسلام. 7 - وبالنسبة للمشاركة الفعلية في المجالس الشورية والبرلمانية في البلدان المسلمة من قبل أهل العلم والدعوة فإن ذلك يخضع – في نظري – لظروف كل دولة، وعلى أولئك أن يوازنوا بين المصالح والمفاسد بمعايير شرعية دقيقة. ونظراً لأن هذه المسألة "الدخول في المجالس البرلمانية في الدول العلمانية" لا زالت محل النظر. فإنني أتمنى على المجامع الفقهية الموقرة أن تدرسها بعناية وتصدر فيها ما تراه متفقاً مع السياسة الشرعية، ولو بوضع أصول عامة. كما أتمنى أن تدرس ما أشبهها من النوازل في هذا المجال مثل: الانتخاب، والترشيح، والأخذ بمبدأ الأغلبية، ووجود الأحزاب السياسية ونحو ذلك. 8 - وأخيراً فلا تفوتنا هذه الوصية إلى العامة، وذلك بأن يعرفوا حق هذه الهيئة ومنزلتها، ويرجعوا إليها في كل شؤونهم العامة، ويسمعوا ويطيعوا لها كما ينبغي أن يكونوا أعضاء قوية وسواعد متينة لها تشد أزرها وتنهض بعزيمتها وتدافع عنها. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

أهل الحل والعقد في نظام الحكم الإسلامي - بحث مقارن

أهل الحل والعقد في نظام الحكم الإسلامي - بحث مقارن ¤بلال صفي الدين£بدون¥دار النوادر – سوريا¨الأولى¢1429هـ€سياسة شرعية¶سياسة شرعية - أعمال شاملة ومنوعة نتائج البحث: يمكن تلخيص أهم النتائج التي وصل إليها البحث من خلال ما يأتي: 1 - إن أول من عبر بمصطلح: أهل الحل والعقد، هو الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله. 2 - بعد الإطلاع على جهود العلماء والباحثين في تعريف هذا المصطلح، أرى تعريفه بما يأتي: أهل الحل والعقد: هم جماعة مخصوصة من وجوه الناس، يمثلونهم في رعاية أمورهم العامة. ويمكن تفصيل هذا التعريف بالقول: أهل الحل والعقد: هم الجماعة المخصوصة، الذين تختارهم الأمة من وجوهها المطاعين، ذوي العدالة والعلم والأمر العام، وبخاصة العلماء المشهورين ورؤساء الناس، وتتبعهم فيما ينوبون فيه عنها، من إقامة مقصود الإمامة، ورعاية أمور الأمة ومصالحها العامة، وأهمها: اختيار رئيس الدولة. 3 - إن أهل الشورى هم أهل العلم، سواء أكانوا وجوهاً بين الناس أم لم يكونوا؛ وإن أهل الحل والعقد هم وجوه الناس، سواء أكانوا من العلماء أم لم يكونوا. 4 - إن مصطلح أهل الاختيار: مفهوم مرادف لكلمة: أهل الحل والعقد، وإن مصطلح أهل الشوكة، أو أهل القوة والنفود: يطلق على من كان ذا نفوذ وعصبية، وفقد شرطاً من شروط المشروعية الواجب توافرها في أهل الحل والعقد. 5 - إن أهل الحل والعقد، أو وجوه الناس، الوارد ذكرهم في نطاق: نظام الحكم الإسلامي، هم فئة مستقلة عن أهل الحل والعقد، أو المجتهدين، الوارد ذكرهم في علم أصول الفقه. 6 - كان لأهل الحل والعقد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أثرهم الواضح في نصرة الإسلام، ونشر دعوته، ومن الأمثلة عليه: بيعة العقبة الثانية، وغزوة بدر، كما كان الأهل الحل والعقد وجود واضح في زمن الخلافة الراشدة، وبخاصة في بيعة الخلفاء، وفي زمن الخلافة الأموية الأموية والعباسية، وبخاصة في موضوع: العهد. 7 - إن أول ظهور واضح لأهل الحل والعقد في الإسلام، كان في انتخاب أهل العقبة الثانية نقباءهم الاثني عشر. 8 - تجب إقامة جماعة أهل الحل والعقد على من كان قادراً عليها؛ لأن إقامة الوظائف المنوط بأهل الحل والعقد تجب شرعاً، و (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب). 9 - يجب على رئيس الدولة أخذ موافقة أهل الحل والعقد على كل ما ينشئ إلزاماً جديداً على الرعية، إذا لم يمنح الرئيس جواز الإلزام بهذا الأمر في عقد البيعة، ويجب على العامة الالتزام بقرار أهل الحل والعقد؛ لكونهم من أولي الأمر المنصوص على وجوب طاعتهم. 10 - إن الشروط الواجب توافرها في أهل الحل والعقد هي: الوجاهة أو الشوكة، والعدالة، والعلم بأمور الإمامة، ولا يشترط فيهم بلوغ مرتبة الاجتهاد، ولا تشترط فيهم الذكورة، ويجوز إدخال ممثلين عن غير المسلمين ضمن جماعة أهل الحل والعقد، بشروط. 11 - إن أهم عناصر أهل الحل والعقد هم العلماء، ورؤوس الناس، وقادة القوى المسلحة؛ لتبعية الناس لهم، ولوجاهتهم بين العامة، أما المناصب الإدارية فلا تخول أصحابها الدخول في جماعة أهل الحل والعقد إذا لم تكن لهم وجاهة بين العامة. 12 - إن طريقة تمييز أهل الحل والعقد هي الانتخاب من قبل العامة، المكلفين العدول، ولا تشترط الذكورة، ويحق لغير المسلمين انتخاب ممثلين عنهم بشروط، ولا يجوز إلزام العامة بممثلين يعينهم رئيس الدولة أو غيره ممن لم تنتخبهم العامة. 13 - يختص أهل الحل والعقد ببيعة رئيس الدولة، وبعزله عند الحاجة، وبإقرار الالتزامات التي تمس مصالح العامة، ولهم الرقابة على تصرفات رئيس الدولة، للتأ: د من مراعاة مضمون عقد البيعة، وتنفيذاً لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحقيقاً لمصلحة الأمة. 14 - إن مناط انعقاد الإمامة هو بيعة أهل الحل والعقد، الذي تقوم بهم القدرة، ويستقر ببيعتهم الأمر، وليس العهد الخلي عن موافقة هذه الجماعة بعاقد للإمامة. 15 - إن عدم الاتفاق على أن الهوية الإسلامية هي مصدر التشريع، ومعيار حسن أداء جهاز الحكم، يؤدي إلى الإخلال بصدق تمثيل أهل الحل والعقد للعامة، وإلى عدم أداء أهل الحل والعقد لوظائفهم على الوجه الذي يحقق المصلحة.

أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية والرد على الطوائف الضالة فيه

أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية والرد على الطوائف الضالة فيه ¤علي بن نفيع العلياني£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1405هـ€سياسة شرعية¶جهاد الخاتمة لقد تم هذا البحث المتواضع بعون من الله وتوفيقه وأسأل الله سبحانه أن يتجاوز عن الزلل والتقصير وأن ينفع بالمكتوب. ويمكن تلخيص أهم نتائج البحث فيما يأتي: 1ـ إن الله سبحانه أرسل خاتم رسله عليه الصلاة والسلام بأكمل وأشمل وأتم رسالة سماوية وكلفه بالدعوة إلى الله عز وجل وشرع له وسائل الدعوة وطرقها فقام بأمر ربه خير قيام فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة. 2ـ إن الواجب على الدعاة إلى الله اتباع الرسول e في نهجه والاهتداء بنور الوحي وقد بين e غاية البيان وسائل الدعوة المشروعة وطرقها فليس في الإسلام "إن الغاية تبرر الوسيلة" كما هو في الأنظمة الوضعية بل لا بد أن تكون الوسيلة مشروعة والغاية مشروعة. 3ـ إن الرسول e مارس الدعوة بنوعيها السري والعلني تبعاً للمصلحة الشرعية. 4ـ إن الرسول eكان يدعو إلى العقيدة أولاً ويوليها كل اهتمام لأنه بدون تصحيح العقيدة وتثبيتها في النفوس لا تستقيم الأعمال. 5ـ إن التربية على العقيدة تحتاج إلى فترة طويلة حتى ترسخ في النفس وتتكيف بها في واقع الحياة. 6ـ إن أقوى سلاح تتسلح به الدعوة في حال ضعفها هو الاتصال بالله وتكثيف العبادة والصبر والثبات علىالحق. 7ـ إن الابتلاء سنة ربانية في طريق الدعوة إلى الله تعالى. 8ـ إن النجاح في الابتلاء وسيلة للنجاح في الدعوة إلى الله تعالى. 9ـ إن التنازل عن شيء من العقيدة تشويه للمنهج لا يقره الإسلام "ودوا لو تدهن فيدهنون". 10ـ في حال ضعف المسلمين وغلبة الكفر لا يحل ترك الدعوة إلى الله وإعداد النفوس المؤمنة التي تتكاتف على حمل الحق ونشره بين الناس حسب الاستطاعة. 11ـ إن انتفاش الباطل وهيمنته وتعذيبه للمؤمنين وفتنتهم عن دينهم يكون عند فقد الجهاد والقوة الرادعة لقوى الشر والطغيان وأوضح مثال على ذلك العهد المكي في عصر الرسول e وهذا العصر الحاضر. 12ـ إن الجهاد القتالي مرحلة حتمية من مراحل الدعوة إلى الله وهو الذي ينشرها ويوسع قطرها ويكثر اتباعها ويعز شأنها وسيرة الرسول e في العهد المدني أكبر دليل على ذلك. 13ـ إن الجهاد الإسلامي مراحل يسلم بعضها إلى بعض آخرها قتال الكفار كافة حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ويخضعوا لحكم الإسلام على خلاف بين العلماء فيمن تقبل منهم الجزية. 14ـ إن الله ختم الدين بالدين الإسلامي وجعل الجهاد منه في الذروة كما تقدم في الحديث "وذروة سنامه الجهاد". 15ـ إن جهاد المرتدين عن الإسلام أولى من جهاد الكفار الأصليين إذا أمكن ذلك كما فعل أصحاب رسول الله e ورضي عنهم. 16ـ إن الزنادقة والمنافقين الذين يتكرر نفاقهم وزندقتهم بعد إقامة الحجة عليهم يجاهدون دائماً وأبداً حتى يقضى عليهم ولا تقبل توبتهم في الظاهر في أصح قولي العلماء. 17ـ إن الجهل بالكتاب والسنة من أكبر أسباب تقبل المسلمين للغزو الفكري الداعي إلى هدم الجهاد وتحريف معناه. 18ـ إن أي دعوة تدعو إلى ترك الجهاد أو الإضعاف من شأنه إنما هي دعوة إلى هدم الإسلام لأنه لا قيام للمسلمين بغير جهاد. 19ـ إذا تقرر أنه لا قيام للمسلمين بدون الجهاد فإنه يجب على المسلمين إعداد العدة لكي يجاهدوا الكفار وإن من أقوى عدد الجهاد النفوس المؤمنة المهتدية بنور الوحي. 20ـ إن الكفار يخافون أشد الخوف من عقيدة الجهاد ومن أجل ذلك يحاربونها بأساليب شيطانية كثيرة من أهمها: أـ تبني الحركات الزائفة التي لا تعير الجهاد كبير اهتمام كفرق التصوف والروافض ونحو ذلك.

ب ـ إيجاد حركات محسوبة على الإسلام وهي منه براء تدعو إلى إلغاء الجهاد كالقاديانية والبهائية. ج ـ الدعوة إلى التعايش السلمي لكي تظل دول الكفر آمنة مطمئنة لا يقض مضاجعها جهاد ولا جزية. د ـ نشر الثقافة الماسونية والعلمانية التي لا تجعل للدين تأثيراً في مجرى الحياة. هـ رفع رايات جاهلية تجتمع تحتها الشعوب المستغفلة بدل راية لا إله إلا الله. كراية القومية والوطنية وعدم الانحياز .. ودول العالم الثالث .. والوحدة الآسيوية والأفريقية .. ونحو ذلك. وـ شغل شباب المسلمين بالشهوات والدعوة إلىتبرج النساء والتعليم المختلط والبرامج الهابطة والصحافة الرخيصة والرياضة المنحرفة التي تصرف الشباب عن معالي الأمور إلى سفاسفها. 21ـ إن ما ينشره تلاميذ الاستشراق والاستعمار من أن الجهاد في الإسلام هو للدفاع فقط بدعة منكرة مخالفة لإجماع علماء المسلمين قاطبة قبل هذا العصر. 22ـ إن ما يرفع من شعارات في هذا العصر كالقومية والوطنية والإنسانية وزمالة الأديان والسلام العالمي كلها ظلمات بعضها فوق بعض مصدرها غير إسلامي وأهدافها خبيثة تقضي على عقيدة الجهاد. 23ـ إن تلاميذ الاستشراق والاستعمار عقدوا الخناصر على إماتة الروح الجهادية في الأمة الإسلامية فحرفوا عقيدة الحب في الله والبغض في الله وحرفوا معنى الجزية وحكم الرق والأسرى وكثيراً من أحكام الجهاد. 24ـ إن الانبهار الذي أصاب بعض مسلمي هذا العصر بما عند الكفار من تقدم علمي وصناعي جعلهم يلوون أعناق النصوص الشرعية لكي توافق ما توصل إليه العالم ـ المتقدم صناعياً المتخلف عقائدياً وسلوكياً ـ من أراء ونظريات لكي يكسبوا الإسلام مدحاً وثناء من الكفار وهذا الصنيع ينم عن سذاجة كبيرة وجهل بالمصدر المعصوم وبخس لحقه أو ينم عن هزيمة. 25ـ إن فرقة المرجئة قد أثرت في إماتة الروح الجهادية في الأمة الإسلامية تأثيراً بالغاً وذلك لأنهم يؤخرون العمل عن الإيمان ويرونه لا ينقص بالمعاصي ولا يزيد بالطاعة فيستوي عندهم إيمان من يموت في ساحات الوغى وإيمان من يموت في أحضان المومسات! وأن الإرجاء قد تسرب إلى فكر هذه الأمة في صور شتى. 26ـ إن أهل التصوف بعقائدهم الزائغة وسلوكهم المشين وانحرافهم في عقيدة التوكل والرضا بالأقدار واعتزالهم الحياة وركونهم إلى الزوايا والمغارات قد طعنوا الجهاد الإسلامي طعنات في الصميم وللقارئ الكريم أن يتصور مدى الخسارة الجسيمة التي تصيب المسلمين لو أن عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وسائر الصحابة تركوا الجهاد وانعزلوا في ناحية من نواحي المدينة وجلسوا يغنون ويتراقصون حتى وإن كان رقصهم شوقاً إلى الله!!! 27ـ إن الجهمية الجبرية التي تجعل الكافر مجبوراً علىكفره لا اختيار له قد ساعدت أيضاً في إماته الروح الجهادية فكيف يجاهد من لا ذنب له على زعمهم! وكذلك الرافضة الجعفرية قد عطلوا جهاد الابتداء والطلب في انتظار إمامهم المعصوم المختفي في السرداب!! 28ـ إن القاديانية والبهائية حركتان مرتدتان تربطهما أوثق العلاقات بالاستعمار الغربي والمحافل الماسونية وقد وجهتا سهامهما لعقيدة الجهاد لتفادي خطره. 29ـ أنه لا فلاح ولا نجاح لهذه الأمة إلا بالرجوع إلىكتاب الله وسنة رسوله e وهدي السلف الصالح واستمداد العقائد والأحكام ومنهاج الحياة بكاملها من المصدر المعصوم ونبذ المناهج البشرية المنحرفة وصلى الله وسلم علىمحمد وعلى آله وصحبه.

إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة

إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة ¤صديق حسن خان القنوجي£مجموعة من الأساتذة بدون¨الأولى¢1411هـ€سياسة شرعية¶إمامة عظمى وخلافة واستخلاف في حكم الاتصال بالسلاطين اعلم أن كثيراً من القاصرين يعتقد أن من طلب ما يقوم بما يغنيه ومن يعول، ودخل في الأسباب التي يتحصل منها ذلك، خارج عن طريق الصالحين، مخالف لهدي المرسلين، مباين لمسلك الزاهدين، وهو وهم عظيم وجهل كبير، فإنه قد طلب ذلك سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وسأل ربه الغنى كما في الصحيحين وغيرهما أنه كان يقول: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى) (¬1) والأحاديث في هذا كثيرة جداً، وامتن الله سبحانه عليه بالغنى، فقال: (ووجدك عائلاً فأغنى) (¬2) وثبت في الصحيحين وغيرهما أنه دعا لخادمه أنس بالغنى، وثبت في الصحيح أنه قال: (اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع) (¬3) وقال: (حبب إلي الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة) (¬4) وهو حديث صحيح. وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: (ما جاءك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه، ومالا فلا تتبعه نفسك) (¬5). وثبت في أحاديث صحيحة النهي عن المسألة إلا للسلطان، ومن ذلك ما حكاه الله سبحانه عن موسى عليه السلام أنه قال: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) (¬6) وما حكاه الله سبحانه أن يوسف عليه السلام قال لعزيز مصر: (اجعلني على خزائن الأرض) (¬7)، وقال أيوب عليه السلام لما رأى جراداً من ذهب تسقط عنده فجعل يلتقطها فقال الله عز وجل له: ألم أغنك عن هذا؟ فقال: بلى، ولكن لا غنى لي عن بركتك، كما في الحديث الثابت في الصحيح، وقال عيسى عليه السلام فيما حكاه الله عنه: (وارزقنا وأنت خير الرازقين) (¬8) ومن ذلك سؤال حسنة الدنيا كما في قوله عز وجل: (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب) (¬9) وقوله عز وجل: (وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب) (¬10). ¬

(¬1) رواه مسلم (2721) في الذكر والدعاء، والترمذي (3484) في الدعوات. (¬2) الضحى: 8. (¬3) أخرجه أبو داود (1547)، والنسائي 8/ 263. وهو حديث حسن. (¬4) أخرجه النسائي 7/ 61 في عشرة النساء، ورواه أحمد في المسند 3/ 128 و199 و285. (¬5) أخرجه النسائي 5/ 103 في الزكاة، وإسناده صحيح. (¬6) القصص: 24. (¬7) يوسف: 55. (¬8) المائدة: 114. (¬9) البقرة: 201 - 202. (¬10) الصف: 13.

والحاصل أن طلب الرزق كائن من غالب العباد؛ الأنبياء والعلماء والزاهدين، بل لو قال قائل: إنهم كلهم طالبون لرزق الله عز وجل لم يكن بعيداً، فإنهم يسألون من الله عز وجل الأمطار وصلاح الثمار والبركة في الأرزاق، وهذا هو من طلب الرزق وهو كائن من جميع بني آدم، والمتورع منهم يقيد سؤاله بأن يكون ذلك من وجه حلال. والدعاء هو من جملة السعي في تحصيل الرزق وكذلك جميع الأسباب المحصلة له على اختلاف أنواعها وتباين طرقها، ومن أنكر هذا فقد أنكر ما هو معلوم لكل فرد من أفراد بني آدم، انظر ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم في أيام النبوة فإن كل واحد منهم يتعلق بسبب من أسباب الرزق كائناً ما كان، ومن عجز عن ذلك قبل ما يصل إليه، كأهل الصفة فإن وقوفهم فيها هو من طلب الرزق، وهكذا بعد أيام النبوة فإن الخلفاء الراشدين يجعلون لأنفسهم نصيباً من بيت المال يقوم بما يحتاجون إليه لأنفسهم ولمن يعولون على وجه العدل وعلى طريقة الزهد وهم أزهد العباد في الدنيا وفي الاشتغال بها، كذلك من كان منهم بعد انقضاء خلافة النبوة التي يقول فيها الصادق المصدوق: (الخلافة بعدي ثلاثون عاماً، ثم يكون ملكاً عضوضاً) (¬1) فإن هذه المدة انقضت بخلافة الحسن السِّبط رضي الله عنه ثم كانت من بعده ملكاً عضوضاً وفيها- أعني المدة التي بعد انقضاء مدة الخلافة- القيام بحفظ بيضة الإسلام وجهاد الكفار وفتح ما لم يكن قد فتح من الأقطار، وكان الصحابة رضي الله عنهم يقصدون من بيده أمر المسلمين ويطلبون منه مالهم فيه حق من بيوت الأموال التي بيده، وذلك هو من طلب الرزق ويقبلون منه ما يعطيهم من غير كشف عن حقيقة الحال، وهكذا من بعدهم من التابعين. وكان هذا حال خير القرون ثم الذين يلونهم كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة. وكان من أهل هذين القرنين من يلي للقائمين بالأمر الأعمال من قضاء وإمارة على بعض البلاد وإمارة على جيش ولا ينكر هذا منكر ولا يخالف فيه مخالف، وهذا هو نوع من أنواع طلب الرزق وإن كان العمل قربة كالقاضي وأمير جيش الجهاد فإنه لا ينافي ما هو فيه من القربة أخذ ما يحتاج إليه من بيت مال المسلمين، وما زال عمل المسلمين على هذا منذ قامت الملة الإسلامية إلى الآن مع كل ملك من الملوك، فجماعة يلون لهم القضاء، وجماعة يلون لهم الإفتاء، وجماعة يلون لهم على البلاد التي إليهم، وجماعة يلون لهم إمارة الجيش، وجماعة يدرسون في المدائن الموضوعة لذلك وغالب جراياهم من بيت المال، فإن قلت: قد يكون في الملوك من هو ظالم جائر، قلت: نعم، ولكن هذا المتصل بهم لم يتصل بهم ليعينهم على ظلمهم وجورهم بل ليقضي بين الناس بحكم الله أو يفتي بحكم الله أو يقبض من الرعايا ما أوجبه الله أو يجاهد من يحق جهاده أو يعادي من يحق عداوته، فإن كان الأمر هكذا فلو كان الملك قد بلغ من الظلم إلى أعلى درجاته لم يكن على هؤلاء من ظلمه شيء، بل إذا كان لأحدهم مدخل في تخفيف الظلم ولو أقل قليل وأحقر حقير كان مع ما هو فيه من المنصب مأجوراً أبلغ أجر لأنه قد صار مع منصبه في حكم من يطلب الحق ويكره الباطل ويسعى بما تبلغ إليه طاقته في دفعه، ولم يعنه على ظلمه ولا سعى في تقرير ما هو عليه أو تحسينه أو إيراد الشبه في تجويزه، فإن أدخل نفسه في شيء من هذه الأمور فهو في عداد الظلمة وفريق الجورة ومن جملة الخونة، وليس كلامنا فيمن كان هكذا إنما كان كلامنا في من قام بما وكل إليه من الأمر الديني غير مشتغل بما هم فيه إلا ما كان من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو تخفيف ظلم أو تخويف من عاقبته أو وعظ فاعله بما يندفع منه بعض شره. ¬

(¬1) تقدم في الصفحة (103).

وكيف يظن بحامل علم أو بذي علم أن يداخل الظلمة فيما هو ظلم، وقد تبرأ الله سبحانه إلى عباده من الظلم فقال: (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) (¬1) وقال: (وما ربك بظلام للعبيد) (¬2)، وقال: (ولا يظلم ربك أحداً) (¬3) وقال: (إن الله لا يظلم الناس شيئاً) (¬4) وقال: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) (¬5) وقال: (وما الله يريد ظلماً للعباد) (¬6) وقال: (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين) (¬7)، وغير ذلك من الآيات القرآنية. وقال في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً لا تظالموا) (¬8) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته) (¬9) ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الظلم ظلمات يوم القيامة) (¬10) وأخرج نحوه مسلم وغيره من حديث جابر. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) (¬11) وفي لفظ: (لا يظلمه ولا يخذله). والأحاديث الواردة في تحريم الظلم وذم فاعله وما يستحقه من العقوبة كثيرة جداً وقد أجمع المسلمون على تحريمه ولم يخالف في ذلك مخالف وأجمع العقلاء على أنه من أعظم ما تستقبحه العقول، ثم قد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا في مداخله الظلمة ما هو القول الفصل والحكم العدل، فقال في حديث صحيح -أخرجه الترمذي في موضعين من سننه- وأوضح ذلك أتم إيضاح وبينه أكمل بيان: (من غشي أبوابهم وصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولا أنا منه ولا هو وارد علي الحوض يوم القيامة، ومن لم يغشهم ولم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وهو وارد علي الحوض يوم القيامة) (¬12) وقد ثبت في الصحيح في ذكر أئمة الجور ومداخلتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (ولكن من رضي وتابع) فنقرر لك بهذا أن المداخل لهم إذا لم يصدقهم في كذبهم ولا أعانهم على ظلمهم ولا رضي ولا تابع فهو من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فكانت هذه مرتبة عالية وفضيلة جليلة فكيف إذا جمع بين عدم وقوع ذلك منه والسعي في التخفيف أو في الموعظة الحسنة. ¬

(¬1) النحل: 118. (¬2) فصلت: 46. (¬3) الكهف: 49. (¬4) يونس: 44. (¬5) النساء: 40. (¬6) غافر: 31. (¬7) الزخرف: 76. (¬8) تقدم في الصفحة (316). (¬9) تقدم في الصفحة (318). (¬10) تقدم في الصفحة (318). (¬11) تقدم في الصفحة (101). (¬12) أخرجه الترمذي (614) والنسائي 7/ 160.

ولا يخفى على ذي عقل أنه لو امتنع أهل العلم والفضل والدين من مداخلة الملوك لتعطلت الشريعة المطهرة لعدم وجود من يقوم بها، وتبدلت تلك المملكة الإسلامية بالمملكة الجاهلية في الأحكام الشرعية من ديانة ومعاملة، وعم الجهل وطم وخولفت أحكام الكتاب والسنة جهاراً لا سيما من الملك وخاصته وأتباعه وحصل لهم الغرض الموافق لهم وخبطوا في دين الإسلام كيف شاؤوا، وخالفوه مخالفة ظاهرة، واستبيحت الأموال واستحلت الفروج، وعطلت المساجد والمدارس وانتهكت الحرم، وذهبت شعائر الإسلام، ولا سيما الملوك الذين لا يفعلون ذلك إلا مخافة على ملكهم أن يسلب وعلى دولتهم أن تذهب وعلى أموالهم أن تنهب وعلى حرمتهم أن تنتهك وعلى عزهم أن يذل ووجدوا عظيم السبيل إلى التخلص عن أكثر الأحكام الإسلامية قائلين: جهلنا، لم نجد من يعلمنا، لم نلق من يبصرنا، فرّ عنا العارفون بالدين وهرب منا العلماء العاملون. وفي الحقيقة أنهم معدون ذلك فرصة انتهزوها وشدة أطلقت عن أعناقهم وعزيمة إسلامية ذهبت عنهم، ومع هذا فلم يختصوا بهذه الوسيلة التي فرحوا بها والذريعة التي انقطعت عنهم، بل الشيطان الرجيم أشد فرحاً بذلك وأعظم سروراً منهم، فإنه قد خلي بينه وبين السواد الأعظم، يتلاعب بهم كيف شاء ويستعبدهم كيف أراد، وهذه فرصة ما ظفر من أهل الإسلام بمثلها ولا كان في حسابه أن يسعفه دهره بأقل منها. وسبب هذا البلاء العظيم والخطب الوخيم والرزء للإسلام وأهله الذي لا يقادر قدره ولا يتهيأ مدى الدهر مثله صنفان من الناس: الصنف الأول: جماعة زهدوا بغير علم وعبدوا بغير فهم وتورعوا بغير إدراك للمصالح الشرعية والشعائر الدينية وما يفضي إلى تعطل الأحكام وذهاب غالب دين الإسلام، فتصدروا للمواعظ والإرشاد للعباد، وبالغوا في ذلك ومقصدهم حسن وصورة فعلهم جميلة، ولكنهم لما لم يكن لهم من العلم ما يوردون به الأشياء مواردها ويصدرونها مصادرها جعلوا لقصورهم أهل المناصب الدينية التي لا يتم أمرها ولا ينفذ حكمها إلا بسلطان الأرض وملك البلاد من جملة أنواع الظلم وجعلوا صاحبها من جملة أعوان الظلمة وسمع ذلك منهم عامة رعاع يغشون مجالس مثلهم من القصاص مع خلو هؤلاء السامعين عن الورع، وتعطلهم عن علم الشرع، فأخذوا تلك المواعظ على ظاهرها وقبلوها حق قبولها، بخلوِّ أذهانهم عن وازع الشرع والعقل والورع، فطار بين هذين النوعين من الجهل ما يملأ الخافقين ولأمر ما كان كثير من السلف يمنعون الذين كانوا يقصون على الناس ويتصدرون لوعظهم وتذكيرهم لما هم عليه من جهل الشريعة، ولما يرتكبونه من إيراد الأحاديث المكذوبة والقصص الباطلة وكان عليهم أن يقصروا عن ذلك ويكلوا ذلك إلى علماء الكتاب والسنة الذين يدعون الناس إلى حق هو معلوم لديهم، وشرع هو صحيح عندهم.

والصنف الثاني: جماعة لهم شغلة بالعلم وأهلية له، وأرادوا أن يكون لهم من المناصب التي قد صارت بيد غيرهم ما ينتفعون به في دنياهم، فأعوزهم ذلك وعجزوا عنه، فأظهروا الرغبة عنه وأنهم تركوه اختياراً ورغبة وتنزهاً عنه وضربت ألسنتهم بسب أهل المناصب الدينية وثلب أعراضهم والتنقص بهم، وأظهروا أنهم إنما تركوا ذلك لأن فيه مداخلة للملوك وأخذ بعض من بيوت الأموال وأن أهل المناصب قد صاروا أعواناً للظلمة ومن الآكلين للسحت ولا حامل لهم على ذلك إلا مجرد الحسد والبغي والتحسر على أن يكونوا مثلهم، فوضعوا أنفسهم موضع التعفف عن ذلك والتورع عنه بنيات فاسدة كاسدة مع ما في ذلك من الدخول في خصلة من خصال النفاق والوقوع في معرة بلية الرياء، والولع بالغيبة المحرمة لغير سبب وبغير حق، وأدخلوا أنفسهم في هذه المصائب والمثالب والمعاصي والمخازي والجرائم والمآثم على علم منهم بتحريمها، وكما قال القائل: يدعوا وكل دعائه ........... ما للفريسة ما تقع عجل بها ياذا العلى .......... إن الفؤاد قد انصدع وقد عرفنا من هذا الجنس جماعات وانتهت أحوالهم إلى بليات، وعرفنا منهم من ظفر بعد استكثاره من هذه البليات بمنصب من المناصب فكان أشر أهل ذلك المنصب، وبلغ في التكالب على الحطام والتهافت على الحرام إلى أبلغ غاية. ومنهم من جالس بعد مزيد التعفف وكثرة التأفف ملكاً أو قريب ملك أو صاحب ملك، فصار يطريهم بما يستحل بعضه فضلاً عن كله من له أدنى وازع من دين، بل أدنى زاجر من عقل، بل عرفنا من صار منهم نماماً وضعه من يتصل به لنقل أخبار الناس إليه ففعل، ولكن لم يقتصر على نقل ما سمع بل جاوز ذلك إلى التزيد عليه بالزور والبهت حتى يجعل ذلك الذي وضعه للنقل عدواً عظيماً لمن لا ذنب له، ولا قال بعض ما كذب به عنه فضلاً عن كله. والجملة ما جربنا واحداً من هذا الصنف إلا وكشفت الأيام عن باطن يخالف ما كان يظهره وقول وفعل ينافي ما كان يشتغل به أيام تعطله، فليأخذ المتحري لدينه حذره منهم، ولا يركن إليهم في شيء من الأعمال الدينية كائن من كان. فإن قلت: إذا ظهروا ظهوراً بيناً أن بعض المداخلين يعينه على ظلمه بيده أو لسانه أو يسوغ له ذلك، أو يظهر من الثناء عليه ما لا يجوز إطلاقه على مثله؟ قلت: من كان هكذا فهو من جنس الظلمة وليس من الجنس الذي قدمنا ذكرهم من المداخلين لهم، والظلم كما يكون باليد يكون باللسان وبالقلم وقد يكون ذلك أشد، وكلامنا فيمن يتصل بهم غير معين لهم على ما لا يحل ولا مشارك لهم بيد ولا لسان، بل يكون جل مقصده بالاتصال بهم الاستعانة بقوتهم على أحكام الله عز وجل وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحسب الحال وبما تبلغ إليه الطاقة، مثلاً إذا كان العالم ينكر ما يراه من المنكرات على الرعايا ولا يقدر على ذلك إلا إذا كان له يد من السلطان يستعين بها على ذلك، فهذا خير كبير وأجر عظيم، وكذلك إذا كان لا يقدر على فصل الخصومات وإرشاد الناس إلى الطاعات إلا باليد من السلطان فذلك مسوغ صحيح أيضاً، وهكذا إذا كان لا يقدر على تخفيف بعض ما يفعله وزراء السلطان وأمراؤه وأهل خاصته من الظلم إلا باتصاله بالسلطان، فهو أيضاً مسوغ صحيح، وهكذا إذا كان السلطان يصغي في الموعظة منهم في بعض الأحوال وينزجر عن فعل المنكرات، أو يخفف ذلك شيئاً ما، فهذا مسوغ صحيح.

واعلم أن أحوال السلاطين كما قال بعض السلف لهم طاعات كثيرة ومعاصي كبيرة، وصدق هذا القائل فمن طاعتهم تأمين السبل وتأمين الضعفاء من الأقوياء والحيلولة بينهم وبين ما يريدون من ظلمهم، وجهاد أهل الكفر والبغي والمتجارين على نهب الضعفاء وهتك حرمهم وتخويفهم ومغالبتهم على ما تحت أيدهم من أملاكهم، وإقامة الحدود الشرعية والقصاص، وإقامة شعائر الإسلام، والقيام من رعاياهم بواجباته ونصب القضاة لفصل الخصومات بالطريق الشرعية، وأهل الحسبة بالقيام بوظيفة الحسبة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجمع الجيوش وتأمير الأمراء لقهر أعداء الدين والقيام بما يحتاجونه من بيوت الأموال، وإحياء مدار العلم بنصب المدرسين والمفتين، وإمساك أهل الجسارة عما يريدونه من الفساد في الأرض بهيبة السلطان ومخافة الإيقاع بهم، فإن كثيراً بل الأكثر لولا مخافة السلطان لكان له من الأفاعيل مالم يكن في حساب ولهذا ترى من لا سلطان عليه في جميع البلاد يفعل ما ترجف منه القلوب وتذرف منه الدموع. ورحم الله الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز فإنه قال: إن الله ليزع بالسلطان مالم يزع بالقرآن. وصدق فما قاله هو الحق الذي يعلمه كل عاقل، فإن غالب الناس لولا مخافة عقوبة السلطان له لترك الواجبات إلا النادر، وفعل من المنكرات مالا يأتي عليه الحصر. وأما أهل المخافة من الله عز وجل الذين يفعلون الواجب لكونه أوجبه الله عليهم ويتركون المنكرات لكون الله عز وجل نهاهم عنها فهم أقل قليل. ومن أنكر شيئاً من هذا فليبحث عن حقائق الأمور وينظر في مصادرها ومواردها وأحوال الفاعلين لها حتى يتضح له أن الأمر كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله.

وأما كون للسلاطين معاصي كبيرة فإنه قد تأخذه النفس العصبية فيسفك الدماء ويستحل الأموال المحترمة وقد يهلك أهل قرية بسبب شذوذ فرد منهم عن طاعته، وقد تشره نفسه إلى ما في أيدي الرعايا فيأخذ منها لا على قانون الشريعة المطهرة، وينصب لذلك شباك الحيل وذرائع الظلم، وقد يطاوع نفسه الشهوانية فيفعل ما تشتهيه ويرتكب محرمات الله عز وجل ويفعل ما يريده لعدم نفوذ قول قائل عليه، إذا لا سلطان عليه إلا من عصم الله وقليل ماهم. حكي عن بعض سلاطين الإسلام أنه كان يجتمع مع من يجالسه على كثير من اللهو والفسوق وكان في المدينة التي هو منها رجل صالح ينكر ما يبلغه من المنكرات، وإذا رأى إناء فيه خمر كسره، فمر يوماً من تحت دار السلطان فقال للسلطان بعض جلسائه: هذا فلان الذي إذا رأى إناء من الخمر بيد أحد من الناس كسره، وإذا رأى منكراً غيره، فأمر من يدخله إلى مجلسه ثم قال له: أنت تنكر على الضعفاء من الناس ما تراه من المنكرات وتكسر ما تراه عندهم من أواني الخمر، وهذه عندنا من الأواني ما تراه فهل تستطيع أن تغير ذلك علينا؟ فقال له: أنا ضعيف أنكر على مثلي من الضعفاء لقدرتي على ذلك؛ وأما أنت يا سلطان فكما قال الله عز وجل: (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً) (¬1) فبكى السلطان وقال: وأنا أيضاً فأنكر علي وقم ارم بهذه الأواني من هذه الطاقات، فقام ورمى بها وتاب السلطان فلم يعد إلى شيء مما كان عليه، فإذا عرفت أن للسلاطين تلك المحاسن وتلك المساويء ونظرت إلى ذلك بعين الصواب علمت أن فيه من خصال الخير ما نفعه لك ولغيرك أكثر من الضر، وقد عرفت ما يقوله أهل الفقه وغيرهم أن محبته بخصال خير فيه مما لا بأس به، فإذا كانت هذه المحبة جائزة فكيف لا يجوز ما هو دونها من الاتصال به لأحد الأسباب المتقدم ذكرها مع كون المتصل به على الرجاء بأن تقبل منه موعظة أو يترك بعض ما يقارفه حياءً منه، فإن منزلة العلم والفضل لها من المهابة في صدور كل أحد، والتعظيم لها والحشمة منها مالا يخفى إلا على بهيمي الطبع ولا ينكر ذلك إلا مسلوب الفهم. وعلى كل حال فمواصلته لتلك الأسباب لا يتردد أحد في جوازها بل قد يكون في بعضها حسناً، بل قد يكون واجباً إذا لم يتم الواجب إلا به أولم يندفع المحرم إلا به، وهذا لا يخفى على أدنى الناس علماً وفهماً. والممنوع هو مواصلته لا لمصلحة دينية تعود على فرد من أفراد المسلمين أو أفراد إذا ترتب على ذلك مفسدة، فكيف وقد ثبت في الكتاب العزيز الأمر بطاعة أولي الأمر وجعل الله أولي الأمر وطاعتهم بعد طاعة الله سبحانه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتواتر في السنة المطهرة في الأمهات وغيرها أنها تجب الطاعة لهم والصبر على جورهم، وفي بعض الأحاديث الصحيحة المشتملة على الأمر بالطاعة لهم أنه قال صلى الله عليه وسلم: (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أعطوهم الذي لهم واسألوا الله الذي لكم) وصح في السنة المطهرة أنها تجب الطاعة لهم ما أقاموا الصلاة وفي بعضها ما لم يظهر منهم الكفر البواح، فإذا أمروا أحداً من الناس أن يتصل بهم لم يحل له أن يمتنع على فرض أنه لم يكن في اتصاله شيء من تلك الأسباب المتقدمة، وعليه أن لا يدع ما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا تمكن من ذلك، وإلا فهو معذور، ولا إثم عليه إلا إذا حصل منه الرضا والمتابعة، كما تقدم في الحديث الصحيح. ¬

(¬1) طه: 105 - 107.

وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبزار واللفظ له من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السلطان ظل الله في أرضه، يأوي إليه كل مظلوم من عباده، فإن عدل كان له الأجر وعلى الرعية الشكر وإن جار أو حاف أو ظلم كان عليه الوزر وعلى الرعية الصبر) (¬1) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) (¬2). فإن قلت: ما حكم ما بأيديهم من بيوت الأموال مع وقوع ما فيه من ظلم على الرعية ولو في بعض الأحوال هل يجوز قبول ما يجعلونه منه لأهل المناصب؟ قلت: نعم، للحديث السابق أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر: (ما أتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه ومالا فلا تتبعه نفسك) (¬3) وثبت أنه صلى الله عليه وسلم فرض الجزية على أهل الكتاب وكانت من أطيب المال وأحله مع أن في أموالهم ما هو من أثمان الخمر والخنزير والربا، فإنهم يتعاملون به، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه استقرض من يهودي طعاماً ورهنه درعه، فيأخذ من له جراية من بيت مال المسلمين ما يصل إليه منه من غير كشف عن حقيقته إلا أن يعلم أن ذلك هو الحرام بعينه، على أن هذا الحرام الذي أخذه السلطان من الرعية على غير وجهه قد صار إرجاعه إلى مالكه مأيوساً، وصرفه في أهل العلم والفضل واقع في موقعه ومطابق لمحله، لأنهم مصرف للمظالم بل من أحسن مصارفها ثم هذا المزري على من يتصل بسلاطين الإسلام من أهل العلم والفضل قد لزمه لزوماً بيناً أن يتناول هذا الطعن كل من اتصل بسلاطين الإسلام منذ انقراض خلافة النبوة إلى الآن، فإنه لا بد في كل زمان من طعن طاعن ولا بد أيضاً من صدور ما ينكر من أهل الولايات وإن كثر منهم ما يعرف، ولهذا يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (الخلافة بعدي ثلاثون عاماً ثم يكون ملكاً عضوضاً) (¬4) كما تقدم ولا بد للملك العضوض من أن يصدر عنه ما ينكر ولو نادراً ولهذا لم تتفق الكلمة من جميع الناس على براءة ملك مكن ملوك الأرض من تلبسه بنوع من أنواع الجور واتصافه بالعدل المطلق الذي لم تشبه شائبة ولا قدحت فيه قادحة إلا على عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه. ولا يمكن حصر عدد من يتصل من أهل العلم والفضل بسلاطين قرن من القرون بل بسلاطين بعض القرون في جميع الأرض، ونحن نعلم علماً يقينياً أنه لا بد لكل ملك - وإن كانت ولايته خاصة بمدينة من مدائن الإسلام فضلاً عن قطر من الأقطار فضلاً عن كثير من الأقطار- أن يكون معه جماعة ممن يلي المناصب الدينية وإلا لم يستقم له أمر ولا تمت له ولاية ولا حصلت له طاعة، ولا انعقدت له بيعة، يعلم هذا كل عاقل من المسلمين فضلاً عن أهل العلم منهم، وإذا كان الأمر هكذا فكم لهذا الطاعن المشؤوم من خصوم قد لا يعدل أحقرهم قدراً وأقلهم علماً وفضلاً، وهو لا يخرج عن قسمين: إما أن يكون من قسم المغتابين أو من قسم الباهتين، ولهذا يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (إن كان فيه ما تقوله فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) (¬5) فهو واقع في المأثم العظيم والذنب الوخيم على كل تقدير، وفي كل حالة. ¬

(¬1) تقدم في الصفحة (323). (¬2) تقدم في الصفحة (12). (¬3) تقدم في الصفحة (349). (¬4) تقدم في الصفحة (103). (¬5) تقدم في الصفحة (327).

ثم هذا المزري على من يتصل بسلاطين الإسلام من أهل العلم والفضل القائمين بالمناصب الدينية قد وقع في إساءة الظن بجميع من اتصل بهم على الصفة التي بيناها من دخول جميع هذا الجنس تحت سوء ظنه وباطل اعتقاده وزائف خواطره وفاسد تخيلاته وكاسد تصوراته، وفي هذا ما لا يخفى من مخالفة هذه الشريعة المحمدية والطريقة الإيمانية، ومع هذا فالمتصل بهم من أهل المناصب الدينية قد يفضي في بعض الأحوال عن شيء من المنكرات لا يرضى به بل لكونه قد اندفع بسعيه ما هو أعظم منه ولا يتم له ذلك إلا بعدم التشديد فيما هو دونه، وهو يعلم أنه لو شدد في ذلك الدون لوقع هو وذلك الذي هو أشد منه وأشنع وأفظع، كما يحكى عن بعض أهل المناصب الدينية أن سلطان وقته أراد ضرب عنق رجل لم يكن قد استحق ذلك شرعاً فما زال ذلك العالم يدافعه ويصاوله ويجادله حتى كان آخر الأمر الذي انعقد بينهما على أن ذلك الرجل يضرب على شريطة اشترطها السلطان وهو أن يكون الذي يضربه العالم فأخرج الرجل إلى مجمع الناس الذي في مثل ذلك للفرجة فضربه ضربات فتفرق ذلك الجمع وهم يشتمونه أقبح شتم وهم غير ملومين لأن هذا في الظاهر منكر فكيف يتولاه من هو المرجو لإنكار مثل ذلك، ولو انكشفت لهم الحقيقة واطلعوا على أنه بذلك أنقذه من القتل وتفاداه بضرب العصا عن ضرب السيف لرفعوا أيديهم بالدعاء والترضي عنه، ويظن الجهول قد فسد الأمر وذاك الفساد عين الصلاح، ومن هذا القبيل ما حكاه صاحب الشقائق أن سلطان الروم أمر بقتل جماعة كثيرة من أهل الأسواق لكونهم لم يمتثلوا ما أمر به من تسعير بعض البضائع فخرج السلطان وقد صفوا للقتل، فقام بعض العلماء وقرب من السلطان وهو راكب فقال: هؤلاء لا يسوغ قتلهم في الشريعة، فذكر له السلطان أنهم خالفوا أمره وأنه لا عذر عن قتلهم، فقال العالم: هم يذكرون أنهم لم يبلغهم ما عزم عليه السلطان، فوقف السلطان مركوبه وقد ظهر عليه من الغضب ما ظهر أثره ظهوراً بيناً وقال: ليس هذا من عهدتك، فقال: لا، هو من عهدتي لأن فيه حفظ دينك وهو من عهدتي فأطلقهم السلطان وسلموا من القتل، فانظر هذا العالم وبصره في إنكار المنكر فإنه لو قال له ابتداء: إن مخالفة أمرك لا توجب عليهم القتل لكان هذا القول مما يوبقهم لا مما يطلقهم، ولو سكت عند قول السلطان: ليس هذا من عهدتك لقتلوا، لكنه جاء بوسيلة مقبولة تؤثر في النفس أعظم تأثير ولا شك أن مساعدته في مخالفة أمر السلطان وعدوله إلى أنه لم يبلغهم الأمر إذا سمعها من لا يعرف الحقائق أنكر عليه وقال: وكيف يكون أمر السلطان في تسعير بضاعة أو نحو ذلك موجباً لقتل من لم يمتثل وعد ذلك من المداهنة وعدم التصميم على الحق ولو عقل ما عقله ذلك العالم الصالح لعلم أنه قد جارى السلطان مجاراة كانت سبباً لسلامة جماعة كثيرة من المسلمين، ولو لم يفعل ذلك لقتلوا جميعاً.

إذا عرفت هذا وتبين لك أن الأفعال المخالفة للشريعة في بعض الحالات وكذلك الأقوال التي تكون ظاهرة المخالفة قد تكون على خلاف ما يقتضيه الظاهر وتبين أنها من أعظم الطاعات وأحسن الحسنات، فكيف بما كان منها محتملاً، هل ينبغي لمسلم أن يسارع بالإنكار ويقتحم عقبه المحرم من الغيبة والبهت، وهو على غير ثقة من كون ما أنكره منكراً وكون ما أمر به معروفاً وهل هذا إلا الجهل الصراح أو التجاهل البواح، دع هذا وانتقل منه إلى شيء لا يحمل عليه الجهل بل مجرد الحسد أو المنافسة كما هو الغالب على ما تقدم بيانه، فإن أهل المناصب الدينية من القضاة ونحوه إذا اشتغل صاحبه بما وكل إليه وتجنب ما فيه عمل الملوك وأعوانهم من تدبير المملكة وما يصلحها وما يحتاج إليه ويقوم بجندها وأهل الأعمال فيها إلا إذا اقتضى الحال الكلام معهم فيما يوجبه الشرع من أمر بمعروف أو نهي عن منكر والقيام في ذلك بما تبلغ إليه الطاقة ويقتضيه طبع الوقت، فهل مثل هذا حقيق من عباد الله الصالحين بالدعوات المتكررة بالتثبت والتسديد واستمداد الإعانة له من رب العالمين أم هو حقيق بالثلب والاغتياب خطأ وجزافاً وحسداً ومنافسة؟ وهل هذا شأن الصالحين من المؤمنين أم شأن إخوان الشياطين؟ كما قيل: إن يسمعو الخير يخفوه وإن سمعوا ........ شراً أذاعوا وأن لم يسمعوا كذبوا وكما قيل: إن يسمعوا سُبَّةً طاروا بها فرحاً ..... عني وما سمعوا من صالح دفنوا فكيف إذا كانوا لا يسمعون إلا خيراً ولا يعدد المعدون إلا مناقباً؟ فما أحق من كان ذا عقل ودين أن لا يرفع إلى مخرقتهم رأساً ولا يفتح بخزعبلاتهم أذناً كما قلت من أبيات: فما الشم الشوامخ عند ريح ........ تمر على جوانبها تمود ولا البحر الخضم يعاب يوماً ....... إذا بالت بجانبه القرود اجتمعت في أيام الطلب بجماعة من أهل العلم، فسمعت من بعض أهل العلم الحاضرين ثلباً شديداً لوزير من الوزراء، فقلت للمتكلم: أنشدك الله يا فلان، أن تجيبني عما أسألك عنه وتصدقني قال: نعم، قلت له: هذا الثلب الذي جرى منك هل هو لوازع ديني تجده من نفسك لكون هذا الذي تثلبه أرتكب منكراً أو اجترأ على مظلمة أو مظالم؟ أم ذلك لكونه في دنيا حسنة وعيشة رافهة؟ ففكر قليلاً ثم قال: ليس ذلك إلا لكون الفاعل ابن الفاعل يلبس الناعم من الثياب ويركب الفاره من الدواب، ثم عدد من ذلك أشياء، فضحك الحاضرون. وقلت له: أنت إذن ظالم له تخاطب بهذه المظلمة بين يدي الله وتحشر مع الظلمة في الأعراض، وذلك أشد من الظلم في الأموال عند كل ذي نفس حرة ومريرة مرة (¬1)، ولهذا يقول قائلهم: يهون علينا أن تصاب جسومنا ......... وتسلم أعراض لنا وعقول وبالجملة فإني أظن أن الظلمة في الأعراض أجرأ من الظلمة في الأموال، لأن ظالم المال قد صار له وازع على الظلم وهو المال الذي به قيام المعاش وبقاء الحياة، ثم قد حصل له من مظلمته ما ينتفع به في دنياه، وإن كان سحتاً بحتاً حراماً، وظالم الأعراض لم يقف إلا على الخيبة والخسران مع كونه فعل جهد من لا له جهد وذلك مما تنفر عنه النفوس الشريفة وتستصغر فاعله الطبائع العلية والقوى الرفيعة. ¬

(¬1) أي عزة النفس والعزيمة.

فائدة: اعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما أعظم أساطين الدين وأحكم قناطر الإسلام وأهم أحكام هذه الشريعة المطهرة بل هما إذا كانا قائمين كان الدين على أتم قيام وأكمل نظام وإن لم يكونا قائمين في العباد ولم يوجد في البلاد ما يقوم بهما خولفت الشرائع الإسلامية وتعطلت الشعائر الإيمانية، وقال من يشاء من أهل الخسارة ما شاء، وفعل من لم يكن له زاجرٌ ديني ما أراد، لعدم وجود من يأخذ على أيديهم من القائمين بحجة الله في عباده، ولهذا وردت الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة في الحث على ذلك والمدح العظيم لفاعلها والزجر الوخيم لتاركها، فمن قدر على ذلك فقد حمل العبء الكبير وقام بالأمر الجليل الخطير، ولا يزال يزداد قوة وتمكناً وثباتاً حتى يتم له مالم يكن له في حساب، ولا خطر له على بال، ولا مر له على خيال، وصار رأساً للفرقة التي قال فيها الصادق المصدوق: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين) (¬1) وكان من القائمين بحجة الله في بلاده على عباده وفاز بالأجر العظيم الذي وعد الله به عباده الصالحين القائمين بما قام به، وإن أدرك في النفس الأمارة بعض جبن في بعض الأحوال، وآنس من طبيعته خوراً وضعفاً في بعض المقامات فليعلم أن ذلك من وسوسة الشيطان الرجيم لأنه أشد عليه من القائمين في مقامات العبادة والقاعدين في مقاعد الزهد والورع والمستكثرين من طاعة الله عز وجل، والعازفين نفوسهم عن معاصيه، وذلك أن كل واحد من هؤلاء صار يجاهد الشيطان عن نفسه ويدفعه عن حوضه ويصارفه عن عشه وبيضه، ويذوده عن أن يتعرض لشيء من طاعاته بالتشكيك عليه أو الوسوسة، وهذه مصلحة خاصة بنفس هذا الرجل الصالح المشتغل بمراضي الله عز وجل المجتنب لمعاصيه. وأما القائم بما أمر الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو قائم لإصلاح عباد الله بعد إصلاحه لنفسه فلا يزال زاجراً لهم عن المنكرات مرغباً لهم في أنواع الطاعات محذراً لهم من مكر الشيطان الرجيم مبيناً لهم ما ينصبه من حبائل الخذلان لعباد الله وما يزينه لمن لم ترسخ قدمه في الإيمان، ومن هذه الحيثية كان مقامه عام النفع ومصلحته شاملة للجميع، فهو في حكم المصادر للشيطان عن عباد الله سبحانه المجادل لهم عندما يريد الإغواء بالأهواء والاستدراج بشهوات الأنفس من التنعم باللذات والتمتع بالمحرمات والتلذذ بالموبقات، فهو العدو الأكبر لفريق الشياطين والقائم في كل مواطنه بالمحاربة لهم عن أن يتم كيدهم على أحد من عباد الله الصالحين، والمصاولة لهم عن أن يتسلطوا على أحد من المؤمنين أجمعين، وبهذا تعلم أنه قد أسفر الصبح لذي عينين بأن بين المقامات مسافات تنقطع فيها أعناق الإبل، ومفاوز تنبت دونها سوابق المطي، بل بين المقامين ما بين السماء والأرض، ولا بد أن ينتهي أمر هذا القائم بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى التمام على ما يطابق المرام، ويوافق رضاء الملك العلام، لأنه قام هذا المقام لتكون كلمة الله هي العليا، وذو الحق غلاب بنصوص السنة والكتاب، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يقاتل حمية وشجاعة وليرى موضعه، أيهم في سبيل الله؟ فقال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) (¬2) ¬

(¬1) رواه البخاري 13/ 249 في الاعتصام، ومسلم (1921) في الإمارة. (¬2) تقدم في الصفحة (155) ..

فهذا القائم بحجة الله عز وجل هو في أعظم الجهاد وهو في سبيل الله عز وجل، لأنه لم يفعل ذلك لغير هذا القصد، فإنه إن لم ينجز عمله ويحصل أمله بسرعة، حصل ولو بعد حين، كما وعد الله سبحانه به عباده، ويتصور عند قيامه في هذا المقام تصفية النية عن كدورات الرياء والمقاصد التي ليست من الدين، ويتصور ما أمر الله عز وجل به من الإخلاص وحث عباده عليه، ويستحضر قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) فإنها قضية كلية جامعة مانعة نافعة، لا سيما بعد ضم ما ضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الجملة من قوله: (وإنما لكل امرئ ما نوى) ثم تصوير ذلك وتمثيله منه صلى الله عليه وسلم بقوله: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله كانت هجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها كانت هجرته إلى ما هاجر إليه) (¬1) فإن فارق الإخلاص ولو بمسافة يسيرة فقد لا يتم له ما يريد بهذا السبب لا بسبب خلل في المقام الذي قامه، فإنه مقام المرسلين والعلماء العاملين وعباد الله الصالحين ورويت في كتب التواريخ قصة لبعض القائمين في هذا المقام؛ وهو أنه وقف على آنية من الخمر وقد حمل من بعض المواضع ممن خمرها لبعض الملوك ورأى الحاملين له وقد أخرجوها من المركب إلى خارج البحر ليحملوها على الدواب بعد أن حملوها على السفن البحر، فأخذ عوداً ثم ما زال يكسرها حتى بقيت واحدة منها فوقف عندها قليلاً ثم تركها ورمى بالعصا، فأخذه الواصلون بها وقد اجتمع عليه جمع وما شكوا أن الملك يقتله فلما وصل إلى الملك وقد اشتد غضبه فقال: ما حملك على ما فعلت من الاستخفاف بنا والإقدام على متاعنا؟ فقال: لم أستخف بك بل فعلت ما أمرني الله به وأخذه علي من النهي عن المنكر، فقال: فما سبب تركك لواحد منها؟ قال: أدركت نزغة من نزغات العجب قد أوقعها الشيطان في قلبي فتركت كسر ذلك الواحد منها لئلا أكسره على غير نية صحيحة مخلصة لله عز وجل، فلما سمع ذلك الملك خلى سبيله ولم يكن له عليه سبيل. وفي هذا المقدار كفاية. انتهى ما في (الفتح الرباني فتاوى الشوكاني)، والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. ¬

(¬1) تقدم في الصفحة (175).

الأحكام السياسية للأقليات المسلمة في الفقه الإسلامي

الأحكام السياسية للأقليات المسلمة في الفقه الإسلامي ¤سليمان محمد توبولياك£بدون¥دار النفائس¨الأولى¢1418هـ€سياسة شرعية¶أقليات إسلامية الخاتمة هذا وقد خلصت في هذا البحث إلى ما يلي: 1 - إن دار الإسلام هي الدار التي تسودها شريعة الله وتطبق فيها بقطع النظر عن سكانها. 2 - إن دار الإسلام يمكن أن تتحول دار حرب إذا غلب عليها الكفار أو المرتدون، وأظهروا أحكام الكفر فيها. 3 - لا يوجد اليوم دولة إسلامية بمعنى "دار الإسلام" وإن كان هناك أراضي للمسلمين. 4 - إن مصطلح الأقلية مصطلح سياسي، ظهر في زمن الاستعمار الغربي، حيث اختفت الدولة الإسلامية وهدمت دولة الخلافة، وأن الأقلية الإسلامية هي أكثر الأقليات تعرضاً للمشاكل، وأنها مهددة بالقضاء على وجودها في معظم الدول التي تعيش فيها، وأكبر دليل على ذلك الواقع الراهن الذي نرى فيه كل يوم حملة جديدة على المسلمين. 5 - لا توجد حتى اليوم إحصائية صحيحة عن أعداد المسلمين الذين يعيشون أقليات والسبب في ذلك هو أن من يقوم بهذه الإحصائيات من غير المسلمين، وليس من صالحهم سياسياً أن يذكروا الأعداد الصحيحة للمسلمين. 6 - أما عن إقامة المسلمين في دار الكفر وهجرتهم فيها فقد خلص البحث إلى جواز الإقامة في دار الكفر إن كان له ضرورة، أو تحقق بذلك مصلحة عليا للإسلام والمسلمين، أو في حال عدم وجود دار الإسلام – كما هو اليوم-. ويجب عليه أن يهاجر من تلك الدار إذا خاف على دينه ونفسه وأهله. 7 - أما عن اللجوء السياسي والجنسية فخلص البحث إلى جواز اللجوء السياسي إلى الدولة غير الإسلامية إذا وقع عليه ظلم من أهل الدولة الإسلامية ولم يستطع رده. 8 - وأما الجنسية فلا يجوز للمسلم التجنس بجنسية دولة الكفر مع وجود الدولة الإسلامية إلا لضرورة، أو لتحقيق مصلحة عليا للمسلمين. 9 - أما عن العمل في غير الدولة الإسلامية فلا يجوز للمسلم إذا كان في ذلك إهانة وإذلال، وفي الأصل لا يجوز له أن يتولى الوظائف العامة في تلك الدولة، ولكن يستثنى من ذلك ما يتحقق به تحصيل مصلحة أو درء مفسدة عن المسلمين في تلك الدولة. ولكن لا يجوز له بحال أن يقاتل مع الكفار ضد المسلمين، وإن جاز له للضرورة أن يقاتل معهم ضد كفار آخرين. 10 - أما عن الأحزاب فيجوز للمسلمين الذين يعيشون أقلية في دار الكفر بل يجب عليهم إقامة الحزب إذا توقفت على إقامته تحقيق المصلحة لتلك الأقلية ويجوز هنا للحزب التحالف مع الأحزاب غير الإسلامية بشرط إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين، ويجوز للمسلمين الانضمام إلى غير الحزب الإسلامي إذا لم يتمكنوا من إنشاء حزب لهم، وإذا أمن على دينه من الفتنة. 11 - أما عن واجبات الدولة تجاه تلك الأقليات: فإنه يجب على الدولة الإسلامية أن تساعدهم بكل ما يحتاجون إليه مالياً وسياسياً وعسكرياً لأن هؤلاء المسلمين هم أعضاء في الأمة الإسلامية تربطهم بتلك الأمة روابط العقيدة والأخوة الإيمانية. وفي المقابل يجب على تلك الأقليات أن تناصر الدولة الإسلامية بكل أشكال المناصرة التي يستطيعون تقديمها ولاسيما الدعم المادي، ويجب على أداء الزكاة والضرائب المستحقة للدولة في حينها ووفق شروطها.

الإسلام والعولمة - المنازلة العالمية الإسلامية والعولمة البشرية بين السنن الربانية والتدافع الإنساني

الإسلام والعولمة - المنازلة العالمية الإسلامية والعولمة البشرية بين السنن الربانية والتدافع الإنساني ¤سامي محمد صالح الدلال£بدون¥مجلة البيان - الرياض¨الأولى¢1425هـ€سياسة شرعية¶عولمة خاتمة بعد أن أخذنا بالتطواف والتجوال عبر محيطات التدافع، وما تطويه موجاتها من أسرار، وتخفي في طياتها من أبعاد؛ أختم هذه الدراسة بالتوقف عند بعض المحطات المهمة فيما قررناه. لقد بينت أن سنن الله _تعالى_ لا تحابي أحدًا، وأن عملها جار في الكون والحياة والإنسان بكليات ذلك وجزئياته، وأن العلم بهذه السنن مهم جدًا للإنسان ليستطيع صياغة حياته وفق نسق مسيرتها فلا يصطدم بها فتحطمه. كما تبين لنا كيف أن الإسلام قد وضع كليات في مقاصده تأخذ بيد الإنسان نحو السبيل القويم، وتحدد خطوط مساره من حيث الوجود أو العدم، وأن عالمية الإسلام هي من طبيعته في عقيدته وأحكامه، وأن العولمة البشرية لن تتمكن من إيقاف زحف عالمية الإسلام فضلاً عن احتوائها. وقد بينت أيضًا أن التدافع بين الحق والباطل والهدى والضلال والخير والشر، قد اختط مساره منذ خُلق الإنسان، وأن هذا التدافع قد أخذ منحى المواجهة منذ عهد نوح عليه السلام، مرورًا بجميع الرسل _ عليهم السلام _ الذين من بعده، وإلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن حبل ذلك التدافع ماض وممتد إلى يوم القيامة، وقد وقع التدافع في العقائد والمقاصد والوسائل، وكانت مجاراة السنن الإلهية في ذلك أو الإنحراف عنها حاسمة في نصر المؤمنين ودمارًا أو هزيمة للكافرين. إن التدافع الحضاري في عصرنا الحاضر تغلب عليه هيمنة الغطرسة الصليبية واليهودية، وإن المشترك الإنساني لا قيمة له عندهم إلا بقدر ما يحقق مآربهم ويخدم أهدافهم؛ غير أن هذه الحال لن تدوم؛ إذا جرت سنة الله _ تعالى _ بعلو أهل الإسلام إن هم حققوا مقتضيات الإيمان، وإن ذلك قادم إن شاء الله تعالى، قال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} [التوبة: 33]. ما كان من الحق فمن الله _ تعالى _ وحده، وما كان سوى ذلك فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم.

الإسلاميون والديمقراطية في مصر عصف ورميم

الإسلاميون والديمقراطية في مصر عصف ورميم ¤عبدالله سامي الدلال£بدون¥مكتبة مدبولي - القاهرة¨الأولى¢2007م€سياسة شرعية¶مصر الخاتمة: لقد كنا في جولة طويلة مع الإسلاميين السوريين – خاصة الإخوان المسلمين – في تجربتهم الديمقراطية. وقد استعرضنا كثيراً من المواقف خلال رصدنا لتلك المشاركات الديمقراطية، واستخلصنا منها عديداً من الدروس. وفي ختام هذه الدراسة يجدر بنا أن نتمعن في النقاط التالية: 1 - لابد من تسليط الضوء على مسيرة العمل الإسلامي، والاهتمام بتقويمه، من حيث السلبيات التي رافقت مراحله، ومن حيث الإرشاد إلى الأهداف والوسائل التي ينبغي السير في إطارها. 2 - إن الجماعات الإسلامية، غير المنضبطة بالمنهاج الصحيح – الكتاب والسنة -، قدمت كثيراً من التضحيات في غير المسارات السليمة التي كان ينبغي عليها أن تسلكها وتترسم طريقها. ومن أخطر تلك المسارات مسار الديمقراطية. 3 - إن العمل الإسلامي الدعوي قد أتى في كثير من المواقف الحاسمة من قبل ضعف قياداته التي لم تحسن توجيه دفته عندما أفرغت ثماره في السفينة الديمقراطية. 4 - إن تغلغل الأفكار الديمقراطية والصوفية والقومية والوطنية في بعض قيادات العمل الإسلامي قد أدى إلى بث تلك الأفكار في القواعد الإسلامية، وكان ذلك على حساب المنهاج الصحيح، منهاج الكتاب والسنة وفق ما فهمه وبينه سلف هذه الأمة. 5 - إن العمل الإسلامي بحاجة إلى كثير من الجهد والوقت لتصفية آثار تلك الأفكار من عقول وقلوب ومناهج الإسلاميين. 6 - إن الديمقراطية تعتبر من المعوقات الخطرة لانطلاقة العمل الإسلامي، وإن قيادات ذلك العمل من أمثال الدكتور السباعي والأستاذ محمد المبارك والأستاذ عصام العطار والشيخ سعيد حوى وغيرهم، رغم أنهم كانوا يظنون أنهم يمهدون الطريق الدعوي، فإنهم يتحملون مسؤولية عظيمة في تدعيم ذلك المعوق. وإن ظنهم الذي ظنوه لا يعفيهم من تحمل تلك المسؤولية – إلا أن يقال إنهم اجتهدوا فأخطأوا. 7 - إن العمل الإسلامي، لا بديل له، إذا أراد أن يكون فاعلاً ومغيراً، من أن يختط طريقه مستنيراً بالكتاب والسنة وهدي سلف الأمة، محافظاً على أصول الولاء والبراء، مدركاً لطبيعة الأعداء ووسائلهم، آخذا بالأسباب الشرعية التي توصله إلى مبتغاه. 8 - نذكر إخواننا في قيادات العمل الإسلامي أن يتقوا الله في المسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقهم. فليتحروا الصواب، وليسددوا وليقاربوا؛ ولا يقدموا آراءهم وأفكارهم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. 9 - وكذلك نذكر إخواننا الدعاة، قيادات وقواعد، بأن يحرصوا على العلم الشرعي؛ فإن الدعوة إلى الله تعالى لا يكفي فيها الحماس، ولن تصل إلى أهدافها بمجرد العواطف الجياشة. 10 - إن تجربة الإسلاميين في كل من مصر وسوريا في الحقل الديمقراطي قد أخذت حظها زمناً وجهداً. وقد حاولت في هذه الدراسة رصد هاتين التجربتين بقصد تعريف العاملين في الدعوة إلى الله تعالى بخطورة أتباع غير سبيل المؤمنين لتحصيل غايات شرعية. وإن الذي ذكرته في هذه الدراسة لا يتجاوز الحديث المختصر، وإلا فإن دراسات موسعة يمكن تقديمها في هذا المضمار وما يهمني التركيز عليه في هذه النقطة هو أن تنال هذه الدراسة حظها من اهتمام الإسلاميين، قيادات وقواعد، بقصد التعرف على مواطن الخلل لسدها، ثم لمواصلة السير نحو تحقيق الغايات الإسلامية على هدى من الدليل الشرعي وبينة من الكتاب والسنة.

الإسلاميون وسراب الديمقراطية دراسة أصولية لمشاركة الإسلاميين في المجالس النيابية

الإسلاميون وسراب الديمقراطية دراسة أصولية لمشاركة الإسلاميين في المجالس النيابية ¤عبدالغني بن محمد الرحال£بدون¥المؤتمن - الرياض¨الأولى¢1413هـ€سياسة شرعية¶شورى وديمقراطية خلاصة ونتيجة وبعد: فلقد كنا في جولة طويلة مع هذه الدراسة الأصولية لمشاركة الإسلاميين المجلسيين في المجالس النيابية. وقد تبين لنا من هذه الدراسة النقاط التالية: 1ـ إن الديمقراطية منهج غربي يخدم في الحقيقة طبقة معينة. 2ـ إن الديمقراطية في العالم الثالث وسيلة يتخذها الحكام ليظهروا بمظهر شعبي غير دكتاتوري. 3ـ إن المجالس النيابية، وهي المظهر المعبر عن الديمقراطية، يتشكل أعضاؤها من الملأ الحاكم ثم الأقلية المقتدرة مادياً من الشعب ولا تمثل الأكثرية المستضعفة. 4ـ إن هذه المجالس مهمتها تشريعية ورقابية. 5ـ إن المجالس النيابية في العالم الإسلامي لا ترجع في تشريعاتها إلى الكتاب والسنة، بل هي مستقلة عنهما كلياً. وإن أي تشريع إلهي يراد إنفاذه وتنفيذه لا بد من عرضه على المجلس ليصوت على قبوله أو رفضه. 6ـ رغم هذه الخصائص المخالفة للكتاب والسنة فإن بعض الإسلاميين اتخذوا من المشاركات في المجالس النيابية منهجاً للتغيير للوصول لتحكيم الشريعة الإسلامية. 7ـ برر هؤلاء الإسلاميون مشاركتهم بأنها تحقق مصالح أهمها خمس ذكرتها في الدراسة. 8ـ لقد عرضت في الكتاب تلك المشاركة لتحقيق المصالح التي يتوخونها على ضوابط تحقيق المصلحة في الشريعة الإسلامية فتبين أنها مخالفة لتلك الضوابط جميعها. 9ـ ثم ناقشت تلك المشاركة على ضوء إمكان اندراجها في باب المصالح المرسلة أو في باب سد الذرائع أو باب الضرورة فتبين عدم اندراجها في أي من هذه الأبواب. 10ـ ثم بينت أن أقرب ما يمكن أن يندرج فيه هو البدعة بمفهوميها اللغوي والاصطلاحي. إن النتيجة النهائية التي يُخرج بها من هذه الدراسة أن الإسلاميين المجلسيين اختطوا بمشاركتهم في المجالس النيابية منهجاً في التغيير مخالفاً لمنهج الأنبياء في ذلك، متجردين عن الدليل الشرعي، مما أدى إلى إضاعة الجهود الكثيرة في غير ما طائل، فضلاً عن صرف الأنظار عن المنهاج النبوي في مواجهة الملأ وتغيير الواقع الشركي إلى واقع إيماني. وبناء على مجموع ما ذكر فإن المسلم الحق لا يجوز له أن يرشح نفسه للمجالس النيابية وهي وفق الحال الذي وصفته في هذا الكتاب. ولا حجة للإسلامي المنتمي في دعواه أنه مأمور من قبل جماعته المنتمي إليها وبينه وبينها موثق الطاعة، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولا ينبغي له ولا يجوز، أن يضع نفسه موضع قدوة الضلالة. وأيضاً، فإنه لا يجوز للمسلم أن يشارك في انتخابات المجالس النيابية وهي وفق الحال الذي ذكرته من استقلالها بالتشريع عن الكتاب والسنة. وبصوت عالٍ أدعو الإسلاميين المشاركين في المجالس النيابية أن ينسحبوا منها ويوظفوا جهودهم لصالح خدمة دعوة الإسلام وفق منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم. وأن يبينوا للناس حقيقة تلك المجالس بعد أن رأوها من الداخل واصطلوا بكي نار المنتفعين منها من الملأ وأعوانهم. والذي آمله أن يقرأ هؤلاء الإسلاميون هذه الدراسة قراءة متأنية متجردة. والله أسأل أن يهديني وإياهم سواء السبيل ويوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه. إنه سميع مجيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الجماعة والإمامة

الجماعة والإمامة ¤محمد بن عمر بن سالم بازمول£بدون¥دار الإمام أحمد - القاهرة¨الأولى¢1428هـ€سياسة شرعية¶حاكم - بيعته - طاعته الخاتمة: خلاصة في ضرورة الجماعة، وخطر الخروج عن السمع والطاعة، والأمر بالصبر على ولاة الأمر والنصح لهم: قد علم بالضرورة من دين الإسلام: أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، وأن الخروج عن طاعة ولي الأمر والتقدم عليه من أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد، والعدول عن سبيل الهدى والرشاد [نصيحة مهمة ص23]. قال الحسن البصري رحمه الله: "والله لا يستقيم الدين إلا بولاة الأمر وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون" [جامع العلوم والحكم 2/ 117]. وقال ابن رجب رحمه الله: "السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين فيها سعادة للدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم" [جامع العلوم والحكم 2/ 117]. والخروج عن طاعة ولي الأمر والتقدم عليه بغزو أو غيره: "معصية، ومشاقة لله ورسوله، ومخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة السلف الصالح" [نصيحة مهمة ص29]. والواجب الصبر على جورهم! قال ابن تيمية رحمه الله: "الصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة والجماعة" [المجموع 28/ 179، بواسطة السنة فيما يتعلق بولي الأمة ص49]. وهذا حق؛ لأن الأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم يجلب من المصالح ويدراً من المفاسد ما يكون به صلاح العباد والبلاد. والنصيحة لولي الأمر من أهم أمور الدين كما جاء عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة. قلنا لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم). وقد جاء في الحديث: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإن الدعوة تحيط من ورائهم). ومعنى الحديث: أن هذه الثلاثة من فعلها فليس في قلبه غل وغش وحقد. قال أبو نعيم الأصبهاني: "من نصح الولاة والأمراء اهتدى، ومن غشهم غوى واعتدى" [فضيلة العادلين ص140]. وبهذا يتم ما أردت إيراده هنا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

الجهاد والقتال في السياسة الشرعية

الجهاد والقتال في السياسة الشرعية ¤محمد خير هيكل£بدون¥دار البيارق - الأردن¨الأولى¢1414هـ€سياسة شرعية¶جهاد الخاتمة أولاً: اسْتِخْلاَصُ أهم النتائج أهم النتائج التي نخرج بها من هذه الرسالة، هي ما يلي: أولاً: [حول تعريف الجهاد في الاصطلاح الشَّرعيِّ، وتمييزه عن الأنواع الأُخْرَى من القتال المشروع في الإسلام]. 1ـ الجهاد في الاصطلاح الشرعي: هوالقتال في سبيل الله ضدَّ الكفار الذين لا عهد لهم ولا ذمة، وما يمُتُ إلى القتال بصلة من دعوة إليه، ومساعدة عليه .. وذلك بعد توفر الشروط المطلوب لمشروعية هذا القتال. أي، تبليغ الكفار دعوة الإسلام، ووضعهم أمام الخيارات الثلاثة ـ الإسلام، أو الدخول في الذمة، أو الحرب. ـ أما الغاية من الجهاد: فهي إقامة المجتمع الإسلامي، وحمايته، وحماية المسلمين من العدوان .. هذا، وقد يطلق لفظ "الجهاد" ـ مجازاً ـ على شرط مشروعيته. وهو الدعوة إلى الإسلام ـ قبل إعلان الجهاد. كما يطلق بهذه الصفة، أيضاً، على كل جهد مبذول، ليس فيه قتل للكفار، بقصد إقامة المجتمع الإسلامي، وحمايته… وعلىكل عمل مطلوب مبرور .. كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر .. وكالقيام ببر الوالدين، وأداء الحج .. وما إلى ذلك. 2ـ كل قتال مشروع لا يكون ضد الكفار الذين لا عهد لهم، ولا ذمة ـ لا يعتبر في الاصطلاح الشرعي ـ كما رجحناـ من الجهاد، وإن كان عملاً مبروراً، وذلك مثل الأنواع التالية من القتال، حين يكون مشروعاً: أـ قتال أهل البغي. ب ـ قتال المحاربين (من قطاع الطرق). ج ـ القتال للدفاع عن الحرمات الخاصة (الدفاع ضد الصَّيال). د ـ القتال للدفاع عن الحرمات العامة. هـ ـ القتال ضد انحراف الحاكم. وـ قتال الفتنة (في حالة الدفاع عن النفس). زـ قتال مغتصب السلطة. ح ـ قتال أهل الذمة (ما لم يصدر الحكم بنقضهم للعهد). ط ـ قتال الغارة من أجل الظفر بمال العدو. ي ـ القتال لإقامة الدولة الإسلامية. ك ـ القتال من أجل وحدة البلاد الإسلامية. ثانياً: [حول المرحلة السابقة على إقامة الدولة الإسلامية في المدينة، وقبل تشريع الجهاد]. 3ـ ندب المسلمون في هذه المرحلة إلى الصبر علىالأذى، والإمساك عن الدفاع ضد العدوان، خشية أن يتطور الدفاع إلى أضرار بالغة تحيق بالدعوة الإسلامية وأصحابها، هي أكبر من ضرر الصبر على الأذى. 4ـ يجوز الدفاع ضد العدوان في هذه المرحلة، ما لم تترتب على ذلك أضرار بالغة تؤثر على سير الدعوة. 5ـ لا يجوز في هذه المرحلة ـ استخدام العنف، والسلاح لتصفية الأشخاص الذين يقفون في طريق الدعوة، أو يؤذون رجالها، ما لم يكن ذلك في حدود الدفاع عن النفس. ثالثاً: [مرحلة ما بعد إقامة الدولة الإسلامية، وتشريع الجهاد]. 6ـ تدل الغزوات والحروب التي وقعت في عهد النبوة، وعهد الخلافة الراشدة ـ أن الجهاد مشروع لرد العدوان الواقع أو المتوقع: كما هو مشروع لتطهير الجزيرة العربية من الوجود غير الإسلامي بشكل دائم… بالإضافة إلى مشروعيته بهدف إزالة العوائق المادية من طريق الدعوة، وإدخال الدول والشعوب تحت حكم الإسلام، وإن لم يدينوا به ـ كلما تيسر ذلك، ودعت إليه المصلحة. رابعاً: [حول أسباب إعلان الجهاد ـ في النصوص الشرعية]. 7ـ تدل النصوص الشرعية على مشروعية الجهاد ضد الكفار لإعلاء كلمة الله ـ بصورة مطلقة ـ أي، بغض النظر عن كون الكفار، معتدين أو غير معتدين، ما داموا يرفضون الدخول تحت الحكم الإسلامي ـ كلما كان ذلك ممكناً .. 8ـ يعتبر الدفاع عن أهل الذمة، وعن الحلفاء الذين أدخلهم المسلمون تحت حمايتهم، ضد العدوان الخارجي ـ يعتبر هذا الدفاع من الجهاد الواجب في سبيل الله.

9ـ الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم من الدول والشعوب ـ قبل تبليغهم الدعوة الإسلامية، وإنذارهم بالخيارات الثلاثة ـ هي السلم. وأما بعد تبليغهم الدعوة، والإنذارـ فالعلاقة معهم بعد رفضهم الاستجابة، هي الحرب، مالم تعقد معاهدة سلمية بين الطرفين. خامساً: [حول أحكام الجهاد، وتكوين الجيش الإسلامي]. 10ـ الأصل في حكم الجهاد أنه فرض كفاية، وقد يكون فرض عين، كما قد يكون مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو حراماً ـ على حسب الظروف والملابسات التي تُحيط بالمسلمين، وغير المسلمين، وما بينهم من علاقات… 11ـ يجب تكوينُ جيش إسلامي، والقيام علىتنظيمه، وتدريب أفراده، وتسليحه، بحيث يكون قادراً على النهوض بواجب الجهاد. سادساً: [حول الأحكام الشرعية في السياسة الحربية، ومعاملة المقاتلين من الجيش الإسلامي، ومعاملة الإعداء]. 12ـ تجب العناية بأفراد الجيش الإسلامي، وقياداته من النواحي الدينية، والثقافية، والعسكرية، وتوفير كامل حقوقهم المادية والمعنوية، وتطهيره من عناصر الفساد كلما ظهرت بين الحين والحين. 13ـ الفرار من القتال إثم كبير. وقد يتعرض مرتكبه لعقوبة القتل. 14ـ ينبغي تقدير قمية الشهادة، والشهداء ـ والاهتمام بأسرة الشهيد من بعده. 15ـ لا يجوز القصد إلى قتل من لم يكن أهلاً للقتال من الأعداء، ممن وردت بحقهم النصوص الشرعية، كالنساء والأطفال والشيوخ… 16ـ الحرب خدعة، فيجوز فيها استخدام الكذب والتضليل مع الأعداء، ما لم يترتب على ذلك غدر، أو نقض للعهود. 17ـ لا يجوز التمثيل بجثث الأعداء إلا على سبيل المعاملة بالمثل. 18ـ حين يحتمي العدو بدروع بشرية لا يجوز قصدها بالقتل ـ ينبغي الكف عن القتال، إذا اقتضت المصلحة ذلك. 19ـ لا تستخدم أسلحة التدمير الشامل مع العدو إلا إذا دعت إلى ذلك ضرورة، ومصلحة راجحة. وفي أضيق الحدود التي تقضي باستخدامها. 20ـ يندب إلى القيام بالعمليات الاستشهادية بشرط توفر المصلحة من ورائها. 21ـ يجوز القيام بعمليات الخطف للأعداء، تبعاً للمصلحة، ويحرم اللجوء إليها إذا كان ضررها أكبر من نفعها. 22ـ لا يجوز اقتراف أعمال الفسق والفجور مع النساء من أهل الحرب بحجة الاستباحة العامة للعدو. 23ـ يجب إقامة الصلوات في زمن الحرب ـ عملاً بالأصل ـ ويجوز تأخيرها عن أوقاتها إلى ما بعد الحرب، إذا دعت الضرورة إلى ذلك. سابعاً: [حول أسباب وقف القتال]. 24ـ دخول الأعداء في الإسلام يُنهي حالة الحرب معهم، ويصبحون من جملة المسلمين في الحقوق والواجبات ـ حسب أحكام الشرع ـ ويحرم الانتقام منهم بعد ذلك. كما لا يجوز مطالبتهم بالتعويض عن الأضرار التي تسببوا فيها حال قتالهم للمسلمين. 25ـ إذا دخل أهل الحرب في ذمة المسلمين ـ وجب وقف القتال ضدهم، وحرم الانتقام منهم، أو مطالبتهم بالتعويض عن أضرار الحرب .. وكان لهم ما لنا من الإنصاف، وعليهم ما علينا من الانتصاف. 26ـ يجوز عقد المعاهدات السلمية المؤقتة مع العدو، ويجوز تمديدها كلما انتهت بلا قيد، تبعاً للضرورة، أو المصلحة. كما يجوز عقد الأمان للأفراد من أهل الحرب، ويحرم الغدر بالعدو ما دام عقد المعاهدة أو الأمان ـ ساري المفعول. 27ـ لا يجوز ابتداء العدو بالقتال في الأشهر الحرم ـ إلا على سبيل الدفاع ضد العدوان، أو استمراراً لحرب قائمة. 28ـ إذا هزم أهل الحرب، واقتحم المسلمون بلادهم: ـ منح الأمان لمن لم يكن منهم من أهل القتال.

ـ وأما من كان من أهل القتال، وكذلك الأسرى الذين أخذوا في الحرب ـ فهناك عدة خيارات في الحكم عليهم تبعاً للمصلحة الراجحة، كالقتل، والاسترقاق والفداء، وعقد الذمة والأمان .. ويجوز عقد المعاهدات مع العدو على وقف الحكم ببعض هذه الخيارات، كالقتل والاسترقاق .. ويجب الوفاء بهذه المعاهدات، بحسب أحكام الشرع. ثامناً: [حول الجهاد في العصر الحديث]. 29ـ كل علاقة بين البلاد الإسلامية وبين البلاد الأخرى يترتب عليها الضرر بالمسلمين ـ لا يجوز الدخول فيها، كالأحلاف العسكرية، وتأجير القواعد، والمطارات، وبيع المواد الاستراتيجية، وسائر المساعدات الأخرى. 30ـ إذا نشبت الحرب بين الأقطار الإسلامية ـ وجب على المسلمين السعي لإيقاف هذه الحرب، والصلح بين تلك الأقطار، والحيلولة دون تدخل الدول الأجنبية في النزاعات التي تقع بين المسلمين. 31ـ إذا أكره المقاتل المسلم على الذهاب إلى قتال غير مشروع ـ يرخص له أن يحضر ميدان المعركة ـ بسبب الإكراه ـ ولكن لا يجوز له أن يقوم بأي عمل يترتب عليه قتل من يحرم عليه قتله إلا في حالة الدفاع عن النفس. 32ـ يعتبر إنشاء المنظمات القتالية في العالم الإسلامي، من أجل القيام بالصراع المسلح ضد العدوان، أو القيام بالعمليات الفدائية داخل بلاده، ونحوها .. ـ يعتبر ذلك من أعمال الجهاد في سبيل الله، إذا حسنت النية، وكان إنشاء تلك المنظمات، ونشاطاتها استجابة لأمر الله عز وجل. 33ـ لا يجوز للمنظمات أن تتلقى أي دعم إذا كان من شأنه أن يفرض عليها الوصاية التي تمنعها من ممارسة نشاطها الواجب بحكم الشرع. 34ـ لا يجوز الانتماء إلى أي منظمة تقوم على أساس غير مشروع، مثل العمل على اقتطاع أجزاء من البلاد الإسلامية المستقلة، لإنشاء مزيد من الدويلات المنفصلة في العالم الإسلامي. 35ـ إذا نشب القتال بين المنظمات القتالية ـ وجب على المسلمين العمل على وقف القتال بينها، والسعي إلى الصلح بين الأطراف المتحاربة، بكل طريق ممكن، على حسب أحكام الشرع. ثانياً ـ كلمة الختام إن ما نريد الحديث عنه، بإيجاز شديد، في هذه الخاتمة ـ كما جاء في خطة الرسالة ـ يتلخص في ثلاث نقاط، هي: 1ـ النقطة الأولى: مقارنة سريعة بين الواقع التاريخي للجهاد الإسلامي، وخلوه من الأطماع، والأحقاد. وبيان ما ينطوي عليه من تحرير للأمم والشعوب .. وبين واقع القتال عند غير المسلمين، قديماً وحديثاً، وبيان ما حمل، ويحمل في طياته من شرور ونكبات. 2ـ النقطة الثانية: دعوة خالصة لتوحيد الصفوف الإسلامية ضد العدو الحقيقي، تمهيداً للاضطلاع من جديد بالدور الإنساني الذي كلف الله عز وجل المسلمين أن يقوموا به من تحرير للأمم والشعوب، وإزالة العوائق المادية أمام تبليغها آخر رسالات السماء إلى الأرض، لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الساعين بالفساد هي السفلى. 3ـ النقطة الثالثة: الهدف من تبليغ الإنسانية رسالة الإسلام، وإزالة العوائق المادية من طريقها بالجهاد، إذا لزم الأمر ـ هو الوصول إلى الإسلام الحقيقي، والرفاهية الحقيقية في هذه الحياة الدنيا، والفوز بالسعادة، ورضوان الله في الحياة الأخرى… هذا، وفيما يلي، إلمامات خاطفة ـ كما أشرنا ـ مما يتفق مع طبيعة الخاتمة، حول النقاط الثلاث .. 1ـ النقطة الأولى: الأطماع والأحقاد بين واقع الجهاد الإسلامي، وواقع القتال عند غير المسلمين. عرفنا فيما تقدم من بحوث أنه لم يكن من وراء تشريع الإسلام للجهاد أية أطماع فيما لدى الأمم والشعوب من ثروات ومقدّرات .. وأيضاً لم يكن الهدف من الجهاد هو الفتك بالأعداء من أهل الحرب تنفيساً عن أحقاد تغلي في الصدور، لأنه قد سبق لهم عدوان على المسلمين، أو لأنهم يدينون بغير الإسلام. لم يكن من رواء تشريع الإسلام للجهاد شيء من ذلك على الإطلاق، كما تقدم، وإنما كان الغرض من تشريع الجهاد هو تحرير البشرية من أنظمة الاستبداد، علىالأرواح، أو على الأجساد!

الحرية أو الطوفان دراسة موضوعية للخطاب السياسي الشرعي ومراحله التاريخية

الحرية أو الطوفان دراسة موضوعية للخطاب السياسي الشرعي ومراحله التاريخية ¤حاكم المطيري£بدون¥المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت¨الأولى¢2004م€سياسة شرعية¶حرية الخلاصة: 1 - أن ما تعيشه الأمة اليوم من انحطاط وتخلف هو نتيجة طبيعية للانحراف الذي طرأ على الخطاب السياسي الشرعي، الذي جرد الأمة باسم الدين والسنة من حقها في اختيار السلطة ومحاسبتها ومقاومة طغيانها وانحرافها، وإصلاحها عند فسادها، حتى شاع الظلم والاستبداد، وظهر الفساد، فكانت النتيجة الهلاك كما أخبر بذلك القرآن في قوله تعالى: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} أي ما كان الله ليهلك الأمم بسبب الشرك وحده حتى يتجاوزوا ذلك إلى التظالم فيما بينهم، كما قال المفسرون، وكما يشهد له الواقع، وهو ما عبر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: (وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم: أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في الإثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ويخذل الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام). وقال: (إن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، وإن لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة). لقد ظن العلماء أن الصبر على الظلم خير من مواجهته، دون إدراك لخطورة الظلم نفسه على المجتمع، وأنه سبب انهيار الأمم وسقوطها. كما يشهد بذلك الواقع المعاصر للأمم. 2 - أن الخطاب السياسي الشرعي المنزل هو الخطاب الذي يمثل تعاليم الإسلام الحق، وأن ما عداه إما مؤول أو مبدل يجب رده ورفضه والتمسك بما كان عليه الخلفاء الراشدون في باب الإمامة وسياسة شؤون الأمة، كما جاء في الحديث: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور). وأن التمسك بهذا الخطاب هو السنة والسلفية، وما سواه هو من البدع التي أحدثها الملوك والأمراء، وتابعهم على أهوائهم العلماء والفقهاء، اتباعاً منهم لسنن القياصرة والأكاسرة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعا بذراع ... فارس والروم). 3 - وأن هذا الخطاب يقوم على: أ- حق الأمة في اختيار السلطة، ومشاركتها الرأي، ومحاسبتها، وخلعها، والاشتراط عليها، ومراقبتها، ونقدها. ب- وحقها في حرية التفكير والتعبير دون مصادرة أو حجر. ج- وحقها في مقاومة طغيان السلطة والتصدي له. د- وحقها في الانتماء والتجمع السياسي والفكري. هـ- وضرورة احترام حقوق الإنسان وحريته التي جاءت بها الشريعة. وووجوب تحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع أمام القضاء وفي تولي الوظائف العامة وفق مبدأ تكافؤ الفرص. ز- وحق الأمة في التحاكم إلى الشريعة وخلع السلطة عند خروجها على أصولها القطعية. ح- وحق الأمة في الذود عن أوطانها وإخراج الاستعمار من أرضها وحماية مصالحها. 4 - وأن هذا الخطاب لن يتحقق إلا بمواجهة الخطاب المؤول والمبدل فكرياً، ثم بالعمل على نشره ودعوة الأمة وحكوماتها إلى تبنِّيه بالطرق السلمية؛ لتبادر الحكومات نفسها إلى إصلاح الأوضاع وتدارك ما فاتها، وإلا فالواجب العمل على تغييرها بكل وسيلة ممكنة، سواء بالعمل السياسي السلمي أو بالعمل الثوري؛ إذ بقاؤها بقاء للاستعمار ولا سبيل إلى زواله إلا بزوالها.

5 - وأنه جائز شرعاً الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى في تنظيم هذه الحقوق، كما استفاد عمر من النظم الإدارية لدى الفرس والروم، وأجمع الصحابة على مشروعية ما فعل؛ لأن ذلك يدخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وكل ما فيه خير ومصلحة وعدل فهو من السياسة المشروعة، وكل ما فيه شر ومفسدة وظلم فهو من السياسة الممنوعة. وقد عرف الفقه الإسلامي النظام الرئاسي، حيث الرئيس يتم اختياره من الأمة مباشرة كما في عصر الخلفاء الراشدين، ويكون مسؤولا أمامها، والنظام الوزاري كما كان الحال في العصر العباسي الثاني، حيث كان الخليفة رمزاً للأمة والذي يمارس السلطة وصلاحياتها هو الوزير أو السلطان. فكل هذه الأنظمة جائزة شرعاً إذا رضيت بها الأمة وأقرتها ورأت فيها مصلحتها إذ الأمر لها. كما لا يوجد ما يمنع من مشروعية التداول السلمي للسلطة بين أحزاب سياسية تطرح برامج انتخابية في إطار دستور الدولة ونظامها العام وهو الشريعة الإسلامية، كما اقترح ذلك الأنصار في المدينة بقولهم: (منا أمير ومنكم أمير) وقد أثبتت هذه الطريقة نجاحها وجدواها في أكثر دول العالم المعاصر، ولا يمكن تحريمها على تلك الشعوب لو أرادت الدخول في الإسلام، كما لا يمكن تحريمها على الشعوب الإسلامية التي تمارسها في العصر الحديث إذا كانت الشريعة هي مصدر التشريع. 6 - وأن كل عمل جماعي منظم لتحقيق هذه المبادئ التي جاء بها الإسلام، وتأسيس الأحزاب السياسية والنقابات المهنية، والجمعيات الخيرية، ولجان حقوق الإنسان التي تعمل من أجل تحقيق المصالح العام للمجتمع في شئون السياسة والاقتصاد والاجتماع وتحقيق العدل والمساواة وحماية الحقوق والحريات، كل ذلك مشروع؛ إذ مثل هذا الاجتماع على جلب المصالح ودفع المفاسد داخل في قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وإنما يحرم الاجتماع أو التحالف على إبطال حق أو إظهار منكر أو إثارة شر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فمن تكفل بأمر طائفة فإنه يقال هو زعيم؛ فإن كان قد تكفل بخير كان محموداً على ذلك، وإن كان شراً كان مذموماً على ذلك. وأما (رأس الحزب) فإنه رأس الطائفة التي تتحزب، أي تصير حزباً، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم، سواء كان على الحق والباطل، فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف، ونهيا عن التفرقة والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان). وإن أول خطوة على طريق الإصلاح هي بالشك كما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (نحن أحق بالشك من إبراهيم). الشك بمفاهيم المجتمع وتصوراته عن الدين ومجالاته، والشك بالثقافة الإسلامية المعاصرة التي هي نتاج ثقافة المجتمع، الذي تقوم الحكومات بتشكيلها وتوجيهها بوسائل الإعلام والتعليم، بما في ذلك المساجد والمدارس الدينية والكليات الشرعية، التي تم توظيفها في خدمة الحكومات على تفاوت توجهاتها من أقصى اليسار الاشتراكي إلى أقصى اليمين الرأسمالي التي سيطرت على العالم العربي منذ سقوط الخلافة العثمانية، وهيمنة الاستعمار الغربي على شؤونه. وإنه من دون الشك لن تصل الأمة إلى برد اليقين، ونعيم الحرية، بل ستظل ترسف في أغلال الوهم وجحيم العبودية، وليس أمامها للخروج من هذا التيه سوى الثورة أو الطوفان!

الضوابط الشرعية للخروج على الحاكم الجائر في الفكر السياسي الإسلامي

الضوابط الشرعية للخروج على الحاكم الجائر في الفكر السياسي الإسلامي ¤عبدالله بن أحمد فروان£بدون¥بدون¨الأولى¢2002م€سياسة شرعية¶حسبة - الحكام والسلاطين والأمراء والوجهاء الخاتمة: الخروج على الحاكم الجائر من أخطر الأمور التي لا يمكن تجاهل ما قد ينتج عنها من فتنة وقتال وسفك دماء بين أفراد الأمة ولذلك فقد توقف الكثير من فقهاء الإسلام عن الخوض والحديث في هذا الأمر، ونجد الكثير منهم يتحرج كثيراً في إبداء الرأي أو الفتاوى حول هذا الحاكم أو ذاك حتى في حالة ظهور انحراف الحاكم عن قواعد الشرع وظلمه وجوره على الرعية، وهذا لا يعني إجازه الحاكم الجائر لفعله هذا أو تأييدهم له لما يفعله بالأمة وما يرتكب من مخالفات لمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية، ولكن يرجع الأمر إلى قواعد الشرع والموازنة بين الأضرار التي قد تنتج عن الخروج وبين الأضرار والمفاسد الناتجة من بقاء الحاكم الجائر يرأس الدولة الإسلامية وفي هذه الحالة سوف نبين أهم النتائج والخلاصات التي خرجنا بها من هذه الدراسة وأبرز الحقائق الناصعة المعتمدة على الأدلة الشرعية التي لا لبس فيها والمتسقة مع روح ومبادئ وقيم الشريعة الإسلامية ونوجز هذه النتائج فيما يلي: أولاً: مبدأ الخروج على الحاكم الجائر متفق عليه عند جميع فقهاء الإسلام باعتبار هذا المبدأ باباً من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي وصفت به الأمة الإسلامية بقوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} [آل عمران: 110]، وقوله تعالى {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} [الحج: 41]، وجور الحاكم هو نوع من أنواع المنكر يجب إزالته كما يقول الإمام القرطبي في تفسير الآية الأولى (إن جور الحاكم أمر منكر شرعاً فإزالته ولو بالخروج عليه يعتبر من باب إزالة المنكر)، وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم وشاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس فقال: لا والذي نفس محمد بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً)، وكذلك باعتباره من الأمور التي لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد ورد تحذير من الرسول صلى الله عليه وسلم من السكوت عن الأخذ بيد الظالم في الحديث الذي رواه أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أو شك أن يعمهم الله بعقاب منه). ثانياً: ما قيل أن بعض الفقهاء يجيزون الخروج على الحاكم الجائر ليس صحيحاً للأسباب التالية: 1 - الفقهاء يعتبرون أن الحاكم الجائر وكيلاً عن الأمة في إدارة شؤونها فلها الحق أن تسأله عن عمله إذا وجدت الأسباب المناسبة لذلك، وهي رقيبة عليه باستمرار بما هي ملزمة من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وبوصفها الطرف الأول في العقد فإنها صاحبة الحق في خلعه وعزله إذا خان الأمة, وحاد عن الطريق السوي, وجار في حكمه. 2 - المشهور عن جميع الفقهاء هو مقاومة الظلم أيّاً كان مصدره وحتى فقهاء أهل السلف والسنة الذين يتهمهم البعض أنهم لم يقولوا بالخروج نجدهم في جهاد دائم بالكلمة تارة وبالمال والسيف تارة أخرى.

وهذا أبو حنيفة الذي قال عنه الأوزاعي: احتملنا أبا حنيفة على كل شيء حتى جاءنا بالسيف يعني قتال الظلمة وقد وقف أبو حنيفة إلى جانب الإمام زيد بن علي عند خروجه على بني أمية وساعد زيداً على خروجه بالمال ونصح الناس بالوقوف إلى جانبه وكان نفس الموقف مع محمد بن عبد الله الملقب بالنفس الزكية وأخيه إبراهيم وهما من أولاد الحسين بن علي في الثورة الثانية سنة 145هـ حيث أفتى أن الخروج معه أفضل من الحج النفل خمسين أو سبعين مرة، وحين خرج عبد الرحمن بن الأشعث على الدولة الأموية في زمن ولاية الحجاج وقف إلى جانبه أكثر الفقهاء أمثال (سعيد بن جبير والشعبي وابن أبي ليلى وابن كثير وأن فرقة عسكرية من القراء وهم العلماء وقفت إلى جانب صف بن الأشعث ضد الحجاج ولم يقل أحد من العلماء أن خروجه هذا غير جائز)، (وقد قال بالخروج عند توافر شروطه التامة الإمام الشافعي والشعبي والإمام الغزالي والقاضي عياض وابن حزم والشهرستاني والجويني والمودودي وابن الأمير الصنعاني والشوكاني والجصاص وغيرهم). ثالثاً: الأدلة التي ذكرها القائلون بعدم جواز الخروج على الحاكم الجائر بالسيف لا يقصدون بها تحريم ومنع الخروج على الإطلاق أو الإقرار بمشروعية الظلم وإنما هو موقف فرضته الخشية من الفتنة ولذلك دعوا إلى الصبر على الحاكم الجائر وتحمل ظلمه وجوره خيفة أن تحدث الفتنة والموازنة بين الضرر القائم من وجود الظلم ووقوعه وبين الضرر المتوقع من الخروج، وهذا ما عبر عنه بن تيمية بقوله لا ينبغي إضاعة رأس المال طلباً للربح وهذه العبارة تسند إلى القاعدة الفقهية التي تقول (درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة) أي لأنه لا يجوز عند عدم التمكن وتحقيق الغاية المرجوة. رابعاً: حساب الضرر القائم والضرر المتوقع من الخروج على الحكام الجائرين يعد مسألة تقديرية يقدره الخارجون بحسب الحال والعوامل التي تساعد على نجاح الخروج من عدمه والتخفيف من الأضرار الناتجة عن الخروج ومحاولة تجنبها قدر الإمكان وفق القواعد الفقهية العامة كقاعدة (تحمل الضرر الأخف لدرء ضرر أكبر) وبحسب قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتدرج فيها على النحو الآتي: 1 - تعريف الحاكم بالمنكر المطلوب إزالته: فلابد أن يعرف الحاكم بالمنكر وذلك عن طريق أهل الحل والعقد وعلماء الأمة باللين واللطف والرفق دون عنف أو تجريح فلا ينسب إليه الجهل والحمق وإن كان كذلك وهذا الأسلوب هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الحق وهو منهج السماء للبشر على الأرض بأن تكون الدعوة والحوار والجدال بالتي هي أحسن وبالحكمة والموعظة الحسنة. 2 - الوعظ والنصح باللين: وهذا المنهج هو ما اتفق عليه الصحابة والتابعين من الأمة الإسلامية إلى يومنا هذا حتى اشترط العلماء فيمن ينهى عن منكر أو يأمر بمعروف عدة شروط لابد من توفرها وإلا لا يجوز له أن يقوم بهذه المهمة لأنه قد يؤدي فعله هذا إلى منكر أكبر ومن هذه الشروط: أ- أن يكون عالماً بما يأمر به عالماً بما ينهى عنه. ب- أن يكون رفيقاً فيما يأمر به رفيقاً فيما ينهى عنه. ج- أن يكون عدلاً فيما يأمر به عدلاً فيما ينهى عنه. 3 - العصيان:

إذا لم يُجدِ أسلوب النصح والوعظ والإرشاد مع الحاكم فإن للأمة أن تستخدم وسيلة أخرى تسمى في العصر الحديث (العصيان المدني) وهي مقاطعة الحاكم وعدم الاتصال به حتى يشعر أنه معزول عن الأمة ولهذا الأسلوب سند في الشريعة الإسلامية وهو ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (يكون آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقة وقضاة خونة كذبة فمن أدرك ذلك فلا يكن لهم جابياً ولا عريفاً ولا شرطياً)، وتستخدم هذه الطريقة إذا كان يرجى معها إثناء الحاكم وإجباره عن ما هو عازم عليه من انحراف وجور وظلم وبشرط أن لا يؤدي العصيان إلى مفاسد كتعطيل مصالح الناس والإضرار بهم. 4 - وأخيراً استخدام القوة لإزالة المنكر بحسب تفصيله في هذه الدراسة. خامساً: أسباب الخروج على حكام الجور والظلم ليست محصورة كما يرى البعض في الكفر البواح وليست محصورة بسبب بعض المعاصي والمفاسد ولكن إذا أوجدت الأسباب القوية التي لم يعد معها السكوت جائزاً ومقبولاً لدى علماء المسلمين واستنفدت كل الوسائل السلمية لثنيه عما هو عليه من انحراف في العقيدة أو عدم تنفيذه لقواعد الشريعة الإسلامية على الواقع أو إضاعته مصالح الأمة عند ذلك جاز الخروج عليه شريطة تحقيق المصالح للأمة، فلا يشترط للخروج إعلان الحاكم الكفر والردة عن الإسلام بل يكفي إظهاره لبعض المظاهر الموجبة لكفره وانحرافه عن الإسلام من خلال تصرفاته وعدم التزامه بمنهج الله، ومن مظاهر ذلك على الواقع العملي ما يأتي: 1 - الإقدام على إصدار أوامر وقوانين تتضمن معصية صريحة لله بالمعنى الشرعي. 2 - وقوف الحاكم موقف المتحدي المتعمد لنصوص الكتاب والسنة لأن هذا الموقف يعتبر كفرا بواحاً وإن لم يقل الحاكم إنه يكفر بالإسلام. 3 - معاداة الإسلام واضطهاد أهله وتنفيذ ذلك صراحة أو ضمناً كأن ينشر الفساد أو يساعد على نشره ويرضى به أو يساعد على نشر الربا والتعامل به ونشر المنهج المخالف للشرع والذي لا صلة له بالإسلام، وقد جاء وصف هذا النوع من الحكام في قوله تعالى {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون} [الأنعام: 123]. 4 - إفساد الحياة العامة على الأمة الإسلامية: قد يدعي الحاكم أنه على الحق وأنه يسير وفق منهج الإسلام إلا أنه في حقيقة الأمر يجلب للأمة الشقاء والتعاسة ويفسد الحياة العامة من خلال ما يمارسه على الواقع ويضر بالمصلحة العليا للأمة لأن الشريعة الإسلامية جاءت في الأصل لجلب المصالح ودرء المفاسد فإذا لم يحقق الحاكم المصالح فقد أفسد الحياة على الأمة ومن ذلك: أ- مساعدته ودعمه لتمزيق المجتمع بصراع المبادئ البعيدة عن منهج الله وتأجيج الخلافات المذهبية في بعض مسائل الفروع بما يتحول به المجتمع إلى فتن وصراعات وانقسامات داخلية واتباع مناهج وسبل شتى وهذا مخالف لقوله تعالى {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام: 153]. ب- تجويع الأمة وإذلالها حتى يتمكن من نشر الرذيلة والخوف والذعر والرعب فيها. ج- هدم المثل والقيم العليا في المجتمع واستعلاء الطغيان والظلم والفساد وغرس اليأس والإحباط في النفوس الصالحة بل والانتقام منها والفتك بها. سادساً: ليس صحيحاً من قال أن السلطان لا ينكر عليه بالقوة وإنما ينكر على غيره فالنصوص الواردة في تغيير المنكر ليست محصورة على المنكر من غير الحكام، بل الإسلام يرتب أفضل وأكبر أجر لكلمة حق عند السلطان الجائر وأفضل الجهاد كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلمة حق عند سلطان جائر).

سابعاً: تنفيذ الخروج على حكام الجور والظلم يستلزم توافر شروط في الخارجين وشروط في المخروج عليهم، وكذلك اكتمال الظروف الأخرى التي تهيئ المجال لنجاح ذلك الخروج بحيث لا يؤدي ذلك الخروج إلى مضار تربوا على المصالح العامة للأمة، ومن أهم الشروط الواجب توافرها في الخارجين ما يلي: 1 - أن يكون الخروج بقيادة أهل الحل والعقد من العلماء ورؤساء الجند وسائر الزعماء الذين يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح العامة ولا يدخل في هذا الصنف من أفسدهم الحاكم ليكونوا أعواناً له في استبداد وظلم الأمة فأهل الحل والعقد هم الذين يقدرون مصالح الأمة ويسعون لتحقيقها ويضحون من أجل الحق ويتصفون بالتقوى والصلاح وحسن الرأي والإخلاص والحرص على ما ينفع الناس، ولا يصح أن يكون هؤلاء الخارجون من الجهلة وغوغاء المجتمع الذي لا تجد منه الأمة سوى الفوضى والاضطراب في الأحوال وزيادة في الظلم والجور. 2 - أن يكون الخارجون قد استنفدوا كل الوسائل والطرق السلمية في محاولتهم لتقويم الوضع وإصلاح الحاكم. 3 - عدم الإقدام على تنفيذ الخروج إلا بعد الموازنة الدقيقة بين الضرر القائم والضرر المتوقع فإذا كان الضرر المتوقع أكثر فإنه لا يجوز الخروج لأنه مفسدته أكثر من مصلحته. 4 - لنجاح الخروج نجاحاً تامّاً لابد من إحكام خطة مدروسة وناجحة ترتكز على أهداف واضحة وتتخذ الأساليب المناسبة المتكافئة وتبين الآراء وفق قاعدة الشورى على أن تتضمن أهداف الخروج على مبادئ الشريعة الإسلامية كالمحافظة على إقامة الحدود وإصلاح الفساد وإقامة العدل بين الناس. ثامناً: إذا فشل الخارجون ولم يتمكنوا من إزاحة الحاكم الجائر عن الحكم يصبح حكمهم في نظر هذا الحاكم بغاة وينطبق عليهم حكم البغي والبغاة وإن كانت أهدافهم ليست كأهداف البغاة ولكن لا توجد أحكام في الشريعة الإسلامية غير ذلك وطبقاً للقواعد الشرعية والإسلامية كما هو واضح في قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} [الحجرات: 99]. ولم يفرق الفقهاء بين البغاة والخوارج فأحكام البغاة هي أحكام الخوارج وإن قال البعض أن البغاة هم الخوارج على الإمام العادل والخوارج هم الذين يرون أن كل ذنب صغير أو كبير كفر ولكن حكم هؤلاء هو حكم البغاة. تاسعاً: إذا نجح الخارجون وعزلوا الحاكم الجائر فإنه يتطلب منهم بذل الجهود الكبيرة في إصلاح الأوضاع وإعادة بناء المجتمع وفق منهج الشرع لأن الظلم الذي ساده في فترة حكم السلطان الجائر قد أفسد المجتمع ويحتاج إلى إصلاح ما أفسده وعلى وجه التحديد القيام بما يلي: 1 - بث روح الإخاء والمحبة والتسامح بين أفراد المجتمع وكان هذا هو أول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة وقبل أن يؤسس الدولة قام بهذا العمل الذي هو الجسر الأساس الذي يبنى عليه كيان الدولة وبه تنطلق الأمة إلى ميادين الحياة والعمل والإنتاج، لأن المجتمع الذي لا تسوده هذه المعاني والقيم ويشيع فيه روح التباغض والتناحر والكراهية لا يمكن أن ينطلق نحو البناء والتقدم والأمن والاستقرار.

2 - إصلاح الجوانب الاجتماعية فالشريعة الإسلامية كفلت تحقيق العدالة الاجتماعية وحاربت الفقر والجوع والبطالة كون الفقر يمثل خطراً كبيراً على عقيدة الأمة وقد قورن بين الكفر والفقر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كاد الفقر أن يكون كفراً) كما استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من شر الفقر وشر الكفر فقال (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر) وكذلك يشكل الفقر خطراً على المجتمع لأن عدم التقارب النسبي بين الناس في توزيع الثروة يثير في النفوس الأحقاد ويحدث الفتن والاضطرابات والفوضى ويقوض أركان الإخاء والمحبة بين الناس كما أن الفقر يشكل خطراً على سيادة الدولة نظراً لما يؤديه من اختلال التوازن داخل المجتمع وسوء العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتكون علاقة الدولة بالشعب علاقة تصادمية لا يوجد الحماس لدى الجماهير في الدفاع عن كيان البلاد وقد تحدث علماء الغرب الذين درسوا الإسلام عن إعجابهم بقيم ومثل وأخلاق الإسلام وأنها كانت السبب في تحقيق العدالة والتقدم والرخاء وفي تخليص البشرية من الجهل والظلم والشتات والفرقة والتمزق والضياع، ونورد هنا قول أحدهم وهو فون كيمر قال: عمل الإسلام على جمع شمل العرب وأزال دوافع تفرقهم وخلص العرب من رذائل الجاهلية ونشر بينهم روح العدالة والشورى والسلام وغرس المفهوم الخالد وهو أن أكرمكم عند الله أتقاكم وواعد العرب ليكونوا خير أمة أخرجت للناس ينشرون دينهم في أرجاء العالم. 3 - إصلاح الجوانب السياسية القائمة على المعاني الشرعية والأخلاق الإسلامية آنفة الذكر باعتبار أن الدولة في الإسلام هي دولة رسالة عالمية تسعى لتحقيقها على وجه الأرض وبسط العدل بين الناس ونشر الحضارة الإنسانية والتقدم والبناء، وفي سعي الخارجين لتحقيق ما قلناه من معاني ومبادئ وقيم إنسانية لابد أن يراعوا جملة من الأمور للتغيير العملي لتحقيق رسالة الدولة في الإسلام ومن أهم ذلك ما يلي: أ- الفهم الصحيح لطبيعة المجتمع واتخاذ الأسلوب الأمثل لتغييره فالمجتمع ليس هو المجموع الكمي لأفراده وإنما هو نظام اجتماعي أو تركيب اجتماعي تتمثل فيه العلاقات المادية وتترابط ترابطاً عضوياً وتتناول من خلال التأثر والتأثير وتنعكس هذه العلاقات بمجملها على الواقع وعلى النظام السياسي خاصة إذا عرفنا أن أفراد المجتمع لا تخضع خياراتهم الإيدلوجية القناعات الفعلية التي يمكن التأثير فيها من خلال الوعظ والإرشاد والتذكير والتأثير فحسب وإنما أن يخضع إلى جانب ذلك لمصالحهم المادية في المقام الأول وحاجاتهم الضرورية. ب- بلورة نظرية علمية للاتصال بالجمهور من خلال التوعية والتعريف بالأهداف المراد تحقيقها لأن أفراد الأمة لا يتحمسون ولا يساندون أي تغيير أو إصلاح إذا لم يتحقق فيه شرطان هما: الشرط الأول: أن يجدوا لدى من يقوم بالتغيير حلّاً لمشاكلهم الحقيقية. الشرط الثاني: أن يفهم الجمهور مقاصد وأهداف أي تغيير داخل المجتمع. ج- حفظ التوازن بين طبقات المجتمع وصون الحقوق فيؤخذ الحق من القوي دون أن يقصد كسره ويعطى للضعيف وخلق الشعور لدى الحاكم والمحكوم معاً بأنهما شركاء في الحكم وإن كل واحد منهما له دوره الهام يؤديانه في سبيل بناء الكيان العام للأمة الإسلامية.

التربية السياسية في المجتمع المسلم

التربية السياسية في المجتمع المسلم ¤خالد أحمد الشنتوت£بدون¥دار البيارق - لبنان¨الأولى¢1421هـ€سياسة شرعية¶تربية وتعليم الخاتمة والخلاصة والتوصيات حاول الباحث أن يقدم لإخوانه أبناء الصحوة الإسلامية منهجاً مبسطاً للسياسة الإسلامية، ليساعدهم علىتمييزها عن السياسة الجاهلية، وأراد الباحث أن يرفع الحاجز النفسي القديم بين المسلمين والعمل الجماعي (السياسي)، وذلك عندما حاول أن يميز بين السياسة الإسلامية والمكيافللية، التي أبعدت المسلمين عن السياسة، كما حاول الباحث أن يبين فرضية العمل الجماعي (العمل السياسي) وهو ما أصطلح على تسميته بالبيعة، كما حاول الباحث أن يحدد أولى الأمر الذين وجب على المسلمين مبايعتهم، وخلص إلى أنهم أهل الحل والعقد في الأمة المسلمة المعاصرة، واقترح أن يشكل هؤلاء رابطة شعبية للعماء المسلمين. وكي يميز السياسية الإسلامية عن الجاهلية عدد أهم خصائصها وهي: 1ـ البيعة وحاول الباحث أن يبين مكانة البيعة في الدين، أي أن العمل السياسي واجب على كل مسلم (الآن) وحتى تقوم الخلافة المسلمة على وجه الأرض، وعندئذ يصبح فرض كفاية كما هو بالأصل. 2ـ الشورى وهي عمود النظام السياسي في الإسلام، وحاول الباحث تمييزها عن الديمقراطية، حيث يلتبس هذان المفهومان حالياً لدى بعض المسلمين، وأراد الباحث أن يبين حقيقة الديمقراطية، كي لا تبهر بعض المسلمين كما بهرتهم الاشتراكية. وميز الباحث بين الشورى الملزمة والاستشارة المعلمة. 3ـ التعاون وقصد به الباحث تعاون الجماعات الإسلامية فيما بينها، من أجل إعادة الخلافة إلى الأرض، ودعا إلى قبول مبدأ التعدد، ثم الحوار والتعاون على البر والتقوى. 4ـ العدالة وهي خاصة تنفرد بها السياسة الإسلامية، وبها تدوم الدولة المسلمة بعد قيامها، وأكد أن المسلم يعدل بين الناس كافة كما أمره الله. 5ـ الاهتمام بالمسلمين وقصد به الباحث موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين والمنافقين، وحاول الباحث ربط ذلك بقيام الحياة الإجتماعية الإسلامية، وعلاقة الفرد المسلم بالمجتمع المسلم. وعرض الباحث موجزاً لمقومات الدولة المسلمة، وهي المنهج والقيادة والشعب والأرض، وحاول الباحث أن يبين مقومات الدولة المسلمة الأولى، التي بناها رسول الله eمن المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة. وقارن بين مقومات الدولة المسلمة الأولى، وهذه المقومات المعاصرة، ليستخلص من ذلك أن الطريق ما زال شاقاً وطويلاً، وأنه لابد من إعداد القاعدة المسلمة (الصلبة) التي يقوم عليها المجتمع المسلم، ثم الدولة المسلمة.

التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم داخل دولة واحدة

التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم داخل دولة واحدة ¤سورحمن هدايات£بدون¥دار السلام - القاهرة¨الأولى¢1421هـ€سياسة شرعية¶معاملة غير المسلمين أ – نتائج البحث: وأهم النتائج وبعض الحقائق التي توصل إليها الباحث في هذه الدراسة ما يلي: 1 – إن وصف المؤمنين يخص الذين اعتقدوا عن جزم وصدقوا بوحدانية الله في ربوبيته وألوهيته (من خلقه للخلق أجمعين، وتدبيره لهم وقضائه وقدره فيهم وحقه عليهم في العبودية بجميع صورها)، وبملائكته، وبجميع رسله، وبجميع كتبه، وباليوم الآخر. وما فيه من الجزاء الحق لكل عمل بشري .. وبعد بعثة الرسول الخاتم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تحقق هذا الوصف فيمن آمنوا برسالته وبما جاء من شريعة متممة للشرائع السابقة في إطار وحدة الدين الإسلامي. وسمى الله تعالى هؤلاء مسلمين منذ القدم لتسليم حياتهم له وحده. 2 – وغير المسلمين يطلق عليهم كافرين ومشركين، سواء بإنكارهم رأسا لتلك الأسس الإيمانية؛ أو باعتقادهم المكفر. وهم يشملون من لهم كتاب منزل ثم حرفوه من اليهود والنصارى بجميع طوائفها ويطلق عليهم أهل الكتاب، ومن لهم شبهة كتاب منزل من المجوس والصابئين، ومن ليس لهم كتاب منزل، ويطلق على الفريقين جميعا مشركين، ويدخل في عدادهم الملحدون والباطنيون والبهائيون والقاديانيون وكل من يعتنق معتقدا مكفرا، والمرتد عن دين الإسلام إلى أي دين آخر، أو إلى لا دينية. أما المنافقون رغم الكفر بباطنهم وجلاء علامات النفاق فيهم، فبانتمائهم الظاهر للإسلام يعاملون حسب الظاهر كمسلمين، مع وجوب الحذر من خطر النفاق وإسداء النصح لهم بأسلوب حكيم. 3 – والأصل في علاقات المسلمين بغيرهم هو السلم والمسامحة. ولا يغير العلاقة السلمية إلا ما يطرأ عليها من اعتداء غير المسلمين على نحو مباشر أو غير مباشر على حرية الدعوة، أو أحد المسلمين فوق أي شبر من الوطن الإسلامي. أما علاقة المسامحة فثابتة تحت أي ظرف من الظروف. وهي ترتكز على: الإيمان الثابت بأن الدين عند الله الإسلام، واعتبار ما سواه باطلا مع إظهار التميز في الشخصية الإسلامية، وعدم إكراه غير المسلمين على اعتناق الإسلام بأي وجه من الوجوه، مع وجوب عرضه عليهم دعوة وتبليغا، وتمكينهم من ممارسة تعاليم دينهم، وعدم سب ما يعبدون على أن لا يمسوا بالشعور العام. 4 - ويلتزم المسلمون في علاقاتهم الإنسانية – ومن ضمنها العلاقة بغيرهم – بالمبادئ الخلقية الثابتة الواضحة المنتهية، أهمها: التكريم، والرحمة، والمحبة، والعدل، والمساواة، والمعاملة بالمثل، والتمسك بالفضيلة، والحرية، والتسامح، والتعاون، والوفاء. 5 – تتسع مجالات التعامل الاجتماعي بين المسلمين وغيرهم فيما لا يمس باعتزاز المسلمين بأحقية دينهم وتميز عبودياتهم وأخلاقهم وشخصياتهم الإسلامية، ولا يمثل سبيلا لغير المسلمين عليهم؛ فإن ذلك من الولاء المحرم. ويرغب المسلمون في تقديم ما يدعم حسن المعاملة والمعايشة مع غيرهم من الصلة والعطاء المالي والمعنوي، كما يرغب في قبول هداياهم من الأشياء المباحة أصلا، وتجوز الاستعانة بهم فيما يعود بالنفع على الطرفين، وتحل مأكولاتهم غير الذبيحة لشرك متأصل في معتقدهم، كذا ومشروباتهم إذا خلصت من مادة محرمة من الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير وما يلحق به، وما أهل لغير الله به. كذا استعمال أدواتهم وأوانيهم بعد غسلها احتياطا. والخاص بأهل الكتاب لقربهم من الأسس الإيمانية الصحيحة وبالتالي إلى قلوب المسلمين تحل للمسلمين ذبيحتهم والمصاهرة مع نسائهم.

6 – يعامل الكافر بسبب الارتداد عن الإسلام بالإصرار ودونما شبهة معاملة الخائنين على الأمة والنظام فيقتل كفرا بعد استتابته مدة كافية، وتحفظ بمثل هذا الحق دول العالم قديما وحديثا في معاملتها للخونة على الشعب والنظام. 7 – لقد أنزل الله الإسلام ليكون هداية للناس أجمعين في كل مناحي حياتهم، وأن تتسيد فيها تعاليمه ونظمه. وبعد الناس عن الإسلام ومفارقتهم له لا يعني إلا المزيد من التعاسة والشقاء. وتحت ظل سيادة الإسلام وحدها تجد البشرية خلاصها وسعادتها الحقيقية، وأعظم مظاهر السيادة أن تكون الولاية بأيدي المسلمين، وتكون الشريعة هي مصدر لتشريعاتهم وسياساتهم، وبذلك تصبح الدولة إسلامية حقا. 8 – تتميز الدولة الإسلامية عن غيرها: بانبنائها على دين الله، وهدفها الرئيسي إقامة الدين وسياسة الدنيا على ضوئه تحقيقا لمصالح الناس والعدالة المطلقة بينهم وصولا إلى سعادة الدارين، وتقيد سلطاتها بمسئولية أمام الأمة عن طريق ممثليها وبالشورى في تنفيذ مطالب الدين فيما لم يرد بشأنه نص قطعي الدلالة، وتمسكها بالمثل العليا الثابتة المحددة، ومرونتها والشكل والأسلوب تمكينا للأمة من اختيار ما هو أصلح حسب تطور متطلبات الزمان. 9 – وسيادة شريعة الإسلام مطلقة لا يقتصر وجوب تحقيقها على الأوضاع الطبيعية؛ بل كذلك في الأوضاع الاستثنائية. وهي الحالات الطارئة على الفرد أو المجتمع من المحتم مواجهتها بالأحكام الاستثنائية؛ دفعا للضرر ورفعا للحرج عن المكلفين، على أن يكون الأخذ بالأحكام الاستثنائية أو الرخص بدلا من الأحكام الأصلية أو العزائم على نحو يقره الشرع، مع وجوب بذل قصارى الجهد الدؤوب للعودة إلى الأوضاع الطبييعية. والأمة المسلمة حلت بها الأوضاع التي جعلتها في حالات استثنائية بالنسبة لسيادة الشريعة، الأمر الذي تطلب الاعتراف بشرعية مظاهر الولاية الناقصة بسبب الوراثة أو الاستيلاء، أو ملاءمة الشروط المطلوبة أو قيام دولة إسلامية قطرية مقام الخلافة الإسلامية العالمية، أو قيام دويلات المسلمين القومية، كذلك تطبيق ما أمكن من أحكام الشريعة. 10 – ولاتخاذ سياسة مناسبة حيال كل موقف يتخذه الناس من دعوة الإسلام وأصحابها تقرر في الفقه الإسلامي تقسيم العالم إلى ثلاث ديار: ديار الإسلام التي تشمل في الوقت الحاضر البلاد التي تحت سلطان المسلمين سواء طبقت فيها أحكام الإسلام الاجتماعية أم لا على تكييف جمهور العلماء، كذلك مناطق المسلمين التي تحت سلطان غير المسلمين ما داموا يستطيعون إقامة حكم من أحكام الإسلام بأمان 0 مثل الشعائر والأحوال الشخصية – على تكييف أبي حنيفة. ودار العهد وهي البلاد التي يتخذ أهلها موقفا مسالما من دعوة الإسلام والمسلمين، وتتمثل في الوقت الحاضر في أغلب دول العالم لما بينها وبين دول العالم الإسلامي من عهد الأمان، سواء تم ثنائيا أو بالتزامها بميثاق الأمم المتحدة. ودار الحرب وهي التي يتخذ أهلها موقفا محاربا من دعوة الإسلام والمسلمين. وواقع تجزئة مناطق دار الإسلام بين دويلات قومية قطرية وعدم تأسيس سياستها على أساس من المصالح الإسلامية يحولان دون وجود موقف موحد بين حكوماتها من اعتبار بعض الدول غير المسلمة دار الحرب مثل: إسرائيل، والاتحاد السوفيتي، والتي ثبت تظاهرهما على المسلمين.

11 - والمواطنة في الدول الإسلامية تتسع للمسلمين بإسلامهم وولائهم لجماعة المسلمين وغير المسلمين بولائهم للدولة الإسلامية. والفريقان جميعا يشكلان مجتمعا إسلاميا يجريان حياتهم الاجتماعية على النظام العام الإسلامي. وتنقطع المواطنة بما يعد خروجا على جماعة المسلمين بالارتداد عن الإسلام وتفضيل تقديم الولاء لدولة الحرب على دولة الإسلام بالنسبة للمسلمين، وبإعطاء الولاء لدولة الحرب وهتك حرمات العهد بالنسبة لغير المسلمين. 12 - جميع المواطنين في الدولة الإسلامية مكرمون على حد سواء من حيث إنسانيتهم كوضع طبيعي ومنحة ربانية، وخضوع الجميع حكاما ومحكومين لنظام العام الإسلامي لا يخل بمبدأ الحرية الدينية التي يجب إعطاؤها لغير المسلمين بتمكينهم من ممارسة عباداتهم وكل ما يلزمها من العناية بدور العبادة، وتعاطي كل ما يعتقدون حله في دينهم، وتنظيم أحوالهم الشخصية ويقف المسئولون في الدولة أمام الجميع موقف المسئولية عن توفير حقوقهم المشروعة. 13 – يشترك جميع المواطنين في التمتع بحقوق المواطنة على أساس المساواة (لغير المسلمين ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين)، إلا ما تتطلبه ضرورة احترام الخصوصيات الدينية، كما أن غير المسلمين يستثنون من الخضوع للشريعة في أمورهم الدينية. فيتمتع الجميع بحق الحماية على النفس وما يتبعها من مال وأهل وعرض من أي اعتداء، وحق توفير مقومات الحياة الكريمة، وحق العمل والكسب والتنقل الحر لتسخير طاقاتهم الإيجابية، وفرص التوظيف في الدولة، والمشاركة في تسيير دفة أمورها مع اختصاص المسلمين بمناصب الولاية سواء في السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية أو العسكرية. 14 – وحقوق المواطنين في الدولة الإسلامية وجدت ضماناتها في صميم الدين الإسلامي فتحظى باستقرارها في النفوس استقرار الإيمان بتعاليم الإسلام ذاتها. كما تحظى بالثبات ثبوت المقررات الشرعية التي لا تتبدل، وبتواصي المسلمين بعضهم البعض بالتزام الواجب الديني في هذا الخصوص وإزالة ما يعترض طريقه. ومصداقية ذلك محفوظة في مواقف العلماء والصالحين من أبناء الأمة طوال تاريخ التعايش بين المسلمين وغيرهم. 15 – والأجانب في الدولة الإسلامية هم غير المسلمين الذين لا يرغبون في الإقامة الدائمة على أرضها. وفي تسميتهم بالمستأمنين إشعار بتأكيد توفير الأمان لهم مدة إقامتهم فيها، ولا يقتصر ذلك على الحماية من ظلم المواطنين، بل أيضاً نصرتهم على من يحاربونهم من غير المسلمين ما داموا داخل الوطن الإسلامي. ولدخول المسلمين أرض الدولة الإسلامية بأمان أمر يسير للغاية. وذلك بوجود العلاقة السلمية بين دولتهم والدولة الإسلامية أو بتأمين من أي مواطن مسلم لهم ولو بغير طلب منهم، وتم شفهيا، دون اشتراط موافقة المسئولين في الدولة على ذلك. وتصح ذمة مواطن واحد طرديا ذمة جميع المواطنين من أدناهم إلى أعلاهم. وتحديد مدة إقامة الأجانب يتوقف على اعتبار المصلحة الذي يرجع إلى المسئولين. ويطبق على الأجانب قانون الدولة الإسلامية فيما يتعلق فقط بحقوق العباد من الحدود وغيرها عند الإمام أبي حنيفة، كذلك الحدود المتعلقة بحقوق الله عند جمهور العلماء، وللدولة خيار في الأخذ بأي من الرأيين طبقا للمصلحة القائمة والمعتبرة.

16 – يشترك جميع المواطنين في بناء الدولة وتحقيق الرفاهية العامة من خلال التزامات مالية ومعنوية مع التنوع فيما تغلب عليه الصفة الدينية فالمواطنون المسلمون هم المسئولون أساسا عن حماية المواطنين والدفاع عن الوطن بموجب وجوب الجهاد، وإنما يشارك القادرون على القتال فقط من المواطنين غير المسلمين سواء على نحو غير مباشر بدفع قدر يسير من المال بدل الحماية، أو على نحو مباشر بالانضمام في القوات الأمنية دفاعا عن الوطن وحماية للأمن لا جهادا. وعلى المسلمين إخراج زكاة أموالهم النامية بشروطها التي تراعي عدم الإجحاف بأرباب الأموال وعدم الحيف بحق الفقراء. وعلى غير المسلمين دفع الخراج؛ أي ضريبة الثروة الزراعية في مقابل العشر على المسلمين، ويستوي الجميع في سائر الالتزامات المالية التي لا تغلب عليها الصفة الدينية كجمارك ورسوم. 17 – وكل دولة غير إسلامية توصف بالدولة الواقعية سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة؛ وذلك لعدم انبناء خططها وسياستها على هدى من شريعة الله تبارك وتعالى، من خلال نصوصها ومبادئها العامة واعتبارات إسلامية في تقدير المصالح. والوضع الغالب في الدول الواقعية كالآتي: في الدول التي تحت سلطان المسلمين تقرر دستوريا كفالة حقوق جميع المواطنين على أساس من المساواة وتكافؤ الفرص بما فيها حرية العقيدة والعبادات في إطار النظام القائم، ولشمولية الحياة الدينية والعبادة في الإسلام يواجه المسلمون الحدود النسبية التي فرضها الحكام حسب سياستهم. وفي الدول ذات أغلبيات مسلمة يحكمها أقليات غير مسلمة تتعرض الأغلبية المسلمة للحرمان من الحقوق حتى من توفر الأمن على حياتهم كمسلمين، حيث سياسة الحكومة المعادية للإسلام والرامية إلى القضاء على المسلمين، أو تحجيمهم على افضل تقدير. ومما يزيد الطين بلة تحالف الطوائف غير المسلمة فيها على المسلمين في كثير من الأحيان، وفي الدول التي تحكمها أغلبيات غير مسلمة تميل معاملتها للأقليات على وجه العموم إلى التفرقة، غير أن نصيب الأقليات المسلمة أسوأ من غيرها حيث التشريد والحرمان مع التفاوت في الشدة بهذا الترتيب التصاعدي: دول ذات أغلبيات كتابية – دول ذات أغلبيات وثنية – دول ذات أغلبيات شيوعية. ومن الملحوظ ان لسبق تعاون الدول مع بعض المستعمرين الغربيين على المسلمين دخل في سوء معاملتها للأقليات المسلمة. وأن التعايش السلمي بين الأقليات الموجودة متحقق على وجه معقول، على أن التعايش بين الأقليات الكتابية والمسلمة أفضل منه بين الأقليات الوثنية والمسلمة. 18 – من حيث الشكلية وضعت الدول الواقعية بعض النصوص التشريعية المتمثلة في الدستور أو القانون كضمان لحقوق المواطنين، وبالخصوص ما يتعلق بحرية العقيدة والعبادة، ولكن مصداقية هذا الضمان التشريعي وفعاليته يتوقفان على مدى التزام الدولة بتشريعاتها، من خلال سياستها التنفيذية والسلطة القضائية. كما أن للبعد الإيماني دخل في ذلك؛ ففي الدول الشيوعية كانت ضمانات حقوق المواطنين من أصحاب الديانات – وبالخصوص المسلمون – معدومة لإلحادها وسياستها المبنية على الخدعة وتبرير الوسيلة. وفي الدول التي تتبنى النظام الديمقراطي يبدو هذا الضمان ماثلا إلى حد ما مع التفاوت حسب موقف حكوماتها من التسامح الديني. وكان ضمان حرية العقيدة والعبادة أقوى في الدول التي يحكمها المسلمون منه في الدول الأخرى؛ حيث وضع في ذلك اعتبار ديني فوق اعتبار سياسي.

19 – الأصل أن كل مسلم يلتزم أحكام الإسلام كاملا ودون استثناء إلا بسبب طارئ يقره الشرع. بيد أن الوضع الراهن في أغلب البلاد المسلمة أنها لا تبني سياستها على سيادة الشريعة فينتج القصور الواضح في كثير من مجالات الالتزام الإسلامي، أهمها المجال السياسي والقانوني والاقتصادي؛ فأصبح المطلوب من المسلمين أفرادا وجماعات – وفي مقدمتهم العلماء والزعماء – رفع مستوى التزامهم بتعاليم الإسلام في المجالات التي لا يتوقف تطبيقها على قوة القانون والسلطة السياسية، كذلك السعي المستمر بكل الوسائل الصالحة لتحقيق سيادة الشريعة في الدولة. 20 – والمسلمون في البلاد غير المسلمة يلتزمون جميع أحكام الإسلام ديانة. والأحكام التي تتوقف قضاء على القانون والسلطة معلقة إلى حين حصولهم على السلطة أو قانون يسمح لهم بذلك، مع التأكيد على وجوب العمل المضني حفاظا على كيانهم الإسلامي وتعاملهم مع سائر المواطنين بها من أهل الديانات الأخرى على أساس وضعهم كمستأمنين – فيجب تلافي المساس بأمن غيرهم على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وأعراضهم بأي وجه من الوجوه. ويتعاونون فيما بينهم على منع وقوع العدوان من غيرهم وحصول الإنصاف من أي ظلم وقع على أحدهم، دون اللجوء إلى القتال ما داموا مستأمنين قانونا ولم يكن العداء رسميا من سياسة الدولة، إلا ما يلزم الدفاع عن النفس، ويجوز تقديم ما يعود بالنفع عليهم وعلى غيرهم إلى الدولة، أو ما لا يضرهم بمخالفته الصارخة للشريعة على الأقل، سواء يتمثل في الالتزامات مالية أو أدبية، على أن يحتفظوا بعدم الرضا بطريق هؤلاء ومنهج حياتهم. وإذا فرض عليهم وضع يستوجب الموازنة بين الأضرار المتوقعة يجوز لهم اختيار أخف الضررين وأدنى الشرين، وإن كان في ذلك عدول عن الأحكام الأصلية إلى الأحكام الاستثنائية. وهذا أمر متوقع الحدوث للمسلمين المقيمين بين أهل بلد يتخذون – موقفا محاربا منهم. ولعدم عقد الأمان بين الطرفين لا يلتزم المسلمون تأمين أهل الحرب على أنفسهم وأموالهم. ومع هذا لا يحل لهم الاعتداء إلا إذا اعتادوا عليهم عملا بمبدأ المعاملة بالمثل {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [سورة البقرة آية 194]. 21 - من الثابت تاريخيا وواقعيا أن المسلمين أقدر الناس على التعايش السلمي والإيجابي مع المخالفين لهم في الدين ما داموا ملتزمين بإسلامهم الحنيف، ونظرا لطبيعة التبادل بين الأطراف المتعايشة يكون مستوى هذا التعايش متماشيا مع مدى تحقق سيادة الإسلام في المجتمع. ب – المقترحات: وفي ضوء النتائج المذكورة يقترح ما يلي: أ – لما كان المسلمون اليوم في وضع لا يحسد له – بسب المؤامرات الخارجية على البلاد المسلمة، وتسيد النظام الأجنبي بها، وهيمنة غير المسلمين ونظامهم على المسلمين في البلاد غير المسلمة – كانت القوة الدافعة إلى التعايش السلمي والبنائي بين الأمم المختلفة الديانات ضعيفة، فينتج من ذلك فساد في العلاقات الإنسانية يتفاوت مداه من بلد لآخر {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (وورد التأكيد على هذا الموضوع في سورة الحج آية 40) فالسبيل الأساسي الوحيد للارتفاع بالبشرية من هذا الفساد هو استرداد قوة الإصلاح والسلام المتمثلة في الأمة المسلمة مكانتها الطبيعية بين الأمم. 2 – وعودة هذه القوة السلمية إلى مكانتها الطبيعية لم ولن تكون بالصدفة ولا بالمنحة من غيرها. فليس هناك من سبيل إلا العمل الجماعي على رفع نوعيتها عن طريق بناء شخصية المسلمين الإسلامية المتكاملة الجوانب تكامل جوانب الإسلام نفسه وتبني مشروع التربية على شمولية الإسلام وشمولية الحياة على مستوى التصور والتطبيق والوسائل إلى هذا التطبيق. ولا ينبغي أن يترك وسط من أوساط الحياة الاجتماعية إلا وفيه سعي لإيجاد الاتجاه الإسلامي من أجل توجيهه إسلاميا بالتدرج. 3 - ضرورة المزيد من الاهتمام بوضع المسلمين عامة والواقعين منهم في محنة الأغلبيات أو الأقليات على الخصوص، سواء من خلال البحوث العلمية أو المواقف السياسية أو المساعدات: مادية ومعنوية، من المسلمين في البلاد المسلمة تحسينا لوضعهم، ودفعا لمسيرتهم في بناء الأفراد إسلاميا من أجل تحقيق حياة إسلامية بإذن الله تعالى. والله حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

التعددية السياسية في الدولة الإسلامية

التعددية السياسية في الدولة الإسلامية ¤محمد صلاح الصاوي£بدون¥دار الإعلام الدولي - مصر¨الثانية¢1414هـ€سياسة شرعية¶تعددية سياسية وأحزاب خاتمة والذي نخلص إليه من هذه الدراسة التي طوفنا فيها بمجالات متعددة، واستعرضنا فيها قضية الأحزاب السياسية بين المانعين والمؤيدين، وبيّنا فيها كيف يمكن للمنظومة السياسية الإسلامية أن تستوعب هذه التعددية في نموذج يجمع بين الثبات والتغير ويتيح قدراً من تداول السلطة كما تقتضيه التعددية، وقدراً من ثباتها كما هو المعروف في فقه الإمامة، ثم عرجنا على ما قد تقتضيه الظروف الراهنة للعمل الإسلامي من تحالف مرحلي بين الاتجاه الإسلامي وبين الاتجاهات العلمانية، والضوابط الشرعية الحاكمة لهذا التحالف نستطيع أن نوجز نتائج هذه الدراسة في النقاط الآتية: أولاً: إن التعددية السياسية التي تقوم على تداول السلطة بين مختلف الأطراف فكرة غربية نشأت في أوربا في أعقاب تحررها من الطغيان الكنسي والطغيان الملكي، وإطلاق الحريات الفردية، ونقل السيادة من كل من رجال الدين والملوك إلى الأمة، فانتهى بهم المطاف إلى هذه الصياغة التي تقر للأغلبية بالحق في الحكم وللأقلية بالحق في المعارضة إلى حين، ثم يعود الأمر بعد ذلك إلى الأمة لترى رأيها في الفريقين من جديد. ثانياً: إن هذه الفكرة على هذا النحو لم يعرفها التاريخ الإسلامي ولم يتضمنها التراث الإسلامي، وإن كان قد عرف بل أرسى حق الأمة في السلطة العامة تولية ورقابة وعزلاً، كما أرسى حقها في الحسبة على السلطان وعلى من دونه، وإن كانت أصوله لا تمنع من الأخذ بها في ظل الالتزام بالإطار الإسلامي المتمثل في سيادة الشريعة والإقرار المجمل بالأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. ثالثاً: إن التعددية السياسية في منظور المفكرين الوضعيين تجربة سياسية لها تعللالتها وسلبياتها: • فمن تعللالتها: إنها مدارس للشعوب تعمل على توجيه الرأي العام وتعميق الوعي السياسي لدى الأمة، كما أنها تعتبر همزة الوصل بين الحكام والمحكومين خاصة في الديموقراطية النيابية التي ينتهي دور الأمة فيها عند اختيار نوابها في البرلمان ليقوموا نيابة عنها بمباشرة كافة حقوق السيادة، وليس للأمة عليهم من سلطان إلا عند إعادة انتخابهم مرة أخرى، كما أنها تعد عنصراً من عناصر استقرار الحياة السياسية بما تتيحه من الوجود العلني للمعارضة وإتاحة الفرصة أمامها للمشاركة في الحكم إذا حظيت بتأييد الأغلبية بدلاً من لجوء المعارضة إلى أسلوب الجماعات السرية. • ومن سلبياتها: تشرذم الأمة، وتبديد جهود الدولة وتشتت قواها، وآلية الحياة السياسية وتحويل الأنظمة الديموقراطية إلى أنظمة جوفاء حيث يتحول الأعضاء في البرلمان بمقتضى الالتزام الحزبي إلى مجرد أبواق تفسر قناعات أحزابهم أو تبررها للآخرين. رابعاً: إن الإطار الإسلامي لمنظومة الحكم في الدولة الإسلامية يتمثل في الالتزام بسيادة الشرع، وسلطة الأمة، وصيانة القضاء، وصيانة الحقوق والحريات العامة، والحسبة، والشورى. خامساً: اختلاف الباحثين في قضية التعددية إلى ثلاثة آراء: الحرمة، والجواز إذا كانت داخل الإطار الإسلامي، والجواز المطلق.

• أما مأخذ القائلين بالحرمة فيتمثل فيما تفضي إليه التعددية من تشرذم الأمة وتفرق كلمتها، وما تتضمنه من عقد الولاء والبراء على ما دون الكتاب والسنة، وما تتضمنه كذلك من الحرص على الولاية والتنافس في طلبها، وما تقتضيه المعركة الانتخابية من تزكية النفس والطعن في الآخرين، وما تعنيه من الخروج على الجماعة ومنازعة الأئمة، بالإضافة إلى انعدام السوابق التاريخية، وفشل التجارب المعاصرة، وخطأ القياس على تعدد الأحزاب العلمانية. • أما مأخذ القائلين بالجواز داخل الإطار الإسلامي فيتمثل في أن هذا الأمر من مسائل السياسة الشرعية التي تعتمد الموازنة بين المصالح والمفاسد ولا يشترط لمشروعيتها أن تكون على مثال سابق، وأن الأصل في العادات والمعاملات الحل حتى يأتي ما يد ل على التحريم، وقاعدة الذرائع وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالتعددية أمثل طريق إلى تحقيق الشورى والرقابة على السلطة وصيانة الحقوق والحريات العامة، كما أنها الطريق إلى الاستقرار السياسي ومنع حركات التمرد والخروج المسلح، بالإضافة إلى بشاعة البديل وهو الاستبداد بالسلطة وما ترتب على ذلك عبر التاريخ من الإغراء بالقهر والتسلط، وأهم من ذلك كله أن كافة الأدلة التي ساقها المعارضون موضع نظر، وأن ما ذكروه من المفاسد منها ما يمكن تجنبه بالكلية، ومنها ما يمكن تقليله بحيث يبدوا مرجوحاً إذا ما قورن بما في التعددية من المصالح الراجحة، كما أن التعددية لا تعني بالضرورة التنافس على موقع الإمامة بل قد يكتفي فيها بالتنافس على موقع الوزارة (وزارة التفويض) • أما مأخذ القائلين بإطلاق الإباحة فهو الاستشهاد بالفرق الإسلامية القديمة، وباستيعاب الإطار الإسلامي للمجوس والوثنيين واليهود والنصارى، وهو استدلال مردود لأن الفرق ظاهرة مرضية إن سُلِّم بوجودها فلا يُسلّم بإتاحة السبل أمامها طواعية لتكون في موضع القيادة، أما المجوس والوثنيون وأضرابهم ففرق بين أن تعقد لهم الذمة ليعيشوا كمتوطنين في المجتمع الإسلامي وبين أن يتاح لهم من خلال التعددية أن يكونوا أولي الأمر في الأمة، وأن يطبقوا مناهجهم الكفرية فيها. سادساً: يمكن استيعاب التعددية داخل منظومة النموذج السياسي الإسلامي وذلك ببقاء منصب الإمامة على ثباته المعهود ليكون رمزاً لوحدة الأمة، ويكون التنافس على المنصب وزارة التفويض فيفوضها الإمام لأرشد تجمع سياسي يحوز ثقة الخبراء في المجلس الاستشاري العام الذي يضم صفوة العلماء والخبراء في مختلف المجالات ويحظى بتأييد الأغلبية أثناء المعركة الانتخابية، ويكون ذلك لميقات معلوم يعود الأمر بعده إلى الأمة لتجدد اختيارها في ضوء ما أسفرت عنه الإنجازات السابقة. سابعاً: يمكن التغلب على آفات التعددية التي ساقها القائلون بالمنع بتثبيت منصب الإمامة ليكون رمزاً لوحدة الأمة وترشيح الأعضاء من قبل الأحزاب والتعريف بهم بواسطتها خروجاً من شبهة طلب الولاية وتزكية النفس، والتزام النقد بضوابط الحسبة منعاً للتهارج وتناكر القلوب، وبيان أن الاختلاف بين الأحزاب يدور في فلك المسائل الاجتهادية ومجالات الشورى التي لا تقدح المخالفة فيها في دين المخالف، ولا يثرب عليه فيها بهجر شرعي ونحوه ما دام قد صدر في مخالفته عن اجتهاد أو تقليد سائغ. ثامناً: قدّم البحث نموذجاً لإطار سياسي إسلامي تستوعب في داخله التعددية يتمثل في الإمام، ومجلس الشورى (أهل الحل والعقد) ووزارة التفويض، والمجلس الاستشاري العام، وقدمت الدراسة بياناً بالاختصاصات التي تخول لكل منهم، وكيفية حسم الأمور عند التنازع.

تاسعاً: نصت الدراسة على مشروعية المعارضة وحقها في النقد وشرح برامجها للأمة على أن تلتزم بدعم السلطة القائمة في كل ما يتعلق بالإطار المشترك المجمع على قبوله من الكافة، وأن لا تنازعها مدة بقائها في السلطة إلا بأحد التعليلات الشرعية التي تجيز لها الخروج، وأن تستبدل الالتزام بالحق وما تقتضيه المصلحة بالالتزام الحزبي المعهود في الأحزاب العلمانية. عاشراً: تعرضت الدراسة لمدى شرعية التعددية السياسية قبل إقامة الدولة الإسلامية: فأجازت التعددية القابلة للتنسيق والتكامل والعمل المشترك والتعاون مع الآخرين لإقامة الإسلام، ومنعت من التعددية الرافضة للتعاون المنغلقة على ما تمحورت عليه من قناعات ومفاهيم لأنها تعد عقبة في طريق التمكين. حادي عشر: تعرضت الدراسة لمدى شرعية التحالف مع الاتجاهات العلمانية في مرحلة السعي لإقامة الدولة الإسلامية فأجازت ذلك شريطة أن يكون موضوع التحالف مشروعاً، وألا يتضمن التزاماً يضر بالرسالة، أو يغل يد الدعاة عن الصدع بالحق والسعي لإقامة دولة الإسلام. كما تعرضت الدراسة للتحالف مع الاتجاهات العلمانية لإزالة الباطل القائم وتفويض الأمر بعد ذلك إلى إرادة الأغلبية ففصلت بين ما يغلب على الظن فيه التمكن من إقامة الإسلام أو على الأقل تخفيف المظالم القائمة وتهيئة مناخ ملائم للدعوة، ومنعت التحالف الذي لا يغلب على الظن معه تحقيق شيء من ذلك. ثاني عشر: وأخيراً توجهت الرسالة بنصيحة إلى القادة بضرورة التحري والتثبت في المواقف التي تبنى على الموازنة بين المصالح والمفاسد حتى لا يعطلوا مصالح شرعية ضرورية، أو يُدخلوا في دين الله ما ليس منه، وضرورة الصبر على ما يرد من تساؤلات أو إنكار من قبل قاعدة العمل الإسلامي حول مدى شرعية هذه المواقف، كما أوصت قاعدة العمل الإسلامي أن تستصحب حُسن الظن في هذه المواقف مع كل من كان معروفاً بالخير والصلاح، وأن تدرك أن كثيراً منها يعتمد على ملابسات تعسر إشاعتها على الملأ، وأن عليها أن تنمي رصيد الثقة في علاقتها بالقيادة إلى أن يأتي من ذلك أمر لا يحتمل التأويل، فهنا يتعين الاحتساب والإنكار بما لا يؤدي إلى مفسدة أعظم. والله وراء القصد وهو الهادي إلى السبيل وبالله التوفيق

القواعد الشرعية لإدارة الصراع الحضاري بين الأمة الإسلامية وسواها من الأمم

القواعد الشرعية لإدارة الصراع الحضاري بين الأمة الإسلامية وسواها من الأمم ¤سامي محمد الدلال£بدون¥المركز العربي للدارسات الإنسانية - مصر¨الأولى¢1429هـ€سياسة شرعية¶دراسات إسلامية الخاتمة: إن الصراع الحضاري الذي يخوضه المسلمون اليوم هو علامة فارقة في التاريخ البشري، وهو صراع مفروض عليهم، ولا مندوحة أمامهم سوى خوض غماره والسيطرة على مفاصله. إن الحملة الصهيونية اليهودية والنصرانية قد رفعت شعارات فارقة لهذا الصراع. فهاهم اليهود يحتمون بمتراس (مناقضة السامية)؛ ليمرروا خدعتهم على عقول الغربيين ويبتزونهم بخرافة الهولوكوست، ويخططون لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل مكانه، واعتبار القدس عاصمتهم، ويحتقرون العرب والمسلمين علانية، ممتطين صهوة جميع وسائل الإعلام. فها هو ذا عوبيديا يوسف، كبير الحاخامات اليهود الشرقيين يصرح بملء فمه على شاشات التلفزة (أن العرب أفاع ولا يؤمن جانبهم، وأن الله ندم على خلقهم، وعلى هذا يجب معاملتهم). ويقول موسى بن ميمون، وهو من أعلام اليهودية الحاخامية في القرن الثاني عشر عن الأتراك والزنوج: (هؤلاء يعدون مثل حيوانات غير عاقلة، فأنا لا أصنفهم في مستوى البشر؛ إذ إنهم من بين الكائنات الحية صنف أدنى من البشر وأعلى من القرد، بما أن لديهم وجه وملامح الإنسان وفطنة أعلى من القرد). وها هو البابا بندكيت السادس عشر يستشهد في محاضرة له بالإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني عندما قال لمثقف فارسي: (أرني ما الذي جاء به محمد، لن تجد إلا أشياء شريرة غير إنسانية). وها هو بوش ومجموعة من المحافظين الجدد لا يزال يشن حملته العسكرية على العالم الإسلامي بحجة محاربة الإرهاب، متجاهلاً أن الولايات المتحدة هي أكبر دولة إرهابية شهدها التاريخ، حيث لا يزال جبينها ملطخاً بما أفرزته قنابلها النووية على هيروشيما ونجزاكي في اليابان إبان الحرب العالمية الثانية من دمار ووحشية، ولا تزال أياديها ملطخة بدماء الشعوب الإسلامية (أفغانستان والعراق والصومال وفلسطين – بالوكالة -) وغير الإسلامية (كوريا وفيتنام واليابان وغيرها). بالإضافة إلى ذلك فإن المسلمين اليوم يخوضون صراعهم الحضاري في أكناف ثورة هائلة من المعلومات والتقنيات التي جعلت العالم جزيرة واحدة، بما يزيد التحديات أمامهم للمحافظة على هويتهم وخصوصيتهم. إن في العالم الإسلامي اليوم جوانب مشرقة كثيرة تنبئ بمستقبل عظيم في السلم الحضاري العالمي، ومن أبرز تلك الجوانب الصحوة الإسلامية المعاصرة التي وإن كانت تتسم ببعض السلبيات، سيكون لها أثر بالغ في إعادة المسلمين إلى تفهم دينهم والاعتزاز به والذود عن حياضه. إن دراسة المناط الذي ذكرته بين يدي الحديث عن القواعد الشرعية، وكذا التمعن بالقواعد الشرعية التي ذكرتها، والتقيد بها والانضباط بتوجيهاتها سيكون خير مرشد ودليل لإنارة سبيل الدعوة إلى الله تعالى. إن الطريق لا يزال طويلاً، ونحن في بداياته، وفيه كثير من المعوقات والمثبطات، وتتناثر على مدرجه الحفر تارة والصخور الصماء الصلب تارة، فلابد من التحلي بالصبر والأناة وبعد النظر والتخطيط السليم والتقويم المرحلي الشامل والعام، وتقبل النصائح والبعد عن الغلو والتعصب والتسرع والطيش، وإعطاء كل ميدان من ميادين الدعوة مستحقه، إن كان ميدان جهاد، أو ميدان اقتصاد، أو ميدان ثقافة وفكر، أو ميدان اجتماع وإدارة، أو ميدان قضاء وعمارة، أو ميدان سياسة وحكم، وإحاطة كل ذلك بما يليق به من العلم الشرعي والخلق الإسلامي، واستبصار المآلات وتقدير ردود الأفعال وطبيعتها وعنفها، مع الحرص على توحيد الكلمة ورص الصفوف، وأن يكون جميع ذلك في بوتقة توحيد الله تعالى ذاتاً وصفاتٍ وأفعالاً، من غير تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف، {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11].

اللجوء السياسي في الإسلام

اللجوء السياسي في الإسلام ¤حسام محمد سباط£بدون¥دار عمار - عمان¨الأولى¢1418هـ€سياسة شرعية¶لجوء سياسي الخاتمة عرفت الشريعة الإسلامية مفهوم اللجوء السياسي وسبقت التشريعات الدولية في كثير من الأحكام المرتبطة بمنح هذا الحق. ولم تكتف بإلزام السلطات المختصة بحماية ورعاية اللاجئين وإنما ألزمت الدولة بنصرتهم والدفاع عنهم في حال تعرضوا للأذى، كما دعت إلى منحهم حق المواطنة الكاملة بصفة (ذميين) إذا تخطوا المدة المقررة لإقامتهم. واللاجئ في دار الإسلام يتمتع بحقوق تكفل له الحياة الكريمة، وله الحق الكامل في ممارسة شعائره الدينية، والحرية في العمل والتنقل والتعلم واستخدام لغته الأصلية والإفادة من مرافق الدولة المختلفة، تحت مظلة القانون الإسلامي. وعليه واجبات أهمها: احترام القوانين النافذة، وعدم التظاهر بما فيه إساءة لشعائر الإسلام، كما أنه ملزم بعدم الإضرار بالمسلمين أو تعريضهم لأي نوع من أنواع الأذى، سواء كان ذلك في النواحي الاقتصادية، أو الأمنية، أو العسكرية، أو السياسية، أو الاجتماعية، أو الدينية. ويعد وضع اللجوء لاغيا بأمور منها: عودة اللاجئ إلى بلاده، انتهاء المدة المقررة له، ارتكابه جرائم خطرة، منحه حق المواطنة سواء بدخوله في دين الإسلام، أو صيرورته من أهل الذمة. وليس للمسلم أن يلجأ إلى (دار الكفر) بأي صفة كانت إلا في حدود ضيقة جداً، وضمن شروط أهمها: أن يتيقن أن وجوده في بلده سيعرضه للهلاك في جسده، أو ماله، أو أهله. أن تنعدم وسائل الإصلاح والتوفيق التي يمكن أن تدرأ عنه الأخطار. أن يضمن عدم التعرض للفتن في دار الكفر. أن يتأكد أن دول (دار الكفر) لن ترغمه على التعاون معها في شؤون أمنية أو سياسية تُعرض أمن المسلمين للخطر، وأن لا يمارس أي نشاط بهذا الخصوص. أن يعزم أن يعود إلى (دار الإسلام) فور زوال السبب الذي دعاه لمغادرتها. وخلال فترة إقامة اللاجئ المسلم في (دار الكفر) عليه أن يعامل سكانها بأخلاقه الإسلامية، وأن لا يتعرض لأموالهم، أو أعراضهم، بأي شكل من أشكال الإساءة، وأن يسعى سعياً حثيثاً لنشر دعوة الإسلام بينهم. وفي رأيي أن مسألة اللجوء بحاجة لمزيد من البحوث والدراسات، وأقترح عقد مؤتمر خاص يحضره متخصصون في الفقه الإسلامي، والقانون الدولي، ومندوبون عن وزارات الداخلية والخارجية في الدول الإسلامية بهدف الاتفاق على مشروع قانون يحدد بدقة وشمول كل الجزئيات المتعلقة باللجوء على ضوء أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئ القانون الدولي والمستجدات الجغرافية والسياسية في عالمنا، والله الموفق.

المشاركة في البرلمان والوزارة عرض ونقد

المشاركة في البرلمان والوزارة عرض ونقد ¤محمد بن شاكر الشريف£بدون¥مجلة البيان¨بدون¢بدون€سياسة شرعية¶انتخابات الخاتمة وهذا إيجاز سريع لما تضمنته هذه الدراسة: 1 - عرض البحث للدراسات السابقة في الموضوع وأشار إشارة سريعة لما يذهب إليه كل بحث منها. 2 - قام البحث بعمل تمهيد في بيان مفهوم الديمقراطية وأسسها ولوازمها وقد تبين أن الفكر الديمقراطي يعتمد جعل السيادة للشعب انطلاقا من نظرية العقد الاجتماعي، التي يتبين من البحث أنها مناقضة مناقضة صريحة لكتاب الله – تعالى- كما أنها نظرية وهمية لا يقوم على إثباتها دليل. 3 - بين البحث أن للنظام الديمقراطي عدة خصائص، وهي: السيادة الشعبية، وسيادة القانون، والإقرار بحقوق الأفراد وحرياتهم وضمانها، والفصل بين السلطات. وقد ناقش البحث هذه الخصائص وأبان حقيقتها. 4 - قدم البحث تعريفاً بالبرلمان وأنه المجلس المختص بالتشريع، وتحدث عن أنواعه وصلاحياته وصفات أعضائه، كما بين كيفية إقرار القوانين المعدة بواسطته، وقدرته على مراقبة السلطة التنفيذية. 5 - بين البحث الصور الممكنة للمشاركة في البرلمان وما الذي يترتب عليها. 6 - أورد البحث أدلة المجيزين التي تكونت من أدلة القرآن والسنة النبوية والمصلحة والبراءة الأصلية وأقوال لبعض أهل العلم. 7 - بين البحث أن تقرير سيادة الشعب التي تقوم عليها هذه المجالس تعني جعل الإرادة البشرية في مكانة الإله، وذكر البحث كثيراً من المواد الدستورية لأغلب الأنظمة السياسية التي تنص على أن السيادة للشعب، كما بين المزالق التي يقع فيها الإسلاميون نتيجة المشاركة في ذلك. 8 - ثم عقب بذكر الأدلة المانعة من القرآن والسنة مسلك الصحابة –رضوان الله عليهم – والقسم على ما يناقض الكتاب والسنة، إضافة إلى المفاسد المترتبة على الدخول، وشهادة الواقع بعدم جدوى ذلك السبيل واعتبار المآل. 9 - ناقش البحث أدلة المجيزين، فناقش الأدلة القرآنية ورجع إلى أقوال المفسرين في الآيات التي احتجوا بها وبين أن كلام أهل العلم لا يدل على ما ذهبوا إليه في فهمهم للآيات، بل يدل على خلاف ما ذهبوا إليه، كما ناقش احتجاجهم بالسنة وبين أن الأحاديث والوقائع المحتج بها حجة عليهم لا لهم، كما ناقش البحث المصالح المدعاة مصلحةً مصلحةً وبين أن هذه المصالح إما مصالح موهومة أو أنها لا تقاوم المفسدة المترتبة عليها، وقد استعان البحث في تأييد ما ذهب إليه بإيراد عشرات المواد الدستورية في دساتير تلك الأنظمة ليدلل بها على صواب ما ذهب إليه، كما ناقش البحث دليل البراءة الأصلية، وذكروه من أقوال أهل العلم، وقد أتى البحث بأقوال لأهل العلم المذكورين ما يبين أنهم ما أرادوا من كلامهم الصورة التي يريدها المجيزون. 10 - وناقش البحث أيضاً أدلة المانعين من دخول البرلمان، حيث إنه لا بد من المدافعة وعدم الاستسلام، كما أن القول: إن السيادة للشعب مدفوع بالنص في أغلب الدساتير على أن دين الدولة الإسلام وأن الشريعة مصدر رئيس للتشريع، وأما القسم فبإمكان النائب أن يضيف عبارة تخرج القسم عن مدلوله أو يضمر في نفسه ما يخالف ما أظهره والأعمال بالنيات ,وقد استند البحث في تلك المناقشة إلى عدد من المواد الدستورية في دساتير تلك الأنظمة. 11 - وخلص البحث بعد ذلك إلى الترجيح بين الرأيين واختار منهما الأقوى دليلاً والأسلم ديناً، وأجاب عن الاعتراضات التي تخالف ما رجحه، كما فرق البحث بين المجالس التي تقوم بالتشريع والتي تؤدي أعمالاً لا علاقة لها بذلك كالنقابات واتحادات الطلاب والجمعيات والبلديات وما شابه ذلك.

12 - قدم البحث تعريفاً للوزير والوزارة وبين أنواعها، كما بين صلاحيات الوزير في الحكومات غير الإسلامية، وذكر العديد من المواد الدستورية التي تدل على ذلك. 13 - ذكر البحث أدلة القائلين بجواز تولي الوزارة في الحكومات التي تحكم بغير الشريعة حيث اعتمدوا في ذلك على تولي يوسف –عليه السلام – للوزارة في حكومة مصر في ذلك الزمان والتي كانت حكومة تابعة لملك كافر، كما اعتمدوا أيضاً على وجود النجاشي ملكاً على رأس دولة نصرانية، إضافة إلى ما ذكروه من المصلحة التي يمكن تحقيقها من وراء ذلك. 14 - أورد البحث أدلة القائلين بعدم جواز تولي الوزارة في حكومة تحكم بغير ما أنزل الله، فأورد في ذلك أدلة نقلية من الكتاب ومن السنة الصحيحة، وذكر آثار أهل العلم في ذلك، كما نقل تحذير العلماء من قربان السلطان المسلم الظالم، واعتبار المآل في بيان المنع من ذلك. 15 - ناقش البحث أدلة المجيزين فذكر من كتب التفسير المتعددة ومن كلام أهل العلم الكثير ما يبين خطأ المجيزين في الاحتجاج بما طلبه يوسف –عليه السلام – وقد بين البحث من خلال كلام جماعة المفسرين أن يوسف -عليه السلام – كان ممكناً وكان مطلق اليد في التصرف لا ينازعه منازع لا ملك ولا غيره والنقولات عن أهل العلم بذلك كثيرة جداً بل لم يعثر البحث على نقل عن العلماء السابقين يخالف ذلك المذكور. 16 - كما ناقش البحث الاستدلال بقصة النجاشي –رحمه الله – وتبين من كثير مما أورده البحث أنه ليس في قصته –رحمه الله تعالى- ما يصح أو يستدل به على الجواز، وأن مواقفه كلها تدل على خلاف ما يذكرون. 17 - كما تعرض البحث للمنقول عن ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في ذلك فبين أن كلامه كان اجتهاداً منه –رحمه الله تعالى – ولم يكن فيه ناقلاً لكلام أحد من أهل العلم الذين سبقوه، كما أنه معارض بكلام لابن تيمية نفسه أورده البحث أثناء النقاش. 18 - ناقش البحث دليل المصلحة وبين أن كلام شيخ الإسلام الذي يستدل به المجيز يدل على عكس مراده، وكذلك كلام العز بن عبد السلام فهو في غير محل النزاع، والمصالح المحددة التي ذكروها لا يسوغ أبداً عدها مصالح يقبل المسلم لأجلها الحكم بغير ما أنزل الله –تعالى- فإن المصالح لها ضوابط تنضبط بها ولا يكفي أن يقال: هذه مصلحة؛ ثم تخالف الشريعة بعد ذلك لأجلها. 19 - وقد عرض البحث لمناقشة أدلة المانعين فتبين أن المجيزين ليس لهم ما يدفعون به أدلتهم؛ لأنهم يوافقونهم في أصل المسألة وهو المنع من تولي الوزارة في الحكومات غير الإسلامية وإنما يخالفونهم في الاستثناء. 20 - وانتهت الدراسة بالاختيار والترجيح بين الرأيين، ثم أجابت في النهاية عن سؤال: ما الذي يمكن أن يتولاه المسلمون من الولايات في ظل أنظمة الحكم غير الإسلامية؟ وما الذي لا ينبغي أن يتولوه؟ وبعد هذه الجولة الموسعة في هذه النازلة وعرض أقوال الناس فيها وذكر أدلتهم وما أجيب به عن هذه الاستدلالات يمكن لنا أن نجمل القول في عدة أمور: فيما يخص دخول البرلمانات:

فقد تبين لنا أن الغالبية العظمى من دساتير البلدان العربية والإسلامية تعتمد على أن السيادة للشعب، وهو يعنى نظرياً إناطة التشريع في أمور المجتمع بالشعب، وعملياً إناطة ذلك بمن يكون داخلاً في البرلمان ممن يعدونهم ممثلين له ومتحدثين باسمه، وهو في الوقت نفسه تنحية لشرع الله- تعالى – عن أن يكون حكماً في هذا الجانب إلا ما وافق عليه النواب وأقروه منه، وهذه المسألة تعد عقبة كأداء لا يمكن تجاوزها في إباحة الدخول والمشاركة في هذه المجالس لما يترتب على ذلك من الإقرار بحق الشعب فيما ليس له ولا لغيره فيه حق، وهو في الوقت نفسه عدوان على الشرع المحكم، لاسيما أن الداخل يجب عليه أن يقسم بالله العظيم على احترام ذلك الوضع والوفاء له. وقد ذكر المجيزون لذلك عدة أدلة في مشروعية المشاركة وهي ليست في الحقيقة دالة على ما يريدون، وما ذكروه من المصالح التي يمكن تحقيقها من خلال المشاركة فأكثرها مصالح غير قابلة للتحقيق، على أن ما هو قابل للتحقيق منها لا يقاوم المفسدة العظمى المتمثلة في إظهار الموافقة على هذا الوضع والتمسك به والعمل من خلاله، ومن هنا يتبين أنه لا يجوز للإسلاميين أن يعتمدوا هذا الطريق للوصول إلى إقامة دين الله أو العمل على تخفيف الشرور والمفاسد ولا يخففها، بل عليهم الدعوة إلى إقامة دين الله –تعالى- كله كما أنزله الله –تعالى – على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بشموله وعمومه وكماله وليس اختزاله في جزء من أجزائه والدعوة إليه، وأن يتحملوا ما يصيبهم من أذى المناوئين وخذلان الخاذلين حتى يتمكنوا من إقامة دعائم بنيان قوي وأساس متين يمكن أن تؤسس عليه إقامة الدولة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم قد يطول زمن هذا التأسيس مع ما فيه من المشقة واللأواء وعدم الناصر وضعف الإمكانات وقلة المعين، لكنه في النهاية طريق موصل للمقصود-بإذن الله تعالى – محقق للمراد من غير الوقوع في مخالفات شرعية، بعكس الطريق الآخر فإنه لا يوصل إلى المقصود مع طوله وبعده ومشقته ومخالفته للشريعة. وأما ما يخص تولي الوزارة في ظل أنظمة لا تحكم بشريعة الله، فقد تبين من الأدلة أن الوزير المسلم إذا كان مفوضاً من قبل الحكومة التي تحكم بغير الشريعة بحيث أنه يملك العمل فيما فوض فيه بما يوافق دينه ولا يعارضه، وكان يرجو من وراء ذلك تحقيق نفع عام أو مصلحة عامة فإنه يجوز له ذلك إذا كان ما يرجوه من النفع والمصلحة مما يمكن وقوعه وتحققه، أما إن كان لا يملك أمره بحيث يكون بمثابة الترس الذي يدور مع العجلة لا يملك الفكاك منها، أو كانت حركته مقيدة بحيث لا يتخلص كاملاً من قيد النظام فلا يكون تفويضه كاملاً مما يوقعه في مخالفات شرعية، أو كانت المصلحة المتحققة من وراء توليته مصلحة جزئية ليس فيها نفع عام للمسلمين، بل النفع الحادث منها تعارضه مفاسد أشد، أو تقوم الدلائل والشواهد على عدم إمكانية تحقق تلك المصلحة، فإن توليه للوزارة في هذه الحالة يكون مفسدة يجب تجنب الوقوع فيها، وكل ما تقدم من الأدلة والمناقشات في هذا البحث تؤدي إلى ذلك، وقد تبين من خلال عرض الأدلة ومناقشتها وإيراد أقوال العلماء والمفسرين أن ما استدل به المجيزون – من تولي يوسف عليه السلام لخزائن مصر في ظل حكومة لا تحكم بما أنزل الله تعالى، أو كون النجاشي رحمه الله ملكاً للحبشة التي يدين شعبها بالنصرانية؛ على صواب قولهم – لا يستقيم، وأن هاتين الحالتين لا تعارضان الأدلة المتقدمة الواردة في المنع. نسأل الله من فضله التوفيق والإعانة على ما يحبه ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصالحات والعهود في السياسة الشرعية

المصالحات والعهود في السياسة الشرعية ¤محيي الدين إبراهيم عيسى£بدون¥دار طيبة- الرياض¨الأولى¢1430هـ€سياسة شرعية¶سياسة شرعية - أعمال شاملة ومنوعة الخاتمة: تلخيص البحث: تلخص لدى الباحث أن موضوع المصالحات في جملته قضية كلية استهدف الإسلام تحقيقها عبر جملة من التشريعات في نواح مختلفة اجتماعية وسياسية، كما أنه يمكن أن تعتبر هذه القضية الجامعة وسيلة لتحقيق وإنفاذ وتوطين الأمن والسلام في المجتمع. وهذه الغاية الغالية، والتي أصبحت هاجس البشرية الأول في عالمنا المعاصر، عولجت في الشريعة كغيرها من القضايا كأحسن ما يكون؛ فقد ركزت تشريعات الإسلام في هذه المسألة على خصوص الإنسان كفرد بأن استثارت فيه كوامن الرحمة والإلف المفطور عليهما أصلاً. وفي الجملة حسم الله القضية عندما أوضح بأن من رغب في تحقيق السلام وبناء الأمن الحقيقي في المجتمع لا عليه سوى الانقياد لهدى الله؛ فقال سبحانه وتعالى: {والسلام على من اتبع الهدى} [طه: 47]، وفسر إجمال هذه الآية في آخر السورة نفسها بقوله: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً} [طه: 123 - 124]. ويتربع في قمة هذا الهدى الإلهي في هذا الصدد قضية تجريد وتحقيق وتعميق التوحيد والإيمان في النفوس، كيف وقد قال عز وجل حكاية عن خليله إبراهيم: {وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون} [الأنعام: 81]، وقال سبحانه وتعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} [النور: 55]. ولئن كان تحقيق توحيد الله في النفوس مجلبة للأمن فإن الشرك بالله تعالى يظل بأنواعه مصدراً حقيقياً للقلق والرعب وانعدام الأمن في النفوس والمجتمعات على حد سواء، وقد سطرت هذه الحقيقة بأوضح بيان في كتاب الله تعالى؛ إذ قال: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً} [آل عمران: 151]، وقال: {وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة} [الأنبياء: 11]. فمهما حاولت البشرية أن تخط لنفسها طريقاً غير هذا في تطلب السلام أو البحث عن الأمن، عبر مواثيق أو سياسات أو برامج تغفل عن هذه الحقيقة فضلاً عن مراغمتها، فلن تحصد إلا الشقاء. والناس في عرف الشرع قسمان: 1 - مسلمون يرتبطون برباط وآصرة العقيدة التي تهون دونها روابط الدم والرحم أو القومية والوطنية؛ إذ لا يجد المسلمون مهما تباعدت أجناسهم أو أوطانهم بديلاً سوى هذا الوصف الذي يوفر لهم رحماً جديداً {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: 10]، و (المسلم أخو المسلم). 2 - والمسلمون يقابلهم الكفار، والذين هم قبائل شتى؛ منهم المسالمون لمعسكر المؤمنين، ومنهم المحاربون لهم. وهذه التقسيمات تقسيمات شرعية نابعة من القرآن والسنة، وأهميتها تنبع من كونها تشكل لنا معايير محددة وثابتة لا تقبل التلاعب في وزن الأشخاص والأحداث. والمصالحات والعهود مشروعة في الجملة، وهي من السياسة الشرعية على الصعيد السياسي، وقد دلت على هذه المشروعية نصوص الكتاب التي منها قوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم} [الأنفال: 61]. كما ساس الرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته العملية أعداءه بهذه السياسة في مختلف مراحل الدعوة، وهذا هو المنهج الصحيح في هذه القضية.

إلا أن مشروعية المصالحات السياسية تظل محكومة في نفاذها بشروط من أهمها: رعاية المصلحة العامة جلباً للمصلحة أو دفعاً للمفسدة عن الأمة، وكذا أن لا تكون متضمنة لمحظور شرعي؛ تحريماً لحلال أو استباحة لحرام متفق على حرمته، ومتى تضمنت المصالحة شيئاً من ذلك كانت ممنوعة وغير جائزة في الفقه الإسلامي. ومتى صحت المصالحة ظلت نافذة ولزم الوفاء بها وجوباً، وحرم نقضها بالغدر؛ الأمر الذي منعت منه الشريعة إجماعاً، هذا ما لم تختل المصالحة في جوهرها فيكون لأي من الطرفين أو الأطراف حينئذ المندوحة في التفصي من التزاماته حيال ذلك الاتفاق. ما سبقت الإشارة إليه هي المصالحات التي تتم على الصعيد السياسي بين الدولة المسلمة وغيرها من الأمم، أما المصالحات التي تتم بين أفراد المسلمين إصلاحاً للشأن الاجتماعي إذا اختل بالخلافات؛ كالأزمات التي تحصل بين المسلمين في الدماء أو الأموال، أو الشأن السياسي إذا تنازع فيه الفرقاء، فهذا النوع من المصالحات يظل دائماً محل تأكيد للمشروعية التي تترد في الحكم بين الوجوب والاستحباب. وللمصالحات والعهود آثار جليلة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي؛ لأن المصالحات في حقيقتها آلية لصنع الاستقرار فيهما، كما برهن على صحة هذه الفرضية ميثاق المدينة الذي أكد في نصوصه على الحقيقة السابقة؛ إذ نص على وحدة الأمة، والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع مهما تخالفت عقائدهم، وغير ذلك من القيم. تعتبر البيعة عهداً سياسياً خاصاً تنتظم به علاقة الراعي المسلم برعيته، وترتب عليه حقوق وواجبات شرعية متبادلة بينهما لتأخذ العلاقة والممارسة السياسية بعداً إيمانياً يستشعر به الطرفان حجم التبعة الملقاة عليهما، وإن فرص نجاحات التطبيق الأمثل لهذا الأسلوب تتطلب مجتمعاً يتوافر فيه الوعي والرشد والإدراك الحقيقي لمقاصد الدين. والإمام أو الأمير المبايع بصورة صحيحة تظل طاعته واجبة ولازمة إمضاءً للنصوص الكثيرة الآمرة بذلك؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر؛ فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية)، ومع هذا فإن الصحيح الذي ترجح لدى الباحث من أقوال العلماء صحة خلع الإمام إذا جار جوراً ظاهراً اختلت معه مهمات إقامة الإمارة، بشرط تمام القدرة على القيام بهذا الأمر، وإلا تعين الصبر تلافياً لمأساة الهرج وسفك الدماء. ويعتبر عهد الأمان من العهود الخاصة، ويعني بسط الحماية على الكافر الحربي في حالة ووضع خاص، فيظل آمنا في دمه وماله حتى يبلغ أجله الزماني والمكاني، فلا يجوز التعرض له بانتهاك شيء من ذلك ما لم ترتفع حصانته بسبب اقتراف جريمة تستبيح منه الدم أو المال. أما عهد الذمة فهو عهد ينظم شأن الجماعات غير المسلمة في مجتمع المسلمين، وهو عقد ثابت بنص الكتاب والسنة، وجرى به العمل إلى أزمان قريبة، وليس فيه أي إجحاف بأي من حقوق هؤلاء الأساسية؛ إذ يتمتعون بكل ذلك على قدم المساواة مع غيرهم، والتشريع الإسلامي إذ يقر بهذه المساواة ويؤكدها فيما يتعلق بالجميع إلا أنه، ولأسباب موضوعية، يقبل استثناءات ترد على هذه القاعدة يفرق فيها بين المسلم وغير المسلم.

غير أن الحركة العلمانية البائسة التي انتظمت العالم الإسلامي عقب سقوط الخلافة قلبت هذه الوضع الصحيح في بلاد المسلمين رأسا على عقب لتستبدل صيغة الذمة بصيغة المواطنة، وللأسف ضمنت هذه النكسة في دساتير الدولة المسلمة، فاتسع الخرق على الراقع. كان الاجتهاد عند التعامل مع هذا الوضع تسويق هذه الحالة الشاذة في ظروف الاستضعاف ليكون خيار المواطنة خيار حاجة واضطرار، على أن يستأنف المسلمون الوضع الصحيح متى واتتهم الفرصة؛ ذلك لإصالة هذا الحكم الشرعي الذي لم يوجد أي دليل أو تأويل سائغ يرقى إلى التمعن فيه لأجل القول بنسخه أو انتهاء مفعوله، كما زعم بعض الكتاب المعاصرين حيال هذه القضية. والمصالحات تأتي بمعنى الهدنة مع الكفار بوضع الحرب، كما تعني أيضا إقامة الأحلاف معهم، وكل ذلك جائز في السياسة الشرعية على التفصيل المذكور؛ طالما تتحقق بموجبه المصلحة العليا للمسلمين. إن تحالف بعض المسلمين مع بعض الكفار إذا جاز وصح لدفع مفسدة عظمى تحدق بالجميع من قبل كفار آخرين إعمالاً لمبدأ دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، فإن الذي لا يجوز هو أن تمتد آثار هذا التحالف مع الكفار إلى درجة الاستعانة بهم في قتال مسلمين آخرين ولو كانوا بغاة، وإلا كان الحلف مع الكفار عندئذ تمكيناً لهم من رقاب المؤمنين؛ الأمر الذي منعت منه الشريعة الإسلامية قطعاً لمناقضته لمبادئ الإسلام نفسه. إن مبدأ المصالحات لم يكن عند المسلمين قضية تجريدية بعيدة عن واقع الممارسة، بل تجلت نماذج عملية نيرة إعمالاً لهذا المبدأ وترجمة واقعية له، ومن ذلك: مصالحات النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين في زمانه فيما عرف بصلح الحديبية؛ تلك المصالحة المباركة التي أفضت وانتهت بأعظم فتح في الإسلام. كما أنه عليه الصلاة والسلام صالح اليهود بالمدينة، والذين انتهزوا – كعادتهم – ذلك الوضع في ممالأة الأعداء، فلم يجد النبي صلى الله عليه وسلم بدا من حسمهم وإجلائهم جزاء وفاقاً. والعبرة التي تؤخذ من هذه التصرفات النبوية هي مشروعية وجواز أن تتكرر مثل هذه المصالحات مع أن جنس من الأعداء ولو كانوا يهوداً غاصبين، هذا ما يستفاد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم الكريم في هذا الصدد، إلا أن ترجيح هذا الرأي والمذهب على غيره لا يعني بالضرورة إيجابه على الناس بوصفه الخيار (الاستراتيجي) الأوحد، أو الرضا وإضفاء المشروعية على مصالحة بعينها في زمان ما. والنماذج العملية للمصالحات تتواتر في فترة الخلافة الراشدة؛ حيث ورد التمثيل بصلحين صلح بهما الشأن السياسي للدولة المسلمة آنذاك، وهما: صلح سقيفة بني ساعدة، وصلح عام الجماعة اللذان تم الأول منهما في بواكير العهد الراشدي، والآخر في منتهاه، ومثَّلا نموذج في كيفية معالجة الخلاف السياسي عندما يتأزم؛ ذلك لأنه بهذا الصلح التأم الشمل بعد أن كاد العقد أن ينفرط، فثبت أن مسلك المصالحة – أيا كانت – هو المسلك الأرشد الذي يتعين سلوكه في السياسية الشرعية لمعالجة الأزمات السياسية كما الاجتماعية، دون اعتماد ضلالة المعارضة كما شاع في الفقه السياسي الوضعي المعاصر.

وكما تم التمثيل بعهود ومصالحات عدة من شريعة الإسلام وتاريخ المسلمين للبرهان على فعالية دورها، كذا تطرق البحث بالإشارة إلى بعض العهود الدولية المعاصرة؛ حيث وقع الاختيار على التمثيل بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والعهد العالمي لحقوق الإنسان، وذلك على سبيل الاستعراض الموجز لموادهما التي تبين منها: إما منافاة بعضها للشريعة الإسلامية، أو استثناء المسلمين عند التنفيذ بصورة متحيزة من الإفادة منها؛ كأن هذه العهود أو المواثيق صيغت للحد والحيلولة دون نهوض المسلمين! وهو كذلك. لذا لم يكن من المستغرب عند الحديث عن موقف الدولة المسلمة من هذه العهود الدولية الإشارة إلى ضرورة التحفظ قبل التوقيع أو الانضمام لأي عهد دولي على المواد المنافية للشريعة الإسلامية، مع التنبيه إلى حقيقة أزلية مسطورة في القرآن الكريم من أنه لن يكون للمشركين في الحقيقة عهد أصلاً، وأنهم متى اشتركوا مع المسلمين في معاهدات فإنهم أول من لا يفي بها؛ كما قال الحق عز وجل: {كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلّاً ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلّاً ولا ذمة وأولئك هم المعتدون} [التوبة: 7 - 10]، صدق الله العظيم. نتائج البحث: 1 - إن أعظم المبادرات فعالية على الإطلاق لإحلال السلام والأمن في المجتمعات وفي أي زمان ومكان كان، هي طرح منهج الإسلام بوصفه دين السلام، والدعوة إلى مُثله وقيمه بالحسنى. وإن إشاعة الحوار والجدال بالتي هي أحسن والرضا بما ستسفر عنه هذه العملية يظل الخيار الأجدى في التغلب على الأزمات والخلافات والنزاعات. وإن المجتمع الذي تروج فيه هذه الأفكار بصورة عملية هو المجتمع الذي سيسعد أكثر بالسلام. وهذا يعني أن كل مجتمع أو نظام جانب هذا الطريق سيتوه في مهامِهِ الشقاء. 2 - إن تحقيق وتجريد وتعميق توحيد الله تعالى، وإزالة كافة مظاهر الشرك به –سبحانه- لهي قضية جوهرية من وجهة النظر الإسلامية في عملية صناعة وبناء السلام؛ لأن الرب عز وجل رهن تحقق الأمن للنفس والمجتمع بتحقق ونفاذ هذه القضية في النفوس فقال: {وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطنا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام: 81 - 82]، وقال: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً} [آل عمران: 151]، وقال تعالى: {وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} [النحل: 112]. 3 - حكم الجزية ثابت في أصل الشرع، ولا يوجد أي دليل من أي نوع كان يسوغ إبطاله أو نسخه، وما ذكر من أدلة في هذا الصدد فهي لا تعدو أن تكون مجرد شبه متهافتة لا تقوى أمام الاختبار العلمي. أما إنفاذ هذا الحكم في واقع المسلمين في مثل هذه الأزمنة وأزمنة الاستضعاف عامة، فهذه قضية أخرى مرهونة بالقدرة، وتحتكم إلى توافر الاستطاعة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

4 - يعتبر قرن حكم الجزية في الشريعة الإسلامية بفرية اضطهاد الذميين وانتقاص حقوقهم، أمراً مصطنعاً لا وجود له في أصل التشريع الذي أمر بالإحسان إلى كافة البشر – لا سيما الذميين منهم – في نصوص غاية في الصحة تم تنفيذها بحذافيرها في تاريخ مشرق للمسلمين إبان دولتهم الزاهرة. 5 - إعطاء حق التأمين للكفار عند دخولهم الدولة المسلمة يعتبر في أصل التشريع مما يجوز ممارسته لكافة الأفراد المسلمين، إلا أنه ولاعتبارات مستجدة مرتبطة بالأمن والمصلحة العامة ترجح لدى الباحث وجوب سلب هذا الحق من العامة كما جرى بذلك العرف العملي الراهن. ومثل ذلك يقال في تحديد مدة بقاء المستأمنين في الدولة المسلمة، خلافاً للاجتهاد الفقهي القديم والمعاصر في هذه المسألة. 6 - يظل الصلح هو الترياق الواقي للمجتمع من التصدع والانهيار في علاقاته الاجتماعية المتأزمة بعامة، وهو كذلك الخيار المعتمد الذي لا يجوز الحياد عنه عندما ينشب الصراع في المعترك السياسي، وإلا اصطلى الجميع بنار الخلافات والنزاع، الأمر الذي سيكون خصماً على الاستقرار والرفاه. 7 - يظل التعايش السلمي بين الأديان في ظل الدولة المسلمة أمراً ممكناً، وقد مرت تجربة عملية بذلك في تاريخ المسلمين؛ ذلك لأن لغير المسلمين من أهل الكتابين حقوقاً مرصودة في الشريعة الإسلامية، فالإخلال بها تقصير وتنكر للإسلام نفسه، إلا أن فرص نجاحات هذا الإمكان مرهونة بدرجات وعي المسلمين بدينهم إلى جانب عوامل أخرى. 8 - يشرع الصلح وعقد الهدنة أو اتفاق سلام مع الأعداء – مهما بلغت درجة عدواتهم – فيما إذا ضعف المسلمون وخافوا الاسطلام، وهذا الحكم هو الراجح مما دلت عليه نصوص الشريعة في هذه المسألة، طالما كان هذا الخيار محققاً للمصلحة العليا للمسلمين. 9 - إن تحالف المسلمين مع الكفار جائز في مجمله في سبيل صد عدو مشترك من غير المسلمين فقط؛ وذلك وفقاً لقاعدة دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما. غير أنه لا يجوز باتفاق أن يمتد مثل هذا الحلف لقتال مسلمين آخرين ولو كانوا بغاة خارجين؛ لأن عصمة الإسلام تظل باقية لهم مهما جاروا، فلا يصح أن تستباح حرمة دمائهم من قبل الكافرين. 10 - لا تمانع الشريعة في مجملها من الاشتراك في المواثيق الدولية إذا كان في إطار التعاون على البر، وما سوى ذلك من المواثيق والمعاهدات الدولية يجوز الاشتراك فيها شريطة التحفظ على البنود أو المواضع التي تخالف الشريعة. 11 - لكونه لم تشترك أي من الدول الإسلامية في وضع أو صياغة أي من المواثيق الدولية المعمول بها الآن، لذا فإن هذه المواثيق لا تخلو من مراغمة واضحة للشريعة الإسلامية في بعض تفصيلاتها، بل بدأت مرحلة جديدة في الدور الذي ينتظر أن تؤديه تلك المواثيق في ظل الظروف الدولية الراهنة فيما اصطلح على تسميته (بالعولمة)؛ إذ استغلت في الترويج للثقافة والرؤية الغربية، وطرح النموذج الرأسمالي كأسلوب للحياة، وفرضه على الناس عامة؛ لاسيما في المجال الاجتماعي، كما يبدو ذلك بوضوح في الاتفاقيات الخاصة بالمرأة والطفل، والتي وقعت مؤخراً برعاية الأمم المتحدة.

النظام العام للدولة المسلمة – دراسة تأصيلية مقارنة

النظام العام للدولة المسلمة – دراسة تأصيلية مقارنة ¤عبدالله بن سهل ماضي£بدون¥دار كنوز اشبيليا – الرياض¨الأولى¢1430هـ€سياسة شرعية¶سياسة شرعية - أعمال شاملة ومنوعة الخاتمة: فهذه أهم نتائج البحث والتوصيات المقترحة أسوقها مختصرة موجزة كما يلي: أهم النتائج: 1 - الأصل اللغوي للنظام: هو الخيط، وهذا المعنى يتفق مع المعنى الحسي والمعنوي للنظام، ففيه الانتظام والثبات والاستقرار. 2 - النظام في الاصطلاح له معنى موضوعي وهو: مجموعة من الأحكام التي تتعلق بموضوع محدد وتعرض في صور مواد متتالية، كما أن له معنى شكلياً يقصد به: الوثيقة المكتوبة التي تصدر عمن يملك حق إصدارها وتهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد في مجتمعهم وإدراك مصالحهم. 3 - تباينت أقوال الفقهاء في تعريف العام، والراجح أنه: كلام مستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد. 4 - الدولة المسلمة عرفت بأكثر من تعريف، ومن أجمعها تعريفها بأنها: جماعة المسلمين وأهل ذمتهم الذين يقيمون على أرض تخضع لسلطة إسلامية تدبر شؤونهم في الداخل والخارج وفق شريعة الإسلام. 5 - النظام العام لدى الفقهاء لم يرد بهذا المصطلح، ولكنه معروف لديهم ومستعمل تحت ألفاظ أخرى تؤدي إليه، مثل: الخير العام، والنفع العام، والصالح العام، أو المصلحة العامة. 6 - نظرة الفقهاء للنظام العام تبلورت من خلال ثلاثة أمور تعتبر هي مداخل لتأسيس فكرة النظام العام لديهم، وهي: أ- فكرة حق الله أو الحق العام: وتتضح صلته بالنظام العام من خلال أن حق الله هو ما قصد به التقرب إليه قصداً أولياً، وإقامة دينه وتعظيمه سبحانه وعبادته، والبعد عن محرماته، وكل ما يتعلق بالمصالح العامة وتحقيق النفع العام من غير اختصاص بأحد، وهذا ما يتضمنه النظام العام. ب- فكرة الحكم الشرعي أو الحلال والحرام: وترتبط بالنظام العام من حيث إن حق الله الذي يتضمنه النظام العام واجب الإتيان، وهو على سبيل الحتم والإلزام، وهذا هو معنى الواجب والمحرم، كما أن النظام العام يمنع تغيير صفة المندوب أو المكروه أو المباح بالكلية. ج- فكرة المصلحة: وترتبط بالنظام العام بروابط عديدة من أهمها اشتراكهما في الهدف والغاية، فالنظام العام يحقق المصلحة ويستمد في ذات الوقت منها. 7 - النظام العام لدى أهل القانون غير محدد وغير واضح؛ لاعتماده على المعيارية القائمة على المصلحة العامة، والنسبية الزمانية والمكانية، وغالب تعريفاتهم تؤول إلى وصفه بأنه مجموعة من الأسس السياسية والاجتماعية والاقتصادية والخلقية التي يقوم عليها كيان المجتمع. 8 - يمكن تعريف النظام العام بأنه: (مجموعة من الأحكام والإجراءات الموضوعة لحماية المجتمع وتحقيق النفع العام له في الدنيا والآخرة، والتي لا يجوز لأحد مخالفتها، أو إسقاطها، أو تعديلها، أو الاتفاق على خلافها). 9 - هناك فروقات عديدة ومتنوعة بين النظام العام والسياسات العامة أو الآداب العامة والمصلحة العامة أو العارضة. 10 - للنظام العام أهمية كبيرة في الشريعة الإسلامية تتجلى في عدد كبير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وفي الآثار المروية عن السلف، سواء في الجانب العقدي، أو الفكري، أو السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الأمني، أو الاستراتيجي. 11 - تتضح أهمية النظام العام في الأنظمة من خلال ما يلي: أ- علاقته بالدولة المسلمة القائمة على التلازم النظري والتطبيقي والانسجام الكامل اللازم بينهما؛ ولذلك شواهد عديدة في النظام السعودي.

ب- ارتباط النظام العام بالسلطات الرئيسة في الدولة، كالسلطة القضائية التي يحميها النظام العام وهي في ذات الوقت تعد مصدراً له لأجل تحقيق العدالة في المجتمع، وارتباطه مع السلطتين التنفيذية والتنظيمية في قيام السلطتين بتطبيق قواعده وأحكامه المحققة للنفع العام في المجتمع. ج- ارتباط النظام العام بفروع القانون المختلفة، حيث إنه يمثل الحد الأدنى من الحماية للأسس التي تقوم عليها الجماعة، فهو يتسع ليشمل فروع القانون المختلفة (العام والخاص)، وهو يقيم نظاماً ذا أولوية لحل الصعوبات القانونية الطارئة، وهو متنفس للتغيير وفي ذات الوقت مصدر للقانون. 12 - دائرة النظام العام في الشريعة الإسلامية ليست واسعة، فهو يختص بتطبيق قواعد الدين وشرائعه الأساسية التي تعد من حقوق الله؛ وبالتالي فهو اجب التطبيق في الشريعة الإسلامية، ويتفق القانون معها في هذا الحكم، والنظام السعودي أوجب ذلك أيضاً. 13 - النظام العام يستند في مصدريته إلى أدلة متفق عليها وتمثل استمداداً له، وهي: أ- القرآن الكريم: وله دلالة لفظية وأخرى غير لفظية على النظام العام، فالدلالة اللفظية تتضح من خلال النصوص القرآنية الدالة على مراعاة المصلحة العامة وما يضادها من المفسدة، وحدود الله وحقوقه والاعتصام بحبله وعدم التفرق، والدلالة غير اللفظية تتبين في النصوص المتضمنة ضرب الأمثلة والاستدلال العقلي على النظام العام وعلى الدعوة للدخول في السلم العام والطاعة العامة والانقياد العام، وكذلك تأكيد مسألة المصدرية والمرجعية الربانية. ب- السنة مماثلة للقرآن في دلالتها اللفظية: وفي المقابل استخدمت في دلالاتها غير اللفظية أسلوب التحذير من التساهل في حدود الله والشفاعة فيها، وإبطال الأحكام المخالفة للنظام العام، ووجوب الطاعة والامتثال لأحكام الشرع. ج- يشترك الإجماع مع النظام العام في الأهداف والغايات من وجوب الطاعة واتباع سبيل المؤمنين ولزوم وحدتهم، كما أن الإجماع واجب الاتباع وهو مبني على النص ومن أنكره كفر، فهو من النظام العام. د- للقياس دلالة على النظام العام تأتي من وجوبه ولزومه وابتنائه على أصول شرعية ثابتة هي ذات الأصول التي بني عليها النظام العام، كما أن علة القياس التي هي أساس فيه تقوم على الوصف المناسب المرتبط بالمصلحة التي يرعاها النظام العام، كما أن القياس يستخدم وظيفياً في إثبات النظام العام من خلال قياس النظام العام على أمور مهمة في الدولة تشترك معه في الأهمية والرسوخ كقاعدة الطاعة ومبدأ التشريع. 14 - يوجد في مقابل الأدلة المتفق عليها أدلة مختلف فيها ولها أيضاً دلالة على النظام العام وتمثل مصدراً له، وهي: أ- المصالح المرسلة: ودلالتها على النظام العام تنشأ من رابطة المصلحة، فالنظام العام قائم على فكرة المصلحة العامة ورعايتها، كما أن المصلحة المرسلة لابد من أن تكون عامة ومستندة إلى أصل كلي، بل هي تمد النظام العام بالأحكام المناسبة في التدابير والإجراءات المستجدة. ب- سد الذرائع: وتتضح دلالته من ارتباطه بمقاصد الشريعة التي هي من النظام العام، كما أن سد الذرائع يحمي أحكام النظام العام بسده للذرائع المفضية إلى الإخلال به، كما أنه يرتبط باعتبار المآلات الذي هو أصل من أصول النظام العام. ج- الأعراف والعادات: النظام العام مفتقر إليها لابتناء أحكامه وقواعده وتطبيقها على الواقع، ولاسيما في الإجراءات والتدابير المستجدة، كما أن مساهمة العرف في تفسير بعض أحكامه واضحة، وهذا يدعم أحكام النظام العام في مرونتها وعموميتها وفي أثناء التقاضي فيها، كما أن العرف القانوني أيضاً يشترط لإعماله أن يكون متوافقاً مع النظام العام.

د- الاستحسان: وهو يقوم أصلاً على أدلة قوية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ونحوها، فهو رديف لهذه الأدلة في دلالتها على النظام العام، كما أن إعمال قاعدة الاستحسان يهدف إلى رفع الحرج والمشقة، وهذا أصل من أصول النظام العام، والاستحسان من الأصول التي بنيت عليها قاعدة مآلات الأفعال أيضاً. 15 - لمقاصد الشريعة دلالة كبيرة على النظام العام من أهمها رابطة المصلحة العامة التي يرعيانها، كما أن الحتم والإلزام الذي تمتاز به قواعد النظام العام من ضمن مقاصد تلك الأحكام، كما يتضح أن المقصد الأساسي للشريعة هو أصلاً تحقيق النظام العام وتطبيقه على واقع الحياة. 16 - القواعد والأحكام الكلية تساهم في إمداد النظام العام بأحكام وقواعد لبعض القضايا والنوازل المستجدة، ومن هنا تأتي دلالتها على النظام العام، فهي تمثل نظاماً عاماً بوجوب تطبيقها من القاضي أو المفتي أو غيرهما، وهي تقود لمعرفة مقاصد الشريعة وتعطي النظام العام تجدداً مستمراً باستمرارها. 17 - المعاهدات والاتفاقيات ذات دلالة مهمة على النظام العام من خلال وجوب احترامها والالتزام بها، كما أن معاهدات الرسول صلى الله عليه وسلم هي بذاتها مصدر تشريعي للنظام العام، وكذلك مصدر تفسيري له. 18 - للنظام العام تقسيمات عديدة باعتبارات متنوعة؛ سواء في الفقه أو النظام، ومن أشمل تقسيماته هو تقسيمه إلى نظام عام داخلي وآخر خارجي، فالداخلي محصور داخل الدولة وحدودها الإقليمية، والخارجي هو خارج حدودها المحلية؛ فيفترقان من حيث المفهوم ومن حيث الموضوع تبعاً لذلك. 19 - للنظام العام وظائف مهمة في الفقه الإسلامي، منها حماية المصلحة العامة كالتسعير الجبري وتحريم الرشوة، ومنها حماية الطرف الضعيف كالولاية على الصغير والمجنون وتطبيق نظرية الظروف الطارئة، ومنها حماية الغير كبطلان تصرفات المكره، ومنها حماية الإنسان نفسه كتحريم الانتحار ونحوه. 20 - للنظام العام وظائف في القانون منها حماية الأسس العليا للمجتمع عن طريق القواعد القانونية التي لا يجوز مخالفتها، ومنها استبعاد تطبيق القانون الأجنبي المتعارض مع النظام العام. 21 - للنظام العام خصائص من أهمها: أ- أنه نظام مصلحي: وتتضح وجوه المصلحة في الفقه بعدة أساليب منها إخبار الله سبحانه عن بعض صفاته أو أهمية كتابه أو تبيان النصوص لبعض المصالح على وجه التحديد أو التي تحمل معاني كبرى من مبادئ النظام العام، وهناك أحكام مصلحية للنظام العام لا يعرف تفسيرها كتحريم الربا ويمكن للعقل تلمس بعضها. أما في القانون فالمصلحة هي أساس النظام العام لكنها مصلحة غير ثابتة بل متغيرة ومتبدلة، وفي النظام السعودي امتثال لمعاني المصلحة المتوافقة مع النظام العام الشرعي كتقرير مبادئ العدل والشورى والمساواة. ب- العمومية: وتتضح في الفقه من خلال عمومية الخطاب التشريعي للجميع، كالتطبيق الممارس للشعائر كالصلاة والحج ونحوهما، وكطرق المحاسبة والتقاضي والعقوبة المفروضة على الجميع، ورعاية شأن الجماعة المستمر ورعاية الإنسان من حيث هو إنسان، والنظام السعودي زاخر بنصوص العمومية أيضاً. ج- الشمولية: وتتضح في الفقه من حيث الشمول العقدي والعبادي والأخلاقي والتشريعي؛ أي الشمول الموضوعي، وفي النظام السعودي وردت نصوص عديدة تفيد هذا الشمول. د- الثبات والمرونة: ويتضح في الفقه من خلال مبدأ الشورى، فهو ثابت في تشريعه مرن في تطبيقه والعدالة كذلك، والنظام السعودي قرر هذا المبدأ الكلي في النظام الأساسي للحكم وترك تفصيله للأنظمة الفرعية.

22 - الإخلالات الواقعة على النظام العام هي من صور الفساد التي حذر منها الشرع, ونهى عن السعي فيها ومن سلوكها وممارستها، والنظام السعودي وضع استراتيجيات لمكافحة صور الإخلال تلك من خلال إسنادها إلى شخصية الملك ذاتها ومجلس الوزراء ومجلس الأمن الوطني ومجلس الشورى. 23 - النظام العام حمى الفكر الإنساني وصانه من خلال صيانة التوحيد ووحدة التشريع وبناء القيم الخلقية وتقرير مبدأ العدالة. 24 - نشر المعتقدات والمذاهب المخالفة من ضمن الإخلالات الواقعة على الجانب الفكري، وهي نشأت بسبب البدعة والقول على الله بغير علم واتباع الهوى وتحكيم العقل، والنظام العام منع كل صورها سواء في مجال نشر المعتقدات المخالفة أو في نشر المذاهب المخالفة، فهي كلها مخالفة للنظام العام الشرعي الفكري. 25 - تعتبر الإساءة إلى الشعائر الدينية في المجتمع من الإخلالات الواقعة على النظام العام الفكري فيه، وتلك الشعائر هي التي تمثل قداسة إسلامية في مجتمع الدولة المسلم كالذات الإلهية والقرآن الكريم والأنبياء والصحابة والشعائر التعبدية وفروض الكفايات، وهذه الإساءة تتصادم كلياً مع النظام العام وقد جرمها الفقه الإسلامي والنظام السعودي. 26 - بالنسبة لإساءة غير المسلمين للشعائر الدينية فهي تصادم النظام العام وهي أمر منكر وموجب لنقض العهد معهم وبراءة الذمة منهم. 27 - أن المرتد هو الذي يكفر بعد إسلامه طوعاً ولو مميزاً أو هازلاً بنطق أو اعتقاد أوشك أو فعل، والارتداد شكل من أشكال الإخلال الفكري بالنظام العام ولذا فهو محرم بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة. وهي تحصل بسب النبي، أو إنكار المحرمات الثابتة بدليل قطعي لا شبهة فيه، أو إنكار ما علم من الدين بالضرورة أو أمور الاعتقاد الثابتة أو الفرائض القطعية، أو باستباحة المحرمات الظاهرة. 28 - أن هناك عقوبات مفروضة على الإخلال بالنظام العام الفكري كالتالي: أ- عقوبة نشر المعتقدات والمذاهب المخالفة في الفقه تقاس على عقوبة المبتدع الداعي إلى بدعته، ومنها عقوبات: الهجر، والتشهير، والضرب، وتقاس على عقوبة المنافق الذي يظهر نفاقه. ب- عقوبة الإساءة إلى الشعائر الدينية: هي القتل تعزيراً، فيحكم على من سب الله أو رسله أو كتبه بالقتل، وفقاً لما يقرره الحكم القضائي. ج- عقوبة المرتد: هي القتل أيضاً، واختلف في المرأة المرتدة والصحيح قتلها، وبالنسبة لاستتابتهما فالصحيح هو القول بوجوب ذلك مراعاة لمقصد الشريعة في الإبقاء على روح التسامح والدخول في الإسلام. والنظام السعودي عالج عقوبة الإخلال بالنظام العام الفكري من خلال عدة نصوص أكدت رعاية الشريعة وحمايتها والالتزام بالوحدة وعدم الدعوة إلى الفتنة والانقسام أو ما يضر بالشعائر الدينية، ومسؤولية المخالف عن ذلك وعقوبته. 29 - التحريض ضد السلطة خلل أمني يقع على النظام العام، ومن صوره: الدعوة إلى قلب نظام الحكم، والتحريض للخيانة العظمى في الدولة، والتحريض لعصيان النظام العام وعدم تطبيقه، والدعوة إلى الفتنة السياسية وإثارة العداوات بين طبقات الشعب وفئاته، والدعوة إلى الاضطرابات والاعتصامات، ونحو ذلك. والنظام السعودي جرم التحريض من خلال تأكيد قاعدة البيعة والسمع والطاعة لولاة الأمر والدعوة إلى الوحدة، وعدد بعضاً من تلك الصور ضمن الممنوعات كما في نظام الضباط ونظام الأفراد ونظام الأمن الداخلي ونظام العقوبات للجيش السعودي.

30 - أن رفض تطبيق النظام وتعطيل الدولة شكل من أشكال الإخلال بالنظام العام الأمني، وهي في الفقه تأخذ عدة أشكال منها: الحرابة، ومنها الافتيات على السلطة، فالمحاربون لا يمتثلون لتعاليم النظام وقواعده ويسيرون عكسه تماماً بقطع الطريق ونهب الأموال وقتل الأنفس، والافتيات على السلطة يعطل أجهزة الدولة ويسلب منها وظائفها الأساسية ومن صوره: تنفيذ الحدود أو القصاص أو التعزير دون السلطان، أو إصدار العملة، أو منح الإقطاعات، أو تقييد المباحات، أو إبرام المعاهدات، فهذه كلها من اختصاصات الدولة وحدها. وموقف النظام السعودي واضح من تحريم الحرابة وتم إصدار فتوى فيها، وكذلك مسألة الافتيات فالأنظمة حددت الاختصاصات والصلاحيات ومنعت من تجاوزها. 31 - أن محاولة اغتصاب السلطة وانتهاك السيادة من أشد الجرائم وأخطرها على النظام العام الأمني في الدولة، والفقهاء بحثوا مسائلها في عدة صور منها: أ- أن اغتصاب السلطة وانتهاك السيادة محرم وجريمة كبيرة حذرت منها الشريعة. ب- أن اغتيال أصحاب السلطة العامة أمر محرم ويخالف النظام العام الأمني، واختلف في قاتله: هل يقتل حداً أم لا باعتبار الفساد العام الذي ينتج منه؟ ج- أن البغي من أوضح صور محاولة اغتصاب السلطة وانتهاك السيادة، وهو يتحقق على الصحيح بالخروج على السلطة العادلة أو الظالمة، ويشترط فيمن يتحقق فيه جريمة البغي عدة شروط هي (الإسلام، المنعة، التأويل، الخروج، مخالفة النظام العام). د- أن اغتصاب السلطة وانتهاك السيادة من قبل الأعداء أمر مخل بالنظام العام يوجب قتالهم وجهادهم، وخصوصاً عند حصول النفير العام ودخولهم البلاد وحضور القتال. وقد عالج المنظم السعودي مسألة محاولة اغتصاب السلطة وانتهاك السيادة من خلال التأكيد في عدة نصوص نظامية على شكل المملكة وشعارها، وشكل الحكم فيها ودستورها وسيادتها، وأن هذه أمور غير قابلة للتغيير، وعلى تعزيز الوحدة الوطنية وحماية عقيدة الدولة وتطبيق شريعته، وإنشاء قوات مسلحة لمواجهة الأعداء، واختصاصات الملك في حال الحرب، وتجريم أفعال الخيانة العظمى والتعامل مع الأعداء حسبما ورد في نظام محاكمة الوزراء، كما أكد النظام السعودي على الفتوى الصادرة في جريمة الغيلة واعتبار عقوبتها حداً. 32 - أن أعمال التخريب – كالتفجير والخطف والسطو – أمور مصادمة للنظام العام الأمني وحرمتها الشريعة تحريماً واضحاً في نصوص القرآن والسنة لما لها من آثار ونتائج خطيرة على جميع الجوانب الحياتية، والنظام السعودي أيد ما صدر من فتاوى تحرم وتجرم وتعاقب على تلك الأعمال، وجعل عقوباتها تطبيق حد الحرابة في حق مرتكبيها. 33 - أن هناك عقوبات على مرتكبي الإخلال الأمني على النحو التالي: أ- جعل الفقه عقوبة التحريض تحت إطار العقوبات التعزيرية وفقاً لحجم الجريمة وآثارها، والنظام السعودي عاقب عليها بالقتل أو السجن وبالغرامة وفقاً لنظام محاكمة الوزراء ونظام الضباط ونظام المطبوعات والنشر. ب- بالنسبة لعقوبة رفض تطبيق النظام وتعطيل أجهزة الدولة فإذا كانت في صورة جريمة الحرابة فتعاقب بعقوبتها على اختلاف بين الفقهاء في نوعية العقوبة: هل هي على التخيير أو التنويع؟ والنظام السعودي أيد الفتوى الصادرة بأن عقوبتها على التخيير، وأن القضاة يثبتون الجريمة ويقترحون ما يرونه والملك يقرر ما يراه مناسباً. وفي جانب الافتيات فإن العقوبة الفقهية لها حالات: - إذا قتل المفتات معصوم الدم فإنه يقتص منه. - إذا قتل المفتات غير معصوم الدم أو لم يقتل أصلاً فيعزر. وللنظام السعودي موقف متشدد من الافتيات من خلال عدد من الأنظمة المعنية بمثل ذلك.

ج- أن عقوبة محاولة اغتصاب السلطة وانتهاك السيادة لها حالات: - اغتيال الحاكم يأخذ حكم الغيلة الذي يعد – على الصحيح من أقوال العلماء – عقوبته حدية، والنظام السعودي قرر هذا وأكده. - عقوبة البغي تتم وفق إجراءات معينة تبدأ بمفاوضات مع البغاة وطلب الإصلاح، ويتم قتالهم بما يدفع شرهم فقط. د- أن عقوبة أعمال التخريب هي عقوبة الحرابة، والنظام السعودي أكد هذا أيضاً. 34 - أن انتهاك حقوق الإنسان يعد إخلالاً بالنظام العام السياسي في الدولة المسلمة، ومن صور انتهاك حقوق الإنسان: انتهاك حق الحياة كالانتحار، وقتل الآخرين، والوأد، والإجهاض، وتشويه السمعة. ومن صور الانتهاك أيضاً انتهاك حق المساواة في الحق الإنساني، ومن صور الانتهاكات كذلك انتهاك حق الإنسان في العمل والملكية. والنظام السعودي كان وقافاً عند هذه المعايير، فأكد النظام الأساسي للحكم على أن الدولة تحمي حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية. 35 - أن الاعتداء على الحريات العامة في المجتمع إخلال خطير بالنظام العام السياسي؛ لأن أساس الحرية في الشريعة الإسلامية هو التوحيد، ومن صور الاعتداء عليها: الاعتداء على الحريات المدنية كحرية الذات أي حرية الإنسان الأصلية، وحرية التنقل وحرية المسكن وحرية المراسلات، ومن صورها أيضاً الاعتداء على الحرية الفكرية، وكذلك الاعتداء على حرية التعبير عن الرأي، والحرية السياسية، وهذه الحريات هذبها النظام العام ورشدها وحدد مساحة المسموح به والممنوع من انتهاكه وفقاً للمصالح التي يهدف إليها. والنظام السعودي أوضح ذلك كثيراً في عدة أنظمة منها النظام الأساسي للحكم، حيث أكد أن الحكم يقوم على مبادئ العدل والشورى والمساواة، وعلى رعاية الحريات المدنية كالمراسلات والتنقلات، وقد فصلت ذلك الأنظمة الفرعية كنظام الإجراءات الجزائية. 36 - أن الإخلال بالعدالة وضمانات التقاضي أمر منعته الشريعة لأن فيه إخلالاً بالنظام العام السياسي للدولة نظراً لأهمية العدالة كمبدأ وأهمية القضاء كمرفق وجهاز يحقق العدالة، وأن من صور ذلك الإخلال في إجراءات التقاضي ومنها عدم كفالة حقوق المتهم. 37 - استثناء أعمال السيادة من رقابة القضاء لا يعارض النظام العام؛ لأن ولي الأمر في الأساس هو صاحب الولاية العامة القضائية، وبالإضافة إلى ذلك يجوز له إعمال قاعدة الاختصاص القضائي واستثناء بعض الموضوعات من نظر القضاء، كما أن أعمال السيادة أساساً لابد من أن تكون متوافقة مع الشرع ومقتضيات المصلحة، والسلطة الحاكمة لا تنفك عن رقابة الأمة بالمناصحة والإرشاد، كما يمكن ترشيد هذا الاستثناء عن طريق إيجاد جهاز قضائي عال متخصص يعني بهذه الأمور وفق آليات محددة. 38 - أن مسالة تدوين الأحكام للإلزام بها حصل بشأنها خلاف بين العلماء بين مؤيد ومعارض، والراجح جواز ذلك شريطة عدم مخالفة المستقر عليه من أحكام وقواعد النظام العام. 39 - النظام السعودي زاخر بالنصوص التي تجرم كل أعمال الإخلال بالعدالة وضمانات التقاضي؛ من خلال تقرير مبدأ العدالة وإيجاد ضمانات تتعلق بحيادية القضاء واستقلاله أو إجراءات التقاضي والحكم فيها من خلال عدة أنظمة منها نظام الإجراءات الجزائية والمرافعات الشرعية ونظام القضاء. 40 - أن العقوبة لمن أخل بالنظام العام في مجاله السياسي عقوبة تعزيرية للأفراد وللمباشرين في هذا المجال، وإذا كان الإخلال من السلطة ذاتها فيتم مناصحتها وتقديم الحلول الصحيحة لها، والنظام السعودي يعمل بذلك بالإضافة إلى فرض عقوبات على المباشرين كاللوم والحسم والعزل، والسجن.

41 - الاعتداء على النظام النقدي في الدولة كتزييف النقود وتقليدها والتلاعب بالأسعار وأثمان السلع والخدمات من صور الإخلال بالنظام العام الاقتصادي، وهي أمور حرمتها الشريعة الإسلامية لما يحصل بسببها من ضرر اقتصادي عام، وفي النظام السعودي عدة أنظمة جرمت وعاقبت على ذلك كالنظام الجزائي الخاص بتزييف النقود، ونظام مؤسسة النقد العربي، ونظام مراقبة البنوك. 42 - أن تجارة توظيف الأموال والمخدرات والأسلحة تقوم على عدة جرائم اقتصادية متنوعة أصبحت تعرف الآن بالجريمة المنظمة، فمفهومهما ونطاقهما وموضوعهما واحد، وأدت هذه الممارسة إلى نشوء أضرار فادحة في الاقتصاديات الدولية جعلت من محاربتها همّاً مشتركاً. 42 - أن غسل الأموال جريمة اقتصادية ترتبط بتجارة توظيف الأموال والمخدرات والأسلحة، وهي من صور الإخلال بالنظام العام الاقتصادي، ومنعت لما فيها من أضرار اقتصادية واجتماعية وسياسية، والنظام السعودي جرم كل صور تجارة توظيف الأموال والمخدرات والأسلحة عبر عدة أنظمة، منها نظام المخدرات، والمؤثرات العقلية، ونظام الأسلحة والذخائر، ونظام غسل الأموال، والانضمام إلى معاهدة مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية. 44 - أن المنافسات والتحالفات غير المشروعة من صور الإخلال بالنظام العام الاقتصادي، وهي في الشريعة مقاربة لفكرة الاحتكار المحرمة، وتتضمن تلك المنافسات آثاراً سيئة لتصادمها مع مبادئ النظام الاقتصادي الإسلامي وأضرارها المتعددة، كالتحكم في كمية العرض، والتسبب في ارتفاع الأسعار، وبالتالي القضاء على المنافسة المشروعة، والمنظم السعودي أصدر نظاماً خاصاً بالمنافسة منع فيه كل صور المنافسات غير المشروعة. 45 - الربا من أخطر القضايا التي تواجه الدولة المسلمة وتتعارض مع نظامها العام الاقتصادي، فهو محرم بنص الكتاب والسنة، ومنعه النظام العام لارتباطه بحق الله سبحانه وتعالى، ولأن في منعه مصلحة اقتصادية حيث إن الربا يمنع من الاستثمار في المشاريع المفيدة للمجتمع، ويتسبب في حدوث البطالة، ويضر بذوي الحاجات الشخصية، وفيه ظلم اجتماعي كبير. 46 - أن من صور تقنين الربا وإشاعته؛ التعامل به في المصارف والبنوك العامة، وفي البنوك المركزية وفي الشركات والمؤسسات التجارية، وإيجاد جهات قضائية خاصة ببعض قضاياه، والنظام السعودي منع الربا من خلال النص على ذلك في نظام مؤسسة النقد العربي السعودي وبعض الأنظمة الأخرى. 47 - للإخلال في المجال الاقتصادي عقوبات تعزيرية في الفقه تتناول جميع صور الإخلالات السابقة، والنظام السعودي عاقب على تلك الصور وفقاً للأنظمة التي سبق أن أشير إليها، وتتنوع تلك العقوبات بين القتل أو السجن والجلد والغرامة والمصادرة. 48 - تفكيك وحدة الأسرة من ضمن الإخلالات الواقعة على النظام العام الاجتماعية في الدولة؛ ومن صورها الإخلال بعقد الزواج وأهدافه وغاياته، والدعوة إلى إباحة العلاقات الجنسية المحرمة، أو التحايل بالأنكحة الباطلة ونحوها، أو الإخلال بحقوق الأولاد بإباحة الإجهاض، أو التساهل في قضية النسب، أو الإخلال بحقوق الوالدين كحق الطاعة والرعاية والنفقة، وكذلك الإخلال بالحقوق الزوجية كحق القوامة والنفقة والعشرة بالمعروف. 49 - أن تفكيك وحدة المجتمع تحقق إخلالاً أوسع في النظام العام الاجتماعي، سواء كان الإخلال سياسياً كنشر الفوضى والتحريض وزعزعة الاستقرار، أو أخلاقياً كنشر الفساد والترويج له وتسهيله، أو اقتصادياً كتعطيل مرافق المجتمع وممارسة الجرائم الاقتصادية التي تشل من حركته، أو عبادياً كالتساهل في أداء الشعائر والتقليل من قيمتها.

50 - النظام السعودي نادى – وحذر في الوقت نفسه – في أكثر من نص نظامي بقضية الوحدة الأسرية والاجتماعية، وضمن النظام الأساسي للحكم نصوصاً من هذا النوع لتفادي أي إخلال يقع على البناء الاجتماعي في الدولة. 51 - أن من المخاطر المحدقة بالنظام العام الاجتماعي انحراف أسس التربية والتعليم، وتتضح صور هذا الإخلال في انحراف التصور الحقيقي تجاه الخالق أو تجاه الكون أو تجاه الإنسان أو تجاه الحياة، مع أن أساس الانحراف نشأ من البعد عن التصورات الصحيحة المتوافقة مع منهج التربية الإسلامية. 52 - النظام السعودي من خلال وثيقة سياسة التعليم قعد وأسس المبادئ الصحيحة للتربية والتعليم، وجعلها وفقاً لما جاءت به الشريعة، وأكدها النظام العام. 53 - أن السلوك الجماعي المخالف للدين يكون إخلالاً بالنظام العام عندما يكون سلوكاً متطرفاً غالياً يجعل من صاحبه أداة للقتل والتدمير والتفجير وإبادة الآخرين، وهو من أشد السلوكيات المصادمة للنظام العام الشرعي في الدولة. 54 - عقوبات الإخلال بالمجال الاجتماعي لا تختلف عن العقوبات السابقة، إلا أن الشريعة الإسلامية جعلت فيها العلانية والتشهير والتغليظ على الجاني على فعلته وعزله عن المجتمع، والنظام السعودي لاحظ هذه الأمور ومنع من تحول أي نشاط اجتماعي صحيح إلى أن يكون معول هدم وتفريق لوحدة الأسرة أو المجتمع. 55 - أن العبودية بكل معانيها ومفاهيمها هي أهم خصائص النظام العام على الإطلاق ومن أبرزها، وهي تتحقق من جراء تطبيقه، وهو بذلك يخالف النظام العام القانوني الذي يخلو تماماً من أي جانب عبادي. 56 - أن العدالة مبدأ كبير في بنيان الدولة المسلمة السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي فالنظام العام الشرعي للدولة المسلمة لابد من أن يحقق هذا المبدأ، وقد ظهر جلياً في عدة صور منها العدالة النفسية بأن يقدر كل إنسان في المجتمع أنه كامل الحقوق متساو مع غيره، وكذلك العدالة السياسية التي تظهر في تطبيقات السلطة وتعليماتها، وكذلك العدالة القانونية أي العدالة أمام القانون ومساواة الناس كلهم في ذلك، وكذلك العدالة الدولية التي تتعامل بهذا المبدأ مع غير المسلمين، وأيضاً العدالة الاجتماعية التي يستوي الجميع فيها في الفرص المتاحة على السواء، وأخيراً العدالة القضائية التي هي من أهم صور العدالة، وعلى صعيد النظام السعودي سبق أن أشير إلى أن هذا المبدأ مقرر في مواضع عديدة ومتكررة. 57 - تحقيق الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة داخل ضمن إطار الضبط الإداري وهو مصطلح يعني بهذه العناصر، إلا أن النظام العام بالمفهوم الشامل يحتوي هذا وزيادة، وتظهر مراعاة النظام العام لهذه العناصر من خلال ما يلي: أ- تظهر مراعاة النظام العام للأمن العام من خلال الحرص على السلامة العامة بما فيها حفظ الدين من الردة وحفظ النفس من القتل وحفظ النسل من الزنا وحفظ العقل من المسكرات، ومن خلال إقامة شعيرة الحسبة التي تأمر بما يصلح ذلك وتنهى عما يضره. ب- تتحقق رعاية النظام العام للسكينة العامة من خلال رعاية البيئة وحمايتها، ومنع منغصات الحياة الهادئة وكل ما سبب عدم الاستقرار والهدوء. ج- أما الصحة العامة فتتحقق رعاية النظام العام لها من خلال تحريم كل ما يضر ببدن الإنسان وصحته، وتحريم الخمور والمسكرات، ومنع كل سلوك مؤذ يضر بالصحة العامة كالزنا واللواط ونحوهما.

58 - النظام السعودي اهتم بتلك العناصر الثلاثة من خلال عدة أنظمة عنيت بذلك، منها النظام الأساسي للحكم، ونظام المرور، ونظام الدفاع المدني، ونظام حماية المرافق العامة، ونظام الأنشطة المقلقة للراحة، ونظام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنظام الصحي. 59 - ضبط السلوك الإنساني من أكبر مهمات النظام العام، ويسعى النظام العام إلى تحقيقها لارتباط النظام العام بنظام الأخلاق في الإسلام، وهو ما يفتقر إليه النظام العام القانوني الذي يكفي عنده التزام الناس بالحد الأدنى من السلوك، بينما النظام العام الشرعي يرقى بالإنسان إلى أرقى درجات السلوك الإنساني. 60 - أن النظام العام له دور كبير في ضبط السلوك الإنساني، سواء كان سلوكاً حسياً كالسلوك التعبدي أو السلوك الإنساني التعايشي، أو السلوك الحضاري الاجتماعي، أو كان سلوكاً معنوياً كالحياء أو العفة أو الصبر، فكلها تهدف إلى إيجاد بيئة سلوكية إنسانية كاملة أو قريبة من الكمال، وقد ركز النظام السعودي كثيراً على تلك السلوكيات وحث عليها في مواضع منها: (الطاعة، الوحدة، التعاون، التكافل، الإيجابية، الاحترام .. )، ونحوها. 61 - أن للنظام العام آثاراً قانونية عديدة يؤدي فيها دوراً محورياً هاماً كقضايا التحكيم وتنازع القوانين وتنفيذ الأحكام الأجنبية. 62 - تتضح علاقة النظام العامة بالتحكيم من خلال عدة أمور منها أهلية التحكيم أي أشخاص التحكيم، فيجب ألا تخالف النظام العام، ولابد أيضاً من إعمال قواعد النظام العام في إجراءات التحكيم أي في موضوعه، والنظام السعودي يتفق مع هذا التوجه كما في نظام التحكيم ولائحته التنفيذية. 63 - أن هناك علاقة للنظام العام مع مسألة تنازع القوانين تظهر في عدم تطبيق أحكام القانون الأجنبي إذا خالف النظام العام، ويكون للنظام العام بمقتضى ذلك منع تطبيق القاعدة القانونية في القانون الأجنبي واجب التطبيق والدفع به، ويشترط لذلك عدة شروط هي: وجود قانون أجنبي واجب التطبيق، تعارضه مع النظام العام في دولة القاضي، وينتج من ذلك استبعاد القانون الأجنبي وحلول قانون القاضي. 64 - لا توجد في النظام السعودي أي آثار لمسألة تنازع القوانين أبداً؛ لأن القانون المطبق هو القانون الإسلامي المتوافق مع النظام العام. 65 - تنفيذ الأحكام الأجنبية أمر مقرر في القانون الدولي الخاص، ويشترط عدة شروط من أهمها ألا تخالف النظام العام، فإذا خالفته لا يمكن تطبيقها، وإذا خالفته جزئياً وأمكن تطبيق الجزء الآخر فلا يمنع منه. 66 - أن مسألة تنفيذ الأحكام الأجنبية في النظام السعودي نظمت بعدة وسائل كلها تؤكد عدم إمكانية التطبيق إذا خالف النظام العام الشرعي للدولة. 67 - يترتب على مخالفة النظام العام بطلان جميع التصرفات والعقود المبرمة في ظل ذلك وهذا ما أكده النظام السعودي في النظام الأساسي للحكم ونظام الإجراءات الجزائية. 68 - البطلان عند الجمهور واحد، وعند الحنفية هناك بطلان كلي وبطلان جزئي وهو الفساد، كما أن البطلان لأحكام النظام العام قد يكون موضوعياً حسب المجال الذي يتناوله، كذلك النظام السعودي شملت أحكامه بطلاناً متنوعاً إذا خالف النظام العام. 69 - أساس تجريم الأفعال المخالفة للنظام العام أساس شرعي، سواء في الحدود أو القصاص أو التعازير المفروضة لحق الله. 70 - طبيعة تجريم الأفعال المخالفة للنظام العام تستلزم وجود دعوى عامة فيها؛ أي دعوى الحسبة، وهي جائزة السماع على الصحيح من أقوال أهل العلم، وأقرها النظام السعودي وفق ضوابط محددة، وكذلك وجود شهادة حسبة وهي مقرة في الفقه والنظام السعودي.

71 - لم يوجد في الفقه الإسلامي تخصيص للنظر القضائي في قضايا النظام العام، وللقضاء ولاية عامة على جميع القضايا، وهذا لا يمنع من وجود قضاء خاص بقضايا النظام العام من باب الاختصاص القضائي. 72 - النظام السعودي لم يحدد قضاء متخصصاً بقضايا النظام العام، وهناك جهات قضائية عديدة تشارك في النظر في بعض تلك القضايا. 73 - أن لعقوبات النظام العام عدة سمات منها: أ- يجوز الرجوع عن الإقرار في الحدود فقط ويدرأ بها الحد، وغيرها لا يجوز، وهو المطبق في المحاكم السعودية. ب- تسقط الحدود فقط بدفع التهمة، سواء بالدفع بالجهل أو الاضطرار أو الإكراه أو الشبهة، أما غيرها فلا، وهذا أيضاً مطبق في المحاكم السعودية. ج- لا تجوز الشفاعة في الحدود إذا بلغت السلطات، ويجوز الستر فيها قبل ذلك، ويجوز ذلك مطلقاً في باقي العقوبات، وهذا ما عليه النظام السعودي. د- تنقضي عقوبات النظام العام عموماً بالوفاة، وكذلك في النظام السعودي. هـ- لا يجوز العفو في العقوبات الحدية للنظام العام، واختلف العلماء في غيرها، والصحيح أن الأمر راجع لولي الأمر وجسامة الجريمة وخطرها، وكذلك النظام السعودي يمنع من العفو في العقوبات الحدية. والتقادم لا يسقط عقوبات النظام العام الحدية، واختلف في غيرها، وكذلك النظام السعودي إجمالاً. ز- التوبة تسقط عقوبات النظام العام الحدية قبل القدرة على مرتكبها، أما بعد القدرة فلا أثر لذلك، وفي غيرها تكون مسقطة قبل الرفع الحاكم، وكذلك النظام السعودي. ح- لا يجوز الصلح في عقوبات النظام العام الحدية وغيرها، وهذا ما أكده النظام السعودي أيضاً.

حقوق الإنسان في الإسلام (معاملة غير المسلمين في الإسلام)

حقوق الإنسان في الإسلام (معاملة غير المسلمين في الإسلام) ¤عبد العزيز مصطفى كامل£بدون¥المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية - الأردن¨بدون¢1989م€سياسة شرعية¶الإنسان - حقوقه وحرياته خاتمة في الحقوق: ولعل من تمام هذه الحقوق، أن يكون المسؤول عنها وكبار القائمين بأمرها مؤمنين بها دينا، يسألهم الله عنه، ويحكمون بين الناس به. إنها عندهم دين ونظام حياة، وعند أهل الذمة نظام حياة، وليست ديناً يدينون به. فموقف المسلمين في تطبيقها والمسؤولية عنها، يدعو إلى أن يقوموا بأمر المجتمع الإسلامي في إدارته العليا، مستعينين في هذا بكفاءات من المسلمين وأهل الذمة، متيحين لهذه الكفاءات - مع اختلاف الدين وتباين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية - أن تأخذ حقها في النمو الطبيعي والفكري وتتعاون جميعا ً في خدمة الدولة الإسلامية التي يعيشون فيها. وتبشر بهذه الحقوق الإنسانية، وهي من الله فضل وهداية. ومن ناحية أخرى تحتاج هذه الحقوق إلى رقابة شعبية، كان الخلفاء الراشدون يطلبونها من المجتمع. فعندما تولى أبو بكر أمر الخلافة خطب الناس قائلاً: " ياأيها الناس. إنما أنا مثلكم. وإني لا أدري لعلكم ستكلفونني ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق، إن الله اصطفي محمداً على العالمين، وعصمه من الآفات، وإنما أنا متّبع ولست بمبتدع، فإن استقمت فتابعوني، وإن زغت فقوموني ". وإن متابعة تطبيق هذه الحقوق حوار متصل بين القيادة والقاعدة، وهذا هو الاتجاه الرأسي. وهناك اتجاه أفقي يمثله الحوار بين المختصين في مجال أو أكثر. ومن الاتجاهين - الرأسي والأفقي - يتكون نسيج الشورى في المجتمع. وممارسة الحقوق، وتطوير وملاءمة مضامينها، وابتكار الصيغ الأنسب لمسار الحياة، هي في ذاتها تخصص وجهد متصل تتأصل به الثوابت في الحقوق مع تبدل صورها. خاتمة بهذا نصل إلى خاتمة المطاف في هذه الدراسة ونرى فيها: 1 - قاعدة عريضة من حقوق الإنسان يستوي فيها المسلم والذمي والمستأمن. 2 - مسؤولية يشترك فيها المواطنون مسلمين وغير مسلمين ولا يدخل فيها المستأمن، وهي الحقوق المتعلقة بنظام الحكم والشورى واختيار الحاكم والتمثيل في المجالس النيابية والوظائف العامة. 3 - مسؤولية يحملها المسلمون حيث يكونون أغلبية: وهي الرئاسة العليا في الدولة والدفاع والأمن والقضاء. ويشاركهم غيرهم في الرأي والتنفيذ. 4 - هناك نقاط تتميز بها حقوق الإنسان في الإسلام، وهي أنها حقوق في " الإطار الإسلامي " وبخاصة في نظام تكوين الأسرة والتوارث وأهل كل دين يتبعون في هذا دينهم في إطار تنظيمي تشرف عليه الدولة، دون إكراه ولا تفريط. 5 - إن ما جاء في التاريخ الإسلامي من تطبيقات فيها جوانب التشدد مع غير المسلمين، كانت مرهونة بأوقاتها وظروفها، وليست قاعدة تعامل. والقيود لم تكن مقصورة عليهم وقت العسرة، وإنما كانت - في بعض الظروف - على المواطنين جميعاً، ولا تكاد تخرج في إطارها العام عن قوانين الطوارئ المعاصرة. 6 - أن الأصل الذي ترد إليه الأحكام وتوزن به السوابق هو القرآن الكريم والسنة المطهرة وما صح عن سلفنا الصالحين، في نور من قول الله تعالى: {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}.

تحكيم الشريعة ودعاوى العلمانية

تحكيم الشريعة ودعاوى العلمانية ¤محمد صلاح الصاوي£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1412هـ€سياسة شرعية¶تحكيم الشريعة الخاتمة: لقد تمهد من خلال الفصول السابقة أن تحكيم الشريعة يرتبط بأصل الرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً وأن الولاء والبراء لا يعقد إلا على أساس الإيمان بالله ورسوله فمن اتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين فليس من الله في شيء وأن الحياد بين المؤمنين وخصومهم في هذه المعركة التي ترتبط بأصل دين الإسلام باب من أبواب النفاق والضلال عن سواء السبيل، وأن الشبه التي يقذف بها خصوم الشريعة من العلمانيين وأضرابهم ومن فتن بهم ودار في فلكهم أو هي من بيوت العنكبوت، وأنها لا تصمد أمام مناقشة علمية فهي كبناء من الوهم وحائط من الزور إن تلمسه ينهدم. وإن من بقي على منازعته في تحكيم الشريعة بعد تجلية هذه الحقائق فليراجع أصل إيمانه بالله ورسوله وليعلم أنه بذلك يقذف بنفسه إلى جحيم الدنيا والآخرة. إن أحد التحديات الخطيرة – إن لم يكن أخطرها على الإطلاق – والتي تواجه المسلمين في هذا العصر لهي إسقاط اللافتات الزائفة وفضح الشعارات الملبسة التي تتخفى وراءها العلمانية الكافرة التي تبث سمومها في عقول وقلوب أبناء هذه الأمة. ولفضح العلمانية ومواجهتها لا بد أولاً أن يصل أمر المواجهة إلى المستوى المطلوب من الحسم والوضوح في نفوس أهل السنة .. فإنه دون هذا الحسم وهذا الوضوح تعجز تجمعات أهل السنة ويعجز علماؤها ومفكروها عن أداء واجبها في هذه الفترة الحرجة وتتأرجح أمام التجمعات العلمانية حيث تحسبها تجمعات ليست بكافرة، وبالتالي تفقد تجمعات أهل السنة أهدافها الحقيقية بفقدانها لتحديد نقطة البدء في مواجهة هذه التجمعات العلمانية من حيث تقف فعلاً، لا من حيث تزعم والمسافة بعيدة بين الزعم والواقع ... بعيدة جداً. لقد ظلت الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع المهيمن على كل شئون الحياة في بلاد الإسلام طيلة أربعة عشر قرناً إلا بضع سنين، وبغض النظر عن اقتراب أو ابتعاد تلك البلاد من تنفيذ أحكام هذه الشريعة عن الحكم ابتداءً وتحكيم القوانين الوضعية الكافرة لم يحدث سوى في فترة قصيرة جداً في بعض أجزاء البلاد الإسلامية التي سيطر عليها التتار فقدموا فيها الحكم بكتابهم وهو الياسق على الحكم بكتاب الله وكان ذلك محصوراً في التتار ولم يكن تشريعاً عاماً يلزم به كافة المسلمين. ولم يلبث ذلك الوضع الشاذ أن زال وعادت السيادة للشريعة وحدها، ولم يكن يخطر ببال أحد من علماء المسلمين وعامتهم أن تبتلى الأمة جميعها بمثل ما ابتليت به من سقوط الخلافة العثمانية منذ سبعين عاماً حيث بلغ الانحراف مبلغ الكفر البواح بتبديل الشرع المنزل وجعل الشرع المبدل هو الشرع الحاكم الذي يلزم به الكافة. لذا، لم يكن غريباً أن تفيق الأمة من غفلتها وتفيء إلى كنف شريعتها الربانية لتنبذ هذا الكيان الغريب في جسدها فإذا كانت بعض شعوب الأرض في أوروبا الشرقية ممن لا دين لها قد فاءت إلى هويتها رغم كل محاولات البطش والطمس فليس بغريب أن تفيء أمة الإسلام إلى هويتها لتخلص دينها لربها كما فعلت طوال قرون طويلة منذ إشراقة فجر الإسلام في مكة المكرمة منذ أربعة عشر قرناً.

لقد خاب وخسر ظن أعداء الإسلام الذين توهموا أنه بسقوط الخلافة العثمانية وخروج عسكرهم من بلاد المسلمين وإبدال قوات من الزنادقة والمنافقين بهم، ظنوا أنهم قد وأدوا الأمة الإسلامية وفصلوا روحها عن جسدها ومرت سنون توهم الزنادقة من العلمانيين أن الأمر قد استقر لهم وأن أساليب البطش التي لم تعرف لها البشرية مثيلاً في تاريخها قد آتت ثمارها فإذا بالصحوة الإسلامية تقلب الموازين والحسابات ... جاءت الصحوة الإسلامية مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم (ما تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله). جاءت لتقود مسيرة عودة الأمة إلى رشدها تتحدى الفتن والمكائد وتواجه الابتلاء في الأموال والأنفس لتنال تكريم الله لها في الدنيا والآخرة. أيها المسلمون. إن عجلة الزمان لن تعود إلى الوراء فهذه مسيرة الصحوة قد تحركت ولن تتوقف بإذن الله إلا عند إحدى الحسنيين. وكل يوم تشرق فيه الشمس على بلاد الإسلام تكسب المسيرة أنصاراً جدداً وتقطع خطوات على طريقها نحو غايتها بينما يخسر أعداء الإسلام في كل يوم معقلاً ولا يكادون يفيقون من صدمة حتى تدهمهم الأخرى. إن تعرية الأنظمة العلمانية وكشف عمالتها وتآمرها على الشعوب المسلمة ... خطوة على الطريق وإنجاز لصالح الصحوة الإسلامية .. وإن فضح الزنادقة والمنافقين ممن أسبغ عليهم أعداء الإسلام ألقاب الزعامة والعبقرية في السياسة والأدب والفن .. خطوة على الطريق .. وإن شيوع العلم بأن تحكيم الشريعة يرتبط بأصل دين الإسلام وأن تحكيم القوانين الوضعية ردة صريحة عن الإسلام ... خطوة على الطريق ... وإن إحياء فريضة الجهاد ومنازلة الكفار الممتنعين عن الشرائع خطوة على الطريق .. وإن عودة المرأة المسلمة إلى الحجاب كدلالة على عودتها إلى منهج الإسلام الشامل وإدراكها لحقيقة ما يراد بها ولها خطوة على الطريق ... إن المستقبل للإسلام ونصر الله آت والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

عقد الذمة في التشريع الإسلامي

عقد الذمة في التشريع الإسلامي ¤محمد عبدالهادي المطردي£بدون¥الدار الجماهيرية والإعلان¨الأولى¢1396هـ€سياسة شرعية¶أهل الذمة الخاتمة لقد كانت رسالة الإسلام شاملة دعوة عالمية، وبهذا جاءت الشريعة الإسلامية عامة لجميع البشر وشاملة لجميع شؤونهم وأحوالهم خالدة لا يلحقها نسخ ولا تبديل لأنها خاتمة الشرائع وصالحة لكل زمان ومكان لأن الله جعلها خاتمة الشرائع غايتها إيصال الناس إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة. وقد كان لأحكام الشريعة الإسلامية السيادة في التطبيق قروناً عديدة فما وجد الناس في هذه القرون حاجة إلى تشريع آخر ولا ضيقاً في تطبيقها بل كان في ذلك التطبيق تحقيق العدل بين الناس ورعاية مصالحهم المشروعة ثم هجرها المسلمون هجراً غير جميل وأخذوا يستعيضون عنها بالتشريعات الوضعية الغربية، ولكن مع هذا كله لا نيأس من رجعة المسلمين إلى أحكام شريعتهم لأن الحق لابد أن يعلو وأن المسلمين لابد أن يستيقظوا ويدركوا مدى تفريطهم في جنب شريعتهم. لأنها في ذاتها أصلح من غيرها وأوفى بحاجات الناس من سواها. نتائج أبحاث الرسالة: والآن وقد انتهيت من أبحاث الرسالة. ومن خلال دراستي أستطيع أن أسجل النتائج التالية وجلها ظهر في أثناء البحث: 1 - إن الشريعة الإسلامية منذ نشأتها اتخذت العقيدة الإسلامية أساساً لبناء المجتمع وإقامة الدولة، ورفضت بشدة ووضح أي أساس آخر تقوم عليه كالجنس أو اللون أو غيرهما، وعلى هذا الأساس صار الناس في نظرها صنفين مسلمين وغير مسلمين. فكل إنسان يستطيع بمحض إرادته واختياره أن يكون في هذا الصنف أو ذاك. أما الجنس واللون فلا يصلح واحد منهما أن يكون أساساً لتقسيم البشر وبناء المجتمع. 2 - أما عقود الذمة فهي تضمن السلم بشكل آكد من الهدنة أو الصلح لاندماج المسلمين بغيرهم في ظل وطن واحد. فإذا ما أبرم عقد الذمة صار غير المسلم مواطناً في الدولة الإسلامية وحمل جنسيتها. ويتمتع الذمي بحرية العقيدة طبقاً للمبدأ الشرعي العظيم {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}. والأصل في عقد الذمة أنه من العقود الرضائية. 3 - إقامة الأمن الجماعي على أساس حرمة الميثاق على أن تلك الحرمة من وحي العقيدة والإيمان. 4 - وفي مجال الحقوق السياسية، يتمتع الذمي بما يسمى بحق التوظف ولا يختلف مع المسلم في هذا الحق. ونرى أن الإسلام لا يمنع إسهام الذميين في إدارة الدولة وإسناد الوظائف العامة إليهم عدا تلك الوظائف التي يكون عنصر الدين فيها جوهرياً وضرورياً ودليلنا على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}. 5 - والأحكام المقررة لغير المسلمين في جميع مسائلهم هي أحكام الشريعة الإسلامية فإنها إذا كانت بالنسبة للمسلمين ديناً وقانوناً، فهي بالنسبة لغير المسلمين قانوناً ما داموا يعيشون في بلاد الإسلام. فمن الخير لهؤلاء أن يحيطوا بهذه الأحكام ويعرفوا هذا الجانب من جوانب التشريع الإسلامي. 6 - وفي بحث الجزية. رجحت أنها وجبت بدلاً عن حماية الدولة الإسلامية للذمي نظراً إلى إعفائه من واجب الدفاع عن دار الإسلام رعاية له وعناية به، ولهذا تسقط عنه إذا لم تستطع الدولة حمايته. 7 - وإنها لم تفرض عليه عقوبة على بقائه على الكفر كما يقول بذلك بعض الدارسين، لأن هذا الادعاء لا يتفق مع قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (). ولأنها لو فرضت عقوبة على بقاء الذمي على دينه لما نجا منها أحد من أهل الذمة ولفرضت حتى على المرأة وهم لا يقولون بالجزية عليها. 8 - إن عقد الذمة قد ينتقض ويزول، فليس في الدنيا شيء خالد. وأسباب انتقاضه محل خلاف بين الفقهاء. وقد رجحت قول الأحناف في حصر أسباب النقض بثلاثة أشياء، إسلام الذمي أو إلحاقه بدار الحرب أو ارتكابه جريمة ضد الدولة الإسلامية. وما عدا هذه الأسباب فيعتبر من الجرائم التي يعاقب عليها ولا علاقة لها بنقض الذمة. ونقض الذمة يترتب عليه انقطاع صلة الذمي بالدولة الإسلامية وفقده الجنسية الإسلامية. وقد انتهت من إعداد هذه الأطروحة، فإني لا أعتبر الجهد الذي بذلته، والتعب المتواصل الذي تحملته – مدة أربع سنوات قضيتها في إعداد هذه الرسالة – إلا شيئاً قليلاً في حق الشريعة الإسلامية، وإني بعد ذلك كله، اعتذر إلى القارئ الكريم عما قد يكون في الرسالة من نقص أو خطأ متمثلاً في ذلك بقول العماد الأصفهاني: "إني رأيت أنه لا يكتب إنسانا كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زاد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

فقه الاحتساب على غير المسلمين

فقه الاحتساب على غير المسلمين ¤عبدالله بن إبراهيم الطريقي£بدون¥دار المسلم¨الأولى¢1416هـ€سياسة شرعية¶حسبة - منوعات الخاتمة قبل توديع القارئ الكريم، هنا وقفتان جديراتان بالتدوين: الأولى: مع رجل الحسبة ـ سدد الله خطاه وبارك في جهوده ـ لأذكره بأمور، أحسبها مهمة ومفيدة، مع رجائي أن يلقي سمعه وهو شهيد. 1ـ أنك رجل دعوة، يبلغ الحق إلى من يجهله أو يتجاهله. وهذا يتطلب منك فقهاً في معرفة هذا الحق، وفقهاً في معرفة النفوس. 2ـ أنك رجل إصلاح وتقويم، تصلح ما فسد من حال الأفراد والمجتمع، وتقوِّم الإعوجاج القائم فيهما، وهذا يتطلب فقهاً تربوياً. 3ـ أنك رجل تغيير واحتساب على المنكرات والمخالفات الظاهرة. وهذا يتطلب: فقهاً في معرفة المنكر والمخالفة، وفقهاً في كيفية التغيير. ثم شجاعة وحزماً في مواجهة ذلك. وبهذه الأمور الثلاثة: الدعوة، والإصلاح، والتغيير تتكامل مهمتك، وتتضح رسالتك. 4ـ وفي علاقتك بالكافر ينبغي أن تقوم شخصيتك على عنصرين معاً: التسامح، والقوة. وهما, وإن كانا في ظاهرهما التناقض، لكنهما عند التدقيق ليسا كذلك. فإن شخصية المسلم تقوم على أخلاقيات متمازجة: كالحلم والأناة، والقوة والشجاعة، والصبر، والعفو، والرحمة وغير ذلك، وليس بينها تناقض، بل بعضها يكمل بعضاً. 5ـ ومتى استحضرت مقاصد الدعوة في معاملتك للكافر، فإنه يلين معك، بل يتفاعل، وربما كان من آثار ذلك الاقتناع، ثم الرجوع إلى الحق، وبذلك تنال خيراً هو أعظم لك من حمر النعم. 6ـ والمطلوب منك عند الاحتساب ممارسة ما خولته من صلاحيات، وأما ما كان خارجاً عن ذلك فهو غير مستطاع بالنسبة لك، وأنت معذور فيه. ولا يغيب عن بالك قاعدة الشريعة العامة ?فاتقوا الله ما استطعتم (. 7ـ وبإمكانك رفع القضية المشكلة إلى من يعنيه الأمر، ولست مسؤولاً عما يفعل. 8ـ على أنه مهما وضعت الضوابط والقيود على يدك، فإن الكلمة الطيبة لا قيد عليها البتة، وهي أمضى سلاحاً وأقوى تأثيراً من غيرها أياً كان. 9ـ وأخيراً فإنني أتمنى أن تتأمل في هذه الورقات التي أحسب أن فيها خلاصة ما تحتاج إليه في معاملتك للكافر وأسلوب التعايش معه. 10ـ وآخراً أسأل الله لك الثبات علىالحق، والعزيمة على الرشد والصبر على اللأواء، والتسديد في الخطوات، إنه سميع مجيب. الوقفة الثانية: مع كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، سواء أكان راعياً أم مرعياً، وسواء أكان عالماً أم متعلماً أم عامياً. لأهمس في أذنه، وأضع أمام بصره هذه الحقائق. 1ـ أن التعامل مع الكافر لا يتم وفق الميول النفسية، أو المصالح المادية الصرفة، بل بحسب القواعد الشرعية، والآداب المرعية. 2ـ أن هذا التعامل لابد أن يكون عادلاً وسطاً، لا إفراط فيه ولا تفريط، أي لا تسهل فيه ولا تشدد. 3ـ أن التشدد يعكس صورة قاتمة عن الإسلام، وأنه لا يعترف للإنسان بكرامة، ولا بحقوق، وأنه دين عنف وإرهاب. الأمر الذي يعرض المسلمين للضرر، كما يباعد بين الكفار ودين الإسلام. 4ـ أن التساهل يجر مصائب على الأمة وويلات لا تحمد عقباها، ويعرض مصالحها للخطر. نعم قد يبدأ هذا التساهل بصور فردية، ولكنه يتفاقم شيئاً فشيئاً، حتى يصبح ظاهرة اجتماعية ملحوظة، وعند ذلك يتسع الخرق على الراقع. 5ـ والمتأمل في التاريخ يدرك خطورة هيمنة الكفار على المسلمين وتسلطهم عليهم، وأنهم متى وجدوا فرصة للإضرار بالمسلمين لم يألوا جهداً، قال سبحانه: ?يا أيها الذي آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ([آل عمران: 118]. ومن أصدق من الله قيلاً؟ وقد ذكر ابن قيم الجوزية حوادث كثيرة تشهد بصدق على تلك الحقيقة، في عهد خلفاء بني أمية وبني العباس. كما ذكر مواقف العلماء الإيجابية الشجاعة التي تصدت لتلك الظاهرة الخطيرة. 6ـ ولا شك أن الاحتساب دليل عزة الإسلام وأهله، وعدمه دليل ذلة المسلمين ولا بد. والحمد لله الذي جعل هذه البلاد موطن عز للإسلام وأهل الإسلام، وذل للكفر وأهل الكفر. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

فقه المتغيرات في علائق الدولة الإسلامية بغير المسلمين – دراسة تأصيلية تطبيقية مع موزانة بقواعد القانون الدولي المعاصر

فقه المتغيرات في علائق الدولة الإسلامية بغير المسلمين – دراسة تأصيلية تطبيقية مع موزانة بقواعد القانون الدولي المعاصر ¤سعد بن مطر المرشدي العتيبي£بدون¥دار الفضيلة – السعودية¨الأولى¢1430هـ€سياسة شرعية¶علاقات عربية وإسلامية ودولية الخاتمة: الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات، وبرحمته وعفوه تغفر الزلات. أما بعد؛ فقد ظهر من دراسة الباحث لموضوعات هذه الرسالة، نتائج مهمة؛ يمكن إجمالها في البنود التالية، بعد تقسيمها إلى مجموعتين: الأولى: النتائج الكلية من دراسة فقه السياسة الشرعية في علم السير، وغيرها: 1) بيان الحد الفاصل بين الثابت والمتغير في فقه علم السير؛ وقد اتضح ذلك بما نهجه البحث من تقسيم السياسة الشرعية إلى مدلولين .. عام (ثابت)، وخاص (متغير)؛ وثبوت وجوده في الفقه الشرعي الأصيل، تنظيراً وتطبيقا؛ فقد اتضح بالنظر في تعريفات السياسة الشريعة عند المتقدمين والمتأخرين – مما أمكن الإطلاع عليه – أنها تطلق على معان مجزأة تكاد تنحصر في مفهومين، عام وخاص. أما المفهوم العام، فهو إطلاق السياسة الشرعية على: الأحكام، والتصرفات التي تدبر بها شؤون الأمة، ويدير بها الحاكم رعيته بما يحقق مصلحتها، سواء استند في ذلك إلى دليل جزئي نصي خاص، أو إلى قواعد الشريعة العامة، ومقاصدها. وهي حينئذ ترادف (الأحكام السلطانية). وأما المفهوم الخاص، فهو إطلاق السياسة الشرعية على: الأحكام والنظم التي تدبر بها شؤون الدولة الإسلامية، التي لم يرد فيها نص تفصيلي (أو جزئي)، أو التي من شأنها التغير والتبدل، بما يحقق مصلحة الأمة، ويتفرق مع روح الشريعة وأصولها العامة. 2) البيان العملي لما ينفيه العلمانيون – من المنظرين الأجانب وتلاميذهم (حقيقة أو فكراً) من بني جلدتنا – ومن سلك مسلكهم، من خصائص الشريعة الإسلامية، ألا وهما خاصيتا الشمول والمرونة، مع تأكيد ذلك بالبرهان النظري. 3) إظهار فقه أهل الإسلام وبيان طريقتهم في دراسة النصوص الشرعية عن حيث الكلية والجزئية، وسلوكهم طرائق استنباط دقيقة منضبطة، وبيان سبقهم فيما وصلوا إليه من نتائج، لأحدث ما وصل إليه التراكم المعرفي, القانوني, الطبيعي في مراحل تطوره المختلفة. 4) بيان سبب من أهم أسباب الاختلاف الفقهي بين أئمة الفقه، في جملة من مسائل البحث؛ ألا وهو: الاختلاف في إدراج مسألة له من مسائل فقه السير، ضمن مسائل السياسة الشرعية بمعناها الخاص؛ ما بين مدخل لها فيها، ومخرج لها منها، وفق ما وصل إليه اجتهاد كل منهم في فهم جملة من الأدلة، أو في فهم نوع التصرف النبوي في فعل من الأفعال، ونحو ذلك. 5) تأكيد كون مصادر الشريعة الإسلامية، هي أساس الشرعية الإسلامية العليا؛ وأن إطار ذلك أوسع مما قد يظنه بعض الباحثين؛ إذ تجلى أن ما لم يخالف الشريعة الإسلامية فهو منها، كما هو الشأن فيما وافقها؛ ومن ثم فلا يتحرج في الإفادة من تجارب الأمم الأخرى، فيما ثبت نفعه، مما لا مخالفة فيه للشريعة الإسلامية. 6) أن الموازنة بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية؛ يجب أن تسبق الموازنة بين أصول الشريعة وخصائصها، وبين أصول القوانين وما توصف به من صفات؛ مع مراعاة الفروق بين المصطلحات الشرعية والفقهية، وبين المصطلحات القانونية؛ وأن الانطلاق في الموازنة عبر مسارات جزئية لا تراعي ما ذكر، تجعل الموازنة غير موضوعية، بل ولا واقعية. كما يجب الانطلاق عند الموازنة من قاعدة الشريعة، لبيان ما يندرج فيها وما لا مدخل له في الشريعة الإسلامية؛ فإنها شريعة الله.

7) أن دراسة علم السير (علاقة دولة الإسلام بغيرها)، فقه شرعي، كغيره من مسائل الفقه، يؤخذ من مصادر الشريعة الإسلامية التي يرجع إليها في بحث بقية الأحكام الشرعية, وهي الكتاب والسنة والإجماع وما تفرغ عن ذلك من مصادر؛ وعليه فلا يؤخذ علم السير من أخبار المغازي التي لم تثبت من جهة الإسناد، ولا من الأحداث التاريخية التي مرت في بعض عصور الدولة الإسلامية، كما هو صنيع بعض الباحثين؛ فالتاريخ مصدر عظة واعتبار، لا مصدر تشريع، اللهم إلا أن يذكر على سبيل عرض تجارب الأمم، وبيان المفيد منها، ليس إلا. 8) أهمية الدراسة التحليلية للفقه الإسلامي لتمييز الثابت والمتغير، وكشف تقعيداته؛ للإفادة العملية منها. 9) أهمية العناية بأسباب الخلاف وكشفها من خلال النظر في أوجه الاستدلال عند المخالفين مع ما ينصون عليه من ذلك، وأن ذلك خطوة عملية مهمة للوصول إلى فهم نوع الخلاف من حيث كونه حقيقياً أو لفظياً، ومن ثم بيان شكليته وضم المسألة لجملة مسائل الاتفاق، أو الوصول إلى الراجح وإن كانت المسألة مسألة خلاف ما حقيقي. 10) أن السياسة الشرعية إطار فقهي لمسائل ذات صفات محددة لا يمكن أن تتعارض مع نصوص الشريعة وقواعدها؛ فإذا ما لوحظ تفريع مسألة أو تخريجها تتعارض مع ذلك، تبين خروجها عن وصف الشرعية؛ وبهذا يظهر الحد الفاصل بين السياستين الشرعية والوضعية؛ وبالخروج عنه تخرج المسألة عن الميزان الذي وضعه الله عز وجل للإنسان. 11) أن دراسة أحكام الشريعة الإسلامية عامة، وأحكام السياسة الشرعية خاصة، سبب من أسباب زيادة الإيمان بالله عز وجل ودينه الحق؛ فإن لها صبغة لا تعرفها القوانين؛ ومذاقاً لا يعرفه الملحدون؛ مُسَلَّمَة لا شية فيها؛ من عرف قدرها وتأمل أسرارها وحكمها جزم بأنها العدل كل العدل، والحق كل الحق؛ وصدق الله العظيم: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون} [البقرة: 138]. ولقد وجدها ابن القيم، فلخصها في قوله: من له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالها وعدلها وسعتها ومصلحتها، وأن الخلق لا صلاح لهم بدونها البتة: علم أن السياسة العادلة، جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأن من أحاط علماً بمقاصدها، ووضعها مواضعها، لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة. الثانية: التوصيات: 1) العناية في التعليم العالي، ببيان المصطلحات، وتحديد المفاهيم والمدلولات، ولاسيما فيما من شأنه تعليل الأحكام به، كالسياسة الشرعية؛ ومن ثم تحديد مجالات إعمالها؛ وهذا مما يؤكد أهمية العناية بدراسة المصطلحات الشرعية والفقهية، عند قصد الموازنة بالمدلولات القانونية والنظامية. 2) العناية باستخراج القواعد التي بنى عليها فقهاء الإسلام مسائل فقه السياسة الشرعية في علم السير، من ذوي التخصص الشرعي، وجمع تطبيقاتها السياسية عند فقهاء الإسلام، من جميع المصنفات الشرعية ودواوين الشريعة، في التفسير، والسنة وشروحها، والسيرة النبوية، وسيرة الخلفاء الراشدين، زيادة على كتب الفقه، والأصول، والقواعد؛ مع عدم معارضة التقعيدات الفقهية بتقعيدات مستحدثة. 3) الإفادة العملية، من البحوث السياسية الشرعية، في المشروع الواجب، مشروع العودة إلى الإسلام عقيدة وشريعة، في سبيل النهوض بالأمة، ورفعها من كوبتها، وإعادتها إلى مكانتها من العبادة والدعوة والعزة، والتمكين؛ إرضاء لله تعالى، ورفعاً للظلم عن أوليائه، وكبتاً لأعدائه، وبياناً عملياً للعالم – كله – يكشف له حقيقة السعادة وطرائق تحصيلها في الدارين. 4) وهذا الواجب – في التزام الإسلام كافة – يتعين على أولى الأمر من العلماء والأمراء؛ ثم على من دونهم من النواب والموظفين، كل على قدر طاقته. 5) عقد مؤتمرات علمية عالمية إسلامية، وندوات شرعية تأصيلية؛ لبيان ما اعترى فقه السياسة الشرعية من التحريف – بالاستناد في بيانها إلى أخبار المغازي التي لم تثبت صحتها، ومن الأحداث التاريخية التي مرت في بعض عصور الدولة الإسلامية، كما هو صنيع بعض الباحثين مثلا – وبيان كون السياسة الشرعية جزءاً من الشريعة، فهي فقه شرعي، كغيره من مسائل الفقه، يؤخذ من مصادر الشريعة الإسلامية التي يرجع إليها في بحث بقية الأحكام الشرعية؛ وهي الكتاب والسنة والإجماع وما تفرغ عن ذلك طرائق استنباط. 6) عقد مؤتمرات دولية عالمية، وندوات شرعية تعريفية؛ تبين الفقه السياسي الإسلامي، وتوضح ما اعترى الفقه السياسي الشرعي من التحريف بتطبيق بعض المنتسبين إليه، وتكشف كذب الأعداء وتشويههم للحقائق الشرعية، وتنفير الناس من الإسلام وأهله. 7) ليكن أساس كل جهد فردي أو مؤسسي، طلب الحق وابتغاء الصواب؛ حتى يؤجر العبد أخطأ أو أصاب؛ ولا يكن غرض البحث تبرير واقع، أو مسايرة مخالف؛ فإن مما قاله العارفون: من لم يعمل من الحق إلا بما وافق هواه، ولم يترك من الباطل إلا ما خف عليه، لم يؤجر فيما أصاب، ولم يفلت من إثم الباطل، نسأل الله برحمته اللطف، والعفو، والغفران.

لماذا يكرهون حماس

لماذا يكرهون حماس ¤أحمد فهمي£بدون¥البيان مركز البحوث والدراسات - الرياض¨الأولى¢2009م€سياسة شرعية¶فلسطين - تاريخ وقضية الخاتمة: تبين في الفصل الأول العوامل الستة التي تحدد شكل العلاقة بين حركة حماس والكيان الصهيوني وطبيعتها، وربما مستقبلها. وثلاثة من هذه العوامل ترتبط بالخلفية الصهيونية الدينية والسياسية، وهي: التأصيل الديني للصراع، والعداء للعرب والمسلمين، وتبنِّي القوة بوصفها خياراً استراتيجياً. والعوامل الثلاثة الأخرى ترتبط بحركة حماس، وهي: المقاومة، والمشروع الإسلامي، روفض الاعتراف بالكيان. ومن خلال قراءة التفصيلات الواردة في كل عنصر؛ يمكن التوصل إلى رؤية تحليلية بأن العوامل الثلاثة الأخيرة تحكم العلاقة إلى درجة كبيرة، وهي العوامل القابلة للتغير بحسب قوة تمسك حركة حماس بها؛ بوصفها ثوابت عقدية وسياسية للقضية الفلسطينية، فكلما تراخت الحركة في التمسك بهذه الثوابت كلما تقلَّصت المسافة الفاصلة بينها وبين الكيان، وفي حالة الافتراض الجدلي بتلاشي هذه العوامل الثلاثة؛ فإن المسافة بين الحركة والكيان سوف تتضاءل إلى حدها الأدنى، ولكنها لن تتلاشى أبداً؛ بالنظر إلى العوامل الثلاثة المتعلقة بالكيان، والتي تؤكد كل المؤشرات على صعوبة – إن لم يكن استحالة – تراجعهم عنها. هذه النتيجة واضحة بقوة في موقف الكيان من حركة فتح التي تنازلت عن المقاومة واعترفت بالدولة الصهيونية، كما أنها تتبنى مشروعاً علمانياً بالأساس، لكن لا تزال العوامل الأخرى فاعلة ومؤثرة بقوة في تحديد شكل العلاقة وطبيعتها بين الكيان وفتح. ومن المهم جداً إعادة التأكيد على تأثير الدين في الصراع والجانب الصهيوني، وأن علمانية أغلب الأحزاب وأقواها لا ينبغي أن تشتت الأنظار عن هذا العامل، ومن المفيد اقتباس ما أورده (دليل إسرائيل 2004م) حول إشكالية الاختلافات بين الأحزاب العلمانية والدينية في الكيان: (الحركة الصهيونية ثم إسرائيل لم تشهدا عملية علمنة حقيقية، ومن ثم فصل الدين عن الدولة، لكنهما قاومتا المحاولات التي سعت لصبغ الدولة المستحدثة على أسس دينية؛ فلدى انطلاق الحركة الصهيونية كانت الأغلبية العظمى من قاعدتها علمانية، لكن طرحها القومي استند إلى التراث الديني اليهودي الذي وظفته في خدمة أهدافها بشكل انتهازي). وفي الفصل الثاني بيَّنتُ المحاور الخمسة المذكورة الآتية التي تتحكم في العلاقة بين حماس وبعض الدول العربية، وهي: عقدة الإخوان المسلمين، دبلوماسية التنازلات، التحالفات البينية والخارجية، المحور الإيراني، رهاب ما بعد خيار الدولتين. وتفيد الرؤية التحليلية لهذه المحاور ما يلي: 1 - هناك عوامل من الصعب تراجع تأثيرها - أو تلاشيها على الأقل - في الحقبة الراهنة، مثل: انتماء حماس للإخوان المسلمين، والطابع الإسلامي لمشروعها. 2 - ليس كل العوامل فاعلة بالدرجة نفسها من التأثير مع كل الدول العربية، فمع مصر - على سبيل المثال - يقفز عامل (الانتماء للإخوان وأسلمة النظام) إلى أعلى القائمة، يليه التحالفات - بما فيها اتفاقية السلام -، بينما يتراجع تأثير هذا العامل بالنسبة للسعودية التي تتبنى نظاماً إسلامياً، ومن ثم لا يؤثر عليها سلباً أن ترفع جهة ما شعار الحكم بالإسلام، لكن أهم عامل في الرؤية السعودية هو: المحور الإيراني؛ لما له من تداعيات خطيرة على الأمن القومي لدول المنطقة. 3 - بعض العوامل تثير قلقاً عربياً مقبولاً، وتحتاج إلى تحديد موقف من قبل حماس، مثل: المحور الإيراني، وقضية إلحاق القطاع بمصر والضفة بالأردن.

وتتعدد المقاربات التي يمكن من خلالها تلمُّس مسار حماس في المرحلة المقبلة، فهناك مقاربة (حزب الله اللبناني) بالنظر إلى كون حماس استفادت من أداء الحزب العسكري والسياسي، فهل يستمر الاقتباس ليصل إلى التطور السياسي الأخير للحزب؟ وبعبارة موجزة: هل يمكن أن تدخل قطر في مرحلة ما على الخط لتدشن مصالحة بين فتح وحماس على النسق نفسه الذي حدث في لبنان؟ حسب هذه المقاربة سوف تظل حماس تجمع بين السياسة والمصالحة والمقاومة دون أن تفرق بينهم، وسيظل احتفاظها بسلاحها وجناحها العسكري أمراً ثابتاً لا يخضع للتفاوض؛ حتى وإن توقفت عمليات المقاومة سنوات متتالية كما هو الحادث مع حزب الله الآن؛ مع التحفظ على تسمية أدائه العسكري مقاومة. مقارنة ثانية تعتمد على أجنحة أخرى للإخوان المسلمين سلكت مسارات مختلفة في تعاملها مع الاحتلال والنظام الحاكم؛ فهناك الحزب الإسلامي العراقي الذي انطلق من رؤية تتيح التعاون مع الاحتلال الأمريكي في إنشاء نظام سياسي جديد في العراق، فشارك الحزب في مجلس الحكم المشاكل في بداية الاحتلال، ثم في جميع المؤسسات السياسية اللاحقة. تجربة أخرى للإخوان في سورية؛ حيث اصطدمت الجماعة مع النظام (النصيري) صداماً عسكرياً، أسفر عن مذبحة لأنصار الجماعة وعائلاتهم في عدة مدن، أبرزها حماة، ولم تقدم الجماعة تنازلات كبيرة للنظام، ولا تزال تعمل من الخارج حتى الآن. مقاربة ثالثة، وهي الأخطر (المقاربة الفتحاوية). توجد أوجه تشابه كثيرة بين مسار فتح ومسار حماس من حيث النشأة في إطار المقاومة: حركة التحرير الفلسطينية (فتح)، حركة المقاومة الفلسطينية (حماس). سلكت فتح المسار التالي: المقاومة هي الخيار الأول – تقديم عروض سلام مشروطة – تنقل قيادات الحركة في الخارج من دولة إلى دولة بسبب تذبذب العلاقات – فتح حركة كبيرة تتحالف مع حركات أصغر – التعرض لضغوط دولية وعربية مشددة للقبول بالسلام والاعتراف بالكيان – الاعتراف بالكيان وتوقيع اتفاق الحكم الذاتي – التحول في اتجاه قمع فصائل المقاومة. هذه المراحل – قبل عتبة الاعتراف – مرت بها حماس، لكنها لا تزال مصرة على الصمود دون الاعتراف بالكيان الصهيوني؛ مع ذلك توجد تخوفات من تحول التهدئة طويلة الأمد إلى التزام ضمني من حماس بضبط أعمال المقاومة أو وقفها، وهو ما يجعل الحركة بالتدريج تدخل في مواجهات مع الرافضين لأي تهدئة مع الكيان الصهيوني، وهذه الوضعية ذات مسار دائري مغلق: تنشأ الحركة في ميدان المقاومة، وعندما تزداد قوتها تبدأ في البحث عن مكاسب سياسية، ويدفعها الحصول على المكاسب السياسية إلى تحجيم العمل الميداني، ومن ثم المجال مهيأ لظهور فصيل آخر يرفض السياسة ويؤيد المقاومة ... وهكذا .. ويمكن ملاحظة بعض الفروقات التي تجعل نموذج حماس مختلفاً عن فتح، ومن ثم ليس بالضرورة أن يتشابه مسارا الحركتين في جميع المحطات، وليس محتماً أن تسقط حماس في المسار الدائري المغلق ذاته الذي بدأته فتح: 1 - البعد العقدي، والذي يظهر تأثيره في اعتماد المرجعية الشرعية، وفي تبلور الأهداف بصورة أكثر وضوحاً؛ بعيداً عن المطامع الشخصية التي أرهقت فتح. 2 - حماس تتسم بمستوى أعلى من المرونة، يمكنها من الاستفادة من أخطائها لأسباب؛ فمثلاً: القيادة التشاورية في مقابل القيادة الديكتاتورية لفتح في حقبة عرفات. 3 - النقاء الداخلي ونظافة اليد والمصداقية التي تميز حماس مقارنة بفتح. 4 - تماسك بنية الحركة ضد أي احتمالات للانشقاق. وأما المقاربة الرابعة فتعتمد على مسيرة حماس نفسها، كيف تعاملت مع الأزمات والضغوط التي واجهتها من قبل في مراحلها المختلفة؟

إن تاريخ الحركة يكشف عن مستوى من الثبات لا يخلو من واقعية ومرونة في مواجهة التطورات، وبمعنى أدق: ثبات يفرق بين الاستراتيجي والتكتيكي، وهو موقف غاية في الصعوبة؛ كون الحركة تواجه ثلاثة مستويات من التناقض عليها أن تتعامل معها: أولاً: التناقض الداخلي الذي يلزمها بالجلوس للتفاوض مع فتح، وهي تعلم أن قادتها يعقدون مجالس أخرى لمناقشة كيفية القضاء على الحركة. ثانياً: التناقض العربي الذي يجعلها تتباحث مع دول عربية تعلم أنها لا ترى بأساً في سقوط حماس، ودول أخرى تحتضنها؛ بينما تعادي من هم على منهجها الفكري نفسه. ثالثاً: التناقض الدولي الذي يرى الذبابة في عين اليهودي، ولا يرى الجذع في عين الفلسطيني! وعند التأمل في مسار حركة حماس نجد أن أهم المنعطفات التاريخية في مسيرتها لم تكن متوقعة من قبل، ولا أعلم أحداً توقعها قبل حدوثها بفترة كافية، ومن أبرزها في العقد الأخير: المشاركة السياسية في انتخابات لا تزورها فتح ولا تعرقلها (إسرائيل) – الفوز الساحق في الانتخابات – السيطرة على غزة وإقصاء عناصر فتح، واستمرار ذلك لما يقرب من عامين حتى الآن. أدت عدة عوامل متشابكة إلى تفتت الانتماءات السياسية للشعب الفلسطيني، واستغل الصهاينة هذا التفتت في عرقلة (مسيرة السلام). وفي العقود الأخيرة ازداد الوضع تدهوراً؛ بحيث إن التوافق الفلسطيني بات حلماً للمهتمين بالقضية الفلسطينية، لكن في انتخابات 2006م تحقق أول إجماع فلسطيني مؤكد دون شك أو لبس، عندما اتفق ما يقرب من ثلثي الفلسطينيين على اختيار حماس لتمثلهم في المجلس التشريعي والحكومة، وهو ما يجعل توجيه النقد إلى حماس بأنها (شقت) الصف الفلسطيني مجرد دعوى لا برهان عليها، فكيف تتهم بشق صف اجتمع عليها؟ إن الأولى بهذا الاتهام هم من استمرؤوا القبول بقيادة حماس ولم يستطيعوا مقاومة إغراء السلطة. ويحتاج الواقع الفلسطيني إلى عملية (إعادة تفكيك) لمفرداته ومصطلحاته ومسلَّماته، وفي مقدمتها ما يدور حول فصل غزة عن الضفة، واتهام حماس بالانقلاب. هذه التهم تقلب الحقائق، فكيف يفصل بين شقين لم يتصلا من قبل إلا فترة وجيزة عبر ممر سبق الحديث عنه؟ وكيف تنقلب حماس على سلطة (مقلوبة) من الأساس ولا تملك من أمرها شيئاً؟ إن قرارات ومقررات منظمة التحرير والمجلس الوطني الفلسطيني السابقة تنادي بإقامة الدولة الفلسطينية على أي جزء محرر من الأراضي المحتلة. وبالنظر إلى الواقع: أي المناطق التي تستحق وصف (التحرير) أو (الاستقلال) ولو جزئياً؟ لو طبقت هذه القرارات بحذافيرها لكان من حق حماس فعلاً أن تؤسس الدولة في غزة، ولكان حتماً على سلطة الضفة أن تكون تابعة لها. نختم بكلمتين حول ميثاق حماس الذي يؤرق الكثيرين، لكن ما يحزن أن نجد بعض اليهود يثقون في تمسك حماس بميثاقهم، بينما ينتقد عرب هذا الميثاق، ويَعدُّون أن حماس على طريق التخلي عنه. المثال الأول: المعلق السياسي المتعصب ضد حماس (بن كاسبيت) كتب في معاريف يقول: (هذا الميثاق المتطرف لحماس، المفصل في كل مبادئه ومواعظه التي يروج لها .. لا يمكن تحريكه .. يدور الحديث عن عقيدة جامدة دينية، وعليه فإن مطلب الحديث مع حماس عديم الأساس في الواقع .. حماس يجب سحقها، ليس أقل من ذلك)! المثال الثاني: ما كتبه الأكاديمي خالد الحروب ضمن كتابه الذي صدر باللغة الإنجليزية في لندن (حماس .. دليل المبتدئين) يقول الحروب: إن الميثاق كتبه (فرد وعمم دون مشورة أو إجماع أو تنقيح. لقد كان معد الميثاق من الحرس القديم في حركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، وهو من المنقطعين كلياً عن العالم الخارجي). هذا (المنقطع) عن العالم الخارجي (الملوث)، (القابع) في العالم الداخلي (النقي)؛ لا يزال ميثاقه صامداً حتى الآن؛ لأنه صاغه في جو النقاء لا التلوث، فبقي صامداً في وجه من يكرهونه من الصهاينة، ومن يَعدُّونه من (الحرس القديم) من العرب. إن الذين يريدون أن يصلوا بحماس إلى اللحظة التي يقف قائدهم فيها بجوار رئيس أمريكي ورئيس وزراء يهودي في تكرار لذلك المشهد المؤلم في ذاكرة العرب، عندما يمد الصهيوني يده ليصافح يد فلسطيني ربما يكون قد قتل أباه وأمه، وهو يبتسم ابتسامة يهودية معروفة منذ الأزل، لمثل هؤلاء نورد لهم كلام هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لفتح الذي يقول: (إذا ابتسم الأعداء لنا، فعلينا أن نتساءل: أي حماقة ارتكبنا؟). أليس رب العالمين من خلقهم؟ فهو يقول عنهم: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} [البقرة: 120].

معوقات الجهاد في العصر الحاضر تحليلا وتقويما

معوقات الجهاد في العصر الحاضر تحليلاً وتقويماً ¤عبدالله بن قريح العقلا£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1423هـ€سياسة شرعية¶جهاد الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والشكر والفضل والمنة له أن أعان ووفق لإتمام هذا العمل فـ: ?…لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ… (، وبعد: فبعد هذه الرحلة الطيبة والمباركة إن شاء الله تعالى، وبعد أن عشنا تلك الوقفات مع موقف أمتنا الإسلامية من الجهاد، بواقعها المعنوي، والمادي، الرسمي والعامي، أقول: هذا ما منّ الله به علي، وفق جهدي المقل، وبضاعتي القليلة فهماً وتحصيلاً، ولا بد هنا من الاعتراف بأن هذا العمل فوق طاقتي العلمية والإدراكية، فقد كنت أتمنى في أثناء الكتابة، وبعد الكتابة، وفي هذه اللحظة أن يكون صاحب هذا الموضوع في مستوى أهميته ومكانتة، وما يجب له. وحسبي من كل ذلك أنني اجتهدت قدر استطاعتي، فسددت وقاربت وفق ما وفقت إليه، مدركاً أن الكمال لوجه الله سبحانه وتعالى، والنقص والقصور صفة لازمة لبني البشر. أما أبرز النتائج التي خلصت إليها فهي نتائج عامة منها: أ: أن هذه الرسالة ليست نهاية عمل، ولا توقف عطاء، وإنما هي خطوة أولى في بداية طريق طويل وشاق، يحتاج إلى زاد وصبر جميل، فالله المستعان والمعين. ب: تضمنت مباحث الرسالة موضوعات تحتاج إلى وقفات دراسية خاصة بها، حريٌّ بطلبة العلم وموجهيه العناية بها، دراسة وبحثاً، إرشاداً لها ودلالة عليها. أما النتائج المتعلقة بالمعوقات، فهي كالتالي: 1ـ أن الأمة الإسلامية مصابة في عقيدتها بخلل، يظهر جلياً في جانبين: جانبٌ فرقها إلى فرق متناحرة، يكفر بعضها بعضاً، في القديم والحديث، تشكل بعض تلك الفرق عوائق كبرى في طريق الجهاد، بل هي فريقين: فريق يسعى للقضاء على الجهاد وتعطيله نهائياً، وفريق يعمل على إماتة الجهاد في القلوب، والانحراف به عن معانيه الصحيحة. وكلا الفريقين عانى منه الجهاد على مر العصور السالفة والحاضرة. وجانبٌ أصاب العقيدة في النفوس بخلل أفقدها فاعليتها، فعانت الأمة من زيادة البدع والخرافات التي يجب أن ينطلق المسلم مجاهداً لإزالتها. وعانت من ضعفٍ في مفهوم الولاء والبراء، ذلك المفهوم الدافع للجهاد نصرة المستضعفين، وحماية الدعوة إلىالدين من كيد الكائدين. 2ـ أقعد أمتنا عن الجهاد ضعف روحي مهلك، فقد أصبحت أمتنا أمة دنيوية، تعلق بالدنيا حباً لها وتتعلق بوسائلها معتبرة إياها وسائل للرقي الحضاري، والنصر القتالي، ووسيلة للسعادة الدنيوية معرضة في كل ذلك عن جميع الأسباب الإلهية والوسائل الربانية، وهذا ما جعل الأمة تزداد ضعفاً على ضعفها، حبيسة صلتها وتعاملها مع تلك الأسباب الدنيوية، والوسائل المادية. 3ـ النفس المسلمة في جميع المجالات الحياتية تمر بمرحلة فقدان ذات، شخصيتها مهتزة، وتوجهاتها مترددة، ومواقفها غير واضحة، لأنها تنظر إلى من وجب جهادهم نظرة إعجاب وانبهار، لا نظر من يُعد العدة للجهاد، كل ذلك جعل الأمة في مكانها دون حراك، بل قد وصل الحال ببعض أفرادها إلى مرحلة يأس من تغيير الحال، وقنوط من تحقيق الآمال. 4ـ فكرياً، تعاني الأمة من أمرين: ـ ضغط الفكر الكافر الوافد، بوسائله القريبة للنفوس البشرية، وأساليبه التي يبثها شياطين الإنس والجن. ـ ضعف الفكر المقاوم لدى أفراد الأمة. فكانت النتيجة تردداً وتذبذباً فكرياً، يصل أحياناً إلى انحراف فكري، فكان أن عانت الأمة من أبنائها، وكادت أن تُمسخ شخصيتها من أعدائها.

5ـ ظهر لنا بجلاء، أن أغلب أفراد الأمة قد انساقوا خلف ملذاتهم المعنوية، والحسية، متجاوزين في ذلك الحد الشرعي، الأمر الذي أظهر الترف الفكري، والنفسي، والبدني، وشاعت أسباب ذلك الترف بين طائفة كبيرة من أفراد الأمة على المستويات كافة، الرسمية والخاصة، العلمية والعامة، حملوا سمات المترفين، فقعدوا عن العمل فضلاً عن الجهاد، وتمادوا في الباطل فضلاً عن إظهار الحق، وآثروا الراحة على بذل الطاقة والإشقاق، وكان من نتاج ذلك أن ظهرت آثار الترف بين أفراد الأمة عموماً فضعف الجميع عن العمل الجاد، ووقعوا في الباطل بتماد، واختل توازن المجتمع وحاد، فانشغلت بهم الأمة عن تدبير الأمر ليوم المعاد، فكان أن عم البلاء وطم الفساد، وسارت الأمة في تيار ضد متطلبات الجهاد. 6ـ تبين لنا في مطلب التفكك الاجتماعي تفتت المجتمع وتقطع أوصاله، حيث تباعد أعضاؤه فانشلت أجزاؤه بداءً من البيت حيث الأسرة الواحدة التي تفكك أعضاؤها، وانتهاءً ببقية أفراد الأمة في أجزائها المتباعدة، حيث ظهر التنافر والتقاطع بين الجميع، وسيطرت على المجتمع مفاهيم اجتماعية خاطئة، أسهمت في تباعد الأحاسيس والمشاعر بين أفراد المجتمع، وبالتالي انحرف المجتمع عن القيام بواجبة الإعدادي للجهاد والمواجهة. 7ـ تبين أن الأمة قد فقدت قوة فاعلة بفقدانها للوحدة الإسلامية، حيث تفرقها إلى فرق فكرية واجتماعية وسياسية متفاوتة في الاستعداد والتوجه، والعمل والتطلع، وأن أسباب ذلك التفرق قد تغلغلت بين أفراد الأمة، ورُسِّخَت بفعل دواعيها في النفس البشرية، وما يحيطه بها أنصار التفرق من دعاوي ومضللات، فكان أن عمق الجرح من جرائها، وعانت الأمة من ويلاتها. فتناحر أفراد الأمة وسد بينهم الشقاق والتنازع، ونُزعت الهيبة من صدورهم، فوجه لهم العدو حرابه من كل حدب وصوب. وجاهدهم العدو بدلاً من أن يجاهدوه، جاهدهم في أنفسهم وشقاقهم فيما بينهم، مما أسهم في التباس الحق علىأهل الحق، حتى علا الباطل وساد، وتعطل من جراء ذلك الجهاد. 8ـ اتضح أن الأمة قد أصيبت في مقاتلها، بفعل فساد خلقي عمَّ وطم جل أهلها، فظهرت الدعوات الصريحة للفساد الخلقي، عبر وسائل مختلفة، وأساليب متعددة، دخلت كل بيت، وطرقت كل أذن صاحب ذلك رعاية ودعم، فظهرت النتيجة في سلوكيات متعددة، ومظاهر مختلفة، منها التصور والتصرف، ومنها الظاهر والباطن، حتى ظهرت الأمة للأمم الأخرى متناقضة المبادئ والسلوك. 9ـ ظهر لنا واقع الأمة السياسي بجلاء، حيث فَرض سيادة الفكر السياسي الوضعي، والنأي بالفكر السياسي الإسلامي عن معترك الحياة العملية والعلمية. فحَكَمت الأنظمة الوضعية أغلب البلاد الإسلامية، وفَرَض الفكر السياسي الوضعي سلطانه على الشريعه الإسلامية عموماً، حيث يَحكمها ولا تحكمه، يُناقشها ولا تناقشه، يعارضها ولا تعارضه، فكانت النتيجة تخلي الأمة عن مقوماتها الشرعية، وسيادتها الداخلية، بالسير في تبعية سياسية للأمم الأخرى، تسير في فلكها، وتحت نظرها. ونتيجة أخرى أسهمت في كثير من التوترات في عالمنا الإسلامي، بين الحاكم والمحكوم من جهة وبين الحكومات بعضها مع بعض من جهة أخرى. 10ـ من أقوال الأعداء، ومواقفهم الصريحة، تبين أن للأعداء جهود متواصلة، ومحاولات ناجحة في سبيل إبقاء يدٍ لهم داخل المجتمع الإسلامي نافذة، تعمل بعيداً عن الأعين والرسميات، وتتحكم في الغايات والتوجهات، فتحكم القبضة، وتدير الإمرة والنهي. كما تبين أن للتعامل السياسي مع البلاد الإسلامية وجه معلن وآخر خفي، فالوجه المعلن لا يتجاوز أن يكون شعارات جوفاء، لإيقاع الخصوم، وإيهام العوام، ووسيلة إلى الهدف الأساس في إحكام النفوذ.

أما الوجه الخفي، فيتمثل في أن تعاملهم السياسي مع البلاد الإسلامية لا يلتزم بمبدأ، ولا تحكمه غاية يمتطي صهوة كل وسيلة، ويعمل على تحقيق المصلحة، موقداً لأجلها كل فتيلة مهلكة، وموقعاً في سبيلها أقرب العملاء، وأصدق الأصدقاء، فضلاً عن المناوئين والخصماء. 11ـ بعد وقفات مع النظام العالمي الجديد، تبين أن الأعداء يعملون على مسايرة العصر في ترتيب النظام العالمي، وتجديد لإحكام القبضة علىالبلاد الإسلامية بما يناسب العصر، وأن توجهاته ولمحاته تقول بأن الأعداء يُطلون اليوم بوجه استعماري خفي، يَحكم العالم الإسلامي، ويُحكم السيطرة عليه، فلا حراك إلا بإشارتهم، ولا عمل إلا في دائرتهم، تَندرِج أو تُدرجَ، تُسايِر أو تُدابَر. كما تبين أن دور العالم الإسلامي في هذا النظام لا يتجاوز أن يكون هدفاً رئيساً للنظام، وكأن النظام موجه له، مما يجعله امتداد لتلك التحزبات الشيطانية ضد الإسلام والمسلمين. 12ـ تملك الأمة الإسلامية خزائن وثروات وافرة، منها بشرية تنمو بصورة عالية، ذات تخصصات نادرة، ومجالات متفاوتة. ومنها ثروات مالية ذات وفرة وارفه، وخزائن في باطن الأرض مكنونة، وفي ظاهرها مبثوثة، ومواقع استراتيجية برية وبحرية مميزة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، مما يعني أن الأمة من أغنى أمم الأرض قاطبة. هذه الثروات تتعامل معها الأمة بوسائل تهدرها، وأساليب تبذرها، سواء من حيث الاستخراج والعناية، أو التوجيه والتنمية، أو الإنفاق. ذلك التعامل سبب رئيس في المعاناة المادية للأمة، وجعلها من أقل دول العالم المعاصر نمواً. 13ـ تبين أن الأعداء قد أحكموا قبضتهم على الاقتصاد العالمي، تنظيماً إدارياً، وعملاً ميدانياً وتسويقاً تجارياً، وأنهم قد استغلوا ذلك في التدخل في شؤون الدول الإسلامية، فسخروا المجال الاقتصادي لتحقيق غاياتهم الدينية والسياسية والفكرية والاجتماعية داخل البلاد الإسلامية، أَحكموا تلك الهيمنة، فحكموا، واستغلوها حتى وصلوا للكثير من غاياتهم. 14ـ تعاني الأمة من تخلف صناعي مؤلم، في جميع المجالات الصناعية، فإذا كانت الأمة قد أُمرت بإعداد القوة المرهبة للأعداء، فأمة اليوم لم تُعِد لنفسها الغذاء، والكساء، بل لم تعتمد على نفسها في شيء من ذلك، فضلاً عن إعداد قوة ترهب بها عدواً. 15ـ في مجال التدريب العسكري تبين أن التدريب في عالمنا الإسلامي يعاني من خلل كبير، أفقده الفاعلية، وألبسه الظاهرية، لأنه تدريب بدني في معزل عن التدريب الروحي والنفسي، مما جعل المتدرب جسداً دون روح، يتحرك ألياً دون تمعن أو نظر. وظهرت الازدواجية في أساليب التدريب ووسائله، كما ظهرت العشوائية في التخطيط والتنفيذ. 16ـ للأعداء قوة ظاهرة للعيان، ليست بحاجة إلى سرد وبيان، لكن الأهم فيها ما تبين من سعي حثيث من قبل الأعداء، لأجل تطوير تلك القوة، وتخصيصها بمبالغ كبيرة جداً، وتعاونهم في سبيل ذلك، مما جعل تلك القوة تزداد قوة على قوتها، وفاعلية على فاعليتها. مع ضوابط عديدة يُكرس بها الأعداء جهدهم في حجب تلك القوة عن الوصول إلى المسلمين، والحفاظ على جميع أسرارها الفنية. 17ـ تبين أن التدخل العسكري من قبل الأعداء في شؤون عالمنا الإسلامي، يتم حسب متطلبات الموقف، فهناك تدخل تحت شعار القانون الدولي، ومظلة الشرعية الدولية. وهناك تدخل فردي مباشر وسافر. وفي جميع أشكال هذا التدخل يجد المتدخل من الآخرين دعماً معنوياً، وسياسياً، ومادياً، وإعلامياً. 18ـ من أبرز نتائج مظاهر الاحتلال المعاصر، أنه استجابة لمطلب العالم الكافر، بفعل ذلك الدعم المعنوي والمادي الذي تجده تلك المظاهر من أغلب دول العالم الكافر، وأن لأولئك المحتلين وسائل وأساليب لترسيخ ذلك الاحتلال، وطمس الهوية والمعالم الإسلامية، تتم وفق تنسيق وتفاهم، لتكون أكثر فاعلية وتكريساً للكفر وأهله. ختاماً أحمد الله سبحانه وتعالى الذي بنعمته تتم الصالحات، وأصلي وأسلم على رسول الهدى والبيان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

مفهوم الطاعة والعصيان

مفهوم الطاعة والعصيان ¤عبدالله بن إبراهيم الطريقي£بدون¥دار المسلم - الرياض¨الأولى¢1416هـ€سياسة شرعية¶طاعة وعصيان وفي الختام: فإنني – إذ أحمد ربي على توفيقه ومنه – أرى أن ثمة نقاطاً رئيسية ونتائج بارزة يجمل تسجيلها وهي كالآتي: 1 - شرع الله تعالى الطاعة له سبحانه ولرسوله، ثم لأولي الأمر من المسلمين لينتظم العقد، وتأتلف القلوب، وتتحد الصفوف وتجتمع الكلمة. 2 - وبالعصيان تتمزق الأمة، ويكثر الخلاف، وتضرب الفتنة أطنابها، فلا ترى إلا الخوف والهرج والمرج. ناهيك عن الخروج عن الولاة فإنه مفسدة وأي مفسدة "لما يترتب عليه من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين". [شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 229]. والطاعة إنما تكون في المعروف سواء أكان الإمام عادلاً أم جائراً إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وعليه فلابد من التثبت عند امتثال الأوامر ولا سيما إذا كان الأمر جائراً وجاهلاً قيل لعبادة بن الصامت رضي الله عنه: أرأيت أن أطعت أميري في كل ما يأمرني به؟ قال: "يؤخذ بقوائمك فتلقى في النار، وليجئ هذا فينقذك" [الاستذكار 14/ 37]. 4 - على أنه مهما يحصل من الإمام من المخالفات الشخصية والمتعدية إلى الآخرين فإن ذلك لا يوجب نقض البيعة ولا نزع يد الطاعة، بل يطاع في طاعة الله. وعلى ذلك أكثر أهل العلم من محدثين وفقهاء مادام الإمام مسلماً، وحاكماً بشريعة الإسلام. والواجب تجاهه طاعته في المعروف، ونصحه والصبر على أذاه. 5 - فإذا جاء بما يوجب الردة "الكفر البواح" أو ترك الصلاة أو دعا إلى تركها أو إلى ترك شيء من قواعد الإسلام، فعنذئذ ليس له ولاية على المسلمين كما قال الله: {ولن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا} [النساء: 141]. وهذه قضية مسلمة. غير أن هنا ملاحظتين: الأولى: أنه لابد من مناصحته والإنكار عليه، إنذاراً وإعذاراً، فإن رجع فيها وإلا كان مستحقا للخلع قطعا. الثانية: أنه لابد من الموازنة بين المصالح والمفاسد عند خلعه أو الخروج عليه. فإن ترجحت مصلحة الخروج أخذ بها. وإن ترجحت المفسدة أخذ بها. 6 - ولذلك فإنه لا يجوز للأمة ولاسيما أهل الحل والعقد أن يتساهلوا في أمر الكفر، لأن ذلك تفريط بالدين من جذوره، وتضييع للقيم والمبادئ [انظر: أصول الدين للبغدادي ص: 278]. وما أكثر البلدان المسلمة التي فرطت في هذا الأمر، حتى لم يعد لدى أولئك الشعوب أية معايير شرعية بل المقياس هو ضمان ما يسمى بالحريات، فإذا أعطوا حريتهم يتصرفون كما يريدون اعتقاداً وسلوكاً وأخلاقا ومعاملات أغمضوا عيونهم وهاموا في طلب الدنيا على وجوههم سادرين لا يعنيهم أمر الإسلام في شيء. حتى لترى كل دعوات الهدم والفساد قوية فاعلة إلا دعوة الحق. نسأل الله أن يرد أمة محمد صلى الله عليه وسلم إليه رداً جميلاً. 7 - وإذا كان كل من العصيان والخروج يعد جريمة، فإنه لا بد أن يفرق بينهما بأن الأول لا يكون خروجا بالضرورة، ومن ثم فإنه لا يوجب العقوبة إلا إذا استفحل. بل إنه متى كان العصيان بسبب خطأ أو تأويل سائغ من العاصي "المخالف" فإنه لا تثريب عليه. 8 - وأما الخروج فهو يستحق العقوبة، ولكنها تختلف بحسب نوع الخروج وخطره ونوع الخارجين وأصنافهم. وإذا عرف مفهوم العصيان والخروج وأنهما يعنيان نزع الطاعة ومفارقة الجماعة، فإن الحالات الآتية ليست عصياناً ولا خروجاً: 1 - عدم طاعة المخلوق (من إمام أو غيره) في معصية الله وهذا بإجماع المسلمين. 2 - عدم موافقة الإمام أو غيره في القضايا والأحكام والآراء الاجتهادية، إذا صدرت من عالم أو طالب علم معتبر.

3 - الاختلاف والمنازعة مع غير (العلماء والأمراء) من سائر الناس، سواء أكانت لهم صلة قرابة بأولئك أم لا، وسواء أكانوا ذوي جاه أم مال أم غير ذلك. فالطاعة في الأمور العامة إنما هي لفريقين هما: العلماء والأمراء إذا أمروا بطاعة الله. 4 - مناصحة الإمام أو أحد ولاته أو أحد المسؤولين عن أمور المسلمين. سواء أكانت هذه المناصحة بطريق مباشر أم غير مباشر وسواء أكانت دعوة إلى الخير المطلق أم أمراً بمعروف أم نهيا عن منكر. وسواء أكانت الدعوة متعلقة بشخصه أم بأمر متعلق بشؤون المسلمين. وسواء أكانت في أمر من أمور العبادات المحضة أم في أمر من أمور العادات، مما له حكم شرعي. وإذا كانت الوسائل والأساليب تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، فإنه ينبغي للناصح أن يتخير من ذلك ما يليق بالمنصوح له. ومن الخطأ الفاحش اتخاذ وسيلة أو أسلوب واحد مع كل الناس (أميرهم ومأمورهم، وعالمهم وجاهلهم، وصالحهم وطالحهم) وما ذاك إلا عنوان الجهل والحمق والتغفيل. على أنه يلاحظ في عصرنا هذا أنه ظهرت وسائل حديثة للتعبير عن الرأي (غير ما هو معروف ومألوف) مثل الصحافة، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ومن شكر المنعم سبحانه بهذه النعم أن تسخر في ما ينفع ويفيد، ولا يجوز أن تترك للعابثين بالمبادئ والقيم، والناكصين عن الحق، والراغبين في شيوع الفحشاء والمنكر. وعلى من بيدهم الحل والعقد أن يعرفوا قيمة هذه الوسائل وآثارها الاجتماعية ويسخروها في إعلاء كلمة الحق ودحض الباطل. 10 - وإذا عرفنا أن الخروج بالسيف على الإمام المسلم الحاكم بشرع الله (وإن فسق) يعد جريمة فإن الخروج على الأمة أيضاً أشد جرماً. فمن شق عصا المسلمين وخالفهم في معتقدهم أو في أمر شرعي ضروري أو أثار الفتن والعصبيات الجاهلية فلا شك أن فيه جاهلية وهو مجرم في حق دينه وفي حق أمته. وكذلك يصح أن يقال بأنه قد ارتكب جريمة سياسية عظمى وخان الله ورسوله والمؤمنين. سواء في ذلك الخروج الفكري والخروج السياسي. فمن خالف منهج أهل السنة والجماعة مخالفة صريحة في قضية عقدية ودعا إلى مذهبه فهو مخالف للجماعة وخارج عنها. ومن أعلن ولاءه لنحلة شاذة أو فرقة ضالة، أو مذهب غربي غريب فقد حاد الله ورسوله والمؤمنين. ومن أثار الشغب وفرق الجماعة وألب الناس ضد السلطة المسلمة الحاكمة بما أنزل الله فقد فارق الجماعة وشذ عنها. وكل أولئك يستحقون العقوبة البالغة. 11 - من الخطأ أن يكون العنف وسيلة من وسائل الإصلاح أو العلاج، سواء من جانب الراعي أو الرعية. فإذا أخطأ الراعي أو تجاوز الحدود وهضم الحقوق فليس علاج ذلك وتقويمه بالعنف وإنما بالنصح والتسديد، والإصلاح المتدرج. وإذا أخطأ أحد من الرعية أفراداً أو مجموعات فليس علاج ذلك وتقويمه بالعنف، بل بالحوار. ولابد أن يقوم بهذا الحوار المتأهلون من أهل الحل والعقد وفي مقدمتهم العلماء. وأسأل التاريخ المعاصر يعطك الشواهد تلو الشواهد على صحة ما أقول.

نظرية السيادة وأثرها على شرعية الأنظمة الوضعية

نظرية السيادة وأثرها على شرعية الأنظمة الوضعية ¤محمد صلاح الصاوي£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1412هـ€سياسة شرعية¶قوانين وضعية الخاتمة فلقد تمهد من خلال الفصول السابقة ما يقطع باجتماع كلمة السواد الأعظم، من العلماء والدعاة على عدم شرعية النظم الوضعية التي تقوم على رد الشريعة وتحكيم القوانين الوضعية، وعلى حتمية التغيير وإقامة الدولة الإسلامية. ولقد رأينا أن هذا القدر يمثل إطاراً مقبولاً للسعي المشترك نحو هذه الغاية، دونما حاجة إلى التقحم في الدائرة الشائكة: دائرة إجراء الأحكام على المعينين، والتي قلَّ أن يرجع منها من استشرف لها سالماً!! وإذا كانت مقتضيات المعركة وشراسة المواجهة تحتم على قادة العمل الإسلامي، أن يراجعوا كافة القضايا الخلافية التي عوقت جمع ردحاً من الزمن، وأتاحت لأعداء الإسلام وخصوم الشريعة أن ينفذوا من خلال هذه الفرجات إلى قلب العمل الإسلامي، يدسون ويمكرون، ويضربون هذه القلوب المؤمنة المجاهدة بعضها ببعض، فإن هذه القضية من أخطر القضايا التي حاول الخصوم استخدامها وتوظيف الخلاف فيها لتكريس الخصومات وتسعير نيرانها، وها نحن قد رأينا في هذا القدر ما يمثل إطاراً مشتركاً يمكن أن يجمع على قبوله من الكافة، ولو أننا تتبعنا سائر القضايا الخلافية للبحث عن الأطر المشتركة والمساحات المجمع عليها في هذه القضايا لتبين لنا، أن الخلاف الذي أضنى مسيرة العمل الإسلامي طيلة هذه الفترة لم يكن إلا رجساً من الشيطان، وبقية من حظوظه داخل نفوسنا ولا حول ولا قوة إلا بالله. إن على مفكري الحركات الإسلامية المعاصرة أن يعيدوا كتابة هذه القضايا، بروح الحرص على تلمس مواضع الاتفاق وإبرازها، والتأكيد عليها، ثم الانطلاق منها لتدبر مواضع النظر، والتفريق بين ما كان مرده إلى تحقيق المناط أو تطبيق هذه الأصول على واقع قد يتفاوت الناس في توصيفه -بناء على اختلافاتهم في التفسير بعض جوانبه- فيتفاوتون تبعاً لذلك في تكييفه وإجراء الحكم عليه. لقد آن للعمل الإسلامي أن يتجاوز واقع الفتنة التي فرَّقت شمله، وشتتت كتائبه، وضربت قلوب أتباعه بعضها ببعض. لقد آن له أن يجتمع حول الجمل الثابتة في الكتاب والسنة، وأن يدرك أن نسبة من الخلاف لا بد أن تقع لا محالة تبعاً لما جبل الله عليه البشر من تفاوت في العقول والمدارك، وأن مواضع الاجتهاد لا يضيق فيها على المخالف، وأن أهل الكتاب قد تفرقوا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم فباءوا بالفشل والخيبة، وأن إحياء أدب الخلاف وتجديد مفهوم الأمة في ساحة العمل الإسلامي، وإشاعة العلم به من الضرورات الملحَّة في هذا لعصر. وأن نصر الله لا يتنزل على هذه الشيع المتنافرة المتلاعنة، وأن العمل للإسلام لا ينهض بأعبائه ولا يقوى عليه فصيل واحد من فصائل العمل الإسلامي ومن هنا كانت حتمية التنسيق والتكامل، وأن التعدد المقبول في التجمعات الإسلامية هو تعدد التخصص والتنوع وليس تعدد التضاد والتنازع، وأن هذه الفصائل العاملة للإسلام في دائرة أهل السنة والجماعة أجزاء من جماعة المسلمين، وأن عليها جميعاً أن تسعى إلى إقامة هذه الجماعة بمفهومها العام والشامل. إن آمال هذه الأمة في الإصلاح والتغيير منوطة بعد الله -عز وجل- بهذه الحركة الإسلامية المباركة، فهل يدرك القائمون على أمر هذه الحركة جسامة هذه المسئولية وعظم هذه الأمانة فيتداركون الأمر قبل أن يفوت الأوان؟؟!!. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد!!.

سياسة عالمية

سياسة عالمية

أثر أهل الكتاب في الفتن والحروب الأهلية

أثر أهل الكتاب في الفتن والحروب الأهلية ¤جميل عبدالله المصري£بدون¥مكتبة الدار - المدينة المنورة¨الأولى¢1410هـ€سياسة عالمية¶أهل الكتاب الخاتمة الإسلام عقيدةً انبثق منها نظام، فهو فكرٌ شاملٌ للكون والإنسان والحياة وما قبل الحياة وما بعدها –نظم علاقة الفرد بربه وبنفسه وبمجتمعه فتاريخه يعتمد الفكر أساساً- وتاريخ المسلمين لا يفسر إلا من المنطلق الفكري، ومن هنا اعتمدت في تفسيري للحوادث التاريخية في هذا البحث –التفسير الفكري- ولا يخفى أن التفسير الفكري لا يهمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية بل هي نتائج للناحية الفكرية في الإسلام. ومن هذا المنطلق أيضاً جاء دور القوى المناهضة للإسلام وأثرها، إذ لجأت إلى سلاح الفكر تقف في وجه الدعوة الإسلامية وتسلل أفكارها خلال أفكار الإسلام، فكان تصنيف الناس في المجتمع الإسلامي بعيداً عن الطبقية الاقتصادية والنسبية بل كان التصنيف فكرياً ودينياً يعتمد الفكر الديني أساساً وهو أرقى أنواع التصنيف البشري. فاتحدت جميع القوى الفكرية لمواجهة الإسلام؛ لأنها اعتبرته مهدداً لها جميعاً بنظرته الإنسانية العالمية حيث تمكن أن ينشئ بناءً اجتماعياً راسخاً متجانساً تمكن به أن يتغلب على الفروق الجنسية والقومية، وهو لم يدع إلى المساواة قولاً فحسب ولكنه يدعو إليها عملياً كل يوم خمس مرات وذلك في الصلاة التي تنمحي فيها الفوارق المادية المصطنعة إذ يقف المسلمون جميعاً جنباً إلى جنب دون تمييز بين حسيب أو وضيع –غني أو فقير- وهذا هو المنهج الاجتماعي السليم والدعوة الحضارية الراقية. فوقف الحاقدون من أهل الكتاب حسداً منهم على هذا النظام الاجتماعي بتياراتهم الفكرية المختلفة جنباً إلى جنب مع الأفكار الشرقية –المزدكية والمانوية والزردشتية- ومع الأفكار الغربية الفلسفية والهلنستية ... وقد حاولت أن أعي أفكار القرن الأول الهجري وما قبله والثلث الأول من القرن الثاني الهجري ورغم صعوبة ذلك لكثرة التيارات الفكرية وتداخلها من جهة، ولاتساع الساحة الإسلامية من جهةٍ أخرى إلا أنني خرجت من البحث بنتائج قد تكون صحيحة كل الصحة لا نزال نلمس آثارها إلى اليوم. ففي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تسلل أهل الكتاب بين مختلف القوى والفرقاء يكيدون ويخططون وبالاتفاق معها أو يسيرونها للوقوف في وجه الدعوة الإسلامية وفي وجه حكومة الإسلام النبوية –فكان تعاونهم مع القبائل العربية المختلفة وقريش ومع المنافقين- يحزبون الأحزاب، ويثيرون التناقضات داخل المجتمع الإسلامي الوليد بين الأوس والخزرج من الأنصار من جهة وبين الأنصار والمهاجرين من جهةٍ أخرى. ويضعون الخطط للقضاء على هذا المنافس الخطير في الحجاز في جزيرة العرب، بل وأدركوا خطر منافسته على النطاق العالمين فأخذوا يكيدونه على المستوى العالمي فتعاونوا مع دولة الفرس والروم والحبشة في عهد مبكر من عهود الدولة الإسلامية إدراكاً منهم بطبيعة المد الإسلامي وبأنه لا يعترف بفواصل أو حدود وأن محمداً صلى الله عليه وسلم أُرسِل إلى الناس كافة ينتظم في دعوة العربي وغير العربي، وفي دولته المسلم وغير المسلم. وفي عهد الخلفاء الراشدين ظهر أثر أهل الكتاب في حركة الردَّة التي كانت تعبيراً عن انتفاضة أهل الكتاب ليعيدوا الجزيرة إلى ما كانت عليه قبل الإسلام ليتسلموا زعامتها ويسيطروا على مقدرات سكانها –ولتبقى سوقاً ومسرحاً يمثلون عليه ما شاءوا! وميداناً لنِزاعهم السلمي بعد أن تحولت الأخطار الأخرى إلى مسرح لنِزاعهم الدامي!.

واستطاع الإسلام اكتساب الجماهير لملاءمته للنفس الإنسانية ونظرته العالمية فالتفت حوله ورضيت به حكماً عدلاً ومنظماً رشيداً فامتلأ أحبار ورهبان أهل الكتاب حقداً وحسداً فساروا بموازاته يحاولون النفاذ إليه بإعمال الثغرات خلاله بتستر وتقية ومداراة، ولجأوا من ثم إلى أسلوب الاغتيالات وتسلموا الأمر بأنفسهم حين لم يستطيعوا أن يجدوا أعواناً لهم من المسلمين فكانت مؤامرات كعب الأحبار ودوره الرهيب في حبك مؤامرة اغتيال الخليفة العادل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وقد استطاع بذكائه أن يتخلص من الأدوات التي استخدمها في جريمته بمقتل الهرمزان وأبي لؤلؤة وجفينة، فأُسدل الستار عن التحقيق في هذه الجريمة البشعة التي لو قُدِّر أن يُفتح فيها باب التحقيق لتجنبت الأمة الإسلامية كثيراً من الكوارث التي حدثت ولا تزال تحدث، ولأمكن الإنسانية أن تحيا في ظل الأمن والعدل والرفاهية في ظل الإسلام. وبوعي الحاقدين من أهل الكتاب افتعلوا التناقضات فتظاهر بعضهم بالإسلام ومنهم ابن سبأ الذي أكمل دور كعب الأحبار فاستطاعوا أن يجمعوا حولهم بعض المسلمين في عهد عثمان بن عفان (رضي الله عنه) واستغلوا فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الإسلامية)، فحرك ابن سبأ - ((بتوطئة كعب الأحبار وغيره من الأحبار والرهبان)) - المسلمين الحديثي العهد بالإسلام والمتسترين بالإسلام والأعراب الأجلاف الذين لم يدخل الإسلام قلوبهم بعد ولم يشربوا بروحه –ووقفوا وراءهم يمدّونهم بالتأويل والتفسير باسم العلم ويحركونهم حتى توسعت التناقضات بين الصحابة، وأثاروا المشاعر ضد عثمان في الأمصار الإسلامية: العراق في البصرة والكوفة ومصر والشام وحتى الحجاز، فتحركت هذه الأمصار في حركة هوجاء مضطربة دون وعيٍ من عناصرها بعمق المؤامرة ومحركيها. فأدى سيل الأحداث المتدفق الجارف إلى فتنةٍ فقتل الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) فكان ذلك صدعاً لا يلتئم في تاريخ الإسلام وأصبح قميص عثمان مثلاً دارجاً سائراً إلى اليوم، فانقسم المسلمون. وأجاد الحاقدون من أهل الكتاب دورهم فتسللوا إلى مختلف الفئات الإسلامية يؤرثون العداوة والبغضاء بينها فأثارت عناصرهم السبئية القتال بين الصحابة فكانت وقعة الجمل ثم صفين والحكمين –فأدت تطورات- الأحداث التي أحسنوا حبك نسيجها إلى اغتيال الخليفة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) بأيدي الخوارج، وإلى ظهور فكرة الخوارج وفرقهم المتعددة التي غذوها بأفكارهم وقد عمقوا عندهم فكرة استعراض المسلمين وقتلهم فعاثوا في الأرض فساداً يقتلون النساء والأطفال والشيوخ ويبقرون بطون الحبالى من المسلمين فقط الأمر الذي أبعهدهم عن روح الإسلام وتسامحه وصفائه وصدقه –كما أدت- تطورات الأحداث هذه أيضاً إلى ظهور بذور فكرة الشيعة التي غذوها بأفكارهم بشكل واضحٍ وعميق عن طريق تظاهرهم بالإسلام وانضمامهم بالفعل إلى هذه الفرقة واستلام قيادتها الفكرية فوقفوا وراء حركات قادتها وأسهموا في قتلهم أو اغتيالهم ثم أجادوا التظاهر في البكاء والعويل عليهم إمعاناً منهم في صدع المسلمين، ومجتمعهم. ومما زاد في تغذيتهم الفرق الإسلامية بالأفكار الهادمة للإسلام انتشار مدارسهم الفكرية في أصقاع العالم الإسلامي وتياراتها الفكرية المختلفة كمدرسة الإسكندرية ونصيبين وأنطاكية وحران وجنديسابور وهي مدارس شملها المد الإسلام وأحاطها بالرعاية فأثرت في أفكار المسلمين ومن ثم في حياتهم الثقافية والاجتماعية.

ولما عادت الجماعة الإسلامية إلى الالتئام بعد أن فوت الحسن الفرصة عليهم وولى معاوية الخلافة أدركوا حَزمَهُ وهابوه فعادوا إلى أسلوب الكيد الخفي وتفنَّنوا فيه دون أنا ينالوا من المجتمع الإسلامي نيلاً ذا بال فأخذوا يتصلون بالحسن والحسين وببعض المخلصين لآل البيت وحرضوهم على الثورة والخروج على الدولة، فأدَّى ذلك إلى مقتل حجر بن عدي، وتسللوا ببراعة إلى الحاشية فأوغروا صدر معاوية على المخلصين، فباعتبارهم متمرسين في شؤون السياسة العالمية وعالمين بخفاياها أخذوا يقصون الأقاصيص بدهاء عن الأمم الماضية في سمر معاوية متضمنةً هذه الأقاصيص مكائد الملوك وأساليبهم في التخلص من مخالفيهم، وقد برع منهم في ذلك وهب بن منبه وعبيد بن شربة الجرهمي وتبيع الحميري. وبرعوا في التسلل إلى دواوين الدولة فنفذوا إلى الإدارة فكان سرجون الذي تسلم الكتابة لمعاوية ويزيد ومروان وعبدالملك. وقد أجاد سرجون هذا حبك المؤامرات وأدخل في روع معاوية خروج الحسين وابن الزبير ولم يجد فرصةً في زمن معاوية لحزم معاوية ولكنه وجدها في شخصية يزيد بن معاوية التي لا ترقى إلى شخصية الحسين في نفوس المسلمين فحرك الحسين بكتابات سرية وأسهم في تولية ابن زياد المصرين العراقيين المضطربين بالأهواء والنحل والفتن، البصرة والكوفة، فكانت فتنة مقتل الحسين صدعاً آخر في تاريخ الإسلام ثم غزو المدينة ووقعة الحرة التي اشتركت فيها عناصر أهل الكتاب الشامية بالفعل. وتحركت عناصر أهل الكتاب في قبيلة تغلب وكلب واستغلت وجود ما يُسمى بالعصبية القبلية في نفسية العربي فاستثارتها من مكامنها فخفت صوت الإيمان أو تهدّج في نفوس الكثيرين من المسلمين أمام ثورة العصبية الجامحة والتغني بأيام العرب فتحوَّلت الساحة الإسلامية الواسعة إلى مجال مصادمات قبلية عربية عنيفة ألهب الشعراء فيها النار بين المتنازعين واستثاروهم، وكان الشعراء من أهل الكتاب كالأخطل والأعشى والتغلبيين، المحرك لاستثارة حماس الشعراء الأعراب كجرير والفرزدق. وكاد شمل المسلمين يلتئم على يد الخليفة عبدالله بن الزبير فهال عناصر الفتنة الأمر فتحركت وحركت تغلب وكلباً بزعامة حسان بن مالك بن بحدل وحريث –واتخذت بعض الأعوان كعبيد الله بن زياد- فبايعوا مروان بن الحكم خروجاً على إجماع الأمة لإحداث الشرخ وتعميق الصدق ومنعاً من الالتئام واستمرت في إثارة العصبية ووجدت هذا المجال متنفساً لها، وتحركت عناصر الخوارج تعيث فساداً في شرق الدولة الإسلامية. وإمعاناً منهم في الاستمرار بعملية الهدم استمالوا الأشخاص ذوي الطموح كالمختار الثقفي الذي استثاروه وحقنوه بأنواعٍ من الأفكار لقّنوه إياها وتبنَّاها، وبشبهٍ ومخاريق أوهموه بصحتها، وهي بجملتها تتناسب ونفسية هذا الرجل الطامح المحب للزعامة المنتهز للفرص، فجعلوا منه وسيلةً للإفساد بين الشخصيات الإسلامية الكبيرة وتعميق الفجوة بينهم: عبدالله بن الزبير ومحمد بن الحنفية، وعبدالملك بن مروان.

وتحقيق هدفهم حين ظهرت فئة جديدة انشعبت من السبئية الغالية ادّعت الإسلام ظاهراً وباطنها الكفر الصُّراح تظاهرت بحب آل البيت ومنهم محمد بن الحنفية الذي استغلوا اسمه فسللوا فكرة المهدي في الفكر الإسلامي استمراراً للفكرة اليهودية ((السعي لإيجاد ملك من آل داود))، فكانت الشيعة والمختارية الحركة التي كانت أساس للحركات السرية الغالية الأخرى التي هدفت إلى القضاء على الإسلام كشريعةٍ وكنظامٍ للحياة وكعقيدة سهلة بسيطة تغزو النفوس فتتوجه إليها وترتاح إليها، فاستطاعت هذه الفرقة الغالية ومنها الهاشمية والجناحية إخراج الرسالة عن جوهرها وإخراج إنسان الرسالة عن إنسانيته وتطور الأمر إلى إخراج الأئمة عن إنسانيتهم وارتقوا بهم إلى مراكز الألوهية، بفعل دس أفكار الحلول والتناسخ. وقد ألهبوا المشاعر بفكرة الثأر للحسين فتحرك أبو عمرة –كيسان- يقتل ويخرب ويهدم باسم الثأر للحسين. واتسعت الحركات العصبية لتشمل بلاد المغرب فقام أهل الكتاب بدور الوسيط للتنسيق بين البربر والروم البيزنطيين ونظموا صفوف البربر فأصبحت المغرب ساحةً أخرى سفك فيها الدم المسلم. وعملت عناصر أهل الكتاب في الشام على الإيقاع بين البيت الأموي نفسه فكانت فتنة عمرو بن سعيد الأشدق، وكان قتله محاولةً ضمن محاولات عبدالملك بن مروان للتخلص من نفوذ القبيلتين الكتابيتين تغلب وكلب. وأدرك عبدالملك أثر تغلغل أهل الكتاب في دوائر الدولة وضمن الحاشية فتخلص من نفوذ سرجون وأسرته واستغنى عن خدمات أهل الكتاب بتعريب الدواوين تخلَّصاً منهم بعد أن أعادوا وحدة الدولة الإسلامية ولكنهم لم يعدموا الوسيلة للتسرب والتسلل إلى البلاط وإلى المجتمع فكان الأخطل صديقه. واستغلوا نبوغهم في الطب فاستمروا في التسلل إلى البلاط الأموي والتقرب إلى ذوي المراكز العليا في الدولة كبشر والحجاج وعبدالعزيز بن مروان ونفذوا إلى المجتمع المسلم فاستمروا يوقعون الفتن والدسائس وتبنوا طريقة الاغتيالات بالسموم في المجال السلمي. وفي المجال العسكري ساعدوا حركات الخوارج في المشرق وحركات البربر والبيزنطيين في الغرب، فكانوا أعوان الأزارقة والنجدات والأباضية كما كانوا أعوان كسيلة والكهانة ومسيرة في المغرب، وأسهموا في انشقاق الخوارج إلى فرق كثيرة إمعاناً في تفتيت الفئات الإسلامية وإضعافها، كما أسهموا في انشقاق الشيعة إلى فئات وفرق متنوعة منها السبئية والغرابية والكيسانية والكربية والحربية والهاشمية والجناحية وغيرها من الفرق وسللوا إلى هذه الفرق أفكارهم الهدامة لتصبح مع الزمن –وباستغلال العناصر التي أسلمت حديثاً والتي لا تتمكن من ناحية العربية- ضمن الفكر الإسلامي يباعد بين المسلمين ويوقع بينهم العداوة والبغضاء ويثير الشحناء، واستغلوا في ذلك تأويل النصوص الإسلامية. ووجد عناصر أهل الكتاب رجلاً آخر كالمختار فيه الزهو والطموح والكبر وهو عبدالرحمن بن الأشعث، وكانوا قد أسهموا في إيجاد المدرسة القدرية والمدرسة المرجئية وبثّوا أفكارهم عن طريق هذه الفرق بين كثيرٍ من العناصر الإسلامية وخاصةً الحديثة العهد بالإسلام، فحركوا هذه العناصر للاشتراك في ثورة ابن الأشعث التي عمقت الهوَّة بين عرب الشام وعرب العراق، كما تمكنوا من إثارة الفتنة في جناحي الدولة الإسلامي الشرقي والغربي، فقاموا بالإفساد بين قتيبة بن مسلم الباهلي وجيشه في خراسان وانتهى الأمر بمقتل قتيبة، كما قاموا بالإفساد بين عبدالعزيز بن موسى بن نصير وجيشه في الأندلس عن طريق زوجه أرملة لوذريق وانتهى الأمر أيضاً بمقتل عبدالعزيز بن موسى بن نصير.

وعملت عناصر أهل الكتاب على تكوين بؤرة مقاومة ضد المد الإسلامي على حدود موطن قوته في بلاد الشام على حدود الروم في جبال اللكام فضموا إليهم كل خارجٍ عن قانون الدولة الإسلامية وكونوا من هؤلاء الخارجين شوكةً في حلق الدولةِ الإسلامية –تعاونوا مع الروم البيزنطيين الذين أمدُّوهم بجيش قويٍ من الروم والمرديين- فاختلطت العناصر النصرانية المختلفة في تلك الجبال وسموا الجراجمة أو المردة جمعهم الحقد على الإسلام والكره لدولته – وقد ورثت الطائفة المارونية تعصب أولئك ضد الإسلام وحقدهم عليه فاعتزت وافتخرت بمساعدتها لأعداء الإسلام على مختلف أدوار عصور التاريخ الإسلامي إلى اليوم. واستطاعوا إشعال نار العصبية مرَّةً أخرى وبشكلٍ أعنف في أرجاء الدولة الإسلامية الواسعة وخاصةً في خراسان والأندلس كما قاموا بتحريك الروح الشعوبية لدى الفرس والبربر مستغلين التراث الفكري القديم للفرس وحضارتهم فكانت إرهاصات الشعوبية في هذا العهد. كما استطاعوا استغلال حب المسلمين لآل البيت فتمكنوا من التسلل والنفوذ إلى داخل المجتمع المسلم وسللوا أفكارهم بذكاء وحجةٍ ومنطق وادّعاء علم وتمكنوا أخيراً من تسلم القيادة الفكرية التامة لفرق الشيعة المختلفة وبثوا فيها ما شاءوا من أوهام لتقويض الإسلام ودولتهم من الداخل وتمكنوا من الإفساد بين البيت الأموي بعد هشام بن عبدالملك ذلك البيت الذي وقف في وجه مؤامراتهم فعصفت به الفتنة التي أسفرت عن وثوب مروان الثاني للخلافة فوهنت سيوف أمية وتحركت القوى المضادة السريّة التي كونتها العناصر الفكرية المختلفة لأهل الكتاب أو أسهموا في تكوينها لتطيح بالإسلام ودولته فبرز البيت العباس يقود حركةً عباسيةً أصيلة مضادة ليحافظ على الإسلام وليستعيد هيبته وليعيده إلى مساره السليم، ففوت هذا البيت الفرصةَ على دعاة الهدم والتخريب وتحوَّل الصراع بين المسلمين إلى صراعٍ بين بيتين على الخلافة، فوجدت العناصر الحاقدة نفسها مرَّةً أخرى تدور في فراغٍ كان يمزقهم ويعصف بهم. واستمرت قواهم الفكرية في السير والتسلل ليبرز أثرهم واضحاً بعد العهد العباسي الأول عندما أخذ الوهن يدب في ذلك البيت وعزل الخلفاء عن مناصبهم القيادية وأصبحوا ألعوبة بأيدي القادة والزعماء من الأتراك حتى قيل في أحدهم: خليفة في قفصٍ بين وصيفٍ وبغا يقول ما قالا له كما تقول الببغا وعسى الله أن يمكنني في المستقبل من تتبّع أثر أهل الكتاب في العصور الإسلامية المختلفة والذي برز بشكلٍ واضحٍ بعد العصر العباسي الأول إلى اليوم. وعلى أن يتمكن الباحثون من إماطة اللثام عن حقائق جديدة تكشف أثرهم وتوضيحه في بعض المواقف التي لا تزال غامضة أو مشكوكٌ فيها لدى الباحثين والدارسين، وعسى أن يدرك المسلمون أثر القوى المضادة الحاقدة وما أدخلته وسلّلته إلى الفكر الإسلامي من أوهام وترَّهات فينزعونه من أنفسهم ومن مبادئ دينهم لأنه دخيل مصطنعٌ لا يعتبر من الإسلام؛ لأن كمال الإسلام اتضح في عصر محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ? [المائدة:3]. فيتجهون إلى الإسلام ببساطته وبمبادئه السمحة فيعودون خير أمةٍ أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، ويطبقون مبادئه السمحة ونظامه الرائع لتجف الأرض من الدموع والحزن وتهدأ آثار البغضاء والشحناء فتنتشر السعادة في أفق الدنيا ويعيش الناس على مختلف أجناسهم وأديانهم في جو مزدهرٍ بالأمن والسلام ويغلق الباب على المنظمات السرية والإرهابية التي تسيرها الصهيونية العالمية والشبكات الجاسوسية التي تحكم العالم وتسيطر على مقدراته من وراء ستار. والله أسأل أن يكون هذا العمل والأعمال القادمة إن شاء الله خالصاً لوجهه الكريم. والله من وراء القصد فهو نعم المولى ونعم النصير.

البحر الأحمر والجزيرة العربية في الصراع العثماني البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى

البحر الأحمر والجزيرة العربية في الصراع العثماني البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى ¤عبداللطيف محمد الحميد£بدون¥مكتبة العبيكان - الرياض¨الأولى¢1415هـ€سياسة عالمية¶البحر الأحمر الخاتمة لعل أربع سنواتٍ من الحرب والدمار الشامل الذي عم مساحاتٍ كبيرةٍ من العالم وأفنى جماعاتٍ كثيرةٍ من البشر يعتبر مأساةً عالمية حضارية، ولكن آثار هذه الحرب كانت أدهى وأمر على دولة الخلافة العثمانية، نظراً لقدرة الدول الأوروبية وخاصةً الحليفة منها على استعادة قوتها بعد أن كان النصر حليفها في نهاية الحرب ولقوتها الذاتية في عصر نموها الاستعماري. وقد تحقق ما كانت تصبو إليه الدول الأوروبية في حل المسألة الشرقية ليس على مائدة المفاوضات التي فشلت محاولاتها السابقة، وإنما بطريقة تقسيم الغنيمة بعد اقتناصها بالسلاح الأوربي المشترك، ذلك السلاح الذي تعددت وسائله السياسية والعسكرية أثناء الحرب العالمية الأولى، سواءً في قدرة السياسة البريطانية لإقناع الشريف حسن بالثورة وإشعال فتيل القومية لخدمة أهدافه الذاتية وأهداف من تبعه، أو باستعمال القوة في ميادين القتال الذي بلغ مداه بانتزاع القدس الشريف من عالم التوحيد الإسلامي إلى عالم التثليث الصليبي. ولم تكن نوايا العالم النصراني الأوربي لتقسيم الدولة العثمانية حقداً منها على العناصر التي تضم هذه الدولة فحسب وإنما كانت رغبةً لتحطيم الوحدةِ الإسلاميةِ المتمثلةِ في هذه العناصر ... ذلك العداء الذي ورثته هذه الدول منذ عصر الفتوحات العثمانية الذي كان الجهاد الإسلامي عماده الأول. وكانت خبرة الدول الأوربية قد بلغت مداها في صراعها الطويل مع المسلمين إذ أن سلاح المواجهة ضد الوحدة الإسلامية لم يؤتِ ثماره، وعرفت أن النجاح يكمن في إيجاد عناصر مناوئةٍ داخل الدولة العثمانية ... فكان اختيار العنصر العربي الذي يمثل مادة الإسلام الأولى دلالة كبيرةً على عمق المخططات الاستعمارية ضد الوحدة الإسلامية أثناء الحرب العالمية الأولى، ذلك بعد أن فرغت من إحداث مقدمات النزاع داخل الصف الإسلام بتبنيها تشجيع الحركة الطورانية من قبل داخل العنصر التركي في الدولة العثمانية. كانت الدولة العثمانية تعيش في هذه الفترة عهد الشيخوخة، وهي صفة حرص الاستعمار على إلصاقها بتلك الدولة، ووصفها بالرجل المريض لزيادة الوهن في أوصالها، أباحت فترة الحرب العالمية الأولى لبعض العناصر العربية كي تقاوم الدولة العثمانية بتشجيعٍ مسمومٍ من بريطانيا، وكان الأجدر بهذه العناصر أن تعمل على الحفاظ على بيضة الإسلام والوحدة الإسلامية، وعلى الرغم من الأحداث التي نجمت عن ثورة الاتحاد والترقي على السلطان عبدالحميد من اضطرابٍ في السياسة العثمانية، إلا أن هذا لن يكون مبرراً يسوغ وقوف بعض العناصر الإسلامية في صف الحلفاء لخدمة أهدافهم، وحتى أولئك القادة العثمانيين الذين جرّوا الدولة إلى الدخول في الحرب قد نالوا من سوء النهاية بما يوحي أنه عقاب من الله فقد قتل بعد الحرب أنور باشا وجمال باشا وطلعت باشا وسعيد حليم باشا، واضمحلت بعد ذلك مملكة الشريف حسين، وانتهت إمارة الإدريسي. وإن الأحداث التي تجري في المنطقة بعد حوالي السبعين سنة من نهاية تلك الحرب، تَدُلُّك على أن هذه السنوات كانت حُبلى بالتمزق والوهن في صفوف المسلمين والقوة والسيطرة في صفوف أعدائها.

وجديرٌ بالذِّكر أن ما سُمِّى بالثورة العربية الكبرى أو الحركة العربية آنذاك، إنما هو تعبير مبالغٌ فيه، إذ لم تضم الثورة التي أشعلها الشريف حسين العرب قاطبةً أو حتى غالبيتهم، وإنما قامت بها بعض الرؤوس المدبرة للثورة وأعضاء بعض الجمعيات السرية كجمعية العربية الفتاة والعهد، ومن انضم من النصارى أو العرب الآخرين بدافع الارتزاق، وبإغراء المال الإنجليزي المدفوع للشريف حسين، ويدفعني إلى القول بعدم دقة تعبير الثورة العربية أو ثورة العرب أو النهضة العربية، أن كثيراً من القيادات العربية القائمة آنذاك لم تقتنع بجدوى طعن الدولة في فترة الحرب، بل إن البعض ساعد وشارك الدولة في صراعها ضد بريطانيا استجابةً لنداء الجهاد رغم تحالف الدولة مع قوةٍ نصرانية كبرى هي ألمانيا. كما أعتقد أن هناك خطأٌ آخر في الإشارة بكلمات الترك والأتراك وتركيا، تعبيراً عن الدولة العثمانية آنذاك، مما هو موجودٌ في غالبية الكتب العربية تقليداً لما تكتبه المصادر والمراجع الأجنبية، وتشجيعاً من الكُتاب العرب النصارى الذين تصدّوا للكتابة عن القومية العربية أمثال جورج أنطونيوس وأضرابه، وأجد أن عبارة العثمانيين أدق من الناحية التاريخية والواقعية، فإن هذه العبارة ضلت متداولة تاريخياً إلى إعلان جمهورية تركيا الحديثة في 1924م، وواقعياً باحتواء الدولة آنذاك على عناصر كثيرة لا يمثل العنصر التركي إلى جزءاً منها. ومن خلال سير الرسالة وجدنا أن الدولة العثمانية وحليفتها ألمانيا قد وقفتا موقف الهجوم ضد بريطانيا في المنطقة في بداية الحرب، ووجدت بريطانيا نفسها في موقف الدفاع في مصر وعدن، وإن أمسكت بزمام الموقف في البحر الأحمر لتفوق أسطولها البحري، ثم ظهر التوازن بين القوتين حينما خسر العثمانيون أمام قناة السويس، ونجحوا في الاستيلاء على لحج القريبة من عدن ثم تحول الموقف في المرحلة الثانية في السنتين الأخيرتين من الحرب لصالح بريطانيا نتيجة لدور السياسة البريطانية التي عالجت موقفها الحربي في المنطقة على عدة محاور سياسية وعسكرية، وثبت أن التفوق السياسي رجح كفة الصراع في المنطقة لصالح بريطانيا بعد أن انتزعت الشريف حسين من جسد الدولة وساندت الإدريسي، وزادت من قبضتها في مصر والسودان وعدن، وفي المقابل كانت سياسة الدولة العثمانية تفتقر إلى عناصر التفوق السياسي الذي مارسته السياسة البريطانية بمساندة الأسطول، وقسمت البحر الأحمر على قطاعين: شمالي تحت إشراف السلطات البريطانية في مصر، وجنوبي تحت إشراف المقيم في عدن، إلى أن رأت في السنة الأخيرة من الحرب توحيد عمليات البحر الأحمر وجعلها في السلطات في مصر لتنسيق قيام العمليات العسكرية في جبهات القتال. وإن أهم نتائج هذا الصراع خروج الدولة العثمانية من الجزيرة العربية والبحر الأحمر نهائياً بعد قرون عديدة تأرجحت فيها السيادة العثمانية في هذه المناطق بين القوة والضعف، تبعاً لقوة الدولة وضعفها، أما بريطانيا فقد مكنت لنفسها في مصر والسودان وعدن والبحر الأحمر عامةً، وأفسحت المجال أكثر من أي وقتٍ مضى لإيجاد بذور النِّزاعات المحليّة بين قوى المنطقة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وأصحابه أجمعين.

السياسة الصهيونية تجاه مدينة القدس

السياسة الصهيونية تجاه مدينة القدس ¤عدنان أبو عامر£بدون¥البيان – السعودية¨الأولى¢1430هـ€سياسة عالمية¶فلسطين - تاريخ وقضية خاتمة: جاءت فصول الدراسة لاستعراض المواقف الإسرائيلية حول القدس، ونفي المطالب الفلسطينية فيها، من خلال تطرقها إلى عدد من المحاور، والمجالات ذات الصلة، وإيراد إحصائيات ديموغرافية ومؤشرات خطيرة من داخل المدينة، والتأثيرات الأمنية المتوقعة على سكانها، إلى جانب الحديث عن خطورة البعد القانوني لمستقبل القدس، والاستعانة بعدد من الملاحق والإحصائيات والجداول الهامة. وقد انطلقت الدراسة – كما مر معنا – من محاولة تشريح الإجراءات الإسرائيلية القمعية ضد مقدسيي المدينة من العرب الفلسطينيين، لاسيما رغبة الاحتلال الجامحة لإعادة التوازن الديموغرافي بين اليهود والعرب في المدينة، على أن يكون هذا التوازن لصالح السكان اليهود، من خلال ما يوصف في إسرائيل بـ: (اقتلاع) التجمعات السكانية العربية من داخل حدود المدينة. علماً بأن الدراسة أوردت أن الهدف النهائي من تلك الإجراءات الإسرائيلية وسياسة التهويد التي تتبعها سلطات الاحتلال يتمثل بدفع عشرات الآلاف من سكان المدينة الفلسطينيين للانتقال والإقامة خارج المدينة. وترجح الدراسة أن إسرائيل كدولة، مازالت تجد صعوبة حقيقية في منع الهجرة الفلسطينية من داخل حدود المدينة؛ ولذلك فهي تلجأ إلى عدة خطوات ميدانية من أهمها فرض الضرائب الباهظة على عرب شرقي القدس، والتي تجري جبايتها بواسطة سلسلة من الأوامر القضائية الإسرائيلية. كما استعرضت الدراسة معدل المواليد المرتفع في أوساط العرب المقدسيين، بصورة قد تتساوى تقريباً مع معدل المواليد اليهود، وهو ما يؤثر سلباً على الصورة بين الأوساط اليهودية. كما ألقت الدراسة الضوء على العشرات من القرارات التي اتخذتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والعديد من اللجان الوزارية لشؤون القدس، وطواقم من الخبراء، ولجان مهنية متخصصة لدراسة وضع المدينة، وأوصت جميعها بوضع العديد من الخطط المختلفة والمطالب العديدة لوقف ما أسمته بـ: (النزيف) اليهودي الحاصل في تزايد معدلات الهجرة اليهودية، والحفاظ على أكبر نسبة ممكنة من سكانها اليهود للبقاء فيها. وجزء هام من هذه التوصيات التي قدمت للحكومات واللجان الوزارية تتلخص في ضخ المزيد من الأموال؛ لتثبيت العائلات اليهودية التي تشكو من ارتفاع باهظ في إيجارات السكن، ومحاولة توفير أكبر قدر ممكن من الأرباح المالية لسكان المدينة من اليهود، لكن عدداً قليلاً منها وجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع، والجزء الأعظم بقي حبراً على ورق حتى كتابة هذه السطور! الدراسة أوردت عدداً من المؤشرات الاقتصادية التي تشير إلى أنه رغم الفوارق الواضحة والكبيرة بين المرافق التحتية للمدينة في كلا قسميها (اليهودي والعربي)، فإن هناك العديد من القواسم المشتركة بينهما: في المياه والكهرباء والهاتف والخدمات الصحية وغيرها. الدراسة وصلت أخيراً إلى خلاصة مؤداها: أن الصراع على المدينة المقدسة سيبقى سيد الموقف خلال السنوات القليلة القادمة، وأن سلطات الاحتلال لن ترضى بأقل من تهجير الفلسطينيين كلياً عنها، وهو ما يلقي بمزيد من المسؤوليات والمهام على الفلسطينيين والعرب والمسلمين.

المؤامرة الكبرى على بلاد الشام

المؤامرة الكبرى على بلاد الشام ¤محمد فاروق الخالدي£بدون¥دار الراوي - الدمام¨الأولى¢1421هـ€سياسة عالمية¶بلاد الشام الخاتمة الحمد لله الذي له الفضل والمنَّة، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، محمد بن عبدالله سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته إلى يوم الدين وبعد .. فقد توصلنا من خلال البحث إلى نتائج عديدة جديرة في التبصر والاعتبار، والدراسة والتفكير، كان من أبرزها: • أن الحركات القومية كانت وراء تمزيق الإمبراطورية العثمانية وإسقاط السلطان العثماني وإلغاء الخلافة. وكان اليهود والنصارى وراء تلك الجمعيات القومية ... • حرك يهود الدونمة ومنظمات الماسون جمعية الاتحاد والترقي بقياداتها المشبوهة، من رعاع الحاقدين على الإسلام وأهله، فتبنت نزعة طورانية جاهلية، اعتمدت على تتريك العرب والعناصر الأخرى، ومن ثم كان الظلم والخراب والدمار لبلاد الشام تحت حكم الاتحاديين وجمال باشا السفَّاح طوال سنوات الحرب. • وحرك الإنجليز الجمعيات العربية، وخدعوا الشريف حسين بن علي ليقوموا بثوراتهم ضد الدولة العثمانية، مدفوعين بمكر الإنجليز وحقد الفرنسيين، مستخدمين أموالهم وسلاحهم، فمزقوا الجيوش العثمانية على طول صحراء العرب الشاسعة، وأعانوا الحلفاء على احتلال بيت المقدس، ودمشق وحلب وبيروت وبغداد، فكانت الكارثة وتقسيم البلاد. • وقد تبنى نصارى الشام الحركة القومية كمرحلةٍ لمحاربة الجامعة العثمانية، ثم تبنت فرنسا عملاءها من نصارى الشام، ودعاة المؤتمر العربي الأول المنعقد في باريس للتوصل إلى مطامعها في الديار الشامية ... • ورغم معاونة الجيش العربي لبريطانيا وفرنسا في محاربة الجيش العثماني، فقد ظهرت الأحقاد الصليبية صارخةً، عند مشارف القدس، وأمام قبر صلاح الدين، على لسان قادتهم الغزاة. • كما اتضحت أخلاق الغزاة على حقيقتها غدراً وحقداً ولؤماً، فكانت المفاجآت الأليمة من خلال، اتفاقية سايكس-بيكو، ثم وعد بلفور، وإعلان وثيقة الانتداب الغادرة. وكان التلون المريب مع الحسين وقادة الحركة العربية ... والتعاون الوثيق مع قادة الحركة الصهيونية ... بمطامعهم وخبثهم وأحقادهم ... • واتضحت أبعاد المؤامرة جليّةً، خلال مسرحيةٍ مشبوهةٍ، قادها كمال أتاتورك للإجهاز على دولة الخلافة، وإقصاء الشريعة الإسلامية، بدعم الحلفاء ومباركتهم، لتصبح تركيا دولةً علمانيةً تعيش على هامش الأمم، وقد فقد مقومات عزتها ومجدها ألا وهو الإسلام. • وظهرت نتائج المأساة الأليمة، عندما قسمت بلاد الشام إلى أربع دول كل دولةٍ كرسوا في حكمها قيادات علمانية أو طائفية، ما تزال تسوم سكانها سوء العذاب، أما فلسطين فقد هيأها الإنجليز لتكون لقمةً سائغةً ليهود وعصابات صهيون. • أما حليفهم الحسين، فقد تركوه ليحكم الحجاز فقط بعد الآمال العريضة، والوعود المعسولة، ثم عزلوه ونفوه إلى جزيرة قبرص يقاسي آلام الغربة والندم والحرمان ... • حيث والى أعداء الله وأقواماً قد غضب الله عليهم، يشاركه في ذلك القيادات السياسية والقومية عند العرب والترك معاً، متناسين قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ... ? [المائدة:51]. • أما المتآمرون من قادة الترك الاتحاديين، فقد تركوا البلاد يلتهمها الحلفاء، هاربين بأنفسهم، فقتل طلعت باشا الصدر الأعظم، وأنور وزير الدفاع، وجمال السفاح حاكم بلاد الشام (أيام الحرب العالمية الأولى)، قُتِلوا غيلةً في مجال ....... ومدن ألمانيا .. وقد سجَّلوا عليهم لعنة التاريخ والمسلمين الصادقين ... • وها هي آثار أضخم مؤامرة (مرَّت على ديار المسلمين منذ مطلع هذا القرن) لا تزال الأمة تعاني من ويلاتها وشرورها حتى اليوم. • ولعل أمتنا المنكوبة تثوب إلى رشدها، وتعي تاريخها وتعتبر من تجاربها، وتبني حاضرها ومستقبلها على ضوء ماضيها، متمسّكةً بقرآنها وسنّة نبيها وسيرة سلفها الصالح. وأخيراً لا يسعنا إلا الدعاء بأن يرد الله المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً، اللهم ألهمنا الرشد والصواب، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. والحمد لله رب العالمين،،،

المغرب وبريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر (1856 - 1886)

المغرب وبريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر (1856 - 1886) ¤خالد بن الصغير£بدون منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية - الرباط¨بدون¢1997م€سياسة عالمية¶مغرب عربي الخاتمة كان رفض المخزن في مرحلة أولى تجديد بنود معاهدة 1856م على انفراد مع بريطانيا، ورفضه الثاني لإبرام معاهدة جديدة مع الدول الأوربية الثلاث، إيذاناً بالفشل الذريع الذي منيت به السياسة التي نهجتها بريطانيا على يد نائبها دراموند هاي في المغرب مدة ناهزت نصف قرن، وكانت خيبة أمل دراموند هاي كبيرة، إذ كانت تحدُوه رغبة أكيدة في إنهاء مهامه في المغرب بتوقيع معاهدة تجارية جديدة لفائدة بلاده، وأشارت الصحف الصادرة في طنجة إلى أن " ( ... ) المحبة التي كانت بين الدولة الشريفة دولة الإنجليز تبدلت حيث لم يبق في خدمة الجناب الشريف المهندس سيلبة وقائد الطبجية بطنجة، وأبدل الرئيس الإنجليزي الذي كان بالبابور برايس من البلجيك ( ... ) " (¬1). ومن جهة أخرى، فإن المخزن رفض استغلال معدن بلاد الأنجرة على يد القبطان الإنجليزي وارن ( warren) ، كما ظلت أمور وقضايا عديدة دون فصال لصالح الرعايا البريطانيين في المغرب. وحاول الحاجب موسى بن أحمد طمأنة دراموند هاي بأن " ( ... ) المحبة بين الدولتين ( ... ) راسخة صافية متتابعة متوالية ( ... ) " (¬2). وحين علم المولى الحسن بقرار أصدرته وزارة الخارجية البريطانية بتقاعد دراموند هاي عن الخدمة لكبر سنه، وجه رسالة في الموضوع إلى الملكة فكتوريا، أثنى فيها الثناء الكبير على النائب البريطاني فقال: ( ... ) إن منيسطروكم العاقل الكبلير جان هي درامنض هي صاحب النيشانات المخصوصة الزاهية والمراتب الفاخرة الباهية ( ... ) كملت مدة خدمته بإيالتنا السعيدة معنا ومع أسلافنا المقدسين هذه مدة من السنين، أرحتموه إراحة اعتزاز وحليتموه بحلي الاعتناء والامتياز ( ... ). أما ما أبداه منيسطروكم المذكور في مدة خدمته بإيالتنا من جميل المصارفة في الأمور وحسن السيرة والسعي المشكور، فكله من محبتكم عنوان ودليل وبرهان ( ... ). نعم المنيسطر المشار إليه من كمال ذكائه وفطانته وحسن سيرته ووساطته، بالغ في مدة خدمته في المحافظة على عهود محبة الجانبين وصيانتها من التبديل والتغيير، ولم يأل جهداً في السعي لها في النماء والتثمير، فازدادت تأكيداً رسوخاً وتجديداً. لَمِثله من يتوسط بين الأحباء، جُزِيَ خيراً على ذلك وبقي كما يحب ويشاء ( ... ) (¬3). ¬

(¬1) 1/ 292/174. F.O، رسالة محمد بن العربي بن المختار، إلى دراموند هاي، 29 محرم 1303/ 7 نوفمبر 1886. (¬2) 107/ 174. F.O، رسالة موسى بن أحمد إلى دراموند هاي، 21 محرم 1303/ 29 أكتوبر 1886. (¬3) 107/ 174. F.O، نسخة من رسالة المولى الحسن إلى الملكة فكتوريا، 1 ذي الحجة 1303/ 31 غشت 1886.

وتقاعد دراموند هاي عن الخدمة سنة 1886م، فدخلت العلاقات الثنائية بين المغرب وبريطانيا في مرحلة جديدة اتسمت بمظاهر التوتر، خاصةً بعد دخول ألمانيا حلبة الصراع على المغرب، فقام النائب البريطاني الجديد كربي كرين ( Kirby Green) بممارسة ضغوط قوية على المخزن بين سنتي 1886 و 1891م لانتزاع موافقته على مد خط تلغرافي وتجديد المعاهدة التجارية التي رفضت أيام دراموند هاي، ودخلت علاقات المغرب مع بريطانيا في مرحلة الأزمة، حين قام النائب البريطاني إيوان سميث ( Euan Smith) بتعيين نائب قنصلي بريطاني في فاس دون موافقة من المخزن، كما مزق نسخة المعاهدة التجارية أمام أنظار السلطان مولاي الحسن الذي أمر نائبه الطريس بالاحتجاج على ذلك بالكتابة إلى اللورد سالزبوري (¬1)، وبالرغم من تعويض إيوان سميث بنائب جديد وما صاحبه من انفراج نسبي بين الطرفين، فإن معالم التلاشي والقطيعة بين البلدين بدأت تتضح، بينما بدأت تبدو في الأفق بوادر التقارب الفرنسي -البريطاني. وكانت وفاة فكتوريا في يناير 1901م، وتولية إدوارد السابع ( Edouard VII) 1901-1910 م الذي كان شديد الإعجاب بفرنسا، سبباً في تقرب بريطانيا من فرنسا للحفاظ على مكتسباتها الاستعمارية وتعزيزها في مواجهة محتملة ضد ألمانيا. وانتهى التقارب الفرنسي - البريطاني إلى الاتفاق الودي الذي أُبرم في 8 إبريل 1904م. وبموجب المادة الثانية والسابعة منه، تركت بريطانيا لفرنسا صلاحية التصرف في المغرب. وأثبتت بريطانيا بذلك تخليها نهائياً عن مؤازرتها للمغرب، مخالفةً بذلك تقليداً طبع العلاقات المغربية - البريطانية خلال سنواتٍ طويلةٍ من تاريخها المشترك. وقد حاولنا في هذا الكتاب تتبع مختلف المراحل التي مرت بها العلاقات المغربية - البريطانية على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومن ثم جاءت فكرة تقسيمه إلى خمسة فصول ذات اهتمامات ومواضيع مشتركة، وكانت الغاية من تخصيص فصل تمهيدي لتطوير العلاقات التاريخية بين البلدين، هي إعطاء فكرة عامة عن الظروف التي كون فيها الطرفان رصيداً تاريخياً مشتركاً بينهما؛ ذلك الرصيد الذي كان له أثره على تمتين العلاقات الثنائية بينهما، خلال القرن التاسع عشر وحتى سنة 1904م. ونظراً للأهمية التي احتلتها معاهدة 1856م بين البلدين، أفردنا لها فصلاً خاصاً لتوضيح الظروف العامة التي أحاطت بإبرامها؛ تلك المعادة التي قلبت أوضاع المغرب رأساً على عقب وعلى جميع المستويات، وقبل الحديث عن التأثير الذي أحدثته تلك المعاهدة على المجتمع المغربي وعلى الحياة الاقتصادية لسكانه، لم نجد بُداً من تخصيص الفصل الثاني للحديث عن الموقف الذي اتخذته بريطانيا من الأطماع الإسبانية في شمال المغرب، واتضح في هذا الفصل مدى الاهتمام الذي أولته بريطانيا بكل ما يحول دون استقرار إسبانيا في إحدى الجهات الشمالية للمغرب. وكان المخزن يعتقد عن حسن نية أن بريطانيا أصبحت صديقاً حقيقياً له وساهراً على مصالحه الحيوية، في حين كانت بريطانيا لا تسعى إلا لحماية مصالحة المتوسطية والسعي في الوقت نفسه إلى تعزيز نفوذها عند المخزن. ¬

(¬1) نسخة مما كتب به وزير الأمور الخارجية بدولة الإنجليز، اللورد سالزبوري، 5 ذي الحجة 1309/ 1 يوليوز 1892، المحفظة 46 الرسالة 74، (خ. ع. ت)؛ نسخة مما أجيب به وزير الأمور البرانية للدولة الفخيمة الإنجليزية، اللورد روزبوري ( Rosebery) ، 14 جمادى الأولى 1310/ 4 دجنبر 1893، المحفظة 46، الرسالة 79، (خ. ع. ت).

وبعد نهاية الحرب المغربية - الإسبانية، شهدت الحركة التجارية نوعاً من الانتعاش، وبدأت مرحلة التطبيق الكامل لبنود معاهدة 1856م التجارية، وقد خصصنا فصلاً كاملاً للمبادلات التجارية بين المغرب وبريطانيا لمعرفة مدى أهمية التجارة في الاهتمامات البريطانية في المغرب، وتبينت الهيمنة الكاملة لبريطانيا على تلك التجارة، وأبرزنا، على قدر الإمكان، النتائج التي ترتبت على معاهدة 1856م والتي كان لها أثر على مختلف فئات المجتمع المغربي. وكان اهتمامنا بالتجارة بين المغرب وبريطانيا من الأسباب التي دفعتنا إلى تخصيص الفصل الرابع من هذا الكتاب لقضايا المغاربة اليهود ومسألة الحماة القنصلية، وذلك نظراً لارتباط ظاهرة الحمايات بوضعية اليهود وبأحوال التجارة المغربية بصفةٍ عامة. واتضح أن بريطانيا ساهمت إلى حدٍ بعيد في إحداث تغييرات جذرية في وضعية المغاربة اليهود، إذ نصبت نفسها مدافعةً عن حقوقهم، دون أن تتنبه للخلل الذي يمكن أن يترتب عن ذلك التدخل حتى لليهود أنفسهم. أما الفصل الخامس، فخصصناه للحديث عن السياسة الإصلاحية للمخزن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فحاولنا التعرض فيه لكل المجالات التي دعته بريطانيا إلى إصلاحها، فاتضح أن تلك الإصلاحات المزعومة لم تكن مسخرةً سوى لمصلحة الأجانب، وأوردنا أمثلةً كثيرةً على ذلك، وكنا نود تخصيص فصلٍ سادسٍ للوجود البريطاني في جنوب المغرب، غير أن الوثائق المتوفرة لدينا في هذا الموضوع كثيرة جداً، فأجَّلنا الخوض فيها إلى مناسبةٍ لاحقة. واتضح في الفصل الختامي، بعد فشل بريطانيا في تجديد معاهدة 1856م أن نهاية مدة خدمة جون دراموند هاي في المغرب سنة 1886م حملت في طياتها بوادر انهيار نفوذ بريطانيا في المغرب، غير أن هذه النفوذ ما لبث أن عاد بقوة بعد وفاة السلطان المولى الحسن وتولية المولى عبد العزيز، وسيكون هذا موضوعاً لدراسةٍ أخرى، نحن بصدد إنجازها، تغطي المدة الزمنية الممتدة من سنة 1886م -التي ينتهي فيها هذا الكتاب- وسنة 1912م التي دخل فيها المغرب تحت نفوذ الحماية الفرنسية ومعلومٌ أن بريطانيا لم تتخلى عن مراقبة تطورات الأوضاع في المغرب، واختارت تقديم السند الكامل للسلطات الاستعمارية الفرنسية ومؤازرتها في إطار الوفاق الثنائي الذي طبَّع العلاقات الفرنسية - البريطانية، تحسباً لمواجهة ألمانيا التي بدأت تهدد التوازن الأوروبي بقوة.

النخب السعودية - دراسة في التحولات والإخفاقات

النخب السعودية - دراسة في التحولات والإخفاقات ¤محمد بن صيتان£بدون¥مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت¨الأولى¢2004م€سياسة عالمية¶المملكة العربية السعودية خاتمة: حاولت في بحثي قدر الممكن دراسة النخب السعودية واعتبرتها المدخل الأصوب لفهم تحولات المجتمع السعودي وما لحقه من تغيرات، ولم أنظر إلى النخب من الداخل فحسب، حتى لا تتحول إلى جسم غريب معزول عن مجتمعه، بل على عكس ذلك سلمت منذ البداية أن (نخب) المجتمع السعودي في طياتها الكثير من سمات مجتمعها، ولم تفلح المكانة الاجتماعية التي يحتلها أعضاء تلك النخب والثقافة التي يحملون في قطعهم عن المجتمع أو عزلهم عنه لثقل المواريث الاجتماعية التي عددتها في كتابي: السعودية السياسي والأيديولوجيا، يضاف إلى ذلك ما طرأ على المجتمع السعودي من تحولات، خصوصاً ابتداء مع (عصر النفط) الذي غير العديد من ملامح المجتمع السعودي دون أن يعيد صياغة عمقه على نحو آخر، أدى إلى تداخل الأمور وتشوه البنى. فمع (المدنية) و (الحداثة) ما زالت النزعات الإقليمية والثنائيات القديمة، خصوصاً ثنائية بدو وحضر، وحسب ونسب، وقبيلة ومدينة، تحدد سلوك الناس. وكان الأمر يهون لو لم تتسرب هذه التصرفات إلى النخب التي لم تكتف بالانسياق إليها، بل هي معنية في إذكائها وتبريرها، خصوصاً وهي تملك الزاد العلمي والمكانة الاجتماعية، وذلك ما يجعلها ذات (إقناع ونفوذ). لقد اخترت (النخبة) مقولة تفسيرية لاعتقادي الراسخ بأن المجتمع السعودي لخصوصياته العديدة: ثقل مواريثه و (صدمة النفط)، لم يشهد فرزاً طبقياً حقيقياً لغياب الصراع الطبقي أو وعيه، ولا أيضاً شهد حركات اجتماعية كالحركة العمالية أو الشبابية أو النسائية، وذلك ما منعني من استعمال مفاهيم أخرى كالطبقة أو الحركة الاجتماعية مثلاً، أو غيرها من المفاهيم التي لا تنطبق علمياً على ما يعيشه المجتمع السعودي. لكن هذه الاعتراضات العلمية التي أعتقدها وجيهة، صرفت النظر عن استعمال بعض تلك المقولات التفسيرية وتشبثت بالنخب، وقد أشرت في معرض بحثي أنني لا أنظر إليها باعتبارها الفئة الأفضل سلوكاً أو الأكفأ والأجدر، بل باعتبارها التي تمكنت لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية من تحصيل زاد علمي ومعرفي مهم، أو تمرس بيروقراطي في أعلى مراتب الوظيفة الحكومية، مكنها عادة مع اعتبار بعض الظروف الأخرى التي عددتها من تسلق السلم الاجتماعي وتبوؤ مكانة عليا في الحراك الاجتماعي الصاعد، خصوصاً الذي يتأتى بواسطة الانضمام إلى النخب. إن (النهضة) التعليمية التي شهدتها المملكة العربية السعودية والتي مولتها (السيولة النفطية) – وربما كانت نتيجة لها – فتحت المجال لتشكل نخباً (حديثة) لم يسبق للمجتمع السعودي أن عرفها. وقد اصطفت هذه النخب جنباً إلى جنب مع نخبه التقليدية، وخصوصاً النخبة المشايخية، فالأفواج العديدة التي ابتعثتها المملكة إلى الخارج لمواصلة التعليم العالي – وربما أكثر من أي دولة عربية أخرى – لم تضخ دماء جديدة في المجتمع السعودي على رغم وجودها في جميع القطاعات والمجالات. وذلك ما دفعني إلى محاولة معرفة الأسباب التي عزوتها في النهاية إلى وطأة المواريث الاجتماعية التي تميز الجزيرة العربية، وما فعله النفط من تشويه وتزييف اجتاح حتى ضمائر الناس وقيمهم. فالنخب السعودية ظلت مرتهنة إلى حد ما إلى مواريثها، مما جعلها تحمل العديد من خصائصه وسماته. ولم يستطع التعليم على أهميته تغيير (العقليات) التي ظلت أيضاً مشدودة إلى تلك الثنائية التي تحكمت، لا في تاريخ الجزيرة العربية فحسب، بل في تاريخ العرب قاطبة. إنها ثنائية: بدو/ حضر، كما ذكرت في أكثر من مناسبة.

فالنخب في المجتمع السعودي، كما أوردتها في كامل البحث، كانت في نشأتها وتكوينها، شديدة الخصوصية في مزجها بين عمق التراث وحداثة الحاضر دون أن تقع تحت تأثير ميراث ثقافي استعماري، كما حدث في أقطار عربية أخرى. لقد استطاعت هذه النخب أن تجمع ما يعده البعض (نقيضين) في ضرب من التوظيف المتبادل، فهي قد وظفت العلم والمعرفة والإدارة مثلاً، لتشد أزر العائلة والإقليم، وربما مثل ذلك أحد مصادر قوتها وفاعليتها. هذه الخصوصية التي بدت لي جلية هي التي دفعتني إلى التعامل اليقظ مع التراث النظري المتراكم في تعريف النخب ومصادر قوتها، كما جاء في القسم الأول من البحث، مما ألزمني بدوره بعدم إغفال الحراك الاجتماعي الذي شهده المجتمع السعودي. فالخصوصية لا تنبع من مواريث الماضي فقط، بل أيضاً من انعطافات الحاضر القريب، وبالتحديد منذ قيام الدولة السعودية الحديثة التي ترافق قيامها مع الاكتشافات المبكرة للنفط، مما أخضع المجتمع السعودي في الآن نفسه، كما بينت في كامل هذا البحث. إن الدارس المتأني للنخب السعودية ليقف على حضور المواريث فيها، وخصوصاً تلك المتعلقة بالقيم والرموز والمعايير. إن المتمعن في بنية هذا الجنين وتركيبته، أو ما سيطرأ عليه من تغييرات – على رغم بطئها ومحدوديتها – سيستفيق على حجم الموروث العائلي و (الإقليمي) الذي يسم تلك النخب. لذلك كان لزاماً علي خضوعاً لمتقضيات المنهج وبحثاً عن سببية مفسرة أن أفرد لمواريث المجتمع السعودي المتعددة قسماً نقف فيه على هذه المواريث في تفاصيلها الدقيقة، وهي التي لا تزال حية توجه سلوك الأفراد والجماعات، ومن بينها سلوك النخب. وهذا ما ناقشته في كتابي الثاني: السعودية السياسي والأيديولوجية، فالدين الإسلامي والعروبة إلى جانب البداوة والقبيلة الضاربة في عمق التاريخ الاجتماعي للجزيرة العربية قد حددت بصفة حاسمة أداء النخب، كما ساهمت في صياغة مواقفها ورؤاها. فالضمير الجمعي على النحو الذي حدده عالم الاجتماعي الفرنسي إميل دوركايم محكوم بهذا الثالوث: عروبة، إسلام، بداوة أو قبيلة (على اعتبار أن البداوة والقبيلة يكونان في اعتقادي مركباً واحداً منسجماً)، وهو الثالوث ذاته الذي ظل يضغط على النخب على رغم أنها تفوق المجتمع قدرة على التعاطي معه ضمن رهاناتها واستراجياتها الخاصة خضوعاً لوطأة التحولات العميقة التي ما زالت تهز المجتمع السعودي برمته. إن هذا الارتهان إلى الموروث ذي الأبعاد الثلاثة المذكورة سلفاً لا يعني بأية حال أن النخب السعودية هي تطور من داخل الجسم التقليدي للمجتمع السعودي فحسب، فأنا لطالما أكدت خلال كامل فصول البحث على السمة الحديثة لهذه النخب باعتبارها، كما بينت ذلك، ولدت من (رحم) التحولات الحديثة التي مازال يشهدها المجتمع السعودي، فهي حداثية النشأة والمولد لكونها مدينة في تلك النشأة بالذات النشأة بالذات إلى قيام الدولة السعودية الحديثة التي غذاها في ما بعد النفط والتعليم. فالثروة النفطية التي أعقبت مباشرة قيام الدولة السعودية الحديثة ستفتح لعصر جديد ستتغير معه ملامح المجتمع السعودي وكامل الجزيرة العربية على نحو سيفتح المجال للحديث عن التشوه العميق الذي لن يطول البنى الاجتماعية لهذا المجتمع فحسب، بل أيضاً رموزه وقيمه ومواقفه وراؤه. فالنفط هو الذي حول إلى حد بعيد الصحراء التي ظلت لحقب طويلة صامتة خرساء، إلى فضاء صخب وحركة وضجيج إلى حد الضوضاء على نحو عنيف، بمقتضاه يتهيكل المجتمع السعودي وفق بنى جديدة لم يألفها من قبل.

فالتشكيلة الاجتماعية السعودية التي على خارطتها تتوزع النخب، وتتحرك عمودياً وأفقياً، أسهم النفط بلا ريب في صياغتها، وأكسبها طابعاً هلامياً ألقى بظلاله على كامل الفضاءات الاجتماعية وما حوته من ممارسات اجتماعية أو سياسية، وكذلك أنماط وعي وأفكار ورؤى. ولم تنجح النخب السعودية بالتخلص من هذا الأثر لكونها عاجزة، كما بينت، عن تحصين نفسها من هذه الاختراقات الخطيرة التي لم يتصد لها ولم يلطفها إلا التعليم. فقد استطاعت النهضة التعليمية الكبرى التي جندت لها الدولة السعودية الفتية منذ بداياتها الأولى كافة مواردها وإمكانياتها التي تدعمت بعد اكتشاف النفط من خلال مختلف الإجراءات والسياسات، كالابتعاث إلى الخارج، وتركيز بنية أساسية كبرى لخدمة الغرض ذاته، أن تحور في المشهد التقليدي للمجتمع السعودي. فالتعليم، كما شهده المجتمع السعودي، وخصوصاً في العقود الأربعة الأخيرة من القرن الماضي، ساهم مساهمة فعالة في ميلاد النخب السعودية وتجددها. ولعل ذلك ما يجعلها مدينة له أيضاً، فتعميم التعليم، وما رافقه من حوافز وتشجيعات، استطاع خلال عقود من الزمن أن يفرز هذه النخب، وبالملامح التي حددتها أثناء البحث، التي بدورها غذت الجهاز السياسي والإداري للدولة السعودية الناشئة، مما جعل سياسة السعودة أمراً ممكن الإنجاز بداية من التسعينيات في العديد من القطاعات الاقتصادية والإدارية على رغم بعض النواقص والملابسات. لقد استطاع التعليم الذي إليه ترتهن النخب السعودية، كما بينت سلفاً إلى حد بعيد، أن يحدث تعديلاً ما على البنى التقليدية للمجتمع دون أن يفلح في تجاوزها تجاوزاً كلياً على نحو يقوضها، ولكنه وبالمقابل أيضاً خضع بدوره لضغوطاتها، فلقد فازت بعض المناطق والأقاليم بالحظوظ الأوفر منه سواء من خلال سياسات الابتعاث، كما بينا خلال الجداول العديدة أو في حصص التوظيف، خصوصا في المناصب العليا المسندة إلى أصحاب المستويات التعليمية العليا في الجهاز الإداري الحكومي (البيروقراطية). لقد تمكن التعليم – بذاته – وبما أشاعه استناداً إلى بقية الروافد الأخرى، كالصحافة المكتوبة ومختلف بقية الوسائل المسموعة والمرئية للإعلام، أن يغير بعض الشيء من الذهنية الجماعية أولاً وقبل كل شيء. غير أن العقد الأخير من القرن الماضي حمل بعض المؤشرات السلبية، فالتطور الكمي المهم لنسب التمدرس، رافقه على العكس من ذلك عجز بدأ يخفق في توظيف مخرجات التعليم، وذلك ما لم يكن أحد يتصوره في مجتمع ظل إلى حد قريب ولا يزال مورداً لليد العاملة. إن هذه الأزمة التي بدأت تعتري مخرجات التعليم قد ضيقت الممكنات التي كان التعليم يحتفظ بها لنفسه في مجال الحراك الاجتماعي الصاعد خصوصاً، والذي بدأ يفتر في السنوات العشر الماضية تحت وطأة الفاتورة الباهظة لحرب الخليج وتراجع مشاهد الوفرة والرفاه إلى حد كبير. وذلك ما دفع أفواجاً كبيرة من السباب المتعلم إلى أن تبدي قلقها، وتملكها اليأس النهائي من أن يكون التعليم المسلك المناسب سواء للانتساب للنخب أو لتسلق مواقع النفوذ السياسي، أو حتى الحصول على الوظيفة المناسبة على وجه العموم، مما أسهم أيضاً في دفع النخب إلى الانغلاق والثبات.

إن هذا الاعتناء الدقيق بمناخ النخب السعودية وخلفيتها السياسية والاجتماعية ما كان ليثني عزمي عن البحث المدقق في مكوناتها وتركيبها، فالنخبة ذاتها لو اقتربت منها لوجدتها تنقسم بدورها إلى نخب فرعية صغرى تنتظم على شكل عنقودي تلتف بموجبه حول كيان الدولة من خلال أجهزتها السياسية والبيروقراطية الشمدودة، كما بينت في موضوع الخلفيات الاجتماعية والحضارية الموروثة والضاغطة. وكان همي في هذا البحث أن أدرس النخب السياسية والإدارية والثقافية أكثر من النخبة الاقتصادية، لكون الاقتصاد، كحقل وممارسة 0 في المجتمع السعودي بالذات – في علاقة تبعية كبرى مع المجال السياسي ولا يستطيع أن يكون فضاء مستقلاً أو منافساً. لقد التزمت بالواقعية العلمية حينما أكدت أن السياسة كانت أكثر حضوراً في تشكيل النخب وتوجيه فعلها، على رغم التقاطعات العديدة الحاصلة مع دنيا المال وخفاياه التي قد تكون أحياناً أشد بأساً وتوجيهاً. فالنفط، عصب الحياة الاقتصادية للمجتمع السعودي ومغذي شرايينه، يظل في نهاية الأمر ملكاً تابعاً للحكومة. إن الريع النفطي ظلت تتحكم فيه (الدولة) وتوزعه على النحو الذي تشاء على رغم التغييرات الحاصلة على الاقتصادي السعودي في السنوات الأخيرة. لكل هذه الأسباب قصدت دراسة تلك النخب الفرعية، واعتبرتها الطريقة الأصوب في الإلمام بالنخب السعودية ككل، فدرست تباعاً النخبة الوزارية والنخبة الاستشارية والنخبة المشايخية والنخبة البيروقراطية والنخبة المثقفة (الانتليجنسيا). ولعل استهلالي بالنخبة الوزارية لم يكن اعتباطاً، بل كان نتيجة لما تحتله هذه النخبة من قيمة رمزية عليا (وجاهة، نفوذ، هيبة) في المجتمع السعودي، أو بموجب ذلك فهي تتربع على عرش كامل النخب الأخرى المتبقية، وتتحكم في تحديد مسارها. غير أنه، وعلى خلاف بقية النخب الفرعية الأخرى والنخبة الوزارية في جل البلدان العربية، تتجه هذه النخب إلى الانغلاق. فهي نخب قليلة الدوران، اتضحت انغلاقيتها جلية حين المقارنة بغيرها من الدول العربية المختارة للمقارنة (الأردن، مصر)، وهذه الانغلاقية تكاد تكون ثابتة قلما تنفتح لتنتدب أعضاء جدداً، وتظل في ذلك على قدرتها محكومة بعدة محددات لا شكلية، حيث تلعب العلاقات القرابية الأسرية، إلى جانب قيم الولاء الشخصي وقيم نفعية أخرى، الدور الحاسم في تعيين الوزراء ذاتهم، وهي أكثر النخب السعودية وفاة للموروث السلبي للمجتمع السعودي في رواسبه الأكثر تحجراً: الإقليمية، والمناطقية، والعائلية، والفئوية. فالعدد الأكبر من الوزراء يتحدرون من المثلث النجدي والمثلث الحجازي. هذا إلى جانب تدني الأداء المتسم بالفردية والزبونية الذي يعمل في ظل غياب قواعد مؤسساتية تعلقن التعيين وتنمي روح السمؤولية والمحاسبة.

هذا المشهد يتكرر إلى حد بعيد مع النخبة الاستشارية، لكون هذه الأخيرة تعودت أن تكون رحماً يتشكل داخله أجنة النخبة الأولى (الوزارية). فالنخبة الشورية تروض وتعرض لعدة اختبارات، حيث تربي الأعضاء مؤقتاً لتدريبهم على تحمل مسؤولية الوزارة في ما بعد، فكأن مجلس الشورى يمرن بعض أعضائه على وظائف وزارة قادمة. هذه الوضعية الانتقالية الضمنية لأعضاء مجلس الشورى عقمها الوضع الآخر الذي لا يقل أهمية، المتأتي من الصيغة التعيينية والاستشارية للمجلس برمته، فهو مجلس لا يمثل المجتمع السعودي بالمعنى الذي تحمله التمثيلية في النظم البرلمانية والديمقراطية الحديثة، على رغم ما يتميز به الأعضاء من تخصص علمي عال مكنهم من الإلمام بثقافات متعددة، وسمة شبابية، مما يجعلهم نظرياً مهيئين للعب دور تمثيلي مهم، وخصوصاً أن بعض دول الخليج التي تنتظم مع المملكة في مجلس التعاون العربي الخليجي بدأت في اقتحام تجارب تمثيلية جريئة على غير ما اعتادت عليه المملكة، وستذكي جذوة المطالبة السياسية التي ظلت إلى حد الآن إما مترددة أو خافتة. أما في ما عدا النخبة السياسية بالذات، فإن النخبة المشايخية تلعب دوراً وسيطاً ومزدوجاً في الآن نفسه. إنه دور الانتقال من السياسي إلى الثقافي، والذي بمقتضاه تنتقل أيضاً من الخاصة إلى العامة. فهذه النخبة تستحوذ على رأسمال ثقافي ذي بعد رمزي في ظل مجتمع سعودي كنت حددت خصائصه، حيث ما زالت الثقافة التقليدية ذات المنبع الديني تلعب دوراً كبيراً في تشكيل رؤى الناس وتحديد سلوكياتهم وتصرفاتهم، وهي التي تعقد البيعة للملك باعتبارها من أهم مكونات أهل الحل والعقد، وهي التي يوكل إليها أيضاً تعليم الناس دينهم والقيام بمهمة الفتوى وتوضيح الحلال والحرام لمجتمع كافة أفراده مسلمون. وبهذا الدور بالذات تتصدى لما تعتقده آفة تهدد أصالة المجتمع السعودي وثوابته، ألا وهي الثقافة العصرية، التي من منظورها هي علمانية بالضرورة. لهذا نفهم عداءها الشديد للنخبة المثقفة (الإنتليجنسيا) وهي التي وقفت عند تحليلها مطولاً، وخصوصاً أنها قد تربت في محاضن المؤسسات التعليمية العصرية، فنشأت نشأة (حداثية) تعاظمت من خلال التثاقف الحادث تحت مفعول اكتشاف ثقافات جديدة عند الابتعاث إلى الخارج. لقد استطاعت النخبة المشايخية من خلال الجهاز الإداري والسياسي، وما تمتلكه من تنظيم تراتبي دقيق، وتغلغل مناطقي محكم، وقبول عفوي عن العامة، أن تضيق الخناق على المثقف السعودي بالذات، وخصوصاً أنها هي التي تمرست على المناورات السياسية المبكرة التي نجحت بإبعاد القبائل أو تهميشها حين أشعلت نار الفتنة بين القوة العسكرية والقيادة السياسية (موقعة السبلة)، فأبدعت استراتيجيات ورهانات خاصة بها تحذق بموجبها التفاوض والتنازل والتحالف، وذلك ما أكسبها خطاباً مؤثراً وفعلاً نافذاً. هذا، في حين ظل المثقف السعودي قليل التأثير لمعوقات موضوعية كنت قد عددتها (هشاشة النخبة المثقفة، غياب مشروع متكامل، افتقاد الصلة بهموم الناس الحقيقية ... الخ)، وأخرى ذاتية تتعلق بالانتهازية والمصلحية الفئوية، وذلك ما يعطل أداءها، خصوصاً وأنها هي الواقعة تحت إغراء المراتب العليا من الفئة البيروقراطية التي تظل نموذجاً لها يوقد طموحها، ويغذي أحلامها وأوهامها أحياناً. فالنخبة البيروقراطية المعشعشة في مفاصل الجهاز البيروقراطي الحكومي (والخاص)، على رغم الصيت السيئ الذي به تنعت في المجتمع السعودي، تظل مارداً إليه تتطلع قطاعات كبرى من المثقفين السعوديين الذين لم يعودوا يؤمنون بأي رسالة، سوى رسالة تسلق السلم الطويل، والمهيمن أحياناً، للبيروقراطية التي عرقلت التنمية، وغذت النزعات الإقليمية والمناطقية والعائلية والفئوية، واستأثرت بسقط وافر مما تعده غنيمة. إن هذا المشهد السياسي والاجتماعي الذي فيه تتجاوز النخب السعودية، طوراً في ضرب من التنافس أحياناً إلى حد التطاحن، وطوراً آخر في ضرب من المهادنة إلى حد التحالف، لم يغفلنا عن رصد (نخب أخرى) هي نخب مضادة تعمل في صمت وخفية، وتعارض النخب التي تظل وفق منظورها نخباً رسمية تعبر عن نظام اجتماعي لا ترتضيه. هذه النخبة المعارضة تؤكد أن المنظور المثالي للمجتمع السعودي يجافي الحقيقة ويعاديها، إذ إن هناك تعبيرات عديدة رافضة، وعلى رغم كمونها وعدم ظهورها، فقد استطاعت أن تحدد وجهة المسار الذي كان على النخبة المفرزة أن تحذوه في الانعطافات الحديثة للتجربة السعودية، ولربما سيكون المستقبل السياسي والاجتماعي للمجتمع رهيناً بالإصغاء النشط لذلك الصوت الناشز والصامت في الآن نفسه. لقد أدت في هذه الخاتمة إعادة صياغة الأفكار الكبرى التي تضمنها هذا البحث، ولكن حرصي على التأليف بينها يضعني أمام رهانات أخرى تفتح آفاقاً أرحب للبحث.

ضحايا بريئة للحرب العالمية على الإرهاب

ضحايا بريئة للحرب العالمية على الإرهاب ¤محمد بن عبدالله السلومي£بدون¥مجلة البيان¨الأولى¢1426هـ€سياسة عالمية¶الإرهاب هكذا يتضح حجم التحولات الكبيرة التي يعيش العالم بدايتها بعد 11/ 9/2001م والتي يراد فيها تقليص دور الشعوب والأمم والمجتمعات ومنظماتهم وحقوقهم في الحرية والكرامة والتعبير وذلك على أيدي بعض الزمر المتعصبة من رجال السياسة والدين والاقتصاد وتجار الحروب في أمريكا الجديدة وبوسائل متنوعة ودعاوى أو مزاعم متعددة معلنة وغير معلنة وكثير من تلك المزاعم والذرائع لا يمثل الحقيقة التي يراد لها أن تكون غائبة. ورد في الإنجيل (يجب أن تعرف الحقيقة والحقيقة هي التي ستحررك) هذه حكمة إنجيل ((يوحنا)) مكتوبة في مدخل وكالة المخابرات الأمريكية في لانجلي / فرجينيا على أبواب واشنطن. ومن العدل قول الحقيقة عن حقيقة هذه القضية ولعلنا نلخص هنا من الحقيقة كنتائج كما فصلنا في ثنايا الدراسة: أولا: أن القضية الكبرى في وقتنا الحاضر هي (الأمن العالمي) الذي هو مسؤولية الجميع حيث يمكن أكبر مصدر محتمل لعدم الاستقرار في كوكبنا اليوم فقدان الأمل واليأس اللذين يجلبهما الفقر إلى العديد من الأمم ومحاولة صرف العالم عن قضاياه الرئيسية والحقيقة يعتبر من مقوضات الأمن العالمي ... حتى أن الرئيس الفرنسي ((شيراك)) دعا إلى تشكيل تحالف دولي لمكافحة الفقر على غرار التحالف الدولي السابق لمكافحة الإرهاب في مؤتمر مونتيري وقال: ((إن ما هو ممكن ضد الإرهاب يمكن أن يكون ممكنا ضد الفقر ... !!)) وقد دعا البنك الدولي إلى ما يجب فعله قائلا: ((إن تحسين الاستقرار في الدول الخارجية من النزاعات وفي الدول الفقيرة التي تعاني من اليأس والإحباط مهم الآن بقدر ما كان قبل (60) سنة عندما كان العالم يجاهد لكي يستعيد السلام ويجدد حياة الملايين من البشر فوجود مساندة أقوى عالميا لمكافحة الفقر هو الاستثمار الأفضل الذي يمكن أن يجعل العالم أكثر سلاما وأكثر أمنا لمستقبل أطفالنا)) ويقول: ((فالاستثمار في التنمية هو شيء خال من الأخطار ويجعل أمريكا والعالم أكثر أمنا ويزيد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي العالمي ويقلل من الإحباط الذي يمكن أن يقود إلى العنف)). ويؤكد رئيس البنك الدولي على أن الحاجة إلى المنظمات غير الحكومية ومنها الإنسانية والإغاثية أصبحت تتأكد أكثر من قبل!! قائلا: ((خلال العقود الثلاثة المقبلة سينضم أكثر من ملياري نسمة إلى سكان الكوكب 97% منهم سيكونون في الأمم الأشد فقرا وسيولد الكثيرون لينشؤوا في الفقر وينظروا إلى العالم على أنه جائر وظالم وينشأ عدم الاستقرار غالبا في الأماكن التي يرى فيها السكان الشباب – المتزايدون بشكل سريع – أن الأمل هو: تهكم أكثر من كونه وعدا بحياة مستقرة .. ). فهل يعي العالم ماذا تعني مصادرة أو تهميش أو إقفال أو تجميد الأعمال التنموية المساهمة في الوقاية والعلاج والتي تقوم بها مؤسسات القطاع الخيري الإسلامي كغيرها من المؤسسات العالمية الإغاثية؟ ثانيا: أن الأعمال الأمريكية غير القانونية تحت مسمى (الحرب على الإرهاب) وباسم إحلال الأمن أصبحت مقوضا من مقوضاته وقد أصبحت تلك الأعمال وقودا للحرب وغذاء للعنف ومبررا لبقاء واستمرار ظواهر الإرهاب من الأفراد والجماعات بل إن الإرهاب من الأفراد والجماعات له الاستمرار حسب هذه الرؤية لأن الواقع السياسي والهيمنة العسكرية الأمريكية والإرهاب الحكومي الدولي بنظرية الصراع الحضاري وصراع الأديان.

إن نظرة سريعة على تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في أبريل (2004م) عن الهجمات ((الإرهابية)) من جهة النظر الأمريكية الرسمية تعطي دلالة واضحة على أن ضحايا الإرهاب رقم لا يذكر مقابل ضحايا المدنيين للحروب التي شنتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان على سبيل المثال لا الحصر فالتقرير المذكور الذي يرصد الهجمات وضحايا الإرهاب في عام 2003م يشير إلى وقوع (190) هجمة تصنفها كما أن القتلى من تلك الهجمات كانوا فقط (307) من الأشخاص عام 2003م مقابل (725) شخصا قتلوا عام 2002م وتعلق مجلة ((المجتمع)) الكويتية على هذه النقطة في التقرير قائلة: ولو وقعت المقارنة بين ضحايا الإرهاب الدولي كما جاء في تقرير الخارجية الأمريكية والضحايا الأبرياء المدنيين الذين قتلوا في الاعتداءات الأمريكية على العراق وأفغانستان لا تضح أن الإرهاب ليس تحديا أو مشكلة تهدد الأمن الدولي بقدر ما هي عارض تحاول الإدارة الأمريكية عولمته لتحقيق أطماع خاصة بها. الكاتب الفرنسي (إيمانويل تود) – الذي توقع في وقت مبكر بانهيار الاتحاد السوفيتي وحطم كتابه (ما بعد الإمبراطورية – الأمريكية) الأرقام القياسية في المبيعات – يقول: ((الأرجح أن أمريكا لن تقتل تقليص آلهتها العسكرية ووقف نشطاتها الجيو – إستراتيجية فهي باتت متعددة على العالم اقتصاديا وهذا يتطلب حدا أدنى من الفوضى العالمية لتبرير وجودها السياسي العسكري في العالم القديم)) وتتساءل صحيفة ((الوسط السياسي)) قائلة: هل تفكيك الأمم المتحدة جزء ضروري من هذه الفوضى الضرورية لأمريكا؟ ثالثا: إن ما يعتبره البعض (الجهاد الأمريكي) العسكري والسياسي والاقتصادي هو الذي زرع الكراهية بل الحقد على أمريكا وذلك على مستوى معظم الدول والمؤسسات والشعوب حتى أصبحت معالجة تلك الآثار أمرا شاقا وقد يكون مستحيلا لأن تلك الكراهية صنعتها المبادئ الأمريكية الجديدة (الحرب الاستباقية) و (حرب الإرهاب) ولم تفعلها المؤسسات الخيرية الإسلامية أو المناهج الدينية الإسلامية – حسب المزاعم الأمريكية – التي قد تم إلصاق التهم بها وبأنها تنشر الكراهية ليكون تجميدها أو استبدالها أو إلغاؤها!! ولقد تحطمت طموحات العلماء والمفكرين من الشعب الأمريكي وغيرهم في أنحاء العالم في مطلع هذا القرن الجديد عن استقرار أفضل للعالم وحريات أوسع بل عن الحوار الحضاري والتواصل الثقافي والسياسي مع العالم الإسلامي وغيره نتيجة الحروب الاستباقية الأمريكية

رابعا: لقد أصبح معظم الشعب الأمريكي ضحية أخرى من ضحايا (الحرب على الإرهاب) حينما أفاق بعد صدمة الحادي عشر من سبتمبر ليجد أن الحدث كان نوعا من الانقلاب على الدستور الأمريكي ثم الدساتير العالمية حيث أن قوانين الحريات المدنية قد قلصت على حسابه وأن الديمقراطيات قد تم اختزالها في النمط السياسي الروتيني بين حزبين وأن المظاهرات والاعتراضات وصوت الرأي العام أصبح أقوى في الانتحاب منه في الانتخاب وخلال ذلك قامت الحرب الأمريكية في أفغانستان ثم العراق لتشكيل نزيفا اقتصاديا مستمرا بعشرات المليارات من الدولارات وعلى حساب رفاهية أو حقوق الشعب الأمريكي ومع هذا فإننا نعتقد أن الشعب الأمريكي يعتبر الإحصائيات الرسمية فقط التي أصدرها البنتاغون نهاية شهر فبراير عام 2005م مؤشرا على أنه وموارده المالية ورفاهيته وجيوشه وعائلاتهم ضحايا أخرى لتلك الحرب الجديدة فالإحصائيات تقول: (1500) عسكري أمريكي قتيل (11) ألف جريح منذ بداية الحرب على العراق وفوق هذا ليس هناك مهزوم أو منتصر داخل نفق مجهول النتائج لا سيما (أن الخيار العسكري أصبح يحقق عزلة أكبر للولايات المتحدة عن العالم) حسب تعبير الرئيس بوش في 4/ 3 /2005م لقد عبر الكاتب أندروجي باشيفيتش عن نتائج حرب الإرهاب والحروب الاستباقية الأمريكية حينما قال في صحيفة ((لوس أنجل تايمز)): لم يعد هدف إدارة بوش اليوم تحقيق النصر ولكن همها الأكبر هو تخليص نفسها من مسؤولية شن حرب لا تستطيع وضع نهاية لها والجدل الذي يدور في دوائر الأمن القومي يتركز على كيفية تخليص أنفسنا قبل أن تتعرض قواتنا لأضرار لا يمكن إصلاحها .. فهل أصبح الجيش الأمريكي والشعب الأمريكي من الضحايا وفق هذا الواقع. خامسا: إننا نعتقد أن مؤسسات العمل التطوعي الإسلامية خير مساهم في ضبط الأفراد وتجاوزاتهم وأمريكا تعلم ذلك حق العلم. فالمؤسسات خير مساهم في ترشيد إنفاق المال وفق قنواته المشروعة والواضحة كما أنها تؤصل حقوق البشرية في الأمن والسلامة (أرواحهم وأموالهم) في عالم تضطرب أقطابه كالبحار في مضارب الأعاصير – بما لديها من مبادئ وقيم إسلامية – وتعمل على حماية المجتمع من خلال دوافع الثواب والعقاب وتؤصل لإعطاء كل ذي حق حقه يإيجاد الضمائر الواعية والقلوب الرحيمة وسلبيات وأخطاء المؤسسات الخيرية الإسلامية ليست المعلنة بالآلة الإعلامية الدعائية الأمريكية حسب نتائج البحث والحملات عليها بسبب أنها منافس ديني (أيدولوجي) لحضارة الغرب ولاسيما في ميادين نشر الإسلام والقيم والمبادئ والأخلاقيات والثقافة الإسلامية.

إن قضية المنظمات غير الحكومية ومنها المؤسسات الخيرية العالمية بشكل عام تتعرض للتسييس وإضعاف استقلاليتها وفرض بعض الأندات الحكومية عليها كما أن المؤسسات الخيرية الإسلامية بشكل أخص تتعرض لنوع من الاضطهاد والحرب بدعوى دعمها للإرهاب ولكن البحث العلمي يؤكد أن هناك منظمات ومؤسسات أمريكية غير حكومية تستفيد من المناخ الرأسمالي والضرائب والتبرعات الأمريكية وتقوم بدعم حركات التمرد والإرهاب وإشعال الثورات في أنحاء متفرقة من العالم وقد تأكدت أكثر بحق المنظمات الأمريكية غير الحكومية العاملة تحت ستار دعم الديمقراطية أحيانا في دول جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا ولاسيما في أوكرانيا وقرقيزستان وجورجيا وكازاخستان حسب الكاتب بوكالة الاسوشيتد برس (ستيف قوترمان) وهذا كنموذج ومثال فقط وكما هو واقع المنظمات الأمريكية اليهودية وغير اليهودية في دعم إسرائيل ومنظماتها الإرهابية التي تقوم بشتى صنوف الإرهاب على الشعب الفلسطيني وذلك كما ورد في الفصل السادس من هذا الكتاب. وهذا الواقع المؤلم كله يتطلب لجنة أو لجان دولية مستقلة تستقصى من خلالها جميع وسائل التحريات والتحقيق للوصول إلى الحقيقة عن المنظمات الإسلامية وغير الإسلامية وقد تكون الأمم المتحدة المرشح الأول بحكم استقلاليتها المطلوبة ومرجعيتها ومسؤوليتها عن هذا النوع من العمل وقد يكون غيرها والمهم هو الإخلاص والمصداقية في فتح هذا الملف دوليا دون احتكاره لدولة واحدة وذلك لإغلاق أبواب الدعاوى والمزاعم والإثبات أو النفي بحق الجميع. سادسا: إن كل هذه الضجة التي تثار على المؤسسات الخيرية الإسلامية عالميا والسعودية بشكل أخص انطلقت بحمى التعميم الأعمى ولا تستند إلا إلى واقعة واحدة وهي أن فرعين من إحدى هذه المؤسسات أغلقا بإجراء سياسي أمني على أنهم قد أقدموا على تصرف غير مرغوب فيه. إن نتائج هذا البحث قد اتضحت في الفصول السابقة بشكل عام وفي الفصل الرابع والخامس بشكل خاص وتأكدت في الفصل الثالث حيث المرافعة العلمية لتقرير الكونجرس الذي خلا من ذكر أدلة أو وقائع محددة بالاتهام واتضحت النتائج بشكل أكثر في الفصل السابع حيث الدوافع والأهداف ومن خلال أقوال شخصيات غربية وأمريكية ليكتشف الباحث عن الحقيقة بإخلاص حقيقة تلك المزاعم. إن العقلاء في الحكومة ومن يمثل الشعب الأمريكي في مؤسساته عليهم أن يدركوا عواقب التعميم والمكارثية الجديدة وأن لا ينساقوا وراء اليمين والمتطرف واللوبي الصهيوني الذي يجر العالم إلى صراع الأديان والحضارات فإن التعميم توسيع للدوائر وبالتالي إشعال للفتيل ولعب بالنار مما سيؤدي إلى عواقب وخيمة وإلى هذا أشار جيرولد بوست الأستاذ بجامعة جورج واشنطن مؤتمر مدريد الدولي لمكافحة الإرهاب قائلا: (عندما تتخلى الدولة عن المبادئ الأخلاقية تتضاعف احتمالات الإرهاب). سابعا: إن هذه الدراسة وبقدر ما يظهر أنها دفاع عن المؤسسات الخيرية الإسلامية وبقدر ما ظهر من النتائج وأنها إدانة لتلك الدعاوى وتعرية لمركز القوى اليمينية المتطرفة في أمريكا التي تجر الشعب الأمريكي والعالم إلى صراع الحضارات – بقدر ذلك كله وبرغم أهميته – إلا أن هدفها الحقيقي والأسمى بعد نتائج البحث هو إطلاق صيحات تحذير قوية لما قد تنتهي إليه الأمور إن استمرت تلك السياسات الحمقاء فالبشرية مهددة في ازدهارها ونموها وأمنها بل في بقائها واستمراريتها إننا نتمنى أن نسمع الخوف على مستقبل البشرية وتعمل على إبقاء حرية التنافس والمنافسة والحيلولة دون الصراعات والحروب. وأخيرا وأنا أرى الضحايا البريئة في الحرب على الإرهاب تزداد يوما بعد يوم وتتنوع بشكل يدعو للدهشة مخلفة المزيد من الفقر والجهل والمرض والموت والدمار بل إن هذه الحرب بدوافعها وأهدافها ووسائلها ونتائجها المرعبة قد تجاوزت كل الأعراف والقيم والحقوق الإنسانية بحق الشعب الأمريكي وشعوب ودول العالم وأنا أرى ذلك كله شعرت بدافع يدفعني إلى تأمل كلمة للرئيس الأمريكي بوش الابن وردت في خطابه للشعب عشية الحادي عشر من سبتمبر 2001م (نحن منارة الحرية الأسطع ضوءا والأعظم إشعاعا) وكيف يكون ذلك والواقع لا يصدق ذلك وقد وجدت أن كلام الله أصدق وأبلغ من أي كلام والمؤمنون في كل مكان يؤمنون بكلام الله حيث قال جل من قائل في القرآن الكريم: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) [الصف: 8]. (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ينفع الناس فيمكث في الأرض) [الرعد: 17]. فنور الحقيقة لن تطفئه القوة مهما بلغت لأن الحق أكبر من القوة بل هو القوة الحقيقية.

علاقة سلطنة لحج ببريطانيا

علاقة سلطنة لحج ببريطانيا ¤دلال بنت مخلد الحربي£بدون¥مكتبة العبيكان - الرياض¨الأولى¢1417هـ€سياسة عالمية¶علاقات عربية وإسلامية ودولية الخاتمة حاولنا جهدنا تتبع تطور العلاقات اللحجية – البريطانية وتحليل مادتها التاريخية في الفترة من 1337هـ/1918م إلى عام 1378هـ/1959م في إطار المنهج التاريخي والمنهج التحليلي، وقد اعتمدنا بصفةٍ أساسية على الدمج بينهما. وأوضحنا كيف أقامت بريطانيا علاقة مباشرة مع سلطة لحج منذ أن سيطرت على مينائها (عدن) في عام 1254هـ/1839م، وما اتسمت به هذه العلاقة من تفرد الأمر الذي أضفى على لحج أهميةً سياسيةٍ عدا أهميتها الاقتصادية، وجعلها تتبوأ مكاناً رفيعاً على مستوى المحمية بأكملها، واستمرت هذه العلاقة تنمو باضطراد جيد إلى أن تبنت سلطنة لحج قضية مقاومة الاستعمار البريطاني في الجنوب العربي، لتكون هي ذاتها وراء زعزعة الاستقرار البريطاني في عدن، ولتدق مسماراً في نعشه مثلما كانت في يومٍ ما وراء استقراره واستمراريته. ولعل أهم النتائج المستخلصة من هذه الدراسة (من وجهة نظرنا) تكمن فيما يأتي: أولاً: فيما يتعلق بسلطنة لحج: 1 - أثبت البحث أن سلطنة العبادل (سلطنة لحج بعد ذلك) تعد من أقدم الكيانات السياسية التي تأسست في جنوب شبه الجزيرة العربية بانفصالها عن حكم الأئمة الزيود في اليمن منذ أوائل القرن الثامن عشر الميلادي، وحافظت على استقلالها بتدعيم كيانها على أسس داخلية وخارجية، تمثلت الأسس الداخلية في تحويلها من مشيخة إلى سلطنة، وجعل الحكم وراثياً في أسرة مؤسسها فضل بن علي العبدلي، وانتخابي بإشراك القبائل البارزة وذوي النفوذ الديني مثل قبيلتي العزيبة والسلامي ومنصب الوهط في الهيئة الانتخابية التقليدية من أجل استقطابهم وكسب دعمهم المعنوي المؤثر على بقية قبائل السلطنة، أما الأسس الخارجية فتمثلت في إقامة علاقة حسن جوار مع القبائل القاطنة حولها عن طريق التبادل الاقتصادي والتجاري أو عن طريق المصاهرة (خاصةً مع قبائل يافع). 2 - كشف البحث عن عمق التجربة السياسية الخارجية لدى سلاطين العبادل رغم محدوديتها، ورغم موقع بلادهم وظروفها، إلا أنهم تفهموا بالحس السياسي كيفية التعامل مع القوى الأوروبية والغسلامية المتصارعة على منطقتهم (ميناء عدن)، بدءاً بالسلطان أحمد عبدالكريم وانتهاءً بالسلطان علي بن أحمد الذي رفض الانصياع لدعوة العثمانيين في التوجه إليهم خلال الحرب العالمية الأولى، وإن كان قد فقد حياته وبلاده لتخاذل البريطانيين عن نصرته ومساعدته. 3 - أثبت البحث أن سلطنة لحج ظلت حجر الزاوية في السياسة البريطانية في المحمية منذ أن بدأ النفوذ البريطاني يتغلغل فيها بعامة ويتأكد في عدن بخاصة، وأنها (أي لحج) أسهمت إسهاماً فاعلاً في استقرار النفوذ البريطاني في عدن، حيث كانت ظهيراً مخلصاً للبريطانيين، وعن طريقها (عندما التقت مصلحة الطرفين) عمقت الاستعمار البريطاني في إمارات الجنوب العربي. 4 - أبرز البحث دور سلطنة لحج في الحرب العالمية الأولى، والجهود التي بذلها سلطانها علي بن أحمد للدعاية للبريطانيين في المحمية لمواجهة الدعاية المضادة التي كان يبثها العثمانيون، ورغم مصداقية السلطان علي في تعامله مع البريطانيين إلا أنهم (أي البريطانيين) جعلوا من بلاده كبش فداء لحماية عدن من التقدم العثماني.

5 - أوضح البحث حقيقة مهمة وهي أنه بالرغم من الآثار السلبية التي ترتبت على استيلاء العثمانيين على لحج، التي تمثلت في هجرة معظم سكانها والأسرة الحاكمة إلى عدن، إلا أن السلطنة استفادت من الإنشاءات التي حققها العثمانيون فيها، التي من أبرزها إنشاء مدرسة الاتحاد والترقي، حيث كانت النواة للمدرسة المحسنية التي تأسست بعد الحرب العالمية الأولى، كذلك عنايتهم بالصحة والزراعة عن طريق إنشاء مستوصف طبي والاهتمام بزراعة الأراضي. 6 - أثبت البحث أن سلطنة لحج استفادت من الاستراتيجية البريطانية نحوها بعد الحرب العالمية الأولى، التي أرادت منها أن تكون قويةً بدرجة تمكنها من مقاومة أي غزو محلي أو إقليمي، وذلك بتدعيم قدراتها العسكرية وتنظيم علاقاتها المحلية ودعمها مادياً، وفي الوقت ذاته قضت هذه الاستراتيجية أن تظل لحج قوةً دون المستوى الذي يجعلها بذاتها أو بمساعدة غيرها تفكر في الخروج عن دائرة الفلك البريطاني. 7 - كشف البحث أن التطور السياسي والدستوري في السلطنة كان يسير بخطىً متثاقلة منذ تأسيسها إلى عهد السلطان عبدالكريم فضل الذي حاول تحقيق تعديل نظام الحكم باستحداث ولاية العهد، ثم شهدت السلطنة تطوراً سياسياً ودستورياً سريعاً كان أشبه بالانقلاب المفاجئ عندما حاول السلطان فضل (بجهود من كان يقف وراءه من رجال الحركة الوطنية) وتحقيق نوعٌ من النظم الديمقراطية في الحكم عندما ضمن الدستور اللحجي حقاً للمجلس التشريعي اللحجي بانتخاب سلطان لحج، غير أن جهود كل من الأب والابن أخفقت لموقف البريطانيين من كلا الحدثين واستمرت لحج في نظامها السياسي حتى نهاية تاريخها على النظام القبلي القائم على العُرف والتقاليد. 8 - أبرز البحث الجانب الوطني في علاقة سلطنة لحج ببريطانيا، الذي أسهم فيه بصورة مباشرة مؤسسوا الرابطة، يدل على ذلك دورهم في اندلاع الحركة المعادية للاستعمار في لحج، حيث استطاعوا إحراز نجاحٍ كبيرٍ بإعلان الدستور اللحجي وتأسيس المجلس التشريعي محققين صفة الريادة في هذه الإنجازين على مستوى شبه الجزيرة العربية بأكملها، كما أن تجربة إعلان الدستور وتأسيس المجلس التشريعي تعد تجربةً باهرةً قياساً على ظروف السلطنة السياسية واقعها الاجتماعي والثقافي. 9 - كشف البحث عن الضغوط التي تعرضت لها سلطنة لحج لقبول الاستشارة البريطانية، ومقاومة لحج لهذه الضغوط بالسبل كافة، إلا أن سياسة السلطان فضل ساعدت على بلوغ البريطانيين لأهدافهم، وبالتالي أسهمت سياسة السلطان فضل في خنق كافة الجهود التي بذلها رجال الحركة الوطنية لإنقاذ لحج من نظام الاستشارة، التي نزلت بمستوى لحج من الإمارة التي كانت تتمتع بنوعٍ من الاستقلال الداخلي إلى محمية بريطانية قلباً وقالباً من الناحية القانونية. 10 - عالج البحث بموضوعية وضع سلطنة لحج في ظل الاستشارة البريطانية، وكيف أنها استطاعت تحويل الاستشارة البريطانية المحققة إلى استشارة لحجية مؤكدة من خلال الإنجازات التي حققتها السلطنة اعتماداً على جهودها الذاتية دون دعم المستشار البريطاني إلا بالقدر الذي يتطلب منها طلب هذا العون، وكان نجاح زراعة القطن في السلطنة من أهم تلك الإنجازات. 11 - كشف البحث عن الجوانب الغامضة من تاريخ الحركة الوطنية في لحج، وأثبت البحث أن الأندية التي أسهم أبناء لحج في تأسيسها في عدن، أو في لحج هي التربة التي نمت وترعرعت فيها جذور الوعي الوطني ثم بعد ذلك تبلور هذا الوعي وعبر عن نفسه في الجمعيات أو الأحزاب السياسية.

12 - استعرض البحث مقدار الكفاح الذي خاضته رابطة أبناء الجنوب (وأسهم فيه أبناء لحج من أعضاء الرابطة أو من غير الأعضاء) من أجل أهدافها وما تحمله من مشاعر التحرر والوحدة، وقد كانت تلك الأهداف الطرف المقابل لبريطانيا والمعارض لوجودها ونفوذها، وقد كانت تلك الأهداف أن تتحقق لولا القصور الذي عانت منه الحركة الوطنية في الجنوب العربي، غير أنه مما يحفظ للرابطة ريادة الكفاح ضد الاستعمار البريطاني وشمولية دعوتها ونظرتها للجنوب كله. 13 - أثبت البحث أن لحج كانت المرتكز الأساسي لأيةِ فكرةٍ اتحادية يدعو لها البريطانيون في المنطقة بدءاً بمؤتمرات لحج التي كانت خطوةً نحو الفيدرالية التي سعى البريطانيون لتحقيقها بعد الحرب العالمية الأولى وانتهاءً بمشروع 1377هـ/1958م الذي مهد لقيام اتحاد إمارات الجنوب العربي. ثانياً: فيما يتعلق ببريطانيا: 1 - كشف البحث عن سياسة الحكومة البريطانية التي التزمت بها منذ احتلالها لعدن في عام 1254هـ/1839م، التي كانت تقضي بعدم التدخل في شؤون الإمارات الداخلية إلا بقدر ما يحقق مصالحها، غير أنه في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبعد تجربة استيلاء العثمانيين على لحج، أخذ مسئولو عدن يفكرون في تغيير تلك السياسة. 2 - أوضح البحث تزايد أهمية عدن بعد الحرب العالمية الأولى بعد أن استحدثت بريطانيا لها قاعدةً جويةً إضافةً لكونها قاعدةً بحرية، ومكَّن هذا الاستحداث بريطانيا من التغلغل في محمية عدن وإخضاع قبائلها وتأمين خطوط التجارة إلى عدن، كما استخدمت قاعدة عدن لقصف القبائل المناوئة في المحمية والمدن اليمنية لإرغام قوات الإمام يحيى على الانسحاب خلف الحدود. 3 - كشف البحث عن عوامل تغير السياسة البريطانية في الجنوب العربي وسعي هذه السياسة الحثيث من أجل المحافظة على عدم، ووضح أبعاد السياسة البريطانية عندما حولت عدن إلى مستعمرة تابعة مباشرة لوزارة المستعمرات عام 1356هـ/1937م، ودمج الإمارات المحيطة بعدن في محميتين أولاهما المحمية الغربية، التي أصبحت لحج جزءاً منها، والأخرى المحمية الشرقية. 4 - كشف البحث عن الأسلوب الجديد الذي اتبعه البريطانيون في تدعيم وضعهم بالمنطقة خاصةً مع فشل نظام الحماية في تدعيم هذا الوضع، فكان أن طرحوا نظاماً جديداً أو سياسة جديدة عرفت بالاستشارة، وبها استطاعوا تعميق نفوذهم في المحميات. 5 - ألقى البحث الضوء على الصعوبات التي واجهتها بريطانيا من أجل مقاومة الادعاءات اليمنية في المحمية وعدن، وصد غاراتها، واتباع البريطانيين الأساليب المختلفة، لمقاومة هذه الادعاءات تضمنت التنفير من الحكم الزيدي واللجوء إلى القوة العسكرية، وإغداق الأموال على مشايخ القبائل. 6 - أثبت البحث الوضع المتفوق لبريطانيا في عدن والمحمية بحيث لم تستطع أي من الدول العظمى، وللعديد من الأسباب التي ورد ذكرها تفصيلاً في الدراسة، أن تمثل تحديات خطيرة لها. 7 - كشف البحث عن أساليب التغلغل الاستعماري البريطاني في سلطنة لحج التي كان آخرها طرح مشروع الاتحاد الفيدرالي بين إمارات المحمية، وتحطيم جهود لحج لمقاومة هذا التغلغل حتى نجحت بريطانيا في تحقيق فكرة الاتحاد عام 1378هـ/1959م. ثالثاً: فيما يتعلق باليمن: 1 - أوضح البحث أن اليمن جعلت من مطالبها بالمحمية، ومن ضمنها لحج أمراً أساسياً في علاقتها بإمارات المحمية وبريطانيا، دون محاولةٍ منها للتعرف على آراء الطرف الثالث وهم حكام المحمية وشعبها.

2 - أثبت البحث فشل السياسة اليمنية في العلاقات مع المحمية، نظراً لعدم قدرتها على استقطاب قبائل المحمية إلى جانبها بالطرق الدبلوماسية أو محاولة إجراء إصلاحات داخلية في اليمن تتفوق بها على تلك المقارنة التي كان يعقدها البريطانيون بين أوضاع المحمية واليمن، بل إن لجوءها للقوة العسكرية وسوء أوضاعها الداخلية كانا من أقوى الأسباب التي جعلت حكام المحمية وشعبها ينفرون من الحكم الزيدي. 3 - أثبت البحث قصور الموقف اليمني من سلطنة لحج في الأحداث التي عصفت بها، والتي كانت بها (أي لحج) بحاجةٍ إلى الدعم اليمني العربي، فاكتفى اليمن بكتابة المذكرات والاحتجاجات دون اتخاذ خطوات إيجابية يساند بها السلطنة. وأقوى مثال على اتخاذ الموقف اليمني من سلطنة لحج رفض الإمام أحمد طلب السلطان علي عبدالكريم تبني قضيته لعرضها على هيئة الأمم المتحدة، والتصدي لطلب لحج للانضمام لجامعة الدول العربية الأمر الذي أوقع لحج في شباك الاستشارة البريطانية. 4 - أوضح البحث أن اليمن لم تحاول أن تكون العمق الاستراتيجي لمساندة حركة التحرير الوطني ضد الاستعمار البريطاني؛ بل إن التشدد في مطالبها والإصرار عليها في كل موقف ومحفل عربي ودولي أضرَّ بقضية الجنوب العربي، وعُدَّ تضييقاً على الحركة الوطنية في الجنوب التي كانت تسعى لإيصال صوتها للمحافل العربية والدولية، وقد كان بإمكان اليمن تحالفاً مع الحركة الوطنية تحقيق مكاسب سياسية لصالح المنطقة ككل. 5 - سواءً تعلق الأمر باليمن أو سلطنة لحج فقد أثبت البحث أن جامعة الدول العربية لم تقف موقفاً صلباً كهيئة سياسية عربية ودولية في جانب أيٍ من الطرفين، فقد اكتفت بإمكانات الحل السلمي، ومع تبنيها للمطالب اليمنية اكتفت بالدعم الدبلوماسي الذي ظهر على شكل قرارات مؤيدةٍ، وظلت الجامعة متأرجحة في علاقتها بالطرفين (اليمن والجنوب العربي) ففي الوقت الذي تؤيد فيه اليمن في مطالبه بالجنوب العربي كانت تعطف على هذا الجنوب وحركته الوطنية، ومع هذا التأرجح لم تحاول تقديم عونٍ ماديٍ وفنيٍ لتنمية المنطقة، أو عونٍ عسكريٍ لتأمينِ المكاسبِ الوطنيةِ التحريريةِ في الجنوب.

فلسطينيو العراق بين الشتات والموت

فلسطينيو العراق بين الشتات والموت ¤أحمد اليوسف£بدون¥لجنة الدفاع عن عقيدة أهل السنة – فلسطين¨بدون¢بدون€سياسة عالمية¶فلسطين - تاريخ وقضية خاتمة: فلسطينيو العراق شتات جديد وهجرة متكررة. يبدو أن قدر الفلسطيني في التاريخ المعاصر والعقود الستة المنصرمة الشتات والتهجير وتذوق ألوان المآسي وشظف العيش، وهذا حال المسلم وصاحب القضية في دنيا المحن والابتلاءات، فأكثر من ستة ملايين فلسطيني يعيشون بعيدا عن أرضهم وديارهم هجروا وشردوا على مراحل وبطرق وأساليب منوعة وبأشكال متعددة منذ النكبة الأولى عام 1948 وما تبعها ولغاية عام 2006 والمشهد مازال يتكرر هنا وهناك لكن بحقائق مرة, وأوجه أنكى, وأكثر مأساوية من سابقاتها. إن قلة قليلة من الفلسطينيين الذين تركوا ديارهم مضطرين ومكرهين أثر نكبة عام 1948 وصلوا إلى العراق, على أمل أن تكون محطة ثم يعودوا إلى قراهم ومساكنهم بعد أسبوعين أو ثلاثة!!! , هذه القلة تتكون من 886 عائلة بنحو (3000 - 50000 شخص) خرج غالبيتهم وبنسبة (80%) من قرى مثلث الكرمل الصغير جنوب حيفا (إجزم 33%، وجبع 29%، وعين غزال 18%) و15% من القرى الأخرى المحيطة بحيفا (كفر لام والمزار وعتليت وصرفند وأم الزينات وطنطورة وعين حوض والطيرة) و4% من يافا و1% من نفس حيفا. تلك العوائل كانت تعيش بأمن وسلام على أرضها لكن سرعان ما تعرضوا للشتات وكان مآلهم ونصيبهم أن يقطنوا بلاد الرافدين والرضى بالواقع الجديد إذ تعايشوا مع العراقيين وتآلفوا معهم واندمجوا في مجتمعهم واكتسبوا الكثير من صفاتهم وتقاليدهم وعاشوا أفراحهم وأتراحهم لأكثر من خمسين عاما، لا سيما وأن أكثر من 80% من فلسطينيي العراق اليوم هم من مواليد العراق، لكن بعد احتلال العراق عام 2003, وحدوث تغيير جذري في طبيعة وتركيبة وديموغرافية العرق, وكذلك التغيير في سياسة وتعامل وعلاقة شرائح واسعة من المجتمع العراقي، وكل هذا انعكس سلبا على الوجود الفلسطيني وبدأت مرحلة جديدة ومريرة من الشتات والانتقال لكن لوجهة غير محددة ومكان غير معلوم ومصير مجهول على خلاف هجرة الآباء والأجداد الأولى. بدأت هذه الرحلة والحقبة المظلمة بطرد وتهجير أكثر من 400 عائلة فلسطينية من مناطق مختلفة من بغداد وبمبررات طائفية وأحقاد وضغائن عنصرية قديمة وبعضها لأغراض مادية محضة واستغلال الوضع الأمني المنفلت، لتسكن تلك العوائل في مخيم أقيم لهم على ساحة لكرة القدم في نادي حيفا الرياضي في مجمع البلديات، وخرج عدد أكبر منه نتيجة التدهور الخطير وانعدام الأمان نحو الحدود العراقية الأردنية على أمل الدخول إلى الأردن، تقول منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها المنشور عن الفلسطينيين في العراق في شهر سبتمبر/ أيلول 2006 (لقد أدت الهجمات التي استهدفت اللاجئين الفلسطينيين العراقيين عام 2003 إلى تشريد الآلاف منهم داخلياً، إضافة إلى فرار المئات إلى الأردن. وقد أغلق الأردن حدوده في البداية، ثم سمح بدخول عدة مئات منهم إلى مخيم الرويشد المعزول القاحل الذي يقع على مسافة 85 كم داخل الحدود الأردنية. أما بقية الفلسطينيين العراقيين فظلوا أكثر من سنتين في مخيم الكرامة الذي لا يقل قسوة, والواقع داخل المنطقة العازلة على الحدود العراقية الأردنية، إلى أن قامت السلطات الأردنية بإغلاقه عام 2005 ونقلهم إلى مخيم الرويشد. وخلال السنوات الثلاث الماضية، كان عدة مئات من الفلسطينيين بمثابة سجناء في مخيم الرويشد. وقد فضل قرابة 250 منهم العودة إلى الوضع الخطير الذي كانوا يعيشونه في العراق على البقاء في المخيم دون بارقة أمل بإيجاد حل لمحنتهم).

في عام 2004 لم تكن هناك عمليات تهجير واسعة بحق الفلسطينيين إلا أعداد متفرقة من العوائل بحسب المناطق التي يتعرضون فيها لضغوطات فردية أو شعور بعدم الأمان. ومع ظهور ملامح الحكومة الطائفية الجديدة عام 2005 لم يبق الأمر على ما هو عليه إنما ازدادت حدة المضايقات والتعرض للفلسطينيين على الهوية وشملت حالات اعتقال واختطاف وتعذيب وقتل وتحريض إعلامي واسع مع اضطراب في الوضع الأمني وسيطرة الميليشيات على كثير من المناطق وبدعم حكومي لها مع تضييق في موارد كسب الرزق والقوت اليومي كل ذلك أدى لعمليات نزوح وانتقال وهجرة داخلية في الغالب لأكثر من 200 عائلة من مناطق متفرقة من بغداد. قد يقول قائل إن ما يعانيه الفلسطيني هو نتاج وضع عام ومستجد طرئ على الكل داخل العراق, بما فيهم العراقيين فهم يعانون كذلك، بمعنى أن الفلسطيني هو ضمن حالة شاملة فلماذا هذا التخصيص والتظلم والاستثناء؟ فهذا تساؤل وارد ومطروح لكن لابد من إزالة الإشكال وبيان الحال والوقوف على حقيقة الأمر والصورة المخفية على الجميع وذلك في عدة نقاط: 1 - إن الكلام والحديث بهذه الطريقة عن مدى مظلومية الفلسطينيين وما يتعرضون له من جرائم ومجازر متكررة لا يلغي الظلم الواقع على شريحة معينة وواسعة من العراقيين. 2 - إن الفلسطينيين في العراق أقلية ولا يتجاوز عددهم الآن بعد المجازر والتهجير المتكرر 18000 شخص. 3 - إن الفلسطينيين في العراق من أكثر الأقليات عرضة للانتهاكات. 4 - إن وجود الفلسطينيين في العراق اضطراري وليس بمحض إرادتهم لكن الظروف ومجريات الأحداث فرضت عليهم ذلك. 5 - إن الفلسطينيين في العراق لاجئون ولهم حقوق تكفلها لهم القوانين الدولية، لذلك يجب التعاطي مع قضيتهم من ذلك المنطلق. 6 - الفلسطينيون في العراق ليس لهم وضع قانوني واضح, فلا يعرفون أنفسهم أهم لاجئون, أم مقيمون, أو وافدون, أم هجرون؟!! إذ انتزعت منهم صفة الإقامة الدائمة, وأصبحوا يعاملوا معاملة الأجنبي غير المقيم, بدلا من معاملتهم كلاجئين معترف بهم. 7 - العراقي إذا تعرض إلى ظلم أو تضييق أو اضطهاد فبإمكانه مغادرة البلاد وله بدائل كثيرة, أما الفلسطيني فلا يتمكن من المغادرة إلا إلى الصحراء ولا يسمح له دخول أي دولة إلا حالات فردية نادرة!!!. 8 - العراقي إذا فقد الأمن والأمان في منطقة فله بدائل عدة في الانتقال إلى محافظة أخرى, أو مدينة, أو قرية, أو منطقة أكثر أمنا وأمانا، أما الفلسطيني فلا يمكنه ذلك لصعوبة تنقله وتحركه داخل البلاد. 9 - العراقي إذا تعرض لمعاناة فبإمكانه اللجوء إلى عشيرته أو أقربائه للتخفيف عنه أو إيجاد حلول له بحسب التركيبة العشائرية لعموم العراقيين، أما الفلسطيني فلا. 10 - العراقي بإمكانه في الغالب الاستعانة أو الانتماء أو طلب الاستجارة من أي جهة أو فئة أو تنظيم أو حزب بحسب التقسيمات الجديدة، أما الفلسطيني فلا. هذه الأمور والقضايا بمجملها مجتمعة أو متفرقة تضاف إلى طبيعة المعاناة والاستهداف المستمر لفلسطيني العراق، تجعله يمر بمحنة ومأساة تفوق كل ما يتعرض له أهلنا وأحبتنا في العراق الجريح.

إن النكبة الجديدة التي يتعرض لها الفلسطينيون في العراق ليس على يد اليهود الغاصبين إنما على أيدي أناس يدعون الإسلام, ويتقربون إلى الله بسفك دم الفلسطينيين, وبطرق وحشية, وبربرية, وهمجية لم يشهد لها التاريخ مثيل، فبعد أحداث سامراء وما تبعها من ردود أفعال وعنف طائفي مقيت, مرة على الفلسطينيين أوقات ولحظات من المحن والضائقة التي لا يعلمها إلا الله, وما زالت مستمرة وبتزايد وتصعيد كبير، فنحن نمر هذه الأيام بفترات عصيبة جدا فاقت سجون التفتيش, وأفاعيل هولاكو, والحقبة النازية، فبحدود 200 فلسطيني بينهم أطفال ونساء غادروا منازلهم بتاريخ 18/ 3/2006 بفعل تصاعد وتيرة العنف الطائفي, والاستهداف على الهوية, متجهين نحو الحدود الأردنية, ومنعوا من الالتحاق بالعوائل المتبقية ضمن مخيم الرويشد المقام منذ عام 2003 وأعيدوا بالقوة إلى داخل الحدود العراقية, حيث أقيم لهم مخيم طريبيل ومكثوا فيه لغاية 9/ 5/2006 مع التحاق آخرين بهم حتى نقل 304 فلسطيني بعد السماح لهم إلى مخيم الهول في محافظة الحكسة السورية لتبدأ رحلة جديدة من الشتات والتهجير. واستمرت حالات النزوح المتكررة نحو الحدود السورية على أمل الالتحاق بمخيم الهول مع أنه شبه سجن، إلا أنهم منعوا من ذلك, وتم إنشاء مخيم جديد على الحدود العراقية والسورية قريب من بوابة الحد السوري, سمي بمخيم التنف وفيه 343 فلسطيني بينهم نساء وأطفال وكبار بالسن ومعاقين ومرضى، ولا زال إلى الآن مع ما يعانون من ظروف معاشية وبيئية وجوية قاسية جدا، وقد شهد شهر كانون الأول من عام 2006 نزوح آخر صوب الحدود السورية والعجيب بأنهم منعوا حتى من الالتحاق بمخيم التنف وأقيم لهم مخيم قبل بوابة الحدود العراقية سمي بمخيم الوليد فيه أكثر من 120 فلسطيني بينهم أطفال ونساء وأيضاً مرت عليهم ظروف قاسية جدا جدا، فعمليات النزوح مستمرة بسبب تصاعد عمليات الاستهداف المختلفة، وكأننا ندفع ضريبة فلسطينيتنا بهذه الانتهاكات في زمن الديمقراطية المزعومة, وحقوق الإنسان, والحرية, والشعارات البراقة, وعصر التكنولوجيا, والله المستعان. هنالك حالات واسعة من عمليات التهجير والنزوح الداخلية من بعض التجمعات الفلسطينية الصغيرة والضعيفة, إلى تجمعات في ظنهم بإنها أقل خطرا وأكثر أمنا؛ لكثرة عددهم النسبي كمجمع البلديات الذي لم يعد آمنا, وتم التركيز عليه في الآونة الأخيرة بقصفه, وتضييق الخناق على ساكنيه, حتى أدى ذلك لمغادرة وخروج أعداد كبيرة منه إما إلى الصحراء, أو إلى المجهول، كل ذلك بسبب تزايد أعمال العنف والاستهداف بحقهم, أو تهديدهم واستفزازهم من قبل الميليشيات الطائفية, التي أصبحت تصول وتجول في معظم مناطق بغداد. ومن أشكال الهجرة والشتات الغريبة لفلسطينيي العراق بسبب الضائقة والمحنة العظيمة وصول أكثر من 100 فلسطيني خلال عام 2006 إلى الهند بدفعات مختلفة للحصول على شيء من الأمان المفقود ولو في شبه القارة الهندية الفقيرة المعدمة، طالبين اللجوء من الأمم المتحدة لأن وجودهم وحياتهم في العراق أصبحت مستحيلة. ومن مظاهر الشتات والتشرذم سفر العشرات إلى دول أوروبا بطرق ملتوية وصعوبات مضنية, فرارا من القتل الذي يلاحقهم وطلبا للجوء الإنساني، الذي لم يجدوه عند معظم الدول العربية للأسف الشديد, وكأن الأمر لا يعنيهم، كما وقد غادر المئات من الفلسطينيين متوجهين إلى بعض الدول العربية القليلة جدا, بعد الصعوبات والتعقيدات في الحصول على موافقات فردية وخاصة للسماح لهم بالدخول، والعجيب أن معظم الدول العربية تغلق أبوابها في وجه الفلسطينيين المتواجدين في العراق وتمنعهم, من الدخول أو الفرار أو العمل والاستثمار مخالفين كل الشعارات والدعاوى التي يطلقونها هنا وهناك بوقوفهم وتضامنهم مع القضية الفلسطينية والفلسطينيين؟!!!

مؤامرة الغرب على العرب

مؤامرة الغرب على العرب ¤ياسين سويد£بدون¥المركز العربي للأبحاث والتوثيق¨الأولى¢1992م€سياسة عالمية¶الإسلام - مطاعن وغزو فكري وشبهات ومكايد دولية الخاتمة كم كنت أتمنَّى أن أختم كتابي هذا بصورة مشرقة تبعث في نفس القارئ العربي التفاؤل والأمل بمستقبل مضيء، لولا أن الواقع العربي المظلم والبائس فرض عليّ عكس ما تمنّيت. وسيظل هذا الواقع قائماً إلى أن يكتب لهذه الأمّة أن تحظى بقدر من الوعي والإدراك يدفعانها إلى التأمّل العميق في أوضاعها، ويحثَّانها على السعي الدؤوب لتدارك المأساة الكبرى التي تكاد تلمّ بها إن هي استمرَّت في واقع التشرذم والتمزّق اللذين تتخبَّط فيهما، وإن لم تسارع إلى لملمة أشلائها واستعادة كيانه الموحّد، وذلك هو السبيل الوحيد لتدارك الخطر المحدِّق بها. إن أمّتنا العربية في خطر كبير لم تتعرَّض له منذ قرون، ويتجلَّى هذا الخطر في مؤامرة مزدوجة الإطار: ـ الإطار الاستعماري الذي تجسِّده أطماع الدول الغربية الاستعمارية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، بخيراتها وثرواتها. ولذلك، فهي تسعى لمنع اجتماعها ووحدتها بكل الوسائل، لأنها تدرك، تمام الإدراك، أن في وحدة العرب قضاء على الاستعمار بكل أشكاله، واستعادة لدورهم التاريخي المشرق في العالم. ـ والإطار العنصري الذي يتجسّد في الكيان الصهيوني الذي أقامه الاستعمار الغربي في قلب وطننا العربي، ولا يزال يرفده بالدم والعون والدعم لكي يبقى ذلك "الحاجز البشري القوي والمعادي للسكَّان"، الذي يفصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه، والذي يمنع وحدته وتقدّمه وازدهاره. ذلك هو الخطر الكبير المحدّق بأمّتنا، وهو خطر لا بدّ وأن يكون مدمِّراً إن لم نتداركه بالوعي القومي، وبالعزم والإرادة والتضحية، فننتصر على أنانيتنا وإقليميتنا وكيانيتنا، ونحقِّق لهذه الأمّة، وللأجيال القادمة، ما تصبو إليه من عزّة ومنعة وقوّة، السبيل الوحيد إلى حياة كريمة زاخرة بالمجد والعطاء. ولن يكون ذلك ممكناً إن لم نحقِّق، أولاً وقبل كل شيء، ما افتقدناه منذ زمن طويل، وما كان افتقارنا إليه سبب كل هزائمنا وضعفنا، ألا وهو: وحدتنا القومية. فهل نحن مؤمنون، حقاً، أنها العلاج والحل؟ وهل نحن عاملون لأجلها؟ وساعون لتحقيقها؟ وهل تكون الهزائم التي ألَّمت بنا، طيلة قرون، حافزاً لنا على طلبها والسعي، بجد، إليها، باعتبارها، وحدها، خشبة الخلاص؟ لعلّنا نتّعظ، فنتّحد، فننتصر! بيروت في 27 شباط/ فبراير 1992

محاولات التدخل الروسي في الخليج العربي 1297 - 1325هـ/ 1880 - 1907م

محاولات التدخل الروسي في الخليج العربي 1297 - 1325هـ/ 1880 - 1907م ¤نادية وليد الدوسري£بدون¥دارة الملك عبد العزيز – السعودية¨بدون¢بدون€سياسة عالمية¶خليج عربي الخاتمة: الثورة الصناعية التي اجتاحت أوروبا كانت المحرك الأساس لتصارع الدول وظهور سياسة الاستعمار التي كانت تسمى بالاستعمار الاقتصادي والتجاري، إلى جانب ضعف الدولة العثمانية الذي أتاح المجال لتكالب دول الاستعمار الأوروبي على المنطقة، مما ترتب عليه تغير سياسة بعض الدول تجاه الدولة العثمانية، مثل بريطانيا من المحافظة على وحدتها إلى التسابق لاقتسامها وتفتيت أراضيها، ومن ثم بدأ الصراع الدولي للسيطرة على المنطقة، وكان صراعاً سياسياً واقتصادياً ودينياً من أجل امتلاك أكبر جزء من ممتلكات الدولة العثمانية، وخاصة الخليج العربي، ليصبح بذلك منطقة إستراتيجية مهمة للإنجليز حيث يقع في الطريق إلى الهند. وعلى الرغم من المواثيق والمعاهدات التي كانت تعقد بين بريطانيا وغيرها من الدول الكبرى، إلا أن بريطانيا كانت في أغلب الأحيان تتحايل من أجل خرق تلك التعهدات لتستأثر بالخليج وحدها، وقد نجحت في إبعاد فرنسا عن طريقها، كما نجحت في إحباط مشروع ألمانيا الذي عرف تاريخياً بخط حديد برلين –بغداد لينافس النفوذ البريطاني في المنطقة، وكانت ألمانيا وليدة الثورة الصناعية التي جعلت منها دولة قوية وخاصة بعد أن توحدت على يد بسمارك، وقد اتخذ الصراع الألماني البريطاني طابعاً تجارياً عن طريق نشر البضائع الألمانية المشهورة بجودتها وكفاءتها التي لا تنافس، مما شكل خطراً هدد الوجود الاقتصادي البريطاني في المنطقة، ومن ثم كان دخول روسيا دولة معارضة لإتمام مشروع خط حديد برلين – بغداد الذي كان يشكل خطورة على سير الخطوط الحديدية الروسية في القوقاز وبقية المناطق، بل إن النفوذ الألماني سيحول دون وصول روسيا إلى المياه الدافئة في الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط. ولذا كان الصراع صراعاً دولياً لتحدي الوجود البريطاني المهيمن على الخليج، وهو ما دفع روسيا لتنفيذ محاولتها للوصول إلى الخليج، ورغبتها في إنشاء ميناء وقاعدة حربية في الخليج، فاختارت روسيا فارس بحكم الجوار الجغرافي والحدود الطويلة المشتركة بينهما، لتكون قاعدة انطلاق نحو طموحها للبحار المفتوحة والمياه الدافئة، فأصبحت فارس محوراً أساسياً للوصول إلى الخليج العربي، ولم يقتصر روسيا على الأمور العسكرية فقط للنفوذ إلى فارس والسيطرة عليها، بل بدأت تخوض مجالات أخرى تمثلت في إرسال القناصل بصورة مستمرة، وإقامة شبكة من خطوط السكك الحديدية والخطوط الملاحية والشركات التجارية والبعثات الروسية على هيئة ضباط عسكريين وزيارات مسؤولين وأطباء للبحث عن منفذ لهم على الخليج العربي، فكان التركيز على فتح القنصليات في مدن فارس والخليج يشكل نشاطاً دبلوماسياً مهماً اعتمدت روسيا عليه لرعاية مصالحها. وقد ربطت روسيا الأمور القنصلية بأمور التجارة وتطورها وتقدمها، وكان تعيين القناصل الروس بهدف إضعاف النفوذ البريطاني، وإعاقة علاقاتها مع شيوخ الخليج العربي، فشعر الإنجليز بأن إقامة القنصليات الروسية يعد تحدياً سياسياً واضحاً لحكومة بريطانيا في المنطقة.

وزيادة في السيطرة فإن روسيا فرضت تعرفة جمركية مرتفعة على البضائع البريطانية لمنافسة التجارة البريطانية في فارس، وقد ركزت روسيا على الامتيازات في فارس التي تتيح لها الفرصة للنفوذ والسيطرة والتوسع، وركزت روسيا أيضاً على مشروعات السكك الحديدية لتكون وسيلة لامتلاك الخليج والسيطرة عليه، فتحولت مشروعات السكك الحديدية إلى حرب اقتصادية وثقافية دولية مهدت للاحتلال العسكري والسياسي. استخدمت روسيا المصارف والقروض وسائل لعرقلة النشاط البريطاني في فارس، وتشويه سمعة البنوك، البريطانية فيها، كما استخدمت القروض وسائل ضغط لتخفيض الرسوم الجمركية على جميع ما تصدره روسيا لفارس، وترتب على ذلك ازدياد الشغب من قبل الشعب الفارسي، بخاصة علماء الدين، وكان ذلك سبباً في فرض الضرائب الباهظة على السلع الضرورية. وسعت روسيا أيضاً لإنشاء خط ملاحي روسي لربط موانئ روسيا بالخليج لتقوية التبادل التجاري بين المنطقتين، بالإضافة إلى الطب الذي استخدمته روسيا ذريعة للتدخل في شؤون فارس والخليج، فأصبحت هذه المهنة مرتبطة بأمور سياسية للتأثير في سكان المنطقة، مما أثار حفيظة بريطانيا وقلقها، بخاصة أن الأطباء كانوا يرسلون التقارير السياسية الرسمية إلى الحكومة الروسية، وكان الهدف هو مضايقة الإنجليز وعرقلة الطريق البري التجاري بين الهند وخراسان للحد من انتشار التجارة الإنجليزية. ولقد أدى ظهور شركات الملاحة الأوروبية الغربية في مياه الخليج إلى التقليل من الاحتكار البريطاني للملاحة، فازداد التنافس في مجال أجور النقل مما ترتب عليه انخفاضها نظراً لدخول شركات البواخر الأجنبية في مياه الخليج، فتأثرت بريطانيا. وبناء عليه عدت روسيا الخليج العربي خليجاً مفتوحاً لجميع السفن، وليس حكراً على بريطانيا، مما جعل التنافس الاستعماري في فارس ودول المنطقة جعلها تقف بعيدة عن الأطماع الأجنبية ومنحها نوعاً من الاستقرار. ومن ثم كان ترحيب شيوخ الخليج بالروس في محاولة منهم لتخفيف ضغط الإنجليز الواقع على المنطقة، ولاسيما أن دخول الروس إلى مشيخات الخليج كان تجارياً وثقافياً في بداية الأمر، وكان مقدمة للتدخل السياسي في المنطقة للسيطرة عليها. ويعد التحالف الروسي الفرنسي عام 1311هـ/ 1893م خطوة عكسية خطتها روسيا للوصول إلى الخليج، نظراً للصلات الطيبة التي تربط فرنسا ببعض مناطق الخليج كمسقط، ونتيجة لذلك استخدمت روسيا السفن التجارية للوصول إلى الخليج لتصبح مراكز تجسس واستطلاع وجمع معلومات للبحرية الروسية، مما جعل بريطانيا تتصدى لهذه السفن، وتعاملها على أنها أساطيل بحرية روسية، بل إن بريطانيا سعت إلى عقد الاتفاقيات بينها وبين شيوخ الخليج، وأوجبت على الشيوخ عدم الدخول في مفاوضات، أو عقد اتفاقيات مع أي دولة دون موافقة الحكومة البريطانية، وبذلك أصبحت بريطانيا تسيطر على مسقط مفتاح الخليج العربي، وعلى البحرين في وسط الخليج. في حين استخدمت روسيا بالمقابل سياسة الترغيب عن طريق بذل المال ومنح الأوسمة والأنواط والنياشين وغيرها، وسائل للتقرب من شيوخ المنطقة، وذلك للحصول على محطات وموانئ مهمة لتزويد السفن الروسية بالفحم الضروري لإتمام العمليات الحربية البحرية، إلى جانب اهتمام روسيا بتحقيق مشروع (فلاديمير كابنيست Valadimir Kapnist) لمد خط حديدي يربط شرق البحر الأبيض المتوسط بالخليج العربي من طرابلس إلى الكويت وروسيا عن طريق الأراضي العثمانية، غير أن هذه المشروعات باءت بالفشل لعقد معاهدة الحماية بين بريطانيا والكويت عام 1316هـ/ 1899م.

استفاد الشيخ مبارك آل صباح من مخاوف الإنجليز لمحاولات روسيا في الوصول إلى الكويت لتحقيق طموحاته والحصول على الحماية التي وضعت قيوداً على الشيخ وتحركاته وعلاقاته بالدول الأخرى، مما جعل المتغيرات السياسية في المنطقة وسيلة اندفاع عند بعض مشايخ الخليج للمحافظة على استقلال مشيخاتهم. فترتب على ذلك معارضة روسيا لاتفاقية الحماية البريطانية الكويتية عام 1316هـ/ 1899م التي كان من شأنها إحباط خطط روسيا في المنطقة، واتهامها بريطانيا بخرق الوضع الراهن في المنطقة، وكان ضعف الدولة العثمانية في إشرافها على بعض الولايات العثمانية سبباً في تمكين بعض الدول الكبرى من عقد اتفاقيات مع شيوخها، أدت إلى اسقتلال الوالي بولايته. ونظراً لإدراك القوى المحلية في المنطقة لمجريات الأحداث وتطلعات الأمم الأخرى التي كانت طامعة في اقتسام وابتلاع ما يمكنها ابتلاعه، حاول ابن رشيد طلب الحماية من روسيا في محاولة للتأثير في بريطانيا لعقد اتفاقية معه، والأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بالإيعاز لبريطانيا لدعمه في مواجهة الدولة العثمانية. وفي الوقت نفسه أظهرت الدولة العثمانية انزعاجها من زيارة اللورد (كيرزون Curzon) للخليج، والتي قد تسبب ثورة العرب ضد الحكم العثماني، فامتنعت بريطانيا من التدخل في وسط شبه الجزيرة خوفاً من حدوث تقارب ألماني عثماني، مما قد يؤدي إلى عودة السيادة العثمانية على المنطقة، ومع ذلك سعت بريطانيا لإضعاف النفوذ العثماني لا القضاء عليه حتى لا تتيح لروسيا فرصة الاستيلاء على الأناضول، وبالتالي السيطرة على مضيقي البسفور والدردنيل للمحافظة على أمن خطوط مواصلاتها مع الهند. والجدير بالذكر أن بريطانيا هدفت إلى إضعاف فارس تمهيداً لزيادة السيطرة عليها، والتدخل في شؤونها، وبخاصة أن الخطر الروسي ليس خطراً عسكرياً فحسب، بل هو استعمار اقتصادي لمنطقة الشرق الأدنى، فبدأت المناورات العسكرية البحرية الإنجليزية، لاستعراض قوة البحرية البريطانية لوقف النشاط الروسي، كما بدأت في إثارة القلاقل في وجه الروس في العراق وداخل روسي الوسطى، لتشتيت القوات الروسية، ومنها من الاقتراب من الخليج. وهكذا امتازت العلاقة بين روسيا وبريطانيا بالتصادم، وكانت الأراضي الإسلامية مجالاً واسعاً لهذا التصادم، فاستخدمت بريطانيا الوفاق الودي البريطاني الياباني عام 1320هـ/ 1902م لمنع تدخل الروس في المنطقة الذي شكل اتفاقاً دبلوماسياً لإعلان الحرب على روسيا. يضاف إلى ذلك هزيمة روسيا في حربها مع اليابان عام 1323هـ/ 1905م، التي كان لها أثر كبير في تحويل روسيا عن المجال الآسيوي إلى المجال الأوربي، وخاصة في شبه جزيرة البلقان، وقد أثبتت الشعوب الأسيوية قدرتها على تحدي المستعمر الأبيض، وقد شكلت هزيمة روسيا بداية يقظة آسيا وانفراجها. وبسيطرة بريطانيا على الخليج ضمنت لنفسها امتلاك الطريق التجاري الكبير المتمثل في الخليج، وفي منطقة ما بين النهرين، هذا الطريق الذي سينافس طريق البحر الأحمر ومصر، ولما كانت الهند محور سياسة الإنجليز التوسعية، رغبوا في عمل شبكة مواصلات تربط الموانئ الهندية والخليج العربي بشواطئ سوريا والبحر الأسود، نظراً لموقع الخليج في الطريق إلى الهند. وقد أسفر الصراع الروسي الإنجليزي للسيطرة على المنطقة عن فشل محاولات روسيا في تحقيق أهدافها في مختلف مناطق الخليج بما فيها المحمرة، وعن اقتسام النفوذ في فارس: شمال فارس لروسيا وجنوبها لبريطانيا، بموجب اتفاق بطرسبرج عام 1325هـ/ 1907م الذي حل جميع المشكلات القائمة بين بريطانيا وروسيا في منطقة وسط آسيا: أفغانستان والهند، وغربها: الخليج العربي.

سيرة وشمائل محمدية

سيرة وشمائل محمدية

السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق (دراسة مقارنة في العهد المكي)

السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق (دراسة مقارنة في العهد المكي) ¤سليمان بن حمد العودة£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1423هـ€سيرة وشمائل محمدية¶دراسات توثيقية ومنهجية الحمد لله أولاً وآخراً، وهو الذي بنعمته تتم الصالحات .. وبعد: ففي نهاية هذه الرسالة، ومن خلال المقارنة بين رواية الصحيحين، وابن إسحاق في أحداث السيرة نستطيع أن نسجل الملحوظات الآتية: أولا: كثرة أحداث السيرة في الصحيحين خاصة في البخاري بشكل لا يتوقعه الباحث لكن جمع ذلك يحتاج إلى نوع من التقصي تفرضه طبيعة منهجهما التي سبق الحديث عنها وهذا المنهج من الدقة أحيانا وعدم الوضوح أحيانا بحيث يحتاج إلى إمعان نظر والرجوع إلى الشروح المعتبرة لتسهم في بيان المجمل وإيضاح المشكل. ومع هذه الكثرة تنتظم رواية الصحيحين جميع أحداث السيرة، ولعل من أبرز الإسناد في ذلك أن الشيخين اشترطا للتدوين في صحيحيهما علوا في الإسناد تقصر دونه بعض الأحداث في السيرة، وقبلها غيرهما كابن إسحاق وغيره من أرباب السير، بل وأصحاب كتب الحديث الأخرى الذين لم يلتزموا بشرط الشيخين. ومن هذه الأحداث التي أغفلتها رواية الصحيحين – في الفترة المكية حديث إرضاع حليمة السعدية للنبي صلى الله عليه وسلم، وفترة إقامته في بادية بني سعد، يستثنى من ذلك حديث مسلم عن شق الصدر في تلك الفترة. ومنها حديث ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام مع عمه إلى الشام وقصته مع " بحيرى" الراهب. ومنه: خبر إسلام عمه حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه. ومنها: الروايات في عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل. ثانيا: وهناك نوع من الحوادث في السيرة وردت الإشارة إليها في الصحيحين بشكل مجمل دون الإسهاب في تفصيلاتها، وهذا النوع نستفيد منه بتوثيق أصل الحادثة الواردة عن ابن إسحاق، لورودها في الصحيحين أو أحدهما ونحتاج في تفصيلاتها إلى نوع من الدراسة المنهجية الناقدة لنتبين الصحيح من الضعيف. ومن نماذج هذا النوع حادثة حصار الشعب، وتزويج خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم وإسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، والهجرة إلى الحبشة .. ونحوها. ثالثا: وفي مقابل هذا نجد في الصحيحين روايات لا وجود لها عند ابن إسحاق، وهذه تضيف إلى نصوص السيرة المشهورة نصوصا أخرى ربما غفل عنها بعض الباحثين، ففي " شق الصدر" مثلا تتفق رواية الصحيحين مع ابن إسحاق على شق صدره صلى الله عليه وسلم وهو في بني سعد، وتزيد رواية الصحيحين بذكر الواقعة مرة أخرى عند الإسراء والمعراج، وكذا " انشقاق القمر" وهو من معجزات النبوة في مكة تثبته رواية الصحيحين، ولم أجد له ذكرا عند ابن إسحاق. ومثال ذلك يقال في صعوده صلى الله عليه وسلم جبل جراء بمكة هو ونفر من أصحابه، وإخباره حينها عن أمور غيبية وقعت كما أخبر، وهذه ليس لها ذكر عند ابن إسحاق، وهي من روايات " مسلم" وفي وقائع الهجرة إلى المدينة تضيف رواية الصحيحين في طريق الهجرة أحداثا لم تأتي عليها رواية " ابن إسحاق" كخبر الراعي، ولقيا النبي صلى الله عليه وسلم للزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام، هذا فضلا عما في قصة " سراقة" من زيادات لا تذكرها رواية ابن إسحاق، كما سبق بيان ذلك.

رابعا: وهناك نوع من الحوادث تختلف دلالته بين رواية ابن إسحاق وبين الصحيحين، وتبرز الفروق جلية واضحة بينهما، وقد أبنت في فصول الرسالة أشياء كثيرة من هذا النوع ومن أمثلة هذا النوع. الاختلاف في كيفية بدء الوحي ونزول جبريل أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فحين تعرضه رواية ابن إسحاق والنبي صلى الله عليه وسلم نائم، تؤكد رواية الصحيحين أن ذلك كان في اليقظة. وأول ما نزل من القرآن – بعد فترة الوحي- سورة " الضحى" في رواية ابن إسحاق بينما في رواية الصحيحين سورة " المدثر". وفي موت ورقة بن نوفل خلاف بين رواية إسحاق والشيخين في تحديد زمنها، فتذكره الأولى بعد أن اشتهر الإسلام، وعذب من عذب من المؤمنين، وتذكره الأخرى بعد بدء الوحي وقبل إظهار الإسلام. وفي هجرة الحبشة تذكر رواية ابن إسحاق هجرة أبي موسى الأشعري ومن معه من مكة، بينما تذكره رواية الصحيحين من اليمن، وكذا الخلاف في أول من هاجر إلى المدينة من المسلمين. ومن أعظم الخلاف بين رواية الصحيحين وابن إسحاق خلافهما في موت أبي طالب، وهل كان على الإسلام كما يفهم من رواية ابن إسحاق أم على الكفر كما في رواية الصحيحين وصريح القرآن. هذه نماذج لاختلاف الرواية بين ابن إسحاق والشيخين في الفترة المكية، ولو انتقلنا إلى الفترة المدنية لوجدنا من ذلك – أيضا- الشيء الكثير؛ من أمثلته: في سرية " الرجيع" ذكر ابن إسحاق أن عدة أصحابها ستة نفر، وأميرهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي بينما نجد في البخاري أن عدتهم عشرة، وأميرهم عاصم بن ثابت بن الأقلح، والقراء الذين قتلوا في بئر معونة عدتهم عند ابن إسحاق أربعون رجلا وعند البخاري ومسلم سبعون رجلا. وأصحاب الحديبية عند ابن إسحاق سبعمائة، والذي في الصحيحين أنهم ألف وأربعمائة أو أكثر، إلى غير ذلك من مناحي الاختلاف. وأخيرا أشكره تعالى على ما يسر وأعان على إنجاز هذا البحث، وأقول: ومع ما قضيته فيه من الوقت، وما أفرغته فيه من الجهد ما وسعني الجهد، فإنني أقف في الخاتمة معتذرا عما زل به القلم مما هو مندرج تحت طبائع البشر وتقصيرهم. أسأله تعالى أن يتجاوز عن الخطأ حيث وقع وأن يجزي على الصواب الذي إليه هدى .. وهو حسبي ونعم الوكيل. وصلى الله على نبينا محمد.

الواقدي وكتابه المغازي منهجه ومصادره

الواقدي وكتابه المغازي منهجه ومصادره ¤عبدالعزيز بن سليمان السلومي£بدون¥عمادة البحث العلمي - الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة¨الأولى¢1425هـ€سيرة وشمائل محمدية¶دراسات توثيقية ومنهجية الخاتمة: وبعد دراستي للواقدي وكتابه المغازي توصلت إلى نتائج عدة منها ما يلي: 1 - أن القول الراجح في مولد الواقدي أنه ولد سنة ثلاثين ومائة للهجرة. 2 - أن الواقدي يعتبر من بحور العلم وأحد الحفاظ المشهورين، ولذلك يمكن أن يقال أنه أحد الموسوعات العلمية في تاريخ الإسلام. 3 - ظهر لي من خلال الكلام على مصنفات الواقدي، أن كتاب المغازي هو الكتاب الوحيد الذي وصل إلينا من كتب الواقدي وما عداه فقد سبق الإشارة إلى عدم صحة ثبوت نسبتها إليه. 4 - أن الواقدي يعتبر ضعيفا في الحديث، ولكن يكتب حديث ويروي، وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه، كما أن الظاهر عدم اتهامه بالوضع كما قال الذهبي. 5 - أن للواقدي منهجا خاصا في الرواية التاريخية يختلف من منهج أئمة الحديث، فلا مانع عنده من أن يروي عن شخص مجهول إذا كان الحديث وقع في سلفه أو أحد أفراد عشيرته، أما أئمة الحديث فلا يروون إلا عن الثقة المعروف بالعدالة والصدق، ولعل هذا من أسباب تضعيفه عند المحدثين. 6 - إن استخدام الإسناد الجمعي لم ينفرد به الواقدي بل عمل به غيره، ولكن الواقدي أكثر منه، فلعل هذه الكثرة هي التي أوثقته أحيانا بما نسب إليه من تركيب الأسانيد كما سبق بيان ذلك. 7 - إن الواقدي يعتبر إماما ورأسا في المغازي والسير لا يستغنى عنه في هذا الباب، فهو أحد أئمة هذا الشأن الكبار، وهذا محل إجماع بين أهل السير والتراجم. 8 - ظهر لي عدم صحة اتهام الواقدي بالتشيع. 9 - تبين لي أن الواقدي كتب مغازيه في المدينة النبوية قبل انتقاله إلى بغداد وصلته الوثيقة ببعض خلفاء بني العباس، وهذا يسقط ما زعمه هوروفتس من تأثير هذه الصلة على مروياته في المغازي. 10 - أن القول الراجح في تاريخ وفاة الواقدي هو ما ذكره تلميذه ابن سعد حيث قال عنه: " فلم يزل قاضيا حتى مات ببغداد ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة سبع ومائتين ودفن يوم الثلاثاء في مقابر الخيزران، وهو ابن ثمان وسبعين سنة" 11 - إن كتاب المغازي يعتبر مصدرا مهما من مصادر السيرة النبوية. 12 - عدم صحة تهمة سطو الواقدي على سيرة ابن إسحاق. 13 - جودة عرض الواقدي للمادة العلمية وتنظيمها في كتابه المغازي. 14 - ضبط الواقدي لتاريخ الغزوات والسرايا النبوية. 15 - إن الواقدي قام بتحديد موقفه عند كثير من مسائل الخلاف بذكر الراجح عنده. 16 - اهتمام الواقدي بالدراسة الميدانية للمواقع الجغرافية في المغازي والسرايا النبوية مما يجعله مصدرا مهماً في هذا المجال. 17 - إيراد الواقدي بعض الإضافات العلمية في كتابه المغازي وقد عقدت لإبرازها فصلاً كاملاً مما يدل على سعة علمه وتنوع ثقافته. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء

خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء ¤الصادق بن محمد بن إبراهيم£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1421هـ€سيرة وشمائل محمدية¶خصائص الرسول الخاتمة بعد حمد الله تعالى على توفيقه لي بإتمام هذا البحث أبين في خاتمته ما وصلت إليه من نتائج. 1 - إن مصطلح الخصائص عند كتاب السيرة النبوية أعم من مصطلح الدلائل لاشتماله على الدلائل التي تدل على صدق النبوة وغيرها. وأعم من مصطلح الشمائل لاشتماله على الخصال الحميدة وغيرها من المعجزات والدلائل .. الخ. وأعم من مصطلح الفضائل لاشتماله على الخصائص التفضيلية والتشريعية معا. وبالنظر لمصطلح الخصائص مع كل مصطلح من المصطلحات السابقة على حدة نجده أخص. 2 - إن مجال الدراسة في الخصائص التشريعية فقهي بخلاف الخصائص التفضيلية فمجال الدراسة فيها عقدي لوجود الإفراط والتفريط فيها وموضوع هذا البحث هو دراسة هذا الجانب الأخير منهما. 3 - أثبتت الدراسة أن اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة بأنه مخلوق من نور الله تعالى مستمد من الفلسفة الهرمسية والأفلوطينية والهندية القديمة وهو المدخل الذي استغله الفلاسفة المنتسبون إلى الإسلام في التقريب بين الدين وبين تلك الفلسفات القديمة القائلة بصدور العالم عن الله تعالى. 4 - أثبتت الدراسة أن القول بوحدة الوجود والاتحاد بالله تعالى مستمد من تلك الفلسفات خاصة نظرية الفيض الأفلوطينية، نقلها إلى المسلمين فلاسفة الصوفية ووضعوا لها أحاديث النور المحمدي لتأخذ الصبغة الإسلامية. 5 - أدى الغلو في خصائصه صلى الله عليه وسلم إلى الغلو في مشايخ الغلاة إمّا عن طريق أخذ الفضائل والخصائص لمشايخهم من النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً، أو بالاستمداد من خصائصه صلى الله عليه وسلم المزعومة عن طريق الانتساب إليه صلى الله عليه وسلم. 6 - أثبتت الدراسة أن اتخاذ الوسائط الشركية ناتج عن تشبيه الخالق جل وعلا بالمخلوق. 7 - اعتماد الغلاة في الاستدلال على الأحاديث الضعيفة والموضوعة، واعتماد الجفاة على الكذب والدعاوى المجردة عن الأدلة. 8 - بنى الغلاة غلوهم في كرامات ومناقب مشايخهم على الغلو في خصائصه صلى الله عليه وسلم فلما تبين بطلان ما زعموه للنبي صلى الله عليه وسلم من خصائص كان بطلان ما زعموه لمشايخهم من باب أولى. 9 - أدى الغلو بجعل مناقب وكرامات لمشايخ الغلاة تفوق خصائص النبي صلى الله عليه وسلم إلى تعظيمهم فوق تعظيمه وطاعتهم وترك طاعته ومحبتهم ودعوى محبته صلى الله عليه وسلم وهذا هو الجفاء الحقيقي له صلى الله عليه وسلم، وعليه ظهر كذب دعواهم أن أهل السنة الذين يتبعون سنته صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به هم جفاة النبي صلى الله عليه وسلم. 10 - أدى جهل الكثير من المسلمين بالصحيح من خصائصه صلى الله عليه وسلم إلى انحرافات عقدية خطيرة كجعل خصائص للرسول صلى الله عليه وسلم هي من جنس خصائص الربوبية والإلهية أو يؤدي إلى هدم الشريعة عموماً بتصديق كل من ادعى النبوة أو أخذ الأذكار والضمانات والفضائل منه صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً ونحو ذلك. 11 - وجوب اتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم فيما يدين به المسلم ربه عموماً وفيما يتعلق بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم خصوصاً.

تاريخ

تاريخ

أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري

أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري ¤عبد العزيز محمد نور ولي£بدون دار الخضيري - المدينة المنورة¨الأولى¢1417هـ€تاريخ¶دراسات توثيقية ومنهجية نتائج البحث 1 - انتهاج الروايات التاريخية الشيعية وبخاصة الغالية منها خطاً عاماً يوافق المعتقدات والأسس التي قامت عليها عقيدة الشيعة، ولاستخلاص الحقائق من تلك الروايات لابد من التنبه لذلك المنهج وتجريد الروايات منه. 2 - اقتصر اهتمام غلاة الشيعة بالأحداث التي لها ارتباط بمعتقداتهم أو تختص بالكوفة والعراق حيث أنهم نقلوا معظم أحداث تلك المنطقة، وذلك لأنها مركز التشيع ومنها انطلقت مبادئهم وحركاتهم. 3 - نجد في الروايات الشيعية التاريخية بعض الأمور التي وافقت الروايات الصحيحة ولكن مثلهم مثل الكهان الذين يأخذون من مسترقي السمع من الشياطين الخبر الصادق ويخلطون معه مائة كذبة (¬1). 4 - غلاة الشيعة يستغلون بعض الحقائق ليصوغوها بما يوافق هواهم. 5 - يستغل غلاة الشيعة مواطن الاختصار في الروايات الصحيحة والتي تكون مجالاً للدس فيها فيستغلونها لخدمة عقيدتهم ومذهبهم. 6 - الكم الهائل للروايات الشيعية التي تضمنتها المصادر السنية. 7 - رغم كثرة الروايات التاريخية الشيعية في المصادر التاريخية المعتمدة عند أهل السنة، إلا أن تلك الروايات كانت أهون بكثيرٍ من الروايات التي تناقلتها المصادر الشيعية البحتة. 8 - اعتماد المصادر التاريخية على الروايات الشيعية في حوادث مختلفة من التاريخ، ولعل من أهم الأسباب لهذا الاعتماد الكبير عليها عدم وجود الروايات المقابلة التي تعطي التسلسل التاريخي للحدث كما تصوره الرواية الشيعية. 9 - هذا التشويه والتزييف للتاريخ الإسلامي من قِبَل الشيعة تأثَّر به كُتَّاب التاريخ قديماً وحديثاً، فتجد في الروايات المنقولة من طرق ضعيفة رغم أن رجالها ليسوا شيعة ولكنهم ينقلون ما يوافق روايات الشيعة، فلا يُستبعد تأثّرهم بروايات الشيعة. 10 - ضرورة مراجعة كثير من الأخبار المشهورة في التاريخ للتأكد من صحتها، فليس كل ما هو مشهور صحيح. 11 - عدم تجاهل جانب التشيع في غير الغالين فيه، فرغم عدم غلوهم إلا أنهم ينقلون ما يوافق تشيعهم. 12 - إن هذا البحث يحتاج إلى بحوث أخرى متخصصة في الأحداث والجوانب التاريخية تتبعه لاستكمال جوانبه، وحبي أني وضعت اللبنة الأساسية فيه. ¬

(¬1) ورد في صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الملائكة تنزل في العنان -وهو السحاب- فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون منها مائة كذبة من عند أنفسهم)). (صحيح البخاري: في بدء الخلق، ب6، فتح الباري: 6/ 304).

إمارة (أبو عريش) فترة الحكم المصري وإعلان التبعية العثمانية

إمارة (أبو عريش) فترة الحكم المصري وإعلان التبعية العثمانية ¤إسماعيل بن محمد البشري£بدون¥مكتبة العبيكان- الرياض¨الأولى¢1423هـ€تاريخ¶تاريخ - الدولة العثمانية الخاتمة: وهكذا ظهر لنا من خلال هذه الدراسة الكيفية التي انتقلت بها السلطة في إمارة (أبو عريش)، حيث بدأ دور آخر من أدوار تاريخها الحديث في ظل فرع آخر من الأشراف هو فرع (آل حيدر) الذي أعلن الولاء والطاعة لمحمد علي باشا، وأصبح الشريف علي بن حيدر الحسني ممثلاً للإدارة العثمانية المصرية في المنطقة. ومن الغريب أن الشريف علي بن حيدر لم يحاول الاستفادة من هذه التبعية بشكل كبير لمساعدته في إحكام قبضته على إمارته من ناحية, ولم يحاول – من جهة أخرى – أن يتخلص من هذه التبعية، بل اكتفى بما يشبه التبعية الإسمية مع وجود بعض الجنود العثمانيين ضمن قواته، وإن لم يكن لهم أي دور في استقرار الأوضاع في المنطقة التي كانت مسرحاً لهجمات قبائل يام عليها بين الحين والآخر بدعوة من الشريف حيناً, وبدون دعوة أحياناً أخرى. وقد شهدت المنطقة في ظل الحكم المصري الكثير من الصراعات والمناوشات بعد غياب حكم الشريف حمود أبو مسمار القوي، وبروز الأطماع والتنافسات الأسرية والمحلية, خاصة وأن الشريف علي بن حيدر قد وصل إلى السلطة تحت الحراب العثمانية التي يعتبرها أهالي المنطقة قوات غازية ودخيلة. وقد اتضح لنا كيف كانت إمارة عسير تلعب دوراً رئيسياً في مقاومة قوات محمد علي باشا في المنطقة, ومحاولات علي بن مجثل وخلفه عائض بن مرعي المتتالية للسيطرة على إمارة (أبو عريش) , واستغلال جميع القوى المحلية المناهضة من الأشراف وغيرهم، وكذلك استثمار القوى الثائرة ضد محمد علي باشا مثل تركجة بيلمز وقواته، والعسيريون يدركون أن إمارة (أبو عريش) تمثل باباً خلفياً لإمارتهم فلابد من تأمين ذلك باستمرار، ولعل في قبولهم في معظم الأحيان بالسيطرة على (صبيا) ومخلافها ما يدل على ذلك. أما بعد وفاة الشريف علي بن حيدر، فقد ظهر لنا على مسرح الإمارة في (أبو عريش) شخصية بارزة من الأشراف لديها من الطموح والقدرات السياسية والعسكرية ما كان يفوق قدرات وإمكانات الإمارة نفسها ألا وهو الشريف حسين بن علي بن حيدر. لقد خلف الشريف الحسين والده وساعدته الظروف بانسحاب محمد علي باشا من الجزيرة العربية مما هيأ له الفرصة للسيطرة على الإمارة مستقلاً إلى حد كبير عن أي سلطة خارجية، وقد أظهر لنا البحث شيئاً يسيراً من طموحات الشريف الحسين من خلال سيطرته على السواحل اليمنية وإخضاعها لحكمه. لقد كانت أزمة (مخا) بين الشريف والقنصل الإنجليزي هناك سبباً في بروز الاهتمام العثماني بالمنطقة، وحرص الباب العالي على إثبات سيطرته على السواحل اليمنية خاصة بعد احتلال بريطانيا لعدن، ولذلك فإن أزمة (مخا) قد دفعت بإمارة (أبو عريش) إلى مسرح الأحداث في خضم التنافس الدولي في البحر الأحمر، وقد كشف لنا البحث عن جهود الدولة العثمانية في سبيل تأكيد سيطرتها على إمارة (أبو عريش) والسواحل اليمنية من خلال مبعوثها أشرف بك، ثم وقوفها ضد أطماع بريطانيا في المنطقة. ومن خلال الدراسة ظهر لنا أن الشريف الحسين بن علي بن حيدر قد كان يدرك إلى حد كبير الأطماع البريطانية، وكان له دور ملموس في محاولة استنهاض همة الدولة العثمانية لطرد البريطانيين من عدن، إضافة إلى جهوده الشخصية لمضايقة البريطانيين والمتعاملين معهم في ميناء (مخا) , واستقطاب القوى المناهضة للتدخل الأجنبي في المنطقة، وإن كان ذلك يدل على غيرة الشريف الحسين الدينية وحرصه على بلاده، إلا أنه يلقي الضوء من ناحية أخرى على أن الشريف لم يتفهم الموقف الدولي في تلك الفترة, وما كانت تعانيه الدولة العثمانية من تفكك وانهيار وضعف أمام القوى الاستعمارية. لقد أدت أزمة (مخا) إلى إعلان الشريف تبعيته للسلطان العثماني الذي أصدر الفرمان القاضي بتعيين الشريف حاكماً على السواحل اليمنية وتثبيته أميراً على (أبو عريش) , حيث دخلت تلك الإمارة مرة أخرى تحت سلطة الباب العالي, ومن ثم الدخول في تعقيدات سياسية جديدة خاصة مع طموحات الشريف غير المحدودة في السيطرة على اليمن الأعلى، حيث تبرز تناقضات السياسة العثمانية تجاه المنطقة خلال السنوات التي تلت أزمة (مخا)، وهذا الموضوع سيكون محل دراسة أخرى –إن شاء الله تعالى- والله ولي التوفيق.

الحرف والصناعات في الحجاز في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

الحرف والصناعات في الحجاز في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ¤عبدالعزيز بن إبراهيم العمري£بدون¥مكتبة الضياء - جدة¨بدون¢1405هـ€تاريخ¶جزيرة العرب - الحجاز من الدراسة السابقة يتضح لنا كيف كانت حال الحجاز في العصر النبوي من حيث الأعمال والحرف والصناعات التي كان سكان الحجاز يمارسونها، وتعتبر مصادر الدخل الرئيسية عندهم، وهي شريان الحياة للمجتمعات الحجازية عموما في تلك الأيام، كما أن هذه الحرف كانت تلبي معظم حاجات السكان ومتطلباتهم عدا القليل مما يطلبه الناس خارج الحجاز. كما اتضح لنا مواقف العرب المختلفة من الحرف والصناعات وكيف كانوا يميزون بين هذه الحرف، واعتبار الكثير منها حرفا محتقرة في نظرهم وبالتالي احتقارهم لمن يحترفها كالحدادة والنجارة وغيرها مما ذكرنا في محله، مما دفع أناسا آخرين كاليهود أو الموالي إلى استغلال هذا الجانب وبالتالي أجادوا هذه الحرف وحدهم مما جعلها تدر عليهم الأموال الطائلة. وحينما جاء الإسلام لاحظ هذا الجانب فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحاول جاهدا إزالة هذه الأوهام من عقول الناس فكان يرفع من شأن الحرف المحتقرة في نظر العرب ويجالس العاملين فيها ويرفع من معنوياتهم ويؤاكلهم ويشاربهم، بل ويدفع إليهم ابنه الوحيد ليربونه في منازلهم. واستنتجنا من خلال هذا البحث أن الحرف في الحجاز كانت موزعة في مختلف الأماكن في الحجاز كما أن هناك توزيعا معينا لهذه الحرف حسب الظروف لكل منطقة من مناطق الحجاز، فلاحظنا أن الرعي كان هو الحرفة العامة لبلاد الحجاز في الحواضر والبوادي، وهو مصدر العيش لبادية الحجاز بالدرجة الأولى وعليه اعتمادهم في معاشهم، ولم يكن أحد من العرب يحتقر هذه الحرفة. كما أن الزراعة كانت هي الحرفة الرئيسة لسكان الطائف والمدينة وخيبر ووادي القرى، وكان الأعراب ينظرون إليها نظرة احتقار. ولاحظنا أن التجارة كانت هي مصدر الدخل الرئيسي لقريش في مكة حيث كانوا يتاجرون مع الشام واليمن ويستفيد من ذلك أصحاب رؤوس الأموال بدرجاتهم المختلفة، كما استفاد أناس آخرون كانوا يخدمون هذه التجارة بطريقة ما، إضافة لذلك فإن الأسواق الموسمية كان لها دور كبير في خدمة التجارة، كما أن مدن الحجاز عموما لم تكن تخلوا من أسواق دائمة استفاد منها التجار والمنتجون وخدمت أغراض البيع والشراء. وقد أشرنا في البحث إلى أن حرفة البناء كانت قائمة في بلاد الحجاز وتلبي الحاجات المختلفة للسكان حسب متطلباتهم المتواضعة في تلك الأيام واستعرضنا نماذج مختلفة للبناء من خلال ما ورد في النصوص سواء كانت هذه البنايات لأغراض دينية أو عسكرية أو لأغراض السكنى أو حفر الآبار وغيرها مما أعطانا تصورا عن هذه الحرفة وإمكاناتها في تلك الأيام. كما استعرضنا في فصل صناعة السلاح أنواع الأسلحة المعروفة في الحجاز في العصر النبوي وما كان يصنع منها محليا أو يصقل، واختصاص اليهود والموالي في تصنيع السلاح، وأن ذلك جعل اليهود يملكون مستودعات ضخمة للأسلحة كانوا يدفعونها إلى من يحتاج إليها منهم بالسعر الذي يريدون عند الحاجة إليها، وقد بينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم خلال هذه الفترة كان يحض المسلمين على عمل السلاح وصيانته حيث كان يصون سلاحه بنفسه إضافة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن الأسلحة المفيدة حتى أنه بعث بعض الصحابة إلى (جرش) كما مر بنا في بحث صناعة الدبابة كما أنه كان يستفيد مما يجده من سلاح، حيث استفاد من المنجنيق في حصار خير وفي حصار الطائف مما زاد من عناية المسلمين بالأسلحة المختلفة.

ومن خلال دراسة الحرف العلمية والصحية اتضح كيف أن الكتابة العربية كانت معروفة في الحجاز قبل الإسلام ووجد من يعلمها الصبيان في الطائف وغيرها وحينما جاء الإسلام حث على التعليم وأكد على تعليم الصبيان القراءة والكتابة مما جعل المسلمين يبرزون في هذا المجال فيما بعد. إضافة لذلك فقد حث الرسول (صلى الله عليه وسلم) المسلمين على تعلم لغات الأعداء للأمن من مكرهم، فوجد مترجمون مختصون بين المسلمين كانوا يلبون حاجة المسلمين أيام الرسول (صلى الله عليه وسلم). كما أن الطب كان معروفا بين سكان الحجاز ووجد عدد من الأطباء أشهرهم (الحارث بن كلدة) طبيب العرب كما وجد أطباء آخرون غيره وتميز ذلك العصر بأساليب خاصة في علاج الأمراض حسب ما تتيحه الظروف في تلك الأيام كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم، أمر بإقامة أول مستشفى في الإسلام وهي خيمة (أم رفيدة الأنصارية) في مسجده حيث كانت تداوي الجرحى أثناء غزوة الخندق، واشتهرت حرفة الحجامة في تلك الأيام وكان يقوم بها أناس مختصون، كما وجد العطارون، الذين يبيعون للناس الطيب والأعشاب الطبية إضافة إلى بعض الأشياء المتعلقة بالتجميل. واستعرضنا ما تحترفه بعض النساء من تجميل للعرائس إضافة إلى الأساليب المتبعة في التجميل في تلك الأيام وموقف الإسلام منها. وفي الفصل الأخير مررنا ببعض الحرف العامة التي كانت شائعة في بلاد الحجاز وتختلف نظرة العرب إليها كل حرفة على حدة وموقف الإسلام من هذه الحرف ومدى انتشارها فاستعرضنا الحدادة والعاملين فيها ومدى الحاجة إليها ومدى ما وصلت إليه من تطور في تلك الأيام. ثم استعرضنا الصياغة والتعدين وصناعة حلي النساء وغيرها، ووجدنا أن هناك صوّاغاً معروفين يقومون بعمل الحلي والأختام وغيرها ويحلون الأسلحة. وانتهينا إلى أن الدباغة كانت من أهم الحرف في منطقة الطائف ووجود أناس يقومون بهذه الحرفة ولم يكن أهل الطائف يحتقرون هذه الحرفة، كما أن الخرازة وهي عملية تحويل الجلود إلى أثاث أو أحذية أو أشياء أخرى يستفاد منها كانت قائمة في المنازل في مكة وفي المدينة وغيرها ووجد من أمهات المؤمنين من تقوم بذلك وتتصدق على المساكين من دخلها من هذا الجانب. واستعرضنا حرفة الغزل والنسيج وما يلحق بها من خياطة وصباغة وتبين لنا مدى تطور هذه الحرف وأنها كانت منتشرة في مختلف مناطق الحجاز وتتدرج من حيث الأهمية بين منطقة وأخرى وكان تركيزها بالدرجة الأولى على الاستفادة من الخامات المحلية من أصواق أو سعف نخيل وغير ذلك، وأشرنا في نهاية البحث إلى وجود الأجراء بمثابة العمال غير المختصين الذين يقومون بإنجاز بعض الأعمال مقابل أجر معين، ومن هؤلاء كان السقاة والحمالون وغيرهم. وقد رأينا من خلال البحث كيف كان الصحابة رضي الله عنهم رجالا ونساء يشاركون في هذه الحرف بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم شارك في الكثير منها سواء في رعي الغنم أو في التجارة في مكة أو في قيامه صلى الله عليه وسلم بعمل الأشياء الخاصة به وصيانتها من سلاح أو لباس وحذاء وغير ذلك فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يضرب للمسلمين المثل في ذلك. أسأل الله أن أكن قد أديت بعضا مما ينبغي لهذا البحث وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الحملة العثمانية على إمارة (أبو عريش) والسواحل اليمنية

الحملة العثمانية على إمارة (أبو عريش) والسواحل اليمنية ¤إسماعيل بن محمد البشري£بدون¥مكتبة العبيكان- الرياض¨الأولى¢1423هـ€تاريخ¶تاريخ - الدولة العثمانية الخاتمة: نجحت الحملة العثمانية على إمارة (أبو عريش) والسواحل اليمنية في تحقيق أهدافها وبأقل خسائر ممكنة، وبشكل لم يكن متوقعاً لدى الباب العالي، وتمكنت الدولة العلية من بسط نفوذها على منطقة ذات حساسية بالغة، وتمثل بعداً استراتيجياً للسياسية العثمانية في الجزيرة العربية والبحر الأحمر. وكان للسياسة التي اتبعها محمد بن عون في استقطاب مشايخ القبائل والقوى المعارضة لسلطة الأشراف في المنطقة الدور الأكبر في تمكين القوات الغازية من الوصول إلى أهدافها بكل يسر وسهولة، وبدون أي مقاومة تذكر، خاصة فيما يتعلق بالسواحل اليمنية، أما اليمن الأعلى فقد كان سوء التخطيط والجهل بالأوضاع السياسية والقبلية في صنعاء ومخاليفها سبباً في فشل السيطرة عليها، حيث عادت القوات العثمانية أدراجها بعد حوالي شهر من دخولها صنعاء. ولقد شجعت نجاحات الحملة الباب العالي على اتخاذ سياسة أكثر حزماً وقوة تجاه القوى المسيطرة على جنوب غرب الجزيرة العربية، وخاصة بعد فتح قناة السويس؛ أدت إلى بسط النفوذ العثماني على إمارة عسير والمخلاف السليماني بكامله, والإمامة الزيدية في اليمن. لقد كانت الفترة التي تلت سقوط حكومة الشريف الحسين بن علي بن حيدر في السواحل اليمنية وكف يده عن التصرف في إمارة (أبو عريش) مليئة بالأحداث والصراعات بين القوى المحلية والقوات العثمانية, التي لم تكن سيطرتها تتجاوز حدود المدن الرئيسة وضواحيها، وكذلك الخلافات الحادة بين أشراف (أبو عريش) بعد رحيل الشريف الحسين إلى إستانبول، ثم استقراره في مكة المكرمة حيث دخلت المنطقة في فوضى سياسية ومالية وقبلية استمرت حتى قيام إمارة الإدريسي في الربع الأول من القرن الرابع عشر الهجري، وهي فترة تحتاج إلى إلقاء الضوء عليها من خلال الوثائق العثمانية والمصرية والمحلية وهو ما نحاول القيام به قريباً إن شاء الله تعالى.

الحياة العلمية في نجد

الحياة العلمية في نجد ¤مي بنت عبدالعزيز العيسى£بدون¥دارة الملك عبد العزيز - الرياض¨بدون¢1417هـ€تاريخ¶جزيرة العرب - نجد أحدثت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب تحولا كبيرا في أوضاع نجد السياسية والاقتصادية والعلمية، فقد تمكنت الدولة السعودية الأولى، التي قامت على أساس تلك الدعوة، من لم شتات البلدان والقبائل النجدية المتفرقة في كيان سياسي موحد مع مطلع القرن الثالث عشر الهجري، كما نجحت تلك الدولة في توحيد مناطق أخرى من شبه جزيرة العرب، فغدت الدرعية قاعدة لدولة كبيرة تنعم بالاستقرار والأمن والرخاء الاقتصادي بدرجة جيدة، انعكس أثره إيجابا على مختلف جوانب الحياة فيها ومنها الناحية العلمية. وكانت الحياة العلمية في نجد قد شهدت نموا تدريجيا إيجابا، بدأ تتابعه منذ القرن العاشر حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري. ومن مظاهر ذلك النمو الزيادة في عدد العلماء من حقبة لأخرى، وارتفاع نسبة هجرة العلماء ورحلتهم لطلب العلم داخل نجد وخارجها، وزيادة عدد المراكز العلمية، وارتفاع نسبة عدد المصنفين والمصنفات. وقد طرأ تغير كبير على الأوضاع العلمية في نجد خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري، أي فترة نشاط الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مقارنة بالنصف الأول منه، إذ بلغت نسبة الزيادة في عدد العلماء المترجم لهم 74%، كما زادت نسبة هجرة العلماء داخل نجد إلى 18.1%، ونسبة هجرتهم خارجها إلى 11.3%. وذلك بسبب معارضة أكثر العلماء المهاجرين إلى خارج نجد لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أو عدم ارتياحهم لها، إذ كانت نسبة هذا النوع من المهاجرين62.5% من عدد من هاجروا إلى خارجها. وظهر ذلك النمو العلمي أيضا على الرحلة لطلب العلم داخل نجد وخارجها، فقد زادت نسبتها إلى 7%، وزادت نسبة الراحلين لطلب العلم خارج نجد 7.6%، كما زاد عدد المراكز العلمية، التي قصدها طلبة العلم النجديون خارج الجزيرة العربية. وكان أكثر توجه أولئك الدارسين خارج نجد إلى الأحساء ودمشق. أما في نجد فقد ارتفع عدد البلدان، التي خرج منها علماء إلى سبعة بلدان، وكان ترتيب هذه البلدان من حيث استقطابها للهجرة الداخلية والرحلة لطلب العلم كالتالي: الدرعية، المجمعة، أشيقر، العيينة، حوطة سدير، عنيزة، مقرن. وكان تميز فترة الشيخ محمد بن عبدالوهاب فيما يتعلق بالمصنفات أكثر وضوحا من حيث الكم وتنوع العلوم المصنف بها، فقد ارتفعت نسبة المصنفين إلى 25% من عدد العلماء المترجم لهم. وقد ظهرت الزيادة واضحة في عدد مصنفات هذه الفترة بسبب كثرة ما صنفه الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذي بلغ عدد مصنفاته سبعة وأربعين مصنفا تشكل 81% من عدد مصنفات الفترة كلها. وعلى الرغم من أن أكثر مصنفات الشيخ محمد كانت في علم العقيدة، الذي هو جوهر دعوة الشيخ إلا أن بقية مصنفات الشيخ شملت مختلف العلوم الشرعية. وهذا الإنتاج العلمي الضخم للشيخ محمد يتناسب مع دور الداعية والمصلح الديني والمعلم الأول في الدولة السعودية الأولى.

ولما توسعت الدولة السعودية جغرافيا، بعد وفاة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إثر توحيدها للأحساء، وبعض سواحل الخليج العربي، وجنوب غربي الجزيرة، والحجاز، أخذت ترسل الدعاة والمعلمين والقضاة إلى تلك المناطق الموحدة. وقد ظهر هذا النشاط العلمي واضحا من خلال عدد العلماء، الذين توفوا في الفترة الممتدة من وفاة الشيخ محمد سنة 1206هـ إلى قيام الدولة السعودية الثانية سنة 1240هـ، إذ بلغ عددهم خمسة وخمسين عالما، كما ظهر من خلال عدد العلماء، الذين تولوا مناصب دينية وعلمية زمن الدولة السعودية الأولى، ثم كان لهم نشاط بارز زمن الدولة الثانية، وقد بلغ عددهم ثمانية عشر عالما. وبذلك كان عدد من عرف من علماء نجد خلال هذه الفترة ثلاثة وسبعين عالما، منهم تسعة وأربعون ترجمت لهم الكتب المتوفرة، وهو عدد كبير مقارنة بالفترة السابقة، مع ملاحظة أن الفترة التي أعقبت وفاة الشيخ محمد لا تزيد على أربعة وثلاثين عاما، وأن الدولة السعودية الأولى شغلت خلال السنوات السبع الأخيرة من عمرها (أي من 1226 - 1233هـ) بمواجهة الغزو المصري العثماني لأراضيها، الغزو الذي استهدف القضاء المبرم عليها. كما أن الفوضى والاضطرابات الأمنية عمت نجدا خلال السنوات الست التالية. وكان من مظاهر هذا النمو العلمي في نجد ارتفاع نسبة العلماء المهاجرين بمقدار 19.5% عن نسبتهم في فترة الشيخ محمد. ومن أهم العوامل التي أدت إلى هذه الزيادة، إرسال الدولة السعودية القضاة إلى البلدان التابعة لها خارج نجد، وكذلك تدمير إبراهيم باشا للدرعية ونقله لعدد من علماء نجد إلى القاهرة، وقد تمكن عدد من العلماء من الفرار من الدرعية واللجوء إلى خارج نجد. ومن مظاهر هذا النمو أيضا، ارتفاع نسبة الراحلين في طلب العلم 11.5% وارتفاع نسبة من اقتصروا على الرحلة داخل نجد17.5%. وكان ترتيب المراكز العلمية في الفترة 1207 - 1240هـ من حيث عدد من ولد فيها من علماء كالتالي: الدرعية ولد فيها ثلاثة عشر عالما، تليها كل من حرمة، والعيينة، والمجمعة ثلاثة علماء من كل منها، وقد شهدت الدرعية هجرة عشرة من العلماء، الذين ولدوا فيها إما بسبب تولي بعضهم القضاء أو بسبب تدمير الدرعية. وكان ترتيب المراكز العلمية من حيث استقطاب الرحلة العلمية كالتالي: الدرعية وقد وفد إليها 78% من عدد الراحلين لطلب العلم داخل نجد، وتلتها في ذلك بلدة عنيزة، ثم شقراء، فأشيقر. وهذا التميز العلمي للدرعية راجع إلى كثرة من وجد فيها من علماء من أبناء الشيخ محمد، وتلاميذه، وتوفر فرص العمل للدارسين في الدرعية أكثر من غيرهم بسبب قربهم من قادة الدولة السعودية. وقد وضح تميز هذه الفترة (1207 - 1240هـ) من خلال توجه علمائها نسبيا إلى التصنيف، إذ بلغت نسبة المصنفين 28% من عدد العلماء المترجم لهم. ولكن هذه الزيادة في عدد المصنفين لم ترافقها زيادة في عدد المصنفات، التي لم يتجاوز عددها ستة وعشرين مصنفا، أي ما يعادل62%من مصنفات فترة الشيخ محمد بن عبدالوهاب. وقد حافظ علم العقيدة على تقدمه على سائر العلوم في هذه الفترة أيضا. وتلاه في ذلك علم الفقه، في حين اختفى التصنيف في علمي التفسير واللغة، وتراجع التصنيف في التاريخ كما لا نوعا، إذ أن تاريخ ابن غنام، روضة الأفكار، يعد أدق سجل لتاريخ نجد في فترة الشيخ محمد حتى سنة 1212هـ، وإن كان اهتم بنشاط أتباع الدعوة ضد خصومها دون غيره. على أن التصنيف في الفترة من 1207 – 1240هـ، كما ونوعا، لم يكن متناسبا مع ما حققته نجد من تطور سياسي، وحضاري، وعلمي. ولعل هناك من المصنفات خلال هذه الفترة ما فقد بسبب الأحداث، التي تعرضت لها نجد حينذاك.

وكان هذا النمو العلمي في نجد زمن الدولة السعودية الأولى ثمرة لانتعاش حركة التعليم وازدهارها، نتيجة لتوافر عوامل عدة ساعدت على ذلك النشاط التعليمي، ومن أهم تلك العوامل: تأثير دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، التي كان التعليم المعبر الأساسي لها إلى خاصة الناس وعامتهم، وتبني قادة الدولة السعودية الأولى الإنفاق على التعليم وتشجيعه. وكان اتصال علماء نجد بالعلماء في المناطق المجاورة من العوامل، التي أسهمت في نشاط حركة التعليم، خاصة بعد توحيد المناطق خارج نجد. ومن أبرز مظاهر ازدهار التعليم في الدولة السعودية الأولى زيادة عدد العلماء والمعلمين، والاهتمام الكبير بتعليم العامة، وتعدد أماكن التدريس، إذ أصبح هناك خمسة مباني خاصة للتدريس في الدرعية، إضافة إلى تنوع العلوم، التي صنف بها علماء تلك الدولة. أما عملية التدريس فقد استمرت على النمط الذي سارت عليه من قبل من حيث تدرج التعليم من تعليم أولي إلى تعليم متقدم، ومن حيث أوقات التدريس. أما فيما يتعلق بمناهج التعليم والكتب الدراسية، فقد استمرت الدراسة في الكتب الفقهية المعتمدة عند علماء نجد قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إلى جانب بعض ما ألفه الشيخ محمد من مصنفات في هذا العلم، في حين اعتمد في تدريس علم العقيدة على مصنفات الشيخ محمد فيها. أما علماء الحديث والتفسير فقد اعتمدا على شروح الأئمة المعتبرين في علم الحديث، وأبرز كتب التفسير. وعلى الرغم من أهمية الإجازة العلمية بالنسبة للدارسين، إلا أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يمنح أحدا من تلاميذه أي إجازة. وقد سار أبناؤه وتلاميذه، بصفة عامة على ذلك. ويمكن القول: إن لقب شيخ يمثل درجة علمية وهو المعتبر في تميز العلماء، عن غيرهم.

الخراسانيون ودورهم السياسي في العصر العباسي الأول

الخراسانيون ودورهم السياسي في العصر العباسي الأول ¤ثريا حافظ عرفة£بدون¥تهامة - جدة¨الأولى¢1402هـ€تاريخ¶تاريخ - الدولة العباسية بعد هذا العرض الشامل للدور الذي لعبه الخراسانيون في نشر الدعوة العباسية، وفي إقامة الدولة العباسية، ثم في تصريف شؤون الدولة العباسية على امتداد العصر العباسي الأول، ومع التجاوز حتى إنهاء عهدهم بأمر شرطة بغداد في نهاية القرن الثالث الهجري، نستطيع أن نستخلص أهم النتائج التي انتهت إليها هذه الدراسة: وأولى هذه النتائج هي التي اتضحت لنا من خلال التمهيد الذي قدمنا به هذا البحث، ألا وهي أن الموالي بصفة عامة والموالي الخراسانيين بصفة خاصة كانوا يتمسكون بأحبال أية حركة مناوئة للخلافة الأموية، كما أن الحركات الثورية في خراسان مثل حركة الحارث بن سريج، كانت تعتمد على هؤلاء الموالي الساخطين على حكم بني أمية، والذين كانوا يتطلعون إلى تحقيق مساواتهم مع العرب في كافة الحقوق، وفي نفس الوقت فقد لعبت العصبية القبلية في خراسان بين العرب اليمنية والعرب المضرية دورا هاما في نجاح الدعوة العباسية في خراسان. وفي الباب الأول اتضح لنا كيف كانت خراسان أرضا خصبة للدعوة العباسية، وكيف كان الخراسانيون مهيئين للقيام بالثورة على الأمويين هذا ويتضح من الدور الذي قام به الدعاة في نشر الدعوة العباسية في خراسان ثم في الدور الذي قام به الخراسانيون بقيادة أبي مسلم الخراساني في الانتصار على الوالي الأموي نصر بن سيار، ثم مطاردة الخراسانيون القوات الأموية عبر فارس وفي العراق حتى قامت الخلافة العباسية بمبايعة عبدالله العباسي بالخلافة في مسجد الكوفة في سنة 132هـ وأخيرا في المشاركة في تحقيق النصر على الخليفة الأموي مروان بن محمد في موقعة نهر الزاب. غير أنه بعد أن تمكن الخراسانيون من تحقيق هذه الانتصارات الكبرى لصالح الخلافة العباسية حتى بدأ الخلفاء العباسيون يتخوفون من استئثار الخراسانيين بالسلطة، ممثلة وقتذاك في أبي سلمة الخلال كبير الدعاة في الكوفة، وأول وزير في الدولة العباسية، وفي أبي مسلم الخراساني الذي ظل يقيم في مرو الذي كان الحاكم المطلق للمشرق .. وهذا ما يتضح لنا في الباب الثاني، فقد تخلص الخليفة عبدالله العباسي من أبي سلمة الخلال على يد أبي مسلم الخراساني، ثم تخلص أبو جعفر المنصور من أبي مسلم الخراساني بعد أن استخدمه في القضاء على حركة عمه عبدالله بن علي الذي قام في وجهه مطالبا بالخلافة بعد عبدالله العباسي. على أن نفوذ الخراسانيين في الدولة العباسية لم يتوقف بعد التخلص من أبي مسلم الخراساني فما لبث أن عاد احتضن الخراسانيون، وبنو سهل خاصة المأمون الذي كانت تربطه بهم صلة النسب في نزاعه مع أخيه الأمين، وقاموا بتدبير أموره إلى أن تحقق له الانتصار الكامل على أخيه الأمين وتولية الخلافة من بعده. ولم يقتصر دور الخراسانيين على استعادة نفوذهم ممثلا في سلطان الفضل بن سهل على الخليفة المأمون من خلال الدور الذي قام به في نصرته وفي تدبيره بل حاول تحويل الخلافة إلى البيت العلوي حين رأى ميل المأمون إلى آل البيت واستطاع بالفعل إقناعه بولاية عهده لعلي الرضا بن موسى الكاظم.

على أنه كما سبق القول، كان الخلفاء العباسيون يتداركون الأمر قبل فوات الأوان فما إن بلغت المأمون أخبار الاضطرابات التي حدثت في العراق وفي سائر أنحاء الولايات، ومبايعة العباسيين في بغداد لإبراهيم بن المهدي بالخلافة حتى هب للمحافظة في خلافته، فغادر خراسان إلى بغداد وفي الطريق إليها، تخلص من وزيره المستحوذ عليه الفضل بن سهل، وكذلك من ولي عهده علي الرضا وعاد الخليفة المأمون إلى بغداد، وقد جمع أمور الدولة في يديه ومدبراً أموره بسياسة حكيمة تجلت في استرضاء الخراسانيين مصاهرته الحسن بن سهل، وفي استرضاء الشيعة، بتزويج ابنته إلى ابن علي الرضا، وبحسن معاملة أولاد علي الرضا والشيعة عامة. أما الباب الرابع، فإنه يدور حول الأسرة الطاهرية التي تنتسب إلى القائد الخراساني طاهر بن الحسن، والذين قاد المعركة التي انتصرت فيها القوات الخراسانية على الأمين قواته وانتهت بمقتل الأمين وتولي المأمون الخلافة، ثم ما كان من إبعاده عن بغداد وعن خراسان من قبل بني سهل خوفا من قوته وقوة جنده الخراسانية، وإعادة المأمون له عقب تخلصه من الفضل بن سهل وما كان من قيامه هو وابنه في القضاء على ثورة نصر بن شبث العقيلي وعلى الاضطرابات التي قامت في مصر أثناء الفتنة بين الأمين والمأمون، وهو الأمر الذي أدى إلى مكافأة المأمون لطاهر بن الحسين بتوليته إياه ولاية خراسان في سنة 205هـ. وعلى الرغم من محاولة طاهر بن الحسين الاستقلال بخراسان وما كان من موته المفاجئ في سنة 207هـ، بتدبير من الخليفة المأمون على أرجح الأقوال إلا أن الخليفة المأمون ومن بعده الخلفاء العباسيين ظلوا يعتمدون على الطاهريين في حكم خراسان، فأقروا أبناء طاهر بن الحسن على ولاية خراسان التي استمرت ولايتهم حتى سنة 300هـ. وبذلك اتضح لنا في هذه الدراسة الدور الذي قام به الخراسانيون في الدولة العباسية على امتداد قرنين من الزمان بدءا من قيام الدعوة العباسية في خراسان في بداية القرن الثاني الهجري وانتهاء بنهاية القرن الثالث الهجري، وهو آخر عهدهم بأمر شرطة بغداد. وإذا كنا في هذه الدراسة قد تجاوزنا الحد الزمني لموضوع البحث وهو نهاية العصر العباسي الأول فذلك لأن وحدة الموضوع اقتضت تتبع الدور السياسي للخراسانيين حتى سقوط إمارتهم في خراسان في يد الصفاريين، وحتى انتهاء عهدهم بأمر شرطة بغداد. والله ولي التوفيق.

الخلافة الراشدة والدولة الأموية من فتح الباري

الخلافة الراشدة والدولة الأموية من فتح الباري ¤يحيى بن إبراهيم اليحيى£بدون¥دار الهجرة - الخبر¨الأولى¢1417هـ€تاريخ¶تاريخ - الخلافة الراشدة الخاتمة وفي نهاية هذه الرسالة أحب أن أسجل أهم وأبرز النتائج التي توصلتُ إليها في هذا البحث: 1 - أهمية كتب الموسوعات عامةً والحديثية بخاصة، لاشتمالها على كتب ونصوص تاريخية قد لا توجد في غيرها. 2 - أن مادة تاريخنا ليست محصورة بكتب التاريخ، بل ثمة عدد كبيرٌ من الروايات منتشرةً في كتب التراث غير المتخصصة. 3 - أبرزت الرسالة أهمية الإفادة من كتب الحديث والتفسير خاصةً في كتابة التاريخ الإسلامي نظراً لما تحويه من نصوص تاريخية. 4 - غزارة وكثرة الروايات التاريخية في فتح الباري، بصورةٍ لا يتوقعها الباحث، وأن هذه الروايات لا يمكن الوقوف عليها دون المسح الشامل للكتاب. 5 - تحصَّلتُ على روايات كثيرٍ من كتب مفقودةٍ، مثل (تاريخ مكة) و (تاريخ البصرة) و (كتاب الجمل) لعمر بن شبة، و (أخبار زياد) للغلابي، و (كتاب صفين) للجعفي، و (أخبار الخوارج) لقدامة بن جعفر الجوهري، و (تاريخ نيسابور) للحاكم وغيرها. 6 - وقفت على عددٍ من النصوص ساقطةٍ من الكتب المطبوعة، مثل نصوص ساقطة من (سنن سعيد بن منصور) ومن كتاب (أخبار مكة للفاكهي) و (كتاب الجهاد) لابن المبارك، وغيرها كثيرٌ مما هو مبينٌ في ثنايا الرسالة. 7 - نقل ابن حجر عدداً كبيراً من الروايات قد أغفلتها الكتب التاريخية، ومن أمثلة ذلك الروايات التي أثبتها عن الجمل من كتاب (تاريخ البصرة) و (الجمل) لعمر بن شبة، فقد اقتبس منهما ثمان عشرة رواية عن الجمل.

الرحلات العربية مصدر من مصادر تاريخ المملكة العربية السعودية في الفترة (1338هـ - 1373هـ / 1920م – 1953م)

الرحلات العربية مصدر من مصادر تاريخ المملكة العربية السعودية في الفترة (1338هـ - 1373هـ / 1920م – 1953م) ¤الجوهرة بنت عبدالرحمن المنيع£بدون¥مكتبة الملك فهد الوطنية – الرياض¨بدون¢1431هـ€تاريخ¶رحلات تاريخية الخاتمة: حظيت المملكة العربية السعودية بكثير من الدراسات التاريخية لما لها من أهمية ومكانة في العالمين العربي والإسلامي، واستخدمت كثيراً من المصادر والوثائق للإلمام بتاريخ هذه البلاد، ولكن الاعتماد على كتب الرحلات العربية وإظهار أهميتها؛ لكونها مصدراً مهماً من مصادر تاريخ المملكة العربية السعودية لم تنل ما تستحقه من البحث والدراسة. ولا نزعم أننا شملنا جميع الرحلات العربية، وإنما هي محاولة جادة لحصر معظم الرحلات العربية واستخراج المادة الوفيرة في تلك المصنفات، ولفت الانتباه إليها بصفتها مصادر مهمة لتاريخ تلك الفترة وفاتحة لدراسات وأبحاث مستقبلة لمن أراد الاستزادة في هذا المجال. أما عن أهم النتائج التي كشف عنها البحث فهي كما سيأتي: - لقد كان من أهم أهداف البحث تأكيد أهمية العربية بوصفها مصدراً من مصادر تاريخ المملكة العربية السعودية، وتعود مصدريتها كما اتضح من خلال البحث إلى معاصرتها للأحداث، إضافة إلى أن ما دونه الرحالة العرب كان عن مشاهدة شخصية أو سماع عن مصادر قريبة من الأحداث أو معاصرة لها. وتميزت مدونات الرحلات العربية غالباً بالمصداقية في القضايا التي تناولتها، حيث اتسمت بدرجات متفاوتة بكثير من الخصائص العامة: كالدقة واتباع الخطوات العلمية والتحقيق والتمحيص ومعارضة الروايات مع الإنصاف والموضوعية والتوثيق التاريخي. - أبرزت هذه الرحلات كثيراً من صفات الملك عبد العزيز، وترجع أهمية ما دونه أولئك الرحالة إلى أن كثيراً منهم التقوا الملك عبد العزيز شخصياً، وفيهم من تكررت لقاءاتهم به، كما أن كتابتهم عن الملك عبد العزيز اتسمت بالحيادية إلى حد ما. ومؤلفو تلك الرحلات قدموا من كثير من البلاد العربية الإسلامية فجسدت مؤلفاتهم عظم مكانة الملك عبد العزيز في العالمين العربي والإسلامي وتقدير العرب والمسلمين له على جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين. - اتضح من خلال كتب الرحلات العربية أن جوانب النهضة في البلاد لم تكن تسير على وتيرة واحدة، حيث ميزوا بين ما يقبل التغيير في زمن قصير وبين ما يحتاجه في تطويره إلى زمن أطول، فمثلاً جوانب الأمن كانت أسرع تحسنا مما سواها، فيما احتاجت الجوانب الأخرى كالتعليم والنواحي الصحية والتطور الاجتماعي والجوانب الاقتصادية إلى فترة أطول. - اتفاق غالبية الرحالة على الدور الذي قام به الملك عبد العزيز في سبيل توحيد البلاد وتوفير الأمن والاستقرار، وهو الأمن الذي شهد به القاصي والداني، واستظل به أهل البلاد والوافدون إليها من حجاج بيت الله الحرام وغيرهم، وقد رصد هؤلاء الرحالة كثيراً من الأمثلة على ذلك الأمن، شاهدوها بأنفسهم أو رواية عن السكان وخاصة من عاصروا عهد الملك عبد العزيز وما سبقه، وترجع أهمية هذه الأمثلة إلى أنها تعد من الشواهد على توافر الأمن ومظاهره الوارفة في عهد الملك عبد العزيز.

- كان لتوافر الأمن أثره في كثير من جوانب الحياة، فمثلاً في الجانب الاقتصادي أدى توافر الأمن إلى ازدهار الناحية الاقتصادية، وتمثل ذلك في زيادة التبادل التجاري بين مناطق المملكة، وكذلك زيادة حجم التبادل التجاري مع البلاد المجاورة، مع نشاط حركة الأسواق في المدن والقرى. وكان لتوافر الأمن أثره أيضاً في النواحي الاجتماعية، فقد أتاح الأمن للسكان حرية التنقل بين المناطق المختلفة، وأصبح في مقدور القبائل دخول مناطق القبائل الأخرى بعد أن كانت ممنوعة من ذلك سابقاً نتيجة الفتن والعداوات بين تلك القبائل، كما أصبح بإمكان الأفراد من الحاضرة والبادية التنقل والترحال دون الحاجة إلى حراسة أو حمل السلاح نتيجة بسط الأمن. - أثنى كثير من الرحالة ممن أدوا فريضة الحج على اهتمام الملك عبد العزيز وعنايته بالحرمين الشريفين وبالخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام واستشهدوا على ذلك بحرصه على حضور كثير من مواسم الحج للإشراف بنفسه على خدمة ضيوف الرحمن، كما حفلت مؤلفاتهم بنماذج للجهود المبذولة في هذا المجال، من ذلك إنشاء مديرية الحج وإقرار التنظيمات الخاصة بموسم الحج وتنظيم شؤون المطوفين، وكذلك العناية بالنواحي الصحية في موسم الحج وعلى الأخص المحاجر الصحية لتلافي دخول المصابين بأمراض وبائية إلى المملكة، كما حرصت إدارة الصحة العامة على إعداد النصائح والإرشادات لتوعية الحجاج صحياً، وتم توفير كثير من المستشفيات والمراكز الصحية المتنقلة في أثناء موسم الحج في مكة والمشاعر المقدسة، ونتج عن تلك السياسة الصحية والاهتمام المتزايد الحد من انتشار الأمراض والأوبئة في أثناء موسم الحج. - ومن الخدمات المبذولة في موسم الحج إنشاء المشروعات لإمداد مكة وجدة بالمياه لمواجهة موسم الحج وتخفيف معاناة الحجاج من عدم توافر المياه الصالحة للشرب. - وكذلك في مجال نقل الحجاج تم توفير وسائل المواصلات المختلفة، واستخدمت السيارات على نطاق واسع لتسهيل حركة الحجاج، وحين توفرت الإمكانات تم رصف طرق المواصلات. - كما أولى الملك عبد العزيز عناية خاصة بالحرمين الشريفين؛ ورصد أولئك الرحالة مظاهر الإصلاحات والترميمات وأنواع الخدمات المتمثلة في توفير الإضاءة ومياه الشرب ونظافة الحرمين الشريفين. - الدور الإعلامي الذي قام به مصنفو الرحلات العربية في وقت كانت البلاد بأمس الحاجة إلى وسائل الإعلام الفعالة لإعطاء صورة حقيقية عن الأوضاع في المملكة العربية السعودية، من ناحية توافر الأمن والاطمئنان والخدمات المتاحة لحجاج بيت الله الحرام والعناية بالحرمين الشريفين، والتطور الذي شمل جميع نواحي الحياة في المملكة العربية السعودية، كما أسهم عدد من هؤلاء الرحالة في طرح كثير من القضايا ومناقشتها بطريقة موضوعية منصفة، من ذلك ما أثير حول عقائد أهل البلاد وحكومتهم نتيجة لما روجه خصومها خارج المملكة، وفند هؤلاء الرحالة كثيراً من المزاعم وأكدوا من خلال مشاهداتهم أن أهل البلاد مؤمنون، يسيرون على نهج السلف الصالح متمسكين بالشريعة الإسلامية لا يخالفون المسلمين في أصل من أصول الإسلام ولا ركن من أركانه وأنهم يثبتون الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم ويصلون عليه على عكس ما أشيع عنهم من دعايات مضللة قصد بها تنفير المسلمين وإثارتهم ضد حكومة المملكة العربية وشعبها. - أسهم عدد من مصنفي الرحلات العربية في النقد وإبداء الملحوظات والمقترحات البناءة ولفت النظر إلى نواحي القصور، ولا شك أن ذلك كان حافزاً للإصلاح في حال توافر الإمكانات.

الرحلات المغربية والأندلسية مصدر من مصادر تاريخ الحجاز في القرنين السابع والثامن الهجريين - دراسة تحليلية مقارنة -

الرحلات المغربية والأندلسية مصدر من مصادر تاريخ الحجاز في القرنين السابع والثامن الهجريين - دراسة تحليلية مقارنة - ¤عواطف محمد نواب£بدون¥مكتبة الملك فهد الوطنية - الرياض¨بدون¢1417هـ€تاريخ¶الجزيرة العربية الخاتمة حظي الحجاز بالعديد من الدراسات في الآونة الأخيرة، لما له من منْزلةٍ عظيمةٍ في نفوس المسلمين، واستخدمت كافة المصادر للإلمام بتاريخ هذه البقعة المهمة، ولكن الاعتماد على كتب الرحالة المغاربة والأندلسيين وإظهار أهميتها كمصدر مهم من مصادر تاريخ الحجاز لم تحظَ بالدراسة الكافية. وقد اعتمدنا في هذا البحث على بعض كتب الرحالة المغاربة والأندلسيين لإظهار أهميتها والتأكيد على أنها من المصادر المهمة لتاريخ الحجاز، ولا يجب الاستغناء عنها، فخلصنا إلى عددٍ من النتائج سواءً منها ما يتعلق بالجانب العلمي أو الجانب الديني أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي. فمن هذه النتائج التي استخلصت مما كتبه الرحالة المغاربة والأندلسيون: الجانب العلمي: 1 - إن الإسلام دينُ علمٍ ومعرفة، فبرز من هذه الحقيقة الرحلة لطلبه فالرحلة قديمة قدم الإسلام نفسه، فتعدت أغراضها وغاياتها، خاصةً وأن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة حضا على وجوب السعي لتعلم العلم النافع. فظهرت الرحلة كوسيلة للعلم والإعلام منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأت تأخذ مساراتها المختلفة منذ تلك الفترة. 2 - إن العلم يتطلب السعي لنيله فقام العلماء بالرحلة لطلبه فلمعت أسماء بعضهم بفضل ما قاموا به من رحلات بجميع أهدافها وأغراضها. وقد ترتب على ذلك شغف المسلمين بالرحلة وعرفوا وأتقنوا مختلف أنواعها، وهذا ينطبق على مسلمي المشرق والمغرب على حدٍ سواء، إلا أن مسلمي المغرب والأندلس انفردوا بنوعٍ فريدٍ من الرحلات هي الرحلات الحجازية، والتي أساسها أداء فريضة الحج والزيادة وطلب العلم، وقد أفرزت هذه الرحلات مذكرات ومشاهدات لهؤلاء الرحالة تكونت منها رحلاتهم التي أصبحت بمثابة موسوعة علمية مصغرة لما حوته من معلومات مهمة لكافة أحوال المسلمين في تلك الفترة، إضافةً إلى كونها سجلاً ضمن قوائم بأسماء علماء المسلمين البارزين الذي تخصصوا في مختلف العلوم مثل علم القراءات وعلم الحديث والفقه واللغة العربية والتاريخ والشعر والأدب. فالرحالة كانوا عبارةً عن عينٍ لاقطةٍ لما حولهم يستقطب اهتمامهم جميع الأمور وإن صغرت. 3 - ضمت مكة المكرمة جميع المذاهب الإسلامية بعلمائها الذين ساروا جنباً إلى جنب لدفع الحركة العلمية؛ إذ تبين من خلال ما كتبه الرحالة المغاربة والأندلسيون مدى مكانة مكة المكرمة العلمية التي وصل إشعاعها لكافة الأمصار الإسلامية، فمكة المكرمة مبدأ ومنتهى الحركة العلمية وحلقة الوصل بين المشرق والمغرب الإسلامي. ففيها لمعت أسماء ومنها تنتشر الكتب إلى المشرق والمغرب على حدٍ سواء وهذا بفضل الوسائل المهيئة لنشر العلم من وجود العلماء والكتب وتبادلها فيما بينهم وانتشار المدارس والأربطة التي كانت عبارةً عن مساكن لطلبة العلم أقيمت بها مكتبات حوت نفيس الكتب التي كانت مدار الطلب في ذلك الوقت، فأكبوا على طلب العلم والنهل منه بعدما أُمِّنت حاجاتهم الأساسية من مسكن وغذاء ومرتبات بفضل ما كان يصل مكة المكرمة من الأعطيات والصدقات التي تُرسل من ملوك وأمراء وأغنياء المسلمين لتفرق عليهم هناك.

4 - بروز دور المسجد الحرام العلمي فقد كان بمثابة جامعة مفتوحة يتوافد إليه طلاب العلم المسلمون من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وفضل الكثير منهم المجاورة بمكة المكرمة لفترات قد تطول أو تقصر وذلك لتلقي العلم على أيدي علماء أفذاذ مثلوا المذاهب الإسلامية وبرعوا في فنون العلم المختلفة. 5 - وجد بمكة المكرمة أعداداً هائلةً من العلماء الذين لم يكونوا من أبناء الحجاز وحدها حيث لعب العلماء المجاورون دوراً بارزاً في رواج الحركة العلمية بها. وقد ظهر ذلك جلياً من خلال ما سجل من أسمائهم وترجمة لحياتهم في كتب الرحلات التي ربما زادت عما ورد في كتب التراجم نفسها؛ بل إن ما كتبه الرحالة المغاربة والأندلسيون عن هؤلاء العلماء اعتمد عليه أصحاب كتب التراجم كالفاسي والسخاوي مثلاً في ترجمتهم لهؤلاء العلماء. فلقد تهيأ لمكة المكرمة ما لم يتهيأ لغيرها من مدن العالم الإسلامي فقد هفت إليها أفئدة العلماء الذين ذاعت شهرتهم في علمٍ من العلوم التي اختصوا بها إلى جانب العدد الكبير من أبنائها العلماء والذين أدوا جميعاً دوراً بارزاً في رواج الحركة العلمية بها لتعدد حلقات الدرس في المسجد الحرام. فكان لكل مذهب من المذاهب الإسلامية زاوية ودرس خاص توفرت بها كتبهم العلمية وجلسوا للمناظرة والفتوى والشرح والإجازة. 6 - مماثلة المدينة المنورة مكة المكرمة في مكانتها العلمية بعد القرن السادس الهجري وبلغت مكانةً عاليةً في القرن الثامن الهجري بعد أن خفَّت وطأة سيطرة الشيعة على مقاليد أمور الناحية العلمية بها بسبب إحكام سيطرة المماليك حكام مصر على الأمور بها وذلك بتعيين الأئمة والخطباء والمؤذنين والقضاة السنيين بها، حيث كان قبل ذلك أهل السنة مضطهدين لا يستطيعون البت في أمورهم؛ بل لقد وصل الأمر في بعض الفترات إلى تركهم المدينة المنورة ومصادرة أملاكهم. الجانب الديني: 1 - لقد أدى ضعف الحالة الدينية في الحجاز إلى أن أصبحت مرتعاً خصباً لظهور الكثير من البدع والخرافات: منها ما هو منافٍ للعقيدة مثل العروة الوثقى بالكعبة المشرفة وخرزة فاطمة الزهراء بالمسجد النبوي الشريف وما ذك عن بيوت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بالمسجد أيضاً. ونجد أن الداعي إلى مثل هذه البدع هو استجلاب الأموال من عوام الناس والحجيج، كما تفشت عادة التبرك بقبور الأولياء والصالحين وكل ما يمت بصلةٍ قريبةٍ كانت أو بعيدة بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم. 2 - استفحال تفشي البدع والشائعات بين طبقات المجتمع الحجازي المختلفة الأمر الذي أدى إلى أن صدقها الرحالة المغاربة والأندلسيون وضمنوها رحلاتهم مما يعطينا تصوراً واضحاً لضعف الحالة الدينية. 3 - وجود بعض البدع والشائعات إلى وقتنا الحاضر كانت موجودة منذ تلك الأيام: مثل زيادة ماء زمزم ليلة النصف من شعبان وعدم وقوع الحمام على الكعبة المشرفة. 4 - إن أغلب ما وجد من أماكن نسبت إلى بعض الصحابة رضوان الله عليهم وبنيت عليها مساجد إنما ألحقت نسبتها إليهم بعد فترةٍ طويلةٍ من وفاتهم مما يؤكد عدم صحة نسبتها إليهم في كثيرٍ من الأماكن. 5 - ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بعض فترات البحث وما وجد من قائمين به كانوا يعملون به من تلقاء أنفسهم وربما عوقبوا على قيامهم بهذا الأمر، ويبدو أن الأمر تغير إذ أصبح هناك موظفون قائمون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد وضح ذلك مما أورده ابن بطوطة. 6 - ضعف سلطة القاضي في بعض الفترات وتغلب سطوة العامة من الناس والحجيج على بعض قراراته وخاصةً فيما يتعلق بيوم الوقوف بعرفة. الجانب الاجتماعي:

1 - تعدد الطبقات في المجتمع الحجازي واختلاف تركيبته السكانية بسبب مركزه الديني في نفوس المسلمين، وقد شكل المجاورون بمختلف أجناسهم طبقة منه. 2 - بسبب اختلاف التركيبة السكانية بالحجاز ومكانته الدينية ظهرت عادات وتقاليد خاصة انفرد بها عن سائر الأمصار الإسلامية، لا يزال بعضٌ منها إلى وقتنا الحاضر، كما جرى في بعض العادات تغييرات على مر السنين لاحظناها من رحالة لآخر. 3 - انفراد الرحالة المغاربة والأندلسيين بتسجيل الحياة الاجتماعية بالحجاز والتي أغفل ذكرها المؤرخون الذين اقتصروا على تسجيل الناحية السياسية. الجانب السياسي: 1 - عم الاضطراب السياسي الحجاز داخلياً بسبب تصارع أمراء الأشراف فيما بينهم على الإمرة فقامت الحروب فيما بينهم في سبيل الحصول عليها. 2 - استعانة الأمراء الأشراف بملوك مصر تارةً وبملوك اليمن تارةً أخرى في سبيل الحصول على الحكم، وربما لجأ كل أميرٍ منهم إلى دولةٍ منهما فأصبحت بذلك الحجاز مسرحاً لتصارع مصر واليمن وإثبات قوتيهما على حساب الحجاز. 3 - منذ قيام الدولة الأيوبية بمصر التزم الأشراف في الحجاز بالدعاء لهم على المنابر وخضوع الحجاز لسيادتهم وأصبح من ضمن الولايات التي أخذ عليها صلاح الدين الأيوبي تقليداً من الخليفة العباسي المستضيء ثم خضعت مباشرةً للأيوبيين عقب استيلاء سيف الإسلام أخو صلاح الدين عليها. وبالرغم من خضوع الحجاز للأيوبيين إلا أننا لم نلاحظ أن لهم تدخلات مباشرة في تعيين وعزل الأمراء الأشراف ولكن تُرك لهم حرية البت في أمورهم من تلقاء أنفسهم والتفت الأيوبيون إلى تأمين طرق الحج وإسقاط المكوس عن الحجاج وتعويض أمرائها أموالاً وحبوباً أوقفوا عليها القرى والأراضي في مصر لهذا الغرض. 4 - ارتبط أشراف الحجاز ارتباطاً وثيقاً في القرن الثامن الهجري بالمماليك بمصر الذين تدخلوا في شؤون الحجاز الداخلية وامتد ليشمل الأمراء أنفسهم من ناحية توليتهم وعزلهم، وأكثر هذه الفترات ارتباطاً هي فترة حكم الناصر محمد بن قلاوون وخاصةً بعد وفاة الأمير أبو نمي وما أعقب ذلك من تصارع أبنائه منذ سنة 701هـ/1301م وما تلى ذلك من السنين. 5 - لم يؤثر عن أشراف المدينة المنورة ارتباطهم بغير ملوك مصر الذين خضعوا لهم خضوعاً مباشراً خاصةً عندما يحدث تصارع بين أمرائها ويلجأ أحدهما إلى سلطان مصر. 6 - تراوح ولاء الحجاز بين مصر واليمن تبعاً لحجم الأعطيات التي تصله من أحدهما. 7 - خضوع المدينة المنورة لأمراء مكة المكرمة في بعض الفترات مثلما حدث في جزء من فترة حكم أبي عزيز قتادة وأبي نمي. كما حدث وأن خضعت مكة لأمراء المدينة المنورة مثلما حدث في عهد مكثر بن عيسى أمير مكة المكرمة وهذا الأمر في فترةٍ وجيزةٍ لا يلبث أمراء مكة المكرمة أن ينفردوا بحكمها. 8 - إن محاولات أمراء مكة المكرمة لضم المدينة المنورة تقودنا إلى القول بقوة شخصية أمراء مكة المكرمة وتطلعاتهم لمد نفوذهم وسيطرتهم على المدينة المنورة، خاصةً وأن بعض أمرائها حمل لقب ملك الحرمين مثل أبي نمي. 9 - بالرغم من حدوث بعض الحروب بين أمراء المدينة المنورة وأمراء مكة المكرمة إلا أن جهودهم تتوحد عند إحساسهم بخطر يهدد إحدى الأمارتين وظهر ذلك جلياً عندما تعاونوا لاسترداد مكة المكرمة فسارعوا لتوحيد جهودهم مثلما حدث في فترة أبي عزيز قتادة لاسترداد مكة المكرمة في فترة حكم أبي نمي.

10 - امتداد سيطرة أمراء مكة المكرمة على مناطق شاسعة خارج الحجاز، بل وخارج نطاق الجزيرة العربية ليشمل مملكة سواكن وبلاد البجة، حيث ظهر في فترة البحث شريفان توليا ملكها: هما زيد بن أبي نمي ومبارك بن عطيفة بن أبي نمي وقد أغفلت المصادر التاريخية الإشارة إلى ذلك ولم نعثر إلا على إشارة عابرة من الفاسي استقيناها من قصيدة تؤكد ما ذكره ابن بطوطة من أن زيد بن أبي نمي كان ملكاً عليها وإشارةً أخرى تؤكد أن عطيفة تولى ملكها أيضاً ولكن بدون تفصيل. ونخلص من هذا إلى أن هناك علاقات خارجية لأشراف مكة المكرمة ببعض الدول والأمارات المجاورة أغفلت ذكرها كافة المصادر التاريخية التي تناولناها لموضوع البحث. 11 - ارتباط أشراف الحجاز بسلاطين كلوه فقد كانت لهم رحلات سنوية إليهم وهذا الأمر أغفل ذكره المؤرخون. 12 - التنافس في حمل لقب خادم الحرمين الشريفين من قبل سلاطين مصر واليمن حيث إن أول من حمل لقب خادم الحرمين الشريفين هو صلاح الدين الأيوبي ثم انتقل اللقب لملوك اليمن أثناء انشغال ملوك مصر بأمورهم الداخلية، ولكنه لم يلبث أن أصبح من ضمن ألقاب ملك مصر الذي ظهرت قوته وهيمنته على العالم الإسلامي في ذلك الوقت. 13 - ظهور مبدأ الاشتراك في الإمرة عوضاً عن ولاية العهد، ولكن بصلاحيات أكبر تخوله الحكم والبت في الأمور بوجود الشريك وهو مع ذلك مقاسمة في واردات الإمارة الاقتصادية. 14 - تبعت بعض مدن وقرى الحجاز الشمالية سلاطين مصر وارتبطوا معها بروابط اقتصادية في بعض الأحيان مثل ينبع. 15 - كانت ينبع ووادي نخل المنفى الاختياري لأشراف مكة المكرمة فيقصدها الشريف المنهزم إما ليموت هناك أو لتجميع قوته والعودة مرة أخرى لاسترداد مكة المكرمة في منافسيه بعد أن يكون قد جمع الأتباع فيقوم إما بمهاجمة مكة المكرمة مباشرة أو يلجأ إلى فرض الحصار الاقتصادي عليها وقطع طريق الحجيج وبهذا يمتد الضرر ليشمل أهل الحجاز ومجاوريه وليس فقط الأمراء الأشراف. 16 - سجل الرحالة المغاربة والأندلسيون بتقصٍ بارعٍ جانباً من الوضع السياسي في الحجاز ضاماً ما ذكره بعض المؤرخين الآخرين لبعض الأحداث مما كشف أموراً كانت خافيةً أسبابها ودوافعها. 17 - انعدام الأمن في داخل مكة المكرمة والمشاعر المقدسة أثناء الموسم وفي الطرق المؤدية إلى مدن الحجاز. الجانب الاقتصادي: 1 - استقرار الأحوال السياسية بالممالك الإسلامية المجاورة للحجاز يعقبه استقرار سياسي واقتصادي بالحجاز بسبب ما يصلها من أعطيات منها بانتظام. 2 - عرف الحجاز مهناً صناعيةً عدة عمل بها أهل الحجاز وأتقنوها مثل صناعتي الحلوى والبناء اللتين امتدحهما ابن جبير. 3 - وجود جالية مغربية عملت بالزراعة بالحجاز مما نتج عنه رواج هذه المهنة واستصلاح كثيرٍ من الأراضي حول مكة المكرمة. 4 - عدم التفات أمراء الحجاز للإصلاح الذي يخدم الحجاز وأهل الحجاز بالرغم من إرسال الكثير من الأموال إليهم، والتفاتهم إلى تقوية مكانتهم ببناء الاستحكامات الحربية خوفاً من انقضاض غيرهم عليهم وانتزاع الإمرة سواءً من داخل الحجاز أو خارجه. 5 - عدم سماح أمراء مكة المكرمة بأي إصلاح بالمسجد المكي إلا بعد دفع أموالٍ توازي تكاليف الإصلاح أو التجديد، وربما تزيد عليها، إضافةً إلى تذييل التعمير أو التجديد برسم الخليفة المعاصر بعد أخذ موافقته أولاً على المراد عمله دون ذكر القائم على العمل.

كما أن معظم ما تم من بناء إنما كان تجديداً أو ترميماً لما هو قائم دون زيادة مساحته وقد اتضح ذلك في بعض المباني التي كانت لا تزال إلى وقتٍ قريبٍ قائمةً وانطبق وصفها على ما ذكره الرحالة، إضافةً إلى بقاء بعض طرز البناء المعماري إلى الوقت الحاضر. 6 - معرفة أهل الحجاز لأساليب المعاملات التجارية بمختلف أنواعها من بيعٍ وشراءٍ ورهنٍ واستدانةٍ ومقايضةٍ. ومما استنتج عن الرحالة أنفسهم: 1 - انصباب اهتمام الرحالة المغاربة والأندلسيين على تقصي أحوال مكة المكرمة من جميع جهاتها دون المدينة المنورة وباقي مدن وقرى الحجاز وهذا عائدٌ إلى طول مكوثهم بها. 2 - تصدَّر الرحالة المغاربة والأندلسيين عند العودة إلى موطنهم للإقراء والتدريس وتولي القضاء والإمامة أو الكتابة لدى بعض أمراء المغرب أو الأندلس، فتأهلهم لشغل هذه المناصب التعليمية والدينية بفضل العطاء والأخذ العلمي الذي تم بالمدينتين المقدستين فأهَّلهم ذلك لاحتلال مثل هذه المناصب، فأغلب الرحالة المغاربة والأندلسيين كانوا أدباء بارعين تولوا قبل مجيئهم إلى المشرق مناصب مهمةٍ في بلادهم مثل الكتابة لأمرائهم. 3 - معظم الرحالة المغاربة والأندلسيين كانوا يحملون كتب الرحالة السابقين عليهم للمقارنة وإضفاء التجديد وتصحيح بعض الأخطاء التي وقع فيها من سبقهم وربما النقل عنهم في بعض الأحيان للأمور التي لم يتسنَّ لهم رؤيتها أو لبعد العهد والنسيان. 4 - كان خروج الرحالة المغاربة والأندلسيين أساساً للحج والزيارة وطلب العلم فلمعت أسماؤهم وذاع صيتهم بما نالوه من علمٍ هناك، إضافةً إلى كتابتهم لرحلتهم التي توضح ثاقب نظرهم للأمور وتحليلها وحكمهم على الأحداث التي نقلوها بكل أمانةٍ لبعدهم عن التحيز لجانبٍ دون آخر. 5 - يتم تقييد الرحلة دون إعداد مسبق بل يسير وفق خط سير رحلتهم وما يصادفهم أثناءها. وختاماً أسأل الله تعالى أن يكون قد حالفني التوفيق في إبراز أهم النتائج التي توصل إليها البحث ومحققة بذلك الهدف منه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا وشفيعنا النبي الأمين، محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه وأزواجه أجمعين،،،

السياسة العثمانية تجاه إمارة (أبو عريش) والسواحل اليمنية

السياسة العثمانية تجاه إمارة (أبو عريش) والسواحل اليمنية ¤إسماعيل بن محمد البشري£بدون¥مكتبة العبيكان- الرياض¨الأولى¢1423هـ€تاريخ¶تاريخ - الدولة العثمانية الخاتمة: لقد قدمت هذه الدراسة صورة كاملة عن تطور العلاقات السياسية بين إمارة (أبو عريش) والدولة العثمانية خلال الفترة من 1259 - 1264هـ/1843 - 1847م، حيث يلاحظ مدى التردد وعدم الوضوح في سياسة الباب العالي تجاه الشريف الحسين بن علي بن حيدر. وخلال هذه الفترة كان الشريف ينصرف وفق المعطيات المحلية, ضارباً عرض الحائط بالشروط العثمانية، مما كان سبباً في وقوف حكومة الحجاز ضده، وتشجيعها المستمر للباب العالي للقيام بحملة عسكرية على السواحل اليمنية. ويتضح لنا من خلال العرض السابق كيف كانت الإدارة العثمانية غائبة عن الواقع الحقيقي لتطور الأحداث في المنطقة، حيث كانت تعتمد – وبشكل كبير – على تقارير الشريف محمد بن عون المغرضة التي تدل على مدى تلهفه لبسط نفوذه على تلك السواحل نظراً لأهميتها الاقتصادية الكبيرة. وقد أظهر البحث مدى الحرص لدى الباب العالي لتأكيد سيادته على المنطقة، وإثبات تبعيتها للدولة العثمانية، حتى لو أدى ذلك إلى أن تتخلى الدولة عن شروطها التي سبق أن فرضتها على الشريف، وتكتفي بإعلانه التبعية والولاء للسلطان العثماني. وألقى البحث الضوء على سياسة الدولة العثمانية المترددة بشأن الشريف الحسين بن علي بن حيدر، حيث نجدها تندفع في قراراتها إلى درجة التوصية للسلطان بضرورة عزل الشريف والسيطرة على المنطقة بالقوة، ثم تتراجع عن ذلك وتتجه إلى تهدئه الأمور، ثم تعيد الكرة مرة أخرى ويتم تصعيد الموقف إلى حد الغليان، ثم تعود إلى استرضاء الشريف ومنحه الرتب العالية. وقدم البحث – ولأول مرة- معلومات عن المواقف والآراء المختلفة حيال المتغيرات السياسية في المنطقة, سواء كان ذلك في العاصمة العثمانية من خلال مضابط مجلس الوكلاء (الوزراء) , أو من خلال تقارير محمد علي باشا والي مصر، وتقارير أمير مكة المكرمة الشريف محمد بن عون، ووالي جدة محمد شريف رائف، وكذلك مراسلات المبعوثين العثمانيين إلى المنطقة, مثل أشرف بك, وحسين أفندي وغيرهما. ويمكننا القول إن الفترة التي أعلن فيها الشريف الحسين بن علي بن حيدر تبعيته للدولة العثمانية تعد حافلة بالتطورات السياسية الداخلية والخارجية، وإن تلك العلاقة كان يشوبها الكثير من عدم الثقة, وتبادل الاتهامات والاعتذارات، إلا أن أهم ما حظيت به المنطقة خلال تلك الفترة الحساسة جداً في مجال التنافس الاستعماري الإنجليزي – الفرنسي أنها نتيجة للتبعية العثمانية نجت من الوقوع في براثن الطامعين في مد النفوذ الاستعماري إليها، حرصاً على عدم المواجهة مع الدولة العلية. لقد ألقت طموحات الشريف الحسين بن علي بن حيدر بالمنطقة في أتون الصراعات المحلية التي انعكست بدورها على علاقة الشريف بالدولة العثمانية، وأثرت على قدرته في الالتزام بشروط الاتفاق المعقود مع الباب العالي، مما كان سبباً – وكنتيجة لجهود الشريف محمد بن عون – في أن تتخذ السلطات العثمانية قرارها الأخير – بعد طول تردد – بعزل الشريف الحسين من منصبه كحاكم للسواحل اليمنية، وتجرد عليه حملة عسكرية سيطرت على المنطقة عسكرياً وإدارياً، وهذا ما سيكون موضع بحث آخر إن شاء الله، والله الموفق.

التيار الإسلامي في الخليج العربي – دراسة تاريخية

التيار الإسلامي في الخليج العربي – دراسة تاريخية ¤هاشم عبدالرزاق صالح£بدون¥الانتشار العربي – بيروت¨الأولى¢2010م€تاريخ¶خليج عربي الخاتمة: إن العودة بالإسلام إلى نقائه الأصيل، وتجديد الدعوة الإسلامية، ومحاربة الجهل والتخلف والجمود الفكري، كانت من أبرز الأهداف التي سعى المصلحون الإسلاميون والحركات الإسلامية الحديثة للوصول إليها. ولاسيما بعد أن أصبح العالم الإسلامي مستهدفاً من الغرب الأوروبي، لإضعاف الإسلام في نفوس المسلمين، وتشكيكهم بعقيدتهم ثم إحكام السيطرة على اقتصاده، واستخدامه سوقاً لمنتجاته من خلال الهجوم الصريح على أقطاره، الذي ابتدأ بالاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830، إلى السيطرة البريطانية – الفرنسية الكاملة على الوطن العربي، خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها، إلى إلغاء الخلافة عام 1924. وفي المقابل فإن عجز الأنظمة السياسية العربية الإسلامية عن إنجاز التنمية المطلوبة أو صيانة الاستقلال الوطني، أو تحقيق العدالة الاجتماعية فضلاً عن قيام تلك الأنظمة بتوظيف الدين الإسلامي لشرعنة ومباركات حالات الاستبداد والتخلف والتبعية والتجزئة بما يشوه المضامين الأصيلة للإسلام. هذه العوامل وغيرها كانت الدافع والضاغط لظهور إرهاصات الفكر الحركي الإسلامي، والتي شكلت تياراً إسلامياً نشطاً على امتداد الساحة العربية والإسلامية، ومنها منطقة الخليج العربي. يمثل الإسلام حجر الزاوية في بناء المجتمع والهيكل السياسي لأقطار الخليج العربي، التي تتميز عموماً بتعلقها بالقيم الدينية والحضارية الإسلامية الأصيلة. والإسلام في الوقت نفسه يمثل الإطار النظري الإيديولوجي للتنظيمات الإسلامية التي ظهرت في منطقة الخليج العربي في بدايات القرن العشرين. فقد شهد المجتمع الخليجي مظاهر النمو في الوعي الإسلامي، نتيجة تفاعل عوامل عديدة محلية وعربية، منها الزيارات التي قام بها مفكرون ومصلحون إسلاميون إلى منطقة الخليج العربي، والرحلات التي كان يقوم بها أبناء الخليج إلى بعض مراكز النهضة الفكرية العربية، سواء بقصد التجارة أو لطلب العلم، ثم دور الصحافة العربية والإسلامية على وجه الخصوص، وأثرها في إيقاظ الشعور الديني في نفوس أبناء الخليج العربي. كما أسهمت المدارس والجمعيات التي ظهرت في المنطقة في تعزيز الوعي الإسلامي والإصلاح الاجتماعي. فأثمرت تلك العوامل في إنضاج الوعي الفكري عموماً، والإسلامي بشكل خاص، وتشجيع المصلحين على المطالبة بالإصلاح، وتجديد الفكر الإسلامي والتمسك بأصول الإسلام. وقد تكتل هؤلاء المصلحون في تنظيمات إسلامية محلية، شكلت النواة والقاعدة للحركات والأحزاب الإسلامية التي شهدتها منطقة الخليج العربي بعد الحرب العالمية الثانية.

ويمكن القول أن التيار الإسلامي في الخليج العربي، الذي برز بشكل واضح في النصف الثاني من القرن العشرين، لم يكن طارئاً على المجتمع الخليجي. بل كانت له امتدادات وجذور عميقة داخل ذلك المجتمع تكونت من خلال المتغيرات الفكرية والاجتماعية التي برزت على الساحة الخليجية منذ مطلع القرن العشرين. وعلى الرغم من تلك الخصوصية، فقد تأثر التيار الإسلامي الخليجي بشكل كبير بتنظيمات إسلامية رئيسة، وفدت إلى المنطقة من دول إسلامية أخرى، في سنوات الأربعينات وما تلاها، منها تنظيم الإخوان المسلمين الذي تأسس في مصر، وحزب التحرير الإسلامي في الأردن، وجماعة التبليغ في شبه القارة الهندية، وحزب الدعوة الإسلامية في العراق، والتي ساهمت، إلى جانب التنظيمات الإسلامية المحلية (السنية والشيعية) في تكوين التيار الإسلامي الخليجي، وبلورة نشاطه ومواقعه من تطورات الأحداث السياسية والاجتماعية، داخل منطقة الخليج العربي وخارجها. يمكن أن نميز مرحلتين في تاريخ التيار الإسلامي في الخليج العربي، موضوع البحث، امتدت الأولى من بعد الحرب العالمية الثانية، إلى حرب حزيران 1967 مع الكيان الصهيوني. إذ شهدت الساحة الخليجية في هذه المدة تطورات ومتغيرات سياسية واجتماعية وفكرية، تزامنت مع ازدياد العائدات النفطية في المنطقة، وبروز التيار القومي وانتشاره بعد ثورة 23 تموز/ يوليو 1952 في مصر. في هذه المدة تدثرت التنظيمات الإسلامية في الخليج العربي بدثار النشاط الاجتماعي الديني. واقتصر نشاطها على التوجيه والإرشاد الاجتماعي بأسلوب ديني، بعيداً عن السياسة. أما المدة الزمنية الثانية فجاءت على أثر هزيمة المشروع القومي العربي في حرب حزيران 1967. وما أعقب تلك الهزيمة من فراغ سياسي وفكري كبير كان مقدراً أن تملأه التيارات السياسية الإسلامية باندفاع منقطع النظير. فشهد عقد السبعينات انتشاراً واسعاً لمظاهر الانبعاث الإسلامي والاحتجاج الديني المسيس، في العالم الإسلامي عموماً، ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص. تزامن ذلك مع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والغزو الروسي لأفغانستان في العام نفسه. وكانت بعض مظاهر ذلك الانبعاث، أقدام مجموعة سلفية متشددة على اقتحام الحرم المكي والسيطرة عليه كخطوة أولى للسيطرة على الحكم في المملكة العربية السعودية وظهور تنظيمات إسلامية أصولية متأثرة بالثورة الإيرانية. أعلنت عن أهدافها في إقامة مجتمع إسلامي ودولة إسلامية، متخذة من الثورة الإيرانية أنموذجاً لها. بلغت ذروة نشاطها خلال انتفاضة المنطقة الشرقية في المملكة، في تشرين الثاني 1979. فقد شجع انتصار الثورة الإسلامية في إيران تلك التنظيمات التي وجدت في ما حصل في إيران أنموذجاً يمكن تحقيقه بوساطة الثورة التي تستند إلى الإسلام. فشهدت بعض أقطار الخليج العربي، مثل الكويت والبحرين، محاولات لاغتيال مسؤولين في الدولة، وعمليات تخريبية، ومواجهات مع القوى الأمنية، في إطار محاولات، كتب لها الفشل، لإقامة الدولة الإسلامية. واستناداً إلى ذلك، اتهمت التنظيمات الإسلامية (الشيعية) المتأثرة كثيراً بإيران، بضعف ولائها الوطني. لكن يمكن القول أنه على الرغم من محاولات التنظيمات الدينية الإيرانية إقامة امتدادات لها في منطقة الخليج العربي، أو على الأقل التأثير في توجهات شيعة المنطقة، إلا أن التيار الإسلامي الشيعي حاول الحفاظ على الهوية الوطنية الخليجية في معظم مواقفه.

وإبان (السبعينيات والثمانينيات)، تبلور التيار الإسلامي السياسي في الخليج العربي. وبرزت على الساحة الخليجية تنظيمات إسلامية مسلحة بنظرة شمولية للأحداث، وعمل سياسي – اجتماعي منظم من خلال السيطرة على المؤسسات النقابية، وجمعيات النفع العام، كانت حكراً على القوميين والليبراليين. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأنظمة الحاكمة في الخليج العربي حاولت استيعاب بعض التنظيمات الإسلامية، لإبقائها قوة مواجهة التيار الديمقراطي والليبرالي الذي يسود التوتر علاقته بالإسلاميين، والذي وصل أقصى مداه فيما سمي بـ (معركة الاختلاط) في الكويت مطلع السبعينات. مع ذلك ظلت العلاقة بين التيار الإسلامي والأنظمة السياسية في الخليج العربي بين مد وجزر في أغلب الأحيان. تفاعل التيار الإسلامي في الخليج العربي، مع الكثير من القضايا الداخلية والخارجية، التي عبر من خلالها عن موقفه ونظرته من تطورات الأحداث، وتأكيده على التمسك بالإسلام وتعاليمه في معالجة تلك القضايا، مثل موقفه من إصلاح المجتمع ومسألة الشورى والديمقراطية، وبعض قضايا المرأة. كما احتلت بعض قضايا العالم الإسلامي حيزاً بارزاً من اهتمامات التيار الإسلامي ورموزه في الخليج العربي، كالقضية الفلسطينية، والغزو الروسي لأفغانستان عام 1979، والحرب العراقية – الإيرانية 1980 - 1988. وأخيراً حرب الخليج الثانية 1990 - 1991. شكلت حرب الخليج الثانية، الناتجة عن ضم العراق للكويت في 2 آب 1990، محطة أساسية أمام جميع القوى السياسية في منطقة الخليج العربي، بما فيها التيار الإسلامي. فمع انتهاء الحرب ضد الشيوعيين في أفغانستان، التي عدت أحد ميادين الانتعاش الديني للتيار الإسلامي السلفي في الخليج، برزت حالة من الفراغ الجهادي، أعقبها أحداث حرب الخليج الثانية، وانقسام التيار الإسلامي في الخليج العربي، وبشكل خاص في المملكة العربية السعودية، إلى تيار فقهي رسمي تمثله المؤسسة الدينية الرسمية وتيار إصلاحي دعوي طالب بالعودة إلى جذور المذهب السلفي، في مقابل ما عده انحرافاً في مسيرة المؤسسة الدينية الرسمية عن الخط الذي رسمه الإمام محمد بن عبد الوهاب. ولاسيما بعد الموافقة الرسمية التي منحتها المؤسسة الدينية للقرار الحكومي بالاستعانة بقوات أجنبية في مواجهة النظام العراقي آنذاك. وقد خرج هذا التيار ممن عرفوا بمشايخ الصحوة، أو الصحويين، وهو يتسم بقدر كبير من الحركة والتأثير الاجتماعي. ويمتلك الجرأة في طرح أفكاره ومواقفه من الواقع السياسي والاجتماعي والديني. تمثل ذلك في انتشار ظاهرة أشرطة الكاسيت والمناظرات والمحاضرات التي تنتقد سياسة الدولة الداخلية والخارجية. ثم في تقديمه ما سمي بـ (مذكرة النصيحة) للملك فهد بن عبد العزيز، بعد انتهاء حرب الخليج الثانية التي عدها البعض مشروعاً لإصلاح الدولة السعودية على أسس دينية. وهذا ما حاولت الدراسة الكشف عنه وتوضيح أبعاده، اعتماداً على الوقائع التاريخية التي تبين دور التيار الإسلامي، بتنظيماته ورموزه كافة، في منطقة الخليج العربي، وتأثيره في المجتمع، بوصفه من أكبر التيارات الفكرية وأقواها في الساحة الخليجية.

المهمشون في التاريخ الإسلامي

المهمشون في التاريخ الإسلامي ¤محمود إسماعيل£بدون¥رؤية - القاهرة¨بدون¢2004م€تاريخ¶تاريخ - مراجعات ودراسات يستخلص مما سبق أن العوام والمهمشين الذين صنعوا التاريخ الإسلامي قد همشوا من قبل الحكام الذين سرقوا هذا التاريخ ونسبوه إلى أنفسهم، بفضل مؤرخي البلاط. كما همشوا –بالمثل- من قبل الدارسين المحدثين الذي استقوا مادتهم العلمية من الحوليات الرسمية ليس إلا، وأغفلوا المظان الحقيقية لتاريخ العوام، لجهل بها أو نتيجة نظرة استعلائية صرفتهم أصلا عن التاريخ للعوام. وقد أثبتت الدراسة عدة حقائق هامة، نوجزها فيما يلي: أولا: كثرة وتعدد حركات العوام والمهمشين لتشمل سائر عصور التاريخ الإسلامي، وعلى صعيد العالم الإسلامي بأسره. ثانيا: خفوت صوت هذه الحركات خلال العصور القليلة التي شهدت نوعا من الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بينما تعاظمت هذه الحركات والانتفاضات إبان عصور القلاقل والفوضى السياسية، وتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، بما يشي بكون هذه الحركات رد فعل طبيعي ومنطقي لسياسات فاشلة، الأمر الذي يكشف عن البعد الاجتماعي لهذه الحركات. ثالثا: من الصعب، ومن الخطأ العلمي وسم بعض هذه الهبات والانتفاضات بأنها ثورات، وذلك لافتقارها في الغالب الأعم إلى الإعداد والتنظيم. فكانت أشبه بحركات تلقائية عفوية ومجانية، أكثر منها ثورات منظمة ذات أهداف ومقاصد محددة، وإيديولوجيات ثورية، وقيادات واعية. رابعا: يرجع هذه القصور الذي يمكن اختزاله في مقولة ضعف الوعي الطبقي والضبابية السياسية، إلى غياب دور الطبقة البورجوازية المنوطة تاريخيا بإحداث التحولات الثورية الشاملة. خامسا: أن تقاعس البورجوازية عن الاضطلاع بهذا الدور يرجع إلى كونها بورجوازية تجارية في الأساس، فكانت لذلك بورجوازية جنينة عاجزة وهزيلة دافعت عن وجودها والحفاظ على مصالحها، بمهادنة الحكومات القائمة وليس بالثورة عليها وتقويض حكمها. سادسا: يعود هزال البورجوازية إلى عوامل جغرا – تاريخية تتعلق بطبيعة المجتمعات الإسلامية الزراعية الرعوية أساسا، فلم تتخلق طبقة وسطى قوية وقادرة على الصراع ضد الإقطاع العسكري، بل هونت من هذا الصراع وخففت من حدته، الأمر الذي أتاح للنظم القائمة الدوام والاستمرار، خصوصا بعد حسم الصراع لصالح الإقطاع حول منتصف القرن الخامس الهجري. سابعا: أن تفاقم المشكلات الاقتصادية-الاجتماعية في ظل النظم الإقطاعية العسكرية أفضى بالضرورة إلى ردود فعل مضادة تبناها العوام من الفلاحين والحرفيين والبطالين والأرقاء. وهي شرائح مهمشة ضئيلة الخبرات، الأمر إلى أفضي إلي فشل انتفاضاتها العفوية في النهاية. ثامنا: تأدلج بعض هذه الحركات بالتصوف الطرقي التهويمي في أغلب الأحيان، أو بإيديولوجيات هرطقية، جعلت الفقهاء يتصدون لها ويقفون إلى جانب السلطة والبورجوازية التجارية العليا لمواجهتها ودحرها. تاسعا: نجم عن ضعف الوعي الطبقي، وضآلة الخبرة السياسية، وجبروت السلطات العسكرية، أن تحولت الكثير من انتفاضات العوام إلى الأساليب التخريبية والسلب والنهب، الأمر الذي افقدها مؤازرة قطاعات عريضة من الطبقات العاملة نفسها. عاشرا: برغم هذه السلبيات والنقائص التي شانت انتفاضات العوام والمهمشين، إلا أنها نجحت في تعرية النظم الحاكمة ومن دار في فلكها من فقهاء السلطة وشرائح البورجوازية التجارية. وأرغمت الحكومات أحيانا على التخفيف من غلواء سياساتها المشتطة، بل والقيام ببعض الإصلاحات في أحيان أخرى. ونظرا لميوعة الصراع الطبقي –نتيجة عوامل قبلية وعنصرية ودينية –فقد قدر للعوام والمهمشين النجاح- في أحيان قليلة- في الوصول إلى الحكم عن طريق تأسيس كيانات سياسية ذات طابع جمهوري-إشتراكي، ما لبثت أن سقطت نتيجة غياب الوعي السياسي وقوة النظم الإقطاعية المدججة بالسلاح. أخيرا، عبرت مراهنة المعارضة في التاريخ الإسلامي عن خلل دائم ومستمر في بنية هذا المجتمع، لا زالت أصداؤه قائمة إلى الآن مما أكسب السلطات الحاكمة القدرة على البقاء والاستمرار، وحكم على حركات المعارضة بالشلل والعجز والقصور. تلك دروس وعبر جرى استخلاصها نتيجة استقراء التاريخ الإسلامي، فهل يمكن أن نستوعبها ونفيد منها في تحريك عجلة هذا التاريخ البائس قدما وإلى الأمام؟

النقل والترجمة في الحضارة الإسلامية

النقل والترجمة في الحضارة الإسلامية ¤علي بن إبراهيم النملة£بدون¥مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية-الرياض¨الثالثة¢1427هـ€تاريخ¶منوع الخاتمة: أولاً: النتائج: من خلال هذا العرض السريع لظاهرة النقل والترجمة، في الحضارة الإسلامية، ومن خلال استقراء أدبيات هذا الموضوع المتوافرة، وبحسب الظروف المحيطة بالبحث، وبقدر الإمكان المتاح، يمكن للباحث أن يستنتج هذه المجموعة من النتائج، التي قد تقود في مجملها إلى توصيات، رغبة في مزيد من البحث والتوسع في الطرح والتغطية: أولاً: أن الثقافة الإسلامية قد أفادت من ثقافات الغير القائمة، إبان قيام الحضارة الإسلامية، مما رأته مناسباً لها، ولمبادئها، ومنطلقاتها. فلم تفد من آثار لم يكن لها قوة التأثير، كالأدب والفن والسحر والشعوذة والكتب الدينية الإغريقية (اليونانية) لاعتمادها، في معظمها على الخرافة والوثنية. ثانياً: أن الخلفاء المسلمين قد شجعوا حركة النقل والترجمة، وكان معظمهم يعد في مصاف العلماء، فأغدقوا على النقلة والمترجمين والمؤلفين والوراقين، وقربوهم، واستعانوا بهم في أمور الخلافة، فكان لهذا أثره على العلم، نقلا وتأليفاً. وفي هذا تأكيد على قوة أثر ولاة الأمر في توجيه دفة العلم. ثالثاً: اعترى نقل العلوم اليونانية وترجمتها شيء من الخلط، نتيجة الاعتماد على وسيط ثالث، تمثل في اللغة السريانية. ووقعت فيه أخطاء فاحشة، استدعت المراجعة والتنقيح والنقد، وشمل هذا نسبة بعض الأعمال إلى غير أصحابها. رابعاً: نشط، في بدء ظاهرة النقل والترجمة، النقلة والمترجمون من غير المسلمين، فلقوا حسن المعاملة من الخلفاء والأفراد والولاة، وعاشوا السماحة، ولكن بعضاً منهم أساء الإفادة من هذه الجوانب، فأرادوا التأثير على أحكام الإسلام ومبادئه، دون توفيق يذكر. خامساً: لم تكن ظاهرة النقل والترجمة إيجابية كلها، بل لقد كانت لها آثار سلبية على الثقافة الإسلامية، لاسيما فيما يتعلق بعلم الكلام، الذي أوجد شرخاً في وحدة الأمة العقدية، ومزقها إلى فرق، اشتد ساعد بعضها، فأرادت رمي الإسلام، دون توفيق يذكر. سادساً: ركز الباحثون، كثيراً، على الخلافة العباسية في تطوير حركة النقل والترجمة، لوضوح الآثار فيها. وكان هذا على حساب عصر صدر الإسلام، وخلافة بني أمية، اللذين لم يعطيا حقهما من البحث في ظاهرة النقل والترجمة فيهما، مما يستدعي مزيداً من البحث المستقل، حول هذين العصرين، وكذلك الولايات الإسلامية المعاصرة للخلافة العباسية وهذا البحث في مجمله يثبت ذلك من خلال مراجعه. سابعاً: ما زال هناك خلط، عند الحديث عن ظاهرة النقل والترجمة، من حيث النشأة والزمان والمهمات. وهذا ناتج، فيما يبدو، عن تناقل المراجع بعضها من بعض، مما يدعو إلى الرجوع إلى المصادر القريبة من الأحداث، والتحقيق فيما تذكره، والوصول إلى نتائج عملية. ومع هذا فإن أدبيات النقل والترجمة في الحضارة الإسلامية تكاد تجمع على أن انطلاقة النقل والترجمة كانت على يد الخليفة الأموي خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. ثامناً: لوحظ عدم التحقيق من بعض الآثار، التي تنسب إلى بعض الصحابة – رضوان الله عنهم – والتابعين – رحمهم الله تعالى -، لاسيما منهم الولاة والأمراء، فيما يتعلق بالنقل ومداه. وهذا أمر يحتاج أيضاً إلى مزيد من التحقق والتثبت، لاسيما عندما يستعين الباحث بآثار بعض المستشرقين، فيما يتعلق بالثقافة والحضارة الإسلامية، وإن كانت بعض الآثار تؤيد ما يرمي إليه الباحث، بدافع من الهوى، إلا أن الموضوعية والتجرد يتطلبان التثبت من هذه الآثار.

تاسعاً: لم يكن العرب المسلمون مجرد نقلة لتراث الغير، بل لقد طبعوا ما نقلوه بما لديهم من علم، وأخضعوه لما لديهم من خلفية إسلامية، فجاء مصقولاً منقحاً، تدرك فيه اللمسات الإسلامية، من حيث التأصيل الإسلامي للعلوم. ظهر هذا واضحاً جلياً، عندما توجه بعض النقلة المسلمين إلى الثقافة الإغريقية/ اليونانية والهندية والفارسية والمصرية/ القبطية، ينقلون منها مباشرة، ويقفون وقفات علمية دقيقة، عندما يستدعي الأمر الوقوف. يقول يحيى وهيب الجبوري في هذا: (وهكذا كانت حركة الترجمة والتأليف في هذا العصر مزدهرة، وقد ظهرت في الحياة الإسلامية حركة علمية جديدة، طابعها الإسلام، ونبغ فيها علماء، جمعوا بين العلوم الإسلامية النقلية، وبين العلوم العقلية الدخيلة، وصارت لهم شخصيتهم الإسلامية المستقلة). ويقول شحادة الخوري، في هذا السياق: (ولم يكن العرب، في ميدان المعرفة، ناقلين كسالى، بل كانوا ناقلين مبدعين، أعملوا العقل واحتكموا إليه، ولم ينظروا إلى ما أخذوه بوصفه مسلمات وحقائق، بل وضعوا كل ما نقوله تحت حكم البصر والبصيرة). وينقل ما يؤيد ذلك عن أبي بكر الرازي وابن البيطار وجمشيد الكاشي. كثيراً ما استدعى الأمر الوقوف عند مسائل، ذات مساس بالطبيعة، أو العقيدة، أو العلوم التطبيقية، التي استدعت التمحيص، والخروج من بعض الخرافة التي ضمنت بعض المؤلفات. هذا جانب يحتاج إلى تأييد، من خلال النظر في المنقول والمترجم مباشرة، وقد عمل على ذلك في مجال طب العيون، خاصة، نشأت الحمارنة، الذي يذكر في أحد أبحاثه المنشورة أن عصر ترجمة الطب من اللغة الإغريقية (اليونانية) إلى اللغة العربية لم يكن (مظهراً لسلوك منفعل، بل كان العلماء فيه فاعلين بكل معنى الكلمة. فقد وضعوا كل الحقائق التي ترجموها على محك العقل، فقبلوا معظمها، ولكنهم عارضوا بعضها، ونقدوا بعضها الآخر. ولم يؤثر ذلك على مكانة أساتذتهم الإغريق في نفوسهم). يستدعي هذا مزيداً من التركيز على هذه الإطلاقة، التي ربما تأخذ شكل الفرضية، هنا، حتى يتم فحصها، وعرضها على الواقع. عاشراً: أثبتت ظاهرة النقل والترجمة قدرة اللغة العربية على استيعاب المصطلحات، ووقوفها مع المستجدات، وشمولها للعلوم والمعارف والآداب، ومرونتها في احتواء الجديد من المصطلحات المعربة والمنحوتة. يقول محمود فيصل الرفاعي: (من يستعرض بعض مصنفات العلماء، في المرحلتين الأولى والثانية، يرى قوة اللغة العربية العلمية، وتعدد المفردات الجديدة. لقد أصبحت بذلك اللغة العلمية الناضجة التي لم يستطع عالم بعد ذلك الكتابة بغيرها). حادي عشر: كان المفهوم الشامل للمكتبة موجوداً، في العصور الأولى للإسلام، فلم تكن مجرد خزانة كتب، وإنما تحققت فيها ما يدعو إليه علماء المكتبات والمعلومات، اليوم، من وظائف ومهمات، أهمها، في مجالنا، اللغة والترجمة، بالنقل من اللغة إلى اللغة، وتعليم اللغة الأم، وتعلم اللغات الأخرى، والنسخ (الوراقة)، والتجليد. ثاني عشر: لابد من القول بضرورة تعلم اللغات الأخرى، لينقل منها وإليها، ولن تقوم حضارة إذا لم يسع المسؤولون عنها، من علماء وولاة، إلى التوكيد على تعلم اللغات الغنية بالإنتاج العلمي والفكري، دون أن يكون ذلك على حساب تعلم اللغة الأم وإتقانها، مما يؤكد على الإلمام باللغة الأم، وهي، هنا، اللغة العربية، ومن ثم الانطلاق.

النقوش الإسلامية على طريق الحج الشامي بشمال غرب المملكة العربية السعودية (من القرن الأول إلى القرن الخامس الهجري)

النقوش الإسلامية على طريق الحج الشامي بشمال غرب المملكة العربية السعودية (من القرن الأول إلى القرن الخامس الهجري) ¤حياة بنت عبدالله الكلابي£بدون¥مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية-الرياض¨بدون¢1430هـ€تاريخ¶آثار إسلامية الخاتمة: وفي خاتمة هذا الكتاب تستعرض الباحثة أهم النتائج التي توصلت إليها، وهي تنحصر في النقاط التالية: • تمثل آثار طريق الحج الشامي على اختلاف أنواعها جانباً كبيراً من الآثار الإسلامية الباقية في شمال غرب المملكة العربية السعودية، وتمثل النقوش الكتابية الإسلامية التذكارية أهم أنواع هذه الآثار، وغالبية هذه النقوش قام بتنفيذها الحجاج والمسافرون السائرون على الطريق تخليداً لرحلة حجهم، ووصولهم إلى الديار المقدسة، وبعضها نفذه السكان المحليون. • تتضمن هذه النقوش بالإضافة إلى أسماء أصحابها جملاً دعائية، وعبارات دينية ذات صيغ مختلفة مثل: التصريح بتوحيد الله، والاعتراف بربوبية، والإقرار بالولاء له، وبالتوكل والاعتماد عليه، والتصريح بمحبته وخشيته، وبالثقة والاعتصام به، والاعتراف بمآل الأمور إليه، ودعاء بطلب الرزق، والمغفرة، والتوبة، والجنة، والرحمة، وصحبة الله في السفر ورعاية أهل المسافر في غيبته، وطلب الاستشهاد في سبيل الله، وطلب الرضا من الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وصيغاً لإثبات المرور بالمكان أو الحضور إليه، أو إشارة إلى كون صاحبها في رحلة ذهاب إلى الحج أو عودة منه، أو إشارة إلى بلده التي قدم منها، كما يتضمن بعضها وصايا موجهة لعموم المسلمين المارِّين بالطريق تحثهم على تذكر الموت، وتقوى الله، والرضا بما قسم. • بلغ عدد النقوش التي تمكنت الباحثة من حصرها على مسار طريق الحج الشامي الممتد في حالة عمار إلى المدينة المنورة أربعمائة نقش، وبعض هذه النقوش مطموس طمساً تاماً بفعل عوامل التعرية أو عبث المارة. يضاف إلى ذلك مجموعة أخرى من النقوش موجودة في العلا وما حولها ليست من عمل الحجاج والمسافرين على الطريق وإنما من عمل سكان وادي القرى. • يعد مجموع نقوش طريق الحج الشامي قليلاً مقارنة بعدد الذين ساروا على الطريق خلال الفترة التي دونت فيها النقوش، مما يسمح بالقول بأن تنفيذ النقوش التذكارية على الطريق لم يكن يستهوي الكثيرين من السائرين عليه. • غالبية نقوش طريق الحج الشامي غير مؤرخة، إلا أن تاريخها يمكن إرجاعه إلى الفترة الممتدة من القرن الأول إلى القرن الخامس الهجري اعتماداً على ما تحمله من خصائص خطية ومضامين كتابية، وعن طريق مقارنتها مع النقوش المؤرخة من تلك الفترة، سواء وجدت على طريق الحج الشامي أو في أماكن أخرى. • بلغ عدد النقوش المؤرخة على طريق الحج الشامي أحد عشر نقشاً، سبعة منها مؤرخة بفترة القرن الأول، والأربعة الباقية من القرون: الثاني، والثالث، والرابع، والخامس للهجرة، بواقع نقش واحد من كل قرن. • يعد نقش زهير (النقش رقم 1) المؤرخ سنة 24هـ ذا أهمية بالغة، لأنه أقدم نقش إسلامي مؤرخ يكتشف حتى الآن. • مورست عادة تنفيذ النقوش التذكارية من قبل المسافرين على طريق الحج الشامي خلال الفترة الإسلامية المبكرة الممتدة من القرن الأول إلى الخامس الهجري، وتوقفت بعد ذلك التاريخ إلا حالات محدودة تعود إلى نهايات العصرين المملوكي والعثماني.

• تتوفر النقوش الكتابية الإسلامية على طريق الحج الشامي في أماكن التضاريس الجبلية وتقل، وأحياناً تنعدم، في المناطق المنبسطة، وفي السهول والقيعان الواسعة، ولذا فإن النقوش تنعدم في جزء الطريق الواقع بين حالة عمار وتبوك، وتتوفر على جزء الطريق الواقع بين تبوك والحجر، وتزداد بكثرة في جزء الطريق الواقع بين الحجر والمابيات، وتندر في جزء الطريق الواقع بين المابيات وذي المروة، وتنعدم مرة أخرى في جزء الطريق الواقع بين ذي المروة والمدينة المنورة. • وجود النقوش الكتابية الإسلامية في عدد من المواقع على مسار الطريق جنباً إلى جنب مع النقوش العربية القديمة المكتوبة بخطوط: المسند، واللحياني، والثمودي، والنبطي يؤكد أن طريق الحج الشامي كان في الأصل أحد مسارات طريق التجارة العربية القديمة. • تشمل مواضع الطريق التي نفذت فيها النقوش: مواقع المماسك الطبيعية للمياه، ومواقع الظلال، والصخور البارزة على مسار الطريق، ومنازل الطريق التي تشكل نهاية مرحلة، ومواقع الاستراحات المتوسطة بين المنازل الرئيسة. • أسفرت دراسة مواقع النقوش عن تحديد أربعة مواقع استراحة لقوافل الحجاج خلال الفترة الإسلامية المبكرة بين المنازل الرئيسة التي ذكرتها المصادر على الطريق. وهذه المواقع هي: الأوجرية، الصاني، البريكة، أبو طاقة. • تمثل نقوش طريق الحج الشامي التذكارية الآثار الوحيدة التي تركها مستخدمو الطريق من الحجاج والمسافرين في حين أن بقية آثار الطريق منشآت وعمارات أقامها الحكام والولاة المسلمون. • كانت نقوش طريق الحج الشامي التذكارية تسمى عند أصحابها (شهادة)، حيث ورد هذا المصطلح في أحد النقوش المؤرخة بسنة 83هـ (النقش رقم 5). • استخدمت بعض صيغ هذه النقوش مثل (الله ولي فلان) أو (الله ثقة فلان) في عبارات التوقيعات الشخصية وأختام الأفراد في الفترة الإسلامية المبكرة، ولذا فإن بعض هذه النقوش يحتمل أن يكون شهادة وتوقيعاً تذكارياً بنص الصيغة التي يحملها ختم صاحبها. • تحوي نصوص النقوش، بالإضافة إلى العبارات الدينية والجمل الدعائية، مضامين اجتماعية. • تضمنت نصوص النقوش أسماء عدد محدود من الشخصيات المعروفة أو المنتسبة إلى أسر مشهورة كعلي بن عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن سعد بن معاذ الأنصاري، ومحمد بن سعيد بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، وإسماعيل بن الحسن الزبيري، وجعفر بن إسحاق الزبيري. • تضمن العدد الأكبر من نقوش طريق الحج الشامي أسماء وألقاب وكنى شخصيات إسلامية غير معروفة ولا يرد ذكر لها في المصادر وكتب الرجال. • ويمثل المكان المعروف بدرب الحاج الواقع بين الحجر والمابيات الموقع الذي تتجمع فيه أكبر كمية من النقوش الكتابية الإسلامية على طريق الحج الشامي. • بعض نقوش طريق الحج الشامي افتتح بالبسملة وختم بعبارة آمين. • تضمنت بعض نقوش طريق الحج الشامي دعوة إلى قراءة النقش المكتوب ودعاء بالرحمة لمن يفعل ذلك من المارة. • وردت في نقوش طريق الحج الشامي تسعة ألقاب هي: الأمير، هلال الدولة، سيف الدولة، مولى، مولى الأمير، فتى، غلام، عبد، عبد الأمير، ولقب مولى هو أكثر الألقاب وروداً في هذه النقوش. • وردت الأسماء في نقوش طريق الحج الشامي مفردة وثنائية وثلاثية ورباعية وخماسية، وتضمنت أسماء وكنى ونسباً، وأكثر الأسماء الواردة في النقوش ثنائية وثلاثية. • وردت أسماء أربع نساء فقط في نقوش طريق الحج الشامي المنشورة في هذه الأطروحة وعددها ثلاثمائة نقش.

• استخدمت الكنى في أسماء أصحاب النقوش أو أسماء آبائهم أو أجدادهم إذا كان الشخص أو أبوه أو جده مشهوراً بكنيته لا باسمه، وجميع الكنى نسبتها للذكور من الأبناء أو الآباء باستثناء شخص واحد وردت كنيته منسوبة إلى ابنته، وهو (أبو مريم) الوارد في النقش رقم (3). • اشتملت النسبة الواردة في النقوش على نسبة لقبيلة، كالعذرى والثقفي والطائي، ونسبة لبلد كالمديني والأيلي والشامي، ونسبة لأسرة كالزبيري والجعفري والعزيزي، ونسبة لجماعة كالأنصاري. • وردت أسماء أربع مدن وبلدات في نقوش طريق الحج الشامي جميعها في بلاد الشام، وهي: بيت رأس، ودمشق، والرقة، وقنسرين. • انحصرت الظواهر الإملائية في نقوش طريق الحج الشامي في: رسم الهمزة إذا وقعت في بداية الكلمة محققة في صورة ألف مستقيمة، وكتابتها على قياس تخفيفها في اللفظ إذا كانت متوسطة أو حذفها تماماً، ورسم الهمزة المتطرفة في صورة ألف مستقيمة، وعدم استخدام شكل رأس العين للدلالة على الهمزة، وتنفيذ تنوين النصب على شكل ألف لحقت آخر الكلمة، وكتابة كلمة مئة بصورة: (مائة) و (مئة)، وزيادة واو في طرف كلمة عمرو، وحذف همزة الوصل الممثلة بألف من كلمتي (ابن) و (ابنة) وإثباتها، وإدغام نون أن المصدرية في (لا) النافية وعدم إدغامها، وكتابة التاء المتطرفة المربوطة المتصلة تاء مفتوحة في بعض الكلمات، وكتابة الألف المتطرفة في آخر بعض الأسماء والأفعال ألفاً ممدودة بدلاً من مقصورة، وحذف المد بالألف من وسط الكلمة، وحذف المد بالواو من وسط الكلمة، وحذف الألف من (يا) النداء. • غالبية نقوش طريق الحج الشامي كتبت بالخط الذي اصطلح على تسميته بالخط الكوفي البسيط الخالي من الزخرفة، ويمكن إطلاق مسمى الخط الحجازي على خطوط عدد محدود من هذه النقوش التي يعود تاريخها إلى بداية القرن الأول كنقش زهير المؤرخ بسنة 24هـ، كما توجد نقوش أخرى قليلة كتبت بخط كوفي مزخرف ومورق محتملة التأريخ بالقرنين الثالث والرابع للهجرة. • غالبية نقوش طريق الحاج الشامي تتصف بتواضع مستوى خطوطها، وقليل منها يظهر عليه الإتقان والتجويد وجمال الخط. • تلاحظ ظاهرة الجمع بين الحروف اللينة واليابسة في كتابة النقش الواحد في عدد كبير من نقوش طريق الحج الشامي، وخاصة المؤرخة بالقرن الأول الهجري والمحتملة التأريخ بذلك القرن. • يتراوح عدد الأسطر في نقوش طريق الحج الشامي بين سطر واحد وعشرة أسطر وغالبية النقوش تتكون من سطرين. • معظم نقوش طريق الحج الشامي أسطرها غير متساوية في الطول كما يختلف عدد الكلمات المنفذة في كل سطر، فبعضها احتوى كلمة واحدة وبعضها الآخر احتوى كلمتين أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر، وقد تصل كلمات السطر الواحد إلى عشر كلمات. • يلاحظ عدم انتظام بدايات الأسطر ونهاياتها في معظم نقوش طريق الحج الشامي، واختلاف حجم المسافات المحصورة بين كل سطر وآخر، وقد تتقارب الأسطر وتتداخل الحروف، ويتحكم في ذلك ظروف المكان المنفذ عليه النقش ومهارة المنفذ. • نفذت الأسطر في بعض النقوش بشكل أفقي منتظم، وفي بعضها الآخر انعدمت هذه الخاصية فمال السطر إلى مستوى السطر الذي يليه. • تختلف المساحات المنفذة عليها النقوش حسب ظروف المكان، فهناك نقوش كتبت على مساحة واسعة تصل إلى مترين طولاً ونصف المتر عرضاً، وقد تصغر المساحة المنفذ عليها النقش لتصل إلى أقل من ذلك بكثير. • يتراوح طول الألفات واللامات في نقوش طريق الحج الشامي بين 4مم و 21سم. • معظم نقوش طريق الحج الشامي محزوزة حزاً سطحياً، ويتراوح عرض الحز في الحرف بين 0.5سم و3سم.

• معظم الصخور التي نفذت عليها نقوش طريق الحج الشامي من نوع الأحجار البازلتية التي تغطيها قشرة سطحية سوداء أو بنية داكنة، وقليل منها من نوع الأحجار الرملية. • استخدمت التجزئة الحرفية والمقطعية في نقوش طريق الحج الشامي في الأسماء والكلمات، ولم تسر على قاعدة ثابتة، وإنما وفقاً لظروف المساحة الصخرية المنفذ عليها النقش. • استخدمت نقط الإعجام في عدد من نقوش طريق الحج الشامي (22 نقشاً) منها (18 نقشاً) يعود تاريخها إلى فترة القرن الأول الهجري، وقد ظهرت النقط على هذه النقوش بصورها الثلاثة: المفردة والثنائية والثلاثية، وجميعها أخذت شكلاً دائرياً مسدود الوسط. • تضيف نقوش طريق الحج الشامي المؤرخة المنقوطة، نقشين على درجة كبيرة من الأهمية إلى قائمة النقوش المنقوطة المعروفة من قبل، وهما: نقش زهير المؤرخ بسنة 24هـ (النقش رقم 1)، ونقش عفير بن المضارب المؤرخ بسنة 83هـ (النقش رقم 4). • وجود نقط إعجام على عدد من حروف نقش زهير المؤرخ بسنة 24هـ يشكل دليلاً أثرياً مادياً جديداً يدعم ما يرد في المصادر المكتوبة عن استخدام المسلمين لنقط الإعجام في الكتابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين، وتأتي أهمية هذا الدليل من كون نقش زهير أقدم نقش إسلامي مؤرخ، وثاني وثيقة كتابية مؤرخة ومنقوطة بعد بردية أهناسياً المؤرخة بسنة 22 هـ، والتي تحمل نقط إعجام بدورها. • تخلو جميع نقوش طريق الحج الشامي من نقط الإعراب (نقط الشكل) وهي بذلك لا تختلف عن بقية النقوش الإسلامية الصخرية التي وجدت في الأماكن الأخرى داخل المملكة وخارجها. • انحصرت أهم الخصائص الزخرفية في نقوش طريق الحج الشامي في: المشق وهو مد بعض الحروف وإطالتها، والاستمداد البسيط، والاستمداد المقوس، والتعريض في هامات الألفات واللامات وأطراف الحروف، والتوريق، واستخدام زوائد متدلية في عراقات بعض الحروف.

اليهود والدولة العثمانية

اليهود والدولة العثمانية ¤أحمد نوري النعيمي£بدون¥مؤسسة الرسالة - بيروت¨الأولى¢1417هـ€تاريخ¶تاريخ - الدولة العثمانية الخاتمة يتضح مما تقدم، إن اهتمامات اليهود بفلسطين لا تعود إلى ظهور الحركة الصهيونية منذ مؤتمر بازل عام 1897، بل إنها ترجع إلى تاريخ سابق من ذلك، وقد أصبحت هذه الاهتمامات واضحة منذ أن اتبعت السياسة الروسية استراتيجية جديدة ضد اليهود وذلك في عام 1882. ولكن هذا لا يعني بأن اليهود لم يعملوا قبل هذا التاريخ أيضاً، حيث نرى أنه بعد استقرارهم في الدولة العثمانية، حينما قام الملك فريناند ملك إسبانيا بطرد اليهود من إسبانيا، انصبت جهودهم في السيطرة على المجالات الحيوية في الدولة العثمانية بعد أن اعتنق قسم من هؤلاء الدين الإسلامي، وقد عرف هؤلاء فيما بعد بيهود الدونمة. إلا أن جهود اليهود لإقامة دولتهم المزعومة في فلسطين قد أصبحت واضحة إلى حد بعيد بعد هجرتهم من روسيا القيصرية على أثر المذابح المشهورة ضدهم، حيث أصدر السلطان مجموعة من الفرمانات أكدت على منحهم الجنسية العثمانية. وفي الواقع أن جهود اليهود لم تقتصر على الاستقرار في الدولة العثمانية، واعتبارهم من رعاياها، بل أخذ اليهود يسعون للتأثير على السلاطين العثمانيين بغية إطلاق باب الهجرة إلى فلسطين. وعلى الرغم من أن الدولة العثمانية قدمت مشاريع عديدة كانت في صالح الحركة الصهيونية، أكدت على استيطان اليهود في خارج الحدود الاقليمية لها مثل أوغندا، إلا أن الحركة الصهيونية قد أصرت على الاستيطان في فلسطين. وفي الواقع قامت الدولة العثمانية بإصدار بعض الفرمانات الجزئية لصالح اليهود، الأمر الذي أدى إلى استغلالها من قبل اليهود، حيث زادت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد اتبع اليهود ومنذ ذلك التاريخ سياسة المراوغة والتحايل على القانون المحلي، حيث قاموا بشراء الأراضي بأسماء عربية تركية، وأقاموا مستعمرات صهيونية. علاوة على ذلك فإن اليهود عمدوا إلى سياسة الرشوة مع المسؤولين العثمانيين سواء في سراي يلدز أو متصرفية القدس، وعندما كانوا يصطدمون بمن يرفض طلباتهم، يلفقون عليه تهمة الانتساب لجمعيات سرية مناهضة للسلطان العثماني. واتضح لنا أيضاً، بأنه حدثت اتصالات بين عبد الحميد وهرتزل، وفي الحقيقة نرى بأن الأول كان يرمي من وراء اتصالاته مع هرتزل تحقيق الأهداف التالية: معرفة النوايا الحقيقية للمنظمات الصهيونية. معرفة القوة الحقيقية لليهود، بالإضافة إلى معرفة مراكز الاستقطاب الدولي في تلك الحقبة التي بدأت تساند الحركة الصهيونية. حاول عبد الحميد معرفة العلاقة بين اليهود والماسونية في الدولة العثمانية. كشف تنظيمات جمعية الاتحاد والترقي، وقد استطاع فعلاً معرفة الشيء الكثير عن تنظيماتها، ولا سيما بعد لقائه مع هرتزل، حيث أعلنت بعض الصحف عن هويتها عن طريق تأييدها لمحاولات هرتزل، وخصوصاً إذا عرفنا أن هذه الصحف كانت تابعة للجمعية المذكورة. أما بالنسبة لهرتزل فإنه كان ينوي من وراء هذه الاتصالات مع عبد الحميد، إنجاز المهام الآتية: انفاق مبالغ هائلة مهما كانت قيمتها، من أجل استيطان اليهود في فلسطين، واستعداده تقديم رشوة إلى عبد الحميد ورجال سراي يلدز، في سبيل تحقيق أهدافه. استغل هرتزل إنهماك الجيش العثماني في الدول البلقانية، حيث حاول تقديم مليونين من الليرات الذهبية عند لقائه مع عبد الحميد.

وبعد أن وصلت الحركة الصهيونية إلى نتيجة غير مرجوة من هذه الاتصالات، قررت إبعاد عبد الحميد عن السلطة، حيث قدمت الدعم في كافة المجالات لجمعية الاتحاد والترقي، والأكثر من ذلك أن رجال الجمعية المذكورة كانوا يؤكدون أن الصهيونية لا تتعارض مع ولاء الرعايا اليهود للدولة العثمانية، كما صرحوا بمواصلة العمل على تحقيق أهداف الحركة الصهيونية في انسجام تام مع روح الدستور العثماني، ومع احترام القوانين والأنظمة المرعية في الدولة العثمانية. وفي نهاية الأمر، استطاعت الصهيونية الإطاحة بحكم عبد الحميد، حيث قام رجال الاتحاد والترقي على توسيع باب الهجرة إلى فلسطين، ولا سيما أن العقل المدبر للاتحاد والترقي هم يهود الدونمة، حيث أنه بعد قيام انقلاب 27 نيسان 1909 وصل عدد اليهود إلى ثلاثة أضعافه بالمقارنة مع عام 1882. وقد أدت سياسة الاتحاد والترقي إلى نتيجتين هما: إن المرونة التي اتبعها رجال الاتحاد والترقي تجاه اليهود والحركة الصهيونية أدت إلى زيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، كما اتضح لنا من الاحصائيات التي قدمناها في هذا الصدد. شجعت الصهيونية بعض الحركات القومية المتطرفة مثل الطورانية التي بدأت تظهر في الأفق في هذه الحقبة الزمنية، والتي قامت باتباع سياسة التتريك في الأراضي العربية، وكانت الغاية من ذلك فصم عرى العلاقة بين العرب والأتراك، كي تنفرد وحدها في تنفيذ مخططاتها في المنطقة العربية. كل ذلك قد أدى إلى بروز الحركة القومية العربية، وبالتالي الانفصال عن جسم الدولة العثمانية. نستنتج من كل ذلك، إن جل الدراسات التي ظهرت في العالمين العربي والإسلامي بعد الحرب العالمية الأولى، لم تكن لتميز بين حقيقتين: الأولى تبدأ من قيام الدولة العثمانية إلى قيام انقلاب 27 نيسان 1909، والثانية تبدأ من 27 نيسان 1909 إلى سقوط الدولة العثمانية. تتميز الحقبة الأولى بين العرب والأتراك بمتانة العلاقات بينهما، حيث أن العثمانيين تأثروا بالثقافة العربية، أكثر من تأثر العرب بالأتراك، وقد جاء هذا التأثر عن طريق الإسلام. أما فيما يتعلق بالحقبة الثانية، فإنها أدت إلى التوتر في العلاقات العربية التركية، لأن قادة الاتحاد والترقي اتبعوا سياسة التتريك مع العرب، والتعاطف مع الحركة الصهيونية، وكان هذا كفيلاً بإبعاد الأتراك عن العرب، وبالتالي دفع العرب إلى المطالبة باستقلالهم عن الدولة العثمانية.

جبل إلال بعرفات تحقيقات تاريخية شرعية

جبل إلال بعرفات تحقيقات تاريخية شرعية ¤بكر بن عبدالله أبو زيد£بدون¥دار العاصمة - الرياض¨الأولى¢1419هـ€تاريخ¶حج - وقوف بعرفة الخلاصة: 1 - أن هذا الجبل ليس له اسم سوى اسمين: (جبل إلال) و (جبل عرفات) وما سواهما فأسماء محدثة. 2 - هذا الجبل لم يرد له ذكر في المرويات من السنة المشرفة حسب التتبع. 3 - الإجماع على أن هذا الجبل لا فضيلة له تخصه، ولا يتعلق به نسك يخصه. 4 - كثرة ما تعلق به من البدع والمحدثات من بعد انقراض القرون المفضلة إلى الآخر. 5 - شكوى العلماء في قديم الدهر وحديثه من تعلق العامة به، وما يقع لهاء ذلك من وفيات، وإصابات ومنكرات. 6 - تم – بحمد الله – إزالة كثير من هذه البدع والمحدثات لاسيما في هذا العهد المبارك عهد المملكة العربية السعودية، ثبتنا الله وإياهم على الإسلام والسنة. 7 - يجب رفع وسائل الإغراء بهذا الجبل، والتي تدعو بقوة وضعها إلى قصده، والتعبد عنده، وإن في إقرارها، كالدرج، والشاخص المنصوب على رأس الجبل، مساهمة في الإثم لما يقع من وفيات وإصابات ومنكرات لأنه إقرار للإغراء وتغرير بالحجيج. وللمثال فقد أحدث في الكعبة، شرفها الله تعالى، مسمار باسم (سرة الدنيا) فأزيل منذ قرون لما وقع من الافتتان به، فليكن ما هنا كذلك. 8 - الواقع الحاضر اتخاذه مزارا على مدار العام، فالناس عليه وردا وإصدارا وعلى رأسه وفي سفحه عدد من الباعة للمياه والمشروبات والسبح وما إلي ذلك. ويحصل لقاء ذلك، تمسح به وصلاة عليه، إلخ. وهذه من أسباب الإغراء به ونشر الاعتقاد به في نفوس العلامة في أقطار العالم، والله تعالى أعلم بأحكامه.

جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين

جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين ¤محمد السيد الوكيل£بدون¥دار المجتمع¨الثانية¢1408هـ€تاريخ¶تاريخ - الخلافة الراشدة الخاتمة إن عصر الخلفاء الراشدين هو بلا شك الفترة الذهبية في أحقاب التاريخ الإسلامي الممتد في أغوار أربعة عشر قرناً من الزمان، ولهذا فقد حظيت هذه الفترة باهتمام المؤرخين القدامى والمحدثين على حدٍ سواء، فالكتابة في الموضوع ليست بدعاً في ذاتها، وإنما هي نوعٌ من الاهتمام الذي لقيته تلك الفترة من الكتاب والمؤرخين. ونحن لا ننكر أن هناك فترات من التاريخ وقع فيها من الأحداث ما يجعلها على جانبٍ كبيرٍ من الأهمية، والمسلمون في حاجةٍ إلى معرفتها والوقوف على أحداثها ومدى تأثير هذه الأحداث في توجيه المد التاريخي للأمة الإسلامية ذات التاريخ المجيد. ولعل الكتابة في هذه الفترات تخدم الجانب التاريخي خدمةً عظيمةً حيث تكشف عن كثيرٍ من الجوانب التي شوهها المغرضون، ودسوا فيها على التاريخ الإسلامي ما ليس منه، ومن هذه الفترات ما يأتي: 1 - العصر العباسي بما فيه من تهم وجهت إلى بعض الخلفاء وهم منها براء. 2 - فترة الحروب الصليبية التي حاول المؤرخون إخفاء كثيرٍ من حقائقها. 3 - العصر العثماني وما قام به من أعمالٍ مجيدة في خدمة الإسلام طمسها أعداء الأمة الإسلامية. وإذا كان الأمر كذلك فإننا نجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام سؤالٍ يتطلب الإجابة بإلحاح وهو: لماذا تكرس الجهود للكتابة في عصر الخلفاء، وتترك تلك الفترات الهامة؟. والحق أنني لا أجد عندي إجابةً شافية لهذا السؤال، غير أنني كنت أحس بميلٍ جادٍ ورغبة صادقةٍ للكتابةِ في عصر الخلفاء الراشدين، وإن كنت لا استطيع أن أعلل تعليلاً واضحاً لسر هذا الميل وحقيقة تلك الرغبة، فقد يكون سببهما الحب الذي يملأ جوانح كل مسلم للخلفاء أنفسهم –رضي الله عنهم- وقد يكون هو الرغبة في دحض كثيرٍ من الأباطيل التي دست في تلك الفترة، كما يمكن أن يكون الدافع تجلية بعض الحقائق التي فهمت على غير وجهها الصحيح، وقد يكون مجموع هذه الأمور هو سر الميل الجاد والرغبة الصادقة. على أنني أحب أن أنبّه إلى أن تكرار الكتابة في هذا العصر ليس فيه مضيعة، ولم يخل من الفائدة بل إننا نلاحظ أن كل كاتبٍ يأتي في كتابته بجديد، حتى أحسست بأن الموضوع في حاجةٍ أكثر إلى كتابة وكتابة لنستكمل الجوانب التي يتناولها المؤرخون بالتحليل والتعليق والتصحيح. كما أن لكل كاتبٍ أسلوبه الخاص، وفهمه الخاص للأحداث التاريخية، وفي اختلاف الأسلوب يجد القارئ المتعة، وبتناول الأحداث بالفهم الخاص لكل كاتب يوجد الجديد وتحصل الفائدة المرجوة من الأبحاث التاريخية. وهناك أمرٌ هام يحصله القارئ والباحث من تكرار الكتابة في العصر الواحد، ذلكم هو استنباط العبر، واستخلاص الفوائد –وتلك هي الغاية الحقيقية من دراسة التاريخ- فالمحقق والباحث قد يلمح من العبر والفوائد ما يخفى على غيره؛ لأن ذلك إنما يستنبط استنباطاً من أحداث الفترة التاريخية ولا يجده الكاتب منصوصاً عليه في الكتب والمؤلفات. وإني هنا أرى لزاماً عليَّ أن أعلن شكري لله –عز وجل- إذ وفقني إلى إبراز كثيرٍ من الحقائق وتجلية بعض الخفايا، وإزاحة الشبهات عن شخصيات كادت تلك الشبهات أن تفقدهم مكانتهم في نفوس دارسي التاريخ من غير المحققين المتثبتين، فمن ذلك: 1 - استطعت من خلال الحقائق التاريخية التي لا تنكر أن أثبت أن أبا بكر –رضي الله عنه- هو أولى الناس بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن أقف في ذلك عند الأحاديث الصحيحة أو شهادة كبار الصحابة فقط. 2 - نفي تهمة تآمر كعب الأحبار –رحمه الله- على عمر، واشتراكه في تدبير قتله.

3 - تحقيق الدوافع التي أدت إلى مقتل أمير المؤمنين –عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وأثبت أن المؤامرة كان المقصود بها الإسلام لا عمر. 4 - المتآمرون على أمير المؤمنين –عثمان بن عفان- رضي الله عنه- لم يكونوا من المصلحين الغيورين على الإسلام، ولم يسبق لهم سابقة خير في الإسلام، أثبَتّ ذلك عن طريق تحليل شخصيات رؤساء الفتنة وبَيَّنت أنها مؤامرة يهودية رأسها عبدالله بن سبأ اليهودي. 5 - تبرئة عمرو بن العاص –رضي الله عنه- من تهمة التحريض على قتل عثمان، ومناقشة موقفه من قصة التحكيم مع توضيح أن موقفه هذا له ما يبرره، ولا يُعاب عليه. إلى غير ذلك من التحليلات والتعليقات التي كان يقتضيها المقام، ويستلزمها استعراض الأحداث، وهي كثيرةٌ متفرقة في ثنايا البحث وجوانبه المختلفة. هذا وأرجو أن أكون قد وُفِّقتُ في إزالة اللبس عن كثيرٍ من أحداث التاريخ في تلك الفترة العزيزة على نفس كل مسلم، وكشفت الكثير مما دُسَّ في التاريخ بأقلام المغرضين، حيث كان التاريخ والتاريخ بالذات هدفاً من الأهداف الرئيسية التي استهدفها المستشرقون وركَّزوا عليها. إن تاريخ كل أمّةٍ هو مجدها، وهو رائدها ومصدر إلهامها، ألست ترى الناس كلَّما ادلهمت الخطوب، واكفهر الجو، وعبست الوجوه يرجعون إلى تاريخهم يستلهمونه مخرجاً، أو يلتمسون عنده حلاً لها؟ فإذا ما زور هذا التاريخ، ودُسَّ فيه ما ليس منه، وبرزت شخصياته في صورٍ كالحةٍ مشوَّهةٍ فمن أين يأخذ الناس العبرة؟ وبمن يقتدون إن التمسوا القدوة؟ إن التاريخ هو حركة الحياة الدائبة لا تفتر، وهو سر الإلهام الدافع إلى تطوير الحياة حتى لا تتراجع أو تتوقف، وبحق نرى أن الأمم التي تهتم بتاريخها، تعتني بتدريسه الدراسة التحليلية الصحيحة بحيث تستخلص منه العبرة، تستهدي فيه القدوة، هي الأمم ذات المد الحضاري المتصل الذي لم تستطع ولن تستطيع الأحداث أن تردها إلى الوراء، أو تجمد نموها المطَّرد الشامخ المزهو بأصالته لدى حقب التاريخ الضاربة في أغوار الماضي السحيق. إن الأبطال هم الذين يسطرون صفحات التاريخ، يسطرونها بجهدهم وعرقهم ودمائهم، وعلى قدر ما يسطر التاريخ الأبطال، يصنع التاريخ الأجيال، ويربي الرجال، ويحفظ تراث الأمة من الضياع أو النسيان. لهذا كان لا بد من العناية بدراسة التاريخ حتى يؤتي ثمرته المرجوّة، يحقق للأمة أملها المنشود، واللهَ أسأل التوفيق والسداد والهداية والرشاد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

حضرموت في المؤلفات العربية والأجنبية

حضرموت في المؤلفات العربية والأجنبية ¤عبدالله سعيد باحاج£بدون¥دار حضرموت - حضرموت¨الأولى¢1425هـ€تاريخ¶حضرموت لعله من المفيد ونحن في خاتمة هذه الرحلة الطويلة التي تابعنا فيها بكثير من الإيجاز تطور المعرفة الجغرافية عن حضرموت عبر الزمن أن نشير إلى أن هذه المنطقة قد احتفظت منذ أكثر من خمسة آلاف سنة وإلى اليوم باسمها التاريخي المعروفة به وهو (حضرموت) وحتى عندما أشار القرآن الكريم إليها باسم (الأحقاف) كانت أحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه هذا القرآن الكريم تشير إليها باسم (حضرموت). وهي في احتفاظها باسمها إلى اليوم قد تفردت عن بقعة ممالك ودول الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية والذي أطلق عليه في مراحل متعددة تسميات مختلفة ومن بينها (أرض سبأ) و (العربية السعيدة) ثم أخيرا (اليمن). وهو الاسم الذي كثر تداوله قبل ظهور الإسلام بحوالي خمسة قرون ودون أن تفقد حضرموت هويتها الجغرافية كمنطقة ذات ملامح وسمات طبيعية وبيئية من أودية وسهول وصحاري ومناخ ونبات طبيعي ونشاط سكاني مميز في البر أو البحر وذلك حتى مع ارتباط حضرموت طوعا أو كرها في كيان سياسي موحد مع بعض أو كل دول وممالك الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية بين حين وأخر. ولا شك أن حضرموت كانت تمثل قاعدة أساسية من قواعد هذا الركن إن لم تكن قاعدته الكبرى وذلك بالنظر إلى الامتداد الجغرافي الواسع الذي كانت تشغله حضرموت في العصور الغابرة في منطقة جنوب الجزيرة العربية وهو الامتداد الذي أجمعت المصادر التاريخية على أنه أستوعب تلك المنطقة الجغرافية الممتدة من ظفار شرقا إلى سفوح المرتفعات الوسطى غربا. وجعلت من صحراء الربع الخالي ورملة السبعتين حدها الشمالي ومياه البحر العربي وخليج عدن حدها الجنوبي وشملت بذلك مساحة تصل إلى أكثر من ثلثي مساحة الجمهورية اليمنية الحالية أي أنها ضمت أراضي معظم المحافظات الشرقية في هذه الجمهورية وهي المهرة وحضرموت وشبوة وأطراف من مأرب وبعضا من المحافظات الجنوبية ومن بينها أبين والضالع. ومن الطبيعي أن يكون للامتداد الجغرافي الواسع لحضرموت القديمة وما أرتبط به من نشاط حضاري مزدهر في مجالات عدة كالزراعة والصناعة والهندسة المعمارية والتجارية البحرية والملاحة البحرية والفنون والآداب وغيرها وما رافق ذلك من انتشار للسكان وتنقلهم في هذه المنطقة وما جاورها الأثر الواضح والملموس لحضرموت في الكيان الحضاري لهذه المنطقة والتي سميت لاحقا باليمن. وهي بذلك تكون قد ساهمت مع غيرها من مناطق جنوب الجزيرة العربية بنصيبها الوافر في صياغة وبلورة النسيج الحضاري لهذه المنطقة وربما لهذا السبب – أي حضرموت بثبات اسمها لتفرد التاريخي- اندفع كثير من الرحالة العرب والأجانب إلى معرفة أوضاعها الجغرافية العامة وأحوال سكانها واستجلاء الغموض في تاريخها الطويل مما جعلها في نظر البعض من هؤلاء الرحالة من المناطق المعلومة والمجهولة في آن واحد فهي معروفة بتحدث التاريخ عنها وما ذكرته الكتب المقدسة بشأنها كالتوراة والقرآن الكريم وما شهدته من حوادث سجلتها هذه الكتب المقدسة وكذلك ما نقل بعض أبنائها من المهاجرين إلى خارجها عن أحوالهم ولكنها أيضا مجهولة لما نكبت به في مراحل تاريخية معينة من اضطرابات سياسية وفوضى أمنية وفتن داخلية قضت على الأخضر واليابس جعلت ارتياد هذه المنطقة مسألة محفوفة بالمخاطر والمهالك وأسدلت عليها بذلك أستارا كثيفة من النسيان فحجبت الآخرين عن التعرف إليها. وهي على أية حال فترات من الظلمة لم تكن طويلة وإنما كانت فترات قصيرة تعقبها إطلالة ممتدة من النور. ولا تزال حضرموت وإلى اليوم – وكغيرها من المناطق العربية – تجتذب اهتمام العديد من الباحثين ومرتادي الآفاق والأجواء بحثا عن اكتشاف جديد يثري المعرفة الجغرافية عنها وعما حولها خصوصا مع ما تشهده أراضيها وكغيرها من مناطق الجمهورية اليمنية من انفتاح على العالم الخارجي والسريعة ومع انتقال المعلومات من مكان لأخر في سهولة ويسر مما سيرفع الرصيد المتراكم من المعرفة الجغرافية عن حضرموت أرضا وأنسابا.

حملة خليل باشا على إمارة (أبو عريش)

حملة خليل باشا على إمارة (أبو عريش) ¤إسماعيل بن محمد البشري£بدون¥مكتبة العبيكان- الرياض¨الأولى¢1423هـ€تاريخ¶تاريخ - الدولة العثمانية لقد تضمن هذا البحث عرضاً غير مباشر لطبيعة العلاقات بين إمارة (أبو عريش) والإدارة العثمانية في الحجاز، ورأينا كيف تأرجحت هذه العلاقة بين الود الحذر، والحياد النسبي, ثم الصراع المباشر. ولقد ظهر لنا من خلال البحث كيف أن التعاون الذي قام بين إمارة (أبو عريش) وإمارة (عسير) قد نجح إلى حد كبير في صد العديد من الحملات التي قامت بها القوات التركية المصرية على الإمارتين، بحيث لو تم استغلال ذلك بشكل أكثر حيوية لما تمكن محمد علي باشا من بسط نفوذه في إمارة (أبو عريش) أو (عسير)، ولأمكن تعويق مسيرة أي قوة تحاول التدخل في شؤون المنطقة. ولقد كشف البحث وللمرة الأولى عن العديد من المواقف والقضايا التاريخية، وصحح المعلومات المتعلقة بحملة خليل باشا على إمارة (أبو عريش) من خلال الوثائق العثمانية والمصرية التي قدمت لنا تفصيلاً دقيقاً لكل مراحل الصراع بين التحالف العسيري التهامي من ناحية، وقوات محمد علي باشا الغازية – وخاصة حملة خليل باشا- من ناحية أخرى. ولقد حققت حملة خليل باشا على إمارة (أبو عريش) الكثير من النتائج الإيجابية لإدارة محمد علي باشا في الجزيرة العربية، حيث تمكنت من القضاء على الطرف المعارض من الأشراف الممثل في الشريف حمود وابنه أحمد، ونقل السلطة إلى الطرف الآخر الذي يعلن انتماءه وولاءه وتبعيته لتلك الإدارة، ممثلاً في الشريف علي بن حيدر الذي استمر حاكماً لإمارة (أبو عريش) في ظل الإدارة المصرية حتى وفاته عام 1254هـ، واستمرار ذلك في عهد ابنه الحسين بن علي بن حيدر حتى خروج قوات محمد علي باشا من إمارة (أبو عريش) وتسليمها إلى الشريف الحسين عام 1256هـ/ 1840م. ومن المعروف أنه لم يكن من أهداف الحملة السيطرة على اليمن بقدر ما كانت تسعى إلى تأمين الحدود الجنوبية للحرمين الشريفين، ولما تحقق نجاحها فإن عودة تهامة إلى حكم صنعاء يخفف العبء على الباب العالي ومحمد علي باشا، ويجعل الإمام ممتناً وداعياً للسلطان، وفوق ذلك تم ضمان تصدير كمية ثلاثة آلاف قنطار من البن اليمني الذائع الشهرة إلى مطبخ السلطان سنوياً مجاناً، بالإضافة إلى ما طلبه خليل باشا وأكده مبعوثه من النقد. ولقد نجحت الحملة في تفتيت الكيان السياسي لإمارة (أبو عريش) من خلال الشريف علي بن حيدر، حيث تم القضاء على ذلك التحالف الذي نشأ بينها وبين إمارة عسير ضد قواته في الجزيرة العربية، وتفرد بعد ذلك بإمارة (عسير) في أكثر من جولة من الصراع، وإن كان لم يحكم قبضته عليها، إلا أنه تمكن من القضاء على قدرتها في التحرك نحو الحجاز، وهو أقصى ما كان يسعى إلى تحقيقه آنئذ. ولقد كانت حملة خليل باشا مقدمة لمحاولات محمد علي باشا التالية للسيطرة على الساحل اليمني في ظل بروز التنافس الاستعماري الإنجليزي والفرنسي في البحر الأحمر، وظهور المواجهة مع الدولة العثمانية في تلك المناطق. وأخيراً تمكن محمد علي باشا من إظهار نفسه بمظهر الحامي لحدود الدولة العثمانية والحريص عليها، وهو في الوقت ذاته يحقق أحلامه وطموحاته بتأسيس إمبراطوريته التي كان يسعى إلى بنائها كما أثبتته الوقائع التاريخية بعد ذلك، والله ولي التوفيق.

خميني العرب حسن نصر الله والرافضة الشيعة الشر الذي اقترب

خميني العرب حسن نصر الله والرافضة الشيعة الشر الذي اقترب ¤سيد بن حسين العفاني£بدون¥دار العفاني – مصر¨الأولى¢1428هـ€تاريخ¶رافضة الخاتمة: وأخيراً: هذه صفحات كتبناها لله عز وجل نوضح فيها اعتقاد الشيعة الرافضة، الإمامية الإثنا عشرية الجعفرية ومنظماتها ومنها (حزب الله) اللبناني، وتكلمنا عن إمامها آية الله الخميني وأقوال الشيخ الألباني والعلماء فيه، وتكلمنا بإيجاز عن عقائد الرافضة وأقوال أهل العلم من الأئمة قديماً وحديثاً نقولها نصحا لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم، نعري فيه موقف الرافضة والواقع خير شاهد على صدقنا في كل حرف نقوله، والذي نفسي بيده ما افترينا عليهم في حرف، وكان بوسعي أن أجمع المجلدات في خبثهم وفجورهم وسبهم للصحابة – رضي الله عنهم – وتكفيرهم لهم، وقتلهم لعلماء أهل السنة وأئمتهم في العراق، وذبحهم إياهم، وقتلهم لعوام المسلمين واتضح لكل ذي عينين إجرام هؤلاء في حق أهل السنة وتكفيرهم إياهم. كتبنا ما كتبنا وعند الله نحتسب ما نلاقي وما لاقينا نشرا لعقيدة أهل السنة وذبا عن الصحابة الكرام الذين طابت الأرض والدنيا بآثار طيبهم. كتبنا ما كتبنا – وسنكتب إن شاء الله ما بقي فينا نفس واحد – بغضا لأهل البدع ومولاة لأهل الصلاح والتقى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان). إن فتنة العوام والدهماء والغوغاء بحزب الله وقائده حسن نصر الله هي فتنة عمت كان لابد من وقفة نصحح فيها الأغاليط، ونجلي الحقائق دفاعاً عن إسلامنا الطاهر الجميل.

تاريخ الخليج وشرق الجزيرة العربية المسمى إقليم بلاد البحرين في ظل حكم الدويلات العربية (469 - 963هـ/ 1076 - 1555م)

تاريخ الخليج وشرق الجزيرة العربية المسمى إقليم بلاد البحرين في ظل حكم الدويلات العربية (469 - 963هـ/ 1076 - 1555م) ¤محمد محمود خليل£بدون¥مكتبة مدبولي - القاهرة¨الأولى¢2006م€تاريخ¶خليج عربي خاتمة البحث: تناولت الدراسة الأحداث السياسية التي مر بها تاريخ بلاد البحرين من مراحل الضعف القرمطي, ثم الانيهار على يد العيونيين, حتى أوائل القرن العاشر الهجري, عندما تنبه الأوربيون لأهمية الخليج الفارسي كممر رئيسي على طريق التجارة بين الشرق والغرب, ودخول البرتغاليين الخليج الفارسي, والوجود العثماني في شرق الجزيرة العربية. أبرزت الدراسة الدور السياسي الذي لعبته القبائل العربية المحلية في بلاد البحرين, ومحاولة تلك القبائل إنشاء دويلات مستقلة تحكم ذلك الإقليم بعيداً عن التبعية العباسية السلجوقية والدول الكبيرة التي ورثت الدولة العباسية كدولة المغول وسلطنة هرمز. كان من أهم ما ابرزته الدراسة من نقاط: مراحل تفكك الدولة القرمطية في جزيرة آوال على يد أبي البهلول، ثم القطيف على يد يحيى بن عياش، وكان آخر معاقلها في الأحساء والتي سقطت على يد عبد الله العيوني الذي طرد بقايا القرامطة إلى عُمان. وتركيز الضوء عن دور القبائل العربية في بلاد البحرين ونجد وموقفها من الدولة القرمطية من تحالف وعداء، وصدام السلطة الشرعية الجديدة في بلاد البحرين متمثلة في الأمراء العيونيين مع تلك القبائل بسبب رفض الحكام الجدد إعطاء تلك القبائل الحقوق المكتسبة التي جرت العادة عليها زمن الدولة القرمطية. أبرزت الدراسة نتائج الصراع الثلاثي للأسر الحاكمة (آل زجاج وآل عياش والعيونيين) على الإرث القرمطي في بلاد البحرين، والذي أدى في نهايته لأرهاصات نشوء الدولة العيونية على بلاد البحرين بلا منازع. كما أوضحت الدراسة استقلالية الدولة العيونية عن السلطة السلجوقية والخلافة العباسية في بغداد وما يترتب عليه من حملات سلجوقية على بلاد البحرين رغبة في أعادة بلاد البحرين للتبعية العباسية، إلا أن العيونيين نجحوا في التصدي لتلك الحملات الفاشلة رافعين لواء الاستقلالية لعدم رغبتهم في الدوران في فلك تلك الخلافة العباسية المسلوبة الإرادة والمحكومة من قبل الأتراك أو كما تصفهم المصادر العيونية بالعجم. وبينت الدراسة المذهب الشيعي الذي اتخذه العيونين شعاراً لدولتهم واستعرضت العلاقات الطيبة التي جمعت بين الدولة الفاطمية وانصارها العيونيين في شبه الجزيرة العربية، لكون الأمير عبد الله العيوني النائب الثاني للدعوة الشيعية في شبه الجزيرة العربية بعد الملك الصليحي ملك اليمن، وتلك المعلومات بناها الباحث من خلال الوثائق الفاطمية والنقود التي خلفتها الدولة العيونية. كانت لسياسة العيونيين الداخلية والخارجية نصيب وافر من البحث, فقد أعطى الباحث صورة واضحة ودقيقة لتسلسل الأمراء العيونيين في حكم البلاد, مع استعراض نظم الحكم والإدارة والعلاقات الخاريجة التي أقاموها مع المناطق المتاخمة لإقليم بلاد البحرين مثل: نجد, وعمان وجنوب, العراق, وجزر الخليج الفارسي, وروابط الصداقة والعداء مع الدول والقبائل التي تعاون معها الأمراء العيونيين مثل: الفاطميين في مصر، وقبائل عرب الشام, وقبائل جنوب العراق, والخلافة العباسية في بغداد. كما ألقت الدراسة الضوء على المراحل التي مرت بها الدولة العيونية عبر أطوارها من قوة ثم انقسام ثم سقوط على يد العصفوريين من بني عقيل بن عامر، وأظهرت محاولة العيونيين لاستعادة الحكم مرة أخرى في الأحساء بعد المساعدة التي حصلوا عليها من حكام عسير.

إلا أن افتقاد العيونيين لمقومات البقاء في حكم بلاد البحرين سارع بسقوطهم مرة أخرى, حيث التفت زعامات قبائل البحرين حول العصفوريين الذين توجهت أبصارهم نحو حكم الأحساء، بعد أن أصبح لهم النفوذ والسيادة في بلاد البحرين. وبالفعل استطاع العصفوريون تحويل ذلك النفوذ إلى حكم عسكري حكم بلاد البحرين ونجد فترة تجاوزت نصف القرن. كما فصلت الدراسة الحديث عن روابط الصداقة التي جمعت بين العصفوريين وسلاطين المماليك البحرية في مصر حيث كانت تربطهم علاقة ذات شقين أحداهما تجاري والآخر عسكري، واستخدم المماليك أمراء العصفوريين في مواجهات عسكرية ضد أعدائهم المغول, وأحلاف المغول من عرب الشام, الذين خرجوا على سلاطين الدولة المملوكية, فحقق العصفوريين انتصارات متكررة في البصرة وجنوب العراق ضد دولة المغول. وكان لتلك الانتصارات أثرها الطيب في نفوس سلاطين المماليك الذين فتحوا قصورهم وموانيهم للتجار البحرانيين ولاسيما قوافل بني عقيل. كذلك كان من أهم ما كشفت عنه الدراسة النقاب هو مذهب العصفوريين الشيعي، حيث اعتنق الأمراء العصفوريين ذلك المذهب على غرار أكثر سكان شرق الجزيرة العربية الذين مالوا للتشيع في تلك الفترة التاريخية. أبرزت الرسالة أيضا الأسباب التي أدت إلى ضعف الأمراء العصفوريين إذ إنفرط عقد بلاد البحرين من أيديهم وأصبحوا فريسة سهلة اقتنصها الأمير سعيد بن مغامس القادم من البصرة بدون معاناة تذكر, حيث استولى على بلاد البحرين في بداية القرن الثامن الهجري، منهياً بذلك ما يعرف بدولة العصفوريين. ولم تغفل الدراسة تفصيل الحديث عن دولة بني جروان وكشف الغموض الذي أحيط بتلك الدولة, وبينت في فصول الرسالة كيف استعان بقايا الأمراء العصفوريين ببني جروان من أجل طرد الأمير سعيد بن مغامس من بلاد البحرين. وبالفعل استطاع بني جروان تكوين حلف يضم عدداً كبيراً من قبائل نجد وبلاد البحرين وبعض الأمراء العصفوريين، أطلقوا عليه اسم (حلف الأحساء)، الذي أطاح بسعيد بن مغامس خارج بلاد البحرين. ولم يقنع حلف الأحساء بالسيطرة على بلاد البحرين فقط بل توجهت ابصاره نحو نجد وأطراف عسير, ففرض سيطرته عليها بالإضافة إلى جنوب البصرة، إلا أن دولت بني جروان رغم قوتها فإنها خضعت هي الأخرى كسابقتها من الدول إلى السنن الكونية، فسقطت على يد عرب الجبور, الذين أسسوا دولة قوية في شبة الجزيرة العربية كانت منطقة ارتكازها بلاد البحرين التي أخضعت عدداً من الأقاليم مثل نجد والحجاز, وعمان, وجزر الخليج الفارسي. لذلك تحدث المؤرخون الأوربيون والفرس المعاصرون عن تلك الدولة بنوع من الهيبة والعظمة. كذلك اشتملت أبواب الرسالة على معلومات مهمة عن هيمنة ممالك الخليج الفارسي على بلاد البحرين وبالأخص المناطق الساحلية كآوال والقطيف اللتين خضعتا فترة ليست بالقصيرة للعرش المغولي ثم الهرمزي حتى تحررت على يد عرب الجبور، والذين اتخذوا من المذهب المالكي مذهباً رسمياً لدولتهم الفتيه، بل أن بعض أمرائهم طلبوا العلم على يد شيوخ المذهب المالكي، واحضروا هؤلاء الشيوخ لتولي مسئولية القضاء في بلاد البحرين. وأبرزت من خلال البحث دوافع الأطماع البرتغالية للسيطرة على منطقة الخليج الفارسي وبلاد البحرين، والدور البارز التي لعبته المقاومة الإسلامية بقيادة عرب الجبور ضد القوات الصليبية البرتغالية، والاستعدادات التي وفرتها القوات العربية لتلك المواجهة من مساهمة قبائل منطقة عسير لأخوانهم الجبور ضد القوات البرتغالية. لكن معركة البحرين اسفرت عن انهزام القوات العربية ومقتل سلطان الجبور مقرن بن زامل، مما تسبب في تفكك الدولة الجبورية, وصراع أمرائها مع بعضهم البعض، وطلبهم المساعدة الخارجية من أمير البصرة ابن مغامس الذي دخل بقواته بلاد البحرين معلناً نهاية الدولة الجبورية ودخول الإقليم تحت سلطانه. كما بين الباحث عن نجاح بعض أمراء الجبور في أحياء دولتهم مرة أخرى في بلاد البحرين، إلا أن ذلك النجاح لم يدم طويلاً إذ دخلت القوات العثمانية الأحساء, معلنة دخولها تحت راية الخلافة العثمانية قاضية بذلك على آمال دولة الجبور في الوجود مرة أخرى.

تاريخ الدولة الصفوية (في إيران)

تاريخ الدولة الصفوية (في إيران) ¤محمد سهيل طقوش£بدون¥دار النفائس – بيروت¨الأولى¢1430هـ€تاريخ¶إيران الخاتمة: أخذت إيران الصفوية في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي بالتراجع، بعد العصر الزاهي والمزدهر الذي شهدته في القرن السابع عشر الميلادي، استطاعت خلاله الأسرة الصفوية أن تعيد إلى البلاد وحدتها السياسية والدينية المذهبية، كما أخذت بأسباب التجدد والاقتباس من الغرب الأوروبي، إلا أن الدولة الصفوية لم تلبث أن أخذت تفقد قواها تدريجاً بانغماس ملوكها بالفساد، ما أدى إلى ازدياد عوامل الانحلال، وطمع فيها جيرانها. وكان الأفغان المتوثبين أول من بادر بشق عصا الطاعة بعد أن كانوا قد غلبوا على أمرهم على يد مؤسس الدولة الصفوية ودخلوا في طاعته، وأخذت، إذ ذاك، قبائل البدو المجاورة لإيران تنقض عليها من كل صوب. فغزا الأوزبك بقيادة أمير بخارى، خراسان، ورنا الروس القابعون في استراخان ببصرهم إلى الطرق التجارية بين الهند وأوروبا عبر كابل وهراة ومشهد وطهران وتبريز والتي تتوجه شمالاً إلى أرضروم وطرابزون، وجنوباً إلى ديار بكر وحلب والإسكندرون، وما لبثوا أن احتلوا تباعاً دربند (1134هـ/ 1722م) وباكو في السنة التالية، وسيطروا على الضفة الجنوبية لبحر قزوين، وداغتسان، وجيلان، ومازندران، وأستر آباد وذلك بموجب معاهدة بطرسبورغ. واغتنم العثمانيون الفرصة السانحة ليثأروا لأنفسهم عما لحق بهم في الماضي من عسف، فسيطروا على أرمينيا والعراق وأذربيجان. وراح الأمير أشرف الذي خلف مير محمود في حكم إيران، والذي ربطته بالعثمانيين وحدة المذهب، يتقرب من هؤلاء، فاعترف بفتوحهم، وأعلن ولاءه للسلطان العثماني في إستانبول، وتعهد له باستئصال شأفة الشيعة من إيران، ويدل ذلك على أن الدولة الصفوية التي أعطت إيران فرديتها المتميزة، أشرفت على نهايتها، إلا أنها وجدت خلاصها مؤقتاً، على يد زعيم بدوي تركي العرق كان يعيش في خراسان يدعى نادر خان، وقد تغلب على الأفغان، وأعاد وحدة البلاد واعترف بحكم الشاه طهماسب الثاني في عام (1142هـ/ 1730م). وكان الشاه بخاصة والإيرانيون بعامة يتوقعون منه أن يعيد الدولة الصفوية إلى سابق مجدها، لذا بادر بالهجوم، فاستعاد خراسان وهراة من الأفغان، وأجبر العثمانيين على التخلي عن العراق والانسحاب من أذربيجان وإيروان وقارص، وما استولوا عليه من قلاع في القوقاز. وبموجب معاهدة إستانبول المعقودة في عام (1150هـ/ 1737م) عادت إلى البلاد الولايات التي كانت لها من قبل، وضمنت لإيران الإشراف على أرمينيا الشرقية، وبسط حمايتها على بلاد الكرج. واضطر الروس إلى إخلاء الأراضي الشاسعة التي وقعت في أيديهم في شمالي إيران من قبل، ولكن نادر خان تمكن في عام (1148هـ/ 1736م) من خلع آخر ملوك الدولة الصفوية، ونودي به ملكاً في احتفا مهيب في سهول موقان، فنقل عاصمته إلى مشهد بحيث يتمكن من مراقبة حدود بلاده والدفاع عنها من عبث جيرانها. وفي عام (1149هـ/ 1737م) توجه على رأس جيشه إلى أفغانستان، فاستولى على قندهار وغزنة وكابل، وأخضع لسلطانه كل القبائل، ففتحت أمامه مداخل الهند، فاجتاز نهر الهندوس ودخل مدينة لاهور، وتغلب على الجيش المغولي بقيادة السلطان محمود في كرنال ودخل مدينة دلهي، ثم أعاد الحكم لهذا السلطان وتوجه إلى التركستان، فأجبر حاكم بخارى على دفع جزية فادحة، واستبدل خاناً بآخر ممن اعترفوا بالولاء له، ثم فكر في إدخال الحضارة الأوروبية إلى إيران، بعد أن خيم السلام في ربوعها، إلا أن القدر لم يمهله، فقتل في عام (1160هـ/ 1747م) على يد أحد أبناء عشيرته، ويعد من شاهات إيران العظام.

وتنافس خلفاء نادر شاه على الحكم، فدب الفساد في دولته، صحيح أنه ليس من بين خلفائه من يصلح مقارنته به، كما أن اختلاف السكان وتباين العناصر في تلك البلاد لم يكن من شأنه أن يسهل مهمة هؤلاء الملوك، والمعروف أنه اندمجت في إيران، وانضمت إليها، عروق جديدة كالعرب في لورستان، وبعض عناصر العرق الأصفر من المغول والتتار والأتراك. وهكذا بدت إيران خليطاً من القبائل والأقوام، واقتصر حكم ورثة نادر شاه على خراسان، واحتفظوا بمشهد عاصمة لهم، ونجح الأفغان في استعادة استقلالهم، وشكل التركمان الذين خرج منهم معظم قادة الدولة الصفوية؛ جماعات عسكرية سيطرت على الولايات الواقعة إلى الشمال والممتدة من أرمينيا إلى أفغانستان، وكانت أصفهان وأستر آباد وقندهار من حواضرهم الكبرى. وحاول زعمان قبائل البختيار والزند إقامة سلطة الإيرانيين في الجنوب والغرب، فقامت في البلاد دولة وطنية قومية هي دولة الزند بزعامة كريم خان وانتزع هذا أصفهان وأذربيجان ومازندران من أيدي القوزاق الأتراك التابعين لروسيا، فحقق بذلك وحدة إيران الغربية الممتدة من شواطئ بحر قزوين حتى مشارف الخليج العربي واتخذ شيراز عاصمة له. وما حدث بعد وفاة كريم خان في عام (1193هـ/ 1779م) من نزاعات أسرية حول العرش لم تكن قاصرة على الأسرة الزندية، بل اشتركت فيها أسرة قاجار التركمانية الخصم العنيد للأسرة الزندية، ونجح آغا محمد القاجاري من انتزاع السلطة من أيدي الزنديين وتخلص من منافسيه وأضحى أقوى رجل في إيران، وتوج نفسه شاهاً على البلاد قبل أن يلقى حتفه في عام (1212هـ/ 1797م) مقتولاً. استمرت الأسرة القاجارية في الحكم حتى أسقطها انقلاب رضا بهلوي في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتحديداً في (شوال 1344هـ/ نيسان 1926م) في ظل آخر ملوكها أحمد القاجاري.

تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام

تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام ¤محمد سهيل طقوش£بدون¥دار النفائس - بيروت¨الثانية¢1420هـ€تاريخ¶تاريخ - المماليك الخاتمة لم يرَ العثمانيون أيةَ مشكلةً في تمديد النظام المملوكي شرط التمكين من السيطرة عليه، لذلك سمحوا بوجود وحدات عسكرية أخرى ذات أصل غير عربي مثل الإنكشارية، في موازاة المماليك. وعليه، ظل هؤلاء يحكمون مصر حتى أوائل القرن التاسع عشر من خلال سلطة الوالي الذي يعينه الباب العالي، ويُلاحظ أنه كلما ضعفت سلطة الباب العالي، وتراجع اهتمامه بأمور الولايات العربية، ومنها مصر، من وقتٍ لآخر، كان يتبعه تراجعُ قوة ولاته، مما يزيد من قوة البكوات المماليك تبعاً لذلك. وبقي المماليك، كما كانوا منذ عدة أجيال، طائفةٌ منعزلةٌ عن المجتمع المصري، لا يختلطون بالمصريين ولا يسكنون معهم، وما زالوا يتكاثرون عن طريق شراء مماليك جدد. لكن حدثت في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين تحولات سياسية تمثَّلت بدخول المماليك في الوحدات العسكرية الموازية لهم، وبدخول المصريين من أوساط التجار والحرفيين في هذه الوحدات العسكرية غير العربية، وطغت سلطتهم كعسكريين أحياناً على قوة الوالي العثماني بحيث أضحى باستطاعتهم تنحية الباشوات عن مناصبهم وتعيين مسؤول كبير من صفوفهم ليتولى مهام الحكم مؤقتاً إلى حين إرسال الباب العالي والٍ جديد إلى مصر، وقد حدثت أول تنحية في عام 994هـ/1586م. وسعياً إلى تجنب تدهور سلطته اتجه الباب العالي إلى زيادة حدة التنافسات الداخلية، والجانب الرئيسي من نشاط الباشوات المجردين من بقية سلطاتهم إنما تمثَّل في تنمية روح الانفصال لدى الطبقة الحاكمة، فشهد المجتمع العسكري في مصر انقساماً حزبياً متصارعاً، يوجه كل حزب بكوات مماليك، وزعماء انكشاريون، ومصريون بدو، نتج عن هذه النزاعات غلبة البكوات المماليك في القرن السابع عشر الميلادي، فسعوا إلى إعادة توحيد الطبقة الحاكمة باحتكارهم جميع المناصب الرسمية في الإدارة كما في الفِرَق العسكرية الأخرى. نتج عن تراجع قوة الإنكشارية التي تحوَّلت إلى قوات شرطة عادية، أن أضحت تحت سيطرة المماليك. والواقع أن صعود المماليك إلى السلطة كان نتيجة حركة طويلة الأمد، اتخذت طابعاً ملموساً منذ عام (1132هـ/1720م) عبر ظهور وظيفة جديدة في الهيكلية الإدارية المملوكية هي وظيفة شيخ البلد، ويُعهد بهذه الوظيفة عادةً إلى أقوى زعيم مملوكي. ونجح علي بك الكبير، وهو من بيت مملوكي، في تحقيق تطور سياسي لافت بعد أن أضحى شيخ البلد، بإنشاء ما أمكن تسميته بالدولة المملوكية الجديدة بين أعوام (1181 - 1184هـ/1767 - 1770م). وفي أواخر عام 1770م ينخرط علي بك في تحقيق مشروع خارجي، فبعد أن ثبَّت أقدامه في مصر، تطلَّع إلى ضم فلسطين وبلاد الشام لبعث الدولة المملوكية القديمة، معتمداً على حليفه ظاهر العمر الزيداني، صاحب عكا، إلا أنه فشل في تحقق هدفه بعد خيانة قائده أبي الدهب، واضطر إلى اللجوء إلى سيد عكا في (شهر محرم عام 1186هـ/شهر نيسان عام 1772م)، في حين أضحى قائده شيخ البلد. لقد جعل محمد أبو الدهب مصر مستقلةً عن الباب العالي (1186 - 1189هـ/1772 - 1775م) وهدفت سياسته إلى إحياء السلطنة المملوكية القديمة، فسيطر مماليكه على جميع وظائف الإدارة الرئيسية، وأضحى الوالي العثماني أشبه بسفير للباب العالي مهمته التصديق على قرارات شيخ البلد مع الاعتراف الشكلي بسلطة الباب العالي.

ونهج أبو الدهب نهج سيده من قبل، فحاول ضم بلاد الشام إلى مصر، وقام من أجل ذلك بحملةٍ على هذا البلد في عام (1189هـ/1775م)، وبعد أن سيطر على غزة والرملة ويافا حاصر عكا، لكنه توفي فجأةً، وأدى موته إلى الإخفاق الثاني لمحاولة بعث الدولة المملوكية. بعد موت محمد أبو الدهب، تجدد الصراع المملوكي في مصر، وانقسم المماليك إلى قسمين، ترأَّس القسم الأول إسماعيل بك، وتزعم القسم الثاني قائدا أبو الدهب إبراهيم ومراد بك، بالرغم من وجود تنافس بينهما. وشهدت مصر فترةً من الصراعات الحزبية أدَّت إلى الفوضى والخراب والظلم الذي وقع على الناس، مما دفع الباب العالي إلى تجديد سيطرته على هذا البلد، لكن العثمانيين فشلوا في تحقيق هدفهم، وكان أحد أسباب هذا الفشل مقاومة المماليك. وأثناء الحملة الفرنسية على مصر في عام (1213هـ/1798م) وقف المماليك ضد الفرنسيين وقاوموهم، إلا أنهم فشلوا في صدِّهم، وهُزِم مُراد بك أمام نابوليون في معركة الأهرام الشهيرة في الواحد والعشرين من شهر تموز عام 1798م، ودخل على أثرها القاهرة، ثم آلت إليه السيطرة على البلاد، وفرَّ مراد بك إلى الصعيد، وكذلك فعل شيخ البلد إبراهيم بك. ولما اضطر نابوليون إلى الخروج من مصر في عام (1216هـ/1801م) نتيجة تحالف الباب العالي مع إنكلترا عاد إبراهيم بك إلى حكم البلاد. كان الانهيار السريع في قوة المماليك في مصر من أهم النتائج السياسية للحملة الفرنسية، فقد تلى جلاء الفرنسيين عن هذا البلد صراعٌ بين الطرفين المملوكي والعثماني هدفه استرداد النفوذ الذي فقده كل طرف. واستمر في الوقت نفسه استمرار التنافس القديم بين المماليك، فبعد وفاة مراد بك في صعيد مصر في عام (1216هـ/1801م) برز نزاع بين خلفائه من جهة وبين إبراهيم بك، كما حدث نزاعٌ آخر سار في اتجاهٍ موازٍ بين اثنين من كبار مماليك مراد بك هما عثمان بك البرديسي ومحمد بك الألفي، واختلف هذان الأخيران في تحديد السياسة الخارجية للمماليك، فمال الأول إلى الاستعانة بفرنسا، في حين جَهِدَ الثاني للحصول على حماية إنكلترا، ووجدت على الساحة السياسية قوةً مملوكية ثالثةً بزعامة عثمان بك حسن مالت إلى التعاون مع العثمانيين. ومهما يكن من أمرٍ، فلم يعد للمماليك آنذاك مجال الصراع المفتوح للإمساك بزمام الأمور في مصر، فلقد احتلت القوات البريطانية والجيش العثماني هذا البلد، وعملت الحكومة العثمانية على ضرب قوة المماليك وإعادة فرض سيطرتها المباشرة على مصر، لكن إنكلترا وقد رأت أن مصلحتها تقضي بإعادة الحكم المملوكي إلى مصر للوقوف في وجه العثمانيين تمهيداً لاحتلال هذا البلد بشكل نهائي، أخذت تشجع هؤلاء على الاستقلال عن الدولة العثمانية. ونتيجةً لصلح أميان الذي انعقد في عام (1217هـ/1802م) بين فرنسا وبريطانيا وأسبانيا وهولندا والذي نظم أوضاع أوروبا، انسحبت إنكلترا من مصر وعاد التنافس العثماني المملوكي إلى الظهور. لكن الأحداث أثبتت أن كلاً منهما عاد أضعف مما كان عليه مادياً ومعنوياً، وعجزت العناصر التي كانت تشكل كلا الفريقين عن التكاتف للدفاع عن كيانهما، فكان انهيارهما جميعاً. ومع بروز محمد علي باشا قائد الفرقة الألبانية في الجيش العثماني واختياره لمنصب الولاية، دخلت مصر في طور سياسي جديد، فقد عمل هذا الوالي على إضعاف نفوذ الطرفين العثماني والمملوكي. وخشي من سيطرة المماليك، فاتخذ لنفسه الحيطة، وصمَّم على التخلّص منهم، فأوقع بزعمائهم في عام (1226هـ/1811م) بأن دعا البكوات والأمراء إلى وليمة في القلعة، ولما أرادوا الانصراف أُغلقت الأبواب الخارجية، وسُدَّت عليهم مسالك الفرار، وأُطلقت النار عليهم فماتوا جميعاً، ثم اتخذ تدابير أخرى كانت نتيجتها القضاء على بقية المماليك بالقتل أو بالطرد، وهرب عدد منهم إلى بلاد النوبة، ويقال إنهم لقوا حتفهم هناك واندمج العدد القليل الذي بقي منهم في أهل البلاد وصاروا منهم.

تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري

تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري ¤محمد آمحزون£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1415€تاريخ¶دراسات إسلامية الخاتمة نتائج البحث لقد أوضحت هذه الدراسة: • بيان بعض القواعد التي تساعد المؤرخ على تجنب الوقوع في الأخطاء التي مردها التسليم بجميع المرويات التاريخية وذلك ضمن الحديث عن الأسباب التي تقتضي الكذب في الأخبار. • أن رواج الموضوعات في صدر الإسلام يعزى لأسباب عرقية وسياسية وطائفية ومادية. • لقد كان الشيعة أعظم الفرق أثراً في تحريف التاريخ الإسلامي، فهم أخلاط من اليهود والنصارى والمجوس والملاحدة الباطنية الذين اتخذوا سمة التشيع لآل البيت ستاراً لبلوغ أغراضهم في هدم الدين الإسلامي وتحريف تعاليمه، وهم أكثر الطوائف كذباً على خصومهم، ولذلك كان لهم أكبر عدد من الرواة والإخباريين الذين تولوا نشر أكاذيبهم ومفترياتهم. • بيان منهج دراسة التاريخ الإسلامي الذي ينقسم إلى قسمين: أ - قسم خاص بالتوثيق وطرق إثبات الحقائق، حيث رسم العلماء المسلمون لذلك منهجاً يعتبر غاية في الدقة والإتقان. على أن تطبيق قواعد نقد الحديث في التاريخ أمر نسبي تحدده طبيعة الروايات. ب - قسم خاص بتفسير الحوادث والحكم عليها، وهو يتعلق بالتصورات والمبادئ التي تفسر في ضوئها الأحداث. وحتى يستقيم منهج التفسير وتصح الأحكام التاريخية، فلا بد أن يكون الاستقاء في إطار المصادر والقواعد الشرعية. ولهذا الغرض تم سياق جملة من القواعد المهمة التي يجب أن يراعيها الباحث في كتابة التاريخ الإسلامي وفي تفسيره. • إبراز المنهج الواجب اتباعه عند النظر في فقه تاريخ الصحابة، ويعني منهج فقه تاريخ الصحابة تلك الضوابط والأحكام الشرعية التي يمكن من خلالها التعامل مع تاريخ الصحابة. ويتكون هذا الفقه من مجموعة من الأحكام الشرعية المستمدة من مصادر التشريع الأساسية وهي: الكتاب والسنة والإجماع. ومن هذه الأحكام: عدالة الصحابة، والواجب لهم على المسلمين، وحكم من سبهم، وأن ذلك كله من أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة بلا خلاف. • التعريف بالإمام الطبري، إذ كان تاريخه أهم مصدر في هذه الرسالة. وقد توصلت إلى أنه كان عفيفاً نظيفاً، زاهداً ورعاً تقياً، عزيز النفس، جريئاً في قول الحق، متواضعاً أبياً، رفض القضاء وقبول الهدايا من الحكام. • الحديث عن رحلاته العلمية، والبلدان التي رحل إليها، والشيوخ والعلماء الذين التقى بهم، حيث التقى بمئات العلماء في شتى فنون العلم والمعرفة، وكان معظم شيوخه من شيوخ البخاري ومسلم لا يتهمون في عدالتهم. • كشف النقاب عن ثقافته وألوانها، وعن نبوغه في كثير من فروع العلم، وبخاصة في التفسير والحديث والقراءات والفقه، والتاريخ وعلم اللغة العربية. كما كان له مذهباً مستقلاً عرف بالمذهب الجريري، وكان له أتباع وتلاميذ، إلا أنه انقرضوا بعد القرنين الرابع والخامس الهجريين. • الحديث عن تهمة التشيع التي رمي بها، حيث تبين بالأدلة أن اتهامه بالتشيع كان نتيجة التعصب المذهبي تارة، والطائف تارة أخرى، والطعن في الإسلام وعلمائه تارة ثالثة. فالأسباب التي أدت إلى اتهامه بالتشيع لا تستند إلى أساس علمي صحيح، فهي قائمة على الظن والوهم والاحتمال. وتأييداً لإبطال تهمة التشيع من أساسها تم عقد مقارنة بين آراء الإمام الطبري وبين آراء الشيعة في بعض مسائل العقيدة؛ فظهر مخالفة الإمام الطبري الجذرية لهم. فهو لا يقبل شهادة الشيعة ولا أخبارهم، ويحكم بتكفير كثير منهم، ويرى قتل من يعتقد أن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي عدل، وكان يحب الصحابة ويثني عليهم، وخاصة الخلفاء الراشدين الذين رتبهم في الفضل والإمامة، مما أكد بطلان اتهامه بالرفض.

وعقيدته إجمالاً موافقة للعقائد المشهورة المنقولة عند أهل السنة والجماعة بدءاً من السلف إلى أيامنا هذه. • من الملاحظ أن الإمام الطبري ألف تاريخه ليؤكد الفكرة الأساسية المنبثقة من اعتقاده وتصوره الإيماني وهي: إيمانه بأمر الله ونهيه، وبعدله وقضائه وقدره، وبأن له سنناً ماضية لا تبديل لها، وإيمانه بحرية الإنسان وقدرته على الاختيار، وأنه مكلف بوظيفة العبودية لله والخلافة في الأرض، وعمارتها بشرع الله ومنهجه، وبأن الله يثيب الطائف المستجيب ويعاقب العاصي الناكث. ولذلك كانت نظرته التاريخية تندرج تحت هذه الفكرة الثاقبة والعقلية النيرة المؤمنة بالله العارفة بشرعه وأحكامه، كما أن تدوينه لتاريخه حسب سني الرسل والملوك الذين كانت بأيديهم مهمة التوجيه وسلطة التنفيذ، هو من أجل أن يساعد على توضيح العبر والدروس لأولي الأبصار، ويريهم كيف تتحقق سنن الله على البشر، من نصرة المؤمنين المنفذين لشرعه من الرسل وأتباعهم، وهلاك الظالمين المحادين لله ورسله أو استدراهم وتأخير عذابه إلى يوم القيامة. • اعتمد الإمام الطبري في كتابه على نوعين من الموارد: مصادر شفهية أخذها سماعاً من مشايخه كابن شبه مثلاً، ومؤلفات أجيز بروايتها أو أخذها وجادة فنقل منها ككتب الواقدي وسيف بن عمر. على أن الإمام الطبري وجد أمامه عدداً كبيراً من المصادر الإخبارية، فانتقى منها ما ضمنه تاريخه الضخم، حيث أظهر مقدرة فائقة في الجمع بين المصادر والاطلاع على الكتب التي ألفت قبله وانتقاد الروايات. • لكون الإمام الطبري من علماء الحديث، فقد سار على نهجهم في تاريخه، فهو ليس صاحب الأخبار التي يوردها، بل لها أصحاب آخرون أبرأ هو ذمته بتسميتهم، وهؤلاء متفاوتون في الأقدار، وأخبارهم ليست سواء في قيمتها العلمية، ففيها الصحيح وفيها الضعيف والموضوع. ولذلك ينبغي دراسة أسانيد ومتون الروايات وفق المقاييس المعتبرة عند العلماء للوقوف على مدى صحتها من عدمه. وتحسن الإشارة إلى أن اتساع صدور أئمة السنة من أمثال الإمام الطبري لا يراد أخبار المخالفين من الشيعة وغيرهم؛ دليل على فهمهم وأمانتهم ورغبتهم في تمكين قرائهم من أن يطلعوا على كل ما في الأمر، واثقين من أن القارئ اللبيب المطلع لا يفوته بأن مثل أبي مخنف وابن الكلبي وغيرهم هم موضع تهمة فيما يتصل بالقضايا التي يتعصبون لها، مما ينبغي معه التحري والتثبت لاستخلاص الحقائق المختلطة بالإشاعات والمفتريات. • جاء التعريف بالفتنة في اللغة، وفي القرآن الكريم، وفي الحديث النبوي. والمراد بالفتنة في بحثنا هذا ما وقع بين المسلمين في صدر الإسلام من القتال والنزاع والفرقة، نظراً لأن القضايا التي وقع الخلاف حولها كانت مشتبهة ومعقدة إلى حد جعلت المواقف متباينة والآراء مختلفة. • إن المآخذ على عثمان - رضي الله عنه - والمروية عن طريق المجاهيل والإخباريين والضعفاء، خاصة الرافضة، كانت ولا تزال بلية عظمى على الحقائق في سير الخلفاء، خاصة في مراحل الاضطرابات والفتن. فكان مع الأسف لسيرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - من ذلك الحظ الوافر. فرواية الحوادث ووضع الأباطيل على النهج الملتوي بعض ما نال تلك السيرة النيرة من تحريف المنحرفين وتشويه الغالين بغية التأليب عليه أو التشهير به.

• على أن المآخذ التي نسبت إلى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قد أجاب عن بعضها عثمان، وفند بعضها من عايش عثمان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم - والتابعين، وبعضها عارضناه بالأدلة في المبحث المتعلق بالمآخذ على عثمان والرد عليها، وبعضها الآخر لا يستقيم نقله ولا يصح إسناده، بل صدر من جماعات مشبوهة، ثم استغل أبان هيجان الفتنة لصالح الخوارج على عثمان. • لقد تأكد بعد استقراء المصادر سواء القديمة والمتأخرة عند السنة والشيعة أن وجود عبد الله بن سبأ كان وجوداً حقيقياً تؤكده الروايات التاريخية، وتفيض فيه كتب العقائد، وذكرته كتب الحديث والرجال والأنساب والطبقات والأدب واللغة، وسار على هذا النهج كثير من المحققين والباحثين المحدثين. وقد بلغ عدد المصادر التي رجعت إليها والتي تتفق على وجود عبد الله بن سبأ حوالي ستين مصدراً. ويبدو أن أول من شكك في وجود ابن سبأ بعض المستشرقين، ثم دعم هذا الطرح الغالبية من الشيعة المحدثين، بل وأنكر بعضهم وجوده البتة، وبرز من بين الباحثين العرب المعاصرين من أعجب بآراء المستشرقين، ومن تأثر بكتابات الشيعة المحدثين، ولكن هؤلاء جميعاً ليس لهم ما يدعمون بهم شكهم وإنكارهم إلا الشك ذاته والاستناد إلى مجرد الظنون والفرضيات. • يتفق المشاهير من أصحاب الفرق والنحل والمؤرخون والعلماء من سلف الأمة وخلفها على أن عبد الله بن سبأ، وهو يهودي من أهل صنعاء، أظهر الإسلام وطاف بين المسلمين بعقائد وأفكار وخطط سيئة ليلفتهم عن دينهم وطاعة إمامهم، ويوقع بينهم الفرقة والخلاف، فاجتمع إليه من غوغاء الناس ما تكونت به الطائفة السبئية المعروفة التي كانت عاملاً من عوامل الفتنة المنتهية بمقتل عثمان - رضي الله عنه -. • يظهر من ثنايا الروايات أثر الأعراب في الفتنة، فقد ساهموا عن حسن نية أو سوء نية في بوادر الفتنة الأولى، وكانوا سبباً من أسباب اندلاعها، لاعتقاد المتعبدين السطحيين منهم عن حسن نية - وهم القراء - أن عثمان أخطأ، ولاعتقاد الطامعين منهم عن سوء نية أن لهم حقوقاً زيادة في بيت المال يجب الحصول عليها. وقد استفاد من هذا الواقع، أي من وجود فئة من الناس لا تميز بين الحق والباطل، وفئة أخرى يستثيرها المال والطمع؛ السبئية الذين استغلوا سذاجة أولئك وطمع هؤلاء لتدبير الفتنة. • ظهر نتيجة التحول في طبيعة الدولة وأجناس الخاضعين لها والمنتمين إلى دينها جيل جديد من المسلمين يعتبر في مجموعه أقل من الجيل الأول الذي حمل على كتفيه عبء بناء الدولة وإقامتها. فقد تميز الجيل الأول من المسلمين بقوة الإيمان والفهم السليم لجوهر العقيدة الإسلامية. والاستعداء التام لإخضاع النفس لنظام الإسلام المتمثل في القرآن والسنة. وكانت هذه المميزات أقل ظهوراً في الجيل الجديد الذي وجد نتيجة للفتوحات الواسعة، وظهرت فيه المطامع الفردية، وبعثت فيه العصبية للأجناس والأقوام، وهم يحملون رواسب كثيرة من رواسب الجاهلية التي كانوا عليها، ولم ينالوا من التربية الإسلامية مثل ما نال الرعيل الأول من الصحابة على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لكثرتهم وانشغال الفاتحين بالحروب والفتوحات الجديدة، فأخذ هؤلاء المسلمون الجدد ينخدعون بكل ما سمعوه من جهة، ويبثون ما لديهم من رواسب وأفكار جاهلية من جهة أخرى.

• تغيرت طبيعة الحياة المادية، فانتقل الناس من حياة الزهد والتقشف التي كانوا يعيشون عليها في عهد النبوة والشيخين إلى حياة الرخاء والترف بسب النعم والخيرات التي كانت تدرها الفتوح. وغني عن الإشارة أن ذلك الرخاء كان له أثره على المجتمع بسبب ما يترتب عليه من انشغال الناس بالدنيا والافتتان بها. كما أنها مادة للتنافس والبغضاء، خاصة بين أولئك الذين لم يصقل الإيمان نفوسهم ولم تهذبهم التقوى من أعراب البادية وجفاتها، ومن مسلمة الفتوحات الذي جروا شوطاً في زخارف الدنيا وبهجتها، واتخذوها غاية يتنافسون فيها. وعندما قام عثمان بواجبه تجاه أولئك الذين بدؤوا نوعاً من حياة الترف وفساد الأخلاق، انضم هؤلاء المستهترون إلى صف الناقمين من الرعاع وغيرهم. • لقد كان مجيء عثمان مباشرة بعد عمر - رضي الله عنهما - واختلاف الطبع بينهما مؤدياً إلى تغير أسلوبهما في معاملة الرعية؛ فبينما كان عمر يمتاز بالشدة والصلابة، كان عثمان ألين وأرق في المعاملة مما كان له بعض الأثر في مظاهر الفرق عند حدثاء الإسلام في عهده وعهد سلفه. • كانت العصبية القبلية مادة تهيج النفوس وتحركها، وكانت في دورها هذا مفتاحاً للفتنة، إذ كانت بعض القبائل ترى لنفسها موقع قدم وفضل في الفتوح، وتأنف من رياسة قريش عليها، ووافق ذلك أيام عثمان، فكانوا يظهرون الطعن في ولايته بالأمصار، ويفيضون في النكير على عثمان، فكان ذلك مؤشراً لبداية الفتنة في الكوفة، وهي أول مصر نزع الشيطان بين أهله في الإسلام كما يقول الشعبي. • وقع في أوهام كثير من الناس عن حسن نية أو عن سوء نية من أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان ضعيفاً في مواقفه إزاء الأحداث العاصفة على الدولة الإسلامية، أو كان مستضعفاً يساق إلى ما يراد. وهذه غلطة تاريخية في حق ثالث أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضلاً وديناً. هذا وقد استغل المستشرقون ومن سار على دربهم من الباحثين العرب الراوايات الموضوعة التي تضعف عثمان والتي افتراها أهل الكذب من بين رواة الأخبار، فركزوا على التوسع في البحث فيها؛ بل كانت مغنماً تسابقوا إلى اقتسامه ما دامت تخدم أغراضهم للطعن في الإسلام ورجاله. ثم إنهم استغلوا وداعة عثمان ورحمته ورأفته بالرعية لينفثوا شبهة من شبههم، وهي: أن عثمان كان ضعيفاً في شخصه. هذه الدعوى تسقط لعم وجود سند أو دليل يعتمد عليه في هذا الزعم، كما أنه يستفاد م سياق حديث الشورى الذي جاء في (الجامع الصحيح) للبخاري وفي (تاريخ الطبري) أن اخيتار عثمان - رضي الله عنه - خليفة لم يكن إلا أنه أمثل من وقع عليه الاختيار من قبل الناس، وأعدل وأصلح من يتحمل المسؤولية أمام الله وأمام المسلمين. إن عثمان - رضي الله عنه - وإن كان رؤوفا رحيماً بالناس - وهذه من صفات الحاكم العادل - فلم يكن أبداً ضعيفاً في حدود الله. وكان يتبع سياسة عمر - رضي الله عنه - في الاستفسار عن العمال من وفود الحج وسؤال الرعية عن أمرائها، فكان يكتب إلى الناس في الأمصار أن يوافوه أيام الحج إن كانت لديهم مظالم، فيرفعونها إليه بحضرة أميرهم فيقضي بينهم بالحق. وكان - رضي الله عنه - يشتد في متابعة عماله ويحدد سلطانهم، بما يحقق مصالح المسلمين والرحمة بهم والرفق بالرعية. وإلى جانب ذلك كان يبني في نفس الرعية الجرأة والصراحة في الحق وعدم الجبن والخوف ليكونوا رقباء على الحكام في القيام بالأمانة التي ائتمنهم الله عليها.

إن عثمان - رضي الله عنه - لم يكن عاجزاً أن يتخذ لنفسه حجاجاً يسلطه على أبشاء الأمة بسياط القهر والجبروت، ويطلق يده في دمائها حتى تخضع وتسكن، ولم يكن عاجزاً أن يحدث للناس عقوبات فوق ما أحدثوا وينكل بأولئك الخارجين عليه. إنه ما كان عاجزاً عن هذا وأمثاله، ولا كان ضعيفاً أو مستضعفاً، ولكنه كان خليفة راشداً يحجزه عدل الخلافة الراشدة عن مآثم الملك العضوض. • كان موقف عثمان - رضي الله عنه - إزاء الأحداث التي ألمت به وبالمسلمين المثل الأعلى لما يمكن أن يقدمه الفرد من تضحية وفداء في سبيل حفظ كيان الجماعة، وصون كرامة الأمة، وحقن دماء المسلمين. فقد كان بإمكانه أن يقي نفسه ويخلصها لو أنه أراد نفسه ولم يرد حياة الأمة. فلو كان يحب ذاته ولم يكن من أهل الإيثار لدفع بمن هب للذود عنه من الصحابة وأبناء المهاجرين والأنصار إلى نحور الخارجين المنحرفين عن طاعته. ولكنه أراد جمع شمل الأمة ففداها بنفسه صابراً محتسباً، حيث منع من سل السيوف بين المسلمين مخافة الفرقة، وحفظاً للألفة التي بها حفظ الكلمة، ولو أدى إلى هلاكه. • وإلى جانب صبره واحتسابه حفظاً لكيان الأمة من التمزق والضياع، وقف عثمان - رضي الله عنه - موقفاً آخر أشد صلابة، وهو عدم إجابته الخارجين إلى خلع نفسه من الخلافة، فكان بذلك يمثل الثبات واستمرار النظام؛ لأنه لو أجاب الخارجين إلى خلع نفسه لأصبح منصب الإمامة العظمى ألعوبة في أيدي المفتونين الساعين في الأرض بالفساد، ولسادت الفوضى واختل نظام البلاد، ولكان تسليطاً للرعاع والغوغاء على الولاة والحكام. ومما لا شك فيه أن هذا الصنيع من عثمان كان أعظم وأقوى ما يستطيع أن يفعله رجل ألقت إليه الأمة مقاليدها، إذ لجأ إلى أهون الشرين وأخف الضررين ليدعم بهذا الفداء نظام الخلافة وسلطانها. • إن قتل الخليفة عثمان - رضي الله عنه - لم يكن هو الغاية التي يقصدها من خطط لهذا الحصار، وإلا لو كان كذلك لهان الأمر، وسكنت الفتنة، واستبدل خليفة بخليفة، وعادت الأمور إلى نصابها. ولكن بعض رواد الفتنة كانت لهم غاية أبعد أثراً وأعمق غوراً من قتل خليفة واستبدال آخر به. إن غايتهم هي: هدم حقيقة الإسلام والنيل من عقيدته وتشويه مبادئه في شخص الخليفة المقتول، وإثارة الضغائن والخلافات بين المسلمين. لقد توالت خطط السبئية في خلافة عثمان وعلي - رضي الله عنهما - ولم يريدوا بها إلا الكيد لهذا الدين مستغلين حركة غوغائية تتكون من أعراب البادية وجفاتها ومن مسلمة الفتوحات الذين لم يصقل الإيمان نفوسهم، كما هي العادة في كثير من هذه الحركات التي تشكل أرضية تستغل من قبل المفسدين، ولكن الإسلام - ولله الحمد - كان أقوى من كل هذه الهجمات، وأعظم من كل هذه التحديات وأقدر على الصمود والثبات. فقد ذهب ابن سبأ ومن على شاكلته وبقي الإسلام. أما أفكاره المدمرة وإن كانت لا تزال تجد مكانها في نفوس طائفة من أهل القبلة - وهم الشيعة - إلا أنها طائفة منبوذة لقبح اعتقادها وسوء تصرفاتها، بينما بقي السواد الأعظم من المسلمين على عقيدة أهل السنة والجماعة. وقد قيض الله للإسلام رجالاً نفوا عنه خبث هذه الأفكار وأظهروا فسادها، فاستمسك المسلمون بعقيدة التوحيد، واتبعوا نهج السلف الصالح، كما حقق الله عز وجل نبوءة نبيه - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله).

• لقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وقوع الفتنة، وثبت بالخبر القطعي من طريق الوحي أن عثمان - رضي الله عنه - على الحق، وأنه سيقتل ظلماً وأمر باتباعه، وأخبره أن الله يقمصه بقميص - يعني الخلافة - وأن المنافقين يريدونه على خلعه، وأمره أن لا يخلعه. وهذا أقوى دليل أنه كان على الحق. فمن خالفه تنكب طريق الحق، كيف لا! وقد وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين أرادوا خلعه بالنفاق، فعلم بالضرورة أن كل ما ورد عنه مما يوجب الطعن عليه دائر بين مفترٍ عليه ومختلق، وبين محمول - على تقدير صحته - على الاجتهاد ليكون معه الحق تصديقاً لخبر النبوة المقطوع بصدقه. • إن المتتبع لأحداث الفتنة في تاريخ الإمام الطبري وكتب التاريخ الأخرى من خلال روايات أبي مخنف والواقدي وابن أعثم وغيرهم من الإخباريين يشعر أن الصحابة هم الذين كانوا يحركون المؤامرة ويثيرون الفتنة. وخلافاً لروايات هؤلاء الذين لا يتورعون في إظهار الصحابة بمظهر المتآمرين على عثمان المحرضين عليه، المسؤولين عن قتله، فقد حفظت لنا كتب المحدثين بحمد الله الروايات الصحيحة التي يظهر فيها الصحابة من المؤازرين لعثمان المنافحين عنه؛ فقد اجتهدوا في نصرته والذب عنه، وبذلوا أنفسهم دونه، فأمرهم بالكف عن القتال، وقال إنه يحب أن يلقى الله سالماً مظلوماً، ولو أذن لهم لقاتلوا عنه. • لم يكن موقف التابعين ومن بعدهم مخالفاً لموقف الصحابة في الدفاع عن عثمان - رضي الله عنه - ورعاية حقه، وبيان أنه قتل على غير وجه الحق، واستعظام قتله والبراءة من قتلته، وذمهم وذكرهم بالسوء. فقد وضعوا نصب أعينهم تأييد السنة ونفي البدعة بعيداً عن الأهواء الشخصية والنزعات الخاصة، فكانت كثير من الأخبار المروية عنهم والمتعلقة بالفتنة الأولى قد أخرجت عثمان - رضي الله عنه - كالقلب المصفى نقياً خالصاً من كل ما أراده المغرضون وتقوله المتقولون. • خلافاً لما جاء في بعض الروايات أن جماعة من الصحابة تخلفوا عن بيعة علي - رضي الله عنه - أو بايع بعضهم كرهاً، فقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن بيعة علي - رضي الله عنه - كانت بيعة شرعية. ويؤيد ذلك ما ورد في السنة النبوية من مؤشرات عن خلافته، وما روي عن الصحابة في هذا الشأن، وما نقله المؤرخون والمحدثون والفقهاء وأهل العلم عن شرعية خلافة عليّ وصحتها ومبايعة أهل الحل والعقد له من المهاجرين والأنصار. ولم يتخلل تلك البيعة أي نوع من أنواع الضغط أو الإكراه، حيث روى ابن أبي شيبة في (مصنفه) بسند صحيح ما يكشف عن بيعة طلحة والزبير لعليّ بمحض إرادتهما دون غلبة أو قهر. ويبرز الإمام الباقلاني موقف بعض الصحابة الذين تأخروا عن نصرة عليّ والدخول في طاعته؛ بأن ذلك لم يكن بسبب رفضهم لخلافته وبيعته، وإنما تخوفوا من حرب أهل القبلة واحتجوا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن قتال الفتنة. ورأيي أن المعارضة التي قامت في وجه علي - رضي الله عنه - لها ظروف سياسية معروفة، فهي لم تكن معارضة تطعن في إمامته بقدر ما كانت تطالب بالقصاص من قتلة عثمان. ويمكن القول أن علياً - رضي الله عنه - كان أقوى المرشحين للإمامة بعد مقتل عمر - رضي الله عنه - فالفاروق عينه لها في الستة الذين أشار بهم، وهو واحد منهم، على أن الأربعة من رجال الشورى وهم عبد الرحمن وسعد وطلحة والزبير بتنازلهم عن حقهم فيها له ولعثمان، تركوا المجال مفتوحاً أمام الاثنين فلم يبق إلا هو وعثمان، وهذا إجماع من أهل الشورى على أنه لولا عثمان لكانت لعليّ. وبعد موت عثمان، وقد قدمه أهل دار الهجرة صار مستحقاً للخلافة.

ولم تكن السابقة في الإسلام والقرابة والمصاهرة هي المزايا الوحيدة لولاية علي - رضي الله عنه - هذا المنصب الخطير، ولكن كان له بالإضافة إلى ذلك من القدرة والكفاءة ما لا ينكر؛ فشجاعته وإقدامه، وذكاؤه وعقليته القضائية النادرة، وحزمه الذي اشتهر به في مواقفه، وصلابته في الحق، وبعد نظره في تصريف الأمور حتى كان الخليفة عمر - رضي الله عنه - يأخذ برأيه إذا التبست عليه الأمور، كل هذه العوامل تجعله بلا منازع المرشح الوحيد لإمامة المسلمين في تلك الفترة الحساسة من حياتهم. • تتجه مآخذ بعض المؤرخين والباحثين إلى أن علياً - رضي الله عنه - لم يكن رجل دولة وسياسة يهيمن على مجرى الأمور. وليس ثمة من شك بأنه يوجد من الدلائل ما يؤكد أن علياً - رضي الله عنه - كان ذكياً بصيراً بالأمور، حصيف الرأي، وكان أبو بكر وعمر وعثمان يعرفون ذلك، فاتخذوه مستشاراً لهم في أمور السياسة حتى أن عمر - رضي الله عنه - كان يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسين. والواقع أن الأمر ليس أمر ضعف وقصور في الرأي وإخفاق في السياسة، بل اختلف الوضع عما سبق، فتناول هذا الاختلاف تغير الجماعات المحيطة بالخليفة فهو غير أصحاب أبي بكر وعمر، إذ يغلب على هؤلاء عنصر الأعراب والموالي، وشتان ما بين الفئتين. وتناول هذا الاختلاف أيضاً مركز الخلافة الذي انتقل من الحجاز حيث السنة النبوية إلى العراق، حيث تتحكم المصلحة والنزاعات الشخصية والأهواء. ويلمس المرء كذلك تغيير في الأفكار وتعدد في المذاهب من جراء الفتنة ولا شك أن هذا الانقسام في الآراء والاختلاف في وجهات النظر أدى إلى مزيد من الفرقة والخلاف مما أضعف بطبيعة الحال مركز الخليفة وقبضته على زمام الأمور. وإذا كانت رياح التغيير مؤشراً على تبادل الأحوال في عهد علي - رضي الله عنه -، فإن موقفه ظل رغم ذلك كله لم يتلون بلون ذلك الجيل، ولم يرغب أن يواكب التطور الحادث، إذ آثر الإخفاق في كل شيء على الإخفاق في راشديته وعدله. ولئن كانت السياسة هي التطوع لروح العصر ومسراه، وانتهاز الفرص، وتحقيق المصالح الذاتية والمنافع الشخصية للحاكم والجماعات المحيطة به، فإن علياً لم يكن سياسياً بهذا المعنى. وإن كانت السياسة حسن الفهم والدراية والتعقل، والسعي لتحقيق المصلحة العامة للأمة، فعلي - رضي الله عنه - كان على درجة عظيمة من ذلك. والقول الفصل أن علياً كان من خير رجال السياسة والحكم لو بقي عصر الخلافة الراشدة كما كان عليه في أيامه الأولى، أما وروح الزمان كانت تسير على غير ما كانت تسير عليه، فمذهبه في السياسة لم يعد مناسباً لتلك الأوضاع، ولذلك في نظر البعض غير سياسي. • تضافرت الروايات في تاريخ الإمام الطبري على أن خروج عائشة وطلحة والزبير إلى العراق كان قصد الإصلاح وطلب الثأر لعثمان الذي قتل بغير حق، وإعزاز الإسلام بأخذ القصاص من الخوارج المحلين، بل إن علياً أيضاً لم ير في سيره إليهم إلا الإصلاح وجمع الكلمة. وبعد سفارة القعقاع بن عمرو - رضي الله عنه - لم ير طلحة والزبير وعائشة - رضي الله عنهم - أمثل من الصلح، حيث يبدو اقتناع طلحة والزبير بحجة عليّ في التريث وعدم استعجال أمر القصاص من قتلة عثمان حتى تهدأ الأحوال ويتوطد مركز الخلافة فيأخذ العدل مجراه. وقد بات الناس على نية الصلح والعافية في كلا المعسكرين وهم لا يشكون في الصلح، وبات الذين أثاروا الفتنة بشر ليلة إذ أشرفوا على الهلاك، خاصة بعد أن خطب عليّ في الناس وطلب منهم أن يرتحلوا في الغد، ولا يرتحل معه أحد أعان على عثمان بشيء، فجعلوا يتشاورون، تكلم ابن سبأ وهو المشير فيهم، فأشار عليهم بإنشاب الحرب سراً في الغلس.

وجدير بالإشارة أن أثر السبئية في الجمل واشتغال فتيل الحرب مما يكاد يجمع عليه المؤرخون والعلماء سواء أطلقوا عليهم اسم الغوغاء أو المفسدين أو الأوباش أو أصحاب الأهواء أو سماهم البعض قتلة عثمان أو أطلقوا عليهم صراحة: السبئية. • من الملاحظ أن الصحابة - رضوان الله عليهم - متفقون على إقامة حد القصاص على قتلة عثمان، لكن الخلاف بينهم وقع في مسألة التقديم أو التأخير، فطلحة والزبير وعائشة ومعاوية - رضوان الله عليهم - كانوا يرون تعجيل أخذ القصاص من الذين حاصروا الخليفة وقتلوه ظلماً، وأن البداءة بقتلهم أولى، بينما رأى أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ومن معه تأخيره حتى يتوطد مركز الخلافة وتستقر الأوضاع، فيتقدم أولياء عثمان بالدعوى عنده على معينين، فيحكم لهم بعد إقامة البينة عليهم، لأن هؤلاء المحاصرين لأمير المؤمنين عثمان ليسوا نفراً من قبيلة معينة، بل هم من قبائل مختلفة. ومن المعلوم أن علياً - رضي الله عنه - كان في موقفه أسدّ رأياً وأصوب قيلاً، لأنه لو شرع في تنفيذ القصاص في قتلة عثمان لتعصبت لهم قبائل وصارت حرباً أهلية، وقد حدث هذا عندما تعاطى طلحة والزبير القود من قتلة عثمان بالبصرة، فتعصب لهم آلاف من الناس واجتمعوا على حرب طلحة والزبير. • إذا كان محور الخلاف بين الصحابة - رضي الله عنهم - هو القصاص من قتلة عثمان، كما تواترت بذلك الأخبار، فإنه قد شاع بين الناس أن الخلاف بين علي ومعاوية- رضي الله عنهما - كان سببه طمع معاوية في الخلافة. وهذا غير صحيح، حيث تذكر الروايات الصحيحة في كتب التاريخ والحديث أن معاوية ما خرج إلا للمطالبة بدم عثمان، وأنه صرح بدخوله في طاعة عليّ إذا أقيم الحد على قتلة عثمان. • إن ما أثير على وجود قتلة عثمان في جيش علي - رضي الله عنه - أمر فيه شبهة، فقد كان في عسكره من الخوارج الذين قتلوا عثمان من لم يعرف بعينه، ومن تنتصر له قبيلته، ومن لم تقم عليه حجة فيما فعل، ومن في قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره كله. وبتتبع الروايات في كتب التاريخ والحديث يلاحظ أن موقف عليّ من قتلة عثمان المندسين في جيشه كان موقف الحذر المحتاط منهم، المتبرء من فعلهم. • يستنتج من الأدلة الشرعية أن علياً كان أقرب إلى الحق من طلحة والزبير ومعاوية - رضي الله عنهم -، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن الخوارج: (يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق) دلالة واضحة أن علياً كان أقرب إلى الصواب من مخالفيه في الجمل وصفين، لكن لم يصب الحق بتمامه وكماله، حيث كانت السلامة في الإمساك عن القتال؛ لأن العبرة بالنتائج والعاقبة. ولاشك أن نتيجة الاقتتال كانت مؤلمة جداً. ولهذا أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم عن الحسن - رضي الله عنه - لأن الله أصلح به ما بين المسلمين، وحقن دماءهم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)، في حين أنه لم يثن على قتال أبيه لأهل الشام، بل غاية ما وصفه به أنه أقرب منهم إلى الحق، بخلاف قتال الخوارج فقد أثنى عليه نصاً بقوله: (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم إلى يوم القيامة). كما أن علياً نفسه فرح واستبشر بقتال الخوارج وتألم وتكدر بقتال أهل الجمل وصفين. وقد كان في إمكان عليّ اتخاذ وسائل أخرى غير السيف لتهدئة الأحوال وجمع الكلمة وللصلح أبواب كثيرة ولو بالتنازل عن بعض الحق. • إن الموقف الأحوط والأمثل هو موقف الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة وآثروا عدم قتال أهل القبلة.

وقد اعتمد هؤلاء على أصل شرعي ثابت بنصوص صريحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعضها أوامر عينية في حق المخاطبين بها، وهذا الأصل هو ترك القتال في القتنة. وقد كان من كمال فقه الصحابة - رضي الله عنهم - التفريق بين صحة إمامة عليّ ووجوب القتال معه، بل صحة قتال أهل القبلة، إذ لا يلزم من كونه إماماً شرعياً أن يكون قتاله لأهل الجمل وصفين صواباً بإطلاق. وبالجملة فإن الكف عن القتال واعتزال الفتنة هو مذهب أهل الحديث عامة، ومن تأمله ظهر له قوة دلائله النصية وصدق نتائجه الواقعية. إن النصوص الشرعية جاءت متواترة في رد عدوان الخوارج والمفسدين في الأرض. أما أن يكون المرء عبد الله المقتول لا عبد الله القاتل، فذلك مشروع في الفتنة بين المسلمين المختلفين اختلافاً اجتهادياً مصلحياً. على أن هذا المذهب - أي مذهب اعتزال الفتنة - هو أقوى المذاهب وأرجحها بدلالة النصوص الشرعية وأقوال السلف الصالح، وهو أقوى من مذهب من يرى أن الصواب هو القتال مع علي - رضي الله عنه - فضلاً عمن يرى أن الصواب هو القتال مع من حاربه. • لقد كان مصطلح القراء في بداية الإسلام يعني من يقرأ القرآن ويحفظه ويفقه معانيه، ويتدبر آياته، ويتأدب بأخلاقه، ثم ما لبث أن انحرف مفهوم القراء أو القراءة عن مدلوله الأصلي، فأخذ يكتسي طابعاً يسوده عدم الفقه، والأخذ بظواهر النصوص، والتصلب في الرأي، والغلو والتشدد في الدين، حتى إننا لا نستغرب عندما نجد في مصادرنا التاريخية والحديثية المبكرة، أن المقصود بالقراء، هم الذين ساهموا في تأليب الناس في الكوفة على الخليفة عثمان - رضي الله عنه - واشتركوا في معركة صفين فرفضوا التحكيم وصاروا خوارج فيما بعد يعيثون في الأرض فساداً يقتلون وينهبون أموال المسلمين، مستحلين لها، بزعم أن من خالفهم ليس بمسلم. وقد جاءت الأحاديث النبوية في بيان حالهم، وما سيؤول إليه أمرهم من خروج على الأمة وسفك دمائها بغير حق، فحذرت منهم وأثنت على قتالهم. • إن الدور المنسوب للقراء في صفين من مسؤولية وقف القتال والتحكيم، وفرض أبي موسى حكماً ليست إلا فرية تاريخية اخترعها الإخباريون عن الشيعة الذين كان يزعجهم أن يظهر علي - رضي الله عنه - بمظهر المتعاطف مع معاوية وأهل الشام، وأن يرغب في الصلح مع أعدائهم التقليدين. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يحملوا المسؤولية أعداءهم الخوارج ويتخلصوا منها، ويجعلوا دعوى الخوارج تناقض نفسها، فهم الذين أجبروا علياً على قبول التحكيم، وهم الذين ثاروا عليه بسبب قبوله التحكيم. ومن الملاحظ أن الدوافع والأسباب خلف مثل هذه الرويات ترجع إلى الظروف التي كانت تعيشها الكوفة - وهي معقل الشيعة-، في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، فقد تحولت وأهلها إلى مصر تابع لأهل الشام يرسل لها الأمويون ولاة مستبدين مثل زياد وابنه عبيد الله والحجاج لقمع شوكتهم. وأصبحت الكوفة بذلك مركزاً للمعارضة ومفرخاً للثورات ضد الأمويين، ليس هذا فحسب، بل إن ضربات الخوارج الموجعة كانت أشد إيلاماً من قمع الأمويين، مما حدا الشيعة إلى إلقاء تبعة تلك الأحداث على خصومهم تحت تأثير التعصب المذهبي. • إن الموقف الثابت تاريخياً في كتب الأئمة الثقات مثل البخاري وأحمد وابن أبي شيبة أن علياً - رضي الله عنه - قبل التحكيم من تلقاء نفسه بعيد عن أي ضعوط، وذلك تماشياً مع أحكام الإسلام التي تحث على إصلاح ذات البين والرجوع إلى الكتاب والسنة عند التنازع والاختلاف، كما ثبت أن موقف القراء هو نفسه منذ البداية لم يتغير ولم يتبدل، فهو الإصرار على مواصلة قتال أهل الشام ورفض التحكيم بالكلية.

وهذا ما تطمئن إليه النفس، حيث ينسجم ذلك الموقف مع عقلية الخوارج المتشددة المتحجرة العنيفة المستبيحة لدماء المسلمين وأموالهم، فقد كانوا في مراحل وجودهم على رأس الحركات التي أنهكت جسم الدولة الإسلامية، وذهبت بكثير من قوى المسلمين المذخورة. • نظراً لما لحادث التحكيم من أهمية في التاريخ السياسي للدولة الإسلامية، فإنه من الضروري تجلية حقيقة وقائعه، حيث أسيء تصوير هذا الحادث بقدر ما أسيء تفسيره، فنتج عن الأمرين خلط كثير وإساءة إلى مكانة الصحابة وقدرهم، حيث باتت القصة الشائعة بين الناس عن حادث التحكيم تتهم بعضهم بالخداع والغفلة، وتتهم آخرين بالصراع حول السلطة. وبإخضاع هذه الرواية للدراسة والتحليل يلاحظ عليها ثلاثة أمور: أحدها يتعلق بالخلاف بين عليّ ومعاوية - رضي الله عنهما - والذي أدى إلى الحرب بينهما، والثاني: يتعلق بمنصب كل ن عليّ ومعاوية، والثالث: خاص بشخصية أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص. أما الأمر الأول: فإن الحكمين كانا مفوضين للحكم في الخلاف بين عليّ ومعاوية، ولم يكن الخلاف بينهما حول الخلافة ومن أحق بها منهما، وإنما كان حول توقيع القصاص على قتلة عثمان، وليس هذا من أمر الخلافة في شيء. فالخلاف حول الخلافة لم يكن قد نشأ عندئد، ولم يكن معاوية مدعياً للخلافة ولا منكراً حق عليّ فيها، وإنما كان ممتنعاً عن بيعته، حيث كان متغلباً عليها بحكم الواقع لا بحكم القانون، مستفيداً من طاعة الناس له بعد اقتناعهم بالسبب الذي جعله يرفض بيعة عليّ، وهو المطالبة باقتضاء حقه في القصاص من قتلة عثمان باعتباره ولياً للدم. فإذا ترك الحكمان هذه القضية الأساسية وهي ما طلب إليهما الحكم فيه واتخذا قراراً بشأن الخلافة كما تزعم الرواية الشائعة عن التحكيم، فمعنى ذلك أنهما لم يفقها موضوع النزاع ولم يحيطا بموضوع الدعوى، وهو أمر مستبعد جداً. الأمر الثاني: إذا تضمن قرار الحكمين فيما تزعم الرواية المذكورة عزل كل من عليّ ومعاوية، فقد ورد العزل في حق معاوية على غير محله، لأنه إذا تصورنا أن يعزل الحكمان علياً من منصب الخلافة إذا فرضنا جدلاً أنهما كانا يحكمان فيها، ولكن عم يعزلان معاوية؟ هل كانا يملكان عزله عن قرابته أو منعه من المطالبة لحقه فيها؟! وهل عهد التاريخ في حقبة من حقبه أن يعزل ثائر عن زعامة الثائرين معه بقرار يصدره قاضيان؟! ولا شك أن هذا عامل آخر يؤيد بطلان القصة الشائعة عن قضية التحكيم والقرار الصادر فيها. الأمر الثالث: إن القول بأن أبا موسى الأشعري كان في قضية التحكيم ضحية خديعة عمرو بن العاص ينافي الحقائق التاريخية الثابتة عن فضله وفطنته وفقهه ودينه، والتي ثبتت له بتولي أعمال الحكم والقضاء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي خلافة عمر وعثمان وعلي. فهل يتصور أن يثق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم خلفاؤه من بعده في رجل يمكن أن تجوز عليه مثل الخدعة التي ترويها قصة التحكيم؟!. هذا وقد شهد الصحابة وكثير من علماء التابعين لأبي موسى - - رضي الله عنه - بالرسوخ في العلم، والكفاءة في الحكم، والفطنة والكياسة في القضاء. وقبول تلك الرواية يعني الحكم أيضاً على عمرو بن العاص بأنه كان في أداء مهمته رجلاً تسيره الأهواء فتطغى لا على فطنته وخبرته فحسب، بل على ورعه وتقواه أيضاً. هذا علاوة على ما نسب إليه وإلى أبي موسى من السب والشتم، وهو ما يتعارض مع ما عرف وتواتر عن الصحابة - رضي الله عنهم - من حسن الخلق وأدب الحديث.

• أدى حادث التحكيم بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما - إلى بدء ظهور الفرق ذات الآراء السياسية، ومن ضمنها فرقة الخوارج الذين رفضوا مبدأ قبول التحكيم في النزاع أصلاً، ذلك أنهم قالوا: (لا حكم إلا لله) مقررين أنه لا يجوز العدول عن حكم الله إلى حكم الرجال، والله قد حكم في الفئة الباغية بقتالها حتى تفيء إلى أمر الله. وقد ظلت العبارة (لا حكم إلا لله) علماً على مذهب الخوارج على اختلاف فرقهم وتعددها. وتعددت تفسيرات هذه الفرق لهذا الشعار، فارتكب الخوارج بناء على فهمهم الخاطئ له وتأويلهم المتعسف للنصوص كثيراً من المنكرات وعاثوا في الأرض فساداً يقتلون وينهون أموال المسلمين مستحلين لها بزعم أن من خالفهم كافر، وهم سلف المكفرة في هذه الأمة إلى اليوم. ومن الخصائص المميزة لفرق الخوارج الغلو والإفراط والشطط والتنطع، كما تميزت في منهجها الحركي بالاندفاع والتهور والثورية العمياء والقابلية السريعة للتمزق والاشتعال، فالجلافة طبعهم، وضيق الأفق سمتهم، ما خيروا بين أمرين إلا اختاروا أعسرهما، وما صادفوا احتمالين إلا انحازوا لأبعدهما، وما رأوا طريقين إلا سلكوا أشقهما. ولما كان الخوارج من ذلك الصنف البشري العنيد محدود الإدراك الذي يضيق أفقه أو علمه عن تفهم الخلاف فتثور نفسه لأتفه الأسباب ودونما تبصر في الدوافع والعواقب وتريث الحكم، فقد أعلنوا تكفيرهم للمجتمع المسلم بأجمعه، فأظهروا نقمتهم وسخطهم على الأطراف المخالفة لهم. ومن مبادئهم أن الخروج على الحاكم الجائر فرض لا يحل تركه، فكل قادر يلزمه الخروج ولو كان وحده، وسواء ظن أن خروجه يؤدي إلى النتيجة المرجوة أم لا. وبهذا لا يشترطون عدداً ولا قدرة على تغيير المنكر. ومن أجل ذلك كان تاريخهم بشكل عام سلسلة من الثورات والحروب المتواصلة ميزتهم عن غيرهم من الفرق، وفي سبيلها أبيدوا أو كادوا أن يبادوا. • ومن نتائج الفتنة ظهور الإرجاء، ومبعثه أنه كان في ثغور الجهاد وأطراف البلاد فئات من المسلمين تحارب الكفار وتفتح الأمصار، فلم تعلم عن سير الأمور شيئاً، فلما صدمتها فاجعة الفتنة أذهلها الألم عن التفكير، ووقاها بعد الشقة شر الخوض في الفتنة، ثم فوجئوا بما تلاها من أحداث فما استطاعوا أن يستبينوا رأياً فيتبعوه أو يرجحوا طرفاً فيوالوه، فآثروا مسالمة الفريقين المتقاتلين والركون إلى الحياد، فأبرؤوا أنفسهم من الوقوف مع أحد منهم أو عليه، وأرجؤوا أمر الجميع إلى الله، وهو الذي يتولى حسابهم، ومن ثم فهم داخلون تحت المشيئة. فهم متناقضون لما عليه عامة الخوارج من تكفير الصحابة، وما عليه عامة الشيعة من الغلو في عليّ والحط من عثمان أو تكفيره، ومخالفون أيضاً لما عليه أهل السنة والجماعة في أمرهم. ولا يخفى ما في موقفهم من شطط بإرجاء أمر عليّ وعثمان والشك في دخولهما الجنة، ومخالفة ما هو ثابت في النصوص الشرعية ومشهور لدى الأئمة بالإجماع عن فضل عثمان وعليّ - رضي الله عنهما - والشهادة لهما بالجنة. وهذا من أخطاء المرجئة وضلالاتهم. وعلى كل حال سواء كان الإرجاء موقفاً ذاتياً ظهر بسبب الفتنة أو أنه انبثق من الفكر الخارجي ونبع عنه، فإن الإرجاء من حيث هو موقف نفسي يمكن أن يوجد في هذه الفتنة العمياء وما تلاها، لأن من سنن الاجتماع أن أي نزاع يشجر بين طائفتين أو جماعتين قد يفرز فئة ثالثة متأرجحة محايدة لأي سبب من أسباب الحياد. وليس هذا الحياد من قبل المرجئة إلا موقفاً سلبياً يليه التردد والشك في مآل الصحابة الذين شملتهم دائرة الفتنة.

• شهد ما بعد الفتنة أيضاً ظهور الشيعة وتميزهم بنظريات وآراء خاصة بهم في المجال السياسي. والمذهب الشيعي يرتبط أساساً بمسألة وجدانية أو عاطفية هي حب آل البيت، ثم تطورت هذه العاطفة وأخذت الآراء التي نبتت نتيجة لها تتأصل شيئاً فشيئاً لتصبح مذهباً متميزاً أو فرقة ذات آراء مستقلة في الأصول والحكم والفقه وغيرها. وتحسن الإشارة إلى أن الشيعة الأولى لم يطعنوا في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يسبوهم ولم يشتموهم، بل كانوا يقدمون أبا بكر وعمر على عليّ، وإنما كان تفضيلهم لعليّ على عثمان، ثم ظهر المفضلة الذين يفضلون علياً على أبي بكر وعمر. ثم أخذ التشيع أبعاداً أخرى أكثر خطورة، حيث جعل يكتنفه الغلو ورفض خلافة الشيخين - أبي بكر وعمر - وشتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومن الملاحظ أن عدة عوامل ساهمت في تطور المذهب الشيعي، ومن أهمها: أن السبئية هم أصل التشيع، وليس أدل على ذلك من أن مبادئ الشيعة تتفق مع بعض الأفكار والمعتقدات التي جاء بها عبد الله بن سبأ، وهي: القول بالوصية والرجعة والبداء وسب الصحابة والبراءة منهم والغلو في علي - رضي الله عنه -. ومن المعلوم أن الذي يجمع فرق الشيعة هو: القول بأفضلية عليّ وأحقيته في الخلافة، وأنها ليست من المصالح المرسلة الموكولة إلى نظر العامة، بل هي ركن من أركان الدين. ولتبرير هذه النظرية قالوا بالوصية، أي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى بالخلافة لعليّ من بعده، وسارعوا إلى وضع الأحاديث في ذلك، كما أنهم قالوا بأن الخلافة بعد عليّ تنحصر في ذريته، وتنتقل بالنص من الإمام إلى من يليه. • من الآثار السلبية المترتبة على ظهور الخلافات السياسية: أنه كان لظهور الفرق على الصعيد السياسي آثاراً سلبية، إذ كرست بوادر الفرقة والخلاف بين المسلمين، وهي بلا شك من عوامل الضعف والخذلان. فقد احتدم الصراع بين الفئات المختلفة مما كان له الأثر في عرقلة مسير الفتوح الإسلامية. فقد تميزت الفترة التي تلت الفتنة بكثرة الخلافات والحروب التي أضرم نارها حركات لم يستفد منها، إذ استنفدت جهودها في قتال المسلمين بدلاً من الاشتغال بأعمال الجهاد في سبيل الله. وبالرغم من اعتبار عام واحد وأربعين للهجرة (661م) هو عام الجماعة، فإن الجماعة لم تكتمل تماماً، وظل هناك من يعارض بالقول والفعل تسويات الأحداث التي جرت في الفترة التي أعقبت مقتل عثمان والأوضاع السائدة في ظل دولة بني أمية، إضافة إلى الذين كانوا يظهرون الوفاق ويبطنون الخلاف. • ومن آثار الفتنة العقدية: قول الخوارج في الوعيد بتكفير أصحاب الكبائر، وأنهم مخلدون في النار. وقد اشتطوا في نظرتهم تلك لمرتكب الكبيرة، لكن ليس هذا فحسب، وإنما الرزية كل الرزية أن يكون مرتكب الكبيرة عندهم ليس هو الزاني أو السارق أو الكاذب ونحوهم من عصاة الأمة؛ وإنما هو: عثمان وعليّ والزبير وطلحة وعائشة وأبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص وأمثالهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن ثم قالوا: وعثمان وعليّ من والاهما ليسوا بمؤمنين لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله. ويعتقد الخوارج أن من خالف القرآن بعمل أو برأي أخطأ فيه فهو كافر، ومن ثم قالوا بتكفير أصحاب الكبائر وأنهم مخلدون في النار، مخالفين لما ثبت في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من عدم الخلود في النار بسبب ارتكاب الذنب ما لم يكن شركاً.

• لما غالى الخوارج في الوعيد نشأت فرقة المرجئة تبالغ في الوعد، وترجئ الحكم على أهل المعاصي إلى يوم الحشر، مع تفويض أمرهم إلى الله إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم. لكنها وسعت دائرة الإيمان إلى أقصى حدّ لجعلها الإيمان اعتقاداً قلبياً مجرداً، ولا قيود عملية على صاحبه من أمر ونهي، حتى أدى بها ذلك إلى القول بأنه لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وهذا مما يؤخذ على المرجئة. والناظر في قول المرجئة في معنى الإيمان يعلم أنه مخالف لما جاء في القرآن الكريم وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقوال السلف من أن الإيمان مرتبط بالعمل، والعمل مرتبط بالإيمان لا ينفك أحدهما عن الآخر. وبهذا يظل المعيار الحقيقي للحكم على أي حالة هو معيار الصدر الأول وواقع السلف الصالح قبل اختلاف الأمة في الفترة التي تلت الفتنة، وهو أن حقيقة الإيمان حقيقة مركبة من القول والعمل مثلما تتركب حقيقة الإنسان من الجسد والروح، وأن ذلك مجمع عليه بين السلف، تتواتر على تأييده النصوص الشرعية، وتتضافر عليه الأدلة العقلية والنقلية، ولم يخالف فيه إلا مبتدع تنكب طريق الحق، وأعرض عن دلالات نصوص الوحي، وشواهد الفطرة والعقل إلى ما خاضت فيه أوهام المجادلين والمتكلمين. • ومن بدع الشيعة العقدية شتم الصحابة - - رضي الله عنهم - وسبهم، بل وتكفيرهم الذي أصبح من لوازم أصول مذهبهم. وهم بذلك يخالفون محكم القرآن والسنة النبوية في تزكية الصحابة وبيان عدالتهم وفضلهم وشرفهم، وإجماع من يعتد بإجماعهم من الأمة على ذلك، وأنه من أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة. ومن بدعهم قولهم بالبداء تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، والبداء يعني: ظهور أمر لله سبحانه وتعالى بعد أن كان جاهلاً به اقتضى أن يغير الله في قدره. ومن بدعهم الغلو في الأئمة الذين جعلوهم فوق الأنبياء والرسل، ويعتقدون أنهم معصومون، ويعلمون أعمال الناس وآجالهم، ويعلمون الغيب. ومن بدعهم قولهم بمعتقد الجهمية في تعطيل صفات الله، وأخذهم بمذهب القدرية في أفعال العباد. وكل هذا مخالف لصريح العقيدة التي كان يدين بها سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. • من الآثار السلبية المترتبة على الخلافات الكلامية: أن فتحت المناظرات بين الفرق المختلفة في إطار ما يسمى: علم الكلام باباً من أبواب الفتن، وساهمت في تمزيق كيان المجتمع الإسلامي، كما أنها ضخمت الجانب النظري التجريدي على حساب الجانب العلمي الذي أكد عليه الصحابة الذين تفهموا روح الرسالة وفقهوا الإسلام، فانشرحت صدورهم للعمل والوقوف عند النصوص المتشابهة وآيات وأحاديث الصفات دون تأويل، فحافظوا بذلك على صفاء العقيدة وإشراقها، في حين أضاع أرباب الكلام بمجادلاتهم ونقاشاتهم البيزنطية التي ترمي إلى البحث والتعليل فيما يتجاوز نطاق العقل وضوح العقيدة وصفاء الفكرة. ولم تثمر جهودهم غير الانقسام والخلاف والتمزق في الكيان الإسلامي بسبب هذا العلم غير النافع الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجمهور الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة السلف. • لقد كان من آثار الفتنة: معرفة أحكام البغاة. فبناء على الاختلاف بين أحكام دار الحرب ودار الإسلام تمكن عليّ - رضي الله عنه - بغزير علمه وسعة فقهه، وهو أقضى الصحابة، أن يضع قواعد وأحكاماً هي في الحقيقة ضوابط شرعية في قتال أهل البغي، ثم سار أهل السنة من أئمة العلم والفقهاء على سيرته في قتال البغاة، واستنبطوا من هديه الأحكام والقواعد الفقهية في هذا الشأن.

ومن هذه الأحكام أن لا يتبع مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا يقتل أسير، ولا يستحل فرج ولا مال، ومن ألقى سلاحه فهو آمن. ولذلك لم يكن قتال البغاة إلا لدفعهم وردهم إلى الحق، فلا يستباح منهم إلا ما حصل بضرورة الدفع، وبقي حكم المال والذرية على أصل العصمة. • إلى جانب الفرق المبتدعة الضالة، وهي من رواسب الفتنة ومن مخلفاتها، بقي جمهور المسلمين والغالب من فقهائهم وعلمائهم وحملة السنة منهم يمثلون السواد الأعظم أو الجماعة أو أهل السنة - كما أطلق عليهم فيما بعد -. وأهل السنة والجماعة يبتعدون عن الغلو في كل شيء ويفضلون الاعتدال في الرأي والعمل، ويلتزمون ما فهمه سلفهم من الصحابة من آي القرآن الكريم وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإذا ذكر ما كان بين الصحابة - رضوان الله عليهم - من الاختلاف والحروب فمذهبهم الترضي والترحم على الجميع، وذكرهم بالخير والإحسان. وإذا ذكرت صفات الله يثبتونها ويفوضون كيفيتها بما يليق بجلال الله وعظمته، فيصفونه بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تكييف. وإذا ظلم الظالم أو جار فلا يخرجون عليه إلا بشروط منها: أمن الفتنة، وتحقيق الأفضل للمسلمين، ومعظمهم لا يرى الخروج إلا إذا كان ثمة كفر بواح عندهم من الله فيه برهان. ويمكن القول أن الصبغة العامة لأهل السنة والجماعة هي الذهاب إلى أن العلم والعمل أجدى وأنفع من النقاش والجدال. لذا فهم يؤكدون على حقيقة الإيمان الشرعية وهي أنه: قول وعمل، يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي. ولقد بقي التراث الفكري والفقهي لأهل السنة والجماعة حتى الآن مثلاً للاعتدال في فهم الأحداث ووزن الأمور بميزان الإسلام، والبعد عن انحرافات الغلاة من الفرق المختلفة في جميع مواضع الخلاف. • موقف أهل السنة من الفتنة: إن موضوع النزاع والخلاف بين المسلمين بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه - ينظر إليه من زاويتين: الأولى: إن اللوم في تلك الفتنة على العموم يلقى على قتلة عثمان، لأن كل من قتل من المسلمين بأيدي إخوانهم منذ قتل عثمان - رضي الله عنه - إنما يقع إثمه عليهم، فهم الذين فتحوا باب الفتنة وكل ما وقع بعد ذلك فإثمه ووزره عليهم، إذ كانوا السبب المباشر فيها، وهم الفئة المعتدية الظالمة التي قتل بسببها كل مقتول في الجمل وصفين، وما تفرع عنهما من أحداث وآراء ومواقف فتحت باب الخلاف والفرقة بين المسلمين. ولا يخفى أن أعداء الإسلام الذين يئسوا من مجابهة الإسلام في الميدان الحربي رأوا أن الكيد لهذا الدين على الحيلة أنجع، فبدأوا يحكمون مخططاتهم في الخفاء، إذ أعلنوا الإسلام ظاهراً، وبقوا على كفرهم باطناً. وبهذا التستر والنفاق كانوا يثيرون المتاعب والمحن في وجه الدولة الإسلامية، ويضعون في دربها الكثير من الحواجز والعقبات، ويمارسون إزاءها من الداخل عمليات تخريبية لا حصر لها، كما هو ظاهر من الأحداث التي مهدت للفتنة وأشعلت نارها وأوقعت الخلاف بين المسلمين، وخطر هذا الكيد يكمن في أن هذه القوة المعادية غير واضحة الأبعاد، مدسوسة في صفوف المسلمين، قديرة على الاستخفاء في أعقاب أي تخريب تمارسه. وقد نبه القرآن الكريم إلى كيد المنافقين وخطرهم على المجتمع الإسلامي، وإلى الوسائل والطرق الملتوية الخفية التي يستعملونها لتحطيم الإسلام والقضاء عليه، حتى يكون المسلمون على بينة منهم فلا يخدعون. ولذلك لم يكن غريباً أن يستغرق النفاق والمنافقين ما يقرب من 340 آية من آيات الكتاب العزيز.

ولا ريب أن اليهود من أوائل من سلك هذا المسلك الخبيث، وهو إذكاء النفاق والتستر خلفه لزعزعة دعائم الإسلام، وكان عبد الله بن سبأ وطائفته من أبرز هؤلاء المنافقين الذين كادوا للإسلام، حيث خطط لإذكاء نار الفتنة في خلافة عثمان - رضي الله عنه - هذا بالإضافة إلى أثره هو وأعوانه في الفتنة في خلافة علي - رضي الله عنه - بعد أن اتفق المسلمون على الصلح. الثانية: إن ما حدث من جانب الصحابة - رضوان الله عليهم - في هذه الفتنة يحمل على حسن النية والاختلاف في التقدير والاجتهاد، كما يحمل على وقوع الخطأ والإصابة. ولكنهم على كل حال كانوا مجتهدين، وهم لإخلاصهم في اجتهادهم مثابون عليه في حالتي الإصابة والخطأ، وإن كان ثواب المصيب ضعف ثواب المخطئ؛ لأن كل فئة كانت لها وجهة نظر تدافع عنها بحسن نية، حيث إن الخلاف بينهم لم يكن بسبب التنافس على الدنيا، وإنما كان اجتهاداً من كل منهم في تطبيق شرائع الإسلام. وقد سئل بعض السلف عن الدماء التي أريقت بين الصحابة - رضي الله عنهم - فقال: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. وسئل ابن المبارك عن الفتنة التي وقعت بين عليّ ومعاوية - رضي الله عنهما - فقال: (فتنة قد عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا)، يعني في التحرز من الوقوع في الخطأ، والحكم على بعضهم بما لا يكون مصيباً فيه. وقال ابن فورك: (ومن أصحابنا من قال: إن سبيل ما جرى بين الصحابة من المنازعات كسبيل ما جرى بين إخوة يوسف، ثم إنهم لم يخرجوا بذلك عن حد الولاية والنبوة، فكذلك فيما جرى بين الصحابة. وقد سئل الحسن البصري عن قتالهم فقال: (قتال شهده أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وغبنا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا). وقال المحاسبي: (فنحن نقول كما قال الحسن البصري، ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا، ونتبع ما اجتمعوا عليه، ونقف عندما اختلفوا فيه، ولا نبتدع رأياً منا، ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله عز وجل، إذ كانوا غير متهمين في الدين. وجاء في الحديث الصحيح: (لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة). يقول الحافظ ابن حجر: (والمراد بالفئتين، فئة عليّ ومن معه، وفئة معاوية ومن معه، والمراد بالدعوة الإسلام على الراجح، وقيل: المراد اعتقاد كل منهما أنه على الحق. وروى الإمام البخاري في تاريخه عن أم عمارة - حاضنة لعمار - قالت: اشتكى عمار، قال: (لا أموت في مرضي، حدثني حبيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني لا أموت إلا قتلاً بين فئتين مؤمنتين). ويقول القاضي ابن العربي في تفسير قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {9} إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. فلم يخرجهم عن الإيمان بالبغي والتأويل، ولا سلبهم اسم الأخوة بقوله بعده: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}. فهذه كلها امور جرت على رسم النزاع، ولم تخرج عن طريق من طرق الفقه، ولا عدت سبيل الاجتهاد الذي يؤجر فيه المصيب عشرة والمخطئ أجراً واحداً. وما وقع من روايات في كتب التاريخ - عدا ما ذكرنا - فلا تلتفتوا إلى حرف منها فإنها كلها باطلة.

ويقول النووي - رحمه الله -: ( ... واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة- رضي الله عنهم - ليست بداخله في هذا الوعيد (يعني قول - صلى الله عليه وسلم - إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله، وكان بعضهم مصيباً وبعضهم مخطئاً معذوراً في الخطأ لأنه اجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه). ويورد شيخ الإسلام ابن تيمية رأي أهل السنة في هذه المسألة مستبعداً رأي أهل البدع من الخوارج والرافضة والمعتزلة الذين جعلوا القتال موجباً للكفر أو الفسق، فينقل أن أهل الحديث متفقون على عدالة القوم ثم يقول: (وأهل السنة والجماعة وأئمة الدين لا يعتقدون عصمة أحد من الصحابة، بل يمكن أن يقع الذنب منهم، والله يغفر لهم بالتوبة ويرفع بها درجاتهم،) {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ {33} لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ {34} لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}. إن الأنبياء هم المعصومون فقط، أما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا معصومين، وهذا في الذنوب المحققة، وأما اجتهادهم فقد يصيبون فيه أو يخطئون، فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجر واحد على اجتهادهم. وجمهور أهل العلم يفرقون بين الخوارج المارقين وبين أصحاب الجمل وصفين ممن يعد من البغاة المتأولين، وهذا مأثور عن الصحابة وعامة أهل الحديث والفقهاء والأئمة). واعتبر ابن تيمية هذا البغي مجرداً، وأهله لا يكفرون باتفاق أئمة الدين، لأن القرآن نص على إيمانهم وأخوتهم مع وجود الاقتتال والبغي، وليس ما كان بغياً وظلماً وعدواناً يخرج عموم الناس من الإيمان ولا يوجب لعنتهم، فكيف يخرج ذلك من كان خير القرون!. في مقام آخر يقول: (فمن جزم في واحد من الصحابة بأن له ذنباً يدخل به النار قطعاً فهو كاذب مفتر، فإنه لو قال ما لا علم له به لكان مبطلاً، فكيف إذا قال ما دلت الدلائل الكثيرة على نقيضه! فمن تكلم فيما شجر بينهم، وقد نهى الله عنه من ذمهم أو التعصب لبعضهم بالباطل، فهو ظالم معتد .. ). ويقول الحافظ الذهبي: (فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد فيه إلا غالياً في الحب، مفرطاً في البغض، ومن أين يقع له الإنصاف والاعتدال؟! فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق، واتضح من الطرفين، وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين، وتبصرنا، فعذرنا، واستغفرنا، وأحببنا باقتصاد، وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة، أو بخطأ إن شاء الله مغفور، وقلنا كما علمنا الله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا}، وترضينا أيضاً عمن اعتزل الفريقين كسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، ومحمد بن سلمة، وسعيد بن زيد وخلق كثير، وتبرأنا من الخوارج الذين حاربوا علياً وكفروا الفريقين). ويقول الحافظ ابن حجر: (واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك، ولو عرف المحق منهم، لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً، وأن المصيب يؤجر أجرين).

وقد حمل أهل السنة الوعيد المذكور في الحديث: (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار) على من قاتل بغير تأويل سائغ لمجرد طلب الملك وطلب الدنيا؛ فقد أخرج البزار في حديث: (القاتل والمقتول في النار) زيادة تبين المراد وهي: (إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار). ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ: (لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: (الهرج، القاتل والمقتول في النار). ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نتمسك بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}. وفي الختام أقول: إن كتابة تاريخ الخلفاء الراشدين بصفة خاصة، وتاريخ الصحابة بصفة عامة - من زاوية الرصد الإسلامي - ضرورة لازمة للأمة الإسلامية، وليست نافلة يمكن الاستغناء عنها، ذلك أن عصر الراشدين هو بلا شك الفترة الذهبية في حقب التاريخ الإسلامي الممتدة في أغوار أربعة عشر قرناً من الزمان. ولهذا كان لابد من العناية بدراسته الدراسة الصحيحة حتى يؤتي ثمرته المرجوة، ويحقق للأمة أملها المنشود، إذ منه تستخلص العبرة، وفيه تستهدى القدوة. هذا وأرجو أن أكون قد وفقت في إزالة اللبس عن كثير من أحداث التاريخ في تلك الفترة العزيزة على نفس كل مسلم، وبذلك ينكشف الكثير مما دسّ على التاريخ بأقلام المغرضين، حيث كان التاريخ، والتاريخ الإسلامي بالذات هدفاً من الأهداف الرئيسية التي استهدفها المستشرقون وركزوا عليها. وإني أرى لزاماً عليَّ أن أعلن شكري لله - عز وجل - إذ وفقني إلى إبراز كثير من الحقائق، وإزاحة الشبهات عن شخصيات كادت تلك الشبهات تفقدهم مكانتهم من نفوس دارسي وقارئي التاريخ من غير المحققين المثبتين. هذا ولا يسعني وقد أكرمني الله تعالى بتوفيقه من إتمام هذه الرسالة إلا أن أتوجه إليه سبحانه بالحمد على ما أنعم به عليّ، فله الحمد والمنة دائماً وأبداً. ولا أزعم لنفسي العصمة من الزلل، ولا الكمال الذي لا يداخله خلل، فكما قال العماد الأصفهاني: (إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر، وهو الدليل على استيلاء النقص على جملة البشر). فسبحان من تفرد بالكمال، وتنزه عن النقص والنسيان. وإنني وأنا أقدم هذا البحث لأرجو أن يكون قدر الإمكان وفيته حقه، وأتيت فيه بجديد، فإن أحسنت فمن الله عز وجل، وإن أسأت فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم. وفي الختام أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل عملي هذا حسناً، خالصاً لوجهه الكريم وموافقاً للحق، وأن ينفع به المسلمين، ويرجح حسناتي يوم الدين. اللهم لا تعذب لساناً يخبر عنك، ولا عيناً تنظر إلى علوم تدل عليك، ولا قدماً تمشي إلى خدمتك، ولا يداً تكتب في سبيلك، فبعزتك وجلالك لا تدخلني النار، وأدخلني الجنة مع الأبرار، اللهم آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. تم تبييضه في مساء يوم السبت 5 من شهر ذي الحجة 1409هـ الموافق 8 من شهر يوليه (تموز) 1989م في مدينة جدة.

عمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي في العهد السعودي

عمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي في العهد السعودي ¤عبداللطيف بن عبدالله بن دهيش£بدون¥الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة¨الأولى¢1419هـ€تاريخ¶مساجد نتائج البحث: بعون وفضل من الله تم الانتهاء من دراسة موضوع توسعة بيت الله الحرام، والمسجد النبوي الشريف وعمارتهما في كل من مكة المكرمة ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في العهد السعودي الزاهر، مع التمهيد لذلك باستعراض شامل للتوسعات التي تمت في الحرمين الشريفين قبل العهد السعودي؛ للمقارنة والاستدلال على أن العمارة السعودية هي أعظم الإنجازات وأكبرها مساحة من حيث براعة التصميم، وروعة البناء، وحداثة المواد المستخدمة فيه، وكبر حجم المساحة، وتوفير الخدمات الحديثة كافة في المشروعين الإسلاميين العملاقين والمتمثلة في توفير الإنارة، والتكييف، واستخدام المصاعد الكهربائية، والقباب المتحركة، ومواقف السيارات المتعددة الأدوار، ونحو ذلك حسب متطلبات البناء الحديث للمساجد، وفي ضوء هذه الدراسة علينا أن نبين أهم النتائج التي توصلنا إليها في هذا البحث: فمن خلال هذا البحث لوحظ التباين الكبير بين العمارات والتوسعات السابقة للعهد السعودي وما تم في العهد السعودي الميمون من توسعات للحرمين الشريفين في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة. فبالنسبة للزيادات في المسجد الحرام بمكة المكرمة فقد بلغت مساحة الحرم المكي بعد زيادة الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه (3613 م2)، ثم زادت إلى (4482 م2) في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم زادت حتى وصلت إلى (7469.62 م2) في عهد عبد الله بن الزبير، ثم وصلت الزيادة في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك إلى (10.270 م2)، ثم جاءت زيادة الخليفة أبي جعفر المنصور لتضيف مساحة جديدة للمسجد الحرام بمكة المكرمة، فوصلت الزيادة في عهده إلى (15.491م2)، ثم وصلت المساحة في عهد الخليفة المهدي إلى (28003م2)، ثم زادت مساحة المسجد الحرام في التوسعة السعودية الأولى حتى وصلت إلى (131041م2)، ثم أضيفت توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – حفظه الله – التي بلغت (206.000م2) لتصبح مساحة المسجد الحرام بمكة المكرمة (366168م2)، وهكذا يتبين لنا مدى الزيادة العظيمة التي أضيفت إلى المسجد الحرام في عهد خادم الحرمين الشريفين، وأسلافه من آل سعود، كما أصبحت قدرة المسجد الحرام الاستيعابية من المصلين حوالي مليوني مصل في أوقات الذروة كالحج والأعياد والعشر الأخيرة من رمضان.

كما أن المسجد النبوي الشريف شهد عمارات وتوسعات عدة زادت من مساحته؛ ففي عهد الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بلغت مساحة المسجد النبوي الشريف (1100م2)، ثم أضاف إليها الخليفة عثمان بن عفان –رضي الله عنه- (496م2)، فأصبحت مساحته (1596م2)، ثم حدثت زيادة في عهد الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما زاد الوليد بن عبد الملك مساحة المسجد النبوي فأضافت الزيادتان للمسجد النبوي مساحة كبيرة، فأصبحت مساحته (2369م2)، وزاد الخليفة المهدي مساحة المسجد زيادة قليلة فأصبحت المساحة (2450م2)، وعندما تولى السلطان قايتباي المملوكي زادت مساحة المسجد إلى (2570م2) بعد عمارته الثانية، ثم زاد السلطان عبد المجيد العثماني مساحة المسجد لتصبح (3863م2)، ثم جاءت التوسعة السعودية الأولى للمسجد فزادت مساحته زيادة كبيرة، إذ بلغت المساحة الكلية للمسجد النبوي الشريف (58.000م2)، وجاءت التوسعة الكبرى لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد فزاد مساحة المسجد زيادة عظيمة لتصل مساحته إلى (400.00م2) لتصل قدرته الاستيعابية إلى سبعمائة ألف مصل، وفي وقت الذروة إلى حوالي مليوني مصل، باستخدام الطرقات والممرات داخل المسجد النبوي الشريف، أو المحيطة به. وتبين من خلال متابعة الأعمال التي أجريت في الحرمين الشريفين السابقة على التوسعات السعودية أنها كانت تتمثل في ثلاثة أنواع من العمارة يمكن إيجازها فيما يأتي: أ) الترميم: وهو سرعة إصلاح ما أصابه الضرر من عمارة الحرمين الشريفين جزئيا في موضع دون الآخر، أو في مجموعة مواضع دون شمولها لكامل مساحة الحرمين الشريفين، ويأتي هذا وفق متطلبات ضرورة الترميم في تلك الفترة، فقد يكون هذا الترميم تطلبته الحاجة الملحة لمعالجة مواطن الخلل التي كانت تظهر في عمارة الحرمين الشريفين بين فترة وأخرى وعلى مر العصور، نتيجة لعوامل مناخية، كشدة الحرارة والأمطار، أو البرودة أو الرطوبة، أو لعوامل زمانية تتمثل في تقادم المبنى وتآكل مواد البناء فيه، أو حدوث حريق لجزء من مبنى المسجد مما يتطلب سرعة عمل الترميمات اللازمة، أو إعادة جزء من البناء؛ لإبقاء مباني الحرمين الشريفين على صورتها المعمارية الجيدة طلباً للأجر والثواب من الله. ب) العمارة: إعادة بناء موقع الحرمين الشريفين على المساحة نفسها أو تعمير جزء جديد وترك جزء آخر، وتختلف هذه العمارة من عصر إلى عصر، ومن دولة إلى آخرى. ج) التوسعة: وتتمثل في زيادة المساحة للحرمين الشريفين أو لأحدهما، وتكون هذه التوسعة –في الغالب- مقيدة بظروف المساكن المحيطة بالحرمين، وما يتطلبه ذلك من توفير المال الكافي لنزع ملكياتها، وكان ذلك في البداية مصدر صعوبة نتيجة للظروف السياسية والمالية التي كانت تمر بها البلاد قبل توحيد المملكة العربية السعودية، وبروز الدور السعودي في التوسعة والإعمار للحرمين الشريفين بعد توحيد المملكة، وبعد توفر المال الكافي لتحويل الآمال إلى حقيقة بارزة للعيان، ومفخرة لهذا العهد السعودي الزاهر عبر القرون والأزمان.

وعلى أي حال فإن المرء لا يستطيع أن ينكر الجهود السابقة لعمارة الحرمين الشريفين وتوسعتهما وترميمهما وهي التي جرت في العهود السابقة للعهد السعودي، لكونهما أماكن عبادة الله وحده من عباده المسلمين في جميع أنحاء المعمورة، ومن واجب الحكام المسلمين ممن يهمهم أمر المسلمين، وخاصة ممن كان الحرمان الشريفان تحت حكمهم وتحت تبعيتهم السياسية في تلك الأزمان أن يهبوا للعناية بهما وعمارتهما وتوفير الخدمات اللازمة لقاصديهما، وتأمين سبل الوصول إليهما، إلا أن الأحداث السياسية التي كانت تعصف بالمنطقة والبلاد الإسلامية بين فترة وأخرى كان لها دور كبير في تحديد قدرة أولئك الحكام أو الحكومات الذين كانت بيدهم مسؤولية العناية بالحرمين الشريفين، ومدى إمكاناتهم المادية في توفير الاحتياجات التي يتطلبها الحرمان الشريفان من العناية والترميم والعمارة، أو التوسعة وتوفير احتياجاتهما على مر العصور، ولعل كسوة الكعبة المشرفة خير دليل على هذا الأمر، ويمكننا تصور ما حدث بشأنها في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله، وكيف ظهرت قدرته –رحمه الله- في التغلب على هذا الموقف والاستفادة منه نحو الاتجاه الصحيح، وهو الاعتماد على الله أولاً ثم على الجهود والإمكانات المادية المتوافرة في المملكة وجلب المواد من خارجها، وذلك لصنع الكسوة محلياً دون الاعتماد على منة الآخرين. وقد أدى تباين البناء في العمارة وتطوره إلى ظهور نماذج كثيرة من العمارة وفق الجهة التي كانت تقوم بالعمارة أو التوسعة في الحرمين الشريفين، وظهر ذلك في التوسعات التي شملت الحرمين بدءاً من العصر الأموي ومروراً بالعصر العباسي، ثم العصر المملوكي، ثم العصر العثماني، فكانت عملية البناء والتوسعة للحرمين الشريفين خلال تلك الفترات السابقة تمر بحركة بطيئة لم تكن بالمستوى المرجو منها، وربما يكون السبب في ذلك هو انتقال مركز الخلافة إلى المدن الواقعة خارج شبه الجزيرة العربية. كما لوحظ أن العمارات والترميمات التي حدثت في العصور السابقة كانت –في الغالب- لضرورة قصوى نتيجة خلل، أو تصدعات شديدة حدثت في بناء أحد الحرمين الشريفين، أي أنه لم تكن هناك خطة مستمرة ومتناسقة يتم من خلالها متابعة أعمال البناء والتوسعات؛ ويرجع سبب ذلك –في رأينا- لاختلاف السلاطين وتباينهم آنذاك، ولبعد مركز الدولة الإسلامية بعد عهد الخلفاء الراشدين عن منطقة الحرمين الشريفين، إذ انتقل مركز الدولة الإسلامية إلى دمشق في العصر الأموي ثم إلى بغداد في العصر العباسي ثم إلى القاهرة في العصر المملوكي، وأخيراً إلى إسطنبول في العصر العثماني. أما بعد أن من الله على هذه البلاد بقيام الملك عبد العزيز بتوحيد معظم مناطق شبه الجزيرة العربية في دولة واحدة، وإعلان قيام الدولة السعودية الرشيدة (المملكة العربية السعودية)، دولة عقيدتها الإسلام، ورايتها (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فاستقرت مع قيامها وتوحيدها أحوال البلاد والعباد، وظهرت معالمها السياسية والحضارية والاقتصادية واضحة للعيان، ثم ما لبثت أن تبوأت هذه الدولة مركز القيادة في عالمها الإسلامي والعربي، وأصبحت مكة المكرمة العاصمة المقدسة للدولة.

وقد تبع ذلك من الفضل الكبير من الله أن ظهر البترول فأسهم في تحقيق نقلة اقتصادية رائعة، أثرت في الاقتصاد السعودي وجعلته قوياً قادراً على البناء والعطاء، وقد انعكس ذلك على قيام ملوك آل سعود بإعمار بيوت الله وفي مقدمتها بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وكذلك مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، فتحقق بذلك الاستقرار السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي للوطن، والمواطن، والمقيم، والزائر، والحاج، والمعتمر، رغبة من الملك عبد العزيز ثم أولاده من بعده في عمل كل ما يرضي الله سبحانه وتعالى، طلباً للأخر والثواب من الله، وخدمة للإسلام والمسلمين، وقد كان لمنطلق الغرس الإيماني الذي ورثه الملك عبد العزيز لأبنائه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد يرحمهم الله، ثم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رئيس الحرس الوطني، والنائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، حفظهم الله من كل مكروه، أكبر الأثر في قيام أبنائه البررة بمواصلة مسيرة البناء والتطور في هذه الدولة الرشيدة، وقد تمثل ذلك في الجوانب الآتية: أ- لقد كانت البداية منذ توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك عبد العزيز رحمه الله الذي ما أن علم بوجود بعض الخلل في أجزاء من عمارة الحرمين الشريفين حتى سارع وأصدر أمره بمعالجة ما تعرض له الحرمان الشريفان من خلل نتيجة عوامل طبيعية عدة كالسيول والرطوبة، أو الأرضة وغيرها، وذلك بترميمهما وصيانتهما على أحسن وجه، على الرغم مما كانت تعانيه الدولة في بداية عهدها من ضائقات مالية كبيرة. ب- مواجهة الزيادة الكبيرة في أعداد المصلين والزائرين والمعتمرين والحجاج للحرمين الشريفين التي جاءت بفضل الله ثم بفضل ما وفرته الدولة من الأمن والاستقرار اللذين أصبحت البلاد تنعم بهما في جميع أرجائها، نظراً للسياسة الرشيدة التي اتبعتها الدولة والمتمثلة في تحكيمها لكتاب الله والسنة النبوية المطهرة، فكانت نتيجة استقرار البلاد، وانتشار الأمن بها، أن ازدادت أعداد الحجاج والمعتمرين والزوار، ولذلك قامت الدولة بعمارة الحرمين الشريفين وتوسعتهما، حتى يتسعا للأعداد المتزايدة من ضيوف الرحمن فأقامت بناءين متكاملين للحرمين الشريفين يكشفان عن عظمتهما، فجاءت عمارتهما بتصميم جذاب، وقوة بناء بصورة معمارية ذات جمال خاص يؤدي إلى إحداث تناغم وانسجام وذوق رفيع بوصفهما أعظم منشأتين معماريتين إسلاميتين على وجه الأرض. ج- لقد كان للعامل الاقتصادي الذي ظهرت بوادره منذ استخراج البترول، وتسويقه عالمياً أكبر عون بعد الله للدولة في أن تقوم بمثل هذه المشروعات المعمارية الجبارة التي تخدم الإسلام والمسلمين، وتسهل عليهم أداء الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج، ولذلك سعى قادة هذه البلاد إلى توظيف ثروة الدولة لخدمة الوطن والمواطن ورفاهيته، وكذلك توسعة الحرمين الشريفين وعمارتهما، والإنفاق عليهما بسخاء عظيم، وإقامة مشروعات تطويرية عملاقة، أسهمت في ازدهار المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكذلك مدن المملكة الأخرى. وهذا العمل أسهم في تحقيق أكبر نقلة اقتصادية، وعمرانية، وحضارية، عمت جميع أرجاء المملكة، وفي الوقت نفسه سعت الدولة إلى تخصيص جزء من أموالها لمساعدة الشعوب الفقيرة، أو المنكوبة، والعمل على خدمة القضايا الإسلامية بالعون المادي والمعنوي، خدمة للإسلام والمسلمين.

د- إبراز الجهود الجبارة التي تقوم بها حكومة المملكة العربية السعودية في سبيل تطوير البلاد، وإسعاد العباد، وأنها قادرة على العطاء المتواصل، وذلك حينما أتيح لقادتها الفرصة الكاملة لتوسعة الحرمين الشريفين وعمارتهما، وتطوير شامل لجميع المدن في جميع مناطق المملكة، خاصة عندما شرف الله القادة من آل سعود بخدمة الحرمين الشريفين ورعايتهما. ونلحظ هنا أنه بدراستنا لتاريخ العمارة في الحرمين الشريفين – من خلال هذا البحث – أن الحرم المكي شهد عشر توسعات، وسبعاً وثلاثين عمارة، وذلك قبل العهد السعودي. كما يلحظ أن العمارات والتوسعات السابقة هي عمارات قامت بهدف إبقاء عمارة الحرمين الشريفين بشكل يليق بقدسية هذين المسجدين العظيمين، ومكانتهما في قلب كل مسلم، وكانت تلك العمارات والتوسعات تتم حسب الإمكانات المادية، والظروف السياسية في المنطقة. وعلى الرغم من كل ما بذل من إمكانات، فإن تلك العمارات لم يكتب لها الاستمرار، نتيجة عوامل الزمان (العوامل المناخية) مما أدى إلى اختفائها، بحيث لا يلحظ لها أثر باق في الوقت الحاضر، غير بقايا من أروقة العمارة العثمانية في الحرم المكي، والجزء الأكبر من العمارة العثمانية في المسجد النبوي الشريف، وبعض الأثار المعمارية الأخرى. ولعل التباين واضح في العمارة التي كانت قبل العهد السعودي، وتلك التي جاءت بعد العهد السعودي؛ فبالنسبة لمواد البناء: حدث تحول كبير في المواد المستخدمة في البناء، فبعد أن كان البناء في السابق يعتمد على المونة البلدي، والنورة، والأحجار المنحوتة من الجبال على أنها مادة أساسية في البناء، حدث تحول كبير في العهد السعودي في استخدام مواد البناء، إذ استخدمت بلوكات من الجرانيت، والأسمنت، والخرسانة، والتحديد في البناء المسلح، واستخدمت المواد الحديثة العازلة للصوت والحرارة، والرطوبة، والمكافحة للعثة (الأرضة)، والحرائق، بقدرة الله تعالى. أما استخدام الأخشاب والزجاج فنجد أن الأخشاب المستخدمة في العمارات السابقة كانت تعتمد على استخدام جذوع النخل وجذوع الشجر في الأسقف، وكذلك بعض من الأخشاب المتوافرة آنذاك في صناعة الأبواب والنوافذ التي كانت محدودة الشكل والطراز، ثم تطور الأمر في العمارة السعودية إلى استخدام أخشاب شجر الأرز وأخشاب شجر الأرو وغيرهما من أنواع الأخشاب الجيدة التي تم جلبها من جميع أنحاء العالم، وخاصة من المغرب، وكينيا، وكوريا، ومصر التي صنعت منها الأبواب, والنوافذ, والشبابيك في عمارة الحرمين الشريفين، إذ إن أعدادها ووظائفها زاد عشرات المرات عن الماضي، قياساً على مساحات التوسعة العملاقة في الحرمين الشريفين، كما استخدمت أنواع حديثة من الزجاج الشفاف والملون في النوافذ والشبابيك الموجودة في عمارة الحرمين الشريفين في العهد السعودي.

وكان بناء الأسقف في الماضي يعتمد على جريد النخل المكسي بالنورة والطين، ثم ظهرت القباب، وتطور بناؤها في العصور المتأخرة حتى إننا نجد أن معظم قباب المسجد النبوي الشريف مكسية في أعلاها بطبقة من الرصاص، وهذه القباب لا تتحمل إقامة أدوار أخرى عليها، كما أنه لا يمكن الاستفادة من سقفها للصلاة عليه. أما في العمارة السعودية، وحسب مقتضيات العصر الحديث، فقد استخدم في بناء الأسقف في عمارة الحرمين الشريفين المواد المسلحة التي يعتمد على الأسمنت والرمل والخرسانة والحديد؛ لشدة تحملها للأعداد الهائلة من المصلين على أسطحها، وكذلك القدرة على البناء فوقها لأدوار عدة، وقد أقيمت هذه الأسقف على أعمدة وقواعد وأوتاد خراسانية داخلة بأعماق بعيدة في باطن الأرض، واستخدم فيها الحديد والأسمنت لزيادة قوة تحملها، وتم تلبيسها بالرخام الجيد لإعطائها قوة ورونقاً وجمالاً. أما من حجم البناء فقد حدث تطور مذهل في عمارة الحرمين الشريفين في العهد السعودي، فزاد البناء من دور واحد في الحرم المكي الشريف ومساحته حوالي (28.000م2) قبل التوسعة السعودية، إلى أقبية (بدرومات) وثلاثة أدوار مساحتها حوالي (400) ألف متر مربع، وهذه المساحة رفعت سعة المسجد الاستيعابية من المصلين في أوقات الذروة إلى أكثر من مليون مصل. وكذلك حدث في المسجد النبوي الشريف؛ إذ تحول البناء من دور واحد ومساحة لا تزيد عن أربعة آلاف متر مربع، إلى مساحة (400.200م2)، تستوعب أكثر من مليوني مصل، وأصبحت العمارة السعودية تحتوي على أقبية تحت مساحة المسجد تستوعب كافة الخدمات المساعدة، ثم الدور الأرضي الرئيس، والأسطح، وقد صمم المبنى ليتحمل دوراً ثانياً في المستقبل. أما فيما يختص بالأرضيات والأسطح فقد كانت الأرضية في معظم ساحات الحرمين الشريفين في السابق تغطيها أنواع مخصوصة من الرمل والحصى الصغير، مما ترتب على ذلك إثارة الغبار والأتربة، وخاصة عند سقوط الأمطار. أما في العمارة السعودية فقد تم تكسية جميع أرضيات ساحات الحرمين الشريفين وأروقتهما بنوع خاص من الرخام الأبيض المزخرف بأحزمة من الرخام الجرانيت الملون، كما غطي صحن المطاف بنوع من الجرانيت الأبيض الذي تم جلبه من اليونان بعد ثبوت قوة امتصاصه للحرارة وجودته، وبرودته في أثناء الظهيرة؛ لعدم تأثره بحرارة الشمس، وذلك حتى يشعر الطائفون حول البيت بالراحة عند طوافهم على رخام بارد لا يمتص الحرارة. كما كسيت أسطح الحرمين الشريفين بالرخام الأبيض لمنع تسرب المياه إلى الأدوار السفلية، مما جعلها تحافظ على سلامة أعمال الزخرفة في الأسقف، بعد أن تم عمل مجرى خاص لتصريف مياه السيول من الأسطح والساحات إلى نفق السيول العام الذي يقوم بتصريف مياه السيول والأمطار إلى خارج المدينة. وبالنسبة لأعمال الزخرفة فقد تحولت من النواحي التقليدية في العصور السابقة إلى أعمال هندسية تستقي جمالها من التراث الإسلامي، وبتقسيماتها النباتية والهندسية التي تعتمد على المساحات والألوان المتناسقة الرائعة، مما تحقق معه تناغماً وانسجاماً في أعمال الزخرفة المستخدمة في الأسقف والقباب وتيجان الأعمدة المصنوعة في قوالب خاصة، مما يظهر بجلاء التناغم والجودة في استخدام أعمال الزخرفة، جنباً إلى جنب مع أعمال الخط العربي المتمثل في كتابة الآيات القرآنية على الواجهات الداخلية والخارجية، وأسقف الحرمين الشريفين، والمداخل الرئيسة، وخاصة في التوسعة الكبرى لخادم الحرمين الشريفين.

أما فيما يتعلق بأعمال الكهرباء فقد شهدت عمارة الحرمين الشريفين في العهد السعودي تطوراً هائلاً في أعمال الإنارة التي كانت تعتمد في السابق على مصابيح تضاء بالزيت أو بالشموع إلى المصابيح الكهربائية التي تعتمد على ماكينات الإضاءة الصغيرة التي تدار بالسولار، إلى محطات كهربائية عملاقة ترتبط بالشبكة الرئيسة لشركة كهرباء المنطقة الغربية، واستخدام أنواع خاصة من المصابيح والثريات، صممت بمواصفات خاصة للحرمين الشريفين تنخفض فيها الحرارة، وتزيد في الإضاءة لتحويل الليل إلى نهار، مع تركيب ثريات خاصة مختلفة الأحجام موزعة بطريقة فنية في جميع جوانب الحرمين الشريفين، تنسجم أشكالها مع التراث الإسلامي، بل وصل الأمر إلى استخدام أحدث تقنية للإضاءة من أجل إبراز جمال الحرمين الشريفين ليلاً، بوضع كشافات عالية الإضاءة في المآذن تتجه إضاءتها إلى عنان السماء، يمكن بواسطتها سرعة الاستدلال على المكان من مسافات بعيدة. كما أسهمت الكهرباء في مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد –حفظه الله- في توفير التبريد الكافي للحرمين الشريفين؛ ففي الحرم النبوي الشريف تم تركيب أحدث محطتي تبريد وأكبرهما في العالم، أقيمتا خصيصاً لهذا الغرض خارج نطاق التوسعة، ينتقل منها الماء البارد بواسطة أنابيب كبيرة من محطة التبريد لتصل إلى محطات عليها توربينات هوائية تدفع الهواء البارد إلى الأروقة، من خلال تقنية حديثة تعتمد على خروج الهواء من قواعد الأعمدة، كما تم تكييف توسعة خادم الحرمين الشريفين بالحرم المكي بالطريقة نفسها، وبمحطات تبريد ضخمة تم تركيبها في مناطق حول الحرم المكي الشريف. أما عن أبواب المسجد الحرام في مكة المكرمة فقد كان عددها تسعة عشر باباً في عهد الخليفة المهدي، ثم أضيف إليها من خلال التوسعات التالية سبعة أبواب ليصبح مجموعها ستة وعشرين باباً، وفي التوسعة السعودية بمختلف مراحلها أضيف إلى أبواب المسجد الحرام ستون باباً، ليصبح عدد أبواب المسجد ستة وثمانين باباً، كلها ذات تصميم موحد، ومصنوعة من الخشب الممتاز, ومحلاة بالزخارف والأحزمة والمقابض النحاسية المطلية بماء الذهب. وبالنظر لأبواب المسجد النبوي الشريف فقد كان عددها أربعة أبواب، ثم زيد عليها باب واحد في العمارة المجيدية. وفي التوسعة السعودية الأولى أصبحت عشرة أبواب، وفي عام 1408هـ فتح باب البقيع مقابلاً لمقبرة البقيع ليصبح عدد الأبواب أحد عشر باباً، وقد زاد عددها في توسعة خادم الحرمين الشريفين للمسجد النبوي الشريف إلى واحد وأربعين مدخلاً، و (85) باباً، وتحتوي الأبواب الجديدة في توسعة خادم الحرمين الشريفين على مداخل عدة واسعة صممت بشكل رائع وجميل، واستخدمت في صنعها أفضل أنواع الخشب المحلي بالزخارف والأحزمة والمقابض النحاسية المطلية بماء الذهب. ومن أروع المشاهد في عمارة الحرمين الشريفين تلك المآذن التي تم تصميمها بشكل جذاب وبعلو شاهق، وكان عددها قبل التوسعات السعودية في الحرم المكي الشريف ست مآذن، ولكنها زيدت ثلاث مآذن أخرى، فأصبح عددها في توسعة خادم الحرمين الشريفين تسع مآذن؛ ثمان منها على المداخل الأربعة الرئيسة اثنتان على كل مدخل، أما المئذنة التاسعة فجاءت في أعلى الصفا؛ لتوحي ببدء عملية السعي، وهذه المآذن التسع كلها جديدة وذات تصميم واحد، وعلو كل واحدة منها (96) متراً، وفي أعلى كل واحدة منها هلال مصنوع من البرونز الفاخر المطلي بالذهب، بارتفاع ستة أمتار وأربعين سنتيمتراً؛ ليعلن انتهاء ارتفاع المئذنة، ويضيف عليها اللمسة الأخيرة في زينتها وروعة بنائها.

أما المآذن في المسجد النبوي الشريف، فأول من بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، إذ أنشأ مئذنة للمسجد النبوي الشريف، ثم أضاف إليها الخليفة العباسي المهدي ثلاث مآذن، ثم جاء الخليفة المعتضد فأنشأ المئذنة الخامسة. وأمر السلطان سليمان المشرع العثماني ببناء مئذنتين، ليصبح عدد المآذن في المسجد النبوي الشريف سبع مآذن، وهذه المآذن كان ينالها التجديد من عام إلى آخر. أما في العهد السعودي فقد زاد عدد المآذن في المسجد النبوي إلى عشر مآذن؛ منها أربع من العمارات السابقة، اثنتان منها في العمارة العثمانية، واثنتان تم بناؤهما في التوسعة السعودية الأولى، وست مآذن تم بناؤها في توسعة خادم الحرمين الشريفين، وهذه المآذن الست الجديدة كلها مآذن ذات طابع وتصميم واحد، وبارتفاع (99) متراً؛ يضاف إلى ذلك الهلال البرونزي المطلي بالذهب، بارتفاع خمسة أمتار، ليصبح ارتفاعها (104) أمتار، تعتمد على قواعد قوية، مثبتة على أوتاد من الخرسانة والحديد القوي، بأعماق تصل إلى أكثر من ثلاثين متراً في باطن الأرض، وهذه المآذن تزيد على ارتفاع المآذن في العمارات السعودية الأولى بزيادة (32) متراً. وقد بينت الدراسة –أيضاً- أن المسعى في الحرم المكي كانت تحيط به المنازل والمتاجر من الجانبين، وكان سوقاً تجارياً يعج بالحركة التجارية، جزء كبير من أرضه مغطى بالأتربة، مما عرقل حركة الساعين بين الصفا والمروة، وقلل من قدسية المكان وروحانيته، وخاصة أن بعض المدخنين لا يراعون هذه القدسية للمكان، كما أن الدواب كانت هي الوسيلة الوحيدة قبل وصول السيارات لنقل البضائع، وكانت تمر بالمسعى فتؤذي الساعين بإثارتها للغبار والروائح الكريهة، وعند وصول السيارات أصبحت هذه السيارات تجوب المسعى طولاً، كما أنها تقطع حركة الساعين عند مرورها بعرض المسعى بالقرب من الصفا. وهذا الأمر أزعج الملك عبد العزيز –رحمه الله- وجعله يعمل على إعطاء هذا المكان قدسيته وروحانيته، فأمر –رحمه الله- بإقامة مظلة جديدة عليه؛ لتحمي الساعين من حرارة الشمس، كما أنه أمر برصفه لمنع إثارة الأتربة والغبار، وما تحدثه تلك الدواب والسيارات من إيذاء للساعين، وكان يفكر جدياً في إدخال المسعى ضمن مباني المسجد الحرام بمكة. وبعد وفاته – رحمه الله – سارع أبناؤه البررة إلى تحقيق رغبة والدهم، وقد تم في التوسعة السعودية إدخال المسعى ضمن مبنى المسجد الحرام، وجعل من دورين وأسطح بطول مساحة المسعى وعرضه، كما تم فصل حركة الساعين عن العربات التي تحمل كبار السن بممر وضع في وسط المسعى في الطابق الأرضي منه، وذلك لتسهيل حركة الساعين في ذهابهم وإيابهم، وتم تحديد مناطق الهرولة بإضاءة وضعت على الأعمدة في الجانبين باللون الأخضر، ولتجنيب الساعين من تقاطعهم بحركة الداخلين والخارجين من المسعى، فإنه تم إقامة جسور معلقة فوق بعض المداخل بعرض عدة أمتار لنقل حركة الدخول والخروج من المسجد الحرام عبر المسعى، دون أن يكون هنالك أي عرقلة لحركة الساعين بين الصفا والمروة، وخاصة في أوقات الذروة، وهذه من الأعمال الجليلة التي تسطر بأحرف من نور للحكومة السعودية وحكامها. وبالنسبة للكعبة الشريفة فإن الدراسة بينت أنها بنيت أحد عشر بناء، كما ذكر ذلك كثير من المؤرخين، إلا أن الثابت أن بناءها بالمعنى الكامل تم أربع مرات، هي: 1 - بناء الخليل إبراهيم عليه السلام: وهو ثابت في القرآن الكريم. 2 - بناء قريش: وهو ثابت بالحديث الصحيح. 3 - بناء عبد الله بن الزبير: بعدما أصابها المنجنيق، واحترق جزء كبير منها، فسارع إلى عمارتها بالكامل من جديد، وأخرج منها حجر إسماعيل.

4 - بناء الحجاج بن يوسف الثقفي: وهو ما اتفق عليه المفسرون والمؤرخون، ولعل العدد إحدى عشرة عمارة للكعبة المشرفة قد شملت أعمال الإصلاح والتجديد والتعمير. أما في العهد السعودي فقد شهدت الكعبة تطوراً هائلاً في صيانتها وعمارتها، إذ تم تجديد سقفها مرتين، كما تم كسوة جدرانها الداخلية، وأرضها، وسقفها بالرخام الممتاز، وتجديد بابها وصنعه من الذهب الخالص، وكذلك الباب المؤدي إلى سطح الكعبة، واستبدال الميزاب بميزاب جديد مصنوع من الذهب، ثم تجديد عتبات السلم، والجدار الداخلي للكعبة المشرفة، وعمل سلم متحرك لدخول الكعبة المشرفة عليه أجهزة تكييف لتلطيف الجو بداخلها عند فتحها بواسطة فتحات كبيرة في أعلى السلم يندفع منها الهواء البارد من مكيفات هواء وضعت في أسفل السلم، ويتم إيصال الكهرباء لها عن طريق وصلات كهربائية موجودة في صحن المطاف. ولعل الترميمات وإصلاح سقفي الكعبة وجدرانها وأرضها التي تمت في الكعبة المشرفة عام 1417هـ في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز من الإصلاحات الشاملة للكعبة. وقد صدر في ذلك كتاب خاص بعنوان (الكعبة المشرفة) لعبيد الله محمد أمين كردي، من إصدارات مجموعة ابن لادن السعودية لعام 1419هـ، وبين فيه تفصيلات وافية عن الإصلاحات التي تمت في الكعبة المشرفة في عهد خادم الحرمين الشريفين. وقد بينت الدراسة تباين ألوان كسوة الكعبة المشرفة وجودتها حسب الإمكانات المادية، وحسب جودة الصناعة في تلك الفترة، كما تعددت الجهات التي كانت ترسل الكسوة للكعبة المشرفة من عصر إلى آخر، حسب تبعية حكم الحجاز لتلك الدولة وقوة نفوذها، حتى إنه لوحظ توقف وصول الكسوة، أو عدم وصولها في موعدها المحدد في العصور الماضية، لظروف اقتصادية، أو سياسية، أو لكليهما. ولكن في العهد السعودي تم إنشاء مصنع خاص لصنع كسوة الكعبة الشريفة بالمملكة، وذلك لمنع المزايدات والمساومات التي كانت تثار بين الحين والآخر حول تأمين الكسوة السنوية للكعبة، وما كان يرافق ذلك من محامل وطبول وأهازيج لا تمت للحج بصلة، وقد تم تزويد المصنع الجديد بأحدث الآلات والأنوال والنسيج من الحرير والقصب، وأدوات الصباغة، وكانت عملية التطوير مستمرة في المصنع، كما مر بنا في هذا البحث. ونتيجة للجهود السعودية المثمرة، والبذل السخي من ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية أصبحت الكعبة ترتدي كل عام كسوتها المصنوعة من أفضل أنواع الأقمشة الحريرية، فيشاهدها الجميع وهي تلبس أبهى حللها في موعدها المحدد، وذلك بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل جهود أولي الأمر في مملكتنا الحبيبة؛ علاوة على ذلك فإن الملك عبد العزيز وأبناءه البررة من بعده قاموا بتنظيم شؤون الحرمين، وتخصيص الأموال الكبيرة للقائمين عليهما من الموظفين والمدرسين والوعاظ والفنيين، كل ذلك تدفعه الدولة دون تردد، ودون أي منة خدمة للإسلام والمسلمين، وطلباً للأجر والثواب من الله.

وفي هذه الدراسة يتضح أن مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام والمطاف وما حولهما، شهدا تطوراً معمارياً رفيعاً بعد أن كان مقام إبراهيم يحيط به بناء ضخم يعيق حركة الطائفين حول الكعبة المشرفة، وبعد استشارة العلماء من مختلف بلدان العالم الإسلامي الذين حضروا اجتماعاً خاصاً في رابطة العالم الإسلامي، تمت إزالة المباني المحيطة بالمقام، ووضعه في مقصورة نحاسية غاية في الروعة والجمال، ومغلفة بالزجاج البلوري الفاخر، مما يمكن لأي شخص مشاهدة المقام من خلال هذا الزجاج الشفاف، وبمساحة لا تزيد على (180 × 130 سم)، وارتفاع حوالي (75سم) فوق القاعدة الرخامية التي يزيد ارتفاعها على متر وعشرين سنتيمتراً، وقد زاد هذا العمل من سعة المطاف، وانتهت بذلك مشكلة الزحام الشديد الذي كان يحدث عند مقام إبراهيم عليه السلام، ويعيق حركة الطائفين، وأصبح قطر المطاف يشمل كامل مساحة الصحن حتى الأروقة، بمساحة تزيد على (85) متراً من ناحية المقام مما سهل الحركة في صحن المطاف، وجعل جموع الطائفين تؤدي طوافها بسهولة ويسر. وفيما يخص السقيا في الحرمين الشريفين فقد تحولت خدمة المياه في بئر زمزم من استخدام السقاة, والدلو, والمبنى الكبير الذي يتوسط صحن المطاف في العصور السابقة المقام حول البئر، إلى تصميم مبنى جديد رائع التخطيط وضع تحت الجزء الشرقي من صحن المطاف، فتمت الاستفادة من منطقة سقيا زمزم من مدخلين؛ أحدهما للرجال، والآخر للنساء. وقد نظمت المنطقة السفلية، وكيفت، ووضع فيها مجموعة كبيرة من صنابير الماء، وأصبح الماء يأتي لهذه الصنابير مبرداً بعد مروره بأشعة ضوئية خاصة لتعقيمه، كما عملت مضخات لسحب مياه البئر ورفعها إلى أعلى مع متابعة تطهير البئر باستمرار، وقد أنشئ خط لتوصيل ماء زمزم إلى موقف سيارات كدي؛ لتوفير المياه لكل من يريد أن يتزود بماء زمزم. كما وضعت أماكن متعددة في المسعى، وداخل المسجد وحوله لشرب ماء زمزم لمن يريد، وأعدت ناقلات كبيرة لنقل ماء زمزم يومياً من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة طوال العام، وتوزيعه للزوار والمصلين في المسجد النبوي الشريف، بوضعه في حافظات بلاستيكية أمام المصلين وحولها كاسات من البلاستيك. وفي الوقت نفسه تم استبدال الأواني الفخارية التي كانت توضع أمام المصلين في الأروقة والساحات طوال العام، وتزداد أعدادها في أيام رمضان والحج، وكانت تلك الأواني الفخارية كثيراً ما يتعرض بعضها للكسر دون قصد بين فترة وأخرى، مما يؤدي إلى إراقة الماء على أرضيات الساحات والأروقة وعلى السجاد المنتشر في الحرمين الشريفين، فيسبب إزعاجاً كبيراً للمصلين، ولهذا تم في العهد السعودي تأمين أوعية بلاستيكية توضع بها المياه المبردة وحولها أماكن للكاسات البلاستيكية النظيفة وأخرى للمستعملة، وتوزيعها أمام المصلين داخل الحرمين الشريفين، وخارجهما في الساحات المحيطة، مما أدى إلى وفرة ماء زمزم المبارك، وسهولة الحصول عليه مبرداً.

وشهد المسجد النبوي الشريف تطوراً هائلاً في أعمال البناء وتقنيته، وظهرت روعتها في التوسعة التي أضافت القباب المتحركة آلياً التي تغطي (27) فناء، طول ضلع كل منهما (18 × 18م)، وهي تقنية حديثة استخدمت لأول مرة في المسجد النبوي الشريف، فأضفت خصوصية جديدة للاستفادة من الهواء والإضاءة الطبيعية، وخاصة في الفصول المعتدلة، كما تم تكييف المسجد النبوي الشريف بوحدات التكييف بالماء البارد لتلطيف الجو بالهواء البارد لتلطيف الجو بالهواء البارد داخل المسجد النبوي الذي يأتي بواسطة تقنية عالية الجودة والتكاليف، جعلت من قواعد الأعمدة في الدور الأرضي الرئيس فتحات يخرج منها الهوءا البارد، القادم من محطات التبريد عبر أنابيب خاصة، وبأطوال كبيرة. كما أنه أحدث نفق للخدمات يصل بين الأقبية وموقع محطات التبريد الواقعة بجوار مدينة الحجاج بطول سبعة كيلو مترات، وعرض (6.10م)، وارتفاع (4.10م) لتوصل الماء البارد من محطة التبريد إلى المسجد، ثم يتم تسليط الهواء عليه بواسطة تربينات خاصة لتبريد الهواء ونقله إلى كافة أرجاء المسجد لتبريدة من خلال قواعد الأعمدة. كما تم بناء محطة مولدات احتياطية بطاقة (125.000) كيلو وات لخدمة المسجد النبوي الشريف، وقد سبق الحديث عن ذلك في هذا البحث بالتفصيل. ولقد حققت توسعة الحرمين الشريفين تطوراً كبيراً في المنطقة المركزية المحيطة بالحرمين الشريفين في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة بنظرة واقعية وتطلعات مستقبلية، بدأت بإحاطة الحرمين الشريفين بساحات واسعة لتسهيل حركة المصلين, تتفرع منها شوارع فسيحة تطل عليها مباني مجمعات سكينة, وتجارية, وفندقية، أقيمت بمواصفات عالمية، تقوم بتقديم أفضل خدمات السكن, والطعام, والشراب, والتسوق للحجاج والمعتمرين والزوار، بمستوى متطور يفوق الوصف. وقد تميزت هذه المباني بتوفر الخدمات اللازمة بها، مع المحافظة على العنصر الجمالي والتهوية الجيدة، وتوافر كافة وسائل السلامة، والاتصال السلكي واللاسلكي، مما جعل القدرة الاستيعابية لتلك المساكن والفنادق تتضاعف إلى عشرات الأضعاف، فضلاً عن الارتقاء العظيم في مجال الخدمات العامة التي يتمتع بها سكان هذه المجمعات السكنية من الحجاج والمعتمرين والزوار والمواطنين، وهذا بالطبع انعكس على ظهور تطور كبير في مناطق متعددة في المدينتين المقدستين بعد أن أعيد تخطيطهما على أحداث طراز. كما أن المباني التي تم هدمها لصالح مشروعات التوسعة دفع أهلها إلى شراء مساكن حديثة بديلة في أحياء جديدة، فامتدت الرقعة العمرانية والسكانية في المدينتين المقدستين إلى نطاق واسع، خاصة بعد توافر وسائل النقل الحديثة في المدينتين المقدستين، وفي غيرهما عن مناطق المملكة. إن هذه الإنجازات العظيمة التي حققتها حكومة المملكة العربية السعودية في هذه البقاع المقدسة جعلت كل مسلم عمر الله قلبه بالإيمان والتقوى يشعر بالسعادة والراحة التامة والأمن والطمأنينة والرضا حينما يرى هذه الإنجازات العملاقة التي تحققت في الحرمين الشريفين، فيلهج لسانه بالدعاء, والتوفيق, والعز, والتمكين لحكام هذه البلاد من آل سعود الأفذاذ الذين نذروا أنفسهم، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل خدمة قاصدي الحرمين الشريفين، وتعميرهما والعناية بهما، حتى صار ذلك مصدر فخر لكل مسلم. بارك الله لولاة الأمر في حكومتنا الرشيدة، وأجزل لهم الثواب والأجر العظيم منذ عهد الباني المؤسس لهذا الكيان العظيم الملك عبد العزيز آل سعود، وامتداداً لعهد أبنائه الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد رحمهم الله، وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، وسمو النائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وجميع الأمراء من آل سعود، حفظهم الله وأيدهم بعزه ونصره، وجعل الله هذه الأعمال الجليلة في موازين حسناتهم.

قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين التحالف الصليبي الماسوني الاستعماري وضرب الاتجاه الإسلامي

قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين التحالف الصليبي الماسوني الاستعماري وضرب الاتجاه الإسلامي ¤زكريا سليمان بيومي£بدون¥عالم المعرفة - جدة¨الأولى¢1411هـ€تاريخ¶تاريخ - الدولة العثمانية الخاتمة قد يبدو لقارئ هذا البحث لأول وهلةٍ أنه محاولة للعودة لتجسيد الصراع بين الشرق والغرب في قالبٍ ديني، كما أنه قد يوحي بمدى كره الشرق الإسلامي للغرب المسيحي، ومع أنني لا أبرئ الاتجاه العام فيه من تضمنه لهذا الإحساس إلا أنه لم يكن هدفنا لبحث تاريخي حاولت خلاله الالتزام بالموضوعية والحيدة قدر الإمكان، ولا يعدو في مجمله أن يكون محاولةً لتصحيح النظرة لفترة تاريخية هي من أهم فترات التاريخ الإسلامي الحديث وتخليصها من الشوائب المغربة التي خلقتها الاتجاهات والتوجهات المغرضة أيضاً والتي خرجت في مجموعها لذلك عن الموضوعية التامة، وبالتالي فهو تصوير حقيقي لاتجاهات الشعوب وعدم قصر ذلك على التصوير من منظور فئة من الحكام سطا أغلبها على الحكم ومن تبعهم من مؤرّخي الصفوة وكتبة التاريخ. والذي يطلع بإمعان في أركان الشريعة الإسلامية ومدى تطبيقها على مسيرة التاريخ الإسلامي يستطيع أن يُدرك إلى أي حدٍّ نعمت الأقليات الدينية في العالم الإسلامي بالحرية والطمأنينة بشكلٍ سمح لها بأن تلعب دوراً هاماً برغم قلته على الساحة الإسلامية، فقد استمر التقارب بين المسلمين والنصارى الأرثوذكس في الشرق عامةً وفي اليونان بصفةٍ خاصةٍ، في حين نظر الشرقي المسلم نظرة ريبة وعداء للنصارى الكاثوليك في أوروبا، وما كان ذلك إلا للدور العدائي الذي لعبته الدول المسيحية الغربية تجاه المسلمين منذ الحروب الصليبية وعبر مراحل التاريخ الإسلامي حتى التاريخ الحديث والمعاصر، ولم تتبدل نظرة المودة بين المسلمين والأقليات المسيحية في العالم الإسلامي عبر مراحل التاريخ إلا في أعقاب نجاح الغرب المسيحي في إثارتهم ضد المجتمع الإسلامي الذي يعيشون فيه منذ أواخر القرن الثامن عشر وعبر القرنين التاسع عشر والعشرين سواء من خلال دورهم السياسي الذي بدا في دور بعض نصارى لبنان أو نصارى مصر الذي انصاعوا لذلك وتحالفوا مع أعداء المسلمين من مسيحي الغرب منذ دور المعلم يعقوب في مصر في مطلع القرن التاسع عشر وما تلاها من أحداث عرفت باسم الصراعات الطائفية ما زالت آثارها ممتدةً حتى الآن، وكذلك مسيحيو اليونان الذين قاموا بدور تعصبي ضد العناصر الإسلامية في أعقاب الحرب العالمية الأولى لم يكن يوازي حجم التسامح الذي نعموا به طوال وجودهم تحت الحكم الإسلامي. كما نعم اليهود في الشرق الإسلامي ولفترة تاريخية طويلةً بالهدوء والاستقرار وهو ما لم يجدوه على الساحة الأوروبية منذ العصور الوسطى وحتى التاريخ المعاصر، ولم يغير المسلمون من موقفهم تجاه اليهود إلا في أعقاب ظهور أطماعهم السياسية العدائية تجاه العرب والمسلمين التي عبَّرت عنها المحافل الماسونية ثم الحركة الصهيونية والتي ما زالت تقوم بدورها العدائي حتى الآن، برغم ادِّعائها مساندة الحركات الثورية والتحررية، كما لا يخفى دورها في توجيه حركة الكتابة التاريخية التي أسهمت –وما زالت تسهم- في توسيع شقة الخلاف بين الشرق والغرب، وبين الأغلبية والأقلية، بقصد التهيئة لمواصلة تحقيق أهدافها بغض النظر عن نتائجها على علاقات ومصالح الشعوب.

وعلى أبناء الشعوب الغربية أن يعلموا أننا نحن المسلمين دعاة ولسنا محاربين، وإذا كان تاريخنا قد وصلهم مشوهاً بفعل قلة من الكتّاب أرادت أو سخرت لخدمة أغراض سياسية واقتصادية، أو دفعت بعصبية العداء الديني، فتاريخنا ليس به ما يحمل على عمق العداء الذي يواصله الغرب تجاهنا، لقد ذهبنا إلى الأندلس دعاة قيم، وحاربت جيوشنا القوط البرابرة الذين أسقطوا الإمبراطورية الرومانية المقدسة واتسم تاريخهم بهدم المضيء من حضارة الإنسان، وانضمت إلى جيوش المسلمين في الأندلس جموعٌ من المسيحيين انتصاراً للقيم وأملاً في الخلاص من هؤلاء البرابرة، ونعمت هذه الجموع بسماحة ديننا فارتضوه لزمن طويلٍ لولا نعرة الحقد والعداء التي عادت فأثيرت، وقد خلفنا وراءنا تراثاً أسهم في بناء الحضارة الأوروبية الحديثة وبشكلٍ لا تقوى على إنكاره أقلام المشوهين المغرضين، ولا أدل على ذلك من الكسب الذي تحققه أسبانيا في مجال السياحة على حساب هذه الآثار التي تشهد على أننا نحن المسلمين نبني ونعمر ونتسامح ولا نكره أو نقتل أو ندمر. أما العثمانيون فهم قبائل آسيوية من نفس جذور القبائل الأوروبية، هداها الله إلى ديننا فتغيرت رسالتهم وتميز دورهم فسعوا إلى نشر القيم الإنسانية والدفاع عنها، وارتضيناهم حكاماً وفي هذا دليل سماحتنا وحرصنا على القيم لا على التعصُّب، وحين تحولوا عن قيمنا أسقطنا من تحول منهم من حسابنا. وبشكلٍ عام فإنه مما لا شك فيه أن الغرب الأوروبي بغطرسته الحضارية واتجاهاته العدوانية التي سار فيها شوطاً بعيداً في تعامله مع الشرق الإسلامي يُعد مسئولاً مسؤوليةً مباشرةً عن تحول نظرة الشرقي المسلم من الإعجاب بإنجازاته الحضارية والاتجاه إلى الأخذ منها والتي بدت منذ بداية القرن التاسع عشر إلى نظرة حقد وكره مشوبةٌ بعدم الإعجاب أو الاحترام التي ينظر بها الشرقي الآن للعالم الغربي بأسره، ولعل ذلك يرجع كذلك إلى استهانة الغربي بالرَّصيد الحضاري الإسلامي وإنكاره الانتفاع به في حضارته، والذي يكشف مدى كرهه وإنكاره للإسلام كدين ويبدو في تعامله مع المسلمين وهو أمرٌ لم يكن له مثيلٌ في الرَّصيد الإسلامي التشريعي أو التاريخي في موقف المسلمين تجاه الديانات الأخرى مسيحيةً كانت أم يهودية، وأن على الغرب ضرورة تغيير منهجه وموقفه تجاه الشرق الإسلامي إذا كان يريد تقارباً وقبولاً، ولا ينبغي أن تخدعه حضارته الحالية في أن تصور له عدم الاحتياج، وهو ما يتسم به دوره الحالي، إلى ذلك التقارب حتى لا يضيف رصيداً جديداً إلى الرصيد العدائي التاريخي بين الشرق والغرب. وكذلك فإن على المفكرين في الشرق الإسلامي، وعلى ضوء ذلك البحث، إدراك حقيقة هامة وهي أن شعوب هذه المنطقة من العالم قد اعتادت أن تعطي ثقتها وولاءها لحكومة وحدة إسلامية حتى ولو بدت بداخلها بعض الكيانات السياسية شبه المستقلة فإن قوة ذلك الولاء كانت وراء تصدي الدولة الإسلامية الواحدة، ممثلةً في هذه الكيانات، لغارات التتار المدمّرة في الشرق، وكذلك غارات الصليبين المتوالية من الغرب. كما أن نجاح الخلافة العثمانية في حماية شعوب المنطقة من الهجمات الصليبية الاستعمارية الحديثة وبشكلٍ أسهم في استمرار مقومات وجودها في إطار موحد قد ضمن لها استمرار ولاء شعوب المنطقة وهو أمر أسهم في استمرارها لفترةٍ زمنيةٍ بلغت أربعمائة سنة.

إن أهم العوامل التي أسهمت وما زالت تسهم في استمرار مقومات ذلك الولاء تكمن فيما منيت به النظريات المنقولة التي حاول بعض الحكَّام فرضها بالفشل سواءً في التجارب الديمقراطية بشتى أشكالها واتجاهاتها أم في أشكال الاشتراكية في حل أزمة الظلم الاجتماعي لشعوب المنطقة. ولا يعنينا هنا مناقشة ماهية هذه الأنظمة وما يتصل بها من أفكار وأطر سياسية بقدر ما يعنينا عدم نجاحها في التفاعل مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية وغيرها في الشرق العربي الإسلامي الأمر الذي أدى إلى انحصارها في صفحات الكتب، وربما في أذهان قلة من مفكريها أو مروجيها، وألا يجني الحكام الذين فرضوها سوى تصفيق شعوبهم لا تأييدها، وأدى في نفس الوقت إلى استمرار ثقة هذه الشعوب، التي حاولت هذه القلة من المفكرين زعزعتها، في قدرة أي نظام يستند إلى الإسلام على حل أزمة الظلم الاجتماعي، وتأييدها لأي اتجاه يرى ضرورة البحث عن إطار إسلامي للوحدة بين شعوب المنطقة لوقايتهم من الأخطار المحيطة بهم على الصعيد السياسي. لقد أدركت هذه الشعوب مدى الخسارة التي حلَّت بضياع هويتهم الواحدة وكما يقول برنارد لويس أنه: ((بعد أن كان كل مواطنٍ عضواً من أعضاء إمبراطورية إسلامية كبيرةٍ لها ألف سنة أو يزيد من التراث والتاريخ وجد الناس أنفسهم مواطنين لسلسلة من الدول التابعة والوحدات السياسية الجديدة المفتعلة والتي تحاول إيجاد جذور لها في ضمير الشعب وولائه، وصاحب نسف وانهيار النظام السياسي القديم انحلال اجتماعي وثقافي موازٍ له، ربما كان النظام القديم في حالة تفسخ لكنه كان يقوم بوظيفته حيث كانت الولاءات والمسؤوليات واضحة الحدود والمعالم تجمع الشعب في إطارٍ واحد فاستبدل بما أتي من الغرب فكانت غريبةً على أحاسيس المسلمين وتافهة بالنسبة لحاجاتهم الفعلية المادية والروحية)). ومن هنا فإنه يكون لهذا البحث في طرحه الموضوعي دورٌ في تحديد الجذور القريبة –تاريخياً ونفسياً- لنموذج الوحدة القائمة على الإسلام والتي امتدت منذ العصر الإسلامي الأول والتي رسخت شعور الولاء لدى شعوب المنطقة من أغلبية إسلامية وكذلك الأقليات غير الإسلامية إذا ما بعدت عن عوامل الفتنة والإثارة من القوى المعادية للمنطقة، وذلك بعد أن جهدت القوى المعادية من خلال أقلام مفكريها ومؤرخيها لتشويهها بغية إضعاف هذا الولاء أو إنهائه لإقامة أنظمة سياسيةً مفتتة على أنقاضها. لقد أرسى الحكم العثماني، برغم فترات ضعفه أو محاولات إضعافه، العديد من القيم الإسلامية التي ورثها من الحكومات الإسلامية السابقة لعل من أبرزها استمرار ظاهرة الولاء وترسيخها لدى كافة الشعوب الإسلامية للحكومة الإسلامية، واستمرار الثقة في قدرتها على تحقيق القسط الأكبر من الاحترام والحرية لهم، وهو أمرٌ يجسده رغبتهم الجامحة في استعادة هذه الحكومة. ولقد سعت العديد من المنظمات والجماعات والدعوات الإسلامية السرية والعلنية لترجمة هذا الشعور، وفي نفس الوقت لقيت تأييداً شعبياً واسعاً يزيد بكثيرٍ عن مثيلتها التي نهجت نهجاً ليبرالياً أو وطنياً أو قومياً، وكذلك المنظمات الشيوعية والاشتراكية التي أبدت في برامجها السعي لمساندة الطبقات الكادحة في الشعوب الإسلامية. ولم تنجح محاولات الحكومات السياسية في اجتثاث جذور المنظمات والجماعات الإسلامية بقدر عدم نجاحها في فرض الأنماط السياسية والاجتماعية الوافدة على القطاعات الواعية المثقفة من شعوب المشرق الإسلامي برغم تملكها للسلطة ولكل الوسائل الإعلامية، ولا تعد الشرائح المحدودة التي نجحت في تجنيدها في هذا الجانب بشرائح ذات قيمة في التأثير على الأغلبية التي ما زالت تلتف حول كل ما هو إسلامي برغم كل مظاهر تطويعها وتغييبها، كما أن الهزائم التي منيت بها المنظمات الإسلامية والتي تزيد من إصرارها على تحقيق أهدافها وليس فقط على مجرد التواجد على الساحة تؤكد مقولة أحد المؤرخين الليبراليين اليهود قبل ربع قرن وهو برنارد لويس أنها ما زالت لم تقل كلمتها الأخيرة.

كرد العراق منذ الحرب العالمية الأولى 1914 حتى سقوط الملكية في العراق 1958م

كرد العراق منذ الحرب العالمية الأولى 1914 حتى سقوط الملكية في العراق 1958م ¤محسن محمد المتولي£بدون¥الدار العربية للموسوعات - بيروت¨الأولى¢1422هـ€تاريخ¶كرد الخاتمة ولقد توصلت هذه الدراسة إلى عدَّة نتائج وهي: 1 - لقد شهدت أراضي كردستان العديد من الثقافات والديانات كالآشورية والهلينية واليهودية والمسيحية إلا أن تأثير الإسلام على التكوين الثقافي للشعب الكردي كان أهم وأعمق بكثير من تأثير الثقافات والديانات السابقة، والسبب في ذلك يرجع إلى أن الإسلام انتشر على كامل الأراضي الكردية، بينما كانت الديانات والمعتقدات الأخرى تنتشر على شكل بقع متناثرة. إلى ذلك استطاع الإسلام احتواء الأراضي الكردية ضمن دولته السياسية، بينما لا يلاحظ ذلك في بقية الحالات عدا الزرادشتية التي جمعت في بعض المراحل أكثر أجزاء كردستان الشمالية والجنوبية. ولذلك كان من الطبيعي أن يستمد التكوين الثقافي الكردي نسيجه من مصادر دينية متنوعة يمكن للدارس أن يلتمس آثارها في الحياة الدينية والاجتماعية لمجتمعات المناطق الجبلية، ولكن مع ذلك بقي التأثير الأكبر للإسلام. 2 - إن المشكلة الكردية في العراق موروثةٌ من العهد العثماني والتصقت بالدولة العراقية منذ أن أصبح العراق دولةً وكياناً سياسياً بعد الحرب العالمية الأولى بموجب قرارات دولية. وهكذا ربما يكون مشروعاً جداً ومبرراً أن تقاوم الحكومة المركزية في العراق أي عدوان مسلح، أو بؤرة متمردة، وأن تقف في وجه أي دعوات انفصالية وأن تعتبر كردستان الجنوبية جزءاً من الوطن العراقي أي الدولة العراقية. لكنه ليس مشروعاً أبداً ولا صحيحاً الادعاء بأن كردستان هي جزء من الوطن العربي، ففي هذه الحالة تختلف الصورة تماماً؛ لأن الوطن العربي هو كيان قومي محدد وليس كياناً سياسياً أي دولة بذاتها. ومن وجهة نظر علمية تاريخية كان للكرد دائماً وطنهم القومي. ولكن ذلك الوطن تعرَّض في مراحل تاريخية معيَّنة للغزوات الخارجية فكان أخطرها وأشدّها تأثيراً الغزو الفارسي والعثماني؛ لأنه استهدف تجزئته وتقسيمه واقتسامه وضمّه وتكريس هذا الضم من طرف واحد. 3 - بعد الاحتلال البريطاني لكردستان العراق أخذت الإدارة البريطانية تضع إلى جانب الحكَّام المحليين في الأغوات مستشارين بريطانيين متمرسين باللعبة الاستعمارية، واستطاعت عن طريق هؤلاء المستشارين أن تهذب بعيداً في إيهام الكرد أنها تقف إلى جانبهم، فأمدتهم بالمساعدات المالية والعسكرية ولكن هذه المساعدات لم تبلغ في أفضل الحالات المستوى الذي يضمن للكرد ولو الحد الأدنى من مطالبهم الوطنية أو اليومية، لاسيما بعد أن تعمقت بريطانيا في أوضاع المنطقة وتفهمت بشكل أوسع خلفياتها الإقليمية والدولية القديمة، وما استجد فيها بعد الحرب العالمية الأولى في ضوء تبدل خريطة العالم كله، فوجدت بريطانيا نتيجة حساباتها الجديدة أن مصلحتها تتطلب التخلي عن الكرد وتأسيس دولةٍ عراقيةٍ موحَّدة وحكومةٍ مركزيَّةٍ في بغداد للأسباب الآتية: أ) - لأن دولة عراقية تضم المنطقتين العربية والكردية تضمن لها بسط سيطرتها عليهما من خلال معاهدة ثنائية واحدة. ب) - لأن إيران وتركيا لا تقبلان بدويلةٍ كرديَّة مجاورة تكون منطلقاً لتحرك الكرد مستقبلاً ضد كلٍ منهما، ولم تكن بريطانيا ترى ضرورة لإثارتهما في سبيل قضيةٍ خاسرة بالنسبة لها. ج) - لأن مجرد البحث في إنشاء دويلة كهذه إنما يعني فتح ملف الدولة الأرمينية المقترحة في معاهدات دولية سابقة، وهذا من شأنه إثارة رياح عاتية وتحريك قضايا قديمة في منطقةٍ نفطية حساسة تحرص بريطانيا على استقرارها وهدوئها وعدم إدخال أطراف دولية معينة فيها.

هـ) - كردستان ليست فقيرة، بل هي غنية بمواردها الزراعية والمعدنية وبمياهها ونفطها، فكردستان العراق، وهي جزء من كردستان الواسعة، هي سلة خبز العراق، البلد الأم، ولم يكن الكرد يوماً شوكةً في جنب الوطن العراقي، ولن يكونوا والتاريخ المشترك للشعبين الشقيقين على أرض الوطن يشهد بذلك، كل ما في الأمر أن بعض الحكَّام أحياناً فشلوا في التعامل موضوعياً مع مطالب الكرد وحقوقهم المشروعة، وهذه صورة تتكرر في مجتمعات أخرى أيضاً. 4 - لقد تمتعت معاهدة سيفر بمكانةٍ خاصةٍ في التاريخ السياسي المعاصر للكرد لكونها المعاهدة الوحيدة التي وضعت المسألة الكردية في إطار القانون الدولي وبذلك تحوَّلت المسألة من شأن داخلي خاضع لأحكام القانون الداخلي للدولة العثمانية إلى شأن دولي خاضع لأحكام القانون الدولي. لقد هيَّأت سيفر النواة لتشكيل دولةٍ كردية ولكن على مرحلتين متعاقبتين، وهذه العملية تطبق حالياً بشأن المسألة الفلسطينية (اتفاقية أُسلو). وكما هو الحال بالنسبة للشأن الفلسطيني حاول أعداء الكرد العمل بكل الوسائل على إلغاء معاهدة سيفر أو تجميد نصوصها المتعلقة بمصير الكرد. ونتيجة لمصالح الدولة الاستعمارية ألغيت معاهدة سيفر وحل محلها معاهدة لوزان والتي أعادت المسألة الكردية إلى أحضان القوانين الداخلية للدول التي اقتسمت كردستان، وبعد أن كانت الأخيرة قبل معاهدة لوزان مجزأةً بين الدولتين الفارسية والعثمانية، اقتسمتها بعد إبرام تلك المعاهدة أربع دول وهي تركيا وإيران والعراق وسوريا. 5 - كان لهذا التقسيم أثرٌ كبيرٌ على الكرد، حيث أن الدول التي تقاسمت كردستان كانت تنتهج سياسات مختلفةً تجاه القضية الكردية، وبالتالي تجاه الثقافة الكردية. ففي تركيا انعكست سياسة القمع في تحريم ارتداء الملابس المحلية والتحدث باللغة الكردية والمجاهرة بالانتماء القومي الكردي، وكان لكل ذلك الدور الأساسي في تراجع النشاطات الثقافية هناك إلى حد أن الأغلبية المدنية من الكرد أخذت في استخدام اللغة التركية. ولكن في العراق كانت الحالة مختلفة كلياً إذ تم الإقرار بالوجود الكرد مع بداية تأسيس الدولة العراقية المعاصرة التي أعطت عام 1932م تعهداً مكتوباً لعصبة الأمم باحترام الاختلاف الكردي والسماح باستخدام اللغة الكردية في المجالات التعليمية والقضائية في المناطق ذات الأغلبية الكردية، كما أقرت الحكومة قانوناً متعلقاً باستخدام اللغات المحلية بما فيها الكردية، ونتيجةً لذلك أخذت الحركة الكردية في العراق تتطور بشكل مغاير عما كان جارياً في تركيا وإيران. 6 - لقد تعرف الوطن القومي الكردي على اختلاف انتماءاته وأجزائه على الحياة السياسية، وأسس الكرد أحزاباً كان لها دورها ونشاطها وتأثيرها السياسي إلى جانب صخب السلاح، على أن الرصاص لا يكفي وحده ولا يعبر دائماً عن الأماني القومية وغيرها بشكل صحيح. ولقد تولت الأحزاب السياسية الكردية مسؤولية العمل الوطني بجدارة، على الرغم من أنها لم تستطع يوماً استقطاب الإجماع الشعبي من حولها، لكنها عبرت دائماً بشكل أو بآخر عن أهداف الشعب وتطلعاته القومية ومشاعره الوطنية، مع أنها ظلت تنشط وتتفاعل في وسط حدود نسبياً، كما أنها أصيبت بآفة الصراع والانقسام الذي كان دائماً ما يميز الشعب الكردي.

7 - عندما تكونت الدولة العراقية لم يكن بمقدور هذه الدولة الوليدة أن تتحمل أعباء المحافظة على الأمن في مناطق الشمال الجبلية التي اشتهرت بالقلاقل والنزع إلى السلاح فضلاً عن الأعباء المالية اللازمة لتصريف شؤونها الإدارية والتعليمية والصحية وغيرها، فإن بريطانيا تعهدت لهذه الدولة بأن تمدها بما يلزم من مساعدات ومعونات عسكرية تحتاج إليها وحافظت في الوقت نفسه على التظاهر أمام الكرد بأنها تعطف على أمانيهم الوطنية. وهكذا فإن الأمور كانت تدور في حلقةٍ مفرغة –بريطانيا تتظاهر بالعطف على الكرد فيشعر هؤلاء بحاجة دائماً إلى مساندتها، بينما تستنجد الحكومة العراقية بها وتطلب مساعدتها كلما قام عصيانٌ كردي جديد وتحصل عليها. ولقد انطلقت تلك الوعود على القيادات الكردية العشائرية مما جعلها تحمل السلاح ضد حكومة بغداد، ومنذ ذلك الوقت أصبح الشغل الشاغل لحكومة بغداد وجيش العراق هو حركات العصيان في الشمال الكردي. 8 - لقد جرى تأسيس الجيش العراقي رغم ممانعة الإدارة البريطانية في العراق ولذلك وضعت بريطانيا خططها أن تقبض على ناصية هذا الجيش وتسيره وفق رغباتها ومصالحها، وفرض قادة بريطانيين ومستشارين في قيادته، ولكن هذا الجيش كان وطنياً أصيلاً منذ ولادته ثم انضم إليه ضباط وجنود كرد من الطينة نفسها، فلم تجد بريطانيا إلا وسيلةً واحدةً لاحتوائه والحد من وطنيته وهي التقتير في تسليحه وزجه في قلاقل ومشاكل محليّة. 9 - لقد بذل الإنجليز جهودهم لجعل هذا الجيش مستنفر الإمكانات والقدرات نحو المنطقة الكردية، حتى أن جميع خططه وتدريباته وطبيعة تسليحه كانت توضع لخدمة العمليات العسكرية في مناطق الشمال الجبلية، وبقي مخزونه من السلاح والعتاد فترات طويلةً في حالة نقصٍ دائمٍ، لا تمده بريطانيا منه إلا بما يكفل فقط مجابهة العصيان الكردي الذي كانت تخلقه وتقف خلفه سراً وأحياناً علناً. وهكذا فإنه كلما جهر العراقيون مطالبين بتزويد الجيش بالسلاح من بريطانيا تنفيذاً للمعاهدة الثنائية بين الطرفين، فإن بريطانيا كانت تقدم السلاح القليل ثم لا تلبث أن تخلق الأسباب لهدره في حوادث الكرد المسلحة. لقد كان من مخططات بريطانيا في العراق أن لا يلتقي العرب والكرد على حالٍ من الود أبداً. 10 - إذا كانت بريطانيا قد نجحت في هدم الثقة بين أبناء القومية الواحدة كما في الهند التي تضم عشرات القوميات واللغات ولم تكن يوماً قوميةً واحدةً، ومن خلال ظروفٍ كانت تتحكم فيها عوامل الجهل والتخلف، على الرغم من أنه لم يعرف التاريخ أيَّة خلافات حادة أو فوارق محددة أو كراهية متوارثة بين العرب والكرد، ولكن إحداث دولةٍ عراقيةٍ كهذه وبهذا الشمول الجغرافي جعل المؤامرات تنجح فيقع الكرد في براثنها ويوجهون نيران أسلحتهم إلى صدر الصديق دون العدو الحقيقي، فالعرب لم يشاركوا يوماً لا في اقتسام كردستان ولا في احتلالها، ولم يحاول العرب قهر الكرد أو سلبهم حقوقهم القومية، وهو أمرٌ لا خلاف عليه أبداً في سطور التاريخ الكردي نفسه، ولو بقي الكرد العراقيون مرتبطين بتركيا لما حصلوا على الحقوق القومية التي تمتعوا بها في العراق.

11 - خلال الوطن العراقي المشترك وعلى الرغم من الحركات العسكرية الكردية في الشمال العراقي، فإن الحقوق القومية للكرد كانت مصونةً في حدود المشاركة في الحكم والتعليم والثقافة والسياسة، وإصدار الصحف والمجلات والنشرات السياسية وغير السياسية، وكان للكرد ممثلوهم في المجالس التشريعية، وانخرطوا في أحزاب عراقية مشتركة تضم أبناء البلاد من جميع الانتماءات القومية، ولهم دورهم المؤثر في الجيش العراقي، حيث تولى ضباط كرد منصب قيادة الجيش العراقي، قام أحدهم بانقلاب عسكري ناجح، وتسلم رئاسة الوزارة شخصيات سياسية كردية. 12 - وفي النهاية ترى الدراسة أن قضية الكرد في العراق تتمحور حول حقائق ثلاث وهي: أ- وجود أمة كردية تتحسس شخصيتها القومية ولها أرضها القومية تعيش فوقها. ب- عدم وجود كيان سياسي لهذه الأمة. ج- إن هذه الأمة مجزأة بين ثلاث كيانات تبعاً لتجزئة وطنها القومي كردستان. القضية الكردية تستهدف إذن تحقيق أهداف ثلاثة وهي حرية الوطن والسيادة في الوطن ووحدة هذا الوطن. ويبدو من الواضح أن الكرد حددوا أهداف قضيتهم القومية، ووضعوا لها عناوين بارزة وأدبيات مقروءة، لكن القيادات الكردية وقعت في جملة أخطاء أثَّرت على مسار الحركة فجعلتها تتعثر باستمرار وتجلى ذلك أكثر ما يكون في الحالات الآتية: 1 - عدم الدقة في تحديد خريطة الوطن القومي الكردي (كردستان) وعدم الجرأة في إعلانها وفق منظور تاريخي ومستندات علمية ثابتة. 2 - بعد الحرب العالمية الثانية تغيرت طبيعة النضال الكردي –عندما استلمت القيادات المثقفة والمتعلمة دفة النضال وعندما بدأت المدينة الكردية تجر وراءها الريف. وكان اندماج الفئة المثقفة بالحركة الوطنية الكردية أحد سمات المرحلة الجديدة. 3 - عجز القيادات المتعاقبة عن توحيد صفوفها ومطالبها، حيث كانت تعاني كلها وباستمرار من تناقضات عميقة، هي صورة من التناقضات في المجتمع الكردي نفسه. 4 - عدم تقدير الحركة الكردية الثاقب لهوية العدو والصديق والحليف، ودخولها في مساومات سيئة الدلالة وزج القضية الكردية في نشاطات العناصر المعارضة للدولة. 5 - سوء تحديد القيادات الكردية لمواقيت تحركاتها المسلحة وفي تخيلها أنها قامت بثورات شعبية حقيقة، جعلوا لها تسميات تاريخية، ولكن هذه الحركات لم تكن ثورات في المفهوم العلمي المعاصر للثورة، بل إنها لم تكن أكثر من حركات مسلحة ضد عساكر الدولة.

كتب الرحلات في المغرب الأقصى مصدر من مصادر تاريخ الحجاز في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين

كتب الرحلات في المغرب الأقصى مصدر من مصادر تاريخ الحجاز في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين ¤عواطف بنت محمد يوسف نواب£بدون¥دارة الملك عبدالعزيز- الرياض¨بدون¢1429هـ€تاريخ¶جزيرة العرب - الحجاز الخاتمة: حظي الحجاز بالعديد من الدراسات، وتحقيق كثير من المخطوطات التي ألفت في تاريخه، لما له من منزلة عظيمة في نفوس المسلمين، وقد استخدمت جميع المصادر للإلمام بتاريخ هذه البقعة المهمة. ولكن لم يؤخذ في الحسبان الاعتماد على كتب الرحالة المغاربة وإظهار أهميتها بوصفها مصدراً مهماً من مصادر تاريخ الحجاز لا يمكن الاستغناء عنها، إذ لم تحظ بالدراسة والبحث الكافيين بعد، وفي هذا العمل الذي أرجو الله تعالى أنني قد وفقت في إنجازه اعتمدت على كتب الرحلات في المغرب الأقصى خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين لأهمية تلك الكتب بكونها مصدراً لتاريخ الحجاز خلال ذلك الوقت. وقد وفقني الله إلى أن حققت هذه الدراسة كثيراً من النتائج في مختلف الجوانب العلمية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وكذلك السياسية والعمرانية وفق المعلومات الآتية: الجانب العلمي: بني الإسلام على خمسة أركان، وكان الركن الخامس هو الحج لبيت الله الحرام، فتطلب هذا القيام بالرحلة إليه لأداء هذا الركن. ثبت في هذا الكتاب من خلال رحلات الحج الحجازية ظهور أسماء رحالة مغاربة أتقنوا فنون الرحلة وآدابها التي منها الاستخارة المتكررة قبل القيام بهذا، والخروج يوم الخميس، والالتزام بتقييد تاريخ الخروج والعودة والنزول والانتقال من كل منزل نزلوه، ولقاء العلماء والأخذ عنهم، والترجمة لهم. فأفرز ذلك كله رحلات أصبحت بمثابة موسوعات علمية مصغرة لما حوته من معلومات مهمة لجميع أحوال المسلمين في ذلك الوقت، إضافة إلى أنها ضمت قوائم لأسماء العلماء البارزين وأهم مؤلفاتهم والعلوم التي تخصصوا وبرعوا فيها. فالرحالة كانوا بمثابة العين اللاقطة، يستقطب اهتمامهم جميع الأمور وإن صغرت بحسب ميلهم. وبرهن هذا الكتاب أنه وجد في الحجاز في ذلك الوقت جميع المذاهب الإسلامية بعلمائها الذين دفعوا بالحركة العلمية قدماً، وإن ظهر المذهب الحنفي بكونه مذهباً رسمياً لأتباع الدولة العثمانية له، ولكن لم يمنع ذلك من بروز جميع المذاهب بفقهها. وقد تبين أن ذلك العصر لم يكن ظلاماً دامساً كما كان يعتقد بل كانت مكة المكرمة والمدينة المنورة مبدأ الحركة العلمية ومنتهاها وحلقة الوصل بين المشرق والمغرب الإسلاميين. وبرهن هذا الكتاب على أن المدينتين المقدستين قد لمع فيهما أسماء علماء كانوا ينتقلون للمجاورة مدة في مكة المكرمة، وأخرى في المدينة المنورة بدون مضايقات أو عقبات، كما ظهر علماء مخترعون في علم الميكانيكا وضعوا فيها المؤلفات. إضافة إلى وفرة الكتب التي وجد النساخون لها والمجلدون، كما وجدت وسائل نشرها وتبادلها، ووجدت المكتبات الخاصة والعامة الموقوفة على طلبة العلم، والتي حوت النفيس والغريب منها، فأكب الطلبة على العلم والنهل منه بعدما أمنت لهم الإقامة والرواتب التي كانت تصل خصيصاً لهم ولمدرسيهم. خصت المدينة المنورة في ذلك الوقت بجميع أنواع الكتب العلمية، حيث كانت تهدى إليها نسخ من كل كتاب يؤلف. بروز أثر المسجدين المكي والمدني اللذين كانا بمثابة جامعتين مفتوحتين يتوافد إليهما طلبة العلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي بيسر وسهولة، علاوة على تصدر من نال درجة عالية منهم للتدريس، كما وجدت المدارس وإن لم يظهر أثرها كاملاً كظهور أثر المسجدين المكي والمدني.

وجد في المدينتين المقدستين أعداد هائلة من العلماء الذين لم يكونوا من أبناء الحجاز وحدها، وهؤلاء أدوا عملاً بارزاً في رواج الحركة العلمية فيهما. وهذا ظهر جلياً من خلال ما سجله الرحالة المغاربة من أسمائهم وتراجمهم التي زادت على ما ورد في كتب التراجم حول الشخصيات التي ذكرها حالة المغاربة نفسها. كما لُحظ أن هؤلاء العلماء منهم من كان يفد سنوياً إلى الحجاز وخاصة علماء اليمن، ومنهم من كان يفد بعد سنوات. وهكذا نجد أن المدينتين المقدستين قد تهيأ لهما ما لم يتهيأ لغيرهما من مدن العالم الإسلامي من توافد العلماء الذين ذاع صيتهم وشهرتهم العلمية عليهما، وكانوا يعقدون حلقات الدرس في المسجد المكي والمدني اللذين كان نظام التعليم فيهما يسير وفق نظم وقوانين محددة من حيث تخصيص أيام معينة للدراسة وأخرى للإجازات، كما حددت العلوم التي تدرس والأماكن التي تعقد فيها حلقات تلك الدروس، إذ كان لكل عالم وشيخ زاوية أو ركن خاص به وخزانة لكتبه العلمية الموقوفة على طلبته، فيدرسهم ويعطيهم الإجازات. تولى بعض العلماء مقاليد بعض الوظائف إلى جانب قيامهم بالتدريس، فمن هذه الوظائف القضاء والخطابة والإمامة والفتوى في المدينتين المقدستين. ظهور مكانة الطائف العلمية لإقامة بعض العلماء فيها في ذلك الوقت وعقدهم حلقات العلم بمسجد ابن عباس رضي الله عنهما. جلوس بعض الرحالة المغاربة للتدريس في المسجدين المكي والمدني والتفاف طلبة العلم حولهم لغزارة علمهم وسعة اطلاعهم، فعلماء المغرب لم يكونوا أقل مكانة علمية من نظائرهم في المشرق، فقد أشارت الرحلات إلى كثير من المواقف التي يبدي فيها الرحالة رأيه في قضايا مثارة فيلاقي الإعجاب والتقدير. وبهذا لم تكن رحلة هؤلاء الرحالة المغاربة دائماً للتلمذة والدرس والطلب، بل كانت لأهداف أخرى كزيارة المراكز الثقافية والحصول على الرواية والسند العالي والحصول على الكتب ولقاء العلماء ومجالستهم. كانت قوافل الحجيج في ذلك الوقت بمثابة مدارس منتقلة من حيث انعقاد حلقات الدروس أو ترك الكتب في بعض المدن وأخذ غيرها. لم تكن حلقات العلم تعقد باللغة العربية وحدها، بل كانت هناك لغات أخرى كالتركية والفارسية مثلاً. الجانب الديني: أظهر هذا الكتاب ضعف الحالة الدينية في الحجاز بسبب شيوع التصوف على المستوى الشعبي والرسمي، فأصبح مرتعاً خصباً لظهور كثير من البدع والخرافات التي منها ظهور أنوار الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الوصول للمدينة المنورة، وأخرى تتعلق بالصحابة رضوان الله عليهم، ومنها ما يتعلق بالأماكن المأثورة. كما وضح هذا الكتاب تفشي عادة التبرك بقبور الأولياء والصالحين وبناء القباب والأضرحة عليها والاجتهاد لزيارتها وتقديم النذور للقائمين عليها. وأوضح أيضاً استفحال البدع والخرافات بين طبقات المجتمع الحجازي دون استثناء، الأمر الذي أدى إلى أن صدق الرحالة المغاربة بعضها فكانوا مهيئين لقبولها فضمنوها كتاباتهم، وهناك بدع لم يصدقوها فنبهوا إليها وأشاروا إلى بطلانها. وهذا يعطينا تصوراً واضحاً عن ضعف الحالة الدينية في ذلك العصر. وأثبت هذا الكتاب أيضاً أن أغلب ما وجد من أماكن نسبت للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، إنما ألحقت نسبتها إليهم بعد أزمنة طويلة وذلك يؤكد عدم صحة هذه النسبة. ورأينا ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن وجد في بعض الأوقات من يقوم بذلك، ولكن ينتهي الأمر بمجرد وفاته أو انتهاء مدة عمله. الجانب الاجتماعي:

برهن هذا الكتاب على تعدد الأجناس في المجتمع الحجازي، واختلفت تركيبته السكانية بسبب مركزه الديني في نفوس المسلمين، حيث شكل المجاورون بأجناسهم المختلفة نسبة كبيرة. وبسبب اختلاف التركيبة السكانية في الحجاز ومكانته الدينية أظهر الكتاب عادات وتقاليد وافدة مع هؤلاء الأجناس انفرد بها عن سائر الأقطار الإسلامية. انفرد بعض الرحالة المغاربة برصد الحياة الاجتماعية في الحجاز وخاصة لمن طالت مجاورته، وهذه الناحية هي التي أغفلها كثير من المؤرخين كما أوضح ذلك هذا الكتاب. عاش أهل المدينة المنورة حياة مترفة في حين يتعود أهل مكة المكرمة على مثل ذلك. تميزت الحياة الاجتماعية في المدينة المنورة بتفوق نفوذ المرأة على الرجل وتحكمها فيه مقارنة بالمناطق الأخرى في الحجاز. الجانب السياسي: ثبت أن الاضطراب السياسي قد عم الحجاز داخلياً في بعض الأزمنة التي يتناولها البحث بسبب تصارع الأمراء الأشراف فيما بينهم على الإمارة، كما تصارع الأمراء الأشراف مع أمراء الحج وباشوات جدة لإحكام السيطرة. اكتفت الدولة العثمانية خلال تلك المدة بعزل الأمراء الأشراف عند تفاقم الاضطرابات وتعيين غيرهم من الأسرة نفسها. كان لباشوات جدة ومصر اليد الطولى في تسيير أمور الحجاز وكذلك أمراء الحج حتى كان بإمكانهم عزل الأمراء الأشراف وتعيينهم؛ وهو ما سبب كثيراً من الفوضى والاضطرابات السياسية أحياناً. ربطت الحجاز رسمياً بالدولة العثمانية وأصبحت إقليماً تابعاً لها يضم مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة وينبع والطائف، وإن كان إقليم الحجاز يتمتع بمميزات لا تتمتع بها سائر أقاليم الدولة العثمانية. ارتبط الأمن والهدوء في الحجاز بقوة شخصية الشريف الحاكم ومدى سيطرته على الأوضاع وشؤون القبائل. كان مبدأ الاشتراك في تولية شؤون الإمارة في الحجاز قائماً بدلاً عن ولاية العهد خلال تلك المدة، وكان الشريك مخولاً للبت في الأمور وأخذ حصة من واردات الإمارة الاقتصادية. كان جنوب الحجاز هو المنفى الاختياري للأمراء الثائرين المطالبين بالإمرة بعد فشل توراثهم، يقصدونها إما لتجميع قوتهم ومن ثم العودة لمحاولة الاستيلاء على الإمارة، ويكون ذلك بقطع الطريق وفرض الحصار الاقتصادي الذي يتضرر منه أهل الحجاز ومجاوروه. وأوضح هذا الكتاب أنه في وقت المواسم كانت القوانين والأحكام لا تطبق بدقة، وذلك يؤدي إلى انتشار حالات السرقة وضعف الأمن خلال الحج والعمرة، ولكن الأوضاع تعود إلى ما كانت عليه بعد رحيل الحجاج. وأيضاً كان اهتمام الحراس بالشريف سبباً في إهمال المرافق العامة في المشاعر المقدسة والمباني التي يسكنها الحجاج وطرق القوافل، الأمر الذي يزيد في ضعف الأمن والأمان لضيوف الرحمن. ورأينا أن الدولة العثمانية كانت تولي الحجاز عناية خاصة فحصنت الثغور المحيطة بمكة المكرمة والمدينة المنورة، وكانت هناك عناية خاصة بمدينة جدة التي قد تتعرض لهجوم خارجي. الجانب الاقتصادي: برهن هذا الكتاب في هذا الجانب أن استمرارية وصول الأعطيات والصدقات وهطول الأمطار يعقبه رخاء اقتصادي عميم مع هبوط في الأسعار وتوافر السلع والحاجات والعكس صحيح. وأيضاً إتقان أهل الحجاز مهناً عديدة منها الصياغة والزراعة والبناء. وأيضاً وجود جالية مغربية أتقنت مزاولة الزراعة، بل وألفوا فيها الكتب، ما أدى إلى امتلاكهم للأراضي واستصلاحها، خاصة في المدينة المنورة التي عرفت بخصوبة تربتها وكثرة مياهها. وجد من أمراء مكة المكرمة الأشراف من التفت إلى الإصلاح الذي يخدم عموم الحجاج كإنشاء الأسبلة وحفر الآبار وامتلاك المزارع التي تمد المدينتين بالمنتجات الزراعية، وكذلك بناء الحصون والقلاع للحراسة.

وأثبت هذا الكتاب الاهتمام الكبير من قبل الدولة العثمانية بجميع ما يخص الحرمين الشريفين من إصلاح وترميم، بل وإعادة البناء إذا اقتضى الأمر، وهبتها للمساندة والمساعدة بلا حدود عند نزول الكوارث بالحجاز وخاصة السيول المدمرة، وكذلك اهتمامها بتعبيد الطرق وإقامة العلاقات وحفر الآبار لتسهيل أمر المسافرين. معرفة أهل الحجاز لجميع أساليب المعاملات التجارية من بيع وشراء ومقايضة ورهن وغيرها، وظهور عملات محلية حجازية مثل المحلق والمائدية والحرف. الجانب العمراني: برهن هذا الكتاب أن هذا الجانب حظي بعناية سلاطين آل عثمان، وخاصة فيما يتعلق بعمارة المسجدين المكي والمدني كلما اقتضى الأمر ذلك، وتمهيد طرق الحج وحفر الآبار لتسهيل أمور الحجاج. كما عرفت أنماط معمارية تلائم بيئة كل مدينة كالتي عرفت في جدة مثلاً، كما استخدم البناء المتعدد الأدوار والملائم لتعاليم الإسلام من حيث عزل القسم الخاص بالضيوف عن باقي أرجاء المنزل. ومما استنتج عن الرحالة المغاربة أنفسهم ما أثبته هذا الكتاب من: - اهتمام الرحالة المغاربة بتقصي أحوال السكان وخاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وينبع وجدة والقرى التي مروا عليها بحسب استطاعتهم. - كان معظم الرحالة المغاربة من أهل العلم الذين قوبلوا بالتبجيل والاحترام في المدينتين المقدستين، بل وتصدرهم للتدريس وإلقاء القصائد الشعرية في مدح خصالهم لذيوع شهرتهم العلمية وعلو مكانتهم الاجتماعية. - كان معظم الرحالة المغاربة يحملون كتب رحالة سابقين لهم للمقارنة وإضفاء الجديد وتصحيح بعض الأخطاء التي وقع فيها من سبقهم، وأيضاً النقل عنهم في أحيان كثيرة، سواء للأمور التي لم يتسن لهم رؤيتها أو لبعد العهد والنسيان، أو لعدم تغير الأوضاع. وهذا الأمر كان من أهم خصائص الرحلات المغربية ومميزاتها. فحمل كتاب الرحلة عند الرحالة المغاربة كان بمثابة التزود بدليل يهديهم لما هم مقبلون عليه. - ظهر في ذلك الوقت الرسم إلى جانب الوصف لتقريب ما أرادوا توضيحه ولاسيما للمسجدين المكي والمدني وبعض الأماكن المأثورة والمشهورة. فهذا الأمر لم يكن في الرحلات المغربية السابقة. - كان خروج الرحالة المغاربة أساساً للحج والزيارة ومن ثم طلب العلم. - اعتاد الرحالة المغاربة على الخروج في رحلاتهم الحجازية ومعهم رفيق أو قريب يكون مصاحباً لهم طوال الرحلة. - لم يكن الرحالة المغاربة وقت رحلتهم صغار السن، بل كانوا رجالاً خبروا الحياة وعركوها. - ظهر نوع من كتابات الرحلات، يكون السبب الرئيس في كتابتها مصاحبة شخصية بارزة في الرحلة، فتقيد لتسجيل أفعال هذا الشخص كرحلة القادري واليوسي. - اعتناء بعض الرحالة المغاربة كالقيسي وأبي مدين بكتابة رحلتهم على هيئة أبواب وفصول يندرج تحتها عناوين للتسهيل على القارئ عند استخراجه أي معلومة يريدها.

من قتل الحسين رضي الله عنه

من قتل الحسين رضي الله عنه ¤عبدالله بن عبدالعزيز£بدون¥دار الأمل - القاهرة¨بدون¢بدون€تاريخ¶دراسات تاريخية الخاتمة: وفي ختام هذا البحث أحدد النتائج التي توصلت إليها وهي: 1 - أن أهل الكوفة هم الذين كتبوا إلى الحسين رضي الله عنه وطلبوا منه المجيء وما لبثوا أن خذلوا رسوله مسلم بن عقل وغدروا به ثم جاء الدور على الحسين لينال منهم ما ناله مسلم ابن عقيل، وليس الحسين الوحيد الذي غدر به الشيعة بل غدروا قبله بأبيه وأخيه ثم من بعده أئمة أهل البيت رضي الله عنهم. 2 - أن من حب علي وأهل بيته للصحابة أن سموا أبناءهم بأسمائهم كأبي بكر وعمر وعثمان، والمرء يختار لأبنائه الأسماء المحببة إلى قلبه. 3 - أن ما يسمى بالشعائر الحسينية طقوس لم تكن على عهد الأئمة وإنما أحدثت في عصور متأخرة، فالنوح واللطم ولبس السواد محرم إجماعاً كما سبق نقله عن علمائهم. 4 - ينكر الشيعة صوم عاشوراء ويلصقونه بالأمويين، وقد تم إثبات صيام هذا اليوم من كتبهم. 5 - يجيز الشيعة البناء على القبور رغم ثبوت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك من رواياتهم وإجماع علمائهم. ولا يفوتنا في خاتمة هذا المبحث إلا أن نبين لكل شيعي أنه ليس ملزماً بدفع الخمس إلى من يسمون بالسادة ونواب الإمام لسببين: الأول: أن الخمس لا يدفع إلا من غنائم الحرب خاصة بدليل ما رواه عبدالله بن سنان قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: "ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة". وعن أبي عبدالله وأبي الحسن عليهما السلام: "ليس الخمس إلا في الغنائم". الثاني: أن الأئمة أباحوا الخمس لشيعتهم، فعن ضريس الكناسي قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: أتدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري فقال: من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم ولميلادهم. وعن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: "إن أمير المؤمنين عليه السلام حللهم من الخمس يعني الشيعة ليطيب مولدهم". وهناك روايات كثيرة تعفي الشيعة من دفع الخمس أعرضنا عنها خشية الإطالة، قال شيخ الطائفة الإمامية أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي: "فأما في حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالأخماس وغيرها فيما لا بد لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن". وبمثل هذا أفتى المحقق المحلي في شرائع الإسلام، ومحمد باقر السبزواري في ذخيرة المعاد والملا حسن الملقب بالفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع وغيرهم من العلماء المعتمدين، وعلى هذا لا يوجد ما يلزم الشيعي بدفع الخمس بل الأدلة على خلافة. هذا ما يسر الله لي كتابته سائلا المولى عز وجل أن ينفع به والحمد لله حمداً كثيراً، وصلى الله على محمد وآله وسلم. المؤلف السبت الثاني من رمضان 1422هـ الموافق 17/ 11/2001م

منهج كتابة التاريخ الإسلامي

منهج كتابة التاريخ الإسلامي ¤محمد بن صامل العلياني السلمي£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1406هـ€تاريخ¶دراسات توثيقية ومنهجية نتائج البحث: الحمد لله الذي هدانا وأعاننا على إخراج هذا البحث في الصورة التي يراها القارئ ولقد أوضحت هذه الدارسة: - ضرورة الربط بين العلم والعمل به حتى يؤتي العلم ثماره ولكي يصح العمل ويستقيم السلوك، وأن العلم إنما يتلقى لأجل العمل. – بطلان المنهج القائم على طلب " العلم للعلم" و " الفن للفن" و" والأدب للأدب" لأن تلقي العلم في الإسلام محكوم بضوابط شرعية في منهجه وفي أهدافه وفي وسائله كما أنه مرتبط بالغاية الأساسية من خلق الإنسان ووظيفته في هذا الكون. – أهمية علم التاريخ وفائدته في التعريف على السنن الربانية وملاحظتها من خلال الأحداث المتعاقبة، ومعرفة المعالم المهمة في تاريخ البشرية، والتأكيد على إثبات مجموعة من الحقائق الكبيرة في حياة الإنسان وأن دراسة التاريخ ليست قاصرة على سرد الحوادث ومعرفة سنين الوفيات، وخاصة في عصرنا الحاضر الذي صار في التاريخ أحد الأسلحة التي تستخدم في مجال وصياغة الأفكار ونشر المذاهب وتأييدها، كما أنه قد أصبح يأخذ مكانته ودوره في الصراع العقائدي بين الأمم، فدراسة التاريخ وتفسيره مرتبطة بالعقائد والتصورات والأفكار التي يحملها الباحثون والكتاب. ولأجل هذا الأثر الخطير الذي تؤديه الدراسات التاريخية فقد كان من أول ما اعتنى به الاستشراق كما كان من أقوى الأسلحة التي استخدمها الغزو الفكري الأوروبي للبلاد الإسلامية وبث أفكاره وعقائده وأخلاقه وتثبيت دعائم استعماره من خلاله. – وجوب الالتزام بالمنهج الإسلامي في الدراسة التاريخية، وأن هذا الالتزام ضرورة علمية ووظيفة شرعية وحاجة إنسانية، الإخلال بها إخلال بموازين العلم الصحيحة وبالأحكام الشرعية، ويسبب نقصا كبيرا في الدراسة وتشويها للوقائع التاريخية، بل يسبب انحرافا خطيرا في التفسير والفهم والسلوك تجاه الأحداث التاريخية. – بيان المصادر التي يستقي منها المنهج الإسلامي لكتابة التاريخ وأنها تنقسم إلى قسمين: 1 - مصادر طريق إثبات الحقائق، وقد رسم العلماء المسلمون لذلك مناهج غاية في الدقة والإتقان خاصة مناهج علماء الحديث النبوي. 2 - مصادر تفسير الحوادث والحكم عليها وهذه متعلقة بالتصورات والعقائد فلا بد من تلقيها من المصادر الشرعية، لكي يستقيم منهج التفسير وتصح الأحكام التاريخية وأنه لا يجوز في هذا الجانب الاستقاء من أي مصدر آخر. – بيان خصائص المنهج الإسلامي في كتابة التاريخ، ومن أهم هذه الخصائص التميز في التصور والمفاهيم وأن هذا التميز يوجب الاستغناء والاستقلال عن كافة المناهج البشرية ومفاهيمها الوضعية، ومن أبرز المفاهيم في هذا المجال معرفة التصور الصحيح في الإسلام عن الإنسان، والكون، والحياة، وارتباطها بالخالق جل وعلا، لأن هذه العناصر هي إطار الحركة التاريخية ومجالها، كما أن التصور الصحيح عنها هو مفرق الطريق وأس الخلاف في النظرة إلى التاريخ بين المسلم وغير المسلم لأن التصور العقدي هو الذي يحكم مناهج البحث ويمدها بالمقاييس والموازين التي تضعها، فإذا كان التصور صحيحا كانت المقاييس صحيحة، ذلك أن المناهج إنما هي أثر من آثار التصور العقدي، وتابعة له ومتأثرة به، كما أنها وسيلة من وسائل تحقيقه في الواقع العملي. وهذا المنهج له وسائل وغايات ترتبط كلها وتنبثق من الغاية الأساسية من خلق الإنسان {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات،

- بيان جملة من القواعد المهمة التي يجب أن يراعيها المسلم في كتابة التاريخ الإسلامي وفي تدريسه، ومن أهم هذه القواعد: 1 - معرفة الحكم الشرعي في المخلفات والآثار الحضارية عن الأمم السابقة. 2 - معرفة حق الصحابة رضي الله عنهم والمواقف من الفتن التي وقعت في عصرهم. 3 - التفريق بين أخطاء البشر وأحكام الإسلام. 4 - اعتماد المصادر الشرعية وتقديمها على كل مصدر. 5 - معرفة حدود الأخذ من كتب أهل الأهواء والزندقة. 6 - معرفة ضوابط الأخذ من كتب غير المسلمين. 7 - الالتزام بالعقيدة الإسلامية وأحكامها والتركيز في الدراسة عل الأهداف والغايات. 8 - إبراز دور الأنبياء عليهم السلام وأثر الوحي الذي جاؤوا به في تاريخ البشرية. 9 - تحري استعمال المصطلحات الإسلامية. إلى غير ذلك من القواعد الموضحة في مواضعها. – بيان كيفية التدوين والمراحل التي مر بها تدوين التاريخ الإسلامي مع الرد على المزاعم الباطلة بأن العلم الإسلامي قد جرى نقله رواية شفوية دون تدوين طوال القرن الأول الهجري وحتى منتصف القرن الثاني، وإيضاح أن التدوين غير التأليف. – تعدد الموضوعات التي شملها التدوين التاريخي في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة النبوية وأن ذلك راجع إلى سعة المفهوم التاريخي عند العلماء المسلمين. – أن السيرة النبوية قد لقيت عناية فائقة في التدوين والتأليف وفي النقد والتحقيق على يد علماء الحديث النبوي زيادة على اهتمام المؤرخين بها بشكل مستقل أو ضمن مؤلفاتهم في التاريخ العام، وأنها قد وصلتنا ولله الحمد، من طرق مأمونة ولم يتفرد الإخباريون والمتكلم في عدالتهم بنقلها. – عرض مناهج مجموعة من المؤرخين المسلمين، وقد اتضح أن مناهجهم في التأليف متعددة الصور، فيها سلبيات وإيجابيات وهم ليسوا سواء في التدقيق والثقة وإيضاح المصادر، فإن منهم من التزم بالإسناد بصفة عامة مثل خليفة بن خياط وأبي عبيد وابن شيبة والبلاذري وأبي زرعة وابن عبدالحكم والطبري. ومنهم من ذكر الأسانيد لكنه يجمعها مرة ويفردها مرة مثل ابن إسحاق والواقدي وابن سعد ومنهم ترك الأسانيد بالكلية واكتفى بإيضاح بعض المصادر إما في المقدمة أو أثناء الكتاب، مثل الدينوري واليعقوبي. – ولقد شارك في تدوين أخبار التاريخ الإسلامي وروايتها مجموعة من الرواة والإخباريين والمؤرخين، الضعفاء أو المتهمين والمطعون في عدالتهم من أتباع الفرق الضالة كالشيعة والخوارج والشعوبية والزنادقة، لذا فإنه لا بد من معرفة عقائد الرواة وأقوال علماء الجرح والتعديل فيهم مع التدقيق في الكتب والمرويات التي تأتي عن طريقهم.

مواقف المعارضة في خلافة يزيد بن معاوية

مواقف المعارضة في خلافة يزيد بن معاوية ¤محمد بن عبد الهادي الشيباني£بدون دار البيارق - الأردن¨الأولى¢بدون€تاريخ¶تاريخ - وقائع منوعة وأحداث متفرقة الخاتمة لعل هذه الدراسة التي تناولت يزيد بن معاوية وبيعته وموقفه من المعارضة، تطمح إلى تقديم صورةٍ متكاملة الإطار التاريخي لتلك الفترة السياسية الحرجة. فيزيد بن معاوية شخصيةٌ طال حولها الجدل، فقد حامت حول شخصيته شبهات كثيرة، واختلفت وجهات النظر فيه وفي خلافته، فانبرى البعض للدفاع عنه، وانبرى البعض الآخر لاتهامه بشتى الاتهامات، فمسخ شخصيته، وشوه العهد الذي تولى فيه خلافة المسلمين. وعندما عايشت هذا البحث مدَّةً طويلة -حوالي الأربع سنوات- وجدت أن كثيراً من الاتهامات تتهافت أمام النقد والبحث العلمي، استناداً إلى الأسانيد الصحيحة التي وصلت إليها عن تلك الفترة. ولعل أهم النتائج التي توصل إليها البحث: أولاً: فيما يتعلق ببيعة يزيد بن معاوية: لقد تبين من خلال دراسة الروايات التي وردت بشأن علاقة المغيرة بن شعبة ببيعة يزيد، أنه لم يكن هو المتسبب الرئيسي في حمل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على التفكير الجدي ببيعة ولده يزيد. ولقد جاءت الروايات التي تبرز دور المغيرة بن شعبة في حمل معاوية على مبايعة ولده يزيد، نتيجة لحرص المغيرة على الرجوع مرةً ثانيةً لولاية الكوفة. وقد حقق له معاوية هذه الأمنية في مقابل أن يهيئ الرأي العام في الكوفة لتقبل بيعة يزيد بولاية العهد -على حسب سياق الرواية-. وتتبدد هذه الرواية التي لم يكتب لها إسنادٌ موثق، أمام إحدى الروايات الصحيحة التي أكَّدت على أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قد تم عزله بالفعل، وتلوى زياد بن أبي سفيان إمارة الكوفةِ بدلاً منه. وأضحت كل الدراسات التي تناولت بيعة يزيد بن معاوية وألقت باللائمة في ذلك على الصحابي الجليل: المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-، في وضعٍ يحتاج فيه إلى تعديل يتفق مع النتائج الصحيحة التي توصل إليها البحث في هذا الموضع، وفي غيره من المواضع الأخرى. ومن النتائج المهمة التي توصل إليها البحث: التحديد الدقيق لوفاة سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، والحسن بن علي رضي الله عنهم، وبالتالي فإن البيعة ليزيد بولاية العهد إنما جاءت بعد رحيل هؤلاء الصحابة الأجلاء. ومن النتائج المهمة أيضاً: التوصل إلى دحض تلك الافتراءات التي ربطت بين وفاة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والحسن بن علي -رضي الله عنهم-، وبين أخذ البيعة ليزيد بن معاوية. وذلك بعد إخضاع تلك الروايات -التي تزعم تورط معاوية رضي الله عنهما بدس السم لهما حتى تخلو الساحة من المعارضين لبيعة يزيد- إلى دراسةٍ نقديةٍ تحليلية، أظهرت كذب تلك الاتهامات، وبينت أنها ناتجة عن دوافع حزبية بغيضة. كما أظهرت الدراسة: أن البنود الرئيسية لاتفاقية الصلح بين الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان، لم تتضمن النص على تعيين الحسن بن علي خليفةً للمسلمين بعد وفاة معاوية -رضي الله عنه-. ومن النتائج المهمة: أن الكيفية التي بايع بها أهل الحجاز ليزيد بن معاوية كانت واضحةً لا لبس فيها، وأن الرواية التي ذكرت أن بيعة أهل الحجاز ليزيد بن معاوية أخذت منهم والسيوف مصلتةٌ على رؤوس الصحابة -رضي الله عنهم- رواية ضعيفة جداً لا يمكن أن تعارض الروايات الصحيحة التي أوضحت كيفية أخذ البيعة ليزيد بن معاوية. ومن الأمور الجديرة بالملاحظة، وهو أن المعارضة ليزيد بن معاوية لم تكن بتلك الصورة التي صورتها بعض الروايات، ولقد بولغ في إظهار يزيد على أنه شخصية تجمع كل الأطراف على عدم رضاها عن توليه الخلافة من بعد أبيه.

بل إن هناك ما يصل إلى حد الإجماع بين الأطراف الفاعلة في كلٍ من بلاد الشام والعراق، وحتى في داخل الأسرة الأموية، على الرضا التام بترشيح يزيد لأن يكون ولياً للعهد. ثانياً: معارضة الحسين رضي الله عنه: لقد صورت بعض الروايات -وبالأخص ذات الميول الشيعية- معارضة الحسين رضي الله عنه ليزيد بن معاوية ومن ثم خروجه إلى العراق، على أنها نتاج طبيعي للجور والظلم الذي تعرض له الحسين رضي الله عنه على يد يزيد بن معاوية. ولكن الدراسة أظهرت زيف تلك المزاعم، فالحسين رضي الله عنه، خرج من المدينة إلى مكة حينما وردت الأخبار من بلاد الشام بوفاة معاوية رضي الله عنه، ومكث في مكة قرابة الأربعة أشهر وهو معارضٌ ليزيد ورافضاً البيعة له بالخلافة، وذلك في الوقت الذي تتوافد عليه رسائل أهل الكوفة وتستحثه على الخروج إليهم، وطوال إقامته في مكة لم يتعرض له يزيد أو أحدٌ من أمراء مكة والمدينة بأي أذى. وبالتالي كان خروجه إلى الكوفة نتيجةً لتلك العهود والأماني التي جاءته من الكوفة، والتي تظهر له الوضع هناك بأنه مهيئاً تماماً لقدومه. وحينما خرج الحسين رضي الله عنه إلى الكوفة، لم يوافقه أحدٌ من الصحابة أو أقاربه على خروجه، الأمر الذي يظهر معرفة أولئك الناصحين للحسين بخطورة الوضع الذي يقدم عليه، بل إن البعض من الصحابة الذين نصحوه ودَّعوه الوداع الأخير. ومن الأمور التي توصَّل لها البحث: هو أن يزيد بن معاوية لا يتحمل شيئاً من مسؤولية قتل الحسين رضي الله عنه. وقد أثبتت الدراسة حزن يزيد وبكائه حينما ورده الخبر بمقتل الحسين، وعندما قدم عليه في دمشق آل الحسين رضي الله عنه من نساء وصبيان، بالغ في احترامهم وتقديرهم وذلك حتى يخفف عليهم ألم المصيبة، ثم بعد إكرامهم، أرسلهم إلى المدينة معززين مكرمين، وطلب من علي بن الحسين أن يكتب له في أي شيء يريده. وقد أثبتت الدراسة في مقابل ذلك كذب تلك الروايات التي تظهر أن أبناء الحسين حملوه إلى دمشق على أنهم سبايا، وعُرض نساؤه وأبناؤه أمام أهل الشام، وأظهر بعض الناس الرغبة في أخذ بعض بنات الحسين، إلى ما سوى ذلك من الافتراء والبهتان. كما توصلت الدراسة إلى أن رأس الحسين -رضي الله عنه- أرسل به يزيد إلى والي المدينة وقبل عند أمه فاطمة -رضي الله عنها- بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي المقابل أثبتت الدراسة أن المشاهد المقامة في أماكن كثيرةٍ من البلدان، والتي كل منها يدعي أصحابه أن رأس الحسين مقبورٌ فيها، لا أساس لها من الصحة، إضافةً إلى ما يجري عند تلك المشاهد من أنواع الشرك والضلالات التي هي مخالفةٌ لأصل الإسلام وروحه. ثالثاً: معارضة أهل المدينة ومعركة الحرة: لقد توصلت الدراسة إلى أن العلاقة بين حركة أهل المدينة ومعارضة ابن الزبير علاقة كبيرة، بل إن التشابك بين المعارضتين يبلغ الحد الذي يجعل أحد شهود العيان في تلك الفترة يقول: أن أهل المدينة خرجوا على يزيد مع ابن الزبير (¬1). ولعل اتهام يزيد بشرب الخمر وتناقل هذا الاتهام بشكلٍ كبيرٍ بين أفراد المدينيين، ومن ثم إظهار هذا الاتهام على أنه الدافع الرئيس لخروجهم على يزيد، ما هو إلا غطاء لرفض خلافة يزيد والتأييد الواضح لابن الزبير رضي الله عنه. ولعل الرفض لا يشمل شخص يزيد فقط دون غيره من أفراد البيت الأموي، بل إن ذلك الرفض يتعدى يزيد ليشمل كل أفراد البيت الأموي، ويتضح هذا الأمر في موقف أهل المدينة من الأمويين الساكنين في المدينة، حينما أخرجوهم بالقوة وتحت تهديد السلاح. كما لم يثبت من خلال استعراضنا للروايات، وإخضاعها للنقد والتحليل، أي دليلٍ صريحٍ وواضحٍ في أن يزيد يتعاطى شرب الخمر. ¬

(¬1) وهو قول نافع مولى ابن عمر.

وقد أبرزت الدراسة من خلال مواقف بعض كبار شخصيات أهل المدينة من خلع يزيد، ورفضهم لذلك، من أمثال ابن عمر، ومحمد بن الحنفية، وعلي بن الحسين، على أن موجبات خلع يزيد لم تتحقق، وكان في رف أهل المدينة لمناقشة ابن عمر ومحمد بن الحنفية بشأن خلع يزيد بن معاوية ما يؤكد الدوافع المسبقة للمدينيين، والمتضامنة مع ابن الزبير في رفضهم لخلافة يزيد خصوصاً، وللبيت الأموي عموماً. كما توصلت الدراسة إلى بيان تهافت الروايات التي زعمت بوقوع حالات اغتصاب كبيرة للنساء المدنيات، وذلك حينما أخضعت تلك الروايات للدراسة النقدية والتحليلية، والمنهج العلمي المتجرد من الميول على قدر الطاقة، والاستطاعة. رابعاً: معارضة ابن الزبير -رضي الله عنه- وحصاره بالحرم المكي: نظراً لأن الصراع بين ابن الزبير ويزيد بن معاوية لم يأخذ الصفة العسكرية إلا في أواخر أيام يزيد بن معاوية، فإن الفترة التي عالجها البحث في ذلك الإطار تتميز بالاقتضاب إذا ما قورنت بالفترة التي استعرضت معارضة الحسين رضي الله عنه أو حركة أهل المدينة، ولكن مع ذلك فقد توصلت الدراسة إلى بعض النتائج المهمة مثل: رغبة يزيد بن معاوية في تجنب حرب ابن الزبير، ويبدو ذلك واضحاً من خلال الرسائل والوفود الذين وسَّطهم يزيد عند ابن الزبير ليتخلى عن معارضته. ومن النتائج المهمة: هو أن حصار ابن الزبير -رضي الله عنه- في داخل الحرم، ورمي أهل الشام له بالمنجنيق لا يقصد بذلك إهانة البيت، بقدر ما يقصد ابن الزبير ومن معه من المعارضين للخليفة. وكذلك فإن احتراق الكعبة -سواءً كان هذا الاحتراق جاء بسبب الشاميين أو بسبب أتباع ابن الزبير، أو حتى ابن الزبير نفسه- لم يكن مقصوداً به الكعبة ذاتها، وذلك لأن لها المنزلة العظيمة في نفوس كلا الفريقين. ولابد من كلمةٍ أخيرةٍ حول يزيد بن معاوية والمعارضين له. فنقول أن يزيد لم تستقر له الأمور مدة خلافته حتى يمكن لنا من خلال تلك الفترة أن نحكم على مدى صلاحه لرئاسة الدولة وخلافة الأمة. فقد جوبه يزيد بالمعارضة من أول يوم تسلَّم فيه منصب الخلافة، ثم إن الذين عارضوه يمثلون أفضل عصرهم -الحسين بن علي، وابن الزبير رضي الله عنهم- فمهما كان يزيد على جانبٍ من الحق فإن الشعور بتخطئته سيكون هو المسيطر على غالبية الناس وذلك لمكانة المعارضين. ثم إن الظروف السياسية التي كانت سائدةً في ذلك العصر، هي التي مهَّدت السبيل إلى افتعال الكثيرِ من الاتهامات الموجهةِ ضد يزيد. ويبدو أن يزيد كان ميالاً إلى السلم، ويرغب في عدم تصعيد المواجهة مع معارضيه، ولما لم يجد بُداً من المواجهة لجأ إلا استخدام القوة التي صاحبها الكثير من العنف. لقد كان يزيد بين ثلاثة خيارات: 1 - التنازل عن الخلافة نزولاً عند رغبة المعارضة. 2 - السكوت عن انفصال بعض الأقاليم المهمة عن الدولة. 3 - القضاء على المعارضين والحفاظ على هيبة الدولة ووحدتها. إن لجوء المعارضة إلى السيف جعل يزيد في موقعِ المدافع الخائف على سلطانه ونفسه. وقد لازم هذا الشعور كل الخلفاء فيما بعد، فإما أن يقضي الخليفة على عدوه الذي يمثل المعارضة، وإما أن يقضي عدوه عليه. أي المعارضة. لقد فقدت المعارضة روح التفاهم مع السلطة الحاكمة، منذ فجر التاريخ الإسلامي، وكانت تلجأ إلى السيف كوسيلة للاحتكام، والسلطة تلجأ إلى السيف كردة فعل إزاء المعارضة، والغلبة -في الغالب- لصالح السلطة وذلك بسبب إمكانياتها الكبيرة. ولقد أفضى انتصار السلطة وبطشها بالمعارضين إلى نزعة الاستبداد التي هيمنت على كثيرٍ من خلفاء المسلمين، وحكامهم على مدى فترات التاريخ الإسلامي، وإلى ابتعاد الشخصيات التي يمكن الاستفادة منها عن مواطن اتخاذ القرار، فهؤلاء المعارضون لا يرون أملاً في صلاح الحاكم، والحاكم لا يأبه بالمعارضين لتفوقه الساحق عليهم. الأمر الذي أوجد خللاً في نظام حكم بعض الدول الإسلامية، وانعدمت روح الشورى، وروح التناصح، والرغبة في مصلحة الأمة، وذلك وفق الضوابط الشرعية المفضية إلى سعادة الدنيا والآخرة. والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،

مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية (60 - 64هـ)

مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية (60 - 64هـ) ¤محمد بن عبدالهادي الشيباني£بدون¥دار طيبة- الرياض¨الثانية¢1430هـ€تاريخ¶تاريخ - الدولة الأموية الخاتمة: لعل هذه الدراسة التي تناولت يزيد بن معاوية وبيعته وموقفه من المعارضة، تطمع إلى تقديم صورة متكاملة الإطار التأريخي لتلك الفترة السياسية الحرجة. فيزيد بن معاوية شخصية طال حولها الجدل؛ فقد حامت حول شخصيته شبهات كثيرة، واختلفت وجهات النظر فيه وفي خلافته، فانبرى البعض للدفاع عنه، وانبرى البعض الآخر لاتهامه بشتى الاتهامات، فمسخ شخصيته، وشوه العقد الذي تولى فيه خلافة المسلمين. وعندما عايشت هذا البحث مدة طويلة – حوالي أربع سنوات – وجدت أن كثيراً من الاتهامات تتهافت أمام النقد والبحث العلمي، استناداً إلى الأسانيد الصحيحة التي وصلت إلينا عن تلك الفترة. ولعل أهم النتائج التي توصل إليها البحث: أولاً: فيما يتعلق ببيعة يزيد بن معاوية: • لقد تبين من خلال دراسة الروايات التي وردت بشأن علاقة المغيرة بن شعبة ببيعة يزيد، أنه لم يكن هو المتسبب الرئيسي في حمل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على التفكير الجدي ببيعة ولده يزيد. ولقد جاءت الروايات التي تبرز دور المغيرة بن شعبة في حمل معاوية على مبايعة ولده يزيد، نتيجة لحرص المغيرة على الرجوع مرة ثانية لولاية الكوفة. وقد حقق له معاوية هذه الأمنية في مقابل أن يهيئ الرأي العام في الكوفة لتقبل بيعة يزيد بولاية العهد، على حسب سياق الرواية. وتتبدد هذه الرواية التي لم يكتب لها إسناد موثق، أمام إحدى الروايات الصحيحة التي أكدت على أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قد تم عزله بالفعل، وتولى زياد بن أبي سفيان إمارة الكوفة بدلاً منه. وأضحت كل الدراسات التي تناولت بيعة يزيد بن معاوية وألقت باللائمة في ذلك على الصحابي الجليل: المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في وضع يحتاج فيه إلى تعديل يتفق مع النتائج الصحيحة التي توصل إليها البحث في هذا الموضع، وفي غيره من المواضع الأخرى. • ومن النتائج المهمة التي توصل إليها البحث: التحديد الدقيق لوفاة سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، والحسن بن علي رضي الله عنهم، وبالتالي فإن البيعة ليزيد بولاية العهد إنما جاءت بعد رحيل هؤلاء الصحابة الأجلاء. • ومن النتائج المهمة أيضاً: التوصل إلى دحض تلك الافتراءات التي ربطت بين وفاة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والحسن بن علي رضي الله عنه، وبين أخذ البيعة ليزيد بن معاوية؛ وذلك بعد إخضاع تلك الروايات – التي تزعم تورط معاوية رضي الله عنه بدس السم لهما حتى تخلو الساحة من المعارضين لبيعة يزيد – إلى دراسة نقدية تحليلية، أظهرت كذب تلك الاتهامات، وبينت أنها ناتجة عن دوافع حزبية بغيضة. • كما أظهرت الدراسة: أن البنود الرئيسية لاتفاقية الصلح بين الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان، لم تتضمن النص على تعيين الحسن بن علي خليفة للمسلمين بعد وفاة معاوية رضي الله عنه. • ومن النتائج المهمة: أن الكيفية التي بايع بها أهل الحجاز ليزيد بن معاوية كانت واضحة لا بأس فيها، وأن الرواية التي ذكرت أن بيعة أهل الحجاز ليزيد بن معاوية أخذت منهم والسيوف مصلته على رؤوس الصحابة رضي الله عنهم رواية ضعيفة جداً لا يمكن أن تعارض الروايات الصحيحة التي أوضحت كيفية أخذ البيعة ليزيد بن معاوية. • ومن الأمور الجديرة بالملاحظة: هو أن المعارضة ليزيد بن معاوية لم تكن بتلك الصورة التي صورتها بعض الروايات، ولقد بولغ في إظهار يزيد على أنه شخصية تجمع كل الأطراف على عدم رضاها على توليه الخلافة من بعد أبيه.

بل إن هناك ما يصل إلى حد الإجماع بين الأطراف الفاعلة في كل من بلاد الشام والعراق، وحتى في داخل الأسرة الأموية، على الرضا التام بترشيح يزيد لأن يكون ولياً للعهد. ثانياً: معارضة الحسين بن علي رضي الله عنه: • لقد صورت بعض الروايات – وبالأخص ذات الميول الشيعية – معارضة الحسين رضي الله عنه ليزيد بن معاوية، ومن ثم خروجه إلى العراق، على أنها نتاج طبيعي للجور والظلم الذي تعرض له الحسين رضي الله عنه على يدي يزيد بن معاوية. ولكن الدراسة أظهرت زيف تلك المزاعم؛ فالحسين رضي الله عنه خرج من المدينة إلى مكة حينما وردت الأخبار من بلاد الشام بوفاة معاوية رضي الله عنه، ومكث في مكة قرابة الأربعة أشهر وهو معارض ليزيد ورافض البيعة له بالخلافة، وذلك في الوقت الذي تتوافد عليه رسائل أهل الكوفة وتستحثه على الخروج إليهم، وطوال إقامته في مكة لم يتعرض له يزيد أو أحد من أمراء مكة والمدينة بأي أذى. وبالتالي كان خروجه إلى الكوفة نتيجة لتلك العهود والأماني التي جاءته من الكوفة، والتي تظهر له الوضع هناك بأنه مهيأ تماماً لقدومه. وحينما خرج الحسين رضي الله عنه إلى الكوفة، لم يوافقه أحد من الصحابة أو أقاربه على خروجه، الأمر الذي يظهر معرفة أولئك الناصحين للحسين بخطورة الوضع الذي يقدم عليه، بل إن البعض من الصحابة الذين نصحوه قد ودعوه الوداع الأخير. • ومن الأمور التي توصل إليها البحث: هو أن يزيد بن معاوية لا يتحمل شيئاً من مسؤولية قتل الحسين رضي الله عنه. • وقد أثبتت الدراسة حزن يزيد وبكائه حينما ورده الخبر بمقتل الحسين، وعندما قدم عليه في دمشق آل الحسين رضي الله عنه من نساء وصبيان بالغ في احترامهم وتقديرهم؛ وذلك حتى يخفف عليهم ألم المصيبة، ثم بعد إكرامهم أرسلهم إلى المدينة معززين مكرمين، وطلب من علي بن الحسين أن يكتب له في أي شيء يريده. • وقد أثبتت الدراسة في مقابل ذلك كذب تلك الروايات التي تظهر أن أبناء الحسين حملوا إلى دمشق على أنهم سبايا، وعرض نساؤه وأبناؤه أمام أهل الشام، وأظهر بعض الناس الرغبة في أخذ بعض بنات الحسين، إلى ما سوى ذلك من الافتراء والبهتان. • كما توصلت الدراسة إلى أن رأس الحسين رضي الله عنه أرسل به يزيد إلى والي المدينة، وقبر عند أمه فاطمة - رضي الله عنها – بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. • وفي المقابل أثبتت الدراسة أن المشاهد المقامة في أماكن كثيرة من البلدان، والتي كل منها يدعي أصحابه أن رأس الحسين مقبور فيها، لا أساس لها من الصحة، إضافة إلى ما يجري عند تلك المشاهد من أنواع الشرك والضلالات التي هي مخالفة لأصل الإسلام وروحه. ثالثاً: معارضة أهل المدينة ومعركة الحركة: • لقد توصلت الدراسة إلى أن العلاقة بين حركة أهل المدينة ومعارضة ابن الزبير علاقة كبيرة، بل إن التشابك بين المعارضتين يبلغ الحد الذي يجعل أحد شهود العيان في تلك الفترة يقول: إن أهل المدينة خرجوا على يزيد مع ابن الزبير. ولعل اتهام يزيد بشرب الخمر وتناقل هذا الاتهام بشكل كبير بين أفراد المدينيين، ومن ثم إظهار هذا الاتهام على أنه الدافع الرئيسي لخروجهم على يزيد، ما هو إلا غطاء لرفض خلافة يزيد والتأييد الواضح لابن الزبير رضي الله عنهما. • ولعل الرفض لا يشمل شخص يزيد فقط دون غيره من أفراد البيت الأموي، بل إن ذلك الرفض يتعدى يزيد ليشمل كل أفراد البيت الأموي، ويتضح هذا الأمر في موقف أهل المدينة من الأمويين الساكنين في المدينة، حينما أخرجوهم بالقوة وتحت تهديد السلاح. • كما لم يثبت من خلال استعراضنا للروايات، وإخضاعها للنقد والتحليل، أي دليل صريح وواضح في أن يزيد يتعاطى شرب الخمر.

• وقد أبرزت الدراسة من خلال مواقف بعض كبار شخصيات أهل المدينة من خلع يزيد، ورفضهم لذلك؛ من أمثال: ابن عمر، ومحمد بن الحنفية، وعلي بن الحسين، أن موجبات خلع يزيد لم تتحقق، وكان في رفض أهل المدينة لمناقشة ابن عمر ومحمد بن الحنفية بشأن خلع يزيد بن معاوية ما يؤكد الدوافع المسبقة للمدينيين، والمتضامنة مع ابن الزبير في رفضهم لخلافة يزيد خصوصاً، وللبيت الأموي عموماً. • كما توصلت الدراسة إلى بيان تهافت الروايات التي زعمت بوقوع حالات اغتصاب كبيرة للنساء المدينيات؛ وذلك حينما أخضعت تلك الروايات للدراسة النقدية والتحليلية، والمنهج العلمي المتجرد من الميول على قدر الطاقة والاستطاعة. رابعاً: معارضة ابن الزبير – رضي الله عنهما – وحصاره بالحرم المكي: نظراً لأن الصراع بين ابن الزبير ويزيد بن معاوية لم يأخذ الصفة العسكرية إلا في أواخر أيام يزيد بن معاوية، فإن الفترة التي عالجها البحث في ذلك الإطار تتميز بالاقتضاب إذا ما قورنت بالفترة التي استعرضت معارضة الحسين رضي الله عنه، أو حركة أهل المدينة، ولكن مع ذلك فقط توصلت الدراسة إلى بعض النتائج المهمة مثل: • رغبة يزيد بن معاوية في تجنب حرب مع ابن الزبير؛ ويبدو ذلك واضحاً من خلال الرسل والوفود الذين وسطهم يزيد عند ابن الزبير ليتخلى عن معارضته. • ومن النتائج المهمة: هو أن حصار ابن الزبير رضي الله عنهما في داخل الحرم، ورمي أهل الشام له بالمنجنيق؛ لا يقصد بذلك إهانة البيت، بقدر ما يقصد ابن الزبير ومن معه من المعارضين للخليفة. وكذلك فإن احتراق الكعبة – سواء كان هذا الاحتراق جاء بسبب الشاميين، أو بسبب أتباع ابن الزبير، أو حتى ابن الزبير نفسه – لم يكن مقصوداً به الكعبة ذاتها؛ وذلك لأن لها المنزلة العظيمة في نفوس كلا الفريقين. ولابد من كلمة أخيرة حول يزيد بن معاوية والمعارضين له: فنقول: إن يزيد لم تستقر له الأمور مدة خلافته حتى يمكن لنا من خلال تلك الفترة أن نحكم على مدى صلاحه لرئاسة الدولة وخلافة الأمة. • فقد جوبه يزيد بالمعارضة من أول يوم تسلم فيه منصب الخلافة، ثم إن الذين عارضوه يمثلون أفضل عصرهم – الحسين بن علي، وابن الزبير رضي الله عنهم – فمهما كان يزيد على جانب من الحق فإن الشعور بتخطئته سيكون هو المسيطر على غالبية الناس؛ وذلك لمكانة المعارضين. • ثم إن الظروف السياسية التي كانت سائدة في ذلك العصر، هي التي مهدت السبيل إلى افتعال الكثير من الاتهامات الموجهة ضد يزيد. • ويبدو أن يزيد كان ميالاً إلى السلم، ويرغب في عدم تصعيد المواجهة مع معارضيه، ولما لم يجد بُدّاً من المواجهة لجأ إلى استخدام القوة التي صاحبها الكثير من العنف. لقد كان يزيد بين ثلاثة خيارات: 1 - التنازل عن الخلافة نزولاً عند رغبة المعارضة. 2 - السكوت عن انفصال بعض الأقاليم المهمة عن الدولة. 3 - القضاء على المعارضين والحفاظ على هيبة الدولة ووحدتها. • إن لجوء المعارضة إلى السيف جعل يزيد في موقع المدافع الخائف على سلطانه ونفسه. • وقد لازم هذا الشعور كل الخلفاء فيما بعد؛ فإما أن يقضي الخليفة على عدوه الذي يمثل المعارضة، وإما أن يقضي عدوه عليه؛ أي المعارضة. لقد فقدت المعارضة روح التفاهم مع السلطة الحاكمة منذ فجر التاريخ الإسلامي، وكانت تلجأ إلى السيف كوسيلة للاحتكام، والسلطة تلجأ إلى السيف كردة فعل إزاء المعارضة، والغلبة – في الغالب – لصالح السلطة؛ وذلك بسبب إمكانياتها الكبيرة. • ولقد أفضى انتصار السلطة وبطشها بالمعارضين إلى نزعة الاستبداد التي هيمنت على كثير من خلفاء المسلمين وحكامهم على مدى فترات التاريخ الإسلامي، وإلى ابتعاد الشخصيات التي يمكن الاستفادة منها عن مواطن اتخاذ القرار؛ فهؤلاء المعارضون لا يرون أملاً في صلاح الحاكم، والحاكم لا يأبه بالمعارضين لتفوقه الساحق عليهم. الأمر الذي أوجد خللاً في نظام حكم بعض الدول الإسلامية، وانعدمت روح الشورى، وروح التناصح، والرغبة في مصلحة الأمة، وذلك وفق الضوابط الشرعية المفضية إلى سعادة الدنيا والآخرة.

نهاية التاريخ دراسة شرعية تأصيلية جادة

نهاية التاريخ دراسة شرعية تأصيلية جادة ¤تركي بن عيسى العبدلي£بدون¥غراس - الكويت¨الأولى¢1425هـ€تاريخ¶دراسات توثيقية ومنهجية نتائج البحث: 1 - يرجع المسجد الأقصى للمسلمين فيعمرونه ويزورونه ويبقى اليهود في بقايا فلسطين. 2 - خروج أهل المدينة من المدينة لأمر سوء فتهجر ولا يعمرها إلا القليل وهو بخلاف الهجرة الكبرى آخر الزمان. 3 - تكون حرب عظيمة نتحالف مع الروم فيها ضد عدو من ورائنا ويكون النصر حليفنا من غير خسارة في صفوفنا. 4 - في خضم هذه الحرب يظهر المهدي ويبايع ويأتيه جيش لغزوه فيخسف به فيظهر المهدي على أعداء المسلمين. 5 - تجتمع الروم بجيش قوامه قرابة 960000 ألف جندي لقتالنا وتسمى هذه المواجهة "الملحمة العظمى" تكون جيوشنا بالغوطة بجانب دمشق وجيوش الكفار (الروم) بحلب أو حولها على الحدود التركية. 6 - يفتح الله للمسلمين بعد مقتلة عظيمة مع الروم فيسيرون حتى يفتحوا القسطنطينية ويفكوا أسرها من أيدي الكفار. 7 - بعد رجوع الجيش يخرج الدجال ويسير مسيرته الطويلة في الأرض خلال 439 يوما تقريبا، ويواكب خروجه تغير في ساعات الليل والنهار. 8 - يقاتل الدجال جيوش المسلمين وأشدهم عليه بنو تميم، لكن لا يستطيعون أن ينتصروا (وكل هذه الأحداث والمهدي بين أظهر المسلمين).

وثائق قرية العليا (1365 - 1380هـ/ 1945 - 1960م) – المحفوظة بمكتبة الملك فهد الوطنية – دراسة وثائقية

وثائق قرية العليا (1365 - 1380هـ/ 1945 - 1960م) – المحفوظة بمكتبة الملك فهد الوطنية – دراسة وثائقية ¤منى بنت عبدالله بن حمد الدخيل£بدون¥مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية-الرياض¨بدون¢1425هـ€تاريخ¶وثائق - العناية بها النتائج: بعد الانتهاء من هذا البحث الوثائقي العلمي، خرجت الباحثة بمجموعة من النتائج التالية: 1 - ينحصر عمل مراكز الوثائق في المملكة العربية السعودية في عملية الجمع والتصنيف دون الوصف للوثائق. 2 - عمل أداة لوصف وثائق قرية العليا على شكل جداول تتناسب وحجم الوثائق. 3 - تكمن أهمية وثائق قرية العليا في أنها تعكس الواقع الإداري للوحدات والهيئات الحكومية التي وردت في الوثائق، مثل: • إمارة قرية العليا. • جمارك الحدود: جمارك قرية، لوقة، لينة، الحفر، الدويد. • شرطة قرية العليا. • مأمورية الجوازات والجنسية بقرية العليا. • مركز البريد واللاسلكي بقرية العليا. • هيئة الحج بقرية العليا. 4 - عند فحص ودراسة الوثائق ظهرت العلاقة الوطيدة بين المملكة العربية السعودية والكويت، من خلال التالي: • مكتب الوكيل العربي السعودي التجاري في الكويت ودوره في تمثيل المملكة العربية السعودية. • تملك السعوديين للعقار في الكويت، ومطالبة الكويتيين الحكومة السعودية بالمعاملة بالمثل. • إعفاء الكويتيين من رسوم الكرنتينة التي تأخذها الحكومة السعودية من الحجاج. • إعفاء الكويتيين من رسم الدخول الذي تأخذه الجمارك السعودية على السيارات الداخلة إلى أراضيها. • حركة السفر الكثيفة بين المملكة العربية السعودية والكويت، سواء كانت للزيارة أو العلاج أو للتجارة؛ فقد كانت الكويت أكثر تطوراً في ذلك الوقت. • استيراد الخيول للأمراء من الكويت. 5 - أوضحت الوثائق العلاقة بين المملكة السعودية والدول المجاورة وفق ما تبين من الآتي: - أفواج الحجاج التي تزور المملكة خلال موسم الحج، وما يتطلبه ذلك من إجراءات للدخول والخروج. - استيراد الفاكهة والخضر من سوريا ولبنان، والإجراءات المتبعة للسيارات التي تحمل هذه البضائع. - تصدير الخردة والنحاس إلى سوريا ولبنان، وما يصاحب هذا التصدير من إجراءات. - استيراد الرز العراقي، وما يصاحب هذا الاستيراد من خفض للرسوم الجمركية. 6 - تمويل المراكز الجمركية عن طريق مالية قرية العليا بالتالي: • براميل الوقود والشحم والزيت (للسيارات الحكومية) والنظام المتبع في صرفها لأمراء المراكز. • الخيام وبيوت الشعر لسكنى الموظفين. • البراميل لحفظ الماء، والقرب الخاصة للشرب وحفظ الماء بارداً. • الأرزاق التي تصرف للخويا، وإعاشة المساجين. 7 - حجم الواردات للمراكز الجمركية ودورها في إنعاش الحالة الاقتصادية للمملكة العربية السعودية قبل اكتشاف البترول بكميات تجارية ضخمة .. 8 - التعيينات التي تعتمد للمراكز (أمير، كاتب، خوي، قصاص ... إلخ)، واعتمادها على الميزانية والإجراءات المتبعة في ذلك. 9 - العملات العربية والأجنبية وما يقابلها بالريال العربي السعودي في زمن الوثائق. 10 - الإجراءات المتَّبعة في البضائع المهربة التي تضبطها الجمارك. 11 - حرص الحكومة السعودية على الأمن من خلال إجراءات السفر الداخلي والخارجي، وخاصة في موسم الحج. 12 - التشديد في تفتيش المسافرين خوفاً من توريد كل محرم وممنوع للأراضي السعودية مثل: المخدرات، الدخان (التبغ)، مجلة الشبكة الصادرة من بيروت. 13 - دور البريد واللاسلكي في تسهيل عملية الاتصال بين مركز الحكم في العاصمة وبين المراكز الجمركية بعضها ببعض. 14 - التعرف إلى بعض الشخصيات التي كان لها دور في سير الأعمال الحكومية في قرية العليا مثل أمير قرية العليا، المخلص الجمركي في قرية، المدير المالي والجمركي ... إلخ. 15 - حالة الأجهزة الحكومية مثل: • الجوازات. • وزارة البريد والبرق والهاتف. • وزارة المالية والاقتصاد الوطني. 16 - التدقيق في حسابات المصالح الحكومية ومحاسبة من يخالف التعليمات.

وقفات هادئة مع أشرطة قصص من التاريخ الإسلامي

وقفات هادئة مع أشرطة قصص من التاريخ الإسلامي ¤خالد بن محمد الغيث£بدون¥دار الأندلس الخضراء - جدة¨الأولى¢1418هـ€تاريخ¶نقد وتوجيه الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وبعد. فإن أبرز النتائج التي يمكن الخروج بها من هذا البحث ما يلي: - ضرورة الالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة رضوان الله عليهم، لما فيه من الضوابط الشرعية والمنهجية العلمية. – أهمية اعتماد كتب السنة في دراسة تاريخ صدر الإسلام لما فيها من روايات مهمة عن هذه الفترة يندر وجودها في المصادر التاريخية. – خطورة الركون إلى أحاديث الإخباريين فيما شجر بين الصحابة. – أهمية دراسة الروايات التاريخية التي تتحدث عن هذه الفترة دراسة نقدية لأسانيدها ومتونها قبل الاعتماد عليها ونشرها بين الناس. – أهمية التناصح بين طلبة العلم، مع لزوم العدل والإنصاف في ذلك. وفي الختام أرجو من الله أن تكون هذه الوقفات حافزا للأخ المحاضر نحو مزيد من الإتقان الذي هو أهل له، فالعلم رحم بين أهله، والمسلم قليل بنفسه كثير بإخوانه والله أسأل أن يوفقنا وإياه وكل مسلم لما يحبه ويرضاه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

تراجم

تراجم

أعلام الشناقطة في الحجاز والمشرق- جهودهم العلمية وقضاياهم العامة من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر الهجريين

أعلام الشناقطة في الحجاز والمشرق- جهودهم العلمية وقضاياهم العامة من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر الهجريين ¤بحيد بن الشيخ يربان الإدريسي£بدون¥دار النشر الدولي- السعودية¨الأولى¢1430هـ€تراجم¶تراجم العلماء والدعاة الخاتمة: الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم المرسلين وعلى آله الطيبين، وصحابته الأكرمين وتابعيه المقسطين إلى يوم الدين. وبعد: فإذا كان هؤلاء الأفاضل قد أفضوا إلى ما قدموا -رحمهم الله تعالى-، فإنه يجب على أبنائهم وأحفادهم من بعدهم تحمل مسؤولياتهم التاريخية تجاه دينهم وأمتهم، ومراعاة حق هذه الأخوة والصداقة اللتين كانتا تربطهم بأشقائهم في المعمورة، وعلى مدى قرون طويلة، وفاء لعهدهم وصلة لأرحامهم، وإحياء لذكراهم، وذلك من برهم شرعاً، لما روي أن رجلاً من بني سلمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما)؟ فقال: (نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وانفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما) رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان. ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أُذكر المسلمين عامة والشناقطة خاصة بما كان عليه سلفهم من غيرة دينية، وعلو همة، وترفع عن الدنايا وسفاسف الأمور. وحرصهم على جمع الكلمة، وتوحيد الجهود في سبيل عزة الإسلام وكرامة الأمة، لذا نرجو من الجميع أن لا يفرطوا في هذه المنقبة العظيمة في داخل بلادهم وخارجها إذ أن حفظ الدين، وصيانة الأعراض من الألويات الضرورية التي جاءت بها الشرائع السماوية واتفقت عليها. فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلكم، فهذا عصر التصفية والتمحيص، والأمور بخواتهما، وكما تدينوا تدانوا!!. وقد عرفتم أنه ما من شيء أثقل على الحر من أن يقال له: فإن فخرت بآباء ذوي شرف ... صدقت ولكن بئس ما ولدوا والعقلاء هم الذين يقولون: لسنا وإن كرمت أوائلنا ... يوماً على الأحساب نتكل نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا أما أهم النتائج التي قادني إليها البحث فتتلخص فيما يلي: 1 - إن الإسلام دخل بلاد شنقيط على يد عقبة بن نافع الفهري المتوفي سنة 64هـ، خلافاً لما ذهب إليه بعض الباحثين من أنه لم يدخل إليها إلا بعد القرن الأول الهجري على يد حفيده حبيب بن أبي عبيدة، وقد استشهدت على ما ذهبت إليه بأدلة معتبرة عند محققي المؤرخين. 2 - إن الصلة بين بلاد شنقيط والمشرق لم تنقطع منذ فجر الإسلام لوجود قوافل الحج الموسمية، والرحلات العلمية المختلفة. 3 - إن الشناقطة كان لهم حضور متميز في الحجاز والمشرق منذ قرون بعيدة، وهم لم يتبوءوا تلك المكانة السامية إلا بثلاثة أشياء لا رابع لها في نظري هي: تمسكهم بالدين، وتشبثهم بالعلم، وزهدهم في الدنيا. 4 - كانت جهود الشناقطة في الحجاز والمشرق تتركز أساساً على التعليم والقضاء، والإفتاء والإمامة. لذا كانت بصماتهم ظاهرة في النهضة التعليمية الحديثة التي عرفتها المنطقة، كما كانت لهم مشاركة سياسية معتبرة لدى دوائر الحكم المشرقية. 5 - إذا كانت البادية حاضنة للجهل فهي عند الشناقطة منبع للعلم، ولذلك كانت مصدر فخر واعتزاز بالنسبة لهم. التوصيات والمقترحات: - بناء على أن المحاضر أثبتت جدارتها في نشر الإسلام والثقافة العربية وتكوين الفقهاء على مدى قرون سحيقة، فإن من الضروري المحافظة عليها، والعمل على تطويرها بما يتلاءم ومقتضيات العصر، وذلك بترشيد نظامها التعليمي ومنهجها التربوي، وتخصيص أوقاف لها تضمن استقلاليتها واستمراريتها، وتمكنها من مواجهة التحديات المختلفة. - أدعو إلى المزيد من الدراسات والبحوث عن هذه الظاهرة العلمية الشنقيطية إنصافا لها، وللاستفادة منها أيضاً حتى يتحقق التكامل الثقافي الذي نسعى إليه، وتقوم الوحدة الفكرية التي ننشدها بين أقطارنا الشقيقة في المشرق والمغرب. - أقترح على المراكز العلمية والثقافية في العالم الإسلامي وضع برنامج مستقبلي طموح للاستفادة من خبرات علماء الأمة. وذلك بتبادل الزيارات فيما بينهم، والعمل الجماعي الدؤوب على مواجهة التيارات الفكرية المنحرفة التي تستهدف عقيدة الأمة وكيانها.

أمراء وعلماء من الكويت على عقيدة السلف

أمراء وعلماء من الكويت على عقيدة السلف ¤دغش بن شبيب العجمي£بدون¥مكتبة الإمام مسلم – الكويت¨الأولى¢1427هـ€تراجم¶تراجم العلماء والدعاة الخاتمة – رزقنا الله حسنها – مما تقدم بانت لنا بعض المسائل المهمة: الأولى: حال جزيرة العرب عموما قبل قيام دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فيها. الثاني: فضل هذا الشيخ في ما نعيشه من ظهور السنة والإسلام والخير والأمن والأمان. الثالثة: الكويت من أوائل الدول التي استجاب حكامها لهذه الدعوة السلفية وقد كان لحكامها قصب السبق في ذلك وساروا على هذه الدعوة المباركة حتى رماهم أهل الباطل بأنهم " وهابية ". وقامت دولتهم على السنة والتوحيد والخير والطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتفاوتوا في ذلك. الربعة: أهل الكويت في العموم علماؤهم وعامتهم على عقيدة أهل السنة العقيدة السلفية في جميع أبواب الدين والتي من أهمها التوحيد والدعوة إليه. الخامسة: علماء الكويت كانوا من أنصار هذه الدعوة، ومن المنافحين عنها. السادسة: علماء الكويت ممن حفظ تراث السلف لهذه الأمة. السابعة: العناية البالغة لعلماء الكويت المباركين كـ: الطبطبائي، وآل فارس، والدحيان، والقناعي، والرشيد، والعتيقي، والدوسري، والدعيج، والجراح، وغيرهم بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وثناؤهم عليها وحرصهم على اقتنائها. الثامنة: شيخ الإسلام ابن تيمية لكتبه فضل كبير على رواد النهضة في الكويت – لاسيما القناعي والرشيد – وقد حفظا هذا الفضل لصاحبه. ثم إنه من رد الجميل لصاحبه أن نحفظ نحن هذا الفضل لابن تيمية في نهضة الكويت، ولو كنا - حينها – تحت رحمة شيوخ الزوايا والطرق والدروشة من الصوفية أو أصحاب العمائم الذين يأكلون أموال الناس بالباطل أو شيوخ السراديب والتنظيمات السرية لما كنا في أول الركب في النهضة الفكرية وإنشاء المدارس. التاسعة: باتفاق الجميع من العلماء والمشايخ والأدباء والمفكرين وكتاب الصحف وعقلاء الأمة أن أفكار التكفير والعنف لم تكن موجودة في الكويت قبل أربعين سنة وأنها ظهرت وبدت في العقود الأخيرة وعليه فإن كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وكتب الإمام محمد بن عبد الوهاب بريئة – براءة الذئب من دم يوسف – من اتهام أهل الباطل لا بأنها سبب التطرف () لأن علماء الكويت درسوها ودرسوها واعتنوا بها فلم نر منهم شيئا من ذلك إذن الخلل في كتب غيرهم والتكفير سببه سواهم وليس هم وعليه فلنظر إلى الكتب والأفكار والجماعات التي وفدت إلينا في هذه الفترة الأخيرة لنعرف بعدها من المسؤول عن هذا التطرف. وإذا كنا صادقين مع أنفسنا ومع بلدنا الذي له الفضل علينا إن كنا صادقين فلنضع النقاط على الحروف ونظهر السبب من غير خوف أو مجاملة. العاشرة: حرص علماء الكويت على تقرير التوحيد على أكمل وجه ودرسوا كتبه وبينوه حتى للصغار فتم فرض حفظ كتاب " الأصول الثلاثة " للإمام محمد بن عبد الوهاب على طلاب مدرسة "المباركية " زيادة في العناية بأمره كما سمى الشيخ المجد الرشيد مجلته بـ "التوحيد" الحادية عشر: حذر العلماء من الشرك وأسبابه وطرقه وعابوا أهله وأبعدوا بلادهم عن مشاهد الوثنية والشرك والضلال. الثانية عشر: علماء الكويت حذروا من البدع وأهلها وكتبوا فيهم المقالات وبينوا أمرهم للخاص والعام نصحا للأمة وحماية للدين. الثالثة عشر: علماء الكويت حذروا من التصوف والصوفية لأنهم يعلمون ما يجلبه التصوف من بدع وشركيات ودمار خراب للأمة فإنه ربيب الاستعمار! وبعد: اعلم – وفقك الله – علما يقينيا لا شك فيه أن الحق أبلج والباطل لجلج وأن الحق إن ضعف يوما سيقوى أياما ولا بد وأن الظهور للحق وأهله وأن الباطل مهما علا فإنه وأهله إلى زوال. قال الشيخ عبد العزيز الرشيد: " وما ذاك إلا لأن الباطل مهما كانت صولته فإن مآله الفضل وعاقبته الانهزام الذي لا انتصار بعده وأنه لا يصح إلا الصحيح ولا يبقى إلا الأنسب " () وهذا أوان وضع القلم بعد هذه الجولة المباركة في رياض العلماء الربانيين والأمراء المصلحين جزاهم الله عنا وعن بلادنا خير الجزاء وجعل في عقبهم الخير والبركة ونصرة السنة إلى يوم الدين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والله تعالى أعلم. حسبنا الله ونعم الوكيل

الرقية الشافية من نفثات سموم " النصائح الكافية لمن يتولى معاوية"

الرقية الشافية من نفثات سموم " النصائح الكافية لمن يتولى معاوية" ¤حسن بن علوي بن شهاب£سليمان بن صالح الخراشي¥روافد - بيروت¨الأولى¢1429هـ€تراجم¶دفاع عن الرسول والصحابة خاتمة: نسأل الله حسنها. إن من سعة رحمة الله سبحانه وتعالى أن فاعل السيئات تسقط عنه عقوبة جهنم بنحو عشرة أسباب فإذا كان هذا الحكم عاما في جميع الأمة فكيف بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " السبب الأول " التوبة، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة مقبولة من جميع الذنوب: الكفر، والفسوق، والعصيان قال الله تعالى {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} (38) سورة الأنفال {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (11) سورة التوبة وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} (10) سورة البروج قال الحسن البصري: انظروا ع هذا الكرم والجود فتنوا أولياءه وعذبوهم بالنار ثم هو يدعوهم إلى التوبة. والآيات كثيرة في هذا. وأما المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فكثير مشهور، وأصحابه صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل قرون الأمة فهم أعرف القرون بالله، وأقوم الناس بالتوبة في حياته وبعد مماته، فمن ذكر ما عيب عليهم ولم يذكر توبتهم التي رفع الله بها دراجتهم كان ظالما لهم كما جرى من بعضهم يوم الحديبية وقد تابوا منه؟ وبالجملة ليس علينا أن نعرف أن كل واحد تاب، ولكن نعلم أن التوبة مشروعة لكل عبد: للأنبياء ولمن دونهم. وفي الأثر: لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أعظم من الذنب وهو العجب. والتائب حبيب الله سواء كان شيخا أو شابا. " السبب الثاني": الاستغفار، فإن الاستغفار هو طلب المغفرة وهو من جنس الدعاء والسؤال، وهو مقرون بالتوبة في الغالب ومأمور به لكن قد يتوب الإنسان ولا يدعو، وقد يدعو ولا يتوب والاستغفار بدون التوبة لا يستلزم المغفرة ولكن هو سبب من الأسباب. " السبب الثالث: الأعمال الصالحة، فإن الله يقول {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (114) سورة هود وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل يوصيه: " يا معاذ اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" [أخرجه أحمد (5/ 153) والترمذي (1987) وقال: حديث حسن صحيح] " السبب الرابع ": الدعاء للمؤمنين فإن صلاة المسلمين على الميت ودعاءهم له من أسباب المغفرة، وكذلك دعاءهم، واستغفارهم في غير صلاة الجنازة، والصحابة رضوان الله عليهم ما زال المسلمون يدعون لهم. " السبب الخامس" دعاء النبي صلى الله عليه وسلم واستغفاره في حياته وبعد مماته كشفاعته، فإنهم أخص الناس بدعائه وشفاعته في محياه ومماته. " السبب السادس": ما يفعل بعد الموت من عمل صالح يهدى له، مثل من يتصدق عنه، ويحج عنه، ويصوم عنه. وفي الحديث: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" الحديث.

" السبب السابع": المصائب الدنيوية التي يكفر الله بها الخطايا، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا غم، ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" [أخرجه مسلم (2573)]. والصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا يبتلون بالمصائب الخاصة، وابتلوا بمصائب مشتركة كالمصائب التي حصلت في الفتن، فهذه كلها مما يكفر الله بها ذنوب المؤمنين من غير الصحابة فكيف بالصحابة؟ " السبب الثامن" ما يبتلى به المؤمن في قبره من الضغطة وفتنة الملكين. " السبب التاسع " ما يحصل له في الآخرة من كرب أهوال يوم القيامة. " السبب العاشر" ما ثبت في الصحيحين أن المؤمنين إذا عبروا على الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة. فهذه الأسباب كلها لا تفوت من المؤمنين إلا القليل، فكيف بالصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؟ ثم هذا في الذنوب المحققة. فكيف بما يكذب عليهم؟ فكيف بما يجعل من سيئاتهم وهو من حسناتهم؟ وهذا كما ثبت في الصحيح أن رجلا أراد أن يطعن في سيدنا عثمان عن ابن عمر رضي الله عنه فقال: إنه قد فر يوم أحد، ولم يشهد بدرا، ولم يشهد بيعة الرضوان. فقال بان عمر: أما يوم أحد فقد عفى الله عنه وأذنب عندكم فمل تعفوا عنه، وأما يوم بدر فقد استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على ابنته وضرب له بسهمه، وأما بيعة الرضوان فإنما كانت بسبب عثمان فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى مكة وبايع عنه بيده، ويد النبي خير من يد عثمان. فقد أجاب ابن عمر بأن ما تجعلونه عيبا ما كان عيبا فقد عفى الله عنه والباقي ليس بعيب بل هو من الحسنات. وهكذا عامة ما يعاب به الصحابة هو إما حسنة وإما معفو عنه. رضي الله عنهم أجمعين، اللهم ارزقنا حبهم، واحفظنا من سبهم، ومن علينا بحقيقة الاحترام لهم. آمين. وهذا ما يسر الله كتابته مع انشغال بال، والميسور لا يسقط بالمعسور، وأستغفر الله العظيم، وأسأله أن يتجاوز عني ما وقع فيه من خطإ وإني من المعترفين بالقصور، وأستغفره وأسأله التوبة والمغفرة من جميع الذنوب، وأسأله سبحانه وتعالى أيتقبل هذا العمل مني بمحض جوده وفضله وأن ينفع به. آمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا. آمين والحمد لله رب العالمين. وقد صادف الفراغ من كتابته يوم الثلاثاء عشية يوم خمس وعشرين من شهر جمادى الثانية عام ثمان وعشرين وثلثمائة وألف ببندر سنغافورة. رحم الله من قرأ ودعا للذي كتب

الشيخ صالح المقبلي حياته وفكره

الشيخ صالح المقبلي حياته وفكره ¤أحمد عبدالعزيز أحمد المليكي£بدون¥وزارة الثقافة والسياحة – صنعاء¨بدون¢1425هـ€تراجم¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة: بعد هذا التجوال في عصر المقبلي وحياته وآثاره وفكره – يمكن إجمال أهم النتائج التي تم التوصل إليها فيما يأتي: 1 - كانت اليمن في عصر المقبلي عامرة بـ (هجر) العلم ورباطاته ومعاقله، وشهدت استقراراً سياسياً ورخاء اقتصادياً نِسْبِيين، وازدهاراً ثقافياً كبيراً. 2 - كانت مكة المكرمة في ذلك العصر غير مستقرة في الغالب سياسياً، وشهدت استقراراً اقتصادياً نسبياً، وازدهاراً ثقافياً كبيراً, أسهم فيه كثير من العلماء سواء كانوا من أهل مكة الأصليين أو المجاورين بها من غيرهم. 3 - ولد الشيخ المقبلي في سنة 1040هـ/ 1630م على أرجح الأقوال، ونشأ نشأة صالحة، وعاش ورعاً تقياً متنسكاً زاهداً متواضعاً، وتيسر له طلب العلم على أيدي ثلة من العلماء الأعلام، وحصل كثيراً من العلوم، وبرز فيها. 4 - هاجر من اليمن إلى مكة المكرمة في سنة 1080هـ/ 1669م، واستقر هنالك حتى وافته المنية في سنة 1108هـ/ 1696م. 5 - تتلمذ عليه تلاميذ كثيرون في اليمن ومكة، وتجاوز تأثيره هذين القطرين إلى أقطار نائية في العالم كـ (داغستان) وغيرها، وظل ذلك التأثير حتى هذا القرن. 6 - تعرض لإيذاء وكيد شديدين من المقلدين والمتعصبين في اليمن ومكة، فصبر واحتسب، وواصل جهاده في الإصلاح والتغيير بحسب استطاعته دون أن يعبأ بما لحق به. 7 - حمل هموم عصره وعاش واقع مجتمعه بما فيه من صراع فكري ومذهبي، فكانت مؤلفاته وأبحاثه مرآة لذينك العصر والمجتمع، وصورة للقضايا والمشكلات التي كانت مستأثرة باهتمام الناس آنذاك، ودلت تلك المؤلفات والأبحاث على سمو مكانته العلمية، ودقة أنظاره، وعمق أفكاره، وموضوعية تحليلاته، ورحابة آفاقه، وغزارة ثقافته، وسعة إطلاعه. 8 - ترك التمذهب ونفر منه، ونفر غيره عنه، فلم يتقيد بمذهب مخصوص لا في الأصول ولا في الفروع، وكان في الفروع أكثر استقلالاً منه في الأصول التي بدا تأثره في بعض مسائلها بالمعتزلة – واضحا. 9 - دعا إلى العودة بالإسلام إلى أصوله الأولى وما كان عليه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم والسلف الصالح رحمهم الله تعالى، قبل ظهور الخلاف والفرق، بعيداً عن الغلو والتشدد والفهوم الخاطئة والأوضاع الفاسدة، وحث على تنقيته مما علق به من البدع والضلالات والخرافات والتقاليد والعادات الراكدة والوافدة. 10 - ناقش مقالات الفرق والمذاهب الإسلامية، وكشف عما أصاب بعض أفكارها من انحرافات، وذهب إلى أنه ليس الحق عند فرقة معينة, أو مذهب معين, والباطل عند الباقين، بل عندَ كلٍ حق وباطل، وصواب وخطأ، وسنة وبدعة، وإن اختلف ذلك قلة وكثرة وصغراً وكبراً، ولكن الحق لم يخرج عن مجموعهم – والحمد لله – فعند كلهم كل الحق، وهم – إن شاء الله – إلى خير، إذا حسنت نياتهم وسلمت مقاصدهم؛ ودعا إلى العدل والإنصاف في تقويم هذه الفرق والمذاهب، والرجوع في ذلك إلى مصنفاتها، وعدم الاعتماد على نقول الخصوم والأجانب. 11 - دعا إلى فتح باب الاجتهاد، وترك التقليد إلا فيما دعت الضرورة إليه، ونبذ الجمود، ووأد التعصب المذهبي، والتسليم للدليل، فإن لم يستبن، لزم الرجوع إلى أهل العلم ووضعهم موضع الأمارة على الحق، والأخذ من كل قول أحسنه، واقتفاء ما يعتقد أنه الأقرب إلى الصواب دون انتساب إلى عالم معين. 12 - ودعا أيضا إلى الفهم الحيوي والواقعي للإسلام، وترك الإفراط والتفريط في قصد الأمور، وتمثل مفهوم الوسطية واليسر في الدين، والاهتمام بما تعبدنا الشارع وكلفنا به وترك ما لا يعنينا.

13 - ندد بما تفعله بعض الفرق الإسلامية من تكفير مخالفيهم بالإلزام أو التأويل أو نحوهما، أو تكفير العامة لغلطهم في بعض المسائل العقدية الدقيقة, أو لغفلتهم عنها؛ وأكد على عدم جواز تكفير المسلم إلا بقاطع، وأنه لا يكفي في ذلك الظن بله الوهم والخيال. 14 - سلط الأضواء على خطر الخلاف، وبين أسبابه ومسبباته، وأرشد إلى سبيل النجاة منه، وعاب على الفرق الإسلامية تعدادهم الفرق ليبلغوا بها ثلاثا وسبعين فرقة بحسب ما جاء في الحديث النبوي، وحكم كل منهم لنفسه ومن وافقه بأنه الفرقة الناجية، ورفض الحكم على فرقة إسلامية معينة بالهلاك أو بأنها الفرقة الناجية، بل وسع مفهوم الفرقة الناجية حتى شمل كل المُعْتَزِين إلى جملة الإسلام ظاهراً أو بحسب التحقيق اجتهاداً أو تقليداً، وهم الجماعة والسواد الأعظم، وأما المبتدعة فنزر قليل بالنسبة إليهم. 15 - وقف مواقف شديدة من الفلسفة والفلاسفة وعلم المنطق، وعلم الكلام والمتكلمين، والتصوف والمتصوفة لاسيما الغلاة، إلا أن بعض هذه المواقف يبدو معتدلاً إلى حد ما إذا ما قورن بمواقف علماء آخرين من هذه العلوم وأهلها، ونظر إليه في سياق الظروف التاريخية التي شهدها المقبلي، والصراع الفكري والمذهبي الذي عاشه وتفاعل معه. 16 - أحسن تقدير العقل، فوضعه في موضعه الطبيعي، ووقف منه موقفاً وسطا بين الإفراط والتفريط، فلم يبخسه مكانته التي رفعه الله إليها، ولا جاوز به الحد الذي حده له. 17 - حظيت مسألة التحسين والتقبيح العقليين ومسألة الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى ومسألة الفعل الإنساني – بنصيب وافر من اهتمامه، وقد أثبت التحسين والتقبيح والحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى وأحكامه، وأثبت للإنسان في فعله قدرة مؤثرة فيه وإرادة له وعلماً به وباعثاً عليه. 18 - أكد على أهمية الإمامة الكبرى، وذهب إلى أن السعي لنصب الإمام أو الخليفة كسائر التكاليف الشرعية المأمور بها، ورفض كثيراً من الشروط التي اشترطت في الإمام أو الخليفة؛ ورأى أن العبرة فيه بما يقوم به المقصود وهو تقويم أمر العامة دون منصب خاص أو شرط لا يعود على ما ذكر. 19 - اهتم بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحض على القيام به بشروطه، ومارسه في حياته العملية وفق ضوابطه الشرعية. 20 - حض على الالتزام بالضوابط الشرعية في مسألة الخروج على أهل الجور والفسق من الأئمة والأمراء, والصبر عليهم ما لم ير كفر بواح فيه من الله برهان، ومحاذرة الفُرْقَة والخلاف، وتحقيق الائتلاف بين المسلمين ما وجد إليه مدخل، وتقديم مصلحة الإسلام العامة على ما سواها. 21 - حث على مخالطة العلماء للحكام والأمراء إذا انضبطت بالضوابط الشرعية وكانت تتسبب في حصول مصلحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخَلُصَتْ تلك المصلحة عن المفسدة، فإن لم تنضبط تلك المخالطة بالضوابط الشرعية, أو عارض المصلحة التي تسببت في حصولها مفسدة، أو تولد عن تلك المصلحة مفسدة أخرى أعظم – حَرُمَتْ، وقد راعى المقبلي تلك الضوابط والشروط في مخالطته للحكام والأمراء على نحو ما مضى بيانه. 22 - اتسمت مواقفه من القضايا السياسية التي ناقشها بالاعتدال والتوازن والواقعية إلى حد كبير؛ لخطورة تلك القضايا، ولما يترتب عليها من آثار جسيمة في حاضر الأمة ومستقبلها. 23 - ظهر بالاستقراء أن الجهود التي بذلها المقبلي في الإصلاح والتجديد والتغيير كانت بفعل مؤثرات داخلية تمثلت في الأوضاع التي كان يعيشها المجتمع الإسلامي آنذاك من الضعف والجمود والتقليد التعصب الطائفي والمذهبي عقديا وفقهيا؛ إذ آمن بضرورة السعي الدؤوب المخلص لإصلاح تلك الأوضاع وتغييرها نحو الأفضل، حتى تنهض الأمة المسلمة، وتستعيد مجدها الغابر وعزها السليب، وتقوم بمهمة الاستخلاف، وتؤدي الدور الحضاري المنوط بها بين الأمم على أتم وجه.

الفرائد على مجمع الزوائد

الفرائد على مجمع الزوائد ¤خليل بن محمد العربي£بدون¥دار الإمام البخاري – قطر¨الاولى¢1429هـ€تراجم¶تراجم المحدثين في مصنفات معينة الخاتمة: وتحتوى على بعض ما توصلت إليه ممن نتائج بعد تصنيف الكتاب، وبعض الاقتراحات: أ- ما يتعلق بكتاب (مجمع الزوائد) للحافظ الهيثمي رحمه الله: 1 - يعد كتاب (مجمع الزوائد) من أهم وأول الكتب التي صنفت في الزوائد على الكتب الستة المشهورة. فقد جمع فيه زوائد ستة كتب من أمهات الكتب الحديثية، وهي: (مسند الإمام أحمد)، و (مسند أبي يعلى الموصلي)، و (مسند البزار)، بالإضافة إلى (معاجم الطبراني الثلاثة). 1 - من قراءتي لكتاب (مجمع الزوائد) تبين لي أن هذا الكتاب – على عظم فائدته – لم يخدم الخدمة المنشودة، حيث يكثر في النسخة المطبوعة منه التصحيفات والتحريفات. ولذلك أقترح أن يقوم أحد الأذكياء من المتخصصين من هذا الفن الشريف بإعادة تحقيقه تحقيقاً علمياً، معتمداً – بعد توفيق الله جل وعلا – على كل أو جل نسخة الخطية، مع مقابلة ما تم طبعه من مصادر (المجمع)، وبيان الفوارق بينهما، مع الحكم على أحاديثه تصحيحاً وتضعيفاً بدون الاختصار المخل، أو التطويل الممل، حتى لا يكبر حجم الكتاب فيضاعف ثمنه على طلاب العلم. مع التركيز على أقوال الهيثمي في الرواة توثيقاً وتضعيفاً ومقابلتها مع أقوال من تقدمه من الأئمة النقاد موافقة ومخالفة. ب- ما يتعلق بأهل العلم عامة، وأهل الحديث خاصة: 1 - لا شك في أن أهل العلم قد استفادوا من كتاب (مجمع الزوائد) من عصر الهيثمي إلى زماننا هذا استفادة كبيرة، والدليل على ذلك كثرة ذكر هذا الكتاب في تصانيفهم بتناول المتون منه من جهة، ومن جهة أخرى الاستفادة بأقواله في حكمه على الأحاديث والرواة. 2 - ولكن كانت هذه الاستفادة قد شابها بعض الأخطاء في المنهج العلمي، ولاسيما في علم الحديث وأصوله، ويمكن لنا أن نحدد هذه الأخطاء في النقاط التالية: • الاعتماد على أقوال الهيثمي في حكمه على درجة الحديث – تصحيحاً وتضعيفاً -، وعلى أقواله في الرواة – توثيقاً وتضعيفاً – اعتماداً شبه كلي، دون النظر هل خالفه غيره – ولاسيما وإن كان من المتقدمين – أم لا؟!. • التسليم لأقوال الهيثمي في الرواة حين يصرح بعدم معرفته لهم تسليماً تاما، وقد عالجت بكتابي هذا هذه النقطة بالذات، حيث كثر من المحققين المعاصرين الاعتماد على الهيثمي فيمن لم يعرفهم، مع أن أكثرهم لهم من الشهرة ما لهم، حتى أصبح كثير منهم حينما يقوم بتحقيق بعض الأحاديث، ثم لا يجد ترجمة لأحد رواة السند، تراه يسارع ويصرح بتضعيف الإسناد؛ من أجل ذلك الراوي الذي لم يقف هو على ترجمته، وهذا خطأ من جهة المنهج العلمي، فقد تخفى الترجمة على هذا الباحث بسبب حدوث تغير فيها من تصحيف، أو تحريف، أو سقط، أو غير ذلك مما بيناه في كتابنا هذا. وإن الناظر في هذا الكتاب ليدرك جيداً أهمية التروي في الحكم على الرواة من حيث معرفته لهم من عدمها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى عدم التسرع في تعيين اسم الراوي حتى لا يجمع بين راويين مختلفين. 3 - وأنه من خلال عملي في هذا الكتاب تبين لي قصور كثير من المعاصرين في الإلمام بمناهج الأئمة في تصانيفهم، مما أدى إلى نتائج سلبية غير مرضية، وإني أهتبل هذه المناسبة؛ كي أقدم النصح لكثير من إخواني العاملين في مجال التحقيق بعدم التسرع في القيام بتحقيق المصنفات الحديثية، إلا بعد الوقوف على قدم راسخة في هذا العلم الشريف، مع مراجعة أهل التخصص في ذلك الفن فيما يشكل عليهم، وعدم الاستنكاف من ذلك.

4 - وكذلك أتوجه بالنصح إلى من رزقه الله – تعالى – فهما طيبا في هذا الفن الشريف ألا يبخلوا في تقديم النصائح والإرشادات العلمية لمن هم أدنى منهم معرفة بهذا الفن؛ فإن من أسباب تزكية العلم بذله ونشره بين الناس. وأقترح حين يقوم أحد المبرزين في هذا الفن الشريف بتدريسه ألا يقتصر على الجانب النظري فقط، متجاهلاً الجانب العملي التطبيقي، بل يجب أن يعتني بكلى الاتجاهين معا، ومن طرق ذلك: • تمرين الطلاب على قراءة المخطوطات الحديثية قراءة صحيحة. • إيقاف الطلاب على أكبر قدر من المصنفات الحديثية المتنوعة، وكيفية الاستفادة منها. • معرفة منهاج الأئمة في تصانيفهم، مع التركيز على عدم استخدام هذه المصنفات الحديثية وقت الحاجة فقط – كما هو الحال اليوم – بل يجب أن يدرس كل مصنف على حدة، والوقوف على منهج مصنفه، والإلمام بذلك الجانب إلماماً جيداً. ج- ما يتعلق بأصحاب دور النشر: لا يخفى على أحد منا كم هي المسئولية الكأداء التي يتحملها الناشرون فوق أعناقهم في نشر تراثنا الإسلامي، وما يواجهونه من متاعب ومصاعب؛ الله أعلم بها. إلا أن هناك بعض السلبيات التي تقع فيها بعض دور النشر ومدراؤها، ويمكن لنا أن نلخص هذه السلبيات فيما نقدمه من آراء، لعلها – بإذن الله تعالى – تكون بمثابة حلول لها، وهي: 1 - عدم السماح لنشر أي كتاب من الكتب التي تخالف عقيدة السلف الصالح. 2 - عدم التعاون إلا مع أهل العلم ذوي المنهج السليم، والاعتقاد السلفي الصحيح. 3 - توحيد جهود دور النشر فيما بينها فيما يخص نشر الكتب وما يتعلق بذلك من جميع إشكالاته. 4 - عدم المبالغة في رفع أسعار الكتب، حتى لا يكون ذلك حائلاً بين طلاب العلم، واقتناء ما يحتاجون إليه من مراجع. 5 - الوفاء، ثم الوفاء، ثم الوفاء من أصحاب دور النشر فيما يتعاقدون بينهم وبين طلاب العلم القائمين على تحقيق التراث الإسلامي، في عدم بخس حقهم، وعدم مخالفة ما تم عليه من عقود، وعدم معاملة أهل العلم من هؤلاء وكأنهم تجار مثل أغلبهم، فيعاملونهم الند للند، بل يجب أن يتقي الله أصحاب دور النشر في هؤلاء الطلاب، وأن يعطوا لهم كامل حقوقهم فيما تم الاتفاق عليه، والوفاء بالمواعيد والأزمنة المحددة؛ فإن هؤلاء الطلاب في أمس الحاجة إلى الجانب المادي – ولاسيما في هذا الزمان – كي يكون إعانة لهم - بعد توفيق الله تعالى – في إكمال مسيرتهم العلمية. وليعلم هؤلاء الناشرون أن طلاب العلم هم أمل الأمة الإسلامية – بعد الله جل جلاله – فيما يقومون به في الدعوة إلى سبيل الله تعالى، وإن التقصير في حقهم، هو تقصير في حق الأمة الإسلامية جميعاً. والله ولي التوفيق. د- ما يتعلق بكاتب هذه الكلمات: يعلم الله – جل وعلا – أن عملي لهذا الكتاب ما هو إلا لخدمة الحديث وأهله بقدر ما أستطيع به من جهد، فلم تكن نيتي في هذا الكتاب هو الاستدراك لمجرد الاستدراك، بل هو إكمال للمسيرة العلمية، والتي سار عليها سلفنا الصالح – رضي الله عنهم – فما وجد في هذا الكتاب من استدراك على إمام من أئمتنا المتقدمين من التنبيه على الخطأ، أو وهم حدث من أحدهم، فما كان من ذلك فهو نصحاً لله، ولرسوله، ولعامة المسلمين. والله جل وعلا أعلم بما في نفوس العالمين، وليعلم أن هؤلاء الأئمة –رضي الله عنهم- هم أئمتنا وقدوتنا، ونحن مأمورون بالاستضاءة بنورهم، وباتباع الكتاب والسنة بفمهم.

المؤرخ عباس العزاوي وجهوده في دراسة تاريخ العقيدة والفرق المعاصرة في العراق

المؤرخ عباس العزاوي وجهوده في دراسة تاريخ العقيدة والفرق المعاصرة في العراق ¤أسماء بنت سالم أحمد بن عفيف£بدون¥دار التوحيد – الرياض¨الأولى¢1430هـ€تراجم¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحبه ربي ويرضى، وحتى يرضى، والصلاة والسلام على المبعوث للناس رحمة، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين صلاة وسلاماً دائمين ما تعاقب الليل والنهار، وبعد: فقد كانت هذه دراسة متواضعة، لجهود أحد المؤرخين العراقيين السنيين، قصدت فيها إبراز جهوده في دراسة تاريخ العقيدة والفرق المعاصرة في العراق، وقد توصلت من خلالها للنتائج التالية التي يمكن تصنيفها كما يلي: أولاً: ما يتعلق بدراسة تاريخ العقيدة: 1) أوضح العزاوي رحمه الله عقيدة المغول بالتفصيل, من وثنية إلى إسلام إلى تشيع ثم عودة إلى مذهب أهل السنة، مع بيان سبب التنقل في عقائدهم، وأثر ذلك على الرعية. 2) بين العزاوي رحمه الله أثر الحرية الدينية في عهد المغول في ظهور التشيع متستراً بالتصوف الغالي. 3) عدد العزاوي رحمه الله أهم الأعلام الذين أسهموا في تمكن التصوف الغالي في عهد المغول والتركمان، ثم في العهد العثماني. 4) أبرز العزاوي رحمه الله جهود علماء السنة من خلال مصنفاتهم سواء في تقرير مسائل العقيدة, أو شروحها, أو الردود على المخالفين من شيعة وغلاة صوفية. 5) أعطى العزاوي رحمه الله تصوراً واضحاً عن الحالة العلمية والمدارس الدينية في عهد المغول والتركمان. 6) أشاد العزاوي رحمه الله بدور شيخ الإسلام ابن تيمية في انتصار مذهب السلف وأثر ذلك على العراق بما قدمه علماؤه من ثناء وتأييد له. 7) ربط العزاوي رحمه الله بين التشيع والتصوف, والاهتمام بالفلسفة الإشرافية وشروحها من قبل الشيعة، ثم دخول موضوعاتها على التصوف. 8) ركز العزاوي رحمه الله على دور الباطنية في انتشار التصوف الغالي. 9) أبرز العزاوي رحمه الله عقائد أهم الطرق والفرق الغالية في عهد الجلائرية كالنصيرية، والحروفية، وحكم عليهم بالخروج من الإسلام. 10) أعطى العزاوي رحمه الله تصوراً واضحاً عن الجانب العقدي لدولة المشعشعين، وهو الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه. 11) ركز العزاوي رحمه الله على دور إسماعيل الصفوي العدائي لأهل السنة، مما أظهر خطورة الصفويين, وصحح فكرة أن أصحاب الغلو اتخذوا من التصوف ستاراً. 12) أشاد العزاوي رحمه الله بدور الدعوة السلفية (الوهابية) في العراق، وأوضح آثارها من خلال كتب المؤيدين وكتب المعارضين للدعوة. 13) أبرز العزاوي رحمه الله دور الطرق الصوفية الغالية في العهد العثماني كالمولوية والبكتاشية، وإن كان تأسيسها في القرنين السابع والثامن الهجريين إلا أن آثارها امتدت حتى القرن (11، 12هـ). 14) بين العزاوي رحمه الله أن الشيعة سلكوا مسلك السب والإهانة لأهل السنة منذ القرن السابع، ولم يكن ذلك موجوداً من قبل في مصنفاتهم. 15) قدم العزاوي رحمه الله صورة تاريخية واضحة عن كثير من الطرق الصوفية كالقادرية, والنقشبندية، والرفاعية، والبكتاشية، والمولوية، والصوفية. 16) ألمح العزاوي رحمه الله إلى بعض الفرق الشيعية الغالية: كالنصيرية، والكشفية، والبهائية، والفيلية، لأن موضوعه الأساسي لم يشمل الشيعة وإنما خصهم بكتب مستقلة. ثانيا: ما يتعلق بدراسته للكاكائية: 17) توصل العزاوي رحمه الله إلى أن الكاكائية كلمة كردية تعني الأخ، مما يدل على أن لها علاقة بالطريقة المعروفة بالآخية في تركيا, وإيران, والعراق. 18) ربط العزاوي رحمه الله بين الكاكائية والفتوة العربية.

19) يرى العزاوي رحمه الله أن الكاكائية كانت طريقة ثم انقلبت إلى نحلة، وينفي كونها قبيلة أو قبائل، ويؤكد أنها نحلة تجمع عدة قبائل صوفية الاتجاه. 20) يرى العزاوي رحمه الله أن الكاكائية، لكونها كانت هي الفتوة التي تعني تطبيق الفتى للمثل السامية في المجتمع، فقط ارتبطت بعدة طرق كالسهروردية والصفوية في بداية نشأتها. 21) دخل الغلو على الكاكائية عن طريق الباطنية الذين اتخذوا من التصوف ستاراً, فلجأوا إلى الشعر وإلى الأدعية الغالية يبثونها في التصوف. 22) عقائد الكاكائية الآن هي: تعطيل الصفات، الحلو والاتحاد، وحدة الوجود والموجود، القول بالتناسخ، عدم الإيمان بالقرآن الكريم، عدم الإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم, واليوم الآخر عندهم هو يوم ظهور الله في شخص وحلوله فيه. 23) عبادات الكاكائية: لا تشبه شعائر الكاكائية شعائر المسلمين سواء في صلاتهم, أو زكاتهم, أو حجهم، والأكثر فيها أدعية ومناجاة، وعيدهم هو ليلة الكشفة أو الماشوش. 24) ومن عاداتهم: عدم قص الشوارب، تحريم السرقة والنهب، وتحريم شرب الخمر، والتكتم وعدم كشف السر، وتحريم الحلف بالبقرة الصفراء، ولهم عادات خاصة بهم في الزواج والطلاق. 25) ربط العزاوي رحمه الله بين الكاكائية وعدة طرق أو فرق بناء على ثلاثة أمور: • إما صداقة المؤسسين أو معاصرتهما كمؤسس الكاكائية ومؤسس البكتاشية. وكذلك المؤسس للصفوية ومؤسس السهروردية (ت 630هـ). • وإما تشابه المعتقدات: فقط ربط بين النصيرية والكاكائية باعتبار الكل (علي اللهية). • وإما على أساس المجاورة والتكتم: فقد ربط بين الشبك والباجوان والماولية على أساس أنهم من الغلاة وممن له علاقة بالقزلباش، ومع تجاورهم وتكتمهم لم يستطع التمييز بينهم. ثالثاً: فيما يتعلق بدراسته لليزيدية: 26) توصل العزاوي رحمه الله إلى أن اليزيدية: جماعة ينتسبون إلى بني أمية، ويعتقدون الإمامة في يزيد بن معاوية، كما جاء عن ابن قتيبة, وشيخ الإسلام ابن تيمية, والسمعاني. وهم من أتباع عدي بن مسافر الزاهد الصوفي. 27) أن هذه الجماعة غلت في يزيد ودخل الغلو في عقائدهم بعد موت المؤسس. 28) أن اليزيدية قد خرجوا الآن عن عقائد المسلمين بما أصابهم من غلو وجهل وانتشار الأمية فيهم، ويظهر ذلك من خلال عقائدهم, وشرائعهم, ومقدساتهم التي ذكرها العزاوي رحمه الله. رابعاً: تقييم دراسة العزاوي رحمه الله لتاريخ العقيدة: 29) نجد أن العزاوي رحمه الله قدم معلومات تاريخية قيمة، فلا يذكر مصدر أولي في موضوعه (كالصلة بين التشيع والتصوف) للدكتور كامل الشيبي، ولا يوجد مترجم للمؤرخين، كالدكتور شاكر مصطفى في كتابه (التاريخ العربي والمؤرخون) إلا ويشيد باسم العزاوي رحمه الله بعد ذكره لابن حجر وغيرهم من علماء المسلمين المتقدمين، وذلك لفرادة مصادر العزاوي رحمه الله، ولإتقانه اللغتين الفارسية والتركية. ويكفي أن نذكر أن دراسته كانت عام (1373هـ). خامساً: لتقييم دراسة العزاوي رحمه الله عن فرقتي (الكاكائية واليزيدية): 30) فتعد دراسته من أوائل الدراسات التي تعتبر مصدراً لما بعدها، فلا يدرس أحد عن الأكراد دون أن يكون العزاوي رحمه الله مرجعاً له، ويكفي أن نذكر أن تاريخ طباعة كتابيه كان في (عامي 1935م، 1949م). ويكفي تقييماً لدراسته أنه أراد الرد على المستشرقين في ما وصلوا إليه من نتائج، وإثبات أن الحقائق لابد من معرفتها من التاريخ إذا صدق اختياره. التوصيات: وإذا كان لي من توصيات ظهرت أثناء البحث، فإنني أسجل منها ما يلي: 1 - من خلال مراجعة المصنفات التي أوردها العزاوي رحمه الله يمكن التوصية بتحقيق الكثير منها مما لا يزال مخطوطاً. 2 - ويمكن التوصية بإعداد رسائل علمية في كل من الموضوعات التالية: • دراسة موضوعية عن الفرق في شمال العراق. • علاقة التصوف الغالي بالآداب التركية والفارسية. • مدائح آل البيت في الأدب الفارسي، وأثرها في ظهور الغلو. • منطقة واسط وأهم الفرق والحركات فيها: دراسة حول الأسباب والآثار والنتائج. • فرقة الحروفية: جذورها، عقائدها وأفكارها، آثارها. • الحالة العلمية والدينية في العراق بعد سقوط بغداد إلى نشأة العراق الحديث. • دراسة تاريخ العقيدة في كل منطقة من مناطق العالم الإسلامي، ثم دراسة تاريخ العقيدة بشكل عام. 3 - كما يمكن التوصية بإدراج دراسة اللغة الفارسية والتركية ضمن المتطلبات الاختيارية في قسم العقيدة والدعوة، وبخاصة لمن أراد التخصص في الفرق أو التصوف.

النظرية السياسية عند ابن تيمية

النظرية السياسية عند ابن تيمية ¤حسن كوناكاتا£بدون¥دار الأخلاء - الدمام¨الأولى¢1415هـ€تراجم¶ابن تيمية - ترجمة كاملة أو دراسة منهجية الخاتمة بهذا يكون قد تكشف لنا عديد من النتائج الهامة التي تمخض عنها هذا البحث. ويجدر بنا الآن في النهاية أن نُجمل أهم تلك النتائج. فقد تبين أنه رغم سبق جهود أبي يوسف الفقهية في تحديد وظائف الإمامة إلا أن السؤال عن ماهية الإمامة وأسسها النظرية طرح أولاً في علم الكلام لا في علم الفقه. وتم تأسيس الإمامة نظرياً على المستوى الفقهي بقدوم الماوردي وأبي يعلى اللذين وضعا لها تعريفاً وحددا ما هيتها وشروطها وطرق انعقادها ووظائفها. ولقد أعطى كل منهما للإمامة شكل البنية الهرمية الذي يقضي بوضع الإمام على قمة المجتمع. والعقد الذي تحدث عنه الفقهاء من خلال اختيار أهل الحل والعقد ليس عقداً اجتماعياً على الغرار الذي تحدث عنه هوبز وروسو ولوك. وإنما عقد حكومي لأن شرعية الإمامة ذاتها تأتي من كونها خلافة للنبوة، وليس من كونها نابعة من الشعب، وذلك أن أهل الحل والعقد أنفسهم ليسوا من اختيار الشعب ولا يستمدون سلطتهم في الاختيار منهم. قبل الفقهاء الشافعية والحنابلة والمالكية النتائج التي توصل إليها الماوردي وأبو يعلى بخصوص شروط الإمامة وطرق انعقادها مع إدخال بعض التعديلات على نحو تدريجي كما يتضح من تطور الفقه الإسلامي. وكان أهم تعديل تمخض عنه هذا التطور هو اعترافهم بإمامة المتغلب بالقهر والقوة واعتبارهم أن الاستيلاء طريقاً شرعياً ثالثًا لانعقاد الإمامة. ولقد أصبح القهر والغلبة هو الطريق الأساسي لانعقاد الإمامة عند الأحناف المتأخرين نظراً لرضوخهم الواضح تجاه سياسة الأمر الواقع، ومن هنا فلم يعولوا كثيراً على الإجراءات الفقهية كالبيعة والاستخلاف. ولكن رغم ذلك لم يتخلوا عن التصور المثالي لانعقاد الإمامة، واعتبروا أن تحقق نظام الحكم المثالي لا يتأتى إلا إذا توفرت شروط الإمامة في الإمام الحاكم وإن كان هذا لا ينفي شرعية القهر والغلبة. فقد كان هناك فريق ثالث لا يوليها أي اهتمام فقهي وأخرجها تماماًَ من النسق الفقهي العام. وتنوعت أسباب هذا الإهمال أو التجاهل بين اعتبارها من موضوعات علم الكلام أو علم الحديث وبين الخوف من تناولها في ظل ظروف سياسية سيئة تقوم على القهر والبطش. ولا يتميز موقف ابن تيمية عن مواقف التيارات المخالفة لأهل السنة والجماعة فحسب، بل يتميز عن موقف الفقهاء والمتكلمين من أهل السنة والجماعة أيضاً. ولقد أدت تحليلات ابن تيمية لواقع الأمة وتاريخ ظهور الأئمة إلى نظرية الغلبة والقهر في تعيين الإمام، إذ يدل هذا التاريخ عنده على أن معظم الأئمة جاءوا نتيجة القهر والغلبة. ولم يحدث انتخاب على الطريقة الديمقراطية وفق مفهومها الحديث. وعندما حدث نوع من المبايعة، فقد كانت هذه المبايعة لاحقة على تمكن الإمام من السلطة، أي أن البيعة جاءت لتأييد أمر واقع وكتصديق عليه باستثناء حالة أو حالتين. لكن لا يعني هذا أن الغلبة والقهر هما الجانب الوحيد في نظرية ابن تيمية، بل هناك جانبان هامان هما: النص، والمبايعة. غير أن الغلبة والقهر هما الجانب الأهم والأكثر فعالية، بدليل أن البيعة عنده ليست هي "بيعة أهل الحل والعقد"، كما عبر عنها بعض الفقهاء على نحو مثالي، وإنما هي "بيعة أهل الشوكة" أي ذوي القوة والسيف.

ولقد اختلف ابن تيمية عن جمهور الفقهاء حيث إنه يقول بثبوت إمامة أبي بكر بالنص وليس بالاختيار، ولم يذكر أن الإمامة هي خلافة للنبوة، وذلك راجع إلى رأيه القائل بانقضاء الخلافة التي هي على منهاج النبوة مع انتهاء فترة حكم الخلفاء الراشدين. ولكن مع كون الخلافة عنده انتهت بعلي فهو يقول بوجوب وجود الرئيس في الأمة، ولا يلجأ إلى جعل (قصة اختيار أبي بكر في سقيفة بني ساعدة) أساساً يقيس عليه تأسيس نظرية الإمامة أو الرئاسة العليا، ولكنه قال بضرورة وجود رئيس للأمة على أساس جديد. ملخصه أن ضرورة وجود الرئيس في كل مجتمع هي نتيجة طبيعية باعتبار كون الإنسان مدنياً، وذلك كما يقول أرسطو. وعلى هذا فالرئاسة عنده ضرورة اجتماعية، ولكنها ومن جهة أخرى فإن وجود الرئاسة أمر شرعي باعتبار أن كل إنسان عليه من التكاليف والأعمال بحسب قدرته، ومن هنا فعلى ذوي السلطان ما ليس على غيرهم من ولاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ الذي يعتبر مدار الشريعة عليه ـ وبالتالي فإن أقدر الأمة في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون هو الإمام الأعظم، وهذا ينبني على ما يمتلك من قدرات واقعية ذاتية، وهذا القائم في موقعية الإمامة حصل له ذلك نتيجة تملكه أكبر وأكثر القدرات في الأمة، هذا بالإضافة إلى كون الشرع أمر بطاعته بما ترتب عليه مضاعفة قدرته وسلطاته نتيجة تعزيز الأمر الشرعي للوضع الطبيعي القائم. ومن هنا فإن ابن تيمية لا يعتني بالبحث عن القالب الذي تنعقد به الإمامة كما فعل عامة الفقهاء، حيث إن شرعية الإمام عندهم تتعلق على صحة الانعقاد والتولي بالكيفية التي ذكروها. أيضاً ففي تصور ابن تيمية فإن الإمامة هي إحدى الولايات أو جزء من نظام الدولة، وإن كانت هي أكبر ولاية أو أكبر جزء، ولكنه لا يعتبرها مصدراً لسائر الولايات وهذا على العكس من تصور الفقهاء للإمامة، والذي يعتبر أن الإمامة هي مصدر السلطة للنظام، أي أن سائر الولايات تتلقى شرعيتها وسلطاتها عن طريقة التفويض من قبل الإمام، وعليه فالإمام هو مصدر الولايات، والرعية في الأصل مجردين من أي ولاية في تصور الفقهاء، وهذا يعني أن ابن تيمية خالف التصور الهرمي الفيضي العام الذي قامت عليه بنية الإمامة عند الفقهاء، وما هي إلا جزء منه، ولما خالف ابن تيمية الفقهاء في هذا التصور وتوابعه كان باعتبار أن الولاية عنده متعلقة بالقدرة، وعلى هذا فالولاية متوزعة بين الأمة بحسب قدراتهم، ومن هنا فقد بحثنا عن "الأمة" وتعريفها ومكانتها في فكر ابن تيمية. ولقد كان مفهوم الأمة الحاضر في تفكير ابن تيمية ذا مضمون ديني، في حين يغيب عنه المعنى التاريخي والاجتماعي. فلم يدرس ابن تيمية مفهوم الأمة بصورة منهجية منظمة مجردة عن مفهوم الدين. وغلبة كل تصوره لها الارتباط بين الجماعة والشريعة، أو بين الأمة والدين فإن العقيدة تلعب دوراً محورياً في تشكيل الأمة وتحديد ماهيتها. ومن هنا فإن مفهوم "الأمة" عند ابن تيمية يتوحد مع مفهوم "الملة" ومما أكد المضمون الديني لمفهوم الأمة عند ابن تيمية أنه نظر إلى الأمة باعتبارها الوارثة للنبوة. وفي هذا الصدد تبين الفرق الجوهري بين تصور الفقهاء وتصور ابن تيمية، إذ يعتبر الفقهاء الإمام هو خليفة الرسول ? القائم بحراسة الدين والدنيا. ثم يستخلف رعاياه نيابة عنه بينما الأمة عند ابن تيمية هي الوارثة لخلافة النبي ?.

ومن ثم فإن ابن تيمية يعتبر الأمة مصدر السلطة من وجهة نظر خاصة رغم أن تفكيره يسير في أفق الدين إلا أنه بعيد كل البعد عن التفكير الديموقراطي، ورغم أن نظريته السياسية تؤدي إلى القول بنظرية القهر والغلبة إلا إنه لم يقل بالاستبداد الفردي، لأن الأمة تتولى ولاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاطبة وهي مقصود الولاية الإسلامية. ومن هنا فإن الأمة مصدر من مصادر السلطة بينما السلطة في يد الحاكم في وجهة نظر الاستبدادية. وإذا كان ابن تيمية قد قال بأن الأمة الإسلامية هي خير الأمم، فإنه لم ينظر إلى خيرية هذه الأمة على أنها ساكنة ثابتة في كل العصور، لذلك فإن هذه الخيرية تأخذ في التراجع على الدوام، لكن هذا التراجع لا ينسحب على كل طوائف الأمة، بل على كل من خالف أهل الحديث وهي الفرقة الناجية عنده. لأن هذه الطائفة ـ أي أهل الحديث ـ هي الحافظة للإسلام والرسالة عندما تغترب في الأمة. ولا يعني هذا أن ابن تيمية من القائلين بالنزعة النخبوية لأن التعمق في دراسة هذا المفهوم أظهر أنه من السعة والمرونة بحيث ينفي أي دلالة نخبوية. فهذا المصطلح أي أهل الحديث لا يعني الطبقة الخاصة العالمة بالحديث النبوي، وإنما يعني الخاصة والعامة على السواء بشرط التمسك بالحديث النبوي فعلاً وعملاً بقدر الإمكان. ويرفض ابن تيمية التفرقة بين الخاصة والعامة المنتمين إلى أهل الحديث أو بين المجتهد والمقلد بالمعنى الذي عليه علماء أصول الفقه، حيث إن الاجتهاد عنده واجب على كل مسلم بحسب طاقته. كما يرفض ابن تيمية النزعة النخبوية لا سيما وأنه يفتح الباب أمام مشاركة الجماهير في الذات السياسية. وقد كشف البحث أيضاً عن السمات الواقعية للفكر السياسي عند ابن تيمية، ولكنه كشف أيضاً عن هذه الواقعية بأنه تتأصل في طوباوية دفينة، فبما أن الخلافة تستلزم نظاماً مثالياً لا يمكن تحقيقه في ضوء الظروف التاريخية المعاصرة له، فلا بد من العيش ـ في انتظار تحققها ـ داخل دولة شرعية أي دولة تطبق السياسة الشرعية. ومن هنا نجد أن ابن تيمية يوجز الحديث عن الخلافة، ويطنب في السياسة الشرعية لأن مجرد التحليل العقلي يظهر أن الخلافة تعني في الحقيقة تجاوز الدولة. وهذا الأمر لا يمكن أن يحدث وفق الشروط التاريخية القائمة آنذاك. ومن ثم فالحل المتاح هو محاولة إصلاح الدولة أو السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية. والسياسة الشرعية هي السياسة المتطابقة مع القرآن والسنة لأن هناك سياسة غير شرعية، وهي التي تطابق شريعة غير شريعة القرآن والسنة، إذ إن هناك أنواعاً أخرى من الشرائع، مثل الشريعة المؤولة، والشريعة المبدلة، والشريعة بمعنى حكم الحاكم. وإذا كان الفقهاء تحدثوا عن السياسة بوصفها متمحورة حول محور "الإمامة"، فإن ابن تيمية قد تحدث عنها بوصفها متمحورة حول محور "الشريعة المنزلة". ومن هذه الزاوية رأينا كيف يترتب على موقف ابن تيمية إزالة أي فوارق بين الإمام والجماهير فيما يتعلق بالشريعة، إذ إن الجميع أمامها وأمام الالتزام بها سواء. ولقد ركز ابن تيمية على المقصود الكلي للسلطة. ومن ثم اتسم موقفه بالاستقلالية والتميز عن غيره من الفقهاء، الذين ركزوا في تحليلاتهم على تحقيق النظام الحاكم في معظم الأحيان. لكن من جهة أخرى نرى "صمتاً" من ابن تيمية عن مبدأ الشورى في "السياسة الشرعية"، وإن كان مؤدى حريته في كتبه الأخرى لا سيما تلك التي تحدث فيها عن الأمة، لابد أن يفضي إلى مبدأ الشورى، لكن على مستوى ما ينبغي أن يكون، لا مستوى الأمر الواقع الذي انتهت تحليلات ابن تيمية بشأنه إلى نظرية "القهر والغلبة".

والسياسة الشرعية عند ابن تيمية ليست منفصلة عن العقيدة، إذ إنه تقوم على مبدأ "الحاكمية لله"، ومن ثم فهي ذات اتصال وثيق بنظرية التوحيد. ولذا فقد حكم ابن تيمية بوجوب قتال كل من لا يتبع الشريعة في سياسة الدولة، الأمر الذي يوضح الأهمية القصوى للسياسة الشرعية في تفكير ابن تيمية السياسي. ولقد اعتبر ابن تيمية السياسة الاقتصادية جزءاً لا يتجزأ من السياسة، وقدم نظرية متكاملة بخصوص مصادر الأموال في الدولة وكيفية توزيعها واستغلالها وحدود سلطة الحاكم في هذا الشأن. أما سياسة العقوبات فقد نظر إليها ابن تيمية بوصفها قائمة على مبدأ الردع، ويجب تنفيذها على الجميع بصرف النظر عن أوضاعهم السياسية أو الاجتماعية أو المالية. وفي هذا النطاق لم يخرج ابن تيمية عن حدود النصوص القرآنية والنبوية. وقدم ابن تيمية فهماً جديداً لقضية الخروج على الشرعية أو قضية "البغي" التي هي عند الفقهاء تعني الخروج على الإمام، ويرى ابن تيمية أن هذا الحكم نشأ عن خلطهم بين قتال الخوارج أو الطائفة الممتنعة عن الشرائع، وبين قتال الفتنة بين المسلمين كما حدث بين علي ومعاوية، ومن خلال نقده لهذا الفهم عرض ابن تيمية محوراً جديداً هو الذي ينبغي أن يكون الفيصل في تعريف البغاة، وهو محور "الخروج على الشريعة"، وعلى هذا فإن الذي يستحق القتال هو الطائفة الممتنعة الخارجة عن شريعة من شرائع الإسلام أو كلها، وبذلك حاول ابن تيمية إعادة تأسيس قضية الشريعة للنظام الإسلامي أو النظام المنتسب للإسلام على أساس أن يكون محور السياسة هو الشريعة، وليس الإمام، عن طريقة مقارنة مفهوم الخروج على الإمام بمفهوم الخروج على الشريعة. وفي الفصل الأخير تمت دراسة أثر ابن تيمية في الفكر السياسي اللاحق عليه، وملامح صورته في ذهن الباحثين المعاصرين في الفكر السياسي الإسلامي ومدى اقتراب أو بعد هذه الصورة عن ابن تيمية الحقيقي. وكان من أخص الخصائص التي توصل إليها هذا الفصل هو الوجه الأيديولوجي لنظرية توحيد الإلهية عند ابن تيمية. وكشف أنها مرت في تأثيرها على المفكرين اللاحقين على ابن تيمية بثلاث مراحل أخذت في كل منها الصيغة المعبرة عن حاجات العصر ومشكلاته حتى تحولت ففي المرحلة الأخيرة من نظرية في الشعائر التعبدية إلى أيديولوجية سياسية ذات طابع جهادي. ولقد عبر عن المرحلة الأولى ابن أبي العز الحنفي في كتابة "شرح العقيدة الطحاوية" الذي اتخذ فيه موقفاً نقدياً من علم الكلام رغم أن كتابه نفسه جاء حاملاً للروح الكلامية ويكشف هذا الكتاب عن تأثر كبير بأفكار ابن تيمية بلغ حد المسايرة في أسلوب التعبير. فقد كان يتخذ ابن أبي العز من ابن تيمية مرجعية كاملة في بيان العقائد السنية. واتخذ التأثر بابن تيمية منحى جديداً في المرحلة الثانية التي تعتبر محمد ابن عبدالوهاب أبرز ممثليها. وقد تأثر ابن عبدالوهاب بجانب هام من جوانب فكر ابن تيمية. ذلك الجانب الذي يكافح الشك في العبادات وممارسة الشعائر والطقوس وأهمل الجانب الكلامي عند ابن تيمية الذي تأثر به ابن أبي العز الحنفي في المرحلة الأولى، وجاء تأثر ابن عبدالوهاب بذلك الجانب نتيجة الاستجابة لحاجات العصر وطبيعة البيئة حيث كانت مظاهر الشرك في التعبد سائدة في كل أنحاء الجزيرة العربية. وفي المرحلة الثالثة التي تواكب العصر الحديث أخذت نظرية التوحيد عند سيد قطب بعداً سياسياً واضحاً. بل اصطبغت في كل جوانبها بالصبغة السياسية حيث تحولت من نظرية تكافح الشرك في التعبد إلى نظرية في الحاكمية السياسية.

وعند تناول مشكلة أساس الإمارة وموقف ابن تيمية منها تبين عدم مصداقية الصورة التي لونها عنه الباحثون المحدثون إذ إنهم فهموا ابن تيمية في إطار الفقه السياسي السني عند الماوردي وأبي يعلى وغيرهم ولم يدركوا موقفه المتميز بسبب عدم نظرهم إلى بنية فكره ككل وعدم وقوفهم عند مفهوم القدرة الذي تتأسس عليه نظرية الولاية عند ابن تيمية. وكشف أن رئاسة الدولة عنده ليس هو الإمامة ولكنها الإمارة أو الولاية. الأمر الذي كان له أكبر الأثر على ابن القيم ومحمد بن عبدالوهاب، لكن هذا الأخير لم يدرك الوجهة النظرية أو الفلسفية لنظرية الولاية عند ابن تيمية على وجه الدقة. ويعتبر موقف ابن تيمية من خروج الحاكم عن الشريعة من أكثر المواقف السياسية الشرعية أثراً في الفكر السياسي الإسلامي اللاحق عليه، ليس فقط على المستوى الفقهي، ولكنه على المستوى العملي ذي التوجه الجهادي أيضاً، كما يتضح ذلك من التيارات الجهادية المعاصرة التي تتخذ من ابن تيمية مرجعية أولى في هذا الصدد. وأخيراً، أرجو أن يكون لرسالتي المتواضعة هذه مساهمة في جهود الإخوة المخلصين العاملين في سبيل إعادة الخلافة الإسلامية. وأسأل الله تعالى مغفرة وعفواً لجميع ذنوبنا وخطايانا إنه غفور رحيم, كما إني أدعوه لنصرة الحق وأهله على الباطل وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب

دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ¤عبدالعزيز بن محمد العبداللطيف£بدون¥دار طيبة - الرياض¨بدون¢1409هـ€تراجم¶دفاع عن السنة وأهل الحديث وفي هذه الخاتمة أحمد الله تعالى وأشكره على إنجاز هذا البحث وإنهائه. وقد بيّنتُ -أولاً في المقدمة- أهمية هذا الموضوع، وأسباب اختياره ثم ذكرت خطة البحث، ومنهجي الذي سرت عليه في كتابة أبواب البحث، ثم تحدثت عن جمع المادة العلمية لهذا البحث. وقد تحدثت في التمهيد عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وبينتُ أن هذه الدعوة ما هي إلا دعوة إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، وأن هذه الحركة الإصلاحية ما هي إلا تجديد لمنهج السلف الصالح، وأشرت إلى بعض العلماء الذين تأثروا بدعوة الشيخ، ممن لم يذكرهم الكتاب الذين كتبوا في هذا المجال، كما أشرت إلى خطأ دعوى أن بعض الحركات الإصلاحية أو الشخصيات الإسلامية قد تأثرت بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مثل الحركة السنوسية، والحركة المهدوية، ومثل: محمد عبده، ومحمد إقبال. ثم أوردت دراسة استقرائية مجملة لمؤلفات المناوئين مع موقف علماء الدعوة من هذه المؤلفات المناوئة، وقد اتضح أن خصوم هذه الدعوة على عدة أصناف، فمنهم من أبغض هذه الدعوة حسداً وبغياً كما وقع من سليمان بن سحيم مطوع الرياض، ومنهم من عادى هذه الدعوة وأهلها انتصاراً لطريقته الصوفية كما هو ظاهر في كتابات علوي الحداد، وداود بن جرجيس النقشبندي، ومحمد الطاهر يوسف، ومالك بن داود، وغيرهم. ومنهم من ناهض هذه الدعوة انتصاراً لمسلكه الرافضي كما هو واضح في كتابات محمد بن عبد الوهاب بن داود الهمداني، وعلي اللكنهوري، وجعفر النجفي، ومحسن الأمين العاملي، وغيرهم ممن سبق ذكر أقوالهم. وقد بيّنتُ بكثير من الأمثلة، الكم الهائل من المؤلفات التي صنفت ضد هذه الدعوة السلفية، وبمختلف اللغات، ثم وضحت بكثير من الأمثلة -أيضاً-، ما سطّره بعض أئمة الدعوة السلفية وأنصارها في الرد على تلك المؤلفات، ومناقشة الشبهات، وتفنيد الاعتراضات. ثم أوجزت أهم الأسباب التي أدت إلى كثرة تلك المؤلفات المناوئة وتعددها. ثم انتقلت إلى الباب الأول، ويتضمن الحديث عن مفتريات ألصقت بدعوة الشيخ مع الرد عليها. وقد عرضتُ في الفصل الأول منه لافتراء الخصوم بأن الشيخ ادعى النبوة، وانتقص الرسول صلى الله عليه وسلم، وابتدأت أولاً بالحديث عن معتقد الشيخ الإمام وأتباعه في مسألة ختم النبوة بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، ثم أوردتُ الفرية كما جاءت مدونة في كتب الخصوم، ثم أتبعتها بالرد والدحض من خلال ما كتبه أئمة الدعوة السلفية. وكذلك كان الأسلوب في فرية انتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم، فقبل إيراد الافتراء، كان هناك تمهيد يتضمن بيان مقام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عند الوهابيين، ثم بيان الافتراء كما جاء مسطوراً في كتب المناوئين، وعقب ذلك يأتي الرد والدحض لهذا الافتراء، وفي آخر الفصل كشفت عن ضلال أولئك الخصوم -من خلال كتبهم-، وجهلهم بحقه عليه الصلاة والسلام، وزيغهم عن معرفة مقام المصطفى صلى الله عليه وسلم. وكتبتُ الفصلين: الثاني، والثالث بنفس أسلوب الفصل الأول، وكان الفصل الثاني حول الزعم بأن الشيخ مشبه مجسم، وقد ظهر بكثير من الأدلة والبراهين أن الشيخ وأتباعه في باب أسماء الله عز وجل وصفاته على منهج أهل السنة والجماعة، من وصف الله بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تمثيل ولا تكييف، ولا تعطيل، ولا تحريف، فلا يتجاوزون القرآن والحديث. كما ظهر ضلال أولئك الخصوم في هذا الباب، ووقوعهم في التعطيل والتحريف، كما بيّنّاه بأمثلة من كتبهم.

أما الفصل الثالث وهو حول فرية إنكار الشيخ لكرامات الأولياء، فقد اتضح بطلان هذه الفرية، وأن الشيخ الإمام وأتباعه يقرّون بكرامات الأولياء، كما ظهر جليّاً تلبيس الخصوم وتضليلهم حين اتخذوا من لفظ كرامات الأولياء قناعاً أخفوا تحته الكثير من الشركيات والبدعيات. وتحدثتُ في الباب الثاني عن الشبهات المثارة حول دعوة الشيخ مع بيان الحق في ذلك. وكان موضوع الفصل الأول عن شبهة التكفير والقتال، وقد أطنبتُ -نوعاً ما- في الحديث عن هذه الشبهة، وذكرت أسباب ذلك. وقد ذكرت في المبحث الأول من هذا الفصل مفتريات الخصوم وأكاذيبهم على الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسألة التكفير، ثم أتبعتها بالرد والدحض. ثم تحدثتُ في المبحث الثاني عن فرية أن الوهابيين خوارج، وأن موطنهم قرن الشيطان، وقد ثبت كذب هذه الفرية، واتضح الفرق الشاسع بين الوهابيين والخوارج، ثم ذكرت بعض أقوال العلماء قديماً وحديثاً في بيان معنى حديث نجد قرن الشيطان، مع توضيح بطلان استدلال الخصوم بهذا الحديث في نصر فريتهم. وفي المبحث الثالث كشفتُ -من خلال ما نقلته عن أئمة الدعوة وأنصارها- عن زيف شبهة الخصوم حين ادعوا أن الوهابيين أدخلوا في نواقض الإسلام ما ليس منها، وبينت سلامة موقفهم في هذه المسألة، وأنه هو الصواب الذي سار عليه السلف الصالح. وفي المبحث الرابع بينتُ موافقة الشيخ الإمام لابن تيمية وابن القيم في مسألة التكفير، وأنه لم يخالفهم في ذلك كما ادعى الخصوم، وأوردتُ الأمثلة على ذلك. وفي المبحث الخامس وضحتُ أن الشرك واقعٌ في هذه الأمة، كما شهدت بذلك النصوص، فلا صحة لشبهة الخصوم من عدم طروء الشرك على هذه الأمة. وعرضتُ في المبحث السادس لشبهة الخصوم بأن الشيخ يجعل الآيات التي نزلت في المشركين منطبقة على المسلمين، وأوردتُ الردود عليها. وختمت مباحث ذلك الفصل بشبهة خروج الشيخ على دولة الخلافة العثمانية، وبينت ابتداء، وبنقول متعددة أن نجداً -موطن هذه الدعوة- لم تكن تحت سيطرة دول الخلافة، ثم بينتُ بطلان هذه الشبهة. وفي الفصل الثاني تحدثت عن شبهة تحريم التوسل، وعرضت أولاً لشبهة الخصوم في هذه المسألة، ثم أعقبتها بالرد والبيان، وبيّنتُ ما في لفظ التوسل من الإجمال والإطلاق، وأشرت إلى التوسل المشروع، ثم التوسل البدعي المحظور، وعرضت لأدلة الخصوم واستدلالاتهم بالرد والجواب، وبشيء من التفصيل. وتحدثت في الفصل الثالث عن شبهة منع الاستشفاع بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعرضت لمقالة الخصوم في تجويز طلب الشفاعة من المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، وأن ذلك ليس عبادة للرسول أو للولي، وذكرت حججهم في ذلك، ثم عطفت عليها بالردّ والبيان، وبيّنتُ شرطي قبول الشفاعة، والفرق بين قول الداعي: اللهم شفّع محمداً فينا، وبين قول: يا محمد اشفع لي، وذكرت خلط الخصوم وعدم تفريقهم بين كلا القولين. ثم انتقلت إلى الباب الثالث، ويتضمن الحديث عما اعترض على الشيخ من قضايا الدعوة مع المناقشة لها. فبيّنتُ في الفصل الأول اعتراض الخصوم على الشيخ أو أنصار دعوته فيما فعلوه من هدم الأبنية على القبور، والنهي عن شد الرحال لزيارة الأضرحة، وقد ظهر بالأدلة والبراهين صواب فعل الشيخ وأتباعه، وأن ما اعتقدوه وفعلوه في هذه المسألة هو الحق الذي تعضده النصوص الشرعية، كما ظهر في نفس الوقت ضلال الخصوم وانحرافهم في تلك المسألة.

وأظهرتُ في الفصل الثاني، ومن خلال كتابات أنصار الدعوة الوهابية، صحة تقسيم التوحيد إلى توحيدين: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وأنه تقسيم تقره الأدلة، وتثبته نصوص الوحيين، وأقوال السلف الصالح، وبيّنتُ بطلان اعتراض الخصوم على ذلك التقسيم، كما اتضح أيضاً زيغ الخصوم حين اقتصروا على تقرير توحيد الربوبية، واكتفوا به. وفي الفصل الثالث تحدثتُ عن اعتراض المناوئين على هذه الدعوة في إنكارهم دعاء الموتى، وظهر جليّاً -عبر أقوال أئمة الدعوة- صحة ما ذهب إليه الشيخ ومن تبعه في إنكار دعاء الموتى، وأبطلت على ضوء تلك النقول حجج الخصوم واستدلالاتهم في هذا الاعتراض. وفي نهاية هذه الخاتمة أحب أن أقترح بعضاً من الحلول والأساليب لمن يهمه نشر مذهب السلف الصالح عموماً، وبصورة صادقة، والتي يمكن أن تحقق في نفس الوقت تصوراً صحيحاً لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فمن هذه الحلول: (1) الاهتمام بنشر تراث السلف الصالح، وفي سائر بلاد المسلمين، وعلى مختلف المستويات الثقافية، واختيار الرسائل والمؤلفات التي توضح عقيدة أهل السنة والجماعة، وتتصف بالوضوح والإيجاز وملائمة العصر، وأن يتضح ويظهر لعامة المسلمين -من خلال تلك الرسائل- (عالمية) معتقد أهل السنة والجماعة، فتنشر رسائل موجزة لبعض علماء السلف الصالح ومن مختلف المذاهب الأربعة، وتنشر رسائل موجزة أخرى لبعض علماء السلف الصالح من مختلف أقطار المسلمين، ومختلف الأزمان. فتطبع -على سبيل المثال- رسالة (كشف الشبهات) للشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي، ومعها رسالة (تطهير الاعتقاد) للصنعاني، أو رسالة (شرح الصدور في تحريم رفع القبور) للشوكاني، أو رسالة (قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر) لمحمد صديق خان. (2) نشر مؤلفات الشيخ الإمام التي توضح معتقده مثل (كتاب التوحيد) و (الأصول الثلاثة) وغيرهما، وكذلك نشر الرسائل الجامعة لأئمة الدعوة في نجد، والتي توضح معتقدهم ومنهجهم، كما فعل الشيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- حين جمع بعض الرسائل الهامة في كتاب سماه (الهدية السنية)، وهو خمس رسائل لكبار أئمة نجد وعلمائها. وترجمة هذا التراث النفيس إلى أشهر اللغات العالمية. (3) إبراز الجوانب الدعوية عند الشيخ الإمام، وكذا أئمة الدعوة من بعده، وبيان ما كان عليه الشيخ وأتباعه من فقه للدعوة، وإدراك لأساليبها المناسبة. (4) التحذير من كتب الخصوم، وتتبعها بالرد والمناقشة، وتصحيح الأخطاء الواقعة في بعض المراجع العامة، مثل (دوائر المعارف) عموماً، و (حاشية الصاوي على الجلالين) و (حاشية ابن عابدين)، وبعض المصادر التاريخية. (5) الاهتمام بتدريس كتب ورسائل الشيخ في التعليم الجامعي، وحسن عرض ترجمة الشيخ الإمام في المناهج الدراسية، وإبراز آثاره العلمية والعملية على هذه البلاد، وكذلك إظهار فضله وعظيم نفعه على بلاد المسلمين عموماً، والعناية أيضاً بحسن عرض أبواب (كتاب التوحيد) - في المناهج الدراسية للمرحلة المتوسطة-، وإعادة صياغة ذلك المنهج بأسلوب جذاب يفهمه الناشئة ويدركونه، مع مراعاة ربط مادة الكتاب بالواقع الذي يعيشه الطالب. (6) فتح باب الحوار والمناقشة مع المتعلّمين من الوافدين لهذه البلاد، ودعوتهم إلى التجرد والإنصاف، واتباع الحق أينما دار، وتحرير أفكارهم من تبعيّة حملات التشويه والتضليل. وهذه الاقتراحات الموجزة ما هي إلا غيض من فيض، وأسأل الله عزَّ وجل أن يمدنا بالعون لتحقيقها، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ..........................

دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية - عرض ونقد

دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية - عرض ونقد ¤عبدالله بن صالح الغصن£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1424هـ€تراجم¶دفاع عن السنة وأهل الحديث الخاتمة في نهاية البحث في (دعاوى المناوئين لابن تيمية – عرض ونقد)، يحسن بي أن أعرض ملخصاً لأبرز النتائج العامة التي توصلت إليها، وهي كالتالي: 1 - أن ابن تيمية رحمه الله أحد أعلام أهل السنة والجماعة البارزين، من حيث عرض العقيدة والاستدلال عليها، ومن حيث الرد على المبتدعة وتفنيد شبهاتهم، فهو يوافق السلف في تقرير العقيدة والاستدلال عليها، فهو يعظم النصوص الشرعية، ويؤيدها بأقوال سلف الأمة المعتبرين في كل مسألة من مسائل أصول الدين كما هو واضح من كتبه. 2 - يغلب على المناوئين لابن تيمية رحمه الله أنهم مبتدعة، وإن كانوا قد يوصفون بصفة أخرى لأمر من الأمور، وأبرز مناوئي ابن تيمية رحمه الله هم: الفقهاء المقلدة، أهل الكلام، الشيعة، الصوفية، أصحاب العداوات الشخصية. 3 - سلك المناوئون لابن تيمية رحمه الله منهجاً معه غير مرضي، أبرز ملامحه: التزوير والكذب، التلبيس والتضليل، التحذير من الاغترار به علانية، نسبة الأولية له في ابتداع الضلالات، كثرة الإلزامات الباطلة، كثرة السب والشتم، ومع ذلك فإن كثيراً منهم يعترف بالحق لأهله، ويقر برفعة منزلة ابن تيمية رحمه الله وكثرة علمه. 4 - ادعى المناوئون لابن تيمية رحمه الله أنه يقول بالتأويل، وأنه متبع لهواه، مخالف لمنهج السلف الصالح، مسارع في تكفير غيره من المسلمين، وقد أجاب البحث عن كل مسألة من هذه المسائل، ورد عليها من كلام ابن تيمية رحمه الله نفسه. 5 - ابن تيمية رحمه الله من أوسع من ناقش نفاة الصفات، وله ردود على المشبهة، فهو ليس بمشبه ولا مجسم، لكن النفاة يطلقون على مثبتة الصفات لفظ التجسيم، وقد أخذ هذا المعتقد الحق عن أئمة السلف، حيث ملأ كتبه بأقوالهم رحمه الله -. 6 - أن ابن تيمية رحمه الله يقول بما قال به السلف في دوام الحوادث في المستقبل، وإمكان دوامها في الماضي، فهو يثبت التسلسل في الآثار، ويمنع التسلسل في المؤثرين إذ هو باطل باتفاق العقلاء. 7 - أن قول شيخ الإسلام رحمه الله بإمكان حوادث لا أول لها لا يستلزم القول بقدم العالم؛ إذ لابد من التفريق بين دوام النوع، وحدوث الأفراد، فهو يرى أن كل مخلوق فهو مسبوق بعدم، ثم إن ابن تيمية رحمه الله قد رد على الفلاسفة القائلين بقدم العالم في بعض كتبه. 8 - يقول ابن تيمية رحمه الله بما يقول به سلف الأمة وأئمتها بشرعية زيارة القبور للرجال على وجه الإجمال، أما إذا تضمنت هذه الزيارة مفاسد فهي غير مشروعة، ولا يجوز السفر لزيارة قبر من القبور، وقبر النبي صلى الله عليه وسلم كقبر غيره لم يرد فيه أحاديث خاصة تبين تمييزه عن غيره من القبور بشيء من القرب، فزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة غير واجبة، ولا يجوز شد الرحل إليها – كغيره من القبور -، وابن تيمية رحمه الله بهذا من المعظمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ التعظيم هو الاتباع.

9 - في مسألة التوسل: يقول ابن تيمية رحمه الله تبعاً لقول السلف – بحرمة التوسل بالأموات، أو بالأحياء فيما لا يقدرون عليه، أو في مغيبهم، وأن التوسل المشروع هو التوسل إلى الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أو التوسل بعمل صالح في قضاء الحوائج، أو التسول إلى الله عز وجل بدعاء الرجل الصالح، وأما التوسل بالذوات فلا يجوز، لا ذوات الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم، لا في حياتهم، ولا بعد مماتهم، وكل ما استدل به المبتدعة على جواز التوسل أو الاستغاثة بهم فإما أن يكون الدليل غير صحيح، أو أن يكون صحيحاً لكن الاستدلال به غير صحيح. 10 - يعتقد ابن تيمية رحمه الله عقيدة أهل السنة والجماعة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من محبتهم وتوليهم، ورعاية حقوقهم، والإقرار بعدالتهم، وعدم سبهم وتنقصهم، وعدم الخوض فيما وقع بين الصابة – رضوان الله عليهم أجمعين -. ويعتقد أن أفضلهم الخلفاء الراشدون الأربعة وأن مرتبتهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة. 11 - يعتقد ابن تيمية رحمه الله في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجوب محبتهم، والثناء عليهم، ومنهم أزواجه صلى الله عليه وسلم، وأن لهم مكانة بحكم قربهم منه صلى الله عليه وسلم، وقد بين ابن تيمية رحمه الله أن لهم حقوقاً لا يشركهم فيها أحد غيرهم. 12 - بعد دراسة كتب ابن تيمية رحمه الله حول تحديد قوله في مسألة دوام النار وبقائها، وهل هو يقول بما قال به السلف أم أنه يقول أو يميل إلى خلاف ذلك؟، فتبين – والله أعلم – أنه يقول بما قال به سلف الأمة، وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة من أن من المخلوقات ما لا يعدم، ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار. وأما النصوص الأخرى التي استدل بها من قال: إنه يقول بفناء النار أو يميل إلى القول به، فهي: إما نصوص محتملة مجملة غير صريحة، فترد إلى النصوص الواضحة المبينة، وإما نصوص استدلوا بها وهي لا تصلح للاستدلال كما قد تبين، والله أعلم بالصواب. وبعد، فهذا جهد المقل، أرجو فيه الثواب والمغفرة من رب الأرض والسموات، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده وله المن والفضل، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، فأسأل الله أن يأجرني على غنمه، وأن يغفر لي غرمه، وأن يرزقني الإخلاص والسداد في القول والعمل، وفي السر والعلن، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو المستعان ونعم الوكيل.

عبدالرحمن بدوي ومذهبه الفلسفي ومنهجه في دراسة المذاهب عرض ونقد

عبدالرحمن بدوي ومذهبه الفلسفي ومنهجه في دراسة المذاهب عرض ونقد ¤عبدالقادر بن محمد الغامدي£بدون¥مكتبة الرشد – الرياض¨الأولى¢1429هـ€تراجم¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة: وفيها أهم نتائج الرسالة: النتيجة الأولى: ظهر لنا من سيرة عبد الرحمن بدوي جلياً حكمة الشارع في المنع من مخالطة الكفار ومصاحبتهم واتخاذهم بطانة، فعبد الرحمن بدوي من نتائج تلكم المخالطة، فكانت النتيجة ما عظم عليها ندمه مؤخراً، رحمه الله. فأعيذ بالله شخصاً يؤمن بالله واليوم الآخر يدرس أبناء المسلمين يعظم في نفوس الطلاب الغرب ومفكريهم، أو يذكرهم بعين التعظيم، فقد يتسبب في هلاك بعض هؤلاء الطلاب وسيبوء بإثمهم جميعاً من غير أن ينقص من أوزارهم شيء. الثانية: ظهر لنا جلياً من سيرته حاجة البشر للنبوات والوحي، فمهما كان ذكاء الشخص كبيراً وذهنه متوقداً واطلاعه واسعاً, وسعيه في البحث عن الحقيقة دائباً؛ إذا خاض في الإلهيات بغير الوحي الذي يجيء به الأنبياء، وترك أتباع شرائعهم هلك الهلاك المحقق، وضل الضلال البعيد. الثالثة: تبين لي جلياً بعد هذه الدراسة وما اطلعت عليه بسببها مما لم أدونه هنا ما ظهر لعبد الرحمن بدوي وتيقنه بعد أن هداه الله أنه لم تؤت أمة من الأمم من العقل, والعلم, والأدب, والأخلاق, والسياسة وغير ذلك ما أوتيت أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعة لشرعة. – ولم أكن أشك في هذا من قبل لكن ازددت يقيناً والحمد لله -. الرابعة: سلف المسلمين من الصحابة رضوان الله عليهم وتابعيهم وأتباع التابعين بإحسان هم أعظم الناس علوماً, وعقولاً, وفهوماً, وكشوفاً, وخيراً, وحقاً, وجمالاً، ولا يلحق من بعدهم بغبارهم في ذلك، وكان السير على منهاجهم سبب تقدم البشرية في كل المجالات النافعة. مما يحتم على كل من جاء بعدهم السير على خطاهم, والدعوة إلى منهاجهم, والجهاد في سبيل ذلك. فلا نجاة, ولا فلاح, ولا سعادة للبشرية بغير ذلك إلى يوم الدين. الخامسة: الكتاب والسنة بالفهم السليم لهما وهو فهم السلف الصالح يستحيل أن يعارضهما فطرة سوية, أو معقولاً صحيحاً, أو حقيقة علمية، لأن منزل الوحي هو خالق العقل والكون والفطرة، ولا يمنع الكتاب العظيم والسنة المطهرة من التقدم المادي في شتى الجوانب بشرط النفع والاعتدال. السادسة: الحرية الحقة في عبودية الله وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ومن لم يكن عبداً لله، ويرضى بالخضوع له والاستسلام لشرعه كان عبداً لغير الله أو لنفسه وهواه؛ لأنه فقير فقراً ذاتياً لابد له من عبودية. وتسمية الانفلات من الشريعة ومن كل خلق ودين: حرية؛ من تغيير الحقائق وتسمية الشيء بنقيضه، ومن أعظم خطوات الشيطان. السابعة: حقيقة الوجودية: تأليه النفس، ورجوع إلى المذاهب السوفسطائية العندية. الثامنة: مثال كل باطل إلى الزوال والذهاب إلى مقبرة المذاهب ومزبلة الأفكار: ومن ذلك الشيوعية, والعلمانية, والوجودية وغيرها، ولن يبقى وينتصر إلا الدين الحق الذي ارتضاه الله للعالمين وتكفل بحفظه ونصره وهو: دين الإسلام الذي جاء به الأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.

التاسعة: الحذر من كتب عبد الرحمن بدوي في الفلسفة ونحوها، وسائر الكتب الفلسفية، ولا يجوز قراءتها إلا عند الحاجة المبررة من جهة الشرع الإسلامي الحنيف، ومن المؤهلين لذلك علماً, وديناً, وعقلاً, وخلقاً, وذكاء، فكم ممن خاض في الفلسفة بل وعلم الكلام بغير مبرر واستخارة واستشارة كانت خاتمته أليمة وسيئة. أما من استبدل بها وبنحوها كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وتراث السلف الصالح؛ فقد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وسوف لن يحصل إلا الإفلاس والندامة والشقاء نسأل الله العافية، وقطار التائبين شاهد لذلك والسعيد من وعظ بغيره. العاشرة: من احتاج قراءة كتب عبد الرحمن بدوي وتحقيقاته وترجماته المتخصصة في الفلسفة مع اجتماع الشروط السابقة، كمن يحتاج ذلك للرد عليها, ومعرفة أصول الباطل إذا ما انتشر وأثَّر كهذه الأيام، فهو من أعظم الجهاد وسيجد كتبه من أكبر معين له، فقد عرضها عرضاً صحيحاً بفهم سليم, وبأمانة علمية, من مصادر كل مذهب المصادر الأصلية، فكتبه مراجع أساسية في هذا المجال. الحادية عشر: يستفاد من سيرة عبد الرحمن بدوي من همته, وجده, ونشاطه, وشجاعته، وهكذا ينبغي أن يكون أساتذة المسلمين اليوم بل أكثر لكن في تقديم ما ينفع الناس، وفي تقديم الإسلام للبشرية، وفي بيان ما في الفلسفات الغربية من زيف ومخالفة للمعقول والمنقول، وفيما نوى عبد الرحمن بدوي عمله بعد توبته. الثانية عشر: من كان يقدم عبد الرحمن بدوي للعرب بتلك الجهود التي تبرأ مما فيها على أنه مجدد النهضة العربية، وقدوة لشباب الأمة، كما فعل كثير ممن كتب عنه في كتاب (دراسات عربية) وغيره، فهو من الدعاة على أبواب جهنم الذين من أجابهم إليها قذفوه فيها، وهم خونة الأمة, والغاشين لها, والعاقين لدينهم, ولغتهم, وأهليهم, وأوطانهم, ثم للبشرية جمعاء؛ إذ كيف تدعى الأمة للسير في ركاب الغربيين, والأخذ بفلسفاتهم الخبيثة والفاسدة في الوقت الذي هم أحوج ما يكونوا أن يبين لهم الصراط المستقيم, وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وهؤلاء التغريبيين من أبناء العرب يصدونهم عن ذلك، ولا لوم على الملاحدة والماركسيين فما يضر الشاة سلخها بعد ذبحها. الثالثة عشر: يجب أن يعتني علماء الأمة الإسلامية الأجلاء وأساتذتها الكرام بتقديم الإسلام نقياً للبشرية وترجمته لهم، ونفي عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وهذا من أنواع الجهاد العظيمة والكثيرة والتي لا عز للمسلمين بدونها، ومن ذلك أن يردوا على الشبهات التي يوردها أعداء الإسلام أو غيرهم بالمنقول الصحيح, والمعقول الصريح, وبالحكمة والموعظة الحسنة, والجدال بالتي هي أحسن, ورحمة الخلق وإنصافهم عند الرد، خاصة وأن أوروبا في دور النهاية كما قرر ذلك مفكريهم كإشبنجلر وبرديائف وغيرهما وكذلك أمريكا كما هو مشاهد، ولا بديل للبشرية غير الإسلام وهي مسألة بارز ظهورها هذه الأيام جداً, وهؤلاء الداخلون فيه بالأفواج والحمد لله، فما هو إلا أن يصل نور الإسلام صافياً إلى نفوس هؤلاء المساكين الذين أتلفت نفوسهم الهموم والحياة الضنك حتى يتغلغل في قلوبهم, ويذرفوا معه دموع الطمأنينة, والسعادة, واليقين. الرابعة عشر: ما ذكرته حين ذكري لمنهج عبد الرحمن بدوي في دراسته الفرق الكلامية والباطنية، يغني عن دراسة منهجه في دراسته للمذاهب الفلسفية؛ لأن المذاهب الفلسفية التي درسها كان منهجه فيها مجرد العرض التاريخي (الفيولوجي) أيضاً، وأكثرها ترجمات وتحقيقات فلا تجد ما يستحق أن يدرس فيها سوى ذكرها، بذكر محاضراته وجهوده في مجال التدريس وكتبه جميعها في هذا المجال، وهو ما فعلته والحمد لله؛ لكن يبقي من الجوانب التي تستحق الدراسة من حياة بدوي العقدية: جهوده في جانب الاستشراق والمستشرقين والردود عليهم، فهو جانب مهم ومفيد أيضاً.

منهج ابن تيمية في الإصلاح الإداري

منهج ابن تيمية في الإصلاح الإداري ¤زيد بن محمد الرماني£بدون¥دار الصميعي - الرياض¨الأولى¢1425هـ€تراجم¶ابن تيمية - ترجمة كاملة أو دراسة منهجية إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. تناولنا فيما سبق في بحثنا هذا ((منهج ابن تيمية في الإصلاح الإداري)) فقد تناولنا في الباب الأول: المدخل للإصلاح الإداري، وتكلمنا فيه عن الإدارة وعن الإصلاح الإداري وعن النواحي الإدارية، والإصلاحات التنظيمية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين، وفي عهد الدولة الأموية والدولة العباسية والدولة العثمانية. وخرجنا من ذلك بمجموعة من النتائج المهمة منها: 1. الإدارة علم وفن ولا ينفك أحدهما عن الآخر، لأن الإدارة الجيدة هي التي تحتاج إلى الجانبين كليهما العلم والفن. 2. وظائف الإدارة: التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، وهذه أهم الوظائف التي تقوم بها الإدارة الجيدة. 3. الإصلاح الإداري عبارة عن سلسلة من الإصلاحات في داخل الجهاز الحكومي، ولا يقام بالإصلاح الإداري إلا لأسباب أوضحناها في ثنايا البحث، وقد بينا السمات الرئيسة للإصلاح الإداري. 4. وجدت الإدارة والإصلاحات والتنظيمات في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وفي عهد الخلفاء الراشدين من بعده، فكان هناك تولية الولاة وإنشاء الدواوين وتفويض السلطة، والرقابة وغير ذلك. كما وجدنا الإدارة بشكل أوضح في عهد الدولة الأموية والعباسية والعثمانية، وذلك للتوسع الذي حصل في الفتوحات ولكثرة الداخلين في الإسلام، وكثرة الموارد والمصارف، فاحتاج ذلك كله إلى تنظيم وتخطيط وتوجيه وقيادة ورقابة وإصلاحات إدارية. أما في الباب الثاني: فقد تناولنا فيه منهج ابن تيمية في الولايات ((سياسات التوظيف))، والأموال والحسبة ((التموين)). كما تناولنا في بداية هذا الباب، الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية، وانتهينا بعد هذا كله، إلى نتائج مهمة منها: 1 - ابن تيمية –رحمه الله- ولد بحران، ولذلك يطلق عليه الحراني، وتقع في بلاد الشام، وكانت ولادته في النصف الثاني من القرن السابع للهجرة. وأطلق عليه شيخ الإسلام وسمي بذلك للجهد البارع الذي قام به. عاصر فترة حالكة مماثلة للفترة التي عاصرها أبو حامد الغزالي، كان في تلك الفترة اضطرابات، والدولة الإسلامية كانت تتعرض للهجوم والغزو من الغرب والشرق، وتكالب عليه الأعداء من شرقها وغربها، فمن الغرب نجد أن الصليبيين قد توجهوا نحوها، ومن الشرق نجد أن المغول قد اجتاحوا مساحات كبيرة جدا حتى استطاعوا أن يسقطوا دولة الخلافة الإسلامية في بغداد، ويبطلوا الخليفة الإسلامي المستعصم ويقتلوا ويعيثوا في الأرض فسادا، كل هذه الظروف أثرت في نفس ابن تيمية –رحمه الله- مما جعله يكتب في هذا الجانب، ومن كتبه: السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية. وكذلك كتاب: الحسبة في الإسلام. 2 - كتاب ابن تيمية السياسة الشرعية، يحدد فيه منهجا حيويا لعملية الإصلاح الإداري. فهو يرى أن الفساد الإداري ناشئ من أمرين: أ- استغلال المال العام. ب- استغلال السلطة في تعيين من يشاء وكذلك حد الضوابط التي تحكم هذا الأمر. حيث يرى كذلك أن فساد الأمة وما آلت إليه من اضطراب وفوضى ناشئ من فساد الولاة الذين لم تكن تتوفر فيهم المعايير التي يقرها الإسلام، فيما يتعلق بالقيام بالمهام الموكلة إليه.

وبالتالي كتب كتابه ((السياسة الشرعية)) ليحدد به طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويتركز كتابه على آيتين من سورة النساء قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا} {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}. ارتكازا على هاتين الآيتين قام منهج ابن تيمية في الإصلاح الإداري. 3 - يرى ابن تيمية –رحمه الله- أن الآية الأولى تخص الحاكم، والثانية تخص المحكوم، والعملية تبادلية، يحصل فيها الحاكم على الطاعة، مقابل أن يقوم بأداء الأمانة وأن يحكم بالعدل، فأداء الحاكم للأمانة يستوجب على الأمة طاعته، والطاعة الممنوحة له تستوجب أن يكون عدلا. مسئولية الحاكم تتمثل في أمرين: أ- أداء الأمانة ب- الحكم بالعدل وأداء الأمانة في نظر ابن تيمية-رحمه الله- تنقسم إلى قسمين: أ- أداء الأمانة في الولايات ب- أداء الأمانة في الأموال 4 - فيما يتعلق بأداء الأمانة في الولايات ((سياسات التوظيف)) فيقول: إن أسس اختيار الولاة هي: أ- استعمال الأصلح ب- اختيار الأمثل فالأمثل ج- أسس الصلاحية د- معرفة الأصلح ويقول: إن ضابط الإسلام الأول في اختيار الولاة أن يتم ذلك وفق القاعدة العامة، وهي اختيار الأصلح فالأصلح، لا لقربة ولا لمكانة اجتماعية ولا لأي عنصر آخر لا يقره الإسلام. وقد اكتشف ابن تيمية –رحمه الله- هذا المبدأ المهم، قبل علماء الغرب الذين يتفاخرون بأنهم اكتشفوا مبدأ نظام الجدارة (وهو توظيف الشخص الأجدر)، بدلا من النظام السائد عندهم وهو نظام الغنائم [وهو توزيع الوالي أو الحاكم للمناصب على رجال حزبه المؤيدين له]. نظام الجدارة بلوره ابن تيمية من خلال استيعابه لمنهج الإسلام الصحيح. ثم يحدد أسس الصلاحية بمعيارين أساسيين هما: أ- القوة ب- الأمانة مستعينا في ذلك بقوله تعالى: {إن خير من استأجرت القوي الأمين}. فالقوة: هي القدرة على القيام بالمهام الموكلة إلى الفرد وتشمل القوة الجسمية والعقلية وشتى أنواع القوة عموما. والأمانة: هي الضمير المتوثب الذي يزجر الشخص عن الخيانة ويدفعه لبذل طاقته في سبيل القيام بما أوكل إليه من المهام على أحسن وجه. ويقول ابن تيمية –رحمه الله- إنه يندر أن يتوفر في شخص واحد المعياران بدرجة عالية، ولكن الأمر هو عملية توازن بين هذين المعيارين، ويستدل على ذلك بقول عمر: [اللهم إليك أشكو جلد الفاجر وعجز الثقة]. ويقول ابن تيمية: إن المشكلة تكمن في تغليب أحد الجانبين في اختيار الشخص، ويرى أن الاهتمام بأي المعيارين، إنما يكون بما تحكمه طبيعة النشاط والوظيفة نفسها، فقد يحتاج العمل إلى جانب القوة أكثر منه إلى جانب الأمانة، وذلك مثل الحرب، وقد تكون إلى الأمانة في عمل، أكبر من الحاجة إلى القوة وذلك مثل القضاء وولاية الأموال. 5 - أما فيما يتعلق بأداء الأمانة في الأموال، فيرى أن المقصود بأداء الأمانة في الأموال أن يلتزم الحاكم بأداء الأموال وجبايتها من الموارد التي حددها الشارع، كما يلتزم صرفها في أوجه الصرف التي حددها الشارع أيضا، لأن الإسلام قد حدد موارد الأموال التي منها الزكاة، والفيء والغنائم والصدقات.

ويلاحظ فيما يتعلق بمنهج الإسلام في جباية الأموال أنه يلتزم بروابط محددة، فكلما كان الجهد المبذول كبيرا، كلما قل التعب أو القدر الذي يجبى منه. ويلاحظ أن هذا النصيب يتفاوت من 2.5% إلى 10% فالفائض الذي تحصل عليه الدولة بدون قتال هو من نصيب بيت المال، كما أن الغنيمة وهي مال يحصل عليه المجتمع بقتال يكون نصيب بيت المال 20% والباقي للمحاربين. ويمكن أن ينقص هذا النصيب أو القدر، إلى أن يصل إلى 10% مثلا، كما في زكاة الزروع والثمار التي تسقى بماء السماء عادة، ويكون نصيب بيت المال منها 10%. ولهذا يقول ابن تيمية عند حديثه عن الموارد، لابد أن يكون الحاكم منضبطا بضابط الإسلام، حتى لا تحدث فوضى في استغلال المال العام، كما يجب على الحاكم أن يجبي بالمقادير التي حددها الإسلام دون زيادة أو نقص فيها، لأن ذلك يؤدي إلى إثقال كاهل الأفراد، فيؤدي ذلك إلى نفور الناس منه. وهذه الموارد على نوعين: أ- ما يمكن الحصول عليه بسهولة، وفي هذا النوع يرتفع نصيب بيت المال منها كالفيء. ب- ما كان الحصول عليه صعبا وشاقا، وفيه يقل نصيب بيت المال ويرتفع نصيب الأفراد، كالغنيمة بعد الحرب. وعموما فابن تيمية يشير إلى أن الحاكم يجب أن يكون منطقيا ونظاميا من الناحيتين، ناحية الجباية وناحية الصرف. 6 - فيما يتعلق بالحسبة، فقد تكلم ابن تيمية عن مدى تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وذكر بعض الحالات التي فيها تتدخل الدولة، مثلا: التسعير-منع الاحتكار-تحديد الأجور-توفير الاحتياجات. ومن ذلك يتضح عجز الأنظمة الوضعية الحديثة في تطبيق هذا المبدأ [مبدأ التدخل]، بينما نجد في الجانب الآخر عظمة وقدرة الفكر الإسلامي والمنهج الإسلامي متمثلا في منهج ابن تيمية، في تفهم هذا المبدأ ووضعه في المكان المناسب. 7 - مبدأ اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، عرفه ابن تيمية واكتشفه ودعا إليه، قبل الفكر الإداري الحديث، وذلك عند حديثه عن أسس اختيار الولاة. أ- تولية الأصلح ب-الأمثل فالأمثل ج- أسس الصلاحية د- معرفة الأصلح 8 - استمد ابن تيمية –رحمه الله- واستند في مناهجه التي اتبعها على الكتاب والسنة، وذلك واضح عند تطرق ابن تيمية لموضوع أداء الأمانة في الولايات وأداء الأمانة في الأموال، وعند حديثه عن الحسبة وتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، فنراه حينما يعرف أمرا من الأمور، أو يدعم أقواله وتعريفاته وأحكامه وآراءه ومناهجه واستنتاجاته بالدليل من الكتاب والسنة أو الإجماع أو كلها مجتمعة. 9 - سبق شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- المفكرين الإسلاميين في وضع أسس ومرتكزات لعلم الإدارة، ولهذا يرى الأستاذ: عبدالرءوف الجلالي أحقية ابن تيمية في أبوة الإدارة العلمية، وذلك لما قدمه من مبادئ وأسس ومناهج وآراء وسياسات وإصلاحات، من خلال كتبه: أ- السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية. ب- الحسبة في الإسلام. ج- منهاج السنة النبوية. 10 - منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في الإصلاح الإداري هو المنهج الإسلامي، ولكن ابن تيمية-رحمه الله- هو ممن اكتشف هذا المنهج ووضحه ووضعه في إطار سبق به العلماء والمفكرين السابقين عن وضع منهج أو إطار أو تنظيم يناظره أو يماثله. وقد استقى أسسه واستنتاجاته وآراءه من الوقائع التي حدثت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي عهد الخلفاء الراشدين من بعده، وقبل ذلك كله كان تدعيمه لأقواله وآرائه ومناهجه مستندة إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. وبهذا نأتي إلى ختام بحثنا المتواضع، سائلا الله عز وجل القبول والمثوبة والأجر، ثم متمنيا أن يحوز على قبول ورضا القارئ الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تربية وتعليم

تربية وتعليم

أصول التربية الحضارية في الإسلام

أصول التربية الحضارية في الإسلام ¤هاشم بن علي الأهدل£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية¨الأولى¢1428هـ€تربية وتعليم¶تربية وتعليم - مناهج ووسائل وأصول وأهداف أهم النتائج والتوصيات: أولاً: أهم النتائج: من خلال معايشة هذا البحث تبين العديد من النتائج التي يمكن إيرادها كما يلي: - أهمية العناية بموضوع التربية الحضارية في المناهج الدراسية، وتكثيف الدراسات والبحوث في موضوع هذه التربية. - للحضارة عناصرها المادية والمعنوية والتنظيمية والتشريعية، وذلك مثل: الدين والقيم والمجتمع بنظمه ومؤسساته، وكذلك العمران المدني والمنتجات المادية والتراث واللغة وغيرها من مقومات المجتمع والأمة. - من ثمار التربية الحضارية الالتزام بالمنهج الإسلامي في بناء حضارة المتربين إلى تحقيق اعتماد الدول الإسلامية على نفسها في جميع ميادين بناء الحضارة. - من أهداف التربية الحضارية بناء أجيال قادرة على مواجهة الغزو الحضاري وأخطار العولمة، وإبراز خصائص الأمة للأجيال وتكوين روح الاعتزاز بها والعمل من أجلها والدفاع عنها، وبناء الأجيال للاقتداء بالنموذج الحضاري الإسلامي، ونشر الرسالة الحضارية الإسلامية. - من الأسس المهمة في التربية الحضارية أنه ينبغي توجيه المسئولين إلى أهمية العقيدة في الخطط التربوية الحضارية، وتربية الأجيال على توجيه الحضارة ومنجزاتها واكتشافاتها وفق الضوابط الشرعية. - تتطلب التربية الحضارية تعريف المجتمع بالأولويات التي تحتاجها الأمة والمجتمع للتقدم والتفوق الحضاري. - من الأسس العلمية عدم التفريق بين العلوم الشرعية والعلوم التجريبية لتحصيل التفوق الحضاري. - من الأسس النفسية للتربية الحضارية أن تنمو الثقة في نفوس الأجيال بإمكانية بناء حضارة إسلامية معاصرة ومتفوقة. - هناك ميادين حضارية ينبغي توجيه الأجيال إليها مثل: الميدان الغذائي والتجاري والصناعي والعسكري والصحي والعمراني. - للتربية الحضارية ميادين معنوية تحث على فعل الخير وترك الشرور، وتردع عن إفساد الممتلكات الخاصة والعامة وتبصر الأجيال بمنابع الطاقات البشرية وطرق استخدامها في بناء الحضارة. - أهمية استيعاب التقنية ونقلها إلى بلاد المسلمين في ضوء القيم الإسلامية، وتنشئة الأجيال على أن العمل المهني والفني من العوامل المهمة للحضارة والتقدم. - من متطلبات التربية الحضارية الاهتمام بالنوعيات الجيدة من الطلاب وتربيتهم تربية إبداعية وابتكاريه متميزة، وتبصيرهم بحياة ومعاناة المبدعين وأساليب تحقيق الإبداعات. - من أساليب التربية الحضارية تربية الأجيال على الاعتزاز بالتراث الحضاري للأمة وتوظيفه في خدمة الحاضر والمستقبل، وإبراز النماذج الحضارية في الأمة وأسرار نهضة الأمة إبان تفوقها. - من ضوابط الانفتاح الحضاري: تقنين الابتعاث إلى خارج الدول الإسلامية، وحماية الأجيال من المدارس والمعاهد والجامعات الأجنبية الموجودة في بلاد المسلمين، وتبصير الأجيال بأسرار نهوض الحضارات وأسباب هبوطها أو سقوطها. - من أساليب التربية الحضارية التربية على العمل المؤسسي الذي تتجه إليه الحضارة المعاصرة. - من الأساليب المهمة تعريف الأجيال بالآثار الشرعية والتربوية المترتبة على المساهمة في بناء حضارة الأمة، وتوضيح السلبيات الحضارية الناجمة عن تربية الشخصية المسلمة في بلاد الكفر، وتعديل النظم التربوية لاستقطاب العقول المهاجرة والكفاءات المسلمة. - للأسرة دور مهم في المحافظة على خصائص الأسرة الإسلامية بالمفهوم الحضاري الإسلامي، ومن واجباتها العناية بأفراد الأمة وتنشئتهم تنشئة إسلامية حضارية.

- الأسرة المسلمة تساهم في زيادة الكثافة السكانية لأن العدد الكبير شرط من شروط الحضارة. - للمسجد وبرامجه ومرافقه، وللمدرسة وأنشطتها دور فعال في تحقيق الانطلاق الحضاري. - من وظائف الإعلام تصحيح أخطاء الحضارة المعاصرة، وإيجاد البدائل ذات العطاء الحضاري الإسلامي، وعرض الجهود الحضارية الإسلامية وإبراز روادها. - تؤكد التربية الحضارية على استمرار التنسيق التربوي الإعلامي الحضاري. - للمجتمع مساهماته في إقامة محاضن تربوية تدعم المشروع الحضاري، وإصدار اللوائح والنظم المتوافقة مع المشروع الحضاري. - هناك ضوابط أساسية في تحقيق التربية الحضارية منها: مراعاة مكانة الحياة الدنيا في ميزان الإسلام، والتحذير من فتنة الأموال والثروات، والتركيز على أن العقيدة الإسلامية هي أساس البناء الحضاري. ثانياً: التوصيات: يظهر للباحثين من خلال معايشتهم لأبحاثهم ودراستهم لجوانبها المختلفة أن بعض الأمور لابد من بحثها بحثاً مستقلاً لتحقيق المزيد من الفائدة العلمية ولهذا يقترحون التوصيات، وهذا ما حصل فعلاً بالنسبة لهذا البحث، ولهذا أقدم توصيات البحث في الأمور التالية: أولاً: يوصي الباحث بإنشاء مركز خاص ببحوث الحضارة في الجامعات، وفي وزارات التربية والتعليم في العالم الإسلامي. ثانياً: يوصي الباحث بإقرار مادة بعنوان التربية الحضارية في الجامعات الإسلامية، وتكون مفردات هذه المادة مستقاة من فصول هذه الرسالة دراسة وتطبيقا. ثالثاً: يقترح الباحث عدداً من الرسائل التي يمكن لطلاب الدراسات العليا البحث فيها وهي: - دراسة أهداف التربية الحضارية لكل مرحلة من المراحل الدراسية وتطبيقاتها العلمية. - دراسة أسس التربية الحضارية لكل مرحلة من المراحل الدراسية وتطبيقاتها العلمية. - دراسة معايير التربية الحضارية لكل مرحلة من المراحل الدراسية وتطبيقاتها العلمية. - دراسة ميادين التربية الحضارية لكل مرحلة من المراحل الدراسية، وتطبيقاتها العلمية. - دراسة حول واقع التربية الحضارية في المراحل الدراسية وتطبيقاتها العملية. - دراسة حول واقع التربية الحضارية في المراحل الجامعية وتطبيقاتها العملية. - دراسة حول واقع التربية الحضارية في الكليات العلمية وتطبيقاتها العلمية. - دراسة حول واقع التربية الحضارية في الكليات الأدبية وتطبيقاتها العملية. - دراسة تحليلية وصفية للتربية الحضارية في العصور الإسلامية المزدهرة وتطبيقاتها العملية. - دراسة تحليلية وصفية للتربية الحضارية من قصص الأنبياء والمرسلين. - دراسة التربية الحضارية في سيرة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. - دراسة التربية الحضارية من خلال القواعد الفقهية. - دراسة التربية الحضارية بين أكثر الأمم تقدماً في المجالات الحضارية. رابعاً: إعداد استبانة مشتقة من عبارات ضوابط ومعايير التربية الحضارية تتلاءم مع نوع العينة التي سيجري عليها تطبيق الاستبانة.

الاختلاط في التعليم – النشأة والآثار

الاختلاط في التعليم – النشأة والآثار ¤إبراهيم بن عبدالله الأزرق£بدون¥مركز باحثات لدراسات المرأة¨الأولى¢1429هـ€تربية وتعليم¶اختلاط وخلوة خاتمة وفيها تلخيص النتائج: يمكن أن نلخص نتائج البحث فيما يلي: - لم ينشأ الاختلاط في الغرب عن دراسات صحيحة تثبت فوائده في التعليم. - نشأ الاختلاط في العالم الغربي لأسباب دعت إليها ظروف المرأة وواقعها المزري، والذي منه تزمت رجال الكنيسة تجاهها مع سوء إدارتهم للصراع من جهة أخرى. - كان من أهم دوافع إصرار الغربيين على اختلاط التعليم حركة المساواة النسوية، الناشئة بفعل ظروف وحيثيات المجتمعات الغربية. - ساعد على استمرار الاختلاط في التعليم الغربي وتفاقمه، الواقع السياسي، أو الحقوقي الذي كان يخشى فقد ما يعده مكتسبات، بالإضافة إلى بعض الفرضيات الخاطئة التي سادت إذ ذاك، وكذلك بعض الدراسات القاصرة. - لم يقر الغربيون الاختلاط بيسر وسهولة بل إثر معارك طاحنة تعاقبت جولاتها عبر عقود كثيرة. - لا يزال الجدل بين الغربيين قائماً حول جدوى الاختلاط، وهل هو مصيدة أم لا. - بدأت بعض الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في الرجوع عن فرض الاختلاط، والجدال لا يزال محتدماً في دول أخرى. - الاختلاط في التعليم ببلاد المسلمين يتعارض مع ما ينبغي أن تكون عليه سياسات التعليم وأهدافه. - من أسباب إحداث الاختلاط في التعليم خدمة أهداف بعيدة عن الإسلام، بل معارضة له قد تنقضه. - خلص الباحث إلى أن الاختلاط في التعليم بين البنين والبنات عائق عن التحصيل وفقا للنتائج المتكررة المتطابقة للدراسات الطبية والنفسية، وكذلك أفادت التجارب، والدراسات، والإحصاءات، والاستفتادات المتباينة. - أشار البحث إلى أبرز الفروق الدماغية بين الجنسين المؤثرة على التعليم، وكذلك العضوية والنفسية. - أشار البحث بين طياته إلى عدة آثار سلبية يعود بها الاختلاط على العملية التعليمية. وقد تعرض البحث، لطرف من أهم العوامل التي ساهمت في إشاعة الاختلاط بالمجتمعات العربية والإسلامية، وعرض الإحصاءات والأرقام التي تبين الدرك السحيق الذي تردت فيه أخلاق المجتمعات الغربية جراء إشاعة الاختلاط في تعليمها، وأخيراً أشار البحث إلى سبيل الخروج من واقع الاختلاط المظلم. هذا وفي الختام أدعو المختصين في المجالات الطبية والتربوية والاجتماعية ونحوها للاستفادة من البحوث التي أشير إليها ومن غيرها، ومن ثم إخراج ثمرتها وتوظيفها التوظيف الأمثل الذي يرضي ربهم أولاً، ويخدم العملية التعليمية وبخاصة في البلدان الإسلامية ثانياً، فإن المختص أقدر من غيره على التحرير والتنقيب والبحث في مجال اختصاصه.

المدارس الأجنبية في الخليج – واقعها وآثارها

المدارس الأجنبية في الخليج – واقعها وآثارها ¤عبدالعزيز بن أحمد البداح£بدون¥بدون¨الأولى¢1429هـ€تربية وتعليم¶مدارس الخاتمة: 1) النتائج: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد: فبعد الانتهاء من هذا البحث – ولله الحمد والمنة – فقد اتضحت لي النتائج التالية: 1 - دولة البحرين دولة مسلمة وكان نظامها الاجتماعي والقضائي قائماً على الشريعة الإسلامية والالتزام بها حتى أوائل القرن التاسع عشر الميلادي. 2 - بدأ التحول في المجتمع البحريني منذ ثلاثينات القرن المنصرم مع إلغاء القضاء الشرعي وتعطيل الحدود من قِبَل المحتل الأجنبي. 3 - برز التحول في المجتمع البحريني في الخمسينات الميلادية مع رجوع المبتعثين والمبتعثات من الخارج الذين كانوا يحملون الفكر المتحرر من ضوابط الدين وحدود القيم. 4 - غلبت الصبغة الغربية على المجتمع منذ منتصف الستينات الميلادية وحتى بداية الثمانينات مع بداية انطلاق الصحوة الإسلامية. 5 - لا يجوز السماح بافتتاح المدارس الأجنبية في البلاد الإسلامية لما تمثله من خطر كبير على العقيدة واللغة والأخلاق والثقافة. 6 - التعليم الأجنبي كان أول وأقوى عامل تغربي في المجتمع البحريني، إذ كانت المدرسة الأجنبية أول مؤسسة تعليمية نشأت في البحرين، كما أن المبتعثين إلى الخارج هم الذين تولوا أزمة الوزارات الحساسة في الدولة خاصة في مجالي التعليم والإعلام. 7 - عوامل التغريب والإفساد في المجتمع البحريني – وهي ليست مختصة به بل تنسحب على غيره من المجتمعات الإسلامية – تتمثل في: (المدارس الأجنبية، الأندية المشبوهة، الجمعيات النسائية التغريبية، الكنائس، الصحافة العلمانية وكتابها النحرفون). 8 - من خلال أدوات الدراسة (الاستبانة، المقابلة، الاستقراء) اتضح لي أن هناك تأثيراً سلبياً وخطيراً للتعليم الأجنبي على الجوانب اللغوية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية والعقدية في المجتمع البحريني. 9 - ثبت للباحث أن ما يوضع من ضوابط لتخفيف آثار التعليم الأجنبي ليس لها أي دور في ذلك، وإنما هي وسيلة لتسويقه وتمريره في المجتمعات الإسلامية. 10 - السماح بإنشاء المدارس الأجنبية مظهر من مظاهر التبعية والتقليد ونتيجة للهزيمة النفسية التي يعاني منها المسلمون في الوقت الحاضر. 11 - التعليم الأجنبي غزو للأمة وأفرادها في دينهم وأخلاقهم ولغتهم وانتمائهم لأمتهم وبلادهم، والواجب الديني والمسؤولية الوطنية تقضي بمواجهته. 12 - تمارس الجمعيات النسائية التغريبية دوراً كبيراً في صرف المجتمع عن دينه وأخلاقه وهي ربيبة الاستعمار ووليدة المحل وتلقي الدعم المادي والمعنوي منه وتلتقي مع المدارس الأجنبية في ظروف النشأة واتحاد الهدف. 13 - تعتبر الأندية الأجنبية كالروتاري واللوينز أندية مشبوهة تعمل تحت ستار العمل الخيري لتحقيق أهدافها العالمية الرامية إلى إضعاف الولاء للدين والأمة والوطن ولها صلتها الوثيقة بالمدارس الأجنبية من جهة ارتباطها بالأجنبي وسعيها لتحقيق أهدافها. 14 - الكنائس في البحرين ليست دوراً للعبادة فحسب وإنما تؤدي أدواراً أخرى تتمثل في تثبيت النصرانية في المنطقة ورعاية شؤون النصارى والدعوة إلى دينها في أوساط المجتمع المسلم من خلال آليات وأساليب مختلفة. 15 - ثبت من خلال الدراسة أن الاحتلال البغيض يقف خلف كل انحراف وقع في المجتمع البحريني – في البداية – إما من جهة إيجاده أو السماح به أو دعمه وما مظاهر الانحراف الموجودة في المجتمع في الوقت الحالي إلا امتداد لتلك البدايات الأولى.

16 - إن كان الاحتلال العسكري قد خرج من البلاد فلا تزال أمريكا في ظل هيمنتها على العالم تمارس دور المحتل في السابق من خلال سفارتها التي تدعم كل توجه أو شخصية منحرفة تسعى إلى تغريب المجتمع ومسخ هويته. 17 - قام علماء السنة في البحرين بجهد مشكور في مقاومة المد التنصيري من خلال الكلمة والمكتبة والمدرسة وكان لهم الأثر الواضح في التخفيف من آثاره وتبعاته. 18 - قامت الجمعيات الإسلامية في البحرين على تفاوت بينها بمواجهة التنصير بحماية النشء من الجنسين من خلال وضع البرامج الثقافية والمراكز الاجتماعية والدورات التعليمية ونشر الكتاب الإسلامي، وحمل عبء دعوة غير المسلمين إلى الإسلام. 19 - ثبت للباحث ضعف المؤسسة الرسمية في البحرين في ممارسة دور الرقابة على المدارس الأجنبية من جهة وعدم تقويم تجربتها على ضوء مخرجاتها ومعطياتها من جهة أخرى. 20 - ثبت للباحث تهافت حجة السماح بالتعليم الأجنبي بدعوى وضع الرقابة عليه، لأن الرقابة – في الواقع – عاجزة عن الحد من أخطاره أو التخفيف من آثاره باعتباره مشكلة أصلاً. 21 - كان للمثقفين في البحرين موقف من التعليم الأجنبي يتضمن رفضه والتنديدي به وإقامة المؤسسات الثقافية المناوئة له في حين كان من المثقفين المتشبعين بالثقافة الغربية من أشاد بالتعليم الأجنبي باعتباره نافذة للاطلاع على حضارة الأجنبي والاستفادة منها. 22 - يجد التعليم الأجنبي إقبالاً من أفراد المجتمع البحريني خاصة من الطبقات الثرية يدفعهم إلى هذا الرغبة في المستوى التعليمي الجيد لتلك المدارس واستخدامها للتقنية في التعليم، إضافة إلى قوة اللغة الأجنبية فيها وتهيئتها الطالب لسوق العمل مقابل ضعف التعليم الحكومي. 23 - لعل من أبرز مساوئ المدرسة الأجنبية حصول الفصام النكد بين المثقفين والثقافة الإسلامية إذ أصبح حمل الثقافة الإسلامية خاصاً بالمتخصصين في العلوم الشرعية في حين أن كثيراً من المثقفين والذين يجدون الصدارة في الإعلام بوسائله المختلفة إنما يحملون ثقافة الأجنبي وفكره وهويته وعليه فهم جنوده – شعروا أو لم يشعروا – يعملون على تنفيذ فكره ونشر ثقافته في المجتمع. 24 - انتشرت الصحوة الإسلامية في المجتمع البحريني في شرائحه وطبقاته كافة. بينما فلول العلمانية والشيوعية والبعثية والقومية منكفئة على نفسها منحصرة في زاوية ضيقة بعد أن لفظها المجتمع وألقاها ضمن زبالات الفكر القديم التي لم تعد تجد لها رواجاً في المجتمع المسلم. 25 - كان لعلماء العالم الإسلامي في أنحائه كافة ... مصر والشام والعراق والجزيرة العربية والهند والباكستان وغيرها دور في التحذير من التعليم الأجنبي وبيان أخطاره وأثره السلبي على الناشئة في عقيدتهم وأخلاقهم وتصوراتهم. 2) التوصيات: وفي ختام هذه الدراسة أرى أنه من الضروري لمواجهة التعليم الأجنبي وأخطاره الأخذ بعدد من التوصيات والمتقرحات من أهمها ما يلي: 1 - أن يتنبه المهتمون بالشأن العام من العلماء والدعاة والتربويين وأصحاب القرار في العالم الإسلامي إلى خطورة التعليم الأجنبي وآثاره النكدة على الناشئة من الجنسين. 2 - أن تقوم المؤسسات الإسلامية كالجامعات والجمعيات وغيرها بتبني مثل هذه الدراسات الميدانية وتوجيهها ودعمها مادياً ومعنوياً لما تمثله من خدمة للأمة في جوانب مهمة وحيوية. 3 - أن تتنبه الدول الإسلامية وخاصة دول الخليج لخطورة بناء الكنائس وإنشاء المدارس الأجنبية على أراضيها لما تمثله من مساس بالقيم الإسلامية والقومية والوطنية.

4 - تمكنت القوى التنصيرية من محاصرة الجزيرة العربية بالمواقع التنصيرية من خلال زرع الكنائس في الكويت والبحرين وعمان والإمارات وأخيراً قطر ومنح جنسية بعض تلك الدول للنصارى لتثبيت أقدامهم فيها مما يوجب التنبيه لهذا الواقع ودراسته ووضع الحلول له. 5 - أن يتحمل ذوو اليسار والغنى في المجتمعات الإسلامية مسؤوليتهم تجاه أمتهم من خلال تبني المشروعات التعليمية للمراحل كافة – خاصة وأنها مشروعات ذات مردود اقتصادي جيد – وإسنادها إلى المتخصصين من الأمناء والأكفاء للإسهام في دفع عملية التعليم في المجتمع المسلم من جهة ولمواجهة التعليم الأجنبي من جهة أخرى. 6 - أن تقوم المؤسسات الإسلامية المشتغلة بالعمل الخيري والإغاثي بالاهتمام بالمشروعات التعليمية من خلال التوسع في إنشائها وتقديم الدعم المادي والمعنوي للقائم منها. 7 - ضرورة أن تهتم الحكومات الإسلامية والمسؤولون عن التعليم الديني به سواء في المجتمعات الإسلامية أو في مجتمعات الأقليات في الغرب وحمايته من التحجيم أو التقليص سواء في عدد مؤسساته أو في قوة مناهجه أو في توفير الفرص الوظيفية لخريجيه. 8 - لابد من اتخاذ عدد من التدابير والإجراءات لمنع إنشاء المدارس الأجنبية والاستعاضة عنها بالمدارس الوطنية. 9 - أن يتم إيقاف السماح ببناء الكنائس في البلاد الإسلامية ومراجعة ما سبق بناؤه من الكنائس حسب أحكام الشريعة الإسلامية، خاصة أنها أخذت في التوسع والازدياد بشكل ملحوظ مع أدائها لدورها التنصيري والتضليلي. 10 - لابد من الكشف عن التيار التغريبي ومراميه في المجتمع المسلم وإيضاح خطره عليه في دينه وأخلاقه وإذا كانت النصرانية تبشر بالنصرانية فإن التيار التغريبي يبشر بالعلمانية في المجتمع المسلم ولهذا فهما وجهان لعملة واحدة. 11 - على الحكومات والمؤسسات الإسلامية دعم مراكز دعوة غير المسلمين كمواجهة معاكسة للتيار التنصيري، إذ من الخلل البيِّن أن تترك المنظمات التنصيرية تجوب البلاد الإسلامية طولاً وعرضاً بينما يتم تحجيم العمل الإسلامي من خلال إغلاق مؤسساته والتضييق على موارده بدعوى مكافحة الإرهاب. 12 - أن تقوم الجمعيات الإسلامية بوضع خطط لعملها في مواجهة التنصير عامة والتعليم الأجنبي على وجه الخصوص ليكون عملها مؤسسياً وقائماً على نظرة شمولية بعيداً عن الارتجالية وردود الأفعال. وإني أؤكد في ختام هذه الدراسة أنها ليست خاصة بالبحرين، بل هي دراسة من المدارس الأجنبية في أي قطر من أقطار العالم الإسلامي، خاصة في دول الخليج العربي نظراً لتشابه الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية ...

دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات الثقافية للعولمة

دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات الثقافية للعولمة ¤صلاح بن ردود الحارثي£بدون¥مكتبة السوادي-جدة¨الأولى¢1424هـ€تربية وتعليم¶تحديات الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ثم الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وإماماً للمتقين؛ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ... أما بعد: فهذه خاتمة لدراسة – متواضعة حقاً- عن موضوع بالغ الأهمية، بل هو حديث الساعة، وهو ظاهرة العولمة، والتي كثر الحديث عنها في كل مجال, وبكل وسائل الإعلام, ووسائط الاتصال. وقد بدأ الباحث دراسته هذه على النحو التالي: الفصل الأول: مفهوم العولمة: في هذا الفصل استعرض الباحث عدداً من المباحث، منها: 1 - المقدمة .. 2 - المبحث المتعلق بتعاريف العولمة لغة واصطلاحاً، ومترادفات العولمة اللغوية والاصطلاحية، وحاول الباحث تحرير معنى كل مصطلح لغوي أو فني، كما حاول الباحث التجسير بين المعاني اللغوية والاصطلاحية من أجل تجلية حقيقة هذا المفهوم. والذي يراه الباحث، أن العولمة مشروع حضاري غربي منحاز للأمركة، يهدف إلى توحيد الأنماط الحياتية في كل مجال بنمط واحد يتجه نحو الأخذ بالنموذج الذي يستطيع أن يفرض نفسه، والذي ظهر للباحث أنه يتمثل في النموذج الأمريكي. 3 - أما المبحث الذي يليه فهو عن مرتكزات العولمة. وقد اختار الباحث أهم المرتكزات التي تمثل دعائم تقوم عليها ظاهرة العولمة، وهذه المرتكزات –كما يرى الباحث- توجد في الاقتصاد بوجهه الرأسمالي الليبرالي، وثانياً التقنية بشقيها الإعلامي أو المعلوماتي، وثالثاً الثقافة، حيث يتجسد فيها المحصلة النهائية لظاهرة العولمة، حيث تجلى للباحث بعد دراسة هذه المرتكزات الثلاث، أن الاقتصاد الرأسمالي هو المحرك الفعلي لظاهرة العولمة، ويقوده ملاك الشركات الكوكبية الذين يطمحون إلى فتح أسواق العالم، والوصول إلى كل مستهلك، وتسليع كل شيء. كما خلص الباحث إلى أن التقنية بكل أشكالها ووسائطها هي الناقل والمجسد لفكر وواقع العولمة، عبر أساليب الإقناع تارة، أو الإغواء والتضليل تارة أخرى. كما خلص الباحث إلى أن العولمة إنما تستهدف الثقافة؛ لأنه متى ما تم عولمة الثقافة وبث ثقافة العولمة، فقد تحقق بالفعل تجسيد الظاهرة وتحقيق طموحها الساعي إلى رؤية العالم يتجه نحو تقمص قيد ثقافي متجانس، يرمز لثقافة صناع العولمة. 4 - أما المبحث الذي يليه فهو عن آليات العولمة. ففي هذا المبحث حاول الباحث أن يتعرف على القوى الفاعلة في ظاهرة العولمة، والمتمثلة في بعض المنظمات الدولية والشركات الكونية، والتي يرى الباحث أنها وراء ظاهرة العولمة، وأذرعها التي لا تلوى، فعن طريق هذه المنظمات – السياسية منها أو الاقتصادية أو الثقافية – يتم فرض منطق العولمة على كافة الدول، ومن لا يستجيب من هذه الدول، فإنه سوف يكون عرضة للمساءلة، بل وفرض الرسوم الجزائية، بمثل الحصار الاقتصادي والعزل السياسي .. أو غير ذلك من أساليب السيطرة التي تتمتع بها هذه القوى، والمتمثلة في منظمة التجارة العالمية، التي تمثل بيت الاقتصاد العالمي في ظاهرة العولمة، أو صندوق النقد الدولي، أو أصحاب الاستثمارات الأجنبية ملاك الشركات العملاقة. الفصل الثاني: التحديات الثقافية للعولمة: 1 - مبحث: مفهوم الثقافة. في هذا المبحث تحدث الباحث عن بعض التعاريف اللغوية والاصطلاحية لمفهوم الثقافة قديماً وحديثاً، ولدى مختلف الشرائع الاجتماعية. وتوصل إلى أن الثقافة تعني التهذيب والتنميط.

كما حاول الباحث أن يصل إلى نتيجة أن ثقافة العولمة ما هي إلا اختراق للثقافات الأخرى عبر منافذ متعددة تؤدي في نهاية المطاف إلى تهميش وإقصاء كل صور الثقافات الأخرى – بل ربما سحقها وتدميرها – لمصلحة الثقافة الغالبة والمتجهة غالباً نحو الأمركة. 2 - مبحث: الثقافة والتكنولوجيا في عصر العولمة. تحت هذا المبحث حاول الباحث إلقاء الضوء على الدور الكبير الذي لعبته التقنيات الحديثة، ومنها على وجه التحديد: وسائل الإعلام بعمومها، مضافاً إليها وسائط الاتصال – المعلوماتية – في ضخ الثقافة المرغوب فيها. ولاحظ الباحث أن استحواذ الغرب – وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية – على هذه المنجزات؛ صناعة وإنتاجاً، استغل من أجل بث ثقافة الغرب، وبالذات ذات الصبغة الأمريكية، من أجل تجسيد واقع العولمة الثقافي عبر منافذ الإعلام ووسائط الاتصال. ويقترح الباحث هنا أن تسارع الدول الإسلامية إلى إيجاد هياكل إعلامية متميزة ونافذة قوية، واستخدام كل وسائل ووسائط التقنية الحديثة ذات مضامين إعلامية ومعلوماتية إسلامية من أجل الوقوف في وجه التحديات الثقافية الوافدة. كما لاحظ الباحث أن الانسحاب الإسلامي من الساحة الإعلامية يعطي مساحة للآخر ولثقافته الغربية أن تحتل وتشغل هذا الفراغ؛ لذلك يقترح الباحث بأن تملأ الساحة الإعلامية بمضامين إعلامية إسلامية وقائية ودعوية وتثقيفية، كما يقترح الباحث أن تقوم مؤسسات إعلام إسلامية ببث دعوة الإسلام وثقافة الإسلام ومميزات الإسلام إلى العالم الغربي والشرقي، وذلك بإنشاء قنوات إسلامية تستخدم لغات مختلفة، وبالذات منها اللغات الأوروبية وغيرها، حتى لا يكون الإعلام العربي في لغته كمن يخاطب نفسه، والآخر لا يعلم شيئاً عما يقول هذا. 3 - مبحث: قنوات العولمة الثقافية. حاول الباحث معرفة السبل والطرق التي تتخذ باسم المؤتمرات والندوات، وتستظل تحت سقف بعض المنظمات العالمية الكبرى، والتي يتم خلالها رسم الصورة النظرية لظاهرة العولمة؛ لتتولى بعد ذلك آليات العولمة التي سبق الحديث عنها مهمة التنفيذ لما صدر عن هذه المؤتمرات التي تعقد تحت مسميات مختلفة الهدف، منها: اختراق الثقافات الخاصة، وفك الثوابت الراسخة، ومن ثم إعادة صياغة ذلك صياغة تخدم منطق العولمة الداعي إلى التوحد والتجانس والتسويق لكل شيء، من غير وجود حواجز شرعية أو أخلاقية أو حدود سياسية أو جغرافية، أو أنظمة جمركية ... وهنا يقترح الباحث أن تعقد مؤتمرات إسلامية فاعلة ومؤثرة، لاسيما وأن العالم الإسلامي بأعداده الهائلة، وبإمكاناته الاقتصادية، وبموقعه الجغرافي، يستطيع أن يؤثر في مجريات الأحداث الدولية متى ما خلصت النوايا وصلح العمل. وأن تستغل هذه القنوات الثقافية من مؤتمرات ولقاءات وندوات عالمية من أجل إسماع الآخرين صوت الإسلام بجرأة وفاعلية، وعرض النموذج الإسلامي بشموله عرضاً يبرز محاسنه وخصائصه, ومدى حاجة البشرية إليه، وذلك من باب الإعذار والإنذار، امتثالاً لقول الحق جل وعلا: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164].

4 - مبحث: اختزال بعض القيم الثقافية في عصر العولمة. في هذا المبحث حاول الباحث – وعلى قدر علمه ومدى استطاعته – كشف النقاب عن الجذور النفسية والعقدية الغربية، بحكم أن الغرب هو قائد ظاهرة العولمة، بل وصانع ثقافتها. وخلص الباحث إلى أن العولمة يشم من بعض تطبيقاتها الفكرية والعقدية إعلاء وتعظيم للعنصر الآري – الغربي – بحجة أن هذا العنصر محمل بجميع الفضائل والخصائص الصالحة لبني البشر. وهي دعوة عنصرية بغيضة غير مقبولة، لا من شرع ولا من عقل، بل إن الواقع يكشف حقيقة هذا التزييف والتضليل المخبوء تحت هذه الشعارات. كما أن من صور الاختزالات التي تحدث في عصر العولمة هو اختزال مصادر المعرفة في الجانب المادي فقط. ولا شك أن لهذا الإجراء الاختزالي عواقب وخيمة، إذ أنه يمثل بالنسبة للمسلمين إلغاء لعالم الغيب بكل مكوناته. والغرب يفعل ذلك بحجة أن هذه الأمور الغيبية لم تثبت مخبرياً، أو لم تخرج مؤيدة بحكم الآلة. ولا شك أن في هذا ظلم، ليس للمسلمين فقط، بل لكل البشرية، حين تحرمها العولمة من مصادر أخرى للعلم، كالوحي المعصوم – من قرآن وسنة – الذي يربط الإنسان بخالقه, وما له وما عليه, وأين مآله عاجلاً وآجلاً، بناء على قربه أو بعده عن منهج الله المستقيم. ومن صور الاختزال التي يمارسها الغرب ويحاول بثها عبر ظاهرة العولمة؛ هو الاختزال الديني بمعنى محاصرة الدين في ركن الشعائر التعبدية باسم العلمانية اللادينية، وهي دعوة كفرية هادمة لبنيان الدين، وتفريغ للدين من رسالته الداعية إلى بناء الحياة البشرية في ضوء الدين الإسلامي. ولا شك أن هذا الإجراء العلماني – والذي تتبناه العولمة – سيكون له آثار سلبية على الواقع السلوكي، بل وسيكون له آثار سلبية أخرى على نفسية الإنسان حين تتصادم تعاليم الدين مع الواقع الممارس، مما يسبب المزيد من القلق النفسي والتوتر العصبي الذي تعاني منه البشرية اليوم بسبب انفصال المثال عن التطبيق. 5 - مبحث: المشترك الثقافي. حاول الباحث إلقاء الضوء على أن هناك عناصر ثقافية مشتركة بين بني البشر. وقد حاول الباحث إبراز رؤية الغرب لهذه المفاهيم. ومن أبرز العناصر في هذا المشترك الثقافي – حسب اختيار الباحث – هي: 1 - النظرة إلى الدين: حيث تحاول قوى العولمة العمل على إلغاء أي وجود للدين في حياة الإنسان وعولمة اللادين، عن طريق نشر العلمانية – التي تعني تفريغ الدين من مضمونه ومحاصرته في بعض الأماكن والمناسبات التعبدية – أو تضليل البشرية عن معرفة الدين الصحيح عن طريق تبني دعوة الإبراهيمية وتقديمها للناس على أنها النموذج الصحيح. 2 - النظرة إلى الإنسان: وخلص الباحث إلى أن الغرب – قائد ظاهرة العولمة – ينظر إلى الإنسان أنه مخلوق في حالة صراع دائم مع الإله الذي خلقه، أو أنه مخلوق حيواني, شهواني, متمرد, ثائر, ومحطم لكل شرع, وخلق, وفضيلة. 3 - الحرية: تمثل الحرية غاية العولمة، وهي تعني إطلاق سيل من الحريات أمام البشر دون ضوابط شرعية، أو التزامات أخلاقية، إلا ما تقتضيه المصلحة والمنفعة الاقتصادية. وهذا هو لب دعوة العولمة. 6 - مبحث: الثقافة والهوية الخصوصية في عصر العولمة. تحت هذا المبحث حاول الباحث الحديث عن أهمية الهوية في الحفاظ على كينونة الأمة وتواجدها وإبراز ثقافتها. ومما خلص الباحث إليه، هو أن الهوية الإسلامية معرضة في عصر العولمة لمحاولات الاختراق والتذويب، وذلك عبر بعض المناشط التغريبية الثقافية المختلفة، خاصة في ظل عدم وجود خطوط دفاعية ثقافية إسلامية، سواء كانت إعلامية أو مؤسسات تربوية وتوعية جادة.

ويقترح الباحث أن تقوم التربية الإسلامية – وعبر كل مؤسساتها داخل المدرسة أو خارجها – بدورها المنوط بها من أجل حماية الهوية الإسلامية من التلاشي والانسحاق، وتعريف المسلمين بكل مستوياتهم بخطورة التبعية الثقافية للغرب، وتحصين المسلمين أفراداً وجماعات وعبر كل الوسائل والوسائط التثقيفية والتربوية ضد مخاطر العولمة، مع الأخذ في الاعتبار من إمكانية الاستفادة من بعض منجزات العولمة بما يخدم مصالح المسلمين، ويحقق نصرة الإسلام، ويقدم خيراً للإنسانية جمعاء. الفصل الثالث: دور التربية الإسلامية في مواجهة تحديات العولمة الثقافية: تضمن الحديث في هذا الفصل تسعة مباحث على النحو التالي: 1 - المبحث الأول: طبيعة البيئة المدرسية في عصر العولمة. في هذا المبحث حاول الباحث أن يوضح مدى التغيرات التي ستلحق ببعض المحاور المدرسية، ومن ذلك: (رسالة المدرسة، ودور المعلم والمناهج الدراسية، والإدارة ... )، محاولاً ربط ذلك كله بظاهرة العولمة من حيث الاعتماد على التقنية بشكل أكبر، وما له من تداعيات اجتماعية وأخلاقية ... ونوعية الخريج الذي لابد أن يمتلك مؤهلات مقبولة لدى أصحاب الشركات. والمنهج المدرسي من حيث مفرداته التي يجب أن تتسم بالتجانس والتقارب مع سائر المناهج العالمية، حتى تتمكن التربية والمدرسة في المساهمة بدور فعال في توحيد الآراء والأذواق، بما يخدم صناع العولمة. 2 - المبحث الثاني: تفعيل دور الأسرة المسلمة. حاول الباحث هنا إبراز دور الأسرة المسلمة بالمفهوم الإسلامي، وضرورة الوعي بذلك؛ لحماية الأسرة من الاستلاب الفكري الغربي الوافد تحت ستار العولمة، والهادف إلى تفكيك عرى الأسرة، وتكوين أسر غريبة عن الثقافة والبيئة الإسلامية بقيمها, وعاداتها, وأنماط حياتها. 3 - المبحث الثالث: الأخذ بمبدأ استمرارية التعليم. حاول الباحث إلقاء الضوء على هذا المبدأ في كونه مبدءاً تعليمياً, وتربوياً إسلامياً، وهو من ضروريات عصر العولمة المتسم بالانفجار المعلوماتي، مما يعني – حسب رأي الباحث – ضرورة أن تأخذ التربية بمهمة تفعيل هذا المبدأ؛ لتتواكب مع النظم التربوية الأخرى. 4 - المبحث الرابع: الأخذ بمبدأ التعليم التعاوني. وقد حاول الباحث أن يبرز ضرورة أن يعتاد الطالب في ظل الأخذ بهذا المبدأ على البذل, والتضيحة, والإيثار؛ ليحتمي – بإذن الله- من مغبة الانفرادية والأنانية النفعية التي ترغب تربية العولمة في تكريسها في ذهن الطالب وسلوكه؛ ليخرج لا يفكر إلا في ذاته فقط. 5 - المبحث الخامس: الأخذ بمبدأ التكافل الاجتماعي. حاول الباحث في هذا المبحث إلقاء الضوء على أهمية التراحم والتآخي بين المسلمين، والتكامل والتكافل، مما يساهم في حماية المجتمع المسلم من مغبة التكتلات الاقتصادية والسياسية ... التي تصنعها العولمة. ويوصي الباحث بضرورة السعي الإسلامي لإقامة تكتلات اقتصادية, وسياسية, وثقافية, وعسكرية إسلامية لفك الهيمنة الغربية، أو تخفيض الضغط الوافد من هذه التكتلات الغربية ضد المسلمين. 6 - المبحث السادس: إعداد الطالب لسوق العمل. يهدف الباحث من وراء هذا المبحث أن تكون التربية الإسلامية في كل المؤسسات التربوية واعية بحاجة المجتمع ومتطلبات السوق، حتى يجد الخريج له فرصة عمل تحميه من مغبة البطالة. 7 - المبحث السابع: ترشيد وسائل الإعلام. حاول الباحث في هذا المبحث إبراز أهمية الإعلام في عصر العولمة، وأنه من أذرعها التي لا تلوى ولا تلين، وخطورة أن ينسحب المسلمون من الساحة الإعلامية، لتصبح خلواً لأهل الباطل. وخلص الباحث إلى ضرورة أن يكون الإعلام وسيلة توجيه وإرشاد وتوعية, بدلاً من أن يكون كما هو الحال عليه في كثير من القنوات التي أصبحت وسيلة ابتزاز وتضليل، بل وترويع، مما يعني ضرورة أن يكون هناك إعلام إسلامي فاعل, يحترم أذواق المتلقين وعقلياتهم، ويحافظ على ثقافة المسلمين، ويدافع عن قضاياهم بدلاً من أن يكون إعلاماً تابعاً مردداً لما يريده الغرب، والأمريكان منهم على وجه الخصوص. 8 - المبحث الثامن: المحافظة على الهوية الإسلامية. حاول الباحث أن يلفت النظر إلى أن الهوية الإسلامية مستهدفة بالذوبان في عصر العولمة؛ لأنها تقف من العولمة موقف الناقد لها، ولما تقذفه ثقافة العولمة من سموم، تحدث ثقوباً وتشوهات في بناء الأمة المسلمة، مما يعني أن على التربية الإسلامية ضرورة الوعي بالمخاطر التي تحيط بالهوية الإسلامية في عصر العولمة. 9 - المبحث التاسع: إبراز عالمية الإسلام. حاول الباحث أن يصل إلى أن على التربية الإسلامية واجب إبراز خصائص رسالة الإسلام، وأنه دين عالمي صالح لكل البشر ولكل زمان ومكان؛ لأنه إرادة الله. ومن رغب عن ذلك فهو من الخاسرين دنيا وآخرة؛ لأنه إنما يخسر النموذج الصحيح للإنسان الصالح.

دور القضاء السعودي في الإصلاح التربوي في المملكة العربية السعودية

دور القضاء السعودي في الإصلاح التربوي في المملكة العربية السعودية ¤صبحي بن يحيى الحارثي£بدون¥مركز الملك فيصل - الرياض¨بدون¢1427هـ€تربية وتعليم¶دراسات إسلامية الخاتمة القضاء والتربية قطبان أساسيان يعول عليهما إصلاح أي مجتمع وصلاحه، ويؤمل منهما تحقق أمنه واستقراره، وتبنى على قوتهما آفاق رقيه وعلو شأنه، وتستمد من متانتهما روافد تقدمه وتحضره. بين هذين القطبين المهمين – القضاء من ناحية والتربية من ناحية أخرى – دارت رحا هذه العملية المعالجة العلمية التي لم تكتف بمعالجة أي منهما معالجة مستقلة، بل كان محور اهتمامها ومرتكزها هو الربط بين هذين القطبين من أجل استثمار إمكاناتهما في هدف أسمى تاقت له كل المجتمعات في قديمها، وازداد توقها له في حاضرها، وخصوصا في ظل ما يحاط بالمجتمعات كافة من مستجدات، وما فرضته من تحديات طالت آثارها السلبية ثوابت كل المجتمعات وهددت قيمها وأخلاقها، ذلك الهدف الأسمى هو الإصلاح التربوي. ولم لا والقضاء هو ميزان العدل الذي ما إن توفر في مجتمع تحقق له الأمن والأمان، وعمه الاستقرار، ونعم أفراده بالراحة النفسية، إذ حميت أموالهم وأنفسهم وأعراضهم وحفظت حقوقهم. كما أن التربية هي الوسيلة الأساسية لتشكيل الفرد تشكيلا جسميا ونفسيا ووجدانيا وفكريا وخلقيا، ومحاولة تزكية النفوس وتهذيبها وإصلاحها؛ لأن الفرد هو نواة المجتمع، وعندما تزكو نفوس الأفراد وتتهذب أخلاقهم وتنصلح سلوكياتهم، ينعم المجتمع بأمنه وأمانه، وتزدهر جنباته ويرتقي شأنه، ويسمو قدره. ولطالما كان الإنسان هو القاسم المشترك لاهتمام كلا القطبين، فإن ملتقاهما سيكون إذا عند الهدف الأسمى المنشود، ومع ذلك القدر المهم لهذين القطبين، فإن النقطة الجديرة بالإشارة في هذا الصدد أن هذه الدراسة لم تتجه لمعالجة القضاء على إطلاقه، بل جعلت مرتكزها على القضاء الشرعي المستمد قواعده وأسسه من الشريعة الإسلامية، كما لم تتجه لمعالجة التربية كمفهوم وفلسفة تؤمن بها كل المجتمعات، ودعوة ينادي بها كل دعاة الإصلاح، بل على التربية الإسلامية التي هي إحدى رسالات الدين الإسلامي، ذلك كله من أجل أن تكون هذه الدراسة موجهة لخدمة المجتمع الإسلامي من ناحية، بل ويطمح أن يكون فيما تقدمه من حقائق دعوة للتعريف بحقيقة القضاء الإسلامي ورسالته، وكيف أنه كفيل بالتصدي لنزعات الإجرام وطغيان المجرمين، وبإصلاح المجتمعات والعمل على تحقيق أمنها واستقرارها.

من هذا المنطلق جاءت فكرة هذه الدراسة، وتبلورت أهدافها. ورأى الباحث أن تكون في ستة فصول، يرسم أولها الإطار المنهجي الذي سيسير عليه في المعالجة، ثم تتضمن الفصول الأربعة التالية المعالجات التفصيلية لمحاور الدراسة ومناقشتها. وقد تناول أول هذه الفصول القضاء في الإسلام، وتضمن ستة مباحث فرعية تتناول التطور التاريخي للقضاء، واستقلال القضاء، ومشروعية القضاء، وحكمة القضاء وفضله وحكمه وأركانه وشروطه، ثم أنواع القضاء، وأخيرا الفرق بين القضاء وشبه القضاء والعلاقة بينهما. أما ثاني هذه الفصول الأربعة فناقش قضية الحكم والاجتهاد وطرق الطعن في الأحكام، واشتمل على ثلاثة مباحث فرعية. أما ثالث الفصول الأساسية الأربعة فتناول العلاقة بين القضاء والتربية، واشتمل على ثلاثة مباحث تناول أولها التربية من حيث مفهومها وأهدافها وأسسها وأهميتها ومصادرها ومؤسساتها، وتناول الثاني تطبيق العقوبات القضائية وتكوين الشخصية المسلمة، ثم تناول الثالث المسيرة التربوية في العهد السعودي الثالث. أما آخر الفصول الأربعة فركز على القضاء في الدولة الإسلامية الثالثة وأسسه ودوره في الإصلاح التربوي، واشتمل على خمسة مباحث، تناول أولها الوضع العام في الجزيرة العربية مع مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وتناول الثاني القضاء في الدولة السعودية الثالثة، وتناول الثالث قوة الحكم القضائي في المحاكم السعودية، وتناول الرابع دور القضاء السعودي في الإصلاح التربوي، أما آخره فتناول الأسس التطبيقية في القضاء السعودي. بعد ذلك انتهت الدراسة بفصل ختامي يرصد الحقائق والنتائج الأساسية التي استطاع – بفضل الله وتوفيقه – استخلاصها من تلك المعالجات التفصيلية، وقد بلغت هذه النتائج نحو خمسين نتيجة، تقدم في مجملها المعلومات التي تتكفل بتحقيق أهداف الدراسة. ثانيا: التوصيات. في سياق ما تمخض عن الدراسة من نتائج وما استعرضته من مفاهيم وحقائق، يود الباحث أن يطرح عددا من التوصيات على النحو التالي: التوصية الأولى: ينبغي للدول العربية والإسلامية التي تتخذ من الإسلام دينا لها أن تفعل الحكم بما أنزل الله، وأن يكون القضاء الشرعي لديها نهجا ومنهجا مع عدم الفصل بين الشريعة الإسلامية والدين لأن تفعيل الحكم بما أنزل الله يعني القضاء على عبودية البشر التي تحرص على صياغة التشريع الوضعي وفق هواها ورغبتها وتحقيق مصالحها، وتفعيل الحكم الشرعي، يعني القضاء على جاهلية القرن الواحد والعشرين، عقيدة وفكرا ونظاما، وعلمانيته، وصهيونيته وغربيته. ويعني تربية الإنسان الصالح الذي يحقق للإنسانية مثلها، وقيمها، وأخوتها، بعيدا عن التمييز العنصري، والتفاوت الطبقي، والاستعمار الدولي، والاضطهاد الفردي والطائفي، الاستغلال المادي، ويعني أيضا، تنمية الوازع الديني عند المعلم والمحامي، والطبيب، والمهندس، والمدير، والموظف، والعامل، ورب العمل، والتاجر، والأب، والأم، والطالب، والأخ، والجار. وهو يعني قبل ذلك وبعده الرضا بدين الله الذي ارتضاه للعالم أجمع، والذي دونه لن يتحقق السلام العالمي ولا الأمن القضائي، والتربوي، والمعيشي، والاستقراري وجميع مناشط حياة الإنسان إلا بتطبيقه. التوصية الثانية:

يتطلب من الدول العربية والإسلامية تحرير القضاء من العوائق المعرقلة لسير العدالة، والحرص على تطبيق نظام الحدود في الإسلام دون تعطيل أو اجتهاد في مشروعيته ووجوبه، مع بذل الجهد في حسن اختيار القضاة وتأهيلهم تأهيلا علميا، وتربويا، ونفسيا، وثقافيا، وتقنيا، ونظاميا، وقانونيا، وإعدادهم إعدادا متطورا حتى يستطيعوا تحمل عبء المسؤولية الملقاة عليهم مقابل عبء ضخامة حجم دور القضاء في إصلاح المجتمعات، وما يعوله عليهم الأفراد والجماعات والشعوب بأكملها، مع ضمان تحقيق مبدأ استقلالية القضاء عن أي تدخل أو نفوذ من جميع أطراف المسؤولين بقواهم ومراكزهم ومسؤولياتهم كافة، وتوفير الضمانات المادية والمعنوية كافة للقضاة حتى يستطيعوا تحقيق الحق وتطبيق مبدأ العدالة في الأحكام والمحاكم الشرعية دون خوف أو وجل. التوصية الثالثة: إن لب القضاء وأسباب وجوده وثمرة جهوده هو ما ينتج منه من أحكام عادلة تحقق الحق لصاحبه غير أن هذا الحق يتطلب الإسراع في البت فيه من قبل القاضي في ميعاد معقول ووقت معلوم؛ لأن سرعة الفصل في الدعاوى واجب عام تلتزم به المحاكم، ويحرص القاضي على إنهائه تحقيقا للمصلحة العامة والخاصة، ولا يعني أن سرعة البت في القضايا تحله كثرة المحاكم والتوسع في فتحها في أرجاء البلاد بقدر ما يحل هذه المعضلة في دول العالم العربي والإسلامي والمملكة العربية السعودية من ضمنها وجود عدد كاف من القضاة المؤهلين تأهيلا كافيا بأنواع العلوم والمعارف قديمها وحديثها التي تعين القاضي، وتسهل له مهمته في إنجاز ما لديه من القضايا، مع الأخذ في الحسبان حسن الاختيار لنوعية القضاة بأقصى درجة ممكنة ممن يتصفون بالأمانة والنزاهة والكفاءة وحسن السيرة وطيب السمعة؛ لأن حارس القضاء، وأمين العدل، وناصر المظلوم، وصمام أمان المجتمع بأكمله وطنا ومواطنا ودولة باعتباره رجل القضاء؛ فإنه يجب أن تتوفر فيه تلك الصفات مع جعل مفاهيم حقوق الإنسان جزءا جوهريا من التكوين المهني للمشتغلين بالقضاء ومتى تحقق هذا الطلب في المجتمع الشرعي، فسيكون هناك تراكم قضايا مع تراكم سنوات من المداعاة، وسوف يكون من نافلة الطلب في توسع درجات التقاضي؛ لأن التوسع لا يزيد الأمر إلا تعقيدا وتطويلا وزيادة في الممارسات غير الإنسانية من بذل الصرف على أبواب المحامين فضلا عن زيادة الإحن والحقد والبغضاء بين المتخاصمين، وقد يضيع الحق بسبب شهادات ملفقة ودعاوى مزورة، وقد يموت صاحب الحق قبل أن يأخذ حقه فيزيد الأمر سوءا وتعقيدا، وهنا ينصب اللوم على القضاء والقضاة من جراء الظلم والحرمان وضياع الحق بين المتخاصمين. التوصية الرابعة:

إن فكرة الإصلاح هي الفكرة الأساسية والهدف الأول من أهداف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم؛ لأن الأنبياء مصلحون ويصلحون ما اعترى الناس من فساد وانحراف في المعتقدات والمفاهيم وما تغير في أحوالهم مما يخالف النواميس الربانية، ويتعارض مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وباعتبار أن دور الأنبياء قد اختتم مع بعثة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. فقد أصبح الأمر الإصلاحي ملزما للأمة كلها، فهي مسؤولة عن إصلاح ذاتها وعليها أن تتولى شؤون أمرها فمن خلالها ينهض قوم من داخلها يتبنون عملية الإصلاح والتغيير وهم العلماء والقضاة والفقهاء، والمربون , ورجال الحسبة، وفيهم يظهر الإصلاح، ومنهم ينطلق في اتجاه فئات المجتمع عامة وعقول الشباب خاصة؛ لأنهم أكثر فئات المجتمع عرضة لوقوعهم تحت تأثير الأفكار المتطرفة والانبهار بزيف الحضارة الغربية، وحتى يتحقق لأولئك المصلحين هدفهم ويصلوا إلى بغيتهم فإنه يستلزم الأخذ بمبدأ الإصلاح ليس بالنصح والوعظ والإرشاد المباشر فقط بل لا بد من الأخذ بأسباب أخرى مرادفة لها تكون أكثر تنوعا وتأثيرا وقربا من عقولهم وتشويقا لنفوسهم، كالمحاورة العلمية والبرامج الإعلامية والبحوث السيكولوجية النفسية لما لها من دور فعال في تأليف القلوب وجمع الكلمة وتوحيد الصف، ومنها يتم الوصول للتوازن المعتدل ومواءمة الإصلاح بالتطور الحضاري. وهذا يتطلب تأهيلا عاليا لأولئك المصلحين وأهل الحسبة حتى يصبحوا في مستوى المسؤولية وعلى قدر حجم الحدث، علما بأن الإصلاح والتغيير لا يكون إلا من الداخل وعبر الحوار وبعيدا عن الفردية والاستبداد الفكري، وهذا مطلب للمواطنين على الدولة وللدولة على المواطنين يستحق احترام الطرفين. التوصية الخامسة: إن الاستقرار في الأحكام بالقدر الذي يحفظ للأحكام عدالتها وللدعاوى نزاهتها، وللحقوق وصولها إلى أهلها أمر مطلوب. ومن ثم؛ فإن تفعيل الحكم وتطبيقه وعدم المماطلة في تنفيذه أمر يستلزم الوجوب من الحاكم العادل؛ لأن مهمة الحاكم ومسؤوليته أمام الأحكام الشرعية أن يضع الشريعة موضع التنفيذ باعتبار أنها الضمان للسلام الاجتماعي ولحقوق الأفراد، ويجب من خلال سلطته إرغام المتداعين على الخضوع للشريعة باعتبار ذلك أحد الواجبات الدينية على الحاكم ومن شعائر الإسلام التي تتعلق بعنقه لأنها من حقوق العباد وهو مطالب بتحقيق الحق وبسط العدل ورد المظالم لأهلها، وفي ذبذبة الأحكام المكتملة لشروط القطعية وعدم وضعها موضع التطبيق والتنفيذ ضياع يؤدي إلى الظلم المحرم الذي حرمه الله على نفسه وجعله بين عباده محرما. التوصية السادسة: كثيرا ما يتم تبادل الخبرات والبرامج والخطط بين الدول بعضها بعضا وحتى على مستوى الأفراد والجماعات والأحزاب والمنظمات، فكل منهم يمد الآخر بما لديه من وسائل التميز في تطوره من خلال جودة خططه ونفع برامجه وتحقيق منافعه، وترتقي الأهمية في ذلك إذا كان الاقتباس يؤدي إلى الاستقرار الحياتي للمجتمع بأكمله ويستفيد أفراده في مجالات تصريف حياتهم كافة؛ وهذا ما يتمثل في نهج المملكة العربية السعودية في تطبيق الشريعة الإسلامية لديها وجعلها القاعدة الأساسية لبناء الدولة، وعليها يعتمد سير شؤون الحياة وربط كل صغيرة وكبيرة في البلاد بمضامين الشريعة سواء كانت قضائية أو تربوية أو خلافية، وإعطاء القضاء صلاحية الفصل في أمور العباد والبلاد كمنهج تأسست عليه المملكة، وسار عليه حكامها. ومن هذا المنطلق، فإن الدول التي تريد السلام وتسعى للاستقرار، وتنشد الأمن بجميع مناحيه عليها أن تحذو حذو المملكة العربية السعودية بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع شؤونها. التوصية السابعة:

إن تطبيق العقوبة التعزيرية تهدف في المقام الأول إلى إصلاح ذلك المعزر وليست للانتقام أو للإذلال أو للتشهير من حيث المبدأ، ولذلك فإنه إذا كانت أخلاق المحكوم عليه، أو ماضيه، أو سنه، أو ظروفه الشخصية، أو الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة أو غير ذلك مما يبعث على القناعة لدى القضاة فإن توقيف تنفيذ الأحكام يأتي في موقع من الأهمية الأمر الذي يضفي على حاكم القضية، أو حكامها الرغبة في إيقاف تنفيذ الحكم على المحكوم عليه ما دام أنه لا يسقط أي حق خاص لصاحبه، وهو مبدأ تأخذ به المحاكم السعودية، ولعل المحاكم الأخرى في دول العالم العربي والإسلامي تحرص على تطبيقه، خصوصا أن دول العالم من خلال وزارة داخليتها تسعى جاهدة لإيجاد بدائل للسجون بعد أن اكتظت بنزلائها وتفاقمت مشكلاتها، وأصبحت مراتع للفساد أكثر منها أماكن للإصلاح في غياب البرامج التربوية التي تعدل سلوك الجاني وتعيده إلى حظيرة المجتمع ليكون عضوا صالحا ومفيدا. وهذا يتم عبر إيجاد مدارس تربوية داخل السجون، وتكثيف المواعظ الدينية عبر القضاة والعلماء ورجال الحسبة وعبر الأقلام العلمية والتربوية، وهذا يؤدي إلى الوسيلة المثلى لتحقيق التأهيل والإصلاح وهو أحد أهم أغراض العقوبة إن لم يكن أهمها. التوصية الثامنة:

إن العناية بالأطفال والشباب تعد قضية أممية تشغل بال كل فرد وكل دولة وتشغل المجتمع العالمي بأكمله غير أن هذا الاهتمام في العالم العربي الذي تبلغ نسبته 75% من عدد السكان يقابله ضعف في أنظمتها التربوية وعجز عن مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، وهو ما يحيق بمستقبل أطفال الأمة وشبابها، ويؤدي بهم إلى الفساد والانحراف، ويسوقهم للضياع والخطر دون تقديم حل للتوتر والتناقض بين العالمية والقومية، والتوتر بين مصلحة المجتمع ومصلحته الفردية، والتوتر بين التقاليد والأصالة والحداثة والمعاصرة والعولمة في الوقت الذي يظهر فيه وجه التناقض ما بين عجز في الخريجين وفائض فيهم، وما بين تسرب وتسيب لعدم وجود مقاعد في الجامعات يؤدي إلى الفوضى والبطالة والانحلال، وما بين نقص في الكوادر في موقع وزيادة في موقع آخر مع ضعف في المستوى الأكاديمي، وقلة في الموارد، تدن في الإنفاق على التعليم يقابله زيادة في أعداد الخريجين مع عدم ملاءمة تخصصاتهم للاحتياجات المتطورة للاقتصاد والمجتمع، ومع هزالة الموازنات التي توظف للبحث العلمي، وهو ما يدفع بكثير من العقول العربية للهجرة إلى بلدان أخرى بحثا عن تحقيق طموحاتهم العلمية والابتكارية، ويفقد البلاد علماءها وجل موهوبيها، علاوة على انتشار الأمية بنسبة كبيرة في صفوف الرجال والنساء بسبب عدم مواكبة ثقافة العولمة والتقنيات، وهو ما يجعل العرب على وجه الخصوص عرض لتأثيرات ثقافية وإعلامية وسياسية غربية لا تقل خطورة عن التأثيرات التي طبقت عليهم في عهود الاحتلال وزمن الحماية والوصاية والانتداب، وهو أمر قد ظهر بعض طلائعه وليس تحققه ببعيد باعتبار الأمة العربية مقسمة ومفتتة ومتآكلة في الداخل، ومن الخارج محاصرة ومسفهة ومهمشة، وتقع تحت الرقابة الدولية بعدها غير راشدة ومنتجة للعنف والإرهاب، بالإضافة إلى بث الفتنة داخل المجتمعات الأمر الذي أوغر صدور الشباب والحكام على بعضهم بعضا، وجعل الهوة تتسع يوميا بينهما حتى أصبح أكثر من ثلث دول العالم العربي يعيش تحت أجواء الحرب الأهلية، والثلثان الباقيان تحت الاستبداد الغربي. ولذلك فالحاجة تدعو إلى أن يعمل الدعاة والمفكرون والفقهاء والمربون يقودهم الحكام لبرنامج إصلاحي يتمثل فيه الصدق والحرص على مصلحة البلاد، وينطلق من العدل والمساواة برنامجا يعد أطفال الأمة وشبابها إعدادا علميا تربويا، وروحيا، وجسميا، وعقليا، وأخلاقيا، واجتماعيا، وسياسيا، وقبل ذلك وبعده برنامجا إسلاميا حتى يكون جيل قوة وبناء تعلو به راية الله في الأرض، وتسير في ركابه الملائكة ولا تستطيع قوة في الأرض إيقاف زحفه أو تضليله والكيد له، والنيل من دينه وقيمه وأصالته. التوصية التاسعة: إجراء رصد وتوثيق للمكاسب التربوية التي تحققت من جراء تطبيق الأحكام القضائية الشرعية على أرض الواقع، ومحاولة استثمار نتائجها بهدف التأسي بها في حل النزاعات. التوصية العاشرة: تفعيل آليات حل النزاعات القائمة بالطرق السليمة قبل رفعها للقضاء من أجل التخفيف على المحاكم والقضاة، ويفضل أن يشترك في تلك الآليات متخصصون من مجالات متعددة كالدراسات الاجتماعية والنفسية والقانونية والشرعية. التوصية الحادية عشرة: تشجيع الاستفادة من تقنيات المعلومات الحديثة والإنترنت في خدمة القضاء وإجراءات التقاضي، وخصوصا في التسجيل والتتبع للسوابق والأحكام القضائية المشابهة السابقة. ثالثا: المقترحات: وفضلا عن التوصيات السابقة، يود الباحث طرح عدة مقترحات أخرى يرى أن لها علاقة وثيقة – مباشرة أو غير مباشرة – بموضوع دراسته، وتتمثل أهم تلك المقترحات في التالي: المقترح الأول:

إجراء دراسات ميدانية وتطبيقية على حالات كانت قد صدرت بحقها أحكام تعزيرية ثم خففت، ذلك للتثبت من آثارها التربوية الاجتماعية التي تعود على الفرد والمجتمع، وذلك من باب دعم هذا التوجه ورصد نتائجه. المقترح الثاني: تعميم تدريس مقرر أو أكثر ذي صبغة عامة غير تخصصية عن القضاء وأنواعه ووظائفه ودرجاته، وسبل وإجراءات التقاضي وضوابطه، بهدف إشاعة ثقافة عامة عن الدور الحيوي الذي ينهض به هذا المرفق في المجتمع. على أن يعمم تدريس هذا المقرر في المرحلة الجامعية الأولى لجميع التخصصات. المقترح الثالث: الاهتمام بدراسة الجوانب الشرعية للمستجدات الحديثة، وما يتصل بها من قضايا غير مسبوقة، ومن أمثلة ذلك قضايا أمن المعلومات، وأمن شبكات المعلومات، وقضايا التجسس والاختراق، وانتهاك الخصوصية، وجرائم سرقة الممتلكات المالية كأرصدة البنوك وحسابات الأفراد، وكذلك قضايا الملكية الفكرية للمعلومات الالكترونية، وإعداد برامج علمية لطلاب الدراسات القانونية والشرعية، وبرامج تثقيفية حول مثل هذه القضايا الحديثة وملابساتها. المقترح الرابع: إجراء دراسات اجتماعية ونفسية واقتصادية للتعرف على المكاسب التربوية التي يمكن أن تتحقق من جراء تطبيق الأحكام القضائية الشرعية هذا وبالله التوفيق، ومنه السداد، وله الفضل والمنة.

معلم الفقه الإسلامي وطالب الفقه الشرعي (بحوث في مؤتمرات دعوية وعلمية)

معلم الفقه الإسلامي وطالب الفقه الشرعي (بحوث في مؤتمرات دعوية وعلمية) ¤عمر بن سليمان الأشقر£بدون¥دار النفائس - الأردن¨الأولى¢1427هـ€تربية وتعليم¶منهجية وموضوعية وأسس تفكير معلم الفقه الإسلامي وطالب الفقه الشرعي (الواقع والطموح) وهو الأخير في بحوث المؤتمرات في هذا الكتاب يتحدث عن معلم الفقه الإسلامي وطالب العلم الشرعي. وقد حددت في طليعة البحث المراد بعلم الفقه، كما حددت المراد بالعالم وطلب العلم في الفقه الشرعي. وألمحت سريعا بالقدر اللازم تحصيله من هذا العلم في الفقه والأصول، اللغة. وعرضت في مبحث طويل الصفات التي يتصف بها عالم الفقه الشرعي. وفي آخر هذا البحث تناولت اثنين من النقائض والعيوب عند المتأخرين من علماء الفقه، وهما التقليد والقول على الله بغير علم.

تفسير

تفسير

آيات آل البيت في القرآن الكريم - الدلالات والهدايات

آيات آل البيت في القرآن الكريم - الدلالات والهدايات ¤منصور بن حمد بن صالح العيدي£بدون¥الدرر السنية - الظهران¨الأولى¢1428هـ€تفسير¶تفسير - منوعات الخاتمة بعد هذا التطواف الطويل أضع بين يدي القاريء النتائج التي توصلت إليها 1 - أن مفهوم آل البيت في القرآن الكريم صادق على كل مؤمني بني هاشم إضافة إلى أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن- 2 - أن الحديث عن آل البيت في القرآن الكريم لا يشكل الثلث كما تقول الشيعة بل أقل من ذلك بكثير جدا 3 - أن أمهات المؤمنين هن أكثر آل البيت ذكرا في القرآن الكريم سواء في جانب الفضائل أو جانب الأحكام 4 - لم يخص أحد من آل البيت بأحكام في القرآن غير أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن – 5 - لا يوجد دليل قرآني يدل على وجوب محبة آل البيت على جهة الاستقلال أما تبعا للنبي صلى الله عليه وسلم فموجود 6 - لا توجد فضيلة خاصة في آية من القرآن لعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم سوى في آية المباهلة وما عدا ذلك لا يصح قطعا 7 - لا يوجد دليل قرآني على عصمة أحد من آل البيت أو على استحقاق أحد منهم للخلافة أو على أنهم مغفورو الذنوب 8 - إن القرآن الكريم يثبت حق مالياً لأهل البيت يتمثل في جزء من خمس غنائم الجهاد والفيء فقط 9 - القرآن الكريم يحث آل البيت على التحلي بأعلى درجات التقوى وعند ذلك يضاعف أجرهم 10 - قصر مفسرو الشيعة مصطلح أهل البيت على نفر يسير لا يتجاوز بضعة عشر نفسا 11 - تناول كثير من مفسري الشيعة الآيات القرآنية بمقررات سابقة فطوعوها خدمة لعقائدهم 12 - لم يلحظ على مفسري الشيعة أي دقة في تخريج الأحاديث أو الحكم عليها 13 - هذا ما تيسر ذكره في هذه الخاتمة وفي ثنايا هذا البحث الكثير من المعلومات التفصيلية حول هذه القضايا وغيرها أسأل الله عز وجل أن يجعله نافعا مفيدا وخالصا لوجهه الكريم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

آيات الصفات عند السلف بين التأويل والتفويض من خلال تفسير الإمام الطبري

آيات الصفات عند السلف بين التأويل والتفويض من خلال تفسير الإمام الطبري ¤محمد خير محمد العيسى£بدون¥دار البيارق - الأردن¨الأولى¢1420هـ€تفسير¶أسماء وصفات - تأويل وتفويض وتعطيل الخاتمة: الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات وله المنة على عطاياه التي لا تعد ولا تحصى والشكر على ما أنعم به علي فأعانني على إتمام هذه الرسالة في موضوع من أدق الموضوعات وفي دراسة لآيات الصفات من خلال كتاب من كتب السلف رضوان الله عليهم وهو (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) ولعالم حافظ فقيه ورع تقي هو الإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى – وقد تبين لي من خلال هذه الدراسة أن عقيدة التوحيد الإسلامية لا تدع مجالا لأي تصور بشري عن ذاته سبحانه وتعالى إذ يتعالى عن الكيف فعله فالله سبحانه ليس كمثله شيء ومن ثم لا مجال للتصور البشري لينشئ صورة عن ذات الله تعالى فكل التصورات البشرية إنما تنشأ في حدود المحيط الذي يستخلصه العقل البشري مما حوله من أشياء. فإذا كان الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء توقف التصور البشري إطلاقاً عن إنشاء صورة معينة لذاته، ومتى توقف عن إنشاء صورة معينة لذاته العلية فإنه يتوقف تبعا لذلك عن تصور أن لأفعاله جميعها كيفيات ولم يبق أمامه إلا مجال تدبر آثار هذه الأفعال في الوجود من حوله وهذا هو مجاله) [في ظلال القرآن – سيد قطب 3/ 524 - 525. بتصرف] الذي عليه أن يعمل عقله فيه. وقد توصلت من خلال هذه الدراسة إلى النتائج التالية: 1 - تبين لي من خلال دراستي التي قدمتها أن الإمام ابن جرير الطبري كان من السلف بحسب التعريف الذي قدمته مولدا ووفاة وهو من الأجيال التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية والفضل (أهل القرون الثلاثة). 2 - تبين لي أن الحنابلة قد تعصبوا على محمد بن جرير الطبري لموقفه من الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وتصنيفه له بأنه من علماء الحديث وليس من الفقهاء في كتابه (اختلاف الفقهاء) مما حدا بهم إلى أن يشنوا حملة رهيبة ضده تزعمها أبو بكر بن أبي داوود السجستاني والذي لا يساويه لا في العلم أو الفضل ولا في التقوى كما بينت في بحثي. 3 - تأثير هذه المحنة التي أوقد نارها الجهلة والمجسمة من الحنابلة على تفسيره مما أدى إلى أن يجاملهم ذلك الإمام بعض المجاملة فأدخل في تفسيره بعض كليمات كما ذكر بعض العلماء مثل المحدث محمد زاهد الكوثري، في كتابه السيف الصقيل ومقالاته. 4 - أن الإمام الطبري كان مؤولا لآيات الصفات تارة ومفوضا تارة أخرى ولم يكن مجسما أو مثبتا إثباتا يقوده إلى التجسيم وقد نقلت من تفسيره ما يثبت هذه النتيجة. 5 - أن السلف جميعاً كانوا يؤولون ما يحتاج إليه تأويل من آيات الصفات ويفوضون عندما لا تدعو حاجة للتأويل كما كانوا يفعلون ذلك في كل ما ورد من هذه الصفات في السنة المطهرة ولم يكن السلف متفقين في نظرتهم لهذه الصفات فابن عباس كان يؤول بعض الصفات وكذلك مجاهد ومقاتل والبخاري وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم. كما أن بعضهم كان يفوض كما روى ذلك الترمذي في سننه أنهم كانوا يمرونها كما جاءت دون الخوض فيها. 6 - أن من أول في آيات الصفات كان مراده تنزيه الله تعالى عن مشابهة الحوادث وأنه في ذلك التأويل لم يكن مبتدعا ولا ضالاً بل هو على منهج من أول من السلف في آيات الصفات وليس لأحد أن يرمي أولئك الذين أولوا في آيات الصفات بما يوافق أصول الاعتقاد وتحتمله اللغة بالضلال والبدعة وليس لأحد أن يكفرهم كما يقع في بعض من لم تتسع دائرة معلوماته ولم يطلع اطلاعا تاماً أو شاملاً على أقوال أهل العلم حسب الإمكان، وهؤلاء أيضا لا شأن لهم إلا الخوض في لحوم علماء الأمة والطعن بأهل الحق. 7 - أن الإمام الأشعري رحمه الله تعالى وهو من السلف الصالح كان إمام هدى ينافح عن القرآن والسنة ويذب عنهما، وأنه لم يخرج عما كان عليه السلف من التفويض والتأويل وليس كما يصفه البعض بل هو من أهل الحق الذين أوضحوا العقائد وردوا عنها بدع المتكلمين وزيغ أهل الفلسفة بما جلبوه من فكر اليونان وغيرهم. 8 - أن علماء التفسير جميعاً قد أولوا في كثير من آيات الصفات لأن من النصوص القرآنية ما لا يمكن فيه إلا التأويل كما سبق وبينت

أسماء سور القرآن وفضائلها

أسماء سور القرآن وفضائلها ¤منيرة محمد ناصر الدوسري£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1426هـ€تفسير¶قرآن - فضائله وخصائصه وآداب أهله الخاتمة الحمد لله الذي بفضله وعونه انتهيت من كتابة هذا البحث, أهم ما توصلت إليه من نتائج ألخصه فيما يلي: أولاً: أثبت أن أسماء القرآن الشائعة والمشهورة هي (القرآن، الفرقان، الكتاب، التنزيل، الذكر) وأن بعض العلماء قد بالغوا في ذكر أسماء القرآن، وعدِّ ما ليس اسمًا اسمًا له، واعتمدوا على إطلاقات واردة في كثير من الآيات والسور، ولا ريب أنهم خلطوا بين التسمية والوصف، وقد ميزت الأوصاف التي يدل عليها لفظ القرآن دلالة صريحة عن غيره. ثانيًا: أنه يجوز أن يقال: سورة البقرة، أو سورة آل عمران ونحو ذلك ,إلى هذا ذهب جمهور العلماء واستدلوا بأحاديث وردت في فضائل بعض السور أضاف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ (سورة) إلى اسم السورة. ثالثًا: بينت أن أسماء السور لم تكتب في المصاحف القديمة بل كانت خالية من الشكل والنقط، ومن الفواتح والخواتم ومن التجزئة، ومع مرور الوقت ودخول العجم في الإسلام، اضطر المسلمون في عصر التابعين إلى إعجام المصحف وشكله وتجزئته للمحافظة على أداء القرآن كما رسمه المصحف. رابعًا: تبين من هذه الدراسة أن أسماء سور القرآن التي عنونت في المصاحف هي توقيفية من النبي صلى الله عليه وسلم حيث تواترت عنه تسميتها حتى دونت في المصاحف. خامسًا: أوضحت أن لبعض سور القرآن أسماء توقيفية اجتهادية، فبعض هذه الأسماء إن ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فيهي توقيفية والتي لم تثبت عنه فهي اجتهادية من تسمية الصحابة أو التابعين أو من استنباط العلماء واجتهادهم. سادسًا: رجحت أن سورة يونس هي السورة السابعة من سور السبع الطوال، وهو الذي رجحه بعض العلماء، والذي يتمشى مع العدد الإجمالي لسور القرآن وهو مائة وأربع وعشرة سورة. سابعًا: تبين لي من خلال هذا المبحث كثرة الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي رويت في فضائل سور القرآن، ونسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان دوري في هذا المبحث دراستها وتوضيحها وتمييز الصحيح من أحاديث الفضائل والضعيف والموضوع. ثامنًا: ظهر لي أيضًا أن هنالك علاقة بين السورة وبين اسمها وأنله ارتباط وثيق بمضمونها سواء كان اسمها هذا توقيفيًا أم اجتهاديًا، وهذا ما يعرف بوجه التسمية. تاسعًا: قد تشترك بعض السور في حديث واحد، فيذكر الحديث فضل سور متعددة قد يكون بينها رابط، كأن تكون من المسبحات، أو المفتتحة بآلر، وقد تشترك في صفة واحدة كالزهراوين والمعوذتين وقد لا يكون بينها رابط. وبعد هذه النتائج التي توصلت إليها .. فإني أرجو أن أكون قد قدمت بهذا البحث علمًا نافعًا، وقد بذلت قصارى جهدي فيه، فإن كنت قد أصبت فذلك من فضل الله تعالى وعظيم توفيقه، وإن كنت قد أخطأت، فذلك مني ومن الشيطان الرجيم، وأسأل الله العظيم أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم وأن ينفع به، وأن يرزقني حسن القبول، وأن يهيء لي من أمري رشدًا، إنه سميع قريب مجيب.

استدراكات ابن عطية في المحرر الوجيز على الطبري في جامع البيان، عرضا ودارسة

استدراكات ابن عطية في المحرر الوجيز على الطبري في جامع البيان، عرضا ودارسة ¤شايع بن عبده الأسمري£بدون¥وزارة التعليم العالي - المدينة المنورة¨الأولى¢1427هـ€تفسير¶استدركات وتعليق وتحشية الخاتمة: أهم النتائج التي ظهرت لي من خلال هذا البحث بعد هذه الجولة – التي أسأل الله أن يجعلها مباركة مقبولة – في هذا الموضوع (استدراكات ابن عطية في المحرر الوجيز على الطبري في جامع البيان – عرضاً ودراسة) ظهرت لي نتائج أدون أهمها في ما يلي: 1 - ظهر لي أن جامع البيان أهم مصدر اعتمد عليه ابن عطية في المحرر الوجيز، وهو يصرح بالنقل عنه غالباً. 2 - اتفق ابن عطية مع الطبري في مواضع كثيرة مما نقل أو قال, أحسب أنها تزيد على المواضع التي أخذها عليه. 3 - القاضي ابن عطية محقق ناقد نقل أقوالاً كثيرة في معاني الآيات, ونقد الضعيف منها ورده مهما كان قائله, ولهذا لم تكن استدراكاته على الطبري فحسب, بل على كثير من المفسرين والمعربين, حتى أنه تجرأ – عفا الله عنه – على رد بعض أقوال الصحابة والتابعين. فمن سوى هؤلاء من باب أولى أن يرد عليه، مثل: مكي, والمهدوي, والفارسي, ومنذر بن سعيد. 4 - هذه الاستدراكات التي أوردها أبو محمد على الإمام الطبري كان معظمها في مواطن تجد أن العلماء قد حصل بينهم الخلاف فيها. 5 - وجدت أن طائفة من هذه الاستدراكات كانت استدراكاً على استدراك، وفوق كل ذي علم عليم. 6 - ظهر لي أن طائفة من هذه الاستدراكات قد شارك القاضي ابن عطية غيره في إيرادها على الإمام الطبري. 7 - تنوع موضوعات استدراكات ابن عطية، منها: ما هو في التفسير, ومنها: ما هو في اللغة العربية بفنونها المتنوعة, ومنها: ما هو في الفقه, ومنها: ما هو في العقيدة, ومنها: ما هو في الأثر والحديث, ومنها: ما هو في توجيه القراءات. 8 - بعض هذه الاستدراكات تلمس فيه الاتجاه المذهبي في النحو, أو في الفقه, أو في العقيدة. 9 - يتصرف القاضي ابن عطية – غالباً – في نقل كلام الإمام الطبري فيؤديه بالمعنى، مما قد يؤدي – أحياناً – إلى وجود فرق بين ما نسبه القاضي ابن عطية إلى الإمام الطبري وما قاله حقيقة. 10 - تبين لي أن بعض الاستدراكات التي أوردها القاضي ابن عطية كان سببها أنه لم يقرأ كل ما ذكره الإمام الطبري في المسألة, أو قرأه لكن أهمل الاعتداد به. 11 - ترك أبو محمد ذكر الدليل والتعليل في طائفة من استدراكاته على الإمام الطبري، خصوصاً في الاستدراكات المتعلقة باللغة العربية، فهو يكتفي بقوله، مثلاً: فيه نظر ليس بصحيح، أو نحو هذا. وفي نظري أن هذا يضعف من قوة الاستدراك، نعم، أبو محمد يخاطب علماء تكفيهم الإشارة عن تطويل العبارة, لكن كان الأولى به أن يبين عن حجته؛ إذ ذلك يجعل للاستدراك قوة وقيمة علمية؛ ولأن الخلاف في مسائل اللغة العربية ليس بضربة لازب، فلابد من ذكر الدليل كاملاً. 12 - لم أجد لبعض ما استدركه القاضي ابن عطية ذكراً في نسخ تفسير الإمام الطبري التي بين يدي. 13 - آثر القاضي ابن عطية، التلميح والإشارة بدل التصريح والإبانة، في طائفة من استدراكاته. 14 - ظهر لي أن القاضي ابن عطية كان يلتزم الأدب في الرد على الإمام الطبري – غالباً – فهو يبتعد عن عبارات التجريح التي هي أقرب إلى الشتم والسباب. نعم، القاضي ابن عطية قد يستخدم بعض العبارات القاسية التي تستعمل أحياناً في مجال الردود العلمية، كقوله: أخطأ, وهم, غلط, قوَّله ما لم يقل. 15 - طائفة من استدراكات ابن عطية انصبت على نقد الطبري في إدخاله تحت التراجم ما لا يدخل. 16 - طائفة من استدراكات القاضي ابن عطية كانت مبنية على فهمه لكلام الإمام الطبري الذي قد يخالفه غيره في هذا الفهم. 17 - بعض استدراكات القاضي ابن عطية كان سببها اختلافه مع الإمام الطبري في فهم كلام مفسر قد سبق زمانهما. 18 - بلغ عدد الاستدراكات أكثر من مائتي استدراك, تبين لي أن أكثرها وارد على الإمام الطبري, أو يترجح فيه جانب القاضي ابن عطية, ولم يترجح جانب على جانب في عدد يسير.

الإجماع في التفسير

الإجماع في التفسير ¤محمد بن عبدالعزيز الخضيري£بدون¥دار الوطن - الرياض¨الأولى¢1420هـ€تفسير¶إجماع الخاتمة "نسأل الله الكريم حسنها" الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وبعد هذا التطواف الطويل، ألقي عصا المسير، مستخلصاً أهمَّ النتائج التي خلصت إليها فأقول: ـ الإجماع يطلق في اللغة على معنيين: العزم، والاتفاق. ـ أما في الاصطلاح فالإجماع: "هو اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في عصر، على أي أمرٍ كان "وهذا من أجمع التعريفات. ـ بينت أن الإجماع حق مقطوع به في دين الله، وأنه أصل عظيم من أصول الدين، ومصدر من مصادر الشريعة، ولذلك يتحتم على طالب الحق معرفته، لئلا يكون في عداد المشاقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، المتبعين غير سبيل المؤمنين، فيحق عليه الوعيد المذكور في قوله تعالى: ?وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً? [سورة النساء]. ـ وقد بينت أن مرتبة الإجماع تلي مرتبة الكتاب والسنة، وهذا هو مذهب السلف الصالح، خلافاًَ لبعض المتأخرين الذين يقدمون الإجماع في المرتبة على الكتاب والسنة، والتي نشأ عنها معارضة الكتاب والسنة بالإجماع المجهول. ـ أما الإجماع القطعي ـ كالإجماع على المعلوم من الدين بالضرورة ـ فإن العلماء يقدمونه على النصوص، لأن واقع الأمر أنه تقديم للنصوص القطعية الثبوت والدلالة على النصوص الظنية الثبوت أو الدلالة، لا أنه تقديم للإجماع على النص. ـ ثم ذكرت أهمَّ الفوائد التي ذكرها العلماء للإجماع، ومن ذلك: 1ـ الإجماع على المعلوم بالضرورة من الدين يُظْهر حجم الأمور التي اتفقت فيها الأمة، بحيث لا يستطيع أهلُ الزيغ والضلال إفسادَ دين المسلمين، وحال أهل الكتاب في اختلافهم في أصول دينهم أدلُّ على النعمة التي اختصت بها الأمة الإسلامية. 2ـ العلم بالقضايا المجمع عليها من الأمة يعطي الثقة التامة بهذا الدين، ويؤلف قلوب المسلمين، ويسدُّ البابَ على من يقول: إن الأمة مختلفة في كل شيء، فكيف تجتمع؟ 3ـ إنه قد يخفي النص على بعض الناس، ويعلم الإجماع فيحتج به. 4ـ إن السند الذي يقوم عليه الإجماع قد يكون ظنياً، فيرتفع بالإجماع عليه إلى مرتبة القطع. 5ـ إن النصوص تحتمل التأويل والتخصيص والنسخ ونحو ذلك، والإجماع يرفع الاحتمال، ويقي المجتهد متاعب النظر والاستدلال. 6ـ التشنيع على المخالفين بالجرأة على مخافة الإجماع، فيكون ذلك سبباً لزجر المخالف، وردعه عن التمادي في باطله. ـ بينت في الحديث عن حجية الإجماع، إمكان وقوع الإجماع عادة، وإمكان العلم به، بعد تحققه من المجتهدين، وإن كان نقله نقلاً صحيحاً إلى من يحتج به. ـ ثم ذكرت الأدلة على حجية الإجماع من الكتاب والسنة بعد أن قررت أن الدليل على ثبوت الإجماع إنما هو دليل الشرع لا العقل. ـ وقد بينت أن هذه الأدلة قد دلت على أمرين مهمين: الأول: إن العصمة ثابتة لمجموع الأمة، دون اشتراط عدد معين، فمتى ثبت الإجماع، وجب اتباعه، دون أن يكون من شرطه أن يبلغ المجمعون عدد التواتر. الثاني: أن الإجماع حجةٌ ماضية في جميع العصور، وليس ذلك محصواً في عهد الصحابة دون غيرهم.

ـ وضحت أن الإجماع ينقسم باعتبار ذاته إلى إجماع صريح، وإجماع سكوتي، وباعتبار أهله ينقسم إلى إجماع عامة، كالإجماع على المعلوم بالضرورة من الدين ـ وإجماع خاصة، وباعتبار عصره ينقسم إلى إجماع الصحابة، وإجماع من بعدهم، وباعتبار نقله إلينا ينقسم إلى إجماع ينقل بطريق التواتر، وإجماع ينقل بطريق الآحاد، وباعتبار قوته ينقسم إلى إجماع قطعي، وإجماع ظني. ثم فصلت القول في تقسيم الإجماع باعتبار ذاته: مبيناً أن الإجماع الصريح: هو الذي أبدى فيه جميع المجتهدين آراءهم بصراحة، أو صرح بعضهم بالقول، وفعل البقية مقتضاه، فهذا حجة قاطعة بلا نزاع. ومن الإجماع الصريح ـ على رأي جمهور الأصوليين ـ ما إذا اتفق المجتهدون في الفعل بما يدل على حكمه، وهو ما يسمى بالإجماع الفعلي الصريح. ـ وأما الإجماع السكوتي: فهذا أن يعمل بعض المجتهدين عملاً، أو يبدي رأياً في مسألة اجتهادية قبل استقرار المذاهب فيها، ويسكت باقي المجتهدين عن إبداء رأيه بالموافقة أو بالمخالفة، بعد علمهم، سكوتاً مجرداً عن أمارات الرضا والسخط، مع مضي زمن يكفي للبحث والنظر. فلا يسمى إجماعاً سكوتياً إلا ما توافر فيه هذه القيود المذكورة. ومثله الإجماع الاستقرائي: وهو أن تستقرأ أقوال العلماء في مسألة فلا يعلم خلافٌ فيها. وقد ذكرت أن العلماء اختلفوا في حجية الإجماع السكوتي، وجمهورهم على الاحتجاج به، وبينت سبب الخلاف، وحررت محل النزاع، ثم ذكرت أدلة الجمهور مفصلة. وأوضحت بعد ذلك أن هذا النوع من الإجماعات هو الذي يغلب وجوده ونقله بين العلماء، أما الإجماع الذي يذكره الأصوليون بالشروط الموجودة في كتبهم فهذا يكاد يستحيل وقوعه بعد عصر الصحابة، إن لم يكن غيرَ موجود في عصرهم، والقول به يفضي إلى عدم الانتفاع بأصل الإجماع، هذا فضلاً عن كونه يفتح باباً لضعاف النفوس الذين يريدون هدم أصل الإجماع، وإغلاق بابه، بأن يطبقوا تلك الشروط على ما يحكيه أهل العلم من الإجماع، فلا تنطبق عليه، فيعودوا على جملة عظيمة من المسائل المجمع عليها بالنقض. ـ بينت أهم الشروط التي ذكرها أهل العلم في الإجماع، وهي كالتالي: الشرط الأول: أن يكون الإجماع عن مستند، والمستند هو الدليل الذي اعتمده المجتهدون فيما أجمعوا عليه. ولم يخالف في هذا الشرط إلا طائفة شاذة كما يقول الآمدي. ويتصل بهذا الشرط مسألتان: الأولى: نوع الدليل الذي يكون مستنداً للإجماع. فمن العلماء من يرى أنه لا يكون إلا من الكتاب والسنة، ومنهم من يرى أنه يمكن أن يستند إلى الاجتهاد أو القياس. وقد انتصر شيخ الإسلام ابن تيمية للقول الأول, مبينًا أنه لا يوجد مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قد يخفى النص على بعض الناس، فيظن أن الإجماع قد انعقد على غير نص من اجتهاد أو قياس، وقد ذكرت أن هذا النزاع يمكن إرجاعه إلى اللفظ، لأن كلاً من الفريقين أخبر بحاله، وتكلم بحسب ما عنده من العلم، مع اتفاقهم جميعاً على ضرورة استناد الإجماع إلى دليل. الثانية: أنه يمكن الاستغناء بنقل الإجماع الصحيح عن نقل دليله. الشرط الثاني: أن يكون المجمعون من العلماء المجتهدين. ويكفي في ذلك الاجتهاد الجزئي، لأن اشتراط الاجتهاد المطلق يؤدي إلى تعذر الإجماع، لندرة وجود المجتهد المطلق. والمعتبر في كل مسألة من له فيها أثر من أهل العلم المجتهدين. الشرط الثالث: أن يكون الإجماع صادراً من جميع مجتهدي العصر، فإذا خالف أحدهم لم يعتد بالإجماع. الشرط الرابع: أن يكون المجمعون أحياء موجودين، فالمستقبل لا ينتظر والماضي لا يعتبر.

ـ ويتصل بهذا الشرط مسألة اشتراط انقراض عصر المجمعين، وقد بينت أن الجمهور لا يرون اشتراط ذلك لصحة الإجماع، وذكرت أدلتهم على ذلك، إلا أن كثيراً من العلماء اشترط انقراض العصر لصحة الإجماع السكوتي، لأنه لا تعلم أقوال الساكتين من المجتهدين إلا بعد مضي مدة طويلة يعرف بها أن القول بلغهم، ونظروا فيه، ولم ينكروه مع زوال ما يمنع إنكارهم له. الشرط الخامس: أن يكون المجمعون عدولاً. وعليه فلا يتوقف الإجماع ولا حجيته على موافقة غير العدل، إذا بلغ رتبة الاجتهاد، ولا تضرُّ مخالفته. ـ إذا اختلف الصحابة على قولين أو أكثر فأرادوا أن يجمعوا على قولٍ مما اختلفوا فيه، فإن كان قبل استقرار الخلاف بينهم، فإنه يزيل الخلاف، ويصير المسألة إجماعية، بلا خلاف، وإن كان بعد استقرار الخلاف فجمهور الأصوليين على جواز اتفاقهم، واعتباره إجماعاً. ـ بينت أنه إذا اختلف الصحابة على قولين، فإنّ لمن بعدهم الإجماع على أحد قوليهم، إن كان الخلاف لم يستقر بينهم، أما إذا استقر الخلاف، فجمهور الأصوليين على المنع من الإجماع، فإذا أجمع التابعون على أحد القولين لم يزل القول الآخر في المسألة، وجاز لتابعي التابعين الأخذ بكلٍّ من قولي الصحابة. وعليه فمن ادعى وقوع إجماع في مسألة اختلف فيها الصحابة، فلا يخلو ذلك من أحد أمور ثلاثة: إما أن الخلاف لم يستقر بين الصحابة، أو أن المسألة التي اختلف فيها الصحابة غير المسألة التي أجمع عليها المتأخرون، أو أن تكون دعوى الإجماع غير صحيحة. ويتصل بهذه المسألة ما إذا نقل عالم الإجماع، ونقل غيره الخلاف سواءً سمى المخالف أو لم يسمِّه، فإنه لا يقبل قول مدعي الإجماع، لأن ناقل الإجماع نافٍ للخلاف، وناقل النزاع مثبتٌ له، والمثبت مقدم على النافي، ولأن عدم علم الناقل للإجماع بالخلاف ليس علماً بعدم الخلاف، ولأنه لو افترضنا غلط ناقل النزاع، فإن كان الغلط في ناقل الإجماع أولى وأحرى. ـ بينت أنه إذا اختلف الصحابة على قولين أو أكثر، في مسألة، أو تأويل آية، أو حديث، فإنه لا يجوز لمن بعدهم إحداث قولٍ زائد على ما اختلف عليه الصحابة، لأن في ذلك نسبة الأمة إلى تضييع الحق، والغفلة عنه، وأنه لم يبق من أهل العصر أحدٌ على الحق، وهذا باطل. فإن كان المراد من إحداث تأويل لم يقل به الصحابة إيرادَ معنى تحتمله الآية لم يتعرض له الصحابة، أو كان من قبيل الاستنباط من دلالة الآية، فإن هذا لا يقتصر على قوم بأعيانهم، بل هو باق مستمر. أما إحداث دليل لم يستدل به السابقون فهذا جائز سائغ، لأن الاطلاع على جميع الأدلة ليس شرطاً في معرفة الحق، بل يكفي دليل واحد. ـ ذكرت الأحكام المترتبة على الإجماع الصحيح وهي: 1ـ وجوب اتباعه، وحرمة مخالفته. 2ـ أن هذا الإجماع حق وصواب، ولا يكون خطأ، ويترتب عليه: أنه لا يمكن أن يقع إجماع على خلاف نص أبداً، كما لا يمكن أن يقع على خلاف إجماع سابق. ويترتب عليه أيضاً: حرمة الاجتهاد، لأن الإجماع لا بد أن يستند إلى نص، وإذا كان النص وحده مسقطاً للاجتهاد، فكيف إذا انضم إليه الإجماع. 3ـ ذكرت حكم منكر الحكم المجمع عليه، فإذا كان الإجماع على أمر معلوم من الدين بالضرورة فإن مخالفه يكفر، وإن كان الإجماع على غير ذلك، فقد اختلف العلماء اختلافاً كثيراً في حكم جاحده، أو خارقه، مع اتفاقهم ـ كما قال الآمدي ـ على أن إنكار حكم الإجماع الظني غير موجب للتكفير. والسبب في خلافهم: اختلافهم في حقيقة الإجماع، وشروطه وما يتصل بذلك، ولذلك من أقر بصحة إجماع بعينه، ثم أنكر ما أجمعوا عليه، فإنه يحكم عليه بالكفر، لأن التكذيب بالإجماع هنا آيل إلى التكذيب بالشارع، ومن كذب الشارع كفر.

وفي الفصل الثاني: ذكرتُ جملة من المباحث التي تتصل بالإجماع عند المفسرين. وهذا ملخص ما فيها: ـ بينت أن المفسرين قد عُنُوا بالمسائل المجمع عليها في شتى الفنون بما لا يكاد يوجد له نظير في شتى صنوف العلم، وذلك راجع إلى كون القرآن الكريم هو مدار جميع علوم الإسلام، ولشدة عناية المفسرين بالإجماع فإنهم قلَّ أن يطلعوا على إجماع في أحد المصادر إلا ويقومون بنقله في تفاسيرهم. ولم تكن عنايتهم مقصورة على النقل والحكاية، بل عنوا أيضاً بأمر مناقشة الإجماع والاعتراض عليه من جهة، أو تأييده بالأدلة من جهة أخرى. وأمثلة كلِّ ذلك قد ذكرتها تفصيلاً في موضعها. ـ وضحت جملة من دواعي ذكر الإجماع عند المفسرين، وذلك لأني رأيت المفسرين لا يذكرون الإجماع في التفسير إلا لأمر يدعو لحكايته ونقله، ومن تلك الدواعي: أـ وجود الاشتراك في المعنى، بحيث يرد في الآية لفظ مشترك بين معنيين فأكثر، يصلح حمل اللفظ مجرداً عليها، ولا يصح تفسيره إلا بأحدها، فيذكر العلماء الإجماع عليه، دفعاً للاشتباه بحمله على المعنى الآخر. 2ـ تحرير محل النزاع في الآية، وذلك حينما يرد خلاف في تفسير الآية، فيبدأ المفسرون بذكر ما أجمع المفسرون عليه، تحريراً لمحل النزاع. 3ـ الرد على المخالفين، وذلك حين تقوم طائفة منحرفة بتفسير آية على وجه يخدم ضلالها، وهو مخالف لتفسيرها الصحيح الثابت عن سلف الأمة، فإن المفسرين هنا يذكرون الإجماع على هذا التفسير، رداً على تلك الطائفة. 4ـ أن يذكر الإجماع في تفسير آية للاحتجاج به في ترجيح قول على آخر في تفسير آية أخرى. 5ـ دفع توهم معنى فاسد، إذ قد ينقدح في أذهان بعض الناس معنى فاسدٌ في تفسير آية، فيذكر العلماءُ الإجماعَ على تفسيرها بالمعنى الصحيح، دفعاً لذلك المعنى الفاسد. 6ـ مخالفة تأويل الآية للظاهر أو الغالب في الاستعمال. 7ـ ألاّ يرد في ألفاظ الآية ما يدل على المراد بها صراحة، مما لا يتم معناها إلا به، فيحتاج المفسر إلى التصريح بالإجماع على ذلك المراد، لقطع احتمال غيره. ـ بينت أن الخلاف الوارد في التفسير إذا كان خلافاً في الألفاظ فقط فإنه لا أثر له بتاتاً على الإجماع. وإن كان خلافاً في اللفظ والمعنى، والآية تحتمل المعنيين لعدم التضاد بينهما، فهذا من باب اختلاف التنوع ولا أثر للخلاف فيه على لا ما يُحكى من الإجماع إذا كان بصيغة تجمع بين الأقوال، ولا تؤدي إلى إبطال أحدها وعدم اعتباره. لكن إذا حكى أحد المفسرين الإجماع على أحد تلك الأقوال، فإن كان مراده أن الجميع متفقون على صحة المعنى فهذا صحيح، وإن كان مراده نفي ما عداه من الأقوال فهذا مردود. ـ بينت الأسباب التي توقع المفسر في مخالفة الإجماع، ومن أهمها: أولاً: ضعف العناية بآثار السلف، وعدم التمييز بين صحيح الروايات الواردة عنهم وضعيفها. ثانياً: كون المفسر يعتقد أشياء باطلة، ثم يحمل القرآن عليها، ولو كان مخالفاً لما أجمع السلف عليه. وقد فصلت القول في بيان عدم الاعتداد بأقوال أهل الأهواء المخالفة لإجماع السلف. ثالثاً: تفسير القرآن بمجرد اللغة، من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن، والمُنَزَّلِ عليه المخاطب به. رابعاً: الاعتداد بالقول الشاذ. خامساً: الاعتداد بقول قد انعقد الإجماع قبل حدوثه. سادساً: الاعتماد في نقل الخلاف على روايات ضعيفة، لا تثبت عمن نسبت إليه.

ـ ثم ختمت الأسباب ببيان أن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ هو أكثر السلف الذين تُعزى إليهم الأقوال الشاذة المخالفة لما ثبت عن جماعتهم. ولعل من أهم الأسباب في ذلك: كون المعتزلة يعدونه منهم ـ زوراً وبهتاناً ـ، وينسبون إليه لذلك بعض الروايات المنكرة ترويجاً لها، هذا مع ضعف عنايتهم بالآثار، وقلة علمهم بصحيحها من ضعيفها. ـ ذكرت بعض اللفتات العابرة في موضوع الإجماع عند المفسرين الذين تم جمع مادة البحث من كتبهم، ومن أهمها: 1ـ أكثر المفسرين حكاية للإجماع هو الإمام الطبري. والإجماعات كثيرة في تفسيره، ومما قلل الانتفاع بها: ما تقدم من أن مذهبه في الإجماع عدم الاعتداد بمخلفة الواحد والاثنين. 2ـ كما كان ـ رحمه الله ـ يخالف بين العبارات عندما يحكي الإجماع للدلالة على اختلاف حقيقة الإجماع، من حيث وجودُ المخالف وعدمُه. 3ـ ذكرت أن الإمام الواحدي متساهل في حكاية الإجماع، بما يدعو إلى أخذ الحيطة والحذر من دعاوى الإجماع المبثوثة في تفسيره. 4ـ بينت أن ابن عطية مكثر من ذكر الإجماع في تفسيره، وأنه يعتمد كثيراً في حكاية الإجماع على تفسير الطبري. 5ـ كما ذكرت أنه لجلالة تفسير ابن عطية، فقد استفاد منه جمع ممن جاء بعده، وعلى رأسهم: الإمامان القرطبي وأبو حيان. ونقلا عنه لذلك الإجماعات التي حكاها، ونقلها عنهما من استفاد منهما، كالشوكاني والآلوسي وغيرهما. 6ـ أما الإمام القرطبي فقد عُني بجمع المسائل المجمع عليها في الشريعة عناية فائقة، خصوصاً ما تعلق منها بالأحكام، وإذا عُرِفَتْ مصادره التي اعتمدها في تفسيره، زالت الغرابة في سبب كثرة إجماعاته، فكتب ابن المنذر، وابن عبد البر، وابن العربي، وابن عطية، وغيرهم ممن كان معروفاً بالعناية بحكاية الإجماع، قد ضمَّن القرطبيُّ تفسيرَه الكبيرَ خلاصتَها. 7ـ ولم يكن القرطبي ناقلاً فقط، بل كانت له وقفات مع الإجماعات التي ينقلها، مناقشة وتقويماً. وفي القسم التطبيقي، اجتمع لدي من الإجماعات في التفسير (177) إجماعاً، تمَّ استخلاصها من كتب التفسير الستة التي شملتها خطة البحث وهي: تفسير الطبري، وابن حاتم، والماوردي والواحدي، وابن عطية، والقرطبي ـ رحمهم الله جميعاً ـ وقد ناقشتها ـ بحمد الله ـ جميعاً، وميزت الصحيح من غيره على ضوء القواعد الأصولية والمنهج الذي ذكرته في مقدمة الرسالة. ـ هذا وقد اتضح لي بعد الدراسة عدم صحة الإجماع في (46) موضعاً، لوجود الخلاف. وأما الباقي وهو (131) إجماعاً، فمنها ما قطعت فيه بصحة الإجماع، ومنها ما استظهرت فيه الصحة، وهو الأكثر، ومنها ما هو محتمل للصحة مع التأويل أو توجيه العبارة، وهذه لا تتجاوز (10) مواضع.

العهد والميثاق في القرآن الكريم

العهد والميثاق في القرآن الكريم ¤ناصر بن سليمان العمر£بدون دار العاصمة - الرياض¨الأولى¢1413هـ€تفسير¶دراسات قرآنية الخاتمة الحمد لله ابتداءً وانتهاءً، وله الشكر على تيسيره وإعانته وتوفيقه، لا أحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه جلَّ وعلا. وأصلي وأسلم على خير خلقه، الرحمة المُهداة، والنعمة المجتباة، به أخرجت البشرية من الظلمات إلى النور، وعلى آله وأصحابه، خير القرون وسادة الأمم. وبعد: ففي نهاية هذا البحث، وخير ختام لفصوله ومباحثه، أذكر أهم ما توصلت إليه من نتائج، مع الإيجاز غير المخلّ، فأقول مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه: 1 - اتضح لي أهمية دراسة بعض القضايا القرآنية دراسة موضوعية، حيث تكشف لنا مثل تلك الدراسة عن جوانب مهمة، يصعب الوصول إليها عن طريق الدراسة التحليلية، وبخاصة إذا كانت هذه القضية من القضايا المستجدة والمرتبطة بواقع العصر كموضوع العهد والميثاق. 2 - علمنا أنّ كلمة العهد تطلق على عدة معاني، وما اشتق من مادة (وثق) يستعمل لأكثر من معنى، ولكن الغالب على استعمالهما ما اتفقا فيه، وهو اليمين والموثق والعهد المحكم، وتعلق الذمة بشيءٍ أو تعلقه بها فإذا أطلق أي منهما لم يكد ينصرف إلاَّ إلى ذلك، أمَّا المعاني الأخرى فلا يفسران بها إلاّ بقرينةٍ تدل عليها. 3 - ورد العهد والميثاق في القرآن الكريم في آيات كثيرة وبسور متعددة، وأكثر استعمالها في القرآن الكريم جاء بالمعنى الذي سبقت الإشارة إليه، وما سوى ذلك ورد في آياتٍ قليلة (¬1)، ومن هنا تدرك الأهمية العظمى لذلك المدلول، والأثر العظيم للالتزام به وخطورة نقضه والتفريط فيه، وكثرة ورودها في مواضع في القرآن الكريم، دليل على تلك الأهمية وذلك الأثر. 4 - عرضت قضية العهد والميثاق في القرآن الكريم بعدة أساليب، كلها تشدّ النفس وتوقض الحس وتحيي القلوب الميتة. فأكثر الآيات عرضت بأسلوب خبري فيه الوعد والوعيد والترغيب والترهيب، نجد الإجمال والبيان، وإيجاز والتفصيل وإطناب، وهناك آيات جاءت بالأسلوب الطلبي فهذا أمر وذاك نهي، ومرة بصيغة الاستفهام الإنكاري، وأخرى بأسلوب الاستفهام التوبيخي. ويقف الداعية أمام هذا الأسلوب ليتعلم أن عرض القضية جزء من ذاتها، ويحس بأننا بأمس الحاجة إلى الداعية الذي يحسن عرض دعوته، فكم من داعٍ خانه الأسلوب فنفر منه الناس. والأمر ليس مجرد كمّ متراكم من النصوص يلقيها المعلم كيفما اتفق، بل عن البحث عن مداخل النفوس، وتحري منعطفاتها ومشاعرها مهمة سامية تتعلمها من القرآن الكريم في أسلوبه الرائع في عرض قضية العهد والميثاق، وليس المراد إقامة الحجة والبرهان فحسب، بل قبل ذلك الهداية هدف جليل وغاية مبتغاة يسعى إليها الدعاة والمصلحون. 5 - كما ورد العهد والميثاق في القرآن الكريم فقد ورد في السنة المطهَّرة، حيث وردت أحاديث صحيحة فيها لفظ العهد وأخرى فيها لفظ الميثاق، وهذا يعطينا دلالة أكيدة على أهمية العهد والميثاق ومدى العناية بهما، حيث كثر ورودهما في الكتاب والسنة، ولم يكن ذلك عبثاً أو حشواً واستطراداً، وحاشاهما من ذلك، ولكن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى (¬2). ¬

(¬1) وذلك خاص بما ورد بلفظ العهد، أو الميثاق فلم يرد إلا بمعنى العهد. (¬2) هذه العبارة يقصد بها بنية الكلمة، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

6 - من التحقق في معنى الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم تبين أن الله أخرج ذرية آدم من ظهره وأخذ الميثاق عليهم، مشهداً بعضهم على بعض، ومشهداً الإنسان على نفسه، أي أخذ بإقراره، فقال لهم سبحانه وتعالى: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟) فأجابوا: (بَلَى) وهذا قول جمهور العلماء والمفسرين كما سبق بيانه ولا يلتفت إلى قول مخالفيهم كالمعتزلة ونحوهم. واتضح لنا أنَّ هذا الميثاق ليس كافياً لإقامة الحجة على الخلق، بل إنَّ الحجة تقوم بإرسال الرسل وإنزال الكتب: (لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: 165) ... (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: 15). ولا تناقض بين الفطرة والميثاق، فلكلٍ منهما دلالته ومعناه. ويشعر المسلم بوجوب الوفاء بهذا الميثاق الذي أخذه الله عليه في صلب أبيه آدم، حيث تأكد ذلك وتحقق برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلم يعد هناك عذر لمعتذر، أو حجة لجاحد أو غادر. 7 - أخذ الله العهد والميثاق على النبيين، والذي نفوا ذلك وقالوا إن الميثاق أخذ على أمم النبيين لا على أنفسهم، أوَّلوا الآية وجانبوا الصواب. وهذا الميثاق هو أن يؤمن بعضهم ببعض، ويصدق بعضهم بعضاً، وينصره، ويأخذوا ذلك على أممهم، وقد أقررهم الله بذلك فأقروا به، وأعطوا العهد عليه، وأشهدهم على ذلك فشهدوا. وهذا الميثاق أخص مما أخذ عليهم في ظهر آدم مع الذرية. 8 - وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تبين أخذ العهد على بني إسرائيل، بعضها مجمل وبعضها مفصل، حيث أخذ الله عليهم العهد بأن يؤمنوا بما في التوراة جملة، ويعملوا بما فيها تفصيلاً، كما أخذ عليهم الميثاق بأن يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم إذا بعث، وأن يتبعوه، وأن يبينوا أمره للناس. هذا هو الميثاق العام، ثم أخذت عدة مواثيق خاصة تؤكد هذا الميثاق وتبينه، وبعضها يخص قوماً من بني إسرائيل دون آخرين. ويقف المسلم مندهشاً حائراً أمام هذا الجنس من البشر، قوم كذبوا الرسل وقتلوا الأنبياء، لا عهد لهم ولا ميثاق، آذوا موسى وهو منقذهم من فرعون وقومه، وأعطاهم الله أعظم الآيات فكفروا، ووهبهم أعظم النعم فجحدوا، وتوارثوا الغدر والمكر والخيانة منذ موسى _عليه السلام_ إلى يومنا الحاضر، وآيات العهد والميثاق لنا فيها أعظم العبر والدروس، إلى يومنا الحاضر، حيث تكشف لنا عن طوية هؤلاء وسوء أخلاقهم، وأنهم لا أمان لهم ولا وفاء. ومن العجب أننا نجد من بني قومنا وممن يتكلمون بلغتنا وينتسبون إلى ديننا، نجد من يسعى جادّاً إلى إقامة المعاهدات مع بني إسرائيل، وكتابة المواثيق معهم، وكأنه لا يقرأ كتاب الله، ولم يعرف التاريخ، ولا يتعظ بتجارب البشر، إنني وأنا أسمع وأرى هذا السباق المحموم بين بني يعرب للتقرب من يهود وإقامة العلاقات معهم، ظنّاً أنهم سيأمنون شرَّهم، ويكونون في وقاية من غدرهم، أتساءل هل هؤلاء سيكونون أكرم عند اليهود من موسى -عليه السلام-؟ لا، وألف كلاَّ، موسى نبيهم ورسولهم ومنقذهم ومن بني جلدتهم، ولم يدخر وسعاً لهدايتهم وجلب الخير لهم ومع ذلك فعلوا به الأفاعيل، وأنبياؤهم من بعد موسى ماذا فعلوا بهم، فريقاً كذَّبوا به وفريقاً يقتلون، إذا كان هذا شأنهم مع أنبيائهم كيف سيفعلون بأعدائهم؟ .. وسنن الله لا تختلف، ولكن أين المؤمنون وأين المعتبرون (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ)، وهذا درس عظيم من دروس العهد والميثاق، يجدر بنا أن نفيد منه أيَّما إفادة قبل فوات الأوان، وحلول الذل والهوان.

9 - بايع رسول الله صلى الله عله وسلم _ صحابته _ وأخذ عليهم العهد في بيعتي العقبة، وبيعة الرضوان، وبايعهم على السلام، وبايع النساء بيعة خاصة. كما بايع بعض صحابته على الجهاد، وآخرون على السمع والطاعة. وبايع بعضهم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. هذه هي أهمّ المبايعات والعهود التي أخذها صلى الله عليه وسلم على صحابته، بعضها عام، وبعضها خاص. ومما يجدر التنبيه إليه هنا ما ذكره سبحانه في سورة الأحزاب مادحاً أصحاب تلك العهود والمواثيق ومثنياً عليهم: (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً). نعم لقد وفَّى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهودهم، والتزموا مواثيقهم، ولم يكونوا كبني إسرائيل الذين أصبحت الخيانة والغدر من سماتهم وأبرز سجاياهم وطباعهم. لقد كان من وفاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدهم يسقط سوطه وهو راكب على دابته فينزل ليأخذ سوطه ولا يطلب من أحد أن يناوله؛ لأنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألاَّ يسأل الناس شيئاً أعطوه أو منعوه (¬1). هذه هي الطاعة وهذا هو الوفاء، وبمثل هؤلاء تسعد البشرية وتصل على مدارج الرقي وسموّ الأخلاق، لقد كان جيلاً قرآنياً فذّاً، لم تعرف البشرية جيلاً كذلك الجيل، ولا صفوة كتلك الصفوة، (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ) (الأنعام: 90)، (وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) (الزمر: 18). 10 - عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة عهود مع اليهود، أبرزها عندما قدم المدينة، ومن آخرها ما كان في خيبر: ولكن اليهود هم اليهود، لا يستقيم لهم عهد، ولا يبقى معهم ميثاق، وكما غدروا بنبيهم موسى -عليه السلام- فقد خانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعرف على مدار التاريخ أن اليهود وفوا بعهد أو حافظوا على ميثاق وبخاصة إذا أتتهم الفرصة للنقض فلا يدعونها تمر أبداً، وما يعرف من يسير وفائهم (¬2)، فسببه ضعفهم وعجزهم وقوة خصمهم، وحيث لم تسنح لهم فرصة للغدر والخيانة. وأكرر وأؤكد في هذه الدراسة أننا بأمسّ الحاجة إلى معرفة طبائع اليهود وسوء طويتهم، فهذا دين لا نعذر بجهله أو التفريط فيه، لما يترتب على الجهل من مفاسد عظيمة، وخسائر جسيمة، في الدين والعرض والمال. 11 - تبين لنا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبرم عدة عهود مع المشركين، كان أبرزها وأهمها ما تم بين المسلمين وبين قريش في غزوة الحديبية، كما أنه عقد عدة معاهدات مع غيرهم كخزامة ومدلج وقبائل بني بكر، وهذه العهود هي التي أشار إليها القرآن في سورة التوبة، كما أشار إليها في سورة النساء، مما سبق بيانه. وقد اتضح أنَّ بعض المشركين وفَّى بعهده وميثاقه وبعضهم خان الله ورسوله فلقي جزاءه. 12 - كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة كتب لبعض قبائل المسلمين، وقبائل أخرى من العرب غير المسلمين، كما كتب لبعض اليهود وبعض النصارى، وقد تضمنت هذه الكتب بعض العهود والمواثيق بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأولئك، مما يعطي دلالة على استقرار الدولة المسلمة وقوتها، حتى إن القبائل أصبحت تخطب ودَّها والأمان منها، بل والحماية ضد أعدائها، وهذا أثر فعَّال للعهود والمواثيق، إذا سادت بين الدول والمجتمعات -وتم الوفاء بها- حلَّ الوئام والسلام، بدل الحرب والخصام. ¬

(¬1) انظر عون المعبود شرح أبي داود، كتاب الزكاة، باب كراهية المسألة 5/ 55. (¬2) كالعهد الذي عقد معهم في خيبر بعد فتحها إلى إجلاء عمر -رضي الله عنه- لهم.

13 - أشرت على أنه لم يكن للمنافقين عهود خاصة، وإنما كانوا يعطون العهود مع المسلمين كأفراد منهم -ظاهراً- وما أشار إليه القرآن من نقضهم للعهود حدث منهم بطرق ملتوية وبأساليب متعددة، ولقد ذكر القرآن تلك الأساليب دون التصريح بأسماء من قام بها، مع بيان أنهم من المنافقين. 14 - استعمل مصطلح العهد والميثاق في عدة مجالات، ولقد شدَّ انتباهي كثرة هذه المجالات وأهميتها، وكيف أن العهد والميثاق جاء ليقرر مبادئ عظيمة، سعدت بها البشرية ماضياً وحاضراً، وتسعد بها مستقبلاً، وذكرت أن من أبرز تلك المجالات ما يلي: أ- العقيدة هي أساس وجود الخلق، ولا خير في حياة بدون إيمان، وهل الظلمات إلاَّ الكفر والفجور، وما النور إلاَّ الإيمان والتقوى. ولهذا جاء العهد والميثاق مقرراً هذه الحقيقة وملزماً البشرية بتحقيق عبوديتهم لله سبحانه وتعالى، وداعياً للإيمان به عز وجل، والعمل بما في كتب الله المنزلة، حيث تعمل كل أمة بكتابها، فكتب الله يصدق بعضها بعضاً، والمتأخر ناسخ للمتقدم ومصدق به، ولا تعارض في ذلك ولا تضاد. كما أن الإيمان بالرسل من صميم عقيدة المسلم، فجاء العهد والميثاق في هذا المجال، طالباً الإيمان بالرسل عموماً وبالنبي المرسل خصوصاً فبعضهم يؤمن ببعض، فالمتقدم يبشر بالمتأخر والمتأخر يصدق المتقدم، ويعترف به، لا يستقيم الإيمان إلاَّ بذاك. والشرائع المنزلة كلها من عند الله، نؤمن بالمتقدم منها إجمالاً، وبالمتأخر تفصيلاً. هكذا جاءت العهود والمواثيق في القرآن الكريم تؤصل هذا الجانب وتؤكده، وتدعو الناس للاهتمام بجانب العقيدة وتحقيقها في عالم الوجود. ب- أمر المسلم بالعبادة، أصولها وفرعها، وقد أخذ الله الميثاق على الناس بأن يعبدوه، وذلك بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغيرهما من أنواع العبادات التي شرعها الله، وقد ورد مصطلح العهد والميثاق مبيناً أهمية هذا الجانب ووجوب العناية به، ومحذراً من التفريط فيه أو الإهمال، فذلك نقض للعهد والميثاق، وعاقبته وخيمة، ومآل صاحبه إلى الخسران والهلاك. ج- الأخلاق سرٌّ من أسرار بقاء الأمم ودوامها، وفقدانها سبب لدمارها وفنائها والخلق الحسن سمة بارزة في جبين الفرد، يقوده إلى مدارج العزّ والخلود. وهذا المجال واسع رحب له آثاره ومزاياه، لذلك جاءت العهود والمواثيق محتفية بهذا الجانب ومؤكدةً عليه، فوردت آياتٌ كثيرة من آيات العهد والميثاق مشتملة على بيان أخذ الله العهود على البشر، ليلتزموا بالأخلاق الفاضلة ويبتعدوا عن أي خلق ذميم، على مستوى الفرد والجماعة. د- من مآسي العالم في عصرنا الحاضر -وما أكثر مآسينا- عدم احترام العهود والمواثيق التي تبرم بين الدول. فكم من اتفاقية وقعت، وعهود كتبت، لم تزد أن تكون حبراً على ورق، وهذا سبب القلاقل والفتن والحروب. والإسلام يأبى هذه الأخلاق، ودين الله إلى الوفاء وحسن الجوار. ومن هنا جاء مصطلح العهد والميثاق في مجال العلاقات الدولية ليرسم للبشرية ما يجب أن تكون عليه سياسة الدول، بعيداً عن الغدر والخيانة وأخذ الناس الآمنين على حين غرَّة. وبهذا تسعد البشرية، وتعيش في أمن يسود حياتها، ويتيح لها أن تتقدم في جميع شؤون الحياة ومجالاتها، بعيداً عن الخوف والهلع، وتوقع الغدر والخيانة. هـ- كما جاءت العهود والمواثيق في مجال العلاقات بين الدول، فقد وردت في مجال المعاملات بين البشر، وكما أخذ العهد بوجوب الإيمان بالله، وتصديق رسله، فقد جاء ليرسم للناس أسلوباً في تعاملهم وحسن تقاضيهم، بعيداً عن الالتواء والتربص وسوء الطوية، وهذا من عظمة هذا الدين وسمو أهدافه وغاياته، واحتفائه بالفروع كاهتمامه بالأصول.

وفي القضايا الاجتماعية وما يكون بين الأسر والأفراد أمور تحتاج إلى عناية ورعاية، ولذلك فقد كان للعهد والميثاق أثر فعال في حسن النظر ومراعاة هذا الجانب المهم في حياة الناس، والتساهل أو التهاون في ما يتعلق بحياة الناس الخاصة وأمور أسرهم يؤدي إلى فساد المجتمعات ومن ثمَّ دمار الدول، ولذلك فقد جاءت آيات كثيرة تبيّن للناس النمط السوي في محيط القضايا الاجتماعية والحياة الأسرية، وحذرت من أي خلل أو تصدع في هذا الكيان، مؤكدة ذلك بالعهود والمواثيق صيانة وحماية للأمة أفراداً وجماعات. ما أروع هذا الدين وما أشمله وأكمله، كم يحس المسلم بسعادة وهناء وهو يرى مدى اهتمام الإسلام بأخص شؤونه وأدقها، بل ويؤخذ عليه العهد والميثاق ضمانة لاستمرار سعادته، وحماية له من الشقاء والعناء. ز- لا حياة للأمة بدون الجهاد في سبيل الله، وأي أمة تدع الجهاد أمة تعيش الذل بأبشع صوره، الجهاد يحمي الدين والنفس والعرض والنسل، والمال، ويحمي البلاد والعباد. الأمة المجاهدة لها العزة والرفعة والمنعة ولهذا فقد جاء العهد والميثاق في مجال الجهاد في سبيل الله ليرتفع بالبشرية عن مهاوي الردى ونوازع الهوى، ناعياً عليه التثاقل في الأرض أو الركون إلى شهواتها وملذاتها، وليطلب الموت من أراد أن توهب له الحياة، ومن وفَّى ببيعه وفَّى الله له عهده (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ) (التوبة: 111). 15 - لا خلاف ولا نزاع في وجوب الوفاء بالعهد والميثاق، وآيات الكتاب وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم صريحة بذلك، كما هي صريحة بحرمة نقض الميثاق أو الإخلال بالعهد، وتوعّد الله بأقسى العقوبات للناقضين عهودهم ومواثيقهم، وصريح المعقول يوافق صحيح المنقول على وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق. 16 - الوفاء بالعهد والالتزام بالميثاق صفات كرام الرجال وخيارهم، والآثار الحسنة التي تعود على الموفين بعهودهم ومواثيقهم لا تعدَّ ولا تحصى، منها الآثار التي يجنونها في الدنيا، وأعظم منها ما يحصل لهم في الآخرة، وإذا عظم المطلب فالجزاء أعظم. إن من أعظم الآثار نعمة الإيمان، ولا يعرف قدر الإسلام إلا من عرف الكفر ومآسيه (¬1). والتقوى ومحبة الله للمتقين جزاء من ربك عطاءً حساباً للملتزمين بعهودهم المحافظين عليها. الأمن في الأوطان مطلب عزَّ مناله، لكنه حاصل لمن عرفوا قدر المواثيق وراعوا حقها، فلهم الأمن والحياة الطيبة والجزاء الحسن والأجر العظيم، وفي الآخرة يكفر الله عنهم سيئاتهم ويدخلهم الجنات، ما أعظم هذه الآثار وأزكاها، وما أجدر بالبشرية الحائرة أن تنشد السعادة من معينها فقد طال شقاؤها. في الإسلام تجد الطمأنينة وفي ظلال الإيمان تعيش الحياة الوارفة، تصون دماءها وتحمي ذمارها، هذه في الدنيا، أمَّا في الآخرة فرب كريم، ونزل عظيم، وحياة أبدية في جنات النعيم. 17 - آثار نقض العهد والميثاق مدمرة ومفجعة، بعضها عاجل وبعضها آجل، شيءٌ منها يحلّ بالفرد وآخر يلحق بالأمة، جزاء وفاقاً. الكفر صفة للناقضين عهودهم، والفسق ديدنهم، والخسران نهايتهم، واللعن في انتظارهم، قلوبهم قاسية قد طبع الله عليها، فأغروا بالعداوة والبغضاء إلى يوم القيامة. حرمت عليهم الطيبات في الدنيا، والنار مصيرهم في الآخرة. القتل والتشريد جزاؤهم لقاء غدرهم وخيانتهم وضلالهم عن سواء السبيل. يعيشون في الدنيا بخزيٍ أبدي، وفي الآخرة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم. ¬

(¬1) المعرفة هنا لا تعني كونه كافراً قبل ذلك، بل هي أعم فقد يولد مسلماً ولكنه عرف الكفر من أوجه أخرى كمعرفته بالكفار مثلاً.

هم شرُّ الدواب وشرار الخليقة، ولذا فبعض الناقضين عجلت عقوبتهم فأصبحوا قردة وخنازير لغدرهم وخيانتهم. والناقض عهده يجني على نفسه وأمته ويرديها. إن أثراً واحداً مما مضى كافياً للزجر والتهديد، فكيف بهذه الآثار مجتمعةً أو بعضها مما ينتظر الناقضين لعودهم. إن البشرية اليوم بأمسِّ الحاجة إلى الاستقرار والسعادة بعد طول شقاء وعناء. والمنقذ لها من ذلك كله هو التمسك بحبل الله والوفاء بعهده والالتزام بميثاقه، وأن يكون الإسلام هو المهيمن على شؤون الحياة دولاً وأفراداً. وبعد .. فقد عشت فترةً طويلةً وقصيرةً في هذا الموضوع، طويلةٌ في حساب الأيام والشهور، وقصيرة مع كتاب الله فلو قضى المسلم عمره مع القرآن الكريم فلا يعدوا أن يكون لحظة في عمر الزمن. ازداد إيماني -ولم يكن ضعيفاً والحمد لله- بأن هذا القرآن هو المنقذ للبشرية من واقعها المرير، ففيه النور والبرهان، فيه المخرج لأزماتها، والحلول لمشكلاتها، لا الشرق ينقذها، ولا الغرب ينفعها، وإنما كتاب الله هادينا وقائدنا. أدركت من خلال هذا البحث كم في القرآن الكريم من كنوزٍ مجهولةٌ، ودررٌ مغمورةٌ بالنسبة لكثيرٍ من المسلمين، ولذلك تخبَّطوا في حياتهم في الظلمات والنور بين أيديهم، يبحثون عن الهدى والهدي في حوزتهم، إن هذا القرآن منهجٌ للبشر، كلام الله لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميد. شدَّ انتباهي وأنا أعيش بين آيات العهد الميثاق معايشة هذا القرآن العظيم لحياة الناس لحظةً بلحظةً وساعةً بساعةً، موجهاً ومنقذاً، ومبشراً ومعاتباً ومعاقباً، يحيط الناس بعنايته، ويحنو عليهم برعايته، هذا يَعِدُهُ وذاك يتوعّده، وآخر يعلمه ويربيه. إنها دعوةٌ صادقةٌ ملخصة أوجهها لأمتي عموماً وللعلماء خصوصاً بأن نعود إلى كتاب ربنا ومنهج حياتنا، نتفيء من ظلاله وتسعد البشرية الحائرة، فقد طال بلاؤها وزادت تعاستها، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. ختاماً: لك الحمد ربي على ما تفضلت وأنعمت ووفقت، أشكرك مع كل حرفٍ أخطّه وكلمة كتبتها وجملة أصوغها، أشكرك مع كل نسمة هواء تمدّني بالحياة، وكل نقطة دمٍ تجري في عروقي، وقطرة ماءٍ تسير في أحشائي، تذكرني بأنك الخالق الواحد لا رب لي سواك. سبحان ربك رب العزَّة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المسائل الاعتزالية في تفسير الكشاف للزمخشري في ضوء ما ورد في كتاب الانتصاف لابن المنير (620 - 683هـ)

المسائل الاعتزالية في تفسير الكشاف للزمخشري في ضوء ما ورد في كتاب الانتصاف لابن المنير (620 - 683هـ) ¤صالح بن غرم الله الغامدي£بدون¥دار الأندلس¨الأولى¢1418هـ€تفسير¶معتزلة الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأصلى وأسلم على من بعثه الله رحمة للعالمين وحجة على الناس أجمعين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فإنه يطيب لي وقد أزف هذا البحث على التمام أن أذكر جملة من النتائج التي توصلت إليها من خلال مباحثه التي اشتملت عليها خطته، فأقول مستعيناً بالله عز وجل: 1 - ترجع أهمية هذا البحث إلى كونه يصلح خللاً اعتور كتابين من كتب التراث لهما أهميتهما ومكانتهما، هما كتاب (الكشاف للزمخشري) وكتاب (الانتصاف لابن المنير) ولكون الخلل فيهما يمس الجانب الأهم من جوانب الفكر الإسلامي، وهو جانب العقيدة، فقد كانت الحاجة إلى ذلك الإصلاح ماسة، سيما وأنه يقدم خدمة للكتابين تؤدي إلى الاستفادة منهما مع الأمن من غوائلهما. 2 - إن الرد على أهل البدع وإبطال مقالاتهم التي خالفوا فيها الحق، سوء أكان ذلك باللسان أم بالقلم سنة درج عليها أهل الحق من سلف الأمة وأئمتها وتناقلوها جيلاً بعد جيل، وأخذها المتأخر منهم عن المتقدم، وقد شكلوا بذلك حاجزاً منيعاً أمام البدع والمبتدعين، كي يبقى دين الأمة سالماً نقياً من أوضار البدعة وأدناسها. 3 - كتاب الكشاف للزمخشري يعد ممثلاً لمذهب المعتزلة، إذ هو تعبير عن عقائدهم من خلال تفسير آيات القرآن، ولكون الزمخشري مؤلف الكتاب يتمتع بمقدرة فائقة على دس أفكاره في ثنايا كلامه بما أوتي من براعة في تصريف الكلمات وتنميق العبارات، مع إجادة لفن المراوغة، فقد سخر كل ذلك لخدمة معتقده الاعتزالي بإبراز الأوجه الدالة عليه من أدلة القرآن وصرف ما يتعارض معه عن ظاهره بأساليب شتى يغلب على كثير منها الابطال والتكيف. وفي المقابل فقد جعل ابن المنير كتابه الانتصاف ممثلاً لمذهب الأشاعرة، إذ أنه وكما ذكر في سبب تأليفه إنما دعاه إلى ذلك ما أرى من كلام الزمخشري في كشافه من تجن على الأشاعرة، وسوء أدبه معهم على حسب قوله، فأراد أن يأخذ بحقهم ويثأر لهم منه. وعلى كل فابن المنير سلك الطريقة ذاتها التي سلكها الزمخشري في الانتصار لمذهبه، فهو يبرز الآيات التي يرى أنها مؤيدة لمذهبه ويعمل جهده في صرف ما يخالفه عن ظاهره. وقد مثل هذا تناقضاً ظاهراً في كلام ابن المنير في كثير من الأحيان، فبينما ينعى على الزمخشري هذا المسلك إذ به يعتمده في التعامل مع الأدلة التي لا توافق ما هو متقرر في مذهبه. 4 - على الرغم مما اشتمل عليه الكتابان (الكشاف، والانتصاف) من عقائد باطلة وأفكار فاسدة فإنهما مع كل ذلك لا يخلوان من مباحث مهمة ونكات حسنة وفوائد جمة، سواء أكان ذلك في التفسير أم علوم القرآن أم الفقه أم اللغة أم البلاغة، فإن الزمخشري ذا قدم راسخة وقلم سيال في علم اللغة والبيان، وهو فيها الفارس الذي لا يبارى ومباحثه في هذا الجانب إذا جردت مما يشوبها من مكنونات الاعتزال فهي مباحث جيدة ونكات لطيفة قد لا يعثر عليها طالب العلم في غيره من الكتب. وابن المنير لا يقل عنه رسوخاً في هذا المجال، فله من التحقيقات المتعمقة والتنبيهات اللطيفة في العلوم المذكورة آنفاً، ما يدل على رسوخه وإمامته في تلك العلوم، يظهر ذلك جلياً للمتتبع لتعقيباته وتنبيهاته التي ضمنها كتابه الانتصاف.

5 - سلك ابن المنير في تعامله مع الزمخشري من خلال تعقيباته على كلامه مسلك العدل والإنصاف في العموم، فقد أثنى عليه وأشار إلى إمامته ورسوخ قدمه في علم البلاغة والبيان في غير ما موضع، وقد أفرد بعض تعقيباته فقط للإشادة به والإشارة إلى بعض نكاته المستحسنة وتنبيهاته اللطيفة، ومع ذلك فإنه كثيراً ما يغلظ له في القول، بل وحتى إلى الدرجة التي يصفه فيها بالضلال أو الشرك، وهو – أي ابن المنير – قد أشار إلى ذلك معتذراً لنفسه بأنه يفعل ذلك من باب المقابلة بالمثل، مثلاً بمثل سواء بسواء؛ لأنه قد نصب نفسه مدافعاً عن مذهب الأشاعرة كما أن الزمخشري داعية إلى مذهب الاعتزال. 6 - ابن المنير في تعقيباته على الزمخشري يخالفه في العموم الأغلب، وقد يوافقه أحياناً، وقد يوافقه في بعض كلامه ويخالفه في البعض الآخر، (والمرجع أو الضابط عنده في الموافقة والمخالفة إنما هو قواعد مذهبه الأشعري التي بنى عليها عقائده وأفكاره، وقد يترك بعض المواضع التي يتفق فيها معه الزمخشري دون تنبيه وهي مواضع قليلة، وهو لم يستوعب التنبيه على المخالفة في كل مواردها في الكتاب، بل يكتفي بالتنبيه عليها في عدة مواضع تقل في بعض المسائل وتكثر في بعضها الآخر. وقد يمر على بعض المواضع المشابهة دون تنبيه اكتفاء بما قد نبه إليه من مواضع. 7 - محاسن وفوائد الكتابين كثيرة نبهت إلى بعض منها هنا وأشرت إليه أيضاً في المقدمة؛ لكن في الوقت نفسه هناك بعض المآخذ عليهما. فمن المآخذ على كتاب الكشاف أن مؤلفه قد شحنه بالأفكار الاعتزالية وتكلف حمل معاني آيات القرآن الكريم لتوافق تلك الأفكار، كما أن مؤلفه ليست له دراية بعلم الحديث، وقد وقعت له بسبب ذلك بعض الأغلاط الشنيعة من إنكاره لبعض الأحاديث المتفق عليها أو روايته لها بصيغة التمريض الدالة على الضعف أو الوقيعة في رواتها، لمجرد كونهم رووا ما يخالف مذهبه، حتى ولو كان الراوي من الصحابة الكرام. وقد وقع له – أي الزمخشري – في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم من الأنبياء كآدم، ونوح، شطحات شنيعة سجلها عليه العلماء واعتبرت من أسوأ المآخذ التي أخذت على الكتاب ومؤلفه، وكان لها أثر في الحط من قدرهما. أما كتاب الانتصاف فالمأخذ الرئيس عليه الذي قلل من قميته وفائدته؛ أن مؤلفه لم ينطلق في تعقيباته على الزمخشري من منهج الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة، المبني على أساس اعتماد الأدلة من الكتاب والسنة كمصدرين أساسين تستمد منهما أمور العقيدة. وتقديمهما عند الاستدلال على مسائلها، وجعل العقل تبعاً لها في ذلك ببيان أنه إن صح النقل فلا يمكن أن يعارضه العقل أو يحكم بما يخالفه. لا بل إن ابن المنير إنما اعتمد في ذلك مذهب الأشاعرة المبني على أساس تقديم العقل على النقل، واعتماد العقل طريقاً أساسياً لمعرفة مسائل الاعتقاد، بل ووحيداً في أغلبها وجعله الحاكم على ما يقبل أو يرد من الأدلة النقلية إذا احتاج إلى الاستدلال بها. ولذلك فقد اتسمت ردوده على الزمخشري في أغلب الأحيان بالطابع العقلي الصرف، فاختفت فيها دلائل الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة. ورغم أن مذهب الأشاعرة الذي ينتحله ابن المنير وجعله عمدته في الرد على الزمخشري أخف ابتداعاً من المعتزلة وأقرب إلى أهل الحق منهم؛ إلا أنه لا يمكن أن يكون ممثلاً لمذهب أهل السنة والجماعة كما يزعمه الأشاعرة ويدعونه لأنفسهم، فإن نقاط الاختلاف بين المذهبين (أهل السنة والأشاعرة) أكثر من نقاط الاتفاق، بل إن نقاط الاختلاف بينهما تمس جوانب وركائز أساسية في العقيدة لا يمكن التغاضي عنها أو الجمع بين المذهبين فيها إلا برجوع الطرف المتجافي عن الحق وهم الأشاعرة إلى الحق وأهل الحق، وهذا مالم يحصل منهم بعد إلى الآن، نسأل الله لنا ولهم الهداية إلى الحق والثبات عليه حتى نلقاه إنه سميع بصير. وبعد فإني لا أقول إني قد أعطيت هذا البحث كل ما يستحقه، وما قمت به على كل حال جهد مقل معترف بالعجز والتقصير، وفوق ذلك هو جهد بشري لابد أن يعرض له الخطأ ويعتوره التقصير، مهما حاول الإنسان تدارك ذلك. لكن حسبي في ذلك وعزائي أني بذلت قصارى جهدي في أن يظهر بالشكل المرضي، فما كان فيه من صواب فهو من الله وما كان فيه من خطأ وتقصير فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله من ذلك وأسأله العون والسداد والتوفيق لصالح الأعمال، إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

في ظلال القرآن في الميزان

في ظلال القرآن في الميزان ¤صلاح بن عبدالفتاح الخالدي£بدون¥دار المنار¨الأولى¢1404هـ€تفسير¶نقد كتاب أو فكر الخاتمة: نقف الآن في خاتمة هذا الكتاب لنسجل أهم المزايا التي توفرت للظلال، وأكسبته منزلة فريدة بين كتب التفسير، وجعلت له أثرا ملحوظا في الفكر الإسلامي المعاصر. ونقدم لهذه المزايا بقول الأستاذ محمد قطب – الذي هو خير من يعرف الظلال ويدرك مزاياه – في وصف ظلال القرآن: الكتاب الذي عاشه صاحبه بروحه وفكره وشعوره وكيانه كله .. وعاشه لحظة لحظة، وفكرة فكرة، ولفظة لفظة .. وأودعه خلاصة تجربته الحية في عالم الإيمان .. " وفي ما يلي نسجل أهم مزايا الظلال: 1 - انطلاقا من كلام الأستاذ محمد قطب السابق نقرر المزية الأولى للظلال، وهي أن سيد قطب عاشه بروحه وشعوره وكيانه كله، عاشه حياة عملية قبل أن يسجله في صورة كلمات وجمل وتعبيرات. عاش الأفكار والمعاني في الحياة قبل أن ينقلها للناس ولا يدرك هذه المزية من كان خالي البال من مكابدة الجاهلية والحركة بإسلامه في وجهها. 2 - إن سيد قطب كتب الظلال من "الميدان" لا من خلف المكاتب أو وراء الجدران. إن الذين يقولون كثيرون والذين أقبلوا على القرآن يفسرونه في العصر الحديث كثيرون ولكن فرق بعيد بين قول وقول وبين مفسر ومفسر، وبين تفسير وتفسير، والقارئ هو الحكم الصادق على القول والتفسير!! .. إن الذي يقرأ كلاما مسطورا في كتاب ولا يحس تجاهه بتجاوب وانفعال يدرك أن قائله غالبا لم يكن يعيش ما يقول ولم يكن يتحرك بما يقول. سيد لم يكن من ذلك الصنف لم يقعد قعدة باردة يعالج بعض الموضوعات والقضايا النظرية معالجة نظرية باردة أيضا، لقد حمل سيد سلاحه القرآن ونزل به إلى الميدان، ميدان مواجهة الجاهلية نظريا وعمليا وسجل خلاصة هذه المواجهة في الظلال .. 3 - من خلال معرفتنا بالأغراض الأساسية للقرآن العملية الحركية الحية وإذا عدنا إلى الظلال لننظر فيه، فإننا نجده يضع ويحقق الأغراض الأساسية للقرآن ويعرض مهمة القرآن العملية الحية. 4 - يضع الظلال بين يدي المسلم العالم المعاصر دليلا عمليا مكتوبا إلى التربية والتوجيه فيقيم نفسه الإسلامية وفق ذلك الدليل ويخرج من الظلال شخصية إسلامية متكاملة ومتوازنة ولهذا يعتبر الظلال ممثلا للمدرسة التربوية الوجدانية في التفسير. 5 - تجاوز سيد في الظلال عصر الخلال المذهبي والكلامي بين المسلمين ولم يشغل القارئ بالخلافات والمماحكات والمجادلات بين تلك الفرق، ولم يتعبه بالردود التي وجهها أهل الفرق فيما بينهم، لأن سيد يعلم علم اليقين أن العقيدة الإسلامية " السلفية" لا يمكن أن تصاغ ضد مطاعن أهل الأهواء والضلال وإنما تصاغ العقيدة وتؤخذ من المعين الصافي الذي نهل منه الصحابة الكرام ولذلك عرض على القارئ هذه العقيدة الصافية من كتاب الله. 6 - من خلال تركيز سيد على معاني الدعوة والحركة يصح أن نعتبر سيد مؤسسا لمدرسة جديدة في التفسير لم يتعرض لها المفسرون السابقون، وهي مدرسة " التفسير الحركي" ويصح أن نعتبر الظلال ممثلا لهذه المدرسة الحركية في التفسير، ولقد تابع سيد كثير من الكتاب اللاحقين، الذين أقبلوا على الظلال واستفادوا منه في معالجتهم الحركية الواقعية. 7 - سيد ينتقل بالفكر الإسلامي المعاصر نقلة بعيدة من خلال الظلال نقلة استحق بها أن يعتبر هو الرائد لهذا الفكر، حيث قاده من مرحلة " الدفاع" على استحياء عن الإسلام وقيمه ومناهجه إلى مرحلة" الهجوم" المباشر الواثق المتزن للفكر الجاهلي وموضوعاته ورجاله ودوله ...

8 - نجد سيد حريصا في الظلال على أن لا يكرر ما قاله المفسرون السابقون من مباحث نحوية أو بيانية، أو تاريخية أو قصصية، أو جدلية أو كلامية أو فقهية أو خلافية .. أو غير ذلك لأنه لا يريد أن يأتي الظلال نسخة مكررة للتفاسير السباقة .. وإنما كان حريصا على التركيز على بعض المعاني والمباحث والقضايا والموضوعات التي لم تتعرض لها التفاسير السابقة. كأنه يريد أن يضيف إلى ما قاله السابقون، وأن يقول ما لم يقولوه. ولهذا اعتبرنا الظلال نقلة جديدة بعيدة في التفسير. 9 - الظلال ليس تفسيرا بالمعنى التقليدي لكلمة التفسير! وإنا هو لون جديد فريد في التفسير، ونقلة بعيدة رائدة للتفسير. وهذا اللون لا غنى عنه لأي مسلم يريد أن يعرف معاني كلام الله، وتطبيق الرعيل الأول لكتاب الله وتحركهم به. 10 - في الظلال تطبيق للآيات على الواقع المعاصر، وبيان لدلالتها العلمية الواقعية، و"تحرير" للنصوص القرآنية من قيود الزمان والمكان، وتطبيقها على كل زمان ومكان، لتظهر صلاحيتها لكل زمان ومكان، إن القارئ لبعض التفاسير السابقة لا يكاد يجد فيها هذا المعنى لأنها لم تكتب لعصره الذي يعيش فيه، ولم تعالج موضوعات يعيشها في عصره، أما القارئ للظلال فإنه يعرف من خلاله واقعه الذي يعيش فيه، وما له وما عليه. 11 - كان سيد يعيد النظر في كلامه في الظلال، ويتناوله بالتنقيح والتصحيح والتعديل، ويتراجع عن خطأ وقع فيه فيما سبق، ويضيف إلى الظلال مكاسبه الجديدة، وآراءه وأفكاره ونظراته الجديدة، الناتجة عن حركته العملية بالقرآن. 12 - يصح أن نعتبر الظلال من بعض الجوانب تطبيقا لنظرية سيد عن "التصوير الفني في القرآن" والتي عرض خصائصها وآفاقها في كتاب " التصور الفني" وأبان في الظلال عن بعض ما في الآيات من تصوير فني معجز، وجمال قرآني رائع. 13 - نجح سيد – انطلاقا من المنهجية العلمية – في تجاوز الإسرائيليات والأساطير، ومن المحاكمات والنقاشات في تبيين " مبهمات القرآن" التي لا سبيل إلى بيانها. ولا فائدة من ذلك البيان. والتي أشغل بها مفسرون سابقون أنفسهم وقرائيهم، وسودوا صفحات عديدة في تفاسيرهم بالخلافات حول تلك المبهمات! 14 - الظلال يقرب بين المسلمين المعاصرين وبين القرآن، ويضيق " الهوة الواسعة" التي أحدثها هؤلاء بينهم وبين القرآن، بتركهم لأحكامه وتحريفهم لمهمته. أما الظلال فإنه يضع أيديهم على كنوز القرآن، ويبصرهم بمهمته. ويعرض عليهم حقائقه وإيحاءاته ودلالاته. ومع ذلك يعتبر سيد ظلاله وسيلة إلى تلك الغاية النبيلة وهي التقريب بين المسلمين وبين القرآن وليس غاية بحد ذاته، فإذا ما تحققت الغاية التي رجاها سيد فليترك المسلمون الوسيلة ويتمسكوا بالغاية!!. 15 - في الظلال عرض لملامح وسمات المجتمع الإسلامي المنشود الذي يسعى الدعاة إلى تحقيقه، وعرض لمبادئ ومناهج الشريعة الإسلامية التي تعيش في ذلك المجتمع، وإزالة بعض الشبهات والمآخذ التي أثارها بعض الأعداء ضد تلك المبادئ والمناهج والتي علقت بفكر وتصور بعض المسلمين المعاصرين. 16 - تكفل سيد في الظلال ببيان الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم وعرض التناسق الفني في أسلوبه وصياغته والتناسب الموضوعي في دروسه ومقاطعه. إن القرآن كما يبدو من خلال الظلال " كل" متناسق متناسب. ابتداء من جمل الآية، إلى آيات المقطع، إلى مقاطع الدرس، إلى دروس السورة، إلى سور القرآن.

17 - وقف سيد وقفات مطولة – في الطبعة المنقحة- يعرف بالسورة ويقدم لها ويبين شخصيتها المتكاملة الخاصة وموضوعها الأساسي وموضوعاتها الفرعية ويبين الخطوط الأساسية والخيوط الدقيقة التي شدت إليها موضوعات السورة وارتبطت بها معانيها، وتعريف سيد بالسورة قبل تفسيرها التفصيلي يكاد يكفي القارئ المتعجل عن القراءة في تفسير السورة تفصيليا ويكفيه ليدرك الوحدة الموضوعية للسورة، ويتعرف على شخصيتها وملامحها، وموضوعاتها وتقريراتها. 18 - في الظلال بيان للضوابط الأصلية لتعليل الأوامر والأحكام والتشريعات، وبيان حكمها والمصلحة فيها وما يكاد يخلو حكم من وقفة تبين حكمته، وما يكاد يخلو تشريع أو توجيه أو أمر من وقفة تبين أهميته والخير والمصلحة فيه فيخرج قارئ الظلال بيقين واطمئنان حول أحكام الله، يزيد إيمانه ويوثق التزامه. 19 - الظلال يجمع يبن الوحي الإلهي وبين العقل المؤمن، ويبين العلاقة بينهما، فهو لا يلغي العقل أو يعطله، وهو لا يؤله هذا العقل، أو يجعله الأصل .. النص القرآني هو الأصل لأنه كلام الله، والعقل البشري تابع للنص متدبر له، وظيفته في إدراكه وتطبيقه، ثم في النظر والتفكر في الكون المشهود والتفاعل معه، والتعامل مع سننه ونواميسه، والانتفاع بخيراته وكنوزه. 20 - سيد يركز في الظلال على العقيدة ويجعلها الأساس لكل الأفكار والأعمال والتصرفات. ولذلك يجد قارئ الظلال فيه هذا المعنى بارزا، فيدرك أهمية العقيدة ودورها في حياته وآثارها على أعماله، وكونها هي الموجهة لسلوكه وتصرفاته. فيعرف كيف يتعامل معها ويخضع حياته لها. إن الظلال يبين دور القلب في حمل العقيدة والعيش بها ولها، وبذلك يصل قرائه بين المعلومات العقدية النظرية في الفكر والعقل وبين القلب، ويرفع شعار" المعرفة المنشأة للعمل" والعقيدة الموجهة للحياة. 21 - يبين لنا سيد في الظلال طريقة القرآن في عرض العقيدة عرضا حيا مؤثرا في الحياة البشرية، ويقارن بين هذه الطريقة وبين طريقة المتكلمين من رجال الفرق الإسلامية، التي عرضها من خلال القالب الفلسفي الإغريقي، أو الدافع أمام شبهات الأعداء، ويدعو القارئ إلى أخذ العقيدة من القرآن، وإلى إدراك منهج القرآن في عرضها وإقرارها، والتفاعل معه. 22 - حرص سيد في الظلال على ربط الأحكام والتوجيهات الإسلامية بالعقيدة، وبيان انبثاقها وصلتها بها، وكون العقيدة هي الأساس الذي تبنى عليه تلك الأحكام، والباعث الذي يحرك المسلم للالتزام بها، وأن هذا العامل إذا ضعف أو خمد، فلا وجود للأعمال ولا أثر للالتزام. 23 - بيان الوظيفة العملية للشعائر الإسلامية والحديث في الظلال عن الآثار الاجتماعية للتشريعات الإسلامية، والالتفات إلى مهمتها الإيجابية العملية ودعوة القارئ إلى ملاحظة هذه المعاني العملية للعبادات، وعدم تحويلها إلى عادات رتيبة جامدة. 24 - نجح سيد في الظلال في " حل" بعض القضايا التي أشغلت مفسرين وباحثين حلها بتحقيق سريع موجز، بدون التفصيل في الأدلة والخلاف وذلك مثل: المشركون آدم خليفة الله في أرضه، وكون إبليس من الجن، وقضية القضاء والقدر، والضوابط لتعليل الأحكام، والضوابط للتفسير العلمي .. وغير ذلك. 25 - تحقق للظلال موارد أساسية في مختلف الموضوعات الإسلامية من تفسير وحديث وسيرة وتاريخ .. ولذلك كانت الأفكار المعروضة في الظلال موثقة بتلك المصادر والموارد. ولا ننسى أن تلك الموارد كانت ثانوية والرجوع إليها للتصحيح أو التصويب أو الاستشهاد.

26 - في الظلال وقفات يستدرك بها سيد على بعض المفسرين السابقين، وهو في استدراكه متصف بالأدب واللطف والرقة والرفق، ويظهر هذا على عباراته التي لا تلمس فيها كلمة جارحة أو نبرة حادة. كما أن الظلال متضمن الكثير من التصويبات في الفكر الإسلامي المعاصر، حيث يبين سيد الحق والصواب في بعض القضايا المطروحة مثل " مقارنة الأديان" و " الجهاد" و "الموقف من أهل الكتاب" 27 - دخل سيد عالم القرآن الرحيب دون مقررات سابقة، وألقى على عتبته كل ثقافته السابقة، واستقى من معين القرآن الصافي مباشرة، واستمد منه أفكاره وتصوراته، ودعى القارئ إلى التعامل مع القرآن على هذا الأساس. 28 - كان سيد في الظلال يسلم بالنص القرآني تسليما تاما، ويثق فيه ثقة مطلقة. فما يقرره النص فهو الحق والصدق، وما يوحي به فهو الخير والصواب، وهو الأصل الذي يجب أن يخضع له العقل ومقرراته، والواقع ومظاهره المخالفة. 29 - كان سيد في الظلال يجمع الآيات المتفرقة حول الموضوع الواحد، وينظر فيها مجتمعة، ويستخلص دلالتها كلها، فإذا ما بدت بعض النصوص متعارضة في ظاهرها فهو تعارض موهوم للنظرة العجلى، لذلك يثقف ليجمع بين تلك النصوص، ويزيل عنها ذلك التعارض. 30 - كان سيد يحرص على أن يبقى في جو النص القرآني في الظلال، وألا يخرج عنه إلى المطولات في اللغة أو الفقه أو الخلاف أو غير ذلك. وكان حريصا أيضا على أن يبقي القارئ في جو النص القرآني. وأن يوقفه أمام إيحاءاته ودلالاته مباشرة ليتلقاها ويتفاعل معها، ولذلك لا يشغله عن ذلك أمر إلهام أية تحقيقات أو توجيهات أو خلافات. وبذلك كان يتفاعل مع القرآن ويتعرض لأنواره، ويدعو القارئ للتفاعل معه، وإدراك تلك الأسرار القرآنية والتعرض لأنواره. 31 - يعرف سيد القارئ للظلال على كيفية التعامل مع القرآن، والمفتاح الحركي لفتح كنوزه ومعارفه من خلال الحركة به، ويدله على كيفية إدراك إيحاءات النص القرآني ولطائفه، واستخراج دلالاته وأحكامه. وذلك عندما يسجل له بعض تلك الإيحاءات واللطائف والظلال، ويقدم له بعض الأدلة والأحكام. 32 - كان سيد يعيش جوا إسلاميا قبل الشروع في التفسير ويقف بين يدي الله، يتزود الذي يعينه على فهم كلام الله، ولم يكتب في الظلال إلا بعد الصلاة وهو على وضوء، ويقف طويلا أمام السورة أو الدرس ويستحضر معانيه، ثم يشرع في الكتابة. 33 - كان سيد متبعا للطريقة المثلى في التفسير، التي قررها علماء التفسير: فكان يفسر القرآن بالقرآن، ثم بالحديث النبوي، ثم بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحياة أصحابه، وأقوال الصحابة، يورد الروايات المأثورة عن السلف الصالح. 34 - الطرقة التي اتبعها سيد في الظلال في الجدال والنقاش والاستدلال هي طريقة علمية منهجية، مرتبطة بالقواعد والضوابط الإسلامية، في ذلك استدلاله من النصوص وحدها بدون الخضوع لمقررات أو رواسب سابقة. وجداله مع المخالفين بالقرآن وبأدب وعفة لسان. 35 - نظرا لخطورة المسائل التي طرحها والموضوعات التي بينها والقضايا التي عالجها، ولما لها من حساسية خاصة باعتبارها مشكلات وقضايا معاصرة، فقد كان حريصا على إيراد الأدلة لما يقول في الظلال وتقريرها من مختلف الجوانب، وتكرار الحديث عن تلك القضايا والمسائل كلما وجد الفرصة مناسبة والارتباط قائما. 36 - بعض الوقفات في الظلال طالت وتشعبت، من خلال عرض سيد للأدلة على القضية التي يتناولها، واستقصائه لأبعادها ومجالاتها .. مما جعل هذه الوقفات تصلح أن تعتبر تفسيرا موضوعيا" للقرآن وتصنف ضمن التفسير الموضوعي وذلك مثل حقيقة عالم الملائكة، ومظاهر النقاء والخلخلة في المجتمع الإسلامي، والجهاد وغير ذلك.

37 - استخدم سيد في الظلال ثقافته الشاملة المتعددة الجوانب، والمختلفة الموضوعات كوسيلة للتفسير، واستفاد منها في إبراز بعض الحقائق وإجراء بعض التحليلات كما فعل مع تحليلاته الصائبة لنفسيات بعض النماذج الإنسانية في القرآن، وبيان البواعث لها على تصرفاتها. 38 - تمتع سيد بروحانية صافية، وشفافية رائعة، وهو يكتب الظلال، ويستطيع القارئ أن يلمس ذلك بسهولة، ويصح أن يعتبر الظلال معرضا لتسبيح الله وعبادته وشكره والإنابة إليه. 39 - يعتبر سيد مجددا في الظلال في الكثير من الموضوعات، ومجتهدا في بعض القضايا والمسائل وبخاصة قضايا الدعوة والحركة، وتركيزه على مسائل التربية والعمل، ووقوفه المطول أمام معاني العقيدة وأثرها، وحديثه المفصل المكرر عن الحاكمية، والجاهلية، والعبادة والعبودية، والألوهية والربوبية، وتأكيده المتكرر على الربط بين الألوهية والحاكمية وعرضه الإسلام بشموله وتناسقه وتكامله وانسجامه ودعوته إلى أخذه كله أو تركه وحديثه عن المعرفة المنشأة للعمل وعن المنهج الإسلامي في معالجة وبحث المشكلات والقضايا الواقعية، ودعوته إلى فقه الحركة وتأجيل البحث في فقه الأوراق وغير ذلك. 40 - ظهر لنا أن سيد كان له منهج خاص في التفسير، وهو المنهج الحركي في التفسير والذي يعتبر به مؤسسا لمدرسة خاصة في التفسير هي مدرسة التفسير الحركي، وقد تناول سيد القضايا والمسائل من الزاوية التي تهم الدعاة العاملين وهي الزاوية الدعوية الحركية. لقد استخدم سيد مفتاحا سحريا عجيبا في تفسير القرآن، وهو " المفتاح الحركي" الذي يبدو أن الله سبحانه وتعالى قد ادخره له، فتناوله سيد وفتح به كنوز القرآن الحركية المذخورة فيه، وعرضها على الناس، واستقبلها الدعاة بترحيب وتفاعل وإعجاب وقد وضع سيد هذا المفتاح الحركي بين يدي القارئ الذي يرغب في الوقوف على مزيد من كنوز القرآن، ودله على طريقة استخدامه بدقة ومنهجية. هذه – فيما يبدو لنا – أهم المزايا التي توفرت للظلال ولصاحبه، وهناك غيرها مما لم نذكره، وبهذا يظهر لنا أن سيد كان موفقا من الله سبحانه في تأليف الظلال، وكان موفقا في السير فيه وكتابته ويظهر لنا أن الظلال كتاب في التفسير لا يغني عنه سواه من التفاسير القديمة والحديثة على السواء وأنه يمثل نقلة جديدة في التفسير، ويعتبر لونا فريدا أساسيا لا غنى عنه في التفسير وأنه يعتبر تأسيسا لمدرسة جديدة هي مدرسة التفسير الحركي، وقد علم الله صدق نية سيد فكتب لظلاله الانتشار في الأقطار، ويكفي سيد منزلة أنه عاش ظلاله وكتبه من الميدان، ثم مات في سبيل الله بعد أن غذى ظلاله بدمائه، فدبت فيه الحياة. وأختم هذه المزايا بقول سيد قطب مبينا سر " قوة الكلمة" التي تجعل لها التأثير في الحياة وهو كلام ينطبق على الظلال تماما، مما يعتبر مزية فريدة من مزاياه. " إن السر العجيب ليس في بريق الكلمات وموسيقى العبارات، إنما هو كامن في قوة الإيمان بمدلول الكلمات وما وراء المدلولات. إنه في ذلك التصميم الحاسم على تحويل الكلمة المكتوبة إلى حركة حية، والمعنى المفهوم إلى واقع ملموس. .. إنه ليست كل كلمة تبلغ إلى قلوب الآخرين فتحركها وتجمعها وتدفعها إنها الكلمات التي تقطر دماء، لأنها تقتات قلب إنسان حي، كل كلمة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان .. إن أصحاب الأقلام يستطيعون أن يصنعوا شيئا كثيرا، ولكن بشرط واحد: أن يموتوا هم لتعيش أفكارهم، أن يطعموا أفكارهم من لحومهم ودمائهم. أن يقولوا ما يعتقدون أنه حق ويقدموا دماءهم فدى لكلمة الحق. إن أفكارنا وكلماتنا تظل جثثا هامدة، حتى إذا متنا في سبيلها أو غذيناها بالدماء انتفضت حية، وعاشت بين الأحياء.

ويتحدث في موطن آخر من " دراسات إسلامية" عن أثر استشهاد الإمام حسن البنا في قوة دعوته وهو قول ينطبق على الظلال بعد استشهاد صاحبه: " وما كانت ألف خطبة وخطبة، ولا ألف رسالة للفقيد الشهيد لتلهب الدعوة في نفوس الإخوان، كما ألهبتها قطرات الدم الزكي المهراق .. إن كلماتنا تبقى عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتب لها الحياة .. " لقد كان كلام سيد في الظلال نورا مستمدا من أنوار القرآن، وكانت دماؤه من دماء شهيد، فجاء الظلال، كما يقول الدكتور عدنان زرزور – نورا على نور. وفي هذا المعنى سمعت أستاذنا الدكتور أحمد فرحات يقول عن الظلال: وغيره من كتب سيد " إن كل ما كتبه سيد قطب سيبقى خالدا على التاريخ، لأنه كتبه مرتين: مرة بمداد العالم، ومرة بدم الشهيد!! .. " وإذا كان لنا من رأي نبديه أو توصية نسجلها، فهو أن يعتمد الظلال في مناهج الدراسات القرآنية في التفسير وعلوم القرآن في الجامعات الإسلامية. وفي كليات الشريعة، وفي أقسام الثقافة الإسلامية وأن يكون مرجعا أساسياً لمادة التفسير، ليقبل عليه الطلاب ويتعرفوا على المفتاح الحركي للقرآن. وإذا كان لنا أن نحذر من أمر في هذا المجال فهو التحذير من بعض الكتيبات التي تقذفها دور النشر، فتبدو كأنها كتب خاصة ألفها سيد كما في كتب " تفسير آيات الربا" و " تفسير سورة الشورى" التي نشرتها دور النشر وأعادت نشرها دار الشروق – المعتمدة من قبل ورثة الشهيد لنشر كتبه – وكما في كتيبات " إلى المتثاقلين عن الجهاد" و " رسالة الصلاة" و " إسلام أو لا إسلام". هذا ونشير إلى وجوب إعداد الفهارس الشاملة للظلال، التي تسهل للباحث والدارس ما يريده من الظلال بسرعة وسهولة ويسر، وإن الفهارس التي ظهرت حتى الآن – فهرس الأستاذ محمد علي قطب وفهرس الأستاذ محمد يوسف عباس وفهرس شباب جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت – ليست شاملة متكاملة. وسيكون الكتاب القادم – السابع في هذه السلسلة – خاصا بالفهارس الشاملة للظلال، وأرجو الله أن يعينني على إعداده، وأن يوفقني إلى الصواب فيه وتقديمه للدارسين والباحثين. وأخيراً – وقبل أن أضع القلم – أتوجه بالشكر والحمد إلى الله سبحانه، والثناء عليه حيث وفق وأعان على إتمام هذا الكتاب، وأساله أن يتقبله مني قبولا حسناً، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم القيامة وأعوذ بالله من فتنة القول والعمل. والحمد لله أولا وأخيرا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

مدخل إلى ظلال القرآن

مدخل إلى ظلال القرآن ¤صلاح بن عبدالفتاح الخالدي£بدون¥دار المنارة - جدة¨الأولى¢1406هـ€تفسير¶تفسير علمي وعقلي ورأي خاتمة: نقف الآن لنلخص في هذه الخاتمة أهم النتائج التي خرجنا بها من هذا الكتاب، نعرضها أمام القارئ الكريم مذكرين بها لأهميتها: 1 - إن تفسير " في ظلال القرآن" لم يكتب من فراغ، ولا لملء وقت الفراغ، وإنما كتبه صاحبه من الميدان الجهادي، حيث خاض مع الجاهلية معركة شديدة قاسية، استخدم فيها كتاب الله يجاهدهم به جهادا كبيرا. 2 - إن سيد قطب عاش جواً إيمانيا وهو يكتب الظلال، فقد كان يعيش مع القرآن الكريم، بسوره وآياته وكلماته، يتلقى منها معاني كثيرة، وينعم بالحياة المباركة في ظلالها .. لقد كان مغمورا برحمة الله في السجن، ووفقه الله للتكيف فيه، وتحويل ما فيه من محنة إلى منحة، فازداد علمه وإيمانه ويقينه .. وكان كلامه في الظلال ثمرة من ثمار هذا العلم والخير والعطاء .. فلا يسمع كلام بعض الشانئين والمنحرفين والمشوهين، في اتهام سيد في نفسيته ومشاعره، أو علمه وعطائه، أو سلامة تفكيره واتزان نظراته وصواب أحكامه وتقريراته. 3 - إن سيد عندما اختار لتفسيره هذا العنوان الفريد " في ظلال القرآن" كان يعيه ويعنيه تماما، فإن هذا العنوان مرتبط ارتباطا مباشرا مع نظريته حول " الصور والظلال في العمل " الأدبي" والقيم الشعورية والتعبيرية فيه. وأن للقرآن الكريم ظلالا وارفة تحوي الكثير من العلوم والمعارف، والمعاني والحقائق والتقريرات. 4 - إن الظلال تفسير، وإنه لون جديد من التفسير، وإنه نقلة جديدة بعيدة في التفسير، وإنه لا يغني عنه أي تفسير .. ومن هنا ندرك خطأ المقولة التي يرددها البعض- بخبث ودهاء أو بحسن نية - إن الظلال ليس تفسيرا، ولا يصح أن نعتبره كذلك، بل إن سيد نفسه لم يعتبره تفسيرا، لأنه أطلق عليه هذا الاسم، الذي يعني - عند هؤلاء- أنه مجموعة من الخواطر والمشاعر والعواطف والانفعالات ليس إلا. وقد خصصنا فصلا مطولا من الكتاب للرد على هؤلاء وعرضنا الأدلة على أنه نقلة جديدة بعيدة في التفسير، ولذلك يصح أن يسمى تفسير هذا العصر الذي لا يستغنى عنه من يعيش فيه!!. 5 - لسيد قطب أهداف خاصة توخاها من كتابه "الظلال" استخرجناها من الظلال وعقدنا لها فصلا خاصا في الكتاب - وهي تتفق مع الأغراض الأساسية للقرآن .. وأهداف الظلال تربوية تعليمية دعوية حركية، واقعية جدية بالدرجة الأولى، وليست " تثقيف" المسلم المعاصر بزاد ثقافي موسوعي شامل، ومن ثم صح اعتبار الظلال دليلا عمليا مكتوبا لصياغة الشخصية الإسلامية المتكاملة، وبيان الطريق إلى الله سبحانه. 6 - تلقى سيد - وهو يكتب الظلال- من معين القرآن الثري النقي الصافي، واستمد منه أفكاره وآراءه وكانت المصادر والموارد عنده ثانوية يعود إليها للتصحيح أو الاستدراك أو الاستشهاد. 7 - الموارد التي استقى منها سيد- في المرحلة الثانية- بعد تلقيه عن القرآن - وفيرة، والمصادر التي أخذ منها عديدة مختلفة كما يظهر من فصل " موارد الظلال" من هذا الكتاب. فمصادر المادة التفسيرية فيه زادت على عشرة كتب، وليس تفسير ابن كثير فقط- كما رددت بعض الإشاعات!!. 8 - عاش سيد الظلال كله، بروحه وشعوره ونفسه وكيانه كله، عاشه لحظة لحظة، ولفظة لفظة- كما يقول الأستاذ محمد قطب في تصديره لطبعة دار الشروق للظلال- ولقد أحس القراء الصدق في الظلال- الصدق القولي والعملي- فأقبلوا عليه إقبالا خاصا، وصدق الأستاذ الدكتور أحمد حسن فرحات عندما وصف الظلال بأن سيد كتبه مرتين: مرة بمداد العالم ومرة بدماء الشهيد.

9 - تبين لنا خطأ الإشاعات التي أطلقت حول الظلال وصاحبه وأنها سرعان ما تلاشت أمام البحث العلمي ... وأدركنا خطورة إصدار أحكام من قبل أناس لا يتصفون بالعلمية أو الموضوعية ولا يطلعون إطلاعا وافيا شاملا على ما يتحدثون عنه، مثل أولئك الذين اتهموا سيد في ظلاله، بعدم اعتباره تفسيرا أو أهدافه منه، أو مصادره وموارده ووسائله فيه، أو اتهموه في نفسيته وعقليته وتفكيره .. ولعلنا نكون مصيبين مع هؤلاء إذا استعرنا لهم قول الحطيئة للزبرقان بن بدر: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي. 10 - حذرنا في الكتاب من إقبال البعض على الظلال يجمعون منه موضوعات خاصة، وينشرونها في كتب على أنها أفكار سيد قطب في الظلال، كما فعل أحمد فايز في طريق الدعوة واليوم الآخر ودستور الأسرة، وكما فعل المدعو عبدالله ياسين في التربية الإسلامية، وبينا أن هذا العمل لا يستقيم مع تفسير كالظلال، ولا يمكن نقل الأفكار وإيحائها، وظلالها من الظلال، ولا استقصاء الموضوع الواحد في الظلال ... ولهذا يخرج الكتاب ناقصا من الناحية الموضوعية، وخاليا من التوثيق العلمي، وليس صادقا في عرض كلام سيد وفكره ورأيه من الظلال، بل هو ممزوج بكلام الآخرين، كما برز في اليوم الآخر ودستور الأسرة لأحمد فائز. فإذا كان هؤلاء الجامعين يريدون خدمة قارئ الظلال، بتسهيل تناوله للموضوع الواحد في الظلال، فإن الحل يكون في الفهرسة الموضوعية الشاملة للظلال، وليس في أمثال هذه الكتابات, وأرجوا الله أن يعينني على القيام بهذه الفهرسة، وأن يوفقني في إتقانها وإجادتها. وفي الختام أتوجه إلى الله، وحده سبحانه بهذا العمل، راجيا منه القبول والأجر والثواب، راغبا في المزيد من عونه وفضله وتوفيقه، عائذا من فتنة القول والعمل متبرئا من كل حول وطول .. فهو المستعان المعين،، وهو حسبي ونعم الوكيل .. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

توحيد وعقيدة ومنهج

توحيد وعقيدة ومنهج

آثار حجج التوحيد في مؤاخذة العبيد

آثار حجج التوحيد في مؤاخذة العبيد ¤مدحت بن الحسن آل فراج£بدون¥دار أطلس الخضراء - الرياض¨الثانية¢1427هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶عقيدة - أصول المنهج الخاتمة: فليعلم القاصي والداني أن الباعث من وراء هذه الرسالة: - إزالة الجهالة المضروبة عمداً على الشعوب لتكون مطية لمن يمتطيها من الطواغيت والفراعنة. - إسقاط اللافتات المزيفة، والطعن في الشهادات المزورة، وكشف النقاب عن الوجوه الخبيثة التي تستتر بالأقنعة الوسيمة، مع إقامة الفرقان، وتعرية البطلان. - توقيف الناس على الحد المنجي على الحقيقة من قبل لحوق الخسران والمكث في دار البوار. - جلاء قضية التوحيد، وبيان حججها، مع التحذير والتنبيه من خطر الوقوع في توهينها، والطعن في حججها من أجل البحث والتنقيب عن التماس الأعذار الواهية لتبرر أسلمة المشركين، وتصحيح انتساب مزيف لهم. - التركيز على رصيد الفطرة لحث الدعاة على إكمال المسيرة، واليقين بأن الجولة الحاسمة ستكون لهذا الدين، المنبثق من الرصيد الهائل لفطر الخلائق. - تذكير الدعاة والمربين بحقيقة أولية يقوم عليها، وينبثق منها: العود المنشود لهذا الدين ألا وهي: وجوب تجريد العبودية لله، وتحرير الولاء له، مع حتمية الكفر والانخلاع من: كل العلائق والوشائج لكافة الأرباب والطواغيت والأنداد المعبودة من دونه. ويكون هذا هو الطريق الوحيد لإعداد وتربية الأمة عليه، حتى يتسنى لنا إعمار قلوبها بالاستعلاء الإيماني المفقود لدى كثير من أبنائها، الذي هو بداية الانخلاع من ربقة الهيمنة الغربية، والكفر بالريادة الصليبية، والتحلل من السيطرة اليهودية، ومن ثم رجوع الثقة والطمأنينة لأبناء هذه الأمة بمنبع عزهم ومصدر وجودهم المتمثل في: الاعتصام بربهم وكتابهم وهدي نبيهم صلى الله عليه وسلم. - إعلام الناس بأن الله قد خلق الجنة والنار، وجعل لكل منهما أهلاً وأعمالاً. فأعمال أهل الجنة تتمثل في: الالتزام بالتوحيد، وفعل الطاعات وفاءاً بالعهود والمواثيق التي كان العباد محلاً لإبرامها. وحجتهم في ذلك تنبثق من براهين الميثاق، والفطرة، والعقل، والآيات الكونية، والتي جاءت الشرائع لتؤكد صحة دلائلها ومقتضياتها، وتشهد بخروجها جميعاً من مشكاة واحدة. وأما أعمال أهل النار فتتمثل في نقض التوحيد بالشرك: تلك الجريمة الكبرى الخارقة لكافة الحجج، وشتى العهود، وسائر المواثيق. وهذا الطريق المؤدي إلى سخط الرحمن، والخلود في النيران يتميز بالانسلاخ والتعري من كافة الحجج الربانية، وسائر البراهين الإلهية، فرأس مالك بضاعته المزجاة: الكذب، والإفك، والبهتان ... ومن هنا انفتق سر المسألة: فالذي بين صراط أهل الجنة، وسبل أهل النار كالذي ما بين السماء والأرض، والبعد بينهما كبعد المشرقين، لا يلتقيان ولا يتقاربان مادامت السماوات والأرض. وبذلك يظهر جليا: علة عدم مغفرة الشرك إلا بالتوبة والمآب إلى التوحيد، مع الإخلاص من براثن الشرك ومخالب الإلحاد. فلو لم يكن كذلك لاختلطت أعلام الطريقين، واشتبهت منارات السبيلين، وبطل الفرقان بينهما، وذابت حدودهما، ولزم المساواة بين نهايتهما. والآن قد آن لنا أن نلجم القلم عن الاسترسال، فقد ظهر الصبح لذي عينين. وعلى الناصح لنفسه أن ينظر الراجح من المرجوح في كل مسألة من المسائل بعد أن يخلع الهوى الذي يعمي ويصم، وألا يعبأ بصوت المهاترات – القائدة للحجة والبرهان – وإن علا ضجيجها، أيا كان الفم المهاتر بها، والأيدي المصفقة لها، وأن يجعل نصب عينيه الدليل الصحيح الصريح من الكتاب والسنة، ثم يتفطن لوجه الاستدلال – المقرر بضوابطه – من كلام أهل العلم، ثم عليه بعد ذلك أن ينطرح بنفسه بين يدي ربه داعياً: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

آراء أبي الحسن السبكي الاعتقادية – عرض ونقد في ضوء عقيدة السلف الصالح

آراء أبي الحسن السبكي الاعتقادية – عرض ونقد في ضوء عقيدة السلف الصالح ¤عجلان بن محمد العجلان£بدون¥دار كنوز أشبيليا – الرياض¨الأولى¢1430هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتبلغ الغايات، وترفع الدرجات، والصلاة والسلام على المبعوث بأكمل الرسالات، محمد بن عبد الله، عليه وعلى آله وصحبه أتم الصلاة أزكى التسليم، وبعد: فقد حاولت في هذا البحث جمع شتات الآراء الاعتقادية لأبي الحسن السبكي، وعرضها على ميزان أهل السنة والجماعة، ولا أدَّعي فيه الكمال والإحاطة؛ ولكن حسبي أني بذلت فيه جهدي ومُكنتي، فإن أصبت فهو من الله وفضله وتوفيقه؛ فله الحمد والشكر، وإن إخطأت فأستغفر الله وأتوب إليه. ويمكن إجمال أهم نتائج البحث، وتوصياته فيما يلي: 1 - يتضح تمشعر أبي الحسن السبكي من خلال موافقته للأشعرية في كثير من مسائل الاعتقاد، وكذا تصريحه بذلك، وكان للأحوال الاجتماعية والعلمية والظروف السياسية أثر في نشأته وتمذهبه العقدي. 2 - يظهر جلياً - من خلال عرض بعض آراء السبكي الاعتقادية - مقاربته لمنهج أهل السنة والجماعة في الجانب النظري، ومن ذلك: تورُّعه عن الخوض في علم الكلام، والحكم على المعين؛ إلا أن الأمر يختلف عند التطبيق، فقد وقع السبكي – عفا الله عنه – فيما حذر منه، وخاض في علم الكلام المذموم، ووقع في عرض شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم، وجاوز القنطرة في اللعن والشتم، والتعريض بكفر الإمام ابن القيم!! ويستبين ذلك لمن قرأ كتابيه: (الدرة المضية في الرد على ابن تيمية)، والسيف الصقيل في الرد على ابن زفيل. 3 - ذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى نفي نسبة كتاب (السيف الصقيل) عن أبي الحسن السبكي، وقد تقدم إثبات صحة نسبة الكتاب إليه من واقع الدلائل والشواهد التي تؤيد ذلك. 4 - تناقض أبي الحسن السبكي في بعض المسائل العقدية، واضطراب كلامه في مسائل أخرى؛ كإثبات بعض الصفات لله تعالى وتأويلها، وشد الرحال للقبور والتبرك بها. 5 - أظهر أبو الحسن السبكي – عفا الله عنه – بعض الشبهات التي تشبَّث بها المبتدعة بعده؛ كشبهة المجاز العقلي، والكسب والتسبب؛ لتسويغ التوسل والاستغاثة بالأموات. 6 - ردود أبي الحسن السبكي – عفا الله عنه – على شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم – رحمهما الله – في مسائل الاعتقاد لا تستند لصحيح المنقول ولا صريح المعقول، وقد تكلف السبكي مشقة الرد عليها، وعثر السبكي في ذلك، ولم تفد تلك المصنفات قارئها سوى التسليم بأن (بين السبكي وابن تيمية بوناً كبيراً في العلم وقوة الاستدلال، وأن الثاني أعمل بمراحل). 7 - سلك السبكي سبيل الأشعرية من أهل الكلام، ووافقهم في كثير من مسائل الاعتقاد، ومن ذلك: • في مصادر تلقِّي العقيدة ومنهج الاستدلال بها: وافق المتكلِّمين في عدم قبول خبر الآحاد في المسائل الاعتقادية. • وافق الأشعرية والمتكلمين في تأويل بعض الصفات؛ كالاستواء والعلو والرحمة، وغيرها، والقول بأن إثبات الصفات يستلزم التجسيم، وحلول الحوادث. • في مسألة كلام الله تعالى: قال ببدعة الكلام النفسي؛ موافقاً للأشعرية في ذلك. • موافقته للأشعرية في قولهم ببدعة الكسب، وفي مسألة التحسين والتقبيح، والحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى. • ميله لمذهب المرجئة في باب الإيمان. 8 - خالف أبو الحسن السبكي الأشاعرة في بعض المسائل الاعتقادية – مع موافقته لهم في كثير منها -، ومن ذلك: • صحة إيمان المقلِّد، وقد بين السبكي أن تارك النظر ليس بعاص؛ بل هو مطيع مؤمن؛ لأن الله لم يكلِّفه إلا الاعتقاد الجازم وقد حصل. • أن الأنبياء معصومون من الذنوب كبيرها وصغيرها، وقوله بذلك راجع إلى عدم تفريقه بين الصغيرة والكبيرة؛ فالكل كبائر. وأما التوصيات التي يمكن التأكيد عليها من خلال هذا البحث فتتمثل في أمرين: 1 - التوصية بدراسة الآراء الاعتقادية لأعلام المذاهب الفقهية، ونقدها وفق منهج أهل السنة والجماعة. 2 - إفراد بعض الدراسات في نقد الشبهات التي يدندن حولها أهل الأهواء والبدع؛ كشبهة المجاز العقلي، وغيرها، مما تفرَّق نقده في مصنفات أهل العلم.

آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية عرض ونقد

آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية عرض ونقد ¤عبدالله بن محمد السند£بدون¥دار التوحيد - الرياض¨الأولى¢1428هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إرجاء - مرجئة الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، وبعد: فإن دراسة آراء المرجئة في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أبانت عن حقائق مهمة تتطلب الوقوف معها، والنظر فيها، ومن أهمها: أولا: أن من أعظم أسباب النجاة الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الناظر في الاضطراب العقدي عند الأمم قديما وحديثا في أهم ما يعتقده الإنسان لا يملك إلا أن يهرع إلى ربه طلبا للسلامة والعافية، باذلا أسباب ذلك والموفق من وفقه الله. ثانيا: مع وقوع الخلاف في الأمة، وفي أهم الأصول، واضطراب الأقوال واختلاطها، حتى صعب على الكثير التمييز بين الحق والباطل إلا أن رحمة رب البريات واسعة، حيث يختار من عباده من تحصل على يديه النجاة. وقد كان ذلك الداعي في قرنه هو الإمام شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمة الله عليه، فقد كشفت الدراسة عن مدى ما منّ الله به عليه من دراسة واسعة بالقول الحق أولا، وبالقول المخالف ثانيا، ثم القدرة على رد الباطل ومناقشة أصوله الفاسدة، وشبهه المتنوعة، ولا ريب أن من لطف الله تعالى على عباده تسخير هذا الإمام لهذه المهام العظام. وقد كشفت الدراسة أيضا عما تحلى به هذا الإمام من إنصاف وتقوى في نقضه للأقوال الباطلة بردود علمية محكمة، وجوابات علمية مسددة. ثالثا: لا يجد الناظر في مؤلفات شيخ الإسلام بحمد الله شيئا من التناقض، أو اختلاف الأقوال، ولو أن الباحث في كتب شيخ الإسلام كان طالبا الحق، متجردا في بحثه، وقام بضم كلام شيخ الإسلام لبعض، وترك التشهي في انتقاء الجمل، لظهر له الحق في أنصع مظاهره، ولكن من بحث وهو يريد تقرير حكم معين، فلا يلومن إلا نفسه، وليتق الله ربه، ولا يحملن شيخ الإسلام ما لم يقله، فإنه واقف له غدا أمام من لا يظلم مثقال ذرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. رابعا: اتفاق السلف على ذم الإرجاء وأهله، ووقفتهم الصادقة في ذلك، وعدم محاباتهم لأحد كائنا من كان، فمن وقع في الإرجاء وجب التحذير منه، وذم مقالته، كل ذلك مع العدل، والإنصاف، وعدم بخس الناس أشياءهم، فسلوك هذا المنهج من أعظم وسائل نصرة الدين. خامسا: تبين أن القول بالإرجاء كان مقابلا للقول بالتكفير، وهذا ما يسمى بردود الأفعال، ومرده تسرع الفريقين - أهل التكفير وأهل الإرجاء - في إطلاق الآراء قبل التأمل والنظر، مع ضعف في فقه النصوص، وجرأة على التصدر، وحب الظهور، وعدم الصبر، وترك الرجوع إلى الراسخين في العلم، وكأن الناظر في ذاك الزمان وهذا الزمان يقول: الواقع يعيد نفسه، والله المستعان. سادسا: الإرجاء نعت يدخل فيه كل من أخرج العمل من الإيمان، وما عدا ذلك من المخالفات المتعلقة بالإيمان، فهي إما أن تكون راجعة لهذا الأصل، أو يقول بها من يقول إن الإيمان قول وعمل فلا يعد مرجئا، فالمخالفة الحقيقية عند المرجئة هي فيمن لم يأت بالعمل. سابعا: قد تشتهر بعض المقالات، ويظهر البحث والتحقيق عدم دقتها، ومن ذلك اشتهار القول بأن المرجئة هم الذين يقولون لا يضر مع التوحيد ذنب. وقد أثبتت الدراسة أن هذه المقالة لا يكاد قائلها، وأن عامة المرجئة يوجبون الأعمال، ويقولون إن تاركها معرض للوعيد، وإن أهل الذنوب مستحقون للذم والعقاب، وإن كانوا عندهم مؤمنين كاملي الإيمان. ثامنا: أظهرت الدراسة أن عامة ما صنف في كتب المقالات لا يكفي في إعطاء صورة واضحة عن الفرق، وأن الباحث يحتاج إلى النظر في كتب المحققين، وعلى رأسهم شيخ الإسلام رحمه الله، فإن الناظر فيما صنف عن مقالات المرجئة في أشهر كتب المقالات لن يستغني عن النظر فيما جاء عند شيخ الإسلام، فقد حوت شروحا، وردودا، ودقة، وإنصافا لا تجده عند غيره. وبعد هذا كله، فما تقدم نقاط سريعة في أهم ما انتهى إليه البحث، وما بقي سوى سؤال الرب تبارك وتعالى في أن يبارك فيه، ويقبله عنده، ويغفر ما حصل فيه من زلل، وينفع به عباده المؤمنين، والحمد لله رب العالمين.

أحكام لعن الكافرين وعصاة المسلمين دراسة عقدية

أحكام لعن الكافرين وعصاة المسلمين دراسة عقدية ¤سليمان بن صالح بن عبدالعزيز الغصن£بدون¥كنوز إشبيليا - الرياض¨الأولى¢1427هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶دراسات عقدية الخاتمة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،،، فلقد تبين من خلال هذا البحث خطورة اللعن، ومباعدة اللعانين عن مقام الشفعاء والشهداء والصديقين، وأن منهج السلف الورعين ترك التعيين باللعن لأشخاص الأحياء الكافرين، ولعصاة المسلمين لما في ذلك من المجازفة، ولعدم العلم بالعاقبة، ولما في إشاعة اللعن بين المسلمين من تسبب في تصديع حبال المودة والألفة، وإشاعة التشاحن والتضاغن والسب والتشاتم، الأمر الذي يتنافى مع مقاصد الإسلام في السعي لجعل المجتمع جسداً واحداً تسوده المحبة والرحمة، وبنياناً مرصوصاً، وحصناً حصيناً، ضد عوامل الفرقة وفساد ذات البين، التي من أسبابها التلاعن والشتائم. كما تبين في ثنايا هذا البحث ضعف حجج المجيزين للعن المعين من عصاة الموحدين، وظهرت قوة أدلة المانعين وتوافقها مع مقاصد الإسلام وقواعده العظام. أسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح والهداية للصواب والتوفيق للسداد إنه خير مسؤول وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أسماء الله الحسنى

أسماء الله الحسنى ¤عبدالله بن صالح الغصن£بدون¥دار الوطن - الرياض¨الأولى¢1417هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - أعمال شاملة ملخص نتائج البحث: الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: ففي نهاية هذا الحديث الذي حرصت فيه - قدر إمكاني - على التركيز والوضوح. أبين أهم ما توصلت إليه من نتائج وهي: 1 - نهي السلف عن الخوض في مسألة الاسم والمسمى؛ وذلك لأمرين: أ- لأنها مسألة حادثة، لم يرد فيها دليل من الكتاب والسنة. ب- لأنها مسألة قليلة الفائدة. والقول الصحيح الموافق للنصوص هو أن: الاسم للمسمى. 2 - أن الأسماء الحسنى عند السلف توقيفية: لا تؤخذ من غير النصوص الشرعية الثابتة. 3 - أن أركان الإيمان بالاسم ثلاثة، هي: الإيمان بالاسم، وبما دل عليه من معنى، وبما تعلق به من أثر. 4 - أن أسماء الله حسنى كاملة الحسن، وليس فيها ما يتضمن الشر. 5 - أن نصوص أسماء الله الحسنى محكمة، وأما ما تضمنته الأسماء من الصفات؛ فإن أريد معنى الصفة، فهذا أيضاً محكم، وإن أريد حقيقة الصفة وكيفيتها فهذا من المتشابه الحقيقي الذي لا يعلمه إلا الله. 6 - أسماء الله الحسنى تدل دلالة المطابقة: على ذات الله، وعلى الصفة التي اشتق منها الاسم. وتدل دلالة التضمن: على أحد أمرين: إما ذات الله، أو الصفة التي اشتق منها الاسم. وتدل دلالة اللزوم: على الصفة الأخرى غير الصفة التي علمت من طريق التضمن. 7 - أسماء الله يفضل بعضها بعضاً على حسب ما ورد في النصوص، وليس معنى هذا التفاضل أن المقصود يوهم نقصاً؛ لأن أسماء الله حسنى تامة الحسن؛ ولأن كل أسماء الله فاضلة. 8 - أن المراد بإحصاء الأسماء الحسنى هو اجتماع ثلاثة أمور: إحصاء ألفاظها وعدها. وفهم معانيها ومدلولها. ودعاء الله سبحانه وتعالى بها. 9 - أن أسماء الله غير محصورة بعدد معين، ولم يصح حديث في تعيين الأسماء الوارد فضلها في الحديث الصحيح. 10 - أن أسماء الله دالة على ذات الله مع دلالتها على الصفة، وأما الصفات فإنها تدل على معنى قائم بالذات فقط. 11 - الذي ثبت عندي من أسماء الله الحسنى ما يلي: الله، الأحد، الأعلى، الأكرم، الإله، الباري، البر، البصير، التواب، الجبار، الجواد، الجميل، الحاسب، الحافظ، الحسيب، الحفيظ، الحق، الحكم، الحكيم، الحليم، الحميد، الحي، الحييّ، الخبير، الخالق، الخلاّق، الديّان، الرازق، الرب، الرحمن، الرحيم، الرزّاق، الرفيق، الرقيب، الرؤوف، السبوح، الستّير، السلام، السميع، الشافي، الشاكر، الشكور، الشهيد، الصمد، الطيب، العالم، العزيز، العظيم، العفو، العلي، العليم، الغفار، الغفور، الغني، الفتاح، القادر، القاهر، القدوس، القدير، القريب، القهار، القوي، القيوم، الكبير، الكريم، اللطيف، المبين، المتعالي، المتكبر، المتين، المجيب، المجيد، المحسن، المحيط، المصور، المقتدر، المقيت، الملك، المليك، المنان، المهيمن، المؤمن، المولى، النصير، الهادي، الواحد، الوارث، الواسع، الوتر، الودود، الوكيل، الولي، الوهاب، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، القابض، الباسط، المقدم، المؤخر. 12 - اعتمد الزجاج - رحمه الله - في كتابه: (تفسير أسماء الله الحسنى) على رواية الوليد بن مسلم الدمشقي. ويتميز كتابه بالاختصار، وسهولة العبارة، بالإضافة إلى كونه أحد المراجع المتقدمة الأصيلة في اللغة. ومما يلحظ عليه: تفسيره الأسماء الحسنى ببعض معانيها، إضافة إلى أنه يرى أن رواية سرد الأسماء صحيحة. وأما منهج الزجاج في الاستدلال على الاسم، فإنه لم يلتزم ذكر الدليل على الاسم، وإذا ذكر الدليل، فإنه لا يلتزم أن يكون الشاهد من الدليل بصيغة الاسم.

13 - اعتمد الخطابي - رحمه الله - في كتابه: (شأن الدعاء) على رواية الوليد بن مسلم الدمشقي، وأعقبها ما زاد عليها من رواية عبدالعزيز بن الحصين. ومما يتميز به كتاب: (شأن الدعاء) أنه من المصادر الأصيلة في الدعاء والأذكار، إضافة إلى بعض الاستنباطات الدقيقة في بعض المسائل التي ذكرت بعضها في موضعه. ومما يلحظ عليه: ترجيحه معنى الإحصاء أنه العد فقط. ومن منهجه في الاستدلال على الاسم: أنه لا يذكر الدليل عليه، وإذا ذكره فإنه لا يلتزم أن يكون استشهاده منه بصيغة الاسم. 14 - لم يعتمد البيهقي - رحمه الله - على رواية بعينها في شرحه أسماء الله الحسنى، ومما يتميز به كتابه: (الأسماء والصفات): حشده للنصوص استدلالاً للاسم، وإثباتاً له، وقد التزم ذكر الدليل لكل اسم من الأسماء الحسنى التي ذكرها. ومما يلحظ على هذا الكتاب: تقسيمه على غير منهج السلف كما بينته في موضعه، وتقريره أن الحروف المقطعة من أسماء الله الحسنى، إضافة إلى ترجيحه أن الاسم والمسمى واحد. ومن منهجه في الاستدلال على الاسم: أنه قد يستدل على الاسم بصيغة الفعل، ولا يلتزم في إثبات الاسم أن يكون وروده نصاً؛ بل يأخذ ما دلت النصوص عليه وإن لم يرد بلفظه. 15 - ذكر القشيري في كتابه: (شرح أسماء الله الحسنى) أغلب الأسماء التي وردت في رواية الوليد بن مسلم الدمشقي. ومما يتميز به هذا الكتاب: اهتمامه بالجانب اللغوي في شرح الاسم، إضافة إلى تأكيده على أن التوقيف هو مصدر التلقي للأسماء الحسنى. وأما أهم ما يلحظ عليه: فإنه يرى أن الاسم والمسمى واحد، إضافة إلى حشده الكثير من القصص الصوفية في شرح الاسم. ولا يلتزم القشيري ذكر الدليل من الكتاب أو السنة لإثبات الاسم، وإذا استدل على إثباته؛ فإنه لا يلتزم في استشهاده أن يكون بصيغة الاسم. 16 - اعتمد الغزالي في تفسيره أسماء الله الحسنى على رواية الوليد بن مسلم الدمشقي. ومما يتميز به كتاب: (المقصد الأسنى) أنه يرى أن أسماء الله توقيفية، إضافة إلى بعض الاستنباطات اللطيفة التي بينتها في مزايا الكتاب. وأما أهم ما يلحظ عليه: فإنه يرى أن الاسم غير المسمى وغير التسمية، وأن جميع الأسماء يمكن للعبد أن يتصف بها إلا لفظ الجلالة (الله). والغزالي لا يذكر الدليل في كتابه لإثبات الاسم إلا نادراً، وقد يذكر الدليل مستشهداً للاسم بصيغة الفعل. 17 - يعد كتاب: (لوامع البيانات) للرازي من أشمل الكتب التي ألفت في الأسماء الحسنى، وقد اعتمد على رواية الوليد ابن مسلم في تفسيره الأسماء الحسنى، ثم زاد عليها بعض الأسماء التي لم ترد في رواية الوليد. وأما أهم الملحوظات: فإن الرازي يرى أن الاسم غير المسمى وغير التسمية، موافقاً بذلك الغزالي، إضافة إلى وجود النزعة الصوفية في الكتاب. ولم يلتزم الرازي ذكر الدليل للاسم، ولم يلتزم في الاستدلال للاسم أن يكون الشاهد من الدليل بصيغة الاسم. 18 - لم يعتمد القرطبي عند شرحه أسماء الله الحسنى، في كتابه: (الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلا) على رواية من الروايات التي سردت الأسماء الحسنى. وقد تميز تفسيره للأسماء الحسنى بحشده الأدلة لإثباتها من الكتاب والسنة، وبيان المعاني اللغوية للاسم، والفروق بين الأسماء المتقاربة من حيث اللفظ والمعنى، إضافة إلى حرصه على ذكر أثر الإيمان بالاسم على العبد. ومما يلاحظ على كتاب: (الأسنى): كثرة النقل من أقوال المتكلمين في بيان معنى الاسم، مع الاعتماد على تأويل الأشاعرة في شرح الاسم. ولا يلتزم القرطبي ذكر الدليل بصيغة الاسم. 19 - ذكر الشرباصي في كتابه: (موسوعة له الأسماء الحسنى) كل ما استطاع جمعه، من أوصاف الله، وأسمائه، أو الخبر عنه - سبحانه وتعالى - مما ورد بصيغة الاسم، أو الفعل، أو المصدر، أو غيرها؛ ولذلك كثير من الأسماء التي ذكرها لا تعد من الأسماء الحسنى. ومما يتميز به الكتاب: وفرة المادة العلمية، وجودة العرض بأسلوب ميسر. وأما أهم ما يلحظ عليه: فهو تقريره مذهب الأشاعرة في كتابه، إضافة إلى وجود النزعة الصوفية، وتكرار بعض المعلومات - كما بينته في موضعه. وأما منهجه في إثبات الاسم، فإنه يرى أن كل لفظ نسب إلى الله - عز وجل - فإنه يجوز أن يشتق منه اسم، ولا يلتزم الاستدلال على الاسم بصيغة الاسم. وفي الختام، فهذا جهد أسأل الله أن يبارك فيه، وينفع به، وأن يجعله في موازين أعمالي الصالحة، وأن يعيذني من فتنة القول والعمل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أشراط الساعة

أشراط الساعة ¤يوسف بن عبدالله الوابل£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1409هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أشراط الساعة وفتن آخر الزمان الخاتمة وتشتمل على أهم نتائج البحث وهي: 1 - أن الإيمان بأشراط الساعة من الإيمان بالغيب الذي لا يتم إيمان المسلم إلا بالإيمان به. 2 - أن الإيمان بأشراط الساعة داخل في الإيمان باليوم الآخر. 3 - أن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخبار سواء كانت متواترة أو آحادا يجب الإيمان بها وقبولها ولا يجوز ردها، فالعقائد تثبت بالخبر الصحيح ولو كان آحاداً. 4 - أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر أمته بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة، وقد نالت أشراط الساعة من أخباره النصيب الأوفر. 5 - أن علم الساعة مما استأثر الله تعالى به فلم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً. 6 - لم يثبت حديث صحيح في تحديد عمر الدنيا. 7 - أن أشراط الساعة الصغرى قد ظهر كثير منها ولم يبق منها إلا القليل. 8 - أن المراد بظهور أشراط الساعة الصغرى ظهوراً كلياً هو استحكام ظهور كل العلامة حتى لا يبقى ما يقابلها إلا في النادر. 9 - ليس معنى كون الشيء من أشراط الساعة أن يكون ممنوعاً، بل أشراط الساعة تشتمل على المحرم والواجب والمباح والخير والشر. 10 - لم يظهر إلى الآن شيء من أشراط الساعة الكبرى. 11 - إذا ظهر أول أشراط الساعة الكبرى تتابعت الآيات كتتابع الخرز في النظام يتبع بعضها بعضا. 12 - أن ما ظهر من أشراط الساعة هي معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم وعلم من أعلام نبوته حيث أخبر عن أشياء بأنها ستقع فوقعت كما أخبر. 13 - أن ظهور كثير من أشراط الساعة دليل على خراب هذا العالم وأنه قد قربت نهايته، فهي كعلامات الموت التي تظهر على المحتضر. 14 - أن باب التوبة مفتوح ما لم تطلع الشمس من مغربها، فإذا قفل إلى يوم القيامة. 15 - أن طلوع الشمس من مغربها ليس هو قيام الساعة بل يكون بعدها شيء من أمور الدنيا كالبيع والشراء ونحوهما. 16 - أن آخر أشراط الساعة الكبرى هو خروج النار التي تحشر الناس إلى الشام، وهذا الحشر يكون في الدنيا قبل يوم القيامة. أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس، نسأل الله العافية والله تعالى أعلم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أصول الدين عند الإمام الطبري

أصول الدين عند الإمام الطبري ¤طه محمد نجا رمضان£بدون¥دار الكيان - الرياض¨الأولى¢1426هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أصول السنة الخاتمة لم يكن من خطة هذه الدراسة أن توعب كل ما يتعلق بموقف الإمام الطبري من مسائل أصول الدين، من شاذة وفاذة، وما أخال مثل ذلك المطلب، إن طلبه أحد، في طوق صاحبها، وحسبها من ذلك أن حاولت عرض منهجه بصفة عامة، مع عرض أهم مسائل أصول الدين التي أتاح لنا ما تبقى من تراث الطبري درسها. ولقد كان أهم ما هدفت إليه هذه الدراسة أن تبرز – بمجموعها – صلة الإمام الطبري بالبحث الكلامي بصفة عامة، تلك الصلة التي غمز في وثاقتها الأستاذ أحمد أمين، ورأى أن تفسيره "إن كان ينقصه شيء فهو أنه لم يتعرض كثيرا لأقوال المتكلمين في عصره، وخاصة المعتزلة، لأن ثقافته كانت دينية ولغوية وتاريخية، ولم ينغمر في تيار المتكلمين، وما جاء فيه من تعرض لمسائل القدر ونحوها، فقد أتاه على ما يظهر من طريق المحدثين .. ". وإزاء ذلك نشير إلى أمور: أولا: كتب الطبري رسالتين في "أصول الدين" هما: "صريح السنة"، التي عرفت بأنها عقيدته، والأخرى "التبصير" التي أجاب بها أهل بلده "آمل طبرستان"، فيما اختلف فيه من قضايا التوحيد والعدل، وما نجم بينهم من البدع الكلامية. ثانيا: تنوعت طرق عرض ابن جرير للمسائل الكلامية في تفسيره وفي غيره من كتبه، فإما شرح معنى الآية، وكان شرحه ذلك تقريرا لرأيه، دون تعريج على ذكر الخلاف، وإما أشار إلى عدد من قضايا الخلاف، ثم قرر رأيه بدليله السمعي دون ذكر – أيضا – لآراء المخالفين، وهو منهجه العام في "صريح السنة"، وإما عرض لذكر الخلاف، ونقل أقوال المخالفين مع أدلتهم أحيانا ثم ذكر ما يختاره، مع ذكر دليله السمعي والعقلي، وهو منهجه العام في رسالة "التبصير". ثالثا: فيما يخص المباحث الكلامية وأقوال المتكلمين في تفسيره، فقد أشرنا إلى منهجه في تقرير رأيه عند تفسير الآيات التي يعرض لها، مع أنه قد نقل في عدة مواضع خلاف المتكلمين الذين يسميهم "أهل البحث" أو "أهل الحدل"، وفي بعض هذه المواضع ينقل الخلاف فقط، دون التصريح بما يختاره، وفي بعضها يصرح برأيه، ويتوسع في الاستدلال لما يراه، والرد على حجج مخالفه. وقد كان المعتزلة هم أهم من يعنى ابن جرير بالرد عليهم، إلا أنه يسميهم – شأن أكثر المتقدمين -: "القدرية"، وقد وقفت على التصريح باسم "المعتزلة" مرة واحدة في رسالة "التبصير". رابعا: لا يلزم من عدم ذكره لخلاف المتكلمين، أو عدم الإكثار منه، أن ذلك خارج عن "ثقافته". على حد تعبير الأستاذ أحمد أمين؛ فالثقافة الدينية لم تكن تعرف الفصل الحاسم بين فروع العلم، خاصة في حق شخص كالطبري قيل فيه: إنه جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره. خامسا: ليس لدينا ما يظهر اعتماد الطبري على المحدثين، دون أن يكون له اطلاع مباشر على المقالات الكلامية التي ينقلها، ويضعف ذلك الاستظهار أيضا تفرده بنقل أمور لم نرها عند غيره؛ كالذي نقله من استدلال القائلين بالحاسة السادسة في الرؤية. وفيما عدا ذلك المقصد العام للدراسة، فقد حاولت مباحثها المختلفة إبراز عدة أمور تتعلق بآراء الطبري ومنهجه، ولعل أهمها ما يلي: الأول: إبراز التنديد الذي أدخل على علاقة الطبري بالحنابلة، أو بصورة أدق على موقفه من الإمام أحمد. الثاني: بيان حقيقة تهمة التشيع التي ألصقت بالطبري، وأنه مخالف في منهجه وآرائه للشيعة عموما، والرافضة خصوصا. الثالث: بيان اعتماد الطبري على كل من الدليلين السمعي والعقلي في "مسائل أصول الدين"، مع عرض أهم القواعد والضوابط التي بنى عليها ابن جرير فهمه للنص الشرعي، الذي هو الأصل الأول والأهم لآرائه، وأن ابن جرير يتمسك بظاهر النصوص – كما يفهمه السلف – مع الإشارة إلى ما رأيناه مخالفا لمنهجه العام، وأصوله التي اعتمدها. الرابع: اتفاق الطبري في منهجه وآرائه مع منهج أهل السنة وعلماء الحديث الذين يعد الطبري أحد رجالهم، مع محاولة تتبع بعض أفكاره عند غيره من علماء السنة، خصوصا سابقيه ومعاصريه. الخامس: لم يمنع ذلك الاتفاق بين منهج الطبري ومنهج أهل الحديث، وجود بعض الآراء التي تخالف – فيما بدا لنا – ما عرفناه من آراء أهل السنة غيره، كالقول بوجوب النظر، وعدم عذر الجاهل والمخطئ في قضايا التوحيد والعدل. وبعد، فتلك أهم القضايا التي حاولت هذه الدراسة إبرازها، ولا يزال تراث الطبري مجالا خصبا للعديد من الدراسات من زوايا مختلفة، وخاصة جهوده الحديثية التي لا تزال – على عظمها – بكرا، لم تطرقها دراسة متخصصة، فيما أعلم. والله أسأل أن يوفقني فيما قصدت، وأن يسبغ علي فضله وإحسانه فيما أحسنت، ويغمرني بعفوه وغفرانه فيما أسألت أو زللت. والحمد لله رب العالمين، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

أقوال التابعين في مسائل التوحيد والإيمان

أقوال التابعين في مسائل التوحيد والإيمان ¤عبدالعزيز بن عبدالله المبدل£بدون¥دار التوحيد - الرياض¨الأولى¢1424هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إيمان وكفر - أركان وضوابط الخاتمة الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد .. فإن من نعم الله عز وجل علي أن هداني لاختيار هذا الموضوع الذي يرتبط بسلف الأمة وخيارها بعد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلي قد وفيت بعض ما لهم من الحق علينا بإبراز علومهم في أجل مطلوب، وأعظم مقصود وهو توحيد الله عز وجل والإيمان به. ولعلي بهذا الجهد المتواضع ألحق بأولئك السلف الصالحين، فإن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، فالله تعالى أسأل أن أكون ممن أحبهم فألحق بهم، وإني بحمد الله تعالى قد أفدت في بحثي هذا من علوم التابعين وفهومهم في مسائل التوحيد والإيمان ما لا أحصيه من العلوم النافعة والثمار اليانعة، ومما وصلت إليه بتوفيق الله وتسديده، وعونه وتأييده من النتائج والفوائد ما يلي: 1 - أن التابعين رحمهم الله تعالى قد سلكوا سبيل الصحابة رضي الله عنه وساروا على نهجهم، واقتفوا آثارهم في أصول الدين وفروعه، وفي نصرة الدين وإقامته. 2 - كانت للتابعين اليد الطولى في قمع البدع التي أرادت أن تقوض صرح العقيدة وبناءها في زمانهم كبدعة نفي القدر والإرجاء والخوارج وغيرها. 3 - المصادر الرئيسة عند التابعين في تلقي قضايا الاعتقاد هي الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم. 4 - إجماع التابعين على مسألة من مسائل الاعتقاد يعتبر حجةً شرعية يستند إليها في إثبات تلك المسألة. 5 - لم يكثر التابعون الخوض في إثبات وجود الله تعالى؛ لأنه من القضايا المسلَّمة المستقرّة في الفطرة البشرية. 6 - اتفق التابعون على إثبات القدر، وأن الله تعالى قد عَلِمَ كُلَّ شيءٍ وكتَبه في اللوحِ المحفوظِ، وما شاء الله كانَ وما لم يشأ لم يكُن، والله عز وجل خالق كل شيءٍ، ومن ذلك أفعال العباد؛ خيرها وشرها. 7 - إفراد الله تعالى بالعبادة وإخلاص الدين له عند التابعين هو أساس الملة وقوام الدين، وهو الغاية التي خلق لأجلها العباد، وبعث بها الرسل. 8 - كلمة الإخلاص لا تنفع قائلها إلا إذا كان عارفاً لمعناها عاملاً بمقتضاها منقاداً لها، كما أوضح ذلك الحسن البصري، ووهب ابن منبه، وقتادة، وغيرهم. 9 - العبادة حقٌّ خالصٌ لله عز وجل، ولذا لم يعرف في التابعين من صرف شيئاً من العبادة لغير الله عز وجل لا للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لأحدٍ من أصحابه رضي الله عنهم، لعلمهم بأن هذا مما ينافي الإسلام ويناقضه. 10 - كان التابعون يعنون أشد العناية بأمر التوحيد وحمايته عن كل ما يدنسه أو يخدشه سواء من الأفعال أو الأقوال. 11 - لم يقع من التابعين تعلق بالقبور لا ببناء المساجد عليها ولا بالصلاة والدعاء عندها، بل كانوا يفعلون ما شرع وينأون عما حرم ومنع. 12 - كان التابعون ينكرون على كل أحدٍ يقع في شيءٍ من الأمور التي تقدح في التوحيد وتنافي كماله، كتعليق التمائم، والتطير، والحلف بغير الله تعالى وغير ذلك مما نهي عنه شرعاً. 13 - منهج التابعين في أسماء الله تعالى وصفاته وهو منهج الصحابة رضي الله عنهم والذي يتمثل في إثبات ما أثبت الله تعالى لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، ونفي ما نفاه الله تعالى عن نفسه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريفٍ ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. 14 - اتفق التابعون على إثبات نصوص الصفات، وإقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها.

15 - لم يكن التابعون يعارضون نصوص الكتاب والسنة –لا في الصفات ولا في غيرها- بآرائهم وعقولهم، بل المأثور عنهم التسليم والانقياد لما جاءت به النصوص. 16 - الإيمان عند التابعين قولٌ وعمل، يزيد وينقص، ويجوز الاستثناء فيه. 17 - تصدى التابعون لبدعة الإرجاء التي ظهرت في زمانهم وقمعوها، وحذروا من أهلها وبدعوهم، وضللوهم، وأبانوا للأمة زيغهم وشناعة قولهم. 18 - أجمع التابعون على أن الذنوب قسمان: صغائر، وكبائر، وكلاهما تضعف الإيمان وتؤثر فيه. 19 - انتهج التابعون منهجاً وسطاً في شأن صاحب الكبيرة التي لا تخرج عن الملة، فلم يكفروه كما فعلت الخوارج، ولم يقولوا بأنه كامل الإيمان كما زعمت المرجئة، بل قالوا: إنه مؤمن ناقص الإيمان، أو هو مؤمن بإيمانه، وفاسق بكبيرته. وما ذكرت من النتائج التي ظهرت لي من هذا البحث إنما هي غيض من فيض، وقطرة من بحر، وكلها تدل على صفاء العقيدة وسلامتها، وقوتها، ومتانتها، عند التابعين، فرحمهم الله تعالى وأكرم مثواهم، وحسبي أن أقول فيهم ما أوصى به ربنا عز وجل في كتابه بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر، الآية: 10). وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

أهل الحديث هم الطائفة المنصورة الناجية

أهل الحديث هم الطائفة المنصورة الناجية ¤ربيع بن هادي عمير المدخلي£بدون¥مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة¨بدون¢بدون€توحيد وعقيدة ومنهج¶فرقة ناجية منصورة خاتمة: اتضح للقارئ الكريم من هذه المناقشات والأخذ والرد، ومن أقوال أئمة الإسلام والمسلمين، قديماً وحديثاً ومن ورائهم أهل الحديث ومن والاهم: 1 - إن الفرقة المنصورة طائفة واحدة هم أهل الحديث. 2 - واتضح لنا أن أهل الحديث هم موضوع احترام وتقدير أئمة الإسلام والأمة فقهاء ومحدثين ومفسرين وشعراء وأدباء، وقد شددوا النكير على من يطعن فيهم واعتبر أئمة الحديث والسنة ذلك من علامات أهل البدع. نسأل الله أن يثبتنا على حبهم وموالاتهم ونصرتهم وأن حبهم من علامات أهل السنة. 3 - وأن التفريق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أمر غريب مبتدع مستنكر لم يقل به أحد من السابقين ولا من اللاحقين. 4 - وأن الواقع والتاريخ يشهدان أنه لم تقم حركة جهادية علمية ودعوية يتجدد بها الإسلام عقيدة وشريعة، إلا وهي من أهل الحديث، وفي أهل الحديث. فأنصح الشباب المسلم أن يحاول جهد الطاقة أن يكون منهم، فيتجه إلى دراسة الحديث ورجاله وعلومه حتى يكون منهم وأن يهتم بمنهجهم الحق، تعلماً وتعليماً ونصراً وتأييداً، وأن يحذر كل الحذر أن يكون في عداد خصومهم فيهلك. نسأل الله أن يوفق شباب الأمة لكل ما يرضيه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الآثار المروية عن السلف في العقيدة في كتاب تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر

الآثار المروية عن السلف في العقيدة في كتاب تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ¤توفيق بن كمال طاس£بدون¥مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة¨الأولى¢1426هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶آثار الصحابة الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات أحمده سبحانه وتعالى حمدا كثيرا على تيسيره وأشكره على توفيقه وأثني عليك اللهم الخير كله لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وبعد فهذا البحث عسى أن يعتبر صورة نموذجية لمنهجية علمية وطريقة تأصيلية لجمع الآثار الواردة عن السلف المتعلقة بالعقيدة ولقد حاولت قصارى جهدي أن أخرجه على أحسن وجه وأكمله الأمر الذي ساعدني على الاطلاع على جملة وافرة جدا من المراجع التي لم يسبق لي قراءتها والتعرف على أخرى ما كنت أعرفها علاوة على الاستفادة من بعض الضوابط المنهجية والقواعد العلمية التي تعتبر رصيدا زائدا في معلوماتي وخلاصة الفوائد والنتائج التي توصلت إليها ما يلي: - اشتمال تاريخ مدينة دمشق على آثار كثيرة جدا متعلقة بالعقيدة لا يمكن معرفة ذلك إلا عن طريق هذا الجمع الذي يضع بين يدي القارئ والباحث كل ما يختص بالعقيدة من الآثار فيسهل عليه تصورها والإحاطة بمعانيها - شدة حرص المصنف على جمع الطرق المختلفة للأثر الواحد بالسند المتصل مما يجعل الباحث في غنى عن تتبع المراجع أو على الأقل يكون السند الذي بين يديه وسيلة إلى معرفة مظنة وجود الأثر وهذا ما جربته عمليا في هذا البحث حيث نسبة كبيرة من طرق التتبع لمخارج الآثار كانت هذه وسيلته - اشتمال الآثار المجموعة على جميع أبواب العقيدة مما يجعل من البحث كتابا جامعا في العقيدة الأمر الذي يقل وجوده في المصنفات - كان هذا البحث وسيلة عملية للقواعد والأصول الكلية النظرية في الجزئيات والقضايا المعينة من المسائل العقدية وإبراز علاقتها بالوسائل العلمية الأخرى كاللغة والمصطلح والأصول وغيرها - تنوع درجة الطرق التي من خلالها جاءت هذه الآثار فمنها الصحيح والضعيف ومنها الموضوع ومنها بين ذلك كثيرا - على كثرة هذه الآثار المروية فإنك لا تجد عند المقارنة بين أقوال السلف فيها تباينا في المنهج الذي سلكوه في فهم العقيدة وفي عرضها وتقريرها وذلك لأنهم اتخذوا القرآن الكريم والسنة النبوية لهم سبيلا ومنهجا وقد قال الله تعالى {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقال سبحانه {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى} - كثرة الآثار عن السلف في العقيدة تدل على شدة اهتمامهم بها وهذا منهج الأنبياء والمرسلين - كثرة الآثار عن السلف في العقيدة أيضا تدل على أن العقيدة كانت تجري منهم مجرى الدم في العروق حيث تحولت إلى طابع عملي في حياتهم فشملت جوارحهم كما هي استقرت في شغاف قلوبهم - بعد الاستقراء الحاصل في هذا البحث يتقرر لدى من تصفحه أنه لا يخلو كتاب من كتب السلف المصنفة من آثار متعلقة بالعقيدة مما يدعو الباحثين إلى توسعة دائرة البحث في هذا المجال وعدم الاستخفاف بها والنظر إلى اعتبارات أخرى غير الغيرة على العقيدة التي هي أساس الدين والحرص على نشرها طالما أنها في خدمتها والدفاع عن حوزتها.

الآثار المروية في صفة المعية

الآثار المروية في صفة المعية ¤محمد بن خليفة التميمي£بدون¥أضواء السلف - الرياض¨الأولى¢1422هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶عقيدة - المعية الخاتمة: بعد هذا العرض للآثار الواردة في صفة المعية ولبعض المسائل المتعلقة بها أعرض أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث فأقول: أولاً: اتضح جلياً من خلال استقراء النصوص أن المعية تنقسم إلى قسمين هما: 1 - المعية العامة: والمراد بها معية العلم والاطلاع، وسميت عامة لأنها تعم الخلق جميعاً مؤمنهم وكافرهم، وبرهم وفاجرهم. 2 - المعية الخاصة: والمراد بها معية النصرة والتأييد وسميت خاصة لأنها خاصة بأهل الإيمان. ثانياً: تبين للقارئ الكريم إجماع السلف على تفسير آيات المعية العامة بأن المراد بها أن الله مع جميع الخلق بعلمه فهو مطلع على خلقه شهيد عليهم وعالم بهم، وقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع علماء السلف على تفسيرهم لآيات المعية العامة بذلك كما تقدم ذكره في المطلب الثاني. ثالثاً: بإجماع السلف على تفسير المعية بمعية العلم، لا يبقى حجة لمدع بوجود تعارض بين آيات المعية وآيات العلو، وقد خصصت مطلباً أوردت فيه عدداً من النقول عن العلماء جاء فيها الجمع بين إثبات العلو وإثبات المعية موافقة لما نصت عليه إحدى آيات المعية، وهي الآية الرابعة من سورة الحديد. رابعاً: إن القول بمعية الذات لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولم يقل به أحد من السلف، وأول من عرف عنه القول بذلك هم الجهمية والمعتزلة وعنهم أخذ المتأخرون من الأشاعرة هذا القول. ومن أراد أن يعرف مصداق هذا فعليه بمطالعة كتاب الرد على بشر المريسي للدارمي المتوفى سنة ثمانين ومئتين، الذي ذكر هذا القول عن بشر وشيوخه حيث قال: "وزعمت أنت والمضلون من زعمائك أنه في كل مكان ... ". – انظر الرد على بشر المريسي – ضمن عقائد السلف – ص (454) وقد كان ذلك قبل أن تظهر الأشعرية والماتريدية. خامساً: أن ما ينادي به متأخرو الأشاعرة من القول بأن الله في كل مكان واحتجاجهم على ذلك بآيات المعية، يناقض ما كان عليه أوائل الأشاعرة والذين تقدم ذكر بعض أقوالهم بعلو الله وتفسيرهم لنصوص المعية بما عليه قول أهل السنة، وردهم لزعم من قال بأن الله في كل مكان. سادساً: إن استدلال هؤلاء المعطلة بنصوص المعية على زعمهم الباطل، لا يتفق مع أصلهم الذي أصلوه في هذا الباب وهو عدم احتجاجهم بنصوص القرآن والسنة، واعتمادهم على عقولهم، وصنيعهم هنا يصدق عليه قول شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: "وكثير ممن يكون قد وضع دينه برأيه وذوقه يحتج من القرآن بما يتأوله على غير تأويله، ويجعل ذلك حجة لا عمدة وعمدته في الباطن على رأيه كالجهمية والمعتزلة في الصفات والأفعال ... " النبوات ص "129". وفي الختام فهذا جهدي أقدمه لأخواني القراء، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمني وأستغفر الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الآثار الواردة عن أئمة السنة في أبواب الاعتقاد من كتاب (سير أعلام النبلاء) للإمام الذهبي جمعا وتخريجا ودراسة

الآثار الواردة عن أئمة السنة في أبواب الاعتقاد من كتاب (سير أعلام النبلاء) للإمام الذهبي جمعاً وتخريجاً ودراسة ¤جمال بن أحمد بن بشير بادي£بدون¥دار الوطن - الرياض¨الأولى¢1416هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶عقيدة - أعمال شاملة الخاتمة الحمد لله على توفيقه وإحسانه، والشكر له سبحانه على ما يسر لي من خدمة هذه الرسالة، وإعانته لي على إكمالها وإتمامها. وأختم هذه الرسالة بعرض أهم النتائج التي توصلت إليها من دراستي لآثار أئمة السنة الواردة فيها. وهي على النحو التالي: 1 - وجوب لزوم جماعة المسلمين بمعناها العام وهو الاجتماع على الأمير الموافق للشرع، والخاص وهو اتباع ما اجتمع عليه سلف هذه الأمة من أمور الدين ومسائل الاعتقاد. 2 - وجوب التمسك بالكتاب والسنة، وتحكيمهما في كل صغير وكبير، والتحاكم إليهما في موارد النزاع، والرضا بذلك والانقياد إليه. 3 - وجوب تجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم. 4 - وجوب استشعار نعمة الإسلام العظيمة، والفرح بالتوفيق إلى السنة، والهداية إلى الطريق المستقيم. لأن ذلك من أقوى أسباب الثبات على الحق. 5 - أئمة السنة، وأهل الحديث والأثر هم صفوة الأمة وخيرتها، وهم الحجة على الناس في كل زمان ومكان، وهم القدوة والأسوة. 6 - وجوب مراعاة شروط لا إله إلا الله، وعدم الإخلال بموجبها، ومجاهدة النفس على ذلك حتى الموت. 7 - تحقيق التوحيد: وذلك بتنقيته من الشوائب من: شرك، أو نفاق، أو رياء، أو معاص. 8 - إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه، أو ما أثبته له رسوله، صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى وإمرار أخبار الصفات كما جاءت بلا كيف، هو عقيدة أئمة السنة قاطبة. 9 - تعظيم سلف هذه الأمة لكتاب ربهم تبارك وتعالى، وإجماعهم على القول بأن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق وثباتهم على ذلك وصبرهم على ما لاقوه في سبيل هذه العقيدة من المحنة والابتلاء. ويأتي في مقدمة أولئك الأئمة، الإمام أحمد بن حنبل، الذي أظهر الله به السنة وأقام به الحجة، وجعله الله عز وجل شجى في حلوق أهل البدع، وجذعا في عيونهم. وحاز بتثبيت الله تعالى له في المحنة، لقب إمام أهل السنة والجماعة. 10 - من وسائل الاعتقاد التي أجمع عليها أئمة السنة ما يلي: أ – أن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي. ب- أن الاستثناء في الإيمان هو مذهب جمهور أئمة السنة، وأن ذلك باعتبار كمال الإيمان لا باعتبار أصله. جـ - أنهم لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر، ولا يسلبون الفاسق الملي اسم الإيمان بالكلية، ولا يقولون بتخليده في النار. ويقولون مؤمن ناقص الإيمان. د – أنهم لا يكفرون إلا من قام الدليل الشرعي على كفره، ويفرقون بين الإطلاق والتعيين في إصدارهم حكم التكفير. هـ - أنهم لا يشهدون على معين من أهل القبلة بأنه من أهل النار، لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط، أو لثبوت مانع. و– الإيمان بالقدر كله، خيره وشره، حلوه ومره، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. ز – أن الله سبحانه خالق كل صانع وصنعته، وأنه تبارك وتعالى علم أزلا ما الخلق عاملون، وأنه كتب مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. ح – سلامة الصدر لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، والإقرار بفضلهم، والسكوت عما شجر بينهم. ط – حب آل البيت والصحابة الكرام، رضوان الله عليهم جميعا، ولا يغالون في أحد منهم، وبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم.

ويعتقدون أن أبا بكر وعمر، رضي الله عنهما، خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، ويقرون بخلافة الخلفاء الأربعة، ويرون أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة. 11 - ذم أئمة السنة لعلم الكلام، والرأي المذموم، لأنه كان سببا في تشويه العقيدة الإسلامية الصافية، وفي ضعف الاحترام والتوقير لأدلة الكتاب والسنة، وتفريق كلمة المسلمين وشق صف جماعتهم. 12 - حذر أئمة السنة من المراء والجدل في الدين، ومن مجالسة أصحاب الخصومات لأنها سبب للاختلاف والفرقة وضياع الألفة ولأنها مدخل من مداخل الشيطان، وسبب للوقوع في الأهواء ومقارفة البدع. 13 - حذر أئمة السنة من الأهواء والبدع، لخطورتها على الدين وأتباعه، فهي سبب لرفع السنن التي تقابلها، ورد العمل على صاحبها وعدم قبوله، وأن على مبتدعها إثم من عمل بها إلى يوم القيامة، ويخشى عليه ألا يتوب منها لأنه يظن نفسه على الحق، ولاعتقاده أنه في قربة وطاعة. وأن صاحبها تنزع منه العصمة ويوكل إلى نفسه، ويخشى عليه سوء الخاتمة. 14 - وردت آثار عن أئمة السنة في ذم أهل البدع، والأمر بهجرهم والتحذير منهم، والإنكار عليهم لزجرهم وتأديبهم. وموضوع هجر المبتدع يجب أن يفهم ضمن منهج أهل السنة والجماعة، بمراعاة مقاصده، وأحكامه وضوابطه الشرعية المبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد. 15 - وردت عن المتقدمين من أئمة التصوف، آثار كثيرة في الحث على التمسك بالكتاب والسنة، والاتباع وترك الابتداع، مما يعتبر حجة بالغة على المتأخرين ممن انتسب إليهم، ثم خالفهم في الطريق والمنهج. 16 - احترام العلماء وإعطاؤهم حقهم، وأن المجتهد صاحب المنهج السليم، الذي خدم الكتاب والسنة، إذا أخطأ، فخطؤه مغفور، وأننا لا نبدعه، ولا نفسقه، إذ لو سلكنا ذلك المسلك لما بقي أحد من أهل السنة، وذلك أن العصمة للأنبياء وحدهم، عليهم السلام. توصيات سبق وأن تحدثت على القيمة العلمية الرفيعة لكتاب (سير النبلاء) للذهبي. ومن الأمور التي تصلح للدراسة العلمية – فيما أرى، والله أعلم – في هذا الكتاب، ما يلي: 1 - تتبع ألفاظ الإمام الذهبي في الجرح والتعديل، ودراسته. 2 - تعقبات الإمام الذهبي على أئمة الجرح والتعديل، جمع ودراسة. 3 - منهج الإمام الذهبي في النقد، أو الإمام الذهبي ناقدا. 4 - تتبع ما نقله الإمام الذهبي عن الكتب الحديثية والتاريخية المفقودة، نحو (تاريخ الثقات) للعجلي، و (تاريخ نيسابور) للحاكم، و (تاريخ) ابن مندة، والأبار وغيرها. وجمع تلك المادة العلمية، وإخراجها في كتاب، بعد تنسيقها وترتيبها وتهذيبها. 5 - الآمال العلمية التي ذكرها الإمام الذهبي، فيما يخص ترتيب وتهذيب (مسند) الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله. 6 - فهرسة علمية لكتاب (سير أعلام النبلاء)، تبرز ما فيه من فوائد علمية، وتيسر لطلبة العلم الوصول إليها والإفادة منها. 7 - موارد الإمام الذهبي في كتابه (سير أعلام النبلاء). 8 - جمع المادة العلمية الخاصة بعقائد فرق ومذاهب أهل البدع والأهواء، التي ذكرها الإمام الذهبي، أو نقلها عن غيره من الأئمة في كتاب (السير) مع ترتيبها ودراستها وفق منهج أهل السنة والجماعة. وهو عمل سيكون له أثره وقيمته العلمية، بما سيضيفه في بابه من المسائل والموضوعات والتحقيقات. 9 - دراسة حديثية للأحاديث المرفوعة الواردة في الكتاب. 10 - دراسة مواقف الاعتذار عن أهل العلم والفضل. هذا ما تيسر لي التنبيه عليه من التوصيات العلمية، التي أسأل الله عز وجل أن ييسر لها من يقوم بها من طلبة العلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الآيات البينات في تحريم دعاء الأموات

الآيات البينات في تحريم دعاء الأموات ¤علي بابكر£بدون¥بدون¨الأولى¢1418هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ألوهية - دعاء غير الله وتعظيم القبور خاتمة: وفي ختام هذا الكتاب أذكر سؤالين مهمين يتحتم على الجميع معرفتهما: السؤال الأول: ما حكم قول القائل: اللهم إني أسألك بجاه العيدروس هل هو شرك؟ الجواب: قال أهل العلم: هذا ليس بشرك لأنه دعا الله وحده ولم يدع معه غيره ولكنه أخطأ لأنه توسل إلى الله بطريقة مبتدعة لم تثبت في الكتاب والسنة، والتوسل المشروع في الكتاب والسنة مثل التوسل بأسماء الله الحسنى قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180]. وقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم دعاء عظيماً فيه التوسل بأسماء الله الحسنى فقال: (ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاءك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً قال: فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها). ومن التوسل بأسماء الله الحسنى أن تقول: يا رحمن ارحمني، يا غفور اغفر لي، يا تواب تب عليّ، يا كريم اكرمني، ونحوه أو تقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى أن تغفر لي. ومن التوسل المشروع الوارد في الكتاب والسنة التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة كما في حديث الثلاثة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالا فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتاضغون عند قدمي فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه. وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إليّ – وفي رواية – كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء – فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليه – وفي رواية فلما قعدت بين رجليها – قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنّا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدّ إليّ أجري فقلت: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: لا استهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنّا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون).

وبمناسبة ذكر هذا الحديث أنصحك أخي القارئ أن تدخر لنفسك عملاً صالحاً جليلاً ولا تخبر به أحداً ما استطعت ينفعك إذا أدخلوك غارك وأغلقوا عليك، وأعني بـ "غارك" قبرك، وكذلك ينفعك إذا وقعت في أيّ كربة من كرب الدنيا تتوسل به إلى الله. ومن التوسل المشروع الوارد في الكتاب والسنة التوسل بدعاء الرجل الصالح الحيّ فتختار رجلاً صالحاً معروفاً بتقوى الله وقيام الليل وصيام النوافل آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر منفقاً في سبيل الله يحب المسلمين يواسيهم ويعود مريضهم ويرحم ضعيفهم فتقول له يا شيخ ادع الله لي، كما كان الصحابة رضي الله عنهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون منه أن يدعو الله لهم كما تقدم في حديث الأعرابي الذي قال: (يا رسول الله ادع الله أن يغيثنا، وحديث أم سليم قالت: يا رسول الله أنس خادمك ادع الله له، قال: اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته) متفق عليه. وحديث المرأة السوداء التي كانت تصرع وتتكشف قالت: يا رسول الله إنّي أصرع وإنّي أتكشف فادع الله لي) الحديث. والمقصود أن هذا الدعاء "اللهم إنّي أسألك بجاه فلان" ليس شركاً لأنه دعا الله فقال: اللهم، ولم يشرك معه غيره في النداء، أما لو قال: مدد يا عيدروس أو قال: يا الله ويا عيدروس فهذا هو الشرك بعينه. وأما حديث: (توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم) فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد حكم عليه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/ حديث رقم 22 بأنه حديث لا أصل له، وقال: قد نص ذلك شيخ الإسلام، راجع سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/ حديث رقم 22، 23، 24، 25. السؤال الثاني: ما معنى قول الفقهاء في متون الفقه المختصرة في باب صلاة الاستسقاء (ويباح التوسل بالصالحين)؟ الجواب: المعنى أي التوسل إلى الله بدعاء الصالحين الأحياء، فتقول للرجل الصالح الحيّ: ادع الله أن يغيثنا، ويوضح هذا كتب الفقه الموسعة والمبسوطة، قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه الكافي في فقه الإمام الجليل أحمد بن حنبل: ويستحب أن يستسقي الإمام بمن ظهر صلاحه لأن عمر استسقى بالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستسقى معاوية والضحاك بيزيد بن الأسود الجرشي، وروي أن معاوية أمر يزيد بن الأسود فصعد المنبر فقعد عند رجليه فقال معاوية: "اللهم إنّا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنّا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشي، يا يزيد ارفع يديك إلى الله فرفع يديه ورفع الناس أيديهم، فما كان بأوشك من أن ثارت سحابة في الغرب كأنها ترس وهب لها ريح فسقوا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم" انتهى. هذا وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. اللهم يا حيّ يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا بديع السموات والأرض يا رب العرش العظيم اللهم يا سامع الصوت ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت اللهم من أضله الشيطان في مسألة الاستغاثة بالأموات أو حمله على ذلك التعصب أو العناد اللهم فاهده إلى صراطك المستقيم ورده إليك رداً جميلاً، اللهم وحد صفوفنا واجمع كلمتنا يا رب العالمين اللهم إنا نعوذ بك من شر الخلاف والشقاق والنزاع والفشل إنك سميع قريب مجيب الدعوات. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. كتبه: علي بابكر. الرياض ص. ب: 4612 الرمز البريدي 11412

الأدلة الباهرة على نفي البغضاء بين الصحابة والعترة الطاهرة (محاولة للتقريب بين أهل السنة والشيعة وفقا للأسس العلمية)

الأدلة الباهرة على نفي البغضاء بين الصحابة والعترة الطاهرة (محاولة للتقريب بين أهل السنة والشيعة وفقاً للأسس العلمية) ¤عمر عبدالله كامل£بدون¥دار البيارق - عمان¨الأولى¢1421هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶صحابة وآل البيت الخاتمة وبعد كل ما تقدم في صفحات هذا الكتاب نجد: أن هناك تضخيماً لما شجر بين الصحابة وآل البيت وصل إلى حد ادعاء البغضاء بينهم، وهو ما أثبتنا عكسه، فإن كان آل البيت يمدحون الصحابة كما ذكرنا، وإن كان الصحابة ينقلون في فضل آل البيت ما ذكرناه من أحاديث، فإن الأساس الذي يبني عليه مدعو البغضاء بين آل البيت والصحابة ينهار. كما تبين أن عقلاء الشيعة يعترفون بصحة القرآن الذي بين أيدينا، وإذن لابد من تعديل من عدَّلهم القرآن وشهد بعدالتهم وصدقهم وهم الصحابة رضوان الله عليهم، وكذلك أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فلا وجه لطاعنٍ من أدعياء الشيعة في الصحابة إن كان يؤمن بالقرآن. واتضح أن عقيدة أهل السنة والجماعة واضحةٌ في حب آل البيت، وهذه كتب السنة تفيض بذكر فضائلهم والحث على حبهم. إلا أنه حب إيمان لا يخرجهم إلى شيءٍ من النبوة أو الإلهية. وظهر أيضاً أن أهل السنة والجماعة هي: الأمة الوسط التي لا تغالي في حب آل البيت ولا تكره أحداً من الصحابة، فهي جمعت بين حبهما، وما حب أمة الوسط للصحابة وآل البيت إلا دليل على حب رسول الله ملتمس إما بنسب أو صحبة. وهذه دعوة صادقةٌ لإخواننا الشيعة في أن نلم شمل المسلمين، ونمسك عن أقوال الجاهلين، وننبذ القصص المهومة التي لا يقبلها عقل ولا يشد لها نقل. فإن الأمم تكالبت على المسلمين وكفانا تناحراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وحببنا فيه. وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وكرهنا فيه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسماء والصفات في معتقد أهل السنة والجماعة

الأسماء والصفات في معتقد أهل السنة والجماعة ¤عمر بن سليمان الأشقر£بدون¥دار النفائس - عمان¨الأولى¢1413هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - أعمال شاملة الخاتمة: يجب أن يبقى منهج أهل السنة متفردا لا يختلط بغيره: إن من أعظم النعم التي ينعم بها المسلمون أن المنهج الإيماني القرآني الذي أنزله الرب على عبده ورسوله – محمد صلى الله عليه وسلم – بقي صافيا واضحا بينا لم يختلط بغيره من العقائد الفاسدة والمذاهب الزائغة، وكان هذا من حفظ الله لدينه، الذي تكفل به في محكم كتابه. وقد سبقت الإسلام أديان ومذاهب، ونشأت مذاهب أخرى بعد نزوله واستقراره، وكل هذه المذاهب وتلك الأديان يحاول أصحابها حرف الإسلام عن مساره، والزعم بأنه يمكن التوفيق بين الإسلام وبين غيره من الأديان المحرفة والمذاهب الباطلة. لقد أجهد الفلاسفة أنفسهم في التوفيق بين حقائق الإسلام وبين خزعبلات الفلاسفة مدعين دعوى المشركين في ذلك حيث حكى عنهم رب العزة أنهم قالوا: {إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا} [النساء: 62] واليوم تثور دعوات مشبوهة تنادي بحرارة وقوة للتوفيق بين الإسلام والنصرانية واليهودية والشيوعية زاعماً أصحابها أنهم يريدون الإحسان والتوفيق. والفرق الإسلامية التي انحرف مسارها وتشكلت منهجا عقائديا أو سلوكيا ينادي بعض أتباعه إلى التقارب مع أصحاب المنهج الحق، وقد انخدع بكل تلك الدعوات بعض أتباع المنهج الحق، وظنوا أن في ذلك خير للإسلام وأهله. ونحن نقول: إننا لا نرفض الحوار الهادف الذي تكشف فيه الحقائق، وتكشف به العقائد الزائغة والمنحرفة، فذلك منهج أصيل دعا إليه ديننا، ولكننا نرفض أن تحرف حقائق الإسلام كي تلتقي مع أباطيل النصرانية واليهودية والشيوعية وغيرها. ومن هذا المنطلق فإننا ننكر على الذين يجهدون أنفسهم من أهل المنهج الصحيح كي يعقدوا جسورا مع المناهج الخاطئة في باب الأسماء والصفات وفي غيرها. إن القيمة الكبرى هو أن يبقى المنهج الحق واضح المعالم لطالبي الحق، ظاهرة أنواره، بارزة خطوطه، وأن يبقى الفرق بينه وبين غيره مستعلنا، كي تقوم حجة الله على خلقه، وكي يستطيع الباحثون عن الهدى أن يعرفوه، وقد ذم الله اليهود الذين ألبسوا الحق بالباطل، وخلطوا دين الله بغيره، فغيروا معالم دين الله، بحيث أصبح الباحثون عن دين الله يعتاص عليهم الوصول إليه. لقد رأيت كثيرا من الباحثين المعاصرين من أفاضل أهل العلم انطلت عليهم الحيلة فأصبحوا دعاة للتقريب بين المناهج المنحرفة والمنهج الحق، وأخذوا يبررون ضلال أهل الباطل، ويتلمسون لهم المعاذير، إن المنهج الذي نختطه هو ما علمنا الله إياه في أمره لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} [يوسف: 108]. وختاما نقول كما علمنا الله أن نقول: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين} [الصافات: 180]

الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية

الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ¤عبدالقادر بن محمد عطا صوفي£بدون¥مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة¨الأولى¢1418هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ابن تيمية - ترجمة كاملة أو دراسة منهجية الخاتمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه خاتمة الرسالة، وهي تتضمن أهم النتائج؛ التي يمكن إجمالها فيما يلي: 1 – سلامة منهج السلف رحمهم الله تعالى الذين ساروا عليه في إثبات الصفات. فهم لا يأخذون اعتقادهم إلا عن الكتاب والسنة. وهذا يتوافق مع اسم الإسلام الذي يحملونه، ومن معناه الاستسلام والانقياد لله تعالى بالطاعة، ولرسوله بالمتابعة. لذلك كان إثباتهم سليما من تشبيه يُفضي إلى تمثيل، أو تأويل يُفضي إلى تعطيل. ومن هنا كان مذهبهم هو الأسلم، والأعلم، والأحكم. فلم يصرفوا شيئاً من النصوص عن ظاهرها المراد، ولا حملوها على المعنى المجاز، بل أمروها كما جاءت بعد أن فهموا منها معانيها اللائقة بالله جل وعلا .. وليس إمرارهم لها ناجم عن عدم فهم لمعانيها، بل هم من أعلم الناس بمعانيها، لكن لم يكونوا يعلمون حقيقتها وكيفيتها. 2 – جميع ما أحدث المبتدعة من أصول مخالفات للكتاب والسنة؛ هي كسراب بقيعة، حتى لو بهرجوها وزوقوها ونمقوها؛ فإن فيها من الغلط والوهم ما لا يعلمه إلا الله. وسبب ذلك أنهم احتكموا إلى عقولهم القاصرة في إثبات الصفات؛ فأصلوا بفهومهم أصولا تناقض الكتاب والسنة، أو تلقوا هذه الأصول المخالفة للنصوص عن أعداء الإسلام الحريصين على إضلال المسلمين، وردهم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق .. ومن أسباب ضلالة هؤلاء المبتدعة قياسهم الغائب على الشاهد؛ فهذا الذي أوقع المؤولة في التأويل، والمشبهة في التمثيل. فلم ترتق عقول المشبهة – بسبب هذا القياس – إلى مستوى التنزيه .. ولم ترتق عقول المعطلة والمؤولة إلى مستوى الإثبات مع التنزيه. 3 - شيخ الإسلام وعلم الأعلام ابن تيمية رحمة الله عليه من خير من خبر مقالات المبتدعة، ومحص أدلتهم، وعرف نقاط ضعفهم، .. وقد توجت هذه المزايا العلمية بسلامة صدره نحو المسلمين؛ فتميزت ردوده على المخالفين بحرصه على هدايتهم، ودلالتهم إلى طريق الرشاد؛ فعاملهم معاملة الطبيب للمريض، لا معاملة الخصم للخصم. فهو يشفق عليهم، ويتأثر من جهلهم، ويشتكي من استطالة الملاحدة أعداء الإسلام عليهم، ويبتعد عن تجريحهم أو سبهم، أو أي نوع من أنواع المهاترات .. 4 – العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، بل ولا يمكن أن يخالفه بحال .. 5 – دليل الأعراض: هو أس الأساس لكل فرق التعطيل، ومستندهم الأصيل في نفي صفات الله جل وعلا .. 6 – دليل الاختصاص من الأدلة المهزوزة؛ فهو من أضعف الأدلة في إثبات حدوث الأجسام، ورغم ذلك أخذ به بعض الأشعرية .. 7 – خالف متأخروا الأشعرية متقدميهم؛ فنفوا كثيراً من الصفات التي أثبتها المتقدمون؛ فصار مذهبهم أقرب إلى مذهب الجهمية من السابق .. ويرجع التغير في مذهبهم إلى كثرة احتكاكهم بالمعتزلة، وكثرة قراءتهم لكتبهم، من غير اعتصام بالكتاب والسنة .. أما الماتريدية فلم يطرأ عليهم التغير الذي طرأ على الأشعرية؛ لأن مذهبهم منذ البداية كان مقارباً لمذهب الجهمية؛ إذ أبو منصور الماتريدي تلقى المعتقد عن جهمية الحنفية في بلده .. 8 – الجهمية أساس كل شر، ومصدر كل بلية في الإسلام. وهم قد جمعوا في أقوالهم الشر كله، والأساس لكل معتقد فاسد أحدث في الإسلام. لذلك كان تحذير أئمة السلف منهم كبيراً؛ حتى إن بعضهم لم يعتبرهم من الفرق الثلاث والسبعين.

9 – قد تبيَّن لي – والله أعلم – أن أبا الحسن الأِشعري رحمه الله بقي على كلابيته، ولم يتحول إلى مذهب السلف .. لكن ميله إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله هو الذي حمل بعض الباحثين على القول بالطور الثالث؛ وهو سلوك منهج السلف .. إلا أنّ هذا القول لا دليل عليه، وما ذكر في آخر كتبه: الإبانة، ورسالة إلى أهل الثغر: كلام مجمل؛ لا حمل على القطع بأنه تحول عن مذهب ابن كلاب .. 10 – تبيَّن لي عند دراسة قول الأشعرية: الخلق هو المخلوق، والفعل هو المفعول: أن هذا الأصل هو الذي أفسد معتقد الأشعرية في القدر؛ فصاروا يقولون بالكسب الذي لا يفهم حتى عند أصحاب الشأن منهم .. وكذا أفسد هذا الأصل معتقد المعتزلة في القدر؛ فصاروا يقولون بأن العبد يخلق فعله؛ فأثبتوا خالقين كثيرين مع الله تعالى. توصية: مسألة (تسلسل الحوادث) من المسائل التي أطال شيخ الإسلام رحمه الله النفس فيها جداً؛ فتكلم في مئات الصفحات، وفي العديد من الكتب عنها، وأبان القول الحق فيها بدليله، وأفسد الأقوال المخالفة، وأبطلها، وأشبعها تفنيداً .. وقد كنت كتبت فيه مئات الصفحات، لكني استغنيت عن ذكرها في هذه الرسالة حتى لا تتضخم أكثر .. لذلك أوصي بدراسة تفصيلية عن هذه القضية؛ لتوضيح مذهب السلف فيها من كلام شيخ الإٍسلام، لما في ذلك من إزاحة شبهات علقت في عقول كثير من الناس، وتفنيد اتهامات وجهت إلى شيخ الإسلام رحمه الله؛ كقوله بقدم العالم، وغير ذلك .. هذا والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة

الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة ¤عبدالله بن عمر الدميجي£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1407هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إمامة عظمى وخلافة واستخلاف الخاتمة بعد هذا الاستعراض الطويل، والدراسة المستفيضة لتلك الموضوعات الكثيرة يمكننا أن نحدَّد بعض النقاط المستنتجة مما سبق وهي: 1 - أن الإسلام جاء بنظام كامل للحكم، وهذا يدلُّنا على شمول الإسلام، وصلاحه لكل زمانٍ ومكانٍ، فهذه الرسالة هي الرسالة الخالدة، والباقية صالحة للتطبيق إلى قيام الساعة، وأنه لن يصلُح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. 2 - أن الإمامة ثابتة الوجوب بالكتاب، والسنة، والإجماع، والقواعد الشرعية. وهو وجوب كفائي، متوجِّه إلى أهل الحل والعقد باعتبارهم الممثلون للأمة، النائبون عنها في هذه المهمة الخطيرة، وإذا تقاعس أهل الحل والعقد فإن الإثم يلحق كل من له قدرة واستطاعة، حتى يسعى لإقامة هذا الواجب بقدر ما أوتي من قوة واستطاعة. 3 - بطلان دعوى من قال بأن الإسلام لم يأت بنظام للحكم، وأنه لم يوجب على المسلمين إقامة دولةٍ إسلامية متميزة. 4 - أن الإمامة في حدِّ ذاتها وسيلةً لا غاية، وسيلةً إلى إقامة أمة تقف نفسها على الخير والعدل، تحقّ الحق وتبطل الباطل، أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، أمة تقوم بأداء رسالتها السماوية على منهاج الإسلام الذي رسمه الله لها. 5 - أن من أهم أهداف الإمامة هو حفظ الدين، وسياسة الدنيا به، وأن ذلك أهم الواجبات الملقاة على عاتق الإمام، وكفر من فرَّق بين الدين والسياسة وساس الدنيا بغير هذا الدين. 6 - أنه لا عِزَّ ولا رفعة ولا قيام للأمة الإسلامية إلا بالرجوع إلى التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، والسعي إلى إقامة الخلافة الإسلامية التي تحفظ الدين وتعيد للمسلمين عزتهم وكرامتهم. 7 - أن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثبتت باختيار المسلمين له، ومبايعتهم له مع وجود الكثير من النصوص التي تدلُّ على أن المسلمين لن يختاروا غيره، وعلى رضى الله ورسوله بذلك، وأنه أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم. 8 - أن خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه ثبتت باختيار المسلمين، ومبايعتهم له، وأنه ليس هناك نصٌ من النبي صلى الله عليه وسلم عليه بالخلافة، ولم يَدِّع هو شيئاً من ذلك، وأنه بريء من كل ما تنسبه الرافضة إليه. 9 - ثبوت شرعية الطرق التي تمّت بها مبايعة وتولية الخلفاء الراشدين، وأننا مأمورون باتباعهم في ذلك. 10 - أن الذي يقوم باختيار الإمام هم عقلاء الأمة، وعلماؤها (أهل الحل والعقد) ولا دخل للعامة والدهماء في الاختيار، ولذلك فلا يختار العقلاء عادةً إلا الأعقل، والأصلح لهذا المنصب الخطير، ولذلك فلا مجال للدعاية والتلميع وبذل الأموال الباطلة لكسب الأصوات الرخيصة كما في الديمقراطيات الحديثة. 11 - مشروعية الاستخلاف، مع ضرورة موافقة أهل الحل والعقد، ومبايعتهم للمستخلف. 12 - يجتمع طريق الاختيار مع طريق الاستخلاف في أن كلاً منهما يُشترط فيه رضى أهل الحل والعقد ومبايعتهم. 13 - أن الإمامة لا تورث. 14 - تحريم نكث البيعة، وأنها واجبةٌ في عنق المسلم متى وُجِد الإمام المستحق لها. 15 - طريقة القهر والغلبة ليست من الطرق الشرعية، وإنما تنعقد الإمامة بها نظراً لمصلحة المسلمين لما قد يجرُّ ذلك عادةً من الفتن. 16 - للإمام شروط لابد من توفُّرها، حتى يكون أهلاً لهذا المنصب العظيم، أما عند القهر والغلبة فلا تشترط جميع تلك الشروط. 17 - ثبوت اشتراط القرشية، وأن الإمامة فيهم لا يجوز صرفها إلى غيرهم، وأن ذلك ليس من العصبية المذمومة في شيءٍ؛ لأن الإمامة في نظر الإسلام تكليف لا تشريف.

18 - عدم اشتراط أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه، وإنما الأولى اختيار الأصلح والأنفع للمسلمين. 19 - الخلفاء الراشدون الأربعة مرتَّبون في الخلافة على ترتيبهم في الأفضلية، وأنه ليس من السلف أحدٌ يقدِّم على أبي بكر ثم عمر غيرهما، أما المفاضلة بين عثمان وعلي رضي الله عنهما فهي دون تلك، وقد اختلفوا في تبديل من قدَّم علياً على عثمان في الفضل، وأن من السنَّة التفضيل بينهم على ما جاءت به الآثار. 20 - على الإمام واجبات كثيرة، يجب عليه القيام بها، كما أن له حقوقاً أخرى تعينه على القيام بتلك الواجبات. 21 - طاعة الإمام واجبة فيما وافق الشرع، ومحرَّمةٌ فيما خالف الشرع، وأن سلطات الأئمة مقيَّدة بكونها موافقةً للكتاب والسنة، فيطاعون فيما هو لله طاعة، ويعصون فيما هو لله معصية، ولا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، ومن أطاعهم في معصيةٍ فالإثم على الآمر والمأمور. 22 - مشروعية الشورى، وأنها واجبةٌ عند اختيار الإمام، أما في تدبير شؤون الرَّعية فهي مستحبة، ينبغي للإمام أن يُشاور، وليست واجبةً عليه، كما أنه لو استشار فإنه ليس ملزماً باتباع مستشاريه؛ لأنه المسؤول الأول عن تصريف الأمور فيتحمَّل وحده تبعات خطئه. 23 - تحريم الخروج على أئمة العدل وإثارة الفتن، وأن ذلك من أكبر الذنوب. 24 - أن بقاء الحاكم في منصبه منوطٌ بصلاحيته لتولي قيادة المسلمين، أما إذا فقد هذه الصلاحية، وارتكب شيئاً من مسببات العزل فللأمة ممثَّلةً في أهل الحل والعقد أن تطلب منه أن يعزل نفسه، فإن أبى فلها أن تعلن عزله عن منصبه إذا أمِنت وقوع الفتنة، كما لا يجوز لها إقصاؤه عن الحكم بقوة السلاح إلا في أضيق نطاق عند ظهور الكفر البواح، والخطر المتيقَّن على المسلمين في دينهم، فإذا كان ذلك فليقدِّم المسلم دمه دون دينه. 25 - وجوب اتحاد المسلمين فيما بينهم، وأن يكون إمامهم واحداً مهما اتسعت رقعة ديار الإسلام، وتحريم البيعة لأكثر من إمام في زمنٍ واحد. 26 - تميُّز نظام الحكم في الإسلام عن جميع أنظمة الحكم الوضعية، القديم منها والحديث، وأن الخلاف بينه وبينها في الغاية والوسيلة والأهداف. فهو نظامٌ متميزٌ لا ينطبق عليه أي وصفٍ من الأوصاف المعهودة لنظم الحكم الوضعية. انتهى ولله الحمد والمنَّة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،،،

الإيمان حقيقته وما يتعلق به من مسائل

الإيمان حقيقته وما يتعلق به من مسائل ¤محمد بن إبراهيم الحمد£بدون¥دار ابن خزيمة- الرياض¨الأولى¢1430هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إيمان - حقيقته وأصوله - شاملة ومنوعة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد: ففي خاتمة البحث هذا ملخص لأهم ما ورد فيه: 1 - باب الإيمان، وما يتعلق به من مسائل يعد من أعظم أبوب العقيدة، وأهمها، وأجلها قدراً. 2 - للإيمان الصحيح ثمرات عظيمة؛ فخير الدنيا والآخرة إنما هو بسبب الإيمان؛ فبه يحيى العبد حياة طيبة، وبه ينجو من المكارة والشرور، وبه تخف الشدائد، وتدرك جميع المطالب؛ فمعرفة ثمراته من أكبر الدواعي إلى التزود منه. وقد ورد في البحث ذكر لكثير من تلك الثمرات. 3 - الإسلام في اللغة هو: الاستسلام، والانقياد، وإظهار الخضوع، والقبول. وفي الشرع هو: استسلام العبد لله ظاهراً، وباطناً، بفعل أوامره، واجتناب نواهيه. 4 - الإيمان في اللغة له استعمالان: أحدهما بمعنى التأمين، أي إعطاء الأمان، والثاني بمعنى التصديق. وفي الشرع: قول، وعمل يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية. 5 - الإسلام والإيمان إذا أطلق أحدهما شمل الدين كله أصوله وفروعه. وإذا قرن بينهما، وذكرا في سياق واحد فسر الإسلام بالأعمال والأقوال الظاهرة، وفسر الإيمان بالاعتقادات الباطنة. 6 - من أصول أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص، وقد خالف في هذا الأصل: الوعيدية من المعتزلة والخوارج، والمرجئة الخالصة. 7 - الإيمان مراتب، والناس فيه على تفاوت وتفاضل؛ فمنهم من ليس معه إلا أصل الإيمان والحد الأدنى منه. ومنهم من بلغ فيه درجات الكمال الواجب أو المستحب. 8 - الإيمان المجمل أو مطلق الإيمان: هو الحد الأدنى من الإيمان الذي هو شرط صحة الإيمان والنجاة من الخلود في النار في الآخرة إن مات صاحبه على ذلك. وبه تثبت الأحكام من فراض، ومواريث، وحقوق. 9 - الإيمان المطلق الواجب: ويقال عنه: الإيمان المفصل، أو حقيقة الإيمان، أو الإيمان الكامل الواجب، أو مرتبة المقتصدين الأبرار. ويكون صاحبه ممن يؤدي الواجبات، ويجتنب الكبائر. 10 - الإيمان المطلق المستحب: وهو مرتبة الإيمان الكامل بالمستحبات، ومرتبة الإحسان، ومرتبة المقربين السابقين بالخيرات. وصاحب هذه المرتبة لا يكتفي بفعل الواجبات، وترك المحرمات، بل يضيف إلى ذلك فعل المستحبات، وترك المكروهات. 11 - هناك أسباب كثيرة إذا صدرت من العبد زاد إيمانه، وسار في طريق الكمال، ومنها: تعلم العلم النافع، ومعرفة أسماء الله وصفاته، والنظر في آيات الله الكونية، وقراءة القرآن الكريم وتدبره، وفعل الطاعة؛ تقرباً إلى الله – عز وجل – وترك المعصية؛ خوفاً من الله – تبارك وتعالى -. 12 - هناك أسباب إذا فعلها العبد تنقص إيمانه، أو تذهب به، ومنها: الجهل بالله – تعالى – وبأسمائه وصفاته، والغفلة والإعراض عن النظر في آيات الله وأحكامه، وفعل المعصية، وصحبة قرناء السوء، والانهماك في الدنيا. 13 - الاستثناء في الإيمان: أن يقول الإنسان: أنا مؤمن إن شاء الله، أو يجيب إذا قيل له: هل أنت مؤمن؟ فيجيب بصيغة تشعر بعدم القطع، كأن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، أو أرجو، أو آمنت به. 14 - منشأ القول في الاستثناء: الإرجاء؛ فالمرجئة هم أول من تكلم في مسألة الاستثناء في الإيمان. 15 - الأقوال في مسألة الاستثناء في الإيمان تنحصر في ثلاثة: أحدها: تحريم الاستثناء، والثاني: وجوبه، والثالث: التفصيل. وقد ورد في البحث بيان لذلك. 16 - الكفر في اللغة: يدل على معنى واحد، وهو الستر، والتغطية. والتكفير: نسبة الإنسان إلى الكفر، والحكم عليه به.

17 - الكفر في الشرع: اعتقادات، وأقوال، وأفعال، حكم الشارع بأنها تناقض الإيمان، وهو على شعب، ومراتب متفاوتة. 18 - الكفر أنواع، ويمكن إرجاعه إلى نوعين: أ- كفر أكبر: وهو المخرج من الملة، وهو ما ارتكب صاحبه ما يوجب خروجه من الدين كالتكذيب بالله، ورسوله صلى الله عليه وسلم. ب- كفر أصغر: وهو غير مخرج من الملة، كالاقتتال بين المسلمين، والنياحة على الميت. 19 - لا يلزم من قامت به شعبة من شعب الكفر أن يكون كافراً الكفر المطلق، حتى تقوم به حقيقة الكفر، كما لا يلزم من قام به شعبة من شعب الإيمان أن يصير مؤمناً حتى يقوم به أصل الإيمان. 20 - التكفير المطلق، أو كفر الإطلاق: هو التكفير بالعموم، كأن يقال: من قال: كذا وكذا، أو فعل كذا وكذا فهو كافر، أو فقد كفر. وهذا النوع لا بأس بإطلاقه، بل يجب القول بعمومه. وتكفير المعين، أو كفر التعيين: أن يقال: إن فلاناً الذي قال: كذا، أو فعل كذا – كافر بعينه. وهذا النوع لا يجوز إلا إذا اجتمعت فيه – أي المعين – الشروط، وانتفت في حقه الموانع. 21 - الحكم الأخروي المطلق، وعلى المعين، هو الشهادة لأحد بالجنة والنار، وهناك فرق بين الشهادة والحكم بالعموم بالجنة والنار وبين الشهادة لأحد معين بذلك. فيشهد بالعموم أن كل مؤمن في الجنة وكل كافر في النار. ولكن لا يشهد لمعين بالجنة أو النار إلا عن طريق النص. 22 - التكفير من أعظم المسائل التي يجب تعلمها وفهمها، وهناك ضوابط في التفكير، وقد ورد في البحث ذكر لبعضها، ومن ذلك: أ- أن الحكم على الناس إنما يكون بالظاهر من أحوالهم. ب- أن الإسلام يثبت بأدنى بينة، والتكفير ينتفي بأدنى شبهة. ج- أن مذهب أهل السنة الاحتياط في التفكير؛ فلابد فيه من اجتماع الشروط، وانتفاء الموانع، واستحضار أن ذلك هو شأن أهل العلم، والبصيرة، والعقل. د- التكفير لا يكون إلا بعد قيام الحجة، وتوضيحها، وكشف شبهها. هـ- من الأصول المجمع عليها عند أهل السنة أنهم لا يكفرون أحداً بذنب ما لم يستحله. ويقصدون بالذنب: الذنب الذي هو دون الكفر، والذي لا يكفر صاحبه كفعل الكبائر التي هي دون الشرك. 23 - هناك أفعال، وأقوال، واعتقادات يطلق عليها الكفر، ويكفر مرتكبها إذا اجتمعت فيه الشروط، وانتفت الموانع، وذلك كحال من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوها، وكتارك أركان الإسلام بالكلية، وراد شرع الله، أو بعضه، ومن استهزأ بالله أو آياته. 24 - موانع التكفير: هي الصوارف التي تمنع من الحكم على المعين بالكفر؛ فالتكفير بانتفاء شيء من الشروط، أو وجود شيء من الموانع. 25 - موانع التكفير تكاد تنحصر في ستة، وهي: الجهل، والخطأ، والإكراه، والتأويل، والتقليد، والعجز. وقد ورد في البحث تفصيل لكل واحد من هذه الموانع. 26 - تنقسم الذنوب إلى صغائر، وكبائر، وقد ورد في البحث بيان لذلك، وتوضيح لماهية الصغائر، والكبائر. 27 - ورد في البحث مسألة إمكان تكفير الحسنات للصغائر والكبائر على حد سواء. 28 - موانع إنفاذ الوعيد: هي الأسباب التي تندفع بها العقوبة، ويزول موجب الذنوب، وهي عشرة أسباب عرفت بالاستقراء من الكتاب والسنة، وقد ورد في البحث بيان لها. 29 - أهل السنة وسط في باب الإيمان ومسائله، فهم وسط في باب الوعد والوعيد بين المرجئة والوعيدية، ووسط في مسألة التكفير، ووسط في باب أسماء الدين والإيمان.

الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين

الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين ¤محمد بن محمود آل خضير£بدون¥مكتبة الرشد – الرياض¨الأولى¢1428هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إيمان - حقيقته وأصوله - شاملة ومنوعة الخاتمة في ختام هذا البحث، أحمد الله تعالى على ما يسّر وسهّل من إكماله، وأسأله سبحانه أن يجعله خالصا لوجهه، وأن ينفع به من ألفه ومن قرأه. وأحب أن أسجل هنا أهم ما توصلت إليه من نتائج، وهي كما يلي: 1 - أنه لا تصح دعوى الإجماع على أن الإيمان في اللغة هو التصديق، بل من أهل اللغة من فسره بالثقة والقبول وإظهار الخضوع. 2 - أن الأقرب في تفسير الإيمان لغة، أنه الإقرار الذي يتضمن تصديق القلب وانقياده، كما بين شيخ الإسلام /. 3 - أن أهل السنة مجمعون على أن الإيمان الشرعي: حقيقة مركبة من القول والعمل، الظاهر والباطن، وأن هذا الإجماع دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وأن عامة من انحرف في هذا الباب، إنما أتوا من عدولهم عن معرفة كلام الله وكلام رسوله ^، والاعتماد على طرق ومقدمات اخترعوها، وإلا ففي القرآن والسنة من بيان حقيقة الإيمان، ما لا يحتاج معه إلى الاستدلال بالاشتقاق وشواهد الاستعمال، وغير ذلك. 4 - أن الإيمان له أصل وفرع، فأصله ما في القلب، وفرعه ما يظهر على البدن، وبين الأصل والفرع تلازم، فحيث وجد الإيمان القلبي، لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجَب ذلك من الأقوال والأعمال الظاهرة. 5 - أن الإيمان يزيد وينقص، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وزيادته ونقصانه تأتي من أوجه كثيرة بينها أهل العلم. 6 - أن الاستثناء في الإيمان يجوز تركه وفعله، باعتبار حالين، وأن استثناء السلف راجع إلى خمسة اعتبارات. 7 - أن جمهور أهل السنة على التفريق بين الإسلام والإيمان، وأن الإيمان درجة أعلى من الإسلام. 8 - أن الأدلة دلت على تلازم الإيمان والإسلام، فلا إسلام لمن لا إيمان له، ولا إيمان لمن لا إسلام له؛ إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصحُّ إسلامه، ولا يخلو المؤمن من إسلام به يُحققُ إيمانه. 9 - أن الكفر عند أهل السنة يكون قولا وعملا واعتقادا وتركا، كما أن الإيمان قول وعمل واعتقاد. 10 - أن من صور الترك الذي هو كفر ترك العمل الظاهر بالكلية. 11 - أن الكفر ينقسم إلى أكبر وأصغر، والأكبر منه له أنواع بحسب بواعثه. 12 - أن ضابط الكفر الأصغر: هو كل ذنب سماه الشارع كفرا، مع ثبوت إسلام فاعله بالنص أو بالإجماع. 13 - أن الأصل أن تحمل ألفاظ الكفر والشرك الواردة في الكتاب والسنة على حقيقتها المطلقة، ومسماها المطلق، وذلك كونها مخرجة من الملة، حتى يجيء ما يمنع ذلك. 14 - أنه يجب الاحتياط وعدم التسرع في إطلاق الحكم على المعين، الذي قد يكون معذورا بوجه من الوجوه. 15 - أنه لا يصح جعل الشهوة وإرادة الدنيا مانعا من موانع التكفير، كما لا يصح اشتراط قصد الكفر، وبطلان ذلك معلوم من الكتاب والسنة والإجماع. 16 - أن المرجئة هي التي تشترط الاعتقاد، للتكفير بالمكفرات القولية والعملية. 17 - أن من أصول أهل السنة أنهم لا يكفرون الإنسان بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج، ولا يخلدونه في النار كما تقوله المعتزلة، بل يكلون أمره إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له. 18 - أن الإيمان الذي يرتفع عن الزاني ونحوه، هو النور والخشية والخشوع، مع بقاء التصديق وعمل القلب. 19 - أن الأصل في نفي الإيمان- في النصوص- أنه على مراتب، أولها نفي الصحة، فإن منع مانع، فنفي الكمال الواجب. 20 - أن بدعة الخوارج والمعتزلة من البدع المشهورة المخالفة للكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة.

21 - أن الجهم ومن وافقه ذهبوا إلى أن الإيمان هو المعرفة، والكفر هو الجهل، وأن قول اللسان وعمل القلب والجوارح ليس من الإيمان، وأن الإيمان شيء واحد لا يتفاضل، ولا يستثنى منه. 22 - أن حصر الكفر في القلب مما ذهب إليه كثير من أهل الإرجاء، لكن منهم من لا يقصره على التكذيب والجهل، بل يضيف إليه ما يناقض عمل القلب كالعداوة والاستخفاف. 23 - أن كثيرا من المتأخرين لا يميزون بين مذاهب السلف، وأقوال المرجئة والجهمية؛ لاختلاط هذا بهذا في كلام كثير منهم. 24 - أن الكرامية ذهبت إلى أن الإيمان قول باللسان فقط، وأنه شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، ولا يستثنى فيه، لكنها لا تنازع في وجوب المعرفة والتصديق، وفي أن المنافق مخلد في النار، وخلافهم مع أهل السنة في شأنه، خلاف في الاسم لا في الحكم. 25 - أن أبا الحسن الأشعري نصر قول جهم والصالحي، في أحد قوليه، ونصر قول أهل السنة، في قوله الآخر. 26 - أن من الأشاعرة طائفة وافقت السلف في مفهوم الإيمان. 27 - أن المعتمد في مذهب الأشاعرة المتأخرين: أن الإيمان هو التصديق بالقلب، وأن قول اللسان شرط لإجراء الأحكام في الدنيا، وأن عمل الجوارح شرط كمال في الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص. 28 - أن من جوّز منهم الاستثناء في الإيمان، فباعتبار الموافاة، ومرادهم أن الإيمان هو ما مات عليه العبد ويوافي به ربه، وهذا مجهول للعبد فيستثني لذلك، وأن الإنسان إنما يكون عند الله مؤمنا وكافرا باعتبار الموافاة وما سبق في علم الله أنه يكون عليه، وما قبل ذلك لا عبرة به. 29 - أن قولهم بالموافاة، قول محدث، مبني على نفي قيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى. 30 - أن متأخري الأشاعرة يثبتون عمل القلب، من الإذعان والانقياد والقبول وترك العناد والتكبر، ويدخلون ذلك تحت التصديق، ويفرقون بينه وبين المعرفة التي ذهب إليها جهم. 31 - أن الكفر عند الأشاعرة هو التكذيب، أو الجهل بالله تعالى، وأن أمور الكفر المجمع عليها كالسجود للصنم وعبادة الأفلاك، ليست كفرا في نفسها، لكنها علامة على الكفر، ويجوز أن يكون فاعل ذلك في الباطن مؤمنا. ومنهم من يقول: هذه الأمور جعلها الشارع علامة على التكذيب، فيحكم على فاعلها بوجود التكذيب في قلبه وانتفاء التصديق منه. 32 - أن الماتريدية يرون الإيمان هو التصديق، وأنه لا يزيد ولا ينقص، ولا يستثنى فيه، ويجعلون قول اللسان شرطا لإجراء الأحكام الدنيوية فقط، ومنهم من أثبت الزيادة والنقصان. 33 - أن حاصل ما عليه مرجئة الفقهاء: أن الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان، وأنه لا يزيد ولا ينقص، ولا يستثنى فيه، وأن عمل الجوارح ليس من الإيمان، وكذلك عمل القلب، على ما ترجح لي، وهو موضع تردد في كلام شيخ الإسلام /. 34 - أن الخلاف بين أهل السنة وهؤلاء المرجئة، خلاف حقيقي عند بعض أهل العلم، ولفظي عند آخرين، وهو موضع تفصيل عند شيخ الإسلام /، فلا يكون الخلاف لفظيا- عنده- إلا مع من يثبت التلازم بين الظاهر والباطن، ويسلم بأن انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم، وبدعته حينئذ في إخراج العمل من مسمى الإيمان، من بدع الأقوال والأفعال، لا من بدع العقائد. 35 - أن كثيرا من المتأخرين اغتر بما ينسب إلى المرجئة من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب. 36 - أن مقولة السلف: من قال الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقد برئ من الإرجاء، حق وصدق، لكن على فهم قائليها، وأنه وجد في المرجئة من أثبت الزيادة والنقصان، بل ومن قال: الإيمان قول وعمل. 37 - أن القول بأن الإيمان قول وعمل، يعني إثبات أمرين لا نزاع فيهما بين أهل السنة:

الأول: أنه لا يجزئ القول ولا يصح من دون العمل، وهذا مُصرح به من أئمة السلف، وعليه إجماعهم، وقد بسطت الكلام في هذا في الباب الثالث. الثاني: أن الكفر يكون بالقول، والعمل، كما يكون بالاعتقاد والترك. 38 - أن مقالات المرجئة المنتشرة في هذه الأزمنة، قد يخفى أمرها على بعض الناس، وقد يجمعون بينها وبين مقالات السلف، وقد أوردت منها ست عشرة مقالة. 39 - أن من زل في هذا الباب، مع كراهته للإرجاء، وذمه للمرجئة، لا يقال عنه مرجئ بإطلاق، لكن يقال: وافق المرجئة في كذا، أو دخلت عليه شبهة الإرجاء. 40 - أن التلازم بين الظاهر والباطن، دلت عليه أدلة من الكتاب والسنة، وهو الذي تأباه المرجئة وتنكره، ولأجل عدم إدراكه غلط غالطون، وقد جعلت الكلام عليه في فصل مستقل، مبينا مفهومه وأدلته وموقف المرجئة منه، وعلاقته بكفر الإعراض. 41 - أن أهل السنة مجمعون على أن الإيمان لا يجزئ ولا ينفع ولا يقبل من دون عمل الجوارح. 42 - أن ترك العمل الظاهر بالكلية كفر مخرج من الملة؛ لأربعة أدلة: الأول: أن العمل الظاهر لازم للإيمان الباطن، وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم. الثاني: إجماع أهل السنة عل أن الإيمان قول وعمل، وأنه لا يجزئ القول من دون العمل، ومنهم من صرح بكفر تارك العمل، وقد نقلت هذا الإجماع عن أحد عشر إماما من أهل العلم. الثالث: إجماع الصحابة على تكفير تارك الصلاة، فتارك العمل الظاهر كله من باب أولى، وقد نقلت هذا الإجماع عن اثني عشر إماما من أهل العلم. الرابع: ما قرره جمع من أهل العلم في حقيقة كفر الإعراض، وأن منه: الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، وهو راجع إلى مسألة التلازم. 43 - وقد نقلت في هذه المسألة نقولا سلفية، واضحة، عن الصحابة، والتابعين، والأئمة، إلى زمننا هذا، جعلتها في فصل مستقل، بلغت نحوا من مائة وعشرين نقلا، عن خمسين عالما، وقد تبين منها أن أهل العلم المعاصرين لا يختلفون في هذه المسألة العظيمة، بحمد لله. 44 - أن المخالف عدل عن إجماع أهل السنة، إلى التمسك ببعض الأدلة التي لم يحسن التعامل معها وفق منهج أهل السنة في الاستدلال، وقد أجبت على استدلاله بحديث البطاقة، والجهنميين، وحديث حذيفة في اندراس الإسلام، وحديث الرجل الذي لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد، وحديث معاذ في بعثته إلى أهل اليمن. 45 - أن المخالف أكثر من إيراد الشبه العقلية، التي رام منها التشكيك فيما أجمع عليه أهل السنة من لزوم العمل لصحة الإيمان، وقد أوردت هذه الشبهات، ونقضتها واحدة تلو الأخرى، وقد بلغت ثنتي عشرة شبهة. 46 - أن المخالف اعتمد على نقول عن بعض أهل العلم، فهمها على غير وجهها، وحملها على غير المراد منها، وقد تتبعت هذه النقول، وبينت ما كان منها مخالفا لما عليه أهل السنة، وما هو موافق لكن لم يفهمه المخالف على وجهه الصحيح. هذا وإني أتوجه لإخواني الذين حادوا عن الصواب في هذه المسألة، بنصيحتين: الأولى، لمن انشغل منهم بالتأليف والكتابة، أن يتقوا الله تعالى، وألا يوردوا في نقولهم كلاما لأهل البدع المخالفين للسنة، وأن لا يضربوا كلام أهل العلم بعضه ببعض، فللاستدلال آدابه وقواعده، التي لا تخفى عليهم. والثانية: لعامة الطلبة، المريدين للخير، الباحثين عن الحق، أن يلزموا ركب علمائهم، وأن يأخذوا العلم على أيديهم، وأن يحذروا زلة العالم، وزيغة الحكيم، وأن يعلموا أن للمنهج السلفي حملةً، وورثةً، وأئمةً، وهداة، فيا فلاح وسعد من كان مع هؤلاء. أسأل الله تعالى أن يبصرنا بالحق، وأن يجعلنا من أهله، والدعاة إليه. وصلّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستقامة لابن تيمية تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم تصويبات وتعليقات "بحوث علمية محكمة"

الاستقامة لابن تيمية تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم تصويبات وتعليقات "بحوث علمية محكمة" ¤عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف£بدون¥الرشد - الرياض¨الأولى¢1429هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶نقد كتاب أو فكر الخاتمة: نخلص من خلال هذا البحث إلى أن الكثير من الإشكالات والمآخذ التي وقع فيها المحقق – رحمه الله – يمكن تلافيها بالرجوع إلى سائر كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، ونحوها من المصنفات التي تعني بمسائل هذا الكتاب، وإذا كان المحقق – رحمه الله – قد صوب الكثير من الأخطاء بمجرد رجوعه إلى (الرسالة القشيرية) فكيف لو أمكنه الرجوع إلى بقية المصنفات في موضوع هذا الكتاب؟ كما نخلص إلى أن كتاب الاستقامة من أوسع كتب شيخ الإسلام في الرد على المتصوفة ونقد آرائهم، وما يتميز به هذا الكتاب من أصول نافعة وقواعد مهمة في الرد على أهل التصوف. وأن ما في كتاب (الاستقامة) من إجمال، أو إشكال، فإن في سائر مؤلفات ابن تيمية التفصيل والإيضاح، فالعبارات المشتبهة في (الاستقامة) يمكن حلها بمراجعة نظائرها ومظانها في بقية مصنفات ابن تيمية. وبالله التوفيق.

الاعتقاد القادري دراسة وتعليق "بحوث علمية محكمة"

الاعتقاد القادري دراسة وتعليق "بحوث علمية محكمة" ¤عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف£بدون¥الرشد - الرياض¨الأولى¢1429هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶نقد كتاب أو فكر خاتمة: نخلص – في هذه الخاتمة – إلى النتائج التالية: - أن في خلفاء بني العباس من له جهود متميزة في إظهار الإسلام والسنة، ولاسيما في العصر العباسي الأول، كالمهدي والرشيد والمتوكل، كما أن في الخلفاء المتأخرين من يشاركهم في ذلك، أمثال المعتضد والمقتدي بأمر الله والمستضيء بأمر الله. وأما الخليفة القادربالله – وإن كان متأخراً- فإن جهوده في إقامة دين الله تعالى، والذب عن السنة تلحقه بهؤلاء المتقدمين، فقد أقام الشروط العمرية، وأظهر مذهب السنة، واستتاب المبتدعة، وهتك أستار العبيدين. - تميز الخليفة القادر بالله بخصال قلما تجتمع في سائر الخلفاء، فقد كان عابداً زاهداً، عالماً فقيهاً، مقسطاً مهيباً، عاش ستة وثمانين عاماً، ولم يعمر أحد من الخلفاء قبله ولا بعده، مكث من ذلك خليفة إحدى وأربعين سنة، وهذا ما لم يسبقه أحد إليه – كما سبق بيانه -. - أن إقامة دين الله تعالى وإظهار السنة في حصول التمكين في الأرض، وتحقق الاستقرار، والخليفة القادر بالله لما أقام الإسلام وأظهر السنة، واستتاب المبتدعة، كان ذلك سبباً بيناً في ظهور نفوذه، واستقرار خلافته، وتحقق هيبته. - تتجلى حكمة القادر بالله وفقهه ودرايته بالمصالح والمفاسد، ومعرفته بمراتب الشرور، ومن ذلك أن المعتزلة لما اشتهر أمرهم في عصره، عمد إلى منعهم من التدريس والمناظرات، واستتابهم. لكن ذلك لم يمنع الخليفة القادر أن يجري على الاصطخري المعتزلي جراية سنية لأجل ما كتبه في الرد على الباطنية، فلا يخفى البون الشاسع بين زندقة الباطنية وبدعة المعتزلة، فالباطنية مرتدون خارجون على الملة، وهم أكفر من اليهود والنصارى، بخلاف المعتزلة فإنهم بالجملة من أهل القبلة. كما نلحظ حسن سياسة القادر، وتدرجه في مدافعة الطوائف المنحرفة الظاهرة في عصره، فقد ابتدأ بأشنعها وهم العبيديون الباطنيون، فكتب المحضر الشهير سنة 402هـ، والذي قدح في نسب العبيديين، وكشف زندقتهم وكفرهم الصراح، ثم انتقل القادر إلى مواجهة المعتزلة والرافضة فاستتابهم سنة 408هـ، ومنعم من التدريس والمناظرات، وفي سنة 420هـ كتب الاعتقاد القادري في تقرير مذهب أهل السنة والرد على عامة أهل البدع بما فيهم الأشاعرة. - تبين – من خلال هذا البحث – أن الاعتقاد القادري ألفه أبو أحمد الكرجي، وكتبه القادر بالله، كما أن متن الاعتقاد القادري لا يتجاوز بضع صفحات. - أن للاعتقاد القادري مزايا عديدة ومهمة، يندر أن تجتمع في غيره، كما أن آثار وثمرات تصنيفه لم تقتصر على مكان محدد، أو زمان معين، فقد قرئ في عدة أمصار، وحمل إلى أطراف البلاد، كما قرئ في أزمان مختلفة، واحتج به في عصور كثيرة. فاللهم احرم الخليفة القادر، وارفع درجته في المهديين، وبالله التوفيق.

الانحرافات العقدية والعلمية في القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجريين وآثارها في حياة الأمم

الانحرافات العقدية والعلمية في القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجريين وآثارها في حياة الأمم ¤علي بن بخيت الزهراني£بدون¥دار الرسالة - مكة المكرمة¨بدون¢بدون€توحيد وعقيدة ومنهج¶دراسات توثيقية ومنهجية أحمدك يا رب على ما أنعمت به من إتمام هذه الرسالة، ويسرت إخراجها على هذه الصورة، فلك الحمد حتى ترضى. وقد توصلت فيها إلى نتائج كثيرة من أهمها: 1 - أن الانحرافات العقدية والعلمية قد ظهرت مبكراً وإن كان في وقت ظهورها تفاوت وكانت دائرتها تتسع مع مرور الزمن، حتى أناخت بكلكلها الثقيل في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين. 2 - أن الأمة كانت قوية ومتقدمة ومتصدرة للعالم حين كانت متمسكة بدينها محافظة على عقيدتها، وأنها لم تضعف وتتقهقر إلا حين فرطت في دينها، وانحرفت في عقيدتها، وأن ما وقع من انحرافات في تلك الفترة يفوق كل تصور. 3 - أن انحصار الإسلام في العبادة بمفهومها الضيق كان انحرافاً خطيراً حدث في الأمة وكان ذا آثار سيئة في حياتها، وكذلك ما وقع من انشعاب وتصدع في فهم حقيقة الإسلام. 4 - أن الفكر الإرجائي من أخطر الانحرافات التي وقعت في الأمة - أن لم يكن أخطرها على الإطلاق-، وحسبنا أن زمن المتمردين الذين يحكمون بغير ما أنزل الله قد أمنوا على أنفسهم في ضلال ذلك الفكر الباطل، ولهذا عظم ذم السلف للإرجاء. 5 - أهمية عقيدة الولاء والبراء في حياة الأمة، وإن الأمة لم تسقط فريسة للغزو الفكري، وتصبح تابعة لقوى الشر والكفر، إلا بعد أن حطمت تلك العقيدة في نفوس المسلمين على أيدي العملاء من المنتسبين إليها. 6 - أن عقيدة أهل السنة والجماعة قد أصبحت في تلك الفترة غريبة ومحاربة من جماهير الأمة، وكان لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من تلك الحرب والعداوة أوفر الحظ والنصيب. 7 - أن الدين قد تحول عند كثير من الناس إلى عبادة الأضرحة والأولياء وإلى التصوف بطرقه وأذكاره وبدعه، وكان التفاخر بهما هو ما تتنافس فيه البلدان، ويتجارى فيه الناس. 8 - أن الحالة العلمية في تلك الفترة كانت ضعيفة للغاية، وكانت أبرز علامات الضعف تنحصر في جمود مناهج التعليم، وفي التعصب المذهبي، وفي رفض إعادة فتح باب الاجتهاد. 9 - أن الفرق المعادية لأهل السنة كالشيعة على اختلاف فرقها قد ازداد نشاطها في تلك الفترة، وكان تعاونها مع الاستعمار وعملها لحسابه سبباً في سيطرتها على كثير من المراكز الحساسة في بعض الدول الإسلامية، وعلى عجلة الاقتصاد فيها. 10 - أن موقف العلماء في تلك الفترة لم يكن على المستوى المطلوب، بالإضافة إلى عزوف كثير من العلماء عن المشاركة في الأحداث التي كانت تعصف بالأمة، ومع مشاركة بعضهم فيها إلا أنها لم تكن مشاركة فعالة. 11 - أن وجوه الضعف السياسي والحربي والاقتصادي والأخلاقي والاجتماعي والعلمي لم تكن هي الأسباب الجذرية لتخلف المسلمين كما يتصور الكثيرون، إنما هي آثار ترتبت على سوء الأحوال العقدية والعلمية عندهم، وانحرافهم عن هدى ربهم. وكذلك الاستعمار والتنصير والغزو الفكري، كل تلك كانت من الآثار التي ترتبت على سوء تلك الأحوال عند المسلمين، ولا يمكن القضاء على هذه الآثار ما لم يتم القضاء على الأسباب التي أفرزتها. 12 - أن الجوانب الأخلاقية والاجتماعية لم تسقط تحت وطأة غارات الغزو الفكري إلا بعد أن تحولت إلى عادات رتيبة وتقاليد خاوية، وفقدت روحها وصلتها بالعقيدة. 13 - أن رحيل الاستعمار عن الوطن الإسلامي لم يكن إلا ظاهرياً في أغلب الأحيان. 14 - أن الأثر العظيم الذي أحدثته دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تمثل في تبوء المنهج السلفي مكانة مرموقة في فكر شباب الصحوة الإسلامية. 15 - أن ما جرى عليه من الباحثين من نسبة كل الحركات والجماعات إلى التأثر بدعوة الشيخ لا صحة له على الإطلاق، وأن هذه النسبة الخاطئة تستخدم أحياناً لتبرير انحرافات هذه الحركات وتغطية مساوئها. 16 - أن أهم العقبات في طريق الصحوة تتمثل في استمرار الانحرافات العقدية والعلمية، التي لم تنج من غائلتها كثير من الجماعات الإسلامية التي كان يفترض فيها أن تصحح هذه الانحرافات وتقومها. 17 - أنه بالرغم من ضخامة العقبات وكثرتها، إلا أن هناك من المبشرات الشرعية والمحسوسة ما يبشر بأن المستقبل للإسلام، وأن النصر سيكون للصحوة الإسلامية. وهناك نتائج أخرى عرضنا لها في ثنايا البحث ولم نذكرها في هذه الخاتمة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإيمان وإحسان إلى يوم الدين. ..................

البيهقي وموقفه من الإلهيات

البيهقي وموقفه من الإلهيات ¤أحمد بن عطية الغامدي£بدون¥الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة¨الثانية¢1402هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة وبعد هذا العرض المستفيض والمناقشة لآراء البيهقي في الإلهيات، ينتهي هذا البحث الذي يتكون من بابين كما رأينا وقد توصلت منه إلى عدة نتائج أجملتها فيما يأتي: 1 - فساد الحالتين السياسية والاجتماعية، وعدم تأثير ذلك على الحالة العلمية التي كانت على العكس منهما، حيث ازدهرت ازدهاراً عظيماً، حتى عرف ذلك العصر بعصر النهضة، وكان سبب ذلك تفاني العلماء في سبيل نشر العلم والمحافظة عليه. 2 - أن البيهقي قد بدأ حياته العلمية منذ وقتٍ مبكر، وجلس إلى عددٍ وافرٍ من مشاهير العلماء، وأكثر من الرحلات العلمية مما كان له أكبر الأثر في سعة اطلاعه، وتنوع ثقافته ووفرة إنتاجه. 3 - إنه سلك في الاستدلال طريقة السلف، وخالفهم في كثيرٍ من المسائل عند التطبيق لذلك الاستدلال. 4 - إنه اختار في استدلاله على وجود الله تعالى طريقة القرآن الكريم وهو أمرٌ اتفق فيه مع السلف؛ إلا أنه وافق أصحابه الأشاعرة في الاستدلال بالجواهر والأعراض على حدوث العالم زاعماً صحة هذا الاستدلال لأنه –في نظره- استدلال شرعي وأيّده بطريقة إبراهيم عليه السلام، فبينت مخالفة ذلك لمذهب السلف، وفساد تصورهم أنها طريقة إبراهيم عليه السلام. 5 - إن البيهقي اتفق مع السلف في جميع ما يتعلق بأسماء الله تعالى من طريقة إثباتها، والقول بعدم حصرها، وصلتها بالصفات إلا أنني لم أوافقه فيما ذهب إليه من أن الأسم عين المسمى –مع أنه رأى لبعض السلف كما ذكرت إلا أنني اخترت القول بالتفصيل الذي ارتضاه شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- وأن ذلك لا يلجأ إليه إلا عند الاستفسار عن الاسم هل هو عين المسمى أم غيره، وإلا فالإطلاق الصحيح الموافق للأدلة الشرعية هو القول بأن الاسم للمسمى. 6 - إن البيهقي قد اتفق مع السلف في طريقة تقسيم الصفات وأشرت إلى قصور تقسيم المتكلمين عن كثيرٍ من الصفات، وشمول تقسيم البيهقي. 7 - إنه اتفق مع السلف في إثبات الصفات العقلية بنوعيها وفي طريقة الاستدلال على ذلك الإثبات. 8 - عدم موافقته للسلف في القول بحلول الحوادث بذات الله تعالى، بمعنى أنه –سبحانه- يفعل متى شاء كيف شاء، لذلك قال بقدم جميع صفات الذات العقلية وعدم حدوث شيءٍ منها وأوضحت أن الصحيح في ذلك ما ذهب إليه السلف من القول بأنها قديمة النوع حادثة الأحداث. 9 - مخالفته للسلف في نفيه تسلسل الحوادث في جانب الماضي ولذلك رأيناه يقول بحدوث صفات الفعل العقلية. إلا أنني بينت خطأه فيما ذهب إليه، وصحبة مذهب السلف القائل بأن الله فعَّال لما يريد أزلاً وأبداً. 10 - إن البيهقي وافق السلف فيما أثبته من صفات الذات الخبرية وخالفهم في تأويل ما بقي منها. حيث أثبت اليدين والوجه والعين، وأوّل ما سوى ذلك. 11 - مخالفته للسلف في صفات الفعل الخبرية. حيث ذهب إلى تأويل بعضها، وتفويض بعضها الآخر، زاعماً أن التفويض في ما فوض فيه هو مذهب السلف، وقد بينت فساد قول من نسب التفويض والتأويل إلى السلف، مبيناً أن مذهب السلف هو الإثبات الحقيقي لجميع الصفات إثباتاً لا تأويل فيه، ولا تفويض ولا تشبيه. 12 - إن البيهقي يختلف مع السلف في جميع ما يتعلق بصفة الكلام التي أثبتها، من القول بأن الكلام نفسي قديم وأنه بدون حرف ولا صوت وأنه معنىً واحد، وقد ناقشته في جميع هذه المسائل وبينت خطأ ما ذهب إليه وصحة مذهب السلف، وبينت أن رأيه في كلام الله تعالى هو عين مذهب أصحابه الأشاعرة، وأن حقيقة مذهبهم في القرآن لا يختلف عن مذهب المعتزلة إلا بنفيهم أن يكون هذا القرآن الذي نقرأه هو كلام الله الحقيقي. 13 - إتفاقه مع السلف فيما يتعلق بمسألة الرؤية، من القول بإثباتها للمؤمنين يوم القيامة. إلا أنه خالفهم بنفيه الجهة، مستدلاً بحديث الرؤية. وقد بينت فساد استدلاله به، وصحة استدلال السلف. 14 - إنه يقول بعدم تأثير قدرة العبد في فعله، وبينت أنه بذلك يوافق الأشاعرة القائلين بالكسب، الذي لا حقيقة له، ويخالف السلف لقولهم بتأثير قدرة العبد في فعله. 15 - إنه ينفي تأثير الأسباب في مسبباتها، وهو مذهب الأشاعرة، وقد بينت فساد هذا الرأي أيضاً ومخالفته للنصوص الشرعية المثبتة لذلك. وأخيراً فإنني أقرر هنا وعن ممارسةٍ طويلةٍ لقراءة كتب المتكلمين وكتب السلف أن مذهب السلف هو الذي يجب أن يكون طريق كل مسلم لقربه من منبع العقيدة والتزامه بمنهج الوحي. أما مناهج المتكلمين فإنها حشو من لغو الكلام الذي قد يبعد بكثير ممن يفضِّله عن كتاب الله تعالى وسنّه رسوله. لذلك أدعو إلى الالتزام به والتمسك بأهداف العقيدة الصافية النابعة من المعين الصافي ألا وهو الوحي. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه

الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه ¤عبدالرزاق بن طاهر بن أحمد معاش£بدون¥دار الوطن - الرياض¨الأولى¢1417هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶عذر بالجهل الخاتمة في ختام هذا البحث المتشعب المسائل، أحمد الله تعالى على ما أنعم به عليّ من تيسير الأسباب لإنهاء هذا البحث، ثم بعد ذلك أسجل أهم نتائجه التي توصلت إليها. - الأولى: أن الجهل صفة مذمومة، والواجب على الإنسان أن يبذل وسعه قدر الإمكان في رفعها عنه، وبخاصة في أمور دينه الذي لا يستقيم إلا بإقامتها. - الثانية: أن الجهل عذر مؤقت، ومقيد بعدم توفر بعض الشروط، فإذا وجدت هذه الشروط أو أمكن وجودها تقديراً، فإن الجهل لا يبقى عذرا، بل يصبح صفة ذم وسبباً في الخسران في الدنيا والآخرة. - الثالثة: أن قيام الحجة على من خالف أمراً شرعياً بفعل أو ترك هو مناط المؤاخذة، وقيامها يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص. - الرابعة: التقدير في قيام الحجة من عدمه مرجعه نصوص الكتاب والسنة. - الخامسة: أن دار الإسلام مظنة لظهور الأحكام الشرعية، وبالتالي لقيام الحجة في الجملة، بخلاف دار الكفر. ويدخل في الأولى بيئة العلم والإيمان، ويدخل في الثانية البادية البعيدة عن حاضرة العلم والعلماء، وكذا الأمكنة التي تخيم عليها البدعة والضلال. - السادسة: عدم قيام الحجة لا يغير الأسماء الشرعية، بل يسمى ما سماه الشارع كفراً أو شركاً أو فسقاً باسمه الشرعي، ولا ينفي عن فاعله إذا لم تقم عليه الحجة ولم تبلغه الدعوة؛ لأن هناك فرقاً بين كون الذنب كفراً، وبين تكفير فاعله. - السابعة: من قال: إن الكافر الذي لم تبلغه الدعوة على وجه يفهمه وتقوم به عليه الحجة معذور، لا يعني أنه يحكم بإسلامه، ولا أنه غير كافر، وإنما يعني أن الله تعالى لا يعذبه عذاب من قامت عليه الحجة وجحدها، ولا عذاب من تولى وأعرض عن آياتها. - الثامنة: أن العذر بالجهل ثابت في كل ما يدين به العبد ربه حتى تقام عليه الحجة، لا فرق في ذلك بين أصول الدين وفروعه. - التاسعة: أن الإقرار المجمل بالتوحيد والبراءة المجملة من الشرك قد قامت فيها الحجة بالنطق بالشهادتين، ولذلك لا يعذر أحد بجهل أن الله تعالى وحده هو المستحق للعبادة؛ لأن ذلك هو مقتضى الشهادة لله بالوحدانية، فمن اعتقد أن غير الله يستحق العبادة مع الله أو من دونه، فلا يكون مسلماً أصلاً، فضلاً عن أن يعذر بجهل ذلك بعد الإسلام. - العاشرة: أن الحكم على شخصٍ بكفرٍ أو غيره مرتبط بمدى توفر الشروط وانتفاء الموانع. - الحادية عشرة: أن وصف الإسلام يثبت للشخص بالنطق بالشهادتين، أو بما يقوم مقام النطق إذا تعذر ذلك، أو بلفظ: أسلمت. - الثانية عشرة: أن القول بالتكفير عند أهل السنة هو بالإطلاق والعموم، فإذا تحقق من أحدٍ أنه كفر حقيقة، كانت الحقيقة مقدمة، فيحكم بكفره. - الثالثة عشرة: أن المعلوم من الدين بالضرورة، يتنوع كونه كذلك بتنوع المسائل والأشخاص والأزمنة والأمكنة، لذلك كان إطلاق القول بأن جاهل المعلوم من الدين بالضرورة لا يعذر غير صحيح. - الرابعة عشرة: أن التأويل الفاسد والشبهات هما أصل كل شر وفسادٍ، ولو لم يكن من آثارهما إلا السقوط في براثن الشرك والضلال، لكفاهما ذماً وقبحاً. - الخامسة عشرة: عرض منهج كل من شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب في هذه المسألة، وذلك بالرجوع إلى كلامهما. وقد تبين من كلامهما الصريح منهجهم في الحكم على الجاهل، وهو مبني على التفصيل الذي مر معنا خلال البحث، وخلاصته: - جعل قيام الحجة مناطاً لمؤاخذة الواقع في الشرك أو الكفر جهلاً، ولا فرق بين مسألة وأخرى في هذا الأصل.

- عذر الجاهل الذي لم يتيسر له من يعلمه، كمن كان حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، أو عاش في زمن اندرست فيه آثار الرسالة. - الاعتماد في هذا على النصوص وفهم السلف الصالح. - السادسة عشرة: خطأ من جعل الموالاة والمعاداة في جميع صورها من لوازم التوحيد، ولم يعتبر فيها من الأعذار إلا الإكراه. وقد تبين من خلال البحث أن العوارض التي تطرأ على هذا الأصل متعددة، أهمها: التأويل، والإكراه، والعصبيات والمصالح الدنيوية، والجهل، بحيث أن من والى كافراً أو عادى مسلماً لا على الدين، بل لعارضٍ من العوارض السابقة لا يكون بذلك مرتداً، بل يكون عاصياً. - السابعة عشرة: الدور العظيم والخطير المنوط بعاتق أهل العلم والدعاة لتبصير الناس بأمور دينهم، وخاصة ما يتعلق بأمور الاعتقاد؛ لأن صلاح الأعمال مبني على صلاح المعتقد، وأن تبذل الجهود في تعليم الناس أكثر من الجدال حول حكمهم. - الثامنة عشرة: أن انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر ثابت بالكتاب والسنة. - التاسعة عشرة: أن أصحاب الكبائر من الموحدين لا يوصفون بالإيمان التام، كما لا ينفي عنهم مطلق الإيمان، وأنهم في الآخرة تحت مشيئة الله تعالى: إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم. - العشرون: أن القول بعدم تكفير عصاة الموحدين ليس مطلقاً، بل هو مقيد بعدم الوقوع في الكفر الأكبر – خصوصا مع العلم به – أو بعدم استحلال المعاصي الاستحلال القلبي الذي هو مناط التكفير. - الحادية والعشرون: أن المقصود بالنصوص التي جاء فيها تسمية بعض الذنوب كفرا، أو فيها نفي الإيمان عن العاصي، أو فيها البراءة منه، هو نفي كمال الإيمان الواجب، أو هو كفر دون كفر، أو أن معناها أن العاصي ليس كهيئة المؤمنين الصادقين، كما أن جمعا من أئمة أهل السنة كالإمام الزهري، والإمام أحمد والإمام البغوي ذهبوا إلى إمرارها كما جاءت. - الثانية والعشرون: لا يقال للعصاة مؤمنين، لأن النصوص نفت عنهم ذلك، فلابد من إعمال النصوص وإثباتها كما جاءت؛ لكن لا يقال إنهم بمجرد فعلهم ذاك قد خرجوا من الملة. - الثالثة والعشرون: لابد من تسمية ما أسماه الله ورسوله من الأعمال كفرا، باسمه دون تحريف، وكذلك ما أسماه ظلماً أو فسقاً. - الرابعة والعشرون: في تسمية الفاسق الملي: فنقول إذا نظرنا إلى أحكام الدنيا، كعتقه في الكفارة أو دخوله في خطاب المؤمنين، فإنه يمسى مؤمنا، وأما إذا نظرنا إلى حكمه في الآخرة، فيقال: إن هذا النوع ليس من المؤمنين الموعودين بالجنة، بل معه إيمان يمنعه الخلود في النار، ويدخل به الجنة بعد أن يعذب في النار إن لم يغفر له. - الخامسة والعشرون: أن منهج أهل السنة في تكفير المعين هو القول بالإطلاق والعموم، أما التعيين فمناطه العلم اليقيني بحال المعين، لذلك فمن قام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير وانتفت عنه موانعه، فإنه يكفر بعينه. - السادسة والعشرون: أن مناط التكليف والجزاء هو ورود الشرع وقيام الحجة، لذلك كان حكم أهل الفترة في الدنيا أنهم كفار، أما في الآخرة فيمتحنون على الأرجح من الأقوال، وهو الذي دلت عليه النصوص الصحيحة. - السابعة والعشرون: أن بلوغ الحجة وفهمها شرط في قيامها، وأن الفهم الذي ثار حوله نوع من الخلاف، يطلق ويراد به معنيان: - المعنى الأول: هو الفهم المجمل للنص والخطاب، الذي يدرك به المقصود من مراد الشارع على وجه الإجمال. - المعنى الثاني: هو الفهم المفصل للنصوص، وهو المؤثر في السلوك كفهم أهل العلم والإيمان. والمشروط في قيام الحجة هو الفهم بالمعنى الأول، إذ لا يمكن أن تقوم إلا به، وأما ما فهم من كلام بعض العلماء من عدم اشتراط الفهم لقيام الحجة فإنه يحمل على المعنى الثاني للفهم.

- الثامنة والعشرون: أن ضابط ما يعفى عنه من الجهل هو ما يشق الاحتراز منه عادة، بحيث لا يمكن دفعه، ولهذا الجهل صور أو أسباب، أهمها: - حداثة العهد بالإسلام. - النشوء ببادية بعيدة لم ينتشر فيها العلم ولا أسبابه. - البقاء في دار الحرب لأسباب مشروعة. - النشور ببيئة يغلب عليها البدعة وعلم الضلالة. - ما يتعلق بالأحكام التي لا يعلمها إلا أهل العلم. - التاسعة والعشرون: أن الجهل إذا توفرت أسبابه الشرعية، وخلا عن التفريط، ثم أوقع في الخطأ من غير إرادة مشاقة الله ورسوله، فإنه يكون عذرا، ولذلك أمكن القول – في مثل هذه الحالة – بتلازم الجهل والعذر، خلافاً لمسلك أهل البدع في القول بتلازم الخطأ والإثم. - الثلاثون: أن التأويل الذي يعذر صاحبه هو الذي يصدر عن أهل الاجتهاد من ذوي الفضل والصلاح، الذين عندهم حرص على اتباع الشريعة. أما التأويل الذي لا يعذر صاحبه، فهو الذي يتضمن في حقيقته التكذيب لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، كما هو حال الفلاسفة والباطنية ومن هم على شاكلتهم. - الحادية والثلاثون: أن ضابط العذر بالشبهة، هو ما لا يتعلق منها بأصل الدين الذي هو عبادة الله وحده، والتحاكم إلى شرعه، كما هو مدلول الشهادتين. - الثانية والثلاثون: أن كل مسألة من مسائل الاعتقاد أو العمل، إذا كانت جليلة تعتبر من الأصول؛ وأن كل مسألة سواء أكانت عقدية أم عملية، إذا كانت دقيقة فهي من الفروع. - الثالثة والثلاثون: أن توحيد الربوبية من بدهيات العقائد التي أقر بها جميع الناس، حتى المشركون، وأن مناط الحجة فيه هو الفطرة وأدلة الخلق المنصوبة؛ لذلك لا يمكن عذر أحد يدعي جهل الخالق، أو ينسب له الولد والصاحبة ... - الرابعة والثلاثون: أن أبرز الصور التي تنافي توحيد الألوهية: عدم إفراد الله تعالى بالعبادة، والثانية الاعتراض والكراهية لما أنزل الله بعضه أو كله. - الخامسة والثلاثون: أن مناط قيام الحجة بالنسبة لتوحيد الألوهية، هو الشهادتان والدخول في الإسلام. - السادسة والثلاثون: أن محل العذر بالجهل في توحيد الألوهية، هو ما يتعلق بتفاصيل هذا التوحيد لا بأصله. - السابعة والثلاثون: أن الجهل ببعض أسماء الله وصفاته قد يكون محلاً للعذر، فجمهور علماء المسلمين على أنه قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين، فلا يكفرون بذلك. - الثامنة والثلاثون: أن مناط تكفير من وقع في الشرك ثلاثة أمور: - الأول: اعتقاد استحقاق غير الله للعبادة. - الثاني: العلم بحقيقة الشرك ثم مدحه وتحسينه. - الثالث: الإصرار على المخالفة بعد إقامة الحجة. - التاسعة والثلاثون: بعض موانع تكفير من وقع في الشرك جهلاً، وهي: - الجهل الناشئ عن حداثة العهد بالإسلام. - الجهل الناشئ عن الشبهات التي يعذر بها. - الوقوع في وسيلة من وسائل الشرك أو فيما يحتمل الشرك وغيره. - الأربعون: أن الولاء والبراء قد يطرأ عليه عدة عوارض، تجعل المخالفة فيه معصية من المعاصي، ولا تكون كفراً، ومن أهم هذه العوارض: عارض الإكراه، وعارض التأويل، وعارض المصالح الدنيوية والعصبيات، وعارض الجهل. - الحادية والأربعون: أن المناط المكفر في الولاء والبراء هو: ولاء الكفار حباً في دينهم، وعداوة المؤمنين كرهاً لدينهم. - الثانية والأربعون: أن المعلوم من الدين بالضرورة يتنوع بتنوع الأشخاص والمسائل، بحيث أنه ما يكون معلوماً بالضرورة لشخص، قد لا يكون كذلك لشخص آخر، فالمعول عليه هنا هو أن يكون معلوماً بالضرورة للشخص المعني؛ وبناءً عليه فالقول بعدم عذر الجاهل بالمعلوم من الدين بالضرورة مطلقاً، غير صحيح بل يحتاج إلى مراجعة وتأمل. - الثالثة والأربعون: أن القول بعذر الجاهل بالضوابط الشرعية هو الذي دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة، وهو ما قرره أئمة الإسلام وعلماؤه ودعاته على مر العصور؛ وهذه المسألة ليست من الأصول التي يبدع فيها المخالف، بل تبقى من موارد الاجتهاد نظراً لتداخل بعض جزئياتها مما يصعب فيها الحسم. وفي الأخير أرجو الله تعالى أن أكون قد وفقت في هذا البحث، وقمت بما التزمت به في منهج البحث، وأن يكون ما كتبت خالصاً لوجهه الكريم، لاحظ لغيره فيه، كما أرجو أن يكون هذا الجهد المتواضع إسهاماً مني في بيان مسالك أئمة أهل السنة وآرائهم في هذا الموضوع الجليل، قدر طاقتي ووسعي. و {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا} الآية. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الجوائز والصلات من جمع الأسامي والصفات

الجوائز والصلات من جمع الأسامي والصفات ¤صديق حسن خان القنوجي£بدون¥مكتبة نزار مصطفى الباز - مكة المكرمة¨الأولى¢1418هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - أعمال منوعة خاتمة الكتاب وعاقبة الخطاب ذكر بعض ما ورد من الأحاديث في ثواب هذه الأمة: قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [سورة آل عمران:110]، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} [سورة البقرة:143]، عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من يخذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)) متفق عليه. وهذا الحديث يشمل أهل العلم والجهاد والإمامة الكبرى والصغرى والاجتهاد والتجويد ويؤيده قوله سبحانه: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [سورة آل عمران:104]، وهذه بشارة عظيمة لا توازيها بشارة فأين من يتأهل إلى ذلك ويستعد بقلبه وجوارحه لما هنالك ويصبر على الأذى ويستأنف الأمر وليغمض عما مضى؟! وعن حذيفة يرفعه: ((نحن الآخرون في الدنيا الأولون يوم القيامة والمقضى لهم يوم القيامة قبل الخلائق)) رواه مسلم. وعن أبي أمامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وعدني ربي أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عقاب ومع كل ألف سبعون ألفا)) أخرجه الترمذي. وعن أبي موسى قال: ((ما مات رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا)) رواه مسلم. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أعجب الخلق إلي إيمانا لقوم يكونون من بعدي يجدون صحفا فيها كتاب يؤمنون بما فيها)) رواه البيهقي. وفيه علم من أعلام الرسالة ومنقبة عظيمة لآخر هذه الأمة، ويزده إيضاحا ما ورد عن العلاء الحضرمي حدثني من سمع النبي يقول: ((سيكون آخر هذه الأمة قوم لهم مثل أجر أولهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقاتلون أهل الفتن)) من أن يكون في الدين أو في الدنيا فهم الرادعون لأهل البدع لسانا وبيانا سيفا وسنانا في كل زمان حتى قيام الساعة لهم من الأجر الجزيل والخير الوفير والحمد لله أن هذا الدين لن يمحى من على ظهر الأرض حتى تقوم الساعة فإن لله عبادا في الأرض يعضون عليه بالنواجذ وإن أتى عليهم ما أتى من نقض الأموال والأولاد والأنفس والثمرات لا يهابون بأهل الباطل، يجاهدون في سبيل ربهم باللسان والبيان والسيف والسنان فهم خير أهل الأرض وخليفة الله فيها وبشارة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعن المغيرة يرفعه بلفظ: ((لا يزال أناس من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله)) رواه الشيخان. وعن عمران بن حصين يرفعه: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال)) رواه أبو داود. وعن أبي هريرة يرفعه: قال رسول الله: ((من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله)) رواه مسلم. وعن ابن محيريز: قال قلت لأبي جمعة رجل من الصحابة: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله قال: ((تغدينا مع رسول الله ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال: يا رسول الله، أحد خير منا أسلمنا وجاهدنا معك قال: نعم قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني)) رواه أحمد، وهذا الخبر يعم كل من آمن وأسلم بعد موته صلى الله عليه وسلم، ومن اعتصم بكتاب الله وسنته المطهرة وجاهد لنشرهما وجاهد من خالفهما ومن لم يفعل ذلك فلم يشمله الحديث، وتدبر في النصوص الحاضرة تجدها عونا لك على المصائب والنوائب وبالله التوفيق والله المستعان وقد نادى منادي الرسالة وصرخ صارخ الإسلام فيما ثبت عن عبدالله بن عمر قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة)) رواه أبو داود. وفي هذا المقام أحاديث كثيرة طيبة فلنقتصر على ما رواه الترمذي وصححه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. ((مثل أمتي كمثل المطر لا يُدرى أوله خير أم آخره)) قال الجامع عفا الله عنه ما جناه واستعمله فيما يحبه ويرضاه: وقع الفراغ من هذا الكتاب في شهر جمادى الأولى سنة سبع وتسعين ومائتين وألف من الهجرة على صاحبه التحية والسلام.

الحق الدامغ

الحق الدامغ ¤أحمد بن حمد الخليلي£بدون¥بدون¨بدون¢1409هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إباضية خاتمة الكتاب: معذرة أخي القارئ الكريم، لم يكن في حسباني أن ألتقي بك على هذه الصفحات حول هذه الموضوعات التي شغلت قلمي وأخذت من وقتك، فإنني أحرص على أن ألتقي بك وأنا أتحدث إليك من خلال السطور في موضوعات هي أحرى بأن تصرف إليها عناية الكتاب والقراء فإن الوقوف في وجوه الزحوف المتنوعة المجتمعة على صعيد واحد لغزو الإسلام، وتشتيت أمة الإسلام، سياسيا وفكريا، أجدر بكل مسلم داعية من الاشتغال بخلاف عقائدي بين طوائف الأمة الإسلامية الواحدة، مضت عليه قرون وقرون، وتناولته بالتحرير والبحث أقلام شتى هي أرسخ علما وأعمق فهما، وأبلغ بيانا، وأقوى حجة وبرهانا، غير أني رأيت سكوتي في هذا الموقف قد يزيده تأزما، فقد تروق دعايات المغرضين لمن يدرس أبعاد ما تتعرض له من القضايا الخلافية التي انطلقت منها في الحكم على جزء من جسم الأمة الإسلامية بفصله عنها، ولم يطلع على ما عند هذه الفئة من هذه الأمة من أدلة تستنير بها في مواقفها من هذه القضايا، فإن مما تداولته الألسن وتناقلته الأقلام: الحكمة التي قيلت قديما (المرء عدو ما جهل). وفي معناها الشعر الذي قيل حديثا: ................ والجهل بالشيء في عين البصير عمى. فمن هذا المنطلق قمت بتحرير هذه الصفحات موضحا فيها الحق بالدليل، محكما الحجة الثابتة من الكتاب والسنة والبرهان العقلي دون الرجال. ومن تأمل كلامي متجردا عن العواطف يجده منصفا للطوائف المختلفة، فقد حرصت على إيراد حجة كل طائفة ودليل كل قول ومناقشة هذه الأدلة نقاشا موضوعيا بعيدا عن كل المؤثرات ومن خلال ذلك أرجو أن يدرك إخوتي القراء صدق نيتي وسلامة طويتي. ولا يفوتني - ونحن أمام قضية تتعلق بوحدة الأمة الإسلامية جمعاء - أن أناشد من وصل إليه كتابي هذا من علماء المسلمين بأن يمعن فيه نظره، مخلصا لله سبحانه. ثم يعلن كلمة الحق غير هياب من أحد، ولا مجامل على حساب الحق والحقيقة، ولست أعني بذلك أنني أطالب الناس بأن يرجعوا عن معتقداتهم، وأن يوافقوني فيما قلت، فإن العقائد لا يملك أحد أن يفرضها على العقول فرضا، وإنما هي نتيجة اقتناع بالفكرة سواء كان ناشئا عن اجتهاد ونظر، أو عن تقليد واتباع، وإنما مرادي أن على علماء المسلمين - وهم مسئولون عن هذا الدين الحنيف وعن الأمة - أن تكون لهم في مثل هذه المواقف التي تهدد بانصداع الأمة - وقفة إيجابية في وجه الذين يحبون إثارة الشغب والمهاترات التي لا تعقبها إلا المصائب والويلات بين أمتنا الإسلامية وأن يرشدوا جمهور الناس إلى ما يفرضه الإسلام من التسامح، والتعاطف، والتعاضد بين المسلمين. وأعلن للذين لا يرون إلا حسم الخلاف في هذه القضايا حتى تتفق فيها عقيدة الأمة، بأنني لا أستنكف من الحوار الموضوعي الهادئ الهادف، الذي لا ينشد به إلا الحق، ولا يفضي إلى تجلي الحقيقة وظهور برهانها ثم لا يؤدي إلا إلى الألفة والمودة بين المسلمين، وإنما أشترط أن يكون هذا الحوار مدروسا من كل الجوانب لتفادي التشنج والانفعالات التي لا تؤدي إلا إلى عاقبة سيئة وليس من شأنها إلا تشويه وجه الحقيقة وطمس نور الحق ومحاولة تغطية محاسنه والحيلولة بينه وبين البصائر.

الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه

الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه ¤عبدالرحمن بن صالح المحمود£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1420هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶حكم بغير ما أنزل الله الخاتمة لقد تبيَّن أن مسألة الحكم بغير ما أنزل الله من المسائل الكبار النازلة في العصور المتأخرة، حيث ابتلي بها المسلمون بلاء عظيماً، فطار شررها وعم خطرها، وصارت سبباً من أسباب واقع الأمة الإسلامية المؤلم والمحزن لكل غيور دينه. وكان لابد أن يقوم العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله بما يجب عليهم تجاه هذه النازلة العظيمة، فيبينوا للناس –حكاماً ومحكومين- أهمية الحكم بما أنزل الله والتحاكم إلى شريعته في جميع الأمور، وكون ذلك واجباً لا خيار فيه لمسلم أبداً، كما يبينون لهم خطر الإعراض عن حكم الله تعالى والتحاكم إلى غيره من الأنظمة والقوانين والشرائع الجاهلية، وإني لأرجو أن يكون هذا البحث إسهاماً متواضعاً في بيان الحق في هذه الجوانب، وأسأل الله تعالى أن يرزقني الإخلاص في ذلك وأن ينفع به. وقد تقرر –من خلال البحث- أمور مهمة خلاصتها: 1 - منزلة الحكم بما أنزل الله من العقيدة الإسلامية وذلك من جوانب متعددة، كالإيمان بالله ووجوب طاعته، وإثبات أسمائه وصفاته، وشهادة أن محمد رسول الله وما تقتضيه الشهادتان: شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2 - أن النصوص الدالة على وجوب التحاكم إلى شرع الله كثيرة جداً ومتنوعة، وجاء فيها وصف المعرضين عن ذلك مرة بالشرك ومرة بالكفر ومرة بالنفاق، وتنوع الأدلة يبين أهمية الأمر وخطورته على الفرد والأمة عندما يعرضون عن شرع الله وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. 3 - أن الحكم بغير ما أنزل الله لها حالتان: إحداهما: يكون فيها كفراً أكبر مخرجاً من الملة، وهذا له حالات، وهي لا تقتصر على الاستحلال والجحد لما أنزل الله، كما زعم البعض، بل يشمل الجحد والاستحلال، كما يشمل التشريع المخالف لشرع الله والتزام القوانين الجاهلية وتطبيقها والإلزام بها. الثانية: يكون فيها كفراً أصغر غير مخرج من الملة، وهذا في حالات الجور والظلم في الحالات الواقعية الجزئية مع اعتقاده أنه آثم وأن حكم الله حق وهي مع ذلك من كبائر الذنوب، بل أكبر من كثير من الكبائر. وشرط هذه الحالة –كما في كبائر الزنا والسرقة والربا- عدم الاستحلال لها وإلا فلو استحلها فهو كافر؛ لأن الاستحلال ناقض مستقل بنفسه كما هو معلوم. 4 - مناقشة ما روي عن ابن عباس من قوله في آية المائدة (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ): إنه كفرٌ دون كفر. وبيان الحق في ذلك. والرد على من اعتمد هذه الرواية وترك النصوص الأخرى الكثيرة في هذا الباب وأعني بها نصوص الكتاب والسنة وكلام الصحابة، بل وما روي عن ابن عباس نفسه في هذا الموضوع. 5 - كانت هناك محاولات متنوعة لتبديل شرع الله وكان لعلماء الإسلام مواقف منها، وقد أشار البحث إلى نماذج منها، وهي مفيدة لمن يتابع أحوال الأمة الإسلامية في تاريخها العقدي. 6 - للمخالفين شبه متنوعة كثيراً ما يبثونها، يهونون بها من هذا الموضوع الخطير، وقد حاول البحث الإجابة عنها ومناقشتها من وجوه عديدة. 7 - وأخيراً فإن البحث في هذه الموضوعات يحتاج إلى تبصر في نتائجها ولوازمها، فلا يخلط مثلاً بين النظام الشرعي والنظام الإداري البحت، ولا يتعجل في التكفير وتطبيق المسألة على محلها إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع، وقد ختم البحث ببيان هذه المسائل. وإنني أقول في ختام هذا البحث: هذا اجتهاد اجتهدته، اعتمدت فيه على الله عز وجل، ثم على الأدلة، وبنيته على أقوال الأئمة –أئمة أهل السنة والجماعة قديماً وحديثاً- وأسأل الله تعالى أن ينفع به أمة الإسلام، وأن يرزقني الإخلاص، وأن لا يحرمني الأجر والثواب ووالديّ ومشايخي وإخواني المسلمين. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً والحمد لله رب العالمين. وكتبه د. عبدالرحمن الصالح المحمود السبت 24/ 10/1418هـ

الحكم والتحاكم في خطاب الوحي

الحكم والتحاكم في خطاب الوحي ¤عبد العزيز مصطفى كامل£بدون دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1415هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶تحكيم الشريعة الخاتمة وبعد هذا التطواف الطويل مع نصوص الوحي عن الحكم والتحاكم أجدني أمام فيضٍ من الحقائق والنتائج المهمة أعددها فيما يلي: 1 - موضوع الحكم والتحاكم من الموضوعات البارزة في القرآن، ولهذا فإن كلام المفسرين وأهل العلم في الموضوع بكل جوانبه كثيفٌ وكثير، وهو لهذا جديرٌ ببذل الجهد لاستخراجه وإبرازه. 2 - مادة (حَكَمَ) تأتي في القرآن على أوجهٍ ومعانٍ وإطلاقات متعدِّدة منها: القضاء - الفصل - الفقه - العلم - الحكمة - النبوة - حسن التأويل - الموعظة - الشريعة - الشعيرة - الاستخلاف. 3 - مفهوم الحكم بما أنزل الله، يعني استمداد التشريع من القرآن والسنة النبوية الصحيحة؛ لأن كليهما من الوحي، وتأتي المصادر الأخرى كالإجماع والقياس وغيرهما مبنيةً على هذين الأصلين. 4 - الخطاب الشرعي بالحكم بما أنزل الله والتحاكم إليه، ليس خاصاً بالحكَّام والساسة، بل هو خطاب عام يشملهما ويشمل جميع من استرعاهم الله رعيةً، كلاً بحسبه. 5 - جمهور علماء الأمة على أن شرع من قبلنا هو شرعٌ لنا، ما لم ينسخه شرعنا وهو يدخل بهذا القيد ضمن ما أنزل الله مما أمرنا بالحكم به. 6 - مصطلح الحاكمية مصطلحٌ جديد، ولكنه وضع لقضية أصليةٍ مسلَّمة غير مستحدثة، ولا وجاهة للاعتراض عليه لمجرد كونه جديداً؛ لأن هذا شأن كثيرٍ من المصطلحات التي استحدثها أهل العلم ولم يرد بها نص في الكتاب أو السنة. 7 - التحاكم إلى الشريعة عمل قلبي متعلق بالاعتقاد، وهو يعني إفراد الله تعالى بالطاعة، فلا يكمل التوحيد إلا به؛ لأنه قسم من أقسامه، وهو المعبر عنه بتوحيد الطاعة والانقياد، لهذا فهو من مسائل الأصول لا الفروع. 8 - التحاكم إلى غير ما أنزل الله، قسمٌ من أقسام الشرك، وهو المعبر عنه بشرك الطاعة والانقياد. 9 - الحكم بشريعة، حكماً عاماً؛ لا يكون إلا عن تحاكم إليها، فمن تحاكم إلى شرع الله حكم به، ومن تحاكم إلى غيره حكم به. 10 - طريقة القرآن في الوصول إلى توحيد الإلهية عن طريق توحيد الربوبية، هي التي يمكن بواسطتها إثبات انفراد الله تعالى بالأمر والحكم، بعد تفرده بالخلق والملك والرزق والتدبير. 11 - تفرد الله تعالى بالحكم نوعان: الأول: تفرده بالحكم الكوني القدري، ومعناه تفرده سبحانه بتقدير أحوال المخلوقات من منشأ وميلاد ومعاش وممات ومعاد، وتعيين حظوظهم من الأرزاق، والآجال، والعافية والابتلاء والصحة والسقم والغنى والفقر والسعادة والشقاء، ونحو ذلك. ويتفرع عن هذا الحكم: الحكم الجزائي، وهو قضاء الله تعالى بين الناس يوم القيامة وما يقسمه بينهم من درجات أو دركات. الثاني: الديني الشرعي المتعلق بالتحليل والتحريم والمنع والإباحة. 12 - لله تعالى صفات مقدسة، بيَّن القرآن الكريم أنه -سبحانه- لأجلها استحق التفرد بالحكم قدراً وشرعاً، وهي صفات اختص بها جل وعلا، ولا يمكن أن يدعي بعضها الذين ينازعون الله في حكمه من المتشرعين الوضعيين، مثل كونه تعالى بكل شيءٍ عليم، وأنه سبحانه على كل شيءٍ قدير، ورؤوفاً بالعباد، وغنياً عن العالمين، وبصيراً بكل المبصرات، وسميعاً لكل المسموعات، وحكيماً، وخبيراً، ورحيماً ... وغير ذلك من الصفات العُلا. 13 - الأحكام الخمسة: التحريم والإيجاب والاستحباب والكراهة والإباحة. كلها محظور على المخلوقين اشتراعها سواءً في العبادة والنسك، أو في المأكل والملبس والمنكح، أو فيما يتعلق بأحكام الأزمنة والأمكنة.

وكذلك فيما يترتب على جزاءات هذه التشريعات ثواباً أو عقاباً، وكل تشريعٍ في شيءٍ من هذه الأمور أو جزاءاتها اعتداءً على أخص خصائص الإلهية، وهي التحليل والتحريم. 14 - الأصل في نفاذ الأحكام، وموافقتها للشرع ومطابقتها للحق، ووظيفة الحاكم والقاضي: الاجتهاد لفهم الحكم الصحيح والقضاء به، ثم تنفيذه، فإن جانب الحكم الصواب، فإنه لا يحلل بذاته الحرام ولا يحرم الحلال، فمن قُضي له بشيءٍ ليس في حكم الله فلا يحل له أخذه، ولو كان صدر به حكم قضائي. 15 - للقرآن الكريم في عرض قضية الحكم والتحاكم أساليب متعددة، تعتبر في مجموعها، من الأدلة القوية على إيجاب العمل بما أنزل الله، وكثرة هذه الأساليب وتنوعها من الأمور التي تميز الأصول عن الفروع، وتفيد يقينية الوجوب وأهمية الامتثال. 16 - إضافةً إلى أدلة الأساليب الإجمالية، فهناك أدلةً نصيّةً كثيرةً، جاء بها الكتاب، وبينتها السنة، وهي تفيد إيجاب الحكم بما أنزل الله، وقد جاءت هذه الأدلة على معظم الصيغ التي يعتبرها علماء الأصول صيغاً للوجوب، مثل ما جاء على صيغة الأمر الصريح، والصيغة الطلبية بفعل الأمر أو لام الأمر، وما جاء على صيغة الإخبار بأن الفعل من مقتضى الإيمان، أو تركه يناقض الإيمان، وما جاء على صيغة الإخبار بأن ترك الفعل كفرٌ أو ظلم أو فسق، وما جاء على صيغة الاستفهام التعجبي والإنكاري على ترك الفعل أو إتيان ضده، وما جاء على صيغة حمل الفعل المطلوب على المطلوب منه. 17 - وجاءت أدلة نصية أخرى تدل على إيجاب التحاكم إلى ما أنزل الله، منها ما هو متوجه إلى الحكام، ومنها ما يشملهم ويشمل المحكومين. 18 - وهناك بواعث عديدة ذكرها القرآن، تقف وراء اتخاذ المعرضين مواقف الإعراض عما أنزل الله منها: كراهية ما أنزل الله، الاستكبار، واتباع الأهواء، وإيثار المتاع العاجل، والخوف والريبة وسوء الظن بالله، والأمان الكاذبة، وقصور العقل وجموده عند التقليد وفساد الطوية. 19 - الانحراف عن شريعة الله تعالى يمكن تقسيمه إلى قسمين رئيسيين: الأول: الانحراف بها، والثاني: الانحراف عنها. فالأول هو ما يشمل كل أنواع الانحراف في التطبيق مثل: التحريف، والكتمان، التبعيض، والتفريق، والتأويل، والهجر. وفي أحكام هذا الانحراف تفصيل على حسب قدر الانحراف. أما الثاني: وهو الانحراف عن الشريعة، فهو انحراف عن أصل التطبيق، بمعنى إقصاء الشرعية جملةً واستبدال أخرى بها منسوخةً أو موضوعة، يُحكم بها ويُتحاكم إليها، وهذا النوع من الانحراف لم يختلف أحد من علماء السلف والخلف والمعتبرين في كون أصحابه كفاراً مرتدين ردَّةً صريحةً عن الدين، وخارجين خروجاً بيِّناً عن ملة الإسلام. وهذا اللون من الانحراف هو أخطر أنواع الانحرافات كلها. 20 - التبديل مصطلح قرآني، يطلق على فعل من أهل الباطل مكان الحق، ليحكم به ويتحاكم إليه، وهو مصطلح يحتاج إلى إحياء وإعادة استعمال. 21 - وضح علماء أهل السنة الضوابط التي بها يعرف ما يمكن أن يخرج به المرء عن الملة وما لا يخرج، وقرروا أن الكفر المخرج عن الملة هو الكفر بالصفات التي يستلزم الكفر بها نفي الإلهية، مثل الكفر بكون الله تعالى حكيماً، أو عليماً، أو خبيراً، أو بصيراً، أو سميعاً، أو أنه أرسل رسلاً لهداية الخلق، وأنزل كتباً على هؤلاء الرسل. 22 - أطلق القرآن على من لم يحكم بما أنزل الله وصف الكفر فهو وصف لازم له، سواءً أكان كفره مخرجاً عن الملة أو لا.

23 - الحكم بالقانون الوضعي هو أبرز مظاهر تبديل الشريعة، وهو انحرافٌ قديمٌ في الأمم، ولكنه لم يدخل على هذه الأمة إلا في عصر الغزو التتاري، حيث حُكم قطاع كبيرٌ من الأمة قسراً بقانون جنكز خان، ولكن ذلك الانحراف يومئذٍ كان مقصوراً على الطبقة الحاكمة، بخلاف ما حدث في الانحرافات المعاصرة، حيث جر الحكام المبدِّلون للشريعة قطاعات من الأمة خلفهم للتحاكم إلى غير شرع الله. 24 - هناك آيات كثيرة توضح موقف القرآن من المبدلين، بما يقطع بأن التبديل مقوض لأركان الإيمان، وناقضٌ لقواعد الإسلام، وأنه إحياءٌ للجاهلية، ودعوةٌ لعبودية البشر ومحاربة لله ورسوله، وشرك وافتراء وتزوير للحقائق، وفتح لأوسع المفاسد الدنيوية والأخروية. 25 - المتحاكمون إلى غير ما أنزل الله يخضعون للتفصيل في أحكامهم على حسب كيفية تحاكمهم إلى غير شرع الله. فهناك المتحاكمون عن علم وقصد، وهؤلاء حكمهم مثل حكم المبدلين في كونهم كفاراً مرتدين، وهناك متحاكمون مطيعون في المعصية لكنهم مقرّون بالشرع كله، وهؤلاء حكمهم حكم أهل الكبائر من هذه الأئمة، وهناك متحاكمون عن جهل، وهؤلاء مقصرون في طلب العلم، ولكنهم معذورون بالجهل في تحاكمهم -على المختار من قول العلماء في مسألة العذر بالجهل- وهناك متحاكمون مكرهون على التحاكم إلى القوانين الوضعية، وهؤلاء لا إثم عليهم، وهناك متحاكمون إلى أمور ليست من الشريعة ولكنها غير مخالفة لها، وهؤلاء لم يأتوا بمحظور، بل إن طاعتهم للأنظمة الإدارية غير المخالفة للشرع يعتبر طاعة لله، إذا كانوا في ظل حكومات تحكم بما أنزل الله. 26 - للحكم بما أنزل الله خصائص تميزه عن غيره؛ لأنه صبغة الله، فمن خصائصه: الربانية، حيث تنعكس عليه معاني أسماء الله تعالى وصفاته من العلم والحكمة واللطف والخبرة والإحاطة. وقد تمثلت فيه لهذا صفات لا يمكن أن تتوافر في تشريع غير رباني، مثل: الثبات، وعدم القابلية للتغيير، والتأييد بالعصمة، والخلود، والبركة المتجددة والاستقلال والاستعلاء على الذوبان، والبراءة من الهوى، والتوسط والتوازن. 27 - ومن خصائص الحكم الإسلامي: الكمال والشمول، فشريعة الإسلام عامةً وناسخةً وخاتمة. ولكمال هذه الشريعة وشمولها مظاهر متعددة منها: الثراء، والاستغناء، وتجاوز حدود الزمان والمكان، والمرونة، والوفاء بمصالح البشر. 28 - ومن خصائص الشريعة الإسلامية: العدالة والمساواة، فالشريعة تجعل العدالة فريضةً في الأمور القولية والفعلية، والعائلية والمالية والقضائية والتعبدية، والنفسية، وفي المعاملات القلبية، والأمور السياسية، وفيما يتعلق بالتعامل مع الأعداء الأغيار، ومع المسلمين من أبرار أو فجار. 29 - العدالة في حكم الإسلام مودعة في أحكامه نفسها، فمن حكم بالإسلام حكم بالعدل، بخلاف الشرائع الوضعية التي تعتبر العدل هو تنفيذ القانون، ولو كان ظالماً، وتجعل العدالة مبدأ يُلجأ إليه لتلطيف أحكام القانون الصماء، بينما العدل والعدالة في الإسلام وصفان لشيء واحد. 30 - وللحكم في الإسلام مقاصد، ينفرد بتوخي تحقيقها: أولها: تحقيق العبودية لله، فالحاكمية تقصد إلى تحقيق التوحيد مثلما تهدف العبودية ومن تلك المقاصد أيضاً إقامة الدين في الأرض عن طريق نشر العلم وإطلاق الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود والجهاد في سبيل الله. ومن المقاصد أيضا: توخي الإصلاح في كل شؤون الدنيا والآخرة، حيث يدور منهاج الشريعة حول أمور ثلاثة فيها مصالح العباد، وهي درء المفاسد وجلب المصالح والجري على مكارم الأخلاق. 31 - الدولة الحاكمة بما أنزل الله تقوم على ثلاث دعائم يصلح أمر الأمة بصلاحها، وهي:

(أ) الحاكم الصالح: وهو الإمام المستوفي للشروط الشرعية، التي إذا توافرت فيه ضمنت الصلاح المرجو في الحاكم المصلح. (ب) الرعية الصالحة: وصلاحها يتحقق بقيام الحاكم بواجباتهم نحوها، وقيامها بواجباتها تجاه ولاة أمورها. (ج) نظام حكم شرعي: وأصدق ما يمثله نظام الخلافة الإسلامية الذي يستمد قواعد دستوره من الكتاب والسنة، ومن إجماع الأمة على ما يفهم منهما، وحيث يقوم هذا الدستور على قواعد أساسية هي: إفراد الله بالحاكمية -والطاعة للولاة في طاعة الله- والشورى. 32 - لم يكتف القرآن بعرض الأصول النظرية للحاكم الصالح، بل عرض من خلال قصصه أنماطاً من سلوك الحكام الصالحين، كان أبرزها: يوسف عليه السلام، وسليمان عليه السلام، وذو القرنين الحاكم الصالح، ومن خلال قصصهم في القرآن تستنبط فوائد غزيرة مما ينبغي أن يتحلى به الحاكم من صفات. 33 - رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثل القمة التي وصل إليها البشر في مجال الحكم الصالح المصلح، فقد تجمعت في شخصيته عليه الصلاة والسلام الصفات التي تفرقت في جميع الأنبياء والمرسلين. وقد قام عليه الصلاة والسلام بأعظم دور إصلاحي في التاريخ البشري، بحيث لم يُسبق في ذلك ولم يُلحق، ونظم للأمة العلاقات والصلاة الهامة الثلاث، وهي: صلة الأمة بربها، وصلتها بعضها ببعض، وصلتها بغيرها، وقد توافرت في شخصيته عليه الصلاة والسلام كل عناصر القيادة الناجحة للأمم في أوقات السلم والحرب. 34 - كما أن لله تعالى أحكاماً شرعية دينية أمرنا بالامتثال لها؛ كذلك فإن له سبحانه أحكاماً قدرية كونية أمرنا بالإيمان والإيقان بها، وهي أحكام الله فيمن امتثل أو أعرض عن الأحكام الشرعية، وتلك الأحكام القدرية هي المعبر عنها في القرآن بـ (السنن). فالسنن الإلهية في الأنفس والآفاق توضح لمن استقصاها الآثار الطيبة التي تقتطف عندما يمتثل الناس لحكم الله، وتبين الآثار السيئة التي يجنيها الناس من جراء الإعراض عن حكم الله. وهذه الآثار المعبرة عن أحكام الله القدرية، تشمل الدنيا والآخرة، وهي تمثل مادة غزيرة جداً في كتاب الله تعالى. 35 - وأخيراً ظهر لي أن الفساد الواقع والمتوقع من جراء الانحراف عن شرع الله تعالى قد جر الأمة -بل الناس جميعاً إلا من رحم الله- إلى مشارف هوة سحيقة، تطالع البشرية فيها مصيرها النكد في شقاء الآخرة بعد ضنك الدنيا الذي تحياه بعيدةً عن هدايات الرسل. وفي مثل هذه الفترات التي تظلم بالجهالات تارةً، وتكفهر بالصراعات أخرى تحت الغيوم الملبَّدة بالقلق والحيرة والترقب، كان يتوقع في تاريخ الأمم السابقة أن يبعث الله نبياً أو رسولاً، يرفع الظلام عن الأرض، ويدفع الانتقام الإلهي عن الناس، ولكن النبوة قد ختمت ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فهل ضاعت آمال البشرية في العودة إلى حياة القرار والطهر والسعادة لعدم قدوم نبي جديد؟ ... كلا. إن شمس الرسالة المحمدية لم تنكسف، وغطاء رعايتها للعالم لم ينكشف، فلا زال الدين حياً، والكتاب محفوظاً، ولن تزال في الأمة طائفة على الحق الواضح يصلح الله تعالى بها أمر الناس كلما دهمتهم الفتن، أو ضربتهم المحن.

فالحاجة إذن ليست ماسةً إلى منقذ من الأنبياء جديد، ولكنها ماسةً إلى منهج إحياء وتجديد، يقوم عليه علماء ودعاة مخلصون، يترسمون خطا الأنبياء ويستلهمون مناهج الإصلاح التي جاءوا بها علماً وعملاً وجهاداً، ويصبرون على ذلك ويُصابرون، حتى تتجمع تيارات الخُلصاء من الأمة معهم في سيل إصلاحي جارف، فسيل الانحراف الذي أحدثه المبدلون لا يمسه إلا سيل يمده المستمسكون، وتيارات الأهواء لا تدفعها إلا تيارات أقوى منها، تستمد قوتها من الهدى لا الهوى. ولا أمل في إيقاف مسيرة التقهقر في الأمة إلا بدفعها إلى سيرة معاكسة تتقدم نحو الإصلاح بكفاح جاد، وجهدٍ مستبصر، وخطى لا تتردد، حتى يتحول المدرى مرةً أخرى لصالح الإسلام والمسلمين. وإن هذا العمل الكبير هو في الحقيقة خليق بالأنبياء وهم الجديرون به، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (العلماء ورثة الأنبياء) (¬1). فقَدَرُ هؤلاء العلماء وقَدْرهم أن يقوموا بمثل ما كان يقوم به الأنبياء عندما كانت غربة الدين تشتد وسيطرة الباطل تطغى. وعلى هؤلاء العلماء والدعاة والمطلعين معهم بتلك المهمة الضخمة؛ أن يستجمعوا في ذوات أنفسهم صفات الربانيين المصلحين، وذلك بصدق اللجوء إلى الله، وكمال الاستعانة به، وجميل التوكل عليه، وقوة اليقين في نصرته وتأييده لأهل الحق، والمثابرة على الدعوة والصبر عليها، وعدم التعجل في قطف ثمارها، والتجرد لتلك الدعوة وتفريغ القلوب والأوقات لها، وإعطاء القدوة من النفس في الامتثال والخضوع لشريعة الله، والأخذ بالعزائم دون الرخص، كلما أمكن، والتزود الدائم من مناهل العلم النافع، والاستعداد المستمر بأنواع العمل الصالح. فإذا رأى الله تعالى في قلوب خواص الأمة تغييراً نحو الصلاح، غيَّر أحوالهم إليه، وغيّر بهم حال الأمة، وغيّر بالأمة وجه الدنيا، لتعود البشرية مرةً أخرى إلى نعيم الحياة تحت ظلال حكم الله، بعد طول شرود. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (¬2). فاللهم ردنا إليك رداً جميلاً، وأعدنا إلى دينك عوداً حميداً، واهدنا واهدِ بنا ويسر الهدى لنا. وصلِّ اللهم على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذرّيته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. ¬

(¬1) رواه الترمذي في أبواب العلم، ب (فضل الفقه على العبادة /19) ح (2683) (7/ 325) ورواه أبو داود في كتاب العلم، ب (فضل العلم/1) ح (3641) (4/ 57) وصححه الألباني. انظر صحيح سنن أبي داود (2/ 694) ح (3096) (¬2) سورة الرعد، آية: (11).

الحياة الآخرة - ما بين البعث إلى دخول الجنة والنار -

الحياة الآخرة - ما بين البعث إلى دخول الجنة والنار - ¤غالب بن علي عواجي£بدون¥دار لينة¨الأولى¢1417€توحيد وعقيدة ومنهج¶برزخ - الموت وعذاب القبر ونعيمه الخاتمة وبعد الانتهاء – بعون الله تعالى وتوفيقه – من دراسة تلك الفترة الزمنية من أمور اليوم الآخر، الواقعة ما بين البعث إلى دخول الجنة أو النار، تبين لي من تلك الدراسة أمور، أوجز أهمها فيما يأتي: 1 - أن أمر اليوم الآخر والتصديق به من الأمور التي لا يدخل الشخص في الإيمان حتى يؤمن بها على وفق ما أخبر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها، وأن الإيمان بذلك مما يحتاج إلى يقين قوي؛ إذ أن أكثر ما يضعف من عقيدة الشخص هو الجانب الأخروي وما يقع فيه من أحداث. 2 - أن القرآن الكريم والسنة النبوية قد أوليا اليوم الآخر البيان والإيضاح التام الكافي في أكثر من آية في القرآن الكريم، وأكثر من حديث في السنة النبوية المطهرة. 3 - أن الإيمان بالغيب أمر من العقيدة بالمكان الأعلى؛ إذ يتوقف إيمان الشخص على الإيمان بالغيب. وقد مدح الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من اتصف بتلك الصفة – وهي الإيمان بالغيب – في نصوص كثيرة، ومن ذلك الإيمان الجازم بوقوع أخبار اليوم الآخر، وهي الحياة الأخرى الخالدة، حيث يحيا صاحبها أبداً إما في نعيم وإما في جحيم. 4 - تبين كذلك أن الله تعالى قد ذكر في القرآن الكريم عدة أسماء ليوم القيامة، ويعود سب ذلك إلى شدة الاهتمام والعناية بها. 5 - أن البعث أمر واقع، وليس بمستحيل إعادة الخلق كما كانوا للحساب والجزاء، حفاة عراة غرلاً كما كانوا في الدنيا وليس لمن أنكره أي مستند لا من العقل ولا من النقل، وليس له ما يدفع به تلك النصوص المتكاثرة من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد رأينا من عرض أدلة البعث واليوم الآخر جوانب من عناية القرآن الكريم والسنة المطهرة بذكره، حيث جاء إثباته بطرق ومسالك عديدة تدل على صفة البعث وكيفيته وأنه بالروح والجسد معاً. 6 - النفخ في الصور نفخة البعث ثبتت بالقرآن الكريم والسنة المطهرة، وظهر كذلك أن العلماء لم يتفقوا على عدد النفخات كما رأينا فيما سبق ذكره. 7 - تبين أن الناس يحشرون على صور شتى وهيئات مختلفة تبعاً لما كانوا عليه من الأعمال الطيبة أو الخبيثة في الدنيا. 8 - تبين أن الخلق يحشرون حفاة عراة غرلاً مصداقاً لقوله تعالى: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [الأنبياء: 104]. وأن إعادة الأعضاء التي يلحقها النقص في الدنيا أو هي ناقصة بطبيعتها محل نظر فيحتمل أن تعاد قياسا على الغرلة، ويحتمل ألا يقع ذلك، وأن الأولى هو القول بإعادتها. 9 - بعث الموتى في أكفانهم مسألة وقع فيها الخلاف، والذي يترجح من ذلك – حسبما تفيده النصوص – أن الناس في حالة حشرهم يكونون حفاة عراة غرلاً، وأن ما ورد من نصوص تفيد حشرهم في ثيابهم فإن المراد بها الأعمال. والله أعلم. 10 - تبين أن جميع الخلق يحشرون بما فيهم – إضافة إلى الجن والإنس – جميع المخلوقات الأخرى، وأن من قال بعدم حشر الحيوانات فقد أخطأ خطأ فاحشاً. 11 - ما ورد من أن الكفار يسمعون ويتكلمون ويبصرون، وما ورد كذلك من عدم كلامهم وعدم وجود سمعهم وبصرهم إنما هو بالنسبة للمواقف التي يمرون بها في يوم القيامة. 12 - تبين أن مراتب الأعمال التي تقع في الموقف كاملة مما لم يثبت بها نص صحيح – حسب معرفتي -.

13 - الناس في الموقف يكونون على هيئات مختلفة وأحوال متباينة على ما لا يتصور من الهم والكرب، كما وردت بذلك النصوص من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتبين أن ما ورد من خلاف العلماء في طول مدة الموقف وقصرها إنما هو بالنسبة للأشخاص حسب أعمالهم. 14 - الأرض التي يقف عليها الخلق مما وقع فيه الخلاف بين العلماء في صفتها وكيفيتها، والذي يترجح من ذلك هو القول بأنها أرض مستوية تطهر لنزول الله تعالى لفصل القضاء، وأما حقيقتها ومم تكون فعلم ذلك إلى الله تعالى. 15 - تبين لي كذلك أن الشفاعات تنقسم إلى شفاعات ثابتة وشفاعات منفية، وأن من الشفاعات ما هو خاص بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو مشترك بينه وبين بقية المخلوقات، وتبين كذلك أن هناك شفاعات ثابتة جاء بها النص، وشفاعات غير ثابتة بنص صحيح. 16 - وتبين كذلك أن بعض الأعمال مما يثبت به الشفاعة، وبعضها لم يثبت به نص صحيح. وأن فيه أموراً تمنع الشفاعة وأموراً لم يصح ما قيل من نفي الشفاعة بسببها. 17 - تبين أن من الشفعاء الذين أكرمهم الله بقبول شفاعتهم الأنبياء والملائكة والشهداء والولدان، وشفاعة المؤمنين بعضهم في بعض، وشفاعة القرآن الكريم. وفي مقابل أولئك فإن هناك شفعاء لم يثبت بهم نص صحيح. 18 - تبين أن الله تعالى ينزل نزولاً يليق به جل وعلا للفصل بين الخلق في يوم القيامة، وهذا هو ما تؤيده الأدلة من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال علماء السلف، وأن من أوله إلى أي معنى من معاني التأويل كمجيء أمره أو غير ذلك فإن قوله باطل. 19 - تبين أن رؤية الله تعالى في عرصات القيامة أمر ممكن عقلاً، وهو ما قررته النصوص الكثيرة من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ وأن من قال باستحالة رؤيته تعالى فإنه ضال عن الهدى غير متبع للحق. وأن ما ظهر من الخلاف في رؤية غير المؤمنين لربهم مما وقع فيه النزاع بين العلماء، وهي من المسائل التي سكت عنها الصدر الأول من السلف وخاض فيها من جاء بعدهم، وكذلك مسألة رؤية الله تعالى في جهة. 20 - تبين كذلك أن كلام الله تعالى صفة حقيقية له جل وعلا، وأن الله يكلم خلقه في يوم القيامة، كما ثبت ذلك بالقرآن الكريم والسنة المطهرة وأقوال علماء السلف، ومن أنكر هذا فقوله باطل، وأن ما ورد من عدم كلام الله تعالى لبعض خلقه في يوم القيامة فإنما هو من باب العقوبة لهم، أو أنه لا يكلمهم بكلام الرضى والسرور، بل بكلام التقرير والتوبيخ. وأما بأي لغة يتكلم الله يوم القيامة فهذا مما لم يرد بيانه بنص صحيح وعلمه إلى الله تعالى. 21 - تبين أن العرض على الله جل وعلا في موقف فصل القضاء أمر ثابت كما نص عليه كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن إثبات ذلك على ضوء تلك النصوص هو القول الحق دون الالتفات إلى أقوال المؤولين وتحريفاتهم. 22 - ظهر كذلك أن إيتاء الصحف أو كتاب الأعمال من الأمور الثابتة في يوم القيامة، لورودها في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال علماء الإسلام، ولا عبرة بقول من أنكرها. وأن كل إنسان لابد وأن يقرأ كتابه بعد أن يأخذ بيمينه أو بشماله، سواء كان قارئاً أم لم يكن قارئاً، وأن لله تعالى حكمة في ذلك. 23 - ومن الأمور الأخرى التي تقع في الموقف: الحساب؛ فقد ثبت وقوعه بالكتاب والسنة، وأن الله تعالى هو المتولي حساب خلقه حسبما تقتضيه مشيئة الله تعالى، وأن الحساب له كيفيات مختلفة، وأن من الناس من يستثنى من الحساب فلا يشمله. وأن ما جاء من أول من يحاسب وفي أول ما يُسأل عنه العبد من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين العلماء.

وقد ثبت أن الله تعالى يقرر عباده ويسائلهم عن كل ما صدر منهم، ويقيم عليهم الشهود العدول من أنفسهم ومن غيرهم بالعدل الكامل في القصاص بينهم. وأن الجزاء من جنس العمل جزاءً وفاقاً. وأن العمل نفسه لا يمكن أن يستحق به صاحبه الجنة إذا لم تتداركه رحمة الله تعالى. 24 - أن الميزان العظيم الذي يزن الله به أعمال خلقه هو ميزان حقيقي له لسان وكفتان، وقد ثبت ذكر الميزان في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وإجماع الأمة بما لا يدع مجالاً للشك فيه. وأن المنكرين له أو لصفاته لا دليل لهم، لا من العقل ولا من النقل، وقولهم مردود عليهم، وأن الذي يوزن في الميزان هو العامل والعمل وصحف الأعمال لحكمة يعلمها الله جل وعلا، ينصبه الله جل وعلا ثم يزن أعمال الخلق في كيفية لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى. وقد جاء كذلك إطلاقه بلفظ الإفراد وبلفظ الجمع، ولذا كان محل خلاف بين العلماء: هل هو ميزان واحد أم موازين متعددة؟ 25 - الصراط الذي أعده الله لعبور الخلق مما ثبت ذكره بلفظه الصريح في السنة النبوية، وفي القرآن الكريم عند بعض العلماء، وعدم ذكره صراحة في القرآن الكريم عند البعض الآخر، الذين قالوا إن ما ورد من ذلك في القرآن فهو احتمال وليس بصريح، كما بينا ذلك. وأن وصف الصراط بأنه أحد من السيف وأدق من الشعرة هو الوصف الحق الذي ثبت له، وأن من تأول ذلك أو أنكر الصراط فإنه لا حجة له، وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يجتازه الخلق، وهي من المسائل التي لا مجال للعقل في الخوض فيها، وما قاله العلماء في ذلك فإنما هو مجرد استنباط دون الاستناد إلى نص ثابت. وظهر كذلك أن مسافة الصراط أمر لا يعلمه إلا الله وأن الأقوال التي قيلت في تحديده تفتقر إلى نص يثبتها. أما بالنسبة لمرور الخلق عليه جمعيهم أو بعضهم فإنها مسألة خلافية، فقد ذهب بعض العلماء إلى القول بأن كل الخلق يمرون عليه، ومنهم من يقول بعدم مرور بعض الخلق إما إكراماً لهم أو إهانة لهم، والظاهر من النصوص تدل على أن الكل يمر عليه، فينجو أولياء الله ويسقط فيه الكفار، إلا من يلتقطهم عتق النار كما بينا ذلك. وأما بالنسبة لأول من يجوز الصراط فقد تبين أنه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، وأن شعار المؤمنين على الصراط: اللهم سلم سلم. أما بالنسبة لخلق الصراط ووجوده الآن أو عدم وجوده وكذا القول ببقائه إلى خروج عصاة الموحدين أو عدم بقائه فالله تعالى أعلم بحقيقة ذلك، فقد يكون موجوداً الآن، وقد يوجد في يوم القيامة، وقد يبقى إلى خروج عصاة الموحدين فيعبرون عليه وقد لا يبقى. 26 - وظهر لي كذلك أن المؤمنين الذين قد كتبت لهم السعادة يقفون بعد اجتيازهم الصراط على قنطرة دون الجنة ليقتصوا مظالم كانت بينهم، فإذا هذبوا ونفوا أذن لهم في دخول الجنة، وهي ثابتة. وقد وقع الخلاف في موضعها: هل هي جزء من الصراط وتتمة له، أم هي صراط آخر غير الصراط العظيم المنصوب على متن جهنم؟ وأن الصحيح أنها قنطرة واحدة وليست قناطر متعددة. 27 - وتبين أن الورود الذي ذكره الله بقوله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} مما وقع الخلاف في معناه بين العلماء، وأن الراجح من ذلك هو القول بأن الجميع يردها ثم يصدر عنها المؤمنون بأعمالهم، كما أفادته النصوص الثابتة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. 28 - تبين أن فئة من الناس يسمون: أصحاب الأعراف، قد تضاربت أقوال العلماء فيهم، وتباينت آراؤهم فيهم، يقفون على الصراط إما إكراماً لهم وإما إهانة لهم، ثم يكون مصيرهم بعد ذلك إلى الجنة. 29 - تبين أن الحوض المورود الذي وعد الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم قد ثبت بالسنة المطهرة بلفظه الصريح، وفي القرآن الكريم عند من يسمي الحوض كوثراً، ثم يستدل لإثباته بسورة الكوثر، وأن من أنكره ليس له دليل لا من العقل ولا من النقل، وإنما هو مجرد الاستبعاد فقط. واتضح أن مسأفة الحوض قد وردت بروايات كثيرة مختلفة، وليس فيها تعارض ولا اضطراب كما رأينا في الجمع بينها، وأن الناس يردون عليه حين خروجهم من قبورهم يشربون منه وهم في الموقف على الصحيح من أقوال العلماء، وقد ميزه الله بمزايا عديدة ولله تعالى القدرة والحكمة على ما يشاء. 30 - الكوثر الذي ذكره الله تعالى هو نهر في الجنة، كما أفادته النصوص الصريحة في ذلك، وأن بعض العلماء قد أطلق تسمية الكوثر على الحوض، والحوض على الكوثر بسبب الاتصال الذي بينهما كما بينا ذلك، وتبين أن الكوثر مما اختص الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم تشريفا له دون غيره من الأنبياء كما قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}. تلك أهم النتائج التي ظهرت لي في هذا الموضع، أسأل الله العلي العظيم أن يتقبل مني ويثيبني فيما أصبت الحق فيه، وأن يغفر ويتجاوز عما أخطأت فيه، وأن ينفع بهذه الدراسة إنه سميع مجيب. وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الدواهي المدهية للفرق المحمية (في الولاء والبراء)

الدواهي المدهية للفرق المحمية (في الولاء والبراء) ¤جعفر بن إدريس الكتاني£محمد حمزة بن علي الكتاني¥دار البيارق - الأردن¨الأولى¢1419هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ولاء وبراء وفي "الروضة المقصودة" لأبي الربيع ": ولما أخذ العدو غرناطة سنة 897هـ اشترط المسلمون عليه شروطا، أظهر قبولها وبسط لهم جناح العدل حتى بلغت بزعمهم مأمولها وكان من جملتها أن من شاء البقاء عنده أقام مكرما ومن أراد الخروج إلى بر العدوة أنزل بأي بلاد شاء منها من غير أن يعطي كراء ولا مغرما، وأظهر للمسلمين العناية والاحترام حتى إن النصارى يحسدونهم في ذلك ويقولون أنتم عند ملكنا أعز وأكرم منا، ووضع عنهم المغارم حيلة ومكيدة لغيرهم، فطمع كثير من الناس واشتروا الرباع العظيمة ممن أراد الذهاب إلى العدوة بأبخس ثمن". "ثم ظهر له لعنه الله أن يأمر السلطان الذي كان بها بالجواز إلى العدوة، وأعد له المراكب العظيمة وركب معه كثير من المسلمين ممن أراد الجواز حتى نزلوا للمليلية من ريف المغرب، ثم ارتحل إلى فاس ولا زال عقبه بها من جملة السواد إلى أن انقرضوا في حدود 1150هـ، واتفق أن أصاب الناس فيها شدة عظيمة من الجوع والعطش والغلاء والطاعون حتى فر كثير منهم بسبب ذلك ورجع بعض أهل الأندلس إلى بلادهم فأخبروا بتلك الشدة فتقاعس من أراد الخروج وعزموا على الإقامة. ولم يجز النصارى بعد ذلك أحدا إلا بالكراء والمغرم والعشر. ولما رأوا أن الناس قد تركوا الخروج وعزموا على الإقامة، أخذوا في نقض الشروط فصلا فصلا إلى أن نقضوا جميعها، وزالت حرمة المسلمين وأدركهم الهوان والذلة، واستطالوا عليهم، وفرضوا عليهم المغارم الثقيلة، ومنعوهم الأذان في الصوامع وأمروهم بالخروج من غرناطة إلى الأرباض والقرى أذلة صاغرين. ثم دعوهم للتنصر وأكرهوهم عليه وذلك سنة 904هـ، فدخلوا فيه كرها وصارت الأندلس كلها دار كفر، ولم يبق من يجهر بكلمة التوحيد والأذان، وجعلت في المساجد والمآذن النواقيس والصلبان بعد ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن فإنا لله وإنا إليه راجعون". والواجب على من مكنه الله في الأرض ويسره لليسرى عند أمن الفتنة أن يستتيب من ثبت عليه الفكر بما يثبت به شرعا مما قدمناه من هؤلاء الأشرار الأنجاس الذين لا أرذل ولا أنجس ولا أردى ولا أكثر ضررا على المسلمين في دينهم ودنياهم ولا أهم فسادا منهم، أراح الله الإسلام والمسلمين وطهرهم منهم بمنه وفضله، وأن يرهق غيرهم العقوبة الشديدة والتنكيل المبرح ضربا وسجنا حتى لا يتعدوا حدود الله. ومن قدر على تغيير المنكر فيهم وتراخى وتوانى كان عاصيا لله ورسوله تاركا لما يجب عليه، وذلك فرض على الأعيان لا يختص به واحد دون واحد ولا قبيلة دون قبيلة ولا جماعة دون جماعة. يا غارة الله حلي عقد ما ربطوا ... وشتتي شمل أقوام بنا اختلطوا. الله أكبر سيف الله قاطعهم ... وكلما قد علوا في ظلمهم هبطوا. لكن مع هذا كله المشيئة الأزلية لا تحصر، والقدرة الإلهية لا تحجر. فإذا أراد الله تعالى أن يخالف الظنون في توبتهم وأوبتهم فليس ذلك عليه بعزيز، ولا مستحيل لا يقبل التجويز لأن الله تعالى يقول للشيء كن فيكون، في أسرع من لمحات العيون، مع أنه تعالى أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين يغفر ذنوب المذنبين ويتقبل إنابة المنيبين سبحانه جل وعلا. ثم إن وقع ذلك فما أشد فرحنا به وأعظم سرورنا بسببه، لأنه إذاك تتجدد لنا أوقات السعود، وتعود أعياد الإقبال التي لم تكن تظن أن تعود. فما أخسر صفقة من باع آخرته بدنياه، وأخسر منه صفقة عبد باع آخرته بدنيا غيره، وأخسر منهما صفقة وأكثر غبنا وأسود سعدا وأشد بعدا من حرم حظه من مولاه. على نفسه فليبك من ضاع عمره ... وليس له فيها نصيب ولا سهمُ. وقيل: أيا عاملا للنار جسمك لين ... لجربه تمرينا بحر الظهيرةِ ودربه في لسع الزنابر تجترئ ... على نهش حيات هناك عظيمةِ. فإن كنت لا تقوى؛ فويحك ما الذي ... دعاك إلى إسخاط رب البريةِ. وقيل: جسمي على البرد ليس يقوى ... ولا على أيسر الحرارةِ فكيف يقوى على جحيم ... وقودها الناس والحجارةِ. وقيل: لا تأمن الموت في لحظ ولا نفسٍ ... ولو تمنعت بالحجاب والحرسِ واعلم بأن سهام الموت صائبة ... لكل مدرع منها ومحترسِ ما بال دينك ترضى أن تدنسه ... وثوب دنياك مغسول من الدنسِ ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبسِ. وفي هذا القدر كفاية. لمن سبقت له من الله هداية. وما يذكر إلا أولوا الألباب ويتوب الله على من تاب. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. ووافق الفراغ من إخراجه من مبيضته رابع عشر ربيع الثاني عام ثلاثة وثلاثمائة وألف

الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين

الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين ¤سهل بن رفاع بن سهيل£بدون¥دار كنوز اشبيليا – الرياض¨الأولى¢1430هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶نوم وأحلام ورؤى - تعبير الخاتمة: وبعد هذا الاستعراض لجوانب متعددة في موضوع الرؤى من خلال كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم السلف الصالح، ومع استعراض موجز لآراء المخالفين ومناقشتهم، تبين النتائج التالية: 1 - أنه قد جاء في كتاب الله الحكيم آيات كثيرة تبين حقيقة الرؤى، وأنها بالنسبة للأنبياء وحي، بل إن الله جعل معجزة نبيه يوسف عليه السلام تأويل الرؤيا. 2 - جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في شأن الرؤى سواء في رؤيته صلى الله عليه وسلم لربه –عز وجل- في المنام، أو بيان أن الرؤيا وحي، وبيانه أن رؤيا المؤمن جزء من أجزاء النبوة، أو ذكره للآداب، وسؤال أصحابه عن الرؤيا كثيراً، وتفسيره لكثير من رؤى أصحابه، وكثرة الرؤى التي رآها صلى الله عليه وسلم. 3 - أن علماء الحديث اهتموا بتلك الأحاديث فصنفوا لها الكتب والأبواب، ووضعوا العناوين للأبواب التي تبين أحكام الرؤى وحقيقتها وعلاقتها بالنبوة. 4 - أن الرؤى لها أهمية في حياة الناس، لكثرة وقوعها وانشغال بعضهم بها بين غلو وتفريط وإفراط, وكيف أن بعض المغرضين يستغلون اهتمام الناس بالرؤى فينشرون باطلهم من هذا الطريق. 5 - أن الرؤى والأحلام في اللغة بمعنى واحد، وهو ما يراه الإنسان في منامه، أما في الشرع فإن الرؤيا تطلق غالباً على الصادقة التي هي من الله، والأحلام على الكاذبة التي هي من الشيطان. 6 - أن الرؤى عند أهل السنة والجماعة عبارة عن أمثال مضروبة للرائي، خلافاً لمن شذ من المعتزلة أو الفلاسفة، فالمعتزلة تجعل الرؤيا كلها خيالات باطلة، وقالت الفلاسفة إنها بسبب الأخلاط. وكلا القولين خلاف لما دلت عليه النصوص. 7 - أن الرؤيا قد تطلق ويراد بها الرؤية وهي ما يراه الإنسان في اليقظة، وقد جاءت بعض الأدلة بهذا الإطلاق، لكن الغالب استعمال الرؤيا في المنام، والرؤية في اليقظة. 8 - أن روح النائم قد تفارق جسده في النوم من وجه دون وجه، والله أعلم بكيفية هذه المفارقة، وقد تعرج روح النائم إلى السماء، وليس عروجها كعروج البدن، بل بكيفية الله أعلم بها. كما بسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه المسألة. 9 - أن هناك جمعاً كثيراً من علماء أهل السنة قالوا بتلاقي أرواح الأحياء والأموات، وذكرت أدلتهم في ذلك. 10 - أن النصوص الشرعية دلت على أن الرؤى تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1) الرؤيا من الله، وهي الصادقة. 2) الأحلام من الشيطان، وهي من تخزينه، وتخويفه، وتهويله. 3) حديث النفس، وهي ما يحدث به المرء نفسه في اليقظة ويراه في المنام. وهذا التقسيم خلاف لما تقوله الفلاسفة أو علماء النفس من إغفال بعض جوانب الرؤيا الصحيحة التي دلت عليها الأدلة الشرعية. 11 - أنه لا ينكر الرؤيا الصادقة إلا أهل الإلحاد وشرذمة من المعتزلة. 12 - أن الرؤيا الصالحة وصفت بصفات عدة منها: أ- كونها من الله. ب- كونها مما يحب المرء وتعجبه. ج- كونها من المبشرات. د- كونها صادقة. هـ- كونها صالحة. وكونها جزءاً من أجزاء النبوة. ز- كونها حسنة. ح- كونها حقاً. 13 - أن صلاح الرؤيا يرجع إلى صلاح ظاهرها، أو صلاح تعبيرها، وكذا الرؤيا المكروهة يرجع إلى ظاهرها، أو إلى تعبيرها. 14 - أن مخالفة الرؤيا للشرع دليل على فسادها وبطلانها، وكونها من الشيطان. 15 - أن القطع بكون الرؤيا صالحة لا سبيل إليه، وإنما ذلك على سبيل غلبة الظن. 16 - أن هناك علامات تفيد غلبة الظن بكون الرؤيا صالحة ومن ذلك: أ- التواطؤ عليها.

ب- كونها من المبشرات، ومن ذلك تفسير قوله عز وجل: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} فقد جاءت الأحاديث والآثار بأن البشرى في الحياة الدنيا هي الرؤيا الصالحة. ج- كونها من أهل الصدق والصلاح. 17 - أن رؤيا المؤمن عند اقتراب الزمان لا تكاد تكذب. 18 - من أراد أن تصدق رؤياه فليتحر الصدق، وأن يكون الله ولياً تقياً، متحرزاً من الشيطان. 19 - أن الشخص قد يكون من أولياء الله وإن لم يحصل على شيء من ذلك، وعدم ذلك لا يضره ولا ينقص في مرتبته عند الله. 20 - أن الشيطان حريص على تحزين وتخويف الإنسان حتى في المنام، ولذلك جاءت التوجيهات النبوية بالتحرز من الشيطان بكثرة ذكر الله وقراءة القرآن، والمعوذات. 21 - أن الناس في الرؤى ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: أ- من رؤاهم كلها صدق وحق وهم الأنبياء. ب- من الغالب على رؤاهم الصدق وهم الصالحون. ج- من الغالب على رؤاهم الأضغاث وهم عدا الأنبياء والصالحين. 22 - أن الرؤيا الصالحة لا يسوغ العمل بها، إلا إذا وافقت نصاً شرعياً، وعند ذلك تكون العبرة بالنص لا بها، فإنما حاصلها الاستئناس والاستبشار، كما وصفت بأنها مبشرات. 23 - أن رؤيا الأنبياء وحي، بل هي أول مبدأ الوحي للأنبياء، لعصمتهم من الشيطان، ولذلك ما جاء من الرؤى عن الأنبياء فيجب الإيمان بما دلت عليه، والعمل بذلك أمراً ونهياً. 24 - أن الأحاديث جاءت متواترة في كون الرؤيا الصالحة جزءاً من أجزاء النبوة. ومعنى كونها جزءاً من أجزاء النبوة تشبيه الرؤيا بالنبوة في صدقها، أو أنها علم من أعلام النبوة باق والنبوة غير باقية، كما يقال في الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد من أجزاء النبوة، وكما يقال في إماطة الأذى من شعب الإيمان. 25 - أن اختلاف الروايات في عدد أجزاء النبوة التي نسبت إليها الرؤيا الصالحة أمر لا نعلم الحكمة منه، وقد ذكر العلماء عدة توجيهات أحسنها قول الطبري – عالم الكتاب والسنة – أن ذلك يرجع إلى حال الرائي من الصدق والصلاح. 26 - أن الذي تنسب رؤياه إلى أجزاء النبوة هو المؤمن الصالح، أما الكافر والفاسق فلا تنسب رؤياهم إلى النبوة، وإن صدقت. 27 - أن الرؤيا الصالحة تدخل في معنى الوحي العام، كما قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً} [الشورى: 51]. فذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا الوحي عام في اليقظة والمنام للأنبياء وغيرهم. وتسمية الرؤيا وحياً وإلهاماً لا يعني أنها معصومة من الخطأ، أو أنها مصدر تلقي، وليس لأحد أن يطلق القول بأن ما يقع له أنه وحي لا في اليقظة ولا في المنام، لأن الوسواس غالب على الناس. 28 - أن هناك نظريات خاطئة قدمها علم النفس في تفسير الرؤى، وكلها تغفل جوانب من الرؤيا دلت الأدلة الشرعية على صحتها، كالرؤيا الصادقة، والرؤيا من الشيطان، وانحصرت دراساتهم في نوع واحد فقط، مع تخبط في هذا. 29 - أن الصوفية تغالي في الرؤى حتى تجعلها مصدراً يقينياً يبنون عليها كثيراً من عقائدهم الباطلة، ويستندون إليها في ترويج ضلالاتهم، ومعرفة الحلال والحرام، وتفسير آيات القرآن، وتصحيح وتضعيف الأحاديث، ونسج الفضائل والمناقب لشيوخهم وغير ذلك. 30 - أن الرؤيا ليست مصدراً للتلقي والتشريع لما يلي: أ- أن الله عز وجل قد أكمل لهذه الأمة دينها، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وقد بلغ دين الله. ب- أن الاعتماد على الرؤى في التلقي يلزم منه أن الله لم يكمل الدين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغه عن الله. ج- أن الحق الذي لا يشوبه باطل هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما المنامات وغيرها ففيها حق وباطل. د- ليس هناك دليل من الشرع يدل على أن الاحتجاج بالرؤى جائز.

هـ- أن الرؤى منقسمة إلى رحماني ونفساني وشيطاني، والتمييز بينها مشكل. ويلزم من القول بحجية الرؤى تجديد الوحي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا باطل. ز- أن النائم ليس من أهل الضبط والتحمل للرواية. 31 - أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المنام ثابتة. 32 - أن المؤمن قد يرى ربه في المنام بحسب إيمانه، وليس في ذلك نقص ولا عيب؛ لأن الله ليس كمثله شيء، كما بسط هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. 33 - أن الأحاديث جاءت متواترة في جواز رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وأن الشيطان لا يتمثل به. 34 - أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام تكون حقاً وصدقاً إذا كانت على صورته المعروفة، أما إذا رؤي على غير صورته، أو رؤي وهو يأمر بباطل فهذا دليل على بطلانه؛ لأن الشيطان قد يتمثل بغير صورة النبي صلى الله عليه وسلم ويقول أنا النبي. 35 - أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) أن المراد بذلك أهل عصره، أو يراه في القيامة رؤيا خاصة، أو المراد بها تشبيه من رآه في المنام فكأنه رآه في اليقظة. 36 - أن القول بإمكان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته يقظة في الحياة الدنيا باطل شرعاً وعقلاً. 37 - أن رؤية الملائكة والأنبياء في المنام جائزة وممكنة. 38 - أن الكذب في الرؤيا كبيرة من كبائر الذنوب، لأنه كذب على الله أنه أراه ولم يره، وقد جاء الوعيد المغلظ في ذلك بأنه: 1) أفرى الفرى. 2) أنه يكلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين. 3) أن من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فليتبوأ مقعده من النار. 4) أنه من أعتى الناس عند الله. 39 - أن علم التعبير علم صحيح دلت النصوص الشرعية على صحته. 40 - أن تأويل الرؤيا مبني على القياس والمشابهة بين الرؤيا وتأويلها، كما بسط ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والسعدي رحمهم الله. 41 - أن الرؤيا إذا عبرت وقعت، وذلك مشروط بما إذا أصاب المعبر وجه التعبير، وقد قيل في ذلك أنه من باب التفاؤل. 42 - قد جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تأويل الرؤيا، وأنه كان كثيراً ما يسأل أصحابه عن رؤاهم. 43 - جاءت الأحاديث الكثيرة في بيان الرؤيا وآداب من رأى رؤيا يحبها كما يلي: أ) أن يحمد الله عليها. ب) أن يستبشر بها. ج) ألا يخبر بها إلا من يحب. 44 - جاءت الأحاديث في بيان آداب من رأى رؤيا يكرهها، وذلك كما يلي: 1) أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثاً. 2) أن يستعيذ بالله من شرها. 3) أن يتفل عن يساره ثلاثاً. 4) أن يقوم فيصلي. 5) أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه إلى الجنب الآخر. 6) ألا يخبر بها أحداً فإنها لا تضره. 45 - أن تعبير الرؤيا من باب الفتوى، ولذلك يشترط في المعبر للرؤيا العلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأخيراً: هذه حقيقة الرؤى وأقسامها وعلاقتها بالنبوة، وأحكامها، وآدابها. فينبغي للمسلم أن يكون وقافاً عند كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يتجاوزه بإفراط، ولا يقصر عنه بتفريط فكلا الأمرين تضييع لشرع الله، وعدم تعظيم له.

الرد الشامل على عمر كامل

الرد الشامل على عمر كامل ¤عبدالله بن حسين الموجان£بدون¥مركز الكون¨الأولى¢1427هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إنكار البدع والخرافات والمعتقدات الخاطئة الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات لقد أنهيت الرد على الدكتور عمر كامل وسلكت فيه سبيل الاختصار ما أمكن وأحب أن أختم بجملة تفيد فضل علم السلف على الخلف وذلك لأن من الأشاعرة من ذكر أن الخلف أعلم وأحكم من السلف وتارة يعتذرون عنهم بأنهم كانوا مشتغلين بالجهاد وتارة يطلقون هذا القول على عواهنه يقول شيخ الإسلام: وهذا إنما قالوه لأن هذه الأصول والقواعد التي يزعمون أنها أصول الدين قد علموا أن الصحابة لم يقولوها وهم يظنون أنها أصول صحيحة وأن الدين لا يتم إلا بها وللصحابة – رضي الله عنهم – أيضا من العظمة في القلوب ما لم يمكنهم دفعه حتى يصيروا بمنزلة الرافضة القادحين في الصحابة ولكن أخذوا من الرفض شعبة كما أخذوا من التجهم شعبة وذلك دون ما أخذته من المعتزلة من الرافضة والجهمية حين غلب على الرافضة التجهم وانتقلت عن التجسيم إلى التعطيل والتجهم إذ كان هؤلاء نسجوا على منوال المعتزلة لكن كانوا أصلح منهم وأقرب إلى السنة وأهل الإثبات في أصول الكلام ولهذا كان المغاربة الذين اتبعوا محمد بن التومرت المتبع لأبي المعالي أمثل وأقرب إلى الإسلام من المغاربة الذين اتبعوا القرامطة وغلوا في الرفض والتجهم حتى انسلخوا من الإسلام فظنوا أن هذه الأصول التي وضعوها هي أصول الدين الذي لا يتم الدين إلا بها وجعلوا الصحابة حين تركوا أصول الدين كانوا مشغولين عنه بالجهاد وهم في ذلك بمنزلة كثير من جندهم ومقاتليهم الذين قد وضعوا قواعد وسياسة للملك والقتال فيها الحق والباطل ولم نجد تلك السيرة تشبه سيرة الصحابة ولم يكن القدح فيهم فأخذوا يقولون كانوا مشغولين بالعلم والعبادة عن هذه السيرة وأبهة الملك الذي وضعناه وكل هذا قول من هو جاهل بسيرة الصحابة وعلمهم ودينهم وقتالهم ومن كان لا يعرف حقيقة أحوالهم فلينظر إلى آثارهم فإن الأثر يدل على المؤثر هل انتشر عن أحد المنتسبين إلى القبلة أو عن أحد من الأمم المتقدمين والمتأخرين من العلم والدين ما انتشر وظهر عنهم أم هل فتحت أمة البلاد وقهرت العباد كما فعلته الصحابة – رضوان الله عليهم – ولكن كانت علومهم وأعمالهم وأقوالهم وأفعالهم حقا باطنا وظاهرا وكانوا أحق الناس بموافقة قولهم لقول الله وفعلهم لأمر الله ... والأدلة الدالة على تفضيل القرن الأول ثم الثاني أكثر من أن تذكر ومعلوم أن أم الفضائل: العلم والدين والجهاد فمن ادعى أنه حقق من العلم بأصول الدين أو من الجهاد ما لم يحققوه كان من أجهل الناس وأضلهم وهو بمنزلة من يدعي من أهل الزهد والعبادة والنسك أنهم حققوا من العبادات والمعارف والمقامات والأحوال ما لم يحققه الصح () ويقول أيضا " وكل من له لسان صدق مشهور بعلم أو دين معترف بأن خير هذه الأمة هم الصحابة وأن المتبع لهم أفضل من غير المتبع لهم ولم يكن في زمنهم أحد من هذه الصنوف الأربعة () ولا تجد إماما في العلم والدين كمالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ومثل الفضيل وأبي سليمان ومعروف الكرخي وأمثالهم إلا وهم مصرحون بأن أفضل علمهم ما كانوا فيه مقتدين بعلم الصحابة وأفضل عملهم ما كانوا فيه مقتدين بعمل الصحابة وهم يرون أن الصحابة فوقهم في جميع أبواب الفضائل والمناقب والذين اتبعوهم من أهل الآثار النبوية وهم أهل الحديث والسنة العالمون بطريقتهم المتبعون لها وهم أهل العلم بالكتاب والسنة في كل عصر ومصر فهؤلاء الذين هم أفضل الخلق من الأولين والآخرين لم يذكرهم أبو حامد ()

" ويقول شيخ الإسلام " ومن تدبر كلام أئمة السنة المشاهير في هذا الباب علم أنهم كانوا أدق الناس نظرا وأعلم الناس في هذا الباب بصحيح المنقول وصريح المعقول , وأن أقوالهم هي الموافقة للمنصوص والمعقول ولهذا تأتلف ولا تختلف وتتوافق ولا تتناقض والذين خالفوهم لم يفهموا حقيقة أقوال السلف والأئمة فلم يعرفوا حقيقة المنصوص والمعقول فتشعبت بهم الطرق وصاروا مختلفين في الكتاب مخالفين للكتاب وقد قال تعالى {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} ولهذا قال الإمام أحمد في أول خطبته فيما خرجه في الرد على الزنادقة والجهمية " الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى , ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله من الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم مخالفون للكتاب مختلفون في الكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب ... " () ويقول أيضا " وكل من أمعن نظره وفهم حقيقة الأمر علم أن السلف كانوا أعمق من هؤلاء علما وأبر قلوبا وأقل تكلفا وأنهم فهموا من حقائق الأمور ما لم يفهمه هؤلاء الذين خالفوهم وقبلوا الحق وردوا الباطل " () ويشرح شيخ الإسلام سبب كونهم أعلم وأحكم فيقول " وأما كونهم أعلم ممن بعدهم وأحكم وأن مخالفيهم أحق بالجهل والحشو فنبين ذلك بالقياس المعقول من غير احتجاج بنفس الإيمان بالرسول كما قال الله تعالى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} فأخبر أنه سيريهم الآيات المرئية المشهودة حتى يتبين لهم أن القرآن حق ثم قال {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي بإخبار الله ربك في القرآن وشهادته بذلك فنقول من المعلوم أن أهل الحديث يشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال ويمتازون عنهم بما ليس عندهم فإن المنازع لهم لابد أن يذكر فيما يخالفهم فيه طريقا أخرى مثل المعقول والقياس والرأي والكلام والنظر والاستدلال والمحاجة والمجادلة والمكاشفة والمخاطبة والوجود والذوق ونحو ذلك وكل هذه الطرق لأهل الحديث صفوتها وخلاصتها فهم أكمل الناس عقلا وأعدلهم قياسا وأصوبهم رأيا وأسدهم كلاما وأصحهم نظرا وأهداهم استدلالا وأقومهم جدلا وأتمهم فراسة وأصدقهم إلهاما وأحدهم بصرا ومكاشفة وأصوبهم سمعا ومخاطبة وأعظمهم وأحسنهم وجدا وذوقا وهذا هو للمسلمين بالسنة إلى سائر الأمم ولأهل السنة والحديث بالنسبة إلى سائر الملل فكل من استقرأ أحوال العالم والأعمال وجد المسلمين أحد وأسد عقلا وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال وكذلك أهل السنة والحديث تجدهم كذلك ممتعين وذلك لأن اعتقاد الحق الثابت يقوي الإدراك ويصححه قال الله تعالى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} أهـ () وبهذا يتبين لك أيها القارئ فضل علم السلف على الخلف نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يحشرنا في زمرتهم وأن يعفينا وإخواننا ومن نحب مضلات الفتن وزيغ الحكماء وانحراف الفرق والأهواء ونسأله سبحانه هداية من ضل من هذه الأمة والتأليف بين قلوب المؤمنين على الحق والهدى والدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الرد على المخالف من أصول الإسلام

الرد على المخالف من أصول الإسلام ¤بكر بن عبدالله أبو زيد£بدون¥دار الهجرة - الخبر¨بدون¢بدون€توحيد وعقيدة ومنهج¶عقيدة - أصول المنهج الخاتمة: من أبحاث هذا " الأصل الملي" يمكن تصنيف الخلاصة الآتية: • أولا: إعلام المسلمين بما يلي: 1 - أن" الرد على المخالفين" من أهل الأهواء وغيرهم: وظيفة شرعية، من مهام علماء المسلمين؛ لحراسة الملة والذب عنها وعن أعراض أهلها. 2 - وأنه واجب كفائي معلوم بالضرورة. 3 - وأن الشريعة حفت هذا " الواجب" بشروط وآداب كما في " المبحث الرابع " منه. 4 - ومن أهمها تنزيل الأحكام على الأقوال، والأفعال لا على الأشخاص إلا بعد يقين. • ثانيا: إعلام أهل السنة والجماعة بما يلي: 1 - أن أهل السنة والجماعة: هم قوام الأمة؛ لتخلصهم من البدع والأهواء، فهم نقاوة المسلمين، ونجمها الوهاج. 2 - أن علماءهم: مرصدون، لحفظ الدين، وحراسته من أهواء المخالفين، وشهواتهم. 3 - أن العالم العامل: يرصد الأحداث، ويقدرها، ويقومها سواء كانت مكتوبة، أم مسموعة، أم مرئية. فإذا احتوى الحدث، وتصوره على وجهه الواقع، ورأى في محتواه: مخالفة مذمومة، برز إلى المكاشفة: فيقول، وينشر، ويكتب، ويعلن، مجاهدا بلسانه، وقلمه، حتى تعود المنقصة أدراجها على أعقابها ويرد كيدها عن المسلمين. • ثالثا: إعلام "طريد أهل السنة" من كل مبتدع وَمُسَاء بالآتي: 1 - أن رد بدعته، وملاحقتها، حتى يجهز عليها، ويكف بأسها عن المسلمين: من قواطع الأحكام في الإسلام، منتظم العقد في حياة علماء أهل السنة. 2 - وأن الرد عليه، والتحذير من داعية الهوى: فيه نصح له، ولعموم المسلمين. • رابعا: إيقاظ من تلبس بترك المخالفين من المبتدعة، وغيرهم، يتجولون في صلابة جبين، وتنبيه المخذلين لعباده المصلحين، بما يأتي: 1 - أن حجب أنوار الإسلام في أطواء الظلام، يكمن في أخاديد الصمت، وشقوق التخذيل. 2 - وأن السكوت أبدا عن رد الباطل: إثم، من جهتين، في السكوت، وفي مظاهرة المبطل، بالسكوت عنه. • خامساً: تصحيح المفاهيم وتحديدها، لهذه الألفاظ الثلاثة: "رد العالم للمخالفة" كالآتي: 1 - تحديد مفهوم المخالفة المذمومة محل البحث، وهو: مخالفة الشريعة من أي وجه بداعٍ من شبهة، أو شهوة، أو شذوذ ... 2 - المفهوم الموسع للرد شرعا، فليس كما يفهمه البعض من قصره على الإبطال، والتنديد بكتاب، أو رسالة، بل أعم من ذلك، فيكون: مكاتبة، وكتابة، ومشافهة، وإيقاع طرف من العقوبات الشرعية كالنفي، والإبعاد، وإحراق الكتاب، ومنعه من الدرس، وسوقه إلى القضاء؛ لينال أدبا يردعه ويزجره ... وبهذا نستفيد، أن هذا من العلماء يكتب، وهذا يقول، وأن الساكت من العلماء عن هذين الواجبين قد يكون له جهد عظيم، في إضعاف البدعة، ومحاصرتها، وقمع حاملها، بأي من مسالك الرد الشرعية. 3 - العلماء قدرات، وكلٌّ يزاول ما يحسن، حسب قدرته، فهو على ثغر يحميه من أي عدوان عليه. فعالم يرد على ملحد، وآخر على صاحب بدعة خفيفة، وثالث على صاحب فسوق، وآخر يرد على رأي شاذ. كل هذا حسب القدرة والتأهيل. وهذا يكسب اجتناب المقولة الساذجة: فلان يرد على شذوذ فقهي، ويترك الملحدين، فلماذا لا يرد عليهم؟ وهكذا .... • سادسا: وأذيّل هذه الخاتمة بالتذكير بما يلي: 1 - على العلماء رفع التكبيرة الأولى في الميدان هاتفة بإحياء هذا الواجب الجهادي الدفاعي عن الدين الإسلامي برد كل مخالفة بشبهة، أو شهوة، أو شذوذ. وهذا غاية في سلامة الصف الإسلامي، وتوحيده، ووحدته، وكف عوامل التصدع من الداخل، وإثارة الغبار عليه من الخارج {فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأنفال: 57]

2 - على كل مسلم موحد النهوض بالحقوق الشرعية عليه، للعلماء العاملين: من توقيرهم، وتبجيلهم، وإعطائهم قدرهم، والكف عن أعراضهم، والوقيعة فيهم، والبعد عن إثارة التشكيك في نياتهم، ونزاهتهم، والتعسف في حمل تصرفاتهم بالفتيا والقول على محامل السوء، وتصيد المعايب عليهم، وإلصاق التهم بهم، والحط من أقدارهم، والتزهيد فيهم، فإن هذا من أعظم وسائل " الهدم" ومواطن الإثم، وتفتيت الأمة، وإضعاف القيادة العلمية. وما هذه إلا وخزات مرجف وطعون متسرع. وهي مواقف يتشفى بها، من في قلبه علة، وفي دينه رهق وذلة، من أهل البدع والأهواء، بفعلتك هذه تذود الناس عنهم، وعن دروسهم، وحلقهم، ومآثرهم وتسلمهم غنيمة باردة إلى علماء السوء والبدعة، أو جعلهم هملا تتصيدهم الفرق، والأحزاب. 3 - ومع هذا الواجب الشبابي من احترام العلماء، والالتفاف حولهم، فواجب على العلماء المعاملين: احتضان الشباب، واحتواؤهم والربط على قلوبهم بوشائج العلم والإيمان وبهذا يكونون "رابطة علمية شبابية" تجد فيها "العالم القدوة" و"القيادة العلمية" للأمة ومصانع لرجال المستقبل، بها يظهرون. ومن واجب العلماء نحو الشباب: حسن التعامل معهم بدقة وحكمة وروية، بتوجيههم، والجلوس لهم، بالدرس والتلقين، والأخذ عنهم والتلقي منهم والكتابة والتأليف والفتيا، كل بما وسعه حتى يحتوي العلماء توجهات الشباب: العقدية، والسلوكية سليمة من انحراف في الفكر والسلوك. وإن التحذير ليقوم على أشده، من مواجهة الشباب بالعنف، والغلظة، والقمع، والملاحقة، والتشكيك في نياتهم، والانصراف، وصرف الوجوه عنهم، فلهذه وأمثالها آثار في غاية الخطر، والتمزق، وسرقة في السلوك والاعتقاد، على أنقاض غليان الأفكار في مراجل الشباب فحينئذ تطمر بهم طمرة، ترميهم في أعاصير مدمرة وتدفعهم إلى الأعمال في السراديب المظلمة، تحت مضلات منحرفة مختلفة يفضي بعضها إلى بعض باغتيال المنهج الحق والمسلك الرَّشيد. ومن كان سببا في هذه فيا ويله من عذاب الله ومقته وغضبه إن لم يتداركه الله برحمته. 4 - على كل وال لأمر من أمور المسلمين بصفة خاصة وعلى كل مسلم بصفة عامة: إصلاح الحال بنبذ البدع والأهواء، والمخالفات المذمومة، ومنابذة أهلها. فعلى رقابة المطبوعات: منع ما كان سبيله كذلك. وعلى مسئولي التعليم: منع التعاقد مع من كان كذلك. وعلى التجارة: منع استيراد ما يضر بالمسلمين في دينهم وأخلاقهم. وعلى التجار: الامتناع من الممارسة والتسويق، والحذر من تكثير سواد المخالفين بمزاولة بيع وشراء السلع المحرمة وتأجير المحلات على أصحابها والله أعلم.

الردة والحرية الدينية

الردة والحرية الدينية ¤أكرم رضا£بدون¥دار الوفاء - مصر¨الأولى¢1426هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶الردة الخاتمة حد الردة حكم ثابت بعد هذه الدراسة النصية في مصادر الإسلام الأساسية (القرآن والسنة)، وفي المصادر التطبيقية لهذه النصوص (مذاهب الفقه) يمكن أن نخرج من بحثنا حول (جريمة الردة) بالخلاصة التالية: 1 - جريمة الردة من الجرائم التي نص عليها القرآن وحذر منها، وبين عاقبتها في الآخرة، وفضح أهلها، وبين أسلوب التعامل مع بعضهم. 2 - نصت السنة القولية على عقوبة المرتد، وهي القتل، وهذا ما أخذ به الصحابة في حكمهم بلا مخالف. 3 - اجتهد الصحابة في قضية استتابة المرتد، ولا خلاف بينهم في أصل الاستتابة، إنما اختلفوا في مدتها ما بين موسع ومضيق في المدة الزمنية 4 - الردة ليست شكلا واحدا، إنما تأخذ أشكالا متعددة، وعلى حسب شكلها يكون حكمها كالآتي: أ- إذا ارتدت جماعة عن الإسلام، وحملت السلاح، وسعت في الأرض فسادا تأخذ حكم حد الحرابة. ب- إذا ارتدت جماعة التأويل، وتجمعت لحرب المجتمع المسلم تقاتل على أنها باغية (حد البغي). ج- إذا ارتدت جماعة أو فرد وأعلن ردته، أو شهد عليه شهود بذلك فإنه يستتاب من قبل الحاكم دون إرهاب أو ترويع، ويدعى بالحكمة والموعظة الحسنة، ولأن الفقهاء اختلفوا في مدة الاستتابة، فإنها هنا متروكة لرأي الحاكم باستشارة هيئة الاستتابة، وحسب خطورة المرتد، أو ميله إلى التوبة من عدمه. د- إذا تاب هذا المرتد وأعلن براءته مما اقترف يحكم عليه الحاكم بعقوبة تعزيرية، فإذا عاد تعاد الاستتابة، فإذا تكرر منه هذا فإن للحاكم النظر في مدى جديته. هـ- إذا لم يتب المرتد وأصر على رأيه، أو تاب وعاد أكثر من مرة حيث رأى الحاكم عدم جديته، فإنه يقتل حدا، وتطبق عليه أحكام المرتد كما بينا في البحث. 5 - لا تعارض بين حكم قتل المرتد، وبين إقرار الإسلام بالحرية الدينية في مثل قوله تعالى: {لا إكراه في الدين} [البقرة: 256] حيث أنه إذا كان غير مسلم فلا يكره على دخول الإسلام، أما إذا دخل الإسلام فإنه وجب عليه اتباع أحكامه، التي منها أن من ارتد يقتل، ولا بد من بيان ذلك لكل من يريد أن يدخل في الإسلام. 6 - لم يشترط الفقهاء – استنادا على النصوص القرآنية والحديثية – أن يأتي المرتد بعمل يعكر صفو المجتمع مع ردته لإقامة الحد، وإلا انتقل إلى حد آخر وهو حد الحرابة أو حد البغي. 7 - ضيق الإسلام وحذر بشدة من المسارعة إلى اتهام مسلم بالكفر بسبب قول أو فعل أو ترك ظاهري يخالف ثوابت الإسلام، ولا بد من التأكد والتيقن من رسوخ ذلك في قلبه؛ اعتقادا جازما، ولذلك شرعت الاستتابة قبل إقامة الحد. 8 - بين الإسلام أن هناك طائفة لا هم كفار معلنون صراحة كفرهم بعد إسلامهم، ولا هم مسلمون قلوبهم مع الإسلام، وهي طائفة المنافقين الذين يشهدون الشهادة، بل وقد يؤدون بعض العبادات الظاهرة ويعلنون أنهم مسلمون، ولكنهم يتناولون الإسلام والمسلمين بألسنتهم وأقلامهم، فهؤلاء إذا صدر منهم ما يدل على كفر أو ردة فإنهم يستتابوا، وتقع عليهم أحكام الردة كما بينا من قبل. ولا يخفى على أحد خطورة هذه الفئة على المجتمع الإسلامي، وسبيل جهادهم فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع ما بينه فهم الصحابة لما ورد عنهم في القرآن من التهديد والوعيد والتحذير والغلظة في القول، وفضح مواقفهم، وبيان أن المجتمع المسلم ليس بغافل عن تصرفاتهم. توصيات البحث 1 - لا يخفى على أحد أننا نحتكم في حكم غير مطبق، وقانون غير معمول به في ساحة العالم الإسلامي الواسعة إلا ما ندر، وعلى هذا فإن القصور في تنزيل هذه الأحكام على الواقع وارد لا محالة.

2 - لاحظ الباحث من خلال بحثه في كتب الفقهاء وعند بيان حد الردة، وبيان ما يحكم به أن قائله أو فاعله أو تاركه مرتد أنه يوجد كم هائل من الافتراضات لأفعال وأقوال لا تنضبط تحت ضابط معين أو تقسيم محدد، ولذلك يرى الباحث أن يكون هناك بحث منفصل حول هذا الموضوع يقوم على العصرية، ودراسة الواقع، وإحلال التطبيق المعاصر للمصطلح بدلا من التطبيقات القديمة، التي أصبحت لا تؤدي في كثير من الأحيان إلى المعنى المطلوب، وقد بين الباحث مثالا لذلك في بحثه، وهو مصطلح الزنديق. 3 - يهيب الباحث بالعلماء أن يسارعوا عند صدور قول أو فعل فيه شائبة من أحد المتصدرين – مهما كان موقعه – بيان حكم الإسلام منه، وهل هو بذلك يصلح أن يكون في حظيرة الإسلام، أو هو بهذا القول أو الفعل مرتد عنه. وقد كان للكثير من علمائنا الأفاضل المواقف المشرفة في هذا المجال، حيث ظهر للجميع عور وفساد الكثير من أقوال وأفعال هؤلاء الذين يحملون ألوية الثقافة والفكر، وبعدهم الشديد عن المنهج القويم. 4 - يظل كلامنا هذا يفتقد إلى الواقعية، ولا يتعدى إلى أن يكون مجموعة نقول عمن سبقنا ما لم يطبق على أرض الواقع، فلذلك فإن الباحث يدعو علماء الأمة أن ينهضوا بالمطالبة بتطبيق الحد الأدنى من حد الردة، وهو اعتبارها جريمة تصل إلى حد الجناية، وليست مجرد جنحة وإن حق الله أولى من حق العباد أن نسعى إلى تحقيقه، وإن حماية الدين مقدمة على حماية النفس. {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}

السحر دراسة في ظلال القصص القرآني والسيرة النبوية

السحر دراسة في ظلال القصص القرآني والسيرة النبوية ¤إبراهيم محمد الجمل£بدون¥مكتبة القرآن - مصر¨بدون¢بدون€توحيد وعقيدة ومنهج¶جن وسحر وعين وتنجيم خاتمة: فإن تقوى الله خير وقاية وعلاج .. وإن المؤمن في خير على أي حال، لأنه يستمد قوته من الله القوي، فلا يصاب بمكروه، ولا يهزه الأحداث .. وهذا هو السحر وحقيقته كما بينه القرآن، ووصفته السنة المحمدية .. ووضحت علاجه والوقاية منه. وأثبتت ذلك حقيقة اعترافات السحرة في عالمنا الحديث بعد ظهور السجلات المدينة، والمحاكم الدولية والمحلية والحياة الحديثة التي حاكمت السحرة؛ فأدلوا باعترافات أثبتت صحة حقيقة السحر كما بينه كتاب الله .. والسيرة النبوية العطراء .. وأن الساحر يبرم عقدا مع الشيطان. ويبقى أن نبحث أعوانهم وطرقهم في الغواية والإضلال إبليس في كتابنا القادم (مملكة إبليس) أسال الله رب العالمين أن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وأن يحفظنا بفضله من الشيطان وعمله. وأن يجنبنا السوء وأهله أنه قريب مجيب الدعاء .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار

السنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار ¤سهيل حسن عبدالغفار£بدون¥دار السلف¨الأولى¢1416هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶تشبه بالكفار الخاتمة لقد سبق في المباحث السابقة دراسة عن التشبه وتحقيق وتخريج الأحاديث الواردة في النهي عن التشبه بالكفار مفصلاً، وهنا أقدم ملخص ما سبق: إن بحثي هذا يشتمل على مقدمة وبابين وقد بينت في المقدمة سبب اختيار الموضوع وهو أن واقع المسلمين في هذا العصر يتطلب منا أن نبين لهم خطورة ما هم فيه من تقليد وتشبه للغرب والجري وراء الحضارة الغربية من غير نظر إلى عواقبها الوخيمة. وأن للمسلمين شخصيةً مستقلةً استقلالاً تاماً عن الأمم الأخرى وهم حملة دعوة سماوية خالدة ويجب أن يكونوا قدوةً وأسوةً للآخرين. ولبيان ذلك اخترت هذا الموضوع للبحث وجمعت فيه ما ورد من الأحاديث الصحيحة وغيرها وقدمت دراسةً وافيةً ليكون المسلم على بينةٍ من أمره فيعرف الحق من الباطل. ثم بينت تطور هذه المشكلة تاريخياً حيث بدأت بتحويل دين إبراهيم من الحنيفية إلى الوثنية وذلك عندما جلب عمرو بن لحي أصناماً من الشام ودعا الناس إلى عبادتها، ولم ينته هذا العهد المظلم إلا عندما طلع شمس الإسلام وامتدت أشعته إلى العالم أجمع. وبقي المسلمون متمسكين بعقيدتهم ومستقلين بشخصيتهم إلى أن دخل في دولتهم الأعاجم وتوسعت رقعة الدولة الإسلامية وازداد الاختلاط بين العرب والعجم وأخذ كل واحدٍ منهما بتقاليد الآخر. وبعد إلغاء الخلافة الإسلامية سيطر الاستعمار على معظم البلاد العربية والإسلامية ونفذ سياسته العدوانية لمحو عقيدة الإسلام عن قلوب المسلمين وحارب التقاليد الإسلامية ودعا إلى سلوك طريقة الغرب وقدم الحضارة الغربية كمنهج للحياة. كما بينت وجود هذه المشكلة في شبه القارة الهندية حيث لقي الاستعمار مقاومةً شديدة من أهلها وخاصةً المسلمين ولكن قد نجح في تنفيذ سياسته بعد أن وجد أعوانه هناك، ومن قبل كان عهد الملك محمد أكبر بن همايون كان له شديد الأثر في انحراف مسيرة المسلمين من الاستقلال إلى التبعية. ثم ذكرت مميزات الشريعة الإسلامية التي تمتاز بسابقاتها بأنها عامة، وأنها كاملةً وشاملةً وأنها ناسخةً للشرائع السابقة وبينت هذه المميزات بأدلة من القرآن الكريم. ثم ذكرت الكتب التي بحثت في هذا الموضوع ومنهجي في البحث. والباب الأول يشتمل على دراسة عن التشبه وفيه فصلان، ذكرت في الفصل الأول تعريف التشبه وأنواعه ومتى يباح التشبه وما هي شروطه وأمثلةً من عمل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. ووضحت في الفصل الثاني نقطةً مهمةً وهي: هل شرع من قبلنا شرعٌ لنا؟ وذكرت فيه ما قال العلماء وما أجابوا به حول هذه المسألة. والباب الثاني يشتمل على خمسة عشر فصلاً في تخريج وتحقيق الأحاديث الواردة في النهي عن التشبه باليهود والنصارى والمجوس وأهل الجاهلية. الفصل الأول في الأحاديث الواردة في النهي عن التشبه بالكفار عموماً. الفصل الثاني في الأحاديث الواردة في الإيمان والقرآن والعلم. الفصل الثالث ذكرت فيه الأحاديث الواردة في الطهارة والنظافة. الفصل الرابع في الأحاديث التي وردت في الصلاة. الفصل الخامس في الأحاديث الواردة في الجنائز. الفصل السادس في الأحاديث الواردة في الصيام. الفصل السابع في الأحاديث الواردة في الحج. الفصل الثامن في الأحاديث الواردة في النكاح. الفصل التاسع في الأحاديث الواردة في المعاملات. الفصل العاشر في الأحاديث الواردة في اللباس والزينة. الفصل الحادي عشر في الأحاديث الواردة في التخشن والزهد. الفصل الثاني عشر في الأحاديث الواردة في الأطعمة والأشربة.

الفصل الثالث عشر في الأحاديث الواردة في الذبائح والضحايا. الفصل الرابع عشر في الأدب والاجتماع والأخلاق. وذكرت في الفصل الخامس عشر الأحاديث المتنوعة. وقد ذكرت لكل حديث سببه إن وجدته، وتخريجه، ودرجته، وشرح غريبه وفقهه كما ذكرت العادات التي لا زالت توجد في المسلمين ونهى عنها الشرع. وقد بلغ عدد الأحاديث التي ذكرتها مخرَّجةً محقَّقة مائة وخمسة أحاديث منها ستة عشر حديثاً متفق عليه وثمانية وثلاثون حديثاً صحيحاً أخرجها أحد الشيخين أو أصحاب السنن وتوجد ثلاثة أحاديث حسنة ارتقت بالشواهد إلى درجة الصحيح لغيره وإثنا عشر حديثاً حسنة. ومن مجموع الأحاديث توجد عشرة آثار موقوفة والبقية كلها مرفوعة. كما ذكرت أثناء البحث متابعات وشواهد كثيرة وأحاديث أخرى صحيحة مماثلةً لأنها وردت في الموضوع نفسه ولا حاجة لذكرها مستقلةً كما فعلت ذلك في ذكر الأحاديث الواردة في إعفاء اللحية وأخرى في اتخاذ القبور مساجد. وقد توصلت إلى النتائج التالية بعد كتابة البحث: 1 - إن الإسلام يؤكد على سلامة نظافة الظاهر كما يؤكد على طهارة الباطن، ولأن الباطن له أثرٌ واضحٌ على ظاهر الإنسان، ونرى ذلك بوضوح أن الأحاديث التي وردت في اللباس والزينة والأخلاق والعادات أكثر من غيرها إذ بلغت تسعة وعشرين حديثاً، وهذا يدل على أن الإسلام يريد لنا استقلالاً كلياً عن اليهود والنصارى والمجوس ظاهراً وباطناً. 2 - الحرص الشديد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان كل صغيرة وكبيرةٍ تنفع المسلمين وتبيين استقلالهم عن غيرهم، وهذا يتضح بأنني وجدت من الأحاديث هذا العدد في هذه المسألة الواحدة فقط، مع أن بعض الناس لا يلقون لها أي اهتمام. 3 - كما يتبين من هذه الدراسة أن الإسلام –رغم نهيه عن التشبه وموافقة الكفار- لا يمنع عن أخذ العلوم والتكنولوجيا الحديثة ما لم يعارض ذلك شرعنا، ويمكن بذلك أن نخدم الإسلام والمسلمين وننشر الدعوة الإسلامية وننقذ الإنسانية الحائرة، ونبين للعالم أن الإسلام ليس دين الجمود بل هو دينٌ يحث على التعلم والتفكر في خلق الله وتسخير نعم الله لخدمة الإسلام والمسلمين. وأخيراً يجب على المسلمين أن يعلموا بأنه لا يمكن التخلص من هذه المشاكل إلا بالعودة إلى الكتاب والسنة والاقتناع الكامل بأنهما المصدران الأساسيان لاعتزازنا وفخرنا وسببان مهمان للنجاة في الدنيا والآخرة، وأن شريعتنا تحمل في طياتها كل خير، والعلاج لجميع مشاكلنا، ولا حاجة لنا أن نستورد المبادئ من غيرنا، وأن الهدف الوحيد الذي يريد المستعمر تحقيقه من فرض الحضارة الغربية علينا هو تدمير جميع الأسس الخلقية والمبادئ الإسلامية عندنا، وبذلك نبقى عالةً عليهم لا نفكر إلا بتفكيرهم ولا ندور إلا في فلكهم، وهم يعرفون أن الإسلام الصحيح يجعل من المسلمين قوةً لا يُستهان بها، وإذا اتحدوا تحت رايةً واحدةٍ فذلك نذير ببعث إسلامي جديد. وأن تضامنهم سيدمر جميع أفكار المستعمرين التوسعية ويقضي على مؤامراتهم. فالعلاج الوحيد هو العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وصدق من قال: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..

الشرك في القديم والحديث

الشرك في القديم والحديث ¤أبو بكر محمد زكريا£بدون¥مكتبة الرشيد¨الأولى¢1421هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶توحيد وشرك الخاتمة الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على نبي الرحمات، المؤيد بالمعجزات الباهرات، وعلى آله وصحبه أفضل البريات، وبعد: فحيث استكملت هذه الرسالة أبوابها وفصولها، ومباحثها، ومطالبها، وفروعها، عبر خطة علمية مرسومة ومنهج علمي مدروس، فإنه من المناسب أن أسجل أهم النتائج التي توصلت إليها، على النحو التالي: 1 - أن حقيقة التوحيد: إفراد الله تعالى بإثبات ذاته، وأسمائه، وصفاته، وإفراد الله تعالى بالعبادة، والألوهية. 2 - أن التوحيد له أجزاء ثلاثة: توحيد في الربوبية، توحيد في الأسماء والصفات، وتوحيد في عبادته وألوهيته. 3 - أن لكل جزء من التوحيد ما يقابله مما يضاده. 4 - أن أصل شُبَه من حاد عن التوحيد هو عدم تصور التوحيد الذي أرسل الله به رسله، وأنزل به كتبه، وطلب من عباده تحقيقه. 5 - أن الرب والإله كلمتان متغايرتان في اللغة، وفي مفهوم السلف، وفي لغة القرآن والسنة، وإن كان المقصود بهما واحد عند الجميع وهو الله سبحانه. ولكن بينهما فروق من حيث المعنى، ومن حيث اعتراف أغلب الناس بالأول دون الثاني، والخطأ في حقيقة التوحيد ناتج أيضاً من عدم تصور حقيقة الرب وحقيقة الإله ومدلول الكلمتين، ومن ثم جعلهما شيئاً واحداً. 6 - أن الشرك هو الذي يقابل التوحيد من جميع النواحي. 7 - أن حقيقة الشرك: إثبات الند لله تعالى سواء كان في ربوبيته أو كان في أسمائه وصفاته، وأفعاله، أو كان في عبادته. 8 - أن الشرك في الربوبية له ناحيتان: الناحية الأولى: تعطيل ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، والناحية الثانية: تنديد وتمثيل ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، إما بإثبات ذات مماثل له سبحانه من مخلوقاته، أو أسماء مماثلة للآخرين، أوصفات مماثلة للمخلوقات، أو أفعال مماثلة للمخلوقات، وإما بتمثيل ذاته بذات المخلوقات، أوصفاته بصفات المخلوقات، أو أفعاله بأفعال المخلوقات. 9 - أن الشرك في الألوهية هو الشرك في العبادة. 10 - أغلب الأخطاء في الشرك إنما هي ناتجة عن عدم تصور حقيقة العبادة. 11 - أن العبادة لها إطلاقان: الأول: باعتبار المصدر (التعبد، أو فعل العابد): وبهذا الإطلاق معناها: ما يجتمع فيه الذل والخضوع مع الحب. والإطلاق الثاني: باعتبار الاسم (المتعبد به): وبهذا الإطلاق هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال الظاهرة والأعمال الباطنة، كما قال به شيخ الإسلام. 12 - أن العبادة بهذين الإطلاقين تشمل كيان الإنسان كله وجميع حياته أيضاً، فكل ما هو محبوب عند الله عز وجل من أعمال العباد، وقد عمل بالحب والخضوع والذل فهي عبادة، سواء فعله لله عز وجل أو فعله لغيره سبحانه. 13 - إذا تصور أحدنا حقيقة العبادة يتصور الشرك في العبادة بسهولة، ويعرف أبعادها، وأغوارها، ويعرف المبتلين بها في كل عصر ومصر، وفي كل زمان ومكان. 14 - أن الشرك باعتبار أحكامه ينقسم إلى قسمين: الشرك الأكبر، والشرك الأصغر، فالأول مخرج من الملة، وأما الثاني: فلا يخرج عن الملة، ولكن هل هو تحت المشيئة أم لا؟ يبدو من كلام المحققين أنه تحت المشيئة. والمسألة خلافية، وترجح لدي أنه تحت المشيئة. 15 - أن الأصل في بني آدم التوحيد دون الشرك، بل كل ما يخالفه من الأقوال هراء صرف، ولغو مثير لا ينظر ولا يعول إليه مطلقاً، يدل عليه القرآن، والسنة، والفطرة، والعقل الصحيح، والأدلة الكونية، والأدلة العلمية الحديثة، وغيرها. 16 - أول شرك مطلقاً، هو شرك إبليس اللعين.

17 - أول شرك في بني آدم هو شرك قوم نوح على القول الصحيح. وآدم عليه السلام بريء من الشرك، وكل ما نسب إليه فهو غير صحيح. 18 - أول شرك في بني آدم حصل بسبب الغلو في الصالحين، وبعبادة الصور والتماثيل والقبور. 19 - أول شرك كان في بني آدم كان في العبادة دون الربوبية. 20 - الشرك في الأمم السابقة في أغلب الأوقات كان في العبادة دون الربوبية. 21 - وجد الشرك في الربوبية بالتعطيل في بعض الأمم السالفة، من أبرزها: شرك فرعون حيث قال بالتعطيل المطلق. وأما تعطيل الرب عن أوصافه، وصفاته، فقد وقع فيه قوم عاد لمَّا قالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً). وهكذا يتضمنه شرك فرعون وشرك نمرود. ولكن الشرك بتعطيل الفعال فحدِّث عنه ولا حرج، فقد وقع فيه جل الأمم السابقة بإنكار البعث، والرسل، والحشر، والنشر، والشرع، وغيرها. وأما تعطيل الصانع عما يجب على العبد من حقيقة توحيده، فقد وقع فيه فرعون على القول الصحيح، كما وقع فيه اليهود والنصارى. 22 - وجد في شذوذ من الناس في الأمم السابقة: الشرك في الربوبية بإثبات الأنداد في الذات والصفات. أما في الذات: فلعل من قال به أولاً هو نمرود بن كوش، وآخرهم فرعون ذي الأوتاد. وأما في أسماء الله عز وجل: فلم أجد من وقع فيه غير اليهود، والنصارى. وأما في الصفات: فقد وقع فيه جملة من الأمم الذين رأوا التطير والسحر واعتراء آلهتهم على أحد بالسوء، فإن هذه كلها مما تضمنته صفة القدرة الكاملة لله سبحانه. وأشهر من صرح بالشرك في الصفات قوم عاد. ووقع فيه اليهود والنصارى من جهتين، من جهة إثبات صفات الباري للآخرين، ومن جهة إثبات صفات الخلق لله جلَّ شأنه. وأما الشرك في الأفعال: فجل الأمم كان يشرك بالله في اتخاذ الشرائع -الذي هو محض حق الله جل وعلا وفعله- من الأصنام والصناديد، والملأ، والأحبار والرهبان في اليهود والنصارى. فهؤلاء كلهم وقعوا في الشرك في الربوبية في الفعال بالأنداد. 23 - شرك العبادة في الأمم السابقة كان بالمعبودات الحسية غالباً، وذلك بالأصنام والأوثان، وربما كان بالأجرام السماوية، وربما كان بالأشياء الغير حسية. وفيما يلي بيان ذلك: الشرك بعبادة الصور والصالحين: وكان هذا مبدأ الشرك في البشرية، وكان في قوم نوح. والشرك بالعكوف على القبور: وأيضاً كان في قوم نوح، كما كان هذا في قوم إلياس عليهما السلام. والشرك بعبادة الأصنام: فهذا أيضاً كان في قوم نوح عليه السلام، وقوم هود عليه السلام، وقوم صالح عليه السلام، ولدى بعض قوم إبراهيم عليه السلام، وفي قوم يوسف عليه السلام، وقوم شعيب عليه السلام، وقوم إلياس عليه السلام، وقوم موسى عليه السلام بعد موته. والشرك بعبادة الكواكب: كان في قوم إبراهيم عليه السلام. والشرك بعبادة الهوى، وكان ذلك في قوم لوط عليه السلام، والشرك بعبادة الرؤساء والحيوانات: مثل ما وقع في موسى عليه السلام في حياته وبعد مماته، وما حكى الله عز وجل عن الملأ في جميع الأمم. والشرك بعبادة الأحبار والرهبان: ومظاهره في قوم موسى عليه السلام، وقوم عيسى عليه السلام، والشرك بعبادة عزير، وفي قوم عيسى بعبادة المسيح عليه السلام. 24 - أما بالنسبة للشرك في العرب، فالصحيح الذي لا مرية فيه أن العرب كانوا على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. ثم حدث فيهم الشرك. 25 - عن أول شرك في العرب كان – على القول الصحيح – بيد عمرو بن لحي، وهو الذي سن عبادة الأصنام للعرب، ونصب الأوثان في أماكن كثيرة، وأمر الناس بعبادتهم. 26 - وجد في العرب أنواع من الشرك في الربوبية والألوهية.

27 - الشرك في الربوبية بالتعطيل المطلق كان في شذاذ من الناس في العرب. وهكذا الشرك في الأسماء والصفات كان في بعض الناس، وكان الغالب فيهم من أنواع الشرك التعطيل شرك تعطيل الله عن أفعاله من الحشر، والنشر، والبعث، والقضاء والقدر، والرسل، والشرع، وغيرها من أفعال الله الخالصة. ولم يوجد على الصحيح شرك تعطيل الله عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد. 28 - الشرك في الربوبية بالأنداد وجد في العرب بصفة عامة، أما الأنداد في الذات فإنه وإن لم يوجد من يثبت لله شريكاً مساوياً له، إلا أنه وجد من أثبت آلهة متعددة. وأما الشرك في الأسماء والصفات، وقع فيه كثير من العرب من ناحيتين: من ناحية إثبات أسماء الله وصفاته وأفعاله لغير الله، ومن ناحية إثبات أسماء المخلوقات وصفاتهم وأفعالهم لله سبحانه. أما في إثبات أسماء الله وصفاته وأفعاله، ففي الأسماء وجد من العرب من كان يسمي بالرحمن غير الله سبحانه. وأما في الصفات فحدث عنه ولا حرج، ففي العرب من كان يثبت صفة القدرة الكاملة والعلم المحيط لكل شيء لغير الله، ومن مظاهر ذلك التطير والسحر، والتنجيم، والاستسقاء بالأنواء، والاستقسام بالأزلام، والتحكيم إلى الأصنام، والكهان، وأخذ التشريع من الرؤساء والصناديد والملأ، وغيرها، وأما في الأفعال، فقد كانت العرب تثبت حق التشريع للكهان والملأ، والصناديد، وغيرها. 29 - الشرك في العبادة هو السمة الغالبة لدى العرب. فقد كانوا يشركون بالله في العبادة بعبادة أشياء حسية وأشياء غير حسية، أما الأشياء الحسية فمنها ما هي سماوية ومنها ما هو أرضية، ومن الأشياء الغير الحسية فمن مظاهره في العرب عبادة الهوى، وأما بالنسبة لأنواع العبادات التي كانوا يوجهونها إلى معبوداتهم فقد كانوا يوجهون جميع أنواع العبادات سواء كانت من الأعمال القلبية أو كانت من الأقوال القلبية. 30 - أما الشرك في هذه الأمة وفي العصر الحاضر: فقد وجد في هذه الأمة وفي العصر الحاضر ألوان من الشرك في الربوبية وفي الألوهية. 31 - أما الشرك في الربوبية بالتعطيل: فقد وقع في التعطيل المطلق كثير من أبناء المسلمين باعتناق المبادئ الهدامة من الشيوعية والوجودية والداروينية والقومية والعلمانية. وأما في تعطيل الصفات: فقد وقع فيه كثير من الفرق من الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة (الموجودين في العصر الحاضر)، وكثير من الشيعة والفرق الخارجة عن الإسلام من فرق الباطنية. وأما في تعطيل الأفعال: فقد وقع فيه جملة من الفرق كالباطنية بجميع فرقها ونحلها، والروحية الحديثة وبعض الصوفية وبعض العلمانيين. وأما الشرك بتعطيل الله عمَّا يجب على العبد من حقيقة التوحيد: فقد وقع فيه كثير من المتصوفة ومن تأثر بهم من الجهلة والعوام. 32 - وأما الشرك في الربوبية بالأنداد: فقد وقع في الشرك في الربوبية بالأنداد في الذات كثير من الفرق الباطنية، وكثير من الشيعة الغلاة. وأما في الأسماء: فلم أجد من تسمى باسم الإله إلا لدى بعض الباطنية. وأما في الصفات: فهذا الشرك هو الذي لا ساحل له في العصر الحاضر، فقد وقع فيه الشيعة عموماً، ووقع فيه المتصوفة عموماً، والجهلة من الناس، والمنادون بالعلمانية والقومية والوطنية والمتأثرين بهم.

فمثلاً: الشرك في صفة القدرة الكاملة: وقع فيه الشيعة الإمامية بإثبات القدرة الكاملة لأئمتهم، ووقع فيه المتصوفة بإثبات جميع أنواع التصرفات العامة والخاصة لأوليائهم، والمتورطون بالسحر، والتطير، والاستسقاء بالأنواء، وغيرهم. وهكذا الشرك في صفة العلم المحيط وقع فيه الشيعة الإمامية عموماً بإثبات علم الغيب لأئمتهم، ووقع فيه المتصوفة عموماً بإثبات علم الغيب للأنبياء والأولياء ومشايخ التصوف، ووقع فيه أصحاب الروحية الحديثة، وغيرهم ممن تأثر بهم. والمتورطون بالتنجيم، والاستقسام بالأزلام (بصورة جديدة) وغيرهم. وهكذا الشرك في صفة الحكم والتشريع لله جلَّ شأنه، فقد وقع فيه الشيعة بإعطاء حق التشريع لأئمتهم، والمتصوفة بإعطاء حق التشريع لمشايخهم، وبعض الناس في العصر الحاضر بإعطاء حق التشريع والحكم للقوانين الوضعية، وللبرلمانات الفاجرة والكافرة، وبعض المقلدة لإمامه الذي يتبعه. 33 - أما الشرك في العبادة في هذه الأمة وفي العصر الحاضر فهذا بحر لا ساحل له، فقد وقع فيه الشيعة عموماً، وأغلب الفرق المنحرفة عن الإسلام كالباطنية، ومن تأثر بهم، ووقع فيه كثير من الناس حتى بعض من يتَّزي بزي العلماء ويعتقد فيه الناس أنه من العلماء. 34 - فنجد الشرك في الأعمال القلبية الخالصة: فقد وقع فيه أكثر المتصوفة، وبعض الجهلة من الناس، فكثير من الناس يحب غير الله مثل حب الله (حب العبادة) أو يحب غير الله مع حب الله، وكثير من الناس يرجو من دون الله، أو يرجو مع الله من غير الله، وكثير من الناس يخاف مع الله، أو يخاف غير الله (خوف السر) ويتوكل على غير الله. ونرى كثيراً من الناس يشرك في إطاعة العبودية بأخذ التشريع والحكم من غير الله سبحانه، سواء كان ذلك الغير إماماً متبعاً أو شيخاً صوفياً أو قانوناً من قوانين الفجرة والفسقة، أو كان برلماناً من البرلمانات الديموقراطية الغربية. 35 - ونجد الشرك في الأعمال القلبية التي تتعلق بالجوارح قد وقع فيه كثير من المتصوفة والعوام من الناس، بل بعض من يعرفه الناس بأنه من العلماء، فقد وجد في الأمة في العصر الحاضر من يعبد القبر، ويسجد له، ويسجد للقائد، ويسجد وينحني للعَلَم والبرلمان، ويركع أمام الصور التذكارية، وغيرها، وهذا أمر يصعب حصره.

الشفاعة عند أهل السنة والرد على المخالفين فيها

الشفاعة عند أهل السنة والرد على المخالفين فيها ¤ناصر بن عبدالرحمن الجديع£بدون¥دار أطلس - الرياض¨الأولى¢1417هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶شفاعة وواسطة الخاتمة: لعل من المفيد في خاتمة هذا الموضوع أن أبرز النتائج التي توصلت إليها من خلال ما تقدم بحثه، وذلك في النقاط الموجزة الآتية: 1 - أصل لفظة (الشفاعة) يدل على شم الشيئين ومقارنتهما، وأن الشفاعة مشتقة من الشفع الذي هو ضد الوتر. 2 - التعريف الجامع للشفاعة هو: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة. 3 - الشفاعة في أمور الدنيا على نوعين: مستحب محمود ومحرم مذموم. 4 - ثبوت الشفاعة بأنواعها يوم القيامة لدلالة القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع السلف الصالح من أهل السنة والجماعة. 5 - أن الشفاعة يوم القيامة تتنوع من حيث الشفعاء، ومن حيث نوع الشفاعة. 6 - للرسول صلى الله عليه وسلم عدة أنواع من الشفاعة يوم القيامة، منها ما يختص به كالشفاعة العظمى والشفاعة في استفتاح باب الجنة لأهلها، ومنها ما يكون عاماً له ولغيره، كالشفاعة في أهل الكبائر. 7 - أن الله تعالى يأذن بالشفاعة يوم القيامة لغير النبي صلى الله عليه وسلم من الشفعاء كالملائكة، والأنبياء، والمؤمنين، والشهداء، وأولاد المؤمنين، وكذلك فالصيام والقرآن يشفعان أيضاً يوم القيامة. 8 - لا تحصل الشفاعة يوم القيامة إلا بعد تحقيق ثلاثة شروط وهي إذن الله تعالى للشافع أن يشفع، ورضاه تعالى عن المشفوع له، وأن الله تعالى لا يرضى إلا عن أهل التوحيد. 9 - أن الشفاعة عند الله تعالى ليست كالشفاعة عند البشر من عدة وجوه. 10 - هناك أسباب رغب فيها الشارع توصل صاحبها بإذن الله تعالى إلى نيل الشفاعة، ومنها: التوحيد وإخلاص العبادة لله تعالى، وقراءة القرآن، والصيام، والدعاء بما ورد عند الأذان، وسكنى المدينة النبوية، والصبر على لأوائها، والموت بها، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وصلاة جماعة من المسلمين على الميت المسلم، وكثرة السجود. 11 - أن زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كانت مشروعة بدون شد رحل، لكنها ليست من أسباب الشفاعة، وأما ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك في بعض الأحاديث فقد أبان المحققون من العلماء أنه لا يثبت منها شيء. 12 - أن طلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم حال حياته جائز وواقع، سواء كان طلب الشفاعة في الأمور الدنيوية، أو طلب الشفاعة الأخروية، وكذا فإن الناس يطلبون الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. 13 - أن طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته لا يجوز، وكذا غيره من الأنبياء والصالحين بعد موتهم، لا عند قبورهم ولا بعيداً عنها، وكذا الملائكة، لتعذر إجابتهم. 14 - أن الخوارج والمعتزلة قد أنكروا الشفاعة لأهل الكبائر، ولهم في ذلك عدة شبه نقلية وعقلية، وقد ناقشتها ورددت عليها بالتفصيل. 15 - أن القبوريين ونحوهم ممن يعظم الأموات قد أثبتوا الشفاعة لأوليائهم الأموات، وأنهم طلبوها منهم في الدنيا، كما طلبها المشركون من أصنامهم، والنصارى من رهبانهم، وأنهم قاسوا ذلك على الشفاعات الدنيوية المعروفة بين الناس، وذلك من حيث لزوم الشفاعة وتحقق وقوعها، وقد ناقشتهم ورددت عليهم. وأخيراً لعله اتضح لنا جلياً من خلال عرض مذهب أهل السنة والجماعة في موضوع الشفاعة ومذاهب المخالفين أن أهل السنة أسعد بالدليل وأحرص على الحق من غيرهم، وأنهم وسط بين المخالفين، فنسأل الله تعالى أن يحشرنا في زمرتهم إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين

الصارم البتار على شاتم سيد الأبرار

الصارم البتار على شاتم سيد الأبرار ¤عبدالله بن سليمان المهنا£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1427هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶سب الرسول الخاتمة اعلم أن من أحب شيئا آثره وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقا في حبه وكان مدعيا فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه وأولها: الاقتداء به واستعمال سنته واتباع أقواله وأفعاله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه وشاهد هذا قوله تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} وإيثار ما شرعه وحض عليه على هوى نفسه وموافقة شهوته قال الله تعالى {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وإسخاط العباد في رضى الله تعالى فمن اتصف بهذه الصفات فهو كامل المحبة لله ورسوله ومن خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبة ولا يخرج عن اسمها ومن علامة محبته صلى الله عليه وسلم الشوق إلى لقائه فكل حبيب يحب لقاء حبيبه وفي حديث الأشعريّين عند قدومهم المدينة كانوا يرتجزون غدا نلقى الأحبة – محمد وصحبه ومنها محبته لمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم من آله وأصحابه من المهاجرين والأنصار وعداوة من عاداهم وبغض من أبغضهم وسبهم فمن أحب شيئا أحب من يحب وقد قال صلى الله عليه وسلم " آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغضهم " ومنها بغض من أبغض الله ورسوله ومعاداة من عاداه ومجانبة من خالف سنته وابتدع في دينه واستثقاله كل أمر يخالف شريعته قال الله تعالى {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وهؤلاء أصحابه قد قتلوا أحباءهم وقاتلوا آباءهم وأبناءهم في مرضاته وقال له عبد الله بن عبد الله بن أبي: لو شئت لأتيتك برأسه يعني أباه ومنها أن حب القرآن الذي أتى به صلى الله عليه وسلم وهدى به واهتدى وتخلق به حتى قالت عائشة رضي الله عنها " كان خلقه القرآن " وحبه للقرآن تلاوته والعمل به وتفهمه ويحب سنته ويقف عند حدودها قال سهل بن عبد الله: علامة حب الله حب القرآن وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة وعلامة حب السنة حب الآخرة وعلامة حب الآخرة بغض الدنيا وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لا يسأل أحد نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله ومن علامات محبته صلى الله عليه وسلم النصيحة لله ورسوله فعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الدين النصيحة " قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فنصيحة الله تعالى صحة الاعتقاد له بالوحدانية ووصفه بما هو أهله وتنزيهه عما لا يجوز عليه والرغبة في محابه والبعد من مساخطه والإخلاص في عبادته والنصيحة لكتابه الإيمان به والعمل بما فيه وتحسين تلاوته والتخشع عنده والتعظم له وتفهمه والتفقه فيه والذب عنه من تأويل الغالين وطعن الملحدين والنصيحة لرسوله التصديق بنبوته وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه وموازرته وحمايته ونصرته حيا وميتا وإحياء سنته بالطلب والذب عنها ونشرها والتخلق بأخلاقه الكريمة وآدابه الجميلة ومعاداة من عاداه والتزام التوقير له والإجلال وشدة المحبة له والمثابرة على تعلم سنته والتفقه في شريعته ومحبة آله وأصحابه ومجانبة من رغب عن سنته وانحرف عنها وبغضه والتحذير منه والشفقة على أمته والبحث عن تعرف أخلاقه وسيره وآدابه والصبر على ذلك وأما النصح لأئمة المسلمين فطاعتهم في الحق ومعونتهم فيه وأمرهم وتذكيرهم إياه على أحسن وجه وتنبيههم على ما غفلوا عنه وكتم عنهم من أمور المسلمين وترك الخروج عليهم وإغراء الناس وإفساد قلوبهم عليهم والنصح لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم ومعونتهم في أمر دينهم ودنياهم بالقول والفعل وتنبيه غافلهم وتبصير جاهلهم وإعانة محتاجهم وستر عوراتهم ودفع المضار عنهم وجلب المنافع إليهم هذه بعض ثمرات محبته صلى الله عليه وسلم نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الذين يحبون الله ورسوله ومن الذين ينصرون الله ورسوله وشق له من اسمه ليجله / فذو العرش محمود وهذا محمد نبي أتانا بعد يأس وفترة / من الرسل والأوثان في الأرض تعبد فأمسى سراجا مستنيرا وهادياً يلوح كما لاح الصقيل المهندُ وأنذرنا نارا وبشر جنة وعلمنا الإسلام فالله نحمدُ هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين صلى الإله ومن يحف بعرشهِ والطيبون على المبارك أحمدِ

الصفات الإلهية تعريفها - أقسامها

الصفات الإلهية تعريفها - أقسامها ¤محمد بن خليفة التميمي£بدون¥أضواء السلف - الرياض¨الأولى¢1422هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - أعمال شاملة خاتمة: بعد هذا العرض لتعريف الصفات وبيان أقسامها والمسائل المتعلقة بذلك أعرض أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث، فأقول: أولاً: إن ضابط الصفات الإلهية عند أهل السنة هو: ما قام بالذات الإلهية ووردت به نصوص القرآن والسنة. فأهل السنة يثبتون قيام الصفات بالذات سواء الذاتية منها أو الفعلية. ثانيا: يشترط لثبوت الصفات ورود النص من القرآن أو السنة بذلك فباب الصفات توقيفي. ولدلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفات ثلاثة أوجه: 1 - التصريح بالصفة. 2 - تضمن الاسم للصفة. 3 - التصريح بفعل أو وصف دال عليها. ثالثاً: أن كل واحد من لفظ "الوصف" أو "الصفة" لا فرق بينهما عند أهل السنة، وأنهما قد يراد بهما الكلام الذي يوصف به الموصوف أو المعاني التي يدل عليها الكلام. بخلاف قول الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم الذين جعلوا الصفات مجرد القول الذي يعبر به عن الموصوف من غير قيام معنى. وبخلاف الصفاتية الذين يجعلون الوصف: هو القول، والصفة: هو المعنى القائم بالموصوف، فيفرقون بين الوصف والصفة. رابعاً: المضافات إلى الله على نوعين هما: 1 - إضافة الملك. 2 - إضافة صفة. وصفات الله عز وجل من إضافة الصفة إلى الموصوف، فتكون قائمة به سبحانه. بخلاف قول الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم الذين لا يعترفون بالقسم الثاني من أقسام الإضافة إلى الله، فردوا جميع ما يضاف إلى الله من الصفات إلى إضافة الخلق أو إضافة وصف من غير قيام معنى به. وبخلاف قول الصفاتية من الكلابية ومن وافقهم الذين ينكرون قيام صفات الأفعال بالذات ويجعلون إضافتها إلى الله على أنها نسب إضافية عديمة. خامساً: يشتمل توحيد الأسماء والصفات على ثلاثة أبواب: 1 - باب الأسماء. 2 - باب الصفات. 3 - باب الإخبار. وباب الأسماء هو أخص تلك الأبواب، وباب الصفات أوسع من باب الأسماء، وباب الإخبار أوسع منهما. سادساً: أن الألفاظ التي لم ترد بها النصوص لا تدخل في باب الصفات وإنما هي داخلة في باب الإخبار، ولأهل السنة ضوابط في ذلك تقدم تفصيلها. سابعاً: تنقسم الصفات عموماً إلى قسمين: 1 - صفات نقص. 2 - صفات كمال. والله عز وجل موصوف بالكمال ومنزه عن صفات النقص. ثامناً: تنقسم الصفات باعتبار ورودها في النصوص إلى قسمين: 1 - الصفات الثبوتية. 2 - الصفات السلبية. والأصل في هذا الباب صفات الإثبات وأما الصفات المنفية فهي تابعة للصفات الثبوتية ومكملة لها. تاسعاً: تنقسم الصفات السلبية إلى قسمين: القسم الأول: سلب متصل. القسم الثاني: سلب منفصل. عاشراً: تنقسم الصفات الثبوتية من جهة تعلقها بالله إلى قسمين: القسم الأول: الصفات الذاتية. القسم الثاني: الصفات الفعلية. وكل من النوعين يجتمعان في أنهما صفات الله تعالى أزلاً وأبداً، لم يزل ولا يزال متصفاً بها ماضيا ومستقبلاً. الحادي عشر: تنقسم الصفات الثبوتية كذلك إلى قسمين: القسم الأول: الصفات اللازمة وهي على نوعين: 1 - ذاتية. 2 - معنوية. القسم الثاني: الصفات العارضة. الثاني عشر: الصفات الاختيارية أعم من الفعلية، فكل صفة فعلية فهي اختيارية وليس العكس. الثالث عشر: تنقسم الصفات الثبوتية باعتبار أدلتها إلى قسمين: القسم الأول: صفات شرعية عقلية، وهي ما اشترك في إثباتها الدليل العقلي مع الدليل الشرعي. القسم الثاني: الصفات الخبرية. وهي ما اقتصر في إثباتها الدليل الشرعي فقط. الرابع عشر: ينكر الغلاة من المعطلة الصفات الثبوتية ومن أقر منهم بالصفات السلبية قسمها إلى ثلاثة أقسام: 1 - صفات سلبية محضة. 2 - صفات إضافية محضة. 3 - صفات مركبة من سلب وإضافة. الخامس عشر: يتفق الكلابية وقدماء الأشاعرة مع أهل السنة في طريقة تقسيمهم للصفات، ولكن يخالفونهم في القدر المثبت. السادس عشر: يقسم الأشاعرة المتأخرون والماتريدية الصفات إلى أربعة أقسام هي: 1 - صفات المعاني. 2 - الصفات المعنوية. 3 - الصفات السلبية. 4 - الصفات النفسية. وليس عندهم من الإثبات إلا صفات المعاني السبع وهي العلم والحياة والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام. وفي الختام، فهذا جهدي أقدمه للقراء فما كان فيه من صواب فمن فضل الله عز وجل، وما كان فيه من خطأ فمني وأستغفر الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

التأويل في غريب الحديث من خلال كتاب النهاية لابن الأثير

التأويل في غريب الحديث من خلال كتاب النهاية لابن الأثير ¤علي بن عمر بن محمد£بدون¥مكتبة الرشد – الرياض¨الأولى¢1430هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶تأويل الخاتمة: ففي ختام هذا البحث أبين أهم ما توصلت إليه من نتائج وهي: 1 - بيان معنى الغريب، وبعض ما ألف فيه من مطبوع، أو مخطوط، أو مفقود. 2 - شمولية كتاب النهاية، واعتماده على أهم الكتب في الغريب. 3 - أشعرية ابن الأثير في باب أسماء الله وصفاته. 4 - إيضاح معاني التأويل عند السلف، وعند المتكلمين وبدايات دخول هذا المعنى في كتب اللغة. 5 - غريب الحديث للخطابي كانت به بدايات دخول التأويل إلى غريب الحديث. 6 - ذكر المعاني الصحيحة لأسماء الله تعالى، ولا يصح تأويل شيء منها. 7 - أن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية، لا تؤخذ من غير النصوص الشرعية الثابتة. 8 - تأويل ابن الأثير لبعض صفات الله تعالى الذاتية والفعلية. 9 - وجوب حمل النصوص على ظاهرها، المتبادر منها. ولا يصح حملها على المجاز والتمثيل إلا بدليل. 10 - أن إثبات صفات الله تعالى. لا يلزم منها مشابهة الخالق بالمخلوق. 11 - إجماع السلف على إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسول من غير تأويل أو تعطيل. 12 - عدم جواز تأويل صفة، بصفة أخرى، لأن ذلك تعطيل للصفة الأولى. 13 - مخالفة أهل التأويل للكتاب والسنة، وآثار سلف الأمة. 14 - تأويلات ابن الأثير خاصة وأهل الكلام عامة، إنما هو جناية على النصوص، وعلى اللسان العربي القويم. فهذه التأويلات لا يوافقها نص شرعي، ولا لسان عربي. 15 - سلامة كتابي أبي عبيد القاسم بن سلام، وابن قتيبة من التأويل, بخلاف كتابي الخطابي والزمخشري الذين وجد فيهما بعض التأويلات. 16 - إثبات آثار تأويلات ابن الأثير على أصحاب المعاجم، وشروح الحديث, وكتب العقائد بالإجمال. 17 - غزارة الفوائد العلمية في كتب الغريب، لكن المطلع عليها يجب أن يكون على حذر مما قد يكون فيها من تأويلات. 18 - كتاب النهاية يحتاج إلى تحقيق علمي يوضح الصحيح منه والضعيف ويزاد في بعض المعاني التي ذكرها المؤلف، ويكشف عن المعمى منه, ويبين ما فيه من خطأ أو سبق.

التبرك أنواعه وأحكامه

التبرك أنواعه وأحكامه ¤ناصر بن محمد الجديع£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨بدون¢1411هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ألوهية - تبرك بعد أن منّ الله تعالى عليّ بإتمام كتابة موضوع البحث (التبرك: أنواعه وأحكامه) - بتوفيق الله تعالى- استخلص أبرز نقاط البحث وأهم نتائجه فيما يأتي: أولاً: في مباحث التمهيد: 1) أن كل خير وبركة في الموجودات فهو من الله تبارك وتعالى، وأنه يختص بعض خلقه بما يشاء من ذلك. 2) البركة في اللغة العربية تطلق على الثبوت واللزوم، وعلى النماء والزيادة، وفي القرآن والسنة بمعنى ثبوت الخير ودوامه، أو كثرة الخير وزيادته، أو اجتماعهما معا. 3) أن لفظ (تبارك) لا يوصف به إلا الله تبارك وتعالى. 4) التبرك مشروع في الإسلام، ولكن ليس مشروعاً على الإطلاق، بل إن منه ما هو ممنوع. ثانياً: في مباحث الباب الأول: 1) أن البركة تنقسم إلى قسمين: دينية ودنيوية. 2) من أعظم الأمور المباركة القرآن الكريم، ويتضمن خيرات كثيرة دينية ودنيوية. 3) أفضلية الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه مبارك في ذاته وفي أفعاله وفي آثاره صلى الله عليه وسلم، وبركاته تتضمن البركة الدينية والدنيوية. 4) فضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأنهم أصحاب خير وبركة على الناس في دنياهم وأخراهم. 5) فضل الملائكة عليهم السلام، وأن لهم بركات عديدة على المؤمنين. 6) فضل الصالحين، وأن لهم منافع وبركات على غيرهم دينية ودنيوية. 7) فضل المساجد الثلاثة، وأفضلية الصلاة فيها، واختصاصها بجواز شد الرحل إليها. 8) فضل المشاعر المقدسة في مكة المكرمة، وبركة الأعمال الصالحة فيها إذا أديت على الوجه المشروع. 9) اختصاص المدينة المنورة بفضائل وبركات عظيمة، وفضل الصلاة في مسجد قباء. 10) فضل وبركة سائر المساجد. 11) تميّز شهر رمضان بعدة فضائل وبركات، وأفضلية ليلة القدر وبركتها. 12) فضل وبركة عشر ذي الحجة، وأيام التشريق، والأشهر الحرم، ويوم الجمعة والاثنين والخميس، ووقت النزول الإلهي. 13) بركة بلاد الشام، واليمن. 14) بركة المطر، وشجرة الزيتون، واللبن، والخيل، والغنم، والنخل. ثالثاً: في مباحث الباب الثاني: 1) أن لذكر الله تعالى - بمختلف أنواعه- بركات دينية ودنيوية. 2) فضل وبركة تلاوة القرآن الكريم. 3) أن الرقية بالقرآن الكريم أو بذكر الله عز وجل –إذا كانت على الوجه المشروع- من أعظم أسباب العلاج والشفاء لكثير من الأمراض الحسية والمعنوية، بل إنها من أسباب الوقاية أيضاً. 4) لا بأس بالرقية عن طريق القراءة في الماء، أما الرقية عن طريق الكتابة في الإناء ونحوه فالأولى تركه. 5) أن القول الأقرب والأحوط هو عدم جواز تعليق التمائم التي من القرآن أو الذكر. 6) لا ينبغي تعليق الآيات أو الأذكار على الجدران ونحوها للتبرك، لأنه من البدع، وكذا وضع المصحف في مكان ما للتبرك. 7) ثبوت تبرك الصحابة رضي الله عنهم بذات النبي صلى الله عليه وسلم الكريمة وبآثاره الشريفة في حياته، وإقراره صلى الله عليه وسلم إياهم على ذلك، وثبوت تبركهم أيضاً وتبرك التابعين بآثاره صلى الله عليه وسلم بعد وفاته. 8) أن ما يُدّعى الآن عند بعض الأشخاص أو في بعض المواضع من وجود بعض الآثار النبوية –كالشعرات أو النعال أو غيرها- موضع شك كبير، وأنه يصعب ويُستبعد إثبات صحة نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه القطع واليقين. 9) عدم صحة ما رآه بعض العلماء من جواز التبرك بذوات الصالحين وآثارهم قياساً على الرسول صلى الله عليه وسلم. 10) مشروعية التبرك بمجالسة الصالحين وصحبتهم، للانتفاع بعلمهم، والاستماع إلى نصائحهم، والانتفاع بدعائهم، والتحصل على فضل مجالس الذكر، ونحو ذلك.

11) مشروعية التبرك بشرب ماء زمزم للحاج والمعتمر وغيرهما، الذي هو أفضل مياه الأرض شرعاً وطباً، وفيه طعام وشفاء، وأنه يجوز نقله خارج الحرم للتبرك به. 12) استحباب السحور للصائم لحصول البركة الدينية والدنيوية فيه. 13) من سنن آداب الأكل المقرونة بالبركة: الاجتماع عليه، والتسمية، والأكل من جوانب إناء الطعام، ولعق الأصابع بعد الأكل، ولعق إناء الطعام، وأكل اللقمة الساقطة، وأن كيل الطعام فيه بركة. 14) من الخصال الحميدة التي تجلب البركة: الصدق في المعاملة، وسخاء النفس في طلب المال، والتبكير والمبادرة - أول النهار- في طلب العلم والتجارة، ونحو ذلك من المهمات. رابعاً: في مباحث الباب الثالث: 1) الأمور التي منع الدين التبرك بها: ما نص الشرع على النهي عنه والتحذير من فعله، وما تجاوز حدود التبرك المشروع، وما لم يكن له مستند من الشرع أصلاً. 2) استحباب زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم - على الوجه المشروع- بدون شد رحل. 3) أن شد الرحال لمجرد زيارة قبره صلى الله عليه وسلم فقط لا يجوز. 4) أن السفر لزيارة مسجده صلى الله عليه وسلم وقبره معاً جائز. 5) عدم شرعية التبرك بقبره صلى الله عليه وسلم، ورد شبه المخالفين. 6) عدم شرعية التبرك بالمواضع التي جلس أو صلى فيها عليه الصلاة والسلام دون قصد، ورد شبه المخالفين. 7) أن ما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم من العبادات في أي موضع على وجه التعبد –كالصلاة خلف مقام إبراهيم عليه السلام، وقصد الصف الأول في الصلاة- يشرع قصده اقتداء به صلى الله عليه وسلم. 8) بطلان ادعاء وجود أحجار عليها أثر موطيء قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لو صح وجود شيء من ذلك افتراضاً فإنه لا يجوز التبرك به على أي وجه. 9) عدم جواز التبرك بمكان ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، ووقوع الاختلاف في تعيين مكان الولادة. 10) عدم شرعية التبرك والاحتفال بليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم، والرد على شبه المجيزين، وبيان أنه ليس لهذه الليلة مزية على غيرها، واختلاف المؤرخين في تعيينها. 11) أول من أحدث بدعة الاحتفال بالمولد النبوي هم العبيديون (المتسمون بالفاطميين) في القرن الرابع. 12) عدم شرعية التبرك والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، ووقوع الاختلاف في تعيينها، وعدم شرعية التبرك والاحتفال بذكرى الهجرة، ونحوها من الأحداث والوقائع. 13) من أنواع التبرك الممنوع: التبرك بذوات الصالحين وآثارهم ومواضع عباداتهم وإقامتهم، ورد شبه المجيزين لذلك. 14) مشروعية زيارة القبور للرجال على الوجه المشروع، بدون شد رحل. 15) أن المقصود بزيارة القبور شيئان: اتعاظ الزائر، والإحسان إلى الأموات بالسلام عليهم والدعاء لهم. 16) وجود قبور كثيرة مشهورة يتبرك بها في أنحاء العالم الإسلامي. 17) أول من أدخل بدع مشاهد ومزارات القبور عند المسلمين هم الشيعة الروافض، ثم أصحاب الطرق الصوفية. 18) عدم شرعية التبرك بقبور الصالحين وغيرهم، والرد على شبه المخالفين. 19) عدم شرعية التبرك والاحتفال بموالد الصالحين الزمانية والمكانية. 20) من أنواع التبرك الممنوع: التبرك ببعض الجبال والمواضع، وشد الرحل إليها لأجل ذلك. 21) ليس في الدنيا من الجمادات ما يُشرع تقبيله إلا الحجر الأسود، ولا يُمسح غير الحجر الأسود والركن اليماني من الكعبة، ولا يجوز الطواف بغير الكعبة المشرفة، ولا يراد بهذه الأمور التبرك بالكعبة، إنما المقصود التعبد والاتباع. 22) ليس في الشريعة بقعة تقصد للعبادة إلا المساجد ومشاعر الحج.

23) ليس من شريعة الإسلام: التبرك بجدران المساجد أو ترابها أو أبوابها، من جهة التقبيل أو التمسح ونحو ذلك، لا المسجد الحرام، ولا سائر المساجد. 24) وجود عدة مساجد محدثة مبنية على آثار الرسول صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الأنبياء والصالحين، في مكة والمدينة والشام وغيرها - تُزار وتُقصد للعبادة تبركا من قبل البعض- وهذا غير مشروع. 25) وجود بعض الجبال والدور والآبار التي يُدّعى فيها الفضل والبركة، وتُزار وتُقصد تبركا بها، وهذا ليس بمشروع. 26) ليس للصخرة في القدس مزية في الإسلام ولا خصوصية في العبادة، إنما هي كانت قبلة منسوخة، فلا يجوز التبرك بها على أي وجه. 27) لا يُقطع بتعيين قبر نبي سوى قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة إجماعاً، وقبر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بمدينة الخليل بالشام على قول الجمهور. 28) لا يجوز التبرك بالأشجار والأحجار ونحوها بأي وجه من الوجوه. 29) أن بعض صور ومظاهر التبرك الممنوع قد تكون شركاً، وذلك بحسب الفعل ذاته، أو على حسب اعتقاد فاعله وقصده. خامساً: في مباحث الباب الرابع: 1) أبرز أسباب وجود التبرك الممنوع في المجتمع الإسلامي: الجهل بالدين، والغلو في الصالحين، والتشبه بالكفار، وتعظيم الآثار. 2) من العوامل الأخرى المعينة على وجوده وانشاره: تأثير الفرق المبتدعة، كالصوفية والرافضة، والتمسك بالآثار الضعيفة أو الموضوعة، وقياس الممنوع من التبرك على المشروع منه، وسكوت العلماء عن الإنكار، والاستسلام للعاطفة، والتعصب للهوى. 3) التبرك الممنوع يفضي إلى شرور كثيرة اعتقادية وعملية، وله آثار سيئة خطيرة. 4) أهم هذه الآثار: الشرك، الابتداع، اقتراف المعاصي وانتهاك الحرمات، الوقوع في عدة أنواع من الكذب، تحريف النصوص، إضاعة الواجبات والسنن، التغرير بالجهال وإضلال الأجيال. 5) من الوسائل المهمة لمقاومة التبرك الممنوع والقضاء عليه: نشر العلم الشرعي بين الناس على أوسع نطاق، والدعوة إلى المنهج الحق، وذلك ضمن تحقيق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإزالة وسائل الغلو في الأنبياء والصالحين وغيرهم، ومظاهر التبرك الحسية المبتدعة. وفي ختام هذا الكتاب أتوجه إلى الله العلي القدير أن يجعل هذا العمل في ميزان أعمالي الصالحة يوم القيامة، وأن يغفر لي كل خطأ أو سهو أو تقصير، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

التبيان لعلاقة العمل بمسمى الإيمان

التبيان لعلاقة العمل بمسمى الإيمان ¤علي بن أحمد بن سوف£بدون¥بدون¨الأولى¢1421هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إيمان وكفر - أركان وضوابط الخاتمة وهي: خلاصة هذا البحث: من خلال ما سبق عرضه في هذا البحث يمكن أن نشير إلى بعض الأمور كنتائج اشتمل عليها هذا البحث وذلك فيما يلي: 1 - أن الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وأن هذا هو الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان وهو مدلول الكتاب والسنة. 2 - أن دراسة موضوع قضايا الإيمان، لا تنفك عن دراسة ما يقابله وهو الكفر، فإن اللبس والخطأ في فهم حقيقة الإيمان يورث - بطبيعة الحال - لبساً وخطأً في دراسة الكفر، كما هو ظاهر حال المبتدعة من الخوارج والمعتزلة الوعيدية والمرجئة والأشاعرة والماتريدية. 3 - إذا كان الإيمان قولاً وعملاً، قول القلب وعمله، وقول اللسان وعمل الجوارح، فالنواقض إما أن تضاد قول القلب أو عمله، أو تضاد قول اللسان أو عمل الجوارح، حيث إن الإيمان تصديق وإقرار، وانقياد والتزام بطاعة الله تعالى ظاهراً وباطناً، فيكون الكفر بالاعتقاد وبالعمل وبالقول. 4 - التأكيد على أهمية دراسة نواقض الإيمان، وضرورة الاعتناء بها وتحرير مسائلها بعلم وعدل، والحذر من مسلك ردود الأفعال، وما يؤول إليه من غلو كما هو مذهب الخوارج أو جفاء كما هو مذهب الإرجاء. 5 - الاعتناء بالتفصيل والتوضيح عند دراسة تلك النواقض، وتحقيق حدودها وتعريفاتها شرعاً ولغة وعرفاً، والحذر من الإجمال في ذلك. 6 - ضرورة مراعاة ضوابط التكفير، فإن الاعتناء بمثل ذلك يوجب توسطاً واعتدالاً بين الإفراط والتفريط كما هو مذهب أهل السنة والجماعة. 7 - تضمن هذا البحث جملة من نواقض الإيمان وأهم ذلك ما كان له علاقة بالشرك المنافي لتوحيد رب العالمين وإفراده بالعبادة، وإن لم يحصل التوسع المطلوب في هذا الباب إلا أن الإشارة لبعضها تكفي ومن الصعوبة بمكان حصر جميع النواقض والإحاطة بها. 8 - أن سبب ضلال من ضل في مسائل الإيمان هو معارضة نصوص الكتاب والسنة بالعقل والهوى، وبعد جمع النصوص الصحيحة وعرضها على العقول السليمة يتبين أنه لا تعارض بين النقل والعقل عند النظر السليم، وأن قول الفرق الضالة من أهل البدع جميعاً (إن الإيمان جزء لا يتبعض إذا ذهب بعضه ذهب كله) كان سبب انحرافهم عن الصواب والحق. 9 - ظهر من خلال عرض مسألة منزلة عمل الجوارح من الإيمان وحكم من تركه بالكلية، أهمية وخطورة هذه المسألة وأن من تكلم فيها وهو على غير دراية بشبه الإرجاء وقع في الزلل وأن إخراج العمل عن مسمى الإيمان هو الإرجاء بعينه وأن تعلق العمل بالإيمان منحصر في أربع حالات لا خامس لها بغض النظر عن حقيقة وجود بعضها من عدمه في الواقع: 1 - أن يجتمعا معاً - أي إيمان القلب وعمل الجوارح. 2 - أن ينتفيا معاً - أي إيمان القلب وعمل الجوارح. 3 - أن توجد أعمال الجوارح مع انتفاء إيمان القلب. 4 - أن يوجد إيمان القلب مع انتفاء أعمال الجوارح. فأما القضية الأولى فمتفق عليها وأن صاحبها: (مؤمن). وأما القضية الثانية فمتفق عليها ويكون صاحبها: (كافراً). وأما القضية الثالثة فمتفق عليها أيضاً ويكون صاحبها: (منافقاً).

وأما القضية الرابعة وهي فرض ما لا يقع فمن المحال أن يوجد إيمان القلب ولا يوجد شيء من الأعمال الظاهرة كما قد مضى تقريره من كلام شيخ الإسلام في فصل ارتباط الظاهر بالباطن، فالمرجئة يلحقون حكمها بحكم الأولى بل يقولون إن إيمان من تنطبق عليه القضية الأولى كإيمان من تنطبق عليه القضية الرابعة سواء بسواء إذ الأعمال عندهم خارجة عن الإيمان والإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس فيه كما سبق بيانه.

وقبل الختام فقد قمت بجمع لبعض النقول عن حقيقة قول الأشاعرة في علاقة العمل بالإيمان من كتبهم وهي كالتتمة يتبين بها أن من قال جنس عمل الجوارح شرط كمال قد وافق الأشاعرة في ذلك، يقول صاحب الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني أحمد بن غنيم النفزاوي الأشعري المتوفى 1125هـ: (وواضعه - أي علم التوحيد عندهم - أبو الحسن الأشعري وإليه تنسب أهل السنة حتى لقبوا بالأشاعرة، من ذلك المذكور من واجب أمور الديانات الإيمان أي التصديق بالقلب المعبر عنه بالفؤاد والنطق باللسان ومعمول الإيمان والنطق على طريق التنازع أن الله إله واحد لا إله غيره تأكيد لما قبله وفي كلامه حذف تقديره وأن محمداً رسول الله لأن الإيمان لا يوجد إلا إذا حصل التصديق بمجموع الأمرين وإنما حذف تلك الجملة هنا لأنه يشير لها عند قوله فيما يأتي، ثم ختم الرسالة الخ وكلام المصنف هنا كالصريح في أن الإيمان مركب من التصديق بالقلب والنطق باللسان ويعين هذا قوله الآتي وأن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وأما العمل بالجوارح فشرط في كماله كما يأتي في قوله ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل وقدمنا قبل الباب عند قوله فآمنوا بالله بألسنتهم ناطقين وبقلوبهم مخلصين وبما أتتهم به رسله وكتبه عاملين أن هذا مذهب السلف وهو موافق لقول المصنف هنا من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان أن الله إله واحد لا إله غيره وسكت عن الأعمال إشارة إلى أنها غير ركن منه وإنما هي شرط كمال كما سيصرح به فيما يأتي بقوله ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل ولا يشكل على هذا قوله آخر الباب وإن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح الموهم أنه مركب من ثلاثة ونسب لجمهور المحدثين والمتكلمين والفقهاء منهم ابن حبيب وللمعتزلة لإمكان حمل الأعمال فيه على وجه الكمال لا أنها ركن منه بدليل تصريحه بقوله ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل للقاعدة من رد المحتمل لغيره فيصير كلامه في المواضع الثلاثة على قول واحد وأما المعتزلة ومن وافقهم فيجعلون الأعمال ركناً حقيقياً للإيمان كما نبه على ذلك شيخ شيوخنا اللقاني حيث قال الأعمال عند السلف شرط لكمال الإيمان وعند المعتزلة ركن فيه هذا هو الذي ينبغي فهم كلام المصنف عليه لا ما يوهمه كلام التحقيق من نسبة الآتي للمعتزلة والمحدثين لأن الأماكن المتخالفة إذا أمكن ردها لشيء واحد يصار إليه ولا سيما عند ما يعين ذلك كما هنا فإن قوله ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل شاهد صدق فيما قلنا والذي عليه جمهور الأشاعرة والماتريدية عدم تركبه وإنما هو عبارة عن التصديق القلبي بكل ما علم مجيء الرسول به واشتهر بين أهل الإسلام وصار العلم به يشابه العلم الحاصل بالضرورة بحيث يعلمه العامة من غير توقف على نظر واستدلال وإن كان أصله نظرياً كوحدة الصانع ووجوب الصلاة والمراد من تصديقه عليه السلام قبول ما جاء به مع الرضا بترك التكبر والعناد والامتثال لبناء الأعمال عليه لا مجرد نسبة الصدق إليه من غير إذعان حتى يلزم عليه إيمان كثير من الكفار الذين كانوا يعملون بحقيقة نبوته ولكن لم يذعنوا لذلك كأبي طالب ومن شابهه وأما النطق باللسان فالمشهور فيه عندهم أنه شرط لإجراء أحكام الدنيا في حق القادر عليه ومقابل المشهور يجعله شرطاً في صحة الإيمان أو شطراً منه واقتصر صاحب الجوهرة على مذهبهم حيث قال: وفسر الإيمان بالتصديق ... والنطق فيه الخلف بالتحقيق

قيل شرط كالعمل وقيل بل شطر [والإسلام أشرحن بالعمل] وأما أعمال الجوارح فهي شرط لكمال الإيمان كما يدل عليه قول المصنف .. فتلخص مما ذكرنا ثلاث مذاهب مذهب السلف وهو ما جرى عليه المصنف ومذهب جمهور الأشاعرة والماتريدية وهو ما صدر به صاحب الجوهرة ومذهب المحدثين والمعتزلة. وقال علي العدوي: (والذي يتضح لنا من تقريرهم أن الخلاف لفظي وأن من يقول بالزيادة والنقصان إنما أراد الثمرات لا نفس التصديق ومن قال بعدمهما أراد نفس التصديق هذا والتحقيق أن التصديق في حد ذاته يقبل الزيادة والنقص بكثرة النظر وتظاهر الأدلة ولا يلزم من قبوله النقص والزيادة أن يكون شكاً وكفراً كما قاله أبو حنيفة، قوله [أنه المشهور] أي المشهور عنه هو قوله الأول كما أفاده منقوله على الأعمال أي على ما يعم الأعمال أي على الثلاثة التي الأعمال جزء منها هذا هو الموافق لما تقدم إلا أنه ينافيه الإستدلال بالآية فإن الذي فيها إطلاق الإيمان على الأعمال فقط إلا أن يقال إنه استدلال في الجملة، قوله [عند أهل الحق] ظاهره أن فيه خلافاً عند غيرهم وانظره. قوله [قيل معناه لا يصح] هذا الحمل باطل لأنه عين مذهب المعتزلة فلا يناسب الحمل عليه بل الصواب إبقاء العبارة على ظاهرها من أن العمل شرط كمال. قوله [الإيمان] أي القول المنسوب للإيمان من نسبة الجزء للكل. قوله [وهو التلفظ بالشهادتين] أي أو ما يقوم مقامه قاله عج وأراد بالتلفظ بهما حركة اللسان بهما، قوله [داخل في حقيقة الإيمان] أي أصل الإيمان أي الإيمان الذي به النجاة من العذاب المخلد قوله وقيل الكمال هذا هو الصواب قوله غير داخل في حقيقة الإيمان أي الإيمان الذي به النجاة من العذاب المخلد فلا ينافي أنه داخل في حقيقة الإيمان الكامل، قوله [منجياً له من النار] أي بحيث لا يدخلها أبداً وقوله صح إيمانه أي فلا يخلد في النار). قال صاحب حواشي الشرواني: (فالإيمان تصديق القلب بما علم ضرورة مجيء الرسول به من عند الله كالتوحيد والنبوة والبعث والجزاء وافتراض الصلوات الخمس والزكاة والصيام والحج والمراد بتصديق القلب به إذعانه وقبوله له وذهب جمهور المحدثين والمعتزلة والخوارج إلى أن الإيمان مجموع ثلاثة أمور اعتقاد الحق والإقرار به والعمل بمقتضاه). وقال عبد المجيد الشرنوبي الأزهري [ت 1348هـ]: ([للإيمان] أي التصديق [بالقلب والنطق باللسان] فالإيمان مركب منهما وهذا باعتبار جريان الأحكام وإلا فالتصديق وحده ينجي صاحبه من الخلود في النار.

التطاول الغربي على الثوابت الإسلامية

التطاول الغربي على الثوابت الإسلامية ¤محمد يسري£بدون¥دار الصفوة¨الأولى¢1428هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶دفاع عن السنة وأهل الحديث الخاتمة: تناول البحث ظاهرة التطاول على حرمات الإسلام وثوابته والتي تنامت بشكل لافت للنظر في السنوات الأخيرة. واستعرض البحث صورة الإسلام في الفكر الغربي القديم والحديث؛ حيث رصدت تصريحات ومواقف عدائية غلبت على الفكر الغربي قديماً وحديثاً، وانحياز ضد الإسلام من قبل ظهور الحركات الإسلامية المعاصرة، وإن لم يمنع هذا من وجود أصوات منصفة هنا وهناك قديماً وحديثاً. وفي حين كانت المناهج الدراسية القديمة تتجاهل الإسلام أو تصمه بالبهتان، فإن المناهج الحديثة قد تخلصت من رواسب حركتي الاستشراق والتنصير وبدت أكثر اعتدالاً، مما يبشر بتغير إيجابي تلمس آثاره واضحة عن قريب. ولقد تشوهت صورة النبي صلى الله عليه وسلم في التراث الغربي بشكل ظاهر وقبل الحروب الصليبية، وإن كانت حقبة القرون الوسطى وما بعدها كتب فيها أسوأ البهتان والافتراء، الأمر الذي دعا بعض المنصفين أن يرد على ذلك بشكل فردي. وترجع أسباب هذا التطاول إلى أسباب دينية، وأخرى فكرية ثقافية، وثالثة تاريخية ونفسية، كما أن من الأسباب ما يرجع إلى اتهام المسلمين أنفسهم بالتقصير في البيان والرد. ومع كل هذا الركام فإنه يتبين ما يدعو للتفاؤل بالتحول التدريجي نحو الموضوعية، بطروء تحسن ملحوظ على المقررات الدراسية والجامعية في الدراسات الإسلامية، وبظهور إفلاس الحضارة الغربية، وتنامي النضج والوعي الإسلامي، وتزايد عدد المنصفين الغربيين، ويتعين العمل على إعادة تشكيل العقل الغربي حول الإسلام وثوابته، والتصدي المباشر لحملات الإساءة والتشويه بمختلف الوسائل، وأخيراً العناية بالداخل الإسلامي وتقويته وإنهاضه، وذلك كله عبر وسائل عملية عصرية وفعالة.

التقليد والتبعية وأثرهما في كيان الأمة الإسلامية

التقليد والتبعية وأثرهما في كيان الأمة الإسلامية ¤ناصر بن عبدالكريم العقل£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض¨بدون¢1393هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶تشبه بالكفار الخاتمة أحمد الله الذي بنعمته وتوفيقه تتم الصالحات. وبعد: فتلك لمحة سريعة كتبتها على عجل .... ومحاولة صغيرة على موضوع التقليد والتبعية وأثرهما على العالم الإسلامي ... مع عرض سريع للأسباب والنتائج، وبيان حكم الإسلام فيه، ومواقف الشعوب الإسلامية منه. ولقد ازداد يقيني – بعد هذه المحاولة – بما ذكرته في المقدمة، من أن بحث هذه القضية جد خطير ولا أستطيع – وأنا طالب – معالجته على المطلوب فهو جدير بأن يهتم به الأساتذة والعلماء والمفكرون في العالم الإسلامي. فالقضية التي يعالجها هذا البحث هي – في نظري – أهم قضية يعيشها المسلمون وأكبر مشكلة تعانيها الأمة الإسلامية بأجمعها. ثم إنها ذات جوانب كثيرة ومتعددة، فكل باب من هذا البحث – بل كل فصل فيه – يحتاج إلى مؤلف مستقل لدراسته دراسة موضوعية، باستقصاء حقائقه، واستقراء وقائعه وتقديم النتائج والحلول على ضوئها. لذلك صار جهدي هذا بمثابة العرض السريع ليس إلاَّ، وقد أشرت في المقدمة إلى أسباب اختياري لهذا الموضوع. وعلى الرغم من أني بحثت هذا الموضوع إلا أنني – وأنا أكتب هذا البحث ... وقبل ذلك وبعده – مقتنع تمام الاقتناع أن مشكلة التقليد والتبعية وغيرها من المشكلات التي تعاني منها أمتنا .. كل ذلك لا تحله المؤلفات والأقلام وحدها. ولا الخطب والمحاضرات والكلمات فحسب، ولا القراءات والمؤتمرات مهما كثرت، بل يجب قبل ذلك كله وبعده ومعه العمل الجاد .. والجهاد المستمر، والصبر الجميل. فقد دلت النصوص الشرعية وأثبت التاريخ الإسلامي الطويل أن أمتنا لا تنتصر بالكلام والخطب الرنانة، ولا تتقدم بالمؤلفات والمجلدات الضخمة، ولا تعيش على الأماني والأحلام، ولا تنخدع بالمظاهر والوعود الكاذبة إلى الأبد وأنها متى استمسكت بالإسلام وحكمته في كل شئون حياتها فإنما هي أمة عمل، وجد، وبناء وتعمير، وفتوة وبطولات. أمة تعمل قبل أن تقول. أمة تغيِّر ولا تتغير. أمة تبني ولا تهدم. كل ذلك رهين بتطبيقها للإسلام – كما أراده الله – أما إذا بحثت عن العز والرقي من غير هذا الطريق فإنها – لا شك – خاسرة ومنهزمة كما هي الحال الآن. وإن من سنن الله في خلقه أن يجعل قيادة البشرية (الملك) وبناء الحضارة والمدنية (زينة الحياة الدنيا) بيد الأمة التي تستعمل القوى الثلاث – السمع والبصر والفؤاد – وتسخرها. من تعمير الأرض وتشييد الحضارة سواء كانت مسلمة أو كافرة وسواء خدمت بذلك البشرية وسعت لصلاحها وسعادتها وأمنها، أو سعت لخرابها وشقائها ودمارها. وإن كل أمة تعطل هذه القوى الثلاث ولا تسخرها لعمارة الأرض وتشييد الحضارة فإنها لابد أن تقع في أسر الخمول والإخلاد والتبعية كحال المسلمين اليوم فقد سلّموا – آثمين – زمام القيادة العالمية إلى العالم الغربي الكافر، اليهودي والصليبي والشيوعي – يقود البشرية المسكينة إلى الهاوية وإلى الدمار في الحياة الدنيا، وإلى النار في الآخرة، وساء ت مصيرا. وحين ينظر المرء في الحال التي تعيشها الأمة الإسلامية الممزقة، والحال التي تعيشها البشرية المهددة، فلا شك أنه سيسأل ويستصرخ: أين طريق الخلاص؟؟؟ والإجابة: إنه الإسلام، والإسلام وكفى.

ذلك أن الله تعالى لم يخلق البشرية عبثاً ولم يتركها هملاً، ومتى نظرت البشرية إلى الإسلام نظرة صادقة مخلصة فستجد فيه راحتها وسعادتها، ومع هذا فإني – كما قلت آنفاً- مقتنع بأن الإجابة على هذا السؤال عملية أكثر منها نظرية وذلك: أن البشرية تتطلع إلى المنقذ بصورة عملية واقعية حية تعيش في واقع الحياة وتبرز من خلال السلوك البشري والجهد الإنساني ذاته فهي لا تريد عرض مبادئ وأفكار نظرية، فلقد تشعبت عليها المبادئ والنظريات والأفكار. وهي لا تريد فلسفات معقدة فكم أتعبتها الفلسفات. وهي لا تريد حلولاً مثالية خيالية فكم تمنت وحلمت وعادت بالخيبة والخسران. صحيح أن البشرية تعاني من القلق والشقاء والحيرة والتهديد بالحروب العالمية القاضية، وصحيح أن الإسلام هو المنقذ الوحيد لها من ذلك، لكنها – مع الأسف – ترى العالم الإسلامي يعيش كما تعيش هي، ويعاني مما تعاني هي، فلسان حالها يقول: فأين الإسلام!!! إذاً ... فالإسلام يحتاج إلى رجال – بكل ما للكلمة من معنى – أكثر مما يحتاج إلى المؤتمرات، والقرارات، والمؤلفات، والخطب و .... و .... والإسلام الآن – ومن ثم العالم الإسلامي – لا يرجع إليه عزه ومجده إلاَّ برجال، وتضحيات غالبة، وجيل يحمله، ومجتمع يقيمه، ودولة تحميه وتجاهد في سبيله، ولا تتاجر به. نعم ... !! إن الإسلام ليس مجرد نظريات محتملة للخطأ والصواب. وليس مجرد حلول مثالية غير قابلة للتطبيق الواقعي. وليس مجرد نظم واجتهادات بشرية تدخلها الأهواء والضعف الإنساني. وليس مجرد عبادات وطقوس تقام في المساجد والمناسبات الدينية. بل إنه دين الله ... هو عبادة وصلاة، إيمان وعمل، عقيدة وشريعة وهو تجربة تاريخية واقعية ثابتة سامقة. وهو: حلول وإصلاح وبناء، وعمل، وتعمير، وجهاد، متواصل، يقوم بجهد الإنسان المؤمن. وهو: نظم وتشريعات إلهية تستمد من الوحي الذي لا يأتيه الباطل. وهو: منهج للحياة من كل جوانبه، دين ودولة، عبادة وقيادة، محراب ومصنع، علم وعمل، جهاد وسلم، وكل ما تنشده البشرية من خير وبناء وسعادة. وعودة البشرية إلى الإسلام – بعد هذا العناء الطويل – ضرورة حتمية فهي لابد تعي هذه الحقيقة, فقد بدأت تظهر بوادر هذه العودة سواء أدرك الناس هذه الحقيقة أم لم يدركوها .. إنما لا يستطيع أحد أن يقول: أين ومتى وكيف؟ لأن ذلك غيب علمه عند الله وحده. أسأل الله سبحانه وتعالى – أن يتقبل مني هذا الجهد الضعيف، وأن يأخذ بأيدي المسلمين جميعاً إلى سبيل مرضاته، وأن ينقذهم مما هم فيه إنه على كل شيء قدير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

التكفير في ضوء السنة النبوية

التكفير في ضوء السنة النبوية ¤باسم بن فيصل الجوابرة£بدون¥جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية¨الأولى¢1427هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶التكفير - ضوابط وشروط الخاتمة: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على أفضل الخلق المبعوث رحمة للعالمين. وبعد أن منَّ الله عليّ بإتمام هذا الحديث المهم، فهذه أهم النتائج التي توصلت إليها: - افترق المسلمون في مسائل التكفير إلى ثلاث فرق: الأولى: الخوارج والمعتزلة ومن على منهجهم حيث توسعوا في تكفير المسلمين مقتصرين على أدلة الوعيد في الكتاب والسنة. والفرقة الثانية: المرجئة ومن على منهجهم الذين حكموا لكل من شهد الشهادتين بكمال الإيمان، وقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، مقتصرين على أدلة الوعد في الكتاب والسنة. أما أهل السنة والجماعة وهي الفرقة الناجية فهم وسط بين الفرقتين السابقتين، الذين جمعوا بين نصوص الوعد والوعيد. – الكفر عند أهل السنة والجماعة ينقسم إلى قسمين: كفر أكبر مخرج من الملة، وكفر أصغر لا يخرج من الملة، أو كفر اعتقادي، وكفر عملي. – التكفير حكم شرعي وحق محض لله – عز وجل -. – الأصل في المسلم العدالة، وبقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى دليل شرعي، ولا يجوز الإقدام على التكفير إلا من عالم معتبر مأمون مشهور بالعلم والورع والصدق، وبدليل شرعي واضح وضوح الشمس في رابعة النهار. – جميع الأحاديث التي ذكر فيها لفظ الكفر إنما تقع على الكفر العملي وتقع على الأقوال والأفعال، ولا تخرج من الملة. – يجب التفريق عند قراءة النصوص بين التكفير المطلق، وبين التكفير المعين؛ فالكفر ذو أصل وشعب، لا يلزم من قيام شعبة من شعب الكفر بالعبد أن يسمى كافراً وإن كان ما قام به كفراً، وقد يجتمع في الرجل كفر وإيمان، وشرك، وتوحيد، وتقوى، وفجور، ونفاق وإيمان. – شروط تكفير المعين، ذكر أهل السنة والجماعة شروطاً وضوابط لتكفير المعين فلا يكفر المعين إلا إذا ارتكب أمراً مكفراً، وكان قاصداً للمعنى الكفري، وقامت الحجة عليه، ولم يكن مجتهداً مخطئاً، ولا جاهلاً، ولا مكرهاً، ولا عاجزاً عن أداء ما فرض الله عليه. – الآثار المترتبة على التكفير، استحلال دم المسلم والحكم عليه بالردة، ونتيجته ما يحدث من التفجيرات وقتل الأبرياء والاغتيالات وسفك الدماء وقتل الأطفال والشيوخ والنساء، من المسلمين

التكفير وضوابطه

التكفير وضوابطه ¤إبراهيم بن عامر الرحيلي£بدون¥دار الإمام البخاري - قطر¨الأولى¢1426هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶التكفير - ضوابط وشروط الخاتمة في ختام هذا البحث، أحمد الله تعالى على جزيل نعمه وآلائه، وما يسر من إتمام هذا البحث حتى خرج بهذه الصورة. فله الحمد أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه. ثم إني أوجز أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث في النقاط التالية: 1 - الإيمان عند أهل السنة يتألف من ثلاثة أجزاء: اعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح، وعن هذه الأجزاء تتفرع شعب الإيمان. 2 - الإيمان عند أهل السنة يتبعض، فيذهب بعضه ويبقى بعضه، وهو يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. 3 - منشأ خطأ الفرق المخالفة لأهل السنة في باب الإيمان، اعتقادهم بأن الإيمان شيء واحد لا يتجزأ ولا يتبعض، ثم اختلفوا في حكمه عند النقص، فقال المرجئة: إذا ثبت بعضه ثبت كله، وقال الوعيدية: إذا زال بعضه زال كله. 4 - نشأ التكفير بغير دليل في وقت مكبر من تاريخ هذه الأمة، وهو أول البدع التي ظهرت في الأمة، وكان الخوارج هم أول من أظهر التكفير بالذنوب، ثم الرافضة، ثم انتشرت هذه البدعة بين سائر فرق أهل البدع حتى أصبحت سمة بارزة لعامة الفرق المبتدعة. 5 - انتشار التكفير بغير دليل في هذا العصر انتشارا كبيرا على أيدي بعض الجماعات الدعوية المعاصرة التي لم تنشأ على السنة، وما نتج عن هذا من تكفير للمجتمعات الإسلامية المعاصرة، وما ترتب عليه من اغتيالات، وتفجيرات، وسفك للدماء المعصومة في كثير من أقطار المسلمين بسبب الانحراف الخطير في هذا الباب. 6 - ينقسم الكفر في اصطلاح الشارع إلى قسمين: أكبر مخرج من الملة، وأصغر لا يخرج من الملة، وقد جاء في النصوص إطلاق لفظ: (الكفر) على الأكبر تارة، وعلى الأصغر تارة أخرى. 7 - يعبر في النصوص الشرعية عن (الكفر) بعدة ألفاظ كلها تدل على حقيقته في الشرع، فيعبر عنه تارة بالشرك، وتارة بالظلم، وتارة بالفسق. 8 - مباينة معنى الكفر للشرك في الاصطلاح الشرعي، مع أنه قد يعبر عن أحدهما بالآخر لمناسبة يقتضيها الحال. 9 - مفارقة معنى الكفر للنفاق باعتبار، واجتماعهما باعتبار آخر. فيفترقان في أن الكافر مظهر للكفر، والمنافق مسر له، ويجتمعان في اعتقادهما الكفر في الباطن. 10 - انقسام الكفر إلى أقسام كثيرة باعتبارات متعددة. فينقسم إلى: أكبر وأصغر باعتبار حكمه. وينقسم إلى: تكذيب وجحود، وعناد، ونفاق، وإعراض، وشك، باعتبار بواعثه وأسبابه. وينقسم إلى: قلبي، وقولي، وعملي، باعتبار ما يقوم به من أعضاء البدن. وينقسم إلى: أصلي وردة، باعتبار كونه أصليا أو طارئا. وينقسم إلى: مطلق، ومعين، باعتبار إطلاقه وتنزيله على المعينين. 11 - للكفر شعب كما أن للإيمان شعبا كذلك، والمعاصي كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان، وقد يجتمع في الرجل بعض شعب الإيمان، وبعض شعب الكفر فيجتمع فيه إيمان وكفر. 12 - تتفاوت أحكام الكفار في الدنيا بحسب أقسامهم باعتبار كون كفرهم أصليا أو كفر ردة، وكونهم محاربين أو غير محاربين، وكونهم أهل كتاب أو ليسوا بأهل كتاب، على ما جرى تفصيل ذلك في البحث وبيان أحكامهم بحسب ذلك. 13 - يشترك الكفار كلهم بشتى أصنافهم في حكم الآخرة في أنهم خالدون مخلدون في النار، أبد الآباد، لا يموتون فيها، ولا يخرجون منها بحال، وهم مع هذا ليسوا في درجة واحدة من العذاب، بل يتفاوتون في دركات النار كما أن أهل الجنة يتفاوتون في درجات الجنة.

14 - حكم أهل الكفر الأصغر في الدنيا حكم سائر أهل المعاصي، لا يخرجون من دائرة الإسلام، ويحكم لهم بحكم المسلمين، وهم في الآخرة تحت مشيئة الله، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، وإن عذبهم بالنار فإنه لا يخلدهم فيها، بل لا بد من خروجهم منها كسائر عصاة الموحدين. 15 - وسطية أهل السنة في مسمى مرتكب الكبيرة، وأحكامه في الدنيا والآخرة، ولحوقه الوعد والوعيد، بين الوعيدية والمرجئة على ما تقدم تفصيل ذلك أثناء البحث. 16 - تقرير أن التكفير والتفسيق أحكام شرعية لا مدخل للعقل فيها بحال، فالكافر من جعله الله ورسوله كافرا، والفاسق من جعله الله ورسوله فاسقا، وليس ذلك لأحد. 17 - بيان الضوابط الشرعية لما يكفر به من الأعمال، وما لا يكفر به، وبيان أن المخالفات إما أن تكون بترك مشروع، أو بفعل محظور. أما ترك المشروع فإما يكون ترك للاعتقاد، أو للقول، أو للعمل، أما ترك الاعتقاد فكفر، وأما ترك القول، فعلى قسمين: ما يكون تركه كفرا كالنطق بالشهادتين، وما لا يكون تركه كفرا كبقية واجبات اللسان، وأما ترك العمل فعلى قسمين أيضا: قسم مختلف في التكفير بتركه، وهي أركان الإسلام الأربعة بعد الشهادتين، وقسم متفق على عدم التكفير بتركه، وهي سائر الواجبات بعد أركان الإسلام. وأما فعل المحظور فينقسم إلى قسمين: ما يكون مكفرا بالاتفاق وهي كل الذنوب والمعاصي التي لا تضاد أصل الإيمان بالله ورسوله. 18 - اختلاف السلف في التكفير بترك أركان الإسلام الأربعة بعد الشهادتين، على خمسة أقوال: من يرى التكفير بترك واحد منها، ومن يرى عدم التكفير بترك شيء منها، ومن يرى كفر تارك الصلاة فقط، ومن يرى كفر تارك الصلاة، والزكاة، ومن يرى كفر تارك الصلاة، وتارك الزكاة إذا قاتل عليها. 19 - ترجيح القول الثالث، وهو تكفير من ترك الصلاة فقط دون غيرها من الأركان الأخرى، وبيان أن هذا القول هو قول عامة الصحابة وجمهور السلف من التابعين ومن بعدهم، وكذلك ترجيح أن الترك المكفر للصلاة هو تركها بالكلية خلافا لمن ذهب إلى التكفير بترك بعض الصلوات. 20 - بيان أن قيام الكفر المطلق في بعض المعينين، لا يستلزم تكفير المعين حتى تتحقق فيه شروط التكفير وتنتفي موانعه. 21 - بيان شروط تكفير المعين وذكر الأدلة عليها، وهي: البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد، وبلوغ الحجة، وعدم التأويل. 22 - بيان أن النظر في مسألة التكفير لا يكون إلا للعلماء الراسخين القادرين على استنباط الحكم الشرعي في هذه المسألة من النصوص، وكيفية تنزيله على المعينين، وكذلك المعرفة بأصول أهل السنة في مسألة التكفير، والإلمام بمواقف الأئمة من المخالفين مع الاحتياط من تكفير من لم يتيقن كفره، ولم يعلم أنه قد قامت عليه الحجة. هذا والله تعالى أعلم.

التنجيم والمنجمون وحكمهم في الإسلام

التنجيم والمنجمون وحكمهم في الإسلام ¤عبد المجيد بن سالم بن عبد الله المشعبي£بدون مكتبة الصديق - الطائف¨الأولى¢1414هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶جن وسحر وعين وتنجيم الخاتمة وبعد أن سهَّل الله عليَّ إتمام البحث أحمد الله أولاً وآخراً على ذلك. وأسأله العفو والمغفرة إن حصل مني خطأ أو تقصير، وألخّص أهم النتائج التي توصّلت إليها من خلال كتابتي لهذا البحث فيما يلي: 1 - أن صناعة التنجيم تتضمن معرفة أحكام النجوم وتأثيراتها في حوادث العالم السفلي كما يزعم المنجمون. 2 - أن اعتقاد أن السعود والنحوس والخير والشر من الكواكب من أعظم الأسباب المفضية إلى عبادتها، واتخاذها أرباباً من دون الله. 3 - أن إبراهيم عليه السلام كان مناظراً لقومه، محتجّاً عليهم، مستدلاً بالأدلة العقلية على فساد عبادتها في قول الله تعالى: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً ... ) (¬1)، ولم يكن يعتقد أنها ربٌّ كما يعزم الزاعمون. 4 - أن معنى قوله تعالى: (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ... ) (¬2) تفكّر إبراهيم ليدبر حجةً، ولم يكن اعتقاداً من إبراهيم عليه السلام بصناعة التنجيم. 5 - أن ادّعاء أن علم أحكام النجوم المزعوم من علوم الأنبياء ادعّاء باطل لا يقوم على دليل، وكل من ادّعى ذلك تناقض مع نفسه. 6 - أن التنجيم انتشر بين المسلمين لما فتح بعض الخلفاء العباسيين باب ترجمة كتب الفلاسفة، فدخل التنجيم على أيدي طوائف متعدّدة من أعداء الإسلام. 7 - أن الرَّافضة شاركوا في نشر التنجيم بجميع الوسائل، وتنوعت أساليبهم في غرس هذه العقيدة في قلوب الناس. 8 - أن التنجيم في العصر الحاضر اتخذ وسائل متنوعة وأشكالاً مختلفةً ساعدت على انتشاره بين الناس، وأرباب هذه الصناعة اليوم يسلكون طريق التمويه والخداع حتى يتمكنوا من ابتزاز أموال الناس بالباطل. 9 - أن انتشار مثل هذه الصناعة في أوساط الناس دالٌ على سخافة عقولهم وسوء معتقدهم، إذ أنهم يروجون لصدق المنجم وإن لم يكن صدقه إلا مرةً، ويتغاضون عن كذبه وإن بلغ آلاف المرات. 10 - أن صناعة التنجيم صناعةٌ باطلةٌ قائمة على الحدس والتخمين، بشهادة كبار المنجمين على ذلك، وبحكم بعضهم على بعض بفساد الصناعة، وبظهور كذبهم في كل ما يجمعون عليه بظهور خلافه، وبالأدلة الأخرى الدالة على فساد هذه الصناعة. 11 - أن موافقة خبر المنجم للواقع أحياناً ليس لكون الكواكب تدل على ذلك، وإنما هو لأحد أمورٍ خمسة: الأمر الأول: إخبار الشياطين لهم بذلك عن طريق السمع أو القرين. الأمر الثاني: موافقة أخبارهم قدراً قدره الله. الأمر الثالث: استغلال علم من العلوم الكونية أو الفلكية بتوقع حصول بعض الأمور، كالكسوف والخسوف ونحوها، والتلبيس به على كثيرٍ من العامة. الأمر الرابع: نقل بعض الأخبار الواردة في الكتب السابقة. الأمر الخامس: تأليف قصة كذباً وبهتاناً بعد وقوع حادثة ما مفادها أن المنجم أخبر بذلك. 12 - أن المنجم كافر سواءً اعتقد أن الكواكب مدبّرة للكون، أو اعتقد أنها دلالات على المغيبات، فكفر الأول لادعائه شريكاً مع الله في التدبير، وكفر الثاني لادعائه أنه يشارك الله في علم الغيب الذي استأثر الله به. 13 - أن حادثتي الكسوف والخسوف يمكن أن تُعلم بحساب النيرين، كما يعلم طلوع الهلال والبدر بحسابهما. 14 - أن توقع حالة الجو قائمٌ على دراسة معيّنة، وبواسطة آلات خاصة بذلك، وهذه التوقعات قد تصيب وقد تخطئ، وهي ليست من جنس أخبار المنجمين. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم,,, ¬

(¬1) سورة الأنعام، آية: (76). (¬2) سورة الصافات، آية: (88).

العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي

العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي ¤مدحت بن حسن الفراج£بدون¥دار الكتاب والسنة - باكستان¨الأولى¢1414هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶عذر بالجهل الخاتمة - هناك صفات لله مفهوم التأله قائم عليها. فمن جهلها جهل الله ولم يعرفه وعبد غيره وإن زعم غير هذا. - عبادة اله لا تقع إلا بإفراد الله بالتأله مع إسلام العبد ساعة التوجه لله وحده لا شريك له. - تحقيق التوحيد شرط في الإذن بالشفاعة للشافع والمشفوع. - الإسلام: هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان برسوله واتباعه فيما جاء به. - الحنيف: هو التارك للشرك عن قصد وعلى بصيرة إلى توحيد الله – تعالى – بالقول والعمل. - توحيد الألوهية هو الفارق بين المسلمين والمشركين. - أصل الدين العام الذي تطابقت عليه الرسالات، وتحقق النجاة في الآخرة متوقف عليه هو: عبادة الله وحده لا شريك له والإيمان به وبرسله وباليوم الآخر مع العمل الصالح. - الإيمان: معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان. يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والعلم والعمل ركناه. - لا إسلام لمن لا إيمان له ولا إيمان لمن لا إسلام له فالأول: نفاق، والثاني: كفر لا يثبت معه توحيد. - من عصي الله مستكبرا كفر بالاتفاق، ومن عصاه مشتهياً لم يكفر عند أهل السنة ولا يكفره إلا الخوارج. - الجهل أساس النفاق وعلته. - إن سب الله أو كتابه أو نبيه – صلى الله عليه وسلم – كفر في الظاهر والباطن. سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلاً له أو كان ذاهلاً عن اعتقاده. هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل. - النطق بالشهادتين من غير علم بمعناها وعمل بمقتضاها غير نافع بالإجماع. - الأقوال والأعمال في الظاهر أساس إجراء الأحكام. - إذا شرع الشارع عقوبة عقب فعل موصوف صالح لترتيب ذلك الجزاء عليه كان ذلك الفعل هو المقتضى لذلك الجزاء لا غيره. - القول على الله بغير علم أساس البدع والشرك. - التغيظ من الصحابة دلالة على كفر صاحبه. - إنكار علم الله وقضائه وقدره على الأمر والنهي كفر لا يختلف فيه. - من يحتج بالقدر على حجية الأفعال والمقدور فهو أكفر من اليهود والنصارى. - من أقر بعلم الله السابق للمقدور وأنكر خلق أفعال العباد وإرادة الكائنات فهو مبتدع ضال في تكفيره نزاع مشهور بين العلماء. - دعوى الحلول في معين كفر بإجماع المسلمين. - غالب الردة تنشأ عن الجهل والاشتباه ولا يشترط في ثبوتها العلم والقصد. - وصف أهل القبلة: هو لعبد متحنف تارك للشرك على علم وقصد. وهو الذي يتمتع برخص أهل القبلة دون غيره من المشركين لخروجهم عن وصف أهل القبلة. - شروط الاجتهاد: أن يكون العبد عالماً جامعاً لآلة الاجتهاد، وأن يجتهد في فروع الشريعة العملية الظنية التي ليست عليها قواطع من الشرع. - لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. - المبتدع الذي لا يكفر ببدعته. هو المحقق للتوحيد الملتزم للشرائع. - التأويل دليل على مخالفة النص الجزئي لقاعدة كلية أو دليل أقوى منه دلالة. - من ادعى أن من ارتكب الشرك الأكبر بتأويل أو باجتهاد أو بتقليد أو بجهل معذور فقد خالف الكتاب والسنة والإجماع. - الدين له أصول وفروع. والفرق بين أصول الدين عند أهل السنة وعند أهل البدع. أن أصول أهل السنة: هي الأصول الصحيحة المطابقة لما جاء به الشرع الحنيف. وأما أصول أهل البدع: فهي أصول مبتدعة ومباينة للأصول الصحيحة. - قد بين الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – أصول الدين بياناً شافياً قاطعاً للعذر.

- الكفر الذي ينفيه العلماء عن المعين من المشركين حتى تقام عليه حجة البلاغ: هو الكفر المعذب عليه، وأصحابه ليسوا بمسلمين لنقضهم أصل الدين -، ولأن الشرك الأكبر لا يجتمع مع الإٍسلام البتة - ويجري عليهم أحكام الكفر في الدنيا – من التوارث والولاية والمناكحة .. إلا (العقوبة) – دون أحكام الكفر في الآخرة. وفي ختام هذه الرسالة: أتوجه بالحمد والشكر لله المنعم المتعال الذي منّ علي بجمعها. وأسأله سبحانه أن يجعلها لي ولأهلي ولذريتي ذخراً طيباً في الدنيا وعتقاً من النيران في الآخرة: {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ {88} إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88، 89]. وأسأله سبحانه أن يجمع قلوب المسلمين على الحق المبين والثبات على الصراط المستقيم. وإني لا أحل لأي واحد من الإخوة تابع ما في هذه الرسالة من أحكام ونتائج أن يستطيل على إخوانه المخالفين ويعقد بها المناظرات والمجادلات والخصومات .. التي لا تأتي إلا بتنافر القلوب، ووهن الرباط الأخوي بين المؤمنين، وضعف شوكة المسلمين فإني لم أضع الرسالة لهذا أبداً. بل يعلم الله أني ما أردت بتأليفها إلا أن تكون سبباً وعوناً على ضبط المفاهيم والأحكام حتى تقف الحركة الإسلامية على أرض صلبة لا على أرض رخوة هشة. وحتى تستطيع أن تحدد البدايات الأولية الصحيحة لإقامة وعود هذا الدين والقضاء على الطواغيت والملحدين وأعوانهم من الذين يتسترون بالدين للدنيا. وكذلك دعوة الناس إلى التوحيد الصافي من دخن الشرك للفوز بالنجاة الحقيقية في الدنيا والآخرة – لا النجاة المزيفة والأماني والغرور -. وكذلك نصرة دعاة التوحيد بالأدلة والبينات لدحضد ما يواجهونه من الشبه الزائفة. وكذلك بيان المعركة الحقيقية بين أهل التوحيد وأهل الشرك حتى تستجمع الحركة الإسلامية قواها لخوض غمارها ولا تنشغل بمعارك وهمية غير حقيقية عن المعركة الفاصلة وكذلك بيان المحكمات والمتشابهات من المسائل والدلائل لفصل خيوط الاشتباه في حكم ناقض التوحيد بجهل وتأويل. وكذلك أردت بيان وفضح جرثومة الإرجاء التي أسلمت الأمة فريسة سهلة لأعدائها – من خلال بوابات الطواغيت والزنادقة والعالمانيين – تلعب بها كيفما تشاء. وواقعنا المعاصر بما يحمل في طياته من مؤامرات ومكائد عالمية ودولية لهدم صرح الإسلام وتمييع أهلهل خير شاهد ودليل على ما أقول. وبعد: فهل من نهاية لتمزيق الصفوف وتنافر القلوب إلى عقد الأخوة الإيمانية القائمة على أصول أهل السنة. المستبصرة بنور الله تعالى. السائرة على نهج سلفها الصالح متحلية: باستعلاء الإيمان وثقة بنصر رب العالمين وبصبر على طول الطريق، وعزيمة على مواجهة الصعاب وبصيرة وتقوى للنجاة من الشبهات والشهوات غير منحرفة عن هذا النهج قيد أنملة حتى تقيم هذا الدين، وتخرجه من الغربة الثانية إلى السيادة والظهور والعلو والهيمنة، وتخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب البرية، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الشرك والكفران إلى عدل التوحيد والإيمان. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يحيينا ويميتنا ويبعثنا جميعاً على هذا فهو سبحانه – وحده لا شريك له – ولي هذا والقادر عليه. وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وآخر دعواي (أن الحمد لله رب العالمين). فرغت منه – بفضل الله تعالى وعونه في يوم الثلاثاء 23 من شهر جمادى الأول لعام 1413هـ بالرياض.

العقيدة السلفية في كلام رب البرية وكشف أباطيل المبتدعة الردية

العقيدة السلفية في كلام رب البرية وكشف أباطيل المبتدعة الردية ¤عبد الله بن يوسف الجديع£بدون دار الصميعي - الرياض¨الثانية¢1416هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - كلام الله خاتمة بعد هذا البَسْط للعقيدة السلفية واعتقاد أهل البدع، وبه تمَّ المُراد، أذكُر في الختام -بإيجاز- أهم الأسباب التي وقع بسببها الاغترارُ بأهل البدَع -وخاصَّةً الأشعرية والماتريدية- مع الذَّبِّ المُوافقِ للشَّرع عمَّن عُرِفَ بالإمامةِ في الحَديثِ والفقهِ وغير ذلكَ من علومِ الشريعةِ مع انتسابهِ إلى هذه الطوائف. فمن أسباب الاغترار بأهل البدع - كالأشعرية ونحوهم-: 1 - دعواهم الانتساب إلى أهل السُّنَّة والحديث، وتأكيدُهم ذلك باشتغالِهم بعلوم السُّنَّة، وإسنادِ الروايات، مما هو شِعارُ السَّلف والأئمة. 2 - انتصارهم للسُّنن في المسائل الفرعية، والدِّفاع عنها، وتصنيف المصنَّفات في ذلك. 3 - اشتهارُ الكثير منهم بالدِّيانة والصَّلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله. 4 - اشتغالهم بالرَّدِّ على الطوائف المُخالفةِ لشريعة الإسلام، كرُدودِ الأشعرية على المعتزلةِ، والردود على الفلاسفة. 5 - كثرة الموافقين لهم على مرِّ الزمان. هذه أهم الأسباب التي اغترَّ بها كثيرٌ من الناس، فهوَّنوا من بدَع هؤلاء، بل إنَّهم جعلوها ستراً يسترون بها فضائح أهل البدع، وغفل هؤلاء عن كون الضلال في الاعتقاد أعظم الضلال، وقد كشفنا لك في قضيةٍ واحدةٍ، وهي قضية (الكلام) عن أباطيل مُذهلةٍ، وضلالاتِ مُهوِّلةٍ. وهذه الأسبابُ التي ذكرنا يُعدُّ أكثرها حسنات لهؤلاء المبتدعة، لا نبخسهم أشياءهم، وربُّنا تعالى أمرنا بالعدل في الحكم والقول، فصاحبُ البدعة قد يكون فاضلاً لمعانٍ من الفضل فيه، ولكن لكون ما زلَّ به عظيماً -بغض النظر عن قصده ومراده- لتعلقه بأصول الدين، وجب التنبيه على خطره نُصحاً للأمة، لئلا يتضرَّرَ الناسُ ببدعته، خاصَّةً إذا كان من ذَوي الفضائل المشهورةِ والخصالِ المحمودة؛ لأن تأثُّرَ الناس بمن هذا وصفه أشدُّ من غيره، ويبقى قصدُهُ ومُرادُه فيما بينه وبين الله تعالى. وهذه طريقة السلف، قال البغوي رحمه الله: (وقد مضت الصحابة، والتابعون، وأتباعهم، وعلماء السنة، على هذا مجمعين، متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم) (¬1). ومن طالع كتب تراجم الرُّواة ثبت له صحة ذلك. فلا يجوز للمسلم أن يُهوِّن من شأن البدع، وإن وقعت من فاضل، فإن ذلك مُنافٍ لما أوجب الله تعالى من النصيحة، ومُخالفٌ لمنهج السلف ومواقفهم من أهل البدع. وفي الأشعرية -مثلاً- علماءُ لهم قَدَمٌ في خِدمةِ الشريعة، أمثال: الحافظين أبي بكر البيهقي، وأبي القاسم بن عساكر، والإمام العز بن عبد السلام، وغيرهم من فُضلاء الأشعرية، نذكرهم بما لهم من المحاسن، غير أنَّنا ننبه على ما وقَعُوا فيه من البدعة، فإنَّ الحق لا مُحاباةَ فيه، ولا تمنعنا بدعتهم من الانتفاع بعلومهم في السُّنن والفقه والتفسير والتاريخ وغير ذلك مع الحذر. ولنا أسوةٌ بالسَّلف والأئمة فإنهم رَووا السُّنن عن الكثير من المبتدعة لعلمهم بصدقهم، مع نعتهم لهم بالبدعة. ونجتنب التكفير والتضليل والتفسيق للمُعيَّن من هذا الصنف من العلماء، فإن هذا ليس من منهج السلف، وإنما نكتفي ببيان بدعته وردِّها إذا تعرَّضنا لها، أو خشينا أن يتضرَّر بها الناس، مع اجتناب ذكره بالسُّوء في ذاته بما يزيدُ على ذكر ما في بدعته من مخالفة الدين لما قد يتعدى بنا إلى الغيبة المحرمة. وهذا كُلُّه في حق العالم إذا لم تغلب عليه البدع والأهواء، وعلمنا منه حرصه على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحري الحق من الكتاب والسنَّة إلا أنه لم يُصبه لشُبهةِ ما أو غير ذلك -شأن الكثير من متقدمي الأشعرية خلافاً لأكثر متأخريهم، فإن لكثير من مُتقدميهم اجتهاداً في طلب الحق-. أما إذا غلبَت عليه الأهواءُ ومُخالفةُ صريحِ الشريعة، ولم يكن متحرّياً للحق من كتاب الله وسُنّة نبيه صلى الله عليه وسلم فليس له توقير ولا حُرمَةٌ ولا كرامةٌ. ¬

(¬1) (شرح السنة): (1/ 227).

العقيدة الصافية للفرقة الناجية

العقيدة الصافية للفرقة الناجية ¤سيد سعيد السيد عبدالغني£بدون¥بدون¨الأولى¢1417هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶عقيدة - أعمال شاملة الخاتمة: الحمد لله رب العالمين الذي تتم به الصالحات، موفق العباد لسبيل الهدى والرشاد، ومنجيهم من الظلمات، وهاديهم إلى ما يحبه ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فبعد أن تجولنا في هذا الكتاب، وبين هذه السطور، ونهلنا من نهر التوحيد وشاء الله لنا أن نعيش مع هذا التوحيد، ونحيا مع هذه العقيدة الصافية لهذه الفرقة الناجية، التي هي امتداد لعقيدة السلف الصالح، من أهل السنة والجماعة – أود أن أوضح أمرين مهمين جداً: الأمر الأول: ما توصلت إليه أثناء بحثي أن أمر التوحيد جد مهم وخطير، وتكلم فيه الكثير والكثير، وهناك من جاء بالصحيح، وهناك من دس السقيم، ولا يستطيع أن يميز الخبيث من الطيب إلا من عنده عقيدة ثابتة راسخة، قد تأسست على تقوى من الله تعالى، ثم على منهج السلف الصالح؛ فوجب على علماء المسلمين أن يسدوا هذا الجانب بالكثير والكثير وأن يوجهوا عناية المسلمين لتعليم هذا العلم والاهتمام به؛ وذلك لما لهذا العلم (علم التوحيد) من أهمية كبرى في حياة المسلم وإيمانه وأيضاً في آخرته ومصيره. وتوصلت أيضاً خلال بحثي أن عقيدة أهل السنة والجماعة هي العقيدة الحقة، ومنهجها هو المنهج القويم الجدير بأن يتبع، وأن ما عداها من عقائد الفرق والجماعات والمذاهب لا يخلو بعضها من فساد في العقيدة، وبعضها الآخر من انحراف في المنهج، وبعضها لا تقوم له أي قائمة. وتوصلت أيضاً إلى أن هذا العلم هو العمدة، وهو رأس هذه العلوم، ويتوقف قبول باقي العبادات مهما بلغ مكانها من الدين الإسلامي على هذا العلم (علم التوحيد) فلا تقبل جميع العبادات إلا بتحقيق هذا التوحيد، بل يتوقف دخول الجنة ودخول النار على تحقيق هذا التوحيد وعدم تحقيقه. الأمر الثاني: توصياتي من خلال هذه التجربة: 1 - تقوى الله عز وجل في السر والعلن. 2 - اهتمام كل مسلم بعلم التوحيد (تعلمه، واعتقاده، وظهور آثاره على سلوك المسلم ومعاملاته). 3 - اهتمام علماء المسلمين بتوعية المسلمين، وشحذ هممهم تجاه الاستزادة من تعلم أمور التوحيد ومسائل العقيدة، التي يصح بها توحيد المسلم، وتسلم بها عقيدته. 4 - ما زلنا في حاجة إلى الكتابة في هذا العلم بأساليب جذابة مبسطة وسهلة تجذب المسلم للاطلاع في هذا العلم والاستزادة منه، وتكون بعيدة عن التعقيد والغلظة؛ حتى لا يؤدي ذلك إلى الملل ونبذ هذا العلم. 5 - حاجتنا إلى تطبيق هذا العلم بعد تعليمه في أقوالنا وأعمالنا وسلوكنا ومعاملاتنا. 6 - أوصي كل مسلم يريد الاطلاع في هذا العلم أن يتحرى كتب أهل السنة والجماعة، ويحذر كتب أهل البدع والفرق الضالة. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط

العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط ¤سليمان بن سالم السحيمي£بدون¥مكتبة الإمام البخاري¨الأولى¢1420هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶آل البيت - حقوقهم وفضلهم الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته وتوفيقه تتم الصالحات، وبعد أن منّ الله علي بإتمام هذا البحث فإني أختمه بأهم النتائج التي توصلت إليها وهي ما يلي: 1 - إن معنى السنة عند السلف، موافقة الكتاب والسنة في سائر الأمور وهي مقابل البدعة. 2 - إن أهل السنة هم المتمسكون بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة. 3 - إن الآل والأهل والبيت كلها ألفاظ مترادفة تدل على معنىً واحد. 4 - إن آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم قرابته الذين حرمت عليهم الصدقة وزوجاته وذريته رضي الله عنهم أجمعين. 5 - إن أهل السنة والجماعة هم أولى الناس بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حيث الموالاة والمحبة والتقدير فيثبتون جميع ما ورد في فضل آل البيت من آيات الكتاب العزيز وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم سواء كان هذا الفضل على وجه العموم أو على وجه الخصوص مع إثبات التفاضل بينهم رضي الله عنهم فكانوا أعدل الناس في معرفة الحقوق الواجبة لآل البيت. 6 - قوة رابطة المحبة والمودة المتبادلة بين آل البيت والصحابة وسلف هذه الأمة واعتراف أئمة آل البيت بأفضلية أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وقد نزه الله المؤمنين من أهل البيت وغيرهم مما تزعمه الرافضة فكانوا من أعظم الناس صدقاً وتحقيقاً للإيمان وكان دينهم التقوى لا التقية. 7 - براءة علي رضي الله عنه والصحابة من دم عثمان رضي الله عن الجميع. 8 - إن من سب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقذفها بما رماها به أهل الإفك، فإنه يكفر إذ كذب بما أخبر به الله من براءتها، وعقوبته أن يقتل مرتداً عن الإسلام، وكذلك الحال في باقي أمهات المؤمنين لما في ذلك من العار والغضاضة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 9 - وجوب الإمساك عما شجر بين الصحابة رضوان الله عليهم، وعدم الخوض إلا بما هو لائق بمقامهم وبعلم وعدل، وذلك أن ما نقل عنهم في التشاجر والاختلاف منه ما هو كذب ومنه ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون لاجتهادهم فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ له أجر واحد وخطؤه مغفور. 10 - إن علياً رضي الله عنه أولى الطائفتين بالحق ومن قاتله من الصحابة كان مجتهداً وله أجر واحد، ولا يخرجهم هذا القتال من الإيمان، كما لا يدخلهم في الفسق كما يعتقده أهل البدع. 11 - إن خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما خلافة حقة راشدة مكملة لخلافة النبوة التي أخبر عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (الخلافة ثلاثين عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك). 12 - إن الحسين رضي الله عنه قتل مظلوماً شهيداً شهادة أكرمه الله بها وألحقه بأهل بيته الطيبين الطاهرين. 13 - إن الرافضة كل من رفض إمامة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وتبرأ منهما أو سب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. 14 - إن المراد بآل البيت عند الرافضة أصحاب الكساء الخمسة النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ويلحق بهم الأئمة التسعة الذين يزعمون فيهم الإمامة وما عداهم فلا. 15 - إن الرافضة قد أفرطوا في من حصروا فيهم آل البيت ولاسيما الأئمة منهم فاعتقدوا العصمة لهم وتفضيلهم على الأنبياء والرسل ووصفهم بصفات الربوبية والألوهية.

16 - إن دعوى الرافضة قصة الميراث لفاطمة رضي الله عنها دعوى باطلة لا دليل عليها وإنما اتخذوها ستاراً للقدح في خيار الأمة، إذ أن المرأة في عقيدة الرافضة لا ترث العقار والأرض، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك ديناراً ولا درهماً. 17 - إن دعوى الوصية التي أفرط الرافضة في إثباتها مأخوذة من عقيدة اليهود وأول من نادى بها عبدالله بن سبأ اليهودي بن السوداء. ومبناها على شبه وتأويلات ساقطة وأحاديث مكذوبة موضوعة اختلقها زنادقة وملاحدة للكيد للإسلام وأهله، إذ أنها مخالفة لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما ثبت عن أهل بيته، وعليٌّ رضي الله عنه والأئمة من آل البيت أبرياء منها ومن كل ما تنسبه إليهم الرافضة. 18 - إن الرافضة سلبت الإمامة من ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما، لتنازله عن معاوية بالخلافة وحقن دماء المسلمين تحقيقاً لقول جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فيه. 19 - إن الرافضة غلت في مقتل الحسين غلواً مشيناً إذ اتخذوا يوم مقتله رضي الله عنه اليوم العاشر من المحرم مأتماً وحزناً ونياحةً إلى يومنا هذا، ولعل هذا الفعل بمنزلة التكفير عن ما فعله أسلافهم من التخاذل عن الحسين وآل بيته. 20 - إن النصب هو بغض علي رضي الله عنه أو أحد آل البيت عليهم الصلاة والسلام. 21 - إن مسمى النصب يدخل فيه الخوارج، وبعض المعتزلة، وبعض بني أمية، كما يدخل فيه الرافضة. 22 - إن الأسباب الدافعة لاعتقاد النصب مبناها على الجهل وسوء الفهم وقلة العلم والفقه في الدين عند الخوارج، والعصبية والموالاة ومقابلة الشر بالشر عند بعض بني أمية، والابتداع عند المعتزلة والحقد والهوى عند الرافضة. 23 - إن الرافضة جمعت بين السيئتين سيئة الإفراط وسيئة التفريط فكان فيهم نوعٌ من ضلال النصارى ونوعٌ من خبث اليهود فكما أفرطوا في بعض آل البيت فرطوا في باقي آل البيت فقدحوا في أمهات المؤمنين، وفي ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما عدا فاطمة كما قدحوا في باقي بني هاشم، فكانوا أعظم الناس نصباً لآل البيت. 24 - أحقية علي رضي الله عنه بالخلافة بعد الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وانعقاد الإجماع على ذلك وأن الأئمة على هذا الترتيب في الفضل والإمامة.

العلمانيون والقرآن الكريم

العلمانيون والقرآن الكريم ¤أحمد إدريس الطعان£بدون¥دار ابن حزم - الرياض¨الأولى¢1428هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶العلمانية والعلمانيون يمكننا بعد تلك الجولة في المصادر المختلفة أن نشير إلى النتائج التالية: 1 - لقد خلق الله عز وجل العقل وزوده بأدوات تمكنه من سلوك الطريق الذي يفضي به إلى الحق إذا تجرد عن الأهواء والنوازع والأغراض، ولكنه سبحانه وتعالى أيضاً جعل لهذا العقل حدوداً كما جعل للبصر حدوداً، وحدوده لا يمكن أن تتجاوز عالم الشهادة والحس، ولذلك فكل المغامرات العقلية التي تريد أن تسكتنه الغيب أو تستكشف الملكوت الأعلى باءت بالفشل، والتاريخ الفلسفي الذي بين أيدينا أبرز دليل على ذلك، ونجد فيه مغامرتين للعقل الغربي استغرقت كل مغامرة منهما أكثر من خمسمائة عام، الأولى: مغامرة العقل اليوناني، والثانية: مغامرة العقل الأوربي الحديث، وكلتا المحاولتين انتهت إلى الشك والعدمية واللاأدرية. 2 - وعندما ينتهي العقل إلى الشك والعدمية واللأدرية مع تمكن النوازع الغريزية والأرضية منه فإنه يصبح وحشاً جامحاً لا يمكن أن يقف في طريق رعوناته وشهواته وأهوائه شيء. وهذا ما حصل عبر مسيرة الفكر الأوربي على مستوى الأفراد وعلى مستوى الدول والمجتمعات، حتى سئم الإنسان نفسه، ولم يعد يشعر لوجوده معنى، لقد أصبح همه وغايته لا يتجاوزان الحدود التي وقف عندها عقله، فلم يفكر بعالم آخر للجزاء والحساب ولذلك فكل ما يمكنه أن يصل إليه من المتع والملذات يجد أن عليه أن يقضيها بسرعة قبل أن تذهب منه، فترسخت الدنيوية (العلمانية) في قلبه، وتمكنت الشهوات من نفسه، وتفاقم ذلك بشدة حتى دفع البشر الثمن في حربين عالميتين أزهقت فيهما ملايين الأرواح عدا عن الملايين الأخرى التي أزهقتها الأمراض المفترسة، أمراض العلمانية والرأسمالية كالإيدز والقلق والاكتئاب والانتحار وغيرها، ولا يزال البشر ينتظرون الكثير من المآسي والكوارث التي ستكون نهايات الآخر ما توصلت إليه الدنيوية العلمانية الجامحة. 3 - هذه التجربة الغربية كان يفترض أن تكون درساً وعبرة لنا نحن المسلمين بالذات؛ لأن ديننا الحنيف في الوقت الذي مجد فيه العقل وأكد دائماً على دوره في عالم الشهادة وعالم المحسوسات، بين لنا ما لا يمكن للعقل أن يخوض فيه أو يقتحمه من عوالم الغيبيات كالآخرة وكنه الذات الإلهية وكنه صفاتها. ولكن تواكبت عوامل مختلفة من استعمار وجهل جعلت الدنيوية تجد طريقاً سهلاً إلى دنيا المسلمين، وتفسح لنفسها مكاناً في عقولهم وقلوبهم ومجتمعاتهم، حتى تسبب ذلك في اضطراب في الفكر وبلبلة في العقل، وتحتاج الأمة إلى تظافر الجهود وتكاتف العلماء والمفكرين المخلصين للتخلص من آثارها والحيلولة دون تفاقهما. أن أبرز ما تجلى من آثار سلبية للعلمانية كانت من حيث التعامل مع القرآن الكريم فظهرت دعوات تكتفي أولاً بالقرآن وتحيد السنة، بحجة أن السنة دخلها الوضع بشدة فلم يعد يمكن تمييز الصحيح فيها من غيره، ثم تطورت الدعوة إلى التخلص من القرآن تحت مسمى خفيف الصدمة هو فكرة (التاريخية) التي تعني في حقيقة الأمر (إخضاع الأحداث والأفكار للصيرورة المادية المكانية النسبية) وكان ذلك يعني بالنسبة للقرآن الكريم (خضوعه لأثر الزمان والمكان والمخاطب بشكل مطلق) أي بدون دليل. 4 - هذه التاريخية سلك إليها الخطاب العلماني مسالك يستأنس بها المسلمين، فاستخدم لهذا الغرض مفاهيم إسلامية مفرغة من مضامينها الحقيقية، ومجردة من ضوابطها وكوابحها الأساسية، مثل: المقاصد وعلوم القرآن، والفن الأدبي والتأويل، ثم قام بتضمينها وتعبئها بمضامين جديدة استوردها من الشرق والغرب.

5 - ثم تبين أن المضامين الحقيقية التي ألبست ثياباً إسلامية هي في الحقيقة فلسفات علمانية غربية مستهكلة دنيوية وإنسية وماركسية وهومينوطيقية قد هجرت في ديارها، ولم يجن أهلها منها إلا الضياع والقلق ومزيداً من اليأس والإحباط. 6 - انعكس ذلك على المرجعية التي يجب أن تحكم الحياة فأصبح المرجع والحاكم هو الإنسان والواقع، أما القرآن فهو مجرد غطاء للتبرير، عليه أن يبارك الواقع، ويرضخ له وإلا فإنه يمكن أن يكون صالحاً لكل زمان ومكان. 7 - ولذلك لم يعد للقرآن معنى في الفكرانية العلمانية لأنه أصبح يقول كل شيء دون أن يقول شيئاً، يقول كل شيء يريده الإنسان، ويسكت عن كل شيء لا يريده الإنسان، ولم تعد له القداسة التي يكنها له المسلمون، فأصبح يدعو إلى النفور، ويمارس التعمية (والإيديولوجية) والخداع والمخاتلة، ويوصم بالتناقض والتفكك -والتبعثر. 8 - ولمزيد من الوفاء العلماني لجذوره الغربية الدنيوية اجتر كل ما قاله المبشرون من أمثال فندر في كتابه ميزان الحق والمستشرقون من أمثال نولدكه وبلاشير بخصوص تاريخ القرآن وجمعه وكتابته، فردد كل ما قاله هؤلاء من طعن في سلامة القرآن عن التحريف، وإشاعة للأخبار الكاذبة التي وضعها الزنادقة، وروجها المبطلون، وهو في كل ذلك يعبر عن أشد أنواع الاستلاب، ويعاني من أخطر جراثيم الافتراس. أما واجبنا نحن المسلمين فعلينا أن نقارع الخصم بنفس أسلحته، وعلينا أن لا نكتفي بالإدانة والرفض والتسفيه، لأن ذلك إذا لم يقترن بالحجة والبرهان يكون ضرره أكثر من نفعه، ولابد من قراءة مصادر العلمانيين ومراجعهم والإطلاع على أحدث ما يتبجحون به، مع العلم بأن أحدث ما يتبجحون به مرفوض في بيئته، ومهجور في عقر داره. لقد قلت كما قال الدكتور عبد العزيز حمودة بأن العلمانيين أو الحداثيين يحسنون فن العرض والتغليف، يساعدهم على ذلك الإطلاع على اللغات الأجنبية التي تثري في نفس الوقت لغتهم العربية بسبب تفاعل اللغات، وتراكم التراكيب والكلمات، وتيسر النحت والاشتقاق الذي يتأتي بكثرة المتقابلات والمترادفات الحديثة والجديدة، والتي تغري الجيل الجديد، وتعزر ثقته بقدرة الخطاب العلماني على الإبداع والتجديد. إننا في عصر تكون الغلبة فيه لمن يحسن الدعاية والإعلان في الغالب، وعلينا أن لا نزدري ذلك وأن نوليه كثيراً من الاهتمام إلى جانب ما نملكه من جوهر نفيس، وتراث عزيز، وحضارة باسقة. إن علماءنا السالفين لم يستهينوا بالأفكار الوافدة، والفلسفات الغازية، بل تفاعلوا معها وأتقنوها حتى بزوا أهلها، وفاقوا أعلامها، فنازلوهم عند ذلك منازلة الأقران، وصاولوهم مصاولة الشجعان فلم تمض سنوات قليلة حتى هضمت العلوم المختلفة ثم أعيد بناؤها من جديد بما يتلاءم مع مبادئ الإسلام ومثله العليا. ونحن اليوم بحاجة إلى أن نمسك بالأفكار الجديدة من منابعها، ونتابع ما آلت إليه تطبيقاتها في واقعها، لكي نتمكن من رؤية حقيقية لأضرارها ومنافعها، فإذا قال العلمانيون: اللسانيات أو الهرمينوطيقا أو الإنتربولوجيا أو غير ذلك، فلابد من وضع هذه الدعوات في عين الاعتبار، والبحث عن أصولها، وقراءة أعلامها، وسنكتشف دائماً أن الحق لا يعدم من أنصار، وأن الباطل دائماً ينهار، لأن الحق دائماً أبلج، والباطل دائماً لجلج. وهذه هي وصيتي الأولى.

أما الوصية الثانية: فهي أنني أرى أن البحوث الأكاديمية الفلسفية في أقسام الدراسات الإسلامية تولي اهتماماً لدراسة التراث أكثر من اهتمامها بدراسة الواقع المعاصر، وقد ترتب على ذلك أن تركت الساحة للخطاب العلماني يسد الثغرة، ويملأ الفراغ، وكان لذلك انعكاسات خطيرة على الفكر والعلم والواقع، وخصوصاً في استقطاب أعداد كبيرة من أنصاف المثقفين الذين تغريهم المناهج بسبب عدم استنادهم على قاعدة أصولية متينة. ولا يعني ذلك أنني أدعو إلى التقصير في دراسة التراث، وإنما أدعو القائمين على توجيه الدراسات الأكاديمية إلى إقامة توازن بين الواقع والماضي، ونسج وشائج تواصل بين دراسة التراث والواقع المعاصر بما فيه من أطروحات جديدة، ومناهج حديثة. إن أكثر الأفكار الجديدة هي في حقيقتها ليست جديدة، وإنما أفكار قديمة تصاغ بقوالب جديدة، فلماذا لا نكون نحن هؤلاء الصياغ، لماذا نترك مهنة الصياغة لغيرنا مع أنها من أكثر المهن ثراء وجلباً للأرباح. إن ما أدعو إليه هو أن يكون الانطلاق من الواقع والحاضر إلى الماضي، ولكن الذي يحصل هو أن الدراسات الإسلامية لا تنطلق حتى من الماضي إلى الحاضر، وإنما تظل حبيسة الماضي دون أن تقيم أي صلة مع الحاضر والواقع المعاصر، وهو ما يجعلنا غرباء عن عصرنا، ويجعل غيرنا أكثر تآلفاً وتصالحاً ومودة معه، وبالتالي قبولاً منه. إن المشاريع العلمانية التي تطرح نفسها باسم الواقع والإنسان والمصلحة والمغزى يمكن أن تواجه ببدائل إسلامية تنفي عنها الزغل والخبث، وتستفيد من النافع والحسن. إن الإسلام ليس عقبة في وجه الواقع أو التطور وهو المعنى الذي يتضمنه قوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} ولكنه في الوقت نفسه لا يترك الواقع هملاً دون رعاية أو هداية. إن مساحة الواقع في الإسلام واسعة جداً، وحرية الحركة له متاحة إلى تخوم بعيدة، ومرونة النصوص والأصول تفسح المجال لدفع الحرج والتواؤم مع تقلبات الأزمنة والأمكنة، وتملك إجابات مريحة لكل الأسئلة التي قد تؤرق الإنسان. ولكن مع هذه السعة وهذه المرونة والحرية فهناك سياج يلف الإسلام به الواقع، وهذا السياج هو الرحمة التي تعصم العقل وتحول دون الوقوع في هاوية الهوى والأنانية والنفعية. إن الخطاب العلماني يريد أن يدمر هذا السياج – الدوغمائي بنظره – ليقتحم الغيب، ويزحزح هذه الحدود والثوابت لأنه يطمح إلى معرفة ما وراء هذا السياج، ولا يكتفي بالخبر الموثوق، ويأبى إلا أن يقتحم هذا السياج ويرتع في الحمى، ويتجاهل التجارب الإنسانية الطويلة الفاشلة في هذا المجال، ومهمتنا نحن المسلمين ليس في دفعه إلى الهاوية، وإنما في انتشاله منها كما علمنا نبينا المصطفى الرحمة المهداة للعالمين صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.

الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة

الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة ¤عبدالرحمن بن معلا اللويحق£بدون¥مؤسسة الرسالة - بيروت¨الأولى¢1412هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶وسطية وغلو الخاتمة ها أنذا ألقي عصا التسيار، فأصل إلى نهاية هذا البحث الذي أمضيت في قراءة موضوعاته ما يزيد على ثلاث سنين، فخبرت جوانبه بعد سبرها، ونظمت أطرافه بعد جمعها، وأختم بأن أدون أهم النتائج التي توصلت إليها وأهم التوصيات التي أرى أهميتها. نتائج البحث: أولاً - أن الإسلام دين العدل والوسطية، لذلك فإنه ينهى عن الانحرافين: الغلو، والتقصير: الإفراط، والتفريط. ثانياً - أن الإسلام دين اليسر، فهذه هي سمته الواضحة وعلامته الفارقة، كما أنه دين التيسير، ولذلك أمر بالتيسير على الناس والرفق بهم واللين في دعوتهم. ثالثاً - أن الإسلام دين التسامح، إذ يدعو إلى اللين في إبلاغ الدعوة، بل يدعو للتسامح حتى مع الأعداء وعدم الاعتداء والتمثيل والغدر. رابعاً - أن الغلو في اللغة: تجاوز الحد، وأن ألفاظ: التطرف، التشدد، التنطع، والعنف .. مقاربة للفظة الغلو: بوجه من الوجوه الآتية: 1 - إما أنها مرادفة لها. 2 - أو بينها وبين لفظة الغلو عموم وخصوص. 3 - أو أنها تمثل أوصافاً ومظاهر للغلو. خامسا - أن الغلو في الشرع مجاوزة الحد، بأن يزاد في مدح الشيء أو ذمه على ما يستحق. سادساً - أن للغلو جذوراً تاريخية، فقد وجدت فرق وطوائف غالية في تاريخ المسلمين. وقد استفاد الغلاة المعاصرون من الغلو القديم تأييد حججهم، وتقوية أدلتهم. ولم يكن هناك تسلسل تاريخي أو توارث للغلو بين الخوارج مثلاً وبين الغلاة المعاصرين. سابعاً - أن للغلو جذوراً فكرية تتمثل في جانبين: أ - معاقد الآراء وهذا يظهر في قضية الحاكمية حيث يمكن إرجاع الغلو المعاصر إلى الخلاف الواقع في المسألة، وإلى الفهم الخاطيء لهذه القضية، وإلى ظهور الحكم بغير ما أنزل الله في بلاد المسلمين. ب - المنهج الذي استخدمه الغلاة للوصول إلى آرائهم. حيث تبين عوج ذلك المنهج وانحرافه مما أدى إلى انحراف النتائج. ثامناً - أن للغلو جذوراً نفسية. ولهذه الجذور جانبان: 1 - رد الفعل: حيث زخرت المجتمعات المسلمة المعاصرة بكثير من القوانين والأنظمة والتصرفات المنافية للدين والمناقضة لقيم المجتمع، مما أحدث رد فعل عند بعض أبناء المجتمع مقابلة للفعل. 2 - القابلية للغلو: إذ كانت نفوس من وقعوا في الغلو قابلة له لضعف العلم الشرعي، ولقوة تأثير الفعل المنافي للشرع الذي يرونه في مجتمعاتهم. تاسعاً - أن فهم طبيعة الغلو المعاصر من أهم الجوانب المعينة على علاج المشكلة. وأبرز النقاط الموضحة لطبيعة الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة هي كما يلي: 1 - أن المشكلة رد فعل لفعل خاطئ - سواء في حقيقة الأمر أم في زعم الغالي - مع أن الغالي مدان لأنه مثل الأرضية المناسبة للغلو. 2 - أن المشكلة ينظر إليها من ناحية الزمن من جانبين: أ - الناحية الفردية. وهذا - في الغالب - غلو مرحلي ينتهي إما إلى سنة واعتدال، وإما إلى بدعة وجفاء. ب - الناحية الجماعية. - أو وجود الغلو في الأمة - فهذه مشكة دائمة حيث لا يخلو زمان من غلو، ولكنه يتسع ويضيق بحسب العوامل والأسباب المؤدية إليه. 3 - أن المشكلة ذات أبعاد مختلفة؛ فهي مشكلة شرعية دينية، وهي سياسية، وهي اجتماعية، وهي أمنية. فالإسلام دين شامل، وفهمها على أنها مشكلة أمنية فقط خلل خطير. 4 - أن المشكلة مشكلة عالمية فكل بلد من بلاد العالم الإسلامي يشتكي منها، بغض النظر عن صدق الشكوى. 5 - أن المشكلة مشكلة داخلية في كل بلد وليست مشكلة وافدة، بل هي نابعة من داخل المجتمع المسلم.

6 - أن المشكلة مشكلة فردية إذا نظرنا إلى جانب الغلو الجزئي العملي. وهي مشكلة جماعية إذا نظرنا إلى جانب الغلو الكلي الاعتقادي. عاشراً - أنه بالمقارنة مع حجم الإرهاب في العالم، وحجم الغلو عند الأديان والتيارات في بعض البلاد، يتبين أن مشكلة الغلو عند المسلمين هُولت وضخمت بشكل كبير وحظيت - لغرض من الإعلام الغربي - بكثير من العناية والمتابعة. حادي عشر - أنه عند استعراض أقوال أهل العلم المعاصرين يتضح أن مفهومهم للغلو نابع من فهم نصوص الشرع، لكن عند التطبيق تتضح بعض جوانب الخطأ. ثاني عشر - بدراسة وتحليل بعض دراسات العلمانيين لمشكلة الغلو، يتبين أن مفهومهم للغلو نابع من علمانيتهم، فيرون كل داع إلى تطبيق شرع الله، وكل مناد بشموع الإسلام وحكمه لجميع جوانب الحياة غاليا و (متطرفاً). ثالث عشر - أن الغربيين في دراستهم لمشكلة الغلو عند المسلمين يصدرون عن مفهوم الغلو عند النصارى، ويريدون نقل ذلك المفهوم إلى بلاد المسلمين لحاجة في نفوسهم. ومؤدى مفهومهم للغلو أن الإيمان بحرفية القرآن وأنه كلام الله الذي يجب تطبيق أوامره غلو و (أصولية)، كما أن الإيمان بحرفية الإنجيل وأنه كلام الله غلو و (أصولية). رابع عشر - أن هناك مظاهر للغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة. وقد استطعت حصر ما قام عليه الدليل عندي فيما يلي: 1 - الغلو في مهفوم الجماعة. 2 - الغلو في التعصب للجماعة. 3 - الغلو بجعل الجماعة مصدر الحق. 4 - الغلو في القائد. 5 - الغلو في البراءة من المجتمعات المسلمة. 6 - التكفير بالمعصية. 7 - تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله بإطلاق. 8 - تكفير الأتباع المحكومين بغير ما أنزل الله بإطلاق. 9 - تكفير الخارج عن الجماعة. 10 - تكفير المقيم غير المهاجر بإطلاق. 11 - تكفير المعين دون اعتبار للضوابط الشرعية. 12 - تكفير من لم يكفر الكافر بزعمهم. 13 - القول ببدعة التوقف والتبين. 14 - وصف المجتمعات المعاصرة بوصف الجاهلية. 15 - وصف البلاد المسلمة بأنها دور كفر. 16 - إحداث أصول تشريعية جديدة. 17 - الغلو في مفهوم التقليد، وإنكار الإجماع. 18 - الغلو في ذم المقلدين. 19 - إلزام جميع الناس بالاجتهاد. 20 - التشديد على الناس. 21 - التشديد على النفس. 22 - تحريم الطيبات. 23 - الخروج على الحكام دون اعتبار للضوابط الشرعية. 24 - تحريم التعليم والدعوة إلى الأمية. 25 - تحريم الصلاة في المساجد. 26 - إيقاف صلاة الجمعة. 27 - اعتزال المجتمعات ومفاصلتها. 28 - الهجرة من المجتمعات. 29 - القول بمرحلية الأحكام، أو بدعة القول: إننا نعيش في العهد المكي. 30 - تحريم العمل في الوظائف الحكومية. التوصيات: إن علاج مشكلة الغلو مهمة مشتركة لجميع شرائح المجتمع، بدءاً من الحكام وانتهاءً بالغلاة أو المتهمين بالغلو، وسأذكر فيما يلي جملة التوصيات التي أرى لزوم اتخاذها لعلاج الغلو، مع العلم أن المسألة بحاجة إلى توسع أكثر وسأفردها ببحث مستقل مع الأسباب بحول الله تعالى: أولاً: نشر عقيدة السلف: إن المتأمل في مظاهر الغلو الموجودة في العصر الحديث يتبين أن تلك المظاهر خارجة عن مذهب أهل السنة والجماعة وعن المعتقد الشرعي الصحيح. وعليه فإن نشر العقيدة الصحيحة، وتدريسها في المدارس والجامعات والمساجد، وتدارس أهل الدعوة لها، ووضعها ضمن مناهجهم، يحقق للمجتمع المسلم الحصانة من الغلو. ثانياً: نشر العلم الشرعي:

إن المبتلين بالوقوع في الغلو في العصر الحديث يتميزون بفقد العلم الشرعي أو قصوره، وينصب اهتمامهم على الدعوة، وذخيرتهم فيها الحماس والغيرة دون العلم الشرعي. ولذلك فإني أوصي بنشر العلم الشرعي وتكوين هيئات علمية، وما يسمى بالجامعات المفتوحة، ومراكز خدمة المجتمع في الجامعات الإسلامية، ليدرس الشباب العلم الشرعي، وتعقد لهم الدورات الشرعية التي يقوم عليها علماء أكفاء ذوو ثقة في نفوس الشباب، وذوو علم وإخلاص. ثالثاً: إحياء دور العلماء: إن غياب العلماء عن الساحة في كثير من البلاد الإسلامية غياباً كلياً أو غياباً نسبياً من ضمن أسباب وجذور الغلو. ولذلك فإني أوصي بأن يهتم بإعادة دور العلماء. ويتولى مسئولية ذلك بشكل رئيس ثلاث فئات: الفئة الأولى: العلماء أنفسهم. وذلك بالإخلاص لله عز وجل، والقيام بواجبهم: تجاه ولاة الأمر بالمناصحة، وتجاه عموم المجتمع بالتربية والتوجيه، وتجاه فئة الشباب بالتربية والعناية. والبعد عن كل ما يخدش مقام وكرامة العلماء، من الحرص على الدنيا والتكالب عليها، ومن ضعف الالتزام بأوامر الدين. الفئة الثانية: ولاة الأمر. بأن يُصدّروا العلماء ويستشيروهم ويأخذوا برأيهم، ويوكلوا إليهم مهمة معالجة مظاهر الانحراف. الفئة الثالثة: المجتمع والشباب بشكل خاص. وذلك بأن يأخذوا من العلماء ويأتمروا بأوامرهم وفتاواهم الشرعية. وإذا تحقق دور العلماء في المجتمع، فإنهم سيكتسب المجتمع حصانة من مظاهر الانحراف، ووقاية من مشكلة الغلو وغيره من المشكلات، إذ العلم والحكمة هما أداتا تصحيح المسار، ولا يكفي الحماس والغيرة بدون العلم والحكمة، وهما لا يوجدان إلا عند أهل العلم بشرع الله عز وجل. رابعاً - محاورة أهل الغلو: لقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلوب المحاورة مع الغلاة ودحض شبههم ورد افتراءاتهم، إذ رد عليه الصلاة والسلام على ذي الخويصرة بقوله: (ويحك من يعدل إن لم أعدل!). كما عمل به صحابته رضوان الله عليهم؛ فحاور علي بن أبي طالب الخوارج، وحاورهم عبد الله بن عباس. ولذلك فإن أسلوب الحوار ناجح في معالجة الغلو. لأن نور الحق ساطع، وبرهانه قاطع، وهو يعلو ولا يُعلى عليه. ولكني أنبه على عدة ضوابط للحوار: 1 - أن يكون مبنياً على الثقة؛ فيكون العالم المناقش والمحاور محل ثقة المتهمين بالغلو. 2 - أن يعامل المتهمون بالغلو على أساس أنهم متهمون، لا أنهم مدانون يقفون في ساحة المحكمة. 3 - أن يتوفر للطرفين حرية الحوار؛ فلا يملى على العالم جوانب الحوار، ولا يكون حوار المتهمين بالغلو في ظل القوة والعنف. 4 - أن يكون الحوار منطلقاً من أرضية البحث عن الحق، لا لجمع أدلة إدانة للمتهمين بالغلو. خامساً: دفن الهوة بين العلماء والحكام والشباب: أن من أكبر المعضلات في مشكلة الغلو: أن هناك فجوة بين العلماء والحكام من جهة، والشباب من جهة أخرى. وإن دفن تلك الهوة بينهم واجب حتى تتحقق الثقة وتُبنى المحبة التي تحت ظلها تحل جميع المشكلات، إذ عندما يثق الشباب بولي الأمر من حاكم أو عالم فإنه سيسمع ويطيع. وعندما يثق ولي الأمر من حاكم أو عالم بالشاب فإنه سيفتح قلبه له ويحل مشكلاته ويزيل شكايته. سادساً: الحكم بشرع الله: إنه قد تبين جلياً أن الحكم بغير شرع الله كان من جذور الغلو الرئيسة؛ إذ معظم مظاهر الغلو راجعة إليه، ولذلك فإنه يجب على حكام المسلمين الحكم بشرع الله في سائر جوانب الحياة، فتوضع السياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية والإعلامية وغيرها في ضوء الشرع، ثم يراقب تنفيذ تلك السياسات وتطبيقها. سابعاً: توضيح الحقائق:

إن حقيقة الغلو الشرعية غائبة عند كثير من الناس اليوم، وكثير من الكتاب والإعلاميين والساسة يتعاملون مع الغلو بدون فهم صحيح لحقيقته. بل يرى كثير منهم في التمسك بالدين غلواً ولذلك فإني أوصي بأن يكون المتعرض لمعالجة هذه المشكلة واعياً بها فاهماً لحقيقة الغلو، وإلا ستؤدي المعالجة إلى نقيض المراد، ويصبح لسان حال المغالي: إذا كان رفضاً حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي ثامناً: التعامل مع المشكلة من جذورها: إن كثيراً من محاولات معالجة مشكلة الغلو تنصب على بعض المظاهر، كالعنف، وتغفل الجانب الأهم في معالجة الغلو، وهو التركيز على جذور الغلو، لتكون المعالجة معالجة فعالة، ولتقطع المشكلة من أساسها فتجف آبارها وتغور منابعها. تاسعاً: الانطلاق من أرضية سليمة: إن عددا غير قليل من المعالجين للغلو غلاة، فهم غلاة في الجانب المقابل، وهو العلماني الذي ينطلق أصحابه من وجهة علمانية، ولا يرون الاعتدال إلا في موافقة آرائهم، ولذلك فإن أي محاولة لمعالجة الغلو يجب أن تنطلق من أرضية صحيحة وهي الدين الوسط. وبهذا يمكن أن تتحقق مصداقية المعالجة ويصل المعالج إلى نتائج جيدة. عاشراً: إزالة الشكاية: إنه بدراسة مشكلة الغلو تبين أن لهذه المشكلة جذوراً نفسية تمثل رد فعل لأوضاع خاطئة - كالحكم بغير ما أنزل الله -. ولذلك فإن الغلاة يشتكون ويطالبون بتصحيح تلك الأوضاع، ويعبرون عن مطالبهم بأسلوب غير شرعي. والمطالب المشروعة التي يطالبون بها يشترك معهم فيها كل من يريد لأمته ولبلاده وللناس الخير، وإن كان هناك فرق في أسلوب المطالبة. ولذلك فإني أرى من أكبر الطرق، وأقربها لإنهاء مشكلة الغلو: إزالة الشكاية وقطع الجذور، خصوصاً وأن كثيراً من الأوضاع التي يطالب بتصحيحها الغلاة أوضاع خاطئة بالفعل. حادي عشر: إعادة بناء المجتمع: إن المظاهر غير الإسلامية التي عمت كثيراً من بلاد المسلمين، كانت رافداً كبيراً من روافد الغلو وجذرا رئيساً من جذوره وسبباً لاستفزاز الحليم فضلاً عن غيره، ولذلك فإن من الواجب على المسلمين رعاة ورعية أن يعيدوا بناء مجتمعاتهم على أساس من الدين سليم، وأن تدرس جميع جوانب الانحراف وتعالج في ضوء الشرع. ثاني عشر: عدم استخدام العنف في معالجة الغلو: إن من الواضح من تجربة معالجة الغلو في العصر الحديث، أن العنف لم يجد في علاج الغلو، بل كان سبباً لظهور تيارات غلو. ولذلك فإني أوصي بألا يستخدم العنف والقوة في معالجة الغلو، لأن ذلك يفضي إلى أضرار وخيمة وأخطار عظيمة. وإذا استنفدت جميع الوسائل في معالجة الغلو ولم يبق إلا العقوبة فإنه يجب أن يكون الحكم بها للعلماء والقضاة الشرعيين، وأن تكون العقوبة خاصة لا أن تعم كما هو الواقع في بعض البلاد الإسلامية. ثالث عشر: الحرص على المنهج الشرعي في الاستدلال والاستنباط: أنه بتتبع كتابات أهل الغلو، يظهر جلياً الخلل في منهج الاستدلال عندهم وذلك: - بإحداث أصول شرعية تؤخذ عنها الأحكام. - أو باتخاذ منهج خاطئ لاستنباط الأحكام من أدلتها التفصيلية. ولذلك فإني أنصح كل من يتصدى للتأليف أن يحرص على المنهج الشرعي، فيستدل بما كان يستدل به سلف الأمة من الأصول الشرعية: الكتاب والسنة، والإجماع ... ويسلك الطريق السليم لاستنباط الأحكام؛ فيحكم بالخاص على العام، وبالمقيد على المطلق، وبالمبين على المجمل. فإن سلوك المنهج الصحيح طريق لصحة النتائج والأحكام. رابع عشر: الحذر من اتهام الغلاة وتكفيرهم:

إن كثيراً من الكتابات حول مشكلة الغلو تنبع من اتهام الغلاة بالعمالة أو بالخيانة، أو بأنهم خوارج، أو بأنهم كفار أو نحو ذلك. ولذلك فإني أوصي بالحذر من الوقوع في نظير ما يتهم به الغلاة من تكفيرهم للناس. فإن ألفاظ التكفير والخروج ونحوها ألفاظ شرعية يجب ألا تطلق جزافاً، بل بناء على ضوابط وقواعد شرعية. كما أوصي بالحذر من الاتهام بالعمالة والخيانة ونحوها، لإنه إذا علم الغالي من نفسه البراءة من هذه التهم، فلن يزيده الاتهام إلا تمسكاً بما هو عليه. خامس عشر: الحذر من الازدواجية والتناقض: إن من أهم الجوانب التي يجب أن يأخذ بها من يريد معالجة الغلو الحذر من الازدواجية والتناقض. وهذه الازدواجية قد وقع فيها كثير من المعاصرين، فبينما ترتفع الأصوات في بعض المجلات والصحف، وتفتح الملفات الصحفية لموضوع: (النقاب) باعتباره مظهراً من مظاهر الغلو - كما يزعمون - لا نرى من يفتح فمه من أولئك مستنكراً ظاهرة العري في الشوارع وعلى الشواطئ، وظواهر الانحلال في المجتمع المسلم بحجة (الحرية الشخصية. أفليس لبس: (النقاب) أيضاً من (الحرية الشخصية)؟! وهذه الازدواجية أدت إلى إضرام النار في قلوب المعتدلين فضلاً عن الغلاة. (ولو أن الإنسان وقف موقفاً إيجابياً من المتنكرين للدين والمتحللين من أحكامه، وغير ما يراه من المنكر بيده أو بلسانه، ما وجدت عندنا ظاهرة التطرف في الدين. ولو وجدت - لسبب أو لآخر - لكانت أخف وطأة مما ظهرت به). سادس عشر: الحذر من الخلط بين الصحوة والغلو: إن من الواجب على المسلمين؛ قادة، وعلماء، وعامة، أن يحذروا من الخلط بين الصحوة الإسلامية، وبين الغلو. وأن يحذروا من أساليب الأعداء التي تبرر ضرب الصحوة الإسلامية تحت ستار ضرب الغلو فإن الغلو في المجتمعات المسلمة المعاصرة قليل الحجم ومن الظلم أن يسحب الحكم على الكثرة التي تمثل تيار الاعتدال. وإني في ختام هذا البحث أثني بحمد الله عز وجل الذي بنعمته تتم الصالحات، والذي له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجع الأمور. وأؤكد أني في هذا البحث قد خففت وإن ظن أني قد أكثرت، واختصرت وإن ظن أني قد أطلت. فما أعرضت عنه صفحاً أكثر بكثير مما ذكرت. وإنه لقمن بكل واقف على هذا البحث أن يسدد ما به من خلل، وأن يستر ما فيه من زلل، فلقد علمت الأوائل والأواخر أنه ليس من العصمة أمان، خصوصاً إذا صدر الكاتب عن وفاض ليس فيه من العلم إلا القليل، وكتب بقلم كليل. فاللهم لا تعذب يداً كتبت تريد نفي تحريف الغالين وانتحال المبطلين عن دينك، ولا لساناً أراد الذب والدفاع عن شريعتك، ولا تحرمني بفضلك خير ما عندك بشر ما عندي. والحمد لله رب العالمين.

الفتنة وموقف المسلم منها في ضوء القرآن

الفتنة وموقف المسلم منها في ضوء القرآن ¤عبدالحميد بن عبدالرحمن السحيباني£بدون¥دار القاسم - الرياض¨الأولى¢1417هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶فتن معاصرة الخاتمة وبعد أن عشت هذه الفترة مع هذا الموضوع الخطير (الفتنة وموقف المسلم منها في ضوء القرآن) والذي أحمد الله – تعالى – على تيسيره لي بالانتهاء منه أذكر أهم ما توصلت إليه من نتائج، وذلك في الأمور التالية: 1 - اتضح لي أهمية دراسة بعض الموضوعات القرآنية دراسة موضوعية، حيث تكشف لنا مثل هذه الدراسة عن جوانب مهمة، يصعب الوصول إليها عن طريق الدراسة التحليلية، وبخاصة إذا كانت هذه الموضوعات من الموضوعات المستجدة، والمرتبطة بواقع العصر مثل موضوع (الفتنة). 2 - علمنا من خلال التعريف اللغوي لكلمة الفتنة دوران الكلمة حول عدة معان، أكثرها ارتباطا بموضوعنا أن الفاء والتاء والنون من هذه الكلمة أصل صحيح يدل على الابتلاء والاختبار، إلا أن الفرق بين الفتنة والابتلاء أن الفتنة أعم من الابتلاء، والفتنة كذلك ابتلاء وزيادة، كما أن أفعال الابتلاء تأتي مسندة إلى الله – تعالى – بالاسم الظاهر، وبالضمير العائد إليه سبحانه، بخلاف الفتنة فلا تأتي الأفعال منها مسندة إلى الاسم الظاهر مطلقا؛ لأن من معاني الفتنة ما لا يكون حسنا. وعرفنا من خلال ذكر معاني الفتنة في القرآن أن لفظ الفتنة في القرآن قد جاء على عدة معان، منها: الابتلاء، والصد عن السبيل، والعذاب .. الخ. 3 - أوضحت في مجالات القتنة في القرآن ثلاثة أمور أولها: الابتلاء، وذكرت هنا ابتلاء الأنبياء، - عليهم الصلاة والسلام – وما واجهوه من فتن ومحن، وأثرها في تقوية إيمانهم بربهم – تعالى – وفندت ما جاء ضد بعضهم من إسرائيليات منكرة، لا تليق بمقام الأنبياء، وأوضحت المعنى الصحيح لفتنتهم. وذكرت كذلك في مجال الابتلاء ابتلاء أقوام الأنبياء، وذكرت أن الفتنة قد محصت المؤمنين الصادقين من الكافرين المعاندين، وبينت كذلك ابتلاء الكافرين بالمؤمنين والعكس، وأثر ذلك في بيان حقيقة كل فريق على حدة، كما بينت في هذا المجال ابتلاء الناس كلهم بالخير والشر، وأثر ذلك على الجميع. وفي المجال الثاني من مجالات الفتنة وهو بث الفرقة والاختلاف ذكرت دور المنافقين في زعزعة الصف المؤمن، فهم تارة يثيرون الفرقة والاختلاف بين المسلمين عن طريق الدعوة إليه كما في قصة بناء مسجد الضرار، وألمحت إلى صور ونماذج مما يفعله منافقو هذا الزمان، بما يشبه فعل سلفهم ببناء مسجد الضرار، مما يؤكد على أن طبيعة النفاق واحدة في كل عصر وزمن، وأن وسيلة المنافقين لا تتبدل، ولا تختلف. وهم تارة يثيرون الفرقة بمحاولة الإفك على دعاة الإسلام، والافتراء عليهم، واختلاق التهم الباطلة ضدهم كما حصل ذلك في قصة الإفك، والتي يتكرر أمثالها في عصرنا الحاضر. والمنافقون تارة يثيرون الخلاف بين المسلمين عن طريق التشكيك في صدق نبي الإسلام – صلى الله عليه وسلم – كما حصل في قصة الجلاس بن سويد بن الصامت لما قال: (والله إن كان هذا الرجل صادقاً فيما يقول لنحن شر من الحمير!) وبينت هنهنا ما يفعله بعض المنافقين في عصرنا هذا مما هو أشد من كلام الجلاس.

وذكرت كذلك في مجال بث الفرقة والاختلاف دور المنافقين في إثارة العصبية والتحزب بين المسلمين، وأوردت أمثلة توضح ذلك، كما في قول ابن سلول في غزوة بني المصطلق – وهو يخاطب الأنصار محرضاً لهم ضد المهاجرين: (هذا ما فعلتم بأنفسكم، احللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم!) وقد ربطت الموضوع بالعصر الحاضر فذكرت نماذج لما يفعله منافقو هذا العصر وأذنابهم من اليهود والنصارى لمحاولة بث الفرقة بين المسلمين عن طريق إثارة العصبية والتحزب بينهم. وفي المجال الثالث من مجالات الفتنة وهو الصد عن سبيل الله – تعالى – ذكرت دور أعداء الله – تعالى – من الكافرين ومن نحا نحوهم من شياطين الإنس، في الصد عن سبيل الله – تعالى -، وحصرت الحديث في هذا المجال حول ثلاثة أمور، يسلكها هؤلاء ليؤدوا مهمتهم في الصد عن سبيل الله – تعالى – فالأمر الأول هو الإغراء والإغواء، وركزت فيه على قضيتين خطيرتين الأولى: محاولة الشيطان إغراء الإنسان وإغواءه وذكرت مثالين لذلك، والثانية: محاولة الزعماء والكبراء من شياطين الإنس إغراء أتباعهم وإغواءهم، وبينت أثر الانقياد لهم بأنه الخسارة في الدنيا، والهلاك في الآخرة. وأما الأمر الثاني فهو محاولة صرف الناس عن القرآن، وفيه بينت تحذير الله – تعالى – لنبيه – صلى الله عليه وسلم – من أن يصده الكفار عن آيات ربه بعد إذ أنزلت إليه، لما يعلم سبحانه من محاولاتهم المتتابعة لصرفه – صلى الله عليه وسلم – عن القرآن، وبينت في ذلك الأثر الذي يحدثه هذا التحذير الإلهي على علماء الإسلام ودعاته أن يتنبهوا لمكائد الكفار في ذلك، ويقفوا أمامها كالجبال الشوامخ، ولو كان ذلك على حساب الجماجم والأشلاء. وأن لا ينخدعوا بما خدع به أولئك المنهزمون الذين يبيعون دينهم مقابل إرواء النزوات، وإشباع الشهوات. وأما الأمر الثالث: فهو محاولة خداع الناس وإغراقهم بالشهوات، وفيه بينت الأهداف التي يفعلها الكفار لتحقيق هذا الأمر، في مجال التربية والتعليم، وفي وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، وفي الخمور والمخدرات، ثم أخيراً في الرياضة والكرة. ثم ختمت هذا المبحث الهام بذكر بعض التوصيات التي تمثل ما أراه علاجاً نقف به ضد تلك الأهداف الخبيثة والمؤامرات الحاقدة. 4 - تبين لنا من خلال دراسة مظاهر الفتنة في القرآن خمسة مظاهر، أولها: الكفر والشرك، وتبين لنا من دراسة هذا المظهر الوسائل التي يسلكها المجرمون لإدخال المؤمنين في الشرك والكفر. والمظهر الثاني: النساء، وعرفنا عظم الفتنة بهن، وواجب الأمة في الحذر منهن، ومحاربة كل من يدعو إلى فسقهن ومجونهن، والمظهر الثالث: إتيان الذكران، وعرفنا أنه من أعظم الفتن وأكبر المحن التي تنزل بسببها النقم والبليات، وبينا في ذلك سبل الوقاية والعلاج، والمظهر الرابع: الحكم والسلطة، وبينا أنه من أشد الفتنة لما جبل عليه الإنسان من حب التملك والتسلط، وعرفنا أن من أكبر أسبابها الحاشية الفاسدة، وأن هنالك شروطاً وواجبات للحاكم، إذا التزم بها وطبقها كان ذلك عونا له على النجاة من هذه الفتنة. والمظهر الخامس والأخير: السحر، وعرفنا أنه من أعظم الفتن التي تمر بالمجتمعات الإسلامية لما له عليها من آثار موجعة، وظهر لنا من خلال دراسة هذا المظهر الأضرار العظيمة الناتجة من ظهور هذه الفتنة، وبينا الأمور التي تساعد على الخلاص من هذا الشر العريض.

5 - اتضح لنا من خلال دراسة أسباب الفتنة في القرآن خمسة أسباب؛ الأموال والأولاد، والمعصية، واتباع الشيطان، وموالاة الكافرين، واتباع المتشابه، وعرفنا من خلال استعراض كل سبب من هذه الأسباب كيف يقع الإنسان بسببه في الفتنة، وشرحنا ذلك شرحاً مفصلاً. 6 - تبين لنا من خلال دراسة أساليب القرآن في التحذير من الفتنة جمع من الأساليب القرآنية، فهذا أمر، وذاك نهي، وهذا تهديد وذاك تقريع، وهذا نفي، وذاك استفهام، وهذا تعجب، وذاك خبر، وهذا دعاء، وذاك شرط .. وعرفنا كيف دل كل واحد من هذه الأساليب على التحذير من الفتنة، وبينا الفتنة التي يحذر منها في كل أسلوب ذكرناه. 7 - عرفنا من خلال استعراض آثار الفتنة في القرآن ستة آثار، حيث انكشف لنا أن الفتن تبين الصادقين، وتميزهم عن الكاذبين، كما أنها تكشف أستار المنافقين وألاعيبهم، وتفضحهم على الملأ، وعند حدوث الفتن والصبر عليها ينال المؤمنون بصبرهم عليها، وجهادهم المغفرة والرحمة من رب العالمين، وبحدوث الفتن والبلايا يتميز الصابرون والشاكرون الذين صبروا عند البلاء، وشكروا عند الرخاء، وكلاهما فتنة، يتميز هؤلاء من أولئك القانطين من رحمة الله، الجاحدين لنعمه وآلائه. وعرفنا أنه بحدوث الفتن يعرف المسلم عدوه الشيطان، فيحذر من كيده ويتنبه لطرقه في الصد والإضلال لئلا يقع فيها. كما أنه بالفتن يعرف المسلم أعداءه من اليهود والنصارى وأذنابهم، فيتنبه لمكرهم، ويحذر من الوقوع في شباكهم. 8 - اتضح لنا من خلال مدارسة سبل النجاة من الفتنة تسعة أمور، فأولها الاعتصام بالكتاب والسنة، وثانيها لزوم الجماعة، وعرفنا أن أكثر الفتن التي نزلت بأمتنا إنما هي بسبب إهمال هذين الأمرين العظيمين. وثالثها: إعلان الجهاد ضد الكفار، وإبراز القوة ضدهم، إذ أن كثيراً من الفتن التي حلت بالمسلمين وأهمها تسلط الكافرين ما وقعت إلا عندما أهمل المسلمون هذا الجانب العظيم في دينهم. ورابعها: الصبر، إذ إن كثيراً من الناس قد وقع في الفتنة، وما ذاك إلا بسبب تركه للصبر، هذا السلاح العظيم. وخامسها: اللجوء إلى الله – تعالى – فإن كثيراً من الخلق لا يكون بينه وبين الفتنة إلا شعرات، فما ينقذه من الوقوع فيها إلا لجؤوه إلى ربه، واستغاثته به، كما عرفنا ذلك من خلال آيات القرآن، وسنة نبينا الكريم- عليه الصلاة والسلام-. وسادسها: مقاومة أسباب الفتنة التي تقدم بيانها، إذ إن المسلم إذا لم يعرف أسباب الفتنة، ويقاومها بالطرق السليمة الصحيحة فربما وقع في الفتنة وهو لا يدري، فيندم بعد ذلك، ولات ساعة مندم. وسابعها: الحذر من الأعداء، وعرفنا أن أهم الأعداء الذين تواجههم الأمة في هذا العصر ثلاث طوائف: اليهود والنصارى، والشيعة الإمامية، والمنافقون من علمانيين وحداثيين ونحوهم، واتضحت لنا من خلال هذه السبيل الطرق التي يجب علينا اتخاذها لنقاوم بها فتن هؤلاء الأعداء. وثامنها: الحذر من الإشاعات، وعرفنا هنا خطر الإشاعات، وآثارها المدمرة في الفرد والأمة، وكشفنا عن الطرق التي يمكن سلوكها للنجاة من هذه الفتنة العمياء. وتاسعها: - وهو آخرها – الثقة بنصر الله – تعالى – للمؤمنين، واليقين بأن المستقبل لهذا الدين مهما تكالب عليه الأعداء والحاقدون، ومهما داهمته الفتن، واجتمعت عليه الرزايا والمحن، وشرحنا ذلك شرحا مفصلاً كما شركه كتاب ربنا، وأوضحته سنة رسولنا – صلى الله عليه وسلم – وكشفه لنا تاريخنا .. ونبهت هنا إلى أن الثقة بنصر الله – تعالى – لا تعني أن يعرفها المسلم، ويترك العمل لدينه، بل لابد مع هذه الثقة أن يسعى لخدمة دينه، والدفاع عن أبناء ملته من المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، وأن تتحرك كل ذرة في جسده للعمل الجاد الصالح، وإن الله – تعالى – إذا علم من العبد صدقه في ذلك وفقه وأعانه، ويسر له السبل في ذلك مهما بلغت مشقتها، فإنه بيديه وحده – سبحانه – مقاليد الأمور، وهو الذي يقول للشيء كن فيكون، وهو سبحانه الغالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

القاسمي، محمد جمال الدين القاسمي، وآراؤه الاعتقادية

القاسمي، محمد جمال الدين القاسمي، وآراؤه الاعتقادية ¤علي محمود دبدوب£بدون¥دار المحدثين - القاهرة¨بدون¢بدون€توحيد وعقيدة ومنهج¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة: وبعد هذه المعايشة العلمية مع شخصية الإمام القاسمي علامة الشام؛ نخلص إلى جملة من النتائج، نجملها في الآتي: أ- بالنسبة لعصر القاسمي: 1 - الحالة السياسية في الدولة العثمانية – خلال عصر القاسمي – كانت سيئة لدرجة كبيرة؛ إذ تكالبت عليها المكائد من كل اتجاه؛ سواء من العالم الغربي أو من ولاتهم أنفسهم؛ مما دفع القاسمي لأخذ موقف من هؤلاء الولاة. 2 - الحالة الاجتماعية كانت شبيهة بالحالة السياسية؛ بل زادت عليها بسبب كثرة المصائب السماوية، وحدوث الطواعين المتكررة وانتشارها بالعدوى، وكل ذلك أثر في دمشق وأدى إلى فناء خلق كثير. 3 - الحالة الاقتصادية ساءت أيضاً إلى أبعد الحدود؛ بسبب نظام الالتزام الذي جعل الناس طبقتين: طبقة تعيش في بَذَخ وإسراف، وطبقة تكاد لا تجد إلا الكفاف. 4 - الحالة العلمية كانت مفقودة؛ بسبب عدم وجود المدارس والمعاهد والجامعات ما أدى إلى انتشار الأُمِّية، وجَعْل اللغة التركية هي لغة الدولة الرسمية. ب- أما سيرته الذاتية فقد تبين فيها الآتي: 1 - ينتمي القاسمي إلى بيت عُرِف بالورع والتقوى والعلم؛ فقد كان جده ووالده من علماء عصرهم. 2 - اتصاف القاسمي بالصفات الحسنة الحميدة؛ مما جعل علماء عصره يثنون عليه وعلى علمه وأمانته. 3 - ظهر لي أن القاسمي كان شافعي المذهب، ملتزماً بآراء مذهبه ومنتصراً له. 4 - كان القاسمي حسن الأدب؛ فلم يتناول أحداً من خصومه بالتجريح؛ بل كان همه معهم الإلزام بالحجة، وكان يلتمس لصاحب المذهب المخالف العذر. أما الباب الأول الخاص بالحديث عن الإلهيات عند القاسمي فقد تبين فيه الآتي: 1 - طريقة المتكلمين في الاستدلال على وجود الله بها كثير من الغموض؛ بخلاف طريقة القاسمي التي استقاها من كلام المتقدمين عليه، وساقها في صورة معاصرة ملائمة لأهل عصره. 2 - كثرة نقل القاسمي عن غيره لا يُعدُّ عيباً فيه؛ إذ كان يجمع نوادره من مواضيع شتى، ويصيغها بأسلوب مُيسَّر؛ مع عزو كل قول لصاحبه. 3 - اعتمد القاسمي في عرضه للأدلة على وجود الله تعالى على أدلة وبراهين كثيرة، سار فيها مخاطباً جميع الناس على اختلاف أحوالهم؛ فذكر أدلة عقلية وأدلة حسية، وهو في ذلك متَّبع لأسلوب القرآن الكريم. 4 - عرضتُ لآراء الفرق في مسألة الصفات، وردَدتُ عليها بكلام العلماء. 5 - كان القاسمي في مسألة الصفات – عموماً – منتصراً لمذهب السلف، وكان يرى أنه أعدل المذاهب، وساق أدلة كثيرة على ذلك. 6 - كان القاسمي يعتمد في سوقه لأدلته على ما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، تاركاً الضعيف منها. 7 - كان القاسمي يلتمس لصاحب المذاهب المخالفة العذر فيما ذهبوا إليه. أما بالنسبة لما يتعلق بفصل النبوات فقد تبين لي ما يلي: 1 - مخالفة القاسمي للفلاسفة والمعتزلة الذين رأوا أن إرسال الرسل ملزَم على الله، وقال بأن إرسال الرسل فضل ومنَّة من الله على عباده. 2 - شدة حرص القاسمي على إثبات العصمة للأنبياء، ونفي كل الشبهات التي عنت لبعض المخالفين؛ ولذلك رأينا ردوده عليهم اتسمت بالشدة في الحق، وفنَّد مزاعمهم وأباطيلهم. 3 - القاسمي رحمه الله لم يأخذ كلام غيره من العلماء مأخذ المسلَّمات؛ بل كان يضع كل رأي يقع تحت عينه أمام عقله، ويقف منه موقف المؤيد إذا وافق الكتاب والسنة، أو موقف المعارض له أشد المعارضة إذا لم يوافقهما. 4 - كثرة اطِّلاعات القاسمي على كتب الأناجيل؛ مما جعل أدلته التي استخدمها في إثبات ثبوت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قوية ومقبولة. 5 - ركَّز القاسمي في إثبات النبوة على نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ رأى أن في إثباتها إثبات ملزم لنبوة جميع للأنبياء. أما بالنسبة لما يتعلق بفصل السمعيات فقد تبين لي ما يلي: 1 - موافقة القاسمي لجمهور الأشاعرة وأهل الحديث في أدلتهم على إثبات السمعيات. 2 - معرفة الإنسان بوجود الملائكة وإحصائهم لكل ما يفعله من أعظم الأسباب التي تحفِّزه على عمل الطاعات وتبعده عن المعاصي. 3 - كان القاسمي يرى أن الموزون هو العامِل وعمله وصحيفة عمله، ويرى بأن ذلك هو الظاهر من النصوص التي وردت بكل هذا، ولا منافاة بينها. 4 - أثبت القاسمي رؤية الله تعالى في الآخرة؛ مستنداً في ذلك إلى الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، وهو بذلك موافق لرأي السادة الأشاعرة. 5 - كان القاسمي شديد التحري في نقل آراء كلٍّ من المعتزلة والأشاعرة، ولم يتعرض لمخالفيهم بالسب والتجريح.

القبورية نشأتها آثارها موقف العلماء منها (اليمن نموذجا)

القبورية نشأتها آثارها موقف العلماء منها (اليمن نموذجا) ¤أحمد بن حسن المعلم£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1427هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶قبور - بدعها وما فيها من مخالفات الحمد الله الذي أتم علي نعمته ووالى علي مننه وأعانني فأكملت هذا البحث بهذه الصورة التي أرجو أن أنال رضاه وأن يكون البحث نافعا محققا للغرض منه وقد توصلت من خلاله إلى عدة نتائج أهمها: أ- أن بني آدم كانوا على التوحيد الكامل حتى طرأ عليهم الشرك وذلك بالغلو في الصالحين ولم يعرف شرك في البشرية قبل ذلك. 2 - أن اليهود والنصارى واليونان كانوا قبورية متعلقين بالقبور معظمين لها معتقدين فيها عقائد باطلة وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستتبعهم في ذلك. 3 - أن العرب كانوا موحدين على ملة أبيهم إبراهيم حتى حرفهم عمرو بن لحي الخزاعي وكان من أسباب انحرافهم الغلو في بعض البشر كما حصل عندما أحبوا (اللات) وعظموا موضعه ثم اتخذوه إلها وبالغلو في آثار الأنبياء حتى عظموا الحرم وحملوا حجارته معهم تعظيما له ثم إنهم عبدوا تلك الأحجار بعد مدة. 4 - أن الشرك بعد ذلك عم جزيرة العرب والعالم كله حتى مقتهم الله تعالى إلا بقايا من أهل الكتاب ومعهم عدد قليل من حنفاء العرب. 5 - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت إلا وقد طهر الجزيرة العربية من الشرك وعلم أمته طرق حماية التوحيد وحذرهم من الشرك ووسائله أبلغ تحذير. 6 - أن القرون المفضلة كانت خالية من جميع مظاهر القبورية وأن الصحابة والتابعين وأتباعهم من علماء وأمراء عملوا إزالة أي مظهر من مظاهر القبورية المتمثلة في البناء على القبور مرتفعة في ذلك الوقت إنما هو مجرد شبه لا وزن لها. 7 - أن الشيعة كانوا يحاولون منذ زمن مبكر إنشاء مبان على قبر الحسين رضي الله عنه وإقامة مراسيم بدعية له ولكن الخلفاء كانوا يمنعونهم من ذلك ويشددون في المنع ويزيلون ما يحدث في حين الغفلة وأن ذلك كان بدافع الحرص على منع الابتداع في الدين وليس كما يقول الرافضة بسبب بغض الحسين وأهل بيته. 8 - أن الشيعة الغالية من رافضة وإسماعيلية وباطنية هم الذين أنشأوا المظاهر القبورية في العالم الإسلامي ضمن بدع كثيرة ابتدعوها حينما حكموا بلاد المسلمين أواخر القرن الثالث وسائر القرن الرابع وبعض الخامس وأن تلك المظاهر قد ألفها المسلمون منذ ذلك الحين ولذلك فإن الدول السنية التي جاءت بعدهم قد قلدتهم في ذلك ونشرت تلك المظاهر في البلاد التي لم تصلها الدولة الشيعية. 9 - أن الصوفية المتأخرة القائمة على الفلسفة هي نبتة غريبة في الإسلام ولا علاقة لها بالزهد الذي حث الشرع عليه وليس لها قدوة من صحابي أو تابعي أو إمام معتبر من أئمة المسلمين. 10 - لقد أخذت باطنية الشيعة جملة من العقائد عن الفلاسفة وغيرهم من الأمم الكافرة وطبقتها على أئمتها وصاغتها صياغة تناسب ملتها ثم نشرتها بين أتباعها وحملتهم عليها ز ثم إن المتأخرين من الصوفية أخذوا ذلك عنهم ودمجوه في منهجهم وعملوا به واعتقدوه ومن ذلك عقيدة القطبية والتصرف في الكون التي انبثقت عنها معظم العقائد الضالة في الأولياء والكرامات. 11 - كما أخذت الباطنية الشيعية والصوفية بعلة الزيارة التي قررها الفلاسفة وأصبحوا يزورون القبور بمقتضاها لا بمقتضى العلة الشرعية التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وتلك العلة المأخوذة عن الفلاسفة هي الاستشفاع والاستمداد من أرواح الأموات المزورين واعتقاد أنها تمد من استمد منها.

12 - أن الصوفية الغالية الحريصة على إظهار الخوارق وعدها كرامات تدل على ولاية من جرت على يديه قد أخذوا بعدد من علوم السحر واستخدموها ونشروها في الأمة ومنهم من كان يعاني أنواعا من الرياضات للوصول للكشف وخرق العادة على طريقة سحرة الهند وغيرهم. 13 - ليس ما ذكرته عن الصوفية منطبقا على كل من انتمى إليهم أو وصف بولاية منهم بل ممن نسب إليهم من هو بريء مما نسب إليه وهناك من اعتقد عقائدهم وعمل ببدعتهم تقليدا لهم وإحسانا للظن بهم فهؤلاء أمرهم إلى الله وأما ما نسب إليهم من ذلك فهو باطل وانحراف وهو إدانة للمنهج الصوفي ودليل على بطلانه لأن الصوفية هم الذين نسبوا ذلك إلى شيوخهم ونشروه مرتضين له بل يعدونه من أعظم فضائلهم. 14 - أثبتت هذه الدراسة أن أهل اليمن كانوا على منهاج السلف الصالح في عقيدتهم وأحكامهم وأن مصادر علمهم هي كتب السنة قبل دخول الكتب الفقهية والمذاهب المختلفة وكتب الفرق المخالفة لذلك المنهج وأن منهج السلف الصالح ظل قائما حتى بداية القرن الثامن في البلاد الشافعية وأنه ما كاد يغلب على تلك البلاد المذهب الأشعري حتى قام منهج السلف الصالح في البلاد الزيدية على يد الإمام محمد بن إبراهيم الوزير وأتباعه وهذا المنهج ما زال قائما إلى اليوم والحمد لله. 15 - كما عرفنا أن جميع المذاهب المخالفة لمذهب السلف الصالح إنما هي وافدة على اليمن وليست أصلية فيه وأن الصوفية القبورية لم تعرف بفلسفتها المبتدعة في اليمن إلا منذ القرن السادس ولم تستقر ولم تنتشر إلا في القرن السابع. 16 - أن جميع ما لدى صوفية العالم الإسلامي من عقائد ضالة وبدع باطلة ومخالفات ظاهرة أو خفية أو دعاوى وشطح كل ذلك قد قلدهم فيه صوفية اليمن في وقت ما أو مكان ما. 17 - كما أظهرت الدراسة أن لسلاطين اليمن السنيين وأئمته الزيدية دورا كبيرا في نشر القبورية وتعميقها في البلاد 18 - كما أظهرت الدراسة أن لوجود القبورية وانتشارها آثارا سيئة كثيرة منها: أ- إفساد عقائد كثير من الناس بالشرك الأكبر والأصغر لتعلقهم بالأولياء وإيهامهم أنهم يمدون من استمد منهم ويعطون من دعاهم وينفعونهم ويضرونهم بما لا يقدر عليه إلا الله. ب- نشر الخرافة في الأمة حتى أصبحت جزء من حياتها. ج- نشر السحر واستخدامه باسم الكرامة والولاية حتى أصبحت تقرأ عن أولياء يوصفون بأوصاف جليلة جدا وتنسب إليهم كرامات عظيمة وربما في نفس الترجمة يوصف بأنه يتقن على أسرار الحروف والأفاق والرمل وما أشبه ذلك , ويتصرف بها وهي من علوم السحر والكهانة مما يجعل الباحث في شك كبير من غالب أولئك الأولياء وتلك الكرامات لاختلاط الكرامة بالسحر والكهانة وعدم التقيد في صفة الأولياء بالضوابط الشرعية. د- كما أنه ترتب على ذلك نقص العلم الشرعي وتجهيل الأمة وحصر التعلم في فئات محدودة. هـ وترتب على ذلك أيضا وجود تمايز طبقي وترفع بعض الفئات على بعض مما كان له نتائج سيئة على المجتمع. 19 - واجه علماء اليمن القبورية وتصدوا لها رغم ما كانت تقوم به من أساليب كثيرة لمواجهة هؤلاء العلماء منها اللجوء إلى السلطان وتسخير القبائل لضرب ينازعها واستخدام الاختراق والاحتواء والتشويه للخصم وقد يصل الأمر إلى التصفية الجسدية أو الضرب المبرح. 20 - لعلماء اليمن مؤلفات قيمة نافعة في مواجهة القبورية كتبها علماء من سائر الجهات اليمنية. 21 - لقد كان لحركات التجديد السنية أثرها البالغ على القبورية في اليمن من حيث كبح جماحها وتبصير الناس بمعايبها وصدهم عن متابعتها والحركات التي كان لها بالغ الأثر هي مدرسة التجديد والاجتهاد التي ابتدأها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد ودعوة الإرشاد بإندونيسيا وقد ترتب على ظهور هذه الدعوات هدم الكثير من المشاهد والقباب المقامة على أضرحة الأئمة والأولياء في فترات مختلفة. هذه أهم النتائج التي خرجت بها ولا شك أن هناك فوائد ونتائج أخرى سيلمسها القارئ من خلال مطالعته لهذه الرسالة أسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه سالمة من الأغراض والأهواء نافعة لي ولإخواني المسلمين إنه سميع مجيب والحمد لله أولا وآخرا.

القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه

القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه ¤عبدالرحمن بن صالح المحمود£بدون¥دار النشر الدولي - الرياض¨الأولى¢1414هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶قدر وقضاء الخاتمة والآن بعد هذه المباحث المتواصلة التي شملت عدة فصول جاءت ضمن أربعة أبواب، وذلك في موضوع: (القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه)، نخلص إلى خاتمة هذه الرسالة باستخلاص النتائج التالية: 1– أن عقيدة القضاء والقدر تحتل مكانا بارزا بين أركان الإيمان، ولذلك استفاضت أدلته من الكتاب والسنة، وتكلم فيه علماء السلف رادين على الضالين والمنحرفين فيه، حتى أصبح اعتقاد السلف فيه واضحا لا لبس فيه ولا غموض، ولم يختلط بغيره من الاعتقادات الفاسدة. وهذه الحقيقة لا يلمسها إلا من اطلع على الغالب مما كتب حول القدر في القديم والحديث. 2 – وقد تبين من خلال البحث أن القدر مما تكلم فيه الناس في القديم، وذلك قبل الإسلام، وكل فرقة أو نحلة أو جماعة قد تكلمت في القدر، إن بحق أو بباطل، وهذا دليل على أنه شغل حياة الناس وعقولهم، ولكن يلحظ أنه لم يعصم من الزلل فيه إلا من استمد هديه من الله، وهم الأنبياء وأتباعهم من المؤمنين المخلصين. 3 – وحين جاء الإسلام إذاً بالكتاب والسنة، يبينان للناس حقائق العقيدة، ومن أهمها عقيدة القدر، وبقي الصحابة – رضوان الله عليهم – متمسكين بها، واعين لها، فاهمين لها على الوجه الصحيح، لم يخالط قلوبهم شك ولا ريب، وقد نهوا أن يبحثوها بعقولهم وأهوائهم، فكفوا واستسلموا لله رب العالمين، واستمر المسلمون على ذلك إلى أن نبتت في المسلمين – لأسباب عديدة – بذور الخلاف والشقاق، والانحراف عن صراط الله المستقيم، وذلك بظهور فرقة الجهمية والقدرية المعتزلة وغيرهما من الفرق. 4 – وقد تبين من خلال البحث أن الخلاف بين أهل السنة وأهل الكلام من معتزلة وغيرهم، إنما هو خلاف في المنهج، قبل أن يكون خلافاً تفصيليا حول الأدلة المتعددة من الكتاب والسنة، وهذه حقيقة يجب ألا يغفل عنها من يتصدى لدراسة مثل هذه الموضوعات. 5 - ومن خلال دراسة أقوال وأدلة المخالفين في باب القدر، تبين رجحان مذهب أهل السنة والجماعة، فهو القول الوسط الذي يجمع الأدلة كلها، أما الأقوال الأخرى فمما يلاحظ عليها أن كل قول منها هو في الحقيقة رد على القول الآخر، وكل دليل يورده، إنما هو أيضا دليل على فساد القول الآخر. 6 – وهنا لابد أن نذكر حقيقة مؤسفة – على العلماء والباحثين أن ينتبهوا لها – ألا وهي أن كتب العقائد التي كتبها علماء السلف، نجدها منشورة ومطبوعة، ولكن القليل جداً منها الذي نجده محققا تحقيقا علميا دقيقا، ومخدوما بالدراسات والفهارس المختلفة، وهذا بخلاف كتب العقائد الأخرى كالمعتزلة والشيعة والأشاعرة، فإننا نجدها منشورة ومحققة، فمن المسئول عن هذا؟ إننا نجد كتب شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كلها تقريبا منشورة، ولكن هل هي محققة تحقيقا علميا دقيقا؟ الجواب: لا، إلا إذا استثنينا الجزء الأول من (درء تعارض العقل والنقل)، والجزءين الأول والثاني من منهاج السنة (وهما لا يمثلان إلا الجزء الأول المطبوع سابقا)، مع ملاحظات عديدة على تحقيقهما. 7 – وقد رأينا من خلال البحث كيف أن موضوع القدر قد بحث في هذا العصر، وكتب حوله كتاب عديدون، ولكن أغلب هذه الكتابات جاءت منحرفة في فهمها لقضية القدر، لأنها مبنية على أقوال منحرفة قديمة، كأقوال المعتزلة والأشاعرة وغيرها، ولم يعصم من الانحراف إلا من التزم منهج السلف وعقيدتهم. 8 – وأخيراً فقد تبين أن ما أثير حول القدر من حجج وأسئلة إنما هو احتجاج باطل، سهل نقضه، بشرط أن يلتزم من يناقشها منهجا واضحا محددا لئلا يقع في تناقض أو انحراف، والشبهات لا تأتي بأدلة قوية؛ لأنها تنشأ عن هوى يقع في النفوس؛ فيزين الشيطان لها الانحراف عن منهج الله لترتكس في حمأة الشهوات والرذائل، ولتجد لها مبررا فيما تقوم به من عصيان وإفساد. وعقيدة القدر كما فهمها المسلمون الأوائل، وكما يفهمها كل مسلم صادق، ليست مصدر قلق نفسي، كما أنها ليست مما يدعو إلى القعود والكسل، والتعللات الكاذبة، بل على العكس من ذلك كله، كانت وما تزال أكبر داع للمؤمن لكي يتخلق ويتصف بصفات المؤمنين، من شجاعة وإقدام، وعمل جاد مستمر، وخلق حسن، ومحبة وألفة لإخوانه المؤمنين، إلى آخر الصفات الحسنة التي تغرسها في قلب المؤمن العقيدة الإسلامية، ومنها عقيدة القضاء والقدر. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

القواعد الكلية للأسماء والصفات

القواعد الكلية للأسماء والصفات ¤إبراهيم بن محمد البريكان£بدون دار الهجرة - الخبر¨الأولى¢1414هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - قواعد عامة ودراسات الخاتمة وهي تشمل على مبحثين: المبحث الأول: في بيان رجحان مذهب السلف على مذهب الخلف. المبحث الثاني: في الأسباب الموجبة لعدم انتشار المذهب السلفي. المبحث الأول رجحان مذهب السلف على مذهب الخلف وبنظرةٍ متأملةً فيما سبق من قواعد المذهب السلفي يعلم كل ذي فكر مستقيم وعقل مستنير أنه لا طريق للنجاة ولا سبيل لمعرفة الله على وجه التحقيق إلا النهج السلفي القويم، ومع هذا فإليك وجوهاً تكمل بها فكرك وتقيم بها عقلك فتزيد في نور بصيرتك وتزيل الغشاوة عن فؤادك، فإن تكاثر الأدلة على الشيء وتوارد البراهين عليه مما يقوي الإيمان ويُرسِّخ اليقين. الوجه الأول (¬1): أنه المذهب الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة تصريحاً وتلويحاً فالتصريح بذكر الصفات، والتلويح بإثبات الحمد ونحوه من الدلالات العامة على الكمال. الوجه الثاني: أنه ما عليه الصحابة والتابعون ومن سار على نهجهم من أئمة الدين وعلماء المسلمين المقتدى بهم. الوجه الثالث: مدح الله لهم في كتابه بقوله: (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (¬2) فهذه شهادة من الله بعدالتهم فلا يقولون غير الحق إذ القول بالباطل أو الجهل ينافي العدالة. الوجه الرابع: أنه مما لا يُتصور كون الخلف الحيارى أعلم بالله وصفاته من سلف أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين نقلوا الشريعة كابراً عن كابر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬3). الوجه الخامس: الاختلاف الحاصل بين الخلف أكبر دليل على حيرتهم وفساد مذاهبهم وصحة مذاهب السلف. الوجه السادس: أن السلف بنو مذهبهم على أن الأصل فيما جاء من نصوص الكتاب والسنة التكليف إلا أن يدل دليلٌ صحيحٌ على خلافه وهذا ما لا يستطيع الخلف إثباته. الوجه السابع: اعتراف كثيرٍ من محققي الخلف بالحيرة والضياع ورجوعهم إلى مذهب السلف فهو شهادة من الخلف بصحة مذهب السلف (¬4). وممن شهد بهذا إمام الحرمين الجويني حيث قال: (لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن اقرأ في الإثبات (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (¬5) ... إلخ. الوجه الثامن: استحالة كون الصحابة وتابعيهم غير قائلين بالحق في هذا الباب أو غير عالمين به، وضد ذلك عدم العلم والقول به أو قولهم نقيض الحق وهذا ممتنعٌ لأمرين: أولاً: لقيام الداعي في النفوس لطلبه فإن من في قلبه أقل حياةٍ وحبٍ لطلب العلم يكون هذا الباب من أعلى مقاصده وأعظم مراداته إذ المقصد الأكبر من الوحي هو معرفة الله وما يجب له من كماله المقدس. ثانياً: فإن أحوال القوم وجهادهم وحرصهم على نقل الشريعة ومجانبة البدع تمنع قولهم بغير الحق (¬6). الوجه التاسع: أن السلف هم أعلم بالله وصفاته من الخلف إذ من المحال أن يكون حظ أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا العلم الجهل، إذ من الممتنع أن يكون خواص الرسول صلى الله عليه وسلم مع حرصه على إفادتهم وتعليمهم أجهل بالله وصفاته ممن جاء بعدهم (¬7). ¬

(¬1) انظر منهاج المسلم ص (23) مجموعة الرسائل والمسائل (5/ 41). (¬2) سورة الأحزاب، آية: (23). (¬3) النفائس الحموية ص (89). (¬4) انظر النفائس الحموية ص (91). (¬5) سورة طه، آية: (5). (¬6) انظر الحموية ص (89) النفائس. (¬7) نقض المنطق ص (117).

الوجه العاشر: أن العلم ببيان الأسماء والصفات إما أن يكون من الدين أو لا فإن كان من الدين فالله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (¬1) فلابد وأن يكون قد بيّن لهم ذلك؛ لأن الدين لا يكمل إلا به، فإن قيل ليس من الدين فقائله مخالفٌ لإجماع المسلمين سلفاً وخلفاً، إذ بحثهم فيه وتقريرهم له دليل على أنه من الدين. الوجه الحادي عشر: احترامهم لنصوص الكتاب والسنة المبني على حسن الظن بالله ورسوله وجدهم في فهم مقاصدها وإدراك معانيها والعلم بمدلولاتها ثم العمل بما دلَّت عليه. الوجه الثاني عشر: ردّهم فيما يتنازعون فيه مع الخلف لكتاب الله والسنة عملاً بقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (¬2) ورجوع الخلف إلى عقولهم ومقاييس الفلاسفة الذين هم القدوة عندهم. الوجه الثالث عشر: أن علم السلف بهذا الباب وغيره راجعٌ إلى الكتاب والسنة، وعلم الخلف مرجعه ما تستحسنه عقولهم وأقيستهم. الوجه الرابع عشر: أن القدوة عند السلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وقدوة الخلف العقول الآدمية والمقاييس اليونانية الوثنية. الوجه الخامس عشر: أن السلف أسسوا مذهبهم على إثبات الكمال، والخلف بنو مذهبهم على نفيه أو نفي بعضه. الوجه السادس عشر: أن مذهب الخلف بني على الاعتراض على النصوص، ومذهب السلف بني على الإيمان والتسليم، إذ قال الخلف ما في النصوص لا يليق بالله. الوجه السابع عشر: أن الخلف حرّفوا الكلم عن مواضعه فقالوا مثلاً استوى بمعنى استولى، كما قال بنو إسرائيل حنطة بدلاً من حطة فبدَّلوا كلام الله، والسلف امتثلوا الأمر وسلّموا لله ورسوله. الوجه الثامن عشر: أن الخلف بنو مذهبهم على سوء الظن بالنصوص، إذ ظاهرها عندهم التشبيه؛ فنفوا وتأولوا والسّلف آمنوا بما جاء عن الله ورسوله وسلّموا فجمعوا بين احترام النصوص والإيمان بها. المبحث الثاني الأسباب الداعية لعدم انتشار مذهب السلف ولعدة أسباب بقي الناس ردحاً من الزَّمن جاهلين بمذهب السلف متنكرين له وهي على سبيل الإجمال كما يلي: أولاً: سوء الفهم لمذهبهم وذلك لأن الكثير من الناس ظنوا أن مذهب السلف هو مذهب أهل التفويض. ثانياً: الإعراض عن الكتاب والسنة فإن الحظ يكمل في إدراكه بقدر علم الرجل وقربه من الكتاب والسنة. ثالثاً: قيام صلاح الدين بنصرة مذهب الأشاعرة وتدريسه في الأزهر مما أدى إلى انتشاره وجهل الناس بمذهب السلف (¬3). رابعاً: ترجمة كتب عقائد الفرس واليونان والروم التي أثَّرت في عقول الكثير من الناس فأفسدت عقائدهم تصوراتهم. خامساً: ركون الكثير من المنتسبة للعلم إلى تحكيم مقاييس المنطق وأصوله في المطالب الإلهية واشتغالهم به مع القصور في معرفة الكتاب والسنة. سادساً: كيد أعداء الإسلام بقصد بتر الصلة بين الأمة وسلفها الصالح طلباً لإفساد معتقداتها. سابعاً: قيام بعض الخلفاء بنصرة المذاهب البدعية ونشرها كالمأمون في نصره للمعتزلة. ثامناً: الاضطهاد الذي بُلي به كثيرٌ من علماء السلف مما أوقع الخوف في نفوس كثيرٍ من الناس عن اعتناقه أو تبليغه. تاسعاً: الحملات المسعورة، فمن انتسب للعلم يرمي مذهب السلف بالألقاب الشنيعة والألفاظ البذيئة، كوسمهم بالحشوية والمشبهة والمجسمة. عاشراً: ظلمة القلوب باعتقاد الباطل والدفاع عنه. الحادي عشر: تقصير كثيرٍ من العلماء بمذهب السلف في نشره وإيضاحه للناس إما خوفاً من بطش الحكّام أو تسفيه علماء عصره. الثاني عشر: التقليد الأعمى في باب الاعتقاد الذي بُليت به الأمة فعقيدة المسلم هي عقيدة من علمه. الثالث عشر: عدم إتقان كثيرٍ من العلماء المنتسبين إلى السلف علوم المنطق ومقاييسه حتى يقابل حجة الخلف المنطقية بمثلها. الرابع عشر: قلة الكتب المؤلفة فيه في كل عصر، فإن لكل عصر من اللغة تعابير تناسبه وأساليب توافقه اكتفاءً من علماء السلف بكتب من تقدمهم. الخامس عشر: تقصير كثيرٍ ممن ينتسب إلى المذهب السلفي في فهمه وإدراكه وتحصيل الملكة المتمكنة فيه. وبهذا البحث تم بحمد الله وتوفيقه ما عزمت عليه من بيان الأصول العقدية وإيضاح المناهج السلفية، راجياً من الله أن يكون هذا العمل خالصاً لوجه الله الكريم، وافياً بالغرض من كتابته موضحاً لما أُبهم ومبيناً لما أغلق وداعيةً سياراً لمذهب سلفنا الصالحين، يهدي به الله من شاء من عباده، والله أسأل أن ينفع به قارئه وسامعه وكاتبه، وأن يجعله لي صدقةً جاريةً موجبةً لمغفرته وجنته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. ¬

(¬1) سورة المائدة، آية: (3). (¬2) سورة النساء، آية: (59). (¬3) انظر جلاء العينين في محاكة الأحمدين ص (217).

المباحث العقدية في حديث افتراق الأمم

المباحث العقدية في حديث افتراق الأمم ¤أحمد سردار محمد£بدون¥وزارة التعليم العالي- المدينة المنورة¨الأولى¢1430هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶حديث مفرد - شرح - فوائد - دروس الخاتمة: زبدة البحث وخلاصته وأبرز نتائج مادته: 1 - أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق اليهود والنصارى وهذه الأمة إلى عدد معين من الفرق، وقد عُرف ذلك عند أهل العلم بـ (حديث الافتراق) و (حديث افتراق الأمة) و (حديث افتراق الأمم). 2 - روى حديث الافتراق عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة عشر صحابياً، وهو حديث صحيح بلا ريب، وقد تتابع أهل العلم – عبر عصور الأمة الإسلامية وتاريخها – على الاعتماد عليه والاحتجاج به. 3 - حديث الافتراق معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم العلمية: • حيث أخبر عن أمور ماضية (تفرُّق اليهود والنصارى) دون أن يكون له في ذلك سابق علم أو قراءة أو اطلاع. • وأخبر عن أمر مستقبل (تفرُّق أمته، ووجود فِرقة ناجية منصورة إلى قيام الساعة)، فوقع الأمر كما أخبر به. 4 - لقي هذا الحديث من علماء المسلمين في مختلف العلوم والفنون – ولاسيما المصنفين في الفرق والاعتقاد – اهتماماً كبيراً وعناية فائقة. 5 - تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على النهي عن الافتراق وأسبابه، والتحذير منه ومن عواقبه. 6 - الافتراق المحرم أربعة أنواع: الأول: مفارقة دين الإسلام - الذي أوجب الله على جميع البشر اتباعه، ولا يقبل من أحد سواه -؛ وذلك بعدم الدخول فيه أصلاً، أو تركه إلى أديان الكفر وملل الباطل. الثاني: تفريق الدين؛ وذلك بالإيمان ببعضه والكفر ببعضه الآخر، أو العمل ببعضه وترك العمل ببعضه الآخر. الثالث: مفارقة الحق الذي جاء به الأنبياء، والتزم به جماعة أتباعهم. الرابع: التفرق في صفوف المؤمنين أهل الإسلام إلى شِيَع وأحزاب وطوائف. 7 - المراد من الافتراق في الحديث: هو الخروج عن السنة والجماعة في أصل أو أكثر من أصول الدين الاعتقادية منها أو العملية، أو المتعلقة بالمصالح العظمى للأمة. وأهل الافتراق: هم الفرق المفترقة عن طريق السنة والجماعة، المفارِقة لأئمة المسلمين وجماعتهم، السالكة لغير سبيل السنة وأهلها، المباينة لنهج السلف الصالح. 8 - بين الافتراق والابتداع تلازم، فالافتراق لا يكون إلا بابتداع؛ ما لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والابتداع مفارقة لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وبين أهل الافتراق (الفرق الاثنتين والسبعين) وأهل الابتداع عموم وخصوص مطلق؛ فكل من كان من أهل الافتراق فهو من أهل الابتداع، وليس كل من كان من أهل الافتراق فهو من أهل الابتداع، وليس كل من كان من أهل الابتداع يكون من أهل الافتراق. 9 - الاختلاف في مسائل الاجتهاد ليس مذموماً، وأهله ليسوا من أهل الافتراق؛ إلا إذا اقترن به الهوى وأدى إلى الافتراق. 10 - للافتراق آثار وخيمة، وعواقب سيئة عظيمة على الفرد والمجتمع، في الحال والمستقبل والمآل. 11 - دلت أدلة الكتاب والسنة على أن الافتراق حتم مقدَّر على بني آدم منذ وقوع الشرك في بني آدم حتى قيام الساعة، ويدخل في ذلك – كما هو ظاهر – هذه الأمة المحمدية، لكن هذا الافتراق أراده الله كوناً وقدراً، لا ديناً وشرعاً، فالافتراق – وإن قدَّره الله - فلابد أن يقع؛ وهو أمر حرمه الله ونهى عنه، وحذر منه وذم أهله. 12 - أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن افتراق اليهود كان على إحدى وسبعين فرقة، وأن افتراق النصارى كان على اثنتين وسبعين فرقة، وأن افتراق هذه الأمة سيكون على ثلاث وسبعين فرقة، وهذا العدد المذكور في الحديث للتحديد.

13 - اليهود والنصارى كان فيهم فرقة ناجية، كما أن هذه الأمة فيها فرقة ناجية. 14 - المعنى بـ (الأمة) في حديث الافتراق هو أمة الإجابة، على ذلك اتفق علماء الإسلام وأئمته. 15 - الأصل أن الافتراق في هذه الأمة المحمدية شامل لجميع عصورها، لكن دلت الأدلة على أنه يستثنى من ذلك زمنان: الأول: زمن حياته صلى الله عليه وسلم. الثاني: زمن نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان - بعد انتصار المسلمين على الدجال، وهلاك يأجوج ومأجوج، وعدم بقاء دين إلا الإسلام - حتى وفاة عيسى ووفاة جميع أهل الإسلام. 16 - أول افتراق في الأمة المحمدية وقع في آخر عصر الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم بخروج فرقة الخوارج عن جماعة المسلمين في خلافة علي رضي الله عنه. 17 - للحكم على طائفة ما بأنها من الفرق الاثنتين والسبعين لابد من مراعاة ضوابط معينة، وهذا في غير ما نص عليه أئمة أهل السنة والجماعة من أنه من الفرق الاثنتين والسبعين، فإن ما نصوا على أنه من الفرق الاثنتين والسبعين يسلم لهم فيه؛ فهم شهداء الله في الأرض. 18 - الموقف الصحيح من حكم النبي صلى الله عليه وسلم على الفرق الاثنتين والسبعين بأنها في النار يتمثل في أمرين: الأول: أن الفرق الاثنتين والسبعين – في الجملة – لا يزالون من أهل الإسلام، ولم يخرجوا منه إلى الكفر: • فمن كان مندسّاً فيهم من أهل النفاق والزندقة أو أخرجته بدعته إلى الكفر فهؤلاء – في الحقيقة – ليسوا من الثنتين والسبعين فرقة إلا ظاهراً؛ لأنهم ليسوا من الأمة المحمدية. • ومن كان من أهل البدع ولم تخرجه بدعته إلى الكفر: فيعامل بما يعامل به مبتدعة المسلمين. الثاني: أن هذا النص لا يقتضي الحكم على تلك الفرق جميعاً بالخلود في النار، وإنما يتعامل معه كما يتعامل مع غيره من نصوص الوعيد: • فلا تجوز الشهادة على معين من الفرق أو المنتسبين إليها – فضلاً عن الفرق الثنتين والسبعين كلها – بالنار. • وأهل تلك الفرق – في الآخرة – تحت مشيئة الله؛ فمن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، ومن شاء عذبه وأدخله النار ثم أخرجه منها إلى الجنة. 19 - الموقف الصحيح إزاء الافتراق هو: أولاً: الإيمان الجازم بأن ما دلت عليه الأدلة من وقوع الافتراق كائن لا محالة؛ مع اشتمال ذلك الإيمان على ثلاثة أمور: أ- الرضا بالافتراق من حيث هو فعل لله سبحانه؛ فإن الله يفعل في ملكه ما يشاء، وهو اللطيف الخبير، العليم الحكيم. ب- عدم الرضى به من حيث هو فعل للعبد، بل يجب النهي عنه، والاجتهاد في دفعه. ج- عدم الاغتمام بكثرة أهل الضلال وقلة السالكين طريق الحق، والوحشة وضيق الصدر من ذلك، وربما ممالأة أهل الباطل ومداهنتهم؛ بل يجب الثبات على الحق، وتوطين النفس على الصبر والتوكل، وحمد الله على سلوك الصراط المستقيم. ثانياً: الحرص على معرفة منهج الفرقة الناجية، والتمسك به. ثالثاً: مفارقة المذاهب الباطلة والمناهج المخترعة والفرق المبتدعة، والحذر الشديد من مخالطتها وتكثير سوادها والتأثر فأفكارها وبِدَعها، والتحذير منها بذكر بدعها وأوصافها؛ بل بذكر أعيانها – إن اقتضى الأمر -، وهذا – في حقيقته – دعوة إلى الاجتماع لا إلى الفرقة؛ لأنه عودة بالناس إلى الجماعة الأولى التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. رابعاً: بذل الجهد واستفراغ الوسع في دعوة الناس إلى نبذ الفرقة والاختلاف، وإلى الاجتماع والائتلاف؛ على أن يكون ذلك وفق ما بيَّنه الله ورسوله من القواعد والضوابط؛ فليس كل اجتماع يكون محموداً أو مطلوباً، وليس كل افتراق يكون مذموماً أو مكروهاً. 20 - دل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الافتراق: (إلا واحدة) على أن الحق واحد لا يتعدد.

21 - القول الراجح في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (الجماعة) ما يشمل أمرين: أ- جماعة العقيدة والمنهج؛ بأن يمتثل المسلم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وأئمة الهدى في الدين والمعتقد. ب- جماعة المسلمين التي لها إمام شرعي، فيجب لزومها، وعدم الخروج عليها. فإذا اجتمع الأمران فذلك من أعظم النعم، وإن لم يتحقق الأمر الثاني في بعض الأزمنة أو الأمكنة فيجب لزوم الجماعة بالمعنى الأول. 22 - ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من الإيمان والعقيدة والقول والعمل والفهم لكتاب الله وسنة رسوله؛ فهو حجة على من بعدهم، يجب عليهم الاقتداء به، ويحرم عليهم مخالفته والخروج عنه، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع والعقل. 23 - ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته هو الميزان الذي يوزن به الأفراد والجماعات، والفرق والطوائف، والأفكار والعقائد، والأقوال والأعمال – مما له تعلق بالدين -؛ فمن كان متبعاً لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو الذي رجح به الميزان، ومن كان على خلاف ذلك نقص ميزانه بقدر مخالفته. 24 - للفرقة الواحدة أسماء ثابتة محمودة، لا يسوغ لأحد إنكارها أو محاولة الطعن فيها، لا من حيث ثبوتها، ولا من حيث حقيقتها، وهي: الجماعة، الفرقة الناجية، الطائفة المنصورة، أهل السنة – أو أهل السنة والجماعة -، أهل الحديث والأثر، السلفيون. 25 - وصف الفرقة الناجية – من هذه الأمة – بأنها (ناجية) وصف شرعي ثابت من منطوق كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومفهومه ولازمه. 26 - الفرقة الناجية والطائفة المنصورة اسمان للفرقة الواحدة، لا فرق بينهما ولا اختلاف، ولا تباين ولا تغاير، ولا عموم ولا خصوص؛ بل يعبَّر بأحدهما عن الآخر، ويفسَّر أحدهما بما يفسر به الآخر، ويجمع بينهما للدلالة على مسمى واحد، على ذلك اتفق علماء الإسلام في جميع عصوره وقرونه، والقول بخلاف ذلك لا دليل عليه من نقل ولا أثر، ولا قول عالم معتبر، ولا لغة. 27 - أهل السنة والجماعة هم: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان. 28 - اتفق أئمة الإسلام، والعلماء الأعلام، على أن أهل الحديث والأثر هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة. والمراد بـ (أهل الحديث والأثر): من كان أحق بحفظ الحديث (الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم) والأثر (الوارد عن القرون الثلاثة المفضلة) ومعرفتهما وفهمهما باطناً وظاهراً، واتباعهما باطناً وظاهراً. 29 - الانتساب إلى السلف الصالح – فيقال: السلفي – انتساب صحيح لغة ومعنى؛ بل هو محمود ومقبول عند أهل العلم. ومن التزم بالسلفية (ما كان عليه السلف) ظاهراً وباطناً فهو من الفرقة الناجية والطائفة المنصورة. 30 - ما كان عليه الصحابة حجة على من بعدهم، يجب عليهم اتباعه والاقتداء به، وكذلك ما كان عليه أئمة الهدى في القرون الثلاثة الفاضلة، والخروج عن ذلك أو مخالفته هو من باب الإحداث والابتداع. 31 - ما كان عليه السلف في القرون الثلاثة الفاضلة فيه كمال العلم والحكمة والسلامة. 32 - يتميز منهج الفرقة الواحدة الناجية تجاه المُوافِق والمخالف بكمال العدل والإنصاف: • فالولاء والبراء إنما يكونان وفق كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم على وفق ما فهمه الصحابة وتابعهم عليه أئمة الهدى. • والمبتدع يختلف التعامل معه بحسب غلظ بدعته وخِفَّتها.

المختصر المفيد في عقائد أئمة التوحيد

المختصر المفيد في عقائد أئمة التوحيد ¤مدحت بن الحسن آل فراج£بدون¥مؤسسة الريان - بيروت¨الأولى¢1426هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶عقيدة - أعمال منوعة الخاتمة: أسأل الله العلي القدير: أن أكون قد وفقت في عرض وإبانة شمولية منهج أئمة الدعوة – رحمهم الله تعالى – وأن أكون قد ساهمت ولو بقدر ضئيل في تقديم منهج وسط، مستقيم في الاعتقاد والأحكام، يصلح أن تنتهجه الأمة الإسلامية، وهي تصارع وتصارع من قبل كافة الملل والنحل، الخارجة عن هدف وجود البشرية، والمرتدة عن فطرة الخليقة، فطرة الله، التي فطر الناس عليها. ولا شك أن وسطية، وخيرية هذا التراث تعود إلى اعتماد أصحابه في الاعتقاد، والمسائل، والدلائل على الكتاب والسنة بفهم أصحاب الثلاثة القرون الأولى، قرون الخيرية والاستقامة. وأريد أن ألفت نظر إخواني الكرام، بعد سؤال كثير منهم عن الكتاب الذي نوهت بذكره في نهاية كتاب "فتاوى الأئمة النجدية"، الخاص "بتقريب تراث شيخ الإسلام ابن تيمية في الاعتقاد والأحكام" أني لظروف معينة اضطررت أن أخرجه في صورة رسائل متسلسلة – إن شاء الله وأعان – وإن كنت أتمنى أن أخرجه كاملاً، ولكن الله المستعان، وعليه التكلان. وأتمنى من إخواني أن لا يبخلوا لي بالدعاء إلى من بيده ملكوت السماوات والأرض أن يعينني على التوفيق، والإخلاص والسداد في إخراج هذا الكتاب على الوجه اللائق بتراث شيخ الإسلام ابن تيمية، ذلك العالم الرباني، الذي طالما واجه الطواغيت، والمنافقين، والكفار، والمشركين، والملاحدة، والمبتدعين، حياً وميتاً. وأبشركم بأن الرسالة الأولى قد انتهيت منها بفضل الله، وهي تحت الطبع الآن إن شاء الله تعالى. أسأل الله سبحانه أن يجعل هذا العمل صالحاً، لوجهه خالصاً، وأن لا يجعل فيه لأحد من دونه من شيء، وأن يبارك فيه، وأن يجعله ذخراً طيباً لي، ولأولادي، ولأهلي في الدنيا، وعتقاً لنا من النيران في الآخرة

المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة وأقوال العلماء وآراء الفرق المختلفة

المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة وأقوال العلماء وآراء الفرق المختلفة ¤عبد العليم عبد العظيم البستوي£بدون دار ابن حزم - بيروت¨الأولى¢1420هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶المهدي المنتظر - أعمال شاملة ومنوعة سرد موجز لما ثبت بالبحث والتحقيق اشتمل هذا القسم على ثلاثين حديثاً وستة عشر أثراً موزعاً على بابين: (1) الأحاديث والآثار الثابتة الصريحة في ذكر المهدي وهي ثمانية أحاديث مرفوعة وأحد عشر أثراً. (2) الأحاديث والآثار الثابتة غير الصريحة في ذكر المهدي. وهي اثنان وعشرون حديثاً وخمسة أثار. وهو مجموع ما ثبت عندي- بالصحة أو الحسن- من أحاديث المهدي التي اطلعت عليها. أما الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة فسأذكرها في القسم الثاني من هذا الكتاب إن شاء الله. وهكذا نرى أن من مجموع ما ثبت من الأحاديث ثمانية أحاديث وأحد عشر أثراً صريحاً في ذكر المهدي. والباقي لم يقع فيه التصريح بذكر المهدي ولكن ذكره العلماء في أبواب المهدي لأجل القرائن والأوصاف الدالة على ذلك. نتيجة البحث: وبعد النظر في الأحاديث الواردة في المهدي ودراستها سنداً ومتناً وصلت إلى ما يلي: (1) إن خلافة المهدي في آخر الزمان حق ولا يمكن إنكارها لثبوت هذه الأحاديث الصحيحة أو الحسنة، ولورود أحاديث أخرى كثيرة وهي ضعيفة في تفاصيلها ولكنها تشارك الصحيحة في أصل الفكرة وهي (وجود خلافة المهدي) وهكذا يصبح هذا الأمر متواتراً تواتراً معنوياً. (2) إن الكثير أو الأكثر من الأحاديث والآثار الواردة في موضوع المهدي ضعيف أو موضوع لا يمكن الاعتماد عليه والأخذ به. ولذلك فلا يمكن أن تقبل هذه الفكرة على علاتها. بل لا بد من تمحيص القول وأخذ ما صفا وترك ما كدر. شخصية المهدي وأوصافه من خلال الأحاديث الثابتة المرفوعة: أما شخصية المهدي وملامحها وأوصافها التي تبينت لي من خلال الأحاديث المرفوعة الثابتة فهي كما يلي: (1) اسمه يواطئ اسم النبي صلى الله عليه وسلم. الأحاديث: 21، 22، 23، 24، 25، 26. (2) اسم أبيه اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم. الأحاديث: 25، 26. (3) يكون من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. الأحاديث: 1، 4، 9، 20، 21، 22، 23، 24، 25، 26، 28، 30، 31، 33، 34. (4) يكون من ولد فاطمة الحديث: 8. (5) يكون أجلى الجبهة، أقنى الأنف. الأحاديث: 4، 30. (6) يصلحه الله في ليلة. الحديث: 1. (7) تملأ الأرض قبل خلافته ظلماً وجوراً. الأحاديث: 4، 20، 26، 30، 31، 32، 33،. (8) فيملأها بعد خلافته قسطاً وعدلاً. الأحاديث: 4، 5، 8، 20، 26، 30، 31، 32، 33. (9) يرى الإمام ابن حبان وغيره أنه الرجل الذي يبايع له بين الركن والمقام. الحديث: 29. (10) يملك سبع سنين الأحاديث: 4، 6. وقد وقع في بعض الروايات بالشك (سبع أو ثماني أو تسع). والظاهر أن هذا الشك أتى من الرواة، فيحمل على اليقين. الأحاديث: 3، 5، 31. (11) يلي في آخر الزمان. ولا تقوم الساعة حتى يملك ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك. الأحاديث: 3، 20، 21، 22، 23، 24، 25، 26، 27، 28، 30، 33. (12) يخرج في راياتٍ سودٍ من قبل خراسان. الأحاديث: 2، 7. (13) يسقيه الله الغيث (تمطر السماء قطرها). الأحاديث: 5، 8. 14 - تخرج الأرض نباتها. الأحاديث 3، 5، 8. 15 - تكثر الماشية. الحديث: 3. 16 - تعظم الأمة. الحديث: 3. 17 - تنعم الأمة في ولايته نعمة لم تنعمها قط. الحديث: 8. 18 - يعطي المال صحاحاً. الحديث: 3. 19 - يحثي المال حثياً. الأحاديث: 36، 38. 20 - يعطي المال بغير عدد (ولا يعده عداً). الحديث: 36.

21 - ينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيصلي ورائه. وهذا يقتضي أن الدجال يخرج في عصره، لأن عيسى ينزل فيقتل الدجال. والأحاديث: 27، 34، 39. 22 - يرى أبو داود وغيره أنه من الخلفاء الأثنى عشر الذين ورد فيهم الحديث: 40. 23 - يرى ابن حبان وغيره أن الجيش الذي يخسف به هو الجيش الذي يخرج لمحاربة المهدي. الحديث: 41. مع المنكرين لفكرة المهدوية لقد ذكرت في مقدمة هذا الكتاب قائمة بأسماء وآراء الذين وجدتهم من المنكرين لفكرة المهدوية إنكاراً مطلقاً. ولقد ثبت لنا الآن بعد البحث والتحقيق أن الفكرة لها أصل، ولا يمكن إنكارها على الإطلاق. إذن فما هي العوامل التي حملتهم على إنكار هذه الفكرة؟ عوامل الإنكار: نستطيع أن نحدد تلك العوامل في أمرين أساسيين: (1) المحاولات المتكررة لاستغلال هذه الفكرة للوصول إلى المطامع الشخصية من الملك والسلطة وغيرهما. وقد بدأت هذه النزعة من قديم الزمان، فالمختار بن أبي عبيد الثقفي يدعي مهدية محمد بن الحنفية ويتستر ورائها للتمكن من السلطة والحصول على الرئاسة. ومحمد بن عبد الله النفس الزكية يدعي المهدوية ويطلب الحكم له والمنصور العباسي يحاربه بالسلاح نفسه فيلقب ابنه بالمهدي ويُظهر أنه هو المراد بالأحاديث الواردة. والفرق الشيعية المختلفة تختار لها مهديين. والحركة الباطنية الإلحادية تتقمص بهذه الفكرة وتثير الفتن والقلاقل وتعيث في الأرض فساداً. وتنتج أرض المغرب مهديين، وفي السودان مهدي، وفي الهند مهدي، وفي إيران مهدي وأبواب المهدي. وهكذا قامت حركات كثيرة عبر التاريخ الإسلامي، وقد تقدم ذكرها بشيء من التفصيل في مقدمة هذا الكتاب. وكل هذه الحركات استغلت هذه الفكرة للوصول إلى أهدافها ومطامعها ووراء كل حركة من الحروب والقتال والفساد ما لا يعلمه إلا الله تعالى. (2) تصوير المهدي بصورة وهمية خيالية يستبعدها العقل ويأباها القلب. فكانت هناك نزعة أخرى تحارب استغلال فكرة المهدوية وهي تصدق بأصل الفكرة إلا أنها لما رأت كثرة أدعياء المهدوية في كل عصر ومصر وما يثير هؤلاء من القلاقل والفتن أصبحت تبحث عن أمور تبين أن هؤلاء الأدعياء ليسوا من المهدي الحقيقي في شيء. فوجدوا روايات ضعيفة وموضوعة مختلفة كثيرة تتعلق بالمهدي وتصفه بأوصاف بعيدة عن العقل والواقع فأوردوها ليثبتوا أن هؤلاء الأدعياء لا يتصفون بهذه الصفات ولا توجد فيهم تلك الأمارات، وعلى سبيل المثال ذكروا أن المهدي تخرج معه كف معلمة من السماء وينادى باسمه من السماء، وتخضر له الأغصان اليابسة في أرض يابسة وتهبط الطير على يديه بإشارته، وأنه يخرج التوراة والإنجيل من أنطاكية. وسمي المهدي لأنه يهدي إلى أسفار التوراة ويخرجها من جبال الشام وأن جبرائيل على مقدمته وميكائيل على ساقته. وأنه يفتح مدينة القاطع على البحر الأخضر المحدق بالدنيا طولها ألف ميل وعرضها خمسمائة ميل فيها مائة سوق وفي كل سوق مائة ألف سوقي. وأنه يخرج تابوت السكينة ومائدة بني إسرائيل ورضراض الألواح وعصى موسى وخاتم سليمان. وما إلى ذلك (¬1). ولكن هؤلاء قد أفرطوا في اعتمادهم على هذه الروايات الواهية وقد أساءوا إلى الحقيقة الصحيحة. فهم وإن كان قصدهم الوقوف في وجه الأدعياء قد نفروا الكثير أيضاً من الصواب (¬2). ¬

(¬1) انظر القول المختصر (124 ب) وكذلك مختصر تذكرة القرطبي والبرهان لعلي المتقي. في ذكرهم لعلامات المهدي المنتظر. (¬2) انظر ما تقدم من كلام محمد فريد وجدي وغيره من المنكرين في مقدمة هذا الكتاب.

وكثير من الذين لم تكن لديهم قدرة كافية للبحث في الأحاديث الواردة وتمييز صحيحها من سقيمها أو كانت عندهم القدرة الكافية لكنهم لم يتجشموا مشقة البحث والتحقيق لما رأوا تلك الفتن والمشاكل من جهة وهذه الخرافات من جهة أخرى أعلنوا بدون تردد أن حديث المهدي حديث خرافة. ونظروا في الروايات الواردة في المهدي نظرة عابرة فتبدت لهم بعض الشبهات فزعموا أنها تقوي رأيهم. شبهات المنكرين (أ) أحاديث المهدي لم يخرجها البخاري ومسلم: وقد ردد هذه الشبهة كثير من الذين كتبوا في إنكار فكرة المهدي. فقال السيد محمد رشيد رضا: (لم يعتد الشيخان بشيء من رواياتها) (¬1). وقال الأستاذ أحمد أمين: (ولم يرو البخاري ومسلم شيئاً عن أحاديث المهدي مما يدل على عدم صحتها عندهما) (¬2). وكذلك سعد محمد حسن في كتابه المهدية في الإسلام (¬3). وغيرهم. وظن هؤلاء أن الشيخان لم يخرجا أحاديث المهدي لعلة فيها عندهما. ولكن هذا الظن ليس بصحيح. وذلك لأمور: (1) إن الشيخين لم يحيطا بجميع الأحاديث الصحيحة ولا ادعيا ذلك فقد قال البخاري: (ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول) (¬4). وقال مسلم: (ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا- يعني كتابه الصحيح- إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه) (¬5). (2) هناك أحاديث كثيرة جداً استدل بها العلماء وعملوا بها ولا توجد في الصحيحين، حتى في أمور العقائد ومنها الحديث المشتمل على العشرة المبشرين بالجنة. والحديث الدال على أن نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة. وحديث البراء بن عازب الطويل في أحوال القبر حتى البعث وحديث وزن الأعمال وغيرها (¬6). فمن الخطأ أن يظن أن عدم إخراج الشيخين أحاديث المهدي يدل على أنها لم تصح عندهما. (3) إن كلامهم هذا ليس بصحيح على إطلاقه. بل في الصحيحين أحاديث تتعلق بالمهدي وإن لم تكن صريحة في ذكره. إلا أن الأحاديث الأخرى تبين أن المراد بها هو المهدي المنتظر. فراجع الأحاديث: 27، 36، 38، 39 من هذا الكتاب. (ب) هل هناك أحاديث تنكر وجود المهدي؟ لقد زعم بعض الناس أن أحاديث المهدي معارضة بحديث (لا مهدي إلا عيسى بن مريم) (¬7). إلا أن هذا الحديث ليس بصحيح كما سيأتي بتفصيل في القسم الثاني لهذا الكتاب إن شاء الله. ولذلك فلا يمكن الاستدلال به. وحتى ولو صح الحديث فلا يبطل تلك الأحاديث الكثيرة الواردة في ذكر المهدي غير عيسى. فيتعين الجمع بينهما. فيقال: (لا مهدي في الحقيقة سواه وإن كان غيره مهدياً كما يقال: لا علم إلا ما نفع ولا مال إلا ما وقي وجه صاحبه. كما يصح أن يقال إنما المهدي عيسى بن مريم يعني المهدي الكامل المعصوم) (¬8). (ج) هل أحاديث المهدي كلها ضعيفة؟: ولقد حاول ابن خلدون تضعيف أحاديث المهدي كلها واستند في رأيه على هذا إلى كلام العلماء (إن الجرح مقدم على التعديل) ثم ذكر بعض ما ورد في الطعن في رواة أحاديث المهدي. والحقيقة أن المحدثين حينما يقولون: (إن الجرح مقدم على التعديل) لا يريدون منه الإطلاق. بل لابد أن يكون الجرح مفسراً حتى يتمكن الباحث من النظر فيه وهل هو جرح حقيقة أم لا؟ فقط يضعفه الجارح بسبب يراه قادحاً بينما هو ليس بقادح عند غيره (¬9). ¬

(¬1) تفسير المنار (9/ 499). (¬2) ضحى الإسلام (3/ 277). (¬3) المهدية في الإسلام (ص70). (¬4) مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح (ص26). (¬5) المصدر السابق (ص26). (¬6) انظر تفصيل هذا المبحث في رسالة الشيخ عبد المحسن العباد (عقيدة أهل السنة والأثر) (ص156/ 157). (¬7) انظر الإحسان (294 ب)، منهاج السنة (4/ 211)، تاريخ ابن خلدون (1/ 575). (¬8) المنار المنيف (ص148). (¬9) انظر الكفاية للخطيب البغدادي (ص178 - 186) لتفصيل هذه المسألة.

قال ابن حجر في شرح النخبة: (الجرح مقدم على التعديل وأطلق ذلك جماعة ولكن محله إن صدر مبيناً من عارف بأسبابه لأنه إن كان غير مفسراً لم يقدح في من ثبتت عدالته وإن صدر من غير عارف بأسباب لم يعتبر به أيضاً. فإن خلا المجروح عن التعديل قبل الجرح فيه مجملاً غير مبين السبب إذا صدر عن عارف على المختار) (¬1). وكذلك نص عليه النووي والصخاوي والسيوطي والسندي غيرهم (¬2). وحتى لو ثبت الجرح في الراوي فليس كل جرح يسقط الرواية بل من الجرح ما هو شديد ويستلزم ترك الرواية، ومنه ما ليس كذلك بل يعتضد الراوي المتصف به بغيره من المعتبرين فيحتج بروايته. فأما الجرح الشديد هو الناشئ في الراوي من قبل كونه مهتماً في دينه وعدالته أو كونه سيئ الحفظ جداً فاحش الخطأ فحين ذاك تترك روايته بالمرة ولا يحتج به ولا يعتبر به. قال الترمذي: (فكل ما كان متهماً في الحديث بالكذب أو كان مغفلاً يخطئ الكثير فالذي اختار أكثر أهل الحديث من الأئمة أنه لا يشتغل بالرواية عنه) (¬3) وروى الخطيب بسنده عن ابن مهدي أنه قال: سمعت شعبة وسئل: من الذي يترك حديثه؟ قال: (الذي إذا روى عن معروفين ما يعرفه المعروفون فأكثر طرح حديثه. وإذا روى حديثاً غلطاً مجمعاً عليه فلم يتهم نفسه في تركه طرح حديثه. وإذا كثر الغلط يترك حديثه. وما كان غير ذلك فارو عنه) (¬4). فإن لم يكن الجرح شديداً كأن يكون ناشئاً من ضعف الراوي بسبب سوء حفظ غير فاحش أو وهم يسير في بعض رواياته أو التدليس أو الاختلاط في آخر العمر وما إلى ذلك فمثل هذا يكتب حديثه ويعتبر به. فإن رواه غيره أو وجد ما يشهد لمعناه علم أنه لم يهم في روايته تلك. قال الحافظ ابن حجر: (ومتى توبع السيئ الحافظ بمعتبر كأن يكون فوقه أو مثله لا دونه كذا المختلط الذي لم يتميز والمستور والإسناد المرسل وكذا المدلس إذا لم يعرف المحذوف منه صار حديثهم حسناً لا لذاته بل وصفه بذلك باعتبار المجموع من المتابع والمتابع. لأن مع كل واحد منهم احتمال كون رواياته صواباً أو غير صواب على حد سواء. فإذا جاءت من المعتبرين رواية موافقة لأحدهم رجح أحد الجانبين من الاحتمالين المذكورين. ودل ذلك على أن الحديث محفوظ فارتقى من درجة التوقف إلى درجة القبول) (¬5). فابن خلدون كما قال أحمد شاكر: (لم يحسن قول المحدثين: الجرح مقدم على التعديل ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال) (¬6). لذلك رد على ابن خلدون كثير من العلماء ومن بينهم العلامة صديق حسن خان في (الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة) والشيخ المحدث شمس الحق العظيم آبادي في عون المعبود. والشيخ العلامة عبد الرحمن المباركفوري في تحفة الأحوذي في باب المهدي من كتابيهما. والشيخ المحدث أحمد شاكر في تعليقاته على مسند الإمام أحمد (¬7). والشيخ المحدث أحمد ناصر الدين الألباني في تخريجه لأحاديث فضائل الشام ودمشق (¬8) والشيخ عبد الله بن محمد الصديق في كتابه إبراز الوهم المكنون. ¬

(¬1) نزهة النظر (ص75). (¬2) الرفع والتكميل (ص58) وقد ذكرته بشيء من التفصيل في مقدمتي لكتاب الشجرة في أحوال الرجال، للإمام الجوزجاني. (¬3) العلل للترمذي مع السنن (10/ 483). (¬4) مسألة الاحتجاج بالشافعي (ص 388) من مجلة البحوث العلمية. (¬5) نزهة النظر (ص 26). (¬6) مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر (5/ 197). (¬7) المصدر السابق (5/ 197 - 1998). (¬8) فضائل الشام ودمشق للربعي (ص 100).

وابن خلدون لم يحصي الأحاديث الواردة في المهدي وإنما ذكر جزءاً قليلاً منها. ومع محاولته لتضعيفها لم يجد بداً من الاعتراف بصحة بعضها فقال: (فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه) (¬1). (د) هل روايات المهدي من وضع الشيعة؟: يزعم بعض الناس أن الأحاديث الواردة في المهدي كلها من وضع الشيعة أو أنها على الأقل يوجد في روايتها من رمي بالتشيع ولذلك فلا تقبل هذه الروايات. لأنها تأيد بدعتهم فوقعت التهمة فيها عليهم. ولكن هذه الشبهة ليست بصحيحة لما سيأتي. رواية أهل البدع: وللعلماء في قبولها أو عدمه أربعة أقوال: (1) لا تقبل مطلقاً. وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله (¬2) فقد قال: لقد تركت جماعة من أهل المدينة ما أخذت عنهم من العلم شيئاً. وإن منهم لمن يؤخذ عنهم العلم وكانوا أصنافاً فمنهم من كان كذاباً في غير علمه تركته لكذبه. ومنهم من كان جاهلاً بما عنده فلم يكن عندي موضعاً للأخذ عنه لجهله ومنهم من كان يدين برأي سوء (¬3). وقال أشهب: سئل مالك عن الرافضة فقال: لا تكلمهم ولا ترو عنهم فإنهم يكذبون (¬4). وهو قول أبي بكر الباقلاني وأتباعه ونقله الآدمي عن الأكثرين وجزم به ابن الحاجب (¬5). (2) تقبل مطلقاً. وإن كانوا كفاراً وفساقاً بالتأويل. وبه قال جماعة من أهل النقل والمتكلمين (¬6). (3) تقبل إن لم يعرف باستحلال الكذب. وهذا قول الشافعي رحمه الله فقد قال: تقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم (¬7). وحكي هذا عن ابن أبي ليلى وسفيان الثوري، وأبي يوسف القاضي (¬8). (4) لا تقبل من الداعية وتقبل من غير الداعية. وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله وهو مروي عن عبد الرحمن بن مهدي ويحي بن سعيد القطان وغيرهم. قال أبو داود: قلت لأحمد: يكتب عن القدري؟ قال: إذا لم يكن داعياً (¬9). وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي لما رويت عن أبي معاوية الضرير وكان مرجئاً ولم ترو عن شبابة بن سوار وكان قدرياً؟ قال: لأن أبي معاوية لم يكن يدعوا إلى الإرجاء وشبابة كان يدعو إلى القدر (¬10). وقال عبد الرحمن بن مهدي: من رأى رأياً ولم يدعو إليه احتمل ومن رأى رأياً ودعا إليه فقد استحق الترك (¬11). ¬

(¬1) تاريخ ابن خلدون (المقدمة) (1/ 574). (¬2) التمهيد (1/ 33)، معرفة علوم الحديث للحاكم (ص 135)، المخل في أصول الحديث للحاكم (ص 16). (¬3) التمهيد (1/ 66)، معرفة علوم الحديث (ص 135). (¬4) ميزان الاعتدال (1/ 27 - 28). (¬5) التقييد والإيضاح (ص 149)، فتح المغيث (1/ 304)، توضيح الأفكار (2/ 233). (¬6) الكفاية (ص 195)، فتح المغيث (1/ 306). (¬7) الكفاية (ص 194، 195). (¬8) المصدر السابق (ص 195). (¬9) الكفاية (ص 205). (¬10) فتح المغيث (1/ 306). (¬11) كتاب المجروحين (1/ 68)، الكفاية (ص 203).

فالمبتدع إذا لم تتوفر فيه صفات القبول فلا شك أن روايته ترد، كالمبتدع الذي كفر ببدعته وتأكد خروجه عن الإسلام. قال ابن الصلاح: (اختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفر ببدعته) (¬1) وهذا يعني أن الذي كفر ببدعته فليس في محل خلاف. وقال ابن كثير: المبتدع إن كفر ببدعته فلا إشكال في رد روايته (¬2). وقال ابن حجر: لا يقبل صاحبها الجمهور (¬3). وقال المعلمي: لا شبه أن المبتدع إن خرج ببدعته عن الإسلام لم تقبل روايته لأن من شرط قبول الرواية الإسلام (¬4). حتى حكى النووي الإجماع على أن روايته لا تقبل. وتعقبه السيوطي فقال: قيل دعوى الاتفاق ممنوعة فقد قيل أنه يقبل مطلقاً وقيل إن اعتقد حرمة الكذب (¬5). وقال ابن حجر بعد ذكر القولين: (والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة وقد تبالغ فتكفر مخالفيها فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف. فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة وكذا من اعتقد عكسه. فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه من روعه وتقواه فلا مانع من قبوله (¬6). وكذلك المبتدع الذي يستحل الكذب ولا تقبل روايته أبداً. قال أحمد شاكر: (وهذا القيد -أعني عدم استحلال- الكذب- لا أرى داعياً له، لأنه قيد معروف بالضرورة في كل راوٍ، فإنا لا نقبل رواية الراوي الذي يعرف عنه الكذب مرة واحدة فأولى أن نرد رواية من يستحل الكذب أو شهادة الزور) (¬7). فأما إذا توفرت فيه صفات القبول فما الحكم؟ الذي يظهر لي من خلال الأقوال المذكورة أن الجمهور قد اتفقوا على أن رواية المبتدع -إن لم يكن داعياً إلى بدعته- تقبل (¬8). وانفرد الجوزجاني وابن قتيبة فاشترط شرطاً آخر، وهو أن لا يكون في روايته- أي المبتدع حتى غير الداعية- ما يؤيد بدعته. قال الجوزجاني: (ومنهم زائغ عن الحق -أي عن السنة- صادق اللهجة فليس فيه حيلة إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكراً إذا لم تقو به بدعته) (¬9). ¬

(¬1) علوم الحديث (ص 103). (¬2) اختصار علوم الحديث لابن كثير (ص 99). (¬3) نزهة النظر (ص 52). (¬4) التنكيل (1/ 42). (¬5) تدريب الراوي (1/ 324). (¬6) نزهة النظر (ص 52). (¬7) الباعث الحثيث (ص 100). (¬8) أما قولهم برد رواية المبتدع الداعية فقد اعترض عليه. قال ابن كثير: (وقد قال الشافعي أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم. فلم يفرق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره. ثم ما الفرق في المعنى بينهما. وهذا البخاري قد خرج لعمران بن حطان الخارجي مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي. وهذا من أكبر الدعاة إلى البدعة. والله أعلم. اختصار علوم الحديث (ص 100). قال الخطيب: (إنما منعوا أن يكتب عن الدعاة خوفاً أن تحملهم الدعوة إلى البدعة والترغيب فيها على وضع ما يحسنها). الكفاية (ص 205) وذكر نحوه ابن حجر (نزهة النظر ص 52) والسيوطي تدريب الراوي (1/ 325) ومثل هذا لم تثبت له العدالة أصلاً فلا داعي لهذا القيد أيضاً. (¬9) نزهة النظر (ص 53). وعلق عليه ابن حجر فقال: (وما قاله متجه لأن العلة التي لها رد حديث الداعية واردة فيما إذا كان ظاهر المروي يوافق مذهب المبتدع ولو لم يكن داعية. والله أعلم). وقد سبق عن ابن حجر ما يخالف هذا كما سيأتي. وقد ناقش الجوزجاني الشيخ عبد الرحمن المعلمي بما ملخصه: إن الجوزجاني نفسه مبتدع منحرف عن علي وأصحابه ولهذا فهو شديد النقد في أهل الكوفة وهو مولع بالطعن في المتشيعين ويظهر أنه إنما يرمي بكلامه هذا إليهم. فإن في الكوفيين جماعة من جلة من الذين اتفق أئمة السنة على توثيقهم. فأراد الجوزجاني أن يتخلص من مروياتهم فيما يتعلق بفضائل أهل البيت. التنكيل (1/ 45، 46، 47). ثم وفقني الله لدراسة (حياة الإمام الجوزجاني ومنهجه في الجرح والتعديل) بتفصيل وتبين لي أن ما يتهم به هذا الإمام من النصب لم يثبت عنه وأنه لا يرى ترك رواية المبتدع إذا وافقت بدعته مطلقاً بل بشروط لا يختلف فيها عن بقية الأئمة: وقد ذكرت كل ذلك في كتابي (الإمام الجوزجاني ومنهجه في الجرح والتعديل مع تحقيق كتابيه الشجرة في أحوال الرجال، وأمارات النبوة) وقد طبع في عام 1411هـ فالحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.

وقال ابن قتيبة: (إنما يمنع من قبول قول الصادق فيما وافق نحلته وشاكل هواه أن نفسه تريه أن الحق فيما اعتقده وأن القربة إلى الله عز وجل في تثبيته بكل وجه. ولا يؤمن مع ذلك التحريف والزيادة والنقص). ويناقش كلٍّ منهما بما يلي: (1) إن جمهور الأئمة لم يشترطوا هذا الشرط. (2) إن وقع الكذب لصالح العقيدة أو التحريف أو الزيادة أو النقص من قبل بعض أهل الأهواء، فهذا لا يكفي لاتهام الجميع بذلك فقد وجد مثل ذلك بين أهل السنة أيضاً حتى في أهل المذاهب لتأييد مذاهبهم فهل هذا يستلزم أن يرد كل ما يرويه الحنفي أو الشافعي مثلاً وفيه تأييد لمذهبه. ومن ثبت عنه تعمد ذلك لما ثبت له العدالة أصلاً فترد جميع مروياته. (3) إن أئمة الحديث يشترطون في قبول رواية أي رجل أن يكون عدلاً ضابطاً. والعدالة هي الملكة في النفس تمنع الناس من اقتراف الكبائر ومنها الكذب مع السلامة من خوارم المروءة فإذا ثبتت هذه الملكة في رجل ما بشهادة أئمة الحديث والنقد الذين هم عليهم مدار الجرح والتعديل فوجب قبول روايته ولا وجه للفرق بين ما يقوي بدعته وما لا يقويها فإن العدل عدل في كل. فإن هناك شك في عدالته وجب أن ترد جميع مروياته بدون تفريق بين بعضها دون بعض. ولو كان الأمر كما قالا لما صح أن يروي أحد ما يؤيد رأيه ومذهبه سواء كان من أهل السنة أو المبتدعة. فالخلاصة أن المدار في قبول الراوي هو العدالة والضبط بغض النظر عن عقيدته أو مبدئه -إلا إذا خرج عن الإسلام- وعلى هذا جرى عمل كثير من العلماء قديماً وحديثاً. ولعل الأئمة الذين نهوا عن الأخذ عن المبتدعة إنما نهوا للمصلحة لأن في الرواية عنهم رفعاً لشأنهم وتقديراً لهم ولا شك أن له ضرراً كبيراً على العامة لا سيما إذا كان الرجل من الدعاة. وقد احتج البخاري بعمران بن حطان الداعية الخارجي. واحتج الشيخان بعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني وكان داعية إلى الإرجاء (¬1). وقال الخطيب البغدادي: (والذي يعتمد عليه في تجويز الاحتجاج بأخبارهم (أي أهل البدع والأهواء) ما اشتهر من قبول الصحابة أخبار الخوارج وشهاداتهم ومن جرى مجراهم من الفساق بالتأويل ثم استمرار عمل التابعين والخالفين بعدهم على ذلك. لما رأوا من تحريهم الصدق وتعظيمهم الكذب وحفظهم أنفسهم من المحظورات من الأفعال وإنكارهم على أهل الريب والطرائق المذمومة ورواياتهم للأحاديث التي تخالف آرائهم ويتعلق بها مخالفوهم في الاحتجاج عليهم. فاحتجوا برواية عمران بن حطان وهو من الخوارج وعمرو بن الدينار وكان ممن يذهب إلى القدر والتشيع وكان عكرمة إباضياً وابن أبي نجيح وكان معتزلياً ... في خلق كثير يتسع ذكرهم دون أهل العلم قديماً وحديثاً رواياتهم. واحتجوا بأخبارهم فصار ذلك كالإجماع منهم. وهو أكبر الحجج في هذا الباب وبه يقوى الظن في مقاربة الصواب (¬2). وقد ذكر الخطيب عدة أقوال لأئمة الحديث في هذا الباب منها: ¬

(¬1) وقد أجاب العراقي عن هذا فقال: قال أبو داود ليس من أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج ثم ذكر عمران بن حطان وأبا حسان الأعرج ولم يحتج مسلم بعبد الحميد الحماني إنما أخرج له في المقدمة وقد وثقه ابن معين. التقييد والإيضاح (ص 150). وهذا يقوي ما قلنا أن المدار على الثقة والعدالة لا على كونه داعية أو غير داعية. (¬2) الكفاية (ص 201).

قال علي بن المديني: قلت ليحيى بن سعيد القطان إن عبد الرحمن بن مهدي قال: أنا أترك من أهل الحديث كل ما كان رأساً في البدعة. فضحك يحيى بن سعيد فقال: كيف يصنع بقتادة، كيف يصنع بعمر بن ذر الهمذاني، كيف يصنع بابن أبي رواد، وعدّ يحيى قوماً أمسكت من ذكرهم. ثم قال يحيى: إن ترك عبد الرحمن هذا الضرب ترك كثيراً (¬1). وقال علي بن المديني: لو تركت أهل البصرة لحال القدر ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي -يعني التشيع- خربت الكتب. يعني مذهب الحديث (¬2). وقال البغوي: اختلفوا في رواية المبتدعة وأهل الأهواء فقبلها أكثر أهل الحديث إذا كانوا فيها صادقين فقد حدث محمد بن إسماعيل عن عباد بن يعقوب الرواجني. وكان محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: حدثنا الصدوق في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب (¬3). وقال ابن دقيق العيد: الذي تقرر عندنا أن لا نعتبر المذاهب في الرواية إذ لا نكفر من أهل القبلة إلا بإنكار قطعي في الشريعة فإذا اعتبرنا ذلك وانضم إليه الورع والتقوى فقد حصل معتمد الرواية (¬4). وقال الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي: شيعي جلد لكنه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته. ونقل توثيقه عن أحمد وغيره ثم قال: فلقائل أن يقول: كيف صاغ توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والإتقان فكيف يكون عدلاً وهو صاحب بدعة. وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع أو التشيع بلا غلو ولا تحرق. فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق. فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة. ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة أيضاً فما استحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموماً، بل الكذب شعارهم والتقية والنفاق دثارهم فكيف يقبل نقل من هذا حاله حاشا وكلا. فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً رضي الله عنه وتعرض لسبهم والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة ويتبرأ من الشيخين فهذا ضال مفتر (¬5). وابن حجر وإن قال في رأي الجوزجاني أنه (متجه) ولكنه قد سبق من قوله بأنه قال: فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمراً متواتراً ... فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه من روعه وتقواه فلا مانع من قبوله (¬6). وقال ابن حجر في التهذيب: فالتشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل عليّ على عثمان وأن علياً كان مصيباً في حروبه وأن مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلهما وربما اعتقد بعضهم أن علياً أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا كان معتقد ذلك ورعاً وديناً صادقاً مجتهداً فلا ترد روايته بهذا لا سيما إن كان غير داعية. وأما التشيع في عرف المتأخرين فهو الرفض المحض فلا تقبل رواية الرافض الغالي ولا كرامة (¬7). وقال أحمد شاكر بعد ذكر الأقوال الأربعة في المسألة: وهذه الأقوال كلها نظرية والعبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته والثقة بدينه وخلقه والمتتبع لأحوال الرواة يرى كثيراً من أهل البدع موضعاً للثقة والاطمئنان وإن رووا ما يوافق رأيهم. ويرى كثيراً منهم لا يوثق بأي شيء يرويه. وقد ذكر كلام ابن حجر السالف قريباً كلام الذهبي فقال: والذي قال الذهبي من ضميمة ما قاله ابن حجر فيما مضى هو التحقيق المنطبق على أصول الرواية (¬8). ¬

(¬1) الكفاية (ص 205/ 206). (¬2) الكفاية (ص 206). (¬3) شرح السنة (1/ 250). (¬4) فتح المغيث (1/ 310). (¬5) ميزان الاعتدال (1/ 5). (¬6) نزهة النظر (ص 52). (¬7) تهذيب التهذيب (1/ 94). (¬8) الباعث الحثيث (ص 101).

أغلب الأحاديث الثابتة في المهدي لا يوجد في روايتها من رمي بالتشيع: لقد علمنا من المبحث السابق أن الراوي الذي رمي بالبدعة إذا تبين أنه ثقة ضابط بشهادة أئمة الجرح والتعديل تقبل روايته على الأرجح. ولكن مع ذلك فليس المدار في روايات أحاديث المهدي على من رمي بالتشيع. فالروايات الثابتة عددها ستة وأربعون رواية، منها أحد عشر رواية فقط في رجالها من رمي بالتشيع ومنها أربعة آثار. أما الروايات السبعة المرفوعة فيها روايتان فقط في قسم الأحاديث الصريحة، وهذا يعني أن الأحاديث المرفوعة الثابتة الصريحة في ذكر المهدي وعددها ثمانية أحاديث فيها حديثان فقط يوجد في رواتها من رمي بالتشيع. وإليك تفاصيل هذه الروايات: 1 - الحديث: 2. إذا أقبلت الرايات السود من خراسان فأتوها فإن فيها خليفة الله المهدي. وفيه حنان بن سدير. وقال فيه الدارقطني: أنه من شيوخ الشيعة، ولكن لروايته هذه طرق أخرى. 2 - الحديث: 7. وفي بعض طرقه عبد الرزاق بن همام الصنعاني. وقد رمي بالتشيع، وعبد الرزاق ذلك الإمام الجليل لا يتهم في روايته أبداً. وقد سمع محمد بن إسماعيل الفزاري أن أحمد ويحيى تركا حديث عبد الرزاق فوجدا ابن معين في الموسم فسأله. فقال له ابن معين: (يا أبا صالح لو ارتد عبد الرزاق ما تركنا حديثه). ومع ذلك فعبد الرزاق لم يكن غالياً ولا داعية فقال: ما انشرح صدري قط أن أفضل علياً على أبي بكر وعمر. رحم الله أبا بكر وعمر وعثمان. من لم يحبهم فما هو مؤمن. وقال: أوثق أعمالي حبي إياهم. ثم إن عبد الرزاق لم ينفرد بهذه الرواية. بل لقد رويت من طرق أخرى كما تقدم في موضعها. 3 - الحديث: 20. فيه أبو نعيم الفضل بن دكين، قال فيه الذهبي: حافظ حجة من غير غلو ولا سبة. وفيه أيضاً فطر بن خليفة المخزومي وقد رمي بالتشيع لكنه ثقة أيضاً. وقد ورد هذا المعنى من غير طريقهما أيضاً بطرق كثيرة عن ابن مسعود (حديث 26) وابن سعيد الخدري (4، 5، 31، 32 وغيرهما). 4 - الحديث: 25. وفيه عبيد الله بن موسى ثقة من رجال الشيخين وقد رمي بالتشيع ولكن الطريق الآخر عند أبي نعيم وابن أبي شيبة ليس فيهما عبيد الله بن موسى. ولكن فيهما فطر بن خليفة وقد رمى بالتشيع. إلا أنه لم ينفرد به فقد تابعه زائدة بن قدامة وكان متشدداً في السنة حتى أنه ما كان يحدث رجلاً إلا بعد ما يعرفه أنه من أهل السنة. 5 - الحديث: 26. وفيه أيضاً عبيد الله بن موسى وفطر بن خليفة. وهما في إسناد أبي داود ولكن إسناد ابن حبان ليس فيه أحد منهما ولا غيرهما ممن يرمى بالتشيع. 6 - الحديث: 32. وفيه عوف الأعرابي وهو ثقة من رجال الشيخين وقد رمي بالتشيع ومع كونه ثقة يحتج به لم ينفرد بهذا المعنى. فقد ورد من طرق كثيرة عن أبي سعيد (4، 5، 31 وغيرها). 7 - الحديث: 33. وفيه أيضاً عوف الأعرابي ولكن معناه قد ورد أيضاً من طرق أخرى. وأما الآثار فهي أربعة، وهي: رقم 10: وهو أثر علي بن أبي طالب وفيه عمار الدهني. وقال سفيان: قطع بشر بن مروان عرقوبه في التشيع. ولكنه ثقة وقد نص على توثيقه أحمد وابن معين وآخرون. ولم أعرف من تكلم فيه أحد منهم. رقم 11: وهو أثر ابن عباس والظاهر أنه في المهدي العباسي وفيه فضيل بن مرزوق رمي بالتشيع وفيه لين من جهة حفظه أيضاً ولكن الرواية قد وردت من طريق آخر. رقم 13: وهو أثر عبد الله بن عمرو وفيه الأجلح الكندي وعمار الدهني وقد رميا بالتشيع. رقم 45: وهو أول أثر ابن سيرين وفيه أيضاً عوف الأعرابي وقد وثقه الأئمة كما سبق.

وهكذا عرفنا أن أغلب الأحاديث الثابتة في المهدي ليس في أسانيدها من رمي بالتشيع والروايات التي فيها من رمي بالتشيع فأكثرها لها شواهد من طرق أخرى. فزالت هذه الشبهة أيضاً. ولله الحمد. (هـ) هل روايات المهدي من وضع كعب الأحبار ووهب بن منبه؟: جرت عادة بعض الناس أنهم إذا سئلوا عن هذه المسائل التي تتعلق بأشراط الساعة والفتن والملاحم أجابوا بدون دراسة وتحقيق أنها من وضع كعب الأحبار وأمثاله من مسلمي اليهود (¬1). ولكن الحقيقة أن الأمر خلاف ذلك في مسألة المهدي. فكل ما صح عندي من الأحاديث والآثار ليست فيها رواية واحدة لكعب الأحبار، ولا رواية عن طريقه. وأما الآثار التي رويت عنه فلم تصح أسانيدها إليه. ورواية واحدة فقد رويت عن طريق وهب بن منبه (الحديث: 6) وهو وإن كان من علماء التوراة والكتب السابقة لكنه ثقة في روايته ولم يتهم فيها وثقه العجلي والنسائي وأبو زرعة وابن حبان ولم يرد تضعيفه إلا من الفلاس وحده. ولم يذكر سبباً فهو جرح غير مفسر فلا يقبل بمقابل توثيق جمهور الأئمة ولذلك لم يلتفت العلماء إلى قوله. فقال ابن حجر: (ثقة) وقال الذهبي: (كان ثقة صادقاً كثير النقل من كتب الإسرائليات) فلا شك أنه حجة في روايته وأخباره. أما إذا نقل عن الإسرائليات فحكمه كحكم غيره. (و) هل فكرة خلافة المهدي تخالف العقل السليم؟: قال الأستاذ أحمد أمين: (حديث المهدي هذا حديث خرافة. وقد ترتبت عليه نتائج خطيرة في حياة المسلمين نسوق لك أهمها: ثم أضاف قائلاً (أحيط المهدي بجو غريب من التنبؤات والأخبار المغيبات والأنباء بحوادث الزمان. فعند آل البيت علم توارثوه عن أخبار الزمان إلى يوم القيامة وهناك الجفر وهو جلد ثور صغير مكتوب فيه علم ما سيقع لأهل البيت مروي عن جعفر الصادق في زعمهم. وهناك أخبار زعم مسلمة اليهود أنهم رأوها في كتبهم الدينية مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه في أحداث الدول وأعمارها إلى أن قال: (وكان لكل ذلك أثر سيئ في تضليل عقول الناس وخضوعهم للأوهام) (¬2). وقال أيضاً: نظرية المهدي وهي نظرية لا تتفق وسنة الله في خلقه ولا تتفق والعقل الصحيح. ولعل تقدم الناس في عقلهم ومعارفهم وتقدمهم في الحكم ونظامه وما ينبغي أن يكون، يقضي على البقية الباقية من هذه الخرافة (¬3). ولكن قد تبين لنا من خلال دراستنا أن هذه الخرافات والتنبؤات التي يستبعدها العقل ويأباها القلب كلها مما لا تصح نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولا إلى الصحابة ولا إلى غيرهم من التابعين وأئمة المسلمين وهم برآء منها. فمنها ما هو ضعيف ومنها ما هو موضوع مختلق اختلقه القصاص أو المغرضون أو المتزلفون أو فئة دون فئة. ¬

(¬1) انظر ما قاله السيد محمد رشيد رضا في تفسير المنار (9/ 53، 54). (¬2) ضحى الإسلام (3/ 244). (¬3) المصدر السابق (3/ 245).

وأما ما صح عندنا نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو إلى أصحابه فليس فيه شيء واحد يستبعده العقل والقلب ولا يحتاج التقدم العلمي والاجتماعي والسياسي إلى إنكار ذلك. بل التقدم في حاجة ماسة إلى مثل هذه القيم والأخلاق في الساسة والحاكم. وهذه الأمور ليست محصورة في المهدي بل يجب أن يكون كل حاكم مسلم متصفاً بهذه الصفات النبيلة عملاً بقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وليس المهدي إلا أحد أولئك الذين يتأسون بأسوة النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً فليس المهدي عجيبة من عجائب الدهر. وأي غرابة في أن أقول: (سيتولى أمر المسلمين في أواخر الأيام رجل من عترة النبي صلى الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبد الله فيحكم بالعدل فيبارك له الله تعالى في حكمه وتعيش الأمة الإسلامية في عصره في نعمة ورخاء). ولا أرى فيه شيئاً يخالف سنة الله في خلقه. أما ما ثبت من نزول عيسى وقتله الدجال فهو من الحوادث الزمنية المختصة بذلك العصر وقد ثبت نزول عيسى وقتل الدجال بأدلة متواترة قطعية بحيث لا يبقى فيه مجال للشك أبداً. (ز) هل روايات المهدي متعارضة؟: قال السيد محمد رشيد رضا: (وأما التعارض في أحاديث المهدي فهو أقوى وأظهر والجمع بين الروايات فيه أعسر ... ) ثم ذكر بعض ما يرى من التعارض في الأخبار والآثار الواردة فيه. فمنها ما تدل على أنه محمد بن عبد الله أو أحمد بن عبد الله ومنهم من يرى أنه محمد بن الحسن العسكري ومنهم من يرى أنه محمد بن الحنفية وكذلك منهم من يزعم أنه علوي حسني ومنهم من يزعم أنه علوي حسيني ومنهم من يظن أنه عباسي. والكل يتشبث بآثار وأخبار (¬1). وذكر بعض الأمور التي اضطربت واختلفت فيه الروايات الواهية والموضوعة. ولا غرابة في ذلك فإن علامات الخطأ أو الكذب أن يكون متعارضاً مختلفاً ونحن لا ننكر أن كثيراً من الأحاديث والآثار الواردة في هذا الموضوع ضعيف أو موضوع وإن تعارضت هذه الأخبار فلا تضر شيئاً تلك الروايات الثابتة فإنها ولله الحمد لا نجد فيها أي تعارض. وليس من التحقيق والإنصاف أن ننكر كل ما ورد بدون تمييز. بل الحق أن ننزل كل شيء منزلته فننكر الخطأ ونقبل الصواب. (ح) هل نظرية المهدي أنتجت الفتن والقلاقل؟: قال الأستاذ أحمد أمين: (وكان من أثر ذلك الثورات المتتابعة في تاريخ المسلمين. ففي كل عصر يخرج داع أو دعاة كلهم يزعم أنه المهدي المنتظر ويلتف حوله طائفة من الناس .. ولو أحصينا عدد من خرجوا في التاريخ الإسلامي وادعوا المهدوية وشرحنا ما قاموا به من ثورات وما سببوا من تشتيت للدولة الإسلامية وانقسامها وضياع وقتها لطال بنا القول. ولم يكفنا كتاب مستقل) (¬2). ¬

(¬1) تفسير المنار (9/ 501) وانظر أيضاً ما قاله الأستاذ أبو الأعلى المودودي في كتابه (ما هي القاديانية) (ص 159، 160). (¬2) ضحى الإسلام (3/ 244).

ولا شك أن كثيراً من الفتن قامت من جراء أدعياء المهدوية في عصور مختلفة وقد ذكرت كثيراً منهم في مقدمة هذا الكتاب، ولكن ليس الذنب فيه ذنب هذه الفكرة السليمة. بل العهدة فيه على أولئك الذين حاولوا استغلال هذه الفكرة من الطامعين في السلطة والحكم وعلى أولئك الغوغاء المتبعين لهم لجهالتهم وبعدهم عن التعاليم الإسلامية الصحيحة. فالعلاج ليس هو في إنكار هذه الفكرة من أساسها مع ثبوتها علمياً كما أن وجود أمثلة من الذين ادعوا النبوة كذباً وزوراً لا يحملنا على إنكار النبوة من أساسها. فالعلاج الحقيقي هو تثقيف الناس وتبيين الحقائق لهم كما هي في الواقع منزهة عن الشوائب العالقة والأكاذيب المدرجة والافتراءات الدخيلة وذلك لكي يكونوا على علم بالحقائق فلا يغتروا بمثل أولئك الأدعياء الذين يريدون أن يظهروا للناس كرامتهم وخوارقهم المزعومة لكي يثبتوا أن لهم عند الله تعالى منزلة عليا، وأن الملائكة والجن والرسل كلهم تحت أمرهم أو معهم. فلا شك أن معرفة الرجل المسلم بحقائق دينه وعقيدته كفيلة بأن تنقذه من كل هذه التضليلات والأكاذيب. (ط) هل فكرة المهدوية تحمل الناس على التواكل وترك العمل؟: يرى بعض المؤلفين أن من الآثار السيئة التي وجدت في المجتمع الإسلامي من جراء نظرية المهدي أن المسلمين مالوا إلى التواكل وترك العمل والتذمر والبكاء والعويل بدلاً من أن ينهضوا ويجتهدوا لإنشاء مجتمع إسلامي يسود فيه العدل والحق ولا يظلم فيه الضعيف ولا يطغى فيه القوي (¬1). ولكن الواقع أن التاريخ الإسلامي الزاهر مليء بالحركات الإسلامية الصحيحة التي بذلت جهوداً عظيمةً لإعلاء كلمة الله في المجتمع وهذا باب واسع ولا أريد أن أدخل في تفاصيله ولا يخفى على من له إلمام بالتاريخ الإسلامي، وأرى أن فكرة المهدوية يمكن أن تكون من الحوافز والمشجعات لمثل هذه الحركات التي تريد رفع راية الحق والعدالة فإن كانت الشريعة الغراء يمكن أن تنفذ في عصر المهدي المنتظر فكذلك يمكن أن تنفذ قبل ذلك. فيجب على المسلمين أن يحاولوا ويبذلوا جهودهم في سبيله. ولئن وجد في المسلمين أناس أساءوا فهم هذه الفكرة فخطؤهم راجع إليهم وليس إلى الفكرة ذاتها. (ي) هل خرافات المتصوفة صادرة عن فكرة المهدوية؟: يرى الأستاذ أحمد أمين أن الصوفية إنما أخذوا خرافاتهم وأساطير مملكتهم الوهمية من الأقطاب والأوتاد والأبدال من نظرية المهدي (¬2). ولا شك أن كثيراً من هذه الخرافات وغيرها يوجد لدى الصوفية، ولكننا لا نستطيع أن نقول إنهم تعلموها من فكرة المهدوية. فمصادر المعرفة في زعمهم كثيرة فمنهم من يزعم أنه يأخذ من الخضر عليه السلام، ومنهم من يزعم أنه يأخذ من اللوح والكرسي مباشرة. وتخيلاتهم في هذا الباب عجيبة ولا نستطيع أن نتهم فكرة المهدوية بهذه الأشياء. نعم إن بعضهم قد حاول استغلال هذه الفكرة وادعاء المهدية له لفرض سيطرته على عقول وقلوب الأتباع تحت شعار من القدسية والولاية. وسيأتي كلامنا معهم ومع غيرهم من المستغلين. مع المستغلين لفكرة المهدوية: لقد علمنا من خلال دراستنا لمقدمة هذا الكتاب أن محاولات كثيرة جرت في التاريخ لاستغلال هذه الفكرة للوصول إلى أغراض مختلفة وقد قامت على إثرها فتن واضطرابات كثيرة، حتى مال بعض الناس إلى إنكار هذه الفكرة من أساسها، وقام آخرون فحاولوا تعقيدها وإبعادها عن واقع الناس حتى أصبحت وكأنها قضية خيالية. وكلا الفريقين في تفريط أو إفراط. كيف نقاوم هذا الاستغلال؟: ¬

(¬1) تفسير المنار (9/ 499) وما بعده، ضحى الإسلام (3/ 245). (¬2) ضحى الإسلام (3/ 245).

ولكن الصواب في نظري أن الطريقة الوحيدة للتخلص من هذه المشاكل هو إيجاد الوعي الشامل في صفوف العامة والخاصة وعرض الحقائق في حلتها القشيبة بعيداً عن أي إفراط أو تفريط، فلو قدمت للجماهير الإسلامية الأصول الصحيحة الثابتة لما استطاع أدعياء المهدوية وطلاب النفوذ والسلطة التوغل في نفوس الناس وأدمغتهم حتى يجروهم إلى هذه الفتن. ويمكن أن تلاحظ في سبيل ذلك أمور تبينت لي من خلال دراستي هذه الفكرة وهي كما يلي: (1) لم أجد أي دليل في السنة الثابتة على أن المهدي يدعو الناس إلى الإيمان بمهديته. (2) لم أجد أي دليل صحيح على أنه يجب على المسلمين أن يؤمنوا بمهدية رجل معين كما يجب عليهم الإيمان بنبوة الأنبياء المعينين. ومثال ذلك أننا نعرف من السنة الصحيحة أن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد للمسلمين أمر دينهم. ولكن مع ذلك لا أعرف أحداً من العلماء يرى أنه يجب على الناس الإيمان بمجددية أشخاص معينين. والأمر لا يعدو أن يكون المهدي واحداً من أولئك الذين يحيون شريعة الإسلام. (3) لا حاجة لمن يريد أن يخدم الإسلام ويرفع رايته إيماناً واحتساباً أن يورط نفسه في مثل هذه الدعاوي، فإنه يستطيع أن يخدم دين الله بجهوده المخلصة إذا وفقه الله بدون هذه الدعاوي وأجره على الله وإن الله لا يضيع أجر المحسنين. (4) كما أن المسلمين ليسوا في حاجة إلى معرفة المهدي بالذات، بل يجب عليهم أن ينصروا الحق والعدل أياً كان مصدره وليس هذا الأمر خاصاً بالمهدي دون غيره. (5) إن الأحاديث الثابتة في الباب لا تثبت أن المبشر به يلقب نفسه بالمهدي أو أنه يخاطب بالمهدي. ولذلك فمن الممكن جداً أن تكون الكلمة أُريد بها معناها اللغوي أي أنه يكون رجلاً صالحاً هداه الله إلى الحق كما ورد في بعض الروايات (وإمامهم رجل صالح). وعلى هذا فلا يمكن الجزم بالمراد الحقيقي من هذه الأحاديث إلا بعد ظهور بعض العلامات التي لا يمكن أن تتكرر كخروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام. فكل من يدعي لنفسه المهدوية أو يوافق على ذلك فإن دعواه خير دليل على كذبه وتنم عن نواياه السيئة. فمن سولت له نفسه أو سول له الشيطان أن يدعي هذه الدعوى فعليه أن يُخرج الدجال ويُنزل عيسى بن مريم من السماء وإلا فهو كذاب أفاك. وينبغي للمسلم الواعي الملتزم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يخدع بالشعارات الجوفاء والهتافات البراقة، لأن أعداء الإسلام لا يتركون باباً ولا حيلةً لتضليل المسلمين وإثارة الفتن والمشاكل بينهم لتفريق كلمتهم وتمزيق وحدتهم ليضرب بعضهم بعضاً وتذهب ريحهم وتنتهي قوتهم وشوكتهم. وإن وسائل الإعلام العالمية المرئية والمسموعة والمقروءة والتي يسيطر على أكثرها من يُكن للمسلمين كل حقد وعداء، والتي تصل إلى كل بيت بل إلى كل أذن وكل عين، تسعى جاهدة لقلب الحقائق وتضليل المسلمين فتجعل الصادق كاذباً والكاذب صادقاً، فلا عجب إن حاول الأعداء استغلال فكرة المهدوية وحمل بعض المفسدين على ادعاء ذلك كما فعلت في الماضي مع القاديانية والبهائية. فلا ينبغي للمسلم أن يكون إمعة يتبع كل ناعق ويجري وراء كل كاذب. وخاتمة القول: إن خلافة المهدي حق. وإنه لابد أن يملك قبل قيام الساعة ولكن كثيراً من الأساطير والحكايات التي تحكى عنه باطلة ولا نصيب لها من الصحة فيجب على المسلم أن يكون على حذر من دينه وعقيدته ولا يترك للخرافات منفذاً للوصول والسيطرة على أفكاره ومبادئه. كما يجب عليه أن لا يبادر بإنكار شيء بسبب بعض حوادث الاستغلال وسوء الفهم إلا بعد البحث والتحقيق. وإنما يقاوم الاستغلال بالتوعية الصحيحة الشاملة وعرض الحقائق كما هي والوقوف أمام الأطماع والأغراض السيئة. والله أعلم وعلمه أتم وهو ولي التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

النفي في باب صفات الله عز وجل بين أهل السنة والجماعة والمعطلة

النفي في باب صفات الله عز وجل بين أهل السنة والجماعة والمعطلة ¤أرزقي بن محمد سعيداني£بدون¥مكتبة دار المنهاج - الرياض¨الأولى¢1426هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - أعمال منوعة بخصوص أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال كتابة هذه الرسالة فأجملها فيما يلي: 1. إن معرفة الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى من أجل العلوم وأنفعها للعبد، وهو أصل العلوم وأشرفها وأعظمها، وهو الأساس الذي ينبني عليه عمل العبد وعبادته لربه، والطريق الموصل إلى محبته ومرضاته، فلا حياة ولا نعيم للقلوب أعظم من معرفتها بربها ومعبودها، إضافة إلى ما تثمره هذه المعرفة بالله عز وجل من زيادة الإيمان ورسوخ اليقين، وما تجلبه له من النور والبصيرة التي تحصنه من آفتي الشبهات المضللة والشهوات المحرمة. 2. توصلت من خلال هذه الدراسة إلى ضابط النفي في هذا الباب، يمكن من خلاله طرق مسائله بدقة، وهو: الإخبار أو الاعتقاد بأن المعاني التي يراد نفيها عن الله عز وجل، غير قائمة بالذات العلية، والأحكام المتعلقة بذلك. وضابط ما ينفى عن الله عز وجل هو: أولا: كل صفة عيب كالعمى والصمم، والخرس، والنوم، والموت ... ونحو ذلك. ثانيا: كل نقص في كماله، كنقص حياته، أو علمه ... أو نحو ذلك. ثالثا: مماثلة المخلوقين، كأن يجعل علمه كعلم المخلوق، أو وجهه كوجه المخلوق، أو استواءه على عرشه كاستواء المخلوق ... ونحو ذلك. 3. إن منهج أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات قائم على: إثبات ما أثبته الله عز وجل لنفسه في كتابه ونفي ما نفاه عن نفسه في كتبه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. 4. منهج أهل السنة والجماعة في النفي في باب الصفات مستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وفق فهم السلف الصالح، وقد دل هذا المنهج على أن الصفات المنفية الواردة في القرآن والسنة تأتي لمعنيين رئيسين: 1. نفي النقائص والعيوب عن الله عز وجل المنافية لصفات كماله. 2. إثبات أنه ليس كمثل الله شيء في صفات كماله. كما أنها ترد غالبا في أحوال أربعة، وهي: أ - بيان عموم كمال الله عز وجل. ب - نفي ما ادعاه الكاذبون في حق الله عز وجل من النقائص. ت - دفع توهم النقص في كمال الله عز وجل. ث - ذكرها في سياق تهديد الكافرين. 5. موقف أهل السنة والجماعة من الألفاظ المجملة في باب الصفات، عدم جواز استعمال الألفاظ المبتدعة في هذا الباب، لما فيه من المحاذير العظيمة، وبالنسبة لمن يستعملها فإنه يستفصل معه، فإن كان مراده من استعمالها معنى صحيحا، قبل منه المعنى ورد اللفظ، ويعبر عن المعنى الصحيح بالألفاظ الشرعية، وإن كان المعنى باطلا، رد المعنى واللفظ معا. 6. منهج أهل السنة والجماعة في النفي في باب الصفات قائم على جملة من القواعد التي استنبطها أئمة السلف من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فكانت بمثابة الأصول الكلية التي ترد إليها الجزئيات المتعلقة بهذا الباب، وقد حاولت جمع هذه القواعد ودراستها بأدلتها واستخلاص الفوائد منها، وخصصت لها الفصل الثاني من الباب الأول. 7. تبين لي من خلال دراسة موقف الطوائف في النفي في باب الصفات، أن منهج المعطلة في هذا الباب عموما، يدور بين الغلو في التعطيل الذي يصل إلى نفي قيام جميع الصفات بذات الله عز وجل، كما هو حال الفلاسفة بمختلف طوائفهم، والجهمية والمعتزلة، وبين من أثبت بعض الصفات ونفى بعضها، كما هو حال الكلابية ومتقدمي الأشاعرة وبين من أثبت بعضها ونفى أكثرها كما هو حال الماتريدية ومتأخري الأشاعرة.

8. شبه المعطلة النفاة تقوم على أوهام وظنون عقلية ظنوها قطعيات، هي في غالبها مستمدة من فلاسفة اليونان والهند، وأقوال الصابئة والمجوس، وأهل الكتابين، ومما ألقاه إبليس في عقول هؤلاء المعطلة من خيالات، التزموا لأجلها رد ما جاءت به نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فأوقعهم ذلك في التعطيل إما: لجميع الصفات أو بعضها. 9. تبين لي من خلال هذه الدراسة التي قامت على أساس المقارنة بين منهج أهل السنة والجماعة، ومنهج المعطلة النفاة، في النفي في باب الصفات، سلامة منهج أهل السنة والجماعة، لالتزامهم الكامل بما ورد في الكتاب والسنة، وفق فهم السلف الصالح، فجنبهم ذلك الوقوع فيما وقعت فيه المعطلة النفاة من انحراف في هذا الباب، فعطلوا الله عز وجل عن قيام صفاته العلى بذاته عز وجل. أهم التوصيات: أما أهم التوصيات التي يمكن أن أقدمها لإخواني القراء الكرام فهي: 1. أوصي إخواني القراء والباحثين بوصية الله عز وجل للأولين والآخرين، قال تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} [النساء:131]. 2. لزوم مذهب السلف في هذا الباب خصوصا وفي سائر أبواب الدين عموما، فهو المذهب الوسط، السالم من التناقض والاضطراب الذي نجده فيما دونه من المذاهب، وهو الحق الذي يجب اتباعه، المؤيد بالحجة والبرهان من صحيح النقل وصريح العقل. 3. كما أتقدم باقتراح لبعض المواضيع التي أرى أنها جديرة بالبحث، مما تبين لي من خلال دراستي لهذا الموضوع، ومنها: • الصفات الإلهية المنفية الواردة في الكتاب والسنة، وفق منهج أهل السنة والجماعة في النفي، لما لذلك من أهمية كبرى في الوقوف على الأسرار العظيمة التي تضمنها كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأقترح أن يكون البحث بعنوان: "الصفات الإلهية المنفية الواردة في الكتاب والسنة جمعا ودراسة" • تبين لي من خلال البحث أهمية دراسة منهج شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في حكمه على الطوائف والفرق والكتب والشخصيات، هذا الإمام الذي انبرى في العصور المتأخرة إلى الذود عن عقيدة أهل السنة والجماعة وبيان منهجهم، والكلام بحق مع غاية العدل في شأن كل من رد عليهم، وأقترح أن يكون الموضوع بعنوان: "منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في نقد الكتب والرجال والفرق والطوائف العقدية". • ما كان منهج المعطلة في غالبه يقوم على ألفاظ مجملة عارضوا بها الألفاظ الشرعية، فأوهموا بها جهلة الناس أن مقاصدهم حسنة، تقوم على تنزيه الله عز وجل عما لا يليق به، كان من الضروري الوقوف على هذه الألفاظ، ودراستها وبيان الموقف الصحيح لأهل السنة والجماعة منها، فأقترح دراسة هذا الموضوع، وأن يكون عنوانه: "الألفاظ المجملة وأثرها في الانحرافات العقدية لدى الطوائف المبتدعة في توحيد الأسماء والصفات". في الختام أحمد الله عز وجل على توفيقه لإتمام هذا البحث، وأسأله سبحانه وتعالى الإخلاص والقبول، وأن يتجاوز عني ما وقع فيه من خطأ أو زلل، وأن يجعله في ميزان حسناتي، يوم لا ينفع مال ولا بنون. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

الوسطية في ضوء القرآن الكريم

الوسطية في ضوء القرآن الكريم ¤ناصر بن سليمان العمر£بدون¥دار الوطن - الرياض¨الأولى¢1413هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶وسطية وغلو الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشكره شكراً عظيماً على ما أولاه من فضل وعون وتوفيق، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين. وبعد: فقد ذكرت في مقدمة هذه الرسالة أن البحث جاء يُعالج قضية الوسطية من حيث جهل كثير من الناس بها، وما ترتب على ذلك من إفراط وتفريط. ولذا فإني أجد من المناسب أن ألخص ما توصلت إليه في هذه الرسالة فيما يلي: 1 - ذكرت تعريفات العلماء لكملة (وسط)، وخلاصة ما ذكروا ما عبر عنه محمد باكريم، حيث قال: وكيفما تصرفت هذه اللفظة نجدها لا يخرج معناها عن معاني: العدل والفضل والخيرية، والنصف والبينية والتوسط بين الطرفين. وذكرت – أيضاً – ما ذكره فريد عبد القادر، حيث قال: استقر عند العرب أنهم إذا أطلقوا كلمة (وسط) أرادوا معاني الخير والعدل والنصفة والجودة والرفعة والمكانة العلية. وختمت ما قيل في معنى (الوسط) بما ذكره ابن عاشور وملخصه: والوسط اسم للمكان الواقع بين أمكنة تحيط به، أو للشيء الواقع بين أشياء محيطة به، ليس هو إلى بعضها أقرب منه إلى بعض عرفاً، ولما كان الوصول إليه لا يقع إلا بعد اختراق ما يحيط به أخذ فيه معنى الصيانة والعزة. فمن أجل ذلك صار معنى النفاسة والعزة والخيار من لوازم معنى الوسط عرفاً، فأطلقوه على الخيار النفيس كناية. أما إطلاق الوسط على الصفة الواقعة عدلاً بين خلقين ذميمين فيهما إفراط وتفريط، فذلك مجاز. وقد شاع هذان الإطلاقان حتى صارا حقيقتين عرفيتين. 2 - ذكرت ورود كلمة (وسط) في القرآن الكريم بعدة تصاريف، حيث وردت خمس مرات، في البقرة بلفظ: (وسطا) و (الوسطى). وفي المائدة بلفظ: (أوسط). وفي القلم بلفظ: (أوسطهم). وفي العاديات بلفظ: (فوسطن). وبينت مدلول كل كلمة في ضوء أقوال المفسرين، وكذلك ذكرت مدى دلالة كل لفظة على معنى الوسطية. 3 - استشهدت ببعض الأحاديث التي وردت وفيها لفظ (وسط). وقد ذكرت (12) حديثاً شرحت فيها معنى كل لفظة، وهل هي من الوسط أو الوسطية؟ 4 - وفي ختام تعريف الوسطية حررت معناها، وبينت المراد من هذا المصطلح عند إطلاقه، وكان مما قلت: وقد تأملت ما ورد في القرآن والسنة والمأثور من كلام العرب فيما أطلق وأريد به مصطلح (الوسطية)، فتوصلت إلى أن هذا المصطلح لا يصح إطلاقه إلا إذا توافر فيه صفتان: أ - الخيرية أو ما يدل عليها. ب - البينية، سواء كانت حسية أو معنوية. فإذا جاء أحد الوصفين دون الآخر فلا يكون داخلاً في مصلطح الوسطية. 5 - هناك أسس لا بد منها لفهم الوسطية، وتلك الأسس مطردة مع وصفي الخيرية والبينية، وهي: أ - الغلو والإفراط. ب - الجفا والتفريط. ج _ الصراط المستقيم. فالصراط المستقيم يمثل الخيرية ويحقق معناها، وهو وسط بين الغلو والجفاء، وهو كذلك وسط بين الإفراط والتفريط. وقد وقفت مع هذه الأسس الثلاثة مبيناً وشارحاً، ثم توصلت إلى عدة حقائق أهمها: - أن الصراط المستقيم يمثل قمة الوسطية، وذروة سنامها، وأعلى درجاتها. - أنه يجب عند النظر في أي أمر من الأمور لتحديد علاقته بالوسطية، ومدى قربه أو بعده منها دقة النظر والاعتبار في حقيقة الأمر دون الاقتصار على ظاهره فقط، ثم إلى أي هذه الأسس هو أقرب، مراعاً في ذلك عدة أمور أشرت إليها في ذلك المبحث. فإذا اتضح قربه في حقيقته ومآله إلى الصراط المستقيم فهو داخل في الوسطية، أما إذا كان إلى الإفراط أو التفريط أقرب حقيقة ومآلا، فليس من الوسطية في شيء، وإن حسبه الناس كذلك.

6 - للوسطية ملامح وسمات تحف بها وتميزها عن غيرها، بمجموع تلك الملامح لا بآحادها. وقد توصلت إلى تحديد أهم تلك السمات والملامح باستقراء القرآن الكريم، وما ورد في وسطية هذه الأمة بين الأمم، وكذلك ما كتبه بعض الباحثين في ضوء الكتاب والسنة. إن تحديد تلك الملامح مهمة أساسية، حتى لا تكون الوسطية مجالاً لأصحاب الأهواء وأرباب الشهوات. وقد توصلت إلى أن أهم سمات الوسطية ما يلي: 1 - الخيرية. 2 - الاستقامة. 3 - اليسر ورفع الحرج. 4 - البينية. 5 - العدل والحكمة. وكل سمة من هذه السمات يندرج تحتها بعض آحادها. وأشرت إلى أن هذه الملامح تصلح ضابطاً لتحديد الوسطية ومعرفتها، بما يجيب على السؤال الذي يرد في الأذهان. أين ضابط الوسطية؟ وكيف نميزها عن غيرها؟ 7 - نزل القرآن هداية للناس ونوراً، يخرج الله به من شاء من الظلمات إلى النور، ولزوم منهج الوسطية عين الهداية وجوهرها، ولذلك فقد جاءت الآيات مستفيضة ترسم منهج الوسطية وتدل عليه. والوسطية ليست محصورة في جزئية من الجزئيات، بل ولا في ركن واحد من الأركان، وإنما هي منهج متكامل، لا ينفصل بعضه عن بعض، فالإسلام كله وسط، وهذه الأمة أمة الوسط. {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}. [سورة البقرة، الآية: 143]. والذين يغفلون عن هذه الحقيقة يغفلون عن حقيقة القرآن وهداياته. ومن هذا المنطلق بينت – بالتفصيل – تقرير القرآن لمنهج الوسطية في أبواب كثيرة، أجملها فيما يلي: 1 - الاعتقاد. 2 - التشريع والتكليف. 3 - العبادة. 4 - الشهادة والحكم. 5 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 6 - الجهاد في سبيل الله. 7 - المعاملة والأخلاق. 8 - كسب المال وإنفاقه. 9 - مطالب النفس وشهواتها. وختمت هذه الأبواب بباب ضمنته شواهد متفرقة، تدل على منهج الوسطية وتأمر به. هذا بالإضافة إلى ما ذكرته في أول هذا المبحث من دلالة سورة الفاتحة على هذا المنهج في عدة آيات منها. ومن خلال هذه الأبواب اتضح لنا أن الوسطية منهج حياة، وتشريع متكامل، لا يقبل التجزئة والتفريق، وأن أدلة الوسطية ليست هي التي ورد فيها لفظ (الوسط) فقط، بل أعم من ذلك وأشمل، والآيات التي جاءت تدل دلالة صريحة على منهج الوسطية تربو على العشرات، إذ هي في عداد المئآت. 8 - وبعد بيان موجز للمسائل العلمية التي توصلت إليها في هذا البحث، أذكر أهم النتائج العملية التي نخرج بها من هذه الدراسة العلمية. أ - أن أهم أسباب نشوء جماعات الغلو بين المنتسبين إلى الدعوة في هذا العصر هو الجهل بحقيقة الوسطية، بل الجهل بمكانتها في الإسلام. ب - وكذلك أجد من الأسباب الرئيسة لقبول ما يطلقه الأعداء على الدعاة الصادقين من ألقاب وأوصاف: كالتطرف والغلو، والتزمت والتشدد، ونحوها، من أبرز قبولها ورواجها بين الناس سببان: 1 - الجهل بحقيقة الوسطية الشرعية، وتصور أولئك العامة أن الوسطية التي أمر الله بها تعني التساهل والتنازل واتباع شهوات النفس ورغباتها، ولهذا تجدهم يستخدمون هذا الفهم مقياساً لرمي الدعاة بتلك الأوصاف والألقاب. 2 - السبب الثاني وهو أهم من الأول في قوة التأثير: عدم ممارسة الوسطية على وجهها الصحيح من قبل بعض الدعاة والملتزمين، حيث تجد خللاً في تطبيقها أتاح للأعداء فرصة اقتناص بعض الأخطاء والهفوات، ومن ثم إقناع كثير من الناس بصحة تلك الدعاوى وتلبيس هذه التهم الباطلة. جـ - وأخلص إلى حقيقة عملية تكون هي المخرج مما نعانيه تجاه موضوع الوسطية، وتتمثل هذه الحقيقة فيما يلي: 1 - بذل الجهود العلمية من قبل العلماء وطلاب العلم في بحث موضوع الوسطية، واستفراغ الوسع في ذلك، حيث أرى أن هناك جوانب مهمة لم تعط حقها من البحث والدراسة. 2 - عقد الندوات والمحاضرات لبيان أهمية هذا الموضوع وحقيقته، وأثره الإيجابي في حياة الناس. 3 - الممارسة العملية الواقعية لمنهج الوسطية من قبل العلماء وطلاب العلم والدعاة، مما يتيح للناس أن يروا القدوة الصالحة التي هم في أمس الحاجة إليها. 4 - تربية الأمة على هذا المنهج تربية عملية شاملة، مما يقضي على الخلل الموجود في محيط المجتمع المسلم سواء أكان إفراطاً أو تفريطاً. 5 - وأخيراً فإن هناك لبساً في فهم الوسطية وممارساتها من قبل بعض الجماعات والدعاة، وهذا اللبس أدى إلى أنهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فرأينا التنازل مع الأعداء باسم المصلحة، وضعفاً في حقيقة الولاء والبراء بحجة تأليف القلوب والدعوة إلى الله، ومصانعة لبعض الظالمين بدعوى دفع الشر والفتنة، وهكذا. ولذلك لابد من تصفية المنهج مما علق به ليكون وفق الكتاب والسنة، ومنهج سلف الأمة، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

بدع الاعتقاد وأخطارها على المجتمعات المعاصرة (الإرجاء - الغلو في الدين (التطرف) التصوف)

بدع الاعتقاد وأخطارها على المجتمعات المعاصرة (الإرجاء - الغلو في الدين (التطرف) التصوف) ¤محمد حامد الناصر£بدون¥مكتبة السوادي¨الأولى¢1416هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إرجاء - مرجئة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فحمداً لك اللهم على نعمك التي لا تحصى وبعد .. فإن الحديث عن البدع الثلاث التي عالجها هذا الكتاب يوقفنا عند بعض النتائج الهامة ومن أبرزها: 1 - إن هذه البدع العقدية، قد تغلغلت في المجتمعات الإسلامية، بل ولم تسلم منها قطاعات كبيرة من التيارات الإسلامية الموجودة على الساحة حتى الآن. فعندما نشاهد أن بعضها قد تبنى فكر الإرجاء في منطلقاته وأحكامه، نرى أن بعضها الآخر قد لجأ إلى النقيض من الغلو والتطرف، في حين أن جماعات أخرى قد عاشت في أجواء التصوف ومواجيده. 2 - لقد اعتمد منهج أصحاب البدع على مناقضة منهج أهل السنة والجماعة، وتأليه العقل، مع تأويل السنة أو رفضها، ورد مقاصد الشرع، إذ جعلوا للهوى على أنفسهم سلطاناً. وقد عرضت أهم ضلالات المبتدعة من خلال الحديث عن منهج أهل البدع في الاستدلال. 3 - ففكر الإرجاء مثلاً، أبعد العقيدة عن مضمونها الحقيقي، ففصل بين القول والعمل، وأفسد النفوس بعقيدة ترى أن ارتكاب جميع المحرمات، وترك جميع الطاعات لا يذهب شيئاً من الإيمان من أجل ألا يقعوا في قضية التكفير على الكبيرة، شأن الخوارج وكان من آثار هذا الفكر أن رضي الناس بإبعاد الشريعة عن واقع الحياة والناس، وشجعت مبررات المرجئة الملاحدة والفسقة على ارتكاب المعاصي علناً، ما داموا لا يجدون رادعاً، وما دام فكر الإرجاء يحكم لهم بالإيمان ويستهين بقضية المعاصي لأنها من الأعمال التي لا علاقة لها بالإيمان. • أما فكرة الخوارج فقد برز مجدداً، وتلون بمفاهيم ومنطلقات، تأثرت بظروف العصر وملابساته. فتكفير المعين، ومقاطعة الجمعة والجماعة، والعزلة عن المجتمعات، واستباحة دماء المسلمين، تشبه إلى حد بعيد عقائد الخوارج، مع اختلاف في قضايا أخرى أشرنا إليها خلال البحث. إن فكر التطرف هذا إنما جاء كردة فعل على تسيب فكر المرجئة الجدد، وخاصة فيما يخص تحكيم شرع الله، الذي أهمل في أكثر المجتمعات الإسلامية. وقد ضخمت ظاهرة الغلو هذه من قبل العلمانيين والغربيين إذ استغلوا تطرف بعض الفئات - على قلتها- من أجل الإجهاز على شباب الصحوة الإسلامية، المعتدل منها والمتطرف. • أما الصوفية، فما زالت تتسرب إلى صفوف الكثيرين وتشيع في النفوس الخرافة والاتكالية، مع العزلة وتعيش في شطحاتها في أبراج بعيدة عن واقع الحياة الجادة، تترنم على نغمات المنشدين، ووجد المولهين وترديد أوراد الطريقة المفضلة .. وقد أسقطوا التكاليف الشرعية عن مشايخهم، وقال غلاتهم بوحدة الوجود والفناء والعصمة، إلى آخر ما عرضنا له من عقائد القوم وأفكارهم. 4 - إن البدعة أشد من المعصية، لأن المعصية يتاب منها، أما البدعة فقلما يرجع صاحبها عنها .. ولذلك فخير علاج للحد من هذه البدع هو التربية المتوازنة التي لا تهتم بجانب دون آخر. وأن نربي أبناءنا على ضرورة الالتزام بتعاليم الكتاب والسنة، وفهم السلف الصالح لهما. وأن نحضهم بالعلم الشرعي باستمرار، وأن نحذرهم من التيارات المنحرفة، مع بيان مفاسدها. ولابد من التنفير من البدعة وبيان حكمها في الدين، وأن كل بدعة ضلالة، وأن مقاطعة أهل البدع حسب الأصول الشرعية، خير رادع وزاجر لأصحابها. اللهم اجعل عملي كله صالحاً، ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً. والحمد لله رب العالمين،،،

براءة أهل الحديث والسنة من بدعة المرجئة دراسة تأصيلية تفصيلية عن مراد السلف بدخول العمل في مسمى الإيمان

براءة أهل الحديث والسنة من بدعة المرجئة دراسة تأصيلية تفصيلية عن مراد السلف بدخول العمل في مسمى الإيمان ¤محمد بن سعيد بن عبدالله الكثيري£بدون¥دار المحدث - الرياض¨الأولى¢1426هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إرجاء - مرجئة الخاتمة وفي ختام هذه الدراسة التفصيلية التأصيلية الخاصة عن منزلة العمل في الإيمان، أسجل النتائج التالية: 1 - أن الإيمان نية وقول وعمل لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر، وهذا ما عليه الصحابة والتابعون وسلف الأمة قاطبة ثم من تبعهم من خلفهم. فمن أتى باثنين دون الثالث لم يصح إيمانه. 2 - الإيمان يزيد بالطاعة حتى يكون كالجبال، وينقص بالمعصية حتى لا يبقى منه شيء. ومن قال ينقص إلى حد أدنى أو إلى حد معين فلا ينقص بعده فقد اتفق مع المرجئة في بعض قولهم. 3 - من قال بحصول الإيمان بدون فعل شيء من الواجبات كان مخطئا خطأ بينا، وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها، وقالوا فيها من المقالات الغليظة. والمراد بالعمل فعل الفرائض لا ترك المكفرات، ومن زعم أنه مجرد ترك المكفرات، لم يخرج بقوله هذا عن أقوال المرجئة. 4 - من ثبت إيمانه ثم ترك شيئا من الطاعة نقص إيمانه بقدر ما ترك، فإن ترك العمل كلية مع قدرته عليه وعدم المانع وحصول المهلة انعدم ما في قلبه من إيمان , وكان كافرا. ومن قال بوجود إيمان صحيح عند من كانت هذه حاله فقد دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية، بل عده بعض الأئمة من المرجئة. 5 - أن من قال بكفر مرتكب المعاصي كالزنا والربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف ونحوها، فقد خالف أهل السنة، وكان موافقا للخوارج. وأما المباني – الصلاة والصوم والزكاة والحج – فتكفير تاركها محل خلاف بين أهل السنة. والأرجح من جهة الدليل كفر تارك الصلاة دون الصوم والزكاة والحج. 6 - أن الكفر والإيمان متقابلان، ويترتب على هذا: أ- أن كل طائفة عرفت الإيمان بشيء، فالإيمان عندهم تحقيق ذلك الشيء، وما زاد عليه من اعتقادات وأقوال وأعمال واجبة فهي واجبة، ويترتب على فعلها الثواب وعلى تركها العقاب. فالأشاعرة جعلوا الإيمان هو التصديق، فمن أتى به فهو مؤمن كامل الإيمان، وما زاد على التصديق من قول اللسان وعمل الجوارح شرط في كمال الإيمان الواجب. وأما مرجئة الفقهاء فقد جعلوا الإيمان اعتقاد القلب ونطق اللسان، فمن صدق بقلبه ونطق بلسانه فهو مؤمن كامل الإيمان، وأما أعمال الجوارح فشرط في كمال الإيمان الواجب يترتب على فعلها الثواب، وعلى تركها العقاب. وأما أهل السنة والحديث فقد جعلوا الإيمان اعتقادا وقولا وعملا، فلا يتحقق الإيمان عندهم إلا بالاعتقاد والقول والعمل، فمن اعتقد بقلبه ونطق الشهادتين حكمنا بإسلامه، فإن مات قبل تمكنه من العمل مات مؤمنا، وإن حصلت له المهلة وتمكن من العمل مع القدرة وعدم المانع لم يصح إيمانه إلا بعمل ظاهر يدل على صحة ما ادعاه، فإن لم يعمل دل هذا على كذبه فيما ادعاه من التصديق والاعتقاد. ب- أن كل طائفة قالت في الإيمان بقول، كان الكفر عندها ضده. فالذين جعلوا الإيمان في القلب، كان الكفر عندهم محصورا في القلب. والذين جعلوا الإيمان في القلب واللسان، كان الكفر عندهم بالقلب واللسان. وأهل السنة لما كان الإيمان عندهم اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، كان الكفر عندهم بالقلب واللسان والجوارح. ومما تقدم يعلم اتفاق مرجئة الفقهاء وأهل السنة على (نواقض الإيمان الاعتقادية والقولية). وأما النواقض العملية عند الفقهاء، وكذا النواقض القولية عند متكلمي المرجئة فإن قالوا بها أرجعوها إلى القلب، وهذه سفسطة ومكابرة.

ومما تقدم يعلم أن من عرف الإيمان بما قال أهل السنة، ثم جعل الكفر محصورا في التكذيب والجحود فقد تناقض وخالف أهل السنة، ومثله في التناقض من يجعل العمل شرط كمال في الإيمان ثم يقرر أن الكفر يقع بالاعتقاد والقول والعمل. 7 - أن أصل ضلالة المرجئة جعلهم الإيمان شيئا واحدا لا يتبعض ولا يتجزأ. وهذا الأصل كان له أثر عليهم في مخالفة أهل السنة في الاسم لا الحكم، فهم وإن قالوا في الفاسق: مؤمن كامل الإيمان إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل بناء على أصلهم هذا، إلا أنهم يوافقون أهل السنة في حكمه، وأنه مستحق للعقاب. فلا تلازم عندهم بين الاسم والحكم في حق الفاسق. 8 - الإرجاء بدعة خبيثة، وأهلها درجات، أخفها مرجئة الفقهاء، وقد أنكر السلف على أهلها، وقالوا فيهم المقالات الغليظة. 9 - أن خلاف أهل السنة مع مرجئة الفقهاء خلاف حقيقي، ومن نسب لشيخ الإسلام غير هذا فقد أخطأ. والمرجئة يعتبرون الخلاف بينهم وبين أهل السنة يتلاشى إذا عد أهل السنة الأعمال شرطا في كمال الإيمان الواجب. 10 - الإرجاء عند المرجئة هو قول: إن المعصية لا تضر مع الإيمان كما لا تنفع الطاعة مع الكفر. والتحقيق أن هذا النوع من الإرجاء لا يعرف معين يقول به، وقد يكون – والعلم عند الله – من افتعال المرجئة ليكون لهم سلاحا يشهرونه في وجه من يرميهم بالإرجاء. 11 - المرجئة لا يمتنعون من القول بدخول الأعمال في الإيمان، إذا كان لا يترتب على زوالها زوال الإيمان. فالعمل ركن من الإيمان الكامل، وليس بركن من أصل الإيمان الذي لا نجاة من الخلود في النار إلا به. 12 - المرجئة لم يهدروا العمل، بحيث إن من لم يأت به لم يضره ذلك، ولم يدخلوه في الإيمان بحيث يترتب على وجوده الإيمان وعلى عدمه الكفر. 13 - تبين من دراسة بعض كتابات المعاصرين أننا أمام انحراف كبير وإرجاء صريح أخرج للناس باسم السنة، ولسنا أمام نزاع لفظي – كما يدعي البعض – ناتج عن استعمال لألفاظ حادثة، ومن زعم ذلك فهو أحد رجلين إما أنه لم يعرف ما يقول القوم، أو أنه لا يعرف مذهب السلف. فالقوم يقولون بصحة إيمان من لم يأت بعمل ظاهر مع القدرة وعدم الممانعة وحصول المهلة، ويؤكدون ذلك بأن الأعمال الظاهرة كلها متعلقة بالإيمان المطلق، فانتفاؤه انتفاء للإيمان المطلق، ويصرحون بأن الأعمال الصالحة كلها شرط في كمال الإيمان الواجب. فهؤلاء وإن قالوا: الإيمان قول وعمل، فموافقتهم لأهل السنة موافقة لفظية كموافقة شبابة بن سوار لأهل الحديث. 14 - ولذا لا يخرجون في شرح اعتقاد السلف في الإيمان عن محامل وتوجيهات المرجئة الخلف له. 15 - من خلال استعراض بعض ما كتبه مرجئة العصر تبين أن القوم أتوا من سوء فهمهم، كظنهم أن السلف أرادوا بإدخال العمل في مسمى الإيمان ترتيب الثواب والعقاب عليه، وهو ما تقر به كل أو غالب المرجئة. ثم اختلفوا في إيجاد فارق بين مذهب السلف على فهمهم ومرجئة الفقهاء. فزعم أحدهم بأن "ظاهر كلام مرجئة الفقهاء أنهم يقولون الإيمان قول وعمل، إلا أنهم يرون أنه بمجرد القول والعمل قد أتى كمال الإيمان، وإن فعل من المعاصي دون الشرك، فإيمانه كامل لا ينقص". وهذه جرأة على السلف الذين ردوا على المرجئة ما بعدها جرأة!! زعم آخر بأن مرجئة الفقهاء ترى فيمن صدق بقلبه ونطق بلسانه أنه يستحق دخول الجنة بغير عذاب ولو ارتكب كل ما استطاع من المحرمات دون الشرك وترك الفرائض كلها. وهذا جهل فاضح يضاف للذي بني عليه. 16 - أدلة مرجئة العصر هي شبهات المرجئة الأوائل وليس هناك جديد سوى نقل مبتور أو احتجاج بمتشابه من القول، وأعجب من ذلك أنك ترى أحدهم يعمد إلى رواية مشكلة يناقشها بعض أئمة أهل السنة فينتزعها من نقاشه ويدع درر كلامه ونفيس جوابه عليها. والله أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، إنه جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين المبتدعة

براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين المبتدعة ¤عبدالعزيز بن أحمد الحميدي£بدون¥دار ابن عفان - القاهرة¨الأولى¢1420هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶دفاع عن السنة وأهل الحديث الخاتمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد أن وفقني الله عز وجل لإتمام هذه الدراسة، فإني قد خرجت ببعض النتائج المهمة والتوصيات الملحة: فأولاً: أن الأئمة الأربعة رحمهم الله من كبار أئمة أهل السنة والجماعة، وهم جميعاً على عقيدة وطريقة السلف الصالح، لها مقررون وعنها مدافعون لما خالفها مجانبون. اللهم إلا ما نقل عن أبي حنيفة في مسألة الإيمان، ولذلك ظروفه الخاصة. ولذلك فإني أضمن هذه النتيجة توصيةً بإثراء البحوث المتخصصة في عقائد الأئمة الأربعة وفي مناهجهم في التلقي والاستدلال. ثانياً: أن المتكلمين قد ألَّفوا في جميع فنون العلم كالتفسير وشرح الحديث والفقه وأصوله، مما ساعدَ على نشر كثيرٍ من المسائل المنسوبة إلى الأئمة، فإن عدداً ليس بالقليل من المسائل قد استخرجتها من كتب أصول الفقه ومن بعض التفاسير. ولذلك فإني أضمن هذه النتيجة توصيةً للمتخصصين في التفسير وعلومه، والحديث وعلومه، والفقه وأصوله، أن يولوا هذا الجانب أهميته اللائقة به، وذلك لتصفية مناهج ومذاهب الأئمة مما أُلصق بها ونُسب إليها من البدع والمحدثات. ثالثاً: أن كثيراً من المسائل المنسوبة إلى الأئمة إنما حدثت بعدهم بزمنٍ طويلٍ مما يدل على شدة التلفيق الذي مارسه أهل الكلام في هذا الجانب. رابعاً: أن كثيراً من الكتب والرسائل المنسوبة إلى الأئمة الأربعة لا تصح نسبتها إليهم. لذلك ينبغي عدم اعتمادها مصادر تؤخذ منها عقائد الأئمة. وفيما نقل بالأسانيد الثابتة عن الأئمة كفاية، ولله الحمد. هذا بعض ما خرجت به من نتائج وتوصيات. والحمد لله أولاً وأخيراً، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

براءة السلف مما نسب إليهم من انحراف في الاعتقاد

براءة السلف مما نسب إليهم من انحراف في الاعتقاد ¤عدنان بن عبدالقادر£بدون¥بدون¨الأولى¢1420هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶دفاع عن السنة وأهل الحديث خاتمة: إن علماء السلف من أشد الناس إثباتاً لصفات الله تعالى التي أثبتها لنفسه وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم وكذلك في مسائل الإيمان والقدر، وأشدهم مجانبة لتأويل الصفات وليِّ عنق الأحاديث الواردة في العقيدة. فإن وجد المطالع لكتبهم غير ذلك، فإنه لأحد الأسباب التالية: 1 - عدم ثبوت النص الشرعي عنده وعدم صحته. 2 - أن يكون الموضع موضع اختصار، بينما فصل في موضع آخر وأثبت ما كان عليه السلف الصالح. 3 - عدم دلالة النص دلالة واضحة على المسألة. 4 - التعارض الظاهر بين النصوص، فيضطر إلى القول بأحدها. 5 - براءته مما نسب إليه. 6 - أن يكون النزاع نزاعاً لفظياً، بينما هو موافق لسلف الأمة في حقيقة الأمر. لذا لا يحل الاستعجال والحكم على علماء الأمة بأنهم خالفوا المنهج والعقيدة السلفية الصافية، وإلا فإنه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية 6/ 378: (أساء الأدب على السلف، إذ يذكر عنهم ما يضعفه، وأظهر للناس أن السلف كانوا يتأولون ليحتج بذلك على التأويل في الجملة) اهـ

بعض أنواع الشرك الأصغر

بعض أنواع الشرك الأصغر ¤عواد بن عبدالله المعتق£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1420هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶توحيد وشرك الخاتمة: بسم الله بدأنا، وبحمده والشكر له ختمنا، ونصلي ونسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وبعد: فإلى القارئ الكريم بعض النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث المتواضع، إنه من دارستي للشرك وأقسامه وبعض أنواع الشرك الأصغر توصلت إلى نتائج منها: الأولى: أن الشرك قسمان: أكبر: مبيح للدم والمال ومحبط لجميع الأعمال، وفي الآخرة صاحبه مخلد في النار. وأصغر: محبط للعمل الذي يقارنه، ووسيلة قد تفضي بصاحبها إلى الشرك الأكبر. الثانية: أن الشرك الأصغر أنواع كثيرة منها: الرياء، وإرادة الإنسان بعمله الدنيا، والحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشئت، ولولا الله وأنت ونحوها، وإسناد الحوادث إلى أسبابها القريبة مع اعتقاد تأثيرها فيها، وقول البعض مطرنا بنوء كذا على طريق المجاز. الثالثة: أن الرياء منه ما هو كفر كرياء المنافقين، ومنه ما هو شرك أصغر كيسير الرياء الداخل في تحسين العمل. الرابعة: أن الرياء داء له علاج، ومن وسائل علاجه: تعظيم الله ومراقبته في كل عمل، والاستعانة به على الإخلاص ودعاؤه والتعوذ به من الرياء ومعرفة الرياء وأسبابه، ثم التحرز منه دائما، ومعرفة عاقبة الرياء في الدنيا والآخرة، كذلك كتمان العمل وإسراره. الخامسة: أن العمل لأجل الدنيا: لا يخلو من ثلاثة أمور: الأول: أن تكون إرادة العبد من عمله كلها منحصرة في العمل لأجل الدنيا ولولا هذا المقصد لم يعمل، وهذا ليس له في الآخرة نصيب. الثاني: أن تكون إرادته من عمله وجه الله والدنيا، والقصدان متساويان، أو متقاربان، وهذا شرك أصغر. الثالث: أن تكون إرادته من عمله وجه الله وحده لكنه يأخذ على عمله جعلا معلوما، يستعين به على العمل وهذا لا بأس به. السادسة: أن الحلف بغير الله، إما أن يقوم بقبله تعظيم لمن حلف به مثل تعظيم الله فيعتبر شركا أكبر، فإن كان جاهلا عُلّم، فإن أصر فهو والعالم سواء، كل منهما مشرك شركا أكبر، أو لا يقوم بقلبه تعظيم لم حلف به فيعتبر شركا أصغر، فإن كان جاهلا عُلّم، فإن أصر فهو والعامل سواء كل منهما مشرك شركا أصغر. السابعة: اتفاق الكتاب والسنة والإجماع على تحريم الحلف بغير الله، واتفاق علماء المسلمين على أن اليمين لا تنعقد بما سوى الله. الثامنة: أن قائل ما شاء الله وشئت إما أن يقوم بقلبه تعظيم لذلك المستوى بينه وبين الله، فيعتبر شركا أكبر، أو لا يقوم بقلبه تعظيم، فيعتبر شركا أصغر، ويمكن اتقاؤه باستبدال "الواو" بـ"ثم"، لأنها تقتضي الترتيب مع التراخي. التاسعة: أن إسناد الحوادث إلى غير الله عز وجل مع اعتقاد تأثيره فيها، كقولنا: لولا وجود فلان لحصل كذا، يعتبر شركا أصغر، يمكن اتقاؤه بإسناد الحوادث إلى الله ثم إلى المخلوق، فمثلا إذا أردنا أن نقول: لولا وجود فلان، نقول: لولا الله ثم وجود فلان. العاشرة: أن قول القائل: مطرنا بنوء كذا، وإن لم يعتقد بأن للنجم تأثيرا في إنزال المطر شركا أصغر، لأنه نسب نعمة الله إلى غيره، ولأن الله لم يجعل النوء سببا لإنزال المطر، إذ الواجب على الإنسان في مثل هذه الحالة أن يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته، امتثالا لأمر رسول الله عليه الصلاة والسلام، واتقاءً لهذا الشرك. هذا وصلى الله على محمد وآله صحبه وسلم.

جزء فيه امتحان السني من البدعي

جزء فيه امتحان السني من البدعي ¤عبدالواحد بن محمد المقدسي£فهد بن سعيد المقرن¥دار الإمام مالك - أبو ظبي¨بدون¢بدون€توحيد وعقيدة ومنهج¶عقيدة - أعمال منوعة الخاتمة: الحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد: ففي نهاية المطاف، أرجو أن أكون قد ساهمت في إحياء هذا الجزء، الذي بقي حبيس القماطر قروناً عديدة، ويمكن أن أجمل أهم نتائج البحث فيما يلي: 1 - أهمية إحياء تراث وكتب السلف وحاجة الناس إليها. 2 - المساهمة في خدمة هذا الجزء وتيسير الاستفادة منه، الذي يمثل تدوينا لآراء الفرق في حقبة من الزمن. 3 - الاطلاع على مسائل عديدة متنوعة ومفيدة. 4 - بحث مسائل دقيقة وغامضة، وبيان آراء الفرق فيها. 5 - هذا الجزء يبين جهود إمام من أئمة الحنابلة في الذب عن السنة والدفاع عنها. 6 - الجزء يمثل تصنيفاً في الملل والنحل لعالم من أهل السنة مما يبين أهمية طرق هذا المجال من قبل أهل السنة. وختاماً، فهذا جهد المقل، وهذه بضاعته، فإن أصبت فذلك محض فضل الله، وإن كانت الأخرى فمن نفسي والشيطان، وأسأل الله تعالى الغفران، وحسن الختام، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية

جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية ¤محمد أحمد لوح£بدون¥دار ابن عفان - الخبر¨الأولى¢1418هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - تأويل وتفويض وتعطيل أولاً: تمكنتُ –بحمد الله وتوفيقه- في هذا البحث من رصد وبيان التأويل الصحيح، بذكر ضوابطه، وما يتميَّز به، والتأويل الفاسد بذكر سماته وأماراته، حتى يعرف الواقف عليه ما هو التأويل الشرعي الذي يلزم استخدامه في التعامل مع النصوص الشرعية، وما هو التأويل الفاسد الذي يجب اجتنابه وإبعاده عن النصوص، وبيَّنتُ من خلال ذلك أن التأويل الصحيح لابد أن يكون في مجاله المحدَّد، وإطاره المحكم، فتبين: 1 - أنه لا تأويل في المنصوص أصلاً، وهو المسمى واضح الدلالة. 2 - أن الظاهر يمتنع تأويله إلا بما يوافق عرف المتكلم، وعادته المطردة. 3 - أن المجمل المبيَّن يتعين المصير إلى مبيِّنه. 4 - أنه لا يوجد في النصوص المتضمنة للمطالب الشرعية نص مجمل غير مبيَّن. ثانياً: لما كان من القواعد الشرعية الكلية أنه لا إيمان إلا بالتسليم الكامل للوحي في كل ما جاء به، كان إعراض المتأولة عن النصوص، وإقبالهم على العقليات المزعومة أساساً لكل انحراف فكري أو عقدي وقعوا فيه، فكل من أعرض عن الطريقة السلفية النبوية الشرعية لابد أن يضل ويتناقض ويبقى في الجهل المركب، والضلال البعيد. ثالثاً: لما كانت أصول البدع وأسسها كلها ترجع إلى مخالفة النص الشرعي، وعدم الالتزام بمقتضاه كان بدهيَّاً أن يكون التأويل الفاسد أساس كل بدعةٍ ظهرت في الإسلام، وذلك لأن كل مبتدع يسعى إلى البحث عن مستند له في النصوص، وإذا لم يظفر بدليل أو شبهةٍ يغتر بها المخدوعون –ولن يظفر؛ لأن السنة لا تكون دليلاً على البدعة، كما أن الإسلام لا يكون دليلاً على الكفر- لجأ إلى ليِّ أعناق النصوص بالتأويل حتى تتفق مع مذهبه الباطل، ولما لم يكن من السهل الميسور –بل ولا من الممكن- تحريف النصوص الشرعية المحفوظة، وتأويلها على هذا النحو، احتاجوا إلى ذريعة يتوسلون بها إلى تأويلاتهم الفاسدة فاتجهوا إلى اختراع قوانين التأويل وأصوله، فنشأت أصول للتأويل لدى جميع الفرق البدعية من المتكلمين، والرافضة، والباطنية، والصوفية، وغيرهم، وفي هذا البحث بذلت ما بوسعي من جهدٍ ووقت لحصر ما أمكن من أصول التأويل لدى الفرق التي تناولتها الدراسة، ومن ثم التصدي للرد عليها بالمنقول والمعقول. رابعاً: أن الدور الذي لعبته الكتب الأجنبية –بما فيها من مناهج وعقائد فاسدة- إلى لغة القرآن سوف يظل الدور الأبرز في حدوث انحرافات المتفلسفة والمتكلمين وغيرهم من المبتدعة، وخاصة الانحرافات المتعلقة بالتأويل، ومن هنا تناولت –بشيءٍ من البسط- عامل التراجم –إلى جانب عوامل أخرى- بدراسة دوافعها، وبدايتها، ورجالها، وآثارها. فظهر لي أن نقل كتب الفلسفة الإلهية إلى لغة القرآن الكريم جاء في إطار مؤامرة أممية عالمية محكمة استهدفت العقيدة الإسلامية الصافية، باعتبارها مركز قوة المسلمين. خامساً: لقد افتتن جميع المتكلمين وأكثر الأصوليين قديماً وحديثاً بفتنة القول بالمجاز في نصوص الوحي، وجعلوه تُكأةً لتأويل نصوص الصفات والقدر، وغيرها، وعدّوه مبحثاً من مباحث الأصول، ووسيلة من وسائل فهم الدين، فتصدَّينا لهذا المجاز: ما هو؟ وكيف نشأ؟ ومن قال به؟ وما صلته بالتأويل؟ وما مقصد مخترعيه؟ وأين تطبيقاته في كتب المجازيين؟ وما هو الحق في هذا الباب؟ وكيف نرد على المخالفين؟.

سادساً: إن من أعظم المخاطر الفكرية التي تسلح بها أعداء الإسلام لغزو المسلمين فكرة تقسيم الدين إلى ظاهر وباطن، حيث أدرك هؤلاء أن أصول العقيدة الإسلامية وأحكامها إنما عرضت في إطار ألفاظ وكلمات تدل عليها، وأن صلة المسلمين بماضيهم ومنابعهم إنما تبقى ببقاء هذه المصطلحات دالةً على معانيها الشرعية، فمتى انصرمت هذه الصلة بين الكلمات وبين المعاني، وأصبحت لا تدل على معانيها الخاصة، ومفهوماتها المحددة تسرب الشك والاختلاف إليها، وأصبحت هذه الأمة فريسةً سهلةً لكل دعوة مهما بعدت عن العقيدة الصحيحة، حيث يكون التأويل الفاسد هو المطلُّ برأسه في كل مناسبة. سابعاً: إن السلف الصالح لم يألوا جهداً في الرد على أهل البدع في تأويلاتهم منذ نشأة الفرق، فأصدروا الفتاوى الجادة في حقهم، وتكلَّموا في جرحهم وبيان أحوالهم نصيحةً للأمة، وصنَّفوا في ذلك المصنفات النافعة، فظهر من خلال البحث أنهم رحمهم الله سلكوا في ردودهم منهجين: 1 - منهج التأصيل: ويكون بعرض العقيدة الصحيحة بأدلتها، مع التركيز على ما فيه نقض لمعتقدات المبتدعة ومناهجهم. 2 - منهج المناظرة، أعني الرد المباشر، ويكون بذكر شبهات المبتدعة ثم الرد عليها، فأحصيت من مؤلفاتهم في الرد على الجهمية والمعتزلة فقط منذ بداية القرن الثالث حتى منتصف القرن السادس الهجري سبعين كتاباً بين مطبوع وغير مطبوع. ثامناً: لقد قمتُ بعقد مقارنات بين بعض الفرق المتقاربة فكان من نتائج تلك المقارنات أن الأشاعرة والماتريدية لا يختلفون في الأصول الكلامية التي بنوا عليها التأويل، والتبعيض في الصفات إثباتاً وتأويلاً، كما ظهر أن الرافضة والباطنية وجهان لعملة واحدة، وأن أصول الصوفية في اكتساب المعارف وفي التأويل مستقاة من أصول الفلاسفة الإشراقيين وأصول الباطنية لاسيما في قضية الظاهر والباطن. تاسعاً: لقد زعم كثيرٌ من الباحثين المعاصرين أن الجهمية والمعتزلة من الفرق التي انقرضت، ورأزو بالتالي عدم جدوى مناقشة آرائهم فيما يتعلق بالتأويل وغيره، فذكرتُ بعض أقوال هؤلاء، وأبطلتُ مزاعمهم بذكر ما يدل على وجودهم ووجود من يعتنق أفكارهم، ويسلك مناهجهم، ويدافع عنهم بكل حرارة، كما أشرتُ إلى افتقار كثيرٍ من هؤلاء الباحثين إلى منهج سليم في التصور والاعتقاد. عاشراً: لقد اعتمد كثيرٌ من الباحثين على كتاب (الفوائد المشوق) المنسوب لابن القيم في نسبة القول بالمجاز إلى هذا الإمام في المرحلة الأولى أو الأخيرة من حياته، فتمكنتُ –بحمد الله- من تحقيق المسألة بما لا يدع مجالاً للشك في أن الكتاب إنما هو مقدمة ابن النقيب في تفسيره، واستندت في ذلك إلى أقوال بعض العلماء المحققين. توصية 1 - لقد كانت جهود ابن تيمية رحمه الله في الرد على العقلانيين من الفلاسفة والمناطقة من نوعٍ فريد، حيث خبر أصولهم وأغراضهم، ومذاهبهم التي ترجع إليها مقالاتهم، وعقلياتهم، فانتقد أصولهم وقوانينهم، وهجم على مسلَّماتهم وبراهينهم العقلية التي سموها قطعيات فطعن فيها وبين وجوه ضعفها، فظهر لي من خلال تأمل عمله في هذا الباب أن جهوده في الرد على الفلاسفة والمناطقة لا تزال تنتظر من يبرزها، ويجليها، لكن ينتظر ممن يتصدَّى لذلك أن يكون متمكناً في الشرعيات، ملمَّاً بالعقليات، هادئ البال، رصين التصور، قوي العارضة. 2 - لقد أتاح لي العمل في هذا البحث فرصة الاطلاع على الكثير من كتب أهل الزيغ والضلال –ولا حول ولا قوة إلا بالله- فظهر لي أن هناك عدداً هائلاً من الأحاديث المتيقن وضعها، وعدداً كبيراً يظهر عليها طابع الوضع يستدل بها أهل البدع والضلالات على تقرير عقائدهم في جميع المناحي والنحل الفلسفية والكلامية، والباطنية، وفي التصوف والرفض وغيرها، وتبين لي أن مما روَّج مذاهب هؤلاء وجود هذه الأخبار المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن غير العارف إذا وقف في كتاب على قول منسوبٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك الخبر في تقرير عقيدة ما أو منهجٍ ما فسرعان ما يُسلِّم به ويذعن ويعتقد. من هنا أيقنت أن هناك حاجةً ماسةً إلى جمع هذه الأخبار، وتصنيفها على أبواب الاعتقاد، وذكر من استدل بها على تقرير العقائد الفاسدة، وتخريجها تخريجاً علمياً ليعرف حقها من باطلها، ولا يخفى أن هذا العمل يحتاج إلى باحث لديه صبر على قراءة أكبر عدد ممكن من هذه الكتب، ومعرفةٍ بأصول التخريج، واطلاع بعقائد السلف، وانحرافات المبتدعة ومناهجهم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

جهود الإمام ابن قيم الجوزية في تقرير توحيد الأسماء والصفات

جهود الإمام ابن قيم الجوزية في تقرير توحيد الأسماء والصفات ¤وليد بن محمد العلي£بدون¥دار البشائر الإسلامية - بيروت¨الأولى¢1425هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶دراسات توثيقية ومنهجية في الختام: أحمد الله الملك العلام على حسن توفيقه للتمام، وأسأله في خاتمة كل عمل: مسك الختام، كما أسأله – سبحانه وتعالى – أن يوزعني شكر نعمته علي، أن وفقني في هذا البحث لقراءة مجموع مؤلفات الإمام ابن القيم الجوزية – رحمه الله تعالى – للغوص في بحر علمه، لاستخراج درر كلمه ولآلئ فهمه المقررة لتوحيد أسماء الله الحسنى وصفاته العلى. فكلامه في باب التوحيد – وفي غيره من الأبواب -: نافع (لكل أحد، وهو حقيق بأن تثنى عليه الخناصر، ولعلك لا تظفر به في) كلام كثير من علماء القرون المتوسطة، كيف لا، وهذا العلم بالنسبة إليه: (هو العلم الذي قد شمر إليه، ومطلوبه الذي يحوم بطلبه عليه، لا يثني عنانه عنه عذل عاذل، ولا تأخذه فيه لومة لائم، ولا يصده عنه قول قائل). وقد تنزهت – بحمد الله تعالى – أثناء قراءتي لمؤلفاته في (روضات مونقات، وحدائق معجبات، زاهية أزهارها، مونقة ثمارها، قد ذللت قطوفها تذليلا، وسهلت لمتناولها تسهيلا)، فاجتنيت – بحمد الله تعالى – من (ثمار علومه النافعة – الموصلة إلى الله سبحانه – من أشجاره، ورياحين الحكم من بين رياضه وأزهاره): دررا ولآلئ، يحسن ذكرها في (آخر الكتاب. وقد جلبت إليك فيه نفائس في مثلها يتنافس المتنافسون، وجليت عليك في عرائس إلى مثلهن بادر الخاطبون، فإن شئت اقتبست) من درر تقريراته ولآلئ توضيحاته: 1. أهمية هذا التوحيد، وأن معرفة الله تعالى إنما تكون بمعرفته، فهو أشرف العلوم على الإطلاق، وهو زبدة الكتب الإلهية ومفتاح الدعوة النبوية. 2. اقتضاء هذا التوحيد لمسمياته ومتعلقاته، مع ما له من الآثار على النفس والكون، وما فيه من الثمرات في القلب والجوارح. 3. إثبات هذا التوحيد بنصوص الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة، مع الاستدلال بإجماع الأمة وبما دلت عليه الفطر السليمة والعقول المستقيمة. 4. وسطية أهل السنة والجماعة في هذا التوحيد بين أهل التمثيل وأهل التعطيل، وعنايتهم بإثباته بلا تمثيل، وتنزيهه بلا تعطيل، مع قطع الطمع عن إدراك كيفيته. 5. أن أسماء الله الحسنى وصفاته العلى توقيفية وقديمة، وتعددها كمال، وهما مصدر أفعال الله تعالى. 6. أن الأسماء والصفات التي تطلق على الله تعالى وعلى العبد ثابتة لهما على الحقيقة، وأن كل كمال ثبت للمخلوق لا نقص فيه فالخالق أحق به وأولى. 7. أن أسماء الله تعالى كلها حسنى، لا تدخل تحت حصر ولا تحد بعدد، وأن منها ما يطلق على الله تعالى مفردا ومقترنا بغيره، ومنها ما لا يطلق عليه إلا مقرونا بمقابله، وهي إن دلت على وصف متعد تضمنت ثبوت الاسم لله تعالى وثبوت الصفة التي تضمنها وثبوت حكمها ومقتضاها، كما أن الاسم الواحد منها إن كان دالا على عدة صفات فإنه يتناولها جميعها تناول الاسم الدال على صفة واحدة، ودلالتها على ذات الله تعالى وصفاته تكون بالمطابقة وبالتضمن وبالالتزام، كما أن لها دلالة على العلمية والوصفية، ولها اعتبار من حيث الذات واعتبار من حيث الصفات، وأنه يجب مجانبة الإلحاد فيه. 8. أن صفات الله العلى كلها صفات كمال، وأن القول فيها كالقول في الذات، والقول في بعضها كالقول في البعض الآخر، وأن الصفة الواحدة منها إذا قامت بمحل عاد حكمها إلى ذلك المحل، فكان هو الموصوف بها، وهي مضافة إلى الله تعالى: من باب إضافة الصفة إلى موصوفها.

9. أن أسماء الله تعالى وصفاته ثبتت بأدلة الكتاب والسنة، وظاهرها هو ما يتبادر منها من المعاني، ولما كانت معلومة لنا باعتبار، ومجهولة باعتبار آخر: وجب إجراؤها على ظاهرها دون تحريف لها. 10. الحث على إحصاء أسماء الله الحسنى، ومعرفة ألفاظها، وفهم معانيها ومدلولها، ودعاء الله تعالى بها. 11. أن أصول الأسماء الحسنى ثلاثة: اسم (الله) المتضمن لصفات الألوهية، واسم (الرب) المتضمن لصفات الربوبية، واسم (الرحمن) المتضمن لصفات الإحسان والجود والبر. 12. أن الصفات تنقسم باعتبار تعلقها بالإثبات والسلب إلى صفات ثبوتية وصفات سلبية، وباعتبار تعلقها بذات الله تعالى وأفعاله إلى صفات ذاتية وصفات فعلية، وباعتبار تعلقها بأدلة ثبوتها إلى صفات سمعية عقلية وصفات سمعية خبرية. 13. أن أسماء الله تعالى وإن كانت كلها حسنى، وصفاته وإن كانت كلها كمالا، وهي أسماء وأوصاف لمسمى وموصوف واحد، إلا أنها تتفاضل فيما بينها. (إلى غير ذلك من الفوائد التي ما كان منها صوابا: فمن الله وحده هو المان به، وما كان منها من خطأ: فمن مؤلفه ومن الشيطان، والله بريء منه ورسوله. والله – سبحانه – المسؤول والمرغوب إليه المأمول: أن يجعله خالصا لوجهه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، إنه قريب مجيب. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا).

جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف

جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف ¤عبدالعزيز بن صالح الطويان£بدون¥مكتبة العبيكان - الرياض¨الأولى¢1419هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶دراسات توثيقية ومنهجية الخاتمة الحمد لله الرب الكريم، الذي بنعمته تتم الصالحات، وبتوفيقه تقضى الحاجات، فقد تم هذا البحث، وتوصلت فيه إلى النتائج التالية: 1 - إن عقيدة الشيخ رحمه الله هي عقيدة السلف الصالح التي ترتكز على الوحيين؛ الكتاب والسنة. وقد وافقهم في جميع محتويات العقيدة، ولم يخرج عن منهجهم قيد أنملة؛ فقد عرف الإيمان بأنه قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. كما قسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام؛ الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات. وأوضح بقية مباحث الإيمان الأخرى؛ كالإيمان بالملائكة والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقضاء والقدر؛ خيره وشره، وذكر جزئيات هذه المباحث. 2 - أظهر رحمه الله هذه العقيدة، ودعا إليها في جميع كتبه، ومحاضراته، ودروسه. وكان لا يترك مناسبة إلا وحرص على ذكرها والدعوة إليها. 3 - أبرز رحمه العقيدة الصافية، واستنبطها من نصوص القرآن الكريم بأسلوبه الرائع وطريقته المعروفة في تفسير القرآن بالقرآن. 4 - أكد رحمه الله أن الآيات الدالة على توحيد الربوبية في القرآن الكريم إنما هي إلزام للمشركين أن يوحدوا الله في العبادة. 5 - اهتم رحمه الله بعقيدة السلف في الأسماء والصفات، وجعلها من أنواع البيان المذكورة في أضواء البيان، ومن أهمها. وأن جميع ما وصف الله به نفسه في القرآن العظيم فهو موصوف به حقيقة لا مجازا. 6 - سلك رحمه الله قاعدة الإمام مالك الذهبية في الصفات: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب)، وطردها في جميع الصفات؛ لأنها كلها في باب واحد. 7 - اهتم رحمه الله بذكر رأيه في الصفات في ضوء الدليل، ووفق المنهج المرسوم. فلا يطيل الحديث عنها؛ لأنه قد اكتفى ببيان المنهج، وتوضيح العقائد التي تشترك فيها سائر الصفات. 8 - لم يؤول رحمه الله أي صفة من صفات الله سبحانه وتعالى، ولم يرتض التأويل بأي شكل من أشكاله. 9 - أبرز عقيدة السلف بأسلوب عربي مختصر بعيد عن مصطلحات أهل الكلام. وكان رحمه الله يكره التعمق في آيات الصفات والخوض فيها، ويقول: هي من البدع التي كرهها السلف. 10 - جعل رحمه الله قواعد وضوابط وأسسا في إثبات الصفات لتسهيل فهمها وحفظها. 11 - نقد رحمه الله منهج أهل الكلام عن دراية وفهم، وناقشه، واستعرض شبه أهل الكلام، ورد عليها بحجج في غاية القوة والإقناع مدارها الكتاب والسنة. 12 - كان رحمه الله من العلماء العاملين بالجدل والمنطق، وأسلوب البحث والمناظرة. لكنه لا يجعله أساساً يثبت به صفات الله ويهدر الأدلة السمعية، بل لم يستخدمه في مبحث التوحيد إلا للرد على دليلهم الجدلي بلغتهم، مبيناً أنه من أساسه كاذب بلا شك، وأن النتيجة سوف تكون كاذبة. 13 - أكد رحمه الله أن معتقد السلف هو الأسلم والأحكم والأعلم، وأنه المنجي يوم القيامة. 14 - كان رحمه الله ذا حجة مقنعة، وعقلية فذة، وعلم واسع، وفهم لعقيدة السلف على أصولها الصحيحة، وعمل على نشرها بين الناس. 15 - رجح رحمه الله أن الساحر الذي لم يبلغ به سحره الكفر، ولم يقتل به إنسانا، أنه لا يقتل. 16 - رجح رحمه الله وفاة الخضر عليه السلام، ونبوته، وناقش أدلة القائلين بحياته وعدم نبوته مناقشة دقيقة، مؤيدة بالحجج الواضحة والأدلة الصريحة، ورد ما يقال حوله من قصص خيالية، وروايات موضوعة. 17 - رد رحمه الله على من جوز العمل بالإلهام، وأن الولي يسعه الخروج عن الوحي المحمدي، وقال عنها: إنها زندقة.

18 - له مشاركات لعلماء الأمة فعالة في التصدي للتيارات الإلحادية، وموقف راسخ في الذود عن حياض العقيدة الصافية. 19 - عند المناقشة مع المخالفين يذكر رحمه الله قول المخالف بإنصاف مع حجته، ولا ينقص من قدره، بل يرد عليه بحياد وعدم تعصب. 20 - مؤلفات الشيخ رحمه الله عظيمة الفوائد، ومنهل عذب، ومعين لا ينضب وعلى رأسها أضواء البيان؛ فإنه لقي قبولاً واهتماما من العلماء والباحثين. لكن تنقصه الطباعة الجيدة، والتحقيق المتقن لتدارك الأخطاء التي تخل بالمعنى. 21 - هناك رسائل مهمة للشيخ رحمه الله تدل على سعة علمه وهي لا تزال مخطوطة ولو طبعت وأخرجت لعمت الفائدة منها. 22 - محاضرة الشيخ رحمه الله المسماة: منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات: هي اسم على مسمى: أبرز فيها الشيخ رحمه الله عقيدة السلف في الصفات مع توضيح المنهج والقواعد والأسس التي يقوم عليها، وأشار إلى طريقة المخالفين مبينا وهنها. فلو قررت هذه الرسالة على المعاهد والكليات في بابها، فهي جديرة بالعناية والدراسة. 23 - هناك أشرطة للشيخ رحمه الله في تفسير بعض سور القرآن الكريم بصوته، سبق أن أشرت إلى أرقامها والآيات المفسرة. وكذا رحلته إلى أفريقيا للدعوة، فيها محاضرات وكلمات. فلو فرغت وطبعت لكانت أجزاء كثيرة، فيها العلم النافع الغزير، هيأ الله لها من يخرجها وينشرها. وفي الأخير: أحمد الله الذي وفقني لإتمام هذا البحث، فقد خرجت منه بفوائد جليلة؛ حيث من الله عليّ بقراءة بعض كتب السلف في العقيدة والتفسير والتراجم، واطلعت على أكثر مباحث العقيدة، وذلك بفضل الله وتوفيقه فله الحمد والمنة. وفي الختام أسأل الله العلي القدير العلم النافع، والرزق الطيب، والعمل المتقبل لي ولإخواني المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.

جهود شيخ الإسلام ابن تيمية في توضيح توحيد العبادة

جهود شيخ الإسلام ابن تيمية في توضيح توحيد العبادة ¤أحمد بن عبدالله الغنيمان£بدون¥وزارة التعليم العالي- المدينة المنورة¨الأولى¢1430هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ابن تيمية - ترجمة كاملة أو دراسة منهجية الخاتمة: أُلخِّص في نهاية هذا البحث أهم النتائج التي توصلت إليها، وهي كالتالي: 1 - أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد أسهم إساهماً مميزاً في بيان هذا النوع من التوحيد، ووضحه وبيَّنه في أغلب مؤلفاته، وإن لم يخصَّه بمؤلف مستقل، وهذا يتبين من النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث. 2 - أن التوحيد الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام قاطبة مبنيٌّ على إخلاص التألُّه لله عز وجل والقصد والطلب؛ بخلاف ما يظنه بعض الفرق الحائدة عن الحق. 3 - أن النصوص الشرعية؛ بل وإجماع السلف دلَّت على أن التوحيد يشمل ثلاثة أمور هي: توحيد الله في الربوبية، وفي الألوهية، وفي الأسماء والصفات، وأن هذا التقسيم ليس من بدع شيخ الإسلام ولا غيره، كما أن هذا التنوع ليس من باب التضاد؛ لأن هذه الأقسام لا يمكن أن ينفك بعضها عن بعض. 4 - أن الإله معناه في اللغة والاصطلاح الشرعي: المألوه، المعبود، المقصود بالتوجه والإنابة والتوكل والإذعان .. وغير ذلك من أنواع العبادة، فهو الذي تألهه القلوب محبة وإنابة وتوكلاً؛ بخلاف ما عليه كثير من المسلمين من اعتقادهم أن معنى الإله هو القادر على الاختراع فقط. 5 - أن المؤمنين يتفاوتون في تحقيقهم للتوحيد؛ وذلك حسب ما قام في قلوبهم وظهر على أفعالهم من الإتيان بأصل التوحيد وتحقيق كمالاته. 6 - كيفية تحقيق كمال التوحيد تتلخص في تخليصه من شوائب الشرك والبدع والمعاصي؛ بل وبالبعد عن المكروه والعمل بالمستحب. 7 - أن تحقيق التوحيد له دواعٍ وأسباب تعين على تحقيقه، كما أن له قوادح تقدح فيه، ومن تلك القوادح ما يقدح في أصله، ومنها ما يقدح في كماله؛ سواء الواجب أو المستحب. 8 - جعل الله لمحققي التوحيد منزلة عالية ينالون بها الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، لا يحصل عليها سواهم، وأكمل أولئك منزلة وأعلاهم هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. 9 - توحيد العبادة هو مدار الدين؛ الذي بعث به جميع الرسل، إلا أن كثيراً من العبادة قد ضلوا عنه. 10 - العبادة هي الذل والخضوع والمحبة التامة للمعبود، وترتكز على ثلاثة أمور: عابد ومعبود وعبادة، ويشترط في كل منها شروط، فشروط العابد: هي شروط التكليف، وشروط المعبود: أن يكون مالكاً للضر والنفع، إلهاً ظاهراً وباطناً. والعبادة يشترط فيها أن تكون خالصة لله عز وجل، موافقة لشرعه وما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم. 11 - أنواع العبادة الشرعية عديدة يمكن حصرها في الجملة بالأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، المحبوبة المرضية من قبل رب البرية. وهذه العبادات تتفاوت من حيث الوجود والاستحباب ولذلك يتفاوت أهلها في العبودية لرب العالمين. 12 - توحيد العبادة من أهم المهمات وأوجب الواجبات؛ ولا أدل على ذلك من كون العباد خلقوا من أجله؛ بل إن النجاة في الدنيا والآخرة متوقفة على الإتيان به على الوجه الصحيح. 13 - لا يمكن أن يحقق العبد التوحيد كمال التحقيق حتى يعرف ضده من الشرك ونحوه؛ إذ العبد قد يقع في الشرك من حيث لا يعلم أنه شرك، وعلى أقل الأحوال أنه إذا رآه لا ينكره؛ لأنه لا يعرف أنه مناقض للتوحيد! 14 - كما أن العبادة أنواع، فكذلك الشرك أنواع، منه ما يتعلق بالجَنان، ومنه ما يتعلق باللسان، ومنه ما يتعلق بالجوارح. 15 - جاء الإسلام لحماية التوحيد، وسد جميع أبواب الشرك، الموصلة إليه، وذلك بالتحذير من أمور، منها: أ) اتخاذ القبور مساجد، وتتبع الآثار بالدعاء أو الصلاة أو النذر عندها أو إليها، أو صرف أي نوع من أنواع العبادة عندها، أو قصدها بسفر، أو غير ذلك. ب) ومنها الغلو في الأنبياء والصالحين أو غيرهم. ج) التوسل أو الاستشفاع بالأنبياء أو الصالحين، أو من يُظن به ذلك؛ يصيِّرها أوثاناً تعبد من دون الله، سواء كان التوسل بالذوات أو الأشخاص أو الجاه، أو غير ذلك. د) اتباع الهوى، أو طاعة الرؤساء - من العلماء أو الأمراء أو غيرهم - في معصية الله عز وجل.

جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية

جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية ¤شمس الدين السلفي الأفغاني£بدون¥دار الصميعي - الرياض¨الأولى¢1416هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶دراسات توثيقية ومنهجية الأمر الأول النتائج لقد وصلت في التفتيش والتنقيب لجمع مادة هذا الكتاب وتصنيفه إلى عدةٍ من النتائج، وفيما يلي ذكر أهمها: 1 - أن القبورية أشد بلاءً وأعظم محنةً على الإسلام والمسلمين من جميع فرق أهل القبلة. 2 - لأنهم جمعوا بين التعطيل والتشبيه، وناقضوا توحيد الأسماء والصفات وتوحيد الألوهية؛ بل عارضوا توحيد الربوبية أيضاً. 3 - أن القبورية أشد شركاً من الوثنية الأولى في باب الاستغاثة بغير الله تعالى. 4 - أن القبورية أعظم عبادة وأكثر خشوعاً للأموات منهم لخالق البريات. 5 - القبورية، والصوفية، والمتكلمون إخوانٌ أشقّاء خلطاء في كثير من الشركيات والخرافات. 6 - القبورية جعلوا توحيد الألوهية عنياً لتوحيد الربوبية؛ كإخوانهم المتكلمين. 7 - فالغاية العظمى عندهم هي توحيد الربوبية. 8 - القبورية جانبوا الجادة الصحيحة في تفسير المطالب العظيمة من التوحيد، والشرك، والعبادة، والتوسل، والاستغاثة، ونحوها، حيث حرفوها إلى معانٍ أخرى تدعم وثنيتهم. 9 - أهم عقيدةٍ للقبورية هو الاستغاثة بالأموات لدفع الكربات وجلب الخيرات، أما بقية عقائدهم فهي وسائل إلى تحقيق هذه الغاية. 10 - تبرقعت القبورية لتنفيذ خططهم المدبرة ضلالاً وإضلالاً لتعظيم الأنبياء والأولياء وحبهم. 11 - فارتكبوا أنواعاً من الإشراك تحت ستار الولاية والكرامة والحب والتعظيم. 12 - سمت القبورية عقائدهم الفاسدة بأسماءٍ برَّاقةٍ؛ حيث سَمّوا الإشراك بالله بالتعظيم للأولياء وزيارة قبورهم، والاستغاثة بغير الله بالتوسل، وتصرف الأولياء في الكون بالكرامة، وعلم الغيب لهم بالمكاشفة، ونحوها. 13 - القبورية فرقةٌ بعيدة المدى، هي أم كثير من الطوائف الباطلة عبر القرون، فهي بدأت في عهد نوحٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطورت؛ فكانت الأممُ الخاليةُ من عادٍ وثمودَ ومَدينَ والفلاسفةِ اليونانيةِ واليهودِ والنصارَى ومشركِي العرب وأمثالِهم كلهم قبورية. 14 - ولكن أعني بالقبورية قبورية هذه الأمم، وهي شاملة للروافض والباطنية والمتفلسفة في الإسلام والصوفية الطرقية والشيعة الزيدية، وكثيراً من المنتسبين إلى الأئمة الأربعة. 15 - القبورية في هذه الأمة تتفاوت في شركياتهم من حيث الغلو والإفراط، فالمتفلسفة في الإسلام والروافض والصوفية من غلاة غلاة القبورية، وقاربهم أمثال البريلوية والكوثرية ونحوهم، كبعث الديوبندية وبعض التبليغية، فهم غلاة القبورية، ثم القبورية غير الغلاة؛ كبعض الديوبندية، والتبليغية، وهناك قسمٌ رابعٌ، وهو من تأثر ببعض أفكار القبورية، فمن هذه الحيثية استحق وصف كونه قبورياً. 16 - انتشرت القبورية انتشاراً واسعاً في أقطار الأرض شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، وهندها ورومها، وسهولها وجبالها، وبرها وبحرها، والله المستعان على ما يصفون. 17 - من القبورية كثير من أهل الفضل والعلم والزهد، فقد ترى شخصاً إماماً في اللغة والتفسير والحديث والفقه، ومع ذلك يكون قبوريّاً محضاً، ولله في خلقه شؤون. 18 - وقد يكون مع هذا صاحب نيةٍ صادقةٍ مخلصاً طالباً للحق إذا نُبِّه يتنبه ويرجع إلى الحق من دون عِنادٍِ وإصرار ومكابرة. 19 - ومن وسائل انتشار القبورية الجهل العام الطام وارتكاب جمهرة الناس للعقائد القبورية وفيهم كثيرٌ من المتكلمين والفقهاء واللغويين والملوك ممن لهم التأثير والسلطان على العباد والبلاد.

20 - القبورية من المنتسبين إلى الأئمة الأربعة تتفاوت من حيث العدد؛ فهم في الحنفية أكثر وأوفر وأشهر وتليهم قبورية المالكية والشافعية، ونزرٌ قليل من الحنبلية. 21 - أن القبورية أنكروا وجود الشرك في هذه الأمة، ولهذا يرون كل ما يرتكبونه من الشرك الأكبر وأسبابه توحيداً وطاعةً لله عز وجل. 22 - أن أكثر القبورية أصحاب نيات صالحة، ولا سيما العوام، يرون أن ما يرتكبونه من العقائد الفاسدة والأعمال الباطلة هو من دين الله تعالى؛ ولكن كثيراً منهم ولاسيما أئمتهم وخواصهم أهل النيات الفاسدة مغرضون ممرضون. 23 - أن القبورية -ولاسيما الديوبندية والكوثرية- أعداءٌ ألدَّاء للتوحيد والسنة والعقيدة السلفية وأئمتها. 24 - أن القبورية من أعظم الفرق الباطلة كذباً وافتراءً على العباد وعلى رب العباد. 25 - أن القبورية من أشنع الفرق الباطلة تحريفاً لنصوص الكتاب والسنة، وأقوال علماء هذه الأمة. 26 - أن القبورية كثيراً ما يعبدون الفسقة والفجرة والدجاجلة الاتحادية الوجودية الزنادقة، واستغاثوا بهم على ظنٍ أنهم من عباد الله الصالحين الأولياء للرحمن، مع أنهم أولياءٌ للشيطان. 27 - أن القبورية كما أنهم يعبدون القبور وأهلها كذلك يعبدون بعض الأشجار والأحجار والمغارات المعظمة عندهم، فهم كما أنهم عبدة القبور، كذلك هم عبدة الأنصاب والأوثان؛ لأن القبور والأشجار والأحجار ونحوها إذا عبدت تصير أوثاناً وأنصاباً، معبوداتٍ من دون الله تعالى. 28 - كل ما ذكرته من النتائج فهو من جهودِ علماء الحنفية وعلى ألسنتهم وليس لي في ذلك إلا جهدٌ وتحمل العناء في إبراز جهودهم وجمع أقوالهم في صعيدٍ واحد؛ لكن مع التوثيق والتخريج والتصحيح والتوظيف. 29 - اهتم علماء الحنفية قديماً وحديثاً بالرد على القبورية. 30 - غير أن القدماء منهم ردهم قليلٌ عامٌ، وأما المتأخرون منهم فهم أصرح في الرد على القبورية وأشد وأقوى. 31 - بل وجدتُ كثيراً من علماء الحنفية ردوا على القبورية بكلامٍ هو شواظٌ من نار، فقطعوا دابر القبورية وقمعوا شبهاتهم بأجوبة كالصوارم المهنَّدة وكلماتٍ قاسية تستحقها القبورية. 32 - أن علماء الحنفية قد أطلقوا على القبورية أنهم مشركون، أهل الشرك، والوثنية، عباد القبور، أشباه عباد الأصنام، وغيرها من الألقاب التي يستحقونها. ستعلم ليلى أي دينٍ تديَّنت وأي غريم في التقاضي غريمها 33 - أن علماء الحنفية مع ذلك كله لم يكفروا القبورية بل صرحوا بعدم تكفيرهم قبل إقامة الحجة عليهم. 34 - أن غالب علماء الحنفية في الرد على القبورية تابعون لأئمة السنة أمثال شيخ الإسلام (728هـ) وابن القيم الهمام (751هـ) ومجدد الدعوة الإمام (1206هـ)، عالةً عليهم وتلاميذ لهم؛ ناقلون عنهم. فلهم فضل الرد على القبورية فضلاً أوليَّاً، ولهؤلاء الحنفية الرادين على القبورية فضل ثانوي. 35 - إن كثيراً من علماء الحنفية لما لم يكونوا من أهل الحديث والأثر وأصحاب العقيدة السلفية وأهل السنة المحضة لم يكن ردهم على القبورية خالياً من الدخن؛ لما عندهم من الأفكار الصوفية النقشبندية والماتريدية والمرجئة ونحوها. 36 - أن بعض من تجرد من الحنفية للرد على القبورية قد وفقهم الله تعالى للتمسك بمذهب أهل الحديث والسنة المحضة والعقيدة السلفية، فتركوا الحنفية أصلاً وفرعاً بدون خوف تعيير وملام. وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهرٌ عنك عارها 37 - أن كثيراً من الحنفية الرادين على القبورية قد انخرطوا في شيءٍ من بدع القبورية أيضاً.

38 - أن القبورية من الفرق الضالة الباطلة، الموجودة في واقعنا الماضي وحياتنا المعاصرة، المنتشرة في العباد والبلاد بالكثرة الكاثرة، وليست من الفرق المنقرضة كما يزعم ذلك بعض الجهلة الضالة المضلة. 39 - القبورية لهم طرق ومكر ودهاء وخطط مدبرة لنشر عقائدهم الباطلة بشتى الطرق، وهم يظهرون بأسماء شتى ودعواتٍ متنوعة، تارةً باسم الإصلاح والإرشاد والتبليغ، وتهذيب الأخلاق، وتارةً في صورة منظمةٍ سياسية أوجهادية، وتارةً في لون تأسيس الجامعات لنشر العلم والمعارف، فهم طرق وألوان، وأنواع وأفنان، ولهم ظلم وعدوان، وبغي وبهتان وسلطان، ولهم اهتمام ونشاط لتحقيق ما هم عليه من التفريط والإفراط. 40 - أن كثيراً من القبورية قد تظاهروا بالتوحيد والسنة، وهم في الحقيقة على توحيد الماتريدية الجهمية، وعلى سنة الصوفية النقشبندية الخرافية، كالديوبندية التبليغية، لا ينتبه لهم إلا المتمكن من العقيدة السلفية، الحكيم المجرب العارف بواقع هذه الأمة عامةً وحقيقة القبورية خاصةً. 41 - لعلماء الحنفية جهود عظيمة لإبطال عقائد القبورية وقطع دابرهم وقلع شبهاتهم وقمع جموعهم وكسر جنودهم، ولهم في ذلك مؤلفات مفيدة نافعة كثيرة بلغاتٍ شتى، ولاسيما العربية والفارسية والأردية والأفغانية، مع ما في غالبها من العقائد الماتريدية، والأفكار الصوفية. فجزاهم لله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وسامحهم. 42 - وهذا دليل على أن أئمة السنة الذين ينبذهم القبورية بالوهابية ليسوا منفردين بالرد على القبورية، بل شاركهم في ذلك هؤلاء الأعلام من الحنفية. فلست وحيداً يا ابن حمقاء فانتبه ورائي جنودٌ كالسيولِ تدفق والله المستعان، وعليه التكلان،،،

حقيقة الإيمان بين غلو الخوارج وتفريط المرجئة

حقيقة الإيمان بين غلو الخوارج وتفريط المرجئة ¤عدنان عبدالقادر£بدون¥بدون¨بدون¢1398 - 1399هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إيمان - حقيقته وأصوله - شاملة ومنوعة الخاتمة: خلاصة موضوع الكتاب: أ- أن الإيمان يتكون من أربعة أركان: 1 - (الركن الأول) قول القلب: وهو معرفته وعلمه وتصديقه وضده الجحود والتكذيب والاستحلال. 2 - "الركن الثاني" عمل القلب: وهو الانقياد والالتزام القلبي والخضوع والحب وضده العناد والاستكبار والأعراض، وهذان هما أصل الإيمان الذي محله القلب، ويكفر العبد إذا انتقض أحدهما، ويخرج العبد من الكفر إلى الإسلام بالأصل القلبي إذا توفر شرط قبوله وهو (الركن الثالث). 3 - (الركن الثالث) التلفظ بالشهادتين: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (7/ 553): (عدم الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبي التام) ا. هـ. قال شيخ الإسلام (6/ 609): (أما الشهادتان إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين، وهو كافر باطناً وظاهراً عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير علمائها) ا. هـ. فبهذه الأركان الثلاثة يصح الإسلام. قال شيخ الإسلام (11/ 138): (قال أهل السنة: إن من ترك فروع الإيمان لا يكون كافراً، حتى يترك أصل الإيمان وهو الاعتقاد) ا. هـ. وقال في الصارم 3 (/966 - 967): (وكلام الله خبر وأمر، فالخبر يستوجب تصديق المخبر، والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام، وهو عمل في القلب، جماعة الخضوع والانقياد للأمر وأن لم يفعل المأمور به، فإن قوبل الخبر بالتصديق، والأمر بالانقياد (أي القلبي كما هو واضح من تفصيله)، فقد حصل أصل الإيمان في القلب وهو الطمأنينة والإقرار) اهـ. 4 - (الركن الرابع) عمل الجوارح: قال ابن القيم (عدة الصابرين 129): (هذه الأركان الأربعة هي أركان الإيمان التي قام عليها بناؤه) ا. هـ. ب- المؤمن هو الذي حقق الإيمان الواجب بتوفر أركانه الأربعة، أما إذا توفرت الأركان الثلاثة الأولى دون الرابع فإنه يسمى مسلماً، أو مؤمناً ناقص الإيمان ولا يسمى مؤمناً. فانقياد صاحب الإيمان الواجب ليس كانقياد صاحب الإيمان الناقص الضعيف، ولا خضوعه كخضوعه ولا حبه كحبه. فيمتنع صاحب الانقياد القلبي الواجب والحب والخضوع الواجب يمتنع أن لا يؤدي واجباً ظاهراً، فإن لم يؤد الواجبات الظاهرة، لم يكن مؤمناً بقلبه الإيمان الواجب. قال شيخ الإسلام (7/ 644): (وما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه) ا. هـ. وقال شيخ الإسلام (7/ 621): (أنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه (أي: الإيمان الواجب كما سيأتي تصريحه) ولم يؤد واجباً ظاهراً، ولا صلاة ولا زكاة ولا صياماً ولا غير ذلك من الواجبات، لا لأجل أن الله أوجبها، مثل أن يؤدي الأمانة أو يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله ورسوله، "دون توفر أصل الإيمان، وهو تصديق القلب مع انقياده" لم يخرج بذلك من الكفر، فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور (أي: ولا يرون الانقياد والإذعان لها، فعندهم تصديق وليس لديهم عمل القلب)، فلا يكون الرجل مؤمناً بالله ورسوله (الإيمان الواجب صرح بذلك في الجملة التي بعدها" مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن قال: بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات، سواء جعل فعل تلك الواجبات لازماً له، أو جزءاً منه، فهذا نزاع لفظي، كان مخطئاً بيناً، وهذه بدعة الإرجاء، التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف، والصلاة هي أعظمها وأعمها وأولها وأجلها) ا. هـ. ج- من لم تلفظ بالشهادتين فليس بمسلم، إذ يحكم بكفره ويتعامل معه معاملة الكفار. د- هناك من الأعمال ما يخرج صاحبها من الملة ومنها ما لا يخرجه منها: 1 - إذا كان العمل يضاد الإيمان فصاحبه كافر، كأن يصرح بالفكر، أو يسب الله تعالى أو النبي صلى الله عليه وسلم أو يهين المصحف أو يسجد لصنم. والضباط في العمل المضاد للإيمان المخرج من الملة أنه لا يختلف عليه عاقلان أنه مضاد للإيمان، كما قال الإمام أحمد: لا يختلف عليه. وكما قال ابن عبدالبر في التمهيد (17/ 21): (ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر، أو سنة ثابتة لا معارض لها) ا. هـ. 2 - عمل لا يضاد الإيمان، فلا يخرج صاحبه من الملة، كقتال المسلم، وإتيان الحائض، والانتساب إلى غير الأب والطعن في الأنساب. هـ- إذا تلفظ العبد بالشهادتين فيسمى مسلماً ولا يجوز تكفيره إلا إذا: 1 - قام بعمل مضاد للإيمان معلوم من الدين بالضرورة على كفره فالأصل أنه كافر. 2 - لم يثبت عند العقلاء أنه صدر عنه بإكراه، أو غضب مغلق، أو عن جهل أو غيرها من الأعذار الشرعية التي يرتفع عندها التكليف. لذا يحكم العلماء والقضاة بالردة دون العامة لئلا تعم الفوضى، فإذا قام بعمل مضاد للإيمان فيحكم بكفره ما لم يتوفر فيه أحد الأعذار الشرعية المذكورة أعلاه. قال شيخ الإسلام (7/ 557): (معنا أمران معلومان: أحدهما: معلوم بالاضطرار من الدين. الثاني: معلوم بالاضطرار من أنفسنا عند التأمل. أما الأول: فإننا نعلم أن من سب الله ورسوله طوعاً بغير كره، بل من تكلم بكلمات الكفر طائعاً غير مكره، ومن استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافر باطناً وظاهراً) ا. هـ. والظن بكفر عبد ما لا يستوجب عملاً بمقتضاه ولا يقتضي تكفيره: إذا ظن المسلم بآخر أنه كافر، فإنه لا يحق له أن يتعامل معه بمقتضى ظنه، إذ لا يجوز إخراج المسلم من الإسلام بالظن الغالب وإنما يخرجه باليقين، ولا عبرة بظنه الغالب، وإن استخدم الحذر فلا بأس بذلك. لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد عندما قتل رجلاً: (أقال لا إله إلا الله وقتلته؟ قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح. قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ)) ا. هـ. لذا إذا قال بعض العلماء عن قيام رجل بفعل ما (ما أظنه إلا أن يكون صادراً عن كفر قلبي) فلا يعتبر ذلك حكماً بالكفر عليه، ولا قيام جميع الأحكام الشرعية المتعلقة بالكفر والردة عليه فما هو إلا ظن كظن أسامة. ويقوي ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما غلب على ظنه نفاق حاطب بن أبي بلتعة المؤمن عندما شعر أنه خان النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك صادر عن كفر قلبي فقال صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك يا عمر؟ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). وكذلك مما يدل على خطأ الظن الغالب في الحكم بالكفر وعدم التعويل عليه ما حكم به أسيد بن حضير على سيد الخزرج سعد بن عبادة المؤمن. فقال له (إنك منافق تدافع عن المنافقين). حينما انتصر سعد بن عبادة لعبدالله بن أبي سلول المنافق في حادثة الإفك ودافع عنه فظن أسيد أن ذلك لا يصدر إلا عن نفاق قلبي بسعد

حقيقة التوحيد والفروق بين الربوبية والألوهية

حقيقة التوحيد والفروق بين الربوبية والألوهية ¤علي بن نفيع العلياني£بدون¥دار الوطن - الرياض¨الأولى¢1419هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶التوحيد - فضائله وأهميته وأقسامه الخاتمة: لقد من الله تبارك وتعالى بإتمام هذا البحث وفيه من النتائج ما يلي: 1) أن أظهر ما في القرآن الكريم دلائل التوحيد وبراهينه. 2) أن القرآن جاء بأساليب كثيرة وعظيمة لتحقيق التوحيد وإبطال الشرك كأساليب الحصر في قصر العبادة على الله تبارك وتعالى ونفي الشرك عن الله وحصر الكمال المطلق الذي هو موجب العبادة في الله وبيان ما يدل على نقص وعجز المعبودات من دون الله مما يبطل عبادتها. 3) أن دين الأنبياء جميعاً واحد: وهو التوحيد وإن اختلفت شرائعهم. 4) أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد بعثته قضى حياته كلها في التوحيد عملاً وتعليماً وجهاداً. 5) أنه صلى الله عليه وسلم قد علم الأمة براهين عظيمة ودلائل قويمة توجب إفراد الله بالعبادة وتنفي عنه الشرك. 6) أنه صلى الله عليه وسلم ربط المسلمين بالتوحيد في كل شؤونهم في صلاتهم وحجهم وأدعيتهم وإقامتهم وسفرهم وفي كل أحوالهم وأنه يقرن لهم بين أنواع التوحيد في جل الأدعية التي يعلمها لهم. 7) أن الرسول صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد من كل ما يخدش فيه، وسد المنافذ الموصلة للشرك. 8) أن إثبات حقائق الأسماء والصفات لله تبارك وتعالى وتنزيهها عن التمثيل والتعطيل إنما هو إثبات لحقيقة التوحيد. 9) أن السلف الصالح فهموا التوحيد فهماً صحيحاً ودخلت بشاشته قلوبهم فساروا على هدى المصطفى صلى الله عليه وسلم في التوحيد علماً وعملاً وجهاداً. 10) أن أقسام التوحيد مأخوذة من الكتاب والسنة. 11) أن أقسام التوحيد تختلف معانيها بحسب الانفراد والاقتران. 12) أن أهل التلبيس يقاومون صفاء التوحيد باسم التوحيد إمعاناً في الكذب والضلال. 13) اجتماع متعصبة الصوفية والشيعة والمرجئة وأهل الكلام للتشويش على الدعوة إلى تصحيح التوحيد أمر يحتاج إلى جهد عظيم لكشف تلبيسهم وإيضاح الحق للناس من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح

حقيقة الكفر بالطاغوت وعلاقته بالإيمان بالله

حقيقة الكفر بالطاغوت وعلاقته بالإيمان بالله ¤علي بن نفيع العلياني£بدون¥دار التربية والتراث¨الأولى¢1416هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶طاغوت الخاتمة: وفيها أهم النتائج: 1 - إن العلم بحقائق المسميات العقدية شرط في صحة العمل بها. 2 - إن الجاهل بحقائق المسميات العقدية يفوته الحق حتى ولو رغب فيه. 3 - كثرة النصوص الشرعية المبينة لفضل العلم ومكانته خاصة بحقائق المسميات العقدية. 4 - إن الخير مرتبط بالفقه في الدين {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين}. 5 - إن سبب الانحراف في الأمم إما الجهل بالحق أو الرغبة فيه. 6 - إن الرعيل الأول ساروا على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في العلم والعمل، وأزالوا كل لبس أحدث حول الحقائق العقدية. 7 - إن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله وأن للطواغيت رؤوساً شرهم عظيم وخطرهم جسيم. 8 - إن عبادة المشركين للملائكة والأنبياء والصالحين لا ينقص من قدرهم ولا يضرهم عند الله تبارك وتعالى، وعبادة المشركين إنما تقع في الحقيقة على الشيطان الآخر بها. 9 - إن اختلاف تفاسير السلف للحقائق الشرعية إنما هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد. 10 - إن الحقائق الشرعية يكفي فيها بيان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. 11 - إن الكفر بالطاغوت يعني البراءة منه وبغضه وعداوته وإنكار عبادته وعدم طاعته. 12 - إن الكفر لابد أن يكون بالقلب واللسان والجوارح. 13 - إن الأنبياء جميعاً قد بينوا كيفية الكفر بالطاغوت وأمروا باجتناب عبادة الطواغيت. 14 - كثرة النصوص الشرعية المنفرة من عبادة الطاغوت بأساليب متنوعة. 15 - إن تشريع جهاد الكفار من أعظم ما يبين معنى الكفر بالطاغوت. 16 - إن الكفر بالطاغوت من أعظم أركان الإيمان. 17 - إن الإيمان بالله والإيمان بالطاغوت لا يجتمعان في قلب عبدا أبداً. 18 - إن أصل الإيمان أعمال القلوب، فكذلك الكفر بالطاغوت بالقلب أصل عظيم فيه. 19 - إن شروط قبول لا إله إلا الله من قائلها من أعظم ما يبين العلاقة بين الإيمان بالله والكفر بالطاغوت. 20 - كثرة الأساليب القرآنية المبينة لعلاقة الإيمان بالكفر بالطاغوت، وكذلك الأحاديث النبوية ولكن لا يعقلها إلا العالمون.

حقيقة شهادة أن محمدا رسول الله

حقيقة شهادة أن محمدا رسول الله ¤عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ£بدون¥رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء - الرياض¨الأولى¢1423هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶شهادتان الخاتمة وفي الختام هذه الرسالة أوصي نفسي وسائر إخواني المسلمين بتقوى الله في السر والعلن، والتحقيق في ذلك، وأن يكون ديدن الجميع طلب الحق والعمل به، وأوصي إ خواني المسلمين جميعاً بالتفقه في الدين، وطلب العلم؛ ليعبدوا الله على بصيرة، ولينالوا الخيرية، يقول صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)). فعليكم إخواني بالتفقه في دينكم، وتعلم العلم الشرعي المتين، المبني على الكتاب والسنة، وفهم السلف الصالح، وألا تقدموا على أمر إلا بعلم، ولا تحجموا عنه إلا بعلم، ومتى إلا بعلم، ومتى أشكل عليكم الأمر، واشتبهت عليكم الطرق؛ فعليكم بسؤال أهل العلم المعروفين باتباع الحق والعمل به؛ امتثالاً لأمر ربكم عز وجل، حيث يقول سبحانه: { ...... فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}. كما أوصي إخواني من العلماء وطلاب العلم أن يتقوا الله فيما علموا، وأن يبينوا للناس ما خفي عليهم من أمر دينهم، وأن يجتهدوا في طلب الحق بدلائله من الكتاب والسنة، وفق فهم السلف الصالح، وينشروا ذلك بين الناس، فإن الله قد أخذ على أهل العلم الميثاق على أن يبينوا للناس ماعلموا مما يحتاجون إليه، وحذر من اتباع سبيل من كتمه واشترى به ثمناً قليلاَ، فقال سبحانه: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه ورآء ظهورهم واشتروا به ثمناُ قليلاَ فبئس ما يشترون}. وقال سبحانه في شأن من لم يرفع بالعلم رأساً: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فنسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}. وأنتم يا علماء الإسلام ورثة الأنبياء، وخلفاؤهم في تبليغ رسالة الله ((وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)). ولايصدنكم عن الحق وبيانه كثرة من ضل، فإن الكثرة لا تدل على أن الحق في جانبهم، بل إن الله قد ذم الكثرة في مواضع: منها: قوله تعالى: {فمنهم مهتدٍ وكثيرٌُُ منهم فاسقون}، وقوله: {وإن كثيراً من الناس لفاسقون}، وقوله عز وجل: {وإن كثيراَ ليضلون بأهوائهم بغيرعلم}. كما أن القلة لا تعني أن الحق ليس معهم، فإن الله قد أثنى على القلة في مواضع: فقال: {وقليل من عبادي الشكور}، وقال سبحانه: {إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ... } وغير ذلك من الآيات. فعلم بهذا: أن العبرة إنما هي بالحق وإن كنت وحدك، كما قال بعض السلف. وكذلك أيضاً يجب على العالم ألا ينساق لما اعتاده الناس، وجروا عليه مما يخالف الشرع، بل عليه البلاغ والبيان، وإن رفضه الناس، والله سبحانه يقول: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}. ووصية أخيرة لحكام المسلمين وولاة أمورهم وأمرائهم: بأن ينصحوا لرعاياهم ومن تحت أيديهم، وأن يسعوا في رفع البدع والضلالات عن بلدانهم، فإن الله سائلهم عن ذلك كله، يقول صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)). نسأل الله سبحانه: أن يفتح على قلوب الجميع، وأن يرزقنا جميعاً الصلاح والهداية وحب هذا الدين، والعمل على نشره وتوعية الناس به. كماأسأله سبحانه: أن يوفق ولاة أمور المسلمين للحكم بشريعته والعمل بما يرضيه، وأن يرزقهم البطانة الصالحة ويسددهم في القول والعمل، وأن يغفر لنا جميعاً ويتجاوز عن تقصيرنا وخطايانا، ويلهمنا الصواب ويوفقنا للعمل به، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعه وسار على نهجه إلى يوم الدين.

دراسات في أهل البيت النبوي

دراسات في أهل البيت النبوي ¤خالد بن أحمد بابطين£بدون¥مكتبة الأسدي – مكة المكرمة¨الأولى¢1430هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶آل البيت - حقوقهم وفضلهم الخاتمة وفيها أبرز نتائج المباحث والدراسات: في نهاية المطاف، وبعد هذا المشوار الطويل نصل إلى ذكر أبرز النتائج المتعلقة بالبحث والدراسات، هي بمثابة خلاصات علمية: 1 - تبين من خلال الدراسات أهمية هذا الموضوع (مناقب وفضائل أهل البيت، ما لهم وما عليهم)، وضرورة عرضه ومناقشته وفق ضوابط أهل السنة والجماعة، من غير غلو ولا جفاء. 2 - نسب قرابة النبي صلى الله عليه وسلم (بني هاشم) أشرف الأنساب، وأعظمهم محتدا، وأنبلهم أرومة. 3 - لا يقال بتفضيل بني هاشم مطلقاً، وإنما مع وجود الإيمان والتقوى والعمل الصالح، فصاحب الإيمان والتقوى من غير بني هاشم أقرب إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب إليهما من الهاشمي الذي لم يتصف بهذا الوصف؛ لأن الفضيلة والنسب فضيلة جملة، وفضيلة لأجل المظنة والسبب، والفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية. 4 - أقارب النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم آله فيهم المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والسني، والبدعي. 5 - الناس منقسمون في محبة أهل البيت ثلاثة أقسام: (غلاة – جفاة – وسط). 6 - أهل السنة والجماعة أسعد الناس بموالاة أهل البيت، فهم يعرفون فيهم وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليهم، ويعتبرون محبتهم واجبة محتمة على كل فرد من أفراد الأمة. 7 - أهل السنة والجماعة يوجبون محبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعلون ذلك من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم جميعاً، لا كالرافضة الذين يتولون البعض، ويفسقون البعض الآخر. 8 - أهل السنة والجماعة يعرفون ما يجب لأهل عترة النبي صلى الله عليه وسلم من الحقوق: فإن الله جعل لهم حقا في الخمس والفيء وأمر بالصلاة عليهم تبعا للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. 9 - أهل السنة والجماعة لا يخرجون في وصف آل البيت عن المشروع، فلا يغالون في أوصافهم، ولا يعتقدون عصمتهم، بل يعتقدون أنهم بشر تقع منهم الذنوب كما تقع من غيرهم، وهذه مسألة زلت فيها أقدام وأقلام كثير من الناس. 10 - كل هاشمي سيد شريف، وجميعهم آل النبي صلى الله عليه وسلم، سواء أكان علويا – من ذرية علي بن أبي طالب ولو لم يكن من فاطمة -، أو فاطميا، أم جعفريا، أم عقيلياً، أم عباسياً، فالكل منطبق عليه هذا الوصف. 11 - الصدقة الواجبة حرام على جميع بني هاشم؛ فإنها أوساخ أموال الناس. 12 - كثرة الكتب المؤلفة في فضائل أهل البيت النبوي، وهي على أنواع: فمنها من يتكلم في فضائلهم ومناقبهم. ومنها ما يتناول أنسابهم والتعريف بهم، وذكر أصولهم وفروعهم، وهي متنوعة حسب الأماكن التي سكنوها، فمنها ما يذكر أنساب أشراف مكة، وأخرى تذكر أنساب أشراف المدينة، وثالثة تعرف بأنساب أشراف اليمن وحضرموت، ورابعة تتناول أشراف المغرب العربي ... وهكذا. وهي مع هذا متعددة. فمنها (النسب الحسني والحسيني – والنسب الجعفري – والنسب العلوي – والنسب الفاطمي – وأنساب الأدارسة – والنسب العباسي – وأنساب السادة). ومنها ما يهتم بتاريخهم وسيرهم الذاتية، فهي عبارة عن سرد تاريخي لحياتهم. ومنها ما عالج ما حصل عليهم من المحن والقتل والتشريد؛ خصوصاً تفاصيل مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما. ومنها ما يهتم بالنقباء من الأشراف فقط دون غيرهم.

دعوة إلى السنة في تطبيق السنة منهجا وأسلوبا

دعوة إلى السنة في تطبيق السنة منهجا وأسلوبا ¤عبدالله بن ضيف الله الرحيلي£بدون¥بدون¨الثانية¢1419هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶حث على اتباع السنة وبعد - وقد انتهى الموضوع - فلعل من المناسب هنا التأكيد على الغاية من هذا العرض له، والسمة التي حرص على أن يكون عليها هذا العرض. غاية أخرى فهي ساقطة من الحساب - يعلم الله - ولا باقي إلا الباقي سبحانه وما تعلق به. وأما السمة فهي ما رآه القارئ الكريم، من بعد عن التسميات للأشخاص والهيئات، وإنما هو تتبع الأخطاء مجردة عن أصحابها؛ لأن الغاية النصيحة لا الفضيحة، والغاية إسقاط الخطأ، لا إسقاط المخطئ، ونعوذ بالله أن يكون في نفوسنا حقد أو حسد لأحد من المسلمين. على أن بعض الأخطاء تكشف صاحبها شئنا أم أبينا، ولا بد من ذكرها ومعالجتها على أساس الاعتراف بها أنها أخطاء ومشكلات تنتظر الحل وإعادة النظر؛ فحينئذ نكون مضطرين معذورين، إن شاء الله تعالى، وعذرنا- إضافة إلى ذلك هو أننا ليس في غايتنا شيء آخر غير النصح والإصلاح؛ فالمرجو أن لا يعادينا - والحالة هذه - من فيه صلاح. وأعتذر للأخ القارئ إن زل القلم أو ند اللسان بنوع إساءة، فإنما أردت الخير. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

دليل الفطرة والميثاق

دليل الفطرة والميثاق ¤مدحت بن الحسن آل فراح£بدون¥بدون¨الأولى¢1427هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶فطرة - أعمال شاملة الخاتمة لقد تبين لنا من خلال ثنايا هذه الرسالة المباركة – إن شاء الله تعالى – أن معنى الفطرة المجمع عليه من أصحاب الثلاثة القرون الأولى، قرون الاتباع هو: معرفة الله سبحانه وحبه وتأليهه مع البراءة من كل معبود سواه، وعلى هذا القدر تماما أخذ العهد والميثاق، ومن ثم أصبح رصيد الفطرة برهانا فاصلا بين النبيين والمتنبئين، وبين أصحاب الرسالات وأدعيائها. وقبل أن نغمد القلم في غماده أريد أن أذكر الدعاة والمربين وعموم المسلمين برصيد الفطر الهائل والكامن في نفوس المسلمين والكافرين كذلك، ولكن كل بحسبه هذا الرصيد الذي لا يزال من أعظم الزاد الذي رصده الله سبحانه لرسله وأوليائه ليواجهوا به هجمات الباطل الشرسه التي لم ولن تنقطع مادام التكليف قائما وحتى يصمدوا في وجه الفئة الضالة الطاغية الباغية التي تأبى للبشرية والخليقة إلا الانحراف الصارخ عن المراد من علة الخلق والتكليف. ومن هنا ندرك أن الكفار مهما بلغوا من إحداث أسلحة فتاكة يرهبون بها أولياء الله وحزبه، إلا أنهم يسبحون بها ضد تيار الفطرة. ذلك الرصيد الضخم الذي يستطيع الصمود بقوة، والوقوف بحزم أمام تلك الأسلحة المدمرة ليدكها على رؤوس أهلها. فرصيد الفطرة هو جند من جنود الله سبحانه وصدق الله {وما يعلم جنود ربك إلا هو} وهو الشاهد الأول في نفوس الخلائق على صدق النبوات وعدالة الرسالات وأن الدين عند الله الإسلام وأن الجهاد دونه حرب مقدسة وأن الوقوف أمامه أمر غير مشروع. وبهذا نعلم أن الساعة لن تقوم إلا على نصرة هذا الدين وظهوره وبلوغه مبلغ الليل والنهار. لأنه الدين الذي فطرت عليه الخلائق بل ولا تزال تفطر عليه إلى قيام الساعة. قال الله تعالى {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة) وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي مبلغا فيه عن ربه سبحانه: (إني خلقت عبادي حنفاء) والآن أودعك أخي القارئ مؤقتا على أمل اللقاء بك إن شاء الله في الرسالة الثانية: (دليل العقل والآيات الكونية). هذا والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله، وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ¤محمد بن خليفة التميمي£بدون¥أضواء السلف - الرياض¨الأولى¢1422هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶رؤية النبي ربه الخاتمة: بعد هذا العرض لمسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه، ولبعض المسائل المتعلقة بها أعرض أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث فأقول: أولاً: بالنسبة لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج: فإن الأدلة التي استعرضناها في المبحث الخاص بهذه المسألة ليست قاطعة وغالبها مبني على الاجتهاد مما يصعب مهمة الترجيح بينها، لكن الذي تطمئن إليه النفس هو ترجيح مذهب من جمع بين أقوال الصحابة ومن بعدهم من نفي وقوع الرؤية البصرية، وأن الرؤية التي أثبتها بعضهم إنما المراد بها الرؤية القلبية، وهو مذهب جماعة من المحققين على رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وابن كثير وابن حجر – رحمهم الله جميعا – وغيرهم. ثانياً: أما بالنسبة لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في المنام: فإن هذه المسألة متفق على وقوعها له صلى الله عليه وسلم وجواز وقوعها لغيره من البشر ولم يقع نزاع في ذلك بين أهل السنة والجماعة. ثالثاً: أما الرؤية العيانية في الدنيا: فقد اتفق أهل السنة والجماعة على عدم وقوعها لأحد لا للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لغيره، وأن كل الأحاديث التي تروى في هذه المسألة فهي موضوعة لا يصح منها شيء. وكل ما يدعيه الصوفية خاصة، ومن نحا نحوهم من رؤيتهم الله – تبارك وتعالى – عياناً في هذه الدنيا فإنه كذب محض ولا أساس له من الصحة. فإن هذا مما وقع الاتفاق على عدم وقوعه لأحد كما سبق. وفي الختام فهذا جهدي أقدمه لإخواني القراء، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمني وأستغفر الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه

زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه ¤عبدالرزاق بن عبدالمحسن العباد البدر£بدون¥دار القلم والكتاب¨الأولى¢1416هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إيمان - حقيقته وأصوله - شاملة ومنوعة الخاتمة الحمد لله أولاً وآخراً والشكر له ظاهراً وباطناً. وبعد: فقد تم في هذا البحث – بتوفيق من الله وامتنان وفضل منه وإحسان – حديث مفصل عن مسألتين عظيمتين من مسائل الإيمان المهمة: الأولى: عن زيادة الإيمان ونقصانه، والثانية: عن حكم الاستثناء فيه، وإني لأرجو الله الكريم أن يجعل هذا الجهد مباركاً مقبولاً عنده، نافعاً للعباد وافياً بالمراد، وأن يغفر لي ما وقع فيه من خطأ وزلل إنه جواد كريم غفور رحيم. وفي نهاية هذا البحث وختامه أجمل باختصار أهم نتائجه وأبرزها في النقاط التالية: إن الإيمان عند أهل السنة والجماعة بإجماعهم قول وعمل يزيد وينقص، ولهم على ذلك أدلة كثيرة لا تحصى من الكتاب والسنة، وقد أتى هذا البحث على جملة مباركة منها موضحة مبينة، وللسلف في تقرير ذلك أقوال كثيرة جداً يؤصلون فيها هذه العقيدة الراسخة الصحيحة، ويردون بها على الأقوال المحدثة المبتدعة المخالفة لذلك من أقوال المرجئة وغيرهم. ثم إن زيادة الإيمان ونقصانه عند أهل السنة تكون من أوجه عديدة ذكر في هذا البحث تسعة منها، وهي في الجملة ترجع إلى وجهين اثنين هما: أن الإيمان يتفاضل من جهة أمر الرب ومن جهة فعل العبد، وهذا من الأصول المتقررة عند أهل السنة والجماعة وليس أحد من الفرق والطوائف يوافقهم في ذلك، لأن منهم من يرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص من أي وجه، ومنهم من يرى إنه يزيد وينقص من وجه دون وجه وليس أحد يرى أنه يزيد وينقص من جميع هذه الوجوه غير أهل السنة والجماعة. وللإيمان أسباب كثيرة متنوعة تزيده وتنميه، وأسباب أخرى متنوعة تضعفه وتنقصه وهي تعلم بالتدبر والتأمل للكتاب والسنة. وتحقيق الإيمان وتقويته إنما يكون بمعرفة هذه الأسباب وفهمها ثم بالقيام بأسباب الزيادة والبعد عن أسباب النقص. ومن أسباب زيادته العلم النافع، وتدبر القرآن الكريم، ومعرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، وتأمل محاسن ديننا الحنيف، وسيرة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وسير أصحابه، والتأمل والنظر في كون الله الفسيح وما فيه من دلالات باهرة وحجج ظاهرة، والقيام بطاعة الله عز وجل على الوجه المطلوب، فهذه من أنفع الأمور المقوية للإيمان والجالبة له. ومن أسباب نقصه وضعفه الجهل بدين الله والغفلة والإعراض والنسيان وفعل المعاصي، وارتكاب الذنوب، وطاعة النفس الأمّارة بالسوء، ومقارنة أهل الفسق والفجور، وأتباع الهوى والشيطان، والاغترار بالدنيا والافتتان بها، فهذه الأمور من أشد الأسباب المنقصة للإيمان والمضعفة له. ثم إن الإسلام عند أهل السنة يزيد وينقص ويقوى ويضعف كالإيمان سواء لأن الإسلام عندهم شامل للطاعات كلها، وتفاضل الناس في القيام بأعمال الإسلام وتفاوتهم في ذلك أمر معلوم متقرر، إلا إن قصد بالإسلام الكلمة كما ذهب إلى ذلك بعض السلف فالكلمة لا تزيد ولا تنقص. ثم إنه قد جاء عن الإمام مالك رحمه الله في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه روايتان إحداهما: أن الإيمان يزيد وتوقف في النقصان، لأنه لم يجد نصاً صريحاً في القرآن يدل على النقصان، ثم تبين له بعد أن الإيمان ينقص كما أنه يزيد فقال به، وهذه هي الرواية الأخرى، وقد جاءت عنه من طرق عديدة عن غير واحد من أصحابه. وجاء عن بعض الأشاعرة والغسانية والنجارية والإباضية ونسب إلى أبي حنيفة أن الإيمان يزيد ولا ينقص، واحتجوا لذلك ببعض الشبه الواهية والحجة الضعيفة وقد تم إيرادها وبيان بطلانها في هذا البحث بتوفيق الله.

وقد ذهبت طوائف أخرى كثيرة من أهل الكلام والإرجاء والتجهم من الجهمية والمعتزلة والخوارج والأشاعرة والماتريدية وغيرهم إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وقولهم هذا باطل شرعاً معلوم الفساد بالاضطرار من دين الله وليس عليه دليل لا من كتاب ولا سنة ولا عقل، بل إن صريح الكتاب وصحيح السنة والعقل بخلافه وعلى الضد له تماماً. ثم وإن كان من القائلين بهذا القول الإمام أبو حنيفة رحمه الله، فإن هذا لا يسوغ هذه العقيدة، بل إنه يعد هفوة منه رحمه الله وزلة قدم يرجى أن تغتفر في بحر علمه وفضله ولاسيما وقد جاء عنه ما يشعر برجوعه عن هذا القول وهو الحري به غفر الله له، ولهذا لا يجوز متابعته في ذلك لأن أقوال العلماء – كما هو متقرر – لا يحتج بها على الأدلة الشرعية بل يحتج لها بالأدلة الشرعية، فما كان منها مخالفاً لما جاء في الشرع طرح جانباً وتمسك فيما جاء بالشرع فقط وهذا أمر أوصى به الأئمة جميعهم أبو حنيفة وغيره. ولئن كان بعض الأحناف غلا في متابعة أبي حنيفة في غلطه هذا وتعصب له فيه تعصباً مقيتاً، فإن من الأحناف من اعتدل في الأمر ووزن الأمور بميزان الشرع فترحم على أبي حنيفة وترك متابعته في خطئه، وعد متابعته في ذلك من سنن العوام. لكن من العجيب حقاً أن بعض الذاهبين لهذا القول والمتعصبين له، لم يرعوا عن أمور ذميمة وخلال قبيحة، ركبوها تحسيناً منهم لباطلهم وترويجاً له، فكذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أحاديث كثيرة، وحرفوا نصوصاً شرعية عديدة بتأويلاتٍ مستكرهة بعيدة عن اللغة والشرع معاً، وضللوا وكفروا وبدَّعوا أهل الحق والاستقامة، فهؤلاء لا حيلة فيهم إلا كشف باطلهم وتعرية ضلالهم وفضحهم على رؤوس الأشهاد، ولهذا كانت مواقف علماء الإسلام وأئمة السنة من مثل هؤلاء قوية صارمة تتسم بالحزم وعدم التساهل، فأوصوا بهجرهم والبعد عنهم والحذر من باطلهم، صيانة للعقيدة، وحفاظاً على السنة. بينما نبتت في عصورنا المتأخرة وأزماننا الحاضرة مواقف مهزوزة وأراء مهلهلة، تدعو إلى السكوت عن هؤلاء وعدم كشف باطلهم للتفرغ فقط للعدو الخارجي لدعوته أو صد عدوانه، فنجم عن هذه المواقف أن رفع أهل الباطل عقيرتهم، وأظهروا بدعهم، ونادوا بها في كل مجلس وناد، فاختلطت الأمور وتغيرت المفاهيم، وبات المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وصارت البدعة سنة والسنة بدعة، فضاع لكثير من المسلمين رأس مالهم وسبيل نجاتهم فضلاً عن أن تتحقق الأرباح لهم. بل وادعى بعض أهل هذه المواقف أن عقائد المرجئة والمعتزلة والجهمية وغيرهم ماتت وانقرضت ولم تعد موجودة في هذا الزمان، والحق أن هذا القول يعد تلبيساً من قائله وتعمية منه عن الأمور البادية لكل مبصر، والظاهرة لكل متبصر، بل إن أهل هذه الأهواء في زماننا هذا – ولست مبالغاً في ذلك – أكثر منهم عن ذي قبل، فالبدع الأولى لا زالت موروثة، والضلالات القديمة لا زالت محروثة، غير أنه أضيف إليها في هذا الزمان أنواع أخرى من البدع والمحدثات، والله المستعان. ثم إني قد أوضحت في هذا البحث نشوء الخلاف في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه، وقررت أن الخلاف الذي حصل فيها حقيقي جوهري، وليس لفظياً صورياً فقط، لأن قول المخالفين في هذه المسألة مضاد تماماً لقول أهل السنة والجماعة المستمد من الكتاب والسنة، إضافة إلى ما جره قولهم من بدع عديدة وضلالات متنوعة.

ومن بدع هؤلاء تحريمهم الاستثناء في الإيمان ووصفهم المستثنى في إيمانه بأنه شاك، حتى غلا بعضهم في ذلك فمنع من تزويج أو أكل ذبيحة من يستثني في إيمانه، رغم أن الاستثناء في الإيمان من معتقد أهل السنة والجماعة، المدعم بالأدلة النقلية الصحيحة، دون أن يكون مقتضياً للشك أو الريب كما يدعيه هؤلاء، بل إن الأمر في ذلك عائد إلى مقصود قائله، فإن قصد بقوله أنا مؤمن الشك في أصل الإيمان يكون عندئذ شاكّاً في إيمانه. أما السلف فمقصودهم بالاستثناء هو البعد عن تزكية النفس، والخوف من عدم قبول الأعمال، وبعداً عن ادعاء القيام بالأعمال كلها، دون شك منهم في أصل الإيمان وأساسه، وحاشاهم ذلك. ولهذا جاء عن بعض السلف إطلاق القول، أنا مؤمن دون تقييد لذلك بالاستثناء، ومقصودهم بذلك أصل الإيمان، لأنه إذا قصد بأنا مؤمن أصل الإيمان فلا استثناء في ذلك، وإن قصد تمامه وكماله فلا بد من الاستثناء. لكن لما كان مقصود القائل لا يظهر إلا بقرينة تدل عليه صار متعيناً على كل أحد إذا قال أنا مؤمن أن يستثني، إلا إذا أظهر من كلامه ما يدل على إرادته أصل الإيمان، ليجانب بذلك تزكية نفسه وادعاء كمالها، لهذا كره الإمام أحمد رحمه الله إطلاق هذه الكلمة دون تقييد لها بالاستثناء. أما قول أنا مسلم فالمشهور عن أهل الحديث هو عدم الاستثناء فيه، لأنه لما كان كل من أتى بالشهادتين صار مسلماً متميزاً عن أهل الكفر تجري عليه أحكام الإسلام التي تجري على المسلمين، كان هذا مما يجزم به بلا استثناء فيه. وقد خالف السلف في مسألة الاستثناء في إيمان طائفتين: ذهبت إحداهما إلى إيجاب الاستثناء في الإيمان لأجل الموافاة، حيث إن قائل هذه الكلمة لا يعلم هل يوافي ربه بإيمانه، فيدوم عليه إلى أن يموت أولاً؟ لهذا أوجب هؤلاء الاستثناء في الإيمان، ومأخذهم هذا في الاستثناء لا يعلم عن أحد من أهل السنة والجماعة، كما جزم بذلك شيخ الإسلام رحمه الله. أما الطائفة الأخرى فذهبت إلى تحريم الاستثناء مطلقاً لما يقتضيه في نظرهم من الشك في الإيمان. ثم إن السلامة إنما تتحقق بالبعد عن أهل الأهواء والبدع، وبمتابعة أهل السنة والجماعة، فهم دائماً أسعد الناس بالدليل وأحظى بالحق والسبيل، فالسلامة معهم وكذا العلم والإيمان، جعلنا الله من أتباعهم، وحشرنا في زمرتهم، وجنبنا الأهواء المضلة والفتن المطغية، إنه سميع الدعاء. فهذه بعض المعالم الرئيسة، والنقاط البارزة في هذا البحث، وإني في الختام لأستغفر الله من كل ذنب زلت به القدم، أو زلل طغى به القلم والحمد لله رب العالمين، وصلاة الله وسلامه الأتمَّان الأكملان على نبيِّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شبهات التكفير

شبهات التكفير ¤عمر بن عبدالعزيز قريشي£بدون¥مكتبة التربية الإسلامية لإحياء التراث الإسلامي¨الأولى¢1411هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶التكفير - ضوابط وشروط الخاتمة: أولاً: النتائج: فهذا بحثي أضعه بين أيديكم بعد أن بذلت قصارى جهدي، ولقد توصلت فيه إلى نتائج منها: 1 - أن فكر التكفير وشبهاته لها جذورها القديمة من يوم أن ظهرت الفرق، والفتن وساعدت على ظهورها في الحديث الظروف التي يمر بها العالم الإسلامي. 2 - وظاهرة التكفير ليست وليدة سبب واحد، بل هي وليدة أسباب متعددة متنوعة وليس من الإنصاف للحقائق أن نركز على سبب واحد ونغض الطرف عن الأسباب الأخرى أو أن نركز على جهة معينة ونغض الطرف عما سواها. فالأسباب متشابكة ومتداخلة، وكلها تعمل بأقدار متفاوتة، مؤثرة آثاراً مختلفة، قد يقوى أثرها في شخص ويضعف في آخر، ولكنها جميعاً لها في النهاية أثرها الذي لا يجحد. والظاهرة التي بين أيدينا ظاهرة مركبة، معقدة، وأسبابها كثيرة ومتنوعة ومتداخلة بعضها قريب، وبعضها بعيد، بعضها مباشر، وبعضها غير مباشر، بعضها مائل للعين، طاف على السطح، وبعضها غائص في الأعماق. ومن هذه الأسباب ما هو ديني، وما هو سياسي، منها ما هو اجتماعي، وما هو اقتصادي، ومنها ما هو نفسي، وما هو فكري، وما هو خليط من هذا كله أو بعضه. قد يكمن سبب هذه الظاهرة في داخل الشخص المتطرف نفسه، وقد يكون السبب أو بعضه عند البحث داخل أسرته، عند أبويه وإخوته وعلاقاته بهم وعلاقتهم بعضهم ببعض. وقد يرجع السبب عند التحليل والتعمق إلى المجتمع ذاته، وما يحمل في طيه من تناقضات صارخة: بين العقيدة والسلوك .. بين الواجب والواقع .. بين الدين والسياسية .. بين القول والعمل .. بين الآمال والمنجزات .. بين ما شرعه الله وما وضع البشر. ومثل هذه المتناقضات إن احتملها الشيوخ لا يحتملها الشباب، وإن احتملها بعضهم لا يحتملها كلهم، وإن احتملوها بعض الوقت، لن يحتملوها كل الوقت. وقد يعود السبب إلى فساد الحكم، أو اتباع أهواء بطانة السوء في الداخل، والحاقدين على الإسلام في الخارج، مما جعل القرآن والسلطان أو الدين والدولة في خطين لا يلتقيان. وقد يعود إلى الدور الذي تقوم به أجهزة الإعلام مبنياً على الشطط والبعد عن الدين والحياء والفحش الذي يصل إلى حد التبجح. كما قد يرجع إلى أسباب أخرى أو إلى ذلك كله. 3 - الإيمان إقرار بالجنان، وتلفظ باللسان، وعمل بالأركان، والأخير شرط كمال وليس شرط صحة يحكم للفرد بالإسلام بمجرد التلفظ بالشهادتين، وهذا الحكم فيما عند الناس من حيث الظاهر، وأما عند الله فهو أعلم، فلنا الظاهر والله يتولى السرائر. 4 - القول بالعذر بالجهل في المسائل النظرية والعلمية، وكذلك العذر بالخطأ في التأويل، والعذر بالإكراه، قولاً واحداً، وإن كان من درس نتعلمه من "العذر" فليكن الرفق بالخلائق، والأخذ بأيديهم إلى النجاة، والتفاني في دعوتهم. 5 - وأن مفهوم الجماعة هو جماعة المسلمين بأل الجنس، أي كل المسلمين، وليست جماعة مسلمة بعينها، هنا أو هناك. وأن البيعة لا تكون لكيان مستضعف، وإنما هي لخليفة الله ورسوله في الأرض. 6 - ومفهوم الهجرة لا يكون باعتزال الناس ودار الإسلام لا تنقلب دار كفر. كما لا يجوز تجزئة الدين بعد تمامه، والأخذ بالمرحلية. ولا يجوز اعتزال المساجد بحجة جاهلية المجتمع. كذلك لا يجوز فهم الأمية بمعنى الجهل واعتزال التعليم.

7 - بطلان ما ذهبت إليه فرقة التكفير في منهجها، ومخالفتها بذلك منهج السلف الصالح، وخروجها عن إجماع الأمة. ومما يدل على فساد منهجها ما حل بها من فرقة وهزيمة، وما وقع بين أفرادها من اضطراب وتناقض، كما أن الكثير منهم قد رجع عن هذا الفكر وعدل عنه، بل رد عليه بردود قاطعة. ثانياً: وبعد أن عرفنا الأسباب يجب أن نؤكد أن العلاج لا ينفصل عن الأسباب، فإذا كانت الأسباب – كما بينا – متعددة ومتنوعة، فلابد أن يكون العلاج متعدداً ومتنوعاً. ولا يتصور أن لمسة سحرية تعالج التطرف، وتعيد المتطرفين إلى خط الاعتدال فإن الأمراض التي تتعلق بأنفس البشر وعقولهم أعمق وأعقد من أن تعالج بهذه السهولة وإذا كان من الأسباب ما هو فكري، وما هو نفسي، وما هو اجتماعي، وما هو سياسي، فإن العلاج ينبغي أن يكون كذلك، فكرياً وسياسياً ونفسياً واجتماعياً، وأن يكون كذلك كله من منطق الإسلام ومعطياته، وفي ضوء الإسلام، إن الظاهرة في أساسها دينية، فلا يمكن إعفاء الشباب من المسئولية، وتحمل نتيجة أخطائهم. كما لا يجوز أن نحملهم وحدهم عبء المسئولية، ونعفي المجتمع والحكم وأجهزته المختلفة، خصوصاً المسئولين عن التربية والتوجيه والإعلام، بل على المجتمع دوره، وعلى الشباب دورهم. ويبدو "دور المجتمع" من نقطة مهمة هي أن يعترف هذا المجتمع بانتمائه للإسلام وما يقتضيه هذا الإسلام من التزام وسلوك فالإسلام ليس مجرد دعوى تدعى ولا شعاراً يرفع، ولا مجرد نص في الدستور، ثم تسير سفينة الحياة بعد في خط يجافي الإسلام. إن الإسلام. منهج متكامل للحياة، يصبغها بصبغة الربانية، ويوجهها وجهته الأخلاقية، ويضع لها الإطار والمعالم والحدود التي تضبط سيرها، وتربطها بغايتها وتقيها الانحراف عن الجادة، أو السقوط في الحفر، أو الضياع في مفارق الطرقات. لهذا كان الإسلام عقائد تقوم الفكر وعبادات تطهر القلب، وأخلاقاً تزكي النفس، وتشريعاً يقيم العدل، وأدباً تجمل الحياة. ولا بد لحركة الإصلاح، من الاعتراف بالانتماء للإسلام وما يقتضيه هذا الانتماء من التزام وسلوك، ولا بد لكي يكون المجتمع مسلماً حقاً من الالتزام بالإسلام كله، راضياً بحكم الله ورسوله في كل شئون الحياة، كما هو مقتضى عقد الإيمان. فيجب على مجتمعاتنا أن تزيل هذا التناقض الصارخ القائم في حياتنا اليوم بين إيماننا بالإسلام عقيدة وشريعة من عند الله، وبين تجميدها لأحكامه وتعطيلنا لحدوده وإغفالنا لتوجيهاته وآدابه، واستيرادنا لمذاهب وأنظمة من الغرب والشرق بديلاً عنه ويجب أن يؤمن حكامنا بأنهم يعيشون في أوطان الإسلام، ويحكمون أناساً مسلمين ومن حق كل قوم أن يحكموا وفقاً لعقيدتهم، وأن تأتي دساتيرهم وقوانينهم معبرة عن معتقداتهم وقيمهم وتقاليدهم. وأن تصاغ مناهج التربية والتعليم وفقاً لها، وأن تسير أجهزة الإعلام والثقافة في اتجاه حمايتها وتثبيتها ونشرها، وأن توضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية والداخلية والخارجية في إطارها، وفي خدمة أهدافها. وبعد أجهزة الإعلام عن التهويل والشطط، فمعظم الصحافة في مصر تناولت موضوع جماعة التكفير بشطط كبير، تناولا غير سليم، وغير مفيد، على طريقة النقد الهدام وليس البناء فهو يقوم على التهويل والمبالغة، وتصوير غير الواقع، والخروج عن الموضوعية، مما يبتعد بها عن رسالة الصحافة التي لا يحددها أبداً قرار أو قانون بل المفروض أن تكون وليدة خلق وقيم وضمير، والبعد عن كل ما هو فاحش، والذي يتنافى مع الأخلاق والدين.

بل على أجهزة الإعلام ووسائلها أن تساعد بنصيبها في هذه التوعية، وألا تعرض من جانبها ما يثير غرائز الشباب، أو يثير مشاعره على المجتمع الذي يعيش فيه، ولابد لكل وسائل التوعية من إدراك صحيح لمفاهيم الإسلام وإلمام تام بمحاسنه حتى يلقونها للناس على صفائها ونقائها. ولابد لهم مع ذلك من المعرفة بكل مشاكل الشباب وعلاجها حتى يجنبوهم مسالك الفتن، ومزالق الأخلاق. وواجب المسلمين المسئولين عن الدعوة والشباب أن يعملوا على انتشاله من هذه الهاوية التي تردى فيها، وانتزاعه من بين براثن الزيغ الذي أسلم نفسه إليه، وواجبنا أيضاً أن نتولى هذا الشباب منذ نشأته بالتوجيه الصحيح وأن نتعهده بالتربية الدينية الجادة حتى تكون لديه المناعة التي تحميه من مثل هذه الانحرافات الهدامة. وترك الحرية للجماعة الراشدة التي شهد المسئولون أنها تحسن التربية والتوجيه ولا شك أن غياب هذه الجماعة عن الساحة أوجد الفراغ الذي أتاح الفرصة لغيرها ببث أفكار بعيدة عن الإسلام، والمؤسسات الرسمية يمكن أن تقوم بدورها خير قيام إذا أعطيت شيئاً من الحرية والاستقلال والضمانات التي تبعد عنها شبح الخوف والضغوط التي تقع عليها. وعلى علماء الأزهر تقع المسئولية العظمى في ذلك، وهم – والحمد لله – علماء أجلاء، وفي استطاعتهم أن يبرزوا مفاهيم الإسلام في صورها النقية، وأن يزيلوا عنها كل ما ألصق بها من زيف وفساد، وأن يصححوا للشباب عقيدته، ويعودوا به إلى فطرته السليمة. كما أن العبء لا يقع على كاهل العلماء وحدهم، بل على المنزل والمدرسة أيضاً نصيب كبير في توعية الشباب توعية دينية صحيحة. والخطوة الثانية فهي، ألا نحدث هؤلاء الشباب من فوق أبراج عاجية، مستعلين عليهم، أو متبرئين منهم، مما يحفر بيننا وبينهم فجوة واسعة، أو هوة عميقة فلا يثقون بنا ولا يستمعون لنا، كما أننا لا نستطيع بذلك أن نفهمهم، نعرف أغوار حياتهم وحقيقة مشكلاتهم، وإنما يجب قبل كل شيء – أن نعاملهم بروح الأبوة الحانية، والأخوة الراضية، ونشعرهم أنهم منا، وأننا منهم، وأنهم فلذات أكبادنا وأمل حياتنا، ومستقبل أمتنا، وبذلك ندخل إليهم من باب الحب لهم والإشفاق عليهم لا من باب الاتهام لهم والتكبر عليهم. يجب أن نقف موقف المحامي عنهم، بعد إذ صوبت إليهم سهام الاتهام من كل ناحية، فإذا لم نحسن أن نقف موقف الدفاع – لسبب أو لأخر – فلنقف موقف القضاء العادل، الذي لا يدين إلا ببينة، ولا يتحيز لمدع أو مدعى عليه.

وكذلك أرى أن من واجب كل من تصدى لعلاج هذا الأمر أن يتصف بالاعتدال والاتزان في حكمه، وألا يكون هو متطرفاً في حديثه عن التطرف وطريقة علاجه. كما يجب ألا نقابل التكفير بتكفير مثله، وألا نواجه التعصب بتعصب، والرفض بالرفض، مجازاة للسيئة بمثلها، فجمهرة المحققين من علماء المسلمين تورعوا عن تكفير الخوارج، برغم إصرارهم على تكفير كل من عداهم من الأمة وإباحة دماءهم وأموالهم وحملهم السلاح عليهم، وقد سئل الإمام "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه أكفار هم؟ فكان جوابه، من الكفر فروا، قيل له فما هم؟ قال: إخواننا بالأمس بغوا علينا اليوم. فينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيل، فإن استباحة دماء المسلمين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلم واحد على أنه كافر، (التفرقة بين الإيمان والزندقة، الغزالي). قال العلماء .. (وباب التكفير باب خطر ولا نعدل بالسلامة شيئاً) – فلا بد من الترشيد والتوجيه وترك العنف، ووسائل المقاومة، فالفكر السقيم لا يعالج إلا بفكر سليم، والحجة لا تقارع إلا بالحجة، وأن الشبهة الزائفة لا تقاوم إلا بالحجة الدامغة، والعنف لا يولد إلا عنفاً، وقد لا يزيدها إلا توسعاً، ولا يزيد أصحابها إلا إصرارا عليها. ولماذا نحاكم العنف الذي يجري دون أن نحاكم من دفع إليه؟ وإنما الواجب أن نعالج بالإقناع والبيان وإقامة الحجة وإزاحة الشبهات. واجب الشباب: إن أول ما يجب على الشباب أن يصنعوه هو تصحيح نظرتهم، وتقويم أفكارهم حتى يعرفوا دينهم على بصيرة، ويفقهوه عن بينة، ونقطة البداية في هذا الفقه المنشود هي: سلامة المنهج الذي يجب أن يسلكوه في فهم الإسلام، والتعامل مع أنفسهم ومع الناس والحياة على أساسه. ولهذا اهتم علماء الأمة بوضع القواعد والضوابط اللازمة لحسن الفهم والاستنباط فيما نص عليه الشارع أو فيما لا نص فيه ومن هنا نشأ علم "أصول الفقه" ليضبطوا به فقههم، وقواعد منثورة في كتب أصول التفسير وعلوم القرآن، أو في كتب علوم الحديث ومصطلحه، وغير هذه وتلك قواعد أخرى وضوابط في كتب العقيدة أو التفسير أو في شروح الحديث، أو في كتب الفقه، أو غيرها، المهم إذن هو الفقه الواعي لدين الله، الفقه الذي لا يعتمد على قراءات فجة، ولا على فهم سطحي لنصوص الشرع، يخطف الآيات والأحاديث خطفاً دون تبصر وتعمق لأسرارها ومقاصدها، إنما نريده فقهاً رشيداً متكاملاً، يقوم على منهج سديد، يراعى عدة أمور: فقه الجزئيات في ضوء الكليات، ورد المتشابهات إلى المحكمات، والظنيات إلى القطعيات، حتى يتألف منها جميعاً نسيج واحد مرتبط بعضه ببعض، متصل لحمته بسداه ومبدؤه بمنتهاه. وهذا لا يتأتى إلا بسعة الاطلاع على النصوص وخاصة الأحاديث والآثار والتعمق في معرفة أسباب ورودها وملابسات وقوعها، والغايات المتوخاة منها مع مراعاة الفقه في مراتب الأحكام وأدب الخلاف الذي يغفل عنه بعض المتدينين. فمراتب الأحكام الشرعية ليست في درجة واحدة من حيث ثبوتها، وبالتالي من حيث جواز الاختلاف فيها، فهناك الأحكام الظنية التي هي مجال الاجتهاد، وتقبل تعدد الأفهام والتفسيرات، ومنها الأحكام المتعلقة بالعمل، كأحكام الفقه، فهذه يكفي فيها الظن بخلاف الأحكام المتعلقة بالعقيدة التي لا يغني فيها إلا القطع واليقين.

والاختلاف في الأحكام الظنية والفرعية والعملية لا ضرر فيه ولا خطر منه، إذا كان مبنياً على اجتهاد شرعي صحيح، وهو رحمة بالأمة، ومرونة في الشريعة، وسعة في الفقه، وقد اختلف فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان، فما ضرهم ذلك شيئاً، وما نال من أخوتهم ووحدتهم. وهناك الأحكام التي ثبتت بالكتاب والسنة والإجماع، ووصلت إلى درجة القطع، وإن لم تصبح من ضروريات الدين فهذه تمثل الوحدة الفكرية والسلوكية للأمة، ومن خالفها خالف السنة، ووصف بالفسق والبدعة، وقد ينتهي به الأمر إلى درجة الكفر. وهناك الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، بحيث يستوي في العلم بها الخاص والعام، وهي التي يكفر من أنكرها بغير خلاف، لما في إنكارها من تكذيب صريح لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم. – فلا يجوز إذن أن توضع الأحكام كلها في إطار واحد، ودرجة واحدة حتى يسارع بعض الناس إلى إلصاق الكفر أو الفسوق أو البدعة بكل من عارض حكماً ما. ولهذا كان من المعاني الكبيرة التي يجب على الشباب أن يحسنوا الفقه فيها أن يعرفوا ما يجوز فيه الخلاف، وما لا يجوز فيه الخلاف، وأن منطقة ما يجوز فيه الخلاف أوسع بكثير مما لا يجوز. وأهم من هذا كله أن يتعلموا، "أدب الخلاف" وهو أدب ورثناه من أئمتنا وعلمائنا الأعلام، علينا أن نتعلم عنهم كيف تتسع صدورنا لمن يخالفنا في فروع الدين؟ كيف تختلف آراؤنا ولا تختلف قلوبنا؟ كيف يخالف المسلم أخاه المسلم في رأيه دون أن تمس أخوته أو يفقد محبته أو احترامه لمخالفته، ودون أن يتهمه في عقله أو في علمه أو دينه؟ وعلى الشباب أن يحترموا أهل التخصص، فلكل علم أهله، ولكل فن رجاله، وليس علم الشريعة كلاً مباحاً لكل الناس، بدعوى أن الإسلام ليس حكراً على فئة من الناس، وأنه لا يعرف طبقة "رجال الدين" التي عرفت في أديان أخرى. فالواقع أن الإسلام لا يعرف طبقة رجال الدين ولكن يعرف علماء الدين المتخصصين الذين أشارت إليهم الآية الكريمة: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [سورة التوبة: 122]. وقد علمنا القرآن والسنة أن نرجع فيما لا نعلم إلى العالمين من أهل الذكر والخبرة بقوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [سورة الأنبياء: 7]. وعلى الشباب المسلم أن يأخذوا العلم الشرعي من ثقات العلماء الذين يجمعون بين سعة العلم والورع والاعتدال، وعليهم أن يتخلوا عن التشدد والغلو، ويلزموا جانبي الاعتدال والتيسير وخصوصاً مع عموم الناس الذين لا يطيقون ما يطيقه الخواص من أهل الورع والتقوى، وأن يتبعوا المنهج الذي رسمه القرآن في الدعوة إلى سبيل الله وجدال المخالفين: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} {سورة النحل: 125]. وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين

شرح أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته الواردة في الكتب الستة

شرح أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته الواردة في الكتب الستة ¤حصة بنت عبدالعزيز الصغير£بدون¥دار القاسم - الرياض¨الأولى¢1420هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - أعمال شاملة الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله العلي العظيم السميع البصير، الحكيم الكريم، ذي النعم السوابغ، والفضل الواسع، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. أما بعد فإن هذه المرحلة قد أوقفتنا على نتائج متعددة، منها ما هو عام ومها ما هو خاص وأقدم الخاص ثم أعطف عليه العام بإذن الله تعالى: 1 - عناية القرآن والسنة بموضوع الأسماء والصفات وكثرة النصوص الواردة في ذلك، ولا شك أنه بكثرة الأدلة وتظاهرها تطمئن النفس، وبمعرفة كثرة الأدلة يزيد الإيمان إيماناً والبصيرة تبياناً، وتنقشع غياهب الظلام، ويزول الشك إلا عمن كان من أهل الغباوة وغلبت عليه الشقاوة. 2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر صفات الله تعالى في المجامع العامة، ويخطب ببيانها على المنبر، ويبالغ في إيضاحها وإفهام السامعين إياها. 3 - دلت النصوص على أن بعض أسماء الله تعالى أفضل من بعض ولذا كان من أسمائه سبحانه الاسم الأعظم الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وحث على دعاء الله تعال به، هو ليس اسماً مفرداً كما قد يتبادر من التسمية بل قد يكون مكوناً من عدة أسماء لله تعالى. كما أن بعض صفاته سبحانه أفضل من بعض: فرحمته سبحانه غلبت غضبه ورضاه سبحانه يستعاذ به من سخطه، والمستعاذ به أفضل من المستعاذ منه، وهذا التفضيل لا يعني أن المفضول معيب ناقص – تعالى الله عن ذلك، وجلت أسماؤه وصفاته عن العيب والنقص – بل هي جميعها في غاية التمام والكمال. 4 - ظهور رجحان الحكم بالضعف الشديد على بعض الأحاديث المشهورة على ألسنة الناس ومن أبرزها: حديث سرد الأسماء، وحديث صلاة التسابيح. 5 - أن من أسماء الله تعالى أسماء مزدوجة لابد من ذكرها معاً كما وردت في النصوص ولا تفصل عن بعضها؛ إذ الكمال والحسن في ارتباطهما مثل: الباسط القابض، والمقدم المؤخر وغيرها. 6 - ثبوت اتصاف الله تعالى بالمحبة لبعض الأعمال، والكلام، والبلاد، والأشخاص فالله تعالى يحب، ويحب وهذا يدعو المسلم إلى الحرص على محاب الله تعالى، مع محبة من يحبهم سبحانه وتعالى، كما أنه سبحانه يبغض بعض الأعمال والأقوال فيحب الابتعاد عنها وبغضها لله تعالى. 7 - وجوب احترام أسماء الله تعالى وصفاته، وقد هدت الأحاديث إلى جملة من الآداب الواجب مراعاتها تجاهها فمن ذلك: أنه لا يجوز التسمية أو الوصف بما ورد منها خاصاً بالله تعالى: كملك الأملاك وكذا ما أطلق على الشخص مقصوداً به الوصف مثل: الحكم، ومن ذلك المنع من قول العبد لسيده ربي، والمنع من الاستشفاع به على خلقه؛ لأن شأنه سبحانه عظيم. 8 - عناية الأئمة بباب الاعتقاد، وإفراده بأبواب خاصة في كتبهم مع وجود أحاديث متناثرة في ثنايا الكتب الأخرى، وقد اشتدت عناية الإمام البخاري رحمه الله ببا الأسماء والصفات وصدر كثيراً من أحاديثه بذكر العقيدة الصحيحة في ذلك مقصراً على عبارات يسيرة وقد حذا حذوة تلميذه الإمام الترمذي – رحمه الله – في العناية بذلك، وزاد عليه بأن فصل القول في ذلك، فقد عقب على جملة من الأحاديث يذكر عقيدة السلف الصالح في الباب، والتحذير من التأويل. وهذه إحصائية سريعة للأحاديث التي اشتمل عليها البحث ثم للأسماء والصفات التي جمعها. الأول: الأحاديث: عدد الأحاديث الواردة في البحث (818) حديثاً موزعة كالتالي: أ - الأحاديث الواردة في الصحيحين أو أحدهما: (404) حديثاً موزعة بحسب ورودها. 1 - عدد الأحاديث التي اتفق الستة على تخريجها: (9) أحاديث.

2 - عدد الأحاديث التي اتفق الشيخان على تخريجها: (152) حديثاً. ما شاركهما فيه ثلاثة من أصحاب السنن (17) حديثاً. ما شاركهما فيه اثنان من أصحاب السنن (38) حديثاً. ما شاركهما فيه واحد من أصحاب السنن (39) حديثاً. ما لم يشاركهما فيه أحد (58) حديثاً. 3 – ما انفرد به البخاري عن مسلم: (75) حديثاً: ما شاركه فيه أصحاب السنن أو بعضهم: (33) حديثاً. ما انفرد به: (42) حديثاً. 4 – ما انفرد به مسلم عن البخاري: (163) حديثاً: ما شاركه فيه اصحاب السنن أو بعضهم: (99) حديثاً. ما انفرد به: (64) حديثاً. ما سقط سهواً وأسأل الله التوفيق لتداركه: (5) أحاديث. عدد الأحاديث الواردة في السنن الأربعة: (414) حديثاً: منها: (132) حديثاً وردت متونها في الصحيحين أو أحدهما ووردت في السنن من رواية آخرين. وباقيها أحاديث مذكورة أصولاً (285) وهي موزعة من حيث مواضع ورودها كما يلي: 1 - ما اتفق الأربعة على تخريجه: (4) أحاديث. 2 - ما اتفق عليه ثلاثة منهم: (16) حديثاً. 3 - ما اتفق عليه اثنان: (63) حديثاً. 4 - ما انفرد به واحد: (202) حديثاً. وتتوزع من حيث درجاتها كما يلي: 1 - عدد الأحاديث الصحيحة: (46) حديثاً. 2 - عدد الأحاديث الحسنة: (52) حديثاً. ارتقى منها إلى الصحيح لغيره: (18) حديثاً. 3 - عدد الأحاديث الضعيفة: (133) حديثاً. ارتقى إلى الحسن لغيره: (47) حديثاً. 4 - عدد الأحاديث الضعيفة جداً: (42) حديثاً منها حديث شاذ المتن وآخر منكر. 5 - عدد الأحاديث الموضوعة: حديث واحد. 6 - عدد الأحاديث المتردد في الحكم عليها: (8) أحاديث موزعة كما يلي: ما تردد بين الحسن والصحيح: (حديثان). وما تردد بين الحسن لغيره والصحيح: (حديثان). وما تردد بن الضعيف والحسن لغيره: (حديثان). وما تردد بين الضعيف جداً والموضوع: (حديثان). وهذه الأعداد خلا ما في الصحيحين هي بحسب ما توصلت إليه من خلال دراسة الأسانيد والبحث في العلل، والحكم عليها بما تقتضيه القواعد التي قعدها أئمة الحديث، ثم من خلال تتبعي لأقوال النقاد في الحكم على تلك الأحاديث، وقد حرصت غاية الحرص على نقل كل ما تقع عليه عيناي من حكم لناقد متقدم أو متأخر خاصة في الأحاديث التي وقع فيها الخلاف، ويعلم الله أني لم أقصد الإطالة والإثقال على القارئ لكني أردت عرض ذلك سعياً للوقوف على الحكم الصحيح؛ إذا الحكم برد حديث أو قبوله مهمة عسيرة، وقد وقفت أمام بعض الأحكام أوقاتاً طويلة رغبة في الوصول إلى الترجيح، وحرصت على الاسترشاد بمن هم أكثر علماً والله الموفق للصواب. الثاني: الأسماء والصفات: الباب الأول: الأسماء: أ – عدد الأسماء الواردة في الكتب الستة في غير حديث سرد الأسماء – ومنها ما ورد فيه (82) اسماً. ورد منها في القرآن: (60) اسماً وقد وردت مفردة غير مضافة إلا المالك فإنه ورد مضافاً إلى {الملك}، وإلى {يوم الدين}. وما لم يرد في القرآن: (22) اسماً هي: الباسط، القابض، الجميل، الجواد، الحيي، الرفيق، السبوح، السيد، الشافي، الطاهر، الطيب، الماجد، المبارك، المسعر، المعطي، المقدم المؤخر، المنان، النظيف، الواجد، الوتر. وقد ثبت منها ولله الحمد: سبعة عشر اسماً. والأسماء التي لم تثبت خمسة هي: الطاهر، الماجد، المبارك النظيف، الواجد. ب – عدد الأسماء التي انفرد حديث سرد الأسماء بذكرها عن باقي أحاديث الكتب الستة هي: (70) اسماً – بإفراد الأسماء المزدوجة: ورد منها في القرآن: (29) اسماً جميعها قد وردت مفردة غير مضافة إلا خمسة منها هي: البديع، الجامع، العلام، الفاطر، النور فقد وردت في كتاب الله تعالى مضافة لا مفردة. وباقيها لم ترد في القرآن ومنها (37) اسماً يترجح عدم ثبوتها وهي:

الأبد، الباعث، الباقي، البار، البرهان، التام، الجليل، الخافض، الرافع، الدائم، الراشد، الرشيد، السامع، الشديد، الصبور، الضار، النافع، العدل، الفاطر، القائم، القديم، القيام، الكافي، المانع، المبدئ، المعيد، المحصي، المحيي، المميت، المذل، المعز، المقسط، المنتقم، المنير، النور، الواقي، الوالي. أما اسم الصادق: فإنه لم يرد في القرآن ولكن ذكره شيخ الإسلام في أسماء الله تعالى. الباب الثاني: الصفات: عدد الصفات الواردة في الكتب الستة: (26) صفة معنوية، و (9) صفات خبرية، و (3) صفات منفية ومجموعها: (38) صفة وقد ورد منها في القرآن: (28) صفة. والتي لم ترد في القرآن: (10) صفات هي: البغض، والضحك، والغيرة، والفرح، والحقو، والرجل، والقدم، والوطأة، والصوت، والصورة. ومن أهم النتائج العامة التي وقفت عليها وهي كثيرة منها: 1 - أهمية الوقوف على الطرق المختلفة للأحاديث خاصة ما كان منها خارج الصحيحين؛ للحاجة إلى تقوية ما كان ضعيفاً، وترقية ما كان حسناً، مع الاستفادة من المتابعات والشواهد المختلفة في بيان بعض ما يشكل في المتون نتيجة الاختصار. 2 - أهمية مراجعة كتب الرجال المتنوعة للوقوف على أقوال النقاد، والبعد عن الاعتماد على النقل من الكتب المتأخرة التي عنيت بجمع أقوال السابقين، مع الاستفادة منها في الوقوف على أقوال من فقدت كتبهم، وفي الرجوع إلى أقوال المتقدمين كأحمد، والبخاري، وابن معين، وأبي داود، وأبي حاتم، وأبي زرعة رحمهم الله جميعاً – خاصة ما حقق منها – فيه حماية من التصحيفات التي ابتليت بها بعض الكتب، وصون عن بعض ما وقع للناقل المتأخر من أخطاء في النقل، أو أخطاء في نسبة القول إلى غير قائلة. 3 - عظم الواجب الملقى على طلبة العلم الشرعي – عامة – وطلبة علم الحديث خاصة – لتوجيه العامة إلى الأحاديث الثابتة وتوضيحها لهم وتحذيرهم من الأحاديث الضعيفة والموضوعة خاصة ما اشتهر منها الألسنة، تتابع الناس على العمل به. نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

صفة الغرباء - الفرقة الناجية - الطائفة المنصورة - 000

صفة الغرباء - الفرقة الناجية - الطائفة المنصورة - 000 ¤سلمان بن فهد العودة£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1411هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶فرقة ناجية منصورة الخاتمة: وفي نهاية هذا المطاف أرجو أن يكون اتضح في ذهن القارئ الكريم عدد من النتائج المهمة، والتي تتلخص فيما يلي: أولاً: ثبوت حديث الفرقة الناجية، ومعرفة أهم خصائصها، وأي الطوائف الإسلامية تستحق أن توصف بذلك؟ ثانياً: ثبوت حديث الطائفة المنصورة، بل وتواتره، ومعرفة خصائص هذه الطائفة، ومهماتها. ثالثاً: التمييز بين (الفرقة الناجية)، و (الطائفة المنصورة)، وأن بين الاسمين تغاير من بعض الوجوه. فالفرقة الناجية هي المجانبة لأهل الزيغ والبدع، الملتزمة بالسمت الأول الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وقد يكون من بين أفرادها عامة لا نصيب لهم بذكر في العلم، ومشتغلون بالدنيا في طلب الرزق الحلال لهم ولمن تحت أيديهم، وقد يكون من بين أفرادها قوم ظنوا أن العزلة في حقهم أولى، فاعتزلوا المجتمع؛ لا يأمرون، ولا ينهون، ولا يقارعون الباطل باجتهادهم. أم الطائفة المنصورة؛ فإنما وصفت بـ (المنصورة) لأنها المجاهدة، وهذه من أخص خصائصها: أنها تنازل المنكر، والبدعة، والكفر، والانحراف - بجميع صوره وأشكاله، وتحاربه، فهي المرابطة على الثغور، القائمة بفروض الكفايات الكبرى عن هذه الأمة. فهي أقل عدداً، ولكنها أقوى عدة، وأعظم بلاءا ونفعاً، وأنكى في العدو. وتقف الفرقة الناجية في دائرتها الواسعة، ثم الأمة المسلمة كلها في إطارها الكبير، ردءاً للطائفة المنصورة، وعوناً لها. وهذا يبين أهمية ظهور هذه الطائفة؛ لئلا يلتبس أمرها على الناس، فربما استطاع العدو أن يشوه صورتها، ويحول بين الأمة وبينها، حتى ترتد رماح الأمة إلى صدورها، وهذا مع الأسف يحدث كثيراً. فمن أعظم ميادين جهاد هذه الطائفة: العمل على الالتحام بهذه الأمة، والتواصل معها، ورعاية مصالحها العامة - كما سيجئ تفصيلاً إن شاء الله - في الرسالة الثالثة، وفي موضوعي (الجهاد)، و (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). رابعاً: أن وصف (الغربة) يشمل ثلاث دوائر: الأولى: الدائرة الكبرى، دائرة المسلمين، فهم غرباء بين أمم الأرض الكافرة، التي لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا تحرم ما حرم الله ورسوله، ولا تدين دين الحق. الثانية: دائرة أضيق منها، دائرة الفرقة الناجية، فهي غريبة في وسط هذه الأمة التي اجتاحتها الأهواء، ولعبت بوحدتها النزعات والنزغات، فصارت كما قيل: وتفرقوا شيعاً فكل قبيلة ... فيها أمير المؤمنين ومنبر. الثالثة: وهي أضيق الدوائر: غربة الطائفة المنصورة، وهي فئة قليلة بالقياس إلى الأمة، بل وحتى بالقياس إلى (الفرقة الناجية). جعلنا الله جميعاً من المسلمين الناجين المنصورين بمنه وكرمه. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

صفة النزول الإلهي ورد الشبهات حولها

صفة النزول الإلهي ورد الشبهات حولها ¤عبدالقادر بن محمد الغامدي£بدون¥مكتبة دار البيان الحديثة - الطائف¨الأولى¢1421هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - نزول الله الخاتمة وفيها خلاصة لبعض ما توصلت إليه من البحث وذلك في نقاط: الأولى: حديث النزول (أغيظ حديث للجهمية)، ولذلك اتفقوا بجميع درجاتهم على تعطيل هذه الصفة، لأن إثبات صفة النزول يعني هدم كل أصول الجهمية في هذا الباب، وأن الرد على الشبهات الواردة عليها يعتبر رداً على جميع الشبهات الواردة على جميع الصفات. الثانية: النزول في لغة العرب حقيقة في إتيان الشيء ومجيئه من علو إلى سفل، لا تستعمل العرب هذه الكلمة إلا في هذا المعنى. الثالثة: حديث النزول حديث متواتر روي عن تسعة وعشرين رجلاً من الصحابة، أو أكثر، قطعي الثبوت والدلالة، حكى تواتره جمع كثير من الأئمة والحفاظ. الرابعة: أنواع النزول الواردة في النصوص تسعة أنواع، كل نوع منها نص في معناه فكيف بالجميع، منها: النزول كل ليلة، وليلة النصف من شعبان، وعشية عرفة، إلى السماء الدنيا، ومنها النزول إلى الأرض في يوم القيامة، والنزول لأهل الجنة وغير ذلك. الخامسة: يقرب الرب تعالى ممن شاء من خلقه، وليس معنى القرب هو معنى المعية لغة ولا شرعاً. السادسة: السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين اتفقوا على إثبات صفة النزول لله تعالى، من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تحريف ولا تعطيل. السابعة: السلف فهموا معاني الصفات وفوضوا الكيفية، ونسبة تفويض المعنى إليهم من أشنع البدع وأعظم الطعون عليهم. الثامنة: الرب تعالى ينزل بذاته إلى سماء الدنيا، قاله جمع من السلف، وأنكر عليهم جمع آخر من السلف استخدام اللفظ لعدم وروده، ولأن النزول يدل عليه، وأن من أضاف هذه الكلمة إنما أضافها للحاجة، وأن القول بخلاف المعنى الذي دلت عليه هو تأويل الصفة. التاسعة: ينزل الرب تعالى ولا يخلو منه عرشه، بخلاف المخلوق من بين آدم ونحوهم، الذي يكون ذلك في حقه من التناقض. وأن من قال من أهل الحديث: يخلو منه العرش فإن قولهم ضعيف يرده الشرع والعقل، وأن منشأ كلامهم هو تمثيل الله بخلقه. العاشرة: الحركة والانتقال من الألفاظ المجملة، فلا يقال ينزل الله تعالى بحركة وانتقال، ولا بغير حركة وانتقال، بل يقتصر على ما ورد في النصوص وهو إثبات النزول، ويستفصل من معنى الحركة فإن كان المعنى خلو العرش فهذا غير صحيح، وإن كان المقصود نفي النزول فهذا باطل. الحادية عشرة: القدر المشترك ضروري، بين ما يسمى ويوصف به الخالق – جل وعلا – وما يسمى ويوسف به المخلوق، وأنه وجه شبه وهو المعنى اللغوي، ولا يقتضي مماثله، وأنه من المشترك المعنوي الذي تتفاضل أفراده (المشكك)، والمشكك من أنواع المتواطيء. وأنه إثباته هو منهج أهل السنة والجماعة وإنكاره هو ما اتفق عليه جميع الجهمية. الثانية عشرة: دل على إثبات الصفات الاختيارية لله جل وعلا، القرآن، والسنة، والعقل، والإجماع، والفرق بين الصفة والفعل أن أفعال الله جل وعلا تحدث بمشيئته وقدرته في وقت دون وقت، ونوعها قديم، وأما باقي الصفات غير الاختيارية فهي قديمة لازمة لذات الرب أزلاً وأبداً كعلمه وحياته. الثالثة عشرة: اتفق الجهمية جميعهم على إنكار الصفات الاختيارية بخلاف الصفات الأخرى فقد أثبتها الكلابية ومتقدموا الأشعرية، ومنشأ النزاع فيها هو قولهم: الخلق هو المخلوق.

الرابعة عشرة: الحجج التي أوردها الكلابية ونحوهم على الصفات الاختيارية، والتي أوردها المعتزلة والجهمية هي السبب في تسلط الفلاسفة على الإسلام، وأن ما ذهب إليه أهل السنة من إثباتها لله تعالى، هو الرد الذي لا يمكن معه تسلط الفلاسفة ولا غيرهم، لأنه هو الموافق للنقل الصحيح والعقل الصريح. وأن ما ذهب إليه الفلاسفة بسبب هذا من قولهم بقدم المخلوقات أعظم ما ذهب إليه الجهمية، والمعتزلة والأشعرية ونحوهم. الخامسة عشرة: المتكلمون لا للإسلام نصروا ولا الفلاسفة كسروا. السادسة عشرة: الأصول التي انتهى إليها الجهمية في نفي الصفات ثلاثة: حجة الأعراض والاستدلال بها على حدوث الأجسام، حجة التركيب، حجة الاختصاص، وأن كل مركب أو مختص مفتقر إلى غيره، وإلى جزئه، وكل ممكن ومحدث مخلوق. السابعة عشرة: الرازي والآمدي أبطلوا جميع ما احتج به قدماء الأشعرية والكلابية على نفي الصفات الاختيارية، واحتجوا بحجة أضعف مما أبطلوه، فلم يبق إلا الإثبات. وتصريح الرازي بأنها لازمة لجميع الطوائف وإن أنكروها باللسان يدل على أنه تبين له بطلان نفيها. الثامنة عشرة: الشبهات والحجج الواردة على صفة النزول لا تخلو إما من: قياس وتمثيل الله بخلقه، وإدخاله تحت قضية شمولية يتماثل أفرادها، وإما من أثر مكذوب أو لا دلالة فيه. ونحو ذلك. التاسعة عشرة: شبهة نفي النزول لاختلاف ثلث الليل في البلاد سببها قياس الله على خلقه، فإن المخلوق هو الذي يستحيل في حقه النزول إلى قوم إلا مع الانصراف عن غيرهم، أما من هو على كل شيء قدير فإنه ينزل مع تعدد ثلث الليل في وقت واحد على أكثر من بلد، أو أكثر من ذلك، ومع وجود ثلث الليل في كل الأوقات، وينزل على سماء كل قوم الدنيا، في ثلث ليلهم من غير أن يشغله ذلك عن النزول على غيرهم في الوقت نفسه أو بعده، وقبله، ويصعد من سماء كل قوم إذا طلع فجرهم، وقد يكون في الوقت نفسه نازل على غيرهم. ومثل هذا مستحيل في حق المخلوق، والرب ليس كخلقه، وهو مع كل ذلك فوق عرشه لا يخلو منه عرشه. العشرون: اختلاف ثلث الليل في البلاد من أعظم الأدلة على أن الرب لا يخلو منه عرشه، وإلا لما كان فوق العرش قط. الواحدة والعشرون: التأويل بدعة شنيعة وفيها طعن في الرسول صلى الله عليه وسلم في فصاحته أو في علمه أو في نصحه. الثانية والعشرون: التأويل لا يصح عن أحد من السلف، بل المتواتر عنهم إنكاره، وأن ما نسب إليهم من ذلك إما أنه لا يصح عنهم، وإما أنه لا يدل على ما يريد أهل التأويل، وأنهم أجمعوا على ترك التأويل، وبيان خطره. الثالثة والعشرون: جميع التأويلات التي ذكرها المتأخرون لصفة النزول، هي بعينها التي ذكرها المريسي ورد عليها الإمام عثمان الدارمي في نقضه على المريسي، يدل هذا أن أصلها من الصابئة والفلاسفة والمجوس ونحوهم، لأن المريسي إنما أخذها عنهم. الرابعة والعشرون: القرآن والسنة ليس فيهما ألفاظ مجملة، ومنهج أهل السنة في الألفاظ المجملة عدم الإثبات وعدم النفي، حتى يستفصل عن المعنى فإن كان المعنى صحيحاً موافقاً لما جاء به الكتاب والسنة قبل، ورد اللفظ واستبدل به ما ورد، وإن كان المعنى باطلاً رد ورد اللفظ كلفظ الجسم والحيز، الجهة، الحركة، العرض، الحوادث ونحو ذلك. الخامسة والعشرون: افترق الناس في صفة النزول على فرق: الأولى: مفوضة المعنى، وقالوا: نؤمن باللفظ ولا نفهم منه وهم معطلة، ومنهم البيهقي والخطابي. الثانية: أهل التأويل، وهم أكثر الجهمية، ومنهم من تأول ذلك الرحمة أو الملك أو غير ذلك. الثالثة: من كذب الحديث ورده، وهم المعتزلة والخوارج. الرابعة: من مثل الله تعالى بخلقه، فجعل نزوله كنزولهم، بحيث يخلو منه مكان ويشغل آخر، ويكون بعض المخلوقات فوقه أو يحيط به شيء من المخلوقات، أو نحو ذلك، وكل هذا مخالف للكتاب والسنة والإجماع والعقل. الخامسة: من يمرون النصوص كما جاءت، أي على معناها الذي يفهم من لغة العرب، وهو موقف أهل الحق وهم الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، وهو الإيمان بنزول الرب تعالى، الوارد في النصوص: إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل، ومن غير تكييف لنزوله، أو تحريف له عن ظاهره. وأخيراً: فإنه لازال في البحث فوائد كثيرة ومسائل مهمة وإنما اكتفيت بذكر بعضها فقط. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

صلة الغلو في التكفير بالجريمة

صلة الغلو في التكفير بالجريمة ¤عبدالسلام بن عبدالله السليمان£بدون¥بدون¨الأولى¢1426هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶التكفير - ضوابط وشروط نتائج البحث: 1ـ إن الإسلام بين المنهج الصحيح في مسألة التكفير وأن التكفير في أصله تشريع من الله ولكن يجب أن نكون وسطا فيه فلا غلو ولا إفراط. 2ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم بين صفات الغالين في التكفير ومنها أـ يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ب ـ يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ت ـ حدثاء الأسنان ث ـ سفهاء الأحلام ج ـ أنهم أصحاب عبادة (تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وصيامكم عند صيامهم) 3 - ظهور ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الغالين في التكفير حيث خرجوا على عثمان – رضي الله عنه - وعلى علي رضي الله عنه وظهرت تلك الأوصاف التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم عليهم 4ـ أن الغالين في التكفير في هذا العصر لهم أسلاف يسيرون على نفس طريقتهم في الخروج على المسلمين فهم يرثون هذه العقيدة من أسلافهم ويورثونها لغيرهم، واستمرت عبر التاريخ منذ خروجهم على عثمان وعلي- رضي الله عنهما – إلى يومنا هذا. 5ـ أن الأوصاف التي ذكرها صلى الله عليه وسلم في الخوارج تنطبق على الغالين في التكفير في هذا العصر أو كثير منها. 6ـ أن من أسباب خروج هذه العقيدة وهي الغلو في التكفير وانتشارها: أـ الجهل وقلة العلم والتفقه في الدين. ب ـ عدم الرجوع إلى العلماء الكبار الراسخين في العلم. ت ـ تصدر صغار السن وقيادتهم للشباب. ث ـ تقديم المصالح الشخصية على مصالح الأمة لدى القياديين. ج ـ كثرة المنكرات المنتشرة وعدم التصحيح من الدول بل إن بعض الدول تدعم ذلك. ح ـ محاربة الإسلام والمسلمين لدى بعض المنتمين للحكومات. خ ـ الاستهزاء بالدين وبأهله ولمطبقين للسنة. 7ـ ظهور سمات الغالين في التكفير وعقيدتهم في كثير من بلاد المسلمين وكذلك في بلاد غير المسلمين بالنسبة للجاليات المسلمة المقيمة في بلادهم. 8 ـ أنه في كل بلد تبرز سمات الغالين في التكفير على حسب طبيعة هذا البلد سواء البلاد المسلمة أو غير المسلمة فنجدها تختلف من مكان إلى آخر زيادة أو نقصا. 9 ـ أنه كلما ازداد الضغط على الغالين في التكفير في الدول ازدادت الجرائم التي يقومون بها لما يعتقدونه أنهم في جهاد ومقاتلة لأعداء الدين. 10 ـ أن المؤيدين لهم في الغالب قليل ولكن تأثيرهم كبير على عامة الناس والمتعاطفين مع أحوال المسلمين. التوصيات: 1ـ نشر العلم الشرعي: لا شك أن من الأسباب الرئيسية لظهور الغلو في التكفير الجهل وعلاجه العلم ونشره. وإذا ذكرنا العلم يجب أن يعرف بأنه العلم بالكتاب والسنة وبفهم السلف الصالح وأن يؤخذ من أهله وهم العلماء الراسخون في العلم ومن الملاحظ أن الغالين في التكفير لديهم شيء من العلم ولكن ليس بفهم السلف الصالح وأخذ عن العلماء الربانيين إنما عن طريق قادتهم حيث يعلمونهم ما يحقق مصالحهم من الشبه التي تنطلي عليهم وهم من ليس لديه تأهيل علمي ويقومون بالحجر الفكري على العلماء الربانيين عند اتباعهم. بأن مستواهم أرفع من مستواهم وأنه لا يمكن أن يفهم كلامهم ولا يحضر عندهم إلا من هو في مستواهم العلمي ويوجهون أتباعهم إلى الصغار أصحاب الشبه لكي يتلقوا عنهم العلم بزعمهم. وهذه الطريقة منتشرة عند كثير من الجماعات التي تخالف منهج السلف الصالح وهي التي ينتشر عندها الغلو في التكفير. 2 ـ التعريف بأهمية العلم الشرعي:

إن من الأسباب التي أدت لعدم انتشار العلم الشرعي – وخاصة عند الشباب ـ عدم التعريف به وأهميته للناس في الدنيا والآخرة من تأصيل المسلم في أمور دينه ودنياه ورد الشبه والبدع التي انتشرت عبر وسائل الإعلام والفضائيات ويمكن التعريف به بالطرق التالية: أـ وسائل الإعلام المقروءة والمكتوبة ب ـ المحاضرات والندوات واللقاءات في المساجد والجامعات والنوادي. ج ـ المدارس والمعاهد وحلقات التحفيظ والدور النسائية. 3 ـ تفعيل دور العلماء: ويكون ذلك بإرجاع الناس إليهم والثقة بهم وبعلمهم وعدم تنقصهم وحث الناس على طلب العلم عندهم وسؤالهم عندما يشكل عليهم أمر من أمور الدنيا والدين والالتفاف حولهم عند حصول الفتن والوقوف عند أقوالهم وعدم التعدي عليهم بقول أو فعل ونشر أقوالهم وفتاواهم للناس وبيان سهولة الوصول إليهم إما عن طريق الهاتف أو حضور مجالسهم ودروسهم الخاصة والعامة. فإنه إذا فعل دور العلماء في المجتمع فإنه سيكون صمام أمان للمجتمع من الفتن والغلو في التكفير. 4 ـ الاهتمام بالشباب وحمايتهم من الشبه: الشباب هم عماد الأمة وهم إما معول هدم أو بناء ولذلك اهتمت الجماعات المنحرفة بهم اهتماما كبيرا وركزت عليهم لتحقيق أهدافها. وعلى ذلك يجب الاهتمام بهم وقطع الطريق على تلك الجماعات بنشر العلم بينهم وإرجاعهم إلى العلماء الربانيين وتحذيرهم من هذه الجماعات وخطرها وتربيتهم على احترام العلماء وتقديرهم وعدم التقدم عليهم وتعريفهم بالعلماء لأن الجماعات الإسلامية المنحرفة تسمي قادتها ومن يسير على منهجها من طلبة العلم الصغار بالعلماء فيختلط ذلك عند الشباب. 5 ـ الاهتمام بدور النساء في تربية أبنائهن: إن أول ما يتلقى الطفل المعلومات من والديه وخاصة الأم فهي تقوم بدور أساسي ومهم في توجيه الأجيال والاهتمام بها وتأصيلها ينعكس على أبنائها. والجماعات الإسلامية المنحرفة لم تغفل عن ذلك فركزت عليهن من خلال المحاضرات والمدارس والجماعات ودور التحفيظ النسائية وأخذت الجماعات بنشر أفكارها عن طريق الأشرطة الصوتية لأتباعها من طلبة العلم وتسميتهم بالعلماء والكتيبات والمنشورات وربما لا يكون نشر الأهداف مباشرا بل زرع الثقة لطلبة العلم عند النساء وأنها المرجعية العلمية ثم بعد ذلك يوصلون ما يشاؤون من أفكار وتوجيهات عن طريقهم. وعلى ذلك نقول كما قلنا بالنسبة للشباب بأن نقطع الطريق على هذه الجماعات بإرجاع النساء إلى العلماء الربانيين والأخذ عنهم. وتوزيع أشرطتهم وفتاواهم بين النساء والتحذير من الجماعات المنحرفة وفضح مخططاتها وأهدافها والاهتمام بتربية أبنائهن على منهج السلف الصالح وحب العلم والعلماء. 6 ـ مناقشة الغالين في التكفير: لقد كان لمناقشة ابن عباس – رضي الله عنهما – للخوارج أثر كبير فقد رجع منهم عدد كبير، وعلى ذلك أرى أن يكون هناك تهيئة لبعض الأمور قبل المناقشة. أـ أن تكون المناقشة من عالم رباني لديه الحجة والفهم في مناقشتهم وما وقعوا فيه من شبه. ب ـ أن تكون المناقشة بشكل خاص وغير معلنة لكي لا تنطلي شبههم عند بعض العامة وتتشربها قلوبها. ج ـ أن لا تكون المناقشة مع رئيسهم فقط ولكن باجتماعهم أو اجتماع أكبر عدد منهم. د ـ أن يحضر مع العالم بعض طلبة العلم ممن يثق بهم وبعلمهم لكي يستفيدوا من المناقشة. 7 ـ بيان خطر الغلو في التكفير ونشره عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. وهذا هو دور العلماء في بيان خطر الغلو في التكفير ونشره عبر سائل الإعلام وعقد المحاضرات والندوات في المساجد والمدارس والجامعات وتحذير الشباب من الوقوع فيه. 8 ـ احتواء الشباب من قبل ولاة الأمر (العلماء والأمراء) ويكون ذلك بفتح مجالسهم لهم واستقبالهم ومناقشتهم وسماع مقترحاتهم وآرائهم والرفق بهم ومساعدتهم وحل مشاكلهم لأنه إذا تم ذلك سوف يثق الشباب بهم ويسمع ويطيع لهم وهو المطلوب والهدف المرجو. 9 ـ إزالة المنكرات الظاهرة: لأنها من الأمور التي تثير الشباب المتدين وخاصة من يسير خلف هذه الجماعات (المنحرفة عن طريق السلف) ما يسبب إثارة الفتنة وربما يعتدون على أصحاب المنكرات بإزالتها باليد والقوة فيحدث ما لا يحمد عقباه وأيضا تستغل هذه الجماعات ظهور المنكرات في تكفير ولاة الأمر من الأمراء والعلماء لأنهم استباحوها بزعمهم حيث لم يقوموا بإزالتها ووجودها وعدم إزالتها دليل على استحلالهم لها كما أن هذه الجماعات تقوم بنشر هذه العقيدة عند الشباب مما يجرهم إلى ارتكاب الجرائم على أصحاب المنكرات. والقيام بالأعمال التخريبية، وربما تصل إلى التفجير والقتل. وفي ختام هذا البحث أسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وما كان فيه من صواب فمن الله وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان وأسأل الله التوبة النصوح والعمل الصالح وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

صيحة نذير بخطر التكفير لحق بكتاب التحذير من فتنة التكفير وتنبيه وتذكير

صيحة نذير بخطر التكفير لحق بكتاب التحذير من فتنة التكفير وتنبيه وتذكير ¤علي بن حسن بن عبدالحميد الحلبي£بدون¥بدون¨بدون¢بدون€توحيد وعقيدة ومنهج¶التكفير - ضوابط وشروط الخاتمة: رزقنا الله حسنها: ليس يخفى على من يعيش الناس، ويتعانى المعاملة معهم – على تنوع طبقاتهم واختلاف درجاتهم – أنهم – ساعة الخلاف – تعظم فيهم رغبة العقول في النصر، ويشتد بهم "حرص النفوس على الانتصار؛ ولو كان بتصيد الشبهات البعيدة، وتعسف الاستدلالات" العجيبة، - إلا من رحم الله - ... ومن أعجب شيء يكون أن الكثير من (الناس) قد يتناقلون كلمات، ويتجاذبون أقوالا؛ ليسوا هم في ثبت منها، أو ثقة بها؛ وإنما يجد الواحد منهم قولاً "يشاع، ويتحدث به عنده؛ فيقره، ويسمعه، ويستوشيه"؛ هكذا ... بلا ترو، ولا تأن ... وإنما من باب التسفيه والتشويه. "فليتق الله – تعالى – امرؤ على نفسه، وليفكر في أن الله – تعالى – سائل سمعه وبصره وفؤاده عما قاله مما لا يقين عنده به، ومن قطع على إنسان بأمر لم يوقفه عليه: فقد واقع المحذور، وحصل له الإثم في ذلك". وطالب العلم المريد للحق، الراغب به – ولو على نفسه – يعلم أن الله رقيب عليه شهيد على قلبه، فلا يبدي خلاف ما يسر، ولا يعلن غير ما يكتتم .. فلا يزخرف قولا، ولا يزين لفظا – يريد به إبطال حق أو إحقاق باطل -؛ لأن الله به عليم، وله سميع بصير؛ {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام}. ولا أجد من مقابلة أذكرها، أو موازنة أشير إليها – لبيان الفرق بين فئة المستوي حاله ظاهراً وباطناً، وبين فئة المدعي خلاف ما هو عليه – بجدله، أو زخرف قوله، أو التلاعب بكلامه – أحسن من كلمات ذاك الصحابي التائب، والعائد الراغب؛ الذي عظم عنده ذنبه، وكبر عليه حاله، فجاء مبادرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ يقول له بقول صادق، وكلام واثق: "والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا: لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذار! ولقد أعطيت جدلا، ولكني – والله – لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني: ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه: إني لأرجو فيه عفو الله" ... فهذا هو المعيار الشرعي، والميزان الأخروي؛ الذي توزن به الأمور، وتضبط خلاله المواقف ... ولئن كان الصدق "قد" يوقع صاحبه – حيناً – بشيء من الابتلاء: فما هذا إلا سبب غرة المؤمن وصفاته؛ وهو – بمنة ربه وتوفيقه – إلى خير قادم، وعلى بر مقبل ... وإذا كان البهت والريب قد يعلي ذكر المتلبس به – حينا – لخبه – ويرفعه؛ فإنه سيكون أخذا له مجرة الهاوية ... ليكون السقوط – له – أشد، إن لم يقر بالحق، أو يرد ... "والحق دائماً في انتصار، وعلو، وازدياد، والباطل في انخفاض، وسفال، ونفاد". وما تبديه السطور مما يغاير القول المشهور: فنفثة مضدور، وهتك لما تكنه الصدور". "وما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه". [مجموع الفتاوى 18/ 272] ونبي الإسلام – عليه الصلاة والسلام – يقول: (المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم) ... فاهدنا – اللهم – صراطك المستقيم ...

وليس بخفي – بعد – أن مسالة (التكفير) من أخطر المسائل وأشدها على الفرد والمجتمع والأمة، ومن أفسدها على الحاكم والمحكوم – سواء -. وبسبب "كثرة ما وقع في هذه القضية من الأكاذيب المفتراة، والأغاليط المظنونة، والأهواء الفاسدة" كتبت، وألححت ... لا مجادلة عن ضلال طاغوت ... أو دفاعا عن فعائل ذي جبروت ... أو تسويغا لصنيع من حاد الله – سبحانه – في الحكم والملكوت ... فليتق الله – تعالى – كل ناظر فيه، من قبل أن تتبدى له مكنوناته وخوافيه ... {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}، واطمئنان يقين ... {وتوكل على الله إنك على الحق المبين}. وأقول – على تحرز وتحرج – ما قاله النبي الصالح الأمين: { ... يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} ... إلا من رحم رب العالمين .. "فدونك – أيها الفاضل اللوذعي، الفطن الألمعي؛ الناظر في هذا الكتاب – ما أودعته من لطائف الآداب، وأدرجته من زبد الحكم واللباب. ولا يحملك الحسد الذي جبل عليه الأقران، من إنكار ما تجد لغيرك من المزايا الحسان، ولا يستميلك استصغار مؤلفه إلى نبذ فرائده، والاستسهال بعظم فوائده، فإن لك غنمها، وعلى غيرك غرمها. ومع ذلك؛ فلا أدعى رتبة الكمال، ففوق كل ذي علم عليم، ولا أزعم النزاهة عن النقص والعيب، فالمنزه عن كل عيب هو الله الملك القدوس العزيز العليم. ولقد قيل: لا يغير ذو كمال من نقص، ولا يخلو ذو نقص من كمال؛ فلا يمنعك نقص الكامل من استفادة كماله، ولا يرغبك كمال الناقص في الميل إلى نقصه. فالأليق بالفاضل إذا عثر بشيء مما كبا فيه المؤلف وعثر، أن يستر الزلل ويقيل العثار، ويسد الخلل والعوار، فالكريم غفار، والحليم ستار". "ومن ضنائن العلم الرجوع إلى الحق"، ورحمة الخلق .. {قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد}. {قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس} ... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وكتبه أبو الحارث الحلبي الأثري – حامدا لله تعالى، ومصليا على نبيه صلى الله عليه وسلم – الزرقاء – الأردن – بين عصري يوم الأربعاء لعشر مضين من شهر ذي القعدة سنة 1417هـ

ضوابط التكفير مستقاة من المصادر السلفية

ضوابط التكفير مستقاة من المصادر السلفية ¤حسن بن علي العواجي£بدون¥دار البخاري¨الأولى¢1415هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶التكفير - ضوابط وشروط خاتمة: وبهذا نكون قد توصلنا من خلال ما سبق من استعراض أدلة الكتاب والسنة وأقوال بعض السلف، والعلماء: 1) أن التكفير مسألة خطيرة لابد من الاحتراز قبل الحكم بها على أحد من المسلمين. 2) وأن هذا الاحتراز لا يكون مانعاً من الحكم بالكفر على مستحقه لكن مع معرفة نوع الكفر هل هو الكفر المخرج من الملة أو دون ذلك. 3) وأن الحكم بالكفر لا يكون إلا بعد تحقق الشروط وانتفاء الموانع فينبغي العلم بها، والعلم بالفرق بين الكفر الاعتقادي المخرج من الملة، والكفر الذي لا يخرج من الملة. 4) وأن أهل السنة والجماعة لا يكفرون بالذنوب مهما عظمت ما لم تستحل أو يكون هذا الذنب الشرك أو الكفر بالله. 5) وأن سلف هذه الأمة لم يكن بعضهم يكفر بعضاً، وليس بينهم خلاف يوجب التبري والتكفير، ولا يحكمون في عوام المسلمين إلا بظاهر إيمانهم، ولا يكفرون أحداً إلا إذا تبين منه ما يوجب تكفيره، فعلينا أن نلتزم ما التزموا ونسلك ما سلكوا فإنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. ونسأل الله تعالى أن يجعلنا دعاة خير وهداة رشاد، وأن يجمع كلمتنا ويؤلف صفوفنا على الحق والهدى والحمد لله رب العالمين

ضوابط تكفير المعين عند شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبدالوهاب والدعوة الإصلاحية

ضوابط تكفير المعين عند شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبدالوهاب والدعوة الإصلاحية ¤أبو العلا بن راشد بن أبي العلا£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1425هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶التكفير - ضوابط وشروط نتائج هذه الدراسة: 1. خطورة البحث في مسألة تكفير المعين، وأنه لا ينبغي أن يتكلم فيها إلا بعلم وبرهان. 2. وقوع من كتب في مسألة تكفير المعين بين إفراط وتفريط، فطائفة ترى أنه لا يكفر المعين، ولو استوفى شرائط التكفير وخلا من موانعه، وطائفة كفرت المعين دون ضوابط أو شروط. 3. وجوب شرح وإيضاح نواقض الإسلام لعموم البلوى بها، ووقوع كثير من الناس فيها. 4. تميز شيخ الإسلام، وعلماء الدعوة بضبط مسألة تكفير المعين، وأن مذهبهم بين غلاة المرجئة وغلاة الخوارج. 5. قيام الحجة، وبلوغ الدليل من القرآن والسنة شرط لتكفير المعين عند علماء الدعوة النجدية، وشيخ الإسلام ابن تيمية. 6. تقوم الحجة ببلوغ الدليل من القرآن والسنة عند علماء الدعوة وشيخ الإسلام ابن تيمية. 7. لا يشترط في قيام الحجة فهم الحجة، فقيامها نوع، وبلوغها نوع آخر عند علماء الدعوة النجدية. 8. عدم العذر بالشبهة والتأويل في مسألة الشرك الأكبر بخلاف المسائل الخفية, وبيان أقوال علماء الدعوة في ذلك، وردهم على من نسب إلى شيخ الإسلام العذر بالشبهة والتأويل في مسألة الشرك الأكبر. 9. بيان علماء الدعوة وإيضاحهم لنصوص شيخ الإسلام في مسألة قيام الحجة، وأنه لا يشترط فهم الحجة، والمعاندة، وردهم على المناوئين في نسبتهم أن شيخ الإسلام يشترط فهم الحجة والمعاندة لتكفير المعين. 10. تفريق شيخ الإسلام بين المسائل الظاهرة، والمسائل الخفية في مسألة تكفير المعين، وأن المعين يكفر إذا وقع في الشرك في المسائل الظاهرة بخلاف المسائل الخفية. 11. موافقة علماء الدعوة لشيخ الإسلام ابن تيمية في تفريق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية. 12. التفريق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية يختلف عن جنس تفريق أهل البدع بين أصول الدين وفروعه في مسائل التكفير. 13. قصد المعين المعنى المكفر شرط في تكفيره، فمن نطق بلفظ لم يعرف معناه، ولم يرد المعنى المكفر، فإنه لا يكفر. 14. إذا نطق المعين بلفظ صريح الدلالة على الكفر، فإنه يكفر، وذلك يجري في المكفرات الظاهرة دون المكفرات الخفية. 15. الألفاظ المشتبهة المحتملة للكفر وعدمه يحتاط في تكفير صاحبها حتى يعرف مقصده، وكذلك من قال قولا لازمه الكفر، فإنه لا يكفر حتى يلتزمه. 16. نصوص شيخ الإسلام إطلاق الكفر على القول دون قائله، والفعل دون فاعله، خاصة بأهل الأهواء والبدع المتنازع في تكفيرهم، وقد استقرأنا نصوص شيخ الإسلام في ذلك، وكذلك نصوص علماء الدعوة في فهمهم لنصوص شيخ الإسلام في هذه المسألة. 17. الاحتجاج بنصوص شيخ الإسلام في عدم تكفير المعين، وإطلاق الكفر على القول دون قائله، والفعل دون فاعله، في مسائل الشرك الأكبر، شبهة قديمة أثيرت على علماء الدعوة من المناوئين لها، وقد ردوا بحمد الله على هذه الشبهة. 18. نصوص شيخ الإسلام وعلماء الدعوة في اشتراط قيام الحجة لتكفير المعين، لا تتناقض مع ما ذكرنا إذا فهم معنى قيام الحجة فهما صحيحا. 19. بيان الحالات التي يمتنع فيها تكفير المعين عند شيخ الإسلام وعلماء الدعوة. 20. بيان منهج علماء الدعوة في وقوع المعين في الشرك جهلا، واستقراء نصوصهم في ذلك. 21. ذكر نماذج من أقوال أهل العلم من علماء الدعوة وشيخ الإسلام، وغيرهم في تكفيرهم لأناس بأعيانهم للرد على من قال يمتنع تكفير المعين.

22. تبرئة الشيخ محمد بن عبدالوهاب من فرية التكفير بالعموم، أو تكفير جميع الأمة إلا أتباعه، أو أنه أدخل في المكفرات ما ليس منها. 23. بيان حقيقة منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب في مسألة تكفير المعين، وأنه يتفق مع منهج أهل السنة في هذه المسألة. 24. عرض منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب في مسألة تكفير المعين من خلال فهم تلاميذه وأحفاده من علماء الدعوة لمنهجه في هذه المسألة مع استقصاء نصوصهم. 25. عرض نصوص اشتبهت على بعض الباحثين في بيان منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب في مسألة تكفير المعين, وجواب علماء الدعوة عن هذه النصوص. 26. الرد على من فهم منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب في مسألة تكفير المعين فهما خاطئا. 27. بيان نواقض الإسلام عند علماء الدعوة، وأن هذه النواقض منقولة ممن سبقهم من أهل العلم، ولم ينفردوا بتقريرها. 28. ضبط مسألة المكفرات، وضبط الشرك الأكبر عند علماء الدعوة، والرد على المناوئين في هذه المسألة. 29. بيان الصور القولية والعملية التي تنقض توحيد الألوهية عند علماء الدعوة. 30. تحرير الصور المكفرة في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله عند علماء الدعوة وشيخ الإسلام ابن تيمية، والعلماء الأعلام. 31. تحرير الصور غير المكفرة في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله عند علماء الدعوة وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم. 32. بيان ارتباط قضية تحكيم الشريعة بتوحيد الطاعة والاتباع وبمفهوم الشهادتين عند علماء الدعوة. 33. بيان الصور المكفرة في مسألة الموالاة والمعاداة عند علماء الدعوة وشيخ الإسلام ابن تيمية. أ- الولاء المطلق. ب- المشابهة الكلية. ج- تصحيح مذاهب الكفار. د- النصرة والمعاونة مع التحزب والمشاركة. 34. بيان الصور غير المكفرة في مسألة الموالاة والمعاداة عند علماء المسلمين. 35. خطورة الفرق الباطنية على الإسلام والمسلمين. 36. عرض لعقائد فرقة الإسماعيلية، وتكفير شيخ الإسلام لهم. 37. عرض لعقائد فرقة الدروز، وبيان اتفاق العلماء على كفرهم. 38. عرض لعقائد فرقة النصيرية، وموقف شيخ الإسلام منهم وتكفيره لهم. 39. عرض لعقائد فرقة القرامطة، وتكفير شيخ الإسلام لهم.

ظاهرة الغلو في الدين في العصر الحديث

ظاهرة الغلو في الدين في العصر الحديث ¤محمد عبدالحكيم حامد£بدون¥دار المنار الحديثة - مصر¨الأولى¢1411هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶وسطية وغلو الخاتمة: وفي نهاية المطاف، أضع بين يدي القارئ خلاصة البحث وأهم النتائج التي توصلت إليها، وهي كما يلي: • داء الغلو قديم، وهو يصيب بعض أتباع الأديان في مختلف العصور ابتداء من نبي الله نوح عليه السلام ومن بعده، مرورا بنبي الله عيسى عليه السلام حتى عصر نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم وما بعده إلى يومنا هذا. • ذم الإسلام للغلو، وتحذيره منه، ونهيه عنه بأحوط الأساليب وأردعها. • اختلاف أسبابه ومظاهره من عصر لآخر، ومن بيئة لأخرى؛ ففي العصر النبوي نجد أسبابه ودوافعه طيبة، ومظاهره محدودة محصورة، وفي العصور التالية نجد الأمر يختلف وهكذا. • تفاوت آثاره وأضراره من عصر لآخر تبعا للأسباب الدافعة، والبيئة المحيطة. • ظاهرة الغلو في العصر الحديث لم تنشأ من فراغ، لذلك فمسئوليتها ترجع إلى جهات متعددة، وليس من الإنصاف أن نلقي باللوم كله على المصابين إنما يشترك معهم محضن التربية الأول الأسرة والعلماء والحكام، والمجتمع بأجهزته المختلفة. • علاج هذا المرض ليس مستحيلا، إنما هو أمر ممكن بحيث يحصر في أضيق دائرة ولا يشكل ظاهرة. ولنا في تاريخ أسلافنا عبرة حيث كان المرض يظهر ثم يعالج فيختفي. وفي عصرنا الحديث قد اختفت بعض المظاهر أو على الأقل خفت حدتها. • العلاج الناجح لا يكون إلا بتعاون المسئولين، وإتقان الوسيلة المستخدمة، وقيام الشباب بواجبهم، وأن أي خلل في أحد هذه الأركان الثلاثة سيلازمه تأخر الشفاء. • العبء الأكبر في العلاج يقع على العلماء المتخصصين في العلوم الشرعية، لأن مسئوليتهم أمام الله عظيمة، فهم الموجهون للحكام والمجتمع بجميع قطاعاته. • ولأن الظاهرة دينية. • ولأن سببها الأكبر يكمن في الانحراف الفكري. ولقد رأينا في أثناء عرض المظاهر والأسباب والعلاج العديد من مباحث العقيدة، والفقه، والأصول، والحديث، والأخلاق، وفقه الدعوة. وهذا يؤكد أن على العلماء واجبا كبيرا للإسهام في دراسة هذه الظاهرة وعلاجها. وفي الختام أسأل الله الهداية إلى الصراط المستقيم والثبات عليه.

تحقيق العبودية بمعرفة الأسماء والصفات

تحقيق العبودية بمعرفة الأسماء والصفات ¤فوز بنت عبداللطيف الكردي£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1421هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - أعمال شاملة الخاتمة وهكذا وبعد هذه الفصول الثلاثة يظهر بجلاء أن العبودية لله رب العالمين لا تتحقق إلا بمعرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، إذ كل اسم له تعبد مختص به، وأكمل الناس عبودية المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي عرفها البشر، لا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر: فهو يعرف ربه بجماله وجلاله؛ فيحبه ويعظمه. ويعرفه بقوته وقدرته وشدة عذابه وانتقامه؛ فيهابه ويخافه. وكذلك يعرفه برحمته وحلمه وقربه فلا يرجو إلا إياه. ومن ثم يدفعه الحب إلى الامتثال والطاعة، ويحدوه الرجاء فيشحذ همته، ويحمله الخوف على الاستقامة، وبذا يكمل مراتب عبوديته لله عز وجل من الذل والخضوع، والصبر والشكر، والرضا والإنابة، والتوكل والاستعانة، وكل ما يتبع ذلك من قول وعمل في مرضاة الله عز وجل، ثم إذا قدر عليه الذنب وارتكبه على حين غفلة منه كمل عبوديته لربه بالتوبة وصدق اللجأ ودوام التذلل والتضرع، وفي تحققه بهذا وصوله إلى غاية السعادة التي يطلبها العبد، والتي يسعى لها الناس على اختلاف فكرهم وعقائدهم. وما أحوج العباد اليوم – وقد صدئت كثير من العقول والقلوب – أن يرجعوا إلى المعين الصافي في القرآن والسنة ليتلقوا منهما المعتقد الحق الذي يروي ظمأ الروح، ويجلو صدأ القلب، ويصحح السلوك، ويقوم الأخلاق ويحقق الصحة النفسية التي فقدها كثيرون في هذا العصر. ويمكن تلخيص أهم نتائج البحث في النقاط التالية: 1 – أن المعرفة الحية الحاضرة هي طريق تحقيق العبودية، ولهذا دعا الله عباده في القرآن بقوله: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]. فهو سبحانه وتعالى (مستحق للتوحيد، الذي هو دعاؤه وإخلاص الدين له: دعاء العبادة بالمحبة والإنابة، والطاعة والإجلال، والخشية والرجاء ونحو ذلك من معاني تألهه وعبادته. ودعاء المسألة والاستعانة بالتوكل عليه، والالتجاء إليه، والسؤال له، ونحو ذلك مما يفعل سبحانه بمقتضى ربوبيته). فلفظ الدعاء الذي اقترن الأمر به بأسماء الله الحسنى يعني التعبد بها من بعد معرفتها كما قال صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة). وحقيقة الدعاء: (إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل وإضافة الجود والكرم إليه) والإقرار بجميع أسمائه الحسنى وصفاته العلا. 2 – أن أثر المعرفة في تحقيق العبودية يكون بحسب قوة المعرفة وضعفها، فكلما كانت المعرفة بالله وأسمائه وصفاته قوية مفصلة مستحضرة كانت العبودية بها أتم، وكلما كانت ناقصة وضعيفة أو اعترتها غفلة كان صاحبها أبعد عن سمة العبودية. 3 – أن الجهل بالله سبحانه وتعالى والإلحاد في أسمائه وصفاته أصل الكفر والشرك والتعطيل، كما أن الغفلة عن المعرفة بهذا الباب العظيم سبب رئيس في ضعف محبة الله والخوف ورجائه في قلوب العباد ومن ثم بعدهم عن سمت العبودية وما يتبع هذا من مظاهر السلوك غير السوي فـ (الإيمان بالله وعبادته ومحبته وإجلاله هو غذاء الإنسان وقوته وصلاحه وقوامه). 4 - أن تحقيق ركائز العبودية الثلاث: الحب والخوف والرجاء، كفيل إن صح – بعد توفيق الله – برفع العبد إلى أعلى درجات العبودية؛ درجة المحسنين السابقين بالخيرات، وأن تخلف العبد عن الارتقاء في درجات العبودية إنما هو من ضعف تحقيقه لهذه الركائز والتي معرفة الأسماء والصفات أساس تحقيقها.

5 – تحقيق العبودية لله رب العالمين هو المخرج للأمة اليوم وقد سيطر السعار المادي على كثير من القلوب والعقول، وانتشرت مظاهر كثيرة تدل على اختلال الأخلاق والسلوك، وفشت أنواع القلق والحيرة والاكتئاب وغيرها من الأمراض النفسية؛ إذ بتحقيق العبودية تزكو النفوس، وتطمئن القلوب؛ ففي القلب فاقة لا يسدها إلا معرفة الله وفي القلب شعث لا يلمه إلا العبودية له تعالى. 6 – أهمية إبراز التعبد الشرعي الصحيح بالأسماء والصفات لكثرة المنتشر بين الناس من أنواع التعبد البدعي يتزعمه المتصوفة مستغلين بذلك حاجة الفطرة للمعرفة والعبادة. 7 – أهمية لفت انتباه العامة والخاصة إلى ضرورة فهم معاني أسماء الله وصفاته على المعتقد الحق، واستحضار معرفتها، وإبراز دورها في العبادة والسلوك. هذا كما أوصى في ختام البحث الباحثين من بعدي باستشراف آثار توحيد الأسماء والصفات على مناحي الحياة والسلوك والأخلاق في مواضيع حية تبرز عظمة هذا الدين وملاءمته للفطرة السوية، وموافقته للعقل الصحيح، كما تبرز الدور الإيجابي للعقيدة الصحيحة في حياة الأمة المسلمة من الناحية العلمية والعملية. هذا وإني أ؛ مد الله عز وجل على ما وفقني، ويسر لي من معايشة هذه المعاني العظيمة طيلة زمن البحث، وأحمده سبحانه وتعالى على ما بلغني إياه من إتمامه وإخراجه بهذه الصورة والتي حرصت أن تكون سهلة التناول نافعة للعامة والخاصة إسهاماً في تلبية الحاجة الملحة النابعة من الفطرة في معرفته جل جلاله حق المعرفة وعبادته حق العبادة. وأنى لجهد العبد الضعيف أن يكفي لمثل هذه المهمة العظيمة التي ما خلق الجن والإنس إلا لتحقيقها كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، ولكنه جهد المقل الذي أسأله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يباركه ويقبله عملاً خالصاً لوجهه الكريم وأن يجعلني أول المنتفعين به. وأسأله بكرمه وعفوه وغفرانه أن يعفو عني إن زل بي قلم عن الحق أو شطت بي فكرة عن الصواب، إنه سميع قريب مجيب. سبحانه اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تدوين علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة

تدوين علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة ¤يوسف بن علي الطريف£بدون¥دار ابن خزيمة- الرياض¨الأولى¢1430هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶دراسات توثيقية ومنهجية الخاتمة: في ختام هذا البحث أذكر ما أفدته واستخلصته من نتائج، ثم أذكر بعض التوصيات التي أزعم أنها مهمة وجديرة بالعناية. فمن نتائج هذا البحث: 1 - أن إفراد علم العقيدة بالتدوين كان لأسباب ودوافع أدت إلى ظهوره، وقد كان في مقدمتها – من وجهة نظري – أهمية هذا العلم ومنزلته العظيمة بين سائر العلوم، كما حاجة الناس إليه فوق كل حاجة. 2 - كانت الحقبة الزمنية محل البحث حافلة بالأحاديث السياسية؛ سواء ما يتصل بالخلافة العباسية في بغداد حاضرة العالم الإسلامي، أو الدول المنتشرة هنا وهناك، أو الطوائف المتناحرة في كثير من الأقطار ... وقد أثر ذلك كثيراً في الحالة الدينية للشعوب الإسلامية؛ فظهرت المذاهب المختلفة وكثرت الأحزاب وتفرقت الأمة. 3 - أن من العجب أن الحالة السياسية المضطربة كما الحالة الدينية السيئة لم تضعف الناحية العلمية، ولم تقف حجر عثرة في طريق الحركة الفكرية الشاملة؛ بل نمت وتطورت وازدهرت؛ وإن كانت تلك الحالة السياسية والدينية قد أثرتا على مناهج التعليم ومدارسه ومنتدياته؛ فابتعد كثير منها عن المنهج الحق الذي كان عليه سلف هذه الأمة رحمة الله عليهم. 4 - أنه كان لظهور الفرق من متشيعة وصوفية ومتفلسفة ومتكلمة؛ كما البدع التي أفرزتها هذه الفرق وغيرها أثر بالغ على التدوين في علم العقيدة؛ لكن الآثار السيئة هي التي منيت بها مصنفات المبتدعة، أما المتمسكون بالكتاب والسنة وهدي السلف فلم يزدهر ذلك إلا ثباتاً على الحق وصموداً في وجوه أهل الأهواء والضلال. 5 - تبين أن أهل السنة والجماعة قد اتفقوا على منهج واضح محدد في تلقي العقيدة ومن ثم تقريرها والرد على المخالفين، وأن لذلك المنهج ثوابت وقواعد مستمدة من الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم، وأن تقصير بعض المنتسبين لأهل السنة والحديث في الأتباع لا يؤثر في ذلك المنهج شيئاً، إنما يلام المقصر على تقصيره، ويؤاخذ المخطئ على خطئه، ولا يجوز أبداً نسبة ذلك إلى مذهب السلف أهل السنة والجماعة. 6 - أن أهل السنة قد انتهجوا في تدوينهم لعلم العقيدة منهجاً متميزاً، فيه وضوح وصفاء، وبعد عن التعقيد والتكلف، وإنه مما يفرح القلب أن الناظر في مصنفات أهل السنة يجدها في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة مع الاختلاف بينها في زمان التصنيف ومكانه، وما ذاك إلا لوحدة المنهج ووضوح الغاية. 7 - أن المؤلفين في علم العقيدة في تلك المرحلة التاريخية محل البحث قد سلكوا في تأليفهم طريقتين ترجع إليهما أنواع التصنيف الأخرى؛ وهما: طريقة إثبات الأسانيد، وطريقة حذفها، وأن الأولى قد تميزت عن صاحبتها بميزات وسبقتها بأمور لا كما يظن البعض من أن الأمر بعكس ذلك. 8 - أن منهج أهل السنة في تدوين العقيدة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمنهجهم العام؛ في تلقي العقيدة وتقريرها وكذا في الرد على المخالفين، بل إنهم بنوا مدوناتهم في العقيدة على ذلك المنهج الأصيل. 9 - أن مصنفات أهل السنة في علم العقيدة في القرون الثلاثة: الرابع والخامس والسادس، كانت كثيرة العدد وافرة الوجود، وإن المطلع في المصادر التي تُعنى بذكر المؤلفات ككتب التراجم والفهارس ونحوها ليعجب من ضخامة ما خلفه علماء أهل السنة من المؤلفات بما لا يمكن عده ولا إحصاؤه.

10 - أن أهل السنة قد تفننوا في مؤلفاتهم ونوعوها؛ فمنها المطول ومنها المختصر ومنها ما يختص بمسائل معينة ومنها ما يكون بعرض مجمل المسائل، وهكذا، كما تعددت أساليبهم حتى نظم بعضهم العقائد بالقصائد، وهذا – بحق – يدل على رغبتهم في نشر العقيدة السلفية، والمحاولة الجادة في إثراء هذا المجال – أعني مجال التدوين في علم العقيدة – بكل وسيلة ممكنة، كما أن لهم في ذلك وصايا ومجالس وإملاءات وأشياء أخرى كثيرة. 11 - أن التأليف عند أهل السنة في علم العقيدة لم يقتصر على عرض العقيدة الإسلامية الصحيحة؛ بل كثرت مؤلفاتهم في الرد على المخالفين ودعوتهم إلى الحق وجمع الكلمة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف. هذا ما حضرني في هذه الساعة من ثمرات هذا البحث المبارك وأبرز نتائجه. وهنا مقترحات باتت عالقة في الذهن منذ أن شرعت بإعداد هذا الكتاب فهي باختصار: 1 - العمل على إخراج كتب السلف بتحقيقها والعناية بها، والوقوف في وجه الدعاوى المضللة الفجة التي تتردد على ألسنة بعض الجهلة كدعوة أحدهم إلى نبذ المؤلفات القديمة التي عفى عليها الزمن! وأن فائدتها محدودة في هذا الزمن. 2 - يجب أن تكون العناية بكتب السلف تتسم بالتوازن في التخريج والتحقيق والتعليق وما إلى ذلك. وإن المرء ليحزن من واقع بعض العاملين في تحقيق الموروث السلفي كيف أنهم يهدرون كثيراً من الوقت والجهد في تخريج الأحاديث وعزو الأقوال وبيان فوارق النسخ ونحو هذا ويغفلون عن التعليق على بعض المسائل المهمة مما يزيد من القيمة العلمية للكتاب. وما أكثر التكرار في تحقيقات (المحققين)! وما أكثر ما ينقل بعضهم عن بعض! وكثير من الحشو في تلك الأعمال قد جره المنهج الغربي الحديث. 3 - إنه ينبغي من طلاب العلم لاسيما المتخصصين منهم في العقيدة أن يعملوا على تقريب كتب السلف للباحثين على اختلاف درجاتهم؛ بل ولعامة الناس أيضاً، وأن يحذروا من كل ما يسبب وجود الفجوة بين القارئ والكتاب. 4 - العمل على اختصار بعض الكتب المطولة التي تبلغ مع حواشي التحقيق مجلدات عديدة! فإن الاختصار المبني على قواعد صحيحة ومنهج سليم يسهل الانتفاع بتلك الكتب، وإني هنا أؤكد على حفظ أصلها والإبقاء عليه، فيكون للكتاب نسختان نسخة مطولة تبقي الكتاب على أصله ونسخة مختصرة يسهل تداولها بين الناس. 5 - على المعتنين بالكتب العقدية للمتقدمين أن يتأكدوا من سلامة تلك الكتب في منهجها، ويعرضوا عن تلك المصنفات التي تظل الناس وتبعث فيهم الشكوك والشبهات، وعلى كل باحث أن يراقب الله في ذلك. 6 - أن يحتسب من قدم خدمة لكتاب من كتب علماء أهل السنة المتقدمين إما بإرشاد الباحثين إليه أو بالعمل على تحقيقه وإظهاره للناس ونشره بينهم، ويعلم أن في هذا بعثاً لصدقة جارية تعود على صاحبها بالأجر العظيم، والباعث لها مشارك للأجر؛ إذ الدال على الخير كفاعله.

تعليقات على شرح العقيدة الطحاوية مع بيان مصادر الشرح "بحوث علمية محكمة"

تعليقات على شرح العقيدة الطحاوية مع بيان مصادر الشرح "بحوث علمية محكمة" ¤عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف£بدون¥الرشد - الرياض¨الأولى¢1429هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶عقيدة - أعمال شاملة خاتمة ونختم هذا البحث بجملة من النتائج الآتية: 1 - أن معالجة النوازل لا تحتاج إلى مجرد العلم والتنظير فحسب، بل تحتاج إلى رسوخ وبصيرة ويقين، كما تحتاج إلى فهم للواقعة، بحيث تستصحب تلك الأدلة والمسائل أثناء تنزيلها على الوقائع، وإلا فقد يقع الذهول عن تلك المعلومات وقت النوازل والأزمات. 2 - تميز هؤلاء العلماء بتحقيق لمقاصد الشريعة ومراعاة لقواعد المصالح والمفاسد. 3 - أن سبب التصنيف مما يعين على فهم كلام أولئك العلماء، فالأجوبة الواردة في الدررالسنية – مثلاً – قد لا يتحقق فهمها بطريقة صحيحة، حتى ينظر إلى الظروف والملابسات التي حررت فيها تلك الأجوبة. 4 - لما كانت هذه الجهود تجاه نوازل حادثة ومستجدات عارضة، لذا غلب عليها الرد والمنافحة وإزالة الاشتباه، ولكي تتحقق النظرة الشمولية لتراث هؤلاء العلماء، ويمكن استيعابها، فلا بد من النظر إلى جهودهم الأخرى في مقام تقرير العقيدة وبيانها. 5 - ظهر من خلال تلك الجهود ماعليه هؤلاء العلماء من دراية بالحق، ورحمة بالخلق، فقد بينوا الحق بأدلته، ونصروا دين الله تعالى، وأجابوا عن شبهات المخالفين، كما أنهم نصحوا لأئمة المسلمين وعامتهم، وأشفقوا على الراعي والرعية. هذا ماتيسر جمعه وإعداده وبالله التوفيق.

تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي عرض وتحليل على ضوء الكتاب والسنة

تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي عرض وتحليل على ضوء الكتاب والسنة ¤محمد أحمد لوح£بدون¥دار الهجرة - الخبر¨الأولى¢1416هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶تصوف - صوفية الخاتمة بعد حمد الله تعالى وشكره على توفيقه إياي لإتمام هذا البحث أسجل أهم النتائج التي توصلت إليها مذيلاً إياها بما بدا لي من توصيات، وذلك في النقاط التالية: الأولى: بالنظر إلى التصوف كمادة سلوكية يظهر أنه خليط من الأديان والفلسفات ونتائج أفكار الأمم البائدة، وبالنظر إلى رجاله الأوائل ندرك أنهم – نظراً لانتشار العلم في وقتهم – قد تمسكوا بالكتاب والسنة إلى حد لم يصل غليه من جاء بعدهم من المتصوفة. ومع ذلك نجد أنهم تأثروا بالثروة الثقافية الأجنبية المقتبسة من تلك الفلسفات تأثراً لم يسمح لهم بأن يطبقوا الكتاب والسنة في كل ما يعتقدون ويقومون به من أعمال. يضاف إلى ذلك أن تغليب جانب العبادة عندهم أدى في كثير من الأوقات إلى عدم الاهتمام بالعلم، كما وصفهم به كبار النقاد كابن الجوزي. وهذا البعد عن العلم مع الحرص على العبادة أدى بهم إلى ابتداع شعائر وطقوس هي عمدة من جاء بعدهم من أهل التصوف. وعلى هذا نستطيع أن نقرر بكل اطمئنان أنه لم يوجد قط صوفي طبق التعاليم الصوفية إلا وعنده انحرافات فكرية وعقدية ظهرت في عباداته وسلوكه، فإذا وجد على مدار التاريخ شخص أطلق عليه اسم (الصوفي) وخلت حياته الفكرية والعملية مما ذكرت فالتسمية خاطئة. ودعوى تطبيقه لتعاليم الصوفية غير صادقة. الثانية: أن الزهد الذي حث عليه الإسلام وعرفه السلف الصالح ليس هو الزهد الصوفي، وليس هو النواة الأولى لنشأة التصوف كما يدعي بعض الباحثين ولا علاقة له به كما يزعمون. فالتصوف – منذ نشأ إلى اليوم – شيء، والزهد الإسلامي شيء آخر يغايرة مغايرة كاملة. الثالثة: أن الحدود والتعريفات التي ضبط بها كبار الصوفية المتقدمون معاني (الزهد) و (التصوف) و (الولي) و (القطب) تمثل العمود الفقري لجميع معتقداتهم في قدرات الشخصيات المقدسة عند الصوفية. وأرى أن الاهتمام بهذا الجانب يعد من أقرب السبل إلى معرفة عقائد المتقدمين منهم، وكشف مدى توغلهم في الانحرافات الفكرية والمنهجية، وفي ذلك ما يوصد الباب أمام أولئك الذين يريدون تبرئة المتقدمين من أهل التصوف من الوقوع في انحرافات متأخريهم. ولم أجد أحداً من الباحثين أعطى هذا الجانب أهمية تذكر، فآمل أن يقف قارئ هذا البحث على ما يؤكد له ذلك. الرابعة: عمدت الصوفية إلى تقسيم الدين الإسلامي إلى شريعة، وحقيقة صوفية، وزعمت أن نصوص الشريعة لها ظاهر وباطن، وأن ظاهرها المتبادر إلى العقول والأذهان إنما هو للعوام والجمهور، وأما التفسير الباطني الذي هو لب الدين ومقصد الشارع الأساسي فلا يدركه إلا أولياء التصوف وأقطابه (العارفون الواصلون) ويعنون بهم أولئك الذين سقطوا في أوحال الحلول، أو في مستنقعات الاتحاد والوحدة. وبهذا التقسيم تمكنوا من إقناع الجماهير بأن القيود والتكاليف الشرعية إنما هي للعوام، وأما أهل الحقيقة – وهم المقدسون عندهم – فلهم أن يخرجوا عن الشريعة ولا يسوغ لأحد أن ينكر عليهم. وعلى هذا أستطيع أن أقول: إن الحركة الصوفية تستهدف إلى نقض عرى العقيدة الإسلامية الصحيحة عروة عروة، وتحاول أن تهدم جدار الشريعة المنيع. وتستقطب الصوفية في ذلك كل الأفكار والمبادئ والوسائل التي تساعدهم على تحقيق ذلك.

الخامسة: أن قارئ تراث الفكر الصوفي المدون في مختلف العصور إذا أمعن النظر في تصور الصوفية (للولي) و (القطب) و (الشيخ الصوفي) يخرج بنتيجة تؤكد أن هؤلاء لم يتركوا شيئا مما يستحقه المولى عز وجل من الصفات وأنواع العبادات إلا ووصفوا بها أولئك (المقدسين) وتوجهوا بتلك العبادات إليهم، وتؤكد أن فرقة الصوفية من أجهل الطوائف بحقوق الله على خلقه. وهذا البحث شاهد من شواهد هذه الحقيقة. السادسة: عُلم بالاستقراء أنه ليس هناك صوفي أقر له كبار الصوفية بأنه من أهل الفتح والعرفان إلا ونجد في فكره – إن كان له فكر مدون – ما يدل دلالة واضحة على كونه من أهل الحلول أو الاتحاد، إن لم يكن موغلاً في الوحدة المطلقة، كما علم بتتبع فكرهم أن كبار الصوفية إذا أطلقوا كلمة (التوحيد) و (المعرفة) إنما يقصدون بها وحدة الوجود. وهذا هو ما يفسر حرصهم على كتمان توحيدهم غاية الكتمان، ولا يظهرونه إلا عند أخص أصحابهم. السابعة: أن الصوفية بنشرهم عقيدة الحلول قدموا للصليبيين أهل التثليث خدمات جليلة ما كانوا يحلمون بها، ووضعوا في طريق إفحام أهل التثليث أسلاكاً شائكة: فإذا قيل لهم – مثلاً -: أنتم تتناقضون بقولكم إن الثلاثة واحد. أجابوا بأن في المسلمين من يقول بمثله وهم الحلوليون. وهذا الأمر هو السر وراء اتجاه المستشرقين الصليبيين إلى نبش التراث الصوفي الحلولي وتحقيقه وطباعته منذ وقت طويل. الثامنة: تأكد لنا من خلال هذا البحث أن من أعد نفسه لاعتقاد كل ما ينشر في الفكر الصوفي فسوف يجد نفسه محاطاً بعدد لا يحصى من الأرباب والآلهة كل يدعو إلى نفسه بأساليب مختلفة ومناهج ملتوية، وفي ذلك من أسباب الحيرة والدهشة والشقاوة ما لا يزول إلا بالعودة الصادقة الجادة إلى الاعتصام بالكتاب السنة عقيدة وعملاً وسوكاً. التاسعة: لقد تحقق لي خلال هذا البحث العثور على فوائد عظيمة من فقه السلف في العقيدة والعبادة، كما تحقق لي بعض الاكتشافات العلمية، ولعل من أهمها اكتشاف مؤلف كتاب (النور من كلمات أبي طيفور) الذي حققه المحقق الكبير د. عبد الرحمن بدوي بمساعدة أستاذه المستشرق البحاثة (ماسنيون) ولم يستطع أحد منهما أن يعرف مؤلف الكتاب، فرجح المحقق أنه لمؤلف مجهول. فوقفت في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية على التصريح بأن الكتاب المذكور ألفه أبو الفضل الفلكي، ولله الحمد والسنة. التوصيات 1 - عمدت الصوفية – منذ وقت مبكر – إلى تدوين معتقداتها ومناهجها في تربية المريدين على تقديس الأشخاص وعبادتهم في دواوين ضخمة. وفي العصر الحديث بادروا – ومعهم إخوانهم من المستشرقين الصليبيين – إلى تحقيق ونشر جل المصنفات الصوفية المليئة بالخرافات والضلالات، فصارت تتداول في معظم بقاع العالم الإسلامي وغيره على نحو من اليسر والسهولة لم يتح لكتب السنن والآثار التي تحمل في طياتها التفسير النبوي للإسلام. وباتت المطالبة بإتلاف تلك الكتب وإعدامها من المكتبات العامة والخاصة ومن الأسواق لا تعدو كونها ضرباً من الخيال. فأرى أن من الضروري – إذا شئنا مكافحة هذا الفكر – تشجيع العلماء وتوجيه طلاب الدراسات العليا إلى تقديم بحوث ودراسات جادة تناقش آراء جميع الفرق الضالة وتبين زيف معتقداتها ومناهجها بالحجة والبرهان. وينتظر من الجامعات الإسلامية، والمؤسسات الدعوية أن تلعب في هذا دوراً أكبر مما هو مشاهد الآن.

2 - أن الصوفية عندهم من المقدرة الهائلة على تحريف النصوص الشرعية، وليها وفقاً لمعتقداتهم ما هو كفيل بإضلال طائفة كبيرة من المسلمين العاديين الذين لم يسبق لهم التفقه من الكتاب والسنة، وبناء عقائدهم وعباداتهم عليهما، والذين لم يرزقوا من التوفيق ما يحول بينهم وبين الانصياع وراء الشبهات والاغترار بها، ومن الإنصاف ما يمنعهم من التعصب لرجال غير معصومين أفضوا إلى ما قدموا. فأرى أن من النصح أن يوجه طلبة العلم الشرعي – أولاً – إلى معرفة منهج السلف الصالح في العقيدة والعبادة، وفي مواجهة المبتدعة والملحدين. ثم يوجهوا – ثانياً – إلى دراسة معتقدات الفرق الضالة. وليكن التركيز على أخطر الشبهات وأشبهها بالأدلة عرضاً، ومناقشة، وتفنيداً. أما أن يتوجه الدارس المبتدئ إلى كتب البدع والضلال ويدمن قراءتها، فذلك هو البلاء المبين، والداء العضال الذي تجب وقاية شباب المسلمين منه، أشد من وقايتهم من أي مرض آخر. وهذه الوقاية تعد من أحق حقوق الناشئ على الأولياء والمربين بوجه خاص، ومن أوجب واجبات حكام المسلمين تجاه شعوبهم. 3 - مع كثرة الباحثين عن أسباب تخلف كثير من بلدان المسلمين، وعن أسباب الأزمات الاقتصادية الحادة التي تمر بها أغلب هذه البلدان، ورغم كثرة المحللين والباحثين عن سبل النهوض بشعوب هذه البلدان نحو تنمية اقتصادية تليق بكل أمة ذات رسالة، فإني لم أجد أحداً منهم عزا شيئاً من ذلك إلى ما عليه هذه الشعوب من انحرافات عقدية. لكني على يقين تام – طبقاً لبراهين كثيرة قوية – بأن تأثير الانحراف العقدي في هذا التخلف أكثر من تأثير أي مؤثر آخر. فلعل دراسة جادة تقوم ببيان العلاقة بين الانحراف العقدي والتخلف الاقتصادي. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تناقض أهل الأهواء والبدع في العقيدة

تناقض أهل الأهواء والبدع في العقيدة ¤عفاف بنت حسن بن محمد مختار£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1421هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶دراسات عقدية الخاتمة إن أهم النتائج التي توصلت إليها فهي كما يلي: 1 - إن المراد بأهل السنة والجماعة هم الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان من العلماء المجتهدين السائرين على منهج الكتاب والسنة ومن تبعهم في ذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. 2 - إنّ المراد بأهل الأهواء هم المخالفون للكتاب والسنة كما قال تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ) (القصص: 50). 3 - إن أهل البدع يتبعون الشبهات وأهل الأهواء يتبعون الشهوات وكثيراً ما يجتمعان. 4 - إن هناك علاقة وثيقة بين أهل الأهواء والافتراق، فالبدعة مقرونة بالفرقة والسنة مقرونة بالجماعة. 5 - لا يوجد في الإسلام بدعة مندوبة وبدعة محرَّمة. 6 - إن الفرق الضالة والمذاهب المنحرفة لا تعتمد على القرآن والسنة، وإذا اعتمدوا عليها فإنهم يستدلون بالدليل السمعي ثم يقومون بما يرده فعلاً أو قولاً. 7 - إن الفرق المنحرفة والمذاهب الهدامة تتخذ غالباً من القرآن والسنة متكأً لها لنشر أصولها وقواعدها سواءً كان في القديم أو الحديث. 8 - إن أهل السنة والجماعة لا يتجاوزون النصوص الشرعية أبداً. 9 - أهل السنة والجماعة يغضون الطرف عن الاختلاف في الفروع أما الأصول فلا يتهاونون فيها. 10 - إن جميع الفرق المذمومة تتخذ مصادراً خاصة بها، فالخوارج يأخذون الدين من رجالهم وعلمائهم، والشيعة تتخذ من الأئمة والروايات الضعيفة والموضوعة، ومن الكشف والعلم اللدني، والذوق والرؤى مصادراً لأصولهم، والقدرية جعلت العقل وعلم الكلام والمنطق والفلسفة من أهم مصادرها، وأما المرجئة فجمعوا بين العقل والمنطق مع الكشف والرؤى والمنامات والعلم اللدني، مع الأدلة النقلية للتعضيد والاستئناس، أما الجهمية فالكفار والسمنية كانوا من أهم مصادرها، وهلم جراً مع معظم الفرق والمذاهب المدمرة، فالجميع لهم مصادرهم الخاصة بهم، وإن زعموا أنهم عاضِّين بالنواجذ على الكتاب والسنة من باب التمويه والتضليل. 11 - إن الاختلاف لا يكون مذموماً دائماً، أما الافتراق فهو مذموم وصاحبه معرض للوعيد. 12 - ما من فرقة تظهر أو مذهب ينشأ إلا ويأخذ من الفرق الأولى (الخوارج، الشيعة، القدرية، المرجئة، الجهمية). فالأباضية، ما هي إلا مقعدة لأصول الخوارج، والدروز والنصيرية البهائية والبابية ما هي إلا تأصيل لبذور الشيعة والتشييع، والشاعرة والماتريدية خلطوا بين الإرجاء والتجهم والاعتزال، وما العقلانية والعصرانية والعلمانية والتحررية ما هي إلا امتداداً للمعتزلة والجهمية.

13 - إن الفرق تجمع في أصولها المتناقضات فضلا عن الفروع. فالخوارج أصولها ينقض بعضها بعضاً، فالأصل الثالث وهو قولهم بتكفير مرتكب الكبيرة منقوض بالأصلين الأول والثاني ألا وهما تكفير علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان والحكمين رضي الله عنهما مع القول بالخروج على الإمام الجائر، لا لإضافة إلى جمعهم العديد بين المتناقضات في معتقداتهم، وأما الشيعة فالأصل الأول وهو القول بوجوب الإمامة في علي رضي الله عنه منقوض بالأصل الثاني ألا وهو العصمة، والأصل الثاني منقوض بالأصل الأول والثالث وهو القول بالتولي والتبري قولاً وعملاً، بالإضافة إلى جمعهم من المتناقضات التي لا يحصيها إلا رب العباد، أما القدرية فأصولها المعتمدة (التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) فالأصل الثاني منقوض بالأصل الأول، والأصل الخامس منقوض بالأصل الثاني، بل قد يكون الأصل نفسه ينقض بعضه بعضا كما في الأصل الخامس: ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بالإضافة إلى المتناقضات الكثيرة في قواعدهم وأسسهم، أما المرجئة سميت مرجئة لاعتمادهم على الرجاء، وحقيقة الرجاء يستلزم الخوف والحذر مع القيام بالعمل وهم أبعد ما يكون عن ذلك، وهم مع انتسابهم لعلمائهم وشيوخهم فإنهم يخالفونهم وينابذوهم العداء، مع جمعهم في أصولهم الكثير والكثير من المتناقضات، وأما الجهمية فأصولها تناقض بعضها بعضاً، فهم يزعمون تنزيه الخالق عن التشبيه ثم يجعلون كلام الله مخلوقاً، ويقولون بأن الله سبحانه في الأمكنة كلها وإن علم الله حادث، فأي تشبيه أعظم من ذلك؟ ومن أهم أصولهم أنهم يقولون بأن العبد مجبور على الأفعال ثم يسلبون الصفات عن الله عز وجل فمن الفاعل إذن؟ فما من فرقة تظهر إلا ولديها الجمع بين المتناقضات والمخالفات وهذه سنة الله ولن تجد لسنة الله تحويلا. 14 - إن معظم حذاق المتكلمين قد أعلنوا الشك والظن في طريقتهم، ومن ثم أعلنوا إفلاسهم. 15 - إن من ديدن أهل الأهواء والبدع تكفير بعضهم بعضاً، مع مجانبة العدل والتسامح مع غيرهم، بل الأدهى والأمرّ أن كل فرقة تنسب ما عندها من ضلال لغيرها. 16 - إن أهل السنة والجماعة أعطت للعقول ما أعطاه الله إياه ووقفت عند حدود الشرع. 17 - إن أهل الأهواء والبدع تتخذ من العقل مصدراً لا يخطئ ولا يزل، وقلّما تجد فرقة من الفرق الضالة، أو المذاهب الهدّامة إلا وتتخذ ذلك شعاراً لها. 18 - إن محاولة التقريب بين الفرق قامت بين أحضان اليهود واليهودية. 19 - إن التقريب بين أهل السنة والفرق الضالة يعني التوحيد بين الإيمان والشرك وبين النور والظلام، ومن ثمّ يتضح استحالة الجمع بين الحق والباطل.

عارض الجهل وأثره على أحكام الاعتقاد عن أهل السنة والجماعة

عارض الجهل وأثره على أحكام الاعتقاد عن أهل السنة والجماعة ¤أبو العلا بن راشد بن أبي العلا£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1423هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶عذر بالجهل الخاتمة وبعد هذه الدراسة نكون قد استخلصنا هذه النتائج: 1 - ثبوت التفريق بين المسائل الظاهرة والخفيّة في قضية الإعذار بالجهالة، وذكر ما يندرج تحت المسائل الظاهرة والخفية. 2 - الرّد على من ألحق واشترط شرط القصد بمعنى الاعتقاد والنية في صدور فعل الكفر أو قوله من المكلف، حتى يحكم عليه بالكفر، وذكر الأدلة من القرآن والسنة وأقاويل الأئمة على عدم اعتبار هذا وبيان القصد المعتبر وغير المعتبر في مسائل الكفر والشرك. 3 - إيضاح لفظ قيام الحجة في نصوص أهل العلم وبيان المراد منه. 4 - إن الحجة تقوم في المسائل الظاهرة بإرسال الرسل، وإنزال الكتب؛ فكل من بلغته الرسالة، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة القاطعة للعذر بخلاف المسائل الخفية فصفة قيام الحجة فيها سبق إيضاحها. 5 - إنه لا يشترط في قيام الحجة في المسائل الظاهرة إمام، أو نائبه، أو عالم بل يقيمها من يحسن إقامتها ويقيم الدلائل عليها. 6 - الفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة، وأن فهم الحجة ليس بشرط في قيامها متى بلغت المكلف. 7 - اتفاق جمهور أهل العلم على عدم الإعذار بالجهالة في المسائل الظاهرة بالضوابط التي ذكرناها. 8 - بيان أن الفقهاء لم يذكروا ضمن شروط الردَّة شرط العلم من المكلف للحكم عليه بالردَّة، وعدم استثنائهم للجاهل المتلبس بالشرك من عموم أحكام الردَّة إلا في حالات معينة سبق ذكرها. 9 - رد ما ردده البعض من أن هناك إجماعاً في مسألة العذر بالجهل على عذر الجاهل في جميع مسائل الديانة، وبيان أن هذا الإجماع معارضٌ لا يمكن الاستدلال به. 10 - الرد على من فرَّق بين الكافر الأصلي، وبين من انتسب إلى الإسلام، ووقع في أفعال الشرك، وبيان أن هذا التفريق لا أساس له من الصحة فيمن وقع في مسائل الشرك الأكبر المخرج من الملة. 11 - قاعدة استثناء حديث العهد بالإسلام ومن نشأ في باديةٍ بعيدة، من عموم عدم الإعذار بالجهالة، وبيان أن العلماء متفقون على استثناء هذين الصنفين من عموم عدم الإعذار بالجهالة في المسائل الظاهرة. 12 - الرد على من زعم أن الإعذار بالجهالة يقع متماثلاً في المسائل الظاهرة والمسائل الخفية. 13 - مناقشة بعض النصوص التي توهم أن شيخ الإسلام ابن تيمية يشترط التعريف في الشركيات وغيرها؛ حتى يحكم على المعين بالكفر، وبيان أن ذلك خاصٌ بالمسائل الاجتهادية النظرية، أو ما يُطلق عليه بالمسائل الخفية، وذكر العلماء الذين حملوا هذه النصوص على هذا المحمل، وهم: الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وأبو بطين النجدي الحنبلي، وسليمان بن سحمان الحنبلي، وإسحاق بن عبدالرحمن الحنبلي، والشيخ عبداللطيف آل الشيخ. 14 - بيان أن الصوفية وغيرهم من عُبَّاد القبور يخرجون من جملة أهل الأهواء المتنازع في تكفيرهم، وبيان أنهم لا يدخلون في مسمى المعذورين بالجهل إلا في حالات معينة سبق تفصيلها. 15 - الرد على من قال أنه يُطلق على الفعل أنه كفر، ولا يطلق على فاعله اسم الكفر، حتى تقام عليه الحجة بصفتها عندهم، سواءً كان ذلك في المسائل الظاهرة أو الخفية، ونبه على ذلك الشيخ سليمان بن سحمان، والشيخ إسحاق بن عبدالرحمن، والشيخ محمد ابن عبدالوهاب، والشيخ عبدالله، والشيخ إبراهيم بن الشيخ عبداللطيف آل الشيخ، والشيخ حامد الفقي. 16 - تقرير قاعدة إمكانية العلم وبيان الفرق بين المتمكن وغير المتمكن في قضية الإعذار بالجهالة ونصوص العلماء في ذلك.

17 - تحقيق مسألة أصول الدين وفروعه عن شيخ الإسلام ابن تيمية وبيان أنه لا يختلف عن أئمة أهل السنة في هذا التقسيم بضوابطه. 18 - مناقشة أشهر المعارضات في قضية العذر بالجهل مناقشةً موضوعية مع ذكر الرأي الراجح فيها بدليله. 19 - الرد على من زعم على أن العذر بالجهل عامٌ في جميع مسائل الشريعة وفي جميع الأحوال وتحقيق القول في ذلك. 20 - بيان أن من ارتكب الشرك جاهلاً وهو متمكن من التعلم لوجود من يرشده إلى التوحيد وينهاه عن الشرك فإنه غير معذور بجهله. 21 - ترجيح وتوجيه لأقرب المذاهب في حديث الرجل الذي ذرى نفسه. 22 - تحقيق وترجيح القول الراجح في حديث عائشة رضي الله عنها وبيان أن لفظ (نعم) هو من تتمة كلامها وتصريح العلماء في ذلك. 23 - إثبات أن جمهور المفسرين على أن الحواريين لم يشكوا في قدرة الله تعالى. 24 - تحقيق القول في حادثة سجود معاذ رضي الله عنه وأن سجوده كان على وجه التحية لا على وجه العبادة. 25 - بيان أن حديث رفع القرآن في آخر الزمان له مناط خاص. 26 - استعراض شروح العلماء لحادثة ذات أنواط وبيان عدم حجيتها على عموم الإعذار بالجهالة. 27 - مناقشة الإجماع الذي ادّعاه بعض الكتاب في عموم الإعذار بالجهالة في جميع المسائل وبيان عدم ثبوته. 28 - بيان لقاعدة مهمة وهي أن الحكم بالكفر والإسلام مبناهما على الظاهر دون اعتبار الباطن إلا في حالات معينة منها الإكراه.

عالم السحر والشعوذة

عالم السحر والشعوذة ¤عمر بن سليمان الأشقر£بدون¥مكتبة الفلاح¨الأولى¢1410هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶جن وسحر وعين وتنجيم الخاتمة: يمكننا أن نجمل أهم ما توصل إليه البحث بالآتي: 1 - السحر عالم عجيب، جميل ظاهره عفن باطنه، تختلط فيه الحقيقة بالخرافة، والشعوذة بالعلم، ويعتمد فيه الساحر على الخفة والعلم والإيهام، كما يستعين فيه بالشياطين. 2 - السحر انحراف قديم في تاريخ الإنسان، فقد عرفته الشعوب والأمم عبر تاريخ البشرية المديد، وأضل به الشيطان جبلا كثيرا، وقد أفسد بالسحر فطرة الإنسان، وعبده به لغير الله فأوبقه وأهلكه. 3 - لم ينته السحر في هذا العصر ولم يتوقف، بل لا يزال للسحرة دور كبير في حياة البشر، ولا تزال الجهود الإنسانية تجري وراء أوهام السحرة والعرافين والدجالين، وتضيع في جريها وراءهم الأوقات والأموال، وتزهق بسبب ذلك أيضا النفوس والأرواح. 4 - السحر علم مكتسب يحصل بالتعلم والصناعة، ويمكن أن يجوزه الأذكياء والأغنياء، ولكن لا يمكن أن يتعاطاه الصالحون الأتقياء، وحال السحرة تدل عليهم، فهم أفسق الناس وأرذلهم. 5 - ليس السحر من باب خرق العادة، وإنما يرجع على أسباب خفية لا نعلمها، وقد تصبح الأسرار السحرية مشاعا معلوما يعرفه الناس كلهم. مع تقدم المعارف والعلوم، وقد يكون اعتماد السحرة على الجن والشياطين، وللجن والشياطين قدرات تبدو للإنسان كأنها خارقة للعارقة. 6 - للسحر حقيقة، فقد ينتقل الساحر من مكان إلى مكان بسرعة لا يألفها البشر، وقد يمرض الساحر ويضر، ولكن لقدرته حدودا لا يمكن تجاوزها، فلا يستطيع الساحر أن يوقف الشمس، ويسقط النجوم، ويوقف حركة الأرض، ويبعث الحياة في الأموات، ويخلق من الجماد أحياء، كما لا يستطيع مسخ الإنسان حيوانا أو الحيوان إنسانا، وكل ما أوهم فعل شيء من ذلك فهو حيلة تروج على أصحاب العقول الضعيفة. 7 - يمكن للسحر أن يبطله ساحر مثله، وقد يبطله الأتقياء الصلحاء الذين يلجؤون إلى الله ويجتمعون به. 8 - السحر أنواع منه الحقيقي، ومنه التخييلي، ومنه المجازي، ولكن أكثر السحرة يخلط في سحره بين أنواع السحر كلها، فالساحر يستعمل كل ما يمكنه من قدرات للضحك على عقول البشر، وقد يكون ما يستخدمه حيلا علمية، أو حيلا تخييلية، وقد يستعين بالشياطين. 9 - لا يستطيع الساحر أن يرتقى في سحره ما لم يعبد نفسه للشيطان، وكلما ارتقى في العبودية لهذا المخلوق اللعين ارتقى في السحر، ولذلك فإن الساحر تتدنس نفسه بالخبث والفساد وتتلذذ بالشر، وتتعاظم عنده الرغبة الدائمة في الإيذاء. والشيطان يلزم الساحر بالكفر والشرك ومحاداة الله ورسوله، ويأمره بكل ما يغضب الرحمن، ويبعده عن الهداية والإيمان. ومع كل الولاء الذي يظهره الساحر للشيطان، فإن الشيطان يتخلى عن الساحر وهو في أشد الحاجة إليه، ويتركه لمصيره الرهيب عندما ينزل به العذاب، وتحيط به الصعاب. 10 - سيادة المادة في هذا العصر، وشقاء الروح بسبب انقطاع الصلة بالله في هذا العصر أدى إلى توجه كثير من الناس إلى السحرة يداوون أمراض النفوس، ويطلبون الراحة لنفوسهم المتعبة المكدودة، فلم يجدوا عندهم إلا مزيدا من الداء والبلاء. 11 - للأمم طرائق كثيرة للوقاية من السحر قبل وقوعه، وللخلاص منه إذا وقع، وكثير من هذه الطرق مبنية على اللجوء إلى السحرة، وتقوم في مجملها على الكفر والشرك والضلال، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وهديه يقوم على الاحتماء بالله، والالتجاء إليه، وقراءة القرآن والأدعية والأذكار. 12 - كل الرقى مباحة ما لم تكن شركا. 13 - لا يجوز تعلم السحر ولا تعليمه بحال من الأحوال، والذين أباحوا تعلمه من أهل العلم قلة شذت، ولا يجوز الالتفات إلى مذهبهم والعمل به. 14 - لا يختلف أهل العلم في الحكم على الساحر بالكفر إذا كان سحره من نوع الاستعانة بالشياطين والكواكب والنجوم، ويجب قتله في هذه الحال، أما إذا كان سحره بالحيل الصناعية، فإنه يعزز لإفساده عقائد الناس، حيث يوهمهم بسحره بالقدرة على ما لا يقدر عليه إلا الله. 15 - الصحيح أن توبة الساحر قبل القدرة عليه مقبولة، أما عند الله فإن باب التوبة مفتوح، ولا يحجب التوبة عنه أحد. 16 - لا يعلم الغيب إلا الله، ولا يجوز الاستعانة بأدعياء الغيب من المنجمين والكهان والعرافين، ويجب على الحكام أن يحاربوا هذا النوع من الدجل، ويوقعوا بأهله شتى أنواع العقوبات، وعلى العلماء أن يحذروا المسلمين من اللجوء إلى هؤلاء الدجالين. 17 - كثير من أدعياء الغيب هم ممن لهم فراسة في الأمور، وبعضهم يكون استعانته بالشياطين. 18 - على المسلمين أن يتوكلوا على ربهم فيما ينوبهم من مصائب ومشكلات، ولا يلجؤون إلى السحرة والعرافين والكهان، {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [سورة الطلاق: 3]

عبودية الكائنات لرب العالمين

عبودية الكائنات لرب العالمين ¤فريد إسماعيل التوني£بدون¥مكتبة الضياء - جدة¨الأولى¢1413هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ألوهية - محبة وخوف ورجاء وإسلام وعبودية الخاتمة: رأينا من خلال هذه الرسالة الكائنات التي خلقها الله عز وجل واتحادها في الغاية التي خلقت من أجلها، ألا وهي عبادة الله تعالى وحده لا شريك له. كما رأينا كيف تؤدي الكائنات كلها عبوديتها لله عز وجل وتمجده وتنزهه سبحانه، وكيف أن الكون بأكمله قائم على توحيد الله تعالى وإفراده سبحانه بالعبادة دون غيره، سوى ما شذ من تلك الكائنات من عصاة الإنس والجن وبعض الكائنات الأخرى فجحد بالله تعالى وكفر به. وهكذا نأتي إلى ختام البحث لنقيد أهم النقاط التي فيه وهي: 1 - إن الغاية التي خلق الله تعالى الكائنات كلها من أجلها هي عبادته جل وعلا وحده، وعدم الإشراك به، لذا فهي أول الواجبات وأجلها، كما أن عبادة غيره سبحانه من أعظم المحرمات وأكبر الكبائر. 2 - تشترك الكائنات كلها في العبودية التامة، وهي عبودية القهر والتسخير، بما فيهم برهم وفاجرهم ومؤمنهم وكافرهم، فهم لم يخرجوا عن مشيئة الله تعالى لنفاذ أمره تعالى فيهم، وافتقارهم واحتياجهم إليه أمر بديهي لديهم. وهو ما يدل على أنهم مقهورون خاضعون لخالقهم وموجدهم شاءوا ذلك أم أبوا. 3 - وأما العبودية الخاصة فهي عبودية الطاعة والمحبة واتباع الأوامر. وهي التي تميز البر من الفاجر، والمؤمن من الكافر، فهي خاصة بالكائنات التي آمنت بالله عز وجل وخضعت لأوامره باختيارها فعبدته سبحانه حق عبادته وأدت عبوديتها نحو خالقها بما أمرها ربها من العبادات للتقرب إليه، ولكنها تفاوتت فيما بينها في درجات العبودية. 4 - جعل الله تعالى دواعي وبواعث للكائنات كلها دافعة لهم للخضوع له سبحانه أهمها الفطرة، فقد فطر سبحانه المخلوقات جميعا على الإيمان به والخضوع له. 5 - اختص الله تعالى الإنس من بين الكائنات كلها وفضله على كثير منها، وسخر له كثيرا من مخلوقاته، وأمده ببواعث أخرى غير الفطرة وهي الشرائع والآيات الكونية، وذلك في مقابل الأمانة التي وكلت إلى هذا الكائن البشري لحملها والقيام بها. 6 - لم يقابل هذا الكائن وهو الإنسان هذه العناية الإلهية بالشكر وإعطاء المنعم حقه. بل وقع الكثير من الإنسان في مهاوي الشرك. 7 - لذا ذكر هذا الإنسان في كثير من آيات القرآن الكريم على سبيل الذم والنكاية على أفعاله وأعظمها الكفر بخالقه جل وعلا. 8 - رأينا الجانب المشرق من هذا الإنسان في التدرج في درجات في العبودية لله عز وجل، وهؤلاء القلة من هذا الكائن وهو الإنسان استحقت النسبة التشريفية للخالق جل وعلا، فكانوا عباد الله تعالى حقا. 9 - تعتبر العبادات التي أمر الله تعالى بها عباده للتقرب إليه في المنهج الإسلامي قائمة على تنزيه الله عز وجل وإظهار ألوهيته على خالقه، كما فيها إظهار لعبودية العباد لخالقهم جل وعلا وخضوعهم له وبهذا يتحرر العبد من عبودية ما سوى الله تعالى وتتضح تماما علاقة العبد بربه تعالى، بخلاف العبادات التي في الأديان الكتابية التي حرفت على يد أتباعها فإنها تخلو من تنزيه الله عز وجل وإظهار ألوهيته – كما في اليهودية والنصرانية، حيث تجعل العبد أسيرا في عبوديته لغير الله عز وجل كالكهنة والقساوسة ممن جعل حق الغفران ومحو السيئات بأيديهم.

10 - تعتبر صفة " العبودية" هي أسمى الصفات التي مدح الله تعالى بها عباده، وعلى رأسهم الأنبياء الذين هم صفوة البشر بل هي الصفة التي وصف الله تعالى بها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، وكان عليه الصلاة والسلام، يحب أن يوصف بها وينادي، ونهى أصحابه وقومه من بعده أن يرفعوه فوق منزلة " العبودية" أو أن يبالغوا في إطرائه، فلا منزلة أرفع وأعلى من العبودية إلا الألوهية، لذا فحذرهم من أن يقعوا في مثل صنيع النصارى بعيسى بن مريم عليه السلام حيث قالوا إنه الله، وقال الكثيرون منهم إنه ابن الله – تعالى الله عما قال هؤلاء الظالمون علوا كبيرا. كما سد عليه الصلاة والسلام أبواب الغلو في تعظيمه كالحلف به أو إشراف قبره واتخاذه مسجدا وعيدا، أو التوسل به، أو الالتجاء إليه، إلا أنه قد وقع مما يؤسف بعض المسلمين ممن ينتسبون إلى الطرق الصوفية الضالة في إطراء النبي صلى الله عليه وسلم ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله تعالى إياها. 11 - قام الأنبياء كلهم بعبوديتهم لله جل وعلا حق قيام، كما دعوا أقوامهم إلى عبودية الله تعالى الحقة، وتحملوا في ذلك الصعاب والمشاق والأذى. حيث هي الغاية من إرسالهم جميعا، وقد جاء مع الرسل ومن بعدهم أتباع حملوا دين الله عز وجل وهو الإسلام والتزموا به قولا وعملا وبلغوه لمن بعدهم فبرزت جملة من أتباع الرسل عملوا جاهدين لتحقيق عبوديتهم لله تعالى الحقة ووصلوا إلى أعلى مراتب العبودية مع النبيين غير أنهم لم يوح إليهم. 12 - ظن كثير من الكائن البشري أن الكائنات الأخرى من الحيوانات والنباتات والجمادات سواء ما كان منها في عالم الشهادة أو علام الغيب لا تعقل ولا تدرك وليس لها عبودية نحو خالقها جل وعلا، وهذا الظن لا يغني من الحق شيئا إذ أن النصوص الشرعية أثبتت خلافه. 13 - إن للكائنات غير البشرية من الحيوانات والنباتات والجمادات إدراكا وعقلا وتمييزا يعينها على تحقيق عبوديتها لخالقها جل وعلا، والقيام بعبادات تقربها إلى الله تعالى من التسبيح والسجود والدعاء والصلاة وغيرها من العبادات التي جمعنا الأدلة المثبتة لها، وإن عدم إدراكنا نحن البشر وعدم فهمنا لتلك الكائنات لا يدل على عدم إدراكها وتمييزها وعبوديتها لله تعالى إذ أن خالقها يخبرنا عن ذلك بقوله: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (44) سورة الإسراء، أي أنها عابدة لله تعالى، وهو سبحانه أعلم بها، ولكن لا نعلم ذلك ولا نفقهه سوى النص الذي يجب الإيمان به، فقد خص الله تعالى نبيه سلميان عليه السلام وفهمه لغة الطير وغيرها من لغات الكائنات الأخرى فوجدها عليه السلام موحدة بالله تعالى، إن النصوص المتضافرة في عبودية هذه الكائنات لتدل على أنها كما أخبر الله تعالى عنها أنها عابدة له مسبحة بحمده هي وغيرها من الكائنات بما يجعل القارئ لهذه الرسالة يستمتع بما دون عن تلك الكائنات وتشتاق نفسه لمعرفة المزيد عما كتب عنها. 14 - لا عبرة بمن حمل نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة في إثبات عبودية الكائنات الحيوانية والنباتية والجمادية، على المجاز أو بمن استبعد ذلك بالكلية، إذ هو غرور الإنسان وتعاليه، إذ عظم عليهم أن يشاركهم في العقل والإدراك والتمييز والعبادة أحد من الكائنات الأخرى هذا مع قلة أدائهم للعبودية الحقة، إذ أولى من غيرهم بأدائها.

15 - من جملة العبادات التي أثبتتها النصوص الشرعية من الكتاب الكريم والسنة الصحيحة لتلك الكائنات غير البشرية الحيوانية والنباتية والجمادية، التسبيح والسجود والخشية والدعاء والخوف والإشفاق والاستغفار والصلاة والذكر والتلبية وشهادتها بالتوحيد وإسلامها وحبها لأهل الطاعة وبغضها لأهل المعصية وسماعها الأذان وعرض الأمانة على بعضها وسلام بعضها إلى غير ذلك مما جمعناه من العبادات الظاهرة والباطنة كما أن لتلك الكائنات عقلا تميز به بين تسبيح الله عز وجل وسجودها له وبين استغفارها للعالم ومعلم الناس الخير وبين خوفها من الله عز وجل وبين شهادتها بالتوحيد وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه من أن تعلق تلك العبادات بها على الحقيقة ولا تجوز فيه كما لها من الإدراك ما يجعلها تحب أهل الطاعة وتبغض أهل المعصية، كما يبكي بعضها لفراق المؤمنين من تلك الحياة وتفرح وترتاح لموت الكافر والمنافق كما أن بعضها مما هو في عالم الغيب وهي الجنة تشتاق لبعض المؤمنين كما أن النار تغتاظ ويزيد حنقها وغضبها عند رؤية القادمين إليها، وهو ما يدل على بصرها كما أن هذا الكائنات تتكلم وتدرك الخطاب. كل هذه الإدراكات من الحب والغضب والبكاء والحنين والشكوى والشوق والفرح والراحة والتغيظ والرؤية إلى غير ذلك من الإدراكات التي قيدناها في الرسالة من خلال النصوص الشرعية الصحيحة الصريحة لتدل على فضل الله عز وجل على تلك الكائنات لقيامها هي الأخرى بعبوديتها نحو خالقها جل وعلا وهو ما يقطع جذور ما شاع في ذهن الكثيرين أن تلك الكائنات لا تعقل ولا تدرك. 16 - لا شك أن العقل والإدراك الذي منحته تلك الكائنات هو بحسبها، ولا نقول إنه يشبه عقل وإدراك الكائن البشري بحال، كما أن سجود تلك الكائنات ليس كسجود البشر، فعبادة كل كائن بحسب ما شرع الله تعالى وبينه له قال تعالى {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (41) سورة النور. 17 - تعتبر عبادة اليهود للرب عبادة مصلحة ومنفعة لإعادة الهيكل وليس فيها شعور بعبودية العبد نحو خالقه ولا بألوهية الرب سبحانه. 18 - وضع علماء اليهود والنصارى دينا يتفق مع الأمزجة والأهواء وليس على أساس من الكتاب المقدس على الرغم من تحريفه. 19 - أساس دين اليهود قائم على العنصرية والتنقيص للذات الإلهية والمنفعة في العبادة كما أن أساس دين النصارى قائم على شتم الله تعالى وعلى قاعدة خالف تعرف. 20 - إن العبودية الحقة التي قد تحدثنا عنها قد ضاعت بين المسلمين اليوم ولم يعد لديهم من إسلامهم سوى أسمائهم إلا من رحم الله تعالى، وقد أصيبوا بتركهم دينهم وعدم الالتزام به وبتهاونهم فيه بالذل والهوان والضعف الذي لم يك قط في عصر من العصور. 21 - يعتبر رجوع المسلمين إلى دينهم في الوقت الحاضر واسترجاع عزهم ومجدهم أمرا صعبا للغاية وشاق المنال لذا فإن التفكير في طريق نجاة المسلمين وانتشالهم مما هم فيه من بعدهم عن عبوديتهم الحقة تجاه خالقهم أمر صعب للغاية. فيحتاج جهودا متضافرة من قلوب مخلصة تعمل بدين الله تعالى لإعادة الأمة إلى دين الله تعالى. 22 - هذه الفئة التي نتكلم عنها قد حصرت الحل فيها وهم العلماء الذين عليهم العبء والمسؤولية الكبرى وذلك بالتزامهم هم أولا بدين الله تعالى ثم الدعوة إليه بعد أو عند ذلك. لذا طالبت العلماء والمصلحين بمضاعفة الجهود وزيادة الطاقات التي لدينهم في ظروف الإمكانيات المتاحة والضيقة في مواجهة المد الخارجي المعادي من قبل الهيئات اللادينية.

عصر الدولتين الأموية والعباسية وظهور فكر الخوارج

عصر الدولتين الأموية والعباسية وظهور فكر الخوارج ¤علي بن محمد الصلابي£بدون¥دار البيارق - الأردن¨الأولى¢1999م€توحيد وعقيدة ومنهج¶خوارج الخلاصة: 1 - إن الدولة الأموية قامت بجهود عظيمة لنشر الإسلام والجهاد في سبيله كما أن الأسرة الأموية ممتدة جذورها في خدمة الإسلام من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبرز منها قادة في مجال الدعوة والجهاد والإمارة. 2 - كان لرجل بني أمية قدرات متميزة في مجال الإدارة والسياسة والقيادة ولذلك استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بهم في الولايات والعمالات. 3 - إن معاوية رضي الله عنه صحابي جليل وكاتب للوحي وتولى أعمالا عظيمة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلا يجوز سبه بل يجب حبه والدفاع عنه ويعتبره علماء أهل السنة من أعظم ملوك المسلمين على الإطلاق. 4 - إن رأي أهل السنة ترك القتال في الفتنة والامتناع عن الخروج عملا بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الخروج على الحكام وإن جاروا وظلموا ما داموا مسلمين وعلى الصلاة محافظين ويشترط في الخروج أن يكون ظهر من الحكام كفر بواح مع وجود الاستطاعة في التغيير. 5 - إن موقعة كربلاء التي قتل فيها الحسين رضي الله عنه كانت باب شر فتح على الأمة، وإن الحسن رضي الله عنه قتل مظلوما شهيدا ولم يكن متوليا أمر الأمة وكان عام 61هـ. 6 - إن موقعة الحرة في المدينة وقعت عام 63هـ ولقد أنكر بعض الصحابة والتابعين خروج أهل المدينة على يزيد بن معاوية ورفض بعضهم خلعه، منهم عبدالله بن عمر ومحمد بن الحنفية. 7 - إن قول مؤرخي الشيعة بأن يزيد بن معاوية أرسل جيشا إلى المدينة واستباحها ثلاثة أيام باطل لا يصمد أمام البحث التاريخي الموثق. 8 - يرى أهل السنة والجماعة أن يزيد كان ملكا من ملوك المسلمين له حسنات وسيئات ولم يكن صحابيا ولم يكن كافرا. 9 - عادت سيرة الفتوحات التي في زمن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في خلافة الوليد بن عبدالملك وفتحت السند والأندلس في عصره. 10 - تولى الخلافة بعد الوليد سليمان بن عبدالملك ومن حسناته العظيمة قبوله لنصيحة الفقيه رجاء بن حيوة الكندي الذي اقترح على سليمان في مرض موته أن يولي عمر بن عبدالعزيز وكانت وصية لم يكن للشيطان فيها نصيب. 11 - كان عهد عمر بن عبدالعزيز عهد خير وبركة على الأمة قاطبة وقد مس عدله كل الأقاليم ولقد ساهم عمر بن عبدالعزيز في تدعيم الإسلام في الشمال الإفريقي ويظهر ذلك جليا في بعثته للفقهاء العشرة. 12 - بعد وفاة عمر بن عبدالعزيز تولى الخلافة يزيد بن عبدالملك فعزل إسماعيل بن أبي المهاجر عن ولاية إفريقية وعين يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج وكان ظلوما غشوما متبعا لسيرة الحجاج في أهل العراق، فنقم عليه البربر ولذلك قتلوه. 13 - كانت أول ثورة في إفريقية في الإسلام عام 123هـ بسبب الظلم والجور من الولاة واستفاد الخوارج من ذلك فوجدوا تربة خصبة لعقائدهم في الشمال الإفريقي وتزعم الثورات ضد الخلافة الأموية ميسرة المظغري الذي اعتنق مذهب الخوارج الصفرية وحرص على نشره في أوساط البربر. 14 - اندلعت في إفريقية ثورات لا نهاية لها انتهت في عهد يزيد بن حاتم 156هـ بسبب الفكر الخارجي وظلم الولاة وجهل القبائل في الشمال الإفريقي. 15 - بموت هشام ابن عبدالملك تضعضع ملك بني أمية، وتولى أمر الجهاد في سبيل الله واضطرب أمرهم جدا، وإن كانت قد تأخرت أيامهم بعده نحو من سبع سنين.

16 - لقد كانت من عقائد الصفرية وهي فرقة من الخوارج استحلال أموال أهل السنة واستباحة نسائهم وقتلهم ولذلك لما كسرت شوكتهم في معركة القرن عام 124هـ على يدي حنظلة بن صفوان وسمع بذلك فقيه أهل مصر في زمانه الليث بن سعد قال "ما غزوة كنت أحب أن أشهدها بعد غزوة بدر أحب إلى من غزوة القرن". 17 - يعتبر عبدالرحمن بن حبيب أول متغلب على إفريقية، واستقل بها أيام حكمه عن بني أمية وكان ذلك عام 129هـ. 18 - في سنة 132هـ قتل مروان بن محمد، وانقرضت دولة بني أمية من المشرق، بعد أن ملكت إحدى وتسعين سنة وتسعة أشهر وخمسة أيام وتولى الملك فيها أربعة عشرة خليفة وظهرت على أعقابها دولة بني العباس والله يرث الأرض ومن عليها. 19 - تعتبر معركة الزاب من المعارك الفاصلة بين بني العباس وبني أمية وكانت في عام 132هـ. 20 - لقد كان من أسباب سقوط دولة بني أمية هزائمهم المتلاحقة أمام جحافل العباسيين، وأسباب تتعلق ببني أمية والخلفاء منها: ضعف شخصية بعض الخلفاء، بذخ بعض الخلفاء وإسرافهم، تحكيم بعض الخلفاء أهواءهم في أمر قوادهم، ولاية العهد وما يترتب عليها من صراع، النزاع بين أفراد البيت الأموي على الخلافة. 21 - كانت هناك أسباب في سقوط الدولة تتعلق بالرعية منها: العصبية العربية، والنزاع بين العرب والموالي، قيام حركات المعارضة، الشيعة، الخوارج، الدعوة العباسية. 22 - كانت هناك أسباب عامة منها: ازدياد الخطر البيزنطي، المشكلات الاقتصادية، وكل العوامل والأسباب السابقة لا ينكر تأثيرها على إضعاف سلطان بني أمية إلا أن أبرز تلك العوامل هو الخلاف الذي دب بين أفراد البيت الأموي من أجل الخلافة. 23 - اعتمد العباسيون سرية التنظيم في سعيهم للوصول إلى الحكم ومرت دولتهم بأربعة مراحل وانتهت في عام 656هـ. 24 - أهم سمات العصر العباسي الأول، بناء مدينة السلام، ظهور الثورات المنحرفة. 25 - كانت الثورة الراوندية، والمقنعية، والخرمية ذات عقائد فاسدة عبرت عن الامتداد التاريخي لمعتقدات المزدكية التي أخذت عن المانوية والتي ظهرت في بلاد فارس من قبل الإسلام وكانت تعتقد بوجود إلهين النور والظلمة، ويبيحون النساء. 26 - يمتد العصر العباسي الثاني من عام 232 إلى 334هـ، ومن أشهر سمات هذا العصر، ظهور النفوذ التركي وظهور منصب أمير الأمراء، ومقتل معظم خلفاء هذا العصر. 27 - يمتد العصر العباسي الثالث من عام 334هـ، إلى نهاية عام 447هـ ومن أوضح سمات هذا العصر، سيطرة الأسرة البويهية على الحكم، استفحال سلطات الشيعة، وتكوين وظهور الإمارات المستقلة، وظهور فتنة خلق القرآن. 28 - استطاع عبدالرحمن الداخل أن يؤسس إمارة أموية في الأندلس امتدت من عام 138هـ إلى 316هـ. 29 - تعتبر بداية الخوارج على شكل جماعي له اتجاهه وآراؤه الخاصة بدأ بالخروج على علي رضي الله عنه عام 37هـ. 30 - لقد وردت أحاديث صحيحة في ذم ووصف الخوارج تعين أهل السنة على معرفتهم والحذر منهم وكشفهم، ولم يقصر سلفنا الصالح في حربهم وذمهم وبيان انحرافهم عن الصراط المستقيم. 31 - لقد تشعبت الخوارج إلى فرق عدة بلغ بها بعض أهل العلم ممن كتب في الملل والنحل إلى عشرين فرقة، وأهم هذه الفرقة هي المحكمة الأولى، والأزارقة، والنجدات، والصفرية. 32 - لقد اختلف علماء الفرق في الحكم على الإباضية ويظهر أن الإباضية تخالف منهج أهل السنة في بعض المسائل العقدية وتوافقهم في مسائل أخرى. 33 - بعض علماء الإباضية أصاب الحقيقة في الحكم على الصحابة رضي الله عنهم والبعض الآخر انحرف عن المنهج المعتدل القويم.

34 - خالف الإباضية منهج السلف في صفات الله، وفي استواء الله على عرشه، وفي باب رؤية الله عز وجل في الآخرة، واختلفوا في كون القرآن مخلوق، ووافقوا أهل السنة في باب القدر، واختلفوا في إثبات عذاب القبر، وقالوا بإثبات الشفاعة للمتقين وهذا يخالف منهج أهل السنة. 35 - لقد شارك الإباضية في التاريخ السياسي للمغرب وقاموا بثورات في نهاية الخلافة الأموية وبداية العباسية من أشهرها، ثورة عبدالجبار بن قيس والحارث بن تليد، وإسماعيل بن زياد النفوسي. 36 - كانت إمامة أبي الخطاب عبدالأعلى بن السمح على الإباضية في سنة 140هـ واستطاع أن يوسع نفوذ حكمه حتى وصل إلى خليج سرت غربا وإلى قابس شرقا ومن البحر إلى الصحراء الكبرى وأصبحت كل هذه الأراضي منضوية تحت حكم الإباضية. 37 - أقلق أبو جعفر المنصور ظهور أبي الخطاب بن السمح في بلاد المغرب فقرر القضاء عليه مهما كلفه من خسائر واستطاع أبو جعفر المنصور أن يقضي على أبي الخطاب في عام 144هـ وقاد جيوش الدولة العباسية محمد بن الأشعث والي مصر لحرب الخوارج. 38 - استطاع يزيد بن قبيصة أن يقضي على ثورة أبي حاتم يعقوب بن لبيب الإباضي عام 155هـ وتعد هذه الضربة الساحقة التي ألحقها يزيد بالإباضية نهاية لنشاط الخوارج والإباضية في صورته الشاملة المنظمة إلا أنه بقيت ثورات طفيفة لم يجد أمراء آل المهلب عناء في قمعها وردعها. 39 - استطاع عبدالرحمن بن رستم أن يكون دولة بتاهرت عام 1616هـ وامتد نفوذها فيما بعد لتضم إباضية المغرب جميعا واستطاع الخوارج الصفرية تكوين دولة في المغرب الأقصى في سلجماسة وهي التي تسمى بدولة بني مدرار. 40 - دخل المذهب المالكي إلى الشمال الإفريقي عام 183هـ على يد علي بن زياد وهو أول من أدخل الموطأ إلى إفريقية وفسر لهم قول مالك. 41 - يعتبر المذهب المالكي من المذاهب السنية المعتمدة وأصوله من أصول أهل السنة والجماعة. 42 - يعتبر إبراهيم بن الأغلب بن سالم التميمي مؤسس دولة الأغالبة وكان ذلك عام 184هـ وكان يتمتع بشجاعة نادرة، وثقافة عالية، بالإضافة إلى معرفة واسعة بشئون إفريقية. 43 - يعتبر عصر الأغالبة من أفضل العصور في الشمال الإفريقي في المجال العلمي والحضاري والعمراني وفي مجال الأمن والاستقرار والفتوحات الإسلامية. 44 - حكمت دولة الأغالبة إفريقية مائة وإحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر وتولى الحكم فيها إحدى عشر أميراً، وقد جرت فيها سنة الله في القضاء على الدول عندما ينغمس حكامها في الترف والفجور والانحلال ويظلمون العباد ويكثرون الفساد. 45 - كان أسد بن الفرات من أشهر علماء دولة الأغالبة اجتهد في طلب العلم في المدينة ومكة وبغداد والكوفة ومصر ورجع إلى القيروان معلما ومحدثاً ومربيا وقاضيا ومجاهدا. توفي عام 213هـ في غزوة صقلية. 46 - يعتبر الإمام سحنون بن سعيد التنوخي من علماء الشمال الإفريقي وظهر هذا العالم في عصر الأغالبة وبرز في علوم الفقه والحديث والفتوى والقضاء، وكان سيفا مسلطا على المبتدعة وأهل المظالم، ويضرب به المثل في الزهد والورع والإخلاص. توفي عام 240هـ. 47 - كان نظام الحكم فرديا في دولة الأغالبة وأهم وظائف الدولة هي: صاحب الخراج، صاحب البريد، صاحب الجيش، مقدم العمارة، الحاجب، القضاء، الجند. 48 - إن أهم أعمال دولة الأغالبة هي: فتح صقلية، وفتح مالطة، كسر شوكة الخوارج، تبني منهج أهل السنة والجماعة. 49 - إن من أبرز أسباب سقوط دولة الأغالبة: الصراع على الحكم بين أبناء البيت الحاكم، تركيبة الجيش المبنية على المنفعة الذاتية للجنود، ظلم بعض الأمراء وإسرافهم في القتل، بغض العامة لأمراء الأغالبة نتيجة ظلمهم، انغماس الأمراء في الخمر والفساد والانحلال وانشغالهم بذلك، ظهور دعوة عقدية في ريعان شبابها وكان دعاتها على جانب كبير من الغدر، واستغلال الظروف المواتية تمثلت في الفكر الرافضي الباطني العبيدي.

عقد التحكيم في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي

عقد التحكيم في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي ¤قحطان عبدالرحمن الدوري£بدون¥وزارة الأقاوف والشؤون الدينية - بغداد¨الأولى¢1405هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶قوانين وضعية الخاتمة لا أريد أن أجعل الخاتمة موضعا أعرض فيه كل جزئيات الكتاب ومباحثه، لأن ذلك متعذر، لكثرة التفريعات المتقدمة. وإنما أريد أن أجمل أهم النتائج التي خرجت بها من هذا البحث بعد بذل الطاقة وإفراغ الوسع فيه. 1) يحرص الإسلام كل الحرص على إقامة العدل وفض المنازعات بين الناس. ومن الطرق التي شرعها لذلك التحكيم والصلح والقضاء. وللتحكيم ميزات جعلت الكثير من الناس يفضلونه على غيره، وهي الإسراع في فض الخصومة، والاقتصاد في النفقات، وتلافي الحقد بين المتخاصمين. وروح الاعتدال التي تميز بها التحكيم جعلته يحتل في المنازعات الدولية مكانا وسطا بين صلابة القضاء الدولي وبين مرونة الوساطة وغيرها من طرق التسوية غير الإلزامية. 2) عرف التحكيم منذ بداية تكون الفكر القانوني عند الإنسان، وحين جاء الإسلام قرره ونظمه، وبحث الفقهاء المسلمون مسائله بحثا مستفيضا دقيقا، يرجع إليه المسلمون في معرفة الحكم الذي يريدون. 3) تنوع التحكيم – والأساس فيه واحد – تبعا للاختصاصات التي كان من أجلها. 4) الراجح من أقوال الفقهاء هو جواز التحكيم مطلقا، سواء وجد القاضي في البلد الإمام أو لم يوجد. وذلك لأنه مباح بالدليل النقلي من القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد أجمع الصحابة على جوازه، ومباح بالدليل العقلي لما فيه من فضائل النزاع وإصلاح ذات البين. 5) التحكيم عقد، توفر فيه ركن العقد وهو الإيجاب والقبول بشروطه، ولوازمه من العاقدين وهما المحكم والحكم، والمحل. وهو من عقود التراضي، وليس له شكل معين. 6) إثبات التحكيم بالكتابة، وتحديد موضوع النزاع، وإلزام الخصوم بعدم جواز رفع الدعوى أمام المحكمة إذا اتفقوا على التحكيم، وعدم إلزام الحكم بقبول التحكيم، وعدم جواز تنحيه بعد قبوله التحكيم بغير عذر مقبول، وتعيين مدة يشترط إصداره الحكم فيها، كلها أمور اجتهادية لها وجهها الشرعي. 7) إذا تعدد الحكم فلا مانع من أن يكون العدد وترا فيصدر الحكم بالأغلبية، فإن لم يحسم بالأغلبية بأن تشعبت الآراء عين غيرهم، ولا مانع من أن يكون العدد شفعا، فإن اختلفوا عين بدلهم آخرون، أو رجح جانب الرئيس عند التساوي إن كان فيهم رئيس. أما شروط الحكم فهي كما ذكر الفقهاء أن يكون أهلا للقضاء، لأنه بمنزلة القاضي، وهذا القول هو الأحكم والأدق حماية لحقوق الناس، لأن القانون أغفل شرط العدالة، والفقه في ما يحكم به، والكلام، مما أجمع عليه الفقهاء، فجاز بناء على نص القانون أن يكون الحكم امرأة وغير متخصص أو جاهلا بالقانون أو جاهلا لغة الخصوم، أو على غير ديانتهم أو أصم أو أبكم أو أعمى أو أميا .. وشتان بين ما ذهب إليه الفقهاء وبين ما ذهب إليه القانون. 8) لما كان الحكم حاكما اشترط أن يكون حكمه بحجة من حجج الإثبات المعتبرة التي يحكم بها القاضي، كالبينة أو الإقرار أو النكول .. فإن حكم بغير ذلك كان باطلا. 9) لا يجوز التحكيم في ما هو حق خالص لله تعالى كالحدود الواجبة حقا لله تعالى مثل حد الزنا والسرقة. ولا في ما اجتمع فيه الحقان حق الله وحق المكلف سواء غلب فيه حق الله كحد القذف، أم غلب في حق المكلف كالقصاص والتعزير. ويجوز في ما هو حق خالص للمكلف كالبيوع والكفالة والطلاق .. وقول الفقهاء هذا أوسع دائرة من القانون وأكثر تحديدا، لأن القانون ضيق المجال محدود في مسائل معينة وغير منضبط تبعا لاختلاف نظرة الدول إلى ما يعد من النظام العام أو الآداب على النحو الذي بيناه.

10) نظم الفقهاء المسلمون أحكام التحكيم في مجالات مختلفة: كالتحكيم في جزاء الصيد، والتحكيم عند شقاق الزوجين، والتحكيم في نكاح التحكيم، وفي الحرب عند إنزال أهل الحصن أو البلد المحاصر على حكم حكم يقرر مصيرهم، وفي أخذ المال من الحربيين التجار، وعند الخلاف بين الإمام ومجلس الشورى، وفي حكومة العدل في الديات. وحين بحث الفقهاء شروط الحكمين في التحكيم في جزاء الصيد والشقاق والحرب رأينا بعضها يختلف عن الآخر فلا مجال للجمع بينها، وذلك تبعا للموضوع الذي يقضى فيه. فاكتفوا في تحديد شروط التحكيم في جزاء الصيد: بالعدالة والإسلام، والمعرفة بقيمة الصيد. وفي الشقاق: إن كانا حكمين يملكان التفريق وإن أبى الزوجان فشروطهما: التكليف وهو العقل والبلوغ، والاهتداء إلى المقصود الذي بعثا من أجله، والعدالة، والإسلام، والحرية، والذكورة. وإن كانا وكيلين فشروطهما شروط الوكيل، وهي الشروط السابقة عدا شرطي الحرية والذكورة. أما شروط الحكم في التحكيم بالحرب فهي: الحرية، والإسلام، والعقل، والبلوغ، والذكورة، والعدالة، والفقه بأحكام الجهاد. فهذا الاختلاف في شروط الحكمين في كل موضوع يعود إلى نوعية الموضوع الذي يحكم فيه. ففي الصيد يحتاج إلى المعرفة بقيمة الصيد، وفي الشقاق يحتاج إلى معرفة المقصود الذي بعثا من أجله، وفي الحرب يحتاج إلى الفقه بأحكام الجهاد. ويتبع هذا المقصود الشروط الأخرى المذكورة. أما الشروط العامة التي ذكرت في باب القضاء فهي شروط القاضي كما تقدم. 11) لما كان التحكيم عقدا، فإن له آثاره المترتبة عليه، وهي: أن حكم الحكم نافذ، ولازم للمحتكمين. وأنه لازم باق لا يتغير، فلو غاب الحكم، أو أغمي عليه وبر ئ منه، أو قدم من سفره، أو حبس، كان على حكمه. ولا يجوز للقاضي نقض حكم الحكم إلا من حيث ينقض حكم القاضي. أما نفوذ حكم الحكم فلا يتم إلا بعد حكم القاضي. 12) إجراءات التحكيم التي نص عليها القانون ليس فيها ما يخالف الأصول العامة في الشريعة، وهي أمور تنظيمية أريد بها ضبط الأعمال. 13) لا يتعدى حكم الحكم إلى غير المتحاكمين. 14) ليس للحكم أن يحبس، أو يستوفي العقوبات كالقصاص والحد، وليس له أن يعزر، أو يأخذ الرسوم. 15) نظرة الفقهاء إلى أسباب رد القاضي، ومثله الحكم، أوسع وأسلم. فالقانون جوز رد المحكم للأسباب نفسها التي يرد بها القاضي. والقانون لم يفرق بين ما إذا كان حكمه لأبويه وابنه وزوجه أو عليهم، ولم يفرق بين حكمه لأبويه وابنه وزوجه وبين الأقارب وغيرهم. وعمم الحكم على القاضي الوكيل والوصي والقيم والوارث والقريب والمصاهر. ولم يفرق بين كون افتائه أو ترافعه أو قضائه أو خبرته أو تحكيمه أو أدائه للشهادة، أو إبداء رأيه قبل أوانه لمصلحة أحد الطرفين بعلم الطرف الآخر أو بعدم علمه. فضيق على القاضي دائرته الواسعة التي يجب أن ينشر فيها لواء العدل، لأن إقامة العدل ولو على أقرب الناس له هي مهمته الأولى. فإذا انحرف القاضي بسبب ميله فهناك طرق للطعن في حكمه، بالإضافة إلى أن هذا لا يقضي على انحرافه لو أراد الانحراف. أما الفقهاء فإنهم حين رأوا مهمة القاضي هي إقامة العدل اشترطوا فيه شروطا معينة، وذهبوا إلى رد حكم القاضي لمن لا تقبل شهادته له كأبويه وولده ورد حكمه على عدوه للتهمة على التفصيل السابق. 16) بعد أن قارنت ما جاء في كثير من قوانين المرافعات التي جاءت بأسس التحكيم بما قاله فقهاؤنا المسلمون، رأيت أن القوانين عموما والعراقي خاصة لم يأت بما يخالف ما نص عليه الفقهاء، فهو إما مأخوذ من أقوالهم مباشرة، أو موافق لها، أو مساير للقواعد العامة. إلا أنه اختلف في شروط الحكم، وضيق المجال في ما يجوزان يحكم به، وفي الأسباب التي يرد بها. أما قوانين الأحوال الشخصية فهي لم تخرج عما ذكره الفقهاء المسلمون وهذا يعود إلى أن مصدرها الشريعة الإسلامية. والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا

عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام

عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام ¤ناصر بن علي الشيخ£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1413هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶صحابة وآل البيت لقد توصلت في رسالتي هذه التي بحثت فيها (عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم) إلى نتائج هي: 1 - أن الصحابي عند أهل السنة والجماعة هو من لقي المصطفى صلى الله عليه وسلم يقظةً لا مناماً وآمن به ومات على الإسلام. 2 - يثبتون جميع ما ورد في فضلهم من آيات الكتاب العزيز وأحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، سواءً كان هذا الفضل على وجه العموم، أو على وجه الخصوص، الكل يثبتونه ويؤمنون به، ويُسلمون به لأولئك الأطهار الذين اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم - وجعلهم وزراء له، فكانوا حملة رسالته من بعده، وهم رضي الله عنهم وإن جمعهم شرف الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشملهم هذا الفضل الكريم إلا أنهم متفاوتون في الفضل والدرجة. 3 - أجمعوا على أن أفضل الخلق على الإطلاق بعد النبيين والمرسلين أبو بكر الصديق ثم يليه في هذه المرتبة العلية عمر الفاروق، ثم ذو النورين عثمان، ثم أبو السبطين علي رضي الله عنهم جميعاً، ثم الستة بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية. 4 - اتضح أن أهل السنة والجماعة هم أولى الناس بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث توليهم وموالاتهم ومحبتهم، فقد كان لهم القسط الأكبر والحظ الأوفر من هذا، أما دعوى الشيعة الرافضة في أنهم هم الذين اختصوا بموالاتهم فإنها دعوى بلا برهان، ولا حظ لهم من ذلك، إلا مبالغتهم في الغلو المذموم نحوهم ومعاداتهم من يحبهم أهل البيت، إذ أهل البيت يحبون جميع الصحابة ولا يكنون أي عداوة لأحدٍ منهم رضي الله عنهم جميعاً. 5 - أجمعوا على أن أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق لفضله وسابقته وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة على جميع الصحابة رضي الله عنهم، وإجماع الصحابة على تقديمه ومبايعته ثم من بعده عمر رضي الله عنه لفضله وعهد أبي بكر إليه، ثم عثمان رضي الله عنه لتقديم أهل الشورى له، ثم علي رضي الله عنه لفضله وإجماع أهل عصره عليه. 6 - كل ما أورده أهل البدع من الأدلة التي يستدلون بها على أن الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم بلا فصل هو علي رضي الله عنه إنما هي شبه ساقطة معظمها من اختراعاتهم الباطلة، وأن اعتقادهم في الإمامة على هذا النحو مبني على أحاديث موضوعة اختلقها الزنادقة الملاحدة إذ أنها مخالفة لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته في ترتيب الخلافة الراشدة وأن علياً رضي الله عنه لم يدع شيئاً من ذلك وأنه بريء من كل ما تنسبه الرافضة إليه. 7 - يعتقد أهل السنة والجماعة أن خلافة الحسن بن علي بن أبي طالب كانت خلافةً حقةً، وأنها جزء مكمل لخلافة النبوة التي أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام أن مدتها بعده ثلاثون سنة. 8 - أن أهل السُّنَّة والجماعة هي الفرقة الوحدية التي حالفها الصواب والسداد فيما يجب من الحق للصحابة على من جاء بعدهم، فقد حفظوا فيهم وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث اعتقدوا وجوب محبتهم وتعظيمهم وتوقيرهم وإنزالهم المنزلة التي أنزلهم الله فيها، ولذلك سلمت قلوبهم من الغل عليهم، وألسنتهم رطبةً بذكرهم الجميل من الترحم عليهم والاستغفار لهم، ونشر محاسنهم، والشهادة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة منهم.

9 - أن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عُدُول، صغارهم وكبارهم، ذكورهم وإناثهم من لابس الفتن ومن لم يلابسها، حيث ثبتت عدالتهم بنص الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. 10 - أن ما وقع بين الصحابة من القتال والتشاجر يجب الإمساك عنه وعدم الخوض فيه، والتتبع لكل تفصيلاته، وأن ما نقل فيما شجر بينهم واختلفوا فيه فمنه ما هو باطل وكذب قد زِيد فيه ونقص، فلا يلتفت إليه، وما كان صحيحاً يجب تأويله وحمله على أحسن المحامل؛ لأن الثناء عليهم من الله سابق، وما نقل من الكلام اللاحق فهو محتمل والمشكوك فيه والموهوم لا يبطل المحقق المعلوم. 11 - أن الحروب التي دارت بين علي وبين بعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم لم يكن الباعث عليها مطامع دنيوية، أو شهوات نفسية، وإنما كانت عن اجتهاد وتأويل، للمصيب فيها منهم أجران، أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وللمخطئ منهم أجر واحد على اجتهاده ولا إثم عليه. 12 - أن سب الصحابة والتعرض لهم بعيبهم وتنقصهم والطعن في عدالتهم حرام بنص الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهَّرة، وأن من أبغضهم جميعاً أو أكثرهم أو سبهم سباً يقدح في دينهم وعدالتهم، فإنه يكفر بهذا؛ لأن هذا يؤدي إلى إبطال الشريعة بأكملها، أو أكثرها لأن الصحابة هم الناقلون لها، وهم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم، ومن اعتقد أنهم مجروحون وغير عدول فقد طعن في تلك الواسطة التي تلقت الشريعة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن المستحيل أن تطمئن النفوس إلى شريعة نَقَلَتُها مطعون فيهم مجروحون، وكذا يكفر من أبغض واحداً منهم لأمر يرجع إلى الصحبة، أو النصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الجهاد معه، إذ هذا يؤدي إلى إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم وإيذاء الرسول كفر ومن كانت هذه حاله، فدواؤه السيف، إن لم يتب ويراجع، وأما إذا كان البغض لأمر لا يرجع إلى الصحبة ولا إلى النصر، فحكم هذا أنه فاسق مبتدع يجب تأديبه، وينكل به نكالاً شديداً، لا يبلغ به القتل حتى يظهر التوبة ويرجع عن طعنه في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرف لهم حقهم. 13 - أن من سب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقذفها بما رماها به أهل الإفك، فإنه كافر حيث كذَّب الله فيما أخبر به من براءتها وطهارتها رضي الله عنها، وأن عقوبته أن يقتل مرتداً عن ملة الإسلام. وكذلك من قذف غير عائشة من أمهات المؤمنين فهو في الحكم كقاذف عائشة رضي الله عنها؛ ذلك لأن فيه عاراً وغضاضة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأذىً له أعظم من أذاه بنكاحهن من بعده. 14 - أن جميع ما يتناقله الشيعة الرافضة وأهل البدع في كتبهم من المطاعن العامة والخاصة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرج عليها ولا كرامة، فهي أباطيل وأكاذيب مفتراة إذ دأب الرافضة وأهل البدعة رواية الأباطيل ورد ما صح من السُّنة المطهَّرة. 15 - إن القرآن في عقيدة الشيعة الرافضة بُدِّل وحُرِّف ونقص من قبل الصحابة حيث يزعمون أنه لم يجمعه كاملاً كما أنزل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. 16 - أن أئمة أهل البيت بُراء من عقيدة الشيعة الرافضة في خلافة النبوة والصحابة والقرآن، إذ أنهم لم يخرجوا في اعتقادهم فيما ذكر عما قرَّره الله تعالى في كتابه وقرَّره رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة وعما كان عليه سلف الأمة وأئمتها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

عقيدة الإمام ابن عبدالبر في التوحيد والإيمان

عقيدة الإمام ابن عبدالبر في التوحيد والإيمان ¤سليمان بن صالح بن عبدالعزيز الغصن£بدون¥دار العاصمة - الرياض¨الأولى¢1416هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .. وبعد .. فإلى هنا تأتي نهاية هذا البحث، الذي حرصت فيه على التركيز وعلى إيجاز مباحثه قدر المستطاع، وقد توصلت فيه إلى نتائج جليلة وأمور كثيرة. منها. أولاً: أننا عرفنا فيه الصحيح من اسم ابن عبدالبر وأنه يوسف بن عبدالله بن محمد بن عاصم النَّمري، وكنيته: أبو عمر، وأنه ولد في قرطبة سنة 368هـ، ونشأ في بيت علمٍ وصلاح وأخذ العلم عن مشايخ كثر، وأخذ عنه تلاميذٌ عديدون، وقد صنَّف مصنفات بلغت زهاء الأربعين مصنفاً، وقد توفي –رحمه الله- سنة 463هـ. ثانياً: أن منهج ابن عبدالبر في العقيدة هو منهج أهل السنَّة والجماعة وأنه يعتمد على الكتاب والسنَّة في ذلك، ويرد كل قولٍ يخالفهما أياً كان قائله. ومن ذلك رده على مجاهد في تفسيره المقام المحمود كما سبق بيانه. ثالثاً: أن من منهجه الأخذ بظاهر النصوص وعدم تأويلها أو ادعاء المجاز فيها؛ لأن ذلك يفضي إلى التلاعب بنصوص الشريعة وعدم الوثوق بها. رابعاً: أن ابن عبدالبر يرى الأخذ بخبر الواحد الصحيح في العقيدة كما هو منهج أهل السنَّة والجماعة. خامساً: يرى ابن عبدالبر عدم جواز القياس في باب صفات الباري جل وعلا؛ الكلام في الصفات متوقف على ورود النص. فما جاء في النصوص فيثبت، وما ينفي فينفي وما لم يرد فلا نتكلف في البحث عنه. فهذه المسألة مبناها على ورود النص فحسب. سادساً: في مجال الجدل والخوض في مسائل العقيدة يرى –رحمه الله- عدم الخوض في ذلك لأن العقيدة مبناها على التسليم والانقياد، فلا مجال فيها للجدل فالسلامة في الكف عن ذلك، إلاَّ إن اضطر أحد إلى ذلك ليدفع شبهة، أو يرد على خصم فلا بأس حينئذٍ والحالة هذه. سابعاً: لم يغفل ابن عبدالبر وهو يقرر عقيدة أهل السنَّة والجماعة أن يعرض لبعض المبتدعة وعقائدهم ويرد عليهم، بل إنه يرى هجرهم ومجانبتهم وقطع الكلام معهم. ثامناً: أن ابن عبدالبر نهج في توحيد العبادة منهج أهل السنَّة والجماعة فهو يرى تحريم اتخاذ القبور مساجد، وتحريم تجصيصها، والبناء عليها كما يرى النهي عن التشاؤم، وعن التصوير، وعن تعليق التمائم الشركية. وفي مجال الألفاظ يرى النهي عن سب الدهر، وعن الحلف بغير الله، وعن قول مطرنا بنوء كذا وكذا. فهو في هذا على منهج أهل السنة إلاَّ أن له بعض الاجتهاد الذي لا يوافق عليه ومن ذلك قوله بجواز الصلاة في المقبرة، وجواز التبرك بآثار الصالحين. تاسعاً: اتضح لنا فيما سبق أن ابن عبدالبر نهج منهج أهل السنَّة والجماعة في باب الأسماء والصفات. فقد كان من منهجه إثبات الأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنَّة من غير تشبيه ولا تكييف ومن غير تأويل ولا تمثيل، بل يؤمن بها وتمر كما جاءت. ويقرر في هذا المجال أن الجهل بالكيفية لا يلزم منه نفي الصفة. بل تثبيت الصفة على الوجه اللائق به تعالى. وقد سبق الكلام عن بعض الصفات التي عرض لها ابن عبدالبر، وقرر فيها مذهب أهل السنَّة والجماعة، مثل صفة: العلو، والاستواء، والنُّزول، والرؤية، والكلام. وفي هذا المجال يلتزم ابن عبدالبر بنصوص الكتاب والسنَّة، ويعرض عن طريق أهل الكلام وعباراتهم في هذا الباب، مما يجعله ينفي بعض العبارات الكلامية المجمل التي تحتمل حقاً وباطلاً، كلفظ الحركة والجسم والحد. وقد عرفنا منهج أهل السنَّة في مثل هذه الألفاظ فيما سبق. عاشراً: أن ابن عبدالبر –وإن كان من على منهج أهل السنَّة من حيث إثبات الصفات الواردة في الكتاب والسنَّة، كما قرر ذلك في عدَّة مواطن من كتبه- إلاَّ أنه اجتهد في بعض الصفات الخبرية، فأولَّها على غير ظاهرها، ولم يلتزم فيها منهجه الأثري، ومن ذلك صفة الضحك كما سبق بيانه.

عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية

عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية ¤أحمد بن سعد الغامدي£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1405هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶رسل - ختم النوبة الخاتمة بعد أن انتهيت من هذه الدراسة التي أثبت فيها عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية وأبطلت فيها – الشبه التي قد ترد عليها – بعد ذلك أذكر هنا أهم ما توصلت إليه في هذا البحث: أولاً: تبين لي من هذه الدراسة أن القرآن الكريم لم يقتصر في تقرير عقيدة ختم النبوة على آية الأحزاب فقط ولكنه قرر تلك العقيدة – بطريق الاستلزام العقلي – في عدة آيات أخرى: كالآيات الدالة على عموم الرسالة المحمدية. وكالآيات الدالة على تعهد الله عز وجل بحفظ كتابه. وكالآيات التي تقرر حجية القرآن على كل من بلغه. وكالآيات التي تطالب الناس بالإيمان بالرسل السابقين والكتب السابقة فقط ولم تطلب الإيمان بغيرهم. وكالآيات الدالة على كمال الإسلام وتمامه. إلى غير ذلك من الآيات التي تقرر الختم وتؤكده. ثانياً: وتبين لي – كذلك – أن النبي صلى عليه وسلم قد كان مهتماً بتقرير تلك العقيدة وتأكيدها بحيث أنه قد قررها بمختلف الأساليب البيانية وفي مختلف المناسبات الخاصة والعامة ولم يترك شبهة يمكن أن تغبش صورتها إلا وأزالها حتى تركها واضحة جلية. ثالثاً: أن الإجماع على عقيدة الختم ليس خاصاً بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بل استمر في الأمة من بعد تتوارثه في كل جيل من أجيالها إلى عصرنا الحاضر – بمختلف تخصصاتها العلمية ومسئولياتها الاجتماعية. رابعاً: وتبين كذلك من دراسة حركات التنبؤ في العصور الإسلامية الأولى وفي العصر الحديث – إلى جانب زيفها وبطلانها – أنها قد قامت مدفوعة بدوافع العصبية القبلية والعصبية الشعوبية والحقد اليهودي والصليبي. زد على ذلك الفكر الشيعي المنحرف والمجاهدات الصوفية الغالية والظروف السيئة التي مرت بها الأمة الإسلامية ابّان ظهور أكثر هذه الحركات – وخاصة المعاصرة منها. هذه هي أهم النتائج العامة التي تبينت لي أثناء دراستي لهذا البحث. وأخيراً فإني أسأل الله عز وجل أن ينفع بهذا البحث الأمة الإسلامية وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم .. وإني لأستغفر الله عز وجل مما أكون قد أخطأت فيه أو لم يحالفني فيه الصواب والله وحده هو حسبي ونعم الوكيل. والحمد لله أولاً وأخيرا.

علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة (المبادىء والمقدمات)

علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة (المبادىء والمقدمات) ¤محمد يسري£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1427هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶عقيدة - أصول المنهج خاتمة: أحمد الله تعالى على انتهائي كما حمدته في ابتدائي، وأصلي وأسلم على البشير الهادي، وعلى آله وأصحابه وأتباعه من كل حاضر وباد، وبعد: فقد اجتمع في رحلة هذا البحث جملة من النتائج المهمة يمكن تحديدها في النقاط التالية: 1 - أطلق السلف لفظة "السنة" على أصول الدين وفرائض الإسلام وأمور الاعتقاد، والأحكام القطعية في الدين، وكثير من المتأخرين خصها بما يتعلق بالاعتقاد، والسبب في ذلك أن السنة من مصادر التلقي للعقيدة الصحيحة. 2 - قد تطلق السنة باصطلاح أعم يشمل كل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والعمل، والهدي الظاهر والباطن في أصول الدين وفروعه. 3 - الجماعة هم الذين اجتمعوا على أمير على مقتضى الشرع، وهذه الجماعة يجب لزومها، ويحرم الخروج عليها وعلى أميرها جار أو عدل. 4 - أهل السنة والجماعة هم: المستمسكون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اجتمعوا على ذلك، وهم الصحابة والتابعون، وأئمة الهدى المتبعون لهم، ومن سلك سبيلهم في الاعتقاد والقول والعمل إلى يوم الدين. 5 - سمي أهل السنة والجماعة بذلك لأنهم يتبعون سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعتبرون الكتاب والسنة والإجماع مصادر معصومة من الضلال، فبها يأخذون وعليها يعتمدون، وهم مجتمعون مع أئمتهم يجاهدون معهم ويقومون بواجب الأمر والنهي، ويحرصون على الاتباع والاجتماع، ينهون عن الفرقة والابتداع. 6 - تستند مشروعية تسمية أهل السنة والجماعة إلى دلالة الكتاب، وصريح السنة، وآثار الصحابة والسلف. ومذهب أهل السنة والجماعة مذهب قديم وتسميتهم قديمة كذلك تبدأ ببداية الإسلام، لأن أهل السنة على الحقيقة هم أهل الإسلام، المتبعون لسيد الأنام صلى الله عليه وسلم. 7 - الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، وأهل السنة والجماعة، وأهل الحديث، مصطلحات شرعية مترادفة في معناها، وعند إطلاقها يدخل بعضها في بعض. 8 - السلف في اصطلاح علماء العقيدة هم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وتابعوهم، وأئمة الإسلام العدول ممن اتفقت الأمة على إمامتهم وفضلهم. 9 - كل من رضي بالله وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، مقبلاً على الالتزام بالإسلام جملة، وعلى التحكيم لشريعته مطلقاً، وبرئ من تبني مذهب بدعي؛ أو الانتساب إلى فرقة ضالة، فهو من أهل السنة، وهذا يشمل عوام المسلمين المتبعين لأهل العلم. 10 - كمال الانتساب إلى أهل السنة والجماعة يكون بتحقيق المنجية التي تعني العودة بأصول الفهم والتلقي إلى الكتاب والسنة، مع تعظيم قدر السلف، واعتماد مرجعيتهم، وضبط وإحكام القواعد والأصول في العقيدة، والعلم والاتباع، والعبادة والتربية، والأمر والنهي، والبصيرة بالواقع. 11 - علم التوحيد هو العلم بالأحكام الشرعية العقدية المكتسب من الأدلة المرضية، ورد الشبهات وقوادح الأدلة الخلافية، وهو يبحث في ذات الله وما يجب له وما يجوز وما يمتنع، وهو يقوم على دعامتين هما التصديق بجملة من العقائد المتعلقة بالله تعالى وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، وبالقضاء والقدر، والقدرة التامة على إثبات تلك العقائد الصحيحة بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها. 12 - من الأسماء المعتبرة لعلم التوحيد عند أهل السنة والجماعة: العقيدة، والإيمان، والسنة، وأصول الدين، والشريعة، والفقه الأكبر.

13 - علم الكلام هو أشهر الأسماء التي تطلقها الفرق على علم التوحيد، واختلف في سبب هذه التسمية على أقوال متعددة، ويرى أهل السنة أنها تسمية مبتدعة، وإن استعملها بعضهم فهذا فيه نوع مسامحة، وهو خلاف الصحيح والمعتمد عندهم. 14 - الفلسفة إعمال للعقل في الإلهيات وسائر الغيبيات بلا أي منطلقات سابقة من دين أو وحي، ولذلك فقد ضل من سمي بفلاسفة المسلمين فأنكروا البعث والمعاد، وقالوا بقدم العالم، وجاءوا بالكفريات، ولذلك تعد تسمية علم التوحيد بالفلسفة تسمية للإيمان بضده. 15 - موضوع علم التوحيد هو الإلهيات أو البحث في ذات الله من حيث ما يتصف به، وما يتنزه عنه، وحقه على عباده، والنبوات أو البحث في ذوات الأنبياء من حيث ما يلزمهم وما يجوز في حقهم وما يستحيل، وما يجب لهم على أتباعهم، وقضايا الغيب واليوم الآخر من حيث اعتقادها والتصديق بها، وبيان نواقض التوحيد وقوادحه. 16 - تعلم علم التوحيد منه ما هو فرض عين، ومنه ما هو فرض كفاية، ففرض العين منه هو ما تصح به عقيدة المسلم في ربه، وأما فرض الكفاية فما زاد على ذلك من التفصيل والتدليل والتعليل، وتحصيل القدرة على رد الشبهات، وإلزام المعاندين وإفحام المخالفين. 17 - يشترط للتكليف بالتوحيد: العقل ويقصد به الوصف الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوان، والبلوغ ويقصد به انتهاء حد الصغر، وسلامة إحدى حاستي السمع أو البصر، وبلوغ الدعوة وقيام الحجة؛ فلا حساب ولا عذاب إلا بعد قيام الحجة بإرسال الرسل وإنزال الكتب وبلوغ العلم. 18 - الناس بحسب بلوغ الدعوة وقيام الحجة ينقسمون إلى: أهل القبلة وهم الذين بلغتهم الدعوة فآمنوا وشهدوا بالتوحيد وماتوا على ذلك، وأهل الفترة وهم كل من لم تبلغه دعوة الرسل، ولم تقم عليه الحجة، أو عاشوا بين موت رسول وبعثة رسول آخر، ولم تبلغهم دعوة الأول، والكفار وهم كل من سمع بدين الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم فلم يؤمنوا. 19 - عمل التوحيد قد حاز الشرف الكامل دون سائر العلوم؛ لأنه متعلق بأشرف ذات وأكمل موصوف وهو الله عز وجل، ولأن معلومه هو مراد الله الشرعي الدال عليه وحيه وكلامه، ولأن الحاجة إليه عظيمة، فقد طلبه الله وأمر به كل مكلف وأنثى عليه أهله على لسان جميع الرسل، فسعادة البشرية في الدنيا والآخرة متوقفة عليه. 20 - يستمد علم التوحيد من الكتاب والسنة، وإنما يتم ذلك بمعرفة مناهج الاستنباط وطرائق الاستدلال واستخراج الأحكام عند أهل السنة والجماعة، وأما أنواع أدلته المرضية فهي: صحائح المنقول، والإجماع المتلقى بالقبول، والعقل السليم، والفطرة السوية. 21 - علم التوحيد فن مستقبل بذاته قائم بنفسه، له أصوله ومصادره، ومناهجه ومسائله، ولا يغني عنه غيره، وهو كالأساس لعلوم الإسلام الأخرى. 22 - مر علم التوحيد في وضعه وتدوينه بطورين: طور الرواية في عهد الرعيل الأول من الصحابة إذ كانوا يتلقون الوحيين عن الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم طور التدوين الذي بدأ في حياة التابعين بكتابة السنة، ثم جاء دور التصنيف في زمن تابع التابعين فكان كتاب الفقه الأكبر لأبي حنيفة هو أول مدون في العقدية، ثم تتابع التأليف بعد أبي حنيفة. 23 - ثمرة علم التوحيد في الدنيا هي السعادة والحياة الطيبة المطمئنة، والعيش في عزة وشرف وكرامة، وزيادة القوة العلمية والعملية للمؤمن الموحد، أما في الآخرة فامتناع الخلود في النار لمن ظلم نفسه، ودخول الجنة ابتداء للمقتصد، والفوز بالدرجات العلى لمن سبق بالخيرات.

24 - من ثمرات علم التوحيد: حفظ هذا العلم بحفظ قواعده وأصوله ومسائله، وفي هذا حفظ للدين نفسه، وتحصيل القدرة على إرشاد المسترشدين، وهداية المنحرفين، والوقوف أمام التيارات الإلحادية والأهواء البدعية. 25 - مسائل علم التوحيد هي معرفة أحكام القضايا الاعتقادية المتعلقة بالله تعالى وملائكته ورسله واليوم الآخر والغيبيات، من حيث الوجوب والجواز والاستحالة، وما توقفت عليه تلك الأحكام لاستفادتها على منهج أهل السنة والجماعة. 26 - من خصائص العقيدة عند أهل السنة والجماعة: التوقيفية؛ وتعني الاعتماد على الكتاب والسنة في تلقي العقيدة بفهم الصحابة، والتسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعرض لنصوص الوحيين بتحريف، أو تأويل، أو تعطيل، أو تكييف، أو تمثيل، واعتماد ألفاظ ومصطلحات الكتاب والسنة عند تقرير مسائل الاعتقاد، وسد باب الابتداع والإحداث في الدين. 27 - من خصائص العقيدة: الغيبية، وتعني قيام العقيدة على التسليم بوجود الغيب، كما تعني الإيمان بكل ما ورد في النصوص الشرعية من أمور الغيب، وعدم رد شيء منها أو تأويلها. 28 - من خصائص العقيدة: الوسطية، وتعني التوازن بين الأمور المتقابلة والتوسط بين الأطراف المتباعدة على ما تقتضيه النصوص الشرعية، وتقرر عن أهل السنة. 29 - من خصائص العقيدة: العقلانية، وتعني موافقة العقل، وإعلاء منزلته ومكانته، وتوفر طاقته وتصريفها فيما يفيد. 30 - الفطرية من أظهر خصائص العقيدة عند أهل السنة والجماعة، فقد جاءت سهلة واضحة، لا عسر فيها ولا تعقيد، بعيدة عن الغلو والتشدد في أمر الدين أصولاً وفروعاً، وعن التكلف في طلب علم ما حجب علمه. 31 - الشمولية من خصائص العقيدة عند أهل السنة لشمولها للتصور الكامل للقضايا الكبرى التي ضل في تصورها كثير من الناس، وشمولها لحياة المسلم من جهاتها المختلفة، فهي شاملة فيما تقوم عليه من أركان الإيمان وقواعده وما يتفرع عنه، وشاملة في نظرتها للوجود كله. 32 - من أهم القواعد والضوابط المنهجية في تقرير مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة: الإيمان والتسليم والتعظيم لنصوص الوحيين، وجمع النصوص في الباب الواحد ورد المتشابه إلى المحكم، والصدور في كل ما يلزم اعتقاد عن الوحي الصادق الكتاب والسنة وما يرجع إليهما من إجماع صحيح أو عقل صريح، مع اعتماد فهم السلف الصالح لنصوص الوحي حجة وأمارة على الفهم الصحيح، مع إجراء نصوص الوحي على ظاهرها المتبادر من كلام المتكلم طالما لم تحتف بالنص قرينة تصرفه عن دلالته الظاهرة، ودفع التأويل الفاسد المتعسف، ودرء التعارض بين العقل والنقل؛ لأن من مسائل الشريعة ليس فيها ما يرده العقل، فإن وجد ما يوهم التعارض فإما أن يكون النقل غير صحيح، أو صحيحاً ليس فيه دلالة صحيحة على المدَّعى، وإما أن يكون العقل فاسداً بفساد مقدماته، واعتماد ألفاظ ومصطلحات الكتاب والسنة عند تقرير مسائل الاعتقاد وأصول الدين، والتعبير بها عن المعاني الشرعية، وفق لغة القرآن وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم، والكف عما لم يرد في الشرع، والسكوت عما سكت عنه الله ورسوله وأمسك عنه السلف، وترك الخوض فيما لا علم للإنسان به من دليل أو أثر. 33 - تميز منهج أهل السنة في تدوين العقيدة بإثبات المسائل بأدلتها من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، وذلك في مقابل منهج الفرق المبتدعة في إتباع قواعد الجدل والمنطق لإثبات مسائل الاعتقاد. وقد عرض البحث لنماذج من كتب أهل السنة في الاعتقاد على مر العصور، مع دراسة لبعض هذه المصنفات وبيان لأهم خصائصها ومناهجها

فتح العلي الحميد في شرح كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد

فتح العلي الحميد في شرح كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد ¤محمد بن عبدالوهاب£مدحت بن الحسن آل فراج¥دار الأخيار – الرياض¨الأولى¢1428هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶شروح متون العقيدة الكتاب في سطور: - ردة أهل حريملا كانت سبباً في تأليف رسالة (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد). - كان قلم الشيخ معايشاً لواقع أمته، قائماً على ثغورها، مسلولاً على أعدائها. - ردة أهل حريملا كانت بسبب بغضهم لأهل التوحيد ومعاداتهم وقتالهم. - فتح المسلمون حريملا عنوة، وغنموا أموالها، وقسمها الإمام محمد بن عبد الوهاب بنفسه بين الموحدين. - المشركون دوماً على ضلالة، وليسوا على شيء. - أرسل الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله ولا يشرك به شيء. - التزام طاعة النبي صلى الله عليه وسلم شرط في صحة الإسلام وقبوله. - حرمة مشابهة الكفار والظلمة حرمة قطعية، وقد تؤول إلى الانسلاخ التام من الملة، والردة عن أهل الدين. - خياطة لباس الظلمة وبيعها لهم، بمنزلة بيع السلاح وقت الفتنة. - إن من أصل دروس دين الله وشرائعه، وظهور الكفر والمعاصي: التشبه بالكافرين. - استقر الأمر في الشريعة على فرضية الجهاد ضد المشركين، وهو فرض قائم إلى قيام الساعة. - القتال في الإسلام واجب؛ حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. - لا تستوحش من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين. - الذبح لغير الله يحرِّم الذبيحة، ويرتد الذابح به عن الملة. - المشرك الذي اتخذ مع الله إلهاً آخر يُعيَّن بالكفر؛ إلا أن يكون مكرهاً. - شروط عصمة دماء المشركين وأموالهم: النطق بالشهادتين، مع العمل بمقتضاها. - مجرد التلفظ بالشهادتين لا يكفي في الإسلام بدون العلم بمعناهما، واعتقاده إجماعاً. - الشرك ضد الإسلام ونقيضه، والضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان، وكذا النقيضان. - الإسلام: هو الاستسلام لله وحده بالخضوع لطاعته، مع عدم الشرك به في طاعته أحداً، ولا في عبادته سواه. - الإسلام: هو توحيد الله، وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وأتباعه فيما جاء به. فما لم يأت العبد بهذا فليس مسلم، وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل. - الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله. - عدم تكفير ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب للمعين مقيد ومخصوص بالأمور التي يشترط فيها إقامة الحجة، وليس في نقض التوحيد بالشرك؛ لأن المرء لا يكون مسلماً إلا بتحقيق التوحيد مع البراءة من الشرك وأهله. - إن كلمتي الكفر والإيمان إذا قصد الإنسان بهما غير حقيقتهما، صح كفره ولم يصح إيمانه. - حجة الله: هي القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ويجب التفريق بين قيام الحجة وفهمها. - لم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد في الأرض معلومة، والعقوبات لأهل الشرك متداولة بين الأمم، جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن، فلله الحجة البالغة على الشرك وأهله. - من كفر المسلمين لهواه - كالخوارج والرافضة - أو كفر عامة من أخطأ في المسائل الاجتهادية أصولاً وفروعاً؛ فهذا مبتدع ضال مخالف لما عليه سلف الأمة وأئمتها. - أول شرك وقع على وجه الأرض كان بسبب الغلو في الصالحين، وأعان عليه ومرَّره بين العباد ارتفاع العلم وانتشار الجهل، وهكذا أمر الشرك دوماً. - الشرك قبل قيام الحجة ذنب، تجب التوبة منه بعد العلم والبيان بإخلاص التوحيد لله. - حسن التوحيد وقبح الشرك أمر ثابت في نفسه قبل الرسالة وبعدها، ومعلوم بالعقل والفطرة. - لعن الله من اتخذ قبور الأنبياء مساجد، فكيف بقبور الصالحين؟

الغلو من أعظم أسباب المروق من الإسلام. - تعظيم القبور كان من أكبر أسباب عبادة الأوثان. - إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية. - الشرك الأصغر قد يصل إلى الشرك الأكبر بحسب حال صاحبه ومقصده. - اتفق أهل الملل على أن العبد لا يكون مؤمناً حتى يتبرأ من عبادة الأصنام وكل معبود سوى الله. - إن الإسلام لا يصح إلا بمعاداة أهل الشرك الأكبر؛ فإن لم يعادهم فهو منهم؛ ولو لم يفعله. - من دعا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهو كافر، ومن شك في كفره فهو كافر. - أجمع العلماء: على كفر من شتم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن شك في كفره وعذابه كفر. - أجمع المسلمون: على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى، أو شك في كفرهم. - من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كفر. - من تكلم بالكفر كفر، إلا في حال الإكراه مع اطمئنان قلبه بالإيمان. - من تكلم بالكفر كفر؛ سواء فعله خوفاً، أو طمعاً، أو مداراة، أو مشحة بوطنه، أو أهله، أو عشيرته، أو ماله، أو فعله على وجه المزح ... إلا المكره. - قد يقع الكفر، ليس بسبب تغير الاعتقاد، أو الجهل، أو البغض للدين، أو محبة للكفر ... وإنما سببه: أن لصاحبه حظاً من حظوظ الدنيا فآثره على الدين. - قال المحققون من العلماء: إذا تلفظ المكره بالكفر فلا يجوز له أن يجريه على لسانه إلا مجرى المعاريض قدر المستطاع؛ وماذاك إلا لعظم الكفر بعد الإيمان. - الصحابة رضي الله عنهم قاتلوا مانعي الزكاة قتال مرتدين، وشهدوا على قتلاهم بالنار لمجرد منع الزكاة وليس لأجل جحدها. - لا نشهد لمعين مات من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا عن علم، ولكن نرجوا للمحسنين، ونخاف على المسيئين. - ظاهر حالة المرء عند الموت يحكم له بها؛ فإن مات على الإيمان حكم له به؛ وإن مات على الكفر حكم له به، وربك أعلم بباطن حاله. - الأحكام تناط بالمظان والظواهر، لا على القطع واطلاع السرائر. - من مات على الكفر نشهد له بالنار على التعيين، ولكن على وجه غلبة الظن المناط به إجراء الأحكام، وليس على وجه اليقين. - الردة عن الإسلام تقع بالقول، وبالفعل، وبالاعتقاد. - اسم المشرك ثبت قبل الرسالة لمن أشرك بربه، وعدل به، وجعل له أنداداً. - جعل الله – جل في علاه – في فِطَر بني آدم قدراً من التوحيد يتبينون به بطلان الشرك؛ وهو التوحيد الذي شهدنا به على أنفسنا، ونحن في عالم الذر قبل الخلق. - العقل الفطري الذي به نعرف التوحيد، حجة في بطلان الشرك، ولا يحتاج ذلك إلى رسول. - العذاب على فعل الشرك في الدارين لا يكون إلا بعد إقامة الحجة. - من ادعى أن للكتب الإلهية بواطن تخالف ظواهرها فهو كافر زنديق باتفاق المسلمين واليهود والنصارى. - شر الباطنية دخل على المسلمين من باب التشيع، وهو الباب الخبيث الذي دخلت منه كل بلية على الإسلام وأهله. - دار مصر في عهد العبيديين كانت دار ردة ونفاق كدار مسليمة الكذاب. - القرامطة ودعاة علم الباطن أشد عداوة للمسلمين من التتار، وهم أكفر من اليهود والنصارى، أرادوا إبطال دعوة النبيين، وإفساد ملة المرسلين. - من كان مسلماً في الباطن، وهو جاهل معظم لقول أهل الحلول والاتحاد فهو منهم. - لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً واحداً، فإنها من شعائر الكفر والشرك. - تبرأ الله – جل في علاه – ممن اتخذ الكفار أولياء من دون المؤمنين، وحذره نفسه أشد التحذير، وأحبط عمله، وجعله من الخاسرين. - أوجب الله الموالاة بين المؤمنين، وبيَّن أن ذلك من لوازم الإيمان، ونهى عن موالاة الكفار، وبيَّن أن ذلك منتفٍ في حق المؤمنين، وأنه حال للمنافقين.

- موالاة الكفار تنافي الإيمان منافاة الضد للضد. - لا تصلح موالاة المؤمنين إلا بمعاداة الكافرين، فلا ولاء لله إلا بالبراءة من أعدائه. - من قال: لا أعادي المشركين، أو عاداهم ولم يكفِّرهم، أو قال: لا أتعرض أهل (لا إله إلا الله)، ولو فعلوا الكفر والشرك وعادوا دين الله، فهذا لا يكون مسلماً. - مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ناقض من نواقض الإسلام والإيمان. - لابد من بغض المشركين والبراء منهم حتى يصح الدخول في الإسلام. - لو قال رجل: أنا أتبع النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الحق، لكن لا أتعرض اللات والعزى، ولا أتعرض أبا جهل وأمثاله، ما علي منهم، لم يصح إسلامه. - ليتَّقِ أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً، وهو لا يشعر. - من والى الكفار خوف الدوائر فهو كافر، ولو كان مصدقاً بالإسلام في الباطن، وقاطعاً ببطلان دين الكفار والمشركين. - إيمان المؤمنين يفسد ويبطل بموالاة الكافرين، ولو كانوا أولي قربى. - أمر الله المسلمين بمصارمة الكافرين وعدواتهم، ومجانبتهم والتبري منهم. - إذا خاف المسلم من سفك دمه من الكفار المحاربين، فرخص له أن يظهر لهم قدراً من الموالاة – في الظاهر من غير اعتقاد لها في الباطن – يكف به شرهم بشرط أن لا يعين: على سفك دم حرام، أو يدل الكفار على عورات المسلمين .... - من لحق بدار الكفر والحرب مختاراً، محارباً للمسلمين، فهو بهذا الفعل مرتد له أحكام المرتد كلها. - النبي صلى الله عليه وسلم برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. - إذا لحق المسلم بدار الحرب ولم يرتد عن الإسلام؛ فهو مترد بتركه دار الإسلام ولحوقه بدار الحرب. - الرافضة تحب دولة الكفار والمشركين، وظهورهم على المسلمين والمؤمنين. - الرافضة لم تكتف بخذلان المسلمين حتى قاتلوا مع الكفار ضدهم. - كل من قفز مختاراً من جند المسلمين إلى جند الكفار فحكمه حكمهم في الكفر والقتال. - استقرت السنة على أن عقوبة المرتد أعظم وأشد من عقوبة الكافر الأصلي. - الأدلة على كفر المسلم إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على المسلمين ولو لم يشرك أكثر من أن تحصر من كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم المعتمدين. - إن الرجل إذا نسب المسلم إلى النفاق والكفر متأولاً، وغضباً لله ورسوله ودينه، لا لهواه وحظه، فإنه لا يكفر ذلك؛ بل ولا يأثم به، بل يثاب على نيته وقصده، بشرط أن يكون ضابطاً ضبطاً جيداً لأحكام التكفير وشروطه وموانعه. - الرافضة من أضل الناس في المنقول والمعقول، ومن أكذبهم في النقليات، وأجهلهم في العقليات. - الرافضة أدخلوا على الدين من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد. - أصل دين الرافضة من إحداث الزنادقة المنافقين. - الرافضة طعنوا في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، والطعن فيهم طعن في دين رب العالمين. - الرافضة دأبهم دوماً: البراءة من المسلمين، والتولي للكافرين. - لم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة، ولكن مقتاً لأهل الإسلام وبغياً عليهم. - أشبه الناس باليهود، لا تقوم لهم راية، ولا يثبت لهم قدم، ولا تجتمع لهم كلمة، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله. - ليس في المظهرين للإسلام أقرب إلى النفاق والردة من الرافضة، ولا يوجد المرتدون والمنافقون في طائفة أكثر مما يوجد فيهم. - ديارهم أكثر البلاد ظلماً، وجنسهم مختلف تماماً عن جنس المسلمين، أي أن ملتهم مباينة ومضاداة لملة المسلمين. - يسفكون دماء المسلمين، وينهبون أموالهم مستحلين لذلك؛ لأنهم يعتقدون أن المسلمين أشد كفراً وضرراً عليهم من اليهود والنصارى المشركين، ولذلك تراهم دائماً يوالون الكفار، ويعاونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم.

- العامة لا تعرف في مقابلة السني إلا الرافضي، وماذاك إلا لظهور مناقضتهم لما جاء به رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم، ولسعيهم الدؤوب في العمل على إبطال دينه، ونقض عراه، وإفساد قواعده. - انهزم المسلمون يوماً أمام النصارى، فباعوهم أولادنا بيع العبيد وأموالنا، ومشى بعضهم حاملاً لراية الصليب. ألا لعنة الله على الظالمين. - معاداتهم وضررهم على دين الإسلام والمسلمين أشد وأعمق من عداوة وضرر اليهود والنصارى والمشركين، ومن كان شاكّاً فليسأل التاريخ، ولينظر اليوم في أحوال المسلمين. - أيامهم في الإسلام كلها سود، وأعرف الناس بعيوبهم أئمة أهل التوحيد والسنة، ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم. - الرافضة – عليهم لعائن الله تترا – أخرجهم أهل السنة عن الثنتين والسبعين فرقة، وزاد أواخرهم الشرك في الربوبية والألوهية، ووصلوا فيه لحد لم يبلغه أهل الجاهلية الأولى. - البدع قد تجر أصحابها إلى الردة الصريحة، والمباينة التامة عن الملة. - لا تجالس صاحب البدعة؛ فإنه يمرض قلبك. - من وقر أهل البدع، فقد أعان على هدم الإسلام. - تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله. - طوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس، ويصلحون ما أفسده الناس. - أهل الغربة في الإسلام هم أهل الله وخاصته، فبها يتنعمون، وبها يتلذذون. - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض لازم على كل مسلم، إن قدر بيده فبيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان. - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يختص بأصحاب الولايات فقط؛ بل ذلك جائز لآحاد المسلمين. - يشترط في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون عالماً بما يأمر وينهى. - إذا ترتب على إنكار المنكر منكر أشد؛ فهو منكر وغير مشروع. - يوشك من عاش منكم أن يرى منكراً لا يستطيع له؛ غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره. - الصدق في الإيمان لا يكون إلا بالجهاد في سبيل الله. - الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم. - ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله. - الواجب على كل مسلم: تقوى الله تعالى، وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه، والاقتداء بالسلف الصالح، والاهتداء بهديهم، مع العمل الدؤوب على إخراج الإسلام من غربته الثانية إلى الظهور والعلو والتمكين. وبهذا نكون قد انتهينا من شرح هذه الرسالة المباركة، فإن وفقت فمن الله، وإن كانت الأخرى فمني ومن الشيطان، والله ورسوله صلى الله عليه وسلم منها بريئان. اللهم إني أعلم أن لي ذنوباً كباراً، اللهم فلا تجعلها حائلاً ومانعاً من وصول الحق وبيانه والانتفاع به، فإنك ياربنا تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وتعلم مدى التلبيس الحاصل اليوم من علماء السوء وأئمة الضلال.

فتنة التكفير

فتنة التكفير ¤الألباني مع تعليقات ابن باز وابن عثيمين£علي بن حسين أبو لوز¥دار ابن خزيمة - الرياض¨الثانية¢1418هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶التكفير - ضوابط وشروط خاتمة: ومما تقدم يتبين لك أيها المسلم أن تحكيم شرع الله والتحاكم إليه مما أوجبه الله ورسوله، وأنه مقتضى العبودية لله والشهادة بالرسالة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الإعراض عن ذلك أو شيء منه موجب لعذاب الله وعقابه. وهذا الأمر سواء بالنسبة لما تعامل به الدولة رعيتها، أو ما ينبغي أن تدين به جماعة المسلمين في كل مكان وزمان، وفي حال الاختلاف والتنازع الخاص والعام، سواء كان بين دولة وأخرى، وبين جماعة وجماعة، أو بين مسلم وآخر، الحكم في ذلك كله سواء، فالله سبحانه له الخلق والأمر، وهو أحكم الحاكمين. ولا إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس وآراءهم خير من حكم الله ورسوله، أو تماثلها وتشابهها، أو أجاز أن يحل محلها الأحكام الوضعية والأنظمة البشرية، وإن كان معتقداً بأن أحكام الله خير وأكمل وأعدل. فالواجب على عامة المسلمين وأمرائهم وحكامهم، وأهل الحل والعقد فيهم، أن يتقوا الله عز وجل ويحكموا شريعته في بلدانهم وسائر شؤونهم، وأن يقوا أنفسهم ومن تحت ولايتهم عذاب الله في الدنيا والآخرة، وأن يعتبروا بما حل في البلدان التي أعرضت عن حكم الله، وسارت في ركاب من قلد الغربيين، وأتبع طريقتهم، من الاختلاف والتفرق وضروب الفتن، وقلة الخيرات، وكون بعضهم يقتل بعضاً، ولا يزال الأمر عندهم في شدة، ولن تصلح أحوالهم ويرفع تسلط الأعداء عليهم سياسياً وفكرياً إلا إذا عادوا إلى الله سبحانه، وسلكوا سبيله المستقيم الذي رضيه لعباده، وأمرهم به، ووعدهم به جنات النعيم، وصدق سبحانه إذ يقول: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} ولا أعظم من الضنك الذي عاقب الله به من عصاه، ولم يستجب لأوامره فاستبدل أحكام المخلوق الضعيف، بأحكام الله رب العالمين. وما أسفه رأي من لديه كلام الله تعالى، لينطق بالحق ويفصل في الأمور، ويبين الطريق ويهدي الضال. ثم ينبذه ليأخذ بدلاً منه أقوال رجل من الناس، أو نظام دولة من الدول. ألم يعلم هؤلاء أنهم خسروا الدنيا والآخرة فلم يحصلوا الفلاح والسعادة في الدنيا، ولم يسلموا من عقاب الله وعذابه يوم القيامة، لكونهم استحلوا ما حرم الله عليهم، وتركوا ما أوجب عليهم؟! أسأل الله أن يجعل كلمتي هذه مذكرة للقوم، ومنبهة لهم للتفكر في أحوالهم، والنظر فيما فعلوه بأنفسهم وشعوبهم، فيعودوا إلى رشدهم، ويلزموا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليكونوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم حقاً، وليرفع ذكرهم بين شعوب الأرض، كما ارتفع به ذكر السلف الصالح، والقرون المفضلة من هذه الأمة، حتى ملكوا الأرض وسادوا الدنيا، ودانت لهم العباد، كل ذلك بنصر الله الذي ينصر عباده المؤمنين الذين استجابوا له ولرسوله ألا ليتهم يعلمون؟!! أي كنز أضاعوا وأي جرم ارتكبوا؟!! وما جروه على أممهم من البلاء والمصائب؟!! قال الله تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألوه} [سورة الزخرف: 44] وجاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ما معناه أن القرآن يرفع من الصدور والمصاحف في آخر الزمان، حين يزهد فيه أهله، ويعرضون عنه تلاوة وتحكيماً. فالحذر الحذر أن يصاب المسلمون بهذه المصيبة، أو تصاب بها أجيالهم المقبلة، بسبب صنيعهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وأوجه نصيحتي أيضاً إلى أقوام من المسلمين يعيشون بينهم، وقد علموا الدين، وشرع رب العالمين، ومع ذلك لا زالوا يتحاكمون عند النزاع إلى رجال يحكمون بينهم بعادات وأعراف، ويفصلون بينهم بعبارات وسجعات، ومشابهين في ذلك صنيع أهل الجاهلية الأولى. وأرجو ممن بلغته موعظتي هذه أن يتوب إلى الله، وأن يكف عن تلك الأفعال المحرمة، ويستغفر الله ويندم على ما فات، وأن يتواصى مع إخوانه ومن حوله على إبطال كل عادة جاهلية، أو عرف مخالف لشرع الله، فإن التوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. وعلى ولاة أمور أولئك الناس وأمثالهم، أن يحرصوا على تذكيرهم وموعظتهم بالحق، وبيانه لهم، وإيجاد الحكام الصالحين بينهم، ليحصل الخير بإذن الله ويكفو عباد الله عن محادته، وارتكاب معاصيه، فما أحوج المسلمين اليوم إلى رحمة ربهم، التي يغير الله بها حالهم ويرفعهم من حياة الذل والهوان إلى حياة العز والشرف. وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يفتح قلوب المسلمين لتفهم كلامه، والإقبال عليه سبحانه والعلم بشرعه والإعراض عما يخالفه، والالتزام بحكمه عملاً بقوله عز وجل: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين

قدم العالم وتسلسل الحوادث بين شيخ الإسلام ابن تيمية والفلاسفة مع بيان من أخطأ في المسألة من السابقين والمعاصرين

قدم العالم وتسلسل الحوادث بين شيخ الإسلام ابن تيمية والفلاسفة مع بيان من أخطأ في المسألة من السابقين والمعاصرين ¤كاملة الكواري£بدون¥دار أسامة - عمان¨الأولى¢2001م€توحيد وعقيدة ومنهج¶قدم العالم الخاتمة بعد أن وصلنا إلى نهاية المطاف في هذا البحث نختم الكلام عليه بما يلي: 1 - إن هذه المسألة هي من المباحث العويصة والصعبة حتى قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (1/ 299) وذلك بعد الكلام على مسألة قدم العالم وتسلسل الحوادث قال: ويدخل في ذلك الكلام في حدوث العالم والكلام في كلام الله وأفعاله، والكلام في هذين الأصلين من محارات العقول. وقال في المنهاج (1/ 212): فلا نبسطه في هذا الموضع إذ لا حاجة بنا إليه وهو من الكلام المذموم ا. هـ. وقال في موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول (1/ 275): فمن تدبر هذه الحقائق، وتبين له ما فيها من الاشتباه والالتباس: تبين له محارات أكابر النظار في هذه المهامه التي تحار فيها الأبصار، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ا. هـ. وإنما خاص شيخ الإسلام في ذلك ليبين خطأ وضلال المخالفين للرسل ولأئمة المسلمين ولهذا يقول ابن القيم في النونية: هذي نهايات لإقدام الورى ... فمن الذي يأتي بفتح بين فالله يجزيه الذي هو أهله ... في ذا المقام الضيق الأعطان ينجي الورى من غمرة الحيران ... من جنة المأوى مع الرضوان أي أن آراء الفلاسفة والمتكلمين في هذه المسألة هي غاية ما وصلت إليه عقول الورى في هذا المقام الذي هو مزلة الأقدام ومضلة الأفهام فمن ذا يستطيع أن يأتي فيه بحكم بين وقول فصل ينجي به الناس من هذه الحيرة الغامرة ويكون له عند الله ما هو له أهل من جنة ورضوان ا. هـ من شرح الهراس. وقد صدق الإمام ابن القيم بوصف هذا المقام بأنه مقام عطن وإذا كان العطن ضيقاً لزم الضيق والتعب. أن البحث في هذه المسألة من فضول العلم فلو مات الإنسان من غير بحث فيه لما كان آثماً إلا إذا خشي من عدم المعرفة أن يعتقد في الله نقصاً فإنه يجب عليه أن يحقق كما قال الشيخ العثيمين رحمه الله لكن إذا أثيرت الشبهة وجب الدفاع بالعلم والعدل كما هو الحال الآن فهي مثارة مقدرة في كثير من المناهج الدراسية فضلاً عن غيرها. يجب الاعتقاد قطعاً بأن كل ما سوى الله حادث مخلوق وما تم قديم أزلي إلا الله وحده كما صرح شيخ الإسلام بذلك. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

قواعد في بيان حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة

قواعد في بيان حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة ¤عادل بن محمد الشيخاني£بدون¥أضواء السلف - الرياض¨الأولى¢1426هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إيمان وكفر - أركان وضوابط الخاتمة نسأل الله حسنها من خلال ما سبق عرضه وبيانه في هذا البحث يمكن أن نشير إلى أهم المسائل: 1 - أن لأهل السنة والجماعة جهودًا عظيمة في تدوين العقيدة الإسلامية وتأصيل مسائلها وتحليل دلائلها. 2 - إن مسائل الإيمان لهي من أهم مسائل العقيدة الإسلامية عند أهل السنة والجماعة. 3 - أهم مسائل الإيمان عند أه السنة والجماعة هي: أ - أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. ب - لا إيمان إلا بالعمل ولا عمل إلا بإيمان والعمل ركن في الإيمان لا يصح الإيمان إلا به. ج - بين الإيمان والإسلام عموم وخصوص فإذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا. د - الاستثناء في الإيمان جائز عند أهل السنة والجماعة. هـ- الإيمان حقيقة مركبة من شعب. وأهل الإيمان يتفاضلون في الإيمان. ز - مراتب الإيمان ثلاث (أصل الإيمان – الإيمان الواجب – الإيمان المستحب). ح - للإيمان لوازم ومقتضيات لا يتحقق الإيمان إلا بها. ي – للإيمان نواقض ومبطلات تكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد. ك- إن عصمة الدم والمال لا تكون إلا بالإيمان إلا فيما استثناه الشرع وهو (العصمة بالأمان). 4 - هناك شروط وضوابط في مسألة التكفير ومنهج أهل السنة والجماعة واضح في ذلك، وهو المنهج الوسط بين إفراط الخوارج وتفريط المرجئة، فلا يكفر أهل السنة والجماعة إلا من قام الدليل الصحيح الصريح على كفره من الكتاب أو السنة أو الإجماع، بعد توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه. ولا يفوتني في نهاية هذا البحث، إلى أن أنبه إلى خطورة الخوض في هذه المسائل أعني ((مسائل الأسماء والأحكام)) بلا علم ولا حجة ولا دليل؟ وقد رأيت فيما سبق ما يتعلق بها من أحكام دنيوية وأخروية. وعليه؛ فإني أوصي: بضرورة التعمق والدراسة المتأنية لمسائل الإيمان على ضوء ما قرره الأئمة الأوائل، مع الالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة. والحذر كل الحذر؛ من عرض هذه المسائل المقررة، والمؤصلة عند أهل السنة والجماعة؛ على النقاش والأخذ والرد من جديد. فإن هذا منزلق خطير، يؤدي إلى زعزعة الأصول والثوابت العقدية، وإحداث الخلاف والشقاق، وهذا مما لا يحمد عقباه!! أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمع هذه الأمة على ما اجتمعت عليه الأوائل من سلفنا الصالح. كما أسأله سبحانه وتعالى أن يبارك في هذا الجهد المتواضع ويجعله نبراسًا يضيء الطريق للصحوة الإسلامية التي تريد النهوض بهذه الأمة على طريق توحيد العقيدة، والمنهج والصف، والجهاد في سبيل الله، إلى أن يأتي وعد الله الموعود. {ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله} [الروم: 4 - 5]

كتاب ابن عربي الصوفي في ميزان البحث والتحقيق

كتاب ابن عربي الصوفي في ميزان البحث والتحقيق ¤عبدالقادر بن حبيب الله السندي£بدون¥دار البخاري - المدينة المنورة¨الأولى¢1411هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶نقد كتاب أو فكر الخاتمة وقد درس في هذه الفصول الستة عن حياة ابن عربي بالتوسع كما ترى إن شاء الله تعالى أثناء إلقاء نظرتك العابرة على حياته وذلك من مولده إلى وفاته، وقد تنقل الرجل من مسقط رأسه مرسية بعد أن بلغ سنة على ما قيل: ثمانية عشر عاماً في البلاد المغربية من مدينة إلى مدينة حسب زعمه إلى أن وصل إلى مكة فألف فيها بعض كتبه كالفتوحات المكية والفصوص وقد تكلم العلماء عليه كما تجد ذلك موضحاً في فتاويهم التي نقلها العلامة الفاسي في العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين (161/ 199/2) وهي أطول ترجمة له، ولذا قال الفاسي أبو الطيب رحمه الله تعالى: وقد أتينا في ترجمة ابن عربي بما لا يوجد مثله مجموعاً في كتاب وقد عنى بعض أهل العصر الذي ليس له كثير نباهة ولا تحصيل بتأليف ترجمة ابن عربي وذكر فيها أشياء ساقطة وبينا شيئاً من ذلك في الترجمة التي أفردناها لابن عربي. اهـ. قلت: وقد جمع العبد الفقير إلى عفو ربه كاتب هذه السطور ترجمة ابن عربي من مصادر كثيرة ربما كانت خافية على العلامة الفاسي أو كان أصحابها متأخرين عن العلامة الفاسي، وقد جد في ترجمة ابن عربي شيء كثير من الجرح والتعديل فوقف هذا المعدم الفقير من هؤلاء المعدلين موقفاً لا يرضاه كثير من الناس، ثم أقدم بعض الناس المتأخرين بإدخال ترجمة ابن عربي في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي وذلك بعد موته بسنوات عديدة بطريقة فنية رائعة، وظن أنه لا يمكن لأحد أن يكشف هذا العمل الشنيع لأن صاحب الكتاب قد مات وليس لأحد بعده أن يحقق الموضوع بالدقة أو يمحصه تمحيصاً بحيث تظهر هذه الخيانة الكبيرة أمام الناس في هذا العصر الذي قل من يهتم بهذه الأشياء فيه، إلا أن الله تعالى قد وفق هذا العبد الضعيف بما لم يكن بمقدوره لولا تسديد الله لي وتوفيقه على دراسة هذا الموضوع دراسة جدية لعظيم خطره وجسيم ضرره على العقيدة الإسلامية الصحيحة، فجاءت هذه الدراسة الموسعة في ابن عربي الأندلسي وعن نحلته وأفكاره المدمرة للخلق والإيمان، ففله الحمد والمنة وبنعمته تتم الصالحات وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والله أعلم، وبه انتهى الباب الثاني وسوف يليه الباب الثالث وهو بعنوان فصل الخطاب في رد مزاعم الغراب والدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

مباحث المفاضلة في العقيدة

مباحث المفاضلة في العقيدة ¤محمد بن عبدالرحمن الشظيفي£بدون¥دار ابن عفان - الخبر¨الأولى¢1419هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶عقيدة - أعمال منوعة الخاتمة الحمد لله، اللهم ربنا لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملأ السموات والأرض وملأ ما بينهما، وملأ ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، لك الحمد في الأولى والآخرة، الحمد لله من قبل ومن بعد. أما بعد: فمن خلال عرض أدلة الكتاب والسنة، وإيراد دلالاتها من منطوقها وفهم العلماء تقررت في بابي البحث وفصوله أمور في مباحث المفاضلة، فقد بينت فيه فضل الخالق على خلقه نقضاً لمذهب أهل وحدة الوجود والجهمية والمعتزلة الذين يستحيل على مذاهبهم إثبات فضل الله على خلقه. ثم بينت تفاضل أسماء الله وصفاته، ودلالة هذا التفاضل على تعدد الأسماء والصفات وتعدد معانيها نقضاً لمذهب المعتزلة الذين جعلوا أسماء الله أعلاماً محضة مترادفة لا معنى لها وعطلوا صفات الله فاستحال على مذهبهم تفاضل الأسماء والصفات. وكذا بينت أن التفاضل يقع في الصفة الواحدة من صفات الله كتفاضل صفة الكلام نقضاً لمذهب الأشاعرة والكلابية ومن نحى نحوهم من المتكلمين في نفيهم تفاضل صفات الله وصفة الكلام خاصة. وبينت أن تفاضل أسماء الله وصفاته هو تفاضل بين صفات كمال لا نقص فيها ولا عيب فهو لا يستلزم نقص المفضول كما توهمه بعض أهل العلم فمنعوا لأجله تفاضل الأسماء والصفات بذواتها وحملوا ما ورد في النصوص بإثبات تفاضلها على تفاضل متعلقاتها دون ذواتها. وبينت بعد ذلك تفاضل الخلق، وأن الأنبياء أفضل الخلق نقضا لمذهب الصوفية الذين زعموا أن الولي أفضل من النبي، ومذهب الرافضة الذين فضلوا أئمتهم على الأنبياء، ومذهب من زعم جواز كون أحد من الناس أفضل من الأنبياء عقلاً. وبينت أن الأنبياء متفاضلون بعضهم أفضل من بعض، وأن أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم ثم إبراهيم ثم بقية أولي العزم من الرسل نوح وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام. ثم بينت أن أحوال النبي الفرد متفاضلة. وبينت بعد ذلك فضل الصحابة على سائر الأمة نقضاً لمذهب من انتقصهم وطعن في عدالتهم من المعتزلة والرافضة، وتقرر أن فضل الصحبة الذي اختصوا به لا يدركه من بعدهم وأنهم عدول بتعديل العليم ببواطنهم لهم. وبينت تفاضل الصحابة فيما بينهم، وأن أفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي أفرادا وأفضلهم السابقون الأولون جماعات. ثم بينت بعد ذلك تفاضل المؤمنين نقضاً لمذهب المرجئة الذين اعتقدوا التسوية بين سائر المؤمنين في الإيمان. وتناول البحث مباحث متفرقة من المفاضلة، فتقرر جواز إمامة المفضول وأن الملائكة متفاضلون، وأن الصحيح هو تفضيل الأنبياء وصالح المؤمنين على الملائكة. وتقرر كذلك تفاضل المؤمنين في الآخرة في أحوال البعث من الحشر والحساب والمرور على الصراط ودرجات الجنة. وقد تقرر من خلال البحث عدد من القواعد العامة في المفاضلة أهمها: 1 - أن التفاضل لا يكون إلا مع التعدد، فهو إنما يقع بين شيئين فصاعداً ولا يعقل في الواحد من كل وجه. 2 - أن المفاضلة لا تسلتزم نقص المفضول بل تقع في الأشياء الفاضلة. 3 - أنه قد تثبت للمفضول خصيصة فاضلة لا يشاركه فيها الفاضل. 4 - أن ثبوت فضيلة يختص بها الشيء لا تستلزم تفضيله مطلقا. 5 - أن تفاضل الأزمنة والأمكنة لا لشيء في ذاتها بل لما تعلق بها من أعمال صالحة متفاضلة. 6 - أن مدار المفاضلة بين الخلق على العبودية لله فكل من كان حظه من العبودية أتم وأكمل كان أفضل. 7 - أن المؤمن ينبغي أن ترقى همته إلى الأمور الفاضلة فلا يقنع بالمفضول منها تقاعسا عن الأفضل، يتمثل بذلك هدي نبيه صلى الله عليه وسلم وقد قال: (إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى). نسأل الله الفردوس والدرجات العلا في الدنيا والآخرة، وأن يختم لنا خير الختام في سائر شؤوننا. وأحمد الله على توفيقه وفضله، وأستغفره من خطأي وتقصيري، والحمد لله أولاً وآخراً لا شريك له. وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.

مختصر كتاب تصحيح المفاهيم العقدية في الصفات الإلهية

مختصر كتاب تصحيح المفاهيم العقدية في الصفات الإلهية ¤عيسى بن عبدالله بن مانع الحميري£بدون¥بدون¨بدون¢بدون€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - أعمال منوعة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله تتم الرحمات. وبعد: فأقول وبالله التوفيق: قد كان الصدر الأول والصحب الأكرم لا يحتاجون إلى أن يسألوا عن هذا الأمر كله أو يخوضوا فيه، لأنهم أهل اللسان وفرسان البيان بلغتهم نزل القرآن، وعلى حسب ما فهموه من تخاطبهم ورد الفرقان، وما فرط الله في كتابه من شيء وما كتم الرسول صلى الله عليه وسلم من الرسالة شيئا غير أن العرب حجة تبعتها العامة، ولولا ظهور الجهل والطغيان لما خضنا في تأليف هذا الكتاب ولكن للضرورة أحكام فنسأل الله تعالى العصمة من الفتنة والسلامة من المحنة والفوز بالنعمة، حتى يكون اللسان غير غرور ولا عثور ولا خارجا عن المأثور، فالحمد لله الذي أبان الحق وأظهره جليا لذوي العقول والألباب فكان الأمر واضحاً للعيان، وعلم عند أهل الإيمان: أن مذهب أهل الحق في الأخبار الإضافية: تفويض في تأويل وتأويل في تفويض. فنسأله تعالى المزيد من التوفيق والإرشاد للتحقيق والسلامة من حمية الجاهلية، والفوز بالعيشة الرضية، والتحيز إلى الثقة الوفية، والكينونة في بحبوحة الجماعة التي يد الله عليها وعين العناية ناظرة إليها، وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون… والحمد لله رب العالمين.

مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات

مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات ¤أحمد بن عبدالرحمن بن عثمان القاضي£بدون¥دار العاصمة - الرياض¨الأولى¢1416هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - تأويل وتفويض وتعطيل الخاتمة بعد هذا التطواف التاريخي والمناقشة لمذهب أهل التفويض في نصوص الصفات يمكن أن نلخص أهم نتائج البحث في النقاط التالية: 1 - سلامة الأمة الإسلامية من الانحراف في باب الإيمان بالله – تعالى – وأسمائه وصفاته طوال القرن الهجري الأول، وتلقي النصوص بالقبول والتسليم والفهم والتعظيم. 2 - سلامة الأمة الإسلامية من مقالة التفويض طوال القرون الثلاثة الفاضلة وعدم ظهور هذه المقالة رغم ظهور الاتجاهات المنحرفة الأخرى كالتمثيل والتعطيل. 3 - التفويض بالمعنى الأعم عند الفرق – موافق لدلالته اللغوية بمعنى الرد إلى الشيء والتحكيم فيه والتوكيل. والتفويض في باب أسماء الله وصفاته، الحكم بأن معاني نصوص الصفات مجهولة غير معقولة، لا يعلمها إلا الله وحده. 4 - القائلون بالتفويض صنفان: أ – صنف يزعمون أن ظاهر نصوص الصفات تقتضي التمثيل، فيحكمون بأن المراد بها خلاف ظاهرها. ثم لا يعينون المراد. ب – صنف يقولون: تجرى على ظاهرها. ولها تأويل لا يعلمه إلا الله خلاف الظاهر منها وهؤلاء متناقضون. 5 - ظهرت بوادر التفويض في مطلع القرن الرابع الهجري، لأسباب أبرزها: أ – الفهم الخاطئ لمذهب السلف، وهو إثبات المعنى وتفويض الكيفية. فظنوا أن مذهبهم تفويض الأمرين. ب – الأصول العقلية المستمدة من الفلسفة اليونانية التي أخذ بها أهل الكلام مثل شبهة نفي حلول الحوادث، وشبهة التركيب ونفي الجسمية والتحيز والجهة. جـ - دعوى الخوف على عقائد العوام. 6 - ساعد على تطور مقالة التفويض وانتشارها ما يلي: أ – بروز تقسيم أهل السنة إلى قسمين: متقدمين، ومتأخرين لكل قسم طريقة. ب – وقوع مقالة التفويض في كلام بعض المشهورين برواية الحديث كالخطابي والبيهقي وأبي يعلى مما أدى إلى نشرها والاطمئنان إليها. جـ - انحياز علم من أعلام التأويل – التحريف – المتبوعين: أبي المعالي الجويني إلى مذهب التفويض في آخر عمره. د – الفتيا بوجوب التزام العامة بمذهب التفويض، وأنه لا يسعهم إلا ذلك. هـ - استفاضة نسبة التفويض إلى السلف وتقريره في كتب الملل والمقالات عند المتأخرين. 7 - تغلغل مذهب التفويض منسوباً إلى السلف عند مختلف فئات الأمة من المتأخرين من متكلمين في العقائد ومفسرين وغيرهم وامتد هذا الأثر إلى الكتاب المعاصرين. 8 - عمدة أهل التفويض في استدلالهم بالقرآن الوقف على قوله (وما يعلم تأويله إلا هو) في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}. وقد بنوا شبهتهم على مقدمتين: أ – آيات الصفات من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله. ب – التأويل المذكور في الآية هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى يخالف الظاهر والنتيجة: لآيات الصفات معنى يخالف الظاهر لا يعلمه إلى الله. وقد غلطوا في المقدمتين: أ – فآيات الصفات من المحكم معناه، المتشابه في كيفيته وحقيقته. ب – التأويل المذكور في الآية – على قراءة الوقف – هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام فإن كان خيراً فهو عين المخبر به في الخارج وإن كان طلباً: فهو نفس الفعل المأمور به.

أما على قراءة الوصل فالتأويل بمعنى التفسير الذي يعلمه الراسخون في العلم وهو معاني الألفاظ في اللغة. وليس التأويل على القراءتين هو اصطلاح المتكلمين الذي أراد المفوضة نفيه. 9 - براءة السلف من وصمة التفويض، وأن ما يحتج به المفوضة من عبارات السلف حجة عليهم لا لهم. والمنقول عن السلف في الإثبات المجمل والمفصل متنوع، صريح صحيح لا حصر له. 10 - التفويض الذي يقره السلف نوعان: أ – تفويض الكيفية. ب – التفويض الخاص في نص معين من شخصٍ معين في زمن معين. 11 - فقدان مذهب التفويض لمزية (السلامة) المزعومة وأنه إلى الخطر والهلكة أقرب لما يتضمنه من الحيرة والجهل. والسلامة تحصل حقاً بمنهج الإثبات مع التنزيه – مذهب السلف – المتضمن للعلم والحكمة. 12 - العقل غير محجور عن النظر في باب أسماء الله وصفاته، بل هو أداة للفهم والتدبر لمعانيها، والتفكر في آثارها ومقتضياتها، ونصب الأدلة العقلية الصحيحة على إثباتها وإبطال الأقيسة العقلية الخاطئة. 13 - يلزم على مذهب التفويض لوازم باطلة لا محيد عنها، من القدح في حكمة الرب تبارك وتعالى، والوقوع في تعطيل دلالة النصوص، وسد باب التدبر والتفكر، والطعن في بيان القرآن، وتجهيل الأنبياء والسابقين الأولين من الصحابة والتابعين وسلف الأمة ومخالفة طريقهم. وفساد اللازم دليل على فساد الملزوم. 14 - مذهب التفويض مصادم للأدلة السمعية القاضية بوجوب التدبر والتعقل الواصفة للنصوص بالبيان والتيسير، والذامة لمن لا يفهم وكان حظه مجرد السماع. 15 - مذهب التفويض مصادم للأدلة العقلية القاضية باستحالة إهمال النبي صلى الله عليه وسلم تعليم أمته أسماء الله وصفاته، والمانعة لتأخير البيان عن وقت الحاجة، كما أن مذهب التفويض متناقض. والتناقض دليل الفساد. 16 - أثر الاتجاه التفويضي بصورة مباشرة أو غير مباشرة على انحسار مذهب السلف، لنسبته إليه، وتهوين قيمة النص الشرعي في النفوس مما حفز أهل التحريف على طرح آرائهم، وقد امتد هذا التأثير إلى أسلوب التربية في الدعوة الإسلامية المعاصرة. ومن التوصيات المهمة لمعالجة هذا الانحراف ما يلي: 1 - التوعية العامة لجمهور المسلمين في تحقيق الإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته، وعرض العقيدة السلفية عرضاً واضحاً بعيداً عن التعقيدات الكلامية. 2 - تصنيف الكتب والرسائل في هذه القضية، وبيان وجه الحق فيها. 3 - التواصل بين الجامعات ذات الخط السلفي، والجامعات والمؤسسات العلمية الأخرى على مستوى الكليات والأقسام المختصة بالعقيدة بغية توضيح هذا الجانب وتصحيحه عبر الزيارات المتبادلة واللقاءات العلمية والتبادل الثقافي. 4 - الحرص على إخراج تراث السلف وآثارهم، وتحقيقه ونشره، لأن ذلك من أقوى الأسباب الداعية إلى فهم العقيدة، وقطع الطريق على المبلسين. هذا والله المسؤول أن يصلح آخر هذه الأمة كما أصلح أولها، وأن يهب لنا من لدنه رحمة، وأن يهب لنا من لدنه رشداً. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورنبيه محمد وآله وصحبه أجمعين.

مسألة الإيمان في كفتي الميزان

مسألة الإيمان في كفتي الميزان ¤عبدالإله يوسف اليوبي£بدون¥دار المأمون - الأردن¨الأولى¢1427هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إيمان - حقيقته وأصوله - شاملة ومنوعة الخاتمة يقول المولى سبحانه وتعالى: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} [الشورى] فلقد بغت علينا طائفة المرجئة الجدد، المحتبية في ثوب زور؛ المدخلية والحلبية الأثرية والعنبرية الخبيثة، التي جرحت علماءنا وجهابذتنا والجرح بهم أولى وهم المرجئة الفاسدة ذات السلعة الكاسدة. " وهذا هو حال أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة فإنهم إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، ففيهم جهل وظلم " [منهاج السنة النبوية 1/ 20 لابن تيمية]. فوجب علينا الانتصار وعقيدة أهل السنة والجماعة، أي السلفية الشرعية الانتصار بعد البغي، ولا يجوز الإعفاء بعد القدرة والقوة والصولة على الباغي، أما الإعفاء قبل ذلك، فهو إعفاء عن ذل واستكانة، وليس ذلك من عقيدة أهل السنة والجماعة في شيء، وإنما هو عقيدة الذين لا تستطيع أن تلحقهم بمراتب الرجال، أي المرجئة الذليلة المهينة. فمن سمات أهل السنة والجماعة؛ السلفية الشرعية، الانتصار في الميدانين، ميدان العلم بالحجة والبيان، وميدان الفروسية بالسيف والسنان، وما سطرناه سببه البغي بالكذب والافتراء على من نحن وخصومنا عيال علومهم المبثوثة في كتبهم، التي جعل الله لها القبول في الأرض، مثل ابن تيمية وتلميذه ومحمد بن عبد الوهاب، وأولاده وتلامذته الذين سلكوا نفس النهج، وسليمان بن سمحان وعبد اللطيف آل الشيخ، وابنه محمد بن إبراهيم، والسعدي والشنقيطي وابن باز، والسلفي القح في الأصول المبرأ من التعصب ابن عثيمين، وعبد العزيز آل الشيخ وابن جبرين، والفوزان، وعبد العزيز بن عبد الله الراجحي، و ..... والعلامة الجهبذ المنافح على ثغر العقيدة بكر بن عبدالله أبو زيد، والعلامة المحقق محمد بن إبراهيم شقرة أبو مالك، فهو أحد الذين لأجلهم انتصرنا وطالبنا المبارزة في الميدان، فكان ما كتبنا هو الذي استقر بعد ما انجلى غبار الميدان، فله أسأل سبحانه وتعالى أن تكون هذه العصارة من النفع الذي يمكث في الأرض. أما البغاة فهم طائفتان: ـ طائفة مخانيث الجهمية: فهذه نارها غير مؤججة لأنها أخمدت من زمن بعيد على أيدي أتباع الرسل مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه و ... والمعلمي و ... رحمهم الله تعالى. ـ أما الثانية: فهي طائفة المرجئة الجدد: في أخطر من التي قبلها لأنها جعلت معتقد السلف شعارا والإرجاء دثارا، فاستشكل أمرها والتبس على العامة وطلاب العلم قليلي الخبرة، والسبب أن في هذه الطائفة توجهان. ـ توجه جهل المراد لما سبق إلى ذهنه من أصول واهية في مسائل الإيمان، طلب لها مستنكر التأويلات ببضاعة مزجاة في دعامة الدين أي مسألة الإيمان، وهذا يمثله العلامة المحدث الألباني رحمه الله ولقد ظهر ذلك جليا في شبهاته. ـ أما الوجه الثاني: فلقد عرف المراد وأيقنه، فذهب مذهب البتر والتحريف ليلحد في المراد، وهذا يمثله ربيع بن هادي المدخلي المرجئ وابنه المحرف الذي أضاف كلمة " صلاة" في كتاب " الحجة في بيان المحجة" ليمرر بدعته، ولقد فضحه الشيخ الفاضل محمد بن محمود أبو رحيم، وعلي حسن حلبي المرجئ أثري الزرقاء، وخالد علي العنبري الجهمي الضال ومن قدم له. يقول العلامة الجهبذ بكر بن عبدالله أبو زيد: "وما زالت ثائرة أهل الأهواء توظف هذه المكيدة في ثلب علماء الأمة فقد لجوا في الحط على شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ لأنه عمدة في القرون المتأخرة لإحياء منهج السلف.

ونشروا في العالم التشنيع على دعوة علماء السلف في قلب الجزيرة بالرجوع إلى الوحيين الشريفين، ونبزهم بشتى الألقاب للتنفير. وفي عصرنا الحاضر يأخذ الدور في هذه الفتنة دورته في مسلاخ من المنتسبين إلى السنة متلفعين بمرط ينسبونه إلى السلفية ـ ظلما لها ـ فنصبوا أنفسهم لرمي الدعاة بالتهم الفاجرة المبنية على الحجج الواهية واشتملوا بضلالة التصنيف. وهذا بلاء عريض، وفتنة مضلة في تقليص ظل الدين وتشتيت جماعة وزرع البغضاء بينهم، وإسقاط حملته من أعين الرعية، وما هنالك من العناد وجحد الحق تارة، ورده أخرى. ويا لله كم صدت هذه الفتنة العمياء عن الوقوف في وجه المد الإلحادي، والمد الطرقي، والعبث الأخلاقي، وإعطاء الفرصة في استباحة أخلاقيات العباد وتأجيج سبل الفساد والإفساد. إلى آخر ما تجره هذه المكيدة المهينة من جنايات على الدين وعلى علمائه، وعلى الأمة، وعلى ولاة أمرها. وبالجملة فهي فتنة مضلة والقائم بها " مفتون " و" منشق" عن جماعة المسلمين " [تصنيف الناس بين الظن واليقين ص 28، 29]. ويقول أيضا هذا الجهبذ ـ حفظه الله تعالى ـ: " لكن بلية لا لعا لها، وفتنة وقى الله شرها حين سرت في عصرنا ـ ظاهرة الشغب هذه إلى من شاء من المنتسبين إلى السنة، ودعوى نصرتها، فاتخذوا " التصنيف بالتجريح " دينا وديدنا، فصاروا إلباً على أقرانهم من أهل السنة، وحربا على رؤوسهم، وعظمائهم، يلحقونهم الأوصاف المرذولة، ونبزوهم بالألقاب المستشنعة المهزولة، حتى بلغت بهم الحال أن فاهوا بقولتهم عن إخوانهم في الاعتقاد، والسنة، والأثر: " هم أضر من اليهود والنصارى" و" فلان زنديق"؟؟ " [تصنيف الناس بين الظن واليقين ص 39] وهذه الصفة المزرية سمة تلوح على جبين ربيع بن هادي المدخلي المتلفع بمرط الإرجاء، ولقد استبان أمره وكفر به طائفته مثل " فالح الحربي " ... ، زيادة على البضاعة المزجاة في الجرح والتعديل، مما حمل الجهبذ العلامة بكر بفردها بمصنف وسماه بـ" التأصيل لقواعد الجرح والتعديل" نصحا للدين ورفقا بالأمة حتى لا تسلك مسلكه الوخيم. أما صفة التعالم مع خبث الكبر والحسد، فلقد اتسم بها فريق الأثرية علي حلبي البائس وبطانته الفاسدة، وأحسن وصف وجدته ينطبق فيه، ما سطره العلامة الجهبذ بكر بن عبدالله أبو زيد. قال ـ حفظه الله تعالى ـ: " تعدد الشخصيات في الشخص الجاثمة بين جوانح الحاملين لنظرية " تعدد الشخصيات في الشخص الواحد": شخصية التعالم، وشخصية التقية، الملاينة على حساب الحق. " [التعالم وأثره على الفكر والكتاب ص 35]. ويقول أيضا: "6ـ ومنه الانتحال: وقد بلغ سوء الحال إلى انتحال كتب ورسائل برمتها، وقد بسطت هذا أشد البسط ولله الحمد في " معجم المؤلفات المنحولة" يسر الله إتمامه وطبعه ... وأما تغيير أسماء الكتب و" تنتيف الكتب " بمعنى: أخذ بحث من موضوع من كتاب، وإفراده بالطبع، ويرسم على طرته تأليف فلان دون الإشارة على الغلاف بأنه مستل من كتاب كذا، فهذا التغرير شيء لا تسأل عنه فقد بلغ فيه العبث مبلغا طوره، وازدحمت عليه ممارسات المتأكلين وتكسرت منهم النصال على النصال من كتبيين، ووراقين، ومحققين .. في فوضى لا نعلم لها على وجه الأرض من رادع لكن لعل التنبيه ينفع من كان له من نفسه وازع. 7ـ ومن التعالم: نفخ الكتاب بالترف العلمي والتطويل الذي ليس فيه من طائل، بل هو كالضرب في حديد بارد، وذلك في أعقاب ثورة الإنتاج الطباعي ـ تحت شعار التحقيق، بحيث يكون الأصل لو ضع في ظرف لوسعه" [التعالم وأثره على الفكر والكتاب ص 73، 74].

ويظهر ذلك جليا في طراته التي يسود لأجلها الصفحات، فلو جمعت كل طرة على حدى لوضعت في ظرف كما قال الجهبذ العلامة بكر بن عبدالله أبوزيد ـ حفظه الله ـ فدع عنك الكتابة لست منها ولو سودت وجهك بالمداد فلو قال قائل: هلا نصحتم هذا المغرور التائه في ظلمات الإرجاء الملبس المدلس الملحد في تركه أئمتنا لعله يرعوي؟! قلت: كثيرا ما يعلق هذا المرجئ الجلد " الأخ الكبير المفضال" ولا شك في فضله وغزارة علمه، نصحه بالتلميح لما ظن بنفسه وذهب يزاحم الآكابر لما قربوه وأكرموه وخاض في دعامة الدين أي مسألة الإيمان ببضاعة مزجاة بل يلحد فيها ليمرر بدعته الموهونة حذره برسالة فيها من الدر الثمين وسمها بـ " درء الفتنة عن أهل السنة" وكأنه يقول له هذا المفضال " يا حلبي، يا أثري بين ـ المعكوفتين ـ إلزم حدك واعرف قدرك تثبت قدمك" لكن هذا الدعي لم يكن من الألباء الذين إذا أشيرا لهم فهموا وارعووا، فلما كان هذا حاله، نقل إلى مرحلة التصريح، وهذه المرة مع شيخ فاضل يعرف فضله أهل الفضل يسميه هذا الدعي بـ " الرويبضة" في " البرهانية" كشف عن قناعه في درة ثمينة سمها " حقيقة الخلاف بين السلفية الشرعية وأدعيائها في مسائل الإيمان " فلم يرعوي. فاضطر بعد ذلك حماة السنة الذين لا يعبأ بالأخوة المفضالية على حساب العقيدة، فأنبوه وردعوه، بفتوى تحذر فيها عن كتبه بل طراته وتحرم بيعها، فلما تعاطف معه بعض البؤساء لأنه يحسن التصنع رفع هذا التعاطف المزري الشيخ الفاضل محمد بن سالم الدوسري، فهل نفعه ذلك وارعوى؟ بل كان لسان قاله وحاله يقول كما قال المولى سبحانه وتعالى عن قوم عاد: {قالوا سواء علينا أو عظت أم لم تكن من الواعظين}. فلم يبق مع هذا الدعي الضال إلا القاعدة المطردة " العمرية " فله أسأل أن يكون للإسلام دولة في تلك الديار ويعد له العراجين لتطبق فيه هذه القاعدة الجليلة لأنه من أهل الأهواء والبدع الذين يرعون إلا بها لأن الغالب على الخلق خاصة ممن كان له هذه العرة كأثري الزرقاء، لا ينقادون للحق إلا بالقهر، نسأل الله السلامة من هوى بلغ السويداء وقبل أن نختم الكلام عن هذا التوجه الضال المنحرف الملحد في تركه الأئمة الأعلام المتمثل في المدرسة التائهة أي المدخلية والحلبية والعنبرية ليلقي بكامله في الحش كما قال الإمام الشعبي رحمه الله تعالى أود التعليق على كلام واه مجمل مرفوض بهذا الأسلوب في مجال العقيدة خاصة إذا علمنا أن عمدة هذا التوجه الضال الضرب بمعاول المجملات والمحتملات في العقيدة عموما وفي دعامة الدين خصوصا. فلقد اعتمده هذا الضال في طرته " البرهانية " ليلمز به الفضلاء الذين كشفوا كالذي ناقشنا شبهاته أي العلامة الألباني رحمه الله تعالى فتعلق به فإذا به وأوهن من خيط العنكبوت. يقول ناصر عبد الكريم العقل " ثامنا: أنه ليس كل من رمي بالإرجاء فهو مرجئ لاسيما في عصرنا هذا فإن أصحاب النزعة التكفيرية وأهل التشدد سواء ممن كانوا على مذاهب الخوارج أو من دونهم من الذين يجهلونه قواعد السلف في الأسماء والأحكام ـ وأقوال إن أصحاب هذه النزعات صاروا يرمون المخالفين لهم من العلماء وطلاب العلم بأنهم مرجئة وأكثر ما يكن ذلك من مسائل الحكم بغير ما أنزل الله ومسائل الولاء والبراء ونحوها. وقد يقع بعض المنتسبين للعلم والسنة في شيء من ذلك دون روية بل من الجدير بالتنويه أن بعض طلاب العلم الكبار الذين كتبوا في مسائل التكفير في هذا العصر رموا بعض المخالفين لهم في التوجهات بالإرجاء في مسائل خلافية عن السلف ولا تدخل عند التحقيق في أصول الإرجاء. والله أعلم. [القدرية والمرجئة ص 121].

أقول: هذا الكلام ليس بتحقيق بالغ، بل فيه نزعة تحاملية، غلب عليها الحب الذي يعمي ويصم وذلك أن الكلام المجمل مرفوض في مجال العقيدة، وهذا الكلام يصب في خانة المرجئة الذين كانوا يلمزون الإمام الجليل محمد بن عبد الوهاب وأبنائه رحمهم الله بالتكفير والتشدد، لما كان ينهاهم عن الشرك وتحكيم شرع الرفاقة، وموالاة الكافرين والمشركين، ثم من هم طلاب العلم الكبار الذين رموا بعض المخالفين لهم بالإرجاء؟!! أتريد أن تبرئ علي حسن حلبي منه، وهو ينعق لأجله في كل طراته؟! أم تريد أن تشكك في فتوى اللجنة الدائمة لما حرمت كتب المرجئة المبتدعة كـ " صيحة نذير" و" الحكم بغير ما أنزل الله" للجهمي خالد علي العنبري و" ضبط الضوابط " للزهراني؟!! أم تريد أن تبرئ العلامة الألباني رحمه الله منه وهو يسبح في حوضه؟! فإذا غلب عليك الحب الذي يعمي ويصم فأرجوك لا تسود الصفحات " وخل المطي وحاديها، وأعط القوس باريها " [مفتاح دار السعادة 1/ 334 والزاد 3/ 639 لابن قيم الجوزية]. دع الهوى لأناس يعرفون به قد كابدوا الحب حتى لان أصعبه بالرغم ما سودت فيه الصفحات هو تعاريف مبثوثة في عدة مواطن غير عزيزة ولم أر أنك أسكت خصما ولا عالجت شبهة بل من سلك نهج الحق الذي قل ناصره اليوم لا يتبع العالم في زلته ولا يبرأه من كبوته ولا يؤاخذه على هفوته فضلا على أن ينافح عنه بالباطل وهذا نهج سلكه من كان قبلنا وهم فوقنا في كل علم وورع رحمهم الله. يقول الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة كبير المفسرين قتادة بن دعامة السدوسي: " ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه وإتباعه، يغفر له زلله ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه نعم: ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو التوبة من ذلك " [سير أعلام النبلاء 6/ 91] فأين منزلة العلامة الألباني رحمه الله من قتادة كبير المفسرين؟! فنحن نحب العلامة الألباني ونتقرب بحبه إلى المولى سبحانه فضلا على أن لا ننسى فضله في خدمة السنة خاصة علم الحديث كما لا يجوز غض الطرف عما هو يسبح فيه بل غاص فيه إلى القعر، أي الإرجاء ولقد قلنا أنه لم يكن في هذه الدعامة أي مسألة الإيمان على أساس متين فنحن نعلم الحق ونرحم الخلق ونقول فيه بالحق، نبتغي في ذلك كله منازل الأبرار. فله أسأل أن يجعل ما كتبت ذخرا لي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم كما أنصح لمن أراد أن يرد عليّ أن يتجنب الهوى وليبطل ما رقمته بالحجة والبرهان وسيجدني بعد ذلك إن شاء الله ماسكا أنفي وقائلا: " رغم أنفي للحق رغم أنفي للحق رغم أنفي للحق ... " أما إن رد مثل صاحب الطرة " البرهانية" بالسب والتسفيه والكذب الصراح، فأقول له: ومن يك ذا فم مر مريض يجد مرا به الماء الزلالا كما لا يفوتني أن أشكر كل من قدم لي يد العون وأخص منهم بالذكر أم عزير عبد الإله أخذ الله بناصيتها للبر والتقوى، والأخ أسامة السعدي أبو محمد، على تنضيد ما كتبت وإعداده لطباعة على الحاسوب اللهم اجعل عملي هذا صالحا ولوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد منه شيئا أبدا وسبحان الله وبحمدك أشهد أن لا إله إلا الله أستغفرك وأتوب إليك وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وكتب: أبو عزير عبد الإله يوسف اليوبي الحسني الجزائري 20رجب 1426هـ بمدينة أورهوس ـ الدنمارك ـ

مسالك أهل السنة فيما أشكل من نصوص العقيدة

مسالك أهل السنة فيما أشكل من نصوص العقيدة ¤عبدالرزاق بن طاهر معاش£بدون¥دار ابن عفان - القاهرة¨الأولى¢1425هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶شبهات وأخطاء في ختام هذا البحث، أحمد الله الذي وفقني لإتمامه وإنجازه على الوجه الذي هو عليه، وأسجل هنا أهم النتائج التي توصلت إليها، كما أذكر بعض التوصيات التي من شأنها-في نظري- أن تزيد في بيان مسألة التعارض المدعى بين النصوص أو بين الشرع والعقل، وأنها من خيالات أهل الكلام. وهذه بعض تلك النتائج، والتوصيات: 1. أن الأصل في نصوص هذه الشريعة الوضوح والبيان، ومما يشكل فإنما هو في نظر الناظر فيها لقصوره في الاطلاع على جملة الأدلة، أو في فهم دلالاتها. 2. أن توافق النصوص الشرعية وائتلافها من اليقينيات، لما قام على ذلك من البراهين والحجج الشرعية –النقلية والعقلية- والفطرية والواقعية. ومثل هذا اليقين لا يمكن أن يزول بشكوك أهل الفلسفة والكلام والهواء، وريب المبهورين من أتباعهم في كل زمان. 3. أن توافق العقل الصريح المستقيم الذي لا يفرق بين المتماثلات، ولا يجمع بين المختلفات، وبين النقل الصحيح الثابت من اليقينيات كذلك الذي قامت عليها الأدلة، وما خالف ذلك وشذ عنه إنما هو خيالات وأهواء سميت عقليات، أو هو نقل مكذوب منتحل لا تصح نسبته إلى الله ورسوله. 4. لأهل السنة منهج واضح قائم على قواعد ثابتة في بيان التوافق والائتلاف بين أدلة الشرع النقلية والعقلية، وفي درء الاختلاف عنها والتضاد. كما لهم مسالك علمية صحيحة في كشف ما يشكل من معاني النصوص، والرد على الطاعنين في ذلك. 5. أن تعظيم شعائر الله: بتوقير الرسول صلى الله عليه وسلم وتصديقه في جميع ما أخبر به مما صح عنه، من أعظم ما يعصم من الحيرة والضلال الناشئين عن تحكيم خبره صلى الله عليه وسلم للأهواء والآراء المنحرفة التي يسميها أصحابها (عقليات). 6. أن ما يلزم من القول بالتعارض بين الشرع والعقل من اللوازم الخطيرة على عقيدة المرء، وتصوره، وعمله، مما يجب أن يصون المسلم الحريص على دينه نفسه عن القول به أو اعتقاده. 7. أن منشأ الضلال في باب العقائد هو تقديم الرأي والهوى والبدعة على نصوص الشرع. 8. تشابه أهل البدع –على اختلافاتهم الشديدة- في موقفهم من النصوص التي تخالف أهواءهم، وقد بان ذلك في توارثهم للمنهج نفسه في رد النصوص بدعوى دلالتها على الباطل والمحال، ومعارضتها للعقل أو الذوق أو الكشف. 9. أن نصب المعارضة بين العقل والنقل دليل على الجهل بهما، لأن الصريح والصحيح منهما لا يمكن أن يتعارضا بأي حال، كيف وقد كانا من أهم ما أقام الله تعالى به الحجة على العباد، بما ضربه لهم من الأمثال البالغة التي هي الأقيسة العقلية الصحيحة، وبما أنزله من محكم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. 10. من أهم ما يلاحظ على تناول أهل السنة للمشكل في نصوص العقيدة: أنهم لم يدرجوا ضمنه نصوص الصفات، ولم يجعلوها هي أصل الإشكال، وإنما يذكرونها في معرض الرد على من اعتبر نصا من النصوص مما يدل على إثبات صفة أو نفيها، فيتخذ ذلك منهجا في النفي والإثبات، والأمر في الحقيقة والواقع ليس كذلك. ومن التوصيات التي أرى ذكرها في هذا الموضوع، هي: 1. أن المسالك التي اعتمدها علماء أهل السنة في درء التعارض بين النصوص، أو بين العقل والنقل، أوفي حل ما يشكل معناه على بعض الفهوم كثيرة جدا، وهذا البحث لم أقصد به الاستقصاء، ولذا ما زال هذا الموضوع مفتوحا لمزيد من الأبحاث والدراسات الدقيقة والمفصلة لتلك المسالك.

2. كما أن النصوص التي قد استشهدت بها على مسالك أهل السنة فيما أشكل من نصوص العقيدة، هي نماذج وأمثلة فقط، لذا فجمع النصوص العقدية خاصة التي قد يغلط في فهمها أناس، وتبويبها، وتمحيصها ببيان صحيحها من سقيمها بعد تتبعها في مظانها في دواوين الإسلام، من أهم ما أرى القيام به من طرف الباحثين. ومسألة التمحيص بين ما يحتج به وما لا يحتج به من أهم مرتكزات مثل هذه البحوث، لن كثيرا من كتب أهل البدع التي تناولت موضوع المشكل فيها من الضعيف بل الموضوع الشيء الكثير. 3. من أهم ما يتعين على الباحثين القيام به كذلك، التعليق على المطبوع من الكتب التي ألفت على المناهج البدعية، ونشر الدراسات النقدية حولها، لأن اعتماد كثير من الناس في موضوع المشكل على مثل تلك الكتب مما يزيد من الإشكالات في أذهانهم. ومما له علاقة كذلك في هذا الموضوع، هو تتبع بعض الأوجه الضعيفة التي تناول بها بعض علمائنا –رحمهم الله- توجيه بعض النصوص العقدية، أو حتى في استشكال بعضها مما لا إشكال فيه، وبيان أوجه الصواب والأولى في توجيه تلك النصوص. 4. عدم التحمس لطاعة ما هو مخطوط من الكتب البدعية في هذا المجال ولو للرد عليها، لن في إظهارها في فتنة لبعض الناس، وخاصة إذا كانت تلك الكتب في درجة كتاب ابن اللبان الذي سار فيه على نهج باطني خطير، عبارته حلوة ومضمونه سم ناقع كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر. وختاما، فهذا جهد المقل، وما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، وأستغفر الله تعالى منه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

مشكلة الغلو في الدين في العصر الحاضر الأسباب - الآثار - العلاج

مشكلة الغلو في الدين في العصر الحاضر الأسباب - الآثار - العلاج ¤عبدالرحمن بن معلا اللويحق£بدون¥بدون¨الأولى¢1419هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶وسطية وغلو الخاتمة ها أنذا –بحمد الله- ألقي عصا التسيار، متمماً ما بدأته من البحث في: (مشكلة الغلو في الدين في العصر الحاضر: الآثار، العلاج). وأختم ببيان أهم النتائج التي توصلت إليها: أولاً: أن لهذه المشكلة أهمية كبرى، فلها شأوٌ لم تبلغه مشكلة أخرى، فقد اهتم بها الخلق مسلمهم وكافرهم، ولكل وجهةٍ هو مولّيها في الاهتمام، ولذلك فإن الواجب دراسة المشكلة دراسةً علمية دقيقة. ثانياً: أن هذه المشكلة عائدة إلى أسباب سائقة إليها، وممدّةٍ لمظاهرها ولهذه الأسباب أهميتها لدراسة المشكلة فهي الممهدة للعلاج وبقطعها تقطع المشكلة من أصلها. ثالثاً: أن هذه الأسباب تختلف من جهة تأثيرها، باعتبارات متعدّدة، فقد يكون سببٌ ما مؤثراً في بيئةٍ أو بلد أو فرد وغير مؤثر في الآخرين، أو موجوداً هنا وغيرُ موجودٍ هناك. رابعاً: أن الأسباب تختلف: • فمنها ما يعود إلى جوانب علمية، مثل: الجهل بالكتاب، والجهل بمقاصد الشريعة. • ومنها ما يعود إلى جوانب متعلقة بالمنهج العلمي، مثل: التأويل والتحريف، وعدم الجمع بين الأدلة. • ومنها ما يعود إلى جوانب متعلقة بالمنهج العملي مثل: الاستعجال، وعدم تقدير ظروف الناس وأعذارهم. • ومنها ما يعود إلى جوانب نفسية مثل الاضطرابات الانفعالية. • ومنها ما يعود إلى جوانب تربوية مثل: ضعف الصبر، واليأس. • ومنها ما هو غير متعلق بالفرد وإنما هو نتاج أزمات ومشكلات اجتماعية، وذلك مثل: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. • ومنها ما هو سبب متعلق بأمر عالمي مثل: التآمر على الدين الإسلامي عالمياً. خامساً: أن مشكلة الغلو لها آثار غير حميدة على الفرد والمجتمع ودراسة هذه الآثار نافعة لتنفير الناس من الغلو وهذه الآثار منها: • ما هو أثرٌ من الناحية العقدية مثل: التفرق. • ومنها ما هو أثرٌ من الناحية الفكرية مثل: التناقض. • ومنها ما هو أثرٌ سلوكي مثل: الوقوع فيما هو شرٌ من المعاصي. • ومنها ما هو أثرٌ من الناحية الاجتماعية مثل: تضييع الحقوق. سادساً: إن علاج مشكلة الغلو يجب أن يكون مبنياً على الضوابط العلمية الشرعية، وبالدراسة للنصوص وكلام أهل العلم، وتطبيقاتهم يتضح أن ثمة أساساً وخصائص لمنهج الإسلام في علاج مشكلة الغلو. سابعاً: أن موارد الغلو وأسبابها متنوعةً، ولابد أن يكون العلاج مقابلاً للأسباب، فيكون منه علاج عقدي، ومنه علاج علمي، ومنه علاج تربوي، ومنه علاج اجتماعي. ثامناً: أن المعالجات المعاصرة لمشكلة الغلو تحتاج –في الغالب- إلى مراجعات شاملةً؛ لأن الزلل والخطأ فيها كثير. وإنني في ختام هذا البحث أثني بحمد الله عز وجل الذي بنعمته تتم الصالحات، والذي له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجع الأمور، وأوكد أني قد خففت وإن ظن أني قد أكثرت فما أعرضت عنه صفحاً أكثر بكثير مما ذكرت. وإنه لقمنٌ بكل واقفٍ على هذا البحث أن يسدد ما به من خلل، وأن يستر ما فيه من زلل، فلقد قلمت الأوائل والأواخر أنَّه ليس من العصمة أمان. فاللهم لا تعذب يداً كتبت تريد نفي الغالين، وانتحال المبطلين عن دينك، ولا تحرمني بفضلك خير ما عندك بشر ما عندي. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. وكتبه عبدالرحمن بن معلا اللويحق

مصادر التلقي وأصول الاستدلال العقدية عند الإمامية الاثني عشرية عرض ونقد

مصادر التلقي وأصول الاستدلال العقدية عند الإمامية الاثني عشرية عرض ونقد ¤إيمان صالح العلواني£بدون¥دار التدمرية – الرياض¨الأولى¢1429هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶شيعة إمامية الخاتمة: الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، أرسل رسوله بالهدى، وآيات بينات، مرغماً لأعدائه، هادياً لأوليائه، مبيناً للحلال والحرام، قاطعاً للخصام، شافياً للأسقام، وهادماً للأوهام، ثم الصلاة والسلام على سيد الأنام، المؤيد بالمعجزات الباهرات، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين الطاهرات العفيفات، القانتات الطائعات، وعلى آله وأصحابه أفضل البريات، وبعد: أحمده تعالى على أن منَّ علي بإتمام هذا البحث، وجمع ما تيسر من شتات المسائل بالبراهين والدلائل، فكان التوفيق والتسديد من الله تعالى هادي العبيد أن أتوصل من خلال دراستي لهذا الموضوع الهام (مصادر التلقي وأصول الاستدلال العقدية عند الإمامية الاثني عشرية عرض ونقد) إلى نتائج عديدة مهمة في تقرير منهج الإمامي؛ أخبارية وأصولية في الاستدلال في مسائل العقيدة، وبثلاث وعشرين مبحثاً موزعة على خمسة فصول: مقدمة بتمهيد يوضح تاريخ افتراق الإمامية إلى أخبرية وأصولية مع الأدوار التي مرت بها كلتا المدرستين. وفي خاتمة هذا البحث أقيد أهم النتائج التي توصلت مع اختصارها قدر الإمكان على النحو الآتي: أولاً: النتائج العامة: الأولى: عند التحقيق، والنظر الدقيق نرى أن الخلاف بين الأخبارية والأصولية خلاف صوري، وما كانت المنازعات والمجادلات الكلامية التي بدأت بينهم أواخر القرن العاشر بقيادة الاسترابادي ما هي إلا ثورة ضد الاجتهاد، وإعمال الدليل العقلي مقابل النصوص المقدسة! فرفض مرويات الأئمة بالتضعيف، ومجاهرة الطائفة الأصولية بذلك مما أثار حميتهم، وجعلهم يتصدون لهم بكل ما أوتوا من قوة، ولو دققوا النظر قليلاً بعيداً عن التعصب لوجدوا أنهم والأصوليين في قالب واحد لا يفترقان ولا يختلفان في شيء أبداً. فالإمام مقدس، ونصوصه مقدسة – وما كانت حركة تقسيم الأخبار إلا لدفع تشنيع مخالفيهم من أهل السنة – والعقيدة واحدة، وهدفهم واحد! الثانية: أرى – والله تعالى أعلم – أن أسباب نشأة الخلاف بين الأخبارية والأصولية أسباب سياسية، ولم تكن إلا لفرض السيطرة، والسيادة العامة؛ تطبيقاً لمبدأ وعقيدة الانتظار من قبل الأخباريين، وتطبيقاً لمبدأ النيابة العامة أو الولاية المطلقة من قبل الأصوليين، فخلافهم لم تكن أسبابه ثورة دينية سلفية كما يرى بعض الباحثين؛ إذ لو كان كذلك لرفض الأخبارية أقوال الأصولية، ولرموا بها عرض الحائط، وفي المقابل لفعلت الأصولية كذلك، ومن غير تردد في الأمر. الثالثة: الإمام هو المصدر الوحيد الذي يستقي منه الإمامية عقائدهم، وأحكامهم؛ إذ لا قرآن إلا بإمام، ولا سنة إلا بإمام، ولا إجماع إلا بإمام، ولا دليل عقلي إلا لموافقة أقوال الإمام، ولا كشف ولا إلهام ولا رؤى منامية إلا من أجل الأخذ عن الإمام. لذا فدين الإمامية قائم على قول الإمام، وفعله، وتقريره بلا أدنى خلاف بين الأخباريين وبين الأصوليين في هذا الأمر، وبلا أدنى شك في هذه المقدمة، والتي على أساسها ينطلق القول بمصادر التشريع الأخرى. ثانياً: النتائج الخاصة: 1 - انقطاع الإمامية عن الاتصال بأئمتهم كان له أثر بالغ في تعطيل الكثير من الأحكام الشرعية؛ مما أدى إلى القول بالنيابة العامة، ثم القول بولاية الفقيه الولاية العامة، ولكن النظر إليها بعين الإنصاف لا يراها إلا ادعاء للمهدوية.

2 - أعاق القول بالاجتهاد من قبل الأصوليين الدليل العقلي لدى الكثير من أتباعهم المقلدين؛ إذ لا يتوجب على الإمامي الاثني عشري قراءة الكتب المعنية بقواعد أصول الدين، أو بالأحكام الشرعية؛ بل لابد من اتباع مجتهد معين يتكفل بمثل هذه الأمور وهو ما عليه إلا السمع، والطاعة، ولو من غير اعتقاد وقناعة. 3 - لا يمكن لأي شخص أن يدخل في منظومة العلماء مهما بلغ من العلم الشرعي إلا بشروط خاصة تقررها الحوزات أو المؤسسات الدينية؛ ليصبح الشخص مجتهداً يفتي، ويعلم الدين، ويفسر القرآن والحديث من خلال الأخبار، مدعين الالتقاء بالأئمة، وأخذ العلوم، والأسرار! 4 - لو تركنا الخلاف عند الشيعة حول التحريف الذي يقول به كثير منهم وينكره آخرون سنجد أمامنا أمرين، الأول: سقوط الكثير من عقائد الإمامية؛ إذ لا مكان لها في كتاب الله تعالى إلا بإقرار التحريف، وعلى رأسها النص على إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبنائه من بعده. الثاني: القرآن الكريم عند الشيعة باتفاق – أصولية وأخبارية – لا يمكن فهمه، ولا تفسيره إلا بقيِّم، والقيِّم هو الإمام، وبهذا يكون القرآن محدود الحجية بذاته؛ بل يصبح مصدراً ثانوياً، بعد الحديث الذي فيه الروايات التي تفسر القرآن. 5 - لا يعتبر الدين عند الإمامية ما نسب للرسول صلى الله عليه وسلم فقط! بل يؤخذ الدين من كل الأئمة الاثني عشر – بمن فيهم الإمام الغائب الثاني عشر -، وقول وعمل الأئمة كلهم نص شرعي بذاته، مستقل عن كونه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم. 6 - تشكل الأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم في كتب الشيعة نسبة لا تزيد عن خمسة بالمائة من مجموع ما في كتب الشيعة من الحديث؛ لأن معظم الأحاديث تنسب لجعفر الصادق، وعدد كبير ينسب لمحمد الباقر، والأحاديث الأخرى تنسب للأئمة الآخرين بمن فيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والقليل مما يسمى حديثاً لديهم ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم. 7 - بدأ التدوين عند أهل السنة في وقت مبكر، وظهرت معظم كتب الحديث، ومدارس الفقه السني في القرون: الأول والثاني والثالث، ولم يكتب بعد ذلك إلا القليل، وعلى النقيض تماماً الإمامية؛ فقد نُقلت كلها - زعماً - بالرواية نقلاً عن الأئمة الاثني عشر، والمتتبع لأحوال أمهات الكتب عند التحقيق – كالنهج والصحيفة – لا يجد لها سنداً ولا نقلاً دقيقاً! 8 - يتم نقل الأخبار عن الأئمة بروايات منسوبة، وأسانيد مجهولة؛ بزعم أنها تصل للأئمة، وذلك نقلاً عن طريق أصحاب الأئمة؛ بل ونجد أحد الكتب الأربعة التي يصححها الأخبارية – من لا يحضره الفقيه – بلا أسانيد؛ مُدَّعٍ مؤلفه أن كثرة الفوائد تغني عن كثرة الطرق! وهذا إن دل فهو يدل على عدم أهمية علم الإسناد عند الإمامية. 9 - اضطراب علم الإسناد عند الإمامية وتأخُّر ظهوره؛ سبب الاضطراب في ضياع الكثير من أخبار أئمتهم، فاضطروا إلى قبول مرويات الواقفية والبترية، في الوقت الذي رفضوا فيه مرويات من زكاهم القرآن، وأثنى عليهم خير البرية! مع أن هناك روايات تنص على كفر الطائفتين؛ إذ كل من لا يؤمن باثني عشر إماماً فهو مرتد وكافر، ولكن اصطدم الأصوليون بحال رواتهم المرير، والتي من غيرها يسقط الدين الإمامي عند التقرير فكانت الأخبارية أجرأ مقالاً، وأحسن حالاً من الأصولية. 10 - اختلاف مفهوم الإجماع بين السنة والشيعة اختلاف جذري؛ إذ لو نسب لأحد أئمتهم – ولو الإمام المعدوم بواسطة أحد أبوابه – قول، وخالفته الأمة كلها؛ لكانت الحجة في قوله لا في قول الأمة؛ بل مخالفة الأمة أصل مقرر في مذهبهم؛ لأن ما خالف الأمة فيه الرشاد كما جاء في بعض الروايات المنسوبة إلى أئمتهم!

11 - الخلاف بين الإمامية – أخبارية وأصولية – في مدى حجية الإجماع خلاف لا أساس له؛ إذ في كل الأحوال لا إجماع إلا بمعصوم، سواءً أكان قوله على مرأى ومسمع من الناس، أو كان في معزل من أمره؛ لا عين تراه ولا بشر يخاطبه، ولكن يكفي وجوده في ذلك العصر ليُعتبر الإجماع مصدر من مصادر التلقي. 12 - أساس الفساد في عقائد الإمامية هو الاعتقاد أولاً، ثم تسخير النصوص لموافقة عقيدتهم بإعمال الدليل العقلي، مما جعلهم يتأرجحون في الاستدلال ما بين حديث ضعيف السند صحيح الدلالة، أو حديث صحيح السند ضعيف الدلالة، وكلاهما باطل أدى في نهاية الأمر إلى القول بتعارض النقل والعقل، وتقديم ما يوافق عقيدتهم، وما يناسب هواهم. 13 - كان لاستدلال الأصوليين بالمنطق الأرسطي آثار فاسدة، أسفرت عن فساد الكثير من العقائد، والتي لا تخرج عن طور ما هو موجود في مروياتهم؛ ولكن ظناً منهم أنه كلما تعددت الدلالات – وإن كانت فاسدة – قويت العقيدة وصلحت! 14 - للمنهج العرفاني مكانة كبيرة في الاستدلال بين الإمامية؛ إذ قال به قدماؤهم ومؤسسوا مذهبهم؛ بل وبعض أئمتهم كما نسب إليهم الرواة! 15 - هناك علاقة حميمة بين الصوفية والشيعة في المنهج وفي العقيدة؛ بل وفي الطرق والأوراد والأذكار، ولا ينكر هذا الأمر إلا مكابر. 16 - يعتبر الفكر الإمامي الاثني عشري أرضاً خصبة لنمو الفلسفات الغربية – فلسفة سقراط، وأفلاطون، وأرسطو - والشرقية – فلسفة ابن سينا، والرازي، وابن عربي، والسهروردي –؛ قديمة أو حديثة على حد سواء. 17 - تأثر الإمامية بأقوال الفلاسفة في الفيض، والصدور بقبولهم للفلسفة الإشراقية؛ مع محاولات فاشلة للتوفيق بينها وبين الأدلة النقلية اليقينية؛ كتاباً كان أو سنة نبوية، أو – كما يقولون – سنة إمامية! 18 - يتم الاتصال بالأئمة، والأخذ عنهم عن طريق الكشف والإلهام، والرؤى المنامية على اختلاف بينهم – أخبارية وأصولية – في مدى حجيتها في الاستدلال. هذه أهم النتائج التي توصلت إليها، وغيرها كثير؛ ولكني لم أرد الإطالة خشية الملل والكلالة، ثم لا أدعي كمالاً فيما كتبته، ولكن حسبي المجهود الذي بذلته، والوقت الذي أنفقته، فإن أصبت فمن الله، وله الحمد والمنة، وإن أخطأت فمن نفسي، والشيطان، وأستغفر الله تعالى من زلة القلم، وخطأ اللسان. اللهم يا ذا العرش المجيد، أنت المبدئ المعيد، الفعال لما تريد، ذو البطش الشديد، لا ضد لك ولا نديد، كورت الليل والنهار، وجعلت النور في الأبصار، وحببّت العبادة إلى الأبرار، يا عزيز يا غفار، أسألك أن تجعلنا ممن بالقرآن صدَّق، وبالحق نطق، وأن ترينا سبيل الرشاد، وتحفظنا من جور العباد، وأن تبعدنا عن التيه والضلال والفساد، يا سميع الدعاء، عظم فيك الرجاء ..

مظاهر الأخطاء في التكفير والتفسيق أسباب ذلك وعلاجه

مظاهر الأخطاء في التكفير والتفسيق أسباب ذلك وعلاجه ¤صالح بن غانم السدلان£بدون¥دار بلنسية - الرياض¨الأولى¢1418هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶التكفير - ضوابط وشروط إن مسألة التكفير والتفسيق من أهم المسائل وأكثرها خطورة في أبواب العقائد، فلا بد من إعطاء تصور تام وفهم شامل لهذه المسألة؛ إذ أن التصور الناقص والفهم القاصر لهذه المسألة يؤدي إلى الوقوع في طرفي نقيض: - فإما غلو في التكفير والتفسيق كحال الخوارج. – وإما تمييع وتذويب لمسألة التكفير والتفسيق كما هو حال المرجئة. كما تظهر أهمية هذه المسألة فيما يترتب عليها من النتائج والآثار الخطيرة في كلا الدارين الدنيا والآخرة، كاستباحة الدماء واستحلال الأموال وغير ذلك مما جاء مفصلاً في كتب الفقه في باب أحكام المرتد، والحكم بالتخليد في النار ... إلخ. لهذا: كان الحكم على إنسان ما بالكفر أو الفسق حكم خطير له آثاره العظيمة؛ فلا يجوز لمسلم أن يقدم عليه إلا ببرهان واضح ودليل ساطع؛ لأنه حكم شرعي مضبوط بضوابط معلومة من نصوص الكتاب والسنة؛ فلا يصار إليه بمجرد الهوى والجهل، فإن من ادعى دعوى وأطلق فيها عنان الجهل أو الهوى مخالفاً ما أجمع عليه أهل العلم ثم مع مخالفتهم يريد أن يكفر ويفسق من لم يوافقه عليها فهذا من أعظم ما يفعله كل جهول لأن مما يختلف عليه أن أصل الإيمان والكفر محلهما القلب ولا يطلع على ما في القلوب إلى الله سبحانه وتعالى يقول عز وجل: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} [النحل: 106]. إن الحقيقة التي لا يرتاب فيها أي منصف، أننا في هذه البلاد المباركة "في المملكة العربية السعودية" قد أتى علينا حين من الدهر ونحن نحمل مشعل الدعوة السلفية ونرفع راية التوحيد الخالص وندعو إليه ونحميه بالنفس والنفيس.

ولا زلنا ولن نزل على هذا النهج بعون الله وتوفيقه. نعم: إن كل عاقل يدرك أن الدعوة السلفية ما زالت بحمد الله وستظل حية في النفوس قائمة متمثلة في الأعمال الملموسة في التصرفات ما تهن ولم تضعف، وأن حاملي لواءها من أشد الناس نهياً عن تكفير المسلمين أو تفسيقهم وتنقصهم وأذيتهم ولا نكفر إلا من كفره الله ورسوله، فأتى بما يوجب تكفيره أو تفسيقه، يقيناً فعند ذلك لن نتردد في الحكم عليه بما يستحقه في ضوء الكتاب والسنة، والقواعد التي قررها أهل العلم استنباطاً منهما، وأما الاجتهادات الفردية والمتسرعة واللامسؤولة فلا ينبغي أن تكون منطلقاً للحكم بتكفير أو تفسيق، بل يتعين دحض هذه الاجتهادات ومحاسبة قائليها بأسلوب علمي واضح. وكتب ورسائل ومؤلفات أئمة وعلماء الدعوة وأنصارها قد بينت مسألة التكفير والتفسيق وأعطت المسألة حقها في البيان الوافي والتفصيل التام، فيجب تحري الدقة في هذه المسألة والاحتياط في هذه القضية احتياطاً كاملاً. نعم: إن الإسلام يحرم على كل مسلم أن يرضى بالمنكر أو يسكت عليه، إلا أنه في الوقت نفسه يوجب عليه أن يسعى في تغييره بالوسيلة الممكنة الفعالة المنتجة، وبالأسلوب الحكيم الذي تدرؤ به المفاسد، وتحصل به المصالح، مع مراعاة الأولويات في ذلك، ولا بد – أيضا – من مراعاة الظروف بدقة وملاحظة الضوابط الشرعية في النقد والتوجيه – بعد التأكد من المخالفة الصريحة لما هو محل الاتفاق والإجماع – مع مراعاة التلطف والأدب. أما انحراف الفكر والبعد به عن القصد والتسرع بالنقد لمجرد الإشاعة أو لأمر تختلف فيه وجهات النظر لكونه موضع خلاف ومحل اجتهاد فليس من الأسلوب المفيد في تغيير المنكر؛ بل يعد تخبيطاً في الإصلاح وهو من عمل من لم ترسخ أقدامهم في العلم ولم يدركوا منهاج النبوة في الدعوة والمجادلة بالتي هي أحسن، يدفعهم إلى ذلك أمران رئيسيان: الأول: هو الجهل بالحق فيحكمون بالظن بلا علم. والثاني: الهوى فيحكمون بالظلم ولا يتحرون العدل، مع المغالاة في التعصب للأشخاص بلا علم ولا عدل والمغالاة في التعصب في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد مع البغي والعدوان على المخالف لهم. إنهم يظهرون ما كان في القدر مخبوءاً فتطوف، وغلو، وتشهير، وتكفير، وجهل، وعناد، وصلف، وإصرار ... !! إنهم يعملون جاهدين على إفساد هذه البلاد بعد أن أصلحها الله بدعوة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وجدد الدعوة فيها وحارب الفساد بعد أن عم وطم الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله -؛ بمؤازرة ومناصرة من أولياء الأمور من آل سعود وفقهم الله. وعلى هؤلاء أن يعلموا أن إفساد هذه البلاد بعد أن أصلحها الله يعتبر من أبشع الجرائم وأفظعها؛ ذلك أن إفسادها يعد إفساداً لكل البلاد الإسلامية لأن المسلمين يتأثرون دائماً ببلاد الحرمين حيث قبلتهم ومهوى أفئدتهم ومحط أنظارهم ومهبط رسالة ربهم الخاتمة، وما يكون فيها من خير أو غيره. لهذا كله يجب علينا أن نعني بالمنهج السلفي الذي يعني بالعلم والعمل، لا بالمراء والجدل والذي يتمثل في فهم خير قرون الأمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان لهداية القرآن وهدي النبوة. ولعلي في هذه الرسالة أكون قد عالجت هذا الموضوع وأسهمت في جزء من شعب هذه القضية، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. أسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، إنه على كل شيء قدير. وأسأله – جل وعلا – أن يمنحنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح، وأن يزيدنا – وإياكم – توفيقاً وتسديداً، وأن يعفو عنا فيما أخطأنا فيه، أو زللنا، إنه سبحانه عفو غفور، تواب رحيم. كما نسأل الله – جل وعلا – أن يوفق ولاة أمورنا، وأن يعينهم على تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يوفق علماء المسلمين ويسددهم ويعينهم وأن ينفع بالجميع العباد والبلاد. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان.

من أصول السنة – ضوابط في التكفير، بدعة التوقف والحكم بغير ما أنزل الله

من أصول السنة – ضوابط في التكفير، بدعة التوقف والحكم بغير ما أنزل الله ¤مجدي بن حمدي بن أحمد£بدون¥بدون¨الأولى¢1421هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶التكفير - ضوابط وشروط الخلاصة: إن المنهج العقلي في الاستدلال على مسائل الكفر والإيمان، هو أصل الابتداع في القديم والحديث، وهذا قول الإمام أحمد - رحمه الله -: "وإنما استعملت الأمة السنة من النبي صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه إلا من دفع ذلك من أهل البدع والخوارج وما يشابههم، فقد رأيت إلى ما قد خرجوا إليه. اهـ. فمادة البدعة واحدة، وأصلها الذي يغذيها تلك المعارضة للسنن بالعقل "تقديم العقل على النقل". وقد خرج أهل التوقف إلى معاني مستبشعة قد سبق بيانها ونعيدها إجمالاً: الأول: ربط قضية الأحكام التي تطرأ على دور أهل الصلاة بتغيير وصف ساكنيها تخريجاً على مذهبين: مذهب البيهسية من الخوارج: وقد تقدم قولهم "إذا كفر الإمام كفرت الرعية". مذهب الواقفة من الخوارج: وقد تقدم قول أبي الحسن في وصف قول الضحاكية من الواقفة: "واختلف هؤلاء في أهل دار الكفر عندهم فمنهم من قال: هم عندنا كفار إلا من عرفنا إيمانه بعينه. ومنهم من قال هم أهل دار خلط فلا نتولى إلا من عرفنا فيه إسلاماً ونقف فيمن لم نعرف إسلامه" اهـ. وهذا القول الأخير قول الواقفة في عصرنا، والمعروفين بجماعة التوقف والتبين، وقد تقدم قول منظرهم عبد المجيد الشاذلي، وتقدمت الإشارة إلى تقسيمه الثلاثي المبتدع المشئوم. الثاني: إبطال دلالة الشهادتين وحدهما بل وسائر مباني الإسلام على الحكم بالإسلام الظاهر للمعين، وإن لم يتلبس بناقض، وهذا جوهر قضية التوقف. الثالث: اشتراط حد أدنى للإسلام الظاهر اختلف أهل التوقف فيما بينهم في تحديده، ويلزم من هذا الاختلاف تكفير بعضهم بعضاً. الرابع: اتفق أهل التوقف على اشتراط "ظهور الرد على من يحكم بغير ما أنزل الله" كشرط لصحة الإسلام الظاهر للمعين، أو أن يظهر أنه مكره قد وقع عليه من الإكراه ما يمنعه من إظهار الرد، فإما "ظهور الرد أو ظهور المانع منه" ولو كان لهؤلاء شيء من الإنصاف لجعلوا من الإكراه شيئاً مفترضاً، لما في الشهادتين من دلالة على صحة الإسلام الظاهر ومن ثم يحكمون بالإسلام لساكني الدار، ما لم يتلبس أحدهم بمشايعة ومناصرة هؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله، على الوجه المكفر كما تقدم. الخامس: وجميع أهل التوقف لا يتصورون الجهل بمعنى اسم الله "الحكم" فيتفقون أنه من الحد الأدنى للإسلام الذي لا يسع أحد الجهل به، ويلزم من هذا سحب أحكام جائرة بالكفر على قرون طويلة. السادس: وجنس أهل البدع يعتمد الكذب والتدليس على سلف الأمة وعلمائها. وما علمت حتى الآن أكلح وجهاً في هذا من هؤلاء. نسأل الله العافية وسلامة المعتقد، ونعوذ بالله من الخذلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله

من عقيدة المسلمين في صفات رب العالمين بمنهج أهل السنة والجماعة

من عقيدة المسلمين في صفات رب العالمين بمنهج أهل السنة والجماعة ¤علي محمد المصراتي£بدون¥دار البيارق - الأردن¨الأولى¢1418هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - أعمال شاملة الخاتمة: وخرجت من هذا البحث بنتائج مهمة جدا لعموم المسلمين وخصوصا لطلاب العلم وأهم هذه النتائج: 1 - أن مصطلح أهل السنة خرج من زمن العصر الذهبي للإسلام وقال به ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه. 2 - إن عقيدة المسلمين تأخذ من كتاب الله وسنة رسوله وهي ملائمة للفطرة السليمة وهي سهلة وميسرة، لا طلاسم فيها ولا ألغاز. 3 - وجوب اتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. 4 - إن العقل الصريح موافق للنقل الصحيح، ولا يتعارض دليلان قطعيان، وعند توهم التعارض يقدم النقل. 5 - لا غنى لنا عن فهم السلف الصالح لنصوص الكتاب والسنة. 6 - العصمة ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم والأمة من الاجتماع على ضلالة. 7 - المجادلة بالحسنى في بيان الحق مطلب شرعي والمراء منهي عنه. 8 - البدعة لا ترد بالبدعة، ولا يقابل التفريط بالغلو، ولكن يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد كما يجب في الاعتقاد. 9 - كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة، والضلالة في النار. 10 - العقل السليم لا يخالف الكتاب والسنة ويبحث في مجاله الذي خلقه الله له. 11 - ثبت بالأدلة النقلية والعقلية أن طريق السلف أسلم وأعلم وأحكم. 12 - لمعرفة توحيد الأسماء والصفات أهمية عظيمة في حياة المسلم وهو من أعظم الضروريات. 13 - معتقد أهل السنة في الأسماء والصفات يسمون الله بما سمى به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يزيدون على ذلك ولا ينقصون منه، ويثبتون لله عز وجل ويصفونه بما وصف به نفسه أو على لسان رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل. 14 - وينفون عن الله ما نفاه عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، مع اعتقاد أن الله موصوف بكمال ضد ذلك الأمر المنفي. 15 - أقوال علماء الأمة ممن كان على منهج السلف واحدة على مر العصور لأنهم يأخذون من مشكاة واحدة. 16 - الصفات الإلهية تنقسم إلى عقلية وخبرية، وإلى ذاتية وفعلية اختيارية. 17 - للأسماء والصفات قواعد مهمة لطالب العلم عليه أن يتعلمها ويفهمها ويحفظها. 18 - وجوب تقديم السمع على العقل في معرفة أسماء الله وصفاته. 19 - الأدلة التي نثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته هي كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. 20 - ظواهر النصوص معلومة لنا باعتبار، مجهولة باعتبار آخر، فباعتبار المعني هي معلومة، وباعتبار الكيفية التي عليها مجهولة. 21 - صفات الله تعالى صفات كلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، ودل على ذلك السمع والعقل والفطرة. 22 - في الألفاظ المبهمة حق وباطل. 23 - القول في الصفات كالقول في الذات. 24 - القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر. 25 - من أسماء الله تعالى ما يكون دالا على عدة صفات. 26 - معاني الصفات معلومة وكيفيتها مجهولة والإيمان بها واجب والسؤال عن كيفيتها بدعة. 27 - كل اسم من أسماء الله تعالى فإنه يدل على ذات الله وعلى الصفة التي تضمنها وعلى الأثر المترتب عليه إن كان متعديا. 28 - باب الصفات أوسع من باب الأسماء وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة، ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى وأفعاله لا منتهى لها. 29 - دلالة الأسماء على الذات والصفات تكون بالمطابقة والتضمن والالتزام. 30 - أسماؤه الدالة على صفاته هي أحسن الأسماء وأكملها. 31 - للصفات الإلهية أثر في النفس والكون والحياة. 32 - وصف الله نفسه بالمغفرة لا يعني الإسراف في المعاصي. 34 - من لوازم استحقاق الله تعالى لصفات الكمال وحده تفرده سبحانه بالحاكمية. 35 - نفي معاني أسمائه الحسنى من أعظم الإلحاد فيها. 36 - من المفسرين الذين على عقيدة السلف في تفسير آيات الصفات ابن جرير الطبري، البغوي، ابن كثير، القاسمي، والسعدي رحمه الله تعالى. 37 - ممن رجعوا إلى منهج السلف بعد الخوض في علم الكلام، أبو الحسن الأشعري، الغزالي، الجويني، والرازي رحمه الله تعالى. 38 - أكرم الله تعالى ابن حنبل وابن تيمية وغيره بالدفاع عن منهج أهل السنة والجماعة. 39 - التكلم في صفات الله بغير علم أمر خطير، وإنكار شيء من صفاته قد يؤدي إلى الكفر والحلف بصفة من صفاته ينعقد بها اليمين.

من مفاهيم عقيدة السلف الصالح - الولاء والبراء في الإسلام

من مفاهيم عقيدة السلف الصالح - الولاء والبراء في الإسلام ¤محمد بن سعيد القحطاني£بدون¥دار طيبة - الرياض¨العاشرة¢1422هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ولاء وبراء ما الخلاص من هذا الهوان والتبعية اللذين أُصيبت بهما الأمة الإسلامية اليوم؟ ما سبيل النجاة مما يراد بالمسلمين اليوم في جميع أنحاء الأرض؟ هل من سمات معينة لذلك المخلص؟ ولمن المستقبل في نهاية الأمر؟ الجواب: إنه الإسلام ولا شيء غيره فهو الذي ينقذ الناس مما هم فيه من حالة الضياع والهبوط والعبودية لغير الله، فيخرجهم كما أخرج سلف هذه الأمة من الظلمات إلى النور، ومن الجور إلى العدل، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا ونعيم الآخرة. ولكن هذا الطريق المستقيم يحتاج إلى سالك جاد، وسائر يسير فيه دون الالتفات إلى اليمين أو اليسار (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (سورة الأنعام: 153) (والحق أنه لا يمكن أن ينهض صرح الحياة الإسلامية الكاملة الخالصة إلا على دعائم الإقرار بالتوحيد الذي يحيط بجميع نواحي الحياة الإنسانية الفردية والجماعية، والذي يحسب (1) الإنسان بموجبه إنه هو وكيل ما بيده من شيء ملك لله، ويرى أن الله هو المالك الشرعي الحقيقي له وللعالم كله، المعبود المطاع الذي له الأمر والنهي. وأن لا ينبوع للهداية إلا هو، وتطمئن نفسه بكل شعور إلى أن الانحرافات عن طاعة الله أو الاستغناء عن هدايته وإشراك غيره به في ذاته وصفاته وحقوقه وتصرفاته إن هو إلاّ إمعان في الضلالة من أي ناحية جاء أو في أي لون كان. ثم إن هذا البناء –بناء الإيمان بالله- لا يمكن توطيد دعائمه إلا إذا رأى المرء في باطن أمره رأياً جازماً، وقطع على نفسه بشعور كامل وإرادة قوية أنه هو وكل ما بيده ملك لله وراجع إلى مرضاته، وقضى على ما في نفسه من مقياس للرضا والسخط وجعله مذعناً لرضاء الرب تعالى وسخطه، ونفى عن نفسه الأثرة والكبرياء، وصاغ نظرياته وأفكاره وآراءه ونزعاته ومناهج تفكيره في قالب ذلك العلم الذي قد أنزله الله تعالى في كتابه العزيز. وخلع عن عنقه ربقة جميع أنواع الولاء الذي لا يذعن لطاعة الله .. ومكّن محبة الله تعالى ومودته من سويداء قلبه، ونفى عن أعماق فؤاده كل صنم يطلبه بإجلاله وإكباره أكثر من الله تعالى وأدغم حبه وبغضه وصداقته وعداوته ورغبته ونفوره وصلحه وحربه .. إلخ في مرضاة الله تعالى حيث لا ترضى نفسه إلا بما يرضى به الله، ولا تكره إلا ما يكرهه الله .. وهذه مرتبة الإيمان وغايته المرموقة). إن الوضع الذي تعيشة البشرية اليوم في جميع بقاع الأرض والذي يتوجه الضياع والخواء الروحي، وهذه الهتافات التي ترتفع من كل مكان تنادي بمنقذ ومخلِّص يخلصها من ذلك الهوان لأمر يشيء بأنه هو الإسلام لأنه دين الله العليم بما يصلح النفوس والخبير بجميع مكنونات الضمائر. إن الإسلام (هو المنهج الوحيد الذي يعطي الفطرة ما يلائمها وهو الذي ينسق خطاها في الإبداع المادي وخطاها في الاستشراف الروحي وهو وحده الذي يملك أن يقيم لها نظاماً واقعياً للحياة يتم فيه هذا التناسق الذي لم تعرفه البشرية قط إلا في ظل النظام الإسلامي –وحده- على مدى التاريخ). وأعداء الإسلام يعرفون جيداً أن عدوهم الوحيد هو الإسلام، ومن أجل ذلك يسعون جادّين إلى تحطيم هذا الجبل الشامخ لأنه يعوقهم عن أهدافهم الاستعمارية كما يعوقهم عن الطغيان والتأله في الأرض كما يريدون، لذلك يضعون التصورات والمناهج التي لا تمت إلى هذا الدين بصلة من أجل أن تكون هي البديلة عن هذا الدين القيّم.

وليكن من المعلوم لكل مسلم جاد: أن هذا الدين لا يقوم بألف كتاب تكتب عن الإسلام ولا بالخطب والمواعظ ولا بأفلام الدعاية للإسلام، وإنما يقوم على واقع حي متحرك –يتمثل هذا في المسلمين الصادقين- واقع تراه العين وتلمسه اليد وتلاحظ آثاره العقول. ومن سمات أصحاب هذا الواقع الذي يغير مجرى حياة البشرية المعاصرة أن يستعلوا بأنفسهم من موالاة أعداء الله –سواء من الكافرين أو المنافقين أو الملحدين- فلا يخدعهم هيلمان الباطل المعاصر، وأن الشرق والغرب يملك القنبلة الذرية، والصواريخ العابرة للقارات بل يعلمون أن الله هو الأكبر، وهو الولي الناصر، وأن الغلبة للحق مهما استطال الباطل: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) (سورة البقرة: 249)، (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ) (سورة الصافات: 173)، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) (سورة غافر: 51)، ويقول سبحانه في شأن الأعداء: (وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (سورة آل عمران: 111). ولن يصل المسلمون الصادقون إلى هذه الدرجة الرفيعة إلا بالبراء من كل منهج وتشريع يخالف شريعة الله، والبراءة أيضاً من كل فكر يناقض هذه العقيدة التي كانت سبب نصرة وعزة السلف الصالح. واستمداد حكم كل صغيرة وكبيرة من هذه الشريعة الربانية التي هي صراط الله المستقيم الذي لا أمت فيه ولا عوج، وملّته الحنيفية التي لا ضيق فيها ولا حرج .. لم تأمر بشيء فيقول العقل لو نهت عنه لكان أوفق، ولم تنه عن شيء فيقول الحجى، لو أباحته لكان أرفق، بل أمرت بكل صلاح، ونهت عن كل فساد، وأباحت كل طيب، وحرمت كل خبيث، أوامرها غذاء ودواء، ونواهيها حمية وصيانة من كل داء، ظاهرها زينة لباطنها، وباطنها أجمل من ظاهرها. شعارها الصدق وقوامها الحق، وميزانها العدل وحكمها الفصل، لا حاجة بها البتّة إلى أن تكمل بسياسة ملك أو رأي ذي رأي. أكملها الله بقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) (سورة المائدة: 3). وقال صلى الله عليه وسلم: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك). وحريّ بدعاة الخير الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر أن يعودوا بالأمة إلى صفاء العقيدة الممثل في: (1) تصحيح مفهوم لا إله إلا الله محمد رسول الله. ودعوة الناس إلى فهم هذه الكلمة العظيمة كما فهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأخيار، ومحو ذلك المفهوم الخاطيء الذي يردده المتأخرون وهي أنها مجرد لفظ عار من كل تكليف. مع بيان أن من تكاليفها موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين، وتحكيم شريعة الله واتباع ما أنزله الله والكفر بالآلهة المزيفة والأرباب المتعددة من العرف والهوى والعادات والمتألهين الذين يشرعون للناس بغير ما أنزل الله. (2) تصحيح مفهوم العبادة وأنه مفهوم شامل كامل وليس مجرد شعائر تؤدى بينما نظام الحياة والممات قائم على مناهج وضعها البشر تفصل بين الدين والدولة، وبين الدين والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. فالعبادة هي عقيدة وشريعة ونظام حياة. قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (سورة الأنعام: 162 - 163). (3) تربية الجيل على منهاج الكتاب والسنة: لأن هذا هو الطريق الصحيح الذي به ترجع الأمة إلى ربها ودينها.

(4) طرد آثار الغزو الفكري وذلك بتعرية الجاهلية الحديثة، وتمزيق زيفها وبهرجتها فتبين انحرافاتها مع إيجاد البديل الإسلامي الصحيح. (5) تعميق قضية ولاء المسلم للمسلم وانتمائه لإخوانه المؤمنين فقط، وخلع الولاءات الجاهلية من قومية وعرقية ووطنية وعالمية وغيرها فالمسلم أخو المسلم في أي بقعة كانت، دار الإسلام هي دار كل مسلم في جميع أنحاء الأرض. ومن تاريخنا ما يشهد بكل جلاء على أهمية هذه القضية. فإن امرأة مسلمة أهينت بعمورية فاستغاثت: "وا معتصماه". فقال المعتصم: لبيك أيتها المرأة المسلمة وجهز الجيوش وفتح عمورية ونصر المرأة المؤمنة، ولم يقل إنها في وطن وأنا في وطن بل انطلق من واقع مسؤوليته كخليفة مسلم. كل الأمة المسلمة أمانة في عنقه وهو مسؤول عنها يوم يلقى الله. ومن هنا فإن نصرة المسلمين المضطهدين في كل بقعة من بقاع الأرض أمر واجب تفرضه هذه العقيدة. ويكون واجب المؤمن –حينئذ- محبة هؤلاء المسلمين ومناصرتهم باليد واللسان والمال والنصرة في كل موطن ومناسبة. (6) تعميق قضية المعاداة والبراءة من أعداء الله الكفار منهم والمشركين. والمنافقين والمرتدين. وإنه لا يجتمع إيمان في قلب مع حب الكفر وأهله كما قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (سورة المجادلة: 22). والحرص على تمييز المسلم عن كل وضع وفكر يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. (7) التأكيد على قضية عداوة أولياء الشيطان لأولياء الرحمن، فإن هذه العداوة قائمة منذ آدم عليه السلام إلى قيام الساعة فالحزبان لا يلتقيان أبداً لأن حزب الله يريد دعوة الناس إلى عبادة الله، وحزب الشيطان يدعو الناس إلى عبادة الطاغوت وطاعته، وقتال المؤمنين لصدهم عن دينهم، (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا) (سورة البقرة: 217). (8) بعث الأمل وتقويته في النفوس بقرب نصر الله كما قال صلى الله عليه وسلم: (لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي فتعال فاقتله). هذه رؤوس أقلام تبين ملامح طريق الخلاص، وإذا صدق المسلمون مع الله وجدوا معية الله وعونه لهم، لأنهم الأعلون، وهم القائمون بأمر الله في أرض الله، ومن ثم فهم المستحقون لولاية الله وتكريمه لهم: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (سورة يونس: 62). إنهم حزب الله وأكرم بذلك الحزب الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله ولا تأخذهم في الله لومة لائم: (أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) (سورة المجادلة: 22). ونحن مستبشرون بخير إن شاء الله، لأن طلائع وبشارات الجيل الإسلامي الجديد الذي يخلص الأمة من هذا الهوان والضياع والتبعية بادية ظاهرة في كل صقع من أصقاع الأرض، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مناهج اللغويين في تقرير العقيدة إلى نهاية القرن الرابع الهجري

مناهج اللغويين في تقرير العقيدة إلى نهاية القرن الرابع الهجري ¤محمد الشيخ عليو محمد£بدون¥مكتبة دار المنهاج – الرياض¨الأولى¢1427هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶عقيدة - أعمال منوعة الخاتمة لا يسعني في ختام هذا البحث إلا أن أشكر المولى عز وجل الذي أمدني بفضله وآلائه وأعانني على إنجاز البحث المتواضع فبنعمته تتم الصالحات وتبلغ الغايات وحسبي أني بذلت فيه مقدار طاقتي أو قاربته فما كان فيه من صواب فهو من فضل الله وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان وأستغفر الله منه وأتوب إليه وقد رأيت أن ألخص أهم معالمه في هذه النقاط التالية: 1 - تبين فيما مضى أن المنهج لغة: هو الطريق البين الواضح واصطلاحا: خطوات عملية منظمة يتخذها الباحث لمعالجة أمر ما للوصول إلى نتيجة ذهبية أو محسوسة. 2 - للمنهج أهمية كبيرة وعظيمة في المعارف كلها إذ بدونه يحصل الاضطراب ويصعب الوصول إلى نتائج حاسمة وتتجلى أهمية العقيدة في المناهج كونها الركيزة الأولى التي تنبني عليها المذاهب المختلفة فما من فرقة إلا وتسلك في مناهجها مع ما يتفق مع عقيدتها وأهوائها ولذلك فإن معرفة منهج الشخص هو الطريق إلى معرفة عقيدته. 3 - للإنسانية مناهج مختلفة في تقرير العقائد عموما منها: المنهج المادي والمنهج العقلاني والمنهج التجريبي والمنهج الإسلامي بين تلك المناهج المختلفة هو: المنبني في تقرير عقيدته على الوحي بقسميه: الكتاب والسنة الصحيحة من غير تمييز بينهما. 4 - وللإسلاميين كذلك مناهج متباينة في تقرير العقائد منها: منهج الخوارج المنبني على التشدد والغلو في الدين ومنهج الرافضة المنبني على الغلو في أهل البيت وتنقص السلف ومخالفة المسلمين ومنهج المرجئة المنبني على التساهل ومنهج المتكلمين المنبني على تقديم العقل على النقل ونفي الصفات أو تأويلها ومنهج الفلاسفة المنبني على الإلحاد والتعطيل ومنهج الصوفية المنبني على الغلو في الأشخاص والرهبانية المبتدعة ومنهج أهل السنة والجماعة بين تلك المناهج المضطربة هو: المنبني على الاعتصام بالكتاب والسنة وما اتفق عليه السلف والتابعون فمن قال بالكتاب والسنة وإجماع السلف كان من أهل السنة والجماعة وتوسط بين الغالين والمقصرين. 5 - اختلف اللغويون قبل القرن الرابع الهجري في تعاملهم مع اللغة العربية لتقرير العقائد تبعا لاختلاف مناهجهم العقيدة فتوزعوا في خمسة مناهج رئيسة هي: منهج أهل السنة والجماعة ومنهج المعتزلة ومنهج الأشاعرة ومن شابههم ومنهج الشيعة والرافضة ومنهج الخوارج. 6 - لمنهج أهل السنة والجماعة في تعامله مع اللغة العربية في تقرير العقائد قواعد وأسس منها: اعتبار العربية أصلا من أصول الدين والتثبت من روايتها ورواتها والاحتكام إلى قوانين العربية وقواعدها والأخذ بالقياس والظاهر وبما تفهمه العرب من خطابها دون الشاذ والغريب والبعيد إلا بقرينة والابتعاد عن المصطلحات الكلامية المستحدثة ومراعاة دلالة السياق وأحوال المتكلم والمخاطب والقرائن في الألفاظ اللغوية والشرعية وتقديم المدلولات الشرعية على اللغوية والاعتماد في تفسير ألفاظ الكتاب والسنة والآثار واللغة على الكتاب والسنة وأقاويل السلف لا على اللغة المجردة

7 - وللمنهج الاعتزالي في تعامله مع اللغة العربية لتقرير العقائد سمات منها: الاعتماد على العقل أو اللغة المجردة أو الأشعار في تفسير المفردات اللغوية الشرعية وتجريد الألفاظ العربية من المعاني التي تدل عليها وحملها على ما يتلاءم مع عقائدهم من غير مراعاة للسياق والتصرف في معاني الألفاظ الشرعية بالوجوه الإعرابية والقراءات الشاذة وتحريف مدلولات الصيغ الفعلية والأدوات والحروف حتى تنسجم مع مبادئهم والتحكم في سياقات اللغة العربية بالتأويل والتقدير وادعاء أن هناك محذوفا يجب تقديره ورد دلالات الألفاظ الشرعية بالأساليب البلاغية المستحدثة وعدم الأخذ بتفسير السلف للغة العربية ورده. 8 - كذلك للمنهج الأشعري في تعامله مع اللغة العربية في تقرير العقائد سمات منها: الاعتماد على المنهج الاعتزالي مع اللغة العربية السالف الذكر وتفسير المصطلحات العقدية باللغة المجردة أو الأشعار وتطويع اللغة العربية لمتطلبات المذهب وصرف اللفظ عن ظاهره مع عدم بيان المراد منه وهو ما يعرف عندهم بالتفويض غير أنهم يخالفون المعتزلة فيما إذا كان تخريجهم للغة مخالفا لعقائدهم ويتقبلون ألفاظ النصوص المتعلقة بالغيبيات بناء على إثباتهم للسمعيات. 9 - وللمنهج الشيعي الرافضي أيضا خصائص في تعامله مع اللغة العربية لتقرير العقائد منها: الكذب على اللغة وتحريف الكلم عن مواضعه والتصرف في الحروف والوجوه الإعرابية النحوية لدعم المذهب واختيار الأوجه الغريبة والشاذة للاحتجاج بها وتوظيف فقه اللغة لخدمة معتقداتهم وأسمائهم ورد تفاسير السلف للغة العربية جملة وتفصيلا. 10 - أما منهج الخوارج فليس له سمات واضحة في تعامله مع العربية لتقرير العقائد لأنه كان قليل الحظ لدى اللغويين غير أن قدماءهم كانوا نصيين يغالون في فهم ظاهر ألفاظ الكتاب والسنة ولا يلتفتون إلى الأدلة الأخرى الواردة في المعنى نفسه فأوقعهم ذلك في التكذيب لما يخالف ظنهم من الآيات والأحاديث والتكفير على الكبائر وتوابعه أما متأخروهم فقد تأثروا بالمعتزلة وأخذوا بمناهجهم مع اللغة العربية لتقرير العقائد. 11 - تعد العربية أصلا من أصول الدين ومعتمدا من معتمدات الشريعة لأنه لا يفهم معاني الكتاب والسنة إلا بمعرفتها وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كما أن لها تأثيرا مباشرا ودورا حيويا في فهم العقيدة الصحيحة وتجلى ذلك بوضوح في المسائل اللغوية العقدية المذكورة والتي اختلف فيها أهل السنة والجماعة مع غيرهم وذلك كله مما يدل على أهمية معرفة عقائد اللغويين الذين يرجع إليهم في تفسير كتاب الله وأخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن اتباعهم على الأخطاء اللغوية يؤدي إلى الوقوع في المهالك العقدية. 12 - ظهر في الباب الأول تقرير الأئمة اللغويين: نصر بن عاصم الليثي وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج وأبي عمرو بن العلاء وحماد بن سلمة والخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه ويونس بن حبيب البصري والكسائي والنضر بن شميل النحوي والأصمعي وأبي عمرو الشيباني وأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي عمر الجرمي وابن الأعرابي والرياشي وأبي الهيثم الرازي وابن قتيبة وإبراهيم الحربي وثعلب وابن الحداد المغربي وابن دريد ونفطويه وأبي بكر ابن الأنباري وأبي جعفر النحاس وأبي عمر الزاهد (غلام ثعلب) والأزهري وأبي بكر الزبيدي وابن فارس وبديع الزمان الهمذاني لمنهج أهل السنة والجماعة في عقائدهم ومدى الجهود الجبارة التي بذلوها في الرد على المخالفين لأهل السنة والجماعة.

13 - وتبين في الباب نفسه أنه لم يصح اتهام نصر بن عاصم وأبي عمرو بن العلاء بالإرجاء كما لم يثبت اتهام الخليل بمذهب الزيدية أو الإمامية مثلما لم يصح ادعاء المعتزلة والإمامية لسيبويه وتم توجيه مقصد سيبويه في قوله: إن الاسم غير المسمى وظهر صواب تسميته ما سمي بالمجاز بعده بـ (اتساع كلام العرب واختصاره) واتضح طهارة الكسائي من التهم الأخلاقية التي رماه بها حاسدوه وبراءة الإمامين الأصمعي وابن قتيبة من الأشياء المفتراة عليهما كما تبين بُعدُ ابن دريد ونفطويه وابن فارس من التشيع مع توجيه اتهام البعض ابن دريد وابن فارس بالتشيع والأخذ على أبي بكر ابن الأنباري وأبي جعفر النحاس والأزهري وابن فارس في تأويل بعض الصفات وبالأخص الصفات المقرونة بما يقابلها وبيان أن ذلك يخالف منهجهم العام في إثبات الصفات الإلهية على منهج السلف. 14 - وأما الباب الثاني وهو المعقود للمعتزلة فظهر فيه التزام قطرب والأخفش والجاحظ والناشئ الأكبر وابن كيسان وأبي علي الفارسي والمرزباني والرماني والصاحب بن عباد وابن جني والجوهري وأبي هلال العسكري والشريف الرضي بمنهج المعتزلة في تقرير العقيدة مع اختلاف درجاتهم في تقرير المذهب والاستدلال له والدفاع عنه بحسب تمكنهم من العربية وعلم الكلام وتقلد الرئاسة على حين ترجح اتهام هارون الأعور ويحيى بن المبارك اليزيدي وابنه عبد الله بن يحيى بن المبارك وأبي حاتم السجستاني وأبي عثمان المازني وأبي سعيد السيرافي وأبي أحمد العسكري بالاعتزال للقرائن التي ذكرناها في مواضعها وتأكد اتهام أبي زيد الأنصاري والمازني بالقدر مع عدم وجود دلائل قاطعة في ذلك. 15 - وظهر في الباب نفسه تأثر كثير من متأخري المعتزلة بالتشيع كالمرزباني والرماني والجوهري وغيرهم أو بالرفض كالصاحب بن عباد والشريف الرضي نظرا لتأثر المعتزلة بالشيعة والعكس منذ أيام المأمون كما بيناه بالتفصيل عند كلامنا على تشيع علي بن عيسى الرماني. 16 - وأما الباب الثالث فظهر فيه وجود جمع من اللغويين الذين سلكوا مسلك الاضطراب في إثبات الصفات الإلهية نفعا وإثباتا كالفراء والمبرد والزجاج والزجاجي وابن خالويه والخطابي وأبي عبيد الهروي الباشاني مع موافقتهم أهل السنة والجماعة في المسائل العقدية الأخرى وعليه فإن ذكرنا لهم عند كلامنا على المنهج الأشعري في التمهيد هو من حيث مشابهتهم للأشاعرة في إثبات بعض الصفات ونفي بعضها لا من حيث الانتساب إليهم كمذهب فإنهم لم يلتزموا لا بقواعد الأشاعرة ولا بقواعد الكلابية في تقرير الصفات وبعضهم مات قبل ولادة الأشعري حسب اطلاعي. 17 - وأما الباب الأخير فظهر فيه ثبوت تشيع أبي الأسود الدؤلي ويحيى بن يعمر العدواني وأبان بن تغلب الجريري ومعاذ بن مسلم الهراء وابن السكيت وأبي حنيفة الدينوري وأبي الفرج الأصفهاني وأبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي مع التنصيص على أن تشيع الخمسة الأول كان على نمط قدماء الشيعة الذين كانوا يقدمون عليا على عثمان رضي الله عنهما من غير نيل من باقي الصحابة والسلف على حين كان الأخير شيعياً إسماعيلياً باطنياً شديد العداوة لأهل السنة والجماعة وإن حاول إخفاء مذهبه. 18 - كما ظهر في الباب نفسه انتساب عند عبد العزيز القارئ (بشكست) وأبي عبيدة معمر بن المثني للخوارج وبيان اضطراب أبي عبيدة في باب الصفات الإلهية واتهامه بالشعوبية وإن كانت بعض مؤلفاته تدل على براءته منها وبعد منهج ابن المقفع وأبي بكر بن السراج عن منهج أهل السنة والجماعة مع عدم ثبوت انتسابهما لأحد الفرق وبراءة ابن عبد ربه من التشيع وإن كان فيه انحرافا عن بعض الأمويين وكون منهجه على نمط منهج أهل السنة والجماعة في عصره بصفة عامة وإن كنا لا نعرف تفاصيل منهجه لعدم تأليفه في العقائد. وفي الختام أوصي إخواني الباحثين الاعتناء بجمع المسائل اللغوية العقدية التي اختلف فيها أهل السنة مع مخالفيهم ودراستها لإبراز أدلة أهل السنة والجماعة اللغوية على مسائل العقيدة والكشف عن مناهجهم مع اللغة العربية لتقرير العقائد وإظهار جهودهم الكبيرة في الرد على المتطفلين على العربية باللغة العربية من أرباب الفرق والأهواء خاصة وأنه لا يوجد كتب مستقلة في ذلك.

منهج أهل السنة والجماعة في تدوين علم العقيدة (إلى نهاية القرن الثالث الهجري)

منهج أهل السنة والجماعة في تدوين علم العقيدة (إلى نهاية القرن الثالث الهجري) ¤ناصر بن يحيى الحنيني£بدون¥مركز الفكر المعاصر- الرياض¨الأولى¢1431هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶دراسات توثيقية ومنهجية الخاتمة: ففي نهاية البحث يمكن أن أذكر أهم النتائج التي توصلت إليها فيه وهي كالتالي: 1 - أن قضية تدوين العلوم ظهرت عند السلف في وقت مبكر منذ عصر النبوة، وظهر أكثر بعد القرن الأول وكان لهذا التطور عوامل عديدة. 2 - تميزت مصنفات السلف بالقوة في الحجة والرصانة في الأسلوب والدقة والعمق في الفهم واستمر هذا التميز عبر العصور إلى يومنا هذا، وظهر أثرها على كثير من علماء أهل السنة ممن صنفوا في القرون المتأخرة. 3 - كان لأهل السنة منهج في تدوين علم العقيدة تمثل في أمرين رئيسيين: أ- تدوين مسائل الاعتقاد من خلال الجوامع الحديثية. ب- تدوين مسائل الاعتقاد من خلال مصنفات الاعتقاد المستقلة. 4 - تفنن السلف في طريق التصنيف والترتيب وكان هذا على مراحل، كان البداية في التصنيف الشامل دون ترتيب أو تبويب أو تميز لعلم دون علم بل كان الدين كله واحد ولم يظهر هذا التقسيم إلى فقه وعقيدة وغير ذلك إلا بعد ظهور البدع وظهور مصنفاتهم البدعية، وعرفت مصنفات أهل السنة باسم المسانيد. 5 - أول طريقة كان فيها التصنيف على الأبواب كانت بما يسمى الجوامع وهي مرتبة على أبواب عامة وليست تفصيلية وكثر تدوين السلف للعلم بهذه الطريقة. 6 - ظهرت طريقة التبويب التفصيلي في بدايات القرن الثالث واستمرت وتطورت حتى بلغت الغاية في التفنن في الترتيب والتبويب وأبرز مصنف يمكن أن يمثل به في تلك الفترة صحيح البخاري والكتب الستة عموماً. 7 - عقد السلف أبواباً وكتباً مستقلة في مسائل الاعتقاد ضمن الجوامع الحديثية وعرضوا لجزئيات الاعتقاد من خلال تراجم الأبواب الفرعية، وظهرت براعتهم وسعة علمهم من خلال تراجم الأبواب التي أودعوها دقيق فقههم وعمق فهمهم. 8 - اعتنى السلف بعقد أبواب وكتب مستقلة في الرد على أهل البدع من خلال الجوامع الحديثية، ولم يغفلوها وكان الرد مضمَّناً في ثنايا التراجم ومن خلال تعليقاتهم على الأبواب أو ما اندرج تحتها من أدلة. 9 - لم يحتجَّ السلف بغير الصحيح من الروايات واطرحوا الضعيف الهالك والموضوع منها وبينوا حالها إما تصريحا وإما بإبراز أسانيدها عند إيرادها في مصنفاتهم. 10 - اعتمد السلف في استدلالهم على الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة، واستخدموا أنواعاً من الاستدلال وبرعوا فيها وفاقوا فيها خصومهم من أهل البدع كالاستدلال العقلي والاستلال باللغة والفطرة ونحوها من الأدلة. 11 - تميز منهج السلف في الاستدلال والرد على المخالفين في مسائل الاعتقاد بالشمولية والاستيعاب لأنواع الأدلة والحجج المختلفة. 12 - برز فقه السلف وعمق فهمهم أثناء تدوينهم لمسائل الاعتقاد من خلال: أ- تعليقات على النصوص وتراجم الأبواب. ب- جمعهم بين الأدلة التي ظاهرها التعارض. ت- الاستدلال العقلي. ث- نقضهم لأصول البدع أثناء الرد عليهم. ج- إظهارهم لتناقض أهل البدع في مصنفاتهم. 13 - كان للسلف أسلوب أدبي في عرض مسائل الاعتقاد ولا غرابة في ذلك فهم حملة اللغة والحجة فيها، واستفادوا هذه الروعة في البيان لاعتمادهم على نصوص الكتاب والسنة وكثرة الاطلاع عليها ومدارستها ونشرها وحفظها. 14 - اعتني السلف بالتدوين في العلوم كلها وكان أبرز اهتمام لهم هو فيما يخص مسائل الاعتقاد، وظهر هذا الاهتمام من خلال كثرة مصنفاتهم في علم الاعتقاد حيث بلغت ما يزيد على ثلاثمائة مصنف. 15 - اهتم السلف بالرد على أهل البدع حيث بلغ عدد مصنفاتهم في الرد على أهل البدع أربعة وخمسين مصنفاً. 16 - اهتم السلف بالنظم في مسائل الاعتقاد وبلغ عدد ما نظموه من أشعار سواء قصائد كاملة أو أبيات قليلة مفردة ما يقارب عشرين نظماً.

منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى

منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى ¤خالد بن عبداللطيف نور£بدون¥مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة¨الأولى¢1416هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶التوحيد - فضائله وأهميته وأقسامه الخاتمة وهذه الخاتمة تتضمن أهم النتائج المتوصل إليها في هذه الرسالة: 1 - صحة تقسيم أهل السنة والجماعة للتوحيد، وقصور تقسيم الأشاعرة –إلا ما أثر عن بعضهم- حيث إنهم لم يعدوا توحيد الألوهية في أقسام التوحيد؛ وهذا يعد خللاً كبيراً في المنهج. 2 - إن الأشاعرة على درجاتٍ ثلاث: الدرجة الأولى: من كان متابعاً لأبي الحسن الأشعري في مرحلته الأخيرة –التي يمثلها كتاب الإبانة فهو معدود في أهل السنة والجماعة- ويمثل هذه الدرجة: قدماء أصحاب الأشعري كابن خفيف ومن نسب إليه كالإسماعيلي .. مع ترك التلقب بالأشعرية لأنه بدعة. الدرجة الثانية: وهم الذين أثبتوا أكثر الصفات، ونفوا بعض صفات الأفعال وهؤلاء أقرب إلى أهل السنة، ومن هؤلاء: الباقلاني. الدرجة الثالثة: وهم الذين كان نفيهم أكثر من إثباتهم، وربما يتقارب نفيهم وإثباتهم أحياناً، وأهل هذه الدرجة هم أكثر الأشاعرة في العصور المتأخرة، بل لا يُعرف وجود غيرهم الآن، وتأصل منهجهم في عهد الجويني، وتعمق في مرحلة الغزالي ثم الرازي، وقد بينت انقطاع صلتهم بالسلف وبأبي الحسن الأشعري خاصةً في أكثر المسائل. وكانوا هم المقصودين في هذه الرسالة. 3 - إن أهل السنة والجماعة حرصوا على متابعة الشرع لفظاً ومعنىً واستدلالاً، وهذه المتابعة في الأمور الآتية: الأول: بينوا باستقراء النصوص أن التوحيد يشمل: الألوهية والربوبية والأسماء والصفات. الثاني: أثبتوا ما أثبته الشرع من الأسماء والصفات على الوجه اللائق بالله، ولم يُدخلوا في ذلك بأوهام ولا آراء ولا شكوك، فلم يقعوا في معارضة الشرع ولا في التناقض. الثالث: لم يتعمقوا في الأمور العقلية التي هي خارج نطاق العقل، بل لم يتكلفوا البحث عنها، مع التزامهم بأيسر الأدلة المتمثلة في الأدلة الفطرية العقلية والأدلة السمعية، ولذلك لم تصعب طريقتهم على عوام الناس. 4 - أن الأشاعرة قد أخذت عليهم الأمور الآتية: الأمر الأول: إنكار ما ثبت بالأدلة الصحيحة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفات الله سبحانه خاصةً: العلو والاستواء، وقولهم إن القرآن مخلوق، وكذلك الأسماء الحسنى –وهي التسميات عندهم- وقد بينت أن من أثبت بعض الصفات ونفى بعضها الآخر فقد وقع في التناقض، كما بينت أن أكثر ما أثبتوه من صفات المعاني كان إثباتاً موافقاً للسلف من وجه، وموافقاً للمعتزلة من وجهٍ آخر. الأمر الثاني: إن إثبات الأفعال عند الأشاعرة ليس إثباتاً حقيقياً؛ لأنهم جعلوها مفعولات لله، ومعلومٌ أن المفعولات لا تقوم به، وهذا يستلزم أن لا يتصف بها، وإنما يتصف الباري بالأمور التي تقوم به. الأمر الثالث: قولهم بعدم وجود تأثير للأسباب في مسبباتها فتح عليهم باب الجبر في أفعال العباد، مع أن كثيراً من المتأخرين جداً قد نقض هذا الأصل فخلع على بعض الناس أوصاف الربوبية من إحياء الموتى، وعلم الغيب، والتصرف في الكون!!. الأمر الرابع: عدم وضوح المنهج الأشعري في توحيد الألوهية –مع ثبوت بعض ما يناقضه عند كثيرٍ من المتأخرين- وبالجملة فيمكن تصنيف الأشاعرة في الموقف من توحيد الألوهية إلى ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: وهم الذين لم يؤثر عنهم ما يخالفه، بل أثر عنهم ذكره ومحاربة ما يناقضه، واستندت في قولي بعدم وجود مخالفة للمتقدمين: على عدم إنكار أهل السنة المحضة على الأشاعرة فيه، وبنقل بعض التعريفات للأشاعرة تتضمن توحيد الألوهية، وبإقرارهم بأنه لا يُستعاذ إلا بالله ... إلخ. الصنف الثاني: من أثر عنه ما يناقض توحيد الألوهية –وهذا ظهر في المتأخرين الذين تأثروا بالصوفية- فكل تغير حصل في الصوفية يحصل في الأشعرية، إلا في بعض المسائل كالحلول ووحدة الوجود والاتحاد –وقد ذكرت مؤلفات بعضهم وأقوالهم- واستشهدت بالواقع. الصنف الثالث: وأعني بهم من يعيش في مرحلة التغير الخطيرة المتأثرة بالصوفية القبورية: وهم من ينكر الأعمال الشركية ولا يقع فيها، وهؤلاء قليل، ومع ذلك فلم يظهر إنكارهم هذا في مؤلفات! وإنما يقتصرون على الإنكار عند السؤال ونحو ذلك مما ليس له تأثيرٌ كبير، بل قد يكون سكوتهم هذا موهماً ومبرراً للعوام فعلهم .. !! الأمر الخامس: إن الأشاعرة قد سلكوا في الاستدلال سبلاً متعاصة على الفهم، وقد تكون متضمنة –في الغالب- على ما يخالف الشرع، كدليل إثبات وجود الله تعالى، كما أنهم قد استخدموا أقيسة عقلية باطلة، كقياس الغائب على الشاهد بجامع الوصف، وقياس الشمول، هذا وإن تظاهروا بإنكار النوع الأول! وقد بينت أنهم بتعمقهم العقلي هذا قد فتحوا على أنفسهم إشكالات لم يستطيعوا أن يجيبوا عنها إجابةً مقنعةً، بل كانت سبباً في رجوع كبار علمائهم. توصية: 1 - أوصي بدراسة تفصيلية عن صلة الأشعرية بالصوفية، تشتمل على تطور الصلة مع بيان مراحل التصوف مع ذكر الشبهات التفصيلية، ويُركز كذلك على الجفوة الأولى وتدرج العلاقة حتى حصول الاندماج. 2 - أوصي بدراسة تفصيلية عن منهج الأشاعرة في مسألة النبوات، فإنه يوجد عندهم شيءٌ من التقصير في إثباتها لوجود أصول لهم في الإلهيات كنفي الحكمة المقصودة ومنع تحسين العقل وتقبيحه أوجبت لهم التقصير. كما أوصي بدراسة منهجهم في مسألة الأسماء والأحكام. وعند هذا القول أكون قد فرغت من هذه الرسالة، والحمد لله الذي وفَّق على الإتمام وأسأله المغفرة في الخطأ والنقصان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

منهج ابن تيمية في مسألة التكفير

منهج ابن تيمية في مسألة التكفير ¤عبدالمجيد بن سالم بن عبدالله المشعبي£بدون¥أضواء السلف - الرياض¨الأولى¢1418هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ابن تيمية - ترجمة كاملة أو دراسة منهجية الخاتمة وبعد أن سهل الله عليّ إتمام هذا البحث أحمد الله حمداً كثيراً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشكره على ما سهل لي، وعلى ما حباني به من النعم الجسيمة، والأفضال العظيمة، وأسأله العفو والمغفرة إن حصل تقصير أو خطأ أو زلل، إن ربي بعباده رؤوف رحيم، وفي هذه الخاتمة سأتعرض لأهم النتائج التي تستخلص من خلال عرض هذا البحث، وهي كما يلي: أولاً: لا يجوز الإقدام على تكفير الناس بغير دليل شرعي، وقد كان شيخ الإسلام حريصاً على الذب عن أعراض المسلمين أن يرمي أحدهم بكفر، حذرا من ذلك، محذرا الناس من الوقوع فيه. ثانياً: أن الحكم المطلق بالكفر على الأقوال والأفعال يختلف عن الحكم على الشخص المعين. ثالثاً: أن من الأمور التي يطلق عليها الكفر، ويكفر مرتكبها بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوها، وتارك أركان الإسلام بالكلية، وراد شرع الله أو بعضه، ومن سب الله تعالى أو استهزأ به أو بآياته، ومن سب أحد الأنبياء، أو استهزأ به أو كفره، أو قذف إحدى زوجاته، ومن استحل الحكم بغير ما أنزل الله، ومن نفى صفات الله، أو شبه الله بخلقه، أو أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله، ومن تشبه بالكفار مطلقاً، أو والاهم ولاء مطلقاً، أو لم يكفر الكافرين، أو شك في كفرهم، أو سوغ اتباع دينهم أو من استحل قتل المسلم، أو قتله من أجل إسلامه. رابعاً: يتعين الكفر على الشخص المعين إذا ارتكب أمراً مكفراً، وكان قاصداً للمعنى الكفري إذا كان اللفظ يحتمل أكثر من معنى، وقامت الحجة على فاعله ولم يكن مجتهداً مخطئاً، ولا جاهلاً، ولا مكرهاً، ولا عاجزاً عن أداء ما أوجبه الله. فإذا وجد شيء من الموانع، أو انتفى شيء من الشروط انتفى التكفير. خامساً: من شروط تكفير المعين التي ذكرها شيخ الإسلام: أن يقصد المتكلم المعنى الكفري؛ وهذا يكون في الألفاظ المحتملة أكثر من معنى؛ بعضها كفري، وبعضها غير كفري، وفي الكلام الذي له لوازم كفرية. ولا يعترض على ذلك بما ذكره شيخ الإسلام في شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يكفر سواء كان مازحاً أو جاداً، وسواء علم بأن كلامه كفر أم لم يعلم؛ فذاك شيء وهذا شيء آخر، إذ المقصود بكلام شيخ الإسلام أن المعين أطلق كلمة الكفر في شتم الرسول صلى الله عليه وسلم، وبهذا يكون قاصداً لها. وفرق بين من لم يقصد المعنى الكفري، وبين من لم يقصد بكلامه الخروج عن الإسلام وإن كان متلفظاً بكلمة الكفر، فذاك كلام يحتمل الكفر وغيره وهذا كلام لا يحتمل إلا الكفر. ويتبين ذلك بمسألة من سب موصوفاً بوصف يطلق على الله تعالى، ففي هذه المسألة ذكر شيخ الإسلام أنه يستفصل الساب عن قصده؛ لأن الكلام محتمل، فإن قصد سب الله كفر، وإن لم يقصد الارتداد عن الدين والخروج عنه. سادساً: بالنسبة للحكم على الفرق تقسم الفرق إلى قسمين: فرق لا يكفرها شيخ الإسلام؛ كالمعتزلة، والأشاعرة، وبعض القدرية، والشيعة المفضلة، والكلابية، والمرجئة، والخوارج. أما القسم الثاني فهو: الفرق التي يكفرها شيخ الإسلام؛ كالجهمية، والفلاسفة، والباطنية، والرافضة، وبعض القدرية. أما المعين من هذه الفرق فله ثلاث حالات: 1 - إما أن يكون مسلماً ظاهراً وباطناً، إلا أنه اعتقد أن الحق مع إحدى هذه الفرق الضالة – التي ليس من عقائدها ما فيه معاندة لله ورسوله – فتابعهم في بدعهم جهلاً منه، أو أدخلت عليه بعض شبهاتهم فاعتقدها، فهذا لا يكفر.

2 - وإما أن يكون مظهراً للإسلام، مسراً للكفر وهدم الإسلام ومعاندة الرسول والكيد للمسلمين، فإن لم يظهر منه شيء من ذلك فحكمه حكم المنافقين؛ يعامل معاملة المسلمين في الأمور الدنيوية، ويوكل حسابه إلى الله تعالى. 3 - وإما أن يكون معتقداً ظاهرا وباطناً للعقيدة التي فيها محاربة الله ورسوله ومعاندة النبي صلى الله عليه وسلم، مظهراً لها؛ كعقائد سائر فرق الباطنية؛ كالنصيرية والإسماعيلية ونحوهم وكعقائد الفلاسفة ونحو ذلك، فهؤلاء لا شك في كفرهم، ويعاملون معاملة سائر الكفار. سابعاً: أن الثنتين والسبعين فرقة لا تكفر، وإنما هي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والوعيد الوارد فيهم كالوعيد الوارد في أهل الكبائر، ولا يجوز تعيين إحدى الفرق وإدعاء أنها من الثنتين والسبعين فرقة بغير علم. وقد ورد ذكر أصول الثنتين والسبعين فرقة في أقوال بعض السلف؛ كعبد الله ابن المبارك وأسباط، فذكروا أنهم: المرجئة، والقدرية، والخوارج، والشيعة. ثامناً: الإفراط في التكفير هو منهج سائر أهل البدع، ويتضخم عند الخوارج والمعتزلة والرافضة على مختلف أصنافهم، وأسباب إفراطهم ما يأتي: عدم الاعتماد على الكتاب والسنة، والاحتجاج بأحاديث موضوعة، وخلط الحق بالباطل، واتباع الظن وما تهوى الأنفس، والتساهل في ظلم الناس، وعدم التمييز بين السنة والبدعة، وعدم العذر بالخطأ والعجز. تاسعاً: يظهر التفريط في التكفير في طوائف المرجئة، وأسباب تفريطهم ما يلي: عدم الاعتماد على الكتاب والسنة، وترك الحق، واتباع الظن وما تهوى الأنفس، والتأويل المنكر. وفي ختام الختام، أصلي وأسلم على سيد الأنام، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الكرام.

منهج الإمام ابن القيم في شرح أسماء الله الحسنى

منهج الإمام ابن القيم في شرح أسماء الله الحسنى ¤مشرف بن علي الغامدي£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1426هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶دراسات توثيقية ومنهجية خاتمة كتاب منهج ابن القيم في شرح أسماء الله الحمد لله على ما مَنَّ به علي من إتمام هذا البحث، وجمع شتات قضاياه ومسائله، والتنقيب عنها في بطون مؤلفات الإمام ابن القيم وغيره من العلماء الذين كتبوا في أسماء الله الحسنى، وقد كان من توفيق الله تعالى أن توصلت من خلال هذه الدراسة إلى بعض النتائج التي تبين منهج الإمام ابن القيم - رحمه الله – في مسألة الأسماء الحسنى، فأوجزتُها فيما يلي: أولاً: أن منهج ابن القيم في أسماء الله وصفاته هو منهج أهل السنة والجماعة، وأنه يعتمد على الكتاب والسنة وإجماع السلف، ويرد على كل قول يخالفها. ثانياً: يلتزم الإمام ابن القيم طريقة أهل السنة والجماعة في الكف عن مسألة الاسم والمسمى وذلك لعدة أمور: 1 - أنها مسألة حادثة لم يرد فيها دليل من الكتاب والسنة. 2 - الكلام فيها مجمل يحتاج إلى تخصيص وتقييد. 3 - تحتمل معنيين حق وباطل. 4 - مسألة قليلة الفائدة، نشأت نتيجة الخلاف مع المعتزلة في عصر الإمام أحمد - رحمه الله -. ثالثاً: قرر الإمام ابن القيم مذهب أهل السنة والجماعة في مجموعة من مسائل الأسماء الحسنى وعرض لها عرضاً واضحاً فكانت على النحو التالي: 1. أن الأسماء الحسنى توقيفية لا تؤخذ من غير النصوص الشرعية الثابتة. 2. أن أسماء الله الحسنى يفضل بعضها بعضاً بحسب ما رود في النصوص، وليس معنى هذا التفاضل أن المفضول يوهم نقصاً؛ لأن أسماء الله حسنى بالغة الحُسن، ولأن كل أسماء الله فاضلة. 3. أن أسماء الله غير محصورة بعدد معين، ولم يصح حديث في تعيين الأسماء الواردة ذكرها من حديث أبي هريرة وغيره، كما رأينا ذلك من خلال الدراسة. 4. أسماء الله تعالى كاملة الحُسن، وليس فيها ما يتضمن الشر. 5. إنَّ الاسم من أسماء الله تعالى له ثلاثة أركان: الإيمان بالاسم، وبما دل عليه من معنى، وبما تعلق به من أثر. 6. المراد بإحصاء الأسماء الحسنى هو اجتماع ثلاثة أمور لها: إحصاء ألفاظها وعددها، وفهم معانيها ومدلولها، ودعاء الله سبحانه وتعالى بها. 7. جواز دخول الاشتقاق في أسماء الله تعالى ولكن بضوابطه المعتبرة. 8. عدم جواز القياس في باب أسماء الله وصفاته، بخلاف ما عليه المتكلمون. رابعاً: اتضح لنا من خلال هذه الدراسة أن الإمام ابن القيم له انفرادات مشكورة ربما لم يُسبق إليها، وقد تجلَّت في معاني أسماء الله تعالى وما ترتب عليها من الآثار الإيمانية. وبعد، فإنه يمكن القول بأن الإمام ابن القيم - رحمه الله –كان أحد حاملي لواء العقيدة الصحيحة عقيدة أهل السنة والجماعة، وأنه أحد المحققين الذين نفع بجهودهم فأصبحوا من المرجعيات الهامة لعلماء الأمة، فرحم الله ابن القيم، وعفا عنه، ورفع درجته في العالمين، وجمعنا وإياهُ في مستقر رحمته، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

منهج الإمام الشافعي في إثبات العقيدة

منهج الإمام الشافعي في إثبات العقيدة ¤محمد بن عبدالوهاب العقيل£بدون¥أضواء السلف - الرياض¨الثانية¢1425هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أئمة أربعة - أو أحدهم - شاملة أو منوعة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على من ختم الله به النبوات والرسالات وعلى آله وأصحابه. وبعد ... فإني في نهاية هذا البحث المتواضع أشكر الله سبحانه وتعالى على ما أنعم علي بإكمال هذا البحث من غير حول مني ولا قوة وأسأله سبحانه وتعالى أن ينفعني به وينفع به المسلمين وقد حرصت في بحثي هذا على الاختصار والبعد عن التوسع والتركيز على عقيدة الإمام الشافعي – رحمه الله – وإظهارها على قدر التوسع المستطاع وأذكر هنا بعض النتائج والأمور التي توصلت إليها من خلال بحثي وجمعي لعقيدة الإمام الشافعي – رحمه الله – فمن هذه النتائج التي توصلت إليها: الأول- تعظيم الإمام الشافعي رحمه الله للكتاب والسنة واعتماده عليهما في كل أمور الدين بما في ذلك مسائل العقيدة. الثاني- أن من منهجه الأخذ بظاهر الكتاب والسنة وبعده عن أساليب أهل الكلام. الثالث- مع أن الإمام الشافعي حجة في اللغة لم يرد عنه أنه أول بعض النصوص أوردها بحجة المجاز كما يدعي ذلك من يرد الصفات. الرابع- تعظيم الإمام الشافعي لسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – واحتجاجه بها وأنها مساوية للقرآن في التشريع. الخامس- الاحتجاج بخبر الواحد العدل الثابت في العقيدة. السادس- ذم الإمام الشافعي لعلم الكلام وأهله والتحذير منه والنهي عن مجالسة أهله وأمره أصحابه بهجرهم وقد حاول بعض المتكلمة حصر ذم الشافعي لعلم الكلام في كلام المعتزلة والقدرية والرافضة وقد رددت عليه وبينت شمول الذم لكل من اتخذ علم الكلام منهجا في إثبات العقيدة وبينت الفرق بين علم الكلام البدعي وعلم التوحيد الشرعي السابع- كراهة الإمام الشافعي للخوض في أمور العقيدة خوفا من الوقوع في الزلل والخطأ لخطورة هذه المباحث وأمره أصحابه بالإيمان بما ورد في النصوص والسكوت عما سكت الشارع عنه. الثامن- بين الإمام الشافعي – رحمه الله – منزلة العقل بالنسبة للشرع وأنه تابع للشرع وشبهه بالعين التي لها حد وتقف عنده فكذلك العقل له حد يقف عنده. التاسع- يعتقد الإمام الشافعي أن الإيمان قول وعمل ونية وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وذكر الأدلة على ذلك ورد على من خالف مذهب السلف وأقام المناظرات للدفاع عن عقيدة السلف في ذلك. العاشر- يرى الإمام أن مرتكب الكبيرة من أمة النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا مات مصرا عليها أنه تحت المشيئة إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عذبه إلا أنه لا يخلد في النار. الحادي عشر- بين الإمام الشافعي التوحيد الذي بعث الله الرسل من أجله وخلق الجن والإنس لتحقيقه وهو شهادة أن لا إله إلا الله. الثاني عشر- حرص الإمام الشافعي على حماية هذا التوحيد ولذلك شدد النهي عما يخالفه كالبناء على القبور واتخاذها مساجد ونهى عن الحلف بغير الله وعن قول مطرنا بنوء كذا وكذا ونحو هذا مما يقدح في كمال التوحيد. الثالث عشر- ذكر الشافعي الأدلة على وجود الله وسلك في هذا الباب منهج السلف ولم يعرج على طريقة المتكلمين مما يدل على حسن اعتقاده وصلاح منهج السلف للاستدلال في هذه الأبواب المهمة.

الرابع عشر- في باب أسماء الله وصفاته أثبت الشافعي جميع أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق به من غير تشبيه ولا تكييف ومن غير تأويل ولا تمثيل على طريقة السلف واحتج لذلك بنصوص من الكتاب والسنة وقد روي عنه إثبات بعض الصفات بأدلتها كصفة العلو والاستواء والوجه والضحك واليدين وما لم يذكره بالاسم فقد قال كل ما يثبت عن الله وعن رسوله فأنا قائل به وإن لم يبلغني، ويلاحظ في باب الأسماء والصفات خلو كلام الإمام الشافعي من طرق أهل الكلام وعباراتهم وشبهاتهم. الخامس عشر- تحدث في باب النبوات عن حاجة الناس إلى بعثة الرسل وعن حالة الناس قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأنهم يجمعهم أصلان: الأول: الكفر بالله. الثاني: ابتداع ما لم يأذن به الله. ثم تحدث عن وجوب الإيمان بالرسل ومكانة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بين الأنبياء وقرر أنه أفضلهم عليهم السلام. السادس عشر- عظم الشافعي الصحابة – رضي الله عنهم – ورفع مكانهم وأنزلهم المنزلة اللائقة بهم ورد على من تنقصهم وسار في إثبات خلافة الخلفاء الراشدين على منهج السلف حيث بدأ بأبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وهو يرى أن خامسهم عمر بن عبدالعزيز – رحمه الله -. السابع عشر- يؤمن الشافعي بجميع ما ثبت في النصوص من أمور الآخرة كعذاب القبر ونعيمه والبعث والحساب والحوض والميزان والجنة والنار وما يتعلق بذلك. الثامن عشر- وفي باب القضاء والقدر قرر الشافعي – رحمه الله – عقيدة أهل السنة والجماعة وأثبت مشيئة الله ومشيئة العباد وذكر مراتب القضاء والقدر الأربعة المشهورة ورد على الجبرية والقدرية النفاة. التاسع عشر- اتضح لنا عدم الرسالة المنسوبة للإمام الشافعي المسماة بالفقه الأكبر وأنها من تأليف بعض متكلمة الشافعية المتأخرين عن زمن الإمام الشافعي. العشرون- يرى الشافعي أن الميت لا يلحقه من عمل الحي إلا ما دلت النصوص عليه، فلذلك لا يجيز غير ذلك من الأعمال كقراءة القرآن ونحوها من الأعمال البدنية التي لا تجوز النيابة فيها. الحادي والعشرون- عرفنا موقف الإمام الشافعي من الفرق التي ظهرت في عصره كالصوفية والقدرية والشيعة واتضح لنا براءة الإمام الشافعي من تهمة التشيع وأن هذا لا يصح أبدا، وكيف يصح وهو قد شنع على الشيعة أشد تشنيع كما مر. هذه أهم الأمور التي توصلت إليها من خلال بحثي ودراستي – لعقيدة هذا الإمام رحمه الله وإني إذ أكتب هذا أعترف – بتقصيري عن إعطاء هذا الموضوع حقه وذلك لطوله واشتماله على جميع مسائل العقيدة والتي تصلح كل مسألة منها لبحث مستقل لكني أرجو أن أكون وفقت لإظهار عقيدة هذا الإمام ولو ببعض الاختصار وما لا يدرك جله لا يترك كله. وإني إذ أختم هذا البحث لأوجه كلمة إلى كل من انتسب إلى هذا الإمام أن يتقوا الله تعالى في إمامهم ولا ينسبوا شيئا من عقائدهم إلى الإمام الشافعي من غير تثبيت في نسبتها إليه كالذين يؤلفون المختصرات في العقيدة وينسبونها إلى الإمام الشافعي وهو بريء منها. كما أدعوهم إلى تدبر عقيدة هذا الإمام وغيره من أئمة السلف وأن يتابعوهم فهم خير من يقتدى به خاصة في هذه الأمور المهمة فإن في ذلك السلامة والنجاة في الدنيا والآخرة. فرحم الله السلف ما أعمق فهمهم وأدق فقههم وأقل تكلفهم ورحم الله الإمام الشافعي، وجزاه الله عن المسلمين خيرا الجزاء وحشرنا وإياه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ... والحمد لله أولا وأخيرا

منهج الإمام الشوكاني في العقيدة

منهج الإمام الشوكاني في العقيدة ¤عبد الله نومسوك£بدون مكتبة دار القلم والكتاب¨الأولى¢1414هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد: فقد انتهيت بعون الله وتوفيقه من إتمام هذا البحث وإكماله وفي هذه الخاتمة أحب أن أجمل أهم النتائج والفوائد التي توصّلت إليها في النقاط التالية: 1 - عاش الشوكاني رحمه الله تعالى (1173 - 1250هـ) في فترة كانت البلاد الإسلامية فيها تعاني من تفكك ومن ضعفٍ شديد، وكانت الصراعات المذهبية والطائفية والقبلية تسود المجتمعات الإسلامية بصفةٍ عامة ومجتمع اليمن (مسقط رأسه) بصفةٍ خاصة، وقد عاصر رحمه الله المذاهب والفرق والطوائف الدينية المختلفة، كالرافضة، والزيدية، والصوفية، والمعتزلة، وغيرهم، ورأى ما فيهم من التعصّب والجمود، ومن الانحراف العقدي والسلوكي المناقض لتعاليم الإسلام، كما رأى ما وقع فيه الناس حوله من الفساد، والشرور، والبدع، والشركيات، وجهلهم بأمور الدين، ورأى قعود العلماء، والحكّام عن أداء واجباتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورأى الظلم الاجتماعي الذي ساد المجتمع اليمني عموماً، تبدّت مظاهره في سلوكيات القضاة والعمَّال والحكّام وهذه الأمور التي تكوّنت منها بيئة الشوكاني لها أثر بالغٌ في ظهوره وقيامه بالإصلاح. 2 - نشأ الشوكاني رحمه الله في بيت علمٍ حيث كان والده من العلماء الكبار، وكان له أكبر الأثر في تكوين الشوكاني، حيث هيَّأ له فرصة التفرّغ للعلم، وكفل له وسائل الحياة المعيشية، فبدأ حياته العلمية منذ الصغر، وتتلمذ على عددٍ كبيرٍ من علماء صنعاء في عصره، ولم يرحل منها. وكان أكثرهم تأثيراً فيه شيخه عبد القادر بن أحمد الكوكباني، والحسن بن إسماعيل المغربي، وعبد الله بن إسماعيل النهمي. ودرس جميع العلوم الشرعية والعربية ونبغ فيها، بل درس العلوم الفلسفية الشائعة في ذلك الوقت، كالمنطق، والطبيعة، والرياضة، وغير ذلك، وقد بلغ مرتبةً من التفوق المبكّر جعلته يدرّس وهو في أثناء طلبه العلم، ويفتي وهو في العشرين من عمره، ثم يتولّى بعد ذلك القضاء العام وهو في السادسة والثلاثين من عمره، ووجد في قضائه فرصةً متاحةً له لنشر مذهبه في الاجتهاد ونبذ التقليد، والدعوة إلى طريق السلف الصالح، وظلّ متولّياً منصب القضاء حتى تُوفّي بصنعاء عام 1250هـ. 3 - خلّف الشوكاني رحمه الله تعالى مع اشتغاله بالأعمال الكثيرة عدداً كبيراً من المؤلفات والرسائل القيمة في مختلف العلوم، ولم يزل معظم هذا التراث مخطوطاً وتجدر العناية بتحقيقه، ودراسته، وتسهيل السبل إلى طبعه، حتى تتحقّق الفائدة.

4 - تفقّه الشوكاني رحمه الله على مذهب الزيدية، إلا أنّه لم يلبث أن تخلّى عن التقليد والتمذهب، وأصبح لا يتقيّد بفرقة من الفرق أو مذهبٍ من المذاهب، بل اعتمد اعتماداً مباشراً على الكتاب والسنّة، وأصبح من المجتهدين في البحث عن الحكم الشرعي والرأي العقائدية من خلال الأدلة والبراهين، لا من طريق التقليد والتلقين، وقد وصل إلى هذه المرتبة وهو دون الثلاثين من عمره، وكانت دعوته إلى الاجتهاد ونبذ التقليد والرجوع بالتشريع إلى طريق السلف تمثّل امتداداً لأدوار من سبقه من المجدّدين والمصلحين، كالإمام مالك، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وكابن الوزيرن والمقبلي، والأمير الصنعاني، والإمام محمد بن عبد الوهاب، ونظائرهم، رحمهم الله. وقد تعرّض في سبيل هذه الدعوة لأذى كثير من المتعصّبين والمقلّدين في عصره، واتّهموه بالدعوة إلى هدم مذهب أهل البيت، وهو بريء من هذه التهمة، وهذا شأنهم مع كل عالمٍ مجتهدٍ آخذٍ بالدليل. 5 - أورد الشوكاني رحمه الله تعالى أحاديث ضعيفة ومنكرة في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض كتبه، وألّف في آخر عمره كتابه: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، حيث بيّن فيه نكارة كثيرٍ من تلك الأحاديث. وهذا يدل على أنه لم يتبيّن له ما في تلك الأحاديث من النكارة، ولمّا نضج علمه توصّل إلى هذه النتيجة في الحكم عليها، وهو أمرٌ يدلُّ على تطوّر في علمه بعلوم الحديث، شأنه كشأن غيره من العلماء المجتهدين. 6 - من خلال دراستي لمنهج الشوكاني في العقيدة تبيّن لي أنّه وافق السلف أهل السنة في جميع أركان الإيمان الستة، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، ولم يخالفهم إلا في مسائل قليلة، وكان رأيه في بعضها مضطرباً بين كتاب وآخر، كما في بعض الصفات. وفيما يلي أذكر تلك المسائل مختصراً. أ) - في توحيد الألوهية: أجاز التوسّل بالذات والجاه وجعله كالتوسّل بالعمل الصالح، وهذا مخالفٌ لما قرّره ودعا إليه في عدد من كتبه من محاربة الشرك وسدّ الذرائع المؤدّية إليه. ب) - في أسماء الله تعالى: ذهب إلى جواز تسمية الله بما ثبت من صفاته، سواءً ورد التوقيف بها أو لم يرد. غير أني لم أقف على تطبيق الشوكاني هذه القاعدة، لا في تفسيره، ولا في غيره. ج) - في صفات الله تعالى: 1 - أوّل بعض الصفات الإلهية في تفسيره: فتح القدير تأويلاً أشعرياً، والصفات التي أوّلها هي: الوجه، والعين، واليد، والعلوّ، والمجيء، والإتيان، والمحبّة، والغضب، على التفصيل الذي ذكرته في الرسالة. وهذا التأويل مناقض لمنهجه في رسالته التحف في إثبات الصفات على ظاهرها من غير تحريفٍ ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، وهو مذهب السلف رضوان الله عليهم. 2 - نهج منهج أهل التفويض في صفة المعية في رسالته التحف، فلم يفسّرها بمعيّة العلم، بل زعم أنّ هذا التفسير شعبة من شعب التأويل المخالف لمذهب السلف. وهذا مخالف لما ذهب إليه في تفسيره وفي كتابه تحفة الذاكرين من أنّ هذه المعية معيّة العلم، وفسّرها هنا تفسير السلف. 3 - ذهب مذهب الواقفية في مسألة خلق القرآن، فلم يجزم برأي هل هو مخلوق أو غير مخلوق. د) - في نواقض التوحيد: 1 - أجاز تحرّي الدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين باعتبارها أماكن مباركةً يستجاب الدعاء فيها. وهذا مخالفٌ لما قرّره ودعا إليه في عدد من كتبه من سد الذرائع إلى الشرك في الأموات. 2 - جعل الحلف بالقرآن كالحلف بمخلوق من مخلوقات الله. هـ) - في النبوات: يرى التوقف في مسألة التفضيل بين الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.

هذا وقد سلك الشوكاني رحمه الله تعالى طريقة السلف في الاستدلال لكل مسألة من مسائل العقيدة التي أثبتها، فيقدّم الأدلة النقلية على العقلية، ويقدّم المعنى الظاهر من النصوص على معنى المجاز منها، كما في كتابه التحف، إلا في مسألة المعيّة كما تقدّم إيضاحه في فقرة (2)، وكذلك في تفسيره لمسألة الاستواء وغيرها من الصفات التي أثبتها في تفسيره ولم يؤولها. أما ما يظهر في كتبه من اضطراب وتناقض في هذا الباب وغيره وخالف فيه السلف أهل السنة فيمكن الاعتذار عنه بأنه نشأ وترعرع في بيئة زيدية، وكانت دراسته داخلها ولم يخرج منها، فلعلّ الظروف المحيطة بهذه البيئة لم تتهيأ له كثيراً للاطلاع على كتب أئمة السلف أهل السنة والجماعة. هذا وقد أخطأ الشوكاني فيما أخطأ، ولا ندّعي له العصمة، ولا نقول عنه إلا أنه من البشر، والبشر يُخطئون ويصيبون، وكما قال هو نفسه: (إن الخطأ شأن البشر، وكل أحدٍ يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، والأهوية تختلف، والمقاصد تتباين، وربُّك يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون) (¬1). ورحمه الله إذ قال: فكّرت في علمي وفي أعمالي ونظرت في قولي وفي أفعالي فوجدت ما أخشاه منها فوق ما أرجو فطاحت عند ذا آمالي ورجعت نحو الرحمة العظمى إلى ما أرتجي من فضل ذي الإفضال فغدا الرجا والخوف يعتلجان في صدري وهذا منتهى أحوالي (¬2) وأخيراً أحمد الله تعالى وأشكره الذي أعانني على إتمام هذا البحث وإخراجه بهذه الصورة، وإنني معترفٌ هنا بالتقصير، فإن كان ما ذكرته في بحثي هذا وما عرضته فيه حقاً وصواباً فهذا من فضل الله وحده، فله الحمد والشكر أوّلاً وآخراً، وما كان منه من خطأ وزلل فهو منّي ومن الشيطان، وأستغفر الله من ذلك وأتوب إليه. وفي الختام أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا اتباع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم اتباعاً سليماً نقياً خالياً من البدع والأهواء كما كان عليه سلف هذه الأمة وأن يجنبنا الزلل ومزالق الأهواء، وأن يغفر لي ولوالدي ولمشايخي ولجميع المسلمين إنه سميعٌ مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ¬

(¬1) البدر الطالع: الشوكاني (2/ 111، 112) عند ترجمته للحافظ الذهبي. (¬2) نيل الوطر: محمد زبارة (2/ 302).

منهج الإمام محمد بن عبدالوهاب في مسألة التكفير

منهج الإمام محمد بن عبدالوهاب في مسألة التكفير ¤أحمد بن جزاع الرضيمان£بدون¥دار الفضيلة - الرياض¨الأولى¢1426هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، أحمده على ما أنعم به علي من تيسير لأنهاء هذا البحث، وإنه مما يسطر في خاتمة هذا البحث، الإشارة إلى أهم النتائج التي تم التوصل إليها ومنها: 1 - شدة تحذير الإمام محمد بن عبد الوهاب من الإقدام على تكفير الناس بغير دليل شرعي صحيح صريح. 2 - أن الإمام محمد بن عبد الوهاب لم يكفر إلا بالمتفق عليه، دون المختلف فيه. 3 - توكيد الإمام محمد بن عبد الوهاب على التفريق بين التكفير المطلق، والتكفير المعين. 4 - توكيد الإمام محمد بن عبد الوهاب على الإعذار بالجهل، وأنه مانع من موانع التكفير المعتبرة. 5 - تفريق الإمام محمد بن عبد الوهاب بين قيام الحجة وفهم الحجة، والمقصود بفهم الحجة الفهم المؤدي للامتثال والإيمان، ومثل له بفهم أبي بكر وعمر، وأما فهم الخطاب، فإنه معتبر عند الإمام محمد بن عبد الوهاب، وهو بهذا الاعتبار يشترط فهم الحجة. 6 - أن من الأمور التي يطلق عليها الكفر، ويكفر مرتكبها بعد استيفاء الشروط، وانتفاء الموانع اعتقادات مكفرة، وأقوال مكفرة، وأفعال مكفرة، تم تفصيل القول فيها في ثنايا البحث. 7 - يركز الإمام محمد بن عبد الوهاب عند ذكره للفرق والمقالات المخالفة على بيان منشأ ضلال وخطأ تلك الفرق، دون الحكم عليها بتكفير أو عدمه في الغالب. 8 - أن من أهم أسباب الإفراط في التكفير: الجهل بالكتاب والسنة وعدم فهم النصوص بفهم السلف، والاحتجاج بأحاديث وآثار موضوعة. 9 - أن من أهم أسباب اتهام الإمام محمد بن عبد الوهاب بالغلو في التكفير كونه دعا إلى ما جاء به الرسل، مما يخالف ما ألفه مجتمعه، وأيضًا الجهل بحقيقة التوحيد، وتلقي العلم عن علماء الضلال، ووجود شبه قولية وفعلية لدى المخالفين، وقد تم كشفها وبيان زيفها في ثنايا البحث. 10 - القول بأن الإمام محمد بن عبد الوهاب يكفر بغير دليل، هو دعوى لا دليل عليه وقول لم يثبت أمام البحث العلمي المنصف، وكتبه ورسائله تدل على أنه من أشد الناس إحجامًا وتورعًا في مسائل التكفير، حتى أنه لم يكفر من ترك جميع أركان الإسلام عدا الشهادتين وتوقف في تكفير الجاهل من عباد القبور إذا تيسر له من ينبهه.

منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة

منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة ¤عثمان علي حسن£بدون مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1412هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶عقيدة - أصول المنهج الخاتمة وتتضمن مطلبين: الأول: حكم من خالف منهج أهل السنة في تقرير مسائل الاعتقاد. الثاني: نتائج الالتزام بمنهج أهل السنة في تقرير مسائل الاعتقاد، ونتائج المخالفة لذلك. المطلب الأول حكم من خالف منهج أهل السنة في تقرير مسائل الاعتقاد لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستفترق -أسوةً باليهود والنصارى- إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة، وأن جميعها في النار، خلا واحدةً هي الناجية، وهي الجماعة، وهي الفرقة المنصورة، وأن سبب نجاتها هو التزامها بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في أمور الديانة: علماً وعملاً. وقد أفتى أهل العلم بأن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم أصحاب الحديث، قال الإمام أحمد رحمه الله: (إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم) (¬1). وروي نحوه عن يزيد بن هارون، وأحمد بن سنان، وعلي بن المديني، والإمام البخاري (رحمهم الله) (¬2). وأهل الحديث والسنة: هم الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزاً بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها، وأهل معرفة بمعانيها، وهم -أيضاً- أعظم الناس اتباعاً لها: تصديقاً وعملاً وحباً، وموالاة لمن والاها، ومعاداة لمن عاداها، الذي يردون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة؛ فلا ينصبون مقالة -عن رأي أو ذوق- ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم، إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، بل يجعلون ما بعث به من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه. وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأحكام، ومسائل المعاد وحشر الأجساد وغير ذلك، يردونه إلى الله ورسوله، فما كان من معانيها موافقاً للكتاب والسنة أثبتوه، وما كان منها مخالفاً للكتاب والسنة أبطلوه، ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس؛ فإن اتباع الظن جهل، واتباع هوى النفس بغير هدىً من الله ظلم (¬3). وعليه، فما عدا طائفة أهل الحديث هم أهل أهواء وبدع وتفرق، محكومٌ على جملتهم بمخالفة الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم بالهداية والتوفيق: قال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله: (أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام: أهل بدعٍ وزيغٍ، ولا يعدون عند الجميع -في جميع الأمصار- في طبقات العلماء، وإنما العلماء: أهل الأثر والتفقه فيه، ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم) (¬4). وقال هارون الرشيد رحمه الله: (طلبت أربعةً فوجدتها في أربعة: طلبت الكفر فوجدته في الجهمية، وطلبت الكلام والشغب فوجدته في المعتزلة، وطلبت الكذب فوجدته عند الرافضة، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث) (¬5). وقال رجلٌ للحسن بن زياد اللؤلؤي في زفر بن هذيل: (أكان ينظر في الكلام؟ فقال: سبحان الله! ما أحمقك! ما أدركتُ مشيختنا: زفر، وأبا يوسف، وأبا حنيفة، ومن جالسنا وأخذنا عنهم يهمهم غير الفقه والاقتداء بمن تقدمهم) (¬6). ¬

(¬1) رواه عنه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث ص: 25 برقم: 42، ص 27 برقم: 48. (¬2) انظر: شرف أصحاب الحديث ص: 26 برقم 46، ورقم: 47، ص: 27 برقم 48، ورقم: 49، ورقم: 50، ورقم: 51. (¬3) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 3/ 347، 348. (¬4) جامع بيان العلم 2/ 117. (¬5) شرف أصحاب الحديث ص: 55 برقم: 110. (¬6) جامع بيان العلم 2/ 117.

وقال الإمام مالك رحمه الله: (لا تجوز الإجارات في شيءٍ من كتب الأهواء والبدع والتنجيم، وذكر كتباً، ثم قال: وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم، وتفسخ الإجارة في ذلك) (¬1). وقال ابن خويز منداد -من أئمة المالكية-: (أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع: أشعرياً كان، أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادةً في الإسلام أبداً، ويُهجر ويؤدب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها) (¬2). وقال يونس بن عبد الأعلى: (سمعت الشافعي -يوم ناظره حفص الفرد- قال لي: يا أبا موسى لأن يلقى الله عز وجل العبد بكل ذنبٍ ما خلا الشرك، خيرٌ من أن يلقاه بشيءٍ من الكلام، لقد سمعت من حفص كلاماً لا أقدر أن أحكيه) (¬3). وأيضاً قال الشافعي رحمه الله: (حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويحملوا على الإبل، ويُطافُ بهم في العشائر والقبائل؛ فينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام) (¬4). وقال الإمام أحمد رحمه الله: (إنه لا يفلح صاحب كلامٍ أبداً، ولا تكاد ترى أحداً نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل) (¬5). وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله: ( ... فلم يسع مسلماً يُقرُّ بالتوحيد أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يأبى عما وُجد فيهما، فإن فعل ذلك بعد قيام الحُجّة عليه فهو فاسق، وأما من فعله مستحلاً للخروج عن أمرهما، وموجباً لطاعة أحد دونهما فهو كافر لاشك عندنا في ذلك) (¬6). وقال رحمه الله -في موضعٍ آخر- عقب قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (النساء: 61) قال: (فليتق الله -الذي إليه المعاد- امرؤ على نفسه، ولتوجل نفسه عند قراءة هذه الآية، وليشتد إشفاقه من أن يكون مختاراً للدخول تحت هذه الصفة المذكورة المذمومة الموبقة الموجبة للنار، فإن من ناظر خصمه في مسألة من مسائل الديانة وأحكامها التي أمرنا بالتفقه فيها، فدعاه خصمه إلى ما أنزل الله تعالى وإلى كلام الرسول فصده عنهما، ودعاه إلى قياس، أو إلى قول فلان وفلان، فليعلم أن الله عزَّ وجل قد سماه منافقاً. نعوذ بالله من هذه المنزلة المهلكة) (¬7). حكم الاثنين وسبعين فرقة: اختلف الناس في تكفير أصحاب الفرق العظمى: الخوارج والشيعة والمرجئة والجهمية، والذي يقوى في النظر، وبحسب الأثر عدم القطع بتكفيرهم، ويدل عليه عمل السلف الصالح فيهم (¬8): فمعاملة علي رضي الله عنه للخوارج مشهورةٌ، حيث امتنع عن تكفيرهم، وقاتلهم مقاتلة البغاة، لا الكفار (¬9). ¬

(¬1) جامع بيان العلم 2/ 117. (¬2) جامع بيان العلم 2/ 117. (¬3) جامع بيان العلم 2/ 116. (¬4) شرف أصحاب الحديث ص: 78 برقم: 168، وتحريم النظر ص: 17. (¬5) جامع بيان العلم 2/ 116، وتحريم النظر ص: 17. (¬6) الإحكام 1/ 110. (¬7) الإحكام 1/ 113. (¬8) انظر: الاعتصام 2/ 185 - 186، 198، 202، وانظر: مسألة في تكفير أهل البدع أم هم كأهل الكبائر (ضمن ثلاث وثائق في محاربة الأهواء والبدع في الأندلس، مستخرجة من مخطوط الأحكام الكبرى للقاضي أبي الأصبغ عيسى بن سهل الأندلسي) ص: 33، 34 تحقي: د/محمد عبد الوهاب خلاف -المركز العربي الدولي للإعلام، المطبعة العربية الحديثة- الطبعة الأولى 1981م - مصر، وإيثار الحق ص: 416. (¬9) انظر: إيثار الحق ص: 429.

وكذلك لما ظهر معبد الجهني وغيره من أهل القدر والتجهم لم يكن من السلف الصالح لهم إلا الطرد والإبعاد والعداوة والهجران (¬1)، ولو خرجوا إلى كفر محضٍ لأقاموا عليهم الحد المقام على المرتدين. وأيضاً فإن قوله صلى الله عليه وسلم: (كلها في النار إلا واحدة) فيه إنفاذ الوعيد، ويبقى الخلود وعدمه مسكوتاً عنه؛ لأن الوعيد بالنار قد يتعلق بعصاة المؤمنين. وأيضاً فإن ظاهر الحديث (ستفترق أمتي ... ) يقتضي أن هذه الفرق من الأمة، وإلا فلو خرجوا إلى الكفر لم يعدوا منها البتة. وقد أخرج عبد الله بن المبارك الجهمية من الفرق الاثنتين وسبعين وقال: (أولئك ليسوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم) (¬2) وكان يقول: (إنا نستجيز أن نحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستجيز أن نحكي كلام الجهمية) (¬3). قال ابن تيمية: (وهذا الذي قاله اتبعه عليه طوائف من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم ... ) (¬4). وقال آخرون من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم: بل الجهمية داخلون في الاثنتين وسبعين فرقة (¬5). فمن أخرج الجهمية لم يكفر الفرق الاثنتين وسبعين، بل يجعلهم من أهل الوعيد بمنزلة الفساق العصاة، ومن أدخل الجهمية فهم على قولين (¬6): الأول: تكفير الاثنتين وسبعين فرقة، وهو قول بعض المتأخرين المنتسبين إلى الأئمة أو المتكلمين. أما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير المرجئة والشيعة المفضلة -الذين يقدمون علياً على الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم جميعاً- ونحو ذلك. الثاني: عدم تكفير أحدٍ من الفرق الاثنتين وسبعين إلحاقاً لأهل البدع بأهل المعاصي، فكما لا يكفر أحد بذنب، كذلك لا يكفر أحدٌ ببدعة. والمأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير الجهمية المحضة، المنكرين للصفات، وحقيقة قولهم أن الله لا يتكلم، ولا يرى، ولا يباين خلقه، ولا علم له، ولا قدرة، ولا سمع، ولا بصر، ولا حياة، وأن القرآن مخلوق ... وأما الخوارج والروافض ففي تكفيرهم نزاعٌ عند أحمد وغيره، وأما القدرية النافون الكتابة والعلم فكفروهم، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال (¬7). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (¬8): (وفصل الخطاب بذكر أصلين: أحدهما: أن يُعلم أن الكافر في نفس الأمر من أهل الصلاة لا يكون إلا منافقاً، فإن الله منذ بعث محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن، وهاجر إلى المدينة صار الناس ثلاثة أصناف: مؤمنٌ به، وكافر به مظهر الكفر، ومنافقٌ مستخفٍ بالكفر ... وإذا كان كذلك فأهل البدع فيهم المنافق الزنديق فهذا كافر، ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية، فإن رؤساءهم كانوا منافقين زنادقة، وأول من ابتدع الرفض كان منافقاً، وكذلك التجهم فإن أصله زندقة ونفاق؛ ولهذا كان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرافضة والجهمية لقربهم منهم. ¬

(¬1) كقول طاووس: (احذروا معبداً الجهني فإنه قدري، كتاب السنة لعبد الله بن أحمد 1/ 108، وكان الحسن ينهى عن مجالسته ويقول: (لا تجالسوه فإنه ضال مضل) كتاب السنة لعبد الله بن أحمد 1/ 109. (¬2) مجموع فتاوى ابن تيمية 3/ 350، وانظر: السنة لعبد الله بن أحمد 1/ 6. (¬3) السنة لعبد الله بن أحمد 1/ 7، وانظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 3/ 350. (¬4) مجموع فتاوى ابن تيمية 3/ 350. (¬5) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 3/ 351. (¬6) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 3/ 351، 352. (¬7) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 3/ 352. (¬8) مجموع فتاوى ابن تيمية 3/ 352 - 355.

ومن أهل البدع من يكون فيه إيمانٌ باطناً وظاهراً، لكن فيه جهلٌ وظلمٌ حتى أخطأ ما أخطأ من السنة، فهذا ليس بكافر ولا منافق، ثم قد يكون منه عدوانٌ وظلمٌ يكون به فاسقاً أو عاصياً، وقد يكون مخطئاً متأولاً مغفوراً له خطؤه، وقد يكون مع ذلك معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه، فهذا أحد الأصلين. والأصل الثاني: أن المقالة تكون كفراً: كجحد وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج، وتحليل الزنا والخمر والميسر ونكاح ذوات المحارم، ثم القائل بها قد يكون بحيث لم يبلغه الخطاب وكذا لا يكفر به جاحده، كمن هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ بباديةٍ بعيدةً لم تبلغه شرائع الإسلام، فهذا لا يحكم بكفره بجحد شيءٍ مما أنزل على الرسول إذا لم يعلم أنه أنزل على الرسول، ومقالات الجهمية هي من هذا النوع، فإنها جحد لما هو الرب (تعالى) عليه، ولما أنزل الله على رسوله. وتغلظ مقالاتهم من ثلاثة أوجه: أحدها: أن النصوص المخالفة لقولهم في الكتاب والسنة والإجماع كثيرة جداً مشهورة وإنما يردونها بالتحريف. الثاني: أن حقيقة قولهم تعطيل الصانع، وإن كان منهم من لا يعلم أن قولهم مستلزم تعطيل الصانع. فكما أن أصل الإيمان الإقرار بالله، فأصل الكفر الإنكار لله. الثالث: أنهم يخالفون ما اتفقت عليه الملل كلها وأهل الفطر السليمة كلها، لكن مع هذا قد يخفى كثير من مقالاتهم على كثيرٍ من أهل الإيمان حتى يظن أن الحق معهم، لما يوردونه من الشبهات، ويكون أولئك المؤمنون مؤمنين بالله ورسوله باطناً وظاهراً؛ وإنما التبس عليهم واشتبه هذا، كما التبس على غيرهم من أصناف المبتدعة، فهؤلاء ليسوا كفاراً قطعاً، بل قد يكون منهم الفاسق والعاصي، وقد يكون منهم المخطئ المغفور له، وقد يكون معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه به من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه). البدعة نوعان: لا شك أن كل بدعة ضلالة، ومجاوزة لحدود الله، واتهامٌ للشريعة بالنقص والقصور، وهي من هذه الجهة كبيرة وأي كبيرة، بل هي كفر بالله ورسالاته. لكن إذا أضيفت البدع بعضها إلى بعض، تفاوتت رتبها، فبعضها يقدح في أصل الإيمان وهي البدع المكفرة، وآخر يقدح في كماله الواجب أو المستحب، وهي ما يكون من البدع في مرتبة الكبيرة أو الصغيرة (¬1): فالبدعة المكفرة تكون بإنكار أمرٍ مجمعٍ عليه متواتر من الشرع معلومٌ من الدين بالضرورة، من جحود مفروض، أو فرض ما لم يفرض، أو تحليل محرم، أو تحريم حلال، أو اعتقاد ما ينزه الله ورسوله وكتابه عنه من نفي أو إثبات، ويدخل في ذلك اعتقاد إلهية في بعض البشر كما فعلت النصارى في عيسى عليه السلام، وغالية الشيعة في علي رضي الله عنه، وغالية المتصوفة مع بعض الشيوخ، ويدخل في ذلك -أيضاً- نفي الأسماء والصفات عن الله تعالى؛ لأنه تكذيبٌ للنصوص المتواترة المعلومة من الدين بالضرورة ولما يستلزم من تشبيه الله تعالى بالمعدومات، ويدخل في ذلك -أيضاً- قول من يقول: العقل أو الذوق أو السياسة حجة مقطوعٌ بها، وتعارض بها الشريعة، وقول من يقول: أنا لا أحتاج -في أمور الديانة- إلى محمد صلى الله عليه وسلم، أو أنا معه كالخضر مع موسى لا تلزمني شريعته أو نحو ذلك من المقالات الكفرية (¬2). ¬

(¬1) انظر: فتح المغيث للسخاوي 1/ 334 ومسألة في تكفير أهل البدع لأبي الأصبغ ص: 35، 36، وإيثار الحق ص: 415، 416، ومعارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد للشيخ حافظ بن أحمد حكمي 2/ 503 - 505، دار الفتح الإسلامي الإسكندرية (بدون رقم الطبعة وتاريخها). (¬2) انظر: مجموع الرسائل الكبرى لابن تيمية 1/ 21، 22.

أما البدعة غير المكفرة فهي كل بدعةٍ لم تقدح في أصل الإيمان، ولم تبطل ما تواتر من الشرع وكان معلوماً من الدين بالضرورة، لكنها ضلال وزيغٌ عن الحق وعدولٌ عن السنة، وهي في ذلك على درجات: منها: قول بعض الرافضة: إن علياً إمام، من أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، والأئمة من ولده يقومون مقامه في ذلك. ومنها: تأخير الصلوات عن أوقاتها والمداومة على ذلك. ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: (ومما ينبغي -أيضاً- أن يُعرف أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام على درجات: منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة) (¬1). التفريق بين الكفر وقائله: وهذا من الأصول العظيمة التي امتاز بها أهل السنة والجماعة عن سائر الفرق، أنهم يفرقون بين المقالة وصاحبها، فالمقالة قد تكون كفراً أو فسقاً وصاحبها ليس بكافر ولا فاسق، كما أنها تكون إيماناً وتوحيداً وصاحبها ليس بمؤمن ولا موحد. ولكي توافق مقالة الكفر صاحبها، ويوصف بها، لابد من تحقيق شرائط وانتفاء موانع: أما الشروط، فمنها (¬2): 1 - أن يكون صريح قوله الكفر، عن اختيار وتسليم. 2 - أن يكون لازم قوله الكفر، وعرض عليه فالتزمه، أما إذا لم يلتزمه، بل ردَّه وأنكره فليس بكافر. 3 - أن تقوم الحجة عليه ويتبينها؛ لقوله تعالى: (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: 15) وقوله: (وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء: 115). وأما الموانع، فمنها (¬3): 1 - أن يكون حديث عهد بالإسلام. 2 - أن يكون قد نشأ بباديةٍ بعيدةٍ، ويدخل معه من لم يجد إلا علماء الابتداع يستفتيهم ويقتدي بهم. 3 - أن يكون مغيب العقل بجنون ونحوه. 4 - أن لا تبلغه نصوص الكتاب والسنة، أو بلغته ولم تثبت عنده -إن كانت سنة- أو لم يتمكن من فهمها. 5 - بلغته وثبتت -عنده- وفهمها، ولكن قام عنده عارض -من رأي أو ذوق- أوجب تأويلها، وإن كان مخطئاً. ويدخل معه المجتهد المخطئ، فإن الله يغفر له خطأه ويثيبه على اجتهاده إن كان حسن النيّة. وعليه، فلا يجوز الحكم على معينٍ بالكفر إلا بعد تحقيق شروطه وانتفاء موانعه، وما أثر عن بعض السلف من إطلاق التكفير واللعن فهذا يبقى على إطلاقه وعمومه، ولا يتعين في حق إنسان إلا بدليل: قال ابن تيمية -رحمه الله-: (فإن الإمام أحمد -مثلاً- قد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن، ونفي الصفات، وامتحنوه وسائر علماء وقته، وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذي لم يوافقوهم على التجهم بالضرب والحبس، والقتل والعزل عن الولايات، وقطع الأرزاق، ورد الشهادة، وترك تخليصهم من أيدي العدو، بحيث كان كثيرٌ من أولي الأمر إذ ذاك من الجهمية؛ من الولاة والقضاة وغيرهم: يكفرون كل من لم يكن جهمياً موافقاً لهم على نفي الصفات، مثل القول بخلق القرآن، ويحكمون فيه بحكمهم في الكفار ... ¬

(¬1) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 3/ 348. (¬2) انظر: فتح المغيث للسخاوي 1/ 334، ومجموع فتاوى ابن تيمية 12/ 504. (¬3) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 3/ 179، 231، 23/ 345، 346، 7/ 217، 218، وطريق الهجرتين لابن القيم ص: 412، 413.

ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره، ممن ضربه وحبسه، واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم، فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع، وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحةٌ في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية، الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة ... ) (¬1). فالمخالف للكتاب والسنة إما أن يكون مجتهداً مخطئاً، أو جاهلاً معذوراً، أو متعدياً ظالماً كأن يرتكب كبيرةً، أو منافقاً زنديقاً كأن يبطن الكفر ويظهر الإسلام، أو مشركاً ضالاً وهو المصرح بالكفر، وكلٌ يعامل بحسبه. ومع ذلك فلا ينبغي أن يفهم أن من قام في حقه ما يمنع لحوق الوعيد به، أو عمله هذا -مخالفته للسنة- جائزٌ أو مشروع، فضلاً عن الوجوب أو الاستحباب. العذر بالجهل (¬2): لابد من التفريق بين جاهلٍ تمكن من العلم ومعرفة الحق ثم أعرض عنه، وآخر لم يتمكن من ذلك بوجه: فالمتمكن المعرض مفرِّط تاركٌ للواجب عليه، لا عذر له عند الله، وأما العاجز عن السؤال والعلم لا يتمكن منه بوجه، فهم قسمان: الأول: مريد للهدى، مؤثرٍ له، محبٍ له، لكنه غير قادرٍ عليه وعلى طلبه، وذلك لعدم وجود من يُرشده، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم تبلغه الدعوة. الثاني: معرض لا إرادة له، لكنه لا يحدث نفسه بغير ما هو عليه. فالأول يقول: يا رب لو أعلم لك ديناً خيراً مما أنا عليه لدنت به وتركت ما أنا عليه، ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه، ولا أقدر على غيره، فهو غاية جهدي، ونهاية معرفتي. والثاني راضٍ بما هو عليه، لا يؤثر غيره عليه، ولا تطلب نفسه سواه، ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته. فهذا لا يجب أن يلحق بالأول لما بينهما من الفرق: فالأول كمن طلب الدين في الفترة ولم يظفر به، فعدل عنه -بعد استفراغ الوسع في طلبه- عجزاً وجهلاً. والثاني كمن لم يطلبه، بل مات على شركه، وإن كان لو طلبه لعجز عنه، ففرقٌ بين عجز الطالب وعجز المعرض. والمقصود في هذا المطلب بيان أن مخالفة منهج أهل السنة في الاعتقاد، قد تكون كفراً صريحاً، وقد تكون دون ذلك، والمخالف قد يكون كافراً معلناً كفره، وقد يكون منافقاً مبطناً كفره، وقد يكون معتدياً ظالماً، أو جاهلاً معذوراً، أو مجتهداً مخطئاً. قال ابن تيمية رحمه الله: (ليس كل من خالف في شيءٍ من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكاً، فإن المنازع قد يكون مخطئاً يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة، وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته ... بل موجب هذا الكلام أن من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد، ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجياً، وقد لا يكون ناجياً) (¬3). المطلب الثاني نتائج الالتزام بمنهج أهل السنة في تقرير مسائل الاعتقاد، ونتائج المخالفة لذلك وقد جمعت في ذلك عشرين نتيجةً، أذكرها على النحو التالي: النتيجة الأولى: تحقيق كمال الدين، وتمام النعمة، وقيام الحجة: ¬

(¬1) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 12/ 488، 489، وانظر: 23/ 348، 349. (¬2) انظر: طريق الهجرتين لابن القيم ص: 412، 413، ومجموع فتاوى ابن تيمية 12/ 16، واقتضاء الصراط المستقيم 2/ 580. (¬3) مجموع فتاوى ابن تيمية 3/ 179.

التزام هذا المنهج فيه اعترافٌ حقيقي بأن الله تعالى أكمل الدين، وأتم النعمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وكشف الغمة، وأقام الحجة، وأوضح المحجة، وأن الصحابة رضوان الله عليهم الذين هم حواريو الرسول صلى الله عليه وسلم، وورثته في العلم والإيمان، وحفظة الله تعالى في عباده، أقاموا الدين علماً وعملاً، وبلغوه لفظاً ومعنى، وهذا وإن كان واضحاً في كل مسائل الديانة إلا أنه في مسائل الاعتقاد أشد وضوحاً، وأعظم رسوخاً، إذ معرفة الاعتقاد (أصل الدين)، وأساس الهداية، وأفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب، وحصلته النفوس، وأدركته العقول، فكيف يكون ذلك الكتاب، وذلك الرسول، وأفضل خلق الله بعد النبيين لم يحكموا هذا الباب اعتقاداً وقولاً؟!. ومن المحال -أيضاً- أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أمته كل شيءٍ حتى الخراءة، وقال: (تركتكم على المحجةٍ البيضاءٍ، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك) ... ماحالٌ على تعليمهم كل شيءٍ لهم فيه منفعة في الدين -وإن دقت- أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم، ويعتقدونه في قلوبهم، في ربهم ومعبودهم رب العالمين، الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب، بل هذا خلاصة الدعوة النبوية، وزبدة الرسالة الإلهية، فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول على غاية التمام، ثم إذا كان قد وقع ذلك منه: فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب: زائدين فيه أو ناقصين عنه ... ) (¬1). النتيجة الثانية: بيان ثبوت العصمة للشارع: الالتزام بهذا المنهج يفيد إثبات العصمة للشارع الحكيم، بحيث لا يجوز الاستدراك عليه، وذلك بعد أن تقرر بالأدلة والبراهين اليقينية أن ليس في الشرع ما يخالف مقتضيات العقول الصحيحة، كما أنه ليس في العقل الصحيح ما يخالف نصاً صحيحاً صريحاً من نصوص الكتاب والسنة؛ بل كل ما يظن أنه يخالف الشرع من العقل فيمكن إثبات فساده بعقلٍ صحيح يبين أن تلك المخالفة مجرد ظن وتوهم. وعليه، فيجب النظر إلى الشريعة بعين الكمال لا بعين النقصان واعتبارها اعتباراً كلياً في العقائد والعبادات والمعاملات، وعدم الخروج عنها البتة؛ لأن الخروج عنها تيه وضلال ورمي في عماية، كيف وقد ثبت كمالها وتمامها فالزائد والمنقص في جهتها هو المبتدع بإطلاق، المنحرف عن جادة الصواب إلى بنيات الطرق، وهذا هو الذي أغفله المبتدعون فدخل عليهم بسببه الاستدراك على الشرع (¬2). النتيجة الثالثة: التصديق بجميع نصوص الكتاب والسنة: الالتزام بهذا المنهج يفيد التصديق بجميع نصوص الكتاب والسنة، والاستدلال بها مجتمعةً -مالم يكن بين بعضها تناسخ- لأنها خرجت من مشكاةٍ واحدة، وتكلم بها من وصف نفسه بكمال العلم وتمام الحكمة، ومن أصدق من الله قيلاً، فلا يجوز ضرب بعضها ببعض؛ لأن ذلك يقتضي التكذيب ببعض الحق، إذ أنه من باب معارضة حق بحق، وهذا يقتضي التكذيب بأحدهما أو الاشتباه والحيرة، والواجب التصديق بهذا الحق وهذا الحق؛ قال تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ) [الزمر: 32، 33] (فذم سبحانه من كَذَبَ أو كذَّب بحق، ولم يمدح إلا من صدَق وصدَّق بالحق، فلو صدق الإنسان فيما يقوله، ولم يصدق بالحق الذي يقوله غيره، لم يكن ممدوحاً، حتى يكون ممن يجيء بالصدق ويصدق به، فأولئك هم المتقون) (¬3). ¬

(¬1) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 5/ 6، 7. (¬2) انظر: الاعتصام للشاطبي 2/ 310، 311. (¬3) درء تعارض العقل والنقل 8/ 404.

النتيجة الرابعة: تعظيم نصوص الكتاب والسنة: إن الالتزام بهذا المنهج يجعل المسلم في موقف المعظم لنصوص الكتاب والسنة؛ لأنه يعتقد أن كل ما تضمنته هو الحق والصواب، وفي خلافها الباطل والضلال. أما المخالفون فقد سقطت من نفوسهم هيبة النصوص حتى استحلوا حرماتها، وعاثوا فيها تكذيباً أو تحريفاً، وإن أحسنوا المعاملة أعرضوا عنها بقلوبهم وعقولهم ولم يستدلوا بشيءٍ منها، فهم: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) (البقرة: 78). النتيجة الخامسة: عصمة علوم أهل السنة: أهل السنة معصومون فيما يأخذونه عن إجماع الصحابة والتابعين؛ لأن إجماعهم حجة، ولا تجتمع هذه الأمة على ضلالة، فكيف إذا أجمع السلف الصالح من الصحابة وتابعيهم على مسألةٍ، فإن خلافهم فيها لا يجوز؛ لأنه خلاف الإجماع، وخلاف القرون المفضلة. أما أهل البدع والتفرق فلم يبالوا بهذا الأصل، حتى أعلنوا مخالفتهم لسلف الأمة وأئمتها، ونسبوهم إلى أعظم السفه والجهل. النتيجة السادسة: السكوت عما سكت عنه السلف: كل مسألة سكت عنها الصحابة والسلف الصالح وتكلم فيها الخلف -ولاسيما فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد والإيمان- إلا كان السكوت عنها أولى وأليق، ولم يأت فيها الخلف إلا بباطل من القول وزورا. ولهذا قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله في وصيته إلى عدي بن أرطأة: ( ... فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل، والحمق والتعمق، فارض لنفسك بما يرضى به القوم لأنفسهم؛ فإنهم عن علم وقفوا، وببصرٍ قد كفوا، ولهم كانوا على كشف الأمور أقوى -بفضل- لو كان فيه أجر، فلئن قلتم: أمر حدث بعدهم، ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سنتهم، ورغب بنفسه عنهم، إنهم لهم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم مقصر، وما فوقهم محسر، لقد قصر عنهم آخرون فضلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم) (¬1). النتيجة السابعة: النجاة المحضة موقوفة على متابعة مذهب أهل السنة: إن النجاة المحضة وقف على من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا إنما يُعرف عن طريق السنن المروية، والآثار الصحابية، وأولى الناس بمعرفة ذلك هم أهل السنة والجماعة؛ وذلك لاشتغالهم وعنايتهم بها، وانتسابهم إليها، بعكس أهل البدع من المتكلمة والمتصوفة الذين هم من أبعد الناس عن معرفة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، مستغنين عن ذلك بالمحاورات الفلسفية والخيالات الصوفية، ومنهم من يعترف بقلة بضاعته من الإرث النبوي، ومنهم من لو اطلعت على مصنفاته لا تكاد تقف على آيةٍ كريمة، أو حديثٍ شريف، أو أثرٍ عن صحابي شاهدين على أنفسهم بالجفاء. ثم ها هي الفرق الكبار: المعتزلة والخوارج والشيعة كلهم يطعن في الصحابة رضوان الله عليهم طعناً صريحاً (¬2): أما المعتزلة فقد طعن زعيمهم النظام في أكثر الصحابة وأسقط عدالة ابن مسعود، وطعن في فتاوى علي بن أبي طالب، وثلب عثمان ابن عفان، وطعن في كل من أفتى من الصحابة بالاجتهاد، وقال: إن ذلك منهم إنما كان لأجل أمرين: إما لجهلهم بأن ذلك لا يحل لهم، وإما لأنهم أرادوا أن يكونوا زعماء وأرباب مذاهب تنسب إليهم، فنسب خيار الصحابة إلى الجهل أو النفاق. ثم إنه أبطل إجماع الصحابة ولم يره حجة، وأجاز أن تجتمع الأمة على الضلالة. ¬

(¬1) الشريعة للآجري ص: 233. (¬2) انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي ص: 318 وما بعدها.

وأيضاً كان زعيمهم واصل بن عطاء الغزال يشكك في عدالة علي وابنيه، وابن عباس، وطلحة، والزبير، وعائشة وكل من شهد حرب الجمل من الفريقين، فقال مقالته المشهورة: لو شهد عندي علي وطلحة على باقة بقل لم أحكم بشهادتهما؛ لعلمي بأن أحدهما فاسق ولا أعرفه بعينه. ووافقه على ذلك صاحبه عمرو بن عبيد وزاد عليه بأن قطع بفسق كل من الفريقين. وأما الخوارج فتكفيرهم لعلي وأكثر الصحابة رضي الله عنهم واستباحتهم لدمائهم وأموالهم مشهورٌ معلوم، بل ساقوا الكفر إلى كل من أذنب من هذه الأمة. أما الشيعة فشعارهم الطعن في سائر الصحابة -عدا آل البيت- وغلاتهم من السبئية والبيانية، وغيرهم قد حكم علماء الإسلام عليهم بالردّة والخروج من الدين بالكلية. والإمامية منهم ادعت ردَّة أكثر الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم. والأشاعرة ونحوهم من المتكلمين ممن يدعي في طريقة الخلف العلم والإحكام، وفي طريقة السلف السلامة دون العلم والإحكام، يلزمهم تجهيل السلف من الصحابة والتابعين، وهو طعنٌ فيهم من هذا الوجه؛ ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله بعد أن حكى عنهم هذا الكلام: (ولا ريب أن هذا شعبة من الرفض) (¬1). فكيف يقال في هؤلاء جميعاً أنهم موافقون للصحابة في علومهم وأعمالهم؟!. النتيجة الثامنة: شرف الانتساب للسلف الصالح: لقد تقدم في التمهيد لهذا البحث بيان أن السلفية تطلق ويراد بها أحد معنيين: أحدهما: الحقبة التاريخية التي تختص بأهل القرون الثلاثة المفضلة؛ لحديث: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ... ). الثاني: الطريقة التي كان عليها أهل تلك القرون الفاضلة من التمسك بالكتاب والسنة وتقديمها على ما سواهما، والعمل بهما على مقتضى فهم الصحابة والسلف. فالسلفية بالمعنى الثاني منهاجٌ باقٍ إلى يوم القيامة يصح الانتساب إليه متى التزمت شروطه وقواعده؛ لحديث: (لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك). وعليه، فكل أحدٍ وإن تأخر زمانه عن عصر السلف، لكنه التزم منهاجهم في العلم والعمل فهو منهم، وسلفي معهم، فالمرء مع من أحب. قال أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله لبعض أصحابه: (أنا أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض، فإن رضيتَ أن تكون مثلهم فكن مثلهم، وإن رأيتَ أن طريقة المتكلمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت) (¬2). النتيجة التاسعة: عدم صحة الإيمان بالمشروط: الالتزام بهذا المنهج يقرر عدم صحة الإيمان المشروط كمن يقول: أنا لا أؤمن بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أعلم انتفاء المعارض العقلي، وأنا لا أؤمن حتى تصدق خبره رؤيا منام، أو كشف، أو ذوق، أو حس (التجربة المعملية) أو نحو ذلك من الشرائط، فهذا إيمانٌ لا يصح، وصاحبه فيه شبه من الذين: (قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ) (الأنعام: 124)، والذين قالوا: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) (البقرة: 55). فالواجب على الإنسان -إذا تبين له صدق الرسول- أن يؤمن بالله ورسالاته إيماناً غير مشروط، ولا متعلق بشيء من خارج. ولهذا كان شعار أهل الإيمان: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (البقرة: 285)، وشعار أهل الكفر والطغيان: (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) (البقرة: 93). النتيجة العاشرة: تكثير الصواب وتقليل الخطأ: ¬

(¬1) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 4/ 157. (¬2) تلبيس لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ص: 85. إدارة الطباعة المنبرية -الطبعة الثانية 1368هـ - مصر - دار الكتب العلمية بيروت.

الاعتماد على الكتاب والسنة وإجماع الأمة في الاستدلال يقلل الخطأ ويكثر الصواب والتوفيق، وهذا الخطأ يكون بسبب نقص علم المستدل أو قصور فهمه، أو سوء قصده، وهذا قد يوجد في بعض أهل السنة (ففي بعضهم من التفريط في الحق، والتعدي على الخلق ما قد يكون بعضه خطأً مغفوراً، وقد يكون منكراً من القول وزوراً، وقد يكون من البدع الضلالات التي توجب غليظ العقوبات؛ فهذا لا ينكره إلا جاهلٌ أو ظالم ... ) لكن -مع ذلك- هم بالنسبة إلى غيرهم -في ذلك- كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل، فكل شر يكون في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر، وكل خيرٍ يكون في غيرهم فهو فيهم أعلى وأعظم، وهكذا أهل الحديث والسنة بالنسبة إلى غيرهم من طوائف المسلمين (¬1): يعرفون الحق ويرحمون الخلق، أما أهل البدع فيكذبون بالحق ويكفرون الخلق، فلا علم ولا رحمة ... (¬2). النتيجة الحادية عشرة: الاستغناء بالكتاب والسنة عما سواهما: الالتزام بهذا المنهج يفيد الاستغناء بالكتاب والسنة عن النظر في الكتب المتقدمة: كالتوراة والإنجيل والزبور، لما أصابها من التحريف والتبديل، والزيادة والنقصان، فالقرآن الكريم كتاب مستقل بنفسه، ناسخٌ لما قبله، لم يحوج الله تعالى أهله إلى كتاب آخر -كما هو حال أهل الزبور والإنجيل مع التوراة- والقرآن قد اشتمل على جميع ما في الكتب الأخرى من المحاسن، وعلى زيادات كثيرة لا توجد فيها، مع ضمان الحفظ ونزاهة النص عن التحريف، ولهذا كان مصدِّقاً لما بين يديه من الكتاب، ومهيمناً عليه، ويقرر ما فيه من الحق، ويبطل ما حرف منه، وينسخ ما نسخه الله تعالى (¬3). ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينظر في صحيفة من التوراة غضب وقال: (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ... والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني). النتيجة الثانية عشرة: طريقة السلف: أسلم وأعلم وأحكم: إن الذين يقولون: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم، وهي التأويل الذي هو صرف النصوص إلى معنى قد تحتمله اللغة، لكن في غير هذا السياق المعين، والتأويل عندهم مظنون بالاتفاق (¬4) فلا أحد منهم يقطع بالمعنى الذي صرفوا اللفظ إليه، لم يحصلوا شيئاً، بل تركوا النصوص وفيها الحق واليقين، ولجأوا إلى احتمالات وتجويزات مزقتهم كل ممزق، مع حيرة وضياع: قال الشوكاني رحمه الله (¬5): (فهم -أي أهل الكلام- متفقون فيما بينهم على أن طريق السلف أسلم، ولكن زعموا أن طريق الخلف أعلم، فكان غاية ما ضفروا به من هذه الأعلمية لطريق الخلف أن تمنى محققوهم وأذكياؤهم في آخر أمرهم دين العجائز، وقالوا: هنيئاً للعامة، فتدبر هذه الأعلمية التي حاصلها أن يهنئ من ظفر بها للجاهل الجهل البسيط، ويتمنى أنه في عدادهم، وممن يدين بدينهم ويمشي على طريقهم، فإن هذا ينادي بأعلى صوته، ويدل بأوضح دلالة على أن هذه الأعلمية التي طلبها: الجهل خير منها بكثير، فما ظنك بعلم يقر صاحبه على نفسه: أن الجهل خير منه، وينتهي عند البلوغ إلى غايته، والوصول إلى نهايته أن يكون جاهلاً به، عاطلاً عنه، ففي هذا عبرة للمعتبرين وآيةٌ بيّنةٌ للناظرين ... ). النتيجة الثالثة عشرة: اجتماع محاسن الفرق الأخرى لأهل السنة خالصة من كل الدر: ¬

(¬1) انظر: نقض المنطق لابن تيمية ص: 22، 23. (¬2) انظر: مختصر الصواعق المرسلة 2/ 431. (¬3) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 19/ 184، 185. (¬4) انظر: الملل والنحل للشهرستاني 1/ 104. (¬5) التحف في مذاهب السلف ص: 3، 4.

الالتزام بهذا المنهج يجمع لأهل السنة ما عند الفرق الأخرى من الحق، مع نبذ أباطيلهم؛ لأن ما عند الفرق المخالفة للحق شبه، والشبهة ما أشبهت الحق من وجه، ولهذا تشتبه على الناس، فأهل السنة يأخذون بالوجه الحق، ويدعون الوجه الباطل، وسبب هذا التوفيق هو استدلالهم بجميع النصوص، من غير توهم تعارض بينها، أو بينها وبين العقل الصحيح الصريح، أما أهل الفرق الأخرى فقد ضربوا النصوص بعضها ببعض، أو عارضوها بآرائهم وأقيستهم الفاسدة، فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، وأهل السنة آمنوا بالكتاب كله، وأقاموه علماً وعملاً. النتيجة الرابعة عشرة: مخالفة مسالك الأمم الضالة: الالتزام بهذا المنهج يفيد مجانبة مسالك الأمم الضالة من اليهود والنصارى وغيرهم، وقد أمرنا بمخالفة طرائقهم، وتجنب سننهم، ومنها أنهم ردوا على الرسل ما أخبروا به، واعترضوا عليه بالاعتراضات الباطلة، كما قالت اليهود لموسى عليه السلام: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) (البقرة: 55) وقال الذين كفروا: (لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ) (الأنعام: 124). وكل من أوقف الإيمان بالنصوص على موافقة عقله أو قياسه أو ذوقه أو كشفه أو منامه أو حسه ففيه شبه من اليهود والنصارى والذين كفروا، وقد أمرنا بمخالفتهم. ولهذا لا تكاد تجد شبهةً أو مقالةً منحرفة في الفرق المخالفةِ لأهل السنَّة والجماعة إلا وفي اليهود والنصارى نظيرها. النتيجة الخامسة عشرة: ما تلزمه المخالفة من الكفر، وما يلتزمه المخالف من الدعوة إلى بدعته: مخالفة هذا المنهج تؤدي إلى كثير من الكفريات كنفي الصفات، والقول بخلق القرآن، والتكذيب بالقدر، ونفي رحمة الرب تعالى ومشيئته واختياره، والحلول والاتحاد، وتفضيل الأولياء على الأنبياء، والتكذيب بأخبار المعاد وحشر الأجساد، والطعن في الصحابة وحملة الدين، وغير ذلك من الأمور الكفرية، وقد كان لكل فرقة من الفرق المخالفة لأهل السنة نصيبٌ من هذه الأمور وغيرها. قال أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله: (وقد أفضى الكلام بأهله إلى الشكوك، وكثيرٌ منهم إلى الإلحاد؛ تشم روائح الإلحاد من فلتات كلام المتكلمين ... ) (¬1). كما أنه يغلب على مخالف هذا المنهج أن يكون داعياً إلى بدعته؛ لأنه يتدين بذلك، أي يعتقده ديناً وشرعةً، وأن ما عليه غيره بدعة وضلالة، وعلى هذا يفهم قول من قال: المبتدع لا توبة له (¬2)؛ لأنه يعتقد أن ما عليه هو الحق، وما دونه الباطل، بخلاف العاصي فإنه مُقِرٌّ بمخالفته ومعصيته، فهذا يُرجى رجوعه وتوبته، بخلاف ذلك المبتدع. النتيجة السادسة عشرة: اليقين والثبات لأهل السنة، وفي مقابله الاضطراب والتنقل لأهل البدع: الالتزام بهذا المنهج يفيد الرجل يقيناً وثباتاً، ومخالفته تفيده اضطراباً وتنقلاً: قال ابن تيمية رحمه الله: (إنك تجد أهل الكلام أكثر الناس انتقالاً من قولٍ إلى قول، وجزماً بالقول في موضع، وجزماً بنقيضه، وتكفير قائله في موضعٍ آخر، وهذا دليل عدم اليقين، فإن الإيمان كما قال فيه قيصر لما سأل أبا سفيان عمن أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم: هل يرجع أحدٌ منهم عن دينه سخطةً له، بعد أن يدخل فيه؟ قال: لا. قال: وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشته القلوب، لا يسخطه أحد. ولهذا قال بعض السلف -عمر بن عبد العزيز أو غيره-: من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل (¬3). ¬

(¬1) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص: 85. (¬2) انظر: الاعتصام 2/ 272 - 274. (¬3) رواه عنه ابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/ 116.

أما أهل السنة والحديث فما يعلم أحدٌ من علمائهم، ولا صالح عامتهم رجع قط عن قوله واعتقاده، بل هم أعظم الناس صبراً على ذلك، وإن امتحنوا بأنواع المحن، وفُتنوا بأنواع الفتن، وهذه حال الأنبياء وأتباعهم من المتقدمين، كأهل الأخدود ونحوهم، وكسلف الأمة من الصحابة والتابعين وغيرهم من الأمة ... ومن صبر من أهل الأهواء على قوله، فذاك لما فيه من الحق، إذ لابد في كل بدعةٍ -عليها طائفةٌ كبيرة- من الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ويوافق عليه أهل السنة والحديث: ما يوجب قبولها، إذ الباطل المحض لا يُقبل بحال. وبالجملة: فالثبات والاستقرار في أهل الحديث والسنة أضعاف أضعاف أضعاف ما هو عند أهل الكلام والفلسفة ... ) (¬1). النتيجة السابعة عشر: الشك والحيرة والضياع مصير المخالف: مخالفة هذا المنهج أورثت المخالفين شكاً وحيرةً وضياعاً: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقد بلغني بإسناد متصل عن بعض رؤوسهم وهو الخونجي صاحب (كشف الأسرار في المنطق)، وهو عند كثير منهم غايةً في هذا الفن. أنه قال عند الموت: أموت وما علمت شيئاً إلا أن الممكن يفتقر إلى الواجب. ثم قال: الافتقار وصف عدمي. أموت وما علمت شيئاً) (¬2). وقال رحمه الله: (حدثني من قرأ على ابن واصل الحموي أنه قال: أبيت بالليل، وأستلقي على ظهري، وأضع الملحفة على وجهي وأبيت أقابل أدلة هؤلاء بأدلة هؤلاء وبالعكس، وأصبح وما ترجح عندي شيء) (¬3). وقال آخر: (بت البارحة أفكر إلى الصباح في دليلٍ على التوحيد سالمٌ عن المعارض فما وجدته) (¬4). وهذا الفخر الرازي يقول (¬5): (نهاية إقدام العقول عقال وأكثرُ سعي العالمين ضلالُ وأرواحنا في وحشةٍ من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبالُ ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا) وهذا الشهرستاني يصف حال المتكلمين في قوله (¬6): (ولقد طفت في تلك المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم) وقال ابن أبي الحديد المعتزلي المتشيع يصف حاله وحال إخوانه من المتكلمين (¬7): (فيك يا أغلوطة الفكر حار أمري وانقض عمري سافرت فيك العقول فما ربحت إلا أذى السفرِ فلحي الله الألى زعموا أنك المعروف بالنظرِ كذبوا إن الذي ذكروا خارجٌ عن قُوة البشر) قال ابن تيمية: (ومن علم أن المتكلمين من المتفلسفة وغيرهم في الغالب (لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) (الذاريات: 8، 9): يعلم الذكي منهم والعاقل: أنه ليس هو فيما يقوله على بصيرة، وأن حجته ليست ببينة، وإنما هي كما قيل فيها: حجج تهافت كالزجاج تخالها حقاً وكل كاسر مكسور ويعلم العليم البصير أنهم من وجه مستحقون ما قاله الشافعي رضي الله عنه حيث قال: حكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد والنعال، ويُطافُ بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من أعرض عن الكتاب والسنة وأقبل على الكلام. ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن تيمية 4/ 50، 51. (¬2) درء تعارض العقل والنقل 3/ 262. (¬3) درء تعارض العقل والنقل 3/ 263، 264. (¬4) درء تعارض العقل والنقل 3/ 263. (¬5) درء تعارض العقل والنقل 1/ 160. (¬6) نهاية الإقدام ص: 3. (¬7) شرح الطحاوية ص: 171.

ومن وجهٍ آخر إذا نظرت إليهم بعين القدر -والحيرة مستولية عليهم، والشيطان مستحوذٌ عليهم- رحمتهم وترفقت بهم؛ أوتوا ذكاءً وما أوتوا زكاءً، وأُعطوا فهوماً وما أُعطوا علوماً، وأُعطوا سمعاً وأبصاراً وأفئدة (فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) (الأحقاف: 26). ومن كان عليماً بهذه الأمور: تبين له بذلك حذق السلف وعلمهم وخبرتهم حيث حذروا عن الكلام ونهوا عنه، وذموا أهله وعابوهم، وعلم أن من ابتغى الهدى في غير الكتاب والسنة لم يزدد من الله إلا بعداً) (¬1). ولهذا من أدركته رحمة الله تعالى منهم خرج عن ذلك ورجع إلى طريقة السلف وأوصى بذلك: روى الخطيب البغدادي بسنده إلى أحمد بن سنان أنه قال: (كان الوليد الكرابيسي خالي، فلما حضرته الوفاة قال لبنيه: تعلمون أحداً أعلم بالكلام مني؟ قالوا: لا. قال: فتتهمونني؟ قالوا: لا. قال: فإني أوصيكم أتقبلون؟ قالوا: نعم. قال: عليكم بما عليه أصحاب الحديث فإني رأيت الحق معهم) (¬2) قال أبو بكر بن الأشعث: (كان أعرف الناس بالكلام بعد حفص الفرد الكرابيسي) (¬3). وقد سُئل الإمام أحمد عنه وما أظهر: فكلح وجهه ثم قال: (إنما جاء بلاؤُهم من هذه الكتب التي وضعوها، تركوا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأقبلوا على هذه الكتب) (¬4). وقال أبو المعالي الجويني: (لقد جلت أهل الإسلام جولة وعلومهم، وركبت البحر الأعظم، وغصت في الذي نهوا عنه، كل ذلك في طلب الحق وهرباً من التقليد، والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل بكلمة الإخلاص، فالويل لابن الجويني) (¬5) وكان يقول لأصحابه: (يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما تشاغلت به) (¬6). النتيجة الثامنة العشرة: أهل السنة أعمق علماً وأسد عقلاً: لما كان أهل السنة ملتزمين بالمنهج الصحيح كان كلامهم في مسائل الكون صحيحاً متفقاً، لا يتكلمون فيها إلا بعلم عقلي أو سمعي، وذلك لأن اعتقاد الحق الثابت يقوي الإدراك ويصححه: قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى) (محمد: 17) قال: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً) (النساء: 66 - 68) (¬7). وقال ابن القيم رحمه الله في شرح آية: (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ) (النور: 35) قال رحمه الله: (النور على النور: نور الفطرة الصحيحة والإدراك الصحيح، ونور الوحي والكتاب؛ فينضاف أحد النورين إلى الآخر فيزداد العبد نوراً على نور، ولهذا يكاد ينطق بالحق والحكمة قبل أن يسمع ما فيه بالأثر، ثم يبلغه الأثر بمثل ما وقع في قلبه ونطق به، فيتفق عنده شاهدُ العقلِ والشرع والفِطرة والوحي فيريه عقله وفطرته وذوقه الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق، لا يتعارض عنده العقل والنقل البتة بل يتصادفان ويتوافقان) (¬8). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن تيمية 5/ 119/120. (¬2) شرف أصحاب الحديث ص: 55، 56 برقم: 111، وكذلك رواه ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص: 84. (¬3) شرف أصحاب الحديث ص: 56. (¬4) شرف أصحاب الحديث ص: 6 برقم: 6. (¬5) تلبيس إبليس ص: 84، 85. (¬6) تلبيس إبليس ص: 85. (¬7) انظر: فتاوى ابن تيمية: 4/ 10. (¬8) اجتماع الجيوش الإسلامية ص: 8.

أما غير أهل السنة من المتكلمين والمتصوفة وغيرهم فكلامهم في مسائل الكون خبط من غير علم: يقول عبد القاهر البغدادي -وهو يذكر ما أجمع عليه أهل السنة وهم- عنده -الأشاعرة-: (وأجمعوا على وقوف الأرض وسكونها وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها ... وأجمعوا على أن الأرض متناهية الأطراف من الجهات كلها، وكذلك السماء متناهية الأقطار من الجهات الست) (¬1) وزعم أنه يرد بذلك على الفلاسفة والدهرية. فهذا الذي قاله لا يدل عليه عقل ولا نقل فضلاً عن الإجماع، بل هو -في زماننا هذا- أشبه بالأساطير. ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: (والخطأ فيما تقوله الفلاسفة في الإلهيات والنبوات والمعاد والشرائع أعظم من خطأ المتكلمين، وأما فيما يقولونه في العلوم الطبيعية فقد يكون صواب المتفلسفة أكثر من صواب من رد عليهم من أهل الكلام، فإن أكثر أهل الكلام في هذه الأمور بلا علم، ولا عقل، ولا شرع) (¬2). النتيجة التاسعة عشرة: قيام المدنية وازدهار الحضارات: اعتقاد منع التعارض بين النقل والعقل يفيد في عمران الحياة، وازدهار الحضارات؛ فتنعم البشر بهدي الله وشرعه، ولأهل السنة اليد الطولى والقدح المعلّى في تقدم المعارف العقلية، والعلوم التطبيقية، إذ لا هناك ما يحجزهم دونها، كما حدث في الدولة المسيحية في عصور الظلام، حين انقدح عندهم التعارض بين نصوص الإنجيل ومعطيات العقل، حتى تعرض المشتغلون بالعلوم التطبيقية والمعارف العقلية إلى أشد أنواع التنكيل من قبل الكنيسة كان الانعتاق من سلطانها، وبداية ظهور الاتجاه العلماني. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فكل من استقرأ أحوال العالم وجد المسلمين أحد وأسد عقلاً، وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال، وكذلك أهل السنة والحديث تجدهم (بذلك) (¬3) متمتعين .. ) (¬4). النتيجة العشرون: توحيد الصفوف وجمع الكلمة: إن الالتزام بهذا المنهج يوحد بين صفوف المسلمين، ويجمع كلمتهم؛ على تنوع اهتماماتهم العلمية والعملية، وتفاضل مقاديرهم في العلم والإيمان، ولا يعني هذا الاتفاق في جميع تفاصيل المسائل ودقائقها، ولكن اتفاق في الطريق والمنهج الموصل إلى الحق، فإن وجد اختلافٌ بعد ذلك لم يفسد للود قضية، بل يندفع بالتناصح والتشاور، وتذوب حدته في بحر الألفة والمودة: قال أبو القاسم الأصبهاني (رحمه الله) (¬5): (السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطرق النقل، فأورثهم الاتفاق والائتلاف، وأهل البدع أخذوا الدين من المعقولات والآراء فأورثهم الافتراق والاختلاف، فإن النقل والرواية من الثقات المتقنين قلَّما تختلف، وإن (اختلفت) (¬6) في لفظٍ أو كلمةٍ فذلك الاختلاف لا يضر الدين، ولا يقدح فيه، وأما ذكر دلائل العقل (¬7) فقلَّما تتفق، بل عقل كل واحدٍ يرى صاحبه غير ما يرى الآخر ... وبهذا تظهر مفارقة الاختلاف في مذاهب الفروع اختلاف العقائد في الأصول؛ فإنا وجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم اختلفوا في أحكام الدين، ولم يفترقوا ولم يصيروا شيعاً؛ لأنهم لم يفارقوا الدين، ونظروا فيما أذن لهم، فاختلفت أقوالهم وآراؤهم في مسائل كثيرة ... فكانوا مع الاختلاف أهل مودة ونصح، وبقيت بينهم أخوة الإسلام، فلم ينقطع عنهم نظام الإلفة ... فلم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاً ولا تفرقاً، وبقيت بينهم الإلفة والنصيحة والود والرحمة والشفقة ... ). ولهذا قيل الاختلاف مع التعادي والتفرق عادة أهل الكلام، والاختلاف مع التوالي والتصويب عادة السلف وأصحاب الحديث (¬8). وقال قتادة رحمه الله: (لو كان أمر الخوارج هدىً لاجتمع، ولكنه كان ضلالاً فتفرق) (¬9). وقال ابن قتيبة رحمه الله: (لو أردنا -رحمك الله- أن ننتقل عن أصحاب الحديث ونرغب عنهم إلى أصحاب الكلام ونرغب فيهم، لخرجنا من اجتماع إلى تشتت، وعن نظام إلى تفرق، وعن أنس إلى وحشة، وعن اتفاق إلى اختلاف ... ) (¬10). ¬

(¬1) الفرق بين الفرق ص: 330، 331، وانظر: أصول الدين له ص: 124، والمواقف للإيجي ص: 199، 217، 219. (¬2) الرد على المنطقيين ص: 311. (¬3) في الأصل (كذلك) ولعل الصواب ما أثبته. (¬4) مجموع فتاوى ابن تيمية 4/ 10. (¬5) الحجة في بيان المحجة ورقة: 165، وهذا النص نسبه ابن القيم في مختصر الصواعق 2/ 426 وما بعدها إلى أبي المظفر السمعاني. (¬6) في الأصل (اختلف) ولعل الصواب ما أثبته، كما في مختصر الصواعق 2/ 426. (¬7) هكذا في الأصل، وفي مختصر الصواعق: وأما المعقولات والخواطر والآراء فقلَّما تتفق ... 2/ 426. (¬8) انظر: إيثار الحق ص: 160، 161، ومجموع فتاوى ابن تيمية 24/ 172. (¬9) تفسير الطبري 3/ 178. (¬10) تأويل مختلف الحديث ص: 16.

منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني في العقيدة من خلال كتابه (فتح الباري)

منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني في العقيدة من خلال كتابه (فتح الباري) ¤محمد بن إسحاق كندو£بدون مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1419هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية لقد انتهيت -بعون الله تعالى وتوفيقه- من دراسة منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني في العقيدة من خلال كتابه (فتح الباري)، عرضاً ونقداً في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة. وأودُّ في هذه الخاتمة أن أجمل أهم النتائج التي توصّلت إليها فيما يلي: 1 - أن الحافظ ابن حجر نشأ وعاش في بيئة كانت الحالة الدينية فيها مشوبةً بكثيرٍ من البدع والخرافات، وكان للعقيدة الأشعرية فيها سلطان وانتشار واسع، بحيث يكون من يخالفها في خطر. 2 - أن الحافظ بدأ حياته العلمية في وقتٍ مبكرٍ جدَّاً، وأخذ العلم على أيدي مشايخ يزيد عددهم على (500) شيخ. 3 - أن الله تعالى منح الحافظ مواهب نفسية، وهيَّأ له أسباباً كثيرة جعلته يبلغ إلى مرتبة عليا في العلم، ويصبح أحد أعلام الأمة الإسلامية ومشاهير علمائها المعدودين. 4 - أن علم العقيدة هو أحد العلوم التي أولاها الحافظ عنايته دراسةً وروايةً، ولم تتمحّض دراسته إياه على المنهج السلفي الصافي؛ لأن أكثر مشايخه الذين درس عليهم كانوا على غير منهج السلف في العقيدة، بل كانوا أشاعرة تبعاً لحالة العصر، وإنما يتمثل الجانب السلفي في دراسة الحافظ للعقيدة في تلك الكتب التي يرويها عن بعض مشايخه رواية مما صنّفه علماء السلف في بيان العقيدة الصحيحة، والردّ على المخالفين فيها، كما يجدها من يطّلع على فهرس مرويات الحافظ من الكتب والأجزاء. 5 - أن الحافظ ابن حجر قد خلّف للعلماء وطلاب العلم بعده تراثاً علميّاً ضخماً -خصوصاً في فنون علم الحديث- يحيي ذكره في الدنيا، ويناله أجره في الآخرة إن شاء الله تعالى. 6 - أن كتابه (فتح الباري) يُعدُّ أهم كتبه على الإطلاق، من حيث موضوعه، ومادته العلمية، ومن حيث عناية الحافظ به، وطول المدّة التي قضاها في تأليفه وتحريره. 7 - أن (فتح الباري) قد احتوى على جل مسائل العقيدة التي يبحثها العلماء في كتب العقيدة؛ وذلك لأنه شرح كتاب جامع لأدلة السنّة في جميع أبواب الدين، وأهمها باب العقيدة. 8 - أن الحافظ قد استقى معلوماته في العقيدة من مصادر كثيرة متنوعة، زادت في إحصاء الباحث على (125) مصدراً، وهذه فيما يخص مصادره في المسائل العلمية، دون مصادره في الأدلة الحديثية التي يستدل بها على المسائل، فإنها إن لم تَزِد على هَذا العدد فلا تَقِلّ عنه. 9 - اعتمد الحافظ كثيراً في تقرير مسائل العقيدة على كلام بعض أهل العلم من شُرَّاح صحيح البخاري قبله، ومن شُراح صحيح مسلم، ومن غيرهم، وفي مقدّمة الذين اعتمد عليهم الحافظ: البيهقي -في كتابيه (الأسماء والصفات) و (الاعتقاد)، والخطابي -في كتابيه (أعلام السنن في شرح صحيح البخاري) و (معالم السنن في شرح سنن أبي داود)، وابن بطال في (شرح البخاري)، والقاضي عياض، والقرطبي، والنووي، كلهم في (شرح صحيح مسلم)، وابن العربي في (شرح البخاري) و (شرح الترمذي) و (أحكام القرآن)، والطيبي في (شرح مشكاة المصابيح). فهؤلاء ممن تبيّن للباحث أن الحافظ اعتمد عليهم أكثر من غيرهم في شرح الأحاديث بما تتضمنه من مسائل في العقيدة، إضافة إلى الإمام البخاري نفسه صاحب الصحيح، مع خطأٍ أحياناً في فهم مقصوده من كلامه.

وهؤلاء المذكورون غير الإمام البخاري ممن يعلم أهل العلم أنهم متأثرون بالعقيدة الأشعرية، وأنهم في كتبهم المذكورة يقررون معظم مسائل العقيدة وخصوصاً الأسماء والصفات على منهج الأشاعرة. واعتماد الحافظ على هؤلاء وغيرهم من العلماء ليس اعتماد تقليد، وإنما أخذ ببعض أقوالهم عن اجتهاد واقتناع بأنه هو الحق والصواب الموافق للأدلة حسب ما ظهر له، بدليل أنه في بعض المواضع يقف منهم موقف الناقد الرّاد بما ظهر له من الأدلة. 10 - أن الحافظ لم يسر في تقريره لمسائل العقيدة في كتابه (فتح الباري) على منهجٍ واحدٍ، وإنما كان منهجه متأرجحاً بين السلفية والأشعرية، بحيث تجده في بعض المسائل مع المنهج السلفي مقرراً ومؤيداً، وفي بعضها مع المنهج الأشعري مقرراً ومؤيداً، وهذا من حيث العموم، وأما من حيث التفصيل فكما يلي: أولاً: في منهج الاستدلال: أ/ وافق السلف على الاحتجاج بأخبار الآحاد في العقيدة، ويرى أن خبر الواحد يفيد العلم إن احتفت به القرائن. ب/ وافق السلف على تقديم النقل على العقل، لا بمعنى أنهما يتعارضان، وإنما بمعنى أن العقل تابعٌ للنقل في باب العقيدة، والعقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح، بل يوافقه. ثانياً: في تعريف التوحيد وبيان أقسامه: أ/ وافق السلف في الجملة على تعريف التوحيد، وتحديد معناه شرعاً. ب/ ووافقهم ضمنياً على انقسامه إلى ربوبية، وألوهية، وأسماء وصفات. ثالثاً: في توحيد الربوبية: أ/ قرر انفراد الله تعالى بالربوبية، وعدم جواز إطلاق لفظ (رب) بإطلاق من دون قيد إلاّ على الله تعالى. ب/ وافق السّلف على أن معرفة الله في الأصل فطرية في البشر. جـ/ وافق السلف في صحة إيمان المقلد إذا سلم من الشبهات والتزلزل. د/ رد على المتكلمين في قولهم بأن معرفة الله تعالى نظرية، وفي إيجابهم النظر على العبيد، وزعمهم أن إيمان المقلد لا يصح. هـ/ قرر الحافظ أن معرفة الله تعالى لا تنحصر في طريقة بعينها بحيث لا يعرف الله تعالى إلا منها، وإنما الأدلة الدالة على وجود الله تعالى كثيرة ومتنوعة. و/ وافق أكثر أهل الكلام على جواز تسلسل الحوادث في المستقبل، وامتناع تسلسلها في الماضي. والحق الذي دلت عليه الأدلة جواز تسلسلها في الماضي وفي المستقبل. رابعاً: في القضاء والقدر: أ/ وافق أهل السنة في تعريف القدر، وفي مراتبه الأربع. ب/ وافق أهل السنة في خلق أفعال العباد. جـ/ وافق الأشاعرة في القول بالكسب الأشعري. خامساً: في بعض الأحكام المتعلقة بأفعال الله تعالى: أ/ وافق أهل السنة والجماعة في إثبات الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى. ب/ وافق الأشاعرة في مسألة التحسين والتقبيح العقليين. جـ/ وافق أهل السنة في عدم وجوب شيءٍ على الله تعالى، إلاّ ما أوجبه الله على نفسه. د/ يظهر من كلامه على مسأله تكليف ما لا يطاق أنه لا يقول به. سادساً: في أسماء الله تعالى: أ/ وافق أهل السنة والجماعة في أن أسماء الله تعالى لا تنحصر في عددٍ معين. ب/ وافق أهل السنة والجماعة في مبدأ التوقيف في أسماء الله تعالى؛ لكنه خالفهم حيث أجاز أن يشتق لله اسم من الفعل الثابت له في القرآن، إذا كان لا يوهم نقصاً. سابعاً: في صفات الله تعالى: أ/ وافق السلف في إثبات أن لله صفات كما دل عليه الكتاب والسنة، ورد على ابن حزم إنكاره إطلاق لفظ (صفة) على الله تعالى. ب/ وافق السلف في أن صفات الله تعالى توقيفية، فلا يُوصف الله تعالى إلا بما ثبت نصاً وصفه به في الكتاب أو في السنة.

جـ/ وافق السلف على أن صفات الله تعالى تحذو حذو الذات، فكما أن ذات الله تعالى لا تشبه الذوات، فكذلك صفاته لا تشبه الصفات. فهذه قاعدة عظيمة قررها الحافظ، لكنه -مع الأسف- لم يلتزم بها عند الكلام على آحاد الصفات الإلهية، والله المستعان. د/ وافق السلف في تقسيم الصفات إلى ذاتية وفعلية، ولكن هذه الموافقة في التقسيم اللفظي، وأما في المراد بكل نوع منهما فإنه لم يوافق السلف في ذلك، لما يلي: هـ/ وافق الأشاعرة في جعل الصفات الذاتية قائمة بالله تعالى أزلاً وأبداً، وجعل الصفات الفعلية غير قائمة به سبحانه، وإنما يستحقها فيما لا يزال، وهي ثابتة له بالقدر والإرادة. و/ خالف منهج السلف في تفسير نصوص الصفات، فجوّز فيها التفويض أو التأويل. ثامناً: في الألفاظ التي لم يرد في الشرع إثباتها ولا نفيها: أ/ خالف فيها منهج أهل السنة والجماعة، حيث جرى على نفيها نفياً مطلقاً من غير استفصال، ومنهج أهل السنة هو الاستفصال فيها. تاسعاً: في رؤية الله تعالى: أ/ وافق أهل السنة على أن الله تعالى لا يُرى بالعين في الدنيا. ب/ وافق بعض أهل السنة على وقوع الرؤية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء. جـ/ وافق أهل السنة على إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، ولكنه مع ذلك ينفي الجهة. د/ يرى الحافظ أن الكفار لا يرون الله البتة في الآخرة. عاشراً: في توحيد الألوهية ونواقضه: أ/ قرر الحافظ أن العبادة حق الله تعالى وحده لا شريك له، فلا يجوز صرف شيءٍ منها لغير الله تعالى أيَّاً كان. ب/ قرر الحافظ وجوب اجتناب الشرك بأنواعه، وأنّه أظلم الظلم وأعظم الذنوب على الإطلاق. جـ/ زلت قدم الحافظ في بعض مسائل توحيد الألوهية، حيث جوّز الاستشفاع بالصالحين بعد موتهم، والتبرك بهم وبآثارهم وفضلاتهم الطاهرة، وجوّز شدّ الرحال إلى قبورهم لقصد التبرك بها. حادي عشر: في مباحث الإيمان: أ/ وافق السلف في تعريف الإيمان وأنّه: قولٌ باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، وأنه يزيد وينقص بالأمور المعتبرة فيه. ب/ قرّر أن الإيمان والإسلام إذا ذُكرا معاً في سياق واحد حمل الإسلام على الأعمال الظاهرة، والإيمان على الاعتقاد الباطن، وإذا ذكر كلاً منهما على حده تضمن معنى الآخر، فإذا اقترنا افترقا، وإذا افترقا اقترنا. جـ/ وافق أهل السنة على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر، بل هو مؤمن ناقص الإيمان، وإذا مات مصرّاً على كبيرته فهو تحت المشيئة. ثاني عشر: في الإيمان بالنبوات: أ/ هو موافق لأهل السنة في النبوات في الجملة. ب/ قرر عصمة الأنبياء في الصغائر كما هم معصومون من الكبائر، وهو خلاف القول المعروف عن السلف وأكثر أهل السنة. جـ/ لم يكن له موقفٌ واضحٌ من نبوّة النساء. د/ قرر ختم النبوّة بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعموم رسالته للثقلين، وأنه أفضل الأنبياء على الإطلاق. ثالث عشر: في الإيمان بالمعاد: أ/ وافق أهل السنة في التصديق بفتنة القبر وعذابه ونعيمه، وأنّ ذلك على الروح والبدن معاً. ب/ قرر أن الأنبياء أحياء في قبورهم حياةً برزخيّة، ولكنه ذكر في بعض الأحيان عبارات قد يفهم منها أن حياتهم حقيقيّة كالحياة الدنيوية، وهذا ليس بصحيح، بل الصحيح أن حياتهم برزخيّة. جـ/ قرر الإيمان بأشراط الساعة التي أخبرت عنها الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. د/ رجّح أن النفخ في الصور مرّتان فقط. هـ/ رجّح أن الميزان يوم القيامة ميزانٌ واحد، وأن الذي يُوزن في الميزان هو الأعمال. و/ وافق أهل السنة في إثبات الشفاعة يوم القيامة، ورجّح أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة العظمى.

ز/ وافق أهل السنة في وجود الجنة والنار الآن، وأنهما مخلوقتان وباقيتان بإبقاء الله لهما، وأهلهما خالدون فيهما أبداً. رابع عشر: في الصحابة والإمامة: أ/ وافق أهل السنة والجماعة في اعتقاد فضل الصحابة وعدالتهم، وفي محبتهم والترضّي عنهم جميعاً، والكفّ عمّا شجر بينهم. ب/ وافق أهل السنة والجماعة على صحة خلافة الخلفاء الراشدين، وعلى أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة. جـ/ وافق أهل السنة والجماعة على أن الطعن في الصحابة علامة على خذلان صاحبه، وهو بدعة وضلالة. د/ وافق أهل السنة والجماعة على وجوب الطاعة لولاة الأمر، وعدم الخروج عليهم وإن جاروا، وعلى صحّة الصلاة وراءهم والجهاد معهم أبراراً كانوا أو فسّاقاً، لما في الخروج عليهم من المفاسد الدينية والدنيوية، غير أنّهم لا يطاعون في المعصية. خامس عشر: في البدع والفرق المبتدعة: أ/ وافق أهل السنة على إنكار البدع بأنواعها. ب/ جانب الصواب في تقسيمه البدع إلى حسنة وسيئة، وإلى الأحكام الخمسة. جـ/ وافق أهل السنة والجماعة على ذم الفرق المبتدعة، والرد على بدعهم المختلفة. كان هذا عرضاً موجزاً لمنهج الحافظ في العقيدة من خلال كتابه (فتح الباري)، كما توصل إليه الباحث من دراسته لهذا الموضوع، وبناءً على ما سبق يقرر الباحث ما يلي: 1 - لم يكن الحافظ ابن حجر أشعريّ المذهب في جزئيات العقيدة ولا في كلياتها، وإنما وافق الأشاعرة في مسائل، وخالفهم في مسائل أخرى تُعدّ من أصول مذهبهم. 2 - لقد كان الحافظ ابن حجر ذابَّاً عن السنة، محبَّاً للسلف، مفضلاً لمذهبهم وطريقتهم في العقيدة، كما كان ذامَّاً للبدعة، مبغضاً للمبتدعة، محذّراً من مذهب أهل الكلام، وله في كلّ ذلك كلامٌ صريحٌ واضح. 3 - كان الحافظ مجتهداً في المسائل التي وافق فيها الأشاعرة مخالفاً بها السلف، غير قاصد مخالفتهم، حيث ظهر له أن ما اختاره في تلك المسائل هو الصَّواب، وقوّى ذلك عنده اختيار غيره لها من أَجِلّة العلماء قبله، كالبيهقي، والخطابي، والنووي، وابن الجوزي، وغير هؤلاء. 4 - لم يكن الحافظ في جميع المسائل التي تعرّض لها قاصداً تقرير ما هو الصواب فيها فحسب، بل كان في بعض الأحيان قاصداً ذكر ما اطّلع عليه من أقوال في المسألة بصرف النظر عن كون القول صواباً أو خطأ، وهو مقصد واضح وإن كان غيره أولى منه. 5 - لا يشك أحد يعرف شيئاً من العلم، ويطلع على أقوال العلماء أن الحافظ ابن حجر معدود في أفاضل علماء الإسلام الذين خدموا السنة النبويّة، وذادوا عنها بأقلامهم، وأن الله تعالى كتب لمصنفاته القبول لدى عامة المسلمين من جميع الطوائف، وأن أقوال أهل العلم من لدن عصر الحافظ إلى عصرنا هذا مجمعة على امتداحه والثناء عليه، والشهادة له بالفضل والديانة، ولمصنفاته بالتفوق والفائدة. 6 - يعد كتاب (فتح الباري) من كبار كتب العلم التي لا يَستغني عنها عالم فضلاً عن طالب علم، وهو من الكتب التي أسهمت في الدعوة إلى عقيدة السلف الصالح في جوانب عديدة، والأخذ بمذهبهم في أمور الديانة، مع نقل جملة طيبةٍ من أقوال علماء السلف في ذلك، وإن كان قد أخطأ في جوانب أخرى عديدة، سبق بيانها في هذا البحث. وهو كذلك من الكتب التي أسهمت في الرد على الفرق المبتدعة بأصنافها، وفي فضح باطلهم، والتحذير من بدعهم. وإذا ثبت هذا فالموقف الصحيح من الحافظ ابن حجر ومن كتابه (فتح الباري) هو أن يُترحّم عليه، ويُستغفر له، وأن يُسأل الله تعالى أن يجزل له الأجر والثواب فيما أصاب فيه، وأن يعفو عنه ما حصل من خطأ غير مقصود، مع ضرورة بيان هذه الأخطاء لتتجنّب، ولئلا يأخذ بها من يجعل حالها.

وهذا هو المنهج الصحيح المعروف عن أئمة أهل السنة والجماعة في مثل هذه المواقف. قال الإمام ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: (لا يزال الناس بخير ما كان فيهم الحق وتبيين أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم التي يخطئ من خالفها، وإن كان معذوراً مجتهداً مغفوراً له، وهذا مما خصّ الله به هذه الأمة لحفظ دينها الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا تجتمع على ضلالة، بخلاف الأمم السالفة. فههنا أمران: (أحداهما): أن من خالف أمر الرسول في شيءٍ خطأ مع اجتهاده في طاعته ومتابعته أوامره فإنه مغفور له، لا ينقص درجته بذلك. و (الثاني): أنه لا يمنعنا تعظيمه ومحبته من تبيين مخالفة قوله لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ونصيحة الأمة بتبيين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ونفس ذلك الرجل المحبوب المعظم لو علم أنّ قوله مخالفٌ لأمر الرسول، فإنه يحبّ من يبين للأمة ذلك، ويُرشدهم إلى أمر الرسول، ويردّهم عن قوله في نفسه، وهذا النكتة تخفى على كثير من الجهال لأسباب، وظنّهم أن الرد على معظم من عالم وصالح تنقّص به، وليس كذلك، وبسبب الغفلة عن ذلك تبدّل دين أهل الكتاب، فإنّهم اتبعوا زلات علمائهم، وأعرضوا عما جاءت به أنبياؤهم، حتى تبدل دينهم، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) (¬1). وقال الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان آل معمر (¬2) -رحمه الله-: (واعلم -رحمك الله- أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صادق، وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد يكون منه الهفوة والزلّة، وهو فيها معذورٌ، بل مأجورٌ لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن يغمط مكانه وإمامته ومنْزلته في قلوب المسلمين) (¬3). قلت: في كلام هذين العالمين الفاضلين من علماء أهل السنة والجماعة بلا امتراء، في كلامهما بيان للمنهج الصحيح الذي ينبغي السير عليه، ولئن كان كلاهما ينطبق على أحد فإن ممن ينطبق عليه الحافظ ابن حجر كما لا يخفى لكل ذي بصيرة، وياليت بعض طلبة العلم في هذا العصر يعون مثل هذه الكلمات النيّرة، فيلزمون جادة الصواب مع العلماء الأجلاء، فإن الله تعالى لم يكتب العصمة لأحدٍ غير أنبيائه، وليس على وجه الأرض كتابٌ خالٍ من خطأٍ غير كتاب الله الذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (¬4)، وإذا كان كُل عالمٍ وقعت منه زلة استحق الطعن لم يبق لنا عالم، وإذا كان كل كتاب عثر فيه على خطأ تُرك الاستفادة منه لم يسلم لنا كتاب بشرٍ أبداً. وإنما كان منهج السلف النهي عن كتب البدع التي وضعت لتقرير الباطل، والدفاع عنه، من كتب أهل الكلام وأهل التصوف وما شاكلها، وأما الكتب التي تقرّر الحق وتردّ الباطل، ومع هذا وُجِدَت فيها أشياء تخالف الحق اجتهاداً لا قصداً، فالصواب أنّه مقبولٌ مع التنبيه على ما فيه من خلاف الحق، وقد تمثل هذا المنهج واضحاً فيما فعله العلامة السلفي في هذا العصر سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز -حفظه الله- حيث قام بإعادة طبع كتاب (فتح الباري) مع التعليق على بعض المواضع التي تحتاج إلى تعليق مما جانب فيه الحافظ الصواب، غير أنّ كثرة المشاغل منعته من إكمال هذا المشروع المهم، وحبذا لو يقوم بعض العلماء الأفاضل بإتمام ذلك حتى تعم الفائدة إن شاء الله تعالى. وفي الختام أسأل الله العلي القدير أن يُلهمنا رشدنا، ويوفقنا لاتباع كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسير على منهج سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وأن يجنبنا البدع والأهواء، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، إنه تعالى سميعٌ مجيب، غفور رحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ¬

(¬1) (الحكم الجديرة بالإذاعة)، لابن رجب الحنبلي، (ص 43 - 44). (¬2) هو أحد علماء نجد البارزين، ولد سنة (1160هـ) في (العيينة)، ونشأ في بيت حكم وإمارة، وأخذ العلم عن جماعةٍ من العلماء الأجلاء، منهم الإمام محمد بن عبد الوهاب، وغيره، وأدرك علماً جماً حتى قصد بالأسئلة والفتاوى، وله بعض المصنفات المفيدة، توفي سنة (1225هـ) بمكة المكرمة، رحمه الله تعالى، مأخوذ باختصار من مقدمة كتاب الآتي ذكره. (¬3) (النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين)، للشيخ حمد بن ناصر آل معمر، تحقيق الشيخ عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم، (ص 174). (¬4) سورة فصلت، آية: (43).

منهج السنة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم

منهج السنة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم ¤يحيى إسماعيل£بدون دار الوفاء - مصر¨الأولى¢1406هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶معاملة الحكام - الدخول عليهم قد يظن ظان ويرى راء أننا فيما كتبنا لم نخرج من دائرة التدوين التاريخي لما كانت عليه الدولة الإسلامية أول أمرها، وأننا لم نتجاوز الإخبار عما كان. ولعل عذر هؤلاء ما يلمسونه من حال التمزق التي يعانيها العالم الإسلامي منذ سقوط راية الخلافة بزوال الدولة العثمانية آخراً - وهي التي كانت تمثل الواجهة السياسية للعالم الإسلامي. وتلك حال لن تدوم. إن العالم الإسلامي لم يكن مهيئاً لقبول فكرة الدولة الواحدة والحاكم الواحد مثل تهيئته لها اليوم. لقد لبس كل رداء وجرب كل جديد. وماذاق من ذلك إلا الصَّاب وما شرب إلا العلقم. وقد اكتشف مؤخراً أن الذين جرعوه كؤوس المهانة ما كان لهم أن يصلوا إلى بعض ما وصلوا إليه بغير اثنين. 1 - هوى بالمعصية استقر في نفسه. 2 - ثم حرص مهين على الحياة. وبدأ بطريقة العلاج. لقد انتهت بحمد الله الكسروية والقيصرية بضربات الأيادي المتوضئة، وكسب العالم بزوالها كسباً كبيراً، فأصبح للرأي حرمة بعد أن كان جريمة يعاقب عليها، وللحرية دولة بعد أن كانت رجساً يحرم على الشعوب الاقتراب منه. وتلك أمور حرمها طويلاً حتى نسيها فجأة الإسلام فذكره بها وما بقى إلا أن يسترد المسلمون حقهم فيها بأن يمدوا أيديهم إلى دينهم مد الحريص عليه الضنين به. وهم إن لم يفعلوا فإن الإسلام آت لا ريب فيه، وربما كان المجيء على يد عدوهم كما جاء بالأمس القريب، وسيكون بثمن عظيم. لقد كان الترك والديلم أعدى أعداء للمسلمين فصاروا حماتهم وقادتهم على عصبية مريضة فيهم لم يخلعوها فعنت بحكمهم غيرهم. لقد أضحت الحكومة العالمية الآن حكومة فكرة ولم تعد حكومة عائلات وأسر وما كان هذا ليكون لولا رحمة الإسلام ومثاليته ونوره الذي أضاء الخافقين. وإن الأفكار التي أنبتت حكومات بعدوى الإسلام لم يظفر العالم منها بخير. ولم يبقى من ملجأ للعالم إلا أن يرجع المسلمون إليه يقودونه بهدى الله ورحمة الإسلام، ولن يستقيم لهم وله ذلك إلا بعد أن يجمعوا أمرهم وينظموا على الإسلام عقدهم. فهم أصحاب الفضل في إثارة الفكرة الواحدة والحكومة الواحدة والأمة الواحدة والدعوة التي لا تقبل ساحتها تمييزاً لأحد. وما أحوج المسلمين اليوم إلى الحكومة الواحدة التي ترد إليهم عزتهم وتحفظ لهم مكانتهم وتعلي لهم ذكرهم وتصون لهم حقهم. إن عودة خلافة النبوة ثانية لحكم العالم أمر مرتقب واقع لا محالة بدليل السنة وشهادة التاريخ. أخرج مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد عن ثوبان قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها) (¬1). ¬

(¬1) مسلم ك الفتن 5/ 739، وأبو داود ك الفتن 2/ 413، والترمذي ك الفتن ب ما يكون من الفتن 2/ 1304. أحمد في المسند 4/ 123 - 5/ 278، 484. وهو جزء حديث له. ومعنى زوى: أي جمع. قال الخطابي: يتوهم بعض الناس أن حرف (من) في قوله (ما زوى لي منها) معناها التبعيض، فيقول: كيف اشترط في أول كلامه الاستيعاب، ورد آخره إلى التبعيض وليس على ذلك ما يقدرونه، وإنما معناه التفصيل للجملة المتقدمة، والتفصيل لا يناقض الجملة، ولا يبطل شيئاً منها. لكنه يأتي عليها شيئاً شيئاً، ويستوفيها جزءاً جزءاً والمعنى إن الأرض زويت جملتها له مرة واحدة فرآها. ثم يفتح له جزء جزء منها حتى يأتي عليها كلها، فيكون هذا المعنى التبعيض فيها. معالم 6/ 136 آمنا وأيقنا وأعددنا النفس لها إن شاء الله.

لقد سبق أن (انحدر التتار كالسيل الدافق على الدولة الإسلامية وأخذوا يقطعون أشلاءها جزءاً جزءاً حتى وصلوا إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية ووطئوها بنعالهم في شخص الخليفة المستعصم وتبدد بذلك شمل الدولة وانفرط عقد الخلافة لأول مرة. وتفرقت الأمة إلى دويلات صغيرة، فلكل قبيلة فيها أمير للمؤمنين ومنبر. وتنبهت المسيحية في أوربا وجمعت جموعها وقذفت الشرق المسلم في آسيا وأفريقيا بكتائبها في تسع حملات صليبية على خير ما فيها من فرسان ملوك وعتاد، وتمكنت هذه القوات الزاحفة من إقامة دولة صليبية في بيت المقدس وتهديد أمم الإسلام في الشرق والغرب ومهاجمة مصر أقوى هذه الدول إذ ذاك. واستطاعت مصر بإيمانها أن تجمع بعض هذه الدويلات وتقذف بهم في نحر الصليبيين بقيادة صلاح الدين فتستعيد منهم بيت المقدس وتريهم كيف تكون الهزيمة في حطين، ثم تقف في وجه التتار بقيادة الظاهر بيبرس وتردهم على أعقابهم خاسئين في عين جالوت، ثم تعيد رسم الخلافة من جديد، ويريد الله بعد ذلك أن تقوم للإسلام دولة وارفة الظلال قوية البأس شديدة المراس تجمع كلمة أهله وتضم تحت لوائها معظم أممه وشعوبه ويأبى لها علو الهمة إلا أن تغزوا المسيحية في عقر دارها فتفتح القسطنطينية (¬1) ويمتد سلطانها في قلب أوربا حتى وصل إلى فيينا. ثم وقع الطائر بعد ارتفاع في الدور الختامي للصراع الذي بدأته دولة البرتغال المسيحية غزوها للبحار الشرقية ومنطقة الخليج العربي تحت ستار الكشوف الجغرافية بقيادة فاسكو دي جاما حيث ألقت سفنه مراسيها في ثغر كاليكوت على الساحل الغربي للهند في اليوم الثامن عشر من مايو سنة 1498 وكان شعار هذا الغزو الطارئ (الصليب أو المدفع) (¬2). وكان الدور الختامي في هذا الصراع الحرب العالمية الأولى سنة 14: 1918 الذي انتهى بهزيمة تركيا بذلك سنحت الفرصة كاملة لأقوى شعوب أوربا إنجلترا وفرنسا وإلى جوارهما إيطاليا فوضعت يدها على هذا الميراث الضخم من أمم الإسلام وشعوبه، وبسطت سلطانها عليها في أسماء مختلفة من احتلال واستعمار ووصاية وانتداب، وخلفتها أمريكا وروسيا في صور صدقات ومحالفات. وإن الإسلام الذي أحيا أممه من قبل فواجهت الصليبية والتتار لقادر أن يفعل فعله اليوم -وهو فاعل- إن شاء الله حتى يبلغ ملك أمة الإسلام ما زوى لمحمد صلى الله عليه وسلم في الأرض. ¬

(¬1) فتحها السلطان محمد الثاني عام 1453 واتخذها عاصمة لدولته واستبدل بها اسماً جديداً هو استانبول- ومعناها دار السلام- وقد شرع هذا السلطان في الاستيلاء على روما مقر البابوية، ونزلت القوات الإسلامية العثمانية أوترانت في مملكة نابولي عام 1480 وأسرت أحد عشر ألفاً من سكانها، واعتزم محمد أبو الفتوح أن يتخذ من أوترانت قاعدة يزحف منها شمالاً في شبه جزيرة إيطاليا حتى يصل إلى روما، وأقسم ليقدمن الطعام بين يديه إلى حصانه وهو واقف على مذبح الكنيسة البابوية في روما، ولكن عاجلته المنية في اليوم الثاني من شهر مايو عام 1481، وتنفست أوربا الصعداء حين علمت بوفاته وأمر البابا أن تقام صلاة الشكر ثلاث أيام. انظر: الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها 1/ 14. وكان أول عبور إسلامي لأوربا بعد فتح الأندلس عام 711م سنة 1356م على عهد السلطان أورخان ثاني السلاطين العثمانيين إذ عبرت جيوشه البحر من الأناضول إلى أوربا ومضت تكتسح أقاليم مسيحية أوربية واستولت على بلاد اليونان بما فيها شبه جزيرة المورة وبلغاريا ورمانيا والصرب والمجر وترسلفانيا. المصدر السابق 1/ 9: 43. وانظر رسالة بين الأمس واليوم للإمام الشهيد حسن البنا 44: 56. (¬2) الدولة العثمانية 1/ 696: 697.

بعد هذا نستطيع بتوفيق الله أن نجمل نتائج هذا البحث وتلك الدراسة فيما يلي: 1 - أن أهل السنة والجماعة- وبخاصة أهل الحديث منهم- هم أول من وضع الأصول السياسية للحكم الإسلامي. وذلك بما جمعوه من أقوال الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأفعاله وأقوال الصحب الكرام وأفعالهم وأودعوه دواوين السنة الكريمة، وإنهم آثروا الاكتفاء بالجمع والتدوين لعدم قيام الحاجة إلى المزيد. فكانوا بذلك أنفع للعلم وللحياة وأبعد نظراً فقد صانوا الجماعة بذلك -أهل العدل- مما عرى غيرهم ممن أولع بكثر التحدث والتشقيق. 2 - أن الحكم في المسلمين واجب ديني وقيام الحاكم به قيام بفريضة عينية مفترضة. وأن حاجة الحكم إلى الأمة أقوى من حاجته للإمام. 3 - حاجة المسلمين إلى إقامة حكم الله أسبق من حاجتهم لوفرة الطعام والشراب، فبه يرزقون ويسودون فإقامة حدٍّ في أرض الله خير لأهله من أن يمطروا أربعين خريفاً. 4 - فوق ذلك فإن أهمية الإمامة والخلافة في الأمة ترجع إلى أن أحكامها وأحوالها تكسب حجة الدليل- ومن ثم صحة القياس عليها. وأنها لا تكسب تلك الفضيلة إلا بمقدار قربها من خلافة النبوة. 5 - إن الفرقة التي يعانيها المسلمون اليوم ترجع في أصولها إلى أسباب بدأت واهية من اليسير على المسلمين تداركها وعلاج أمرها لو صح فيهم القصد. وإن خلو الأفئدة سبب من أسباب الفرقة عظيم. 6 - فساد الرعية من فساد رعاتها، وظلم الرعاة من عصيانها ووفرة الخير في واحد منها مؤثر على صاحبه. 7 - الحكومة التي أقامها الإسلام ودعت إليه السنة ليست حكومة طائفة ولا سلطان طبقه بل حكومة منهج يفرض على المسلمين صيانة أمرها وإعزاز قدرها. 8 - إن حكم الناجح لا يستقيم إلا بالعصبية، والعصبية تختلف باختلاف أقوامها، وهي تمثل في الإسلام القوة المستمدة من رغبة المسلمين وإراداتهم الحرة. 9 - التصويت الانتخابي حق كل مسلم مصان الدم عفَّ السيرة ومن اللازم لهذا الحق أن يصان من غيث الأهواء ونزق المطامع، فلهذا الحق من القداسة ما يفوق به قداسة بعض الفرائض العينية كصلاة الجمعة التي لا تجب بغير الأمان، وفريضة الحج التي لا تلزم بغير تأمين الطريق، وصوم رمضان الذي لا يدخل بغير صيام الإمام ولذا فمن الواجب أن تعطي الأمة له ما تعطيه لبعض شعائرها، وبداية للجد في الأمر ينبغي أن يتم الاقتراع على المرشح للأمر داخل المساجد كما كانت تتم البيعة له سابقاً فيها، وأن يباشر عملية الفرز دعاة المسلمين وهداتهم. 10 - أن الديمقراطية على ما يدعى لها قاطرة على نوع من أنواع النشاط الإنساني وهو الحكم، أما الشورى فهي نظام لجميع أوجه النشاط في حياة المسلمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم المطرية في 19 شوال 1402هـ

منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في تقرير عقيدة التوحيد

منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في تقرير عقيدة التوحيد ¤إبراهيم بن محمد البريكان£بدون¥دار ابن عفان - القاهرة¨الأولى¢1425هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ابن تيمية - ترجمة كاملة أو دراسة منهجية ونظرا لأن البحث قد اشتمل على عدة مباحث، وهي متنوعة من حيث الفكرة والموضوع، فإني قد توصلت من خلال دراستي لهذا الموضوع إلى نتائج أهمها: أولا: أن كلمة توحيد اصطلاح شرعي لا خطأ في استعماله، وإنما الخطأ حصل في فكر من حمل كلمة التوحيد غير المعنى المدلول بها شرعا، ومن هنا يتبين لنا أنه ليس كل اصطلاح يكون خاطئ, وإنما يكون الاصطلاح خاطئا إذا خالف الكتاب والسنة، ونهج السلف الصالح المعلوم لنا بالنقل الصحيح. ثانيا: أن كلمة توحيد كلمة جامعة مانعة، يكفي إطلاقها في دلالتها على مسماها الحق، وأن الاشتراك دخل عليها بسبب تعدد الاصطلاحات بعد العصور المفضلة. ثالثا: أن ما اصطلح المتكلمون على تسميته توحيدا اشتمل على عدة أمور: تضمن المعنى الباطل المضاد للحق. اشتمل على الألفاظ المجملة البدعية التي لم يرد بها كتاب ولا سنة، ولا أثر صحيح عن السلف الصالح. أنه لم يشتمل على تقرير توحيد الألوهية، مع النقص في توحيد الربوبية والأسماء والصفات. أنه مشتمل على السلب المحض الذي لا يوصف الله به لكونه عدما، والله تعالى لم يصف نفسه إلا بالسلب المتضمن الإثبات ضده من الكمال. نفي المعاني الحقة التي يشتمل عليها مسمى التوحيد. رابعا: أن منهج ابن تيمية منهج أثري، يعتمد على الكتاب والسنة، وأقوال السلف الصالح، وهو يسير مع النص الشرعي حيث سار، ولا يلجأ إلى غيره من الاستدلالات إلا عند الحاجة: كإقناع من يخالف دلالة النصوص أو ثبوتها أو قطعيتها. خامسا: أن ابن تيمية يعتبر العقل والحس مصدران تبعيان لا رئيسيان، ولذا فإنه لا يحتج بهما إلا للاستئناس مع وجود الدليل من الكتاب والسنة وأقوال السلف، أما عند عدم الدليل وهو ما لا يتصوره، فهما دليلان عنده، إلا أن إفادتهما دون إفادة الكتاب والسنة لكون إفادتهما إجمالية لا تفصيلية. سادسا: أن العقل عند ابن تيمية لا يخالف الشرع بل يوافقه، وإن خالفه فإما أن يكون المعقول غير صحيح، أو المنقول غير صريح أو ضعيف. سابعا: أن المعتمد في فهم الكتاب والسنة على تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة، ثم بأقوال التابعين. ثامنا: أنه لا بد في الألفاظ الشرعية من اعتبار مراد الشارع منها، فإن لم يكن فيرجع إلى لغة العرب، وإنه لا يلجأ إلى لغة العرب إلا بعد أن يعدم عرف الشارع في التعبير، وأما إن كان ثمة عرف فلا يترك لغيره البتة. تاسعا: أن المجاز في كتاب الله وسنة رسوله ممنوع، لفساد القول به، ولما يترتب على دعواه من مفاسد عقدية وفكرية أدت إلى كثير من الانقسامات في جسم الأمة، علاوة على إفساد مفاهيم الكتاب والسنة. عاشرا: أنه لا يجوز صرف نص عن ظاهره المتبادر منه إلا بنص من كتاب الله أو سنة رسوله، أو أقوال السلف الصالح، ويكون ذلك تفسيرا لمعنى اللفظ، لأنه بيان لمراد المتكلم من كلامه ولا يهمنا بعد ذلك أن نخالف الظاهر أو نوافقه. الحادي عشر: أن الكتاب والسنة ليس فيهما متشابه من كل وجه، وأن ما يدعى من التشابه إنما هو تشابه نسبي أو هو في الكيفيات، لا فيما تقتضيه لغة العرب، ويدعى ما تشابه من وجه دون وجه. الثاني عشر: بيان فساد الأصول المنطقية وتناقضها في ذاتها، وأنه بعد صياغة كثير من المعارف الإسلامية لا بد للباحث من علمه بها ليفهم المراد مما يقرؤه لا ليعتمدها….ويعمل بها، ولأن ذلك مفيد له في معرفة فساد الحجج المنطقية والأساليب الكلامية.

الثالث عشر: يرجع ابن تيمية المنطق إلى اليونان وقد اعترض على ذلك بعض الباحثين بأن المنطق ليس هو صناعة يونانية بل علم إسلامي، والذي يظهر لي أن هذه الدعوة غير صحيحة ويدل على ذلك عدة أمور: أولا: لأن واضع المنطق كما هو معلوم ومشهور أرسطو، وهو يوناني. ثانيا: أنه إذا قدر أنه علم وضعه مسلم، فإنه متأثر بمقاييس اليونانيين وطرق تفكيرهم. الرابع عشر: أن تقسيم ابن تيمية للتوحيد تقسيم حاصر شامل لمسمى التوحيد، ولا يلزم منه خطأ اصطلاحي، لأنه اصطلاح صحيح المعنى والمبنى. الخامس عشر: أن تقسيم المتكلمين وإن كان تقسيما اصطلاحيا فهو فاسد المعنى، لأنه غير حاصر ولا شامل لمسمى التوحيد، فهو لا يشمل التوحيد في العبادة، ولأنه مخالف لما جاء به الكتاب والسنة. السادس عشر: أن ابن تيمية قد وفق في سد طرق الوثنية، وقد وافق الكتاب والسنة فيما قرره حول قضايا توحيد الألوهية، وأن الإنسان لا يكون عابدا لله حتى يتجنب مظاهر الشرك الأكبر والأصغر وذرائعهما، مع قيامه بحق العبودية من التوكل والخوف والرجاء وغيرها. السابع عشر: أن الحس طريق صحيح للعقيدة وهو مفيد لليقين، سواء كان حسا ظاهرا أو باطنا، وأن القرآن الكريم قد جاء بهما، وأن الخطأ فيه عارض غير طبيعي والأصل إفادته للحق. الثامن عشر: أن ما في يوم القيامة يعتبر من المحسوسات، لأنه مما يمكن أن يحس، فيدخل في نطاق الحس ما أدرك بالفعل وما يمكن أن يدرك به ولو مستقبلا. التاسع عشر: أن الكشف نوع من الحس الباطن وقد يكون نوع من الكرامة، وإن الحق منه ما دل على صحته دليل من الكتاب والسنة، أو لم يعارض أصلا من أصول الشريعة، لكن هذا النوع من الكشف ليس مصدرا أصليا للعقيدة، بل هو مصدر تابع للكتاب والسنة، وبذلك يعلم أنه لا يصلح طريقا معتمدا في ذاته. العشرون: أن الفطرة هي السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة، لا وجود التوحيد في القلب والإيمان بالله ومعرفته بالفعل. الحادي والعشرون: أنه لم يظهر لي ما يفيد منع استعمال الأقيسة العقلية على صورتها الموضوعة في علم المنطق، فإنه لا ضرر يترتب على صياغتها على ما وضعه واضع العلم لا عقدي ولا فكري. الثاني والعشرون: أن ما قرره ابن تيمية من أن إفادة القياس لليقين مرجعه لمادة القياس دون صورته، وأوضحنا أن صورة القياس ملازمة لمادته، وهو اصطلاح فلا محظور فيه. الثالث والعشرون: بينت القول الراجح في خبر الواحد وأنه يفيد اليقين والعلم، وأجبت عن أدلة المخالفين وشبههم. الرابع والعشرون: استعمال ابن تيمية طريق الاستقراء في جميع النصوص وتصنيفها. الخامس والعشرون: أوضحت دعوى تعارض العقل والنقل، وبينت أنه يقرر عدم تعارضهما، وذكرت الأدلة على ذلك. السادس والعشرون: أن التقليد ليس طريقا للوصول إلى عقائد القلوب، لكنه من توصل إلى الحق عن طريقه لكونه لا يستطيع غير ذلك فإيمانه صحيح، وإن كان قادرا على الاجتهاد وتوصل إلى الحق عن طريق التقليد فهو آثم وإيمانه صحيح، وأنه طريق ليس بمأمون. السابع والعشرون: فساد الطرق التي استعملها المتكلمون في توحيد الربوبية، وتهافتها أمام مقاييس العقل الصحيح، ووجوب استعمال الأدلة من الكتاب والسنة وما يقتضيه العقل الصحيح المهتدي بهما. الثامن والعشرون: شمول مفهوم الألوهية للحياة كلها، وأهمية إدراك هذا المفهوم في حياة المسلمين.

التاسع والعشرون: إن الألوهية هي عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بكل ما يعارض هذا المعنى، وقد قام على هذا المفهوم الكتاب والسنة والعقل الصحيح ولغة العرب، وإن ما ادعاه المتكلمون من أن معناها القدرة على اختراع باطل وله لوازم فاسدة تدل على بطلانه، ومن أهمها: تجويز عبادة القبور والأوثان والكواكب، لأنه –بمفهوم للألوهية- أخرجوا هذا المعنى عن مدلولها. الثلاثون: إن قوله سبحانه: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء:22]، وهو دليل على التمانع في الألوهية، وإن ما ادعاه المتكلمون من أنها في التمانع في الربوبية باطل فاسد. الحادي والثلاثون: أن توحيد الألوهية أهم أنواع التوحيد وأعظمها، وهو الذي بعث الله الرسل به. الثاني والثلاثون: أن ابن تيمية سلفي العقيدة سليم المعتقد، وأن ما ذكر من دعوى موجهة إليه هي دعوى عارية عن الصحة، وقد أوضحت أسباب هذه الدعاوى. الثالث والثلاثون: أن الشبه الموجهة لمذهب السلف كلها شبه باطلة، لا حظ لها من الصحة. الرابع والثلاثون: تناقض المتكلمين في اعتقادهم في باب الأسماء والصفات، وعدم سلامة أدلة النفي عندهم، وأن كل واحد منهم ملزم لمخالفه بمذهب، وسلامة مذهب السلف من ذلك كله، لأنه جمع الحق الذي اعتقدته كل طائفة، ورد الباطل الذي عند كل طائفة. الخامس والثلاثون: أن مذهب السلف هو تفويض في الكيفية مع علم بمعاني الأسماء والصفات، وأنه ليس مذهب التفويض المطلق كما ادعاه من ادعاه من المتكلمين. السادس والثلاثون: أن مذهب السلف هو أولى بالإثبات لأنه المعبر عن العقيدة الإسلامية في نقائها وصفاتها، وأما المتكلمون فقد تأثروا بكثير مما نقل عن طريق الترجمة عن الأمم الأخرى. السابع والثلاثون: حرمة استعمال الألفاظ المجملة، وأنه لا يحكم على معناها بنفي أو إثبات حتى يظهر المراد منها، فيعرف إن كان حق أقر، وإن كان باطلا رد. الثامن والثلاثون: صحة طريقة ابن تيمية في الاستدلال على توحيد الأسماء والصفات. التاسع والثلاثون: أن الاتفاق بين صفات الخالق والمخلوق هو اتفاق في المسمى المطلق، ويسمى المطلق بشرط الإطلاق، وهو موجود في الأذهان لما فيما خرج عنها من الأعيان، ولا يلزم منه إثباته التمثيل الذي نفته الأدلة من الكتاب والسنة، وأن التشبيه الذي نفته الأدلة هو التشابه فيما يجوز ويجب ويمتنع، أي: التشابه في الخصائص. الأربعون: أن نفي التشبيه والتجسيم ليس طريقة صحيحة في النفي والإثبات، وكذا نفي النقص، وأن الطريق الصحيح هو نفي ما يضاد كمال الله تعالى الثابت في الكتاب والسنة، أو ما نفته الأدلة عنه تعالى كالسنة والنوم، وإن كانت كمالا في غيره. الحادي والأربعون: أنه لا يستدل في حقه تعالى بالنفي إلا تضمن إثبات ضده من الكمال اللائق بجلال الله وعظمته. الثاني والأربعون: سلامة مسلك ابن تيمية في آيات الصفات وأحاديثها. الثالث والأربعون: أن صفات الله وأسمائه ليست من المتشابه، بل يعلم معناها من حيث تعلم مدلولات لغة العرب، وأما كيفياتها فلا يعلمها إلا الله. الرابع والأربعون: صحة مسلك ابن تيمية حول نقض التأويل الكلامي وبيانه لما يترتب عليه من المفاسد. الخامس والأربعون: أن لوازم المذاهب ليست مذاهبا، وإن كانت دالة على فساد المذهب الملزوم لها. السادس والأربعون: سلامة ساحة ابن تيمية من التهم الموجهة إليه. وبناء على ما تقدم فإني أقترح الأمور التالية: أولا: إقامة مؤتمر للتعريف بفكر الإمام ابن تيمية، وأولى من يتبنى ذلك هو جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لأنها ثمرة دعوة المجدد محمد بن عبد الوهاب، والذي استقى كثيرا من أفكار دعوته من شيخ الإسلام ابن تيمية، لا سيما ما يتعلق بالعقيدة. ثانيا: أن تستغني كثير من الأكاديميات العلمية في كثير من أقطار العالم الإسلامي عن دراسة كتب المتكلمين إلا على طريقة النقد والمقارنة، وأن تدرس العقيدة الإسلامية من خلال الكتاب والسنة، وأن توزن جميع الآراء بهما. ثالثا: أن تهتم الأقسام العلمية في جامعات العالم الإسلامي بتدريس كتب ابن تيمية، حتى يتسنى لهم الاستفادة منها، والانتفاع بها، لا سيما في الدراسات العليا. رابعا: أن يتجرد الدارسون لأفكار العلماء عن كل مؤثر يوجه دراستهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وأن يكون منطلقهم من خلال الدليل الشرعي حتى يكون حكمهم صائبا صحيحا غير مبني على التقليد، وأن لا يحكم على الشخص إلا بعد دراسة متأنية لفكره وعقيدته. خامسا: أن نهتم في تدريسنا لكتب العقيدة بفك المصطلح العقدي، وتحليل الألفاظ العقدية، وذكر لأسباب الدعوى، لأن ذلك مما يعين على إظهار الحق ووضوح الفكرة المقررة. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه.

موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع

موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع ¤إبراهيم بن عامر الرحيلي£بدون¥مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة¨الأولى¢1415هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶معاملة المخالف وأهل البدع الخاتمة بعد أن من الله تعالى بإتمام هذا البحث، أحمد الله حمداً كثيراً على ما أنعم به وتفضل من إنهاء هذا البحث وجمع ما تيسر من شتات مسائله بعد تفرق في بطون الكتب، وتوضيح مشكلها، وشرح غامضها، بناء على ما دلت عليه النصوص وكلام السلف فيها. وقد كان من توفيق الله وتسديده أني توصلت من خلال دراستي لهذا الموضوع الهام (موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع) إلى نتائج مهمة تقرر منهج السلف الصالح في تعاملهم مع أهل البدع، في كثير من المسائل العقدية وقد بلغت هذه المسائل إحدى وعشرين مسألة جاءت موزعة على أربعة أبواب، وقد تقدمها – في المدخل – تقرير أربع مسائل في التعريف بالسنة وأهلها والبدع وأهلها والضوابط الشرعية المميزة لمنهج أهل السنة عن مناهج أهل البدع. وفي خاتمة هذا البحث أقيد أهم تلك النتائج المتحصلة من هذا البحث – على ما جرى عليه العمل في البحوث المعاصرة وتؤصله قواعد البحث الحديث – وها هو ذا عرض موجز بذلك: 1 - التعريف بأهل السنة وأنهم (هم المتمسكون بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما اتفق عليه الصحابة، والتابعون لهم بإحسان إلى يومنا هذا، ولم يخالفوا في شيء من أصول الدين، ويدخل فيهم عوام المسلمين المقتدون بهم). 2 - بيان أن أهل السنة ليس لهم لقب يعرفون به إلا الإسلام وما دل عليه وأن ما اشتهر عنهم من أسماء (كأهل السنة والجماعة – والفرقة الناجية والطائفة المنصورة – والسلفيين) مستمدة من الكتاب والسنة. فبعضها ثابت لهم بالنص من الرسول صلى الله عليه وسلم، والبعض الآخر إنما حصل لهم بفضل تحقيقهم للإسلام تحقيقاً صحيحاً، وهي تخالف تماماً أسماء أهل البدع التي هي في الغالب مشتقة من أصل بدعهم، أو ترجع إلى الانتساب إلى الأشخاص الذين هم رؤوسهم في تلك البدع. 3 - لا يبتدع أحد من أهل السنة ولا يحكم بخروجه من أهل السنة بمجرد خطئه، سواء أكان الاجتهاد في مسألة من مسائل العقيدة والتوحيد، أو في مسائل الحلال والحرام. 4 - اتفاق أهل السنة على وجوب اتباع الكتاب والسنة، وطريق السلف الأول المشهود لهم بالخير والفضل، وتحريم البدع كلها وأنها كلها ضلال وهلاك، ليس فيها حسن بل هي مذمومة عند أهل العلم من أهل السنة وكذلك أصحابها مذمومون ممقوتون عندهم. 5 - تعريف البدعة وأنها (طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه). 6 - أن للبدع تقسيمات متعددة باعتبارات مختلفة، فمن ذلك، تقسيمها إلى حقيقية وإضافية، وإلى عادية، وتعبدية، وفعلية وتركية، واعتقادية، وعملية، وكلية وجزئية، وبسيطة ومركبة، ومكفرة وغير مكفرة (وتفصيل ذلك في المبحث الثالث من المدخل). 7 - تحديد الضوابط الرئيسة المميزة لأهل البدع، وذلك عن طريق تحقيق لفظ: (أهل الأهواء والبدع) وبيان المراد منه عند الإطلاق، وبيان ما تثبت به الشهادة على الرجل أنه من أهل البدع، وذكر علامات أهل البدع والتي من أهمها: (الفرقة، واتباع الهوى، واتباع المتشابه ومعارضة السنة بالقرآن، وبغض أهل الأثر، وإطلاق الألقاب على أهل السنة بقصد انتقاصهم، وترك انتحال مذهب السلف، وتكفير مخالفيهم بغير دليل). 8 – التعريف بأصول فرق أهل البدع التي تفرعت عنها بقية الفرق وهي: الخوارج، والشيعة، والقدرية، والمرجئة، والجهمية. 9 – بيان موقف أهل السنة من تكفير أهل البدع وتفسيقهم، وأنه مبني على أصلين:

الأصل الأول: دلالة الكتاب والسنة على أن القول أو الفعل الصادر من المحكوم عليه موجب للكفر – عند النظر في مسألة التكفير – وموجب للفسق – عند النظر في مسألة التفسيق -. الأصل الثاني: انطباق الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين بحيث تتم فيه شروط التكفير أو التفسيق وتنتفي موانعهما. 10 – أن تكفير السلف لبعض فرق أهل البدع كالجهمية، والقدرية المنكرين للعلم وغلاة الرافضة: هو من باب التكفير المطلق الذي لا يلزم منه تكفير كل أفراد تلك الفرق. 11 – بيان موقف أهل السنة من لعن أهل البدع: وأن اللعن عندهم ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: اللعن المطلق وهو اللعن بالوصف الأعم كاللعن بوصف دلت النصوص على اللعن به، وهي ثلاثة أوصاف: (الكفر، والفسق، والابتداع) أو بوصف أخص كلعن اليهود، والنصارى، والمجوس، وبعض الفرق المنتسبة للإسلام من أهل البدع. القسم الثاني: اللعن للمعين كقولك (لعن الله فلاناً .. وتسميه). أما اللعن المطلق: فجائز بمرتبتيه دلت على ذلك النصوص وكلام السلف وأما اللعن المعين: فحكمه محل اختلاف بين السلف، قسم منعه، وقسم أجازه في حق الكافر دون الفاسق، وقسم أجازه إن كان المعين مستحقاً للعن سواء أكان كافراً أو مسلماً، بمعنى أن يأتي بفعل ملعون عليه في الشرع وتتحقق فيه شروط اللعن وتنتفي فيه الموانع والقول الثالث هو الراجح والله أعلم. 12 – بيان موقف أهل السنة من حكم قبول أعمال أهل البدع عند الله، وجملة مذهبهم في هذه المسألة: أن عمل المبتدع من حيث قبوله أو رده خاضع للضوابط المراعاة في قبول الأعمال عند الله على وجه العموم، فمتى ما تحققت فيه شروط القبول فهو مقبول – إن شاء الله – ومتى ما فقد أحد شروط القبول فهو مردود: فالمبتدع الكافر عمله كله مردود لفقده شرط الإسلام الذي هو شرط قبول كل عمل صالح. وأما المبتدع غير الكافر، فإما أن يكون عمله بدعة محضاً أو لا، فإن كان عمله بدعة محضا فهو مردود لفقده شرط المتابعة، وكذلك ما فقد من أعماله شرط الإخلاص فإنه مردود أيضاً، وأما إن كان لعمله أصل في الشرع فإما أن تدخل عليه البدعة أو لا، فإن لم تدخل عليه وكان خالصاً لله فهو مقبول. وإن دخلت عليه فإما أن تفسده – وذلك بإخلالها بشروط صحته – أو لا. فإن لم تخل بشروط صحته فهو وإن كان آثماً على ابتداعه إلا أن عمله مقبول. وإن أخلت بشروط صحته فهو مردود، والله أعلم. 13 - يان موقف أهل السنة من حكم قبول توبة أهل البدع: وأن توبتهم مقبولة عند الله إن استوفت شروط التوبة، لكنهم لا يوفقون للتوبة ولا تحصل منهم إلا قليلاً لكونهم يرون أن بدعهم من الدين فلا يتوبون منها ما داموا كذلك، بخلاف العصاة، فإنهم يعلمون مخالفتهم للشريعة فتسهل توبتهم من المعاصي وهذا معنى ما روي عن بعض السلف (البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، والمعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها). 14 - بيان موقف أهل السنة من الصلاة خلف المبتدع وأن الحكم في هذه المسألة يختلف باختلاف أحوال أهل البدع، ونوع الصلاة المقامة خلفهم، فإن كان المبتدع كافراً لا تصح الصلاة خلفه لفساد صلاته في نفسه، لكن إن كان إمام جمعة، ولا يمكن أداؤها إلا خلفه فتؤدى خلفه ثم تعاد، وأما إن كان المبتدع غير كافر، وليس بداعية فتودى الصلاة خلفه، وإن أمكن أداؤها خلف العدل فهو أفضل، وإن كان المبتدع غير كافر وهو داعية لبدعته فتؤدى الصلاة خلفه أيضاً إن لم يمكن أداؤها إلا خلفه، وتكره الصلاة خلفه إن أمكن أداؤها خلف إمام عادل.

15 – بيان موقف أهل السنة من مناكحة أهل البدع: وأن حكم مناكحة المحكوم بكفرهم من أهل البدع محرم على الإطلاق لكفرهم وارتدادهم عن الدين، فلا يجوز التزوج منهم ولا تزويجهم باجماع أهل السنة، وأما إن كان المبتدع غير كافلا فلا يزوج السنية لأنه غير كفء لها لكن يصح تزويجه منها مع الكراهة بموافقة المرأة وأوليائها، لأن الكفاءة حق لهما ويجوز لهما إسقاطه، وأما زواج الرجل من أهل السنة بالمرأة المبتدعة التي لم تبلغ ببدعتها حد الكفر فصحيح لأن الكفاءة إنما تشترط في جانب الرجل بأن يكون كفؤاً للمرأة لا العكس، لكن زواجه من المبتدعة هنا مكروه للمفاسد المترتبة على ذلك الزواج. 16 – بيان موقف أهل السنة من حكم أكل ذبائح أهل البدع: وأن الحكم في المسألة يختلف بحال المبتدع من حيث كفره ببدعته من عدمه، فإن كان كافراً فلا تؤكل ذبيحته. لدلالة النصوص وأقوال أهل العلم على تحريم ذبائح الكفرة والمشركين من غير أهل الكتاب. وأما إن كان المبتدع غير كافر ببدعته فذبيحته حلال للإجماع على حل ذبائح المسلمين، أما كونه مبتدعاً فلا تأثير له على حل ذبيحته ما دام مسلماً. 17 - بيان موقف أهل السنة من عبادة أهل البدع: وأن المبتدع الكافر ببدعته لا تشرع عبادته إلا إذا غلب على الظن تحقق مصلحة من ورائها كاستجابة المبتدع إلى الدعوة إلى السنة، وتوبته من البدعة، أو تحقق بها أمر مشروع كصلة رحم، أو إحسان إلى جار، وأما إن كان المبتدع لم يبلغ ببدعته حد الكفر وهو مسلم فعيادته جائزة، بل عيادته من جملة حقوقه على المسلمين، غير أنه إن كان داعية لبدعته، فتترك عيادته من باب الهجر والعقوبة له لا لأن عيادته غير جائزة. 18 – بيان موقف أهل السنة من شهود جنائز أهل البدع: وأن المبتدع إن كان كافراً ببدعته فلا تجوز الصلاة عليه لعموم النهي عن الصلاة على الكفار والمنافقين والاستغفار لهم. وإن كان المبتدع غير كافر فالصلاة عليه جائزة بل مشروعة، لكن إن كان المبتدع داعية فيشرع ترك الصلاة عليه وذلك مقيد بثلاثة شروط: أ - أن يقصد بترك الصلاة عليه الزجر والتأديب لغيره عن مثل فعله لا أن الصلاة عليه غير جائزة. ب – أن يغلب على الظن تحقق تلك المصلحة وهي الانزجار عن مثل فعل الميت وإلا لم يكن ترك الصلاة عليه مشروعاً. ج – أن يوجد من المسلمين من يصلي على ذلك الميت، فإنه لا يجوز أن يجتمع المسلمون على ترك الصلاة على مسلم، وإن كان مبتدعاً بل لا بد من الصلاة عليه ودفنه. 19 – بيان موقف أهل السنة من توريث أهل البدع وإرثهم: وأن المبتدع الكافر ببدعته لا يرث أحداً من المسلمين، ولا يرثه منهم أحد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) وهذا إن كان المبتدع الكافر مظهراً للكفر معلناً له، أما إن كان مستتراً عليه، مظهراً للإسلام كفعل بعض أهل البدع الذين يخفون معتقداتهم ويلتزمون في الظاهر بعقيدة المسلمين فهؤلاء يحكم لهم بحكم أهل الإسلام، فيرثون أقرباءهم، ويرثهم أقرباؤهم، كما جرى عليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع المنافقين، فإنهم كانوا يجرون عليهم أحكام الإسلام في الدنيا من الموارثة وغيرها ما لم يظهروا الكفر والنفاق. 20 – بيان موقف أهل السنة من بغض أهل البدع وإظهار عداوتهم: وأن من أصول أهل السنة بغض أهل البدع ومعاداتهم في الله، لخروجهم عن السنة وابتداعهم في الدين، وأنه ينبغي أن يظهر ذلك البغض وتلك العداوة على الجوارح من التصريح ببغضهم، ومعاملتهم بالغلظة والشدة، وقطع معونتهم والسعي في إبطال مقاصدهم أحياناً، وغير ذلك من الأساليب المظهرة للبغض والعداوة لهم.

21 – بيان موقف أهل السنة من غيبة أهل البدع: وأن غيبة المبتدع إن كانت للتحذير منه جائزة في الشرع، على ما دلت عليه النصوص وأقوال أهل العلم، غير أنها مقيدة بثلاثة شروط: الأول: الإخلاص فيها. الثاني: أن يكون المبتدع المحذر منه مجاهراً بالبدعة معلناً لها فأما من كان مستتراً فلا تجوز غيبته ولا التشهير به. الثالث: أن يكون المبتدع المتكلم فيه حياً غير ميت، فإن كان ميتاً فلا تجوز غيبته، إلا أن يكون له كتب تقرر البدع وأتباع ينشرونها بعده فإنه يحذر منه. 22 – بيان موقف أهل السنة من السلام على أهل البدع: وأن الحكم في المسألة يختلف باختلاف حال المبتدع من حيث كفره من عدمه، فإن كان كافراً فيحرم ابتداؤه بالسلام ويجب الرد عليه إذا سلم بأن يقال له: (وعليكم) حكمه في ذلك حكم الكافر الأصلي، وأما إن كان المبتدع غير كافر ببدعته فيسن ابتداؤه بالسلام ويجب الرد عليه إذا سلم، حكمه في ذلك حكم غيره من المسلمين، لكن يشرع ترك السلام على المبتدع الداعية وترك الرد عليه من باب الزجر والعقوبة، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم السلام على بعض المخالفين والمحدثين من المسلمين لهذا الغرض. 23 – بيان موقف أهل السنة من حكم مجالسة أهل البدع: وأن هجر أهل البدع وترك مجالستهم من أصول أهل السنة التي استفاض بها النقل عنهم في كتب السنة والاعتقاد واتفق عليها العلماء المقررون لمذهب أهل السنة من لدن عصر الصحابة إلى هذه العصور المتأخرة، ولم يخالف في ذلك أحد ممن يعتد بقوله من أهل السنة، لكن ينبغي أن يعلم أن هجر المبتدع إنما شرع لمقاصد وأغراض شرعية فمتى ما حقق تلك الأغراض فهو مشروع، وإلا لم يكن مشروعاً بل قد يكون التأليف هو المشروع. 24 – بيان موقف أهل السنة من احتقار أهل البدع وإذلالهم وترك تعظيمهم وتوقيرهم وأن احتقار أهل البدع وترك تعظيمهم من أصول أهل السنة التي دلت النصوص واجماع سلف الأمة على تقريره، وأن من صور تعظيم أهل البدع الواجب تركها والتي حذر العلماء منها: اطلاق الألقاب الحسنة المشعرة بالتعظيم عليهم، وتكنيتهم، والبشاشة في وجوههم وتقديمهم في المجالس، والتلطف معهم، ودعوتهم للطعام، وتهنئتهم واستعمالهم في الوظائف، ومشاورتهم، فيجب الحذر من كل ذلك. 25 – بيان موقف أهل السنة من مجادلة أهل البدع: وأن المجادلة بوجه عام تنقسم إلى قسمين – على ما دلت على ذلك النصوص الشرعية وكلام أهل العلم – مجادلة محمودة وهي: ما كانت لاثبات الحق أو دفع الباطل، أو للتعليم والاستيضاح فيما يشكل من المسائل. ومجادلة مذمومة وهي: ما كانت لرد الحق أو لنصرة الباطل، أو كانت فيما نهى الله ورسوله عن المجادلة فيه كالمجادلة في المتشابه، وفي الحق بعد ما تبين أو كانت لحظ النفس، كإظهار الفطنة والذكاء والعلم، مراءاة للناس، وطلباً لثنائهم أو لغير ذلك من المقاصد المذمومة كالعناد والتعصب للرأي. فمتى ما كانت من النوع الثاني فهي مذمومة منهي عنها. 26 بيان موقف أهل السنة من عقوبة أهل البدع بالقتل وبغيره من أنواع التعزير: وبيان مشروعية هذه العقوبات عند أهل السنة، وأن لقتل أهل البدع مقصدين صحيحين: أحدهما: قتلهم ردة إن صدر منهم ما يوجب كفرهم وثبتت عليهم الحجة بذلك.

والآخر: قتلهم دفعاً لفسادهم وحماية للناس منهم حتى وإن لم يحكم بكفرهم، مراعاة لمصلحة المسلمين العامة. وأما ما دون القتل من العقوبات فهي غير محددة، وإنما ترجع إلى اجتهاد ولاة الأمر في اختيار ما يرونه مناسباً من أنواع العقوبات الملائمة لحال المبتدع، وظروف الزمان والمكان. ولذا تعددت عقوبات السلف لأهل البدع: فمنهم من ضرب وجلد، ومنهم من سجن، ومنهم من غرب، ومنهم من حرق كتبهم وهدم بيوتهم إلى غير ذلك من العقوبات المنقولة عن السلف في حق أهل البدع. 27 – بيان موقف أهل السنة من شهادة أهل البدع وأن أهل البدع ينقسمون بالنظر إلى قبول شهادتهم أو ردها إلى قسمين: قسم مجمع على رد شهادته وهو المبتدع الكافر ببدعته، أو من كان مستحلاً للكذب والشهادة بالزور لموافقيه. وقسم مختلف في قبول شهادته وردها وهو المبتدع المسلم الذي لم يحكم عليه بكفر ولا يعرف عنه استحلال الكذب، فذهب بعض أهل العلم إلى قبول شهادته مطلقاً، وذهب بعضهم إلى ردها مطلقاً، وذهب أكثر أهل العلم إلى التفريق بين الداعية وغير الداعية فأجازوا شهادة غير الداعية، وردوا شهادة الداعية من باب الزجر والعقوبة. وهذا القول هو الراجح إن شاء الله تعالى. 28 – بيان موقف أهل السنة من رواية المبتدع: وأن المبتدع ترد روايته إن كان كافراً ببدعته على قول الجمهور، وقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على ذلك – وأما من كان مستحلاً للكذب في نصرة مذهبه، فلا خوف بين أهل العلم في أن روايته مردودة، وأما المبتدع غير الكافر فقد اختلف العلماء في قبول روايته على أربعة أقوال، ذهب بعضهم إلى ردها مطلقاً، وذهب بعضهم إلى قبولها مطلقاً إلا أن يستحل الكذب وذهب بعضهم إلى قبول رواية غير الداعية وترك رواية الداعية، وذهب بعضهم إلى قبول رواية غير الداعية إلا إن روى ما يقوي بدعته. والراجح من تلك الأقوال هو القول الثالث وهو قول الجمهور. 29 – بيان موقف أهل السنة من تلقي العلم عن أهل البدع وحكم استخدامهم في التدريس: ونهى السلف عن تلقي العلم عن أهل البدع، وتنصيب أهل البدع مدرسين لأبناء أهل السنة خشية افتتان الدارسين بهم، ولأن ذلك فيه زجراً لهم وعقوبة عن الابتداع. وهذا في حال السعة، أما عند الضرورة فيجوز استخدامهم في التدريس كأن لا يمكن إقامة التعليم إلا بهم، أو ترتب على ترك استخدامهم مفسدة أعظم من مفسدة استخدامهم أو تحقق باستخدامهم مصلحة راجحة على مصلحة ترك استخدامهم. 30 – بيان موقف أهل السنة من استخدام أهل البدع في الجهاد، وأن الحكم في هذه المسألة يختلف باختلاف أحوال أهل البدع وظروف المسلمين. فتجوز الاستعانة بهم عند الحاجة إن كانوا حسني الرأي في المسلمين وتكره عند عدم الحاجة، وتحرم الاستعانة بهم مطلقاً إن كانوا معروفين بغش المسلمين وعدم النصح لهم. وبهذا اختم هذا البحث أسأل الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن نفع به من يقرأه ويطلع عليه من المسلمين إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

موقف المسلم من الفتن في ضوء الكتاب والسنة

موقف المسلم من الفتن في ضوء الكتاب والسنة ¤حسين بن محسن أبي ذراع الحازمي£بدون أضواء السلف¨الأولى¢1420هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶فتن معاصرة أولاً: خلاصة الرسالة وأهم نتائجها: وأما عن خلاصة الرسالة وأهم نتائجها فهي كما يلي: 1 - أن الفتنة هي: الاختبار والابتلاء والامتحان، ويتلخص وينتج: أن لفظها من القرآن يأتي على وجوه كثيرة، وأنه له معانٍ شتى من أهمها: الشرك والكفر والابتلاء والضلال، والجنون والغدر والعذاب ... 2 - أن منبع الفتن وبؤرها ومصدر ظهورها هو المشرق -وخاصةً العراق- وتاريخه أكبر شاهدٍ على ذلك. كما -نتج وتلخص- أن العراق هو المراد بالـ (نجد) المذكور في الأحاديث الثابتة. هذا وقد اتفقت كلمة شراح الحديث، وأئمة اللغة، ومهرة جغرافية العرب أن النجد ليس اسماً لبلد خاص، ولا لبلدة بعينها، بل يقال لكل قطعةٍ من الأرض المرتفعة عما حواليها نجد. ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهلها، كما توافق شرَّاح الحديث على ذلك. أن جهة المشرق -العراق- ممقوتة غير محمودة، ولذلك ضرب النبي صلى الله عليه وسلم به المثل بقرني الشيطان، وأخبر أنه منبع الزلازل والفتن، ورأس الكفر وأساسه، ثم إن حاضره وغابره يدل على ذلك -وخاصةً العراق- والله أعلم. 3 - كما يستنتج من فتنة التفرق والاختلاف ما يلي: أن الافتراق أشد أنواع الاختلاف. وأنه ليس كل اختلاف افتراقاً، بل العكس. وأن الافتراق لا يكون إلا على أصول الدين الكبرى. فافتراق هذه الأمة المذكور في الحديث بأنها (ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة) إنما يقع في أصول الدين الكبرى والاعتقاد، لا ما يقع في الفروع والاجتهادات الفقهية. 4 - وأما عن نتائج فتنة القتال فهي كما يلي: أولاً: اقتتال المسلمين مع الروم -في آخر الزمان- وبيانه كالتالي: • أن هذه الملحمة العظمة لم تجيء بعد، وأن الروم لم يغزوا في البرِّ بهذا العدد المهول -المقدر بألف ألف- فهي من الأمور التي لم تقع بعد. • كما أن الروم يسلمون في آخر الزمان، ويكون فتح مدينة القسطنطينية -الفتح الأعظم والأخير- على أيدي طائفةٍ منهم مع جيش المسلمين. • ويكون انتصار المسلمين عليهم تهيئة لفتح مدينة القسطنطينية -المعروفة اليوم بتركيا- الفتح الأعظم والأخير، الذي قبل خروج الدجال في آخر الزمان وفتحهم لها يكون بدون قتال، وسلاحهم فيها التكبير والتهليل. • وأما فتح الترك لها الذي كان قبل عصرنا هذا، فإنه كان تمهيداً للفتح الأعظم. ثانياً: فتن القتال التي تسبق اقتتال المسلمين مع الروم. فقد ورد في الأحاديث ما يفيد قتال المسلمين مع الترك والعجم قبل قتالهم مع الروم، وورد فيها اشتراك الترك والعجم في الصفات الخلقية، ويمكن أن يجاب بأن الحديث الوارد في صفات العجم غير حديث قتال الترك. ولا مانع من اشتراك الصنفين في الصفات المذكورة مع اختلاف الجنس. ويجتمع منهما أنهما طائفتان أُنذر بخروجهما. 5 - وأما موقف المسلم من الفتن، وما يجب عليه تجاهها فهو كالتالي: • إن أول تلك المواقف فيما يجب عليه تجاه الفتن، هو الاعتصام بالكتاب والسنة. • وثانيها: تقوى الله عز وجل وملازمة عبادته. • كما يجب ويتأكد آنذاك الالتزام بجماعة المسلمين من أهل السنة والجماعة. • وأما قضية اعتزال الفتن وترك القتال فيها، فإن أهم نتائجها -بعد بحثها الطويل- ما يلي:

- يجب القصد والاعتدال في الخلطة والعزلة -من غير إفراط ولا تفريط- فالإغراق في كل شيءٍ مذموم، كما أن لكل من العزلة والخلطة فوائد وغوائل: فتارة تُختار العزلة، وتارة الخلطة. كلٌ بحسب ما يقتضيه الحال والمآل، فقد تُثمر العزلة في بعض الأحوال والأوضاع ما لا تُثمر الخلطة، والعكس بالعكس. وهذا لا يعارض ترجيح الخلطة على العزلة. فإن ذاك الترجيح في الأحوال العامة؛ لأنه يُرجَّح أمر العزلة في أحوال مخصوصة. - ثم إن الأصل في الإسلام الخلطة لا العزلة، بل العزلة الكلية المطلقة الأصل فيها المنع؛ لما يترتب على ذلك من تضييع الحقوق، وتفويت وتعطيل كثيرٍ من الواجبات. ويستثنى من ذلك المنع حالات أخرى عامة، تشرع فيها العزلة بسبب تغيّر عام يقع في المجتمع، ومن هذه الحالات ما يلي: الحالة الأولى: عند فساد الزمان. الحالة الثانية: عند حلول الفتن. - وأما العزلة والخلطة إبَّان فتنة القتال: فالذي يظهر -بعد النظر والتأمل- ويترجح التفصيل. فمتى خفي الحق، وتعسَّرت معرفة الصواب في ذلك، فإنه يترجح آنذاك جانب القول باعتزالها. ومتى عرف الحق، وتبين الصواب مع من فيها، فإنه حينئذٍ الخوض والمشاركة فيها، لنصر الحق وقتال الباغي. - كما ظهر وتبين أن للشام فضل ومزية في كل حين، وعلى مر الأيام والسنين، بل ورد ما يحض ويرغب فيها أكثر وأكثر إبَّان الفتن، وأنها معقل ومأوى المسلمين آنذاك. - وأخيراً .. تأتي قضية التعرب وسكنى البدو في الفتنة، ويستنتج منها: أن الشارع أذن في التعرَّب وسكنى البادية، وقيَّد ذلك بزمن الفتنة. وأما في الأحوال العادية التي ليس فيها فتنة عامة، فالأصل فيها سكنى المدن. ثانياً: التوصيات والمقترحات: 1 - إن كان هناك من توصيات فإن أول ما أُوصي به نفسي، وإخواني المسلمين -لاسيما الدعاة والباحثين- تقوى الله -عز وجل- فهي وصية الله لجميع خلقه الأولين والآخرين، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) (النساء: 131) فموضوع التقوى بالغ الأهمية، وهو ذروة السنام، مثابته مثابة الرأس من الجسد، وتتأكد وتزداد أهميته عند حلول الفتن ومباغتة البلايا والمحن. 2 - كما أوصي -بما أوصى به الله ورسوله- بالالتزام والاعتصام بجماعة المسلمين، وعدم الخروج عليهم، ومن منهجهم -منهج أهل السنة والجماعة- الذي رسموه لنا، ونبذ الفرقة والاختلاف؛ لأن ذلك شر وأيَّما شر. فالجماعة رحمة والفرقة عذاب، وتزداد أهمية ذلك كله وقت الفتن فإنه أشد وأوجب، وآكد وأرغب. 3 - وأوصي أيضاً -بعد تقوى الله عز وجل والاعتصام به والتوكل عليه واللجوء إليه- بالالتفات حول العلماء الربانيين، والأئمة المهديين، الأتقياء الصالحين، علماء أهل السنة والجماعة في كل عصر، فإن الالتفات حولهم يعد سبيلاً مهمَّاً من سبل الوقاية والنجاة من الفتن على مختلف أنواعها وأشكالها، كما يعين ذلك على الأمن من الزيغ والضلال. فكم أنجى الله بالعلماء الأمة الإسلامية من محن عصيبة، وفتن رهيبة، كإعزاز الله لدينه بالصديق -رضي الله عنه- يوم الردة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة، فكم ثبَّت الله المسلمين في تلك الفتن بعلمائهم. فلابد إذاً من لزومهم، والعيش في أكنافهم، والالتفات حولهم لاسيما وقت الفتن.

كما أوصي في هذه الجزئية بأمر مهم وهو عدم الاستقلالية عن العلماء مما يؤدي إلى احتقارهم والتعالي عليهم وعدم اتباعهم. وهذه شنشنة شاذة -مع الأسف- بدأنا نرى نماذج منها، بل وصل الأمر ببعضهم أن يقول عن الأئمة العلماء: هم رجال ونحن رجال ... وهذا أمر مقلق جدَّاً، يجب أن نتواصى ونتناصح فيه، وقد تقدم التفصيل في هذه الجزئية مما يغني عن إعادته. 4 - إن الرفق والحلم والتأني وعدم التعجل، وخاصةً عند حدوث الفتن، محمودٌ أيما حمد ومطلوب ومرغب فيه أيما ترغيب؛ لأن ذلك كله يجعل المسلم يبصر حقائق الأمور بحكمةٍ وحنكةٍ. ويقف على خفاياها وأبعادها وعواقبها. فالعجلة وعدم الأناة خِفة وطيش، وحدّة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم والرفق. وتُوجب وضع الشيء في غير محله، كما تجلب الفتن والشرور والنقم، وتمنع السلامة والخيرات والنعم. فالرفق ما كان في شيءٍ إلا زانه، ما نُزِع من شيءٍ إلا شانه. كما أن الحلم والأناة يحبهما الله (¬1) ولذلك كانت خصلة الحلم هي السبب في بقاء الروم -والنصارى الكفرة- وكونهم أكثر الناس كما وصفهم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (تقوم الساعة والروم أكثر الناس). وقد علل عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بقاء الروم وكثرتهم من بين الناس بقوله: (إن فيهم لخصالاً أربعاً) الأولى: -وهي شاهدنا والتي تهمنا في هذه الجزئية- (إنهم لأحلم الناس عند فتنة)، وهذا ليس ثناء من عمرو بن العاص -رضي الله عنه- على الروم والنصارى والكفارة. وإنما هو تعليل منه -رضي الله عنه- ومعناه: أنه إذا اضطربت الأحوال وتغيرت، وبدت الفتن وكشَّرت عن أنيابها، فإن الروم آنذاك هم أحلم الناس في مواجهتها. وأكثرهم أناة وتريثاً وهدوءاً. لعلمهم أن الفتنة إذا بزغت شمسها، فإنها ستقضي عليهم. إذاً: فالحلم والرفق والأناة من خير ما يوصى به المسلمون إبَّان الفتن. ومن أهم ما يوصى به في هذه الجزئية: الرفق والحلم والأناة .. مع الأئمة وولاة الأمور، وعدم الخروج عليهم ونزع يدٍ من طاعة ما أقاموا شرع الله. فالرفق والحكمة والحلم معهم ينتج عنه كل خير واستقرار وأمن وأمان، وإلا دخل المسلمون في عالم من الفوضى والمجازر والدماء التي لا نهاية لها. وهذا هو منهج السلف الصالح، وما موقف الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- من الحجاج ببعيد. وهو معروف بظلمه وجبروته، ومع ذلك كله كانوا يوصفون بالحلم والرفق والحكمة معه، فالله الله في الرفق والحلم والحكمة والأناة، وخاصة وقت الفتن. 5 - عدم تطبيق ما ورد في الفتن -من نصوص- على الواقع المعاصر: تزداد شهوة الكلام عند حلول الفتن، وتظهر جرأة كثير من ضغام الناس وقتها. فيحلو لهم آنذاك، استرجاع أحاديث الفتن وتقليب صفحاتها، ويربو ذلك ويزداد في اجتماعهم في المنتديات والمجالس. فتجدهم يُنَزِّلون تلك الأحاديث على واقعهم الآني، ويلوون أعناقها لتوافق ما يعتريهم ويصيبهم من فتن، فيقولون: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم ... كذا .. هو المراد بهذه الفتنة التي نحن فيها الآن. أو المراد به الفتنة التي حدثت في الوقت الفلاني أو البلد الفلاني .. وهكذا يفسرون ويطلقون المراد من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاديثه عن الفتن، بتحديد أزمانها وأماكنها وتطبيقها على واقعهم وزمنهم الآني. كل ذلك ليس عندهم فيه من الله برهان. ¬

(¬1) كما في حديث أشج عبد القيس: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة). رواه مسلم في الإيمان: (1/ 49، رقم 18).

وهذا خطأ فادح، على خلاف منهج السلف الصالح -من أهل السنة والجماعة- فإن منهجهم إبَّان حلول الفتن، هو عدم تنزيل أحاديثها على واقع حاضر. وإنما يتبين ويظهر صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أنبأ وحدث به أمته من حدوث الفتن عقب حدوثها واندثارها. مع تنبيه الناس وتحذيرهم من الفتن عامةً. ومن تطبيقها على الواقع الحالي خاصةً. 6 - البعد عن أماكن الفتن وبؤرها: فالبعد عنها وعدم الخوض فيها أو التعرض لها مسلك شرعي، بل هو مطلب من مطالب هذه الشريعة السمحاء. كيف لا؟ والنبي صلى الله عليه وسلم علق السعادة باجتناب تلك الفتن بقوله: (إن السعيد لمن جُنِّب الفتن ... ) كما حث على تجنبها والهرب منها -أيضاً- بقوله صلى الله عليه وسلم: (تكون فتنةٌ النائم فيها خيرٌ من المضطجع، والمضطجع فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم خيرٌ من الماشي، والماشي خير من الراكب، والراكب خيرٌ من المُجري ... )، فبين النووي رحمه الله أن: (معناه: بيان عظيم خطرها والحث على تجنبها والهرب منها ومن التشبث في شيءٍ منها ... ) (¬1). هذا وقد تواترت وصايا السلف في التحذير من مواطن الفتن، وأن يشخص لها أحد. فهذا حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- يقول: (إياكم والفتن، لا يشخص إليها أحد، فوالله ما شخص فيها أحد إلا نسفته كما تنسف السيل الدمن ... ) (¬2). وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: (لا تقربوا الفتنة إذا حميت، ولا تعرَّضوا لها إذا عرضت، واضربوا أهلها إذا أقبلت) (¬3). 7 - لا شك أن الإشاعة تُعدُّ من أمضى الأسلحة التي يستعملها أعداء الأمة، لاختراق صفوفها، والفتك بعضدها، وتمزيق وحدتها، وتكمن خطورتها، وتنشط الدعاية لها، إبَّان الفتن، ففي وقتها تكثر إثارتها، ويزداد ترويج بضاعتها. فالأعداء ما فتئوا يبثون الأقاويل الكاذبة، والشائعات المرجفة، حرصاً منهم على زعزعة أمن المسلمين وأمانهم، وما حادثة الإفك عن ذلك ببعيد، وكذا ما حصل في غزوة أُحد حينما قتل مصعب بن عمير -رضي الله عنه- أُشيع أن الذي قُتل هو النبي صلى الله عليه وسلم، فانكفأ المسلمون وجيشهم بسبب هذه الشائعات المرجفة. فحفظ اللسان والتبين والتثبت عند سماع الشائعات أو أي نبأ أو خبر مطلب شرعي، لاسيما وقت الفتن، وعند الحروب والمعارك والمحن، فإنه آنذاك أشد وأرغب، وآكد وأوجب. وقد تقدم (¬4) كل ما يتعلق بذلك من حفظ اللسان أثناء الفتن والتثبت عندها والحذر من الشائعات وقتها ... بما يغني عن إعادته والاستطراد فيه. 8 - ثم إن التعوذ من الفتن، ما ظهر منها وما بطن. مما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته، وأمر به أصحابه -رضي الله عنهم- فقال: (تعوذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن) (¬5) فالتعوذ بالله منها ينجي من الفتن، ويقي من الشرور والمحن. وقد تقدمت الإشارة إلى هذه الوصية بما يغني عن تكرارها. وبعد: فهذا ما أمكن جمعه واستحضاره من توصيات إبان دراسة موضوع الفتن وموقف المسلم منها. كما أن هناك توصيات أحجمت عن ذكرها هنا خشية الإطالة بيد أن ما ذُكر هنا أهمها. وإن كان هناك من اقتراحات فهي كما يلي: 1 - أرى وأقترح عقد دورات علمية عملية لخطباء وأئمة المساجد والدعاة. يبين لهم فيها ويُدَرَّس أهم ما يجب على المسلم اتخاذه تجاه الفتن. مع بيان منهج أهل السنة والجماعة، وموقفهم منها، ومن الأحاديث الواردة فيها. كل ذلك بغية أن يُبَيِّن إخواننا الدعاة والخطباء لعامة الناس ما أخذوه واستفادوه من تلك الدورات. وحبَّذا أن تكون تلك الدورات تحت إشراف هيئة كبار العلماء أو نحوها. 2 - كما أقترح إصدار مجلات دورية مختصرة -ما بين فينةٍ وأخرى- يُبيَّن فيها ما سبق في الاقتراح الأول. ولكن بعبارةٍ سهلة وأسلوبٍ يفهمه ويستفيد منه العامة والخاصة. ويكون إصدار تلك الدوريات وتوزيعها عن طريق جهات رسمية. كمراكز الدعوة والإرشاد، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوها. 3 - ولو كان ذلك -أيضاً- عن طريق الصحف الصادرة يوميَّاً في كل بلد. والتي يتداولها العامة والخاصة، ويقتنيها أكثر الناس، لكان حسناً. فيُبيَّن لهم فيها على فترات -لاسيما وقت الفتن- ما سبق اقتراحه. كما يكون ذلك كله -أيضاً- تحت إشراف هيئة كبار العلماء، أو الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء ونحوها. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. ¬

(¬1) شرح النووي على مسلم: (18/ 9). (¬2) أخرجه أبو نعيم في الحلية: (1/ 273). (¬3) أخرجه الطبراني: كما ذكر الهيثمي في (المجمع): (7/ 305) وسكت عليه. وكذا الهندي في (كنز العمال): (11/ 153) ولم أجده فيما طبع من الطبراني الكبير والأوسط، وأما الصغير فليس فيه والله أعلم. (¬4) تقدم ذلك كله في المبحث الرابع من الفصل الثاني من الباب الثاني: (ص 400 - 423). (¬5) تقدم تخريجه في المبحث الأول من الفصل الثاني من الباب الثاني: (ص 379).

نصح الأبي في بيان المحبة بين الصحابة وآل النبي -صلى الله عليه وسلم-

نصح الأبي في بيان المحبة بين الصحابة وآل النبي -صلى الله عليه وسلم- ¤حاي بن سالم الحاي£بدون¥غراس - بيروت¨الأولى¢1426هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶صحابة وآل البيت خاتمة: وبعد: فإنني أحمد الله سبحانه كثيرا كما يحب ربنا ويرضى أن وفقني لكتابة وجمع هذه الرسالة التي تبين شيوع المحبة وانتشار المودة والألفة بين الصحابة وآل بيت النبوة رضي الله عنهم. ولم يحدث بحمد الله تعالى حسد وحقد وتكفير بعضهم لبعض، وإن حدث شيء من الهنات أو الاختلافات؛ فهذا مما جبل عليه البشر، فهم بشر يغضبون ويتأثرون، لكن هذا لا يخرجهم إلى حد التباغض والشحناء، وإن حدث شيء من هذه الاختلافات فسرعان ما تعود المسامحة والعفو بينهما بل ولا يدوم هذا الأمر ويستمر، وعندي بحمد الله عز وجل مواقف جليلة، وعبر عظيمة، وفوائد تربوية فاذة، وصور مشرقة فريدة من هذا النوع الذي يتجلى فيه الكمال الإنساني بين الصحابة وآل البيت، بين ذلك الجيل الرباني والرعيل الأول الذي رباه وسقاه واعتنى به عناية فائقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحاشا الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم أجمعين أن تنتشر بينهم العداوات والطعونات والسباب والتشاتم. فليتق الله أناس يثيرون هذه الفتن، ويؤججون هذه المحن؛ فإن هذا مما يغضب الله جل وعلا ويخالف هدي وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. فمثّل وقوفك بين يدي الله عز وجل ترجو الخلاص وأنى لك الخلاص، وترجو النجاة ولات حين مناص. وإنني أرجو الله جل وعلا أن ينفع بهذا الكتاب المسلمين والمسلمات، وأن يكتب لي القبول، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن يكتب له القبول في الأرض وسائر مؤلفاتي، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

نقض الإمام أبي سعيد عثمان ابن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله عز وجل من التوحيد

نقض الإمام أبي سعيد عثمان ابن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله عز وجل من التوحيد ¤عثمان بن سعيد الدارمي£رشيد بن حسن الألمعي¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1418هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶ردود ومناظرات الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خير خلقه نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .. وبعد .. فقد جرى العُرف العلمي أن تكون في نهاية البحوث والكتب خاتمة يعرض فيها خلاصة البحث وثمرته، وقد تبين من خلال بحثي هذا أن الدارمي رحمه الله كان أحد الأعلام المبرزين في علم الحديث ورجاله، كما كان قذى في أعين المبتدعة، قوياً في مواجهتهم، منتصراً لمنهج أهل الحق من سلف هذه الأمة المقرين بالله رباً ومعبوداً، موصوفاً بصفات الكمال ونعوت الجلال، مثبتين له ذلك على ما يليق بجلاله وعظمته من غير أن يتعرضوا لها بشيءٍ من التعطيل والتشبيه والتكييف والتمثيل. وعرفنا ما لكتابه هذا من الأهمية والمكانة في تقرير حقيقة ما كان عليه السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، وأن ما اشتمل عليه يمثل آراء المتقدمين من سلف هذه الأمة. وتبين لنا أن العلماء قد نقلوا عنه في مؤلفاتهم وأثنوا عليه وعلى كتابه هذا غاية الثناء. كما تبين لنا حقيقة ما كان عليه المريسي وابن الثلجي من إلحاد في أسماء الله وصفاته وتأوُّلٌ للنصوص الثابتة بما يخالف مقتضى النقل والعقل والفطرة وإجماع الأمة. ولقد بذلت وُسعي في سبيل التعريف بهذا الإمام وخصيمه، وتحقيق كتابه (النقض على بشر المريسي) وأرجو أن أكون بهذا قد أسهمت بإضافة جديدٍ نافعٍ إلى المكتبة الإسلامية يمثل حقيقة ما كان عليه الرعيل الأول من الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله قولاً وفعلاً واعتقاداً، ومن صفاء القلب ونقاء السريرة والذود عن حياض الإسلام وحرماته والمحافظة على سلامة العقول من مؤثرات النفس والهوى والشبهة والشهوات، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. ويبقى أن أشير بشيءٍ من الإيجاز إلى جملةٍ من الاقتراحات أهديها إلا من يهمه الأمر في هذه الجامعة الحبيبة وغيرها من المؤسسات العلمية التي تعنى بتراث هذه الأمة: 1 - حظيت أمتنا منذ فجر تاريخها بعددٍ من الجهابذة الأعلام الذين حفظ الله بهم على هذه الأمة دينها، وقد ورَّثوا من المصنفات الضخمة ما يعجز عن استيعابه الوصف، إلا أن جل هذه المصنَّفات –مما يؤسف له- يكمن في جنبات المكتبات الأوربية والأمريكية وغيرها من الدول غير الإسلامية، وحري بجامعاتنا وقد أناطت بعاتقها عبء العناية بالتراث الإسلامي أن تضاعف الجهود لجلب هذه المخطوطات الثمينة بمختلف الوسائل الممكنة إلى مكتباتنا. 2 - توسيع دائرة الاهتمام بتحقيق ما هو موجود في متناول الأيدي من المخطوطات التي تعد بالآلاف في جامعاتنا، وتهيئة الجو المناسب للاستفادة منها بأيسر السبل. 3 - توفير المصنفات الأم التي تكشف النقاب عن شبهات المخالفين لما عليه أهل السنة والجماعة في جانب الاعتقاد؛ ليكون الباحث على بصيرةٍ ودراية بآراء الخصوم وحججهم من مصنفاتهم. على أن تكون محدودة الإطلاع ما أمكن ذلك. وختاماً: أسأل الله العلي القدير أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم وأن يرجح به ميزان حسناتي يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، وأن يغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما هو أعلم به مني، كما أسأله جل وعلا أن يجزي شيخي الفاضل على ما بذله الأجر والغنيمة في الدنيا والآخرة، إنه سميعٌ قريبٌ مجيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف

نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف ¤محمد بن عبدالله الوهيبي£بدون¥دار المسلم - الرياض¨الأولى¢1416هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶نواقض الإسلام والإيمان الخاتمة وبعد هذه المباحث المختلفة حول (نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير) يمكن أن نلخص أهم ما بحث بالنقاط التالية: بعد المقدمة حول أهمية الموضوع وأسباب اختياره، تم في التمهيد التعريف بأهل السنة والجماعة، متى نشأ هذا المصطلح، وأصله الشرعي، واستعمالات الأئمة له، ثم أشرنا إلى استعمال بعض المبتدعة لهذا المصطلح، وأن ذلك لا يغير من حقيقة ابتداعهم شيئاً، ولا يمنع أهل السنة من استعمال هذا المصطلح. وبعد ذلك تم إيضاح موقف أهل السنة من المبتدعة (إجمالاً)، حيث حذروا من مجالستهم ومناظرتهم وأمروا بهجرهم وبنوا ذلك على ضوابط ومصالح شرعية، تمت الإشارة إليها. ثم أشير في التمهيد إلى أبرز الانحرافات في الموضوع، وأهم المراجع التي بحثت فيه. وفي الباب الأول تم بحث مفهوم الإيمان عند أهل السنة وفيه بيان النقاط التالية: أنه قول وعمل، والقول يشمل قول اللسان، والعمل يشمل عمل القلب وعمل الجوارح، ثم الأدلة على دخول العمل في مسمى الإيمان. العلاقة بين مسمى الإسلام والإيمان، وأن الراجح من أقوال أهل السنة أن مسماهما مختلف بحسب الاقتران والافتراق. جـ - أدلتهم على الزيادة والنقصان، ومجالات ذلك، ثم بيان مراتب الإيمان، وتعريف كل مرتبة. هـ - أيضاً تم بحث موقف أهل السنة من أهل المعاصي وأدلتهم على ذلك، وخلاصة مذهبهم في ذلك: أنهم مجمعون على عدم كفر مرتكب الكبيرة، ما لم يستحلها، وأنهم في الآخرة تحت المشيئة ما لم يتوبوا - وأنهم لا يخلدون في النار إن دخلوها. - وبعد بيان مفهوم الإيمان عند أهل السنة، عرضت لمفهوم الإيمان عند الوعيدية (الخوارج والمعتزلة)، والمرجئة (ويمثلهم الأشاعرة والماتريدية)، وموقفهم من الزيادة والنقصان ومن نصوص الوعد والوعيد، وحكم أهل الكبائر عندهم، فنقلت من مراجعهم المعتمدة لديهم مذهبهم في ذلك، ثم رد أهل السنة على شبههم، ومن أهل نتائج هذا البحث: أ- بيان التشابه بين مذهبي الأباضية والمعتزلة في هذا الباب. ب- بيان انحراف الأشاعرة والماتريدية في هذا الباب، وأن مذهبهم في الإيمان هو مذهب المرجئة المتكلمين. - وفي الباب الثاني: تم بحث ضوابط التكفير وموانعه، ففي الفصل الأول: إشارة إلى الضوابط العامة عند أهل السنة، ومنها، أن الحكم على الناس بظواهرهم وأدلة ذلك، والاحتياط في تكفير المعين، فلا يكفرون إلا من قامت عليه الحجة. - وفي الفصل الثاني: إشارة إلى موانع التكفير، ومن أهمها - الجهل - وقد أطلت فيه لأهميته وكثرة مباحثه وتشعباته، فقد عرضت بالتفصيل للأدلة من الكتاب والسنة، وبعض المسائل المهمة المتعلقة بالموضوع، ثم أقوال الأئمة في المسألة، وبيان مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب، وأئمة الدعوة رحمهم الله، وخلاصة ما وصلت إليه في هذا المبحث: أن حديث العهد بإسلام، أو من نشأ ببادية بعيدة ومن في حكمهم - مثل أن ينشأ في بيئة ينتشر فيها الشرك، ويقل فيها الدعاة إلى التوحيد - يعذر بجهل الأحكام الظاهرة المتواترة من الواجبات والمحرمات، وكذلك في أصول العقائد، ومنها مسألة التوحيد والشرك ولا فرق، أما من أنكر شيئا من ذلك في دار إسلام وعلم فإنه يكفر بمجرد ذلك إلا أن تكون المسألة خفية أو لا تعرف إلا عند الخاصة.

8 - ومن موانع التكفير، الخطأ، وخلاصة ما وصلت إليه في مبحث الخطأ من خلال الأدلة من الكتاب والسنة أن حكم المخطئ حكم الجاهل والمتأول - فلا يكفر: إلا بعد قيام الحجة - وأنه إن كان مجتهداً فما يسوغ فيه الاجتهاد فله أجر اجتهاده، وأنه لا فرق في ذلك بين العقائد والأحكام والله أعلم. 9 - ومن الموانع التأويل، وتم فيه بيان أدلة العذر به، وحدود التأويل الذي يعذر صاحبه والذي لا يعذر وموقف السلف من المتأولين، ومسألة التكفير باللازم. 10 - وفي الباب الأخير، بحثت النواقض الاعتقادية وقسمتها إلى قسمين، فمنها ما يناقض قول القلب ومنها ما يناقض عمله ومن أبرز ما يناقض قول القلب: أ- كفر الجحود أو الاستحلال أو التكذيب لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وخلاصة مذهب أهل السنة في ذلك، أن من أنكر أو جحد أو كذب خبراً من الأخبار الظاهرة المتواترة - سواء كان هذا الحكم واجباً أو محرماً أو مستحباً فإنه يكفر، ومثله من استحل محرماً من المحرمات الظاهرة المتواترة سواء كان هذا المحرم من الصغائر أو الكبائر. ب- ومن ذلك الاعتقاد بأن بعض الناس لا يجب عليهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم حيث اشتهر هذا المعتقد عند غلاة الصوفية والباطنية، فنقلت كلامهم في ذلك من مصادرهم، ثم رد أهل السنة على ذلك وإجماعهم على كفر من اعتقد هذا الاعتقاد. جـ - ومن ذلك - الشرك في الربوبية - ويوجد هذا الانحراف لدى غلاة الصوفية والرافضة حيث يعتقدون في أئمتهم وأوليائهم، أنهم يعلمون الغيب، أو يتصرفون في الخلق ونحو ذلك، وقد نقلت من مصادرهم ما يدل على اعتقادهم هذا، ثم بينت موقف أهل السنة من هذه الضلالات. أما النواقض المنافية لعمل القلب فمن أبرزها: الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، وبحثت فيه مفهوم الإعراض وصوره، وما هو الإعراض المكفر، وحكم ترك العمل والتولي عن الطاعة وكلام السلف في ذلك، وعلاقة ذلك بمفهومهم للإيمان، ثم بينت مذهب السلف في حكم ترك الأركان الأربعة. النفاق الاعتقادي، وقد بحثت فيه أنواع النفاق، ثم النفاق الاعتقادي وأحكامه، وإيضاح بعض هذه الأقسام وأدلتها ومن ذلك: 1 - أذى الرسول صلى الله عليه وسلم أو عيبه ولمزه. 2 - المسرة بانخفاض دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو الكراهية لانتصار دينه. جـ - ومما يناقض عمل القلب كفر الإباء والاستكبار والامتناع، وذكرت فيه إجماع العلماء على قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة وأهم أدلتهم على ذلك، وهل يلزم من قتال الطائفة الممتنعة كفرها؟، وفي آخر الفقرة بيان الفرق بين الفرد والطائفة في ذلك، وأن الصحيح أن الفرد الممتنع لا يكفر والله أعلم. 11 - وفي الفصل الأخير، بيان العلاقة بين النواقض الاعتقادية وغيرها من النواقض، وأن جميع النواقض القولية والعملية الظاهرة، من السبب والتنقيص للرسول صلى الله عليه وسلم، أو السخرية بالدين، أو الحكم بتشريع يخالف شرع الله وغيرها، كل هذه النواقض حقيقتها وأصلها يرجع إلى ناقض قلبي ولابد، وفي أثناء ذلك وقفت وقفة بينت فيها كلام الأئمة في حكم تحكيم القوانين الوضعية، وعلاقة ذلك بالجانب الاعتقادي. وفي الختام أسأل الله عز وجل الإخلاص والتوفيق والسداد في سائر الأقوال والأعمال، وأعوذ به من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يسمع وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

نواقض الإيمان القولية والفعلية

نواقض الإيمان القولية والفعلية ¤عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف£بدون دار الوطن - الرياض¨الأولى¢1414هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶نواقض الإسلام والإيمان من خلال ما سبق عرضه في هذا البحث، يمكن أن نشير إلى بعض الأمور التالية: 01 التأكيد على أهمية وخطورة دراسة نواقض الإيمان، وضرورة الاعتناء بها، وتحرير مسائلها بعلم وعدل، والحذر من مسلك ردود الأفعال، وما يؤول إليه من غلو وإرجاء. 02 إن دراسة موضوع نواقض الإيمان، لا تنفك عن دراسة مقابله وهو الإيمان، ولذا فإن اللبس والخطأ في فهم حقيقة الإيمان يورث -بطبيعة الحال- لبساً وخطأ في دراسة الكفر، كما هو ظاهر حال المبتدعة من الوعيدية والمرجئة. 03 إذا كان الإيمان قولاً وعملاً، قول القلب وعمله، وقول اللسان وعمل الجوارح، فهذه النواقض إما أنها تضاد قول القلب أو عمله، أو تضاد قول اللسان أو عمل الجوارح. وحيث أن الإيمان تصديق وإقرار، وانقياد والتزام بطاعة الله تعالى ظاهراً وباطناً، فالكفر عدم الإيمان وهو تكذيب وجحود، وإباء واستكبار، وامتناع وإعراض. 04 ضرورة مراعاة ضوابط الكفر، وعوارض الأهلية والتي سبق الإشارة إلى بعضها، فإن الاعتناء بمثل ذلك يوجب توسطاً واعتدالاً بين الإفراط والتفريط. 05 الاعتناء بالتفصيل والتوضيح عند دراسة تلك النواقض، وتحقيق حدودها وتعريفاتها شرعاً ولغة وعرفاً، والحذر من الإجمال والإطلاق. 06 تضمن هذا البحث جملة من نواقض الإيمان، كان من أهمها: الشرك في العبادة، فتحدثت - ابتداءً - عن وجوب إفراد الله تعالى بالعبادة وحده لا شريك له، ثم ذكرت حقيقة الشرك في العبادة، سواءً كانت العبادة قولية أو عملية، ووضحت الفرق بين تلك المظاهر الشركية وما دونها من المعاصي، كالفرق -مثلاً- بين السجود الشركي وسجود التحية، والفرق بين النذر الشركي، ونذر المعصية ... ، ثم أوردت عدة اعتبارات في كون تلك الممارسات ناقضاً من نواقض الإيمان. 07 ظهر من خلال عرض مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، أهمية وضرورة التحاكم إلى شرع الله تعالى وحده، وعظم منزلته من الدين، ثم ذكرت جملة من الحالات التي يكون فيها الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى خارجاً عن الملة، كمن جحد حكم الله تعالى، أو فضّل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى، أو ساوى بينهما، أو جوّز الحكم بما يخالف شرع الله تعالى، أو لم يحكم بما أنزل الله إباءً وامتناعاً. وأما المحكوم فإن كفره متعلق بقبوله لغير شريعة الله تعالى، ورضاه بها. 08 حوى هذا البحث مسألة تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً ... فبسطت أدلة الفريقين واستدلالاتهم، مع المناقشة والترجيح. ولعل القول الراجح في هذه المسألة أن ترك الصلاة الذي يعدّ كفراً هو الترك المطلق الذي هو بمعنى ترك الصلاة بالكلية أو في الأعم الأغلب والله أعلم. 09 إن لنواقض الإيمان أمثلة كثيرة جداً لا يمكن حصرها والإحاطة بها، وقد كثر كلام العلماء في هذا النواقض، وكثرت تفصيلاتهم، وإيراد أنواع وأفراد من المكفرات، وربما تركوا ما هو نظير تلك الأفراد، أو آكد منها، والأولى في هذا أن تذكر أجناس الأشياء والأصول التي ترجع إليها، لأجل إذا ذكرت الأشياء تفصيلاً، كان تمثيلاً لا حصراً. (¬1) وفي الختام أسأل الله عز وجل أن ينفع بهذا الجهد، وأن يبارك فيه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ¬

(¬1) انظر الإرشاد للسعدي ص203.

هل نحن مؤمنون حوار حول حقيقة الإيمان والكفر والنفاق

هل نحن مؤمنون حوار حول حقيقة الإيمان والكفر والنفاق ¤محمد عبدالهادي المصري£بدون¥دار أطلس الخضراء - الرياض¨الأولى¢1427هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶إيمان - حقيقته وأصوله - شاملة ومنوعة الخاتمة: إن أقل الأفكار المنحرفة؛ في باب الإيمان؛ انتشاراً في الأمة هي أفكار الخوارج والمعتزلة، والتي تتبلور في صورة عملية محددة؛ هي تكفير مرتكب المعصية واعتباره خارجاً عن ملة الإسلام، بكل ما يترتب على ذلك من أحكام؛ كاستحلال الخوارج للدماء والأموال والأعراض المحرمة بدون سلطان من الله؛ دع عنك التاريخ السيء لهذه الفرقة في علاقتها بالأمة؛ مما خلق حاجزاً نفسياً وفكرياً ضد هذه الفرقة قديماً وحديثاً؛ دون أن يقلل ذلك من خطورة أفكارها وأثرها الضار في شق جماعة المسلمين. إن المسلم يظل في دين الله حتى وهو في أشد حالات المعصية؛ تركاً للواجبات أو ارتكاباً للمحرمات؛ طالماً أنه لم يأت بناقض بين جلي لنا فيه من الله برهان من نواقض الإيمان قولاً أو فعلاً أو اعتقاداً؛ هذه هي عقيدة السلف وأئمة أهل السنة والجماعة. أما أكثر الأفكار المنحرفة تأثيراً ضاراً في الأمة؛ كيفاً وكماً؛ فيه أفكار فرق المرجئة بدرجاتها المختلفة؛ خاصة أن هذه الأفكار قد تبنتها مدارس "سلوكية" ومعاهد "علمية"، وعملت على بثها في الأمة على أنها تمثل مذهب أهل السنة! فتسربت هذه الأفكار إلى عقل وسلوك كثير من الناس بلا وعي بحقيقة ما تمثله هذه الأفكار ومدى انحرافها عن مذهب أئمة وسلف الأمة.

لقد دمرت أفكار المرجئة الخبيثة عقائد كثير من الناس قديماً وحديثاً، وأفسدت عليهم دينهم ودنياهم وآخرتهم. حيث سقطت قيمة العمل الظاهر من حسن هؤلاء الناس وشعورهم الديني؛ وتجرؤوا على المعاصي؛ كما انهارت كلية الشريعة وقاعدتها الكبرى في تلازم الظاهر بالباطن؛ واختلطت الظواهر، فأفسق الخلق وأفحشهم خلقاً وسلوكاً قد يكون – عند هؤلاء المرجئة أفضل من أزهد الناس وأكثرهم ورعاً وعبادة؛ فالجميع مؤمنون، والظواهر شيء، والبواطن شيء آخر! ولكن أخبث ما أنتجته أفكار المرجئة في واقعنا المعاصر أن استقر عند كثير من الناس أن الإيمان هو التصديق وأن الكفر هو التكذيب فقط! فاختلت الموازين التي يزن بها هؤلاء الناس واقعهم تجاه دينهم؛ وتحت زعم أنهم مصدقون وغير مكذبين لله ورسوله، وطالما أن الإيمان هو مجرد التصديق، وتحت ضغط الشهوات ووطأتها، فقدت القلوب المحبة الواجبة لله ورسوله، والتعظيم الواجب لهما، والانقياد والطاعة لحكمهما؛ وامتلأت القلوب بحب الأغيار وتعظيمها والانقياد والطاعة لها؛ ونما النفاق وترعرع حتى كانت الحال التي قال الله تعالى فيها: {هم للكفر يومئذٍ أقرب منهم للإيمان} [آل عمران: 167]. واختلت كذلك الموازين التي يزن بها هؤلاء الناس الواقع من حولهم؛ فأخطأوا مرة أخرى في حق أنفسهم ودينهم؛ حيث لم ينزلوا أحكام الله على واقعها الصحيح؛ فضلوا في التعامل مع واقع كثير من الأحوال وفق منهج الله وشرعه؛ فطالما أن واقع هذه الأحوال المحيطة لم يعلن التكذيب لله ورسوله "بصريح اللفظ"، وطالما أن الإيمان هو مجرد التصديق، وأن الكفر هو فقط التكذيب؛ فإن هذا الواقع عندهم واقع مؤمن بالله ورسوله حتى وإن فسق وانسلخ عن حكم الله ورسوله، أو والى أعداء الله ورسوله أو قاتل أولياء الله ورسوله؛ أو هزأ بدين الله وسخر من سنة رسوله! وكما ساوى الخوارج والمعتزلة بين جميع أنواع المعاصي سواء تلك التي تصيب الإيمان في أصله أو تلك التي تصيبه في فروعه وشعبه، واعتبروها جميعها مخرجة من الملة؛ ساوى هؤلاء المرجئة المعاصرون بين جميع المعاصي أيضاً ولكن اعتبروها كلها غير مخرجة من الملة حتى تلك التي تنقض الإيمان في أصله، إلا أن يكون صاحبها مستحلاً لها! ولم يفسروا الاستحلال بشيء إلا بالتكذيب! فالمرء عندهم لو تلبس بشرك أكبر أو كفر أكبر مخرج من الملة بيّن جلي لنا فيه من الله برهان؛ ولكنه لم يعلن التكذيب بلسانه لا يكفر – وهذا ما لم يقل به حتى أسلافهم من الجهمية الأوائل الذين كانوا يقولون بكفره وخروجه من الملة من الظاهر ولكنهم يتوقفون في حكمه في الباطن أي عند الله على الحقيقة – بل وذهب بعض هؤلاء المرجئة المعاصرين إلى أنه حتى لو أعلن الكفر أو التكذيب أو الاستهزاء بلسانه، فقد يكون معذوراً بجهل أو تأويل أو خطأ أو سوء تربية! أو عدم تحقق الشروط وانتفاء الموانع؛ إلى آخر هذه القائمة من المماحكات السخيفة التي يخفون وراءها حقيقة تجهمهم وتفوقهم حتى على أسلافهم من الجهمية الأول! تلك المماحكات التي وصلوا بها إلى عدم كفر أحد أو تكفيره على التعيين ممن تكلم بالشهادتين في هذه الحياة الدنيا! نسأل الله الإخلاص والإصابة .. ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا .. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه؛ وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .. اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

وسطية أهل السنة بين الفرق

وسطية أهل السنة بين الفرق ¤محمد باكريم محمد با عبدالله£بدون¥دار الراية - الرياض¨الأولى¢1415هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶وسطية وغلو الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته وتوفيقه تتم الصالحات .. وبعد .. في ختام عملي في هذه الرسالة، أود أن أذكِّر بأهم ما عالجته من مسائل ومباحث، وما خلصت إليه فيها من نتائج، ونظراً لسعة موضوع الرسالة وتعدد مباحثها، فإني سأكتفي بعرض ذلك باقتضاب، على النحو التالي: • تبين لي في (معنى السنة): أن المراد بها في إطلاق السلف: موافقة الكتاب والسنة، وخاصةً في مسائل الاعتقاد، ولذلك سموا مصنفاتهم في العقيدة باسم (السنة). • كما تبين لي أن مصطلح (أهل السنة) مصطلح قديم معروفٌ عند السلف ابتداءً من عصر الصحابة رضوان الله عليهم، كما ورد استعمال ذلك في كلام ابن عباس، وفي ذلك ردٌ على من ادعى أن ذلك أول ما أطلق على الأشاعرة. • كما تبين لي أن دعوى الأشاعرة أنهم هم أهل سنة دعوة عريضة فيها نظر؛ لأن اعتمادهم على العقل في أمور الاعتقاد وتقديمه على النقل وردهم لكثيرٍ من نصوص السنة بمقتضاه يقعد بهم عن ذلك. • أن الطريق لمعرفة السنة والقول بها، هو النقل، والاتباع لا غير، وأنها لا تدرك بالعقول. • كما أثبت في هذه الرسالة أن أهل السنة هم أهل الجماعة، وهم الفرقة الناجية، وهم الطائفة المنصورة دون غيرهم من سائر الفرق. • كما بينت جواز إطلاق السلف والسلفية على أهل السنة، وصحة التلقب بذلك، وتهافت كلام من عد ذلك من البدع. • بينت حقد أهل البدع على أهل السنة، ونبزهم بالألقاب الشنيعة، وذكرت نصوصهم في ذلك من كتبهم ومصنفاتهم وما نقله الثقات من أقوالهم وبينت أن أهل السنة لا يلحقهم شيءٌ من تلك الألقاب. • كما أثبت: أن هذه الأمة المحمدية هي: الأمة الوسط بين الأمم، وأن في إثبات وسطيتها إثباتاً لوسطية أهل السنة. • أثبت في هذه الرسالة أن الأمة المحمدية أعدل الأمم بشهادة الله لها بذلك، وشهادة أعدائها أيضاً. • كما أثبت مبلغ جور أمتي اليهود والنصارى، وظلمهم وبعدهم عن العدل فيما بينهم وفيما بينهم وبين الأمم الأخرى. • وأثبت أن هذه الأمة المحمدية هي خير الأمم وأوضحت ذلك من أوجه متعددة. • كما بينت مبلغ توسط هذه الأمة واعتدال أقوالها بين طرفي الإفراط والتفريط. • أثبت أن كلاً من اليهود والنصارى لديهم إفراطٌ وتفريط، وغلوٌ وجفاءٌ، ويظهر ذلك في باب توحيد الله، وباب أنبياء الله ورُسُلِه وغير ذلك من الأبواب، ودللت على ذلك من كتبهم المقدسة عندهم. • كما أثبت أن أهل السنة أوسط فرق هذه الأمة، وأنهم بين هذه الفرق كهذه الأمة بين الأمم في الاعتدال والتوسط والفضل. • فأثبت وسطيتهم في باب الأسماء والصفات، واعتدال قولهم واعتقادهم في ذلك بين طرفي الإفراط والتفريط، وهم المعطّلة والمشبهة. • وبينت وسطيتهم في باب الأسماء والأحكام والوعد والوعيد بين المرجئة والوعيدية من الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم. • وأثبت أنهم أهل توسط واعتدال في باب الإيمان بالقضاء والقدر، بين: الجبرية الذين يسلبون العبد اختياره ومسؤوليته عن أفعاله، وبين القدرية الذين يجوزون أن يقع في ملك الله ما لا يريده ويقدره. • وبينت وسطيتهم واعتدالهم في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلامة أقوالهم من الوقيعة فيهم أو الإزراء بهم. • أثبت مبلغ جفاء الرافضة والخوارج لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوء اعتقادهم وأقوالهم فيهم. • بينت مذهب أئمة المعتزلة في هذا الباب، وسوء قولهم واعتقادهم في طوائف من الصحابة. • كما بينت وسطية قول أهل السنة وحسن اعتقادهم في باب تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم والصالحين من أمته، وأنهم وسط في ذلك بين غلو وتفريط وتقصير أهل البدع من المتصوفة ومن شاكلهم. هذه أهم المباحث التي عرضت لها في هذه الرسالة، والنتائج التي انتهيت إليها فيها، فإن وُفِّقت وأصبت فبفضل الله وتوفيقه، وإن أخطأت وزللت فمن نفسي، وأستغفر الله لذنبي، وحسبي أني اجتهدت في ذلك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها دراسة تربوية للآثار الإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى

ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها دراسة تربوية للآثار الإيمانية والسلوكية لأسماء الله الحسنى ¤عبدالعزيز بن ناصر الجليل£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1429هـ€توحيد وعقيدة ومنهج¶أسماء وصفات - قواعد عامة ودراسات الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والشكر لله – عز وجل – على ما أولاه من فضل وعون وتوفيق في الكتابة في هذا العلم الشريف، الذي هو أشرف العلوم وأرفعها وأنفعها كيف لا وهو يتعلق بأشرف وأكرم وأجل معلم وهو الله عز وجل. هذا، وأسأل الله – عز وجل – أن يغفر لي تقصيري، ويمحو زلتي، وأن يجبر ضعفي، وأن يتقبل مني، وأن لا يؤاخذني بما نبا عن الفهم أو زل به القلم إنه سميع مجيب بر رحيم عفو غفور. وقد خلصت بعد الانتهاء من كتابة في هذا البحث إلى نتائج مهمة أنبه نفسي وإخواني المسلمين إليها: النتيجة الأولى: تبين لي من خلال هذا البحث التقصير الشديد من طلاب العلم وبخاصة المهتمين بتدريس العقيدة، وذلك في الغفلة عن هذا العلم الشريف، ألا وهو التعبد لله – عز وجل – بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا وآثارها على أعمال القلوب والأخلاق والسلوك، فقل أن يوجد من يولي هذا الجانب عناية خاصة وهو يدرس العقيدة أو يدرسها، لذا أتوجه في هذه الخاتمة بالنصح لنفسي ولإخواني طلاب العلم وأرباب التوجيه والتربية، بأن تولي هذا الجانب المهم من أسماء الله – عز وجل – عناية كبيرة في الدروس والحلقات التعليمية، وأن تتم التربية من خلاله على تقوية الإيمان وتجريد التوحيد لله – عز وجل – وتزكية القلوب والأخلاق، وألا نقف في دراسة توحيد الأسماء والصفات على الجوانب الذهنية المجردة أو الردود على أهل البدع والأهواء فقط، وإنما نجمع في دراسة هذا الجانب المهم من توحيد الله – عز وجل – بين الجانب العلمي والعملي والتعبدي والأخلاقي، فهكذا كان سلفنا الصالح في تميزهم بمنهجهم الفريد القائم على صحة الفهم، والمعتقد وسلامة القلوب والأخلاق، ولا يعد المسلم متبعاً لمنهج السلف الصالح حتى يتبعهم في معتقدهم وفي أخلاقهم. النتيجة الثانية: ومما يؤكد النتيجة السابقة ما خرجت به من هذه الدراسة من شعور نفسي شعرت به في نفسي وفي نفوس كثير ممن صرحوا لي بذلك ألا وهو الشعور بضعف الإيمان ونقص التوحيد في قلوبنا، وكذلك الشعور بالخلل في تعاملاتنا وأخلاقنا، واكتشاف أن مراد هذه كله هو عدم اهتمامنا بأسماء الله الحسنى فهماً وتعبداً وتخلقاً؛ لأن توحيد الأسماء والصفات هو في حقيقته أساس توحيد الألوهية والربوبية، وبالتالي هو أساس الإيمان الذي تبنى عليه الأعمال والأحوال والأخلاق، وبقدر ما يضعف هذا الأساس يضعف ما قد يبنى عليه. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (من أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه؛ وشدة الاعتناء به، فإن علو البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه. فالأعمال والدرجات بنيان؛ وأساسها الإيمان. ومتى كان الأساس وثيقا حمل البنيان واعتلى عليه، وإذا تهدم شيء من البنيان سهل تداركه، وإذا كان الأساس غير وثيق لم يرتفع البنيان ولم يثبت، وإذا تهدم شيء من الأساس: سقط البنيان؛ أو كاد. فالعارف همته تصحيح الأساس وإحكامه، والجاهل يرفع في البناء عن غير أساس؛ فلا يلبث بنيانه أن يسقط، قال تعالى: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم} [التوبة: 109]. فالأساس لبناء الأعمال: كالقوة لبدن الإنسان، فإذا كانت القوة قوية حملت البدن؛ ودفعت عنه كثيراً من الآفات، وإذا كانت القوة ضعيفة ضعف حملها للبدن؛ وكانت الآفات إليه أسرع شيء.

فاحمل بنيانك على قوة أساس الإيمان، فإذا تشعث شيء من أعالي البناء وسطحه: كان تداركه أسهل عليك من خراب الأساس. وهذا الأساس أمران: صحة المعرفة بالله وأمره وأسمائه وصفاته. والثاني: تجريد الانقياد له ولرسوله صلى الله عليه وسلم دون ما سواه. فهذا أوثق أساس أسس العبد عليه بنيانه وبحسبه يعتلي البناء ما شاء). النتيجة الثالثة: برز في هذا البحث أهمية العناية بأسماء الله الحسنى وآثارها الإيمانية بصورة ملحة في زماننا اليوم عن أي زمان مضى؛ ذلك لما ظهر في هذه الأزمنة من شبهات عظيمة وشهوات خطيرة تبثها وسائل إعلامية لم يمر على البشرية في تاريخها الطويل مثلها في الفساد، مما نشأ عنه فساد عظيم في التصور، وأزمة شديدة في الأخلاق قست به القلوب واستفحلت فيها أمراض الشكوك والقلق والشهوات والأحقاد والأضغان، وإن من أعظم ما تدفع به هذه الأمراض والكوارث معرفة الله – عز وجل – بأسمائه وصفاته وآثارها في القلوب والأعمال، والتعبد لله – عز وجل – بها، ولهذا كان لزاماً على مصلحي هذه الأمة والمدافعين للشر والفساد أن يولوا هذا العلم الشريف عناية تامة، فيردوا الناس إليه، ويعلمونهم ويربطونهم بآثاره ومقتضياته حتى يسعدوا في الدنيا والآخرة، ويقطعوا على أهل الشبهات والشهوات طريقهم في إفساد الناس. النتيجة الرابعة: كما تبرز أهمية هذه الدراسة في زماننا اليوم بصورة ملحة؛ لما نعيشه اليوم من فتن وسعار على هذه الدنيا التي من أجلها يتحاسد كثير من الناس ويتقاتلون، وكل ذلك إنما نشأ من ضعف الإيمان والتوحيد في القلوب والذي منشؤه من ضعف معرفة الله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته، وما تقتضيه من آثار وثمار. النتيجة الخامسة: وتبرز أيضاً أهمية هذا العلم الشريف في مثل الظروف الراهنة التي تمر بها أمتنا الإسلامية من تداعي أمم الكفر والشر عليها كما تداعى الأكلة إلى قصعتها حتى تكاثرت الجراح عليها فلا يكاد يلتئم جرح إلا وينفتح عليها جراحات كثيرة. وهنا يأتي دور التربية والتزكية بمعرفة أسماء الله –عز وجل- وما تقتضية من الآثار الإيمانية السلوكية، والتي تثمر قوة المقاومة لهذه الفتن، والصمود أمام الأحداث والمصائب في ضوء المعرفة الصحيحة للأسماء الحسنى، مما يكون له الأثر في الثبات وقوة الإيمان، والصبر على البلاء، والتضحية في سبيل الله – عز وجل – والنصر على الأعداء وقوة الرجاء، وحسن الظن به سبحانه، وقطع الطريق على اليأس والإحباط. وإن أولى الناس بهذه المعرفة والتربية المجاهدون في سبيل الله تعالى، والآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، لأنهم أكثر الناس تعرضا للمعوقات والمثبطات. لذا ترى – والله أعلم – أن الله – عز وجل – لما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتحريض المؤمنين على القتال ذكر لهم أن الواحد من المؤمنين يغلب عشرة من الكفار، ثم ذكر السبب في ذلك بأن الكفار قوم لا يفقهون، ومفهوم المخالفة أن المؤمنين قوم يفقهون عن الله – عز وجل – ويعرفونه سبحانه بأسمائه وصفاته، ويعلمون في سبيل من يقاتلون وما هي الغاية التي يرومون، قال الله عز وجل: {يأيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} [الأنفال: 65].

يقول سيد قطب – رحمه الله تعالى – عند هذه الآية: (ما صلة الفقه بالغلب في ظاهر الأمر؟ إنها صلة حقيقية، وصلة قوية .. إن الفئة المؤمنة إن تمتاز بأنها تعرف طريقها، وتفقه منهجها، وتدرك حقيقة وجودها وحقيقة غايتها .. إنها تفقه حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية؛ فتفقه أن الألوهية لابد أن تنفرد وتستعلي، وأن العبودية يجب أن تكون لله وحده بلا شريك، وتفقه أنها هي – الأمة المسلمة – المهتدية بهدى الله، المنطلقة في الأرض – بإذن الله – لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده؛ وأنها هي المستخلفة في الأرض؛ الممكنة فيها لا لتستعلي هي وتستمتع ولكن لتعلي كلمة الله، وتجاهد في سبيل الله؛ ولتعمر الأرض بالحق؛ وتحكم بين الناس بالقسط؛ وتقيم في الأرض مملكة الله التي تقوم على العدل بين الناس .. وكل ذلك فقه يكسب في قلوب العصبة المسلمة النور والثقة والقوة واليقين؛ ويدفع بها إلى الجهاد في سبيل الله في قوة وفي طمأنينة للعاقبة تضاعف القوة. بينما أعداؤها (قوم لا يفقهون) قلوبهم مغلقة، وبصائرهم مطموسة؛ وقوتهم كليلة عاجزة مهما تكن متفوقة ظاهرة، إنها قوة منقطعة معزولة عن الأصل الكبير!). ويقول الشيخ الأمين الشنقيطي – رحمه الله تعالى – في تفسيره لهذه الآية في (شريط مسجل): (وهذا سر لطيف وتعليم سماوي هائل يفهم منه المسلمون أن أول شيء من الأساسيات للاستعداد للميدان هو الفقه والفهم عن الله تعالى، فيجب كل الوجوب أن يعلم العسكريون عن الله حتى يفقهوا لأنهم إذا كانوا فاهمين عن الله عارفين للمبدأ الذي يقاتلون عليه كانوا شجعانا صابرين لا يفرون من القتل ولا يهزمون كما سجله التاريخ لأوائل هذه الأمة، وإن كانوا لا يفقهون عن الله شيئا، وكانوا جهالاً كالأنعام لا مبدأ لهم يقاتلون عليه فهم ليسوا بأساس ولا معول عليهم يهزمون مع أول ناعق) اهـ. النتيجة السادسة: كما ظهر من خلال هذه الدراسة أهمية العلم بأسماء الله – عز وجل – في معرفة السنن الإلهية وأثرها فيما يجري في هذا الكون من حوادث ونوازل ومتغيرات، وهذا يؤثر في تفسير الأحداث والموقف الصحيح منها والمنهج الحق في تناولها واستثمارها وتعليلها. فعلى سبيل المثال عندما يتعبد العبد لربه سبحانه باسمه (العليم، الحكيم) فإن هذا يثمر الطمأنينة في القلب وحسن الظن بالله – عز وجل – وربط الأحداث بخالقها سبحانه ومحدثها، وأنها لم تحصل إلا بعلمه سبحانه وحكمته وقدرته وعدله، وأنه سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وعندما يشهد اسمه سبحانه: (الرحيم، اللطيف) فإن هذا يثمر المعرفة بسنة الله – عز وجل – في عباده المؤمنين وأن العاقبة لهم، وأن ما يدبره الله سبحانه لهم متضمن لرحمته سبحانه ولطفه وبره بهم. وهكذا في بقية أسماء الله الحسنى وما تقتضيه من السنن الإلهية في خلقه سبحانه وأمره.

علم وعلماء وطلاب علم

علم وعلماء وطلاب علم

آراء ابن حجر الهيتمي الاعتقادية عرض وتقويم في ضوء عقيدة السلف

آراء ابن حجر الهيتمي الاعتقادية عرض وتقويم في ضوء عقيدة السلف ¤محمد بن عبدالعزيز الشايع£بدون¥مكتبة دار المنهاج - الرياض¨الأولى¢1427هـ€علم وعلماء وطلاب علم¶نقد كتاب أو فكر الخاتمة بعد حمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتبلغ الغايات، وتنال المكرمات، فقد تم إنجاز هذا البحث وإتمامه بحول منه سبحانه وعونه. وإني لا أدعي فيه الكمال والإحاطة، وحسبي أني بذلت فيه قصارى جهدي، وكامل مكنتي، فإن أصبت فهو من فضل ربي وتوفيقه، فله الحمد والفضل، وإن أخطأت فهو مني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأستغفر الله وأتوب إليه. وهذا عرض لأبرز نتائج البحث، وتوصياته: 1ـ أهمية العناية بدراسة آراء أعلام المذاهب الفقهية المتبوعة الاعتقادية، وضرورة تقويمها ـ خاصة المتأخرين منهم ـ لعظم أثرهم، وانتشار كتبهم. 2ـ أثر الأحوال السياسية والدينية والاجتماعية والعلمية السيئة في القرن العاشر الهجري على حياة ابن حجر وتكوينه العلمي وآرائه الاعتقادية سلبا وإيجابا. كثرت كتب ابن حجر رحمه الله التي ضمنها آراءه الاعتقادية، وعناية أهل العلم بها، وشهرتها بين الناس بما يحتم ضرورة تحقيقها ودراستها وتقويمها. 4ـ اعتماد ابن حجر رحمه الله في تقرير المسائل العقدية على كلام بعض أهل العلم، ونقله أقوالهم دون تحقيق؛ مما أوقعه في الخطأ في بعضها. 5ـ تناقض ابن حجر رحمه الله في مسائل عدة، واضطراب كلامه في مسائل أخرى. 6ـ تجويز ابن حجر رحمه الله الأخذ بمذهب الأشاعرة أو الماتريدية في المسائل العقدية. 7ـ تأثر ابن حجر ـ غفر الله له ـ بالصوفية غير الغالية وتبنيه لبعض آرائهم، ورده عليهم في بعضها الآخر، واعتذاره للغالية منهم واعتقاده إمامتهم. 8ـ وافق ابن حجر رحمه الله أهل السنة والجماعة في مسائل وخالفهم في أخرى، وفيما يلي بيان ذلك: • في مصادر تلقي العقيدة ومنهج الاستدلال بها: وافق أهل السنة والجماعة في اعتبار القرآن والسنة والإجماع والعقل مصادر لتلقي العقيدة وخالفهم في بعض الجوانب المنهجية للاستدلال بها • في الإيمان بالله: وافق أهل السنة والجماعة في معنى الإيمان بالله، وخالفهم في معنى التوحيد وبيان أقسامه ـ في توحيد الربوبية: وافق أهل السنة والجماعة في معنى توحيد الربوبية، ودلائله وحكم إيمان المقلد، وقول بعضهم بأن الفطرة هي الخلقة. وخالفهم في معرفة الله وحكمها. ـ في توحيد الألوهية: وافق أهل السنة والجماعة في معنى توحيد الألوهية، وشهادة أن لا إله إلا الله، ومعنى العبادة وأنواعها، وذكره بعض ما يناقضه أو يقدح في الجملة. وخالفهم في تفضيله الذكر بالاسم الظاهر على الذكر بلا إله إلا الله، وتجويزه صرف بعض العبادات لغير الله بناء على شبهتي المجاز العقلي والتسبب والكسب، وتقريره استحباب شد الرحال لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل به، والقول بجواز الأوفاق، وكراهة سب الدهر وتجصيص القبور والكتابة عليها. ـ في توحيد الأسماء والصفات: وافق أهل السنة والجماعة في بين معنى الأسماء والصفات، وإثبات أسماء الله تعالى، والقول بأنها توقيفية، وأنها غير محصورة بعدد وقول بعضهم بأن الاسم الأعظم هو الله، وشرحه لمعانيها في الجملة. وخالفهم في قوله بأنأ ظواهر نصوص الصفات غير مرادة، وتجويزه التأويل والتفويض فيها، وزعمه أن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم، وإعماله التأويل في نصوص الصفات بما ينفي دلالتها. • في الإيمان بالملائكة: وافق أهل السنة والجماعة في تعريف الملائكة، ومعنى الإيمان بهم، وتقريره عصمتهم، والمفاضلة بينهم وبين صالحي البشر، وقول بعضهم بأن إسرافيل أفضلهم. • في الإيمان بالكتب:

وافق أهل السنة والجماعة في تعريف الكتب، ومعنى الإيمان بها، ونزول القرآن، وإعجازه في الجملة. وخالفهم في معنى نزوله وكيفيته. • في الإيمان بالرسل: وافق أهل السنة والجماعة في معنى الإيمان بهم، والمفاضلة بينهم وقول بعضهم بنبوة الخضر وإخوة يوسف، وعدم نبوة لقمان وذي القرنين. وخالفهم في القول بنبوة إبراهيم بأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والقول بعصمتهم مطلقا من الكبائر والصغائر والعمد والسهو. • في الإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: وافق أهل السنة والجماعة في بعض ما ذكره من معجزاته وخصائصه، وتكفيره لمن سبه وقول بعضهم بقبول توبته ونفيها القتل عنه. وخالفهم في تعريف المعجزة، وبيانه شروطها، وذكره بعض الخصائص التي لم تثبت له وتتضمن غلوا في جنابه صلى الله عليه وسلم • وفي كرامات الأولياء: وافق أهل السنة والجماعة في تعريف الكرامة، والفرق بينها وبين خوارق السحرة، والقول بجوازها ووقوعها، والرد على من خالف في ذلك. وخالفهم في بيان الفرق بينها وبين المعجزة، وسياقه لبعض خوارق غلاة الصوفية وعده لها من كراماتهم. • وفي الإيمان باليوم الآخر: ـ في الحياة البرزخية: وافق أهل السنة والجماعة في إثبات فتنة القبر، ونعيمه وعذابه، وقول بعضهم في حقيقة الروح. ـ في أشراط الساعة: وافق أهل السنة والجماعة في تعريف أشراط الساعة، وبيان أقسامها، وما ذكره منها. ـ في الحياة الآخرة: وافق أهل السنة والجماعة في إثبات المعاد، والشفاعة، والصراط، والميزان، الجنة، النار والقول بخلقهما الآن وأبديتهما. وخالفهم في القول بأن رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين إلى غير جهة. • في الإيمان بالقضاء والقدر: وافق أهل السنة والجماعة في معنى الإيمان بالقضاء والقدر وما يتضمنه. وخالفهم في أفعال العباد، والهدى والضلال ومعنى الظلم الذي نزه الله نفسه عنه وحكمه في حقه، والتحسين والتقبيح، والحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى، وتكليف ما لا يطاق. • في الصحابة: • وافق أهل السنة والجماعة في تعريف الصحابة وتقرير فضلهم وبيان المفاضلة بينهم، والمفاضلة بينهم وبين من بعدهم، وبحث عدالتهم والقول بوجوب الإمساك عما شجر بينهم، وبيان حكم سبهم. • في الإمامة: وافق أهل السنة والجماعة في تعريف الإمامة والقول بوجوبها، وطرق انعقادها، وما يجب تجاه من وليها، وإثبات إمامة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. • في الأسماء والأحكام: وافق أهل السنة والجماعة في القول بجواز الاستثناء في الإيمان وتقرير الفرق بين الإسلام والإيمان في الجملة وتعريف الكبيرة وحكم مرتكبها. وخالفهم في تعريف الإيمان، وقوله بأن الزيادة والنقصان فيه قاصرة على اعتقاد القلب. ـ في مسائل الكفر والتكفير: وافق أهلي السنة والجماعة في التحذير من التكفير بغيرحق وضرورة الاحتياط فيه، وبيان موانعه، واعتبار اللوازم فيه الجملة. ـ في مسائل البدعة: وافق أهل السنة والجماعة في تعريف البدعة وإنكاره لبعض بدع عصره كالسماع وصلاة الرغائب، والصلاة الألفية ليلة النصف من شعبان. وخالفهم في تقريره انقسام البدعة إلى حسنة وسيئة وحكمه بجريان الأحكام الخمسة فيها، وقوله بأن المولد بدعة حسنة. والحمد لله أولا وآخرا ظاهرا وباطنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو منصور الماتريدي حياته وآراؤه العقدية

أبو منصور الماتريدي حياته وآراؤه العقدية ¤بلقاسم الغالي£بدون¥دار التركي¨بدون¢1989م€علم وعلماء وطلاب علم¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية لقد تبين لنا من خلال دراستنا لأبي منصور الماتريدي إمام أهل السنة، أنه قد قدم خدمة جليلة إلى الإسلام، في تلك الأصقاع البعيدة عن منابعه الأصلية، في جو سادت فيه المناقشات الدينية، واضطربت المفاهيم. وقد استخلصنا من خلال دراستنا له النتائج التالية: 1 - سلطت مزيدا من الأضواء على البيئة السياسية والاجتماعية والفكرية التي عاش فيها الماتريدي، وضبطت نسبه وميلاده، وتاريخ وفاته. 2 - انتهيت إلى ضبط أساتذته، وترجمت لهم، وانصب اهتمامي على تلاميذه، ورصدت منابع ثقافته ورتبت مؤلفاته حسب المصادر التي وردت أسماؤهم فيها، وبذلت في ذلك غاية جهدي. وأحسب أن أحدا لم يسبقني إلى هذا العمل على هذا النحو، وظني أنه رصد ضروري، لفهم آرائه، ونشاطه الفكري. 3 - اختلف العلماء والمفكرون في منهج الماتريدي، إلا أنه يبدو في كثير من القضايا أقرب إلى المعتزلة من الأشاعرة. فقد جعل للعقل منزلة كبيرة في كثير من المشاكل بدرجة أقوى من الأشاعرة. ويبدو ذلك جليا في رؤية الباري سبحانه، وفي صفة التكوين. فهو سني متفتح يعرف جيد المعرفة متى يجب الاستمساك بالنص ومتى يأخذ بالعقل وفي أي المسائل يأخذ بهما معا. ورغم قرب الماتريدي من المعتزلة فإنه لم يجنح إلى المغالاة في التعويل على العقل، ولم يوجب على الله فعل الأصلح، بل التزم في منهجه وصف الله بالحكمة، لأن الحكيم لا يفعل إلا ما فيه خير وصلاح. وهكذا التزم الماتريدي بالسمع والعقل معا لأنهما أصل ما يعرف به الدين. حسبما صرح بذلك في مقدمة " كتاب التوحيد" 4 - وقف الماتريدي ضد الإلحاد من المانوية التي طغى نشاطها في آسيا الوسطى، ولربما كان من أهم الأسباب التي دفعته إلى الإفاضة في مبحث الألوهية. 5 - افتن الماتريدي في التدليل على وجود الله، ردا على ملاحدة عصره. وهذه الأدلة يمكن إثراؤها حتى تكون منطلقا للرد على ملاحدة عصرنا، ثم إن ما يشاع الآن من أن دليل العناية والاختراع ينسبان إلى ابن رشد، ليس صحيحا بل إن أول من خاض فيهما ونبه إلى خطرهما أبو منصور الماتريدي، وفضلا عن ذلك فقد ابتكر براهين طريفة، كدلالة النظام والإتقان والروعة البادية على هذا الكون، ودلالة الشر، وكقوله: "من عرف نفسه فقد عرف ربه" وقد انطلق في معظم أدلته من القرآن. 6 - ركز الماتريدي على دفع بدعتي التشبيه والتعطيل، والتدليل على وحدانية الخالق، لأن الإسلام دين التوحيد وبذلك عنون كتابه "التوحيد" ولم يغرق كغيره من علماء الفرق الإسلامية في بحث هل أن الصفات عين الذات أو زائدة عنها؟ بل كاد يكتفي بما ورد وصفه سبحانه في القرآن، وسائر كتب الله على حد تعبيره. ولولا تيار الإلحاد في الصفات الرائج في ذلك العصر، لما لجأ أبو منصور إلى الإغراق في بحث تفريعاتها. وإن وجد هذا الإطناب، فهو مدفوع إلى ذلك دفعا، كإضافته القول في صفة التكوين وعدها صفة قديمة. وتوضيح موقفه من قضية الكلام الإلهي، تلك الصفة التي شغلت الفكر الإسلامي، وصارت بسببها فتنة بين المسلمين، غذاها المعتزلة بالكفر والنظر، ودعمها المأمون بالسلطان والسيف. وانتهى فيها أبو منصور إلى رأي يقضي بعدم جواز سماع الكلام النفسي، وإنما يسمع ما يدل عليه كدلالة هذا الكون على وجوده سبحانه.

7 - وأثبت الماتريدي رؤية الله. واكتفى بالمنهج السلفي، ولم يدخل في تفاصيلها وكيفيتها، لأنها شأن من شئون القيامة، وأما من قاس رؤية الله على رؤية الأجسام، وقال: إن كل موجود يصح أن يرى فهو قياس لم تتوفر أركانه لأنه قياس الغائب على الشاهد وقد تأثر برأيه في هذه المسألة بعض الأشاعرة كالرازي (فخر الدين). 8 - وانتهى الماتريدي في أمر النبوة إلى أنها ضرورة إنسانية وحاجة بشرية. والأنبياء في الأمم بمنزلة العقول في الأشخاص، والقلوب والأجسام. وأما ما يدل على صدقهم عنده فظهور أحوالهم طبق صفات تدفع عنهم توهم الشكوك والظنون فإذا اجتمع مع ذلك وحي يتنزل، ومعجزات تتحدى بآيات باهرة، وضروب من الإعجاز قاهرة، لم يبق بعد ذلك لكافر من حجة أو سبيل إلا حجة الجهل وسبيل الهوى. 9 - وفي أفعال العباد يثبت الماتريدي "الاختيار" للإنسان وتأثير القدرة الإنسانية في الفعل، وصلاحها للضدين، وهو لا يرتضي المعتزلة الذين وسعوا في مجال الحرية الإنسانية، وينكر على الجبرية اتجاههم في نفي القدرة عن العبد كما أن موقفه يغاير " كسب" الأشعري. وليست هذه القضايا المتنوعة التي أثارها منبتة عن الواقع الاجتماعي، والصراع السياسي مجردة عنه، بل كانت متصلة به اتصالا وثيقا. وهكذا فإن الماتريدي مؤسس مدرسة قائمة الذات، لها جذورها وأعلامها وخصائصها، وقد امتازت بعمق الفكر، وبقوة الأدلة فأنتجت ثمارا عقليا من أروع نتاج العقل الإسلامي للدفاع عن العقيدة الإسلامية. وبعد؛ فقد حاولت في هذا البحث أن أكتشف القناع عن آراء علم شامخ من أبرز أعلام أهل السنة، وأظهرت ما فيها من وضوح الحجة، وساطع البرهان، وما اتسمت به من إيناس مشرق، وحلول طريفة، لقضايا عقدية عسيرة المنال. فأرجو أن أكون قد أسهمت بقدر، في توجيه الأنظار إلى أبي منصور الماتريدي وتجلية الغموض الذي يحيط بشخصيته وبآرائه. والله ولي التوفيق.

أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة

أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة ¤محمد بن عبدالرحمن الخميس£بدون¥دار الصميعي - الرياض¨الأولى¢1416هـ€علم وعلماء وطلاب علم¶أئمة أربعة - أو أحدهم - شاملة أو منوعة الخاتمة الحمد لله الذي يسر وأعان على إتمام هذا البحث في أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، فلله وحده الفضل والمنة، وقد توصلت إلى نتائج أجملها فيما يلي: 1 - أن العقيدة الصحيحة التي منبعها الكتاب والسنة هي أساس الدين وأصله المتين، وكل ما يبنى على غير أساس فماله الهدم والانهيار والاضمحلال. 2 - أن اعتقاد أئمة الفقه – أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد – واحد في أصول الدين. وقد ذكرت نصوص الأئمة الأربعة الواضحة في بيان عقيدتهم ليعرف القارئ الكريم أنهم متفقون في باب الاعتقاد. 3 - أن أبا حنيفة باشر علم الكلام وتضلع فيه ثم تحول عنه إلى السنة لما أدرك خطورته على الدين وضرره على العقيدة. 4 - أن أبا حنيفة اعتصم بنصوص القرآن والسنة في إثبات العقائد فيهما العمدة والأصل، ولأن تجاوزهما قول على الله بغير علم وتقديم بين يدي الله ورسوله. 5 - سلك الإمام أبو حنيفة في استدلاله على وجود الله طريقة القرآن والسنة وأعرض عن مناهج المتكلمين وطرقهم. 6 - أن الضابط للإثبات والتنزيه عند الإمام أبي حنيفة قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [سورة الشورى: الآية 11]. وهذا هو الصراط المستقيم في باب صفات الله إثبات بلا تشبيه وتنزيه ولا تعطيل. 7 - ليس في منهج الإمام أبي حنيفة نوع من التشبيه أو التعطيل، وكذلك لا يوجد في كلام أبي حنيفة تفويض مطلق، بل الذي في كلام أبي حنيفة تفويض مقيد بنفي العلم بالكيفية فقط لا المعنى. 8 - أثبت أبو حنيفة جميع الصفات: ذاتية كانت أو فعلية بدون تأويل، أو تحريف، وظل ملتزماً بمنهجه هذا أثناء التطبيق؛ فأبى أن يؤول اليد بالقدرة أو النعمة، والرضا بالثواب، والغضب بالعقاب. 9 - سلك أبو حنيفة منهج أهل السنة والجماعة في باب القدر، ورد على المنحرفين فيه من قدرية أو جبرية. 10 - أثبت أبو حينفة نعيم القبر وعذابه، وأحوال اليوم الآخر، وأن الجنة والنار موجودتان مخلوقتان، وأنهما باقيتان لا فناء لهما. 11 - أخذ عليه رحمه الله تعالى أنه خالف جمهور السلف في مسألة إخراج الأعمال عن حقيقة الإيمان، ولعله رجع عنها وإن لم يكن رجع عنها فعفا الله عنا وعنه وغفر الله لنا وله وجمعنا وإياه في مستقر رحمته، فكل يؤخذ من قوله ويترك إلا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم. 12 - لم يصل إلينا كتب للإمام أبي حنيفة كتبت بخط يده أو نسخ معتمدة من تأليفه، غير أنه يوجد كتب منسوبة للإمام أبي حنيفة كالفقه الأكبر برواية حماد بن أبي حنيفة ورسالة أبي حنيفة للبتي والوصية. وقد صرح بعض الحنفية أنها ليست من تأليف الإمام مباشرة بل هي أماليه وأقواله قام التلاميذ بجمعها وتأليفها. 13 - المقارنة بين الإمام أبي حنيفة وأبي منصور الماتريدي والماتريدية أظهرت أنهما مختلفان في المنهج متباعدان في التطبيق في كثير من مسائل الاعتقاد. فلم يكن الماتريدي والماتريدية على منهج أبي حنيفة في الاعتقاد وإن انتسبوا إليه في الفروع. 14 - ليس كل من انتسب إلى أبي حنيفة يعد موافقاً له في أصول الدين وفروعه، بل هناك من كبار المبتدعة من انتسب إلى أبي حنيفة، وأبو حنيفة بريء منهم كبراءة الذئب من دم يوسف. 15 - أن بعض أقوال الإمام أبي حنيفة في الاعتقاد لم تسلم من التحريف والتبديل من قبل بعض المبتدعة المنتسبين إلى أبي حنيفة، كقوله في القرآن والرؤية والاستواء وغير ذلك.

وبعد أن عشت مع هذا البحث فترة ليست بالقصيرة ظهر لي أن هناك جانباً مهماً لم يعط حقه من الدراسة ألا وهو تنقية عقائد أئمة الفقه الأربعة مما علق بها من آراء مذهبية كلامية وتأويلات جهمية، ولهذا فإني أقترح على الدوائر العلمية الإسلامية ما يلي: أولاً: تشجيع الدارسين والباحثين على الكتابة في عقائد الأئمة الفقهاء الأربعة وأصحابهم الأوائل مع كشف ما أدخل عليهم وما علق بهم من آراء المبتدعة وتأويلاتهم. ثانياً: أن تكون دراسة العقيدة من مصدرها الأول الكتاب والسنة بعيداً عن تعقيدات المتكلمين والفلاسفة وجدلهم العقيم، ولا نخضع تلك الأدلة لتفسيرات المتكلمين وطريقتهم في الجدل. ثالثاً: تشجيع اتجاه دراسة عقائد أتباع أئمة الفقه الأربعة ثم مقارنتها بعقيدة الأئمة لإظهار الفرق بينها مع بيان قربها أو بعدها من الكتاب والسنة فطالما يتساءل الإنسان هل أتباع الأئمة الأربعة متبعون لهم في الاعتقاد؟ أم هم مخالفون لهم؟ وهل تتفق عقائده مع ما جاء به التنزيل وما فطر الله عليه العباد أم لا؟ أم هم اعتنقوا أصول مذاهب مختلفة نتج عنها ميراث الخلاف المذهبي الذي يعيش فيه المسلمون اليوم بما له من آثار سيئة على الأمة والمجتمع الإسلامي؟ رابعاً: العمل على إثراء عقيدة السلف بتدوين تاريخ العقيدة السلفية إذ الحاجة ماسة إلى هذا، وأن تكون تلك الدراسة من مصادرها الأصلية وتنقيتها من الدخيل مع إعادة تقييم السلف على أنهم الأسلم والأحكم والأعلم. وفي الختام فهذا جهد المقل، فقوى الإنسان محدودة قاصرة، فلابد من خلل وهفوة، فإن التقصير وكثرة العيوب من صفات المخلوقين. وقد قيل: من صنف فقد استهدف، فرجائي من القارئ الكريم التماس العذر لكل نقص وهفوة في هذا البحث وبذل النصيحة خالية من الفضيحة، والله أسأل، أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يوفقنا جميعاً لهدي كتابه، والسير على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ابن هشام الأنصاري آثاره ومذهبه النحوي

ابن هشام الأنصاري آثاره ومذهبه النحوي ¤علي فودة نيل£بدون¥جامعة الملك سعود - الرياض¨بدون¢1406هـ€علم وعلماء وطلاب علم¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية بدأت هذا البحث بتمهيد موجز عن تطور دراسات النحو في عصر ابن هشام، تحدثت فيه عن الحركة النحوية في ظل الأيوبيين والمماليك، وعن كبار النحويين المعاصرين لابن هشام، وأشهر مؤلفاتهم، ومنهج التأليف في النحو، وقد صدرت تمهيدي بلمحة عن الحياة العلمية في مصر بعد سقوط بغداد. وتناولت بعد ذلك آثار ابن هشام بدراسة مفصلة شاملة عنيت فيها بالتعريف بكل أثر منها، وبيان أبرز خصائصه. وقيمته، وبالمقارنة بين ما تشابه أو افترق من هذه الآثار في وجه من الوجوه يحتاج إلى المقارنة، وبينها وبين ما تربطه به صلة من آثار الآخرين، وعنيت في هذه الدراسة أيضا بالكشف عن مخطوطات مؤلفات ابن هشام في مكتبات العالم المختلفة، وعن طبعات ما طبع منها. وشملت دراستي التعريف بما ألف حول مصنفات ابن هشام من شروح لها، وحواش عليها، وتعليقات حول شواهدها، ومختصرات، ومنظومات أحيانا، كما شملت بيان شأن ما له شأن منها، وذكرت ما عرفته من مخطوطات هذه المؤلفات كلها، ومن طبعات المطبوع منها. ودراستي لآثار ابن هشام امتدت إلى عدد من الرسائل في خبايا مؤلف لآخر، وامتدت إلى عدد آخر كثير من المخطوطات المجهولة أو النادرة. هذا إلى تحقيق نسبة طائفة من المصنفات ذاع بين المتخصصين أنها لابن هشام، وتحقيق أسماء طائفة أخرى. ثم تناولت إنتاج صاحبنا بتقويم عام له تتبعت فيه مصادره والتطور الفكري فيه، معتمدا على المعروف من تواريخ بعض مؤلفاته، وعلى ما تم لي العثور عليه من تواريخ بعضها الآخر وعلى المقارنة بين آرائه في المسائل المشتركة بمصنفاته، وبينت أن للرجل مباحث لغوية ذات أصالة إلى جانب مباحثه النحوية. واهتممت في هذا البحث أيضا ببيان مذهب ابن هشام النحوي، فوضحت موقفه من المدارس المختلفة في البصرة والكوفة وبغداد، ومن أئمة النحو المتقدمين والمتأخرين، وأبرزت ما له من آراء واختيارات وانتهيت من هذا إلى أن الرجل إمام نحوي كبير مجتهد كما حددت وجهته إزاء أصول النحو المختلفة من قرآن وقراءات وحديث وشعر وقياس وتعليل. وفي ضوء دراستي: لابن هشام آثاره، ومذهبه النحوي تبين أن هذا الرجل بمؤلفاته المتعددة قد أثر في الدراسات النحوية من بعده تأثيرا كبيرا كان أقوى مظاهره هذه المؤلفات الكثيرة المتنوعة المتعلقة بإنتاجه وذلك عبر تاريخ طويل امتد إلى عصرنا هذا. ويمكن أن أجمل ما اشتمل عليه هذا البحث فيما يأتي: 1 - دراسة آثار ابن هشام- عدا المغني- دراسة منهجية تناولت الجوانب المختلفة لكل أثر من هذه الآثار. 2 - التعريف بطائفة من مطبوعات ومخطوطات ابن هشام كانت غير معروفة، ومنها بعض المخطوطات الهامة. 3 - تحقيق نسبة عدد من مؤلفات ابن هشام، وكشف أوهام بعضهم حول مصنفات منسوبة إليه وتحقيق أسماء مصنفات أخرى. 4 - إلقاء ضوء على مصادر إنتاجه، وبيان التطور الفكري فيه. 5 - تحديد مذهبه النحوي في ضوء موقفه من المدارس النحوية المختلفة ومن أئمة النحو على اختلاف عصورهم ووجهة نظرة في أصول النحو المعروفة. 6 - إظهار أثره في الدراسات النحوية من بعده.

الإمام الشاطبي عقيدته وموقفه من البدع وأهلها

الإمام الشاطبي عقيدته وموقفه من البدع وأهلها ¤عبدالرحمن آدم علي£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1418هـ€علم وعلماء وطلاب علم¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة أحمد الله عز وجل وأشكره على توفيقه لي في كتابه هذا البحث، وعلى عونه لي على إتمامه على هذه الصورة. وأختم بحثي هذا بعرض أهم النتائج التي توصلت إليها من خلاله، وهي كالآتي: تبين لي بعد الدراسة لعقيدة الشاطبي وجهوده في مقاومة البدع ما يأتي: 1 - أنه – رحمه الله – كان يميل إلى العقيدة الأشعرية. 2 - أنه – رحمه الله – كان يرى الاختلاف في العقيدة كالاختلاف في الفروع، وأن الأصل هو تنزيه الرب. ومن ثمّ يرى أن الفرق المخالفة في العقيدة كانت نياتهم طيبة؛ لأنه راموا التنزيه، وذلك يشفع لهم. 3 - أنه – رحمه الله – قد بلغ درجة عالية في معرفة مقاصد الشريعة. 4 - أن صبره – رحمه الله – وتحمله في محاربة البدع قد بلغ ذروة. 5 - أن الله عز وجل قد بارك في جهوده فنفع بها الأمة الإسلامية. 6 - أنه قد درس البدع وبين أسبابها وآثارها وطرق أهلها بما لا يكاد يوجد في كتاب. 7 - أنه قد بين أنه ليس هناك بدعة حسنة وأخرى سيئة، بل كلها سيئة، وأن البدعة ما خالف السنة، فلا محمود فيها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. 8 - أن البدع تتفاوت في أحكامها، فمنها ما هو كفر، ومنها ما دون ذلك. 9 - أن الجهل بالسنة، وبأساليب اللغة العربية، واتباع الهوى، والتصميم على اتباع العوائد الفاسدة من أسباب الابتداع. 10 - أن توبة المبتدع من بدعته صعبة؛ لأنه يرى أن ما عليه هو الحق والسنة، وأن ما يخالفه هو البدعة. 11 - وجوب العناية والاهتمام البالغ بمقاومة البدع وأهلها؛ لأن طرق البدعة متنوعة، وأهلها في تزايد دائم – فلابد من يقظة العلماء وطلاب العلم لهم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الإمام الفقيه المحدث الشيخ محمد عابد السندي الأنصاري

الإمام الفقيه المحدث الشيخ محمد عابد السندي الأنصاري ¤سائد بكداش£بدون¥دار البشائر الإسلامية - بيروت¨الأولى¢1423هـ€علم وعلماء وطلاب علم¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة وفي نهاية هذا الرحلة المباركة مع هذا الإمام الفَذّ العظيم الشيخ محمد عابد السندي الأنصاري، والتي دامت أكثر من سنتين، مع انشغالي بأعمالٍ أخرى، أقول: الحمد لله الذي يسَّر لي هذا، ووفَّقني إليه، وأعانني عليه، وما ذلك إلا بمنّه وفضله جل وعلا، فبنعمته تتم الصالحات. وقد كَشَفَت لنا هذه الدراسة عن كنوزٍ مخبَّآت، وعن جواهر ثمينة، ودُرَرٍ يتيمة، قلَّ مَن عاينها واطلع عليها، فأبهج نفسَه بجمالها، وشنَّف سمعه بسماع أخبارها. فقد عرفنا من خلالها أخبار كوكبة نَيِّرة من كبار علماء السند وفقهائهم، من أحفاد سيدنا أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، منهم جدُّ الشيخ محمد عابد، وهو شيخ الإسلام القاضي الواعظ الإمام المحقق الشيخ محمد مراد السندي الأنصاري، ومنهم عمُّه العلامة الفقيه الحنفي المحقق، الطبيب الحاذق الشيخ محمد حسين السندي الأنصاري، وكذلك والده العلامة الفقيه الشيخ أحمد علي السندي الأنصاري. وغيرهم من سلسلة آبائه وأجداده، تلك السلسلة الذهبية التي توارثت العلم أباً عن جد، ولم يَخلُ عن الفضل والعلم منها أحد. كما وقفنا على صلة الشيخ محمد عابد الوثيقة بحكام اليمن، حين أقام فيه أكثر من ثلاثين سنة، وكيف كانت متوَّجة بالنزاهة والزهد والورع. واستفدنا دروساً عظيمةً، فيها عِبَرٌ وعِظات، وذلك من خلال ذكر أخلاقه الكريمة، وأدبه العالي الجمّ الفريد. ورأينا مكانته العالية المرموقة بين علماء عصره، فقد كان مرجعهم العلمي، الذي يفزعون إليه في حل عويصات مسائل العلم، وهذا قبل أن يكون رئيساً لعلماء المدينة المنورة، وأما بعد فمن باب أولى. وتمَّ التعرُّف على أسماء وأخبار شذرة كريمةٍ من شيوخ الشيخ محمد عابد وتلاميذه، والذين يمثّلون فترة زمنيةً علمية، لم تحظ بدراسةٍ وافيةٍ تؤدي حقَّها. كما تم الوقوف على صورٍ مُلفتةٍ للنظر فخراً وإعجاباً، من نشاط الشيخ محمد عابد العلمي، مما له أثرٌ كبير في شَحذ الهمم، وتقوية العزائم. وهكذا عرفنا إمامته في علوم كثيرة، وبالأخص علم الفقه وعلم الحديث، وكونه كان طبيباً حاذقاً ناجحاً للغاية. ففي الحديث كان آيةً باهرةً في حفظه واستحضاره، فإذا ما حدَّث من ذاكرته، فكأنما يُملي من كتاب، وكان يُقرئ الكتب الحديثية الستة في الحرم النبوي في شهرٍ واحدٍ رواية، ودرايةً في ستة أشهر. وفي علوِّ إسناده كان فريداً، فبينه وبين الإمام البخاري صاحب الصحيح تسعة رجال، ولذا كان يقول: لمثلي فليُسع، لأن بيني وبين البخاري تسعة. وكان من أبرز أعمال هذه الرحلة مع هذا الإمام العلم، زيارتنا لمكتبته العامرة العظيمة النادرة، التي وقفها على المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة، والتي لا زالت عامرةً يستفاد منها، تبتسم لناظرها ضمن مكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة. وقد أهدت إلينا هذا الدراسة تُحَفاً من مصنَّفات الشيخ محمد عابد، وآثاره العلمية النادرة في مثالها، والتي لا زالت حبيسة دور المخطوطات، تنتظر من يحنو ويعطف عليها، لإبرازها، ونَشْر نُورها ونَورها الفوَّاح. ومن أعظم هذه التحف: 1 - طوالع الأنوار شرح الدر المختار (في فقه السادة الحنيفة). هذه الموسوعة الفقهية الضخمة، التي بلغت عدد لوحات إحدى نسخها عشرة آلاف لوحة. 2 - المواهب اللطيفة شرح مسند الإمام أبي حنيفة. وهو من أعظم شروح المسند، ويقع في أزيد من ألف لوحة مخطوطة. 3 - مُعتمد الألمعي في حَلِّ مسند الإمام الشافعي. وهو في أزيد من خمسمائة لوحة مخطوطة.

4 - منحة الباري في جَمع روايات صحيح البخاري. وهو كتابٌ ليس له مثيلٌ، ولم ينسُج أحدٌ على منواله، ويقع في نحو خمسمائة لوحة مخطوطة. وغيرها من مؤلفاته الكثيرة، والتي كان منها رسائل فريدة في بابها. وكان من أبرز ما يطالعه القارئ في هذه الترجمة، تلك الدراسة الفقهية المفصَّلة، التي تمَّت على كتاب طوالع الأنوار، مع مقارنته بالشروح المطبوعة للدر المختار، لإبراز ميزة كلِّ منها. ومن خلالها أيضاً وقفنا على جَمْعِ من الأعمال العلمية التي قامت على كتاب الدر المختار، من شروح وحواشي وتعليقات، والتي بلغت خمسة وعشرين عملاً، مع بيان مؤلفيها، وأماكن وجودها، وحجمها ونحو ذلك، مما لم يُجمع في غير هذا المكان. وعرفنا أيضاً المنهج الفقهي للشيخ محمد عابد، وسعة صدره في مسائل الخلاف، فهو حنفيٌّ مقلد لمذهب السادة الحنفية، مع اهتمامه الشديد بالأدلة، ولكنه إذا ما بَدَت له قوة أدلة مذهب آخر في مسألةٍ معينةٍ، تراه يرجّح الدليل، مع كل أدب واحترام لرأي غيره. وهكذا أهدت إلينا هذه الدراسة عند ذكر شيح الشيخ محمد عابد لمسند الإمام أبي حنيفة، ومسند الإمام الشافعي، ما قام به من تحقيقات نادرة فيها، مع التعرّف على بقية شروح كلٍ من المُسندين، ومزية كل منها، مع مقارنة نصٍّ من شرحه لمسند الإمام أبي حنيفة مع شروح أخرى. هذا، وأنا على يقين تام، أنه لو تهيأت الأسباب والظروف أكثر من هذا لدراسة مؤلفات هذا الإمام العظيم دراسةً وافيةً متأنيةً، وبعمق ودقة، لظهر لنا من العلوم والمنح والمواهب عنده أكثر بكثيرٍ مما وقفنا عليه مما لا يمكن إبرازه بهذه الدراسة العَجِلة، والحمد لله على كل حال. وأسأله سبحانه المزيد من فضله العظيم، والإخلاص والتوفيق في أعمالي كلها، مع العفو العافية، والقبول والسداد والتيسير، إنه بَرٌّ رحيمٌ جوادٌ كريمٌ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين. وكتبه سائد بن محمد يحيى بكداش

الإمام المحدث سليمان بن عبدالله آل الشيخ - حياته وآثاره

الإمام المحدث سليمان بن عبدالله آل الشيخ - حياته وآثاره ¤عبدالله بن محمد الشمراني£بدون¥دار الوطن - الرياض¨الأولى¢1422هـ€علم وعلماء وطلاب علم¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة ملخص الدراسة مع النتائج المُتَرْجَم له: الإمام، العلامة، الفقيه، المحدِّث، الأديب، المجاهد بـ: "السيف"، و "اللسان"، و"القلم"، الشهيد (بإذن الله تعالى). سُليمان ابن الشيخ عبدالله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، المُشَرَّفي، الوهبي، التميمي، النجدي موطناً، الحنبلي مذهباً، السلفي عقيدةً، ومنهجاً. وُلِدَ سنة: (1200هـ)، وتُوفّي سنة: (1233هـ)، وكانت ولادته، ووفاته في "الدرعية". أراد الله لهذا الإمام الخير، فيَسَّر له عاملين، أسهما في تكوينه: العامل الأول: ولادته في "الدرعية" في أوج عزها، من جميع النواحي: "الدينية"، و"السياسية"، و"الاقتصادية"، و"الاجتماعية". العامل الثاني: نشأته بَيْن أحضانِ أسرة كانت تُعد "جامعة سلفيّة" متكاملة. فكان لهذين العاملين –بعد مشيئة الله تعالى- أثرٌ بالغٌ في تكوين هذا الرجل، ولم يكن ذلك مُختصَّاً به، بل إنَّ غالب طلاب العلم الذين نشؤوا في "نجد" في هذا العصر، تأثَّروا بذلك، ولاسيَّما أبناء شيخ الإسلام: محمد بن عبدالوهاب: إبراهيم، وحسين، وعبدالله، وعلي. وأحفاده: عبدالرحمن بن حسن، وعبدالرحمن وعلي ابنا عبدالله. وعلى الرَّغم من أنَّ عمرَه لم يتجاوز 33 سنة، إلا أنَّ حياته كانت حافلةً بـ: العلم تعلَّماً، وتعليماً، والدعوة إلى الله، والاحتساب في ذلك، وكان له دورٌ في جهاد المبتدعة بـ: القلم، واللسان، والسيف، وظلَّ على هذه الحال، حتى قُتِل غدراً في "الدرعية"، نسأل الله أن يكتبه في الشهداء. كان –نَوَّرَ الله ضَرِيحَه- على منهج (أئمة الدعوة)، على مذهب السلف في الأصول، وعلى المذهب الحنبلي في "الفروع"، ولم يكن مقلِّداً، بل كان مَتَّبِعاً للدّليل أنَّى وجده، ولو كان على غير المذهب. وإن كان له أثرٌ في كثيرٍ من العلوم، إلا أنَّه اختصَّ بعلم "الحديث"، و "رجاله"، ففاق بذلك أقرانه، وكان يحفظ رجال الحديث، أكثر من حفظه لرجال بلده "الدرعية"، ومن شغفه بهذا العلم طلب "الإجازة"، فأُجيز من اثنين من أشهر الأئمة في عصره، وهما: الإمامان الجليلان: محمد بن علي الشوكاني، والحسن بن خالد الحازمي، رحمهما الله. واشتهر المُترْجَم له بحسن الخطِّ، وبرع فيه في بلدٍ لم يشتهر أهله بالخطِّ، مِمَّا يدل على صفاء ذهنه، وقابليّته للإبداع في أي فن. أمّا مؤلفاته فتنوَّعت ما بين الكتاب الكبير، والرِّسالة المتوسطة، والمسائل الصغيرة، والفتاوى المنوَّعة. وهذا سردٌ لما وجدته –بعد طول بحثٍ- مرتَّبٌ على حروف الهجاء: 1 - (أوثق عرى الإيمان). 2 - (تحفة الناسك بأحكام المناسك). 3 - (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد). مات –رحمه الله- ولم يُتِمَّه، وقد وصل فيه إلى نهاية: باب: ما جاء في منكري القدر. 4 - حاشية على: (تيسير العزيز الحميد). وهذه الحاشية لم أرَ من ذكرها، سوى الشيخ ابن قاسم. 5 - حاشية على: (كتاب التوحيد). وقد قُرِئَت هذه الحاشية على شيخ الإسلام: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله في: "الدِّلَم". 6 - (حاشية المقنع)، وأفرد لها فصلاً مستقلاً. ( ... ) وله حواشٍ أخرى غير معلومة؛ استدللت عليها بقول الإمام، المفتي: محمد بن إبراهيم رحمه الله: (وهو ينقل على نُسَخِهِ، ويُحَشِّي). 7 - (حكم السفر إلى بلاد الشرك، والإقامة فيها للتجارة، وإظهار علامات النفاق، وموالاة الكافرين). 8 - (الدلائلُ في عدمِ مُوالاةِ أهْلِ الشّرك).

( ... ) (رفعُ الإشكال)، وهذا الكتاب نُسِبَ له على أنَّه كتابٌ مستقل، ثم عثرت عليه، وهو مخطوط في: مكتبة: "جامعة الملك سعود"، وبعد تصفّحه وجدته: "الدلائل في عدمِ مُوالاةِ أهْلِ الشّرك". ( ... ) (سبب الهداية)، والقول فيه، كالقول في سابقه – (رفع الإشكال) - فهو اسمٌ آخر لـ: (الدلائل). 9 - (الطريق الوسط في بيان عددِ الجُمُعة المُشتَرَط). وله أيضاً: ( ... ) (فتاوى)، و (مسائل) و (رسائل) محرَّرة. وهي: مفيدة وقد طبعت ضمن: (رسائل علماء الدعوة). أمَّا كتاب: (التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق وتذكرة أولي الألباب في طريقة الشيخ محمد بن عبدالوهاب)، فقد نُسِبَ له، ولأهل العلم في ذلك خمسة أقوال: القول الأول: أنَّ الكتاب للإمام سليمان. وقال به: الشيخ: عبدالرحمن آل الشيخ. والقول الثاني: أنَّ الكتاب للشيخ: محمد بن علي بن غريب. وقال به: فضيلة الشيخ: عبدالله البَسَّام. القول الثالث: أنه للإمام: عبدالله ابن شيخ الإسلام. وقال به: الشيخ: محمد بن عثمان القاضي. القول الرَّابع: أنه للعلامة: حمد بن مُعَمَّر. وقال به: الشيخ: فوزان السابق. القول الخامس: أنَّ الكتاب لثلاثةٍ من علماء الدعوة بالاشتراك، وهم: محمد بن علي بن غريب، وحمد بن مُعَمَّر، وعبدالله ابن شيخ الإسلام رَحِمهمُ الله. وقال به: فضيلة الشيخ: عبدالرحمن الصنيع، ونقل ذلك عن: محمد بن عبداللطيف، وابن مانع. وتابعه على ذلك فضيلة الشيخ الدكتور: عبدالعزيز العبداللطيف. والذي يهمنا في هذه الدِّراسة نفي الكتاب عن الإمام سليمان، ويبقى التحقيق في نسبته إلى من؟ وهذا أمرٌ آخر، وأنتَ رأيت الخلاف فيما سبق، ولم أجدْ دليلاً وجيهاً مع أحدهم إلاَّ أنَّهم متفقون –باستثناء الشيخ عبدالرحمن آل الشيخ- على أنه ليس للإمام سليمان. وهذا القدر من الاتفاق هو المراد. وذكرت عند الكلام على هذا الكتاب – (التوضيح) - كلام الشيخ البسام –حفظه الله- في أنَّه يحتوي على الكثير من العبارات، التي لا يليق بتحقيق الشيخ سليمان، اعتقادها، أو الجهل بها، مثل قوله: (إن الله على ما كان، من قبل أن يخلق المكان). والقصد من هذه العبارة: نفي صفة (الاستواء) على العرش. ثم ذكرت (مسائله)، و (فتاويه) المنثورة في: (الدرر السنية)، و (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)، وعدة ما وجدت (25) مسألة؛ منها: المسألة، والفتوى، والتعليق، والرِّسالة، والاستدراك، متفاوتة في الطول والقصر. ثم تحدثت بعد ذلك عن منهجه العلمي، ومميزات رسائله، والمآخذ التي أُخذت عليه. فمن مميزات رسائله: 1 - التنوع، والشمول، والوضوح. 2 - وفرة مصادره العلمية، وتنوعها. 3 - الصناعة الحديثية؛ وهي أهم ما يُمَيِّز مؤلفاته، مقارنةً بمُؤلفات غيره من أئمة الدعوة. كما نلاحظ كثرة الإحالات الحديثية، والعناية بالتخريج، والحكم على بعض الأحاديث. أما مخالفته غيره، في الحكم على الأحاديث، فهذه من الأمور الاجتهادية. 4 - تحليله للأحاديث، مقارنة بالواقع التاريخي، للأحداث. 5 - عنايته بالفقه، ومذاهبه، وأدلتها، وهذا ظاهرٌ في رسالته: (الطريق الوسط). 6 - استطراده في ذكر الأدلة، والآثار، وهذا من أهم ما يُميّز (رسائله)، فإنَّه يُكثِر من الاستدلال بـ: (الكتاب)، و (السنة)، و (الآثار) الواردة عن السلف. حتى إنَّه –أحياناً- يأتي على غالب ما ورد في الباب، ومن ذلك: رسالته: (الدلائل)، فإنّه استدل لهذه المسألة بـ (واحد وعشرين) دليلاً من: (الكتاب)، و (السنة)، وقال عند آخر دليل: (والأدلة على هذا كثيرة، وفي هذا كفاية لمن أراد الله هدايته). 7 - حسن تنظيمه لـ: (الرسائل)، تنظيماً علمياً، وفنياً.

وهكذا نجد أنَّ القارئ لـ: (رسائل) هذا الإمام يجدُ راحةً فيما يقرأ، وطمأنينة علميَّةً فيما يجده من معلوماتٍ موثقة، ومتسلسلة، ومترابطة. المآخذ على (رسائله): لم أجد أثناء قراءتي لـ: (رسائل) هذا الإمام المحقَّق، ما يستحق أن يكون مأخذاً عليه، ولكن هناك بعض الأمور أشرت إليها، وغالبها مؤاخذات تتعلق بالمنهج الاصطلاحي، أو (شكليّة)، لا بذات الصناعة الحديثية، وما أُخِذَ عليه في المنهج الاصطلاحي، يُؤخَذ على كثيرٍ من المُصَنّفِين، ولم يعدوه قدحاً في المعرفة بالحديث، وعلومه؛ فمن ذلك: 1 - عدم الدقة (أحياناً) في: تخريج، وعزو بعض الأحاديث. 2 - ينقل أحياناً من بعض المراجع دون أن يَنْسِب إليها، وظهر لي أنَّ سبب ذلك وضع (رسائله)؛ فهي مختصرة، فلا تحتمل أكثر مما ذكره. ولو نسب كل قولٍ لقائله، ووثق كل معلومة من مصدرها –وهو قادرٌ على ذلك- لخرت (الرسالة) عن مسمى (رسالة). ولعلَّ عدم الإشارة للمصدر تكون –أحياناً- عن عَمْدٍ. ومِمَّا أظنه كذلك، نقله من (تفسير الزمخشري)، في موضعين، ولم يُسَمِّه، بل اكتفى بقوله: (قال بعض المفسرين). ولَعَلَّه فعل ذلك؛ لأنَّ (المفسر) من (رؤوس المعتزلة). ولكنْ وجدته في بعض المرَّات ينقل كلاماً من: كتب شيخي الإسلام ابن تيمية، وابن القيّم، ومن (تفسير) ابن كثير، و (فتح الباري) للحافظ، وغيرهم، ولا يعزو إليهم. وهذا أمرٌ وقع فيه بعضُ الأئمة، وتساهَلَ في هذا الباب بعضُ أهلِ العلمِ ولكن الأولى نسبةُ كلِّ نقلٍ إلى قائله. وكان الكلام على منهجه العملي طريقاً لنا لنتكلم على منهج (أئمة الدعوة السلفية) في النَّقل من كتب أهل البدع، والردِّ على من زَعَم أنَّ علماء (نجد) متعصِّبون لمعتقدهم، ولا يقرؤون إلا كتبهم، وما وافقها، وأمَّا كتب مخالفيهم، فلا يقرؤونها، ولا يأخذون ما فيها، وإن كان حقاً. وتمّ رد هذه الفرية بالوقائع التاريخيّة، وأثبتّ أنهم واسعوا الاطلاع، ولكن المنهج الذي سلكوه أوجبَ عليهم عرضَ كلِّ ما قرأوه على: (الكتاب) و (السنة)، فما وافقهما أخذوا به، وإلا فلا. ثم ختمت بالمبحث الرَّابع، وخصصته لمصادره العلمية، وقد شملت كتب (التفسير)، و (العقيدة)، و (الحديث)، و (علومه)، و (الفقه)، و (أصوله)، و (السيرة)، و (التاريخ)، و (التراجم)، و (الرجال)، و (اللغة)، و (المواعظ)، و (الآداب)، و (مؤلفات ابن تيمية)، و (ابن القيم). ولاحظنا في هذه المصادر: كثرة (كتب الحديث) مقارنةً بغيرها، وكثرة كتب ابن تيمية، وابن القيم مقارنةً بغيرها. وختمت البحث بفصلٍ خاصٍ عن (حاشية المقنع)، وثناء العلماء عليها، وأثبت بأدلةٍ قويةٍ، أنها للإمام سليمان، ولها نسختان، طُبِعتَا عليهما، وفي كل نسخةٍ ما ليس في الأخرى. أمَّا ما قيل مِن أنَّ العلامة: عبدالله العنقري –رحمه الله- جمع بين الحاشيتين فغير صحيح. وأختم هذه الخاتمة بالتنبيه إلى أنَّ صاحب هذه الترجمة الإمام سليمان بن عبدالله آل الشيخ –رحمه الله- كان له نصيبٌ وافرٌ من العلم بجميعِ فنونهِ؛ فهو يكتب في: (التفسير)، و (العقيدة)، و (الحديث)، و (الفقه). ويُؤلِّف، ويَشرَحُ، ويَنسَخ، ويُعَلِّق، ويَستدرِك، ويَرُد، ويُنَاقِش. وكان (ينقل على نُسَخِهِ، ويُحَشِّي). كلُّ ذلك وهو لم يبلغ سن الرشد. فأين شباب هذه الأمة عن هذه الهمّة العالية؟ وأين طلاب العلم الذين اشتغلوا بالنقد أكثر من الطلب؟ وأين الشباب الذين تركوا كتب السنة، وراحوا يتتبَّعون عورات العلماء، وجعلوا أعراض العلماء موائد لهم؟ والله المستعان. فرحمة الله على هذا الإمام الجليل، وأسكنه فسيح جناته آمين،،، وكتبه أبو محمد عبدالله بن محمد الحوالي الشمراني غفر الله له ولوالديه

الحبشي شذوذه واخطاؤه

الحبشي شذوذه واخطاؤه ¤عبدالرحمن بن محمد دمشقية£بدون¥دار الفتح - الشارقة¨الأولى¢1416هـ€علم وعلماء وطلاب علم¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية خاتمة البحث: تصور أيها الكريم لو أننا دعونا نصرانيا إلى الإسلام، ثم سألنا عن تفاصيل عقيدتنا فقلنا له: عقيدتنا على النحو الآتي: • يكفي من المؤمن الإيمان بالله الاعتقاد في قلبه فقط بأن الله خالق واحد وأنه قديم وأن ما سواه مخلوق. • وأن الإيمان في القلب ولا يضر إيمان المؤمن أن يترك كل الأعمال الصالحة من صلاة وزكاة وصوم وحج، ولا يضر إيمانه أن يتحاكم إلى غير كتاب الله. • وأنه يجوز الاستغاثة والاستعاذة بغير الله، والتبرك بقبور الأولياء والتمرغ على أعتابهم. واعتقاد أنهم يتصرفون في الكون وهم في قبورهم ولهم مراتب منها الوتد والنجب والغوث، بهم تقوم الأرض ومن دونهم تهلك بمن فيها. • وأنه لا يُشترط الاقتصار على الكتاب والسنة بل يجوز الزيادة عليهما بما يراه الواحد منا حسناً. نسميها بدعة حسنة نتقرّب بها إلى الله. منها ما يجوز ابتداعه بل منها ما يجب ابتداعه!. • وأن هذا القرآن الذي بين أيدينا ليس كلام الله وإنما هو لفظ جبريل أو محمد مفهوم من كلام الله النفسي القديم. • وأن الله ليس على كل شيء قدير وإنما هو على غالب الأشياء قدير. • وأن أحاديث الآحاد التي في صحيح البخاري ومسلم لا تفيد العلم، فهي صحيحة لكنها ضعيفة في نفس الوقت. • وأن إرادة العبد مجازية وفعله ليس منه إنما هو فعل الله على الحقيقة. • وأن الله يعين الكافر على كفره. وأنه لولا الله ما استطاع الكافر أن يكفر. وأنه لا يجوز أن يقال إن الله يخلق أو يفعل لحكمة وإنما لمجرد أنه يشاء. • وأنه يجوز أن يعذب الله الأنبياء وسائر الطائعين ويلقي بهم في جهنم وأن يدخل الكافر والجبارين الجنة، ولا يكون هذا ظلما منه لأنه مالك لهم، والمالك متصرف في ملكه كيف يشاء. • وأنه يكفر من يقول إن النار أحرقت البيت أو أن السكين قطعت اللحم. • وأنك إن أسلمت فيجب أن لا تثبت لله من الصفات ما وصف الله به نفسه وإلا كنت مشبها ضالا. فيده قدرته ومجيئه أمره ومحبته ورضاه وغضبه يعني إرادته. • وإياك أن ترفع يديك إلى السماء اعتقادا منك أنك ترفعهما إلى ربك لأن هذا كفر وضلالة فتكون بذلك شرا مما كنت عليه حيث كنت نصرانيا. • وإن أسلمت فيجب أن تكون إما ماتريديا أو أشعريا لتكون من أهل السنة وإلا فخروجك عن هذين المذهبين خروج عن العقيدة الصحيحة وعودة إلى الضلال. • وإن أسلمت فيجوز لك أن تختار سبيلا من السبل فتكون تيجانيا أو رفاعيا أو قادريا، أو نقشبنديا أو شاذليا بكداشيا أو مولويا أو يشرطيا أو دسوقيا فتمل بخصرك يمينا ويسارا أو تنحني وترتفع وتتقرب إلى الله تذكره بحلقات الرقص والدفوف والتواشيح الدينية. • وأنه يجوز لك أن تعتقد أنه لولا محمد صلى الله عليه وسلم ما خلق الله الأكوان، وأن تحتفل بعيد ميلاده وتترك الاحتفال بعيد ميلاد المسيح لأن هذا من عادات النصارى فـ " المولد" جائز لك دون " الميلاد" وتشارك هؤلاء في التغني بحبه وقص ما جرى في مولده من الخيالات والإضافات، وتحتفل بيوم إسرائه ومعراجه وما فيها من الإضافات والخيالات. - أتُراك بهذا تقدم له الإسلام الحقيقي كما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين واليهود والنصارى! أم أنك تقدمه له مشوها؟ - أتُراك بهذه العقيدة الهشة تغريه بالإسلام؟ أم أنك تخاف أن تصرح له بهذه التفاصيل لأن في نفسك منها شيئا وتعلم أنها لا تزيده من الإسلام إلا بعدا ونفورا، ولأنها لا تمثل الإسلام في شيء ولا تتفق مع ما جاءنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن فيها من صنوف العقائد والسلوك ما يشبه ما عنده في النصرانية!! - فالنصراني يعلم أن كتابه ليس من كلام الله ولا يريد أن يسمع من المسلم أن القرآن من إنشاء محمد أو جبريل - وهو قد أصابه الملل من قول القسيس: يكفيك أن تؤمن بصلب المسيح فهذا يضمن لك الجنة من غير عمل ولو لم تصل ولو لم تعمل وفق الأناجيل. - وأصابه الملل مما يراه من زيارتهم للأديرة ودعوة مريم والقديسين أن يقضوا لهم حوائجهم وطلب الشفاعة منهم عند الله. - وأصابه الملل من عجائب وغرائب المعجزات التي تنسب إليهم من تحريك الجبال، التصرف في الأكوان. - وأصابه الملل من البدع التي هي في اطراد وزيادة كل يوم في الكنائس ولا يريد أن يسمع من المسلم أن دينه يبيح الابتداع في الدين وأن منه البدعة الفرض والبدعة الواجب. فإن كنت تخشى من تقديم هذا الإسلام المهلهل أمام غير المسلمين خوفا من تشويهه أمامهم فكيف تقدمها إلى المسلمين وتدافع عنها دفاع المستميت؟ وكيف تقدم على الله يوم القيامة بعقيدة كهذه؟

الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبا بطين مفتي الديار النجدية

الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبا بطين مفتي الديار النجدية ¤علي بن محمد العجلان£بدون¥دار الصميعي - الرياض¨الأولى¢1422هـ€علم وعلماء وطلاب علم¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة أحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشكره على ترادف نعمه، وأسأله المزيد من فضله، وأثني عليه لإعانته لي على إتمام هذا البحث وأرجو منه القبول والسداد، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم. ثم أريد أن أوضح في هذه الخاتمة ما يلي: أولاً: أنه من خلال البحث ظهر لي النتائج الآتية: 1 - صبر وجلد واحتساب الإمام محمد بن عبدالوهاب ومن جاء بعده من الأئمة –رحمهم الله- على الدعوة في سبيل الله، ونشر كلمة الحق والدعوة إلى عقيدة السلف الصالح بالحكمة والموعظة الحسنة وأنهم لم تأخذهم في سبيل تبليغ ذلك الأمر لومة لائمٍ حتى انتشر هذا الخير وعمَّ نجداً وما حولها من البلدان. 2 - تأييد ومناصرة الأئمة من (آل سعود) لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وبذلهم أنفسهم وأموالهم لنصرة هذه الدعوة المباركة حتى عمَّت وكثر أنصارها ومؤيدوها، -فرحمهم الله- وأثابهم ثواب المحسنين. 3 - قلَّة إدراك بعض طلبة العلم للجهود التي بذلها أئمة الدعوة وولاة الأمر من (آل سعود) –رحمهم الله- من أجل الدعوة إلى توحيد الله، ونبذ الشرك وأهله، والجهاد في سبيل ذلك باليد واللسان والقلب. 4 - شدَّة وضراوة خصومه أعداء الدعوة السلفية في نجد، ورميهم إمام الدعوة وأتباعهم بالعظائم مع صبر الشيخ وأتباعه على ذلك وإعراضهم عن سب الخصوم، وهذه ليست دعوى وإنما هي واضحةٌ من خلال كتب الطائفتين. 5 - عظم وخطورة أقوال ودعاوى المعادين والمناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب فقد صدَّت الكثيرَ من المسلمين عن قبول هذا الخير والانتفاع به، كما أن تلك الإشاعات والدَّعاوى ما زالت موجودة إلى يومنا هذا يصد بها أهل البدع والأهواء الناس عن قبول منهج السلف الصالح رحمهم الله. 6 - أن أهل البدع والأهواء يبذلون جهوداً كبيرةً لنشر البدع والخرافات بين الناس عن طريق الكتب والرسائل والنشرات والمجلات والصحف اليومية. ثانياً: اقتراح بعض الحلول والأساليب التي يمكن بها نشر عقيدة السلف الصالح وإيضاح المنهج الذي سارت عليه دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله- وهي: 1 - العناية بنشر وإخراج الكتب التي تتحدث عن عقيدة (أهل السنة والجماعة) سواءً في ذلك مصنفات أئمة الدعوة النجدية أو مصنفات من سبقهم من السلف الصالح، ونشرها في العالم الإسلامي عن طريق الإهداء والبيع بأسعار مخفضة. 2 - ينبغي دراسة سير أئمة الدعوة السلفية في نجد وبيان فضلهم وعلمهم وجهادهم للناس، ونفي ما أُلصِقَ بهذه الدعوة المباركة وأئمتها من دعاوى المناوئين والحاقدين والحاسدين وتشجيع طلبة العلم على ذلك. 3 - تقرير دراسة تاريخ الدعوة السلفية في نجد في المناهج الدراسية وبيان الجهود التي بذلها أئمتها وآثارهم العلمية والعملية. 4 - تدريس كتب ورسائل الشيخ وغيره من الأئمة في المراحل الثانوية والجامعية وعرضها بأسلوب سهلٍ ميسر. 5 - جمع ونشر ما كتبه علماء المسلمين المنصفون من خارج البلاد النجدية عن دعوة الشيخ محمد ابن عبدالوهاب وجهوده الطيبة. 6 - كثرة الحوار مع الإخوة الوافدين إلى البلاد وتصحيح ما لديهم من معلومات خاطئة عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وإيضاح الأمر لهم من خلال كتب الشيخ ورسائله. نسأل الله سبحانه أن يوفقنا وسائر المسلمين إلى الصواب في القول والعمل، وأن يجعل العمل خالصاً لوجهه الكريم، صواباً على منهج رسوله صلى الله عليه وسلم.

الشيخ عبدالقادر الجيلاني وآراؤه الاعتقادية والصوفية

الشيخ عبدالقادر الجيلاني وآراؤه الاعتقادية والصوفية ¤سعيد بن مسفر القحطاني£بدون¥بدون¨الأولى¢1418هـ€علم وعلماء وطلاب علم¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة أحمد الله حمداً كثيراً على ما منَّ به عليَّ من إتمام هذا البحث وجمع شتات قضاياه ومسائله والتنقيب عنها في بطون الكتب مع التوضيح والمقارنة والعرض والنقد. وقد كان من توفيق الله أن توصلت من خلال هذه الدراسة إلى بعض النتائج التي تبين حقيقة الشيخ عبد القادر الجيلاني – رحمه الله – وتتلخص فيما يلي: أولاً: أن الشيخ عبد القادر الجيلاني سلفي العقيدة على منهج أهل السنة والجماعة في جميع قضايا العقيدة كمسائل الإيمان والتوحيد والنبوات واليوم الآخر كما أنه يقرر وجوب طاعة ولاة الأمور وعدم جواز الخروج عليهم لما في ذلك من .. ثانياً: أنه من مشايخ الصوفية في مراحلها الأولى وبمفهومها المعتدل والأقرب إلى السنة والتي تعتمد في الغالب على الكتاب والسنة مع التركيز على أعمال القلوب. ثالثاً: أنه – رحمه الله – وبالنظر إلى تلقيه علوم التصوف من مشايخ يفتقرون إلى العلم المعتمد على الكتاب والسنة أمثال شيخه الدباس الذي كان أميَّاً لا يقرأ ولا يكتب فقد وقع – رحمه الله – في بعض الشطحات ومارس بعض البدع في العبادات ولكن هذه الهفوات مغمورة في بحر حسناته، والعصمة ليست إلا للأنبياء وغيرهم معرض للخطأ وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث. رابعاً: أن معظم ما نسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني من الكرامات مبالغ فيه وبعضها غير صحيح، وما يمكن قبوله منها فهو إما من باب الفراسة أو من باب الكرامات التي يقول أهل السنة والجماعة بجواز وقوعها بالضوابط الشرعية الموضحة في ثنايا الرسالة. خامساً: أن كلمة التصوف مجهولة الاشتقاق لم يتفق على أصل لها ولا مصدر حتى عند المتصوفة أنفسهم. وأيضاً فإن المنهج الصوفي كما رأينا مملوء بالضلالات والانحرافات وما كان فيه من الفضائل والمحاسن فهي أصلاً موجودة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. لذا فإن الأبرأ للذمة والأدرأ للمفاسد والابتداع والأبعد عن الفتنة والافتراق نبذ هذا المسمى اسما ورسماً، إذ لو كان معتمداً على الكتاب والسنة فما وجه استقلاليته بهذا الاسم الذي لا يعرف حتى أكابر القوم من أين أتى وما مصدره. وإذا كنا قد عجزنا عن محاكمة التاريخ الذي اصطلح عبر قرون عديدة على استعمال هذه اللفظة وكنا عاجزين أيضاً عن إيقاف استمرار استخدام هذا المصطلح في المستقبل فلن نكون عاجزين عن الصدع بالحق والدعوة إلى نبذ هذا الاسم وما انطوى عليه من الانحرافات. ولن نكون مخطئين حينما ندعوا الأمة إلى جمع كلمتها وتقوية وحدتها بصدق عودتها إلى كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم وترك الفرقة والخلاف والتسمي بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان مما لا يصر عليه ولا يركن إليه إلا جاهل أو صاحب هوى. هذه هي أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال بحثي والله أسأل أن يعفو عن زللي وأن يغفر لي خطئي وأن ينفعني بما كتبت يوم فقري وحاجتي. ورحم الله الشيخ عبد القادر الجيلاني ورفع درجته في الخالدين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

العلامة المحدث المباركفوري ومنهجه في كتابه تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي – وفي آخره نصوص وثائقية حول المباركفوري وفيها: إجازاته للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

العلامة المحدث المباركفوري ومنهجه في كتابه تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي – وفي آخره نصوص وثائقية حول المباركفوري وفيها: إجازاته للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ¤عبدالله بن رفدان الشهراني£بدون¥دائر البشائر الإسلامية – بيروت¨الأولى¢1430هـ€علم وعلماء وطلاب علم¶دراسات توثيقية ومنهجية الخاتمة: وتشتمل على أهم نتائج البحث: بعد ما من الله تعالى به علي من العيش مع التحفة، وبيان منهج شارحها، آن أوان خاتمة هذا البحث، وإليك ههنا خلاصة ونتائج ما سبق إيراده في ثنايا البحث من مسائل: 1 - ذكرت تمهيداً بينت فيه أهمية السنن، ومكانتها، باختصار، ثم ذكرت ما اطلعت عليه من شروح لها قديمة أو حديثة، وذلك من خلال تتبع كتب الحديث، والتراجم، وغيرها. 2 - قمت بترجمة مفصلة عن حياة المباركفوري، وكان مصدري الأصلي فيها أسرة صاحب الترجمة، ومصادر أخرى عربية، وأردية ... 3 - أوضحت منهج المباركفوري فيما يتعلق بالتعريف بالرواة، وقررت اعتماده على النقل، وفصلت طريقته في ذلك، إلا أنه من الملاحظ أن كتاب (تقريب التهذيب) كان هو المصدر المتكرر – غالباً – مما قدح في الذهن أن يكون المباركفوري معتمداً على حفظه حين النقل عنه، ولا غرو في ذلك، فإنه كان ذا حافظة قوية، وذاكرة نادرة، ولعل مما يؤيد ذلك اختلاف منهجه في ذكر طبقة الراوي، والتي حددها ابن حجر في مقدمة كتابه. كما أشرت إلى اعتنائه ببيان المبهمات، وضبط أسماء الرواة، ثم ختمت الفصل بذكر بعض المؤاخذات على المباركفوري –رحمه الله-. 4 - أما منهج المباركفوري في التخريج، فقد حصرته في طريقتين هما: أ- عزوه للأحاديث بواسطة الكتب المهتمة بالتخريج. ب- رجوعه إلى دواوين السنة، والتخريج عنها دون واسطة. 5 - ظهر من خلال عرض منهجه في الحكم على الأحاديث، أنه قد يحكم على الحديث بما يناسب حاله، وقد يكتفي بذكر علته، أو بنقل حكم العلماء عليه. 6 - لم يكن موقف المباركفوري من علل الأحاديث موقف المجتهد، وإنما كان شارحاً لكلام الترمذي، إلا أنه قد يخالفه فيما يراه صواباً، وقد أشرت إلى إغفال المباركفوري بيان علل بعض الأحاديث، التي لم يشر إليها الترمذي. 7 - خرج المباركفوري ما أشار إليه الترمذي بقوله: (وفي الباب)، وأضاف إلى ذلك ما علمه من أحاديث أخرى في الباب، فإن لم يذكر الترمذي شيئاً ذكر المباركفوري ما اطلع عليه منها. 8 - ذكر المباركفوري في مقدمته مقصود الترمذي من مصطلحاته وزاد ذلك تأكيداً وبياناً ضمن شرحه، وربما أحال إلى المقدمة، أو سكت اكتفاءً بما ذكره فيها. 9 - أما ما يتعلق بموقفه من أحكام الترمذي على الأحاديث، فقد تقرر أنه كان مجلاً للترمذي، وعارفاً بقدره، ومكانته، ولذا فإنه يلتمس له العذر بوجود الشواهد، أو باحتمال معرفته للمجهول في السند، وغير ذلك، كما أنه قد يكتفي بنقل إقرار العلماء، أو سكوتهم، وقد يخالف الترمذي، مصرحاً بذلك، أو يقول عن حكمه: (فيه نظر) أو (كلام). 10 - أما مسألة الغريب من الألفاظ، فقد اعتنى المباركفوري بها كثيراً، حيث استعان على ذلك بالآيات الكريمات، فأوردها كشواهد، ونظائر، ومؤكدات، وأورد الأحاديث المبينة، واستشهد بالأبيات الشعرية الموضحة، كما نقل عن كتب الغريب، ومعاجم اللغة، وشروح العلماء، متمماً حيناً، ومختصراً – في النقل – حينا آخر. 11 - وكما فعل المباركفوري في شرح الغريب، فعل قريب منه في شرح المعنى، حيث استعان بالآيات، والأحاديث، وشروح العلماء، وأضاف إلى ذلك أقوال الصحابة – رضي الله عنهم – وكذا ما أثر عن التابعين، والسلف الصالح على قلة في ذلك.

12 - وفيما يتعلق بمنهجه في مسائل العقيدة، فقد قرر مذهب السلف من أهل السنة والجماعة، وذلك فيما عرض له من مسائل: كالصفات، والتوسل، والشفاعة، والأمور الغيبية، سوى مواطن معدودة. 13 - لم يعتن المباركفوري بفقه الأحاديث كثيراً، على الرغم من أهميته، فإنه لم يذكر الفقه عند كل نص يمكن أن يستنبط منه، وإن ذكر لم يستوعب، وقد ينقل من شروح العلماء، مشيراً إلى مصدره، أو غير مشير. 14 - حذر المباركفوري من آراء، وأفكار الفرق المنحرفة، وأبطل مزاعمهم، واكتفى في بعض المواطن بإيراد أقوال العلماء، وربما أحال إلى مصادر توسعت في ذلك. 15 - قمت بِعدٍ لمصادر المباركفوري الكثيرة، وقسمتها حسب فنونها المتنوعة. 16 - من خلال ما تقدم، برزت لنا معالم شخصية المباركفوري، وأنه كان ناقلاً محسناً في اختيار المنقول، وبارعاً في الجميع بين النقولات، كما أنه قد تحلى بالأمانة العلمية – غالباً – مع إنصافه، وعدم تعصبه لشيء من المذاهب. 17 - أثر المباركفوري فيمن أتى بعده من العلماء، تأثيراً بيناً، حيث ظهر لك من خلال نقلهم عنه، سواء أكان نقلهم استشهاداً، أو رداً، وإبطالاً. 18 - ظهر من خلال الموازنة بين التحفة، والنفح الشذي لابن سيد الناس، وعارضة الأحوذي لابن العربي، أن الشروح قد اتفقت كلها أو بعضها في مسائل عديدة، وانفرد البعض منها بمسائل أخرى. حيث تميزت التحفة بتوسع مقدمتها. واتفقت مع النفح الشذي، في مقدار الاهتمام بالتخريج، والحكم على الأحاديث، بل وفي طريقة ذلك، وفي مسألة التراجم يتضح اهتمام التحفة أكثر من غيرها، كما اتفقت عارضة الأحوذي مع النفح الشذي، في ذكر نص الباب أو نص الحديث المراد شرحه، وبذكر عنونة للمباحث التفصيلية. أما شرح الغريب فآراء الشراح تتباين فيما يحتاج إلى شرح من الألفاظ، إلا أن التقارب بين التحفة والنفح الشذي واضح، بخلاف ابن العربي فهو أقل الشروح إيراد لشرح الغريب. وتتقارب الشروح الثلاثة في مقدار اهتمامها بالفوائد المستنبطة من الأحاديث، وتكاد تتحد في منهجها في ذكر ذلك.

مكانة الإمام أبي حنيفة بين المحدثين

مكانة الإمام أبي حنيفة بين المحدثين ¤محمد قاسم عبده الحارثي£بدون¥بدون¨الأولى¢1413هـ€علم وعلماء وطلاب علم¶أئمة أربعة - أو أحدهم - شاملة أو منوعة أولاً أهم النتائج التي توصَّلت إليها كانت إثارة هذا البحث في مثل هذا الوقت ضرورة هامة من ضرورات الأبحاث العلمية التي يجب أن تلفت أنظار الناس إلى قضايا خطيرة بدأت تظهر في الساحة العلمية والسياسية في هذا العصر. فبعد أن اتفق المسلمون واجتمعت كلمتهم على جواز العمل بالمذاهب الأربعة وبعد أن عملت الدولة العباسية بالمذهب الحنفي أكثر من خمسة قرون ثم الدولة العثمانية أكثر من سبعة قرون ظهرت أصوات هنا وهناك تنادي في خفاء تارةً وفي إعلانٍ تارةً أخرى تندد بالمذهب الحنفي وغيره لكي تعود بالمسلمين إلى تفرقهم من جديد إلى بضع وسبعين فرقةً كان لابد من الوقوف في وجه هذا التيار، فنتيجةً لهذه الأصوات جاء هذا البحث الذي انتهينا منه بعون الله، وقد استطعت أن أتوصل بعون الله إلى النتائج التالية: أولاً: أن أبا حنيفة ثقة في الحديث وليس كما يدعيه بعض المحدِّثين أو الذين يرددون ذلك. ثانياً: أن أبا حنيفة إمام في الحديث وعَالِمٌ بالجرح والتعديل. ثالثاً: أن الذين جرحوه لم يجرحوه بمعلومٍ ولم يكن جرحهم مفسراً وإنما مقسوماً إلى قسمين: (أ) جرح الأقران وهو غير مقبول كما أثبت ذلك. (ب) جرح يعود إلى التعصب المذهبي وهو غير مقبول أيضاً. رابعاً: أن الذين وثقوا أبا حنيفة كان توثيقهم مفسراً واضحاً وكان الموثقون يعلمون بما يقال ضده فكان توثيقهم له مشتملاً التوثيق في العدالة والحفظ والإتقان والضبط والفقه والرأي. خامساً: أن الذين وثَّقوه كلهم أئمة. سادساً: أن الذين انتقدوا فقهه لم يحالفهم الحظ في أن يصلوا إلى الصواب مع بيان الأمثلة والأدلة على ذلك. سابعاً: أن مسانيد أبي حنيفة معظمة عند المحدثين وأن رجال مسانيده كلهم ثقات إلا عدداً لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. ثامناً: أن الأحاديث الضعيفة عند أبي حنيفة كلها لها ما يشهد لها ويقويها ولها أصل في الدين. تاسعاً: أني توصلت إلى أن أبا حنيفة لم يرد الحديث إلا الحديث الشاذ وإنه ليس وحده فقط وإنما هذا فعله الصحابة وفعله مالك والشافعي وغيرهم، وأن ما يثار من أنه يرفض الحديث فذلك لأمورٍ شخصية مغرضة. عاشراً: أن أبا حنيفة ليس متعصباً للرأي وليس قياسياً في كل شيءٍ بل كثيراً ما يقدم الحديث الضعيف على رأيه وكثيراً ما يقدم الحديث المرسل على الرأي. حادي عشر: توصلت إلى أن العلماء وأئمة المذاهب قد ضاق خلافهم وقلت اختلافاتهم بعد التدوين، وأن هذا شيءٌ مهمٌ، على خلاف ما يظن الكثيرون من أن الاختلاف ما زال قائماً وأن الأئمة يختلفون لأجل الاختلاف وهذا باطلٌ، بل لهم قواعد وضعوها وهم متفقون عليها وعلى تطبيقها. ثاني عشر: نقول كلمة أخيرةً إن مكانة أبي حنيفة بين المحدثين مكانة مرموقةً عاليةً عند جميع المنصفين منهم وهم كثيرون كما نقلنا عنهم. ثانياً: التوصيات رأينا كيف أن هذا البحث يضع يد كل مسلم على حقائق ثابتةً ظلت ثابتةً أكثر من اثني عشر قرناً وأن الذين يثيرون الخلاف من جديد ما هم إلا أعداء للأمة ولذا أقترح التوصيات التالية: أولاً: أوصي كل باحثٍ مسلم أن يبتعد عن التعصب في كل قضيةٍ خلافية، وأن يكون نظره بعيداً فلا ينظر إلى الخلاف من حيث هو خلاف؛ ولكن يجب أن يفكر لماذا اختلفوا في الرأي وكيف اختلفوا.

ثانياً: كما أوصي كل طالب علم أن يتحرى الحقيقة في كل مسألة وأن لا يقول برأيه إلا إذا لم يجد للعلماء رأياً مع أنه يجب أن يعتقد أن العلماء لم يهملوا شيئاً من فروع الشريعة وأن ما استجد من أحكام قد وضعوا ضوابط تدخل هذه الأحكام في دائرتها مهما كانت جديدة. ثالثاً: أوصي طالب الحديث على وجه الخصوص أن يتريث في إصدار الحكم على أي إمامٍ مشهور ولا يعتمد على كتابٍ واحدٍ أو كتابين بل لابد من البحث والتمحيص وإلا فإننا سوف نجرح كل علماء الأمة وهذا غير جائز. رابعاً: أوصي كل متعلم أن يظل في طلب العلم وألا يظن أنه في يومٍ من الأيام سيصل إلى النهاية فالعلم لا نهاية له، وأذكّره أن العلماء لم يصلوا إلى درجة الاجتهاد عبثاً بل سهروا الليالي وأخذوا عن العلماء وجالسوا كبار الأئمة وأتقنوا كل فن من فنون الشريعة. خامساً: أوصي المتعلمين الباحثين بتقوى الله، فليس كل من تعلم أصبح له حق الاجتهاد وليس كل من قرأ حديثين أصبح محدثاً يستطيع إصدار الأحكام من الأحاديث، وليس كل من تعلم الحديث يستطيع أن يكون فقيهاً فإصدار الأحكام لا ينبع من الحديث فقط بل لابد من إتقان اللغة العربية أولاً ثم إتقان الفهم الصحيح للقرآن وعلومه والحديث وعلومه، ثم معرفة علم الأصول معرفةً تامةً إلى جانب علمه بمصطلح الحديث بعد كل هذا إذا أتقن ذلك يحق له الاجتهاد، ولكن لابد من الاطلاع على فقه الآخرين حتى يعرف ماذا يقول وماذا يختار. اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم واعصمنا من الزلل وجنبنا الخطأ وألهمنا الرشد والصواب إنك أنت السميع العليم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ورضي الله تعالى عن الصحابة والتابعين والأمة المجتهدين وعنا معهم يا رب العالمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

منهج الحافظ ابن رجب الحنبلي في العقيدة

منهج الحافظ ابن رجب الحنبلي في العقيدة ¤علي بن عبدالعزيز الشبل£بدون¥دار الصميعي - الرياض¨بدون¢بدون€علم وعلماء وطلاب علم¶ترجمة مفردة - دراسة شاملة أو جزئية الخاتمة وبعد فالحمد لله الذي وفق لاتمامه، بحسب الجهد والطاقة، مع وضوح التقصير فيه. أحمده حمد الشاكرين وحده سبحانه لا شريك له، وأستغفره عما فيه من الخطأ أو التقصير. ولقد استفدت من خلال هذا البحث كثيرا، فوقفت على شخصية جليلة القدر، رفيعة الشأن. شخصية عالم منافح عن عقيدته رباني له أثره في وقته وبعده، هو حافظ زمانه، وإمام من جاء بعده زين الدين عبد الرحمن بن رجب الحنبلي. ولعدم الإسهاب والإطالة أرتب النتائج التي توصلت إليها في البحث وهي النتائج المجملة على النحو التالي: 1 - من خلال دراسة لسيرته الذاتية، تبين لي إعراض الرجل عن الشهوات الدنيوية وهمته في المقامات العلوية عند رب العالمين. كما لمست منه مشابهة السلف من قبله من الأئمة، زهد وعلم مجتمعان، مع تقوى لله وديانة على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 2 - سلوكه مسلك السلف في التعلم والتعليم بالرحلة إلى العلم والجلوس للتعليم، مع تصنيف المنصفات لأهل زمانه ومن عبده نشرا للعلم ودعوته إلى العقيدة والشريعة الصحيحة. 3 - مكانته العلمية البارزة عند علماء الحنابلة والحديث فضلا عن مكانته الرفيعة بين علماء السلف المتأخرين. 4 - تأملت القول في تصوفه، وما أتهم به فوجدته التصوف الشرعي – إن صح التعبير – العذري المعتدل، وما هو إلا الزهد في الدنيا والإعراض عنها والإقبال عن الآخرة والارتباط بها، وما وجد في كلامه من ألفاظ التصوف، ومصطلحاتهم وأحوالهم فهو محمول على أحسن محامله، وعلى التصوف المقبول المعتدل، وما هي إلا عبارات محتملة غالبا. 5 - أن مصادر تلقي العقيدة، والأحكام الشرعية عند ابن رجب هي الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، والإجماع، والفطرة وقد علمت كيف كان منهجه في الاستدلال منها مقدما للكتاب والسنة على الترتيب الذي ذكرناه، جامعاً بينها في الاستدلال، عاملاً بجميع الأدلة، غير مطرح لبعضها، مقدما فهم السلف الصالح وعلمهم على فهمه وفهم من بعدهم. فهو بهذا نهج منهج أهل الحديث، أهل السنة والجماعة. 6 - كان يفهم تلك المصادر الأصلية بأقوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين، أهل القروض المفضلة وأحوالهم ففهمهم هو الفهم المقدم، وهو العلم النافع ديناً ودينا وأخرى، وأن طلب العلم والأحكام عند غيرهم، سبيل المضلين، المبتعدين عن جادة الرشاد. 7 - تبين لي موقف العقل ودوره عند الحافظ ابن رجب حيث كان يعول عليه وبه يفهم العقيدة، لكن لا يعول عليه في الاستدلال عليها، بها، بل عقله كان في فهم النصوص والأدلة الكونية العامة وربطها بدلالات الوحي، فلم يتدخل بعقله ليصارح الوحي ودلالاته، أو يجعله محتجا به كنصوص الوحيين، أو يرد بالعقل ظواهر النصوص، ويصرفها إلى معاني بعيدة بحجة العقل وحده. 8 - ربطه رحمه الله بين العلم والعمل وهذا هو دين العلماء الربانيين الراسخين في العلم، وهو منهجهم الناصح في كل التاريخ. 9 - سلوكه مسلك السلف في بيان العقيدة بالأدلة وتأصيلها والرد على مخالفيها ومناقشتهم ورد باطلهم كما وضح هذا في موقفه من أهل الشرك والنفاق، ونقده لمناهج المتكلمين، وأهل الابتداع والغلاة في الدين. 10 - ظهر لي أن منهجه رحمه الله هو منهج السلف الوسطية بين الناس الغالين والجافين في كل القضايا وهو منهج نسبي في الحقيقة، كما ظهر أن موقفه من المجاز يحتاج إلى تحرير، إذ بأن لي أن يميل إلى أنه لا ينكر المجاز، اللغة، لكن هل المجاز عند المتكلمين؟ الظاهر لي أنه ليس كذلك.

11 - بقراءة كتبه وتحرير أقواله في العقيدة وجدته – رحمه الله – سلفيا صرفاً وحديثيا محنكاً. فلم أجد له مسألة واحدة خالف فيها السلف أبداً. وبهذا أقطع وأجزم من خلال تتبع واستقرار لأكثر كتبه. 12 - أن القارئ لمؤلفات الحافظ ابن رجب، المتنوعة في فنون عديدة ليعيش في دوحة علم، بين قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وجاء عن أبي بكر وورد عن عمر، ووقع لعثمان، ونقل عن علي، وعليه عمل فلان وفلان من الصحابة، ونقول عن كبار التابعين، وتابعيهم بإحسان، وأحوال أهل الصلاح والزهد والورع من كبار العلماء والعباد. يقرأ ذلك في تناسق بديع، وتناسب عجيب، بين الأقوال، وعرضها المتناسب لبعضها مع بعض، مع جودة التأليف بين الأقوال والمناقشة عليها، لأجل هذا – والله أعلم – ناسبت كتبه الحافظ ورسائله عموم الناس، عامتهم وخاصتهم، علمائهم وطلاب العلم منهم، وعوامهم. 13 - أيضاً لا يفوتني الإشادة بالسمات الشخصية للحافظ ابن رجب وشخصيته العلمية، والتي اتسمت بالأمانة العلمية، والتجرد لطلب الحقيقة، والبحث عن القول المدلل بأدلة الوحيين، وحسن مناقشته للأقوال المخالفة للدليل اجتهادا، وتأدبه مع أصحابه، واستصحابها لحسن النية والظن بهم، والترحم عليهم والدعاء لهم. كذا عدم التعصب لرأيه أو لقول شيخه، أو من ينقل عنه، وتظهر عنايته بالحديث وتخريجه، والكلام على الروايات صحيحة وضعفا تخريجاً وتعليلاً واستنباطاً، حتى ربما غلب عليه ذلك في البحث فكأنك أمام مؤلف في الحديث وصناعته. وبعد فإني أوصي إخواني وأساتذتي الباحثين طلاب العلم بالاهتمام بدراسة مناهج الأئمة من السلف الصالح للتعرف على جهودهم وأحوالهم المشرفة في تمثيل العقيدة الإسلامية بأنفسهم قبل دعوتهم إليها ولأجله كانوا ملوك الدنيا، وأوصيهم بالاهتمام بهذا العلم الرباني، ولا يغررهم كونه مجهول القدر، قليل الذكر كما أوصي بإخراج باقي كتبه، والتي لم تزل حبيسة الخزائن والرفوف، والتي حوت علماً عظيماً ونقولاً عن السلف فريدة، كفتح الباري، وعند الهمة في إخراجها أن تخرج بثوب قشيب يؤدي الغرض من إخراجها والانتفاع بها، وتقريبها إلى الناس كلهم عامتهم وخاصتهم بما يناسب الجميع من إفراد لرسائله العاملة، وجمعها للخاصة. وأخيراً أقول إن شخصية الحافظ ابن رجب ومنهجه في العقيدة، تحتاج إلى جهد أكبر من هذا لانغلاق كثير من القضايا على مثلي، فياليت باحثينا الأكفاء يلتفتون إلى هذا، وهذه الدراسة خطوة على هذا الطريق لم تتم بالمقصود. هذا ما لزم التنويه إليه عند خاتمة البحث مع اعتراف بالتقصير لكن هذا ما قدمت يداي – الله أسأل التوفيق والسداد والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

منهج المؤمن بين العلم والتطبيق

منهج المؤمن بين العلم والتطبيق ¤عدنان علي رضا النحوي£بدون¥دار النحوي¨الأولى¢1407هـ€علم وعلماء وطلاب علم¶منهجية وموضوعية وأسس تفكير خاتمة: يتساءل الكثيرون من أين نبدأ؟ كيف نبدأ؟. ويبحث الكثيرون عن الإجابة هنا وهناك، ويضربون في كل اتجاه. والطريق ممدود أمامهم صراطاً مستقيما، والله سبحانه وتعالى وضع لهم النهج وعرف لهم الصراط المستقيم، بداية ودربا وهدفاً. مع المنهاج الرباني: إيمانا وعلما وممارسة، ومع دراسة الواقع البشري حتى تتضح وسائل الممارسة وأساليبها، مع هذين الزادين تكون البداية والمسيرة، قضية حياة ومهمة عمر لا تتوقف. وعلى هاتين القاعدتين يقوم النهج والتخطيط والفكر والتصور، والجهد والعمل، ومنهما يكون المنطق. إن الله سبحانه وتعالى لم ينزل كتابه العزيز ليشقى الناس به، ولا ليكون عقبة، ولا ليوجد حرجا. {طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} [طه 1 - 4]، لقد أنزل الله سبحانه وتعالى منهاجه الرباني رحمة للعالمين، ونورا وهداية وشفاء، فهو يسر لا يجد المؤمن معه حرجا: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}، لا بد من أن تستقر هذه الحقيقة في القلوب والصدور، ولا بد من الإعادة والتكرار من أجل ذلك. فلقد هجر من كتاب الله وسنة نبيه هجراناً طويلا، هجرانا امتد قرونا من النكبات والابتلاء. ولقد كان من أثر هذا الهجران أن أصبحت الأمور البدهية تحتاج إلى شرح وتعليل وإلى إعادة وتكرار، وإلى دراسة وبحث وعلى قدر ما كان الهجران طويلا، سيكون كذلك الجهد والإعداد والتعليل. ولا سبيل أخرى لمن أراد النجاة! سيحاول الناس مذاهب شتى تخرج من عصارة جهد بشري، حتى لو حملت شعارا إسلاميا، ولكن هذه المحاولات كلها لن تزيد الناس إلا ابتلاء وبلاء، لا سبيل أخرى! فالسبيل هو العودة المنهجية إلى كتاب الله وسنة رسوله منهاجا ربانيا، يبدع الجهد البشري في ميدان التدبر والفهم على بصيرة وإيمان، ويبدع الجهد البشري في ميدان الممارسة الإيمانية والعمل الصالح، حين يقوم هذا كله على: إيمان مشرق وعلم صادق، وموهبة غنية، وخبرة وتجربة. لذلك حاولنا في هذا الكتاب رسم النهج العملي على أساس من منهاج الله، وأساس من الواقع الذي نعيشه. وإنا ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل طاهرا نقيا، خالصا لوجهه الكريم، مقبولا عنده، فذلك أعلى ما نتمناه، وأغلى ما نسعى إليه. ونتوب إلى الله سبحانه وتعالى من كل ذنب، ونستغفره من كل زلل ونسأله العفو والعافية، والنجاة في الدنيا والآخرة، إنه هو المولى، وهو الولي الحميد.

علوم إنسانية وطبية وهندسية

علوم إنسانية وطبية وهندسية

تمهيد في التأصيل - رؤية في التأصيل الإسلامي لعلم النفس

تمهيد في التأصيل - رؤية في التأصيل الإسلامي لعلم النفس ¤عبدالله بن ناصر الصبيح£بدون¥دار إشبيليا - الرياض¨الأولى¢1420هـ€علوم إنسانية وطبية وهندسية¶علم نفس خاتمة التمهيد في هذا الكتاب تناولت عدداً من القضايا والمفاهيم الممهدة للتأصيل الإسلامي لعلم النفس التي أرى أنه لا يصح لمن يشتغل بالتأصيل أن يجهلها، ومن اشتغل به وهو يجهلها فربما أساء أكثر مما يحسن، وأفسد أكثر مما يصلح. وقد تركت قضايا أخرى كثيرة هي ممهدة للتأصيل وشرط في صحته، وأسأل الله عز وجل أن يعينني للكتابة فيها فيما بعد. وفي ختام هذا الكتاب لابد من إعادة التأكيد على عدد من القضايا وردت في ثناياه: الأولى: نظرية المعرفة: إن نظرية المعرفة نظرية للوجود كله وهي قضية سابقة على علم نفس إسلامي، فسواء وجد عندنا علم نفس إسلامي أم لم يوجد، لا بد لنا من نظرية للمعرفة تنظم علاقتنا بالوجود وما فيه من سنن. ودلائل هذه النظرية وأسسها موجودة في القرآن والسنة، والذي ينقصنا هو تطبيقها في مجالات المعرفة المتعددة بما فيها دراسة النفس، وذلك هو مقتضى كوننا مسلمين. إن نظرية المعرفة عندنا ـ معشر المسلمين ـ تصور شامل وكامل، يتناول الوجود كله بما فيه من عالم غيب وعالم شهادة، وهذا هو مظهر شموله. وهو يحدد مستويات الإدراك في كل من عالم الغيب والشهادة ووسيلة التعرف في كل مستوى، وهذا هو مظهر كماله. ومشكلتنا أننا نحينا تصورنا المعرفي واستعرنا تصوراً معرفياً آخر، وأطلقنا عليه منهج البحث العلمي ـ كما فعل غيرنا ـ وحاولنا أن نفهم الوجود من حولنا من خلال هذا التصور المستعار، فكان لابد من أن نجني ثماره المرة ونقع في التناقض الذي وقع فيه غيرنا، ونفتعل معركة وهمية بين الدين والعلم كما فعل غيرنا. وتأصيل علم النفس بل سائر العلوم يبدأ من نظرية المعرفة ذاتها، فما لم تكن صحيحة فلن يصح ما يبنى عليها من علوم ونظريات، وتصحيحها يكون بتنحية نظرية المعرفة المستعارة وما سميناه تقليداً بالمنهج العلمي والرجوع إلى نظريتنا المعرفية الإسلامية وإعادة بناء ما ندرسه من علوم وفق هذه النظرية. وكثيرون ربما يستنكرون هذا القول، ويصيحون قائلين: مه! أترفض المنهج التجريبي! أترفض الإحصاء! وهذا الاستنكار سببه في الحقيقة الجهل بنظرية المعرفة الإسلامية ونظرية المعرفة العربية التي بنيت عليها العلوم الحديثة. وقد ناقشت هذه المسائل في الفصلين الأول والثاني من هذا الكتاب وبينت أننا لا نرفض الإحصاء ولا المنهج التجريبي، والمنهج التجريبي نحن رواده ومن عندنا خرج، وإنما نرفض ما قامت عليه نظرية المعرفة الغربية من إلحاد ومحادّة للدين الحق ضمن مسائل أخرى بينتها هناك. الثانية: العلاقة بين الوحي والعلم: قلت إن نظرية المعرفة الإسلامية شاملة وكاملة، لا تحتاج إلى أن تستعير بعض آليات نظرية المعرفة الغربية. وهي تمد الباحث بأدوات النظر في النص من جهة وبأدوات النظر في معطيات العلم الحديث من جهة أخرى. إن بعض المشتغلين بالتأصيل لم يدركوا استقلال التصور المعرفي الإسلامي وكفايته، ولهذا لم يحسنوا الربط بين معطيات العلم الحديث ونصوص القرآن والسنة، فهم موزعون مشتتو الذهن بين نظرية المعرفة الإسلامية ونظرية المعرفة الغربية، ولهذا يأتون بتلفيقات في الجمع بين نظريات علم النفس وحقائق الإسلام ونصوص القرآن والسنة، لا تستقيم في ميزان الإسلام ولا في ميزان علم النفس.

وهذه المشكلة قديمة بدأت من حين بدأ احتكاك المسلمين بالثقافة اليونانية، حيث تصدت طائفة من أبناء المسلمين ـ ممن لم يدرك اكتفاء التصور المعرفي الإسلامي عن سواه ـ للربط بين نصوص الوحي والعقل المعرفي اليوناني، فكانت النتيجة أنهم ـ كما قال ابن تيمية رحمه الله ـ "لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا". وهؤلاء الذين سلكوا هذا المسلك لم ينضج في أذهانهم التصور المعرفي الإسلامي، فكانوا ينظرون إلى حقائق الإسلام ونصوص الوحي باعتبارها قضايا جزئية، وينظرون إلى الثقافة اليونانية ممثلة في منطق أرسطو باعتبارها منهجاً متكاملاً، وكانوا يريدون فهم القضايا الجزئية (حقائق الإسلام عندهم) وإعادة تركيبها وفق هذا المنهج المتكامل (المنطق الأرسطي)، ولهذا اختلت عندهم الوحدة المنهجية في التصور الإسلامي، بل لم يعد لها وجود. وهذا الخطأ ليس خطأ جزئياً يمكن تجاوزه، بل هو خطأ جوهري يتمثل في خطأ المنهج ذاته، واختلال قواعده، وتصحيحه لا يكون إلا بإعادة بناء العقل المعرفي عنده مرة أخرى. ونحن في علم النفس تواجهنا هذه المعضلة مرة أخرى وبصورة أخطر بسبب القطيعة بيننا وبين المعارف الإسلامية. ومن صور هذه المعضلة أنك تجد بعض المشتغلين بالتأصيل ينطلق من النظرية النفسية الغربية ويحاول ملء فراغاتها ببعض المفاهيم الإسلامية أو تحليتها وتزيينها بها. والخطأ هنا خطير، لأن مَن هذا شأنه لا تمثل الحقائق والمفاهيم الإسلامية عنده كلاً متكاملاً، وإنما هي مجرد جزئيات fragments تحتاج إلى نظرية كلية تجمع بينها وتؤلف بين أجزائها. وقد ذكرت أمثلة لهذا الانحراف في الفصلين الأول والثالث من هذا الكتاب. إن مَن هذا شأنه عاجز عن التأصيل، لأن التأصيل هو إعادة بناء علم النفس وفق التصور المعرفي الإسلامي، وهو عاجز عن البناء وعاجز عن إدراك التصور المعرفي الإسلامي. وهو مستسلم للمباني القائمة في علم النفس راض بها لا يشعر بما فيها من خلل، ولهذا فهو لا يريد مبارحتها. وكل عمله في التأصيل هو التنقل بين "الجزئيات الإسلامية" سواء كانت آية أو حديثاً أو قولاً مأثوراً ليختار منها ما يوافق المبنى الذي يسكنه. تماماً كما يفعل أحدنا عندما يذهب إلى متجر أدوات البناء ليشتري لمنزله باباً أو قفلاً أو دهاناً، أترى أحدنا عندما يفعل ذلك يظن أن الباب أو القفل الذي اشتراه هو بديل عن منزله! كلا! بل هو راض عن منزله، وإنما يريد بما اشتراه أن يجعل الحياة فيه أكثر راحة، وكذلك يفعل هذا المؤصل الذي يزين النظرية النفسية الغربية ببعض الآيات والأحاديث والأقوال المأثورة، هو يريد أن يرفع الحرج عن نفسه بإضافة بعض البهارات الإسلامية، أي إنه يريد أن يجعل حياته مع هذه النظرية النفسية الغربية أكثر راحة من خلال الاستشهاد بنص إسلامي في سياق النظرية. وربما يقول البعض إنك بهذا ترفض علم النفس القائم، وأقول: كلا، إنني لا أرفض التجارب البشرية التي ثبتت منفعتها والمعارف البشرية التي ثبت صوابها، وإنما أريد أن أبني المبنى الذي يخصني ويفي بحاجتي وفطرتي التي فطرها الله عز وجل، إنني أريد أن أقيم المبنى الذي تتحقق من خلاله العبودية لله عز وجل وأعلن من خلاله هويتي الإسلامية. وهذا المبنى الذي أريد أن أقيمه يسع كل من يريد السلام والطمأنينة حتى لو لم يكن مسلماً، ولكن المباني التي أقامها علم النفس المعاصر لا تتسع لمسلم أبداً.

ومن عجب أن بعض الطلاب يسأل حينما يتحدث متحدث عن مفهوم إسلامي نفسي قائلاً: "ولكن هذا المفهوم يا دكتور خاص بالمسلمين". تأمل كيف أصبح المفهوم الغربي عند هذا الطالب هو القاعدة والأنموذج، والمفهوم الإسلامي هو الاستثناء الذي يحتاج إلى تبرير. وكنت أقول لهؤلاء الطلاب إن المسلم هو مثال الإنسان الكامل، والكامل يتسع لما دونه، بينما ما دونه لا يتسع له. ونحن حينما نتحدث عن مفهوم نفسي إسلامي فنحن نتحدث عن مفهوم متوافق مع الفطرة، والفطرة واحدة في المسلم والكافر إلا أن الكافر سترها بكفره. أعود مرة أخرى إلى العلاقة بين الوحي والعلم وأقول: إن التصور المعرفي الإسلامي مكتف بآلياته لا يحتاج إلى تكميل من مناهج بشرية أخرى، والخلل إنما يأتي من الجهل بمنهج المعرفة الإسلامي، فيلجأ إلى سد جهله بما يعرفه من مناهج أرضية ولسان حاله أو مقاله يقول: ?إن أريد إلا إحساناً وتوفيقاً?، ولكن أنى له ذلك. وإن مما ينبغي أن تتجه له أنظار المعنيين بالتأصيل الإسلامي من أجل سد هذا الخلل دراسة أدوات المنهج الإسلامي سواء ما يختص منها بالنظر في دلالة النص وهو علم أصول الفقه، أو ما يختص منها بورود النص وهو علم مصطلح الحديث، فيدرك الدارس على الأقل مظان الصحيح والضعيف والموضوع، ويمكن الاستفادة من البرامج الحاسوبية في هذا المجال. وكذلك يدرس المعني بالتأصيل أدوات المنهج الإسلامي في الجمع بين النقل والعقل. ثالثاً: النظرية والحقيقة العلمية: علم النفس المعاصر يتكون من نظريات، وهي تستند إلى مسلّمات عند أصحابها قد يخالفهم فيها غيرهم، وإلى حقائق يتفق معهم فيها غيرهم. والخلاف في النظرية ممكن لأنها مجرد تفسير للعلاقة بين مجموعة من الظاهرات أو الحقائق، ومَن قَبِلَ مسلّمات النظرية ربما يقبل النظرية ذاتها، وربما اختار نظرية أخرى يرى أنها أقدر على التفسير. أما الخلاف في الحقيقة العلمية فخاطئ حتماً ولا يُعذر فيه من اتضحت له أدلتها. والمسلّمات ربما كانت قضايا افتراضية فتكون مثل النظرية، وربما كانت حقائق علمية فيكون حكمها حكم الحقيقة العلمية. وبعض الدارسين يخلط بين هذه القضايا الثلاث، وتختلط عنده المسلّمة والنظرية بالحقيقة العلمية فيسبغ على الجميع حكماً واحداً هو حكم الحقيقة العلمية. وهذا يفسد أكثر مما يصلح، ويفشل في مشروع التأصيل لأنه يحاول الجمع بين المتناقضات فلا يستطيع. ويبلغ السوء عنده مبلغه والفشل قمته عندما يحاول أن يفسر آيات القرآن ونصوص السنة بنظريات ثبت فشلها وتخلى عنها علم النفس. والذي ينبغي لدارسي علم النفس التفرقة بين هذه المفاهيم الثلاثة، وتحقيق القول في الحقائق العلمية، ويتأكد هذا الأمر في حق المعني بالتأصيل لئلا يرد حقاً أو يقرر باطلاً. ومفهوم النظرية والحقيقة العلمية ناقشته في جميع فصول الكتاب ما عدا الرابع منها. رابعاً: الفطرة: مفهوم الفطرة بمثابة حجر الزاوية في التأصيل الإسلامي لعلم النفس، فالعناية به، وتحقيق القول فيه، وجمع ما ورد فيه من نصوص، وموازنته بالدراسات النفسية الحديثة عن الطبيعة النفسية للإنسان، وموازنته بنظريات الشخصية المعاصرة ـ عمل ذلك كله ـ مما يفتح أبواباً مغلقة للتأصيل الإسلامي لعلم النفس. دراسة الفطرة يجب أن تتناولها في جانبين: الأول: الجانب الوصفي، فيصف الباحث مكونات الفطرة وطبيعتها ويحقق القول في طبيعتها، وعمدته في ذلك ما ورد من نصوص في القرآن والسنة عنها. والجانب الثاني: الجانب التفاعلي، فيصف الباحث طبيعة تفاعل الفطرة مع أحوال الفرد النفسية، ويصف أيضاً طبيعة التفاعل بين عناصر الفطرة نفسها، وكذلك علاقة الفطرة بحال السواء والانحراف والصحة والمرض.

ومفهوم الفطرة عندما يتحرر ويتضح للباحثين سوف يكتشفون أنه مفهوم شمولي كاف يفي تفسير السلوك لا يحتاجون معه إلى نظريات أخرى. والحقائق النفسية والمفاهيم النفسية الجزئية كمفهوم التعزيز يمكن أن تشرح شيئاً من طبيعة النفس البشرية، ويمكن أن توضح لنا بعض جوانب الفطرة، ولكن النظريات الشمولية كنظرية التحليل النفسي لا يمكن أن تتواءم مع مفهوم الفطرة، لأن مسلّمات النظرية وأطرها الفلسفية تتعارض مع حقائق الفطرة ومسلّماتها، ولهذا المشتغل بالتأصيل يرتكب خطأ فادحاً إذا حاول أن يجمع بين نظرية شمولية ومفهوم الفطرة. ومفهوم الفطرة عالجته في الفصلين الثاني والثالث. خامساً: التراث: التراث النفسي في الحضارة الإسلامية من حيث هو ما خلفه العلماء في هذه الحضارة من تراث مكتوب عن النفس البشرية مصدر في دراسة النفس، ولكنه ليس معصوماً، وإنما فيه الصواب والخطأ، وفيه ما يتفق مع الإسلام وما يتعارض معه، كالتراث الذي مصدره الفلسفة اليونانية. ولهذا فنحن بحاجة إلى تصور نميز من خلاله التراث المقبول من المردود، وهذا هو ما حاولت تقديمه في الفصل الأخير من هذا الكتاب، حيث قسمت التراث إلى ثلاثة اتجاهات رئيسة هي الأثري والصوفي والفلسفي، ودعوت إلى النظر في التراث من خلال هذه الاتجاهات الثلاثة وليس باعتباره كتلة واحدة. وبينت أن لكل اتجاه من هذه الاتجاهات تصوره عن النفس البشرية ومنهجه في النظر إليها ودراستها. والذي أرجوه بعد ذلك هو وضع ضوابط للمقبول من التراث النفسي، إذ ليس من العقل في شيء أن نستبدل الضلال العربي أو الإغريقي بالضلال الأوربي الغربي، فالضلال كله ضلال مهما كان مصدره. ومن الضوابط التي يمكن أن تذكر في هذا الصدد مثلاً أن المفاهيم التراثية النفسية تقبل إذا كان مصدرها القرآن والسنة، أو كانت تستند إلى الخبرة والممارسة الطبية. ومن الملاحظ في دراساتنا التراثية الحديثة أن البحث اتجه إلى العناية بالتراث ذي الأصول الفلسفية الإغريقية فقط تقريباً، وأما التراث الذي كان مصدره القرآن والسنة وهو ما نجده عند الاتجاه الأثري كانت العناية به ضعيفة جداً، وكذلك تراث الأطباء النفسي لم يكن له نصيب واف من دراساتنا. والذين درسوا ابن سينا مثلاً درسوا أفكاره الفلسفية ولم يدرسوا ممارساته الطبية النفسية، ويستثنى من ذلك دراسة عبدالفتاح العيسوي (1992) فقد حاول دراسة هذا الجانب المغفول عنه.

مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي

مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي ¤طارق بن علي الحبيب£بدون¥دار المسلم - الرياض¨الأولى¢1419هـ€علوم إنسانية وطبية وهندسية¶طب نفسي في الحقيقة أن هناك العديد من المفاهيم الخاطئة التي لم نعرض لها إما لدقتها، أو لأنها تخص فئة اجتماعية دون سواها، ولذلك فقد رأيت أنه ربما كان من الأنسب أن أقتصر على ما ذكرت. ومن أجل تصحيح تلك المفاهيم الخاطئة فإنه يجب أن يكون هناك انتفاضة توعوية شاملة، والتي تتم بشكل أساسي من خلال ما يلي: 1. وسائل الإعلام. 2. الأطباء النفسانيين. 3. من انتفع من الطب النفسي من المرضى وذويهم. وقد تحدثنا سلفا عن وسائل الإعلام واتضح لنا أن ضررها – في الحقيقة – أكثر من نفعها في تقديم صورة جيدة للطب النفسي، رغم أن الأمر قد بدأ يتغير بعض الشيء في الآونة الأخيرة خصوصا على المستوى المحلي، فنلاحظ أن وسائل الإعلام على مختلف أشكالها أخذت في تقديم بعض البرامج التي قد تساهم بعض الشيء في تصحيح نظرة المجتمع تجاه الطب النفسي. وأما الأطباء النفسانيون – ولا أبرئ نفسي – فللأسف أنهم مازالوا يغطون في سبات عميق رغم الحاجة الاجتماعية الملحة لبذل بعض الجهد في توعية الناس. ومن المبهج المحزن في الوقت نفسه أن بعضا من الأطباء النفسانيين بدأوا يبذلون بعض الجهد في هذا الأمر، إلا أنها – وللأسف – جهود فردية متفرقة ينقصها التنسيق والتخطيط. وأما المرضى وذووهم الذين نفعهم الله بالعلاج النفسي فإنهم في الغالب جدا يحمدون الله على السلامة والعافية ويسترون ما أصابهم، ولا يذكرون ذلك المعالج أو الطب النفسي بخير حتى لا يشك الناس بأنهم قد زاروا طبيبا نفسانيا يوما ما. ولعل أقصى ما يفعله بعضهم أن يقول: سمعت أن فلانا طبيب نفساني متميز، أو أن تلك العيادة أو ذلك المستشفى النفسي يقدم خدمات جيدة، والعهدة على الراوي!!. ولعل السبب المباشر وراء عدم وجود دعاية كافية هو قلة الأطباء المتميزين في هذا التخصص، ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها: 1. صعوبة هذا التخصص نوعا ما. 2. أن التميز في التخصص في الطب النفسي يحتاج أيضا إلى مميزات شخصية معينة. 3. قلة إقبال الأطباء على التخصص في الطب النفسي لأسباب عديدة أهمها عدم القبول الاجتماعي له. 4. ارتباط هذا التخصص بموروثات غربية تتعارض في بعض الأحيان مع مفاهيم الدين الإسلامي، وفي أحيان أكثر مع طبيعة المجتمع العربي المسلم، مما يستدعي تمحيص ذلك كله بشكل يتناسب مع عقيدة وطبيعة المجتمع العربي المسلم، لكنه للأسف لم ينجح في ذلك إلا القليل من الأطباء النفسانيين

علوم حديث

علوم حديث

آراء المحدثين في الحديث الحسن لذاته ولغيره

آراء المحدثين في الحديث الحسن لذاته ولغيره ¤خالد بن منصور الدريس£بدون¥بدون¨بدون¢1420هـ€علوم حديث¶دراسات حديثية الخاتمة فيما يلي إبراز لأهم النتائج والتوصيات: 1 - استعمل المحدثون مسمى (الحسن) لأغراض متعددة , وتنوعت معانيه التفصيلية عندهم ولكن كل تحسيناتهم لا تخرج عن أحد أمرين. أ -تحسين احتجاجي: وهو استحسان الحديث لقوته ويدخل في ذلك الصحيح والحسن لذاته وحديث الراوي المختلف فيه , والحديث الذي فيه ضعف محتمل, والحديث الضعيف المعتضد بمثله. ب -تحسين إعجابي: وهو استحسان الحديث لميزة فيه , ويدخل في ذلك: الحديث الغريب والحديث المتضمن فائدة في الإسناد أو المتن , والإسناد العالي , وحسن المتن. 2 - استعمل المحدثون الحسن في بواكير ظهوره كثيراً بمعنى الحسن الإعجابي , وكان هذا الاستعمال أسبق في الظهور من الحسن الاحتجاجي 3 - استعمل الحسن وأطلق على الحديث الصحيح عند الشافعي وابن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري ويعقوب بن شيبة وغيرهم 4 - ظهر لي من دراستي لمصطلح الحسن عند الأئمة النقاد قبل الترمذي تنوع استعمالاتهم له , ويظهر لي من حيث العموم أنهم استعملوه بغرض عام ولم يكن لديهم تعريف محدد دقيق له , ويظهر لي أنهم كانوا يعنون به القبول العام, فهو أشبه ما يكون بمصطلح صالح عند أبي داود, إذ صرح أنه ينطوي تحته الصحيح وما يشبهه وما يقاربه وما ليس فيه ضعف شديد 5 - يعد الإمام الترمذي أقدم من عرف الحسن , كما أنه أكثر من استعماله جداً في أحكامه على أحاديث جامعه , فهو بحق أشهر من استعمله بكثرة من المتقدمين. 6 - ظهر لي بدراسة تحسينات الترمذي , أن تعريفه للحسن لا يفهم كما ينبغي إلا بعرضه على تطبيقاته العملية , وقد ظهر لي من جراء قيامي بذلك أن شرطه ألا يكون الراوي متهماً بالكذب يشمل الراوي المتروك , وبعض من وصفوا بكثرة الخطأ وليس كلهم. ظهر لي أن الترمذي قد حسن أحاديث مع وجود مخالفة في متنها لما هو أقوى منها , وبالتأمل في منهجه في دفع التعارض بين الأحاديث، ترجح لي أنه – رحمه الله – لديه ميل للجمع ما دام ممكنا ولو كان فيه بعض البعد. وظهر لي أيضاً أن مفهوم تعدد الطرق عنده يشمل تعددها عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعن الصحابي وعن التابعي , كما ترجح لي أنه شرط أغلبي وليس كلياً. كما ظهر لي أنه أطلق "الحسن" مجرداً من أي ألفاظ أخرى على أحاديث لوجود اختلاف في رفعها ووقفها أو في وصلها وإرسالها. 7 - تبين لي من دراسة الأحاديث التي قال الترمذي فيها: (حسن) أن 75% لها شواهد قوية لذاتها , كما وجدته أطلق الحسن على أحاديث هي صحيحة عنده بل بعضها مدار سندها واحد ومع ذلك يحسن إسناد لأحد الرواة ويصحح آخر مع أن الحديث من حيث المتن ومدار السند واحد , فدلنا هذا التصرف منه –رحمه- الله على أنه يطلق الحسن على متون صحية عنده. 8 - لم يحسن الترمذي جملة من الأحاديث في جامعه مع صلاحيتها لذلك , وتطابق شروط الحسن فيها. 9 - تبين لي بعد دراسة أسانيد الأحاديث التي قال الترمذي فيها: (حسن غريب) عدم دقة قول بعض أفاضل العلماء من أنه يريد بهذه العبارة الحسن لذاته. 10 - ترجح لدي أن الترمذي يحكم على حديث متوسط الحفظ أو خفيف الضبط بالصحة حيناً وبالحسن حيناً وبالحسن مع الغرابة حيناً آخر 11 - يحتج الترمذي بغالب الأحاديث التي يطلق عليها (الحسن) إلا أن بعضها لا يكون حجة عنده , وبناء عليه فأرى أن الذهبي- رحمه الله – لم يحالفه الصواب حين قال: عند المحاققة فغالب تحسينات الترمذي ضعاف.

12 - ترجح لي أنه لا يوجد خلاف بين ما يقول فيه الترمذي (صحيح) و (حسن صحيح) , وأن معنى (حسن صحيح) يعني غالباً أن الحديث روي بإسناد حسن وبإسناد صحيح , ولو كان أحد الإسنادين لا يطابق من حيث ألفاظ متنه الإسناد الآخر وإنما يشهد له من حيث المعنى , وقد ناقشت قول الحافظ ابن حجر والدكتور نور الدين عتر أن (صحيح) أقوى من (حسن صحيح) عند الترمذي, وبينت بالأدلة عدم دقة ذلك. 13 - تتفق تعاريف العلماء للحديث الحسن لذاته على أنه يمثل منزلة وسطى فوق الضعيف ودون الصحيح , كما أنها تتفق على أن مما أوجب قصوره عن الصحيح وجود بعض الضعف فيه فهو بهذا الاعتبار أعلى مراتب الضعيف, وأنزل مراتب الصحيح. 14 - أرى أن تبين استعمالات المحدثين للحسن أولى من صنيع بعض المصنفين في علم مصطلح الحديث من البحث عن تعريف يميز الحسن لذاته عن غيره ويكون جامعاً مانعاً , لأنه من الثابت يقيناً أن جمهرة من علماء الحديث يطلقون الحسن على الصحيح , وبعضهم أدخلوا الحسن لذاته في صحاحهم. 15 - لم أجد من المحدثين قبل ابن الصلاح من قصر (الحسن) في استعماله على الحديث الحسن لذاته فقط إلا أن عدداً من المحدثين قبل ابن الصلاح يدخلون الحسن لذاته فيما يحسنونه باعتبار أن لفظ (الحسن) علم على الحديث المقبول غير المردود في نظر من استحسنه إذا كان تحسينه للاحتجاج. 16 - ترجح لي صحة كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في أن الترمذي هو أول من أشتهر عنه تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف , وكان غالب صنيع الأئمة قبله تقسيم الحديث إلى صحيح وضعيف , ولم يكن التقسيم الثلاثي مستقراً ومشتهراً قبل الترمذي ,ولا يلزم من هذا نفي استعمال لفظ (الحسن) في وصفهم للأحاديث , لأن ورود اللفظ في عباراتهم لا يعني أن للحسن عندهم منزلة وسطى بين الصحيح والضعيف. 17 - من الملفت للنظر أن كتب أصول الحديث القديمة كالمحدث الفاصل ومعرفة علوم الحديث , والكفاية خلت تماماً من أي تعريف للحديث الحسن, بل حتى تعريف الترمذي لم يتطرقوا إليه. 18 - الصحيح أن حديث المختلف في توثيقه لا يعد كله حسناً , بل يقسم إلى ثلاثة أقسام الأول: رواة يمكن التفصيل في مروياتهم , الثاني: من لا يمكن التفصيل في مروياتهم ولكن يمكن الترجيح بين الموثفين والمضعفين ببعض المرجحات المعتبرة, الثالث: في حالة عدم التمكن مما تقدم يحكم على حديث المختلف فيه بأنه صدوق يخطىء ولا يحتج بما ينفرد به. 19 - تبين لي رجحان قول من لم يحتج بحديث الصدوق إذا انفرد بما لا يحتمل له والاحتجاج بتفرده إذا كان محتملاً. 20 - الحسن لذاته حجة إذا كان راويه لم ينفرد بما لا يحتمل له, وحققت أن ما قيل من أن البخاري لا يحتج بالحسن كلام باطل , وأن الادعاء بأن أبا حاتم الرازي لا يحتج بالحسن مطلقاًًً غير صحيح وتنقصه الدقة, وكذا الزعم بأن أبن العربي المالكي لا يحتج به مطلقا ,هو زعم تناقضه الأدلة الواضحة من كلامه. 21 - حقيقة الحسن لغيره هو اعتضاد حديث ضعيف صالح للتقوية بحديث مثله، وأما تقوية حديث ضعيف بحديث صحيح، فالأولى في نظري عدم إدراجه في الحسن لغيره. 22 - ترجح لي أن مجموع الطرق الضعيفة لا تبلغ بالحديث إلى مرتبة الصحيح لغيره إلا أن يوجد حديث حسن لذاته يعضد تلك الطرق الضعيفة. 23 - ترجح لي أن مرسل التابعي الكبير بعد اعتضاده لا يكون في نظر الشافعي حجة ملزمة كما هي الحال في الحديث المتصل الصحيح، كما أن الشافعي فيما ظهر لي لم يقل بتقوية شيء من الأحاديث الضعيفة بغيره إلا مرسل التابعي الكبير فقط.

24 - من أهم شروط تقوية الحديث الضعيف غير ما ذكره الترمذي في تعريفه للحسن، شرط حصول غلبة ظن من مجموع الطرق الضعيفة، وهذا الشرط يستلزم النظر في جملة من القرائن المانعة من الاعتبار ببعض الأسانيد الضعيفة. 25 - لم يلتزم النقاد المتقدمون بتقوية كل ضعيف معتبر به إذا كان للمتن الذي يرويه شاهد من وجه آخر ولو كان محفوظا وثابتا، كما أن هناك جملة من الأحاديث قواها بعض المتأخرين لمجموع طرقها، ولم يفعل بعض المتقدمين ذلك. 26 - الراجح أن بعض الحسن لغيره يكون حجة، وأن بعضه لا يكون كذلك على تفصيل ذكرته فيما تقدم. 27 - الصحيح أن مسألة الاحتجاج بالحسن لغيره مسألة خلافية، لا كما يزعم بعض الباحثين المعاصرين أنه إجماع أو كالإجماع. ومن أهم التوصيات التي أراها جديرة بالذكر ما يلي: 1 – يحتاج لفظ (صالح) المستعمل للحكم على الأحاديث عند المتقدمين إلى دراسة استقرائية تبين مقاصد الأئمة الذين استعملوه ومعانيه عندهم. 2 - من الضرورة أن تجرى دراسة استقرائية للمسائل الفقهية التي اعتمد فيها الإمام أحمد ابن حنبل على أحاديث غير صحيحة في نظره أو وفق منهجه، وتبين طريقته في ذلك، وهل يعتمد على الحديث فقط أم يعضد بأدلة أو قرائن أخرى؟ وما هي الأحاديث التي كان ينبغي أن يحتج بها ولم يفعل؟ ولماذا لم يحتج بها؟ فيركز على جوانب الترك كما يركز على جوانب الإثبات، فعدم احتجاجه بحديث ولو لم يذكره لا يقل أهمية عما ذكره واحتج به. 3 – حبذا لو جُمعت أخطاء الثقات والصدوقين الموصوفين بعدم تمام الضبط حتى يتيسر على الباحث معرفة كلام النقاد المشتت في عدد من كتب العلل والتخريج وكتب الجرح والتعديل في أخطاء أولئك الرواة الذي يعامل حديثهم عند الكثيرين بأنه مقبول مطلقا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أخبار الآحاد في الحديث النبوي - حجيتها - مفادها - العمل بموجبها

أخبار الآحاد في الحديث النبوي - حجيتها - مفادها - العمل بموجبها ¤عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1408هـ€علوم حديث¶خبر الآحاد خاتمة في وجوب التمسك بالحديث الصحيح وإن خالف المذاهب والآراء وبعد أن عرفت وجوب العمل بالحديث الصحيح أيا كان نوعه، وبطلان ما يورد أهل البدع على دلالته، فما عليك إلا أن تقول بموجبه ولو خالفه أكثر الناس، فإن عمل الأكثر ليس بحجة، ولقد كان الأئمة الأربعة رحمهم الله ينكرون على من خالف الحديث بعد صحته. وقد نقل عن كل منهم قوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي. ونقل المزني عن الشافعي أنه قال: إذا وجدتم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى أحد. وقال الربيع عنه: ليس لأحد قول مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وسمعته روى حديثاً. فقال له رجل: أتأخذ بهذا ياأبا عبدالله؟ فقال: متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فلم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب. وقد اشتهر عنه رحمه الله أنه قال للإمام أحمد: إذا صح عندكم حديث فأعلمونا به لنأخذ به، ونترك كل قول قلناه أو قاله غيرنا، فإنكم أحفظ للحديث، ونحن أعلم به، ونقل أبو يوسف أن أبا حنيفة قال: ليس لأحد أن يفتي بقولنا، ما لم يعرف من أين قلناه. وكذلك الإمام مالك صح عنه أنه قال: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصح عن الإمام أحمد أنه قال: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان. والله تعالى يقول: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور 63) أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. اهـ والنقول عن الأئمة كثيرة في النهي عن تقليدهم، وأمر غيرهم بالرجوع إلى الأدلة التي يأخذون منها. وبهذا يعرف تقديس هؤلاء الأئمة للحديث المتواتر والآحاد. ولما أن روي عنهم بعض المسائل التي لا تجتمع ظاهراً مع ما صح من الأحاديث، وكان قد قلدهم بعض من أتى بعدهم، واعتمد أقوالهم نصوصاً ترد لها الأحاديث الصحيحة، وكان لابد أن يعتذر أتباعهم عن تلك الأحاديث الواردة عليهم، فهنالك وضعوا قواعد وأصولاً زعموا أن أئمتهم لا يقبلون ما خالفها من أخبار الآحاد، ككون الحديث فيما تعم به البلوى، أو خلاف القياس، أو لم يعمل به راويه ونحو ذلك. وإذا كان قد روي عن الأئمة شيء من تلك القواعد فلعلهم أرادوا بها معنى صحيحاً لا على الإطلاق، وعلى هذا فإن من واجب المسلم تقديم الحديث الصحيح وإن خالف مذهب إمامه، واعتقاد أن كل عالم أو قدوة في الدين لن يجرأ على مخالفة الحديث الصحيح إلا لمعارض راجح في نظره، ولقد بين العلماء المحققون أعذار أولئك الأئمة في تركهم العمل ببعض الأحاديث الصحيحة، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (رفع الملام) عشرة أسباب يكون وجود أحدها عذراً لمن قام به في مخالفة الحديث. فمنها أن لايكون الحديث قد بلغه، فإنه لا يمكن لأحد الإحاطة بالحديث النبوي جميعه، وقد تقدم أمثلة لما خفي على بعض كبار الصحابة. ومنها أن يكون الحديث قد بلغه ولكن لم يثبت عنده، أو اعتقد ضعفه خطأ. أو نسيه. أو لم يتفطن لدلالته عند الفتيا. أو اعتقد أن لا دلالة فيه. أو اعتقد أنه معارض بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله مما خالفه فيه غيره. وإذا كان الإمام معذوراً على اجتهاده الذي أخطأ فيه، لم يعذر من تبين له الدليل فأصر على مخالفته، وأخذ يقدر تقديرات متكلفة في رده، فإن عجز قال: لو كان صحيحاً لما خالفه إمامنا الذي قد اتفق على أهليته، ونحو ذلك من الأعذار. وكل هذا محافظة على ما روى عن هؤلاء الأئمة الذين تفانوا في تقليدهم، مع أن تلك الراويات المنقولة عن الأئمة مما فيه مخالفة لبعض الأحاديث الصحيحة مشكوك في صحتها عنهم، لكونها نقلت آحاداً، وبغير أسانيد متصلة غالباً. ثم بتقدير صحتها عنهم فقد يتطرق إليها التغيير من النقلة مما تنقلب به حقيقتها، وقد يحتف بالفتيا من القرائن ومقتضيات الأحوال ما يحمل المفتي على التساهل مما يخفي على من بعده، ثم بتقدير عدم ذلك كله فهم غير معصومين عن الخطأ، وقد نهوا من بعدهم عن تقليدهم. وبهذا يتضح إجماع الأئمة المعتبرين على وجوب اتباع الأحاديث ولو كانت آحاداً بعد ثبوتها، وأنه مما يجب تقديمها على قول كل أحد أيا كانت منزلته، وإلى هنا نقف، والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أسباب اختلاف المحدثين - دراسة نقدية مقارنة حول أسباب الاختلاف في قبول الأحاديث وردها -

أسباب اختلاف المحدثين - دراسة نقدية مقارنة حول أسباب الاختلاف في قبول الأحاديث وردها - ¤خلدون الأحدب£بدون¥الدار السعودية - جدة¨الأولى¢1405هـ€علوم حديث¶اختلاف المحدثين الخاتمة وبعد: فإن قارئ مباحث هذا الكتاب سيخرج بحقيقتين علميتين ثنتين هما من الأهمية بمكان في هذا العلم الشريف. أولاهما: أن الاختلاف بين العلماء في قبول الأحاديث وردّها، حقيقة علمية، وهي نتيجة لازمة لمقدمات سبقتها. وبما أن تلك المقدمات التي نتجت عنها تلك الحقيقة كانت مقدمات صحيحة، فإن النتيجة بالضرورة صحيحة متساوقة. وعلى هذا فليس أمر الاختلاف مما يستغرب أو يستنكر، كما يبدو لأول وهلة. ثانيهما: أن هذا الاختلاف الحاصل في القبول والردّ ـ كما هو بين من جميع مباحث هذا الكتاب ـ إنما هو اختلاف منضبط، تحكمه مجموعة ضوابط وأصول راسخة محررة، إضافة إلى أنه قد أحيط بسياج متين من التقوى وخلوص النية والبعد عن العصبية والهوى. وقد مّنَّ الله عليّ بأن وفقني على ضعفي وقلة زادي، لتحرير كثير من المسائل التي كان لا بد من تحريرها، وخاصة فيما يتعلق بمذاهب العلماء في القبول والردّ، وإزالة بعض ما يرد من إشكالات واعتراضات على بعضها. وقد لاحظت ما أمكن، الحال التطبيقية لصاحب القول في قبوله لما قبل من الأحاديث وردّه لما ردّ منها. فإن معرفة حقيقة مذهبه تتوقف على مدى التطابق بين ما عُزي إليه من قول في المسألة المبحوثة، وبين الواقع النقدي العملي له، لأن حال التطبيق أمكن دلالة على صحة وبيان ما يعزى إلى العالم من قول. وختاماً: إن وفقت فيما كتبته من مباحث هذا الكتاب، وما وصلت إليه من نتائج، فذلك فضل الله تعالى، مَنَّ به عليَّ وهداني إليه. وإن تكن الأخرى، فإنما هو ضعفي، وتقصيري، وقلة زادي، وأستغفر الله العظيم، إليه المرجع والمآب. وإني لأسأله جلت قدرته، أن يجعلني ممن يتشرف بخدمة كتابة الكريم وسنة نبيه المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأن يرزقني العمل بما فيهما، متبعاً غير مبتدع. وأن يتقبل مني هذا الجهد المتواضع قبولاً حسناً، إنه الكريم الجواد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق

إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق ¤يحيى بن شرف الدين النووي£عبدالباري فتح الله السلفي¥مكتبة الإيمان - المدينة المنورة¨الأولى¢1408هـ€علوم حديث¶أصول مصطلح الحديث الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين وبعد: فبفضل الله ومنته وكرمه أحسبني انتهيت من تحقيق هذا الكتاب العظيم بعد جهد كبير في ثلاث سنوات واصلت فيها الليل بالنهار، دراسة وتحقيقاً، بحثاً وتعليقاً. الإمام النووي رحمه الله اختصر هذا الكتاب من كتاب ابن الصلاح الذي عمت شهرته الآفاق وذاع صيته، فاختصره اختصاراً متقناً، وعدل بعض العبارات، وأضاف إضافات علمية، وبالغ في إيضاح مطالب الكتاب بأسهل العبارات، وكان حريصاً على الإتيان بعبارة ابن الصلاح وزاد عليه فوائد مهمة وفروعاً يحتاج إليها معظم الحالات. أحصيتها بدقة وذكرتها بالتفصيل في دراستي لمنهج المؤلف في كتابه الإرشاد. وقد مهد الإمام النووي كتابه هذا بمقدمة بين فيها فضل هذا الفن وحث طلاب العلم على الاعتناء به، ثم بين منهجه في هذا المختصر، وأخيراً أثنى على الشيخ ابن الصلاح وكتابه علوم الحديث الذي هو أساس كتابنا – الإرشاد – ثناءاً يليق بمنزلتهما، ثم دخل في موضوع الكتاب. ويلاحظ المتأمل أن كتاب الإرشاد لم يحصل ترتيبه على الوضع المناسب بحيث يذكر ما يتعلق بالمتن وحده وما يتعلق بالسند وحده وما يشتركان فيه معاً وهكذا بل يراه يبحث في نوع يتعلق بالسند مثلاً، ثم ينتقل إلى نوع يتعلق بالمتن، أو بهما معاً. كما يلاحظ، أن النووي أخل بأنواع مستعملة عند أهل الحديث مثلاً: القوي والجيد والمعروف والمحفوظ وإلى غير ذلك من الأنواع التي يجب ذكرها. وكذلك ذكر أحكام أنواع في ضمن نوع مع إمكان إفرادها بالذكر، كذكره في نوع المعضل أحكام المعلق والمعنعن، وهما نوعان مستقلان. وهكذا، وكذا وقع له عكس ذلك. وهو تعداد أنواع وهي متحدة. وليس هذا العمل ابتكاراً من الإمام النووي بل هو مشي فيه مع ابن الصلاح حذو القذة بالقذة، ولابن الصلاح في هذا المنهج والترتيب عذر معروف في أوساط أهل العلم. هذا، وقد حاولت بكل ما في وسعي من إمكانيات إخراج هذا الكتاب في ثوب قشيب وتخريج نصوص الكتاب المنقولة من مراجعها الأصلية. وخرجت الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب وتكلمت على الأحاديث صحة وضعفاً إن دعت الحاجة إليه. علقت على الكتاب بما يقتضيه الحال في المسائل الاصطلاحية، ولخصت من الكتب المطولة فوائد مهمة، ووضحت بعض المسائل بتحقيقات نافعة – يحتاج إليها المشتغل بعلم الحديث – لا توجد أكثرها في موضع واحد في كتاب، وبهذا أصبح الكتاب مذكرة للدارسين والمدرسين لهذا الفن إن شاء الله تعالى. وصدرت الكتاب بمقدمة علمية نافعة لا مطولة مملة ولا مختصرة مخلة وبدأتها بتمهيد وذكر تأريخ تأسيس هذا الفن ونشأته وتطوره وتقعيد قواعده، وترجمت فيها لكل من النووي وابن الصلاح ترجمة موجزة وقمت فيها بدراسة وافية للكتاب، وبينت فيها منهجه. وأطلت النفس في التعقبات على المصنف في هامش الكتاب كما يبدو لمن يراجع الكتاب أو فهرس الموضوعات. وختمت عملي بوضع فهارس علمية شاملة لمحتويات الكتاب من الأحاديث والأعلام والأبحاث، وذلك تيسيراً على القارئ الانتفاع بهذا الكتاب. وأخيراً أرجو أن أكون قد سلكت المنهج العلمي الحديثي في التحقيق. وهذه الرسالة أول تجربة لي في التحقيق، فما كان فيها من جودة وإتقان فهو بفضل الله تعالى وتوفيقه فقط وما كان فيها من مزلقة وخلل فإنه مني ومن الشيطان الرجيم، سائلاً المولى عز وجل العفو والعافية في الدنيا والآخرة ومصلياً ومسلماً على سيد المرسلين محمد بن عبد الله أفضل الصلاة وأتم التسليم.

الإضافة - دراسات حديثية

الإضافة - دراسات حديثية ¤محمد بن عمر بن سالم بازمول£بدون¥دار الهجرة - الخبر¨الأولى¢1415هـ€علوم حديث¶دراسات حديثية الخاتمة وتتضمن أهم النتائج التي انتهى إليها البحث، وتتلخص في النقاط التالية: 1ـ تحرير المراد من الجهالة عند الخطيب البغدادي. 2ـ تحرير الجهالة، وحقيقة أقسامها، وحكم كل قسم، عند ابن الصلاح وابن حجر. 3ـ بيان التداخل والتباين بين أقسام الجهالة عند ابن الصلاح وابن حجر. 4ـ التنبيه على تداخل المصطلحات عند المصنفين في المصطلح بعد ابن حجر في الكلام على أقسام الجهالة. 5ـ التنبيه على أن تقسيم ابن الصلاح مطابق للواقع، وبعيد عن الإيهام. 6ـ التدليل على أن الراوي المجهول يقبل حديثه الانجبار والتقوي والترقي بتعدد الطرق والشواهد، ومناقشة المخالف في ذلك وإبطال حججه. 7ـ تقرير مناهج العلماء في ثبوت العدالة مع تحرير أن من الأئمة من أطلق لفظ (مجهول) و (لا أعرفه) وأراد به عدم معرفة حال الراوي من الضبط والرواية لا من العدالة الدينية. إلى غير ذلك من المسائل والفوائد والله الموفق. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. محمد بن عمر بن سالم بازمول مكة ـ الزّاهر ص. ب 7269

الإمام علي بن المديني ومنهجه في نقد الرجال

الإمام علي بن المديني ومنهجه في نقد الرجال ¤إكرام الله إمداد الحق£بدون¥دار البشائر الإسلامية - بيروت¨الأولى¢1413هـ€علوم حديث¶دراسات توثيقية ومنهجية الخاتمة وبعد أن قضيت أياماً نشيطة ممتعة مليئة بكثير من الجهد, وبعد أن انتهيت بعون الله وتوفيقه من إعداد هذا البحث الذي استغرق أكثر من سنتين متواصلتين لعمل فلعله من المفيد أن أبرز هنا النتائج التي توصلت إليها في رسالتي هذه بفضل الله تعالى ومنته، وفيما يلي أهم هذه النتائج: 1 - إن الاستقرار النسبي لسياسة دولة بني العباس في عصرهم الأول وهو العصر الذي ترعرع فيه الإمام الفحل علي بن عبد الله المديني رحمه الله وبعد الإمام على بن المديني عن مظاهر الحياة الاجتماعية في عصره , وازدهار ونضج النهضة العلمية في عصره لمن أهم الحوافز التي دفعت الإمام علي بن المديني إلى أن يتفرغ التفرغ الكلي لتحصيل العلم وتلقى الحديث , والبروز في علوم الحديث , والنبوغ في مجالات النقد. 2 - إن الإمام علي بن عبد الله المديني أصله من المدينة المنورة ,لا كما يتبادر من كلمة المديني أنه من المدن الأخرى كبغداد ونيسابور ونحوها. وذلك لأن الغالب في النسبة إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقال: مدني , والغالب في النسبة إلى المدن الأخرى أن يقال: (مديني) ونسبة علي بن المديني جاءت على خلاف الغالب كما بينت ذلك في صلب البحث- والله أعلم 3 - ينتمي علي بن المديني إلى أسرة عريقة في علم الحديث إذ كان أبوه (عبد الله بن جعفر) من المحدثين المشهورين , وكان جده (جعفر بن نجيح) وجده من قبل أمه"جمهان" يعدان ممن عني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم 4 - تتميز سيرة الإمام علي بن المديني رحمه الله بالاتصاف بكل خلق كريم من ورع وزهد وعفة وتواضع ونحوها على ما فيها من صفات الدعابة والترويح عن النفس 5 - في بيان عقيدة الإمام علي بن المديني بينت أنه رحمه الله أحد أعلام أهل السنة والجماعة إذ عرف بمنابذته للفرق المنحرفة وشدته ورده عليها , كما أن حرصه الشديد لإظهار السنة ومناصرته لأهل السنة والجماعة معروف فكان إماماً قدوة من أئمة الإسلام ملتزماً منهج السلف الصالح. وأما ما أثير حوله في مسألة خلق القران الكريم , فكل ما أثر من نصوص تشير إلى مسايرته القائلين بخلق القرآن باطلة ومفترى عليه لا ينهض دليلاً على زعم هذه المسايرة. وما كان منه من بعض الميل إلى زعمائهم كان له فيه عذر رأى المصلحة في هذا الميل الضئيل إذ كان ضعيفاً لا يحتمل التعذيب , وقد شدد عليه في الامتحان , كما كان في هذا الميل أيضاً تفريج عن كثير من المعذبين في المحنة من أهل السنة والجماعة كما أوضحت ذلك بالتفصيل في مكانه من هذا البحث , على أن الرجل قد تاب عما اضطر إليه من بعض الميل إليهم فقد صرح أكثر من مرة بكفرهم وأنهم قوم ضلال , والحمد لله. 6 - وفي اتجاه ابن المديني الفقهي يعد رحمه الله من أعلام المحدثين الفقهاء الذين كانت لهم عناية كبيرة بفقه الحديث , ولم يكن يلتزم بمذهب معين من أحد المذاهب الفقهية, بل كان مجتهداً يأخذ بما أداه إليه اجتهاده وما ترجح لديه بالدليل , على أنه كان يتمتع بالتحرز الشديد وعدم التسرع في الفتيا مما يدل على عمق تفكيره وصفاء ذهنه واحتياطه اللازم في الدين. 7 - إن الإمام علي بن المديني قد بدأ حياته العلمية منذ فترة مبكرة من عمره, وكان يتمتع بقوة الحفظ والحرص الشديد على طلب الحديث والتفاني في جمعه, وكثرة الرحلات العلمية إلى الأقطار , والتلقي عن عدد وافر من الشيوخ الكبار مما كان له أبلغ الأثر في سعة إطلاعه ووفرة إنتاجه.

8 - يعتبر الإمام علي بن المديني من كبار المصنفين في علوم الحديث , وكان له إنتاج علمي وفير بلغت مصنفاته نحو مائتي مصنف, وحاز فضل السبق في تأليف كثير من مباحث علوم الحديث بيد أن معظم هذه الكتب لم يكتب لها البقاء 9 - يعتبر الإمام علي بن المديني من الأفذاذ القلائل الذين كانوا يتمتعون بدراية واسعة وإحاطة كبيرة بأحوال الرواة وأخبارهم المختلفة من حين ولادتهم حتى وفاتهم وما بينهما من تفاصيل أحوالهم ودقائق أخبارهم مما يدل على رسوخ قدمه في مجال النقد وأن حكمه على الرواة مبني على دراسة متينة وترو ثابت , وأن هذا الحكم بعيد كل البعد عن المجازفة , والتخرص , وعدم الدقة. وقد انعقد الإجماع على إمامته في فن نقد الرجال وبراعته في هذا الشأن، وحظي باعتراف العلماء له بالفضل والتقدم في هذا الميدان , إذ يوجد له كلام جرحاً وتعديلاً في أكثر الرواة , يضم إليه – في كثرة الكلام في الرواة – الأئمة يحي بن معين , وأحمد بن حنبل , وأبو حاتم الرازي وأشباههم. 10 - احتل الإمام علي بن المديني مكانة عالية ومنزلة مرموقة بين علماء عصره ومن أتوا بعدهم إذ قد حاز قصب السبق في معرفة الحديث وعلله , وفن علل الحديث من أدق فنون الحديث وأعواصها لم يسبر غوره إلا الجهابذة من النقاد وفي مقدمتهم الإمام علي بن المديني رحمه الله. 11 - وفيما يتعلق بمنهجه النقدي فقد كان فيه منهجاً علمياً دقيقاً وفق أسس وقواعد مرسومة ومسالك عديدة تعتمد عليها الدراسة. فمن هذه القواعد: - تركه رواية مرتكبي الكبيره. - عدم مؤاخذته الراوي بالخطأ اليسير. - مؤاخذته بالخطأ الشديد والغلط الفاحش. - تحرزه الشديد في نقد الرجال. ومن المسالك التي سار عليها في نقده إتباع منهج المعارضة, ومنهج اختبار الرواة. 12 - يتميز منهجه النقدي هذا بالاعتدال والبعد عن التشديد والتعنت ,ويتميز أيضاً بالدقة والأمانة والنزاهة العلمية, والتثبت اللازم قبل الحكم , وغير ذلك من مميزات منهجه في النقد وقد بسطت القول في هذا في الفصل الثاني من الباب الثاني. 13 - التحقيق في ظاهرة اختلاف الحكم على الرواة إذ أثر عنه نقول مختلفة وأحكام متباينة , ويمكن إرجاع هذه الظاهرة بعد دراستها إلى أحد الأمور التالية: اختلاف الحكم على الراوي , أو يكون أحد هذه الألفاظ المختلفة غير مراد , أو لبيان مدلول بعض الألفاظ , وقد يكون هذا الاختلاف في الظاهر وفي حقيقة الأمر وواقعة ليس هناك تعارض ولا اختلاف 14 - وفي مجال دراسة مدلول بعض ألفاظ النقد عند علي بن المديني تبين لي- بعد دراسة وتتبع-أن مدلول معظم ألفاظ النقد عنده موافق لما اصطلح عليه المتأخرون , ومع ذلك فقد يجب الانتباه – جيداً – إلى مصطلحات هؤلاء النقاد الأقدمين إذ قد يكون لبعض هذه الألفاظ مفهوم خاص عندهم كما في مصطلح لا باس به يعني به ابن المديني وكذلك ابن معين أن الراوي المتصف بهذا المصطلح في مرتبة الثقة وإن كانوا يريدون به ثقة دون ثقة لأن الثقة عندهم درجات. وهذا المفهوم من هذا المصطلح مخالف لما اصطلح عليه المتأخرون إذا يعدون الراوي المتصف بهذا المصطلح في مرتبة الصدوق الذي يكتب حديثه وينظر فيه – والله أعلم – 15 - وبعد هذه الدراسة لألفاظ النقد عند ابن المديني تمكنت من تصنيف الرواة عنده إلى ثلاث مراتب: أ -مرتبة الاحتجاج. ب -مرتبة الاعتبار. ج- مرتبة التبرك. وكل مرتبة من هذه المراتب تحتوي على مجموعة من ألفاظ النقد. ومما يحسن التنويه به هنا أن النقاد الذين صنفوا الرواة في مراتب تأثروا أي تأثر في تصنيفهم للرواة بمنهج الإمام علي بن المديني في ذلك ومنهج أقرانه ومن يبقهم من أئمة الجرح والتعديل – والله أعلم -

16 - التحقيق في مدلول بعض مصطلحات علوم الحديث عند الإمام علي بن المديني. وجد للإمام علي بن المديني أقوال في بعض أنواع علوم الحديث مثل الحسن والمرسل ونحوهما , وبعد دراسة هذه المصطلحات اتضح لي ما يلي: أولاً: أنه يريد في الغالب من إطلاقه لفظ الحسن المعنى الاصطلاحي المعروف عند المتأخرين. ثانياً: وفي الاحتجاج بالمرسل نجد الإمام علي بن المديني لا يرده مطلقاً ولا يقلبه مطلقاً بل يرى فيه التفصيل. فيقبل مرسلات بعض المحدثين إذا احتفت به القرائن على صحة مخرج المرسل , ويرد مرسلات الرواة الذين يأتون بالمناكير أو يحدث عن كل ضرب. ثالثاً: وأما موقفه من المدلس فيتضح من ظاهر كلامه أنه إذا كثر التدليس من الراوي فلا تقبل روايته حتى يبين السماع ويفيد الاتصال , وأما إذا كان التدليس من الراوي نادراً فإنه يقبل تدليسه – والله أعلم – رابعاً: هناك مصطلحات أخرى من مصطلحات علوم الحديث فيها آراء للإمام علي بن المديني ذكرتها مبسوطة في المبحث الرابع من الفصل الأخير من هذه الرساله هذه بعض نتائج هذا البحث وثمراته التي توصلت إليها بفضل الله عز وجل , وقبل أن أختتم هذه الخاتمة أرى تتميماً للفائدة أن أسطر هنا بعض التوصيات التي ظهرت لي خلال إعدادي لهذا البحث وفيما يلي بعض هذه التوصيات: أولاً: ضرورة توجيه طلاب الدراسات العليا لتناول موضوعات في دراسة مناهج النقاد في نقدهم للرجال , ولا سيما الأئمة الحفاظ الكبار الأقدمون الذين كانوا في عصر الإمام علي بن المديني وقبله وذلك بدراسة منهجهم وتحليل عباراتهم التي استخدموها في تجريح الرواة وتعديلهم. ثانياً: ضرورة القيام بالموازنة بين هذه الدراسات لمعرفة منهج كل ناقد على حدة ومميزات نقده. ثالثا ً: أهمية تحقيق كتب الرجال والتواريخ المخطوطة لما فيها من المعلومات القيمة في مجال النقد وخاصة إذا اشتملت المخطوطة على نصوص الأئمة الأقدمين الذين فقدت كتبهم. رابعاً: أهمية القيام بتحقيق كتب الرجال والتواريخ المطبوعة طباعة غير محققة وذلك لما فيها من الأخطاء الكثيرة مما يوقع الناظر في هذه الكتب من أهل العلم في مشاكل كثيرة ويهدر كثيراً من وقته الثمين. خامساً: ضرورة فهرسة كتب الرجال والتواريخ للأعلام الواردة فيها فهرسة علمية تفصيلية دقيقة , لأن ذلك يوفر كثيراً من أوقات الباحثين في هذه الكتب. وبهذا آتي إلى نهاية البحث الذي وفقني الله وأعانني على إنجازه. وفي الختام أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يسبغ فيوض رحمته على الإمام أبي الحسن علي بن عبد الله المديني , وان يحشره وإيانا في زمرة عباده الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين , كما أسأله – جلت قدرته – أن ينفع بهذا العمل , وأن يجعله عملاً خالصاً لوجهه الكريم, وأن يغفر لي زلاتي , ويتقبل جهدي المتواضع في خدمة الحديث النبوي الشريف، وأن يلهمني الرشد والصواب إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو حسبي ونعم الوكيل , وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الإيضاح الجلي في نقد مقولة: ((صححه الحاكم ووافقه الذهبي))

الإيضاح الجلي في نقد مقولة: ((صححه الحاكم ووافقه الذهبي)) ¤خالد بن منصور الدريس£بدون¥دار المحدث - الرياض¨الأولى¢1425هـ€علوم حديث¶أصول تخريج وتصحيح وتضعيف وجرح وتعديل الخاتمة: بما مضى ترجح لنا أن عدم تعقب الذهبي على الحاكم لا يعد إقراراً وموافقة، وعليه فإن مقولة: (صححه الحاكم ووافقه الذهبي) ليست صحيحة لما تقدم في المبحث الخامس من قرائن ومناقشات لحجج من يرى صحة تلك المقولة. وأهم النتائج التي توصل إليها هذا البحث: 1 - ليس صحيحاً أن الحديث الذي يصححه الحاكم ولا يتعقبه الذهبي بشيء، يكون سالماً من أخطاء الحاكم وتساهله؛ لأن عدم تعقب الذهبي لا يعد إقراراً كما ترجح لي. 2 - لا ينبغي تخطئة الذهبي والاعتراض عليه في الأحاديث التي صححها الحاكم، وفيها ما يوجب التعقب؛ لأنه لم يكن من منهجه تعقب كل حديث فيه نظر. 3 - أقدم كل من استعمل مقولة: (صححه الحاكم ووافقه الذهبي) هو الحافظ الزيلعي، ثم جاء الحافظ السيوطي فقعد لذلك، وتوسع المناوي والعزيزي ومن جاء بعدهما إلى عصرنا هذا في تطبيق تلك المقولة. 4 - ليس صواباً ما ذهب إليه بعض أهل العلم من وجود فرق بين عبارتي: (أقره الذهبي) و (سكت عنه الذهبي). 5 - إن كلام الذهبي في (سير أعلام النبلاء) عن أحاديث المستدرك، هو رأيه الأخير الذي استقر عليه. 6 - أن الذهبي في (سير أعلام النبلاء) حكم على 42% من أحاديث (المستدرك) بأنها عجائب ومناكير، وهذه النسبة تزيد 30% على الأحاديث التي ضعفها في (تلخيصه)، إذ مجموع ما ضعفه فعلياً فيه لا يتجاوز 12% من مجموع أحاديث (المستدرك)، ويفهم من هذا أن الذهبي لم يتعقب عدداً كبيراً من أحاديث (المستدرك) مع أنها في نظره ضعيفة. 7 - من أقوى القرائن الدالة على أن الذهبي لم يكن من منهجه تعقب كل الأحاديث الضعيفة التي صححها الحاكم، أنه يتعقبه في بعض الأحاديث بسبب راو ضعيف، ويترك تعقبه في أحاديث أخرى عديدة يوجد فيها الراوي. 8 - لا يستقيم الاحتجاج بالنصوص الواردة عن بعض العلماء التي فيها إثبات استعمال مقولة: (صححه الحاكم ووافقة الذهبي): لأن هذه الحجة ناقصة؛ لإهمالها عشرات المواضع التي لم تستعمل فيها تلك المقولة من قبل أولئك العلماء أنفسهم، ومراعاة مواضع الترك لا تقل أهمية عن مواضع الإثبات، كي يتسنى للناظر إدراك الصورة من كل جوانبها.

الثقات الذين تعمدوا وقف المرفوع أو إرسال الموصول

الثقات الذين تعمدوا وقف المرفوع أو إرسال الموصول ¤علي بن عبدالله الصياح£بدون¥دار ابن الجوزي – السعودية¨الأولى¢1430هـ€علوم حديث¶دراسات حديثية خاتمة البحث وتتضمن أهم النتائج والتوصيات: في نهاية هذا البحث يحسن أن أذكر أهم فوائد البحث، فمن ذلك: 1 - أن معنى القصر عند المحدثين يرجع إلى أمرين: أ- وقف الحديث على الصحابي أو التابعي، وهو هنا يقابل المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يوافق المعنى اللغوي الأول لمادة (قصر) ألا يبلغ الشيء مداه ونهايته. ب- عدم وصل الحديث بإسقاط راو فهو يقابل هنا الوصل والموصول، وهذا يوافق المعنى اللغوي الثاني لمادة (قصر) وهو الحبس فعدم ذكر الراوي في الإسناد هو بمعنى الحبس. فبين المعنى اللغوي لمادة (قصر) والمعنى الاصطلاحي عند المحدثين علاقة وثيقة. 2 - أن الرواة من حيث وقف المرفوع وإرسال الموصول على قسمين: أ- الضعفاء – على تفاوت درجاتهم – فهذا القسم وقفهم للمرفوع، وإرسالهم الموصول ناتج عن سوء حفظهم فهو من باب الوهم والخطأ. ب- الثقات وهم في هذا الباب على قسمين: - ثقات يقفون المرفوع، ويرسلون الموصول من غير عمد فهذا من باب الوهم والخطأ الذي لم يسلم منه أحد. - ثقات يقفون المرفوع، ويرسلون الموصول عمداً وقصداً لأسباب متعددة وكان هذا النوع من الرواة هم موضوع البحث ومقصده. 3 - أن للوقف والإرسال أسباباً من أبرزها: أ- الشك، وهو على ثلاثة أنواع: الشك في الصيغة، والشك في ثبوت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، والشك في ثبوت الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم. ب- طلباً للتخفيف وإيثاراً للاختصار. ت- شدة الورع. ث- أن يعرف عن صحابي الحديث تهيب الرفع أو قلته. ج- معرفة المخاطبين وتلاميذ الراوي بطريقة شيخهم واشتهاره عندهم. ح- ورود الحديث بروايتين. خ- حال المذاكرة. د- أن يكون الراوي الواقف أو المرسل غير راض عن الراوي الرافع أو عمن أسقطه. 4 - أن معرفة الرواة الذين يوقفون المرفوع، ويرسلون الموصول من خلال ثلاثة طرق: أ- الأقوال المنقولة عنهم. ب- نص الرواة والنقاد على ذلك. ت- سبر أحاديثهم وتتبعها والمقارنة بينها ودراساتها بعمق وتوسع، وتأمل تطبيقات أئمة الحديث والعلل لرواياتهم، وما احتف بها من قرائن، كأن يروي الراوي – الثقة المتقن – الحديث تارة موقوفاً وتارة مرفوعاً، أو تارة مرسلاً، وتارة موصولاً، والنقاد يرجحون المرفوع أو المتصل فهذا علامة على أنه من هذا النوع من الرواة. 5 - أن معرفة هذا النوع من الرواة له فائدة كبيرة، فمن ذلك: أ- معرفة قرينة من قرائن الجمع في باب علل الحديث خاصة في الاختلاف في باب الرفع والوقف، وباب الوصل والإرسال، وهذان البابان من أكثر ما يقع فيهما الخلاف في علل الحديث. ب- أن معرفة عادة هؤلاء نافعة في صحة فهم الرفع في أحاديث بعض الصحابة والتي بلفظ: نهي ونحوها. ت- معرفة مراتب الرواة ومكانتهم وإتقانهم. ث- معرفة منهج من مناهج المحدثين في الرواية والأداء، في زمن من الأزمان، مما يعطي تصوراً عن طرائقهم. ج- عدم توهيم وتخطئة المتقنين أو الرواة عنهم بسبب عدم فهم منهجهم في ذلك، وقد قال ابن أبي حاتم لأبيه وأبي زرعة – عندما ذكر لهم رواية منقطعة -: (قلت: فهؤلاء أخطأوا؟ قالا: لا، ولكن قصروا). ح- أن هؤلاء الرواة من كبار الأئمة الذين تدور عليهم كثير من الأحاديث خاصة أحاديث البصريين. خ- بيان دقة أئمة العلل ونقاده في تطبيقاتهم لأحاديث هذا النوع من الرواة عند نظرهم في علل الأحاديث كما هو مذكور في ثنايا البحث. 6 - أن غالب هؤلاء الرواة موصوفون بالشك، وبينت أن الشك عند المحدثين نوعان: أ- شك ناتج عن قلة الضبط – وهو متفاوت تفاوتاً كبيراً -.

ب- شك ناتج عن مزيد الإتقان والورع وزيادة الاطمئنان على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الصنف من الرواة يريد أداء الحديث بألفاظه كما سمعه تماماً، فيراعي التقديم والتأخير، ويراعي الحرف والكلمة، ويراعي ألفاظ التحمل بدقة، حتى اللحن يرويه – بعضهم – كما سمعه -. وأطلت في بيان الشك لأني لم أر من حرر الفرق بين نوعي الشك عند المحدثين، وخشية من عدم ملاحظة الفرق عند النظر في تراجم الرواة مما قد يوقع الباحث في لبس، وقلت هناك: لو أطلق على شك المتقنين (الشك الاطمئناني)، أو (الشك التحرزي) لكان ذلك أدق. 7 - أن مدرسة القصر غلبت على الرواة البصريين، والذي ظهر لي أن سبب ذلك أمران: أ- تأثير محمد بن سيرين على المدرسة البصرية، ومن المعلوم أن محمد بن سيرين من أشهر علماء البصرة في زمانه، وكذلك من أشهر من يقصر الأسانيد. ب- أن المدرسة البصرية من حيث ضبط الحديث والعناية به أقوى من بقية المدارس في العراق والشام ومصر. 8 - أن ترجيح الرفع عن هؤلاء الرواة عند الاختلاف ليس قاعدة مطردة، بل قرينة يستفاد منها عند التساوي ولذا رجح النقاد الوقف والإرسال في بعض الاختلافات عن هؤلاء الرواة. التوصيات: هذه بعض التوصيات التي لمست أهميتها أثناء كتابة البحث فمن ذلك: 1 - ضرورة العناية بعلم علل الحديث بالنسبة للمشتغلين بالحديث وعلومه، فقد بان لي أن أغلب الخلل الواقع في كلام المعاصرين على الأحاديث نتيجة للقصور في علم العلل وعدم التفطن لدقائقه. 2 - أهمية العناية بصفات الرواة كقصر الأسانيد، أو اختصار المتون، أو الإدارج فيها، أو التصحيف في الألفاظ أو الأسماء ونحو ذلك مما له أثر كبير في الترجيح والجمع والإعلال في علم (علل الحديث). 3 - الاهتمام بطبع الكتب المخطوطة خاصة كتب علل الحديث. 4 - ضرورة العناية بتصحيح بعض الكتب المطبوعة، والتأكد من سلامة النص. 5 - أهمية الرجوع إلى مخطوطات الكتب المطبوعة عند الاشتباه والشك في سلامة النص والحذر من مخرجي ومعلقي الكتب الذين يتصرفون بنص الكتاب زيادة ونقصاً، تقديماً وتأخيراً، تصويباً وتعديلاً.

الجرح والتعديل

الجرح والتعديل ¤أبو لبابة حسين£بدون¥دار اللواء¨الأولى¢1399هـ€علوم حديث¶جرح وتعديل خاتمة وبعد لقد أثير حول بعض كتب الجرح والتعديل ـ التي لا تفسِر أسباب الجرح وتكتفي بالإشارة إلى تضعيف الرواة أو توهين حديثهم ـ سؤال عن جدواها سيما عند من يشترط التفسير؟ ويرى ابن الصلاح أن هذا المسلك من تلك المصنفات لا يفضي إلى تعطيلها إذ أدت مهمتها بإيقاعها الريبة في نفوسنا إزاء الضعفاء فأوقفتنا عن قبول مروياتهم ريثما تتضح حقيقتهم. أما القاسمي فإنه يراها من المختصرات "التي قُصد بها تقريب الحكم للمراجع وإلا فالمطولات تكفلت بذلك" التفسير. في حين يرى العراقي أن الجمهور إنما طلبوا التفسير ممن ليس عالماً بأسباب الجرح والتعديل وأما العالم بأسبابها فيقبلون جرحه من غير تفسير. وإذا علمنا أن جل هؤلاء المؤلفين من خيرة علماء الحديث العالمين بأسباب الجرح والتعديل تأكدنا من بقاء جدوى تلك الكتب وأهميتها رغم إبهامها التجريح. وهناك تساؤل آخر عن جدوى التجريح نفسه بعد أن دونت الأخبار في أمهات الكتب منذ رأس الأربعمائة؟ ويجيب عنه السخاوي بأن الجرح سيبقى مفتوحاً ما دعت إليه ضرورة النصيحة للمسلمين وحفظ دينهم ودنياهم. وهكذا تبين لنا أن علماء المسلمين لم يألوا جهداً في خدمة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم جمعاً وتطهيراً من الوضع، ودراسة فانتقوا الصحاح وجمعوا السنن ووضعوا المسانيد وألفوا الشروح المستفيضة لأهم كتب السنة. كما جمعوا الأحاديث الموضوعة في كتب الموضوعات وألفوا في الرجال على اختلاف مستوياتهم في العدالة والجرح كتباً ما تزال تشهد بعبقريتهم وإخلاصهم للحق. ولعل من أهم واجبات جيلنا المعاصر الملحة أن يضع ـ بتعاون مع الهيئات العلمية الإسلاميةـ أربع موسوعات عملاقة تضم الأولى الحديث الصحيح والثانية الحديث الموضوع وتتناول الثالثة الثقات والأخيرة الضعفاء والمجروحين حتى نضع حداً لهذا التشتت في جهود المشتغلين بالسنة الذي ينتهي بالكثيرين إلى الملل والضياع فضلاً عما يقعون فيه من التضارب ومن إثارة الشكوك حول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك نوصد الباب أمام القول بالباطل في حديث الرسول هذا الباطل الذي يجعل منه أعداء الإسلام منطلقاً للتهجم عليه سيما إذا كان صادراً عمن يدين بالإسلام أمثال سيد أحمد خان بهادر الذي يصفه جولد زيهر بأنه "أرجح الواقفين على علم الرواية وعلى روح ذلك العلم ـ يريد به علم الحديث ـ بين ذوي الكلمة العليا في حركة التجديد الهندية الإسلامية"، وإنما أفسح له في الإشادة لأنه من رجال هذه الحركة الذين "يقفون بالكلية تجاه الحديث على أنه مصدر الأسس التي يُعدُّ تخليدها عقبة في حرية النمو" ولأنه في رسالته ـ التي يصفها جولد زيهر بالعلمية الخاصة ـ تبرئة الإسلام عن شين الأمة والغلام يصف العديد من نصوص السُّنة بأنها "ليست أجدر بالتصديق في وجهة النظر التاريخية من قصص ألف ليلة وليلة أو أخبار حاتم الطائي". ومثل هذا الاعتقاد تولت كبره الموسوعة الإسلامية حيث غضت الطرف عن كل تحرٍ لأئمة الحديث وجهود رجال الجرح والتعديل التي خلدتها آثارهم الناطقة بما يكاد تعجز عنه طاقة البشر لما تميزت به من تجرد وتفان في طلب الحق. أشاحت بوجهها عن كل هذا لتصدر عن دافع الحقد على الإسلام وأهله فتقول ـ بعد أن تعلل أسباب الوضع كما يحلو لها ـ "وعلى هذا لا يمكن أن نعد الكثرة الغالبة من الأحداث وصفاً تاريخياً لسنة النبي بل على العكس من ذلك تمثل أراء أعتنقها بعض أصحاب النفوذ في القرون الأولى بعد وفاة محمد ونسبت إليه عند ذلك فقط" ولا يفوتني أن أشير إلى تضارب أقوال المستشرقين أنفسهم. أصحاب الموسوعة حول التدوين المبكر لجانب كبير من السنة منذ عصر الصحابة ـ لا في القرون الأولى ـ فضلاً عما أثبته رجال الإسلام من حقيقة هذا التدوين، ولكن ما العمل مع هؤلاء: وصرخةُ الحق تأباها مسامعُهم من يسمع الحق منهم يشتك الصمما إلا أن تصاممهم وتعاميهم لا يمنع أئمة الإسلام ـ الذين تثقفوا ثقافة إسلامية خالصة لم يلوثها غبار الثقافات الهدامةـ أن يعلنوا حقيقة الأحاديث بلا مواربة. وإن فيما توصل إليه ـ بحكمةـ الإمام الأكبر الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ـ طيّب الله ثراه ـ لأفضل رد على ما افترته الموسوعة وأنصارها حيث يقول: "وإن إلقاء نظرة واسعة لهيأة مجتمع الأمة المتدينة بالإسلام في أزهر عصور اتباعها لتعاليمه لكاف للمتأمل الألمعي في تصور معظم مبادئ ذلك الدين ... وقد رأيت أجدى شيء للمتطلع إلى هذا المجال الرحب مطالعة كتب السنة والسيرة النبوية وكتب الأخبار الصحيحة الخلية عن الهوى فإنه تقع لديه منها صور كثيرة تمثل له أخلاق أفاضل المسلمين في أجلى مظاهر تفرعها عن المبدأ الإسلامي.

الحديث الضعيف أسبابه وأحكامه

الحديث الضعيف أسبابه وأحكامه ¤ماهر منصور عبدالرازق£بدون¥دار اليقين - مصر¨الأولى¢1423هـ€علوم حديث¶دراسات حديثية الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد. فمن خلال هذه الدراسة ((الحديث الضعيف أسبابه وأحكامه)) أرجو أن يكون قد اتضح ما يلي: أولا: عناية الأمة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قد وضعوا من القواعد والأسس ما يستطيع المرء أن يميز بين المقبول والمردود من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفوا بذلك عن السنة تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. ثانيا: أن الحديث الضعيف هو ما قصر عن درجة الحسن، أو هو: ما فقد شرطا من شروط القبول. ثالثا: أن أسباب ضعف الحديث تعود إلى واحد من أمرين: 1. إما لسقط في الإسناد. 2. أو لطعن في الراوي. وأن السقط في الإسناد قد نتج عنه عدة أنواع من الضعيف هي: المعلق-المرسل-المنقطع- المعضل- التدليس- المرسل الخفي. وأن الطعن في الراوي يكون بعشرة أشياء بعضها أشد في القدح من بعض: خمسة منها تتعلق بالعدالة، وخمسة تتعلق بالضبط. وقد نتج عن ذلك عدة أنواع من الضعيف هي: الموضوع- وإطلاق الحديث عليه من باب التجوز، وإلا فهو ليس بحديث، المتروك- المنكر- المعل- المدرج-المقلوب-المضطرب-المصحف-الشاذ. رابعا: أن الحديث الضعيف ينبغي أن يروى بصيغة التمريض لا بصيغة الجزم، وأن كثيرا من أهل الشأن قد أخل بهذا المنهج. خامسا: أن الحديث الضعيف قد يرتقي إلى الحسن لغيره بمتابع مثله أو أعلى منه بشرط أن يكون الضعف غير شديد. سادسا: للأئمة أقوال ثلاثة في الاحتجاج بالحديث الضعيف: 1. لا يحتج به مطلقا. 2. يحتج به مطلقا. 3. يحتج به في فضائل الأعمال وغيرها بشروط. والراجح عندنا والله أعلم عدم الاحتجاج به مطلقا.

الحديث المنكر عند نقاد الحديث – دراسة نظرية وتطبيقية -

الحديث المنكر عند نقاد الحديث – دراسة نظرية وتطبيقية - ¤عبدالرحمن بن نويفع السلمي£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1426هـ€علوم حديث¶علوم حديث - علل خاتمة كتاب الحديث المنكر عند نقاد الحديث أهم النتائج: 1 - عِظم مكانة الأئمة النقاد من هذا العلم الشريف، حيث يجب اتباع أقوالهم، ويلزم قبول أحكامهم على الأحاديث كما يلزم قبول أحكامهم على الرواة. 2 - أن معرفة الأئمة النقاد للحديث المنكر قد تسبق معرفة حال راويه، فقد يكون راويه ثقةً، وقد يكون صدوقاً، كما أنه قد يكون ضعيفاً. إلا أن الراوي كلما زادت وثاقته كلما قلت روايته للمناكير. 3 - قد يُحكم على تفرد الراوي الثقة أو الصدوق بأنه منكر، وممن وجدته حكم على هذه الصورة بالنكارة من النقاد: يحيى القطان في حديث رقم (9، 176) وعبد الرحمن بن مهدي في حديث رقم (9، 90)، ومعاذ بن معاذ في حديث رقم (176)، وأحمد بن حنبل في أحاديث (1 - 23)، ويحيى بن معين في رقم (11)، والبخاري في رقم (75)، وأبو زرعة الرازي في رقم (90، 91)، وأبو حاتم الرازي في رقم (137 - 150)، وأبو داود في رقم (120 - 126)، ومسلم في رقم (9)، والأثرم في رقم (90)، وابن أبي حاتم في رقم (93)، والنسائي في رقم (175 - 183). 4 - قد يحكم النقاد على مخالفة الراوي الثقة أو الصدوق لمن هو أولى منه بالنكارة، وممن وجدته حكم بذلك من النقاد: أحمد بن حنبل في أحاديث رقم (24 - 27)، وعلي بن المديني في حديث رقم (184)، والبخاري في حديث رقم (76)، وأبو زرعة في أحاديث رقم (92 - 96)، وأبو داود في رقم (128 - 130) وأبو حاتم الرازي في رقم (151 - 153)، والنسائي في رقم (184 - 191). 5 - جاءت الصور التي شملها اسم المنكر في جانب الدراسة التطبيقي على النحو التالي: أولاً: تفرد راوٍ مقبول (ثقة أو صدوق) بما لا يحتمل، وقد بلغت نحواً من (65) حديثاً، وهي ذوات الأرقام: [(1 - 19)، (21 - 23)، (75)، (78 - 80)، (90 - 93)، (96 - 97)، (120 - 123)، (125 - 128)، (137 - 145)، (147 - 152)، (175 - 183)، (187)]. ثانياً: مخالفة راوٍ مقبول (ثقة أو صدوق) لمن هو أولى منه، وقد بلغت نحواً من (19) حديثاً، وأرقامها: [(20) ـ (24 - 27)، (94 - 95)، (117)، (129 - 130)، (153 - 154)، (184 - 186)، (188 - 191)]. ثالثاً: تفرد راوٍ ضعيف بما لا يتابع عليه، وقد بلغ عدُّ مسائل هذه الصورة نحواً من (38) حديثاً، وهي المرقمة بـ: (28 - 41)، (46)، (48)، (81 - 84)، (98 - 100)، (131)، (155 - 158)، (160)، (165 - 166)، (192 - 197). رابعاً: مخالفة راوٍ ضعيف للثقات، وبلغ إجمالي عدد مسائلها نحواً من (14) حديثاً. وهي ذوات الأرقام: (42 - 45)، (47)، (49 - 50)، (76)، (101 - 104)، (124)، (132 - 133)، (163 - 164)، (198 - 199). خامساً: تفرد راوٍ مجهول أو مخالفته، وقد بلغت نحواً من (28) حديثا، وهي ذوات الأرقام: [(51 - 59)، (61)، (77)، (85 - 87)، (115 - 116)، (117 - 118)، (134)، (161 - 162)، (167، 170)، (172)، (200 - 201)]. 6 - أن الأئمة النقاد متفقون على إطراح المناكير. 7 - أن الحديث المنكر عندهم بمعنى واحد. 8 - أن عبارة منكر الحديث؛ عبارة جرح عند أحمد بن حنبل وغيره من أئمة النقد. 9 - أن عبارة منكر الحديث مجمله في الضعف (شديده، وخفيفه) ولكنها غالباً تطلق على المتروكين، لذا فإن الأصل أنها عبارة جرح شديد. 10 - أن أئمة الحديث متفقون على القواعد التي يُقبل الحديث بها ويرد؛ لأن مرد هذه القواعد إلى الفطر السليمة وواقع الروايات. 11 - أن اختلافهم الذي يوجد في أحكامهم على الأحاديث والرواة؛ إنما هو اختلاف في تطبيق تلك القواعد على المسائل الجزئية.

12 - أن التفرد والمخالفة علامتان على النكارة، فلا يلزم من كون الراوي تفرد أو خالف، أن يكون أتى بما ينكر. 13 - أن الأحاديث الغرائب قد يقبلها النقاد، وقد يردونها حسب القرائن التي احتفَّت بها. 14 - أنَّ النكارة هي: خلل في الرواية يستفحشه الناقد، ويدركه بقرائن أهمها التفرد أو المخالفة. 15 - أن إنكار الحديث لا يسوغ ولا يٌُبل إلا من إمامٍ مطلع، وخاصةً إنكار الأسانيد. وأهم ما يوصى به ما يلي: 1 - العناية بأحكام النقاد المتقدمين على الأحاديث، وجمعها من مظانها التي تفرقت فيها، وضم بعضها إلى بعض، وتخريجها التخريج الصحيح عند الاختلاف؛ لأنهم اختصوا بمعرفة العلل وإدراك النكارة. 2 - الانطلاق في الحكم على الحديث من أحكام النقاد عليه، لا من ظاهر الإسناد أو مجموع الأسانيد، لأن العلة والشذوذ يتطرقان إلى الأسانيد التي ظاهرها الصحة. 3 - يحتاج كتاب التاريخ الكبير للبخاري إلى استخراج علل الأحاديث منه؛ لأنه غالباً ما يوردها بإشارة خفية لا يدركها إلا أهل العلم والمعرفة. 4 - يحتاج مصطلح الشاذ إلى دراسةٍ يُستقرأ فيها إطلاقات الأئمة وتنظيرهم. 5 - مطالعة كتب العلل، وإدمان النظر فيها، وضم الشبيه إلى شبيهه، والنظير إلى نظيره. 6 - التوسع في قراءة تاريخ الرواية وتراجم الرواة وحال العصر الذي كانوا فيه ليتحصل للقارئ إدراك معاني كلامهم وحقيقة أحوالهم. 7 - إحسان الظن بالعلماء والفضلاء، وتلمس العذر لهم، وعدم التدقيق على هفواتهم، فمن الذي لا يخطئ؟! كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه. {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} (الإسراء 111). وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الحديث المنكر ودلالته عند الإمام الترمذي

الحديث المنكر ودلالته عند الإمام الترمذي ¤محمد بن تركي التركي£بدون¥دار العاصمة-الرياض¨الأولى¢1430هـ€علوم حديث¶دراسات حديثية الخاتمة: وفي نهاية هذا البحث، أحمد الله عز وجل على أن هيأ لي إتمامه على هذا الوجه، وأسأله أن يكون مفيداً للمشتغلين بالسنة النبوية، وأن يكون سبباً للكتابة حول تحديد معنى هذا المصطلح عند بقية الأئمة .. ويحسن في خاتمته أن أذكر أهم نتائجه، والتي تتلخص فيما يلي: 1 - بلغ عدد الأحاديث التي حكم عليها الإمام الترمذي بالنكارة: ثمانية أحاديث فقط، وكلها في كتابه السنن؛ حيث لم أقف على شيء منها في كتبه الأخرى. 2 - تبين أن الحديث المنكر عند الترمذي هو الحديث الذي يتفرد به المتروك، أو من اشتد ضعفه ولو لم يخالِف، ومنه يتبين أن اشتراط المخالفة للراوي الضعيف في الحديث المنكر ليس بدقيق. 3 - وتبين أيضاً أن الحديث المنكر عند الإمام الترمذي داخل ضمن الحديث الضعيف جداً أو الموضوع؛ حيث وجدنا أن جميع الأحاديث تقريباً أسانيدها ضعيفة جداً، وتفرد بها رواتها الضعفاء جداً، وفي معظمها كانت شواهدها أيضاً ضعيفة، أو ليس لها شواهد؛ ما عدا حديثاً واحداً فقط، وهو الحديث الرابع، وهذا الحديث وقع اختلاف في نسخ الترمذي حول الحكم عليه بالنكارة. 4 - كما ترجح لي أن الإمام الترمذي لا يَعتبر تفرد الضعيف فقط حديثاً منكراً، ويؤيد هذا أنه أخرج حديثاً من رواية المغيرة بن أبي قرة عن أنس، ونقل عن يحيى بن سعيد أنه قال عن الحديث: (هذا حديث منكر)، ثم تعقبه بأن قال: (وهذا حديث غريب من حديث أنس، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد روي عن عمرو بن أمية الضمري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا). وهذا يعني أنه لم يوافق الإمام يحيى على تسميته لهذا الحديث بأنه منكر؛ وذلك أن المغيرة - وإن كان مجهولاً - إلا أن الحديث قد روي من وجه آخر، وقد أخرجه من حديث عمرو بن أمية ابن حبان وغيره، وهو حديث حسن. كما وجدناه يعبر أحياناً كثيرة عن الأحاديث التي ينفرد بها راو ضعيف بقوله: حديث غريب، أو نحوها، دون أن يقرنه بالصحة أو الحسن. 5 - كما تبين أن الإمام الترمذي لم يتفرد بالحكم على هذه الأحاديث بالنكارة؛ حيث وافقه عدد من الأئمة في كثير من هذه الأحاديث، كما تقدم النقل عنهم في ثنايا البحث.

الرواة المختلف في صحبتهم ممن لهم رواية في الكتب الستة – جمعا ودراسة

الرواة المختلف في صحبتهم ممن لهم رواية في الكتب الستة – جمعا ودراسة ¤كمال قالمي الجزائري£بدون¥المملكة العربية السعودية- وزارة التعليم العالي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة¨الأولى¢1428هـ€علوم حديث¶علم الرجال الخاتمة: أحمد الله تعالى وأشكره على إتمام هذا البحث المتواضع، سائلاً الله عز وجل الإخلاص في القول والعمل، وهو حسبي ونعم الوكيل. وبعد رحلة طويلة مع الرعيل الأول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم بإحسان، أسجل أهم النتائج التي توصلت إليها، وأجملها في النقاط الآتية: أولاً: بالنسبة إلى المباحث الواردة في المدخل: • إن الصحبة تثبت بمجرد الرؤية مع الإسلام والتمييز، ولا يشترط البلوغ، ولا السماع، ولا طول الملازمة، وهو الذي عليه جمهور المحدثين. وعليه فأبناء الصحابة الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم – وهم دون سن التمييز – معدودون في كبار التابعين، وهو الذي عليه أكثر أئمة الحديث، وبعضهم ألحقهم بالصحابة للإدراك وحصول رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لهم في الغالب. وأما حديثهم فهو من باب مراسيل التابعين عند الجميع. • إن الصحبة لا تثبت بالإسناد الضعيف على القول الراجح، ولكن إذا كان للمختلف في صحبته أكثر من حديث ولا تخلو أسانيدها من مقال، فإنها تتقوى وتدل على صحبته، كما قرره الحافظ ابن حجر رحمه الله. وليست العلاقة بين الصحبة وصحة الحديث طردية، بل قد يصح الحديث في الشواهد وهو مرسل، وقد تثبت الصحبة لمن لم يصح حديثه، أو ليست له رواية أصلاً من طرق أخرى كالتواتر، أو الاستفاضة، أو أن يشهد له أحد الصحابة بأنه صحابي، أو أن يرد ذكره في إحدى الغزوات إلى غير ذلك من طرق إثبات الصحبة. • إن الضوابط التي ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله في مقدمة (الإصابة) – وهي: أنهم كانوا لا يؤمرون في الفتوحات إلا الصحابة، وأنه لم يبق في الطائف ومكة أحد سنة عشر إلا أسلم وشهد حجة الوداع – ليست على إطلاقها، بل لها قيود أشار إليها الحافظ نفسه في أثناء التراجم، وليست بمطردة أيضا، كما سبق بيانه في موضعه. • لا يستلزم ذكر الرجل في كتب الصحابة أن يكون صحابياً عند من ذكره؛ لأن بعض المؤلفين في الصحابة ضم إليهم غيرهم بقصد استيفاء كل من أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإن يلقه، أو بقصد التنبيه على عدم صحة صحبته إلى غير ذلك من المقاصد. • إن الإمام أبا عبد الله البخاري رحمه الله يعد من أوائل من أفرد تراجم الصحابة بالتأليف، كما ترجم لهم مع غيرهم في كتابه (التاريخ الكبير)، ولشيخه أبي الحسن علي ابن المديني رحمه الله – قبله – كتاب في (معرفة من نزل من الصحابة سائر البلدان). ثانياً: بالنسبة إلى التراجم المختلف في صحبتهم: • إن معرفة هؤلاء المختلف في صحبتهم ودراستهم من أهم مباحث علوم الحديث، لما يترتب عليه من أحكام على الراوي من حيث الثقة والعدالة، وعلى المروي من حيث الاتصال والإرسال. • بلغ عدد الرواة المختلف في صحبتهم في هذا البحث: مائة راو وسبعة وثمانين (187) راوياً. وهم من حيث الترجيح على أقسام: الأول: من اختلف في صحبته، والراجح أنه صحابي. وعدتهم سبع وخمسون (57) ترجمة. الثاني: من اختلف في صحبته، والراجح أن له رؤية. وعدتهم ثماني (8) تراجم. الثالث: من اختلف في صحبته، والراجح أنه مخضرم. وعدتهم ثماني عشرة (18) ترجمة. الرابع: من اختلف في صحبته، والراجح أنه تابعي. وعدتهم خمس وتسعون (95) ترجمة. وهناك تراجم مختلفة: خمس تراجم في صحبتهم نظر، وهي برقم (7، 13، 25، 35، 170). وترجمة معدود صاحبها في أتباع التابعين، وهي برقم (106). وترجمة يحتمل أن يكون صاحبها من الأتباع، وهي برقم (17).

وترجمة يشك في وجود صحابها، وهي برقم (33). وترجمة يشك في إسلام صاحبها؛ لأن الصحبة لابنه، ولا يعرف هو في الصحابة، وهي برقم (143). • وإن هذا الاختلاف من حيث القوة والضعف على درجات؛ فبعض الخلاف شديد وشائك بين الأئمة الكبار، ومن الخلاف ما هو ضعيف أو غير معتبر، أو لا وجود له في حقيقة الأمر. • هؤلاء المختلف فيهم، منهم المكثر من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم المقل – وهم الغالب -، ومنهم من لم أجد لهم رواية، وإليك عدد أحاديث كل ترجمة بحسب ما نص عليه أهل العلم، أو وقفت عليه: 1 - فأما الذين لم أجد لهم رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم فعدتهم سبعة عشر راويا. 2 - أصحاب الواحد: وعدتهم ثمانية وثمانون راوياً. 3 - أصحاب الاثنين، وعدتهم أربعة وعشرون راوياً. 4 - أصحاب الثلاثة، وعدتهم اثنان وعشرون راوياً. 5 - أصحاب الأربعة، وعدتهم ستة رواه. 6 - أصحاب الستة، وعدتهم أربعة رواه. 7 - أصحاب السبعة، راويان. 8 - أصحاب الثمانية، راويان. 9 - أصحاب التسعة، راويان. 10 - أصحاب العشرة، راويان. 11 - أصحاب الأحد عشر، راو واحد. 12 - أصحاب الاثني عشر، ثلاثة رواة. 13 - أصحاب العشرات، راو واحد، وله ثمانية وعشرون حديثاً. • وهذه قائمة بأسماء التراجم الذين صرح الحافظ ابن حجر رحمه الله بالاختلاف في صحبتهم في كتابه (تقريب التهذيب) بقوله: (مختلف في صحبته)، ولم يقطع فيهم بشيء مع مقارنتها بكتابة (الإصابة) ونتائج البحث: • اسم الراوي: عبد الله بن حنطب الإصابة: القسم الأول نتيجة البحث: له صحبة • اسم الراوي: عبد الله بن محصن الأنصاري الإصابة: القسم الأول نتيجة البحث: له صحبة عند الأكثر • اسم الراوي: عبد الله بن هلال الثقفي الإصابة: القسم الأول نتيجة البحث: لم تصح له صحبة • اسم الراوي: عبد الرحمن بن أبي عميرة الإصابة: القسم الأول نتيجة البحث: له صحبة • اسم الراوي: عمرو بن غيلان الثقفي الإصابة: القسم الأول نتيجة البحث: لم تصح صحبته • اسم الراوي: فروة بن مجاهد اللخمي الإصابة: القسم الرابع نتيجة البحث: تابعي باتفاق • اسم الراوي: مرحب أو أبو مرحب الإصابة: القسم الأول نتيجة البحث: له صحبة • اسم الراوي: أبو سكينة الحمصي الإصابة: القسم الأول نتيجة البحث: تابعي لم تصح صحبته

التصحيف وأثره في الحديث والفقه وجهود المحدثين في مكافحته

التصحيف وأثره في الحديث والفقه وجهود المحدثين في مكافحته ¤أسطيري جمال£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1415هـ€علوم حديث¶تصحيف ومصحفين الخاتمة في هذه الخاتمة نختصر ونعتصر أهم النتائج التي توصلنا إليها في بحثنا هذا، ونذيل ذلك ببعض التوصيات التي نرفعها إلى كل مشتغل بعلم الحديث، وإلى الهيئات والمؤسسات التي تعمل على طبع وتحقيق التراث الإسلامي فنقول في: أـ النتائج: • التصحيف ظاهره لم يسلم منها أحد، بل وقع فيها كبار المحدثين والسبب في ذلك أن علم الحديث علم يعتمد النقل والسماع، وكلاهما يخطئ. غير أن نسبة الخطأ تقل في الرواة المحققين الذين تمرسوا بصناعة الحديث وتفرغوا لضبطه ومهروا في إتقانه عن الشيوخ الموجودين العارفين بعلم الحديث رواية ودراية. • وقوع التصحيف من الأئمة المتبوعين أشد خطراً وأعظم ضرراً، وذلك لأن أتباعهم قد يفرعون ويخرجون المعاني على تلك الألفاظ المصحفة، وهذا كله من ضرر التقليد. • لم ينعقد إجماع على العمل بنص مُصّحَّف، وهذا يدل على عناية الله بحفظ هذه الشريعة السمحة، كما يدل على العناية التامة التي بذلها المحدثون في الذب عن السنة والسعي في الحفاظ عليه لفظاً ومعنى. • يكاد يندر أو ينعدم وجود تعمد التصحيف من طرف بعض الرواة، إلا ما ورد عن الشيعة في تصحيف قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركنا صدقة"ـ وقد سبق الكلام عليه. وعدم تجرؤ الرواة على تعمد التصحيف مما يُتَعجَّبُ منه، فإن تعمد الكذب من طرفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم جائز وواقع. وهو أقبح وأعظم ضرراً. • التصحيف علة تقدح في الحديث سنداً ومتناً وفي بيان ذلك نقول: للتصحيف أثر بالغ في قبول الأحاديث وردها أو في التوقف في الحكم عليها. التصحيف علة تقدح في المتن من حيث الاحتجاج باللفظ المصحف في الأحكام الشرعية. • التصحيف الحاصل في أسماء الرواة أدى إلى الجمع والتفريق في أسماء الرجال. • قد يقع التصحيف في أسماء الرواة أو في صيغ التحديث في الإسناد، فيترتب على ذلك استدراك رواة ـ زوائد ـ لا حقيقة ولا رواية لهم إطلاقاً. • التصحيف سبب من أسباب الخلاف الفقهي، ولم أر من ذكر ذلك ممن ألف في أسباب الخلاف الفقهي، ولعل السبب في ذلك قلة المسائل المختلف فيها بسبب التصحيف. • أهمية الوقوف على النسخ المتعددة من أي كتاب يراد تحقيقه، وذلك حتى لا نعزو التصحيف إلى مؤلف الكتاب بينما قد يكون ذلك من الناسخ، فكم هي التصحيفات التي تسبب فيها طبع بعض كتب الحديث اعتماداً على نسخة واحدة وقع فيها التصحيف من الناسخ! فالباحث الذي يعتمد عند التحقيق عدة نسخ، يقوم من خلالها بالمقابلة والمقارنة، لا يثبت حرفاً ارتاب فيه إلا بعد أجراء علمية استقراء للنسخ المتوفرة من الكتاب الذي يحققه. • معظم التصحيفات ذات الأثر البالغ التي ترتبت عليها أحكام فقهية أو حديثية، وقعت بعد العصور الأولى للرواية، تلك العصور التي التزم فيها ناقلو الأخبار وحملة الآثار شروط وآداب التحمل والأداء. • وهذا يدل على أن تلك القوانين التي وضعها المحدثون لتلقي العلم وروايته قد حققت نتائج هامة وفوائد تامة، ولهذا ندر التصحيف في عهد الصحابة. وكلما ابتعدنا عن تلك العصور الأولى ـ عصور الروايةـ ابتعدنا عن التزام آداب الرواية وتأثرنا بالمناهج التربوية الغربية فجاز علينا التصحيف ووقع فينا وكثر التحريف. أما ما وقع من تصحيفات في عصور الرواية فأغلبه يرجع إما إلى سوء السمع، وقد تحدثنا في الباب الأخير من هذا البحث عن سبيل الوقاية من سوء السمع عند المحدثين عندما تحدثنا عن وسائل الأداء. كما يمكن أن يرجع التصحيف إلى الأخذ والتحمل عن الكتاب وقد حذر المحدثون من ذلك. ب ـ التوصيات: • ضرورة أخذ وسماع الحديث عن الشيوخ والعلماء الذين لهم عناية تامة بتحقيق ألفاظه وضبط أسماء رواته، فإن في ذلك تجويداً له وتيسيراً وتقريباً لطالب العلم. • ضرورة إعادة طبع كثير من كتب الحديث التي نشرت من غير تحقيق علمي يعتمد ويلتزم منهج المحدثين في تحقيق النص الحديثي وفق ما أشرنا إليه في الباب الأخير من هذا البحث. • تأسيس مجلس علمي يُعْنَى بتحقيق التراث الإسلامي يتكون من العلماء المحققين في علم الحديث، توكل إليهم مهمة التحقيق والطبع والإشراف على طبع كتب الحديث ومراجعة ما ينشر في العالم الإسلامي في علم الحديث وتقويم أعمال المحققين.

التعديل والتجريح

التعديل والتجريح ¤سليمان بن خلف أبو الوليد الباجي£أبو لبابة حسين¥دار اللواء¨الأولى¢1406هـ€علوم حديث¶جرح وتعديل الخاتمة وبعد، فإن هذا الكتاب "التعديل والتجريح" للقاضي أبي الوليد الباجي سَيَمْلأُ فراغاً يستشعره كلُّ من داوم النظر في علم الرجال وَثَافَنَ مُصَنّفاتِهم، من علماء الحديث وفي الوقت نفسه سَيَدْعَمُ ثقتنا المطلقة بالإمام البخاريّ الذي أذعن له علماءُ عصره بالفضل، وشهد له علماء الأمّة بالسبق، وأجمعوا على أنّ صحِيحَه أَصَحُّ كتاب عبد كتاب الله، حيث يُفْْصِحُ كتاب التّعديل والتّجريح عن مكانة رواة الجامع الصّحيح العلمية، وعن أمانتهم وتمام ضبطهم وتقواهم وصلاحهم، مِمَّا يجعل هذا الصحيح فوق مستوى الشبهات ويجعل رجاله وَبِلا ـ استثناء ـ ممن اجْتَازُوا القنطرة على ملحظ بعض النُّقَّاد كما جاء ذلك في هدي الساري. فهذه الرسالة أضافت كتاباً من كتب الرجال استوعب أَهَمَّ ما في الكُتُبِ السابقة في تاريخ الرجال وقواعد الجرح والتعديل، والذي يُضْفي عليه هذه الأهمية، قُدرة الباجي على استغلال مصادره. لما يتمتع به من ذهنية نَيِّرَة تستخدم المنطق والعقل القائمين على العلم في قبول ما تقبله وردّ ما تردُّه، فهو كتاب خالٍ من التعصّب والغلوّ والإِسْفاف. وهذا الكتاب ولئن كانت بَعضُ تراجمه مختصرة غير مُجْزِيَة، فإنَّ أغلب تراجمه الأخرى يمكن الاستفادةُ منها استفادةً كاملةً، سِيَّمَا بعد التعليقات والملاحظات التي أضفتها في هوامش الكتاب. والطريف الذي يتميز به الباجي في معالجته لمسائل الحديث هو المنزع العقلي، ففي مبحث تصحيح الأحاديث وتصنيفها يرى أنّ الطريق إليه الاجتهاد وإعمال الرأيّ. ودليله: أن البخاري أخرج أحاديث اعتقد صحّتها لم يخرجها مسلم لاعتقاده فيها غير ذلك. ولا شكّ أن أبا الوليد الباجي لا يعني بقوله (لاعْتِقَادِهِ فِيهَا غير ذلك) أنّ هذه الأحاديث غير صحيحة، وإنما يعني أنّها لم تبلغ أعلى درجات الصحة سيّما والأمر متعلق بأنقى صورة للعدالة وأتم حالة للضبط، وهما من المقولات بالتشكيك، حيث لا توجد معايير مَادِّيَّة دقيقة يُحْتَكَمُ إليها في تحديد مَدَى قُوَّتِهما وضعفهما، فضلاً عن هذا فإنَّ العُلماء قد يختلفون حول الحديث الواحد فمنهم من يُصَحِّحُه ومنهم من يُضَعِّفُهُ وذلك: (أ) لاختلافهم أحياناً حول اجتماع شروط القبول في الحديث أو عدم اجتماعها. (ب) لاختلافهم في اشتراط بعض صفات القَبُول. أما عملية تصحيح الأحاديث أو تحسينها أو تضعيفها فيرى الباجي أنَّ بَاب الاجتهاد في هذا الأمر ليس حِكْراً على قوم دون آخرين، وإنَّما هو مفتوح للجميع وفي كل الأعصار على أن يكون المُتَصَدِّي لذلك من أهل العلم بالحديث وعلومه، أمّا من لم يكن من أهل العلم فعليه تقليدُ العلماء كالبخاريّ ومسلم ومالك وغيرهم فيصَحِّحُ ما يُصَحِّحُونَ وَيُحَسِنُ ما يُحَسِّنُون، ويتوقف فيما يسكتون عنه. كما أنَّ هذه الرسالة تقدّم لأول مرة أبا الوليد محدثاً، عَالِماً بالحديث فَحْلاً في شرحه له، عارفاً بمصطلحاته وبفنونه المتشعِّبة وبخاصة الجرح والتعديل.

وهي تصور كذلك أبا الوليد الباجي عالماً من علماء الإسلام الأفذاذ الذين خاضوا غمار الحياة السياسية والاجتماعية المتردّية بشجاعة فلم يَسْتَكِنْ لليأس أمام قتامة أفق المستقبل لمسلمي الأندلس، فقد شَقَّ طريقَهُ وَسَطَ أدْغَالٍ من الفتن والانقسام والتدلّي، واستطاع أن يَحْتَلَّ مكانة سامية عند مُعاصريه لعلمه وفضله، وهو ولئن أخفق في رَدّءِ الصُّدُوع والشروخ في البناء السياسي للأندلس المُخَضَّدة بانحذال قادتها ملوك الطوائف من المغامرين المتهافتين على السلطة وبتآمرهم وتعاونهم مع أعدائهم اللَّدودين من نصارى الشمال الذين استشرى شرُّهُم واستعر شَرَهُهُم فراحوا يَتَنَقَّصُونَ البلادَ الإسلامية من أطرافها كَتَوْطِئَةٍ لابتلاعها وَإِسْدَالِ ستار النصرانية عيها نهائياً، فإنَّهُ نجح في مهامّ القضاء ونشر العلم والمنافحة عن العقيدة ضدّ المتطاولين عليها من أساطين الكنيسة بالأندلس وفرنسا، بالعلم القاهر والبيان الغلاّب والحُجَّة المفحمة الآسرة. كما تُوقفنا هذه الدراسة على بعض ملامح عصر الطوائف الذي كان صوتُ المجون واقتراف الذنوب ومُوالاة الكافرين وانتهاك شريعة الإسلام فيه عالياً، غلب على صوت الحكمة مُمَثَّلاً في دعوة صالحي علماء الإسلام إلى لزوم الشرع ونبذ الخلافات وتوحيد الصف لِرَدِّ العدوان، وكان انهزامُ صوت الشرع انهزاماً للأمّة وقضاء على عِزَّتَها ووجودها، وهي أحداث تجعلنا نوقن بحقيقة أن كل تَقَدُّمٍ علميّ وازدهار ثقافي يصبح غير ذي موضوع مَا لم يدعمه التزامٌ بالإسلام، وإنّ عِزَّة المسلمين في التزام شريعتهم، وكُلّما ابتعدوا عنها شِبْراً جانبهم التوفيقً ذِرَاعاً. وثَمَّتَ ملاحظة جديرة بالتذكير بها وهي أنّ عدد الرواة المذكورين في كتاب الباجي لا يمثّل العدد الحقيقي للرواة الذين روى لهم البخاريّ في صلب الجامع الصحيح، حيث تكرر ذكر بعضهم كما أنه رحمه الله ذكر أقواماً لم يَرْوِ عنهم البخاري وإنَّما ذكرهم تبعاً لذكر بعض كبار النُّقَّاد لهم فضلاً عن كون الباجي قد ترجم لبعض الرُّواة الذين روى لهم البخاري متابعة أو استشهاداً، وأغفل الترجمة لبعضهم الآخر. والباجي رحمه الله ولئن كان مُحِقًّا في عدم ترجمته للأعلام غير الرُّواة الواردة أسماؤهم في مُتُون الجامع الصحيح للبخاري، وفي تراجم أبوابه، فإن العناية بالتعريف بهم، وبترتيبهم حسب منهج مُعَيَّن، حتّى تسهُلَ الاستفادة منهم، يَبْقَى أمراً حَرِيًّا بالعناية، سيما وشيخُ الإسلام ابن حجر العسقلاني قد قطع شوطاً هامًّا في هذا المضمار، في موسوعته الخالدة فتح الباري. وأخيراً لعلَّ هذا العمل ـ مع أمثاله من الأعمال العلمية المتعلقة بالرواة يكون لَبِنَةً في بناء موسوعة جامعة للرجال الثقات، بعد أن تُسْتَوْفى دِرَاسَتُهُم من جميع الجوانب الضرورية في التعريف بهم وبعلمهم وعدالتهم وذكر تلاميذهم وشيوخهم، وتواريخ وِلاَدَتِهم ووفياتهم ولا شكّ فإنّ الاستفادة من هذه الموسوعة تكون أكبر لويتم ترتيب رواتها على الحروف الهجائية وعلى تواريخ الوفيات معاً.

العدالة الدينية في الرواية الحديثية (الإضافة - دراسات حديثية)

العدالة الدينية في الرواية الحديثية (الإضافة - دراسات حديثية) ¤محمد بن عمر بن سالم بازمول£بدون¥دار الهجرة - الخبر¨الأولى¢1415هـ€علوم حديث¶جرح وتعديل الخاتمة وتشتمل على أهم نتائج الدراسة، وهي التالية: 1ـ تحقيق حدّ العدالة. وأنها غلبة الخير على الشر في الرّاوي. وبيان عدم استقامة تعريفها بأنها: "ملكة تحمل على ملازمة التقوى .. ". 2ـ بيان أنواع العدالة، مع الإشارة إلى أن أنواع الجهالة عند ابن الصلاح، مبني على أنواع العدالة المذكورة. 3ـ ذكر مذاهب العلماء في مسألة: هل الأصل في المسلم العدالة؟، وحجة كل قول، ومناقشتها، وترجيح أنه لا يطلق القول بأن الأصل العدالة وأن المسلم عليها حتى بعد البلوغ، أن الأصل عدمها. وأن الصواب: أن الأصل في المكلف من أهل الإسلام حين البلوغ هو العدالة، ولا يحكم له ببقائها، ولا بنفيها عنه إلا بعد تبين حاله، فينظر هل بقي عليها أو لا!! 4ـ بيان أثر العدالة الدينية في الراوي من جهة كيفية ثبوتها، واختلاف العلماء في ذلك. 5ـ تحرير أنّ الصواب ـ إن شاء الله تعالى ـ في الرواة الذين تقادم العهد بهم، وتعذّرت الخبرة الباطنة بهم، أنه يكتفي في معرفة حالهم بالنسبة للعدالة الدينية بما يلي: ـ القرائن الظاهرة التي ترجح جانب العدالة الدينية الباطنة. (الاكتفاء بالعدالة الظاهرة في الراوي). ـ اعتبار حاله من الضبط. 6ـ بيان أثر العدالة الدينية في الراوي من جهة محترزاتها. 7ـ تحرير أن رواية صاحب البدعة إذا كان مجتهداً متأولاً غير معاند، ولا ضال، إنها لا ترد بسبب البدعة، إنما ينظر فيها من جهة الضبط، سواء كان داعية أم لا! 8ـ تحرير أن رواية صاحب البدعة الذي ظهر عناده وضلاله واتباعه للهوى وتقديمه له على الأدلة الشرعية، إنه ساقط العدالة والضبط. وأن وصف العناد والضلال واتباع الهوى في أصحاب البدع الدّعاة أغلب. 9ـ بيان أنّ الذين قبلوا رواية أصحاب البدع بشرط أن لا يكونوا دعاة، وردّوا رواية الدّعاة منهم، إنما لاحظوا غلبة العناد والضلال واتباع الهوى فيهم. تمت ولله الحمد والمنة. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

المحجة البيضاء في الدفاع عن منهج النقد عند المحدثين القدماء

المحجة البيضاء في الدفاع عن منهج النقد عند المحدثين القدماء ¤جاسم بن محمد بن علي آل علي£بدون¥بدون¨الأولى¢1427هـ€علوم حديث¶منهج النقد عند المحدثين - سند ومتن الخاتمة نرجو أن نكون قد قدمنا للقارئ الكريم رؤية واضحة تعينه على معرفة مواضع الخلاف ونقطة التباين بين المنهج الذي ندعو إليه وبين المخالفين مثل الزهراني وغيره الذين تبين من خلال ردودهم سوء الفهم الذي ينطلقون منه في تشويه دعوة شيخنا المليباري ومن نحا نحوه من العلماء الأفاضل – حفظهم الله – والتي هي في حقيقتها دعوة تجديدية لمناهج السلف من أهل الحديث وإحياء لعلومهم وآثارهم. وها قد رأيت أيها القارئ الكريم كيف أن الشيخ حمزة بريء مما وسمه به الزهراني، وأن ما أثاره الزهراني من شبه سود بها كتابه ما هي إلا أوهام وأباطيل {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء}. كما تبين من خلال مناقشتنا لكتابه (نقد المجازفات) الأمور التالية: 1. مدى تخبطه والانحراف عن جادة الصواب فيما تعقب به شيخنا المليباري. 2. وأن الشيخ حمزة بريء من مقولة عدم اعتماد ظواهر الإسناد في التصحيح والتعليل وعدم حجية خبر الواحد وغير ذلك من الأقوال التي اتهم بها زورا وبهتانا. 3. وأنه ليس ثمة انتقاص من العلماء المتأخرين ولا هضم لحقوقهم، بل المسألة داخلة في باب الاجتهاد والنظر واستدراكات علمية بحتة. وإني لآسف حين أرى هذه الهجمة العنيفة على هذه الصحوة العلمية المباركة في علوم الحديث، فنحن لا نطلب أكثر من أن يراجع المتأخرون ما استقرت عليه مناهجهم وتخريجاتهم الحديثية ليتبين لهم مدى الخطأ والصواب الذي وقعوا فيه عند مخالفتهم للمتقدمين من النقاد والمحدثين، لأني أعتقد بأنه ما من أحد من المشتغلين بهذا العلم في هذه الأعصار يتريث قليلا ويراجع ما استدرك عليه بتجرد وإخلاص إلا واستبان له طريق الهدى والسبيل الذي لا محيد عنه في دراسة علوم الحديث على ضوء المنهج الذي كان عليه سلفنا الأوائل رضوان الله عليهم. ولا يفوتني أن أشكر أخانا الفاضل سامي بن حمدان (أبو خالد) الذي لم يأل جهدا في إسداء النصيحة لنا وإرشادنا إلى كثير من الفوائد العلمية التي كانت لنا عونا – بعد الله تعالى – في إخراج رسالتنا على هذا النحو من البيان على وجازتها. ولأخينا سامي بن حمدان رسالة أخرى في الرد على الزهراني قطع فيها شوطا طويلا وإلى الآن لم يتم الفراغ منها، وسيجد القارئ فيها – إن شاء الله تعالى – شرحا مطولا ومناقشة للنقاط التي تطرق لها الزهراني بشكل موسع، وهي رسالة قيمة جدا كما يظهر من الجزء الذي اطلعت عليه منها، وكأن رسالتي هذه مقدمة بين يدي كتابه الذي نسأل الله تعالى أن ييسر إتمامه وإخراجه على أكمل وجه. وأخيرا هذا ما رأيناه في الرد على الزهراني وتفنيد شبهاته، فما كان من خطأ ونقص فالكمال لله تبارك وتعالى، وما كان فيه من صواب فالحمد لله على منه وتوفيقه، هذا وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المنهج الحديثي عند الإمام ابن حزم الأندلسي

المنهج الحديثي عند الإمام ابن حزم الأندلسي ¤طه بن علي بوسريح£بدون¥دار ابن حزم - بيروت¨الأولى¢1422هـ€علوم حديث¶دراسات توثيقية ومنهجية الخاتمة بعد دراستي لبعض الفهارس الأندلسية والكتب التي اهتمّت بتراجم المغاربة، توصّلت إلى الوقوف على العديد من الشيوخ المحدثين الذين أثّروا في شخصية ابن حزم المحدث. كما وقفت على طائفة من مؤلفاته مما ذكرها من ترجم له والتي ذكرها هو في كتبه مع ذلك أغفل ذكرها من اهتّم بابن حزم من المعاصرين لا سيما وفي هذه المؤلفات جملة كبيرة ذات موضوعات حديثية. 1ـ بيّنت مدى عطاء المدرسة المغربية في الميدان الحديثي من خلال التعّرض لأهم المشاركين في النهضة العلمية، منذ نهاية القرن الثاني إلى قريب من عهد ابن حزم. فأظهرت بذلك جوانب من التاريخ العلمي لا تزال تحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة. 2ـ ذكرت آراء العلماء حول ابن حزم وأوجه الانتقادات الموجهة له فحاولت التوفيق بين من أفرط فيه القول وتعصب ضدّه، وبين من نافح عنه وقدّر علمه. 3ـ حاولت بيان آرائه الحديثّية، والكشف عن القواعد التي تبّناها، والتي سار وفقها في رواية الأحاديث. ووضعت تلك الضوابط في ميزان النقد فذكرت مواقف العلماء من آرائه وأبرزت مدى مخالفته جمهور المحّدثين في بعض المسائل وأشرت إلى أنّه لم يخل من تأثر بمذهبه الظاهري في ذلك مثل قوله ببطلان الرواية بالإجازة. وتبين لي أنه متأثر بالاتجاه المغربي في مثل قوله بعدم التفريق بين التحديث والإخبار حين الرواية أو بين صيغة الإفراد وصيغة الجماعة. 4ـ وتبيّن لي أن ابن حزم كان يوافق جمهور المحدثين في الرواية تارة مثل قوله في عدم الاحتجاج بالمرسل وردّه مطلقاً ـ ومخالفتهم تارة أخرى مثل عدم احتجاجه في الرواية بالإجازة وردها دون تفصيل بين أنواعها. كما أنه قد يوافق طائفة من علماء الحديث ويخالف طائفة أخرى مثل قوله في الرواية بالمعنى وتشدّده في وجوب التعبير بلفظ الحديث كما سمع. 5ـ أوضحت عن جوانب التشدّد التي عرف بها ابن حزم مثل كثرة ردّه للأحاديث التي كان ضعفها يسيراً أو محتملاً وبينت أنّ الضعيف عنده مرتبة واحدة وأنه من قسم المردود غير المعتبر. كما اتضح لي أنه لا يقول بالحديث الحسن لذاته ولا لغيره فالضعيف لا يتقوى عنده بالطرق والشواهد. فالرواية عنده قسمان فقط صحيحة مقبولة أو ضعيفة مردودة. وهذا ما جره إلى الوقوع في كثير من الأخطاء استدركها عليه نقّاد المحدثين الذين جاءوا بعده فعابوا عليه التسرع في الحكم على الأحاديث دون استيعاب طرقها وألفاظها وفحصها الفحص الجيد. 6ـ تبين من خلال حديثي عن منهجه في الجرح والتعديل أنه من المتشدّدين بل إنه من المبالغين في الجرح لأدنى سبب حتى صار عرضةً لانتقادات من جاء بعده من العلماء الذين تتبعوا أحكامه في الرجال وأبانوا عن كثير من المزالق التي وقع فيها هذا المحدث. كما بيّنت أنه قد أكثر من تجهيل الرواة وهذا ما يجعل الباحث يتأنّى في الحكم على حديث معين إذا وجد فيه كلاماً لابن حزم في أحد رواته، ولا بدّ من مراجعة أقوال غيره من علماء الجرح والتعديل قبل إصدار حكم في ذلك. 7ـ بدا لي ابن حزم غير منضبط في تطبيق قواعده النقدية مثل عدم اعتداده بجهالة الصحابي إذا صح السند إليه واعتبار ذلك الحديث من قسم المردود مع أنه قد قبل بعض المرويات التي لم يصرح فيه باسم الصحابي. 8ـ إن لابن حزم منهجاً معيّناً في تعليل المرويات يخالف منهج جمهور المحدّثين مثل رأيه في عدم التضعيف بالاضطراب وقوله في تبرئة الراوي الثقة من الخطأ في أغلب الأحيان ... 9ـ إن نقد ابن حزم للمرويات لم يكن مقتصراً على السند فقط بل إنّ له مشاركة قوية في نقد المتن ما يجرّني إلى القول أنه لم يكن ظاهرياً صرفاً في المجال الحديثي كما قد يظنّه بعض من لا يعرفه. 10ـ كان لابن حزم الأثر الواضح في بعض علماء الحديث الذين أتوا من بعده مثل الحافظين عبدالحق الإشبيلي وابن القطّان الفاسي لا سيما الثاني منهما فقد تبنى عدة قواعد حديثية نصّ عليها ابن حزم وطبقها مما يفتح باباً للباحثين حول مزيد الدراسة والبحث والمقارنة ومتابعة المسيرة التاريخية للحديث في المغرب العربي عامة وفي الأندلس خاصة. 11ـ وأخيراً، فهذا جهد المقلّ فما كان من صواب فهو من الله تعالى وما كان من خطأ فمنّي ومن الشيطان، والحمد لله أولاً وآخراً.

اهتمام المحدثين بنقد الحديث سندا ومتنا

اهتمام المحدثين بنقد الحديث سندا ومتنا ¤محمد لقمان السلفي£بدون¥بدون¨الأولى¢1408هـ€علوم حديث¶أصول تخريج وتصحيح وتضعيف وجرح وتعديل الخاتمة سوف أستعرض في الصفحات القادمة أهم المباحث التي تطرقت لها في هذه الرسالة وأذكر إن شاء الله في نقاط متسلسلة، النتائج التي وصلت إليها من خلال هذه الدراسات، حتى يتبين للقارئ الكريم ويتضح لكل منصف أن المحدثين الكرام سلكوا جميع السبل الممكنة، واستخدموا كل الطرق العلمية التي يمكن أن تخطر على قلب بشر استخدامها، لحفظ السنة النبوية، وتمييزها مما ليس منها من المفتريات والأكاذيب، واهتموا بنقد المتن تماماً كما اهتموا بنقد السند، من دون أي تفريق بينهما، حتى جاءت السنة نقية صافية لا يعتريها شك. وصدق الله سبحانه إذ قال: ?إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون?. فقد حفظت السنة النبوية بحفظ الله إياها وبتهيئته سبحانه لها أولئك الأئمة والمحدثين والرواة الذين أفنوا أعمارهم في سبيل حفظها. 1ـ ذكرت في المقصد الأول من المدخل، أن البوادر الأولى لنقد الحديث ظهرت من عصر الرسول صلى الله عليه وسلم. حيث أمر صلى الله عليه وسلم بالتثبت في الأخبار، وخوّف من النتائج الوخيمة للكذب عليه صلى الله عليه وسلم. بل ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جرح وعدل، والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين تبعوه صلى الله عليه وسلم من بعده وتحروا في قبول الأخبار ولم يقبلوا أي حديث منسوب إليه صلى الله عليه وسلم إلا بعد التثبت من صحة الخبر. 2ـ فلما ظهرت الفتن في عهد صغار الصحابة، والتي كانت بداية مشئومة للكذب عليه صلى الله عليه وسلم، جاء التشديد في قبول الحديث أكثر، واتخذت التدابير الممكنة لمنع تسرب الكذب إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأوا يسألون عن الإسناد. واشتهرت جماعة من الصحابة بالكلام في الجرح والتعديل. 3ـ فلما جاء دور كبار التابعين، برز فيهم جماعة في تتبع طرق الحديث وانتقاء الرجال وجرحهم وتعديلهم. ومقارنة الأحاديث بعضها ببعض حتى يظهر الصحيح، ويتميز مما ليس من السنة النبوية. 4ـ ومن طبقة التابعين، أخذ هذا العلم كبار أتباع التابعين وصغارهم وسلكوا مسلكهم في حفظ الحديث وتنقيته والقدح في الضعفاء، واشتهر منهم أئمة في هذا الفن، وجعلوا من حياتهم غاية لحفظ السنن النبوية، أمثال مالك والسفيانين وشعبة ويحيى القطان وغيرهم. 5ـ هؤلاء الأئمة تكلموا في الرجال وجرحوا وعدلوا من عدلوا، وذكروا ضوابط للجرح والتعديل، فظهرت التقعيدات العامة لفن الجرح والتعديل. 6ـ ثم جاء دور النقاد المحدثين الذين كانوا من بلدان مختلفة ومن جماعات متنوعة، فأخذوا علوم مشايخهم وجمعوا كل هذه العلوم وغربلوها فوُجد علم أسماء الرجال. وعلم نقد الحديث سنداً ومتناً. كما وجدت علوم أخرى مساعدة، حتى أصبح نقد الحديث علماً متكاملاً، له قواعده وأصوله لدراسة ركني الحديث (السند والمتن). 7ـ وقد أثبتُّ بالأدلة أن علم نقد الحديث الذي توارثه المحدثون من أسلافهم بدأت كتابتها مع بداية كتابة الحديث كتعليقات وحواشي في كتب الحديث ثم مرت بمراحل، حتى انفصلت وأصبحت تُدَوَّن في كتب مستقلة. ولكن بعض هذه الكتب ضاعت، كما يشير إليه كتب المصطلح الموجودة التي تروي لنا الآراء النقدية لأولئك الأئمة وأقوالهم في الجرح والتعديل وذكرهم للعلل في الأسانيد والمتون. 8ـ كما أثبتُّ أن نقد الحديث اعتمد على أمرين أساسين: دراسة حال الراوي ودراسة حال المروي. وأن منهج نقد المحدثين كان منهجاً شاملاً دقيقاً، لم يدع جانباً من جوانب الحديث سنداً ومتناً. إلا وقد اعتنى به.

9ـ وأثبت بالأدلة العقلية: أن نقد السند أهم من نقد المتن، وأن فكرة الاعتماد على النظر في المتن واحدة، فكرة أثبتت التجربة أنها خاطئة، وأن نقد الأسانيد له اتصال وثيق بنقد المتن. 10ـ وأنّ المحدثين لم يخطوا خطوة في مسائل النقد، إلا وكان العقل مسايراً لهم ومؤيداً لقواعدهم النقدية. 11ـ ثم ذكرت أهم القواعد التي وضعها النقاد لنقد الراوي والمروي. 12ـ وفي المقصد السابع الذي هو الأخير من المدخل، بينت: كيف أن علم نقد الحديث كان له الأثر العظيم في حفظ السنة. وكيف أن المحدثين رتبوا كتب السنة على طبقات باعتبار الصحة والشهرة حتى اطمأنت إليها الأمة وجعلتها نبراساً لحياتها ومصدراً لتشريعها. 13ـ وفي بداية الباب الأول، وتمهيداً للشروع في مباحثه، التي تدور حول نقد السند. أتيت بذكر الأسباب التي دعت إلى ظهور الإسناد. وأن بعضاً من الصحابة، أحجموا عن الرواية عند اشتداد الفتن وانتشار الكذب، ولكنه لم يكن الحل الصحيح للمشكلة. وكان لابد من الحلول الجذرية لها، ومن التقيد بأصول وقواعد تضع الحد من هذه الظاهرة الخطيرة. فظهر السؤال عن الإسناد: 14ـ واعتبر الإسناد ركناً من ركني الحديث. وتحمل المحدثون مشاق السفر إلى بلاد نائية، بحثاً عن أسانيد الأحاديث، بل عن إسناد الحديث الواحد، لأنه استقر في أذهانهم أنه لا يمكن تصور الحديث بدون الإسناد، واشتهر بينهم: أن السند للخبر كالنسب للمرء. 15ـ وكما أنهم استعملوا الإسناد للحديث، استعملوه كذلك لرواية الكتب. 16ـ ثم اهتموا بنقد هذه الأسانيد، فرتبوا أسماء الرواة بحسب القوة والضعف والسنة والبدعة، وعرفوا الأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط وكتبوا الحديث من عشرين وجهاً فأكثر، وأجروا عملية المقارنة بين الروايات حتى وصلوا إلى نتائج صحيحة ودقيقة. 17ـ ولم يكتفوا بهذا. بل بحثوا في عدالة الراوي وضبطه، وذكروا معنى العدالة، وكيفية ثبوتها للراوي، والأمور التي تسلب العدالة من الراوي. وذكروا معنى الضبط، وكيفية ثبوته للراوي، والأمور التي تسلبه من الرواية. ثم نصوا على أنه لا يقبل إلا حديث الثقة الضابط، وردُّوا حديث أهل الغفلة والغلط والكذب والبدعة. 18ـ ومن عنايتهم بنقد السند أن بحثوا في اتصال السند وانقطاعه وصرفوا إليهما اهتمامهم البالغ، وجعلوا اتصال السند شرطاً أساسياً لكون الحديث صحيحاً. وذكروا معنى الاتصال، وأنواع الحديث المتصل ودرجاتها وأحكامها من حيث القبول والرد كما ذكروا معنى الانقطاع وأنواع الحديث المنقطع ودرجاتها وأحكامها بكل تفاصيلها. 19ـ ومن عنايتهم بنقد السند أيضاً أن اهتموا بمعرفة طرق تلقّي الحديث وأدائه ووضعوا مصطلحات خاصة تحدد كيفية التلقي وأدائه، حتى أمكن لهم الحكم على كل حديث بأنه صحيح أم غير صحيح، متصل أو منقطع. 20ـ ثم تطرقت لموضوع العنعنة عند المحدثين، لأن لها ارتباطاً قوياً بنقد السند، ومعرفة صحيحه من سقيمه. وذكرت أقوالهم في الحديث المعنعن، والشروط التي يجب توافرها لقبوله، كما تطرقت لبيان الحكم في الأحاديث المعنعنة الموجودة في الصحيحين. 21ـ وشرحت معنى الشذوذ في السند. وتعريف الشاذ واختلاف العلماء فيه وحكمه عند المحدثين، وارتباطه بنقد السند. وجئت بالأمثلة التي ألقت ضوءاً كافياً على مدى اهتمام المحدثين بنقد السند. 22ـ ثم بيَّنت مفهوم العلة في الحديث، وأهمية معرفتها. وكيف أن المحدثين الأجلّة اهتموا بها، وأنه لم يخض في هذا الغمار إلا الجهابذة في علوم الحديث لكونها من أدقّ العلوم وأغمضها.

وقد ذكرتُ أن العلة قد تكون في السند، وقد تكون في المتن، وأوضحت بالأمثلة الكثيرة مدى اهتمام المحدثين بمعرفة العلل في السند، وذلك تمشياً على قاعدتهم بالاهتمام بكل ما له صلة بنقد السند. وهكذا، بذلت جهدي المتواضع للإثبات أن نقاد المحدثين اعتنوا بنقد السند وتمييز صحيحه من سقيمه بجميع الوسائل الممكنة. 23ـ وأما الباب الثاني، فقد بدأته ببحث مطول عن اهتمام المحدثين بنقد المتن وبينت فيه أن النقد عند المحدثين يشمل الراوي والسند والمتن. وأن الاهتمام بنقد المتن بدأ من الصحابة رضي الله عنهم. ومشى عليه التابعون وأتباعهم. واستخرجت أمثلة كثيرة من بطون الكتب لإثبات هذه الحقائق، وللإيضاح بأن المباحث التي تطرق لها مؤلف كتب المصطلح لم تقتصر على مباحث الإسناد، بل إن أبحاثهم دارت في محيط ثنائي مؤلَّف من السند والمتن، وأنهم وضعوا قواعد في الجرح تُنبئ عن النقد الخفي للمتن، وجئت بتلك القواعد. وشرحت أهمية قانون الاعتبار والمعارضة لنقد المتن، وأن الصحابة والتابعين ومن جاؤوا بعدهم من أئمة الحديث طبقوا هذا القانون، وأن كثيراً من الاصطلاحات التي أطلقها المحدثون على الرواة، إن هي إلاَّ تسميات لنتائج مقارنات ومعارضات بين مرويات الراوي ومرويات غيره. ثم أطلقوا على الراوي لفظاً يحدد مقدار ضبطه ودرجة مروياته. وهذا يعني أنهم درسوا المتون وقارنوها بمتون أخرى. 24ـ وبيَّنت كذلك، كيف أن النقاد استخدموا التاريخ لنقد المتون، مستدلاً بأمثلة كثيرة مستخرجة من أمهات الكتب. 25ـ كما ذكرت أن الاهتمام بنقد المتن واضح في رواية الحديث باللفظ وأن الشروط التي ذكرها الإمام الشافعي وغيره من الأئمة لجواز الرواية بالمعنى، مردُّ كلها إلى الاهتمام بالمتن، واتخاذ السُّبل اللازمة لحفظه من التبديل والتحريف. 26ـ ثم جئت بأمثلة عديدة من مؤلفات أئمة النقد لأدَلِّل على أن المحدثين لم يخطوا خطوة في دراسة الأحاديث النبوية ومقارنة بعضها مع بعض إلا وقواعد نقد المتن كانت نصب أعينهم في كل لحظة، وأنه لم يوجد حديث صحيح أو سقيم في الدنيا إلا وقد درسه النقاد سنداً ومتناً. 27ـ وذكرت في مبحث مستقبل، أن العلة كما تكون في السند قد تكون في المتن أيضاً وأن المحدثين اعتنوا بهذا، ونقدوا متون مئات من الأحاديث لوجود علة فيها. ولكن من العجيب المفيد أنهم كلما وجدوا حديثاً معلولاً متنه، جاؤوا إلى سنده بالبحث والتمحيص، فوجدوا فيه ما يدعو إلى تركه أو الشك فيه. 28ـ ثم ذكرت القواعد التي اتبعها النقاد لإدراك العلة، القواعد التي كانت نتيجة تجاربهم الدقيقة العميقة في مجال النقد. 29ـ ثم تطرقت لموضوع "الشذوذ في المتن" وبيَّنت ماذا يعني الشذوذ في المتن، وأن النقاد تعرضوا لجميع الأحاديث التي خالف فيها الراوي الفرد الأضبط منه والأحفظ، أو خالف جماعة، وبيَّنوا ما فيها من المخالفة والشذوذ، وذكروا الزيادة والنقصان، وكشفوا ما فيها من القلب أو الاضطراب أو التصحيف أو الأنواع الأخرى من عيوب المتن. وأثبتُّ كل هذا بالأمثلة التي استخرجتها من بطون المراجع. وهذا إن دل على شيء، فقد دل على اهتمام النقاد بالمتن ومعرفة ما يطرأ عليه من العلل والعيوب الأخرى. 30ـ وفي فصل خاص أوضحت: كيف أن المحدثين اهتموا بمعرفة الأحاديث الموضوعة ووضعوا ضوابط علمية وقواعد ثابتة، وحدَّدوا أمارات لمعرفتها بدون أن ينظروا في السند، وأحوال رجاله، وأن تلك الأمارات قد تكون في السند، وقد تكون في المتن. وأن هذه المكانة العظمى أعني معرفة الأحاديث الموضوعة من دون النظر في السند، لا يبلغها إلا من وجدت فيه الصفات التي ذكروها.

31ـ وذكرت أهمية كتاب "المنار المنيف" للعلامة ابن القيم رحمه الله في هذا الباب وشموله، ودقته في بيان الضوابط المجملة والتفصيلية لمعرفة الأحاديث الموضوعة. كما ذكرت تنبيه العلماء على أنه لم يثبت في باب كذا وكذا أي حديث وبعض الكتب التي ألفت في هذا الباب، وأن خير ما أُلِّف في هذا الموضوع كتاب (المنار المنيف) فقد أجاد في تتبع تلك الضوابط وجمعها في هذا الكتاب. 32ـ وفي الباب الثالث من الرسالة خصصت الكلام عن المستشرقين وأتباعهم من المنتسبين إلى الإسلام، والشبه التي أثاروها حول نقد المتن. 33ـ وليكون الحديث عن فئة المستشرقين أجمع وأشمل فقد بيَّنت حقيقة الاستشراق، ونشأته وتدرجه، وأهدافه، وصلته الوثيقة بالتبشير والاستعمار وحقده ضد الإسلام ومحاربته للشريعة الإسلامية والقرآن والسنة والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي. 34ـ وفي فصل خاص، فصَّلت القول بأن المستشرقين هم المسيحيون واليهود الذين درسوا الإسلام وكل ما ينتمي إليه للنيل منه والتشكيك فيه. ثم ذكرت نماذج من المستشرقين ورؤسائهم وتاريخهم الموجز المظلم بظلام الحقد والحسد، كما ذكرت بعض الكتب التي ألفوها عن الإسلام لمحاربته وتشويه صورته الوضَّاءة وأن أغلب الدراسات الاستشراقية دراسات سطحية لم يتقن أهلها اللغة العربية ولم يفهموا مقاصد الشريعة الإسلامية وحكمها مع ما وجد لديهم من التعمد البغيض والتواطؤ الخبيث على تشويه صورة الإسلام. 35ـ ثم جئت بذكر موقفهم من السنة والذي يتلخص في محاولة إقناع قرائهم أن الأحاديث كانت صالحة لفترة الجاهلية وأنها متناقضة وأنها ازدادت مع مرّ الزمن بدخول الموضوعات فيها. 36ـ كما أوضحت أنهم استفادوا من المعتزلة، وأنهم اعتمدوا على الضعيف الشاذ وعلى المنهج المعكوس وهو أنهم بَيَّتوا الفكرة المسيئة إلى الإسلام من قبلُ، ثم بحثوا في كتب القصص والأغاني ليستلوا منها ما يؤيد فكرتهم. 37ـ واتهموا الصحابة والمحدثين بوضع الأحاديث وادَّعوا كذباً وزوراً أن الموضوعات اختلطت بالصحاح ولم يمكن التمييز بينها. وقد جئت بالرد على هذه المزاعم وكشفت حقيقة كذبهم وزورهم. 38ـ ثم جئت إلى ذكر المنتسبين إلى الإسلام وإنكارهم السنة وأن الفتنة أثارها في قديم الزمان، الخوارج والمعتزلة، ثم ماتت بنهاية القرن الثالث وقد ظلت مقبورة، حتى أحياها من جديد، أناس في البلدان العربية وأشخاص في شبه القارة الهندية. وبينت أن الفتنة أصبحت في الهند وباكستان أقوى، ونشأت جماعة أهل القرآن وتدرجت حتى أصبحت مشكلة دينية وعقدية في تلك البلاد. وقد حاربها علماء السنة محاربة شديدة، ولكن الاستعمار ساعد منكري السنة ورباهم وشجعهم. ثم ذكرت الشبه التي أثارها أهل القرآن حول السنة، والفرق الموجودة منهم حالياً في باكستان وبعض الكتب التي ألفها علماء السنة في الرد على هذه الفرق وشبهها. 39ـ ثم بينت شبه المستشرقين وأتباعهم حول نقد المتن، وأن بعضهم نقلوا هذا الشبه من البعض الآخر وجئت بالرد على تلك الشبه رداً أرجو أن أكون قد وُفِّقت فيه. 40ـ وفي آخر هذا المبحث تعرضت لذكر بعض الأحاديث التي انتقدوها ـ على زعمهم ـ متناً مع بيان جهلهم أو تجاهلهم للحقيقة حتى يمكن لقارئ أن يقيس عليها الأحاديث الأخرى التي نقدوها والتي لا يسع المقام لذكرها كلها. وحتى يتيقن في نفسه أن هؤلاء الناس لا يتوقع منهم إلا الكيد للإسلام والحط من منزلة السنة النبوية. على صاحبها أفضل الصلوات وأتم التسليمات.

41ـ وبهذا، عرفنا: أن السنة النبوية حُفظت بحفظ الله لها. ووصلت إلينا صافية نقية من كل الشوائب والشكوك، إذ قيّض الله لها الأئمة العظام الذين سلكوا المنهج القويم المتضمن نقد السند والمتن بكل ما تعني الكلمة من المعاني والمفاهيم. فميَّزوا صحيحها من سقيمها وجمعوا الأحاديث الثابتة الصحيحة في مجموعات حديثية قبلتها الأمة بالإجماع مصدراً لتشريعها ومأخذاً لجميع الخيرات الدنيوية والأخروية. 42ـ وإن الشبهات التي تثار ضدها من قبل أعداء الإسلام أو أبنائه المغترين لا تقوم في وجه الدليل والاحتجاج العلمي أدنى قيام، وأنها أغاليط وتمويهات تنكشف وتزول عندما تواجه المنهج العلمي الأصيل الذي هو منهج النقد عند المحدثين. 43ـ وأرى وأقترح بهذه المناسبة أن تُعنى الجهات العلمية في العالم الإسلامي: أـ بإدخال السنة النبوية وعلومها مادة أساسية في المناهج الدراسة للمدارس والكليات حتى يكون النشء الإسلامي على علم بما للسنة النبوية من مكانة عظمى في الإسلام وبما لها من أصول مناهج نقدية لا يفوقها أي منهج نقدي في العالم الثقافي القديم والجديد. ب ـ اختيار أساتذة متخصصين في السنة النبوية وعلومها لتبسيط علم المصطلح وصياغته في أسلوب شيق واضح وعرضه في كتب صغيرة الحجم، حتى يتلقاه الجيل الإسلامي الجديد من دون أن يشعر بغموض أو سآمة أو ملل. ج ـ إنشاء مجلات متخصصة في السنة وعلومها في كل بلد إسلامي للعناية بنشر الوعي السني بين الشعوب الإسلامية والرد على الشبهات التي تثار من حين لآخر حول السنة النبوية، وإبراز العلوم العقدية والأخلاقية والأحكام التشريعية فيها التي تضمن الخير والسؤدد والأمن والاستقرار للبشرية كلها. والحمد لله الذي بفضله ومنّه تتم الصالحات، وصلى الله على نبينا وحبيبنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

بين الإمامين مسلم والدارقطني

بين الإمامين مسلم والدارقطني ¤ربيع بن هادي عمير المدخلي£بدون¥الدار العمرية¨الأولى¢1402هـ€علوم حديث¶كتب علل الخاتمة يمكن إرجاع انتقادات الدارقطني وتتبعاته للإمام مسلم إلى الأقسام الآتية: 1ـ انتقاد موجه إلى أسانيد معينة فيبدي لها عللاً من إرسال أو انقطاع أو ضعف راوٍ أو عدم سماعه أو مخالفته للثقات في أمر ما. ويتبين في ضوء الدراسة والبحث أنه غير مصيب فيما أبداه من علة. وهذا النوع من الانتقاد لا يكون له تأثير في متون تلك الأسانيد لعدم ثبوت العلل التي أبداها. ويبلغ عدد هذا القسم أربعين حديثاً. 2ـ انتقاد موجه إلى الأسانيد فيبدي لها عللاً من انقطاع أو عدم سماع ... إلخ ويكون مصيباً فيما أبداه من علة لكن تأثيره قاصر على ذلك الإسناد المعين والمتن يكون صحيحاً من طريق أو طرق أخرى، وله من المتابعات والشواهد ما يزيده قوة. يبلغ عدد هذا القسم خمسة وأربعين حديثاً. 3ـ انتقاد موجه إلى المتن كأن يدعي في حديث ما إنه لا يصح إلا موقوفاً ولم يثبت رفعه أو يدعي أنه من قول أحد التابعين ولا يصح رفعه أو يدعي أن جملة معينة قد زيدت في متن بسبب وهم أحد الرواة ويكون مصيباً في ذلك، ويكون لهذا الانتقاد أثره لثبوت دعواه، ولعدم المتابعات والشواهد لذلك المتن. وهذا النوع قليل جداً لا يجاوز ثمانية أحاديث. 4ـ انتقاد موجه إلى المتن كأن يدعي في حديث ما أنه لا يصح إلا موقوفاً عن صحابي معين أو مرسلاً من قول فلان، وتبين في ضوء الدراسة أن دعواه لا تثبت. وهذا يكون بالبداهة لا أثر له في ذلك المتن الذي ادعى فيه تلك العلة. وقد وجدت منه حديثين. ويمكن إرجاع انتقادات الدارقطني إلى الأبواب الآتية من أبواب العلل: 1ـ 22 حديثاً مرسلاً. 2ـ 18 حديثاً موقوفاً. 3ـ 22 حديثاً أسانيدها مقلوبة. 4ـ 10 أحاديث معلة بالانقطاع. 5ـ 4 أحاديث معلة بالإرسال الخفي. 6ـ حديثان معلان بالزيادة في متصل الأسانيد. 7ـ حديثان أعلا بالإدراج. 8ـ 3 أحاديث أعلت بوصل المقطع. 9ـ حديثان أعلا بالاضطراب. 10ـ 3 أحاديث معلة بما يمكن أن نسميه شذوذاً. 11ـ 3 أحاديث أعلت بتضعيف رواتها مع علل آخر. 12ـ 1 حديث أعل بأنه مقطوع. 13ـ 1 حديث أعل بإنكاره. 14ـ حديثان لا علة لهما أبداً بل توهم الدارقطني أن فيهما علة. 15ـ 1 حديث ألزم مسلماً بإخراجه فهو من باب إلزامات. انتهي الكتاب بحمد الله وصلى الله على نبينا محمد وآلة وصحبه وسلم.

جامع الترمذي في الدراسات المغربية – رواية ودراية

جامع الترمذي في الدراسات المغربية – رواية ودراية ¤محمد بن عبدالرحمن الصقلي£بدون¥دار الصميعي – السعودية¨الأولى¢1429هـ€علوم حديث¶دراسات حديثية خاتمة الرسالة: والآن بعد هذه الجولة مع جامع أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي في الدراسات المغربية رواية ودراية، فإنه قد تكشَّفت لنا عدة نتائج هامة، نجملها فيما يأتي: 1 - الانتقادات الموجهة إلى أبي محمد ابن حزم (ت 456هـ)؛ لكونه يجهل الإمام الترمذي تفتقر إلى الدليل القوي. 2 - دعوى عدم سماع أحد الجامع من مؤلفه الإمام الترمذي أو روايته عنه، لا أصل لها من الصحة. ويبدو أن الحافظ أبا عبد الله ابن رشيد السبتي (ت 721هـ) ما ألف كتابه (الصراط السوي في اتصال سماع جامع الترمذي) إلا للرد على من زعم ذلك. 3 - رواة الجامع عن أبي عيسى الترمذي فيما توصلنا إليه عددهم أحد عشر هم: أبو حامد التاجر، وأبو حامد ابن حسنويه، وأبو محمد القطان، وأبو العباس المحبوبي، وأبو جعفر ابن جماهر، ومحمد القراب، وأبو الفضل النسفي، وأبو محمد الشيركثي، وأبو الحسن الواذري، وأبو ذر الترمذي، والهيثم الشاشي. 4 - خمسة طرق مشهورة، واثنتان مغمورتان هي التي وصل بها الجامع إلى المغرب. فأما المشهورة فهي طريق المحبوبي، وطريق الشاشي، وطريق التاجر، وطريق القطان، وطريق أبي ذر الترمذي. وأما المغمورة فهي: طريق ابن جماهر، وطريق ابن حسنويه. 5 - ابتداء من القرن السابع الهجري طريق أبي العباس المحبوبي يكاد وحده يظهر على سائر الطرق التي دخلت إلى المغرب. 6 - أبو حفص عمر بن الحسن الهوزني (ت 460هـ) ليس هو أول من أخذ عنه المغاربة جامع الترمذي. 7 - أول من روى الجامع بالمغرب يحتمل أيضاً أن يكون أول من أدخله إلى الغرب الإسلامي، وهو أبو زكريا يحيى بن محمد الأشعري المعروف بابن الجياني (ت 390هـ). 8 - ستة أعلام هم أوائل رواة جامع الترمذي بالمغرب: - أبو زكريا ابن الجياني (ت 390هـ). - مكي بن أبي طالب (ت 437هـ). - أبو عمرو الصفاقسي (ت 444هـ). - أبو حفص الهوزني (ت 460هـ). - أبو عمر ابن عبد البر (ت 463هـ). - أبو علي الغساني (ت 496هـ). 9 - أشهر الروايات المغربية للجامع أربعة: - رواية أبي القاسم الهوزني (ت 512هـ). - رواية أبي علي الصدفي (ت 514هـ). - رواية أبي بكر ابن العربي (ت 543هـ). - رواية ابي الحسن ابن كوثر (ت 589هـ). 10 - رواية أبي الفتح الكروخي (ت 548هـ) للجامع هي أشهر الروايات المشرقية، وقد انتشرت في المغرب على يد أبي الحسن ابن كوثر الغرناطي (ت 589هـ). 11 - رواية أبي علي الصدفي في المغرب تضاهي في الشهرة والإتقان رواية الكروخي في المشرق. 12 - انتشار رواية جامع الترمذي في وقت مبكر في جميع بلدان الغرب الإسلامي. ففي الأندلس رواه ابن الجياني قبل سنة 390هـ، وإلى أهل القيروان وصفاقس بتونس ينتمي أوائل رواة الجامع، وهما: مكي بن أبي طالب القيرواني (ت 437هـ)، وأبو عمرو الصفاقسي (ت 444هـ)، وبتلمسان بالجزائر يرويه يعقوب بن حماد الأغماتي في سنة 523هـ. وفي المغرب الأقصى نجد أبا علي الصدفي (ت 514هـ) يرويه بمدينة سبتة سنة 490هـ، وأبا الحسن بن غالب (ت 568هـ) بمدينة فاس، وقبله عباد بن سرحان (ت 543هـ) يرويه بها أيضاً. 13 - الفهارس المغربية سواء المتقدمة، أو المتأخرة لا تخلو من سند أصحابها إلى جامع الترمذي. 14 - في جميع العصور روي الجامع في المغرب بالسند المتصل إلى مؤلفه أبي عيسى الترمذي. 15 - أقدم شروح جامع الترمذي التي بين أيدينا اليوم هو (عارضة الأحوذي بشرح جامع الترمذي)، للإمام أبي بكر ابن العربي المعافري (ت 543هـ) دفين فاس.

16 - (عارضة الأحوذي) أول شرح مغربي لجامع الترمذي وثاني شرح له على الإطلاق بعد شرح أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي الفراء (ت 516هـ). 17 - آخر شراح جامع الترمذي من أهل المغرب هو أبو عبد الله محمد بن إدريس القادري (ت 1350هـ) دفين الجديدة. 18 - لا زالت الخزائن المغربية تحتفظ ببعض النسخ المخطوطة من جامع الترمذي برواية أبي علي الصدفي المغربية. بعد هذا أدلي بالمقترحات التالية: أولاً: أقترح طبع جامع الترمذي وتحقيقه بأشهر الروايات المغربية المعتمدة؛ وهي رواية أبي علي الصدفي. ونحمد الله أن خزائن المغرب مازالت تتوافر على بعض النسخ المخطوطة بالرواية المذكورة، وقد أشرت إليها في مكانها من هذه الرسالة. ثانياً: أفضلية طبع جامع الترمذي بعنوانه الكامل كما أورده الحافظ أبو بكر ابن خير الإشبيلي (ت 575هـ)؛ لما فيه من توضيح لمضامين الكتاب وتنصيص على طبيعة أحاديثه وهو كالتالي: (الجامع المختصر من السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة الصحيح من المعلول، وما عليه العمل). ثالثاً: إحياء حلقات إقراء جامع الترمذي وغيره من كتب السنة سيراً على سنن سلفنا الصالح في عقد المجالس الحديثية. وفي الأخير، فإنه ظهر جلياً بما لا يدع الارتياب من خلال هذه الرسالة أن جامع أبي عيسى الترمذي حظي عند المغاربة بالمكانة المرموقة، ونال عندهم الاهتمام الكبير؛ سواء في مجال الرواية أو الدراية عبر توالي القرون, وما ذلك إلا لأنه أساس من أسس السنة النبوية الشريفة.

جهود المحدثين في بيان علل الحديث

جهود المحدثين في بيان علل الحديث ¤علي بن عبدالله الصياح£بدون¥دار المحدث - الرياض¨الأولى¢1425هـ€علوم حديث¶علوم حديث - علل الحمد لله تكفل بحفظ هذا الدين، وأقام له في كل عصر حملة ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. بين هذا البحث جانبا من هذا الحفظ، وهو جهود المحدثين في حفظ السنة النبوية من خلال بيان علل الأحاديث تعلما وتعليما وتصنيفا. وإن من أبرز ما يذكر من نتائج البحث: 1. أن المحدثين بذلوا جهدا علميا ضخما ومستمرا على اختلاف الأزمنة والأمكنة لخدمة هذا الجانب من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الجهد يعد مفخرة لعلماء المسلمين المعظمين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصورة مشرقة في الذب عن سنته صلوات ربي وسلامه عليه. 2. أن نبوغ هؤلاء الأئمة في علل الحديث لم يأت من فراغ، إنما هو نتاج رحلات طويلة ومستمرة للطلب والسماع، والكتابة والتصنيف، مع سعة الاطلاع، ويقظة تامة، وفهم ثاقب، صحب ذلك كله صدق وعمل ودعوة وصبر فحفظوا بتأييد رباني وفضل إلهي. 3. أن الأندلس – وكانت يوما قلعة من قلاع الإسلام والعلم، وهي الآن معدودة من ديار الكفار – أخرجت لنا جهابذة في معرفة علل الأحاديث، وفي التصنيف فيه – وبنظرة إلى المبحث الأول من الفصل الأول يتبين هذا بجلاء-، ولله الأمر من قبل ومن بعد. 4. قلة من يتقن هذا الفن من أهل هذا الشأن على مرور الأزمان – ومع هذه القلة فقد سدوا جانبا كبيرا في هذا المجال -، وتقدم أقوال النقاد في هذا، وبيان أسباب ذلك في المبحث الثاني من التمهيد. 5. أن العهود الذهبية لأئمة العلل ونقاده كانت في القرن الثاني والثالث والرابع ثم تناقص وقل. 6. تفاوت الموصفين بمعرفة العلل أو التصنيف فيه في معرفته تفاوتا كبيرا، ففي كل زمان ومكان يوجد من بز أقرانه في هذا الفن، وأكثر الكلام على العلل ودقائقه وغوامضه: أ- ففي القرن الثاني: نجد رأس هذه الطبقة: شعبة بن الحجاج، ثم يحيى القطان، وعبدالرحمن المهدي. ب- وفي القرن الثالث: نجد رأس هذه الطبقة: علي بن المديني، ثم البخاري ويحيى بن المعين، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، ويعقوب بن شيبة. ج- وفي القرن الرابع: نجد رأس هذه الطبقة: الدارقطني. 7. تقدم الإمام علي بن المديني في هذا الفن على جميع أقرانه، وأقوال العلماء في إمامته وتقدمه في هذا الفن كثيرة، فلعل أقوال علي بن المديني في علل الأحاديث تجمع، ثم تدرس بعمق ودقة مع مقارنة كلامه بكلام النقاد الآخرين من أقرانه، ثم تستخلص النتائج من تلك الدراسات، ولا شك أن مثل هذه الدراسات العملية الجادة تعطي تصورا عن مناهج وطرائق وقواعد النقاد في إعلال الأخبار. 8. المصلحة العظيمة التي تحققت من التصنيف والتأليف في ((علم علل الحديث))، قال ابن رجب: ((فلولا التصانيف المتقدمة فيه لما عرف هذا العلم اليوم بالكلية، ففي التصنيف فيه ونقل كلام الأئمة المتقدمين مصلحة عظيمة جدا)). 9. أن التصنيف في علل الحديث بدأ في القرن الثالث، وكانت البداية العلمية العميقة على يد إمام هذه الصنعة علي بن المديني، وقد تفنن في التصنيف في هذا الفن. 10. أن المؤلفات في هذا الفن كثيرة، ومتعددة الطرائق في التأليف وقد تقدم ذكر أقسامها وتنوع مناهجها. 11. أن الموجود من كتب العلل قليل، والمطبوع أقل، وفقد هذا النوع من الكتب قديم لعدم الاهتمام بها، وذلك لصعوبة علم العلل وغموضه. 12. أن الناظر في كلام أئمة العلل ونقدهم للأحاديث والآثار ليندهش ويطول عجبه، من دقة التعليل وبراعة النقد. 13. أن المنهج النقدي عند أئمة العلل شامل للأسانيد والمتون، لا كما زعم المستشرقون ومن قلدهم من جهة المسلمين أن المحدثين لم يلتفتوا لنقد المتون، وقد ذكرت في الفصل الثاني من الأمثلة ما يرد هذا الزعم. 14. ضرورة التنبه لبعض الأوهام التي وقعت لبعض الباحثين عند ذكر كتب العلل، وهي: • إما في نسبة الكتاب لغير مؤلفه الحقيقي. • أو في عد الكتاب من كتب العلل، وموضوعه ليس كذلك: فهو إما من كتب الشيعة الطاعنين في السنة النبوية!، أو يبحث في علل الشريعة أي مقاصدها أو علل القراءات وغير ذلك.

حكم رواية الفاسق المبتدع

حكم رواية الفاسق المبتدع ¤خالد القريوتي£بدون¥الدار العثمانية - عمان¨الأولى¢1425هـ€علوم حديث¶دراسات حديثية 1. يبين هذا البحث مدى الجهد المتواصل والحثيث من قبل علماء الحديث لصيانة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظه من عبث العابثين. 2. أن العدالة والصدق والأمانة والثقة والضبط هو كل ما يوجبه علماء الشريعة وعلى رأسهم علماء الحديث الشريف فيمن يروي أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وجعلهم يتشددون في تتبع أحوال الرواة ودراسة صفاتهم لمعرفة من تقبل روايته ومن لا تقبل. 3. أن مرتكب الكبيرة تسقط عدالته ولا تقبل روايته حتى يتوب إلى الله عز وجل توبة صادقة وينقطع عن ارتكاب المعاصي نهائيا وتحسن توبته بشهادة أهل العلم بذلك. 4. استثنى العلماء – وبالإجماع – عدم قبول رواية الكذاب حتى وإن تاب وحسنت توبته وعلى ذلك حفاظا على حديث وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. 5. إن انتشار البدع والأهواء يؤدي إلى كثير من الأمور السلبية على المجتمع والدين والحياة. 6. تضافرت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين في التحذير من البدع والأهواء وعدم مجالسة ومخالطة أهل الأهواء والبدع، لأن ذلك يؤدي إلى ما لم يحمد عقباه. 7. أن هناك فروقا كثيرة وكبيرة بين أوجه الاختلاف بين الرواية والشهادة، ومن أهمها التوبة، والعدد. 8. إن قبول رواية المبتدع قائم على عدم منافاة العدالة والأمانة والصدق والضبط في الرواية، وبغض النظر عما يعتقد الراوي، فلنا صدقه وأمانته وعليه ما يعتقد. 9. ولهذا لم يجز العلماء رواية المبتدع إذا كان ممن يسب الصحابة رضوان الله عليهم. أو ممن يستحل الكذب على الله ورسوله وعلى الدين، أو ممن ينكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة. 10. إن الخوارج – رغم عقائدهم التي خالفوا فيها أهل السنة والجماعة – إلا أنهم لم يحاولوا المساس بالسنة النبوية الشريفة، ولم ينقل عنهم أنهم كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نقل عن البعض لا يرقى للاحتجاج به، أو الالتفات إليه. تم البحث ولله الحمد والمنة.

صحيفتا عمرو بن شعيب وبهز بن حكيم عند المحدثين والفقهاء

صحيفتا عمرو بن شعيب وبهز بن حكيم عند المحدثين والفقهاء ¤محمد علي ابن الصديق£بدون¥وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت¨بدون¢1412هـ€علوم حديث¶دراسات حديثية خاتمة هذه أيها القارئ الكريم خلاصة جهدي المتواضع التي أمكنني الوصول إليها، بعد عناء طويل ودراسة وافية، اقتضت منى بذل كل ما استطعت من جهد ووقت في البحث عن مراجع الموضوع ومختلف المظان التي ترتبط به، أو لها به علاقة من قريب أو بعيد. ولم آل جهداً في توثيق النصوص والرجوع بها إلى مصادرها الأصلية، ثم المقارنة بينها واستخلاص ما يمكن استخلاصه منها من آراء وأحكام تعبر عن وجهة نظر أصحابها مع الاستدلال والتعليل، عازياً كل قول أو رأي إلى مصدره. وتكمن أهمية موضوع البحث من حيث تناوله لدراسة وثيقتين هامتين، قد تساعد على تغيير بعض المفاهيم وترفع بعض اللبس الحاصل في مسألة تدوين السنة في الصدر الأول للإسلام. فإذا كانت صحيفة عبدالله بن عمرو هي بحق أول تدوين في الإسلام، بحيث كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإذن منه، فإن هذه الصحيفة لم تصلنا إلا عن طريق ابن حفيده عمرو بن شعيب. ولم يهتد كثير من العلماء إلى أن لهذه الصحيفة طريقاً آخر، هو طريق حسين بن شقي بن ماتع الأصبحي، مما نقل ذلك المقريزي في خططه. وقد أخرج روايته أبو داود في سننه، وهي متابعة جيدة. كما أن صحيفة معاوية بن حيدة لم تصلنا إلا من طريق حفيده بهز، ولهذه الصحيفة أيضاً متابعة جيدة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن رجال سند الصحيفتين هم ثقات. فكان بالتالي جمع نصوص الصحيفتين وتوثيقهما في مكان واحد أمراً له أهميته من حيث التدليل على أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بعضه في الصدر الأول للإسلام. وأن التدوين الفردي الذي لم تكن له تلك الصفة الرسمية التي ألصقت به في مستهل القرن الثاني الهجري، كان شائعاً ومتداولاً بين القدماء. وكانوا يستعينون على تقييد مروياتهم بالكتاب ليرجعوا إليها كلما دعت الضرورة إلى ذلك زيادة في الضبط والإتقان. على أن التعويل عندهم في أداء الحديث كان على الرواية الشفوية وحدها لأنها أنجع طريق لتحمل الحديث وأحوط لهم من الوقوع في التدليس والوضع والتحريف والتصحيف. وما تدوين الصحف التي وصل إلينا بعضها مثل الصحيفة الصحيحة لهمام بن منبه إلا دليل على ما ذهبنا إليه من انتشار التدوين وذيوعه في القرن الأول الهجري. وفي هذا السياق وتتميماً للفائدة، درست نماذج لصحف مشهورة مثل صحيفة علي ابن أبي طالب وجابر بن عبدالله وهمام بن منبه، فترجمت لأصحابها وعرفت برواتها ومروياتهم، وتعمدت في ذلك الاختصار خشية الإملال والتطويل ... ثم انتقلت إلى الصحيفتين موضوع البحث، فتتبعت أحاديث عمرو بن شعيب وبهز بن حكيم عن أبيهما عن جدهما من مختلف مظان السنة النبوية، فاستقرأت بشمول أحاديثهما، معتمداً في ذلك منهج الإحصاء، مع التدليل على مكان ورودهما في كتب السنن والصحاح والمسانيد والمصنفات والمعاجم والمستخرجات وغيرها من الأصول المسندة. ثم جمعت طرق هذه الأحاديث وميزت المكرر منها مع النص على الزيادات والمخالفات في المتن والسند. وبعد هذه العملية، تجمعت لدي نصوص الصحيفتين بكاملهما، وهو ما يمكن أن يكوّن نص صحيفة عبدالله بن عمرو وصحيفة معاوية بن حيدة. وأردفت إلى هذه النصوص نصوصاً أخرى موقوفة بسند الصحيفتين ليتكون من ذلك كله نسختا عمرو وبهز، وهما موافقتان ـ حسب اصطلاح المحدثين ـ لمسند عمرو بن شعيب وبهز بن حكيم عن أبيهما عن جدهما. وتبين لي من خلال هذا البحث أن ما رواه الإمام أحمد والطبراني في الكبير لا يمثل الصحيفتين بكاملهما، كما يوهم كلام بعض المعاصرين ـ وإنما يمثل الجزء الأكبر منهما. هذا إلى ما أجملته من آراء لعلماء الحديث حول الصحيفتين رداً وقبولاً مع بيان آراء الفقهاء فيهما وموقعهما منهم. ومع هذا كله فلا أدعي أنني ألممت بجميع جوانب الموضوع، وإنما هي جهود مُقِلٍ تحتاج إلى تضافر جهود أخرى من الباحثين والمختصين، خصوصاً وأن الموضوع بِكْر لم يُطْرق بعدُ، وما وصَلَنا عنه ما هو إلا إشارات من بعض القدماء الذي تعرضوا لجوانب محددة في أحاديث عمرو بن شعيب وبهز بن حكيم. ومؤلفات هؤلاء وبحوثهم مفقودة لا وجود لها، كمسند عمرو بن شعيب الذي هو من تصنيف الإمام مسلم صاحب الصحيح. وشرف عظيم لي أن "أوافق" الإمام مسلم فيما قام بتصنيفه. وفي نهاية هذا البحث، أتقدم بشكري الجزيل، إلى أستاذي المشرف العلامة الدكتور فاروق حمادة، الذي تتبع باهتمام وعناية مراحل هذا البحث فجزاه الله خيراً. وبهذا تم البحث على قصور فيه، ولله الكمال وحده، والحمد لله أولاً وأخيراً وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.

ضوابط الرواية عند المحدثين

ضوابط الرواية عند المحدثين ¤الصديق بشير نصر£بدون¥منشورات كلية الدعوة الإسلامية - طرابلس¨الأولى¢1401هـ€علوم حديث¶منهج النقد عند المحدثين - سند ومتن الخاتمة الحمد لله الذي أنعم علي فكان هذا من نعمائه. والصلاة والسلام على النبي الكريم، الذي بلّغ عن ربّ العالمين فأحسن البلاغ، وعلى آله وصحبه الأماجد الذين نقلوا لنا هذه الشريعة فصانوها من كيد الكائدين، وتربّص المتربصين وبعد، فقد ضبط المحدثون روايات الحديث، ووضعوا لها أصولها وقواعدها، ولزموا صحيحها وطرحوا سقيمها، ولم يقنعوا إلاّ بمنهج كامل متفرد، وكان حالهم كما قال أبو الطيب المتنبي: إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم لذلك لا يملك الناظر في منهجهم إلاّ الإكبار والإعجاب. وقد حاولت جهدي أن أظهر مواطن العبقرية والتفوّق في هذا المنهج الفريد. ورددت من خلال عرضي لهذا المنهج على بعض الافتراءات والأباطيل التي رمي بها هذا المنهج، وسعيت لأن يكون جادًّا بعيداً عن الردود العاطفية التي لا تجدي في هذه المواقف فتيلاً، وبذلك ظهر هذا البحث وقد امتلأ بالمناقشات والردود التي أحسب أنها سيستمتع بها القارئ الكريم. ـ ففي الفصل الأول من الباب الأول بينت تهافت قول المستشرقين إنّ المحدثين لم يشغلوا أنفسهم بنقد المتون، وانصرفوا إلى نقد الأسانيد فقط، بحيث صار همهم النظر في الأسانيد لا المتون وأتيت على هذه الفرية بأدلة قاطعة لا يمكن ردّها وجعلت ذلك في عدة وجوه منها: أنه لا تلازم بين صحة السند وصحة المتن، وذلك ما قرره علماء الحديث، ومنها: أن أهل الحديث لم يفرقوا هذا التفريق الظاهر بين صحة السند وصحة المتن، وذلك لأنهم يعالجون السند والمتن معاً، وبسطت الكلام في بيان تهافت هذه الفرية في إحدى عشر دليلاً. وفضلاً عن ذلك فقد بيّنت أن المحدّثين اهتموا بالمتن أيضاً، ويظهر ذلك في وضعهم بعض الضوابط التي يعرف بها الحديث الموضوع دون النظر في سنده أوصلها ابن القيم رحمه الله في (المنار المنيف) إلى ثلاثة عشر ضابطاً. ـ ثم عرجت على شبهتين أخريين، الأولى: دعوى أن مخالفة النص للعقل تقدح فيه مطلقاً، فبينت فساد هذه الشبهة في سبع نقاط لا أظن أنّه يبقى معها شك لشاك أو ريبة لمرتاب، والثانية: قول بعض المستغربين من أبناء أمّتنا: إن خير مقياس يقاس به الحديث، وتقاس به سائر الأنباء التي ذكرت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو العرض على القرآن فما وافقه فهو منه صلى الله عليه وسلم، وما خالفه فليس منه، مستدلاً على ذلك بحديث موضوع، فبينت فساد هذا الزعم وإنه لا يستقيم مع النظر. ـ وفي الفصل الثاني من الباب الأول رددت على الافتراء القائل بأن الصحابة قد ساهموا في وضع الأحاديث، وبينت فساد هذا الادعاء الذي روّج له جولد تسيهر ومن جاء بعده. ـ وفي الفصل الثالث من الباب الأول تكلمت عن ظاهرة الحفظ عند العرب والمسلمين، وبينت أسبابها ورددت من خلالها على من ينكر هذه الظاهرة. ـ وفي الفصل الأول من الباب الثاني تكلمت عن الرحلة في طلب الحديث وأهميتها وآدابها، ورددت من خلال ذلك بشكل مطوّل على أباطيل جولد تسيهر في الرحلة، وتتبعت كل شبهة قالها في الفصل الذي عقده لذلك من كتابه دراسات محمدية. ـ كما عقدت فصلاً كاملاً للمستشرقين والحديث الشريف، وهو الفصل الأول من الباب الثالث، وفي هذا الفصل عرضت كتاب جينبول (توثيق الأحاديث) وتكلمت من خلاله على منهج المستشرقين في كتابتهم عن الحديث النبوي، وقصدهم من وراء تلك الكتابات، وبينت تحامله على المنصفين العدول من علماء المسلمين في هذا العصر لذبّهم عن سُنّة المصطفى، وكيله الثناء والإطراء للمستغربين المسلمين من صنائع المستشرقين. ثم عرضت كتاب جولد تسيهر (دراسات محمدية)، وبينت فساد بعض مفاهيمه التي أوردها فيه، وكانت لي بذلك وقفة نقدية طويلة معه، وحرصت على نقده في المواطن التي لم ينتقد فيها، وأمّا المواطن الأخرى التي اشتهر انتقاده فيها فقد كفانيها بعض علماء هذه الأمة الغيورين. ـ وفي الفصل الثاني من الباب الثاني كانت لي عودة إلى جولد تسيهر، مبيناً فساد قوله ونقله فيما يخص الصحيحين. وأخيراً، لولا ضيق الصدر وانقطاع الصبر لتتبعت هذا المستشرق في كل مواطن كتابه لأبين هزيل فكره وسقيم رأيه، وإنه لا يعدو سقط المتاع، وأسأل الله أن يمكنني منه في موطن آخر من مواطن الفكر والمعرفة. وفي الختام. أسأل الله الصفح والغفران، فيما زلّت فيه قدمي، وانحرفت فيه عن جادة الحقّ قلمي، فهو وحده جابر العثرات ومبرئ العلاّت.

ضوابط قبول عنعنة المدلس دراسة نظرية وتطبيقية

ضوابط قبول عنعنة المدلس دراسة نظرية وتطبيقية ¤عبدالرزاق خليفة الشايجي£بدون¥مجلس النشر العلمي - جامعة الكويت¨بدون¢2002م€علوم حديث¶تدليس نتائج البحث أنواع التدليس كثيرة، منها الظاهر ومنها الخفي. ـ بعض المدلسين يتفننون في ابتكار أنواع جديدة لتدليس أحاديثهم إذا انتبه التلاميذ لتدليسهم. ـ التدليس والإرسال بينهما عموم وخصوص، فكل تدليس إرسال، وليس كل إرسال تدليساً. ـ يختلف حكم المدلس باختلاف غرضه وسبب تدليسه. ـ إن اصطلاح التدليس عند المتقدمين ليس على معنى واحد. ـ قد يطلق المتقدمون التدليس ويراد به الإرسال الخفي الصيغة المحتملة للسماع. ـ الصيغة المحتملة للسماع ليست دائماً صيغة المدلس، بل قد يكون في صيغة التحديث تدليس من الراوي. ـ صيغة العنعنة ليست من صيغ الراوي لكن هي من صيغ تلاميذه. ـ يعدل كثير من المحدثين عن صيغة التحديث إلى صيغة العنعنة للتخفيف والاستعجال في الكتابة. ـ الأخذ بالضوابط فقط دون نظر في الطرق والأسانيد واعتبار الروايات ومقارنتها في الحكم على رواية المدلس خطأ. ـ هناك عدة طرق يمكن بها معرفة التدليس، منها ما يتعلق بالمدلس أو بالحديث المدلس، وهي لا تخفى على أئمة الحديث. ـ الرواة الذين وصفوا بالتدليس ليسوا على درجة واحدة، فهم مراتب: منهم المكثر، ومنهم المقل، ومنهم من يروي عن الضعفاء، ومنهم من احتمل الأئمة تدليسهم لقرائن لاحت لهم. ـ قد يحمل المدلس على التدليس النصح للأمة، إذ إن شيخ المدلس غير مقبول في بلدة فلربما وقعت فتنة بذكره، فيدلسه حفظاً للسنة. ـ الأسباب الحاملة على التدليس كثيرة، منها ما هو مقبول، ومنها ما هو محرم غير مقبول. ـ للتدليس مفاسد كثيرة، منها أنه يشبه الكذب في التمويه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ـ رواية المدلس الثقة كرواية الثقة الذي عليه أخطاء، فكما أنه لا ترد روايته فكذا لا يتوقف في روايته العنعنة لاحتمال التدليس. ـ إذا عرف أن المدلس الثقة لا يدلس إلا عن ثقة فتدليسه لا يضر. ـ من وصف بتدليس الشيوخ لا يشترط في روايته أن يصرح بالسماع كما اشترط في مدلس الإسناد. ـ إذا صرح الراوي المدلَّس بالسماع قُبل حديثه. ـ إذا صرح الراوي المدلِّس بأن عنعنته عن راوٍ معين تفيد السماع قُبِلَ حديثه. ـ إذا عُرف من الراوي المدلِّس أنه يدلس بعبارة معينة قُبِلَ حديثه في غير ذلك. ـ إذا عُرفت الواسطة بين المدلِّس والمدلَّسَ عنه قُبِل حديثه. ـ ترتفع شبهة التدليس إذا تابع المدلِّس راوٍ ثقة غير مدلس. ـ قد يُنسب راو إلى التدليس وهو منه بريء. ـ إذا كان الراوي نادر التدليس قُبلت عنعنته. ـ ما كان من رواية المدلسين في الصحيحين أو أحدهما فهو مقبول صحيح متصل محمول على معرفة أصحاب الصحيح بسماعهم. ـ ما كان من رواية المدلسين في صحيح ابن حبان فهو مقبول صحيح متصل محمول على معرفة ابن حبان بسماعهم لتصريحه بذلك. ـ من عرف بالتدليس وكان له تلاميذ يميزون حديثه قُبِل ما رووه عنه. ـ من عرف بالتدليس وكان له شيوخ لا يدلس عنهم فحديثه عنهم متصل، كأن يكون المدلس من أثبت الناس في شيخه. ـ رواية المحققين عن المدلسين من أمثال الإمام شُعبة بن الحجاج في حكم المتصل. ـ كون المدلس من المرتبة الأولى من مراتب المدلسين يجعله ممن لا يفتش عن سماعاتهم لأنهم لا يوصفوا بالتدليس إلا نادراً. ـ كون المدلس من المرتبة الثانية من مراتب المدلسين يجعله ممن لا يفتش عن سماعاتهم. ـ لا تدخل أحكام تدليس الرواة على الصحابة ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ، لأن عملهم ليس تدليساً وهو في حكم المتصل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

تاريخ تدوين السنة وشبهات المستشرقين

تاريخ تدوين السنة وشبهات المستشرقين ¤حاكم عبيسان المطيري£بدون¥مجلس النشر العلمي جامعة الكويت¨بدون¢2002م€علوم حديث¶تدوين السنة - وكتابة الحديث في العهد النبوي نتائج البحث والتوصيات: 1 - أن عدم فهم عبارات ومصطلحات أئمة الحديث أدى إلى الخطأ في النتائج التي استنتجها المستشرقون حول تاريخ تدوين السنة؛ حيث فهموا من لفظ (التدوين) معنى (الكتابة). 3 - أن (موطأ) الإمام مالك، و (جامع) معمر بن راشد – وكلا الكتابين مطبوع – تم تأليفهما في مرحلة التصنيف أي: قبل النصف الثاني من القرن الثاني. 4 - كما أن صحيفة همام بن منبه – وهي مطبوعة – تمت كتابتها في آخر المرحلة الأولى، وهي مرحلة الكتابة. 5 - أنه ما زال هناك الكثير من المخطوطات التي لم تطبع بعد تمثل مرحلة الكتابة ومرحلة التدوين، وقد بدأ المحققون والباحثون بالعناية بها وإخراجها. 6 - أن من أسباب عدم العناية بكثير من الصحف والكتب القديمة: ظهور الكتب المصنفة والموسوعية التي اشتملت على كثير من المؤلفات التي سبقتها فأقبل العلماء على اقتناء هذه الموسوعات والمصنفات وهجروا الصحف والكتب الصغيرة التي أصبحت ضمن الكتب الموسوعية، كمسند أحمد ومصنف عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة. 7 - كما أدى ظهور كتب الصحاح والسنن إلى إقبال العلماء على العناية بها، وهجر ما سبقها من مؤلفات. 8 - أن وجود مصطلح (حدثنا) و (أخبرنا) أدى إلى اعتقاد أن السنة ظلت تروى مشافهة، مع أن أئمة الحديث يستخدمون هذه المصطلحات في إثبات تحقق سماع التلميذ لكتاب شيخه مباشرة من فم الشيخ أو إثبات قراءته للكتاب على مؤلفه أو على من أخذه عن مؤلفه، فوجود مصطلح (حدثنا) و (أخبرنا) لا ينفي وجود الكتابة. 9 - ولهذا يوصي الباحث بأهمية عمل دراسات وبحوث لمعرفة المصادر الحديثية القديمة التي استقى منها أصحاب المسانيد والصحاح والسنن مادة كتبهم. 10 - كما يوصي بأهمية الاطلاع على الدراسات الاستشراقية حول السنة النبوية ودراستها دراسة موضوعية علمية، والتواصل مع مراكز الدراسات الاستشراقية لإطلاعهم على هذه البحوث، وعقد المؤتمرات حول الاكتشافات العلمية الجديدة في هذا المجال.

عناية السنة النبوية بحقوق الإنسان - الدورة الأولى فرع السنة النبوية

عناية السنة النبوية بحقوق الإنسان - الدورة الأولى فرع السنة النبوية ¤حكمت بشير ياسين£بدون¥جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية¨الأولى¢1426هـ€علوم حديث¶الإنسان - حقوقه وحرياته الخاتمة: بعد هذه الدراسة أذكر أهم النتائج التي توصلت إليها ثم بعض التوصيات، ومن تلك النتائج ما يلي: أولا: لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم، حقا من حقوق الإنسان إلا وأتى به مجملا أو مفصلا، بأقواله وأفعاله، فاستوعب مفردات حقوق الإنسان، وأرشدنا إلى قاموس حقوق الإنسان، وقد بلغ عدد الآيات القرآنية في هذه الدراسة (230) آية، وبلغ عدد الأحاديث الشريفة (502) حديثا، وكلها ثابتة الأسانيد، منها (244) حديثا فعليا، والبقية أحاديث قولية، مما يدل على كثرة تطبيق حقوق الإنسان في السنة النبوية وقد بلغ عدد المفردات المذكورة لحقوق الإنسان بعدد المسائل وعددها (288) مسألة وكل مسألة من هذه المسائل هي حق من حقوق الإنسان، بينما نجد إعلان حقوق الإنسان العالمي يحتوي على (30) مادة فقط، ومن أراد أن يحيط علما بحقوق الإنسان فعليه بالسنة النبوية. ثانيا: كل من حقوق الإنسان في الإسلام هو حكم من أحكام الشريعة الإسلامية، فالفقهاء المعتبرون هم الحذاق في حقوق الإنسان. ثالثاٌ: بالسنة النبوية تتجلى وتتبين المبهمات والعموميات المذكورة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي بيان حقوق الإنسان في الإسلام. رابعا: برزت في السنة النبوية تشريعات حقوق الإنسان لم تذكره الهيئات المعاصرة المعنية بحقوق الإنسان. خامسا: ظهر الفرق جليا بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبين عناية السنة النبوية بحقوق الإنسان أن الإعلان العالمي عبارة عن آراء وأقوال فيها الخير الكثير لكنها لم تدخل في حيز التطبيق، ثم هي لا تخلو من مسائل تحتاج إلى إعادة نظر لأنها صادرة من رجال متخصصين في القانون وخبراء في حقوق الإنسان إلا أنهم مجتهدون والمجتهد قد يخطئ ويصيب، أما السنة النبوية فهي وحي لا تعرف الخطأ والخلل فهي صادرة من رسول أمين، لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وهذه السنة لم تقتصر على الأقوال بل ترجمت بأعمال وإنجازات تجريبية تفصل لنا كيفية أداء حقوق الإنسان بعدة أساليب، فالسنة ميدان عملي تنفيذي لحقوق الإنسان، وهكذا منهاج بقية الأنبياء فهم خير من قام بحقوق الإنسان، لأنهم كانوا يحافظون على التوازن بين حق الله تعالى وحقوق الإنسان. سادسا: كل ما ورد في السنة النبوية من مسائل حقوق الإنسان فإنها تتضمن ما في القرآن الكريم وبيانه. سابعا: حظيت حقوق غير المسلمين بالتطبيق العملي في السنة النبوية، وكذلك حقوق التعليم كادت أن تكون كلها بالتطبيق العملي. ثامنا: لمعرفة حقوق غير المسلمين فإن المطالب كلها مشتملة على (13) مطلبا وهي كما يلي: مطلب النهي عن تكفير المسلم، ومطلب النهي عن الإكراه في الغزو في الباب الأول، ومطلب حق الأولاد في الباب الثاني، ومبحث حق الإمام، وفيه أربعة مطالب في الباب الثالث، ومبحث الحقوق المالية في الجهاد المالية في الجهاد، وفيه ثلاثة مطالب والمبحث الثاني حقوق الأقارب في الميراث وفيه ثلاثة مطالب وكلا المبحثين في الباب الرابع. تاسعا: من رام الاطلاع على حقوق المرأة العامة في الإسلام فإن جميع المفردات المذكورة في هذه الدراسة تنطبق عليها سوى حقوق الإمام، ومطلب حق الأنبياء ومطلب حق الزوج في القوامة وما ذكرته من حقوق المرأة فهو من قبيل الخاص بها وقد ورد في هذه الدراسة حقوق للمرأة لم تذكر في الإعلان لحقوق الإنسان ولا في بيان حقوق الإنسان في الإسلام. عاشرا: حقوق الإنسان درجات في الثواب والعقاب تتفاوت فيما بينها، فبعضها من الواجبات التي يثاب فاعلها ويعاقب تاركها، وهذه الواجبات بعضها فرض عين وبعضها فرض كفاية، وبعضها الحقوق من المندوبات والمستحبات التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها.

في حوار هادئ مع محمد الغزالي

في حوار هادئ مع محمد الغزالي ¤سلمان بن فهد العودة£بدون¥بدون¨الأولى¢1409هـ€علوم حديث¶نقد وتوجيه وفي ختام هذا الحوار الهادئ مع الغزالي نستطيع أن نصل إلى النتائج الآتية: 1 - مدى صلته بعقيدة الأشاعرة سلباً أو إيجاباً، ومعنى ما يقوله من اتباعه لعقيدة السلف. 2 - مدى صلته بالمدرسة العقلية، ومدى توافق منهجه وآرائه معها. 3 - مدى الاتفاق والاختلاف بين منهجه النظري والتطبيقي. 4 - موقفه ممن يخالفهم سواء كانوا من سلف الأمة أو علمائها، أو شباب الصحوة. 5 - أنه يتكئ على أقوال أهل العلم إذا ظن أنها تظاهر قولا يميل إليه، ويطعن بها في نحور مخالفيه، لكنه يتخلى عن هذه الأقوال ويضرب بها جانبا بل ويشنع على أصحابها إذا خالفت رأيه. 6 - مخالفته للإجماع، وشذوذه في عدد من المسائل الفقهية. 7 - الاستجابة للضغوط العلمية والحضارية المعاصرة، ومحاولة تطويع بعض الأحكام الشرعية لها. 8 - اختلاف منهجه في أحاديث الآحاد، حيث يقبلها أحيانا، ويرفضها أحيانا أخرى دون اطراد. 9 - يغلب على حديثه الأسلوب العاطفي الخطابي المجرد أكثر من الأسلوب العلمي. 10 - تناقض آرائه وأطروحاته الفكرية بحيث لا يمكن سبك آرائه في منظومة فكرية واحدة، ولعله راجع إلى الفقرة التي قبلها

كيف ندرس علم تخريج الحديث

كيف ندرس علم تخريج الحديث ¤حمزة عبدالله المليباري - سلطان العكايلة£بدون¥دار ابن حزم – بيروت¨الثانية¢1430هـ€علوم حديث¶أصول تخريج وتصحيح وتضعيف وجرح وتعديل الخاتمة: لعل من المفيد في نهاية جولتنا العلمية عبر ثلاث مراحل من التخريج مصحوبة بالتمارين المتنوعة أن نلخص للقارئ الكريم المحور الأساس الذي دار حوله محتوى الكتاب كي تترسخ لديه فكرة منهجية حول التخريج العلمي وهدفه وأهميته في معرفة الحكم على الحديث صحةً أو ضعفاً، وحول ترتيب خطوات البحث في ذلك المجال. ومن البديهي أن الطالب لن يبقي في ذهنه بعد دراسة المادة سوى الفكرة المنهجية حول أهم قضاياها الجوهرية، وأما ما يحفظه من معلومات ونظريات، فإنه يكاد ينساه، لكن ذلك غير ضار، إذ بإمكان الطالب أن يستدرك ذلك كله على الوجه الأكمل أثناء ممارسته البحث والتخريج. إن التخريج مجرد وسيلة لمعرفة حالة الرواية من حيث التفرد أو المخالفة أو الموافقة، وهو بذلك يكون مرادفاً بـ (الاعتبار) المتمثل في سبر المرويات للنظر في المتابعات والشواهد، غير أن (الاعتبار) يقوم على استحضار المحدث الناقد أحاديثه المسموعة بروايته المباشرة، في حين يعتمد التخريج على البحث في كتب المحدثين لتحقيق الغرض نفسه دون أن يكون للباحث المهتم به نصيب في الرواية المباشرة. وإذا كان التخريج وسيلة لتحقيق هذا الغرض فإنه يجب على الباحث أن يقوم بالمقارنة بين الروايات التي جمعها، بحثاً عن حالة الاتفاق أو التفرد أو الاختلاف في هذه الروايات حول القضايا الجوهرية، مثل: الإرسال والاتصال، أو الوقف والرفع، أو زيادة كلمة في المتن تفيد تخصيصاً أو تعميماً، وتقييداً أو إطلاقاً أو نحو ذلك، دون أن تستوقفه الأمور الشكلية التي لا يكاد يخلو منها حديث، مثل ترادف الكلمات، أو إيراد القصة بطولها أو مختصرة، أو طول الحديث وقصره، وغيرها من الأمور التي أوضحناها أثناء إجراء المقارنة الجماعية في المرحلة الثانية، ولا تكون تلك المقارنة منهجية إلا إذا أجريت بعد معرفة مدار الروايات. وليكون الباحث دقيقاً في بحثه ومصيباً في استنتاجاته فعليه أن يستعين بنصوص النقاد للتأكد من صواب ما رصده أثناء المقارنة من التفرد أو المخالفة أو الاتفاق فيما يخص المسائل الجوهرية، وأن لا يستعجل في إصدار الحكم على الحديث بتفرد الراوي به أو مخالفته غيره، وذلك نظراً لعدم استيعاب الباحث في تخريجه كتب الحديث، وعدم تأهله للخوض في غمار النقد. ومن هنا تأتي مرحلة جديدة يتأمل الباحث من خلالها في أسباب تفرد الراوي أو أسباب مخالفته، وهل ذلك ناتج عن توهمه أو كذبه، أو عن تفوقه في الحفظ والضبط والفهم؟ إذ أن التفرد والمخالفة يظهران في الحديث بسبب من هذه الأسباب الآنفة الذكر. وأهم ما يساعد في البحث عن تلك الأسباب وتحديدها بدقة متناهية هي المعرفة الحديثية التي تكسب صاحبها ذوقاً حديثياً رفيعاً يستطيع الاطمئنان إليه فيما يرى بقناعة تامة، وإذا لم يتوفر له ذلك فعليه أن يسلك الطريقين التاليين أو أحدهما: 1 - البحث عن نصوص النقاد حول ذلك. 2 - الترجمة لذلك الراوي الذي انفرد بالحديث أو خالف فيه غيره، أو ترجمة سلسلة من الرواة الذين يدور عليهم الحديث. ويجب أن يكون ذلك بالشكل الذي أوضحناه سابقاً في المرحلة الثالثة. وحين يستوفي الباحث جميع هذه الأمور وصل مرحلة تبييض المعلومات ليتسنى له تصنيف ما استنتجه تصنيفاً علمياً واضحاً وموثقاً بحيث يصبح القارئ مقتنعاً بما يقدم له من ملابسات الرواية لذلك الحديث الذي قام بتخريجه. تلك هي خلاصة التخريج العلمي وفقهه الذي كنا نصبوا إليه، وأسس فكرته المنهجية، وطريقة ترتيب خطوات البحث في ذلك.

وإذا استطعنا أن نغرس هذه الفكرة المنهجية لدى الطالب بشكل جيد فإنه يكون قادراً على توظيف التسهيلات التي يقدمها الحاسب الآلي في مجالات البحث العلمي خير توظيف في تحقيق الهدف من التخريج، بدل أن تكون وظيفته مقصورة على إخراج ما قد أدخل في برامج الحاسب الآلي من الأحاديث. لقد كان من أهم العوامل التي دعتنا بإلحاح إلى تأليف هذا الكتاب، وطرح مادة تخريج الحديث بأسلوبها الجديد موزعة على ثلاث مراحل، رغبتنا في معالجة ما آلت إليه الأبحاث في ميدان التخريج والتحقيق من الفوضى العلمية التي جرت أصحابها إلى اهتمامهم بالأمور الثانوية دون معالجة المسائل الأساسية، وقد سعينا لتحقيق هذه الرغبة من خلال بناء فكرة منهجية سليمة تعين الطالب والباحث على توظيف المعلومات التي يجمعها سواء كان عن طريق التخريج المباشر أم عن طريق برامج الحاسب الآلي في الأحاديث النبوية توظيفاً مناسباً فيما يقتضيه البحث ويتطلبه المقام. إن تطورات العصر في مجال الأبحاث العلمية يجب أن تواكبها العلوم الشرعية التي تبقى محل بحث وجمع وغربلة ومقارنة واستنتاج، وذلك من خلال تطوير مناهج دراستها بالتركيز على القضايا المنهجية التي تحتاج إلى تأصيل فهمها، والتي تعين الطالب في بناء ثقافته وتكوين شخصيته على أسس علمية قوية، ومنهج مرن يمكنه من إفهام الناس ما قد فهمه واقتنع به على ضوء الأدلة والبراهين، دون إثارة ما من شأنه حجب القارئ عن الاستماع إليه بوعي وصفاء، علماً بأن المرحلة الزمنية التي نمر بها هي مرحلة تنقيب وتنقية لما جمعه سلفنا، وما يجب علينا هو أن نستمد من قواعد النقد عند المحدثين ما نستطيع معه القيام بالتنقية والتنقيب، وبذلك نكون قد أدينا الواجب العلمي وفق مقتضيات المرحلة. وأما أن ننشغل بجمع ما قد تم جمعه فذلك المضحك المبكي، والله المستعان.

مصطلح منهج المتقدمين والمتأخرين - مناقشات وردود

مصطلح منهج المتقدمين والمتأخرين - مناقشات وردود ¤محمد بن عمر بن سالم بازمول£بدون¥دار الآثار - مصر¨الأولى¢بدون€علوم حديث¶دراسات حديثية الخاتمة: تلخيص مجمل الكتاب وما جاء فيه: فأقول: المشكلة: صعوبة دراسة علم الحديث، إذ طالب الحديث المبتدئ يعسر عليه ما يلاحظه من المفارقة بين الدرس النظري والتطبيقي. كما أن مخالفة أحكام الأئمة ليست بالأمر السهل، إذ حقيقة شمولية وعمق ومباشرة أئمة الحديث للرواة، وواقع الرواية يجعل لأحكامهم من المزية ما ليس لغيرهم، فما بالك بمخالفتهم في التصحيح والتضعيف؟! وهذا بدوره يؤدي إلى عدم وضوح النتيجة العملية في التصحيح والتضعيف، فهل يعمل بالحديث الذي صححه الأئمة وضعفه من جاء بعدهم، وهل يترك العمل بحديث ضعفه الأئمة وصححه من جاء بعدهم؟ أسباب المشكلة: 1 - مفارقة القواعد المقررة في علم الحديث نظرياً عن الواقع في تخريج الحديث في أحيان كثيرة. 2 - وجود عبارات لأئمة الحديث لا تتطابق في الظاهر مع ما هو مقرر في علم الحديث عند تعريف الأنواع ومصطلحاتها. 3 - وقوع تساهل في تقوية أحاديث هي معلولة عند أئمة الحديث، أو تضعيف أحاديث هي صحيحة عند أئمة الحديث. 4 - إدخال كلام الأصوليين وترجيحاتهم أثناء عرض مسائل علم الحديث، بل وتبني بعض أهل الحديث لما هو راجح عند الأصوليين لا ما هو راجح عند المحدثين، مثل مسألة زيادة الثقة. حل المشكلة: سلك الدارسون لهذه المشكلة عدة اتجاهات لعلاجها، أجملها في مسلكين: المسلك الأول: مسلك الدفع والمفاصلة. المسلك الثاني: مسلك الاحتواء والتوجيه. ولنشرح هذا نقول: شرح المسلك الأول: مسلك الدفع والمفاضلة رصدت في هذا المسلك اتجاهين متوازيين، ينتهيان إلى ما سميته بـ: (الدفع والمفاضلة)، وهما: الاتجاه الأول: طرح كلام المتأخرين جملة وتفصيلاً، لأنه لا يمثل ما عليه أهل الحديث المتقدمون، ولأنه يفارق عباراتهم وكلامهم على الحديث وتعليله جملة وتفصيلاً، ويدعو إلى إعادة كتابة علم الحديث، ونبذ تقريرات ابن الصلاح ومن بعده إلى ابن حجر، بل حتى ما كتبه ابن حجر العسقلاني رحمه الله في (نزهة النظر) يمثل خطرا شديدا على علم الحديث، فهو قد جرى في بعض مباحث كتابه (نزهة النظر) على منهج خطر على السنة وعلومها، وهو ما عبر به عنه بـ: (منهج تطوير المصطلحات). ومن نافلة القول: إن هذا المنهج يجري على دفع أحكام المتأخرين على الأحاديث، وإعادة النظر في كل كلامهم على الأحاديث تصحيحا أو تضعيفا، فما وجد من كلام المتأخرين موافقا لكلام الأئمة المتقدمين فهو مقبول، وما لا فهو مردود، لا التفات إليه أصلا. الاتجاه الثاني: يقرر أن هناك منهجا للمحدثين ومنهجا للفقهاء والأصوليين، لكنه يتحكم في هذه القضية، فهو يخرج من أهل الحديث من عرف بالتساهل أو التشدد، ويرى أنه لا يمثل أهل الحديث وإن كان متقدما بالزمن، فابن حبان والحاكم ومن قبلهم الترمذي وقس عليه من عرف بالتساهل من أهل الحديث هم عندهم ليسوا من أهل الحديث، ولا تعد أقوالهم التي يظنون أنهم تساهلوا فيها ضمن أقوال أهل الحديث المتقدمين. وقد يغلو بعض هؤلاء فيردون أحكام المتأخرين على الأحاديث بلا تفصيل. ويختلف هؤلاء عن من قبلهم في أنهم لا يدعون إلى إعادة كتابة علم الحديث، إنما ينبهون إلى حصول تساهل فيها من جهة إدراج بعض أقوال الفقهاء والأصوليين فيها، أو أنها تضمنت في مواضع ترجيحات في مسائل لا تمثل أهل الحديث. شرح المسلك الثاني: مسلك الاحتواء والتوجيه:

يقرر هذا المسلك حصول مفارقة بين التطبيق والدراسة النظرية في بعض الأحيان، كما يقرر أن بعض عبارات الأئمة غير منطبقة تماما مع تعريف بعض الأنواع والمصطلحات في كتب علم الحديث، ويبرر هذا بأمور: - أن لكل حديث نظرا خاصا به. - أن مصطلحات كل إمام من أئمة الجرح والتعديل تحتاج إلى دراسة يتبين منها مراده، وما زال الأمر بحاجة إلى مزيد من الدرس والتدقيق؛ للوصول إلى برد اليقين في ذلك. - أن عامة كلام الأئمة إنما خرج تعليقا على حال راو، أو على حديث، مما يبعد معه الجزم أن مراد الإمام بتلك العبارة التقعيد العام، بل الظاهر بقرينة الحال وملاحظة مخرج الكلام أن مراده بعبارته كشف الحال المعين الذي يتكلم فيه، إما الراوي أو الحديث، لا غير ذلك. وهذا والله أعلم أوجد نوعاً من الصعوبة توجب التريث والتأني قبل الجزم بأن هذا هو مراد الإمام بعبارته هذه دون غيره. يقرر هذا المسلك أن للمحدثين منهجا في دراسة علم الحديث يختلف عن منهج الفقهاء والأصوليين، لكن لا يلزم من ذلك أن كل ما عند الأصوليين والفقهاء يخالف ما عند المحدثين، فقد لوحظ أن جملة كثيرة من أقوال الفقهاء والأصوليين ترجع إلى أقوال لبعض أهل الحديث، وإن كانت مرجوحة عند المحدثين. وأن ليس كل ما هو راجح عند الفقهاء والأصوليين يخالف ما عند المحدثين. بل قد يؤدي اجتهاد فقيه أصولي إلى ترجيح قول في المسألة هو كقول أهل الحديث، والعكس صحيح. وبناء عليه؛ فإن باب التدقيق والنظر والاجتهاد مشرع، فلا يحصر الصواب مع أحد دون الآخر، والعبرة في النظر إلى الدليل، أو على الأقل ملاحظة منهج الفريقين عند التعامل معه. ويقرر أن علماء الحديث منهم المتشدد ومنهم المتساهل ومنهم المعتدل، وأن الكلَ من أهل الحديث، والعبرة إنما هي في الدليل، فلا يقال عن المتساهل أنه على منهج الفقهاء والأصوليين، بل العبرة كما سبق هي بالحجة والدليل. ويقرر أن ما صنعه ابن الصلاح هو محاولة تقريب العلم وتقعيده، وقد نبه رحمه الله في أغلب الأنواع الحديثية التي أوردها على مواضع الاختلاف، بل ونبه إلى التعاريف الأخرى التي تخالف التعريف الذي قدمه أو اعتمده، وأن مرجع ذلك أنه رحمه الله كان يتقصد إيراد التعريف الذي يتناسب مع مقصده من تعريف الصحيح الذي أورده بحسب ما عليه جمهور أهل الحديث. فهو لم يزعم في موضع من هذه المواضع المشار إليها أن ما ذكره هو المعتمد عند جميع أئمة الحديث. وقرار أصحاب هذا المسلك أن من أسباب المشكلة طريقة تدريس كتب علم الحديث، فإن من لم يلاحظ هذه المقاصد المشار إليها قبل قليل يقع في تحكم يوقع في هذه المفارقة، وأن الواجب عند تدريس هذا العلم تنبيه الطالب إلى هذه الأمور التي أشار إليها ابن الصلاح ومن بعده. ومن أسباب المشكلة أيضاً: أن بعض من اختصر كلام ابن الصلاح أو نظمه اقتصر على ذكر التعريف الذي اعتمده ابن الصلاح دون الإشارات التي أشار إليها ابن الصلاح من وجود مخالف، أو أن هذا التعريف لا يمثل كل أهل الحديث، وهذه أمور توقع في الشعور الزائد بهذه المفارقة المشار إليها، والواجب تجنب ذلك، والتنبيه على ما فيها. ويقرر هؤلاء أنه لا يوجد استقرار نهائي للمصطلح بحيث نقول: إن جميع أهل الحديث على هذا التعريف، أو على هذا المصطلح بحرفيته، لما قدمته لك من أن مصطلحات الأئمة نفسها بحاجة إلى درس لمعرفة حقيقة مرادهم. ملاحظاتي: 1 - إن منحى (الدفع والمفاصلة) لم يظهر إلا في هذا الوقت، مع قدم المشكلة بحسب توصيفها! مما يدل أنه لا توجد مشكلة أصلا، وإلا لتكلم عنها العلماء وبينوها!

غاية ما في الأمر أن هؤلاء القائلين بمنهج المتقدمين لم يفهموا كلام المتأخرين ولم يستوعبوه، ورأوا أن طلب كلام المتقدمين أولى، مع ما فيه من تعدد الألفاظ وتنوع المصطلحات، وخصوصية المحل غالبا، فليست أحكامهم عامة إلا في القليل النادر، فلما استحكمت الحلقات على هؤلاء قالوا بهذا المنهج، فلا لكلام المتأخرين فهموا، ولا بكلام المتقدمين أخذوا. 2 - ارتبط ظهور هذه الدعوى بالهجوم على الألباني رحمه الله على الأقل من بعضهم، مما يشعر بأن سمة هذه الدعوى أنها ردة فعل. 3 - أن علماء الحديث المعاصرين لم يتبنوا هذا المنهج، فالشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز والشيخ حماد الأنصاري والشيخ الألباني والشيخ ربيع – رحمهم الله – وهم من كبار أهل الحديث لم يتبنوا هذا المسلك، بل وقفوا ضده، وحذروا منه. 4 - ضبابية الرؤية لدى القائلين به، وذلك يظهر في جوانب منها: أ- في بيان حد (المتقدمين) و (المتأخرين)، ففي أول الأمر جاء في عباراتهم ما يشعر أنهم يحدون ذلك بالزمن، ثم تطور الأمر فصاروا يحدون ذلك بطريقة التصنيف والاعتماد فيها على الأسانيد والرواية، ثم تطور بهم الحال، فجاء في عباراتهم ما يشعر بأنهم يفرقون بين المتقدمين والمتأخرين بمنهج التعليل، فمن جرى في كلامه إيراد العلل والطرق وإيراد كلام المتقدمين فهو من المتقدمين، ومن لا فلا! ثم استقروا أخيرا على أن المتقدمين هم أهل الحديث الذين لم يوصفوا بالتساهل، والمتأخرين هم من كان على طريقة الفقهاء والأصوليين والمتساهلين من أهل الحديث منهم. ب- ضبابية الرؤية عندهم في تحديد طريقة أهل الحديث، فهم تارة يجعلون أهل الحديث مقابلاً للفقهاء والأصوليين، وتارة يخرجون المتساهلين والمتشددين من أهل الحديث! ج- ومن ذلك أنك تراهم يبيحون لأنفسهم ما يمنعون غيرهم منه، فلهم الحق في التقعيد على كلام المتقدمين وفهمه، وغيرهم لا حق له، وما يقررونه هو الصواب الذي لا معدل عنه، وكلام غيرهم لا التفات إليه، حتى لو كان هذا الغير من العلماء الكبار، كابن الصلاح ومن جاء بعده إلى ابن حجر وإلى يومنا هذا، رحم الله الجميع! د- لم يتحرر لدي موقفهم من كلام أئمة الحديث إذا اختلفوا في الحكم على الرجل أو الحديث، ماذا يصنعون؟ هل يقبلونه على تعارضه، أم يردونه؟ وإذا رجحوا فعلى أي أساس؟ وهل كلام الأئمة عندهم من الأخبار التي يجب قبولها؟ أو هي من الاجتهاد الذي ينظر فيه؟ أو بعضه كذا وبعضه كذا؟ هـ- أن الدعوة إلى المتقدمين والمتأخرين على هذا المسلك (مسلك الدفع والمفاصلة)، وبخاصة الاتجاه الأول منه يترتب عليها ويستلزم منها أمور باطلة؛ من ذلك: - أن في هذه المقالة خروج عن سبيل المؤمنين الذي سلكوه من زمن ابن الصلاح إلى يومنا هذا. - ومنها: أن في هذه المقالة: مخالفة الحديث الوارد في أن الأمة لا تجتمع على ضلالة. - ومنها: أن في هذه المقالة منابذة للعلم والعلماء في شتى الفنون، وخاصة علوم الشريعة، بل وإساءة الظن بهم – رحمهم الله -. - ومنها: أن محصلة هذه الدعوى أنها تحصيل حاصل. - ومنها: أن تأخذ في بعض أوضاعها موقف التقليد المتعصب المذموم، لا الجائز. - ومنها: أن في هذه الدعوى ما يؤدي إلى رفع منار أهل البدعة والضلالة. - ومنها: أن فيها هدم للحديث، بل وللدين!؛لأن معنى هذا أن جميع الأحكام على الأحاديث تصحيحا وتضعيفاً التي بنيت على تقعيد ابن الصلاح ومن بعده بحاجة إلى إعادة نظر، فانظر هل يبقى من أحكام الشرع بعد هذا شيء مستقر في مكانه؟! والذي يظهر لي أن حل المشكلة بما عليه المسلك الثاني هو المتفق مع قواعد العلم المتقررة عند العلماء، إذ حقيقة الحال: أن العلماء استوعبوا كلام المتقدمين في مسائل علم الحديث، وفهموه ودرسوه وقعدوا هذه القواعد لتقريب العلم، وتسهيل السبيل أمام الطالب ليرقى فيه، ولا ضير عليهم إذا جاء هؤلاء ولم يفهموهم، ولم يحسنوا الظن بهم!!

مقاييس نقد متون السنة

مقاييس نقد متون السنة ¤مسفر غرم الله الدميني£بدون¥بدون¨الأولى¢1404هـ€علوم حديث¶أصول تخريج وتصحيح وتضعيف وجرح وتعديل الخاتمة استعرضنا في هذا البحث مقاييس نقد المتن عند الصحابة رضي الله عنهم حيث تأكد لدينا تأصيلهم لمقياس: عرض الحديث على القرآن، فإذا خالفه مخالفة لا يمكن معها الجمع ـ في نظرهم على الأقل ـ حكموا برده إذا لم يمكن تأويله أو توجيهه، كما كانوا يعرضون ما يبلغهم من حديث على ما يعرفه بعضهم أو جميعهم، ويرجحون ما يرونه صحيحاً في نظرهم، والمقياس الثالث الذي لم يتأكد استعمالهم له هو النظر العقلي، وقد تابع المحدثون والفقهاء الصحابة في الأخذ بالمقياسين الأولين وإن كان اتجاه كل فريق منهم إلى ما يناسب تخصصه، فالمحدثون قد يرجحون بقوة الأسانيد أو باعتبارات أخرى في المتن، والفقهاء يقسمون الخبر إلى قسمين متواتر وآحاد، أو قطعي وظني وبعضهم يقدم هذا على ذاك، وآخرون لا يفرقون. والمحدثون يعرضون الروايات الواردة في حديث واحد بعضها على بعض ويظهر لهم من هذا العرض عدة نتائج مهمة ذات أثر كبير في تصفية الحديث مما يمكن أن يعلق به من زيادات الرواة أو إدراجاتهم، كما كان من مقاييسهم استعمال المعلومات التاريخية في نقد ما يرد في متن الحديث، وهذا من أقوى المقاييس صدقاً في نتيجته خصوصاً إذا كانت تلك المعلومات يقينية ثابتة. كما نظر المحدثون في متن الحديث فإذا كان لفظه أو معناه ركيكاً لا يقول مثله رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك دليلاً على عدم صحته، وكذا إذا كان مخالفاً للأصول والمفاهيم الشرعية المعلومة عند الناس، أو يشتمل على أمر منكر أو مستحيل فكل ذلك لا ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويبدو من الأمثلة التطبيقية التي أوردناها استعمال المحدثين للمقاييس الأربعة الأولى كثيراً عند نقد كتب السنّة بغض النظر عن مصنفها سواء من أهل الصحاح أو غيره، وهذا يعطي تلك المقاييس قدرها بحيث لا يستثنى عند تطبيقها أي كتاب من تلك الكتب، أما الثلاثة الأخيرة فلم تحظ بمثل ذلك القدر، ولم تطبق على الكتب جميعاً بل هي غلباً ما تستعمل عند ضعف الأسانيد أو عدم وصفها بالصحة ولا تكفي تلك الأمثلة النادرة التي ذكرناها دليلاً على القول بأنهم استعملوها في نقد جميع الكتب المصنفة في الحديث، وفي نظري يجب تطبيقها بشكل أوسع على جميع المصنفات دون استثناء، فالحديث الذي يشمل أمراً منكراً أو مستحيلاً، أو معنى ركيكاً هابطاً، أو يخالف أحد التصورات والمفاهيم الإسلامية يجب الحكم عليه بعدم الصحة، ولا تغرنا صحة إسناده عن نكارته فقد أصَّل المحدثون ذلك الأصل العظيم وهو إن صحة الإسناد ليست موجبة لصحة الحديث، وانطلاقاً من هذا الأصل نبني حكمنا على تلك الأحاديث المنكرة حسب تلك المقاييس المتقدمة فيقال عنها ما تستحقه بالنظر إلى متونها وعدم إغفال ذلك عند الحكم عليها. أما الفقهاء فلعل الحنفية قد بعدوا عن الصواب في عدم تخصيص القطعي بما أسموه ظنياً، وفي عدم الزيادة به أيضاً، وما انتهينا إليه من جواز ذلك ووقوعه عند الحنفية ـ أنفسهم ـ والجمهور هو الصحيح إن شاء الله، وقد كانت تلك المقارنات بين أحاديث ـ ضعيفة ـ زادوا بها على النص القطعي وبين أحاديث ـ صحيحة ـ لم يقبلوا الزيادة بها من أقوى أدلتنا في الرد على الحنفية ونقض ذلك الأصل الذي أصَّلوه. أما المالكية فقد أوضحنا موقفهم من رد بعض الأحاديث وعدم تخصيصها لبعض العمومات القطعية، أو مخالفتها لعمل أهل المدينة أو إجماعهم، وأن الإجماع الصحيح هو ما أجمعت عليه الأمة كلها، وأن الحق هو فيما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن خالفه أهل الأرض كلهم.

أما الاحتجاج بعمل الصحابة في خلاف الحديث، فقد فصَّلنا القول في ذلك وانتهينا إلى أن الحجة على الناس هي في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمله، ولا حجة في قول أحد غيره ولا عمله سواء كان من الصحابة أو الفقهاء أو غيرهم من الناس، ولم يتعبدنا الله إلا بطاعته وطاعة رسوله فقط، وإذن فمخالفة الصحابي ـ أو كبار الصحابة ـ للحديث ـ سواء كان هو الذي رواه أو غيره ـ يجب حملها على عدم علمه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لما علم الحديث ترك ذلك العمل وأخذ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به بل وحدَّث به أيضاً. أما مخالفة الحديث للقياس فلا شك أن الأخذ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الواجب وترك القياس، وليس لنا إلا التسليم لذلك وإلا وقعنا في مخالفة أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. وفي مخالفة الحديث للأصول العامة للشريعة المعلومة لدى الكافة ما يكفي لرده على راويه، واتهامه بالوهم والخطأ فيما يرويه، وذلك أولى الأمرين، لأن شريعة الله لا تتناقض ولا تختلف، وهنا يجب أن يُعْلَمَ أننا نقصد بأصول الشريعة تلك المبادئ العامة التي بنيت عليها الشريعة والتي لا يمكن أن تُنْسَخ أو تتغير، وتلك الأصول إذا جاء حديث يناقضها لم نقبله لأنه قطعاً ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو من تخليط الرواة. أما المقياس السابع والأخير فهو منظور فيه إلى طبيعة ورود الحديث والملابسات المحيطة به والمعنى الذي يؤديه، فإذا كان يحمل حكماً يحتاج إليه الناس جميعاً فالطبيعي أن ينقله جمع كثير، وإذا كان حكماً ليس كالأول فلا مانع أن ينقله العدد القليل، فإذا جاء حديث يحتاج إلى ما فيه الناس كلهم كان الطبيعي أن ينقله عدد كبير فإذا نقله الواحد كان دليلاً على زيافته، هذه دعوى أصحاب هذا المقياس، ومن ينظر إليه هكذا يحسبه حقاً، لكننا إذا علمنا أن الأحكام الشرعية التي تعبد الله بها الخلق ليس فيها ما يحتاج إليه بعض الناس وما يحتاج إليه كل الناس، بل هي جميعاً مما يُحْتَاج إليها ومما تعم بها البلوى، ولا يجوز إغفالها ولا التهاون فيها، كذلك نجد أكثر الأحكام قد وردت عن طريق خبر الآحاد، والرسول صلى الله عليه وسلم يبلِّغ الناس جميعاً رسالة ربه وهو واحد، ويبعث رسله وجباته وهم آحاد، ويأتيه الوفد من قومهم فيعلمهم دينهم ويأمرهم بتبليغ من وراءهم وهم آحاد أيضاً، وإذن فالأمر الطبيعي أن تصلنا أكثر سنّته عن طريق الآحاد، وكل ما جاءنا عنه بطريق صحيح ليس لنا مخالفته لأنه آحاد بل يجب علينا الالتزام به والوقوف عنده وعدم رده أو الحكم عليه بعدم الصحة لتلك الشبهة، هذا ما انتهينا إليه من نتائج هامة في هذا البحث. وبعد/ فإنني أرجو أن أكون قد قدمت بهذا العمل إجابة شافية عن ذلك السؤال الذي طرحه بعض الأخوة وأنا أُفكر في موضوع لرسالة الدكتوراه، وهو: هل هناك مقاييس لنقد متون السنّة غير تلك الموجهة إلى الأسانيد؟، وعلم الله أنني بذلت قصارى جهدي في هذا البحث، وإن كنت قد أصبت فهذا هدفي وأملي وإن كنت قد أخطأت فالله أسأل أن يغفر لي وأن يهديني إلى الصواب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة

مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة ¤المرتضى الزين أحمد£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1415هـ€علوم حديث¶أصول تخريج وتصحيح وتضعيف وجرح وتعديل الخاتمة والتوصيات إن أهم النتائج التي توصلت إليها ـ بحمد الله وتوفيقه ـ من خلال هذه الدراسة تنحصر في الأمور الآتية: (1) أولاً: العواضد التي تعضد الأحاديث الحسنة لذاتها هي: اعتضاده بمثله ـ الحسن لذاته ـ، وبما هو أعلى منه ـ بالصحيح. (2) ثانياً: الأحاديث الضعيفة التي تتقوى وتقوي غيرها هي الأحاديث الضعيفة بسبب سوء حفظ أحد رواتها، أو بسبب جهالة فيها. فمن الأول تقوية حديث المختلط، والمتلقن، وغيرهما ممن وصف بسوء الحفظ، ومن الثاني تقوية الأحاديث الضعيفة التي فيها سقط ظاهر وهي: المرسل، والمنقطع، والمعضل. وتقوية الأحاديث الضعيفة التي فيها سقط خفي وهي: المدلس، والمرسل الخفي، وكذا تقوية الأحاديث الضعيفة بسبب الجهل بعدالة أحد رواتها وهي: حديث مجهول العين، ومجهول الحال، والمبهم. فجميع هذه الأنواع تشتر ك في الجهل بحال رواتها. (3) ثالثاً: ربما يوجد في الحديث الضعيف أكثر من سبب من أسباب الضعف المنجبر فلا يمنع ذلك من قبوله للاعتضاد والتقوية. (4) رابعاً: هنالك عواضد ذكرها بعض الأئمة ظهر لي أنها لا تقوي الحديث فيرتفع بها من مرتبة إلى مرتبة أخرى، وتلك العواضد هي: (اعتضاد الحديث بالقياس) أو (بالانتشار) أو (بفتوى أكثر أهل العلم به) أو (بعمل أهل العصر به) أو (بتلقي الأمة له بالقبول) أو (بموافقة ظاهر القرآن له) أو (باستدلال المجتهد به) أو (عن طريق رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام) أو (عن طريق الكشف الصوفي) أو (عن طريق المكتشفات العلمية). ولا يمنع ارتفاع ضعفها أو تقويتها بواحد من هذه العواضد أن يعمل بها فكم من حديث ضعيف عمل به الأئمة؟ (5) خامساً: أن التقوية بالأدنى التي نفاها بعض الأئمة المراد بها رفع الحديث من مرتبة إلى مرتبة أخرى، أما إذا كان المراد بالتقوية بالأدنى زيادة قوة الحديث الثابت فليس هنالك ما يمنع من وقوعها، ومن هذا الباب تقديم الأئمة الحديث الذي له إسنادان (مسند ومرسل) على ماله إسناد واحد، لأن كثرة الطرق يتقوى بها الحديث بلا شك. (6) سادساً: لعل من الواجبات الهامة التي ينبغي على أصحاب الفضيلة الأساتذة والمشايخ القيام بها جمع الرواة الذين يقبل حديثهم في المتابعات والشواهد، وفي ذلك محاولة لإحياء كتاب الإمام علي بن المديني: (من لا يحتج بحديثه ولا يسقط). (7) وختاماً فالحمد لله على توفيقه وهدايته وإعانته لي في هذه الرسالة التي أرجو أن تكون قد حققت بعض أهدافها وغاياتها، وإلا فحسبها أن تكون مقدمة لبحوث ودراسات جديدة يكون فيها مزيد إيضاح وبيان لمباحثها ولما له صلة بها من مباحث لم أتعرض لها بالبحث والمناقشة. والحمد لله رب العالمين. د. مرتضى الزين أحمد المدينة النبوية 1/ 12/ 1412هـ.

منهج الإمام أحمد في إعلال الأحاديث

منهج الإمام أحمد في إعلال الأحاديث ¤بشير علي عمر£بدون¥وقف السلام الخيري - الرياض¨الأولى¢1425هـ€علوم حديث¶علوم حديث - علل الحمد لله أولا وآخرا حمدا يليق بجلال ربنا وكماله وكما يحب ربنا ويرضى، فقد يسر الله بمنه وكرمه وفضله علي بإتمام هذا البحث الذي عشت فيه فترة من الزمن مع إمام أهل السنة والجماعة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل في ظل كلامه في علل الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواتها. إن الإمام أحمد من الأئمة الذي خاضوا في مجال إبراز الأخطاء والأوهام التي وقع فيها رواة الأخبار، وكيف وقعوا فيها، والخطأ مما جبل عليه البشر، وأسباب طروه لا تنحصر، فكان من الصعوبة بمكان وضع قواعد جامدة لا مرونة فيها تكون هي المعولة في الحكم على الراوي بالخطأ في روايته، ومن أجل ذلك كان من أبرز سمات منهج الإمام أحمد العمل مع القرائن في كل حديث حديث. ومع تلك الصعوبة فلا يستحيل على من درس منهج الإمام أحمد من الاطلاع على أهم الأصول التي بنى عليها الإمام أحمد كلامه في الإعلال، ولا يقال إنها قواعد بل هي قرائن كادت لكثرة استعمالها أن تكون قواعد في هذا العلم، ومن خلال هذه الدراسة تكاد تنحصر في عشرة أمور: 1. التفرد ممن لا يحتمل تفرده وبخاصة عن حافظ مكثر ذي تلاميذ كثر. 2. المخالفة لرواية الأوثق أو الأكثر عددا. 3. مخالفة الراوي لمقتضى ما رواه. 4. مخالفة الرواية للثابت المعروف. 5. سلوك الجادة عند بعض الرواة في حالة الرواية. 6. معرفة الملابسات المتعلقة بمجالس التحمل والأداء. 7. معرفة ما ينفي السماع الموهوم في السند. 8. معرفة من ضعف من الثقات تضعيف مقيدا، إما في بعض شيوخه، أو في بعض الأوقات، أو الحالات أو في حديثه في بعض البلدان، أو في حديث بعض أهل البلدان عنه. 9. معرفة مراتب الرواة عن الأعلام المكثرين في الرواية وعدد التلاميذ. 10. الفهم الخاص بأن هذا الحديث يشبه حديث فلان ولا يشبه حديث فلان. ولا ينفرد الإمام أحمد في أغلب مسائل هذا العلم بما لا يوافقه عليه غيره من أقرانه أو شيوخه، ففي عدم اعتبار عدد محدود لرفع الجهالة حيث جعل الضابط في ذلك شهرة الراوي، فقد وافقه غيره من أقرانه. وكذلك في اعتبار ثبوت السماع للحكم بالاتصال على السند المعنعن، وفي ضابطه في الحكم بالنكارة على ما تفرد به الراوي الذي لا يحتمل منه ذلك التفرد وإن كان ثقة. ومصطلحاته في هذا العلم أكثر شمولا من المصطلحات الموضوعة عند المتأخرين. وقد تكون مواقفه في بعض مسائل هذا العلم تعكس منزلته من الإمامة في هذا الدين، فلا تكون نظرته من مجرد منظار أهل الاختصاص بعلم الرواية، مثل موقفه مع المشتهرين بالبدعة والهوى الداعين إليها، وكذلك الذين أجابوا في محنة خلق القرآن، حيث ترك الرواية عنهم ونهى غيره عن ذلك، لا لعدم صحة الاحتجاج بمروياتهم لكن لواجب الديانة المقتضي هجران أصحاب الفرق المخالفين للسنة والجماعة. والعمل في دراسة منهج الإمام لم يكن أمرا سهلا، فدراسة المناهج أمر يحتاج إلى استقراء تام، ويزيده صعوبة الوقوف على ما يصححه من الأحاديث والذي يمكن أن يجعل أصلا لوضع شرطه في القبول، فمثلا ليس كل حديث في مسنده صحيحا عنده، كما هو الحال في الجامع الصحيح بالنسبة للإمام البخاري، وليس كل مسألة فقهية استدل لها بحديث يستنتج منها صحة الحديث عنده، الأمر الذي يلزم على الباحث أن يستنير بما وضعه أهل الاستقراء التام لأقوال الإمام أحمد. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

منهج المتقدمين في التدليس

منهج المتقدمين في التدليس ¤ناصر بن حمد الفهد£بدون¥أضواء السلف - الرياض¨الأولى¢1422هـ€علوم حديث¶تدليس وأختم هذا البحث بذكر خلاصة مفيدة إن شاء الله تعالى لما ذكرته في الأبواب السابقة: 1ـ أن أساس منهج المتقدمين في أحكامهم على الحديث في الجملة قائم على الاستقراء الواسع والتتبع والسبر والمقارنة مع طول اشتغال بهذا العلم وحفظه ومذاكرته ومدارسته الأئمة. 2ـ أن التدليس له عدة صور، وكل صورة لها حكم خاص، بل لكل مدلس حكم خاص تقريباً. فهناك من التدليس ما يلحق بالإرسال. وهناك من التدليس ما لا ينظر فيه إلى (الصيغة) وذلك مثل (تدليس الشيوخ) و (الأخذ من الصحيفة). وهناك من التدليس ما يكون عاماً وهناك ما هو خاص براوٍ معين، وهناك من الروايات ما يؤمن فيها من التدليس، لأنها من رواية المدلس عن شيوخ معينين أو من روايات شيوخ معينين عن المدلس، وكل هذا يعرف بدراسة حال المدلس وأقوال الأئمة فيه واعتبار رواياته. 3ـ أن (صيغ التحديث والأداء) يلحقها (التغيير) كثيراً، فالعنعنة في الغالب تكون ممن دون المدلس أو الراوي عموماً، كما أن التصريح بالتحديث أحياناً قد يكون وهماً ممن دون المدلس، فالحكم بالتدليس بناءاً على العنعنة فقط خطأ، والحكم بالاتصال بناءاً على وجود طريق فيه التصريح بالتحديث فقط ـ مع مخالفتها جميع الطرق ـ خطأ، ومعرفة هذه الأمور تكون باستقراء الروايات مع معرفة حال الرواة بدقة. 4ـ أن طريقة المتقدمين في حكمهم على روايات المدلسين المعنعنة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: الرد، وهو في حالتين: الحالة الأولى: أن يكون قام الدليل على أن حديثه هذا بعينه مدلس: وهذا يعرف بعدد من الوجوه ذكرتها في الفصل الرابع. الحالة الثانية: أن لا يعلم وجود التدليس ولكن تكون في الحديث علة فتحمل هذه العلة على احتمال وجود التدليس. القسم الثاني: القبول، وهو فيما عدا ذلك. وهذا ما ظهر لي بعد طول بحث وتأمل في طريقة السلف والأئمة في هذا الباب، فإن يكن ما ذكرته صواباً فذلك فضل من الله ونعمة فله الحمد والشكر وله الثناء الحسن، وإن تكن الأخرى فأسأل الله تعالى أن لا أعدم الأجر على الاجتهاد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

نظرات جديدة في علوم الحديث

نظرات جديدة في علوم الحديث ¤حمزة بن عبدالله المليباري£بدون¥دار ابن حزم - بيروت¨الأولى¢1416هـ€علوم حديث¶دراسات حديثية الخاتمة نستخلص من البحث أهم النقاط العلمية، وهي أن علوم الحديث قد تناولتها مجموعتان كبيرتان، تتميز كل منهما عن الأخرى بالمناهج والمفاهيم والأعراف العلمية. إحداهما تمثل الجانب العملي التطبيقي، والثانية الجانب النظري. أما المجموعة التي عالجت علوم الحديث عملياً فهم المعنيون بـ "المتقدمين"، وهم نقاد الحديث، وعنهم انبثقت معظم المصادر الحديثية التي تعطي لنا صورة واضحة لمحتوى علوم الحديث المتداولة بينهم، وفي طليعتها الصحيحان: صحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم. وميزة هذه المجموعة أنها لا تتلقى الأحاديث والآثار ولا تتداولها إلا عن طريق الرواية الشفهية المباشرة، ولهذا يدعى عصرها "عصر الرواية"، ويمتد من القرن الأول الهجري إلى منتصف القرن الخامس الهجري تقريباً. وأما المجموعة الثانية فتناولت هذا العمل نظرياً باستخراج المصطلحات ووضع التعاريف، وتنظير القواعد اعتماداً على ممارسات المتقدمين في مجال النقد، وهم المعنيون بالمتأخرين، والأمر الذي يميزهم عن المجموعة الأولى ظاهرة الاعتماد على الكتب والمدونات في نقل الأحاديث والآثار، مكان الرواية الفردية المباشرة، إضافة إلى ظهور المبادئ المنطقية وتغلغل آثارها في كافة العلوم الشرعية، لا سيما في التعاريف والحدود. ومن خلال التأني في تتبع المظاهر العلمية التي كانت تسود هاتين المرحلتين، وبعد إجراء المقارنة بين الجانب التطبيقي لمحتوى علوم الحديث المركز عليه في عصر المتقدمين، وبين الجانب النظري عند المتأخرين تبين لنا خلاف جوهري، وتباين منهجي بينهم في كثير من المصطلحات الحديثية، والقضايا النقدية، يجب على المشتغل بالحديث وعلومه التفطن إليه، كي يتحاشى الآثار السلبية المترتبة عن الخلط بينهم، وهي كثيرة، وإن كافة المعضلات العلمية التي تثير الاضطراب في ضبط مبادئ علوم الحديث ومصطلحاته هي من نتائج هذا الخلط. ومن أخطرها ما راج بين الكثيرين من "أن نقدة الحديث إنما عنوا عناية فائقة بنقد الأسانيد والرواة، وأما المتون فليس من شأنهم النظر فيها، لكونهم قليلي الفقه"، مما دفع ببعضهم إلى تبني محاكمة الأحاديث إلى القرآن والعقل كمنهج علمي، بديلاً عن منهج المحدثين، إضافة إلى مفاهيم خاطئة، ومناهج مختلطة ترسخت في دراسة الكثيرين من أهل الحديث المعاصرين، وكل هذا وقع في غياب الجوانب العملية التطبيقية في المرحلة الأولى، وفي ظل الاتكال على الجانب النظري عند المتأخرين. إن المظاهر العلمية التي تميز عصر الرواية تقطع بأن علوم الحديث تضم جانبين: الجانب الأول ما يتعلق بمعرفة الصحيح والسقيم، والجانب الثاني: ما يتصل بفقه الحديث وفهم معناه. لهذا قال علي بن المديني: "التفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم". وقال الإمام أحمد: "إن العالم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم والناسخ والمنسوخ من الحديث لا يسمى عالماً". وهو الذي يؤكد عليه جميع الكتب الحديثية التي ظهرت في عصر النقاد، كالجوامع والسنن التي روعي في ترتيبها النسق الفقهي، وفي مقدمتها "الجامع الصحيح" للإمام البخاري، وقد ركزنا على هذا الجانب، وأفضنا فيه.

والذي أود إبرازه هنا هو الناحية النقدية التي تشكل أهم جوانب علوم الحديث، والسبيل الوحيد للتعرف عليها هو دراسة صحيح الإمام البخاري، وصحيح الإمام مسلم دراسة تحليلية معمقة، باعتبار أن كليهما ميدان تطبيقي لذلك، وفضلاً عن دراسة الصحيحين يجدر بالباحث المدقق أن يقارن "بالتاريخ الكبير" للإمام البخاري، و "كتاب العلل الكبير" للإمام الترمذي الذي جمع فيه نصوص شيخه البخاري، وكتاب "التمييز" للإمام مسلم، وسائر كتب العلل التي تحتوي على القدر الأكبر من الروايات المعلولة، والتي تعتبر من بقية المرويات التي اصطفى منها الإمامان تلك الأحاديث الصحيحة على أسس علمية متينة، بحيث تبرز الدراسة ما أودع كل منهما في تضاعيف الصحيحين من الفوائد الإسنادية، والنقدية، وتبلور المنهج العلمي المتبع لديهما في معرفة الصحيح والسقيم، وكشف أوهام الرواة، وحتى أغلاط الأئمة الأجلاء، وافتراءات المغرضين وحيلهم وانتحالاتهم. بعد دراسة تحليلية في كتب العلل، وكتب الضعفاء، والصحاح، والسنن وغيرها من المصادر الحديثية التي وضعت في ضوء قواعد التصحيح والتعليل، أو الجرح والتعديل، في المرحلة الأولى، وبعد التتبع العلمي لها عن كثب، استطعنا ـ بفضل الله تعالىـ أن نستخلص طبيعة مسلكهم في نقد الأحاديث كما يلي: يصحح الإمام البخاري وغيره من النقدة أصناف الأحاديث متى تأكدوا، وتحققوا من صدق كل راو من رواتها في سلسلة الإسناد، وإصابته في عزوها لمن فوقه كما سمعها منه، سواء رواها الثقات أو الضعفاء غير المتهمين، كما يردونها عند شعورهم القوي بخطأ أحدهم ووهمه، سواء كان ثقة أم ضعيفاً، أو قد كذب وافترى. وهناك أمور كثيرة تعتبر أساساً في تحري صدق الراوي فيما حدث به، وإتقانه له، أو خطئه ووهمه فيه، أو كذبه ووضعه له. وأما بخصوص تحري الصدق والإتقان فكأن يروي الراوي حديثاً يوافق المعروف عن شيخه، أو عمن فوقه، أو عن الصحابي، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو يوافق ما كان عليه عمل الصحابة، فإن موافقته للواقع دليل على صدقه وحفظه وضبطه، وحين تصبح الموافقة سمة بارزة له فإن نقاد الحديث يصفونه بما يدل عليها بدقة، ويصنفونه في زمرة الثقات. فمعرفة حال الراوي ومستوى ضبطه وإتقانه متوقفة إذن على تقييم أحاديثه ورواياته، والأول تابع للثاني، وبالتالي لا يمكن أن تصبح صفته وحاله منطلقاً رئيسياً للحكم على حديثه في منهج المتقدمين، ومن هنا نلفيهم يصححون الأحاديث من مرويات الضعفاء متى أصابوا فيها ويحتجون بها، وصحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم يؤيدان ذلك، وقد جمع الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري أسماء الضعفاء والمتكلم فيهم الذين أخرج لهم الإمام البخاري ما صح من أحاديثهم. فهذه الحقيقة العلمية الملموسة في نقدهم تفند ما راج بين الكثيرين من أن المحدثين صححوا الأحاديث بالنظر في سلسلة الإسناد دون المتن، حيث إن علم الرجال ثمرة لجهود المتقدمين في نقد المرويات. أما معرفة خطئه ووهمه، أو كذبه وافترائه، فكأن يروي حديثاً يخالف الثابت عن شيخه، أو عمن فوقه، أو عن الصحابي، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو يخالف الواقع المعمول به لدى الصحابة، أو أن ينفرد في حديثه بشيء ليس له أصل عند شيخه، أو عند من فوقه، أو عند الصحابي، أو عند النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يؤيده عمل الصحابة والتابعين. فإن هذا النوع من المخالفة والتفرد دليل قاطع على خطأ الراوي ووهمه أو كذبه ووضعه، لأنه من كذب وافترى فمصيره أن يخالف الواقع، أو أن ينفرد بما لا أصل له، وكذا الأمر إذا أخطأ ووهم، وبقدر وقوع المخالفة والتفرد، ونوعية كل منهما يقع تصنيف الرواة، إما في الضعفاء أو المتروكين، أو الكذابين.

وجدير بالذكر إن المخالفة والتفرد على الصور المذكورة هما المقصودان في مفاهيم الشاذ والمنكر، وليس كل أنواع المخالفة والتفرد داخلة فيها، فإن منها ما هو ناتج عن كثرة الضبط والإتقان، وهذا النوع من المخالفة والتفرد لا يكون شاذاً ولا منكراً ولا مردوداً، بل يكون صحيحاً مقبولاً، وإن كان ظاهر القول الذي يربط الشذوذ بهما يوهم الإطلاق فيها فإن الأمثلة التي ساقوها وقرائن أخرى تؤكد ذلك الذي ذكرناه. في ظل هذه الحقائق العلمية الملموسة فإن الحكم على الحديث تصحيحاً وتضعيفاً، قبولاً ورداً، لم يقع من المحدثين النقاد بالاعتماد على صفة الراوي، بغض النظر عن المتون والأمور المحيطة بها، وإنما يقع ذلك بناء على معرفة موافقة راويه للواقع، أو مخالفته له، أو تفرده بما لا أصل له، حتى ولو كان الراوي إماماً جليلاً. وإن كانت الركيزة الأولى الأساسية للحكم على الحديث هي معرفة موافقة راويه للواقع أو مخالفته له أو تفرده بما لا أصل له، فإن الناقد ينبغي أن تتوفر فيه من الأمور ما يؤهله لمعرفتها، من أهمها الفقه وحفظ الأحاديث وضبطها واستيعاب طرقها ومعرفة رواتها، وإلا فإنه لا يعرف الواقع، ولهذا فإن النقاد كانوا يهتمون بشقي علوم الحديث، وهما: الجانب الفقهي وجميع ملابساته والجانب النقدي وسائر ما يتصل به، كما سبق تفصيله. ويلاحظ مما ذكرنا: أن ما يتجه إليه اهتمام الناقد في نقده بداية هو ما ذكره الراوي عن شيخه: هل حدث شيخه بهذا السند هذا الحديث؟ أو حدث بسند آخر؟ أو حدث بهذا السند متناً آخر؟ أو لم يحدث به أصلاً؟. والنقد الذي يرتكز أساساً على هذه المحاور لا يتم في حالة ما إذا فصل الإسناد عن المتن، وغض النظر عنه، إذ الإسناد لا يتحقق له وجود إلا باعتبار متنه، وبالتالي لا يستحق أي حكم، إلا إذا صار النظر شكلياً، كأن يدرس تراجم رواه الإسناد، وإمكانية اللقاء بينهم، دون ربطه بالواقع الجزئي الذي بصدده هذا الإسناد، فعندئذ يصبح الحكم الذي صدر عن الباحث حكماً عاماً لا علاقة بما وقع، وهذه دراسة المعاصرين خاصة والمتأخرين عامة إلا المحققين. وإذا صدر عن الناقد حكم بأن الإسناد صحيح فمعناه أن كل راوٍ من السند صادق ومصيب في قوله، وعزوه لمن فوقه، وبذلك يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله، ولا يصح القول أبداً إن السند صحيح والمتن ضعيف، أو موضوع، لأن الخلل الوارد في المتن إنما هو من جهة أحد رواته، فيصبح تصحيح الإسناد حكماً مناقضاً للواقع الذي يقضي بوجود خاطئ أو كاذب في ذلك الإسناد، وإلا فإن الخطب جلل لما يلزم منه نسبة الخطأ أو الكذب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما شاع لدى المتأخرين من ذلك الإطلاق فإنه لا يعدو كون الرواة ثقات فقط، لا أكثر ولا أقل. وصفوة القول فإن نقد المحدثين في المرحلة الأولى نقد علمي متكامل بجميع عناصره، لا يفصل الإسناد عن المتن، حيث يقوم أساساً على المعرفة الحديثية والفقهية، ومن ثم أصبحت علوم الحديث تحوي هذين الجانبين دون فكاك. إضافة إلى قضايا أخرى تطرقنا إليها نظراً لأهميتها البالغة، مثل مسألة تدوين السنة، ومحاكمة الأحاديث إلى القرآن بغرض معرفة صحتها وكذبها، وضرورة التفريق بين الغريب الشاذ وخبر الآحاد، وسر إهمال النقد لبيان الوضع في الأحاديث بياناً مفصلاً، في حين أنهم نشطوا في كشف عللها، وعناية المحدثين النقاد بنقد المتون، ورد الشبهات حولها، وغيرها من الأمور التي وجدناها بحاجة إلى إبراز الواقع فيها. كتبت لك ـ يا أخي العزيز ـ هذا البحث، بفضل من الله سبحانه وتعالى، ولا أريد به إلا أن أرسم لك منهج المحدثين النقاد، الذي تسعى إليه من وراء دراسة مصطلح الحديث، وأن أحملك على أن تحذو حذوهم في نقد الأحاديث. والله الموفق. رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً. والحمد لله رب العالمين. ـ تم بعون الله ولله الحمد والشكرـ

نقد مجازفات حمزة المليباري

نقد مجازفات حمزة المليباري ¤أحمد بن صالح الزهراني£بدون¥دار الإمام مالك - أبو ظبي¨الأولى¢1425هـ€علوم حديث¶نقد كتاب أو فكر رأينا فيما سبق أن الدعوى العريضة التي ينادي بها الدكتور المليباري ومن يشايعه دعوى لا تستند إلى واقع علمي، ولا إلى معطيات تاريخية، وكل ما هنالك أن هذه الدعوى اتسعت لتخدم أغراضا لأكثر من اتجاه، وكلهم وظفها لتمرير ابتكاراتهم ومخترعاتهم، التي ما كان لها أن تروج وأن تلقى قبولا لدى بعض الطلبة، لولا أنها استخدمت عنصر المتقدمين، فإن المتقدمين أو السلف لهم في ذهنية أهل السنة مكانة عظيمة من التوقير والاحترام، والرجوع إليهم وإلى مناهجهم وأصولهم يعتبر ركيزة في التلقي والاتباع، لهذا فقد وظف هذا المصطلح بقوة غاب معها عن ذهن المتلقي ماذا يعني السلف للسلفيين، وماذا يعني التقدم الزماني بالنسبة لأهل السنة؟ الإجابة على هذا السؤال هي حقيقة منهج السلف في الإيمان والتلقي والاتباع، إن السلف بأشخاصهم وأفرادهم واجتهاداتهم لا يشكلون صورا نمطية يجب على اللاحقين لهم تكرارها واستنساخها، أبدا، بل هذا هو لب خلاف أئمة السلف مع المتعصبة والمقلدة، حتى أعلنها أئمة المذاهب الأربعة صريحة: لا تقلدني. و: خذ من حيث أخذنا. نهي عن التقليد، وأمر بالأخذ من حيث أخذوا، فمنهج السلف إذن أن نأخذ من حيث أخذوا، وبالطريقة والمنهج الذي به أخذوا، ولا يهم بعد ذلك أن نوافقهم في النتيجة أم نخالفهم، وهذا هو الأصل في كل مجالات الاتباع، سواء في ذلك مجال المنهج والاستنباط، أو مجال العلم والاتباع. ولهذا كان الواقع التطبيقي والتاريخي في العلم والمنهج والتلقي هو هو عند السلف وأتباع السلف، أيا كان العلم الذي هو مجال البحث. ففي الفقه مثلا والأحكام العملية: المصادر واحدة، ومنهج الفهم والتلقي واحد، بينما الأحكام مختلفة وهنا في علوم السنة: المصادر واحدة، ومنهج الفهم والتلقي واحد، بينما الأحكام مختلفة. ثم ماذا بعد؟ لكن الاجتهاد واتباع الدليل والبرهان أمر مزعج غاية الإزعاج بالنسبة لمن عاش بين ركام الروايات، والأوجه، والتخريجات، والتفريعات. لا أقول على ما جاء عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإنما على ما جاء عن إمام المذهب أو المشايخ. تصور أن عشرات التفريعات والأقوال والخلافات تنتهي عن المحدثين بإبطال النص الذي قامت عليه لأنه ضعيف لا يثبت. تصور أن عشرات المنكرات والعظائم في مذهب ما تمارس علنا عند المحدثين؛ لأن النص الذي جاء بالمنع منها لا يثبت. تصور عشرات البدع عند أئمة المذاهب، يمارسها المحدثون؛ لأنه جاء بها الأثر الثابت على أنها سنة متبعة. تصور عشرات السنن عند المذاهب ينكرها المحدثون؛ لأنها قائمة على الرأي الباطل. إن هذا يقرب للناظر سبب تلك الهجمة الشديدة الطاحنة على السلفية كمنهج متحرر من قيود التبعية والتقليد، يأخذ بالدليل عن الله وعن رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه الميامين، فمن وافق الحق من الأئمة والعلماء عرفناه بالحق، واتبعناه؛ لما معه من الحق والبرهان الملزم. ومن خالف الحق من الأئمة والعلماء اجتهادا، خالفناه وعذرناه واحترمناه، وأحببنا فيه اجتهاده وحرصه على الحق، فنحن وإن خالفناه في النتيجة، إلا أننا نوافقه في المنهج والطريقة، مادام متبعا للسلف. وأما من خالف الدليل الساطع والحجج والآثار لقول إمام المذهب وشيخ الطريق ومفتي البلد ومعلم الحلقة، فهذا نخالفه ولا نعذره ولا كرامة ولا نعمة عين. وهذا الصنف هو الذي يؤلب على أهل الحق، ويرميهم بالعظائم التي من أعظمها كذبا وأكثرها رواجا عدم تقدير السلفيين للأئمة والعلماء المتقدمين، لماذا؟ لأنهم لا يقلدونهم؟!

لقد كانت تلك دعوى المقلدة من قديم ضد السلفيين وأهل الحديث، لكنها مع تقادم العهد أصبحت حجة بالية، خصوصا في البيئات العلمية التي تأثرت بالدعوة السلفية. لكن الباطل له تلون، ففي كل مكان يظهر بلون لا يتميز به عما حوله. فظهرت نعرة التقليد والدعوة إليها، لكن الآن من عمق منهج السلفيين ومنهجهم، وبلباس عجيب: لباس نبذ التقليد!! وجاء أصحابها بعنوان جميل براق: العودة إلى منهج المتقدمين في الحديث. وهذا يعني أمورا عدة: أهمها أن المتأخرين والمعاصرين ليسوا على هذا المنهج القديم. وبناء عليه فإن النتائج الإصلاحية للمتأخرين والمعاصرين من سنن أحيوها، وبدع أماتوها تحتاج إلى مراجعة ونقد. ثم بعد تفتيش تجد هذه الدعوى ومن ينادي بها لا يخرج عن أطر: فإما هو من متعصبة المذاهب أو الطرق الذين أعياهم القدح في منهج التلقي والاتباع الذي انتشر وطغى على طرائق الصوفية والمذهبيين في تبجيل وتقديس الأئمة والعلماء فوق النص. وإما هو للأسف ممن أعماهم الحسد لبعض العلماء والأئمة الذين كتب لهم القبول، كالشيخ ناصر الدين ـ رحمه الله ـ فلم يجد في نفسه من الثقل العلمي ما يؤهله للقدح في الشيخ ومنهجه، فاستعان بالمتقدمين والتباكي على منهجهم، وبعض هؤلاء للأسف من أهل العلم! وإما هو جاهل مغرر به، دفعه شيوخه وأصحابه دون وعي لتبني هذه الفكرة وترويجها، ووضعوه في الواجهة لتلقي صدمة الإنكار الأولى من رموز السلفيين وشيوخهم، وعلى رأسهم الشيخ ناصر الدين رحمه الله. وبطبيعة الحال فإن دعوة وتسهل وتسهم في الطعن بمنهج أحد أئمة السلفية في العصر الحديث، وهو الشيخ ناصر الدين ـ رحمه الله ـ ستكون موجة يركبها كل من يريد الوصول بها إلى هدف له، وفعلا تجد أصحاب هذه الدعوى أخلاط من شتى الاتجاهات، وكثير منهم للحق والحقيقة غوغاء دهماء لا وزن لهم، وإنما سمعوا بهذه الدعوى، ووظفوها كأصحاب منهج التكفير والخروج، وكبعض الصوفية وشيوخ الطرق، وبعض متعصبة المذاهب. نسأل الله العافية. ومن هنا حرصت في هذا الكتاب على بيان وهاء الأسس التي بنى عليها المليباري ومن معه هذه الدعوى، خصوصا وأنه من أجلها بدأ يخلط ويهدم ويبني، فهو يخلط الحق بالباطل، وهو يهدم الحق إذا خالف توجيهه، ويبني باطلا ويؤسسه؛ نصرة لنظرة معينة تؤيد فكرته، ولهذا وقع في التناقض العجيب، وساعد على ذلك اجتهاده وحرصه، لكنه اجتهاد وحرص في غير محله، وأظن الدكتور وقع ضحية توجيه من أحد شيوخه، أو ممن استفاد منهم وأقنعه بالفكرة، خصوصا وأنه يخالف منهجه الحالي صراحة في رسالته الدكتوراة، وبيننا وبينها سنوات معدودة فقط، مما يدلل طراوة الدكتور وفكرته التي لا أظنها تيبس أبدا، فما بني على باطل فهو باطل. أعود لأقول: إننا لا نتحفظ أبدا على نقد الشيخ ناصر الدين الألباني، ولا أي شخص نقدا بناء هدفه الحق، والوصول إلى الحق، فليس عند السلفيين وأهل الحديث معصوم إلا أن يكون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، لكن هذه الهجمة لم تستهدف الشيخ ومن قبله من الأئمة في مسائل تفصيلية جزئية، مما نختلف نحن أيضا مع الشيخ فيها. وإنما استهدفت الطعن في منهج الشيخ في التصحيح والتعليل، بل سحبت هذا الحكم ـ مبالغة في البغي ـ على عدة قرون ممن تطلق عليهم مصطلح المتأخرين، تحكما وتصنيفا لا مستند له. وإن كان علي من شكر أتقدم به، فإني ـ بعد شكر الله تعالى ـ أشكر من قرأ الكتاب وشجعه من الإخوة والمشايخ الفضلاء، وأخص بالشكر الشيخ علي رضا، وفقنا الله وإياه الذي كان بحق أسرعهم استجابة وبذلا لوقته، وأفادني بملحوظاته القيمة التي انتفعت بها حقا، فجزاه الله خيرا، ونفع الله به. ورجائي ـ كما دعائي ـ أن ينفع الله بهذا الكتاب الموافقين والمخالفين، وأن يغفر لنا الزلل والخطأ، فوالله ما تعمدته، إلا أن تكون غفلة البشر ونقصهم وعجزهم، فما فيه من خطأ وعيب فعيبي ونقصي وعجزي، ونفسي هي سولت لي والشيطان، وما فيه من صواب فهدى الله هداني إليه، وبتوفيقه وفقني وأعانني عليه، فله الحمد أولا وآخرا، وله المنة من قبل ومن بعد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

علوم قرآن

علوم قرآن

اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري

اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري ¤فهد بن عبدالرحمن الرومي£بدون¥بدون¨الأولى¢1407هـ€علوم قرآن¶علوم قران - مناهج ومدارس تفسير ودراسات قرانية الخاتمة وبعد: هذه أهم الاتجاهات لتفسير القرآن الكريم في القرن الرابع عشر الهجري، وتلكم هي أسسها التي قامت عليها. لها ما لها وعليها ما عليها. ولا أجد حاجة لتكرار ممل ـ حتى ولو كان مختصراً ـ للأبحاث التي تناولتها فدون من أراد ذلك المقدمة فقد أجملت فيها ما تناولته من أبحاث ودونه الكتاب كله ففيه التفصيل ودونه الفهارس ففيها الدلالة وإنما يهمني ويهم غيري فيما أرى أن أخص الخاتمة بالحديث عن النتائج التي توصلت إليها بعد هذه الدراسة وفيها أمور ما كنت أتصور حدوثها ووقوفي عليها. وعلى كل حال فسأقدم النتائج بقدر من الاختصار الذي يعطي الثمرة ولا يؤدي إلى الملل. فمن النتائج: أولاً: في العصر الإسلامي الأول لم يكن ثم إلا فرقة إسلامية واحدة وإلا أمة إسلامية واحدة هي خير القرون وهي قدوة المسلمين ولم يكن بينهم شقاق في العقيدة أو خلاف وكلما ظهرت شرارة من هنا أو هناك هيأ الله لها من أمة المسلمين من يطفئها أو من يضرب صاحبها بدُرَّتِه ضربة يعيد بها صاحبها إلى رشده، ولم يكن لهذه الحالات الشاذة أثر يذكر في التفسير سلباً أو إيجاباً فلم يحوج الأمر المفسرين إلى الرد عليهم أو على شبهاتهم إلا النادر الذي لا يشكل منهجاً. ومضى حين من الدهر نشأت فيه مذاهب وفرق أخرى هيأ الله ـ سبحانه وتعالى ـ لهم من يرد عليهم في مؤلفات مستقلة أو عند تفسير القرآن الكريم. ونظرة سريعة إلى التفاسير في تلك الفترة يظهر فيها حجم المعركة. فرق تؤلف تفاسيرها على قواعد أصولها التي أنشأتها من قبل، وتبث شكوكها وشبهاتها. وفرقة أخرى تكابد بين أمرين أمر تقرير عقيدتها واستخراجها من نصوص القرآن الكريم والسنّة النبوية وأمر الرد على شبهات الخصوم وأوهامهم. قامت فرق المعتزلة والشيعة الاثني عشرية ... والباطنية والزيدية ... والخوارج ... والأباضية ... والصوفية ... والفلاسفة وأمثالهم يفسرون القرآن الكريم وفق أصولهم. وقام أهل السنّة والجماعة يقررون عقائدهم ويردون على خصومهم فلم يهملوا آية فيها تقرير لعقيدتهم إلا وبينوه ولا آية فيها رد على خصومهم إلا وأظهروه. وفعلوا ذلك إظهاراً للحق وتبرئة لذممهم وذوداً عن عقيدتهم وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر فما زالوا ظاهرين. وقد كان الاتجاه العقائدي في التفسير في القرن الرابع عشر أول أبحاث هذه الدراسة ـ وإن أنس لا أنس ـ صدمة تلقيتها وأنا أكتب عن تفاسير أهل السنّة والجماعة. فقد عانيت كثيراً في الحصول على نصوص تقرر عقيدة أهل السنة والجماعة بكل تصريح ووضوح بل تسوقها بإشارة عاجلة وكأنها مقررة عند قارئ التفسير ومعلومة. وليتهم حين يفعلون هذا يتجاوزونه إلى الرد على شبهات الأعداء وكيد الخصوم والتأويلات الباطلة ... ليتهم يبرزون الرد على الشيوعية والرأسمالية والاشتراكية أو القومية الترابية أو اللسانية ليتهم يردون على البابية أو البهائية أو القاديانية أو يردون على عصابات الانحلال الفكري أو شبهات المستشرقين أو انحرافات المنحرفين أو حتى ليتهم يردون على الفرق المعاصرة كالشيعة التي جعلت همها في العصر الحديث مواجهة أهل السنة والجماعة ومصادمتهم ليس في داخل بلاد المسلمين فحسب بل حتى في الدول الأوروبية والأميركية وكم سمعت من الدعاة إلى الإسلام في تلك الأنحاء من نشاط أولئك ضدهم وكأن هؤلاء يدعون إلى الشيوعية والإلحاد لا إلى الدين الإسلامي.

ليت أصحابنا ردوا على الشيعة هؤلاء أو ردوا على الأباضية وبينوا لهم الحق ... أو ردوا على الصوفية التي عششت على أنحاء كثيرة في العالم الإسلامي وقاد العوام فيها والجهال بعض العلماء كما تقاد الشياة ... يذودون عن أفكارهم ويدافعون عن أفعالهم ويبررون منكراتهم وهم يعلمون أنهم يقولون غير الحق ... ؟. ليت أصحابنا ردوا على النصرانية وما تقوم به من نشاط كبير لتنصير المسلمين في أرجاء العالم مستغلة أوضاع العالم الإسلامي الاقتصادية والسياسية ... ليتهم ردوا على اليهودية ومنظماتها ... الصهيونية والماسونية وأندية الروتاري وغيرها من وسائلهم الماكرة للاستيلاء على قيادة العالم كله وتوجيهه أو جعله تحت سيطرتهم إن استطاعوا ولن يستطيعوا بإذن الله. بحثت عن هذا كله أو عن بعضه في تفاسير أهل السنّة والجماعة في العصر الحديث فلم أجد فيها بغيتي ولا بعضها. وكل ما وجدته نصوصاً من هنا أو هناك الصريح الواضح منها قليل وما سواه التمس منه ما أردت التماساً. يمرون غفر الله لهم ولمن سبقنا بالإيمان ـ على الآية وقد زعمتها ـ طائفة قديمة أو حديثة دليلاً على مذهب ضال أو فكرة خبيثة فلا يعرض أولئك للرد عليها. يمرون غفر الله لهم على الآية تستدل بها فرقة على ما يزعمونه حكماً شرعياً خالفوا فيه الفهم الصحيح للنص وما يؤيده من السنّة والإجماع فلا يكلف أحدهم نفسه بيان ذلك ... وكأنه يكتب لا يخفى عليه الحق في ذلك. ولعلي ألتمس لهم عذراً أنهم يقررون التفسير الحق ويقدمونه ميزاناً أصيلاً يوزن به كل قول سواه وكل شبهة وكل بدعة. لكني مع هذا لا أرى الحق ـ في هذا فالقضية أكبر من أن نجمل الحديث عنها أو نوجزه والقضية أكبر من أن نجعل الحق في أيدي الناس وَيَزِنُون به ... فما زال في الناس كثير من لا يحسن استعمال الميزان وما زال في الناس من يعجز عن استعماله وما زال في الناس من يطلب الطعام وأن يوضع له على المائدة وإن لم نفعل نحن ـ أهل السنّة والجماعة ـ فسيجد من يقدم له هذا الطعام بكل سرور ... ولعلي قد بلغت. ثانياً: وحين اتسعت العلوم الإسلامية عامة، واتسعت العلوم القرآنية خاصة وأفرد من العلماء السابقين آيات الأحكام بتفاسير مستقلة لم يكن أحدهم يكتب التفسير لهذه الآيات بمعزل عن مجتمعه وقضاياه، بل كان يعطي صورة كادت أن تكون كاملة عن بيئته ... حتى المذهب الفقهي الذي ينتحله كان له أثره في تفسيره. ففسر كثير منهم آيات القرآن حسب مذاهبهم الفقهية فكان تفسير للمذهب الحنفي وتفسير للمذهب المالكي ... وهكذا. وإذا عطفنا النظر إلى القرن الرابع عشر الهجري وجدنا الأمر جد مختلف فقد تخلى عن كثير من صفات التفاسير القديمة بحسناتها وعيوبها. كان على من أراد أن ينهج منهج تفسير آيات الأحكام أن ينظر إلى ناحيتين .. ناحية عطاء النص ... وناحية حاجة المجتمع ... وواقعه ويوازن بينهما ... لا ... لست أريد أن يهمل نصاً لأنه غير واقع في المجتمع ولا أريد أن يؤجل البحث فيه إلى أن يقع ... لا أريده أن يفعل ذلك ما دام النص القرآني عليه صريح ... لكني أيضاً لا أريد منه أن يسترسل في بحث قد أشبعه العلماء من قبله ... ولم يتركوا له فيه من عراش أريد منه أن يترك لهذا مباحث جدت من بعد في عصرنا هذا من غير أن يعطيها حقها من البحث. يخطئ أولئك الذين ينظرون إلى آيات في القرآن الكريم وهم يحسبون أن الفقه ليس إلا معرفة أحكام الطهارة والإرث والوقف والهبة وينسون أنه هو نتاج دين شامل كامل أيضاً. إن الفقه يشمل ما أسلفت ويشمل غيرها ويشمل أيضاً كل المناهج والأنظمة في كل مجالات الحياة ما يجد فيها.

يشمل النظام الاقتصادي الإسلامي بأوسع معانيه وإيجاد الحلول لمشاكل العالم المعاصر الاقتصادية ويشمل النظام الاجتماعي والنظام الجنائي والنظام الدولي والنظام المدني والنظام العسكري في أوسع مجالاته نظام العلاقات الدولية والسفارات وأخلاقيات الدولة الإسلامية يشمل كل أشكال المعاملات المالية في نظام البنوك المعاصر يبين حلالها وحرامها وحقها من باطلها. وحين يقصر مفسر أو فقيه في جانب منها فإن القصور من جهده وليس من النصوص فليعتر أولئك الذين يصرفون جهودهم إلى ما نضج واحترق من المسائل الفقهية ويتركون عجزاً أو تهاوناً أو كسلاً عن الأبحاث الأخرى التي ما تزال بحاجة إلى أن يخرجها العلماء للناس ويقولون لهم بأعلى صوت هذا نظام دينكم فخذوا به ... نظرت في كتب تفسير آيات الأحكام في العصر الحديث وهالني ما رأيت ... رأيتها تكرر ما قاله الجصاص وابن العربي والشافعي والقرطبي وأنعم بهم من رجال وأنعم بها من كتب ... لكنهم كتبوا لأبناء عصرهم وعالجوا قضاياه وأشبعوا الموضوع درساً وبحثاً حتى كادت كتب بعضهم أن تكون كتب فقه لا تفسير. ومع هذا كله فإن كتبهم موجودة لم تفقد حتى أصولها، ومنتشرة في الأسواق أكثر من كتب من نقل عنها فأي فائدة نرجوها من جديد لم يأت بجديد؟!. وليت أصحابنا ـ غفر الله لنا ولهم ـ وهم يكتبون في التفسير الفقهي ولا يعالجون قضايا مجتمعهم المعاصر ليتهم عالجوا بعض الاختلافات الفقهية بين أهل السنّة والجماعة وبين الفرق الأخرى ليتهم نقضوا ما يستدل به الشيعة في تفسيرهم لإباحة نكاح المتعة ليتهم أظهروا مواطن الخطأ في الاستدلال عند هؤلاء ـ ليتهم ردوا على الذين يزعمون إباحة الربا غير المضاعف ويبثون الشبهات في تحريمه ويدعون إباحته ليتهم ردوا على الذين يرون أن فرض الرجلين في الوضوء المسح ـ أو ردوا على تفسيرهم للخمس وتوزيعه، أو ردوا على الذين يعطلون الجمعة أو الجماعة بمزاعم باطلة ... ليتهم وليتهم. هل التمس لهم في هذا ما التمسته آنفاً لمفسري أهل السنّة والجماعة في العقيدة من عذر، وهل ينفع العذر إذا رأيت فيه ما رأيته في ذاك ... !!. ونظرت أخرى في كتب التفسير الفقهي فوجدت أصحابهاـ أو هكذا خيل إلى ـ يكتبون لتلاميذهم ولا يكتبون لزملائهم وإخوانهم العلماء وظهر أثر ذلك فيما يكتبون. أما أنهم يكتبون لتلاميذهم فكل ما اطلعت عليه من كتب التفسير الفقهي إلا القليل منها ألفه أصحابه لتلاميذهم في المعاهد والجامعات فكانوا لذلك يسيرون وفق منهج خاص لا يتجاوزونه يسيرون معه وليس مع النصوص ومدى دلالتها يسيرون مع النص وينظرون إلى الخلف إلى المنهج المقرر خشية أن يكونوا قد ابتعدوا عن حدوده ومنطقته فيعودون فجأة وتكاد تحس بأن الموضوع مبتور وتكاد تحس بقوة النقلة تهزك، وكانوا لذلك يقتصرون على سور معينة هي تلك السور التي حددها المنهج وعلى آيات معينة من السورة هي كذلك. لا شك أن مثل هذا لالتزام سيؤثر على عطاء المؤلف وعلى نتاجه ولذلك نرى صغر حجم المؤلفات في التفسير الفقهي في العصر الحديث عنها في القديم. ليس لأنهم اكتفوا بما قاله السابقون وليس لأنهم اقتصروا على ما جد في الحديث ... ولكن لهذا الالتزام فحسب. كلامي هذا ـ أيها الأحبة ـ يشير بأصابعه العشرة إلى بعض المؤلفات في العصر الحديث، وببعض أصابعه إلى بعضها ... لكني لا أجد تفسيراً فقيهاً معاصراً إلا ويشير إليه إصبع منها.

نحن أيها الأحبة بحاجة إلى تفسير فقهي معاصر يعنى بالشمولية والاستيعاب، فيجمع آيات الأحكام الفقهية كلها لا يتقيد بمنهج دراسي، ثم يتناول هذه الآيات كلها بالتوضيح والبيان، لا يقتصر في بيانها على الوجه الذي أشبع بحثاً ولكنه مع هذا يلتمس من مدلولاتها علاج المجتمعات الأمية المعاصرة بشتى أشكالها وألوانها ويظهر فيما يظهر العلاج الإسلامي لكثير من قضايا العصر الشائكة، لا يلتزم مذهباً بعينه يلوي النصوص لتوافقه، ولا يدخل النص بذهن مشبع بالقواعد يلتمس لها أدنى مبرر في النصوص؟!. ينظر في النص فيستخرج منه دلالته الصريحة الواضحة مستنداً إلى الكتاب والسنّة ثم ينظر بعد ذلك في الأفكار والمذاهب الأخرى يرد عليها ويبطلها .. منطلقاً من النص القرآني الكريم ـ ما أحوج الأمة في عصرنا هذا إلى هذا الدستور القرآني ... ولعلي بلغت. ثالثاً: ولا شك أن أفضل طرق التفسير تفسير القرآن بالقرآن فإن لم تجد فعليك بالسنّة فإنها شارحة له مفسرة وهذا ما اصطلح عليه بالتفسير بالمأثور. وهذا النوع من التفسير كان هو السائد في صدر الإسلام لأنه أصح أنواعه. ثم نشأ التفسير بالرأي المحمود وانبثق التفسير بالرأي المذموم ودخل التفسير علوم شتى فتعددت مذاهبه وتعددت طرقه ومناهجه، فقلت العناية والاهتمام بالتفسير بالمأثور وكاد أن يندرس في كثير من التفاسير القديمة والحديثة. وعجبت ثالثة وأنا أنظر في كتب التفسير في العصر الحديث أبحث فيها عن تفسير أولى بالمأثور اهتماماً كبيراً أو أختص به فما وجدت ووجدت فيما وجدت تفاسير تتعامل مع التفسير المأثور كما تتعامل مع علوم أخرى حيناً تورده وحيناً تهمله أو تنساه أو تجهله ... وهل يجهل المفسر السنّة!! هذا ما حدث ... !!. ووجدت فيما وجدت تفاسير تأتي بما يخالفه ... ووجدت فيما وجدت تفاسير تفسر بمعناه من غير أن ترويه ... ووجدت ووجدت أشكالاً وألواناً من التعامل مع التفسير بالمأثور ـ لكن لم أجد من يوليه حقه من الاهتمام ويلتزمه في كل موضع من مواضعه التي ورد فيها. حتى تلك التفاسير التي تحمل عناوين التفسير بالمأثور لا نراها تلتزمه حتى وإن سميت بـ "التفسير القرآني" للقرآن بل جاوز هذا أحدهم فبث إلحاده في تفسير سماه ـ كيداً ومكراً ـ "الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن" وتعلق بهذه التسمية بعض أرباب المذاهب والفرق الضالة ليموهوا على الناس الحق فسموا تفسيرهم "الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة" وما حشاه صاحبه إلا بالآراء المبتدعة والروايات الموضوعة!!. وأكثر من رأيته يهتم بهذا المنهج في التفسير الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" فقد أولاه عناية واهتماماً كبيرين وفاق بهما أقرانه ... ويليه بفارق كبير الأستاذ محمد رشدي حمادي في تفسيره "الموجز في تفسير القرآن الكريم المصفى: الجامع بين صحيح المأثور وصريح المعقول" كما وصفه صاحبه في عنوانه. والأمة الإسلامية في العصر الحديث بحاجة إلى تفسير يعني بالتفسير بالمأثور ... بالقرآن وبالسنّة ... يورد الآية القرآنية ويورد بعدها ما يفسرها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وينطلق بعدهما لبسط ما تدل عليه من معان وما ترسمه من حقائق ... الأمة الإسلامية بحاجة إلى هذا النوع من التفسير يورد فيه ما صح من الأحاديث ويبين درجته، ويرد ما ضعف منها، أو ما هو موضوع ويحذر من القول به ... فقد انتشرت في كتب التفسير أحاديث يرددها الناس ويحسبونها صحيحة ويقفون عندها لا يتجاوزونها وإذا جئت بتفسير آخر أصح منه نظر إليك من طرف أو صوب عليك بصره ... وكأنك أتيت بالجرم الكبير الذي لا يغتفر.

نحن ـ أمة الإسلام ـ بحاجة إلى تفسير ينشر التفسير الحق ويظهره ... ويورد التفسير الضعيف أو الموضوع ويرده ويبطله حتى لا تقوم قائمة إلا للحق وحتى ينمحي الباطل. اللهم هل بلغت. رابعاً: قلت ـ فيما قلت ـ في النتيجة السابقة أن التفسير قد اتسع بعد صدر الإسلام فدخلت فيه علوم شتى. وأقول إن من بين هذه العلوم، العلوم التجريبية كالطب والفلك وعلم طبقات الأرض وعلم الحيوان وعلم النبات و ... و .... إلخ من تلك العلوم، فاهتم بعض العلماء آنذاك بهذه العلوم فأدخلها بعضهم في التفسير وأكثر منها فيه حتى قيل عنه فيه كل شيء إلا التفسير. كان هذا في وقت لم تكن فيه تلك العلوم إلا وليدة تحبو على يديها وقدميها ... ومرت قرون وترعرعت فيه وشبت فقامت تثب على قدميها وتعدو ... حتى حسبها بعضهم قد نضجت واكتملت وانتهت إلى أوج نشاطها حسب مدلولاتها ... وما عرفوا أنها مازالت تنمو وأنها ما زالت تتغير وتتبدل ... وبلغ من عناية أبناء القرن الرابع عشر الهجري بهذه العلوم واهتمامهم به أن كان أول تفسير كامل للقرآن الكريم يتم في هذا القرن هو ذلك التفسير الذي حشاه صحابه بتلك النظريات والحقائق العلمية صغيرها وكبيرها فلا يكاد يمر بكلمة فيها ذكر لآلة أو نبات أو حيوان أو خلق إنسان أو ريح أو مطر أو سحاب أو سماء أو أرض ونحو ذلك إلا وأحال تفسيره إلى بحث علمي بحت خاص بما عرضت الإشارة إليه في الآية وملأه بالصور الموضحة والتجارب العلمية والشواهد من كلام أهله وخبرائه وعلمائه الجديد منها والقديم حتى تشك وأنت تقرأ فيه فيما بين يديك فتطويه وتنظر إلى غلافه فإذا هو فعلاً كتاب الجواهر في تفسير القرآن الكريم ويأخذك العجب والدهش بين مسماه وما تقرأ فيه، فتسأل أهل الذكر فيشيرون بالصمت ... بالصمت لتسمع كلمة جاءت من عمق القرون السالفة تجلجل ... فيه كل شيء إلا التفسير ... فما زالت تلك الكلمة منذ قيلت تشق مسارها في التاريخ راسمة أحرفها على كل من سلك هذا المسلك المتطرف في التفسير حتى وإن كان فيه تفسير. لأن هذا طغى عليه فأفسده فلم يعد تفسيراًَ. وكم أشفق على تلك الكلمة: "فيه كل شيء إلا التفسير"، فقد مكثت سنوات منذ قيلت معطلة لم تجد لها عملاً لكن العمل المرهق جاءها جملة في هذا القرن، حيث نشأت تفاسير كثيرة فيها كل شيء إلا التفسير، فذهبت ترسم نفسها على الأغلفة لا يراها إلا أصحاب البصيرة وأهل العلم والذكر ... لست من أعداء التفسير العلمي كما تحسبون ولست من أنصاره ومؤيديه كما تظنون. أنا ـ أيها الأحبة ـ إن سألتم عن موقفي وسط بينهما ... لست من أولئك الذين يرفضون التفسير العلمي حتى حقائقه ولست من الذين يتحمسون له حتى نظرياته وتصوراته. كما شكوت من أولئك الذين يقحمون التفسير العلمي التجريبي فإني أتضايق من أولئك الذين يرفضونه كل الرفض. ليته ينفر منا طائفة من شتى أصحاب العلوم والمعارف يستفيد من خبراتهم نفر من أهل العلم الشرعي يسألونهم عن حقائقه فيستشهد بها هؤلاء في التفسير ... ولا يفسرون بها النص. ويسألونهم عن نظرياته فلا يوردونها لا تفسيراً ولا استشهاداً لأنها ما زالت متأرجحة لا تستقر ومن يستمسك بمتأرجح فإنه لا بد متأرجح معه وإن سقط سَقط معه ... أعرف أن هناك من سيرفض قولي وأعرف أن هناك من سيعدله ويقوم ما يراه معوجاً ولعل فيهم من يقبله ويراه حقاً ... وهذا رأيي والله أعلم. خامساً: أنزل الله سبحانه وتعالى هذا القرآن الكريم لحكم عظيمة غايتها تصحيح العقائد وتقويم السلوك.

وعلى المفسر أن يجعل هذا الأمر في ذهنه عند تفسيره ثم عليه وهو طبيب عقول أن يكون كطبيب الأجساد ينظر في مريضه ويشخص داءه ثم يصف له الدواء، وعلى المفسر أن ينظر إلى مجتمعه فيحدد أمراضه ويظهر مواطن ضعفه وتفككه وانحلاله ثم يصف له الدواء القرآني ... سواء كانت علله في العقيدة أو في السلوك. كم يسرني ذلك المفسر الذي أراه يفسر الآية القرآنية ثم أراه يضرب الأمثلة من مجتمعه ـ في غير تشهير ـ ويلتمس لها العلاج القرآني وكم يسرني ذلكم المفسر الذي يرى عادة ذميمة في مجتمعه أو تحللاً أو إهمالاً لواجب أو انتشاراً لبدعة ... فلا يمر بآية هي علاج لهذا أو ذاك إلا ويربط بينهما ويشير إلى علاجها ويأمر به. يهمل كثير من العلماء مسألة الربط أوالتشخيص الدقيق وهم يحسبون أن لدى مستمعيهم ـ كلهم ـ القدرة على الاستنتاج والتطبيق. تجد المفسر مثلاً يتحدث عن الربا وتحريمه ويشرح آياته مفردة مفرَدة ومواطن البلاغة ومحاسن التعبير ويبلغ في ذلك شأواً، ثم ينتقل إلى آية أخرى بعدها وهو يحسب أنه قد أشبع الموضوع حقه، وما درى ذلك الرجل أنه أخذ جانباً وترك الآخر ... كان عليه ـ مثلاً ـ أن يضرب أمثلة للربا من مجتمعه فيشير نصاً إلى البنوك الربوية معاملاتها ومواطن الخطأ فيها ومواضع الربا وآثار ذلك في الاقتصاد ... كان عليه أن يعطي المثال المستقيم فيذكر البنوك الإسلامية وما يجب أن تتعامل به ولا ضير أن يذكر أسماءها وأنواع معاملاتها. ستقولون ـ أيها الصحاب ـ أنه خرج عن التفسير فأقول على فرض أنه خرج أليس خروجه هذا أفضل من خروجه عنه إلى الأساليب البلاغية والمسائل اللغوية والتغني بحسن التعبير والوقوف عند معالم الجمال إن صح تسمية كل ذلك خروجاً!! ثم إني لا أعتبر هذا ولا ذاك خروجاً عن التفسير إذا ناسب المقام، فإذا كان المقام مقام حديث مع العلماء والأدباء فليكن كذلك وإذا كان حديثاً موجهاً للعامة أو للإصلاح الاجتماعي فليكن بأسلوب آخر وبأهداف وطرق أخرى، ليوجه همه إلى تلكم القضايا الاجتماعية ويبسطها للناس فلا يجعل التفسير بمعزل عمن أنزل القرآن لإصلاحهم وإصلاح عقائدهم. حين نزل القرآن الكريم أصلح كثيراً من البدع والمنكرات التي تحدث في مجتمع الجاهلية وخصها بالذكر فحرم وأد البنات والربا وشرب الخمر وعبادة الأوثان وما زال القرآن يقوم الأخلاق ... حتى النداء من وراء الحجرات ... فما بال أقوام منا يهملون جانب الإصلاح الاجتماعي في تفسير القرآن الكريم ويظنونه ـ مخطئين ـ خروجاً بالتفسير عن حده. إن الأمر هنا يختلف عن المناهج الأخرى، الأمر هنا يتطلب تفاسير عدة لا تفسيراً واحداً، حيث يقوم من كل بلد من بلاد العالم الإسلامي عالم عارف بأمراض مجتمعة يفسر القرآن فيعرض لها ويحذر من خبيثها ويحمد حسنها. أقول هذا لأن العالم الإسلامي مترامي الأطراف .. مختلف العادات، وقد ينتشر في مجتمع من المنكرات ما لا وجود له في مجتمع آخر ... فقد يوجد الربا في بيئة ويستفحل ولا يكاد يوجد في أخرى، وقد تنتشر حانات الخمور ودور الرذيلة والملاهي وأندية القمار في بيئة ولا يعرفها آخرون، وقد ينتشر الاختلاط والتبرج والتعري والفسق والفجور في مجتمع ولا يعرفه آخر، وقد تنتشر بدعة التصوف وطقوسها في بيئة دون بيئات، وقد تشتهر بعض المحرمات وتصبح عادة مألوفة في مجتمع تحتاج إلى أن ينص العلماء عليها ويحذرون منها كالشغار والنجش وبعض أنواع الربا والإسراف والتبذير و .. و .. إلخ. وهذا يوجب أن يقوم من كل مجتمع عالم يكتب علاجاً قرآنياً لأمراض مجتمعة فما زالت المنكرات منتشرة وما زالت البدع سائدة، نسأل الله سبحانه الإصلاح والتوفيق.

سادساً: قام في القرن الرابع عشر الهجري رجال علماء بذلوا وسعهم حسب مفهومهم وحسب قدراتهم للإصلاح سياسياً واجتماعياً وكان لهؤلاء جوانب مشرقة وكان لهم أخرى ونال هؤلاء الرجال منزلة كبيرة في مجتمعاتهم بين العلماء والعامة. ونفذ بعض المغرضين وذوي النحل الباطلة من هذه "الأخرى" فأمسوا يبثون شكوكهم وأوهامهم وبدعهم ومنكراتهم فإذا قام معترض عليهم قال لهم إنكم تردون اليوم ما كان يقرره فلان منذ 42 عاماً؟.فيطرق القوم وكأنه قال لهم قول معصوم. تقولون وما دخل هذا في التفسير؟! فأقول إن بعض هؤلاء كان لهم نشاط في التفسير منه ما أبدعوا فيه ومنه ما جانب الصواب و ... أخشى ـ وقد حدث فعلاً ـ أن يستدل رجل بالجانب الذي وقع فيه الخطأ فيحسبه آخرون قد أتى بالحجة القاطعة. علينا إذاً أن نقيم رجال التفسير فنظهر ما لهم ونظهر ما عليهم أين كتب الرجال في القرن الرابع عشر؟ حقاً إن كثيراً منهم ما زال حياً يرزق وحقاً إن بعضهم قد انتشر صيته؟ ولكن أقولها عن تجربة إذا ما أردت ترجمة قصيرة عن حياة أحدهم فضلاً عن الجرح والتعديل فإني لا أجد له رائحة. حبذا لو قام أحدنا بالكتابة عن مفسري القرن الرابع عشر وليس عن اتجاهات التفسير فحسب. يكتب تراجم لحياتهم العلمية ومؤهلاتهم للتفسير ومن تتوفر فيه شروط المفسر منهم ومن لا تتوفر فيه، ثم يكتب ما له في التفسير وما عليه ويرد أو يناقش بعض أخطائه الظاهرة في التفسير. وبذلك ننقي ساحة التفسير وساحة المفسرين من زغلها وزيغها ونكشف للناس حقيقتها فلا يجرؤ مجترئ بعد ذلك أن يستدل بهفوة، ولا يطأطئ أحدنا رأسه مسلِّماً باحتجاج زائف. علماً أن الأمر لا يقتصر على ذوي الهفوات من المفسرين، بل سلك بعضهم طريقاً خاصاً ونهجاً إلحادياً علانية يسعى لأن يُرَدَّ عليه فيشتهر ويرى ـ لضعف إيمانه أو عدمه ـ إن الإلحاد هو اقصر طريق إلى الشهرة. فعلينا أن نقف لتلك الزمرة بالمرصاد دفاعاً عن كتاب الله عز شأنه، نقف لهم فلا نحقق مأربهم ولا ننشر كتبهم بشتى الوسائل ونسعى أن يكون موقفنا منهم درساً رادعاً لمن يقف خلفهم أو ينتظر فرصة ليفعل فعلهم. اللهم هل بلغت. سابعاً: اختلاف أساليب التعبير عبر القرون ظاهرة واضحة لا شك فيها وكم من قصيدة سمعناها فأدركنا من مفرداتها ونغمها وجرسها أنه شعر جاهلي أو شعر إسلامي أو شعر حديث أو حتى شعر أندلسي ونحو ذلك ... وقع هذا لأن لكل مجتمع ما يناسبه من الألفاظ والعبارات. وهذا يوجب على المفسر أن يتحدث بأسلوب عصره فلا يأتي ـ وهو يفسرـ بغريب الألفاظ ولا يتكلف الحديث ولا يمعن في عويص المعاني ولا يتشدق في التعبير. لا يعلو حديثه عن درك العامة ولا يهبط إلى وضيع القول عند العلماء فليحاول جهده في التعبير بحيث إذا سمعه غير المتخصص أدرك أبعاده وشده أسلوبه وإذا سمعه العالم شده حسن التعبير وطلاوة الأسلوب ... والموازنة هذه يهبها الله لمن يشاء من عباده. أما التبسيط العميق للتفسير، فإنه يحيل التفسير إلى كتاب مدرسي يوضع للناشئة إن لم يكن وضع لهم أصلاً، مثل هذا يبعد كل البعد عن الإتيان بجديد في الفكر أو في التدبر أو في التأمل. ولهذا لم يكن لهذه المؤلفات أثر في دراستنا هذه عن مناهج التفسير الجادة. والإغراق في العبارات أيضاً يقصر القائدة منه على المختصين والعلماء ويحرم سواهم من الانتفاع به، والقرآن الكريم لم ينزل لهؤلاء وحدهم ولا لهؤلاء دون سواهم، بل نزل للجميع فليكن التفسير للجميع أيضاً.

لا أريد من هذا أن أمنع التفاسير الموسعة العميقة الأبحاث لكني أريد تبسيط أسلوبها حتى إذا ما أراد أن يسلكها غير العلماء سلكها وكانت له كالمعلم يخاطبه ويوجهه ويسأله ويجيبه بأسلوب لا يهبط إلى ذلك ولا يعلو عن مداركهم ... اللهم هل بلغت. وبعد: ليست هذه خلاصة البحث وليست كل ما أريد قوله، فقد بثثت فيه وبين مناهجه ملاحظاتي في مواضعها ولكني أشرت إلى ما أشرت إليه للتأكيد ليس إلا. أما الأساس السليم والمنهج القويم في التفسير الذي يجب أن نسلكه فيه فقد بينت أسسه وقواعده في حديثي عن منهج أهل السنّة والجماعة ولا أظن أني في حاجة إلى تكرار القول إني قد وضعت منهجهم أول المناهج ليكون ميزاناً بيد القارئ يزن به كل ما يصادفه في طريقه فبه يأخذ وبه يرد. ولهذا فلا أرى موجباً لإعادة هذه الأسس مرة أخرى فهي أيضاً الأسس الفضلى وهو أيضاً المنهج الحق. لكن هذا لا يمنع من التجديد. التجديد في الأسلوب الملائم لأبناء العصر والذي أشرت إليه آنفاً والتجديد في التحذير من العقائد الضالة والفرق المنحرفة المعاصرة والقديمة وبيان مواضع ضلالهم وانحرافهم. والتجديد في تفسير آيات الأحكام ببيان ما جد من الأحكام الشرعية والمعاملات المالية والاقتصادية والعسكرية ... إلخ. والتجديد في علاج القضايا الاجتماعية، فقد جد في هذا العصر من المشكلات الاجتماعية ما يحتاج إلى علاج وبيان. والتجديد في التحذير من التفاسير المنحرفة والضالة ومجاهدة أصحابها وبيان ضلالهم وكشف زيفهم للناس. كل هذا وسواه أكثر من معالم التجديد في التفسير الذي يطلبها أبناء القرن الجديد في التفسير وهذا يحمل علمائه أمانة القيام به فهم يوم القيامة مسؤولون وعلى أعمالهم محاسبون ومجزيون. وأوصي أخيراً أولي الأمر وذوي العلم والجامعات الإسلامية وفيهم نفر من العلماء الصالحين أن يسعوا للقيام بتفسير يشترك فيه نخبة مختارة من العلماء البارزين في مختلف التخصصات الشرعية في العقيدة .. والفقه .. والتفسير .. والأدب .. والإصلاح الاجتماعي .. والعلوم التجريبية ... إلخ. يجتمع هؤلاء يتلون آيات الله فيما بينهم ويتناولونها بالتفسير والبيان، ثم تصاغ كلها بأسلوب ملائم يجمع فيه كل ما يحتاجه عصرنا من إصلاح عقائدي وفقهي واجتماعي وعلمي وأدبي يعنى فيه بما أسلفنا الإشارة إليه تفصيلاً ... والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات. "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير* لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليه ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا اصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين".

الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها - دراسة في أحاديث الأحرف السبعة - مذاهب الأئمة فيها - ضرورتها والحكمة منها - دحض التخرصات عنها

الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها - دراسة في أحاديث الأحرف السبعة - مذاهب الأئمة فيها - ضرورتها والحكمة منها - دحض التخرصات عنها ¤حسن ضياء الدين عتر£بدون¥دار البشائر الإسلامية¨الأولى¢1409هـ€علوم قرآن¶قرآن - قراءته ومشكله وغريبه ولغاته وإعرابه خاتمة الكتاب لقد جبنا أنحاء البحث، وناقشنا فيه معظم وجوه النظر في المسائل الهامة المتعلقة به. وأيدينا رأينا فيها مدعوماً بالدليل النير الواضح. ولتمام الفائدة نرى عرض نتائج ما سبق عرضاً سريعاً يجمع أطراف الموضوع للقارئ، ملخصاً فيما يأتي: أولاً: إن القبائل العربية ـ لعوامل عديدة ـ تخالفت في استعمال لغتها تخالفاً بيِّناً. وهم أميون يتعذر على معظمهم التكلم بما ليس في استعمال قبائلهم. لكن برزت من لغة القبائل جميعها لغةٌ واحدة امتازت باستعمال المنتخب من الكلام العربي هو أفصحه وأبلغه، ألا وهي لغة قريش. على أن الأعم من الكلام العربي مجمع عليه بين القبائل، لا اختلاف فيه في بناء الكلمة أو حركات إعرابها. لكنه قد يختلف في صور النطق والأداء اختلافاً يسراً، إلا أنه كان متحكماً في ألسن العرب الأميين تحكماً شديداً. لقد نزل القرآن عربياً خالصاً لا شية فيه. وقد نفينا وَهْمَ مَنْ توهم وجود كلام أعجمي في القرآن. ورأينا أن الكلمات المشتركة بين العربية وغيرها من اللغات، التي ورد بعض منها في القرآن، ترجع فيما توصلنا إليه بعد التحقيق الدقيق إلى أحد عوامل ثلاثة: الاشتقاق من أصل لغوي واحد قديم، أو الاتفاق بين اللغات في وضع اللفظ، أو التعريب. ثانياً: ولما كانت لغات القبائل العربية متفاوتة في الفصاحة وكان أفصحها إطلاقاً لغة قريش، قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم. نزل القرآن بلسانهم أولاً. وكان طبيعياً أن يصعب على كثير من أبناء القبائل الأخرى قراءة القرآن بلسان قريش، لأنهم ألِفوا غيرها، إذ استحكمت فيهم لغات قبائلهم، وقد يتعذر بعض ألفاظ القرآن على عامتهم في كثير من الأحيان لأنهم أميون، وما تزال فيهم بقية من العصبية للقبيلة ولموروثاتها، فلو كُلفوا الخروج عن عاداتهم في صور نطقهم وأساليب كلامهم لكابدوا في ذلك حرجاً ومشقة لا مثيل لهما. لذلك قضت الحكمة الإلهية بإنزال القرآن على سبعة أحرف، فقرؤوا القرآن بلغاتهم بيسر وبسهولة. ثالثاً: وقد تبين أن إنزال القرآن على سبعة أحرف ليس أمراً ضعيف الثبوت، كما توهم المستشرقون وأذنابهم. وليس أمراً ظنياً يحتمل الأخذ والرد، بل هو أمر قطعي لما بيَّنا من تواتر الحديث والقراءات المتداولة بالتواتر من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا. ولقد حكم الرسول على منكر الأحرف بالكفر إذا بلغته بصورة تفيد العلم اليقيني. رابعاً: وقد بينت لنا دلالات الأحاديث أن الأحرف سبعة على الحقيقة. وأنها منزلة من الله تعالى، وأن على المؤمن أن يقرأ ما تيسر له منها، غير مجادل من خالفه في قراءته، إن كان يقرأ بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. خامساً: إن من معاني الحرف في اللغة الجانب، وقد أُطلق على حرف الهجاء، كما استُعمل في الدلالة على وجه من الكلمة التي تقرأ على عدة وجوه في القرآن الكريم. وتعددت المذاهب في معرفة المراد من الأحرف بالحديث النبوي. وقد عرضناها وميزنا منها الخاطئ الذي لا يقوم على دليل مقبول اَلبتة، مما يعتمد على دليل مقبول في الجملة، وبينا أن القول الفصل هو أن الأحرف السبعة لغات سبع هي أشهر وأفصح لغات العرب أنزل الله القرآن بها، رحمة بعباده وتيسيراً عليهم.

سادساً: لقد اشتملت الأحرف السبعة على أكثر لغات العرب جميعها على ما بينها من فوارق. وبذلك حصل تذليل النطق بالقرآن للعرب جميعاً. ولو فُرض أن هناك بعض الفارق في اللغات لم تشملها الحروف السبعة، كان قدراً ضئيلاً يمكن التغلب عليه بجهد يسير، أو كان من مستقبح اللغات التي أبى فصحاء العرب النطق بها. على أن هذه الأحرف السبعة المنزلة لم يكن بينها من تضاد أو تناف، إنما كانت في الأمر الواحد الذي لا يختلف في حلال أو حرام. سابعاً: لقد حققت الأحرف السبعة للعرب حِكماً عظيمة وأغراضاً هامة. إذْ ذَللت نطق أَلسنتهم جميعاً بالقرآن، فحفظوه ونشروه، ومن وراء ذلك تدارسوه وفهموه. كما يسرت على المسلمين حفظه وتناقله فيما بينهم. وذلك مما ساعد على نجاح الدعوة الإسلامية واستقرارها. كما أدتْ الأحرف غرضاً من أهم مقاصد القرآن وهو الإعجاز فكانت فيها آية جديدة من آيات العجز البشري عن الإتيان بمثل كلام الله العلي القدير. فأثبتَتْ بذلك أيضاً أنه وحي من الله يوحى. ولما كان القرآن نازلاً بلسان قريش أولاً، فقد بقيتْ لغتهم رغم نزول الأحرف أكثر اشتهاراً في قراءة القرآن وبقي منها في القرآن النسبة الكبرى لأنها أصل التنزيل ولم يعدل عن الأصل إلا فيما كانت الحاجة إليه ماسة. فأدَّى ذلك التدريج وبسبب العرضة الأخيرة أيضاً إلى وحدة اللسان العربي. وهو من أهم عناصر تكوين الأمة العربية ووحدتها. كانت الأحرف السبعة خصيصة لأمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم من بين الأمم. ومزية للقرآن على جميع الكتب السماوية. ثامناً: تضافرت دلالات الأحاديث على أن الأحرف السبعة منزلة من الله، وأنها كانت توقيفية، وأن الرسول لم يُعمل فيها رأياً ولم يغير حرفاً، إنما بلغ ما أمر الله به فأدى رسالة الله حق الأداء. وهذه الحقيقة الواضحة الهوية طود شامخ في وجه الهجمات الاستشراقية السخيفة، ومضاعفاتها التقليدية الصماء، التي يقوم بها أُناس فقدوا المقدرة على الفهم السليم والاستنتاج الصحيح، وتعاموا عما وضح رغبة في مسايرة الركب المنجرف في هذا العصر. تاسعاً: لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر كُتّاب الوحي بكتابة كل ما ينزل من القرآن حين نزوله. ولقد قام أبو بكر بجمع القرآن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقام عثمان باستنساخ صحف أبي بكر على مصاحف كثيرة. وحرص الكاتبون على أن تَجمع مصاحف عثمان كل ما يمكن من الأحرف السبعة، بجعل الخط محتملاً لأكثر من قراءة وساعدهم على ذلك أن النقط والشكل لم يكن معروفاً. فتركوا كتابة الألفات المتوسطة ووزعوا ما لا يحتمله الخط من الأحرف على المصاحف، كالواوات والهاءات .. إلخ. لذلك لا يمكن القطع بأن مصاحف عثمان قد فاتها بعض ما في الأحرف السبعة. فهذا أمر لا سبيل إلى القطع فيه. والأصل في عمل عثمان ألا يفرط في شيء من كتاب الله تعالى ولكن لا سبيل إلى القطع باستيعاب مصاحفه كافة الأحرف السبعة، فذلك أمر ظني لا يقطع بشيء فيه. على أن الذي يحتمل أن يكون ترك من الأحرف ليس مختلفاً في حلال أو حرام عما كُتب وليس فيه معنى إضافي. كما أنه لا يخرج عن كونه من الأحوال اللفظية المختلفة بين اللغات العربية السبع التي بها نزل القرآن. وقد بينا كذب زعم (تسهر) ومن والاه، بأن القرآن كان مضطرباً، ثم اتفق المسلمون على نص موحد .. لمخالفة هذا الزعم للأحاديث الصحيحة والحقائق التاريخية الدامغة. عاشراً: انتشرت قراءات كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نتيجة لنزول القرآن على سبعة أحرف. وقد بينا أنواعها حسب أسانيدها. وأن القراءة تصح بالمتواتر، وبقطعي الثبوت منها فقط، وهو الذي ينطبق عليه ضابط القراءة المقبولة فيما حققناه. وهذا الضابط هو:

1ـ صحة السند. 2ـ موافقة العربية ولو بوجه. 3ـ موافقة خط المصحف العثماني ولو تقديراً. وقد بينا أن القراءات المقبولة أكثر من سبعة حتماً، وعلى الرغم من شيوع فكرة تواتر السبعة وحدها لدى عامة الناس، فإن التحقيق يُثبت أن القراءات العشر متواترة. والقراءات المتواترة إنما تواترت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لا إلى أئمة القراءة فحسب. وليس هناك مجال للاجتهاد في القراءة بل هي توقيفية. وهذا نقيض ما افتراه "تسهر" وتابعته عليه طالبة الماجستير. إذ القراءات من الأحرف، والحروف توفيقية. وسيرة العلماء والسلف الصالح وتوقفهم في قبول القراءة على قوة إسنادها أكبر دليل على ذلك، بالإضافة إلى الأدلة الكثيرة السابق سردها. الحادي عشر: لقد تلقى القرآن بأحرفه السبعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع من الصحابة وتلقاه عنهم جمع غفير من التابعين، وهكذا إلى عصرنا هذا. ولقد اشتهر كثيرون من الصحابة بإقراء القرآن، منهم: أُبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود .. إلخ. واشتهر من التابعين سعيدُ بن المسيب، وعروةُ، وسالم، وعطاء وسليمان ابنا يسار .. إلخ. وأناس كثيرون في كل بلدة من بلاد الإسلام. واشتهر بعد ذلك قراء كثيرون منهم السبعة وباقي العشرة، وغيرهم. وقد لقيَ بعضُ السبعة الصحابة والتابعين، مثل ابن عامر وابن كثير وعاصم .. إلخ. وهذا كله ساعد على نقل القرآن بقراءاته إلينا متواتراً. الثاني عشر: لم يقل أحدٌ من العلماء أن الأحرف السبعة هي القراءات السبع المنسوبة إلى ابن عامر وابن كثير .. إلخ. إنما كان ذلك وهماً توهمته العامة من عدد السبعة الموجود في كل من القراءات السبع والأحرف. وليست القراءاتُ السبع إلا بعضَ ما تواتر واشتهر من الأحرف. لأن الأحرف السبعةَ لما نقلها الصحابة إلى من بعدهم تداخلت في بعضها، حتى غدا القارئ المتلقي عن عدد من الصحابة يقرأ بقليل من حرف هذا وبعض من حرف ذاك .. فتعددت القراءات المتلقاة عنهم، لكن جميعها لا يخرج عن الأحرف السبعة. والحكم الاجتهادي العام هو أن الأحرف أعم من جميع القراءات الثابتة عموماً مطلقاً وأن القراءات أخص منها، فالنسبة بينهما العموم أو الخصوص المطلق. والله أعلم. مقترحات تتصل بالموضوع: لما كان القرآن الكريم المعجزة الخالدة وكتاب الهداية الإلهية، فقد وجب على المسلمين أن يبذلوا كل ما في وسعهم للحفاظ عليه، وتقوية الصلة به والاستزادة من الثقة فيه. فبذلك يعزهم الله كما أعز آباءَهم، وبتركه ينخذلون ويتفرقون. فمن الواجب على الأمة الإسلامية التماسك والوسائل الكفيلة بذلك. ونحن نقترح بهذا الصدد ما يلي: أولاً: يجب على المسلمين أن يلقنوا أولادهم القرآن، وأن يُعوِّدوهُم العناية به. لأنه المصدر الإسلامي الأول، الذي به تعرف الشريعة الإلهية الخالدة. ويجب على الناشئة من أبناء المسلمين أن يتلقوا القرآن من أفواه القُراء، وأن يقرءوا عليهم ما تلقنوه ـ على النحو الذي حصل في معارضة القرآن بين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين ملك الوحي جبريل عليه السلام. فإنْ لم يكن ذلك فلا أقل من تتبع القارئ في المصحف أثناء الاستماع إلى التلاوة في المذياع ـ لأن القراءة بالمصاحف حسبما يُعرف من الخط، وبدون تلقٍ من قارئ، غير جائزة، لا فتراق الخط المتداول عن خط المصاحف العثمانية. ولأن القراءة طريقة مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتقيُّد بها واجب شرعاً. بل يجب الحرص على وجود فئة من كل جيل تحفظ القرآن بقراءاته غيباً، تلقياً عمن قبلهم من القراء، لتتصل سلسلة التواتر في حفظ القرآن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وبهذا وغيره من وسائل حفظ القرآن، تثبت أقدام الأجيال الإسلامية المتعاقبة على الحق الذي أنزله الله، ويُحال دون انسلاخهم من الدين، وانغماسهم في الحياة البهيمية التي جلبها الكفر والضلال لغيرهم من الشعوب. ثانياًُ: ينبغي على المؤتمر الإسلامي الذي تشترك فيه كافة الدول الإسلامية، أن يُعنى بدراسة الوسائل الناجعة لنشر القرآن بين المسلمين على نطاق واسع، لأنه السبيل الوحيد لرأب الصدع وتوحيد الصف وجمع الكلمة .. إلخ. ومن ذلك أن يتبنى أعضاؤه السعي لدى حكوماتهم لتخصيص ساعتين أسبوعيتين ـ على الأقل ـ للقرآن الكريم فقط، في كافة المدارس والجامعات، الحكومية والأهلية. وأن توضع لذلك مناهج جيدة. تُعنى بالقرآن الكريم تلاوة واستحفاظاً وتفسيراً وبياناً لأهم مسائل علوم القرآن. ولا غنى للناشئة عن ساعة أسبوعية ثالثة لمعرفة واجباتهم الإسلامية ودراسة أهم الموضوعات التي يحتاجها الفرد والمجتمع المسلم. ثالثاً: ونقترح على المجلس الإسلامي الأعلى بالقاهرة أن يواصل باهتمام بالغ نشر الكتب التي تبين عقيدة المسلمين وما يتصل منها بالقرآن الكريم وعلومه. وفق المستويات الثقافية المتنوعة. وذلك صيانة للدين وللإيمان في صدور المسلمين. رابعاً: أن تتولى أجهزة الإعلام إذاعة بعض القراءات المقطوع بصحتها سوى القراءات السبع، وهي القراءات الثلاث المتممة للعشر., حتى يتلاشى من أذهان العامة مفهوم القراءات السبع كتفسير للأحرف السبعة التي أنزل الله القرآن عليها. خامساً: لما كان القرآنُ عمادَ الإسلام فقد وجب على علماء المسلمين أن يتنبهوا إلى ما يشاع حوله من أراء وما يثار من مشكلات، وأن يُحكموا الإجابة ويخرسوا أصحاب الأهواء، فقد أوجب الله عليهم أن لا يكتموا ما علَّمهم. ولما كان الحديث عن القرآن بهذه الدرجة من الأهمية والخطورة فقد وجد فيه المستشرقون كما وجد فيه أهل الإلحاد من قبل توطئة الطريق ليدخلوا على المسلمين في عقيدتهم ودينهم ما يُحلون به عرى الإسلام. وليس في هذا المقام أجود من قول أحد علماء القرن الهجري الماضي ـ رحمه الله تعالى ـ إذْ قال: "ونرى في المدة الأخيرة اهتماماً خاصاً لمستشرقين الغرب بنشر مؤلفات علماء الإسلام الأقدمين مما يتعلق بالقرآن وعلومه، من كتب القراءة وكتب الرسم وشواذ القراءات وكتب الطبقات، بل يواصلون سعيهم في ذلك وفي نشر ما للأقدمين من المؤلفات في الحديث والفقه واللغة، إلى غير ذلك من المشرقيات. ومسعى أغلبيتهم ينم عن قصدهم لإحياء عهد الصليبيين بطريقة أخرى في الحملات الممتلئة تعصباً وجهاً نحو النور الوضاء الذي أشرق من القرآن الكريم على هذه الكرة المظلمة، حتى استنارت البصائر بذلك النور الوهاج. فدخل الناس في دين الله أفواجاً. فتبدلت الأرض غير الأرض. وغاية هذا الفريق مكشوفة جداً مهما تظاهروا بمظهر البحث العلمي البريء كذباً وزوراً وخداعاً". ولقد نبهنا من قبل على أن الطعن بالقرآن خطة استشراقية مرسومة يُعمل بها منذ القرن الماضي. وهي تستهدف القضاء على الإسلام في قلوب أهله. وطالما افتتح المستشرقون المعركة على هذه الجبهة، فقد وجب أن يقوم علماء أشداء على سد هذا الثغر الخطير، للدفاع عن حمى الإسلام، وأخذ الطريق على العدو وإحباط خططه الماكرة في الحرب الفكرية الاعتقادية. لذلك اقترح على هيئة التدريس في كلية أصول الدين أن تُكلف طلابها بتحضير رسائلهم في الموضوعات التي تطرق إليها المستشرقون "تسهر" وغيره. وليبالغ أساتذة الكلية الأفاضل في الاهتمام بالإشراف على هذه الرسائل وتوجيهها، صيانة للإسلام وذوداً عن حياضه.

سادساً: لما كان الطعن في القرآن وقراءاته يخدم ذلك الغرض الصليبي الاستعماري الخبيث. فإنا نستبعد أن يرتضيه لنفسه عالم أزهري ملم كالأستاذ المشرف على رسالة الماجستير المردودة. ولا شك أنه كان خاطئاً في موافقته على الرسالة والرضا بها وتقييمها ثم الدفاع عنها. على أن بوادر تراجع مباركة قد بدت أخيراً في موقفه من الرسالة وفي كتبه الشخصية إلى بعض العلماء المخلصين. لكن هذا غير كاف لغسل الحوبة. بل لا بد للأستاذ الكريم ـ بعد أن أخلص وجهته لله تعالى ـ أن يتولى بنفسه إصدار كتاب يدافع فيه عن القرآن وعلومه أو الإشراف على رسالة أخرى تظهر وجه الحق في الموضوع. كما لا بد للآنسة المسلمة الحريصة على دينها وأمتها "كاتبة الرسالة المردودة" أن ترقب الله تعالى في كتابه وعماد شريعته الخالدة، وأن تستوفي الموضوع بحثاً ودراسة مستعينة بالمختصين من العلماء، مما يهيأ لها الفرصة الطيبة للإقلاع عن آرائها بقناعة ذاتية. وعندئذ فقد لزمها أن تصدر بحثاً تعلن فيه عما توصلت إليه. هذه هي السبيل القويمة في العودة إلى الحق، فالحق أحق أن يُتبع، والرجوع عن الخطأ فضيلة. والتوبة إلى الله كرامة. قال الله تعالى: "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون. ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله، والكافرون لهم عذاب شديد" "سورة الشورى: آيتا 25ـ 26". وفي الختام أحمد الله تعالى حقّ حمده، أن وفقني لتأليف هذا الكتاب من نيفٍ وعشرين سنة، ثم أذن بفضله وكرمه أن يخرج ـ من رفوف مكتبة كلية أصول الدين بالأزهر ومكتبات بعض العلماء الفضلاء ـ إلى رحاب النشر الإسلامي العام، فأحمد الله على جميع ألوان إكرامه وإنعامه. وأسأل الله العظيم رب أن ينفعني وأولادي وأهلي والمسلمين بالقرآن العظيم، ويجعله نوراً لنا في الدنيا ويوم الدين، وأن يوفقنا دائماً لخدمة القرآن العظيم وسنة النبي الكريم وعلومهما، وأن يفتح لي في ذلك فتحاً مبيناً قريباً "وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإله أُنيب".

الحقيقة الشرعية في تفسير القرآن العظيم والسنة النبوية

الحقيقة الشرعية في تفسير القرآن العظيم والسنة النبوية ¤محمد بن عمر بن سالم بازمول£بدون¥دار الهجرة - الخبر¨الخامسة عشرة¢بدون€علوم قرآن¶منوع الخَاتمَة وبعد: فتلك جملة من الألفاظ التي جاءت في القرآن العظيم والسنة النبوية وجرت على لسان السلف الصالح بمعان؛ شاع عند بعض الناس استعمالها في غير ما أراده الله عزَّ وجلَّ ورسوله صلى الله عليه وسلم منها، فاستعملوها على غير وجهها المراد شرعاً، وفهموا كلام السلف على غير وجهه. وقد وضح لك كيف يحاول إبليس صرف الناس عن مراد الشرع والتلبيس عليهم! وإليك الخِيَرة في أن تنظر لنفسك، فتقتدي بالسلف في فهم نصوص القرآن العظيم وحديث الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، لك الخيرة في ذلك، أو تتدلى بحبل الغرور، وتتبع ذلك السبيل، الذي هو باب من أبواب الشر والضلال. ولا شك أن غياب المعاني الشرعية عن ألفاظ القرآن العظيم والسنة النبوية عند بعض الناس هو من الغربة, التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: " إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء ". وسئل صلى الله عليه وسلم عن الغرباء؟ فقال: " الذين يصلحون إذا فسد الناس ". وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: " طوبى للغرباء! أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ". وقد صارت تلك العلوم غريبة، بحيث يمقت ذاكرها، وقد قال الثوري رحمه الله:" إذا رأيت العالم كثير الأصدقاء؛ فاعلم أنه مخلط؛ لأنه إن نطق بالحق؛ أبغضوه ". وقد ألقيت إليك بالأمر؛ فانظر لنفسك!

التكفير في القرآن والسنة قديما وحديثا

التكفير في القرآن والسنة قديما وحديثا ¤نعمان عبدالرزاق السامرائي£بدون¥مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية - الرياض¨الأولى¢1428هـ€علوم قرآن¶التكفير - ضوابط وشروط الخاتمة إن الله تعالى أرسل نبينا عليه الصلاة والسلام داعيا لا قاضيا وهاديا لا جابيا ومبشرا وليس منظرا وحين امتدحه قال {وإنك لعلى خلق عظيم} [سورة القلم الآية: 4] وبين له بوضوح سر اجتماع القلوب عليه، فقال: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [سورة آل عمران، الآية: 159] وأود أن يعلم الشباب أن الإخلاص ضروري لنجاح العمل وحصول الأجر، ولكن كما قيل: ليس بالخبز وحده يعيش الإنسان، وأقول: ليس بالإخلاص وحده ينجح العمل، والحق تعالى يقول: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} [سورة يوسف: الآية: 108] ومعلوم أن من يريد تغيير مجتمع، فعليه أولا معرفة قوانين التغيير، والسنن الكونية والبشرية، وإلا فسيتكلف الكثير، ثم لا يربح القليل. على الشباب أن يدرس بعمق وعناية لماذا تفلح أحزاب هزيلة منبوذة في الوصول إلى الحكم أولا، والاستمرار فيه عشرات السنين ثانيا، بينما حرم ذلك على أي جماعة مسلمة؟! أريد من الشباب أن يتركوا خطابهم الوعظي " الفوقي" ويتعلموا كيف يخاطبون مجتمعاتهم على اختلاف تنوعها. أريد أن يعلم الشباب أن نقل مجتمع من وضع إلى آخر، يوازي نقل جبل من مكانه، وأن الأمة التي أمضت قرونا ـ وهي تبتعد عن دين الله ـ فلن تعود بيوم وليلة، ولا بخطبة حماسية، ولا بتكفير الناس حكاما ومحكومين. وأخيرا هناك قوى كبرى لا تريد الإسلام، ولا ترضى أن نتمسك به، وهي متحالفة مع قوى في الداخل، ويسرها جدا تنطع بعض شبابنا، وإطلاق بعض التشنجات، كي تستعمل ذلك في التخويف. منذ أيام رأيت مستشرقا فرنسيا على شاشة فضائية عربية، يسأل: لماذا هذه الحرب على الإسلام، ومن خلفها؟ قال الرجل: خلفها ثلاث جهات؛ هي: الحكومات الغربية، الإعلام الغربي، والجماعات المتطرفة، ثم شرح ما يعنيه؛ فقال: إن الإعلام يترك المعتدلين، ويتوجه لهؤلاء المتطرفين، يستفزهم ليستخرج منهم تصريحات متشنجة، ثم ينشرها ليخوف العالم بها. ومثل هذا " بالضبط" حصل أيام السادات؛ إذ جمع كل أعداء الإسلام، وعلى رأسهم ممثل لإسرائيل وأمريكا، ليستشيرهم في حربه للإسلام، والإسلاميين، فكان مما أشاروا: السماح لبعض الشباب بجمع قطع من السلاح، ثم ضبطها وإحالتهم للمحاكم، واستفزازهم للحصول على تصريحات سيئة، ثم نشرها في الصحف، فإذا أضيف لكل ذلك تحريف ما يقال والتلاعب به، علمنا كيف يحارب الإسلام، وما خفي أكبر وأعظم. إن تكفير الناس حكاما ومحكومين: لن يخدم الإسلام في شيء، ومن قبل قامت الكنيسة الكاثوليكية بتكفير كل من خالفها ـ بالحق والباطل ـ فاضطرت لإقامة "محاكم التفتيش " وهي أسوأ محاكم عرفها العالم، وعلى منوالها تجري بعض المحاكم العربية، لتحكم ـ السنين ـ بقوانين الطوارئ " القرقوشية". ويقدر من عرض على محاكم التفتيش بأكثر من 350 ألف إنسان، بينهم الكثير من مسلمي الأندلس، وقد حكم على أكثر من 150 ألف بالموت، بعضهم عن طرق الحرق أحياء، ولكن النتيجة كانت فاجعة للكنيسة، حيث ألحد العلماء، ورفعوا شعار " المتدين لا يكون عالما، والعالم لا يكون متدينا" وهكذا ساقوا شعوب الغرب نحو التفرق؛ ففي أمريكا اليوم أكثر من مائة كنيسة، كل واحدة تعد دينا مستقلا، ثم انزوى الدين وتحجم، فصار محصورا بين جدران الكنيسة، التي لا يزورها إلا قلة قليلة من الشيوخ والعجائز.

إن الدين يقوم على القناعة الكاملة، والله تعالى أعلم حين قال: {لا إكراه في الدين} ولو علم أن الإكراه ينفع لم يمنعه، بل لأباحه. فعلى الشباب أن يستوعب ذلك جيدا ولا يعيد لنا سيرة " الخوارج" مرة ثانية، فالتجربة الأولى مرة كمرارة " الحنظل" أو أشد، وحرام أن نعيد تجارب فاشلة، وقد قال الشاعر ابن دريد: من لم تعظه عبرا أيامه كان العمى أولى به من الهدى من قاس ما لم يره بما رأى أعجزه نيل الدنى بله القصى إن أمتنا تعاني من أمراض كثيرة، كثيرة تطاول عليها الزمن، فأفرزت أمراضا جديدة، فلا نضيف أمراضا أخرى، ومصائب جديدة. لن ينفع الأمة أن يتحول شباب، في عمر الزهور إلى قضاة، يحكمون لهذا بالإسلام، ولذلك بالكفر، ليس هذا عملهم ولا ميدانهم. المطلوب من شباب الأمة أن يحمل هموما، ويعمل على الدفاع عنها، ومحاربة الفساد فيها، وليس أن يتحول إلى مجرد قضاة، يحكمون بإسلام فلان وكفر فلان. قد يقول البعض: ومن للفساد والحكام الفاسدين المفسدين؟! فأقول: فساد الحاكم ونفاق المنافقين لا يفلة ولا يقتله " التكفير" بل العمل الجاد الواعي، الذي يعرف قوانين " اللعبة" ويجيد قواعد التغيير والتحالف، ويعمل على جمع الأمة حوله، والعمل بدأب وعدم استعجال. أقول هذا وأنا أعلم جيدا أن الحاكم الفاسد يشد أزره طبقة من المثقفين المنافقين، وتأتيه النصائح والخبرات من وراء البحر، كما يأتيه الدعم من هناك وكم من حاكم في البلاد العربية والإفريقية والآسيوية، ليس له من مقومات الحكم قليل أو كثير، لكنه باق بفضل الملايين التي تدفع له ولحكومته، والنصائح الغالية والخبرات العالية التي تقدم له. لقد صار من قوانين عالم اليوم: " اخدم اليهود، وامدح إسرائيل، وتحالف مع أمريكا، وسب واشتم الإرهاب يوميا، والمطالبين بتطبيق الإسلام، ثم افعل ما شئت فأنت باق" هذه قوانين عالم اليوم ـ ولو في نظري المتواضع ـ فهل يستوعب ذلك الشباب أم يخترعون واقعا، ويرسمون حلولا، فتكون كمن يعالج " الإيدز" بحبة "بنادول"؟!!!!

القرآن الكريم ومنزلته بين السلف ومخالفيهم

القرآن الكريم ومنزلته بين السلف ومخالفيهم ¤محمد هشام أهري£بدون¥دار التوحيد للنشر - الرياض¨الأولى¢1426هـ€علوم قرآن¶قرآن - فضائله وخصائصه وآداب أهله الخاتمة وأذكر فيها أهم النتائج التي توصلت إليها في البحث، وبعض التوصيات: بعد حمد الله عز وجل والثناء عليه بما هو أهله، فإني أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العلم _ كما سهله علي _ خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يجعلني من الذابين عن كتابه المبين، وكلامه المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل الأمين عليه السلام. وبعد البحث والعناء والجهد والعطاء، يسر الله عز وجل إتمام هذا الموضوع، وقد توصلت من خلاله إلى أمور كانت عندي من المسلمات _ إما اتباعًا أو تقليدًا _ ثم أصبحت عندي من اليقينيات _ دلالة وترجيحًا _ وخلاصة نتائج البحث ما يأتي: 1 - القرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق فمنه بدأ وإليه يعود بدلالة الكتاب والسنة. 2 - تكلم الله عز وجل بالقرآن فمنه بدأ وإليه يعود بدلالة الكتاب والسنة. 3 - إن الله عز وجل يتكلم متى شاء إذا شاء مع من شاء. 4 - الكلام من صفات الذات باعتبار وصف الله عز وجل به أزلاً، وهو صفة فعل باعتبار آحاده. 5 - كلام الله عز وجل لا يشبه كلام المخلوقين. 6 - القرآن منزل على محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل بالوحي الجلي بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الأمة. 7 - من عقيدة أهل السنة أن جبريل سمع القرآن من الله عز وجل، والأدلة على ذلك كثيرة. 8 - أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا، وأنزل على محمد صلى الله عليه وسلم منجمًا، ولا تنافي بين النزولين. 9 - نزل القرآن من الله عز وجل حقيقة، والنزول حقيقي، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع. 10 - يتعبد بالقرآن الكريم كما أنزله الرحمن الرحيم بصور مختلفة كما جاءت في السنة، ومن ذلك قراءته وتدبره، والعمل به والتحاكم إليه، والتداوي به، وجعله سببًا لدفع الشرور، وهذه من المقاصد العظيمة التي من أجلها نزل القرآن الكريم. 11 - القرآن الكريم هو الموجود في المصحف، وهو كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم لم يتغير ولم يتبدل، وإن القراءات الموجودة الموافقة تصح القراءة بها. 12 - أن أسماء القرآن الكريم كثيرة، ومما يدل على كثرة أوصافه، وجميل خصاله، وعظيم نفعه. 13 - أن للقرآن ذكرا في كتب الأولين، كما أن لمحمد صلى الله عليه وسلم ذكرا في كتب الأولين، ولا يعني ذلك كونه هو المنزل من قبل. 14 - ما يخالف المصحف من القراءات لا تجوز القراءة بها، ولا الصلاة به، والقراءة سنة متبعة. 15 - القرآن كلام الله عز وجل فهو صفة من صفاته، ويجوز الحلف بصفة من صفات الله سبحانه وتعالى. 16 - الترجمة اللفظية الحرفية غير جائزة، ولا واقعة، والترجمة التفسيرية هي المطلوبة، وكلا الأمرين لا يعدان قرآنًا، وإنما يعدان تفسيرًا للقرآن بلغة أخرى. 17 - التفسير تبيين لكلام الله عز وجل ولا يعني ذلك أنه عين المفسر. 18 - وجوب تعظيم المصحف، كما دل على ذلك الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة. 19 - أن القرآن الكريم آية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه دل على الإعجاز بمختلف الدلالات. 20 - أن المخالفين للسلف الصالحين مختلفون فيما بينهم في حقيقة القرآن الكريم ومصدريته، وجميع أقوالهم باطلة بدلالة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة. 21 - القول بالفيض من الأقوال الباطلة في القرآن، وهو يعني حقيقة إنكار الوحي ولكن بطريقة خفية. 22 - القول بأن القرآن يحل في المخلوقين عند قراءة العبد له، قول للحلولية، وأخطأ فيه بعض العلماء. 23 - القول بخلق القرآن قول شؤم لا دليل عليه، ولا أثارة من علم.

24 - زعم بعض أهل الكلام التوسط بين قول المعتزلة وقول أهل السنة، فقالوا: بالعبارة والحكاية!! من غير دليل ولا أثر. 25 - القول بأزلية القرآن يرده صريح كلام الرحمن. 26 - التوقف في مسألة القرآن طريقة بدعية. 27 - مسألة اللفظ في القرآن من المسائل الجهمية التي فرقت السلفية. 28 - اختلف المخالفون في نزول القرآن الكريم بناء على اختلافهم في علو رب العالمين، وأنكروا سماع جبريل القرآن من الله العظيم. 29 - اختلف المخالفين في التعبد بالقرآن، سواء في قراءته أو في التبرك به. 30 - تفرق أهل البدع في بيان إعجاز القرآن الكريم؛ فمنهم من ظنه في المعنى، ومنهم من ظنه في اللفظ، ومنهم من ظنه في الأخبار، ومنهم من ظنه في التشريعات، وأهل السنة قالوا بجميع ذلك على الوجه الصحيح. 31 - السلف الصالح هم الذين عرفوا حقيقة القرآن الكريم، وأنه كلام رب العالمين، ولذلك كان لهم الحظ الوافر في تعظيمه وبيان فضله، واعتقاد أنه أعظم كتاب على وجه البسيطة. 32 - بناء على الأدلة الشرعية قال السلف بتفاضل آيات وسور القرآن الكريم بعضها على بعض. 33 - السلف أعظم الناس تعظيمًا للقرآن الكريم، ولذلك حذروا من الاستهزاء به. 34 - تبرك السلف بالقرآن الكريم على ما ورد عن النبي الكريم، من دون ابتداع، ولكن باتباع. 35 - أن للقرآن الكريم خصائص عظيمة. 36 - طريقة أهل السنة في فهم القرآن الكريم هو أنهم يعتقدون أنه يُستغنى به عن غيره من الكتب مع السنة الشارحة له، ويرون التلازم بين القرآن والسنة، ويحملون النصوص الشرعية على الحقائق المرعية، والظواهر اللفظية مع اعتقاد معانيها السنية، مستعينين بفهم السلف الصالح في ذلك كله. 37 - السلف الصالح يرون أن القرآن الكريم كتاب عظيم، ولذلك يرون أنه أعظم حجة في جميع أبواب الدين، وأن براهينه أدل البراهين، وأنه مصدر التشريع، وأنه ناسخ للكتب السماوية فضلاً عن غيرها من كتب البرية، وأنه محكم لا ينسخ بعد موت سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم. 38 - اهتم السلف بالقرآن الكريم تعظيمًا له وتبجيلاً، ومن ذلك عنايتهم بكتابته، وحفظه، والاهتمام بعلومه، ونشره، وينهون عن المراء والتكلف فيه. 39 - أن المخالفين للسلف ومنهم الفلاسفة لا يعظمون القرآن حقيقة، ولا يصدرون عنه. 40 - أن الصوفية لما قالوا بالظاهر والباطن، والحقيقة والشريعة، نظروا إلى ألفاظ القرآن فأولوها على ما رأو من الباطن، ولم يلتفتوا إلى فهم السلف، ولذلك أصبح تعظيم القرآن عندهم رسمًا، ولا يصدرون عن القرآن الكريم حقًا. 41 - الرافضة الغوية يعتقدون على اختلاف مللهم تحريف القرآن الكريم، متقدموهم ومتأخروهم، ولهذا لم يعظموا القرآن الكريم، ولم يعتمدوا عليه في باب العقائد على وجه الخصوص. 42 - الباطنية نحل شتى، وفرق تترى، وهم لا يعتقدون انقطاع الوحي، ومنهم من يعتقد بأن القرآن منسوخ، وأنه شريعة العرب، ويحرفون نصوص القرآن، ويستهينون بالقرآن الكريم، ولا يعتمدون عليه، ويفضلون كتبهم عليه، ويحفظون كتبهم دون القرآن الكريم. 43 - أهل الكلام بمختلف طوائفهم لم يعطوا القرآن حق قدره، ويتبين ذلك من خلال أمور: منها عدم تعظيمهم كما ينبغي، وعدم الاعتماد عليه في باب الاعتقاد، وعدم حفظهم له. 44 - أن لكل قوم وارثًا، وقد وجد المعتزلة وأهل الكلام وارث يدعون الناس إلى تعظيم العقل، وإنكار ما خالف عقولهم ولو كان قرآنًا فيأولونه، أو سنة فيردونها، ومن هؤلاء قوم أنكروا السنة بالكلية، وانتسبوا إلى القرآن زورًا. 45 - وبعد بيان موجز وخلاصة البحث، فإنه من خلال بحثي كانت المسائل تمر علي؛ فأرى أن أبينها في هذه الخاتمة لعلها تجد آذانًا صاغية وأفكارا نيرة، وهي:

1 - إن موضوع أسماء القرآن الكريم مهم، وجدير بأن يبحث فيه طالب العلم، لما لهذه الأسماء من دلالات على القرآن الكريم، ولهذا أرى أن يكتب فيه بحث بعنوان "أسماء القرآن الكريم، وأوصافه، والدلالات العقدية فيها". 2 - إن احترام القرآن الكريم أمر مهم اهتم به الأولون، وسار على دربهم المتبعون، وخلف من بعدهم خلوف، تركوا توقير الكتاب، كما جاء عن الوهاب، وزعموا أنهم يحترمونه ولكن بالبدع والخرافات، ولو كتب موضوع حول "ما يخالف توقير الكتاب العزيز" لكان بحثًا مهما جدا. 3 - إن موضوع الآيات سواء الآيات القرآنية، أو الآيات الكونية لجديرة بالاهتمام من قبل الباحثين، فلو كتب موضوع حول "الآيات الدالة على نبوة الأنبياء من خلال نصوص القرآن الكريم" لكان بحثًا قيمًا _ إن شاء الله _. 4 - تبين مما سبق _ ولو إشارة _ شدة التلازم بين الكتاب والسنة، وإني من هذا المنطلق أحث الباحثين على كتابة موضوع، حول التلازم بين الكتاب والسنة، من حيث الأدلة على ذلك، والأمثلة عليها من باب العقائد والعبادات والمعاملات، وهو بحث جدير بالاهتمام، وخصوصًا في هذا الزمان، مع وجود أعداء السنة. 5 - الأدلة القرآنية فيها الحجج القطعية في المسائل العقدية، ومن جملة ذلك دلالتها على الخالق جل جلاله، وقد دل أكثر من (500) آية في القرآن على صفة الخالقية لله سبحانه وتعالى، ولو بحث هذا لكان جديرًا. 6 - أن الروافض خالفوا في الاعتقاد في القرآن الكريم، وفي العمل به، بل وحتى في العقيدة، ولو ألف مؤلف مستقل في مخالفة الرافضة لنصوص القرآن الكريم الصريحة لكان بحثًا جديرًا بالاهتمام. 7 - وأرجو الله الملك إذ وفقني لخدمة كتابه، أن يجعلني مباركًا أين ما كنت، وأن يبارك لنا وعلينا، وأن يشملنا وإخواننا المسلمين ببركاته العظيمة في الدنيا والآخرة، وأن يعم نفع هذا لجميع إخواني المسلمين، ,أن يجعلهم مباركين بعملهم بالقرآن الكريم، وسنة نبيه الكريم، إنه قريب مجيب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

القراءات وأثرها في التفسير والأحكام

القراءات وأثرها في التفسير والأحكام ¤محمد بن عمر بن سالم بازمول£بدون¥دار الهجرة - الثقبة¨الأولى¢1417هـ€علوم قرآن¶قرآن - قراءته ومشكله وغريبه ولغاته وإعرابه الخاتمة تتضمن الخاتمة أهم النتائج التي توصل إليها البحث، مع جملة من المقترحات التي يوصي بها الباحث. وتتلخص أهم النتائج التي توصل إليها البحث فيما يلي: 1 – بيان معنى نزول القرآن العظيم، وأن الاستعمال الشرعي لكلمة نزول لم يخرج بها عن حقيقتها اللغوية، وأن القول فيه كالقول في سائر الغيوب، والصفات الإلهية. 2 – بيان أن للقرآن العظيم بعد إثباته في اللوح المحفوظ، وجود ونزولين، وجود في اللوح المحفوظ، ونزول في بيت العزة في السماء الدنيا، ونزول إلى الرسول صلى الله عليه وسلم منجما مفرقا على مدى ثلاث وعشرين سنة. 3 – تقرير تكرار نزول القرآن العظيم، والتدليل عليه مع بيان حكمته. 4 – المصحف العثماني يشتمل على الحرف الذي جمع عثمان رضي الله عنه الناس عليه، وعلى ما يوافق رسمه من سائر الأحرف السبعة. 5 – تحديد زمن جمع عثمان رضي الله عنه للمصحف الشريف. 6 – بيان أن رسم المصحف العثماني يشتمل على الحرف الذي جمع عثمان رضي الله عنه الناس عليه، وعلى ما يوافق رسمه من سائر الأحرف السبعة. 7 – أن التمييز بين القراءات التي تعود إلى الحرف الذي جمع عثمان رضي الله عنه الناس عليه وبين ما يوافقه من سائر الأحرف إنما هو بالنقل؛ فذاك الحرف خطي بالتواتر في النقل، وما وافقه نقل على غير طريق التواتر، لكن توفرت له شروط القبول من موافقة الرسم والعربية وصحة النقل وتلقاه العلماء بالقبول. 8 – تقرير أن القراءات سنة متبعة، تؤخذ عن طريق التلقي والرواية، وليست رأيا ودراية. 9 – بيان أقسام القراءات من جهة النقل، ومن جهة القبول، مع بيان الفرق بين القرآن والقراءة والرواية والطريق والوجه. 10 – تقرير أن القراءات لا تنحصر في السبع أو في العشر، إنما هذا هو المشهور في العصور المتأخرة، أما في الأعصار الأول فهذا العدد قل من كثر، ونزر من بحر. 11 – تقرير أن التلقي بالقبول مع موافقة الرسم والعربية وصحة السند يفيد العلم ويقوم مقام التواتر في ثبوت القراءة. 12 – بيان أنواع الاختلاف الواقع بين القراءات، وفوائد تعدد القراءات. 13 – بيان أن التصنيف في القراءات وما يتعلق بها لم ينقطع في عصر من الأعصار وأنه مستمر ولله الحمد إلى زمننا هذا. 14 – بيان أن موقف بعض النحاة من بعض القراءات لم يقم على أساس عدم الاعتداد بالقراءة أو عدم الاحتجاج بها، إنما كان نتيجة لأحد أمرين: إما لعدم ثبوت القراءة لديهم، ثبوت الحجة. وإما لقيام مانع – بحسب اجتهادهم – منعهم من الأخذ بها وهم في اجتهادهم مأجورون أجراً واحداً. 15 – رد الشبه التي جاء بها المستشرقون بالنسبة لاختلاف القراءات ولرسمها، وأنها في حقيقتها تطوير للشبه القديمة التي جاء بها المبطلون وردها عليها أهل العلم. 16 – تأكيد أن القراءات جميعها حق، واختلافها حق، لا تضاد فيه، ولا تناقض، لأنه اختلاف تنوع، والاختلاف الذي نفاه الله عز وجل عن القرآن العظيم هو اختلاف التضاد والتناقض، وهذا لا يوجد في الشرع بله في القرآن العظيم، ولله الحمد والمنة. 17 – بيان منزلة القراءات من التفسير، وأنها تارة تكون من باب تفسير القرآن بالقرآن، وتارة تكون من باب تفسير القرآن بالسنة أو بقول الصحابي. 18 – بيان أن تنوع القراءات من جهة أثره في التفسير على قسمين: الأول: قراءات لها أثر في تفسير الآية وبيان معناه. الثاني: قراءات لا أثر لها في تفسير الآية ومعناها، وإنما هو أمور ترجع إلى اللغة نحواً، وصرفاً ونحو ذلك. 19 – تقرير أن الاهتمام بأثر القراءات في التفسير كان منذ عهد الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين. 20 – حصر الآيات الكريمة الذي أنتج تنوع القراءات فيها أثراً في معناها وتفسيرها من قبيل الجهات التالية: أ – القراءات التي بينت معنى الآية. ب - القراءات التي وسعت معنى الآية. ت – القراءات التي أزالت الإشكال عن معنى الآية. ث - القراءات التي خصصت عموم الآية. ج - القراءات التي قيدت مطلق الآية. ح - القراءات التي بينت إجمال الآية. 21 – ثم أوردت الآيات الذي أنتج تنوع القراءات فيها تنوعاً في الأسلوب، دون كبير أثر في معنى الآية وتفسيرها. 22 – تقرير أن تعدد القراءات هو ضرب من الإعجاز القرآني، لا يستطيع أن يأتي به بشر قط من عنده، ثم لا يستطيع أن يبلغه على هذا الوجه الشامل إلا رسول من عند الله حقاً، لذلك لم يحط بعد ذلك إمام واحد بكل القراءات.

المحرر في أسباب نزول القرآن (من خلال الكتب التسعة)

المحرر في أسباب نزول القرآن (من خلال الكتب التسعة) ¤خالد بن سليمان المزيني£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1427هـ€علوم قرآن¶قرآن - أسباب نزوله وترتيبه الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فلقد عشت سنوات عديدة مع هذا البحث، أقلب مسائله، وأعالج إشكالاته وأحل غوامضه فظهر لي نتائج أبرزها ما يلي: • أني لم أجد تعريفا علميا دقيقا لأسباب النزول، يوضح مصطلحه ويدل على معناه، وإن ظهرت بعض التعريفات لأنها لا تدل مباشرة على معناه ولعل ذلك يعود إلى عدم تتبع النصوص – أسباب النزول – واستقرائها على نحو عميق، فوضعت تعريفا جامعا لها أخرجته من رحم النصوص. • أن قواعد السبب وأركانه التي يقوم عليها أربعة: 1. الحدث الجديد فلا بد من تصور أمر جديد قد وقع، سواء أكان قولا أم فعلا، ولا بد أن يكون الوقوع بعد البعثة، فإن كان قبل البعثة كان نزول القرآن وحديثه عنه من باب إبطال ما كان يفعله أهل الجاهلية ويعتادونه، لا من باب أسباب النزول. 2. الموافقة بين لفظي الآية النازلة، والسبب الذي نزلت لأجله، وهذا بدوره يقتضي اتفاقهما في المعاني. 3. مراعاة التاريخ بين السبب والنزول، فلا بد أن يكون قبل الهجرة معا أو بعدها معا، وكذا لا بد أن يكون في أوائل البعثة معا أو قرب الهجرة معا، أو في أوائل الهجرة معا أو في أواخرها معا. 4. سياق الآيات التي تسبق موضع النزول وتتبعه، فلا يصح أن يخالف سبب النزول في موضوعه وخطابه. فهذه القواعد والأركان حتمية في أسباب النزول قبولا وردا. • أن صحة سند الحديث، وذكر النزول فيه، لا تعني القطع والجزم بأنها سبب النزول، لكنهما قويتان يستدل بهما على السببيه عند انضمامهما للأركان الأربعة السابقة. أما إذا كان انفراد بالحديث فليس سببا للنزول. • أني لم أجد لأسباب النزول صيغة محددة فضلا عن كونها صريحة وغير صريحة وقد تتبعت الأسباب وبينت بالدليل ضعف هذا التقسيم، غاية الأمر وجود مادة النزول وبصيغ شتى. • أني لم أجد شيئا من كتاب الله قد تكرر نزوله, وما ذكره بعض العلماء من الأمثلة في هذا لا يثبت عند المناقشة العلمية, ولعل الذي حملهم على القول بهذا أن أسباب النزول لم تنل حظها من التحقيق والتدقيق رواية ودراية. • أن العلماء ذكروا أن السلف حين يطلقون النزول قد يريدون به شمول لفظ الآية لهذه الصورة الحادثة , وقد تحققت من هذا وبينته بالمثال , وأن قولهم نزلت في كذا تارة يراد به النزول المصطلح عليه، وتارة يراد به دخول الصورة تحت لفظ الآية. • أن عددا من الأحاديث التي أدخلت في أسباب النزول تعود في أحد عواملها إلى الالتباس في التعبير عن أسباب النزول، فتارة يعبر عن قوله فتلا بأنزل وتارة يعبر عن التفسير بأنزل، ولا ريب أن هذا قد أوقع إشكالات كثيرة في تحديد أسباب النزول. • أني لم أجد ضوابط منصوصة عند العلماء في شأن الترجيح بين أسباب النزول بخصوصها , فاستفدت من قواعد الترجيح عندهم بين الأحاديث عامة , وأعملتها في هذا الباب باعتبار أن الجميع أحاديث. • أن العلم بقواعد الشرعية، ومصطلحاتها الشرعية، والهدي النبوي، وهدي الصحابة – رضي الله عنهم – يفيد كثيرا في تحديد الصواب من الخطأ في الأسباب. • أن حاجة أسباب النزول إلى التحقيق والتحرير ماسة جدا , فجميع من ألف في أسباب النزول كان جهدهم منصبا على جمع الروايات، دون دراستها دراسة تطبيقية باستثناء جهد يسير، وفي أسباب معدودة، وهذا بلا ريب نقص كبير أدى لبقاء هذه المؤلفات محلا للشك، وعدم الثقة.

• بعد قراءتي لمصادر البحث – الكتب التسعة – استخرجت منها مائتين وخمسين حديثا تقريبا في أسباب النزول. ثم قسمت هذه الأحاديث على مواضع آيات القرآن الكريم فخرج منها مائتا موضع. منها ثمانية وستون موضعا ترجح لدي أنها ليست أسباب نزول لأسباب مختلفة فبقي للنزول مائة واثنان وثلاثون حديثا (132). منها ثمانية وعشرون حديثا ضعيفا، ثلاثة عشر حديثا مرسلا، وخمسة عشر حديثا موصولا، لكن في بعض رواتها كلام. وسأضع أرقام هذه الأحاديث في جدول مستقل بعد الخاتمة المقترحات والتوصيات من خلال معايشتي الطويلة للبحث في أسباب النزول تبين لي أن الموجود في الكتب التسعة لا يشكل إلا جزء يسيرا منها، وإذا كانت أسئلة القرآن بضعة عشر سؤالا فأنا لم أجد منها ضمن بحثي إلا السؤال عن الحيض فقط. وكتب التفسير بالمأثور كتفسير الطبري، وابن كثير يحتوي من الأسباب خيرا كثيرا. لذا فإني أقترح توجيه الجهد إلى العناية بدراسة أسباب النزول الواردة في كتب التفسير، خصوصا التي تعتني بالمأثور على أني أحبذ لمن رام خوض هذا البحر أن يتوفر فيه القدرة العلمية على دراسة الأسانيد، والحكم على الأحاديث، وكذا الملكة العلمية التي تمكنه من التحليل والمناقشة والاستنباط، والمعين. وفي الختام فإني أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الجهد كاتبه وقارئه وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، ثقيلا في ميزان الفقير إلى الله , وأن لا يجعل لأحد فيه حظا أو نصيبا، وصلى الله وسلم على البشير النذير والسراج المنير، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل واختلاف العلماء في ذلك

الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل واختلاف العلماء في ذلك ¤أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس£سليمان بن إبراهيم اللاحم¥مؤسسة الرسالة - بيروت¨الأولى¢1412هـ€علوم قرآن¶ناسخ ومنسوخ الخاتمة الحمد لله الذي بمنه تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف رسله نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: فإنني لأتوجه إلى الله العلي القدير بالشكر والثناء على أن وفقني للانتهاء من دراسة وتحقيق كتاب "الناسخ والمنسوخ" لأبي جعفر النحاس ـ رحمة الله عليه ـ. ولقد جنيت بفضل الله وتوفيقه من هذا العلم أطيب الثمار من خلال دراسة هذا الكتاب وتحقيقه، مما دفعني إلى قراءة كثير من كتب التفسير وعلوم القرآن والحديث وعلومه والفقه وأصوله واللغة وعلومها وكتب الرجال والتاريخ والسير وغيرها، مطبوعها ومخطوطها. وقد صرفت جميع وقتي منذ أن سجلت هذا الموضوع في العمل في هذا الكتاب، ولم أدخر وسعاً من أجل خدمته وخدمة القارئ، فقدمت دراسة وافية عن عصر المؤلف وحياته وطلبه العلم ومكانته العلمية وشيوخه وتلاميذه مؤلفاته وآثاره العلمية، وأتبعت ذلك بدراسة للكتاب بينت فيها المصادر التي اعتمد عليها المؤلف في هذا الكتاب وطريقة استفادته منها، ومنهجه في هذا الكتاب، وقيمته العلمية وما له من مزايا ومميزات، ومدى استفادة من جاء من العلماء بعد المؤلف من هذا الكتاب. كما قدمت دراسة لمنهج كل من مكي بن أبي طالب في كتابه "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" وابن الجوزي في كتابه "نواسخ القرآن" وتوصلت من خلال المقارنة بين هذه الكتب الثلاثة إلى أنها تأتي في مقدمة كتب الناسخ والمنسوخ، وأن كتاب أبي جعفر النحاس يأتي في الدرجة الأولى من بينها من حيث قيمته العلمية، بل إنه يحتل الدرجة الأولى بين عامة كتب الناسخ والمنسوخ مما ألف قبله وبعده ـ فيما أعلم ـ. كما ذكرت في مقدمة قسم التحقيق وصفاً لنسخ الكتاب مخطوطها ومطبوعها وصحة تسمية الكتاب ونسبته إلى المؤلف. وحيث اشتمل الكتاب على ما يزيد على تسعمائة ما بين حديث وأثر وعلى أكثر من ضعفي ذلك من الأقوال المنسوبة للصحابة والتابعين مما لم يذكر المؤلف نصها مثل أن يذكر قولاً ثم يقول: وممن قال به ابن عباس وابن مسعود .. من الصحابة، وسعيد بن المسيب ومجاهد وفلان ... من التابعين ومن الأقوال غير المنسوبة، فقد التزمت بتخريج ذلك كله ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وقد أحسست بثقل هذا المنهج أثناء عملي في الكتاب إلا أنني آثرت المضي فيه خدمة للكتاب. كما اشتمل الكتاب ـ أيضاً ـ على نقول ومناقشات وآراء كثيرة جداً ليست في الناسخ والمنسوخ فحسب بل في التفسير والحديث والفقه والأصول واللغة والتاريخ وغير ذلك، وقد قمت بتوثيق هذه النقول وتحقيقها والتعليق على ما تدعو الحاجة للتعليق عليه بحسب الاستطاعة. كما قمت بالترجمة والتعريف بجميع أعلام الكتاب بما في ذلك رجال الأسانيد الذي بلغ عددهم نحو ألف علم، وعرَّفت بما يحتاج إلى تعريف من الغريب والقبائل والأماكن وغير ذلك. وإتماماً للفائدة رأيت أن أضع جدولاً يحتوي على الأحكام والآيات الناسخة والمنسوخة في القرآن الكريم حسب ما ترجح لي. وقد تبين لي من خلال دراسة هذه الآيات والتأمل في معانيها عند المفسرين من الصحابة والتابعين وغيرهم من محققي المفسرين والأصوليين والفقهاء أن الأحكام التي تحتمل النسخ لا تتجاوز تسعة أحكام فقط، وفيما يلي في هذا الجدول بيان لهذه الأحكام مع بيان الآيات المنسوخة والناسخة، وما ترجح لي في ذلك مع الإحالة إلى مواضع بسط الكلام على هذه الآيات في أماكنها من هذا الكتاب.

تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب عملية ومراحل منهجية

تعليم تدبر القرآن الكريم أساليب عملية ومراحل منهجية ¤هاشم بن علي الأهدل£بدون¥مركز الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي - جدة¨الأولى¢1429هـ€علوم قرآن¶تدبر القرآن الخاتمة: النتائج والتوصيات: أولاً: النتائج: أهم نتائج الفصل الأول: - التدبر هو النظر في عاقبة الأمور والتفكر فيه، وتدبر القرآن تفهم معاني ألفاظه، والتفكر فيما تدل عليه آياته، وهو وسيلة مهمة في زيادة التقوى والإيمان في القلوب. - تبين لنا من خلال هذا الكتاب ضرورة تعليم التدبر للأجيال كي يظهر في سلوكهم وأخلاقهم، ويكونوا حقاً من أهل القرآن. وعلى جميع المربين أن يبذلوا له الجهود والأوقات، وأن تستخدم الأساليب التربوية لغرسه في نفوس المتربين. - إن التدبر يستحق أن يكون علماً منفصلاً من علوم القرآن، بل من العلوم المعاصرة التي تفرد لها المؤلفات والكتابات الخاصة، ويستحق أن تنشأ له المؤسسات التربوية، وتكون مستقلة عن غيرها من الجهات التعليمية، شأنه في ذلك شأن حلقات التحفيظ القرآنية، وهو أيضاً علم يستحق أن يطبق عليه منهج المواد الدراسية المنفصلة. أهم نتائج الفصل الثاني: - طرق التعلم تيسر وتفيد في تحصيل التدبر، وتعين في اكتساب أحد أشكال التعلم الثلاثة، وهذه الأشكال هي: اكتساب سلوك جديد، التخلي عن سلوك، تعديل السلوك. - من القواعد الأساسية لتعليم التدبر ما يتعلق بطرق التدريس ما يلي: العناية بالتمهيد التربوي، مراعاة التدرج في تعليم التدبر، التحضير الجيد للدرس القرآني، استخدام أسلوب التعلم التعاوني، استخدام الوسائل التعليمية المناسبة. - من القواعد الأساسية لتعليم التدبر ما يتعلق بالمحتوى التدريسي ما يلي: أهمية الاستعاذة للتدبر، شرح الكلمات والجمل والآيات، ربط أحكام التجويد بالمعاني، الموعظة والتحذير من الذنوب الصارفة عن التدبر، إدراج حصة التدبر في الدرس القرآني، التربية على شكر نعمة التدبر. أهم نتائج الفصل الثالث: - من القضايا التعليمية المهمة تعليم الاستماع والإنصات لتدبر القرآن، وتضمن الكتاب التأكيد على مهارة الاستماع وأهميتها، ووسائل تعليمها وتدريب المتعلمين عليها، وكيفية تنميتها. - أسس الاستماع التربوي، هي: التهيؤ الذهني والنفسي قبل الاستماع، عدم انشغال المتربي بما حوله، التفكر أثناء الاستماع، الخشوع والبكاء أثناء الاستماع، التفاعل الحسي والمعنوي. - من آثار الاستماع التربوي للقرآن: الفهم الصحيح، والثواب الجزيل، وتحصيل الهدى والبركة والرحمة. - من وسائل تربية ملكة الاستماع لدى المتعلمين: مراعاة المتعلم لأسس الاستماع، تعويد الطلاب على جلسات الاستماع من الآخرين، استثمار بعض أوقات الفراغ، المناقشة والمحاورة بعد الاستماع. أهم نتائج الفصل الرابع: - تعليم التدبر وتدريسه ينقسم إلى ثلاثة مراحل: التهيئة القلبية، ومرحلة الممارسة العملية، ومرحلة التدبر المتقن، وتختلف هذه المراحل حسب مراحل النضج التعليمية والتربوي للمتعلمين. - تشمل مرحلة التهيئة القلبية ما يلي: تعريف المتربين بمفهوم تدبر القرآن وأهميته، الترغيب في التدبر، التشجيع والتحفيز التربوي على التدبر، الترهيب من ترك التدبر، التعويد على الترتيل والتغني بالقرآن وتحسين الصوت به، عرض القصص القرآني بأسلوب ميسر، إلزام الطلاب بمصحف المتدبرين، والرحلات والبرامج الترويحية الهادفة المعينة على التدبر.

- تشمل مرحلة الممارسة العملية ما يلي: استخدام أسلوب التكرار، استخدام أسلوب ضرب الأمثال، التعريف بأسماء الله الحسنى، ربط الآيات القرآنية بالسيرة النبوية، الترغيب في قيام الليل، إبراز القدوات والنماذج (للمتدبرين)، استثمار الأحداث والمناسبات، تعريف المتعلمين بكيفية التدبر وأحواله. - تشمل مرحلة التدبر المتقن ما يلي: تعليم قواعد التفسير، تعليم حسن الابتداء والوقف، التوجيه للتعمق في علوم اللغة العربية، القدرة على استخراج الحكم والاستنباطات، التربية على نشر مفهوم التدبر والعلوم المستنبطة منه، تعليم مهارات التفكير. أهم نتائج الفصل الخامس: - يعد مفهوم التعلم الذاتي من أساليب اكتساب مهارة التدبر، وعلى المربي أن يوجه طلابه لهذا المفهوم. - الطرق الذاتية التي يستخدمها المتربي مع نفسه ليكون ممن يتدبر كتاب الله الكريم ما يلي: الإخلاص، الاستعداد النفسي للتدبر، الدعاء بأن يرزقه الله التدبر، مراقبة الإنسان لنفسه، ومحاسبتها أثناء القراءة، تعويد النفس على التأني في قراءة القرآن وعدم العجلة، اعتبار الفرد أنه المقصود (وليس غيره) بكل خطاب في القرآن، ملازمة الورد القرآني. ثانياً: التوصيات: - من المناسب وضع مفردات تفصيلية خاصة لكل مرحلة، تصلح منهجاً متبعاً يأخذ منه معلم القرآن مباشرة ويطبقه مع طلابه، ويستفاد في ذلك من الوسائل المقترحة، ومن عناوين الموضوعات. - إلقاء موضوعات هذا الكتاب على المهتمين بتربية الأجيال، ففي ثناياه تنظير علمي يعين المشرف والمربي والمعلم على وضع مفردات مناسبة للطلاب، فيختار منها ما يرى إمكانية تطبيقه، وما يظن أنه الأحوج لمن يدرسهم ويربيهم. - عقد جلسات خاصة بين الوالد وأبنائه لتطبيق ما ورد في هذا الكتاب من أساليب تعينه في تربيتهم على تدبر كتاب الله الكريم. - إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات التربوية النفسية في الموضوعات التي أشير إليها، أو لم تفصل في هذا الكتاب.

علاج القرآن الكريم للجريمة

علاج القرآن الكريم للجريمة ¤عبدالله بن محمد الشنقيطي£بدون¥مكتبة ابن تيمية - القاهرة¨الأولى¢1413هـ€علوم قرآن¶مشاكل وحلول خاتمة البحث وتشمل مقارنة بين الشريعة الإسلامية وبين القوانين الوضعية، ثم بيان شمول القرآن لمصالح البشر بأمثلة منه، ثم توصيات، ونتائج البحث. أولا: المقارنة بين الشريعة الإسلامية وبين القوانين الوضعية: تمهيد: من المعلوم أن القائلين بأن الشريعة الإسلامية لا تصلح للعصر الحاضر - وأن التطور الحضاري والرقي المتمثل في الاكتشافات الحديثة والمهارات الصناعية مما أنتجته المدنية الحديثة من تشطير ذرة وزرع لقلب وصعود للسماء وإيجاد آلات دقيقة تصنع في الغالب ما يصنعه الإنسان مع سرعتها وجودة عملها - لا يبنون رأيهم هذا على دراسة علمية متعمقة ولا على حجج منطقية قائمة على مقدمات يقينية صادقة في الربط بين تلك المقدمات لكون الدراسة العلمية والمنطق يقتضيان الحكم بتفوق الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية في جميع المجالات التي تخدم الأمن والاستقرار وتقليل الإجرام ومكافحته. وفي وضع العقوبة المناسبة لكل جرم وفي مراعاتها لظروف الجريمة والمجرم وفي سموها، ومن تدبر في واصمي الشريعة بالقصور في علاجها للجرائم وفي وضعها للقوانين المسيرة لشؤون الأمة، فإنه يرى الواصم أحد فريقين: فريق درس القانون ولم يدرس الشريعة الإسلامية قط. وفريق لم يدرس القانون ولا الشريعة الإسلامية. وكلا الفريقين ليس أهلا للحكم على الشريعة لجهله أحكامها جهلا مطبقا، والجاهل بالأمر لا يصح حكمه عليه. وفي الحقيقة أن الجاهلين للشريعة الإسلامية بنوا حكمهم عليها بعدم صلاحيتها للعصر الحاضر بقياس فاسد وليس على دراسة منظمة، لكون الشريعة قديمة، والقوانين الوضعية المستحدثة لا تمت بصلة إلى القوانين الوضعية القديمة، لأن القوانين الحديثة مبنية على نظريات محدثة واعتبارات اجتماعية وإنسانية لم تكن لها وجود في القوانين القديمة. ويظنون أن الشريعة الإسلامية من جملة تلك القوانين القديمة، فيدمجونها في تلك القوانين زعما منهم أن الجميع سواء ولا يصلح للعصر الحاضر. وهذا خطأ فاحش ووجه خطئهم أنهم سووا بين شيء من وضع البشر وبين شيء من وضع رب البشر. فهم في قياسهم هذا يقيسون بين أمرين مختلفين تمام الاختلاف. وبالنظر لنشأة كل من الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية تظهر الفروق جلية بينهما. وبذلك يتبين عدم صحة القياس بينهما لاشتراط المساواة في القياس بين المقيس والمقيس عليه. فإذا انعدمت المساواة والتشابه فلا قياس وإن حصل قياس فهو باطل لعدم مشابهة الأصل بالفرع ولعدم وجود علة رابطة بينهما ولاختلاف الحكم. فتبين بذلك الخلاف بين الشريعة والقانون وبعد تبيين الفروق بينهما أبين ما لكل منهما من ميزات على الآخر وأيهما أكثر حلا للمشاكل. وأعدل في أحكامه وأجمع لمصالح البشر. أهم الميزات بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي: الشريعة لم تأت لزمن دون زمن وقد وضعت للاستمرار والدوام وجاءت من عند الله كاملة، أما القانون الوضعي فوضع لا للاستمرار ولا للدوام وإنما وضع لزمن محدد يتغير بعد مدة لكونه وضع حسب حاجة جماعة، لذا ينشأ ضئيلا محدود الفقرات لا يسع إلا قليلا من الأحكام، ثم بعد ذلك يتطور شيئا فشيئا حتى يشمل كثيرا من أحكام الناس، ولكن بعد مدة لابد من تغييره وذلك للأمور التالية:

أولا: كون الجماعة الواضعة له تراعي غالبا في صياغتها للقانون مصالحها الشخصية، فإذا ما تغيرت تلك الجماعة وجاءت بعدها أخرى لابد من تغيير القانون حسب مصلحة الجماعة الجدد وهكذا، بخلاف الشريعة الإسلامية فإنها لم تولد طفلة، وإنما جاءت من عند الله كاملة لا ترى في أحكامها عوجا ولا نقصا، قال الله في حقها: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا} [المائدة: 3]. ولم تأت الشريعة لجماعة دون جماعة أو لدولة دون دولة أو لقوم دون قوم أو للرؤساء دون المرؤسين، وإنما جاءت من عند الله للناس كافة على اختلاف مشاربهم وتباين عاداتهم وتقاليدهم. ثانيا: ولقصر إدراك الواضعين للقانون تظهر تناقضات في كثير من فقراته ويهمل كثيرا من الأحكام. والذي تخيله رجال القانون ولم يستطيعوا إدراكه هو الشريعة الإسلامية، وأكبر دليل على ذلك أنك لا ترى حكما فيه نوع من العدالة والمعقولية إلا والشريعة سبقت في الحكم به والدعاء إليه ومن درس نشأة القوانين الوضعية يجدها متأثرة بالشريعة الإسلامية وبالأخص القانون الفرنسي الذي اعتمد فيه واضعه، على تبصرة الحكام لابن فرحون المالكي. وإن كانوا غيروا كثيرا من الأحكام المأخوذة من التبصرة. ثم إن الجماعة هي التي تلون القانون بأعرافها وتقاليدها وعبادتها أما الشريعة فلم تكن نتيجة لتطور الجماعة وتفاعلها وإنما هي ثابتة، ومن أهم الفوارق بينهما لمن درس القانون والشريعة وتدبر في دراسته: أ - الكمال: فالشريعة فيها جميع ما من شأنه أن يصلح العالم محببا فيه وموصوفا بأجمل صفاته وفيها جميع ما من شأنه يفسد العالم محذرا منه وموصوفا بأبشع صفاته. أما القوانين الوضعية فهي قاصرة في ذلك كله. وتتشدد في غير محل الشدة وتلين في غير محل اللين. ب - الدوام: فنصوص الشريعة الإسلامية لا تقبل التغيير ولا التبديل، والأمثلة على ذلك كثيرة: منها نظرية المساواة {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى} الآية. ((لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)) الحديث. وقوله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية. إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة المبينة أن الشريعة الإسلامية جاءت للاستمرار والدوام بخلاف القوانين الوضعية. ج- السمو: فالشريعة في قواعدها ومبادئها أسمى من المجتمع مهما تعلم وتمدن لكون واضعها علمه محيط بكل شيء، وفيها من النظريات ما يكفل لها المستوى اللائق. بخلاف القوانين الوضعية فإنها لم توضع بهذا الشكل. والآن وقبل الإتيان ببعض الحدود الإسلامية لأبين الحكم في تشريعها وعدل مشرعها، أقول هذا البيت، ووجه الشاهد منه مقارنة الشريعة بالقانون الوضعي: ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل هذا السيف خير من العصا قد يقول شخص دارس للقوانين الوضعية ومثقف ثقافة عصرية ليست مدعمة بالشريعة الإسلامية: إن استشهادك بهذا البيت ومقارنتك بين الشريعة التي أنزلت قبل أربعة عشر قرنا. وبين قوانين وضعت في عصرنا الحاضر بعد كثير من الرقي والازدهار وبعد تطور العلم وفهم كثير من ظواهر هذا الكون التي كانت تخفي علينا، لهو نوع من الجمود الفكري وعدم وعي لأحداث العصر الحاضر ومتطلباته. والرد على هذا الاعتراض من أوجه:

- الأمة الإسلامية تحكم بنظام لا دخل لها في شيء من تشريعاته وليس لها إلا السمع والطاعة لكون نظامها منزلا من عند الله وجعل الحكم له وقرنه بالعبادة حيث قال جل وعلا {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} وقال جل وعلا {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} وقال جل وعلا: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ} وقال تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ}. فالذي يحكم بغير ما أنزل الله، إما أن يرى أن غير الإسلام أحسن من الإسلام وهذا كفر بالله تعالى لوصفه قانون الرب بعجزه عن حل مشاكل عبيده. وإما أنه عاجز عن تطبيق الشريعة وهذه لن تكون خصوصا في حكام دهرنا لكونهم يقتلون كل من خالفهم، فتبين أن إعراضهم ليس لخوفهم من المعارضة، وإنما يخافون لو طبق الإسلام حقا لأخذهم الإسلام بذنوبهم فهم لمعرفتهم بالإسلام لا يستطيعون تطبيقه خوفا على مراكزهم الدنيوية وهذا ذنب عظيم وضعف إيمان حيث يفضلون دنياهم على دينهم وتقويته. والآن أعرض لك مقارنة بين عقوبة السرقة في الإسلام والقوانين الوضعية، وكذلك عقوبة الزنا، في كل من الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، وأيهما أردع للمجرم وأكثر تمشيا مع العدل والإنصاف، ومع اتجاه العقوبة إلى الجريمة حيث تقطع من قطع وتقتل من قتل .. الخ. أما السرقة فهي معروفة وقد تقدم في فصل خاص تعريفها وشروط عقوبتها. ولكن أبين هدي القرآن في ذلك بقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} الآية. وذلك أن هذه اليد الخبيثة الخائنة التي خلقها الله لتتصرف وتكتسب في كل ما يرضيه من امتثال أوامره واجتناب نواهيه، والمشاركة في بناء المجتمع الإنساني - مدت أصابعها الخائنة إلى مال الغير لتأخذه بغير حق، واستعملت قوة البطش المودعة فيها في الخيانة والغدر، وأخذ أموال الناس على هذا الوجه القبيح، يد نجسة قذرة ساعية في الإخلال بنظام المجتمع إذ لا نظام له بغير المال، فعاقبها خالقها بالقطع والإزالة، كالعضو الفاسد الذي يجر الداء لسائر البدن، فإنه يزال بالكلية إبقاء على البدن وتطهيرا له من المرض، ولذلك فإن قطع اليد يطهر السارق من دنس ذنب ارتكاب معصية السرقة، مع الردع البالغ بالقطع عن السرقة، وتطهيره بذلك النبي صلى الله عليه وسلم عليه البخاري في صحيحه بقوله: " باب الحدود كفارة " ثم ساق السند إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: ((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا)) وقرأ هذه الآية كلها ((فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا وعوقب به فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)). وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح: ((فهو كفارة له)) نص صريح في أن الحدود تطهر المرتكبين لها من الذنب. فإن قيل: أخرج الشيخان في صحيحيهما وأصحاب السنن من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم. وفي رواية أخرى في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعدا. والأحاديث بمثل هذا كثيرة جدا، مع أنه علم من الشرع أن اليد فيها نصف الدية، ودية الذهب ألف دينار فتكون دية اليد خمسمائة دينار. فكيف تؤخذ في مقابلة ربع دينار، وما وجه العدالة والإنصاف في ذلك.

وكأن روح الإلحاد في بني آدم من قديم: {وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا}، فالمعري وغيره ممن كان يطعن فيهم كانوا يعترضون على شرع الله تعالى ومن جملة ما ذكر عن أبي العلاء المعري قوله: يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار وللعلماء في هذا الاعتراض أجوبة عديدة منها: أن هذا الاعتراض ملحد كما قدمنا من أن الشرع توقيفي. ومنها ما رد به القاضي عبد الوهاب: عز الأمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري ومن المناسب أن تلك اليد لما احتملت رذيلة السرقة وإطلاق ذلك عليها في شيء حقير كثمن المجن كان من الواضح المعقول أن تؤخذ في ذلك الشيء القليل الذي تحملت فيه هذه الرذيلة الكبرى. أما القوانين الوضعية فلم تستطع أن تصل إلى هذه العقوبة وهي في عقوبتها على السرقة بين إفراط وتفريط، لذلك لم تستطع مكافحة جريمة السرقة لعدم اتجاه العقوبة وبعدها عن الجريمة. فجرائم السرقة في البلاد التي هي صانعة المدنية الحديثة لا تكاد تحصى، مع أن هناك دولا أقل رقيا ومع ذلك فقد حققت بعقوبة القطع في جريمة السرقة انعدام وجود تلك الجريمة إلا في النادر. والمال شقيق النفس وبه قوام الحياة الدنيا فإذا ما تركت أيدي المجرمين تبطش به وتعبث لأصبح آلاف الأيدي عاطلا بدون مأوى وبدون مأكل وبدون مشرب، فرحمة بأولئك جعل على تلك الأيدي المحاولة شل حركة آلاف الأيدي القطع بشروط مخصوصة في المال والمجرم - وتطهيرا له من أدناس ذلك الذنب العظيم. فظهر بذلك أن القطع في السرقة عقوبة ليست مجحفة، والله بين ذلك في كتابه العزيز بعد أمرنا بالقطع في السرقة، فقال: {جَزَاء بِمَا كَسَبَا} أي هذا القطع هو الذي يناسب ذلك الجرم الذي هو السرقة. وليس بعد بيان الله من بيان: {أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ} {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} الآية. وبعد الكلام على عقوبة السرقة وتبيين كونها مناسبة لجرم صاحبها، أنتقل إلى عقوبة الزنا. والزاني إما أن يكون بكرا أو ثيبا ولكل عقوبته المناسبة لجرمه وقد قدمنا ذلك في الفصل الأول من الباب الثاني فلا داعي لتفصيله هنا. وإنما المقصود هو تبيين اعتراض الملحدين على هذه العقوبة ورده. فالملحدون يقولون: إن القتل بالرجم وحشي لا يناسب الحكمة التشريعية ولا ينبغي أن يكون مثله في الأنظمة التي يعامل بها الإنسان، وذلك لقصور إدراكهم عن فهم حكمه البالغة في تشريعه جل وعلا. لكون الرجم عقوبة سماوية معقولة المعنى لأن الزاني حين ما يعمل جريمته يكون بذلك ارتكب أكبر جريمة عرفتها الإنسان، بهتك الأعراض وتقذير الحرمات والسعي في ضياع أنساب المجتمع بأسره، ومن كان كذلك نجس قذر لا يصلح للمصاحبة، فعاقبه خالقه الحكيم الخبير بالقتل لدفع شره البالغ غاية الخبث والخسة وشر أمثاله عن المجتمع وتطهيره من تلك القاذورة التي ارتكبها. وجعل جل وعلا قتله أفظع قتل، لأن جريمته أفظع جريمة، والجزاء من جنس العمل. وتشريع الحكيم الخبير جل وعلا اشتمل على جميع الحكم من درء المفاسد وجلب المصالح والجري على محاسن العادات، ولا شك أن من أقوم الطرق وأعدلها معاقبة فظيع الجناية بعظيم العقاب جزاء وفاقا. بخلاف القوانين الوضعية فإنها لم تراع هذه القاعدة بل أهملتها في كثير من الجرائم تأثيرا لرغبات المجتمع الفاسد، وتحقيقا لشهواته.

لذلك لا يعتبرون الزنا جريمة في حد ذاته، إلا إن حصل بغير رضا أحد الطرفين أو في بيت الزوج مثلا، وإن اعتبرته بعض القوانين الوضعية جريمة فلا يعاقبون عليها معاقبة تردع، وعدم الجزم من القوانين في مثل هذه الجرائم سبب للعالم كثيرا من الويلات والدمار من تفكك أسر وضياع شعب وتفشي الأمراض الجنسية يعلمها كل من درى عن تلك البلاد، حتى إنه في إحدى الدول الأوربية سوق لبيع اللقطاء، فيأتي الرجل أو المرأة فتشتري منه ما تشاء من الأطفال كأنه سوق غنم. تلك نتائج المدنية الحديثة التي لم تأخذ بنظام السماء. فالحاصل أن الشريعة الإسلامية وهي من قبل أربعة عشر قرنا لم تكن فيها ما يناقض العقل السليم والأصلح للأمة، ولم يكن في القوانين الوضعية فكرة إصلاح أو تقعيد قاعدة ذات شأن في رقي المجتمع إلا والشريعة سبقت لذلك. والمشاهدة دليلنا، ولكن الأيدي الخائنة جادة في إبعاد المسلمين عن الإسلام لخطورة ذلك على الأعداء. وهو تمسك المسلمين بدينهم، فلو تمسكوا بنظام القرآن في جناياتهم لعمهم الأمن والرخاء ولسادوا العالم أجمع. ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل ومع الأسف إنا كما قال الشاعر: كفي حزنا أن لا مهاة لعيشنا ولا عمل يرضى به الله صالح والآن أوان الشروع في تبيين كون القرآن شاملا لمصالح البشر. وذلك لكون المصالح التي عليها مدار الشرائع ثلاثة: الأول: درء المفاسد المعروف عند الأصوليين بالضروريات. الثاني: جلب المصالح المعروفة عند أهل الأصول بالحاجيات. الثالث: الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات المعروف عند أهل الأصول التحسينيات والتتميميات. وكل هذه الأمور الثلاثة هدى فيها القرآن العظيم للطريق التي هي أقوم الطرق ... فالأولى من المصالح: هي المحافظة على الجواهر الستة التي هي الدين والنفس والعقل والعرض والنسب والمال. فجعل من بدل دينه يقتل ومن قتل يقتل ومن تعرض للعقل بإزالته يحد أو ببعض منه بقدره وعلى النسب والعرض الحد المناسب وعلى السرقة كذلك وكل في الآيات. والثانية وهي جلب المصالح: كقوله تعالى: {فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} وقال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ}. وقال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ}. وقال جل وعلا: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ}. ولأجل هذا جاء الشرع الكريم بإباحة المصالح المتبادلة بين أفراد المجتمع على الوجه المشروع ليستجلب كل مصلحته من الآخر، كالبيوع والإيجارات والمساقاة والمضاربة ونحو ذلك. والثالثة الجري على مكارم الأخلاق: قالت عائشة رضي الله عنها: أن خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن. وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} يدل مجموع الآية وحديث عائشة أن المتصف بما في القرآن يكون في خلق عظيم وذلك لعظم ما في القرآن من مكارم الأخلاق، فمن ذلك قوله تعالى: {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} الآية. والله جل وعلا قال في سورة النحل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} وقوله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} على أنه القرآن لا اللوح المحفوظ.

فالقرآن العظيم اشتمل على جميع أنواع العلوم ونبه على عجائب المخلوقات وملكوت السماوات وما قبل خلق البشر وما بعده وقصص الرسل وأممهم ودخول الجنة والنار وما فيهما، ومراحل الإنسان وأطواره، ولو تتبعنا ذلك بالتفصيل لوجدنا كل شيء مبينا في القرآن بنوع من أنواع البيان المعروفة. وذلك إما بالنص أو بالإيماء والتنبيه أو بالمهفوم أو بغير ذلك من أنواع البيان التي تضمنها كتابه والسنة النبوية كلها دخلت في قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} والحلال كله دخل في قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ}. والحرام كله دخل في قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ}. وعلى كل حال فالقرآن العظيم أمر المسلم بكل خير ونهاه عن كل شر فعلمه كيف يعامل أمه وأباه وكيف يعامل أعداءه وكيف يبيع ويشتري وكيف يكون الإنفاق وكيفية الأكل والشرب والتوسط في ذلك حتى أنه علمه كيف يمشي في الطريق وعلمه الصدق والشجاعة وكيف تنظم الجيوش وكيف المعاملة مع الرب جل وعلا. وكيف تكون المحاورة والإقناع وطرق ذلك بأحسن ما يكون. قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} ثم أتبع حق الله بحق الوالدين لأنهما السبب بعد الله في إيجاده. ثم قال: {وَالَّذِينَ إذا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}. وقال تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}. وقال في حق معاملة الأعداء: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}. وقال تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}. وبين أن خطره على الأمة جمعاء، وأذن بالحرب لمتعاطيه فقال تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ} الآية. أي ترك الربا، وقال في حق المسلم {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ثم علل لذلك بقوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} الآية. إلى غير ذلك من الآيات المبينة لكل ما يصلح المجتمع ويدعو لرقيه في الدنيا والآخرة. وعلمنا أن الإقناع بالأدلة الواضحة والبراهين الساطعة لا بالقوة والقهر. قال تعالى: {اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} ثم بين أنه المعبود هو وحده المستحق للعبادة بالأوصاف التي وصف بها نفسه بعدها، علما بأن هذا الأمر أول أمر في القرآن الكريم، وأتبع ذلك الأمر بعد البراهين الساطعة على ألوهيته بالنهي عن الإشراك به، وأتى بين هذين الإنشاءين أعني الأمر والنهي بالبراهين الدالة على قدرته. ثم قال جل وعلا {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا} الآية. أي إن كنتم مكذبين فيما جئتكم به على لسان نبيي فأتوا بمثله، ولم يقل: لهم إن لم تؤمنوا به فأقتلكم أو فأعذبكم بكذا، ولكن قال جل وعلا: فإن عجزتم عن الإتيان بمثله مع فصاحتكم وبلاغتكم وقدرتكم على التفنن في جميع الأساليب فأنتم ملوك ذلك. فاعلموا أن الأمر ليس كما زعمتم وأنه من عند خالق هذا الكون وقد أوعد المكذب بالنار فاتقوا النار وصدقوا بهذا القرآن والنبي الكريم فلم يبق لكم عذر بعد هذا.

إن في طريقة القرآن هذه لسمواً لا يفهمه إلا الذين لهم أذواق سليمة وثقافة عالية. فالقرآن دائما يخاطب أصحاب العقول النيرة والأبصار النافذة والأذواق الرفيعة. لكونه جاء من عند من أحاط علمه بكل شيء ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين. تعالى الله علوا كبيرا، فالقرآن أمره عجيب!. ومما يدل على شمول القرآن رده في سورة الرعد على الطبائعيين أو أصحاب نظرية داروين وغيرهم ممن ينكرون أن يكون للعالم فاعل مختار، والله جل وعلا في هذه السورة يقطع عليهم جميع الطرق والأدلة التي يحتجون بها حتى يتركهم في موضع المعاند. اعلموا أن البستان الواحد الذي حفرت فيه بئر واحدة وسقيت أشجار تلك البستان من ماء البئر المحفورة فيه تكون ثماره مختلفة في الطعم واللون فبعضها حلو لذيذ الطعم وبعضها مر خبيث الطعم لا يذاق وبعضها ثمره أحمر وبعضها ثمره أصفر. وخوفا من أن يقول أولئك النافون: إن تلك الأرض بعضها غني بالمواد العضوية وبعضها فقير منها أو يقولوا: إن في بعض التربة ملوحة وفي بعضها الآخر عدم ملوحة، بين أن الأرض مع اختلاف الثمار واحدة. وكذلك بين أن الماء المسقي هذا البستان به ماء واحد حتى لا يقال: إن العلة في جودة بعض الثمار عن بعض عائدة إلى اختلاف ماء السقي. قال تعالى مبينا ذلك ومعلمنا أن ذلك دلالة واضحة للعقلاء خاصة. {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. لاحظ أنه قال: متجاورات خوفا من التفريق في التربة وقال: يسقى بماء واحد خوفا أيضا من التفريق في الماء. فبين أن ذلك من قدرة الخالق وحده لا شريك له وأنه دلالة على قدرة الله لقوم يعقلون الأدلة، وأن هذا العالم لم يخلق صدفة وإنما له خالق مختار هو الذي سير أمره. وكذلك إخباره جل وعلا في أول سورة الروم، بعد ذكر الروم وفارس أن بعض الناس سيصلون إلى علم بظواهر الحياة الدنيا، ومن الغريب في ذلك أن الزمخشري في كتابه الكشاف أعرب هذا العلم بدلا من منفي فقال: لكونه علم تعلقه بظواهر الحياة الدنيا فهو كالعلم. ولو نظرنا في الاكتشافات الحديثة كلها لوجدناها تتبعا لظواهر الحياة الدنيا، ولا تعدو ذلك. أما ما وراء ظواهر الحياة الدنيا فلا علم لهم به ولذلك كان علمهم بدلا من منفي قال تعالى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} فيعلمون الأخيرة بدل من لا يعلمون. وهذا الإعراب في غاية الجودة والدقة عندي لما فيه من البلاغة. وأكتفي بهذا القدر وأنتقل إلى توصيات عامة. " التوصيات التي لاحت لي أثناء بحثي كثيرة جدا " " وأقتصر من تلك التوصيات على ثلاث "

الأولى: تقوى الله تعالى ومراقبته فإن ذلك أساس النجاح والفلاح للأمة والأفراد، قال تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} وقال تعالى {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} وقال تعالى {وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} فبالتقوى تصلح الأمة وتزدهر بها شعوبها. وحقيقتها أن لا ترى حيث نهيت ولا تتخلف حيث أمرت. الثانية: الوحدة، فالوحدة هي التي بها تتكون الأمة وتقوى والمشاهدة في ذلك دليلنا فكم من دويلات صغيرة ضعيفة أصبحت دولة تهز العالم بأسره لاتحادها واجتماع كلمتها. والولايات المتحدة ليست ببعيدة عنا، فأصبحت بالاتحاد دولة من أقوى دول العالم. ودويلات أمريكا الوسطى في غاية الضعف والخذلان لعدم اتحادها، مع أن القارة واحدة والمناخ واحد، ولكن بالوحدة قويت تلك وبالتفرقة ضعفت تلك. قال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. وقال تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} الآية. فتبين أن بالنزاع الفشل وذهاب القوة وبالوحدة القوة والرقي والازدهار. الثالثة: الحذر من الابتعاث للدول الخارجية غير الإسلامية بحيث لا يترك طالب يذهب لإكمال دراسته هناك إلا بعد التأكد من فهمه للدين الإسلامي وتسليحه بالعلم الشرعي بحيث إن لم يدخل أفرادا من تلك الدول في الإسلام يبقى على الأقل متمسكا بدينه. أما إرسال من ليست عندهم حصانة علمية ولا معرفة بالدين للخارج فهو ضياع لدينهم لكون تلك الثقافة مملوءة بالسموم المميتة للروح الإسلامية وتعاليمها. فالحذر الحذر من إرسال الشباب غير المتعلمين للدين إلى الخارج. فإن هذا في غاية الخطورة. وقد خلصت من خلال بحثي إلى أمور أهمها ما يأتي: أولا: كون الجريمة: هي المعصية عند الفقهاء وأما القانون الوضعي فالجريمة فيه هي أيضا مخالفة القانون. وأما القرآن فالجريمة فيه أكثر من ما تطلق على الكفر وقد وردت لمجرد الذنب أيضا، فالاتفاق حاصل في تعريف الجريمة، إلا أن القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية مختلفان فيما يسمى جريمة وما لا يسمى جريمة. ثانيا: كون المسلم لا يقتل بالكافر قودا لوجود النصوص بذلك. ثالثا: عدم وجود أدلة صريحة في القود بين الأحرار والعبيد وبعد بحث خلصت إلى عدم القود بينهما. رابعا: عدم القود من السكران فيما جنى حال سكره شريطة كونه فاقد العقل بالكلية. خامسا: عدم قتل الوالد بولده إلا في حالة لا تحتمل أي لبس بأن يذبحه. سادسا: عدم الجمع بين الجلد والرجم والاكتفاء بالرجم فقط للثيب الزاني. سابعا: عدم قبول شهادة القاذف مطلقا ولو تاب بالقرآن الكريم. ثامنا: كون حد الخمر أربعين فقط لثبوت الضرب عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتحديد أبي بكر لذلك. تاسعا: عدم القتل بالتعزير مطلقا مهما كانت الجريمة. عاشرا: عدم جواز التعزير لغير المعاصي وتسمية ذلك أدبا لكون التعزير لا يطلق إلا على عقوبة معصية. الحادي عشر: كون الضرب في التعزير لا يزاد فيه على عشرة أسواط. وفي الختام أسأل الله جل وعلا أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم وأن يكون مرضيا، وأطلب من الله أن يعلمني ما جهلت ويرزقني العمل بما علمت، ومن رأى خطأ في هذا البحث فإني شاكر له أن يبين لي ذلك الخطأ لأتداركه. وعلى كل حال فلا يخلو بحث ولا كتاب من أخطاء مهما كانت جودة الكاتب. قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} وقال تعالى {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

قواعد التفسير جمعا ودراسة

قواعد التفسير جمعاً ودراسة ¤خالد بن عثمان السبت£بدون¥دار ابن عفان - الخبر¨الأولى¢1417هـ€علوم قرآن¶تفسير - قواعد تفسير وفهم وتدبر كتاب الله الخاتمة - تبين لنا من خلال هذه الدراسة أن علم القواعد من العلوم الضرورية لطالب العلم، إلا أن القواعد المتعلقة بالتفسير لم تحظ بالعناية المطلوبة، فمع سعتها، وتعدد جوانبها، لا تكاد تجد كتاباً يجمع شتاتها، ويلم أطرافها ولذا بقيت تلك القواعد منثورة في بطون الكتب، ومتفرقة فيها. - ضم هذا الكتاب ما يقرب من ثمانين وثلاثمائة قاعدة، منها قواعد أصلية، وأخرى تبعية، تم استقراؤها من نحو خمسة وعشرين ومائتي كتاب، مقسمة على ثمانية وعشرين مقصداً. - ليس هناك فرق يذكر من الناحية الواقعية – بين الضوابط والقواعد، إذ أن العلماء الذين يفرقون بينهما يذكرون أشياء كثيرة – هي ضوابط حسب اصطلاحهم – على أنها من القواعد وليست كذلك. - عرفنا من خلال البحث أن هناك فرقاً بين قواعد التفسير، وبين التفسير من جهة، وبين قواعد التفسير وعلوم القرآن من جهة أخرى، وبين قواعد التفسير وقواعد الأصول واللغة من جهة ثالثة. - ظهر جلياً من خلال البحث أن قواعد التفسير تُستمد من كتب الأصول واللغة وعلوم القرآن، إضافة إلى مؤلفات أخرى من فنون شتى. - تطبيق القواعد في استنباط المعاني والأحكام من كلام الله عز وجل لا يعد من قبيل إعمال الرأي المذموم. أسأل الله تعالى أن ينفع به من كتبه، أو قرأه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كليات الألفاظ في التفسير دراسة نظرية تطبيقية

كليات الألفاظ في التفسير دراسة نظرية تطبيقية ¤بريك بن سعيد القرني£بدون¥الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه¨الأولى¢1426هـ€علوم قرآن¶تفسير - قواعد تفسير وفهم وتدبر كتاب الله الخاتمة وبعد: فإني أحمد الله وأشكره أن وفق وأعان على إتمام هذه الرسالة بعد ما عشت مع كتاب الله وتفسيره، وفي رحاب هداياته وأنواره. وهذه نتائج الرسالة وتوصيات الباحث، بها يتم عقد نظامها ويفوح مسك ختامها: 1 - أن موضوع الكليات قديم النشأة أصيل الظهور، بدأت بواكيره منذ عهد الصحابة والتابعين، حيث احتفوا بهذه الكليات التفسيرية وأكثروا من ذكرها. وهذا نتيجة لعلمهم الواسع بمعاني التنزيل، وفهمهم الثاقب لحقائق التأويل، بل ورد في الكليات حديث مرفوع، لو صح لكان أصلا لهذا النوع. 2 - برز اهتمام السلف الأوائل بكليات الألفاظ ثم علوم القرآن ولم يتضح الاتجاه إلى كليات الأساليب، بل إن هذا كان متأخر الظهور. 3 - التزام السلف من المفسرين بصيغة محددة غلبت في تعبيرهم عن اصطلاحات القرآن وهي ما صدر بلفظ "كل"، حتى إنه قلما يعبر عن الكلية بصيغة أخرى، بينما تنوعت وتكاثرت الصيغ لدى من جاء إثرهم، وهي مفهومة العبارة واضحة الدلالة على القاعدة الكلية. 4 - ظل جانب الاستقراء ومعرفة اصطلاحات القرآن في ألفاظه وأساليبه هو السائد عند أهل التفسير وكبار المتأولين، بمعنى أن الجانب التأصيلي والنظري وإظهار هذا النوع نوعا مستقلا من أنواع علوم القرآن ظل غائبا لم يطرق إلى وقت قريب فكان أن ظهرت مباحث مختصرة ضمن دراسات في أصول التفسير من قبل بعض الباحثين، ولا ضير أن يدخر الله للمتأخرين ما لم يكن عند الأولين، فكم ترك الأول للآخر. 5 - يعد ابن عاشور أول من عقد للكليات عنوانا مستقلا وسماها "عادات القرآن" وأفردها بحديث مختصر، نبه على أهميتها للمفسر، وحقها من الاهتمام والعناية وأورد شيئا من المأثور عن بعض المفسرين , وضمن كلامه الإشارة إلى أن معرفة مصطلحات القرآن لا يحد بزمن ولا يختص بطائفة، بل هو حق مشترك لمن أعطي فهما وعلما في كتاب الله، وفهم هذا من قوله: "إنه استقرأ بنفسه كثيرا من عادات القرآن في ألفاظه وأساليبه". 6 - كان مقاتل بن سليمان (ت150هـ) صاحب شأن وريادة في هذا الميدان التفسيري إذ نالت الكليات من اهتمامه جانبا كبيرا وحظا وافرا وتمثل هذا في أمرين: أ- كثرة إطلاقاته، ووفرة كلياته، وفيما نقل عنه "الملطي" خير شاهد. ب- إفادة العلماء بعده من كلياته، ونقلهم عنه بعض إطلاقاته وما فعله "ابن فارس" و"رسالته الأفراد" أوضح دليل. 7 - رسالة "الأفراد" لابن فارس (ت395هـ)، تعتبر أول مؤلف خص الكليات الأغلبية بتصنيف منفرد، وتمثل هذا في جمع وتحصيل ما يقرب من أربع وثلاثين كلية لفظية على نحو مختصر، وهي بحاجة إلى تقص أوثق لمعانيها وأفرادها. 8 - ظهر مبكرا عند الأوائل بدءا من ابن عباس رضي الله عنهما توظيف الكليات التفسيرية في الاحتجاج للمعاني، والترجيح بين الأقوال، وهي قاعدة ترجيحية اعتمدها المفسرون في تصحيح معنى على معنى عند الخلاف. والمفسر الشنقيطي هو من قرر هذه القاعدة نظريا حينما عد هذا نوعا من أنواع البيان في مقدمته .. وهذا التوظيف للكليات أبرز فوائد معرفة الكليات وتحصيلها. 9 - هناك نوع من الصلة والارتباط بين الكليات الأغلبية والوجوه والنظائر، فمن ينظر إلى الكليات بكون أحد المعاني قد غلب على مواضعه في القرآن بينما خرجت أفراد معدودة عن ذلك المعنى يجعلها من نوع الكليات الأغلبية، ومن ينظر إلى تعدد معانيها المفردة وتنوع تفسيراتها يجعلها من نوع الوجوه والنظائر.

وبهذا يفهم عد الزركشي والسيوطي رسالة "الأفراد" لابن فارس من مؤلفات الوجوه والنظائر، وسردهم لها في آخر نوع الوجوه والنظائر. 10 - أما الكليات التامة المطردة فهي نوع مستقل مقابل للوجوه والنظائر، وحقه أن يفرد بالبحث والدراسة وأن يبرز كنوع هام من أنواع علوم القرآن. 11 - أن الكليات التفسيرية وإن كانت قديمة الظهور إلا أنها متجددة لا تنتهي، مستمرة لا تنقطع، فالكشف عن طرائق القرآن وعاداته مجال رحب لكل من وهبه الله علما في كتابه، ومن هنا يعلم صعوبة أن تستقصى، وظن إمكانية أن تحصى بما لا مزيد عليها. 12 - يمكن أن ينسب علم الكليات إلى علوم القرآن، وإلى التفسير الموضوعي في آن معا. فبالنظر إلى استقلاليته، وتنوع أقسامه، وثماره وفوائده، فهو من علوم القرآن. وبالنظر إلى أنها قاعدة استخلصت من استقراء مواردها وتقصي أفرادها وضم النظير إلى نظيره للتقعيد لمعنى أو طريقة قرآنية، أو للتأكد من صحة الكلية وانضباطها فهي من نوع التفسير الموضوعي، أما بالنظر إلى ثمرة الكليات الكبرى وهي توظيف الكليات التفسيرية في الترجيح بين الأقوال والاحتجاج لصحيحها فإن هذا متعلق بأصول التفسير ويبحثه المفسرون في قواعد الترجيح. 13 - كان لابن القيم – رحمه الله – اليد الطولى والقدح الأعلى في الكشف عن اصطلاحات القرآن وطرائقه المعهودة، فقد أبدع وأمتع في بيان أسرار التنزيل، ولطائف المعاني ودقائق التأويل، وجانب الكليات وعادات القرآن عند ابن القيم وتوظيفها ظاهرة هامة بارزة، تجلى فيها نفس ابن القيم التفسيري البارع، والغريب أن الدراسات حول جهود ابن القيم التفسيرية لم تولي هذه الظاهرة حقها من العناية بل ربما أغفلتها، وهذا الموضوع جدير بأن تكثف حوله الدراسات والرسائل. 14 - ظهر لي أن كثيرا من المعاني التي يذكرها أهل الوجوه والنظائر بحاجة إلى إعادة نظر، فهناك الكثير من الأقوال الضعيفة، والتكثر من تعداد الوجوه بلا موجب، وتشقيق المعاني، مما يتطلب تحريرا أكثر، ونظرة نقدية لهذه الوجوه. فلا يكتفى بالمقارنة بين ما ورد في تلك المؤلفات من ألفاظ دون التدقيق في وجوهها، وتحقيق معانيها. 15 - بما أن هذه الدراسة تكاد تكون الأولى في هذا اللون التفسيري وبهذه المنهجية الاستقرائية النقدية، فإنها تستلزم الإكمال والتتميم في دراسات مماثلة. وخاصة "كليات الأساليب" وبيان عادات القرآن وطرائقه المعهودة في كثير من القضايا والمعاني. فهذا ميدان جم الفرائد، غزير الفوائد، ثمين اللطائف، عظيم الأسرار. 16 - نال كثير من أئمة التفسير عناية الدارسين فخصوهم بدراسات تكشف جهودهم وتبرز مناهجهم وتآليفهم في تفسير القرآن، ولكن بدا أنهم لم يولوا جانب الكليات عند أولئك المفسرين حظا أوفر واهتماما أكبر من شأنه أن يجلي معالم هذا الاتجاه ويسفر عن وجهه، فكان لزاما أن يلتفت لهذه الظاهرة التفسيرية عند أولئك المفسرين، ومن أبرزهم: الراغب الأصفهاني، ابن عطية، الرازي، ابن القيم، ابن عاشور، الشنقيطي، محمد رشيد رضا. 17 - ما تم دراسته في هذه الرسالة من الكليات قارب الستين كلية، وبقيت كليات وفيرة قد استخرجتها من بطون التفاسير، وأحصيتها ومحصتها، ووثقتها من مصادرها، وسأضمها جميعا – بمشيئة الله، إن فسح الله لي في الأجل – في معجم كبير للكليات، راجيا أن يكون عملا متمما لهذه الدراسة الأولى في هذا الميدان، ومثريا المكتبة القرآنية بعون الله تعالى. والله أسأل أن يسدد الخطى، ويبارك في الجهود. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. والحمد لله أولا وآخرا.

مناهل العرفان للزرقاني - دراسة وتقويم -

مناهل العرفان للزرقاني - دراسة وتقويم - ¤خالد بن عثمان السبت£بدون¥دار ابن عفان - الخبر¨الأولى¢1418هـ€علوم قرآن¶نقد كتاب أو فكر الخاتمة أحمد الله تبارك وتعالى على عونه وتيسيره، وأشكره على تفضله وإنعامه وتوفيقه .. وبعد: فقد تبيَّن لنا جليًّا ـ من خلال هذا الكتاب ـ أهمية هذا الفن (علوم القرآن) ومسيس الحاجة إليه، الأمر الّذي دفع الجم الغفير من العلماء، قديماً وحديثاً، إلى الكتابة والتَّأليف فيه، أو في بعض جوانبه. وقد جاءت طلائع تلك المؤلفات في وقت مبكر جداً، حيث ظهرت بعض الكتابات في القرن الأول من الهجرة، كما قام بعض الأئمَّة في الكتابة في مجموعة من مهمات هذا العلم (حسب الاصطلاح المتأخر) منذ زمن بعيد، واستمر التَّأليف فيه إلى يومنا هذا. وكان كتاب "مناهل العرفان" من أهم وأشمل ما كُتب في هذا الموضوع، حيث إنَّ مؤلفه تعرض فيه لأهم مباحث هذا العلم وأكثرها فائدة، كما قام بدمج الموضوعات والأنواع المتشابهة في مبحث واحد، ولم يفرقها كما فعل غيره، مع صياغته لعبارة هذا الكتاب بأسلوب رفيع، ودملجة محكمة، في الوقت الّذي جمع فيه مادته العلمية من مؤلفات كثيرة ومتنوعة، تزيد على المائة ـ حسب عزو المؤلف إليها ـ ولم يكن نقل المؤلف واستفادته منها مقتصراً على بعض دون بعض. ومع استفادة المؤلف من كلام غيره من أهل العلم إلا أنَّ ذلك لم يحوله إلى مجرد ناقل لما يكتبون، بل له أسلوبه الخاص، ومنهجه المستقل في البحث والنّظر، مع كون بعض مباحث هذا الكتاب تُعَدُّ إعادة صياغة لما كتبه السُّيوطي في الإتقان. لكنَّ ذلك ليس بغالب على الكتاب ولله الحمد، فإنَّ فيه مباحث ومسائل هامة، بل مباحث كاملة زائدة على البرهان للزركشي، والإتقان للسيوطي، الأمر الّذي جعل من الكتاب مرجعاً مهماً يستقي منه من جاء بعد مؤلفه، ممَّن أراد التأليف في هذا الفن. والمؤلف رحمه الله وإن لم يكن قد استوعب جميع أنواع هذا الفن إلا أنَّه أحاط بالضَّروري منها تقريباً. ومع محاسن ومزايا الكتاب هذه إلا أنَّ الكتاب لا يخلو من بعض الملحوظات والمآخذ المهمة، كتقرير مؤلفه لعقيدة الأشاعرة في عامة المواضع ذات التّعلق بموضوع الاعتقاد، مع تلقيب الأشاعرة ـ دائماً ـ بـ "أهل السنة"، إضافة إلى النّيل من أهل السنة والتّشنيع عليهم في بعض المواضع‍ كما وقع للمؤلف رحمه الله نوع من المجاراة لأصحاب التّصوُّف في بعض عباراتهم ولحونهم ... هذا مع تأثر ظاهر بالعصر الّذي عاش فيه المؤلف، حيث أصبح المسلك الدِّفاعي ـ عن الإسلام ـ سمة بارزة في ذلك الكتاب. لذلك نجد المؤلف يكثر من إيراد الشبه بعد كل مبحث ثم يحاول الجواب عنها. ومن الجدير بالذكر هنا أنَّ بعض الشبه تعتبر من صنع المؤلف وتركيبه والبعض الآخر نطق به أعداء الإسلام، وثالث الأنواع هو عبارة عن أقوال لبعض الأئمة في مسائل متنوعة من أمور العلم الّتي يختلفون فيها. وقد بَيَّنّا فيما سبق عدم جواز عرض الشبه الّتي تثير الشك في الدِّين والمعتقد، كما بينا موقف أهل السنة من سماعها فضلاً عن محاولة الرَّد عليها، إلا في بعض الحالات الضيقة. هذا وقد كان لمدرسة الأفغاني وتلميذه محمد عبده أثر بَيِّنٌ في منهج المؤلف. ومما يُلاحظ على الكتاب غير ما سبق، كثرة الاستطرادات مع شيء من الإسهاب إضافة إلى حاجته إلى توثيق في كثير من مادته، سواء في النُّقولات الّتي يوردها المؤلف، أو في كثير من مسائل العلم الّتي يقررها. كما أنّه بحاجة إلى صياغة متينة محكمة للتّعاريف الّتي يوردها مؤلفه حيث إنّه يصوغ كثيراً منها بطريقة إنشائية. وبعد .. فلا يفوتني في أخر هذه الخاتمة أن أثني بالحمد للمولى تبارك وتعالى على عظيم نعمه المتتابعة، وأسأله تبارك وتعالى أن يتقبل هذا العمل ويجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجزل المثوبة لكل من أعان على إتمامه وإخراجه بهذه الصُّورة. وصلّى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

فرق وملل ونحل

فرق وملل ونحل

آراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويما

آراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويماً ¤علي بن سعد الضويحي£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1415هـ€فرق وملل ونحل¶معتزلة الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، والصلاة والسلام على المؤيد بالمعجزات الباهرات، وعلى آله وصحبه أفضل البريات، وبعد: فله الحمد والمنة، وله الفضل على إتمام النعمة، حيث استكملت هذه الرسالة أبوابها وفصولها ومباحثها ومطالبها ومسائلها، عبر خطة علمية مرسومة ومنهج علمي مدروس. وإذْ بلغ البحث نهايته، فإن المناسب أن أسرد النتائج التي توصلت إليها على النحو التالي: 1 - كانت نشأة المعتزلة مع بداية القرن الثاني الهجري بالبصرة في أواخر العصر الأموي. 2 - المؤسس الحقيقي لمذهب الاعتزال هو واصل بن عطاء الغزال وصاحبه عمرو بن عبيد. 3 - لا يصح قول من قال: إن المعتزلة سموا بذلك نسبة إلى الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما، وذلك لأن هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم، لم يسموا معتزلة بالمعنى الاصطلاحي الذي نفهمه من مدلول هذه الكلمة، وإنما سموا بذلك بالمعنى اللغوي الدال على التنحي عن الفتن طلباً للسلامة من الإثم وصوناً للدماء. والصحيح في ذلك أنهم سمّوا معتزلة لاعتزال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد مجلس الحسن البصري رحمه الله تعالى. 4 - يتفرع المعتزلة إلى فرعين رئيسين، هما: (أ) فرع البصرة، ومن أبرز من يمثل هذا الفرع: واصل بن عطاء، عمرو بن عبيد، عثمان الطويل، أبو الهذيل العلاف، أبو بكر الأصم، معمر بن عباد، النظام، الشحام، الجاحظ، أبو علي الجبائي، أبو هاشم الجبائي. (ب) فرع بغداد، ومن أبرز من يمثل هذا الفرع: بشر بن المعتمر، أبو موسى المردار، أحمد بن أبي دؤاد، ثمامثة بن الأشرس، جعفر بن حرب، جعفر بن مبشر، الإسكافي، عيسى بن الهيثم، الخياط، أبو القاسم الكعبي. 5 - من الأسباب التي دفعت المعتزلة للاشتغال بعلم الكلام معايشتهم للجماعات غير المسلمة التي تكونت داخل المجتمع الإسلامي كالمزدكيين، والإثنينية، والديصانية، والسمنية، وغيرهم، وذلك لدحض شبهاتهم عن طريق مقارعة الحجة بالحجة. 6 - المعتزلة لا يجدون في أنفسهم حرجاً من تسميتهم بهذا الاسم، بل إنهم يفخرون به ويجعلونه وسام شرف لهم، بحجة أن الله تعالى ما ذكره في كتابه إلا في الاعتزال عن الشر. 7 - يطلق على المعتزلة عدة أسماء كالعدلية، والموحدة، والمعطلة، والقدرية، والجهمية، والثنوية، والواردية، والحرقية، والمفنية، والملتزقة، والقبرية، وغير ذلك. 8 - للمعتزلة أصول خمسة عليها مدار مذهبهم ومعتقدهم، لا يستحق أحد من الناس اسم الاعتزال عندهم حتى يستكملها في نفسه، وهي: التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 9 - التوحيد عند المعتزلة يقوم بنيانه على إنكار الصفات، والقول بخلق القرآن، وإنكار رؤية الله تعالى في الآخرة. وهذا مناف للتوحيد الذي عليه أهل السنة والجماعة، فالتوحيد عندهم يقوم على إثبات الصفات كما يليق بجلال الله من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل، وعلى القول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وعلى إثبات رؤية الله تعالى في الدار الآخرة. 10 - العدل عند المعتزلة يقوم على إنكار خلق الله تعالى لأفعال العباد، وعلى إيجاب فعل الصلاح والأصلح على الله تعالى، وعلى ترتيب الثواب والعقاب بمجرد استحسان العقل واستقباحه دون أن يتوقف ذلك على الشرع.

وهذا بلا شك يتنافى مع معتقد أهل السنة والجماعة، فمن معتقدهم أن الله تعالى خالق كل شيء ومن ذلك أفعال العباد، وأنه لا يجب عليه شيء إلا ما أوجبه على نفسه بإيجابه هو، وأن الثواب والعقاب على الحسن والقبيح موقوف على الشارع. 11 - يرى المعتزلة في أصل (الوعد والوعيد) أنه يجب على الله تعالى أن يفعل ما وعد به وما توعد عليه، فيجب عليه إثابة المطيع ومعاقبة العاصي، وإلا لزم الخلف والكذب في وعده ووعيده، ولزم منه فساد التدبير. وهذا مخالف لما يعتقده أهل السنة والجماعة، فهم يعتقدون أنه يجب على الله تعالى أن يفي بما وعد به، لا على أنه من باب الاستحقاق والمعاوضة، وإنما لكونه سبحانه صادقاً لا يكذب في وعده. ويعتقدون أن عدم معاقبة العاصي لا يعدُّ خلفاً في الوعيد، وإنما هو تكرم وتفضل وإحسان. 12 - حقيقة (المنزلة بين المنزلتين) عند المعتزلة: أن مرتكب الكبيرة لا يستحق أن يطلق عليه اسم الإيمان والإسلام، لأن في إطلاق ذلك عليه تشريفاً له، وهو ليس أهلاً لهذا التشريف بسبب إعراضه وعصيانه، ولا يستحق أيضاً أن يطلق عليه اسم الكفر والنفاق، لأن أحكام الكفار والمنافقين لا تجري عليه، وإذا انتفى عليه اسم الإيمان والإسلام، واسم الكفر والنفاق، استحق أن يسمى فاسقاً. ولا يختلف أهل السنة مع المعتزلة في تسمية مرتكب الكبيرة فاسقاً، ولكنهم يختلفون معهم في القول بتخليده مع الكفار في النار، لأن معتقد أهل السنة والجماعة أن الفاسق لا يخرج بفسقه من الإسلام ولا يخلّد في النار، وإنما حكمه إلى الله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ثم يخرجه من النار إلى الجنة. 13 - المعروف عند المعتزلة على قسمين: واجب، ومندوب. فالأمر بالواجب واجب، وبالمندوب مندوب، وأما المنكر فكله عندهم من باب واحد في أنه يجب النهي عن جميعه عند استكمال شروط الأمر والنهي. وهذا صحيح، لأن المندوب ليس بواجب أصلاً حتى يجب الأمر به. 14 - يجب عند المعتزلة معالجة المنكر بالتدرج من الأسهل إلى الأصعب، ولا يجوز العكس. وهذا مخالف لأمره صلى الله عليه وسلم في تغيير المنكر الذي يدل على البدء بالأشد ثم ما دونه. 15 - لأصول المعتزلة الخمسة العقيدة أثرها الكبير على آرائهم الأصولية، وبخاصة العدل والتوحيد. 16 - يرى المعتزلة أن العقول لا يجوز أن تتفاوت بأصل الفطرة، وإنما تتفاوت بالعوارض، وهذا لا يعتد به. والصحيح أن العقول تتفاوت بأصل الخلقة، بدليل أن الله تبارك وتعالى جعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف عقل المرأة بالنقصان. 17 - العقل عند المعتزلة يدرك في الأشياء الحسن والقبح، ويرتب على ذلك الثواب والعقاب دون حاجة إلى الشرع. والصحيح أن العقل يقوى على إدراك الحسن والقبح في الأشياء، وأما الثواب والعقاب على ذلك فهما موقوفان على ورود الشرع. 18 - العقل عند المعتزلة يدرك وجوب شكر المنعم تعالى قبل مجيء الشرع، ومن لم يشكر فإنه آثم. والحق في ذلك أن العقل السليم يدرك أن الله تعالى هو صاحب الفضل والإنعام على جميع العباد، فيكون مستوجباً للشكر وللمحامد كلها، إلا أن ذلك الإدراك لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب قبل ورود الشرع. 19 - الحق عند أهل السنة والجماعة أن أوامر الله تبارك وتعالى لا تخلوا من مصالح، إلا أنها على سبيل التفضيل والإنعام، لا على سبيل الإيجاب والإلزام. 20 - يرى المعتزلة أن الأمر بالأشياء على طريق التخيير يفيد وجوب جميعها، لتساويها في وجه الوجوب. والراجح أنه لا يفيد وجوب جميعها، بل يفيد وجوب واحد منها لا بعينه، ويتعين بفعل المكلف.

21 - يرى المعتزلة عدم جواز أن يكون المحرم أحد أمرين لا بعينه، فإذا ورد النهي متعلقاً بأشياء على جهة التخيير، اقتضى المنع من الكل، بحجة أن كل واحد منهما إذا قبح، فجميعه قبح لا محالة. والراجح أنه يجوز ورود النهي متعلقاً بأشياء على وجه التخيير، ويقتضي حينئذ تحريم واحد لا بعينه، ويتعين باختيار المكلف، وليس في ذلك ما يقبح، فالرجل يقبح في حقه الجمع بين الأختين في عقد واحد، لكن لا يقبح في حقه العقد على إحداهما. 22 - يرى الكعبي أن المباح مأمور به شرعاً، وهو وسيلة لترك المحرم، وترك المحرم واجب، فما أدى إليه يكون واجباً. والراجح في ذلك: أن المباح ليس بواجب شرعاً لكونه مأذوناً فيه ومخيراً بين فعله وتركه من غير إشعار بثواب على الفعل، أو عقاب على الترك، ولو كان واجباً لعوقب على تركه. 23 - لا تصح نسبة القول إلى القاضي عبدالجبار بأن امتثال الأمر لا يدل على إجزاء المأمور به، بل إنه صرح في كتابه (المغني) بأن امتثال الأمر يدل على إجزاء المأمور به. 24 - يرى أبو هاشم أن كف النفس عن المنهي عنه ليس بفعل، مع صرف النظر عن التلبيس بضد من أضداده، لأن تارك الزنا يمدح عند العقلاء على ذلك وإن لم يخطر بباله فعل الضد. والراجح في ذلك: أن الكف فعل، فيكون التكليف في المنهي عنه تكليفاً بفعل يكون ضد المنهي عنه وهو الامتناع. 25 - يرى المعتزلة أن المكره الملجأ لا يدخل تحت التكليف، لأنه غير مختار لما يفعل، فهو محمول على ما أقدم عليه، والمحمول على الشيء لا يثاب. والراجح في ذلك: أن الإكراه على الأقوال يكون عذراً في إسقاط الإثم ورفع التكليف. أما الإكراه على الأفعال، فإن بلغ درجة كون المُكرَه كالآلة في يد المُكرِه، فإن هذا الإكراه مسقط التكليف، لكونه مسقطاً للرضا ومفقداً للقدرة والاختيار. وإن لم يبلغ هذه الدرجة، وإنما وقف عند حدود التهديد والوعيد، فإنه لا يكون مسقطاً للتكليف، لكونه لم يفقد إلا الرضا فقط مع وجود القدرة والاختيار. 26 - يرى المعتزلة أن الفعل الحادث في حال حدوثه ليس مأموراً به. وهذا يعني أن الأمر لا بد أن يتوجه قبل المباشرة، ولا فرق عندهم بين أن يكون المأمور متمكناً من الفعل من حين الأمر إلى وقت الفعل أو غير متمكن من حين الأمر. والراجح في ذلك: أن التكليف بالفعل كما يكون متوجهاً قبل المباشرة، فإنه يكون متوجهاً حال المباشرة أيضاً، لأن المكلف كما صرح السلف مستطيع قبل الفعل وحين الفعل. 27 - يرى أبو علي بن خلاد أن التعبد بالتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يكون في العبادات فقط، لأن ما سوى العبادات يكون له فيها مصلحة من دوننا، فلا يجب علينا التأسي به فيها. والحق في ذلك: أن الأصل في جميع أفعاله صلى الله عليه وسلم التعبد باتباعها والتقرب إلى الله عز وجل بالتأسي بها من قبل الأمة إلا ما نهض الدليل على بيان الخصوصية فيه، لكونه عليه الصلاة والسلام لا يفعل إلا الأكمل والأفضل والأرضى لله تبارك وتعالى، لاستشعاره أنه مشرع لأمته. 28 - يرى أبو علي الجبائي أن الخبر لا يقبل إذا كان راويه واحداً، أما إذا رواه اثنان عدلان عن اثنين، فإنه يجب العمل به. والراجح في ذلك: أن خبر الواحد إذا انفرد العدل بروايته وجب قبوله والعمل به، لأنه يسعنا ما وسع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، حيث عملوا بخبر الواحد العدل، ولم يشترطوا التعدد لقبوله والعمل بمقتضاه. 29 - يرى النظام أن الإجماع ليس حجة شرعية متبعة، لجواز وقوع الخطأ من الأمة، ومن يجوز عليهم وقوع الخطأ لا يكون إجماعهم حجة.

والحق في ذلك: أن الإجماع حجة شرعية متبعة، إذ الشارع الحكيم قد شهد لهذه الأمة بالعصمة من الضلال، فيكون ما اتفقت عليه كلمتهم حجة قاطعة لأنه حق والحق أحق أن يتبع. 30 - يرى عبد الله البصري أنه لا يجوز إثبات الإجماع بخبر الواحد، بحجة أن الإجماع أصل مقطوع به، وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن، فلا يجوز إثبات القطعي بالظني. والراجح في ذلك: أنه يجوز إثبات الإجماع بخبر الواحد، ويكون حينئذ ظناً يجب العمل به، لأنه إذا ثبت وجوب العمل بخبر الواحد فلا فرق بين أن يرد بحصول إجماع يتضمن حكماً من الأحكام، وبين أن يرد بحصول قول من جهة الرسول عليه الصلاة والسلام يفيد حكماً، من حيث وجوب الأخذ بذلك الحكم ووجوب العمل بمقتضى هذا الخبر. 31 - يرى النظام وبعض المعتزلة البغداديين أن القياس ليس حجة شرعية، بدليل أن الشارع فرق بين المتفقين وجمع بين المفرقين، وهذه طريقة يمتنع القياس بها. والحق في ذلك: أن القياس حجة شرعية متبعة، وذلك لإجماع المسلمين سلفاً وخلفاً على العمل به في الجملة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الأربعة، وغيرهم من فقهاء الصحابة وأئمة التابعين وأتباعهم، مما لا يدع مجالاً بإنكار حجيته في بناء الأحكام الشرعية الاجتهادية. 32 - يرى أبو الهذيل العلاف أن القياس لا يسمى ديناً، بحجة أن اسم الدين لا يقع إلا على ما هو ثابت مستمر، وكيف يسمى القياس ديناً وهو من فعل القائس؟ والحق في ذلك: أن القياس من الدين لورود الأمر الشرعي بالتعبد به، وانعقاد الإجماع في الجملة على العمل بمقتضاه، وكل ما كان مأموراً به شرعاً ومجمعاً عليه من قبل الأمة، فهو من الدين. 33 - يرى أبو هاشم أنه لا يجوز إثبات الحكم في شيء بالقياس إلا وقد ورد النص بإثباته فيه على الجملة، فيكون القياس دالاً على تفصيل الحكم، فلو لم يكن إرث الأخ ثابتاً في الجملة، لما جاز إثبات إرثه مع الجد بالقياس. والراجح في ذلك: جواز القياس على الأصل وإن لم ينص على القياس عليه وذلك لأن الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم كانوا يستعملون القياس في مسائل كثيرة وإن لم يكن عليه نص في الجملة، وعملهم هو الحجة في إثبات القياس. 34 - يرى المعتزلة أن العلة مؤثرة بنفسها، بمعنى أنها الموجب للحكم بذاتها، بناء على جلب مصلحة، أو دفع مفسدة. والحق في ذلك: أن العلة لا تؤثر بنفسها في الأحكام، وإنما المؤثر الحقيقي فيها هو الشارع الحكيم وحده، بدليل أن قبول ورود الشرع، لم تكن هذه العلل مؤثرة بنفسها، فالإسكار قبل تحريم الشارع للخمر، لم يكن علة موجبة للتحريم ولا لإقامة الحد على الشارب والسرقة قبل تحريمها شرعاً لم تكن موجبة للقطع، وكذلك لم يكن الزنا قبل تحريمه شرعاً موجباً للرجم أو الجلد، وهكذا. 35 - النسخ في اللغة يطلق بإزاء معنيين، هما الإزالة والنقل. إلا أنه حقيقة في الإزالة لأنها تقتضي تغيير الحكم الأول عما كان عليه، ومجاز في النقل لأنه يبقى الأول على ما كان عليه دون أي تغيير. 36 - النسخ عند المتقدمين يختلف عنه عند المتأخرين. فهو عند المتقدمين يطلق عليه تقييد المطلق، وتخصيص العام، وبيان المجمل، كما يطلقونه على رفع الحكم الشرعي المتقدم بدليل شرعي متأخر. 37 - لا يصح تعريف النسخ اصطلاحاً بالبيان، إذ لا يلزم من كل بيان أن يكون نسخاً. 38 - لا يصح تعريف النسخ اصطلاحاً بالإزالة لأن النسخ حقيقة في الرفع. 39 - التعريف الراجح للنسخ في اصطلاح المتأخرين هو: رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم، بخطاب متراخ عنه. وذلك لأنه أقل التعريفات مطعناً. 40 - يرى أبو مسلم الأصبهاني أنه لا يحسن نسخ الشرائع شرعاً، بحجة أنه يفضي إلى البداء وهو الجهل.

والحق في ذلك: أن النسخ جائز عقلاً وواقع شرعاً، ولا مانع من نسخ الشرائع بعضها ببعض، فقد حصل إجماع المسلمين سلفاً وخلفاً على أن شريعتنا المطهرة ناسخة لجميع الشرائع السماوية السابقة، وأجمعوا على وقوع النسخ في كثير من أحكام الشريعة الإسلامية. 41 - يرى المعتزلة أنه يمتنع نسخ وجوب معرفة الله تعالى، وشكر المنعم، ونسخ تحريم الكفر والظلم والكذب، لأن الأفعال لها صفات نفسية تقتضي حسنها وقبحها، فلا يمكن نسخها. وهذا صحيح، لأن شريعة أحكم الحاكمين الصادرة ممن لا يأمر بالفحشاء، تأبى أن تأمر بالظلم والكفر والكذب، وأن تنهى عن العدل والشكر والصدق، بل العقل السليم لا يتصور وقوع ذلك فيها أبداً، فهي شريعة محكمة جاءت من لدن حكيم خبير لا يتعارض فيها نقل صريح مع عقل صحيح. 42 - يرى المعتزلة أنه لا يجوز نسخ العبادة قبل التمكن من فعلها، لما يترتب على ذلك من الأمر بما لا فائدة فيه وهو عبث. والحق في ذلك: جواز نسخ العبادة قبل التمكن من فعلها، إذ لا يلزم منه العبث لكون المصلحة متحققة وهي الابتلاء والاختبار. 43 - لا يصح ما نقله أكثر الأصوليين عن المعتزلة أنهم يرون عدم جواز نسخ التلاوة دون الحكم والعكس. وتحقيق القول في ذلك: أن جمهور المعتزلة يرون جواز ذلك، ولم يخالف منهم إلا النزر اليسير وصفوا بأنهم شواذ. 44 - يرى المعتزلة أنه يشترط في الأمر إرادة الآمر امتثال المأمور للمأمور به، بحجة أن الأمر لا يتميز عما ليس بأمر إلا بالإرادة. والصحيح في ذلك: أن الأمر يتميز بالصيغة الموضوعية له في أصل اللغة وهي الدالة على الرتبة والاستعلاء. 45 - يرى المعتزلة أنه لا يجوز أن يأمر الله تعالى المكلف بما يعلم أنه لا يمكن منه أو لا يفعله، وذلك لاستحالة وقوع الفعل منه، فيكون التكليف بذلك قبيحاً. والحق في ذلك الجواز لأنه تكليف مفيد تظهر فائدته في عزم المكلف على الامتثال فيطيع ويثاب، أو الامتناع فيعصي ويستحق العقاب. 46 - يرى المعتزلة أن المأمور لا يجوز أن يكون معدوماً، إذ من شرط الأمر عندهم وجود المأمور. والحق في ذلك: جواز توجه الأمر للمعدوم لتقدير وجوده على الصفة التي يصح معها التكليف، لثبوت ذلك بالنص والإجماع. فنحن مأمورون بما أمر به الصحابة الموجودون زمن الخطاب، مع أننا كنا معدومين حين ذاك، إذ لو لم نكن مأمورين بما أمروا به لعدم وجودنا زمن الخطاب، للزم أن يبعث الله تعالى إلينا رسولاً آخر يبلغنا أمره، وهذا محال بالإجماع لثبوت أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم. 47 - يرى بعض المعتزلة أنه لا يجوز ورود الأمر بالعبادة قبل مجيء وقتها، لأن في ذلك إعلاماً للمكلف بالبقاء حتى وقت دخول تلك العبادة وهذا إغراء له بالمعاصي فيتنافى مع الحكمة. والراجح في ذلك: جواز ورود الأمر بالعبادة قبل مجيء وقتها، إذ لا ضرر في ذلك على المكلف بقدر ما فيه من مصلحة له، بحيث يوطن نفسه ويهيؤها لمباشرة العبادة إذا حان وقتها. 48 - يرى المعتزلة أنه لا يجوز تأبيد الأمر إلى غير غاية، بحجة أن إدامة التكليف يفضي إلى جعل المكلف ملجأ إلى فعل ما كلف به وذلك يزيل التكليف. والصحيح في ذلك: جواز تأبيد الأمر إلى غير غاية، لأن الأصل في أوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وجوب امتثال المكلف لها أبداً ما دام حياً قادراً. 49 - يرى قدماء مشايخ المعتزلة أن الأمر بالشيء ليس نهياً عن ضده، لأنه القول بأن الأمر بالشيء نهي عن ضده، يفضي إلى أن يسمى الأمر نهياً عن الحقيقة، وهذا باطل. والراجح في ذلك: أن الأمر بالشيء نهي عن ضده بطريق المعنى لا بطريق الصيغة، بمعنى أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده.

50 - يرى أبو هاشم أن الفعل ذا الوجهين لا يصح أن يتعلق به النهي، وإلا لزم من ذلك أن يكون الشيء الواحد مأموراً منهياً، وذلك محال. والراجح في ذلك: عدم استحالة انقسام النوع الواحد من الأفعال إلى واجب وحرام، بحيث يكون مأموراً به من وجه ومنهي عنه من وجه آخر وذلك لأن الجهة منفكة بين مورد الأمر والنهي، فلا يؤدي إلى التناقض والتضاد. 51 - يرى جمهور المعتزلة أن النهي لا يقتضي فساد المنهي عنه مطلقاً لا في العبادات ولا في المعاملات، بحجة أن لفظ النهي لغوي وفساد العبادة شرعي، فلا يجوز أن يكون موضوعاً له. والراجح في ذلك: أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه في العبادات والمعاملات على السواء، لأن كل ما نهى الله عنه وحرمه في بعض الأحوال وأباحه في حال أخرى إنما كان لمصلحة فيما أباحه أولاً ولمفسدة فيما حرمه ثانياً، وإلا فإن الحرام لا يكون صحيحاً نافذاً كالحلال بحيث يترتب عليه الحكم كما يترتب على الحلال ويحصل به المقصود كما يحصل به. 52 - يرى أبو علي الجبائي أن الجمع المنكر يحمل على الاستغراق من جهة الحكمة، لأن حمله على ذلك حمل له على جميع حقائقه، فكان أولى من حمله على البعض. والراجح في ذلك: أن الجمع المنكر يحمل على أقل الجمع، لأن الجمع المنكر لا يتبادر منه الاستغراق عند الإطلاق. 53 - يرى بعض المعتزلة أنه لا يجوز أن يسمع الله تعالى المكلف الخطاب العام المخصوص دون أن يسمعه الدليل المخصص، لأنه لو جاز ذلك لكان إغراء للمكلف بالجهر باعتقاد استغراقه، وهذا قبيح. والراجح في ذلك: جواز إسماع الله تعالى المكلف الخطاب العام المخصوص دون إسماعه المخصص، وذلك لأن كثيراً من نصوص القرآن الكريم قد وردت عامة في لفظها، وتأخر بيان خصوصها عن موردها فترة من الزمن. 54 - يرى أبو علي وأبو هاشم أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن متعبداً بالاجتهاد في شيء من الشرعيات، لأن الله تعالى نفى عن رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينطق بالهوى، فكان ما ينطق به وحياً منزلاً. والراجح: جواز تعبد النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في الحوادث التي لم يرد بها نص، لأنه إن كان المانعون من ذلك قد منعوه خشية أن يجتهد صلى الله عليه وسلم فيخطئ، فليس الخطأ في الاجتهاد من الخطأ الذي يتنزه عنه منصب النبوة حتى يقال بعدم جواز تعبده بذلك. وإن كان منعهم من ذلك حرصاً على حماية مصالح المكلف وصوناً له من الوقوع في المفسدة، فإن ذلك مردود بأن اجتهاده صلى الله عليه وسلم بعناية الله تبارك وتعالى عن الخطأ والزلل. 55 - يرى موسى بن عمران أنه يجوز أن يفوض الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم أو للعالم الحكم بما شاء، لأنه إذا جاز أن يفوض الله المكلف بأن يختار واحدة من خصال الكفارة، جاز أن يفوض إليه الحكم بواحد من الأحكام بحسب اختياره. والراجح في ذلك: أنه لا يجوز أن يفوض الله سبحانه وتعالى المكلف بأن يحكم بما شاء ويختار ما يريد، لأنه يلزم على هذا التفويض إبطال التعبد بالاجتهاد والتقليد، ويفضي إلى أن يستوي العامي بالعالم. ولا يصح قياس هذه المسألة على الواجب المخير، فإن الخصال المشتمل عليها الواجب المخير لا تفويض فيها إذ الحكم محدد، وهو مأمور بأن يختار ما شاء مما حدده الشارع. وأما التفويض فمعناه أن تترك الحرية للمكلف بإنشاء ما أراد من الأحكام. 56 - يرى بشر المريسي وكثير من معتزلة بغداد أن المخطئ في اجتهاده آثم، وذلك لأن الحق ممكن التدارك، إذ نصب الله تعالى عليه دليلاً يعرف به فمن أخطأ فليس بمعذور.

والحق في ذلك: أن الإثم مرفوع عن المجتهد المخطأ إذا اجتهد في أحكام الفروع التي ليس عليها دليل قاطع من نص أو إجماع، وأنه مأجور على اجتهاده لما بذله من جهد واستفراغ وسع، لثبوت ذلك بنصوص الكتاب والسنة. 57 - يرى أبو بكر الأصم أن قضاء القاضي ينقض بالاجتهاد، لأن على الحق دليلاً فمن أخطأه تجاوز الحق إلى الباطل فينقض حكمه. والراجح في ذلك عدم جواز نقض قضاء القاضي بالاجتهاد، لأن جواز النقض يؤدي إلى عدم استقرار الأحكام القضائية، فيفضي إلى أن يفقد الناس ثقتهم بالقضاة، فتفوت مصلحة نصب الحاكم. 58 - يرى بعض المعتزلة أنه يجوز للمجتهد الاكتفاء بترجيح مذهب على مذهب من غير تمسك بما يستقل دليلاً، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكتفون في تفاوضهم بمسالك الترجيحات دون أن يمهدوا أدلة مستقلة، وهم الأسوة في ذلك. والحق في ذلك عدم جواز الترجيح بلا دليل، وإلا لأصبح ضرباً من ضروب الهوى والتشهي، ولو كان الترجيح جائزاً بلا دليل لكان للعامي دخل كبير في مسائل الاجتهاد. 59 - يرى المعتزلة البغداديون أنه لا يجوز للعامي تقليد المجتهد في فروع الشريعة بل يجب عليه النظر وطلب الدليل، لأن العامي لا يأمن أن يكون من قلده لم ينصح في الاجتهاد فيكون فاعلاً لمفسدة. والحق في ذلك: أنه يجب على العامي تقليد المجتهد في فروع الشريعة، وذلك لعجزه وعدم تمكنه من معرفة الحكم بدليله، إذ أنه فاقد لأهلية الاجتهاد، وفاقد الشيء كيف يعطيه؟ ولأنه لو كلف العامي بالاشتغال بمسائل الاجتهاد لتعطلت سبل الحياة التي هي قوام الناس. 60 - يرى القاضي عبد الجبار أنه لا يجوز أن يختار المكلف الأخف من فتوى المجتهدين المتساوين، لأن الشريعة قد دلت على أن الحق في الأشد دون الأخف. والراجح في ذلك: أن المقلد مخير بأخذ ما شاء من أقوال المجتهدين عند التساوي في الأمور المعتبرة، وذلك لأن إلزامه بالأخذ بالقول الأشد لا دليل عليه، بل قد قام الدليل على خلاف ذلك، حيث صح عنه صلى الله عليه وسلم- وهو الأتقى والأخشى لله تعالى- أنه كان يختار أيسر الأمرين ما لم يكن إثماً. وبعد: فلا أدعي كمالاً فيما كتبت ولكن حسبي من ذلك ما بذلته من جهد لم أدخر فيه وسعاً، فإن كان صواباً فمن الله وله الحمد والمنة، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله تعالى مما زل به القلم أو أخطأ به اللسان. وأسأل الله تعالى أن يجزل المثوبة للمشرف على هذا البحث فضيلة الدكتور الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الدرويش على ما أولانيه من رعاية واهتمام وإرشاد وتوجيه حتى استطعت بتوفيق الله تعالى تخطي العقبات وتجاوز العثرات. كما أتوجه بالشكر الجزيل لكل من أعانني على هذا البحث بإعارتي ما أحتاج إليه من مراجع ومصادر. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. .........

إتحاف النبلاء برد شبهات من وقع في الإرجاء

إتحاف النبلاء برد شبهات من وقع في الإرجاء ¤علي بن عبدالعزيز موسى£بدون¥دار الكيان – السعودية¨الأولى¢1428هـ€فرق وملل ونحل¶إرجاء - مرجئة الخاتمة: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشكره سبحانه على ما يسر لي من إتمام هذا البحث، وأسأله عز وجل أن يتقبل عملي، كما أسأله سبحانه العفو والمغفرة إن حصل تقصير أو خطأ، إن ربي رؤوف رحيم. وبعد هذه المباحث في مسائل الإيمان أسجل في هذه الخاتمة أهم النتائج، وهي كما يلي: أولا: خطورة مذهب المرجئة، والتحذير من الوقوع في شراكه. ثانيا: تعريف الإيمان عند السلف، وأنه قول وعمل واعتقاد. ثالثا: وقع خلاف بين السلف في العلاقة بين الإسلام والإيمان، بيد أنه لا يضر؛ حيث إن الجميع يقول بدخول العمل في الإيمان. رابعاً: أعمال الجوارح ركن في الإيمان، غير أن أفرادها منه ما يكفر تاركه ومنه ما لا يكفر، وذلك حسب النصوص الواردة في تارك كل عمل بحسبه. خامساً: للمرجئة قديماً وحديثاً شبهات يستدلون بها على نجاة تارك العمل الظاهر، وقد تصدى لهم السلف وأبطلوا استشهادهم بنصوص الكتاب والسنة، فينبغي لطالب العلم أن يقف عليها، لاسيما مع ظهور المذهب الإرجائي في ثوب جديد، يزعم لابسوه أنه قول السلف!! سادساً: مرتكب الكبيرة عند أهل السنة مؤمن ناقص الإيمان، ما لم يستحلها، وأدلة ذلك كثيرة جدا، وعليه إجماع السلف. سابعا: ليست – الردة عافانا الله تعالى – بالاعتقاد فقط، وإنما بالاعتقاد أو القول أو العمل. ثامنا: قد تأثر بعض من يدعو إلى منهج السلف بمذهب المرجئة، وأراد أن يستدل ببعض أقوال أهل العلم على نجاة تارك العمل الظاهر كلية دون عذر، فنسب مذهب المرجئة إلى السلف وهو لا يدري!! تاسعاً: لزيادة الإيمان أسباب يجب على الناصح لنفسه أن يلتزمها حتى يكمل إيمانه، ويوفق لنيل الدرجات العلى في الجنة.

الأحباش رسالة تعريفية بهذه الفرقة الضالة الجديدة

الأحباش رسالة تعريفية بهذه الفرقة الضالة الجديدة ¤عبدالرحمن بن عبدالله£بدون¥بدون¨الأولى¢1417هـ€فرق وملل ونحل¶أحباش خاتمة: لقد تبين من خلال هذا العرض المختصر لبعض ضلالات الأحباش، ما هم عليه من انحراف في العقيدة، واتباع للأهواء، وتلاعب بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. الأحباش على سذاجتهم وقلة علمهم ينتشرون بسرعة عجيبة، وقد يكون سبب ذلك ما لديهم من إمكانات مادية، واختيارات واسعة، يأخذ منها كل صاحب هوى ما يوافق هواه، وأيضا ما تدعيه هذه الطائفة من الولاء المطلق للحكومات. ولعل من هذه الطائفة من يأخذ حجمه الحقيقي بين العلماء وخطباء المساجد وأجهزة الإعلام، لما يمثله هذا المذهب من خطر على العقيدة والأخلاق، وما يثيره من خصومات، وجدل في المساجد، وتكفير للمسلمين، وإثارة للفرقة، وبثا للفتنة. وهم يعدون العدة الآن لنشر مذهبهم في بلاد الإسلام بين أهل السنة والجماعة، بل في الجزيرة العربية، نسأل الله تعالى أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

الأشاعرة في ميزان أهل السنة

الأشاعرة في ميزان أهل السنة ¤فيصل بن قزاز الجاسم£بدون¥المبرة الخيرية لعلوم القرآن والسنة – الكويت¨الأولى¢1428هـ€فرق وملل ونحل¶أشاعرة الخاتمة بعد هذا البيان والتوضيح لمنهج أهل السنة والجماعة ولمعتقد السلف الكرام، بات من الواضح لكل ذي عينين مخالفة الأشاعرة لمنهج أهل السنة والجماعة وتنكبهم عن طريقهم إلى طرق أهل الكلام، وطرق أهل الخوض في أسماء الله وصفاته بالعقول القاصرة. واتضح لنا الخطأ الذي يتكرر على ألسنة بعض الباحثين بل وبعض المنتسبين إلى العلم من عد الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة والجماعة حتى قال بعضهم: إن مصطلح أهل السنة والجماعة يشمل ثلاث طوائف: أهل الحديث، والأشاعرة والماتريدية. وهذا لعمري من الجمع بين النقيضين إذ أن تقرير أهل الحديث لمسائل المعتقد ومصادرهم تختلف عن مصادر المتكلمين وتقريرهم. فكيف يجتمع نكير السلف على أصحاب التأويل للصفات والمخرجين لنصوصها عن ظواهرها اللائقة بالله تعالى مع تجويزه بل مع وجوبه كما هو قول الأشاعرة في كثير من الصفات. أم كيف يجتمع سعي السلف في تأليف الكتب والمؤلفات التي تبطل التأويل وترد على أصحابه مع تلك التي تدعو إلى التأويل وتجعله أصلا في العقيدة. وقد تبين لنا أيضا مما سبق نقله أن كثيرا من تأويلات الأشاعرة لكثير من صفات الله تعالى هي عين تأويلات الجهمية والمعتزلة التي تواتر عن السلف الإنكار على أصحابها والنهي عنهم والتحذير منهم كتأويلهم للوجه واليدين والعينين والنزول والمجيء والضحك ونحوها من الصفات. وأما ما يمارسه بعض الناس من تهويل يريد به إسكات أهل الحق عن رد الباطل وإنكاره فتراه يقول: إن الحكم على الأشعرية بالضلال يستلزم تضليل الأمة وتسفيه علمائها الذين سلكوا هذه الطريقة عبر كثير من القرون، وما إلى ذلك من التهويلات. فهذا مردود عليه من وجوه. أولها: أن هذا الإلزام إن صح فإنما يتوجه ابتداء إلى السلف والأئمة قبل أن يتوجه إلينا لأنهم أول من أنكر على من تأول الصفات بل واشتد نكيرهم وتغليظهم في ذلك حتى عدوا كل من تأول صفة لله وصرفها عن ظاهرها من الجهمية، وقد مر معنا في ثنايا هذا الكتاب كثير من كلامهم ومنها وصف الإمام أحمد لن أنكر الحرف والصوت لله بالتجهم، وكذلك من تأول صفة الضحك لله وغيرها كثير. فكيف نلام على ما نحن متبعون فيه، ولا يلام غيرنا على ما هم مبتدعون فيه؟ الوجه الثاني: أن الحكم على الأوصاف بالبدعة والضلالة لا يستلزم الحكم على الأشخاص فقد يقع العبد في معصية أو بدعة ونحو ذلك ولا يكون في الأمر نفسه عاصيا ولا مبتدعا وذلك إما لوجود مانع من إكراه وشبهة ونحو ذلك أو لفقد شرط كعلم ونحوه. قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [الإسراء: 15] وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " () فمن اجتهد في الوصول إلى الحق وبذل وسعه متجردا لله تعالى مؤثرا للحق على غيره فلم يصب فهو مأجور على اجتهاده في طلب الحق ولكن، لا يعني هذا السكوت على خطئه، وترك الإنكار عليه فإن إنكار المنكر واجب لعموم قوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} [آل عمران: 110] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" () والمنكر: هو كل ما خالف الكتاب والسنة وهدي السلف. ومنه: تسليط سهام التأويل على صفات الله تعالى التي بينها لعبادة وأوضحها في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

وليس مسلك التأويل في صفات الله تعالى من المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف ولا يتوجه فيها الإنكار إذ أنه مخالف لإجماع الصحابة والسلف والذين لم يصح عنهم حرف واحد في التأويل. وفي مقابله صحت آلاف النصوص التي تنهى عنه وتحذر منه ومن أهله. وبهذا يتبين أن الواجب على أهل العلم بيان الواجب في صفات الله تعالى والأمر باتباع نهج الصحابة والسلف الكرام والنهي عن كل ما خالف ذلك والإنكار على فاعله مهما كانت منزلته ومكانته مع أنه قد يكون في الأمر نفسه مجتهدا لم يتبين له الحق فيكون عذرا له عند الله بل مأجورا عليه. ومما ينبغي التنويه عليه أن بيان الحق في أسماء الله وصفاته من الواجبات العظيمة ومن تعظيم الله وتعظيم كتابه وتعظيم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن الرد على من خالف في ذلك واجب متعين على أهل العلم وهو من أعظم الجهاد حتى كان يحيى بن يحيى يقول: " الذب عن السنة أفضل من الجهاد". وليس هذا تفريقا للأمة ولا تشتيتا لها كما يروجه بعض الجهلة لأن قبول كلام الأشاعرة وغيرهم من أصناف المعطلة الخائضين في صفات الله بعقولهم وآرائهم والرضى به أو السكوت عنه وعن بيان خطئة والتحذير من أهله يستلزم أمورا عظيمة: أولا: مخالفة الكتاب والسنة في أعظم وأشرف العلوم وهو العلم المعلق بذات الرب تعالى وصفاته وجماله وجلاله. الأمر الثاني: التسلط على آيات الكتاب ونصوص السنة تحريفا وتعطيلا بمحض الآراء الفاسدة والعقول الكاسدة وهذا يفقد الكتاب والسنة الهيبة والتعظيم في القلوب. الأمر الثالث: أن يلتمس الهدى من غير الكتاب والسنة بل من آراء المتكلمين ونحاتات أذهانهم. الأمر الرابع: زيادة التفرق والاختلاف بين المسلمين وذلك بالخوض في المعاني المجازية المختلفة فكل يقول: مراد الله كذا والآخر يعارضه ويقول: بل مراده كذا وهكذا حتى تختلف القلوب. والقلوب لا تجتمع إلا على قدم التسليم لنصوص الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة. الأمر الخامس: أن السكوت عن الإنكار على الأشاعرة ومن وافقهم خروج عن منهج السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم والأئمة بعدهم وتنكب عن طريقهم إذ أنهم لم يقبلوا التعرض لآيات الصفات بالتأويل ولا التفويض والتجهيل ولذا اشتد نكيرهم على أصحاب هذه المقالات، وعظم هجرانهم لهم والتحذير من طريقتهم. وعلى هذا فكل دعوة لقبولهم والسكوت عنهم هي في حقيقتها دعوة لترك منهج السلف ومخالفتهم. الأمر السادس: أنه مخالف لما أمر الله به المؤمنين من التواصي بالحق في قوله {وتواصوا بالحق} ومخالف لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي الختام لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل من قام بمراجعة هذه الرسالة والتقديم لها. كما أني أدعو مؤلفي كتاب " أهل السنة الأشاعرة " إلى الرجوع عما سطرته أيديهم فيه والعكوف على كتب السلف قراءة ودراسة ليتبين لهما كثيرا مما كان خافيا عليهما. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الإباضية تاريخا وعقيدة

الإباضية تاريخاً وعقيدة ¤وليد مساعد الطبطبائي£بدون¥بدون¨الأولى¢1415هـ€فرق وملل ونحل¶إباضية أهم النتائج: 1 - يعتبر المذهب الإباضي في الأصل فرقة من فرقة الخوارج، ولكن بسبب اعتدالهم وحكمة أئمتهم تمكنوا من المحافظة على وجودهم. 2 - تلتقي أصولهم في العقيدة كثيراً مع المعتزلة – وإن كانوا يخالفونهم في بعض المسائل. 3 - يختلف الإباضية كلياً عن أهل السنة والجماعة في موضوع الإيمان بالأسماء والصفات، وفي حقيقة الإيمان، وفي حكم مرتكب الكبيرة، وعصاة المؤمنين يوم القيامة. 4 - يختلف الإباضية عن أهل السنة والجماعة في بعض جوانب عقيدة (السمعيات) حيث تلتقي جوانب كثيرة منها مع عقيدة أهل السنة والجماعة، مثل الإيمان بالملائكة والكتب والرسل والبعث والحساب والحوض والجنة والنار والاستطاعة لكن يتجه منهجهم إلى التأويل في اعتقاد الميزان والصراط والشفاعة للعصاة. وكذلك الحال في مسألة الإيمان فإن الإباضية يوجبون نصب إمام، غير أنهم لا يشترطونه في قريش. 5 - يتسم الفقه عندهم بنوع من التشدد والتزام النصوص – بخلاف العقيدة التي يعمل فيها بالعقل كثيراً – إلا أن فقههم لا يختلف كثيراً عن مذاهب أهل السنة. 6 - معرفة مناهج التفسير عند الفرق الإسلامية أمر في غاية الأهمية من أجل الوقوف على عقائد ومرتكزات هذه الفرق من خلال تفسيرهم للقرآن الكريم. 7 - يعتبر ميدان التفسير عند الإباضية وسيلة من وسائل نشر المذهب والدفاع عن عقائده وحقائقه. 8 - موقفنا من الإباضية والتفسير الإباضي يمكن تلخيصه – من وجهة نظري – بما يأتي: أ- يجب على علماء الإباضية إعادة النظر في منهج التأويل وأعمال العقل في منهج التأويل في القضايا التي يخالفون بها أهل السنة والجماعة كي يسلم جميع جوانب الاعتقاد عندهم ويصح في المذهب أنه على صراط مستقيم. ب- يجب على علماء الإباضية العودة باتباعهم إلى الأصول الأولى التي كان عليها الصحابة الكرام وصولاً إلى توحيد كلمة الأمة قولاً وفعلاً. ج- يجب على علماء الإباضية تنقية التراث الإباضي وخاصة ميدان التفسير وتصفيته مما علق به من دخيل وشوائب تفقده جماله وروعته، كما يجب أن ننأى بكتاب الله عن الخوض فيه واستغلاله لتأصيل فكرة أو مذهب معين عن طريق لي أعناق الآيات وتطويعها لخدمة مثل هذه الأمور المذهبية. هذا ونسأل الله عز وجل أن يهدينا إلى سواء السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. المؤلف الكويت في 5 رمضان المبارك 1414هـ الموافق 15/ 2/1994م

الإباضية في المغرب العربي

الإباضية في المغرب العربي ¤أحمد إلياس حسين£بدون¥مكتبة الضامري¨الأولى¢1412هـ€فرق وملل ونحل¶إباضية خاتمة: اتضح من خلال هذه الدراسة أن فرقة الإباضية نجحت في بث دعوتها في المغرب العربي حتى أصبح لها ثقل كبير بين سكانه، وأقامت دولتها منذ القرن الثاني الهجري، ورغم أن عمر هذه الدولة لم يمتد طويلا إلا أن تراث ونظم الإباضية أظل مجموعات كبيرة من أهل المغرب منذ سقوط دولتهم في آخر القرن الثالث الهجري وحتى العصر الحديث. وقد أسهم الإباضية بدور كبير في تاريخ المغرب الإسلامي في المجالات السياسية والاقتصادية والتربوية وهي المجالات التي تعرض لها البحث. كما قام الإباضية بدور واضح في انتشار الإسلام في غرب أفريقيا وكان لهم فضل السبق على غيرهم في هذا الميدان وكانت للإباضية علاقات طيبة مع الدول الإسلامية في المغرب والأندلس وكانت صلاتهم وثيقة بإباضي المغرب. ويلاحظ أن تاريخ الإباضية لم يجد الاهتمام المطلوب في المعاهد والجامعات العربية رغم ثقله وأهميته ومكانته البارزة في التاريخ الإسلامي فقد طورت هذه الفرقة وجددت كثيرا في مختلف المجالات السياسية والتربوية ولعل نظام العزابة وحده يتطلب جهود مؤسسات مختلفة لدراسته والاستفادة من تجاربه.

الإسماعيلية المعاصرة

الإسماعيلية المعاصرة ¤محمد بن أحمد الجوير£بدون¥بدون¨الأولى¢1414هـ€فرق وملل ونحل¶إسماعيلية الخاتمة: في ختام هذا البحث أحمد الله عز وجل الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشكره على أن وفقني وأمدني بعون منه حتى قمت بإتمامه على هذه الصورة التي أرجو أن أكون قد وفقت بالوصول إليها. إن سطور هذه الخاتمة تتضمن النتائج الهامة التي توصلت إليها من خلال هذا البحث، إضافة إلى توصيات في هذا المجال. أولا: أهم نتائج هذا البحث: بعد البحث والدراسة عن هذه الفرقة المعاصرة وقفت من خلال الباب الأول الخاص بالأصول التاريخية لهذه الفرقة المعاصرة وما اندرج تحته من فصول على أن هذه الفرقة امتداد للفكر الإسماعيلي القديم الذي هو بدوره امتداد للمذهب الشيعي الرافضي الذي بني أساسه على مبدأ النفاق والخداع، ولقد كان للفلسفة الفيثاغورية والأفلاطونية المحدثة الأثر الواضح في مقولات ومصطلحات هذه الفرقة إذ مازالت هذه الفرقة تربط نفسها بهذه الفلسفات، وبغيرها من الأديان والمذاهب المغايرة للإسلام كاليهودية والنصرانية والمجوسية والبوذية والاشتراكية والماسونية. أما في الباب الخاص بمعتقدات هذه الفرقة وأثرها على بعض المذاهب، فواضح تماما أن القوم يسيرون على نهج أسلافهم في المعتقد، حيث اعتقدوا بإلهين اثنين يقومان بالخلق والتدبير أطلقوا على الأول اسم (السابق) وأطلقوا على الثاني اسم (التالي). ولم يؤمنوا بعقيدة ختم النبوة في الإسلام، بل ادعو لأئمتهم ودعاتهم النبوة والرسالة مما جعل الإمامة عندهم هي المحور والمرتكز الذي تقوم عليه معتقداتهم وممارسة عاداتهم الاجتماعية فأضفوا عليها هالة من التعظيم والتقديس حتى أصبحت أضرحة بعض أئمتهم ودعاتهم مزارات يقصدونها. وكذلك الحال بالنسبة للعقائد الآخروية من بعث ونشر وحساب وعقاب وجنة ونار ... الخ، قام هؤلاء بإنكارها وتأويلها مع أركان الشريعة عموما لتتناسب مع ميولهم ورغباتهم الشخصية. ولقد تأثرت بعض المذاهب بهذه الفرقة، ولا نجد لهذا التأثر أية غرابة طالما أنها اعتبرت بذرة من بذورها التي غرستها في المجتمعات الإسلامية تحت مسميات مختلفة بغية التضليل، فهذه المذاهب برمتها لا تعدو من كونها وجهان لعملة واحدة. وهذه الفرقة فرقة باطنية تفتخر بهذا اللقب لإصرارها على تطبيق مبدأي (التقية) والقول (بالظاهر والباطن) فما يقومون به من عبادات وغيرها أمام عامة المسلمين، فهو مجرد عمل ظاهري لا يعبر عن عقيدتهم الباطنية. أما الباب الخاص بالمظاهر الدينية وما اندرج تحته من فصول، فتوصلت إلى أن هذه الفرقة لها عادات وطقوس واحتفالات تمارس فيها أمورا منافية للشريعة الإسلامية، حيث بنيت على أسس مادية بحته، فالأعياد والاحتفالات والشعائر الدينية لديهم لا تجد لها سندا في الإسلام، إذ أنها مرتبطة بشخصية الإمام والداعي عندهم. كما لاحظت أن أسلوب الدعوة الإسماعيلية المعاصرة قد طرأ عليه التغيير ليتناسب مع متغيرات العصر، فتوصلت إلى أن الإسماعيلية المعاصرين قد تحمسوا في إنشاء المدارس والمعاهد والجامعات والمراكز الطبية في أغلب دول العالم، وهم يبذلون الأموال الطائلة في سبيل نشر دعوتهم تلك، سائرون على نهج النصرانية للتبشير لديانتهم. كما لفت نظري كثرة الضرائب التي فرضها الأئمة والدعاة على أتباعهم والتي أضفوا عليها صفة الإسلامية لكي تنطوي على أتباعهم، وهم بذلك يهدفون إلى جمع المال لإنماء ثرواتهم التي يسرحون ويمرحون بها في أنحاء أوربا. وأخيرا قد بينت حكم الإسلام في جملة ما ذهبت إليه هذه الفرقة، إذ جاء مكفرا إياها، ومحذرا المسلمين من خطرها

الإسماعيلية وفرقها – حقائق ووثائق

الإسماعيلية وفرقها – حقائق ووثائق ¤عبدالرحمن المجاهد£بدون¥الآفاق¨الأولى¢1428هـ€فرق وملل ونحل¶إسماعيلية الخاتمة: وفي نهاية هذا البحث يمكنني أن ألخص أهم النتائج التي توصلت إليها في نهاية بحثي، وهي كالآتي: 1 - الإسماعيلية: فرقة شيعية، إمامية، رافضية، باطنية، فلسفية، غالية، نادت بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق، وعقبه من بعده. 2 - عقائد الإسماعيلية خليط من عقائد الأمم السابقة كالفرس، والمجوس، ممزوجة ببعض التصورات الإسلامية، والهدف منها طمس عقيدة الإسلام، والتشكيك في الدين. 3 - تنسب الإسماعيلية إلى إسماعيل بن جعفر الصادق. 4 - المؤسس الفعلي للإسماعيلية هو: أبو الخطاب الأسدي. 5 - جعفر الصادق بريء من الإسماعيلية، ومما ينسبونه إليه من الأكاذيب. 6 - يعتبر إسماعيل بن جعفر هو الإمام السادس في عداد أئمة الإسماعيلية، وولده محمد بن إسماعيل هو الإمام السابع. 7 - الترتيب الإمامي الإسماعيلي يبدأ بعلي بن أبي طالب، ثم الحسين بن علي، ثم علي بن الحسين (زين العابدين)، ثم محمد الباقر بن علي بن الحسين، ثم جعفر الصادق بن محمد الباقر، ثم إسماعيل بن جعفر الصادق، ثم محمد بن إسماعيل. 8 - الحسن بن علي لا تعده الإسماعيلية ضمن أئمتها؛ لتنازله بالخلافة لمعاوية رضي الله عنهما، والإمام المستودع لا تعتبره الإسماعيلية إماماً فعلياً. 9 - توفي إسماعيل بن جعفر في حياة أبيه، وذلك عام 145هـ. 10 - إسماعيل بن جعفر، وولده محمد بن إسماعيل شخصيتان تحتاجان إلى مزيد من الدراسة المنصفة، والبحث المتجرد عن التعصب. ولا يثبت ما قاله متأخروا أهل السنة من الطعن فيهما؛ لاعتمادهم على مصادر خصوم الإسماعيلية من الاثني عشرية والمستشرقين في تقييم شخصية إسماعيل وولده محمد. 11 - مات محمد بن إسماعيل مطارداً في البلدان، ولم يكن له عقب. 12 - انتحال ميمون القداح لشخصية محمد بن إسماعيل. 13 - مرت الإسماعيلية بأربع مراحل هي: المرحلة الخطابية، وهي مرحلة الغموض، والمرحلة القداحية، وهي مرحلة الدعوة والانتشار، والمرحلة القرمطية، وهي مرحلة الإباحية، وانتهاك الحرمات علناً، والمرحلة العبيدية، وهي مرحلة الدولة وبسط النفوذ. 14 - العبيديون من السلالة القداحية الفارسية، ولا يمتون إلى آل البيت بصلة، وأدلة من صحح نسبهم كلها عاطفية، لا تعتبر عند أهل النظر. 15 - ميمون القداح يعتبر من أبرز الدعاة والمفكرين، والحجج والأبواب عند الإسماعيلية. 16 - القرامطة على اختلاف مسمياتهم يعتبرون من طوائف الإسماعيلية، وخلافهم مع العبيديين خلاف سياسي؛ من أجل الصراع على منصب الإمامة في الغالب، أو في سياسة إخراج العقائد والإفصاح عنها، وهذا يترتب على اختلافهم في تقدير ما يسمونه بقيام القيامة الذي يزعمون أنه إيذان بإعلان العقائد الباطنية، وإلغاء مبدأ التقية، والإفصاح بوضع الشرائع واستحلال المحرمات والمحارم. 17 - الدروز المعاصرون يعتبرون دروعاً بشرية ضد المسلمين في بلاد الشام، وعمالتهم واضحة جلية. 18 - أئمة المستعلية بمختلف طوائفهم وأطيافهم تعتبر إمامتهم باطلة بحسب الفلسفة الإسماعيلية، لمخالفتها لبعض شروط الإمامة: كالسن، وبقاء الإمامة في الأعقاب. مع وجود هذه المخالفات في كثير من فرق الإسماعيلية قبل وبعد المستعلية. 19 - الدعوة الطيبية المستعلية فكرة صليحية، وأفكار إسماعيلية. 20 - أطلق لقب الهبرة على طائفة الطيبية بعد موت الصليحية، وبسبب اشتغال أبناء الطائفة بالتجارة في الهند.

21 - انتقال الصلاحيات إلى ما يسمى بالداعي المطلق في ظل انعدام الأئمة عند الإسماعيلية، وقيام الداعي المطلق بصلاحيات الإمام بعد قتل الآخر، وعجز الإسماعيلية عن إثبات وجود ما يسمي بالطيب بن الآمر. 22 - البهرة السليمانية في اليمن تتوسع بشكل هادئ، وغير ملفت للنظر، بينما وجود الداودية ملحوظ في الأوساط الرسمية؛ بسبب سياستهم، وتحسين علاقاتهم مع الأنظمة القائمة في العالم العربي والإسلامي. 23 - البهرة السليمانية في عراس والمزاحن تتبع القيادة المركزية لطائفة السليمانية في نجران، والتي تشكل خطراً على الفكر السني في الجزيرة العربية عموماً وعلى بلاد الحرمين على وجه الخصوص. 24 - سوف تحظى سليمانية المزاحن بالاهتمام من قبل الداعي الجديد، والذي يعد من أبناء هذه المنطقة، وسبق له أن كان منصوباً للداعي السليماني فيها. 25 - ثبوت قتل نزار بن المستنصر على يد أخيه المستعلي، ولم يكن له عقب. 26 - فرقة النزارية أنشأها الحسن بن الصباح، وهي التي تعرف بالحشاشين، وليس له نسب إلى نزار. 27 - طائفة الآغاخانية تنتمي إلى القاسمية النزارية. 28 - فرق وطوائف الإسماعيلية تيارات متعددة المسميات، متحدة الأفكار والغايات، والخلاف بينها خلاف سياسي في مرحلية الإفصاح عن الأفكار والمعتقدات، ممزوج بصراع المطامع والأهواء الشخصية لدى القيادات الإسماعيلية. التوصيات: وفي ختام هذا البحث أضمنه بالتوصيات التالية: 1 - ضرورة البيان حول عقائد فرقة الإسماعيلية، والتحذير من خطرها على الأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين. 2 - ضرورة قيام الأنظمة العربية الإسلامية من وضع حد لانتشار مثل هذه الأفكار والمعتقدات، والتي تشكل خطراً على الإسلام والمسلمين، كما تشكل خطراً على الأنظمة في المناطق التي تسيطر عليها مثل هذه الطوائف الهدامة. وإن اعترفت ظاهرياً بالأنظمة القائمة فإنه اعتراف مرحلي ممزوج بعقيدة التقية. 3 - ضرورة الوحدة بين العاملين في الحقل الإسلامي في مواجهة هذا المد بالحكمة والموعظة الحسنة، ونشر الفكر السني الأصيل. 4 - كما أوصي الدعاة إلى الله، والعاملين للإسلام بقراءة كتب هؤلاء والكتب التي تعريهم؛ ليتعرفوا على مدى المؤامرة التي يدبرها هؤلاء على الإسلام والمسلمين. 5 - وأوصي أهل الاختصاص من العلماء والباحثين والسياسيين والمهتمين لعمل مراكز متخصصة للأبحاث حول هذه الفرقة وطوائفها، وإنشاء مؤسسات لدعوة هؤلاء، وإيجاد مرافق لاستيعاب العائدين منهم، وإنشاء مواقع بحثية على شبكات الانترنت لدعوة عوامهم، وإقامة الحجة على دعاتهم، وتوعية أهل السنة بمخاطر هذه الأفكار والدعوات الهدامة، والتي تشكل خطراً على الدين والوطن والقيم والمبادئ، والأخلاق والثوابت.

الإنسان الكامل في الفكر الصوفي عرض ونقد

الإنسان الكامل في الفكر الصوفي عرض ونقد ¤لطف الله بن عبدالعظيم خوجه£بدون¥دار الفضيلة – السعودية¨الأولى¢1430هـ€فرق وملل ونحل¶تصوف - صوفية الخاتمة: أحمد الله، الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعونه وتوفيقه يتوصل إلى الغايات، وأشكره على ما هيأ من إتمام الرسالة، التي استوجبت بحثا وجهدا، فرضته الطبيعة الفلسفية لهذا الموضوع، وقد خلصت إلى نتائج أهمها: 1 - أن معنى (إنسان) في اللغة: الظهور، والنسيان. وفي الاصطلاح: مرئي عاقل. 2 - أن الإنسان أكرم المخلوقات، وأرقاها، وأجمعها لكثير من الخصائص الكونية، فقد اجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره من الأوصاف. 3 - خيرية النبي محمد صلى الله عليه وسلم المطلقة على سائر البشر، وعلو مقامه في الفضل والعبودية، دون أن يتجاوز ذلك إلى مقام الربوبية أو الألوهية. 4 - المسلم خير الخلق، ولا يكافئه أحد في مرتبته أو حرمته، والصالح من بني آدم خير من الملائكة وصالحي الجن. 5 - وضوح الفرق بين الخالق والمخلوق، وأن علو مرتبة المخلوق لا تبلغ به مرتبة الربوبية والألوهية بحال، بل يحرم عليه أن يتطلبها أو يدعيها. 6 - أن سمو الإنسان وارتقاءه إنما يكون بالإسلام علما وعملا، وفق منهج السلف. 7 - أن كلمة (صوفية) أصلها ومرجعها إلى كلمة (سوفية) اليونانية، ومعناها: الحكماء. فإن (سوف) تعني الحكمة، ومنه (فيلسوف) ومعناه: محب الحكمة. 8 - أن حقيقة التصوف وماهيته هو الفناء عن البشرية، والبقاء بالإلهية، إما عن طريق الاتحاد بالذات الإلهية، أو عن طريق حلولها وتجليها في أكمل المخلوقات. 9 - أن التصوف فكرة هو الفلسفة، وأما من جهة المنتسبين، فمنهم السني، ومنهم الفلسفي. فقد قيل في تعريف التصوف أنه: التخلق بأخلاق الله. وفي تعريف الفلسفة أنها: التشبه بالإله على قدر الطاقة. والتعريفات متطابقان. 10 - وجود طائفة من المتصوفة المعاصرين على الاعتقاد الذي كان عليه المتحققين بالتصوف من الأوائل. 11 - أن فكرة (الإنسان الكامل) عند الصوفية محورية، وغاية عليا، يسعى إليها كل من أراد التحقق بالتصوف. 12 - أن أول من أطلق مصطلح (الإنسان الكامل) في المتصوفة هو ابن عربي، أما من قبله فكانوا يستعملون مصطلحات أخرى، لها المعاني نفسها التي للإنسان الكامل. 13 - كثرة مرادفات مصطلح (الإنسان الكامل) وأهمها: القطب، الحقيقة المحمدية، الولي، الكلمة، العقل الأول، العقل الفعال .. إلخ. وكل واحدة منها تكشف عن زاوية من زوايا الإنسان الكامل الكثيرة. 14 - أن (الإنسان الكامل) في رأي المتصوفة، أول موجود في العالم على الإطلاق، وجد نورا، ومن نوره وجدت الأنوار والمخلوقات فبه خلق الله الكون. 15 - أن الإنسان الكامل، في رأي المتصوفة، هو الجامع للأسماء والصفات الإلهية، والحقائق الكونية، وأنه روح العالم، به بقاؤه، وأنه برزخ، وله الوساطة بين الحق والخلق، لإيصال الفيض الإلهي إلى الخلق، والوصول بالخلق إلى الحق، وله بذلك التمكين في الكون، والكشف عن المغيبات، وأنه يظهر في كل زمان ومكان، وأكمل صورة ظهر فيها هي: صورة محمد صلى الله عليه وسلم. 16 - أن الإنسان الكامل، في رأيهم جامع بين الأوصاف الإلهية والحقائق الكونية ولأجله له الوساطة للحق في: التعرف إليهم، وإيجاد العالم، والقيام بخلافته في حفظ العالم، وإفاضة روح الحياة إليه. وله الوساطة للخلق في: التعرف والوصول إلى الحق، والكشف عن المغيبات. 17 - أن علة وساطة الإنسان الكامل، في قولهم، تنزه الحق عن تدبير الكون تدبيرا مباشر، لعدم المناسبة. 18 - جعل الصوفية سبب خلق الكون إرادة الله أن يعرف، وأن (الإنسان الكامل) هو الذي يقوم بمهمة التعريف، لكونه على الصورة الإلهية. 19 - جعل الصوفية صورة (الإنسان الكامل) هو صورة الله تعالى، مِثلا بمثل. 20 - وصف (الإنسان الكامل) بالعصمة المطلقة. 21 - التصريح بسقوط التكاليف في حق الواصل، وانسجام هذا الرأي مع قواعد التصوف ومصطلحاته، واستنكار جمع كبير من المتصوفة الأوائل هذا الرأي. 22 - اختفاء الهيبة والحشمة بين العبد وربه، في منزلة الإنس والتدلل، لتحل محلها معاني العشق والتدلل، والجرأة على مقام الله تعالى. 23 - أن أصول الأفكار الصوفية عن (الإنسان الكامل) ترجع إلى الثقافات: الفارسية، والهندية، واليونانية، مع تطوير قام به المتصوفة في حواشي الفكرة، دون أصلها. 24 - المتصوفة لهم جهد بارز في تضمين نصوص الكتاب والسنة معاني التصوف، متبعين في ذلك نهج إخوان الصفاء. 25 - انتقال فكرة (الإنسان الكامل) خصوصا، والفكر الصوفي عموما، إلى المسلمين عبر مسالك متنوعة، مثل: الترجمة، وفرق الشيعة، ورسائل إخوان الصفا. 26 - مناقضة فكرة (الإنسان الكامل) للإسلام جملة وتفصيلا.

البوهرة – تاريخها وعقائدها – دراسة علمية موثقة عن طائفة البوهرة الإسماعيلية

البوهرة – تاريخها وعقائدها – دراسة علمية موثقة عن طائفة البوهرة الإسماعيلية ¤قمر الهدى الأثري£بدون¥دار عمار – عمَّان¨الأولى¢1428هـ€فرق وملل ونحل¶باطنية الخاتمة: الحمد لله الذي بعونه تتم الصالحات وبعد: فإن أبرز ما وصلت إليه بعد البحث والتحقيق ألخصه فيما يلي: أن طائفة البوهرة الإسماعيلية لم تكن من تأسيس أحد من آل البيت، وجعفر الصادق بريء من مثل هذه الحركة الباطنية المضادة للإسلام. فلسفة الإمامة وما يتعلق بها من الصفات هي من نسج الخيال, لا صلة لها بالواقع والعمل. إن كبار الدعاة الإسماعيليين المقربين من أئمتهم لم يكونوا مخلصين في عملهم, بل كل منهم كان له هدف معين يهوى الوصول إليه، ولذلك أظهر الأئمة البراءة عنهم, وأوضح مثال لذلك أبو الخطاب, والمغيرة, وعلي بن الفضل. إن عقيدة النص, وكون الإمام بعد الأب ابنه لا صلة لها بالإسلام, ولم تكن معروفة حتى بين أبناء جعفر الصادق الأربعة الذين قاموا بادعاء الإمامة لأنفسهم. لم يتفق اثنان منهم على أي أمر من الأمور, مع تحريم الرأي والاجتهاد, واختلفوا فيما بينهم اختلافاً لم يختلف مثله غيرهم قط. إن القول بالظاهر, والباطن, والتأويل, من أقوال الفلاسفة, والبراهمة, واليهود, ولا يوجد في الإسلام مثل هذه الترهات. إن خلاصة تعاليم الإسماعيلية البوهرة هي اعتقاد رسول بعد رسولنا خاتم النبيين. وما صلة البوهرة بالإسلام بعد تفسير كلمة الإخلاص لا إله إلا الله بلا إمام إلا إمام الزمان، والخالق البارئ المصور عندهم هو العقل الأول أو إمام الزمان، وعندهم (عالم الغيب والشهادة) هو القائم الذي يقوم يوم القيام، وقل هو الله أحد هو العقل الأول, أو الرسول محمد, أو آل بيته الطاهرون، والشرك فيها هو شرك في الحدود وليس في المعبود، وفيه رسول بعد رسول الله خاتم النبيين، ويكون عندهم الأنبياء مخطئون، والأئمة من آل فاطمة هم المعصومون، ويكون المراد بأشهد أن محمداً رسول الله شهادته للقائم أو عبيد الله، يعد فيه القرآن الكريم محرفاً من التوراة والإنجيل، الدين الذي أساسه الباطنية والكتمان، الذي تكون حقيقته مأخوذة من الأفلاطونية الحديثة, والنظرات الإيرانية والهندية, الذي أخذ حدوده العشرة من نظام الكاثوليكية، الذي لا ينكر فيه السجود للإمام، الذي يحتم وجود إمام معصوم في كل زمان، وغاب إمامه قبل ثمانية قرون. وبعد هذا الاستعراض الإجمالي تتضح الصلة بين البوهرة الطيبية والإسلام. والإسلام دين قيم خالص من غش فلسفة الفلاسفة, وكتمان النصرانية، والمدارج المذهبية، ولا يوجد فيه تصور الحق الملكي الإلهي، وليس فيه الحلول والتناسخ، لا يحتاج فيه إلى وسائط الأولياء، وتعاليمه مبنية على التوحيد, والأعمال الصالحات. {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].

الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام مناهجهم وأصولهم وسماتهم - قديما وحديثا وموقف السلف منهم

الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام مناهجهم وأصولهم وسماتهم - قديما وحديثا وموقف السلف منهم ¤ناصر بن عبدالكريم العقل£بدون¥دار الوطن - الرياض¨الأولى¢1416هـ€فرق وملل ونحل¶خوارج الخاتمة: تنبيهات ونصائح وتوجيهات: وفي الختام أحمد الله تعالى على أن وفق وأعان على إتمام هذه الحلقة ولا يسعني في نهايتها بعد شكر الله والثناء عليه بما هو أهله، إلا أن أسدي نصيحة خالصة صادقة إن شاء الله لعامة المسلمين، وشبابهم بخاصة وبصفة أخص أهل هذه البلاد المباركة، حيث لا تزال بحمد الله أسلم من غيرها؛ فأقول: يعيش المسلمون اليوم في جميع الدنيا نهضة إسلامية مباركة، وهي بين الشباب أكثر، وكما أن لهذه النهضة جوانب إيجابية كثيرة، وأنها في جملتها أحيت الأمل بين المسلمين، وتحققت بها، وستتحقق بها كذلك مصالح عظيمة للإسلام بإذن الله. إلا أنها مع ذلك قد يعتريها ما يعتري البشر من النقص والخلل والتقصير، وهذا أمر طبيعي يصاحب كل موجات التطور في التاريخ، ولا أدل على ذلك من آخر عهد الصحابة رضي الله عنهم، فقد صاحب موجات الفتح العارمة التي واكبت الفتح الإسلامي الأول لبلاد العراق والشام ومصر، حيث دخلت الإسلام أمم وشعوب وقبائل كثيرة كلها حديثة عهد بجاهلية وكفر؛ من العرب والفرس والروم والقبط وغيرهم. فقد صاحب هذه الموجات نزعات كثيرة من الأهواء والبدع والأحداث الجسام، كالفتنة على الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه وما أعقبها من فتن، وظهور الفرق الأولى: الخوارج والشيعة (السبئية)، وبدع النساك والعباد، وبدع القدرية، وقد واجه الصحابة رضي الله عنهم والتابعون وأئمة الهدى وولاة الأمر، هذه الظواهر بالحكمة والفقه والعلم والحلم والحزم والقوة، بحسب مقتضيات الحال. ومع ذلك فإن هذه الظواهر الشاذة والنزعات البدعية لم تحجب الخير عن البشرية، فقد صاحب ذلك قيام أعظم حضارة في التاريخ قامت على العلم والجهاد. وكذلك أمر هذه النهضة الحديثة، فإن وجود النزعات الشاذة بين بعض فصائلها لا يعني فقدان الأمل فيها بل العكس، ولا يعني أنها لن تؤتي ثمارها، بل إن هذه الثمار الطيبة قد بدأت بوادرها في كل مكان، لكن ظهورها المفاجئ مع قلة الموجّه والناصح، وبُعد كثير من فئاتها عن توجيه العلماء المباشر، جعلها تعيش مرحلة حرجة هي أشبه بمرحلة الطفولة والمراهقة والتخبط إلى حد ما، ونحن على ثقة بإذن الله بأنها ستتجاوز هذه المرحلة إلى الرشد والتعقل، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. إذن فالواجب على العلماء وطلاب العلم في الأمة أن يسددوا الأمة ويرشدوها ويوجهوها إلى الخير، وأن يعالجوا الأخطاء التي تنشأ كما فعل الصحابة والتابعون وتابعوهم. ومن هذا المنطلق فإني سأذكر هنا شيئا مما ظهر لي من بعض الأخطاء التي تحدث من فئات وأفراد وجماعات وتوجهات، من نزعات وسمات تحتاج إلى نظر وتصحيح ومناصحة. مع العلم أن ذكرها هنا لا يعني الحكم على أصحابها بأنهم أهل أهواء، وأبرأ إلى الله من أن أتهمهم بذلك، لكنها سمات وظواهر ونزعات وصفات وخصال متفرقة قد لا توجد مجتمعة عند طائفة بعينها. كما أني أخشى إن لم تعالج هذه الظواهر ويناصح أهلها أن تتجارى بأصحابها وتتأصل وتتكاثر، حتى تكون بذورا للأهواء (لا قدر الله).

هذا ولا يحسن بل وليس من الحكمة أن يدعي المسلم أنه في مأمن من الأخطاء والأهواء كيف لا؟! والنبي صلى الله عليه وسلم المعصوم كان يقول: ((يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك)) [أخرجه الإمام أحمد بألفاظ مقاربة 3/ 112، 257 وغيرها والترمذي في كتاب القدر حديث رقم (2290) وحسنه وابن ماجه في الدعاء حديث رقم (3834) وصححه العلامة الألباني - صحيح الجامع الصغير (7987)] إذا كان الأمر كذلك فمن ذا الذي سيدّعي العصمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل، يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك. أما ما تمكنت من استقرائه من نزعات وظواهر وسمات متفرقة يلزم التنبيه عليها والتحذير من الوقوع بها خشية الوقوع بالأهواء، فأمثل لها بما يلي: 1 - تصدر حدثاء الأسنان، وسفهاء الأحلام – أحيانا- لأمور الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بلا علم ولا فقه ولا تجربة، ولا رجوع إلى العلماء وأهل الفقه والتجربة. 2 - هيمنة نزعة الخروج على أذهان بعض الناس، وكثرة الثرثرة بها وإطلاق الأحكام فيها، في حيث إنهم ليسوا من أهل الحل والعقد، ولا من الراسخين في العلم الذين يعنيهم الأمر شرعا. 3 - شيوع ظاهرة التكفير والتبديع بلا ضوابط شرعية، ولا فقه، ولا تثبت بما في ذلك الأحكام على الأشخاص والجماعات والهيئات والأنظمة وغيرها والتكفير باللوازم. 4 - التسرع في إصدار الأحكام والمواقف بمجرد الشائعات، والقرائن والظنون، أو اللوازم، وأغلب ما يحدث بين أبناء الأمة الآن من نزاعات وخصومات هو من هذا الباب. 5 - البراء من المخالفين في الاجتهاديات التي يسوغ فيها الخلاف ويعذر فيها المخالف، وأكثر النزاعات الجارية اليوم بين بعض فئات المسلمين ومنسوبي الدعوات من أهل السنة من هذا النوع. 6 - الحكم على القلوب، واتهام النيات، وتصيد الزلات، وغمط المخالفين حقهم، أو جحد الحق الذي معهم. 7 - كثرة الخصومات والجدل والمراء في الدين، مع قلة العمل الإيجابي المثمر، مع التعالم والتعالي والغرور واحتقار الآخرين من العلماء ومن دونهم. 8 - الخطأ والجهل في منهج الاستدلال؛ ومنه الاستدلال بالنصوص على غير ما تدل عليه وعلى غير القواعد الشرعية، وإنزال النصوص على غير ما تدل عليه، والجهل بفهم السلف وتفسيرهم للأدلة، وعدم مراعاة الاستدلال من حيث: العموم والخصوص، أو الإطلاق والتقييد والنسخ ونحو ذلك، وعدم اعتبار قواعد المصالح والمفاسد ونحو ذلك. 9 - الجهل بالعلوم الشرعية وقلة الفقه في الدين، والتقصير في طلب العلم الشرعي. 10 - أخذ العلم الشرعي على غير أصوله الشرعية، وبغير نهج سليم. 11 - أخذ العلم عن غير العلماء، وتلقيه عن الصغار والمثقفين والمفكرين، الذين هم في العلم الشرعي من فصيلة العوام. 12 - فرض الرأي والموقف على الآخرين، ومصادرة الرأي المخالف، ومحاصرته بكل وسيلة، إلى حد استباحة الوسائل غير الشرعية لمنع الرأي الآخر. مع العلم أن أكثر الأمور التي يدور عليها الخلاف بين أهل السنة هي من الاجتهاديات. كما أن من هذا الصنف من لا يطيق سماع الرأي المخالف وإن كان مما يجوز فيه الخلاف، حتى ولو قامت الحجة واستبان الدليل. 13 - سوء الأدب مع العلماء والمشايخ وطلاب العلم الشرعي ويتمثل ذلك: بلمزهم واستنقاصهم أحيانا، وبإشاعة ما يسيء إليهم وينقص اعتبارهم عند الآخرين، ويشحن قلوب الناس، والشباب والعوام عليهم، والجرأة على الطعن فيهم والتشهير بهم.

14 - سوء الأدب والجفاء - تدينا - مع من يجب أو ينبغي احترامهم وتوقيرهم، كالوالدين، والأخوة، وكبار السن، والمعلمين، والجيران، والزملاء، وأهل الاعتبار من الأمراء والولاة وذوي الهيئات والمسئولين. 15 - سرعة الاستجابة للفتن، والتصرفات الغوغائية، والجمهرة والتداعي عند كل صيحة دون الرجوع لأهل العلم والحلم والفقه والرأي، إلا من يوافق هواهم. 16 - استباحة البدع والوسائل المريبة في سبيل تحقيق الهدف. 17 - الولاء والبراء على الأهواء والرغبات، وما يوافق المواقف لا على الدليل والسنة. 18 - الخوض في المسائل الكبرى والقضايا الخطيرة ومصالح الأمة العظمى التي لا يبت فيها إلا العلماء المعتبرون، والراسخون، وأهل الحل والعقد في الأمة، مثل تكفير الأعيان والهيئات، والخوض في البيعة والخروج ونحو ذلك. 19 - غرس الغل، وشحن قلوب الناس على المخالفين، ومن ذلك شحن قلوب الصغار والنساء والعوام والغوغاء الذين ليس لهم حل ولا عقد، مما يفسد ذات البين، ويفتح باب الغوغائية والفتن التي تفسد الدين، وتهلك الحرث والنسل. 20 - إهمال جانب المناصحة لولاة الأمور والتخذيل عن ذلك وتخطئة من يفعله. 21 - إدمان الكلام والثرثرة في ما لا شأن للعامة فيه من السياسة والمظالم والأثرة، ونحو ذلك مما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر عليه، ومما لا يمكن معالجته إلا مع ذوي الشأن وأهل الحل والعقد في الأمة من العلماء والولاة، وأهل الرأي والمشورة. 22 - استحلال الغيبة باسم مصلحة الدعوة، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أعظم ذلك غيبة العلماء والولاة أو المخالفين من أهل الاستقامة. 23 - تصيد زلات العلماء وطلاب العلم والصالحين وإشهارها، والسكوت عن أخطاء أهل الفسق والفجور والزندقة وإغفالها. 24 - ضيق العطن وقلة الصبر واستعجال النتائج في أمر الدعوة وغيرها، مما يبعث روح اليأس والتشاؤم والتصرفات المتشنجة. 25 - ضعف الحكمة وقلة التجارب، مما يجعل البعض يقعون في أخطاء وقع فيها السابقون من أمثالهم، فلم يستفيدوا من العبر والدروس فإن السعيد من وعظ بغيره. 26 - نزعة العنف واستعمال القوة، بما في ذلك اللجوء إلى الأعمال غير المشروعة في سبيل النكاية بالمخالف كالوشاية والاستعداء والبهتان والمقاطعة. وقد يصل الأمر عند بعضهم إلى الضرب والإضرار المباشر. 27 - ترك الدراسة في المدارس والمعاهد والجامعات، وتحريمها أو تحريم العمل في الوظائف الرسمية. 28 - تحريم بعض المباحات، والتشدد في ذلك ومنه التوقف في التعامل مع المسلمين أو الحكم عليهم. 29 - الإخلال بمفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأساليبه، أو سلوك المعتزلة والخوارج وأهل الأهواء في ذلك. وفي الجملة؛ فإن هذه الظواهر إنما توجد عند القليل من أبناء الأمة، وليست في بلد واحدة، ولا في طائفة أو جماعة دون أخرى، لكنها قد تكثر في جماعة أو طائفة أو بلد وتقل في آخر، بل ربما يكون شيء منها في طوائف تدعي السلفية، وأخرى تدعي السنة والجماعة، وثالثة تنتمي إلى فرق هالكة كالرافضة، والخوارج، والمعتزلة، والصوفية، وأهل الكلام، ورابعة تنتمي إلى جماعات محدثة وشعارات. هذا ... وأسأل الله لي ولجميع المسلمين وأئمتهم وعامتهم وشبابهم التوفيق والهداية والسداد والرشاد، وأن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا وشبابنا إلى ما فيه صلاح الأمة في دينها ودنياها وأن يقينا جميعا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يوفق جميع المسلمين لسلوك طريق السنة، ويهديهم سواء السبيل، وأن يجمع كلمتهم على الحق وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه. وكتبه ناصر بن عبدالكريم العقل.

الخوارج دراسة ونقد لمذهبهم

الخوارج دراسة ونقد لمذهبهم ¤ناصر بن عبدالله السعوي£بدون¥دار المعراج الدولية¨الأولى¢1417هـ€فرق وملل ونحل¶خوارج الخاتمة: تم بفضل الله وتوفيقه، ما أردت ذكره في هذه الرسالة، عن موضوع الخوارج ودراسة مذهبهم ونقده. وقد أشرت في مقدمة هذه الرسالة إلى ما يعانيه المسلمون في هذا الزمان من التفرق والتمزق واختلاف الكلمة، وهذا مرض خطير قد عرض الأمة إلى الهلاك والويلات والدمار والضعف والانهيار حتى أصبحوا لقمة سائغة للأعداء. وواجبنا نحن المسلمون اليوم أن نبحث عن علاج نستطب به، ولكن قبل ذلك لا بد من معرفة أسباب ذلك الداء وأصوله. وقد بحثنا عن هذه الأسباب فلم نجدها وليدة هذا العصر بل وجدناها ضاربة في أعماق التاريخ الإسلامي، ومنذ فجر الإسلام، إذ إن من هذه الأسباب: الجهل بحقيقة الدين ومبادئه السامية وتحكيم الرأي وهوى النفس ولو كان مخالفا للشرع وعدم تمكن الإسلام من قلوب كثير من المسلمين مما جعلهم ألعوبة بأيدي أعداء الإسلام الذين يحملون له الكيد والحقد فتظاهروا بالإسلام حيلة لتحقيق أغراضهم وأطماعهم وهذا من أعظم أسباب تفرق الأمة الإسلامية. وبناء على ذلك ظهرت فرق منتسبة إلى الإسلام وهي مخالفة للمنهج الإسلامي الصحيح بعيدة عن الصراط المستقيم. (والخوارج) هم إحدى تلك الفرق وقد ذكرت في الباب الأول من هذه الرسالة: نشأتهم وأصل مقالتهم وسبب خروجهم عن جماعة المسلمين، وهو لا يعدو تلك الأسباب المذكورة. وحتى الخوارج بعد مفارقتهم لجماعة المسلمين لم يسلموا من الفرقة والخلاف بل دب النزاع بينهم فأصبحوا فرقا بينها من الشقاق والنزاع ما الله به عليم، كما بينت ذلك في الباب الثاني. وإذا تدبرنا أهم آرائهم التي يجمعهم القول بها وجدناها من أعظم أسباب التفرق والانشقاق، وهي قولهم بتكفير صاحب الكبيرة، ورأيهم في الإمامة. أما تكفير صاحب الكبيرة فعندهم أن من فعل معصية كبيرة فهو كافر خارج من الدين، وتجب البراءة منه، وهذا من أعظم أسباب التفرق والتمزق حيث إنه لا يسلم من ارتكاب معصية إلا القليل من الناس. لكن الإسلام قد وضع الحلول العادلة التي تردع العاصي ولا تفرق الأمة؛ فبدعة الخوارج هذه من أعظم الأدلة على جهلهم وخبث مبدئهم. وأما من جهة الإمامة: فعندهم أنه يجب الخروج على الإمام عند أدنى مخالفة من جور أو ظلم أو معصية أو نحو ذلك، حتى ولو أدى الأمر إلى الشقاق وحمل السلاح وسفك الدماء. فهذا من أعظم أسباب تفرق الأمة وتمزق شملها وذهاب قوتها. ولذلك حرم الإسلام الخروج على الإمام المسلم. وإذا تدبرنا حركات الخوارج وجدناها عاملا أساسيا في تفريق كلمة المسلمين وإضعافهم وإراقة بعضهم لدماء بعض، حتى وإن تظاهروا بإرادة الخير ونصرة الإسلام، ولكنهم يحملون أفكارا ليس فيها إلا الضرر والشر المحض. ولذلك حذرنا منهم الرسول صلى الله عليه وسلم، كما حذرنا منهم الصحابة والسلف الصالح. فالواجب على المسلمين اليوم أن يأخذوا حذرهم من أعداء الإسلام، وأن تكون لهم عبرة بما مضى. وأن يتفقهوا أمر دينهم وأن يتمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ففي ذلك السعادة والفلاح والنجاة، في الدنيا والآخرة.

الخوارج تاريخهم وأراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها

الخوارج تاريخهم وأراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها ¤غالب بن علي عواجي£بدون مكتبة لينة - مصر¨الأولى¢1418هـ€فرق وملل ونحل¶خوارج وقد انتهيت من دراستي للخوارج إلى أهم النتائج الآتية: في الباب الأول: 1 - تبين لي من دراسة جميع الآراء التي قيلت في التعريف بالخوارج وتحديد نشأتهم، أنهم باعتبارهم فرقةً متميزة لها آراء خاصة معروفة، هم الذين خرجوا على الإمام علي في وقعة صفين بعد قضية التحكيم، وامتد تاريخهم بعد ذلك من خلال فرقهم العديدة وحركاتهم الثورية على الدولة الإسلامية. 2 - تبين لي من دراسة كيفية خروج الخوارج على الإمام علي نتيجةً لقبول التحكيم حسب روايات المؤرخين أنه كان مكرهاً في قبوله (¬1)، خلافاً لمن ذهب إلى أنه كان برضاه، ونتيجةً لاتصالات شخصية بينه وبين معاوية، وأنه كان مكرهاً كذلك في إنابة أبي موسى الأشعري عنه، وأنه لا يُعدُّ ذلك طعناً منه في دينه، وتبين لي تبرئة الصحابة من الخداع في تلك القضية، وتبرئة الإمام علي فيما اتهم به من العصبية القبلية، والاعتداء على الخوارج في موقعة النهروان بدون مبررات تدعو إلى ذلك. 3 - ظهر لي خطأ من زعم أن الخوارج كاد أن يقضى عليهم نهائياً في موقعة النهروان، حتى انقطعت الصلة بينهم وبين الفرق الخارجية التي ظهرت في العصرين الأموي والعباسي، وبيَّنت أنه بقي من الخوارج بعد موقعة النهروان وفي بقية المناطق الإسلامية الأخرى كثرة عددية جعلت تاريخهم متصلاً، خلافاً لمن شكك في تلك الحقائق. 4 - انتهيت إلى أن ظاهرة الخروج لم ترجع إلى سبب واحدٍ، بل عملت عليها أسباب قريبة مباشرة وأخرى بعيدة، وأنه كان لكل منها أثره في تلك الظاهرة، قوي هذا الأثر أم ضعف. 5 - ظهر لي من دراسة حركات الخوارج أنهم لم يكونوا منظمين في خروجهم، ولم تحكمهم قيادة حكيمة بقدر ما حكمهم التهور والاندفاع. وأن موقف الدولة منهم على العموم كان يتسم بالعنف وكان ينقصه المعاملة بالحكمة والحسنة حتى للمعتدلين من الخوارج كأبي بلا وغيره، ولو تغيرت المعاملة لكان ذلك عاملاً في صلاحهم، حافظاً لقوة الدولة التي أنهكتها معاركها معهم. 6 - من تأريخنا للفرق الكثيرة التي تشعبت إليها الخوارج يتضح لنا أن كثرة هذه الفرق ترجع إلى سرعة اختلافهم على بعضهم لأتفه الأسباب، وكذلك إلى ما نأخذه على علماء الفرق من ولعهم بتكثير ما يذكرونه من فرق الخوارج ونسبتها إلى زعمائها، حتى ولو لم تستحق تسميتها كذلك لقلتها. 7 - انتهينا من بحث خصائصهم إلى أنهم كانوا أهل شجاعة وسرعة اندفاع، بالإضافة إلا ما تميزوا به من كثرة العبادة والزهد والفصاحة وصدق في الحديث، وصبر على الجدل والمنازعة. في الباب الثاني: 1 - رجحت أن الخوارج يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين، وأنهم لم يكونوا سواءً في تمسكهم بظاهر النص، أو في أخذهم بمبدأ التأويل، ولم يلتزموا بأحد هذين المنهجين، بل أخذوا بكل منهما حسب ما يقتضيه تحقيق أهدافهم. 2 - انتهيت من دراسة آراء الخوارج (ولاسيما الإباضية منهم) في بعض مسائل الإلهيات والسمعيات إلى أنهم ينكرون زيادة الصفات على الذات الإلهية ويؤولون الصفات الخبرية، وينكرون الرؤية، ويختلفون في القول بالقدر، وأنهم ينكرون وجود الجنة والنار الآن، وكذلك ينكرون عذاب القبر والشفاعة، وينكرون الحقائق الشرعية للصراط والميزان يؤولونهما. ¬

(¬1) لقد اعتمد في هذه النتيجة على روايات أصحاب الفرق والتاريخ، انظر ما تقدم في قضية التحكيم.

3 - الخوارج يعتبرون أن العمل جزء من حقيقة الإيمان، فلا يتم إلا به، وأن الإسلام والإيمان عندهم بمعنى واحد، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص إلا عند الإباضية منهم، وأنهم وإن اتفقوا مع السلف في اعتبار العمل جزءاً من الإيمان؛ إلا أنهم اختلفوا في النتائج المترتبة على ذلك فيما يتعلق بحكم مرتكب الكبيرة. 4 - بينت خطأ ما يشاع عن الخوارج أنهم جميعاً يكفرون مرتكبي المعاصي كفر ملة، بل هناك من يفرق بين الصغيرة والكبيرة، وأن الإباضية يكتفون بتكفير العصاة كفر نعمة، وإن اتحدوا مع غيرهم في القبول بخلود العصاة في النار، وبينت مدى اختلافهم في كل ذلك عن موقف السلف في هذه القضية. 5 - بينت أن الخوارج يقولون بضرورة الإمامة العظمى، خلافاً لما قيل غير ذلك، وأن ما نُسب إليهم من القول بعدم ضرورتها ربما كان رأيهم في بادئ الأمر، أو لبعض الغلاة من النجدات، بدليل أنهم لم يعملوا به، بل على العكس من ذلك كان لهم ولاتهم منذ تجمعهم قبل موقعة النهروان، وتبين لي أن شروطهم في الإمامة شروط شديدة معظمها صحيح، وأنهم خالفوا ما ورد من الأحاديث في شرط القرشية دون أن يعتبروا هذا الشرط ولو مرجحاً، وأنهم اختلفوا في إمامة المفضول، ولم يجز إمامة المرأة إلا الشبيبية. 6 - بينت مدى الخلاف بين الخوارج وأهل السنة في غلوهم في الخروج على الإمام لأدنى سبب. 7 - مخالفة الخوارج لأهل السنة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما هي في قيامهم بذلك على أي حال ولأي سبب، دون تقدير للعواقب المرتبة على ذلك التغيير، حتى فعلوا من المنكرات باسم تلك القاعدة أكثر مما أرادوا من الإصلاح. 8 - ظهر لي اختلاف الخوارج في حكم التقية والقعدة تحليلاً وتحريماً. 9 - بينت بالدراسة الوافية من واقع مواقف الخوارج وكلامهم غلوهم الشديد في الحكم على مخالفيهم عموماً، ومخالفتهم في ذلك لهدي الإسلام. 10 - انتهيت إلى رفض أقوال المكفرين للخوارج مطلقاً، وكذلك أقوال المكتفين بتفسيقهم أو تبديعهم مطلقاً، ورأيت أنهم جميعاً لا يشملهم حكمٌ واحدٌ، بل يختلفون في ذلك باختلاف فرقهم ومدى قرب آرائهم أو بعدها عن الدين، ومدى اعتدال بعضهم من موقفهم من المسلمين. هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. 10/ 1/1398هـ

الخوارج والحقيقة الغائبة

الخوارج والحقيقة الغائبة ¤ناصر بن سليمان السابعي£بدون¥بدون¨الأولى¢1420هـ€فرق وملل ونحل¶خوارج خاتمة الكتاب: وفي نهاية مطاف هذا الكتاب، يجمل بنا أن نحرر أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة والمتمثلة فيما يلي: 1 - أن في أهل النهروان أو معارضي التحكيم عدداً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تتفق المصادر على ثلاثة منهم: زيد بن حصن الطائي، وحرقوص بن زهير السعدي وهو غير ذي الخويصرة وغير المخدج، والخريت بن راشد السامي الناجي. 2 - الصواب في قضية التحكيم مع معارضيه، وما ينسب إلى ابن عباس أنه خصمهم في حروراء غير ثابت. 3 - لم يكن أهل النهروان راضين عن مقتل عبدالله بن خباب، بل قتله أحد الذين انضم إليهم فيما بعد وهو مسعر بن فدكي التميمي، وقد طرده أهل النهروان. نسبة التكفير إلى أهل النهروان غير ثابتة، وإن ثبتت فيحمل على الكفر بمعنى المعصية كما وردت بذلك نصوص القرآن والسنة النبوية. 5 - ظهر مصطلح الخوارج بعد ظهور الأزارقة عام أربعة وستين من الهجرة النبوية، وبرز في عام اثنين وسبعين. 6 - ينحصر معنى الخوارج الاصطلاحي فيمن يحكم على مخالفيه بالشرك أو الكفر المخرج من الملة الذي ترتب عليه جواز الاستعراض؛ أي قتل المخالفين ومعاملتهم بأحكام المشركين. 7 - يجمع المحكمة الآراء التالية: أ- رفض التحكيم. ب- جواز أن تكون الإمامة في غير قريش. ج- جواز الخروج على الأئمة الجورة. د- الحكم بالكفر على عصاة الأمة، لكن يحمل على كفر النعمة عندهم فيما قبل عام أربعة وستين من الهجرة، أما بعد ذلك فلم يلتزم به سوى الإباضية. 8 - مقتل الإمام علي كرم الله وجهه على يد عبدالرحمن بن ملجم لم يكن بتدبير من المحكمة. 9 - الفرق التي يصح أن تنسب إلى الخوارج هي الأزارقة والنجدات والصفرية دون الإباضية بسبب تبني الفرق الثلاث الحكم على المخالفين بالشرك المخرج من الملة، أما الإباضية فإنهم يعاملون مخالفيهم معاملة المسلمين بكل أوجهها. 10 - حديث المروق حديث صحيح ثبت عن عشر طرق عن الصحابة. 11 - يمكن أن يحمل حديث المروق على الخوارج الذين ظهروا بعد عام أربعة وستين من الهجرة، وذلك لانطباقه على صفاتهم المتمثلة في كثرة العبادة مع الانحراف في توجيه بعض الآيات والنصوص الشرعية المتعلقة بالمشركين بجعلها متوجهة إلى أهل القبلة، فيرتب عليه استباحة القتل مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم في بعض ألفاظ هذا الحديث: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان). وينسحب هذا الحكم على كل من يتبنى الفكر الخارجي قديماً وحديثاً. 12 - حديث المخدج لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو زيادة شاذة. 13 - حديث شيطان الردهة حديث منكر. 14 - حديث المتعبد حديث ضعيف. 15 - حديث الإمام علي: "لقد علمت عائشة بنت أبي بكر أن أهل النهروان ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم" حديث ضعيف. 16 - حديث الإمام علي: "أمرت بقتال الناكثين والفاسطين والمارقين" حديث موضوع. 17 - حديث (تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق) صحت بعض أسانيده، لكنه غير صريح في قوم مخصوصين. وأما إن حمل على أهل النهروان فلا يصح بالزيادة، والصحيح منه بلفظ (لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة). 18 - حديث (الخوارج كلاب النار) لا يصح رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأقرب أنه موقوف على أبي أمامة الباهلي صدي بن عجلان.

هذا، وقد تجلى للقارئ الكريم أن أهل النهروان ومعارضي التحكيم الذين قيل عنهم ما قيل طوال القرون الغابرة، والذين طالما شوهت حقيقتهم ونالهم من ظلم الفرق الأخرى ومن حيف كثير من المؤرخين والكتاب الشيء الكثير، كانوا – في الحقيقة – طلاب حق أصابوه، وإن قيل عنهم غير ذلك، بل كانوا هم أصحاب الرأي الحازم والنظرة النافذة في أعماق الأحداث، وقد جرت الأمور على ما توقعوه، والمتأمل في المجريات التاريخية يتبين له صدق هذه النتيجة. ولا غرابة في ذلك، فقد كانوا من أهل الفضل والعلم، وكان فيهم جملة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الأقدمين منهم. كما وصفوا بأنهم أصحاب البرانس والسواري، وفي ذلك دلالة واضحة على اتصافهم بنعوت الخير والتقى والزهد في الحياة، ووصفوا بالقراء الذي كان لقباً للعلماء والفقهاء يومئذ، وقد تقدم عن ابن عباس ما يكفي للتأكد على صحة هذا الوصف، فقد قال لعتاب بن الأعور التغلبي – أحد معارضي التحكيم – كما سبق إحالته إلى ابن أبي شيبة في مصنفه: "إني أراك قارئاً للقرآن، عالماً بما قد فصلت ووصلت"، الأمر الذي دعا راوي القصة – وهو كليب بن شهاب الجرمي – إلى وصفه بقوله: "كأنما بنزع بحاجته من القرآن في سورة واحدة". إضافة إلى ما سبق ذكره من الأمور الأخرى التي تشهد لقوة ما صاروا إليه في مسألة التحكيم. وبناء عليه فلا مجال لقبول تأويل حديث المروق الصحيح أو غيره فيهم. وقد بان جلياً أن حديث المخدج الذي يقتضي أن يراد به أهل النهروان غير ثابت، بل حكمت عليه السيدة عائشة رضي الله عنها بأنه مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم حسبما تقدم ذكره وذكر النقاش فيه. كما تجلى أيضاً أنهم بريئون من وصمة الخوارج التي تلصق بهم. والأمر نفسه يجري على من نهج نهجهم دون غلو ولا شطط كما هو حال الأزارقة والنجدات والصفرية الذين حكموا على مخالفيهم بالشرك والكفر المخرج من الملة. ورغم ذلك، فإن ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث التي تنص على الذين سموا بالخوارج أو تشير إليهم لا يثبت، وليس كل ما يروى في الخوارج يكون صحيحاً، وذلك كالأحاديث التي مرت في الفصول المتقدمة، وكمثل حديث (الخوارج كلاب النار) الصريح بلفظه، فلا يصح أن يكون من كلام خير البشر صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى وقد أوتي جوامع الكلم وأفانين البلاغة. ومن الجدير الإشارة إليه أن مثل هذه الروايات تأتي ضمن الحملة التي شنها الأمويون ضد أهل النهروان وأتباعهم والخوارج والمنسوبين إليهم، فقد اتخذوا أساليب عدة للتشنيع عليهم وتشويه صورتهم تجاوزت إلى الأحلام والمنامات. وأما ما ورد عن الصحابة أو بعضهم من ذم الخوارج – الأزارقة والنجدات والصفرية – فلا يدخل ضمن تلك الحملة، فإنما قالوا بالحق ونطقوا بالصدق.

وصدور بعض ألفاظ الذم منهم في حق أناس بعينهم يعطيه بعض الرواة حجماً أكبر ليصير ذلك بعد فترة من الزمن نصاً شرعياً. ويضاف إلى هذه الظاهرة – وهي ظهور روايات ضد مخالفي السلطة الأموية أو غيرهم – الحديث الموضوع المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرجئة والقدرية والروافض والخوارج يسلب منهم ربع التوحيد، فيلقون الله عز وجل كفاراً خالدين مخلدين في النار). رواه ابن الجوزي في الموضوعات، وفيه محمد بن يحيى بن رزين قال: حدثنا أبو عباد الزاهد، قال ابن الجوزي: "هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن حبان: محمد بن يحيى بن رزين دجال يضع الحديث لا يحل ذكره إلا بالقدح فيه. قال: وأبو عباد لا يحل الاحتجاج به". [ابن الجوزي "الموضوعات" 1/ 205 في ذم المرجئة والقدرية والروافض والخوارج]. ويقاس على هذا الأمر ما يوجد من الروايات في حق التيارات التي خاضت غمار الصراع السياسي في أدوار التاريخ المتقدمة. ويشمل الأمر الأمويين أنفسهم، فقد وضعت فيهم وفي غيرهم من الذين كانوا يحكمون بمنطق السيف روايات لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان ذلك المنطق المتعسف سبباً لاختلاقها. وهذا شأن جميع الفرق المنتسبة إلى الإسلام، اللهم إلا الذين أطلق عليهم الخوارج، فقد كانوا أبعد الناس عن الكذب على عامة البشر فكيف بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا أمر يشهد به الكل ويعترف به الجميع وتقره الدراسات. ومن أبسط الأمثلة عليه وأقربها قول ابن تيمية – وقد تقدم – في حق الذين سموا بالخوارج: "لا يعرف فيهم من يكذب"، وقوله: "ليسوا ممن يتعمدون الكذب، بل هم معروفون بالصدق حتى يقال إن حديثهم من أصح الحديث". وختاماً ألفت انتباه القارئ إلى أن يمعن النظر في هذه القضية ويكون على حذر من أغراض كثير من الرواة، كما أعطف عنايته إلى موضوع هذا الكتاب ليكون محل تأمل وموضع وقفة متأنية تستجلي من خلالها الحقيقة، من أجل خدمة الهدف المشترك بين أبناء هذه الملة الحنيفية وهذا الدين الناصع. أسأل الله عز وجل أن يأخذ بأيدينا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه، وصلى الله على رسوله الكريم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الصوفية في حضرموت – نشأتها – أصولها – آثارها

الصوفية في حضرموت – نشأتها – أصولها – آثارها ¤أمين بن أحمد بن عبدالله السعدي£بدون¥دار التوحيد – الرياض¨الأولى¢1429هـ€فرق وملل ونحل¶تصوف - صوفية الخاتمة: انتهى – بفضل الله وإعانته – ما أردته من هذا البحث، الذي تعرض لدراسة الصوفية في حضرموت (نشأتها وأصولها وآثارها)، فلله الحمد أولاً وآخراً على ما أسبغ علي من نعمه الظاهرة والباطنة، وأجلها نعمة الإسلام والسنة، ثم سلوك طريق علم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح، وفي ختام هذا البحث أسجل النتائج التي أختم بها هذه الرسالة وهي كالآتي: 1 - حضرموت لفظ مكون من كلمتين: (حضر) و (موت) ركبت تركيباً مزجياً فصارت كلمة واحدة، وقد اختلف في سبب تسميتها بذلك على أقوال بينتها في فقرات البحث، وتبين أن حضرموت اسم موضع واسم قبيلة. 2 - تبين من خلال البحث أن حضرموت كانت بها أديان مختلفة قبل دخول الإسلام إليها، فقد وجدت بها عبادة الشمس، وعبادة الأصنام ونحو ذلك، ثم دخلتها اليهودية، ثم النصرانية وبعد ذلك دخلها الإسلام فرحل بعض رجالها إلى المدينة لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم ولتعلم دين الله تعالى. 3 - أن دخول الإسلام لحضرموت كان مبكراً بالنسبة لغيرها من البلدان، وكان لها أثر واضح في نشر الإسلام بعد ذلك، ولكنه عكر هذا الإسلام المصفى ما نشره المتصوفة فيما بعد من الشركيات والبدع. 4 - تعددت الأقوال في أصل اشتقاق التصوف وفي معناه، وقد ذكرنا بعض تلك الأقوال، وترجح أن التصوف نسبة إلى الصوف؛ لأنه كان غالب لباس الزهاد. وأما معنى التصوف فالذي يظهر أنه يختلف المعنى بحسب العصور التي يمر بها التصوف، فقد نشأ التصوف في بدايته لأسباب أهمها: نزعة الزهد لدى البعض، بالإضافة إلى الظروف الاجتماعية والسياسية التي سادت المجتمع في ذلك الوقت، ثم دخلت عليه نظريات فلسفية أبعدته عن دين الله تعالى، فالتصوف عند بعضهم رياضات يقوم بها السالك لهذا الطريق ليصل من خلالها إلى وحدة الوجود ويشعر أن الكون والله شيء واحد – تعالى الله عن ذلك-. 5 - إن دخول التصوف إلى حضرموت كمنهج له قواعده وأصوله ورجاله كان في القرن السادس، وتمكن في القرن السابع على يد محمد بن علي العلوي الملقب بالفقيه المقدم، وإن وجد قبله بعض الشخصيات التي تشربت بالتصوف إلا أنه لم يكن لها دور كبير في تأسيس التصوف بحضرموت، وكان لدخول التصوف أسباب بينتها في ثنايا هذا البحث، منها: الجهل، ووجود العلويين القادمين من العراق، والاتصال ببعض البلدان التي دخل التصوف إليها مبكراً وغير ذلك. 6 - تبين لي من خلال البحث وجود صلة قوية بين أهل حضرموت وبين صوفية العالم الإسلامي خاصة صوفية المغرب، وصوفية زبيد، وإن كان هناك بعض الغموض في التاريخ الحضرمي حيث لم تعرف تفاصيل تلك الصلات، وتتضح الصلة ببلاد المغرب، وذلك بإرسال مندوبين لحضرموت، من قبل شعيب أبي مدين التلمساني؛ لنشر خرقة التصوف هناك، وتحكيم بعض الشخصيات الحضرمية؛ لنشر الطريقة المدينية بتلك الجهة. 7 - قام الصوفية الأوائل في حضرموت بنشر التصوف بتلك الجهة وإلى جهات أخرى في اليمن وخارجها، وكان لهم تلاميذ نشروا هذا الفكر في مناطقهم بينا أبرزهم ودورهم في ذلك. 8 - إن الطريقة المنتشرة في حضرموت، هي الطريقة العلوية نسبة إلى آل باعلوي، الذين قدموا من العراق واتخذوا حضرموت موطناً لهم، وتبين من خلال البحث أن هذه الطريقة عبارة عن مزيج من الطريقتين الشاذلية والغزالية، لها طقوسها وشعائرها التي يسلكها المريد ليصل إلى الغايات المزعومة التي يروج لها شيوخ الصوفية.

وقد تفرعت من الطريقة العلوية طرق كثيرة انتشرت في حضرموت وفي بعض بلدان العالم الإسلامي: كالعيدروسية، والحدادية، والعطاسية وغيرها. كما وجدت بعض الطرق الصوفية بحضرموت، كالعبادية، والعمودية لها ارتباط بالطريقة العلوية في كثير من طقوسها وأهدافها. 9 - وجد في حضرموت بعض الصوفية الغلاة الذين اعتنقوا فكرة وحدة الوجود وسطروا ذلك في مؤلفاتهم، منهم: عبد الله العيدروس، وابنه أبو بكر، وأبو بكر بن سالم العلوي، وعبد القادر العيدروس، وأحمد باعشن، وهناك بعض المتصوفة لهم إشارات وعبارة توحي بالقول بهذا العقيدة، ويرجع السبب في ذلك إلى التعمق في التصوف بالإطلاع على كتب الغلاة كابن عربي، والحلاج، وابن الفارض، بل قد قام بعضهم بشرح تلك الكتب، كما فعل أبو بكر العيدروس، وأحمد باعشن. 10 - واتضح من خلال البحث أن الصوفية تتواجد بكثرة بمدينة تريم منذ نشأتها إلى اليوم، إذ تعتبر القاعدة التي بث منها المتصوفة أفكارهم المنحرفة إلى بقية مناطق حضرموت، ثم بقية بلاد اليمن, ثم إلى البلدان الأخرى خارج اليمن: كالهند، وأندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، وبلدان شرق أفريقيا. وأما ما يتعلق بأصول صوفية حضرموت العقدية وآثارها والجهود المبذولة في مقاومتها فيتضح فيما يلي: عند دراسة عقائد صوفية حضرموت اتضح لي أن القوم بنوا اعتقاداتهم على القصص والحكايات، ومسائلة مشايخهم ونحو ذلك، فهم ليسوا كغيرهم من الفرق الذين كتبوا مؤلفات مستقلة في بيان اعتقادهم، فهذا أمر قليل عند صوفية حضرموت، وإنما تجد تقرير عقائدها مندرجاً في التراجم، وكتب المناقب والكرامات، وكتب التاريخ، وفي الأشعار والحضرات، وكتب الأوراد والأذكار ونحوها. وتبين أن صوفية حضرموت اتخذت مصادر للتلقي تختلف عن المصادر التي اعتمدها أهل السنة والجماعة؛ فاتضح انحراف صوفية حضرموت في ذلك وتلقيها من غير الكتاب والسنة، وأما نصوص الكتاب والسنة فقد أولوها وفوضوها؛ بل وفسروها بتفاسير باطنية أبعدتها عن معانيها المرادة. واعتمد القوم الكشف والرؤى والمنامات في تلقي أمور دنيهم؛ بل ادعوا التلقي من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته، وكذا من الخضر عليه السلام، ومن مشايخهم الأموات. وأما التوحيد فقد انحرفوا في جميع أنواعه الثلاثة، ففي توحيد الربوبية: اعتقدوا أن مشايخهم وأولياءهم أقطاب وأغواث يتصرفون في الكون، ويملكون صفات وأفعال الرب تعالى من علم الغيب، والإحياء، والإماتة، والتصرف بالدنيا والآخرة وغير ذلك. ومن انحرافهم في الربوبية أيضاً: قول كبار مشايخهم بعقيدة وحدة الوجود, وهي الاعتقاد أن الوجود واحد وليس هناك خالق ومخلوق – تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً – وهذه العقيدة نسف لدين الإسلام من أساسه. وفي توحيد الأسماء والصفات مع قول كبار مشايخهم بوحدة الوجود وجعل صفات الرب للمخلوق فأنهم كذلك اتبعوا منهج المتكلمين – الأشاعرة – وسلكوا طريقهم في هذا الباب، فقالوا بإثبات بعض الصفات دون بعض، وقالوا بالتأويل والتفويض البدعيين في صفات الله تعالى، ونفوا كثير من صفات المولى سبحانه كصفة العلو، والاستواء، والنزول، والكلام. وقالوا في الرؤية أنه تعالى يرى لا في جهة، كما أنكروا صفة الوجه، واليدين، والقدم، والصفات الفعلية – الاختيارية – لله تعالى، كالرحمة، والغضب، والرضا، وقد ذكرت نصوصهم في ذلك ورددت عليها بالأدلة الشرعية وأقوال أهل العلم. وأنكرت صوفية حضرموت أن يكون القرآن كلام الله تعالى، وقالوا: هو عبارة عن كلام الله؛ لأن كلامه تعالى – بزعمهم – معنى واحد، قديم أزلي، ليس له تعلق بمشية الله وقدرته، ليس بحرف وصوت، وإنما هو كلام نفسي.

وتبين أن الإيمان عند صوفية حضرموت مجرد التصديق، فمن أتى بالتصديق عندهم وترك العمل فهو مؤمن عندهم، فهم على مذهب المرجئة في هذا الباب. وأغفلت صوفية حضرموت توحيد الألوهية فلم يعرفوا معنى هذا التوحيد الذي بعثت به الرسل، ولم يعرف القوم كذلك أول واجب على المكلف، ولا معنى العبادة التي أمر بها العباد، فقادهم ذلك للوقوع في الشرك الأكبر وطلبهم من الأولياء والشيوخ الأموات قضاء الحاجات، ودعاءهم، والاستغاثة بهم، وجعلهم شفعاء عند الله، وكذا توسلوا بهم لعدم معرفتهم بالتوسل المشروع فتوسلوا بذات الشخص وبجاهه، فالتوسل بذات الشخص معناه: جعله واسطة بين الله وبين خلقه، وحرفوا هذه المصطلحات الشرعية ليسوغوا شركياتهم وبدعهم. كما انحرفت صوفية حضرموت في عدم معرفة نواقض التوحيد, فوقعوا في الشرك, وصححوا شركيات مشايخهم وأوليائهم، وزعموا أن ذلك ليس بشرك, وإنما هم واسطة بينهم وبين الله لا يريدون منهم سوى أن يقربوهم إلى الله تعالى؛ لمنزلتهم الرفيعة عند الله تعالى، فشابهوا في زعمهم هذا قول المشركين تماماً في ذلك، وينطبق عليهم قول الله تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه مختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} [الزمر: 3]. وفي النبوة: انحرفت صوفية حضرموت في هذا الركن الذي يعد الركن الرابع من أركان الإيمان، حيث رفعوا منزلة مشايخهم وأوليائهم إلى مرتبة النبوة، واعتقدوا أن إلهام الولي كالوحي للنبي، وقالوا بعصمة الأولياء، بل وفضلوا علوم أوليائهم على علوم الأنبياء. واضطربوا في النبوة كذلك، فقال بعضهم بأقوال الفلاسفة من أن النبوة تكتسب بالرياضات والمجاهدات ونحو ذلك، ولم يعبأوا بنصوص الوحي, وإنما اعتمدوا مصادر المكاشفات والأذواق والمنامات ونحوها. وغلا القوم في شخص النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا بالحقيقة المحمدية، وأنه أول مخلوق، وأن الوجود خلق من نوره صلى الله عليه وسلم، واعتقدوا حياته صلى الله عليه وسلم في قبره كحياته في الدنيا، وتصرفه بالخروج إليهم، ومحادثتهم، والتلقي عنه، كما اعتقدوا تجزؤ جسد النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقدوا إحاطة علمه بالأولين والآخرين، وأنه مرسل إلى جميع الملائكة والنبيين ونحو ذلك من مظاهر الغلو التي نهى عنها الشرع. وفي القدر: انحرفت صوفية حضرموت في باب القدر الذي يعتبر الركن السادس من أركان الإيمان التي يجب الإيمان بها، فتناقضت فيه حيث قررت أن أولياءها يخلقون فعل أنفسهم؛ بل ويتصرفون في الكون كله ومن فيه – كما هي عقيدة القطبية – نجدها في المقابل اعتمدت عقيدة الجبرية، وسموها كسباً تبعاً للمذهب الأشعري، فنفت وجود قدرة للعبد مؤثرة في الفعل، كما نفت الأسباب أن تكون أسباباً، ونفت الحكمة والتعليل في أفعال الله، وقالت بقول المتكلمين في التحسين والتقبيح، وكذا انحرفت في مفهوم التوكل الصحيح حيث دعت لترك الأسباب، وادعت أنهم بترك الدنيا تسخر لهم الأكوان. كما ادعى القوم معرفة ما في اللوح المحفوظ، وتصرفهم فيه كيف شاءوا.

وانحرف القوم في الركن الخامس من أركان الإيمان، وهو الإيمان باليوم الآخر، فتكلموا في أمور المعاد بلا علم، وأولوا بعضها بكلام يشبه كلام الباطنية، وادعوا تصرفهم فيها، فقد زعموا أن أولياءهم يحشرون يوم القيامة أمة لوحدهم، ويتصرفون في الصراط فيمرون عليه, بل وإمرارهم لمن يشاءون من الناس ثم إدخالهم الجنة. في الصراط، ومرورهم عليه بسلام وإمرار غيرهم معهم إلى الجنة. كما ادعوا التصرف في الجنة والنار، وتكلموا في شأنهما بلا علم، وزهد كبارهم في الجنة ولم يبال بالنار، وادعوا معرفة مصير الخلق في الآخرة، وضمان الجنة لمن يشاءون، وإخراج من يشاءون من النار. وفي عذاب القبر ونعيمه: زعموا أن أولياءهم ومشايخهم يطلعون على أمور البرزخ، ويتصرفون فيه أحياءً وأمواتاً، وخاضوا في الكلام فيما يقع بعد الموت بلا علم ولا دليل، وقالوا بعدم انقطاع عمل الولي بعد موته. وأما آثار صوفية حضرموت فكثيرة نجملها في الآتي: الغلو في الأولياء والصالحين: وهذا الأثر أعظم الآثار التي تتميز به الصوفية في كل زمان ومكان، إذ دينهم قائم على تقديس الأشخاص، حيث أعطوا أولياءهم ومشايخهم صفات الرب تعالى، واعتقدوا رعايتهم – أحياء وأمواتاً – للناس، وبالتالي صرفوا لهم أنواعاً من العبادات، ولو لم يكن من آثار صوفية حضرموت إلا هذا الأثر لكفى؛ لكون جل المخالفات والانحرافات سببها الغلو في الذوات والأماكن ونحوها. وغلت صوفية حضرموت في القبور فصرفت لها كثيراً من العبادات، وسبب ذلك الغلو في الأموات، فقد بنوا قبورهم، واتخذوها مساجد، ووضعوا عليها السرج وزخرفوها وأحاطوها بالتقديس والتعظيم، ونشروا الحكايات في عقوبة من لم يعظمها، وروجوا لزيارة قبور مشايخهم ومعظميهم بوسائل كثيرة، وشدوا الرحال إليها لاعتقادهم بركتها لاسيما قبور كبارهم الذين ادعوا لهم مطلق التصرف في أمور الدنيا والآخرة أحياءً وأمواتاً. وأما العبادات الشركية والبدعية عند صوفية حضرموت فقد ظهرت عبادات شركية وبدعية كثيرة، مثل: الخلوات الصوفية، والاحتفالات البدعية، والأوراد والصلوات الصوفية بل كثير من تلك الأوراد تحتوي علي الشرك الأكبر. ومن آثارهم: نشر الفكر الصوفي بوسائل متعددة، منها: التأليف والنشر وهي أكثر الوسائل انتشاراً، كما كان لهم أثر في الرحلات التي يقوم بها مشايخهم إلى مناطق مختلفة لبث عقائدهم وأعمالهم الشركية والبدعية، وكان لانتشار المكتبات والتسجيلات الصوفية ونحوها أثر في بث فكر هذه الطائفة. ومن آثارهم أيضاً نشر الأربطة والزوايا: التي تعتبر محاضن الصوفية حيث تضم مختلف شرائح المجتمع، فقد بنوا تلك الزوايا والأربطة في مناطق مختلفة من بلاد اليمن بل وخارجها. ومما تقدم يتضح خطورة الصوفية وعقائدها، ومناقضتها لأصول الإسلام وتأثيرها الهدام على العقيدة والعبادة والأخلاق، وما تركته من انحرافات علمية وعملية في مجتمع حضرموت وفي غيره من البلدان التي هاجر متصوفة حضرموت إليها خير شاهد على ذلك.

ورغم تلك الآثار السيئة التي خلفتها الصوفية في بلاد حضرموت وغيرها من البلدان التي وجدت بها إلا أن هناك من قام بمحاربة هذه الآثار السيئة على تلك البلدان، ومن أوائل أولئك أهل حضرموت أنفسهم، فقد وجد بها علماء من العلويين وغيرهم قاموا بمحاربة التصوف بوسائل مختلفة، كما بينا ذلك في مبحث الجهود ضد هذه الطائفة الدخيلة على أرض حضرموت، وتمثلت تلك الجهود بأمور كثيرة، منها: التأليف، والتحذير، والمقاومة لتلك الأعمال بقدر المستطاع، وكذا شاركهم إخوانهم من بلاد اليمن وخارجها، كما كان لبعض الولاة وبعض القبائل جهود مشكورة في نصرة الحق ومحاربة الباطل وأعوانه، واستمر هذا العطاء والبذل من أهل العقيدة الصحيحة إلى يومنا هذا، فقد وجد أهل العلم الذين يدرسون العقيدة الصحيحة، وأنشئت المراكز العلمية لتدريس دين الله تعالى، وانتشر دعاة الحق في بلاد حضرموت، وقام بعض أهل العلم بالرد على مخالفات صوفية حضرموت بالكتب والنشرات، والأشرطة الصوتية، وعبر مواقع الإنترنت وغيرها من الوسائل، فنفع الله تعالى بتلك الجهود حتى عاد الكثير من الناس إلى الحق بعد أن بقوا في شرك التصوف مدة طويلة. كما تبين من خلال هذا البحث خوف أهل الباطل من الحق وأهله، حيث أدرك متأخرو صوفية حضرموت وأتباعهم الباطل الذي هم عليه ومضى عليه سلفهم، فاضطروا لحذف كثير من الانحرافات التي احتوتها كتب سلفهم؛ كما فعل محمد بن أحمد الشاطري في المشروع الروي حيث حذف كثيراً من خرافاته لأنها – بزعمه – لا تناسب العصر، وكما يفعله هذه الأيام أبو بكر بن علي المشهور في كثير من كتبه من تخريج العبارات الشركية لسلفه. وكذا اتضح لي من خلال البحث في مؤلفات القوم في هذا الزمان خوفهم من ذكر أسمائهم على مؤلفاتهم وخاصة ما تعلق بالعقيدة، حيث يضعون عليها الأسماء المستعارة ثم ينكشف أمرهم بذكر هذه المؤلفات في كتبهم الأخرى، وقد ذكرنا أمثلة على ذلك في ثنايا هذا البحث، وهذا يبين إدراك القوم خطر ما هم عليه من الباطل وخوفهم من الحق وأهله. كما يتضح من خلال البحث استعمال متصوفة حضرموت العبارات البراقة – التي تخفي تحتها السموم –،مثل تسمية أنفسهم بدعاة الوسطية والاعتدال، ومحاربة الغلو والتطرف، ودعاة منهج أهل البيت المظلوم في هذا الزمان، وغيرها من العبارات؛ التي تهدف لاستمالة قلوب العوام والجهلة بمذهبهم المنحرف. إن ما يذكرونه عن مشايخهم وصالحيهم من الكفر والضلال وإقرار المنكرات، إما أن يكون: كذباً عليهم ويلزم الأتباع التبرئة ممن قاله، أو افتري على مشايخهم، وإلا فإنهم مقرون بالباطل، ثم إن هذه ليست بكرامة؛ لأن الوقوع في الباطل أو إقراره ليست كرامة، إنما هي إهانة وضلال، ودليل على عدم اهتداء فاعل ذلك للحق والهدى، فأنت ترى أهل السنة موفقون في أقوالهم وأفعالهم، وإن جهل حال بعضهم فأقوالهم وأفعالهم الحميدة تدل على سلوكهم طريق الهداية، ولكل نصيب من ولاية الله تعالى كل بحسبه؛ فإن الولي هو المؤمن التقي، والله المستعان. وتبين أن الصوفية في القرنين الرابع والخامس عشر أقل تأليفاً عن سابقيهم، لقلة البضاعة والضعف العلمي، والجمود على بدع وضلالات سابقيهم، والتمسك بها دون الحيدة عنها، بالإضافة إلى الانشغال بالدنيا، وإن تكلموا فيرددون الشبه القديمة التي مضى عليها أسلافهم، كما استغل بعضهم مسألة النسب لنشر باطلهم ودعوة الناس إليه.

ينبغي التنبيه أن الصوفية المعاصرين يدعون – كسلفهم –،أن التصوف: هو معالجة القلوب التي أظلمت عليها المعاصي، وزخارف الدنيا ... إلخ، وكذا ادعاؤهم أنهم شافعية، وأن منهجهم منهج الوسطية والاعتدال البعيد عن التطرف، وأن مدرستهم هي المدرسة الأبوية التي يجب الانضمام إليها؛ فبنوا المراكز الصوفية لنشر فكرهم، وساعدتهم على ذلك الإمكانيات الكبيرة، والعلاقة الكبيرة بكبار الأغنياء في بلدان مختلفة أعانوهم على ذلك، وكل ذلك لن يجدي شيئاً؛ فالحق واضح وقوي، وإن رفع الباطل رأسه في بعض الأوقات فلن يستمر طويلاً. وفي ختام هذا البحث الذي أسأل الله العظيم بمنه وكرمه أن يتقبله، وأن ينفع به فإني أوصي بما يلي: أوصي نفسي وإخواني في الله بوصية الله تعالى للأولين والآخرين وهي تقوى الله تعالى، كما قال تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} [النساء: 131] فمن تمسك بهذه الوصية رزقه الله العلم النافع والعمل الصالح، اللذين بهما سعادة العبد في الدارين. وأوصي إخواني الباحثين بدراسة الفرق التي ظهرت في بلاد اليمن، ومعرفة أصولها وعقائدها وآثارها السلبية على المجتمع اليمني، وإبراز الجهود ضد تلك الفرق والطوائف، حيث وجدت جهود مشكورة بذلها أهل السنة في محاربة الفرق التي ظهرت هنالك: كالإسماعيلية، والصوفية، والإباضية، والزيدية، والمعتزلة والأشعرية، فينبغي القيام بهذا الأمر واحتساب الأجر من الله تعالى. كما اقترح دراسة المسائل العقيدة في الكتب التاريخية، فإن تاريخ اليمن عموماً، وتاريخ حضرموت خصوصاً احتوى على كثير من المسائل العقيدة المبثوثة، فحبذا لو جمعت تلك المسائل ودرست في رسالة. كما أوصي بدراسة تاريخ حضرموت دراسة علمية صحية متجردة، وبيان سبب الغموض الذي ساده، وكذلك إبراز جهود أهل العقيدة الصحيحة الذين حاربوا التصوف الدخيل على بلاد حضرموت من أول يوم، فإن كتب التاريخ وكذا كتب الصوفية أشارت إلى وجود خلاف من بعضهم ولم تفصل؛ لأن بيان ذلك يضرها. كما أوصي بدراسة أثر الدعوة السلفية على حضرموت خصوصاً وعلى اليمن عموماً، خصوصاً دعوة شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب – رحمهما الله تعالى -. وأوصي بالبحث في تاريخ حضرموت المشرق، الذي احتضن دعوة أهل السنة منذ فجر الإسلام، وقام أهله بدور بارز في نصر الإسلام والمسلمين داخل اليمن وخارجها؛ فقد كان منهم المجاهدون أصحاب الفتوحات، ومنهم العلماء والمحدثون والقضاة فحبذا لو درس هذا الجانب المضيء من تاريخ هذا الإقليم الكبير من بلاد اليمن. والوصية أيضاً بالإسهام في إظهار جهود علماء حضرموت السلفيين – الذين تجاهلهم كثير من المؤرخين الحضارمة – سواء بالمحاضرات، أو إصدار الكتب والكتيبات التي تبين دورهم في نصر دين الله تعالى، وتحفيزهم أهل حضرموت للتأسي بمنهجهم الرشيد في بيان التوحيد ومحاربة الشرك والبدع. كما أوصي القائمين على المدارس والجامعات اليمنية بالتحذير من فرقة الصوفية وغيرها من الفرق؛ وذكرت الصوفية لملاحظة نشاطهم الواضح في الآونة الأخيرة في بلاد اليمن العزيزة. وينبغي عدم التهاون بشأن هذه الفرقة، بل الواجب التحذير منها ومن شيوخها الذين يبثون شرهم بأسماء براقة، منها: دعاة الوسطية، والاعتدال، ومدرسة أهل البيت ونحو ذلك من التسميات التي لا تغير من الحقيقة شيئاً. كما أوصي بعقد الندوات والمؤتمرات الإسلامية؛ لتوحيد الجهود ضد هذه الفرقة ومن على شاكلتها، وبيان عقائدها وبدعها لتحذير الأمة من شرها.

كما ينبغي تحذير دور النشر من نشر أو طباعة الكتب التي يبثها المتصوفة؛ لإعادة المسلمين إلى عهد الجاهلية الأولى من عبادة غير الله؛ وأتباع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. نشر العقيدة الصحيحة بين أفراد الناس بمختلف الأساليب، منها: إرسال الدعاة من العلماء، وطلبة العلم الأقوياء، والدعاة المتميزين؛ لنشر الحق في تلك الأماكن، وكذا إرسال الكتب والأشرطة ونحو ذلك واحتساب المثوبة من المولى جل في علاه. تكثيف الجهود في القضاء على الجهل الذي وجد في حضرموت في فترات من الزمن، ولا يزال موجوداً في بعض الأماكن التي يندر أو يقل فيها دعاة الحق، كما أن للزيارات الدعوية دوراً هاماً في القضاء على الجهل، وكذلك الواجب على الدعاة نشر الكتب السلفية والأشرطة الداعية إلى التوحيد والمحذرة من الشرك والبدع. ومن الوصايا الصبر في الدعوة، وسعة الصدر في ذلك، وإظهار صفات الداعية السني الذي يجب أن يتمتع بالخلق الحسن؛ إذ أن صوفية حضرموت تختلف كثيراً عن صوفية البلدان الأخرى، لما يتمتع به متصوفة حضرموت من الأخلاق، والصبر، وطول البال – كما يقال – في دعوتهم، وكذلك السخاء الذي يبذلونه للناس الذي جر الجهال بحقيقة مذهبهم إلى التمسك بما هم عليه؛ بل والدفاع عنهم لاسيما من بعض القبائل الموالية للصوفية. ومن التوصيات كذلك: السعي لدعم دعاة الحق وتزويدهم بالكتب، والمراجع التي تهتم بمسائل التوحيد، والرد على طوائف الباطل بما فيهم الصوفية، للاستفادة منها من الرد على شبهاتهم التي يتداولها اللاحق عن السابق. انتهاز الفرصة للحوار مع كبارهم، لاسيما وهم ينادون. بالحوار، ويكون الحوار لمن له أهلية في العلم، ويتمتع بآداب الحوار، ولديه الصبر، بشرط أن يجعل الحكم بين الجميع الكتاب والسنة وفق مذهب السلف دون غيره، مع مراعاة المصالح والمفاسد، ويكون ذلك لأهل العلم الذين يقدرون الأمور قدرها. تمكين أهل حضرموت من المنح الدراسية في الجامعات الإسلامية في المملكة، لما تلعبه تلك الجامعات من دور كبير في توضيح العقيدة الصحيحة، ومنهج السلف الصالح؛ لينهل الطلاب من معينها الصافي ثم يعودون إلى وطنهم دعاة هدى داعين إلى سبيل ربهم على بصيرة. الدعوة لفتح معاهد سلفية تتبع المملكة في عموم بلاد اليمن وبلاد حضرموت، لما سيكون لذلك –بإذن الله- من أثر بالغ في المجتمع الحضرمي؛ لاسيما والناس على فطرة ومحبة للتوحيد ودعاته. الاهتمام بالصحف التي تعالج أوضاع الناس، وتجيب على استفساراتهم، وتبين لهم دينهم، وكيفية التعامل بما يرضي ربنا جل وعلا، وتكون غايتها الاهتمام ببيان العقيدة الصحيحة والتحذير مما يضادها، وتصدر هذه الصحف والمجلات عن هيئة حكومية يقوم عليها أهل العلم السلفيون. بث العقيدة الصحيحة والمنهج الصحيح وذلك: بالمحاضرات، والدروس بواسطة الوسائل الحديثة في هذا العصر؛ كالأشرطة الصوتية، وأقراص الكمبيوتر، وعبر شبكات الإنترنت في حضرموت وفي غيرها من البلدان الأخرى التي بث فيها المتصوفة شرورهم، وبلغات تلك البلاد؛ كبلاد الهند، واندونيسيا، وماليزيا، ونحوها. المساهمة في نشر الدورات العلمية الصيفية في حضرموت وغيرها لتدريس كتب التوحيد والسنة والمحاضرات الهادفة لتصحيح العقيدة، والإجابة على استفسارات الناس في أمورهم الدينية والتحذير من الشرك والبدع.

وأوصي ولاة الأمور في بلدي – وفقهم الله لما يرضيه – بالقيام بإزالة المنكرات التي خلفتها الصوفية في بلاد الإيمان والفقه، ويكون ذلك بهدم القبور المرتفعة، وتسويتها بالأرض تنفيذاً لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإزالة المشاهد المبتدعة، ومحاربة الشركيات والبدع التي بثتها الصوفية في أنحاء كثيرة من اليمن، ومنع كتب الصوفية من التداول ومنع تدريسها في المساجد والمجالس والمناسبات؛ لأن ذلك سبب لغضب الله تعالى، وزوال نعمه من بلاد اليمن التي دعا لها النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة، فلا نكون سبباً في إزالة النعم بالسكوت عن المنكرات المخلة بدين الإسلام. وأوصيهم – مأجورين – بإتلاف كتب المتصوفة وغيرهم من أهل البدع والضلال التي نشروها في بلاد اليمن الغالية؛ لما تحويه تلك المؤلفات من الشركيات والخرافات والبدع. كما أوصي القائمين على الدعوة في اليمن بعدم إغفال أمر الصوفية والاستمرار في الرد عليهم من بعض أهل العلم؛ لأنه ظهر تهوين بعضهم – في الآونة الأخيرة – من أمر الصوفية في حضرموت، وهذا له خطورته، فلا ينبغي الاستهانة بالخصم، ولعل ذلك من الأسباب التي جعلت القوم ينشطون في الآونة الأخيرة، ليس على مستوى حضرموت واليمن فقط، بل على مستوى العالم الإسلامي. والوصية بالانتباه لخطر الصوفية والشيعة في اليمن، فهم يتحينون الفرص لينقضوا عل أهل السنة، ويعيدوا الأمة إلى الجاهلية الأولى بتشييد الأضرحة وإحياء الشرك، وطمس التوحيد والسنة – والله المستعان. الوصية بتدريس كتب الأئمة والعلماء عموماً، وتدريس كتب علماء الشافعية؛ أهل المعتقد الصحيح – خصوصاً – وذلك لإلزام القوم بما عند هؤلاء العلماء من الحق الذي أضاعه المتصوفة، وبيان أن الدين دين الله تعالى وليس دين فلان أو فلان، وإنما العز والتمكين لمن حكم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على نفسه ومن يليه ولزم طريق السلف الصالح قال تعالى: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين] [الأعراف: 128]. وأخيراً أوصي صوفية حضرموت ومن اغتر بهم أن يتقوا الله في أنفسهم، وفي أبناء المسلمين الذين يجرونهم إلى هاوية الجحيم، فإن الأمر عظيم، وسيقفون غداً بين يدي الله تعالى فعليهم أن ينقذوا أنفسهم وأهليهم من النار، وأن يتبرأوا من التبعات التي ارتكبوها والمخالفات التي جنوها، وينصحوا لأنفسهم وللمسلمين قبل أن يداهمهم هادم اللذات، ولات ساعة مندم. وأذكر أهل حضرموت أن أسلافهم كانوا على السنة، ولم يعرفوا التصوف ومظاهر انحرافاته إلا في القرن السابع، لذا تقدم في البحث اهتمام سلفهم بالعلوم الفقهية ولم يعرفوا التصوف ورسومه المنحرفة، بل إنكار علماء حضرموت المتقدمين لبدع القبور ورفعها، وقد شهد بذلك الصوفية العلويون فضلاً عن غيرهم، فكيف لأهل حضرموت أن يستبدلوا الخير الذي مضى عليه أسلافهم من العلم النافع والعمل الصالح بالذي هو أدنى وهو التصوف المنبوذ عند كل صاحب عقيدة سليمة. وأقول أخيراً: إن النهضة الإسلامية التي شهدتها بلاد اليمن في السنوات الأخيرة بعد خروج الشيوعيين من البلاد لتبشر بخير ومستقبل للإسلام، وأن النصر والبشرى لمن تمسك بهذا الدين العظيم، فنسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته.

الطرق الصوفية - نشأتها وعقائدها وآثارها

الطرق الصوفية - نشأتها وعقائدها وآثارها ¤عبدالله بن دجين السهلي£بدون¥كنوز إشبيليا – السعودية¨الأولى¢1426هـ€فرق وملل ونحل¶تصوف - صوفية الخاتمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الرسل والنبيين، وعلى آله وصحبه، أما بعد، فيمكن إجمال نتائج البحث في النقاط التالية: 1 - معنى الطريقة اختلف عبر القرون لتطور تطبيق الصوفية له، وبالمعنى المعروف اليوم ظهر بعد القرن السادس أو ما بعده، أما معنى الطريقة في القرنين الثالث والرابع الهجريين هو شيخ له طريقة معينة، يلتف المريدون حوله، أما قبل ذلك فلم تعرف, فهي من البدع المحدثة في الدين. 2 - مفارقة الطرقية لأئمة المسلمين وجماعتهم، بخروجهم عن السنة في أصول الدين الاعتقادية منها والعملية، بل ومخالفتهم لشيوخ الصوفية الأوائل مثل الجنيد بن محمد، وسهل التستري، فضلاً عمن فوقهم مثل الفضيل بن عياض وأمثاله. 3 - من أعظم أسباب ظهور الطرق أخذهم الدين من غير الكتاب والسنة وآثار السلف، وخوارق ظنوها آيات، وحب الشهرة والجاه، وأتباع الهوى، وطمع شيوخ الطرق في الثراء والعيش الرغيد، والمجد الشخصي لشيخ الطريقة من ادعاء الكرامات والمبالغة فيها، وادعاء النسب الشريف، ودعم بعض الدول والاستعمار لهم. 4 - الطريقة عرفت عند الأمم الوثنية السابقة, فيلاحظ الشبه الشديد بين المريد الصوفي، ومرحلة التلميذ ثم البادئ المتميز في الديانة الهندية، وأثبتت البحوث المتخصصة أن لبس الخرقة الذي تعتمده بعض الطرق الصوفية يرجع أصله إلى الديانة البوذية. 5 - يجب بيان الخلاف بين الصوفية في العقيدة، ففي التصوف منهجان مختلفان: أحدهما على اعتقاد أهل السنة والجماعة، والآخر المبتدع المخالف لاعتقاد أهل السنة والجماعة، وهو الذي استمر إلى اليوم، وإن كانا يتفقان في السلوك، كالجوع ولبس المرقعات وغير ذلك، والاتجاه الأول يمثله الجنيد بن محمد ومن وافقه، وقليل من يتابعه اليوم، والاتجاه الثاني يعتبر ذو النون المصري مؤسسه، وتوافقه عامة الطرق الصوفية المعاصرة. وأوضح مثال المناهج الكلامية المؤدية إلى نفي الصفات، فقد ذمها الجنيد وسهل التستري، وكان السلمي يلعن الفرق الكلامية، بينما ارتبط التصوف بعلم الكلام عند عامة الطرق. 6 - بعض ما ينسبه الصوفية في كتبهم للصوفية الأوائل لا يصح، لذا لابد من أتباع المنهج العلمي في دراسة هذه الأقوال، والتحقق من نسبتها إليهم، والصوفية عموماً يكثر فيهم الكذب، وأما الكتب المنسوبة لشيوخ الصوفية الأوائل فهي من جمع من جاء بعدهم، ولا يصح نسبة كل ما فيها لهم، وبعضها مكذوب عليهم مثل رسالة في الحروف المنسوبة لسهل التستري، والتي اهتم بها الفلاسفة ومن شاكلهم اهتماماً كبيراً، كابن مسرة, وابن عربي لينسبوا باطلهم إليه. 7 - مصادر الصوفية المعتمدة عندهم، لا يمكن الثقة بها، مثل (قوت القلوب) و (إحياء علوم الدين) وهو منقول بحروفه من القوت، و (الرسالة القشيرية) للقشيري والذي زعم أن عقائد الصوفية كلها أشعرية، مع أن فيهم من يلعن الأشعرية ويبدعهم ويضللهم، وفي الرسالة القشيرية الحسن الجميل، وفيها المجمل، وفيها منقولات ضعيفة، وفيها نقول عمن لا يقتدى به، وفيها أحاديث موضوعة كثيرة. 8 - الصوفية يتخذون السرية في عقائدهم؛ ولذا نجد لأئمتهم أكثر من عقيدة: واحدة للعوام، وأخرى عقيدة كلامية، والثالثة وهي المهمة والمعتقد الحقيقي يبثها في كتبه؛ فلا يقف عليها إلا الخواص في زعمهم، فمن لا يعرف القوم يغتر بهم .. ولهذا زعم الصوفية أن التوحيد سر ولا يستطيعون البوح به، وأن من باح به قتل! وهذا الزعم كفر من قائله.

9 - من عقائد الطرقية المهمة: الشرك الأكبر في أنواع التوحيد كلها، والقول بوحدة الوجود. هذا المذهب عند البراهمة في الهند، والرواقية اليونانية والأفلوطونية الحديثة، كما ظهر في صورة جديدة كوحدة الوجود الاسبينوزية، ووحدة الوجود المثالية، وتقوم هذه النظرية على أن الكائنات هي عين وجود الله تعالى ليس وجودها غيره، ولا شيء سواه البتة، وينبني على وحدة الوجود وحدة الأديان، وأن الكل يعبدون الله الواحد المتجلي في صور كل المعبودات، قد كان أئمة الصوفية يردون ما هو دونه، فمن مواقف الجنيد المشهورة: رده على الحلولية؛ فإنه لما وقع طائفة من الصوفية في القول بحلول الله تعالى بذاته في قلوب العارفين، حذر الجنيد من هذا فقال: التوحيد هو: (إفراد القديم عن الحديث)، فبين أنه لابد للموحد من التمييز بين القديم الخالق والمحدث المخلوق، فلا يختلط أحدهما بالآخر. 10 - ومن عقائدهم: استمرار تلقي الوحي من الله تعالى أو الرسول صلى الله عليه وسلم، وزعم بعضهم أنه يأخذ علمه من ربه عز وجل أي وقت شاء بلا حظ ولا درس، فيزعمون أن كتبهم المخالفة للنقل وكلِّ العقول من الوحي، وأنها إما بأمر إلهي، أو بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإملائه! بل ادعى ابن عربي أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء، وأن الأنبياء جميعهم إنما يستمدون معرفة الله من مشكاة خاتم الأولياء. 11 - أهم مصادر الصوفية: (قوت القلوب) لأبي طالب المكي، و (إحياء علوم الدين) لأبي حامد الغزالي، والثاني منقول بحروفه من الأول، وأكبر مصدر لما كتب المحاسبي الذي حذر منه السلف، وكان الصوفية على مذهب السلف في الصفات في الجملة، حتى أدخل الحارث نفي الصفات إليهم، لذا نسبه الإمام أحمد إلى قول جهم، وهذا من دقة فهوم السلف، فعند المحاسبي اللقاء الأول للكلام والتصوف، فمن ثم السالمية الصوفية ثم عند الأشعرية اشتد الارتباط بين التصوف والكلام. والغزالي نقل – أو يكاد – قوت القلوب بنصه في كتاب الإحياء وليس له في كثير من المواطن إلا البسط والمزيد من التنظيم والتقسيم، وقد رد على الغزالي جمع من أهل العلم، أفرد بعضهم رده في مؤلف، وأبو طالب مات مهجوراً، وكذلك المحاسبي، مما يدل على شدة السلف على هذه البدع. 12 - ليس كل الصوفية وقع في هذه الآثار؛ بل علماء الصوفية وشيوخهم الكبار كالجنيد بن محمد وسهل التستري ومن وافقهما من أشد الناس تحذيراً من هذه الآثار، لذا ينبغي جمع أقوال أئمة الصوفية - كالجنيد ومن وافقه - في نقد آثار التصوف المنحرف - وهي كثيرة - ونشرها، وبيان المكذوب عليهم. 13 - ذكر هذه الآثار للطرق الصوفية المعاصرة ليس للتشفي؛ بل هو دعوة لاتباعها للتحرر من العبودية للبشر، ومتابعة المعصوم صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة، بل وسلف الصوفية الأول الجنيد وسهل وأمثالهما، ودعوة للعودة للكتاب والسنة، وترك ما خالفهما. 14 - ضعف آثار الرسالة عند متأخريهم أبرز آثاراً سيئة على الإٍسلام والمسلمين، مثل وقوعهم في الشرك الأكبر، والشرك أعظم الذنوب؛ بل حصل منهم الشرك في الربوبية، حتى وصف بعضهم شيخه بأنه الفرد الواحد الكبير! سبحانه وتعالى عما يقولون، كما انحرفت الطرق في شرك الألوهية انحرافاً عظيماً، ونشروه في الأمة الإسلامية، وحدث منهم الشرك الأكبر في جميع جوانب العبادات، كالصلاة والحج والدعاء، والعبادات القلبية والمالية. 15 - جهل أتباع الطرق أدى بهم إلى متابعة شيوخ الضلال في تعبيد الناس لهم من دون الله عز وجل بطاعتهم في تحليل ما حرم وتحريم ما أحل، وتعليقهم بالجن؛ فقد وردت أسماء الجن في أورادهم صراحة، كما علَّقوهم بالخرافات بدعوى الكرامات، والتي بعضها من تلاعب الشياطين بهم. 16 - من آثار الطرق الضارة: أنها جرَّأت أهل الإلحاد على الدعوة إلى إلحادهم جهاراً، وزعمهم أن الإسلام دين خرافات وأوهام، وأنه لا يمكن أن يرتقي بالأمة، ويستدلون بالضلالات والخرافات الفاشية في الأمة. 17 - للطرق الصوفية تاريخ غير مشرف في التعاون مع أعداء الإسلام؛ كتعاونهم مع التتر، والنصارى قديماً في الحروب الصليبية وفي زمن الاستعمار، ومع الأحزاب العلمانية والملحدة في بلاد المسلمين، فحري أن يجلى هذا التاريخ ليحذره المخلصون.

الطريقة الرفاعية

الطريقة الرفاعية ¤عبدالرحمن دمشقية£بدون¥مكتبة الرضوان¨الأولى¢1429هـ€فرق وملل ونحل¶تصوف - صوفية الخاتمة: وفي هذه الخاتمة أحمد الله تعالى على توفيقه لإنجاز هذا البحث وإنهائه. وأود أن تشتمل على بعض النتائج العامة فيه وهي: 1 - أن المتأمل لمبادئ الطريقة لا يجد فيها حقيقة التوحيد الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم, فإن الاستغاثة بغير الله لكشف الضر وجلب النفع هو شرك يضاد ما جاء به الأنبياء. 2 - أن الطريقة الرفاعية تصنف مع فرق الغلاة لأنها غلت في شيخها ومشايخها, وتجاوزت بهم حدود المشروع والمعقول، ومن أبرز صور هذا الغلو جعلهم السموات والأرض في رجل شيخهم كالخلخال. وادعائهم أنه صار صفة من صفات الله، وأنه يحيي الموتى بكلمة كن. 3 - أن الطريقة الرفاعية لا يمكنها تعريف الناس بشخصية الشيخ أحمد الرفاعي على حقيقتها, لما تضمن كلامها فيه من تناقضات كثيرة. 4 - أن الكرامات المنسوبة إلى الرفاعي وغيره من المشايخ (كالتصرف في الأكوان, والإحياء, والإماتة, وتأخير الآجال المكتوبة, ونقل المرض من رجل لآخر, وتغيير المكتوب في اللوح المحفظ) لا تليق به ولا بهم. 5 - أن الفصل الذي عقدته في بيان أوجه التلاقي بين الرفاعية والتشيع أظهر اتفاق الفريقين على كثير من الأمور المخالفة بالضرورة لمذهب أهل السنة, مثل موافقتهم لهم في الإمام المهتدي صاحب السرداب, وتعظيم كتاب الجفر، وتقديس الأئمة, وعبادة قبورهم باتخاذها باباً لجلب كل محبوب, ودفع كل مكروه حسب تعبير الصيادي. 6 - أن للرفاعية شعائر, وأحزاب, وأوراد مستحدثة في صيغها, وهيئتها, وتحديد عدد تكرارها، ومما يزيد من بدعيتها أنهم جعلوا خواصاً معينة: فخاصية هذا الورد القضاء على العدو, وخاصية ذاك نيل كل مطلوب، وخاصية الورد الفلاني تعطيف قلب النبي صلى الله عليه وسلم. لماذا هذا الكتاب؟ قد يقول قائل: ما جدوى كتابة هذه السلسلة في وقت تحتاج فيه الأمة إلى جمع الكلمة, ونبذ الخلاف؟ أجيب عن ذلك ببيان الأسباب التالية: 1 - إن هذا الكتاب إنما كتب طاعة لله في أداء الشهادة, وتبيين السنة إذا ما ظهرت البدع والمحدثات وظنها الناس هي السنة. 2 - إن هذا الكتاب إنما جاء ليكون نهياً للرفاعية وغيرهم عن منكرات الشرك والاستغاثة بغير الله، ولردعهم عما يعلمون الناس من أصناف البدع، ولقد حذرنا رسول الله أننا إن لم ننته عن المنكر, ونأخذ على يد الظالم فإن الله يوشك أن يضرب قلوبنا بقلوب بعض. وإذا كان الله يضرب قلوبنا ببعض لمجرد منكرات الفسوق والمعاصي التي تظهر بيننا، فما بالك بمنكرات الشرك, كالاستغاثة بغير الله, وطاعة المشايخ في معصيته, واستحداث البدع لهم؟ أليست هذه من أعظم الأسباب التي تضرب قلوبنا بقلوب بعض؟ 3 - أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لضرب القلوب ببعضها: فيكون الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر من أسباب توحد الأمة وجمع شملها. والتخلص ممن يتسببون في أحداث الخلاف. كلمة التوحيد أساس توحيد الكلمة:

3 - أن توحيد الله أولى من توحيد الصفوف، ومنكرات الصوفية تتضمن خلاف توحيد الله, فأيهما نقدم على الآخر: توحيد الله أم توحيد الصفوف؟ والحق الذي أؤمن به أن جمع الناس على توحيد الله ينتج عنه توحيد الناس. ولا يمكن جمع الأمة على خليط من اعتقادات التوحيد والشرك مهما اجتهد المصلحون. لأن الله هو الذي يؤلف القلوب وهو الذي يفرقها إن شاء كما قال: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: 63]. وكان ذلك بعد أن اجتمعوا على التوحيد الخالص, والطاعة المطلقة, ونبذ البدع والشرك التي هي من عوامل التفرق والتشرذم. إذن فتحقيق كلمة التوحيد شرط لتحقيق توحيد الكلمة. 3 - أن الله لا ينصر الأمة وفيها أمثال هؤلاء، وكيف ينصرنا الله على الأعداء المشركين وعندنا نصيب من شركهم؟ إن مخالفات التصوف ممرضة للجسد الإسلامي, تعيقه عن قيامه بوجه أعدائه، فإذا كان الجسد الإسلامي مريضاً فيجب مداواته قبل تكليفه بالقيام في وجوه أعدائه. 4 - إن الذين ينهوننا عن إنكار منكرات التصوف والمحدثات والشرك إنما أخطؤوا حين ظنوا أننا نحن الذين نفرق الوحدة, والحق أن الذين يحدثون البدع والشرك هم العامل الرئيسي في تفرق الأمة, فالواجب وضع حد لهم لا المنكرون عليهم. 5 - أن أهل البدعة صاروا يعملون بين ظهراني المصلحين وعلى مرأى منهم، بلا ردع ولا إنكار عليهم، بل دخل البعض منهم إلى صفوف المصلحين. وهذا ينذر بوقوع اللعنة كما وقعت اللعنة على بني إسرائيل على لسان أنبيائهم, وضرب قلوبهم بقلوب بعض حين كانوا يجالسون أهل المنكر, ويؤاكلوهم من غير إنكار للمنكر الذي كانوا عليه. 6 - أن البدعة لا تعرف حداً تقف عنده، وإنما هي في تطور مستمر، فإن لم نعمل على إنكارها اليوم فسنجد أنفسنا غداً محاطين ببدع أعظم لم نقدر على ردعها وإنكارها. 7 - أننا أمرنا بالتبليغ لنكون شهداء على الناس, ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم علينا شهيداً, ونهينا عن كتمان الحق بأي وجه من الوجوه لأن كتمان الحق في عرف الشرع خيانة, وهو خصلة من خصال بني إسرائيل، وأن من العامة من يخدعون بالبدع والضلالات, ولا يدركوا حقيقتها, فمن يكون المسئول عنهم غداً أمام الله إلا المصلحون, الذين يعلمون الحق ويكتمونه لمصلحة المسلمين وصوناً لوحدتهم: (زعموا)؟! ولئن كان لي من كلمة إلى القراء الأفاضل في ختام هذه الخاتمة فإني أوصي باتباع الكتاب والسنة قولاً وعملاً، فإنهما وسيلة النجاة من فتن هذه السبل المضلة. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً، ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطاً ثم قال: هذا سبيل الله. وهذه السبل, على كل سبيل منها الشيطان يدعو إليه (ثم تلا قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي). وأن نعمل على إخلاص القول والعمل لله تعالى. قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2]. قال القاضي عياض: (أفضل العمل أخلصه وأصوبه. قالوا ما معنى ذلك؟ قال: إن العمل إذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل. وإذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل أيضاً. ولا يقبله الله إلا إذا كان خالصاً صواباً. والخالص أن يبتغى به وجه الله تعالى. والصواب أن يكون على السنة.

التشيع في صعدة - دراسة ميدانية

التشيع في صعدة - دراسة ميدانية ¤عبدالرحمن المجاهد£بدون¥الآفاق¨بدون¢2007م€فرق وملل ونحل¶شيعة إمامية الخلاصة وأهم النتائج والتوصيات: الخلاصة: وتحتوي على أهم النتائج التي خرج بها الباحث. وفي نهاية هذا البحث يمكننا الخروج بجملة من النتائج أهمها وأبرزها ما يأتي: 1 - الزيدية في اليمن آخذين بأوفر نصيب من الفقه الحنفي والمالكي والحنبلي والشافعي، وكتبهم الفقهية مليئة بنقل أقوال الأئمة الأربعة ومن بعدهم. وتراجمهم لأهل السنة تشهد لهم بالإنصاف والعدالة. 2 - كان الزيدية في القرن السابع وما قبله يدرسون الأمهات الست وغيرها من المسانيد والصحاح علي أيدي أئمة السنة. 3 - أصالة السنة في (صعدة)، ويدلنا على ذلك الكتب الستة التي وجدت في (صعدة)، وعلماء الزيدية الذين رووا عن علماء أهل السنة في (صعدة)، إضافة إلى بقاء بعض الأنساب القبلية ذات الأصول السنية المتدينة بالمذهب الشافعي. 4 - التشيع في اليمن مر بمراحل، وتعتبر الجارودية حلقة الوصل بين الرافضة والزيدية، وهي بوابة الرفض التي ولج منها الإيرانيون ودعاة التشيع باسم المذهب الزيدي فأفسدوا عقائد الزيدية في اليمن. 5 - لا يوجد في (صعدة) زيدية أصيلة، وإنما هما جارودية لا يختلفون عن الرافضة كثيراً. 6 - مع مرور الزمن استطاع الرافضة أن يسربوا الكثير من عقائدهم عبر بوابتهم إلى المذهب الزيدي (الفرقة الجارودية) فأصبح الرافضة يعملون باسم المذهب الزيدي بتخطيط رافضي وتنفيذ جارودي. وهكذا بقيت الصورة العامة عند أتباعهم ومحبي المذهب الزيدي أن هذه العقائد والأفكار من صميم مذهب الزيدية وهي في الحقيقية أفكار وعقائد الجارودية الممزوجة بأفكار الإثني عشرية، وهذا نلاحظه من عدم فك الارتباط بين الدعوة إلى المذهب الزيدي اليوم والأفكار الاثني عشرية. 7 - يتركز الشيعة في المناطق الحية الآهلة بالسكان. 8 - يتركزون في المراكز الرئيسية للمدن كمركز المحافظة، ومدينة (ضحيان) التابعة لمديرية (مجز)، ومراكز المديريات كـ (مجز) و (رازح) و (ساقين)، نظراً لتوفر الخدمات فيها، والتي تمكنهم من القيام بالأنشطة بشكل قوي. 9 - فاعلية تنظيم الشباب المؤمن في مديرية (رازح) على الرغم من أن قياداته فيها ليسوا من الهاشميين. 10 - الدور الإيراني البارز في دعم التشيع في (صعدة) من خلال: العلاقات الشخصية والدعم المادي المقدم من قبل السفارة إضافة إلى ظهور الصبغة الإيرانية في إحياء المناسبات الدينية، وانتشار الأشرطة الشيعية العراقية والخليجية في أوساط الشباب المؤمن، والثناء اللامحدود من قبل حسين الحوثي على إيران وحزب الله والخميني، والقيادات الشيعية الأخرى. 11 - يعتمد الشباب المؤمن في جانب الدعم المادي على عدة مصادر منها: الدعم الإيراني، والدعم الحكومي الرسمي، ودعم شيعة الخليج، ودعم تجار السلاح والذهب والعملة ومهربي القات في (صعدة)، بالإضافة إلى زكاة المال التي يأخذونها من أتباعهم. 12 - يعمل الشيعة في (صعدة) سياسياً على أكثر من صعيد، فمنهم القيادي المؤتمري، ومنهم من يعمل تحت مظلة حزب الحق، ومنهم المنتمي لفصيل الشباب المؤمن المنشق من حزب الحق، والقليل يعمل تحت مظلة الحزب الاشتراكي اليمني المعارض، والجميع وإن تعددت انتماءاتهم إلا أنهم يصبون نحو غاية عقائدية شيعية واحدة. 13 - يقوم الشيعة ببث الشبهات العقائدية والشائعات السياسية ضد السنة لتشويه مذهب أهل السنة واستمالة الناس إليهم.

14 - تنوع وسائل وأساليب الشيعة لنشر أفكارهم، واستفادتهم من المناصب والمراكز والمرافق الحكومية التي يسيطرون عليها في التضييق على أهل السنة، وتسخير الوظيفة والمال العام لخدمة أفكار الشباب المؤمن وذلك من خلال: الاستفادة من المدارس الحكومية أثناء الإجازة الصيفية. 15 - يعمل الشيعة في الجانب العلمي وفق منهج مدروس ومقر من قبل لجنة إعداد مناهج، وذلك من خلال ما لمسناه من وحدة مفردات المنهج في المنتديات والمراكز الصيفية. 16 - انعدام تواجد الشيعة في بعض المديريات كمديرية (شدا)، وضعف تواجدهم في البعض الآخر كـ (غمر) و (الظاهر) و (منبه) يعطي مؤشراً إيجابياً لإمكانية العمل السني، ونشر العقيدة الصحيحة وفق منهج أهل السنة، وهذا المؤشر يمكن أن تستفيد منه الجمعيات الخيرية والمنظمات الاجتماعية التي تسعى لإيصال مشاريعها إلى هذه المناطق والعناية بها والحفاظ على ما تبقى من الرصيد السني الفطري في قلوب الناس في هذه المناطق. 17 - وهذا بدوره يضاعف المسئولية الجماعية على الجهات الرسمية تجاه هذه المناطق وإنقاذها من هذا المد من خلال التمكين لدعاة السنة في هذه المناطق في المساجد والمرافق العامة، كما يضاعف المسئولية على العاملين في الحقل الإسلامي للقيام بواجبهم في هذه المناطق من خلال الدعوة إلى الله على بصيرة، بالحكمة والموعظة الحسنة. وهذا لا يتحصل بين عشية وضحاها، وإنما يحتاج إلى جهد مدروس، ومنهج مرسوم، ونفس طويل، وعدم استعجال أو حرق للمراحل. التوصيات: وختاماً فإن أبلغ وصية أوصي بها نفسي ومن يطلع على هذا البحث: تقوى الله في السر والعلن، ولزوم إخلاص العمل لله عز وجل؛ فما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل.

التشيع في صعدة – أفكار الشباب المؤمن في الميزان

التشيع في صعدة – أفكار الشباب المؤمن في الميزان ¤عبدالرحمن المجاهد£بدون¥الآفاق¨بدون¢2007م€فرق وملل ونحل¶شيعة إمامية الخاتمة وأهم النتائج: ومن خلال ما تقدم من عرض ومناقشة يمكننا أن نخرج بخلاصة لهذا البحث نوجزها في النتائج الآتية: 1 - من خلال قراءة كتب بدر الدين الحوثي، لاحظنا بأن كتاباته قبل قيام الوحدة اليمنية تختلف عنها بعد قيام الوحدة بمعنى أن كتاباته القديمة تنبئ عن فكر زيدي جارودي معتدل، ثم تطور هذا الفكر ليصبح قريباً من الفكر الاثني عشري بعد الوحدة وبالتحديد بعد حرب الانفصال التي كان مؤيداً فيها لمواقف الانفصاليين، ومن ثم هرب إلى إيران وهناك لقي من يحتضنه ويدعمه ويشجعه. 2 - ولا شك أنه أثناء فترة جلوسه في إيران سيلتقي بعلماء الرافضة هناك، وقادة الفكر الخميني، فوجد بدر الدين الحوثي بأن الفروق بسيطة بين الجارودية الزيدية وبين الاثني عشرية من الرافضة، فنهل من معينهم وبقي محافظاً على مسحة زيدية. 3 - ترجح للباحث بأن بدر الدين الحوثي كان جارودياً احتضنته الاثنا عشرية في إيران. 4 - من خلال الاطلاع على ملازم حسين الحوثي واستماع أشرطته تبين بما لا يدع مجالاً للشك بأن حسين الحوثي كان من معتنقي المذهب الاثني عشري، وذلك من خلال: أ- الآراء الاثني عشرية المنثورة في ملازمه وأشرطته. ب- تأثره بهم خاصة عند زيارته لإيران وزيارته لبعض العالم في مدينة آمل الإيرانية. ج- لا تخلو ملزمة مما وقع في يد الباحث من ذكر وتمجيد وتقديس للخميني ووصفه بالإمام المجدد. د- حملة حسين الحوثي الغير مباشرة على الزيدية وعلمائها ووصفهم بالتدجن. 5 - سعي حسين الحوثي للتمرد وخطط له منذ وقت مبكر وبدعم إيراني؛ ولولا أنه استعجل في تنفيذ مخططه لعجزت الدولة فيما بعد عن أن تقضي عليه، ولو استمر على ذلك الإعداد العسكري والعقدي لعقد أو عقدين من الزمن لاستطاع أن يكون دولة شيعية في جزء كبير من اليمن. 6 - ضلوع عبد الكريم جدبان في التنظيم والتخطيط لحركة الشباب المؤمن التي أشعلت الحرب، والخلاف بينه وبين بدر الدين وحسين الحوثي خلاف في وجهات النظر داخل المدرسة الواحدة، لا يخلو من الحظوظ الشخصية والتمييزات القبلية. 7 - صوابية التقارير ومصداقية ما ذكره قسم الدراسات العليا والعمادة بخصوص رسوب جدبان وعدم استحقاقه الالتحاق بالماجستير في جامعة صنعاء، واستخدامه لنفوذه وحصانته البرلمانية في تجاوزه لقوانين جامعة صنعاء ولوائح الدراسات العليا. 8 - الخلاف الحاصل بين جدبان الذي يمثل فصيل القبائل في تنظيم الشباب المؤمن وبين حسين الحوثي ووالده بدر الدين اللذان يمثلان فصيل السادة (الهاشميين) ليس خلافاً عقائدياً ولا فقهياً وإنما هو خلاف في وجهات النظر ضمن المدرسة الواحدة التي لا تختلف عقائدياً.

التشيع في صعدة – شبهات وردود

التشيع في صعدة – شبهات وردود ¤عبدالرحمن المجاهد£بدون¥الآفاق¨بدون¢2007م€فرق وملل ونحل¶شيعة إمامية الخاتمة: وفي نهاية هذا البحث يمكننا أن نخرج منه بخلاصة نوجزها فيما يأتي: 1 - سخرية الشيعة في صعدة من حديث النزول الإلهي إلى السماء الدنيا، وبأنه ينزل على حمار أعرج، فجمعوا بين قبيحين: الأول: فساد المعتقد، والثاني: الاستهزاء بصفة من صفات الله عز وجل. 2 - ينكر الشيعة رؤية الله في الدنيا والآخرة. 3 - ينكر الشيعة ثبوت الشفاعة لأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ وغرضهم في ذلك الطعن في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم متعسفين بالاستدلال بحديث الحوض. 4 - يقول الشيعة بالبداء على الله وهو ما يسمى بخرم القدر. 5 - يقدم شيعة صعدة العقل على النقل، من خلال ردهم للأحاديث الصحيحة بدعوى أنها تخالف العقل. 6 - طعن الشيعة في صعدة في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والنيل من عرضها يعد تكذيباً للوحي الذي برأها، ونيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفر يوجب ردة قائله. 7 - عدم علم فاطمة رضي الله عنها بحديث (لا نورث)، وهذا مما جهلته هي وعلمه أبو بكر رضي الله عنه. 8 - ما كان في نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم من المال وظن العباس وفاطمة أحقيتهما فيه ينتقل حق التصرف فيه إلى الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي يقدر المصلحة فيه، وعدم علم العباس وفاطمة رضي الله عنهم بالحديث لا يلغي الحكم ولا يمنحهما رضي الله عنهما ما ليس لهما، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. 9 - خالف الشيعة مذهب أئمة آل البيت في هذه الأراضي؛ ذلك أن علي بن أبي طالب عمل فيها بمثل عمل أبي بكر وعمر، ومذهب الحسن بن محمد بن علي رضي الله عنه، وهو مذهب زيد بن علي رضي الله عن الجميع، ولو كان الشيعة صادقون في محبتهم لوسعهم ما وسع أئمة آل البيت رضوان الله عليهم. 10 - ما ورد من هجران فاطمة لأبي بكر لم يكن هجراً دينياً ولم تصاحبه بغضاء ولا حقد ولا عصيان له كونه خليفة للمسلمين، ولا يلزم من عدم إعلام علي رضي الله عنه لأبي بكر بدفن فاطمة وجود بغضاء، ولا يفهم منه ذلك البتة. 11 - يفهم الشيعة حديث الولاية لعلي فهماً خاطئاً ويلزمون منه ما لا يلزم ويحملونه ما لا يحتمل. 12 - الصحابة كلهم عدول، ولا يجوز لجاهل أن يخوض فيما شجر بينهم، وهم قوم قد طهر الله ألسنتنا من أعراضهم، وكل له مندوحة فيما رأى ونترضى عن الجميع. 13 - سب صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الرفض، وسيما التشيع المقيت، وهو دسيسة من دسائس اليهود والمجوس في حربهم على الإسلام.

الفروق في العقيدة بين أهل السنة والأشاعرة (دراسة مقارنة)

الفروق في العقيدة بين أهل السنة والأشاعرة (دراسة مقارنة) ¤صادق عبده سيف حسن السفياني£بدون¥دار الإيمان - الإسكندرية¨بدون¢بدون€فرق وملل ونحل¶أشاعرة الخاتمة هذه الخاتمة تتضمن أهم النتائج التي تم التوصل إليها في هذه الرسالة وهي: أولا: صحة مذهب أهل السنة والجماعة للأمور التالية: 1 - أهل السنة والجماعة لا يتجاوزون الأدلة الشرعية، ويعملون بها ويستدلون بموجب نصوصها. 2 - عمق منهج أهل السنة واستقامته مع الفطرة السوية وخلوه من الاضطراب والتناقض. 3 - تقسيم التوحيد عند أهل السنة وتعريفه هو التعريف الصحيح المبني على الأدلة والنصوص الشرعية من الكتاب والسنة. 4 - مذهب أهل السنة والجماعة في مسائل الصفات قائم على قواعد صحيحة سليمة بعيدة عن التأويل والتشبيه بل على قواعد الإثبات والتنزيه. 5 - قول أهل السنة في القرآن ومذهبهم فيه هو القول الصحيح الذي دلت عليه النصوص وأجمعت عليه الأمة. 6 - صحة تقسيم الإيمان إلى قول وعمل واعتقاد، كما دلت عليه النصوص المتكاثرة من القرآن والسنة وسار عليه سلف الأمة. 7 - إيمان أهل السنة بالقدر ومراتبه، وتفريقهم بين أفعال الله ومفعولاته، وإثباتهم إرادة للعبد مخلوقة لله وقوله بالحكمة والتعليل في أفعال الله وتوسطهم في التحسين والتقبيح وإثباتهم تأثير للأسباب في مسبباتها هو القول الذي دلت النصوص الشرعية من كتاب وسنة. 8 - لم يتعمق أهل السنة في الأمور العقلية التي هي خارج نطاق العقل، والتزموا الأدلة الشرعية فكان مذهبهم وطريقهم وهو الأقرب إلى أفهام الناس وفطرهم. 9 - أن مصادر التلقي والاستدلال عند أهل السنة هي كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة. ثانيا: يؤخذ على المذهب الأشعري الأمور التالية: • لا يصح نسبة المذهب الذي استقر عليه المتكلمون إلى أبي الحسن الأشعري لأنه رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة، بل حقيقة مذهبهم كلابي نسبة إلى أبي عبد الله بن كلاب. • أن المذهب الأشعري سلك في إثبات وجود الله مسالك عويصة، يصعب إدراكها وجعلوا ذلك من عقد الدين وأصل الإيمان. • أثبت أتباع المذهب الأشعري سبع صفات وأولوا ما وراءها بحجة منع حلول الحوادث في ذات الرب سبحانه وتعالى. • مذهب الأشعرية في القرآن مذهب غريب وشاذ لم يقل به أحد قبلهم، وأفضى بهم إلى القول بخلق القرآن. • أصل الأشعرية لمذهب جهم بن صفوان في الإيمان، وساروا عليه وأخرجوا القول والعمل عن حقيقة الإيمان. • إن الأشاعرة لما التزموا نفي الحكمة والتعليل والتحسين والتقبيح وقالوا بعدم وجود تأثير للأسباب في مسبباتها، مالوا إلى الجبر وقالوا بالكسب الذي لا يثبت أي قدرة للإنسان على الفعل. • سلم الأشاعرة ببعض أصول المعتزلة، والتزموها، وأطردوها في تأصيل أخطر قضايا العقيدة، وهي التوحيد. • محاولة التوسط والتوفيق بين مذهب أهل السنة ومذهب المعتزلة جعل المذهب الأشعري مضطرب متأرجح غريب وشاذ كما في قولهم بالكلام النفسي بالنسبة للقرآن. • أوجب الأشاعرة على الناس ما لم يوجبه الشرع، كقولهم بأن أول واجب على المكلف النظر، هذه أهم النتائج التي تضمنها هذا البحث، وإني لأرجو الله سبحانه وتعالى أن يقيض لهذه الأمة من يفضح عوار أصحاب الضلال ويسير بالأمة على جادة الحق إنه جواد كريم. والحمد لله رب العالمين

الماتريدية دراسة وتقويمها

الماتريدية دراسة وتقويمها ¤أحمد بن عوض الله بن داخل الحربي£بدون¥دار العاصمة - الرياض¨الأولى¢1413هـ€فرق وملل ونحل¶ماتريدية الخاتمة وفي خاتمة هذا البحث، وبعد دراسة ومناقشة أهم جوانب عقيدة الماتريدية، أذكر أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة، وهي كما يلي: 1 - أن نشأة الاختلاف والتفرق في الأمة الإسلامية كانت لعدّة أسباب ومؤثرات خارجية وداخلية. 2 - أن لأهل السنة والجماعة منهج متميز في تلقي العقيدة وتقريرها، وهو يقوم على أصولٍ راسخةٍ، وقواعد متينة. 3 - ذكرت بعض الأسباب التي يمكن بها تفسير عدم ورود ذكر الماتريدي والماتريدية في كثيرٍ من المؤلفات، ثم ترجمت للماتريدي ولأشهر أعلام الماتريدية. 4 - أن السبب في خلاف الباحثين المعاصرين في تحديد منهج الماتريدية وتمييزه عن منهج الأشاعرة، والمعتزلة، يرجع إلى التداخل بين المدارس الكلامية الثلاث. وذلك أنها جميعاً انطلقت من أصلٍ واحد، وهو جعل العقل أساساً لمعرفة العقيدة. 5 - أن منهج الماتريدية يقوم على قواعد وأسس، أهمها: أولاً: مصدرهم في التلقي في الإلهيات والنبوات هو العقل. ثانياً: أن معرفة الله واجبة بالعقل قبل ورود السمع. ثالثاً: القول بالتحسين والتقبيح العقليين. رابعاً: القول بالمجاز في اللغة والقرآن والحديث. خامساً: التأويل والتفويض. سادساً: القول بعدم حجية أحاديث الآحاد في العقائد. 6 - أن توحيد الله عند الماتريدية ليس هو التوحيد الذي أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله، إذ أن مفهوم توحيد الله عندهم: أنه تعالى واحدٌ في ذاته لا قسيم له أو لا جزء له. وواحدٌ في صفاته لا شبيه له، وواحدٌ في أفعاله لا شريك له. 7 - أن الماتريدية اعتمدت في إثباتها لوجود الله تعالى على دليل حدوث الأعراض والأجسام. وهذه الطريقة في الاستدلال طريقة مبتدعة باطلةً، قد طعن فيها السلف والأئمة وجمهور العقلاء من الفلاسفة والمتكلمين. كما أن الماتريدية استدلت على وحدانية الله بدليل التمانع، وهو دليل صحيح على إثبات امتناع صدور العالم على اثنين، ولكن اعتقاد الماتريدية بأن هذا الدليل هو المقصود بقوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا) (الأنبياء: 22) اعتقاد باطل. 8 - أن الماتريدية تقول بوجوب إثبات جميع أسماء الله، وأن الأصل في ثبوتها السمع. ولكنهم لم يفرقوا بين باب التسمية وباب الإخبار. وأما بالنسبة لمدلولات الأسماء، فهم إما أن يجعلوا مدلول الاسم هو الذات، وهذا في اسم (الله) فقط. وإما أن يكون المدلول مأخوذاً عندهم باعتبار ما أثبتوه من الصفات. 9 - تُعد الماتريدية من الصفاتية، وذلك لأنهم يثبتون ثمان صفات، وهي: القدرة، والعلم، والحياة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والتكوين. وهم خصوا الإثبات بهذه الصفات دون غيرها؛ لأن العقل دل عليها عندهم دون غيرها. وتخصيصهم هذه الصفات بالإثبات دون غيرها تخصيص من غير مخصص، ولا دليل عليه لا من العقل ولا من النقل. 10 - قالت الماتريدية بنفي جميع الصفات الخبرية التي وردت في الكتاب والسنة، وذلك لأن مصدرهم في التلقي هو العقل، ولاعتقادهم أن إثبات هذه الصفات على حقيقتها يستلزم التشبيه والتجسيم، واحتجوا لقولهم هذا بشُبه فاسدة تقدم معنا بيان بطلانها. 11 - ترى الماتريدية أن جميع صفات الأفعال المتعدية ترجع إلى صفةٍ واحدةٍ وهي التكوين. وقالوا إن التكوين غير المكون، وأنه أزلي لا يتجدد ولا تعلق له بالمشيئة والقدرة. وقولهم بمغايرة التكوين للمكون حق وصواب، وأما نفيهم لتجدد الفعل وتعلقه بالمشيئة والقدرة باطل ترده الأدلة العقلية والنقلية.

12 - نفت الماتريدية الصفات الفعلية اللازمة، وذلك لأن الأصل في ثبوتها الخبر، ولأنها صفات اختيارية، وهم يمنعون أن تقوم بالله صفة اختيارية حذراً من التشبيه وفراراً منه، وقولهم هذا باطل عقلاً ونقلاً، كما تقدم بيانه. 13 - قالت الماتريدية في كلام الله: أنه معنىً واحد، قديم أزلي، ليس له تعلق بمشيئته تعالى وقدرته، وأنه ليس بحرف ولا صوت، وأنه كلام نفسي، وأنه لا يسمع إنما يسمع ما هو عبارة عنه. وقولهم هذا لم يدل عليه الكتاب ولا السنة، ولم يرد عن أحدٍ من سلف هذه الأمة. 14 - يرى جمهور الماتريدية أنه لا دليل على صدق النبي غير المعجزة. بحجة أن المعجزة وحدها التي تفيد العلم اليقيني بثبوت نبوة النبي أو الرسول. ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء، ولكن القول بأن نبوة الأنبياء لا تُعرف إلا بالمعجزات قول غير صحيح، بل هو باطل عقلاً ونقلاً. 15 - تعريف الماتريدية للمعجزة بأنها: أمرٌ خارقٌ للعادة مقرونٌ بالتحدي مع عدم المعارضة، تعريف غير منضبط، بل هو مضطرب وغير مستقيم. 16 - قول الماتريدية بأن جميع المسائل المتعلقة باليوم الآخر لا تعلم إلا بالسمع قولٌ غير صحيح. بدليل أن العقل قد دل على اليوم الآخر. والسمع قد نبه على دلالة العقل. 17 - أن الماتريدية تثبت جميع المسائل المتعلقة باليوم الآخر كنعيم القبر وعذابه، وأشراط الساعة .. وذلك لاعتمادهم السمع كمصدر للتلقي فيما يتعلق باليوم الآخر. 18 - أن إثبات الماتريدية للرؤية مع نفي الجهة والمقابلة، قول متناقض. فهم بقولهم هذا أثبتوا ما لا يمكن رؤيته. 19 - أن حقيقة قول الماتريدية في أفعال العباد: أن للعباد إرادة غير مخلوقة، وهي مبدأ الفعل. فالعباد على مذهبهم يتصرفون بمبادئ أفعالهم استقلال تام كما يشاؤون، وخلق الله لأفعالهم إنما هو تبع لإرادتهم الجزئية غير المخلوقة. 20 - أن مذهب جمهور الماتريدية في الاستطاعة: أنها تفعل على نوعين: الأول، سلامة الأسباب والآلات وهي تتقدم الفعل، والثاني: الاستطاعة التي يتهيأ بها الفعل، وتكون مع الفعل. وقولهم هذا هو القول الصحيح في المسألة، وهو الذي قد دلت عليه الأدلة العقلية والنقلية. 21 - أن الماتريدية وافقت المعتزلة في مسألة التكليف بما لا يطاق، وقالوا بعدم جوازه، والصواب في المسألة هو التفصيل وعدم إطلاق القول بالجواز أو المنع. 22 - ذهبت الماتريدية إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، وقال بعضهم بأنه التصديق بالقلب والإقرار باللسان. ومنعوا زيادته ونقصانه، وقالوا بتحريم الاستثناء فيه. كما أنهم قالوا بأن الإيمان والإسلام مترادفان ولا فرق بينهما. ولا ريب أن القول الحق هو: أن الإيمان: اعتقاد بالجنان، وقولٌ باللسان، وعملٌ بالأركان. وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويجوز الاستثناء فيه، والمقصود به عدم تزكية النفس. وأما الإسلام والإيمان فإنهما متلازمان: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. 23 - أن الماتريدية قالت بصحة إيمان المقلد مع الإثم على ترك النظر والاستدلال وقولهم هذا باطل؛ لأنه بني على أصلٍ باطل، وهو أن النظر والاستدلال أصل الدين والإيمان. 24 - أن قول الماتريدية بأن مرتكب الكبيرة فاسق، وليس بكافر حق وصواب. لكن زعمهم بأن الفسق ليس له أثرٌ على الإيمان، فهو بلا ريب قولٌ باطل ترده الأدلة الصحيحة. والحق أن مرتكب الكبيرة مؤمنٌ ناقص الإيمان، لا يعطى اسم الإيمان المطلق. 25 - أن هناك توافقٌ كبيرٌ بين الماتريدية والأشاعرة، وسر هذا التوافق أن كلتا الفرقتين انبثقتا من الكلابية. وما بينهما من خلاف فإنما يقع في مسائل معدودة. 26 - أن الخلاف بين الماتريدية والمعتزلة خلافٌ كبير. ورغم هذا الخلاف فإن الماتريدية قد تأثرت بالمعتزلة، ووافقتها في عدة مسائل. 27 - أن أهل السنة والجماعة يقولون في الماتريدية بالعدل وينصفونهم، ويعترفون بما معهم من الحق للمجتهد أو طالب الحق منهم، ويذمون الظالم والمتعصب ومن كان متبعاً للهوى. وبعد: فهذه مجمل النتائج التي توصلت إليها، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان. وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت وإليه أنيب. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات

الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات ¤شمس الدين السلفي الأفغاني£بدون مكتبة الصديق - الطائف¨الأولى¢1413هـ€فرق وملل ونحل¶ماتريدية في بيان أهم نتائج هذه الرسالة وذكر بعض الاقتراحات، والفهارس الحمد لله تعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشكره سبحانه وتعالى على أن أسبغ عليَّ نعمه الظاهرة والباطنة. وأهمها هدايته تعالى إياي إلى الإسلام الصحيح المتضمن للعقيدة السلفية، ومنها سلوكه تعالى بهذا العبد الفقير إليه سبحانه طريق العلم النافع ومنها توفيقه سبحانه إياي لإتمام هذا الكتاب وتيسيره علي. أما بعد: فأقدم بين أيدي القراء الكرام نبذة من أهم نتائج هذا الكتاب مع ذكر بعض الاقتراحات المفيدة، ثم الفهارس. أولاً: بيان أهم النتائج: لقد وصلت بتوفيق الله سبحانه وتعالى في كتابي خلال سنتي تأليفه إلى نتائج كثيرة أذكر أهمها: 1 - أن الإمام أبا منصور الماتريدي أحد أساطين الكلام، وقد أعطي مكانة عظيمة في العلوم العقلية بل العربية، ورأيته قوي العارضة شديد المعارضة صاحب ذهنٍ وقادٍ، وقوة البيان وذكاء تام. 2 - لكنه بعيد الصلة عن السنن والآثار وأهلها والعقيدة السلفية (¬1). 3 - لهذا الإمام مناقب ومحاسن كثيرة: منها ردوده القوية على الفرق الباطلة. 4 - ولكن كثيراً من ردوده وحججه ترتد حجة عليه (¬2). 5 - إن الماتريدي بسبب ما أكرمه الله من علم وقوة في الجدل ومكانة مرموقة استطاع أن صار إماماً لفرقة كلامية عظيمة من الفرق الكلامية. 6 - الماتريدية فرقة كلامية من أعظم فرق أهل القبلة، ولها دورها ونشاطها وسلطانها على وجه البسيطة شرقاً وغرباً عرباً وعجماً حسب سلطان الحنفية، لأسباب كثيرة ذكرت أهمها (¬3). 7 - الماتريدية إلى يومنا هذا لهم محاسن كثيرة: من الزهد والتقوى، والتأله والعبادة، والإخلاص للإسلام، والرد على الفرق الباطلة. وإمامة في العلوم العقلية والنقلية من التفسير والفقه والأصول. أما الماتريدية الحديثة كالديوبندية- فهم أئمة في علم الحديث أيضاً، ولهم خدمات جليلة في شروح الأحاديث والحواشي على كتب السنة. 8 - غير أنهم أولوا كثيراً من الأحاديث إلى المذهب الكلامي الماتريدي والمذهب الفقهي الحنفي، فلم تكن خدمتهم للسنة مجردة عن شيء من المرض والغرض حتى حرفوا بعض الأحاديث وبعض الآيات للمذهب (¬4). 9 - كما أن كثيراً من ردودهم على الفرق الباطلة ترتد حجة عليهم فيما خالفوه من الحق. 10 - مرت العقيدة الماتريدية بأدوار ذكرت أهمها، مع بيان ميزات كل دور (¬5). 11 - الماتريدي والماتريدية فرقة من فرق الحنفية فلا يوجد ماتريدي إلا حنفياً ولا عكس، أعني كل ماتريدي حنفي ولا عكس. فقد يكون الرجل الحنفي سلفياً أو معتزلياً أو غيره، ولا يكون ماتريدياً، ولكن لم أجد أحداً من الحنفية أشعرياً إلا السمناني (¬6). ولهذا السبب يراد بالحنفية في علم الكلام عن الإطلاق هم (الماتريدية) لا غير (¬7). 12 - اندهشت من نشاط الماتريدية في ميدان التأليف ومناصرتهم لعقيدتهم الكلامية بكل ما يملكونه من القوى (¬8). ¬

(¬1) انظر على سبيل المثال صـ: 1/ 490، 3/ 111 - 112، 3/ 133 - 135. (¬2) راجع 1/ 209 - 255، بل هو ممن ساير جهماً: 1/ 235 - 253، بل حرّف معنى آية في كتاب الله لكونه عريقاً في التعطيل 2/ 31. (¬3) انظر صـ: 1/ 269 - 276. (¬4) راجع 1/ 264 - 268، 2/ 529 - 533. (¬5) راجع صـ: 1/ 262 - 268. (¬6) انظر صـ: 1/ 408 - 410 و1/ 172 - 176. (¬7) راجع صـ: 1/ 408. (¬8) راجع صـ: 1/ 279 - 376 وفي هذه الصفحات فهرس كتبهم.

13 - الماتريدي والماتريدية قد وافقوا أهل السنة المحصنة من سلف هذه الأمة وأئمة السنة في إثبات بعض الصفات، وكثير من مسائل الأسماء الحسنى، ومعظم أبواب النبوة وجميع أبواب المعاد، والقضاء والقدر، وخلق أفعال العباد، وإبطال الجبر. وهذا من حسناتهم التي لا تنسى والتي يشكرون عليها ونحبهم بها. 14 - فهؤلاء- لما عندهم من الحق- يعدون من أهل السنة بالمعنى العام، وليسوا من أهل السنة المحصنة (¬1). 15 - للماتريدية موقف خطير من النصوص الشرعية وهو في الحقيقة موقف من لا يؤمن بها حقاً، حيث قدموا عقولهم على النقل الصحيح الصريح، وجعلوا العقل أصلاً ويقيناً وجعلوه مصدراً لتلقي العقيدة في باب صفات الله تعالى. أما النقل فهم إما فوضوا فيه، أو أولوه لظنهم أنه لا يفيد الظن (¬2) وقد ناقشناهم في ثلاثة فصول: الثاني والثالث والرابع من الباب الثاني (¬3). 16 - أما الماتريدية الحديثة كالكوثري والكوثرية ومن سايره من بعض الديوبندية كالبنوري فلهم مقالة خطيرة أخرى وهي: أن كثيراً من أحاديث الصفات وضعتها الزنادقة وروجوها على المحدثين (¬4). 17 - الإمام الماتريدي والماتريدية قد فهموا من نصوص صفات الله تعالى ما يليق بالمخلوق. فلذلك هربوا من القول بظاهرها وظنوا أن ظواهرها تستلزم تشبيه الله بخلقه وحقائق تلك الصفات ممتنعة في حق الله تعالى بحجة التنزيه. فلا بد من التفويض فيها أو تأويلها (¬5). وقد أفردت لإبطال هذه الشبهة فصلاً كاملاً، وهو من الباب الثاني (انظر 1/ 478 - 533) فأبطلتها بثمانية وجوه. 18 - موقف الماتريدية من صفات الله تعالى غير ما أثبتوه من بعض الصفات وموقفهم من نصوصها بين تفويض وتأويل (راجع 1/ 473 - 474، 541). لكن قولهم بالتفويض للتخلص من نصوص السلف القاطعة الصريحة في الإثبات فقط، وإلا مذهبهم الذي استقروا عليه وطبقوه عملياً هو التأويل المبتدع الذي هو عين (التحريف) و (التعطيل) (¬6). 19 - ادعت الماتريدية على السلف تفويضاً مطلقاً في الكيف والمعنى جميعاً، وهذه الدعوى باطلة على السلف لا حقيقة لها، وأنها خطأ عليهم، وافتراء شنيع وبهتان فظيع وتقول وتقويل (راجع 2/ 127 - 129). وهذه الدعوى تستلزم عواقب وخيمة ذكرتها بالتفصيل، وأبطلت مزاعمهم وشبهاتهم في فصل مستقل بعدة وجوه وأجوبة (¬7). 20 - الماتريدي والماتريدية فرقة عريقة غريقة في التأويل المستلزم لتعطيل صفات الله تعالى وتحريف نصوصها، وفتح أبواب الزندقة والإلحاد لأمثال القرامطة الباطنية وغير ذلك من العواقب الوخيمة الذي ذكرت بعضها في فصل مفرد (¬8). 21 - إن الماتريدية لا يوجد عندهم قانون دقيق، ومعيار صحيح فيما يؤول وفيما لا يؤول. ولذلك وجد عليهم القرامطة الباطنية طريقاً إلى تأويل الشرائع والمعاد. وليس عند الماتريدية فاصل صحيح بين التأويل الصحيح وبين التأويل الباطل ليسدوا به طريق القرامطة (راجع 2/ 325 - 339)؛ لأن للقرامطة أن يقولوا: أنتم مهما أولتم نصوص الصفات على كثرتها وتوافرها وعلى قطعية دلالتها على مرادها- فلنا أن نؤول نصوص الشرائع والمعاد أيضاً. وليست تأويلاتكم بأحق من تأويلاتنا، كما أن تأويلاتنا ليست بأبعد من تأويلاتكم، مع أن تأويل الشرائع والمعاد أسهل من تأويل الصفات (¬9). 22 - اشترطت الماتريدية في صحة التأويل شرطاً مهماً: ¬

(¬1) راجع صـ: 1/ 401 - 406. (¬2) راجع صـ: 1/ 537 - 550. (¬3) 2/ 5، 133، 211. (¬4) انظر صـ: 1/ 252، 545، 549. (¬5) انظر صـ: 1/ 465 - 477. (¬6) انظر صـ: 2/ 131، 255، 296، 2/ 436 - 455. (¬7) راجع صـ: 2/ 133 - 196. (¬8) راجع صـ: 2/ 212، 213، 2/ 214، 2/ 215، 2/ 219، 2/ 242، 2/ 255، 2/ 296، 2/ 304، 2/ 340. (¬9) انظر صـ: 1/ 304 - 325.

وهو أن يكون موافقاً لاستعمال اللغة العربية (¬1). ومعنى هذا أن التأويل الذي لا يوافق اللغة العربية هو تحريف محض. 23 - ولكن الماتريدية -مع الأسف الشديد- لم يطبقوا قولهم هذا تطبيقاً عملياً بل عملهم الواقعي في التأويل يخالف الشرط. فقد ذكرت أمثلة عديدة لبيان أن تأويلاتهم لا توافق اللغة العربية، وإنهم لم يستطيعوا توفر شروط التأويل الصحيح. إذن تأويلاتهم تحريف محض مستلزم لتعطيل بحت (¬2). 24 - بل قد صرح كثير من أئمة الإسلام على أن تأويلات المتكلمين تحريف (¬3). 25 - وأن تأويلاتهم تستلزم تعطيل الصفات حتى بشهادة الإمام أبي حنيفة، وكثير من كبار أئمة الماتريدية (¬4). الماتريدية متناقضون في قضية التأويل حيث أثبتوا بعض الصفات وأولوا بعضها فإما أن يثبتوا جميع الصفات، وإما أن يؤولوا جميعها، لأن الدافع للتأويل- وهو شبهة التشبيه، وتحقيق التنزيه- موجود فيما أثبتوه أيضاً (¬5). 27 - إن الماتريدية لم يعرفوا حقيقة (التشبيه) الذي يجب نفيه عن الله تعالى، فأدخلوا في مفهوم التشبيه كثيراً من الصفات فنفوها (¬6). 28 - كما أنهم لم يعرفوا حقيقة (التنزيه) الذي يجب إثباته لله سبحانه، فأدخلوا في مفهوم التنزيه نفي كثير من الصفات فعطلوها (¬7). 29 - فصار (توحيدهم) ذا صلة وثيقة بتوحيد الجهمية الأولى، والمعطلة الخرقاء والفلاسفة الحمقى. 30 - إن الماتريدية في مقالتهم: (التأويل) قد خالفوا إجماع سلف هذه الأمة، وأئمة السنة، ولا سيما الإمام أبا حنيفة وأصحابه الأوئل (¬8). 31 - اشتهر على ألسنة الناس أن الأشعرية والماتريدية قد أثبتوا سبعاً من الصفات التي يسمونها (صفات المعاني) أو (صفات عقلية) أو (صفات ثبوتية) أو (صفات ذاتية). وهي: الحياة، والقدرة، والعلم، والسمع، والبصر، والإرادة، والكلام، وزادت الماتريدية صفة ثامنة، وهي (صفة التكوين) التي هي مرجع جميع الصفات الفعلية عندهم (راجع 2/ 430 - 433). ولكن الحقيقة أنهم لا يثبتون هذه الصفات كلها جميعاً. وإن تظاهروا بإثباتها. لأنهم اتفقوا بإثبات أربع منها: وهي الحياة، والقدرة، والعلم، والإرادة. مع تفلسف في إثباتها كإثبات السلف. واختلفوا في (السمع والبصر). أما (صفة الكلام) فلا يؤمنون بها، على طريقة سلف هذه الأمة؛ بل عطلوها جهاراً دون إسرار، وأثبتوا لله تعالى- كذباً وافتراءً عليه- ما يسمونه (الكلام النفسي) - الذي لم يعرفه الأنبياء والمرسلون، ولا الصحابة، ولا التابعون، ولا الأئمة الفقهاء والمحدثون، ولا أحد من بني آدم، ولايقره عقل ولا نقل ولا عرف ولا إجماع حتى جاء دور (ابن كلاب) (بعد 240هـ) فأحدث بدعة (الكلام النفسي) وأما صفة التكوين فيرجع الأمر إلى أن الخلاف بين الفريقين لفظي. وأن التكوين يرجع إلى صفتي القدرة والإرادة (¬9). 32 - الماتريدية حصروا صفات الله تعالى في أربعة أنواع تحتها (21) صفة فقط لا غيرها، وهذا عين الإلحاد وتعطيل صريح لما سواها (¬10). 33 - الصفات الفعلية عندهم ليست صفات لله تعالى على سبيل الحقيقة ولا قائمة به تعالى، لئلا يلزم قيام الحوادث به سبحانه؛ لأنها حادثة. بل هي من متعلقات صفة (التكوين) عندهم. وهذا كما ترى تعطيل صريح (¬11). ¬

(¬1) انظر صـ: 1/ 209. (¬2) راجع صـ: 2/ 255 - 295، 2/ 325 - 339. (¬3) انظر صـ: 2/ 285 - 295. (¬4) راجع صـ: 2/ 299 - 303. (¬5) انظر صـ: 2/ 340 - 353. (¬6) انظر صـ: 1/ 484 - 498. (¬7) انظر صـ: 1/ 498 - 508. (¬8) انظر صـ: 2/ 219 - 241، وانظر صـ: 2/ 476 - 485، وانظر صـ: 2/ 503 - 513، وانظر صـ: 2/ 525 - 542. (¬9) انظر صـ: 2/ 431 - 433. (¬10) انظر صـ: 2/ 426 - 428، 2/ 430 - 431. (¬11) انظر صـ: 1/ 418 - 423، 2/ 425 - 433.

34 - إن الماتريدية قد عطلوا كثيراً من صفات الله تعالى الثبوتية. وقد ذكرت لذلك (35) مثالاً وحرفوا نصوصها بالتأويل (¬1). 35 - وقد ظهر بهذا أن الماتريدية معطلة أكثر من أنهم مثبتة، فصح إطلاق (الجهمية) عليهم (راجع 1/ 401 - 407). 36 - وجدت عند الماتريدية حماقات كلامية كثيرة -مع ادعائهم العقل والنظر- منها حماقات ثلاث لا يقرها عقل ولا نقل ولا فطرة ولا إجماع ولا عرف ولا لغة. • الأولى: تعطيلهم لصفة (العلو) لله تعالى، وقولهم: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا تحت ولا فوق، ولا يمين ولا شمال ولا خلف ولا أمام إلى آخر الهذيان (¬2). • والثانية: تعطيلهم لصفة (الكلام) لله وقولهم بخلق القرآن، وخلق أسماء الله الحسنى وقولهم ببدعة (الكلام النفسي) (¬3) (انظر 2/ 73 - 82). • الثالثة: زعمهم أن الكتب السماوية والأحاديث النبوية جاءت على خلاف الدين الحق- لأن الدين الحق هو نفي (الجهة) عندهم. (أي نفي علو الله تعالى على خلقه) واعترفوا بأن الكتب السماوية أتت بنصوص تدل على (الجهة) وأن الله تعالى فوق العالم. ولكن قالوا في الجواب عن ذلك: إن الكتب السماوية إنما جاءت بنصوص (العلو) لأجل استدراج الناس، لمصلحة الدعوة إلى الدين الحق. لا لأجل تحقيق أن الله تعالى فوق العالم؛ لأن الكتب السماوية لو جاءت بالتصريح بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا فوق ولا تحت- لبادر الناس إلى الإنكار ولسارعوا إلى العناد. ولقالوا: للرسل عليهم السلام: إن الذي تدعوننا إليه هو عدم محض، فاقتضت حكمة الدعوة أن جاءت الكتب السماوية موافقاً لما يزعمونه من أن الله تعالى فوق العالم (¬4). وهذا كما ترى ضلال بواح صراح وتعطيل وإلحاد شنيعان فظيعان. وهذا القول مشتمل على نسبة الكذب إلى الله تعالى وإلى كتبه المطهرة وإلى رسله عليهم السلام لمصلحة الدعوة. ثم هو تحريف باطني وتخريف قرمطي مأخوذ من القرامطة الباطنية كما صرح به ابن سينا الحنفي المتفلسف القرمطي الباطني (428هـ) (¬5). 37 - اعتنق الماتريدية عقائد هي كفر صريح عند سلف هذه الأمة، وأئمة السنة. منها: إنكارهم لعلو الله تعالى؛ فهذا كفر عند السلف حتى عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله (¬6). ومنها: القول بخلق القرآن، وهذا كفر صريح عند السلف حتى عند الإمام أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله تعالى أيضاً؛ وهذا كله باعتراف الماتريدية (¬7). ومنها: القول بخلق أسماء الله الحسنى؛ فهو كفر عند سلف هذه الأمة وأئمة السنة أيضاً حتى عند من يعدونه من كبار أئمة الحنفية، كعبد الله بن المبارك رحمه الله (¬8). ومنها: تعطيل صفة (النزول) لله تعالى إلى السماء الدنيا (¬9). 38 - إن الماتريدية قصدوا تحقيق (التنزيه) لله تعالى ونفي (التشبيه) عنه سبحانه وتعالى. ¬

(¬1) انظر صـ: 2/ 436 - 455. (¬2) وقد أبطلنا قولهم عقلاً ونقلاً وفطرة وإجماعاً في فصل مستقل انظر صـ: 2/ 459 - 591. (¬3) وقد أبطلتُ (الكلام النفسي) بسبع وعشرين وجهاً، انظر صـ: 3/ 83 - 121، وأثبت أن كلام الله بحرف وصوت وأبطلت قولهم: إن كلام الله لا بحرف ولا صوت انظر صـ: 3/ 122 - 141. وذكرت نصوص السلف في ذم القائل بخلق أسماء الله تعالى الحسنى، بل في تكفير قائله انظر صـ: 3/ 156 - 159. (¬4) انظر صـ: 2/ 259 - 266 ومثله تخريفهم في ص 2/ 272 - 277. (¬5) راجع صـ: 2/ 266 - 272. (¬6) راجع صـ: 2/ 474 - 476، 480، 2/ 483، 2/ 525 - 528. (¬7) راجع صـ: 3/ 112 - 116. (¬8) انظر: صـ: 3/ 156 - 158. (¬9) راجع صـ: 3/ 37 - 40.

ولكنهم نزهوا الله تعالى عن كثير من صفات الكمال، وشبهوه سبحانه بالإنسان الأبكم الذي لا يتكلم إلا في نفسه ولا يكون له كلام يسمع كما شبهوه بالحيوانات العجماوات التي لا تتكلم، بل أنزلوه عن منزلة عجل السامري الذي كان له خوار، فشبهوه بالجمادات الصامتات، بل بالمعدومات بل بالممتنعات، حتى نفوا (علوه تعالى) فوقعوا في أقبح (التشبيه) وأوقحه، وخالفوا (التنزيه) مخالفة صريحة. فهؤلاء لا حققوا التنزيه، ولا نفوا التشبيه (¬1). 39 - بل بعضهم ممن يحمل العقائد الشركية قد شبهوا المخلوق بالخالق، فوقعوا في تشبيهين: - • الأول: تشبيه الله بخلقه في صفات النقص. • والثاني: تشبيه المخلوق بالله في صفات الكمال. وهذا- كما ترى- جمع بين صفتي (اليهود- والنصارى) (¬2). 40 - الجهمية الأولى، والمعتزلة بل القرامطة الباطنية، المتفلسفة هم مصادر الماتريدية في كثير من أبواب العقيدة. فكثير من عقائد الماتريدية وأصولها مأخوذ منهم ولا صلة لها بسلف هذه الأمة. • وفيما يلي بعض الأمثلة: - أ- تعطيل (الصفات) كلاً أو بعضاً بشبهة (التشبيه) (¬3). ب- مقالة (تأويل) (الصفات) كلاً أو بعضاً (¬4). جـ- موقفهم من النصوص الشرعية في باب (الصفات) وزعمهم: أنها ظنية؛ وأن البراهين العقلية (قطعية) فتقدم على (الأدلة اللفظية) (¬5). د- تعطيلهم لصفة (العلو) لله تعالى (¬6). هـ- القول بخلق القرآن مأخوذ من الجهمية الأولى حتى باعتراف الماتريدية أنفسهم (¬7). والقول بخلق أسماء الله الحسنى (¬8). ز- تأويل صفة (الاستواء) بالاستيلاء (¬9). ح- تأويل صفة (اليدين) أو (اليد) مأخوذ من الجهمية الأولى حتى بشهادة الإمام أبي حنيفة رحمه الله (¬10). ط- تعطيل صفة (نزول) الله تعالى إلى السماء الدنيا وتحريف نصوصها أو إنكارها (¬11). ك- رمي الماتريدية سلف هذه الأمة وأئمة السنة بالتشبيه والتجسيم والحشو (¬12). (وانظر 1/ 405، وفيها عبرة للفنجفيرية!). ل- زعمهم أن الكتب السماوية إنما جاءت بنصوص (العلو) وأن الله في (جهة الفوق) لمصلحة دعوة الناس؛ لأن الكتب السماوية لو جاءت بنصوص صريحة (بنفي الجهة) وبنفي أن الله تعالى ليس فوق العالم -لبادر الناس إلى الإنكار، ولقالوا: هذا الذي تدعوننا إليه عدم محض (¬13). م- إجمالهم في الإثبات وتفصيلهم في النفي (¬14). ن- عامة شبهات الماتريدية حول صفات الله تعالى مأخوذة من الجهمية الأولى (¬15) (انظر أيضاً 2/ 242 - 254، 259 - 277، 294). س- لقد دخل على الماتريدية كغيرهم من المتكلمين- كثير من أفكار الفلاسفة اليونانية الكفرة والجهمية حتى باعترافهم (¬16). 41 - فلهذا كله تعد الماتريدية من فرق أهل البدع من أهل القبلة وليسوا من أهل السنة المحصنة ويطلق عليهم (أهل السنة) بالمعنى العام (¬17). ¬

(¬1) انظر صـ: 1/ 489، 1/ 504، 1/ 506، 1/ 516، ولا سيما صـ: 2/ 499، 2/ 512، 3/ 118 - 119 و 1/ 484 - 497، 498 - 507. (¬2) راجع صـ: 3/ 288. (¬3) انظر صـ: 1/ 465 - 470. (¬4) راجع صـ: 2/ 242 - 254. (¬5) انظر صـ: 1/ 543، 2/ 11، 2/ 13، 2/ 14، 2/ 71، 2/ 74. (¬6) راجع صـ: 2/ 474، وانظر ما قبلها وما بعدها أيضاً. (¬7) انظر صـ: 3/ 73 - 78، 3/ 112 - 116. (¬8) انظر صـ: 3/ 150، 3/ 153، 3/ 156 - 159. (¬9) راجع صـ: 3/ 22. (¬10) انظر صـ: 2/ 297 - 300. (¬11) انظر صـ: 3/ 32 - 45. (¬12) راجع صـ: 3/ 33، 1/ 245، 467، 2/ 176، 273. (¬13) انظر صـ: 1/ 295، 2/ 51، 60، 259 - 277. (¬14) راجع صـ: 1/ 500، 502 - 503، 505. (¬15) انظر صـ: 1/ 245، 250 - 252، 445، 2/ 14، 2/ 71، 175، 235. (¬16) انظر صـ: 1/ 232 - 2/ 39، 40، 3/ 194 - 195. (¬17) 1/ 401 - 407.

42 - الماتريدية فرقة من غلاة المقلدين الجامدين للإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، في مسائل الفقه العملية (وفيهم الكوثرية الفنجفيرية والديوبندية). ومن الغلاة فيه، ومن المتعصبين له تعصباً مقيتاً، كادوا أن يرفعوه إلى منزلة العصمة، فجعلوا كثيراً من الأحاديث الصحيحة (حنفية) بتأويلاتهم، وجانبوا الحق نضالاً عن منهجهم، حتى صرح بعض كبار أئمة الديوبندية في صدد بيان مسألة (الخيار) بأن الحق مذهب الشافعي من جهة الأحاديث والنصوص ولكنا مقلدون يجب علينا تقليد إمامنا أبي حنيفة!. وقد ذكرت لغلوهم وتحريفهم عدة أمثلة (¬1). 43 - الماتريدية مع غلوهم في الإمام أبي حنيفة- يخالفونه في كثير من أبواب العقيدة مخالفة صريحة وخرجوا عليه، وعلى أصحابه الأوائل، كالإمامين أبي يوسف، ومحمد رحمهم الله تعالى، خروجاً واضحاً فاضحاً وهو ما يستحي منه من عنده استحياء *وإلا فليفعل ما يشاء*؛ وفيما يلي بعض الأمثلة لذلك: أ- إن الإمام أبا حنيفة، وأصحابه الأوائل يحتجون بأخبار الآحاد في باب العقيدة، ولا سيما باب الصفات. أما الماتريدية فقد خالفوهم وخرجوا عليهم (¬2). ب- لم يعرف عن الإمام أبي حنيفة وأصحابه القدماء رحمهم الله تأويل الصفات بل قد صرحوا بعدم جواز تأويلها، وأن عدم التأويل وإثبات الصفات هو مذهب أهل السنة والجماعة. وأن تأويل الصفات إبطال وتعطيل لها، وهو مذهب أهل القدر والاعتزال (¬3). أما الماتريدية فقد خالفوهم وخرجوا عليهم بتلك التأويلات التي هي تعطيل للصفات وتحريف لنصوصها، كما تقدم في النتائج بأرقام (30 - 34). ج- إن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى قد أثبت علو الله تعالى وأنه في السماء، وقد صرح بتكفير من أنكر علو الله تعالى، وأنه في السماء، بل كفر من شك في ذلك (¬4). لكن الماتريدية أنكروا علو الله إنكاراً صريحاً، وقالوا: (إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا فوق ولا تحت ولا على العرش ولا فوق العرش (¬5) إلى آخر هذيانهم). د- إن الإمام أبا حنيفة قد استدل على علو الله تعالى بحديث الجارية (¬6). لكن عامة الماتريدية يحرفونه بالتأويل ويصرحون بأنه مخالف للقطعيات (¬7). أما الكوثري والكوثرية وبعض الديوبندية فقد طعنوا فيه ظلماً وعدواناً. (¬8). هـ- إن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى قد استدل على علو الله تعالى وأنه في السماء بدليل الفطرة وهو قوله: (إن الله يدعى من أعلى لا من أسفل) (¬9) لكن الماتريدي والماتريدية طعنوا في هذا الدليل الفطري، وحرفوه بتأويل قبيح حتى قالوا: (إن هذا دليل غلاة الروافض واليهود والمجسمة). فسبوا إمامهم الأعظم (أبا حنيفة) من حيث لا يشعرون (¬10). وإن الإمام أبا حنيفة وأصحابه الأوائل لم يقولوا: بخلق القرآن، بل قد صرحوا بتكفير القائل بخلق القرآن (¬11). لكن الماتريدية قد قالوا بخلق القرآن جهاراً دون إسرار وتقية (الأشعرية) وقالوا: (بدون حياء، ليس بيننا وبين المعتزلة خلاف في خلق القرآن، وإنما الخلاف في الكلام النفسي) (¬12). ¬

(¬1) انظر صـ: 2/ 529 - 533. (¬2) انظر صـ: 2/ 75 - 79. (¬3) انظر صـ: 1/ 466 - 467، 2/ 75 - 79، 2/ 299 - 300، 3/ 37. (¬4) راجع صـ: 2/ 75، 2/ 525 - 529. (¬5) انظر صـ: 1/ 470 - 471. (¬6) راجع صـ: 2/ 75، 2/ 525 - 529، 2/ 549. (¬7) راجع صـ: 2/ 529. (¬8) راجع صـ: 2/ 550 - 562. (¬9) انظر صـ: 2/ 75، 2/ 526. (¬10) راجع صـ: 2/ 542 - 543 وبعدها رد عليهم إلى 2/ 546. (¬11) انظر صـ: 3/ 112 - 116. (¬12) انظر صـ: 1/ 390، 3/ 73 - 82، 108 - 109.

ز- لم يعرف عن الإمام أبي حنيفة القول: بالكلام النفسي (بل لا يمكن أن يكون ذلك قوله؛ لأن أول من أحدث القول بالكلام النفسي هو ابن كلاب بعد (1240هـ) (¬1). فالإمام أبو حنيفة وأصحابه الأوائل لا يرون الكلام النفسي بل يعتقدون أن هذا القرآن هو كلام الله حقيقة (¬2) (الطحاوية مع شرحها 179). لكن الماتريدية قالوا (ببدعة الكلام النفسي) (¬3). ح- إن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى قد صرح بسماع موسى عليه السلام لكلام الله تعالى (¬4). لكن الماتريدي والماتريدية لا يجوزون سماع كلام الله تعالى لأحد من خلقه لا لموسى عليه السلام ولا لغيره (¬5). ط- ى- إن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى قد صرح بأن غضبه تعالى ورضاه صفتان من صفاته تعالى بلا كيف، وهو مذهب (أهل السنة) و (الجماعة). ولا يقال غضبه عقوبته، ورضاه ثوابه (¬6). لكن الماتريدي والماتريدية يعطلون هاتين الصفتين ويحرفون نصوصهما بتأويلاتهم (¬7). ك- لقد صرح الإمام أبو حنيف4ة رحمه تعالى بأن لله (وجهاً) و (يداً) بلا كيف، ولا يقال: (إن يده (قدرته) أو نعمته)، لأن هذا تعطيل لها وهو مذهب الجهمية فتأويل صفة بأخرى إبطال لها (¬8). ولكن الماتريدي والماتريدية يعطلون هذه الصفة بتأويلهم إلى (القدرة) و (النعمة) وغير ذلك من التأويلات التحريفية الجهمية. وهكذا عطلوا صفة (اليدين) و (اليمين) و (القبضة) و (الأصابع) وحرفوا نصوصها بأنواع من التأويلات المريسية (¬9). ل- كما عطلوا صفة (الوجه) وحرفوا نصوصها بتأويلات جهمية (¬10). م- إن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى قد أثبت لله تعالى صفة (استوائه) على عرشه، ويستدل به على علو الله تعالى (¬11). لكن الماتريدي والماتريدية قد عطلوها وحرفوا نصوصها بأنواع من المجازات (¬12). ن- يصرح الإمام أبو حنيفة، وكبار أئمة الحنفية الأولى، بإثبات صفة (النزول) لله تعالى إلى السماء الدنيا -بلا تكيف، ولا تشبيه ولا تحريف ولا تأويل ولا تعطيل، بل بعض كبار أئمة الحنفية القدامى يكفر من عطل صفة (النزول) (¬13). لكن الماتريدي والماتريدية يعطلونها ويحرفون نصوصها بشتى التأويلات (¬14). س- فرق الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى بين (توحيد الألوهية) وبين (توحيد الربوبية)، وهكذا الإمام الطحاوي رحمه الله (¬15). ولكن الماتريدية فسروا (توحيد الألوهية) بتوحيد (الربوبية) (¬16). وأفرط بعضهم إلى حد قالوا: (إن تقسيم (التوحيد) إلى (الربوبية) وإلى (ألوهية) من مخترعات (ابن تيمية) مع خرق آخر (¬17). وقد أبطلنا مزاعمهم لغة واصطلاحاً وشرعاً في خمس مؤاخذات تتضمن وجوهاً كثيرة (¬18). ع- إن الإمام أبا حنيفة، وأصحابه المتقدمين قد جعلوا الإقرار باللسان ركناً من الإيمان (¬19). ¬

(¬1) راجع صـ: 2/ 280 - 281، 3/ 85 - 86، 89 - 90، 106 - 115. (¬2) انظر صـ: 3/ 112 - 115، 3/ 120. (¬3) راجع صـ: 3/ 73 - 82 وقد أبطلناه بعدة وجوه: 3/ 83. (¬4) راجع صـ: 1/ 403، 1/ 424، 3/ 135، 138. (¬5) انظر صـ: 1/ 423 - 426، 2/ 438، 3/ 80 - 82، 135 - 141. (¬6) راجع صـ: 1/ 466، 504، 2/ 452 - 453. (¬7) راجع صـ: 1/ 474، 2/ 452 - 453. (¬8) راجع صـ: 1/ 403، 466، 496، 504، 2/ 220، 299، 3/ 55 - 56. (¬9) انظر صـ: 1/ 390، 402 - 403، 472، 2/ 443، 3/ 51 - 52. (¬10) انظر صـ: 1/ 472، 2/ 443. (¬11) راجع صـ: 2/ 525 - 527، 3/ 20. (¬12) راجع صـ: 1/ 472 - 473، 3/ 7 - 9. (¬13) راجع صـ: 3/ 37 - 40. (¬14) انظر صـ: 1/ 473 - 474، 3/ 30 - 50. (¬15) انظر صـ: 3/ 165. (¬16) انظر صـ: 3/ 165، 168 - 170. (¬17) راجع صـ: 3/ 165 - 166. (¬18) راجع صـ: 3/ 170 - 193. (¬19) انظر صـ: 1/ 173، 404.

لكن الماتريدي والماتريدية جعلوا الإيمان، هو (التصديق) بالقلب فقط، ولم يجعلوا (الإقرار) ركناً منه. بل جعلوه شرطاً لإجراء الأحكام الدنيوية فقط لا شعر. حتى إن من صدق بقلبه، ولم يقر بلسانه -فهو مؤمن ناج يوم القيامة (¬1). وهذا -كما ترى- إرجاء صريح قبيح ليس لهم في ذلك سلف إلا أهل البدع من المرجئة الغلاة (انظر فرق المرجئة في 1/ 172 - 173). وقد عرفنا بهذه الأمثلة أن الماتريدية أتباع للجهمية والمرجئة وليست لهم صلة بالإمام أبو حنيفة رحمه الله خاصة ولا بالسلف عامة. 44 - لما ظن الماتريدية: أن (توحيد الألوهية (هو) توحيد الربوبية) - جعلوا (توحيد الربوبية) هو الغاية العظمى (¬2). وقد أبطلنا زعمهم هذا، وأثبتنا أن (الغاية العظمى) هو (توحيد الألوهية) المتضمن لتوحيد الربوبية) بأربعة عشر وجهاً (¬3). كما أبطلنا زعمهم حول دليل التمانع (¬4). 45 - لما جعلت الماتريدية (توحيد الربوبية) هو الغاية- أفنوا أعمارهم وأنهوا قواهم لتحقيق هذا التوحيد. مع أنه لا يحتاج إلى كبير الدراسة وطولها. لأنه أمر فطري وقد اعترف بهم أهل الملل والنحل جميعاً ولم يخالف في ذلك أحد إلا في بعض الحمقى في بعض تفصيله (¬5). 46 - ولذلك قل اهتمامهم وعنايتهم بتوحيد (الألوهية) فغفلوا، أو تغافلوا عن معرفة ما يضاده من (الشرك) وما يوصل إليه (¬6)، فوقعوا في كثير من الأفكار الصوفية والخرافات القبورية (¬7). ولا سيما (البريلوية) من الماتريدية، فإنهم وثنية (¬8). وقاربهم (الكوثري والكوثرية)، وقد ذكرنا نماذج من خرافاتهم الشركية البدعية (¬9). ثم بعض (الديوبندية)، وقد ذكرنا عدة أمثلة خرافية قبورية صوفية بدعية وقعوا (¬10) فيها وهكذا (التبليغية) منهم (¬11). 47 - الماتريدية كغيرهم من أهل الكلام المذموم مع سعيهم البالغ في تحقيق وجود الله تعالى وإثبات وحدانيته -لم يستطيعوا ذلك. لأنهم وصفوا الله تعالى بصفات المعدومات بل الممتنعات؛ فهم -بدل أن يحققوا كون الله تعالى واجب الوجود- جعلوه معدوماً بل ممتنعاً. فهذا هو حقيقة توحيدهم (¬12). 48 - الإمام الماتريدي، وعامة الماتريدية يرمون (العقيدة السلفية) - بالتشبيه والتجسيم والحشو. وينبزون أئمة السنة أصحاب العقيدة السلفية- بأنهم (مشبهة) (مجسمة) (حشوية) ونحوها من الألقاب (¬13). 49 - أما الماتريدية الحديثة، كالكوثري، والكوثرية، ومن سايره من بعض الديوبندية أمثال البنوري. فهم ارتكبوا -مع ما سبق- جريمة شنيعة أخرى: وهي: أنهم رموا (العقيدة السلفية) بأنها عقيدة وثنية!!!. وعقيدة (الشرك) وعقيدة (كفر) ونحوها من البهتان والعدوان والظلم والطغيان على أئمة الإيمان!!! (¬14). 50 - كما أنهم حكموا على جميع كتب العقيدة لأئمة السنة: ككتب (السنة) للإمام أحمد، وأبي داود، وعبد الله بن أحمد، والخلال، وابن أبي عاصم، واللالكائي وغيرهم. وكتب (التوحيد) للبخاري، وابن خزيمة، وابن منده، وغيرهم. وكتب (الرد على الجهمية) للإمام أحمد، والبخاري، والدارمي، وأبي داود وابن منده وغيرهم. ¬

(¬1) انظر صـ: 1/ 173، 404. (¬2) راجع صـ: 3/ 165، 3/ 202 - 228. (¬3) انظر صـ: 3/ 202 - 229. (¬4) انظر صـ: 3/ 194 - 201. (¬5) وقد ذكرنا نبذة عن مبدأ الشرك وتطوره، والتحذير منه وما يتذرع إليه، ووقوع الشرك في هذه الأمة، انظر صـ: 3/ 230 - 280. (¬6) انظر صـ: 3/ 315 - 317. (¬7) انظر صـ: 1/ 266، 3/ 284. (¬8) راجع صـ: 1/ 266 - 267، 340، 376، 3/ 285 - 302. (¬9) انظر صـ: 1/ 264 - 266، 3/ 302. (¬10) انظر صـ: 3/ 163 - 164. (¬11) 1/ 265، 3/ 302 - 303. (¬12) راجع صـ: 3/ 215 - 229. (¬13) راجع صـ: 1/ 405. (¬14) انظر صـ: 1/ 244 - 365، 546 - 549.

وجميع كتب أئمة السنة في العقيدة بدون استثاء- بأنها كتب (الوثنية) وكتب (الشرك) وكتب (الكفر) (¬1)!!! 51 - كما نبزوا كبار أئمة الإسلام: أمثال حماد بن سلمة، والدارمي وعبد الله بن أحمد، وابن خزيمة، والدارقطني، والوائلي وشيخ الإسلام، وابن القيم والذهبي، ومحمد بن عبد الوهاب التميمي، والشوكاني، وغيرهم من الأئمة قديماً وحديثاً بأنهم (وثنية)، ورموا بعضهم بالنفاق، والزندقة، والإلحاد؛ ونبزوا بعضهم باليهودية، وسبوا شيخ الإسلام، وابن القيم، أشنع السباب حتى رموهما بالكفر، والزندقة، والإلحاد حتى أطلقوا عليهما كلمات نابية مثل: الحمار، والتيس، والماجن، والخبيث، والملعون، والملحد، والوسخ، والنجس؛ فضلاً عن التجسيم والتشبيه، وغيرها من الشتائم التي يستحي منها كثير من الشعراء الماجنين المطربين المغنين (¬2). 52 - رأيت الكوثرية وكثيراً من كبار الديوبندية في عداء شديد ضد الإمام مجدد الدعوة محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى خاصة والمتمسكين بالعقيدة السلفية الذين يسميهم هؤلاء المغرضون الممرضون، (الوهابية) عامة، فنبزوا الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، بأنه زعيم المشبهة، وأنه من الخوارج، وأنه بليد قليل العلم، وصاحب خيالات باطلة، وعقائد فاسدة. وأنه كان مسيء الأدب في حق السلف، وكان باغياً ظالماً فاسقاً سفاكاً، ونبزوا عامة المتمسكين بالعقيدة السلفية بأنهم من الخوارج وأنهم استباحوا دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، وأنهم (الخبثاء) و (الخبيثة)، إلى غيرها من العدوان والبهتان (¬3). 53 - وأما الفنجفيرية فانظر شتمهم لأهل الحديث في (1/ 267 - 268). 54 - مع أن الطعن في أئمة السنة من أبرز علامات أهل البدع قديماً وحديثاً، بشهادة أئمة الإسلام ومنهم إمام أهل السنة الإمام أحمد (¬4). 55 - وصلت خلال المقارنة بين (الماتريدية) وبين (الأشعرية) ولا سيما (الأشعرية المتأخرة) إلى أنهما فرقتان كأختين شقيقتين. وكادتا أن تكونا فرقة واحدة لو لم يكن بينهما اختلاف في النسبة، واختلاف في بعض المسائل، وأنهما واسطة بين (أهل السنة المحصنة)، وبين (الجهمية والمعتزلة) (¬5). 56 - خلافهم في بعض المسائل ليس خلافاً جوهرياً في جميعها. بل خلافهم خلافٌ لفظيٌ في كثير من المسائل، كما أنه خلافٌ غالباً في التفريعات لا في الأصول (¬6) وهي ثلاث عشرة مسألة (1/ 412 - 456). 57 - تكلمت على غالب تلك المسائل الخلافية بين الفريقين، فوجدت (الماتريدية) في بعضها على الحق (والأشعرية) على باطل (¬7). كما وجدت (الأشعرية) في بعضها على الحق و (الماتريدية) على باطل (¬8). وفي بعضها قد وجدت الفريقين على باطل محض، ويكون الحق قولاً ثالثاً سلفياً (1/ 420، 424 - 426، 430 - 433، 440 - 441، 451). 58 - وجدت قدماء الأشعرية كالباقلاني (403هـ) - أقرب إلى السنة، ولذلك يثبتون صفتي (العلو) و (الاستواء). أما المتأخرون منهم، كالإمام أبي محمد الجويني (438هـ) ومن بعده، كالرازي (606هـ) والآمدي (631هـ) والإيجي (756هـ) - فهم أقرب شيء إلى الجهمية الأولى، انظر (1/ 388). 59 - أما الماتريدية فلم أجد فيهم مثل هذا المدِّ والجزر؛ ¬

(¬1) راجع صـ: 1/ 345، 348 - 349، 547 - 550. (¬2) انظر صـ: 1/ 345 - 365، 546 - 549. (¬3) راجع صـ: 1/ 264 - 266، 339، 363، 3/ 312 - 313. (¬4) راجع صـ: 1/ 365 - 2/ 119، 121. (¬5) راجع صـ: 1/ 385 - 387، 1/ 391 - 394. (¬6) راجع صـ: 1/ 385 - 394. (¬7) راجع 1/ 414، 427، 437، 438، 447، 455. (¬8) راجع 1/ 416، 423 - 426، 436.

فقد رأيت الأولين منهم كالإمام الماتريدي (333هـ) وأبي اليسر البزدوي (493هـ)، وأبي المعين النسفي (508هـ) ونجم الدين عمر النسفي (537هـ) ونور الدين الصابوني (580هـ) هم مثل المتأخرين منهم كحافظ الدين النسفي (710هـ) والتفتازاني (792هـ) والجرجاني (816هـ)، راجع (1/ 247، 283 - 287، 290، 293 - 298). 60 - كما أن المعاصرين منهم: كالكوثرية، والديوبندية وغيرهم لا يختلفون عمن قبلهم في المعتقد إلا في الشتائم، والسباب، وشدة العداء لأهل السنة المحصنة؛ فالمعاصرون أشدهم عداوة. غير أن البريلوية منهم قبورية وثنية أيضاً وقاربهم الكوثرية، وبعض الديوبندية والتبليغية 3/ 284 - 316. 61 - وجدت كثيراً من كبار أئمة الأشعرية قد ندموا على ضياع أعمارهم في العقيدة الكلامية، ورجعوا عنها، كأبي محمد الجويني (438هـ) والغزالي (505هـ) والرازي (606هـ) وغيرهم (¬1). ولم أجد مثل ذلك في الماتريدية، إلا من شاء الله. 62 - تعتقد (الماتريدية) أن (الإمام أبا منصور الماتريدي (333هـ) هو (إمام أهل السنة)، و (رئيس أهل السنة)، و (ناصر السنة) و (قدوة السنة)، و (إمام الهدى)، و (علم الهدى) و (رافع أعلام السنة)، (ومهدي هذه الأمة)، و (شيخ الإسلام) وغيرها من الألقاب الضخمة الفخمة (¬2). 63 - حتى الفنجفيرية مع دعواهم التوحيد! وهذا كذب ظاهر (¬3). 64 - كما تعتقد (الماتريدية) و (الأشعرية) أنهم هم الذين يمثلون (أهل السنة) وهم المراد من (أهل السنة) عند الإطلاق (كما في 1/ 386). بل هم الفرقة (الناجية)! (كما في 1/ 387). وأن (الماتريدية) أتباع (الإمام أبي حنيفة) رحمه الله تعالى في المعتقد، وأن (الأشعرية) أتباع الإمام (الشافعي) رحمه الله تعالى، في العقيدة (¬4). وهذا أيضاً خلاف الواقع، لأنهم معطلة مرجئة، جهمية (¬5). 65 - وصلت إلى أن (الماتريدية) وإن كانوا من (أهل السنة) بالمعنى الأعم فهم أهل السنة في مقابلة الخوارج والروافض، والجهمية الأولى، والمعتزلة. ولكنهم ليسوا من (أهل السنة بالمعنى الأخص) (1/ 405 - 407). 66 - وهذا برهانٌ لّمِيٌّ على فساد معتقد الفنجفيرية (¬6). 67 - لأن الماتريدية مبتدعة من فرق أهل القبلة، وفرقة (معطلة) بل يصح إطلاق اسم (الجهمية) عليهم، فجعلهم كالسلف ضلال وإضلال (¬7). كل ذلك لما يلي من الأدلة القاطعة العشرة: أ- صلتهم الوثيقة (بالجهمية) الأولى في كثير من العقائد التي هم مصدر الماتريدية في تلك العقائد، كما ذكرنا نماذج ذلك في (النتيجة) رقم (40). ب- خروجهم على سلف هذه الأمة وأئمة السنة ولا سيما الإمام أبو حنيفة وقدماء أصحابه رحمهم الله تعالى في كثير من العقائد، كما ذكرنا أمثلة ذلك في نتيجة رقم (43). ج- اعتنق الماتريدية عقائد خالفوا بسببها المعقول الصريح والمنقول الصحيح، والفطرة السليمة، والإجماع، بل إجماع جميع بني آدم، وهي حماقات لا يقرها عقل ولا نقل ولا فطرة ولا إجماع ولا لغة ولا عرف، كما ذكرنا في النتيجة رقم (36). د- الماتريدية قد عطلوا كثيراً من صفات الله تعالى، وحرفوا نصوصها بأنواع من المجازات، كما ذكرنا في النتائج بأرقام (31 - 35). هـ- وقع كثير من الماتريدية في كثير من الأفكار الصوفية، والخرافات القبورية كما ذكرنا في (النتيجة) رقم (46). ¬

(¬1) انظر صـ: 2/ 40، 53، 1/ 57. (¬2) انظر صـ: 1/ 211 - 212، 237، 255، 386، 3/ 88. (¬3) انظر صـ: 1/ 212، 238 - 255، 389 - 390، 402 - 405، 2/ 543، 3/ 31، 88. (¬4) راجع ص: 1/ 286. (¬5) راجع صـ: 1/ 173، 395 - 407، وانظر: 3/ 326 - 338. (¬6) راجع صـ: 1/ 405 - 407. (¬7) كما هذى الفنجفيري 1/ 407، 470.

والماتريدية قد طعنوا في العقيدة (السلفية) وكتبها، وأئمة السنة ونبزوهم بألقاب سيئة شنيعة بل بالسباب والشتائم الفظيعة. وهذا من أبرز علامات أهل البدع قديماً وحديثاً. راجع (النتائج) بأرقام (48 - 54). ز- الماتريدية من فرق (المرجئة) من فرق أهل البدع (¬1). ح- هذا الذي وقعت فيه الماتريدية من (تعطيل) كثير من الصفات و (تحريف) نصوصها، وخروجهم على (العقل والنقل والفطرة)، ومخالفتهم (سلف هذه الأمة)، و (أئمة السنة)، ولا سيما الإمام (أبو حنيفة)، وأصحابه القدماء رحمهم الله- لا شك أنه بعد بعيد مديد عن (السنة) وأهلها (¬2). وأن هذا عين (البدعة) (¬3). ونوع من (الإلحاد) في أسماء الله تعالى وصفاته وآياته (¬4). بل نوع من (الزندقة) بمعنى البدعة لا النفاق (¬5). ط- إنه لا شك في أن (العقيدة الماتريدية) إنما حدثت في الإسلام في القرن الرابع زمن (الإمام أبي منصور الماتريدي) (333هـ) (¬6). ولم يكن قبل ذلك وجود لهذه العقيدة في خير القرون. فلا ريب في أنها عقيدة بدعية، وأهلها مبتدعون؛ حيث لم يكن (للماتريدية) وجود قبل عهد الإمام أبي منصور الماتريدي وهكذا العقيدة الأشعرية إنما ظهرت في آخر القرن الرابع (¬7). ي- اعتقدت الماتريدية عقائد هي كفر صريح عند سلف هذه الأمة وأئمة السنة، ولا سيما عند الإمام أبي حنيفة وأئمة الحنفية الأوائل، كما ذكرنا في (النتيجة) رقم (37). وهذه الأمثلة حجج قاطعة ناصعة على أن الماتريدية من فرق أهل البدع وليسوا بأهل السنة المحصنة، (تلك عشرة كاملة * ولمعرفتهم ضامنة). 68 - ولكن نحن لا نرمي أحداً منهم بأنه (كافرٌ) أو (مشركٌ) أو (وثنيٌ)، أو (منافقٌ) أو (زنديقٌ) أو (ملحدٌ) أو (يهوديٌ) أو (مرتدٌ) أو (ملعونٌ) أو (ماجنٌ) أو (تيسٌ) أو (حمارٌ). كما هم رموا أئمة السنة بهذه الشتائم وهذا التكفير كما لا نرمي أحد منهم بالكيد ضد الإسلام والبغض والعداوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك معاذ الله من ذلك، ونبرأ إلى الله تعالى من العدوان والبهتان على أهل العدوان والبهتان (¬8). 69 - بل هم مسلمون، وإخواننا في الإسلام، وأنهم مخلصون للإسلام، ومحبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما أكرمهم الله تعالى من إمامة عظيمة في العلوم العقلية والنقلية، ونصيبٍ وافرٍ من الإخلاص والنية الطيبة، والإحسان، والقصدِ للوصول إلى الحق؛ وكل ما صدر منهم من بدعة فمن أخطأ في الاجتهاد -إلا من شاء الله من بعض المعاندين منهم -مع محبتهم لله تعالى- ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، خدمتهم للإسلام في كثير من الجوانب ومكانتهم المرموقة في الزهد والتأله والعبادة، (راجع ما سبق في ص 1/ 198، 3/ 19). 70 - اللهم إلا أنني قد أطلقت لفظة (الوثنية) على (البريلوية) من الماتريدية: تحذيراً للمسلمين منهم، وهو أمر واقعي ملموس محسوس (¬9). ومع هذا لا تقتضي هذه (الكلمة) (تكفيرهم) ولا نقصد بها خروجهم عن الإسلام (9). وهم مع وثنيتهم (جماعة التكفير) بشكل رهيب، حتى كفروا كبار أئمة الديوبندية فضلاً عن أهل الحديث (9) ونحن لا نكفرهم بل نكذبهم، إذ لا نكفر أحداً من أهل القبلة بارتكاب الكفر إلا بعد إتمام الحجة عليه (¬10). ¬

(¬1) انظر صـ: 1/ 172 - 174، 404 - 405. (¬2) انظر معنى السنة في صـ: 2/ 365 - 369. (¬3) انظر مبحث (البدعة) في صـ: 2/ 369 - 372. (¬4) انظر معنى (الإلحاد) في صـ: 2/ 379 - 389، 402، 406 - 413. (¬5) انظر معنى (الزندقة) وبيان تفاوت أفرادها في صـ: 2/ 372 - 379. (¬6) انظر صـ: 213 - 214. (¬7) راجع صـ: 1/ 259 - 262، 412. (¬8) انظر أمثلة شتائمهم في 1/ 264 - 268، 338 - 339، 344 - 365، 545 - 549، 2/ 119 - 121، 3/ 276، 298، 313. (¬9) راجع صـ: 1/ 266، 3/ 284 - 285. (¬10) انظر صـ: 2/ 375، 385 - 386، 3/ 117 - 118، 3/ 284 - 285.

71 - من الماتريدية جماعة ساقطة من منزلة العدالة، والديانة، والصدق، والأمانة إلى درك الفسق والكذب، والخيانة فلا قيمة لهم، ولا اعتماد عليهم ولا تعويل على عقولهم؛ كالكوثري (1371هـ) والكوثرية، ومن سايره من بعض أئمة الديوبندية، كالبنوري (1397هـ) ومن على شاكلتهم- فهؤلاء عندي كذّابون بهاتون، والكوثري تولى كبره هذه الجريمة وذلك لوجهين: • الوجه الأول: أنهم تهوروا في تكفير كثير من أئمة الإسلام، وطعنوا في عقيدتهم، وكتبهم وحكموا عليهم بالوثنية، واليهودية، والكفر، والشرك، والارتداد، والنفاق، والمروق، والخروج من الإيمان إلى الوثنية الصريحة، والزندقة، والإلحاد، كما يتهمون أئمة الإسلام بأنواع من العظائم منها ما يلي: الغش في صميم الإسلام، والكيد للإسلام، والتلبيس والتدليس عن عمدٍ في الإسلام، والتلاعب بدين الله، والمخادعة للمسلمين وفساد النية، ومحاولة القضاء على الإسلام إتماماً لما لم يتم بأيدي (المغول)، والحقد والبغض، والضغينة ضد رسول الله، وأن الوثنية إنما دخلت إلى الإسلام بأيديهم - (أي بأيدي أئمة السنة) - تحت خطة مدبرة ضد الإسلام، وأن الزنادقة والملاحدة والطاعنين في الشريعة لم يصلوا إلى عشر ما وصل إليه هؤلاء - (أي أئمة السنة) - وغير ذلك من العظائم والشتائم، كما أطلقوا على (أئمة السنة) الكلمات الوقحة الشنيعة الفظيعة منها (الوثنية) و (الوثنيون) (دعاة الوثنية)، (الكافر)، (اليهودي) و (الملحد)، (المنافق)، (الشرير)، (اللعاب بدين الله)، (الملعون)، (اللعين)، (الطريد)، (المهين)، (الشريد)، (الخسيس)، (الأحقر)، (الأحمق)، (الأخرق)، (الماجن)، (الكذاب)، (الأشر) (الأفاك)، (المفتري)، (المخرف)، (الخاسر)، (الهرم)، (المتسافه)، (الوسخ)، (النجس)، (الوقح)، (الردي)، (الفدم)، (البليد)، (الخبيث)، (الخبيثية)، (الخبثاء)، (الباغي)، (السفاك)، (الفاسق)، (الزائغ)، (الملبس)، (الضال)، (المضل)، (الفاتن)، (المفتون)، (الهذار)، (مهذار)، (البجباج)، (النفاج)، (التيس)، (الحمار)، (الظالم) وغيرها من العظائم؛ إلى غير ذلك من السباب والشتائم التي يستحي منها الماجنون الذين لا حياء لهم فضلاً عمن ينتسب إلى العلم (¬1). ولا شك أن سباب المسلم فسوق، فضلاً عن سباب أئمة الإسلام بغير الحق، ولكن الإسلام علمنا الصدق، وتحري الإنصاف، والتجنب، من الكذب، والاعتساف، وحذرنا من العدوان والبهتان، حتى على أهل العدوان والبهتان، فلا يجرمننا شنآن قوم سبوا وشتموا وكذبوا وبهتوا واعتدوا وبغوا علينا -أن نعتدي أو أن نفتري عليهم، أو نُقَوِّلَهُمْ ما هم منه براء. • والوجه الثاني: أنهم أصحاب الهوى فاقدون للتقوى أهل المرض والغرض، وتلبيس وتدليس؛ فلقد رأيتهم يكذبون ويُقَوِّلُوْن أئمة الإسلام الأبرياء ما هم منه برءاء (¬2). ويحرفون نصوص الكتاب والسنة وأقوال أئمة هذه الأمة تحريفين واضحين فاضحين: التحريف اللفظي الشنيع الفظيع (¬3). ¬

(¬1) وأيضاً: 1/ 349، 1/ 350، 351، 352، 353، 354، 355، 357، 358، 359، 360، 363، 364، 365، 545 - 549، 2/ 119 - 121، 3/ 77، 276، 298، 313. (¬2) انظر صـ: 1/ 267 - 268، 429، 2/ 222 - 224، 2/ 559، 564، 3/ 77، 118 - 119، 130، 131، 244، 282. (¬3) راجع: 2/ 220، 2/ 445، 532، 3/ 18 - 19، 3/ 46، 50.

والتحريف المعنوي وهو أكثر من أن يحصر والأول أنذر (¬1). ويطعنون في الثقات الأثبات، والصحاح الأقحاح (¬2). ويدافعون عن الملاحدة الجهميين فضلاً عن الكذابين الوضاعين (¬3). ويتشبثون بالموضوعات والمناكير، والواهيات والأساطير (¬4). وينكرون الحق بعد ظهوره حتى باعترافهم (¬5)، ويتلاعبون بالقواعد لمذهبهم (¬6). فلهذين الوجهين نقول: إن هؤلاء الكوثرية وبعض الفنجفيرية وبعض الديوبندية أهل فسق وكذب وخيانة * ساقطون عن العدالة والأمانة. 72 - وصلت إلى أن الماتريدية ليسوا سواء من حيث الغلو وعدمه في العقيدة الماتريدية بل هم متفاوتون في العقيدة الكلامية الماتريدية فهم عندي على درجات ثلاث: • الأولى: الغلاة، المتعمقون، المتكلمون الأقحاح، المؤلفون في علم الكلام، أعداء العقيدة السلفية وحامليها، المعطلون لكثير من صفات الله تعالى من علوه سبحانه وكلامه واستوائه ونزوله وغيرها، القائلون بخلق القرآن؛ الناصبين العداء لأهل السنة فهؤلاء قلة، وهم المقصودون بالرد الصريح البالغ في هذه الرسالة أولاً وبالذات. • والثانية: المقتصدون منهم، المتأثرون بهؤلاء الغلاة الواقعون في بعض بدعهم، ولم يصلوا إلى غلوهم، ونصب العداء للعقيدة السلفية وحامليها، وهم كثير من العلماء الحنفية، المقلدين للماتريدية الذين أحسنوا الظن بهم وظنوا أن عقيدتهم عقيدة سنية- فهؤلاء معنيون بالرد الخفيف ضمناً، وثانياً تحذيراً لهم من هؤلاء الغلاة، وتنبيهاً لهم على خطئهم نصحاً مع الاحترام. • الثالثة: المنتسبون إلى الحنفية والماتريدية بالاسم فقط، ولم تخطر ببالهم تلك البدع الكلامية من نفي علو الله تعالى والقول بخلق القرآن، والكلام النفسي وغيرها من الكفريات الجهميات- ككثير من أهل العلم، وطلابه من الحنفية الذين لا صلة لهم بعلم الكلام، أو العامة من الحنفية كالعوام والفلاحين وأصحاب الحرف والنساء. فهم في الحقيقة ليسوا من الماتريدية في شيء بل هم على الفطرة كما تقدم (¬7) (غير أن من وقع في الشركيات القبورية يجب إرشادهم بلين). لكن انتسابهم إلى الماتريدية بدعة لما في ذلك من توفير أهل البدع (¬8) وتكثير سوادهم، وليسوا مقصودين بالرد في هذه الرسالة. 73 - وصلت إلى أن غالب الفرق المبتدعة القديمة: كالروافض، والخوارج، والجهمية، والمعتزلة، والمرجئة، وغيرها، من الفرق المعطلة، كالماتريدية، والأشعرية. بل الصوفية، ومنهم الحلولية، والاتحادية، وغيرهما من الزنادقة والملاحدة، موجودة في عصرنا هذا، والأرض مكتظة بهم، وقد ظهروا بصور شتى وطرق مختلفة وأساليب متنوعة. 74 - فالرد عليهم من أعظم الجهاد في سبيل الله تعالى (¬9). 75 - وليس ذلك من قبيل نبش القبور، وطعن الأموات، وتحريك السيوف في الهواء، كما يزعم كثير من يجهل الواقع، أو يغالط، من أعداء السنن وأخلاء البدع الواقعين في الشركيات أو المناضلين عن الضلالات. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. ثانياً: ذكر بعض الاقتراحات المهمة: ¬

(¬1) انظر: 1/ 268، 431، 432، 2/ 259، 272، 277، 279، 280، 282، 2/ 528 - 529، 543، 3/ 21، 3/ 88، 3/ 110 - 115، 3/ 135 - 140. (¬2) انظر 2/ 222 - 224، 2/ 439 - 440، 445 - 448، 550 - 551، 563 - 565، 3/ 65 - 69، 2/ 243 - 248. (¬3) راجع 1/ 247 - 253، 300، 334، 337، 340، 366 - 373، 2/ 45 - 61، 2/ 562، 3/ 46، 3/ 48 - 49، وانظر الحاشية الآتية. (¬4) انظر: 2/ 530 - 531، 3/ 45 - 50، 66، 296. (¬5) راجع 1/ 336 - 337، 2/ 532 - 533، 3/ 195. (¬6) انظر: 1/ 365 - 366، 2/ 99 - 101، 2/ 529 - 533، 550 - 562. (¬7) في ص: 1/ 272 - 273. (¬8) انظر ص: 1/ 380. (¬9) راجع ص: 1/ 199، 2/ 290.

لي اقتراحات رأيت أهميتها خلال بحثي عن (الماتريدية). أريد أن أعرضها على أهل العلم، لما أرى في عرضها من فائدة، ولأنها أخوات نتائج بحثي هذا، وأكتفي بالأهم منها: - 1 - إن قوى الإنسان محدودة، فهو مهما حقق ودقق في علمه لا بد من قصورٍ وفتورٍ وخللٍِ وزللٍ فيه، ولا سيما تصنيف مثل هذا الكتاب! وقد قيل: (من صنف فقد استُهْدِفَ). وإني -والذي نفسي بيده- ما كذبتُ ولا افتريت ولا اعتديت على أحد، ولا حرفت كلام أحد، ولا ابتدعت مقالة من عند نفسي، عن عمد وقصد، أو فساد نيةٍ. معاذ الله عن ذلك. بل -والله- تحريتُ الصدقَ والإخلاصَ ونصحتُ لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وللأمة الإسلامية، وناضلت عن السنن وأهلها، ورددت عن البدع وأهلها، واقتحمت البحار لاستخراج اللآلئ، وتحملت عناءً كثيراً وسهرت الليالي، ومع ذلك لابد من أن صدرت مني أخطاء وأوهام لغفلة وغفوة وهفوة، وضيق باع في العلم، وسوء الفهم، ولا سيما في مثل هذه الرسالة الواسعة الأرجاء الفسيحة الأكناف البعيدة الأطراف. ومن المعلوم أن الإنسان يتمنى بعد التأليف أنه لو قدم وأخّر، وفصل وأجمل، وحذف وذكر، وزاد ونقص أو طول أو قصر. وقد أحسست أنا أيضاً أشياء من هذا القبيل. فرجائي الكامل من أهل العلم أن يلقوا على (رسالتي هذه) أضواء أنظارهم، وأنوار أفكارهم لنقدهم نقداً علمياً سلفياً خالصاً؛ وأرجو منهم النصيحة خالصةً من الفضيحة، لئلا يكون الأمر كما قيل: فعين الرضا عن كل عيبٍ كَليْلَةٌ ... ولكن عينَ السخطِ تبدي المساويا 2 - لو وفق الله تعالى عالماً محققاً يجمع آراء الإمام أبي منصور الماتريدي (333هـ)، ثم ينقدها نقداً علمياً في ضوء الكتاب والسنة وأقوال سلف هذه الأمة. ويميز ما عنده من الحق مما عنده من الباطل. 3 - نحن في حاجة ماسة إلى مقارنة علمية بين عقيدة الماتريدية وبين عقيدة (الإمام أبي حنيفة) وسائر السلف مقارنة تفصيلية. ليعرف المسلمون مدى موافقة الماتريدية لهذا الإمام ومدى مخالفتهم له، معرفة تفصيلية. 4 - لو تصدى عالم لبقية عقائد الماتريدية التي لم أتطرق إليها ويزنها بميزان الكتاب والسنة. 5 - أرجو باحثاً متمكناً في العلم أن يقوم بالمقارنة بين الماتريدية وبين الأشعرية مقارنة تفصيلية. ويذكر جميع المسائل الخلافية بين الفريقين ويزنها بميزان الكتاب والسنة وأقوال أئمة هذه الأمة بالتفصيل ويبين الحق فيها من الباطل. 6 - كما أرجو باحثاً عالماً محققاً يكتب لنا كتاباً عن فرق الحنفية غير الماتريدية يذكر فيه أهم أعيان كل فرقة والعقائد البارزة لها، ويزنها بميزان الكتاب والسنة، ليعرف المسلمون (الحنفية الكاملة) أي (الحنفية السلفية) منهم، و (الحنفية المبتدعة) منهم بجميع فرقهم (وقد ذكرنا فرق الحنفية في 1/ 172 - 176). 7 - لو تصدى غيور على دين الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة وأئمة السنة، والعقيدة السلفية- لكشف الستار عن خيانات الكوثري وكذباته، وشتائمه ولعنه وطعنه في أئمة الإسلام، ودفاعه عن الكذابين، ليعرف المسلمون بالتفصيل أنه ساقط عن مكانة العدالة والأمانة والديانة إلى درك الفسق والكذب والخيانة. لئلا ينخدع به من يطلب الحق ويتوخى الإنصاف، ويتجنب الاعتساف (وتنكيل المعلمي لتنكيل الكوثري كافٍ شافٍ ولكن في بابه). (رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون) (¬1). وصلى الله وسلم على خاتم النبيين وآله وصحبه أجمعين والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. أموت وتبلى أعظمي في المقابر ... وسوف أرى ما قد حوته دفاتري فرمت ادخاراً بعد موتي من الدعاء ... فأبقيت تذكاراً نتاج خواطري ¬

(¬1) اقتباس من سورة الأنبياء: 112.

الموسوعة الشاملة لمذهب الروحية الحديثة وتحضير الأرواح

الموسوعة الشاملة لمذهب الروحية الحديثة وتحضير الأرواح ¤علي بن سعد العبيدي£بدون¥كنوز أشبيليا- الرياض¨الأولى¢1430هـ€فرق وملل ونحل¶جن وسحر وعين وتنجيم الخاتمة: وفيها أهم نتائج البحث: الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فقد انتهيت - بعون الله تعالى وتوفيقه - من إتمام هذا الكتاب وإكماله، وفي ختامه أجمل أهم النتائج التي توصلت إليها في النقاط الآتية: 1 - أن الروح مجهولة الكنه والكيف، وعليه فلا يصح قياس شيء من أحوالها بما هو في الشاهد. 2 - أن صفات الروح وأحوالها وما يتعلق بها من الأمور التوقيفية - التي لا مجال للعقل فيها؛ لأنها لا تعلم إلا بالوحي - فلا يحل للعقل نفي شيء من شأنها أو إثباته أو الاعتراض عليه إلا بدليل. 3 - أن الجهل بالروح قاد أقواماً إلى أنواع من الضلال، مثل اعتقاد رؤية الأرواح يقظة، واعتقاد تناسخها، واعتقاد استحضارها ومناجاتها. 4 - أن الجهل بحقيقة الروح قاد أقواماً إلى ألوان من البدع والضلالات المكفرة، مثل إنكار الآخرة بما فيها من ثواب وعقاب، وادعاء العلم بالمغيبات، وادعاء النبوة بل حتى الإلهية. 5 - ليست الأرواح المحضرة في حقيقة الأمر إلا شياطين، ومدعو تحضيرها مغرضون مخادعون. 6 - الروحية الحديثة في واقعها دين جديد يقوم على مبادئ وعقائد متلقاة في أصولها من الأرواح الشيطانية المحضرة، وهي تخالف الإسلام وتصادمه في أهم قضايا الإيمان والعقيدة، وللروحية صلة مؤكدة بالصهيونية العالمية، وبالأحوال الشيطانية، والطوائف المنحرفة في الإسلام كالصوفية. 7 - خدع طائفة من رجالات الغرب البارزين في العلوم البحتة بالتحضير بسبب جهلهم بحقيقة العوالم الغيبية كالجن والشياطين، وانطلاء أساليب الغش والخداع عليهم، مع جهلهم بحقيقة الروح وأحوالها كما بينها وحي السماء، فظنوا أن المحضر أرواح بشرية، وما علموا أنها أرواح شيطانية. 8 - لم تعد الروحية الحديثة في الشرق - كدين جديد - مؤثرة كما كانت عليه في الماضي - وإن كان هناك محاولات لبعث بعض الظواهر الروحية المدعاة - حيث قوبلت بالرفض لمصادمتها الدين، مع أن بعض دعاواها لازالت قائمة مثل مسألة العلاج الروحي. وأما في الغرب فتأثيرها أكبر، والاعتناء بدراسة الظواهر الروحية المدعاة محط اهتمام الكثير من الغربيين. 9 - الاعتقاد بتحضير الأرواح والدعوة إليه لازال موجوداً في الشرق والغرب، ويتخذ اليوم صوراً متنوعة متجددة، ويبرز الاهتمام به من خلال منتديات الشبكة العنكبوتية، وبعض المواقع الدعائية المتخصصة، وبعض القنوات الفضائية، ومن خلال الألعاب الإلكترونية، وبرامج الأطفال المسماة بـ (الرسوم المتحركة)، وعشرات الأفلام العربية، وكل تلك الأشياء موجودة في الساحة الإسلامية. 10 - ظهر لي من خلال البحث والدراسة لعشرات الكتب والمجلات والمقالات التي كتبها أعلام الروحية ابتداء من عند أنفسهم أو نقلاً عن غيرهم من الأوربيين أن هناك صفات مشتركة تجمعهم، لعل من أبرزها: • ضحالة العلم الشرعي عند دعاة الروحية وروادها، وليس فيهم علماء. • الاستدلال بالنصوص الشرعية في غير موضعها، وتحريفها عن دلالتها الصحيحة، بما يوهم صحة قضاياها التي يطرحونها. • تزكية أنفسهم، وتفخيم أعضاء جماعتهم ومعتنقي أفكارهم، ووصفهم بصفات العلماء والأدباء والمفكرين، مع الحط الشديد من مخالفيهم من الشرعيين وغيرهم. • لا يتورعون عن الاستشهاد بالنصوص الضعيفة بل والموضوعة. • لا يتورعون عن الاستشهاد بأقوال الملاحدة وسائر الكفرة، مقدميها على نصوص الشرع.

• يكثر استشهادهم بالقصص للقضايا التي يطرحونها. • يكثر استشهادهم بأقوال الصوفية وبالقصص الصوفي، خاصة في إثبات الظواهر الروحية، وكأنما الروحية والصوفية وجهان لعملة واحدة. • يتمسحون بالعلوم البحتة، ويكثرون من الاستشهاد بها ضمن القضايا التي يطرحونها، ويفتخرون بذلك وكأنهم قد جاؤوا بما لم يأت به الأوائل، مع ما في طريقتهم وأسلوبهم من التلبيس والتدليس. 11 - ظهر لي - من خلال البحث والدراسة - أن هناك أسباباً وراء الانخراط في الروحية والتصديق بدعاواها الزائفة، ولعل من أبرز تلكم الأسباب ما يأتي: • الجهل بالدين: فكثير من المنخرطين في الروحية سواء من العلماء المكتشفين أم المفكرين - فضلاً عن غيرهم من عوام الناس - يغلب عليهم الجهل، وخاصة بالعوام الغيبية. • الطاعة العمياء للأشخاص وتقديسهم، والانخداع بذوي المناصب الدينية والاجتماعية والعلمية من الروحيين. • طلب الشفاء من الأمراض المستعصية، ورجاء رد الغائبات والمفقودات. • حب الاطلاع والاكتشاف، أو حب جمع المال والشهرة. • الانخراط في المنظمات السرية، وخدمة الأهداف والأغراض الصهيونية. • الوقوف على الظواهر الروحية الخداعة والانبهار بها، والاعتقاد بصحتها بعد الإلحاد والاعتقاد بالمادية فقط. 12 - التنويم المغناطيسي أحد الفنون المعاصرة التي يعتقد بصحتها ويرجى نفعها - مع ما يكتفه من الغموض - وقد دخله الغش، واستعمله المغرضون من دعاة تحضير الأرواح وأصحاب الأعمال الشيطانية من السحار والمشعوذين، كما استغله أصحاب العقائد الفاسدة كالتقمصيين لإثبات صحة مذهبهم، وحكم الشرع فيه مبني على طبيعة استعماله وكيفيتة.

بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود

بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود ¤عبدالله الجميلي£بدون¥مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة¨الثانية¢1414هـ€فرق وملل ونحل¶رافضة الخاتمة في نتائج البحث بعد أن من الله عليّ بفضله وتوفيقه إتمام هذا البحث، جاء دور ذكر النتائج التي توصلت إليها من هذا البحث، فقد جرت عادة الباحثين أن يسجلوا ما توصلوا إليه من نتائج في بحوثهم في الخاتمة. وإني إذ أنهي هذا البحث أجد من الصعوبة بمكان حصر كل النتائج التي توصلت إليها أثناء البحث في صفحات كهذه، وذلك لما حتمته طبيعة البحث من إجراء كثير من المقارنات بين أصول العقائد عند اليهود والرافضة، وما دخل تحتها من جزئيات دقيقة. مما نتج عنه كثير من المشابهات بين اليهود والرافضة في هذه العقائد، الأمر الذي جعلني أفرد ما تحصل من مشابهات في كل عقيدة في مبحث مستقل، وهذه المشابهات في حد ذاتها من أهم نتائج البحث، وعليها مداره. فحصر النتائج هنا يعني إعادة عرض تلك المشابهات في كل عقيدة. ولكن جمعا بين الأمرين منهجية البحث العلمي التي تقتضي ذكر النتائج في هذا الموضع، وبين ما ذكرت من الأسباب الحائلة بيني وبين ذلك، سأذكر هذه النتائج بما يناسب المقام في غير إجاز مخل، أو تطويل ممل. وقد رأيت أن أقسم هذه النتائج إلى قسمين: 1 - نتائج عامة. 2 - نتائج خاصة. وأعني بالنتائج العامة: هي ما توصلت إليه من خلال البحث من نتائج لا تتعلق بموضوع المقارنة بين عقائد اليهود والرافضة. وبالنتائج الخاصة: هي ما توصلت إليه من نتائج من خلال المقارنة بين عقائد .. ود والرافضة. وفيما يلي عرض بذلك: أولاً: النتائج العامة: فقد توصلت من خلال البحث إلى عدة نتائج. وهي: 1 - أن مكائد اليهود للمسلمين قد بدأت منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، واستمرت على مدى العصور إلى عصرنا الحاضر، وقد تعددت أساليبهم وطرقهم في الكيد للمسلمين خلال هذا التاريخ. 2 - أن من أخطر الأساليب التي اتبعها اليهود في كيدهم للمسلمين هو زعزعة العقيدة في نفوسهم، والانحراف بهم عن العقيدة الإسلامية، وما ابتلي المسلمون بأعظم ما ابتلوا به من قيام طائفة الرافضة والباطنية اللتين هما نتاج المخططات اليهودية لزعزعة العقيدة في نفوس المسلمين. 3 - ثبوت حقيقة وجود شخصية عبد الله بن سبأ، وأن شخصية عبد الله بن سبأ لم ينكرها أحد من العلماء الأقدمين، لا في السنة، ولا من الشيعة. وإنما أنكرها بعض علماء الشيعة المعاصرين، ومن تواطأ معهم من المستشرقين، ومن سار في ركاب الفريقين من الكتاب المحدثين، ممن تتلمذ على الغرب، وتأثر بمبادئه وأفكاره. 4 - أن الطبري لم ينفرد بروايات سيف بن عمر في أخبار ابن سبأ، كما زعم منكرو شخصية ابن سبأ، بل لروايات سيف عن ابن سبأ طرق أخرى غير طريق الطبري، منها: طريق ابن عساكر، ومحمد بن يحيى المالقي، والذهبي. 5 - أن سيف بن عمر لم يكن المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ – كما ادعى ذلك منكرو ابن سبأ – فهناك روايات أخرى غير روايات سيف تثبت وجود ابن سبأ. 6 - ثبوت دور عبد الله بن سبأ في نشأة الرافضة، وأنه المؤسس لمذهب الرفض، واعتراف كبار علماء الرافضة في الفرق والمقالات بذلك. 7 - أن علماء السنة لم يكونوا متجنين على الرافضة فيما ذكروه من المشابهات بين اليهود والرافضة، وأن كل ما ذكروه من المشابهات بينهما حق تشهد به كتب الفريقين. 8 - براءة أئمة أهل البيت الطيبين من كل ما ألصقه الرافضة بهم، وما نسبوه إليهم من تلك العقائد الفاسدة، كما جاء تصريحهم بذلك في كتب الرافضة أنفسهم.

9 - أن كثيراً من عقائد الرافضة إنما حملهم على القول بها هو إيجاد مخرج من فضيحة عقيدة سابقة لها، والاستدلال لصحة العقيدة السابقة بما أحدثوه من عقيدة لاحقة .. وهكذا حتى تكونت هذه العقائد الفاسدة. فعقيدة تحريف القرآن الكريم جاءت نتيجة حتمية لقولهم بعقيدة الوصية، فهم لما أصلوا أن أصلوا أن وصية عليّ جاءت من الله تعالى، وأن ولايته من أعظم أركان الإسلام، ولم يجدوا النص عليه في القرآن، ولا ذكر ولايته فيه، مع أنه جاء فيه ذكر الصلاة والصوم والحج والزكاة، التي هي عندهم أقل شأنا من الإمامة. قالوا بتحريف القرآن، وأن ولاية عليّ موجودة في القرآن لكن الصحابة أسقطوا تلك الآيات منه. وترتب على عقيدة الوصية أيضاً غلوهم في عليّ رضي الله عنه وأبنائه، وأنهم هم الأحق بالإمامة من غيرهم، مما نتج عنه عقيدة حصر الإمامة فيهم، وأنها لا تخرج منهم إلى يوم القيامة. ونتج عن عقيدة حصر الإمامة فيهم عقيدة المهدي، وذلك أنهم كانوا يسوقون الإمامة في نسل الأئمة، ولما مات الحسن العسكري – الإمام الحادي عشر عندهم – ولم يكن له من الأولاد من يخلفه في الإمامة، كان المخرج من هذه الفضيحة، هو القول بإمامة المهدي واختفائه في السرداب. وترتب على عقيدة المهدي واختفائه في السرداب، عقيدة الرجعة فلما رأي الرافضة أنه لا معنى لاختفائه، ولا منفعة لهم به، قالوا برجعته يوماً من الأيام، لنصرة أوليائه والانتقام من أعدائه، وذلك خروجاً من فضيحة عقيدة المهدي. ولما رأى الخميني أن زمن غيبة المهدي قد طالت، مما ترتب على ذلك تعطيل كثير من المصالح الدينية والدنيوية عندهم، الذي يفضي في النهاية – بحسب قول الخميني – إلى القول بنسخ الشريعة: لجأ الخميني لحل هذه المشكلة إلى ما أسماء (بولاية الفقيه) وأنه في حالة غيبة الإمام هذه الغيبة الطويلة، لابد أن يقوم من الفقهاء من ينوب عنه في تصريف شئون الرعية. وهكذا .. يمد الله للرافضة في ضلالهم مدا، كما أخبر {قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا}. 10 - ثبوت عقيدة خروج المهدي في آخر الزمان عند أهل السنة، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة التي رواها كبار الصحابة، وأخرجها جماعة من كبار المحدثين في كتبهم، وأن مهدي السنة لا علاقة له البتة بمهدي الرافضة المزعوم. ثانياً: النتائج الخاصة: 1 – التشابه بين اليهود والرافضة في عقيدة الوصية، وزعم كل منهم أن الله نص على الوصي الذي يدعونه، فقد زعم اليهود أن الله تعالى نص على يشوع وصياً لموسى، وزعم الرافضة أن الله تعالى نص على علي رضي الله وصياً للنبي صلي الله عليه وسلم. 2 – إطلاق لقب (وصيّ) على من يتولى شئون المسلمين بعد الرسول صلي الله عليه وسلم إنما أخذه الرافضة عن اليهود، ولم يطلق المسلمون على أحد من الخلفاء الراشدين ولا على أحد من الخلفاء بعدهم هذا اللقب، بل كانوا يطلقون عليهم لقب (خليفة). 3 – التشابه بين اليهود والرافضة في حصرهم الملك والإمامة في طائفة مخصوصة، فقد زعم اليهود أن الملك لا يخرج من آل داود إلى يوم القيامة، وزعم الرافضة أن الإمامة لا تخرج من أولاد الحسين إلى قيام الساعة. 4 – أثبت الواقع بطلان دعوى اليهود والرافضة في حصرهم الملك والإمامة فيمن زعموا، وأنها لا تخرج منهم إلى يوم القيامة. فقد انقطع ملك آل داود على بني إسرائيل منذ زمن بعيد جدا. أما الحسين وأبناؤه فلم تكن لهم ولاية على المسلمين في يوم من الأيام.

5 – التشابه الكبير بين عقيدة المسيح المنتظر عند اليهود، وبين عقيدة المهدي المنتظر عند الرافضة في كثير من الوجوه كالاتفاق بينهما في صفات ذلك المنتظر وكيفية خروجه، والأعمال التي يقوم بها عند خروجه. 6 – تشبث الرافضة الشديد باليهود، وبكل ما يتعلق بهم، وقد برز ذلك في عقيدة المهدي المنتظر عندهم، حيث زعموا أنه عندما يخرج ينادي الله باسمه العبراني، ويستفتح المدن بتابوت اليهود، ويخرج عصا موسى، وقبا .. هارون، وعشرة أصواع من المن، وشرايح السلوى، ويخرج حجر موسى الذي انفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وأنه يحكم بحكم آل داود. 7 – الاتفاق بين اليهود والرافضة في عقيدة الرجعة في كثير من الجوانب، وأن عقيدة الرجعة عند الرافضة أصلها يهودي محض، انتقلت إلى الرافضة عن طريق عبد الله بن سبأ. 8 – التشابه بين اليهود والرافضة في تحريفهم كتب الله تعالى، فقد حرف اليهود التوراة وحرف الرافضة القرآن. 9 – أن من أسباب تحريف اليهود والرافضة لكتب الله تعالى، هو الملك والإمامة. 10 – أن الرافضة اتبعوا في تحريفهم للقرآن الكريم أساليب اليهود وطرقهم في تحريفهم لكتبهم التي حكاها الله عنهم في القرآن. وهي: (تحريف الكلم عن مواضعه – تحريف الكلم عن مواضعه – تحريف الكلم من بعد مواضعه – ليس الحق بالباطل – لي اللسان بالكلام للتلبيس على السامع). 11 – التشابه بين اليهود في نسبتهم الندم والحزن لله تعالى، وبين الرافضة في نسبتهم البداء لله تعالى، وأن كلتا العقيدتين تستلزم الطعن في الله ونسبة الجهل إليه تعالى الله عن ذلك. 12 – الاتفاق بين اليهود والرافضة في عدم اعتدالهم في حبهم وبغضهم، وفي توليهم وتبريهم. فإن هم أحبوا غالوا في الثناء والمدح، وإن أبغضوا أفرطوا في الذم والقدح، وهم في ذلك لا يستندون إلى دليل شرعي، بل يتبعون هوى النفس. 13 – أن عقيدة الغلو في الأئمة والطعن في الصحابة عند الرافضة أول من وضعها لهم عبد الله بن سبأ، كما اعترف بذلك كبار علمائهم ومحققيهم. 14 – الاتفاق بين اليهود والرافضة في أن كلاً منهما تدعي أنها الطائفة المقدسة عند الله، وأن عنصرهم من عنصر الله، وأنهم خاصته وأحباؤه، وصفوته من خلقه. 15 – اعتقاد كل من اليهود والرافضة أنه لا يدخل الجنة إلا طائفتهم، وأنهم لا تمسهم النار، وإن مستهم النار فأياما معدودة. 16 – اعتقاد كل من اليهود والرافضة أنه لولاهم لم يخلق الله هذا الكون، ولانعدمت البركة من الأرض، وأن كل ما في الأرض ملك لهم وليس لغيرهم أن يمتلك شيئاً من ذلك. 17 – اعتقاد كل من اليهود والرافضة أنهم أفضل من الملائكة. 18 – اعتقاد كل من اليهود والرافضة كفر مخالفيهم، وأنهم يكونون خالدين مخلدين في النار ولا يخرجون منها. 19 – استباحة كل من اليهود والرافضة دماء مخالفيهم وأموالهم، وأنه ليس لغيرهم عندهم أية حرمة. 20 – اعتقاد كل من اليهود والرافضة نجاسة مخالفيهم، وأن هذه النجاسة لازمة لأصل خلقهم، ولا تنفك عنهم، لأن أصل أرواحهم مخلوقة من طينة نجسة. 21 - احتقار كل من اليهود والرافضة لمخالفيهم ووصفهم لهم بأنهم كلاب، وحمير، وخنازير، وحيوانات. 22 – الاتفاق بين اليهود والرافضة في أن كلاً من الطائفتين تحتقر المسلمين. 23 – يسلك كل من اليهود والرافضة مع مخالفيهم مسلك النفاق، والخداع وإظهار الموافقة لهم ومحبتهم مع مخالفتهم لهم وحقدهم عليهم، وذلك بسبب ما ضربه الله على كل من الطائفتين من الذلة والمسكنة إلى يوم القيامة، وفساد معتقدهما. وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

جهود أبي الثناء الألوسي في الرد على الرافضة

جهود أبي الثناء الألوسي في الرد على الرافضة ¤عبدالله البخاري£بدون¥دار ابن عفان - القاهرة¨الأولى¢1420هـ€فرق وملل ونحل¶دراسات توثيقية ومنهجية الخاتمة وتتضمن النتائج والتوصيات أسأل الله الواحد الأحد الفرد الصمد أن يختم لنا بالحسنى، ويجنبنا مسالك الردى، ويجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه قريب مجيب سميع الدعاء. ومن النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث ما يلي: 1 - أن الإمام الألوسي – رحمه الله – كان عالماً فذاً يكاد يكون أعلم أهل زمانه إن لم يكن كذلك فعلاً، من حيث الموسوعية والمشاركة في جميع ضروب المعرفة، وأن من وصفه من معاصريه بأنه (أستاذ الكل في الكل) لم يبتعد عن الحقيقة والواقع. 2 - أن العالم مهما علا كعبه في العلم هو عرضة للخطأ في اجتهاده. 3 - أن الألوسي رحمه الله مع علمه وفضله وموافقته للسنة في كثير من مسائل الاعتقاد كانت عنده بعض الأخطاء العقدية التي لا يوافق عليها ولا ينبغي السكوت عليها. 4 - أن الحكم على عقيدة عالم من العلماء تتطلب دراسة شمولية لكل مؤلفاته، ومعرفة السابق منها واللاحق وهل كان صاحبها يعيش تحت ضغوط اجتماعية وسياسية معينة أم لا؟ وهل كانت الدولة الحاكمة في وقته تدعم الاتجاه المنحرف أم كانت محايدة؟ 5 - أن الألوسي رحمه الله كانت عنده غيرة شديدة على أهل السنة ضد الرافضة. 6 - ومما توصلت إليه أيضاً: أن الرافضة لا يجتمعون مع أهل السنة في مصادر التشريع، فهم يقولون بتحريف القرآن ونقصانه وينكرون السنة والإجماع. 7 - أن الرافضة لا يقولون بانقطاع الوحي وإنما يدعونه لأئمتهم، كما يزعمون أن الملك الذي ينزل على أئمتهم أعظم من جبريل عليه السلام. 8 - أن هناك تناقضاً كبيراً بين أقوال الرافضة المعاصرين ومصادرهم المعتمدة عندهم ومن الأمثلة على ذلك قول بعض المعاصرين منهم بعدم تحريف القرآن في حين أن عقيدة التحريف موجودة في مصادرهم القديمة المعتمدة، ولا شك أن ما في المصادر هو المعتمد، وتخرج أقوالهم على التقية. 9 - أن الرافضة ينحون المنحى الباطني في تفسيرهم لشعائر الإسلام. 10 - يزعمون أن أئمتهم يعلمون ما كان وما سيكون في المستقبل. وأما الله عز وجل فإنه – في عقيدتهم – لا يعلم المستقبل كيف سيكون ولذلك تبدو له البداوات، فبعد أن يخبر الله بالشيء أنه سيكون يبدو له ما لم يكن في الحسبان فيغير ما كان قد قضى به وحكم، وهذا نعوذ بالله هو الكفر بالله والجهل به. 11 - أن الرافضة يحقدون على أهل السنة حقداً كبيرا لا نهاية له. 12 - أن الرافضة جميعا قائلون بارتداد الصحابة – رضي الله عنهم – كلهم إلا أربعة أو ستة، وهو ما جعل طائفة من العلماء تحكم بكفرهم. 13 - أن جماعة من العلماء كفرت الرافضة لقولهم بتحريف القرآن وإنكارهم السنة وإعطائهم صفات الألوهية لأئمتهم. 14 - أن مذهب الرافضة مذهب كفري لا شك في ذلك ولا ارتياب، لكن القول بكفر جميع الرافضة لم يقل به كل العلماء وإنما هو قول لبعضهم. 15 - أن بعض المحققين اشترطوا لتكفير الرافضة أو غيرهم من أهل البدع الكفرية أن توجد شروط التكفير وتنتفي موانعه. 16 - أنهم ينهجون في دعوتهم منهج التدرج، فيبدأون مع السني في ذكر أخطاء بعض الصحابة، فإذا سلم انتقلوا معه إلى تكفير بعضهم، فإذا سلم طعنوا له في الشيخين ثم كفروهم، ثم أخيرا يقنعونه بأن الصحابة كلهم ارتدوا وظلموا آل البيت، وأن مذهب الرافضة هو المذهب الحق الذي تكون به النجاة ويعبرون عنه بمذهب أهل السنة تلبيسا على أهل السنة. ومن خلال تتبعي لدعوتهم في العالم الإسلامي وبين الجاليات الإسلامية في الدول الكافرة توصلت إلى أنهم قطعوا شوطاً بعيداً في نشر دينهم وبسط نفوذهم. ومن أكبر الأسباب التي ساعدت على نجاح دعوتهم ما يلي: أ - الدعم الكبير المادي والمعنوي الذي يجدونه من دولتهم الرافضية وهذا الدعم تراه واجباً عليها ولا تسميه تبرعاً. ب - استغلال حاجة الشباب وفقره وعطالته فيقدمون له العون ويقضون حاجته ثم بعد ذلك يعرضون عليه مذهبهم تدرجاً. جـ - يستغلون الأخطاء السياسية والمواقف المتخاذلة التي يقع فيها بعض حكام المسلمين ليقولوا للشباب انظروا إلى أهل السنة ماذا يفعلون ويجعلون ذلك ذريعة إلى الطعن في أهل السنة عموماً، وفي مقابل ذلك يستغلون أيضاً بعض التصريحات الجوفاء التي ظاهرها العداء للغرب وباطنها تبادل المصالح ليقولوا للشباب المغفل انظروا إلى شجاعة حكام الشيعة ضد الكفار، ولو لم يكن الشيعة على الحق ما نصب لهم الغرب العداء، وهكذا لا تمر بهم فرصة دون استغلالها. 17 – ومن أساليبهم أيضاً استخدام الترغيب والترهيب، فمن لم ينفع معه الإغراء أرهبوه وربما قتلوه كما فعلوا ذلك بمجموعة من العلماء في داخل دولتهم وخارجها.

خيانات الشيعة وأثرها في هزائم الأمة الإسلامية

خيانات الشيعة وأثرها في هزائم الأمة الإسلامية ¤محمود محمد عبدالرحمن£بدون¥دار الإيمان - الإسكندرية¨بدون¢2007م€فرق وملل ونحل¶شيعة إمامية الخاتمة نسأل الله حسنها في الأمر كله الحمد لله مذلل الصعاب خالق البحر العباب جعل التذكرة نافعة لأولي الألباب، والصلاة والسلام على خير البرية الذي عم نوره الأرض فأضاءها كالقمر لا كالشهاب، ونال من رحمته كل شيء حتى أمة الكلاب وعلى كل الآل والأصحاب، صلاة وسلاما ننال ثوابها إلى يوم فصل الخطاب. وبعد، فهكذا مضينا في جولة مع التاريخ نستقرأ أحداثه ونسجل شهادته ونتتبع مسألة خيانة الشيعة الغالية فوجدناها من الكثرة بحيث لا نستطيع إحصاءها فضربنا أمثلة واقتطفنا من سجلات التاريخ قطوفا، وكيف نستطيع إحصاء خياناتهم والخيانة في دمائهم وعروقهم وهي لهم كالماء والهواء ففي كل يوم لهم خيانات وما ذكرناه من أمثلة ليس إلا بعض ما ذاع أمره واشتهر خبره وخرج من حيز السر إلى العلانية وأما ما يتواصون بكتمانه فالله أعلم بكثرته ... وما كان هذا البحث إلا بمثابة نداء حتى لا يخدع – أو يبقي على خداعه – أحد من أهل السنة وليعرف أن القوم هم سبب انتكاسات الأمة قديما وحديثا في أكثر الأحيان وليفيق من ينادي بالتقريب، وليعلم أن القوم لا يريدون من مؤتمرات الدعوة إلى التقريب إلا تقريب السنة إلى التشيع، ولعل من طريف ما يذكر أنه في مؤتمر التقريب المنعقد بالقاهرة في الفترة من 8 - 11 ربيع الأول 1422هـ قام أحد علماء الشيعة يتحدث عن التقريب فاقترح أن تنزع مصر الحد عن المذاهب الإسلامية التي تعتمد نفس الأصول والمعتقدات بمعنى أنه يقترح نشر المذهب الشيعي في مصر زعما بأنه لا يخالف المذاهب الأربعة السنية في الأصول – وهذا كذب – فالشاهد أن الأمر جد خطير وواضح في ذات الوقت، فأهدافهم من التقريب لا تعدو هدفين الأول: تخدير أهل السنة وتنييمهم الثاني: تشييع أهل السنة. وأظن أن بعد كل لا يصح لأحد ممن يأخذون الأمور بالعاطفة لا بالعقل والحكمة والنظر في عواقب الأمور – أن يقول بإمكان التقارب مع من خانوا الله ورسوله وانتهكوا حرمة الرعيل الأول – الذين نصر الله بهم الإسلام وقدموا للدين والأمة خدمات جليلة لا ينكرها عليهم إلا جاحد – كيف التقارب مع من لم يرقبوا في المؤمنين إلا ولا ذمة، إن أرضونا أرضونا بأفواههم ولكن تأبى قلوبهم، كيف التقارب مع من تحالفوا مع شياطين الإنس والجن قديما وحديثا لإذلال أهل السنة وكم خسرت الأمة الإسلامية وانتكست بسبب غدر القوم وخيانتهم ولم يعد هناك وقت لما يسميه بعض سذج أهل السنة – (حسن الظن) فإننا أمام قوم يتربصون بنا الدوائر، وأظن حتى الذين يدعون إلى حسن النية وإحسان الظن بالشيعة الغلاة لم يعد خافيا عليهم ضلالات القوم وخيانتهم فليقرأو عن أطماع الشيعة في بلاد الخليج بل في بلاد الحجاز بل في مصر على وجه الخصوص التي يرونها مهد الدولة الفاطمية التي أسهمت بأكبر نصيب في تحقيق أمجاد الشيعة وجعلت دولة موحدة من المغرب إلى مصر وقد يقول قائل: إن هذا يعني الالتفات إلى خطر الشيعة الغالية والغفلة عن خطر الصليبية والصهيونية ... وغير ذلك؟ والجواب على هذا: لا لأن المسلم المفترض أنه كيس فطن، حذر متيقظ لكل ما يراد به مستعد لكل جبهة وقد يكون في آن واحد وكم خاضت الدولة الإسلامية قديما حروبا فيها عدة جبهات متصلة في آن واحد فلم تشغلهم جبهة عن جبهة ولا عدو عن عدو وأخيرا أذكر بأن هذا البحث البسيط ما كان إلا من باب ما قاله الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – " الكلام في أهل البدع أحب إلي من بعض النوافل " فكشفهم وفضحهم حتى لا يغرروا بالمسلمين هو بإذن الله من القرب. ومن قبيل ما حكاه الإمام البزار عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: " ولقد أكثر رحمه الله من التصنيف في الأصول فسألته عن سبب ذلك والتمست منه تأليف نص في الفقه يجمع اختياراته وترجيحاته ليكون عمدة في الإفتاء فقال لي ما معناه: " الفروع أمرها قريب ومن قلد المسلم فيها أحد العلماء المقلدين جاز له العمل ما لم يتقين خطأه. وأما الأصول فإني رأيت أهل البدع والضلالات والأهواء .. قد تجاذبوا فيها بأزمة الضلال وبان لي أن كثيرا منهم إنما قصد إبطال الشريعة المحمدية الظاهرة العلية على كل دين .. فلما رأيت الأمر كذلك بان لي أنه يجب على كل من يقدر على دفع شبههم وأباطيلهم وقطع حججهم أن يبذل جهده ليكشف رذائلهم ويزيف دلائلهم ذبا عن الملة الحنيفية والسنة الصحيحة الجلية " وفي الختام أحب أن أقول كلمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه " إن من عاملنا بخير وأظهر لنا خيرا عاملناه بخير ... " كيف لا والله تعالى يقول حتى في أهل الكتاب {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به كل المسلمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين (الخوارج والشيعة)

دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين (الخوارج والشيعة) ¤أحمد محمد أحمد جلي£بدون¥مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية - الرياض¨الثانية¢1408هـ€فرق وملل ونحل¶خوارج الخاتمة عالجت هذه الدراسة في بدايتها الخلاف حول الإمامة، وما ترتب عليه من ظهور جماعات انحرفت عن المنهج الإسلامي. وقد تبين لنا من خلال ذلك كيف أن الانحراف عن الصراط المستقيم يبدأ يسيراً هيناً ثم لا يلبث أن يتعمق حتى يبعد بالبعض عن الإسلام، الأمر الذي يحتم ضرورة التمسك بحبل الله المتين والاعتصام بالسنة النبوية، درأ للزيغ والضلال ودفعاً للزلل والخطأ. كما تبين لنا أيضاً أن من أخطر المزالق اتباع الهوى وتحميل النصوص ما لا تحتمله تعضيداً لرأي أو هوى خاص، بدلاً من إخضاع الهوى والرأي لميزان الشرع. وقد أشرنا إلى خطأ بعض المؤرخين الذين تناولوا أحداث ما يعرف (بالفتنة) من غير تمحيص لما ورد فيها من روايات، وبيان صحيحها من باطلها، وكيف أدى بهم هذا الخطأ المنهجي إلى تجريح الصحابة وإصدار أحكام عليهم من غير دليل ولا برهان. وبينا أيضا تهافت المزاعم التي تعلل بها الذين خرجوا على الخليفة عثمان، وأثبتنا من خلال الروايات الصحيحة أنه رضي الله عنه لم يأت منكراً في توليته بعض أقربائه، أو تأديبه لبعض الصحابة، أو شموله بعطفه بعض أفراد أسرته. وأن الصحابة الذين عايشوا أحداث الفتنة بُراءوا من دم عثمان. وأن الفتنة في حقيقتها تولدت من ظروف معينة استغلتها جماعات طامعة وأفراد حاقدون طوروا تلك الأحداث حتى انتهت إلى ما انتهت إليه. ومن خلال الفتنة وما أعقب مقتل الخليفة عثمان من أحداث ظهر فريقان متقابلان: أولهما جماعة الخوارج التي تمسكت أحياناً بظواهر بعض الآيات وفهمتها فهماً خاصاً مع إهمال لآيات أخرى وعدم ربط الآيات بعضها ببعض، الأمر الذي أدى بهم إلى اتخاذ مواقف معينة تجاه الأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين، وفي إطار هذه الظاهرة أشرت إلى مواقف بعض الجماعات المعاصرة التي انتهجت نهجاً يقرب من منهج الخوارج، على اختلاف بين الفريقين في الدوافع والغايات. أما الفرقة الأخرى فهي فرقة الشيعة التي وُضِعَتْ بذورها ونمت إبان هذه الفترة، حيث حاولت جماعات معينة أن تستغل عواطف بعض المسلمين وحبهم لآل البيت، وأذكت أُوار هذه العواطف حتى طغت على منطق العقل ومسلمات الوحي، وهكذا رأينا كيف أن حب آل البيت أصبح مدخلاً لطوائف غالية حاولت هدم الإسلام وتخريب عقائده وتقويض أركان شريعته. ودفع الولاء لآل البيت جماعات أقل تطرفاً إلى تبني نظريات في الإمام والإمامة تختلف إلى حد كبير عن تصور الإسلام لهذه الوظيفة ومن يقوم بها. كما أن الدفاع عن هذا المعتقد ومحاولة إثباته أدى بفريق آخر من الشيعة إلى الطعن في القرآن والتشكيك في السنة والتهجم على الصحابة رضوان الله عليهم، وتجريحهم. ولم يلبث تيار الغلاة أن قوي عوده وانتظم أمره عند طائفة الإسماعيلية أو (الباطنية) من الشيعة التي مثلت خطراً حقيقياً على الإسلام والمسلمين. وقد استعرضنا نماذج لهذه الحركات الباطنية، كالقرامطة، والفاطميين وما تولد عنهما من حركات ومنظمات علنية أو سرية. وقد بينا كيف أن بعض هذه الجماعات اتخذت من التشيع ستاراً حاولت من خلاله بث أفكارها المناهضة للإسلام واستغلت فكرة الظاهر والباطن الشيعية لإلباس آرائها الهدامة ثوب الإسلام. وبلغ الانحراف عند بعض الفرق درجة أدت إلى خروجها من الإسلام. بل إن طوائف كطائفة الدروز أعلنت في صراحة انسلاخها من الإسلام وأكد أتباعها أن انتماءهم إلى هذا الدين لا يتجاوز أن يكون انتماءاً تراثياً يمثل فيه الإسلام جزءاً من تراثهم العقدي الذي يشمل كل المذاهب والأديان السابقة سماوية وغير سماوية. وهذا كله يوضح لنا خطر هذا التيار الباطني الذي تجاوزت آثاره دائرة الإسماعيلية وما تفرع عنها، وامتد خطره إلى دائرة الصوفية والفلاسفة، بل إن آثاره لازالت ماثلة في العديد من الحركات المشبوهة والجماعات المنحرفة كالبابية والبهائية والقاديانية، التي تشربت مبادئ الباطنية وحاولت عن طريقها هدم الإسلام والتحلل من أحكام شريعته، وعلى كل فإن آثار التيار الباطني وخطره المعاصر يحتاج إلى معالجة خاصة نأمل أن نتمكن منها في المستقبل القريب بإذن الله. والله الهادي إلى سواء السبيل

تقريرات أئمة الدعوة في مخالفة مذهب الخوارج وإبطاله

تقريرات أئمة الدعوة في مخالفة مذهب الخوارج وإبطاله ¤محمد هشام طاهري£بدون¥غراس – الكويت¨الأولى¢1429هـ€فرق وملل ونحل¶خوارج الخاتمة في نتائج البحث وهي بمثابة ملخص للرسالة، ثم أتبعت بذكر التوصيات: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأثني عليه بما هو أهله وهو أهل لكل المكرمات، وأسأله أن يجعل هذا العمل – كما يسره لي – خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يجعلني من الذابين عن علماء الدين، المنافحين عن ملة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم: وبعد الجهد والعطاء، والبحث والعناء، يسر الله عز وجل إتمام هذا الموضوع، وتوصلت من خلال كتابتي له إلى أمور كانت عندي من المسلمات، وأصبحت كأنها من اليقينيات دلالة وترجيحاً، وخلاصة هذه النتائج والتوصيات هي: 1 - عظم جهود أئمة الدعوة – رحمهم الله – في حفاظ وبيان الإسلام الصحيح، الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وتحملهم كل ما قيل، وفعل، من أجل دين الله تبارك وتعالى، وهذا يظهر جلياً من السهام التي رمُوا بها من كل أهل البدع، ولكنهم كانوا كالطود الشامخ الذي لا يزيده الدهر إلا شموخاً. 2 - أن أئمة الدعوة هم من أعظم العلماء المتأخرين الذين بذلوا الجهد في بيان معتقد الخوارج، وبينوا الفرق الشاسع بين دعوة التوحيد والسنة ودعوة الخروج والبدعة. 3 - الخوارج هم كل من خرج على إمام من أئمة المسلمين، ويرون تكفيره من غير مكفر شرعي، وإن اختلفت مشاربهم. 4 - عرف أئمة الدعوة الخوارج بالاسم، والوصف، وذكر الفرق، حتى يكون أجلى في معرفتهم والبعد عنهم. 5 - بين أئمة الدعوة أسباب خروج الخوارج، وأن منها أسباب دنيوية. 6 - حذر أئمة الدعوة من الخوارج وذلك بذكرهم للنصوص الشرعية المحذرة من أهل البدع عموماً، ومنهم على وجه الخصوص، وذكروا نصوص العلماء في التحذير منهم. 7 - بين أئمة الدعوة – رحمهم الله – مفاسد الخروج على الدين والدنيا. 8 - أجلى أئمة الدعوة – رحمهم الله – الطريقة الصحيحة في الاستدلال، وبينوا خطأ الخوارج في طريقة استدلالهم، سواء بالمتشابهات، أو في تركهم للسنن، أو لعدم التفاتهم إلى العلماء. 9 - أبطل أئمة الدعوة – رحمهم الله – قول الخوارج في الإيمان، بالأدلة من الكتاب والسنة، وبينوا ضلال قولهم في الإيمان، وهذا في نفس الوقت يدل على صحة معتقد أئمة الدعوة، وأنهم على منهج السلف في كل باب، ومنه باب الإيمان. 10 - لازم قول الخوارج منع زيادة الإيمان ونقصانه، وهذا القول باطل بالأدلة الصحيحة الصريحة التي بينها أئمة الدعوة. 11 - لا يرى الخوارج الاستثناء في الإيمان بناء على أن ذلك شك، وقد بين أئمة الدعوة بطلان هذا القول. 12 - تخبط الخوارج في التكفير، وعدم معرفتهم لضوابط التكفير؛ فأصبحوا يكفرون بما ليس مفكراً، وبالكبائر من الذنوب، وقد جلى أئمة الدعوة – رحمهم الله – ما يكفر به المسلم، وأنه لا يكفر إلا بالكفر الصريح، لا باللوازم، ولا بالظنون، ولا بالأهواء. 13 - لم يفرق الخوارج بين الكفر والشرك والظلم والفسوق والنفاق الأصغر والأكبر، وقد بين أئمة الدعوة هذه المسألة أيما بيان. 14 - لم أقف على نص يفرق فيه الخوارج بين التكفير بالأوصاف، والتكفير بالأعيان، فالخوارج وقعوا في التكفير بالعموم، وقد بين أئمة الدعوة – رحمهم الله – بطلان هذا الخلط، ووضحوا الفرق بين التكفير بالأوصاف، وتكفير المعين، وأن التكفير بالعموم من صفات الخوارج. 15 - لا يذكر الخوارج شروطاً في تكفير المسلم، وإنما هو مبني عندهم على الظنون والهوى، فيبتدعون بدعة ويكفرون عليها، وقد نقلت عن أئمة الدعوة ما يعرف به شروط تكفير المعين، وأنه لا يقدم على تكفير المعين إلا بعد وجودها.

16 - لم يعرف الخوارج موانع التكفير؛ فهم ما إن يقع الرجل في الكفر إلا ويحكمون عليه بالردة، ولا ينظرون إلى الموانع، وهل هي منتفية أم لا؟ وذكر أئمة الدعوة أهمية النظر إلى موانع التكفير قبل الحكم على المعين، وبينوا بطلان قول الخوارج في هذا. 17 - كثر كلام أئمة الدعوة في بيان أهمية إقامة الحجة على المعين قبل تكفيره، وذلك لكثرة الافتراء عليهم، فكان كلامهم شافياً كافياً في بيان هذه المسألة، وإن كان قد غلط فيه أناس لعدم علمهم بملابسات بعض العبارات. 18 - عظيم جهد أئمة الدعوة البارز في النهي عن تكفير المسلمين، والتحذير من ذلك. 19 - رد أئمة الدعوة قول الخوارج في مسألة تكفيرهم بالكبائر، بالنصوص الشرعية. 20 - بين أئمة الدعوة الصواب في الموقف الصحيح من قضية التحكيم، وأبطلوا قول الخوارج فيها. 21 - قام أئمة الدعوة بالبيان الشافي في مسألة الحاكم بغير ما أنزل الله، ومتى يكون كفراً أكبر، ومتى يكون أصغر، ومتى يكفر الحاكم بغير ما أنزل الله، ومتى لا يكفر. 22 - الخوارج قاموا بامتحان الناس بالموافقة والمخالفة، وقد بين أئمة الدعوة أن الناس لا يجوز امتحانهم على ذلك، بل يكتفون بإظهارهم الإسلام. 23 - اتخذ الخوارج من ولاة الأمور موقف العداء، والمتربص، وقد بين أئمة الدعوة ما يجب اتجاه ولاة الأمور، وبينوا ضلال موقف الخوارج. 24 - كفر الخوارج الولاة بأمور فسقية لا تبلغ مرتبة الكفر، وبأمور هي من لوازم الأفعال، وكفروا الولاة باللوازم، وقد أبطل أئمة الدعوة قولهم في هذه المسألة. 25 - لا يقوم الخوارج بواجب النصح لولاة الأمر، إنما عندهم إما استقامة السلطان، أو السيف، وقد بين أئمة الدعوة أهمية النصيحة لولاة الأمر، وكيفيتها. 26 - لا يرى الخوارج معاونة ولاة الأمر، بل يرون ذلك كفراً، وقد بين أئمة الدعوة أن معاونة ولاة الأمر في الطاعة واجبة. 27 - من سيما الخوارج الدعاء على ولي الأمر، وقد بين أئمة الدعوة أن المنهج السلفي الدعاء لولاة الأمر بالصلاح والسداد. 28 - ينتهج الخوارج في إبعاد الناس عن ولاة الأمر منهج التنفير عنهم بالطعن عليهم، وقد بين أئمة الدعوة أهمية توقير ولاة الأمر، وتحريم غيبتهم. 29 - لا يعرف الخوارج الصبر على جور الولاة، وإنما يفزعون إلى السيف لرؤيتهم الجور، وقد نبه أئمة الدعوة بناء على ما جاء في النصوص على أهمية الصبر على الولاة، وإن جاروا وظلموا. 30 - اشتهر الخوارج بنزع أيديهم من الطاعة، وخروجهم على السلطان، وقد بين أئمة الدعوة شناعة هذا الفعل، ومدى خطورته على الدين والدنيا. 31 - توصلت من خلال البحث إلى معرفة شدة التنازع والاختلاف الذي بين الخوارج، حتى لو خرج اثنان سيختلفون فيما بينهما، وهذا تبين لي من خلال التتبع التاريخي لفرقهم. 32 - قال بعض الخوارج بأن الإمام لو كفر فإن الرعية تكفر بكفره؟ وقد أبطل أئمة الدعوة هذا القول، وبينوا بجلاء أن الكفر لا يكون إلا بالرضا والمتابعة. 33 - ضلال الخوارج في مسألة عدم إيجاب بعضهم لوجود ولي الأمر، وتركهم الأمر سبهللاً، ورد أئمة الدعوة هذا القول، وبينوا أهمية وجود الحاكم المسلم. 34 - ضلال الخوارج في عدم قولهم بأن الولاية في قريش، وتعميمهم القول في ذلك، وقد فصل أئمة الدعوة هذا القول، وبينوا أهمية أن يكون الأمر في قريش لو كان ثمت اختيار، وأن صيرورته إلى غيرهم أمر كائن بالتغلب. 35 - زعم بعض الخوارج جواز تولية المرأة الإمامة!؟ وإبطال أئمة الدعوة لهذا القول. 36 - تحريم الخوارج لإقامة الجماعة والجمع والعيد خلف المخالفين لهم، وقد أوضح أئمة الدعوة أهمية إقامة الصلوات في الجماعات، وخلف ولاة أمر المسلمين، ولو كانوا فسقة فجرة.

37 - منع الخوارج دفع الزكاة إلى ولاة أمر المسلمين؛ لأنه ليس منهم، وقد بين أئمة الدعوة أن دفع الزكاة لولاة الأمر مسقط للفرض ولو كانوا فجاراً. 38 - لم ير الخوارج لزوم إمام للمسلمين في الحج، وقد بين أئمة الدعوة وجوب الحج مع الإمام. 39 - لا يرى الخوارج أهمية لعهود الإمام المخالف لهم، وبالتالي ينقضون العهود التي أبرمها الإمام، ولو بالقوة والقتل، وقد قرر أئمة الدعوة أن الوفاء بعهود الإمام واجب ولو كان فاجراً؛ فإن في ذلك مصلحة للمسلمين. 40 - استحل بعض الخوارج دماء أهل الذمة والعهد، وقد شدد أئمة الدعوة في وجوب اعتقاد حرمة دماء أهل الذمة والعهد، وأن ذلك من السنة، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم. 41 - يرى الخوارج أن إقامة الحدود، وجهاد الأعداء، لا يشترط له إذن السلطان؛ فيفعلون ما يرونه هم!؟ وقد بين أئمة الدعوة أن إقامة الحدود، والدعوة إلى الجهاد إنما هي من مهام ولي الأمر. 42 - شدة إفساد الخوارج باسم الجهاد. 43 - ربط الخوارج الولاء والبراء بأشخاصهم، وجماعتهم، ولذلك أخطئوا في مفهومهما، وقد بين أئمة الدعوة مفهوم الولاء والبراء، وأنهما لا يكونان إلا على الإسلام المحض. 44 - قلوب أهل البدع ومنهم الخوارج ممتلئة غشاً وغلاً للمسلمين وولي أمرهم؛ فلذلك تراهم يوالون أهل البدع ضد المسلمين المخالفين لهم، وقد بين أئمة الدعوة خطورة موالاة أهل البدع، وحذروا من ذلك. 45 - أظهر الخوارج شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلوه أصلاً في الخروج على الأئمة!؟ وقد رد أئمة الدعوة عليهم. 46 - اهتم أئمة الدعوة ببيان أن يكون المحتسب على درجة كبيرة من الإخلاص، وأن لا يبتغي من وراء احتسابه إلا وجه الله تعالى. 47 - الدعوة عند الخوارج في رفعهم شعار الاحتساب إنما لأجل الوصول إلى الحكم والتغيير من الأعلى، وقد بين أئمة الدعوة أن منهج الأنبياء إنما هو الدعوة إلى التوحيد. 48 - يقيم الخوارج الاحتساب على ما يرون، لا على وفق الضوابط الشرعية، وقد بذل أئمة الدعوة النصح للمسلمين في بيانهم شروط الاحتساب. 49 - لا ينظر الخوارج حين احتسابهم إلى مسألة المصالح والمفاسد، وقد اهتم أئمة الدعوة ببيان أهمية الاهتمام بها. 50 - قال بعض الخوارج بجواز التقية في ما يرونه منكراً، وعدم إظهار المخالفة، وقد رد أئمة الدعوة التقية، وبينوا الحق فيها. 51 - يقوم الخوارج في الإنكار بالسيف، ويرون أن الاحتساب به واجب، وقد أبطل أئمة الدعوة هذا القول. 52 - يلجأ الخوارج إلى الاغتيال للتخلص من مخالفيهم قديماً وحديثاً، وقد بين أئمة الدعوة هذا الأمر ووضحوه. 53 - يرى بعض الخوارج أن التوحيد لا يعرف إلا بالخبر، وقد بين أئمة الدعوة دلائل التوحيد المختلفة. 54 - اتجه بعض الخوارج إلى التشبيه والتمثيل في صفات الله تعالى، وقد أبطل أئمة الدعوة القول في التمثيل، ولأئمة الدعوة جهود مباركة في باب توضيح الأسماء والصفات. 55 - قال بعض الخوارج بأن القرآن مخلوق، متبعين فيها المعتزلة، وقد بين أئمة الدعوة بطلان هذا القول، وأن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق. 56 - أنكر بعض الخوارج عذاب القبر، وقد بين أئمة الدعوة بطلان هذا المعتقد. 57 - رد الخوارج جمعاء شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من هذه الأمة، وقد أبطل أئمة الدعوة هذا القول، وبينوا أنه من أقوال أهل الضلال، وبينوا الموقف الصحيح من الشفاعة. 58 - أنكر بعض الخوارج رؤية الله تعالى في الآخرة، وقرر أئمة الدعوة بطلان هذا القول بالأدلة. 59 - يقطع الخوارج لأنفسهم بالشهادة، وأنهم من أهل الجنة!؟ وقد أجلى أئمة الدعوة القول في منع الشهادة لمعين بالجنة والنار من غير نص شرعي.

60 - أوجب بعض الخوارج الصلاة والصوم على الحائض حال حيضها، وقد رد أئمة الدعوة هذا القول بناء على الأدلة الشرعية. 61 - أنكر بعض الخوارج المسح على الخفين، وقد أثبت أئمة الدعوة ذلك بالنصوص. 62 - بين أئمة الدعوة أن الخوارج من الفرق الضالة، التي يجب الحذر منها، والابتعاد عن أفكارها، ومعتقداتها. 63 - الحكم على الخوارج بأنهم كفار مسألة مختلف فيها بين السلف والخلف، وقد رجح جل أئمة الدعوة – رحمهم الله – رأي المحققين – وهم منهم – على أن الخوارج ليسوا كفارا. 64 - تبين لنا من خلال هذه الرسالة أن أئمة الدعوة – رحمهم الله – اتخذوا وسائل عدة في بيان ونصح ما ظهر في زمانهم من فكر الخروج والخوارج؛ فنصحوا، وألفوا، وأرسلوا الرسائل، وحذروا من الخوارج وفكرهم. 65 - عظم البون الشاسع بين هذه الدعوة السلفية النقية وأئمتها، وبين الدعوات الخارجية التي ظهرت وتظهر بين الفينة والأخرى ورؤسها. 66 - وبهذا كله يتبين لنا بجلاء مدى علو كعب علم أئمة الدعوة – رحمهم الله -، وهم وإن كانوا متبعين للسلف، ولما كان عليه العلماء السابقون؛ إلا أنهم كانوا أهل علم وفقه ودعوة وجهاد، ومن زعم أن علومهم تابعة لعلم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أو غيره؛ فإن كان المقصود أنهم متبعون لأهل العلم فهذا حق، وإن كان المقصود أنهم مقلدة وليسوا أهل اجتهاد واتباع فليس بصحيح، وتأصيلاتهم العلمية دالة على اجتهاداتهم. 67 - ومن خلال مطالعتي لكتب أئمة الدعوة – رحمهم الله – فإني أوصي الباحثين في مختلف المجالات أن ينشطوا في الكتابة في المواضيع التالية، وقد وجدت فيها مادة لا بأس بها، وبعضها تصلح للماجستير، وبعضها للدكتوراه، وهذه الموضوعات التي أرى أهمية الكتابة فيها هي: 1 - جهود أئمة الدعوة في إبطال التأويل. 2 - جهود أئمة الدعوة في إبطال قول المعطلة في الأسماء والصفات. 3 - جهود أئمة الدعوة في الحث على السنة والتحذير من البدعة. 4 - موقف أئمة الدعوة من مسألة تقليد الأئمة، والتقيد بمذهب معين. 5 - جهود أئمة الدعوة في الرد على الأشاعرة. 6 - جهود أئمة الدعوة في الرد على الرافضة، وهذه كلها تصلح لرسائل علمية مقدمة إلى قسم العقيدة. 7 - جهود أئمة الدعوة في نشر الكتب السلفية. 8 - بيان الصلة الدينية بين أئمة الدعوة والأمراء من آل سعود. 9 - جهود أئمة الدعوة في إسداء النصائح. 10 - قيام أئمة الدعوة بالجهاد، والاحتساب. 11 - نجاح سياسة أئمة الدعوة لأنها قائمة على السياسة الشرعية. 12 - الأسباب الدينية والدنيوية التي بسببها نجحت دعوة أئمة الدعوة، وهذه كلها تصلح رسائل علمية تقدم إلى قسم الدعوة.

فرق الهند المنتسبة للإسلام في القرن العاشر الهجري وآثارها في العقيدة – دراسة ونقدا

فرق الهند المنتسبة للإسلام في القرن العاشر الهجري وآثارها في العقيدة – دراسة ونقداً ¤محمد كبير أحمد£بدون¥دار ابن الجوزي – السعودية¨الأولى¢1422هـ€فرق وملل ونحل¶هند الخاتمة: وفي الختام أود أن أدوِّن أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث: أولاً: لقد كان انتشار الإسلام في معظم ربوع (الهند) عن طريق الدعوة والإرشاد دون الحرب والقتال. وهذا أبلغ رد على أولئك الذين يفترون على الإسلام؛ مرددين أنه لولا الحرب والقتال ما علتْ للإسلام راية، ولا انتشرت له دعوة! ثانياً: كانت العقيدة الإسلامية صافية نقية تستمد أصولها من كتاب الله –تعالى- وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى منهج السلف الصالح رضي الله عنهم منذ دخول الإسلام في شبه القارة الهندية حتى القرن الرابع الهجري. ثالثاً: كانت بلاد الأفغان (أفغانستان الحالية) خاضعة للحكم الإسلامي في بلاد (الهند)، وكانت جزءاً منها. رابعاً: يمثل القرن العاشر الهجري أحلك الفترات وأظلمها في حياة (الهند) المسلمة، لاسيما الحقبة التي ملك فيها الملك (أبو الفتح جلال الدين محمد أكبر) (963هـ - 1014هـ) حيث كانت فتنة مذهبه الذي عرف (بالمذهب الأكبري). خامساً: اضطلعت (العقيدة الألفية) بأخبث دور قامت به في العمل على نشأة وتعدد الفرق الضالة المنتسبة للإسلام في القرن العاشر الهجري. سادساً: أثبتت الدراسة أن عقيدة (وحدة الوجود) - التي يعتقد الكثيرون أنها عقيدة خاصة بالصوفية - هي في الواقع عقيدة مشتركة لدى كثير من الفرق الضالة المنتسبة للإسلام. سابعاً: عقيدة (وحدة الأديان) التي ينادي بها أصحاب بعض المذاهب الضالة - للطعن في الإسلام والقضاء عليه - هي في الحقيقة عقيدة تنبثق من عقيدة (وحدة الوجود)، وتقوم عليها. ثامناً: تشدقت كثير من الفرق الضالة بحب آل البيت؛ لتتخذ منه ستاراً تنشر من خلاله ضلالاتها. وعقيدة المهدية (أو المهدي المنتظر) تمثل قاسماً مشتركاً بين كل هذه المذاهب. تاسعاً: الدور الذي قام به التشيع والتصوف كان سبباً رئيساً في صياغة أفكار ومبادئ الكثير من الفرق الضالة والمنحرفة، لاسيما في بلاد (الهند) إبان القرن العاشر الهجري وما قبله وما بعده. عاشراً: عقيدة (خاتم الأولياء) و (الإنسان الكامل) كانت وراء كثير من الضلالات التي انتشرت بين عامة المسلمين في هذه القارة الواسعة. حادي عشر: بعض الفرق الضالة المنتسبة إلى الإسلام - والتي شهدها القرن العاشر الهجري مثل: (الروشنية) و (ستيه بير) (الشيخية الصادقة) - وإن اندثرت معالمها كفرق مستقلة إلا أن آثارها ومبادئَها مازالت تعيش في عقول كثير من أصحاب الضلالات والأوهام يبثونها بين الناس. ثاني عشر: هناك فرق عاشت في القرن العاشر الهجري، ولا يزال وجودها متصلاً، وأتباعها يتكاثرون حتى عصرنا هذا، مثل: فرقة (الذكرية) وفرقة (المهدوية) وغيرهما. وهذا يُلقي عبئاً على علماء (أهل السنة) لضرورة التصدي لهذه الفرق ودعاتها. ثالث عشر: إن فرقة (الأغاخانية النزارية) (الخوجات) تعد اليوم من أخطر أنواع الفرق الضالة المنتسبة للإسلام، والتي يتسع نفوذها؛ نظراً لنشاط دعاتها، وكثرة أموالها ومراكزها ومساجدها المتناثرة في كثير من بلاد العالم، مما يتسوجب على علماء المسلمين الغيورين أن يتنبهوا لها، وأن يحاصروا مبادئَها وأفكارها التي امتدت إلى كثير من البلاد. رابع عشر: إن بعض الفرق التي عاشت في (الهند) إبان القرن العاشر الهجري ولاقت أفكارها ومبادئُها ذيوعاً ورواجاً بين الهنود المسلمين كانت وافدة من الخارج، مثل: فرقة (النقطوية) وفرق (الشيعة). خامس عشر: لم تتصد أية حكومة مركزية من الحكومات التي حكمت بلاد (الهند) في القرن العاشر الهجري لدحض أباطيل هذه الفرق، ولمصادرة أفكارها ومبادئِها؛ بل بعض هذه الحكومات كانت عوناً لهؤلاء المضللين على إفساد عقيدة عوام المسلمين في هذه البلاد. سادس عشر: تحمَّل عبء الدفاع عن العقيدة الإسلامية الصحيحة في هذه البلاد بعضُ العلماء الغيورين المصلحين، ويأتي في مقدمتهم (الشيخ محمد طاهر الفتني) (ت 986هـ) و (الإمام السرهندي) (ت 1034هـ) و (الشيخ عبد الحق الدهلوي) (ت 1052هـ). فجزاهم الله عما قدموه وما بذلوه من جهد خير الجزاء. إن على المؤسسات الإسلامية العالمية - التي تُعنى بالدفاع عن العقيدة الإسلامية - دورٌ كبيرٌ في تجلية العقيدة الصحيحة، ومحاربة البدع والأفكار التي توارثها الناس عن هذه الفرق الضالة في هذه البلاد الشاسعة، وعلى رأس هذه المؤسسات: رابطة العالم الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، والمؤتمر الإسلامي، والأزهر الشريف، والجامعات الإسلامية التي يجب أن تولي هذه المهمة عنايتها الفائقة.

قضية الثواب والعقاب بين مدارس الإسلاميين بيانا وتأصيلا

قضية الثواب والعقاب بين مدارس الإسلاميين بيانا وتأصيلا ¤جابر زايد عيد السميري£بدون¥الدار السودانية للكتب - الخرطوم¨الأولى¢1416هـ€فرق وملل ونحل¶حسنات وسيئات الخاتمة تبين لنا من خلال البحث ما يأتي: أولاً: إن دعوى الصراع بين العقل والنقل في الإسلام مصطنعة، حيث ابتدأه أعداء الإسلام، واستمروا يحركونه خلال العصور الإسلامية المختلفة، وهؤلاء الأعداء ينتظمون في سلسلة تتمثل أطرافها في مستشرقين يهود ومسيحيين وفي أتباع وتلامذة مخلصين لهم من أبناء المسلمين، أما أطراف السلسلة البعيدة فترتد خلال القرون عبر الباطنية والإسماعيلية وإخوان الصفا حتى تصل إلى اتباع ابن سبأ. والحقيقة أنه ليس بين القرآن الكريم وبين أحكام العقل الصريح الراشد أدنى ذرة من التعارض، كذلك، ليس ثمة أدنى ذرة من تعارض أو إختلاف بين السنة المحققة الصحيحة وبين أحكام العقل الصريح الراشد، وإذا بدأ أي اختلاف أو تعارض بين نصوص الوحي وبين العقل فإنما يكون ذلك لأحد الأسباب الآتية: 1 - تفسير خاطئ للنص يؤدى إلى مفهوم غير صحيح ينسب إليه. 2 - خطأ مقررات العقل التي يحاكم إليها المفهوم الصحيح للنص. 3 - مفهوم غير صحيح للنص يحاكم مقررات عقلية خاطئة. أما إذا استقام مفهوم النص، وسلمت مقررات العقل وأحكامه فإنه يستحيل أن يند بينها أدنى تعارض أو اختلاف. فالصراع إذن ليس بين النص والمنطق، أو بين النقل والعقل، فهما متفقان تماماً، وهذه إحدى بديهيات الإيمان بالله والرسل، لأن الله – عز وجل – هو الذي خلق العقل السليم الراشد في الإنسان، ووضع فيه أحكامه وقوانين تفكيره بالحق، وهو الذي أنزل الوحي بالحق، والحق واحد لا يختلف ولا يتعدد وهذا يقتضى بالضرورة مطابقة الحق الذي جاء به الوحي على الحق الذي تعرفه العقول. وأما الصراع الذي نشأ في تاريخ الفكر الإسلامي وفي تاريخ الفكر الديني عامة، فإنما هو بين أهل النقل وأهل العقل، تمسكت الفئة الأولى بالنص من خلال مفاهيم خاطئة لا تعبر عن النص في ذاته، وأهملوا موافقة هذه المفاهيم مع صريح المعقول، والفئة الثانية تمسكت بمقررات عقلية خاطئة مستخلصة من ثقافات أجنبية وعلوم قاصرة غير صحيحة، وجاءوا إلى القرآن والسنة يحاكمون نصوصها إلى هذه المقررات الخاطئة، وهم يعتقدون أنها صحيحة فوجدوا اختلافاً بين العقل والنقل. فلجأوا – البعض بحسن نية دفاعاً عن الإسلام حسب ظنه، والبعض بسوء نية هدماً للإسلام حسب فهمه – إلى تأويل النص حتى تستقيم مع مقررات العقول الخاطئة، والتي يعتقدون أو يزعمون أنها صحيحة، ومن ثم أولوا فخرجوا من القرآن والسنة مفاهيم باطلة، وأحكاماً خاطئة ليست منها أو فيها ولا تمت إلى الوحي بصلة، أو تمت له بصلة، ولكنها محرفة وليست مطابقة لما جاء به تماماً من هؤلاء الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وأصحاب منهج التأويل العقلي بعامة وعند هؤلاء وبهم قامت معركة النقل والعقل. أما أهل السلف من الصحابة والتابعين وأهل الحديث والفقه فلم يجدوا أدنى تعارض أو اختلاف بين نصوص الوحي ومقررات العقل، وذلك بسبب منهجهم الفكري السليم الذي مكنهم الله به من استنباط المفاهيم الصحيحة من النصوص فجاءت ربانية خالصة، ومن ثم طابقت مقررات العقول الصريحة الراشدة. ولذلك يمكننا القول: أن الصراع بين النقل والعقل لا يعبر عن حقيقة تاريخية إسلامية خالصة، وإنما هي تعبير عن أحد وجوه الانحرافات في الفكر الإسلامي وهو في نفس الوقت علة كثير من الانحرافات الفكرية التي أصابته. ثانياً:

لا ريب أن العمل الصالح سبب لدخول الجنة، والله قدر لعبده المؤمن وجوب الجنة بما ييسره له من العمل الصالح، كما قدر دخول النار لمن يدخلها بعمله السيء، وليس الجزاء من الله – سبحانه – على سبيل المعاوضة والمقابلة، كالمعاوضات التي تكون بين الناس في الدنيا، فإن الأجير يعمل لمن استأجره فيعطيه أجره بقدر عمله على طريق المعاوضة، إن زاد زاد أجرته، وإن نقص نقص أجرته، وله عليه أجرة يستحقها كما يستحق البائع الثمن، فنفى – صلى الله عليه وسلم – أن يكون جزاء الله وثوابه على سبيل المعاوضة، والمقابلة والمعادلة، وكثير من الناس قد يتوهم ما يشبه هذا، وهذا غلط من وجوه: الأول: أن الله – تعالى – ليس محتاجاً إلى عمل العباد كما يحتاج المخلوق إلى عمل من يستأجره، بل هو سبحانه كما قال في الحديث الصحيح: (إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني)، والعباد إنما يعملون لأنفسهم، كما قال تعالى {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا}. وأما العباد فإنهم محتاجون إلى من يستعملون لجلب منفعة أو دفع مضرة، ويعطونه أجرة نفعه لهم. الثاني: أن الله هو الذي مَن على العامل: بأن خلقه أولاً وأحياه ورزقه، ثم أرسل إليه الرسل، وأنزل إليه الكتب، ويسر له العمل، وحبب إليه الإيمان، وزينه في قلبه، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان. والمخلوق إذا عمل لغيره لم يكن المستعمل هو الخالق لعمل أجيره، فكيف يتصور أن يكون للعبد على الله عوض وهو الذي خلقه وأحدثه، وأنعم على العبد به؟! وهل تكون إحدى نعمتيه عوضاً عن نعمته الأخرى وهو ينعم بكلتيهما؟! الثالث: أن عمل العبد لو بلغ ما بلغ ليس هو مما يكون ثواب الله مقابلاً له ومعادلاً حتى يكون عوضاً، بل أقل أجزاء الثواب يستوجب أضعاف ذلك العمل. الرابع: أن العبد قد ينعم ويمتع في الدنيا بما أنعم الله به عليه، مما يستحق بإزائه أضعاف ذلك العمل إذا طلبت المعادلة والمقابلة، وإذا كان كذلك لم يبالغوا في الاجتهاد مبالغة من يضره الاجتهاد، كالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وزال عنهم العجب، وشهدوا إحسان الله بالعمل. الخامس: أن العباد لابد لهم من سيئات، ولابد في حياتهم من تقصير، فلولا عفو الله لهم عن السيئات، وتقبله أحسن ما عملوا – لما استحقوا ثواباً، ولهذا قال – صلى الله عليه وسلم – (من نوقش الحساب عذب، قالت عائشة: يا رسول الله، أليس الله يقول: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ {7} فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} قال: ذلك العرض، ومن نوقش الحساب عذب). ولهذا قال في الحديث لما قيل له ولا أنت يا رسول الله؟! قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بعفوه). فتبين بهذا الحديث أنه لابد من عفو الله وتجاوزه عن العبد، وإلا فلو ناقشه على عمله لما استحق به الجزاء قال الله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ}.

وإذا تبين ذلك أفاد هذا ألا يعجب العبد بعمله، بل يشهد نعم الله عليه، وإحسانه إليه في العمل، وأنه لا يستكثر العمل، فإن عمله لو بلغ ما بلغ إن لم يرحمه الله ويعف عنه ويتفضل عليه، لم يستحق به شيئاً، وأنه لا يكلف من العمل ما لا يطيق ظاناً أنه يزداد بذلك أجره، كما يزداد أجر الأجير الذي يعمل فوق طاقته فإن ذلك يضره، إذ المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى وأحب العمل ما داوم عليه صاحبه، فإن الأعمال بالخواتيم، بخلاف عمل الأجراء في الدنيا، فإن الأجرة تتقسط على المنفعة، فإذا عمل بعض العمل استحق من الأجرة بقدر ما عمل ولو لم يعمل إلا قليلا. فمن ختم له بخير استحق الثواب، وكفر الله بتوبته سيئته ومن ختم له بكفر أحبطت ردته حسناته، فلهذا كان العمل الذي داوم عليه صاحبه إلى الموت خيراً ممن أعطى قليلا ثم أكدى وكلف نفسه ما لا يطيق، كما يفعله كثير من العمال. فلابد من العمل المأمور به، ولا بد من رجاء رحمة الله وعفوه وفضله، وشهود العبد لتقصيره، ولفقره إلى فضل ربه، وإحسان ربه إليه. وقد قال سفيان بن عيينة وغيره: (كانوا يقولون: ينجون من النار بالعفو، ويدخلون الجنة بالرحمة، ويتقاسمون المنازل بالأعمال) فنبه على أن مقادير الدرجات في الجنة تكون بالأعمال وأن نفس الدخول هو الرحمة، فإن اله قد يدخل الجنة من ينشئه لها في الدار الآخرة بخلاف النار، فإنه أقسم أن يملأها من إبليس وأتباعه. ثالثاً: اتفاق السلف وأهل السنة على مفهوم واحد للكسب، وتبين أن الغموض الذي اكتنف تعريف الأشعري للكسب والذي سبب له اتهامات عديدة، كان سببه: أولاً: متابعة الأشعري للسلف الأوائل حيث أنه لم يثبت عنهم عند الأشعري أنهم خاضوا في مثل هذه المسألة الدقيقة فلم يثبت أنهم نفوا تأثير قدرة الإنسان في أفعاله بل سكتوا عن الكلام فيها جملة وتفصيلا فوسع الأشعري السكوت عن الكلام فيها. ثانياً: انتقال الأشعري من عقيدة المعتزلة إلى عقيدة السلف جعله يتحفظ من الخوض في مسائل خاضت فيها المعتزلة، وإن صح بعضها – لأن السلف يكرهون إحداث أمور لم تكن قد حدث فيها الكلام – كقضية تأثير قدرة العبد في أفعاله – وحرص الأشعري على تنقية نفسه مما علق فيها من سمعة الانتماء إلى المعتزلة، فرض عليه السكوت وعدم النفي لقدرة إحداث العبد لأفعاله بإذن الله. أو أنه نفى ما ذهبت إليه المعتزلة من القول بإطلاق قدرة العبد بالأحداث. فعلى الرأيين لم يخالف الأشعري العقيدة الحقة. ومما يؤكد ما ذهب إليه الأشعري، ما ذهب إليه الإمام الجويني وهو في مدرسة الأشعري. رابعاً: توسط مدرسة السلف وأهل السنة بين الجبر وحرية الاختيار. فلا هم جبرية خالصة ولا هم مفوضون كل التفويض، هذا الموقف الوسطي صبغهم بصبغة الاعتدال والاتزان حيث أنهم أصابوا في غالب استدلالاتهم بآيات القرآن والسنة والأدلة العقلية فيما راموا إثباته من المسائل العقدية، أو نفيه عنها .. ولهذا جنبوا القرآن والسنة الاختلاف وتضارب بعضه ببعض، وأبقوا للمجتمع مسئوليته التي أناطها الشارع به، فهو مأمور أن يعمل ويكد ويتقدم ويتطور وأنه سيوفق، أما أن آمن بأنه مجبور لا حول له ولا طول، وسلم للأمر الواقع فإنه حتماً مقضياً سيتأخر ويسقط تحت أقدام الآخرين وحينئذ لا يلوم إلا نفسه والله لم يأمره بالخنوع والانطواء بل أمره بالانطلاق والعمل، فإنه إن حوصر وهذه حاله فهذا من إبتلآت خالقه فعليه أن يصبر ويسلم ويعمل جاهداً للتخلص بالعودة إلى الله. فهكذا الإنسان لا هو مجبور مقهور على فعله، ولا هو مفوض مسيب في فعله بل له وجود بين هذين الأمرين فعليه ألا ينسى موطنه فيضل الطريق إما بالإفراط أو التفريط وكلاهما مرض عضال له مثالبه على الفرد والأمة. خامساً:

كثير من الخلافات بين المسلمين قد تكون لفظية، ولكن لسبب ما وغاية غير حميدة، وسوء استخدام لهذا الخلاف. تكبر الفجوة وتتسع بين المختلفين مما يؤدي إلى تسطير الأسفار في التعييب والنقد والنقض مما يؤدي إلى هدر الجهود والطاقات وتمزيق الوحدة، وتجافي القلوب مما يترتب عليه ضعف الأمة وانهيارها ومن ثم تكالب العدو عليها فيستبيح أرضها وأعراضها. ولهذا ينبغي الكشف عن المعاني الدقيقة، وإقامة الحوار الواضح الهادف الذي من شأنه يجمع ولا يفرق، يقوي ولا يوهن، يكسب المودة، ويبعد التجافي، ويمكن الاستعانة على ذلك بتأصيل ألفاظ القرآن الكريم والسنة حتى تكون العمدة في أي حوار ينشأ بين مدارس المسلمين المتنوعة، والبعد عن استخدام المصطلحات التي قد يشق على الباحث فهم مراميها ومقصدها. سادساً: إن ما يمكن أن نجعله علامات للفكر الإسلامي في هذه المرحلة من مراحل تطور مشكلة الحرية، وصراع الإرادة المختارة والفاعلية الإنسانية مع مفهوم القدر في أذهان المسلمين هو الآتي: أولاً: لجأ ضعيفوا الإيمان وأصحاب القلوب المريضة إلى التمحل بالمشيئة والقول بالجبر المحض مع قلة التقوى وإقبالهم على المعاصي كما هي طبيعة الأمم السابقة حيال المشكلة مع اتخاذ الجبرية قاعدة لمنطلق سياسي. ثانياً: هناك تيارات مشبوهة بالزندقة من خارج وداخل العالم الإسلامي ساعدت على تقوية هذا الاتجاه، ثم ساعدت على ظهور وتقوية الاتجاه المضاد وهو إنكار القدر، وذلك بين عامة المسلمين. ثالثاً: كانت نشأة القدرية ومحاولة أصحابها تحرير الإرادات الإنسانية وإثبات فاعلية البشر والعدل الإلهي كرد فعل لانتشار الجبرية بين الناس، فقال به كثير من مخلصي المسلمين هروباً من شناعات القول بالجبر وتبريراً للخروج على السلطان من الخارجين. رابعاً: لم يعرف القدريون من مفكري المسلمين حتى هذا العهد التفرقة بين الأمر الكوني والأمر الابتدائي، مما جعل أمامهم ذا شقين لا ثالث لهما، إما جبر، وإما تفويض ولا قدر. خامساً: وقف السلفيون من صحابة وتابعين ومحدثين وفقهاء في وجه الاتجاهين: الجبر والتفويض يثبتون المشيئة الإلهية المطلقة، وأن كل شيء بقضاء وقدر، حتى معاصي العباد، كما أكدوا وجود الذات الإنسانية الحرة الفاعلة متبعين في ذلك الكتاب والسنة مع التوقف عن الجدل والبحث والكلام بإعتباره أمراً مستحدثاً. سابعاً: أخطأ المعتزلة في تصورهم لعدل الله حين قالوا: أولاً: إن من يدخل النار لا يخرج منها أبداً مع قولهم: إن مرتكب الكبيرة – ولو كان يشرب جرعة خمر واحدة – إن لم يتب قبل الموت فإنه مخلد أبداً في النار ولا يشفع له نبي ولا ملك مقرب ولا عمل طول العمر، بمعنى أن الكبيرة أحبطت سائر عمله. ثانياً: إلحاقهم وعيد فساق المسلمين بوعيد الكفار وحملهم آيات الوعيد الواردة في الكفار المشركين على فساق المسلمين، وجعلهم في ذلك سواء فهم في نار جهنم خالدين فيها أبداً علماً بأنهم يفرقون بينهم في أحكام الدنيا فيجوزون لفساق المسلمين مناكحتهم وغير ذلك مما لا يجوز أن يفعلوه. ثالثاً: تغليبهم عقاب الله – وهو من غضبه – على ثوابه – وهو من رحمته – مع بيان أن الله قد أخبر أن رحمته سبقت غضبه وأن رحمته شملت كل شيء، وإنكارهم للشفاعة المخرجة لفساق المسلمين من النار وكذلك إنكارهم لعفو الله الشامل لمن دخل النار ممن يشاء الله خروجهم منها. فعدل الله لا يعرف بدلالة العقل فقط بل ينبغي قراءة النصوص وفقه معناها فيها ندرك عدل الله وسعة رحمته وغيرته على أن ترتكب محرماته. فالنقل والعقل وسيلتان متلازمتان لمعرفة عدل الله، فإن عطلت إحداهما حصل الإخفاق وانتكست النتيجة.

رابعاً: قياسهم عدل الله على عدل الخلق مع إيمانهم بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. ثامناً: صح تسمية النعم التي يجعل الله بها للمؤمنين بسبب إيمانهم ثواباً، والنقم ابتلاء، وكذلك العذاب والهموم التي تصيب الناس عموماً بما كسبت أيديهم عقاباً، ولهذا قال السلف وأهل السنة بجواز حصول الثواب والعقاب في دار الدنيا، وخالف بعض المعتزلة هذا وزعموا أن لا ثواب ولا عقاب إلا في دار الآخرة!! وسبب الخلاف ناشئ عن الاختلاف في تعريف الثواب والعقاب، فمن اشترط خلوص الثواب من الكدر، قال: إن هذه المعاني لا تتحقق إلا في دار الآخرة، ومن لم يشترط ذلك، قال بتداخل الثواب والعقاب. والذي نراه، أن الإجماع قائم على أن الآخرة بداريها الجنة والنار هي المقر الحقيقي لسرمدية الثواب والعقاب، وأنه لا مانع من تسمية نعيم الدنيا ثواباً، وهمومها وآلامها عقاباً، ومما يؤيد ذلك ويدعمه أن الله سبحانه سماه ثواباً فقال تعالى: {وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} وقال تعالى: {فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فسمى الله نعيم الدنيا ثوابا ولم يشترط سرمديته، إلا أن المعتزلة غالباً ما يطلقون الاصطلاحات على معاني تتلاءم مع منهجهم العقلي. ولو أنهم تأملوا معاني القرآن الكريم بجانب ما آتوا من عقول سامية لاتفقوا مع غيرهم، وجنبوا المسلمين بلاء كثيراً. وكذلك سمى الله ما يصيب الناس في الدنيا عقاباً فقال تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} وقال تعالى: {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} فسمى – سبحانه – ما أصابهم من عذاب في الدنيا عقاباً، وهذا بين ولله الحمد والمنة. تاسعاً: ويحق لنا أن نأخذ على جميع المدارس ما عدا السلف طبعاً عدم رجوعهم إلى الوحي بشقيه – الكتاب والسنة – جملة واحة بمنهج علمي أحصائي شامل، بدلاً من أخذه أحياناً وتركه أحايين، أو الرجوع إليه بناء على أصول عقلية سبق تقعيدها قبل النظرة الشاملة فأعطى نتائج غلب عليها الخطأ وعدم النضوج. وهذا ما حصل تماماً، عندما خاضت كل مدرسة غمار المشكلة قاصدة الوصول إلى الحقيقة، فمنهم من أصاب. ومنهم قارب، ومنهم من لم يحصل المقصود، وما سبيل النجاة عنهم ببعيد.

ما يجب أن يعرفه المسلم عن عقائد الروافض الإمامية

ما يجب أن يعرفه المسلم عن عقائد الروافض الإمامية ¤أحمد عبدالعزيز الحمدان£بدون¥مكتبة وهبة - مصر¨الأولى¢1414هـ€فرق وملل ونحل¶شيعة إمامية الخاتمة: وبعد: أخي المسلم فقد تبين لي ولك أن المعتقد لما ذكرنا من عقائد لن نستطيع أن نجتمع معه في أي أمر من أمور الدين، لأن القاعدة التي يتم عليها الاتفاق مفقودة بينهم، والنصوص التي تضبط هذه القاعدة لا يؤمنون بها، بل إنهم يرون أنهم راشدون في مخالفتنا في جميع الأمور الكلية والجزئية. فنحن وإياهم لا نجتمع في الإيمان برب واحد، ولا نبي واحد، ولا بكتاب واحد، ولا بأي شيء. ومما أوردته لك في هذا الكتاب تبين أن دينهم يتلخص في: 1 - التقية واجبة، وتركها كفر، ويجب التزامها في كل وقت، وفي كل مكان، حيث إنها لا تتقيد بظروف معينة، ولا يرفعها إلا المهدي المزعوم إذا خرج من جحره في سامراء، وهي عندهم أفضل العبادات، ويتقربون إلى الله بالتزامها، وكلما كان الواحد منهم ملتزما دينه كلما كان أخذه بالتقية أشد، وهم ينسبون إلى الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا أنه أخذ بالتقية، وكذلك الأنبياء عليهم السلام، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الرسالة إلا لعلي، وعلي بلغها أبناءه فقط حتى انتهت إلى مهديهم المزعوم الذي أخذ الدين وهرب به إلى سرداب سامراء إلى غير رجعة. والتقية هي السبب الوحيد الذي جعل هؤلاء القوم يعيشون بين المسلمين ولا يعلم أحد بدينهم، وكلما اكتشف أحد شيئا من دينهم بادروا إلى الإنكار، وادعاء أن ما قيل عنهم محض افتراء وكذب. 2 - توحيد الربوبية: يؤمنون أن الله تعالى خلق اثني عشر إماما من نور عظمته، ومن هذه الأنوار فتق جميع مخلوقاته العلوية والسفلية، ثم فوض إليهم أمر خلقه، فهم الذين يصرفون أمر الكون، وهم الذين يعطون ويمنعون، ويضرون وينفعون، ويحللون ويحرمون، ولا وظيفة للرب عندهم إلا تنفيذ أوامر أئمتهم ورغباتهم، وأن كل الدنيا والآخرة ملك للأئمة، والجنة والنار لهم. 3 - توحيد الأسماء والصفات: ينفون عن الباري جل وعلا جميع أسمائه وصفاته، ويقولون: هي مخلوقة، وهي الأئمة، فالأئمة هم عين الله، ووجه الله، ويد الله، وعلم الله، وسمع الله، وبصر الله، وقوة الله، وليس لله أية صفة. 4 - توحيد الألوهية: لا يعرفون عنه شيئا، والشرك عندهم هو القول بإلهين خالقين، وأما ما عدا ذلك من دعاء الأموات والاستغاثة بهم، وطلب المدد منهم، وسؤالهم جلب الحاجات، ودفع الكربات، كل ذلك لا يعد شركا عندهم، بل إن من سجد للصنم وطلب منه قضاء حوائجه فلا يعد ذلك عندهم شركا. مادام أنه لم يقل إن الحجر هو الخالق، وقد اعتنوا بقبور أئمتهم اعتناء فائقاً، فشيدوها وبنوا عليها القباب، وعدوا الحج إليها من أفضل العبادات، بل هو أفضل من حج بيت الله آلاف المرات، لأن قبور أئمتهم - عندهم - أفضل من بيت الله الحرام، بل أفضل من العرش ومن عليه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. 5 - القرآن الكريم: يؤمنون أنه لم يجمعه إلا علي رضي الله عنه، وأنه أراه الصحابة بعدما جمعه ليقم الحجة عليهم فقط، ثم إنه أخفاه عنهم، وورثه لأبنائه من بعده، إلى أن وصل للمهدي الذي أخذه ودخل سرداب سامراء، وأن قرآنهم هذا مثل قرآننا ثلاث مرات، وفيه سبع عشرة ألف آية، وما فيه حرف واحد مما في قرآننا، وأن المهدي سيخرج هذا القرآن في آخر الزمان، وأن الروافض في هذا الزمان يتعاملون مع القرآن معاملة مؤقتة حتى يخرج المهدي بقرآنهم. 6 - الصحابة: كفار عندهم، ولم يبق منهم على الإسلام إلا ثلاثة أو أربعة، وإسلام هؤلاء الثلاثة إسلام متعتع أيضا، وهم بزعمهم يتقربون إلى الله بسب الصحابة وخاصة الصديق والفاروق رضي الله عنهما.

7 - البداء: من لوازم دينهم، وما عبد الله بشيء مثله كما زعموا. 8 - الفداء: يؤمنون بوقوعه، وأن إمامهم الثامن فداهم بنفسه. 9 - الغيبة والرجعة: هي أس من أسس دينهم، يؤمنون بأن الأئمة سيعودون في آخر الزمان، ويحيون من محض الإيمان - يعنون بذلك الروافض- ومن محض الكفر - يعنون بذلك المسلمين - وسينتقم المهدي من كل من آذى الروافض، وخاصة قريش وعلى رأسها خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. • علم الغيب: يؤمن الروافض أن أئمتهم يعلمون الغيب كله ما كان منه وما يكون وما سيكون، وأنهم عندهم مفاتح الغيب، ويعلمون ما يسر الخلق وما يعلنون، وأنهم يعلمون لغات جميع البشر والجن والملائكة والحيوانات والجمادات. • الموجب لدخول الجنة عندهم والنجاة من النار حب علي رضي الله عنه، والموجب لدخول النار بغض علي، أما توحيد الله أو الشرك به، وفعل الطاعات أو المحظورات فكل ذلك لا يقدم ولا يؤخر عندهم، لأن حب علي حسنة لا يضر معها سيئة، وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة، فمن أحب عليا فليقل ما شاء من شرك وذنوب فإنه محب، والمحب مصيره إلى الجنة عندهم، ومن أبغضه فليفعل ما شاء من توحيد وحسنات حتى لو عبد الله ألف ألف سنة بين الركن والمقام، قائما لا يفتر، صائما لا يفطر، فتوحيده وعمله لا ينفعانه شيئاً، وبغض علي معناه تقديم أبي بكر وعمر رضي الله عنهم عليه في الخلافة، فمن قدمهما فهو مبغض له شاء أم أبى، رضي أم سخط، حتى لو كان من كبار المحبين لعلي رضي الله عنه، لأن الحب عندهم هو الغلو لا غير. وهم يرون أن المسلمين كلهم كفرة فجرة ملعونون، بل هم أكفر من اليهود والنصارى، وأن مصيرهم كلهم إلى النار مهما فعلوا من طاعات. فهذا أخي المسلم إفكهم وما كانوا يفترون، فعلى أي شيء يمكن أن نجتمع مع هؤلاء القوم؟ إن الإيمان بعقيدة واحدة من هذه التي ذكرت كافٍ لإخراج صاحبه من دين الله، فكيف بها مجتمعة؟ ثم إني أشهد الله الذي لا إله إلا هو أني بلغت، وأديت ما علمت، حتى لا يعتذر معتذر أني لم أبلغ، ولم أنصح، ولم أبين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة

مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة ¤ناصر بن عبدالله القفاري£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1412هـ€فرق وملل ونحل¶تقارب بين الأديان الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من أكمل الله به الرسالات وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد .. فقد تبين لنا من خلال هذا البحث مجموعةً من القضايا والمسائل المهمة، التي تنير الطريق حول فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة إن شاء الله تعالى فمن ذلك: 1 - أنه من خلال النقل من كتب الشيعة مثل كتاب (غاية المرام) الذي يعتبره كبير شيوخ الشيعة ومراجعهم المعاصرين (محسن الأمين) موضع افتخارهم، وغيره من كتبهم تبين أن أهل السنة قد صورتهم كتب الشيعة على غير حقيقتهم، إذ ذكرت نصوصاً كثيرةً تزعم نقلها عن كتب أهل السنة المعتبر، وكلها تؤيد شذوذ الشيعة الذي تحدثنا عنه. وبنوا على ذلك أنه لا خلاف بين أهل السنة والشيعة بناءً على الصورة المرسومة لأهل السنة في كتبهم وردد هذه المقالة بعض شيوخ أهل السنة رغبةً في الوحدة والوئام، وجهلاً بحقيقة الحال ولم يعرف أن وراء هذه الكلمة ما وراءها من تدبير وتخطيطٍ خطير أمضوا في تطبيقه القرون. 2 - أن من يعتمد في دراسة مذهب الشيعة على كتب الفرق والمقالات أو على كتب الفقه عند الشيعة أو على الكتب التي وضعها الشيعة للدعاية لمذهبهم والتبشير به، فإنه لا يخرج من خلال ذلك بمعرفة حقيقية لما عليه الشيعة، وسيشك بما يقال عنهم من شذوذ. وإذا أراد المعرفة الحقيقة للوضع الخطير الذي عليه القوم، فليقرأ في ذلك كتب الحديث، والتفسير، وكتب الرجال المعتمدة عندهم إلى يومنا هذا، باعتراف شيوخهم المعاصرين، ليقرأ أمثال: (أصول الكافي)، و (البحار)، في الحديث عندهم، ويقرأ: (تفسير إبراهيم القمي)، و (تفسير العياشي)، و (تفسير الصافي)، و (تفسير البرهان) وغيرها. وليقرأ في (رجال الكشي) وغيره. ليحكم من خلال ذلك على بينة وعلى بصيرة. 3 - أن من النتائج الهامة والخطيرة لهذه الدراسة أني رأيتُ أن مدونات الشيعة الإثنى عشرية في الحديث، والتفسير قد استوعبت وجمعت كل شذوذ وغلو الفرق الماضية التي تحدثت عنها كتب الفرق والمقالات .. ؛ ففرية القول بنقص القرآن، ومسألة البداء، وتفضيل الأئمة على الرسل وغيرها، هي من عقائد الغلاة والباطنيين، ومع ذلك هي موجودة في كتب الإثنى عشرية المعتبرة، بل بلغت حد التواتر والاستفاضة .. كما فصلنا ذلك بشواهده.

4 - أن كتب الحديث عند الشيعة التي يعتبرونها مقدسةً عندهم ومن علوم آل محمد، والتي ينبغي أن تكون موضع الدراسة والتقويم قبل الحديث عن فكرة التقريب، هذه الكتب قد امتدت إليها يد التحريف والزيادة والنقص فـ (الكافي) في عصر الطوسي (ت460هـ) هو ثلاثون كتاباً (كل كتاب يحتوي على طائفة كبيرةٍ من أحاديثهم) بينما هو في عصر شيخهم الكركي (ت1076) قد بلغ خمسين كتاباً. وكتاب (تهذيب الأحكام) لشيخهم الطوسي يذكر شيوخهم المعاصرون أن عدد أحاديثه بلغت (13590) ولكن مؤلفه نفسه يصرح في كتابه (عدة الأصول) أن الأحاديث أكثر من (5000) ومعنى ذلك أنها لا تصل إلى (6000) على أكثر تقدير، كما رأينا أن السند قد وضع في كتبهم لمواجهة نقد أهل السنة، وأن تقسيم الحديث عندهم إلى صحيح وغيره قد توافق مع رد شيخ الإسلام ابن تيمية عليهم في كتابه (منهاج السنة) بل إن الذي وضعه هو ابن المطهر الحلي الذي رد عليه شيخ الإسلام. مما يدل على أنهم يطورون (دينهم) ويغيرون فيه لمواجهة النقد الموجه إليهم، وذلك لئلا يفقدوا أتباعهم، كما أنهم يزيدون في كتب الحديث عندهم على مر الأيام من باب الدعاية المذهبية .. بل وصل بهم الأمر إلى وضع كتب بأكملها ونسبتها إلى علماء قدامى عندهم أو شخصيات لا وجود لها وقد بيَّنا بالشواهد أن أوّل كتاب ألّفته الشيعة والذي يُسمى أبجد الشيعة هو (كتاب سليم بن قيس) الذي حوى الطعن في كتاب الله وغيره، أن هذا الكتاب موضوع مكذوب، وأن مؤلفه اسم لا مسمى له، هذا فضلاً عما تحتويه كتبهم في الحديث والتفسير من (نصوص) ظاهرة الوضع واضحة الكذب لطعنها في دين الأمة وكتابها .. 5 - التمسنا آراء شيوخهم المعاصرين الذي يدعون للتقريب لنعرف رأيهم فيما احتوت عليه كتب الشيعة من غلو، فلم نجد من آرائهم ما يخالف هذا الغلو، بل كانت آراؤهم إما صريحةً في الغلو، وهذا ظاهر في الكتب التي كتبها دعاة التشيع في بلد لهم فيه قوة، وإما نفيٌ وإنكار لما هو واقعٌ في كتبهم، سالكين في ذلك وسائل معينة يدرك مراميها من اطلع على أصولهم وكشفنا ذلك بالحقائق والأرقام بلا تجنٍّ أو ظلم. 6 - كانت محاولات التقريب من جانب الشيعة مجرد ستار لنشر التشيع في ديار أهل السنة، وقد استفاد الشيعة من هذه الدعوة في نشر كتبهم وبث دعايتهم وكان لها آثار سلبية كثيرة على أهل السنة يدرك ذلك من وقف على ظواهر المد الشيعي في بلاد السنة .. وفي مؤتمر النجف خضع الشيعة لصوت الحق المؤيد بالحجة والبرهان –تقيةً- ولكن وفاة نادر شاه عطلت الاستفادة من نتائج المؤتمر. 7 - كيف يمكن التقريب مع من: يطعن في كتاب الله، ويفسره على غير تأويله، ويزعم تنزل كتب إلهية على أئمته بعد القرآن الكريم، ويرى الإمامة نبوة، والأئمة عندهم كالأنبياء أو أفضل، ويفسر عبادة الله وحده والتي هي رسالة الرسل كلهم بغير معناها الحقيقي، ويزعم أنها طاعة الأئمة، وأن الشرك بالله طاعة غيرهم معهم، ويكفر خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحكم بردة جميع الصحابة إلا ثلاثة أو أربعة أو سبعة –على اختلاف رواياتهم-، ويشذ عن جماعة المسلمين بعقائد في الإمامة، والعصمة، والتقية، ويقول بالرجعة، والغيبة، والبداء. ومعظم هذه الآراء كانت في نظر السلف من عقائد الباطنية والغلاة الكفرة ولكنها مستفيضة في كتب الإثنى عشرية وقد بينا ذلك بالشواهد. 8 - عرضنا آراء علماء المسلمين ومفكريهم في حل (الخلاف) وبينا الطريق الذي نختاره في ذلك، والله الهادي إلى سواء السبيل.

من عقائد الشيعة

من عقائد الشيعة ¤عبدالله بن محمد السلفي£بدون¥بدون¨الثانية¢1427هـ€فرق وملل ونحل¶شيعة إمامية وبعد أخي المسلم، لعلك الآن اتفقت معي في أن من يدين بهذه النحلة الفاسدة ليس من المسلمين وإن تسمى بالإسلام، إذن فما الواجب عليك أيها المسلم الموحد تجاه الرافضة، خاصة أنهم يعيشون بين المسلمين وينتسبون إليهم؟ إن الواجب عليك الحذر منهم وعدم التعامل معهم، والتحذير من معتقدهم الخبيث المبني على العداء لكل موحد آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما الرافضي فلا يعاشر أحدا إلا استعمل معه النفاق، فإن دينه الذي في قلبه دين فاسد يحمله على الكذب والخيانة وغش الناس وإرادة السوء بهم، فهو لا يألوهم خبالا ولا يترك شرا يقدر عليه إلا فعله بهم، وهو ممقوت عند من لا يعرفه، وإن لم يعرف أنه رافضي تظهر على وجهه سيما النفاق وفي لحن القول" [منهاج السنة النبوية لابن تيمية رحمه الله 3/ 360] إنهم يكنون لنا العداء والبغضاء، قاتلهم الله أنى يؤفكون، ومع هذا نجد المخدوعين بهم من عامة أهل السنة يخالطونهم في أمور حياتهم، ويثقون بهم، وهذا كله بسبب الإعراض عن دين الله ومعرفة أحكامه التي تأمر المسلم بالعمل بعقيدة الولاء لكل مسلم موحد، والبراءة من كل كافر أو مشرك. وبهذا نكون قد علمنا الواجب علينا كمسلمين فهل من مجيب؟ نسأل الله أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يخذل الرافضة ومن شايعهم، وأن يجعلهم غنيمة للمسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكتبه عبدالله بن محمد السلفي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.

موقف ابن تيمية من الأشاعرة

موقف ابن تيمية من الأشاعرة ¤عبدالرحمن بن صالح المحمود£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1415هـ€فرق وملل ونحل¶ابن تيمية - ترجمة كاملة أو دراسة منهجية الخاتمة والآن بعد هذه المباحث المتواصلة التي شملت عدة فصول في (موقف ابن تيمية من الأشاعرة) نخلص إلى خاتمة هذه الدراسة باستخلاص النتائج التالية: 1 - أن مذهب السلف يقوم على أساس وقواعد قوية ثابتة، عمادها الكتاب والسنة والإجماع، وكل دعوى في اتباع مذهب السلف لا تقبل ما لم تكن مبنية على منهجهم الواضح المستقيم. ولا تزال – والحمد لله – في كل زمن طائفة قائمة بالحق، تدعو إليه، وتجاهد في سبيله، وتجدد ما اندرس من معالمه، لا يضرها من خذلها ولا من خالف أمرها. ومن خلال ما كتبه أئمة السنة – وخاصة أصحاب القرون المفضلة – سواء كان شرحاً للعقيدة، أو رداً على خصومها، تكونت معالم بارزة، ومنطلقات واضحة، تحدد المنهج الحق لمن أراد أن يسلكه والطريق الصحيح لمن رام خدمة دينه وعقيدته وابتغاء رضوان ربه. 2 - ومن خلال عرض حياة شيخ الإسلام وعصره، تبين كيف كان ذلك العصر مليئاً بالأحداث الجسام، وكيف كان شيخ الإسلام ابن تيمية علماً بارزا، وإماما عظيما، كان له أثر واضح في تلك الأحداث. السياسية منها والعلمية. 3 - ظهور شيخ الإسلام في ذلك العصر الذي طغت فيه الطوائف المنحرفة من باطنية ورافضة، وصوفية، ومعتزلة وأشاعرة وغيرها – على أنه المدافع والمنافح عن مذهب وعقيدة السلف أمام هؤلاء جميعاً. وقد ترك على إثر ذلك تراثاً ضخماً، تمثل في عشرات المجلدات في شتى الفنون. يجمعها الدفاع عن مذهب السلف والرد على خصومه. 4 - وشيخ الإسلام كان له منهج واضح في عرضه لعقيدة أهل السنة والجماعة أو في الرد على مخالفيها، وأبرز ما في هذا المنهج – إضافة إلى اعتماده على الكتاب والسنة وأقوال السلف، وتأدبه بأدبهم – ثباته على منهج محدد، فلم يتناقض ولم تتغير قناعاته، ولم تختلف به المناهج والسبل كما حدث لغيره، وإنما بقي ثابتا صامدا مع كثرة المحن والأحداث التي مرت به. وهذا واضح جدا في كتبه التي وصلت إلينا، فهي على كثرتها، وتكرار بعض موضوعاتها لم يلاحظ عليه تناقض أو تراجع أو تردد، وهذا راجع إلى سلامة المنطلق والأساس الذي كان يعتمد عليه في كتبه. 5 - أما مذهب الأشاعرة فقد تبين من خلال الفصول المتعلقة به، كيف كانت نشأة المذهب وكيف انتشر وكيف تطور على يد أعلامه لا إلى القرب من مذهب السلف وإنما إلى البعد عنهم، وخاصة قربه من مذهب المعتزلة، والصوفية والفلاسفة. أما مؤسس المذهب أبو الحسن الأشعري فقد كان أقرب إلى مذهب السلف ممن جاء بعده من أتباعه، وهو وإن كان في الإبانة قرب جدا من السلف إلا أنه بقيت عليه بقايا من مذهب المعتزلة. 6 - أما موقف ابن تيمية من الأشاعرة فقد تبين مما سبق: أ - أن شيخ الإسلام وهو يواجه أعداء الإسلام من النصارى والتتار والرافضة، إلا أنه لم يقل – كما يدعي البعض – ينبغي أن نتفرغ للعدو الأكبر وندع الخلافات التي بيننا، وإنما رد على هؤلاء وجاهدهم بيده ولسانه وقلمه، كما رد على أشاعرة عصره وفضح ما كانوا فيه من تجهم وتصوف. وبين أن أولئك الأعداء ما تسلطوا على المسلمين إلا لأجل تفريطهم وبعدهم عن مذهب أهل السنة، ووقوعهم في المعاصي والكبائر، والظلم وعدم العدل. وحين نبدأ ساعة الجد والاجتهاد يركز على العدو الأصلي ويعمل على جمع الصفوف، ولم الشعث، وحث الناس جميعاً على البذل والتضحية في سبيل الله. ب - ومن خلال ردوده ومناقشاته للأشاعرة برز في منهجه أمران: أحدهما: إنصاف خصومه الأشاعرة، واعترافه بما معهم من حق. وثانيهما: الرد عليهم فيما خالفوا فيه مذهب أهل السنة بتقعيد الردود وتأصيلها، إضافة إلى المناقشات المفصلة لكل مسألة من مسائل العقيدة التي جانبوا فيها الحق والصواب. ومن ثم جاءت ردوده شاملة لمسائل توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، والقدر والإيمان وغيرها. جـ - وردود شيخ الإسلام أظهرت ما في مذهب الأشاعرة من انحرافات شملت أغلب جوانب العقيدة. ومن ثم فكتبهم الكلامية – وإن كثرت وانتشرت – إلا أنها لا يجوز أن تكون مصدر لتدريس عقيدة أهل السنة والجماعة، كما لا يجوز أن تعتبر ممثلة لمذهب السلف، ولو ادعى ذلك المدعون. وفي الختام فهذا جهد المقل أقدمه، فما كان فيه من صواب فمن الله وهو المحمود على توفيقه، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

موقف الأئمة الأربعة وأعلام مذاهبهم من الرافضة وموقف الرافضة منهم

موقف الأئمة الأربعة وأعلام مذاهبهم من الرافضة وموقف الرافضة منهم ¤عبدالرزاق عبدالمجيد الأرو£بدون¥أضواء السلف – الرياض¨الأولى¢1427هـ€فرق وملل ونحل¶رافضة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: لقد يسر الله تعالى التوصل إلى بعض النتائج من خلال عملي هذا، ومنها: (1) أن الأئمة الأربعة أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد – رحمهم الله -، كلهم من أئمة أهل السنة. (2) أن التشيع غير الرفض، بل بينهما عموم وخصوص، فكل رافضي شيعي وليس العكس. (3) أن التشيع ذاته له درجات، كما أن للرفض أيضاً دركات. فأعلى درجات التشيع تقديم علي بن أبي طالب رضي الله عنه على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهذا وإن كان خلاف الصواب، إلا أن التأثيم للمجتهد فيه غير محفوظ عن السلف. أما الرفض فأدنى دركاته تقديم علي على الشيخين – رضي الله عنهم جميعا – ولا خير في الرفض أدناه. (4) غالبية من يسمون أنفسهم بالشيعة اليوم هم روافض، فتسميتهم شيعة كتسمية النصارى مسيحيين. وقد نبه إلى هذا منذ القرن العاشر العلامة ابن حجر الهيتمي الذي قال: "إن الفرقة المسماة الشيعة الآن إنما هم شيعة إبليس". (5) أن أهم ما يعرف به اختلاف دين الرافضة عن دين بقية المسلمين موقفهم السلبي من أهم مصادر هذا الدين؛ فالقول بتحريف القرآن الكريم هو مذهب جميع علماء الرافضة، والقلة منهم الذين روي عنهم نقيض ذلك، قد تبين عند التحقيق أنهم إنما نفوا التحريف من باب التقية. أما موقفهم من السنة فهو الرد والتناكر لأصح ما فيها، بحجة أنها قد رويت بأسانيد غير رافضية. (6) وبناء على ذلك، فإن أي محاولة للتقريب بينهم وبين أهل السنة عديم الفائدة والأثر. (7) قد نجد من أتباع الأئمة الأربعة من هو معتزلي، أو صوفي، أو مرجئ، أو نحو ذلك. إلا أننا لم نسمع قط برافضي حنفي أو مالكي أو شافعي أو حنبلي؛ مما يؤكد بعد الرفض عن طريقة أهل العلم، وكونه نقيضاً للإسلام. (8) أن الرافضة يحاولون تلبيس الحق بالباطل في أمر التقية، فالتقية الشرعية والتقية الرافضية تختلفان في حقيقتهما، وشروطهما، وظروف استخدامهما. (9) أن معتقدات الرافضة في بعض المسائل، خضعت لتغيرات وتقلبات عدة، ومن أمثلة ذلك أن قدماءهم – في باب الصفات- مغالون في التجسيم، وأما متأخروهم فمفرطون في التعطيل. وكذلك كان أوائلهم يثبتون القدر. ثم تحول المذهب عندهم في أواخر القرن الثالث، ليصبحوا من نفاة القدر على مذهب أهل الاعتزال. (10) من الملاحظ أن بعض عقائد الرافضة، إنما تبنوها لحل الإشكالات العقلية الناجمة عن بعض ما سبق أن أصلوه من أصول فاسدة. فعقيدة المهدية والغيبة مثلا جاءت على إثر إشكال لزمهم على قولهم بوجوب نصب الإمام على الله تعالى، وأنه لا يجوز خلو زمان من الإمام، ثم رأوا أن الاثني عشر الذين عينوهم للإمامة قد انقرضوا قبل ثلاثمائة سنة، والدنيا لم تنقرض، فالتجئوا إلى القول بأن الإمام الثاني عشر يطول عمره إلى آخر الدهر. والقول بالبداء، أحدثوه لتغطية ما قد يظهر من كذب علمائهم إذا تنبئوا بوقوع شيء فوقع الأمر على خلافه، فحينئذ يقال قد بدا لله في الأمر، وتعالى الله عن قول الظالمين. وأحدثوا عقيدة التقية للخروج من تناقض فتاوى علمائهم، فحملوا كل ما وافق عليه أهل السنة منها على التقية. (11) أن تاريخ الرافضة مليء بأخبار تحالفهم مع الكفار والمنافقين ضد أهل السنة. (12) أن نظرة الرافضة إلى السنة كنظرة المؤمن إلى الكافر، وعليه، فهم لا يرون الصلاة خلف السني، ولا الصلاة على جنازته، وإن فعلوا تقية فيدعون عليه بالعذاب سراً.

(13) أن كثيرا من الأحكام ذات الصلة بمعاملة الرافضة، كحكم مناكحتهم، وأكل ذبائحهم، واتباع جنائزهم، وموارثتهم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحكم على القوم. لذا أصبح من الضروري قبل الحديث عن حكم من تلكم الأحكام بالنسبة لمعين منهم التوصل إلى معرفة حاله من حيث الكفر وعدمه أولاً. (14) أن الرافضة لم يطعنوا في أحد بعد الصحابة رضي الله عنهم أكثر من طعنهم في الأئمة الأربعة ومذاهبهم. وأن جميع طعونهم في هؤلاء الأئمة وتجريحهم إياهم ومآخذهم عليهم لا تستند إلى أي حجة نقلية أو عقلية ثابتة. بل هم في ذلك كله إما كاذبون أو مخطئون. (15) تأكد لي من خلال هذا العمل: عدم الثقة بما يذكره الروافض في معارض الدفاع عن عقائدهم أو آرائهم الفقهية من إحالات إلى بعض كتب أهل السنة بزعم أن فيه ما يوافق مذهبهم هذا أو ذاك، ويذكرون الجزء والصفحة، بل وحتى الطبعة أحيانا!! فقد تبين لي عدم أمانتهم في النقل، وخيانتهم المتمثلة في التصرف في المنقول بتحريف أو زيادة أو نقصان، وغير ذلك. (16) أن أفضل منهج في مناقشة آراء الرافضة، سواء في الأصول أو في الفروع، التعامل المباشر مع مصادرهم المعتمدة، فبمجرد القراءة المتأنية في تلكم المصادر تفتح آفاقا واسعة للطعن في محتواها، وتكشف عن مآخذ عدة عليه. (17) ثم إن في ذلك دحض شبهة الرافضة المعاصرين، المتمثلة في دعواهم أن أهل السنة إنما يأخذون معلوماتهم عن الرافضة من مصادر وسيطة. كما يقول أحدهم:"نعم، القوم لا علم لهم من الشيعة بشيء، وهم يكتبون عنهم كل شيء". وقال أيضا: "ومنبع البلية أن القوم الذين يكتبون عن الشيعة يأخذون في الغالب مذهب الشيعة وأحوالهم عن ابن خلدون البربري، الذي يكتب وهو في أفريقيا وأقصى المغرب، عن الشيعة في العراق وأقصى المشرق". (18) يجب على المسلمين التنبيه إلى مكيدة رافضية جديدة وهي المتمثلة في الدعوة إلى الاعتراف بمذهبهم على أنه خامس المذاهب الإسلامية الأربعة. فالمذاهب الأربعة مذاهب فقه واجتهاد، لا مذاهب عقدية، فالإسلام عقيدة واحدة. (19) ليس للرافضة قول فارقوا به جميع أهل السنة إلا وتجده إما فاسدا أو مرجوحا. (20) أن الطعن في الرافضة وبيان بطلان مذهبهم في الأصول أو الفروع قديم، على عكس ما يتوهمه بعض الجهلة من كون شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه من بعده، هم من فتحوا هذا الباب. (21) ظهر لي بعد بحث طويل أن مذهب الرافضة في مسألة الجمع بين أكثر من أربع نسوة بنكاح، هو المنع والتحريم. فلعل ما يوجد في بعض الكتب من أنهم يقولون بالجواز يعد قولا شاذا في مذهب القوم، ولا يوجد في شيء من المعتمد في كتبهم. (22) أن تهمة تشيع الإمام الشافعي لا صحة لها، وكذلك ما قيل عن الإمام الطبري المفسر بسبب ما نسب إليه أنه يقول بمسح الرجلين في الوضوء. وحققت في الرسالة كون ذلك غير صحيح النسبة إليه. (23) في مسألة الجريدة والميت تبين عند التحقيق أن للرافضة فيها مذهبا خاصا لم يقل به غيرهم، ألا وهو دفن الميت مع جريدتين؛ إحداهما عن يمينه والأخرى عن يساره. وهذا غير وضع جريدة فوق القبر، الذي قال به بعض أهل السنة، وهو أيضا قول ضعيف. (24) أن أهل السنة أكثر اتباعا لأئمة أهل البيت وموالاة لهم من الرافضة الذين يغالون في شخصهم ويخالفون أمرهم، ويضعون روايات فينسبونها إليهم، زورا وبهتانا. وهؤلاء الأئمة منهم خليفة راشد رضي الله عنه، ومنهم أئمة العلم والدين، ومنهم من دون ذلك، فهم بريئون عن أكاذيب الرافضة. (25) أن للإمام أحمد رحمه الله كتابا خاصا في مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وهذا الكتاب متداول الآن بين الرافضة وبتحقيق عالم من علمائهم. الأمر الذي يفرض على طلبة لعلم والباحثين التنقيب عن هذا الكتاب في مراكز المخطوطات داخليا وخارجيا، ومن ثم إخراجه إخراجا يليق بالمؤلف والمؤلف فيه، فنحن – معشر أهل السنة – ِأولى بعلي رضي الله عنه وبأحمد منهم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

موقف الرافضة من القرآن الكريم

موقف الرافضة من القرآن الكريم ¤مامادو كار امبيري£بدون¥مكتبة ابن تيمية¨بدون¢بدون€فرق وملل ونحل¶رافضة أحمد الله تعالى على ما وفقني به من إتمام هذا البحث في الوقت المحدد له، أحمده سبحانه، وأثني عليه الخير كله، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد: فقد توصلت من خلال دراستي لمواقف الرافضة هذه من القرآن الكريم إلى نتائج عدة أجملها فيما يلي: 1 - أن القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم هدى ونوراً، وتكفل تعالى بحفظه وسلامته، هو في نظر الرافضة غير كامل، وغير سالم من التحريف، قد أسقطت منه أشياء كثيرة وضاعت، كما حرف بعضه عن وجهه - على حد زعمهم-. 2 - أن هذا القول –أي القول بوقوع التحريف في القرآن الكريم –هو قول جميع الرافضة من أولهم إلى آخرهم، كلهم على ذلك سواء من أظهره علناً وصرح به، أو من أخفاه وستره بثوب التقية، وادعى أنه ينكر القول بتحريف القرآن الكريم مع بقائه واستمراره على عقيدة الرفض وعقيدة الإمامة عندهم. 3 - أن القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى هادياً إلى الحق لم يعد في نظر الرافضة مصدراً للهداية، واستنباط الأحكام منه؛ لأنه غير موثوق به. 4 - أن القرآن الكريم هدف كل عدو حاقد على الإسلام وأهله، ويسعى للقضاء عليه، عن طريق التشكيك في ثبوت القرآن؛ لأنه مصدر الهدى والنور للمسلمين. 5 - عقيدة أهل السنة والجماعة قاطبة أن القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم هو هذا القرآن الذي بين أيدينا اليوم وهو ما بين دفتي المصحف، أوله سورة الفاتحة وأخره سورة الناس، وأنه هو كل ما أنزله الله تعالى من غير زيادة فيه ولا نقص منه، وهو محفوظ بحفظ الله تعالى وصيانته. وأن من أنكر حرفاً منه، أو زاد فيه حرفاً، أو اعتقد أنه غير سالم من أي تحريف فهو كافر خارج عن ملة الإسلام مباح دمه إلا أن يتوب ويرجع عن اعتقاده ذلك، بلا خلاف بين المسلمين، هذه هي أهم ما تضمنه هذا البحث من نتائج. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه، وأن يقيل عثراتي، ويجنبني الزلل فهو حسبي ونعم الوكيل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

موقف الشيعة الإمامية من باقي فرق المسلمين

موقف الشيعة الإمامية من باقي فرق المسلمين ¤عبدالملك بن عبدالرحمن الشافعي£بدون¥مكتبة الرضوان - البحيرة¨الأولى¢1426هـ€فرق وملل ونحل¶شيعة إمامية الخاتمة رأيت من المناسب في هذه الخاتمة أن أنقل بعض ما سطره أعلام أهل السنة حول جيل الصحابة الذي يعد جيلا مثاليا لم يشهد التاريخ له مثيل 1 - السيد أبو الحسن الندوي: فقد تكلم حول ذلك في كتابه (النبوة والأنبياء في ضوء القرآن) عدة فقرات حول جيل الصحابة نلتقط بعضها فقال: [وقد أحسن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تصوير البعثة المحمدية وفضلها وإنتاجها في كتابه (الجواب الصحيح) يقول رحمه الله: وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من آياته وأخلاقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته وأمته من آياته وعلم أمته ودينهم من آياته وكرامات صالحي أمته من آياته .. ولم يزل قائما بأمر الله على أكمل طريقة وأتمها من الصدق والعدل والوفاء لا يحفظ له كذبة واحدة ولا ظلم أحد ولا غدر بأحد بل كان أصدق الناس وأعدلهم وأوفاهم بالعهد مع اختلاف الأحوال عليه من حرب وسلم وأمن وخوف وغنى وفقر وقلة وكثرة وظهوره على العدو تارة وظهور العدو عليه تارة وهو على ذلك كله ملازم لأكمل الطرق وأتمها حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب التي كانت مملوءة من عبادة الأوثان ومن أخبار الكهان وطاعة المخلوق في الكفر بالخالق وسفك الدماء المحرمة وقطيعة الأرحام لا يعرفون آخرة ولا معادا فصاروا أعلم أهل الأرض وأدينهم وأعدلهم وأفضلهم حتى إن النصارى لما رأوهم من حين قدموا الشام قالوا ما كان الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلاء وهذه آثار علمهم وعملهم في الأرض وآثار غيرهم يعرف العقلاء الفرق بين الأمرين وأمته أكمل الأمم في كل فضيلة فإذا قيس علمهم بعلم سائر الأمم ظهر فضل علمهم وإن قيس دينهم وعبادتهم وطاعتهم لله بغيرهم ظهر أنهم أدين من غيرهم وإذا قيس شجاعتهم وجهادهم في سبيل الله وصبرهم على المكاره في ذات الله ظهر أنهم أعظم جهادا وأشجع قلوبا وإذا قيس سخاؤهم وبذلهم وسماحة أنفسهم لغيرهم تبين أنهم أسخى وأكرم من غيرهم وهذه الفضائل به نالوها ومنه تعلموها وهو الذي أمرهم بها لم يكونوا قبله متبعين لكتاب جاء هو بتكميله كما جاء المسيح بتكميل شريعة التوراة وكانت فضائل أتباع المسيح وعلومهم بعضها من التوراة وبعضها من الزبور وبعضها من النبواءات وبعضها من المسيح وبعضها ممن بعده كالحواريين ومن بعد الحواريين وقد استعانوا بكلام الفلاسفة وغيرهم حتى أدخلوا - لما غيروا دين المسيح - في دين المسيح أمورا من أمور الكفار المناقضة لدين المسيح وأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا قبله يقرأون كتابا بل عامتهم ما آمنوا بموسى وعيسى وداود والتوراة والإنجيل والزبور إلا من جهته فهو الذي أمرهم أن يؤمنوا بجميع الأنبياء ويقروا بجميع الكتب المنزلة من عند الله ونهاهم أن يفرقوا بين أحد من رسله فقال تعالى في الكتاب الذي جاء به {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون}

وقال الندوي [إن كل فرد من هؤلاء الأفراد معجزة مستقلة وآية من آيات النبوة ومأثرة من مآثرها الخالدة وبرهان ساطع على أشرفية النوع الإنساني إن مصورا لم يصور بريشته البارعة ومخيلته السخية صورة أجمل وأبدع مما كان عليه هؤلاء الأفراد في عالم الحقيقة والواقع وفي شهادة التاريخ وإن شاعرا لم يتخيل بخياله الخصب وقريحته الفياضة ومقدرته الشعرية أو صافا أجمل وسيرة أعطر وجمالا أكمل مما وجد في هؤلاء الأفراد الذين نشأوا في حجرة النبوة وحضانتها وتخرجوا من مدرستها إن إيمانهم الراسخ وعلمهم العميق وقلبهم البار وحياتهم البعيدة عن كل تكلف وصناعة وعن كل رياء ونفاق وتجردهم من الأنانية وخشيتهم لله وعفتهم ونزاهتهم وعطفهم على الإنسان ورقة مشاعرهم وشجاعتهم وجلادتهم وحرصهم على العبادة وحنينهم إلى الشهادة وفروسيتهم وفتوتهم وإحياؤهم الليل وزهدهم في حطام الدنيا وزخارف الحياة وعدلهم وسهرهم على مصالح الرعية وإيثار راحتها على راحتهم كل ذلك لا يوجد له نظير في الأمم ولا سوالف في التاريخ وبالجملة فقد كان هذا الجيل الذي أنشأته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحكمت تربيته من أفضل الأجيال البشرية في تاريخ الإنسان كله وأجملها وأكملها وأجمعها للمحاسن الإنسانية وقد وصفه أحد أفراده عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ببلاغة نادرة وكلمات موجزة عميقة دقيقة زاخرة بالمعاني الكبيرة البعيدة المدى فقال (أبر الناس قلوبا وأعمقهم علما وأقلهم تكلفا اختارهم الله لصحبة نبيه وإعزاز دينه) 2 - العلامة ابن الوزير اليماني: حيث أثبت عدالة الصحابة بدليل عقلي هو غاية في الجودة والمتانة حيث أخذ شريحة من الصحابة ليست من كبارهم بل من عامتهم ممن فرطوا وضعف إيمانهم فوقعوا في الزنا والسرقة فهؤلاء الذين يعدون أدنى الصحابة إيمانا لنرى ماذا فعلوا بعد وقوعهم في المعاصي فقال في كتابه (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم) ص 55 – 57:

[وأما النظر فلأن العدل من ظهر عليه من القرائن ما يدل على الديانة والأمانة دلالة ظنية إذ لا طريق إلى العلم بالبواطن وهذا ظاهر في الصحابة فإنهم كما قال المنصور بالله لولا ثقل موازينهم في الشرف والدين ما اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومالوا عن ألف دين الآباء والأتراب والقرباء إلى أمر شاق على القلوب ثقيل على النفوس لا سيما وهم في ذلك الزمان أهل الأنفة العظيمة والحمية الكبيرة يرون أن يقتل جميعهم وتستأصل شأفتهم حذرا من أمر عار يلم بساحتهم أو ينسب إلى قرابتهم ولا أعظم عارا عليهم من الاعتراف بضلال الآباء وكفرهم وتفضيل الأنعام السائمة عليهم فلولا صدقهم في الإسلام ومعرفتهم لصدق الرسول عليه السلام ما لانت عرائكهم لذلك ولا سلكوا في مذللات المسالك ومما يدل على صحة ذلك ويوضحه أن أكثرهم تساهلا في أمر الدين من يتجاسر على الإقدام على الكبائر لاسيما معصية الزنا وقد علمنا أن جماعة من أهل الإسلام في ذلك العصر من رجال ونساء وقعوا في ذلك فهم فيما يظهر لنا أكثر أهل الإسلام تساهلا في الوقوع في المعاصي وذلك دليل خفة الأمانة ونقصان الديانة لكنا نظرنا في حالهم فوجدناهم فعلوا ما لا يفعله من المتأخرين إلا أهل الورع الشحيح والخوف العظيم ومن يضرب بصلاحه المثل ويتقرب بحبه إلى الله عز وجل وذلك أنهم بذلوا أرواحهم في مرضاة رب العالمين وليس يفعل هذا إلا من يحق له منصب الإمامة في أهل التقوى واليقين وذلك كثير في أخبارهم مشهور الوقوع في زمانهم من ذلك حديث المرأة التي زنت فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرة بذنبها سائلة للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الحد عليها فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يستثبت في ذلك فقالت يا رسول الله إني حبلى به فأمر بها أن تمهل حتى تضع فلما وضعت جاءت بالمولود وقالت يا رسول الله هو هذا قد ولدته فقال أرضعيه حتى يتم رضاعه فأرضعته حتى أتمت مدة الرضاع ثم جاءت به في يده كسرة من خبز فقالت يا رسول الله هو هذا يأكل الخبز فأمر بها فرجمت (رواه الحافظ ابن كثير في إرشاده) فانظر إلى عزم هذه الصحابية رضي الله عنها على أصعب قتلة على النفوس وأوجع ميتة للقلوب وبقاء عزمها على ذلك هذه المدة الطويلة ومطالبتها في ذلك غير مكرهة ولا متوانية وهذا أيضا وهي من النساء الموصوفات بنقصان العقول والأديان فكيف برجالهم رضي الله عنهم من ذلك حديث الرجل الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه سرق فأمر بقطع يده فلما قطعت قال الحمد لله الذي خلصني منك أردت أن تدخليني النار أو كما قال وحديث المجامع في رمضان وحديث ماعز بطوله وحديث الذي قال إني أتيت امرأة فلم أترك شيئا مما يفعله الرجال بالنساء إلا أتيته إلا أني لم أجامعها وغير ذلك مما لا يحضرني الآن الإشارة إليه فأخبرني على الإنصاف من في زماننا وقبل زماننا من أهل الديانة وقد سار إلى الموت نشيطا وأتي إلى ولاة الأمر مقرا بذنبه مشتاقا إلى لقاء ربه باذلا في رضا الله لروحه ممكنا للولاة أو القضاة من الحكم بقتله وهذه الأشياء تنبه الغافل وتقوي بصيرة العاقل وإلا ففي قوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس} كفاية وغنية مع ما عضدها من شهادة المصطفى عليه السلام بأنهم خير القرون وبأن غيرهم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد ولا نصيفه إلى أمثال ذلك من مناقبهم الشريفة ومراتبهم المنيفة] انتهى كلامه. ونحن نقول إذا كان هذا فعل من ضعف إيمانه من عامة الصحابة فوقع في المعاصي بأن سار إلى الموت نشيطا مقبلا طاعة لله تعالى وهو ما لم يفعله أتقى أهل زماننا فكيف بإيمان من لم يكن من عامتهم بل من كبارهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار فكيف بإيمان أفضل الصحابة وهم الخلفاء فهل يبقى بعد ذلك عذر لأحد أن يتنكر لفضلهم فيسبهم ويلعنهم ممن استدرجه الشيطان بشراكه فاتبع هواه بغير هدى من الله تعالى {أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا}. وختاما أسأل الله تعالى أن يتقبل مني هذا العمل الذي أردت الذود به أولا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بذلوا أرواحهم كي يوصلوا إلينا هذا الدين فجزاهم الله عنا كل خير وثانيا عن مذهب الحق مذهب الكتاب والسنة وأهله أهل السنة والجماعة وأسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتي إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

نقض عقائد الأشاعرة والماتريدية

نقض عقائد الأشاعرة والماتريدية ¤خالد بن علي الغامدي£بدون¥دار أطلس الخضراء – السعودية¨الأولى¢1430هـ€فرق وملل ونحل¶ردود ومناظرات الخاتمة: وفي الختام .. نسوق أقوال ومخالفات الأشاعرة والماتريدية في أبواب العقيدة على وجه الاختصار؛ بقصد التذكير والإحاطة بما عليه القوم، مع العلم بأن الأشاعرة والماتريدية فرقة واحدة ليس بينهما اختلاف إلا في مسائل يسيرة؛ أهمها القدر، وقد ذكرناها في باب التعريف بالفرقتين، فخذ هذه المخالفات، وهي بعد الحصر مائة وأربع وأربعون مخالفة تقريباً، وقد فصلنا بيانها في مواطنها، والله الموفق. أولاً: مخالفتهم في التوحيد: 1) لا يقولون أن الشهادتين هي أول واجب على المكلف، وإنما النظر والاستدلال على وجود الله تعالى. 2) أنهم يخرجون توحيد العبادة والألوهية من أنواع التوحيد. 3) أن الشرك عندهم: في الربوبية، واعتقاد وجود خالق مع الله ينفع ويضر، وليس في مجرد عبادة غير الله. 4) أن عبادة غير الله لا تعتبر شركاً؛ إلا مع اعتقاد النفع والضر في المعبود. 5) أن معنى الألوهية عند الأشاعرة والماتريدية: القدرة على الاختراع والخلق؛ وليس معناه العبودية! 6) وقوع كثير منهم في شرك الألوهية؛ بل وحتى الربوبية، وتسويغ الشبهات لذلك. 7) زعمهم أن إنكار بعض الصفات الثابتة لله تعالى من التوحيد، وأن إثباتها من الشرك. 8) ومن أخطائهم في توحيد الربوبية. • إنكار الأسباب. • إنكار علو الله المستلزم إنكار وجوده. • مخالفته في تعلق أفعال الربوبية بفاعلها، وهو الرب سبحانه المتصف بها. • وقوع بعضهم في شرك في الربوبية. • قول بعضهم بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود. 9) زعمهم أن معرفة وجود الله يحتاج إلى الاستدلال والنظر، ثم ضلالهم في عدم الاستدلال الصحيح على وجود الله وربوبيته، كما أن الأدلة التي أتوا بها مستلزمة لإنكار الصفات. 10) إنكارهم أن تكون معرفة الله تعالى فطرية. ثانياً: مخالفتهم في الأسماء والصفات: 1) أنهم لا يثبتون إلا سبع صفات؛ هي: السمع والبصر، والحياة والعلم، والقدرة والإرادة والكلام، وعشرون عند التفصيل لا يثبتون غيرها. 2) أن الصفات عندهم لا تثبت بأحاديث الآحاد. 3) يعتمدون على العقل في الإثبات، ويقدمونه على أدلة السمع والشرع. 4) يزعمون وجود تعارض بين العقل والنقل. 5) يقولون أن ظواهر النصوص غير مرادة، ويزعمون وجوب تأويلها. 6) تفويضهم لمعاني الصفات، وادعاؤهم أن معانيها مجهولة. 7) وقوعهم في تحريف معاني الصفات باسم التأويل. 8) قولهم بالمجاز في الصفات. 9) يقولون أن آيات الصفات من قبيل المتشابه. 10) أن إثبات الصفات يستلزم عندهم التجسيم والتركيب، وحلول الحوادث بالرب - على حد زعمهم -! 11) وقوعهم في الإلحاد في أسماء الله عز وجل. 12) تسمية الله عز وجل بما لم يرد. 13) قول بعضهم: إن أسماء الله تعالى مخلوقة! 15) قول بعضهم: إن أسماء الله تعالى أعلام محضة لا تدل على صفات! 16) قول بعضهم: إن أسماء الله تعالى وأسماء خلقه من قبيل المشترك! 17) تعطيلهم لكثير من أسماء الله. 18) أن الاسم غير مشتق من السمة والعلامة؛ وإنما من السمو والغلو. 19) أن أسماء الله غير مشتملة على صفات مستقلة؛ وإنما مندرجة تحت التكوين. 20) أن التسمية غير الاسم، وهي مخلوقة. 21) أن أسماء الله ليست أسماء حقيقية. 22) أن الاسم عندهم هو المسمى. 23) أنهم ابتدعوا أنواعاً للصفات، وهي المعنوية والمعاني والنفسية والسلبية. 24) أنهم ينكرون الصفات الخبرية؛ كصفة اليد والساق. 25) أنهم ينكرون الصفات الفعلية؛ كالنزول والمجيء والفرح والبغض.

26) أنهم لا يجعلون صفات الربوبية والأفعال قائمة بالله؛ وإنما مخلوقة، وعند الماتريدية أنها قديمة لا تجدَّد ولا تحدَّث. 27) أنهم ينكرون كلام الله عز وجل؛ خلافاً للمتقدمين منهم. 28) أنهم ينكرون الاستواء، ويَحرِفونه إلى الاستيلاء. 29) أنهم ينكرون صفة الاستهزاء والمكر. 30) أنهم يقولون كلام الله بلا صوت ولا حرف، ولا يحدث ولا يسمع؛ بل هو معنوي نفسي، وأنه معنى واحد. 31) أن سمع الله وبصره قديمان لا يحدثان، وعند بعضهم يرجعان لصفة العلم. 32) أنهم أحدثوا تعلقاً تنجيزياً وصلوحياً للإرادة والقدرة. 33) أنهم يخالفون في متعلقات الصفات، فيقولون: أن التعلق عدمي، وأن متعلق السمع والبصر واحد، وأن متعلق القدرة الموجود والممكن؛ دون المستحيل والمعدوم. 34) قولهم بالأحوال؛ وأنها درجة بين العدم والوجود. 35) اعتمادهم على النفي المفصل والإثبات المجمل؛ خلافاً لأهل السنة وطريقة القرآن. 36) ابتداعهم صفات لله لم تثبت له. 37) تناقضهم في الصفات؛ بإثبات بعضها وإنكار الآخر، والجامع واحد. 38) مخالفتهم في التفريق بين الصفة والوصف، واشتقاق الفعل من الصفة. 39) اعتقادهم أن الله اكتسب الكمال من صفاته، وأنه تعالى محتاج إليها. 40) أن التنزيه لله عندهم في عدم إثبات بعض الصفات. 41) أن الصفات لله من قبيل تقابل العدم والملكة. 42) قولهم بالترادف في الصفات. 43) قولهم: إن الصفة هي الموصوف وعينه، وعند بعضهم ليست الموصوف ولا غيره، ولا يفصلون. 44) مخالفتهم في مسألة تسلسل آثار الصفات وأفعال الرب. 45) أن الأشاعرة دون الماتريدية؛ يقولون أن الخلق هو المخلوق. 46) ابتداعهم عبارات مجملة؛ مثل: الحد والجسم والجهة. 47) عدم تفريقهم بين التشابه والتمثيل. 48) وقوعهم في تمثيل الخالق بالمخلوق، والعكس؛ ووجه ذلك أنهم شبهوه بالجماد والمعدوم في إنكارهم صفاته، وشبهوا المخلوقين به عند من جعلهم وسائط يدعونهم ويشفعون لهم. 49) أنهم يستدلون على إنكار بعض الصفات بأدلة هي: 1 - دليل الأعراض وحلولها في الأجسام. 2 - التركيب. 3 - الاختصاص. ثالثاً: مخالفاتهم في الإيمان: 1) أن الأشاعرة والماتريدية مرجئة في الإيمان؛ بل ومن الغلاة على مذهب الجهمية، وليسوا من مرجئة الفقهاء، وأنه لا فرق بينهم وبين الجهم في قوله: الإيمان هو المعرفة. 2) أنهم يقولون أن الإيمان مجرد التصديق، وهو قول القلب، ويخرجون أعمال القلب من محبة وإقرار وانقياد وخضوع، ويخرجون قول اللسان وعمل الجوارح. 3) أنهم ينكرون التركيب في الإيمان؛ وهذا سبب ضلالهم، ويقولون أنه شيء واحد وليس بمركب، وهذه شبهتهم وشبهة جميع الفرق الضالة في الإيمان، وأصل ضلال الوعدية والوعيدية. 4) أن الكفر والتكفير عندهم في الاعتقاد؛ وليس هناك تكفير بالعمل. 5) يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص. 6) أنهم لا يستثنون في الإيمان. 7) مخالفاتهم في علاقة الإسلام بالإيمان، وأن الإسلام عندهم أفضل من الإيمان. 8) قولهم إن الإيمان ليس مركباً من شعب وأعمال؛ بل شيء واحد. 9) أنهم ينكرون العلاقة التلازمية بين الباطن والظاهر. 10) أنهم يجعلون كل كفر سببه التكذيب، وأن ما سوى المكذب إذا كان مصدقا بالله ورسوله - ولو كان يبغضهما - فهو مؤمن، ومن أهل الجنة. 11) أن مرتكب الكبيرة كامل الإيمان. 12) لا يصح إيمان مقلد عندهم. 13) قولهم بالموافاة. 14) تكفيرهم لكل من يخالفهم. 15) أن الإيمان غير مخلوق عند كثير منهم. رابعاً: مخالفتهم في القدر: 1) أن الأشاعرة على مذهب الجبرية، ويأخذون بأصول مذهب الجهم بن صفوان. 2) أن الماتريدية في القدر على مذهب أهل السنة في الجملة. 3) أنهم يقولون بالكسب؛ وهو وقوع الأمر عند الفعل لا به.

4) أنهم يقولون أن للعبد قدرة وإرادة غير مؤثرة ولا حقيقة لها. 5) أنهم ينكرون الإرادة الشرعية، ولا يثبتون إلا الإرادة الكونية القدرية. 6) أن الإرادة عندهم مستلزمة للمحبة والرضا. 7) أن استطاعة العبد عندهم لا تكون إلا مع الفعل، ولا تصلح للضدين، وهي من الله وحده، وينكرون الاستطاعة الشرعية دون الاستطاعة القدرية. 8) ينكرون الحكمة والتعليل في أفعال الله عز وجل. 9) أن التوفيق والهداية خلق الطاعة في العبد، وينكرون أن يكون للعبد اهتداء أو سبب في تحصيل الهداية. 10) ينكرون الأسباب ويكفرون من يثبتها. 11) ينكرون تحسين العقل وتقبيحه وحكمه، والماتريدية في المسألة على مذهب المعتزلة. 12) يجيزون تكليف ما لا يطاق. 13) أن الظلم عندهم: التصرف في ملك الغير، وليس معاقبة المطيع بلا ذنب مثلا، وليس له وجود أصلا عندهم، وعلى مذهبهم هذا: ليس للظلم وجود أصلاً! 14) ينكر بعضهم أن يقدر الله الشر. خامساً: مخالفاتهم في باب النبوات: 1) أن النبوة صفة إضافية وليست صفة ثبوتية. 2) أن النبوة والرسالة لا تعودان للحكمة؛ وإنما لمحض المشيئة. 3) أن النبوة جائزة، ولا يعرف العقل حسنها وضروريتها، وعند الماتريدية هي واجبة. 4) عند بعضهم: الأنبياء معصومون من الصغائر؛ بل وحتى السهو، وبعضهم على الضد؛ حيث يجوزون وقوع الكبائر والكفر منهم! 5) أن النبوة تزول عن الأنبياء بعد موتهم، وهذا عند ابن فورك. 6) أن الأنبياء أحياء في قبورهم مثل الحياة الدنيا. 7) الغلو في الأنبياء، وإعطاؤهم بعض صفات الإلهية؛ كالاستغاثة بهم من دون الله، وأنهم خلقوا من نور. 8) أن النبوة تحتاج لإثبات واستدلال. 9) أن النبوة لا تثبت إلا بطريق المعجزة. 10) أن دلالة المعجزة على النبوة من طريق القدرة وعدم تعجيز الرب، ولا يثبتون طريق الحكمة والرحمة والعلم الضروري. 11) تسميَتُهم لها معجزة، وهو اسم لم يرد، والوارد تسميتها آيات وبراهين، ولا مشاحة في الاصطلاح. 12) أن دلالة المعجزة وضعية وليست عقلية. 13) أن حقيقة المعجزة في دعوى النبوة والتحدي وعدم المعارضة؛ وليست هي معجزة في ذاتها. 14) لا تكون المعجزة إلا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. 15) اشتراطهم شروطاً باطلة في المعجزة، ذكرناها في بابها. 16) لم يفرقوا بين المعجزة والكرامة والسحر. 17) ضبطهم المعجزة بخرق العادة، ولم يضبطوا معنى الخارق. 18) زعموا أن الكرامة لا تحصل إلا لولي كامل الإيمان، وأخرجوا المعونة من الكرامة. 19) الكرامات ليست من جنس آيات الأنبياء؛ لأنها ليست مقرونة بدعوى النبوة. 20) الكرامات ليست من معجزات الأنبياء، ولا تدل على صدقهم. 21) لا يفرقون بين الكرامة والمعجزة في ذاتها؛ وإنما بأمور خارجة عنها كالدعوى والتحدي. 22) زعمهم أن السحر والمعجزة من جنس واحد. 23) أن السحر يمكن أن يقلب العصا حية، ويغير الحقائق. 24) لا يفرقون بين السحر والكرامة. 25) لم يفرقوا بين الرسول والنبي بفرق صحيح. 26) جوَّز بعضهم إرسال النساء والجن. 27) عند غلاة متصوِّفتهم: الأولياء خير من الأنبياء. 28) عند غلاة متصوِّفتهم: النبوة فيض واكتساب، ويحصل للأولياء علم يشابه النبوة. 29) يخطئ بعضهم في مسألة تفاضل الأنبياء. 30) زعموا أن القرآن إعجازه من جهة صرف الناس عنه؛ لا أنه في ذاته معجز. 31) جوزوا عقلاً نسخ كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حتى التوحيد! 32) جوزوا كذلك إرسال الساحر والكافر، وأن يأمر النبي بالكفر والشرك. 33) أخرجوا أشراط الساعة من آيات الأنبياء. 34) أخرجوا من المعجزة ما يحصل قبل ولادة النبي وبعد موته. 35) وقوعهم في تناقضات كثيرة ذُكرت في بابها. سادساً: مخالفتهم في أبواب العقيدة الأخرى:

أولاً: القرآن والكتب: 1) أن القرآن والكتب قديمة. 2) أن معناها من الله عز وجل، ولفظها من جبريل عليه السلام، وقولهم بالحكاية والعبارة. 3) أن إعجاز القرآن في الصرف عنه وليس في ذاته الإعجاز. ثانياً: في الملائكة: لهم مخالفات فرعية ترجع لمخالفاتهم في الصفات وغيرها، ومنها: 1) أن جبريل عليه السلام أخذ القرآن من اللوح، ولم يسمعه من الله. 2) أن الذي ينزل ويجيء هو الملك؛ وليس الرب عز وجل. 3) أن الذي ينادي بصوت هو الملك؛ وليس الرب عز وجل. 4) عند بعضهم: أن الملائكة روحانيات ليس لها أجساد، وهذا عند العقلانية منهم. 5) عند الصوفية منهم: أن الملائكة تنزل على الأولياء. ثالثاً: في اليوم الآخر: 1) أن الإيمان باليوم الآخر من السمعيات، ولا يعرف بالعقل. 2) مخالفتهم في حقيقة الموت؛ إذ هو عندهم صفة عرضية لا ثبوتية. 3) يخالفون في حقيقة الروح. 4) ينكرون نزول الله تعالى يوم القيامة وأنه يضع قدمه في النار، وينكرون نداء الله وصوته. 5) ينكرون الخوارق التي تحصل على يد الدجال. رابعاً: رؤية الله عز وجل: 1) أن الله يرى في غير جهة. 2) أن الرؤية عند كثير منهم بمعنى العلم؛ وليس بالعين الباصرة. 3) إنكار التنعم برؤية الله عز وجل. 4) أن الأولياء يرون الله في الدنيا، وهذا عند الصوفية منهم. خامساً: مخالفات في الصحابة والإمامة، ومسائل الجهاد والسيف، والولاء والبراء، وتقدَّم بيانها. إلى هنا ينتهي ما أردنا بيانه وكشفه عن مذهب القوم، ولم أترك شيئاً عندهم ولا مخالفة ذكروها في كتبهم - أو ذُكرت عنهم - إلا أوردتها وبينتها، ووجه ضلالهم فيها، وكيفية نقضها، بفضل الله وحده.

فقه

فقه

أثر التحول المصرفي في العقود الربوية

أثر التحول المصرفي في العقود الربوية ¤عمار أحمد عبدالله£بدون¥دار كنوز أشبيليا – الرياض¨الأولى¢1430هـ€فقه¶ربا وبنوك ربوية الخاتمة: توصل الباحث إلى النتائج التالية: 1 - إن السمة الأساسية التي تميز المصرف الإسلامي عن غيره من المصارف هي التزامه بتعاليم الشريعة الإسلامية، وجعلها المصدر الأساس الذي تنطلق منه وتحتكم إليه، وتعتبر استبعاد الفائدة، وجمع المدخرات واستثمارها طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية من أجلى مظاهر هذا الالتزام. 2 - إن تحقيق التنمية الاقتصادية العامة للمجتمع، ومن ثم ربطها بالتنمية الاجتماعية خصيصة أخرى من خصائص المصرف الإسلامي، الذي يرى ضرورة أن يكون هناك تنمية اجتماعية تساير التنمية الاقتصادية وترتبط بها، من أجل أن يكون هناك تنمية اقتصادية حقيقية. 3 - إن التحول الذي نعنيه في مجال المصارف هو التحول الشامل، الذي يشمل التحول في الصيغ والأساليب المعتمدة في مختلف أنشطة المصرف، وفي مختلف أنواع العقود .. التحول في الأساليب المحاسبية .. التحول في الجانب الإداري والتنظيمي. 4 - إن تحول المصرف الربوي إلى مصرف إسلامي يتطلب أمرين أساسين، الأول: التدرج في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وتنفيذها، والثاني: توفير البديل الحلال لكل ما هو محرم من أنشطة المصرف وفي كافة المجالات. 5 - إن الودائع التي يعتمد عليها المصرف في مجال استقطاب الأموال هي حقيقتها عقود إقراض مقدمة من جانب العملاء للمصرف، وبالتالي فإن التزام المصرف بردها إلى مالكيها مع زيادة مشروطة هو من قبيل الربا المحرم. 6 - إن القروض الاستهلاكية والإنتاجية وتسهيلات الجاري المدين والاعتماد البسيط والسندات الحكومية هي عقود إقراض يقدمها المصرف لعملائه، وبالتالي فإن الزيادة المشروطة على هذه القروض هي من قبيل الربا المحرم. 7 - إن الخدمات المصرفية كحسم الأوراق التجارية والاعتمادات المستندية وخطابات الضمان هي عقود إقراض، أو يمكن أن تؤول للإقراض، يقدمها المصرف لعملائه، وعليه فإن الزيادة المشروطة على هذه القروض هي ربا محرم. 8 - تلجأ المصارف التجارية إلى الاقتراض من المصرف المركزي بصفته المقرض الأخير، كما في حالات الكساد العام الذي يصيب القطاعات العاملة في مجال السوق النقدية، وذلك إما بشكل مباشر أو غير مباشر، بفائدة معلومة تعرف باسم سعر الفائدة أو سعر الخصم. 9 - إن اقتراض المصرف المركزي من المصارف التجارية هو اقتراض غير مباشر يتمثل في الاحتياطي النقدي الذي يفرضه على المصارف التجارية، وبيع الأوراق الحكومية لصالح الحكومة. 10 - تقوم المصارف التجارية بالاقتراض من بعضها عندما يمتنع المصرف المركزي عن إقراضها، ومن صور هذا الإقراض أيضاً: الحسابات الدائنة التي تحتفظ بها المصارف لدى بعضها، وحسم الأوراق التجارية، والاعتمادات المستندية والحوالات المصرفية، والعلاقة التي تربطها ببعضها في مثل هذه الحالات هي علاقة دائن بمدين مرتبط بعنصر الفائدة، أو قد يؤدي إلى الفائدة. 11 - إذا علم المصرف أرباب الأموال التي أخذها منهم بطريق عقود الإقراض الربوية وجب عليه ردها إليهم إن كانوا موجودين، وانتظارهم إن كانوا غائبين حتى يحصل له اليأس من رجوعهم، ودفعها إلى ورثة من مات منهم. 12 - إذا جهل المصرف أرباب الأموال وجب عليه التصدق بأموالهم نيابة عنهم على الفقراء والمساكن، ويرى الشافعية صرفها في مصالح المسلمين العامة، فإن تعذر ذلك صرفها إلى الفقراء والمساكين، ويتولى جميع ذلك الإمام أو القاضي، وإلا تولى ذلك من كانت بيده هذه الأموال.

13 - إن الحكم الشرعي للفوائد المصرفية التي وزعت على أصحاب الأسهم والودائع الرد على أصحابها، ويعتبر المصرف ضامناً لها إلى جانب من وزعت عليهم. 14 - إن الحكم الشرعي للفوائد التي لم يتم تسلمها بعد أن تفسخ عقودها، ولا يسترد المصرف إلا رأس ماله فقط، وما زاد عليه فلا يحل له أخذه. 15 - إن الواجب على المصرف بالنسبة لعقود الاقتراض الربوية المنتهية هو الاستغفار، والعزم على عدم العود إليها مستقبلاً، وأما العقود القائمة فيجب على المصرف إيقافها وإلغاؤها، ورد رأس المال فقط إذا تمكن من ذلك، وإلا كان حكمه حكم المضطر المكره على مخالفة أحكام الشرع الإسلامي. 16 - إن ربح المال المقترض بالربا يملكه المقترض كما يراه الحنفية، وبحسب قواعد الجمهور فإن الواجب على المقترض التصدق بهذا الربح، لأنه نشأ عن التصرف في العقد الباطل. 17 - يرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن من اكتسب مالاً حراماً إما بتأويل أو جهل أو مع العلم بالتحريم، فإنه لا يجب عليه التخلص منه بعد التوبة قياساً على الكافر إذا أسلم، بل المسلم في ذلك أولى وأجدر. 18 - إن حسابات التوفير والادخار وحسابات الاستثمار هما أحد المصادر الخارجية التي يعتمد عليها المصرف الإسلامي في الحصول على الأموال، ويقوم باستثمارها من خلال صيغ التمويل المشروعة. 19 - يقوم المصرف الإسلامي باستثمار أمواله من خلال صيغ التمويل المشروعة، كالمرابحة والبيع المؤجل والسلم والاستصناع والمشاركات والإجارة العادية والمنتهية بالتمليك، وهذه بعض البدائل المشروعة في مجال الاستثمار، والتي يقدمها المصرف الإسلامي بديلاً عن عقود الإقراض الربوية التي يطبقها المصرف الربوي، وقد تم ذكرها بتفصيل واف في ثنايا هذا البحث. 20 - إن أقرب الأقوال في تكييف الاعتماد المستندي أنه عقد جديد مستحدث مركب من عدة عقود جائزة، وأنه لا مانع من اجتماع هذه العقود في عقد واحد. 21 - يجوز للمصرف الإسلامي أن يتقاضى أجراً على عملية الاعتماد المستندي في مقابل الجهد الذي يبذله، والمصاريف التي يتحملها في سبيل إتمام هذا العمل، وهذه الأجرة هي عبارة عن أجرة وكالة بالنسبة للمصرف فاتح الاعتماد، ولا يجوز للمصرف أخذ العمولة على الجزء غير المغطى من قيمة الاعتماد، لأنه يؤول إلى قرض جر نفعاً، وهو ربا، وذلك أن الجزء المتبقي من قيمة الاعتماد والذي قام المصرف بدفعه يعتبر قرضاً من جانب المصرف للمشتري، واشتراط الزيادة على القرض لا تجوز بغير خلاف. 22 - تعاملت المصارف الإسلامية مع الاعتمادات المستندية من خلال صيغ التمويل الشرعية، كالمرابحة والشركة والمضاربة، وذلك بحسب حجم التمويل المقدم من قبل العميل أو المصرف. 23 - لا خلاف بين العلماء المعاصرين حول مشروعية إصدار المصرف لخطاب الضمان، طالما أنه لا يخرج عن المعنى الشرعي للضمان في الفقه الإسلامي، وإن أولى الأقوال بالصواب في تكييف خطاب الضمان أنه عقد كفالة ووكالة معاً، وذلك بالنظر إلى حجم الغطاء، فإن كان بدون غطاء من العميل، فهو كفالة من قبل المصرف، وإن كان بغطاء كامل من العميل فهو وكالة من العميل للمصرف بالدفع حين اللزوم، وإن كانت التغطية جزئية من قبل العميل، فيعتبر المصرف كفيلاً للعميل في الجزء غير المغطى، ووكيلا عنه في الجزء المغطى، وبناء عليه يصح أخذ الأجرة على الوكالة دون الكفالة، على أنه إن كان خطاب الضمان ممولاً كليّاً من قبل المصرف، فإنه يحق له أن يأخذ أجراً على ذلك، لكن ليس في مقابل الضمان، وإنما مقابل الأعمال التي يقوم بها لإصدار خطاب الضمان، وهي أعمال يستحق الأجر عليها.

24 - إن تعايش المصرف الإسلامي مع المصرف المركزي والمصارف الأخرى ضرورة حتمية وحاجة متبادلة، لا يمكن أن يستغني عنها طرف من هذه الأطراف، ولذا يجب على المصرف المركزي تفهم طبيعة المصارف الإسلامية، وعدم مساواتها مع المصارف التجارية الأخرى في علاقته معها من خلال وظيفتي الرقابة والتمويل، وإن الضوابط التي تجعل تعامل المصرف الإسلامي مع المصرف المركزي مشروعاً ومناسباً لطبيعة أعماله المصرفية هي خلو هذا التعامل عن الفائدة أخذاً وإعطاءً، ويمكن لتفادي الفائدة على القروض المقدمة من جانب المصرف المركزي أن يتم التعامل بينهما على أساس أحد العقود الشرعية؛ كالمشاركة والمضاربة، بحيث يعامل المصرف المركزي معاملة أصحاب الودائع الاستثمارية في الحصول على نسبة من الأرباح إن تحققت، أو أن يتم التعامل بينهما على أساس المثل، أو أن يقدم المصرف المركزي السيولة اللازمة للمصارف الإسلامية من مجموع الاحتياطيات النقدية للمصارف الإسلامية الأخرى، وفي حدود هذه الاحتياطيات المتوافرة لدى المصرف المركزي وبدون فوائد. هذا من الناحية التمويلية. أما من الناحية الرقابية فيجب أن تكون نسبة الاحتياطي القانوني التي يفرضها المصرف المركزي في أقل معدل لها، بسبب ندرة الحاجة إليها من قبل المصرف الإسلامي، وأن يراعي في تحديد نسبة السيولة القانونية ومكوناتها طبيعة نشاط المصارف الإسلامية، ويلاحظ الفرق في مكونات السيولة بين المصارف الإسلامية والتجارية، وأن يتم تطبيق السقوف الائتمانية على الديون دون غيرها من أنشطة المصارف الإسلامية، وأن يسمح لها بتملك الأصول الثابتة والمنقولة باعتبار ذلك جزءاً هاماً من أنشطتها المصرفية. 25 - يجب أن يتم التعامل بين المصارف الإسلامية والمصارف التجارية وفقا للضوابط الشرعية، وهي أن يتفق الطرفان على إلغاء الفائدة عن جميع المعاملات المتبادلة بينهما، أو أن يكون التعامل بينهما مبنياً على أحد العقود الشرعية، كالمضاربة والمشاركة، أو أن يعامل المصرف التجاري المصرف الإسلامي بالطريقة نفسها التي يعامله بها المصرف الإسلامي، وهو ما يسمى بالتعامل بالمثل.

أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي

أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي ¤هشام بن عبدالملك بن عبدالله بن محمد آل الشيخ£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1427هـ€فقه¶اختلاف فقهاء - أصول فقه الخاتمة بعد الانتهاء من هذا البحث ظهرت لي عدة نتائج وتوصيات ألخصها فيما يلي: 1 - أن التقنية في معناها الاصطلاحي هي: كل الطرق التي يستخدمها الناس في اختراعاتهم واكتشافاتهم لتلبية حاجاتهم وإشباع رغباتهم 2 - أن التقنية – بجميع صورها – قد تؤثر في الخلاف الفقهي السابق لهذه التقنية مما ينتج رفع الخلاف أو النزول على أحد القولين وإلغاء الآخر، وقد لا تؤثر فيه فيبقى كما كان عليه. 3 - أن الحكم بتغير الحكم الشرعي الاجتهادي منوط بالمجامع الفقهية والهيئات الشرعية المتخصصة 4 - أن التقنية الحديثة سبب من أسباب اختلاف الفقهاء المعاصرين، فمن اعتبر التقنية أخذ بها، ومن لم يعتبرها لم ير أنها مؤثرة في الحكم الشرعي السابق. 5 - أن للمجامع الفقهية والهيئات الشرعية والمنظمات الفقهية الدور البارز في حل القضايا الاجتهادية التي تأثرت بالتقنية الحديثة. 6 - أن الأحكام الأساسية الثابتة بالقرآن الكريم، والسنة المطهرة، وكذا أركان الإسلام وجميع الأحكام التعبدية التي لا مجال للرأي فيها ومسائل العقيدة كل ذلك لا يتغير ولا يتبدل بتغير الزمان والمكان والحال ولا يقبل الاجتهاد أصلا. 7 - أن ما يقبل التغيير والتبديل بتغير الزمان والمكان والحال هو تلكم الأحكام الاجتهادية التي لم يقع فيها إجماع ولم يرد فيها نص يخصها. 8 - أن الفحوصات الطبية المخبرية التي تدل على أن الدم الذي تراه المبتدأة هو دم الحيض إن صدرت من طبيب ثقة فهي معتبرة. 9 - اعتبار رأي الخبير في مسائل الحيض بناء على فعل الصحابيات رضي الله عنهن. 10 - أن طريقة الفقهاء – رحمهم الله – أيسر وأسهل وذلك لتمكن كل الناس من العمل بها بخلاف التقنية الطبية الحديثة التي قد لا تتوفر في كل زمان ومكان. 11 - أن التقنية الطبية الحديثة المتعلقة بإثبات أقل الحيض وأكثره والصفرة والكدرة بعد زمن الطهر أو قبله وأقل زمن النفاس لم تثبت شيئا مستقلا يمكن الاعتماد عليه وإنما هي في قيد البحث والدراسة. 12 - ترجيح قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في عدم تحديد مدة لأقل الحيض ولا أكثره وإنما يرجع في ذلك إلى عادة النساء المطردة. 13 - أثبتت التقنية الطبية الحديثة أن الحامل لا يمكن، ولا يتصور منها الحيض وهو القول الراجح المختار. 14 - أن ما توصلت إليه التقنية الطبية الحديثة في مجال أكثر النفاس، يتفق تماما مع القول الذي يرى أن أكثر النفاس أربعون يوما. 15 - أن التقنية الحديثة المتعلقة بتحديد القبلة إذا تعامل معها الإنسان التعامل الصحيح فإنها تعطي نتائج صحيحة ودقيقة لا لبس فيها وبالتالي يعتمد عليها في تحديد القبلة. 16 - أن التقنية الطبية الحديثة فيما يتعلق بعلامات البلوغ لم تأت بشيء جديد زائد عما عند الفقهاء – رحمهم الله – إلا ما كان من تحليل الدم، والتحقق من وجود هرمون الذكورة بالنسبة للذكر أو هرمون الأنوثة بالنسبة للأنثى. 17 - أن التقنية الحديثة المتعلقة برؤية هلال شهر رمضان المبارك لا أثر لها في خلاف الفقهاء، بل لكل أهل مطلع رؤية تخصه ولا مانع من استخدام المرصد الفلكي في تحديد مكان الهلال ووقت غروبه. أن العبرة في دخول شهر رمضان المبارك الرؤية بالعين المجردة لا بالحساب الفلكي إذ الحساب الفلكي لا يحسنه كل الناس، والتقنيات الحديثة في هذا المجال لا يمكن أن تستمر في كل زمان، وأيضا لا تتوفر عند كل الناس، والدين جاء شاملا لجميع الأزمان وجميع الأحوال، فالمعول على الضابط الذي لا يتغير.

18 - أن التقنيات الحديثة الموجودة لدى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لا يمكن أن يعتمد عليها في إثبات دخول شهر رمضان المبارك، إذ العمل عندهم على الحساب الفلكي وهم – أيضا – غير متفقين على طريقة ذلك الحساب. 19 - أثبتت التقنية الطبية الحديثة أن في جسم الإنسان عدة تجاويف وليس المقصود بواحد منها عند الفقهاء – رحمهم الله ـ إلا التجويف البطني وبعبارة أخرى المعدة، فما وصل من الطعام أو الشراب إلى المعدة فهو مفطر. 20 - بينت التقنية الطبية الحديثة أن الفم والأنف منفذان طبيعيان موصلان للجوف، ويحصل التغذية بالواصل منهما. 21 - بينت التقنية الطبية الحديثة أن العين والأذن والدبر لا يصل شيء منهما إلى الجوف، فلا يحصل الفطر منهما. 22 - بينت التقنية الطبية الحديثة أن بخاخ الربو ( ventolin)، والإبر الدوائية التي تؤخذ عن طريق العضل، والتخدير الجاف لا يفسد صوم. 23 - أثبتت التقنية الطبية الحديثة أن الأوردة والشرايين منافذ تمد الجسم بالغذاء عرفا عند الأطباء فيبطل الصيام مما دخل من هذا من المنفذ وكان مغذيا. 24 - مكنت التقنية الحديثة الناس من التعامل بيسر وسهولة في مجال ضمان المثلي بالقيمة والقيمي بالمثل، فالصناعات الحديثة في هذا الزمن لا تؤثر في القيمة، بل يمكن ضمان المثل بطبق الأصل. 25 - أمكنت التقنية الحديثة من ضبط صفات بعض السلع التي قال الفقهاء – رحمهم الله – بعدم جواز السلم فيها وبالتالي جواز السلم ورفع الخلاف السابق. 26 - أمكنت التقنية الحديثة من ضبط المكيلات بالوزن والعكس وبالتالي فإن الوزن والكيل يمكن أن يحل أحدهما مكان الآخر. 27 - ضرورة زيادة البحث والنظر في مسألة الموت الدماغي، والتوسع في بحث هذه المسألة من قبل الهيئات الشرعية المعتبرة، ودراسة المسائل المتعلق بها. 28ـ أن التقنية الطبية الحديثة قد توصلت إلى معرفة الحمل في البطن وجودا وعددا وجنسا وحياة وموتا، ومعرفة وقت الوفاة في لغرقى والهدمى، وتحديد جنس الخنثى المشكل، وبالتالي يمكن قسمة التركة بناء على ما دلت عليه. 29 - أمكنت التقنية الحديثة من التعرف نوعا ما على حال المفقود ومكان وجوده إلا أنها تفتقر إلى المزيد من الدقة. 30 - ضرورة إنشاء مركز وطني لرعاية المفقودين وأسرهم ومتابعة أحوالهم وإصدار نشرة أسبوعية تعنى بشؤون المفقود، سواء كان من البشر أو من غير البشر كالحيوانات والممتلكات التي ضل عنها أهلها. 31 - تمكنت التقنية الطبية الحديثة من التعرف على طبيعة المفرزات التي تخرج من ثدي المرأة غير المرضع، وبالتالي الحكم بكونها حليبا مغذيا ناشرا للعظم منبتا للحم أم لا. 32 - استطاعت التقنية الطبية الحديثة التعرف على العيوب الموجبة لفسخ النكاح، ومعالجتها بما ينهي العيب ويقضي عليه. 33 - لا أثر للتقنية الطبية الحديثة في مسألة أكثر الحمل، لأن مبنى الحكم الشرعي في هذه المسألة على الاحتياط في الأنساب والأطباء لم يجزموا بقول فصل فيها، وإنما هو الظن المبني على عدم الوجود، فيبقى الخلاف قويا في هذه المسألة لم تأثر فيه التقنية. 34 - أن التقنية الطبية الحديثة قد بينت سبب انقطاع الحيض وارتفاعه، ومن خلال ذلك يمكن النظر في مدة تربص المرأة التي ارتفع حيضها. 35 - أن تقنية الطبية الحديثة قد بينت نزول الحيض في غير وقته. 36 - أن تقنية البصمة الوراثية دقيقة جدا إلى درجة أنه يمكن أن تقدم على القرعة والقيافة في إثبات النسب. 37 - يجوز العمل بالبصمة الوراثية في جميع الحالات التي يجوز الحكم فيها بالقيافة، وذلك بعد توفر الشروط والضوابط المعتبرة في خبير البصمة الوراثية وفي معامل الفحص الوراثي فقط.

38 - ضرورة الدقة المتناهية في الإجراءات الإدارية المتبعة حال القيام بإجراء الفحص الوراثي في إدارة الأدلة الجنائية التابعة لوزارة الداخلية والسرية التامة للنتائج. 39 - أنه لا قصاص فيما في جوف الإنسان، إلا ما أمن فيه الحيف والتعدي والسراية، وكان مماثلا لجرح المجني عليه. 40 - أصبح من الممكن علميا – من خلال التقنية الطبية الحديثة – مراقبة الجنين، ومتابعة حالة نموه بكل دقة، ويستطيع الأطباء في هذا الوقت تحديد نوع الجناية على الجنين وبالتالي سبب الوفاة. 41 - أن ما توصلت إليه التقنية الطبية الحديثة في الجناية على الجنين في البطن يعتبر قرينة على العدوان على الجنين، وهذه القرينة ينبغي أن تكون مبنية على تقرير طبي موثق. 42 - من الضروري جدا النظر في مسألة الجناية على الجنين – وهو في بطن أمه – من جديد من خلال عرضها للنقاش في المجامع الفقهية المتخصصة والاجتماع مع الأطباء المتخصصين في هذا المجال، للخروج بنتيجة واضحة. 43ـ أن التقنية الطبية الحديثة قد توصلت إلى إمكان قطع الأعضاء الظاهرة من غير مفصل وكذا كسرها، وكسر الأسنان أو بردها، من دون أن يكون هناك حيف أو تعد، بل تحصل المساواة والمماثلة في القصاص بذلك. 44 - أن التقنية الطبية الحديثة قد يسرت استيفاء القصاص من غير خوف التلف أو السراية وهذا أمر يتناسب مع العدل الذي أمر الله عز وجل به. 45 - أن التقنيات الحديثة المتعلقة بآلة تنفيذ العقوبة لا تفي بالغرض، وإنما الواجب تنفيذ العقوبات بالسيف لا غير. 46 - أن الواجب في تأجيل العقوبة بسبب المرض هو الاعتماد على التقرير الطبي الصادر من المستشفيات الرسمية. 47 - اعتبار الفحوص الطبية قرينة قوية على الشراب، وهي أقوى وأولى مما ذكره الفقهاء من اعتبار الرائحة والقيء والسكر قرينة على شرب المسكر، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

أحاديث المعازف والغناء دراسة حديثية نقدية

أحاديث المعازف والغناء دراسة حديثية نقدية ¤محمد عبدالكريم عبدالرحمن£بدون¥دار ابن حزم - الرياض¨الأولى¢1427هـ€فقه¶غناء ومعازف ونشيد الخاتمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. فبعد هذه الدراسة الحديثية في المعازف والغناء يجدر بنا أن نذكر أهم النتائج التي توصل إليها البحث: 1 - قد صحت أحاديث – وإن كانت قليلة – تدل على تحريم جملة المعازف، لا كما زعم ابن حزم وابن القيسراني من أنه لم يصح فيها حديث. 2 - تحريم الآلات الموسيقية الوترية كالعود وغيره، والآلات النفخية كالمزمار وغيره، لثبوت أحاديث عامة وخاصة تدل على التحريم. 3 - تحريم الكوبة وهي الطبل بسائر أنواعه لثبوت أحاديث صحيحة تدل على التحريم، ولعدم ورود شيء في جوازه. 4 - إباحة ضرب الدف للجواري وسماعه للرجال والنساء في العرس وفي العيد وعند قدوم الغائب وللوفاء بالنذر. 5 - عدم جواز ضرب الدف فيما عدا ذلك (والحكم يدور بين الكراهة والتحريم). 6 - تحريم ضرب الدف في ما أذن فيه الشارع إذا كان مصحوبا بجلاجل. 7 - أن ضرب الدف هو من أعمال الجواري وقد جاءت الروايات الصحيحة في الإذن فيه للجواري، وأما ضربه للرجال فأقل شيء فيه أنه مكروه وذلك للتشبه بالنساء وقد لعن المتشبهين من الرجال بالنساء. 8 - أن المحرم هو الاستماع لا السماع والفرق بينهما أن الاستماع عن القصد والسماع خال عن قصد. 9 - أن الغناء كلمة تعني رفع الصوت بإنشاد الشعر بتمطيط وتطريب، وهو نوعان: الأول: الغناء المنهي عنه أو المحرم: وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين به الذي يحرك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل والمجون الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن. الثاني: الغناء المرخص فيه: وهو الغناء الذي ليس فيه تهييج الطباع إلى الهوى. وقد جاءت الرخصة به في أحاديث صحيحة وذلك في مناسبات معينة. 10 - تحريم الغناء سواء كان بآلة أو بغيرها إلا ما ورد فيه الإذن من الشرع لصحة الأحاديث والآثار الواردة في ذم الغناء والنهي عنه. 11 - جواز غناء الجواري في العيد، وفي العرس، وعند قدوم غائب، وللوفاء بالنذر، وإباحة سماعه للرجال والنساء لورود الأحاديث الصحيحة في ذلك. 12 - أن الغناء في هذه المواضع هو من أعمال الجواري، وغناء الرجال بين الكراهة والتحريم. 13 - جواز الحداء وهو الإنشاد الذي تساق به الإبل والحداء بالرجز والشعر. 14 - جواز غناء النصب وهو ضرب من أغاني العرب يشبه الحداء إلا أنه أرق منه، ينشد بصوت فيه تمطيط مع رفع العقيرة ويسمى غناء الركبان. 15 - جواز غناء الغزاة وهو ما يعتاده الغزاة لتحريض الناس على الغزو ... وفيه تحريك الغيظ والغضب على الكفار، وتحسين الشجاعة، واستحقار النفس والمال. 16 - جواز غناء الرجال عند التنشيط على الأعمال الشاقة. كما ارتجز صلى الله عليه وسلم هو والصحابة رضوان الله عليهم في بناء المسجد وحفر الخندق وغيرهما كما هو مشهور. 17 - جواز رجزيات الشجعان: وهي الرجزيات التي يستعملها الشجعان في وقت اللقاء، والغرض منها التشجيع للنفس وللأنصار، وتحريك النشاط فيهم للقتال، وفيه التمدح بالشجاعة والنجدة. 18 - تحريم غناء النساء للرجال والرجال للنساء، واستماعه لا مجرد سماعه. 19 - تحريم نصب أحد من الرجال أو النساء للغناء. 20 - إذا حرم الغناء حرمت دواعيه وأحكامه كالإجارة وغيرها. 21 - الإكثار من الغناء سفه وحماقة ترد به الشهادة. 22 - جواز غناء النساء للنساء والضرب بالدف. 23 - حكم استماع الغناء من شريط كحكم استماعه بدونه.

أحكام إذن الإنسان في الفقه الإسلامي

أحكام إذن الإنسان في الفقه الإسلامي ¤محمد عبدالرحيم بن محمد علي سلطان العلماء£بدون¥دار البشائر¨الأولى¢1416هـ€فقه¶فقه معاملات - أعمال منوعة الخاتمة بعد هذه الدراسة المفصلة لأحكام إذن الإنسان في الفقه الإسلامي يمكن لنا استخلاص النتائج التالية: ا- تعريف الإذن وماهيته: 1 - الإذن: هو إباحة التصرف للشخص فيما كان ممنوعا منه شرعا لحق غيره. 2 - الإذن أعم من العقد، وأعم من التوكيل. 3 - لا يقوم السكوت مقام الإذن في جميع صوره. 4 - الإذن المطلق يتقيد بالعرف. ب - الإذن في العبادات: 5 - لا يؤذن غير الراتب إلا بإذنه. 6 - لا يقيم غير المؤذن إلا بإذنه. 7 - يكره التقدم على الإمام الراتب بغير إذنه. 8 - إذن الإمام (السلطان) ليس بشرط لصحة الجمعة. 9 - يشترط إذن الزوج لصوم الزوجة تطوعا. 10 - ليس للزوجة أن تعتكف بغير إذن زوجها. 11 - يجوز للزوجة أن تتصدق بالشيء اليسير من مال زوجها بغير إذنه. 12 - لا يشترط إذن الزوج لأداء الزوجة حجة الإسلام. 13 - يشترط إذن الزوج لأداء الزوجة حجة التطوع. 14 - لا يشترط إذن الوالدين في أداء حج الفريضة. 15 - يشترط إذن الوالدين في حج التطوع. 16 - ليس للوالدين تحليل الولد من إحرامه وإن كان متطوعا. 17 - يجوز الحج عن الميت الذي لم يؤد فرضه سواء أذن بذلك في وصيته أم لم يأذن. 18 - يجوز حج التطوع عن الميت سواء أذن به أم لا. 19 - لا يجوز إستنابة الحي المستطيع في أداء الحج الفرض. 20 - يجوز الحج تطوعا عن الحي القادر إذا أذن بذلك. 21 - يجوز الحج عن المغصوب بإذنه فرضا ونفلا. 22 - لا يجوز للعبد أن يحرم إلا بإذن سيده. 23 - لا يجوز للمدين أن يسافر للحج بغير إذن الدائن إذا كان الدين حالا. 24 - لا يشترط إذن الدائن لسفر المدين للحج إذا كان الدين مؤجلا. 25 - لا يشترط إذن الدائن للمدين المعسر بالسفر إلى الحج. ج - الإذن في المعاملات: 26 - لا يجوز البيع على البيع بغير إذن البائع الأول، ولكن إن خالف وعقد فإن العقد صحيح مع إثمه. 27 - ينعقد بيع الفضولي مال غيره صحيحا موقوفا على إجازة المالك. 28 - لا تنفذ تصرفات المشتري في مدة خيار البائع بغير إذنه. 29 - ليس للعبد أن يتجر بغير إذن سيده. 30 - ليس للمرتهن أن ينتفع بالرهن بغير إذن الراهن إلا إذا كان الرهن محلوبا أو مركوبا. 31 - يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن بإذن الراهن إذا لم يكن الدين من قرض. 32 - ينعقد بيع الراهن للرهن موقوفا على إذن المرتهن. 33 - لا يزول الحجر عن المفلس إلا بإذن الحاكم. 34 - تصرفات الصبي غير المميز باطلة ولا أثر للإذن فيها. 35 - لا تنفذ تصرفات الصبي المميز إذا كان فيها ضرر محض ولا أثر للإذن في نفاذها. 36 - تصرفات الصبي المميز النافعة متوقفة على إذن الولي. 37 - تصرفات الصبي المميز الدائرة بين النفع والضرر تنعقد صحيحة موقوفة على إذن الولي. 38 - تصح تصرفات المميز المأذون له في القدر الذي أذن له فيه. 39 - لا تصح تصرفات المجنون أو المعتوه، ولا أثر للإذن في صحة تصرفاتهما. 40 - لا تصح تصرفات السفيه المالية التي تضر به ضررا محضا. 41 - تنفذ تصرفات السفيه النافعة نفعا محضا. 42 - تنعقد تصرفات السفيه الدائرة بين النفع والضرر موقوفة على إذن وليه. 43 - نكاح السفيه موقوف على إجازة الولي. 44 - نكاح السفيه نافذ دون التوقف على إذن الولي. 45 - عتق السفيه باطل، ولا أثر للإذن في صحته. 46 - يصح البيع من السفيه وكذلك الشراء إذا أذن له الوالي في ذلك. 47 - لا يشترط إذن الدائن لسفر المدين المعسر. 48 - يشترط إذن الدائن لسفر المدين الموسر إذا كان الدين حالا. 49 - لا يشترط إذن الدائن لسفر المدين الموسر إذا كان الدين مؤجلا.

50 - لا يجوز إجراء الماء في أرض الغير بغير إذنه مطلقا. 51 - لا يجوز للجار وضع الخشبة على جدار جاره بغير إذنه. 52 - يجوز لمن له دار ظهرها إلى الشارع أن يفتح بابا إلى ذلك الشارع ولا يحتاج إلى إذن. 53 - لا يجوز إشراع جناح في الطريق النافذ إذا كان يضر بالمارة، سواء أذن فيه الإمام أم لم يأذن. 54 - يجوز إشراع الجناح في الطريق النافذ إذا كان لا يضر بالمارة سواء أذن فيه الإمام أم لم يأذن. 55 - لا يجوز إحداث باب جديد في الزقاق المشترك إلا بإذن أهله سواء كان فتح الباب للاستطراق أم لغيره. 56 - لا يجوز إشراع جناح في السكة غير النافذة إلا بإذن أهلها. 57 - يصح الضمان وإن لم يأذن فيه المضمون عنه. 58 - لا تجوز الكفالة بغير إذن المكفول. 59 - يرجع الضامن على المضمون عنه إذا ضمن وأدى بإذنه. 60 - إن كان الضامن قد ضمن الدين بإذن المضمون عنه فإنه يرجع عليه وإن كان قضاه بغير إذنه. 61 - إذا قضى الضمان بإذن المضمون عنه فإنه يرجع عليه ولو كان الضامن بغير إذنه. 62 - لا يرجع الضامن على المضمون عنه إذا ضمن وأدى بغير إذنه. 63 - لا يشترط إذن المدين لقيام غيره بسداد الدين عنه. 64 - ليس لأحد الشريكين أن يبيع ويشتري دون إذن صاحبه. 65 - يجوز للوكيل أن يوكل غيره فيما يترفع عن عمل مثله أو يعجز عنه لكثرته، ولو لم يأذن الموكل. 66 - لا يجوز للوكيل أن يوكل غيره بغير إذن الموكل إذا أمكنه القيام بالعمل بنفسه ولا يترفع عنه. 67 - لا يجوز للوكيل أن يبيع لابنه الصغير بغير إذن الموكل. 68 - يجوز للوكيل أن يبيع لأبيه وابنه البالغ بثمن المثل وإن لم يأذن الموكل. 69 - يشترط إذن المعير للمستعير في الانتفاع بالعارية. 70 - ليس للمستعير أن يعير غيره بغير إذن المعير. 71 - للمستأجر استيفاء المنفعة من العين المستأجرة، ولا يتوقف على إذن المؤجر. 72 - ليس للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة لغيره بغير إذن المؤجر إذا كان المستأجر الجديد أكثر ضررا في استيفاء المنفعة. 73 - يجوز للمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة لمن هو مثله في استيفاء المنفعة وإن لمن يأذن فيه المؤجر. 74 - يجوز للمالك أن يبيع العين المستأجرة بغير إذن المستأجر. 75 - لا يشترط إذن الإمام في إحياء الموات. 76 - يشترط إذن الواهب لقبض الموهوب له العين الموهوبة. د- الإذن في العلاقات الأسرية: 77 - يشترط إذن الولي في النكاح ومباشرته أو من ينوب عنه للنكاح. 78 - يجوز للأب تزويج البكر الصغيرة بغير إذنها، وليس لغير الأب أن يزوج الصغيرة بغير إذنها. 79 - لا يجوز تزويج البكر الكبيرة بغير إذنها، سواء كان المزوج أبا أم غيره. 80 - إذن البكر سكوتها. 81 - الثيب الكبيرة لا يزوجها أحد إلا بإذنها سواء كان المنكح أبا أم غيره، وكذلك الثيب الصغيرة. 82 - إذن الثيب لا يكون إلا بالنطق إلا إذا كان قد أزيلت البكارة بغير وطء فإن حكمها حكم الأبكار. 83 - ليس للعبد ولا للمكاتب أن يتزوجا بغير إذن سيدهما. 84 - لا يجوز للمحرم أن ينكح أو ينكح أو يأذن لغيره بالنكاح. 85 - لا يجوز الخطبة على الخطبة حتى يترك الخاطب الأول أو يأذن لغيره لكن إذا خالف فإن عقد النكاح صحيح مع الإثم. 86 - النظر إلى المخطوبة لا يحتاج إلى إذن منها أومن أهلها. 87 - لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها. 88 - يجوز منع الحمل مؤقتا بإذن الزوج. 89 - لا يجوز منع الحمل مطلقا (دائما) وإن أذن فيه الزوج. 90 - لا يجوز إسقاط الجنين مطلقا، سواء كان قبل نفخ الروح فيه أو بعده، أذن فيه الزوج أم لم يأذن إلا لضرورة معتبرة شرعا. 91 - يشترط إذن الزوج لخروج الزوجة من بيت الزوجية.

92 - لا يجوز للزوج أن يخرج من عند الزوجة في ليلتها إلى الزوجة الأخرى إلا بإذنها. 93 - ليس للزوجة أن تهب نصيبها في القسم لضراتها بغير إذن الزوج. 94 - للمرأة أن تأخذ قدر نفقتها من مال زوجها بغير إذنه. 95 - للمرأة الرشيدة التصرف في مالها كله بغير إذن الزوج. 96 - يشترط إذن القاضي للاقتراض بالنفقة. 97 - لا تملك المرأة أن تطلق نفسها إلا إذا أذن لها الزوج. 98 - يشترط إذن الزوج لقيام الزوجة بإرضاع ولد غيره. 99 - ليس للحاضنة أن تنقل المحضون بغير إذن الأب. 100 - يجوز للأم أن تأخذ نفقة الولد وإن لم يأذن فيه الولي أو يأمر به الحاكم. هـ- الإذن في الحدود والجنايات: 101 - يشترط إذن الإمام في إقامة الحدود على الأحرار دون المماليك. 102 - يشترط إذن الإمام لاستيفاء القصاص. 103 - لا يجوز للطبيب أن يعالج المريض بغير إذنه إلا عند الضرورة. 104 - لا يجوز نقل أعضاء يفضي نقلها إلى الموت، أذن المتبرع في نقلها أم لم يأذن. 105 - لا يجوز نقل عضو لا يفضي نقلها إلى الموت إلا بإذن صاحب العضو أو إجازة ورثته. 106 - يشترط إذن صاحب المتاع لإلقاء متاعه عند خوف الغرق ولا يضمنه من ألقاه بإذن صاحبه. 107 - إذن المجني عليه للقاتل في قتله يسقط القصاص. 108 - يشترط إذا الولي للمعلم في ضرب المتعلم للتأديب. 109 - المحبوس لحق غيره لا يخرج من الحبس إلا بإذن صاحب الحق. والإذن في الجهاد. 110 - لا يجب إذن الإمام في الجهاد. 111 - لا يشترط إذن الوالدين في الجهاد المتعين. 112 - يشترط إذن الوالدين المسلمين في الجهاد الذي لم يتعين ولا يشترط إذن الوالدين الكافرين. 113 - لا يجوز الانصراف من ميدان القتال وإن رجع الوالدان في إذنهما. 114 - لا يشترط إذن السيد للعبد في الجهاد المتعين بخلاف الذي لم يتعين. 115 - لا يشترط إذن الدائن في الجهاد المدين إذا تعين الجهاد. 116 - يشترط إذن الدائن إذا كان الجهاد لم يتعين على المدين سواء كان الدين حالاً أم مؤجلاً، وسواء كان المدين موسراً أم معسراً. 117 - لا يشترط إذن الإمام لأخذ السلب. 118 - لا يجوز للكافر الحربي أن يدخل بلاد الإسلام إلا بإذن الإمام. 119 - لا يجوز لأهل الذمة أن يدخلوا الحرم مطلقاً أذن لهم الإمام أم لم يأذن. 120 - يجوز لأهل الذمة دخول الحجاز - دون الإقامة فيه - بإذن الإمام. 121 - يجوز لأهل الذمة سكنى سائر بلاد الإسلام - ماعدا الحجاز والحرم - ولا يشترط الإذن في ذلك. 122 - لا يجوز لأهل الذمة أن يدخلوا مساجد المسلمين إلا بإذن منهم. ز-الإذن في القضاء والوصايا: 123 - يجوز لصاحب الحق أن يأخذ من مال من عليه الحق بغير إذنه مطلقاً بشرط ألا يكون من عليه الحق مقراً به باذلاً له. 124 - تصح الوصية بأكثر من الثلث إذا أجازها الورثة. 125 - تصح الوصية لوارث إذا أجازها سائر الورثة. ح -الإذن في الآداب: 126 - لا يجوز لإنسان أن يدخل بيت غيره بغير إذنه. 127 - يجوز للإنسان أن يدخل بيته بغير استئذان وإن كانت زوجته فيه. 128 - يجب الاستئذان إذا كان بالبيت محارم للرجل غير زوجته. 129 - يجوز دخول الرجل على مطلقته الرجعية بغير إذنها. 130 - يعتبر إذن الصبي في دخول الدار وإيصال الهدية. 131 - تقديم الطعام بين يدي الضيفان إذن في الأكل. 132 - إذن الضيف لغيره يرجع إلى العرف. والله أسأل أن يلهمنا جميعاً الصواب، ويعيننا على الفضائل والمكرمات ويسهل سبل الخيرات. اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها واجعل خير أيامنا يوم نلقاك يا ذا الجلال والإكرام. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أحكام الأجل في الفقه الإسلامي (بحث مقارن)

أحكام الأجل في الفقه الإسلامي (بحث مقارن) ¤محمد بن راشد بن علي العثمان£بدون¥بدون¨الثانية¢1417هـ€فقه¶فقه معاملات - أعمال منوعة الخاتمة الحمد لله الذي أَجَّلَ الأجلَ إلى أجل لا نعرفه إلا بعد انتهاء أجلِه، لأنه من المغيَّباتِ التي استأثر بها في علمه سبحانه فالحمد له الذي أعانني على إنهائه وإظهاره بهذه الصورة التي بين يديك أيها القارئ الكريم… والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: لقد كنا في موعد معك أيها القارئ الكريم في افتتاحية البحث على عرض خاتمة البحث في النهاية… متضمنة أهم نتائج البحث، لأنه من الصعوبة أن يلم القارئ بكل ما قرأه في هذا البحث، لكثرة خلافات الفقهاء التي وردت بها، ولأن ثمرة البحث تكمن في النتائج التي يتوصل إليها الباحث. وها نحن نسدد لك هذا الدين ونفي بالوعد بعد أن حل أجله، وفي هذا المكان والزمان، فد أسلمتنا وقتك، وها نحن نسلم لك النتائج في أجلها. وإذا كان خير الناس أحسنهم قضاء، فإنني سأحاول – والتوفيق بيد الله سبحانه – أن أحسن القضاء والوفاء، وأقدم لك أهم النتائج التي تم التوصل إليها في هذا البحث. من قرأ هذا البحث واستوعبه فإنه سيصل – بمشيئة الله – إلى نتائج كلية ونتائج جزئية. أما النتائج الكلية فهي عبارة عن فوائد عامة برزت أثناء عرضنا لأسباب اختيار البحث، والمقدمة، وحتى لا نكررها لا داعي لذكرها هنا. أما النتائج الجزئية فهي عبارة عن خلاصة للآراء التي وردت في مباحث ومطالب البحث. وسأكتفي بذكر خلاصة للآراء التي اتفق عليها الفقهاء، والآراء التي ترجحت في نظري، بعيداً عن ذكر الخلافات حتى يسهل استيعابها. وإن كان في عرضها هنا ما يوحي بأنها مكررة .. ولكن .. لا .. فإن ذكرها هنا يوفر جهداً ووقتاً على القارئ الكريم في استخلاص أحكام المسائل التي ورد ذكرها في البحث. ومن أراد التعمق فليرجع إلى المسألة في موضعها من البحث. ولهذا .. سأذكر النتائج بإيجاز كما يلي: 1 - تعريف الأجل: هو مُدَّةٌ مستقبلةٌ مُحقَّقَةُ الوقوعِ، محددة شرعاً أو قضاءً أو اتفاقاً للوفاء بالتزام معين. 2 - الأجل ثابت في الكتاب والسنة والإجماع. 3 - الحكمة من مشروعية الأجل: هي أنه شرع لأجل الرفق بالناس ورعاية مصالحهم وتقدير حوائجهم. 4 - خصائص الأجل: أ- الدلالة على الزمن المستقبل. ب- أنه محقق الوقوع. 5 - جواز المسح على الخفين حضراً وسفراً، وقد اتفقتُ في هذا الرأي مع الحنفية والشافعية والحنابلة وأصح الروايتين عن مالك. 6 - مدة المسح على الخفين يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة والشافعي وأحمد. 7 - أقل مدة تحيضها المرأة يوم وليلة، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الشافعي وأحمد. 8 - أكثر مدة تحيضها المرأة خمسة عشر يوماً، وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك والشافعي وأحمد. 9 - غالب مدة تحيضها المرأة ستة أو سبعة أيام، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الشافعية والحنابلة. 10 - الأحكام المترتبة على الحيض: ترك الصلاة وترك الصيام وعدم قراءة القرآن، وعدم مس المصحف، وعدم الطواف بالبيت، وعدم الاعتكاف وعدم الجماع وعدم سنية الطلاق إذا وقع أثناء الحيض. 11 - أقل مدة طهر المرأة بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أحمد. 12 - لا حد لأكثر طهر المرأة بين الحيضتين، وقد اتفق الأئمة الأربعة على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 13 - لا حد لأقل مدة النفاس، وقد اتفق الأئمة الأربعة على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 14 - أكثر مدة النفاس أربعون يوماً، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة وأحمد.

15 - أن أول وقت صلاة الظهر يبتدئ من زوال الشمس، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 16 - أن آخر وقت صلاة الظهر هو أن يصير ظل كل شيء مثله، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة – في رواية – ومع مالك والشافعي وأحمد. 17 - أن أول وقت صلاة العصر يبدأ من بلوغ الظل مثله وأنه لا اشتراك بينه وبين وقت صلاة الظهر، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الشافعية والحنابلة. 18 - أن آخر وقت صلاة العصر ثلاثة أوقات: أ- وقت فضيلة: وهو من بلوغ الظل مثله إلى بلوغ الظل مثليه. ب- وقت جواز: وهو من بلوغ الظل مثليه إلى اصفرار الشمس. ج- وقت ضرورة: وهو من اصفرار الشمس إلى غروبها. وبهذا .. جمعت بين آراء الفقهاء المختلفة في هذه المسألة. 19 - أول وقت صلاة المغرب هو غروب الشمس، وقد أجمع أهل العلم على هذا ولا رأي لي بعد هذا الإجماع. 20 - آخر وقت صلاة المغرب هو مغيب الشفق، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة ومالك والشافعي – في القديم – 21 - أول وقت صلاة العشاء يبتدئ من غروب الشفق، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 22 - الشفق هو الحمرة، وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك والشافعي وأحمد. 23 - أن وقت الضرورة لصلاة العشاء يمتد إلى طلوع الفجر، وقد اتفق الأئمة الأربعة على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 24 - أن وقت العشاء المختار إلى ثلث الليل، وقد اتفقت في هذا الرأي مع بعض الحنفية، ومالك، والشافعي، وفي – الجديد – ورواية عن أحمد. 25 - أن وقت صلاة الفجر يبدأ من طول الفجر الثاني وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق، ويسمى الفجر الصادق، وأن آخر وقتها المختار إلى أن يسفر، وآخر وقت الضرورة إلى أن تطلع الشمس. وقد أجمع الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الإجماع. 26 - أن الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ثلاثة: أ- بعد صلاة الفجر إلى ارتفاع الشمس قيد رمح. ب- حال قيام الشمس. ج- من بعد العصر إلى تكامل الغروب. وقد اقتربت من رأي ابن حزم في هذا. 27 - يجوز في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها أن تقضى الفريضة وتصلى السنة دون النافلة، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الشافعي، والحنابلة. 28 - وقت صلاة العيدين وصلاة الاستسقاء يبدأ من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى زوالها وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 29 - يسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر. 30 - جواز صلاة الكسوف والخسوف في أوقات النهي وغيرها، وأتفق في هذا الرأي مع الشافعي وأحمد. 31 - وقت الوقوف بعرفة يبدأ من زوال الشمس يوم التاسع من شهر ذي الحجة وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة ومالك والشافعي وبعض الحنابلة. 32 - آخر وقت الوقوف بعرفة هو طلوع الفجر يوم النحر، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 33 - من وقف بعرفة ودفع منها قبل الغروب ولم يرجع فحجه صحيح، وعليه دم وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة والشافعي – في أحد قوليه – وأحمد. 34 - من وقف بعرفة ودفع منها قبل الغروب، ثم رجع قبل أن تغرب الشمس فحجه صحيح ولا دم عليه، وقد اتفق الأئمة الأربعة على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 35 - من وقف بعرفة ودفع منها قبل الغروب، ثم رجع بعد الغروب وقبل طلوع الشمس فحجه صحيح بلا خلاف، ولا دم عليه عند مالك والشافعي وأحمد – على الصحيح – وأتفق معهم على ذلك. 36 - أن المبيت بمزدلفة واجب وليس بركن، وقد اتفقت في هذا مع بعض الحنفية، والشافعية، على الأصح، والحنابلة. 37 - جواز الدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل وقبل طلوع الفجر للضعفة وغيرهم وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك والشافعي وأحمد.

38 - وقت رمي جمرة العقبة يبدأ من بعد نصف الليل الأول من ليلة النحر، وقد اتفقت في هذا مع الشافعي، والصحيح من مذهب أحمد. 39 - أيام التشريق هي ثلاثة أيام تبدأ من ثاني أيام النحر، وهي يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر. 40 - يبدأ رمي الجمرات أيام التشريق من زوال الشمس إلى غروبها، وقد اتفق الفقهاء – عدا أبي حنيفة في رواية – على هذا… ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 41 - يستحب رمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس يوم النحر إلى وقت الزوال وقد أجمع العلماء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 42 - مدة نحر الهدي والأضحية ثلاثة أيام بما فيها يوم النحر، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة ومالك وأحمد. 43 - أقل مدة الحمل ستة أشهر، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 44 - أكثر مدة الحمل أربع سنوات، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الشافعي والرواية المشهورة عن مالك والرواية المشهورة عن أحمد. 45 - مدة الرضاع التي يثبت بها التحريم سنتان، وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك والشافعي وأحمد. 46 - علامات البلوغ المشتركة بين الغلام والجارية: أ- خروج المني: وقد اتفق الأئمة الأربعة على اعتباره من علامات البلوغ، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. ب- نبات الشعر: وقد اتفقت في اعتباره من علامات البلوغ مع مالك ورواية عن الشافعي، وأحمد. ج- بلوغ خمس عشرة سنة: وقد اتفقت في اعتباره من علامات البلوغ مع الشافعي، وأحمد. 47 - علامات البلوغ الخاصة بالجارية: أ- الحيض: وقد اتفق الفقهاء على اعتباره من علامات بلوغ الجارية ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. ب- الحمل: وقد اعتبره عامة الفقهاء علامة من علامات بلوغ الجارية ولا رأي لي بعد هذا. 48 - الآيسة – عندي – من انقطع حيضها ولم تدر ما سببه، لمدة تسعة أشهر فأكثر، ولهذا… لا حد عندي لسن الإياس. 49 - أقل سن تحيض فيه المرأة هو تسع سنوات، وهو الرأي المختار عند الحنفية ورأي مالك والشافعي وأحمد، ولا رأي لي بعد هذا. 50 - الإيلاء: هو حلف زوج – يمكنه الوطء – بالله تعالى أو بصفته على ترك وطء زوجته الممكن جماعها في قبل أبداً، أو يطلق، أو فوق أربعة أشهر، أو ينويها. 51 - إذا حلف الزوج على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر فهو إيلاء بالاتفاق، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 52 - إذا حلف الزوج على ترك وطء زوجته أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء باتفاق الأئمة الأربعة، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 53 - إذا حلف الزوج على ترك وطء زوجته أربعة أشهر فقط فليس بإيلاء، وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك والشافعي والمشهور عن أحمد. 54 - إذا حلف الزوج على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر، ووطئها أثناء مدة الإيلاء سقط الإيلاء ووجبت عليه كفارة اليمين، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة ومالك الشافعي – في الجديد – وأحمد. 55 - إذا حلف الزوج على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر، ومضت مدة الإيلاء بدون أن يطأها فإنها لا تطلق حتى يوقف: إما يفيء (يجامع) أو يطلق، وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك والشافعي وأحمد. 56 - إذا حلف الزوج على ترك وطء زوجته أربعة أشهر فأقل، ووطئها أثناء المدة التي حلف عليها، لزمته كفارة اليمين. 57 - إذا حلف الزوج على ترك وطء زوجته أربعة أشهر فأقل، ولم يطأها حتى انتهت المدة، فليس عليه كفارة لأنه لم يحنث في يمينه. 58 - أنواع العدة باعتبار ما تنتهي به ثلاثة أنواع: أ- عدة بالحمل. ب- عدة بالقرء. ج- عدة بالشهر. 59 - المطلقة والمفسوخة والمتوفى زوجها وهي حامل تنقضي عدتها بوضع الحمل. وقد اتفق الأئمة الأربعة على هذا… ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق.

60 - القرء هو الحيض، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة ورواية عن أحمد. 61 - المطلقة والمفسوخة وهي ذات حيض وليست حاملاً عدتها ثلاثة قروء (أي ثلاث حيض) وقد أجمع الفقهاء على هذا… ولا رأي لي بعد هذا الإجماع. 62 - المتوفى عنها زوجها وليست حاملاً فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، وقد أجمع الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الإجماع. 63 - يثبت الفسخ بالعنة بعد أن يضرب للزوج أجل لمدة سنة منذ مروافعة الزوجة، وقد اتفق الأئمة الأربعة على هذا… ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 64 - اللقطة التي لا تتبعها همة أوساط الناس كالسوط والمسطرة الممحاة والريال .. تملك بدون تعريف ولا خلاف بين أهل العلم في هذا… ولا رأي لي بعد هذا. 65 - الضوال التي تمتنع عن صغار السباع: كالإبل والبقر والخيل والطير لا يجوز التقاطها، وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك والشافعي وأحمد، أما سائر الأثمان والمتاع، فيجوز التقاطها لمن أراد تعريفها، ويكون تعريفها لمدة سنة. 66 - أن مدة خيار الشرط إذا كانت معلومة يجوز أن تكون أكثر من ثلاثة أيام حسبما يقدره المشترط، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أحمد. 67 - عدم صحة اشتراط الخيار لمدة مجهولة، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة والشافعي، والصحيح من مذهب الحنابلة. 68 - جواز الهدنة بين المسلمين والكفار على الإطلاق (بدون تحديد بعشر سنوات) وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة، والمالكية، وأحمد. 69 - القاضي لا يطلب المدعي عليه إذا كان في غير ولايته، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الشافعية والحنابلة. 70 - ليس هناك مدة معينة يحددها القاضي لإحضار الخصوم، وإنما ذلك يرجع إلى اجتهاده. 71 - إذا طلب المدعي المهلة لإحضار البينة فإن تقدير المدة يرجع إلى اجتهاد القاضي، وقد اتفقت في هذا الرأي مع المالكية. 72 - إذا أعسر الزوج بنفقة زوجته إلى حد لا يقوم البدن بها من قوت أو كسوة لم يجب عليها الانتظار، وحق لها المطالبة بفراق الزوج، وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك والشافعي وأحمد. 73 - إذا أعسر الزوج بنفقة زوجته فإنه يعطى مهلة لإصلاح حاله أو التأكد من إعساره، وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك والشافعي في رواية. 74 - من وجب عليه دين للغير ولم يسدده، وادعى أنه معسر ولم يثبت إعساره ولم يصدقه صاحب الدين في إعساره، وعرف أن له مالاً فإنه يحبس حتى يسدد الدين أو يثبت إعساره، وهذا رأي الأئمة الأربعة، ولا رأي لي بعده. 75 - من وجب عليه دين للغير ولم يسدده، وادعى أنه معسر ولم يثبت إعساره ولم يصدقه صاحب الدين في إعساره، ولم يعرف أن له مالاً، فإنه لا يحبس إنما يحلف ويخلي سبيله، وقد اتفقت في هذا الرأي مع بعض الحنفية، والشافعية، والحنابلة. 76 - من وجب عليه دين للغير ولم يسدده، وادعى أنه معسر وثبت إعساره، أو لم يثبت إعساره ولكن صدقه صاحب الدين، فإنه يخرج من السجن، وقد اتفق الفقهاء على هذا… ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 77 - من وجب عليه دين للغير ولم يسدده، وادعى أنه معسر وثبت إعساره، أو لم يثبت إعساره ولكن صدقه صاحب الدين لا يحق لغرمائه ملازمته ويحول الحاكم بينه وبينهم، وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك والشافعي وأحمد. 78 - يجوز اشتراط تأجيل تسليم العين لمن انتقلت إليه ملكيتها في التصرفات الناقلة للملكية بشرط أن تكون مدة التأجيل معلومة، وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك وأحمد. 79 - تأجيل الديون ثابت في الكتاب والسنة والإجماع. 80 - يبطل السلم إذا تأخر رأس مال السلم عن مجلس العقد، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة والشافعي وأحمد.

81 - يشترط لصحة الصرف أن يتم التقابض في مجلس العقد، بغير خلاف بين الفقهاء، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 82 - الإقالة فسخ وليست بيعاً، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الشافعي – في أحد قوليه – وأحمد في رواية. 83 - يبطل شرط تأجيل بدل الإقالة، وتبقى الإقالة صحيحة، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة وأحد الوجهين عن الشافعية، والمفهوم من الحنابلة. 84 - يكون بدل القرض مؤجلاً إذا اشترط الأجل في العقد واتفق عليه المتعاقدان. 85 - يكون بدل القرض حالاً إذا لم يشترط الأجل في العقد، وللمقرض الحق في المطالبة ببدله في الحال، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة والشافعي وأحمد. 86 - دية قتل العمد تكون حالة في مال الجاني، وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك – في رواية – والشافعي وأحمد. 87 - دية قتل شبه العمد تكون مؤجلة على ثلاث سنين، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الحنفية والشافعية والحنابلة. 88 - دية قتل الخطأ تكون مؤجلة على ثلاث سنين على العاقلة، ولا خلاف بين الفقهاء في هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 89 - أن السلم لا يكون إلا مؤجلاً، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة ومالك وأحمد – في رواية. 90 - عدم جواز بدل الكتابة حالاً، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الشافعي وأحمد. 91 - أن ثمن المشفوع فيه يكون مؤجلاً على الشفيع إلى أجله إن كان ملياً، وإلا أتى بضامن، وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك وأحمد. 92 - أن المساقاة من العقود اللازمة، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الحنفية ومالك، والشافعي، وبعض الحنابلة. 93 - وجوب تحديد المساقاة بمدةٍ معلومةٍ، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الحنفية والمالكية والشافعية وبعض الحنابلة. 94 - وجوب تحديد المزارعة بمدة متعارفة، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الحنفية، ومالك، والشافعي. 95 - إذا وقعت الإجارة على منفعة مجهولة في نفسها كالسكنى، وجب تحديدها بمدة معلومة كشهر أو سنة مثلاً .. وقد اتفق الفقهاء على هذا .. ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 96 - أن العارية غير لازمةٍ، سواء كانت مقيدة بأجل أو مطلقة عن الأجل، وللمعير أن يستعيدها متى شاء، ما لم يكن في إعادتها ضرر على المستعير وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة والشافعي وأحمد. 97 - الوكالة عقد جائز بين الطرفين، يحق لكل منهما فسخها متى شاء، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 98 - جواز توقيت المضاربة (القراض) وقد اتفقت في هذا الرأي مع بعض أصحاب أبي حنيفة، وأحمد. 99 - جواز توقيت الكفالة، كأن يقول أن كفيل يزيد إلى شهر، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة والمالكية والشافعي – على الصحيح – وأحمد، وهذا يشمل الضمان أيضاً. 100 - لا يصح توقيت ابتداء الوقف، كأن يقول: إذا جاء رأس الشهر فداري وقف، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 101 - لا يصح توقيت انتهاء الوقف، كأن يقول: داري وقف إلى أن يحضر زيد، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الحنفية والشافعية وأحد الوجهين عند الحنابلة. 102 - لا يجوز توقيت البيع، كأن يقول: بعتك هذه السلعة سنة، أو على أن تردها لي بعد سنة، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 103 - مسألة العينة: هي أن يبيع سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها نقداً بأقل من ثمنها الأول. 104 - عدم جواز مسألة العينة، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة ومالك وأحمد. 105 - لا يجوز توقيت الهبة، كأن يقول: وهبتك هذا سنة ثم يعود إلي، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 106 - نكاح المتعة: هو أن يتزوج الرجل امرأة مدة معلومة أو مجهولة، مثل زوجتك ابنتي شهراً.

107 - أن نكاح المتعة باطل، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 108 - النكاح المؤقت: هو أن يتزوج الرجل امرأة بشاهدين لمدة شهر مثلاً. 109 - النكاح المؤقت نوع من أنواع نكاح المتعة، وهو نكاح باطل كما سبق. 110 - جواز إضمار الزوج للطلاق من قبل عقد النكاح، بشرط ألا يشعر الزوجة بهذا… أو وليها، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الحنفية والمالكية والشافعية وبعض الحنابلة. 111 - عدم جواز توقيت الرهن، كأن يقول: رهنتك هذه السيارة شهراً، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 112 - يتم تحديد الأجل الشرعي أو القضائي أو الاتفاقي بالتقويم القمري سواء كان إياماً أو شهوراً أو سنيناً. ويجوز بما يعرفه المسلمون كالأشهر الإفرنجية، وقد اتفقت في هذا الرأي مع جمهور الفقهاء. 113 - إذا اشتمل العقد على أجل ولم تحدد بدايته في العقد، فإنها تبدأ من حين العقد مباشرة، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة، ومالك وبعض الحنابلة ورواية عن أحمد. 114 - الأجل المجهول جهالة مطلقة، هو المدة المضافة إلى أمر لا يمكن معرفته حين العقد، كأن يكون من الأمور الغيبية، كنزول المطر أو هبوب الريح. 115 - عدم جواز التأجيل المجهول جهالة مطلقة، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 116 - الأجل المجهول جهالة متقاربة: هو المدة المضافة إلى أمر لا يمكن معرفته بصورة قطعية أثناء العقد، لكن يحكم عليه بمقدماته، كالحصاد وجذاذ الثمرة وقدوم الحاج. 117 - عدم صحة الأجل المجهول جهالة متقاربة وأنه يستوي في ذلك مع الجهالة المطلقة، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة والشافعي ورواية عن أحمد. 118 - الإيجاب المشتمل على صفقتين إحداهما بالنقد والأخرى بالنسيئة، واحدة من صور بيعتين في بيعة، ومثاله: أن يقول بعتك هذه السلعة بعشرين ريالاً حالة، أو ثلاثين ريالاً مؤجلة. ولهذه الصورة حالتان: الأولى: أن يكون البيع واجباً، بأن تم الإيجاب والقبول قبل أن يختار المشتري أي الثمنين يريد. فقد اتفق الفقهاء على عدم جواز هذه الحالة وبطلان البيع فيها، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. الحالة الثانية: إذا لم يكن البيع لازماً بأحدهما (النقد أو الأجل) أي بأن يختار المشتري الشراء بالنقد أو الأجل قبل انعقاد البيع. وفي هذه الحالة يجوز البيع، وقد اتقت في هذا الرأي مع مالك وأحمد. 119 - يجوز بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النسأ، كقوله: أبيعك السيارة بخمسين ألف ريال مؤجلة، سنة، مع أنها لا تساوي نقداً سوى أربعين ألف ريال، إذا كان غرضه التجارة أو الانتفاع أو القنية، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. وإذا كان غرضه الدرهم فيجوز أيضاً، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الحنفية والشافعية ورواية عن أحمد. 120 - تأجيل الدين لأجل الزيادة إحدى صور بيع الدين بالدين، وقد اتفق الفقهاء على بطلانها، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 121 - عدم جواز تعجيل الدين المؤجل مقابل التنازل عن بعضه، وقد اتفق الأئمة الأربعة على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 122 - إذا اختلف المتبايعان في أصل الأجل، كأن يقول المشتري أنا اشتريت منك هذه السيارة بخمسين ألف ريال مؤجلة، ويقول البائع: بل اشتريتها بخمسين ألف ريال حالة، فلهذه المسألة حالتان: الحالة الأولى: إذا ثبت بينه لدى أحدهما عمل بها. الحالة الثانية: إذا لم توجد بينه لدى أحدهما وفي ذلك صورتان: أ- أن تكون السلعة قائمة أو المنفعة لم تستغل، ففي هذه الصورة يتحالفان وينفسخ العقد، وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك والشافعي ورواية عن أحمد.

ب- أن تكون السلعة قد تلفت أو المنفعة قد استغلت، ففي هذه الصورة القول قول المشتري مع يمينه، وقد اتفقت في هذا الرأي مع أبي حنيفة ورواية عن مالك ورواية عن أحمد. 123 - إذا اختلف المتبايعان في مقدار الأجل، كأن يقول المشتري: اشتريت منك هذه الدار بمائة ألف ريال مؤجلة لمدة شهرين، وقال البائع بعتك هذه الدار بمائة ألف ريال مؤجلة لمدة شهر فقط. فالحكم في هذه المسألة كما سبق في البند (122). 124 - إذا اختلف المتبايعان في حلول الأجل وانتهائه، كأن يقول البائع: بعتك هذه الدار بمائتي ألف ريال مؤجلة إلى شهر محرم، واختلفا في ذلك، فالبائع يقول: إلى أول محرم، والمشتري يقول: إلى نهاية محرم، فالقول البائع لأن الأجل إذا جعل إلى شهر تعلق بأوله. 125 - جواز إسقاط الأجل من قبل المدين وإلزام الدائن بالقبول إذا لم يكن في ذلك ضرر على الدائن كخوف ونحوه، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 126 - لا يجوز إسقاط الأجل من قبل الدائن إلا إذا وافق المدين، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 127 - يسقط الأجل بانتهاء مدته. 128 - إذا استأجر إنسان أرضاً للزراعة فانقضت مدة العقد، وفيها زرع لم يبلغ حصاده، وكان ذلك بتفريط من المستأجر، فإن مالك الأرض يخير بين أخذ الزرع بقيمته، أو تركه للمستأجر بأجرة المثل، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الحنفية والحنابلة. 129 - إذا استأجر إنسان أرضاً للزراعة فانقضت مدة العقد، وفيها زرع لم يبلغ حصاده، ولم يكن ذلك بتفريط من المستأجر، فإنه يلزم مالك الأرض أن يترك الزرع إلى أن ينتهي وله أجرة المثل عن المدة الزائدة، وقد اتفقت في هذا الرأي مع مالك وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي والحنابلة. 130 - إفلاسُ المدين لا يوجب حلول ما عليه من دين مؤجل، وقد اتفقت في هذا الرأي مع الحنفية، وأصح القولين عند الشافعي وأحمد. 131 - جنون المدين لا يوجب حلول ما عليه من دين مؤجل، وقد اتفقا الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 132 - أن تقدير مدة إنظار المفقود يرجع إلى الحاكم، بشرط ألا تقل المدة عن أربع سنوات، وألا تطول إلى حد يترتب عليه ضرر يصيب الزوجة أو الورثة أو أصحاب الحقوق. 133 - من أسر ولم تعلم له حياة ولا موت لا تنكح زوجته حتى يعلم يقين موته، وقد اتفق الفقهاء على هذا، ولا رأي لي بعد هذا الاتفاق. 134 - دين الميت (المدين) يحل بالموت إلا في ثلاث حالات: أ- إذا كان الدائن قتل المدين أو تسبب في قتله عمداً، فإن الدين لا يحل ويبقى إلى أجله. ب- إذ كان المدين قد اشترط على الدائن عدم حلول الدين بموته أي (المدين) فإن الدين لا يحل. ج- إذا التزم ورثة المدين بتسديد الدين في موعده، فلا يحل الدين. وختاماً الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.

أحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية

أحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية ¤حسن بن أحمد بن حسن الفكي£بدون¥مكتبة دار المنهاج - الرياض¨الأولى¢1425هـ€فقه¶أحكام طبية هذا ملخص لأهم النتائج لما يحتويه هذا البحث: 1. إن الله تبارك وتعالى خلق الأدواء لحكم عظيمة من أظهرها الابتلاء والاختبار. وجعل لتلك الأدواء أدوية تقاومها قبل وقوعها، وتدافعها بعد وقوعها، علم ذلك من علم وجهله من جهله، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. 2. إن الاحتراز من الداء والتوقي عنه، واتخاذ الحيطة والحذر، وما شرع الله من وسائل، هذا أمر مشروع دلت عليه قواعد الشرع، وقال به أهل العلم. 3. إن القول الوسط في شأن العدوى: أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فالداء لا يعدي بطبعه كما كان يظنه أهل الجاهلية، وكما يعتقده أهل الكفر اليوم. لكن يمكن أن ينتقل الداء من المريض إلى السليم عن طريق المخالطة ونحوها، وهذا من قدر الله وسنته الكونية، ولو شاء ألا ينتقل لم ينتقل. 4. إن الإسلام جاء بصلاح الأرواح والأبدان. وعناية الإسلام بصحة الأبدان تظهر في كثير من تعاليمها وآدابه وأحكامه، وهي وسائل وقائية، يسعد بها من فقهها. يظهر ذلك جليا في أمره بالطهارة وخصال الفطرة، وإباحة الطيبات وتحريم الخبائث. 5. إن الدواء حقيقة هو: كل ما يستخدمه الإنسان، من عين مباحة نافعة، أو سبب شرعي، لأجل الوقاية، أو دفع المرض أو تقليله. وهذا أولى من تعريفات الدوائيين، الذين أهملوا الجانب الإلهي في الدواء أعني الأسباب الشرعية غير المحسوسة، مع أنها أقوى وسائل لدفع المرض، كما أشرت إليه في موضعه. 6. إن الإنسان عرف الدواء منذ فجر التاريخ بما أودعه الله فيه من فطرة فاحصة، وبما ألهمه إياه ودله عليه، عرف ذلك كل الأمم والشعوب، وإن كانت الأمة الإسلامية لها الريادة في ذلك، وقد خلف المسلمون كثيرا من المآثر التي لا يزال يستقي الناس إلى اليوم من معينها، وأصبحت أساسا لعلوم الطب والدواء. 7. إن الصيدلي المسلم يجب أن يكون قدوة في العلم والعمل، وأن يتحلى بكريم السجايا وجميل الخصال، وأن يجتنب الغش والكذب ونحو ذلك من خصال الشر، وليعلم أنه داعية إلى الله وأنه على ثغرة من هذا الدين الحنيف، وأن الله سائله يوم القيامة عما أسلف في هذه الدار. 8. إن مصادر الدواء المحسوس تتنوع ما بين مباح وممنوع شرعا، والممنوع لا يخلو أمره من إحدى حالتين: الحالة الأولى: أن يحتفظ بصفاته المحرمة في الدواء المنتج، وهذا إما أن يكون كحولا، أو لا فإن كان كحولا كان هذا الدواء حراما قطعا، لا يتداوى به في اختيار ولا اضطرار، بل لم يكن في الواقع دواء، وإن ظن أنه كذلك، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر: (لا، إنها ليست بدواء، ولكنها داء). وإن لم يكن كحولا، بل كان غير ذلك من المواد النجسة، فهو حرام في حال السعة، لكن يجوز التداوي به عند الضرورة. الحالة الثانية: أن يتحول المحرم إلى عين مباحة. فالدواء حينئذ دواء مباح، لكن يبقى النظر بعد ذلك: هل يجوز استخدام العين النجسة أو الحرام لتحضير الدواء إذا كانت ستستحيل إلى عين مباحة طاهرة، أو تنتزع بعد تحضير الدواء للاستغناء عنها؟ هذا ينبني على مسألتي: الانتفاع بالنجاسات، وتخليل الخمر. والذي يترجح والعلم عند الله جواز الاستفادة من النجاسات، دون تخليل الخمر، وعليه يبنى الحكم. 9. إن تعاطي الدواء على سبيل الوقاية أو على سبيل العلاج، كل ذلك جائز، وهذا مقتضى الأدلة الشرعية، كما أوضحته في موضعه.

10. إن الشرع الحنيف نبه على أنواع من الأدوية، ونوه على فعاليتها، وأرشد إلى الاجتهاد لطلب مكنوناتها، وقد تجلت كثير من أسرار الشرع الحنيف من خلال التجارب والأبحاث التي قام بها بعض الدارسين والباحثين. كما نبه على أنواع منها تشتمل على محاذير شرعية. وقد ذكرت بعضا من هذه وبعضا من تلك. 11. إن الكحول هو روح الخمر وعلة إسكارها، وقد أقحمه من لا خلاق له من الكفار وغيرهم من مصنعي الأدوية في معظم الأدوية دون حاجة لذلك، بل هناك العديد من البدائل الشرعية التي تقوم مقامه، بل وأحسن منه أحيانا. 12. إن مما استجد من نوازل العلاج قضية غرس الأعضاء، وقد عرضت لها وأطلت البحث فيه نسبيا، والذي اتضح لي فيها ما يلي: أ- إن الغرس الذاتي لا إشكال فيه. ب- إن الغرس من الغير: إن كان من الأموات فمقتضى الأدلة وقواعد الشرع جوازه، وقد بينت وجه ذلك. ج- إن الغرس من الغير: إن كان من الأحياء، فالأرجح منعه، وما ذكره المجيزون من حجج فهي ضعيفة. د- إن موت الدماغ المعروف عند الأطباء ليس موتا شرعيا، ولا تترتب عليه أحكام الموت الشرعي، وميت الدماغ حكمه حكم الحي المعصوم يحرم الاعتداء عليه. 13 - إن الرقى الشرعية أمثل أنواع الدواء وقاية وعلاجا لو أحسن الناس أخذها، بل من الأدواء ما لا يجدي فيه غير الرقى الشرعية، وأن ذلك مما لا يعرفه الطب الطبائعي. غير أن من الناس من غلا في أمرها وفتح أبوابا بدعية، واتخذ الرقى وسيلة للاعتداء على أعراض الناس وأموالهم. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. 14 - إن مدارس الطب النفسي قد فشلت في غالب أحوالها لما عملت بمعزل عن نور النبوة. وأن طريقة الإسلام في معالجة الأدواء النفسية هي الحق الذي لا محيد عنه، وفيها البلسم الشافي للعلل النفسية. 15 - إن الأدوية وخاصة العقاقير تخلف آثارا محسوسة على المكلفين، أي على أبدانهم وأرواحهم، وأخرى غير محسوسة، أعني على طاعتهم. وأن الآثار المحسوسة مضمونة في الجملة. وأما الآثار المعنوية أي الآثار التي تكون على الطاعة، فشملت نوازل فقهية مهمة هذه من أبرزها: أ- المنظار الذي يكون من أسفل من قبل أو دبر لا ينقض الطهارة لذاته. ومثله الأدوية التي تعطى من أسفل كالتحميل، والحقن الشرجية، ووضع الإصبع للفحص. ب- سحب الدم من المريض لا ينقض الوضوء. ج- الدواء الذي يذهب العقل يفسد الوضوء. د- إعطاء الدم لا يؤثر في صحة الصلاة. وكذا غرس العضو. هـ- المنظار العلوي أو السفلي لا يبطل الصيام. وكذا الفحص بالإصبع ونحوه. والأدوية التي تكون على الجراح لا تفسد الصوم، ولو كانت جائفة أو مأمومة. ز- الغسيل الكلوي (الإنفاذ الخلبي/البريتوني) يفسد الصوم على الأظهر نظراً لدخول الجلوكوز إلى الدم. ح- الإبر الوريدية إن كانت علاجية لا تفسد الصوم، وإن كانت مغذية تفسده. ط- إعطاء المريض الدم يفسد صومه. وكذا الغسيل الكلوي (الإنقاذ الدموي) من جهة اصطحاب الدم الجلوكوز معه. ي- الأرجح في سحب الدم أنه لا يفسد الصوم. هذا وقد اتضح لي ضرورة اهتمام المسلمين بمجال الدواء، خاصة وهم أهل السبق في كل خير، وفي شريعتهم إشارات عديدة لضروب من الأدوية، فكيف يكون غيرهم أسبق منهم في ما كان كذلك؟ ومع هذا فإن أكثر الاكتشافات والأبحاث في الأدوية الآن تجرى في بلاد الغرب، حتى ما اختص منها بالتنبيه عليه الشرع الحنيف، كالحبة السوداء والعسل وغيرهما كثير. كما اتضح لي وجوب سعي الأمة لإيجاد مصانع مستقلة تقوم على أساس الشرع حتى لا تدخل على المسلمين المواد المحرمة في أدويتهم، كالخمر والخنزير ضمن الأدوية التي يصنعها أهل الكفر الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحتى لا تكون الأدوية حكرا لأعدائنا فيتخذونها سلاحا ضدنا، وحتى لا تذهب أموال الأمة المصروفة في الدواء إلى خزائن الكفار. والأمة والحمد لله قادرة على ذلك كله بما وهبها الله من خيرات وفيرة، لكنها تحتاج إلى صدق وإخلاص وهمة وعزيمة وإحساس بعظم المسؤولية. عسى أن يعي أهل الشأن في الأمة الحبيبة هذا ويعملوا لتحقيقه، فيتقي المسلمون شر ما هم واقعون فيه الآن، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية (دراسة مقارنة)

أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية (دراسة مقارنة) ¤عبدالله بن محمد الطريقي£بدون¥بدون¨الأولى¢1404هـ€فقه¶أطعمة وأشربة الخاتمة بعد أن انتهينا من تحرير موضوعات "أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية"، بتوفيق من الله سبحانه وتعالى، يمكننا أن ندون خلاصة أهم ما ورد فيه مستعيناً بالله عز وجل فأقول: 1 - الطعام ينبوع الحياة يحتاج إليه الإنسان كما يحتاج إليه الحيوان وكما يحتاج إليه النبات وسائر الكائنات الحية، فالطعام عامل مشترك بين هذه الأشياء فبدونه لا تكون الحياة. وهو من نعم الله على الإنسانية حيث يسر لها ما لو شاء لمنعه عنها. 2 - أن لإطابة المطعم أثراً طيباً على الإنسان في سلوكه وصفاء قلبه وسريرته وقبول دعائه، كما أن للمطعم الخبيث أثراً سيئاً على الإنسان أيضاً، ويكفي أنه سبب في عدم قبول دعائه. 3 - التكسب وطلب المعيشة من أفضل القرب فالله سبحانه وتعالى لما خلق الخلق هيأ لهم سبل الرزق فالسماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، فالطيور من أصغر مخلوقات الله لم تستقر في أوكارها حتى يأتيها رزقها. فقد ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً". 4 - ما من مخلوق إلا وهو محتاج للطعام يأكله ويتغذى منه فالطعام للإنسان كالوقود للمحرك، وقد أودع الله في الأرض خيرات كثيرة للإنسان فما عليه إلا أن يستخرج هذه الخيرات من باطن الأرض لتكون قواماً للحياة وعوناً على طاعة الله سبحانه وتعالى. 5 - أكل الطعام منه ما هو فرض ومنه ما هو مباح ومنه ما هو حرام ومنه ما هو مأجور عليه. 6 - لآداب أكل الطعام صفات مستحبة وآداب مرعية منها ما يتقدم الأكل ومنها ما يكون أثناء الأكل ومنا ما يكون بعد الأكل. 7 - الأطعمة لغة إسم جامع لكل ما يؤكل وما به قوام البدن. وهي في اصطلاح الفقهاء تطلق على معان مختلفة تبعاً لاختلاف مواطنها. 8 - تنقسم الأطعمة إلى حيوانية وغير حيوانية، ثم الحيوان ينقسم إلى مائي وبري. ثم البري ينقسم إلى قسمين حيوان أهلي وحيوان وحشي، ثم إن قسمي الحيوان المائي والبري أنواع منها ما يؤكل ومنها ما لا يؤكل، ثم إن المأكول من الحيوان ينقسم إلى مباح ومكروه وإلى ما تشترط الزكاة في إباحته وما لا تشترط. 9 - الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص من الشارع بالتحريم كما هو مذهب جمهور الفقهاء والأصوليين عملاً بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}. وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ... } فالأصل الإباحة والتحريم مستثنى. 10 - اختلف العلماء في المراد بالطيب الذي أباحه الله تعالى وفي الخبيث الذي حرمه على أقوال ترجح لنا منها أن المراد بالطيبات هو ما كان نافعاً لأكله في دينه وبدنه. والخبيث ما كان ضاراً له في دينه وبدنه. 11 - اختلفت الملل والجماعات في الأطعمة اختلافاً شاسعاً واضطربوا في شأنها اضراباً فاحشاً حتى وصل بعضهم إلى تحريم الحال الطيب وإباحة الحرام الخبيث. 12 - من أسباب تحريم بعض المحرمات من الأطعمة الضرر اللاحق بالبدن أو الإسكار والتخدير والترقيد أو النجاسة أو الاستقذار أو الافتراس أو عدم الإذن شرعاً في التناول. 13 - المطعومات منها ما أحله الله سبحانه وتعالى بالنص ومنها ما حرمه بالنص وهناك مطعومات أخرى اختلف في حرمتها لعدم التنصيص عليها صراحة وهي ما سبق بحثه مستوفى.

14 - من رحمة الله تعالى بالبشرية أن حرم علينا تناول لحوم الحيوانات المفترسة وذلك لما فيها من القوة السبعية التي تورث من أكلها نبات جسمه منها فتصير أخلاق الأكل قريبة من أخلاق السباع. مع ما فيها من خبث مطعمها كالتي تأكل الجيف من الطيور. أو لأنها في نفسها مستخبثة كالحشرات فطيب المطعم يؤثر في الحل وخبثه يؤثر في الحرمة. 15 - العلم الحديث الصادر عن تجارب صحيحة ونظريات واقعية يخدم الإسلام في كثير من المسائل، وذلك أن العلم كلما تمكن أكثر ازداد الناس معرفة بكثير من أسباب تحريم بعض المأكولات، من ذلك لحم الخنزير الذي لا يزال العلم الحديث يكتشف فيه الكثير من الأضرار والأمراض التي لا ينجو منها أي إنسان يأكل لحمه سواء كان في مناطق حارة أو باردة من أنحاء العالم. 16 - هناك بعض الحيوانات حرمها الإسلام لأسباب عارضة، وهذا السبب العارض يصير به الحيوان المباح حراماً أو مكروهاً شرعاً وهذا السبب قد يتصل بالإنسان أو بالحيوان أو بهما معاً. وذلك كالإحرام بالحج أو العمرة والجلالة من الحيوانات ووجود حيوان الصيد في نطاق الحرم وأخذ الطيور من أوكارها، على خلاف بين الفقهاء في هذه الأشياء. 17 - اختلف الفقهاء في حكم أكل حيوان البحر الذي لا يعيش إلا فيه والراجح أن ما لا يعيش إلا في البحر حلال كله لعموم الأدلة في إباحة حيوان البحر. 18 - الحيوان الذي يعيش في البر والبحر هل يعتبر من حيوان البر أو من حيوان البحر؟ في ذلك خلاف بين الفقهاء سبق بيانه مفصلاً. 19 - من الأشياء التي ظهرت في هذا العصر استعمال الجيلاتين في كثير من أنواع الأطعمة. ومصدر هذا الجيلاتين جلود وعضلات وعظام الحيوانات التي من المحتمل أن يكون بها كثير من أجزاء الخنازير، وعلى هذا فالجيلاتين المتحول عن الكولاجن الذي أصله من الخنزير حرام لأن ذلك مثل انقلاب الخنزير ملحاً. 20 - استعمال الأدهان في الأغذية فيه تفصيل وذلك أن هذه الأدهان أما أن تكون من نبات أو من حيوان. فإن كانت من نبات فهي حلال بشرط ألا تكون مخلوطة بنجس أو متنجس وإن كانت من حيوان فإما أن تكون من مأكول أو غير مأكول. فإن كانت من مأكول فحكمها حكم لحمه. وإن كانت من حيوان محرم الأكل كالخنزير فإما أن تستعمل في مأكول أو غير مأكول. فإن استعملت في غير المأكول كاستعمال كثير من أدهان الخنزير في الصابون ففيه خلاف الراجح فيه التحريم. أما إن استعملت في الأطعمة المأكولة كاستعمال كثير من أدهان الخنزير مع الحلويات وغيرها فذلك محرم. 21 - أما الأجبان فإن صنعت من لبن حيوان غير مأكول فلا تؤكل إجماعاً وإن صنعت من لبن حيوان مأكول فإن عملت من أنفحة مذكاة ذكاة شرعية ولم يخالطها نجاسة فتؤكل. أما إن عملت من أنفحة ميتة ففي جواز أكلها خلاف الراجح تحريم أكلها. أما إن عملت من أنفحة نجس العين فلا تؤكل. 22 - من رحمة الله بعباده أن حرم عليهم ما فيه ضرر في دينهم أو أبدانهم من مسكر ومخدر وهو ما تعاني منه شعوب العالم الذي حَكَّم القانون الوضعي. 23 - أكل الطين والتراب والحجر وما شابهها محرم لا يجوز تناوله لما فيه من المضرة على الجسم. والإسلام يأمر بحفظ البدن وعدم إلحاق الضرر به. وهذا ما لم يترتب عليه مصلحة محققة كصلاحيته علاج مثلاً لبعض الأمراض ونحو ذلك. 24 - الحشيش نبات مخدر يستخرج من ورق القنب وقد اتفق فقهاء المذاهب على تحريمه لأنه مفسد للعقل ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ولأنه يحتوي على مركبات متعددة أهمها الحشيش الذي يعتبر سماً فعالاً في الجهاز العصبي.

25 - أما الأفيون فهو مادة مأخوذة من نبات الخشخاش الأبيض تؤخذ بطريقة الفم، وتتركب من مركبات عديدة أهمها المورفين والكودثين والبابافرين والناركوتين، وهي مواد مسكنة للألم ومنومة ومضادة للتشنج يؤدي الإدمان عليها إلى انسمام عصبي خطير. وهو محرم لأنه مادة مخدرة يشتمل على مضار كثيرة من مسخ للخلقة وإفساد للعقل وصد عن ذكر الله وعن الصلاة. 26 - أما القات فيستعمل مضغاً عادة عند المدمنين عليه أو تحت الشفتين ويحتوي على مواد متعددة أهمها مادتي الأفدرين وبالنزيدرين وقد ترجح لنا تحريمه نظراً لما فيه من المضار في الدين والبدن وقد سبق بيانها في موضعها. 27 - ما له رائحة كريهة كالبصل والثوم والكراث مباح ولم يرد دليل في تحريمها بذاتها وإنما ورد الدليل في النهي عن أكلها عند الصلاة خشية تأذي المصلين من رائحتها والنهي لا يقتصر على هذه الأشياء فقط بل يتعداها إلى كل ما له رائحة كريهة وهذه قاعدة عامة عن كل ما يتأذى منه بنو آدم. 28 - الميتة ما فارقته الروح من غير ذكاة مما يذبح، وما ليس بمذبوح فذكاته كموته كالسباع. وقد حرم الله الميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع لما فيها من الأضرار على أكلها فالإسلام دين الصحة والسلامة لم يبح شيئاً إلا لمصلحة ولم يحرمه إلى لمضرة ظاهرة أو خفية علمناها أو لم نعلمها. لأنه من لدن حكيم خبير يعلم ما يصلح خلقه وما يضرهم لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون. 29 - الدم سائل أحمر يسري في عروق الحيوان وهو محرم بنص القرآن إلا أنه يعفى عن يسيره مما يبقى مع العروق تيسيراً على الأمة ودفعاً للمشقة، والجمهور على تحريم مسفوح الدم فقط. 30 - اتفق الفقهاء رحمهم الله على طهارة البيض إذا صلب قشره واشتد واختلفوا في إباحته إذا لم يشتد قشره والذي ظهر لنا نجاسته لاختلاطه بالنجاسة وعدم انفصاله عنها. 31 - لبن الميتة المأكولة حال الحياة نجس يحرم تناوله لنجاسة وعائه كاللبن في إناء نجس وهذا مذهب جمهور الفقهاء. 32 - للفقهاء في حد الضرورة المبيحة للمحرم أقوال متقاربة أنسبها أنها بلوغ المضطر حداً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب الهلاك أو خشي تلف عضو من أعضائه. وهذا لأن الأصل في المحرم عدم فعله ولا ينتهك إلا عد الضرورة والضرورة تقدر بقدرها. 33 - مهما بلغت الضرورة فلا يجوز للمضطر أن يأكل إلا بمقدار ما يسد الرمق فقط لأن المحرم أبيح للضرورة والضرورة تقدر بقدرها ولأنه من الممكن أن يجد طعاماً مباحاً وهذا هو الراجح من أقوال الفقهاء. هذا ما تيسر كتابته في موضوع أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية فإن وفقت إلى الصواب فهو توفيق منه سبحانه وتعالى وله الشكر على كل حال. وإن لم أوفق فمني وأستغفر الله. وفي الختام أسأله تعالى أن يوفقنا في جميع الأعمال لما يرضيه وأن يجعل عملنا صالحاً ويجعله لوجهه خالصاً بمنه ورحمته إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على البشير النذير والسراج المنير محمد خاتم النبيين وقائد الغر المحجلين وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أحكام الأطعمة والذبائح في الفقه الإسلامي

أحكام الأطعمة والذبائح في الفقه الإسلامي ¤أبو سريع محمد عبدالهادي£بدون¥دار الجيل - بيروت¨الثانية¢1407هـ€فقه¶أطعمة وأشربة الخاتمة مما سبق نستطيع أن نصل إلى النتائج الآتية: 1 - إن الإسلام قد عمل على سلامة الروح والأبدان والعقول، فأباح الطيب وحرم الخبيث. {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ}. 2 - أباح الله الحلال بشرط عدم الإسراف {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (). 3 - الأصل في الأشياء الإباحة إلا إذا ورد ما يدل على النهي. فأباح لنا كل ما سكتت عنه النصوص واستباحته العرب. أما ما لم يرد به نص واستخبثته العرب فهو حرام. والمراد بالعرب أهل اليسار من الحضريين من أهل الحجاز. 4 - أباح الله لنا: الإبل والبقر والجاموس والغنم والماعز والأرانب والخيل. والحيوانات البرية غير المفترسة. كالغزال وبقر الوحش وحماره. وحرم علينا الحمار الأهلي والبغل وكذا كل ذي ناب مفترس. إلا أنه أباح الضبع والثعلب. والدب. وحرم الهر والفيل والقرد وابن آوى. وأحل لنا الحشرات الضب والمقنفذ والنيص والوبر واليربوع والجراد والدود بشروط خاصة. وحرم ابن عرس – العرسة – والحشرات المستخبثة والضارة. كالخنافس والعقارب. وأحل لنا. ما ليس له مخلب قوى ولا يأكل الجيف الكنعامة والبط والأوز الحمام واليمام والعصافير. أما ما له مخلب فيحرم. كالصقر والنسر والباز والحدأة والبومة. الخ. 5 - حرم الله أكل ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلهم في الحل والحرم. وهم. الحدأة والفأرة. والكلب العقور والحية والغراب الأبقع. وأحل غراب الزرع وكذلك. أحل الله ما حرم الرسول قتله. وهم الهدهد والصرد – طائر فوق العصفور – والنمل السليماني والنحلة. أما الضفدع فحرام أكله. 6 - الجلالة. لا يجوز أكلها حتى يزول أثر ما أكلته من النجاسات ويجوز العلف للحيوانات بالنجاسات إذا استحالت إلى شيء آخر. أما إذا لم يتم ذلك فلا يباح. وإذا أكلت النجاسات قليلا فلا شيء في القليل. 7 - جميع الحيوانات البحرية حلال. ولو كانت ميتة. ولو كان السمك طافيا ولا فرق بين من يعيش في البحر فقط. أو فيه وفي البر. إلا التمساح والضفدع فإنهما يحرمان. ولا تجب ذكاة ما يعيش في البحر فقط. أما ما يعيش فيه وفي البر فيذكى. كما أن السمك المملح حلال. 8 - ما انفصل من الحيوان كالسمن واللبن على أن يكون من حيوان مأكول. ويحل لبن الآدمية ولو ميتة. والجبن بالأنفحة حلال. والبيض الخارج من حيوان طاهر ولو غير مأكول. وكذا من الحيوان المأكول بعد موته. 9 - الخميرة بيرة حلال. والثوم وتوابعه من المكروهات. 10 - تحل الأشربة ما عدا الخمر والمخدرات. أما السجاير فقيل بحلها. وقيل بكراهتها. وقيل بحرمتها لضررها، والأكل والشرب في أواني الذهب والفضة حرام. 11 - الذبائح تذبح بالطريقة الشرعية في الحلق واللبة. يسن نحر ما ينحر كالإبل. وذبح ما يذبح كالبقر. فإن عكس جاز مع الكراهة. وتستحب التسمية في القول الراجح وأن يكون الذبح بآلة حادة وإراحة الذبيحة. وعدم سن السكين أمامها. وأن لا يذبح حيوانا أمام آخر. وألا يذبح من القفا فإن فعل ذلك جار مع الكراهة. 12 - يجوز الذبح بكل محدد. ما عدا السن والظفر والعظم. 13 - لا تجوز ذبيحة الكافر مطلقا. وتجوز ذبيحة الكتابي إلا إذا سمي غير الله وسمعناه. فإن ذبيحته لا تحل.

14 - اللحوم المستوردة إذا كانت من بلاد إسلامية حلت. وإن كانت من بلاد كتابية وذبحت على الطريقة الشرعية. حلت. وإن ذبحت على غير الطريقة الشرعية وتأكدنا بما لاشك فيه فلا تحل. أما إن جهلنا كيفية ذبحها حلت لأن الطعام لا يطرح بالشك. واللحوم التي تأتينا الآن من بلاد كتابية حلال. لأن المندوبين ترسلهم الشركات المستوردة يقولون إنها تذبح على الطريقة الشرعية. والعاقبة عليهم. 15 - ذبائح أهل الكتاب المحرمة عليهم إذا كانت تحل لنا. جاز أن نأكلها منهم. والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى. ولو بعد التبديل والتحريف في دينهم. 16 - يجوز الصيد بالكلاب والجوارح المعلمة على أن لا يأكل من المصيد. ويجوز أن يشرب من دمه. ويجوز الرمي بالسهام في الحيوان غير المقدور عليه. في أي موضع من جسده. ولو مات حل. وإن بقيت فيه حياة مستقرة وجب ذبحه. ويجوز الصيد بالبندقية المعروفة الآن. 17 - يجوز بيع واقتناء الكلاب مع الكراهة للحراسة والصيد وما شابههما إذا كان في ذلك منفعة. ويحرم فيما عدا ذلك. 18 - تحرم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ويجوز للمضطر تناول المحرمات. ويجوز التداوي بالمحرمات والنجاسات حتى الخمر إذا لم يوجد من الطيب الحلال ما يحل محلها ويجوز تشريح جثث الموتى للدواء أو لمعرفة سبب الوفاة. هذا وقد طلب الله من عباده أن يأكلوا من الطيبات وأن يشكروه على ذلك ليزيدهم من هذه الطيبات. والشكر يكون باعتراف القلب أنها من الله. وحرم علينا كل ما هو ضار وخبيث كالميتة والدم ولحم الخنزير لأنها مستقذرة ولما فيها من الميكروبات الضارة التي تؤدي إلى الأمراض الخطيرة. كما أن الأكل من الطيبات له تأثير حسن على القلب والجسم والسلوك والطباع بخلاف المحرمات والخبائث. فإن فيها الضرر على القلب والجسم والسلوك والعقل. إنه تشريع العليم الخبير. الذي أوجب ما فيه المصلحة لنا. ونهانا عما فيه الضرر والإيذاء. قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} صدق الله العظيم. وأسأل الله أن أكون قد وفقت في هذا الموضوع. وأن ينتفع به المسلمون في كل مكان. لأن موضوع الأطعمة والذبائح من أهم ما يشغل المسلمين. وخصوصا. أطعمة أهل الكتاب وذبائحهم واللحوم المستوردة وغيرها. ولما كان أهم ما في الأطعمة الحيوانات. فإن معظم باب الأطعمة كان عنها. أما الأضحية والعقيقة فقد فصلنا القول فيهما في كتابنا "أحكام الحج والعمرة في الفقه الإسلامي". والله الموفق. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

أحكام الأعمى في الفقه الإسلامي

أحكام الأعمى في الفقه الإسلامي ¤محمد بن عمر الشماع£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1428هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة: الحمد لله حمداً كثيراً الذي أعانني ووفقني إلى إكمال بحثي، وأسأله سبحانه أن يجعله عملاً صالحاً مقبولاً حجة لي لا حجة علي في الدنيا والآخرة .. لقد عشت من خلال بحثي هذا أفضل الأوقات استمتاعاً؛ بما في سمو التشريع الإسلامي من حكم عظيمة بالغة، وبما في ديننا من سماحة ويسر فيما يخص الناس جميعاً، وخصوصاً المكفوفين؛ لأهميتها العظمى في حياتهم. وبعون الله وتوفيقه، أرجو أن أكون قد وفقت إلى المقاربة من إكمال (أحكام الأعمى في الفقه الإسلامي) - موضوع هذه الرسالة -؛ لأن الكمال لله وحده. وفي ختامه لابد من إبراز أهم النتائج التي توصلت إليها من هذا البحث فأقول: لقد سلكت في هذا الموضوع مسلكاً منهجياً اقتضى أن يكون البحث في عشرة فصول، يسبقها مقدمة وتمهيد. فأما المقدمة؛ فقد تحدثت فيها عن أهمية الموضوع وسبب اختياري له، ومنهجي وخطتي في البحث. وأما التمهيد؛ فقد تحدثت فيه عن رعاية الإسلام واهتمامه بأصحاب العاهات والمرضى، ومنهم الأعمى. وبعد ذلك تحدثت عن الأحكام الخاصة بالأعمى، ومن خلال معايشتي للأحكام الخاصة بالأعمى برزت بعض النتائج، ومن أهمها: 1 - بعد تعريف الإشارة؛ خلصنا إلى أنه قد ورد استعمال الإشارة في الشريعة الإسلامية، وأن حكمها هو حكم الكلام في بعض المواضع، وذكرنا أقوال الفقهاء في إشارة الأعمى، وصوراً منها، وخلصنا إلى أن إشارة القادر على النطق لا تنعقد بها العقود، ولا يصح بها شيء من التصرفات، والأعمى أحد القادرين على النطق. 2 - إن الأعمى قد يجتهد في بعض المسائل دون الأخرى؛ فالأعمى يجتهد في وقت الصلاة بالأوراد ولا يجتهد في القبلة، وذكرت مثلاً أنه لو اشتبه عليه الماء الطاهر بالنجس أنه يجوز له الاجتهاد؛ لأن الأعمى يمكنه الاجتهاد والتحري والوقوف على المقصود بالشم والذوق والسمع واللمس، علماً بأن بعضاً من الأمور لا تحتاج إلى أدلة بصرية لكي يجتهد فيها، وخلصت إلى أن الأعمى يملك الكثير من الأدلة غير البصرية، فلماذا يمنع من التحري والاجتهاد طالما أنه لا يفقدها؟ ورجحنا أنه إذا فقد الأعمى جميع حواسه امتنع عليه الاجتهاد. 3 - إن الأعمى يجوز له التحري والاجتهاد في الأواني والثياب؛ لأن التحري والاجتهاد أمر مشروع، وهو ميزة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف وهو في أمر هام مثل الصلاة؟ فإذا فعل ذلك يكون قد اتقى الله ما استطاع. 4 - إن الأعمى يجتهد في معرفة أوقات الصلاة كالبصير؛ لأنه يشارك البصير في هذه العاملات، مثل من له صنعة جرت عادته بعمل شيء مقدر إلى وقت الصلاة، أو قارئ جرت عادته بقراءة شيء فقرأه إلى وقت الصلاة، أو بالأوراد والأذكار. 5 - إن الأعمى شخص كامل الأهلية، ولديه من الحواس الأخرى ما يستطيع به معرفة القبلة وإصابة موقعها. 6 - إن الخلاف في حكم أذان الأعمى لفظي؛ فالقول بجواز أذان الأعمى مشروط بجواز ما إذا وجد معه من ينبهه على دخول الوقت ويرشده؛ مثل أن يكون معه بصير يعرِّفه، كبلال مع ابن أم مكتوم، أما في وقتنا الحاضر؛ فإنه يجوز أذان الأعمى بلا كراهة مطلقاً؛ سواء كان معه من ينبهه أم لا؛ حيث تعددت الوسائل الحديثة وكثرت، فما أن يحين وقت الصلاة حتى تسمع النداء من كل مكان، والله أعلم. 7 - إن إمامة الأعمى جائزة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم يؤم بالناس وهو أعمى، أما قول الحنفية بالكراهة؛ فالكراهة هنا هي كراهة تنزيهية، وهذا قد حصل به جمع بين الأدلة.

8 - إن العمى مرض من الأمراض، خصوصاً إذا كان صاحبه لا يجد قائداً أو غير حاذق ولا عارف بالطريق؛ فهنا يعتبر المرض مانعاً من وجوب الجمعة، أما إذا وجد القائد وكان هذا القائد سيأخذ أجرة المثل وبشرط أن تكون هذه الأجرة في حدود طاقته ولا تجحف به؛ فإن الجمعة عند ذلك تجب عليه وهذا يتفق مع روح التشريع الإسلامي في التيسير على المكلفين. 9 - إن صلاة الجماعة واجبة على الأعمى؛ وذلك لقوة الأدلة الواردة في ذلك وصراحتها؛ حيث صرح صاحب الشرع بأنه لا رخصة في ذلك، ولو كان هناك تخيير في ترك صلاة الجماعة لكان أولى الناس بهذا التخيير مثل هذا الأعمى. 10 - إن الأعمى يجب عليه الحج إذا وجد زاداً وراحلة وقائداً يقوده متبرعاً أو بأجرة المثل؛ وذلك لأن الأعمى مع القائد لا يعسر عليه السفر عسراً بيناً زائداً على المعتاد في كلف الأسفار، وخصوصاً في زماننا هذا؛ حيث سهولة المواصلات ويسرها من طائرات وسيارات وسواها. 11 - إن بيع الأعمى وشراءه صحيحان فيما لا يحتاج إلى الرؤية؛ لأنه إذا منع الأعمى من البيع والشراء لنفسه لتَرتب عليه حرج ومشقة شديدة تتنافى وروح التشريع الإسلامي الذي جاء بالتيسير على المكلفين. 12 - إن إجارة الأعمى واستئجاره صحيحة ما عدا ما يحتاج إلى رؤية؛ فلا يصح استئجاره. 13 - إن الأعمى يثبت له الخيار؛ لأنه قد يخدع، وذلك لأن ديننا الإسلامي راعى أحوال أتباعه عامة، ويسَّر لهم أسباب الخير والاطمئنان أمام ما يجلب لهم الأسى والندم. 14 - إن السلم من الأعمى يصح؛ سواء ولد أعمى أو عمي بعد سن التمييز أو قبله؛ وذلك لأن السلم عَقْد على موصوف في الذمة يستوي فيه الأعمى والبصير، ولأنه لا يشترط فيه الرؤية؛ وإنما يعتمد الكل على الوصف. 15 - إن الوكالة من الأعمى جائزة؛ وذلك أن الأعمى يحتاج إلى ضروريات الحياة من المأكل والمشرب، ولا يتمكن من شرائها بنفسه؛ فله أن يوكِّل، وإذا مُنع من التوكيل كان عليه من الحرج والمشقة الشيء الكثير. 16 - إن الأعمى يجوز أن يعهد له الإنسان من بعده بوصيته للأعمى برعاية مصالح أولاده؛ وذلك لأن الأعمى تتوفر فيه جميع الشروط الخاصة بالوصية، فلماذا يمنع؟ 17 - إنه ينبغي أن يوضع في الحسبان أن الله سبحانه وتعالى تفضل بنعمة الذكاء وتوقد البصيرة غالباً على المكفوفين أكثر من غيرهم، وصدق الله حيث يقول: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [الحج: 46]. 18 - إن العمى عيب يثبت فيه الفسخ لكل من الزوجين؛ لأن العمى يعطل مصالح الزوج، حتى وإن كان مفهوم النكاح أنه يعقد عليها للاستمتاع بها، فعلم أن بيان العيب في النكاح أولى وأوجب. 19 - إن العمى ليس بقادح في ولاية التزويج؛ لأنه لا يمنع من تحصيل المقصود بالبحث والسماع والاستقصاء. 20 - إن خُلع الأعمى صحيح؛ لأنه يصح من كل زوج يصح طلاقه والأعمى يصح طلاقه. 21 - إن الأعمى لا يجزئ عتقه في شيء من الكفارات؛ لأن العمى يضر بالعمل ضرراً بيناً، أما الرقبة العوراء فيجزئ عتقها. 22 - أن الأعمى إذا قذف زوجته لاعن؛ لأن الله لم يخص أعمى من بصير، ولأنه يحصل له التحقق باللمس والسماع فصح لعانه. 23 - إن الأعمى إن وجد امرأة على فراشه أو في منزلة فظن أنها زوجته فوطئها لا حد عليه؛ لأن الوطء حصل بالخطأ فجهله شبهة يُدرأ الحد به. 24 - أن الأعمى إذا جنى على ذي عين سالمة فإنه تجب عليه الدية، أما إذا جنى على عين الأعمى - أي حدقته - ذو سلامة، بأن قلعها؛ فإن السالمة لا تؤخذ بها؛ لعدم المماثلة؛ بل يلزمه حكومة. 25 - إن ذكاة الأعمى جائزة بغير كراهة؛ لأن الأعمى لم يفقد فيه إلا النظر، وذلك لا يوجب الكراهة، وكذلك صيد الأعمى جائز. 26 - إن الجهاد لا يجب على الأعمى؛ لأن الله قد عذره بنص القرآن. 27 - إن الأعمى لا يصلح أن يكون قاضياً؛ لأن القضاء منصب خطير يحتاج إلى قوة الملاحظة ودقتها؛ مما يحتاج معه إلى البصر، وكذلك لا يصلح أن يكون إماماً؛ لأن الإمام يسعى في تدبير مصالح الأمة، والأعمى محتاج إلى غيره في تدبير مصالحه. 28 - إن شهادة الأعمى جائزة متى تيقن الصوت وعرف صاحبه؛ لأن طريقه السماع، والأعمى يستطيع أن يضبط الشهادة ويؤديها كما يؤديها البصير. 29 - إنه لو لم تقبل شهادة الأعمى في بعض الأمور لأدى ذلك لضياع كثير من الحقوق؛ ولربما لا يوجد سواه، وهذا مخالف لسماحة الشريعة وسعتها.

أحكام الأهلة والآثار المترتبة عليها

أحكام الأهلة والآثار المترتبة عليها ¤أحمد بن عبدالله الفريح£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1429هـ€فقه¶مطالع الأهلة ومنازلها خاتمة بأبرز النتائج: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فإني أحمد الله الذي له الحمد في الأولى والآخرة على ما منَّ به وتفضل وأعان، فيسر من إتمام هذا البحث، وجعله الله خالصاً لوجهه مراداً به الوصول للحق لا التعصب للهوى – آمين -. هذا وختاماً لبحثي فإني أذكر النتائج التي استخلصتها من هذا البحث فأقول: 1 - حقيقة الأهلة جمع هلال: وهو غرة القمر حين يهله الناس في غرة الشهر أو لليلتين، وكذا آخره. 2 - العمل بالأهلة هو من شرع من قبلنا، وعليه العمل في شريعتنا، ويدل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع. 3 - يستحب عند رؤية الهلال ذكر الدعاء المشروع – وقد سبق شيء من هذه الأدعية -. 4 - هناك فروق ظاهرة بين كل من الشهر الشمسي والشهر القمري، وبين الهلال عند أهل الشرع والهلال عند الفلكيين، قد مضى شيء من تبيينها. 5 - الحكمة من خلق الهلال: مواقيت للناس والحج. 6 - طرق إثبات دخول الشهر، طريقان فحسب: الرؤية، أو إكمال العدة، أما الحساب فلا عبرة به ولا يعد طريقاً لإثبات دخول الشهر، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع. 7 - يثبت دخول الشهر برؤية الجم الغفير بالإجماع ولا خلاف، أما رؤية العدلين فخلاف، الراجح قبولها، وكذلك رؤية العدل الواحد في رمضان فقط. 8 - إثبات دخول الشهر بالرؤية عبر المراصد الفلكية جائز، وليس بواجب، بمعنى لو ترك فلا إثم على الناس في تركهم له، وإنما الإثم لو تركوا الرؤية البصرية باعتمادهم على الآلة. 9 - إثبات دخول الشهر عبر الطائرة جاز بشروط – مضت أما إثبات دخوله عبر الأقمار الصناعية فلا يجوز ولا يثبت. 10 - يثبت دخول الشهر، إكمال عدة الشهر ثلاثين يوماً في حالتين: الأولى: إذا كانت السماء صحواً ليلة الثلاثين فيكمل الشهر ثلاثون يوماً. الثانية: إذا كان هناك ما يمنع من الرؤية من غيم أو قتر أو نحوهما فخلاف، الراجح أنه يكمل الشهر ثلاثون. 11 - للعمل بالحساب طرق – ذكرت في البحث -، وكذلك هناك فروق بين الحساب والتنجيم. 12 - الراجح في حكم العلم بالحساب عدم الجواز، وعليه يدل الكتاب والسنة وصريح الإجماع – بل إن الخلاف الواقع مفند! 13 - مسألة اختلاف المطالع من المسائل الاجتهادية التي ساغ الخلاف فيها كل بدليله، فلا عتب على من يرجح قولاً دون آخر، والذي أميل إليه هو القول بعدم اعتبارها من حيث النظر، أما من حيث التطبيق فمتعذر ما زالت الأمة الإسلامية على هذا الوضع!. 14 - القول باستحالة الرؤية والقطع بإمكانها حادثان عن القول بالعمل بالحساب، ولكل منهما حالات إذا حدثت قطع بأحدهما؛ أما من حيث الناحية الشرعية فلا عبرة بهما إلا فيما اعتبره الشارع من استحالة الرؤية في حالات قد بينت. 15 - إذا اشتبهت الأشهر على أحد فيجتهد ويتحرى الصوم، ويترتب على صيامه أحد أربع حالات: استمرار الإشكال عليه أبداً، أو موافقة صومه لرمضان، أو تقدمه على رمضان، أو تأخره عنه. 16 - إذا استمر الاشتباه على من اشتبهت عليه الأشهر فيجزئه الصوم بلا خلاف. 17 - إذا وافق صومه رمضان فالصحيح أنه يجزئه. 18 - إذا تقدم صومه رمضان؛ فإن إدراك رمضان كاملاً، فيلزمه صيام رمضان أداء، وإن بان له بعد رمضان، فالصحيح أنه لا يجزئه ويعيد. 19 - أن يتأخر صومه عن رمضان فيجزئه، بشروط ذكرت. 20 - ينبغي للإمام – القاضي أو غيره مما له شأن في رؤية الهلال مراعاة أمور منها على سبيل الوجوب، ومنها على سبيل الاستحباب، ذكرت في البحث.

21 - إذا صام الناس بشهادة عدل واحد وتم الشهر ثلاثين يوماً ولم ير الهلال، فإن كان في السماء غيم فيفطرون، وإلا فيزيدون يوماً – على الصحيح -. 22 - إذا صام الناس بشهادة عدلين وتم الشهر ثلاثين يوماً ولم ير الهلال، فالصحيح أنهم يفطرون. 23 - إذا صام الناس ثمانية وعشرين يوماً ثم رأوا الهلال فيفطرون ويقضون يوماً على الصحيح. 24 - إذا وقف الناس اليوم العاشر فيجزئهم الوقوف بلا خلاف، وإن وقفوا اليوم الثامن فيجزئهم – على الصحيح -. 25 - وقت رؤية الهلال من غروب شمس اليوم التاسع والعشرين، فإن رؤي بعد غروبها فالشهر ناقص، وإن رؤي قبل غروبها فهو من الشهر الحالي، وإن رؤي في اليوم الثلاثين بعد الزوال فهو للشهر القادم بلا خلاف – في كل ما ذكر -، وإن رؤي قبل الزوال يوم الثلاثين فهو الشهر القادم – على الصحيح -. 26 - إذا كسفت الشمس في آخر الشهر، فلرؤية الهلال حالات قد ذكرت بالتفصيل. 27 - إذا توالى الغيم أشهراً فالصحيح أنهم يتمون ثلاثين يوماً لكل الأشهر التي فيها غيم. بشرط ألا تتوالى أربعة أشهر كذلك، فإن كان فيحسب أحدهما تسعة وعشرون. رؤية الهلال فرض كفاية، وينبغي للإمام دعوة الناس إليه. 29 - للأهلة تأثير في بعض الأحكام الشرعية التي لها تعلق بالمواقيت، كالزكاة والصيام والحج والأشهر الحرم، والبلوغ والطلاق والعدد والإحداد والحضانة والنفقة والحمل وميراث المفقود، والبيوع والسلم والإجارة والمساقاة والمزارعة والمكاتبة، والإيمان والنذور وكفارة القتل وكفارة الظهار وغيرها. 30 - طريقة العمل في المملكة العربية السعودية قائم على الرؤية الشرعية، مع الاستعانة بالمراصد الفلكية، وذلك عن طريق لجان تشكل لها. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أحكام الأوراق التجارية في الفقه الإسلامي

أحكام الأوراق التجارية في الفقه الإسلامي ¤سعد بن تركي الخثلان£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1425هـ€فقه¶نقود وعملات وأوراق تجارية خاتمة البحث وتشتمل على: - أهم نتائج البحث. - التوصيات. - في ختام هذا البحث أحمد الله تعالى وأشكره على توفيقه وإعانته على إتمام هذا البحث .. ، وأسأله المزيد من فضله والتوفيق لما يحب ويرضى .. - وتتويجاً لهذا البحث أختمه بخاتمة تتضمن أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث، والتوصيات التي يراها الباحث .. أهم نتائج البحث: يمكن تقسيم أهم نتائج البحث إلى نتائج عامة، ونتائج تفصيلية .. ، فأبرز النتائج العامة: - أهمية الأوراق التجارية في الحياة العملية للناس عموماً وللتجار على وجه الخصوص .. ، وتبرز هذه الأهمية بشكل خاص من خلال قابلية الأوراق التجارية لسداد ديون عديدة بعملية وفاء واحدة .. ، فعلى سبيل المثال: الكمبيالة التي يحل موعد وفائها بعد مدة معينة بالإمكان سداد عدة ديون بها عن طريق التظهير حتى يحين موعد سدادها فيقوم المسحوب عليه بوفائها لحاملها الأخير .. - أن أصول الأوراق التجارية كانت معروفة لدى المسلمين، فقد عرفت المجتمعات الإسلامية التعامل بما يشبه السفاتج منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم، وعرفت كذلك: صكوك البضائع ورقاع الصيارفة .. ، ويقال: إن المصطلح القانوني (شيك) (أحد أنواع الأوراق التجارية) منقول عن المجتمعات الإسلامية من مصطلح (صك) .. - أن نظام الأوراق التجارية السعودي قد أخذ في جملته بأحكام قانون جنيف الموحد للأوراق التجارية (المنعقد سنة 1349، 1350هـ - 1930، 1931م)، مع اختلافات يسيرة في عدة مواضع .. ، لكنه تميز باستبعاد ما كان مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية من ذلك القانون كاشتراط الفائدة في الكمبيالة والسند لأمر .. ، وقد تحرر للباحث أن النظام لا يشتمل على أي مخالفة للشريعة الإسلامية كما يظهر ذلك من خلال هذه الدراسة التفصيلية التي اشتملت عليها هذه الأطروحة .. - أن المسألة الوحيدة التي تحرر للباحث فيها المخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية هي: مسألة خصم الأوراق التجارية، فهذه المسألة قد تحرر للباحث – بعد الدراسة المفصلة لها-: عدم جوازها شرعاً، ولكن هذه المسألة لم يتطرق لها أصلاً في نظام الأوراق التجارية، ولم تتعرض لها كثير من الكتب القانونية المتخصصة في الكتابة عن الأوراق التجارية .. لكونها ألصق بعمل المصارف منها إلى التنظيم القانوني للأوراق التجارية .. ، لكنني تعرضت للكلام عنها في هذا البحث لكونها وثيقة الصلة بالأوراق التجارية، ولأهمية معرفة الأحكام المتعلقة بها في الحياة العملية .. ويمكن تلخيص أهم النتائج التفصيلية فيما يأتي: - أن قانون الصرف يعني: مجموعة القواعد القانونية التي تحكم الأوراق التجارية، وقد تميز بعدة سمات، من أبرزها: الشكلية التي تعني: تحرير الأوراق التجارية، واشتمالها على بيانات معينة يترتب على إغفالها فقدان الورقة لصفتها التجارية .. ، والكفاية الذاتية بحيث تكون الورقة التجارية كافية بذاتها لتقرير الالتزام الثابت بها، واستقلال الالتزام الصرفي، والشدة في تنفيذه. - ضابط الأوراق التجارية أنها: (صكوك قابلة للتداول تمثل حقاً نقدياً، وتستحق الدفع لدى الإطلاع، أو بعد أجل قصير، ويجري العرف على قبولها كأداة للوفاء، وتقوم مقام النقود في المعاملات).

- أنواع الأوراق التجارية: الكمبيالة، والسند لأمر، والشيك، فالكمبيالة هي: (صك يحرر وفقاً لشكل قانوني معين، ويتضمن أمراً صادراً من شخص (يسمى الساحب) إلى شخص آخر (يسمى المسحوب عليه) بأن يدفع مبلغاً معيناً لدى الإطلاع، أو في تاريخ معين، أو قابل للتعين، إلى شخص ثالث (يسمى المستفيد). وأما السند لأمر فهو: (صك يتعهد بموجبه محرره بأن يقوم بدفع مبلغ معين في تاريخ معين، أو قابل للتعين، أو بمجرد الإطلاع، إلى شخص آخر (يسمى المستفيد). وأما الشيك فهو: (صك يحرر وفقاً لشكل معين يتضمن أمراً صادراً من شخص (يسمى الساحب) إلى شخص آخر (يسمى المسحوب عليه) بدفع مبلغ معين من النقود إلى شخص ثالث (يسمى المستفيد) بمجرد الإطلاع. - أن الأوراق التجارية تختلف عن الأوراق النقدية التي تصدرها الدولة أو إحدى مؤسساتها وتمثل بطبيعتها قيمة حاضرة مستحقة الأداء في أي وقت وتنتقل من شخص لآخر بمجرد التسليم والمناولة .. ، كما أن الأوراق التجارية تختلف كذلك عن الأوراق المالية التي تشمل الأسهم والسندات التي تصدرها الشركات أو المؤسسات أو المصارف أو الدول، وتتغير باستمرار تبعاً لتقلبات الأسعار في الأسواق المالية .. - تقوم الأوراق التجارية بوظائف اقتصادية كبيرة على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمعات بصفة عامة .. ، فهي تعتبر أداة وفاء تقلل من استعمال النقود، وتغني عن نقلها من مكان لآخر .. ، وتعتبر كذلك أداة ائتمان إذا تضمنت أجلا لوفاء قيمتها .. - يشترط لصحة الورقة التجارية مجموعة من الشروط الشكلية والشروط الموضوعية، أما الشروط الشكلية فيراد بها ثبوت الورقة التجارية في محرر، واحتواء هذا المحرر على بيانات معينة، وقد جرى دراسة تلك البيانات دراسة مفصلة .. ، وأما الشروط الموضوعية فيراد بها: رضى المتعاقدين، وأن يكون محل الالتزام فيها مبلغاً من النقود، وأن يكون سبب الورقة التجارية الذي أدى إلى إنشائها قائماً ومشروعاً، وأن تتوفر الأهلية الكاملة في حق كل من يوقع على الورقة التجارية .. - اختلف في التخريج الفقهي للكمبيالة .. ، والذي تحرر للباحث في ذلك: أنها عقد مركب من عدة عقود، فهي تارة تكون بمعنى السفتجة، وتارة بمعنى الحوالة، وتارة بمعنى القرض أو الوكالة في الإقراض أو الاقتراض .. تبعاً لطبيعة العلاقة بين الساحب والمسحوب عليه والمستفيد .. - اختلف في التخريج الفقهي للسند لأمر .. والذي تحرر للباحث في ذلك أنه مجرد وثيقة بدين .. - يجوز شرعاً التعامل بالكمبيالة والسند لأمر إلا فيما يشترط فيه التقابض، فلا يجوز أن تحرر به الكمبيالة والسند لأمر إذا كانا لا يحلان إلا بعد أجل .. ، ويجوز أن تحرر به الكمبيالة والسند لأمر إذا كانا واجبي الدفع لدى الإطلاع .. - الشيك الوجه من العميل إلى مصرف له فيه رصيد يعتبر حوالة، المحيل فيها: الساحب، والمحال: المستفيد، والمحال عليه: المصرف .. ، أما الشيك الموجه من العميل إلى مصرف ليس له فيه رصيد يعتبر وكالة في اقتراض، الموكل في الاقتراض: الساحب للشيك، والمستفيد هو الوكيل في الاقتراض، والمصرف هو المقرض، ويجب ألا يتضمن ذلك القرض أية فوائد، وإلا كان من قبيل القرض الذي جر نفعاً .. - الشيك المسطر هو: شيك يسطر وفق شكل الشيك العادي لكنه يتميز بوجود خطين متوازيين على صدر الشيك، ويفيد هذا التسطير إلزام المصرف المسحوب عليه بعدم الوفاء بقيمة ذلك الشيك إلا لأحد عملائه أو إلى مصرف آخر .. ، والتخريج الفقهي له: أنه حوالة اشترط فيها المحيل (الساحب) على المحال عليه (المسحوب عليه) التحقق من شخصية المستفيد بصفة معينة تتمثل في عدم صرف ذلك الشيك إلا لأحد عملائه أو إلى مصرف آخر ..

- الشيك المقيد في الحساب هو: شيك يحرر وفق شكل الشيك العادي يضيف إليه الساحب أو الحامل عبارة تفيد منع وفاء ذلك الشيك نقداً، ووجوب وفائه عن طريق القيود الكتابية .. ، والتخريج الفقهي له: أنه حوالة اشترط فيها المحيل (الساحب) على المحال عليه (المسحوب عليه) ألا يصرف قيمة ذلك الشيك نقداً وإنما عن طريق القيود الكتابية. - الشيكات السياحية هي: شيكات تصدرها المصارف والمؤسسات على فروعها أو مراسيلها في الخارج لمصلحة المسافر الذي يحصل على قيمتها بمجرد عرضها للوفاء لدى أي فرع أو لدى أحد مراسلي المؤسسة أو المصرف المصدر .. ، والتخريج الفقهي لها أنه سفتجة، وهي جائزة شرعاً على ما ترجح للباحث في ذلك .. - شيكات التحويلات المصرفية هي: شيكات تحرر من قبل المصرف عندما يتقدم إليه أحد لأجل نقل نقوده – عن طريق ذلك المصرف – إلى مواطن آخر .. ليأخذها هو أو وكيله أو أي شخص آخر يريد أن يوصلها إليه في ذلك الموطن .. ، فإن كان المراد تحويله من جنس النقد المدفوع فهي سفتجة، وهي جائزة – على القول الراجح -، وإن كان المراد تحويله من غير جنس النقد المدفوع فلابد من إجراء الصرف بين العملتين بحيث يقبض المحيل العملة التي يراد تحويلها، ثم يحولها بعد ذلك وتكون عملية التحويل هذه من قبيل السفتجة كما تقدم .. - التظهير هو: تصرف قانوني تنتقل بموجبه ملكية الورقة التجارية من شخص (يسمى المُظهر) إلى شخص آخر (يسمى المظهر له)، أو يحصل به توكيل في استيفائها، أو رهنها بعبارة تفيد ذلك، وينقسم إلى ثلاثة أقسام: التظهير الناقل للملكية، والتظهير التوكيلي، والتظهير التأميني، أما التظهير الناقل للملكية فينتقل بموجبه الحق الثابت في الورقة من المظهر إلى المظهر إليه بعبارة تفيد ذلك .. ، والذي تحرر للباحث في تخريجه الفقهي: أنه حوالة اشترط فيها المحيل قبل ما يترتب على التظهير من آثار .. ، هذا إذا كان المظهر إليه دائناً للمظهر .. ، أما إذا كان غير دائن له فيعتبر التظهير حينئذ توكيل من المظهر إلى المظهر إليه بتقاضي الدين الذي تمثله الورقة التجارية على أن يتملكه قرضاً .. وأما التظهير التوكيلي، فهو تصرف قانوني يقوم فيه المظهر بتوكيل المظهر إليه في تحصيل قيمة الورقة التجارية عند حلول ميعاد استحقاقها .. ، وتخريجه الفقهي: أنه توكيل من المظهر إلى المظهر إليه في تحصيل قيمة الورقة .. وأما التظهير التأميني، فهو تصرف قانوني يتم بموجبه تظهير الورقة التجارية على سبيل الرهن ضماناً للوفاء بدين في ذمة المظهر لصالح المظهر إليه .. ، وتخريجه الفقهي أنه من قبيل الرهن للحق الثابت في الورقة التجارية ضماناً لدين في ذمة المظهر .. ، والذي ترجح للباحث أن رهن الدين بالدين جائز لاسيما فيما يتعلق بالأوراق التجارية. - من أبرز آثار التظهير الناقل للملكية: قاعدة تطهير الدفوع، وقد أفردت بالبحث نظراً لأهميتها، إذ يعتبرها بعض الباحثين حجر الزاوية في قانون الصرف كله .. ، ومعنى تطهير الدفوع: خلو الحق الثابت في الورقة التجارية، وتطهيره من الحجج التي يلجأ إليها المدين لرد طلب الدائن، أي أن التظهير يترتب عليه نقل الحق الثابت في الورقة التجارية من المظهر إلى المظهر إليه خالياً ومطهراً من جميع العيوب والدفوع التي تتعلق به متى ما توفرت شروط معينة، وهذه القاعدة هي من أبرز آثار التظهير الناقل للملكية الذي سبق تخريجه بأنه حوالة اشترط فيها المحيل قبول ما يترتب على التظهير من آثار بمقتضى عرف التعامل بالأوراق التجارية، وتطهير الدفوع من أبرز آثار ذلك التظهير .. ، فيكون كالمشترط بين المتعاملين بالأوراق التجارية.

- المقصود بتحصيل الأوراق التجارية: إنابة المصرف في جمع الأموال الممثلة في الأوراق من المدينين بها وتسليمها إلى العميل (الموكل)، والتخريج الفقهي لهذا التحصيل: أنه من قبيل الوكالة بأجرة، وهي جائزة شرعاً .. - المقصود بخصم الأوراق التجارية: أنه عملية مصرفية يقوم بموجبها حامل الورقة التجارية بنقل ملكيتها عن طريق التظهير إلى المصرف قبل موعد الاستحقاق مقابل تعجيل المصرف لصرف قيمتها له بعد خصم مبلغ معين نظير ذلك التعجيل .. ، والذي تحرر للباحث في التخريج الفقهي لهذه المسألة أنه لا فرق بين الخصم على المصرف الذي يصفه بعض الباحثين بالمدين والخصم على المصرف غير المدين، إذ أن اعتبار المصرف الذي تحسب عليه الورقة التجارية مديناً بها وقت الخصم غير صحيح .. وبناء على ذلك فالذي تحرر للباحث في خصم الأوراق التجارية مطلقا أنه من قبيل القرض بفائدة، وهو محرم شرعاً، وبناء على ذلك لا يجوز خصم الأوراق التجارية .. ، وقد ذكر الباحث في ختام بحث هذه المسألة حلولاً عملية بديلة لخصم الأوراق التجارية .. ، والذي استحسنه الباحث من تلك الحلول: أن يقوم المستفيد ببيع الورقة التجارية على المصرف بعوض غير نقدي كسلعة من السلع، أو عرض من العروض .. ، ويكون ذلك من قبيل بيع الدين لغير من هو عليه بالعين، وهو جائز شرعاً على الصحيح من قولي العلماء .. - قبض الأوراق التجارية: إن كانت مستحقة الوفاء بعد مدة معينة فلا يعتبر تسلمها قبضاً لمحتواها، أما إن كانت واجبة الدفع لدى الإطلاع كالشيك مثلاً .. فإن كانت تلك الأوراق في حكم الشيك المصدق أو في قوة التصديق فيعتبر تسلمها في حكم القبض لمحتواها وإلا فلا .. ، وأما شيكات التحويلات المصرفية مع اختلاف العملة فلابد من التصارف والتقابض قبل التحويل .. ، فإن كان المصرف يملك المبلغ المراد تحويله فإن القيد في دفاتر المصرف وتسلم ذلك الشيك في معنى القبض لمحتواه إذا أجرى الصرف بسعر وقته، وإن كان المبلغ المراد تحويله ليس موجوداً في صندوق المصرف ولا في قيوده وإنما سيعمل المصرف على تأمينه مستقبلاً لمن حول عليه، فالظاهر أن تسلم الشيك في مثل هذه الحال ليس في معنى القبض لمحتواه .. - لا تسمع الدعوى في الأوراق التجارية بسبب التقادم، أو بسبب إهمال الحامل القيام بإجراءات معينة في مدد محددة، وقد حدد النظام مدداً زمنية لعدم سماع الدعوى تختلف باختلاف نوع الورقة التجارية وطبيعة الالتزام المتعلق بها وأطراف الدعوى .. ، وعدم سماع الدعوى لأجل مرور الزمن الطويل عليها له أصل في الفقه الإسلامي على تفصيل جرى بيانه في هذا البحث .. ، مع ملاحظة أن عدم سماع الدعوى في الأوراق التجارية إنما يسقط الحق الصرفي فقط، وبالإمكان أن تسمع الدعوى بعد سقوط الحق الصرفي بمقتضى القواعد العامة إلا إذا مر عليها وقت طويل جداً ورأى القاضي عدم سماع الدعوى فيها مطلقاً، لأجل ذلك فإن عدم سماع الدعوى في مثل هذه الحال متجه على ما جرى بيانه .. - الضمان بالقبول معناه: تعهد المسحوب عليه بدفع قيمة الكمبيالة لحاملها الشرعي في موعد الاستحقاق، والذي تحرر للباحث في تخريجه الفقهي: أنه تعهد والتزام من قبل المسحوب عليه بوفاء الدين الذي تمثله الكمبيالة، والتعهد والالتزام الذي يوجبه الإنسان على نفسه يلزمه شرعاً الوفاء به .. - يعتبر جميع الموقعين على الورقة التجارية – بمن فيهم الضامن الاحتياطي – ملتزمين بالتضامن بوفاء قيمة الورقة التجارية، والذي تحرر للباحث في التخريج الفقهي لذلك التضامن: أنه ضمان شرعي، ويعتبر كل موقع على الورقة ضماناً للوفاء بقيمتها عند تعذر الوفاء من قبل المدين بها.

- مقابل الوفاء في الكمبيالة أو الشيك (الرصيد) يعتبر ديناً للساحب في ذمة المسحوب عليه، لكنه في الكمبيالة دين مؤجل إذا لم تكن الكمبيالة مستحقة الوفاء لدى الإطلاع .. - الضمانات العينية هي ضمانات غير صرفية يشترطها حامل الورقة التجارية تأكيداً لضمان حقه المتمثل في قيمة الورقة التجارية، وذلك بتقرير رهن على عقار أو على منقول كأوراق تجارية أخرى يظهرها المدين الصرفي إلى حامل الورق على سبيل الرهن، والتخريج الفقهي لها: أنها من قبيل رهن الدين بالعين، أو رهن الدين بالدين، وكلاهما جائز على ما ترجح للباحث في ذلك .. - أولى النظام الشيك دون سائر الأوراق التجارية حماية خاصة نظراً لأهميته، ولانتشاره في الحياة العملية .. ، وقد تضمن النظام نصوصاً خاصة تتضمن جزاءات معينة في حق من يرتكب كل ما من شأنه الإخلال بالثقة الواجب توفرها في الشيك .. ، ثم عدلت تلك النصوص بتشديد العقوبة والجزاءات في حق مرتكبي جرائم الشيك، وقد شملت تلك الجزاءات كلاً من الساحب، والمسحوب عليه، والمستفيد أو الحامل .. ، وجرى بيان تلك الجزاءات على وجه مفصل .. والتخريج الفقهي لتلك الجزاءات أنها من قبيل التعزيز من ولي الأمر، فالعقوبة بالغرامة: تعزيز بأخذ المال، والعقوبة بالسجن: تعزير بالسجن، وكلاهما جائز في الشريعة الإسلامية عند قيام السبب المقتضي لهما ... التوصيات: بعد هذه الدراسة المفصلة للأوراق التجارية في الفقه الإسلامي والمبنية على تصويرها من الناحية القانونية قبل ذلك، وبعد إلقاء نظرة سريعة على الوضع القضائي للأوراق التجارية في المملكة العربية السعودية – والتي جعلت أحكام الشريعة الإسلامية هي المرجع في القضاء – يظهر للباحث أن الوضع الحالي للأوراق التجارية يحتاج إلى إعادة نظر ومراجعة .. ، ولتوضيح ذلك لابد من إعطاء لحمة موجزة عن تاريخ الأوراق التجارية في المملكة ابتداء بنظام المحكمة التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (32) وتاريخ 15/ 1/1350هـ، والذي يعتبر أول نظام متكامل يصدر في المملكة، وقد تناول هذا النظام أحكام السفتجة في ستين مادة في ثلاثة فصول، وقد اقتصر النظام على معالجة أحكام السفتجة (الكمبيالة) دون إشارة إلى الشيك أو السند لأمر!. وفي 27/ 6/1374هـ أصدر مجلس الوزراء، قراره رقم (142) والقاضي بإلغاء المحكمة التجارية، ومن ثم أصبحت القضايا المتعلقة بالأوراق التجارية تحال إلى المحاكم الشرعية، وفي 11/ 10/1383هـ صدر المرسوم الملكي رقم (37) بالموافقة على نظام الأوراق التجارية، وقد اشتمل هذا النظام على ثلاثة أبواب، خصص الباب الأول منها للكلام عن أحكام الكمبيالة، وخصص الباب الثاني للكلام عن أحكام السند لأمر، وخصص الباب الثالث للكلام عن أحكام الشيك، وقد تميز هذا النظام بالحرص على استبعاد ما كان مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية.

وفي 16/ 11/1384هـ أصدر وزير التجارة قراراً برقم (262) بتشكيل هيئة فض المنازعات التجارية، وقد نص القرار على أن من اختصاصات الهيئة: توقيع العقوبات المنصوص عليها في نظام الأوراق التجارية، وفي 5/ 2/1387هـ، صدر قرار مجلس الوزراء رقم (186) بدمج هيئة فض المنازعات التجارية وهيئة حسم منازعات الشركات في هيئة واحدة تسمى (هيئة حسم المنازعات التجارية) وعهد إليها بتطبيق العقوبات المنصوص عليها في نظام الأوراق التجارية، وفي 11/ 5/1388هـ أصدر وزير التجارة قراراً برقم (353) بإنشاء لجنة في مدينة الرياض تسمى لجنة النظر في المنازعات الناشئة عن تطبيق الأوراق التجارية، كما صدرت قرارات مماثلة تتضمن إنشاء لجان في كل من جدة، والدمام، والأحساء، والقصيم، وفي 22/ 9/1403هـ أصدر وزير التجارة قراراً برقم (918) بإنشاء مكتب في مدينة الرياض سمي: (مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية)، وإنشاء لجنة قانونية بوزارة التجارة للفصل في التظلمات ضد القرارات الصادرة من مكتب الفصل ومن لجان النظر في منازعات الأوراق التجارية، وفي 12/ 11/1405هـ صدر قرار مماثل بإنشاء مكتب للفصل في منازعات الأوراق التجارية في مدينة جدة، وحل هذان المكتبان في كل من الرياض وجدة محل اللجنتين فيهما، بينما بقيت لجان الدمام والأحساء والقصيم على وضعها السابق .. ويتضح مما سبق أن الفصل في منازعات الأوراق التجارية يتولاه في كل من الرياض وجدة مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية، بينما يتولاه في كل من الدمام والأحساء والقصيم لجنة الأوراق التجارية .. ، وهذا هو آخر ما استقر عليه الوضع في الفصل في منازعات الأوراق التجارية، ولا يزال هذا الوضع على ما هو عليه حتى تاريخ تحرير هذه الأطروحة .. وبعد هذه اللمحة الموجزة عن تاريخ الأوراق التجارية في المملكة يتبين أن الوضع قد استقر على تولي مكاتب الفصل ولجان الأوراق التجارية التابعة لوزارة التجارة الفصل في منازعات الأوراق التجارية .. ، وفي نظري أن هذا الوضع يحتاج إلى أن يعاد النظر فيه، إذ أنه لا يتفق مع الأسس العامة في التنظيم القضائي، وفيه إخلال بوحدة القضاء، إذ أنه ينبغي أن يكون القضاء تابعاً لجهة واحدة ممثلة في وزارة العدل من غير منازعة لها من وزارة التجارة أو غيرها .. ، وليس بصحيح ما يذكر من أن هذه اللجان ليست هيئات قضائية وإنما هي أشبه باللجان والهيئات الإدارية .. ، إذ كيف لا تكون هيئات قضائية وهي تملك سلطة الحكم بالغرامة والحبس، وهذه الأخيرة لا تكون إلا من اختصاص القضاء، كما أن القضايا التي تنظر فيها لها أهمية بالغة على الاقتصاد الوطني .. وفي نظري أن وجود هذه الهيئات واللجان للفصل في منازعات الأوراق التجارية بالوضع الحالي من أبرز أسباب ضعف التنفيذ للقرارات الصادرة عنها، وذلك لنظرة بعض الناس إليها على أنها ليست جهات قضائية وإنما هي جهات إدارة ليس لقراراتها أية قوة إلزامية .. هذا من جهة، ومن جهة أخرى: تشعب الإجراءات الناتجة عن هذه اللجان يؤدي بدوره إلى الضعف في التنفيذ .. وبناء على ما تقدم فإنني في ختام هذه الأطروحة أوصي بنقل التقاضي في منازعات الأوراق التجارية من وزارة التجارة إلى وزارة العدل ليحكم فيها قضاة متخصصون في العلوم الشرعية، مع الدراية بالأنظمة القائمة، خاصة: نظام الأوراق التجارية، كما أوصى كذلك بأن تولي وزارة العدل الأوراق التجارية – في حالة نقلها إليها – عناية خاصة، وذلك بإنشاء محكمة خاصة بالأوراق التجارية يفرغ فيها قضاة للفصل في منازعات الأوراق التجارية، وتضاف دائرة جديدة إلى هيئة التمييز ويفرغ فيها قضاة للنظر في الاعتراضات الواردة من قبل الخصوم على الأحكام الصادرة من قضاة محكمة الأوراق التجارية .. كما أوصى كذلك بأن تقوم وزارة الداخلية بتخصيص جهة تنفيذية مستقلة ومفرغة لتنفيذ القرارات الصادرة عن محكمة الأوراق التجارية: ضعف التنفيذ للقرارات الصادرة بحق مرتكبي تلك المخالفات، إذ أن الإجراءات التي نص عليها نظام الأوراق التجارية والإجراءات الإضافية التي اتخذتها وزارة التجارة قوية وصارمة ولكن تأتي الإشكالية من جهة التنفيذ كما سبق تفصيل الكلام في ذلك. ولاشك أن تخصيص جهة تنفيذية مستقلة ومفرغة لتنفيذ ما يصدر من قرارات في حق مرتكبي تلك المخالفات من شأنه أن يوفر حماية كبيرة للأوراق التجارية، ويشجع على تداولها بين أفراد المجتمع، وينعكس بدوره على الاقتصاد العام للبلاد .. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه

أحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه ¤ستر بن ثواب الجعيد£بدون¥مكتبة الصديق - الطائف¨الأولى¢1413هـ€فقه¶نقود وعملات وأوراق تجارية الخاتمة ظهر من البحث بعض النتائج وفيما يلي عرض لأهمها: 1 - أن بيان حكم كل مسألة استجدت في حياة المسلمين أمر ممكن، وذلك بالرد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاستئناس بأقوال أهل العلم، وما ذكروه من مسائل ليتضح لنا المقصود. 2 - بدأ البحث بذكر النقد، وقد ظهر أن النقود الأصلية عند الفقهاء هي الذهب والفضة، ولكن ذلك لا يمنع من استخدام غيرهما لهذه الغاية إذا تحققت فيهما مقاصد النقود. 3 - أظهر البحث أن الرواج له مدخل في إضفاء معنى النقدية حتى على الذهب، والفضة في بعض الحالات، وأثر الرواج واضح في غيرهما إذ هو الشرط الأساسي لاعتباره نقداً، فمتى وجد الرواج وجدت الثمنية، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط. 4 - أظهر البحث بالأدلة أن الراجح في علة الربا في النقدين هي مطلق الثمنية. 5 - الاستدلال بأقوال بعض الفقهاء الذين نفوا النقدية عن بعض أنواع من النقود استعملت نقداً في عصور مختلفة نفي النقدية، والثمنية عن الورق النقدي استدلال غير سليم. 6 - أظهر البحث أن اختلاف العلماء في الوصف الفقهي للورق النقدي من بعض أسبابه التطور التاريخي للنقد الورق. 7 - الراجح في الورق النقدي أنه نقد مستقل يجري فيه الربا بنوعيه، وتجب فيه الزكاة ما دام ملازماً لوصف الثمنية الذي يكتسبه بالرواج. 8 - أن مجاراة الاقتصاديين فيما ذكروه في تطور النقود يحتاج إلى وقفة، وتأمل وقد بينت المحاذير التي تنشأ عن ذلك من أهمها لوثة نظرية التطور وتحقير الأنبياء والأمم السابقة التي عاشت على هدى، ونور، بوصفهم مجتمعاً بدائياً يتعامل بالمقايضة، أو بالحيوانات نقداً. 9 - الشريعة الإسلامية اهتمت بحفظ الدين اهتماماً بالغاً فحثت على حفظه وتوثيقه، فشرعت العقود المؤدية لهذا الغرض، وحافظت على أدائه فحرمت المطل وحذرت منه، وشرعت الوسائل التي تقضي على تعنت المدين، أو الدائن. 10 - ذكر الفقهاء رحمهم الله ضوابط للوثائق تؤدي الغرض الذي من أجله وضعت كما بينوا الوسائل التي تحمي ما يغض من قدرالوثيقة – كالتزوير وغيره .. 11 - أظهر البحث رجحان مذهب من يقول أن الحوالة لا تنقل الحق، ولا تبرئ المحيل بل هو ما يزال مطالباً بالحق إذا لم يتم الوفاء. 12 - أظهر البحث أن الكمبيالة لا يمكن أن نطلق عليها وصفاً فقهياً عاماً، إذ هي تكون تارة حوالة وتارة وكالة في الوفاء أو القبض وتارة سفتجه، ولأجل ذلك لابد من معرفة وصف كل صورة وإجراء حكمه عليها. 13 - السند وثيقة بدين له وضع خاص تارة تكون حوالة ويقترن بعقود أخرى كالكفالة، والوكالة، والرهن. مع ملاحظة ضرورة تطهيرها مما يعلق بها من الربا. 14 - أظهر البحث أن الأوراق التجارية ذات الأجل – كالكمبيالة والسند – لا يجوز التعامل بها فيما يشترط فيه التقابض من الطرفين كالصرف أو من طرف واحد كالسلم. 15 - الأوراق التجارية إذا اقترن بها اشتراط الفائدة بأي صورة وتحت أي اسم فلا يجوز التعامل بها لأن ذلك من الربا المحرم. 16 - يجري الربا في الأوراق التجارية فيما يسمى خصم الأوراق التجارية كما هو موضح في البحث وظهر ضعف كل التخريجات التي قيلت لتبريره، وإضفاء الشرعية عليه.

17 - ظهر أن الشيك كالكمبيالة لا يمكن إطلاق وصف فقهي عام يشمل كل الصور فهو مرة حوالة ومرة وكالة وأخرى إجارة، ولكن يمكن إطلاق وصف النقدية عليه – ويظهر ذلك واضحاً في الشيكات السياحية – لما يتمتع به من ضوابط ولأنه حال الدفع لا يقبل الأجل وليس من طبيعته كما هو الحال في الكمبيالة والسند، وإذا لحقه الأجل خرج من هذا الوصف. 18 - ظهر رجحان قول من قال إن قبض الشيك قبض لمحتواه بضوابط ذكرت هناك ولأجل ذلك لا يصير الصرف باطلاً لأن القبض متحقق بناء على هذا القول. 19 - أظهر البحث أن طريقة الخروج من ريبة الصرف في التحويلات هو فصل العملية إلى عمليتين بحيث يتم الصرف أولاً، ثم يتم القبض أو ما في حكمه، ثم بعد ذلك تتم عملية التحويل – التي يصدق عليها وصف الإجارة. 20 - البنوك الإسلامية تستطيع الاستعاضة عن عملية الخصم ببدائل أخرى بعيدة عن الحرام ذكرت في ثنايا البحث تتلخص في عملية القرض الحسن والتوسع في المضاربات والمشاركات مع الراغب في عملية الخصم. 21 - ظهر أن التظهير يكون وكالة، وحوالة، ويقترن به الضمان كما يقترن تعدد الحوالات أو الوكالات، وكذلك الرهن كما يقترن به مسألة الشروط. 22 - أوضح البحث أن الضوابط التي ذكرها الفقهاء، والتي تفهم من كلامهم على الدين في الحوالة تفوق ما يسمى في القانون بقاعدة تطهير الدفوع لأنها عامة تشمل كل دين بينما تختص القاعدة المشار إليها بالأوراق التجارية فقط. 23 - التضامن لا يخرج عن عقد الضمان المقترن بشرط مع تعدد الضامنين وقد أوضح ذلك الفقهاء مع كيفية التراجع فيما بينهم، ومتى يسقط الحق عنهم جميعاً أو عن أحدهم؟ 24 - ظهر أن الضوابط التي اشترطها الفقهاء للدين في الحوالة تفوق ما اعتبره أهل القانون من أحكام لمقابل الوفاء. 25 - أظهر البحث أن من الفقهاء من يقول بسقوط الحق بالتقادم – وهو مضي الزمن دون مطالبة – وهو حكم اجتهادي كما وضح ذلك في الفصل الخاص بالتقادم، وليس هناك مانع من اعتبار ذلك شريطة أن يترك تنفيذ ذلك إلى المحاكم الشرعية لتنظر في كل قضية بخصوصها، ولا أرى من السائغ تحديد زمن معين يسقط الحق أو لا تسمع الدعوى بمضيه قاعدة عامة لأن الوقائع تختلف، وربما أدى إلى تفويت بعض الحقوق. 26 - إذا دخلت مسألة الشروط في التقادم فيمكن إعمالها بشرط توفر الرضا بها من المتعاقدين أو وجود ما يدل عليه من عرف ونحوه. 27 - يجري الربا بنوعيه في الأوراق النقدية، وضابط الجنس فيها اتحاد جهة الإصدار، فالدولار مثلاً جنس، والريال السعودي جنس وهكذا وكذلك يجري الربا بين الأوراق النقدية وبين فئاتها المعدنية أو الورقية. 28 - أظهر البحث أنه لا مبرر لتحديد صرف العملة بقيمة ثابتة إذ ذلك ينشأ عنه مفاسد منها نشأة السوق السوداء كرد فعل للخطأ في هذه الناحية بل ينبغي أن تترك قيمة العملة للعرض والطلب، شريطة أن لا يغفل رأي أهل الخبرة الموثوق بعلمهم ودينهم عن المفاسد التي تنشأ عن ذلك. 29 - أظهر البحث أنه ليس هناك مستند صحيح لمن يرى الربا لا يجري في الأوراق النقدية.

30 - أظهر البحث أن نصاب الأوراق النقدية يعرف عن طريق معرفة قيمة النصاب من المعدنين، وقد ترجح قياسه عن طريق نصاب الفضة لأنه أحظ للفقراء، والقاعدة في ذلك أن ننظر كم قيمة النصاب – الذي يقدر بالجرام حوالي 595 جم تقريباً – من العملة الورقية وهو النصاب الذي إذا ملك بشروطه وجبت الزكاة وما دونه فلا زكاة فيه – وهو في حدود 500 ريال، ولا ينبغي التعول على ما ذكره بعض الباحثين من أن نصاب العملة الورقية السعودية يساوى 56 ريالاً لأن ذلك منصب على الريالات الفضة ومنشأ ذلك الوزن، ويكون لهذا القول وجاهته عند وجود التساوي بين الريال الفضة، والريال الورق، لكن المساواة منتفية فلا يعول على ذلك بل التعويل على ما ذكرنا. 31 - أظهر البحث أن تغير النقود بالزيادة، والنقص مع رواج العملة ليس موجباً للتعويض كما قاله بعض الباحثين، لأن التعويض يكتنفه عدة محاذير شرعية من أهمها وأخطرها ربا الفضل والنسيئة وغيرها مما هو موضح في ثنايا البحث كما أن الاعتماد على أقوال بعض الفقهاء التي ربما يفهم منها هذا، تحتاج إلى وقفات ومناقشات لأن لها من وجوه الاحتمال ما يصرفها عن هذا القول كما هو موضح في ثنايا البحث. 32 - التغير في قيمة النقود مع بقاء الشرط الأساسي في العملة وهو الرواج ما يتغابن فيه الناس، وعند حصوله التغير الفاحش ينظر فيه بخصوصه. 33 - المطالبة بتثبيت قيمة النقود عن طريق ربطها بالإنتاج وزيادة عدد السكان وترشيد السياسة النقدية التي تعتبر أن زيادة إصدار النقود عند عدم وجود الداعي لذلك أكلاً لأموال الناس بالباطل. 34 - أظهر البحث تفوق الفقه الإسلامي وقدرته على استيعاب ما يجد من مشاكل الحياة، ووضع الحلول المناسبة لها. 35 - قدرة الفقه وتفوقه المشار إليها لا تعني موافقته على كل شيء دون أن تكون له شخصيته المستقلة في كل مسألة تعرض عليه. 36 - أظهر البحث أن سلوك منهج التبرير للمعاملات التي وقع فيها الناس منهج مرفوض، بل المنهج السليم دراسة الواقعة وإعطاء الحكم فيها بالرفض أو القبول دون اللجوء إلى التبرير أو التكلف في التخريجات.

أحكام الإعادة في العبادات

أحكام الإعادة في العبادات ¤سناء محمد عثمان بشير£بدون¥دار النفائس - عمان¨الأولى¢1421هـ€فقه¶فقه عبادات منوعات الخاتمة وتشتمل على أهم ما توصلت إليه من نتائج، وهي: 1 - تعرف الإعادة اصطلاحاً بأنها: فعل العبادة في وقتها ثانياً مطلقاً. 2 - هنالك فرق بين الإعادة والقضاء؛ وذلك أن القضاء إيقاع العبادة خارج وقتها الذي عينه له الشارع، أما الإعادة فهي أداء لفعل ثانياً في الوقت. 3 - تدخل الإعادة في جميع العبادات المؤقتة بوقت موسع كالطهارة والصلاة والزكاة والحج وصيام النافلة وصيام النذر المطلق، أما صيام شهر رمضان والنذر المقيد فإنه لا يوصف بالإعادة، وذلك لأن وقته مضيق بحيث لا يسع إلا لأداء الفعل فقط لذلك يوصف بالقضاء فقط ولا يوصف بالإعادة. 4 - تقسيم الإعادة إلى ثلاثة أقسام: أ- الإعادة الواجبة: وهي إعادة الفعل ثانياً وجوباً لترك واجب من واجبات العبادة لغير عذر وذلك إما ناسياً أو عامداً. ب- الإعادة المستحبة: وهي إعادة الفعل ثانياً لترك أي من سنن العبادة أو أي من آدابها. ج- الإعادة المكروهة: وهي إعادة العبادة ثانياً لغير سبب مشروع. 5 - تسقط الإعادة في حالة ترك المكلف أحد واجبات أو شروط العبادة لعذر. عندها لا يكلف الشخص بالإعادة إنما يؤدي العبادة على قدر استطاعته ولا يعيدها. 6 - يشترط للإعادة شروط عامة وهي: أ- أن تكون العبادة مؤقتة بوقت موسع. ب- أن تكون العبادة الموصوفة بالإعادة واجبة. ج- أن تكون العبادة المعادة مماثلة للعبادة التي سبق أداؤها. د- أن تسبق الإعادة بأداء فيه خلل أو عدم تحسين للفعل المؤدي. هـ- أن تكون الإعادة في الوقت. 7 - يعاد الوضوء وجوباً لأصحاب الأعذار لكل وقت صلاة، ولمن ترك الموالاة بين أعضاء الوضوء عمداً. وكذلك إذا نسي المتوضئ أحد أركان الوضوء، ولمن نزع خفه قبل انقضاء المدة، ولمن سقطت جبيرته عن برء. 8 - يعاد الوضوء لمن توضأ من المياه العادية المعالجة وذلك لثبوت نجاستها. 9 - يعاد التيمم لمن تيمم قبل دخول وقت الصلاة. 10 - تعاد الصلاة وجوباً لمن ترك أحد واجبات أو أركان أو شروط الصلاة إما عمداً أو ناسياً أو لغير عذر، كما تعاد الصلاة وجوباً إن وقع في أثنائها ما يبطلها. 11 - تعاد صلاة راكب السفينة أو الطائرة وجوباً إن صلى قاعداً لغير عذر. 12 - تعاد الصلاة لمن صلى خلف المذياع أو التلفاز مقتدياً بالإمام وهو جالس في بيته وصلاته غير صحيحة وتجب إعادتها. 13 - تعاد الزكاة وجوباً إذا أديت إلى غير مستحقيها. 14 - تعاد الزكاة إذا احتسبها من وجبت عليه من الضريبة. 15 - تعاد الزكاة إذا احتسبها من وجبت عليه من دين أبرأ صاحبه منه لأنه باحتسابها لا تسقط عنه وعليه إعادتها. 16 - يعاد صوم النذر المطلق وجوباً لمن أفسده سواء لعذر أو لغير عذر. 17 - يعاد الإحرام وجوباً إن أحرم ثم بلغ أثناء أعمال الحج لأن إحرامه قبل البلوغ وقع تطوعاً. كما يعيد الساعي شوطاً من أشواط السعي إن بدأ بالمروة وترك الترتيب الواجب في السعي. "الحمد لله رب العالمين"

أحكام الإعلانات التجارية والجوائز الترويجية

أحكام الإعلانات التجارية والجوائز الترويجية ¤محمد بن علي الكاملي£بدون¥دار طيبة الخضراء - مكة المكرمة¨الأولى¢1422هـ€فقه¶مسابقات - جوائز الخاتمة أولاً: الإعلان التجاري: 1 - إن الفقه الإسلامي لا يحرم الإعلان التجاري تحريماً مطلقاً ولا يقف ضده بل حدد له منهجاً ثابتاً. وإن منهج الفقه الإسلامي هو إثبات المنفعة ونفي الضرر. 2 - يجب أن تكون السلعة أو الخدمة المعلن عنها من السلع والخدمات المباحة. 3 - لا يجوز استخدام آلات اللهو والطرب بشتى أنواعها في الإعلان التجاري. 4 - يجب أن يكون الإعلان عن طريق من يوثق بهم، سواء كانوا أشخاصاً أو مؤسسات ونحو ذلك، وأن يكون صادقين فيما يعلنون عنه، بعيدين عن الكذب والتغرير. 5 - لا يجوز استخدام النساء في الإعلان التجاري مطلقاً، وذلك لعدم الحاجة إليهن، ولما في استخدامهن من الفتنة وارتكاب للمحارم، إما بإظهار ما يحرم إظهاره، أو عن طريق تليين الكلام ونحو ذلك. 6 - يجب أن يكون الإعلان متوافقاً مع الأعراف والعادات السائدة لدى المجتمع التي يقرها الشرع ويعتبرها. 7 - لا يجوز استخدام الصور الثابتة لكل ما فيه روح، وكانت هذه الصور مما تتصل به الهيئة، وسواء كانت هذه الصور عن طريق الرسم باليد أو بالكاميرا أو التجسيم. 8 - يجوز استخدام صور الأشياء التي لا روح فيها، كالشجر والجبال ونحو ذلك. 9 - يجوز استخدام الصور المتحركة للرجال والأطفال دون غيرهم، إن أمنت الفتنة من جميع جوانبها. على شريطة أن يكون المعلن ملتزماً بالصدق في أقواله بعيداً عن الكذب والتميع في الألفاظ، وأن يكون ساتراً للعورة بلباس لا يجسد تفاصيل الجسم أو شفافاً تظهر منه العورة. 10 - أن يكون الإعلان منضبطاً بالضوابط المهنية والأخلاقية، وأن يكون استشهاده بالجهات العلمية مبنياً على الصدق. 11 - أن يكون الإعلان تحت رقابة الدولة، وأن يكون ملتزماً بالقواعد والأنظمة التي حددت له. ثانياً: الجوائز الترويجية: 1 - إن الوعد بالجائزة إن عري عن جميع ما يضاف إليه من الشروط، كشرط الشراء للسلعة أو للكوبون ونحو ذلك من الشروط، بل كان مجرد تبرع فإنه يأخذ حكم العدة والجعالة والهدية. 2 - يجب أن تكون الجائزة من الأعيان والمنافع المباحة دون حاجة أو ضرورة اقتضت إباحتها. 3 - يجب أن تكون الجائزة معلومة للمشتري، إما برؤية أو بوصف كاف تنتفي به الجهالة والغرر. 4 - لا يجوز أن يكون منح الجائزة عن طريق القرعة أو السحب الذي هي عبارة عن اليانصيب. 5 - يجب أن يكون في منح الجائزة تغرير أو إكراه للمستهلك. 6 - أن لا تزيد الجائزة في سعر السلعة. 7 - أن لا يكون القصد من الجائزة ترويج ما كسد لدى التاجر من سلع. 8 - أن لا يكون في رصد هذه الجائزة إسرافاً من قبل الطرفين. 9 - لا يجوز أن تكون الجائزة من باب المنافسة غير المشروعة بين التجار، لما تحدثه من الضغائن والأحقاد. هذا والله أسأل التوفيق والسداد، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أحكام الإمامة والإتمام في الصلاة

أحكام الإمامة والإتمام في الصلاة ¤عبدالمحسن بن محمد المنيف£بدون¥بدون¨الأولى¢1407هـ€فقه¶صلاة الجماعة وأحكام المأموم والإمام خاتمة يتبين من العرض الذي حوته هذه الرسالة أن من أهم النتائج التي توصلت إليها بعون الله تعالى وتوفيقه: 1 - أن تارك الصلاة جاحداً لوجوبها كافر وتاركها تهاوناً وكسلاً كافر على الراجح من أقوال العلماء وبناء على ذلك يصبح مرتداً لا يرث أقاربه المسلمين ولا يرثونه ويكون ماله فيئاً لبيت مال المسلمين. 2 - أن صلاة الجماعة واجبة في أرجح أقوال العلماء. 3 - أن الأذان أفضل من الإمامة في أرجح أقوال العلماء وينبغي لطلبة العلم أن يتولوا الأذان والإمامة ولا يتخلون عنها لأناس غير أهل لها وليكون ذلك احتساباً للأجر من الله سبحانه وتعالى فإن الأجر على قدر المشقة. 4 - أنه لا مانع من أخذ مكافأة من بيت المال لأنه في حكم الرزق الذي صرح العلماء بجوازه. 5 - أنه يجوز الصلاة خلف الفاسق والمخالف في الفروع الصبي المميز وولد الزنا والجندي والعاجز عن ركن فعلي والعبد. 6 - أنه يقدم في الإمامة عند التشاح الأقرأ ثم الأفقه ثم الأقدم هجرة ثم الأقدم إسلاماً ثم الأكبر سنا ثم الأتقى ثم الأشرف ثم باختيار الجماعة ثم القرعة وذلك على ما رجحته. 7 - إن اختلاف النيات بين الإمام والمأموم لا يؤثر ومن ثم يجوز أن يصلي مفترض خلف متنفل ومن يؤدي الصلاة خلف من يقضيها على القول المختار. 8 - أن الاستخلاف جائز ويكون الاستخلاف فيما إذا خاف الإمام تلف مال أو نفس أو عجز عن ركن قولي وكذلك إذا حصل مبطل من مبطلات صلاة الإمام وهو معذور في ذلك بأن سبقه الحدث أو ذكر في أثناء الصلاة أنه محدث وذلك على القول الراجح. 9 - أن موقف الواحد عن يمين الإمام عند الأئمة الأربعة وأنه لو وقف عن يسار الإمام ركعة فأكثر لم تصح صلاته على القول المختار وأن الصلاة قدام الإمام لا تجوز إلا مع العذر على القول الراجح. 10 - أن مصافة الصبي جائزة في الفرض والنفل على القول الراجح وأن صلاة الفرد خلف الصف لا تصح إلا مع العذر على القول الراجح. 11 - أن النساء إذا صلين مع الرجال يقفن خلفهم بلا خلاف بين أهل العلم وأنه لو صلت المرأة بجانب الرجل أو قدامه فصلاة الجميع صحيحة وأن المرأة إذا وقفت منفردة عن صف النساء بدون عذر فصلاتها غير صحيحة على القول المختار، فينبغي على أئمة المساجد تنبيه النساء إلى هذه المسألة فإن كثيراً منهن يصلين مع الإمام في رمضان وفي غيره ويقفن منفردات وأعلامهن بأنه ينبغي عليهن أن يصففن كالرجال وأن صف النساء المؤخر هو الأفضل وأن من صلت منهن منفردة بلا عذر فصلاتها باطلة. 12 - أن الجمعة والجماعة تدرك بإدراك ركعة وأن المأموم يعتد بركعة الإمام الزائدة إذا لم يعلم بها إلا بعد الصلاة على القول الراجح. 13 - أنه إذا صلى المأموم خارج المسجد والإمام داخله فإن كانت الصفوف متصلة فالصلاة صحيحة عند الأئمة الأربعة، وأما إذا كانت الصفوف غير متصلة فلابد من رؤية الإمام أو بعض المأمومين ولا يضر الفاصل من نهر أو طريق وعلى طلبة العلم أن ينبهوا الناس إلى هذه الناحية فإن كثيراً من الناس في مكة المكرمة وغيرها يصلون مع الإمام وهم لا يرونه ولا يرون بعض المأمومين والصفوف غير متصلة فصلاتهم والحالة هذه غير صحيحة في أرجح أقوال العلماء. 14 - أن الاقتداء بالإمام خلف المذياع أو التلفاز غير جائز. 15 - أنه لا يجوز الصلاة في السفينة والباخرة والقطار والطائرة ويفعل ما يستطيع عليه ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها المحدد بل يصلي على حسب استطاعته. 16 - أنه لا يجوز للمأموم أن يسابق إمامه فإن سابقه عمدا عالماً بالحكم فصلاته باطلة وإذا كان سهوا أو جاهلا للحكم فصلاته صحيحة وعليه أن يرجع ليأتي به بعد الإمام لكن إذا كان السبق بركنين بطلت الركعة التي سابق فيها وعليه إعادتها وينبغي لأئمة المساجد تنبيه المصلين إلى هذه المسألة في كل مناسبة لأن كثيراً من المصلين يسابقون الإمام في الركوع والسجود وإعلامهم بأنهم مرتكبون أمراً محرما فإن كان عمدا فصلاتهم باطلة وإن كان جهلاً أو سهواً فصلاتهم صحيحة مع الإثم. وهذا آخر ما تيسر لي جمعه وكتابته في هذه الرسالة وبإعانة الله وتوفيقه فرغت من تحريره وتنسيقه مع الاعتراف بالتقصير، فما كان فيه من صواب فمن توفيق الله علي سبحانه وتعالى، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله وسلم على بينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحكام الاتصال الجنسي باستخدام الوسائل الحديثة

أحكام الاتصال الجنسي باستخدام الوسائل الحديثة ¤صالح بن سعد الحصان£بدون¥بدون¨الأولى¢1427هـ€فقه¶نكاح - أعمال شاملة ومنوعة الخاتمة: وبها أهم النتائج: وبعد حمد الله على إنجاز هذا البحث فإني أدون ما توصلت فيه إلى أهم النتائج: 1 - أن المراد بالتقاء الختانين ليس حقيقة اللمس ولا الملاقاة بل هو تغييب حشفة الذكر في فرج المرأة. إذ لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل على واحد منهما بالإجماع، ولا شيء من الأحكام. 2 - أن التداوي في الأصل مشروع وتعتريه الأحكام التكليفية الخمسة، من الوجوب والحرمة والكراهة والندب والإباحة. 3 - أن النظر إلى الفرج من أجل التداوي مباح، للضرورة ولابد حينئذ من الاقتصار على قدر الضرورة فقط. 4 - جواز استخدام "الأجهزة التعويضية – المساندة" من أجل الوطء وذلك لمشروعية التداوي وتحقيق مقصد الشريعة من المحافظة على الأسرة والنسل، مع مراعاة الضوابط المذكورة. 5 - أن هذا الجهاز الذي يكون بداخل القضيب الذكري لا يغير شيئاً من الأحكام المترتبة على هذا القضيب فيما لو لم يكن بداخله هذا الجهاز من وجوب الغسل وحصول الإحصان به وتحليله للزوجة المطلقة ثلاثاً وإيجابه للمهر في نكاح الشبهة والزنا، وحصول الفيئة به من الإيلاء وكذا الرجعة، وكون البكر بعد افتضاضها به تكون ثيباً. 6 - أن عنة الزوج تزول عند تركيبه لهذا الجهاز، ومع ذلك يحق للزوجة المطالبة بالفسخ لكونه عيباً. 7 - أنه لا يجوز نزعه من الميت: لأن فيه مثلة وهتكاً لحرمة الميت وإطلاعاً على عورته. 8 - لا يلزم الزوج العنين بتركيبه. 9 - وأن الزوج إذا جنى على زوجته عند تركيبه للجهاز بأن خرق ما بين سبيليها من أول وطء لها فإنه يضمن بخلاف ما إذا حصل بعد عدة مرات من الوطء فإن ذلك يخضع لنظر القاضي. 10 - لا يجوز استخدام "الذكر الصناعي ولا الفرج الصناعي" لأن حقيقة ذلك استمناء وهو محرم في أصح أقوال العلماء، ولما يترتب عليه من مفاسد ومحاذير شرعية. 11 - الراجح عدم ترتيب الآثار الفقهية عند استخدام الذكر الصناعي بالنسبة للمرأة أو الفرج الصناعي بالنسبة للرجل لكونه ليس فرجاً أصلياً. فلا يوجب غسلاً إلا بإنزال ولا يجعل البكر ثيباً، ولا يفسد صوماً ولا حجاً إلا بإنزال ولا يوجب حداً في زنا وإنما التعزير ليحصل المنع من فعلها. 12 - الراجح في تناول الأدوية المنشطة للجنس الجواز إذ تم مراعاة الضوابط المذكورة فيه. 13 - أن تناولها تزيل عنة الزوج، وعليه فلا يحق للزوجة المطالبة بالفسخ، ولا يلزم الزوج العنين باستخدامها. 14 - الراجح جواز استخدام العازل "الكبوت" إذا كان لتنظيم الحمل أو لمنع انتقال أمراض الفرج من الزوج أو الزوجة إلى أحدهما قياساً على العزل وإزالة للضرر المتوقع حدوثه من أمراض الفرج. 15 - يحرم استخدام "العازل" الكبوت لمن يمارسون الشذوذ الجنسي أو الاتصال المحرم؛ لأن فيه إعانة على الفاحشة وتسهيلاً لها. 16 - العازل الطبي المعروف لا يمنع لذة ولا إحساساً لذا فإن جميع الآثار الفقهية تترتب عليه عند الإيلاج به، فوجوده والحالة هذه كعدمه، لأن الشرع لا يفرق بين المتماثلات. فيوجب الغسل ويفسد الصوم والحج ويحد الزاني ويحصن الزوجة والزوج، ويلحقه النسب ويضمن إذا جنى على زوجته بسببه إذا كانت صغيرة أو كبيرة لا تحتمله. 17 - ترجح أن رتق غشاء البكارة يحرم مطلقاً سواء كان زوال البكارة من وطء زنا أو نكاح صحيح أو من غير وطء. لما يترتب عليه من المفاسد والأضرار.

18 - ترجح أنه في حالة ما إذا رتق غشاء البكارة امرأة وتزوجت فإنه لا يحق للزوج فسخ النكاح ولا رد المهر إذا كانت المرأة بكراً في الأصل وكان زوال بكارتها بسبب غير الوطء سواء اشترط البكارة أو لا إلا أن يكون قصده اطلاع الطبيب على عورة زوجته المغلظة مما سبب له نفوراً منها فيكون لهذه الحالة حظاً من النظر لدى القاضي. 19 - ويحق له فسخ النكاح إذا كان زواله بسبب زنا أو نكاح صحيح. ويجب عليه المهر لها إذا كان بعد الدخول عليها ويرجع به على من غره من المرأة أو الولي. إما إذا كان قبل الدخول فلا يجب عليه مهر. 20 - لا يتغير وصف المرأة الثيب من كونها ثيباً إلى بكر حتى ولو قامت بعملية رتق بكارتها؛ لأن المقصود من الثيوبة قد حصل لها. 21 - لا يؤثر رتق غشاء البكارة في تغيير صفة الإذن للمرأة، فإن كانت في الأصل بكراً ثم رتقت فإذنها الصمات، وإن كانت ثيباً فإذنها النطق. وإن كانت زانية فإن اشتهر فالصحيح من المذهب أن إذنها يكون بالنطق. أما إن لم يشتهر فحكمها كالبكر بكون إذنها "الصُّمات". 22 - أن ما جاز من هذه الوسائل جاز لدخولها تحت عدد من القواعد الفقهية الكبرى مثل: الأمور بمقاصدها والمشقة تجلب التيسير والضرر يزال ودرء المفاسد مقدم على المصالح، الأمر الذي يعطي جواز استخدامها عند الحاجة إليها. 23 - وآخر النتائج وأهمها "بيان سعة الشريعة وغنى مصادرها وأنها كفيلة بإيجاد الأحكام الشرعية لجميع النوازل أياً كان نوعها. "فديننا الإسلامي أتى بعلاج كل المشكلات بالعلاج الأمثل مهما كان شأنها. وهذا من روائع الإعجاز في هذا الدين وآية من آيات عمومه وخلوده وصلاحيته لكل زمان ومكان. فهو لم يدع جانباً من جوانب الحياة الإنسانية إلا كان له فيه موقف ولم يدع طوراً من أطوار حياة الإنسان إلا ورسم له فيه المنهج الأمثل". 24 - بيان ثراء التراث الفقهي لدى المسلمين، وأنه غني بعبارات علماء السلف مما يمكن الاستفادة منها وتنزيلها على أي نازلة عصرية جديدة خالية من الحكم. وهذا من محاسن الشريعة الإسلامية وكمالها، التي لا يحدها زمان ولا يحصرها مكان. فلله الحمد من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله

أحكام الاكتتاب في الشركات المساهمة

أحكام الاكتتاب في الشركات المساهمة ¤حسان إبراهيم محمد السيف£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1427هـ€فقه¶شركات الخاتمة الحمد لله الذي يسر بمنه وكرمه إتمام البحث أحمده حمدا كثيرا طيبا مباركا كما يحب ربنا ويرضى وفي ختام هذا البحث سوف أورد أهم النتائج التي توصلت لها من خلال هذا البحث وهي على النحو الآتي: 1 - إن التعريف الدقيق للاكتتاب في الشركات المساهمة هو أنه (دعوة توجهها الشركة المساهمة إلى أشخاص غير محددين سلفا للإسهام فتعطيه الشركة من أسهمها ما يقابل ما أخذته منه من مال). 2 - إن التعريف الدقيق للشركة المساهمة هو أنها (الشركة التي ينقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة وقابلة للتداول ولا يسأل الشركاء فيها إلا بقدر قيمة أسهمهم ولا يجوز أن يقل عدد الشركاء فيها عن خمسة). 3 - إن السهم هو: (النصيب الذي يشترك به المساهم في رأس مال الشركة ويتمثل في صك يعطى للمساهم يكون وسيلة في إثبات حقوقه في الشركة). 4 - إن للسهم ثلاث قيم القيمة الاسمية وهي: ناتج قسمة رأس مال الشركة على عدد الأسهم والقيمة الدفترية وهي النصيب الذي يستحقه السهم في صافي أموال الشركة بعد خصم ديونها والتزاماتها والقيمة السوقية وهي قيمة السهم في سوق الأوراق المالية وهي خاضعة للارتفاع والانخفاض تبعا لعوامل كثيرة تتعلق بالسوق المالية وحجم العرض والطلب فيها. 5 - إن المؤسسين في الشركة المساهمة مسؤولون بالتضامن عن صحة البيانات الواردة في نشرة الاكتتاب وعن استيفاء البيانات اللازمة عن الشركة. 6 - إنه يترتب على قرار إعلان تأسيس الشركة انتقال جميع التصرفات التي أجراها المؤسسون لحسابها إلى ذمتها وتتحمل الشركة جميع المصاريف التي أنفقها المؤسسون خلال فترة التأسيس. 7 - إنه إذا لم يتم التأسيس وفق نظام الشركات كان للمكتتبين أن يستردوا المبالغ التي دفعوها أو الحصص العينية التي قدموها وكان المؤسسون مسؤولين بالتضامن عن الوفاء بهذا الالتزام وعن التعويض عند الاقتضاء ويكونون مسؤولين بالتضامن في مواجهة الغير عن الأفعال والتصرفات التي صدرت منهم خلال فترة التأسيس 8 - إن الاكتتاب في الأسهم أو تملكها يفيد قبول المساهم لنظام الشركة والتزامه بالقرارات التي تصدر من جمعيات المساهمين. 9 - إنه إذا لم يتم تأسيس الشركة وفق نظام الشركات كان للمكتتبين أن يستردوا المبالغ التي دفعوها أو الحصص العينية التي قدموها وكان المؤسسون مسؤولين بالتضامن عن الوفاء بهذا الالتزام وعن التعويض عند الاقتضاء. 10 - إن المساهم يلتزم بدفع قيمة السهم في المواعيد المعينة لذلك وإذا تخلف المساهم عن الوفاء في ميعاد الاستحقاق جاز لمجلس الإدارة بعد إنذار المساهم بخطاب مسجل بيع السهم في مزاد علني. 11 - يشترط النظام السعودي لصحة الاكتتاب أن يكون منجزا غير معلقا على شرط وأن يتم الاكتتاب بكل رأس المال المطروح للاكتتاب وأن لا يقل المدفوع عند الاكتتاب عن ربع القيمة الاسمية للسهم. 12 - إن التكييف المتوافق مع النظام السعودي للاكتتاب التأسيسي للشركة هو أنه عقد بين المكتتب والمؤسسين بناء على أن الشركة تحت التأسيس لا تكون ذات شخصية معنوية مستقلة حتى يتم تأسيسها. 13 - إن تكييف الاكتتاب اللاحق لتأسيس الشركة هو أنه عقد بين المكتتبين وبين الشركة متمثلة في شخصيتها الاعتبارية المستقلة. 14 - إن المنهج السليم في التكييف الفقهي للشركة المساهمة يكون بعرض خصائصها على أدلة الشرع مع استصحاب القاعدة الشرعية المتفق عليها وهي أن الأصل في المعاملات الإباحة.

15 - إن الشركة المساهمة بصورتها النظامية لم تخالف نصا شرعيا ولم تتضمن محذورا شرعيا مجمعا عليه وعلى هذا فالتكييف الفقهي الصحيح لها مماثل للتكييف النظامي لأنها شركة حديثة لا مانع منها شرعا. 16 - يترتب على مشروعية الشركة المساهمة أن على الشركاء فيها الالتزام بالقواعد النظامية المنظمة لأحكامها ما لم تشتمل تلك القواعد على محذور شرعي. 17 - إن التكييف الفقهي الصحيح للاكتتاب هو أنه عقد شركة بين المؤسسين والمكتتبين وذلك في الاكتتاب التأسيسي وأما الاكتتاب اللاحق فهو عقد بيع الشركة المساهمة وبين المكتتبين بواسطة مدير الاكتتاب. 18 - إن الاكتتاب يمر بثلاثة مراحل: الأولى: العرض: وتتمثل في طرح الأسهم للاكتتاب. الثانية: الإيجاب: وتتمثل في تعبئة المكتتب لاستمارة الاكتتاب. الثالثة: القبول وتتمثل في تخصيص الشركة لكل مكتتب نصيبه من الأسهم. 19 - إن الاكتتاب مباح في الأصل لأنه إما عقد شركة أو بيع والأصل في المعاملات والبيوع الحل والإباحة ما لم تتضمن محذورا شرعيا. 20 - إن حكم الاكتتاب في كل شركة على حدة يختلف باختلاف نشاطات تلك الشركة وأعمالها. 21 - إن الاكتتاب مباح شرعا في الشركات التي نصت في نظامها على أنها لا تمارس إلا الأعمال المباحة شرعا ولا تتعامل بالربا إقراضا أو اقتراضا على أن تكون ملتزمة بذلك في الواقع إن كانت شركة قائمة. 22 - إن الاكتتاب محرم شرعا في الشركات التي نصت في نظامها على ممارستها للأعمال المحرمة أو كانت أغلب أنشطتها في الواقع أنشطة محرمة مثل البنوك الربوية ومثل الشركات التي تتاجر في السلع المحرمة كالخمور والملاهي والقمار. 23 - إن الأولى للمسلم عدم الاكتتاب في الشركات التي نصت في نظامها على أنها تمارس أعمالا مباحة شرعا ولم تنص على ممارسة أعمال محرمة شرعا ولكنها في الواقع تمارس بعض الأعمال المحرمة شرعا كأن تقترض بالربا أو تودع بالربا أو تستثمر في استثمارات محرمة. 24 - إن الاكتتاب في الشركات المختلطة يجوز للحاجة إذا كانت نسبة الاستثمارات المحرمة في الشركة قليلة جدا ومغمورة بالنسبة للاستثمارات المباحة فيها مع وجوب بذل الوسع في التخلص من النسبة المحرمة من الربح وعدم الرضى بتلك الممارسات والسعي الحثيث لإيقافها. 25 - إن مدير الاكتتاب يتمثل عمله في تقديم المشورة لجهة الإصدار بشأن حجم الإصدار ومدى مناسبة توقيته إدارة الاكتتاب وما يترتب على ذلك من إتمام جميع الإجراءات الإدارية والقانونية وتسويق الأسهم للجمهور عبر الوسائل التسويقية المتاحة. 26 - إن التكييف الفقهي لصورة العقد بين مدير الاكتتاب والشركة المساهمة أنه عقد إجارة مقدر إما بالزمن وإما بالعمل وهو عقد صحيح شرعا في كلتا الصورتين. 27 - إنه لا يمكن تخريج ضمان الإصدار تخريجا واحدا يشمل جميع صوره وذلك لاختلاف صور ضمان الإصدار وإن اتحدت في المسمى. 28 - إن ضمان الإصدار إن كان التزاما مجردا من قبل مدير الاكتتاب للشركة المساهمة بتسويق أسهمها فهو عقد وساطة بالنسبة لتسويق الأسهم لعامة المكتتبين فإن تبقى من تلك الأسهم أسهم فاشتراها مدير الاكتتاب بلا اتفاق سابق بأقل من قيمتها الاسمية كان ذلك بيع وضيعة بين الشركة المساهمة ومدير الاكتتاب. 29 - إن ضمان الإصدار إن تمثل في التزام مدير الاكتتاب بتسويق الأسهم وشراء ما يتبقى من الأسهم بعد التسويق بقيمتها الاسمية فهو عقد وساطة والتزام بالشراء فإن كان الالتزام دون عوض فلا خلاف في جوازه وإن كان مقابل عوض فهو محرم شرعا لأن فيه غرر ظاهر.

30 - إن ضمان الإصدار إن تمثل في التزام مدير الاكتتاب بشراء ما يتبقى من الأسهم بأقل من قيمتها الاسمية دون مقابل لهذا الالتزام فهو جائز شرعا لأنه التزام ووعد مجرد لا مانع منه شرعا. 31 - إن ضمان الإصدار إن تضمن شراء مدير الاكتتاب لجميع الأسهم قبل طرحها للاكتتاب بأقل من قيمتها الاسمية ثم قام بتسويقها لحسابه بالقيمة الاسمية كان ذلك العقد بيع وضيعة محض لا مدخل للوساطة فيه. 32 - إن التكييف الفقهي الصحيح لحق الاكتتاب بالاسم هو أنه حق انتفاع. 33 - إن الأصل في حق الانتفاع أنه يكون الانتفاع به لمن أبيح له لكن إذا علم أن المملك لهذا الحق يبيح لمن ملكه إياه بذله لغيره بعوض أو بغير عوض جاز للمنتفع به بذله لغيره. 34 - إن حق الاكتتاب قد ملكته الدولة للناس بشروط وقيود معينة تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة والواجب الالتزام بتلك القيود والضوابط المنظمة لطريقة الانتفاع بهذا الحق. 35 - إن الاكتتاب باسم الغير مقابل عوض محرم شرعا لأنه فيه غرر ظاهر ولأنه سبب لوقوع الخصومات والمنازعات. 36 - إن اكتتاب الشخص باسمه حق له يجوز له بذله لغيره بلا عوض ما دامت الجهة التي أعطته هذا الحق لم تمنعه من بذله لغيره بلا عوض. 37 - إن اكتتاب الشخص باسم غيره على سبيل المشاركة مع صاحب الاسم في الربح جائز شرعا ونظاما بشرط أن يكون تقسيم الربح بين الشركاء على سبيل الشيوع وأن لا يكون تقسيم الربح صوريا. 38 - إن الاكتتاب حق مالي تملكه المرأة ولذلك فلا يجوز للزوج أن يكتتب باسم زوجته إلا برضاها الرضا المعتبر شرعا. 39 - إن الأب له أن يكتتب باسم ابنه إذا كان الابن مستغن عن الربح المتوقع من الاكتتاب على أن لا يبذل الأب ذلك لابن أخر وأن لا يكون في مرض أحدهما المخوف. 40 - إن الواجب على ولي القصر التصرف بأسماء القصر بالأحظ لهم فإن كان الأحظ لهم أن يكتتب بأسمائهم مشاركة معهم وذلك لعدم قدرتهم على دفع المبلغ المحدد للاكتتاب جاز له ذلك أما إن كان الأحظ لهم أن يكتتبوا بأسمائهم بلا مشاركة مع غيرهم وكانوا يملكون المال الكافي لذلك فالواجب على الولي أن يمكنهم من ذلك ولا يجوز له مشاركتهم ولا بيع أسمائهم. 41 - تصح الوكالة في الاكتتاب وإذا انعقدت الوكالة كان الوكيل مؤتمنا على ما وكل عليه فلا يضمن ما تلف بيده من مبلغ الاكتتاب إلا إن تعدى أو فرط ولكل من الوكيل والموكل فسخ عقد الوكالة متى شاؤوا قبل إتمام إجراءات الاكتتاب لأن الوكالة عقد جائز وتنفسخ الوكالة أيضا بموت الوكيل أو الموكل أو فقد أحدهما للأهلية. 42 - إن تمويل الاكتتاب عن طريق إقراض الجهة الممولة للعميل مبلغ الاكتتاب مقابل فائدة نسبية على مبلغ القرض محرم شرعا لأنه من ربا القرض. 43 - إن تمويل الاكتتاب عن طريق إقراض الجهة الممولة للعميل مبلغ الاكتتاب مقابل مبالغ مقطوعة بقدر تكلفة الرسوم الإدارية للقرض جائز شرعا. 44 - إن تمويل الاكتتاب عن طريق البيع بالآجل جائز شرعا بشرط تضمن المعاملة لجميع الشروط المعتبرة للبيع ومن أهمها قبض الجهة الممولة للسلعة قبل بيعها على المتمول وكذلك قبض المتمول للسلعة قبل بيعها ومن أهم الشروط كذلك عدم بيع المتمول للسلعة على الجهة الممولة أو وكيلها أو شريكها. 45 - إن التمويل بالمشاركة بالمال أو بالمال والعمل جائز شرعا وهو أيضا جائز نظاما لأن نظام الشركات يقر اشتراك أكثر من شخص في تملك الأسهم على أن ينوب عن الشركاء أحدهم ليكون مسؤولا في مواجهة الشركة.

46 - يوصي الباحث أن تقوم الجهات التمويلية والبنوك على وجه خاص بعمل تعاوني وذلك بتمويل غير المقتدرين ماديا على الاكتتاب من جميع فئات المجتمع وفق مبدأ المشاركة بالعمل (المضاربة) خاصة أن البنوك تستطيع أن تحمي نفسها من تلاعب الناس باستعادة الفائض المسترد بعد الاكتتاب وكذلك ضمان حقها من بيع الأسهم المخصصة لأن كل هذه العمليات لا تتم إلا بواسطة البنك نفسه وبهذا العمل تتحقق مصالح عديدة لجميع الأطراف وتنتفع كافة فئات المجتمع من المشاريع الاستثمارية في البلد. 47 - إن التخصيص في حقيقته هو إعلان الشركة قبول إيجاب المكتتبين المتضمن بيان نصيب كل مكتتب من أسهمها. 48 - إن التكييف الفقهي للتخصيص هو أنه يتضمن أمرين: الأول: قبول من قبل الشركة المساهمة لإيجاب المكتتب الذي تمثل في تعبئته لاستمارة الاكتتاب الثاني: بيان نصيب المكتتب من أسهم الشركة وله حالتان: الأولى: أن يطابق عدد الأسهم المخصصة للمكتتب لعدد الأسهم التي اكتتب بها ويكون تكييفه في هذه الحالة أنه بيع لسلعة معلوم قدرها وهو جائز شرعا. الثانية: أن يكون عدد الأسهم غير مطابق لما اكتتب به المكتتب فيكون تكييفه أنه بيع لبعض مبيع مقسم إلى أجزاء معلوم قدر كل جزء منها ومعلومة قيمته غير أن نصيب المشتري من هذه الأجزاء غير معلوم وهو جائز شرعا بناء على أصح قولي العلماء مسألة بيع بعض الصبرة – دون تسمية ذلك البعض – كل قفيز منها بدرهم. 49 - إن يد مدير الاكتتاب على أموال المكتتبين بعد انتهاء الاكتتاب وقبل التخصيص يد ضمان وعلى هذا يكون التكييف الفقهي لهذه الصورة أنها قرض وبناء عليه فإنه يجوز لمدير الاكتتاب استثمار تلك الأموال في مجالات مشروعة وله غنمها وعليه غرمها. 50 - إن الأسهم في حقيقتها عروض تجارة لأنها أصبحت سلعة تباع وتشترى وترتفع قيمتها وتنخفض وفق العرض والطلب لكني أرى أن هذا التكييف خاص بأسهم الشركات المساهمة المتداولة في البورصة دون غيرها من أسهم الشركات التي قد يكون لتقييمها عوامل مختلفة عن هذه الشركات. 51 - إن السهم تطبق عليه أحكام عروض التجارة من حيث البيع فيجوز بيعها وتداولها كغيرها من الأعراض غير الربوية بغض النظر عن موجودات تلك الشركة من نقود وغيرها وكذلك تجري عليه أحكام زكاة عروض التجارة وغيرها من الأحكام التي تجري على العروض. 52 - إن قبض الأسهم الذي يكون عبر القيد المصرفي في المحافظ الاستثمارية قبض معتبر شرعا وتترتب عليه آثار القبض من جواز التصرف وغير ذلك. 53 - لا يجوز للمؤسسين بيع أسهمهم على من سواهم قبل نشر الميزانية وحساب الأرباح والحساب عن سنتين ماليتين كاملتين لا تقل كل منهما عن اثني عشر شهرا من تاريخ تأسيس الشركة إلا في الحالات التي استثناها النظام 54 - لا يجوز تداول الأسهم بعد الاكتتاب وقبل التخصيص لأنه من بيع ما لا يملك. 55 - يجوز للمكتتب الذي قبض نصيبه من الأسهم بعد التخصيص أن يبيع تلك الأسهم قبل إدراجها في سوق التداول ولكن المشتري لهذه الأسهم لا يجوز له بيعها إلا بعد أن يقبضها القبض التام ومعلوم أنه لا يمكن أن يقبضها إلا بعد إدراج أسهم الشركة في سوق التداول. هذه هي أبرز النتائج أسأل الله أن ينفع بها الإسلام والمسلمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أحكام البحر في الفقه الإسلامي

أحكام البحر في الفقه الإسلامي ¤عبدالرحمن بن أحمد بن فايع£بدون¥دار الأندلس الخضراء - جدة¨الأولى¢1421هـ€فقه¶فقه عبادات منوعات الخاتمة: الحمد الله رب العلمين، والصلاة والسلام على رسولنا محمد، وعلى آله وعلى أصحابه أجمعين، وبعد: فلقد توصلت من خلال هذا البحث إلى نتائج من أهمها ما يأتي: 1 - جواز التطهر بماء البحر، بلا كراهة. 2 - إذا تغير ماء البحر فله حالتان: إحداهما أن يتغير بنجس فينجس. والثانية أن يتغير بطاهر، فله ثلاث صور: الأول: أن يتغير بمخالط يغلب عليه حتى يفقد اسمه فلا تصح الطهارة به. والثاني: أن يتغير بطاهر لم يسلبه اسم الماء، وهذا على ضربين: الأول: أن يكون هذا الطاهر مما يشق صون الماء عنه. والثاني: أن يتغير بما يمكن التحرز منه، وهو باق على طهوريته في الضربين السابقين. والصورة الثالثة: أن يتغير بسبب غير معلوم، فيحكم بطهورتيه أيضاً. 3 - مياه الصرف الصحي إذا تغير بها جزء من ماء البحر، فإن هذا الجزء المتغير نجس. 4 - دم السمك طاهر. 5 - جواز اتخاذ الأواني المصنوعة من مادة بحرية نفيسة. 6 - جواز اتخاذ الآنية من عظم وجلد الحيوان البحري، أما الحيوان الذي يعيش في البر والبحر، ولا يؤكل لحمه، فلا يجوز اتخاذ الآنية من عظمة وجلدة. 7 - جواز صلاة الفرض في السفينة، ولو أمكنه الخروج منها، إذا استقبل القبلة، وأتم أركانها. 8 - لا يجب استقبال القبلة في النافلة لراكب السفينة. 9 - لا يجوز لمن يصلي الفريضة في السفينة ترك القيام، ما دام يقدر على ذلك. 10 - لا يجوز للمسافر الراكب في السفينة أن يتطوع بالإيماء بدون عذر. 11 - يجوز اقتداء ذوي السفن المتقاربة بإمام واحد، يسمعون تكبيره، أو يرون أفعاله. 12 - يجوز القصر في طويل السفر وقصيره في البحر، ويرجع في تحديد السفر إلى العرف. 13 - يشترط المفارقة للبيوت والقرى عند السفر في البحر، وبالنسبة للسفر من الميناء البحري فإنه ينظر: إن كان الميناء قائماً في البلد، ومتصلاً به، فمن كان فيه لا يعد مفارقاً، وإن كان الميناء منفصلاً عن البلد، بحيث يقال أنه خارجها، فلا مانع من الترخص، ويعد مفارقاً للبلد. 14 - لا يباح القصر للملاح الذي ليس له بيت إلا السفينة إذا كان أهله معه فيها. 15 - إذا مات المسلم في السفينة وهي في البحر فينتظر به إن كان يرجى وجود موضع يدفن فيه، مالم يخش عليه الفساد، فإن خشي عليه الفساد غسل وكفن وصلي عليه، ثم ألقي في البحر، وثقل لينزل إلى القاع. 16 - لا تجب الزكاة في المستخرجات البحرية. 17 - يجب ركوب البحر للحج إذا تعين ركوبه، بشرط أن تغلب عليه السلامة. 18 - يحرم راكب البحر المريد للحج أو العمرة إذا حاذى الميقات وجوبا ومن لم يحاذ ميقاتا، كالآتي من سواكن، فيحرم من جدة. 19 - صيد البحر في الحرم مباح. 20 - إذا صاد المحرم حيوانا يعيش في البر والبحر، فإن كان هذا الحيوان يبيض ويفرخ في الماء، ويتوالد فيه فهو صيد بحر، وإلا فهو صيد بر، أما طير الماء فهو من صيد البر المحرم على المحرم. 21 - الجراد من صيد البر. 22 - إذا ألقى الكفار في سفينة المسلمين نارا، فاشتعلت السفينة، واستوى لديهم جانب الحرق في السفينة والغرق في البحر، فيخيرون بين البقاء في المركب وبين إلقاء أنفسهم في البحر. 23 - التفرق بين المتعاقدين بالأبدان من أسباب انتهاء خيار المجلس، والمرجع في ذلك إلى العرف، ومثاله في السفينة صعود أحدهما إلا أعلاها، ونزول الآخر إلى أسفلها. 24 - اللحم أجناس تختلف باختلاف أصوله، فلحم السمك جنس، ولحم الطير جنس، وهكذا .. فلا يجري الربا بين هذه الأجناس.

25 - حيوان البر أجناس، فالحوت جنس، وماعداه مما لا يسمى حوتا جنس، وهكذا كل ما اختص باسم يخالف غيره يعد جنسا أو صنفا. 26 - لا يجري الربا في غير السمك من المستخرجات البحرية كاللؤلؤ ونحوه مما يوزن. 27 - جواز بيع وشراء الحيتان الصغار والكبار جزافا. 28 - جواز بيع الدر في الصدف. 29 - يجوز السلم في السمك عموما، لكن لا بد من بيان جنسه، ونوعه، وصغره، وكبره، وسمنه وهزاله، وهل هو بحري أم نهري، وطري أو مالح. 30 - جواز السلم في صغار اللؤلؤ دون كباره. 31 - عدم جواز التأمين التجاري، ويدخل فيه التأمين البحري ويمكن أن يستبدل هذا التأمين بما أطلق عليه (التأمين التعاوني) 32 - يضمن الناقل للبضائع إذا تلفت في السفينة بتعديه أو تفريطه، فإن لم يكن منه تعد ولا تفريط فيفرق بين التلف الحاصل بسب أجنبي يمكن التحرز منه كالسرقة العادية، وبين السبب الأجنبي الذي لا يمكن التحرز منه، كالحريق الغالب، فيضمن في الأول دون الثاني. 33 - إذا اختلف الناقل للبضائع مع صاحبها في التفريط أو التعدي عمل بقول عدلين من أهل الخبرة، فإن لم يكن فالقول قول الناقل. 34 - لا فرق بين وجود صاحب البضائع مع بضائعه أو عدم وجوده في تضمين الناقل (الملاح) أو عدم تضمينه. 35 - إذا كان تأخير البضائع عن الوصول إلى الميناء ناتجا عن تفريط أو إهمال ضمن الناقل ما يترتب على هذا التأخير وإلا فلا. 36 - إذا اصطدمت سفينتان فغرقتا بما فيها أو غرقت إحداهما فلا يخلو الأمر من حالات ثلاث: الحالة الأولى: أن يكون التصادم دون تعد ولا تفريط، فلا ضمان. الحالة الثانية: أن يكون التصادم بسبب التفريط والإهمال، ففي هذه الحالة: إن كانت السفينتان وما فيهما من الأموال ملكا للملاحين المجريين لها، فيضمن كل واحد منهما نصف قيمة سفينة صاحبه، ونصف قيمة ما فيها، وإن كانتا لغيرهما، وجب على كل واحد منهما نصف قيمة سفينة، ونصف قيمة ما فيها، ونصف قيمة سفينة صاحبه، ونصف قيمة ما فيها. الحالة الثالثة أن يكون تصادم السفينتين عمدا، فيجب الضمان في الأموال على تعمد. أما بالنسبة لتلف الأشخاص، فإن كان التصادم بدون تفريط فلا ضمان في هذه الحالة، وإن كان التصادم بتفريط: فتضمن عاقلة كل واحد من الملاحين دية نصف ركاب سفينته، ونصف ديات ركاب سفينة صاحبه، إن كانوا أحرارا، ويضمن كل منهما في ماله نصف قيمة ما في سفينته، ونصف قيمة ما في سفينة صاحبه من عبيد، إن كان العبيد لغيرهما. أما إذا تعمد الملاحان أو أحدهما الاصطدام فهلك به أحد، فيفرق بين ما إذا كان الاصطدام على وجه يهلك غالبا، ففيه القود، وبين ما إذا كان الاصطدام على وجه لا يقع به الهلاك غالبا، فالقتل هنا شبه عمد. 37 - إذا خيف على السفينة الغرق، جاز طرح ما فيها من المتاع، وإن لم يأذن أصحابه، إذا رجي بذلك النجاة، ويكون المطروح بينهم على قدر أموالهم. 38 - وجوب المحافظة على البيئة البحرية من التلوث. 39 - التلوث الناتج عن التعمد يضمن فاعله، وكذلك يضمن من وقع التلوث بسبب إهماله أو تفريطه أو تقصيره، سواء كان الفاعل شخصا بعينه، أو شركة، أو جهة، أو كيانا. أما التلوث الواقع بغير تعد ولا تفريط، فلا يضمن إذا كان ذلك بسبب خارج عن قدرته، كالغرق أو الحريق، وإلا ضمن. 40 - ينقسم الكراء في السفينة إلى قسمين: أحدهما: الكراء المعين، بأن يكتري منه سفينة، ويعينها. الثاني: الكراء المضمون، وهو أن يكتري منه ركوب سفينة أونقلها إلى مكان معين فإذا كتب بينهما عقد، وأعطي بذلك إيصالا، فهو ما يسمى بالمصطلح الحديث (سند الشحن). 41 - ليس لناقل البضائع حبسها من أجل تحصيل الأجر. 42 - يجوز كراء السفينة بجزء مما يحمل فيها.

43 - إذا لم تصل السفينة المستأجرة إلى الغاية التي تضمنها عقد الإجارة، ولم يكن ذلك بتفريط ولا تعد، فيستحق الملاح أو القائد للسفينة من الأجر بحسب ما سار. 44 - ليس لأحد إحياء السواحل القريبة من البحر، ولا إقطاعها إقطاع تمليك. أما الجزائر الواقعة في البحر فيجوز إحياؤها وإقطاعها بشرط عدم إلحاق الضرر بالغير. 45 - لا تقطع المعادن البحرية الظاهرة إقطاع تمليك، أما المعادن البحرية الباطنة فيعود الأمر فيها إلى نظر ولي الأمر بحسب المصلحة العامة. 46 - يجوز إقطاع السواحل والجزائر إقطاع استغلال وإرفاق. 47 - يجوز للدولة أن تمنع الصيد البحري في بعض الأماكن أو الأوقات، للحفاظ على الثروة السمكية، عند وجود المصلحة في ذلك. 48 - الضوابط الشرعية لممارسة الرياضة تتلخص في: مراعاة المقاصد الحسنة (الشرعية) عند مزاولة الرياضة، وعدم إلهائها عن واجب شرعي، ووجوب ستر العورات، وعدم اشتمال الرياضة على خطر محقق أو غالب، والبعد عن المكاسب المحرمة، وألا يترتب على مزاولة الرياضة موالاة أو معاداة بسببها 49 - تجوز المسابقة بعوض في كل ما يستعان به على الجهاد في سبيل الله، ومن ذلك المسابقة على السفن الحربية والغواصات والزوارق البحرية. 50 - لا تثبت الشفعة في السفن، ولا في غيرها من المنقولات. 51 - ما يجده الشخص في البحر أو على ساحله فهو له إن كان من المباحات التي لم يسبق عليها ملك، كالسمك واللؤلؤ والعنبر. فإن كان قد سبق عليه ملك فهو لقطة، ومثال ذلك: بقايا السفن الغارقة، ويستحق المستخرج لهذه الأموال أجرة المثل. 52 - الدرة التي توجد في بطن السمكة المباعة لا تخلو من حالين: أحدهما: أن يكون عليها أثر لآدمي، فهي لقطة. والثاني: ألا يكون عليها هذا الأثر، فهي للصائد دون المشتري. 53 - تبرع من اشتد عليه عاصف البحر وخشي على نفسه لا ينفذ إلا في الثلث من ماله فقط، ويلحق في هذا بالمريض مرضا مخوفا. 54 - القرصنة البحرية من السعي في الأرض بالفساد وتلحق بالحرابة. 55 - من حلف أن لا يأكل لحما فأكل سمكا فإنه يحنث، ومن حلف ألا يأكل رأسا فأكل رأس سمكة فلا يحنث، إلا أن يكون ببلد تباع فيه رؤوس السمك مفردة. 56 - من حلف ألا يأكل بيضا فأكل بيض سمك لم يحنث إلا أن ينويه. 57 - من حلف ألا يلبس حليا فلبس لؤلؤا حنث. 58 - جميع حيوان البحر الذي لا يعيش إلا فيه حلال، وكذلك ميتته إلا ما كان في تناوله ضرر، فيمنع لذلك. 59 - جميع الحيوانات التي تعيش في البر والبحر مباحة إلا الضفدع والحية والتمساح، وكذا كل ما كان فيه ضرر على الآكل، أو كان يفترس الناس. 60 - تشترط الذكاة للحيوان الذي يعيش في البر والبحر. 61 - المحفوظ من السمك على قسمين: أحدهما: ما ينظف ويخرج ما في جوفه. والثاني: ما يترك دون تنظيف، فيبقى بما فيه من الأحشاء والدم وكلا القسمين مباح الأكل. 62 - الطير البحري لا يعد من حيوان البحر بل هو بري، وهو حلال إلا الذي يأكل الجيف. 63 - يحل أكل السمكة التي توجد في بطن سمكة أخرى، ما لم يكن في أكلها ضرر. 64 - لا بأس بتقطيع السمك قبل أن يموت، أما إلقاؤه في النار فيكره. 65 - لا يجوز لبس الثوب المكلل باللؤلؤ للرجال. 66 - المياه البحرية تنقسم بحسب الأعراف الدولية المعاصرة إلى: مياه داخلية تملكها الدولة كباقي أراضيها، ومياه إقليمية تعد بمثابة الحريم للملك، ومياه متاخمة (ملاصقة) ومنطقة اقتصادية، وفي هذين النوعين من المياه تكون الدولة المجاورة أحق من غيرها في استغلال وكشف الثروات في هاتين المنطقتين، أما مياه البحر العالي (العام) فجميع الدول فيه سواء. وهذه الأعراف الدولية ما دامت تحقق المصلحة، ولا مضارة فيها على أحد، فلا مانع من اعتبارها شرعا، والله أعلم.

أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها

أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها ¤محمد بن محمد المختار الشنقيطي£بدون¥مكتبة الصديق - الطائف¨الأولى¢1413هـ€فقه¶أحكام طبية فقد توصلت من خلال هذا البحث _ بفضل الله تعالى _ إلى نتائج من أهمها ما يلي: ا- النتائج الخاصة بموضوع الرسالة: أولا: الجراحة الطبية مشروعة من حيث الجملة. ثانيا: أن تعلم الجراحة الطبية، وتعليمها، وتطبيقها، يعتبر فرضا من فروض الكفاية. ثالثا: أن لعلماء الطب المسلمين فضلا كبيرا في تطوير علم الجراحة والتأليف فيه وأن هذا الفضل يرجع إلى التزامهم بالشرع قولا، وفعلا، واعتقادا. رابعا: يشترط لجواز فعل الجراحة الطبية ثمانية شروط: أن تكون مشروعة، ويحتاج إليها المريض، ويأذن بفعلها، وأن يكون الطبيب الجراح أهلا لفعلها، ويغلب على ظنه نجاحها، ولا يوجد البديل الذي هو أخف ضررا منها، وأن تترتب المصلحة على فعلها، ولا يترتب عليها ضرر أعظم من ضرر المرض الجراحي. خامسا: تشرع من الجراحة الطبية الأنواع التالية: الجراحة العلاجية، والكشفية، والولادة، والختان، والتشريح، والتجميل، المحتاج إليه. سادسا: أن الجواز في هذه الأنواع مبني على وجود الحاجة الداعية إلى فعلها، وهي إما أن تبلغ إلى مقام الضروريات كما في الجراحة العلاجية الضرورية، وجراحة الولادة التي يقصد إنقاذ الأم، وجنينها، أو واحدا منهما. وإما أن تبلغ مقام الحاجيات كما في الجراحة العلاجية الحاجية، وجراحة الولادة الحاجية وجراحة التشريح بقصد تعلم الطب، وجراحة الكشف، وجراحة التجميل المحتاج إليها. وإما أن تكون دون مقام الضروريات والحاجيات كما في الجراحة العلاجية الصغرى. وقد يكون جواز الجراحة مبنيا على ورود إذن خاص من الشرع بفعلها كما في جراحة الختان. سابعا: يحرم على الأطباء ومساعديهم فعل جراحة التجميل التحسينية (التي لم توجد فيها دوافع ضرورية ولا حاجية)، وجراحة تغيير الجنس، والجراحة الوقائية. ويحرم على غيرهم الإذن بفعلها، والمعونة عليها. ثامنا: أن الحكم بحرمة هذه الأنواع مبني على عدم وجود الحاجة الداعية إلى فعلها، إضافة إلى ما تشتمل عليه من تغيير لخلق الله تعالى، وعبث فيها وتسخط على قضاء الله وقدره. تاسعا: يشرع للأطباء ومساعديهم القيام بمهمة الفحص الطبي بشرط أن تتوفر فيهم الأهلية المعتبرة للقيام بمهمته، ولا حرج عليهم، ولا على المرضى في الكشف عن العورة، ولمسها، والنظر إليها بشرط وجود الحاجة الداعية إلى ذلك. وعدم وجود البديل في الجنس والطريقة، وأن تتقيد بقدر الحاجة دون زيادة. ولا حرج عليهم في الفحص بالأشعة السينية ونحوها من الوسائل الخطرة بشرط وجود الحاجة، وعدم وجود البديل الذي هو أخف ضررا منها، وأن يقتصروا فيها على قدر الحاجة. عاشرا: يشرع للأطباء الحكم بوجود المرض الجراحي، إذا بلغ علمهم بوجوده مرتبة اليقين أو غلبة الظن. ويجب عليهم التوقف في حال الشك (استواء الاحتمالين) ... ويحرم عليهم الحكم بوجوده إذا كان علمهم مبنيا على الوهم (الاحتمال المرجوح). الحادي عشر: ا- يستحق الإذن بالجراحة المريض، ووليه، فيعتبر إذنه إذا كان أهلا بأن كان بالغا عاقلا، فلا يعتبر إذن صبي، ولا مجنون، ولا يعتبر إذن الولي إذا أمكن أخذ المريض الأهل، أو امتنع ذلك المريض من الإذن. ب - ويشترط للحكم بصحة الإذن: أن يكون صادرا ممن له الحق، وأن تتوفر فيه الأهلية، وأن يكون مختارا، وأن يشتمل الإذن على إجازة فعل الجراحة، وأن تكون دلالة صيغته صريحة أو قائمة مقام الصريح، وأن يكون المأذون به مشروعا. ج- ويستحب للمريض أن يأذن بفعل الجراحة إلا إذا كانت ضرورية فإنه يجب عليه الإذن بها، ولا يعتبر قاتلا لنفسه لو امتنع ومات بسبب المرض الجراحي.

د - ويجوز للأطباء فعل الجراحة بدون أخذ موافقة المريض في حالتين: هـ- إذا كان مهددا بالموت، أو تلف عضو أو أعضاء من جسده ولم تسمح حالته بأخذ موافقته. وأو كان مصابا بمرض معدي. الثاني عشر: الأصل في المخدرات أنها محرمة كالخمر، ولكن يجوز استعمالها في الجراحة المشروعة، بشرط أن يتقيد المخدر بالقدر المحتاج إليه دون زيادة عليه، ويتقيد بالحدود الشرعية في طريقة التخدير فلا يلجأ إلى التخدير عن طريق العورة، إلا إذا تعذر التخدير عن طريق غيره. الثالث عشر: ا- يجوز قطع الأعضاء والأجزاء من جسم الآدمي عند وجود الحاجة مع وجوب التقيد بها كما يجوز قطع البواسير بلا كراهة خلافا لمن قال بكراهته. وأما الأصبع الزائدة فيجوز قطعها إن وجدت الحاجة الداعية إلى ذلك كالألم وأما إذا لم توجد فإنه يحرم قطعها. ويجوز قطع العصب في جراحة التغلب على الألم إذا تعذر علاجه وكان ضرر الألم أعظم من ضرر قطع العصب. ويجوز للطبيب إذا قطع جزءا من الجسم لوجود الحاجة أن يزيد عن الموضع المحتاج إليه على سبيل الاحتياط إذا غلب ظنه سريان الآفة إلى ذلك الجزء المقطوع. ب - يجوز استئصال الأورام والغدد الملتهبة التي تهدد الجسم بضررها سواء كان خطرها مشتملا على هلاك النفس أو على ما دون ذلك كالآلام والمضاعفات المؤذية في المستقبل. ج- يجوز الشق في الجراحة سواء كان ضروريا كما في جراحة الولادة التي يقصد منها إنقاذ الأم وجنينها أو واحد منهما، أو كان حاجيا كالشق عن موضع الداء لمعالجته أو معرفة حقيقته. ويجوز شق بطن الحامل بعد موتها لإخراج جنينها إذا رجيت حياته على أصح أقوال أهل العلم رحمهم الله. د - نقل وزرع الأعضاء لا يخلو فيه المنقول منه إما أن يكون إنسانا أو يكون حيوانا. 1 - فإن كان إنسانا فإنه يجوز النقل منه إذا كان كافرا، أما إذا كان مسلما فإنه لا يجوز النقل منه سواء كان حيا أو ميتا، أذن بذلك أو لم يأذن. وتستثنى من الأعضاء التي يجوز نقلها من الكافر الخصيتان فإنه لا يجوز نقلها. 2 - وأما إن كان حيوانا فإنه لا يخلو أن يكون طاهرا، أو يكون نجسا فإن كان طاهرا كبهيمة الأنعام المذكاة فإنه يجوز نقل العضو منه. وأما إن كان غير طاهر فإنه يجوز الانتفاع بأجزائه ونقلها إلا عند الضرورة وبشرط أن لا يوجد البديل الطاهر. هـ يجوز الثقب المحتاج إليه كما في ثقب الفرج المسدود، ويجوز ثقب آذان النساء للحلي على أصح أقوال أهل العلم رحمهم الله. وتجوز مهمة الكحت وتوسيع الرحم بشرط وجود الحاجة الداعية إلى فعلها ويتعذر البديل الذي هو أخف مفسدة وضررا، كما في حالات النزيف الرحمي الحاد. ويجب أن يتولى النساء مهمته فإذا تعذر وجودهن جاز للرجال القيام بمهمته ووجب عليهم أن يلتزموا بالحدود الشرعية في النظر والكشف. ز- يشرع للأطباء أن يقوموا بمهمة إعادة العضو المقطوع إلى موضعه إلا أن يكون قطعه واجبا بحد أو قصاص فإنه لا تجوز إعادته ولو أذن صاحب الحق على أصح القولين في المسألة. ح - تشرع مهمة زرع الأعضاء المصنوعة في الجسم عند وجود الحاجة الموجبة لذلك. ط- تشرع مهمة رتق الفتوق ونحوها من الآفات التي يحتاج فيها إلى الرتق إلا أن يكون الموضع المراد رتقه غشاء بكارة فإنه يحرم على الطبيب رتقه، وعلى المرأة طلب ذلك أو الإذن به مطلقا. ي - يشرع الكي لإيقاف النزف، ونحوه من الحالات التي يحتاج الأطباء فيها إلى فعله. ك: يشرع خياطة الأجزاء المتمزقة من الجسم عند الحاجة. الرابع عشر: ا- المسؤولية عن الجراحة الطبية معتبرة شرعا. ب - تنقسم هذه المسئولية إلى قسمين: الأول: يتعلق بالآداب. والثاني: يتعلق بالمهنة.

ج- موجبات المسؤولية الأدبية: الكذب، وخلف الوعد، وعدم الوفاء بالعقد، وغشي المرضى، وكشف عوراتهم والنظر إليها من غير حاجة. د- موجبات المسئولية المهنية: عدم اتباع الأصول العلمية، والخطأ، والجهل، والاعتداء. هـ- ادعاء الموجب يفتقر إلى إثبات يشهد بصدقة، كما الحال في سائر الدعاوي، وعلى القاضي أن يرجع إلى شهادة المختصين من الأطباء، ويحكم بما تضمنه إن اتفقوا أو كملت البينة في جانب دون آخر فإن تساوت شهادتهم بحيث كمل نصاب البينة في الطرفين حكم باعتبار الشهادة الموجبة لبراءة الطبيب لكونها معتضدة بالأصل. والجهة المسؤولة عن موجب المسؤولية الأطباء ومساعدوهم والمستشفيات. أما الأطباء ومساعدوهم فإنهم يتحملون المسؤولية بنوعيها المباشرة والسببية فمن باشر فعل الموجب تحمل النوع الأول كالمخدر إذا زاد في كمية المواد المخدرة، ومن لم يباشر ولكن تعاطى سببا ترتب عليه وقوع الضرر من غيره، فإنه يتحمل المسئولية السببية كما هو الحال في الطبيب إذا أحال المريض على مساعد لا تتوفر فيه الأهلية المعتبرة فيمن يقوم بمهمته. ز - تترتب على موجب المسؤولية الآثار التالية: الضمان، القصاص، التعزيز. فأما الضمان فإنه يترتب على فعل المهمة في أربع صور: الأولى: أن يكون الأطباء ومساعدوهم وهم جاهلين بها، وينتفي فيهم قصد الضرر ولا يعلم المريض بجهلهم. الثانية: أن يكونوا عالمين بالمهمة، ولكن لا يتقيدوا بأصولها المعتبرة عند أدائها. الثالثة: أن يكونوا عالمين بالمهمة، ويتقيدوا بأصولها ولكن تزل أيديهم خطأ أثناء العمل. الرابعة: أن يكونوا عالمين بالمهمة، ويتقيدوا بأصولها ولكن لم يأذن لهم المريض ولا وليه ولا السلطان بفعلها على أصح القولين عند أهل العلم رحمهم الله. 2 - وأما القصاص فإنه يترتب على ثبوت قصد العدوان من الطبيب سواء تعلق بالنفس أو بالأطراف. 3 - وأما التعزير فإنه يترتب على موجب الجهل وعدم اتباع الأصول العلمية المعتبر عند أهل الاختصاص. الخامس عشر: أ - الجراحة موجبة للترخيص في العبادات: فللمريض أن يعدل إلى التيمم إذا تعذر عليه الغسل لتفشي الجراحة في جسده، وله العدول عن غسل موضع الجراحة إلى مسحه عند خوف الضرر، وله ترك طهارة الخبث لخوف الضرر. كما أنه يرخص له في ترك القيام والركوع والسجود في الصلاة إذا احتاج لذلك ويرخص له في ترك الصيام لمشقة المرض وخوف زيارته أوعدم البرء. كما يرخص له في الحج بحلق موضع الجراحة، وفعلها ولو أدى فعلها إلى فوات الحج ما دام قد تعين وتعذر تأخير الجراحة. ب - 1 - لا يشترط إسلام الطبيب الجراح ومساعديه، والأولى أن يتولى مهمة الجراحة المسلمون وإذا عالجه الطبيب الكافر لم يعمل بقوله في رخص العبادات. 2 - لا يجوز إجراء الجراحة عند استواء الاحتمالين (نجاحها وعدمه) وعلى الأطباء التوقف والامتناع عنها إلى أن يترجح أحدهما فيقدموا على الفعل أو الترك بحسب ما ترجح. 3 - تثبت الحاجة إلى الجراحة بشهادة طبيب واحد عادل، فإن تعذر وجود العدل عمل بشهادة الأمثل فالأمثل كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم رحمهم الله. 4 - يشرع للأطباء الرجوع إلى ولي الأمر أو الجهة المفوضة من قبله لأخذ الموافقة على فعل الجراحة الخطيرة كما قرره الإمام مالك رحمه الله. 4 - لا يجوز أن يقوم الرجال بفعل الجراحة للنساء ولا العكس إلا إذا تعذر وجود النظير من الرجال أو النساء، أو كان ذلك النظير موجودا إلا أنه يخشى على المريض لو انتظر إلى حضوره. وإذا قام الرجال بمداواة النساء أو العكس وجب عليهم التقيد بالضوابط الشرعية في الكشف والنظر واللمس. ج- 1 _ يجوز نقل الدم والتبرع به وقبوله بشروط أربعة هي:

الأول: أن يكون المريض محتاجا إلى نقل الدم، ويثبت ذلك بشهادة الطبيبين العدلين / الطبيب العدل. الثاني: أن يتعذر البديل الذي يمكن إسعافه به. الثالث: أن لا يتضرر الشخص المنقول منه الدم بأخذه من دمه. الرابع: أن يقتصر في نقل الدم على مقدار الحاجة. ويجوز للإنسان المحتاج للدم أن يأخذه من الغير بعوض مالي إذا لم يجد متبرعا، والإثم على الآخذ. 2 - إذا فتح الأطباء الذي يراد فعل الجراحة فيه وتبين لهم أن الواقع بخلاف التقدير المسبق الذي توصلوا إليه من خلال التشخيص فإنه يجب عليهم الرجوع إلى أولياء المريض لأخذ موافقتهم علي التغيير، فإذا تعذر ذلك أو خافوا على المريض إذا انتظروهم، فإنه يجوز لهم فعل الجراحة الجديدة إذا كان الدواء الموجود فيها أعظم من الداء الذي وافق عليه المريض أو مساويا له، أما إذا كان دونه فإنه يجوز لهم في حالة واحدة وهي إذا خافوا على المريض من ذلك الداء ويعسر فتح موضعه ثانية، وأما ما عداها فإنه يجب عليهم الرجوع إلى المريض أو وليه لأخذ موافقته. د- 1 - الأعضاء المبتورة يشرع دفنها، ولا ينبغي إحراقها، وإذا خشي من الداء الموجود فيها، فإنه تشرع إزالته بالمواد الموجبة لزواله ثم يدفن العضو بعد ذلك. 2 - لا يجوز بيع الأعضاء الآدمية هـ_ لا يؤاخذ المريض المخدر بإقراره أثناء التخدير وقبل الإفاقة، ولا يصح طلافه، وعليه قضاء الصلاة الفائتة. والإجارة على فعل الجراحة جائزة بدون كراهة. وتجوز على فعل الحجامة مع الكراهة على أصح أقوال العلماء رحمهم الله. 3 - يشترط لصحة عقد الإجارة على فعل الجراحة: أهلية العاقدين، ورضاهما، وأن تكون الجراحة مشروعة، والعلم بالعمل الجراحي، والأجرة المستحقة. 4 - يستحق الأطباء ومساعدوهم الأجرة بانتهاء المهمة المتعلقة بكل واحد منهم بحسب اختصاصه ومجال عمله. 5 - عقد الإجارة على فعل الجراحة عقد لازم، ويجوز فسخه في ثلاث حالات: أن يتفق الطرفان على ذلك، أو يموت أحدهما، أو يتعذر فعل الجراحة لزوال موجبها. ب) النتائج العامة: أولا: ازددت إيمانا ويقينا بصلاحية الشريعة الإسلامية، وكمال منهجها، وأنها شريعة خالدة صالحة لكل زمان ومكان، فقد اتسمت مادتها الفقهية بالثراء والوفاء بجميع متطلبات الحياة. ثانيا: ازددت إيمانا ويقينا برحمة الله تعالى، وعظيم لطفه بعباده، وذلك من خلال مطالعتي وبحثي في الكتب التي تحدثت عن علم الجراحة وما تضمنته من علوم ومعارف ألهمها الله عز وجل الإنسان لكي تكون سببا في نجاته من ضرر الأسقام ومشقة الآلام. ثالثا: أدركت عظيم فضل سلف هذه الأمة من الفقهاء والمحدثين والأصوليين وغيرهم من علماء الإسلام، وأنهم خدموا هذه الشريعة خدمة جليلة، فمهدوا بذلك السبيل لمن جاء بعدهم فجزاهم الله عني وعن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير ما جزى سلفا عن خلف. هذه هي أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال بحثي فما كان صوابا فمن الله وله الحمد والمنة وحده لا شريك له، وما كان خطئا فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه وآله وصحبه.

أحكام الخلع في الشريعة الإسلامية

أحكام الخلع في الشريعة الإسلامية ¤عامر سعيد الزيباري£بدون¥دار ابن حزم - بيروت¨الأولى¢1418هـ€فقه¶نكاح - طلاق وخلع وفسخ ونشوز الخاتمة وهذه خلاصة ما توصلت إليه وما لمسته من نتائج وهي: 1 - قضى الإسلام على مبدأ التفرقة بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانية المشتركة. وجعل للمرأة مثلما عليها من الحقوق والواجبات بالمعروف. 2 - إن المرأة يكره لها طلب الخلع، إلا إذا رأت من زوجها ما يحملها على كراهته وتيقنت أنها عاجزة عن معاشرته بالمعروف. 3 - إذا طلبت الزوجة الخلع من زوجها ولم تجد نفعاً معها محاولات الإصلاح والتوفيق، وجب على الزوج إجابة طلبها ولعل في تفرقهما يكون خيراً كما قال تعالى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ}. 4 - كل زوج صح طلاقه صح خلعه، لأن الخلع طلق بعوض، فإذا جاز بلا عوض فبه يجوز من باب أولى. 5 - إذا كانت الزوجة بالغة عاقلة مختارة صحيحة، فلا خلاف في صحة اختلاعها والتزامها بدفع العوض إلى زوجها مقابل تملك عصمتها. 6 - أي لفظ يؤدي إلى التفريق بين الزوجين فإنه يكون صالحاً في صيغة الخلع. لأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني وليست للألفاظ والمباني. 7 - والخلع يمين من جهة الزوج ومعاوضة من جهة الزوجة ولا يجوز بالمعاطاة. 8 - يشترط لجواز أخذ العوض من الزوجة في الخلع أن يكون هناك شقاق بينهما معاً أو من الزوجة وحدها. 9 - ولا يجوز عضل الزوج امرأته حتى تفتدي منه إلا إذا أتت بفاحشة مبينة. 10 - يجوز أن يكون العوض في الخلع ما أخذت الزوجة من مهر أو أقل منه أو أكثر حسب الاتفاق أو حسب ما يقرره القاضي إن لزم الأمر. 11 - يجوز الخلع على عوض مجهول أو على ما يوجد فيما بعد، ويجوز على أن ترضع المختلعة ولد الزوج مدة الرضاعة الشرعية. 12 - إذا اختلف الزوجان في أصل الخلع أو في مقدار عوضه ونوعه أو موعد تسليمه، فالقول للمرأة مادام الزوج لا يملك بينة والزوجة لا تقر. 13 - إذا كان الخلع عن تراض بين الزوجين فالظاهر أنه لا يشترط كونه عند القاضي، وأما إذا كان معه خصام وشقاق فالأفضل أن يكون عند القاضي أو من يقوم مقامه، قطعاً لدابر النزاع وإنصافاً للمظلوم، وخصوصاً لأن الخلع عقد فيه عوض غير محدود. 14 - إن الخلع يعتبر طلاقاً لا فسخاً. 15 - الخلع طلاق بائن تملك المرأة به عصمتها ولا يراجعها الزوج إلا بموافقتها وبعقد ومهر جديدين. 16 - إن عدة المختلعة هي حيضة واحدة لثبوت ذلك عن كثير من الصحابة.

أحكام الدين دراسة حديثية فقهية

أحكام الدين دراسة حديثية فقهية ¤سليمان بن عبدالله القصير£بدون¥دار كنوز إشبيليا - الرياض¨الأولى¢1426هـ€فقه¶فقه معاملات - أعمال منوعة الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه على ما أنعم عليَّ وتفضل من النعم الكثيرة التي لا أحصيها، ومنها أن وفقني لإتمام هذه الرسالة التي أرجو أن تكون سببًا في دخولي في زمرة من خدم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد: فهذا جهد المقل استفرغته في جمع الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدين من كتب السنة، وبيان شيء من أحكامها وفقهها، وقد بذلت فيها جهدي المستطاع فيما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فيمن نفسي والشيطان، وقد حاولت أن تكون رسالتي جامعة لمعظم أحكام الدين المستنبطة من تلك الأحاديث، وقد زادت الأحاديث المرفوعة في الدَّين عن مائة وخمسين حديثًا وهي ما بين صحيح وضعيف، وما بين أصول وشواهد، والآثار الواردة فيه عن الصحابة كثيرة يصعب حصرها لكني اعتنيت بالمهم منها خصوصًا إذا انعدمت الأحاديث المرفوعة أو قلت في المسألة المبحوثة. وقد قمت بدراسة الأحاديث الأصول وما يحتاج إليه من شواهدها. وتبين لي من خلال البحث في هذه الدراسة المتواضعة، والرجوع إلى المصادر الأصيلة بعض الأمور أذكر منها: 1 - أن دراسة موضوع واحد من مواضيع السنة هي طريقة علمية أصيلة، تعود بالنفع على الباحث والقارئ، وأنها تجمع للباحث بين الحسنيين: الرواية والدراية، ولعله إذا انتهج هذا المنهج في كتابة بعض الرسائل فإنه سيقدم للأمة موضوعات عليمة مدروسة دراسة شاملة. 2 - أن كثيرًا من الأحاديث الموجودة في كتب السنة غير المشهورة ضعيفة أو معلة أو غريبة الإسناد أو المتن، وأن أئمة الحديث وجهابذته لم يتركوها ويعرضوا عنها إلا بسبب كونها معلةً أو غريبة، وأعني بالكتب المشهورة: الكتب الستة، ومسند أحمد، وموطأ الإمام مالك. 3 - أن البحث عن ترجمة راو من رواة الكتب الستة سهل ومتيسر، لكن البحث عن ترجمة راو من غيرها شاق في الغالب، فقد مر بي عدد من الرواة من غير رواة الكتب الستة وبحثت عن ترجمتهم مدة أيام في كثير من المصادر والمراجع، واستخدمت جهاز الحاسوب ببرامجه المتعددة ولكني لم أظفر بترجمة لهم، وإن وجدت لبعضهم لم تكن الترجمة وافية فلا تجد فيها حكمًا على الراوي يشفي الغليل أو يبين درجة أحاديثه، فإن رواة غير الكتب الستة لم يعتن بهم العناية المطلوبة، ولم يؤلف في تراجمهم إلا كتبًا قليلة، على أن هذا القليل لم يأخذ سبيله إلى التحقيق والنشر. 4 - أن بعض أحاديث الدين معلة بعلل توجب ضعفها أو التوقف فيها، وقد مر بي أكثر من اثنين وعشرين حديثًا معلاً؛ قد وقع اختلاف في رفعها ووقفها، أو في وصلها وإرسالها، واختلف في أسانيدها من بعض رواتها أو غير ذلك. وفي بعض هذه الأحاديث لم أقف على من بين علتها أو تكلم عليها من الأئمة، مع حرصي الشديد على أن أتوج عملي في كل حديث أدرسه بحكم لأئمة الحديث ونقاده، مستنيرًا بنظرهم الثاقب، وفي هذه الأحاديث المعلة ذكرت ما أعلمه من علتها مع قناعتي التامة بأن ما توصلت إليه لا يخلوا من خطأ أو نقص، وقد أعقب على قول بعضهم مما ظهر لي لا انتقادًا لهم رضي الله عنهم ولكن لأن الحكمة ضالة المؤمن؛ ولأن النتائج التي يتوصل لها الباحثون في مثل هذه المسائل ليست قطعية وحاسمة بل للنظر فيها مجال، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان من أسباب وقوفي على هذه العلل –بعد توفيق الله عز وجل- طريقة جمع المرويات الواردة في موضوع واحد والمقارنة بينها، وقد روي عن الإمام علي بن المديني أنه قال: ((الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه)) (). ولذلك فإني أحث إخواني الباحثين على اختيار مثل هذه الموضوعات التي تعتمد على الاستقراء والمقارنة بين المرويات لما تحققه من فوائد جمة. وفي الختام أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يتقبل منا جميع أعمالنا، وأن يسدد خطانا، وأن يجزي علماءنا ومشايخنا عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحكام الذبائح واللحوم المستوردة في الشريعة الإسلامية

أحكام الذبائح واللحوم المستوردة في الشريعة الإسلامية ¤عبدالله بن محمد الطريقي£بدون¥بدون¨الأولى¢1403هـ€فقه¶أطعمة وأشربة الخاتمة في خلاصة أهم ما ورد في هذا البحث:- 1) أن لإطابة مطعم الإنسان أثره الطيب في نفس صاحبه من صفاء قلبه وسريرته وقبول دعائه بخلاف المطعم الخبيث الذي يظهر أثره على العكس من المطعم الخبيث الذي يظهر أثره على العكس من المطعم الطيب. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: "إنه لن يدخل الجنة لحم نبت من سحت". 2) خلق الله الإنسان وجعله محتاجاً للطعام كحاجة المحرك للوقود ليكون هذا الطعام قواماً للحياة ومعونة على طاعة الله عز وجل لا ليستعان به على معصية الله سبحانه. 3) لأكل الطعام آداب كثيرة منها ما يتقدم الأكل ومنها ما يكون أثناء الأكل ومنها ما يكون بعد الأكل. 4) الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص من الشارع بالتحريم كما هو مذهب جمهور الفقهاء والأصوليين عملاً بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}. وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} فالأصل الإباحة والتحريم مستثنى. 5) للزكاة معانٍ كثيرة في اللغة منها الذبح وهو المراد هنا. أما في الشرع فالمعنى الذي اقترحنا أن يكون هو أن الزكاة ذبح في الحلق أو نحر في اللبة من مسلم أو كتابي لحيوان مقدور عليه مباح أكله يعيش في البر لا جراد ونحوه بقطع حلقوم ومريء واحد الودجين أو عقر إذا تعذر. 6) من الحكمة في مشروعية الذكاة إزهاق روح الحيوان بسرعة إراحة له، ولأجل استخراج الفضلات الفاسدة من جسمه فإن من الحكمة في تحريم الميتة احتقان الرطوبات والفضلات والدم الخبيث فيها. 7) اتفق الفقهاء على جواز تذكية المسلم العاقل البالغ. واختلفوا في جواز تذكية أهل الكتاب إذا كانوا من نصارى العرب أو ذكروا على الذبيحة اسم غير الله أو كانت الذبيحة مما حرمت عليهم في التوراة أو حرموها هم على أنفسهم أو لم يذبحوا على الطريقة المتبعة في شرعنا. وكذلك اختلفوا في جواز تذكية المجوس والصابئة والمرأة والصبي والمجنون والسكران والغاصب والسارق والمرتد. 8) الذكاة نوعان. اختيارية وهي الذبح فيما يذبح والنحر فيما ينحر. واضطرارية وهي جرح الحيوان غير المقدور عليه في أي موضوع من بدنه جرحاً يقضي إلى زهوق روحه إما برمي بسهم أو نحوه أو بإرسال كلب أو نحوه. 9) اختلف الفقهاء في ضابط الحياة التي تؤثر معها الذكاة في المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وكذلك المريضة والذي ترجح لنا أن كل ما كانت حياته مستقرة ظاهرة فذبح حل أكله إذا تحقق أنه يعش زمناً يكون الموت بالذبح أسرع من الموت بغيره. 10) جنين الدابة إن ألقته أمه ميتاً قبل تذكيتها لا يؤكل إجماعاً. وإن ألقته حياً قبل تذكيتها فهو حلال إن ذكي وهو متحقق الحياة. وإن ألقته حياً بعد تذكيتها فإن أدركت ذكاته أكل وإن لم تدرك ذكاته فقيل هو ميته وقيل ذكاته ذكاة أمه. أما إن ألقته ميتاً بعد تذكيتها ففيه خلاف بين فقهاء المذاهب، فقيل لا يؤكل وقيل يؤكل بشرطين أن يتم خلقه وأن ينبت شعره وقيل إن ذكاته ذكاة أمه وهو الراجح. 11) هل للذكاة تأثير في الحيوان المحرم الأكل قيل إن لها تأثير في تطهير الجلود ما عدا الخنزير. وقيل لها تأثير في طهارة اللحم والجلد إلا الآدمي والخنزير. وقيل إن ذكاة محرم الأكل لا تؤثر فيه شيئاً وهو الراجح.

12) آله الزكاة الاختيارية هي كل محدد يمكن به إنفاذ المقاتل وإنهار الدم، وقد اتفق الفقهاء على جواز الذبح بكل محدد يمكن به إنفاذ المقاتل كالسكين والسيف ونحوهما مما يجهز على الحيوان بسرعة، لأنه قد ورد الأمر بإحداد الشفرة وإراحة الذبيحة. وقد اختلف الفقهاء في جواز الذبح بالسن والظفر وكذلك العظم ومثله الآلة المسروقة وآلة الذهب. 13) الذكاة ثلاثة أنواع ذبح ونحر وعقر، فلو ذبح ما ينحر أو نحر ما يذبح ففيه ثلاثة أقوال عند الفقهاء أرجحها أن السنة في الإبل النحر وفي غيرها الذبح، فإن ذبح ما ينحر أو نحر ما يذبح حل المذبوح. 14) ما ند من النعم أن تردى في بئر ونحوها فذكاته كذكاة الصيد في أي مكان من جسمه كما هو مذهب الجمهور، لأن ذكاة الاضطرار إنما يصار إليها عند العجز عن ذكاة الاختيار والعجز متحقق. 15) اختلف الفقهاء في حكم التسمية على الذبيحة فمن قائل إنها سنة عند الذبح وإرسال الصيد. ومن قائل إنها واجبة على الطلاق. ومن قائل إنها واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان سواء ذلك في الذبيحة أو الصيد. وهذا الأخير هو مذهب جمهور الفقهاء وهو الذي ظهر لنا ترجيحه. 16) رقبة الحيوان تحتوي على الحلقوم مجرى النفس، والمريء مجرى الطعام والشراب والودجين وهما عرقان غليظان يحيطان بالحلقوم. ولا خلاف بين الفقهاء في أن الأولى والأكمل للذابح أن يقطع هذه الأربعة. وإنما اختلف الفقهاء في القدر المجزئ من هذه الأشياء الأربعة والأظهر أن المجزئ هو قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين. 17) جمهور الفقهاء يشترطون النية للزكاة، والشافعية يشترطون قصد الفعل دون قصد الذبح، والراجح أن ما ذهب إليه الجمهور من اشتراط النية للزكاة، لأن من شروط الزكاة التسمية وقطع الحلقوم والمريء وبعض الأوداج وهذا لا يتحقق إلا بالنية. 18) الذبح لغير الله محرم وصورته أن يذبح باسم غير الله تعالى كمن يذبح للصنم أو للصليب أو لموسى أو لعيسى أو للكعبة أو للقبر ونحو ذلك. والحكمة من تحريمه صيانة لحمى التوحيد لأنه من أعمال الوثنية. 19) العضو المبان إن كان من حيوان حي فهو كميتته في حل الأكل وحرمته. وكذلك إذا أبين العضو من حيوان ميت فحكمه حكم ميتته أيضاً. أما العضو المبان من المذكى المأكول بعد تمام تذكيته وقبل زهوق روحه فهو مباح كما هو مذهب جمهور الفقهاء، وإن كان الفعل مكروهاً. 20) أما العضو المبان في الصيد فلا يخلو من ثلاث حالات:- إما أن يقطعه قطعتين. أو يبين منه عضو وتبقى فيه حياة مستقرة. أو يبين منه عضو ولا تبقى فيه حياة مستقرة. وفي كل حالة من هذه الحالات خلاف للفقهاء في حكم العضو المبان. 21) الدم المسفوح محرم بنص القرآن إلا ما يتبع اللحم من الدم في العروق فمعفو عنه تيسيراً على الأمة ودفعاً للمشقة. 22) من الأمور التي جدت في هذا العصر استعمال الجيلاتين في كثير من أنواع الأغذية. ومصدره جلود وعضلات وعظام الحيوانات التي من المحتمل أن يكون بها كثير من أجزاء الخنازير إذا كانت من بلاد تأكل الخنزير. وعلى هذا فالجيلاتين المتحول عن الكولاجن الذي أصله من الخنزير حرام لأن ذلك مثل انقلاب الخنزير ملحاً. 23) أما استعمال الأدهان في الأغذية ففيه تفصيل، وذلك أن هذه الأدهان إما أن تكون من نبات أو من حيوان. فإن كانت من نبات فهي حلال بشرط ألا تكون مخلوطة بنجس أو متنجس. وإن كانت من حيوان. فإما أن تكون من مأكول أو غير مأكول. فإن كانت من مأكول فحكمها حكم لحمه. وإن كانت من حيوان محرم الأكل كالخنزير فإما أن تستعمل في مأكول أو غير مأكول. فإن استعملت في غير المأكول كاستعمال كثير من أدهان الخنزير في الصابون ففيه خلاف الراجح فيه التحريم.

أما إن استعملت في الأطعمة المأكولة كاستعمال كثير من أذهان الخنزير مع الحلويات والبسكويت فذلك محرم. 24) أما الأجبان فإن صنعت من لبن حيوان غير مأكول فلا تؤكل إجماعاً. وإن صنعت من لبن حيوان مأكول فإن عملت من أنفحة مذكاة ولم يخالطها نجاسة فتؤكل. أما إن عملت من أنفحة ميتة ففي جواز أكلها خلاف الراجح تحريم أكلها. أما إن عملت من أنفحة نجسة العين فلا تؤكل. 25) اللحوم المستوردة من خارج البلاد الإسلامية أنواع كثيرة ويتوقف حكمها على كيفية الذبح وديانة الذابح. وهي من أهم القضايا التي يجب أن تبحث وأن يتكلم عنها العلماء لأنها مما عمت به البلوى في هذا الزمان ومما كثر فيه القيل والقال وقد سبق أن بينا أنواع هذه اللحوم وحكم كل نوع ثم بينا الحل الذي نقترحه لحل هذه المشكلة. هذا ما تيسر لي كتابته عن موضوع أحكام الذبائح واللحوم المستوردة في الشريعة الإسلامية، فإن وفقت فيه إلى الصواب فهو توفيق منه سبحانه وتعالى وله الشكر على كل حال. وإن لم أوفق فمني وأستغفر الله عن ذلك. وفي الختام نسأله تعالى أن يوفقنا في جميع الأعمال لما يرضيه وأن يجعل عملنا صالحاً ويجعله لوجهه خالصاً بمنه ورحمته إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير وصلى الله وسلم على البشير النذير والسراج المنير محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أحكام الذكر في الشريعة الإسلامية

أحكام الذكر في الشريعة الإسلامية ¤أمل بنت محمد الصغير£بدون¥دار الفضيلة - الرياض¨الأولى¢1424هـ€فقه¶أذكار وأدعية - أعمال شاملة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده وأشكره على جزيل كرمه وفضله وتوفيقه، وأصلي وأسلم على خير خلقه المبعوث رحمة للعالمين وبعد: فلقد كان من أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث ما يلي: 1 - أن ذكر الله تعالى هو: إنشاء الثناء عليه بتلاوة كتابه، وتمجيده، وتوحيده، وحمده، وشكره، وتعظيمه. 2 - يتنوع الذكر باعتبارات ثلاثة: ا- باعتبار ما ورد به، وينقسم إلى: ذكر بالقلب واللسان، وذكر بالقلب، وذكر باللسان. ب- من حيث الإطلاق والتقييد، وينقسم إلى: ذكر مطلق، وذكر مقيد. ج- باعتبار ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وينقسم إلى: أذكار مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأذكار غير مأثورة عنه. 3 - أن الذكر تجري عليه الأحكام التكليفية الخمسة، فقد يكون واجبا، أو مستحبا، أو مباحا، أو مكروها، أو محرما. 4 - أن لذكر الله تعالى فضائل عظيمة، وفوائد كثيرة تعود على المسلم بالخير في الدنيا والآخرة، فهو أفضل الطاعات بل إن إقامته هو مقصود الطاعات فهو سرها وروحها. 5 - للذكر آداب ينبغي التحلي بها وهي: طلب العون من الله تعالى، وأن يكون الذاكر نظيفا متطهرا، ويتحرى الأمكنة والأزمنة الفاضلة، ويستقبل القبلة، ويتضرع في ذكره ويتدبر ما يقوله. 6 - أن قراءة القرآن أفضل من سائر الأذكار إلا الأذكار المأثورة في مواضعها وأوقاتها فالاشتغال بها أفضل. 7 - جواز قراءة القرآن للمحدث حدثا أصغر دون مس المصحف بإجماع العلماء. 8 - عدم جواز مس المصحف للمحدث مباشرة بدون حائل باتفاق الفقهاء، وجواز مسه له من وراء حائل على القول الراجح لأنه لا يعتبر ماسا له. 9 - جواز النظر في المصحف وقراءته بالقلب أو قراءته من غير قصد القراءة للجنب والحائض والنفساء باتفاق الفقهاء. 10 - جواز قراءة القرآن باللسان للحائض والنفساء، وعدم جوازها للجنب، لأن حدثهما يطول بخلاف الجنب. 11 - عدم جواز قراءة القرآن بغير العربية سواء في الصلاة أو خارجها. 12 - جواز قراءة القرآن في الطريق، وفي موضع الاغتسال، والأولى صيانة القرآن، فلا يقرأ إلا في مواضع شريفة. 13 - استحباب قراءة القرآن للخطيب أثناء الخطبة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وعدم جوازها للمستمع. 14 - استحباب قراءة القرآن حال الطواف سرا، وهي أفضل من الدعاء المطلق فيه. 15 - جواز قراءة سورة يس عند المحتضر. 16 - إن قراءة القرآن للميت عند القبر بدعة، ولم تكن من عمل السلف. 17 - جواز ذكر الله تعالى غير القرآن للمحدث سواء كان حدثه أصغر أو أكبر، والأفضل له التطهر باتفاق الفقهاء. 18 - لا يجوز كتابة الذكر بشيء نجس أو على شيء نجس باتفاق الفقهاء، وأما كتابته على الحيطان والثياب والدراهم فاتفق الفقهاء على كراهته. 19 - جواز الزيادة في الذكر على المأثور بالألفاظ بشروط هي: ا- أن تكون الزيادة صحيحة المعنى ولا تستلزم نقصا بوجه من الوجوه. ب- ألا يكون مما علم أن الشارع أراد المحافظة فيه على اللفظ الوارد كألفاظ الأذان والتشهد ونحوها. ج- أن يكون بمعنى ما ورد، ويكون مما يليق. 20 - جواز الزيادة في الذكر على العدد الوارد، والأولى الاقتصار على ما ورد. 21 - أن القرآن الكريم وما تعبد به باللفظ كالأذان وأذكار الصلاة من التكبير والتشهد والتسبيح ليس لأحد إبدالها بلفظ آخر، ولا يجزئ غير هذا اللفظ عنه باتفاق الفقهاء. وأما غير ذلك من الأذكار التي لم يتعبد بها باللفظ فيجوز إبداله بلفظ آخر بشرط كونه عارفا بمعاني الألفاظ وما يحيلها، وكون اللفظ البديل مساويا في المعنى للفظ الوارد.

22 - استحباب الاجتماع لقراءة القرآن وذكر الله تعالى ما لم يقترن به بدعة كمصاحبة الذكر بحركات أو دوران أو غيره. 23 - جواز رفع الصوت بالذكر، والأفضل أن يراعي مقدر رفع الصوت فلا يرفع به فوق ما يسمع نفسه إلا في المواضع التي ورد فيها الجهر. 24 - جواز التسبيح بالحصى والنوى والمسبحة إلا إذا اتخذ للرياء، أو اعتقد به كجعله تعاويذ وتمائم ووقاية من الحسد وغيرها، والأفضل ما وردت به السنة من العد بالأنامل. 25 - أن التمايل واستخدام الطبل ونحوه كالدفوف والمزامير، وإفراد الذكر بمكان أو زمان واتخاذ ذلك سنة راتبه مما لم يرد فيه دليل، من البدع المحدثة التي لا أصل لها في الشرع المطهر. 26 - استحباب قضاء الأذكار الفائتة المقيدة بالأوقات كالأذكار التي عقب الصلوات المكتوبة، والقضاء ليس له وقت محدد. 27 - أن التسمية للوضوء والغسل والتيمم سنة غير واجبه على القول الراجح، لأن الله تعالى لم يذكرها في آية الوضوء، ولأن أحاديث وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم تذكرها كذلك. 28 - أن الذكر عند غسل كل عضو من أعضاء الوضوء لا أصل له ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من سلف الأمة. 29 - استحباب قول: (أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) بعد الفراغ من الوضوء باتفاق العلماء لما ورد فيه. 30 - استحباب الذكر عند دخول الخلاء بقول: بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) لورود الأحاديث الصحيحة في ذلك. 31 - تحريم الدخول للخلاء بالمصحف لغير حاجة، وكراهية ذكر الله تعالى أو الدخول بشيء فيه ذكر الله للخلاء بلا حاجة، تعظيما لاسم الله وتنزيها له عن هذه المواضع. 32 - استحباب قول: (غفرانك) عند الخروج من الخلاء باتفاق الفقهاء، وأما غير هذا الذكر فلا يستحب لضعف الأحاديث فيها. 33 - مشروعية الأذان والإقامة للصلوات الخمس والجمعة وعدم مشروعيتها للعيدين والكسوف والاستسقاء بإجماع العلماء. 34 - أن الذكر قبل الأذان أو قبل الإقامة أو الزيادة على ألفاظهما المشروعة محدث لا أصل له، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته ولا عن التابعين. 35 - استحباب إجابة المؤذن لكل سامع له، بأن يقول مثل ما يقول إلا عند الحيعلتين فيجيب بالحوقلة، وأما الإقامة فلا تستحب إجابتها لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم. 36 - استحباب الذكر بعد سماع الأذان بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سرا، والسؤال له بالوسيلة، والشهادتين وقول: (رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا) لورود الأحاديث الصحيحة في ذلك، أما الزيادة على ذلك فهي إما لم يرد فيها حديث أصلا أو ورد فيها ولكن لم يثبت. 37 - أن تكبيرة الإحرام فرض من فروض الصلاة لا تنعقد الصلاة بدونها، باتفاق الفقهاء. 38 - أن من كان يحسن العربية فلا يجزئه التكبير في الصلاة بغيرها، ومن لم يحسن يلزمه تعلم التكبير بها، وإن عجز عن التعليم كبر بلغته. 39 - أن الأخرس ومثله العاجز عن النطق كمقطوع اللسان يسقط عنه التكبير وينويه بقلبه. 40 - استحباب الجهر بالتكبير للإمام للإسماع والتبليغ، والإسرار لغيره. 41 - أن الاستفتاح والتعوذ والبسملة سنة لكل مصلٍ، ويسن الإسرار بها ماعدا البسملة إذا كان في جهره بها مصلحة كالتعليم ونحوه. 42 - أن قراءة الفاتحة في الصلاة فرض من فروضها ولا تصح إلا بها فإذا لم يحسن قراءتها وجب عليه تعلمها. 43 - أن قراءة السورة بعد الفاتحة في الصلاة مسنون في الفجر والأوليين من المغرب وكل رباعية، وأما الآخرين من كل رباعية، والأخيرة من المغرب فلا تسن.

44 - كراهية القراءة من المصحف في صلاة الفريضة، وعدم كراهيتهما في النفل، لأن النفل يغتفر فيه ما لا يغتفر في الفرض. 45 - أن تكبيرات الانتقال، والتسبيح في الركوع والسجود، والتسميع والتحميد من واجبات الصلاة فمن تركها عمدا بطلت صلاته، وتسقط سهوا ويجبرها السجود. 46 - كراهية القراءة في الركوع والسجود، فهو موضع تعظيم الله بالتسبيح والتقديس. 47 - أن الإمام والمنفرد يجمع بين التسميع والتحميد في الصلاة بقول (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) أما المأموم فيقتصر على التحميد بقول (ربنا ولك الحمد). 48 - أن التشهد الأول واجب من واجبات الصلاة فمن تركه عمداً بطلت صلاته ومن تركه سهواً يجبره سجود السهو، وأما التشهد الثاني فهو ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا به. 49 - أن صفة التشهد الأول والثاني واحدة بإجماع العلماء، وهي جائزة بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. 50 - أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة، ومحلها بعد التشهد الثاني، وأفضلها قول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد). 51 - استحباب الذكر بعد الصلاة قبل السلام بالتعوذ من أربع: عذاب القبر، وعذاب جهنم، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال، وبعد السلام من الصلاة المكتوبة بالاستغفار ثلاثا والتسبيح والتحميد والتكبير وبما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. 52 - استحباب قراءة سورة الكهف، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها. 53 - استحباب التكبير المطلق في عيدي الفطر والأضحى، والمقيد لعيد الأضحى وهو: ما كان عقب الفرائض في الجماعات من صلاة الظهر يوم النحر للحاج ومن صلاة الفجر يوم عرفة لغير الحاج إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. 54 - صفة التكبير في العيدين هي (الله أكبر الله أكبر لا اله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد)، وإذا كبر ثلاثا جاز، وإن زاد (الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا) جاز كذلك. والأفضل أن يقول هذه تارة وهذه تارة لأن جميعها واردة. 55 - أن التكبيرات الزوائد، والذكر بينها والجهر بها في صلاة العيدين سنة وليست بواجبة والأشهر في التكبيرات أن تكون سبعا في الأولى غير تكبيرتي الإحرام والركوع، وخمسا في الثانية غير تكبيرتي القيام والركوع. 56 - استحباب الجهر في القراءة في صلاتي الكسوف والاستسقاء. 57 - استحباب تلقين المحتضر لا اله إلا الله لتكون آخر كلامه، ويستحب أن يقول عند إغماض الميت (بسم الله وعلى ملة رسول الله) 58 - كراهية رفع الصوت بالذكر عند رفع الجنازة أو قول استغفروا الله له وغيره 59 - أن التكبيرات في صلاة الجنازة أربع تكبيرات وهي أركان لا تصح الصلاة إلا بهن 60 - أن الاستفتاح في صلاة الجنازة غير مسنون. 61 - وجوب قراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة، ولا يسن قراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة. 62 - استحباب الجهر بالتكبير في صلاة الجنازة، ولا يستحب بغيره من الأذكار. 63 - استحباب قول بسم الله وعلى ملة رسول الله عند وضع الميت في القبر، والاستغفار له بعد الدفن، وكراهية تلقينه بعد الدفن. 64 - استحباب الذكر لآخذ الزكاة بالصلاة على المعطي، ولدافع الزكاة بحمد الله تعالى على توفيقه لأدائها. 65 - استحباب الذكر عند الإفطار للصائم بقوله: (ذهب الظمأ وابتلت العروق ووجب الأجر إن شاء الله).

66 - استحباب الاشتغال بقراءة القرآن والذكر والصلاة للمعتكف، وأما التشاغل بتدريس وإقراء القرآن والحديث والفقه إذا كان أكثر وقته فغير مستحب. 67 - استحباب الذكر عند ابتداء السفر بالتكبير والتسبيح وبما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي أثنائه وعند الرجوع منه. 68 - إن التلبية للحج والعمرة سنة مؤكدة لا يجب بتركها شيء، ويستحب الإكثار منها في دوام الإحرام على كل حال. 69 - أن صفة التلبية الصحيحة كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم هي: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ويبدأ وقتها إذا استوى على راحلته، وينتهي إذا استلم الركن عن ابتداء الطواف للمعتمر، وللحاج عند رمي جمرة العقبة، مع أول حصاة. 70 - استحباب الذكر عند دخول المسجد الحرام، بما يقال عند دخول أي مسجد كقول: بسم الله اللهم صل على محمد اللهم افتح لي أبواب رحمتك) وليس هناك ذكر خاص به. 71 - استحباب الذكر عند استلام الحجر وفي بداية الطواف بقول: اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعند استلامه وكلما حاذاه بقول: بسم الله الله أكبر. 72 - استحباب الإكثار من ذكر الله تعالى في الطواف والسعي وفي المشاعر المقدسة لأنها من المواضع التي يتأكد فيها الذكر. 73 - عدم استحباب الذكر بالتسمية أو التكبير أو غيرها عند استلام الركن اليماني أو محاذاته. 74 - استحباب التكبير عند رمي الجمار، ولا يجزئ غيره من الذكر. 75 - مشروعية ذكر الله تعالى من تكبير وغيره عند ملاقاة العدو وعند الحرب، وعند الرجوع من الغزو 76 - تحريم بيع المصحف للكافر، وجواز بيعه وإجارته للمسلم للانتفاع به. 77 - جواز بيع كتب الأذكار وإجارتها لما فيها من المنفعة المباحة. 78 - جواز أخذ الرزق من بيت المال على الأذان والإقامة، وعدم جواز أخذ الأجرة عليهما. 79 - جواز أخذ الجعل على الرقية بالقرآن وبالأذكار، وعلى أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم، وعدم جواز الاستئجار لمجرد التلاوة. 80 - استحباب الذكر في الوصية بالتسمية والشهادتين ثم التذكير بتقوى الله تعالى. 81 - استحباب الذكر عند عقد النكاح بالحمد لله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والشهادتين، ويكفي ذلك مرة واحدة من العاقد أو غيره من الحاضرين. 82 - استحباب الذكر للزوج عند الدخول على زوجته بقول: بسم الله اللهم إني أسألك من خيرها وأعوذ بك من شرها). 83 - استحباب الذكر عند الجماع للرجل وللمرأة بقول: (بسم الله اللهم جنبا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا). 84 - وجوب التسمية عند الأكل والشرب لكل واحد من الآكلين، للأحاديث الصحيحة التي تأمر بذلك، والأكمل فيها أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. 85 - استحباب حمد الله وشكره بعد الأكل والشرب بالصفات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم كقول: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا). 86 - أن التسمية شرط في حل الصيد والذبيحة فهي واجبة لا تسقط بالعمد ولا بالنسيان والجهل، وأما التكبير فهو مستحب. 87 - عدم مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الذبيحة والصيد. 88 - كراهية النوم من غير ذكر الله تعالى، واستحباب الذكر عنده بقول: (باسمك اللهم أموت وأحيا) وعند الاستيقاظ بقول: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور). 89 - استحباب ذكر الله تعالى عند الخروج من المنزل بقول: (بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله) وعند الدخول (بقول اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا). 90 - استحباب الذكر عند رؤية الهلال. بقول اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله. 91 - استحباب الاسترجاع عند فقد إنسان بقول أنا لله وأنا إليه راجعون. 92 - استحباب ذكر الله تعالى عند توافر نعم الله تعالى، فعند لبس الثوب بقول (اللهم إني أسألك من خيره وخير ما هو له وأعوذ بك من شره وشر ما هو له) وعند ركوب الدابة بقول: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وأنا إلى ربنا لمنقلبون. وعند رؤية ما يسره بقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله وعند سماع البشرى أو عند العطاس بحمد الله تعالى وشكره. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحكام الردة والمرتدين

أحكام الردة والمرتدين ¤جبر محمود الفضيلات£بدون¥الدار العربية - عمان¨بدون¢1987م€فقه¶حدود - ردة الخاتمة مقارنة بين موقف الإسلام من المرتد، وموقف الديانات الأخرى. عرفنا فيما تقدم المرتد تعريفاً وشروطاً وأحكاماً، ورأيت إتماماً للفائدة أن أجعل الخاتمة تحت هذا العنوان وهو مقارنة ما سبق من أحكام المرتد في الشريعة الإسلامية بما ورد في الديانة اليهودية والديانة المسيحية، إن وجدت نصوصاً تساعدني على ذلك. وبعد البحث وجدت نصوصاً من كتبهم عن الأمور التالية: أولاً: أثر الردة في عقد الزواج. ثانياً: أثر الردة في عقد النفقات. ثالثاً: أثر الردة في عقد الوصية. رابعاً: أثر الردة في عقد الميراث. هذه الأمور سوف أكتب عنها وأعقد لها مقارنة لأنني وجدت نصوصاً تساعدني على ذلك. ووجدت لزاماً علي أن أعقد مقارنة في عقوبة المرتد ولكنني لم أعثر على نص صريح يساعدني على ذلك. لذا سوف أسلك في هذه النقطة استنتاج الحكم من مفهوم النص إيحاءً. أولاً: أثر الردة في عقد الزواج سبق وأن تكلمنا عن هذا القسم بما فيه الكفاية، ولا مانع من إعادة الحكم مجملاً فلقد اتفقت الفقهاء على أن الردة تبطل عقد الزواج بمجرد ارتداد أحدهما عن الإسلام، ولا يجوز الإبقاء على العلاقة الزوجية بينهما سواء كان قبل الدخول أو بعده. (على ما أسلفت من خير). الاستدلال: تدل هذه القصة على أن الكافر الذي كان مسلماً يعلم ما هو الخير من الشر فيعلم الخير ويبتعد عن الشر، فإذا أسلم ينال ثواب ما عمله من خير قبل إسلامه، فكذلك من كان مسلماً ثم ارتد، ثم تفضل الله عليه بالتوبة والإسلام فما لا شك فيه أنه يأخذ نصيبه من الخير جزاءً على ما عمل من أعمال صالحة قبل الردة. الترجيح: أقول وبالله التوفيق: إن الإنسان يعرف بخواتم عمله فإن عمل خيراً كان له وإن ختم عمله بشر كان عليه والحديث يقول: (ربما يعمل الرجل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها قدر باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيكون من أهل النار، وربما يعمل الرجل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها قدر باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيكون من أهل الجنة) أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-: والله أعلم. فأرى أن الردة تحبط العمل إذا توفي الشخص على الكفر وأما إذا أسلم لم يطالب بإعادة ما قدمه من العبادات والله أعلم. لأن الردة حصلت بعد الفراغ من القربة فلا يبطلها، كما لو تيمم ثم ارتد عن الإسلام ثم أسلم. المطلب الثاني: ما فاته من العبادات خلال الردة نجد أن الفقهاء اختلفوا هنا كما اختلفوا في المسألة السابقة. 1 - فقالت الشافعية والراجح عند الحنابلة: إذا أسلم لزمه قضاء ما فاته في الردة من عبادات (). وسبب ذلك أن المرتد في حال الردة مخاطب بجميع ما يخاطب به المسلم (). 2 - وقالت الحنفية والمالكية ورواية عن أحمد وداود: لا يلزم المرتد إذا أسلم قضاء في الردة ولا في الإسلام قبلها (). سبب ذلك: لأنهم جعلوا المرتد كافراً كالكفر الأصلي يسقط عنه بالإسلام () ما قد سلف. والله أعلم. الترجيح: أقول وبالله تعالى التوفيق، أن المرتد مطالب بقضاء ما فاته من العبادات زمن الردة وذلك لأن كفر المرتد ليس كفراً أصلياً بل هو عرف الإسلام وآمن به فترة من الزمن، ولكنه لشك ارتد عن هذا الدين، وهو مطالب بالعودة إلى هذا الدين لأن الكفار مطالبون بأصل الإيمان ومخاطبون أيضاً بالفروع كما يقول الأصوليون والله أعلم ...

أحكام الزيادة في غير العبادات

أحكام الزيادة في غير العبادات ¤محمد العيد£بدون¥المملكة العربية السعودية وزارة التعليم العالي¨الأولى¢1428هـ€فقه¶فقه معاملات - أعمال منوعة الخاتمة: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره، وبعد: فإني أحمد الله عز وجل على ما يسر لي من إتمام هذه الرسالة، ورزقني خلال هذه المدة الصحة والسلامة، وأمد لي يد العون والمساعدة، طوال فترة البحث بلا ملل ولا سئامة، ويسر لي الإطلاع على جل مباحثها ومطالبها، والوقوف على العديد من قواعدها وأصولها، والعثور على معظم أدلتها وتعليلاتها، وبذلك ظفرت – بحمد الله ومنه – على مسائل عزيزة، وفوائد غزيرة، وترجيحات سديدة، ونتائج سليمة. وإن من أهم تلك النتائج التي توصلت إليها – بتوفيق من الله وفضله – ما سأذكره في هذه الخاتمة، التي تضم خلاصة معتصرة، وزبدة مطرة، تكسوها حلة نظرة، لما هو موجود بين دفتي هذه الرسالة المتواضعة، لأضعها أمام القارئ في بعض صحائف معدودة، وأسطر محدودة، يقف عليها بيسر وسهولة، دون كلفة وصعوبة، تكمن في نتائج عامة كلية، تبين لنا عظمة الأحكام الشرعية، وتعلقها بالمقاصد المرعية، المشتملة نفعها في كافة الطبقات الاجتماعية، حاضرة وبادية. وأخرى نتائج جزئية، تلخص لنا غالب أحكام الزيادة في غير العبادة أو الأمور التعبدية، خالية من أدلتها التفصيلية، سواء كانت نقلية أو عقلية، بعيدة عن ذكر الخلافات المذهبية، مقتصرا على ما ظهر لي – والعلم عند الله – من الآراء الترجيحية، خلال كل مباحث هذه الرسالة العلمية. أولا: النتائج العامة: 1 - ازددت إيماناً ويقيناً بسعة كمال الشريعة الإسلامية، ومدى صلاحيتها في كل زمان ومكان، وملائمتها لكل إنس وجان، وأن العمل بها يوجب للبشرية، السعادة الدنيوية والأخروية، فلا غرو بعد ذلك أن تكون هي الوحيدة خالدة، وأحكامها سائدة، وعقيدتها ثابتة، وأصولها وقواعدها راسية. 2 - ازددت حباً لله عز وجل، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، لما رأيت من سعة رحمته ولطفه جل وعلا بعباده، حين بين سبحانه كل ما تقوم به الحجة، وأوضح الطريق والمحجة، وما هذا البحث والآيات المتناثرة فيه إلا علامة من علاماته. ولما رأيت من أنه صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء، لا يزيغ عنها إلا هالك، وما هذا البحث والأحاديث الواردة فيه إلا أمارة من أمارتها. وأثلث بالمحبة والعرفان، والشكر الجميل والإمتنان، على الصحابة رضي الله عنهم ومن اتبعهم من أهل المعرفة والإحسان، حيث بذلوا الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، من أجل إبلاغ هذا الدين، وإيضاح أحكامه بأحسن تبيين، ومهدوا الطريق لمن بعدهم ممن أراد الفقه في الدين، والاستضاءة بأنوار الوحي المبين، فجزاهم الله عني وعن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير ما جزى سلفاً عن خلف آمين. 3 - أن علماء الإسلام لم يختلفوا سدى، ولا لأجل حظوظ نفس أو أتباع هوى، ومن اعتقد ذلك فهو على غير هدى، كما أنه لا يعني خلافهم السكوت عن الحق، والجمود والتعصب لأي أحد من الخلق، وأن أقواله صائبة وكلها صدق، وترك ما سطره أهل العلم والفضل والسبق، بل الواجب السعي والجد والاجتهاد بقوة، والبحث عن أقربها للكتاب والسنة، دون انتقاص أحد من علماء السنة، أو إحداث قول لم يكن في سلف الأمة، أو حكم عليه بالشذوذ أكثر أهل العلم وكبار الأئمة.

أحكام الزينة

أحكام الزينة ¤عبير بنت علي المديفر£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض¨بدون¢بدون€فقه¶حجاب وتبرج الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آلة وصحبه، ومن اتبع سنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد، فلا يسعني بعد ختام هذا البحث إلا أن أتوجه لله عز وجل بالحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه على توفيقه وإعانته لي على إتمام هذا البحث، وأسأله عز وجل المزيد من فضله والتوفيق لما يحبه ويرضاه. ثم إنه يحسن هنا أن أشير باختصار إلى جملة من النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث: 1 - أن كلاً من التزين وتركه سنة، إن صلحت النية، فمن ترك الزينة تواضعاً لله، فهو على خير، ومن تزين إظهاراً لنعمة الله عليه، فهو على خير. 2 - أن الزينة مباحة وفق ضوابط شرعية، هي: ألا يكون فيها تشبه أحد الجنسين بالآخر، ألا يكون فيها تشبه بالكفار، ألا يكون فيها شهرة، ألا يصاحبها كبر، ألا يقع فيها إسراف. 3 - أنه يستحب للمرأة التزين للصلاة، ما لم تكن بحضرة أجنبي، كما يستحب لها التزين للعيدين إن كانت مقيمة في بيتها أو نحو ذلك، ويحرم عليها التزين للجمع، ولشهود صلاة العيدين. 4 - أن ترك الزينة لمريد صلاة الاستسقاء مستحب، وذلك لا ينافي التنظف لها. 5 - أن التزين في الاعتكاف مباح. 6 - أنه يستحب لمريد الإحرام التزين بقص الشعر أو إزالته، وتقليم الأظفار، إن احتاج إلى ذلك، أو كان الزمن الذي يفصل بين عقد الإحرام والإحلال منه يطول، كما يستحب له التطيب في البدن. 7 - أنه يباح للمحرم التزين بترجيل الشعر ودهنه وخضابه بالحناء ما لم يكن الحناء ثخيناً، يستر الرأس، وكذلك التزين بالحلي. 8 - أنه يكره للمحرم التزين بالاكتحال. 9 - أنه يرحم على المحرم التزين بإزالة الشعر بأي وجه كان، والتزين بتقليم الأظفار وبالتطيب. 10 - أنه يستحب للمرء التزين لطلب العلم، وللأفراح. 11 - أنه يباح للمخطوبة التزين عند رؤية الخاطب، بما جرت به عادة النساء من الزينة في بيوتهن. 12 - أنه يستحب للزوج التزين لزوجته، كما يستحب لها التزين له، وإن طلب منها ذلك وجب عليها. 13 - أن للزوج تأديب زوجته لتركها الزينة. 14 - أنه يجب على الزوج من مؤونة زينة زوجته ما يحصل به نظافة الزوجة، وما تتضرر بتركه، مع حصول النظافة بدونه إن جرت العادة بذلك، أو كانت الزوجة قد اعتادت ذلك في بيت أهلها، ولا يجب عليه ما كان للتلذذ والاستمتاع، ولا ضرر عليها بتركه. 15 - أنه يحرم على المعتدة من وفاة التزين ما دامت في العدة. 16 - أنه يباح للمعتدة من طلاق بائن التزين، ما لم يكن لمطلقها. 17 - أنه يستحب للمعتدة من طلاق رجعي التزين ما دامت في العدة، خاصة لمطلقها، ما لم يكن فيه ريبة كإظهار الفرح بالطلاق. 18 - أن ترجيل شعر الرأس مستحب عامة، وكذلك الفرق. 19 - أنه يستحب للمرء فعل الأصلح من دهن شعره أو تركه. 20 - أن عقص الشعر خارج الصلاة مباح، ومكروه فيها للرجل دون المرأة. 21 - أن نتف الشيب من الشعر مكروه. 22 - أنه يستحب للرجل إعفاء شعر رأسه، إن قصد بذلك الاقتداء بالنبي- صلى الله عليه وسلم –ما لم يكن فيه تشبه بالسفهاء والفسقة. 23 - أنه يباح للرجل حلق شعر رأسه، ويحرم على المرأة ذلك. 24 - أن القزع مكروه بأي صورة كان. 25 - أنه يباح للمرأة قص شعرها وتجعيده، ما لم يكن في ذلك تشبه بالكافرات، ويحرم عليها وصله بأي شئ كان، وجمعه في أعلى الرأس. 26 - أن إعفاء اللحية واجب، وحلقها والأخذ منها محرم. 27 - أن كلاً من قص الشارب وحلقه مستحب، والرجل مخير بين الأمرين، فيفعل ما يراه مناسباً.

28 - أن نمص الحاجبين محرم مالم يحصل بالشعر ضرر أو أذية ويلحق بالنمص الحلق والحف. 29 - أنه يستحب للمرء إزالة شعر الإبط بأي طريقة كانت، والسنة في ذلك النتف. 30 - أنه يستحب للمرء إزالة شعر السوءة بأي طريقة كانت والسنة في ذلك الحلق. 31 - أنه يباح للمرأة إزالة شعر جسدها، وكذلك يباح للرجل ما لم يكن فيه تشبه بالنساء. 32 - إن الاكتحال بالإثمد على الصفة المذكورة عن النبي صلى الله عليه وسلم مستحب للرجل والمرأة ويباح ما عدا ذلك ولو كان المرء صائما. 33 - أنه يحرم اتخاذ آلة الكحل من الذهب والفضة ويباح اتخاذها من غيرهما. 34 - أنه يباح للمرأة التزين بأدوات التجميل الحديثة، ما لم يكن على هيئة تحاكي بها الكافرات، أو يكن في هذه المستحضرات ضرر بين. 35 - أن يباح للمرأة خضاب كفيها وقدميها، ولو كانت حائضا أو محرمة، ما لم تشد خرقة على يديها حال الإحرام -ويحرم على الرجل ذلك. 36 - أنه يستحب للرجل التطيب، وكذلك المرأة ما دامت في بيتها، فإن قصدت الخروج منه حرم عليها. 37 - أن تطيب الصائم بما ليس له جرم مباح، وكذلك بما له جرم، إلا أنه ثبت أن ريح ما له جرم يقوي الدماغ ويغذيه، فيحرم التطيب به. 38 - أنه يحرم على الرجل التحلي بالذهب، وكذلك التحلي بالفضة، فيما عدا الخاتم ويباح له التختم بالفضة، والتحلي بالجواهر الثمينة، وبالحديد ونحوه، ما لم يكن في التحلي بها تشبه بالنساء، ويلحق الصبي به في الحكم والإثم على وليه إن خالف. 39 - أنه يباح للمرأة التحلي بشتى أنواع الحلي، دون تقييد بقدر معين ما لم تسرف. 40 - أنه يباح للرجل التختم بأي يد شاء، وبأي إصبع كان، ما عدا السبابة والوسطى فيكره له التختم بهما، وإن تختم بالخنصر فهو الأفضل. 41 - أن من التطبيب لأجل الزينة ما هو محرم، ومنه مباح، فالمباح ما جمع شروطا خمسة، هي: 1 - ألا يكون فيه تغيير لخلق الله. 2 - ألا يترتب على فعله ضرر. 3 - ألا يترتب على فعله ارتكاب محظور. 4 - ألا يترتب عليه تشبه أحد الجنسين بالآخر. 5 - ألا يكون الدواء محرما. والمحرم ما فقد شرطا من هذه الشروط أو أكثر. 42 - أن زينة الحجاب من الزينة التي يحرم على المرأة إبداؤها، لأنها مما يمكن إخفاؤه. 43 - أن زينة المرأة باعتبار إبدائها قسمان: زينة ظاهرة تبدى لكل أحد، وهي مالا يمكن إخفاؤه كالثياب الظاهرة، وزينة باطنة لا تبدي إلا للزوج والمحارم والنساء على تفاوت فيما يبدي لهم. 44 - أنه يحرم على المرأة إبداء زينتها بالصوت، ومن ذلك الخضوع بالقول، وصوت الخلخال ونحوه، وصوت الحذاء الصرار. 45 - أنه يباح للمرأة الكبيرة التي قعدت عن النكاح وضع الثياب، وهي الجلباب والرداء دون إبداء زينة. 46 - أنه يحرم تزيين المساجد من مال الوقف، كما يحرم تزيينها بالذهب والفضة، سواء أكان من مال الوقف أو من غيره، وتكره زخرفتها. 47 - أنه يحرم تزيين البيوت بأواني الذهب والفضة، وبالمموهة بهما إن كان إن كان يحصل منه شيء بالعرض على النار، وبالمضببة بهما، إلا المضببة بيسير الفضة للحاجة فهو من المباح، ويحرم أيضا تزيينها بالأواني الثمينة غير الذهب، كما يحرم تزيينها بجميع أنواع الصور، باستثناء صورة ما لا روح له، كما يحرم تزيين حيطانها بالذهب والفضة، وفرش أرضها بالحرير، ما لم يكن مفترشها امرأة، وبافتراش جلود السباع، واتخاذ الكلاب فيها للزينة. 48 - أنه يكره تزيين حيطان البيوت بالستائر، ما لم تدع إليها الحاجة من برد أو حر، كما يكره تزيينها بالآيات القرآنية. 49 - أنه يباح تزيين البيوت بأواني الخشب والزجاج ونحوهما، كما يباح تزيينها بصور ما لا روح له، وفرش أرضها بجلود الميتة بعد الدباغ، وباتخاذ الطيور والقطط والأسماك ونحوها. 50 - أنه يباح للمحدة تزيين بيتها بالفرش والأثاث ونحوهما. 51 - أنه يحرم تزيين القبور بتجصيصها.

أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام

أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام ¤حسن أبو غدة£بدون¥مكتبة المنار - الكويت¨الأولى¢1407هـ€فقه¶فقه عبادات منوعات خاتمة: أهم ثمرات الموضوع: لا بأس على أهم الثمرات التي ظهرت في هذا الموضوع، وذلك جرياً على العادة وإليك بيانها: - الحبس مشروع باتفاق الفقهاء، وهو مقرر في الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. ومعناه: تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه والخروج إلى أشغاله ومهماته. وليس له الصدارة والأولوية بين أنواع التعزير الأخرى بل هو أشبه بالعقوبة الاحتياطية الاضطرارية. ويختاره القاضي عند تعينه بحسب حال المذنب وجريرته. وقد ازداد العمل به في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. – لا يجوز عند أحد من المسلمين تعطيل الحدود والمعاقبة على جرائمها بالحبس، كما لا يجوز المعاقبة به على جرائم التعزير، إذا غلب على الظن حصول الزجر بغيره من أنواع التعزيز. – الحبس نوعان: النوع الأول ما كان للتعزير – وهو الأكثر أهمية في موضوع الحبس عامة – والغاية منه – كما يقول جميع فقهاء المسلمين – الردع والتأديب والإصلاح. والنوع الثاني ما كان للاستيثاق، وتختلف غايته بحسب صفاته الفرعية: فغاية حبس الاستظهار الكشف عن حقيقة المتهم، وغاية حبس الاحتراز التحفظ لمنع وقوع الضرر، وهناك حبس آخر غايته استيفاء الحدود ونحوها. وتختلف معاملة كل محبوس فيما تقدم بحسب نوع حبسه. – يجوز الحكم بالحبس مع عقوبة تعزير أخرى كضرب المحبوس وحلق رأسه ... ولا يجوز أخذ غرامة مالية من المحكوم بالحبس بدلاً عن مدة حبسه. – من المقرر في الشريعة تعليق نهاية مدة الحبس على صلاح السجين وتوبته، ولا يمنع هذا من التقنين المسبق لمدد الحبس في بعض الجرائم، على أنه ينبغي إخراج السجين قبل تمام المدة إذا حسنت توبته. – الحبس كفارة للذنب المحبوس فيه، لأن الله أكرم من أن يعاقب على الذنب مرتين. – لا يجب حبس المتهم إلا بقيام قرائن قوية على الارتياب فيه، وله حق الطعن في إقراره إذا أكره عليه. ولا يجوز توقيفه أكثر من المدة اللازمة في معرفة حاله، وتتجه الشريعة إلى تعويضه عن الأضرار لحقت به أثناء حبسه الناشئ من تقصير الدولة الواضح ... – أصل سلطة الحبس لولي الأمر، وهو يحدد الاختصاصات ويوزعها بين السلطة القضائية وبين السلطة التنفيذية بحسب أنواع الحبس – المشار إليها آنفاً – وليس لغير هؤلاء أو يحبسوا أحداً. مبدأ معلومية جرائم الحبس معروف في الفقه الإسلامي، فقد نص الفقهاء والقضاة على ضوابط ذلك. وقمت بجمع موجبات الحبس الفردية المتفرعة من هذه الضوابط عبر العصور الإسلامية، وبلغ عددها نحواً من 130 موجباً، نص الكتاب والسنة على بعضها، وجاء غيره بناء على اجتهادات فقهية. – التعريف بجرائم الحبس التي انتشرت في المجتمع الإسلامي منذ عهد النبوة فما بعده، ومقارنتها بالجرائم المعاصرة. – يجوز باتفاق الفقهاء حبس الممتنع من أداء الحق – إذا قدر عليه – حتى يؤديه. – العمل بالحبس ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد اتخذ مكاناً "حظيرة" بباب المسجد كان يحبس فيه النساء السبايا، أما الرجال فكانوا يحبسون في البيوت والمسجد والخيام كيفما اتفق، من غير أن يعرف أن هذا المكان مخصص للحبس. – بيان أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من خصص مكاناً للحبس، وذلك حين اشترى داراً بمكة وجعلها سجناً بعد أن اشتدت الرعية وتتابع الناس في المعاصي. أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهو أول من بنى مكاناً للحبس في الإسلام، وكان ذلك في الكوفة. – معرفة أماكن بعض السجون الإسلامية القديمة، ومن حبس فيها من المشهورين، وسبب حبسهم.

– إن أماكن الحبس في العهد النبوي وأغلب العصور الإسلامية كانت تتصف بالسعة والإضاءة الطبيعية أو الاصطناعية، والتهوية والنظافة، وكانت تتوفر فيها المرافق والخدمات التي تحفظ صحة السجين النفسية والجسمية. – إبراز اهتمام المسلمين بتصنيف السجون والسجناء مراعين في ذلك الجنس والعمر وتجانس الجرائم مدة العقوبة، ومراتب السجناء القانونية والاجتماعية، وصفاتهم المدنية والعسكرية، وتبعية السجون ... – يجوز حبس الأحداث في بيوت آبائهم وإلزامهم بتأديبهم، كما يجوز حبسهم فيما يشبه المراكز الإصلاحية ودور رعاية الأحداث. – بيان مشروعية الإقامة الجبرية وعمل المسلمين بها في البيوت ونحوها. – التعريف بوجوه إنفاق الدولة على السجون والسجناء وبذلها الغذاء والكسوة والفراش والإنارة والإعانة المالية لمن احتاج إليها ... – إبراز سياسة علي رضي الله عنه في إنفاق الدولة على المحبوسين العاديين، وإلزامها المحبوسين من أهل الفساد والجريمة بالإنفاق على أنفسهم، وذلك أسلوب مفيد في التقليل من أعداد السجناء ونفقات السجون. – الإشارة إلى أن الحالات الشاذة التي وقعت في سجون المسلمين لا تمثل الحقيقة الشرعية، لأن الباعث عليها أحقاد شخصية وعداوات فردية. وقد كان للحكام والعلماء المخلصين في كافة العصور الإسلامية أثر كبير في إصلاح السجون وإعادتها إلى وجهتها الصحيحة. ومع هذا فقد شهد رجال من كبار الغربيين، أن تلك الحالات الشاذة لم تبلغ ما وصلت إليه أحوال السجون الأوربية – في عصر النهضة والاكتشاف – من قسوة مروعة وإهمال فظيع بمباركة "البرلمانات" وحماية القانون، ومشاركة الكنيسة. – إبراز عناية المسلمين بالسجناء المسلمين من العلم ووسائله، وأهمية ذلك في الإصلاح. – جميع ما ذكره الفقهاء من أحكام العبادات المتصلة بالسجين خاصة، وبيان سمو تفكيرهم في ذلك، وذكر صور من تعبد المحبوسين. – توضيح حكم إضراب السجين عن الطعام. – ترجيح جواز تشغيل المحبوس، وذكر ما في ذلك من تطبيقات، وبيان حقوق السجناء الشغيلة. – جميع ما ذكره الفقهاء من أحكام التصرفات المتصلة بالسجين خاصة، وبيان مدى اهتمامهم بأحوال السجين وتصرفاته حتى الذي يقدم للقتل. – إبراز اهتمام المسلمين بالإبقاء على صلات السجين الاجتماعية الصالحة في داخل السجن وخارجه. وبيان حكم الشريعة في تمكين السجين من وطء زوجته. – ضبط موجبات تأديب السجين ومعاقبته، وما يجوز أن يعاقب به وما لا يجوز، ووجوب مراعاة نية الردع الإصلاحي في العقوبة. – توضيح حكم الإضرار بالسجناء وأثره الجزائي والمدني، ونظر الدولة في ذلك، ومحاسبتها المسؤولين عنه. – يجوز خروج السجين من حبسه مؤقتا في حالات معينة، فإذا هرب استحق التأديب. – بيان أهمية تهيئة المحبوس للخروج من سجنه، وإعلاء نفسيته وتزويده بوثائق الخروج اللازمة، وإعانته مادياً أثناء خروجه وبعده حتى يستغني، والتطبيقات المنقولة في ذلك. – توضيح مشروعية امتناع المحبوس البريء عن الخروج من سجنه حتى تعلن براءته. – حرص المسلمين على إسناد أمر السجون إلى الأكفاء الصالحين، الذين يعتبرون وظيفتهم قربة دينية وخدمة اجتماعية عظيمة الأهمية ... – إبراز جهود المسلمين منذ العهد النبوي في اتخاذ ما يعتبر نواة شرطة السجن، وتطوير ذلك فيما بعد، وإفراده بإدارة خاصة. – اتجاه الشريعة إلى وجوب تزويد السجن بطبيب ومرشد ديني ومشرف اجتماعي ومدرس ومعلم حرفي وموظف مسؤول عن تسجيل ما يطرأ على أحوال السجناء. – قيام الجهات القضائية ونحوها بتفتيش السجون الإسلامية، ومتابعتها أساليب معاملة السجناء، والكشف عن المظلومين. وبعد: فيتضح من مجموع ما تقدم مدى رقي الفقه الإسلامي ونضجه، وأصالة الروح الإنسانية الواقعة فيه، وأن كثيراً من المعاني الصالحة التي ينشدها رواد المدنية المعاصرة في إصلاح السجون، قد سبق الإسلام إلى تقريرها وأفضل منها بأسرع الخطوات وأسمى الصور، وإن وثيقة أبي يوسف القاضي وغيرها لا تزال تمثل تلك المعاني الإصلاحية. ولقد شهدت المؤتمرات الدولية بكفاءة الفقه الإسلامي عامة وعبرت عن إعجابها به، ورغبت في اعتباره مصدراً من مصادر التشريع العام، وأوصت بتبني دراسات مقارنة في المذاهب الفقهية الإسلامية، لأنها يمكن أن تعتبر أساساً تشريعياً يفي بحاجات المجتمع العصري المتطور. وصدق الله العظيم القائل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]. والحمد لله رب العالمين.

أحكام السجود

أحكام السجود ¤ياسين ناصر الخطيب£بدون¥بدون¨بدون¢بدون€فقه¶صلاة - أعمال منوعة الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من ختم الله به النبوات، وعلى آله وصحبه الهداة، وتابعيهم بإحسان إلى دخول الجنات. وبعد: فهذا هو بحث (السجود في الصلاة) قد استوى على ساقيه، ووقف على قدميه، وأسال الله تعالى أن يسيره على قدمين، وأن ينفع به في الدارين، وهو جهد مقل، وبضاعة مبتدئ، فإن يك صوابا فمن توفيق الله وإحسانه، وإن يك غير ذلك فمني، وأستغفر الله الكريم. وقد توصلت إلى جمل نتائج، أراها جديرة بالتسجيل، وهي: 1 - إن نصوص الشريعة الإسلامية واضحة جلية سهلة يستطيع الإنسان استنباط الأحكام منها بيسر وسهولة متى تعلم ذلك، وتوفرت فيه الشروط. 2 - وجدت أن الفقهاء الأفاضل، بحثوا المواضيع الفقهية بحثا مستفيضا، بصبر وأناة، ودونوا كل صغيرة وكبيرة، حسب وسعهم البشري. 3 - إنه ليس هناك أحد من أئمة الفقه يريد مخالفة النص، بل إن الكل يريد تحقيق مراد النص ما وسعه ذلك. 4 - وجدت أن الكثير يخطئ: إما بالاعتماد على المعنى اللغوي، أو بالاعتماد على أصل من أصول الفقه غير مقبول لدى الجميع. 5 - إن النبي يعمل – توسيعا على الأمة – بالعمل الواحد على هيئات مختلفة، ويسبح بألفاظ مختلفة، فهذا مما جعله الله تعالى على الاختيار، فلا نحاول أن نرجح حالة على حالة ما دامت الأحاديث في ذلك صحيحة. فالنبي – عليه الصلاة والسلام – وضع ركبتيه قبل يديه، ووضع يديه قبل ركبتيه، وسجد على الأرض وعلى الحصير وعلى الخمرة وعلى الفراش. وكان صلى الله عليه وسلم يسبح الله في الركوع والسجود ويقول: " سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. وكان يقول: ((سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك)). ويقول: ((سبحانك ربي وبحمدك، اللهم اغفر لي)). ويقول: ((سبحانك الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه)). وكلها صحيحة يختار الإنسان منها ما شاء. وكذلك في الدعاء فقد كان يدعو بدعوات مختلفات الألفاظ، متباينات المقاصد. وفي كل ذلك توسيع على الأمة، وتيسير لها، وتسهيل لعبادتها، وبذلك نعلم أن الصحابة الذين نقلوا أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخطئوا في نقلهم، إنما هي حالات وحالات، نقل كل منهم الحالة التي رآها، واللفظة التي سمعوها رضوان الله عليهم أجمعين، وجزاهم خيرا عن المسلمين. 6 - بالنسبة للسجود: وجدت أن الشريعة اهتمت به كثيرا، فقد بينت الأحاديث كل ما يتعلق به، وذلك لأهميته بالنسبة للصلاة، فهو أهم أركانها. 7 - أما حكم السجود، فهو ركن من أركان الصلاة، بل هو أفضل أركانها، وأقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد. 8 - إن السجود بالاستقرار وتمكين الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين واجب لا شك فيه، بذلك أمر الله نبيه، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وفعل ذلك بنفسه. 9 - ينبغي للمصلي أن يسجد على كفيه، مكشوفتين، ممدودتين، مبسوطتين، مضمومتي الأصابع، موجهة أصابعهما إلى القبلة، وبطون الأصابع والكفين على الأرض، ويكون وجهه بين كفيه. 10 - ينبغي أن يجافي مرفقيه عن جنبيه، ويرفع بطنه عن فخذيه، وعلى المرأة أن تضم بعضها إلى بعض، وكذلك الخنثى والعاري. 11 - ينبغي أن يضع ركبتيه على الأرض مستورتين، وأن يفرج بينهما، وأن ينصب قدميه، مكشوفتين، وأن يوجه أصابعهما إلى القبلة، وأن يرفع أسافله. 12 - لا يجوز أن يضع بعض الأعضاء على بعض، فلا يسجد على ركبته، ولا على يده؛ لأن في ذلك تداخل الأعضاء. 13 - إن التكبير والتسبيح والدعاء، كلها من سنن السجود. 14 - إن قراءة القرآن في السجود حرام؛ لأنه ينقل ركنا من مكان إلى مكان آخر. 15 - إن الخشوع روح الصلاة فعلى المصلي أن يطمئن بحيث تستقر أعضاؤه، ولا ينبغي له أن يشغل باله بمسح الحصا وتسويته، وكف الثوب، وعقص الشعر، وعليه أن ينظر إلى موضع سجوده، وأن يتم الأركان، ويعدلها، وأن لا يسجد في مكان شديد الحر أو شديد البرد، إلا لضرورة. 16 - لا يجوز السجود بلا سبب، ولا يجوز السجود بين يدي المشايخ ولو كانوا محدثين، وأن السجود لغير الله كفر، وقد عصم الله نبيه صلى الله عليه وسلم من السجود لوثن. 17 - إن السجود جائز على الأرض وغيرها من كل طاهر تستقر الأعضاء عليه. وفي الختام نقول: اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، وصل على محمد مجتباك. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أحكام السترة في مكة وغيرها

أحكام السترة في مكة وغيرها ¤محمد بن رزق الطرهوني£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢بدون€فقه¶صلاة - سترة الخاتمة - السترة شيء يجعله المصلي أمامه بينه وبين من يمر بين يديه. - مقدار هذا الشيء ذراع فما فوق طولا، أي نحو من 45 سم، وبأي عرض كان، فإن عجز عن هذا المقدار بعد بذل كل ما في وسعه في تحصيله، أتى بما يستطيعه ولو كان أقل من ذلك ولو كان خطا. - ولا يبتعد المصلي عن سترته أكثر من ثلاثة أذرع، فإن زاد عن ذلك أثم وصحت صلاته، إلا أنها عرضة لأن يبطلها الشيطان بمروره في تلك الفجوة. - اتخاذ السترة على ما ذكرنا واجب على كل مصل إمام أو منفرد، وأما المأموم فلا يجب عليه اتخاذ سترة، لأن الإمام هو المسئول عن ذلك، فإن لم يتخذها المصلي أثم وصحت صلاته إلا أنها عرضة أيضا لأن يفسدها الشيطان، وهذا الحكم عام سواء كان في الصحراء أو في غيرها، وسواء أمن المرور بين يديه أم لم يأمن. - يحرم المرور بين يدي المصلي، وهو من الكبائر الموجبة للنار، سواء كان المصلي كبيرا أو صغيرا، مستترا أو غير مستتر، فإن كان مستترا حرم المرور بينه وبين سترته، وإلا حرم المرور على بعد منه أقل من ثلاثة أذرع من موضع قدمه، ولا عبرة بكون المصلي يصلي في الطريق أو عند الباب، وسواء وجد المار متسعا أم لم يجد. ويستثنى من ذلك كله إذا كان المصلي مأموما. - لا فرق بين الفريضة والنافلة في ذلك كله على الإطلاق. - يجب على المصلي المفترض والمتنفل دفع من يحاول المرور بين يديه، سواء كان إنسانا أو حيوانا، كبيرا كان أو صغيرا، فإن لم يفعل أثم، ويتدرج في الدفع حتى إذا أدى إلى مقاتلته قاتله لأن معه شيطان، أما إذا حاول دفعه فغلبه فلا شيء عليه إن شاء الله تعالى إن كان بذل وسعه. - إذا مات المار في أثناء دفعه فدمه هدر لا قود فيه ولا دية ولا كفارة. - إذا نجح المار في مروره نقص من أجر المصلي إلا إذا كان المار كلبا أسود أو حمارا أو امرأة بالغة، فإن كان أحد هؤلاء الثلاثة بطلت صلاته ولا يعتد بها. - لا فرق بين مكة وغيرها في وجوب اتخاذ السترة وفي حرمة المرور بين يدي المصلي وفي وجوب دفع المار. - لا فرق بين المرأة والرجل في شيء من هذه الأحكام. - الشياطين منها ما يقطع الصلاة ومنها ما ينقص من أجرها، ورد الشيطان يكون بالدنو من السترة. - ولا تجوز الصلاة إلى قبر، وتكره إلى ما يلي كالأشياء الملونة ونحوها، وأما إلى غير ذلك فمباح إذا لم يختلط بما يحرم. هذا وهناك مباحث هامة يراجع لها فهرست الموضوعات للاطلاع عليها في البحث. وأستغفر الله من أن أقول ولا أعمل، أو أعمل ما لا أعلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أحكام السوق في الإسلام وأثرها في الاقتصاد الإسلامي

أحكام السوق في الإسلام وأثرها في الاقتصاد الإسلامي ¤أحمد بن يسوف الدريويش£بدون¥دار عالم الكتب - الرياض¨الأولى¢1409هـ€فقه¶فقه معاملات - أعمال منوعة الخاتمة أهم النتائج والتوصيات وبعد فإني أحمد الله الذي وفقني، حتى فرغت من هذه الدراسة عن: (أحكام السوق في الإسلام وأثرها في الاقتصاد الإسلامي) والتي بذلت فيها كثيراً من الجهد، مع أنني لا أدعي أنني أوفيت على الغاية، أو بلغت النهاية، ولكن أرجو أن يكون في هذا الجهد ما يفيد ويضيف إلى المكتبة الإسلامية شيئاً من الجديد، كما أحمده سبحانه أن وفقني للخروج منه بمكاسب عظيمة، وثروات ضخمة، والتي أهمها ما سطرته بين ثنايا هذا البحث. هذا ومن خلال هذه الرحلة الطويلة التي أمضيتها في ظلال أحكام السوق في الإسلام، فإني قد خرجت منها بنتائج وتوصيات جديرة بأن أشير إليها وأسجل خلاصة لها في هذه الخاتمة. ومن أهم النتائج والتوصيات ما يلي: 1 - للسوق في الإسلام مكانة عالية، ومنزلة سامية، وذلك نظراً لأهميته المالية والاقتصادية في حياة الناس، حيث إنه موضع التعامل والمبادلات فيما بينهم، وعن طريقه يحصل كل فرد على أموره المعيشية، وحاجاته الضرورية، ومستلزماته الخاصة والعامة. 2 - إن السوق الإسلامي قد حظي بعناية الرسول - صلى الله عليه وسلم - واهتمامه، حيث تعهده بالإشراف والمراقبة، ووضع له ضوابطاً، وسن له آداباً، وطهره من كثير من المعاملات المحرمة كالغبن والتغرير والخداع وبخس المكيال أو الميزان والنجش والاحتكار والربا، وغير ذلك من المعاملات التي تؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل. 3 - المال في نظر الإسلام وسيلة لا غاية، والناس فيه خلفاء لا أصلاء، وقد أمروا باكتسابه من حله وإنفاقه في محله، فلا يجوز لهم تملكه إلا بالوسائل المشروعة: كالزراعة، والصناعة، والتجارة وغيرها من الوسائل الجائزة والناتجة عن العمل وبذل الجهد في تحصيله واقتنائه، أما اكتسابه عن طريق الصدفة أو الانتظار أو الربا أو القمار أو الغرر ونحوه فلا يجوز شرعاً. 4 - إن الصاع الشرعي الذي تخرج به الزكاة، وتقدر به الكفارات والنذور ونحوهما، يساوي بوحدات الوزن الحديثة 2174.14 جراماً (أي كيلوين ومائة وأربعة وسبعين جراماً وأربعة بالعشرة من الجرام) من البُر الجيد. وعليه فمن أراد معرفة مقدار الصاع الشرعي فليزن كيلوين ومائة وأربعة وسبعين جراماً وأربعة بالعشرة من الجرام من البر الجيد، ويضعها في إناء بقدرها بحيث تملؤه تماماً من غير زيادة أو نقص، ومن ثم يفرغ البر منه، ويكيل به غيره من أرز أو تمر أو زبيب أو نحوه. 5 - أنه لا يجوز بيع ما لم يقبض إذا كان المبيع منقولاً، أما إذا كان عقاراً لا يخشى هلاكه فيجوز بيعه قبل قبضه. وعليه فإن ما جرت به عادة بعض الناس من شراء السلع المنقولة ومن ثم بيعها وهي في مكانها قبل نقلها وتحويلها منه إلى مكان غيره لا يجوز. 6 - إن التدليس في البيوع محرم بجميع صوره وأشكاله وأساليبه، وذلك لما فيه من الخديعة والإيهام والاستغلال والإغراء، بقصد تحصيل المال الوفير، والربح الكثير، عن طريق الاحتيال والنصب. 7 - النهي عن التنافس غير المشروع في المعاملات، والمتمثل في بيع أو شراء أو سوم الناس بعضهم على بعض، والنجش، وتلقي الركبان، وبيع الحاضر للبادي. 8 - جواز التعاقد عن طريق المزايدة والمناقصة إذا خلا من الغش والتغرير والخداع وجميع وسائل النصب والاحتيال والاستغلال والربا. 9 - إن الاحتكار محرم في جميع السلع والحاجيات والآلات والمعدات، وكل ما يحتاج إليه الناس في أمورهم المعاشية، وشؤونهم الدنيوية.

10 - إن الإسلام نظر إلى الاحتكار نظرة فريدة متميزة تمثلت في تحريمه ابتداء بجميع صوره وأشكاله وأساليبه، وتوعد مرتكبه بأشد أنواع العقوبة كاللعنة وبراءة الله منه وإصابته بالجذام والإفلاس ونحو هذا، وذلك كله اتقاء لمضاره المهلكة، وويلاته الموجعة، وإبعاد العباد عن نتائجه وثماره الضارة. وعليه: فلا التقاء بين النظرة الإسلامية للاحتكار، وبين غيره من النظم الاقتصادية الأخرى كالرأسمالية التي أباحته مطلقاً، ولا الاشتراكية التي أباحته للدولة وحرمته على الأفراد. 11 - إن التسعير لا يجوز إلا عند الحاجة والضرورة إليه، كما إذا عمد التجار إلى إغلاء الأسعار بأن باعوا بأكثر من الأسعار المعقولة، وذلك منعاً للاستغلال ومراعاة لمصالح عامة الناس، وسداً للذريعة. ويكون ذلك بفرض سعر عادل لا وكس فيه ولا شطط بحيث يضمن ربحاً مناسباً للبائع، كما يضمن وصول السلعة إلى المشتري دون احتكار أو استغلال أو ظلم. أما إذا لم يكن بالناس حاجة إليه بأن كانت الأسعار معقولة ومناسبة لكل من الطرفين بلا تطرف ولاحيف، أو كان إغلاء الأسعار ناتجاً عن قلة الموجود من السلع في الأسواق أوعدم توفرها، أو ناتجاً عن كثرة الناس وعدم القدرة على موازنة السوق بجلب سلع أو بضائع من بلد آخر، فإن التسعير حينئذ لا يجوز، لأن الأصل عدم التدخل في المصالح الخاصة للأمة وأن الناس مسلطون على أموالهم، إضافة إلى أن الغلاء ربما أراده الله امتحاناً وابتلاءً لعباده، أو عقوبة لهم على تقصير منهم في أداء الواجبات أو ارتكاب المحظورات. 12 - إن وظيفة الدولة في الإسلام لا تقتصر على حفظ الأمن والدفاع ومباشرة بعض الوظائف الاجتماعية والمرافق العامة، بل تتعدى ذلك إلى بعض الأعمال المتعلقة بالاقتصاد فتقوم بالإشراف على الشؤون الاقتصادية في البلاد، ومراقبة المعاملات في الأسواق وذلك عن طريق نظام الحسبة الذي يخول للمحتسب مشارفة الأسواق، وتفقد أحوالها، ورعاية شؤونها، وبذل الجهد للوقوف على ما قد يحدث بها من معاملات محرمة كالربا والاحتكار والغش والاستغلال، والغبن، وبخس المكيال والميزان، فيحق للمحتسب حينئذ أن يتدخل في مثل هذه الحالات ونحوها باسم الدولة، فيمنعها ويعاقب عليها، وذلك إظهاراً للحق، وقمعاً للباطل، وأمراً بالمعروف، ونهياً عن المنكر. 13 - إن نظام الحسبة نظام إسلامي أصيل، ولد ونشأ وترعرع وأتى ثماره في الإسلام، ولا يعنينا أنها لم تكن معروفة بهذا الاسم في صدر الإسلام وأن القائم بها لم يكن معروفاً باسم "المحتسب" لان العبرة بالمعاني والحقائق لا بالأسماء والأشكال. 14 - الدعوة إلى إنشاء أسواق خاصة بالنساء، على أن تكون ذا هيئة وشكل خاص يختلف عن أسواق الرجال، وذلك بأن تكون بعيدة عن أسواق الرجال، وأن يحكم إغلاقها من جميع الجوانب، وأن لا يرتادها إلا النساء، وأن تتولى الدولة الإشراف عليها أمنياً وأخلاقياً، وأن تقوم على إدارتها، والبيع فيها، والإشراف عليها، نساء من ذوات الدين والأمانة والخبرة والدراية والخلق الحسن، وأن تتوفر فيه جميع الحاجيات والمستلزمات التي تخص المرأة وأطفالها ومنزلها، وأن تشتمل على مصلى خاص لأداء الصلوات في أوقاتها.

والهدف من إنشاء هذه الأسواق: هو صيانة المرأة والبعد بها عن مواطن الفتنة والريبة، وسد ريح الخطر والفساد عنها التي قد تحدث من اختلاطها بالرجال في الأسواق وتزاحمها معهم، وإيجاد فرصة شريفة لها للعمل بعيدة عن الرجال، ومساعدة لها لقضاء حوائجها ومستلزماتها الخاصة والعامة بنفسها دون أدنى حرج أو محذور قد يقع عليها من جراء ذلك لاسيما إذا علمت أنها أمام امرأة مثلها، إضافة إلى ما في ذلك من مساعدة لها على أداء الصلوات في أوقاتها دون تأخير. 15 - إن الأعمال التي تؤديها البنوك مقابل فائدة تدفعها للعميل أو تأخذها منه – مهما قلت – فإنها محرمة، وذلك كالإيداع، والإقراض، وفتح الاعتماد، وخصم الأوراق التجارية نظير فائدة. أما ما عدا هذه الأعمال ونحوها، والتي تؤديها البنوك نظير عمولة تتقاضاها من العميل مقابل القيد في السجلات وسائر الإجراءات النظامية ونحوها، وذلك كتحصيل الأوراق التجارية، وتأجير الخزائن الحديدية، وتحويل النقود، وبيع أسهم الشركات المباحة، فهي جائزة شريطة أن لا تتخذ تلك العمولة ساتراً يؤكل الربا باسمها. 16 - الدعوة إلى إنشاء بنوك إسلامية بعيدة عن الربا أو شبهته في سائر البلدان والمدن الإسلامية، وذلك كخطوة أولى نحو بناء نظام اقتصادي إسلامي متكامل وشامل يكون منقذاً للمسلمين من لعنة الربا ومضاره وويلاته المهلكة، وحتى يتسنى لهم الاستفادة من أعماله وخدماته واستثماراته النبيلة. وإني كلي أمل ورجاء في أولي الأمر في البلاد الإسلامية، والمهتمين بشؤون الاقتصاد والاستثمار فيها، أن ترى هذه الدعوة النور، وأن يأتي اليوم الذي نشاهد فيه البنوك الإسلامية وقد انتشرت في سائر بلاد المسلمين وأصبحت قوة وسداً منيعاً أمام البنوك الربوية، والمؤسسات المالية الغربية. 17 - الدعوة إلى إنشاء سوق إسلامية مشتركة، تقوم على أسس ومبادئ وأهداف مشروعة، وذلك تحقيقاً للأخوة الإسلامية، ووسيلة من وسائل الاستغناء عن التعامل مع البنوك الربوية، إضافة إلى ما في ذلك من تحسين للإنتاج، وتسويق للمنتجات، وتشجيع للصناعات، والاستفادة من الموارد الطبيعية التي تزخر بها البلاد. 18 - إن العمليات العاجلة في البورصة إذا تم التعامل فيها على أساس تسليم الثمن للبائع والمثمن للمشتري في مجلس العقد فإن هذا جائز. أما العمليات الآجلة المشتملة على المضاربة بقصد الاستفادة من فروق الأسعار هبوطاً وارتفاعاً، وبدون استلام أو تسليم، فإن هذه غير جائزة لما فيها من وسيلة أكل المال بالباطل عن طريق المقامرة والمخاطرة، إضافة إلى ما قد تشتمل عليه من بيع الإنسان ما لا يملكه، والربا، وكل منهما محرم. كانت تلك أهم النتائج والتوصيات التي توصلت إليها خلال بحث هذا الموضوع. هذا ولا يسعني في نهاية هذه الخاتمة إلا أن أشكر كل من قرأه، وأهدى إلي النصح والمشورة لتلافي ما قد أكون وقعت فيه من خطأ زل به قلمي، أو قصر عنه فهمي. كما أكرر شكري وتقديري إلى كل من كان علمه عوناً لي على إخراج هذه الرسالة سلفاً وخلقاً، متقدماً ومتأخراً: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أحكام الشهيد في الفقه الإسلامي

أحكام الشهيد في الفقه الإسلامي ¤عبدالرحمن بن غرمان الكريمي العمري£بدون¥دار البيان الحديثة - الطائف¨الأولى¢1422هـ€فقه¶فقه عبادات منوعات الخاتمة: تلخصت نتائج البحث إجمالاً على النقاط التالية: 1 - أن لفظة "الشهيد" يراد منها في الجملة معنيان: أ- المعنى العام: وهو ما نص الشارع على تسميته شهيد، واصطلح العلماء على تسميته بشهيد الآخرة، والمقصود أن هذه الشهادة يترتب عليها الأجر الأخروي. ب- المعنى الخاص: وهو المسلم المقتول في معركة الكفار، ويسمى بشهيد الدنيا، وقد يسمى بالشهيد الكامل، أو الشهيد المخصوص، أي الذي اختص ببعض الأحكام عن سائر الموتى، وإذا أطلق الفقهاء لفظة "الشهيد" فإن المراد منها هذا المعنى في الغالب. 2 - أن طلب الشهادة وتمنيها مستحب لورود الآثار بذلك، وليس هذا من تمني الموت المنهي عنه. 3 - أن الشهادة منزلة عظيمة لا تطلق إلا على من توفرت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع، وشهد له المؤمنون بذلك، فعندئذ يصح قول فلان شهيد. 4 - أن شروط الشهادة هي: أ- الإسلام، فالكافر ليس بشهيد في الدنيا ولا في الآخرة، وإن قتل ظلماً، ولا يجوز وصفه بذلك. ب- الإخلاص، وهو أن يكون قتلاه في سبيل الله، ومن شرك في نيته أمراً غير مشروع كالرياء والسمعة والحمية فإنه يبطل عمله، وأما من شرك في نيته أمراً مشروعاً كإرادة الغنيمة فالصحيح أنه لا يبطل عمله به. ج- الصبر وعدم الفرار. 5 - أن موانع الشهادة هي: أ- الغلول. وهو السرقة من الغنيمة. ب- الدين. فمن كان عليه دين ولم يدع قضاء ووفاء، أو لم يجعل له وكيلاً فإنه يمنع من حصول الأجر الكامل الموعود به في الشهادة. ج- المعصية، إذا كانت غير منفكة عن سبب الشهادة، أما إذا كانت المعصية منفكة عن سبب الشهادة فإنها تحصل له الشهادة إن شاء الله. 6 - أن الشهداء بالقتل في معركة الكفار عموماً، والمسلمين البغاة يأخذون الأحكام الخاصة بالشهيد، من عدم الغسل، والتكفين بثيابهم، وغير ذلك. هذا إذا أجهز عليهم في مصرعهم، أما من عاش منهم فترة من الزمن وطال الفصل عرفا بين إصابته وبين موته، أو أكل فإنه يكون كسائر الموتى. 7 - أن من قتل في المعركة خطأ فإنه يكون شهيداً تنطبق عليه أحكام الشهداء، سواء كان هذا القتل من المسلمين، أو من الكافرين أو من قبل نفسه. 8 - الشهداء بالقتل في غير المعركة ليسو سواء، فقتيل الكافر يكون كشهداء المعركة، وقتيل المسلم يكون كسائر الموتى على الصحيح. 9 - أن الموتى عند أهل العلم عامة. 10 - أن العمليات الفدائية الاستشهادية من الجهاد المبرر إذا توفرت فيها المصلحة الواضحة، وأن تعريض النفس للقتل والمخاطرة بها في الجهاد مستثنى من عموم النهي عن قتل النفس والتسبب فيه. 11 - أن الأحكام التي يختص بها الشهيد من عموم الموتى هي: أنه لا يغسل – وإن كان جنباً على الصحيح – ويكفن في ثيابه التي أصيب فيها إن سترته، وتبقى دماؤه عليه، ويدفن في مصرعه إذا كان المكان صالحاً وتيسر ذلك. 12 - إن من مظاهر تكريم الشهداء: حفظ أهليهم وذويهم كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وليس فيما ابتدعه الناس وأحدثوه شيء من التكريم، وإنما التكريم الحقيقي هو الاقتصار على ما جاء به الشرع، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

أحكام الصلوات الخمس

أحكام الصلوات الخمس ¤علي أحمد القليصي£بدون¥مكتبة الإرشاد - صنعاء¨الأولى¢1409هـ€فقه¶صلاة الجماعة وأحكام المأموم والإمام خاتمة: إن الله سبحانه وتعالى كلف عباده بالأمر والنهي ولم يتركهم مهملين يعملون ما يشاءون ويذرون ما يشاءون بدون حد ولا قيد بل أمرهم بما يسعدهم في الدنيا والآخرة ونهاهم عما يضرهم في دنياهم وأخراهم، وكلفهم بما يطيقون، قال الله تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286] وقال عز وجل {لا تكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون} [المؤمنون: 62]. فمن أطاع الله وعبده كما أمره أفلح وأنجح في دنياه وأخراه، ومن عصاه وتساهل في عبادته كان من الخاسرين. هذا آخر ما تيسر جمعه في هذا الموضوع. وأسأل الله أن يعم نفعه وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم. قال مؤلفه الراجي عفو ربه: فرغت منه يوم الثلاثاء واحداً وعشرين من جمادي الثانية سنة ألف وأربعمائة وثمان للهجرة. الموافق اليوم التاسع من فبراير عام ألف وتسعمائة وثمان وثمانين للميلاد. وأحمد ربي حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مستغني عنه ربنا، وأحمده على توفيقه إياي بإتمام هذا الموضوع، وأرجو من الله تعالى أن أكون قد سددت أو قاربت فيما كتبت من موضوعات وأن يستفيد منه طلبة العلم بحوله وقوته وأن يثيبني عليه بمنه وكرمه وصلى الله وسلم على سيدنا محمد إمام المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أحكام الطواف بالبيت الحرام

أحكام الطواف بالبيت الحرام ¤وليد عبدالله الهويريني£بدون¥دار ابن حزم – السعودية¨الأولى¢1430هـ€فقه¶حج وعمرة - طواف الخاتمة: لقد تبين بعد هذا التجوال في أحكام الطواف بالبيت الحرام، وعرض مسائله وبسط آراء العلماء في عموم مباحثه ما يلي: 1 - تعريف الطواف، وصفته، وحكمه، وحكمة مشروعيته، وفضائله. 2 - أن جملة أنواع الطواف: خمسة، منها ثلاثة في حج الإفراد والقران، وهي: طواف القدوم، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع، واثنان في العمرة وهما طواف الفرض، وطواف الوداع للآفاقي إن جلس في مكة بعد طواف الفرض. 3 - أن طواف القدوم سنة، وليس بواجب، ولا يجب بتركه دم. 4 - لا يشرع طواف القدوم للحاج إذا دخل مكة بعد الوقوف بعرفة. 5 - يبدأ وقت طواف الإفاضة من فجر يوم النحر إلا الضعفة، ومن كان في حكمهم فيجوز لهم الدفع بع منتصف ليلة النحر، وأنه لا نهاية لوقته، ولا يترتب دم على تأخيره؛ لأن آخر وقته غير محدد شرعاً. 6 - أن السنة في طواف الإفاضة أن يطوف ضحى يوم النحر بعد أن يفرغ من أعمال مناسك يوم النحر بالرمي ثم النحر ثم الحلق. 7 - أن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج بإجماع العلماء. 8 - أنه يجوز تقديم طواف الإفاضة على بقية أعمال النحر، وإن كان هذا خلاف السنة. 9 - أن التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة، وأنه يحصل به التحلل من كل شيء إلا النساء. 10 - طواف العمرة ركن من أركانها لا تصح العمرة إلا به. 11 - طواف الوداع واجب على كل من أراد الخروج من مكة، وهو من غير حاضري المسجد الحرام، إلا الحائض والنفساء فإنه يسقط عنهما. 12 - من نوى الإقامة بمكة فلا وداع عليه، ولا فرق في ذلك بين أن ينوي الإقامة قبل حل النفر أو بعده. 13 - وقت طواف الوداع يبدأ بعد نهاية أعمال الحج. 14 - أن من أقام بعد طواف الوداع، أو اشتغل بغير أسباب الخروج، فعليه إعادة الطواف مرة أخرى، ليكون الطواف آخر عهده بالبيت. 15 - إجزاء طواف الإفاضة عن طواف الوداع إذا أخر الحاج طواف الزيارة بحيث يكون آخر عهده بالبيت، ولا يشترط أن ينويه عن طواف الإفاضة. 16 - أن من خرج ولم يطف للوداع، فإن كان قريباً ولم يشق عليه الرجوع، رجع للوداع ولا شيء عليه، وإن كان بعيداً لم يلزمه الرجوع، وعليه دم فإن رجع فلا شيء عليه. 17 - لا يجب على المعتمر طواف للوداع. 18 - بيان فضل طواف التطوع، وجوازه في جميع الأوقات، وجواز إهداء ثوابه للغير. 19 - أن الواجب في حق القارن طواف واحد لحجه وعمرته. 20 - أن الواجب في حق المتمتع طوافان، طواف لحجه، وطواف لعمرته. 21 - أن بين واجبات الطواف وشروطه، عموماً وخصوصاً مطلقاً، فكل شرط واجب، وليس كل واجب شرطاً. 22 - أن الإخلال بشيء من الشروط والواجبات ليس على وتيرة لا تصح من الكافر، ولا تقبل. 24 - أن من شرط صحة الطواف: العقل، فلا يصح طواف المجنون، ويستثنى من ذلك الصبي غير المميز؛ لورود الدليل بشأنه. 25 - أن نية الطواف كافية لصحته وأدائه عن الواجب في وقته، فلا يشترط تعيين نية الطواف في النسك. 26 - أن من شرط صحة الطواف: إكمال سبعة أشواط. 27 - أن من طاف حول الكعبة فطوافه صحيح وإن تباعد، وكذلك من طاف على سطح المسجد الحرام. 28 - أن من طاف داخل الحجر، فطوافه غير صحيح، وعليه إعادته. 29 - إن الشاذروان ليس من البيت، وعليه فيصح طواف من طاف عليه، وإن كان الأولى البعد عن ذلك خروجاً من الخلاف. 30 - أن ابتداء الطواف بالحجر الأسود شرط لصحة الطواف. 31 - أن جعل البيت عن يسار الطائف شرط لصحة الطواف. 32 - استحباب الطهارة من الحدث الأصغر في الطواف؛ وأما من أحدث حدثاً أكبر فلا يصح طوافه إلا من عذر.

33 - أن الطهارة من النجس شرط لصحة الطواف، فمن طاف وعليه نجاسة في بدنه أو ثوبه أو المكان الذي يطؤه في الطواف، وهو عالم بها، أو قادر على إزالتها فطوافه غير صحيح. 34 - أن ستر العورة شرط لصحة الطواف، وأن من طاف كاشفاً عورته وهو عالم بذلك قادر على سترها فطوافه غير صحيح. 35 - أن الموالاة بين الأشواط شرط لصحة الطواف، إلا إذا كان القطع يسيراً كشرب ماء، أو الجلوس للراحة، أو كان لعذر؛ كصلاة فريضة أو صلاة جنازة. 36 - أن المشي في الطواف مع القدرة عليه شرط لصحة الطواف، فمن طاف راكباً أو محمولاً لغير عذر فطوافه غير صحيح ولا يعتد به. 37 - استحباب أداء ركعتي الطواف خلف المقام، وإن صلاهما في أي مكان جاز ذلك. 38 - جواز أداء ركعتي الطواف في جميع الأوقات، وإن كان الأولى تأخيرها إذا توافقت مع أوقات النهي. 39 - جواز الجمع بين عدة أسابيع ثم الصلاة لكل منها بلا كراهة. 40 - عدم إجزاء الصلاة المكتوبة عن ركعتي الطواف. 41 - استحباب قراءة سورتي: (الكافرون) و (الإخلاص) في ركعتي الطواف بعد الفاتحة. 42 - لا يشرع عند رؤية البيت رفع اليدين والدعاء لضعف الأدلة الواردة في ذلك. 43 - سنية الاضطباع في طواف القدوم وطواف العمرة في حق البالغ والصبي، ولا يشرع الاضطباع للمرأة؛ لأن في اضطباعها كشف لما هو عورة منها. 44 - سنية الرمل في جميع الأشواط الثلاثة الأول. 45 - لا يشرع الرمل للمرأة بالإجماع، وكذلك لا يشرع الرمل لأهل مكة على الرأي المختار. 46 - استحباب استلام الحجر الأسود، والتكبير عند استلامه، وتقبيله والإشارة إليه، والسجود عليه. 47 - استحباب استلام الركن اليماني، فمن شق عليه استلامه فلا يشرع له تقبيله ولا الإشارة إليه. 48 - لا يشرع استلام الركنين الشاميين. 49 - يستحب للطائف أن يذكر الله ويدعوه بما يشرع. 50 - استحباب قراءة القرآن في الطواف، وأفضليته على الذكر والدعاء، إلا في موضعين: أولهما: التكبير عند استلام الحجر الأسود. ثانيهما: قول: {ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} ما بين الركنين اليمانيين. 51 - استحباب الدنو من البيت عند الطواف. 52 - استحباب التزام البيت والدعاء عنده. 53 - كراهة التشبيك بين الأصابع ومدافعة الأخبثين، وكذلك يكره الأكل والشرب إلا لحاجة. 54 - كراهة الإكثار من الكلام أثناء الطواف، واستحباب الكلام إن كان لتغيير منكر ونحوه، كما يكره الدعاء الجماعي وإنشاد الأشعار أثناء الطواف. 55 - يحرم الطواف عرياناً، كما أن الإثم يعظم لعظمة المكان. 56 - من طرأ عليه الشك في عدد الأشواط بعد الفراغ من الطواف فلا يلتفت إليه ما لم يتيقن الأمر، فيعمل بمقتضى يقينه. 57 - من شك في عدد الأشواط التي طافها أثناء الطواف فينظر في حاله، إن غلب على ظنه أحد الأمرين بنى على غالب ظنه، وإلا بنى على اليقين. 58 - لا يشرع استنابه الطائف العاجز لغيره في الطواف مطلقاً، وله أن يطوف راكباً على عربة أو يطاف به محمولاً. 59 - إذا طيف بالمعذور محمولاً فيصح الطواف لكليهما إذا نوى كل واحد منهما عن نفسه. 60 - استحباب دخول الكعبة المشرفة خاشعاً خاضعاً إن تيسر ذلك ولم يؤذ أحداً، والدعاء والصلاة في نواحيها. 61 - استحباب دخول الحجر والصلاة فيه والدعاء. 62 - استحباب الشرب من زمزم والتضلع منه للحاج والمعتمر خصوصاً، وللمسلم في جميع الأحوال.

أحكام التصوير في الفقه الإسلامي

أحكام التصوير في الفقه الإسلامي ¤محمد بن أحمد واصل£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1420هـ€فقه¶تصوير ونحت تماثيل الخاتمة: في نهاية هذا البحث المتواضع، والجهد اليسير أحمد الله تعالى - وأشكره، حمدا وشكرا دائمين، متلازمين، لا يحصي عددهما إلا هو سبحانه وتعالى على ما أمدني به من العون، والتيسير، والجهد والصحة والسلامة من المشاغل التي تعيق عن المواصلة والاستمرار. فله الحمد والثناء المتكرر على انتهائي بفضله وكرمه وإحسانه، من كتابة هذه الرسالة وبحث مسائلها، وجزئياتها. وأسأله سبحانه وتعالى - الذي حفظنا فيما مضى أن يحفظنا فيما بقي، وأن يجعل خير أعمالنا آخرها، وخير أيامنا يوم نلقاه، وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا: لا اله إلا الله إنه قريب مجيب. أما بعد: فقد تناولت في هذا البحث المسائل والجزئيات التي تضمنها موضوع (أحكام التصوير في الفقه الإسلامي). وحرصت أشد الحرص أن يكون البحث وافيا، وشاملا لكل ما له علاقة وارتباط بالموضوع المذكور، فأضفت عددا من المسائل الهامة التي لم تكن في الخطة المقررة من قبل مجلس الكلية، وذلك لما رأيت لها من الصلة، والارتباط بموضوع البحث. كما حرصت على حسن الترتيب بين الأبواب، والفصول، وحسن التنسيق، ليكون ذلك أقرب إلى الوضوح وتمام الفائدة. وظهر لي من خلال بحث مسائل الموضوع وجزئياته النتائج التالية: 1 - أن التصوير في اللغة: هو صناعة الصورة، واختراعها، سواء كانت مجسمة، أو مسطحة، كما أن لفظ صورة تطلق على حقيقة الشيء وهيئته، وعلى صفة الشيء وعلى النوع، والصنف. كما تطلق- أيضاً- على الوجه، وعلى ما يرسم في الذهن وعلى العقل. 2 - أن للفظ التصوير ألفاظا مرادفة، أهمها: لفظ ((التمثيل)) و ((الرسم)) و ((النحت)) و ((النقش)) و ((الرقم)) و ((التزويق)) و ((الوشي)). 3 - أن أنواع التصوير بالنظر إلى الوسيلة - نوعان: أولهما: التصوير اليدوي، ويشمل التصوير المجسم من ذوات الظل، والتصوير المسطح. وثانيهما: التصوير الآلي، ويتضمن التصوير الفوتوغرافي، والتلفزيوني، والسينمائي، والتصوير بالأشعة. 4 - أن الصورة باعتبار ذات الصورة - نوعان - كذلك: أولهما: صور ذوات الروح، من بني الإنسان، والحيوان. وثانيهما: صور غير ذوات الروح، من المخلوقات الكونية، النامية، منها: كالأشجار والنباتات، وغير النامية - كالجبال والأحجار والأفلاك ونحوها. 5 - أن التصوير في الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية - يأتي بمعنى التشكيل، والتخطيط، والتخليق، والتمثيل، والتقويم، والتشبيه، والتزويق، والتكوين، والتخييل، والتحويل، والتقدير، والتسوية، والتصنيع، كما أن الصورة تطلق على الصورة الحسية، الظاهرة، والصورة المعنوية الباطنة. 6 - أنه لا فرق بين الصنم، والوثن، من حيث الإطلاق اللغوي، بل كل منهما يطلق على الآخر، كما أنه لا فرق أيضا بين التمثال، والصورة في إطلاق كل منهما على الآخر. 7 - أن النصب- في الاستعمال اللغوي - يطلق على النتوء، والبروز كما يطلق ويراد به التعب، والإعياء إذا كان بفتح الصاد، أو بكسرها على لغته، ويطلق - أيضا - ويراد به الشر والبلاء. 8 - أن لصناعة الصور والتصوير أسبابا متعددة تدعو إلى ذلك، من أهمها: صناعة الصور محبة وتعظيما لصاحب الصورة، أو لأسباب أمنية، أو إدارية، أو صحية، أو تعليمية أو إعلامية، أو اقتصادية، وصناعية، أو مادية تجارية، أو لأسباب تاريخية، أو فنية تجميلية أو ما أشبه ذلك. 9 - أن الشريعة الإسلامية جاءت بسد الذرائع والطرق التي قد تفضي إلى الوقوع في المحرمات، أو ما هو أعظم من المحرم، كالشرك والكفر بالله رب العالمين.

10 - سماحة الشريعة الإسلامية وسهولتها، ومن أبرز ما يبين سماحتها وسهولتها: رفع الحرج عن المكلف، والتيسير عليه بإباحة ما قد يضطر إليه من المحرمات، بقدر ما يدفع ضرورته ويرفع الحرج عنه. 11 - إباحة صناعة صور غير ذوات الروح عموما، وإباحة اتخاذها، سواء كانت صورا لأشجار، أو أحجار، أو أنهار، أو غير ذلك، لوجود الدليل على جواز صناعتها واتخاذها. 12 - تحريم صناعة صور ذوات الروح عموما، مجسمة كانت أو مسطحة، وتحريم استعمالها بنصب، أو تعليق في بيت، أو شارع أو حديقة أو غير ذلك، سواء كانت نصفية أو كاملة، مشوهة، أو غير مشوهة، خيالية، يدوية أو آلية لأن كل ما ذكر يسمى صورة لغة، وشرعا، وعرفا، مع وجود الفارق بين كل من التصوير المجسم، والمسطح، والآلي، من حيث شدة التحريم وخفته. وسواء كانت في ثياب، أو ستار معلق، أو خاتم، أو آنية، أو كانت الآنية على شكل صور مجسمة، أو غير ذلك مما يكون وضع الصورة فيه مشعرا بتكريمها وصيانتها عن الامتهان والابتذال. وسواء كانت الصورة صغيرة أو كبيرة ما دامت واضحة المعالم، والرأس باق فيها. وذلك لعموم النصوص النبوية الواردة بتحريم صناعة سائر الصور لذوات الروح، واتخاذها، ولما في ذلك من المضاهاة لخلق الله تعالى في التصوير اليدوي، والوقوع في مشابهة عباد الصور والأصنام، وما قد تفضي إليه تلك الصور من تعظيم غير الله تعالى، وعبادة غيره سبحانه. ويستثنى من أصل تحريم صور ذوات الروح ما يلي: أولا: ما تدعو إليه الضرورة، أو تقتضيه المصلحة العامة المعتبرة، وذلك مثل ما يحتاج إليه من الصور في المجال الأمني أو الحربي، أو الإداري، أو التعليمي، أو الإعلامي، أو الطبي، أو غير ذلك من المجالات الخاصة منها، والعامة، وسواء كانت الصور المذكورة من ذوات الظل، أو من غيرها، يدوية أو آلية، ثابتة أو متحركة، لأن الضرورات تبيح المحظورات، ولكن ذلك مقيد بما تندفع به الضرورة، أو تحقق به المصلحة فقط. ثانيا: إذا كانت صورة ذوات الروح مقطوعة الرأس، إن كانت مجسمة أو ممحوة، إن كانت مسطحة لأنها تكون حينئذ كهيئة الشجرة، ولا يغني عن ذلك خيط في العنق، لإيهام فصل الرأس عن الجسد. ثالثا: لعب الأطفال التي كانت معروفة في العهد القديم، والتي تصنع من الخرق، والرقاع، دون ما تصنعها المصانع المعاصرة، من مادة البلاستيك ونحوه بشكل يضاهي خلق الله تعالى، وذلك لما فيها من قوة المشابهة والمضاهاة لخلق الله تعالى، ولما في بعضها من إثارة الغرائز، وكوامن الفطرة. رابعا: ما كان من صور ذوات الروح ممتهنا، مبتذلا، وذلك كالصور التي تكون على الفرش، والمخاد، والأواني إذا كانت الصورة فيها غير مرتفعة، أو كانت الآنية غير مرتفعة كالصحون، والأطباق، ونحوهما، مما يستخدم منها خاصة، فيجوز استخدام الصور المهانة، دون صناعتها فتحرم بكل حال، لما في صناعتها من المضاهاة إن كانت يدوية. 13 - تحريم تحنيط جثة الإنسان من بني آدم، لما فيه من مخالفة سنة الله في الدفن، وتعريض الميت للإهانة من جهة، ولما يسببه من إثارة الحزن على أهله ومحبيه من جهة أخرى. ويستثنى من ذلك: حالة الضرورة إلى تحنطيه وإبقاء جثته لأجل معرفته، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل، فيما إذا مات أو قتل مجهولا، إن لم يكن هناك وسيلة غير التحنيط. ويحرم تحنيط الحيوانات من غير بني آدم لما فيه من إضاعة المال، وفتح باب الاعتقادات الباطلة بأنها تجلب نفعا، أو تدفع ضررا.

14 - جواز قيام الصورة الآلية مقام الرؤية في عقود المعاوضات المالية بشرط سلامة الصورة من إدخال تحسينات عليها لم تكن في المعقود عليه، وكون الصورة واضحة جلية، بحيث تصف واقع السلعة كما هي، فيجوز ذلك قياسا على صحة البيع بالأنموذج، والبيع بالوصف المنضبط، فإن اختل واحد من هذين الشرطين فلا يصح حينئذ. وعدم قيام الصور الفوتوغرافية مقام الرؤية بين الخاطبين، في إحالة إمكان الرؤية البصرية المباشرة، وذلك لأنه لا يمكن الكشف بواسطة الصورة الفوتوغرافية - عن أوصاف لا بد من معرفتها، بالإضافة إلى موانع أخرى، فإن كانت الرؤية المباشرة متعذرة جاز قيامها حينئذ، لأن ما لا يدرك كله، لا يترك جله، وأما إن كانت سينمائية صح قيامها مقام الرؤية المذكورة، بشرط سلامتها من التزوير، والتحريف، وعدم انتشار الصورة. 15 - جواز تمويل صور ذوات الروح التي تدعو إليها ضرورة، أو تقتضيها المصلحة العامة، سواء كان تمويلها من المال العام، أو الخاص، كما يجوز اتخاذها حرفة، ومهنة للتكسب المادي، ويجوز بيعها وشراؤها، وإجارتها واستعارتها، وهبتها، ويصح التعاقد عليها بسائر عقود التعامل. ويجب الضمان على من أتلفها، أو اغتصبها، ويجب القطع بسرقة ما بلغ منها نصابا، إن كانت متقومة، والتعزير فيما لم يبلغه، أو كان غير متقوم. وذلك لأن ما أباحته الضرورة، أو اقتضته المصلحة يكون من جملة الأموال المحترمة التي يجب المحافظة عليها، مادامت الضرورة إلى ذلك باقية. وآلات هذا القسم من الصور تبع لها في كل ما سبق، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، والتابع تابع، ولأن ما جاز بيعه، وشراؤه جاز التعاقد عليه بسائر العقود، ووجبت المحافظة عليه. وأما ما كان من الصور المذكورة بخلاف ما ذكر، فإنه لا يجوز تمويلها ولا احترافها، ولا التعاقد عليها بأي نوع من أنواع العقود، وثمنها محرم والعقد غير نافذ، لأن ما حرم عينه حرم بيعه وشراؤه، وثمنه، وحرمت الإعانة عليه بقول أو فعل، وعلى ذلك، فلا يضمن متلفها، ولا يقطع سارقها لإهدار قيمتها شرعا، وعلى المتلف والسارق التعزير، إن كان فعله إفتياتا على ولي الأمر. هذا إن كانت الصورة هي المقصودة بالعقد، وأما إن كان المقصود هو ما فيه الصورة، وهي تبع فينظر، إن كانت الصورة في وضع مهان صح العقد بدون إثم، وإن كان وضعها مشعرا بتكريمها، وصيانتها صح العقد مع الحرمة، والإثم. وآلات هذا القسم من الصور فيها احتمالان: أقواهما في نظري أن المنظور إليه - في هذه الحال - إنما هو فعل الفاعل، وبناء على ذلك يجوز تمويلها، واحترافها، والتعاقد عليها بسائر أنواع العقود، ويضمن متلفها، ويقطع سارقها - إن بلغت قيمتها نصابا - وعليه التعزير إن لم تبلغ، أو بلغت نصابا مع وجود شبهة الإنكار، لأن هذه آله يمكن استخدامها فيما هو مباح، وليس استخدامها محصورا في المحرم فحسب. وهذا الاحتمال هو الأقوى في نظري لقوة تعليله، والله أعلم. كانت هذه هي أهم وأبرز النتائج التي توصلت إليها من خلال بحث ومسائل الموضوع، وجزئياته المرسومة في الخطة، والمسائل التي أضفتها فيما بعد، نظرا لما رأيت من الصلة والارتباط بالموضوع، فإن صاحبني في ذلك التوفيق فهذا من فضل الله علي وكرمه وإحسانه. وإن زل بي قلمي وسوء فهمي عن جادة الصواب إلى الوقوع في الخطأ فذلك مني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأستغفر الله من ذنبي، ومن زللي. وفي نهاية هذه الخاتمة أتقدم بالشكر الوافر، والثناء العاطر لكل من قرأ بحثي هذا، وأهدي إلى خطأ، أو خللا، لكي أتلافاه قبل فوات الأوان، وأقول له كما قال الأوائل: وإن تجد عيبا فسد الخلل فجل من لا عيب فيه وعلا فإن الإنسان يخطئ مهما بلغ من العلم، والفطنة، والذكاء، فقد يقصر عند بعض المسائل فهمه وينغلق ذهنه، نظرا لطبيعته البشرية، والكمال المطلق إنما هو لله وحده جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحكام العبادات المترتبة على طلوع الفجر الثاني – دراسة فقهية تأصيلية موازنة

أحكام العبادات المترتبة على طلوع الفجر الثاني – دراسة فقهية تأصيلية موازنة ¤ناصر بن محمد الغامدي£بدون¥دار ابن الجوزي – السعودية¨الأولى¢1429هـ€فقه¶صلاة - فجر خاتمة بأهم نتائج البحث: بعد هذا البحث الفقهي لأحكام العبادات المترتبة على طلوع الفجر الثاني، وعرض مسائلها وأدلتها، وكلام أهل العلم فيها؛ ظهر لي جملة من النتائج المهمة، أجملها في الآتي: أولاً: أن الوقت مهم في حياة المسلم، ومعتبر في نظر الشارع، وقد رتب الله تعالى جملة من الأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات على الوقت، وحددها بأوقات محددة لا يجوز أن تتقدمها، ولا أن تتأخر عنها، إلا لعذر مقبول شرعاً. ثانياً: إن وقت الفجر الصادق من أهم الأوقات الشرعية التي اعتبرها الشارع الحكيم، ورتب عليها جملة من أحكام العبادات الشرعية المهمة. ثالثاً: الفجر فجران؛ أحدهما كاذب، والآخر صادق، والتفريق بينهما من المسائل الفقهية الدقيقة؛ نظراً لقربهما من بعض، واشتباههما على من ليس له علم بالفروق بينهما، ولابد للمسلم من معرفة الفجرين، والتمييز بينهما؛ لأن الأحكام الشرعية إنما تتعلق بالفجر الثاني (الصادق)؛ حتى يوقع العبادات الشرعية التي كلفه الشارع بها في أوقاتها الشرعية المعتبرة. رابعاً: أن تحديد وقت طلوع الفجر الصادق لا زال محل بحث، والتقاويم المتداولة بين الناس أغلبها متقدم على وقت الفجر بزمن يتراوح بين (15 - 30 دقيقة)، وأقرب الأقوال الفلكية أن الفجر الصادق يبدأ عندما تكون زاوية الشمس تحت الأفق الشرقي (18 درجة)؛ وهو ما حدده قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي رقم (6)، في دورته التاسعة، المنعقدة في الفترة (12 - 19/ 7/1406هـ). خامساً: يترتب على طلوع الفجر الصادق جملة من الأحكام الشرعية المهمة المتعلقة بالصلاة؛ فيبدأ به وقت صلاة الفجر؛ وينتهي به وقت الضرورة لصلاة العشاء؛ وينتهي به وقت صلاة الوتر؛ ويبدأ به سنة الفجر؛ ويبدأ به أول أوقات النهي عن التطوع بالصلاة؛ وينتهي به وقت النزول الإلهي للسماء الدنيا. سادساً: يترتب على طلوع الفجر الصادق جملة من الأحكام الشرعية المهمة المتعلقة بالصيام؛ فيجب بطلوعه الإمساك الشرعي للصائم عن المفطرات؛ ومن شك في طلوع الفجر بنى على الأصل؛ وهو بقاء الليل؛ وإذا طهرت الحائض والنفساء قبل طلوع الفجر وجب عليهما الصيام، ولو أخرتا الغسل إلى طلوع الفجر؛ ويجب على المجامع في ليل رمضان النزع إذا طلع الفجر؛ ويجوز الإصباح للجنب، ويغتسل بعد طلوع الفجر؛ ويجب تبيت النية لصيام الفرض قبل طلوع الفجر؛ ويسن للصائم تأخير السحور إلى قبيل طلوع الفجر. سابعاً: يترتب على طلوع الفجر الصادق جملة من الأحكام الشرعية المهمة المتعلقة بالحج؛ فيبدأ به وقت الوقوف بعرفة عند الحنابلة؛ وينتهي به من يوم النحر وقت الوقوف بعرفة، ويفوت الحج؛ ويبدأ به وقت الدفع من مزدلفة لمن وجب عليه المبيت بها؛ ويبدأ به وقت الوقوف بالمزدلفة لمن وجب عليه المبيت بها؛ ويبدأ به وقت رمي جمرة العقبة لغير أهل الأعذار، على الراجح من أقوال أهل العلم؛ ويبدأ به وقت طواف الإفاضة على أحد القولين في المسألة. ثامناً: هناك جملة من أحكام العبادات الأخرى المتعلقة بطلوع الفجر الثاني؛ منها: وقت غسل يوم الجمعة؛ ووقت الغسل للعيدين؛ وقت وجوب زكاة الفطر من رمضان؛ ووقت ذبح الأضحية.

أحكام العورة والنظر بدليل النص والنظر

أحكام العورة والنظر بدليل النص والنظر ¤مساعد بن قاسم الفالح£بدون¥مكتبة المعارف¨الأولى¢1413هـ€فقه¶لباس وزينة - عورة الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده – عز وجل – على عظيم فضله وواسع نعمته، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين, وعلى آله وصحبه أجمعين. فهذا بيان بأهم نتائج هذا البحث. 1 - أن العورة تطلق في اللغة على معان متعددة منها، الخلل والسوأة والشيء المستقبح والعيب، ونحو ذلك. والعورة شرعاً: كل ما حرم الله تعالى كشفه أمام من لا يحل النظر إليه. 2 - أن الإسلام رغب بستر العورة وحذر من كشفها، وشرع وسائل عديدة من شأنها صيانة العورات والحافظ عليها. 3 - ترجيح ما عليه الجمهور من أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة مع الاحتياط بستر الجزء الملاصق من الركبة للعورة. 4 - إجماع العلماء على وجوب ستر ما عدا الوجه والكفين من المرأة الحرة. 5 - اتفاق العلماء على أنه يجب ستر الوجه والكفين مع سائر البدن عند عدم أمن الفتنة. 6 - أن الوجه والكفين من المرأة الحرة عورة على الراجح من قول أهل العلم. 7 - أن الأولى عدم التفريق بين الحرة والأمة في العورة خاصة إذا خيف الفتنة على الأمة. 8 - اتفاق الفقهاء – رحمهم الله – على حرمة مصافحة المرأة الأجنبية الشابة. 9 - إلحاق المرأة المتجالة بالشابة في تحريم مصافحتهن على الراجح من الأقوال. 10 - لا بأس أن يسلم الرجل من غير مصافحة على المرأة إذا كانت عجوزاً، أما السلام على المرأة الشابة الأجنبية فلا ينبغي إذا لم تؤمن الفتنة. 11 - صوت المرأة ليس بعورة على الراجح من قول العلماء فلا يحرم سماعه من الأجنبي إذا كان الكلام طبيعياً ولم يخش منه الفتنة. 12 - لا خلاف بين العلماء – رحمهم الله – في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم. 13 - المحرم شرط لحج المرأة فلا يجب عليها الحج إذا لم تجد محرماً على الراجح. 14 - الأفضل للمرأة القرار في البيت مع الرخصة في الخروج للحاجة. 15 - الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، ولا تمنع من الحضور للمسجد والصلاة فيه مع الجماعة إذا توافرت الشروط الخاصة بذلك. أما الصغير المميز – وهو من بلغ سبع سنين إلى العشر – فعورته الفرجان وعورة الصغيرة المميزة من السرة إلى الركبة. 17 - الأولى والأحوط إلحاق الخنثى بالمرأة في العورة لاحتمال كونه امرأة. 18 - يجوز التجرد وكشف العورة في الخلوة إذا كان هناك ثمة حاجة لذلك. أما إذا لم يكن هناك حاجة فلعل الأرجح القول بوجوب الستر، وهو ما ذهب إليه الجمهور من العلماء. 19 - ستر عورة الميت واجب بغير خلاف بين أهل العلم، وحد عورته ما بين السرة والركبة كعورة الحي. 20 - كان هديه صلى الله عليه وسلم لبس ما يستر من اللباس، من الصوف تارة والقطن تارة والكتان تارة، ولبس البرود اليمانية والبرد الأخضر، ولبس الجبة والقباء والقميص والسراويل والإزار والرداء والخف والنعل. 21 - استحباب لبس البياض من الثياب محل اتفاق من العلماء رحمهم الله. 22 - جواز لبس الأسود من الثياب للرجال والنساء. 23 - النهي عن لبس ما يصف البشرة من الثياب، وثوب الشهرة، والتحذير من تشبه المرأة بالرجل والرجل بالمرأة في اللباس. 24 - كراهة لبس الأحمر والمعصفر من الثياب للرجال. 25 - تحريم لبس الحرير الخالص على الرجال إذا لم يكن هناك حاجة، وإباحته للنساء مع حكاية الإجماع في ذلك. 26 - اتفاق الفقهاء على أنه لا فرق بين الصغير والكبير في حرمة لبس الحرير، إلا أن اللابس إذا كان صغيراً فالإثم على من ألبسه. 27 - يباح العلم من الحرير إذا كان أربع أصابع فما دون.

28 - إذا كان الحرير مشوباً بغيره جاز لبسه إذا لم تكن الغلبة له. 29 - تحريم إسبال الثياب للرجال وجوازه للنساء. 30 - السنة في أكمام القميص ألا تتجاوز الرسغ. 31 - ستر العورة شرط لصحة الصلاة في قول أكثر أهل العلم. 32 - يجزئ الرجل من اللباس في الصلاة الثوب الواحد الساتر لما يجب ستره من العورة مع طرح شيء من الثوب على عاتقه. 33 - المستحب للرجل أن يصلى في ثوبين أو أكثر لأنه أبلغ في الستر. 34 - يجزي المرأة أن تصلي في درع وخمار يستر عورتها. 35 - المستحب للمرأة أن تصلي في ثلاثة أثواب هي الخمار والدرع والملحفة. 36 - يجب أن يكون الثوب الساتر في الصلاة مما يحول بين الناظر وبين لون البشرة. 37 - لا تبطل الصلاة بانكشاف العورة اليسير بلا قصد. 38 - بطلان الصلاة بانكشاف العورة الكثير إذا تطاول الزمن. 39 - لا تسقط الصلاة إذا كان المصلي عادماً للساتر بإجماع أهل العلم. 40 - الأولى والأفضل لعادم الساتر أن يصلي قاعداً مع الإيماء. 41 - لا إعادة على من صلى عادماً للسترة. 42 - إذا وجد المصلي السترة في أثناء الصلاة فإن كانت قريبة وجب عليه ستر ما يجب ستره ويبني، وإن كانت بعيدة عرفا بطلت الصلاة. 43 - مشروعية الجماعة للعراة إذا كانوا عمياً أو في ظلمة بحيث لا يرى بعضهم بعضاً. 44 - إذا كان العراة مبصرين أو في ضوء فالأرجح أن الجماعة واجبة في حقهم أيضاً، وغض البصر يحصل بكونهم صفاً واحداً يستر بعضهم بعضاً. 45 - إذا اجتمع النساء عاريات فالجماعة مستحبة لهن. 46 - إذا قدر المصلي على بعض السترة لعورته فلا خلاف أنه يلزمه التستر به. 47 - تضافر النصوص على تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية الشابة. 48 - لا بأس بالنظر إلى المرأة إذا كانت عجوزاً لا إرب للرجال فيها. 49 - أن الشريعة السمحاء رخصت لمن لا فهم له ولا همة ينتبه بها إلى أمر النساء بالنظر إليهن. 50 - اتفاق الفقهاء – رحمهم الله – على تحريم نظر الخصي والمجبوب إلى النساء. 51 - إذا كان الأجنبي صغيراً لم يظهر على عورات النساء فلا بأس بنظره إليهن. 52 - إذا بلغ الصبي المراهقة أو قارب ها السن فعلى النساء الاحتجاب عنه وحكمه في النظر إليهن حكم البالغ. 53 - يباح للمحارم نظر مواضع الزينة من المرأة وما يظهر غالباً. 54 - اتفاق جمهور العلماء على أن ما حل النظر إليه من المرأة ذات المحرم حل مسه إذا كان في هذا المس لا يورث شهوة وإلا فلا. 55 - عبد المرأة كالأجنبي في النظر إليها على القول الراجح. 56 - إذا بلغ الخنثى بالسن وظهرت عليه بعض علامات المرأة فحكمه حكم المرأة، وإذا ظهر عليه بعض علامات الرجل فحكمه حكم الرجل، وإن لم يظهر شيء من علامات الذكورة والأنوثة، أو تعارضت فيعامل بالأحوط فيما يتعلق بالنظر فيعتبر مع النساء رجلاً ومع الرجال امرأة. 57 - يجوز للرجل أن يستأجر المرأة للخدمة ويعتبرها معه كالأجنبي في النظر. 58 - من أراد أن يشتري جارية فلا بأس أن ينظر إلى ما يظهر منها غالباً. 59 - إذا كانت الصغيرة طفلة لا تصلح للنكاح فلا بأس بالنظر إليها. 60 - النهي عن وصف المرأة للرجل حتى كأنه ينظر إليها. 61 - إذا زوج السيد أمته جاز له أن ينظر إلا ما بين السرة والركبة. 62 - أجمع العلماء على إباحة نظر الرجل إلى المرأة إذا أراد نكاحها. 63 - نظر الخطبة محدد بالوجه والكفين على الأرجح من قول العلماء. 64 - لابد أن تراعى الضوابط المبيحة لنظر الخطبة فليس النظر مباحاً على إطلاقه. 65 - نظر الخطبة مباح للضرورة وما أبيح للضرورة فهو مقدر بقدرها فإذا حصل الغرض بنظره حرم مازاد عليها. 66 - لا يشترط استئذان المخطوبة لهذا النظر.

67 - كما أن للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته فإن للمخطوبة أن تنظر إلى خاطبها. 68 - لا خلاف في جواز نظر الطبيب إلى موضع المرض من المرأة عند الحاجة ضمن ضوابط معينة. 69 - نظر القاضي والشاهد إلى المرأة من الحالات المستثناة ضرورة. 70 - يجوز لمن عامل امرأة في بيع وشراء وإجارة ونحوها النظر إلى وجهها ليعلمها بعينها فيرجع عليها. 71 - يجوز نظر الرجل للمرأة الأجنبية من أجل تعليم واجب أو مندوب إذا توافرت شروط وضوابط معينة. 72 - يحرم النظر إلى خيال المرأة في المرآة أو الصورة أو الماء بشهوة أو بدون شهوة. 73 - يحرم التفكر في محاسن المرأة الأجنبية. 74 - كل عضو لا يجوز النظر إليه قبل الانفصال لا يجوز بعده. 75 - يجوز نظر المرأة إلى الرجل إذا كان غير مقترن بالشهوة. 76 - يجوز للمرأة أن تنظر إلى ماعدا ما بين السرة والركبة من محارمها من الرجال. 77 - لا خلاف بين جمهور الفقهاء، على أن للمرأة أن تنظر من المرأة ما ينظره الرجل من الرجل فيباح لها أن تنظر إلى بدنها ماعدا ما بين السرة والركبة. 78 - لا يحل للمرأة المسلمة أن تبدي زينتها أو تضع جلبابها أمام المرأة الكافرة أو الفاجرة. 79 - تحريم نظر الرجل إلى ما بين السرة والركبة من الرجل ويجوز له أن ينظر ما سوى ذلك إذا تحقق عدم الشهوة وإلا فلا. 80 - مشروعية مصافحة الرجل للرجل عند اللقاء. 81 - يستحب إكرام الداخل بالقيام إذا كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح، أو فيه ولاية، أو له ولادة أو رحم من سن ونحو ذلك. 82 - يكره للرجل أن يقبل الرجل سواء كان ذلك في فمه أو يده أو عضو منه. 83 - سن تقبيل الرجل ولده أو أخيه الصغير على وجه الشفقة والرحمة، وكذلك تقبيل ولد صديقه أو غيره من صغار الأطفال على هذا الوجه. 84 - إجماع العلماء على تحريم النظر إلى الأمرد إذا اقترنت الشهوة بهذا النظر. 85 - يجوز لكل واحد من الزوجين النظر إلى جميع بدن الآخر سواء كان ذلك بشهوة أو بغير شهوة. ويباح للسيد النظر إلى جميع بدن أمته.

أحكام العيب في الفقه الإسلامي

أحكام العيب في الفقه الإسلامي ¤إسماعيل كاظم العيساوي£بدون¥دار عمار - عمان¨الأولى¢1418هـ€فقه¶فقه معاملات - بيوع الخاتمة أهم النتائج المستخلصة وفي ختام هذه الدراسة أود أن أسجل بعض النتائج المهمة التي توصلت إليها: 1 – إن أول ما خلصت إليه وأهمه: أن هذه الدراسة تشهد للأصل القائل: إن جميع أحكام الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح العباد. إذ لا نجد مسألة مطروحة في حياتنا اليومية إلا ونجد الجواب عليها قد تضمنه نص أو استنباط فقيه أساسه أحد مصادر التشريع الإسلامي. ومن جملة ذلك أحكام العيب إذ تتعرض عقود كثيرة إلى كثير من العيوب التي تؤثر على نفاذها، مما يترتب على ذلك خصومات بين الناس، وقد عنيت الشريعة الإسلامية بذلك عناية فائقة، وبحث الفقهاء جوانب عديدة تتعلق بتلك العيوب، وقال كل منهم فيها كلمته التي قاده إليها الدليل. والعبادات وغيرها من الأحكام الفقهية شأنها شأن عقود المعاملات تتعرض هي الأخرى لبعض ما يجعلها غير وافية بالغرض الشرعي منها، لذلك كانت هي أيضا موضع عناية الشريعة والباحثين فيها من هذه الناحية. وقد جمعت في هذه الدراسة حسب المستطاع شتات هذا الموضوع الذي كان فيما أعلم عبارة عن شذرات منثورة في بطون الكتب الفقهية. وبهذا أرجو أن يكون الفقه الإسلامي كما هو شأنه دائما قد حاز قصب السبق على القانون الوضعي من ناحية استيعابه وجمعه للمهم من أحكام العيب. هذا الموضوع الحيوي الذي له شأن كبير وتعلق وثيق بالمعاملات ولاسيما الحالية منها. 2 – عرفت العيب تعريفا عاما مستخلصا ذلك من تعاريف عدة أكثرها كان تعريفا خاصا للعيب في المبيع، بل تداخل في بعضها حقيقة العيب مع المرجع في تحديده، وصغت التعريف المختار من بعض تعريفات الحنفية له بعد إضافة بعض القيود إليه، وهو (ما يقتضي الشرع أو أصل الفطرة السليمة الخلو عنه مما يفوت به غرض صحيح) ليشمل العيب في الأبواب الفقهية المختلفة. 3 – إن المرجع في تحديد العيب هو الأثر والعرف ... وأعني بالأثر ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين، وقد تواردت عبارات الفقهاء على: أن المرجع في تحديد العيب هو العرف وقد فصلت القول في ذلك مبينا: أن العرف ليس هو المرجع الوحيد لتحديد العيب. كما أوضحت القول بأن قول الفقهاء (بالرجوع إلى العرف التجاري) إنما ذلك خاص بالعيب في المعاملات المالية، أما في الأمور الأخرى كالنكاح – مثلا – فلا شأن للعرف التجاري فيها، وإنما يرجع إلى أصحاب الاختصاص في ذلك كالأطباء مثلا، فإن لكل فن أصحاب اختصاص يرجع إليهم فيه. 4 – اختلف الفقهاء في اشتراط تعدد الخبراء؛ منهم من اشترط التعدد، ومنهم من اكتفى بواحد، ولم أعثر لهم – فيما اطلعت عليه – على أدلة في هذا الاختلاف، ولكن من خلال عباراتهم ظهر لي أن القضية تنازعها شبهان، شبه الشهادة، وشبه التحكيم، فمن غلب شبه الشهادة اشترط تعدد الخبراء، ومن غلب شبه التحكيم اكتفى بواحد، والنظائر الفقهية لهذه المسألة هي الأخرى مختلفة، وقد فصلت القول في ذلك. وانتهيت إلى القول: بأنه إذا كان التقويم من بين ما يحتاجه إثبات العيب، فإن العيب في هذه الحالة لا يثبت إلا بقول خبيرين، لأن التقويم لا يكتفى فيه بأقل من مقومين، كما نصت على ذلك الآية الكريمة التي تضمنت الحكم المتعلق بجزاء الصيد، إذ جاء فيها {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} [المائدة].

وإذا لم يكن للتقويم دخل في إثبات العيب فإنه يكتفى بقول خبير واحد إذا اتفقت الأطراف على الاحتكام إلى خبير معين، أو كان الخبير الذي قرر أن هذا الشيء عيب بعد أكثر الخبراء أو من أكثرهم خبرة فيما طلب رأيه فيه، أما فيما عدا ذلك فينبغي الرجوع إلى عرف الناس وعاداتهم. 5 – أوضحت في هذه الدراسة أن كتمان العيب حرام شرعا سواء أكان الكتمان من البائع نفسه أم من الأجنبي الذي يعلم العيب، وذلك للنصوص الصريحة التي نهت عن كتمان العيب. وأوضحت أن التحريم عام يشمل كتمان جميع أنواع العيب، سواء أكان هذا العيب مثبتا للخيار أم لا؛ لأنه نوع من التدليس المحرم، وإن كان هذا التدليس لا يبطل العقد في القول الراجح الذي عليه جمهور الفقهاء. 6 – إن الشروط التي يجب توفرها في العيب لكي تترتب عليه آثاره يمكن حصرها في أربعة شروط: فالشرط الأول: وهو أن يكون العيب مؤثرا. قد أوضحت خلال دراستي أن معنى التأثير: هو ما أنقص القيمة أو المنفعة وكان جسيما. ثم بينت معنى الجسامة في العيب وهي: أن يكون مما لا يتسامح العرف بمثله أو لا يمكن إزالته بدون مشقة، ثم بحثت اختلاف الفقهاء في العيب اليسير والفاحش وأيهما يرد به المبيع، ومن خلال عبارات الفقهاء تبين لي أن للمعيار في اليسير والفاحش هو كونه منقصا للقيمة أو للمنفعة أو غير منقص. أما الشرط الثاني: وهو قدم العيب فإنها قضية توقفت معرفتها على معرفة قضية أخرى وهي: (وقت ضمان المبيع) أي: متى يكون المبيع من ضمان البائع ومتى يكون من ضمان المشتري؟ وتلك قضية تشعبت فروعها واتسع الخلاف فيها: وقد ذكرت ذلك بنوع من الإيجاز. وخلصت إلى القول بأن العيب إذا كان قبل العقد فهو عيب قديم بالاتفاق وما ثبت وجوده مقارنا للعقد فهو الآخر مما اتفق الفقهاء على عده، عيبا قديما. أما الحادث بعد العقد وقبل القبض فالراجح أنه عيب قديم؛ لأن المبيع لا ينتقل ضمانه إلى المشتري إلا بالقبض. أما الشرط الثالث: وهو الجهل بالعيب فقد أوضحت خلال دراستي أنه لا خلاف بين الفقهاء في أن الإقدام على شراء سلعة مع العلم بالعيب الذي فيها يخلي البائع من المسؤولية. وقد بينت هنا أن استعمال أي وسيلة يخفي بواسطتها أحد المتعاقدين العيب يعد بالنسبة للطرف الآخر جهلا بالعيب، يوجب له الخيار عند اطلاعه عليه. أما الشرط الرابع: وهو عدم اقتران العقد بالبراءة من العيب، فهنا تشعبت آراء الفقهاء في الأثر الذي يترتب على اقتران العقد بشرط البراءة إلى ستة مذاهب. وقد رجحت المذهب القائل: بأن البيع بشرط البراءة من العيوب صحيح، وأن مشترطه يبرؤ به من كل عيب لا يعلمه، ولا يبرؤ من عيب علمه فكتمه؛ لأنه تدليس وغش؛ ولأن الراجح عند الفقهاء: أن اطلاع العاقد على العيب فرض على من يلعمه، ولا سيما صاحب السلعة المعيبة، ومن علم بالعيب ولم يبينه فهو آثم عاص، وللمتضرر من العيب في هذه الحالة الخيار عند اطلاعه عليه. 7 – ظهر لي من خلال الدراسة التطبيقية دقة الفقهاء في حصرهم العيب في أبواب معينة، من العبادات، والأنكحة، والمعاملات المالية. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

أحكام الفقير والمسكين في القرآن العظيم والسنة المطهرة

أحكام الفقير والمسكين في القرآن العظيم والسنة المطهرة ¤محمد بن عمر بن سالم بازمول£بدون¥دار البشائر الإسلامية - بيروت¨الأولى¢1420هـ€فقه¶فقه معاملات - أعمال منوعة الخاتمة وتتضمن أهم نتائج البحث، وهي التالية: 1 - حرَّر البحث أن لفظ الفقير والمسكين لفظان يجتمعان فيفترقان، ويفردان فيجتمعان، فيدل الواحد منهما على الآخر. 2 - كما قرَّر البحث أن الفقير والمسكين لفظان يطلقان على أصحاب الحاجة، وأن الفرق بينهما في أن الفقير أشد حاجة من المسكين، وأن المسكين يجد ما لا يكفيه، والفقير لا يجد شيئاً. 3 - الرد على المستشرق الذي كتب في دائرة المعارف الإسلامية، طاعناً ونابزاً على فقهاء المسلمين في اختلافهم في الفرق بين الفقير والمسكين، وبيَّنت أن خلاف العلماء في ذلك مبني على اختلاف الأدلة بحسب فهم وإطلاع كل واحد منهم لا بحسب ما ذكره ذلك المستشرق. 4 - بيان الأحكام المتعلقة بالفقير والمسكين، في القرآن الكريم، والسنة النبوية. 5 - بيان المسائل المتعلقة بالفقير والمسكين، فيما جاء في كلام أهل العلم، منها: - بيان أن وصف الفقر والمسكنة وصفان لا يحكم عليهما بذاتهما، إنما بحسب حال متعلقهما، فلا يفضل الفقير الصابر على الغني الشاكر من جهة الفقر والغنى، إنما يفضلا بحسب التقوى، فإن قدر استواؤهما من كل وجه فلا يعدل بالسلامة شيء. - بيان فقراء الحرم وما يستحقوه من دماء الحج. - بيان سماحة الإسلام ويسره في جواز إعطاء الفقير الكافر من صدقة التطوع، وأن الجزية لا تؤخذ من فقير عاجز. - بيان أن السعي لرفع وصف الفقر والحاجة، من الواجبات، وأن القوي المكتسب لاحظ له في الصدقة، فإن عجز عن الاكتساب، أو لم يجد كسباً جازت له المسألة، بل تجب عليه. هذا؛ وأسأل الله تبارك وتعالى بأن له الحمد لا إله إلا هو الحنان المنان، بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام، أن يتقبل هذا العمل، وجميع عملي خالصاً لوجهه الكريم، وداعياً إلى سنة نبيه الرؤوف الرحيم، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

أحكام القنوت - قنوت الحاجة والنازلة - قنوت رمضان

أحكام القنوت - قنوت الحاجة والنازلة - قنوت رمضان ¤عدنان بن محمد آل عرعور£بدون¥دار الراية - الرياض¨الأولى¢1413هـ€فقه¶قنوت خلاصة البحث: تأتي كلمة القنوت بمعان كثيرة، كالطاعة، والخشوع، والخضوع، والدعاء، وطول القيام، وأكثر ما تأتي بمعنى دوام الطاعة وتأتي بمعنى خاص، وهو: الدعاء في الصلاة. وقد شرع الإسلام سنة القنوت - وهو الدعاء قائماً في الصلاة – في النوازل، أو في ما كان فيه مصلحة للمسلمين عامة، ودفع مفسدة عنهم، كما يشرع في صلاة الوتر، وقيام رمضان. وأما المداومة عليه في صلاة الفجر: فبدعة محدثة. ويشرع في كافة الصلوات الخمسة، السرية منها والجهرية، ويفضل في الفجر والمغرب، وتتأكد أفضليته في صلاة الفجر، وذلك حسب النازلة والحاجة. وشرع من آخر ركعة من الصلاة، بعد الركوع وقبله، وأكثر الأحاديث على أنه بعده، ويشرع مدة النازلة، إن كانت ذات وقت، وإن نزلت فجأة ثم أقلعت، فيشرع لأيام بعدها، والسنة في ذلك: شهر، وإن كانت لحاجة وحوائج المسلمين، فحتى تقضى، فإن طالت، قنت وترك، إلى أن تزول أو تقضى، ويجهر به سواء كانت الصلاة جهرية أو سرية، ويؤمن المأمومون، وترفع الأيدي فيه، ولا يمسح بها الوجه، فإنه بدعة. ولم ترد الصلاة والسلام على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيه، ولم يثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – صيغة ملزمة، وإنما كان يدعو بما يناسب الحال. وينبغي أن يكون الدعاء جامعاً، وألا يطيل الإمام فيه، فليس من هديه - صلى الله عليه وسلم – ما يفعله كثير من أئمة مساجد زماننا من إطالة الدعاء، وتعمد السجع فيه، وإن كان القانت منفرداً فليدع ما شاء الله له أن يدعو. وإن للدعاء آداباً، وينبغي الالتزام بها، وله محظورات، ينبغي على الداعي اجتنابها. والعبرة في الدعاء، بصدق قائله وقصره، وطهارة نفس صاحبه، وإخلاص الرجاء والعبودية لله فيه. وليست العبرة بطول الدعاء، وتكلف السجع والتشقق فيه. وللعلماء في قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] مذاهب: الأول: أن الآية نسخت، القنوت وهو مذهب باطل، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قنت بعدها. الثاني: النهي عن لعن المعين، والدعاء عليه في الصلاة، وهو مذهب مرجوح لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لعن معينين بعد ذلك. والثالث: وهو الصحيح – وهو: أن في الآية توجيهاً عظيماً، وأدباً رفيعاً، ومنهجاً قويماً في معالجة قضية النصر والهزيمة، وأن الأمر كله بيد الله – تعالى – يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وينصر من يشاء، ويهزم من يشاء. وأن السبب الرئيسي في الهزيمة، هو: مخالفة المسلمين وتنازعهم وتقديمهم دنياهم على آخرتهم، فهذه هي الأسباب الحقيقة للهزيمة، فلا يشفع لكم لعن الكافرين في هذا المقام، ولا استبعاد الهداية عنهم. قنوت الوتر: شرع الإسلام دعاء خاصاً في صلاة الوتر، ونصه: "اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت". ولا يجب الالتزام به، بل يدعي بأي دعاء عام، وموضعه بعد الفراغ من القراءة قبل الركوع.

ولم يقم دليل على وجوب القنوت في الوتر، فهو سنة، يفعله المرء حيناً ويتركه حيناً، لعدم ثبوت مداومة الرسول – صلى الله عليه وسلم – على فعله. ولم يرد التكبير عند بدء القنوت، ولا رفع اليدين حذو المنكبين عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا ثبت ذلك عن أحد من أصحابه، ولم يثبت مسح الوجه باليدين بعد الانتهاء من الدعاء، ولهذا فهي بدع محدثة، لا يجوز فعلها لعموم قوله – صلى الله عليه وسلم -. ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). وكذلك الصلاة والسلام على النبي – صلى الله عليه وسلم – ورفع الأيدي للدعاء، لم يثبت فيها شيء عن النبي- صلى الله عليه وسلم – في قنوت الوتر. لكن ما ورد عن بعض الصحابة – رضوان الله عليهم – أنهم كانوا يرفعون أيديهم في قنوت رمضان، ويصلون على النبي - صلى الله عليه وسلم – وورد عن بعض السلف أن ذلك بدعة. والذي يترجح، أن لا يزاد على قنوت المنفرد؛ لا الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا رفع الأيدي، وأما قنوت الوتر في رمضان جماعة، فترفع فيه الأيدي، ويصلى فيه على النبي – صلى الله عليه وسلم -. وأما قنوت رمضان جهراً بالناس، فيكون في النصف الأخير منه، لثبوت ذلك عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم، ويرفع المأمومون أيديهم، ويؤمنون، وينبغي على الإمام تجنب السجع، ومجافاة التطويل، تحقيقاً للسنة. وبعداً عن الملل. وأخيراً: فإن معظم الخلافات الواقعة في هذا الأمر، هي خلافات معتبرة، فيها راجح ومرجوح، مادام أصحابها متفقين في الأصول، اللهم إلا أن تقوم حجة بينة على رأي، أو حكم، أو فتوى .. فلا يعتبر – والحال هذه – خلافاً معتبراً. والمقصود من هذا؛ أن هذه المسائل، ليس فيها ولاء وبراء، وهجران وقطيعة، وتفرق واختلاف، وقيل وقال، كما يفعل كثير من الشباب، هدانا الله وإياهم سواء الصراط. ربنا تقبل منا إنك أنت العليم الحكيم، واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. واجعلنا على سبيل السلف سائرين، وبأخلاقهم متمسكين، وبأدب الخلاف ملتزمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أحكام المال الحرام وضوابط الانتفاع والتصرف به في الفقه الإسلامي

أحكام المال الحرام وضوابط الانتفاع والتصرف به في الفقه الإسلامي ¤عباس أحمد محمد الباز£بدون¥دار النفائس للنشر والتوزيع - الأردن¨الأولى¢1418هـ€فقه¶فقه معاملات - أعمال منوعة نتائج الدراسة وقد أمكنه التوصل من خلال هذه الدراسة إلى النتائج التالية: - المال الحرام هو كل مال حرم الشارع على المسلم حيازته وتملكه، وهو إما أن يكون محرماً لذاته وإما أن يكون محرماً لغيره. - المال الحرام لا يدخل في ملك المسلم عموماً يسيراً كان أم كثيراً. - المال الحرام لا يورث عن آخذه لعدم خروجه عن ملك صاحبه. - المال المكتسب بالعقد الباطل أو العقد الفاسد لا يحل لقابضه ويجب التحلل منه. - المال المقبوض بعقد مختلف فيه بين العلماء لا يحكم بحرمته إذا كان الخلاف فيه قوياً، فليس كل ما اعتقده فقيه حراماً كان حراماً. - المال الحرام المكتسب في الكفر قبل الإسلام حلال لمالكه في الإسلام ولا يلزمه التحلل منه. - المال الملتقط حرام على الملتقط قبل التعريف حلال له بعد التعريف ما دام مالكه مجهولاً. - المال الحرام المكتسب بعذر الجهل حلال لمكتسبه إذا وقع حال قيام عذر الجهل. - ما حكم الشرع بتحريمه في بلاد المسلمين كالربا والقمار ... كان حراماً على المسلمين في كل بلد، ولا يلتفت إلى غير هذا القول. - الربح الناشئ عن استثمار المسلم أمواله في الربا في بلاد غير المسلمين خبيث يحرم عليه أخذه. - معاملة حائز المال الحرام في عين المال الحرام لا تجوز. - معاملة حائز المال الحرام إذا اختلط بالمال الحلال تجوز مع الكراهة. - معاملة المسلم المستور إذا وقع الشك في وجود الحرام في ماله تجوز بغير كراهة. - معاملة غير المسلم في ماله جائزة سواء اكتسبه من حلال أم حرام إذا كانت المعاملة بينه وبين المسلم موافقة لقواعد الدين وأحكام التشريع. - الحرام في المال صفة تثبت في ذمة آخذه لا في عين المال وذاته. - لا يجوز إتلاف المال الحرام بحرقه أو إهلاكه أو إلقائه في البحر. - المال الحرام ليس محلاً للانتفاع من أحد غير مصرفه الشرعي. - صرف المال الحرام الذي لا يعرف صاحبه إلى الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجة ومصالح المسلمين العامة. - التحلل من المال الحرام بدفعه إلى مصرفه الشرعي من الفقراء والمساكين أو مصالح المسلمين لا يكون صدقة يثاب عليها، بل هو تخلص من الإثم الثابت في ذمة الآخذ وتطهير لماله مما لحقه من خبث. - رد المال إلى مالكه إن كان معلوماً أو إلى الفقراء والمساكين إن كان مجهولاً شرط لقبول توبة من يتحلل من المال الحرام. - وجود المال الحرام في خزانة الدولة لا يمنع من العمل به لعدم تعينه أولاً ولحاجة الناس إلى العمل ثانياً. - المال الحلال المدفوع ثمناً للمعصية يفوت على مالكه ويرد إلى مستحقه من الفقراء والمساكين ومصالح المسلمين. - من المصالح التي ينفق فيها المال الحرام بناء المدارس، شق الطرق، بناء مشفى أو عيادة طبية، الدفع إلى طلبة العلم ... - لا يجوز بناء المساجد ودور العبادة من المال الحرام لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً. - يجوز للمسلم أن ينفق على نفسه وأهله من المال الحرام إن تعين الإنفاق منه بأن لم يجد غيره من المال الحلال. - استيفاء الدين من المدين الذي يأكل المال الحرام جائز إذا لم يكن للمال الحرام مالك مخصوص. - حج المسلم من المال الحرام صحيح تسقط به الفريضة وتبرأ به الذمة لكنه مسيء ولا يثبت له أجر. - أداء الضرائب من المال الحرام حرام لأدائه إلى أكل المال الحرام المنهي عنه. - الربح الناشئ عن استثمار المال الحرام يتبع رأس المال ولا يستحق الآخذ منه شيئاً لأنه ليس لعرق ظالم حق. - غسيل المال الحرام أو تبييض المال القذر محظور شرعاً وقانوناً، لأنه قائم على كسب المال بوسائل محرمة، ولأنه يؤدي إلى تمكن عصابات الإجرام من السيطرة على السلطة ومواطن القرار. - المال الحرام الذي يخضع للغسيل والتبييض مصيره الفقراء والمساكين والمصالح العامة بعد مصادرته وتجميده من قبل الدولة.

أحكام المجاهد بالنفس في سبيل الله عز وجل في الفقه الإسلامي

أحكام المجاهد بالنفس في سبيل الله عز وجل في الفقه الإسلامي ¤مرعي بن عبدالله بن مرعي£بدون¥مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة¨الأولى¢1423هـ€فقه¶فقه عبادات منوعات خاتمة البحث: الحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، أن وفقني إلى إنهاء هذا البحث على هذه الصورة التي آمل لها قبولاً. وبعد: فهذه خاتمة تضم خلاصة البحث وأهم نتائجه وهي كما يلي: أولاً: الجهاد بالنفس معناه قتال الكفار بالسلاح، ومقصوده إعلاء دين الله ونشره وإزالة المعوقات التي تحول بين دخول الناس فيه أفواجاً، وجعل الحاكمية لشرع الله في الأرض ورفع الظلم عن العباد، حتى يكون الناس مؤمناً بالله متبعاً لشرعه عن رضى وقناعة أو ممتناً باق على دينه الذي يعتقده، وهو في حماية المسلمين، دافعاً للجزية، خاضعاً لشريعة الإسلام، متنعماً بعدالتها. وقد غاب هذا المفهوم عن كثير من المسلمين اليوم مما جعلهم يقاتلون من أجل وطنية، أو قومية، أو حزبية ونحو ذلك، بل غاب عنهم اسم الجهاد الذي يخافه العدو، لأنه يعني بذل النفس من أجل إعلاء دين الله فتهون الأنفس لهذا الهدف وتشتاق للقتال للفوز بإحدى الحسنيين. وقد غاب اسم الجهاد اليوم إلى ما يسمى بالكفاح، أو النضال، أو الانتفاضة ونحو ذلك من الأسماء التي تبعد المسلمين عن معنى الجهاد الحقيقي، الذي عرفه سلف هذه الأمة. ثانياً: الجهاد بالنفس في سبيل الله جاء في ثلاث مراحل: مرحلة الإذن بالجهاد دون أن يفرض، ثم مرحلة الفرض لمن اعتدى وترك من لم يعتد، ثم مرحلة فرض قتال الكفار وابتدائهم بالقتال حتى يسلموا أو يعطوا الجزية، وتكون الحاكمية في الأرض لشرع الله. وليس هذا تدخلاً في شؤون الآخرين ولا إكراهاً على اعتناق الإسلام، وإنما هو إنقاذ للأمم الكافرة مما هم فيه من الكفر وتحريرهم من استعباد الطواغيت، ثم ترك الحرية لهم لاختيار ما يقتنعون به بعد بيان الحق لهم. وإذا كانت الدول الكافرة في هذا العصر تتدخل بقوة السلاح في بعض الدول بحجة بسط النظام الوضعي والديمقراطية المزعومة فيها، فإن المسلمين أحق وأجدر بأن يتدخلوا في دول الكفر لبسط شرع الله، ونشر أحكامه في الأرض التي هي قمة العدل والإنصاف والرحمة. ثالثاً: للمجاهد في سبيل الله الترخص بالرخص الشرعية، بل هو أولى من غيره ومن ذلك ما يلي: 1 - إذا أصابته الجراح فله أن يمسح عليها بالماء عند الطهارة، فإن خاف ضرراً من الماء تيمم عن الجراح وغسل الباقي وله أن يسمح على الجبائر إذا خاف من نزعها ضرراً. 2 - له أن يتيمم إذا خاف من العدو إذا طلب الماء، وكذلك إذا منعه العدو من الطهارة بالماء، وله أن يتيمم بالغبار أو بما هو من جنس الأرض كالحصى ونحو ذلك إذا لم يجد التراب. 3 - له أن يمسح على الخفين وما يقوم مقامهما كالأحذية التي يلبسها العسكر ونحو ذلك وله أن يمسح مدة طويلة للضرورة دون أن يخلع الخفاف أو الأحذية. 4 - له أن يمسح على العمامة وما يقوم مقامها مما يوضع على الرأس كالخوذة ونحوها إذا كان في نزعها مشقة عليه. 5 - له أن يصلي صلاة الخوف فرداً وفي جماعة على الكيفية التي يرى أنها أحوط للصلاة، وأبلغ في الحراسة واتقاء شر العدو، على الكيفيات التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم، وله أن يصلي صلاة الخوف ويومي بالركوع والسجود وإن لم يستقبل القبلة فإن لم يدر ما يقول في صلاته لشدة الخوف فله أن يؤخر الصلاة حتى يزول الخوف. 6 - للمجاهد أن يقصر الصلاة الرباعية في السفر للجهاد ولو طالت المدة، وله الجمع بين الصلاتين ولو لم يكن مسافراً، كذلك الأسير ما دام في أسر العدو.

7 - له أن يفطر في رمضان إذا سافر للجهاد وكذلك إذا كان مقيماً وخاف الضعف بالصيام عند ملاقاة العدو، وللقائد إجبار الجند على الفطر إذا خاف عليهم من الصيام ضعفاً عند ملاقاة العدو. رابعاً: المقصود بالشهيد هو من قتل في المعركة مع الكفار ونيته من الجهاد إعلاء دين الله وجعل الحاكمية لشرعه. وللشهيد في قتال العدو ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يقتل في ميدان المعركة وهو يجاهد أعداء الله من أجل إعلاء دين الله وجعل الحاكمية في الأرض لشرعه. فهذا شهيد في الأحكام الدنيوية فلا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن بثيابه التي قتل فيها بعد أن ينزع عنه الحديد والسلاح، وشهيد في الآخرة له أجره عند ربه جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، ومغفرة من الله ورضوان. الحالة الثانية: أن يقتل في ميدان المعركة، وكان هدفه من القتال غنيمة أو سمعة رياء أو عصبية أو حزبية ونحو ذلك، فهذا شهيد في الأحكام الدنيوية لا يغسل ولا يصلى عليه، ويدفن بثيابه التي قتل فيها، لكنه غير شهيد في الآخرة لسوء نيته فلا ينال منزلة الشهداء وما أعده الله لهم من الفضل العظيم. الحالة الثالثة: أن يقتل في غير ميدان المعركة كمن جرح في المعركة، ثم بقي زمناً وأكل وشرب ثم مات، وكان هدفه من الجهاد إعلاء دين الله وجعل الحاكمية في الأرض لشرعه، فهذا لا يأخذ أحكام الشهيد الدنيوية فيغسل ويصلى عليه ويكفن ولكنه شهيد في الآخرة لحسن نيته ونبل مقصده من قتاله أعداء الله. خامساً: في حالة كثرة القتلى في المعارك مع العدو فإنه يجوز جمع أكثر من قتيل في قبر واحد كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بشهداء أحد. سادساً: للمجاهد في سبيل الله الأخذ من الزكاة ليستعين به على الجهاد في سبيل الله إذا لم يكن له راتب من ديوان الجند، وله أخذ الهبة على الجهاد في سبيل الله، وأخذ الجعل من بيت المال أو من غيره إذا لم يكن له راتب في ديوان الجند. ولا يجوز له أخذ الأجرة على الجهاد لأنه إذا حضر صف القتال صار فرض عين في حقه ولا يجوز أخذ الأجرة على فرض العين. ويجوز للمجاهد أخذ نصيبه من الغنائم ولا يحل له أخذ شيء من الغنائم بدون إذن الإمام ولا قبل قسمة الغنائم بين الجند، لأن ذلك غلول محرم، إلا ما احتاج إليه من مطعم ومشرب ونحو ذلك بقدر الحاجة. وللمجاهد أخذ النفل الذي يعطيه الإمام على عمل قام به لأن في ذلك تحريضاً على القتال. سابعاً: لا يجوز له الخروج مع القائد الفاجر إذا كان فجوره على نفسه، لأن في ترك الخروج مع القائد الفاجر دعوة إلى ترك الجهاد في سبيل الله. ولا يجوز الخروج بالقرآن الكريم إلى أرض العدو إذا خيف عليه منهم أن تناله أيديهم بالتحريف والإهانة. ثامناً: لا يجوز قتال الكفار وغزوهم في ديارهم إلا بعد دعوتهم إلى الإسلام وبيان الحق لهم، فإن أبوا دعوا إلى دفع الجزية والدخول في حماية المسلمين ولهم دينهم، فإن أبو فالقتال آخر الحلول حتى يسلموا أو يعطوا الجزية. تاسعاً: الاستعداد لقتال الكفار والأخذ بكل وسائل القوة أمر مطلوب وذلك في جانبين:

الأول: الإعداد المعنوي ويتمثل ذلك في الإيمان بالله عز وجل، والتوكل عليه، والثقة بنصره لجنده، وعدم الخوف من كثرة العدو وعدتهم وتطور سلاحهم مهما بلغ عددهم وقوتهم، وهذه قوة معنوية عظيمة لا توجد عند غير المجاهد في سبيل الله. الثاني: الإعداد الحسي ويتمثل ذلك في جميع أنواع وصنوف القوة في العدد والعدة والتدريب واستخدام أحدث الطرق والوسائل في القتال مع العدو سواء في كيفية القتال: أو في التجسس ومحاربة العدو نفسياً بالطرق المختلفة، أو بامتلاك الأسلحة وإظهار القوة ووضع وسائل الردع الممكنة لحماية المسلمين من العدو واتباع الخطط المرسومة من القادة والثبات عند لقاء العدو حتى يتحقق النصر بإذن الله. عاشراً: أخلاقيات المجاهد عند القتال. عند قتال العدو يجب على المجاهد في سبيل الله التخلق بأخلاقيات الإسلام في القتال مع العدو؛ فلا يجوز قتل النساء والأطفال والعجزة والمرضى وأصحاب الصوامع والفلاحين والرعاة ما لم يشاركوا في القتال، أو يعنوا بالرأي والمشورة والتحريض، وهؤلاء يسمون الآن "المدنيون" ولا يجوز الاعتداء على أعراض العدو، ولا المثلة بجثثهم، ولا الإجهاز على الجرحى منهم، ولا يجوز هدم المنازل ولا إحراق المزارع والمدن إلا في حالة الحاجة إلى ذلك لمصلحة سير المعارك بقدر الحاجة وبإذن الإمام. ولا يجوز قتل العدو بأسلحة مدمرة تؤثر على من لا يجوز قتله من العدو مع إمكانية استخدام أسلحة أقل تأثيراً وحصول المقصود بها من تحقيق النصر على العدو. ولا يجوز إهانة الأسرى من العدو ولا تعذيبهم حتى يختار الإمام ما يراه مناسباً في حقهم، ويجب الالتزام بالمعاهدات والاتفاقات التي حصلت بين المجاهدين والعدو واحترامهم وعدم الغدو والخيانة. هذه أخلاقيات الإسلام في الجهاد في سبيل الله؛ لا يقاتل من العدو إلا من هو أهل للقتال حتى يسلم أو يدفع الجزية ويكون في حماية المسلمين ويبقى على دينه الذي يريد. يعيش في ظل عدالة الإسلام لا يعتدى على عرضه ولا على نفسه ولا على ماله، له مال المسلمين وعليه ما عليهم. فلينظر العالم الحائر في هذا الزمن إلى هذه الأخلاقيات العظيمة السماوية، وإلى ما يرتكبه أهل الكفر مع المسلمين اليوم في الحروب البشعة التي يشنها العدو في كثير من دول العالم على أقليات من المسلمين لا حول لهم ولا طول، وكيف أنهم يقتلون النساء والأطفال والعجزة ويمثلون هم وينتهكون الأعراض ويهلكون الحرث والنسل ويسعون في الأرض الفساد. الحادي عشر: المجاهد في المعاملات: 1 - يجوز للمجاهد شراء السلاح من العدو وكذا ما يحتاجه من الطعام وشراب ونحو ذلك. 2 - لا يجوز للمجاهد التعامل بالربا مع الحربي في بلاد الكفر ولا في غيرها. 3 - لا يجوز للمجاهد بيع السلاح للعدو، ولا رهن سلاحه عند الحربي، ويجوز عند أهل الذمة عند الحاجة إلى ذلك. 4 - يجوز للمجاهد استعارة السلاح واستئجاره ويضمنه إذا تلف بتعد منه. 5 - للمجاهد أخذ لقطة دار الحرب، فإن كانت من مال الكفار فهي غنيمة توضع في الغنائم وإن كانت لمسلم فتأخذ أحكام اللقطة، وإن لم يعرف لمن تكون فيعرفها سنة فإن كانت لمسلم أعطاه إياها وإن كانت لكافر وضعها في الغنائم. 6 - يجوز للمجاهد وقف ماله وسلاحه في سبيل الله. 7 - إذا خرج المجاهد للجهاد في سبيل الله وجب عليه أن يوصي بالحقوق الموجودة عنده والتي لا بينه عليها، ويسن له أن يوصي بشيء من ماله في سبيل الخير. 8 - المفقود في المعركة لا يقسم ماله، ولا تنكح زوجته حتى ينقطع خيره، وتمضي مدة طويلة قدرها بعض أهل العلم بأربع سنوات على الأرجح. الثاني عشر: المجاهد في النكاح:

1 - لا ينكح المجاهد في الأسر ولا يطأ زوجته إذا كانت معه في الأسر إلا إذا خاف على نفسه من الوقوع في الزنا بشرط أن يعزل عنها حتى لا يختلط نسبه أو يولد له ولداً فيكون رقيقاً. 2 - إذا آلى المجاهد من زوجته وبقي في الجهاد حتى انتهت مدة الإيلاء طلب منه أن يفيء بالقول إذا عجز أن يفيء بالجماع لانشغاله بالقتال، فإن أبى طلق عليه القاضي. 3 - للمجاهد إرجاع زوجته من طلاق رجعي وهو في المعركة ولو لم تعلم إلا أنه يلزمه إعلامها، أو إعلام وليها، والإشهاد على الرجعة فإن كتمها الرجعة فاعتدت وتزوجت وهو غائب في الجهاد فإنها زوجته، ونكاح الثاني باطل على الراجح من أقوال أهل العلم. 4 - عدة زوجة المجاهد إذا قتل في المعركة لا تختلف عن عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا، وإن كانت حامل بوضع الحمل، وتحسب العدة من يوم الوفاة على الراجح من أقوال أهل العلم. 5 - خروج المجاهد للجهاد في سبيل الله لا يسقط عنه وجوب نفقة الزوجة والأولاد بل تجب عليه النفقة، فإن قتل في المعركة أنفق على زوجته وأولاده من عطائه في ديوان الجند حتى تتزوج الزوجة ويبلغ الأبناء ويتزوج البنات. الثالث عشر: المجاهد في القصاص: 1 - إذا فعل المجاهد فعلاً يوجب قصاصاً في النفس أو فيما دون النفس أو حداً من الحدود أخذ به، لكنه لا يقام عليه في أرض الحرب وإنما يقام عليه بعد الرجوع من القتال للحاجة إليه في الجهاد. 2 - لا يجوز للمجاهد قتل نفسه عمداً سواء كان في الأسر أو كان ممن ينفذ عمليات انتحارية يقتل فيها نفسه. 3 - إذا قتل المجاهد مسلماً خطأ في المعركة لزمته الدية على العاقلة وعليه الكفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. الرابع عشر: المجاهد في القضاء: 1 - خروج المجاهد للجهاد في سبيل الله لا يسقط عن الحقوق والواجبات الواجبة للغير عليه، فللمدين مطالبته بالدين الحال ويلزمه الوفاء إذا كان قادراً على السداد، أو توكيل من يقوم بذلك عنه، وللزوجة مطالبته بالنفقة والطلاق إذا خافت على نفسها الوقوع في الزنا لطول غيابه مع إمكانية رجوعه إليها إلى غير ذلك من الحقوق. 2 - تقبل شهادة المجاهد على غيره إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع وتقبل شهادة بعض المجاهدين لبعض إلا إذا وجدت شبهة التهمة كالشهادة بشيء من الغنائم قبل قسمتها. هذه أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث، وأوصي في الختام بما يلي: أ- أن على العسكري المسلم استشعار الجهاد في سبيل الله في نفسه وهل يلتحق بالسلك العسكري، ولا ينظر إلى ميزات مادية أو اجتماعية. ب- على الجهات المسؤولة عند الجند إحياء الجهاد في سبيل الله في نفوس العسكر معنى وسلوكاً وإشعارهم أن كل ما يتلقون من علوم عسكرية وتدريبات ومهارات في استخدام الأسلحة إنما ذلك إعداد لهم للجهاد في سبيل الله. ج- ينبغي على المسلمين اليوم أن يحيوا في نفوس الناشئة المسلمة الجهاد في سبيل الله بسماته التي جاءت بها الشريعة المطهرة. د- الحذر من التهاون في شأن الجهاد وترك الاستعداد بالعدد والعدة، فإن التهاون في الجهاد طريق موصلة إلى الذلة والهوان وتسلط الأعداء. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أحكام المريض في الفقه الإسلامي

أحكام المريض في الفقه الإسلامي ¤إسماعيل محمد ميقا£بدون¥بدون¨الثالثة¢1401هـ€فقه¶مريض - أحكام الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها الذي يمعن النظر بعين الاعتبار في الشريعة الإسلامية يجد أن مبناها وأساسها على الحكم ومصالحه العباد وقطب الفلاح والسعادة في الدارين. فهي عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظلة في أرضه وهي عمود صلاح العالم، ما ذل المسلمون في عقر دارهم إلا بعدما تركوا تعاليمها السمحة وعندما يعودون إلى رشدهم يصبحون هداة وسادة العالم يوصلون ماء الحياة والغذاء والدواء الشافي إلى جسد البشرية المريض، اللهم انصر دينك وأقم علم الجهاد ليعود المسلمون إلى هداهم ونورهم إنك سميع مجيب. أهم نتائج هذا البحث تتلخص في الفقرات التالية: 1 - عناية الشريعة الإسلامية باليسر ورفع الحرج وقد ظهر هذا جلياً فيما شرعه الله للمرضى والمسافرين من رخص للتيسير والتخفيف. 2 - ما يصيب المسلم من مرض أو وعكة يترتب عليه تكفير لذنوبه ورفع درجاته في الآخرة ويظهر بذلك أن الإسلام كله عدل ورحمة ومصلحة للمسلم. 3 - جواز التيمم لكل من خاف ضرراً من استعمال الماء سواء خاف الهلاك أو تلف عضو أو زيادة المرض أو إبطاء برئه وذلك تخفيف من الله ورحمة بعباده المؤمنين. وهو الرأي الذي رجحته في بحث تيمم المريض. 4 - الإسلام دين الإنسانية يحمل في طياته كل الخير ويراعي في تشريعاته الجانب الروحي والجانب الجسدي وظروف الحياة ويظهر ذلك جلياً في تخفيفه كثيراً من التكاليف عن المريض والمسافر والحائض والنفساء وغيرهم في ظروف حياتهم تلك. 5 - تحديد المرض المؤثر في التخفيف عن المريض وانتقاله من تكليف إلى تكليف أخف وأيسر متروك لأهل الخبرة بالطب أو للمريض نفسه. كما توصلت إلى أنه يجوز الأخذ بمشورة الطبيب الكافر إذا كان ثقة وماهراً بالطب. 6 - في بحث التيمم توصلت إلى أنه يتيمم لكل فريضة في وقتها أما النوافل والفوائت فيجوز أن يصليها بتيمم واحد وهو القول الذي رجحته. 7 - أنه لا دليل على الجمع بين غسل السليم من العضو والتيمم والمسح في بحث المسح على الجبيرة قلت والأرجح من ذلك أنه يكتفي بالمسح على الجبيرة بعد غسل الأعضاء السليمة، أما إذا اضطر إلى التيمم فإنه يكتفي به بدون مسح ولا غسل. 8 - في مبحث طهارة المستحاضة رجحت المذهب القائل بأن طهارة المستحاضة هو الوضوء لكل صلاة وأنه لا يجب عليها الغسل إلا مرة واحدة عندما ترى أن حيضها قد انقطع. 9 - في الفصل الثاني: مبحث أحكام الصلاة بينت أن المريض يصلي على قدر حاله ولا يرفع شيئاً إلى وجهه ليسجد عليه إذا عجز عن السجود على الأرض. وفي المبحث الثالث بينت أن من أصيب بوجع في عينيه وأشار عليه الطبيب بأن يصلي مستقلياً ليمكن علاجه جاز له أن يصلى على تلك الحال، وفي المبحث الرابع اخترت القول بأن المغمى عليه لا قضاء عليه إلا أن يفيق في جزء من وقت الصلاة فيقضيها كمن أفاق قبل طلوع الفجر فيصلي المغرب والعشاء. 10 - في المبحث السادس رجحت القول بجواز إمامة القاعد المعذور وأن المأمومين لا يتابعونه في الجلوس بل يصلون خلفه قياماً وصلاتهم صحيحة. 11 - في الفصل الثالث في مبحث أحكام صيام المريض رجحت القول بأن كل مرض يضر صاحبه بالصوم يباح الإفطار معه كما رجحت المذهب القائل بوجوب الفدية على الشيخ الكبير وهو مذهب الجمهور. وفي مبحث الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما رجحت القول بأنه ليس عليهما إلا القضاء ولا فدية عليهما. 12 - في مبحث الحج عن المعضوب والمريض الذي لا يرجى برؤه رجحت القول بوجوب الحج على المعضوب إذا كان عنده زاد وراحلة ووجد من ينيبه أو له ابن يطيعه. كما رجحت القول بأنه لا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره وفي مبحث الإحصار رجحت القول بأن الإحصار المذكور في الآية المراد به حصر العدو وأما من أحصر بمرض فلا يحل حتى يطوف بالبيت – هذا إذا لم يكن قد اشترط عند إحرامه. وفي مبحث طواف الوداع استأنست لقول مالك في أن طواف الوداع سنة لا شيء على تاركه. وقلت ينبغي السير على هذا القول بالنسبة إلى العاجز كالمريض ونحوه. 13 - في مبحث الطلاق رجحت القول بأن المطلقة في مرض موت زوجها ترث في العدة وبعدها ما لم تتزوج أو ترتد.

أحكام المسابقات في الشريعة الإسلامية وتطبيقاته المعاصرة

أحكام المسابقات في الشريعة الإسلامية وتطبيقاته المعاصرة ¤عبدالصمد بن محمد بلحاجي£بدون¥دار النفائس - الأردن¨الأولى¢1424هـ€فقه¶مسابقات - جوائز الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها بعد أن وفقني الله سبحانه وتعالى إلى إتمام هذا البحث واستعراض فصوله ومباحثه توصلت إلى جملة من النتائج أوردها على النحو التالي: 1 - عرف فقهاء المذاهب السَّبْق بتعريفات مختلفة، عدا الشافعية فلم يعرفوا السَّبْق تعريفاً اصطلاحياً، وعلى هذه التعاريف مآخذ، والتعريف المختار هو: السَّبْق عقد بين طرفين أو أكثر على المغالبة بينهما في المجال الرياضي أو العلمي ونحوه، لمعرفة الفائز منهما، بعوض أو بدونه. 2 - السبق جائز سواءً كان بين اثنين أو بين فريقين لثبوت دليل السنة بذلك، خلافاً لابن أبي هبيرة الذي منع السبق إذا كان بين فريقين. 3 - لعقد السبق ثلاثة أركان وهي: أ- المتعاقدان. ب- المعقود عليه. جـ- الصيغة. ولا يشترط في المتعاقدين الذكورة، فيجوز إجراء السَّبْق بين النساء لتنمية قدراتهن القتالية، لأن المرأة مخاطبة بالقتال إذا كانت قادرة عليه في حالة ما إذا كان الجهاد فرض عين عليها، وفي حالة ما إذا كان الجهاد فرضاً كفائياً فهي غير مخاطبة بالقتال، ولكن قد يتحتم عليها القتال للدفاع عن نفسها كأن يعتدي عليها أحد الكفَّار. ويشترط في المتعاقدين الإسلام، ولا يجوز السَّبْق بين المسلم والكافر إلا في حالتين: أ- أن يكون الكافر حاذقاً في مجال من مجالات السباق، فيقصد المسلم من التسابق معه اكتساب الخبرة في هذا المجال. ب- أن يكون المسلم حاذقاً في مجال من مجالات السباق، فيقصد حينئذٍ من التسابق مع الكافر كسر سورته وتكبره بإظهار الغلب للمسلمين، مما يبعث في قلوب الكفار الرعب، أو يبعثهم على الدخول في الإسلام إذا رأوا قوته وعزته. 4 - عقد السَّبْق عقد مستقل بذاته له أحكام يتميز بها عن غيره من العقود الأخرى، كعقد الإجارة أو عقد الجعالة أو عقد النذر، فبين عقد السَّبْق وهذه العقود أوجه اختلاف رئيسة. أما عن وجود أوجه اتفاق بين عقد السَّبْق وبين أحد هذه العقود فهذا لا يعني أنهما عقدان متداخلان، لأن هذا لا يخلو منه أي عقد، فعقد البيع وعقد الإجارة بينهما أوجه اتفاق، ومع هذا فكل عقد مستقل عن الآخر. 5 - إذا تم إجراء السبق بدون عوض فلا يتصور دخول القمار فيه لغياب عنصر المال، أما إن كان السَّبْق بعوض فإنه يتصور وجود القمار فيه، وذلك في حالة ما إذا أخرج كلا الطرفين عوضاً ولم يدخلا بينهما محللا؛ لأن كلا الطرفين دخلا على أن يغنما أو يغرما على حد سواء، أما إذا أخرج أحد الطرفين عوضاً، أو أخرجه أجنبي عنهما فلا يتصور وجود القمار، لعدم استواء الطرفين المتسابقين في الغنم والغرم. 6 - جواز السبق بعوض على الإبل والخيل والنضال، ومن باب أولى إن كان السبق بدون عوض، ويقاس عليها كل ما كان في معناها مما يستعمل في قتال الأعداء، وإن لم ير ذكرها في الحديث أخذاً بعموم قوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ}. 7 - إذا اشتمل السَّبْق على الشطرنج على أحد الأمور التالية فإنه يكون محرماً: أ- أن يكون سببا في ترك واجب أو فعل محرَّمٍ. ب- أن يشتمل على الفحش والخنا في الأقوال. ج- أن يكون السبق على عوض سواء كان من الطرفين أو من أحدهما، أو كان المخرج للعوض أجنبياً عنهما. د- أن يلعبه مع من يعتقد تحريمه. هـ- أن تكون بيادق الشطرنج مصورة كلها أو بعضها بصورة حيوان.

فإن خلا عن هذه العوارض فيجوز إجراء السبق فيه، لثبوت اللعب به عن سعيد بن جبير ومحمد بن سيرين وهشام بن عروة وهم من التابعين ولم يثبت ما يعارض ذلك. ويشترط عدم الإدامة، فإن داوم عليه فأقل الأحوال أنه مكروه، وذلك لأنه لا فائدة كبيرة مرجوة منه، ولما فيه من إضاعة الوقت سدى الذي هو أعز ما يملك الإنسان. 8 - الألعاب الرياضية التي فيها خطورة كألعاب السيرك مثلا بأنواعها، يجوز إجراء السَّبْق فيها بشروط: أ- أن يكون السَّبْق مجاناً، أي بدون عوض. ب- أن يكون اللاعب حاذقاً لهذه اللعبة. جـ- أن يغلب على ظن اللاعب السلامة من الأخطار التي تحيط بهذه الألعاب. أما الرياضات التي فيها خطورة وهي داخلة في الإعداد للجهاد في سبيل الله كالقفز بالمظلات من الطائرات العسكرية، فيجوز إجراء السبق فيها وعلى عوض، بشرط أن يغلب على الظن السلامة من الأخطار المحيطة بهذه الأنواع من الرياضات. 9 - لا يجوز اللعب بالنرد مطلقاً، سواء كان ذلك على عوض أو كان خالياً منه، وذلك لإطلاق الأحاديث الصحيحة الواردة في النهي عن اللعب به؛ فلم تفرق بين ما كان على عوض وما كان على غير عوض، والأصل حمل المطلق على إطلاقه حتى يرد التقييد. 10 - لا يجوز إجراء السبق بين الحيوانات بالتحريش بينها للتصارع ومعرفة الفائز منها لسببين: أ- لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم. ب- لما فيه من تعذيب للحيوان دون حاجة أو منفعة في ذلك. 11 - حرمة اللعب بالورق – الشدة – مطلقاً سواء كان ذلك على عوض أو كان بدون عوض، قياساً على النرد فكلاهما يعتمدان على الحزر والتخمين، ونصوص فقهاء المذاهب تدل على ذلك، عدا الشافعية فإنهم نصوا على تحريمها. وكل لعبة معتمدها الحزر والتخمين حكمها حكم اللعب بالورق قياسا على النرد للجامع بينهما، وهذا الضابط وضعه الشافعية لمعرفة حكم ما يستجد من الألعاب في الأوقات اللاحقة، وهذا الضابط وإن لم يصرح به أئمة المذاهب الأخرى فنصوصها تدل عليه. 12 - رياضة السبق على الأقدام والمصارعة وغيرها من الرياضات كرياضة الجودو والكارتيه في عصرنا، يجوز بذل العوض فيها، لأن هذه الرياضات لها دور كبير في تنمية القدرات القتالية لدى الجيش الإسلامي. 13 - الجائزة لازمة في عقد السَّبْق، إذ يجب الوفاء بها، ويقضى بها على المغلوب إن امتنع، لأنه متى ما علم أن المغلوب لا يلزمه تسليم الجائزة إن غلب، فإن المنافسة تفتر وهي المقصد الأساسي من بذل العوض في السَّبْق، فالمنافسة كلما كانت أقوى كلما ارتفعت المهارات والكفاءات للمتسابقين. 14 - يجوز أن يكون المخرج للجائزة إمام المسلمين أو الوالي عنه من ماله الخاص أو من بيت مال المسلمين، أو يكون المخرج أحد الرعية يخرجها من مال نفسه، نظراً لما في ذلك من المصلحة والنفع للمسلمين. كما يجوز أيضاً أن يكون المخرج أحد المتسابقين، وهذا باتفاق الفقهاء. أما إذا كان المخرج للجائزة المتسابقين معاً فالصحيح جواز هذه الصورة بشرط إدخال محلل بينهما يحلل العقد فيخلصه من القمار، ويحلل الأخذ فيأخذ إن سبق ويؤخذ به إن سبق. ويشترط في المحلل ما يلي: أ- أن يكون كفئاً للمتسابقين. ب- ألا يخرج شيئاً من المال وإن قَلَّ. جـ- أن يأخذ الجائزة إن جاء سابقاً ولا يغرم شيئاً إن جاء مسبوقاً. 15 - ضابط الشروط التي ينبغي توافرها في كل مسابقة رياضية معينة على الجهاد والتي لم ينص الفقهاء رحمهم الله على شروطها، أن تكون هذه الشروط تحقق أكبر قدر ممكن من المساواة بين المتسابقين، لأن موضوع السبْق المساواة، ولا يبقى إلا فارق الحذق بينهم الذي يعرف بإقامة المسابقات، ويرجع في اشتراط هذه الشروط إلى أهل الاختصاص في كل رياضة.

16 - متى ما تم السبق وكان فاسداً، فإن كان السابق هو المخرج للجائزة أمسكها، وإن كان السابق الطرف الآخر لم يستحق شيئاً لأنه لم يعمل للباذل شيئاً حتى يستحق أجرة المثل، ونفع عمله إنما يعود إليه لا إلى الباذل. 17 - متى ما طرأ لأحد المتسابقين ما يؤثر على نفسه كالمرض، أو لآلته ما يعوق استعمالها إلى غير ذلك من الأعذار القهرية التي تمنع المتسابقين من إتمام السَّبْق، فإنه يتم تأخير السبق إلى زوال العارض، وإلا أجل إلى وقت آخر محدد. 18 - يمنع المتسابقون من التشاغل وتضييع الوقت أثناء السَّبْق للتشغيب عن صاحبه، والذي له سلطة المنع هو الحكم، لذا يشترط فيه أن يكون عادلاً بين الطرفين، وأن يتقيد في توجيه العتاب للمتسابقين بما يؤدي المقصود دون مبالغة أو زيادة. ويجوز للمتسابق مدح نفسه والافتخار عند التفوق ما لم يصل به ذلك إلى حد العجب والكبر، أما تشجيع المتفرجين فيجوز لهم ذلك، لما فيه من تحريض المتسابق على زيادة الجهد للفوز بالسباق، بشرط ألا يصل ذلك إلى أذية الطرف الآخر من المتفرجين بجميع أنواع الإيذاء. 19 - ضابط فسخ عقد السَّبْق وعدمه أن كل ما يعتبر تعيينه وتلف، فإنه يفسخ العقد ولا يقوم غيره مقامه، وما لا يتعين يجوز إبداله لعذر وغيره، وإذا تلف قام غيره مقامه. 20 - يجوز إجراء مسابقات علمية في مختلف العلوم وتكريم الفائز بجائزة، ويشترط لصحتها عدة شروط وهي: أ- أن يكون المجال الذي يجري فيه السَّبْق نافعاً ومفيداً للمسلمين. ب- أن يكون العوض مبذولاً من طرف أجنبي عن المتسابقين أو يكون مبذولاً من أحد المتسابقين، فإن كان العوض مبذولاً من الطرفين، فإنه لا يصح السبق إلا بإدخال محلل بينهما. جـ- تعيين المتسابقين، فلا يصح إجراء السبق مع إبهامهم، لأن الغرض معرفة حذق المتسابق بعينه. د- أن يكون سبق كل واحد من المتسابقين ممكناً بأن يكون هناك تقارب بينهم في المستوى العلمي. 21 - المختار في المسابقات العلمية التي تجريها بعض المجالات عدم الجواز للأسباب التالية: أ- عدم تعيين المتسابقين، مع أن الغرض من المسابقة معرفة حذق المتسابق بعينه، ونتيجة لعدم التعيين فاحتمال لجوء المتسابق إلى غيره للإجابة عن الأسئلة كبير، وبالتالي قد يكون الفائز غير متعلم أصلاً. ب- عدم التكافؤ بين المتسابقين على فرض عدم استعانة أحدهم بغيره للإجابة، والواجب تحقيق التكافؤ ما أمكن بين المتسابقين بحيث لا يبقى إلا فارق الحذق بينهم. جـ- وجود القمار في هذه المسابقة وإن كان خفياً غير ظاهر، ووجه ذلك أن للمجلة ثمناً معيناً، وهذا الثمن مقسط على جميع أجزاء المجلة بما في ذلك ورقة الأسئلة والمكان المخصص للإجابة، فالمتسابق عندما يشترك في هذه المسابقة يكون قد دفع ثمناً لهذه القسيمة، فإذا خسر يكون قد خسر هذه القيمة وإن كانت ضئيلة، وإذا فاز فإنه يكون قد دفع مالاً قليلاً ليربح مالاً كثيراً، فهو إذن متردد بين الغنم والغرم وهذا هو حد القمار. 22 - المسابقة التي تجريها إحدى القنوات الفضائية تحت عنوان "من سيربح المليون لا تجوز للأسباب الآتية: أ- لوجود القمار فيها في حالة ما إذا أجاب عن السؤال وأخفق فإنه يخسر المال الذي كان في ملكه. ب- طبيعة الأسئلة كثير منها مناف للشرع كالأسئلة التي تطرح عن أفلام هابطة أو ممثلين ومغنين لا أخلاق لهم، أو تكون الأسئلة تافهة جداً. جـ- المتسابق في حالة ما إذا عجز عن الإجابة على السؤال فإنه يحق له الاستعانة بثلاث وسائل مساعدة للوصول إلى الإجابة الصحيحة، وبالتالي ينتفي مقصود إجراء المسابقة وهو معرفة حذق المتسابق لأنه إذا أجاب إجابة صحيحة فليس ذلك بحذقه وإنما بحذق الآخرين.

23 - حرمة اليانصيب مطلقاً سواء كان تجارياً أو خيرياً، لأن صورة القمار فيه واضحة، ولا يتذرع لجواز اليانصيب الخيري بأن مقصده نبيل، لأن فيه سلوك الواسطة الحرام للوصول إلى الهدف المشروع، والإسلام لا يقبل مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة". 24 - شهادات الاستثمار ذات الجوائز، والتي تسمى شهادات الاستثمار فئة (جـ) محرمة لا يجوز الاشتراك فيها لأنها تعد من باب القرض الذي جر نفعاً وهو محرم باتفاق العلماء. 25 - السبق الذي تجريه المحلات التجارية، وعلى إثره تعطي الفائزين في السحب جوائز جائز، وتعد الجوائز المقدمة للزبائن هدايا من الشركة لهم، وهو تبرع محض منها لاستجلاب أكبر عدد ممكن من الزبائن، وهذا الجواز مشروط بشرطين: أ- أن يشتري الزبون السلعة من المحل التجاري الذي يجري فيه هذا النوع من السَّبْق بسعر أمثالها في السوق. ب- ألا يترتب على هذا النوع من السَّبْق التجاري ضرر بالتجار الآخرين أو بالزبائن المشتركين. 26 - التمثيل جائز بضوابط وهي: أ- أن يستهدف مصلحة الدين والعلم والأخلاق، لا أن يدعو إلى منكر أو فحش، أو يخدم مبدأ هداماً أو عقيدة كافرة. ب- إذا كانت التمثيلية تستعرض وقائع تاريخية، فيشترط تصويرها كما حصلت في الواقع، فلا يجوز تمثيل أمور غير واقعية بواسطة الكذب والتزوير في التاريخ الإسلامي. جـ- ألا يمثل شخصيات تاريخية لها قداستها في نفوس المؤمنين، كشخصيات الأنبياء، والرسل عليهم الصلاة والسلام. ويجوز إجراء مسابقات بين المنتجين لهذه التمثيليات، لإذكاء روح المنافسة بينهم، وتكريم الفائز، وذلك لأهمية التمثيل في بث الوعي الإسلامي بين أفراد المجتمع وتوضيح كثير من القضايا الدينية، وإقناع المجتمع بفكرة ما أو إبراز فساد سلوك ما. 27 - الغناء أو ما يسمى في عصرنا بالأناشيد الإسلامية مباح بشروط وهي: أ- ألا يشتمل الغناء على كلمات مخالفة للشرع مثل الغزل الفاحش أو الهجاء. ب- ألا يكون داعياً إلى معصية أو يدعو إلى مذهب مناقض للإسلام. جـ- أن يقتصر في ألحانه على الترجيع والتطريب اليسيرين دون ترجيع وتطريب أهل الفسق والمجون، المشتمل على التكسر والتهييج. د- إلا يكون هناك تشبه بالأغاني المائعة من ناحية أوزانها وألحانها. هـ- ألا يشتمل الغناء على آلات اللهو المحرّمة. ويجوز إجراء مسابقات بين المنشدين وتكريم الفائز بجائزة، لما أصبح للأناشيد في زماننا من دور كبير في تذكير الفرد المسلم بأمجاده وتاريخه، وإذكاء روح الجهاد في نفسه، وإشعاره بالمسؤولية تجاه الإسلام والمسلمين. 28 - رياضة كرة القدم يجوز إجراء السبق فيها إذا كان مجاناً، أما إجراؤه على عوض فلا يجوز، وذلك لأنها ليست من وسائل الإعداد للقتال. 29 - كل رياضة تقوم على الإيذاء والإيلام فإنه لا يجوز إجراء السبق فيها، سواء كان ذلك بعوض أو بغير عوض، وذلك كرياضة الملاكمة ورياضة مصارعة الثيران. هذا الذي خلصت إليه من النتائج فإن كان صوابا فمن توفيق الله وحده، وإن كان مجانباً للصواب فمني ومن الشيطان، وأسأل المولى عز وجل أن يتقبل مني هذا العمل ويجعله خالصاً لوجهه الكريم. والحمد لله رب العالمين

أحكام المسح على الحائل من خف وعمامة وجبيرة

أحكام المسح على الحائل من خف وعمامة وجبيرة ¤دبيان بن محمد الدبيان£بدون¥بدون¨الأولى¢1420هـ€فقه¶طهارة - مسح خفين الخاتمة بعد نهاية التطواف في أحكام المسح على الخفين والعمامة والجبيرة نخرج من هذا البحث بفوائد منها: الفائدة الأولى: أن جل مسائل أحكام المسح على الخفين نجد أن قول الجمهور فيها خلاف القول الراجح، مما يؤكد لطالب العلم أن الكثرة لا تدل على الإصابة، فكم من قول تبناه الجمهور، وهو قول ضعيف من جهة الأثر والنظر، فينبغي لطالب العلم أن يكون نظره في الدليل، وفي الدليل فقط ولا ينظر من قال به، وكنت أزعم أن طالب العلم لو جمع في أحكام العبادات ما خالف فيها الجمهور القول الراجح لخرج من ذلك بمجلد كبير، بل مجلدات. الفائدة الثانية: أن مسائل الإجماع في هذا الباب قليلة جدا، وذلك لأن أصل الباب، وهو المسح على الخفين أنكره بعض السلف، وبعضهم ادعى أنه منسوخ بآية المائدة. الفائدة الثالثة: أكثر شروط المسح على الخفين لا دليل عليها من الأثر، ولا من النظر الصحيح. الفائدة الرابعة: كثرة الأحاديث في المسح على الخفين، بل إن الأحاديث الواردة في المسح على الخفين أعظم بكثير من أحاديث الحيض والاستحاضة والنفاس، وأكثر من أحاديث التيمم، مع أن هذين البابين أهم بكثير من المسح على الخفين، كل ذلك من أجل توكيد المسح على الخفين، ورفع الريبة في حكمهما، والله أعلم. الفائدة الخامسة: ما رجحته في مباحث هذا الكتاب كالتالي: رجحت جواز المسح على الخفين والجوربين والنعل والعمامة والخمار، كما ملت إلى ترجيح الغسل على المسح من بعض الوجوه. كما رجحت أن المسح على الخفين رافع للحدث. وأن من به حدث دائم يحق له المسح كغيره. وأنه يجوز المسح على الخف المتنجس في استباحة مس المصحف ونحوه مما لا تشترط له الطهارة من النجس، بخلاف الصلاة، فإنه يجب عليه أن يكون طاهرا في بدنه وثوبه وبقعته، والله أعلم. ورجحت المسح على الخف المحرم، سواء كان التحريم لحق الله أم لحق الآدمي، وذلك لأن التحريم عائد على أمر خارج عن المسح. كما رجحت جواز المسح على الخف المخرق، سوء كان الخرق يسيرا أم كبيرا ما دام يمكن له أن يلبسه، وينتفع به. كما رجحت جواز المسح على الجوارب التي تصف البشرة لرقتها، وأنه لا يوجد دليل على اشتراط أن يكون الجورب صفيقا. كما بينت ضعف مذهب المالكية في اشتراط كون الخف من جلد. ورجحت أن يكون لبسه للخف على طهارة مائية، فلو تيمم، ولبس الخف، فإذا وجد الماء وجب خلع الخف، لعود الحدث السابق للبدن. كما رجحت جواز لبس الخف بعد طهارة إحدى القدمين، وأنه يشترط أن تكون القدمان كلاهما طاهرتين، وإن كان الأحوط مراعاة ذلك. والمسح على الحائل لا مجال للقياس فيه، فلا يمسح إلا ما ورد به النص من خف وجورب وعمامة، فلا يجوز أن يمسح على القفازين، ولا على ما تطلي به المرأة أظفارها، ونحو ذلك. كما رجحت بأن النية شرط في المسح على الخفين. وأما صفة المسح فيكفي مسح أكثر ظاهر الخف، وأكره غسل الخف بدلا من مسحه، ولا يشرع تكرار المسح على الخفين، وأن يبدأ باليمنى حال المسح، وإن بدأ بهما معا فلا حرج، وأن ابتداء المدة من أول مسح بعد الحدث، وأن الراجح في المسح على الخفين بأنه عبادة مؤقتة، يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ورجحت جواز لبس الخف على الخف، وإذا مسح خفا تعلق الحكم به، فإذا خلعه، ثم أعاده، لم يمسح عليه إلا إن لبسه على طهارة مائية، ولا تنتقض الطهارة بمجرد خلع الخف.

ورجحت جواز المسح على العمامة، وعلى خمار المرأة، وعلى القلانس، وأن المسح على العمامة لا يتشرط أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة، ولا يشترط لبس العمامة على طهارة، ومسحها غير مؤقت على الصحيح، وإذا خلع العمامة لم تبطل طهارته، ولا يشترط استيعاب العمامة بالمسح. وفي المسح على الجبيرة رجحت أن المسح لم يرد في نص مرفوع مع كثرة ما يصيب المسلمين من جراح، وهم أهل جهاد، فلو كان مشروعا لجاء ما يبين هذا الحكم، خاصة أنه يتعلق بأعظم العبادات العملية، وهي الصلاة، وأن المشروع هو التيمم، لأنه نوع من المرض، والله أعلم. وهذه المسائل التي رجحتها لا تعدو أن يكون فهما معرضا للخطأ والصواب، والتقصير والقصور، وهذا الفهم قد توافقني عليه، وقد تخالفني، ولا يكلف الإنسان إلا بما ظهر له، فإن أصاب فله أجران، وإلا كان له أجر، وهذا من لطف الله سبحانه وتعالى حيث لم يحرم المجتهد إذا أخطأ من الأجر، فهو على النصف من أجر المصيب، وما على الإنسان إلا أن يستفرغ وسعه في البحث والتحري للقول الراجح، وأن يبذل ما يستطيع في فهم النصوص، وأن يتحرى العدل والإنصاف، وأن يكون كالقاضي بين الخصوم، ينظر في حجة كل قول، ويتحرى أقربها للحق والعدل، وأن يبتعد عن التقليد الأعمى، فما وهنت الأمة، ولا ذلت، إلا بتركها الجهاد والاجتهاد في دينها، ففي الجهاد كمال القوة، وفي الاجتهاد كمال العلم والمعرفة. قال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}. وفي الختام أسأل الله سبحانه وتعال بلطفه ورحمته وكرمه وعفوه أن يتجاوز عني، وأن يغفر لي ذنبي كله، وأن يسددني في القول والعمل، وأن يجعل ما علمنا حجة لنا لا علينا، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح إنه ولي ذلك والقادر عليه. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أحكام المشاع في الفقه الإسلامي

أحكام المشاع في الفقه الإسلامي ¤صالح بن محمد السلطان£بدون¥وزارة التعليم العالي جامعة الإمام محمد بن سعود¨بدون¢1423هـ€فقه¶فقه عبادات منوعات الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده على توفيقه وتيسيره لإنهاء هذا البحث وإتمامه، وأشكره على ما حباني به من صنوف نعمه .... وبعد: فقد آن لي أن أختتم هذا البحث، ليس دعوى مني بوصول الكمال، ولكن هذا غاية جهدي، فإن كان عملي هذا صواباً وحسناً فمن الله، وله جزيل الحمد والثناء، وإن كان غير ذلك فمني، والله يتولاني بمغفرته وعطفه وإحسانه. هذا ويعد عرض أحكام المشاع بأبوابه وفصوله ومباحثه ومطالبه ومسائله وفروعه وصوره وحالاته، ظهر لي نتائج وثمار طيبة بحمد الله منها:- 1 - عظمة الشريعة الإسلامية وشمولها ووفاؤها بجميع متطلبات البشر، وتنظيمها لحياتهم تنظيماً دقيقاً، وفي هذا رد على دعوى القائلين بقصورها، وعجزها عن مسايرة ركب الحضارة، ومستجدات العصر. 2 - أن الفقه الإسلامي ثروة عظيمة ومعين لا ينضب استمد منه الفقهاء هذه الأحكام الخالدة، وفي قواعده وأصوله باب مفتوح لكل مجتهد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. 3 - أن الشركاء في الماء الذي لا يكفي لطهارتهم جميعاً لا يقدم أحدهم بل يباح لهم التيمم إلا أن يكون فيهم ميت، فإن الأولى تقديمه على القول المختار. 4 - أن خلطة الأعيان المشاعة مؤثرة في زكاة السائمة تقليلاً وتكثيراً، ولا يشترط ملك النصاب لكل واحد من الشركاء، وإنما المشروط ملكهم جميعاً للنصاب على القول الراجح، وأن القول بتأثير خلطة الأعيان المشاعة في غير السائمة قوي في الأموال الظاهرة دون الباطنة. 5 - أن زكاة الفطر عن الرقيق المشاع لازمة على الشركاء، كل بقدر حصته. 6 - جواز الاشتراك في الهدي إذا كان إبلاً أو بقراً، وإجزاء كل منهما عن سبعة لصراحة الأدلة في ذلك وقوتها، وضعف المعارض لها. 7 - جواز الاشتراك في الأضحية إذا كانت إبلاً أو بقراً، وإجزاء البقر عن سبعة، وفي إحزاء الإبل عن عشرة خلاف قوي. 8 - صحة بيع أحد الشركاء لنصيبه من المشاع، وبيعه جزءاً مشاعاً من ملكه، واستثنائه، وفي صحة بيعه لنصيب شريكه الخلاف في تصرف الفضولي، والأظهر صحة تصرفه وتوقف تنفيذ العقد على إجازة شريكه. 9 - أن في صحة بيع أحد الشركاء لنصيب معين من المشاع كبيعه نصيبه من شقة من عمارة ذات شقق، خلافاً – والراجح الصحة-، كما أنه يترجح ضمان الشريك البائع لنصيب شريكه إذا سلم المشتري جميع المشاع فتلف. 10 - أن قبض المشاع متصور وممكن بالتخلية إن كان عقاراً وبقبض الجميع بعد إذن الشريك، أو بتوكل المشتري له أو بنصب الحاكم من يقبض الكل. 11 - أن رهن المشاع جائز، سواء كان مما يقبل القسمة أو لا يقبلها، وسواء رهن جميع نصيبه أو جزءاً معيناً منه، وإذا وفَّى الراهن أحد المرتهنين انفكت حصته من الرهن، وكذلك إذا وفَّى أحد الراهنين المرتهن انفك نصيبه. 12 - أن الشيوع في ربح الشركة شرط لصحتها، واشتراط شيء معين يبطلها بلا خلاف، وفي شرط التساوي في الربح خلاف، والصحيح عدم اشتراطه وجواز التفاضل فيه بخلاف الخسارة فإنه يشترط التساوي فيها بنسب رؤوس الأموال بلا خلاف، إلا المضاربة فإن الخسارة على رب المال. 13 - صحة المزارعة بالجزء الشائع على القول الصحيح، وبطلانها إذا شرط شيء معين بلا خلاف، كما أن الصحيح صحة مزارعة أحد الشريكين شريكه، كذلك فإن الصحيح زرع أحد الشريكين نصيبه من الأرض المشتركة إن طلب من شريكه أن يزرع معه أو يهايئه فامتنع ولا أجرة له على شريكه إذا أذن له الحاكم.

14 - صحة المساقاة وكذلك المغارسة بالجزء الشائع على القول الصحيح، كذلك صحة مساقاة أحد الشريكين شريكه أو مغارسته على القول الصحيح. 15 - صحة إجارة الشريكين للمشاع بلا خلاف، وصحة إجارة أحد الشريكين نصيبه على القول الأظهر، كذلك فإن الأصح صحة الإجارة بجزء مشاع من الإنتاج. 16 - صحة إعارة الشريكين للمشاع بلا خلاف، وصحة إعارة أحد الشريكين نصيبه على الأصح. 17 - أن الغاصب إذا غصب نصيب أحد الشريكين دون نصيب الآخر فإن الغصب يختص بمن أراده الغاصب على القول الأظهر، كما أن الغاصب شريكاً للمغصوب منه – إذا خلط المغصوب بمثله بقدر ما خلط على الصحيح. 18 - أن الشفعة تثبت في العقار المشاع الذي يمكن قسمته بلا خلاف، وفيما لا يمكن قسمته خلاف، والأظهر ثبوتها فيه، وكذلك ثبوتها في غير العقار، كما أن الأظهر ثبوتها بالشركة في المرافق الخاصة، وكذلك ثبوتها في الشقص المنتقل بعوض غير مالي أو بغير عوض. 19 - أن للشفيع أخذ نصيب من أحد الشريكين على الراجح إذا باعا صفقة واحدة، كما أن له أخذ نصيب أحد المشتريين على الراجح إذا اشتريا نصيب شريكه، وأخذ أحد العقارين إذا بيعا صفقة واحدة، وأما استحقاق الشفعة فإنه على عدد رؤوس الشركاء لا على قدر أنصبائهم عل القول الأظهر، كما أن الأظهر أن الشفعة ليست على الفور. وإنما للشفيع تأخير الطلب ويحدد له مدة تتسع لتأمل مصلحته، ويحصل بها مقصوده عرفاً. 20 - أن إيداع أحد الشريكين للمشاع غير جائز؛ لأنه يتصرف في ملك غيره بغير رضاه بخلاف إيداعهما له. فإن ذلك جائز، فإذا حضر أحدهما فطلب تسليم نصيبه وكان من ذوات الأمثال جاز للمودع تسليمه بخلاف ما لو لم يكن ذوات الأمثال، فإنه لا يجوز له تسليمه. 21 - أن هبة المشاع والتصدق به، ووقفه جائزة على القول الصحيح، كما أن للموقوف عليهم أن ينتفعوا بالوقف كيفما شاءوا من غير قسمة عينه فإنها لا تصح على القول الأظهر لما فيها من حرمان الطبقة الثانية والثالثة. 22 - أنه لا خلاف في صحة الوصية بالمشاع، ومن أوصى بمشاع يظنه قليلاً، فبان كثيراً فأراد الرجوع فإنه له ذلك على الصحيح، كذلك فإن الوصية بالمنفعة جائزة بلا خلاف. 23 - أن أحد الشريكين إذا أعتق نصيبه من المشترك، فإنه يعتق عليه جميعه إن كان موسراً، ويقوم عليه نصيب شريكه، وإن كان معسراً فإن العبد يسعى في نصيب الشريك الآخر على القول الأظهر، كما أنه إذا أعتق بعض عبده فإنه يعتق عليه جميعه موسراً كان أو معسراً على الصحيح، كذلك فإن مكاتبة الشريكين للعبد مع التفاضل في الأنجم جائزة على الصحيح، وكذا إذا كاتب أحدهما العبد في نصيبه أذن شريكه فيها أو لم يأذن، ويترتب على هذه المكاتبة عتق العبد إذا أدى ما كوتب عليه إن كان المكاتب موسراً، وضمن لشريكه قيمة نصيبه، وإن كان معسراً سعى العبد في نصيب الشريك على القول الأظهر. كذلك فإن تدبير أحد الشريكين لنصيبه جائز، ويترتب عليه عدم سريان التدبير إلى نصيب شريكه موسراً كان أو معسراً، فإذا مات المدبر عتق نصيبه إن خرج من الثلث، وسرى إلى نصيب الآخر إن كان الثلث يفي بقيمته وإلا سعى العبد في نصيب الشريك. 24 - إنه ليس لأحد من الشريكين أن يستقل بعقد نكاح الجارية المشاعة من غير صاحبة بلا خلاف، كذلك لا خلاف في صحة جعل المشاع صداقاً أو عوضاً عن الخلع.

25 - إذا قبض أحد الشريكين نصيبه من دين مشترك لهما على شخص فإن لشريكه الدخول معه ومشاركته فيما قبض إن كان القابض قبض قبل أعذار شريكه في القبض معه وإلا لم يكن له مشاركته على القول الأظهر، أما إذا أذن لشريكه في القبض فإنه لا يشاركه فيما قبض على الصحيح تحقيقاً لمعنى الإذن، وإن تلف النصيب المقبوض – بغير إذن- فإنه يضمن لشريكه نصيبه مما قبض على الراجح، وكذلك إن تصرف في المقبوض بهبة أو بيع أو استهلاك ونحو ذلك، فإنه يضمن. 26 - أنه لا يجوز لأحد الشريكين تأجيل نصيبه من الدين على الصحيح وإذا أجل فليس له الرجوع على شريكه على القول الأظهر، وإذا تقاسم الشريكان الدين فإن هذه القسمة صحيحة على القول الأظهر، وسواء كان الدين في ذمة واحدة، أو في ذمم متعددة. 27 - أن عفو أحد الشركاء في العبد المقتول عن القصاص جائز، ولا يقتص من قاتله إلا بإجماع الشركاء فيه على القصاص. 28 - أن عفو بعض أولياء المقتول عن القصاص جائز على الصحيح إن لم يكن القتل غيلة، فإن كان غيلة، فإن عفوه لا أثر له على الراجح، ويتحتم القصاص، كما أن غيبة أحد الأولياء أو جنونه أو صغره تمنع من استيفاء القصاص إذا لم يكن القتل غيلة على الصحيح، فإن كان غيلة فلا أثر للغيبة والجنون والصغر حيث يقتل على كل حال. 29 - أن الواحد إذا قتل جماعة فاتفق أولياؤهم على قتله بهم فإنه يقتل بهم، وليس لهم غير ذلك، وإن اختار أحدهم القود والآخرون الدية، فإنه يقتل لمن أراد القود ويعطى أولياء الأخرين الديات من ماله سواء كان المختار للقود أولياء من قتل أولاً أو ثانياً، وسواء قتلهم دفعة واحدة أو مفترقين على القول الصحيح، وإن تشاحوا على قتله وعلم الترتيب، فإنه يقتل بالأول وللباقين الديات، وإن لم يعلم الترتيب أو كان قتلهم دفعة واحدة فإنه يقدم أحدهم بالقرعة، وللباقين الديات على القول الراجح، ومثل هذا ما إذا كانت الجناية دون النفس واستحقوا القصاص كما لو قطع إيمانهم. 30 - أن الضمان بسقوط الأملاك المشاعة على الأنفس والأموال يلزم الشركاء بإبلاغهم تضرره وخشية سقوطه، فإن كان المبلغ واحد لزمه من الضمان بقدر نصيبه على الأظهر، وإن لم يبلغوا فإن الراجح عدم تضمينهم إذا لم يعلموا، وإن كانوا يعلمون فإنهم يضمنون على القول الراجح. 31 - إن وطء أحد الشريكين للجارية المشتركة لا يوجد الحد، وإنما يعزر الواطئ، وفي مقدار التعزير خلاف، والراجح أنه يعزر بمقدار ما يراه الإمام. 32 - إن قذف الواحد للجماعة يوجب لكل واحد حداً إن طلبوه على الراجح، وإن كان المقذوف واحداً فمات، فإن للورثة المطالبة به، فإن عفا بعضهم فإنه يحد للباقين ولا أثر لعفوه على الصحيح. 33 - أن سرقة أحد الشركاء من المشاع لا تسقط الحد إذا كان المسروق نصاباً زائداً على حقه، ولم يكن له تصرف في المال على القول الراجح إذا كان المسروق معروف القيمة، ولا يحتاج إلى تقويم، فإذا كان مما يحتاج فيه إلى التقويم، فإنه لا بد أن يكون ظاهر الزيادة وإلا فإن الراجح عدم القطع. كذلك فإن سرق أجنبي من المشاع وطالب بعض الشركاء دون بعض فإنه يقطع إن كان المسروق من المطالب يبلغ نصاباً على القول الراجح.

34 - أن العين إذا ادعاها شخصان ولا بينه لهما فإنه يقضى بها بينهما على الشيوع بعد أيمانهما على الصحيح، وكذلك الحكم إن أقام كل منهما بينه على دعواه، هذا إن كانت العين بأيديهما، فإن كانت العين في يدي غيرهما، ولا بينة لهما وادعاها من كانت بيده، فإنه يقضي له بها مع يمينه، فإن لم يدعها فإنه يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة حلف واستحق العين على الصحيح، هذا إذا لم يقر من كانت العين بيده – أنها لأحدهما ولم يعينه، فإن أقر أنها لأحدهما وعينه فإنها تكون لمن عين بعد يمين كل من المعين والمعين له، وإن أقر بها لهما فإنه يقضي بها بينهما، وإن كان لكل واحد بينة فإن يقرع بينهما في الأظهر. وإن لم تكن العين بيد أحد ولا بينه أو لكل واحد بينه فإنه يقرع بينهما فمن خرجت قرعته أخذها، وإن تداعى شخصان وديعة عند شخص آخر ولا بينه لواحد منهما فإن كذبها حلف لكل واحد منهما، وبقيت العين بيده، وإن أقر بها لأحدهما قضى له بها مع يمين المودع، وإن أقر بها لهما فإنه نكل قضي لهما بعوضها معها في الأظهر وإن أقر بها لأحدهما لا بعينه فإنه يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها في الأظهر وإن أقام كل واحد منهما بينه على دعواه فإنه يقرع بينهما في الأظهر. 35 - أن اللقطة إذا ادعاها اثنان ووصفاها في وقت واحد فإنه يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها على القول الراجح، وإن وصفاها واحد بعد الآخر وكان الوصف من الثاني قبل دفعها للأول فإنه يقرع بينهما على الراجح، وإن كان الوصف من الثاني بعد دفعها للأول فإنه لا يستحق شيئاً هذا إذا لم يكن لها بينة، وإن كان لكل واحد بينة فإنه يقرع بينهما على القول الأظهر فمن قرع حلف وأخذها. 36 - أن الزوجين إذا اختلفا في متاع البيت فما يصلح للرجال فهو للرجل مع يمينه، وما يصلح للنساء فهو للمرأة مع يمينها، وما يصلح لهما فإنه يقضى به بينهما. 37 - أن الرجلين إذا ادعيا عيناً بيد رجل وعزيا الدعوى إلى سبب يقتضي اشتراكهما، كالإرث فأقر لأحدهما بنصفها، فإن الأخر يشاركه وإن عزيا الدعوى إلى سبب لا يقتضي اشتراكهما، فإن الآخر لا يشاركه، وإن لم يتعرضا إلى سبب الملك فإن الآخر يشاركه في الأظهر. وإن أقر شخص أن ما بيده فيه شركة لفلان، إن له تفسيره بما شاء على القول الراجح، وكذلك فإذا قال له في هذه العين سهم. 38 - إن أحد الورثة إذا أقر بدين على التركة وأنكر بقيتهم ولم يحلف المقر له على دينه فإنه يلزم المقر من الدين بقدر ميراثه في الأظهر، وإن حلف المقر له أخذ جميع دينه من جميع التركة، وكذلك الحال إن شهد أجنبي أو وارث آخر مع المقر. 39 - أن التصرف في الحائط المشترك بفتح الأبواب والنوافذ والبناء لا يجوز من غير إذن جميع الشركاء، وإذا انهدم الحائط بنفسه وامتنع أحد الشركاء من البناء، فإنه يجبر إذا كان حاجزاً وسترة بين الدارين في الأظهر، وإن هدمه أحد الشريكين لمصلحة الحائط، كخوف سقوطه فإنه لا يجبر على إعادته وحده، ويجبر مع شريكه، وإن كان الهدم لمصلحة الهادم أو من غير حاجة إلى هدمه، فإنه يجبر على إعادته في أصح قولي العلماء. فإن كان المنهدم السقف الذي بين صاحب السفل وصاحب العلو فإن الممتنع منهما يجبر على البناء في الأظهر، فإن انهدم جميع السفل وامتنع صاحب العلو من مساعدة صاحب السفل في حيطانه فإنه لا يجبر؛ لأنها ملك صاحب السفل، وإنما يجبر صاحب السفل على إعادتها ليصل العلو إلى حقه من الانتفاع بعلوه على القول الصحيح.

40 - إنه لا يجوز لأحد من أهل الطريق المشترك أن يتصرف فيه بغير رضاهم بلا خلاف، فإن أذن له بعضهم – ولا ضرر عليهم في الحال- فإنه لا يجوز له التصرف على القول الراجح لما يترتب عليه من الضرر في ثاني الحال. كما أنه لا يجوز له فتح باب فيه من غير إذنهم على القول الراجح. فإذا أراد أن يفتح باباً بين دارين كل واحدة على درب غير نافذ جاز له ذلك في الأظهر، كذلك فإنه يجوز له سد بابه وفتح باب آخر، من غير سد لبابه الأول، بشرط عدم الإضرار بجاره على القول الراجح. 41 - أنه لا يجوز لأحد من الشركاء في مجرى للماء أن يتصرف فيه، وإذا احتاج إلى إصلاح فإنهم يقومون بالإصلاح جميعاً، فإن امتنع أحدهم أجبر فإن عمَّره أحدهم بإذنهم أو بإذن الحاكم من غير إذن أحد ونوع الرجوع، فإنه يرجع على الصحيح ويملك منعم من الانتفاع، حتى يؤدوا قسطهم من النفقة. ون أراد أحدهم أن يأخذ من الماء قبل أن يصل إلى مواضع القسمة جاز له ذلك إن لم يضر بالمجرى أو بالشركاء، فإن كان ثمت ضرر لم يجز له الأخذ، ويجوز لكل واحد من الشركاء أن يتصرف بنصيبه من الماء كيفما شاء، كأن يسقي به أرضاً ليس لها رسم شرب من هذا المجرى على القول الصحيح، فإن تنازع الشركاء في قدر الشرب من المجرى، فإنه يجعل على قدر أملاكهم على القول الراجح. 42 - أنه يجوز لكل واحدٍ من المشتريين، أن يفسخ في نصيبه عند ظهور العيب في المبيع، وكذلك عند شرط الخيار لهما على القول الراجح، لأنه في حكم عقدين. فإن ورث اثنان خيار عيب فرضي أحدهما بالعيب وأراد الآخر الرد لم يجز له؛ لأنهما يقومان مقام المورث ولا يجوز له تبعيض الصفقة، فإن رد المشتري على أحد البائعين نصيبه جاز إذ تعدد البائع تعدد العقد. 43 - إنه لا يجوز لأحد المرتهنين أو أحد العدلين أن ينفرد بحفظ الرهن على الصحيح، وكذلك الحال بالنسبة للوكيلين في الحفظ أو الوصيين. فإن كانت الوكالة لشخصين بالتصرف، فإنه لا يجوز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف في أمر لا يحتاج فيه إلى الرأي، كإعتاق عبده، وقضاء دين في الأظهر، وكذلك الحال بالنسبة للوصيين في التصرف سواء أذن أحدهما للآخر أو لم يأذن، ومثل ذلك أيضاً تصرف ناظري الوقف حيث لا يجوز أحدهما أن ينفرد بالتصرف على الصحيح سواء أذن له شريكه أو لم يأذن له، لما فيه من مخالفة شرط الواقف. 44 - أن المشاع إذا كان يحتاج إلى نفقة وامتنع أحد الشركاء من الإنفاق وكان المشاع ما يحتمل القسمة، فإنه لا يجبر الممتنع، وإنما يقسم بينهم، وإن كان مما لا يحتمل القسمة فإنه يجبر على الصحيح. وإن كان الملك محتاجاً إلى ما يحفظ أصله كالحراسة ونحوها فإنه يجبر على الإنفاق. 45 - الأصل أن الشرك في كل عين مالك له حقوق الملك فيما يملك منها وله منافعه وثمراته وذلك بالنظر إلى حصته الشائعة فيها، وبالنظر إلى حصة غيره من الشركاء فإنه أجنبي ليس له حق التصرف إلا بولاية من الشريك، وبناء على ذلك فإنه لا يجوز لأحدهم أن ينفرد بالانتفاع بالعين ولو بمقدار نصيبه لما يترتب عليه من الانتفاع بنصيب شريكه، نظراً لشيوع حقيهما، وقد استثنى بعض الفقهاء من هذا الأصل صوراً منها: الانتفاع مع غيبة الشريك، لكن الراجح عدم صحة هذا الانتفاع، ومنها: إذا طلب أحد الشريكين في الأرض من شريكه أن يزرع معه أو يهايئه فامتنع، فإنه يجوز له الانتفاع بقدر نصيبه بعد إذن الحاكم على الصحيح.

46 - ومنها أن المهايأة: هي قسمة المنافع، أي اختصاص كل شريك بمشترك فيه عن شريكه فيها زمنا معيناً من متحد أومتعدد، وهي مشروعة بدلالة الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار، وهي على نوعين: زمانية ومكانية، وإذا اتفق الشركاء عليها كان لهم ذلك، وإن طلبها أحدهم وامتنع الآخرون وكانت مما تحتمل القسمة فإنها تقسم بينهم، وإن كانت مما لا تحتمل القسمة ولم يطلب بيعها وإنما طلب المهايأة، أو كانت مما تحتمل القسمة ولم يطلب أحد منهم قسمتها، فإن الممتنع من المهايأة يجبر عليها على القول الراجح. 47 - أن قسمة الأعيان: تعيين النصيب الشائع في جزء معين، وإفرازه عن غيره من الأنصباء بحيث يكون متميزاً ومستقلاً وهي مشروعة بدلالة الكتاب والسنة والإجماع، والاعتبار، والراجح في قسمة الأعيان أنها إفراز لا بيع فيما ورد عوض فهي بيع في المردود فيه. وتنقسم من حيث الذات إلى قسمة أجزاء وقسمة تعديل، وقسمة رد، ومن حيث الرضا والإجبار إلى رضائية وإجبارية، ومدار القسمة على الرضا والإجبار. 48 - أنه إذا طلب أحد الشريكين في مكيل أو موزون من نوع واحد أن يقسم بينهما فإنه يجاب إلى ذلك. فإن كانت المكيلات والموزونات أنواعاً مختلفة فطلب أحدهما قسم كل عين على حدتها أجيب إلى ذلك، وإن طلب قسمتها أعياناً بالقيمة وامتنع الآخر لم يجبر على ذلك. فإن كان بينهما أعيان أخرى غير المكيل كالثياب مثلاً فطلب أحدهما قسمة كل ثوب وأمكن ذلك من غير ضرر فإنها تقسم، وإن لم تمكن هذه القسمة فطلب قسمتها أعياناً بالقيمة وامتنع الآخر فإنه يجبر على القول الراجح، هذا إذا كانت الأعيان جنساً واحد، فإن كانت أجناساً متعددة كثياب وأوان فطلب قسمة كل جنس على حده أجيب إلى ذلك. هذا إذا لم يترتب على القسمة ضرر أو رد عوض. فإن ترتب على القسمة رد عوض فامتنع أحدهما فإنه يطلب منه الرضا على بالقسمة، فإن امتنع طلب من الآخر أن يأخذ ما فيه رد عوض فإنه امتنع لم يجبر منهما على القول الراجح. وإن ترتب عليها ضرر بهما كالعين التي تحتمل القسمة فدعا أحد الشريكين إلى بيعها فإنه يجبر الآخر على القول الراجح – والمقصود بالضرر المانع من القسمة على القول الراجح- هو ما لا يمكن معه انتفاع أحد من الشركاء بنصيبه مفرداً كما كان ينتفع به مع الشركة. وإن ترتب عليها ضرر بأحدهما وكان الطالب للقسمة من لا يستضر بها فإن الآخر لا يجبر عليها، وإن كان الطالب لها من يستضر بها ولم يكن له غرض من هذه القسمة فإن الآخر لا يجبر عليها وإن كان له غرض صحيح أجبر الآخر عليها على القول الراجح. فإن كان بين الشريكين علو وسفل وتراضيا على قسمته جاز كيفما تراضيا عليه، وإن أراد أحدهما القسمة وامتنع الآخر وكان يريد قسمتها علو وسفلاً قسمة واحدة، ولا ضرر في ذلك فإنه يجبر الممتنع على القول الراجح، وإن أراد قسمة العلو وحده أو السفل وحده وترك الآخر على الإشاعة أو أراد قسمة العلو وحده بينهما والسفل وحده بينهما لم يجبر. 49 - أنه إذا طلب أحد الشريكين في أرض مزروعة قسمتها دون الزرع وامتنع الآخر، فإنه يجبر عليها، وإن طلب قسمة الزرع دون الأرض وكان الزرع بذراً فلا خلاف في عدم الجبر وإن كان قصيلاً، فالراجح أن المرجع في الجبر وعدمه إلى القاضي، فإن رأى له منفعة بقطع الزرع أجبر الممتنع وإلا فلا. وإن كان الزرع حباً مشتداً فلا خلاف في عدم الإجبار، وإن طلب قسمة الأرض وفيها بذر لم يخرج الممتنع، وكذلك الحال إن طلب قسمتها والزرع قصيل أو بذر مشتد، وإن تراضيا على القسمة فيها صحت على القول الصحيح.

50 - أن المقصود بقسمة الجمع: جمع نصيب الشريك من أعيان مشتركة وإفرازه في عين واحدة لا يشاركه فيها غيره، أما قسمة التفريق فهي إفراز نصيب الشريك من كل عين من الأعيان المشتركة على حدتها ولا تدخل قسمة الجمع المشترك إذا كان أجناساً متعددة، وإنما تدخله قسمة التفريق وقسمة الجمع لا تدخل إلا الجنس الواحد عند انتفاء الضرر، فإذا أراد أحد الشريكين قسمة الدور المشتركة قسمة جمع وامتنع شريكه فإن الممتنع لا يجبر على القول الراجح إلا أن تكون الداران في محلة واحدة ومتساويتين في كل شيء. وإن كان المشترك داراً ذات بيوت أو عمارة ذات شقق متلازقة، فإن الممتنع من قسمة الجمع يجبر عليها على القول الراجح، وكذلك الحال بالنسبة للأرض التي لا يمكن فيها التسوية بين الشريكين في الجيد والرديء، حيث تعدل أجزاؤها ويجبر الممتنع من القسمة عليها. 51 - أن قسمة الأراضي والبساتين إجباراً ترجع إلى نظر القاضي على القول الراجح، وكذلك قسمة الحوانيت إجباراً حيث ينظر القاضي في الأصلح من الجبر وعدمه فإن أراد بعض الشركاء قسمة بعض الملك دون بعض وكان الملك غير منقول فإنه لا يجبر لما في الجبر من منافاة للمعنى الذي شرعت له القسمة، وإن كان الملك منقولاً ولا يمكن تعديله إلا بترك جزء منه على الشركة كما لو كان بينهما شياه، فإن الممتنع من القسمة يجبر عليها لانتفاء الضرر، فإذا تمت القسمة بين الشركاء في المشاع وكانت إجبارية فإنها تلزم بخروج القرعة بلا خلاف. 52 - إذا ظهر الغلط في القسمة فإنها تنقض سواء كانت إجبارية أو رضائية على القول الراجح، وإن ظهر عيب في نصيب أحد الشركاء فإن القسمة صحيحة مع ثبوت الخيار لمن ظهر العيب في نصيبه بين الفسخ أو الإمساك مع الرجوع بأرش العيب على القول الراجح، وإن استحق بعض المقسوم وكان معيناً في نصيب أحدهما، فإن القسمة لا تبطل ويثبت الخيار للمستحق من نصيبه بين نقض القسمة وبين الرجوع على صاحبه بنصف ما استحق منه معاً في يده، وإن كان المستحق معيناً في نصيبهما على السواء فإن القسمة لا تبطل بهذا الاستحقاق أيضاً على الصحيح، وإن كان المستحق شائعاً، فإن القسمة لا تبطل على الصحيح ويثبت الخيار للمستحق، هذا إن كان شائعاً في نصيبيهما، فإن كان شائعاً في نصيب أحدهما فإن القسمة لا تبطل على الصحيح، ولمن استحق بعض نصيبه الخيار بين الفسخ وبين الإمساك، والرجوع بباقي حصته. 53 - أن ظهور الدين بعد القسمة لا يبطلها إن كان له مال آخر سواه يمكن جعل الدين فيه بلا خلاف، وكذلك الحال إن لم يكن له مال وأراد الورثة وفاءه على الصحيح، وكذلك الحال إن ظهر موصى له بعد القسمة وكانت الوصية بمال غير معين. فإن كانت بجزء معين من التركة وكان هذا المعنى في نصيب أحدهما فإن القسمة لا تبطل ويثبت الخيار للوارث الذي وقعت الوصية في نصيبه بين نقض القسمة وبين الرجوع على صاحبه بنصف ما استحق منه في يده، وإن كان معيناً في نصيبيهما، فإن القسمة لا تبطل، وإن كانت بجزء شائع من التركة فإن القسمة تبطل في الموصى به وتصح في الباقي، مع إثبات الخيار للموصى له على القول الراجح. وبعد ... فهذه جملة موجزة من نتائج هذا البحث، وفي ثناياه نتائج وثمار كثيرة، أرجو الله جلت قدرته أن ينفع بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والحمد لله رب العالمين، والصلاة على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

أحكام المعابد – دراسة فقهية مقارنة

أحكام المعابد – دراسة فقهية مقارنة ¤عبدالرحمن بن دخيل العصيمي£بدون¥كنوز إشبيليا – السعودية¨الأولى¢1430هـ€فقه¶مساجد - أحكام وفضائل الخاتمة: وقد ظهر لي خلال بحثي النتائج التالية: 1 - أهمية الموضوع وحاجته للبحث والدراسة باستمرار؛ لعموم البلوى به في أكثر بلاد الإسلام، وكذلك؛ بسبب ما يواجهه بعض المسلمين المقيمين في البلاد غير الإسلامية من إشكالات كثيرة في تعاملهم مع المعابد غير الإسلامية. 2 - معابد الكفار مهما تعددت وتنوعت فأحكامها لا تختلف، فما ورد فيه الحكم في الكنيسة فهو ينطبق على بيعة اليهود وينطبق كذلك على معابد المجوس والبوذيين؛ لأن العلة واحدة وهي كونها جميعاً منشأة لعبادة غير الله. 3 - يوجد لكل ديانة من الديانات القديمة والحديثة معابد خاصة بها يمارس فيها أتباع تلك الديانات طقوسهم وعباداتهم، وقد تختلف كل ديانة في شكل معبدها ومحتواه وطريقة العبادة. 4 - الأصل أن معابد الكفار طاهرة، والصلاة فيها جائزة عند الحاجة، بشرط عدم وجود صور فيها، وإلا فتكون الصلاة فيها مكروهة. 5 - أداء المسلم للصلاة مستقبلاً معبداً من معابد الكفار جائز، مع أن تجنب ذلك أفضل لئلا يؤدي ذلك إلى تعظيمها. 6 - لا حرج في بناء المساجد مكان المعابد المهدومة، فالمكان بحسب ساكنيه ولا عبرة بما كان. 7 - بناء معابد الكفار بجانب المساجد في بلاد الإسلام، ووضعها في سور واحد أو بناء معبد واحد ليمارس فيه أي من أصحاب تلك الديانات صلاته هي خلط بين الحق والباطل، ومن الضلال المبين؛ لما يحتويه من اعتقادات كفرية مخالفة ومن ذلك أن في إقامتها بهذه الكيفية، فيه رضا بتلك الأديان وتصحيحاً لما يدينون به، وفيها مخالفة صريحة للكتاب والسنة بكون الدين الإسلامي هو المهيمن على جميع الأديان، وغير ذلك من المخالفات. 8 - الصلاة في تلك المعابد الموضوعة بجانب بعض، أو التي في سور واحد، أو موضوعة في مبنى واحد مشترك، إن كان القصد من وضعها بهذه الكيفية ما سبق من مقاصد مخالفة لأصول الدين المتفق عليها عند المسلمين، ولإذابة الفوارق بين أصحاب الديانات، وهذا غالباً ما يحصل في بعض بلاد المسلمين المتأثرين بمثل هذه الدعوات، ففي هذه الحالة لا يجوز الصلاة فيها، أما إذا كانت وضعت بدون هذا القصد فلا حرج في الصلاة في تلك المساجد كما حصل في فتح دمشق. وهذا قد يحصل أيضاً في بعض الأماكن العامة في بعض البلاد غير الإسلامية، حيث يضعون مكاناً واحداً لمن يريد أداء العبادة من أتباع أي دين، وقد لا يوجد مكان غيره يؤدي فيه المسلم صلاته فيجوز عندئذ الصلاة في هذه الأماكن. 9 - لا يجوز الذبح في المعابد، ولا للمعابد، ولا الأكل مما ذبح له أياً كان الذابح مسلماً أو كتابياً أو وثنياً. كذلك لا يجوز النذر لها. 10 - من حلف أن لا يدخل بيتاً فدخل معبداً فعلى حسب ما نواه فإن نوى عموم البيت فإنه يحنث، وإن كان لم يخطر له ذلك فلا يحنث، لأن الكلام ينصرف حينئذ إلى ما تعارف الناس إطلاق البيت عليه. 11 - لا يصح ولا يجوز إطلاق بيوت الله على المعابد الكفرية، لما يترتب على ذلك من الرضا بالكفر وعدم تكفير أهله. 12 - لا يجوز قصد دعاء الله في معابد الكفار، بل إن اعتقاد ذلك يعد كفراً صريحاً يخرج من الملة؛ لأن هذا الاعتقاد لا يصدر إلا من شخص يرى أن ديانة أصحاب تلك المعابد أفضل من الإسلام وفي هذا تكذيب لصريح القرآن، كذلك لا يجوز قصد تلك الأماكن للدعاء وتحري الإجابة؛ لعدم ورود الدليل على تخصيصها بفضل ومزية وهي كمن يقصد الدعاء عند القبور؛ لاعتقاد أن لها مزية ومكانة، أما من عرض له الدعاء عند دخوله بدون قصد منه ولا تخصيص فهذا مثله مثل الصلاة لا حرج فيه.

13 - لا يجوز دخول المعابد لمشاركة الكفار في احتفالاتهم التعبدية وأعيادهم؛ لعموم النصوص الواردة في حرمة ذلك. أما حضور المناسبات العامة كالأعراس والولائم في المعابد فلا حرج في ذلك بشرط وجود المصلحة الراجحة في الحضور كرجاء إسلام الداعي، وعدم حصول منكر فيها كشرب خمر أو اختلاط. فمع توفر مثل هذه الضوابط لعل القول الأقرب جواز ذلك. 14 - من تردد على معبد من المعابد الكفرية، ولم يعرف من حاله أو من مقاله أنه يتردد لغرض مباح، واقترن ذلك أيضاً بقرائن لا تصدر إلا من كافر فإنه يحكم بكفر المتردد. 15 - إجارة الدار أو العقار لمن يتخذه معبداً، أو بيعه، أو إعارته، أو وقفه أو الوصية له، أو قيام المسلم بالمساعدة ببنائه، أو العمل داخله، كل هذا لا يجوز لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، ومن الإعانة على الكفر. 16 - إذا وجد لقيط في معبد فهو يختلف باختلاف واجده، وباختلاف المكان الذي وجد به، وباختلاف البلاد. فيحكم بإسلام اللقيط إذا وجد في بلاد الإسلام، ويحكم بكفره إذا وجد في معبد من معابد الكفار في غير بلاد المسلمين تغليبا للدار ولديانة ساكنيها، بخلاف ما لو كان هناك مسلمون فيحكم بإسلامه. 17 - يجوز للزوج المسلم منع زوجته الكتابية من الذهاب للمعبد؛ لأن ذهابها غير واجب في حقها وطاعته واجبة، كذلك لا يجوز للمسلم طاعة والديه في الذهاب بهم للمعبد؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أما ملاعنة الزوجة الكتابية فيستحب أن تكون في معبدها تحقيقاً لتغليظ المكان الوارد ومبالغة في الردع والزجر. 18 - الصحيح أن جزيرة العرب يحدها من الثلاث جهات البحار، أما من الشمال فهي من حد البحر الأحمر الشمالي الشرقي وبمحاذاته شرقاً من مشارف الشام وريف العراق. وجزيرة العرب تختص بأحكام كثيرة منها أنه بالإجماع لا يجوز إحداث معابد الكفار فيها ولا إبقائها. 19 - لا يجوز إحداث المعابد الكفرية في البلاد التي اختطها أو مصرها المسلمون. 20 - المعابد القديمة في البلاد التي مصرها المسلمون يفعل الإمام الأصلح فيها، فمتى ما كان هناك مصلحة في بقائها فتبقى، ومتى انتفت المصلحة أو كان هناك مفسدة ببقائها فتهدم. 21 - المعابد القديمة التي وجدت في البلاد التي صولح عليها أهلها فهذه إن تم الصلح على أن الأرض لهم وللمسلمين الخراج فهناك إجماع بين العلماء على جواز إقرارهم على معابدهم القديمة، كما أنه يجوز لهم الإحداث، أما إن كان الصلح على أن الأرض للمسلمين وعليهم الجزية فهو حسب ما تم عليه الصلح في الإبقاء والإحداث، وفي حالة كان الصلح مطلقاً بدون تحديد فإنها تهدم القديمة ويمنعون من الإحداث. 22 - لا يجوز إعادة المنهدم من المعابد المقرة بيد أهلها إلا إذا كان هناك اتفاق وشرط بينهم وبين المسلمين في البلاد التي فتحت صلحاً. 23 - متى ما جاز إحداث المعابد جاز ترميمها وتوسعتها ونقلها من مكان إلى آخر، ومتى لم يجز ذلك فلا يجوز الترميم ولا التوسعة ولا النقل، كذلك ما تم إقرارها بيد أهلها فتبقى على ما أقرت عليه، ويمنعون من ترميمها وتوسعتها ونقلها. ويستثنى من ذلك فيما لو رأى الإمام المصلحة في نقل المعبد من مكان إلى آخر فله ذلك. 24 - لا يجوز تمكين الكفار من إظهار وإعلان شعاراتهم وصورهم وأصوات ورموز عباداتهم في البلاد التي أقروا فيها ولم يكن هناك مسلمون يعيشون معهم، بخلاف ما إذا صولحوا على شيء فهو على ما تم الصلح عليه. أما فعل ذلك داخل معابدهم بدون أن يحصل منهم أذية للمسلمين ولا إظهار لطقوسهم فلا حرج في ذلك. 25 - يكره دخول معابد الكفر عند وجود الصور فيها مع مراعاة الضوابط الشرعية، وقد يباح ذلك إذا كان لمقصد شرعي، كعيادة مريض، وطلب علم، ولإنجاز بعض المهام كتقسيم الغنائم، وكذلك الدخول للملاعنة. 26 - لا يجوز دلالة الكافر عندما يسأل عن أي معبد من المعابد الكفرية؛ لأنه من التعاون على الإثم. كذلك لا يجوز الاعتداء على المعابد المقرة بيد أهلها لا بهدم ولا سرقة ولا قضاء الحاجة فيها ولا غير ذلك من صور الاعتداء، كما لا يجوز قتل الراهب في المعبد إلا إذا صدر منه إعانة على المسلمين في حربهم.

أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية

أحكام المقابر في الشريعة الإسلامية ¤عبدالله بن عمر بن محمد السحيباني£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1426هـ€فقه¶قبور - زيارتها الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات , أحمده جل وعلا وأشكره , وأثني عليه وأستغفره، وأسأله المزيد من فضله ورحمته إنه جواد كريم وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد: ففي هذه الخاتمة أحب أن أقف مع القارئ الكريم على أهم ما توصلت إليه خلال هذا البحث من فوائد ونتائج كانت حصيلة لمسائل كثيرة. فمن ذلك: 1 - أن القبر ودفن الإنسان بعد موته سنة جارية في الخليقة منذ أول ميت على وجه الأرض وهو مما أكرم الله عز وجل به بني آدم. 2 - أن إعداد القبر قبل الموت بشرائه جائز , أما حفره قبل الموت لشخص معين فإن كان في مقبرة مسبلة فهو حرام , وإن كان في ملكه فهو مكروه غير مستحب. 3 - اتفاق الفقهاء على جواز اللحد والشق في القبر وإن كان اللحد أفضل وأما الشق فالراجح أنه الأفضل عند الحاجة إليه. 4 - أن إعماق القبر مستحب، ليس له حد على الراجح، والمعتدل فيه إلى حد الصدر تقريبا ومما يستحب أيضا توسيع القبر وتحسينه. 5 - اتفاق الفقهاء على جواز إلقاء الميت في البحر إذا تعذر الوصول به إلى الساحل والراجح تثقيله ليرسب في البحر كما اتفقوا على كراهة التابوت واستثنى بعضهم حالة الحاجة. 6 - جواز الدفن في قبر الميت إذا بلي وصار ترابا وعدم الجواز إذا لم يبل أو كان فيه عظام من الميت الأول إلا أن يكون شيئا يسيرا على الصحيح. 7 - الراجح جواز أخذ الأجرة على حفر القبور كما يجوز أخذ الرزق على ذلك من بيت المال. 8 - أن الأحق بدفن الرجل الرجال من الأولياء وكذا المرأة والراجح أن أولى الناس بالمرأة زوجها وأن الرجال الأجانب أولى من النساء في دفن المرأة وأنه ليس لمن يدخل القبر حد من شفع أو وتر. 9 - جواز الدفن في كل الأوقات إلا الأوقات المكروهة فلا يجوز للمتحري لها وجواز الدفن بالليل إن كان لا يفوت بذلك حق للميت. 10 - أن إدخال الخشب في القبر مكروه إلا لحاجة وكذا إدخال القبر شيئا مسته النار وكذا يكره فرش القبر أو وضع مخدة تحت رأس الميت أو نحو ذلك. 11 - أن الأمر في طريقة إدخال الميت القبر واسع والأفضل هو الأسهل أما توجيه الميت إلى القبلة في القبر فهو واجب وذلك على الراجح وأما وضع الميت على جنبه الأيمن في القبر فهو مسنون بالاتفاق. 12 - استحب أكثر الفقهاء إسناد الميت في قبره ووضع شيء تحت رأسه وحل عقد كفنه ونصب اللبن على لحده والدعاء له في تلك الحال. 13 - اتفاق الفقهاء على استحباب ستر قبر المرأة عند إنزالها القبر واختلفوا في الرجل والراجح كراهة ذلك له أما حثو التراب في القبر فالراجح استحبابه وعدم استحباب ذكر معه. 14 - استحباب رفع القبر قدر شبر أو نحوه وعدم الزيادة على تراب القبر الخارج منه وعلى ذلك اتفاق الفقهاء واختلفوا في التسنيم والتسطيح أيهما أفضل والراجح أفضلية التسنيم للقبر. 15 - أن رش القبر بعد الفراغ من الدفن ووضع الحصباء عليه مستحب على الراجح أما وضع الجريد والورود على القبر فغير مشروع وكذا الكتابة على القبر وتجصيصه والبناء عليه ونحو ذلك كله حرام لا يجوز على الصحيح. 16 - اتفق الفقهاء على أفضلية الدفن في المقبرة واختلفوا في حكم الدفن في الدور ونحوها والراجح أنه مكروه كما ذكر الفقهاء أن الأفضل أن يختار لدفن الميت أفضل مقبرة في البلد, أما دفن الميت في المساجد ونحوها كالمدارس فهو حرام لأن في ذلك تعظيما للميت المدفون. 17 - أن السنة في الشهيد أن يدفن في مصرعه ولا ينقل إلى مكان آخر.

18 - الراجح أن إفراد كل ميت في قبر مستحب في حال عدم الضرورة أما الضرورة فيجوز الجمع بين أكثر من ميت في القبر بالاتفاق. 19 - لا يجوز أن يدفن المسلم بين ظهراني الكفار أو مقابرهم إلا أن يتعذر نقله فيدفن في بلادهم لكن في غير مقابرهم أما الكافرة الحامل من رجل مسلم فالراجح أنها تدفن منفردة وكذا الحكم فيما اختلط موتى المسلمين بالكفار. 20 - اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز أن يدفن كافر في مقابر المسلمين , ولو مات ذمي بين ظهراني المسلمين يدفنونه وفاء بذمته لكن لا يراعى فيه هدي المسلمين وسنتهم وهذا هو حكم الحربي والمرتد على الصحيح أما من جهل حاله فلم يعرف هل هو مسلم أو كافر فالنظر والاعتبار في ذلك للدار التي هو فيها والعلامات وعلى ذلك الاتفاق. 21 - أنه يجب دفن أجزاء الميت أو أطرافه إذا وجدت كما ينبغي دفن ما ينفصل من الحي واتفقوا على وجوب دفن السقط إذا تبين فيه خلق الآدمي. 22 - إذا أوصى الميت بالدفن في مقبرة معينة من البلد فيعمل بوصيته ما لم يكن فيها ضرر أو محذور شرعي أما إن كانت الوصية تستوجب نقل الميت من بلد الوفاة إلى بلد آخر فللعلماء في ذلك خلاف الراجح فيه أن ذلك يختلف بحسب الأحوال والأماكن. 23 - أن زيارة المقابر للرجال مستحب وذهب إلى ذلك جماهير العلماء كما يستحب السلام على أهل المقابر والدعاء لهم عند الزيارة أو المرور بهم وعلى هذا اتفق الفقهاء والصواب أن يكون الزائر قائما مستقبل أهل المقبرة حال السلام عليهم. 24 - أن زيارة النساء للمقبرة محرمة تحريما مطلقا على الراجح من أقوال العلماء. 25 - أن السفر لأجل زيارة القبور محرم بل هو من البدع المحدثة في دين الإسلام وهذا هو الراجح. 26 - يستحب الإكثار من زيارة القبور من غير حد ومن غير وقت معين والصواب أنه ليس هناك وقت فاضل تستحب فيه الزيارة. 27 - أن زيارة مقابر الكفار جائزة لأجل الذكرى والاعتبار بحالهم وهذا قول جمهور العلماء ولا يجوز زيارة مقابرهم لغير ذلك أما زيارة الكافر قبر قريبه المسلم فتجوز لعدم المحظور. 28 - أن أكثر القبور والمشاهد الموجودة الآن والتي تزار ويقال إنها قبور لبعض الأنبياء أو الصحابة مكذوب مختلق أو مضطرب فيه وليست معرفة القبور بأعيانها من الدين الذي تكفل الله بحفظه. 29 - إن الصلاة عند القبور محرمة غير صحيحة على القول الراجح والقبر الواحد والقبور الكثيرة سواء في هذا الحكم وكذا حكم المسجد الذي بين القبور لا تصح الصلاة فيه إلا إذا أزيلت المقبرة بما يغير اسمها وإذا قصد المصلي بالصلاة عند القبر أو القبور التبرك بتلك البقعة فقد حاد الله وخالف دينه وشرعه. 30 - إن الصلاة على الجنازة في المقبرة جائزة على الصحيح من أقوال العلماء ما لم يكن في ذلك ذريعة إلى تعظيم القبور. 31 - عامة الفقهاء على أن الميت يصلى عليه في قبره إذا دفن من غير صلاة والراجح جواز الصلاة على القبر لمن فاتته الصلاة على الميت بل ذلك له مستحب وليس لذلك وقت معين لا تصح الصلاة بعده بل من كان من أهل الخطاب يوم وفاة الميت جاز له الصلاة على قبره. 32 - أن الأذان عند القبر وقت إنزال الميت ليس مشروعا بل هو من البدع المنكرة. 33 - مشروعية الدعاء للميت والاستغفار له بعد دفنه كما يشرع الدعاء له عند زيارة قبره والأفضل أن يكون مستقبل القبلة حال الدعاء أما دعاء الإنسان لنفسه عند القبر فمنهي عنه إذا تحرى ذلك وكذا ينهى عن دعاء أصحاب القبور بل ذلك شرك بالله تعالى. 34 - أن قراءة القرآن عند القبر أو سور وآيات منه بدعة محدثة في الدين ومن ذهب إلى جواز ذلك لم يأت بدليل ثابت.

35 - أن الذبح عند القبر لا يجوز وهو من البدع المحرمة كما لا يجوز الوفاء بالنذر لذلك ولا يصح شرط ذلك في الوقف وهذا وإن كان الذبح لله عند القبر أما لو كان الذبح لصاحب القبر فهو شرك أكبر ومثل الذبح عند القبر الصدقة عنده. 36 - أن التعزية عند القبر جائزة بل قد تكون مشروعة وذلك إن لم تمنع من القيام بحق الميت والدعاء له ولم يكن فيها محذور شرعي. 37 - أن الوعظ عند زيارة القبور والاجتماع لذلك بدعة لا يجوز أما الوعظ عند دفن الميت فهو جائز أحيانا إن لم يشغل عن القيام بحق الميت ولم يكن في الموعظة تهييج للمصيبة والأولى عدمه فإنه هدي النبي صلى الله عليه وسلم والمعهود عنه وهو هدي السلف من بعده. 38 - أن النذر للموتى أو لقبور الموتى لا يجوز بل هو شرك بالله ولو كان النذر لله وإنما قصد الناذر الإهداء للقبر فهذا لا يجوز وهو نذر معصية وعلى صاحبه الكفارة في أصح قولي العلماء. 39 - أن وطء القبور أو المشي عليها محرم أما المشي بينها بالنعال فهو مكروه إلا من عذر وذلك على الراجح. 40 استحباب القيام لمن تبع جنازة حتى توضع في الأرض ويكره له الجلوس قبل ذلك أما بعد وضع الجنازة فيجوز الجلوس والقيام أولى في تلك الحال على الصحيح. 41 - أن الجلوس على القبر لا يجوز وكذا الاتكاء على القبر وما في معناه وأعظم من ذلك التخلي على القبور أو بينها. 42 - كراهة الحديث في أمر الدنيا في المقبرة وأشد منه الضحك عند القبور وقد اتفق الفقهاء على كراهة رفع الصوت مع الجنازة أو في المقبرة حتى لو كان ذلك بالذكر أو قراءة القرآن أو غيره كما اتفقوا على تحريم التمسح بالقبر أو تقبيله ومثل ذلك على الصحيح لمس القبر باليد لقصد السلام فهو بدعة. 43 - اتفق الفقهاء على استحباب وقف الأرض المملوكة لتكون مقبرة وهو من أعمال البر والإحسان ويحصل وقف المقبرة بالفعل مع القرائن الدالة عليه فلا يحتاج إلى قول كما لا يشترط التسليم أو القبض للزوم وقف المقبرة ولا حكم الحاكم ولا القبول لصحة الوقف ويصح وقف المشاع الذي يحتمل القسمة ولا يصح وقف ما لا يحتمل القسمة ليكون مقبرة وكل ذلك على الراجح من أقوال الفقهاء. 44 - للواقف أن يدفن في المقبرة التي أوقفها بلا خلاف وإذا اشترط الواقف في وقف المقبرة أن تكون على طائفة معينة فالصحيح أنه ينظر في شرطه ذلك فقد يكون مكروها أو مباحا أو مندوبا وعليه فقد يلزم الوفاء بشرطه وقد لا يلزم. 45 - أن النظر في الأوقاف العامة للمسلمين كالمقبرة يكون للحاكم أو نائبه إلا أن يعين الواقف ناظرا أو يشترطه فيكون النظر لمن اشترطه. 46 - الوقف على المقابر لإصلاح أسوارها وحمايتها جائز أما الوقف على عمارة القبر أو وقف الستور للقبر أو الوقف لتنوير القبر أو تبخيره أو بناء مسجد عليه أو نحو ذلك فكله باطل لا يجوز. 47 - يجوز للإنسان شراء موضع القبر ويجوز بيعه لموضع القبر إذا كان في ملكه بشروط أما بيع المقابر الموقوفة فلا يصح إلا أن تتعطل منافعها تماما ويبلى من فيها لطول الزمان فيجوز للمصلحة كما يجوز إعارة الأرض للدفن فيها وليس للمعير أن يرجع في ذلك حتى يبلى الميت. 48 - جواز بناء الأسوار على المقابر لأجل حمايتها وصيانتها والأولى أن لا ترفع الأسوار بحيث تحجز المارة عن مشاهدة القبور ويمكن أن يستغنى عن رفع الحيطان بوضع شباك الحديد فيبنى من الحائط قدر يسير ويرفع باقيه بشباك الحديد. 49 - الأفضل في مكان المقبرة أن تكون في الصحراء على جهة من البلد ويختار لها مكان صالح للحفر والدفن. 50 - مشروعية وضع الحرس على المقابر لحمايتها إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

51 - يتعين أن تبعد مغاسل الموتى عن القبور حتى لا تصل إليهم مياهها ولو كانت مغسلة الموتى في جهة بعيدة من المقبرة ولا تصل إليهم مياهها فلا حرج في ذلك لكن الأولى أن تكون مغسلة الموتى قريبة من مصلى الجنائز أو المسجد الذي يصلى فيه على الأموات. 52 - عامة الفقهاء على جواز تحويل المقابر إلى أشياء أخرى إذا بلي من فيها من الأموات ما لم تكن موقوفة أما لو كانت المقبرة موقوفة فالصحيح جواز بيعها أو تحويلها إلى شيء آخر إذا بلي من فيها من الأموات لطول الزمان وتعطلت منافعها بحيث لا يدفن فيها فتجعل مسجدا أو نحوه أو يشترى بقيمتها مقبرة أخرى. 53 - لا يجوز نبش القبر أو الكشف عن الميت بغير سبب أو مسوغ شرعي ومن نبش القبور للسرقة فالراجح وجوب قطع يده. 54 - يجب نبش القبر لحق الله تعالى كأن يكون الميت لم يغسل أو لم يكفن أو وضع لغير القبلة أو دفن المسلم في مقابر الكفار أو الكافر في مقابر المسلمين أو دفن في المسجد ونحوه أما لو دفن الميت قبل الصلاة عليه فإنه لا ينبش بل يصلى عليه في قبره. 55 - يجوز نبش القبر لحق الآدمي في صور منها: أن يكون الميت دفن في أرض مغصوبة أو كفن بكفن مغصوب وتعذرت قيمته أو وقع في القبر متاع أو مال له قيمة وشح به صاحبه أو نحو ذلك وإن كان المستحب في كل هذه الصور التي يجوز فيها نبش القبر لحق الآدمي ترك ذلك احتراما للميت إلا أن يكون فيه ضرر على الحي أو إضاعة لماله. 56 - يجوز نبش قبر الميت للحاجة كأن يكون في المدفن الأول ما يؤذي الميت أو كان في وجود القبر ضرر على الأحياء وسلامتهم ولا يجوز نبش القبر لغير الحاجة على الصحيح. 57 - لا بأس بنبش قبور الكفار إن كان في نبشها نفع للمسلمين لأن حرمة الكفار ليست كحرمة المسلمين وكذا يباح نبش قبورهم لإخراج المال منها على الصحيح. 58 - تحريم إسراج المقابر أو بناء المساجد عليها بل إن ذلك من كبائر الذنوب وهو وسيلة وذريعة إلى الشرك وعبادة أصحاب القبور. 59 - كراهة استخدام المقبرة للسكن أو النوم كما يكره الوضوء أو الاستسقاء من آبارها أما قطع الحشيش من المقبرة وما شابهه فالصحيح جوازه وأما الرعي في المقبرة فلا يجوز. 60 - يجب تفريق مقابر المسلمين عن مقابر الكفار فلا تكون قريبة منها ولا مشابهة لها وكذا مقابر أهل البدع يجب أن تميز وتعرف في البلاد حتى لا يدفن فيها أهل السنة من المسلمين. هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحكام النجاسات في الفقه الإسلامي

أحكام النجاسات في الفقه الإسلامي ¤عبدالمجيد محمود صلاحين£بدون¥دار المجتمع¨الأولى¢1412هـ€فقه¶طهارة - أعمال شاملة الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، الحمد لله الذي هدانا إلى هذا البحث ثم أعاننا على إتمامه وبعد .. فإني توصلت من خلال هذا البحث إلى عدة نتائج، أجمل أهمها بما يلي: 1 - أن الأصل في الأعيان الطهارة، وأن لهذا الأصل العظيم أهمية كبيرة في مسائل النجاسات وأحكامها، بينتها في أول هذا البحث، كما بإمكان القارئ أن يلحظ ما لهذه القاعدة من أهمية كبيرة من خلال قراءة البحث. 2 - أنه لا يثبت الحكم بنجاسة عين ما لمجرد استقذار الطبع لها أو تحريمها، وإنما الحكم بنجاسة عين ما يثبت بأحد أمرين. ا- التصريح بنجاسة تلك العين أو رجسيتها، أو ركسيتها، مع عدم وجود قرينة تصرف هذه الألفاظ من حقيقتها الشرعية إلى إطلاقاتها اللغوية، لأن الحقيقة الشرعية هي الأصل في كلام الشارع خصوصا إذا كان في معرض بيان الأحكام الشرعية. ولا يعدل إلى الإطلاقات اللغوية إلا إذا وجدت القرائن التي تصرف اللفظ إلى هذه الإطلاقات. ب- الأمر بغسل الثياب أو الأواني أو الأبدان من إصابة أو ملامسة أو التلبس بهذه العين، أمرا صريحا مع عدم وجود القرائن التي تصرف هذا الأمر من الوجوب إلى الندب أو غيره. فمن الأول قوله: سبحانه وتعالى -: (قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس) ومن الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات ... الحديث. 3 - كما أنني توصلت إلى جملة من الترجيحات في المباحث التي تعرضت لها في هذه الرسالة كترجيح طهارة بول ما يؤكل لحمه، وطهارة المني وطهارة سباع البهائم والطير .. إلى غير ذلك. ونجاسة الدم والكلب والخنزير والخمر ... إلى غير ذلك من الترجيحات. 4 - أن الماء وسائر المائعات إذا خالطتهما نجاسة، فإنها لا ينجسان إلا بالتغير سواء أقلت الكمية التي خالطتها النجاسة أو كثرت، وسواء أقلت النجاسة المخالطة أو كثرت، لكن يكره استعمال القليل منهما إذا أصابته نجاسة. 5 - إن استحالة العين من حال إلى حال تؤدي إلى الحكم بطهارتها إذا كانت قبل الاستحالة نجسة، وإذا استحالت إلى عين طاهرة، أو اختفت الأوصاف المستقذرة والمستخبثة، والضارة المحرمة اختفاء لا يظهر معه أي وصف من هذه الأوصاف. ولذا فإني حكمت بطهارة جميع المواد المتحولة بالمعالجة الكيماوية أو غيرها إذا تحولت إلى مركبات تختفي فيها الأوصاف الأصلية للمادة المشتركة في ذلك المركب حتى لو كانت قبل اشتراكها في المركب نجسة العين أو متنجسة وانطلاقا من هذا فقد توصلت إلى طهارة الصابون وبعض مساحيق التجميل وبعض المستحضرات التي قيل عن دخول بعض النجاسات فيها كما توصلت إلى إمكانية استعمال المياه المتنجسة أو الملوثة كمياه المجاري بعد تكريرها وبعد اختفاء كل الأوصاف التي أفضت إلى الحكم بتنجسها، وإمكانية استعمالها في سقي المزروعات وغيرها من الأغراض. 6 - كما أنني توصلت إلى بيان خصائص مسلك الشريعة، في العفو عن النجاسات وذلك من خلال دراسة المسائل التي حكم الفقهاء بالعفو عن النجاسة فيها، كما توصلت إلى إيجاد الضوابط التي تربط هذه المسائل وتوصلت إلى مسلك في العفو عن النجاسات متوسط بين المتساهلين في العفو والمتشددين فيه حاولت من خلاله وضع شروط للعفو، كما حاولت تجنب الخلل الذي وقع فيه بعض الفقهاء عند تطبيقهم للضوابط التي وضعوها لمسائل المعفوات. 7 - أن الفقهاء لم ينصوا على عقوبة للمتضمخ بالنجاسة أو المتعاطي لها عمدا لأسباب بينتها خلال الفصل الأول من الباب الأخير من هذه الرسالة. كما أن الشريعة وضعت العقوبة الرادعة لمتعاطي الخمر لحكم وأسباب بينت طرفا منها في الفصل المذكور أيضا. 8 - كما أنني توصلت إلى جواز الانتفاع بالنجاسات والمتنجسات، على وجه لا تتعدى فيه النجاسة إلى المنتفع، وشرط ألا يكون الانتفاع بهذه النجاسة أو تلك ذريعة للانتفاع بها منفعة محرمة، وأما التداوي بالنجاسات فقد رجحت عدم جوازه لتخلف الشرطين السابقين من جهة ولوجود بعض النصوص المانعة من ذلك من جهة أخرى. 8 - أن منهج الإسلام في التطهير من النجاسات جاء متوسطا بين إفراط اليهود وتفريط النصارى، كما أنه جاء ليحقق مصلحة التطهير من النجاسة دون أن يكلف المسلمين العنت والمشقة الظاهرة من خلال التخفيف في التطهير من بعض النجاسات، كالاكتفاء بالنضح من بول الذكر الرضيع، والاكتفاء بالدلك بالنسبة لما يصيب الخفاف والنعال من النجاسة، وكالاكتفاء بالاستجمار بالحجارة حتى مع وجود الماء، وذلك لتكرر تلك النجاسة من الإنسان كثيرا. وهذا يبين لنا مدى السماحة واليسر اللذين تميز بهما ديننا الحنيف. وهناك جملة من النتائج والترجيحات يجدها القارئ مبثوثة في ثنايا البحث.

أحكام النسب في الشريعة الإسلامية (طرق إثباته ونفيه)

أحكام النسب في الشريعة الإسلامية (طرق إثباته ونفيه) ¤علي محمد يوسف المحمدي£بدون¥دار قطري بن الفجاءة¨الأولى¢1414هـ€فقه¶فقه عبادات منوعات الخاتمة: وتتضمن أهم نتائج هذا البحث: تمهيد: مما لا شك فيه أن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للناس جميعا إلى يوم الدين، فيه من الخير لهم ما ينعمون به في كل نواحي الحياة، من اقتصادية واجتماعية وغيرهما، وأنه لا غنى للبشرية عنه مهما بلغت أوج مجدها وقمة حضارتها بتقدم وسائل الاتصال بين البشر، وقد استطاعت أن تجد شتى الحلول لأكثر الأمراض المستعصية، لكنها فشلت في إيجاد الحلول لمشاكلها الاجتماعية، فهي لا تزال تعاني من مشاكل أسرية لا تنتهي، فلقد وجدنا فيها الإنسان الذي يعاني من الشك ويفقد الثقة في نفسه، فهو لا يعلم صحة نسبته إلى أبويه، كما يشك في نسبة أولاده إليه، فهو ينظر إليهم بإحدى عينيه بالفرحة والسرور لوجودهم، وينظر بالعين الأخرى موجها إليهم سهام الشك والريب، وهذه بداية التفكك الأسري والمعاناة النفسية في ظل القوانين المادية البحتة التي أطلقت الحريات حتى جاوزت حدودها، فاستغلها من لا دين لهم ولا خلاق أبشع استغلال، وفعلوا تحت ظلالها ما يندى له جبين الزمان. فتوالت النكبات والمصائب على الإنسان المتحضر حتى لم يعد يجد وسيلة للراحة النفسية أفضل من الانتحار الذي يريحه من مشاكله. أما الإسلام فقد حمى أتباعه من تلك الوساوس والأوهام بأن اختار لهم الطريق النظيف بدءا من تكوينه إلى ولادته إلى شبابه وشيخوخته، وذلك باختيار الأم الصالحة العفيفة والأب الصالح الدين، ثم بأولاد بارين عند الكبر. وهكذا تكونت شجرة من بذرة نظيفة وأرض طيبة، وتتابعت السلسلة النسبية النظيفة إليه وإلى من بعده، فنام قرير العين مطمئن البال، بينما يتمزق أتباع الملل الأخرى. ألما وحسرة في ضياع لا نهاية له، وقد بينت أنه بلغ من اهتمام الإسلام بالنسب أن عدة من الكليات الخمس التي حافظ عليها وأوجب الحد على من اعتدى عليها. وبلغ من حرصه أن أوعد من نفى ولدا من صلبه بالعذاب الشديد، وفي الوقت نفسه أوعد من أدخل في نسبه من ليس منه ولو كان ذلك بدافع الرحمة والشفقة، لأن دافع الشفقة والرحمة يجب أن لا يتعدى الحدود الشرعية كما بينت أن من مقاصد الزواج في الإسلام التوالد والتناسل، وأقمت الأدلة الصحيحة الصريحة على ذلك مبينا مدى ترابطها واتفاقها مع روح التشريع الإسلامي. وكان من أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال رحلتي الطويلة مع هذا البحث ما يلي: أولا: أن الإسلام حافظ على النسب حفاظا قويا أحاطه بسياج المنعة والعزة ووازن بين الإنسان وموارد الحياة، فمنع الحد من كثرة التناسل للحاجة، أو للخوف منها في المستقبل، وأن هذه دعوى الجاهلية الأولى، أو وضع العقبات في وجهه ومن هنا رجحت عدم جواز الإجهاض، وما إلى ذلك مما يكون سببا في التخلص من الطفل، وتوصلت إلى أن فكرة تحديد النسل التي سادت المجتمع الغربي حملت في جوانبها مخاطر اجتماعية من أهمها، عدم التوازن بين الطبقات، لأن الذين يؤمنون بتحديد النسل هم الطبقة العليا والوسطى استئثارا منهم بالتمتع بالحياة وكثرة الفواحش ما دام التحديد يستر الفضائح والإجهاض يستأصلها، وبينت أن تفشي الأمراض الخبيثة يأتي من الإباحية التي من أهم أسبابها منع الحمل وكثرة وقائع الطلاق، وذلك إذا نظرنا إلى أن النسل يكون سببا في ربط الأسرة بعضها ببعض، وكثرة أولاد الزنا، وما إلى ذلك مما لا تحمد عقباه. ثانيا: إن إثبات النسب للفراش ما هو إلا وضع للحق في نصابه، وتنزيه للبيت عن الدخيل، وقطع لدابر الفساد.

ثالثا: إن الزواج الفاسد والباطل يفترقان في إثبات النسب، حيث تبين لي أن الفاسد يثبت فيه النسب في معظم صوره، وأن الباطل لا يثبت فيه النسب. والفقهاء وإن كانون لم يفرقوا بين الفاسد والباطل في كثير من أبواب الفقه إلا أنهم في هذه المسألة جعلوا للفاسد حكما يختلف فيه عن النكاح الباطل من حيث إلحاق النسب بالأول، وعدم إلحاقه بالثاني، بناء على أن الفاسد من العقود مشروع بأصله، لا بوصفه ومن هنا أخذوا بالاحتياط في النسب فأثبتوه به، لأن النسب عندهم يلحق بأدنى سبب ولو كان الزواج فاسدا وأن الباطل غير مشروع لا بأصله ولا بوصفه، فلم يجدوا منفذا لإلحاق النسب به، وأن هذا لا يخالف ما درج عليه الفقهاء من الاحتياط في الأنساب وإلحاقها بمن ادعاها ولو بأدنى سبب، لأن هذا الأدنى غير متوفر في حالة بطلان العقد. رابعا: أن النسب يثبت بالقيافة وهي علم صحيح يمكن القضاء به في الفصل بين المدعين في قضايا النسب في أحوال خاصة، وهو علم تصدق نتائجه بنسبة كبيرة. ومن هنا أريد أن أوجه نداء لكل باحث مسلم يهمه أمر دينه أن يتصدى لمثل هذا البحث فلعله يفيد المسلمين. خامسا: أن التعارض في دعاوي النسب مختلفة عن التعارض في غيره، وذلك لأن الحقوق الأخرى تصح القسمة في معظمها والقسمة أحد الطرق لفض النزاع. أما في النسب فإنه لا يصح أن ينتسب إلى أبوين، فإن القسمة في النسب غير متصورة إطلاقا، ومن هنا رجحت إلحاق الولد بأب واحد معين، وحاولت أن لا يكون توقف في إلحاق نسب الولد مهما وجد لذلك سبيل، تمشيا مع قاعدة الاحتياط في إثبات النسب وعدم إضاعته. سادسا: بحثت التلقيح الصناعي وما تفرع منه وبينت جوانبه وصوره وتوصلت إلى أن الراجح فيها المنع والتحريم، وأنه لا يصح إلحاق النسب الناتج عن طفل الأنبوب أو التلقيح الصناعي أو شتل الجنين، ورددت على المجيزين، وبينت أن أصل سد الذرائع هو الفيصل في هذه المسألة، وذلك لفساد الذمم وعدم الاكتراث بالسيئ من الأعمال والتصرفات، وما يترتب عليه من كشف العورة المغلظة بالنسبة للزوجين، واحتمال تبديل النطف وما يترتب على ذلك من اختلاط الأنساب والتشكيك فيها، إلى غير ذلك من الأضرار الخلقية والخلقية، التي من أجلها حرم الإسلام الزنى، وبينت أن القول بجواز مثل هذه الأحوال قد يوقع المسلمين فيما لا تحمد عقباه. سابعا: أن نفي النسب بطرقه المشروعة التي حددها الإسلام كاللعان مثلا، لم يكن القصد منه خلق العنصر الغريب في المجتمع، بل أراد الإسلام أن يبين أنه بقدر ما يحرص على جمع شمل الأسرة يحرص على أن لا يتفشى في المجتمع الفساد، ولا يدخل في الأسرة من ليس منها، كما أن في نفي الولد في حالة الضرورة قطعا لدابر الشك، ومنعا للجريمة بالقدر المستطاع. ثامنا: ومن النتائج الجزئية التي توصلت إليها في هذا البحث: - أن الإقرار يختلف عن التبني وأن شروط الإقرار التي وضعها الفقهاء كفيلة بحماية الأسرة من الدخيل، وليس في هذا تعارض كما يدعي الآخرون بأن الإقرار والتبني شيء واحد. - أن القرعة ليست وسيلة أو سببا من أسباب ثبوت النسب وإنما هي اقتراع على كفالة الولد حتى يبلغ، كما ذهب إليه بعض الفقهاء - ليست سببا مستقلا لإثباته لكن عند التعارض تكون مرجحة. - أن الإسلام احترم الآدمي أيما احترام وكرمه أيما تكريم عندما أوجب على الإنسان أن يستلحق ولد الأمة التي وطئها، حيث رجحت لحوق ولد الأمة بمجرد وطء السيد دون توقف على ادعائه، لأن في ذلك فتحا لباب من الفساد كبير وهو كثرة العبيد أو اللقطاء في المجتمع، وهو ما يتعارض مع روح الشريعة الإسلامية.

تاسعا: أن فقهاءنا الأجلاء وضعوا أعظم وسام على صدورهم بإفرادهم أبحاثا خاصة عن اللقيط وادعاء نسبه، وتعرضنا للتفصيلات التي أوردوها مما جعلهم يحوزون السبق في إيواء مثل هؤلاء وسترهم دون دعاية وادعاء. وإن إيواء اللقيط على المستوى الفردي أفضل بكثير من المستوى الجماعي لأن الإنسان عندما ينشأ وسط أسرة مترابطة متماسكة يحيا بحياتهم فيفرح بأفراحهم ويحزن بأحزانهم - لا يشعر أنه غريب عن هذا المجتمع - أما إذا كان له مجتمعه الخاص وحياته المنقطعة عن الروابط فلن يكون إنسانا سويا في يوم من الأيام. عاشرا: أن الإسلام احترم إرادة الإنسان، وبالتالي حاسبه على إرادته واختياره، فمتى ارتبط بأي امرأة فإنه سوف يلحقه ما ولدته منه سواء أراد ذلك أم أبى أعلن عن هذا الزواج أم لم يعلن، وثقة في المحاكم أو السجلات الخاصة أم لم يوثقه، ولكنه لم ينس أن يضع الحدود والقيود لضمان حق الزوجين لتسير الحياة، كما أرادها صانع الحياة، ولم ينس أن يوجه كلا الطرفين إلى الاختيار السليم لبناء أسرة متماسكة مترابطة. حادي عشر: أن معرفة نسب الإنسان أصلا وفرعا، ما هو إلا تدعيم لصلابة المجتمع وتقوية للعلاقة بين أولي الأرحام، كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم). وبعد: فهذا ما وفقني الله تعالى لبحثه، فإن كان صوابا فنحمد الله الذي هدانا إليه، وإن كان خطأ فنستغفر الله عليه، وما كنا نقصده ولا نتعمده، بل هو زلة القلم أو شذوذ الفكر، أو عدم الاهتداء إلى ما صح من الدليل ونسأله تعالى أن يتقبله عملا خالصا لوجهه، ويجعل لنا من مستقبل أمرنا خيرا من ماضيه، إنه سميع الدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أحكام الهندسة الوراثية

أحكام الهندسة الوراثية ¤سعد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ£بدون¥كنوز إشبيليا - الرياض¨الأولى¢1428هـ€فقه¶دراسات فقهية الخاتمة: هذه الرسالة تناولت أحكام الهندسة الوراثية بالبحث والدراسة، وقد توصلت – بفضل الله – من خلالها إلى نتائج، من أهمها ما يأتي: أولاً: أن مشروع الجينوم البشري وهو معرفة الموروثات الموجودة في الخلية الإنسانية هو اكتشاف لسنة من سنن الله في خلقه، والأصل فيه الندب. ثانياً: أن استخدام الجينوم البشري لا يخلو من حالتين: الأولى: أن يكون وسيلة لجلب المنافع للناس، ودرء الضرر عنهم، فيكون مشروعاً. الثانية: أن يكون وسيلة لإلحاق الضرر ببعض الناس، فيكون ممنوعاً. ثالثا: أن زواج الأقارب مباح من غير كراهة، لكن إن ثبت أن كلا القريبين مصابان بالصفة المرضية نفسها، وأنهما إن تزوجا فقد يؤدي هذا إلى احتمال إنجاب أطفال مصابين بأمراض وراثية، فالأولى لهما هو العدول عن هذا الزواج، ويكره لهما الإقدام عليه. رابعا: أن إجراء الفحص الجيني قبل الزواج مشروع، ويتأكد في حالتين: الأولى: وجود صلة قرابة بين الخطيبين. الثانية: انتشار أمراض وراثية معينة في المجتمع. وإن رأى ولي الأمر المصلحة في إلزام الناس بالفحص الجيني في حالة انتشار مرض وراثي في المجتمع صار واجباً. خامساً: أن ما يطلع عليه الطبيب من نتائج فحص المريض الجينية سر يحرم عليه نشره، والواجب المحافظة على سريته وإخفاء نتائجه، وإذا بينت الفحوص إصابة أحد الطرفين بمرض وراثي، فإنه يكتفى بإخبار الطرف الآخر السليم بذلك دون بيان للمرض الموجود عنده، ولا يعد هذا من خيانة الأمانة، ولابد من وضع النظم الكفيلة بالإبقاء على خصوصية هذا الأمر وسريته، ولا يمنع هذا من استخدام نتائج الفحص في الأبحاث العلمية دون ذكر أسماء أصحابها، أو ما يدل على أسرهم أو قبائلهم، بل تستخدم مبهمة. سادساً: يجوز إجراء الفحص الجيني على الخلايا الجنسية الملقحة لمعرفة الأمراض الوراثية التي قد تكون مصابة بها إذا وجدت حاجة معتبرة كوجود مرض وراثي في الزوجين أو أحدهما يمكن انتقاله إلى ذريتهما، وهذا بشرط عدم اختلاط اللقائح الخاصة بالزوجين بغيرها، والواجب توخي الحذر فيما يتعلق بهذه العملية، فلا تجرى إلا عند ذوي العدالة من الأطباء وضمن إجراءات مشددة. سابعاً: يتعلق بالفحص الجيني قبل الحمل الآثار الآتية: الأثر الأول: جواز التفريق بين الزوجين بالمرض الوراثي الذي ينتقل من أحد الزوجين إلى النسل، بشرط عدم العلم به عند العقد. الأثر الثاني: جواز اختيار جنس الجنين للحاجة، وهو كون المرض الوراثي يصيب جنساً دون آخر، وذلك بثلاثة شروط: الأول: الأمن من اختلاط الأنساب. الثاني: أن يكون المرض الوراثي خطيراً. الثالث: أن تكون هذه الطريقة هي الوسيلة الوحيدة لتجنب إصابة الذرية بالأمراض الوراثية. الأثر الثالث: يحرم منع الحمل بصفة دائمة بالنسبة للأزواج الذين يحملون جينات معتلة سواء كان ذلك بطريق الخصاء أم بالتعقيم. ثامناً: أن الفحص أثناء الحمل يختلف حكمه باختلاف وقت إجرائه، فإن كان وقت الفحص وما يسفر عنه من نتائج قبل نفخ الروح في الجنين فهو جائز، وإن كان بعد نفخ الروح فهو محرم. تاسعاً: أن إجهاض الجنين المشوه لا يخلو من حالتين: الأولى: أن يكون بعد نفخ الروح، وحكمه التحريم. الثانية: أن يكون قبل نفخ الروح، وحكمه الجواز بأربعة شروط: الأول: أن يثبت تشوه الجنين بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين. الثاني: أن يكون الجنين مشوهاً تشويهاً خطيراً لا يمكن علاجه. الثالث: أن يكون الجنين مصاباً بعيوب لا تتلائم مع الحياة الطبيعية بحيث إذا بقي وولد ستكون حياته آلاماً عليه وعلى أهله.

الرابع: أن يكون الإجهاض بطلب الوالدين. عاشراً: العلاج الجيني بنقل الجين من خلية إلى خلية أخرى ينقسم إلى نوعين: النوع الأول: أن يكون النقل إلى الخلايا الجنسية: وحكمه التحريم مطلقاً سواء أكان الجين مأخذواً من أحد الزوجين أو من غيرهما، لا فرق في ذلك أن يكون لغرض علاجي أو تحسيني. النوع الثاني: أن يكون النقل إلى الخلايا الجسدية، وهو لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن يكون بقصد العلاج من الأمراض الوراثية، وله صورتان: الصورة الأولى: أن لا يترتب على نقل الجين أي ضرر، فيزول المرض، ولا يخلفه مرض آخر، وحكمه الجواز. الصورة الثانية: أن ينشأ عن نقل الجين ضرر آخر، وهذا ينقسم إلى نوعين: الأول: أن يكون الضرر الناشئ عن نقل الجين أخف من الضرر الموجود في المرض نفسه، وحكمه الجواز. الثاني: أن يكون الضرر الناشئ عن نقل الجين أشد من الضرر الموجود في المرض نفسه، أو مساوياً له، وحكمه التحريم. الحالة الثانية: أن يكون نقل الجين لغرض تحسين صفات الإنسان، وحكمه التحريم. الحادي عشر: يجوز استنساخ النبات بثلاثة شروط: الأول: الأمن من الضرر. الثاني: أن لا تتخذ هذه العملية للعبث وتغيير خلق الله حسب الأهواء والشهوات دون أن تترتب عليها مصلحة شرعية. الثالث: عدم استنساخ نباتات لاستخدامها في أغراض محرمة كنبتة الحشيش وغيرها. الثاني عشر: يجوز استنساخ الحيوان بأربعة شروط: الأول: تحقق المصلحة الشرعية المعتبرة. الثاني: أن لا يتخذ للعبث وتغيير خلق الله. الثالث: أن لا يترتب عليه ضرر يزيد على المصلحة الحاصلة منه. الرابع: أن لا يؤدي إلى إيذاء الحيوان أو تعذيب له. الثالث عشر: الاستنساخ في الإنسان بفصل الخلايا له ثلاث صور: الصورة الأولى: استنساخ الخلية التي تكونت من نطفتي غير الزوجين سواء كانت البويضة من امرأة أجنبية أو كان الحيوان المنوي من رجل أجنبي. الصورة الثانية: استنساخ الخلية التي ستنقل إلى رحم امرأة أجنبية. الصورة الثالثة: استنساخ الخلية التي تكونت من نطفتي الزوجين وحكم الاستنساخ في هذه الصور الثلاث التحريم. الرابع عشر: الاستنساخ في الإنسان بزراعة النواة له أربع صور: الصورة الأولى: نقل نواة خلية جسدية مأخوذة من الزوج على بويضة مأخوذة من زوجته بعد إزالة نواتها. الصورة الثانية: نقل نواة خلية جسدية مأخوذة من رجل أجنبي إلى بويضة امرأة أجنبية بعد إزالة نواتها. الصورة الثالثة: نقل نواة خلية جسدية مأخوذة من الزوجة إلى بويضتها بعد إزالة نواتها. الصورة الرابعة: نقل نواة خلية جسدية مأخوذة من امرأة إلى بويضة امرأة أخرى بعد إزالة نواتها. وحكم الاستنساخ في هذه الصور الأربعة التحريم. الخامس عشر: يحرم الاستنساخ بتنشيط بويضة غير ملقحة بحثها على الانقسام والنمو لتكوين جنين. السادس عشر: يحرم استنساخ الميت بأخذ نواة خليته الجسدية، ونقلها إلى بويضة أزيلت نواته، ثم زرعها في رحم امرأة، لا فرق في ذلك بين كونها امرأة أجنبية عنه أو زوجته التي توفي عنها. السابع عشر: نقل نواة الخلية الجسدية إلى البويضة المنزوعة النواة يتنوع بحسب الغرض منه إلى نوعين: الأول: الاستنساخ التكاثري: وحكمه التحريم. الثاني: الاستنساخ العلاجي: وهو الذي يتم إجراؤه للحصول على الخلايا الأصلية، وحكمه الجواز. الثامن عشر: الواجب عند تلقيح الخلايا الجنسية في علاج العقم الاقتصار على العدد المطلوب الذي سينتقل إلى رحم المرأة تفادياً لوجود فائض من اللقائح. التاسع عشر: يحرم إتلاف الخلايا الجنسية الملقحة لأخذ الخلايا الأصلية منها. العشرون: الحكم الشرعي لتخزين الخلايا الجنسية بتجميدها في النيتروجين السائل هو التحريم.

الحادي والعشرون: إذا حصل وجود عدد زائد من الخلايا الجنسية الملقحة بأي وجه من الوجوه، فإنها تترك دون عناية طبية إلى أن تنتهي حياتها على الوجه الطبيعي، ولا يجوز استخدامها في مجال التجارب والبحث العلمي. الثاني والعشرون: يجوز أخذ الخلايا الأصلية من الحبل السري والمشيمة. الثالث والعشرون: يجوز نقل الجين من خلية إنسانية إلى خلية بكتيرية للحصول على الهرمون الذي يقوم هذا الجين بوظيفة إنتاجه لاستعماله عقاراً لعلاج بعض الأمراض، وذلك بشرط: أن لا يترتب على هذه الطريقة ضرر على الإنسان. الرابع والعشرون: نقل الجين من خلية إنسانية إلى خلية حيوانية للحصول على الهرمون الذي يقوم هذا الجين بوظيفة إنتاجه لاستعماله عقاراً طبياً لا يخلو من حالتين: الأولى: أن يكون الحيوان مأكول اللحم، وحكمه الجواز بشرط خلو العقار المصنع بهذه الطريقة من الضرر. الثانية: أن يكون الحيوان غير مأكول اللحم، وهو الخنزير، وحكمه التحريم. الخامس والعشرون: يجوز التغيير في تركيب المادة الوراثية للحيوان مأكول اللحم للحصول على حليب معدل وراثياً يتميز بكونه مشابهاً لحليب الأم في بعض مكوناته، وذلك بنقل الجين من خلية إنسانية إلى بويضة حيوانية ملقحة، وهذا بشرطين: الأول: انتفاء الضرر. الثاني: أن تتخذ هذه العملية للعبث وتغيير خلق الله. السادس والعشرون: أن التحريم لا يثبت بالحليب المعدل وراثياً بين الطفل الرضيع الذي تغذى منه وبين المرأة التي نقل الجين منها إلى الحيوان الذي يجرى تغيير في مادته الوراثية. هذه أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث، فما كان فيها من صواب فمن الله، وله الحمد أولاً وآخراً، وما كان فيها من خطأ فمني، وأستغفر الله. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أحكام اليتيم في الفقه الإسلامي

أحكام اليتيم في الفقه الإسلامي ¤عبدالأحد ملا رجب£بدون¥دار أطلس - الرياض¨بدون¢بدون€فقه¶يتيم الخاتمة: أحمد الله – سبحانه وتعالى – على أن هداني إلى كتابة هذا البحث، وأعانني على إتمامه وفق ما رسمته، وأسأله – جلت قدرته – المزيد من فضله والتوفيق لما يحبه ويرضيه. ولا بد من القول هنا إنني لم أضف جديداً فيما كتبت، ولن أدعي بأنني أتيت بما لم يأت به الأوائل من علمائنا الأجلاء، بل كل جهدي كان في جمع أقوال العلماء ومذاهبهم في موضوعات هذا البحث، وترتيب هذه الأقوال وعزوها إلى مصادرها الأصلية، وترجيح ما رأيته أقوى دليلاً وتعليلاً من هذه الأقوال. وأما أبرز النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث، فأذكر طرفاً منها فيما يلي: 1 - أن هذا البحث يبرز بوضوح حالة هذا المخلوق الضعيف في المجتمع الجاهلي، وما كان يعامل به ويعانيه ويكابده من ضروب الإيذاء وسلب الحق والحرمان من الميراث، وحالته في الإسلام. فبينما كانت الجاهلية تحرمه من الميراث محتجة في ذلك بأنه لا يركب فرساً ولا ينكأ عدواً، جاء الإسلام فأعطاه حقه من الميراث وسائر الحقوق المالية، حتى ولو كان لا يزال في بطن أمه لم يخرج إلى الدنيا بعد، فجعله يرث من مال أبيه المتوفى وهو لا يزال جنيناً، وجعله أهلا لصحة الوصية له والوقوف عليه. وبما أن الغذاء لا يصل إليه – ما دام جنيناً في بطن أمه – إلا بواسطة الأم، أوجب نفقتها على أقربائه ممن تربطهم به ميراث أو رحم محرم – إن لم يكن له مال -، فإن كان له مال، وجبت نفقتها في ماله. ثم بعد خروجه إلى الدنيا، أوجب له حقوقاً أخرى تضمن له السعادة في الدنيا والآخرة، فأوجب نفقته وأجرة رضاعه وحضانته وختانه – إن لم يكن له مال – على أقربائه ممن تربطهم به ميراث أو رحم محرم، وأوجب نفقته في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له من أقاربه من يستطيع الإنفاق عليه، وجعل له حقاً في خمس الغنيمة والفيء يجب أن يكون بيت المال حافظاً له عليه، إذا وجد، دفع إليه. وإذا لم يقم بيت المال بالإنفاق عليه، فعلى جماعة المسلمين أن يبادروا إلى إغاثته وتفريج الكربة عنه. فعلى المسلمين، سواء على مستوى الأفراد أو الدولة، العناية به بتوفير ما يضمن له ضروريات الحياة، من السكن والغذاء واللباس والتعليم والعلاج، وانتشاله من هذا الضعف والفقر والتشرد والضياع بكل وسيلة مشروعة، كإنشاء دور الأيتام والمدارس لهم، وإن كان من الأفضل أن يعيش اليتيم في كنف أسرة تقية ينشأ مع أبنائها، ويعامل كما يعاملون؛ لأن دور الأيتام لا توجد الحنان كما توجد الأسرة. 2 - وبما أن اليتيم ضعيف لا يقوى على الانفراد بمواجهة هذه الحياة وتحمل أعبائها إلا بعد أمد طويل يستغرق سنوات، وهو في هذا الضعف يحتاج إلى رعاية تامة تتعلق بنفسه وماله، شرع الإسلام الولاية عليه من الناحية النفسية والمالية، وأرشد الولي إلى فعل ما فيه الخير والصلاح له في حاضره ومستقبله، فأوجب عليه أن يبذل كل ما في وسعه لإصلاح ماله ونفسه، فيصلح نفسه بالتعليم والتربية والعطف والحنان، ويحفظ ماله بالحفظ والتنمية، وبالنسبة لمال اليتيم، حمل الولي عليه في ماله واجبات يجب أن يقوم بها، وتتلخص هذه الواجبات فيما يلي: الأول: المحافظة على مال اليتيم: فيجب على الولي أن لا يدفع إلى اليتيم أمواله ما دام صغيراً لا يستطيع التصرف في ماله بوجه أحسن، فكان الحجر عليه؛ صيانة لأمواله.

ومع ذلك يجب على الولي أن يأذن له بإبرام العقود والمعاوضات المالية؛ ليتدرب على التجارة، وليعرف مدى حسن تصرفه ونجابته في تصريف ماله، ومن ثم يسلم إليه ماله عند قناعته التامة بأنه رشيد. ويجب على ولي اليتيم أن يبذل كل ما في وسعه لحفظ ماله من أسباب التلف والهلاك، فيكون تصرفه مبيناً على المصلحة والغبطة، فلا يتصرف لمصلحته هو، إلا ما يأخذه مقابل ولايته عليه. وقد أعنى العلماء عناية تامة بهذا الجانب، فكانوا يصدرون فيما يقررونه من أحكام في تصرفات الولي في مال اليتيم من منطق تحقيق المصلحة لليتيم وطلب الأحسن له، ولذلك نراهم يعللون بالأحظ والأصلح والغبطة والأحسن أو عدمها، وما جرى بينهم من خلال في بعض التصرفات، مرده في جملته إلى تفاوت مقاييسهم في تحديد المصلحة لليتيم. الثاني: إخراج ما يجب في مال اليتيم: أوجب الله – سبحانه وتعالى – في مال المسلم واجبات يقوم بها، فإذا كان المال لليتيم، قام مقامه وليه في إخراج هذه الوجبات. وأهم ما يجب في مال اليتيم ويلزم الولي إخراجه ما يأتي: 1 - النفقة: الأصل أن نفقة الإنسان في ماله إن كان له مال، فيخرج الولي من مال اليتيم مقدار نفقته بالمعروف، من غير إسراف ولا تقتير. 2 - الزكاة والأضحية: يجب على الولي أن يخرج زكاة ماله إذا بلغ نصابه، من غير فرق بين الزروع والثمار وسائر الأموال، وأن يضحي عنه من ماله. 3 - ضمان ما أتلفه اليتيم: يجب على الولي أن يخرج من مال اليتيم قيمة ما أتلفه اليتيم، إذا لم يكن الإتلاف بتفريط من مالكه، وأن يخرج أروش جناياته. الثالث: دفع مال اليتيم إليه: يجب على الولي أن يدفع لليتيم ماله بمجرد بلوغه رشيداً، من غير حاجة إلى فك الحاكم، ومن غير تفرقة بين رشد اليتيم واليتيمة. وإذا دفع إليه ماله، يجب عليه أن يشهد عند الدفع؛ لتظهر أمانته وبراءة ساحته. وإذا بلغ غير رشيد، يجب عليه أن لا يدفع إليه ماله، وإن بلغ ما بلغ. هذا طرف من أبرز ما توصلت إليه في هذا البحث المتواضع من النتائج، ولا أرى حاجة إلى سرد الموضوعات التي تطرقت بحثها؛ تجنباً للتكرار، مكتفياً في ذلك بالفهرس التفصيلي لها. وختاماً، أتوجه بالنصح إلى أولياء اليتامى وأوصيائهم أن يتقوا الله فيهم ويراعوا حقهم، كما لو كانوا لهم أبناء فيحسنوا تأديبهم وتعليمهم ما ينفعهم في حاضرهم ومستقبلهم، كما أن عليهم أن يحفظوا أموالهم ويسعوا في إصلاحها وتنميتها، وأن لا يعرضوها للتلف أو النقص أو الاستئثار بشيء منها. وليكونوا في الإشراف عليهم في حذر من غضب الله، وليعلموا أن الإهمال في حق اليتيم لا يقتصر ضرره على اليتيم، بل هو ضرر تتفشى جراثيمه وتنتشر سمومه في جسم الأمة، فيعتريها الضعف والانحلال، وتبوء بالخزي والدمار. وليذكروا أن ما جاء عليهم يجوز في أولادهم، فإن خشوا أن يصيب أولادهم ظلم من بعدهم، فليتقوا الله فيهم، وليقولوا لهم قولاً سديداً. ثم ليعلموا أن من كفل يتيماً وأحسن كفالته، ليس له جزاء إلا الجنة، فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما)). وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحكام صرف النقود والعملات في الفقه الإسلامي وتطبيقاته المعاصرة

أحكام صرف النقود والعملات في الفقه الإسلامي وتطبيقاته المعاصرة ¤عباس أحمد محمد الباز£بدون¥دار النفائس - عمان¨الأولى¢1419هـ€فقه¶نقود وعملات وأوراق تجارية الخاتمة وملخص الرسالة وبعد، فإن هذا البحث مساهمة متواضعة وجهد قليل، أسأل الله العلي القدير أن أكون قد وافقت الصواب فيما ذهبت إليه مع علمي أنني لم أصل في البحث والدراسة إلى الكمال فإن الكمال لله وحده وحسبي أني بذلت جهدي وما توفيقي إلا بالله. أهم النتائج: أما أهم نتائج البحث فتتلخص فيما يلي: أولاً: ليس هناك حد طبعي أو شرعي يقضي بأن يكون النقد من مادة مخصوصة، فإنه لم يرد نص في الكتاب أو السنة ولم يأت إجماع من علماء المسلمين على أن يكون النقد من مادة بعينها وغيرها لا يصلح أن يكون كذلك، وما جاء ذكره من الدنانير والدراهم في الكتاب والسنة إنما ورد لأن النقد المتداول وقت نزول الآيات وعند التشريع كان من الدنانير والدراهم ولم يكن هناك نقود مستعملة غيرها والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ثانياً: النقود لا تقصد لذاتها وإنما هي وسيلة للتعامل بها، والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت، والناس في اعتبار الدراهم والدنانير على عاداتهم فما اصطلحوا عليه وجعلوه ديناراً فهو دينار، فإن خطاب الشارع يتناول ما اعتادوه سواء كان ذهباً أو فضة أو نحاساً أو ورقاً ... ثالثاً: يعتبر الورق النقدي المعاصر نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة لتحقق علة الثمنية فيه واصطلاح الناس على التعامل به، وتنطبق عليه أحكام الصرف وشروطه فيما يتعلق ببيعه وشرائه، باعتبار أن كل عملة من العملات الورقية جنس مستقل بذاته مختلف عن غيره لاختلاف الجهة التي أصدرته، فالدينار الأردني جنس، والدينار العراقي جنس، والجنية المصري جنس، والدولار الأمريكي جنس ... ويترتب على هذا الأحكام الشرعية التالية: أ- لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلاً سواء كان البيع نسيئة أو يداً بيد. ب- يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بخلاف جنسه متفاضلاً أو متساوياً بشرط التقابض الحال في مجلس العقد. رابعاً: ليس للقبض في الصرف هيئة مخصوصة أو كيفية محصورة، وإنما يرجع في تقديره وتحديده إلى عرف الناس وتعاملهم، فما عده الناس قبضاً فلا مانع من التعامل به شرعاً على هذا الأساس، فإن المعروف عرفاً كالمشروط نصاً والعادة عند المسلمين محكمة. خامساً: تبادل النقود الورقية بالذهب والفضة اليوم لا يعتبر صرفاً، لأن الذهب والفضة لم يعودا نقوداً، وإنما أصبحا من العروض، فإن بيع الدنانير الورقية بشيء من الذهب أو الفضة يعد من قبيل بيع النقد بالعرض لا يشترط فيه التماثل، ويجوز فيه تأجيل أحد البدلين، أما إذا عاد التعامل بالذهب والفضة على أنهما أثمان كما كانا في عصر التشريع، فعندئذ يكون بيع الدينار الورقي بالدينار الذهبي من الصرف الذي يشترط فيه التقابض الحال في مجلس العقد دون التماثل في القدر لاختلاف الجنس ويكون من بيع الثمن بالثمن. سادساًَ: تغير سعر صرف العملة بالهبوط أو الارتفاع لا أثر له في إبطال العقود التي يترتب عليها التزامات آجلة كعقود بيع التقسيط، وعقد الزواج الذي يكون فيه المهر مؤجلاً، وعقد الإجارة المنصوص على مدته ... فليس لأحد المتعاقدين أن يطالب بفسخ العقد، بل يتم اقتضاء النقد المؤجل في موعده بالقدر المتفق عليه عدداً، وقد يعاد النظر في العقود الآجلة التي ينشأ عنها خسارة كبيرة أو ضرر فاحش يقع على أحد أطراف العقد إذا ما تغير سعر الصرف.

سابعاً: اعتماد سعر الصرف السائد يوم الاستيفاء أساساً في تحصيل الديون المؤجلة والأموال الثابتة في الذمة وعدم النظر إلى ما كان عليه سعر الصرف يوم وقوع البيع أو القرض بشرط عدم انقطاع النقد عن أيدي الناس أو كساده. ملخص الرسالة يتميز موضوع الصرف بأنه بيع يختص بالأثمان من الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من النقود والأثمان، فإن علماء الإسلام لم يقصروا الثمنية على الذهب والفضة بل جعلوا العلة التي من أجلها ربط الشارع الحكيم بعض الأحكام بالدنانير الذهبية والدراهم الفضية متعدية إلى ما سواهما من الأموال إذا حازت علة الذهب والفضة وهي الثمنية على الراجح من أقوال العلماء، فالنقود لا تقصد لذاتها، وإنما هي وسيلة إلى التعامل بها وتحصيل المنافع بواسطتها، والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض لا في مادتها ولا في صورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت. وبناء على ذلك فإن التعامل بالنقود الورقية اليوم بيعاً وشراء يعد صرفاً وتنطبق عليه أحكام الصرف المطبقة على بيع الذهب والفضة كما أمرت به الشريعة الإسلامية. وقد حرص الإسلام على ألا تخرج النقود عن وظيفتها الأساسية وهي الثمنية لكي يحفظ اقتصاد الأمة متيناً ويقيه من كل ما يؤثر عليه. ولما كان بيع الصرف أقرب أنواع البيع إلى الربا، فإن الشارع الحكيم قد احتاط كثيراً لهذا النوع من التعامل واشترط له شروطاً خاصة زائدة على الشروط التي يجب توفرها في كل بيع، كما وضع له قواعد وضوابط انفرد بها عن سائر أنواع البيوع، مما جعل هذا العقد من أكثر عقود البيع قيوداً وأكثرها شروطاً، وهذا يدل دلالة واضحة على أهمية هذا العقد ومدى حرص الشارع الكريم على أن يكون التعامل به في البيع والشراء كما أراد له. ولهذا فقد سار فقهاء الإسلام في استنباطهم لأحكام الصرف وبيان قواعده وضوابطه على تضييق التعامل به لإبعاد الناس عن الربا وشبهته حتى غدا باب الصرف من أضيق أبواب التعامل تحقيقاً لمصلحة التعامل بالأثمان للحافظ على معيار محدد للتعامل التجاري في السوق. والقاعدة العامة في بيع الصرف أن الزيادة تحرم عند تبايع النقد إذا اتحد جنساً وتجوز إذا اختلف بشرط التقابض الحال في مجلس العقد وإلا كان التعامل رباً محرماً. فإذا باع شخص دنانير أدرنية بـ دولارات أمريكية مثلاً فعليه أن يسلم الدنانير ويستلم الدولارات فوراً في مجلس العقد، فإن التقابض الفوري شرط أساسي في الصرف، ولا يجوز اشتراط الخيار في الصرف أو تأجيل قبض أحد البدلين، لأن شرط الخيار يؤثر في صحة القبض وشرط التأجيل يؤثر في القبض نفسه. ولا تجوز المصارفة بعملة ثابتة في الذمة مع غيرها إلا بسعر يوم المصارفة بقطع النظر عما كانت عليه يوم ثبوتها في الذمة، فإنه لا أثر للارتفاع أو الانخفاض في سعر الصرف على الدين الثابت في الذمة. ويلزم المدين عند حلول أجل الدين برد مثل ما أخذ قدراً وصفة، فإن الديون تؤدي بأمثالها دون التفات إلى ما يطرأ على سعر الصرف من رخص أو غلاء.

أحكام طواف الوداع

أحكام طواف الوداع ¤صالح بن محمد الحسن£بدون¥بدون¨بدون¢1416هـ€فقه¶حج وعمرة - طواف الخاتمة الحمد لله الذي شرع الطواف في البدء والختام، وأمر من أجله بتطهير بيته الحرام، والصلاة والسلام على خير الطائفيين، ومبين شرع ربه القويم محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين .. أما بعد فإن الباحث في أحكام طواف الوداع يتضح له الأمور الآتية: أولاً: أن الأدلة الواردة في أحكام هذا الطواف أدلة صحيحة ثابت معظمها في الصحيحين، أو أحدهما. ثانياً: أن طواف الوداع لا يجب إلا في الحج؛ لأن الأحاديث الواردة في إيجابه إنما كانت في حجة الرسول صلى الله عليه وسلم "حجة الوداع"، بل قد ورد في بعضها التصريح بأن المخاطب هم الحجاج، كما في بعض روايات حديث ابن عباس – رضي الله عنهما: "من حج البيت فليكن آخر عهده بالبيت" الحديث. وقد سبق. كما أن هناك فرقا بين الحج والعمرة حيث إن أعمال العمرة في المسجد الحرام فلا يناسبها وداع بخلاف أعمال الحج، فإن بعضها خارج مكة، وهناك فاصل يصل إلى أكثر من يومين بين طواف الإفاضة، ونهاية أعمال الحج، فناسب الأمر بطواف الوداع، ولهذا قال العلماء: لو أخر طواف الإفاضة بحيث بكون آخر أعماله في مكة أجزأه عن طواف الوداع. ثالثاً: أن العلماء – رحمهم الله – قد أجمعوا على سقوط هذا الطواف عن المرأة الحائض أو النفساء، وأنها لا تنجس حتى تطهر من أجل طواف الوداع، ومن روى عنه القول بوجوب ذلك من الصحابة والتابعين فقد رجع عنه. رابعاً: أن هناك بعض الأمور المشروعة في المسجد الحرام، يذكرها العلماء عقب طواف الوداع، وهي دخول البيت، والالتزام في الملتزم، والشرب من ماء زمزم. وهذه أمور مشروعة ثابتة، ولكنها لا ترتبط بالوداع فهي مشروعه في كل وقت. خامساً: أن هناك بعض الأمور غير المشروعة، ذكرها بعض الفقهاء بعد الوداع، مثل الخروج من المسجد بعد الوداع ووجهه إلى الكعبة وظهره إلى الباب رجعة القهقرى، ومثل زيارة بعض المشاهد، ومثل وقوف المرأة الحائض بباب المسجد الحرام وهي كلها أمور غير مشروعة لم تثبت بدليل صحيح فهي داخله في باب البدع المنهي عنها. والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.

أحكام تغيير قيمة العملة النقدية وأثرها في تسديد القرض

أحكام تغيير قيمة العملة النقدية وأثرها في تسديد القرض ¤مضر نزار العاني£بدون¥دار النفائس¨الأولى¢1421هـ€فقه¶نقود وعملات وأوراق تجارية الخاتمة الحمد لله مستحق الحمد، والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده، وبعده: من خلال العرض والتحليل الذي سار عليه البحث، وبعد دراسة أقوال الفقهاء على اختلاف مذاهبهم وأدلتهم، ودراسة طبيعة الأوراق النقدية من خلال ما عرضه الباحثون في الاقتصاد والمالية، فبالإمكان إيجاز أهم ما توصل البحث إليه من نتائج، تلحقها بعض الاقتراحات كالآتي: النتائج: 1 - القرض من الأعمال التي يتقرب به العبد إلى ربه طامعاً في الأجر العظيم الذي يناله من خلال تفريج كربة عن مسلم ورفع ضائقة عنه. 2 - القرض من عقود الإرفاق، ومقصده الأسمى إمهال ذي العسرة، سعياً إلى خلق مجتمع متكافل تسوده السماحة والإخاء. 3 - يجوز الإقراض بأي نقد متعارف عليه عند التجار وعند الناس ولا فرق في ذلك بين النقد نقداً بأصل الخلقة، أو نقداً بالاصطلاح. 4 - لا يجوز أن يتعامل بالعملة الورقية على أساس النقدين الذهب والفضة، مما يترتب عليه اختلاف أحكامها تبعاً لاختلاف ماهيتها. 5 - الدولة هي المسؤول الأول عن التضخم وتصعب احتمالية كون المدين أو الدائن سبباً فيه، مما يجعل قياس التضخم على الجائحة أمراً وارداً وفيه نظر. 6 - سياسة الانكماش هي من الوسائل التي تتخذها الدولة في سبيل تقوية قيمة عملتها وسحب النقد الزائد من أيدي الناس وبالتالي فالدولة أيضاً هي المسؤولة عن الانكماش. 7 - عملية التضخم والانكماش تسبب بطبيعة الحال ضرراً على حساب أحد المتداينين، فالدائن متضرر في ظل التضخم ومنتفع في حالة الانكماش على عكس المدين المنتفع في ظل التضخم والمتضرر في حالة الانكماش، لذا وجب النظر إلى كل من الدائن والمدين على حد سواء في أي من الأحكام المتخذة. 8 - استخدام عملية الربط بالأرقام القياسية قد يصار إليها عند انعدام الثقة بالنقود الورقية بسبب ما يطرأ عليها من ارتفاع وانخفاض في قيمتها مقارنة مع السلع. 9 - يفرق بين أنواع الزيادات على القروض حسب ماهيتها، إجبارية مشروطة، إحسانية، أو إثر مماطلة في الحقوق. مما يترتب عليه حدوث الربا في بعضها دون الأخرى حسب نوع العقد المبرم والمتفق عليه. 10 - إصدار الدولة عملة محل الأخرى، يوافق ما جاء به الفقهاء في بحثهم مسألة بطلان النقود، على أنه يفرق اليوم في نوعية الإصدار وأسبابه وتأثيراته على العملة الملغاة أو المستبدلة إن كانت بنفس القيمة أو بقيمة مغايرة تماماً، كالآتي: أ- إذا كان الإصدار نتيجة تقدم حضاري، وازدهار اقتصادي، وللعملة الجديدة نفس القيمة التبادلية في السوق مع الذهب والسلع والعملات الصعبة فإن الدائن: له المثل عدداً من غير زيادة أو نقصان يتحصل به على دينه عند انتهاء مدة العقد، ولا فرق إن رد القرض من جنس العملة الجديدة أو القديمة، لأن كلا العملتين جنس. ب- إذا كان الإصدار نتيجة كوارث حربية، وانهيارات نقدية تضخمية انكماشية، وتم إلغاء العملة وإصدار أخرى محلها مختلفة القيمة، وجب على المدين رد القيمة من غير جنس العملة القديمة. وفي ذلك تفصيل على الوجه الآتي: - إذا ألغيت العملة ولم يحن وقت السداد، حسبت قيمة القرض يوم قبضه. - أما إذا ألغيت العملة وصادف إلغاؤها تاريخ الوفاء فعلى شكلين:

الشكل الأول: إذا كان الفرق بين قيمتي العملة طفيفاً [ويمكن احتساب التغير الطفيف قياساً على التضخم الزاحف Creeping Inflation الذي تتراوح فيه انخفاض معدل قيمة النقد (أو معدل ارتفاع الأسعار) في السنة من 3% - 5% في البلدان الصناعية. على أن الاقتصاديين يطلقون وصف الاستقرار على وضع لا يزيد فيه معدل ارتفاع الأسعار عن 2%] أخذ بالمثل ففي ذلك زيادة في الإحسان في إنظار ذي العسرة. الشكل الثاني: أما إذا كان الفرق شاسعاً، والتغير فاحشاً رد القرض بالقيمة. 11 - المال المثلي يبقى مثلياً، والمال القيمي يبقى قيمياً، إلا أن الذي يختلف حالة السداد عنه عدم تيسر أحدهما نلجأ إلى الآخر، وفيما يخص العملة الورقية فالتغير هو حال السداد من المثل إلى القيمة، لا صيرورة العملة الورقية قيمية. 12 - الغلاء والرخص في قيمة النقود لا يلتفت إليه إن كان ضمن حدود التضخم الزاحف والتفاوت الطبيعي في أسعار السلع، أما إذا كان تغيراً فاحشاً فيطبق عليه أحكاماً أخرى حسب حدوثها، وتراعي في كل حالة ظروفها وملابساتها. 13 - الاختيار الأمثل في اتخاذ معيار للتقويم في الظروف المتقلبة هو أن يصار إلى دينار إسلامي تقوم الدول الإسلامية جمعاء بالتعامل به، أو أن يقوم بالذهب، فإن تعذر فيصار إلى سلة السلع، أو إلى عملة صعبة. 14 - الطريق الأمثل للدائن والمدين في مثل هذه الظروف هو التراضي والتسامح ليتحقق المغزى المراد من القرض من الإحسان والبر، ولكي لا ينقطع سبيل المعروف بهذه الأمة. الاقتراحات: يؤكد الباحث على التوصيات والاقتراحات التي أقرتها لجنة المجمع الفقهي في دورتها التاسعة المنعقدة في: أبو ظبي – الإمارات العربية المتحدة، والتي تدعو إلى عقد ندوة متخصصة تجمع بين الأمانة العامة للمجمع وإحدى المؤسسات المالية الإسلامية والاستعانة بذوي الاختصاصات في الفقه والاقتصاد لحل مشاكل تغير قيمة العملة. يرى الباحث ضرورة قيام مجموعة من الفقهاء بدراسة نظام القرض المتعامل به الآن في البنوك بغية التوصل والتعرف على ضوابط القرض وشروطه ومعرفة الموافق منها للشريعة الإسلامية واقتراح التعديلات المناسبة على المخالف منها والمتعارضة مع أصول الشريعة الإسلامية من أجل تقريب نظام البنوك الحالي إلى نظام اقتصادي إسلامي. وهذا يعد من الخطوات التي تهدف إلى أسلمة أنظمة البنوك. من خلال الدراسة وجد الباحث أن لجان الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية كبنك فيصل الإسلامي السوداني وغيره من البنوك كان لها الأثر الكبير في تفعيل عمل البنوك الإسلامية وإثراء المكتبة الإسلامية بالبحوث القيمة التي حولت البنك الإسلامي إلى واقع عملي. ولذلك يقترح الباحث ضرورة إنشاء لجان رقابة شرعية متخصصة في علوم الشرع والاقتصاد لتؤدي الوظيفة المثلى التي أدتها لجان الرقابة المشار إليها. كما يقترح الباحث أهمية الاستفادة من الخبرات المتراكمة عند مؤسسي البنوك الإسلامية والذين سعوا إلى تطويرها، لما لهم من دراية وخبرة بحسنات وسلبيات أنظمة القروض والتعامل بها والمشاكل التي واجهتهم وكيفية معالجتها في نظام إسلامي يحرم في أولى بنوده الربا ومثيلاته. ولو كان بالإمكان جعل هؤلاء المتخصصين في هيئة استشارية عالمية دائمة يكون مقرها إحدى الدول الإسلامية لتكون مرجعاً لجميع المؤسسات والبنوك التي تحاول العمل بنظام مالي إسلامي. توحيد التعامل بعملة إسلامية على غرار العملة الأوربية المشتركة "اليورو" الأمر الذي سيعود بالخير والاستقرار على جميع الدول الإسلامية وسيوفر دعماً لجميع الدول في حالة إصابتها ببعض الانهيارات الاقتصادية التي قد تتأثر بها إحدى هذه الدول فتجد الأخيرة مسانداً من غير أن يؤثر ذلك على اقتصادها.

أحكام فن التمثيل في الفقه الإسلامي

أحكام فن التمثيل في الفقه الإسلامي ¤محمد بن موسى الدالي£بدون¥مكتبة الرشد – الرياض¨الأولى¢1429هـ€فقه¶تمثيل - رقص الخاتمة: في نهاية هذا البحث المتواضع، وبعد ذلك الجهد اليسير أتوجه إلى الله تبارك وتعالى بالحمد والثناء على أن منَّ عليَّ بفضله وتوفيقه حتى أتممت هذا البحث، سائله جل وعلا أن ينفع به، وأن يجعل ما كتبته فيه خالصا لوجهه الكريم، كما أسأله جل ذكره المزيد من فضله وتوفيقه لما يحبه ويرضاه. كما يحسن بي في هذا المقام أن أشير باختصار إلى ما توصلت إليه من نتائج خلال هذا البحث، وهي كالآتي: 1 - جواز التمثيل بالشروط والضوابط الشرعية السالف ذكرها، وأن من قال بالتحريم، فإنه إما متوجه إلى التمثيل المتحلل من كل القيود والضوابط الشرعية، وهذا محرم باتفاق، أو متوجه إلى التمثيل ككل، وقد تبين من خلال الأدلة عدم قوة هذا القول. 2 - أن من أهم شروط جواز التمثيل بعد تجريده من سائر المحرمات الموجودة في التمثيل الهابط الموجود في الساحات، ومن أهم هذه الشروط هو عرض الأعمال الدينية أو التاريخية على لجان علمية شرعية متخصصة، واعية للفكر الذي تحمله تلك الأعمال. 3 - كون التمثيل يأتي في مرحلة متأخرة بعد الكتاب والسنة وانتهاج منهج السلف الصالح في الدعوة إلى الله، وأنه متى تيسر دعوة الناس بهذه الأصول ففيها غنية عن سواها. 4 - تحريم تمثيل الذات الإلهية، وأن هذا من الكفر البواح، كما يحرم تمثيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما يحرم تمثيل الصحابة كلهم على ما اخترته، وتحريم تمثيل سائر ما يتعلق بعالم الغيب من ملائكة أو شياطين. 5 - أنه لا مانع من تمثيل الأئمة والعلماء والصالحين والقادة والزعماء إذا ما كانت المصلحة تقتضي ذلك، كما يجوز تمثيل القصص القرآني، مع الالتزام بسائر ما ذكر من شروط وضوابط شرعية. 6 - تحريم تمثيل القصص الأسطوري والخيالي، إلا ما كان نافعا في أمر من أمور الدنيا، كالأعمال الهندسية أو الطبية، والتي لا يحيلها العقل أو العلم الحديث. 7 - أنه لا يجوز بحال التلفظ بأي لفظ من ألفاظ الكفر، من سب لله تعالى أو لرسوله أو لكتابه أو لدينه أو اللمز بشيء من شرائع الإسلام، وأن هذا موجب لردة قائله، مهما كانت المصالح المنشودة من وراء تلك الأعمال، حيث كانت مفسدة التلفظ بالكفر أعظم من تلك المصلحة، وقد جاءت الشريعة بجلب المصالح ودفع المفاسد. 8 - أن الممثل الكافر لا يكون مسلما بمجرد النطق بالشهادتين، دون تصديقهما أو العمل بمقتضاهما، من الالتزام بسائر أحكام الإسلام الأخرى، من صلاة وزكاة وصيام وحج، مع الإقرار التام والإذعان لشرع الله. 9 - أنه لا يجوز إقرار الممثل الكافر على قول أو فعل الكفر، أو إظهار أي شعيرة من شعائر دينه الباطلة. 10 - أن بيع الممثل وسائر ما يجريه من عقود مالية من بيع أو شراء أو إقرار ونحو ذلك أثناء العمل التمثيلي لا يلزمه شيء منها على الراجح من أقوال أهل العلم، بخلاف نكاحه وطلاقه فإن هزله بها واقع على ما عليه الأكثرون. 11 - تحريم وقوع عقد النكاح أو الطلاق أثناء العلم التمثيلي لما لهذه العقود من خطر واحترام في الشرع. 12 - بطلان نكاح الممثلة نفسها أثناء العمل التمثيلي، بناء على أن الولي شرط في صحة النكاح، وهذا لا يعني حل هذا العمل، بل هو محرم، كذلك إذا كان العاقد لها أجنبياً عنها، أما إذا كان العاقد وليها الأصلي كأبيها أو أخيها فإن الراجح انعقاد النكاح.

13 - تحريم نسبة الممثل إلى غير أبيه ابتداء لتحريم التبني، أما إذا كان قد اشتهر بهذه النسبة، ولم يذكر إلا على وجه التعريف، ولم ينسلخ من أبيه كما جاء في الصور المحرمة شرعا، أو كان ذلك في العمل التمثيلي وينتهي بمجرد إنهاء العمل فلا بأس بذلك. 14 - أن يمين الممثل يمين منعقدة على الصحيح؛ وذلك أنه قصد اللفظ، وهو السبب الذي جعله الشارع موجبا فإما أن يبر بيمينه أو يخالف ويُكَفِّر، فالأسلم بالنسبة للممثل في حال قسمه بالله، إما أن يقسم على شيء يمكنه فعله ويفعله؛ ليكون قد التزم بيمينه، أو يترك الحلف مطلقا؛ إذ لا حاجة إليه. 15 - أنه لا يجوز الحلف بغير الله، أو بملة غير الإسلام، أو باللات والعزى، أو هو يهودي أو نصراني ونحو ذلك من صور الحلف المحرم، أو الحلف الكاذب، وإذا وقع شيء من ذلك أثناء التمثيل كان حراما، وهو مما لا يجوز أن يدخله الهزل. 16 - لا يجوز تقليد الحيوانات في أي شيء من خصائصها، سواء في أصواتها أو حركاتها، إلا ما وقع على وجه المداعبة للصغار لإدخال السرور عليهم، فإذا ما فعله الممثل على هذا الوجه المذكور كان جائزا، وهو عام يشمل ما إذا كان في أصواتها أو هيئتها. 17 - لا يجوز للممثل السجود لغير الله، وقد جاءت الشريعة بتحريم التشبه بالكفار في كل ما هو من خصائصهم، ولا شك أن السجود لغير الله من أعظم خصائصهم. 18 - يحرم على الممثل التزيي بزي الكفار بناء على الأصل السابق من تحريم التشبه بهم، كبعض البرانيط، وأغطية الرأس، إلا ما زال عن كونه شعارا للكفار فإنه يجوز فعله ما لم يكن محرما لعينه. 19 - إذا كان هناك مصلحة في التزيي ببعض أزياء الكفار، كبيان صورة انهزام العدو، وفراره وهروبه من صف المعركة وانخذاله، والصورة لا تكون كاملة إلا بأن يظهر هؤلاء الكفار كما لو كانوا حقيقة، فقد تسوغ هذه المصلحة هذا الفعل. 20 - يحرم التشبه بالفساق، وقد جاءت نصوص الشريعة بذلك، والممثل في تشبهه بالفساق له أحوال: الأولى: إما أن يكون على وجه الدعوة إلى هذا الفسوق، فهذا حرام. الثانية: ألا يكون على وجه الدعوة، لكن يعرض العمل ويقر هذا النوع من الفسوق فيه، وهو حرام أيضا. الثالثة: أن يكون للتنفير منه وبيان عاقبته وسوئها، فهذا جائز بشروط وضوابط، أهمها ألا تكون الجريمة مشتهرة معروفة عند الناس، فالأولى حينئذ عدم تناولها بالعرض. 21 - لا يجوز الاستعانة بغير المسلم في الوظائف الخطيرة، كالإخراج والتأليف وكتابة الحوار والإنتاج، أما إذا كانت الأعمال التي يستعان بهم عليها من الأعمال التي لا تؤثر، ولا يكونون فيها إلا مجرد عناصر غيري فاعلة، كالمصور، ومصمم اللوحات، ومسجل الصوت، فالأقرب جواز الاستعانة بهم في نحو ذلك. 22 - لا يجوز للممثل غير المسلم أن يمسك القرآن، أو حتى صورته غير الحقيقية حتى لا يغتر بذلك فيعتقد جواز ذلك له. 23 - أن الممثل غير المسلم الذي أتى بجزء من الصلاة أثناء العمل التمثيلي، كالقيام أو الركوع أو السجود، ونحوها دون أن يعتقد الإسلام مع تصريحه بذلك، بل ودون أن يأتي بأي ذكر أثناء صلاته، أنه لا يحكم بإسلامه بمجرد ذلك. 24 - أن الممثل غير المسلم يجوز له يأتي بما ليس خاصا بالمسلمين من هيئات العبادة كالسجود والركوع أو رفع يديه بالدعاء؛ إذ غايتها هيئة تعظيم لله عز وجل، إلا إذا علم أنه أراد بذلك الاستهزاء فإنه يمنع من ذلك. 25 - يجوز للممثل أو المصور غير المسلم دخول المسجد على ما اخترته، بالشروط والضوابط المذكورة آنفا. 26 - الأحوط للممثل ألا يركب اللحية المستعارة، بل يعفي لحيته ويقوم بالعمل الذي يتطلب ذلك.

27 - يجوز للممثل تغيير سواد الشعر أو اللحية أو الأبيض إذا تطلب العمل التمثيلي ذلك، بناء على أن الأصل الحل والإباحة. 28 - يجوز للممثل وضع المساحيق التي يحتاجها الدور بالشروط السابق ذكرها، مع كون أبرز تلك الشروط عدم الضرر عليه في ذلك. 29 - أنه يجوز للممثل أداء بعض الشخصيات التي قد تكون مصابة بعمى أو شلل أو صمم أو خرس، أو عرج أو حدب، على تفصيل في ذلك، إلا ما كان على وجه التنقص فإنه يحرم فعل ذلك. 30 - لا يجوز للممثل أن يعرض نفسه للمخاطر، كأن يقفز من أماكن مرتفعة أو يعرض نفسه للحرائق ونحوه، إلا إذا قام بهذه الأعمال شخص متمرس عليها، لا يلحقه بذلك ضرر وأذى لخبرته. 31 - أنه لا يجوز للممثل بحال القيام بدور يتشبه فيه الرجال بالنساء أو بالعكس، لما في الشريعة من تحريم ذلك والتشديد فيه. 32 - إذا كان لابد في العمل التمثيلي من إظهار الممثل وهو يصلي، فلا يجوز له أن يصلي جزءاً من الصلاة، بل يأتي بصلاة كاملة تامة الشروط والأركان والواجبات. 33 - جواز الرقص للرجال أثناء العمل التمثيلي كالرقص بالسيف أو بالرماح أو بالعصي، وذلك مع الالتزام بسائر شروط ذلك. 34 - لا يجوز الرقص مطلقا للنساء؛ سدا للذريعة، وحسما لمادة الفساد التي قد تترتب على ذلك، مع كون السنة لم تأت بذلك للنساء، إنما الوارد في العرس الضرب بالدف. 35 - أنه لا يجوز للمرأة مطلقا المشاركة في الأعمال التمثيلية، سواء كانت من القواعد أم من الشابات، وسواء كانت بحجاب أم لا، وسواء في ذلك المرئية أم الإذاعية سدا للذريعة، سوى ما قد يكون بينها وبين النساء خاصة في المجامع النسائية كالمدارس النسائية، ونحوه. 36 - أنه يجوز للمرأة مشاهدة الأعمال التمثيلية الهادفة التي تقدم عبر شاشات التلفاز أو المسرح، إلا أن هذا مشروط بعدم الفتنة أو قصد التلذذ بالنظر إليهم، فإذا وجد ذلك كان محرماً عليهن، كما يجوز لهن مشاهدة البرامج الدينية أو العلمية النافعة. 37 - تحريم الاختلاط بين الذكور والإناث حتى في الأعمار الصغيرة جدا. 38 - أنه لا بأس في أخذ الممثل أجرا على عمله التمثيلي المباح، الملتزم بشروط الجواز فيه، إذ هذا ما تقتضيه قواعد الشرع. 39 - أن الممثل إذا تاب من التمثيل المحرم، فإن كانت توبته بمجرد علمه بالحكم، وكان جاهلا بالتحريم قبل البيان، فإن أمواله حلال له، وأما إذا كان الممثل عالما بالتحريم ابتداء، أو كان جاهلا به ثم علم وأصر ولم يتب، ثم تاب بعد ذلك، وقد جمع مالا، فهو مالا محرم لا يجوز إبقاؤه. 40 - أن الصحيح أن الممثل إذا أراد أن يتخلص من أمواله التي جمعها من أعمال تمثيلية محرمة أنه لا يردها على الذي أخذها منه، من منتج أو موزع أو شركة اسطوانات ونحوه، وحينئذ يجب التخلص منها، وذلك بإنفاقها في وجوه الخير على الراجح، بل وحتى الممثل التائب يأخذ منها ما يكون رأس مال له. 41 - على ما ترجح تجب الزكاة في أموال الممثل التي جمعها من أعمال محرمة باعتبار تعلق حق الغير بها. 42 - أن إتلاف الأموال في الأعمال التمثيلية على ثلاثة أوجه، إما أن تكون أعمالا كوميدية أو أعمالا عنيفة، فهذه لا يجوز إتلاف الأموال فيها، أما إذا كانت تلك الأعمال طيبة تحمل أهدافا كريمة، كبيان انتصارات المسلمين في الملاحم العسكرية، أو انهزام صف الكفار، ونحو ذلك فإن هذه النفقات جائزة؛ لأنها بمثابة ثمن الآلة في أي عمل.

43 - إذا تمحضت المصلحة في التمثيل داخل المسجد فإنه لا بأس بذلك بشرط التزام سائر فريق العمل بالأحكام الواجبة للمسجد، من وجوب التطهر للبقاء فيه، وأداء تحية المسجد عند دخوله، وعدم فعل ما يخل بحرمته، من تدخين وبصاق وبيع وشراء ورفع أصوات ولغط وشجار ونزاع أو سباب ولعان وشتم، ونحو ذلك مما فيه امتهان وانتهاك لحرمته. أما إذا كانت المصلحة متمحضة لغير الإسلام فإنه لا يجوز ذلك، مع كون الأفضل الاستغناء عن ذلك بالمجسمات صيانة للمسجد. 44 - لا بأس بدخول أماكن عبادة غير المسلمين حيث كانت المصلحة متحققة في ذلك، كالدخول لأداء الأعمال التمثيلية، وذلك مشروط بكون الهدف من هذه الأعمال نافعا، فهو الذي يحقق المصلحة، كأن يكون المقصود بيان ما هم عليه من الضلال والغي والكفر، أو بيان كيدهم ومخططاتهم ضد الإسلام وأهله، أما دخولها مع إقرار أهلها على ما هم عليه من الباطل فإن هذا لا يجوز. 45 - لا يجوز إتلاف آلات اللهو التي يمكن استعمالها استعمالا مباحا بعد إذهاب ما فيها من مادة الفساد، إلا إذا رأى الحاكم إتلافها تعزيرا وعقوبة لأصحابها، ومن ذلك أشرطة الفيديو أو أشرطة العرض التي حفظت عليها أعمال تمثيلية محرمة فإنه يمكن أن تمسح المادة من عليها ويعاد استعمالها مرة ثانية، أما إذا كان لا يتصور لهذه الآلات إلا الاستعمال المحرم فإن الواجب إتلافها لكن بشرط ألا يترتب على ذلك فتنة. 46 - الواجب على من أتلف هذه الآلات ضمانها وذلك فيما إذا أمكن استعمالها على وجه مباح بعد إذهاب ما فيها من منفعة محرمة، أما إذا كانت لا تستعمل إلا على الوجه المحرم فالأظهر عدم الضمان، إلا إذا رأى ولي الأمر الإلزام بذلك كسياسة لمنع الفتن والفساد. 47 - إذا كانت هذه الوسائل يمكن استعمالها على وجه مباح بعد الإتلاف فلا بأس بالتبرع بها، وذلك بعد إتلاف ما فيها مما يستعمل استعمالا محرما. 48 - جواز التصوير السينمائي لما فيه مصلحة دينية أو دنيوية، كأن تصور بها المحاضرات الدينية أو الدروس والبرامج العلمية، أو تصوير ما يصيب أو يحل ببعض البلاد من مآس وأحزان، أو تصوير الظواهر الكونية ونحو ذلك. 49 - جواز استماع الأناشيد بالشروط والضوابط المذكورة، وأنه يجوز أن يستعمل النشيد كمؤثر صوتي، كما يمكن الاستغناء عن ذلك بتلاوة آية من كتاب الله تناسب الحدث المعروض، فإن كان يتناول الخروج للجهاد قرئت آيات في ذلك، أو قرئ حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل نفس المعنى، وهكذا. 50 - لا يجوز الذهاب لدور عرض الأعمال التمثيلية الموجودة في الساحة حاليا من مسرح أو سينما ونحوه، لاشتمالها على أنواع من المحرمات شتى، أما الذهاب إلى دور العرض التي لا تعرض من الأعمال إلا ما كان هادفا – وما أقلها وأندرها – فإنه يجوز ذلك بشروط وضوابط سبق بيانها، مع كون الأحرى بالمسلم أن يربو بنفسه عن هذه الدور، سيما أنه يمكن الآن مشاهدة تلك الأعمال عبر الفيديو أو أشرطة الكمبيوتر. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام

أحكام نقل أعضاء الإنسان في الفقه الإسلامي

أحكام نقل أعضاء الإنسان في الفقه الإسلامي ¤يوسف بن عبدالله الأحمد£بدون¥كنوز إشبيليا - الرياض¨الأولى¢1427هـ€فقه¶طب وصحة - الموت الدماغي وزراعة الأعضاء الخاتمة الحمد لله الذي منّ علي بإتمام هذا البحث وأسأل الله الكريم أن يبارك فيه وأن أكون قد وفقت فيه للصواب. وقد اشتمل البحث على أربعة أبواب، فكان الباب التمهيدي: في دراسة القواعد والأصول الشرعية التي يتخرج عليها الحكم في نازلة نقل الأعضاء، والأبواب الثلاثة المتبقية: في الدراسة التفصيلية لمسائل نقل الأعضاء، بدءً بالتصور الطبي لكل مسألة، ثم بدراسة الجانب الشرعي فيها. وأعرض هنا ملخصا لأهم نتائج البحث: أولا: القول الراجح الشرعي في حكم التداوي: إنه تعتريه الأحكام الفقهية الخمسة، الواجب والاستحباب والإباحة والكراهة والتحريم، والمؤثر في تحديد الحكم، قواعد الضرورة ورفع الحرج والنظر في المآل وقاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد. ثانيا: إن الله تعالى أوجب على العبد حفظ نفسه وجعل العبد صاحب الحق في بدنه بالإذن والمنع فيما أباح الله، ويشمل ذلك ما يكون في حياته وما يأذن به بعد وفاته، وإن أولياء الميت هم أصحاب الحق في بدنه من بعده فيكون لهم من بعده حق الإذن والمنع في بدنه فيما أباح الله جل وعلا وما يعود عليه بالنفع. ثالثا: لا يجوز بيع أعضاء الإنسان وقد تتابع العلماء المعاصرون على هذا الحكم. رابعا: القول الراجح في بدن الإنسان: أنه طاهر في حال الحياة وبعد الممات مسلما كان أو كافرا. خامسا: أجمع العلماء على نجاسة دم الإنسان ولا يعفى عنه إلا اليسير وقد حكى الإجماع أو الاتفاق عليه – فيما وقفت عليه - تسعة من أهل العلم ولم أقف بعد البحث على خلاف إلا من بعض العلماء المتأخرين وهم: الشوكاني وصديق حسن خان والألباني رحمهم الله. سادسا: حقيقة الموت والوفاة شرعا: مفارقة الروح للبدن، وخروج الروح إنما يعرف بالعلامات الحسية للموت ولا يثبت الموت إلا بعد تحقق العلم اليقيني بالموت فلا يكفي مجرد الشك أو غلبة الظن. سابعا: حقيقة الموت الدماغي طبيا: توقيف في وظائف الدماغ توقفا لا رجعة فيه، واختلف أهل الاختصاص الطبي في تحديد هذا التوقف على رأيين: الرأي الأول: أن موت الدماغ هو توقف جميع وظائف الدماغ (المخ والمخيخ وجذع الدماغ) توقفا نهائيا لا رجعة فيه، وهذا رأي المدرسة الأمريكية. الرأي الثاني: أن موت الدماغ هو توقف وظائف جذع الدماغ فقط توقفا نهائيا لا رجعة فيه، وهذا رأي المدرسة البريطانية. ويتبع هذا الخلاف خلافات تفصيلية في شروط تشخيص الموت الدماغي، وخلافات أخرى لا علاقة لها باختلاف المدرستين في تعريف الموت الدماغي، ومن ذلك: اختلافهم في تطبيق مفهوم موت الدماغ في الأطفال فعدد من مراكز زراعة الأعضاء العالمية تستبعد الأطفال من تطبيق موت الدماغ. ثامنا: القول الراجح في الموت الدماغي: أنه ليس نهاية للحياة الإنسانية، بل يعتبر الميت دماغيا من الأحياء، فالموت الدماغي لا يعني خروج الروح، والأصل بقاء الروح، وأكثر الأطباء الاستشاريين الذين كتبوا الاستبانة العلمية عن الموت الدماغي، يرون أن الميت دماغيا لم يصل إلى مرحلة الموت النهائي، وأنه لا تطبق عليه أحكام الموت الشرعية.

ثم إن حال الميت دماغيا بأوصافه المذكورة في مبحث التصور الطبي تدل في ظاهرها على بقاء الحياة فالقلب ينبض والدورة الدموية تعمل وعامة أعضاء البدن سوى الدماغ تقوم بوظائفها كالكبد والكلى والبنكرياس والجهاز الهضمي والنخاع الشوكي وغير ذلك، ولذلك فإنه يتبول ويتغوط ويتعرق وحرارة جسمه ربما تكون مستقرة كحرارة الحي السوي (37 درجة مئوية) وربما تكون مضطربة أو منخفضة، وهو مع ذلك فإنه قد يصاب بالرعشة وقد يصاب بخفقات القلب أو بارتفاع الضغط أو بانخفاضه وقد يتحرك حركة يسيرة، كحركة أطراف اليدين أو القدمين، وقد يتحرك حركة كبيرة كرفع إحدى اليدين أو إحدى القدمين أو رفع اليدين مع العاتقين إلى الأعلى وهي الحركة المسماة بـ (حركة لازارس) وتظهر هذه الحركات غالبا عند رفع المنفسة أو عند الضغط على بعض أعضاء الميت أو عند فتح صدره وبطنه لاستئصال أعضائه أو عند قطع الأوعية الكبيرة عند استئصال أعضائه. وعند عملية استئصال أعضائه فإن طبيب التخدير يحقنه بدواء (مشلل أو مرخي للعضلات) ويبقى طبيب التخدير في مكان مراقبة المريض في نبضه وضغطه وغير ذلك, فإذا انخفض ضغطه حقنه بدواء يرفع الضغط فيستجيب بدن الميت دماغيا إلى الحال المطلوب فظاهر من هذه حاله أنه من أهل الحياة. وهذا القول هو قرار هيئة العالم الإسلامي وما أفتى به لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف بالكويت، خلافا للمشهور بين الأطباء والعاملين في مراكز زراعة الأعضاء. تاسعا: نقل الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان من الميت دماغيا له حالان: الحال الأولى: أن يكون النقل من مسلم وحكمه التحريم لأن أعضاءه لا تؤخذ إلا بقتله فيكون حينئذ قتل عمد موجب للقصاص. الحال الثانية: أن يكون النقل من كافر وله صورتان: الصورة الأولى: أن يكون النقل من كافر معاهد في بلاد الكفار إلى مسلم سواء أكانت زراعة العضو في بلادهم أو بنقل العضو إلى بلاد المسلمين لزراعته في معصوم [الدم]، فالأصل في هذه الصورة الجواز لأننا لم ننقض العهد الذي بيننا وبينهم. الصورة الثانية: أن يكون نقل العضو من كافر معاهد في بلاد المسلمين إلى معصوم، وهذه الصورة لم يتبين لي وجه الجواز فيها فهي محل اشتباه وتوقف والله تعالى أعلم بالصواب. عاشرا: يجوز نقل الدم والنخاع للعلاج ولم أقف على من خالف في هذا الحكم من العلماء المعاصرين. حادي عشر: يجوز النقل الذاتي للجلد والعظام ولم أقف بعد البحث على من قال من أهل العلم المعاصرين بخلافه. ثاني عشر: يجوز نقل الجلد والعظام وقرينة العين من الأموات، من البنوك العالمية للأعضاء التي توجد في غير بلاد المسلمين. ثالث عشر: نقل الكلية من الأحياء، فيها خلاف قوي بين العلماء المعاصرين ولعل الأقرب إلى الرجحان فيها هو القول بالتحريم لأن ضرورة علاج الفشل الكلوي مدفوعة بالغسيل الدموي أو البريتوني، فلا ضرورة شرعية حينئذ تبيح استئصال الكلية من المعصوم ويتحمل لأجلها المضاعفات التي قد تلحق المتبرع والمتلقي وبعضها في غاية الخطورة رابع عشر: لا يجوز للمبصر بعينيه أن يتبرع بقرنيتيه ولم أقف على من خالف في هذا الحكم من العلماء المعاصرين، ولا يجوز له أيضا أن يتبرع بإحدى قرنيتيه على القول الراجح. خامس عشر: لا يجوز نقل الصمامات القلبية من الموتى دماغيا أو من الموتى حقيقية من المسلمين لأن ضرورة المريض مدفوعة بالصمام الصناعي أو الحيواني، أما نقله من الموتى دماغيا حقيقة من غير المسلمين فهو محل اشتباه وتوقف ولم يتبين لي وجه الرجحان فيه والله تعالى أعلم بالصواب.

سادس عشر: يجوز النقل الذاتي للصمام في القلب وهو استبدال صمام الأبهر المصاب بالصمام الرئوي ويجوز أيضا النقل الذاتي للشريان الصدري الداخلي أو الشريان الوحشي في الذراع أو بعض شرايين المعدة أو أوردة الساق والفخذ لعلاج ضيق الشرايين التاجية في القلب، بجعل الشرايين والأوردة المزروعة وصلات لتخطي مكان الضيق في الشرايين التاجيه ولم أقف بعد البحث على من قال من أهل العلم المعاصرين بمنع النقل الذاتي لها. سابع عشر: القول الراجح في نقل الأعضاء التناسلية هو التحريم مطلقا لأن زراعة الأعضاء التناسلية من العمليات الخطيرة التي لا تجوز إلا في الضرورة وعلاج العقم ليس من الضرورة الشرعية لأفراد الناس، ثم إن عمليات زراعة الأعضاء التناسلية قد هجرت من الناحية الطبية بسبب عدم نجاحها في الجملة وبسبب إمكان علاج المريض بغير الزراعية في كثير من الأحوال. وتعظم الحرمة إذا كانت العورة هي العورة المغلظة أو مما ينقل الصفات الوراثية (الخصية والمبيض) لما في نقل العورة المغلظة من امتهان ظاهر للمتبرع والمتلقي ولما في نقل الخصية والمبيض من اختلاط الأنساب وقد أمر الشرع بحفظها. ثامن عشر: الأقرب إلى الرجحان هو القول بمنع إعادة العضو الذي قطع في حد السرقة أو الحرابة لأن إبانة اليد هو مقتضى القطع والجزاء والنكال الذي أمر الله تعالى به في آية السرقة ولما في إعادة العضو من معنى الاستهانة بحد السرقة والحرابة والحيلة عليه، وإذا علم السارق بأن يده ستعاد كما كانت بعد القطع هان عليه الحد وتجرأ على السرقة. تاسع عشر: مسألة إعادة العضو الذي قطع في قصاص لا يخلو من حالين: الحال الأولى: أن يتمكن المجني عليه من إعادة العضو المقطوع منه أو أن يأذن المجني عليه بعد تنفيذ القصاص بإعادة العضو المقطوع، الحكم هنا هو الجواز ولم أقف على من قال بمنع إعادة العضو المقطوع في هاتين الصورتين. الحال الثانية: إذا لم تحصل الإعادة أو الإذن من المجني عليه فلعل أرجح القولين هو القول بمنع إعادة العضو المبتور في قصاص لأنه بإعادة العضو لا يتحقق تمام القصاص ولما يترتب على إعادة العضو أيضا من مفاسد تنافي مقصود القصاص كجرأة الجناة وإيغار الصدور وإثارة العداء. العشرون: الأرجح جواز إعادة العضو المبتور خطأ أو بغير حق. الحادي والعشرون: نقل العضو المبتور حدا أو قصاصا من صاحب العضو على شخص آخر محتاج لهذا العضو: هذه المسألة لم أقف على من بحثها من العلماء المتقدمين أو المعاصرين ولم أقف أيضا على وقوعها من الناحية الطبية العملية وإن كانت ممكنة من الناحية الطبية النظرية، وقد ظهر لي قوة وجه الجواز ولكن هذا لا يعني جزما الترجيح والله تعالى أعلم بالصواب. الثاني والعشرون: لا يجوز إسقاط الجنين في جميع مراحله من أجل الانتفاع بأعضائه ولا يجوز أيضا أخذ أعضاء الجنين إذا سقط بسبب ذاتي أو محدث بعد مضي الحياة فيكون أخذ الأعضاء منه حينئذ قتلا له. الثالث والعشرون: السقط عديم الدماغ لا يجوز الانتفاع بأعضائه بعد نفخ الروح، لأن ثبوت موت جذع الدماغ في السقط عديم الدماغ عسير جدا وسبب العسر أن أكثر وسائل تشخيص موت الدماغ غير ممكنة إلا فحص التنفس وهذا محل إشكال كبير عند الأطباء، والإنسان مادام يتنفس بالمنفسة وقلبه ينبض فأخذ الأعضاء منه والحالة هذه قتل له كما سبق.

الرابع والعشرون: إذا سقط الجنين لأقل من مائة وعشرين يوما وجزمنا بأنه لم ينفخ فيه الروح وكان سبب سقوطه مباحا فإن الانتفاع بأنسجته لإنقاذ مسلم معصوم من الهلكة أو الضرر جائز إن شاء الله تعالى، عملا بقاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد فالانتفاع بأنسجته في علاج المريض المسلم مصلحة تربو على مفسدة تشريح النطفة أو المضغة أو العقلة وأخذ الأعضاء منه، والله تعالى أعلم بالصواب. الخامس والعشرون: لا يجوز تلقيح البويضات في المعامل لأجل الانتفاع بأنسجتها لما في ذلك من امتهان الإنسان الذي كرمه الله. السادس والعشرون: ما يجوز نقله من الأعضاء مما ذكر إنما يجوز وفق الشروط العامة التي لابد من اعتبارها في نقل أي عضو من الأعضاء وهذه الشروط هي: 1 - ألا يترتب على المتبرع ضرر بذهاب نفسه أو منفعة فيه كالسمع والبصر والمشي ونحو ذلك حفظا لحق الله تعالى. 2 - ألا يكون النقل إلا بإذن المنقول منه حفظا لحق العبد في بدنه وأخذ العضو دون إذنه ظلم واعتداء. 3 - أن يكون إذن المنقول منه وهو كامل الأهلية فلا يصح من الصغير والمجنون أو بأسلوب الضغط والإكراه واستعمال أساليب الحيل والإحراج حفظا لحق العبد في بدنه. 4 - ألا يكون النقل بطريق تمتهن فيه كرامة الإنسان كالبيع، وإنما تكون بطريق الإذن والتبرع. 5 - أن يكون المنقول له معصوم الدم فهو الذي أوجب الشرع حفظ نفسه بخلاف مهدر الدم كالحربي. 6 - أن تحفظ العورات فلا يجوز الكشف عليها إلا عند الضرورة أو الحاجة الملحة والضرورة والحاجة تقدر بقدرها. 7 - إعمال الأطباء الذين يشرفون على علاج المريض قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد للمريض والمتبرع، فلا يجري [الطبيب] عملية النقل وانتفاع المريض بها مرجوح، ولا ينقل العضو من الإنسان مع إمكان علاج المريض بوسيلة أخرى، وغير ذلك من الصور والأحوال التي يدور عليها تصرف الطبيب مع المريض بإعماله لقاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد. السابع والعشرون: التوصيات والمقترحات: أولا: يبني الفقهاء قولهم في بعض المسائل الفقهية على قول الطبيب ويقيدون أحيانا بالطبيب الثقة أو الطبيب العدل أو الطبيب الحاذق أو الطبيب المسلم وربما جمعوا بعض هذه الأوصاف. وفي وقتنا المعاصر اتسعت دائرة النوازل الطبية الكبرى ومن خلال المجلات الطبية المحكمة وتنوع الطب إلى تخصصات تفصيلية فالمتخصص في الطب النفسي قد لا تكون لديه المعلومات الوافية عن مفهوم الموت الدماغي، والمتخصص في طب العظام قد لا تكون لديه المعلومات الوافية عن زراعة القلب، وأحيانا أصحاب التخصص أنفسهم قد تخفى عليهم بعض المعلومات المهمة في تخصصهم، ومن تجربتي في ذلك: أحد أسئلة الاستبانة كان عن حركة الميت دماغيا وكانت إجابة أحد عشر طبيبا استشاريا بأن الميت دماغيا لا يتحرك، وكان من بينهم أربعة استشاريين من ذوي التخصص الدقيق (المخ والأعضاء) مع أن حركة الميت دماغيا من الأوصاف المعروفة والثابتة علميا وقد شاهدتها بنفسي واطلعت على أكثر من عشر دراسات طبية منتشرة في مجلات طبية محكمة تتحدث عن أنواع حركة الميت دماغيا، وبناء عليه فإن طرح السؤال من قبل لجنة شرعية على طبيب حاضر وتنزيل الحكم الشرعي على النازلة بناء على ما أدلى به الطبيب من معلومات فإن النتيجة قد لا تكون سليمة، ولذلك فإنه لابد من تحديد مفهوم الطبيب الثقة في البحوث الفقهية وفق المعطيات السابقة، والذي أقترحه أن يكون الوصول إلى المعلومات الطبية التي يحتاجها الفقيه من الوسائل الآتية:

1 - توجيه الأسئلة التي يحتاج الفقيه معرفتها إلى الأطباء فتكون الإجابة من عدد من الأطباء، وأن يكونوا من ذوي التخصص المعني بالمسألة المستجدة وربما احتيج إلى أكثر من تخصص طبي للنازلة الواحدة. 2 - جمع المعلومات الطبية التي يحتاجها الفقيه من الكتب المعتمدة عند أهل الاختصاص الطبي ومن المجلات الطبية العالمية المحكمة. 3 - القيام بعمل استبانة علمية إذا لزم الأمر لجمع أراء عدد كبير من الأطباء. 4 - القيام برحلة ميدانية في موضوع النازلة إذا كان للرحلة أثر في تجلية غموضها. ثالثا: وضع وسيلة مناسبة لتحقيق التعاون والتواصل بين الفقهاء والأطباء في دراسة النوازل الطبية. رابعا: عدد من النوازل الطبية بحاجة إلى المزيد من البحث والدراسة ومنها زراعة جزء من الكبد من الأحياء دماغيا وزراعة الشعر وجراحة التجميل بأنواعها وتقويم الأسنان وربط الأنابيب. خامسا: ظهر لي من خلال الرحلة الميدانية كثرة المخالفات الشرعية في أروقة المستشفيات وعلى رأسها الاعتداء على الحقوق الشرعية للمسلم بالاختلاط المحرم وكشف العورات وقد حصل الظلم على فئتين: الفئة الأولى: المرضى وخصوصا النساء في العيادات وغرف التنويم وغرف العمليات. الفئة الثانية: العاملات في الميدان الطبي الطبيبة والممرضة والإدارية ومن مظاهر الظلم عليها: إلزامهن بالكشف الطبي على الرجال والتعامل معهم ومنعهن من لبس الجلباب الشرعي، والمضايقة بكثرة الحديث معها والاتصال بها بحجة العمل، ويحصل ذلك في الأقسام الطبية وغيرها من أماكن الاختلاط، ومن مظاهر الظلم أيضا إلزامهن بمثل دوام ومناوبات الرجال وهذا يعيق اهتمامها ببيتها. والواجب شرعا على العاملين في الميدان الطبي العام والخاص وكذلك على المشايخ والدعاة أن يقوموا بواجب الإصلاح والتغيير وفق خطط مدروسة وقد فصلت الحديث عن هذه المواضيع وعلاجها في بحوث أخرى. وبهذا تنتهي الخاتمة وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ..

أخذ المال على أعمال القرب

أخذ المال على أعمال القرب ¤عادل شاهين محمد شاهين£بدون¥كنوز إشبيليا - الرياض¨الأولى¢1425هـ€فقه¶فقه عبادات منوعات الحمد لله الذي يسر بكرمه ومنه إنجاز هذا البحث، وأعان بقدرته على تجاوز عقباته، وما عرض من صعابه، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وفي هذه الخاتمة ـ نسأل الله حسنها ـ أذكر ملخصا لهذه الرسالة يعطي فكرة واضحة عن مضمونها، ومن خلال ذلك أبرز أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث في هذا الموضوع، والتي يغلب على ظني أنها جديرة بالذكر في هذا المقام. وهذه النتائج ـ في الحقيقة ـ تكشف عن سمات هذا البحث وأصوله العامة، وتعطي للقارئ تصورا عاما وسريعا عما حوته هذه الرسالة، وبيان ذلك على النحو التالي: 1 - لا تخفى أهمية المال في حياة الناس، ولهذا كان لابد له من مفهوم واضح بينهم، ونظرا لتنوعه وكثرة أشكاله وصوره في حياة الناس فقد ترك الشارع تحديد مفهومه لعرف الناس في تعاملاتهم، فكل ما عد في العرف مالا فهو المال. 2 - المال في الاصطلاح الفقهي شامل للأعيان والمنافع على السواء كما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وخالفهم في ذلك الحنفية، والحق هو ما ذهب إليه الجمهور، لكون المنافع هي المقصودة من الأعيان، ولولاها ما طلبت، ولأنه يمكن حيازتها بحيازة أصلها. ولأن الأخذ بهذا المفهوم للمال يجعل دائرته تتسع في هذا العصر، لتشمل الحقوق المعنوية كحق الابتكار والاختراع والحقوق الذهنية وغيرها. 3 - أنواع المال المأخوذ على القرب كثيرة من أهمها: الرزق ـ بالفتح والكسر في الراء ـ والأجرة والجعالة، والهدية، والوقف، والوصية، والزكاة. ويختلف حكم المال المأخوذ على القرب باختلاف هذه الأنواع على تفصيل في ذلك سبق بيانه 4 - الرزق هو من أهم أنواع المال المأخوذ على أنواع القرب، وهو ـ في الجملة ـ جائز بالاتفاق، إلا أنه وقع فيه خلاف في بعض المسائل كالقضاء وغيره، وذلك لمدارك أخرى. 5 - الرزق بمفهومه الخاص عند الفقهاء: (هو ما يرتبه الإمام من بيت المال لمن يقوم بمصالح المسلمين) وهذا النوع من الأرزاق خاص بما يؤخذ من بيت المال، إلا أن الرزق تتسع دائرته لتشمل ما كان من بيت المال، وما كان من غيره، نحو ما يؤخذ من الجمعيات الخيرية، وبعض الأفراد على أعمال القربة كتدريس القرآن والدعوة ونحو ذلك، ولهذا كان لابد من تعريف الرزق بمعناه العام، وهو أنه: ما يأخذه المسلم إعانة له على أعمال القرب التي يتعدى نفعها للمسلمين. 6 - الإجارة من أكثر أنواع المال المأخوذ على القرب أهمية نظرا لكثرة الخلاف فيها في جل الأبواب، ولهذا قمت ببيانها بتحديد معناها في اللغة والاصطلاح، وبيان حكمها وأقسامها وشروطها؛ لتعلق ذلك كله بمباحث الرسالة 7 - الجعالة صحيحة ومشروعة، خلافا للحنفية الذين عدوها من أنواع الإجارة الفاسدة أو الباطلة، وهي من المعاوضات المأخوذة على القرب، وإن اختلفت عن الإجارة في أشياء كثيرة، من كونها تصح مع جهالة العمل والعامل، وكونها عقد جائز لا لازم، وغير ذلك من الفروق. 8 - الهبة والوقف والوصية ونحوها مما يؤخذ على القرب تعد في حقيقتها في معنى الأرزاق للإعانة على الطاعة، وليست في معنى العوض، إلا أن الهدية قد تأخذ معنى العوض إذا كانت بسبب ولاية من الولايات الشرعية، فحينئذ تحرم على الصحيح. وقد تأخذ حكم الجواز إذا لم تكن بسبب الولاية، والأولى تركها. 9 - بيت المال، وهو الجهة التي تختص بكل ما يرد إلى الدولة أو يخرج منها مما يستحقه المسلمون من مال، وهو يشبه في هذا العصر ما يسمى بوزارة المالية أو الخزانة، وبيت المال يمثله إمام المسلمين أو من يعهد إليه بذلك.

ولبيت المال موارد كثيرة منها: الفيء، وزكاة الأموال الظاهرة، وخمس الخارج من الأرض من معدن، وكذا الخارج من البحر، وغير ذلك من الموارد التي سبق بيانها. 10 - ولبيت المال مصارف كثيرة ومتنوعة بحسب تنوع المال الموجود فيه. فالأموال الزكوية والصدقات مصرفها لمن سمى الله في كتابه، وهم الأصناف الثمانية المنصوص عليها. وأهم مصرف فيه هو الفيء، حيث يصرف منه كل ما يتعلق بالمصالح العامة للمسلمين، كعطاء الجند وأرزاقهم، وتكاليف الجهاد، والمصالح العامة للبلد من مساجد وطرق ومدارس ونحو ذلك، ورواتب الموظفين الذين يحتاج إليهم المسلمون في أمورهم العامة كالقضاة والمفتين والمحتسبين والأئمة والمؤذنين والمدرسين ونحوهم، ممن فرغ نفسه لمصالح المسلمين. 11 - القربة الشرعية: هي ما يتقرب به إلى الله، وهذا هو المفهوم الراجح لمعنى القربة، فإن للعلماء في تحديد معنى القربى اتجاهين: اتجاه يرى أن القربة هي نفس الشيء المتقرب به إلى الله، والاتجاه الآخر على أن القربة هي نفس فعل التقرب، دون النظر إلى ذات القربة من حيث هي. 12 - هناك فرق بين القربة وبين الطاعة والعبادة، فالطاعة أعم من القربة ومن العبادة، فكل قربة أو عبادة طاعة، ولا ينعكس، والقربة أعم من العبادة، فكل عبادة قربة، ولا ينعكس. 13 - القرب تتنوع من حيث حكمها التكليفي، ومن حيث العموم والخصوص، ومن حيث اشتراط النية فيها وعدمه، ومن حيث تعدي نفعها فاعلها وعدم تعديه، فهناك قرب عامة وقرب خاصة، وهناك قرب يشترط فيها النية، وقرب لا يشترط فيها ذلك، وهكذا. 14 - لا يجوز إجماعا الاستئجار على الصلاة عن الحي، سواء أكانت صلاة واجبة، أم كانت صلاة تطوع، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المرء قد تركها متعمدا أم تركها لعذر، وسواء أكان حين تركها صحيحا أم مريضا. 15 - الصلوات المنذورة التي تركها الميت ولم يوف بها يجوز على الراجح من أقوال الفقهاء قضاؤها عن الميت بأجرة، إذا لم يؤدها الولي عنه، ولم يتبرع أحد بأدائها عنه، وعليه فإن الإنسان إذا أوصى قبل موته بقضاء ما وجب في ذمته من صلاة نذر، وكان له تركة، استؤجر من تركته من يقضي هذه الصلوات عنه. 16 - إذا وجد متطوع بالأذان والإقامة حسبة لله تعالى، فإنه لا يجوز في هذه الحالة إرزاق غيره من بيت المال، ولا الاستئجار على هذه الشعيرة العظيمة، فإن عدم المتطوع جاز أخذ الرزق على الأذان حينئذ، وأما الأجرة فالصحيح الراجح من أقوال الفقهاء أنه لا يجوز الاستئجار على الأذان والإقامة إلا للحاجة أو الضرورة، وهي خشية تعطل هذه الشعيرة، وحاجة المؤذن لقوته الواجب. 17 - لا خلاف بين الفقهاء أن ما يعطاه الإمام في الصلوات من غير شرط أن ذلك جائز، سواء أكان ذلك رزقا من بيت المال، أم وقفا، أم هدية، أم نحو ذلك مما يكون على سبيل البر والصلة والإحسان، فإن لم يتيسر ذلك، فإنه لا يجوز الاستئجار على إمامة الصلوات إلا للحاجة أو الضرورة، كما سبق في الأذان 18 - عمارة المساجد وصيانتها من أجل القرب إلى الله تعالى، وقد اتفق الفقهاء على جواز الاستئجار على ذلك. 19 - لا يجوز باتفاق الفقهاء الاستئجار على صلاة الجنازة، أما تجهيز الميت ودفنه، فإنه إن كان فرض كفاية جاز الاستئجار عليه، وإن تعين فإنه لا يجوز ذلك. 20 - النيابة في العبادات التي لها تعلق بالمال كالزكاة والصدقات والمنذورات والكفارات ونحوها، تصح النيابة فيها بالاتفاق.

21 - العاملون على الزكاة هم من يوليهم الإمام جمع الزكاة، والقيام عليها، حتى تصل إلى مستحقها، وهؤلاء يستحقون العوض على عملهم على قدر عنائهم وعملهم وسعيهم، باتفاق الفقهاء؛ لأنهم أحد الأصناف الزكوية، وما يأخذونه إنما هو أجرة عمله وليس رزقا على الصحيح من أقوال الفقهاء رحمهم الله تعالى، ولهذا فإنهم يأخذون من الزكاة وإن كانوا أغنياء باتفاق الفقهاء. 22 - لا يجوز للعامل على الزكاة قبول هدية أرباب الأموال الزكوية بالاتفاق، سواء أذن له الإمام أم لا، وسواء كان للمهدي عادة بإهداء العامل قبل ولايته أم لا على الصحيح. 23 - الحي القادر على الصيام بنفسه لا يجوز بالإجماع النيابة عنه في فعله، أما إن كان عاجزا، سواء أكان عجزه عجزا دائما أم مؤقتا، فهذا لا تجوز النيابة عنه كذلك بالإجماع، سواء أكان ذلك في الصوم الواجب أم في صوم التطوع. 24 - أجمع العلماء على عدم صحة الإجارة على صوم الفرض عن الحي العاجز عن الصوم بنفسه، سواء أكان عجزه دائما أو مؤقتا، وكذلك اتفقوا على عدم جواز الاستئجار على صوم التطوع عن العاجز، ولم يخالف في ذلك سوى ابن حزم فقال بالجواز، وهو قول مردود. 25 - إذا مات المسلم وقد وجب عليه صوم، سواء أكان صوما من رمضان، أم من نذر، أم من كفارة فله حالتان: الأولى: أن يموت قبل تمكنه من صيام ما وجب عليه لعذر شرعي، ففي هذه الحالة لا شيء عليه، وتبرأ ذمته بذلك الثانية: أن يموت بعد تمكنه من صيام ما وجب عليه، ولكنه فرط في الصيام إلى أن أدركه الموت، وفي هذه الحالة فإن الراجح من أقوال الفقهاء أنه يستحب لوليه قضاء ما وجب عليه من صيام، سواء أكان صوما من رمضان، أم من نذر، أم من كفارة، وكذلك تصح نيابة الأجنبي عنه كما تصح من الولي. 26 - تصح الإجارة على الصوم الواجب على الميت بالنذر فقط دون غيره من الصوم الواجب بأصل الشرع، على الصحيح من أقوال الفقهاء 27 - الاعتكاف عبادة بدنية محضة، ولا تصح النيابة فيها عن الحي باتفاق الفقهاء، أما عن الميت فإنه يستحب للولي النيابة عنه في قضاء ما وجب عليه من الاعتكاف، وعليه فإنه لا يصح الاستئجار على الاعتكاف عن الحي بالاتفاق، أما عن الميت فالصحيح جواز ذلك. 28 - أجمع العلماء على أن الحي القادر المستطيع للحج بنفسه وماله لا يجوز له أن يستنيب غيره في الحج الواجب، بل يجب عليه أن يحج بنفسه، فإن كان الحج تطوعا جاز له أن يستنيب على الصحيح وأما العاجز عجزا دائما بنفسه وماله، فهذا لا حج عليه أصلا، فلا يلزمه استنابة غيره للحج عنه، فإن عجز عن الحج ببدنه عجزا دائما ولكنه يملك المال الذي يكفي للحج، ووجد من ينوب عنه في الحج، فالصحيح الراجح من أقوال الفقهاء أنه يجب عليه أن يستنيب غيره ليحج عنه الحج الواجب عليه. فإن كان عجزه مؤقتا فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجب عليه الاستنابة، فإن استناب غيره حال عجزه، فالصحيح أن الاستنابة لا تصح في هذه الحالة، وإن صح لزمه الحج بنفسه. أما في حج التطوع فإنه يجوز للعاجز سواء كان عجزه دائما أم مؤقتا أن يستنيب غيره ليحج عنه حج التطوع، على الصحيح من أقوال الفقهاء. 29 - الميت إذا أوصى أن يحج عنه بعد موته، فإنه يجوز في هذه الحالة النيابة عنه في أداء ما وجب عليه من حج واجب، وذلك باتفاق الفقهاء، لا خلاف بينهم في ذلك، أما إذا مات ولم يوص بما وجب عليه من حج واجب فالصحيح من أقوال الفقهاء أنه يلزم ورثته أن يقيموا من يحج عنه من رأس ماله، فإن تطوع أحد بالحج عنه جاز ذلك. أما حج التطوع عن الميت فالصحيح جواز النيابة عنه مطلقا في ذلك، سواء أوصى بذلك أم لم يوص. 30 - المال المأخوذ على الحج عن الغير أنواع ثلاثة:

الأول: النفقة: فإن حج أحد عن الميت بنفقته مدة حجه، فإن هذا جائز بالاتفاق، والحاج في هذه الحالة يكون نائبا محضا. الثاني: الجعالة: وهي جائزة على الحج على الراجح من قولي الفقهاء، فإن قال له: حج عني ولك ألف، أو من حج عني فله كذا، فإن حج عنه استحق الجعل على الصحيح كما سبق. الثالث: الإجارة: الإجارة على الحج والعمرة عمن تصح النيابة عنه صحيحة وجائزة على الراجح من أقوال الفقهاء، ولكن ينبغي أن يكون قصد النائب هو الإحسان إلى المحجوج عنه، وتحصيل النفقة المشروعة، لا أن يكون قصده من الحج هو الاكتساب بذلك فقط. 31 - أجمع العلماء على صحة النيابة في ذبح الهدي والأضاحي، وعليه فإن الاستئجار على ذبح الهدي أو الأضاحي جائز بالاتفاق إذا كانت أجرة الجازر من غيرها، أما إذا كانت أجرته منها بأن يأخذ لحما أو نحوه في مقابل عمله، فالذي عليه جمهور العلماء أن ذلك لا يجوز للنص والمعقول 32 - يجوز للمجاهدين والمرابطين في الثغور الأخذ من الزكاة قدر حاجتهم وجهادهم، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء. كما يجوز للمجاهدين أخذ الرزق أو العطاء من بيت المال قدر كفايتهم وكفاية من يعولون، وهذا بالاتفاق، ونقل بعضهم الإجماع على ذلك. 33 - الاستئجار على الجهاد إذا كان فرض عين لا يجوز بالاتفاق، أما إذا كان فرض كفاية فلا يجوز كذلك على الصحيح، سواء أكان المستأجر هو الإمام أم غيره من الرعية، وسواء أكان الأجير ممن يلزمه الجهاد في الأصل، وهو المسلم الحر، أم كان لا يلزمه الجهاد أصلا، كالعبد والمرأة. 34 - الجعل على الجهاد إذا كان على معنى النفقة في سبيل الله فإنه في هذه الحالة يكون من الجهاد بالمال، وحكمه حكم الجهاد بالنفس، فقد يكون فرض عين أو فرض كفاية، وقد جاء الشرع بالترغيب فيه والحض عليه، وهو من أعظم القرب إلى الله تعالى. أما إذا كان الجعل على معنى المعاوضة، فحكمه حكم الإجارة سواء بسواء، على ما سبق بيانه 35 - تعليم القرآن بغير أجرة من أفضل القرب إلى الله تعالى، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء، فإن أخذ المعلم الرزق على ذلك من بيت المال جاز ذلك بالاتفاق. أما الأجرة على تعليم القرآن الكريم فالراجح أنها تجوز للحاجة والضرورة. 36 - أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن الكريم جائز بالاتفاق، والأصل في ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله 37 - الصحيح من قول العلماء أن قراءة القرآن يصل ثوابها للميت، وهو مذهب جمهور السلف، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه تعالى، وتلميذه الإمام ابن قيم الجوزية 38 - لا يجوز الاستئجار على تلاوة القرآن الكريم للأموات، وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. 39 - أجمع العلماء على استحباب كتابة المصحف، وتحسين كتابته، وأن من قام بذلك حسبة لله تعالى فإن عمله هذا من أفضل القربات إلى الله تعالى. فإن أخذ الكاتب أجرة على ذلك، فالذي يظهر من كلام الفقهاء جواز ذلك بلا خلاف، وقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على جواز ذلك. 40 - بيع المصحف وشراؤه جائز على القول الراجح من قولي الفقهاء، لدعاء الحاجة لذلك، ولعموم الأدلة الدالة على حل البيع والشراء، والبيع إنما وقع على الورق والجلد والطباعة ونحو ذلك وأما بيع المصحف للكافر فالصحيح بطلان ذلك وأنه لا يجوز. 41 - يجوز لطالب العلم أخذ الرزق من بيت المال بلا خلاف، كما يجوز له الأخذ من الزكاة إن كان فقيرا بالاتفاق، أما إذا كان غنيا فالصحيح أنه لا يجوز له الأخذ منها. 42 - طالب العلم الشرعي الذي لا يتفرغ للكسب لانشغاله بالعلم تجب له النفقة وإن كان قادرا على الكسب.

43 - تعليم العلوم الشرعية احتسابا من أفضل القرب، ولكن إن أخذ المعلم الرزق من بيت المال فإن ذلك جائز بالاتفاق. وأما الاستئجار عليه فالكلام في هذه المسألة كالكلام في مسألة الاستئجار على تعليم القرآن الكريم، وهو الجواز للحاجة والضرورة. 44 - يجوز أخذ العوض المالي على التأليف والتحقيق في العلوم الشرعية، ويعد حق التأليف والنشر من الحقوق المصونة شرعا، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها. 45 - عقد الضمان المالي من عقود الإرفاق والإحسان والتبرعات لا يجوز أخذ العوض عليه، سواء أكان ذلك أجرة أم جعالة، وهذا باتفاق الفقهاء رحمهم الله تعالى. ومن التطبيقات المعاصرة لهذا العقد ما تقوم به البنوك من معاملات مبنية على هذا العقد، ومن ذلك: خطاب الضمان، والاعتماد المستندي، فإذا كان ما يأخذه البنك على هذه المعاملات هي مصروفات إدارية فهذا لا حرج فيه. أما أخذ المال في مقابل ما يقوم به البنك من ضمان للعميل، فالصحيح أنه لا يجوز للبنك أخذ عمولة أو فائدة أو أجرة مقابل الضمان؛ لكون الضمان في الأصل من عقود الإحسان، ولأن الفائدة التي يأخذها البنك ربا، فلا يحل له ذلك. 46 - الوديعة عند الفقهاء من عقود الإحسان والإرفاق، والأصل فيها أن يقوم بها الإنسان احتسابا لوجه الله تعالى، فإن شرط أجرة على حفظها وحرزها فالصحيح عدم جواز ذلك؛ لأنها معروف وإحسان. 47 - الودائع المصرفية في حقيقتها هي قروض من العميل للبنك، فأي فائدة يدفعها البنك للعميل فإنها ربا محرم لا يجوز، فإن كانت لأجل ففيها ربا الفضل وربا النسيئة، وإن كانت ودائع جارية ففيها ربا الفضل، فإن لم يأخذ العميل عليها فائدة، فلا تخلو من محاذير شرعية كثيرة أخرى. 48 - القرض من أهم عقود الإحسان والإرفاق والتبرع، وقد أجمع العلماء على أن المقرض إذا شرط زيادة أو هدية أو منفعة على القرض أن ذلك يكون ربا، ويترتب على ذلك فساد عقد القرض. أما إذا كان القرض على سبيل الإحسان والبر، ثم قام المقترض برد أفضل أو أكثر من القرض، فالصحيح جواز ذلك، إذا لم يكن عن شرط أو جرى بذلك عرف. 49 - الناظر على الوقف يستحق الأجرة على عمله، فإذا شرطها له الواقف وحدد لها مقدارا، استحق ما حدده له كثيرا كان أو قليلا، فإذا لم يحدد له الواقف أجرة فإنه لا يأخذ أجرته إلا بإذن القاضي، ما لم يكن معروفا بأخذ الأجرة على مثل هذه الأعمال، وتقدر أجرته في هذه الحالة بأجرة المثل. 50 - للوصي على اليتيم أن يأكل من ماله بالمعروف إن كان فقيرا، فإن كان غنيا فلا يجوز له ذلك، وما يأكله يكون على سبيل الإباحة، فيملكه بذلك، فإن طلب الوصي أجرة على عمله وقيامه على شئون اليتيم جاز ذلك، وتقدر الأجرة بأجرة المثل. 51 - أجمع العلماء على أن ولي أمر المسلمين تجب له النفقة ولعياله بالمعروف من بيت مال المسلمين، وكل ما يستلزمه ذلك المنصب من نفقة، فإن ذلك في بيت المال. 52 - للقاضي أخذ الرزق من بيت المال إن كان فقيرا بالاتفاق، أما إن كان غنيا فالصحيح جواز ذلك أيضا، أما إذا كان الرزق من الخصوم، فإن كانت له كفاية فلا يجوز له الأخذ من الخصوم، فإن كان فقيرا فله الأخذ إذا كان الاكتساب يقطعه عن القضاء، وذلك وفق شروط محددة، أما الاستئجار على القضاء فالصحيح أن ذلك لا يجوز مطلقا، وكذلك الهدية إذا كانت بسبب الولاية. 53 - أعوان القاضي يجوز لهم أخذ الرزق من بيت المال، أما إذا عدم الرزق فإنه يجوز لهم أخذ الأجرة على أعمالهم من الخصوم.

54 - المأذون الشرعي لعقود الأنكحة، إذا كان مفرغا لهذا العمل من قبل الإمام فله رزقه من بيت المال كبقية أعوان القاضي، وإلا جاز له أخذ الأجرة على عمله من العاقد، ما لم يكن متبرعا بعمله، فلا يجوز له ذلك. 55 - القسام له أخذ الرزق من بيت المال باتفاق الفقهاء، فإن تعذر رزقه من بيت المال جاز له أخذ الأجرة على عمله ممن يريدون القسمة، سواء أكان هو قسام القاضي أم قسام الشركاء. 56 - يجوز للشاهد إن كان فقيرا أخذ النفقة التي يحتاجها لإقامة الشهادة، وذلك بلا خلاف بين الفقهاء، فإذا كان الشاهد غنيا فالصحيح أنه لا يجوز له أخذ النفقة التي تتطلبها الشهادة ممن شهد له؛ لوجوبها عليه. أما الرزق من بيت المال فإنه يجوز للشاهد أخذه على تحمل الشهادة وأدائها باتفاق الجمهور، بخلاف الأجرة على الشهادة، فإنه لا يجوز للشاهد أخذ الأجرة على الشهادة على الراجح من أقوال الفقهاء. 57 - الإفتاء من أهم المناصب الشرعية، فإذا فرغ الإمام من يقوم بهذا المنصب، فإن كان فقيرا فله أخذ الرزق على عمله من بيت المال بالاتفاق، أما إذا كان المفتي غنيا، فالصحيح جواز ذلك أيضا. أما أخذ الأجرة على الإفتاء من المستفتين، فلا يجوز ذلك مطلقا، إلا إذا كانت الفتوى كتابة، فتجوز الأجرة عليها حينئذ، لأن الكتابة لا تلزمه على الصحيح. 58 - الحسبة من أهم الوظائف الدينية وأشرف الولايات الشرعية، وقد اتفق الفقهاء على جواز أخذ الرزق من بيت المال على الحسبة، أما الأجرة على ذلك، فإن كان له رزق من بيت المال فلا يجوز له أخذ الأجرة على عمله، فإن لم يكن له رزق فلأهل البلد أن يعطوه كفايته، مجازاة له على إحسانه إليهم، وإلا جاز له أخذ الأجرة على عمله للحاجة والضرورة؛ ليستعين بها على عمله، ويقضي بها حاجته الضرورية، فيكون قد أكل طيبا وعمل صالحا، والله تعالى أعلم. وبعد هذا السرد لمحتوى الرسالة بإيجاز شديد، تكون الرسالة قد أتت على نهايتها، وأكون قد أنجزت بعون الله تعالى وتوفيقه ما خططت لبحثه ودراسته، وهنا أكرر ما سبق أن قلته: إن هذا جهدي ومستطاعي، فما فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله من ذلك وأتوب إليه. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرا.

أدلة إثبات أن جدة ميقات

أدلة إثبات أن جدة ميقات ¤عدنان بن محمد آل عرعور£بدون¥دار الثقافة¨الأولى¢1415هـ€فقه¶حج وعمرة - مواقيت الإحرام الخلاصة: من جاء "جدة" من جهة البحر فلا إحرام عليه حتى يصل إليها، ومن جاءها من جهات أخرى، وجب عليه الإحرام من الميقات، إلا أن ينوي تأخير الإحرام إليها لسبب ما. وأعلم أني لست محدثاً فيها حكماً لم أسبق إليه .. فحسبك أن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قد فعلا ذلك، كما سبق بيان بعضه، وقد فعلا ذلك وهما على الأرض، فمن باب أولى جوازه لمن كان في الجو بالطائرة، ويكفيك أنه اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مع من سبق ذكره من أهل العلم. ولمزيد من التفصيل والأدلة والمراجع والعزو يمكن مراجعة الأصل في كلا المسألتين. اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتجاوز عن خطيئاتنا وأخطائنا إنك أنت الغفور الرحيم .. هذا وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وإن أصبت فمن الرحمن، هو ولي التوفيق، وأهل المغفرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

أدلة الجمع بين الصلاتين في السفر وفوائد يحتاج إليها المسافر

أدلة الجمع بين الصلاتين في السفر وفوائد يحتاج إليها المسافر ¤مقبل بن هادي الوادعي£بدون¥دار الراية - الرياض¨الأولى¢1410هـ€فقه¶صلاة - سفر ومسافر الخاتمة: مسألة الجمع بين الصلاتين في السفر من المسائل الفقهية التي يحتاج إليها كل مسلم وبحمد الله قد حرصت على جمع الأدلة وذكر أقوال أهل العلم رحمهم الله: وأضفت إليها فوائد يحتاج إليها المسافر وبحمد الله قد راجعت كثيراً من كتب الحديث ومن كتب الفقهاء رحمهم الله. ومن الكذب المفضوح والبهتان الواضح قول بعض الجاهلين: إنني أحرم قراءة كتاب المغني لابن قدامة وكتاب المجموع للنووي فنحن نقول لكم أيها الجاهلون الحاقدون الحاسدون نحن نستفيد من كتب علمائنا المحدثين والمفسرين والفقهاء غير مقلدين لهم وقل أن تعرض مسألة إلا وأنا أرجع إلى المغني والمجموع لأنظر ماذا قال العلماء رحمهم الله: ولكن إذا رأيت في مسألة آية قرآنية أو حديثاً نبوياً أستغني بهما عن قول فلان وفلان وإذا لم أجد فلست ملزماً بنقل أقوال الفقهاء رحمهم الله ولكننا نستعين بالله ثم بأفهامهم على فهم بعض الأدلة غير مقلدين لهم لأننا نعتقد أن التقليد حرام. قال الله سبحانه وتعالى: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}. وهذه المسألة من تلكم المسائل قد رجعت بحمد الله إلى المغني وإلى المجموع ولكني رأيت في الأدلة وفي زاد المعاد وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ما يغني والحمد لله. فيا أيها الحزبيون باسم الإسلام اعلموا أننا لا نبالي بما اقترفتموه من الكذب والبهتان ولكننا ننبه إخواننا أهل السنة على عداوتكم لمن لم ينتظم معكم في دعوتكم المنحرفة التي تمسخ الشباب وتصدهم عن كتب السنة وتحذرهم من مجالسة العلماء الذين لم ينتظموا معهم. ولقد أصبحنا بحمد الله أيضاً لا نثق بكلامكم ولا نأبه به لأننا قد علمنا أنكم أصحاب هوى تمدحون من انتظم معكم ولو كان من الفاسقين المبتدعين وتذمون من خالفكم ولو كان من الدعاة المصلحين. مضت أيام كثيرة وهم يقولون فلان ضال ثم إنه تعاطف معهم بعض التعاطف فإذا هم يقولون هو طيب ولكن جلساؤه. أنا في بعض الأوقات إذا طمعوا في أن أغض الطرف عن بعض سيرهم المنحرف ما أشعر إلا وهم يمدحون ويقولون هو طيب ولكن جلساؤه وإذا عرفوا مني الإصرار على بيان أباطيلهم شنوا الدعايات المنفرة حسداً وبغياً وخوفاً من ظهور الحق ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الحاقدون. والحمد لله رب العالمين.

أدلة المسح على الخفين والجوربين والنعلين

أدلة المسح على الخفين والجوربين والنعلين ¤عزت بن روبي مجاور£بدون¥بدون¨الأولى¢1417هـ€فقه¶طهارة - مسح خفين الخاتمة: لتعلم أخي المسلم أن المسح على الخفين – أو ما في معناهما – سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عمل بها أصحابه – رضي الله عنهم أجمعين – من بعده، ولم يعرف من بينهم نكير لذلك؛ ومن ثبت عنه إنكاره فقد ثبت عنه القول به أخيراً ليوافق جمهور الصحابة، بل إجماعهم – رضي الله عنهم -. فلا ينبغي للمسلم بعد هذا البيان أن يرغب عن هذه السنة؛ لأن من رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم فليس منه كما أخبر هو صلى الله عليه وسلم – فيما رواه الشيخان عن أنس من حديث طويل-: "فمن رغب عن سنتي ليس مني". إلا أن يكون المسلم آخذاً بالعزيمة، مع العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – فيما رواه أحمد وغيره بسند صحيح، عن ابن عمر-: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته". ولكن لو فعل المرء المسلم أن الله – عز وجل – أمر بطاعته سبحانه، وبطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم باتباع سنته في غير ما موضع من كتابه المبين فقال سبحانه: {قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران: 32]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59]، وقال: {وَأَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ} [المائدة: 92]، وقال عز وجل: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النور: 54]. إلى غير ذلك من الآيات الحاثة على طاعته سبحانه، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. كما وعد سبحانه من يطيعه ويطيع رسوله بالجنة والفوز والهداية، فقال سبحانه: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء: 13]، وقال عز وجل: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52]، وقال جل ثناؤه: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} أي الرسول صلى الله عليه وسلم: [النور: 54]. كما بين سبحانه أن من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أطاعه فقال سبحانه: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [النساء: 80]. كما حذر سبحانه من مخالفته ومخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال جل ذكره: {وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: 14]، وقال سبحانه: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 36]، وقال جل وعلا: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]. كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دخول الجنة لن يكون إلا باتباع هديه فقال، فيما رواه البخاري، عن أبي هريرة: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى". قالوا: يا رسول ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى". وقال صلى الله عليه وسلم – من حديث طويل رواه مسلم، عن أبي هريرة:-: "ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال. أناديهم: ألا هلم! فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول سحقا سحقاً".

كما حث صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بأصحابه، فقال – كما مر عند خطبة البحث من حديث العرباض بن سارية وقد رواه الترمذي وغيره بسند حسن صحيح-: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ". وقال صلى الله عليه وسلم – فيما رواه الترمذي بسند حسن، عن حذيفة قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال-: "إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي" وأشار إلى أبي بكر وعمر "واهتدوا بهدي عمار، وما حدثكم ابن مسعود قصدقوه". وفي رواية لأحمد في المسند: "واهدوا هدي عمار، وعهد ابن أم عبد" رضي الله عنهما وابن أم عبد، هو عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. وقال ابن مسعود – رضي الله عنه -: "من كان متأسياً فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم كانوا أبرأ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوا آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم". وقال ابن القيم عقب ذلك: "ومن المحال أن يحرم الله أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً وأقومها هدياً الصواب في أحكامه، ويوفق له من بعدهم". وقال عقبة بن عمرو الأنصاري: ما أرى أحداً أعلم بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من عبدالله – يعني ابن مسعود – فقال أبو موسى: إن تقل ذلك فإنه كان يسمع حين لا نسمع، ويدخل حين لا ندخل. وكان ابن سيرين يقول: "اللهم أبقني ما أبقيت ابن عمر أقتدي به". وقال الإمام الشافعي – رحمه الله -: "أدوا إلينا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهدوه والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً وعزماً وإرشاداً، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد، وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا". وقال الإمام أحمد – يرحمه الله -: "حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة". وبعد: فيا أخي الحبيب: إذا عرفت هذا فالزمه، وفقني الله وإياك إلى اتباع كتابه سبحانه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. فرغنا من تهذيبه وترتيبه ومراجعته ونسخه للمرة الأخيرة: صبيحة يوم الأحد الحادي عشر من ربيع الأول عام ستة عشر وأربعمائة وألف هجرية، السابع من أغسطس عام خمسة وتسعين وتسعمائة وألف. كتبه: عزت بن روبي مجاور الجرحي أبو عبدالرحمن في الأحد: 11/ 3/1416هـ 7/ 8/1995م

أربح البضاعة في صلاة الجماعة

أربح البضاعة في صلاة الجماعة ¤نبيل بن منصور البصارة£بدون¥دار الدعوة¨بدون¢بدون€فقه¶صلاة الجماعة وأحكام المأموم والإمام خلاصة البحث: أذكر خلاصة ما ذكرته في هذا البحث في عدة نقاط: 1 - إن صلاة الجماعة لها فضل عظيم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وحث أمته وأمرها بالصلاة مع الجماعة وبين أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين أو بسبع وعشرين درجة. 2 - أن الجماعة كلما كثرت فهو أحب إلى الله عز وجل وأفضل. 3 - أن العلماء قد اختلفوا في حكم صلاة الجماعة على أربعة أقوال وهي: فرض كفاية، وسنة مؤكدة، وشرط في صحة الصلاة، وفرض عين. 4 - ذكرت أقوال المذاهب الأربعة وبينت أن مذهب الشافعية في صلاة الجماعة أنها فرض كفاية، ومذهب الحنفية والمالكية أنها سنة مؤكدة، ومذهب الحنابلة أنها فرض عين. 5 - أن ما ذهب إليه الحنابلة هو القول المختار عندي للأدلة الكثيرة والقوية فيما تدل عليه من لزوم الصلاة مع الجماعة وقد ناقشت أدلة الآخرين وبينت أنها لا تنهض أمام أدلة الموجبين لها على الأعيان. 6 - ذكرت أجوبة المخالفين عن ظاهر حديث أبي هريرة في تحريق البيوت على المخالفين عن صلاة الجماعة مع الرد عليها وبيان أنه من الأدلة القوية على فرضية صلاة الجماعة على الأعيان. 7 - أن العلماء قد اختلفوا في سبب هم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق البيوت على المتخلفين وقد صححت أنه لترك الجماعة. 8 - إن العلماء قد اختلفوا في تعيين الصلاة المتوعد على تركها بالتحريق، وقد ذكرت روايات حديث أبي هريرة، وذكرت أنه قد جاء في بعض طرق الحديث سبب وروده وأنه قلة من حضر لصلاة العشاء فهدد النبي صلى الله عليه وسلم المتخلفين عنها بتحريق بيوتهم. 9 - إن الأعذار التي تبيح للرجل ترك الجماعة كثيرة وقد ذكرتها مع أدلتها من الكتاب والسنة. 10 - إن العلماء اختلفوا في هذه الأعذار هل تسقط الإثم من غير حصول لفضيلة الجماعة أو تسقطه مع حصول فضيلة الجماعة وقد رجحت الثانية وذكرت طائفة من الأدلة التي تدل على ذلك. 11 - إن العلماء اختلفوا في حكم صلاة المنفرد وقد رجحت قول من قال بأنها صحيحة لكن مع الإثم وذكرت الأدلة الكثيرة التي تثبت صحة ذلك. 12 - إن صلاة الجماعة ليست بشرط في صحة الصلاة خلافا لداود الظاهري وابن حزم ومن تبعهما. 13 - أن العلماء اختلفوا في حكم صلاة الجماعة في غير المسجد وقد بينت أنه لا ينبغي ترك حضور المسجد إلا لعذر خاصة لمن سمع النداء ولمن كان بيته قريبا من المسجد. تم الكتاب والحمد لله وكان الفراغ منه عصر يوم الثلاثاء في السادس عشر من شهر صفر من سنة 1404 من هجرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم.

أصول المناهج الفقهية

أصول المناهج الفقهية ¤عبدالمجيد صبح£بدون¥دار الوفاء - مصر¨الأولى¢1409هـ€فقه¶دراسات فقهية الخاتمة وبعد، فهذا عرض لأصول مناهج علماء الفقه، وكيفية استنباطهم الأحكام، وموقع الشريعة من هذه المناهج, وبيان للمدى الذي انتهي إليه أتباع أئمة كل منهج. ومن هذا كله تنكشف لنا عدة أمور، منها: - أنه يجب على دعاة (منهج النصوص) اليوم، والمغالين في رفض كل معقول، يوافق الحق، والشرع، ويحقق الخير ... بحجة (لم يردْ) عليهم أن يراجعوا أنفسهم، وأن يعلموا أن الشرع والعقل أخوان ارتضعا من لبان واحدة، فما كان لصحيح العقل أن يناقض الشرع. - وأنه يجب على دعاة (العقل) اليوم، والمغالين فيه إلى درجة طرح الشرع، وإهدار النصوص، بل والسخرية من أصحابها حينا، بل والتهجم الجاهل الحاقد على النصوص نفسها – على هؤلاء أن يدركوا أن عمق دلالة النصوص كالبحر المحيط، يغترف منه ذو العلم على مقداره، من غير أن ينفد البحر ... فليعرفوا – في هذا المقام – قدرهم، ولا يتعدوا طورهم، وليعلموا أن وراء سويقته أسواقا للعلم رابحة، وبحارا له طامية، وفوق مرتبتهم من العلم مراتب فوق السها " أريها السها وتريني القمر " وأن كثيرا مما يكتبه هؤلاء – في معارضتهم للشريعة – يثير أسى العالمين، وسخرية العاقلين، مما يدفع كثيرين منهم إلى الإعراض عن حوارهم، إذ لم يكونوا أصحاب حق، ولا طلاب صواب. بل هم قوم اتبعوا أهواءهم فضلوا من قبل، وأضلوا كثيرا, وضلوا عن سواء السبيل {أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين}؟ - وأوجب من هذا وذلك أن نعلم أن ميدان الاجتهاد في الفقه ميدان رغيب، وأن مجالاته باقية ببقاء الناس، وأن نصوص الشريعة ما زالت تُجن الكثير من العطاء، وأنه يجب علينا: أ - أن نخلص ماضي الفقه من الغلو في الجمود ومن الغلو في الجحود. ب - وأن نجتهد في استنباط الأحكام لكل جديد، استنباطا علميا، تحكمه قواعد الاستنباط الصحيحة. جـ- وأن يكون هذا الجهد جماعيا، لا فردياً، إذ تشعب العلوم، وتشاجر المصالح، وتعدّد مجالات العمل والحياة أصبحت فوق قدرة الفرد. د- وأن يصحب ذلك كله اليقين في أن شرع الله هو الهدى لمن شاء أن يستقيم.

أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية

أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية ¤ناصر بن عبدالله القفاري£بدون¥بدون¨الأولى¢1414هـ€فقه¶شيعة إمامية الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على من ختم الله به النبوات وعلى آله وصحبه الذين كان ولاؤهم وتشيعهم لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وللحق الذي جاء به، وكانوا بنعمة الله إخواناً في جميع الأوقات. لقد أمضيت أكثر من أربع سنوات أقلب النظر في مسائل هذا البحث، وأجمع مادته العلمية من مصادر الشيعة المعتمدة وغيرها وأرتبها وأصوغها وأدرسها وأنقدها، وكم هي معاناة أن تقرأ وتستمع لقوم أشقاهم الله فأضلهم وأعمى أبصارهم فصاروا يتبعون إماماً معدوماً، ويقولون بكتاب موهوم، وجعفر مزعوم وأساطير أخرى، وتقدح أخبارهم في كتاب أنزله الله وحفظه، وأجمع عليه المسلمون عبر القرون، وفي سنة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم جمعتها الأمة، وبذلت الجهود في حفظها، وينبذون إجماع السلف، ويأخذون بقول طائفة مجهولة تحسباً أن يكون المهدي خرج من مخبئه متنكراً وأدلى بصوته معهم. ويكفرون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وجاهدوا في سبيله، ونشروا كلمة الله في الأرض تصديقاً لمفتريات نسبها بعض الزنادقة لأهل البيت. فحمداً لله سبحانه على نعمة العقل، والإيمان واليقين. وفي نهاية هذا البحث لابد من وقفة نستجمع فيها بعض حصاده ونعرض في تركيز جوانب من معالمه في النقاط التالية: 1 - إن المعنى اللغوي للتشيع هو النصرة والمتابعة، وهذا المعنى لا يتوفر في مدعي التشيع اليوم، ومن قبل اليوم في الغالب، فهم الرافضة كما سماهم السلف، أو المنتسبون للتشيع، وليسوا شيعة على الحقيقة. 2 - لفظ التشيع لم يرد في القرآن غالباً إلا على سبيل الذم. ولم يأت في السنة ذكر لهذه الفرقة على وجه التخصيص إلا في روايات ضعيفة جاء فيها ذكر الرافضة على سبيل الذم أيضاً. 3 - إن الشيعة أطوار، وفرق، ودرجات ما بين إغراق في الغلو واقتصاد فيه، ولذا كان للغلو في التشيع مفهوم عند السلف يختلف عمن بعدهم، بل تبين أن جملة من عقائد شيعة هذا العصر هي من الغلو في التشيع عند أسلافهم من شيعة القرن الرابع، فكيف بالشيعة الأولى. وتعريف الشيعة إذاً مرتبط بأطوار نشأتهم، ومراحل التطور العقدي عندهم، ولذا كان الشيعي فيما مضى هو من يقدّم علياً على عثمان .. ولكن بعد اعتماد شيوخ الشيعة كتب الكليني والقمي والمجلسي وأضرابهم مصادر في التلقي شاع الغلو في الشيعة، واستقر مركبها على التطرف والشطط حتى رأينا أكبر مراجعهم في هذا العصر (الخوئي) يوثق روايات إبراهيم القمي في تفسيره مع ما فيه من كفر .. ويكفي أن يطلع كل متشكك في أمر الشيعة – اليوم – على هذا الكتاب الموثق عندهم ليرى أن شيعة اليوم ارتضت لنفسها ديناً غير الإسلام. 4 - إن المنتسبين للتشيع قد أخذوا من مذاهب الفرس والروم واليونان والنصارى واليهود وغيرهم أموراً مزجوها بالتشيع مصداقاً لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع بعض هذه الأمة سنن من كان قبلهم. وقد بدأت محاولة إدخال بعض هذه الأصول إلى المجتمعات الإسلامية على يد (ابن سبأ) وأتباعه، فلم تجد لها مكاناً في أمصار المسلمين، إلا عند فئة قليلة بالكوفة .. إلا أن ما جرى من أحداث على بعض أهل البيت كمقتل علي والحسين سهل فهم مهمة إشاعتها في العالم الإسلامي تحت ستار التشيع. 5 - افترقت الشيعة إلى فرق كثيرة حتى ذكر بعضهم أنها بلغت ثلاثمائة فرقة، وقد انحصرت اليوم في ثلاث اتجاهات: الإسماعيلية، والزيدية، والاثنى عشرية، وهي أكبرها وأكثرها عدداً.

وقد لحظت مسألة جديرة بالاهتمام والتتبع في بحث مستقل وهي أنه ما من رأي وجد لفرقة شيعية ظهرت في التاريخ في مختلف مراحله إلا وتجد ما يشهد له في الغالب في مصادر الاثنى عشرية اليوم حتى آراء ابن سبأ والمختار بن أبي عبيد، وبيان بن سمعان، والمغيرة بن سعيد وغيرهم من رؤوس الغلاة. 6 - الاثنا عشرية تلقب بالرافضة، والجعفرية، والإمامية، وكانوا يسمون بالقطيعة، والموسوية، وذهب جمع إلى أن مصطلح الشيعة إذا أطلق اليوم لا ينصرف إلا إليهم. وانبثق من الاثنى عشرية فرق كثيرة: كالشيخية، والكشفية، والبابية وغيرها. 7 - سار الشيعة للاستدلال على شذوذهم في كل اتجاه. فمرة يزعمون أن ما يدل على مذهبهم من آيات في القرآن قد حذفها الصحابة. وتارة يلجؤون إلى تأويلات باطنية ما أنزل الله بها من سلطان. وحيناً يزعمون نزول كتب إلهية على الأئمة للدلالة على مذهبهم. وأحياناً يتعلقون بروايات من طرق أهل السنة وهي إما كذب، أو لا تدل على ما يزعمون ولهم وسائل ماكرة في هذا الاتجاه لا تدري اليهود بعشرها. وهذا كله إنما يدل على عجز هذه الطائفة من إثبات مذهبها بأصول شرعية. 8 - الشيعة منذ سنة (260هـ) وهي لا تتبع إلا معدوماً لا وجود له، فهم شيعة مشايخهم لا شيعة أهل البيت، أو هم أتباع الشياطين الذين يتشكلون لهم بصورة الإمام الغائب، كما استفاضت أحاديثهم بلقاء هذا المعدوم. ولذا اجتمع شمل فرق الشيعة بالقول بهذا المعدوم أنه يخلصهم من آل البيت الذين كان منهم علماء وأتقياء بررة فضحوا أمر هؤلاء المرتزقة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل باسم آل البيت، ويبتدعون في دين الله ما لم ينزل به سلطاناً .. وينسبونه للآل .. وبالتشيع لهذا المعدوم صارت السلطة والمال والوجاهة للشيوخ لا للآل. 9 - قالت الشيعة: إن القرآن ليس بحجة إلا بقيم وهو أحد الأئمة الاثنى عشر حتى أنها قالت: إن الإمام هو القرآن الناطق، وكتاب الله هو القرآن الصامت، وزعمت أن علم القرآن كله عند هذا القيم لا يشركه فيه أحد، فهو تفسيره بل هو القرآن نفسه، ولذا له حق تخصيص عام القرآن وتقييد مطلقه وبيان مجمله، نسخ ما شاء منه. بل قد فوض الإمام في أمر الدين كله. وزعمت أن لكل آية معنى باطنياً، ثم قالت: لكل آية سبعة بطون ثم طاشت تقديراتهم فقالت: إن لكل آية سبعين بطناً. وادعت أن كتاب الله الذي أنزله الله ليهدي هذه الأمة إلى التي هي أقوم، في كل جوانب حياتها إنما نزل في الأئمة الاثنى عشر، وفي أعدائهم، وأعداؤهم – في زعمهم – الصحابة رضوان الله عليهم. ولذا فسرت آيات التوحيد والإسلام وأركان الإيمان، والحلال والحرام بالأئمة الاثنى عشر. وفسرت الشرك، والكفر، والفحشاء، والمنكر، والبغي بالصحابة ومن اتبعهم من المؤمنين. وتبين أن أصل هذه التأويلات يرجع للمغيرة بن سعيد وجابر الجعفي ثم سار على نهجهما غلاة الروافض بعدهم فزادوا وبالغوا في هذا حتى وصلوا إلى مرحلة لم تخطر ببال السابقين وشيوخ هذا العصر يعدون هذه المدونات التي حوت هذا (الغثاء) من أوثق مصادرهم. 10 - فرية (التحريف) ابتدأ القول بها الروافض في القرن الثاني، ونسبت إلى هشام بن الحكم، وشيطان الطاق، وكان من أسبابها أنهم لم يجدوا ما يقنعون به أتباعهم على ما يدعون، وذلك لخلو كتاب الله من النص على أئمتهم وعقائدهم. ولكن ما إن جاء القرن الرابع حتى رمتهم الأمة عن قوس واحدة وكفروهم لسقوطهم في هذه الهاوية الشنيعة، فأعلن كبيرهم (ابن بابويه) براءة الشيعة من هذه العقيدة، وأن من نسب إليهم ذلك فهو كذاب، وتبعه ابن المرتضى، والطوسي ثم الطبرسي.

ولذا فإن بعض أهل العلم ينسب هذه العقيدة إلى الباطنية في حين أن الباطنية لم تخص بهذه المقالة، والذي تولى كبرها وأكثر من الوضع فيها هم الاثنا عشرية. وقد سجلت هذه المقالة في أول كتاب ظهر لهم وهو الذي يسمونه أبجد الشيعة وهو كتاب سليم بن قيس، والذي كشف بعض شيوخهم عن أمره، وأنه موضوع، ومؤلفه مجهول. 11 - وفي السنة المطهرة كانت لهم أصول منكرة كقولهم إن الإمام يوحى إليه بل يأتيه خلق أعظم من جبريل الذي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم – ومن سمع حديثاً من أحد من الأئمة له أن يقول فيه: قال الله لأن قولهم كقول الله، وطاعتهم طاعة الله. وفيهم روح القدس التي بها (عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى)، وبها يرون ما غاب عنهم في أقطار الأرض وما في عنان السماء، ويذهبون إلى عرش الرحمن كل جمعة ليأخذوا من العلم ما شاؤوا. وقالوا إن الله سبحانه يناجي علياً والأئمة. وهذا كله يسمى عندهم (العلم الحادث)، أما العلم المزبور والذي ورثوه عن الرسول فهي كتب وهمية كثيرة كالجامعة والجفر، وكتاب علي، والعبيطة، و (ديوان الشيعة) وغيرها. وقالوا: بأن علياً استمر يتلقى هذه العلوم والأسرار والكتب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم – بل وبعد موته، من دون الصحابة أجمعين، فهو الباب الوحيد لسنة الرسول – صلى الله عليه وسلم -، ومن ادعى سماعاً من غيره فقد أشرك. واستمر الوحي الإلهي عندهم عن طريق الأئمة لم ينقطع حتى سنة (360هـ) وبعد ذلك استمر أيضاً قرابة أربع وسبعين سنة عن طريق نواب المهدي، ثم بعد ذلك عن طريق الشيوخ الذين لم صلة سرية بمهديهم، ولذلك فإن شيوخهم يضعون بدعاً جديدة حتى أن شيخ الدولة الصفوية علي الكركي وضع مبدأ جواز السجود للمخلوق، ووضع لهم أيضاً مبدأ السجود على التربة. وشيخهم الخميني نقل عملياً وظائف المهدي كلها إليه وإلى دولته. ولهم كتب جمعت هذا (الغثاء) واستقلوا بها عن المسلمين وهي مصادر أربعة: الكافي، والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه. ألحق بها المتأخرون أربعة أرخى هي: الوافي: والبحار، والوسائل، ومستدرك الوسائل. ثم أضافوا إليها عدداً من كتب شيوخهم جعلوها في الاعتبار كالمصادر الأربعة. وكانوا يقبلون كل ما جاء في كتب أخبارهم. حتى جاء شيخ الإسلام ابن تيمية ورد على ابن المطهر الحلي ونعى على الشيعة جهلهم بالرواية، فوضع ابن المطهر طريقة تقسيم أحاديثهم إلى صحيح وحسن وموثق وضعيف، وكان الدافع لذلك هو اتقاء تعبير العامة لهم كما تبين ذلك أثناء النزاع الذي وقع بين الشيعة بسبب اختلافهم في هذه المسألة حتى انقسموا إلى أصوليين وأخباريين. وهذه نتيجة مهمة توصل إليها هذا البحث. وقد اعترف أحد شيوخهم بأنهم إذا طبقوا علم الجرح والتعديل كأهل السنة لم يبق من أحاديثهم شيء فليبحثوا لهم عن مذهب آخر. ورجال أحاديثهم فيهم أسماء لا مسمى لها، وأكثرهم ينتحل المذاهب الفاسدة في نظر الاثنى عشرية نفسها، فهم في عداد الكفرة ولكنهم يقبلون أخبارهم، لأنهم شيعة، أما أهل السنة والزيدية، وأهل البيت ما عدا الاثنى عشر فهم يردون رواياتهم حتى رفضوا روايات زيد بن علي. لكن الإمامي الذي على مذهبهم يقبل قوله مهما كان حتى قال بعض شيوخهم: (بأن القدح في دين الرجل لا يؤثر في صحة حديثه).

والرافضة تقيم كل عقائدها ومبادئها على روايات من وضع هؤلاء الأفاكين، نسبوها للأئمة، والأئمة منها براء، إذ منهم من هو خليفة راشد يجب طاعته كالخلفاء قبله وهو علي، ومنهم من هو من أئمة العلم والدين كعلي بن الحسين وأبي جعفر الباقر، وجعفر الصادق ويجب لهم ما يجب لأمثالهم من أئمة العلم والدين ومنهم دون ذلك، ومنه من ضعفه بعض أهل العلم وهو الحسن العسكري، ومنهم معدوم لا وجود له وهو إمامهم المزعوم منذ سنة (260هـ) وكل ما ينسبونه لهم من غلو هو من اختراع زنادقة القرون البائدة. 12 - ولا حجة عندهم بالإجماع، ولو نسب لإمامهم المعدوم بواسطة أحد أبوابه قول، وخالفته الأمة كلها لكانت الحجة في قوله لا في قول الأمة، بل مخالفة الأمة أصل مقرر في مذهبهم، حتى قالوا: إن ما خالف الأمة فيه الرشاد، بل لو أطبقت الشيعة على قول، وخالفه فئة مجهولة منتسبة للتشيع لكانت الحجة في قول الطائفة المجهولة تحسباً منهم أن يكون مهديهم المنتظر قد خرج متنكراً وشارك في الرأي مع تلك الطائفة فكأن هذا يعني أن مذهبهم يتسع على مدى الزمان، لأن يضع فيه شياطين الإنس والجن ما يشاؤون ما دامت هذه الطائفة وضعت لنفسها هذا المبدأ. 13 - وفي اعتقادهم في أصول الدين ظهر أنهم جهمية في نفي الصفات، وقدرية في نفي القدر، ومرجئة في قولهم بأن الإيمان معرفة الإمام وحبه، ووعيدية بالنسبة لغيرهم، حيث يكفرون ما عدا طائفتهم. كما تبين أنهم يشركون بالله سبحانه في ربوبيته وألوهيته في مسائل عديدة. وفي اعتقادهم بالكتب والرسل كان من أقوالهم فيها أن الأئمة نزلت عليهم كتب إلهية، وعندهم كتب الأنبياء يقرؤونها ويحكمون بها، ولهم معجزات كالرسل، بل هم أفضل من الرسل وبهم تقوم الحجة على العباد. وفي الإيمان باليوم الآخر قالوا: إن الآخرة للإمام، وإن الجنة مهر فاطمة، وإن الأئمة يأكلون من الجنة في الدنيا، وإن حساب الخلق إلى الأئمة يوم القيامة. وإن هناك جنة ونار يصير إليها الأموات غير الجنة والنار التي يؤمن بها المسلمون، وإن لقم باباً إلى الجنة، وأهل قم لا يحشرون كسائر الناس. 14 - ولهم عقائد أخرى تفردوا بها أيضاً عن المسلمين وهي إمامة الاثنى عشر وعصمتهم، والتقية، والمهدية، والغيبة، والرجعة، والظهور، والطينة، والبداء. فإمامة المسلمين خاصة بالاثنى عشر عندهم، وكل من يتولى على المسلمين من غيرهم فهو طاغوت لا ينظر الله إليه ولا يكلمه يوم القيامة وله عذاب أليم. ومن بايعه أو رضي ببيعته فهو كذلك. وهؤلاء الاثنا عشر لا يسهون ولا ينسون ولا يخطئون منذ ولادتهم وطيلة عمرهم. ولما كانت أقوال الأئمة وأفعالهم تخالف القول بعصمتهم اخترعوا للتستر على مزاعمهم تلك عقيدة البداء والتقية، فأعمال الأئمة الموافقة للمسلمين يحملونها على التقية، وأخبارهم المخالفة للواقع يحملونها على البداء. ولما حددت الشيعة الأئمة بأشخاص معينين صدمت بانقطاع سلسلة الأئمة المزعومين بموت الحسن العسكري عقيماً، ولذلك اخترعوا بعد طول تخبط أن له ولداً اختفى وهو طفل، فهو الإمام على المسلمين إلى اليوم وسيظهر إليهم. ثم ما لبث شيوخهم أن استولوا على صلاحياته بواسطة النواب والوكلاء ثم جعلوها – تدريجياً – مشاعة بين شيوخهم، فأصبحوا هم الحاكمين بأمرهم في شأن الرعاع من الشيعة الذين يخدعونهم بقوله: أنتم أتباع أهل البيت وهم في الحقيقة أتباع المعدوم، أو أتباع الشيطان. - وفي عقيدة الرجعة يحلمون بالعودة للدنيا بعد الموت هم وأعداؤهم الذين هم أهل السنة من الصحابة، ومن اتبعهم بإحسان، فيجري انتقام الشيعة منهم.

- وفي عقيدة الظهور يخرج الأئمة من قبورهم لبعض الناس أحياناً قبل يوم القيامة، وفي غير الرجعة المزعومة، وهذه عقيدة جديدة سجلها المجلسي في بحاره في باب مستقل. - وأما عقيدة الطينة فهي عقيدة سرية عندهم، تقول بأن حسنات أهل السنة هي للشيعة، وموبقات الشيعة هي على أهل السنة، ويفسرون على ضوئها ما يضج به مجتمعهم منذ القديم من ظلم ومعاصي ومنكرات. 15 - إن الشيعة المعاصرين يلتقون مع الغابرين في مصادر التلقي، بل ويأخذون بما افتراه شيوخ الدولة الصفوية ووضعوه من مدونات مليئة بالكفر والإلحاد، وقد سهلت المطابع إشاعة هذه الظلمات بينهم فركبوا من الغلو مركباً صعباً. ولكنهم يخادعون أهل السنة فيزعم بعضهم أنهم لا يسبون الصحابة ولا يقولون بالرجعة، وقد بينت صفحات هذه الرسالة حقيقة هذه الدعاوى. وقد زعموا أن التقية انتهى العمل بها مع أن نصوصهم تأمرهم بالعمل بها إلى أن يخرج مهديهم، وأقوالهم وأفعالهم تبين استمرار العمل بها، فقولهم هذا إنما هو (تقية على التقية). ولعله لا يوجد طائفة على وجه الأرض جعلت الكذب ديناً، بل هو تسعة أعشار الدين كهذه الطائفة. 16 - وفي أثرهم في العالم الإسلامي تبين أن لهم آثارهم الفكرية الخطيرة في أحداث الشرك في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والصد عن دين الله، وظهور فرق الزندقة والإلحاد، ومحاولة إضلال المسلمين في سنة نبيهم، والتأثير السلبي في الأدب والتاريخ، وعلى بعض المفكرين المنتسبين للسنة، ولهم وسائل في الإضلال ظاهرة وخفية. كما أن لهم أثراً في المجال الاجتماعي في إثارة الفتن الداخلية بين المسلمين، وفي الاعتداء والاغتيالات للقيادات الإسلامية، ولعموم المسلمين، إذا حانت لهم فرصة في ذلك، وفي إشاعة الفاحشة ونشر الإباحية عن طريق ما يسمونه بالمتعة الدورية وغيرها. وفي المجال الاقتصادي كان أثرهم واضحاً في أخذ أموال المسلمين بالقوة أو الخديعة، وفي تدمير اقتصاد الأمة بأي وسيلة. وكان ما يأخذونه من أموال باسم آل البيت من أهم أسباب رغبة شيوخ الشيعة في بقاء شذوذهم وخلافهم مع المسلمين. وقد تبين أنهم كفرة، ليسوا من الإسلام في شيء بسبب شركهم وتكفيرهم للصحابة، وطعنهم في كتاب الله وغيرها من عقائد الكفر عندهم. ولا أغرب وأعجب من بقاء طائفة تعد بالملايين أسيرة لهذه الخرافات ولا يفسر ذلك إلا أن شيوخ الشيعة يحجبون الحقيقة عن أتباعهم بوسائل كثيرة من الخداع، لعل أبرزها دعواهم أن ما عندهم مؤيد بما جاء عن طريق أهل السنة، وأن دينهم يقوم على أساس محبة آل البيت وأتباعهم. وفي ظل هذه الدعوى يؤججون مشاعر العامة وعواطفهم بذكر اضطهاد آل البيت، وتصوير الظلم الذي لحقهم من الصحابة – بزعمهم – ويربون صغارهم على ذلك. ومن ذلك تمثيلهم لمأساة كربلاء، وهو المعروف الآن باسم (الشبيه) وإقامتهم لمجالس التعزية، بكل ما فيها من مظاهر الحزن والبكاء، وما يصاحبها من كثرة الإعلام ودق الطبول وسرد الحكايات والأقاصيص عن الظلم المزعوم، وهذا يؤدي إلى شلل العقل والتقبل الأعمى للمعتقد ولاسيما عند الأعاجم والعوام. وإن أعظم وسيلة لمعالجة وضع الشيعة هو بيان السنة للمسلمين في كل مكان وبمختلف الوسائل، وبيان حقيقة الشيعة ومخالفتها لأصول الإسلام بدون تقليل أو تهويل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

أقسام المداينة (رسائل فقهية)

أقسام المداينة (رسائل فقهية) ¤محمد بن صالح العثيمين£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1404هـ€فقه¶عقود مالية - مداينة خلاصة ما تقدم وبعد فهذه ثمانية أقسام من أقسام المداينة بعضها حلال جائز فيه الخير والبركة وبعضها حرام ممنوع ليس فيه إلا الشر والخسارة ونزع البركة فيه إلا أنه يزين لصاحبه سوء عمله فيستمر فيه ولا يرى أنه باطل، فيكون داخل في قول الله تعالى: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} وقال تعالى: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}. فالحلال من هذه الأقسام: 1 - أن يحتاج الشخص إلى سلعة أو عقار فيشتريه بثمن مؤجل لقضاء حاجته. 2 - أن يشتري السلعة أو العقار بثمن مؤجل للاتجار به وانتظار زيادة السعر. 3 - أن يحتاج إلى دراهم فيأخذها من شخص بسلعة يكتبها الآخذ في ذمته. وهذه الأقسام الثلاثة جائزة بلا ريب وسب تفصيلها. والحرام من الأقسام الأخرى: 1 - أن يحتاج إلى دراهم فلا يجد من يقرضه فيشتري سلعة من شخص بثمن مؤجل زائد على قيمتها الحاضرة ثم يبيعها على غيره وهذه هي مسالة التورق في جوازها (خلاف بين العلماء) كما تقدم. 2 - أن يحتاج إلى دراهم ولا يجد من يقرضه فيشتري من شخص سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها عليه بأقل مما اشتراها به، وهذه مسألة العينة. 3 - أن يتفق الدائن والمدين على أخذ الدراهم العشرة أحد عشر أو نحو ذلك ثم بيعها عليه بأقل مما اشتراها به، وهذه مسألة العينة. 3 - أن يتفق الدائن والمدين على أخذ الدراهم العشرة أحد عشر أو نحو ذلك ثم يذهب إلى ثالث فيشتري الدائن منه سلعة هو في الحقيقة شراء صوري ثم يبيعها على المدين ثم يبيعها المدين بدوره على الذي أخذها الدائن منه. وهذه طريقة المداينة التي يستعملها الآن كثير من الناس وهي حرام كما سبق عن شيخ الإسلام ابن تيمية ولم يذكر خلافا في تحريمها كما ذكر في مسألة التورق. 4 - أن يكون لشخص على آخر دين مؤجل أجله وليس عنده ما يوفيه فيقول صاحب الدين: أدينك وتوفيني فيدينه. وهذه طريق أهل الجاهلية التي تتضمن أكل الربا أضعافا مضاعفة إلا أنها صريحة في الجاهلية خديعة في هذا الزمان ففيها مفسدتان. 5 - أن يكون لشخص على آخر دين مؤجل فيحل أجله ويكون لصاحب الدين صاحب يتفق معه على أن يقرض المدين أو يدينه ليوفي الدائن ثم يقلب عليه الدين مرة أخرى. وهذه طريقة الجاهلية مع إدخال الطرف الثالث المشارك في الإثم والعدوان والمكر والخداع. واعلم أن الدين في اصطلاح أهل الشرع لما ثبت في الذمة سواء كان ثمن مبيع أو قرضا أو أجرة أو صداقاً أو عوضا لخلع أو قيمة لمتلف أو غير ذلك وليس كما يظنه كثير من العوام من أن المداينة هي التي يستعملونها ويستدلون عليها بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} فإن المراد به هو الدين الحلال الذي بين الله ورسوله حله دون الدين الحرام وهذا كثير في نصوص الكتاب والسنة تأتي مطلقة أو عامة في بعض المواضع ولكن يجب أن تخصص أو تقيد بما دل على التخصيص والتقييد.

ألفاظ التسليم من الصلاة

ألفاظ التسليم من الصلاة ¤إبراهيم الشيخ£بدون¥دار ماجد عسيري - جدة¨بدون¢بدون€فقه¶صلاة - أعمال منوعة خلاصة البحث 1 - أن الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في التسليم هو قول: (السلام عليكم ورحمة الله): عن يمينه، (السلام عليكم ورحمة الله): عن شماله [أما الاقتصار على تسليمة واحدة: فلم نتعرض لبحثه – حيث لم نتعرض لبحث عدد التسليمات – والإجماع منعقد على جواز أن يسلم المصلي تسليمة واحدة، إلا ما ورد عن الحسن بن حي وبعض أهل الظاهر]. فقد ورد ذلك عنه صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحيحة من حديث جابر بن سمرة، وابن عمر، وابن مسعود رضي الله عنهم. وبأسانيد ضعيفة عن غيرهم. 2 - أن زيادة (وبركاته): لم ترد مرفوعة بإسناد محتمل إلا من طريق موسى بن قيس عن سلمة بن كهيل عن علقمة عن وائل بن حجر رضي الله عنه. وقد غمز الدارقطني في هذه الرواية .. بالإضافة إلى أن بعض العلماء قد تكلم في سماع علقمة عن أبيه. 3 - أن زيادة (وبركاته): لم ترد موقوفة بإسناد صحيح إلا عن الأسود بن يزيد النخعي رحمه الله. 4 - حتى على فرض ثبوت زيادة (وبركاته) من حديث وائل بن حجر: فيكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يقولها ولكن بقلة. وعلى هذا فلا ينكر على من أتى بها أحيانا قليلة. 5 - أن جمهور أهل العلم يرون الاقتصار على قول: (السلام عليكم ورحمة الله. السلام عليكم ورحمة الله). 6 - أن مداومة الإتيان بلفظ (وبركاته) – إن لم نقل مجرد الإتيان به – في التسليم: خلاف الأولى. وعلى هذا فما يفعله كثير من المتسننة – من ملازمة الإتيان بها واعتقاد أن ذلك هو الأفضل – فعل غير سديد وغير موافق للسنة. 7 - أن الاقتصار في التسليم على لفظ (السلام عليكم) بدون ذكر (ورحمة الله) ورد عن بعض السلف من الصحابة والتابعين. والفقهاء على القول بجوازه. إلا أن الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل. هذا، وما كان في هذا البحث من توفيق وتسديد فمن الله تعالى وحده، فله الحمد والمنة. وما كان فيه من زلل وخطأ فمن نفسي ومن الشيطان. وأسأل الله تعالى أن يتجاوز عن التقصير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أهمية صلاة الجماعة في ضوء النصوص وسير الصالحين

أهمية صلاة الجماعة في ضوء النصوص وسير الصالحين ¤فضل إلهي ظهير£بدون¥إدارة ترجمان الإسلام سي - باكستان¨الأولى¢1412هـ€فقه¶صلاة الجماعة وأحكام المأموم والإمام خاتمة الحمد لله الذي منّ على العبد الضعيف بإنجاز هذا البحث، وإني لأرجو برحمته وكرمه وقبوله. وقد تجلي فيه عدة أمور، منها 1 - لصلاة الجماعة ثواباً عظيماً وأجراً جزيلاً. ويبدأ ثوابها قبل الشروع فيها، فيبدأ بتعلق القلب في المساجد، فالمشي إليها لأداء صلاة الجماعة فيها حتى يفرغ منها. ولا يتوقف عند ذلك بل يستمر حتى يعود المصلي إلى بيته. 2 - إن إقامة الصلوات الخمس مع الجماعات من أوكد العبادات، وقد أمر الله تعالى بها في جميع الأحوال وفي حال الخوف، كما أمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بها، ونهى عن الخروج من المسجد بعد الأذان فيه، ولم يرخص للتخلف عنها للأعمى رغم وجود الأعذار المتعددة له، وحكم أنه لا صلاة للمتخلف عنها بغير عذر شرعي مقبول. وبين عليه الصلاة والسلام أن التخلف عنها من علامات المنافقين، وأن الشيطان يستولي على قرية لا تقام فيها صلاة الجماعة. كما هدد صلى الله عليه وسلم بغضب الله تعالى على من تركها، وهم بتحريق البيوت على من تخلف عنها. ونبأنا العليم الخبير بسوء عاقبة من لم يستجب للأذان. 3 - كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الاهتمام بصلاة الجماعة. ويتجلى ذلك في محافظته عليها في شدة المعركة، وفي جهوده للخروج إليها في مرضه الشديد. 4 - كان سلف الأمة شديدي العناية بصلاة الجماعة. 5 - يرى بعض المالكية أنها "سنة"، كما يرى بعضهم الآخرون أنها "سنة مؤكدة". ب: اتفق علماء الحنفية على أنه لا يرخص لأحد في تركها بغير عذر، ويأثم من تركها بغير عذر. ويرى عامة مشايخهم أنها واجبة، وسماها بعضهم "سنة مؤكدة"، لكنهم فسروها بما يفسر به "الواجب" فالخلاف بينهم وبين من سماها "واجبة" لفظي. ج: لم يرخص الإمام الشافعي في ترك صلاة الجماعة لغير المعذور. وقد اختلف علماء الشافعية في تسميتها. فمنهم من سماها "فرض عين"، ومنهم من سماها "فرض كفاية"، ومنهم من سماها "سنة مؤكدة"، لكنهم اتفقوا على أن من ترك صلاة الجماعة فهو آثم. د: المنصوص من قول الإمام أحمد أنها "واجبة على الأعيان" وليست شرطاً لصحة الصلاة. ويرى بعض الحنابلة أنها شرط لصحة الصلاة أيضاً. هـ: يرى الظاهرية أنها "فرض عين وشرط لصحة الصلاة". و: لا يرخص – من ذكر في أعلام الأمة – في ترك صلاة الجماعة إلا لمريض أو خائف. ولا فرق في وجوبها بين المسافر والمقيم، وبين أهل الحضر والقرية. كما صرح بعضهم أنه لا طاعة للوالدين في تركها. ويستغل الكاتب هذه الفرصة لمناشدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالمحافظة على أداء الصلوات الخمس مع الجماعة كما حافظ عليها رسولنا الحبيب الكريم صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة، كما أنشد ولاة أمور المسلمين في أرجاء المعمورة بالاهتمام بصلاة الجماعة كما اهتم بها ولاة أمور المسلمين الأوائل. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه إنه سميع مجيب. وصلى الله تعالى على نبينا وعلى آله وأصحابه وأتباعه وبارك وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أوقات النهي الخمسة وحكم الصلاة ذات السبب فيها

أوقات النهي الخمسة وحكم الصلاة ذات السبب فيها ¤عبدالله بن عبدالعزيز الجبرين£بدون¥دار عالم الفوائد - مكة المكرمة¨الثانية¢1418هـ€فقه¶صلاة - أعمال منوعة الخاتمة الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد: فمن خلال هذا البحث المتواضع تبين لي أمور، أهمها: أولاً: أن القول الصحيح في بداية الوقت الأول من أوقات النهي الخمسة أنه يبدأ من طلوع الفجر. ثانياً: أن القول الراجح في نهاية الوقت الثاني من أوقات النهي أنه ينتهي بطلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح. ثالثاً: أن الوقت الثالث من أوقات النهي – وهو وقت الزوال – وقت قصير جدا، وفي كلام بعضهم أنه ما يمكن فيه قراءة الفاتحة، فلا يتسع لصلاة، لكن يمكن إيقاع التحريم فيه، لأن جزء من الصلاة سيكون في هذا الوقت. رابعاً: أن الوقت الخامس من أوقات النهي يبدأ بشروع الشمس في الغروب، وهذا هو القول الصحيح في هذه المسألة. خامسا: أن الصحيح من أقوال أهل العلم فيما بعد الفجر وما بعد العصر أنهما من أوقات النهي، وأن الأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة في هذين الوقتين قد بلغت حد التواتر. سادسا: أن وقت الزوال وقت نهي عدا يوم الجمعة، وهذا هو القول الصحيح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة، وأن القول بأن هذا الوقت ليس وقت نهي مطلقا قول ضعيف، لا يعضده دليل من كتاب ولا سنة، ومخالف للأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الصلاة في هذا الوقت. سابعا: أن مكة المكرمة كغيرها من البلاد فيما يتعلق بأوقات النهي، يجوز فيها في أوقات النهي فعل ما له سبب دون غيره، وهذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة. ثامنا: أن الفرائض يجوز قضاؤها في جميع أوقات النهي، وهذا هو القول الصحيح في هذه المسألة، وما سواه من الأقوال ضعيف، لمخالفته للنصوص الشرعية في هذه المسألة. تاسعا: أن الصحيح من أقوال أهل العلم في صلاة الجنازة في أوقات النهي أنها تجوز في جميع أوقات النهي، وأن الأولى عدم الصلاة عليها في أوقات النهي القصيرة، وهي وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، ووقت الزوال، إلا إذا خيف على الجنازة من التغير. عاشرا: أن ذوات الأسباب من النوافل تشرع عند وجود سببها في أوقات النهي كلها، هذا هو القول الصحيح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة، لأدلة كثيرة، تقرب من أربعين دليلا، ذكرتها في موضعها من هذا البحث. حادي عشر: أنه يشرع سجود التلاوة وسجود الشكر عند وجود سببه في جميع أوقات النهي، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

إبراء الذمة من حقوق العباد

إبراء الذمة من حقوق العباد ¤نوح علي سلمان£بدون¥دار البشير - عمان¨الأولى¢1407هـ€فقه¶فقه معاملات - أعمال منوعة الخاتمة بعد أن وصلت إلى نهاية المطاف في هذا البحث، وعالجت المسائل المتعلقة به، أسجل في هذه الخاتمة أمورا استخلصتها من بحثي، ووقفت عليها من خلال معالجتي للمسائل المختلفة. إن على المسلم أن يرجع إلى الفقهاء في كل تصرف يقدم عليه، ليبنوا له ما يترتب له وعليه من حقوق؛ بسبب هذا التصرف، إلا أن يكون عالماً بالأحكام الفقهية، وإلا خشي عليه أن يترتب في ذمته حق لله تعالى، أو للعباد. وهو لا يدري، فيلقى الله تعالى مثقلاً بالذنوب وبحقوق الناس يطالبونه بها، ويستوفون من حسناته في يوم هو أحوج ما يكون فيه إلى الحسنات. وإذا كان الإنسان يراجع الطبيب بين الحين والآخر ليطمئن على صحته – ولا يغني عنه من أمر الله شيئا – فإن عليه أن يراجع علماء الفقه؛ ليطمئن على سلامة دينه، وبراءة ذمته من حقوق الآخرين. 2 – إن الرسائل التي تقدم لنيل الدرجات العلمية يبذل فيها من الجهد ما لا يبذل في غيرها، وتكتب بإشراف علماء مشهود لهم بالعلم، وتناقش من قبل أهل العلم المتخصصين، وهذه كلها ظروف توفر للبحث ما يستحقه من التحقيق، والمقارنة، والموضوعية، فينبغي أن تستغل في بحث الأمور التي يحتاج إليها المسلمون في حياتهم العملية وما جد من قضايا لم تكن معروفة من قبل. 3 - إن الجهد الذي بذله الفقهاء من سلفنا الصالح لا يعرف قدره إلا من اطلع على مؤلفاتهم، وتتبع بحثهم للمسائل، ومعالجتهم للقضايا، فرأى طلبهم للحق، وتجردهم في البحث، والتزامهم بالقواعد الصحيحة للبحث، واحترامهم لرأي غيرهم، ولطفهم في الرد على الآراء المخالفة، وذكاءهم في التمييز بين المتشابهات، وسعة اطلاعهم في توجيه الآراء، ودقة الاستنباط وإبراز الفروق الدقيقة بين المسائل المتشابهة، كل هذا مع التواضع، واستقلال العمل في جانب الله، وواجب خدمة الدين. 4 - ومن النقطة السابقة يظهر أن الذين يطعنون على المذاهب لاختلاف آرائهم ينظرون إلى الموضوع من بعيد ولو مارسوا البحث في المسائل الفقهية، وتتبعوا مسالك الفقهاء في استنباط الأحكام، لعذروهم، وعرفوا أن تعدد الآراء دليل على حريتهم في البحث، وطلبهم للحق، وبعدهم عن التقليد بلا دليل، وأن من إعجاز القرآن، وعظمة المنة أن يُفهم من النص الواحد عدة أحكام، وتختلف الآراء باختلاف البيئات والثقافات والعقول، فما يناسب بيئة لا يناسب أخرى، وما يناسب زماناً لا يناسب آخر، والموضوعات التي وقع فيها الخلاف مواضيع فرعية تعالج قضايا الناس المتجددة والمتنوعة، أما الأصول والعقائد فثابتة لا مجال للخلاف حولها. 5 – إن البعض يظن أنه لو ثبت النص لانتفى الخلاف وهذا أيضا قول من لا خبرة له، فالقرآن الكريم ثابتة نصوصه بالتواتر ولله الحمد، ومع هذا اختلفت العقول في فهم النص. وإثبات النصوص ليس أمراً سهلاً، فهو كثيراً ما يرجع إلى الحكم على سيرة شخص، وهذا مجال يكثر فيه الخلاف، ولو اتفق على هذه النقطة فإنك لا تجد النصوص التي تحكم في كل مسألة، فالأحاديث الواردة في باب المعاملات أقل بكثير من الواردة في موضوع العبادات فلابد من الاجتهاد في فهم النص؛ لتوسيع نطاقه بالقياس، والحكم على المسائل بالقواعد العامة في الشريعة، ولو أنهم بدؤوا بحثهم في أبواب المعاملات لوقفوا على هذه الحقيقة بسهولة، ولكنهم بدؤوا من باب العبادات فطالعتهم النصوص الكثيرة فظنوا الأمر هكذا في كل أبواب الفقه.

6 – ولما سبق فإن على الباحث أن لا يضيق ذرعاً بهذه الخلافات فهي تروض العقل، وتعلمه تفحص القضايا من عدة زوايا، وعليه أن ينظر في الأدلة، ويقارن بينها، ثم يبين ما ترجح عنده، ومن وجهة نظره دون الحكم ببطلان الآراء الأخرى، فما من قول لمجتهد إلا وله مستند شرعي قوي في نظره من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، أو غيرها من الأدلة، سواء قوي هذا المستند أو ضعف في نظر غيره، ومعاذ الله أن يقول أحد منهم برأيه المجرد عن الدليل، ولا بد للإنسان من أن يتأثر بثقافته وبيئته في فهم النص فكيف يحكم بصحة ما ذهب إليه وبطلان ما سواه، وليس له على هذا دليل جاسم؟. وهذا ما سلكته في هذه الرسالة فقد كنت بعد البحث أقول: يبدو لي رجحان كذا، إشارة إلى أن هذا ما بدا لي، وقد يبدو لغيري غير ما بدا لي، ويترجح لديه غير ما ترجح لدي. وليس معنى هذا أني لا أصل في المسألة إلى حكم، فالذي أرجحه هو ما أعمل به لنفسي، وأفتي به غيري لو سألني، وأحكم به لو كنت قاضيا، وهذه كلها يكفي فيها غلبة الظن، ولكني أتحرج من الكلمات التي تجرح شعور أحد من المسلمين، خاصة صفوتهم وأهل العلم والفقه منهم. وبعد: فهذا جهد المقل، والفضل لله وحده، وما كان في بحثي من صواب فمن الله تعالى، وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه وأستغفر الله تعالى من الذنب الذي أعلم، ومن الذنب الذي لا أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وآله وصحبه أجمعين، ورضي الله عن العلماء العاملين وحشرنا بمعيتهم تحت لواء سيد المرسلين. تم بحمد الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

إرشاد أولي الألباب إلى ما صح من معاملة أهل الكتاب

إرشاد أولي الألباب إلى ما صح من معاملة أهل الكتاب ¤جمال محمد إسماعيل£بدون¥دار المعراج¨الأولى¢1413هـ€فقه¶أهل الكتاب بعد معالجتي لهذا الموضوع توصلت إلى النتائج التالية: - الإسلام دين الحق وما سواه باطل، وهذه حقيقة يقينية في نفس المسلم الواعي الذي يعلم أن الله لن يقبل غيره من الناس جميعا ولكن أعداء الإسلام يحاولون تمييع هذا اليقين في نفس المسلم باسم التسامح والتقريب بين الأديان. - الغلو والجفاء والإفراط والتفريط خط منحرف عن الإسلام فالتوسط والاعتدال هو المطلوب من المسلم، فالغلو والإفراط يجعل صاحبه متشددا على نفسه وعلى غيره أما الجفاء والتفريط فهو يحمل صاحبه على عدم الاكتراث بأمر دينه. - موقف أهل الكتاب من المسلمين هو البغض والحقد وتمني السوء ولا تغتر بمعسول الكلام فإنهم لن يرضوا عنك إلا أن تترك دينك وتتبع دينهم. - موقف المسلم من أهل الكتاب هو الحذر من مكرهم وأخذ الحيطة فلا جدال معهم إلا لمن أراد منهم البحث عن الحق، ولا طاعة لهم ولا بطانة منهم، ولا يجوز اتخاذهم أعوانا وأنصارا وأولياء، ولا يجوز مودتهم ومحبتهم ولا توليتهم أمرا من أمور المسلمين، ولا يجوز التشبه بهم والتزي بزيهم، ولا يجوز مداهنتهم، ولا يجوز الثقة بهم وائتمانهم وقد خونهم الله تعالى. - التقية رخصة وتركها عزيمة وهي ليست موالاة. - الإكراه لا ينفع أحدا فيما يتعلق بالرضى القلبي والميل إلى الكفار لأنه غير مأذون فيه ولأن الإكراه لا سلطان له على القلوب. - وجوب تحكيم شرع الله بين الناس عامة مؤمنهم وكافرهم. - الموالاة الممثلة في الحب والنصرة شيء والنفقة والصلة والإحسان للأقارب الكفار شيء آخر وسماحة الإسلام تتضح من: لا إكراه في الدين، حفظ العهد والوفاء به شريطة أن لا يحل حراما أو يحرم حلالا، لا تضرب الجزية على النساء والصبيان ولا على الراهب المنقطع للعبادة، إقامة العدل وتحريم الظلم. - لا يجوز بدء أهل الكتاب بالسلام ووجوب الرد عليهم إذا سلموا. - لا يجوز تصديرهم في المجالس " أي التبجيل والإكرام ". - مراسلة الكتابي تكون دون ذكر السلام له ولكن يقال " السلام على من اتبع الهدى ". - تشميت العاطس منهم تشميتا خاصا دون ذكر الرحمة إذا حمد الله عز وجل. - يجب صيانة الأسماء الإسلامية منهم مثل أحمد ومحمد وأبو بكر فلا يمكنون من ذلك. - عدم تكنية الكتابي على سبيل التعظيم والإجلال. - الدعاء لهم بالهداية والدعاء عليهم منهي عنه في حق من يرجى تألفه ودخوله في الإسلام. - الهدية للكتابي إثباتا ونفيا ليست على الإطلاق والبر والصلة والإحسان لا يستلزم التحابب والتوادد المنهي عنه. - قبول الهدية من الكتابي في الأحوال العادية أما ما يستعان به على التشبه بهم لا يجوز وترد. - عيادته تختلف باختلاف المقاصد فإن كان ممن يرجى دخوله في الإسلام فلا بأس. - تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم فيقول لهم: عيد مبارك أو تهنأ بهذا العيد. - لا يغسل الكتابي ولا تتبع جنازته. - لا يجوز الترحم والاستغفار له وإن كان أقرب قريب لك. - القيام للجنازة ليس مختصا بالمسلم أو الكتابي وإنما هو عام ففيه تعظيم للذي يقبض النفوس وتذكير للمسلم من الغفلة. - إباحة استعمال آنية أهل الكتاب مع التوقي من النجاسات. - أكل ذبائحهم جائز أما ما ذبحوه لكنائسهم وأعيادهم فلا يجوز. - مشاركة الكتابي جائزة والأولى عدم مشاركته لأنهم يستحلون ما لا يستحله المسلم. - معاملة الكتابي في البيع والشراء جائزة ولكن بشرطين: 1 - ألا يكون مما يستعان به على المسلمين كبيع السلاح لقتل مسلم ونحوه.

2 - ألا يكون مما يستعان به على إقامة أعيادهم الباطلة كبيعهم الطعام واللباس ونحوه. - استعمال الكتابي في عمل لا ولاية فيه كنحت الحجارة والبناء والنجارة. - استئجار المسلم عند الكتابي جائز إلا أن يعمل عملا يحل له فعله. - الاستعانة بهم في الطب، وأخذ علم الطب من كتبهم مثل الاستدلال على الطريق، أما طلب الرقية منهم فلا يجوز للمسلم ذلك. - الاستعانة بهم في الحرب جائزة بشرطين: 1 - الحاجة إليهم. 2 - الوثوق من جهتهم. - لا مانع أن يتحدث المسلم بحديث أهل الكتاب للعظة والعبرة. - الاحتراز من استعمال أهل الكتاب في شيء من ولايات المسلمين. - تعليم المسلم أهل الكتاب القرآن ممن يرجى منه الرغبة في الدين والدخول فيه مع الأمن أن يتسلط بذلك إلى الطعن فيه. - دخول الكتابي المسجد للحاجة ولكن الآن لا مصلحة للمسلمين في دخولهم مساجدهم. - دخول الكنيسة بالنسبة للمسلم لا تكون إلا في حالات الضرورة ولا يصلي فيها حيث أن فيها تماثيل وصور وهي بيت للكفر. - زواج المسلم من الكتابية جائز والأولى له أن يتزوج مسلمة حيث أن: 1 - المسلمات كثيرات وهن أولى. 2 - انعدام الحاجة. 3 - خشية الفتنة على الزوج والأولاد. 4 - نوعية المسلم الذي قدم على مثل هذا لا يفكر في دين ولا خلق. - ولكن لا يجوز للمسلمة أن يتزوجها كتابي بحال. - لا يكون الكتابي وليا للمسلمة ولا محرما لها. - زوجة المسلم الكتابية له حق منعها من الخروج إلى الكنيسة وإجبارها على الاغتسال من الجنابة والنظافة وكذلك منعها من إدخال الصليب بيته. - الأولاد يكونون مسلمين حيث أنهم يتبعون أباهم المسلم. - انقطاع التوارث بين المسلم والكتابي. - الزكاة لا تجوز على الكتابي ولكن تجوز عليه صدقة التطوع. - وقف المسلم يصح منه ما وافق حكم الله ورسوله. - وقف الكتابي إذا كان على الكنائس والبيع فلا يجوز وإذا كان الوقف على معين أو جهة يجوز للمسلم الوقف عليها كالصدقة على المساكين والفقراء وإصلاح الطرق فهذا صحيح. - ليس للكتابي أن يتملك أرض المسلمين بالإحياء. - إذا كان المدعي عليه ذميا يحلف ويكون حلفه بالله عز وجل. - قبول شهادة أهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يكن غيرهم وردها في غير ذلك. - هجاء الكتابي لا يكون إلا إذا كانت هناك مصلحة راجحة. - دية الكتابي نصف دية المسلم. - تغلظ الدية على المسلم إذا قتل ذميا أو معاهدا. - لو قتل ذمي مسلما لم تضعف عليه الدية لأن القصاص عليه واجب. - لا يقتل المسلم بأحد من الكفار سواء كان المقتول ذميا أو مستأمنا أو غير ذلك ويقتصر فيه على الوعيد الأخروي دون الدنيوي لأن قتل الذمي والمعاهد حرام. - يقاتل أهل الكتاب حتى يرضخوا بالإسلام أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون. - الأسارى منهم: الرجال يخير الإمام فيهم بين أربعة أشياء القتل والمن بغير عوض والمفاداة بهم واسترقاقهم والنساء والصبيان لا يجوز قتلهم ويصيرون رقيقا للمسلمين. - النهي عن السفر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم أو الاستهانة به. - الإقامة في بلاد الكفار فيها خطر عظيم على دين المسلم وقد تجوز في بعض الحالات مع التقيد بالمصلحة العامة والمصلحة الخاصة دون إلحاق الضرر بأيهما. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

إسعاف أهل العصر بما ورد في حكم الوتر

إسعاف أهل العصر بما ورد في حكم الوتر ¤فيحان بن شالي المطيري£بدون¥دار المدني¨الأولى¢1405هـ€فقه¶صلاة التطوع - وتر وقيام الليل وتراويح وتهجد خاتمة وبعد هذا ما سمح به الوقت وجاد به القلم فإن يمكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ولم أدخر وسعاً في البحث والتفتيش عن المادة من مصادرها المعتمدة، بيد أن العلم الإنساني عرضة للنقص مهما بلغ من العلم والفهم والذكاء. وأرجو ممن عثر على زلة قلم، أو سقطة لسان، أو قصوراً في العبارة، أن ينبه علي ذلك فسيجد إن شاء الله تعالى أذناً صاغية وصدراً رحباً، لتقبل ما يملي من الملاحظات، لأن الهدف الأول والأخير هو الحق، والله على ما نقول شهيد، وقد ضمنت هذه الخاتمة بعض النتائج التي ظهرت لي من خلال البحث وتتخلص في الآتي:- 1 - أن الوتر ليس بواجب بل هو سنة مؤكدة. وقد دل لذلك صريح السنة الثابتة عن صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، حتى قال بعض الفقهاء القائلين بعدم الوجوب برد شهادة تارك الوتر. 2 - أن الوتر لا يخلو من ثلاثة أمور بالنسبة للوقت الذي يفعل به. وقت جواز وهو ما بعد صلاة العشاء، ووقت استحباب وهو ما قبل الفجر الثاني، لمن وثق من نفسه القيام. إما باستيقاظه وإما بإيقاظ غيره له، ووقت قضاء وهو ما بعد صلاة الفجر. وقد ذكرنا هذا كله بالتفصيل أثناء البحث. 3 - أن الوتر كما يجوز بثلاث ركعات يجوز أيضاً بركعة وبخمس وبسبع وبتسع وبإحدى عشر وبثلاث عشر، وليس كما ظن بعض الفقهاء أنه لا يجوز إلا بثلاث. 4 - إن الإيتار بواحدة يصح ولو لم يتقدمه شفع. نعم الأفضل هو تقديم الشفع عليه، بيد أن المفهوم من ظاهر السنة هو الجواز، وإن ما قلنا بأن تقدم الشفع أفضل لكونه الغالب من أحواله صلى الله عليه وسلم. 5 - أن الوتر يجوز فعله على الراحلة، وهو دليل آخر على عدم الوجوب. إذ أن الواجبات لا يجوز فعلها على الراحلة إلا عند الضرورة. 6 - جواز القنوت في الوتر، ولا يتقيد الجواز بزمن دون آخر، بل يجوز في كل وقت على الراجح من أقوال الفقهاء. 7 - جواز رفع اليدين عند القنوت في الوتر، لأنه دعاء والأيدي ترفع عند الدعاء. 8 - أن الوتر أعلى منزلة من الرواتب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه حضراً ولا سفراً. ولا يماثله في هذا الشأن من السنن إلا ركعتا الفجر، وإن كان هو آكد منهما لكثرة الآثار الدالة على الأمر به.

إسعاف النساء بفصل الصفرة عن الدماء

إسعاف النساء بفصل الصفرة عن الدماء ¤محمد بن رزق الطرهوني£بدون¥دار عالم الكتب - الرياض¨الأولى¢1407هـ€فقه¶حيض ونفاس الخلاصة - الأصل في المرأة أنها يجب عليها الصلاة كمسلمة إذا بلغت سواء كانت تحيض أو لا تحيض لمانع من الموانع، فإذا طرأ عليها الحيض لم يكن لها أن تترك الصلاة إلا إذا تيقنت أنها في حالة حيض، لأن ترك الصلاة أمر لا هوادة فيه. - أن صفة الدم الذي يحكم لمن وجدته بحكم الحائض، أن يكون دماً أسود أي مائلاً للسواد، تعرفه النساء بلونه ورائحته، أما ما يأتي قبله أو بعده متصلاً به أو منفصلاً عنه فلا يعطي هذا الحكم البتة، بل يوجب الوضوء فقط لنص الحديث في ذلك وتصلي. - أن ما روي عن عائشة – على نظر في صحته – لا يختلف عن هذا إلا في اشتراط وجود فترة نقاء تام ولو لحظات، بمعنى خروج القطنة بيضاء لا أثر فيها لشيء، فإذا خرج بعد ذلك صفرة أو كدرة فلا عبرة بها وقد بينا في البحث أن هذا القول لا حجة فيه. هذا والله تعالى أعلم بالصواب.

إشراقة أولى النهي في حكم الأخذ من اللحى

إشراقة أولى النهي في حكم الأخذ من اللحى ¤حسن بن قاسم الحسني الريمي£بدون¥دار الإمام أحمد¨الأولى¢1426هـ€فقه¶لباس وزينة - حكم اللحية اتضح مما سبق تناوله في هذا البحث المتواضع بأبوابه الثلاثة ما يلي: - وجوب إعفاء اللحية على ما ورد به النص من السنة الصحيحة الصريحة. - إن القول بإطلاق اللحية موافق للفطرة ومن سننها، ومخالف لما عليه أهل الكفر. - تحريم أخذ شيء من اللحية من أي موضع كان. - إذا خالف فعل الصحابي مرويه فالعبرة بالمروي لا بفعل راويه. - إذا صدرت المخالفة للرواية من غير راويها فالإجماع منعقد على الأخذ بالرواية، كما قاله العلائي. - التماس العذر لابن عمر رضي الله عنهما في أخذه ما دون القبضة كما ذكر في المسألة الأصولية. - تأييد اللغة العربية لصريح منطوق حديث الإطلاق. - حمل المطلق من الآثار على المقيد منها إذا اتحد الحكم. - العمل بمطلق النص وعمومه حتى يرد ما يقيده ويخصه من نص مثله. - ترجيح كثير من علماء الدعوة السلفية قديماً وحديثاً القول بوجوب الإطلاق. - التفريق بين مسائل الخلاف ومسائل الاجتهاد. - الراجح: عدم الإلزام بقول الصحابي إذا انفرد، فكيف إذا خالف نصا صحيحاً صريحاً؟!!!. - التحذير من الوقيعة في علماء السنة. - التحذير من التسرع في الأحكام قبل كمال الأهلية. وغير ذلك من الأمور التي تم تناولتها في ثنايا البحث.

إتحاف الخلان في حقوق الزوجين في الإسلام

إتحاف الخلان في حقوق الزوجين في الإسلام ¤فيحان بن شال المطيري£بدون¥دار العاصمة - الرياض¨الأولى¢1411هـ€فقه¶حقوق الزوجين الخاتمة وبعد هذه الرحلة العلمية المباركة التي طوفنا من خلالها في جمع أحكام هذا الموضوع المفيد المتعلق بحياة الأفراد والمجتمعات وترتيب أبوابه ومناقشة أدلته وترجيح ما أمكن ترجيحه أقول هذا ما وسعه الجهد وسمح به الوقت وتوصل إليه الفهم وجاد به القلم فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن فيه خطأ أو نقص فتلك سنة الله في بني الإنسان فالكمال لله وحده والنقص والقصور من صفات الجنس البشري ولا أدعي الكمال وحسبي أني بذلت طاقتي واستفرغت وسعي فلم أدخر جهداً إلا بذلته في إعداد هذه المادة لنفع نفسي أولاً ولنفع من يطلع على هذا السفر المتواضع وأرجو ممن عثر على سبقة لسان أو ذلة قلم أو قصور فهم أن ينبه على ذلك وله جزيل الشكر. والله نسأل أن يجزل لنا المثوبة فالمؤمن مرآة أخيه وسيجد آذناً صاغية وقلباً مفتوحاً لتقبل تلك الملاحظات التي يقصد بها وجه الله تعالى. هذا وسأشير بإيجاز في هذه الخاتمة إلى بعض النتائج التي توصلت إليها من خلال معايشة هذا الموضوع وهي على النحو الآتي: 1 - إن كلا من الزوجين له وظيفة خاصة في تصريف شؤون المنزل يتميز بها عن الآخر فالإشراف العام خاص بالزوج وكذلك العمل خارج المنزل أما ما يتعلق بالمنزل من الأمور الداخلية فذلك من خصائص المرأة. 2 - إن الزوج يكون مخطأ إذا تصور أن وجود الزوجة في بيته إنما هو للخدمة والاستمتاع فالنساء شقائق الرجال ولا يعني هذا المشاركة في كل شيء إنما المراد أن يعلم أن الإسلام لم يهمل جانب المرأة بل أعطاها من الحقوق والواجبات ما لم يكن لها في أي دين من الأديان ولا في أي عصر من العصور. 3 - إن المرأة ينبغي لها خدمة زوجها بالمعروف بل أوجب ذلك بعض أهل العلم إذا لم يكن فيه إضرار بها وهو الذي رجحناه في ثنايا الكتاب وفي خدمتها لزوجها توثيق لأواصر المحبة والمودة بينهما. 4 - إن الزوج يجب عليه توجيه زوجته إلى الخير وتعليمها ما ينفعها في دينها ودنياها. 5 - إن طاعة الزوج واجبة على زوجته بالمعروف وقد دل لذلك صريح السنة وإجماع الأمة. 6 - إن الزوجة يجب عليها أن تحافظ على حقوق زوجها الخاصة بها فتحفظه في نفسها ولا تمكن غيره منها كما تحفظه في أمواله وأولاده في غيبته وحضوره. 7 - إن الاستمتاع حق مشترك لكل من الزوج والزوجة سواء أكان ذلك بالجماع أو بغيره فيجب على الزوجة أن تمكن زوجها من نفسها ولا تمتنع منه إلا لعذر شرعي كما يجب عليه وطؤها حسب الاستطاعة والتفصيل مدون في أثناء الكتاب. 8 - إن الاستمتاع يكون في المكان الذي أباحه الشارع ويحرم في الدبر وفي القبل زمن الحيض والنفاس وأن من وطئ زوجته في قبلها حال حيضها أو نفاسها آثم وعليه كفارة كما هو مبين في ثنايا الكتاب. 9 - إن الحيض والنفاس له زمن معين له أقل وأقصر فما زاد على أكثره فهو دم استحاضة لا يمتنع على الزوج الوطء فيه. 10 - إن الاستمتاع بالحائض أو النفساء يجوز في أي مكان من بدنها سوى موضع الأذى. 11 - إن للجماع آداب ينبغي أن تراعى من قبل الزوجين وهي مبينة في ثنايا هذا الكتاب. 12 - إن العزل عن المرأة الحرة لا يجوز إلا بإذنها كما أنه لا يجوز إلا إذا وجدت أسبابه المدونة في هذا الكتاب. 13 - إباحة تعدد الزوجات في الإسلام شرط العدل بينهن وبشروط أخرى منها القدرة على النفقة والسكن وهي مفصلة عند الكلام عن تعدد الزوجات.

14 - الوعيد الشديد من الشارع الحكيم على من مال وجار ولم يعدل بين الزوجات وأن القسم للزوجة أو الزوجات واجب بنص القرآن وصريح السنة وإجماع الأمة وكيفية ذلك وما يتعلق به من أحكام مفصلة في موضعها. 15 - رد بعض الشبه التي يثيرها أعداء الإسلام أو المقلدون لهم من أبناء المسلمين حول التعدد وأنها لا تستند إلى دليل صحيح لا من كتاب ولا من سنة ولا قول صحابي ولا قياس صحيح وأن المقصود بها التشكيك في الرسالة النبوية والطعن في الدين الإسلامي. 16 - إن التعدد الجائز في الإسلام الذي جوز الجمع بموجبه بين النساء في وقت واحد أربع لا غير وهو الحد الأعلى الذي يؤيده الدليل. 17 - إن جمعه صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع في وقت واحد إنما كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم وذلك لأهداف سامية ومقاصد عظيمة دينية وسياسية واجتماعية وهي مفصلة في موضعها. 18 - إن الطلاق حق للزوج ثابت بالقرآن والسنة وإجماع الأمة ولا ينتقل عنه هذا الحق إلا إذا وجدت أسباب خاصة وإنما شرع الطلاق حل قيد النكاح عند الحاجة إليه. 19 - إن الخلع حق للزوجة وقد دل لمشروعيته الكتاب والسنة وإجماع الأمة وإنما جعل هذا الحق للزوجة لتتخلص به من قيد النكاح عند الحاجة إليه. 20 - إن الخلاف بين الزوجين وعدم الاتفاق بينهما له أسباب خاصة وهي مفصلة في موضعها مع بعض الحلول لها. 21 - لا ينبغي للزوج إذا كان مسافراً أن يقدم على زوجته حتى يعلمها بقدومه خصوصاً إذا كان ليلاً لما في ذلك من المصالح العظيمة ودليل ذلك السنة الصحيحة الصريحة. هذا ما يمكن تسطيره في هذا المقام والله أسأل أن يجعله عملاً خالصاً لوجهه الكريم وأن يحفظنا من الذلل والرياء وأن ينفع بما دونته هنا كل من قرأه واطلع عليه فالهدف الأول والأخير هو نفع أفراد المسلمين خصوصاً طلاب العلم الذين لديهم بعض الأهلية وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

إتحاف النبلاء بأدلة تحريم إتيان المحل المكروه من النساء

إتحاف النبلاء بأدلة تحريم إتيان المحل المكروه من النساء ¤عبدالله بن محمد البخاري£بدون¥مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة¨بدون¢1414هـ€فقه¶فقه عبادات منوعات الخاتمة: الحمد لله وكفى وصلى الله على النبي المصطفى وآله وصحبه وسلم. وبعد: فبعد أن علمت – وفقني الله وإياك للخير – الأحاديث الواردة والآثار المروية في تحريم إتيان النساء في أدبارهن، وكذلك – علمت – بعد أن أوقفتك على جملة من أقوال علماء الملة في تحريم ذلك، فليس لك بعد هذا إلا أن تصبر نفسك على السنة، وتقف حيث وقف القوم، وقل فيما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم، فاسمع وأطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم في قوله، ولا تتعداه لقول أحد كائناً من كان. قال الإمام ابن المنذر "رحمه الله": "وإذا ثبت الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغني به عما سواه" – "الجامع لأحكام القرآن" القرطبي 3/ 96. ثم إني أسألك – بعد هذا – الدعاء بالمغفرة والرحمة لمصنف هذا الجزء، ولوالديه ولقارئه ومن انتفع به من المسلمين، والله يتولانا ويتولاك بمنه وفضله، والحمد لله أولاً وأخيراً وظاهراً وباطناً، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

إعلام العابد في حكم تكرار الجماعة في المسجد الواحد

إعلام العابد في حكم تكرار الجماعة في المسجد الواحد ¤مشهور بن حسن آل سلمان£بدون¥دار المنار¨الثانية¢1412هـ€فقه¶صلاة الجماعة وأحكام المأموم والإمام تنبيهات: وفي الختام أشير إلى النقاط التالية: أولاً: قصدنا بمنع إقامة الجماعة الثانية في مسجد قد صلى فيه مرة: الكراهة مع صحة الصلاة. قال الإمام الشافعي: "وإذا كان للمسجد إمام راتب، ففاتت رجلاً أو رجالاً فيه الصلاة؛ صلوا فرادى، ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة، فإن فعلوا؛ أجزأتهم الجماعة فيه" [الأم 1/ 170]. وقال أحمد بن يحيى الونشريسي: "سألت الشيخ أبا عبدالله سيدي محمد بن قاسم القوري رحمه الله عن جماعة جمعت في مسجد بعد جمع إمامه الراتب؛ هل جمعها صحيح؟ فأجابني ما نصه: الجمع صحيح، ولا خلل فيه، ولا موجب إعادة، وغاية ما يقال: الكراهة على المشهور" [المعيار المعرب 1/ 203 – 204]. وقال الشاطبي: "وأما مسألة جمع الصلاة في المسجد الواحد مرتين؛ فلا ينبغي أن يقال في مثلها: الحيد عن السنة، مع كونها في الأصل مختلفاً فيها بين العلماء، فمنهم من أجاز ذلك بإطلاق. ومذهب مالك: الكراهية؛ خوف الفرقة الحاصلة في تعدد الجماعات، وربما قصد أهل البدع ذلك؛ لئلاً يصلوا خلف أهل السنة، فصارت كراهية مالك سداً لهذه الذريعة، وقد احتج ابن العربي لهذا المذهب بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا} [التوبة: 107]، فذمهم على اتخاذ المسجد؛ لأوصاف؛ منها: التفريق بين المؤمنين؛ فالتفريق في الجماعات يشبه هذا، انظر كلامه في "الإحكام"، وإنما يبقى في المسألة أن من يترخص في ذلك يبني على بعض التأويلات التي هي خلاف المعتمد من مذهب مالك، والعمل إنما يكون في المسائل الخلافية على ما هو مشهور؛ كما تقرر لكم في غير هذا" [فتاوى الشاطبي ص126 – 127]. علة النهي ومحله: ثانياً: علة الكراهة تفرق الكلمة، أو تقاعد القوم عن الجماعة الأولى، ولا يكون ذلك إلا في مسجد له إمام ومؤذن، ولهذا قال سيدنا عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه -: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى في الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه. ومحل النهي في المسألة على العلة المذكورة: قبل الإمام الراتب وبعده إذا صلى الراتب في وقته المعلوم، فلو قدم عن وقته، وأتت جماعة؛ فإنهم يعيدون فيه جماعة من غير كراهة، أو أخر عن وقته؛ فإنهم يصلون جماعة من غير كراهة [بلغة السالك 1/.159] ومحل الكراهة المذكورة أيضاً في المسجد الذي له إمام راتب وصلى في وقته المعلوم، ونائب الراتب حكمه حكم الراتب، ولا فرق بين كون الإمام راتباً في كل الصلوات أو بعضها، والكراهة إنما هي في التي هو راتب فيها فقط [حاشية العدوي 1/ 271]. وأفاد الزرقاني أن المراد بالمؤذن: الإمام الراتب الذي هو المؤذن أيضاً للمسجد.

ثالثاً: كما تكره الصلاة جماعة بعد صلاة الإمام الراتب تكره قبله, ولا كراهة في هذه الحالة في صلاة الإمام الراتب، وقد أوصل بعضهم الصلاة جماعة قبل صلاة الإمام إلى درجة الحرمة. قال الشيخ القاسمي في "إصلاح المساجد ص78 - 79": "يوجد في كثير من الجوامع الكبيرة أناس يفتاتون على الإمام الراتب؛ أي: يتقدمون بالصلاة جماعة عليه، قبل أن تقام له، فيختزلون من الجامع ناحية، يؤمون بها أناساً على شاكلتهم؛ رغبة في العجلة، أو حباً في الانفراد للشهرة. وقد اتفقت الحنابلة والمالكية على تحريم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب. قالت الحنابلة: إلا بإذنه، وإلا فلا تصح صلاته؛ كما في "الإقناع" و "شرحه" وقالت المالكية: كره إقامتها قبل الراتب، وحرم معه، ووجب الخروج عن إقامتها للراتب كما في "أقرب المسالك"، وكره ذلك الشافعية، وأفتى ابن حجر بمنعه بتاتاً، وصرح الإمام الماوردي من الشافعية بتحريم ذلك في مسجد له إمام راتب، وكره ذلك الحنفية، ولا يخفى أن ما ينشأ عن بعض هذا الافتئات من المفاسد يقضي بتحريمه؛ لأنه يؤدي إلى التباغض والتشاجر وتفريق كلمة المسلمين، والتشيع والتحزب في العبادة". رابعاً: كراهة صلاة الجماعة مرة ثانية في مسجد له إمام راتب لا تنافي حصول فضل الجماعة لمن جمع مع الإمام الراتب [بلغة السالك 1/ 159]. خامساً: للمتخلفين عن الجماعة الأولى مع الإمام الراتب أن يخرجوا إلى موضع، فيجمعوا فيه، وهذا ما فعله ابن مسعود رضي الله عنه. ولهم أن يصلوا فرادى، ولا كراهة في ذلك، ولهم أجر الجماعة؛ كما جاء في الحديث الصحيح السابق [الأم 1/ 180 - 181]. وقيل: إن دخلوا المسجد؛ صلوا فيه فرادى، وإن لم يدخلوا؛ طلبوا الجماعة. ويؤيده أثر ابن مسعود وقول الحسن البصري، فتأملهما. ففي "الفتاوى السراجية": "رجل انتهى إلى المسجد وقد فرغ الإمام، فإن دخل المسجد؛ صلى فيه، وإن لم يدخل؛ طلب الجماعة" [الفتاوى السراجية ق28/ب]. سادساً: صلاة المتخلف عن الجماعة في بيته جماعة خير من صلاته في المسجد منفرداً؛ لأثر ابن مسعود، وصلاته في المسجد منفرداً خير من صلاته في بيته منفرداً؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل صلاة المرء في بيته؛ إلا المكتوبة)). سابعاً: للمتخلف دون تعود أو تعمد إن اتفق له رجلاً يتصدق عليه أن يصلي معه جماعة، ولا خلاف في مشروعية ذلك، وهذه هي الصورة المنصوص عليها في حديث أبي سعيد الخدري: ((ألا رجل يتصدق على هذا)). قال ابن الرفعة: "وقد اتفق الكل على أن من رأى شخصاً يصلي منفرداً لم يلحق الجماعة، فيستحب أن يصلي معه، وإن كان قد صلى في جماعة" [نيل الأوطار 3/ 185]. فهذه الصورة مشروعة، ولو تكررت أكثر من مرة؛ بالقيود التالية: أولا: أن تكون صلاة مفترض بمتنفل. ثانياً: أن تقع موافقة من غير بحث وفتش، وإن كانت الموافقة بتنبيه الغير لذلك. ثالثاً: أن يتحقق فيها قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا رجل))، فلا تشرع بأكثر من واحد. رابعاً: لا يشترط في هذه الحالة إذن الإمام الراتب؛ لإذن الإمام الأول صلى الله عليه وسلم بها. أفاد ذلك كله شيخنا الألباني حفظه الله تعالى. وقد ورد حديث بإسناد رجاله ثقات خلا عبدالرحمن بن زياد الإفريقي في الترهيب من تعمد التأخير عن الصلاة الأولى، أخرجه: أبو داود في "السنن" "593"، وابن ماجه في "السنن" "970"، والبيهقي في "السنن الكبرى" "3/ 128"؛ عن عبدالله بن عمرو: ((ثلاثة لا يقبل الله منهم ... ورجل أتى الصلاة دباراً)). قال الخطابي في "معالم السنن" "1/ 170": "قوله: ((أتى الصلاة دباراً))؛ فهو أن يكون قد اتخذه عادة، حتى يكون حضوره الصلاة بعد فراغ الناس وانصرافهم عنها".

ثامناً: ليس للإمام إعادة الصلاة مرتين، وجعل الثانية عن فائتة أو غيرها، والأئمة متفقون على أنه بدعة مكروهة، ذكره الشيخ تقي الدين [المبدع 2/ 47]. تاسعاً: لو قامت أكثر من جماعة بعد جماعة الإمام الراتب في آن واحد؛ فإن الكراهة تشتد؛ لأن الفرقة فيها ظاهرة. أفاده شيخنا الألباني. عاشراً: إقامة صلاة العصر أو العشاء في وقتها حال الجمع بين الصلاتين في الحضر جماعة لا يدخل في باب الكراهة البتة، فتنبه. حادي عشر: لا كراهة في تكرار الجماعات في مسجد الطرقات التي لا إمام ولا مؤذن راتب فيها. ثاني عشر: ذكر العلامة الشيخ رحمة الله السندهي تلميذ المحقق ابن همام في رسالة له: "إن ما يفعله أهل الحرمين من الصلاة بأئمة متعددة بجماعات مترتبة مكروه اتفاقاً". ونقل عن بعض المشايخ إنكاره صريحاً حين حضر الموسم بمكة سنة "551هـ"؛ منهم: الشريف الغزنوي، وذكر أنه أفتى بعض المالكية بعدم جواز ذلك على مذهب العلماء الأربعة، ونقل إنكار ذلك أيضاً عن جماعة من الحنفية والشافعية والمالكية حضروا الموسم سنة 551هـ[بذل المجهود 4/ 178]. وقد بين الزركشي رحمه الله تعالى سبب تكرار الجماعات في مكة وغيرها، فقال في كتابه "إعلام الساجد بأحكام المساجد" "ص366" ما نصه: "تكرير الجماعة في المسجد الواحد خلف إمامين فأكثر – كما هو الآن بمكة وجامع دمشق – لم يكن في الصدر الأول، والسبب في حدوثها بالمسجد الحرام: أنه كان الإمام في ذلك الوقت مبتدعاً، ولم يكن الأمراء بمكة في ذلك الوقت يحملون الناس على مذاهب أنفسهم، فعندما امتنع الناس من إقامة الجماعة مع إمامهم الذي أقاموه؛ فسحوا للناس في اتخاذ الأئمة لأنفسهم، واستمر الأمر عليه، وكذا جرى مثله في بيت المقدس وجامع مصر قديما". ثالث عشر: ولا تجوز صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة، إذ من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة: أن الله تعالى لم يفرض على عباده صلاتي فريضة في وقت واحد، فمن كان في مكان فيه مسجد تقام فيه الجمعة؛ يجب عليه أن يصليها مع الجماعة، إلا إذا كان يعتقد أن صلاة الجمعة فيه باطلة شرعاً؛ وحينئذ لا يجوز له أن يصليها؛ لأنه شروع في عبادة باطلة غير مشروعة في اعتقاده – وإن كان مخطئاً - وهو عصيان الله تعالى. وإذا عصى وصلاها معتقداً بطلانها؛ تبقى صلاة الظهر متعلقة بذمته؛ فعليه أن يصليها، وليس له أن يقيم له مع غيره جماعة أخرى؛ لأنه تفريق بين هؤلاء وبين إخوانهم المسلمين الذين أقاموا الجمعة قبلهم. وأما إذا صلاها معتقداً صحتها؛ فلا يجوز له أن يصلي بعدها ظهراً؛ لا منفرداً ولا جماعة؛ لأنه يكون بهذا مخالفاً للمعلوم من الدين بالضرورة، وهو قطعي بظن بعض الفقهاء!! ولم ينقل إلينا أن أحداً من الصحابة أو علماء السلف المجتهدين صلى الظهر بعد الجمعة، وقد جاء الشافعي بغداد، وفيها عدة مساجد، ولم ينقل أنه كان يصلي الظهر بعد الجمعة، ولو فعل؛ لم يكن فعله شرعاً يتبع. ولا يتوهمن الذين يصلون الظهر بعد الجمعة أن الخطب في ذلك سهل؛ لأنه زيادة في الخير الذي هو الصلاة؛ فإن فيه خطراً عظيماً؛ من حيث إنه شرع عبادة لم يأذن بها الله، والشارع هو الله وحده، فمن أحدث في الشرع شيئاً؛ فقد جعل نفسه شريكاً لله في ألوهيته أو ربوبيته، ومن وافقه؛ فقد اتخذه شريكاً؛ كما قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]. وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى اتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله بـ ((أنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً؛ استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً؛ حرموه)). وهم ما كانوا يضعون تلك الأحكام إلا بمثل الشبهات التي حدثت بها البدع الدينية في الإسلام؛ من حيث إنها زيادة في الخير أو العبادة. فيا أيها المسلمون! لا تغلوا في دينكم، وإن لكم في الفرائض والمندوبات الثابتة في الكتاب والسنة بالنص الصريح غنية عن سواها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأعرابي الذي حلف أنه لا يزيد عن المكتوبات الخمس وسائر الفرائض من أركان الإسلام ولا ينقص: ((أفلح إن صدق))، و ((دخل الجنة إن صدق)). ويا ليت السواد الأعظم من المسلمين يأتون جميع الفرائض القطعية، ويتركون المحرمات، وفي النوافل المشروعة ما يستغرق العمر. وقد انتهيت إلى ما أردت ذكره في هذا الكتاب، وبلغت كنه ما اعتمدته من تفصيل الأبواب، وعرضته في معرض البراعة، وجلوته في حلل النصاعة، ووافق شن طبقة، وصادف الإثمد الحدقة. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ما طلع الفجر، وزخر بحر، ودار فلك، وسبح ملك، واختلف الجديدان، واعتقب الملوان، والله ولي الإحسان، والمتفضل بالامتنان. وكتب مشهور حسن سلمان في يوم السبت السابع من رمضان سنة 1406هـ ثم نظرت فيه وزدت عليه في مجالس متفرقة في رمضان آخرها في الثاني عشر منه سنة 1412هـ.

إمتاع أولي النظر في مدة قصر المقيم أثناء السفر

إمتاع أولي النظر في مدة قصر المقيم أثناء السفر ¤عبدالله بن صالح العبيلان£بدون¥دار الوصل بحائل¨الأولى¢1413هـ€فقه¶صلاة - سفر ومسافر خلاصة البحث: اتفقوا على أن من أقام لحاجة يرجو إنجازها، ولا يعلم متى تنقضي؟ فله القصر، أو أقام الجهاد، أو حبسه عدو، أو مرض، سواء غلب على ظنه كثرة ذلك، أو قلته. فله القصر أبداً. والمسافر لا يخلو من أحوال: 1 - الأولى: أن يكون سائراً في الطريق، فهذا يقصر بالاتفاق. 2 - الثانية: أن يصل إلى مدينة، وهو لا يجمع الإقامة التي تخرجه عن حدِّ السفر كحال الرسول - عليه السلام - فهذا يقصر من غير تحديد. 3 - الثالثة: أن يصل إلى بلد غير بلده، ويعزم على البقاء فترة تخرجه عن حدِّ السفر – عرفاً – فهذا يتم ولا يقصر. والله أعلم.

إيضاح الأحكام لما يأخذه العمال والحكام

إيضاح الأحكام لما يأخذه العمال والحكام ¤أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي£بدون¥بدون¨بدون¢بدون€فقه¶إجارة الخاتمة في ذكر نبذ من المذاهب الثلاثة وغيرها فيما مر من الرشوة والهدية فأما مذهب الحنفية: فالذي رأيته عنهم: أن القاضي لا يقبل إلا من ذي رحم محرم، أو ممن اعتاد مهاداته قبل القضاء، ورأيت عن محمد بن الحسن – رضي الله عنه – أنه لو بعث ملك العدو لأمير الجند هدية: جاز قبولها، وتصير فيئا للعسكر كلهم؛ لأن الإهداء ليس بمنعته، بل لمنعة المسلمين، فله أن يعوض من الغنيمة إن رآه مصلحة، وروى: (أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يقبل هدية المشركين)، ثم ردها لما ظهر من مجاوزة الحد في طلب العوض، وإنما كانت الهدية له – صلى الله عليه وسلم – خاصة به؛ لأن النصرة به مع عصمته كما قال – تعالى -: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]. ولو أهدى لبعض أهل العسكر اختصت به؛ لأنها لمحض مودته، أو لقوته في نفسه لا باسم أتباعه، إذ لا أتباع، ومن ثم جاز الإهداء لنحو المفتي والواعظ؛ لأنه بمعنى فيه – خاصة – لا الحاكم؛ لأنه لولايته من الإمام أو نائبه، وكل منهما نائب عن المسلمين كما مر، وسبق: (هدايا الأمراء غلول) – أي: حبسهم ذلك لأنفسهم بمنزلة الغلول منهم، والغلول: اسم خاص بما يؤخذ من المغنم، فعرفنا أنه بمنزلة الغنيمة وتخصيص الأمير بذلك دلنا على أن مثله في حق الواحد من عرض الناس ليس غلولا. وفي خبر: (فهلا جلس في بيت أبيه وأمه) إشارة لما قلناه، وجاء: أن عمر استعمل أبا هريرة – رضي الله تعالى عنهما – على العراق، فجاء بمال، فقال له: سرقت مال الله؟ قال: لم أسرق مال الله، ولكن (خيلي تناسلت، وعطائي تلاحق، سهامي اجتمعت) فلم يلتفت لقوله، وأخذه فجعله في بيت المال. ولذلك لو بعث الخليفة عاملا فأهدي له؛ فإن علم الخليفة أنه أهدي له طوعا: أخذه منه لبيت المال، أو كرها: رده لأهله – إن وجدوا، وإلا عزله في بيت المال حتى يأتوا كاللقطة. وبهذا الطريق رد عمر بن عبد العزيز – حيث استخلف – ما في بيت المال؛ لأنه علم أن من قبله من المروانية أخذوها بالإكراه. ولو أهدي أمير عسكرنا لملكهم فعوضه مثله: فاز به، أو أزيد منه – بما لا يتغابن به – فالزائد للعسكر – كما فعله عمر – رضي الله تعالى عنه – لما أهدت امرأته لامرأة ملك الروم، فكافأتها بأزيد، فوضع الزائد في بيت المال، فكلمه ابن عوف، فقال: مر زوجتك لتهدي إليها، وانظر هل ترد إليها مثل ذلك) أي: أن الزيادة لأجل الخليفة فحسب. ولو أرسل أمير عسكرنا رسوله لملكه في حاجة فأجازه فهي له، لأنها للرسول للمودة لا لرغبة ولا رهبة، وكذا لو أهدى الرسول له فكافأه ولو بأضعافها). انتهى ملخصا. وقوله: (إنه – صلى الله عليه وسلم – قبل هدية المشركين)، رده أبو عبيد القاسم بن سلام بأن الذي تواترت به الأخبار: أنه – صلى الله عليه وسلم – لم يقبل هدية مشرك محارب. وقال في الدنانير التي وصلت إليه من قيصر وهو بتبوك وجعلها فيئا -: لو كانت هدية ما قبلها، وفي الخبر: إنا لا نقبل زبد المشركين أي: رفدهم – كما في الرواية الأخرى (إنا لا نقبل هدية مشرك). وقبوله – صلى الله عليه وسلم – لهدية أبي سفيان – رضي الله تعالى عنه – محمول على أنه كان في زمن الهدنة التي بينه وبين أهل مكة قبل فتحها، ولهدية المقوقس؛ لإقراره بنبوته، ولم يؤيسه من إسلامه، وكذا الأكيدر. قال الخطابي: وخبر (إنا لا نقبل زبد المشركين) يشبه أن يكون منسوخا؛ لأنه قبل هدية غير واحد منهم كالمقوقس والأكيدر والحاصل: أن في حد قبول هدية المشركين أربعة أقوال: كان ممنوعا ثم نسخ منعه، وهذا رأي الخطابي. يتخير وهو قول الحنفية.

الثالث: المنع مستمر، وهو قول أبي عبيد، والحديث الصحيح صريح فيه، وهو: (نهيت عن زبد المشركين). وأما مذهب المالكية: فقال ابن عبد البر: (قبوله – صلى الله عليه وسلم – الهدية من المسلمين والكفار أشهر عند العلماء من أن يحتاج إلى شاهد، ويحرم على الولي أن يستحل على الحق جعلا، فإن أهدي له أحد ممن هو وال عليه، شكرا لخير: يقبل، فإن قبل وضعه في الصدقات، لا في ماله – إلا إن كافأه بقدر ما يسعه أن يتمولها به) انتهى ملخصا. ولو أهدى كافر قوي له منعة للخليفة أو الأمير، قال سحنون: (لا بأس أن يقبلها وهي له خاصة، وليس عليه أن يكافئه). وقال الأوزاعي: هي للمسلمين، ويكافئه من بيت المال، وإن كان الكافر في ضعفه؛ ففيه إبطال عزم المسلمين بالهدية: فهي رشوة محرمة. قال ابن القاسم: لو أهدي للأمير لنحو مودة اختص بها، وأما رده – صلى الله عليه وسلم – هدية عياض وقوله: (إنا لا نقبل زبد المشركين): فيحتمل – إن صح – أن يكون على الوجه الممنوع، وأن المهدى أراد بها إبطال حق من حقوق المسلمين، وإنكاره – صلى الله عليه وسلم – على ابن اللتبية؛ لأنه كان عاملا، وهذه رشوة، فإن عامل الصدقة لا يهدى إليه إلا ليترك حق وجب أو يكف عن ظلم. وقال ابن حبيب: يقبلها الأمير وتكون للجيش، ولا يردها، واستئثاره – صلى الله عليه وسلم – بهدية المقوقس من خواصه. وعن مالك في (سرية) يبعثها الوالي فيرجعون بالفواكه فيبعثون إليه، مثل عنب أو تين: لا بأس به – وتركه أمثل، لأنا نكره له قبول مثل هذا في غير الغزو، ووجه إباحته أن مثله لا يهدى إلا للحاجة إليه وعدم وجوده مع تفاهة قيمته هناك). وقال ابن يونس: (لا يقبل القاضي هدية من أحد، لا من قريب ولا من صديق، وإن كافأه بأضعافها إلا الوالد والولد ونحوهما من خاصة القرابة) قال سحنون: ومثله الخالة والعمة وبنت الأخ). قال ابن حبيب: (لم يختلف العلماء في كراهة الهدية إلى السلطان الأكبر، وإلى القضاة والعمال، وجباة الأموال – أهداها مسلم أو ذمي من أهل عملهم، وهو قول مالك ومن قبله من أهل السنة. وقبوله – صلى الله عليه وسلم – الهدية من خواصه، ويكره قبولها للقاضي ممن كان يهاديه قبل أن يلي أو من قريب أو صديق أو غيره – ولو كافأه بأضعافه، إلا من الصديق الملاطف – أو نحو: الأب والابن، وقد رد علي – كرم الله تعالى وجهه – خروفا أهدي إليه). وقال ربيعة: الهدية ذريعة الرشوة، وتحلمة الظلمة). وقال أشهب: (لا يقبل أمير الجيش هدية من مسلم أو ذمي تحت سلطانه، ويقبل ممن ليس تحت سلطانه، وذمي، وحربي ويختص بها) وكذا عن ابن القاسم. وقال سحنون: (تختص الرشوة بجائزته ولا بخمس). وقال ابن حبيب: (ولا يقبل هدية من في علمه، من مسلم أو ذمي إلا من صديق ملاطف، مستغن عنه، وللإمام أن يأخذ ما أفاد العمال، ويضمه إلى ما حيز، وفعله – صلى الله عليه وسلم – في عامل له قال: هذا أهدي لي، فأخذه منه وقال: (هلا جلس في بيت أبيه وأمه؟!، وقال – صلى الله عليه وسلم –: (هدايا العمال غلول) – قال ابن حبيب: وكل ما أفاده وال في ولايته، أو قاض في قضائه من مال سوى رزقه: فللإمام أخذه منه للمسلمين، وكان عمر – رضي الله عنه – إذا ولى أحدا أحصى ماله، وكتبه، لينظر ما يزيد فيأخذه منه، وكذلك شاطر العمال في أموالهم حين كثرت، ولم يستطع تمييز ما زادوه بعد الولاية). قال مالك: (وشاطر عمر أبا هريرة وأبا موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنهم – حين كثرت أموالهم وخاف أن يكون مما كانوا يرزقونه على الولاية، ولما احتضر معاوية أمر أن يدخل شطر ماله بيت المال تأسيا بفعل عمر – رضي الله عنهما – بعماله، ورجا أن يكون في ذلك تطهير له.

ولا يرزق من الصدقات إلا السعاة، وأخطأ بنو أمية في إرزاقهم عمالهم منها، ولما ولي عمر بن عبد العزيز وسع في أرزاق عماله حتى كان يفرض للعامل مائتي دينار في شهر ويقول ذلك لهم قليل إن عملوا بكتاب الله. قال مالك: وإنما ذلك على قدر عمالتهم وكتابتهم – وليس فيه حد. وأما مذهب الحنابلة: فقال ابن قدامة في (المغني): (ولا يقبل هدية من لم يكن يهدى إليه قبل ولايته؛ لأن الهدية في الغالب يقصد بها استمالة قلبه ليعتني به في الحكم فتشبه الرشوة). قال مسروق: (إذا أكل القاضي الهدية: أكل السحت، وإذا أكل الرشوة: بلغت به الكفر) (-أي بالمعنى السابق) – ولأن حدوثها بعد الولاية يدل على أنها لأجلها فحرمت كالرشوة. وله القبول ممن كان يهاديه قبل الولاية، ويستحب له التنزه عنها، وإن أحس أنه يقدمها بين يدي خصومة: حرمت، والرشوة في الحكم، ورشوة العامل حرام بلا خلاف – قال الله – تعالى -: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة:42]. وقال كعب: (الرشوة تسفه الحليم، وتعمي عين الحكيم). والراشي ملعون – أيضا – إلا إن بذل ليدفع ظلما عن نفسه، كما قال جمع من السلف. ومتى حرم قبول هدية، لزمه ردها إلى أربابها، ويحتمل أن يجعلها في بيت المال لأنه – صلى الله عليه وسلم – لم يأمر ابن اللتبية بردها إلى أربابها، قال أحمد: (لو أهدى بطريق لصاحب الجيش، فهي له ولهم) قال ابن قدامة: (وللقاضي أخذ الرزق)، وقال ابن الخطاب: (يجوز مع الحاجة. فأما مع عدمها فلا). وقال أحمد: (ما يعجبني أن يأخذ على القضاء أجرا؛ وإن كان يتعذر شغله – مثل ولي اليتيم، وكان ابن مسعود والحسن يكرهان الأجر على القضاء). وأما الاستئجار عليه: فلا يجوز. وقال عمر – رضي الله عنه -: (لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرا). وهذا مذهب الشافعي – رضي الله تعالى عنه – ولا نعلم فيه خلافا، فإن لم يكن للقاضي رزق فقال للخصمين: لا أقضي بينكما حتى تجعلا لي رزقا: جاز، ويحتمل ألا يجوز) انتهى. وفي (محلى) ابن حزم: (وتحرم الرشوة – وهو إعطاء المال ليحكم له بباطل أو يوليه أو يظلم له إنسانا، فيأثم الآخذ وكذا المعطي إلا ليدفع عن نفسه ظلما، وخبر لعن الراشي فيه من ليس بالقوي – أي – ومع ذلك: هو صحيح كما مر؛ والمال باق على ملك المعطي كما أعطي لكافر (في فداء أسير) وكل هذا متفق عليه إلا الأخير فإن قوما قالوا فيه بالملك – وهو باطل) انتهى ملخصا. ولخص السبكي بعض ما مر من مذهبنا، فقال ما حاصله: (الرشوة حرام مطلقا إجماعا، وللوكيل حكم موكله، ويجب ردها إجماعا أيضا – ثم هي لمالكها إلا على احتمال ابن قدامة أنها لبيت المال، وهذا قد يدل له صنيع الرافعي – أي ومع ذلك المنقول المتفق عليه عندنا أنها لمالكها وإنما الخلاف في الهدية كما مر، ويجوز بذلها إن لم يتوصل لحقه إلا بها، ويحرم على القاضي قبول الهدية عند الخصومة، وكذا حيث لا عادة ولا خصومة، وقيل: يكره، وإن كانت عادة: جاز، وقيل: يحرم. ومحل التحريم في بلد الولاية، فإن خرج عنها، فوجهان: أقربهما التحريم، وإن كان النص الجواز – أي وهو المعتمد بقيده -. ولو أرسلها له مع رسول من ليس في ولايته: حرمت – أيضا – إلا على وجه – أي وهو المعتمد – كما مر. وحيث حرمناها لكونها لأجل الولاية، فهي لبيت المال – على الأصح، وقيل: يردها لمالكها – أي وهو المنقول المعتمد – كما مر أيضا، ومحل الخلاف: إن عرف مالكها، وإلا وضعت في بيت المال على الأصح كما في (الروضة).

وإذا فرعنا على الجواز إذا لم يكن عادة – أي: وهو قول ضعيف – كما مر -: فينبغي القطع بأنها لبيت المال، فالقول بأنه يملكها – وإن كان ظاهرا في القياس، أي: بل هو المعتمد، لكن حديث ابن اللتبية وحديث معاذ مخالفه، أي: ومر ما فيه القول بأنها ترد مع الجواز غير ممكن. وأما أعمال الخراج والصدقات؛ فإن كان المهدي من غير عمله، فإن كان قبل قبض الصدقة أو الخراج: لم يجز، كالهدية للحاكم حال حكم الخصومة، وحكمها حكم الرشوة، وإن كان بعد القبض؛ فإن أثابه عليها مثلها معجلا ملكها، وإلا فثلاثة أوجه. أحدها: يملكها. والثاني: يكون لبيت المال. والثالث: إن كان مرتزقا قدر كفايته: فلبيت المال، وإلا فله. وأما السلطان، ومن قام مقامه: فإن هاداهم أهل الحرب: جاز القبول، ثم إن كان الإهداء لأجل السلطنة: فللمسلمين أو لنحو مودة: فللمهدى إليه. والهدية من دار الإسلام كالهدية للقاضي؛ فإن أهدى إليه من لا يطلب منه ولاية ولا يشكره على سابق فهذه هدية بعث (عليها) جاه السلطان، فقيل: ترد وقيل: توضع في بيت مال المسلمين) انتهى. جعلنا الله منهم بمنه وفضله، وتفضله علي بجميع ما أحبه من الخير، إنه الجواد الكريم، الرؤوف الرحيم، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وصلى الله أفضل وأكمل سلام على سيدنا محمد وآله وصحبه، عدد معلوماته أبدا، كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون وحسبنا الله، ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين.

اختلاف الدارين وأثره في أحكام المناكحات والمعاملات

اختلاف الدارين وأثره في أحكام المناكحات والمعاملات ¤إسماعيل لطفي فطاني£بدون¥دار السلام¨الأولى¢1410هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة بعدما انتهيت – ولله الحمد – من أبحاث الرسالة، أحب أن أوجز ما فصلته في هذه الرسالة، وأن أسجل أبرز النتائج التي توصلت إليها في أثناء البحث كالتالي: (1) أن الإسلام منذ نشأته قد اتخذ العقيدة أساساً لبناء المجتمع وإقامة دولته على أساس العدل والرحمة والمساواة والحق ورفض بشدة وضع أي أساس آخر يقوم عليه كالجنس واللون واللغة. وبناء على ذلك كان الناس في نظره صنفين: مسلمون وغير مسلمين. وهذا الصنف الأخير لا يخلو من أحد اثنين: إما حربيون وإما معاهدون. والمعاهدون ينقسمون إلى أربعة أصناف: الأول: الذميون وهم الذين آثروا الحياة في دار السلام على دينهم الأصلي بعقد الذمة. وقد رحنا أن الذمة يجوز عقدها لجميع أصناف غير المسلمين إذا ما رغبوا في ذلك صراحة أو دلالة. وأن أهل الذمة من أهل دار الإسلام. الثاني: المستأمنون وهم الحربيون الذين دخلوا دار الإسلام بأمان مؤقت. الثالث: الموادعون وهم الحربيون الذين لهم عهد سلام مع دار الإسلام مدة ليسوا هم فيها تحت حكم الإسلام. الرابع: المحايدون وهم الذين لا ينحازون إلى أحد مع الطرفين المتحاربين، فتبقى علاقتهم السلمية مع الطرفين المتحاربين. (2) أن الدار داران: دار إسلام ودار حرب، ولا ثالث لهما. وأن دار الصلح هي نوع من أنواع دار الإسلام. وليست داراً ثالثة علاوة على الدارين. كما أن الموادعة هي أحد نوعي دار الحرب. إذ إن أساس تقسيم الدار وتسميتها هو السلطة ونظام الحكم. فإن كانت السلطة فيها للحاكم المسلم والحكم للإسلام فهي دار الإسلام، ولو كان سكانها غير مسلمين، والعكس هو دار الحرب. فمن المعلوم أن دار الصلح أو دار العهد تكون تحت سلطة الحاكم المسلم ويخضع أهلها لبعض الأحكام الإسلامية وأن دار الموادعة تكون تحت سلطة الكفر. (3) أن دار الإسلام لا تصير دار حرب بمجرد استيلاء الكفار عليها أو بمجرد ظهور أحكام الكفر فيها، ما دام المسلمون فيها يصدون ويدافعون عن دينهم، ويطبقون شريعته، وأن الجهاد فيها فرض عين بالاتفاق، على ما سبق تفصيله. (4) أن أنواع الدارين ثلاثة: الأول: دار الإسلام حقيقة وحكماً. الثاني: دار الإسلام ودار الحرب حقيقة. الثالث: دار الحرب حقيقة وحكماً. (5) أن المراد باختلاف الدارين هو اختلاف دار الإسلام عن دار الحرب أو اختلاف دار حرب عن دار حرب أخرى، وذلك باختلاف المنعة والحاكم وانقطاع العصمة والتناصر بينهما. أما الاختلاف بين دور الإسلام فهو اختلاف حقيقةً، لا حُكْمًا، لأن حكم الإسلام يجمعها. فأنواع اختلاف الدارين من حيث وصف الدار ثلاثة: أ- الاختلاف بين دار الإسلام ودار الحرب. ب- الاختلاف بين دور الحرب. ج- الاختلاف بين دور الإسلام. أما أنواع اختلاف الدارين من حيث الأشخاص فثلاثة أيضاً: أ- الاختلاف حقيقة كالاختلاف بين الحربي والمستأمن. ب- الاختلاف حكماً كالاختلاف بين الذمي والمستأمن. ج- الاختلاف حقيقة وحكماً كالاختلاف بين الذمي والحربي والاختلاف المؤثر في بعض الأحكام الشرعية عند الحنفية هو الاختلاف حكماً سواء أكان معه الاختلاف حقيقة أم لا. أما الاختلاف حقيقة فقد يؤثر في بعض الأحكام عند بعض الشافعية. والصحيح أن اختلاف الدارين بكل أنواعه المذكورة لا يؤثر في الأحكام الشرعية من شيء وهو الذي عليه جمهور الفقهاء.

(6) وفي بحث جواز تعدد دار الإسلام ترجح لدينا الرأي القائل بعدم جواز نصب إمامين للمسلمين بأي حال من الأحوال. فدار الإسلام واحدة. فإذا حصل العجز عن تطبيق ذلك فذلك أمر يعد من الضروريات التي تبيح المحظورات والضرورة تقدر بقدرها. (7) لا يجوز للمسلمين أن يقيموا في دار الحرب حقيقة وحكماً في حالة استطاعتهم الهجرة إلى دار الإسلام. أما حكم إقامتهم في دار الحرب حقيقة فيرجع ذلك إلى وضع البلاد وحالة المسلمين فيها. فقد تكون الهجرة منها واجبة وقد تكون مستحبة كما قد يكون المقام فيها واجباً. وقد تختلف حالة شخص عن آخر، فتجب الهجرة على الأول دون الآخر وهكذا. (8) أن اصطلاح الأحوال الشخصية والأحوال العينية هما اصطلاحان غربيان. فقد دخلا إلى الدول الإسلامية عن طريق دخول الاحتلال الغربي لها. وأن لهما مدلولاً خاصًا لا يتفق مع شريعتنا الإسلامية، ولذا فإني أود أن لو لم يستعملها المسلمون في كتاباتهم وقضاياهم، وعليهم أن يستخدما المصطلحات الإسلامية التي تواضع عليها فقهاؤنا القدامى مثل المناكحات والمعاملات. (9) وفي بحث زواج المسلم رجحنا رأي من قيد ذلك بظروف واعتبارات. فيكره للمسلم أن يتزوج كتابية سواء كان في دار الإسلام أو في دار الحرب، إلا في إحدى الحالتين: أولهما: إذا خشي العنت على نفسه ولم يتيسر له زواج المسلمات. الثانية: إذا غلب على ظنه أنه ستسلم بعد الزواج بها، وأنها ستخرج معه إلى دار الإسلام إذا كان الزواج في دار الحرب. أما حكم زواج المسلم بمسلمة في دار الحرب فيجوز له ذلك. لا سيما إذا كانت المسلمة أسيرة. سواء كان المسلم مستأمنا أو أسيراً. ولكنه لا ينبغي له أن يطلب منها ولداً مادام لم يقدر أن يخرج بها إلى دار الإسلام، تحوطاً للمسلم من استرقاق ولده. (10) وفي دراسة مدى تأثير اختلاف الدارين بين الزوجين في فرقة الزواج والعدة رجحنا أن اختلاف الدارين ليس سبباً للفرقة بين الزوجين، سواء كان هذا اختلاف بسبب سبي أحدهما وأخرج إلى دار الإسلام، أو بسبب خروج أحدهما إلى دار الحرب مرتداً أو ناقضاً للعهد. وإنما الفرقة تحصل لأحد هذه الأسباب الثلاثة: إما لإسلام أحدهما وإما لارتداد أحدهما وإما للسبي. (11) وفي بحث النفقات لاحظت أنه لا أثر لاختلاف الدارين في حكمها، لا في نفقة الزوجة ولا في نفقة الأقارب. فتجب النفقة على المسلم أو الذمي لأقاربه المستأمنين وبالعكس. أما الحربيون المقاتلون فلا تجب نفقتهم على أهل دار الإسلام لوجوب قتالهم، لا لتباين الدارين. (12) وفي الوصية رجحت الرأي القائل بصحة وصية المسلم أو الكافر للكافر المعين، ولو كان حربياً. ولكن الوصية للحربي يجب أن يراعي الوصي الشروط التالية: أ- أن لا يتصف الحربي الموصي له بالقتال. ب- أن لا يكون الكفر أو الحرابة جهة في الوصية. ج- أن تكون الوصية غير الوقف. (13) وفي الوقف يترجح عندنا القول بصحة الوقف للذمي والمستأمن دون الحربي، إذ إن الوقف من حقيقته الدوام ومن شروط التأبيد، فلا يتحقق المقصود من الوقف مع الحرابة. (14) وفي بحث جواز توريث المسلم من الكافر الذمي وجدت الجمهور الأعظم من الفقهاء يمنعون منه، وظفرت بقول معاذ بن جبل رضي الله عنه بالجواز. وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله.

كما وجدت أن اختلاف الدارين لا يؤثر في حكم الميراث، سواء كان في ميراث المسلمين أو في ميراث الكفار. فيرث المسلم المقيم في دار الإسلام أقاربه المسلمين المقيمين في دار الحرب وبالعكس. كما يرث الذميون أقاربهم الحربيين في دار الحرب إذا اتحدت مللهم وبالعكس. وكذلك يرث الحربيون أقاربهم الحربيين في دار أخرى. (15) وفي بحث الشهادات وجدت أنه لا أثر لاختلاف الدارين في حكمها، فكانت النتائج كالتالي: أولاً: قبول شهادة المسلم على غير المسلم، سواء كان ذمياً أو حربياً. ثانياً: قبول شهادة الكافر، ولو كان حربياً، على المسلم في حالة الضرورة. ثالثاً: قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض ولو اختلفت مللهم وديارهم. رابعاً: قبول شهادة الذمي على المستأمن مطلقاً. أما شهادة المستأمن على الذمي فلا تقبل إلا لضرورة كشهادة الكافر على المسلم. خامساً: قبول شهادة المستأمن على المستأمن ولو اختلفت بها الدار والدين. (16) لاحظت أن حكم المعاملات المالية بين رعايا دار الإسلام وبين رعايا دار الحرب لا يتأثر بسبب تباين الدار بينهما، مما يتبين أن المعاملات المحرمة في دار الإسلام تكون محرمة أيضاً مع أهل الحرب في دار الحرب. فلا يجوز لأهل دار الحرب أن يتعاملوا مع أهل الحرب معاملة الربا في دارهم ولو كان برضاهم. وهكذا بقية المحرمات. (17) كما لاحظت عدم تأثير تباين الدار بين المسلمين أو بين المسلم وبين أمواله في عصمة أموال المسلم. فأموال المسلم التي في دار الحرب تكون معصومة كما هي في دار الإسلام، سواء كانت منقولة أو غير منقولة. ولا فرق بين أن يكون إسلام صاحبها أصلياً أو جديداً، كما لا فرق بين إن أسلم جديدا في دار الإسلام أو أسلم في دار الحرب، سواء كان بعد إسلامه يبقى في دار الحرب أو يخرج إلى دار الإسلام. كل ذلك لا يؤثر في حكم الله بتحريم أموال المسلم. فلا يحق لأحد أن يملكها إلا بطريقة شرعية، ولا يملكها المسلمون باستيلائهم عليها في دار الحرب. (18) وفي بحث مدى تأثير اختلاف الدارين في العلاقات التجارية وضريبة العشور خرجت بمجموعة من النتائج كالتالي:- أولاً: لا يجوز لدار الإسلام أن تستورد الأشياء المحرمة شرعا من دار الحرب، كما لا يجوز لها أن تبيعها أو تصدرها إلى دار الحرب. وكذلك لا يجوز أن تصدر آلة الحرب إلى دار الحرب، أو تبيعها لأهل الحرب أو لشخص علم أن يدسها إلى أهل الحرب. أما الأشياء المباحة والمنتجات المفيدة فلا بأس باستيرادها من الخارج أو تصديرها إليه. ثانيا: يجوز لدار الإسلام أن تبيع ما لديها من الأسلحة الحربية لأهل الحرب مقابل أسلحة أحسن منها. وذلك بشروط أهمها: أ- أن تكون دار الإسلام محتاجة إلى الأسلحة المستبدل بها. ب- أن تكون الأسلحة المستبدل بها أجود أو أنفع من أسلحتنا. ج- أن يكون ذلك صادراً عن الإمام أو الحكومة الإسلامية أو موافقة منها. ثالثا: يحرم على المسلم أن يدخل دار الحرب لغرض التجارة أو نحوه إذا اقتضى ذلك الخضوع لأحكام الشرك. وإن لم يقتض ذلك فمكروه، إلا إذا نوى بجانب التجارة الدعوة إلى الله، شريطة ألا يسافر وحده. اعتذار ورجاء

هذا، وقد انتهيت من ذكر خلاصة هذه الرسالة وما استطاعت أن تحققه من نتائج – ولله الحمد والشكر – وإنني لا أعد الجهد الذي بذلته والتعب الذي تحملته – مدة أربع سنوات قضيتها في إعداد هذه الرسالة – إلا شيئاً قليلاً في حق الشريعة الإسلامية. كما أنني لم أحقق جميع ما يجب أن أحققه في الارتقاء بهذه الرسالة إلى أعلى مستوى، وحسبي أنني حاولت أن أحقق ذلك وبذلت قصارى جهدي في فترة محدودة ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. لذا فإنني أعتذر إلى القارئ الكريم عما قد يكون في الرسالة من نقص أو خطأ، راجياً ممن وقف عليه أن يسعى في إصلاحه بكل مسؤولية وإخلاص، أداءً لحق الأخوة في الإسلام، وادخارا لجزيل المثوبة في دار الإسلام، فإن الكمال لله وحده، والعصمة من شأن الرسل عليهم الصلاة والسلام. وقد روى البويطي رحمه الله عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال له: "إني صنفت هذه الكتب فلم آل فيها الصواب، فلابد أن يوجد فيها ما يخالف كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه السلام. قال الله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} فما وجدتم فيها مما يخالف كتاب الله وسنة رسوله فإني راجع عنه إلى كتاب الله وسنة رسوله ... ". وقال المزني رحمه الله: "فقال الشافعي: "هيه. أبى الله أن يكون كتابا صحيحًا غير كتابه". وما أجمل تلك العبارة المأثورة عن العلامة العماد الأصفهاني رحمه الله في بعض ما كتب حيث قال: "إني رأيتُ أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه إلى قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد كذا لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (). {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية وآراؤه في قضايا معاصرة

اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية وآراؤه في قضايا معاصرة ¤خالد بن مفلح آل حامد£بدون¥دار الفضيلة- الرياض¨الأولى¢1431هـ€فقه¶فقه فروع عام موازن الخاتمة: وفي نهاية هذا البحث، أعترف بأنني لم أحقق ما كنت أصبو إليه بالدرجة التي كنت أودها وأرغبها؛ نظراً لصعوبة هذا البحث المتمثلة في أمور من أهمها: 1 - عظم المسؤولية التي شعرت بها حينما بدأت البحث بالنظر للمكانة العالية التي يتبوأها الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى – عند المسلمين. 2 - أن المنهج الذي سار عليه في الفقه والفتوى لا يمكن أن يعرف إلا بالتتبع والاستقراء. 3 - اختلاف أقواله، مع صعوبة تحديد التاريخ لبعض منها. 4 - كثرة اختياراته المخالفة للمذهب في جميع أبواب الفقه. 5 - تفرق أقواله في كتب كثيرة، وتسجيلات متعددة. إلى غير ذلك من الصعوبات، ولكن يبقى عزائي في أنني قد قمت بذلك الجهد الممكن في تحقيق ذلك والحمد لله على كل حال. وأهم النتائج التي يمكن استخلاصها من هذا البحث: أولاً: أن هذا العالم الجليل له أصول في الفقه والفتوى، وله مصطلحاته الخاصة به، وقد أفردت ذلك في ملحق خاص بينت فيه منهجه في الفقه والفتوى، وأصوله، وقواعده، ومصطلحاته، وأسباب اختلاف أقواله، ومفرداته، وبيان المسائل التي خالف فيها شيخ الإسلام بن تيمية، وهي بمثابة الخلاصة لهذا البحث. ثانياً: أن هذا البحث قد اشتمل على اختياراته الفقهية التي خالف فيها مذهب الحنابلة، وبعض هذه الاختيارات هي بمثابة الأصول لمسائل أخر، فينبني على ذلك وجود اختيارات أخرى تخالف المذهب بناء على الخلاف في هذه الأصول. مع التنبه إلى أن ثمرة الخلاف في كل مسألة من المسائل تعتبر اختياراً للشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى – إذا وجد عنه النص بذلك، وقد حرصت على ذكر ذلك في ثمرة الخلاف بعد كل مسألة. ولذا فقد تكون اختيارات الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى في هذا البحث – بهذا الاعتبار – أكثر مما تقدم. وبناء على ذلك فإن هذا البحث يتضمن اختيارات كثيرة تخالف المذهب غير ما ذكر، وقد ذكرت هذه الاختيارات إجمالاً في الملحق. ثالثاً: من أعظم الفوائد التي خرجت بها من هذا البحث هي أن التعلق إنما يكون بالدليل لا بالأشخاص، وأنه لا يسوغ لطالب العلم أن يقلد أحداً من الناس مهما بلغ من العلم، من غير نظر في الدليل، وأعتقد بأن هذه الفائدة قد استفادها كل من تلقى العلم على هذا العالم الرباني، فبالرغم من المحبة العارمة التي تجدها في نفسك للشيخ ابن باز – رحمه الله رحمة واسعة -، فإنك قد تأخذ برأي آخر غير ما يراه بحسب ما يظهر لك من الدليل من غير أن تجد حرجاً في ذلك، وهو في حقيقة الأمر يدرب طلابه على هذا المنهج في معظم دروسه. ولذا فقد خالف الباحث شيخه الجليل في المسائل التالية: 1 - لا يشترط للمسح على العمامة ذات الذؤابة أن تكون محنكة. 2 - خروج الهواء من القبل ينقض الوضوء. 3 - تجب الموالاة في الغسل. 4 - يجب الغسل للإسلام مطلقاً. 5 - من صلى بالتيمم وهو ناس للماء في رحله فصلاته غير صحيحة، وعليه الإعادة. 6 - الخمر نجس. 7 - لا يجب القضاء على المغمى عليه مطلقاً. 8 - يجب رفع اليدين في تكبيرة الإحرام. 9 - تستحب العدالة لمن يؤذن وليست بشرط. 10 - لا تصح صلاة الفريضة في الكعبة. 11 - يشرع مسح الوجه بعد رفع اليدين إذا كان خارج الصلاة فقط. 12 - لا تصح الصلاة خلف المبتدع، أو الفاسق إذا كان قادراً على الصلاة خلف غيره. 13 - يسن ذكر هذه الأمور الأربعة في الخطبة: حمد الله، والأمر بتقواه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة الآية. 14 - من رأى الهلال وحده وردت شهادته يلزمه الصوم. 15 - لا يجزئ التطوع بالصيام قبل قضاء ما عليه. 16 - يكره إفراد صوم يوم السبت، وهو أحد قولي الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى -. 17 - حاضروا المسجد الحرام هم أهل مكة ومن يكون منزله من مكة على مسيرة لا يجوز فيها قصر الصلاة. 18 - يجب هدي التمتع ولو عاد لبلده. 19 - من فاته الحج لزمه القضاء، وهو أحد قولي الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى -. 20 - عدة المختلعة عدة المطلقة. 21 - لا يصح النكاح بنية الطلاق. 22 - تجب الكفارة في شبه العمد. 23 - يشترط الإقرار أربع مرات في حد الزنا، وهو قول الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى -. 24 - أن حد اللوطي كحد الزاني بكراً أو ثيباً. 25 - أنه لا يصح التطهر بمياه الصرف الصحي بعد المعالجة. 26 - يقدم تحليل الدم على القيافة عند الاشتباه في ثبوت النسب وعدم البينة والله تعالى أعلم.

استدراك بعض الصحابة ما خفي على بعضهم من السنن جمعا ودراسة

استدراك بعض الصحابة ما خفي على بعضهم من السنن جمعاً ودراسة ¤سليمان بن صالح الثنيان£بدون¥المملكة العربية السعودية- وزارة التعليم العالي- الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة¨الأولى¢1429هـ€فقه¶فقه الصحابة الخاتمة: الحمد لله أولاً وآخراً على ما وفق إليه من العلم والعمل، فما كان بي من نعمة أو بأحد من خلقه فمن الله وحده لا شريك له، فله الحمد وله الشكر، وبعد. فقد عشت من خلال هذا البحث مع خير القرون وأزكاها، وأعمقها علماً، وقد استفدت من هذا البحث فوائد جمة؛ منها فوائد علمية، ومنها فوائد تربوية، ووصلت إلى نتائج، أهمها: 1 - حفظ الله تعالى للسنة النبوية؛ حيث هيأ لها خير الناس بعد الرسل، فحفظوها وبلغوها لمن بعدهم، وإذا رأوا من خالفها نبهوه إليها. 2 - فضل الصحابة رضي الله عنهم، واعتناؤهم بنشر السنة. 3 - أن الاحتجاج بالسنة أمر مسلم به بين جميع الصحابة؛ ولذا كان بعضهم يحتج على بعض بها. 4 - الصحابة كغيرهم من البشر؛ فاتهم ما فاتهم من العلم، وهذا إذا كان قد حصل لهم؛ فغيرهم من باب أولى، ومن قال إن شيخه ومتبوعه لم يخف عليه شيء من العلم فقد أخطأ، وزعم لهم من المنزلة ما لا يبلغه أحد من الناس. 5 - في استدراك الصحابة بعضهم على بعض، وإنكار بعضهم على بعض حين تركهم العمل بسنة ما يبين ضعف إطلاق المقولة المشهورة: لا إنكار في مسائل الاجتهاد. 6 - تبين لي خلال هذا البحث أن استدراك الصحابة بعضهم على بعض كان أمرا مشهورا لا ينكره إلا جاهل. 7 - كما علمنا الصحابة رضي الله عنهم ضرورة الإنكار على من خالف السنة؛ فقد علمونا الأدب في هذا الإنكار، وهذا أمر جلي عند النظر في عباراتهم المذكورة في البحث. 8 - لم يكن استدراك الصحابة بعضهم على بعض سبباً في تنافر قلوبهم وتقاطعهم. 9 - قد تكون السنة مع المستدرك، وأحياناً توجد مع المستدرك عليه، وخفيت على المستدرك. 10 - الرجوع إلى الحق بعدما يتبين هو منهج الصحابة رضي الله عنهم حين يعلمون السنة. 11 - لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه عارض السنة بعقله، وما نسب إليهم من ذلك فقد بينت في تمهيد هذا البحث أنه ليس من هذا الباب.

اصطلاح المذهب عند المالكية

اصطلاح المذهب عند المالكية ¤محمد بن إبراهيم أحمد علي£بدون¥دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث¨الأولى¢1421هـ€فقه¶مصطلحات وحدود وتعريفات ومداخل فنون وأصول بحث خاتمة البحث ظلت الكتب المعتمدة، وفي مقدمتها الأمهات، والدواوين، وتظل، أساس المذهب، وجوهر تطور آرائه، واجتهاداته، فـ"المصادر الكبرى لكبار شيوخ المذهب في المشرق والمغرب هي التي تعتمد في الدرس والفتوى إلى أوائل هذا القرن، ينسب إلى الإمام أبي عبدالله محمد القصار في الحث على التمسك بالكتب المعتبرة في وقته قوله: "توضأ بالرسالة، وصلِّ بالجلاب، وصم بالتلقين، وزكِّ بابن الحاجب، وحج بخليل، واقض بالمدونة". فـ"الفقه المالكي من لدن الإمام إلى ما بعد عصره بقرون، حتى القرن الثامن، الذي ألف فيه خليل مختصره، إذ توفي خليل (سنة 776هـ)، لم يخرج عن مبادئه، وهي مبادئ فقه مالك، وإن كان مما جاء به خليل خلافاً لما يذهب إليه البعض من أن وجهه قد تغير، وكما لم يتغير في القرن الثامن، فكذلك ما بعده إلى القرن الثاني عشر حيث ضعفت العناية بالفقه ... ، وإنما قصارى ما وقع هو إثراءه وجمعه بصورة تلم ما وزع في الأمهات ببسط ... ، فكان عمل المتأخرين هو لمّ المتفرق، والتنسيق بين مسائله". توسع علماء المالكية المتأخرين في الأخذ بمبدأ ما جرى به العمل، بل إن "العمل أصبح مصدراً رسمياً للتشريع، لذلك نرى المغاربة أكثروا منه، وأقبلوا عليه، وتنافسوا في الأخذ به، حتى كان ذلك سبب انتشاره وتنوعه". كان لتطبيق قاعدة ما يجري به العمل دور إيجابي في تطور آراء المذهب وترجيحاته مراعاة لمصلحة عامة أو خاصة، ومعايشة لحاجة المجتمعات المختلفة وأعرافها والفروقات الاجتماعية بينها. على أن التوسع في تطبيق هذه القاعدة، وبخاصة العمل المحلي، كان له تأثير سلبي على وحدة تطبيق المذهب، واستقرار آرائه، وأوجد تبايناً ملحوظاً في ترجيحاته التي كانت تختلف باختلاف المدن أحياناً، ناهيك عن الأقاليم. هذا الجانب السلبي ـ وغيره ـ حدا ببعض العلماء إلى الوقوف موقف الناقد من تطبيق هذا المبدأ، ويرى أنه "كان من موجبات هرم الفقه". إلا أنه "بالرغم من بعض السقطات التي بدت من هذا اللون من التشريع، وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت إليه، والمعارضة التي لقيها الفقهاء المسترسلون مع العمل، من لدن البعض الآخر، فإن هذا اللون من التشريع الذي اهتدى إليه الفقهاء، هو علم جليل ومجهود في ميدان التشريع كبير، إذ برهن الفقهاء بذلك على أنهم قادرون على مجابهة المستجدات والمشكلات الواقعة أو المتوقعة، وأعطوا بذلك الحلول للنوازل والقضايا التي لم يرد فيها نص صريح أو ضمني، وأثبتوا بذلك أنهم قادرون على ملاحقة التطور البشري، والتغير الزماني، كما دللوا أن الفقه المالكي فقه قابل دائماً للتطور، لمرونته، وقوة قابليته للاستمرار والبقاء، واستيعابه لكل ما يجد على ساحة المعاملات". يكاد أكثر ما ألف بعد مختصر خليل ـ إن لم يكن شرحاً له، أو حاشية عليه، أو اختصاراًً ـ لا يخرج عنه إلا في القليل مما تتطلبه قواعد المذهب الترجيحية، ويمليه المنهج الذي اتبعه خليل في مختصره، وهو منهج دقيق في تحرير المعتمد للفتوى دقة تتسم بالتواضع والورع، والحرص على التأكد من ما يرجحه، ولذا ترك الباب مفتوحاً لمن يأتي بعده من العلماء ليدلوا بدلوهم، ويضربوا بسهمهم في تحقيق الراجح المعتمد في الأقوال في مذهب مالك في ضوء القواعد والضوابط التي حررها علماء المالكية، وحرصوا على متابعة تطبيقها وعلى رأسها قاعدة: ما يجري به العمل.

استهل القرن الثالث عشر "وسمعة أعلام الأزهريين قد ضربت ما بين المشرق والمغرب بكتبهم التي شاعت في عصرهم، وعم الإقبال عليها". ونالت كتب العدوي، والدردير، والأمير، والدسوقي اعتماد علماء المالكية بعامة، والمصريين بخاصة، وصارت كتبهم مدار اعتماد الدارسين والمفتين. وقابل ظهور هؤلاء الأعلام المصريين ظهور أعلام من العلماء المغاربة، اشتهرت مؤلفاتهم في المغرب بخاصة وأقطار الشمال الإفريقي بعامة. وظهر تأثر مؤلفات العلماء المصريين بترجيحات وآراء علماء المغرب واضحاً في كتاب الشرح الكبير للدسوقي، حيث اعتمد فيه على آراء العلماء المصريين وتحريراتهم، كالعدوي، والأمير، جنباً إلى جنب مع آراء وتحريرات الشيخ البناني على حاشية الزرقاني، مازجاً بذلك بين المنهجين: المصري، والمغربي اللذين سلكهما علماء المالكية في تحريرهم لكتب الأجاهرة، وسار على منهجه الصاوي في كتابه: بلغة السالك. في حين ظهر تأثر علماء المغرب بالاتجاهات المصرية الترجيحية باعتماد كتب الدردير، والدسوقي. يقول الشيخ ابن عاشور: "وعم الإقبال عليها [مؤلفات علماء المالكية المصريين] مثل الشيخ محمد الدسوقي، الذي عظمت شهرة دروسه، وأسانيده، وكتبه، واعتمدت حواشيه، ولا سيما حاشيته على شرح الدردير على المختصر الخليلي التي اعتمدها فقهاء الزيتونة في الدروس، والفتاوى، والأحكام، وعلقوا عليها، وجاذبوا مؤلفها بحوثه، ونقوله، وتحقيقاته". في عرض شامل لأهم الكتب المعتمدة والمتداولة عند علماء المغرب في هذا العصر، يقول الشيخ الثعالبي (ت 1376هـ): "إن غالب الفتوى من الكتب المتداولة ... ، وقد اشترط العلماء اشتهار الكتاب الذي يفتى منه على القول بجواز ذلك دون رواية، كمختصر خليل، على أن هذا حصّل درجة التواتر، لكثرة من يحفظه في زماننا ... ، ومن جملة شروحه المتداولة: حطاب، والمواق، وهما كتابان معتمدان إلا قليلاً، وشرح الدردير، ثم الرسالة وشروحها لابن ناجي، وزروق، وأبي الحسن، وجسوس وغيرهم. ومن الكتب المعتمدة: الموطأ لمالك، وشرحها للباجي، وشرح محمد الزرقاني، وهي أم المذهب، وكذا المدونة ... ومن كتب الفتوى: التحفة لابن عاصم الغرناطي، وشروحها لسيدي عمر الفاسي، والتاودي بن سودة، والدسولي [التسولي]، وميارة، وحاشية أبي علي بن رحال عليه، وشروح لامية الزقاق، والعمل الفاسي، وشروحه، والعمل المطلق، والمرشد المعين، وشرحاه لميارة، وتبصرة ابن فرحون". زبدة الكلام: أن "غاية ما يشترط الآن فيمن ينتصب للفتوى أو للقضاء في إحدى العواصم الكبار أن يكون ... بحيث يعرف أن يطالع الكتب، ولا سيما مختصر خليل بشرحيه: الخرشي، والزرقاني وحواشيه". توَّج هذا الرأي فضيلة الشيخ العلامة محمد الطاهري ـ رئيس مجلس الإفتاء في المجلس العلمي الإقليمي بفاس ـ حيث أفاد بما نصه: "علماؤنا ومشايخنا ومشايخهم، كانوا يفيدون بالاعتماد على الزرقاني على خليل بشرط استشارة من خدموه، ونعني به: حاشية التاودي، وحاشية البناني، وقد جاء الرهوني فحرر الزرقاني، وأصبح هو المعتمد، وزاد في تحريره الشيخ كنون وإن لم يجد عليه إلا القليل". إن اعتماد الحواشي ـ التي أشاد بها فضيلة الشيخ العلامة محمد الطاهري ـ في تحرير آراء الزرقاني على كتاب مواهب الجليل لمحمد بن محمد بن عبدالرحمن الحطاب المكي، كما نبه عليه فضيلة الشيخ الثعالبي بقوله: "وعليه [حطاب] اعتمد البناني وابن سودة، والرهوني في كثير من تعقيباتهم على الزرقاني"، هذا الاعتماد يشير بوضوح إلى حقيقة علمية تاريخية هي: أن المذهب المالكي بدأ حجازياً مدنياً وانتهى حجازياً مكياً. وفي الختام: يأبى الله أن يكون الكمال إلا لكتابة، والعصمة إلا لرسوله ونبيه محمد ?، وهذا أخي القارئ جهد المقل، وهو ما توصل إليه الباحث عن تطور اصطلاح المذهب المالكي عند المالكية، وكتبه المعتمدة عبر القرون، منذ أن وضع البذرة المباركة إمام دار الهجرة، مالك بن أنس رضي الله عنه في مدينة طيبة الطيبة على ساكنها أفضل الصلاة، وأتم التسليم، فنمت، وترعرعت، وأصبحت شجرة باسقة، وارفة الظلال، شأن كل عمل مخلص، أريد به وجه الله ?أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ? [إبراهيم: 24]، وصدق الله ـ العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا، ومولانا، وشفيعنا سيد الأولين والآخرين، النبي الأمي الأمين، ورضي الله عن أصحابه أئمة الهدى أجمعين، والتابعين وتابعي التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الآثار المترتبة على الكفالة المالية (بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة)

الآثار المترتبة على الكفالة المالية (بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة) ¤ماجد أبو رخية£بدون¥دار النفائس¨الأولى¢1418هـ€فقه¶ضمان وكفالة ورهن الخاتمة: وبعد: فهذا ما قدرني الله عليه من الكتابة في جزئية من جزئيات الكفالة، وهي الآثار المترتبة على الكفالة المالية، وقد تبين لي من خلالها ما يلي: 1 - إن الكفالة أمرها عظيم، وإنها ملزمة لصاحبها الذي لا يستطيع التخلص منها، والفكاك من أسرها، إلا بالوفاء بها، حتى إنه لو مات فإن الكفالة تتعلق بتركته، كما علمنا من قبل، الأمر الذي يملي على الإنسان العاقل أن يفكر ملياً قبل أن يوقع عليها، ويقيد نفسه بقيودها، وأن يمعن النظر في الشخص الذي يكفله، حتى لا يسبب له الوقوع في المتاعب مستقبلاً، ويقع في شرك المثل القائل: بأن الكفالة أولها شهامة وأوسطها ندامة وآخرها خسارة. 2 - إن الذي عليه جمهور الفقهاء، هو حق مطالبة المكفول له لكل من الكفيل والمكفول؛ لأن الكفالة تعني ضم ذمة إلى ذمة. مع ملاحظة شرط المالكية المشهور عندهم، وهو: أن مطالبة الكفيل إنما تكون بعجز المكفول عن الوفاء أو مماطلته. 3 - إن رأي ابن حزم – ومن قال بقوله – وهو إن الكفالة تنقل حق المطالبة من المكفول إلى الكفيل، فلا يطالب غيره، رأي غير سديد؛ لأن الذي ينقل حق المطالبة هو الحوالة، وفرق بينها وبين الكفالة. 4 - إن للكفيل إذا حل أجل الكفالة، الطلب من المدين أو يخلصه من الكفالة بسداد ما عليه من الدين، وأن له أيضاً حق مطالبة الدائن بالضغط على المدين للإسراع في سداد دينه، حتى لا تتعطل مصالحه ببقاء ذمته مشغولة للغير، وإلا أسقط الكفالة، وقد رأينا إن القانون حدد أجلاً لهذا الغرض، وهو ستة أشهر، معتمداً على القواعد الفقهية القاضية بإزالة الضرر. 5 - إن للكفيل على رأي جمهور الفقهاء أن يعود على المدين بما أداه عنه، وبما كفله لا بما أداه عند الحنفية، وفي حالة الصلح مع الدائن، فإن الكفيل يعود على المدين بما صالح عليه، لا بجميع الدين باتفاق الفقهاء، إذا كانت المصالحة على جنس الدين، وأما إذا كانت المصالحة على غير جنس الدين، فإن الكفيل يرجع على المدين بكل الدين، وبالأقل من قيمة ما صالح عليه من الدين عند جمهور الفقهاء. 6 - إن نصوص المواد في القانون المدني الأردني، والقانون المدني الإماراتي، قد جاءت فيما يتعلق بالآثار المترتبة على الكفالة المالية موافقة مع ما جاء به الفقهاء من قبل. والناظرة في المذكرة الإيضاحية للقانون الأردني، الذي يعد أصل القانون الإماراتي، والمصادر التي استقى منها القانون تلك المواد، لا يستغرب هذا الانسجام؛ فمجلة الأحكام العدلية والكتب الفقهية هي المصدر الرئيس لنصوص تلك المواد. ولا يفوتنا التنويه ببعض الإضافات التي جاء بها القانون، وأكثرها يتعلق بالإجراءات التنفيذية لعقد الكفالة، كتحمل المدين للنفقات التي يدفعها الكفيل حين تنفيذ الكفالة، وهي في الجملة لا تخرج على القواعد الفقهية التي اعتمد عليها الفقهاء. "وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين".

الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر رواية ودراية

الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر رواية ودراية ¤محمد بن عمر سالم بازمول£بدون¥دار الإمام أحمد - القاهرة¨الأولى¢1428هـ€فقه¶قنوت الخاتمة خلصت هذه الرسالة إلى نتائج مهمة وهي التالية: 1 - أن قول من قال من الأئمة: لم يصح في قنوت الوتر قبل الركوع أو بعده شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا قول ابن عبد البر رحمه الله: " لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر حديث مسندا " اهـ؛ فيه نظر وأنه غير مسلّم. فقد ثبت في قنوت الوتر مسندا من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه وحديث أبي بن كعب رضي الله عنه , والله أعلم. كما ثبت عن الصحابة كعمر بن الخطاب , وابن مسعود وأبي بن كعب وغيرهم ومثله لا مجال فيه للرأي والاجتهاد إذ المقام مقام عبادة والأصل فيها التوقيف فلولا أن لديهم توقيفا في ذلك ما فعلوه 2 - أن قنوت الوتر يشرع طوال العام وأن السنة فعله أحيانا وتركه أحيانا بدليل ما ورد من الاختلاف في مشروعيته طوال العام مما يدل أن الرسول صلى الله عليه وسّلم كان يتركه أحيانا ويتأكد المداومة عليه في النصف الأخير من رمضان من الليلة السادسة عشرة ويشرع ترك القنوت في النصف الأول من رمضان إذا صلي بالناس وهذا من السنن المهجورة فإن قنت في أوله وآخره جاز 3 - أن قنوت الوتر يجوز قبل الركوع وبعده والأصل فيه قبل الركوع 4 - أن من السنن المهجورة في هذا العصر قنوت الوتر أن يكبر للقنوت وأن يكبر بعده إذا قنت قبل الركوع 5 - أن من السنة أن يجهر الإمام في قنوت الوتر وأن يؤمّن من خلفه 6 - أن السنة في دعاء القنوت ألا يكون طويلا ولو اقتصر على قدر الوارد فهو أفضل ولو أطال أحيانا بقدر ما ورد جاز 7 - أن دعاء القنوت ليس فيه شيء مؤقت فهو يجوز بأي صيغة والأفضل الاقتصار على الوارد 8 - أن من السنة للإمام إذا صلى بالناس جماعة الوتر في رمضان ألا يقنت في النصف الأول من رمضان وأن يقنت في النصف الأخير منه ويدعو على الكفرة 9 - يشرع رفع اليدين في دعاء قنوت الوتر ويشرع إرسالهما ويشرع رفعهما في أوله وإرسالهما في آخره كل ذلك جائز 10 - لا يشرع مسح الوجه باليدين بعد الدعاء 11 - يشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء قنوت الوتر. 12 - يسجد للسهو من كان من عادته القنوت في الوتر فسها عنه أما من لم يكن من عادته القنوت أو تعمد تركه فلا سهو عليه 13 - أن من أشبه الصلوات بصلاة الوتر صلاة المغرب؛ إذ المغرب وتر النهار فما ثبت في القنوت فيها للنازلة يثبت للقنوت في الوتر ويؤكد هذا أن ما ثبت في الفريضة ثبت مثله في النافلة إلا لدليل 14 - أن أغلب أحكام قنوت الوتر ثابتة بفعل الصحابة رضوان الله عليهم والمقام مما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه إذ مثل ذلك لا يكون بالرأي فله حكم الرفع واختلافهم في هذا من باب اختلاف التنوع ما أمكن الجمع , والله الموفق هذا ما تيسر لي جمعه وتخريجه في هذا الموضوع أسأل الله بأن له الحمد لا إله إلا هو الحنان المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام أسأله العفو والعافية وأن يتقبل جميع عملي خالصا لوجهه الكريم وأن يجعله داعيا إلى سنة نبيه الكريم محمد عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم وعلى آله وصحبه أجمعين. وسبحانك الله وبحمدك أشهد أن لا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

الأحكام الشرعية للأعمال الطبية

الأحكام الشرعية للأعمال الطبية ¤أحمد شرف الدين£بدون¥بدون¨بدون¢1402هـ€فقه¶أحكام طبية الخاتمة: (103) لقد كان للاكتشافات العلمية في مجال الطب والجراحة وقع القنابل في عالم تسوده المبادئ التقليدية التي ترى أن حرمة النفس والجسم والجثة وهذه أحد الأركان الأساسية للنظام الشرعي والقانوني السائد. هذه الاكتشافات، التي لو تركت دون ضابط فإنها ستؤدي إلى تغير الأعراف والأفكار بل والأخلاق، يجب أن يتسلح الفقهاء لمواجهتها بحكمها الشرعي حتى لا تتعدى حدودها فتصطدم سنة الله {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}. كذلك فإن الفقه مطالب بالبحث عن أحكام مستحدثات الطب في الشريعة حتى لا نكون تابعين في هذه الأحكام. وإذا كان يطلب من الفقه والقانون أن يراعيا الإمكانيات الحديثة للطب والبيولوجبا في وضع أحكامهما، فإن ذلك مقيد بعدم التعارض مع كليات الشريعة وبقدر ما تحفظه هذه الإمكانيات من مصالح جديرة بالرعاية، وإلا فإن للاكتشافات الحديثة للعلوم البيولوجية والطبية استعمالات لا فائدة منها بل إنها قد تكون مضرة. إن قواعد الشريعة، على سعتها وترحيبها بكل تقدم علمي لمصلحة البشرية، لا يمكن أن ترضخ للإمكانيات الحديثة للعلوم لأن الشرع يحيط بعلمه وبأحكامه كل شيء، حين أن العلم لا يمكن أن يتسع لإدراك عواقب اكتشافاته {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}. وإزاء طرقات العلم، المفيدة منها والضارة، على أبواب الفقه والقانون، فإن الفقه يجد نفسه أمام طريقين متقابلين: الأول: طريق اليقين طريق الله الخالق العالم بمن خلقه. والثاني: طريق العلم والتجارب وهو طريق لا يتسم بالثبات أو باليقين. وليس معنى اختيار الفقيه للطريق الأول أنه يرفض سلوك الطريق الثاني ولكن معناه أنه لا يأخذ من العلم إلا ما يحفظ مصالح راجحة في الشرع، فحيث توجد المصلحة فثم شرع الله. إنما يجب على الفقيه، وهو بصدد بيان الحدود الشرعية لمكتسبات العلوم، ألا يقيد نفسه باجتهادات فقهية تقليدية صدرت في عصر لم يكن يعي بعد الكنوز التي اكتشفها العقل البشري في العصر الحديث. وإذا كان لكل حدث جديد فقه جديد يستند إلى أصول الشريعة ذاتها الواردة في القرآن والسنة، فإن الأحكام الفقهية التي هي مجرد اجتهادات وتفسيرات لما أجمل القرآن والسنة، يمكن أن تتغير بتغير الزمان، ولا يبقى ثابتاً إلا أصول الشريعة الواردة في القرآن والسنة. لذلك فإن المعيار، الذي استندنا إليه في البحث عن الحكم الشرعي للإنجازات الطبيعة الحديثة، هو مدى اتفاق هذه الإنجازات مع كليات وأصول الشريعة، بينما اقتصر دور الفروع والاجتهادات الفقهية على تحديد الإطار الشرعي الذي يجب أن تبحث فيه المسألة. (104) وبعد فإنه إذا كان لبحثنا هذا من فضل فإنه يتجسد في اعتقادنا، من ناحية في الطريقة التي جمعنا بها القواعد الفقهية المبعثرة، والتي يصعب على الباحث العثور عليها في أمهات كتب الفقه الإسلامي لوجودها في غير مظانها، ومن ناحية أخرى في الكيفية التي طبقنا بها هذه القواعد، بعد تقسيمها تقسيماً منهجياً، على بعض الأعمال الحديثة للطب والجراحة، ليكون البحث بذلك، في مجموعه وعلى ما نرجو، نبراساً يهتدي به في الحكم على كل ما هو مستحدث من أعمال في المجال الطبي والجراحي. ولهذه الاعتبارات، ولكي يكون لبحثنا هذا فائدة علمية فوق قيمته العلمية المتواضعة، فإننا نثبت فيما يلي ملحقاً يتضمن اقتراحا بالقواعد التي تنظم بعض صور الاستخدامات الطبية الحديثة لجسم الإنسان وجثته. ونتبعه بملحق آخر يتضمن أهم الفتاوى الصادرة في بعض الموضوعات التي عالجناها. ولقد رأينا أنه من المفيد أن نخصص ملحقاً مستقلاً ليتضمن من ناحية التشريع الكويتي في شأن عمليات زراعة الكلى، وهو من أحدث التشريعات المتعلقة بهذا الموضوع، ومن ناحية أخرى الفتوى، التي أوردتها مذكرته الإيضاحية، والتي استصدرتها وزارة الصحة العامة من لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، لندرك بصفة ملموسة إلى أي مدى يعتبر المشرع الوضعي، في بلد إسلامي، نفسه ملزماً بالتقيد بالقواعد الشرعية المتعلقة بالتصرف في الحق في سلامة الحياة والجسد الذي هو أصلاً من موضوعات القانون المدني.

الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل- الأحكام الخاصة بالمرأة-

الأحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل- الأحكام الخاصة بالمرأة- ¤سعد بن شارع الحربي£بدون¥دار المسلم¨الأولى¢1415هـ€فقه¶فقه المرأة - أعمال منوعة خاتمة في أهم نتائج البحث وبعد أن عرضت مسائل الفروق بين المرأة والرجل في الأحكام التي يشتركان في قواعدها العامة، ويختلفان في جزئياتها، أقول أن هذه الفروق في كثير منها ليست سالمة من خلاف بين الفقهاء، كما مر في أبواب الرسالة وفصولها ومباحثها ومطالبها، ومن أهم نتائج هذا البحث: أولا: في باب العبادات: 1 - في مسألة الطهارة يغسل أثر بول الصبية التي لم تأكل الطعام عن إرادة وشهوة، بينما ينضح أثر بول الصبي الذي لم يأكل الطعام عن إرادة وشهوة تخفيفا لولع الناس وكلفهم بحمل الصبيان. 2 - الختان في حق النساء مكرمة، بينما هو في حق الرجال واجب. 3 - لا تحلق المرأة شعر رأسها لحاجتها إلى التجمل والتزين إلا لضرورة، بينما الرجل يجوز له ذلك. 4 - لا يجوز للمرأة أن تمس طيبا تنتشر رائحته في خروجها إلى الأسواق منعا للفتنة بينما الرجل يتعطر بما شاء. 5 - تخضب المرأة يديها ورجليها وتنقش بالحناء لأنه زينة في حقها وهو مطلوب منها ذلك، أما الرجل فإنه في حقه تشبه إلا لضرورة علاج ويباح له منه ما يخضب به رأسه ولحيته تغييرا للبياض فقط. 6 - لباس المرأة يراعي فيه الستر والزينة الخفية والبعد عن التشبه بالرجال، ويجوز لها أن تلبس الحرير والذهب وتتحلى بما شاءت من أنواع المصوغ ما لم يخرج عن العادة والمألوف، والرجل لا يحل له لبس الذهب والحرير، ولا مصوغ الذهب والفضة إلا خاتم الفضة وما كان ضرورة ويراعي في لبسه للثياب الزينة الظاهرة مع البعد عن التشبه بالنساء. 7 - في فصل الصلاة: المرأة لها عورة تختلف عن عورة الرجال فإنها كلها عورة إلا الوجه واليدين، أما الرجل فعورته ما بين السرة والركبة، والمرأة لا تؤذن ولا تقيم ولا تؤم جماعة الرجال، ولا تجهر بالقراءة في الصلاة وتصفق إذا نابها شيء في صلاتها بخلاف الرجل وإذا حضرت صلاة الرجال جماعة في المساجد تكون في صف وحدها خلف صفوف الرجال، وفي صفوف النساء خيرها أخرها وشرها أولها، بعكس صفوف الرجال. 8 - تلبس الدرع والخمار في الصلاة حتى تخمر رأسها وظهور قدميها أما الرجل فيجزيه ما يستر عورته وهي ما بين سرته وركبتيه، وإذا خرجت إلى المساجد لحضور صلاة الجماعة فلا تتزين ولا تتعطر وتخرج تفلة. 9 - يجوز لها حضور صلاة الجمعة ولا تنعقد بها عكس الرجل ويستحب لها حضور صلاة العيدين إذا لم يخش فتنة وحضور صلاة العيدين في حق الرجل سنة مؤكدة أو فرض كفاية. 10 - في مسألة الجنائز: تكفن في خمسة أثواب مبالغة في سترها استحبابا. والرجل يكفن في ثلاثة أثواب استحبابا، ولا تحمل النساء الموتى ولا يشيعنهم وذلك لضعفهن وعجزهن وقلة صبرهن ووجود الفتنة في حقهن، أما الرجل فإن ذلك في حقه فرص كفاية. وإذا اجتمعت جنائز رجال ونساء قدم الرجال على النساء لأنهم أولى منهن في الفضل في حال الحياة لقيامهم عليهن، فكذلك في حال الممات، ويقف الإمام في صلاة الجنازة على المرأة حيال وسطها وعلى جنازة الرجل عند رأسه استحبابا. 11 - وفي مسألة الزكاة: لا تدفع المرأة زكاة لحليها الذي اتخذته للبس أو العارية ولو كثر إذا كان مما اعتادت النساء لبسه، أما الرجل فإنه يحرم عليه اتخاذ حلي النساء ولو اتخذه فإنه يزكيه، ولا يدفع الزوج زكاة ماله لزوجته اتفاقا بين الفقهاء لقيامه بالنفقة ولا تدفع زكاة مالها إليه لاشتراكهما في مصالح المال ومنافعه، ويجب على الزوج أن يخرج زكاة بدن زوجته.

12 - في مسألة الصوم: لا يقبل خبر المرأة ولا شهادتها عن هلال شوال ويقبل خبرها في هلال رمضان احتياطا للعبادة، أما الرجل فإن شهادته معتبرة في هلال شوال. ولا تصوم نفلا وزوجها حاضر إلا بإذنه لأن ما تقوم به مندوب وحق زوجها واجب، فهو أولى بالتقديم. 13 - في مسالة الحج: يشترط وجود محرمها في خروجها إلى الحج لأنها عورة وضعيفة، فإذا لم تجد محرما فإنها تدخل فيمن لا يستطيعون الحج، ولا تخرج لحج النافلة وعمرتها إلا بإذن زوجها والرجل لا يحتاج إلى إذن الغير، وتلبس المخيط في إحرامها لأنه مطلوب في حقها الستر، أما الرجل فإنه يتجرد من المخيط لإحرامه، ولا ترفع صوتها للتلبية ويسقط عن ذات الحيض طواف الوداع. ولا ترمل ولا تضطبع في الطواف والسعي لئلا تنكشف ولأنها ليست من أهل الجلد. وكلما اعتزلت عن الرجال في طوافها وسعيها كان أكمل في حقها. ثانيا: في باب الجهاد: 1 - لا يجب على المرأة قتال، بينما هو على الرجل فرض كفاية، أو فرض عين. 2 - لا تقتل المرأة الكافرة من القوم المحاربين إذا لم تحارب أو تعن برأي أو مكيدة، وليس عليها جزية لأنها ليست من أهل القتال عكس الرجل. ثالثا: في باب المعاملات: 1 - يحجر عليها في عطيتها فيما زاد على الثلث رعاية لمصلحتها ومصلحة زوجها وأسرتها وذلك في مسألة الصدقات والتبرعات عكس الرجل. 2 - علمها مقيد بشروط تناسب طبيعتها الأنثوية وتراعي حق زوجها وأطفالها وعنصر الفتنة فيها، بينما عمل الرجل مطلق، لا يحد بقيود. رابعا: في باب الولايات: 1 - لا تلي عقد النكاح ولا تكون وكيلا فيه، ولا تصح عبارتها فيه لأنه ليس بمال ولا يقصد به المال ومباشرة عقود الأنكحة تنافي الحياء والخفر. وتعرض المرأة للبروز أمام أجانب الرجال، أما الرجل فإنه يلي عقد النكاح. 2 - المرأة أولى من الرجل في ولاية الحضانة للصغير أو من لا يستقل بشئون نفسه لأنها أكمل شفقة من الرجل. 3 - لا تصح شهادتها في حقوق الأبدان والعقوبات، بينما ولاية الشهادة من الرجل مطلقة، وهي في الشهادة على النصف من الرجل. 4 - لا تكون إماما ولا قاضيا ولا تلي شيئا من أمور المسلمين العامة، لوجود عامل الفساد في ولايتها شئون الناس العامة. مثل الحسبة والإمارة وغير ذلك. خامسا: في باب الجنايات: 1 - ديتها على النصف من دية الرجل في النفس، أما ما دون النفس فإنها تعاقله إلى الثلث ثم تكون على النصف من ديته فيما زاد على ذلك. 2 - يقتص لها من الرجل في الجراح العمد والأطراف التي توجب قصاصا، وتكون مساوية للرجل في ذلك لأن المعتبر العصمة. 3 - لا تدخل في العاقلة، فلا تحمل من دية الخطأ شيئا لأنها ليست من أهل النصرة. وإنما يحمل ذلك العصبة الذكور. ولا تدخل في القسامة. 4 - سادسا: في باب الأحوال الشخصية: 1 - المرأة على النصف من ميراث الذكر لأنها على النصف منه في الشهادة ولأنه يتحمل كثيرا من النفقات وأعباء الحياة الأخرى. وهي مستغنية بمال زوجها، وهذه في مسألة اجتماع الأبناء أو الأخوة الأشقاء أو الأخوة لأب. 2 - لا ترث العمة وبنت الأخ وبنت الأخ العم عكس إخوتهن لأنهن من ذوات الأرحام ويورثن من قبل العصبة الذكور. 3 - لا يرث ابن الملاعنة وابن الزنا من أبيه لأنه أجنبي عنه ويرث من أمه على عكس القاعدة في ميراث الولد من أبيه. 4 - من قوامة الرجل على المرأة المهر والنفقة إذ يجبان عليه لها ولا يجبان له عليها. 5 - لا تملك المرأة الطلاق ولا الإيلاء ولا عبارة الظهار، ويملك ذلك الرجل. 6 - للمرأة حق الخلع في فك الرابطة الزوجية إذا خشيت الضرر بسوء العشرة إذا رضي زوجها والرجل لا يملك ذلك. 7 - عليها عدة الوفاة صغيرة أو كبيرة مدخولا بها أو غير مدخول بها أما الرجل فإنه لا يعتد للوفاة. وبعد، فإن ما تقدم خلاصة نتائج هذا البحث الذي ضمته أبواب وفصول هذه الرسالة في الفرق بين المرأة والرجل في الأحكام التي يشتركان في قاعدتها العامة ويختلفان في جزئيات هذه القاعدة. وبعضها ملزم والبعض الآخر على وجه الندب والاستحباب. وإنني قد قدمت في قول مضى أول هذه الرسالة أني لم أتطرق لما كان من باب الضرورة أو كان شاذا أو ضعيفا خالف الإجماع إلا من النادر القليل، وحسبي أنني حاولت في جهد المقل أن ألم بمسائل مهمة في الفرق بين المرأة والرجل في مجال كثير من الأحكام وأن أنظمها في رسالة مستقلة تكون عونا للباحث والباحثة في مسائل الفروق بين النساء والرجال ومقدمة تدل على أول الطريق .. والله حسبي ونعم الوكيل.

الأحكام المترتبة على الفسق في الفقه الإسلامي

الأحكام المترتبة على الفسق في الفقه الإسلامي ¤فوفانا آدم£بدون¥مكتبة دار المنهاج - الرياض¨الأولى¢1425هـ€فقه¶فسق الخاتمة: الحمد لله على التوفيق والإعانة، على استمرار العمل إلى النهاية، فله في ذلك الفضل والمنّة، وأشكره على نعمه الظاهرة والباطنة. ففي ختام هذه الرحلة الطويلة مع الفسق وما يترتب عليه من الأحكام، أجمل أهم النتائج التي توصلت إليها خلال البحث فيما يلي: 1 - اتفقت دلالة الكتاب والسنة واللغة، واصطلاح العلماء من المحدثين والأصوليين والفقهاء – رحمهم الله -، على أن الفسق هو الخروج عن الطاعة. وقد يطلق على غيره كالكفر، والمعصية، والفجور، والإثم، والكذب، وجميع أنواع السيئات. 2 - إن الذنوب تتفاوت فيما بينها، فمنها الكبيرة ومنها الصغيرة، والفسق يحصل بارتكاب الكبيرة، أو بالإصرار على الصغيرة. فالكبيرة هي كل ذنب قرن والصغيرة ما كان دون ذلك، أو ما لم يقرن بما سلف. والإصرار عليها يكون بالإقدام عليها مع العزم على معاودتها، ثم تكرارها بناءً على هذا العزم السابق. وضابط التكرار هو تكرر الصغيرة تكرراً يشعر بقلة مبالاة المذنب بدينه، إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك. 3 - البدعة هي ما أحدث في الدين على خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، من عقيدة أو عمل. وهي أيضاً متفاوتة، فمنها المفسقة والمكفرة، فالمكفرة ما تضمنت مخالفة أصل فيه دليل مقطوع به، من كتاب أو سنة متواترة، أو إنكار أمر مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة. فمن تلبس بالمفسقة كان حكمه حكم الفاسق بالكبيرة، ومن تلبس – والعياذ بالله – بالمكفرة، كان حكمه حكم الكافر، لا تصح إمامته في الصلاة، ولا ولايته على المسلمين، وتبطل بها الولاية إن طرأت على الوالي، ويجيز الخروج عليه بشروطه، ولا يصلي عليه إن مات، ولا يزوج من المسلمات، ولا يعتد بقوله في انعقاد الإجماع، ولا تقبل فتاواه، ولا شهادته. 4 - لفظ الفسق اصطلاح شرعي كالكفر، لا يجوز إطلاقه على معين إلا بعد توفر الشروط، وانتفاء الموانع، وإقامة الحجج والبينات. 5 - إذا ثبت فسق المرء لم يقبل خبره في أمور الديانة، كخبره بطهارة الماء أو بنجاسته، وخبره بدخول وقت الصلاة، ودلالته غيره على القبلة، ولا يرجع الإمام لتسبيحه في الصلاة، ولا يقبل خبره برؤية هلال رمضان وغيره من الأهلة، لكن يستحب له إخبار الحاكم برؤيته، ولا تقبل فتاواه إن كان عالماً. 6 - إقرار الفاسق يلزم نفسه، فإذا أقر بحق لزمه، وكذلك خبره، فإن أخبر برؤية هلال رمضان ورد خبره، لزمه الصوم، فإن أفطر وجب عليه ما يجب على الفطر وحده سراً، لكن إذا كمل الثلاثين في صومه الذي رأى وحده الهلال، ولم يطلع الهلال ليلة إحدى وثلاثين، لم يفطر إلا مع الجماعة؛ لتبين خطؤه حينئذ. وهكذا المجتهد الفاسق، إذا اجتهد في مسألة فأدى به اجتهاده فيها إلى حكم، لزمه في حق نفسه دون غيره. 7 - إن الفاسق ليس من أهل الترخص، فلا يجوز له الترخص بالرخص الشرعية في سفره للمعصية، كالمسح على الخفين، وقصر الرباعية، والجمع بين صلاتين، وسقوط الجمعة، وعدم استقبال القبلة عند التنفل على الراحلة، والفطر في رمضان. ولا يعطى من الزكاة إذا كان غارماً في معصية، أو كان ابن سبيل في سفر المعصية، ولا تجوز له صلاة الخوف إذا كان في قتال، أو هروب من عدو هو فيهما عاص. أما إذا كان في سفر مباح أو واجب، غير أنه يعصي الله فيه، فيجوز له الترخص بهذه الرخص كلها، وكذلك إذا تاب؛ لخروجه من المعصية وصيرورته من أهل الرخصة.

8 - إن رد خبر الفاسق، ومنعه الترخص بهذه الرخص، زجر له عن فسقه ومعصيته، ومن صور زجر الفساق وعقوبتهم: جواز إظهار سجود الشكر أمام الفاسق؛ ليرتدع من معصيته التي يفسق من أجلها، وعدم صلاة الأئمة وأولي الفضل على الفاسق إذا مات، وعدم إيتائه من الزكاة إذا كان يستعين بها على المعصية، ومنع الولد الفاسق من الهبة إذا كان يستعين بها على المعصية، ومنع الوالد الفاسق من الاتهام لولده، وعدم إجابة دعوة الفاسق إلى الوليمة، ومنعه من التزوج بالصالحة العفيفة، ونزع اللقطة واللقيط منه إذا التقطهما، وعدم الاعتداد بتعريفه اللقطة، ومنع الفاسقة من حقها في حضانة طفلها، ومنع الناشزة من حقها في القسم والنفقة، وندب تطليق الفاسقة، إذا كان فسقها بالزنا، أو بتفريط في حقوق الله الواجبة، إذا عجز الزوج عن إجبارها عليها، وجواز اختلاع المرأة من الزوج إذا كان كذلك ... 9 - للخوف من الفساق أثر في تغير بعض الأحكام، كخوف المرأة على نفسها الفساق عند الماء، وخوف واجد اللقطة عليها في ممر الفساق والخونة، فيباح التيمم للأولى، ويوجب الالتقاط على الثاني، ويسقط وجوب الحج على المرأة إذا لم تجد في سفرها إليه غير محرم فاسق، أو رفقة فاسقة غير مأمونة، كما يباح للمعتدة الانتقال من مسكنها الذي تعتد فيه، إذا كان بجوار الفسقة. 10 - لا يؤثر فسق السيد على تصرفاته في مملوكه، فتثبت له الولاية عليه، ويجوز له تزويج أمته، وإقامة الحد على رقيقه إذا زنى. 11 - الفاسق من أهل القرب، وعباداته صحيحة إذا أداها على الوجه المطلوب، فيصح وقفه، ووصيته لغيره ما لم تكن الوصية في كفالة الأولاد، وتصح مشاركته في الجهاد. ما لم يكن مخذلاً أو مرجفاً أو خائناً يتجسس للكفار، ويطلعهم على عورات المسلمين. 12 - يجب تجهيز الفاسق والصلاة عليه إذا مات، سواء كان فسقه باعتقاد أو بارتكاب الكبيرة، ويجب بره على أبنائه مع فسقه، وتحرم الخطبة على خطبته، وتصح ولايته في نكاح نسيبته، وتصح وكالته في التزويج، ويصح لعانه، وأمانه لآحاد الكفار، وتقبل دعواه على العدل ويطالب باليمين إذا أنكر. فهذه مسائل لا فرق فيها بين الفاسق والعدل. 13 - يقبل خبر الفاسق في المعاملات، إلا إذا كان الفاسق المخبر فضولياً، ففي قبول خبره فيها خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، بناءً على أن هذا الخبر هل هو شهادة، أو خبر في المعاملات؟. 14 - الفاسق جائز التصرف، فيصح منه البيع والشراء، والإجارة، وتجوز مشاركته مع الكراهة، ويصح ضمانه وكفالته، ويصح التقاطه اللقطة واللقيط، غير أنهما ينزعان منه، ويملك اللقطة إذا لم يعثر على صاحبها بعد مدة التعريف، ويجوز وضع الرهن عنده إلا إذا كان الرهن أمة أو خنثى، أو كان الرّاهن والمرتهن، أو هما معاً متصرفين عن الغير، وكان الفاسق يخرج بفسقه عن الأمانة، ويجوز إيداع الوديعة عنده، إذا كان فسقه بغير معصية مالية، ولا يخشى منه عليها. وتجوز وكالته فيما يجوز له التصرف فيه. 15 - لا تنفسخ المساقاة بظهور الفسق من العامل، وإنما يتحفظ منه رب المال، فإن عجز ساق عليه الحاكم، وتكون أجرة العامل الثاني على الأول الخائن. ولا تنفسخ الإجارة كذلك بفسق المستأجر، وإنما على المؤجر أو الحاكم منعه من الفسق. 16 - فسق الرقيق عيب مثبت للخيار، إذا كان بارتكاب الكبائر، واختلفوا في فسق الاعتقاد. وكذلك ظهور الفسق من الأجير حيث لا يمكن التحفظ ولا التحرز من ضرره، وظهوره من المستأجرة للرضاعة مثبت للخيار. 17 - يحرم العقد على المنافع المحرمة، في الإعارة والإجارة، كما يحرم التوكيل في المعصية، والوصية بالمعصية أو الوقف عليها.

18 - الفاسق ليس من أهل الولايات الدينية ابتداءً، فإذا ولي عليها صحت في بعضها، كإمامة الصلاة والأذان وغسل الميت، ولا تصح في الولايات المالية، كالنظر على الوقف، والوصية، والعمل على الزكاة وخرص الثمار. وكذا الولاية على النفس، ويعزل عنها ولو طرأ عليه الفسق بعد توليته. وهكذا ولاية القضاء، لا تصح ولايته، وإذا ولي وحكم لم ينفذ حكمه، إلا إذا ولاه ذو شوكة، فينفذ للضرورة، وينعزل بالفسق نفسه إذا طرأ عليه، وعلى الإمام تعيين قاض آخر مكانه؛ يتصفح قضاءه السابق، فما وافق الحق أمضاه، وما جانبه نقضه. أما الولاية الكبرى فلا تصح تولية الفاسق فيها، ولا العهد إليه بها، وإذا تولاها بالغلبة، أو فسق بعد عدالته، وجب نصحه وطاعته في المعروف، ويجزئ دفع الزكاة إليه، والجهاد معه، وتولي القضاء منه إذا كان يمكن القاضي من القضاء بالحق، ولا يجوز عزله ولا الخروج عليه، ولو كان فسقه فسق اعتقاد ما لم يبلغ حد الكفر البواح. وهذا كله عند السعة وتوفر العدول، فإذا عدم العدول وكان الموجودون كلهم فساقاً ولي أقلهم فسقاً وفجوراً. 19 - لا يصح تحكيم الفاسق في تحديد جزاء الصيد إذا قتله محرم، ولا للإصلاح بين الزوجين، أو بين الخصوم، ولا يقبل نزول الكفار إذا حوصروا على حكمه. 20 - لا يجوز للقاضي الاستعانة في قضائه بفاسق، لا في النيابة عنه، ولا في الاستشارة، أو الكتابة، أو الحجابة، أو الترجمة، أو القسمة، أو التزكية والسؤال عن الشهود. 21 - تصح المكاتبة بين القضاة، فإذا كتب أحدهم إلى آخر، ثم فسق الكاتب بعد الحكم بكتابه، لم يغير ذلك في الحكم شيئاً، وإن فسق قبل الحكم بكتابه، فإن كان الكتاب بحكم مبرم أمضي ونفذ، وإن كان بسماع شهادة رد ولم يحكم به الثاني. وإن فسق المكتوب إليه عمل المتولي بدله بالكتاب، سواء كان بحكم مبرم، أو بسماع بينة. 22 - إذا غلب البغاة على بلد وأخذوا منهم الزكاة أجزأتهم، ولا يكلفون بإعادته إذا غلب عليهم إمام أهل العدل. أما قضاء قاضيهم، فإن كانوا خوارج وأهل بدع لم يصح قضاء قاضيهم. وإن كانوا مجرد بغاة، فلا يخلو قاضيهم من أن يكون منهم، أو من أهل البلد الذين ظهروا عليهم، فإن كان القاضي من أهل البلد عدلاً صالحاً للقضاء صح قضاؤه، وإن كان من البغاة أنفسهم، صح ونفذ ما كان صواباً من قضائه، ورد ما خالف الصواب كقاضي أهل العدل. أما إذا كتب قاضيهم من أهل البلد العدل بالعدالة، أو بمخالفتهم للبغاة، قبل كتابه، وإن لم يكونوا كذلك لم يقبل كتابته، وأما كتاب القاضي من البغاة الموافق للصواب، فالمستحب عدم قبوله، وإن قبله قاضي أهل العدل وعمل به جاز. وتقبل شهادة البغاة إذا لم يقاتلوا أهل العدل، ولم يستحلوا دماءهم، فإذا قاتلوهم واستحلوا دماءهم ردت شهادتهم ولم تقبل. 23 - العدالة المطلوبة في الشهود هي الظاهرة والباطنة، وذلك عند أداء الشهادة لا عند تحملها، فيصح تحمل الفاسق الشهادة على أن يؤديها إذا تاب، وإذا لم يتب حتى دعي لأدائها لم تلزمه الإجابة. وشهادة الفاسق مردودة مطلقاً سواء كان فسقه بارتكاب كبيرة، أو ببدعة، وإذا قبل الحاكم شهادته وحكم به لم يصح الحكم. 24 - إذا قبل القاضي شهادة عدلين، ثم فسقا قبل الحكم بشهادتهما، رد شهادتهما ولم يحكم بها. وإذا حدث الفسق منهما بعد الحكم وقبل الاستيفاء، فإن كان الحكم في مال استوفاه، ولم يؤثر الفسق في الاستيفاء، وإن كان المحكوم به حدا لله أو لآدمي كحد قذف أو قصاص لم ينفذ ولم يستوف. وإن حدث الفسق بعد الاستيفاء لم يتأثر به الحكم.

25 - إذا ظهر للقاضي فسق الشهود الذين قضى بشهادتهم بعلمه هو، نقض حكمه إذا لم يتهم في قضائه بعلمه، وإن كان بشهادة شاهدين، فإن أسند الفسق إلى وقت الحكم، نقضه القاضي، وإن شهدا مطلقاً لم ينقض الحكم بذلك. وإذا نقض الحكم في الحالين الأوليين رد القضايا والحقوق إلى أهليها، فلو كان الحكم المبني على شهادتهم في طلاق، أو عتق، أو عقد، أو لعان، رده. وإن كان في مال حكم بقضائه. وإن كان في قصاص في نفس أو عضو، كان الضمان على الشهود إن علموا، وإلا فعلى عاقلة القاضي. 26 - إذا شهد عدلان عند القاضي المتولي أن القاضي قبله كان قد حكم بشهادة فاسقين، أحضر القاضي السابق، فإن أنكر كان القول قوله، وإذا ثبت أنه حكم بشهادة فاسقين، أحضر القاضي السابق، فإن أنكر كان القول قوله، وإذا ثبت أنه حكم بشهادة فاسقين نقض حكمه السالف. 27 - إذا أشهد فاسق على شهادته عدلاً لم تصح شهادته على شهادته، وإذا تحمل الفرع العدل شهادة الأصل العدل، ثم طرأ الفسق على الأصل، بطلت شهادة الفرع على شهادته، سواء كان قبل أدائها، أو بعد أدائها وقبل الحكم بها. وإذا تاب قبل أداء الفرع شهادته على شهادته قبلت من الفرع الشهادة. ويصح تحمل الفاسق شهادة الأصل العدل، على أن يؤديها عنه عند عدالته، ولو كان عدلاً عند التحمل ثم طرأ عليه الفسق، منع الحكم بشهادته إلى أن يتوب، ولا يؤثر فسقه على شهادة الأصل. 28 - القذف كبيرة من الكبائر، ومن قال لأخيه: يا فاسق، عزر ولم يحد، ما لم يجر العرف بتخصيصه بالزنا، أو يرد القائل نسبته به إلى الزنا وحد القذف لا يجب بقذف الفاسق بالزنا غير العفيف، أما سائر الفساق فيجب بقذفهم الحد. 29 - شهادة القاذف لا تخلو من أربعة أحوال: الأولى: أن يشهد قبل الحد والتوبة، فتقبل شهادته ما لم يثبت كذبه. الثانية: أن يشهد قبل الحد وبعد التوبة فتقبل أيضاً. الثالثة: أن يشهد بعد الحد وقبل التوبة فلا تقبل شهادته الرابعة: أن يشهد بعد التوبة والحد فتقبل شهادته. 30 - المحدود في القذف ليس من أهل الولاية ولا الشهادة عند الحنفية، ففسقه مؤبد عندهم لا ترفعه توبته، وهو بمثابة الفاسق قبل التوبة عند الجمهور، إلا في مسألة واحدة وهي صحة حلفه أيمان القسامة كالعدل، وذلك بمني على أنها أيمان لا شهادة، لذلك لا يجيزون توليه القضاء، ولا يصححون لعانه لأن الأيمان فيه شهادات عندهم، ولا يقبلون شهادته، ولا يجيزون نزول الكفار على حكمه إذا حوصروا ... بخلاف الفاسق عندهم، فهو من أهل الولاية والشهادة لكن الأفضل ألا يول القضاء، وألا تقبل شهادته، فإذا ولي القضاء وحكم، أو قبلت شهادته وحكم بها صح. 31 - المحدود في غير القذف تقبل شهادته بعد توبته اتفاقاً، وكذلك شهادة التائب من سائر الذنوب، ما لم يعد شهادته المردودة لفسقه السالف. 32 - تقبل التوبة من جميع المعاصي، إذا كانت خالصة لله تعالى، وأقلع العاصي من الذنب، وندم على ما فات، وعزم على عدم العودة، وكانت توبته قبل الغرغرة، وقبل طلوع الشمس من مغربها. وإن كان الذنب في حقوق الآدميين رد المظالم إلى أهلها. وإن كانت المعصية قذفاً أكذب نفسه فيما قذف به أخاه. وإن كانت بدعة اعترف بها ورجع عنها، واعتقد ضد ما كان يعتقده من مخالفة السنة، فإن كان داعية إلى بدعته، دعا إلى ضد ما كان يدعو إليه من قبل. ولا بد بعد هذا من استبراء التائب مدة يصلح فيها العمل، ويتحقق خلالها صدقه في توبته. 33 - لا يؤثر الفسق في القسامة، فتصح أيمانها من الفساق على العدول وعلى أمثالهم الفساق، وتعتبر شهادة الفساق لوثاً موجباً للقسامة، وعن مالك في اعتبار شهادة الفاسق الواحد لوثاً موجباً للقسامة روايتان.

وقول الفاسق المقتول في العمد: دمي عند فلان لوث عند المالكية، كما أن القسامة تبطل بتكذيب بعض الورثة بعضاً في تحديد المدّعي عليه، ولو كان المكذب فاسقاً. 34 - إذا أدلى المدعي بشهوده، فإما أن يعرفهم القاضي، وإما ألا يعرفهم، فإن عرفهم بالفسق أو بالعدالة عمل بعلمه. وإذا لم يعرفهم بحث عن عدالتهم، فإن تبين جرحهم وفسقهم، سترهم القاضي وطالب المدعى عليه قبل الحكم، فإن عدلهم قبل تعديله، وإن فسقهم لم يقبل منه إلا ببينة، فإن كانت حاضرة سمعها القاضي منه، وإن كانت غائبة واستمهل القاضي ليأتي بها أمهله، فإن أتى بها، وإلا حكم القاضي عليه بشهود المدعي. 35 - جرح الشهود لا يقبل إلا مفسراً، سواء كان من المزكين أو من المدعى عليه، فلا يكفي أن يقول: هو فاسق، إلا إذا بين سبب فسقه. هذا أهم ما توصلت إليه خلال هذا البحث، وهو جهد طالب علم يرجو من ربه المزيد من العلم، فما وافق الصواب فمن الله، وما جانبه فمني ومن الشيطان، والفقه الإسلامي منه بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب – عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام -. وإذ أن المولى سبحانه وتعالى قد أبى العصمة إلا لكتابه، فإني أناشد الله كل قارئ يطلع على زلة أو ملحوظة في هذا العمل أن يبادر بإشعاري – جزاه الله خيراً - وسيجد صدراً رحباً لقبول وجهة نظره. والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه موجباً لرضوانه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأرش وأحكامه

الأرش وأحكامه ¤حسين بن عبدالله العبيدي£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية¨بدون¢1425هـ€فقه¶حدود وعقوبات الخاتمة: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وقدوة للناس أجمعين نبينا وإمامنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: فإنني أحمد الله تعالى الذي يسر لي إتمام بحثي وأعانني عليه وهآنذا في آخر البحث أكتب خاتمته التي تتضمن أهم النتائج التي ظهرت لي، ومن ثم أعقبتها بكتابة بعض التوصيات التي أراها، وهذه النتائج على النحو الآتي: 1ـ أن الأرش قسط ما بين الصحة والعيب في المبيع، وما يؤخذ من المال عن الجناية على مادون النفس مما لا قصاص فيه، وليس له عقل معلوم من الشارع وليس الأرش ثابتا بنص من الكتاب أو السنة غير أن الفقهاء متفقون على القول به والعمل بمقتضاه ويشهد لذلك عموم النصوص التي نهت عن أكل أموال الناس بالباطل وحرمت الظلم والإضرار بالناس. 2ـ المرجع في تقويم المعيب لإخراج أرش العيب لأهل الخبرة بذلك المبيع وأنهم إذا اختلفوا في اعتبار الشيء عيبا من عدمه حكم بقول المثبتين للعيب لأن عندهم زيادة علم خفيت على غيرهم. 3ـ أن الأرش لا يحكم به إلا بشروط ويسقط بمسقطات فلا يحكم به إلا إذا توفرت شروطه وانتفت موانعه ومسقطاته. 4ـ أن العيوب متنوعة فمنها الظاهر ومنها الخفي وللعرف اعتبار في تحديد ماهية العيب وكذا أهل الخبرة. 5ـ إن العيب المؤثر هو ما ينقص قيمة المبيع أو عينه نقصانا يفوت به غرض صحيح على المشتري ويغلب على جنس المبيع عدمه فما كان من هذا القبيل فهو عيب بالمعنى الاصطلاحي يعطي للمشتري الحق في الرجوع على البائع لاستدراك ظلامته منه. 6ـ أن الحكم بإمساك المشترك المبيع المعيب وأخذه أرش العيب أو أرش فقد الصفة المشترطة في المبيع أو الحكم برد المبيع المعيب إذا نقص سعره عند المشتري كل ذلك موكول لاجتهاد القاضي ونظره في القضية ويحكم بما يرى أنه المصلحة والأخف ضررا. 7ـ أن المبيع إذا حدث به عيب آخر عند المشتري لزمه إمساكه وأخذ أرش العيب القديم الذي كان عند البائع لأن المبيع خرج عن صفته التي كان عليها عند عقد المبيع وهكذا كل تغير للمبيع عن صفته ما لم يكن المبيع ربويا قد اشتري بجنسه. 8ـ لا يحكم بالأرش في بيع الربويات إذا كان العوضان ربويين ومن جنس واحد لئلا يفضي أخذ الأرش إلى ربا الفضل المحرم. 9ـ كل ما حدث بالمبيع بعد العقد من عيب فهو من ضمان المشتري وإن لم يقبضه ما لم يمنعه البائع من قبضه أو كان المبيع مما يحتاج لحق التوفية، وكذا ما حدث بالمبيع بعد القبض ما لم يكن العيب في المبيع يرجع إلى سبب سابق على العقد بأن وجد سببه عند البائع وحقيقته عند المشتري. 10ـ أن زوال ملك المشتري عن المعيب لا يسقط حقه من الأرش مطلقا ما لم يكن عالما بالعيب فيسقط حقه حينئذ لرضاه بالعيب دلالة. 11ـ أن الحكم بأرش العيب على الفور عرفا من حين يعلم المشتري بالعيب ويسقط بتأخيره ما لم يكن معذورا بهذا التأخير حفظا للحقوق ومراعاة لمصلحة الطرفين ودفعا للضرر عنهما معا. 12ـ أن المبيع المتعدد إذا بيع صفقة واحدة وهو مما يضره التفريق ثم وجد المشتري في بعضه عيبا فله رد الجميع أو إمساك الجميع، وليس له رد المعيب وحده إلا إذا كان المبيع ما لا يضره التفريق فيرد المعيب بقسطه. 13ـ المبيع الذي لا يطلع على عيبه إلا بكسره يجوز للمشتري رده معه أرش الكسر أو يمسكه ويأخذ أرش العيب إذا كان العيب مفسدا لبعض المبيع وكان ذلك المبيع ينتفع به.

14ـ ليس الحكم برد المصراة ورد معها عوض اللبن من قبل الحكم بأرش العيب وذلك أن التصرية من باب الغش والتدليس وليست التصرية من قبيل ظهور العيب في المبيع ولذا يرد مشتري المصراة عوض اللبن صاعا من تمر وليس كذلك أرش العيب سواء كانت التصرية في بهيمة الأنعام أم في غيرها. 15ـ أن اشتراط البائع البراءة من العيوب في المبيع لا ينفع البائع لأن هذا نوع من الغرر والجهالة فلا يكون صحيحا. 16ـ هناك عهدة للمبيع عامة فيرجع المشتري على البائع فيما يظهر بالمبيع من عيب فيها وليس فيه عهدة خاصة بالرقيق. 17ـ إذا اختلف المتبايعان في زمن حدوث العيب أو في زوال أحدهما فالقول قول البائع مع يمينه إذا كان العيب يحتمل قوليهما معا. 18ـ يجبر البائع على دفع أرش العيب إذا تعذر رد المبيع ولا يجبر على دفعه إذا تمكن المشتري من رده. 19ـ لا يضمن الراهن تلف الرهن أو تعيبه إذا لم يفرط في حفظه ولم يتعد عليه كما يقبل قول الراهن مع يمينه في زمن حدوث العيب في العيب المرهونة إذا كان العيب يحتمل قول كل من الراهن والمرتهن. 20ـ الغاصب ضامن لما يحدث من عيب أو نقص سواء نقصت قيمته أم لا كما يضمن الغاصب نقص سعر المغصوب بسبب رخص الأسعار أو بسبب التغيير وتحويل المغصوب من حالة إلى حالة أخرى أو بسبب استعماله حتى لو كان النقص بسبب طلب المغصوب منه إزالة ما أحدثه الغاصب. 21ـ يستحق المغصوب منه أرش النقص إذا رد الغاصب العين المغصوبة ولو زال العيب بعد الرد، وهذا بخلاف ما لو زال النقص عن المغصوب قبل رده بحيث رده الغاصب سليما كما كان قبل الغصب. 22ـ إذا اختلف الغاصب والمغصوب منه في زمن حدوث العيب في المغصوب وكان العيب محتملا القدم والحدوث فإنه يقبل قول الغاصب بيمينه تمسكا بالأصل من براء ذمة الغاصب من هذا العيب ما لم يقم خلاف ذلك. 23ـ الشفيع كالمشتري في استحقاق أرش العيب من عدمه وكذا المستأجر إذا اطلع على العيب في العين المؤجرة ما لم يطلع على العيب أثناء مدة الإجارة. 24ـ يضمن المستأجر أرش نقص العين المؤجرة إذا تعيبت بسبب سوء استعماله أو تعدى على العين المؤجرة أو لم يراع شرط المؤجر. 25ـ إذا اختلف المالك والأجير في صفة العمل قبل قول المالك مع يمينه فإذا حلف استحق أرش النقصان وهو ما بين قيمة العين صحيحة ومقطوعة. 26ـ يدخل أرش البكارة في المهر فيجب لمن وطئت بشبهة وهي بكر مهر مثلها من الأبكار. 27ـ من تصرف في حق غيره فأنقصه لزمه ضمان أرش نقصه سواء كان عامدا أم ظانا أنه ملك له ثم تبيين خطأ ظنه لأن هذا في حقوق الآدميين وهي مبنية على المشاحة والضيق. 28ـ من تضرر بسبب تصرف جهة عامة فإنه يستحق أرش النقصان كمن تضرر بسبب فرد دفعا للضرر عنه فلا ضرر ولا ضرار. 29ـ يحكم بأرش النقص على من اعتدى على حق من حقوق المسلمين العامة ومرافقهم التي ينتفعون بها ويكون إمام المسلمين هو القائم مقامهم فيطالب المعتدي بالأرش وتكون الجهة المعتدى على حقها مثله في المطالبة وذلك لأن هذا حق عام للمسلمين ويكون الوالي مطالبا وقائما مقام عامة المسلمين وله أن يفوض من يشاء في هذا الأمر. 30ـ من تسبب في حادث سيارة فإنه مطالب بضمان أرش نقصها عن قيمتها لصاحبها فيضمن ما نقصت تلك السيارة بسببه دفعا للضرر عن صاحبها. 31ـ الأصل في الجراح الحكومة إلا ما وقتت السنة فيه شيئا معلوما. 32ـ أن الأرش الواجب في الجناية يستخرج عن طريق الحكومة التي يحكم بها القاضي ونحوه فهو تي يقدر الواجب ويستعين القاضي وغيره بأهل الخبرة من الأطباء وغيرهم.

33ـ أن طريقة تقدير الحكومة في الجنايات غير المقدرة يتم عن طريق معرفة ما ألحقت الجناية بالمجني عليه ولا يعمل بالحكومة إلا إذا برأ واستقرت حاله وأمنت سرايته ولا تبلغ الحكومة الدية المقدرة فيما إذا كانت الجناية على عضو فيه مقدر ووجبت الحكومة. 34ـ يعمل بالحكومة في الشجاج غير المقدرة وطريقة ذلك: أن يعرف مقدار تلك الشجة من أدنى الشجاج المقدرة ويجب بقدر نسبتها. 35ـ الأصح أن في الضلع والترقوة والذراع والعضد والساق عقلا مقدرا من الشارع لصحة النقل في هذا الشأن فإذا وقعت الجناية على واحد من هذه العظام حكم بواجبه. 36ـ يجوز للمجني عليه أن يستوفي ما أمكن من محل الجناية ويأخذ أرشا عما لم يتمكن من استيفائه على وجه الكمال فلا يستحق الجمع بين القصاص وأخذ الأرش. 37ـ تثبت الحكومة في إبانة العضو ولو ثبت في مكانه والتحم سواء كان فيه عقل مقدر أم لا، تعويضا للمجني عليه عما لحقه من الشين والنقص. 38ـ تجب الحكومة في الجنايات التي لم يقدر لها الشارع عقلا أما ما أوجب الشارع فيه عقلا مقدرا فيجب فيه المقدر إلا إذا لم يتحقق موجبه فيجب بقسط الذاهب من ديته إن كان النقص معلوما وإلا وجبت الحكومة عند تعذر معرفة النقص. 39ـ تجب الحكومة في الجناية ولو لم تترك أثرا بعد البرء والاندمال ولا تذهب الجناية هدرا، كما تجب إذا برأ العضو المجني عليه مشوها أو ناقصا معيبا. 40ـ كل عضو ذهب نفعه ففي إتلافه أو بعضه حكومة ولو كانت صورته باقية وكذا لو وقعت الجناية على عضو زائد في الإنسان. 41ـ كل جناية تفوت جمال العضو بدون نفعه ففيها حكومة. 42ـ إذا وقعت الجناية على عضو ناقص فيحط من ديته بمقدار الناقص أما إن لم يكن فيه مقدر ففيه حكومة. 43ـ يجب أرش البكارة على من أزالها بغير الوطء وهو التفاوت بين كون المرأة بكرا وثيبا، ولا يسقط هذا الأرش لو رجع الجاني عن اعترافه لتعلق ذلك الإقرار بحق آدمي. 44ـ تجب الحكومة في الجناية على الأعضاء الباطنية في الإنسان نظرا لعدم ورود التقدير فيها وليست نظيرا لما وقتت ديته. 45ـ لا تجب دية المنفعة في الإنسان إذا ذهبت على وجه الدوام ولا يرجى عودها بقول أهل الخبرة في هذا أما إذا نقصت المنفعة التي قدر الشارع لها دية وتقديره فتجب فيه حكومة عن طريق اجتهاد القاضي ومعرفته حسب تقرير أهل الخبرة في هذا. 46ـ تجب الحكومة في الجناية التي تذهب لبن المرأة من ثدييها وكذا لو وقعت الجناية على ثندؤتي الرجل أو إحداهما. 47ـ يعمل بالآلات الطبية الحديثة لتحديد مقدار نقص السمع أو البصر وغيرهما من المنافع ويكون ذلك من قبل الأطباء المختصين الموثوق بهم وهذا أولى من العمل بالصور التي ذكرها الفقهاء الأوائل رحمهم الله تعالى ولا محذور في هذا بل هو من المصالح التي فيها نفع للناس وحفظ لحقوقهم. 48ـ الأصل في أعضاء الصغير ومنافعه السلامة فيجب بالجناية عليها ما يجب بالجناية على أعضاء الكبير ومنافعه إلا إذا وجد ما يعارض هذا الأصل ويناقضه فيحكم فيه. 49ـ تتعدد الأروش بتعدد محل الجناية بخلاف ما إذا كان العضو المجني عليه واحدا ذا أجزاء فتجب فيه ديته فقط إذا كان ذلك بجناية واحدة وإلا وجب لكل جناية واجبها. 50ـ إذا وقعت الجناية على عضو تجب الدية ببعضه وزادت إلى محل آخر وجبت دية العضو وحكومة لما زاد ولا يتداخلان. 51ـ يختلف أرش الرجل الحر عن المرأة الحرة، كما يختلف أرش الرقيق والأمة عن الأحرار، والكفار عن المسلمين وذلك نظرا لاختلاف دياتهم والأرش يؤخذ بالنسبة من الدية فإذا اختلفت الدية اختلف الأرش تبعا.

52ـ تحمل العاقلة أرش الجناية خطأ إذا بلغ ثلث دية النفس فأكثر وتدفعه أثلاثا فإن كان الأرش الواجب ثلث الدية وجب في سنة وإن كان ثلثي الدية ففي سنتين وهكذا فإن لم يكن للجاني عاقلة أو كان له وتعذر الأخذ منها فإن أرش الجناية يتحمله بيت مال المسلمين فإن لم يمكن الأخذ من بيت المال وجب الأرش في ذمة الجاني ولا يسقط فيبقى دينا حتى يتمكن الجاني من الوفاء به وذلك لأن أرش الجناية حق وجب لآدمي فلا يقسط إلا بالوفاء به أو العفو عنه ممن هو له لأن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة والشدة والضيق. 53ـ قد يحكم للمجني عليه بالتعويض من جراء الجناية التي أصابته وألحقت به قد يحكم فادحة ترتب عليها تعطل المجني عليه عن الاكتساب وأقعدته عن العمل فلا بد من مراعاة هذا عند فرض الاستحقاق للمجني عليه فلا يسوى بين جناية طفيفة وأخرى أحدثت أضرارا بالغة نظرا لاختلاف جنايتهما وتفاوتهما. هذه أهم النتائج وأبرزها التي ظهرت لي من هذا البحث ـ وهي جهد المقل ـ فإن أصبت فمن الله وحده وله الحمد والمنة، وإن أخطأت فأستغفر الله منه وأتوب إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولكنه طبع البشر فكلنا نخطئ والعصمة لمن عصمه الله، ولكن حسبي أني اجتهدت وبذلت وسعي وطاقتي في كتابة هذا البحث بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعله بحثا نافعا لمن كتبه وقرأه وأن يجزل لنا الأجر والمثوبة وأن يعفو ويصفح عما حصل فيه من خطأ فقد ينبو الفهم ويزل القلم ويسق اللسان ولكن أملي في الله تعالى وهو حسبي ونعم الوكيل. وقبل أن أختم هذا البحث أود أن أذكر بعض التوصيات التي رأيت أنها من الأهمية بمكان حتى تدرس أكثر وتعطى حقها من الدراسة والبحث وأهم هذه الأشياء ما يلي: 1ـ النظر في مسألة استحقاق المشتري رد المعيب وأخذ ثمنه إذا أراد الرد بعد انخفاض سعر المعيب انخفاضا كثيرا لاسيما ونحن في زمن ارتبطت فيه المبيعات بالأسواق العالمية، وكثير نزول الأسعار في بعض السلع نزولا كثيرا مما يتطلب دراسة هذا الموضوع لإصدار حكم في هذا الشأن. 2ـ تعويض صاحب السيارة التي تضررت من جراء حادث فبقيت مدة للإصلاح إذا كان الصادم متعمدا أو مخطأ ويتحمل نتيجة الحادث، لاسيما إذا كانت السيارة أجرة وتعطل صاحبها عن الاكتساب. 3ـ النظر في كيفية تقدير الحكومة في الجنايات، في وقتنا الحاضر غير ما ذكره الفقهاء رحمهم الله تعالى مما كان سائدا في زمانهم من تقدير المجني عليه كأنه رقيق فهذه الطريقة لا تناسب الآن فلا بد من دراسة هذا الموضوع والنظر في كيفية أخرى تناسب الحال، لاسيما أن ما ذكره الفقهاء ليس ثابتا بنص لا يجوز تجاوزه بل هو اجتهاد منهم رحمهم الله فليجتهد في بحث هذه الجزئية والنظر فيها من طلاب العلم والقضاة. 4ـ دراسة حكم الجناية على أعضاء الإنسان الباطنية كالكبد والطحال والأمعاء أو الكلية أو إضعاف القلب والتأثير عليه ولا يخفى على أحد أهمية هذه الأعضاء وأنها جديرة بالعناية والبحث وذلك أني لم أجد ـ فيما أعلم ـ من تطرق إليها بالبحث والدراسة ولا ريب في أهمية دراسة هذه المسألة ليوقف عليها بحكم شرعي لاسيما مع كثرة الحوادث التي من شأنها التأثير على هذه الأعضاء وتقدم الطلب وكثرة المستشفيات التي تعالج المصاب في شيء من هذه الأعضاء ليبقى على قيد الحياة ـ بإذن الله تعالى ـ لكن مع تأثير بهذه الجناية. 5ـ النظر في مدى مسؤولية الجاني عما يحدث للمجني عليه من التعطل عن الاكتساب وما يلزم لنفقات العلاج بسبب الجناية ودخولها في الأرش وقد حرصت غاية الحرص وبذلت جهدي في بحث هذه المسألة وسألت أهل العلم والاختصاص من القضاة والمشايخ وقرأت عنها وما كتب فيها وسطرت خلاصة رأيي فيها وما وجدته عن هذه المسألة المهمة ولا زلت أرى أنها بحاجة للخدمة والعناية سواء من القضاة أم الباحثين أم غيرهم لاسيما مع كثرة الحوادث المقعدة عن العمل وما يتطلبه العلاج في الداخل أو الخارج من المنفقات والمصاريف. هذا ما ظهر لي من توصيات أحببت إبرازها للقراء عامة وللمشايخ خاصة ليدلوا بآرائهم ويعملوا أفكارهم لدراسة هذه المسائل بعناية، فهآنذا وضعت هذه المسائل أمامكم وأبديت فيها رأيي وما ظهر لي فيها أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يجنبنا ما يسخطه ويأباه وأن يعفو عن سيئاتنا وزلاتنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده وخليله وأمينه على وحيه محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه والتابعين والحمد لله أولا وآخرا الذي بنعمته تتم الصالحات.

الأسهم المختلطة - أسهم الشركات التي لغرض مباح ولكنها تتعامل بالمحرم أحيانا

الأسهم المختلطة - أسهم الشركات التي لغرض مباح ولكنها تتعامل بالمحرم أحيانا ¤صالح بن مقبل العصيمي التميمي£بدون¥الدار التدمرية - الرياض¨الثالثة¢1427هـ€فقه¶شركات الخاتمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: فإن على المسلم أن يتقي الله ويخافه ويجتنب غضبه وسخطه وأن يحرص كل الحرص على اجتناب المحرمات وعليه أن يعلم أن الذنوب والمعاصي متنوعة ما بين كبائر وصغائر وأن هناك ذنوبا لا أثر لها على صحة عبادة المسلم وأن هناك ذنوبا لها أثر عليها ومنها المال الحرام حيث يظل ملازما للمؤمن في جميع شؤونه من مأكل ومشرب مركب وملبس. فعندما يسافر لطاعة من الطاعات فإن مركبه حرام وملبسه حرام ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ... الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك " فأنت تلحظ هنا أن الرجل يسافر سفر الطاعات ويبذل الجهد بالدعاء ولكن دعاءه مردود عليه لأن المال الحرام قد أحاط به من كل جانب فأثر المال الحرام شديد فقد يقع الإنسان في معصية من المعاصي فلا تؤثر على صحة صلاته ولا على صحة حجه بعكس المال الحرام الذي قد يؤثر على كمال الحج أو صحته وكذاك الصلاة وغيرها فأثره على جيمع أفعال العبد، ولذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه كعب بن عجرة حيث قال: يا كعب بن عجرة " إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به " فعلى المسلم أن يتقي الله في نفسه وفي أولاده. وليتحر المال الحلال والكسب الحلال، وليعلم بأن في الحلال غنية عن الحرام وفي الواضحات الجليات مندوحة عن المشتبهات والمحرمات وعليه أن يستبرئ لدينه وأن يمحص ويدقق ولا يكون كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم يتخبط بالأموال كما تتخبط البهائم في الربيع عندما أغراها رونقه وخضرته فأكلت منه بنهم دون أن تميز بين صالحه وطالحه أو تقتني بلا حذر فأهلكها. وكذا صاحب المال الحرام يتخبط به حتى يهلك () فكيف يرضى عاقل بأن يكون كالبهائم؟ ولقد حذر صلى الله عليه وسلم أمته مما سيحدث حيث قال " ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام " () وهذا التنبيه من النبي صلى الله عليه وسلم لم يلتفت إليه كثير من الناس حيث تجد الكثير منهم يتخبط في الأسهم أملا بالكسب السريع وتجده في كل يوم يحل لنفسه أسهما كان بالأمس يحرمها وقد لا يتحرج في شراء وبيع أسهم كان بالأمس لديه من الخوف والديانة ما يمنعه منها وتلك وربي مصيبة عظمى ورزية كبرى فالحذر الحذر من الوقوع في المهلكات واكتساب المحرمات والدخول في المساهمات المحرمة وعدم التثبت وعدم التدقيق والمؤمن مطالب بأن يتحرى لماله المجال المباح والاستثمار الذي لا تشوبه شائبة ولا تحيط به شبهة حتى يستبرئ لدينه وعرضه. تم هذا البحث بحمد الله وتوفيقه في عصر يوم الجمعة 7/ 9/ 1427هـ في مدينة الرياض ولله الحمد والفضل والشكر وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الأسهم المختلطة - حكم تداول أسهم الشركات المتعاملة ببعض المعاملات غير المشروعة

الأسهم المختلطة - حكم تداول أسهم الشركات المتعاملة ببعض المعاملات غير المشروعة ¤إبراهيم السكران£بدون¥وهج الحياة للإعلام - الرياض¨بدون¢بدون€فقه¶عقود مالية - بيوع منهي عنها النتائج توصلنا في ختام هذا البحث إلى بعض النتائج المهمة: 1 - أنه لا يمكن الجزم بنقاء الشركات المدرجة في القوائم النقية طبقاً للمعهود المستفيض من تعاملاتها وعقودها، وأن أدق التفسيرات – والله أعلم – أن كافة الشركات المساهمة اليوم هي شركات مختلطة أصلاً لا تختلف في أصل وجود الاختلاط وعدمه، وإنما تختلف في نسبة المخالط بين (مخالط مغمور) و (مخالط غالب). 2 - أن الشركات المختلطة إذا غلبت عليها التصرفات غير الشرعية في إدارة تمويلاتها واستثماراتها فإنه يحرم المشاركة فيها، أما إذا كانت التصرفات غير الشرعية يسيرة تابعة بالنسبة لأصل نشاط الشركة المباح فإنه تجوز المشاركة فيها، وهو اختيار الفقيه الشيخ ابن عثيمين وابن منيع وغيرهم من المحققين. 3 - إن إصدار القوائم النقية والجزم بنقاء الشركة بناء على آخر قائمة مالية كالربع سنوية مثلاً يعتبر معياراً تحكمياً بلا دليل، حيث يتضمن (تحكماً زمنياً) في تعيين المدة الشرعية لنقاء الأموال فجعلوها تطيب بمضي ثلاثة أشهر وتخبث بمثل ذلك! كما يتضمن (تحكماً موضوعياً) في تحديد التصرفات الخاضعة للفحص الشرعي، حيث لا يفحص في القوائم النقية إلا القروض والإيداعات الربوية فقط، ويتم التعامي عن كثير من العقود الأخرى غير المشروعة. 4 - العلاقة بأصحاب الأموال والتصرفات المختلطة حصل فيها الخلط بين ثلاثة مراتب متفاوتة الأحكام والآثار ودرجة الاختلاف الفقهي، وهي: مرتبة عموم المعاملة، ومرتبة المشاركة بالحصة، ومرتبة المشاركة بالتصرف. 5 - تحقيق مرتبة عموم المعاملة عائد إلى قاعدة (المحرم لعينه والمحرم لكسبه) فالمحرم لعينه هو المال المحرم لوصف يتعلق بذات المال كالخمر والميتة ولحم الخنزير والتبغ ونحوها من الأعيان الفاسدة فلا يباح حتى تطيب عينه. أما المحرم لكسبه فهو المال المحرم لوصف يتعلق بفعل المالك، مثل الربا والقمار والرشوة والمكوس والغلول وحلوان الكاهن ومهر البغي وهدايا العمال ونحوها من الأثمان المأخوذة بعقود فاسدة، فيباح للغير إذا انتقل إليه بعقد شرعي صحيح. 6 - تباح عموم معاملة صاحب الأموال والتصرفات المختلطة بلا تفريق في نسبة المحرم في أمواله وتصرفاته هل هو حلال غالب أم حرام غالب؟ ذلك أنه من المعلوم بالضرورة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وعامة أصحابه أنهم عاملوا اليهود والنصارى والمجوس والمشركين والمنافقين ممن ليسو مقتصرين على التهوك في الربا إقراضاً واقتراضاً فقط، بل لا يلتزمون بكافة ضوابط الشريعة في المعاملات والعقود أصلاً، وقد عاملهم النبي وأصحابه دون تفريق في نسبة المحرم إلى عموم أموالهم وتصرفاتهم. 7 - التفريق في الشركات المختلطة بحيث يجوز العمل فيها وتحرم المشاركة في أسهمها لأنه إعانة لها على أكل الحرام يعتبر تفريقاً متناقضاً بلا فارق مؤثر معتبر، ذلك أن مطلق المعاملة يتضمن معنى المعاونة أيضاً، بل إن بعض صور المعاوضة أشد إعانة من المشاركة، فالإداري وموظف الأمن والمحامي والمحاسب أشد إعانة وإنجاحاً للشركة من المساهم المضارب. 8 - لو كانت معاملة ومشاركة أصحاب الأموال والتصرفات المختلطة محرمة أو غير مشروعة، لكان أول من يتنزه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث نجده قد شارك يهود خيبر في إنشاء شركة زراعية ولاهم التصرف فيها. 9 - لو كان يجوز المشاركة مع الشريك الكتابي حتى ولو تعامل بالأموال المحرمة لأنه يستبيحها ويتأولها، بينما لا يجوز المشاركة مع الشريك المسلم المتعامل بيسير الأموال المحرمة لأنها محرمة عليه، لآل الأمر إلى أنه لا يجوز المساهمة إلا في الشركات الأجنبية التي يملكها غير المسلمين، أما شركات المسلمين فلا يجوز المساهمة فيها، وبالتالي تنمية الشركات الأجنبية وانهيار شركات المسلمين! 10 - أن الأصل في النيابة أن تسري تبعة التصرفات إلى المنوب عنه. إلا إذا شاب النيابة مانع ترتب عليه تخلف آثار النيابة التقليدية، والمتحصل في طبيعة المساهم قيام المانع وهو أن الأنظمة السارية التي سنها ولي الأمر منحت مجلس الإدارة صلاحيات التصرف وسلبت المساهم بصورته الفردية منها. 11 - عوائد السهم ليست انعكاساً تاماً للتمويلات والاستثمارات اليسيرة المحظورة، بل هي خاضعة لحزمة واسعة من العوامل الاقتصادية، وبالتالي فإن التمويلات وفوائد الإيداعات المحظورة ليست المؤثر الوحيد على القيمة السوقية لأسهم الشركة. 12 - أن القول بجواز المساهمة في الشركات المختلطة ليس من باب الصواب المقابل للباطل، وإنما من باب الترجيح والموازنة بين أدلة الجواز وأدلة التحريم ذلك أن كلا القولين فيهما وجاهة وقوة لا تخفى. والله تعالى أعلم بالصواب،،

الأسهم حكمها وآثارها

الأسهم حكمها وآثارها ¤صالح بن محمد بن سليمان السلطان£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1427هـ€فقه¶شركات الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تسمو النفوس الطيبات، أحمده على إتمام هذا البحث، وأشكره على سائر النعم المتتاليات، وأصلي وأسلم على معلم البشرية ومزكيها ومبين الحلال من الحرام، المحذر من الوقوع في المشتبهات، فضلاً عن اقترافات المحرمات. وبعد: فإن الأسهم من أدق المعاملات وأكثرها شيوعاً وأخطرها تداولاً وأشدها ارتفاعاً وهبوطاً، والناس في معرفة أحكامها وتعلمها في تفاوت بين، فمنهم العارف كثير السؤال تورعاً عن الوقوع في الحرام وبعداً عن المتشابه، ومنهم المقصر في ذلك هم درجات، فمنهم الجاهل بأحكامها ومنها المتأول – وربما تأول بما يوافق هواه أو بحث وتعلق بكل قول ولو كان القائل به قليل حتى ولو اعتقد مخالفته الدليل. ومنهم من دخل فيها من غير سؤال ولا تمييز بين حلال ولا حرام، فولغ فيها حتى عمي لسان حاله، يقول مقال الجاهلين: (الحلال ما حل في الجيب) غافلاً أو مغافلاً عن: {الذين يأكلون الربا لا يقومون غلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة: 275]. وعن: {ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} [البقرة: 275]، وعن: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} [البقرة: 279]، وعن: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} [البقرة: 276]. والأسهم منها ما لا يختلف في تحريمه وهو أسهم الشركات التي أصل نشاطها محرم، ومنها ما هو حلال بين وهي أسهم الشركات التي أصل نشاطها مباح ولم تدخل في معاملات محرمة، وبينهما درجة هي محل خلاف وهو ما كان أصل نشاطها حلال ووجد في نشاطها حلال ووجد في نشاطها أعمال محرمة قرضاً بالربا وإقراضاً له، والجمهور على تحريمها، وهو القول الذي تدل عليه ظواهر الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة فضلاً عن المعقول المبني على مراعاة مقاصد الشريعة. وقول من خالفه مبني على استدلال بقواعد لا تنهض على معارضة صريح تحريم الربا مطلقاً قليله وكثيره ... - أن هناك فرقاً – بين المستثمر في عائد السهم وبين المضارب على فروق الأسعار في مسائل عدة، فالمستثمر استثمر أمواله في موجودات الشركة وأصولها – وهي موجودة ولها قيمتها. بخلاف المضارب، فقد يضارب على أسهم شركات خاسرة أو لا قيمة لها تقارب قيمتها السوقية، فهو يضارب على فروق الأسعار، وفيه شبه قوي بالمضاربة على المؤشر المجمع على تحريمه، وفيه مخاطرة تشبه القمار إلى حد كبير، وقد يكون بمنزله بيع المعدوم. - أن المضاربة – عموماً – في أسواق الأسهم يعتريها شبه كثيرة منها أن هذه المضاربة لا تعدو أن تكون على أوراق مالية مستقلة عن الشركة المنسوبة إليها – بدلالة – البون الشاسع بين قيمتها السوقية وقيمتها الحقيقية، وهذه الورقة وسيلة لهذا البيع، وإلا فالواقع أنه مبادلة مال بمال، وهذا قول له وجه قوي، يشهد له واقع الحال. - ومنها شدة المخاطرة الناشئة عن التقلب الحاد في الأسعار نتيجة التلاعب بأسعار السوق، هذه المخاطرة التي يدخل فيها المضارب وهو على وجل كبير من أن يغرم ويفقد أمواله أو جلها، بل خطورتها أشد من المقامر الذي قد لا يقامر إلا في القليل من ماله. - ومنها أن الغش والتغرير ونشر الأخبار الكاذبة والمخادعة – صار وسيلة معتادة عند كثير من المتعاملين. - أن المضاربة لا تعدو أن تكون تدويراً للأموال ومحلا للاتجار بها – وهذا يخالف ما قصدت به الأثمان، وأبعدت عن مجال استخدامها الصحيح في تنمية اقتصاد البلد وتنويع موارده ودعم برامجه، وتنويع مصادر دخله وتعدد وسائل الإنتاج، فضلاً عن تأثيراتها الاجتماعية من تفاقم حالة البطالة حينما حجبت هذه الأموال عن مشاريع منتجة تستوعب أعداداً كبيرة في العمل فيها, وإعالة أسرهم وسد فاقتهم، مع ما ترتب عليها من خلل عندما ذهب كثير من صغار المستثمرين ضحية تلك المضاربات فأغرقتهم الديون وأثقلت كاهلهم بعد أن استنزفت سائر ممتلكاتهم .. مع تأثيراتها النفسية والصحية الحادة والمؤلمة على الكثير. فضلاً عن تأثيراتها الشرعية من الإخلال بكثير من الشعائر والواقع شاهد على ذلك. وهذا يستدعي إعادة النظر في هذه المضاربات وضبطها بضوابط الشرع وقواعده ومراعاة مقاصده. هذه جمل مستفادة من هذه الدراسة راجياً أن تكون بداية لدراسات متعددة وبحوث متعمقة في هذا الموضوع الكبير، يشارك فيها المختصون المعنيون بمثل هذه الدراسات. وختاماً، أسأل الله أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه صواباً على وفق سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

الأشربة وأحكامها في الشريعة الإسلامية (المسكرات والمخدرات)

الأشربة وأحكامها في الشريعة الإسلامية (المسكرات والمخدرات) ¤ماجد أبو رخية£بدون¥مكتبة الأقصى - عمان¨الأولى¢1400هـ€فقه¶أطعمة وأشربة الخاتمة إن الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد ... فقد من الله سبحانه وتعالى علي بالانتهاء من كتابة موضوع (الأشربة وأحكامها في الشريعة الإسلامية) الذي أعددته لنيل درجة العالمية (الدكتوراة) في الفقه المقارن من كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر وقد توصلت من خلال البحث في هذا الموضوع إلى النتائج التالية: الباب الأول (الخمر والأشربة المسكرة الأخرى) وقد توصلت فيه إلى ما يلي: أ- أن الخمر يطلق على كل ما خامر العقل وبالتالي فإن كل شراب مسكر خمر، وأن ما أسكر كثيره فقليله حرام، سواء أكان الشراب متخذا من العنب أو التمر أو الحنطة أو العسل أو غيرها، وهو الأمر الذي عليه جمهور أصحاب المذاهب. ب- أن الشارع الحكيم حينما حرم علينا الخمر حرم علينا سائر أنواع المعاملات المتعلقة به فلا بيع ولا تملك ولا شراء ولا شرب ولا مداواة ولا إهداء، لأن الله لما حرمه أهانه والانتفاع به يشعر بتكريمه وقد نهينا عن ذلك. ج- رأينا واقعية الإسلام من خلال تحريم الخمر والتدرج في تحريمه، فهو قد ملأ القلوب بالإيمان ورد النفوس إلى الله، فلما اطمأنت أنزل تشريعه، وحرمت الخمر بآية واحدة، ولم تنفق الدولة فلسا واحدا من أجل تنفيذ مضمونها، ورأينا كيف فشلت الولايات المتحدة بعد أربعة عشر قرنا في تحريم الخمر رغم قدرتها المادية والعسكرية، ورغم النفقات الباهظة التي صرفت لتنفيذ قرار التحريم وأن سبب الفشل عائد إلى أن خبايا النفوس لم تعالج، فالنفوس هناك لم تقتنع أصلا بتحريم شيء ألفته واعتادت عليه عبر سنين طوال، فلما صدر القرار وجد قلوبا موصدة ما لبثت أن أعلنت ثورة عليه، اضطر معها الذين وضعوا القانون إلى إلغائه بعد فترة زمنية محدودة خسرت فيها الدولة مالا تحسد عليه. الباب الثاني (عقوبة شارب الخمر ومسقطاتها) وقد توصلت فيه إلى النتائج التالية: أ- أن التشريع الإسلامي حينما يقرر شيئا فإنه يضع له ما يحميه فهو مثلا قد حرم الزنا، وحمى قرار التحريم بعقوبة الزاني، وحرم قذف المحصنات وحمى قراره بعقوبة القاذف، وحرم السرقة وحمى قراره بعقوبة السارق، وكذلك حرم الخمر الذي فيه ضياع العقل ورأينا كيف حمى قرار التحريم بإيجاب الحد على من شربه، وأن الحد يعد جزاء وفاقا لمن ألقى نفسه في أحضان الفساد والرذيلة. ب- إن الفقهاء متفقون على عقوبة شارب الخمر وإن اختلفوا في مقدارها نظرا لخلو الكتاب الكريم والأحاديث الشريفة من تحديد مقدار معين لها، الأمر الذي جعل بعض الفقهاء يقول أن عقوبة الخمر عقوبة تعزيرية وليست حدا، خلافا لجمهور أصحاب المذاهب الأربعة الذين يقولون أن العقوبة على جريمة الشرب حد وليست تعزيرا. الباب الثالث (مسؤولية السكران) وقد توصلت فيه إلى النتائج التالية: أ- أن الفقهاء مجتمعون على أن من زال عقله بسبب غير مقصود كأن أكره على شرب خمر أو شرب لدفع غصة أو أوجر خمرا فإنه لا يؤاخذ بتصرفاته، لأن القلم مرفوع عنه كالمجنون والمغمى عليه. ب- أن ابن حزم الظاهري قد ذهب إلى عدم التفريق بين السكر المقصود وغير المقصود، وأن السكران في كلا الحالين لا يعد مكلفا، وبالتالي فإنه لا يؤاخذ بتصرفاته. ج- أن جمهور الفقهاء قد فرقوا بين السكر المتعمد وغير المتعمد، وقالوا: أن السكر المتعمد سبب في مؤاخذة السكران بتصرفاته لأنه لا ينافي الخطاب والسكران يبقى مكلفا، وهذا هو قول الحنفية والمالكية والمعتمد عند الحنابلة.

وأما الشافعية فقد قالوا أن السكر يزيل العقل ويمنع التكليف غير أن السكران إذا كان عاصيا في سكره صار كالصاحي في جريان الأحكام عليه. الباب الرابع (الأشربة الحديثة المسكرة والمخدرات والدخان) وقد توصلت فيه إلى النتائج التالية: أ- أن العبرة في الأشربة المسكرة في مسمياتها لا في أسمائها وبالتالي فليسم القوم ما شاؤوا من الأسماء، فالحقيقة – التي تقول أن كل مسكر خمر وكل خمر حرام، ونقول أن ما أسكر كثيره فقليله حرام – ثابتة لا تتغير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد صدق الله سبحانه حيث يقول {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى}. ب- أن المخدرات بجميع أنواعها محرمة، قليلها وكثيرها في الحرمة سواء لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن كل مسكر ومفتر) ولقوله صلى الله عليه وسلم (ألا إن كل مسكر حرام، وكل مخدر حرام، وما أسكر كثيره حرم قليله وما خمر العقل فهو حرام). ج- أن آراء الفقهاء قد اختلفت في إصدار حكم على الدخان من حيث الحل والحرمة وأنني رجحت القول بكراهته كراهة تحريمه، والله أعلم. وبعد. وأن الندوات والمؤتمرات والجمعيات التي تقيمها الدول للقضاء على المسكرات والمخدرات بعد أن ذاقت من أمرها الأمرين – فسادا في الدين والأخلاق والاقتصاد والسياسة والاجتماع – ستبقى جهدا ضائعا ليس له نصيب من النجاح لأن النجاح والفلاح لا يكون إلا في اتباع شريعة الله عقيدة ومنهاجا ونظام حياة. {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. وختاما: فأنني أسأل الله أن يوفقنا لصالح الأقوال والأعمال وأن يجنبنا الزلل وفحش الكلام، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}. {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}. {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الأطعمة وأحكام الصيد والذبائح

الأطعمة وأحكام الصيد والذبائح ¤صالح بن فوزان الفوزان£بدون¥مكتبة المعارف¨الأولى¢1408هـ€فقه¶أطعمة وأشربة الخاتمة في بيان سماحة الإسلام وحفاظه على سلامة الإنسان من خلال ما مر في هذه المباحث المؤمن قد أغناه الله بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه فما حرم عليه شيئاً من الخبائث إلا وقد أباح له من الطيبات ما هو أضعاف أضعافه. ونحن بعد هذه الجولة السريعة لاستعراض حكم الإسلام في الأطعمة وهو الدين الذي اختاره الله للبشرية بأجمعها ما بقيت الدنيا لتعيش في ظلاله وتنعم في هدية وتستضيء بنوره في جميع مجالات الحياة نلمس من خلال ما مررنا به من مباحث الأطعمة أن منهج الإسلام في هذا المجال كمنهجه في جميع المجالات منهج السماحة والحفاظ على سلامة الأرواح والأبدان والعقول فيبيح الطيبات من الأطعمة النافعة للأبدان والعقول ويحرم الخبائث الضارة للأبدان والعقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً} {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} فهذه الآيات وأمثالها توضح منهج الإسلام فيما يحل ويحرم من الأطعمة – فالأصل في الطيبات الحل وإنما حرم على اليهود بعض الطيبات عقوبة لهم على ظلمهم {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}. فالله خلق هذه الطيبات من الرزق لنفع الخلق وأوصى باستعمالها والانتفاع بها على وجه تتحقق به المصلحة وتندفع به المفسدة من غير مجاوزة لهذا الحد {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}. {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}. {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا}. وهكذا ترسم هذه الآيات الكريمات المنهج القويم في الأكل والشرب والإنفاق من الطيبات. وهو منهج وسط بين البخل والإسراف وإذا كان الله في هذا المنهج قد أباح الطيبات من الأطعمة وحرم الخبائث – فهو ينهي أشد النهي عن تجاوز هذا المنهج ومخالفته بتحليل ما حرم أو تحريم ما أحل فيقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ}. {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}. {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

وذلك أن التحليل والتحريم حق لله – فمن حلل وحرم فقد جعل نفسه شريكاً لله في هذا الحق – ومن عاب الله على اليهود والنصارى طاعتهم لأحبارهم ورهبانهم في تحليل ما حرم وتحريم ما أحله وأخبر أنهم بهذه الطاعة قد اتخذوهم أرباباً من دون الله حيث يقول سبحانه {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. كما عاب على أهل الجاهلية الذين استباحوا الميتة التي حرمها الله وحرموا أنواعاً من بهيمة الأنعام التي أباحها الله تقليداً لآبائهم وأتباعاً لأهوائهم حيث يقول سبحانه {مَا جَعَلَ اللهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ}. روى البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب قال: (البجيرة التي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس والسائبة: كانوا يسيبونها لألهتهم فلا يحمل عليها شيء ... والوصيلة: الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى ثم تثنى بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر. والحام: فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه الحامي) أ. هـ. "وهذه أمور كانت في الجاهلية فأبطلها الإسلام .. كانوا يحرمون من أنعامهم على أنفسهم ما لم يحرمه الله اتباعاً منهم لخطوات الشيطان فوبخهم الله تعالى ذكره بذلك وأخبرهم أن كل ذلك حلال فالحرام من كل شيء عندنا ما حرم الله تعالى ذكره ورسوله صلى الله عليه وسلم. والحلال منه ما حلله الله ورسوله كذلك" وتشريع الجاهلية في كل زمان ومكان في هذا وفي غيره تشريع ينبني على اتباع الهوى والتقليد الأعمى ويبتعد كل الابتعاد عن الوحي المنزل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} إنه منطق الجاهلية الذي لا يزال متوارثاً إلى اليوم فتعاني منه البشرية الضيق والحرج والتوغل في متاهات الضلال ما لم تثب إلى رشدها وترجع إلى شريعة ربها. وقد طلب الله من عباده أن يأكلوا من طيبات ما رزقهم وأن يشكروه على ذلك ليزيدهم من الطيبات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وشكرها يكون باعتراف القلب أنها من الله وحده. وبالتحدث بذلك باللسان وبالاستعانة بها على طاعة الله – هذه أركان الشكر التي لا يتحقق إلا بوجودها جميعاً وإذا تحقق الشكر انتقى الأشر والبطر وصارت هذه الأطعمة قواماً للحياة السعيدة وعوناً على عمارة هذا الكون العمارة اللائقة، وإذا لم يتحقق الشكر صارت هذه النعم استدراجاً للخلق حتى يحيق بهم الهلاك والدمار {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ}.

هكذا يرسم لنا الإسلام طريق الاستفادة من هذه النعم ويوضح لنا معالم الحلال والحرام في الأطعمة ويحذرنا من طريقي الإفراط والتفريط فيها اللذين قد سلك كل طريق منهما طائفة من ضلال البشر وبين لنا أنه لم يحرم علينا شيئاً إلا لأنه ضار خبيث فهو حرم الميتة لأنها مستقذرة تعافها النفوس وكذلك هي ضارة لما فيها من انحباس الرطوبات والدم المتعفن الذي لا يخرج إلا بالتذكية الشرعية وحرم علينا الدم المسفوح لما يشتمل عليه من الميكروبات الضارة والمواد المتعفنة وهو يغذي تغذية خبيثة تخرج المتغذي به عن طبيعة الاعتدال. وحرم علينا لحم الخنزير ذلك الحيوان القذر الخبيث الذي ينبت لحمه في الغالب من القاذورات والأنجاس التي يتغذى بها – كما ينشأ عن التغذي به الإصابة بالأمراض الخطرة لما في لحمه من أسباب المرض التي يثبتها الطب وتدل عليها التجربة وقال الله تعالى عنه: (فإنه رجس) أي نجس فهو نجس العين خبيث المطعم. وحرم الله ما أهل به لغير الله مما ذبح للأصنام من الأحجار والأشجار والقبور تقرباً إليها أو ذبح للأكل وذكر عليه غير اسمه وسماه فسقاً: (أو فسقاً أهل لغير الله به) وقال (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) أي معصية والفسق الخروج عن طاعة الله وذلك يؤثر في الذبيحة خبثاً ينتشر أثره على الأكل فيؤثر في سلوكه وأخلاقه. وحرم لحوم السباع من الطير والبهائم لأن أكلها يكسب الأكل أخلاقاً عدوانية كأخلاق تلك السباع فتستحيل طباع البشر إلى طباع سباع ضارية شأنها الفتك والعدوان والظلم. وبالجملة حرم الله كل خبيث من حيوان أو نبات {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} وحرم كل ضار بالبدن أو العقل: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}. {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وأباح كل ما هو مفيد لا ضرر فيه من الحيوانات والنباتات {كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً}. إننا من خلال هذا كله نلمس كمال هدي الإسلام ومنهجه في الأطعمة كما هو شأنه في جميع مجالات الحياة مما جعله دينا قيماً صالحاً لكل زمان ومكان يتسع لدخول البشرية كلها فيه في أي وقت وفي أية بقعة. إنه الدين الذي اختاره الله خاتماً لشرائعه السماوية يحمل كل مقومات البشرية ويسعى بها دائماً نحو الصلاح والفلاح: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}. ثم إن الإسلام يحسب للضروريات حسابها ويشرع لها أحكاماً مناسبة فيقول الباري جل وعلا بعد أن يذكر تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ويقول: {إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}. ويقول: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فيبيح سبحانه للمضطر من المحرم قدر ما يرفع ضرورته – فالإسلام يساير الإنسان في جميع أحواله في العسر واليسر في السراء والضراء في السعة والضيق: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}. فهو الدين الصالح لكل زمان ومكان ولكل حال من الأحوال لأنه تشريع من حكيم حميد يعلم ما يصلح للبشر. ثم هو تشريع من غفور رحيم يريد أن يخفف عن عباده ولا يريد أن يعنتهم.

ثم هو مع هذا يريد من عباده أن يترفعوا عن الخبائث ولو جاءت من طريق غير مباشر فنهاهم عن أكل لحوم الجلالة التي تتغذى بالنجاسة ويقاس عليه لحم ما يأكل الجيف. وحرم بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام ونهي عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن والسنور وقال إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه فلما كانت هذه المكاسب أثمان أعيان خبيثة محرمة أو في مقابل فعل محرم كانت مكاسب خبيثة لا يجوز التغذي بها ولا الانتفاع بأثمانها ترفعاً بالمسلمين عن المطاعم الخبيثة مما يدل دلالة واضحة على عناية الإسلام بأمر التغذية وحثه على أن تكون من مادة طيبة لأن أكل الحلال له تأثير حسن على القلب وتأثير على السلوك – والمادة الخبيثة تغذي تغذية خبيثة تؤثر على القلوب والطباع وتحجب العبد عن ربه فلا يستجاب له دعاء. كذلك ينهي الإسلام عن كل طعام يضر بالجسم أو بالعقل أو يقتل فيحرم السموم والمخدرات يقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا}. كذلك ينهى الإسلام عن كل طعام يضر بالجسم أو بالعقل أو يقتل فيحرم السموم والمخدرات يقول الله سبحانه: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوج بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) وكذلك كل مادة تضر يحرم أكلها كالزجاج والتراب والحجر – وكذلك يحرم الإسلام أكل النجس كالميتة ولبن الأتان والبول وأكل المتنجس كاللبن والخل والدبس والطبيخ والدهن ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن فأرة وقعت في سمن فماتت فقال ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم) وفي رواية سئل عن الفأرة تقع في السمن فقال إن كان جامداً فألقوها وما حولها وإن كان مائعاً فلا تقربوه). هذا ويجعل بنا أن نختم بحثنا هذا بوصية الله للمؤمنين في هذا الموضوع حيث يقول سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} وصدق الله العظيم. وصلى الله وسلم على نبيه الكريم محمد وآله وصحبه أجمعين.

الأعياد المحدثة وموقف الإسلام منها

الأعياد المحدثة وموقف الإسلام منها ¤عبدالله بن سليمان آل مهنا£بدون¥دار التوحيد- الرياض¨الأولى¢1431هـ€فقه¶أعياد مبتدعة الخاتمة: الحمد لله أن أتم علي نعمه، ويسر لي إكمال هذه الرسالة، وأسأله تعالى كما أتم علينا نعمه في الدنيا، أن يتمها علينا وعلى والدينا وأزواجنا وذرياتنا ومشايخنا وإخواننا في الآخرة، وبعد: فبعد هذا المشوار الطويل، والوقت الذي قضيته مع العلم والعلماء والكتب، يسرني أن أختم هذه الرسالة بهذا الموجز المختصر: أولاً: التمهيد، تبين لي من خلال مباحثه ما يلي: 1 - أن العيد له شأن عظيم في الإسلام، وأن الأعياد من جملة الشعائر والمناسك التي يجب فيها الاتباع، ويحرم فيها الابتداع. 2 - أن الأعياد زمانية ومكانية، وأن الشارع الحكيم يحتاط أتم الاحتياط لمسألة المشاركة أو المشابهة للكفار فيها. 3 - أن الأعياد الإسلامية أعياد تُنمِّي الإيمان، وتُعلِّق الإنسان بالله تعالى، خلافاً لأعياد الكفار. 4 - أن الشريعة الإسلامية تمنع أشد المنع من التشبه بالكفار في الأعياد وغيرها، يدل لذلك آيات عظيمة وأحاديث محكمة، أبدع العلماء في تفسيرها وبيانها. ثانياً: الباب الأول، وقد تبين لي من خلال مباحثه ما يلي: 1 - أن للكفار أعياداً كثيرة متنوعة الأسباب، لكن أغلبها له ارتباط ديني، ويكفي المسلم أن يعلم أهمها لديهم، وبعضاً من شعائرها. 2 - أن هناك قواسم مشتركة بين أعياد أهل الملل، كالاهتمام بالنيران والأضواء، وتقديس بعض المأكولات والمشروبات، ونحو ذلك. 3 - أن أعياد الكفار تكون بالحساب الشمسي لا القمري. 4 - أن أعياد الكفار في جملتها لا تخلو من الفسق كشرب الخمور، والانحراف الأخلاقي. 5 - أن أعياد الكفار في جملتها تعتمد على أساطير وخرافات تاريخية؛ لا مستند لها حقيقي. ثالثاً: الباب الثاني، وقد تبين لي من خلال مباحثه ما يلي: 1 - أنه سرى في المسلمين كثير من الأعياد البدعية الزمانية والمكانية. 2 - أن من أسباب ذلك ظهور دول تقوم على مبادئ ضالة، نشرت تلك الأعياد البدعية. 3 - أن دولة بني بويه ودولة العبيدين - وكلاهما تظهر الرفض - هما السبب الرئيس في انتشار تلك الأعياد المحدثة في المسلمين. 4 - أن من أسباب رواج تلك الأعياد البدعية: وجود الجهل، وسكوت العلماء خوفاً من سلاطين تلك الدول البدعية. 5 - أن الأعياد المكانية البدعية أخطر على المسلمين من الأعياد البدعية الزمانية؛ لأن تعظيم المكان المحسوس الذي له جرم أدعى من تعظيم الزمان المعنوي. 6 - أن الغلو في الأنبياء والصالحين من أعظم أسباب وجود الأعياد المحدثة. 7 - أنه دخل على المسلمين – بسبب مجاورة الكفار والانفتاح عليهم – من شعائر أعياد الكفار شيء كثير؛ بل شاركوهم في أعيادهم. 8 - أن أغلب الأعياد البدعية الزمانية عند المسلمين تقليد لما عند الكفار في أعيادهم، لكنها صبغت بصبغة إسلامية لتروج. رابعاً: الباب الثالث: وقد تبين لي من خلال مباحثه ما يلي: 1 - أن التحذير من مشاركة الكفار في أعيادهم أخذ قدراً كافياً في نصوص الشريعة الإسلامية. 2 - أن عامة أنواع المشاركة للكفار في أعيادهم لا تجوز، إلا ما كان من قبول هديتهم – من غير اللحم - إذا كان في قبولها تأليفاً لهم على الإسلام. 3 - أنه من الضروري الاحتساب على الأعياد المحدثة، سواء كانت للمسلمين أم للكفار؛ وذلك لرواجها وكثرتها، وسهولة تأثر المسلمين بها؛ لما فيها من اللهو واللعب. 4 - أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو أول المحتسبين على الأعياد المحدثة، وكان ينهى عنها بقوة، ظهرت تلك القوة في اندراس تلك الأعياد مع قصر مدة دعوته صلى الله عليه وسلم. 5 - أن مظاهر وشعائر أعياد الكفار اليوم تخفى على خواص أهل الإسلام فضلاً عن عوامهم؛ لذا فإن بيانها مهم غاية الأهمية. 6 - أنه يلزم أن تنبعث طائفة من أهل العلم لتتبُّع الأعياد المحدثة ومظاهرها وشعائرها؛ لإقامة الحجة وبيان المحجة. 7 - أن التاريخ الإسلامي حفل بأمثلة طيبة لحكام وعلماء قاموا بإزالة كثير من الأعياد المحدثة. 8 - قلة ما كُتب من المصنفات في الأعياد المحدثة. 9 - لذا فإن الحاجة ماسة لكثرة التصنيف في هذا الباب والإقراء فيه، مع تحديث المعلومات والمظاهر.

الأغسال أحكامها وأنواعها من خلال السنة المطهرة

الأغسال أحكامها وأنواعها من خلال السنة المطهرة ¤عبدالله بن عبدالرحمن الشريف£بدون¥دار الفضيلة - الرياض¨الأولى¢1419هـ€فقه¶طهارة - غسل الخاتمة الحمد لله الذي منّ علي بإنهاء هذا البحث فله الحمد والمنة والفضل أولا وآخرا وبعد: فإنني ومن خلال هذا البحث توصلت إلى النتائج التالية: 1 - أن عدد الأحاديث والآثار في هذا الباب والتي خرجتها من خلال الكتب الستة بلغت نحوا من مائتين وخمسين حديثا. 2 - أن الأغسال التي ترجح عندي أنها واجبة سبعة أغسال هي: الغسل من الجنابة بأسبابه الثلاثة خروج المني، والتقاء الختانين والاحتلام، والغسل من انقطاع الحيض، والغسل من النفاس وتغسيل الميت، والغسل من تغسيل الميت، والغسل للجمعة، المعتنق للإسلام. 3 - أن الأغسال التي ترجح عندي أنها مستحبة ما سوى ذلك. 4 - أن بعض الأغسال ليس عليها دليل من السنة المرفوعة وإنما استدل عليها ببعض الآثار القولية والفعلية عن بعض الصحابة أو التابعين - ومنها: الغسل لدخول مكة، والغسل للمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار. 5 - بلغت أسماء الرجال الذين ترجمت لهم (238) رجلا وتسع نساء.

الأقوال الشاذة في بداية المجتهد لابن رشد

الأقوال الشاذة في بداية المجتهد لابن رشد ¤صالح بن علي الشمراني£بدون¥مكتبة دار المنهاج- الرياض¨الثانية¢1431هـ€فقه¶دراسات توثيقية ومنهجية الخاتمة والنتائج: من النتائج التي يمكن الخروج بها بعد تمام هذا البحث ما يلي: 1 - أن كتاب (بداية المجتهد) سفر عظيم يحتاجه المنتهي، ولا يستغني عنه مبتدئ. 2 - بلغت الأقوال التي تُرجم لها في هذا البحث أزيد من مائة قول، صرح ابن رشد بشذوذها؛ لأنه وفي بعض المسائل صرح بشذوذ أكثر من قول؛ فصارت الأقوال الشاذة في كتاب بداية المجتهد أزيد من مائة قول بهذا الاعتبار. 3 - الشذوذ: هو التفرد بقول مخالف للحق بلا حجة معتبرة. 4 - إطلاق الشذوذ على الأقوال الخاطئة مستخدم من قبل الفقهاء وغيرهم في جميع المذاهب. 5 - متى تحقق شذوذ قول من الأقوال فإنه لا يصح اعتباره خلافاً في المسألة، ولا يؤثر في ثبوت الإجماع، ولا تصح الفتوى أو القضاء والحكم به. 6 - إذا كان الأئمة شددو النكير على الأقوال الشاذة الصادرة عن أئمة أهل الاجتهاد؛ فإن أولى من ذلك بالنكير شذوذات المتعالمين وأرباب الأهواء والبدع. 7 - الاحتساب في رد الأقوال الشاذة وبيان ضعفها من حراسة هذا الدين، والنصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. 8 - الشذوذ الصادر عن الأئمة المتفق على إمامتهم لا يؤثر في مكانتهم ولا يقدح في علمهم أو في الأخذ عنهم. 9 - بالنظر إلى الأقوال التي حكم عليها ابن رشد بالشذوذ يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما حكم عليه بالشذوذ وهو كذلك: وهذا القسم هو الغالب، إذ بلغت الأقوال الشاذة التي ذكرها ابن رشد وصح شذوذها – حسب علمي القاصر – أزيد من خمسة وسبعين قولاً. القسم الثاني: ما حكم عليه بالشذوذ وهو ليس كذلك – فيما ظهر لي -، إلا أن هذا القول مرجوح. وفي هذا القسم ما يقرب من خمسة عشر قولاً: 1 - كالقول بجواز التنفل بركعة واحدة. 2 - وكالقول بأنه لا يقتل من الغربان في الحرم إلا الأبقع. 3 - وكالقول بلزوم النفقة للزوجة الناشز. 4 - وكالقول بعدم جواز تملك العربي. 5 - وكالقول بقتل المرتد وإن راجع الإسلام. وغير ذلك .. القسم الثالث: ما حكم عليه بالشذوذ وهو ليس كذلك، بل كان راجحاً: وفي هذا القسم ما يقرب من ثمانية أقوال، وهي: 1 - القول بعدم اشتراط الطهارة لسجود التلاوة. 2 - القول بوجوب الجلسة الوسطى في الصلاة. 3 - القول بأن الإيمان قول وعمل واعتقاد. 4 - القول بعدم وجوب الزكاة في الزيت. 5 - القول بأن أول زمان الإمساك في الصوم هو الفجر الأحمر. 6 - القول بجواز الحلف بالله تعالى. 7 - القول بطهارة الخمر. 8 - القول بأن الولد في المواريث يشمل الذكر والأنثى.

الألعاب الرياضية أحكامها وضوابطها في الفقه الإسلامي

الألعاب الرياضية أحكامها وضوابطها في الفقه الإسلامي ¤علي حسين أمين يونس£بدون¥دار النفائس - الأردن¨الأولى¢1423هـ€فقه¶رياضة - فنون إسلامية الخاتمة: في نتائج الأبحاث التي احتوى عليها الكتاب: وتتلخص فيما يلي: 1 - يتفق معنى اللعب لغة مع معناه اصطلاحا فهو فعل يقابل الجد من الأفعال غالبا. 2 - ويرتبط المعنى اللغوي للرياضة مع المعاني الاصطلاحية المنبثقة عنه وذلك فيما يلي: أ - الرياضة وتهذيب النفس: وذلك من خلال تهذيب النفس ودفعها إلى الالتزام بمحاسن الأخلاق والطبع الحسن بترويضها على قبول ذلك والاعتياد عليه. ب - الرياضة والعبادة: وذلك من خلال ترويض النفس ومجاهدتها على الالتزام بالعبادة، والبعد عما يشغل النفس عنها. ج- الرياضة وحركات النفس وسكناتها: وذلك بترويض الأعضاء الحسية والنفسية على بعض الأعمال المفيدة بالتدريج والاجتهاد. د- الرياضة واللعب: وذلك بترويض الإنسان نفسه أو غيره على القيام بحركات وتصرفات معينة بقد اكتساب صفات جسدية جديدة غالبا وبقصد اللهو والترفيه والمتعة. 3 - يرتبط مفهوم الألعاب الرياضية بعدة مصطلحات ذات صلة بها، وأهمها: ا- الفروسية: وتتصل بالألعاب الرياضية بما فيها من معان عديدة، كالمهارة في الأداء والشجاعة والإقدام. ب- الترويح: ويتصل بها من خلال الوسيلة أو الهدف، فالألعاب الرياضية وسيلة هامة من وسائل الترويح عن النفس، أو أن الهدف الرئيس منها هو طلب الترويح عن النفس. ج- التربية البدنية: إذا تعتبر الألعاب الرياضية الركن الرئيس في تربية (تنشئة) الجسم تربية سليمة. 4 - هذب الإسلام الألعاب الرياضية من شوائب الفسق والفساد، فمارس المسلمون ألوانا من اللعب الهادف والمفيد، كان من أهم أهدافه إعداد الأنفس للقتال في سبيل الله تعالى، وزيادة الألفة والمحبة بين الزوجين. تطورت الألعاب الرياضية في العصور الحديثة تطورا مذهلا متماشيا في ذلك مع التطور العلمي والمعرفي، إلا أن فئات كثيرة من الناس قد اتخذتها وسيلة لارتكاب العديد من المحظورات والمخالفات الشرعية بصورة لم تعرفها الألعاب الرياضية في العصور الماضية إلا قليلا - أي بالمقارنة بينها - ومن العجيب أن فئات كثيرة من المسلمين تسمح لأنفسها بالوقوع في تلك المحظورات من خلال اللعب في الأندية أو الملاعب أو من خلال حضور اللعب والاهتمام به بحجة الرياضة مما ينبغي اجتنابه والحذر منه. للألعاب الرياضية أهمية بالغة في العديد من النواحي، ومن ذلك: أ - الناحية الجسدية، كإعداد الجسد للقتال، والمحافظة عليه من الأمراض والإسهام في علاجها. ب - الناحية النفسية، كدفع الملل عن النفس، وتهذيبها من الطباع السيئة في بعض الأحيان. ج- الناحية الاجتماعية، كالإسهام في حفظ استقرار الأسرة والنظام التربوي في المجتمع. د- الناحية السياسية، كالإسهام في حفظ الأمن الداخلي والخارجي من خلال الجنود والأعوان الأقوياء هـ_ الناحية الاقتصادية، كدفع الإنسان إلى تحمل أعباء العمل بهمة ونشاط مما يزيد في إنتاجه. إلا أن اقتران اللعب بالممارسات والأهداف غير المشروعة قد يؤدي إلى نتيجة عكسية وسلبية في جميع تلك النواحي!!. 7 - اختلف العلماء في بيان حكم اللعب بصورة مجملة، فرأى فريق منهم أن الأصل فيه التحريم إلا ما كان نافعا في القتال أو إحسان المعاش بين الزوجين، ورأى أخرون أن الأصل فيه الكراهة، بينما رأى فريق ثالث أن الأصل فيه الإباحة إلا ما اشتمل على ضرر، وقد رجحت أن الأصل في اللعب الإباحة إلا ما كان غير نافع في أمر الدين أو الدنيا مما لم يعتبره الشرع فيكره، فالأصل في المسلم ألا يقوم بعمل لا فائدة ولا نفع فيه، وأن يتحرى من العمل ما كان نافعا في معاشه ومعاده.

8 - ندب الإسلام إلى القيام بأنواع من اللعب لما فيها من منافع وفوائد، وأباح أخرى من أجل ذلك ومن أجل إجمام النفس بالمباحات، وكره وحرم أنواع أخرى حسب ما يقترن بها من أفعال مكروهة أو محرمة، أو لأن صورة ممارستها مكروهة أو محرمة شرعا. 9 - تعد ألعاب الفروسية وهي: الرماية، وركوب الخيل، وركوب الإبل، والمبارزة، واللعب بالرماح والحراب أشرف الألعاب وأفضلها في الإسلام، لأنها آلات نصرة الدين وتبليغه للناس، وقد ندب الإسلام إليها، وحث عليها، فكان رسول الله ? يمارس الكثير منها ويحث عليه ويعطي فيها العوض، تحفيزا للمسلمين على إدامة استعداداتهم لنصرة الدين وأهله، ويقاس عليها ما تطور من ألعاب في هذا الزمان من رماية حديثة وقيادة للطائرات والمراكب الحربية ونحوها، مما ينبغي على الإمام الحث عليه وإدامة تنظيمه. 10 - يهتم الناس بممارسة ألعاب القوى بصورة كبيرة لما لها من فوائد بدنية في مجملها ويتفرغ عن ذلك عن ذلك: ا- إباحة هذه الألعاب لما فيها من نفع، والحث على ما كان فيه زيادة في الألفة بين الزوجين، كما كان في المسابقة على الإقدام بين الرسول ? وزوجه عائشة رضي الله عنها. ب. كراهة التركيز على أهداف لا نفع غالب، كما في بذل الجهد وتضييع الوقت في لعبتي الوثب العالي بالزانة من اجل تجاوز أعلى ارتفاع ممكن نحو الأعلى! 11 - يمارس الناس ألعاب الكرة والمضرب بصور عديدة مما بين الإسلام أحكامه ويتفرغ عن ذلك ما يلي: ا- إباحة ما كان منها ذو نفع غالب مما لم يقترن بمحرم، ككرة القدم وكرة السلة وكرة اليد (البولو). ب- كراهة ما كان قليل النفع ومما تضييع فيه الأوقات دون فائدة مثل (البلياردو) و (البولينج) و (الجولف). ج - حرمة ما كان فيه إلحاق الأذى والضرر البالغ بالخصوم مما تبيحه قوانين اللعب ويحرمه الإسلام، ويشمل ذلك لعبتي (الرجبي) وكرة القدم الأمريكية. ت - إن الكثير من هذه الألعاب قد تحول إلى آفات اجتماعية واقتصادية خطرة للغاية بما دخل فيها من مفاسد عديدة، ومن ذلك ما يرتبط بلعبة كرة القدم وغيرها من تمجيد وتقديس للاعبين، وارتفاع أثمانهم بصورة مذهلة للغاية أحيانا، والتفريق بين الناس بسببها، وتضييع واجبات الدين والدنيا من أجلها، ونحو ذلك مما حرمه الإسلام. 12 - أباح الإسلام أنواع معينة من ألعاب الصراع والدفاع عن النفس وحرم بعضها وبيان ذلك وما يرتبط به من أمور يوضح فيما يلي: أ - تباح ألعاب (الصراع) و (الكاراتيه) و (التايكواندو) و (الجودو) وما ماثلها بشرط اجتناب إلحاق الضرر بجسد الخصم، وبشرط الامتناع عن ضرب أو ركل الوجه أو الرأس مطلقا، لنهي النبي ? عن ذلك. ب - تحرم لعبتا المصارعة الأمريكية الحرة والملاكمة بصورة قاطعة في الإسلام بسبب وحشية كل منها إذ تقوما على إلحاق الأذى والضرر الجسدي والمعنوي بالخصوم بأقصى وأبشع صوره، مما يؤدي في الغالب إلى إصابة اللاعبين بالجروح والكدمات والكسور والأمراض المختلفة، والتي تودي إلى الموت أحيانا. ج - ويلحق بالملاكمة في التحريم لعبة (الكك بوكسنج) لاعتمادها على لكم وركل اللاعب لخصمه في وجهه ورأسه بصورة كبيرة، فإن هذبت من ذلك ومما يلحق الضرر باللاعبين فيقال بإباحتها. 13 - أما ألعاب القوة الجسمانية والاستعراض فبيانها فيما يلي: 1 - تباح لعبة رفع الأثقال للرجال لما فيها من تعويدهم على تحمل المشاق وكذلك لعبة شد الحبل. 2 - تباح لعبتا كمال الأجسام والجمباز في مجملها، إلا أن صورة ممارستها عند فئات كثيرة من الناس تجعلهما محرمة بما تشتمل عليه من العري الفاضح أو الاستعراض على أنغام الموسيقى أو التفاخر بالنفس، ونحو ذلك مما ينبغي اجتنابه شرعا.

3 - يحرم المشي على الحبال إن اقترن بمخاطرة بالنفس، ويكره بدون ذلك لأنه قد يؤول إلى مفاسد وخيمه. 14 - تباح ألعاب الرياضة المائية في مجملها، كالسباحة والغطس والمسابقة بين المراكب المائية، ويرتبط بذلك ما يلي: ا- إباحة دخول الرجال إلى المسابح مع وجوب ستر العورات، والمنع من دخول النساء لها من غير حاجة. ب- حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء في هذه الألعاب، وخاصة ما يرى في المسابح والشواطئ من ذلك مما يقود إلى ارتكاب الفواحش والمنكرات. ج - حرمة تعريض النفس للمخاطر، كما في ركوب الأمواج الهائجة أو قيادة المركبات المائية بسرعات قاتلة. 15 - يكره اللعب على الجليد والثلج من غير حاجة أو دون فائدة، لما في ذلك من تعريض النفس للأذى من سقوط أو إصابة بمرض ونحو ذلك، فإن ارتبط بذلك مخاطرة كبيرة بالنفس فيحرم اللعب عندها، وذلك كما في الهبوط من على المنصات العالية باتجاه الأرض أو الهبوط من المرتفعات الجبلية بصورة خطرة نتيجة السرعة، أو الانزلاق على التكتل الصخرية ونحو ذلك، أما تسلق الجبال فإن ارتبط بمخاطر كبيرة فيحرم وإلا فلا. 16 - ألعاب الطيران من الوسائل المستحدثة في اللعب، ويتفرغ عنها ما يلي: ا- وجوب الأخذ بالوسائل المتطورة فيها مما يستعان به على نصرة الإسلام والمسلمين، ويناط هذا الأمر بالإمام بالدرجة الأولى. ب- حرمة تعريض النفس لمخاطر الهلاك في هذه الألعاب. ج - كراهة الاشتغال بهذه الألعاب إلم يقصد بذلك نصرة الدين - كأن يقصد بذلك مجرد اللهو واللعب بسبب خطورتها وارتفاع كلفتها. 17 - تحرم أغلب الألعاب المتعلقة بالمسابقة بين السيارات والدراجات النارية، وذلك لما فيها من تعريض الأنفس والأموال للضياع والهلاك، أما قيادة الدراجات الهوائية فهو أمر مباح لنفعه الغالب العائد على الجسد. 18 - أوجب الإسلام العناية بالحيوان بما يعود على الإنسان بالنفع، وحرم التعرض له بالإتلاف والإيذاء دون ضرورة أو حاجة ويتفرغ عن ذلك ما يلي: ا- حرمة (الروديو) ومصارعة الثيران والجري أمامه والتحريش بين الحيوانات لما في ذلك من تعذيبها أو إضاعة ماليتها، أو لما فيه من تعريض النفس للخطر. ب. حرمة سباق الكلاب، للنهي عن اقتنائها دون حاجة، وكراهة اللعب بالحمام لتفاهته وسفاهته. 19 - حرمة اللعب بما ترد فيه الأمور إلى يعتقد أنه تدبير الجمادات أو الخط، ويدخل في ذلك النرد وما شابهها، وكراهة اللعب المضيع للأوقات كراهة شديدة وحرمته إن ضيع الوجبات، ويدخل في ذلك لعب الشطرنج والورق. 20 - تقسم الألعاب التي يراد إخراج العوض فيها إلى ثلاثة أقسام هي: أ - ما اتفق العلماء على إباحة إخراج العوض فيه، وهي الرماية بالسهام وركوب الخيل وركوب الإبل. ب - ما اختلف العلماء في إباحة إخراج العوض فيه مما ينتفع به في القتال كالمبارزة واللعب بالحراب والرماح والصراع والجري ونحوها، والراجح فيه إباحة إخراج العوض ما لم يكن من كلا الطرفين إلا ما رجحت لحوقه بالقسم الأول. ج - ما لا ينتفع أو يقصد به الإعانة على القتال فالأحوط في ذلك ما قاله جماهير أهل العلم من المنع من إخراج العوض فيه في الغالب أياً كان مخرجه.

21 - ويحلق بالمسألة السابقة مدى اشتراط المحلل فيما لو أخرج العوض في الألعاب التي ينتفع بها في القتال كلا الطرفين المشتركين في اللعب، فاشترطه جمهور العلماء ليخرج الأمر عن صورة القمار، ولم يشترطه آخرون كابن القيم، ولم يبح هذه الصورة بعضهم، والذي ترجح لدي أن المحلل لا يشترط في هذه الصورة في كل من الرماية وركوب الخيل والإبل وما يدخل في معناها كالمبارزة والمطاعنة بالرماح وما يقوم مقامها في القتال، ومن ذلك وسائل الرماية الحديثة وقيادة الطائرات الحربية ونحوها، بشرط أن يقصد بذلك الإعانة على القتال لا مجرد اللهو واللعب. 22 - لا يحل شرعا الإحتكام إلى القوانين الوضعية في الألعاب الرياضية التي تخالف أحكام الإسلام، وينبغي على ولي الأمر أن يسن القوانين التي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية. 23 - ينبغي على المسلم الحرص على عدم قضاء وقته في اللعب بما يضيع ما هو واجب أو ما هو أولى منه من أمور الدين أو الدنيا، أو أن يجعل اللعب وسيلة لتضييع الوقت، أما اللعب ليلا فيكره بدون حاجة لئلا يؤدي إلى تفويت فائدة قيام الليل وواجب صلاة الفجر. 24 - ينبغي على المسلم التحلي بفضائل الأخلاق في اللعب، واجتناب الأخلاق الفاسدة وما يؤدي إليها، ومما يتفرع عن ذلك وجوب ستر العورات، والراجح أن حدها للرجل ستر السوءتين، أما الفخذان فيكره كشفهما، والراجح أن حدها للمرأة الجسد كله إلا الوجه والكفان إلا إن أدى كشفها إلى حدوث الفتنة فيجب سترها. 25 - يباح للمرأة ممارسة أنواع كثير ة من الألعاب الرياضة، بشرط عدم تمكين الرجال من النظر إليهن أو الاختلاط بهن وبشرط ممارستها بعيدا عن أماكن الشبهات أو السفر من أجل ذلك أو على صورة فيها تشبه بالرجال أو مخالفة لطبيعة المرأة وأنوثتها، كالمصارعة وكمال الأجسام ورفع الأثقال وما شابه ذلك، كما يباح لهن ممارسة اللعب أثناء الحمل والرضاع، ما لم يؤد ذلك لحوق أذى بهن أو بأجنتهن أو أطفالهن. 26 - يحرم اللعب مع الفساق والكفار على وجه التأبيد أو العادة، ويلحق بذلك اللعب في الأماكن التي تظهر فيها المنكرات أو حضور اللعب فيها من غير حاجة، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما في ذلك من المؤانسة لأهل الباطل ومظنة التأثر بأخلاقهم وأفعالهم المحرمة. 27 - احتراف اللعب مختلف في حكمه، فيرى فريق من أهل العلم حرمته لما يقترن به من مفاسد كالشغل عن واجبات الدين والدنيا، ويرى آخرون إباحته بشرط ألا يقترن بمحرم أو يفضي إليه، وقد رجحت كراهة احتراف اللعب في المجمل، لأنه عمل لا نفع أو إنتاج فيه في الغالب، ولما في ذلك من شغل الإنسان نفسه باللعب وذلك مذموم، ويتفرع من ذلك ما يلي: ا- لا يدخل في الكراهة ما كان غالبه النفع، كاللعب المحتاج إليه بشدة في القتال وكالاشتغال به في مجال التعليم. ب - الراجح عدم جواز احتراف الكافر أو الذمي اللعب في صفوف فريق مسلم، وعدم جواز احتراف المسلم في صفوف الفريق الكافر أو الذمي، لما في ذلك من مفاسد من تعريض النفس للفتنة والفساد وغير ذلك. 28 - يحرم اللعب من أجل الأهداف التالية: أ) الحصول على جنسية دول كافرة، لما في ذلك من الموالاة لأهل الكفر والتبعية لهم والافتتان بهم. ب) الغضب والانتصار للباطل، ومن أجل الرياء والشهرة والمفاخرة، وابتهاجها بأعياد غير المسلمين. ج) تعظيما للأموات والأشخاص المشهورين. 29 - يباح اللعب من أجل الإستشفاء والمحافظة على الصحة، ونحو ذلك من مقاصد الخير المعتبرة شرعا.

30 - يحرم تعريض النفس أو تعريض الآخرين للخطر أو الضرر بسبب اللعب بأي وجه من الوجوه، ومما يرتبط بذلك حرمة تناول المنشطات الضارة بالجسد، ومما يرتبط به أيضا وجوب معاقبة من اعتدى على غيره عمدا بلا عذر بالعقوبة المناسبة من قصاص أو تعزير أو تعويض مالي ونحو ذلك، ووجوب تعويض المعتدى عليه خطأ إن استوجب الأمر ذلك. 31 - يحرم بيع أوترويج أو شراء بطاقات دخول المباريات إن كان المقصد من ذلك الحصول على جوائز مالية أو عينية أو بصورة تؤدي إلى شيوع المقامرة عن طريقها، لأن ذلك يعتبر من القمار المحرم في الشرع. 32 - يحرم على المسلم الاشتراك أو التسبب في الدعاية لمحرم من خلال اللعب، مثل أن يرتدي لباسا عليه دعاية لبنك ربوي، أو يلعب في ملعب يحوي إعلانات لأمور محرمة، كإعلانات الخمور والدخان ونحوها. 33 - يحرم ارتداء الميداليات الذهبية على الرجال، والأحوط ترك ارتداء الميداليات الفضية، فإن احتوت على نقوش لصور من ذوات الروح فيحرم ارتداؤها مهما كانت مادتها، والأرجح أنه يحرم اقتناء الكؤوس والدروع الذهبية أو الفضية ويحرم اقتناؤها إن احتوت على مجسمات أو نقوش لصور ما فيه روح من البشر أو غيرهم، حتى لو لم تكون من الذهب أو الفضة. 34 - يجب على ولي الأمر التدخل في الألعاب الرياضية بما يعزز جوانب الخير فيها، وبما يمنع من شيوع مظاهر السوء والفساد فيها. والله أسأل أن يتقبل هذا العمل، وأن ينفع به أمة الإسلام، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن يجعله في ميزان حسنات من قام عليه، والحمد لله رب العالمين. علي حسين أمين يونس 19/ 12/2001م

الأنساب والأولاد - دراسة لموقف الشريعة الإسلامية من التلقيح الصناعي وما يسمى بأطفال الانابيب -

الأنساب والأولاد - دراسة لموقف الشريعة الإسلامية من التلقيح الصناعي وما يسمى بأطفال الانابيب - ¤عبدالحميد محمود طهماز£بدون¥دار القلم - دمشق¨الأولى¢1408هـ€فقه¶طب وصحة - تلقيح صناعي وطفل الأنابيب الخلاصة إن التلقيح الصناعي يؤدي إلى هدم قواعد الشريعة الإسلامية التي شرعها الله تعالى لحماية المجتمع والأسرة والأخلاق. إنه يؤدي إلى كشف العورات التي حرم الله كشفها، وإلى اختلاط الأنساب التي أمر الإسلام بحفظها، وإلى شيوع نكاح المحارم. كما يؤدي إلى كثرة التشوهات في المواليد، وانتشار الأمراض الجنسية والوراثية، فضلاً عما فيه من امتهان لكرامة الإنسان، وتغيير خلق الله تعالى، والانحراف عن سنن الفطرة التي شرعها للتزاوج والتكاثر. كل ذلك يجعله حراماً في جميع صوره وأشكاله، فالمجتمعات الإسلامية لا تشكو من قلة أعداد المسلمين، ولا ينبغي من أجل عدد قليل من الناس قدر الله سبحانه عجزهم عن الإنجاب بالوسيلة الفطرية الطبيعية أن نفتح على أنفسنا ومجتمعاتنا أبواب هذه الشرور المدمرة لكل ما هو إنساني وأصيل في مجتمعاتنا وقواعد شريعتنا وأخلاقنا. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا. وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. والحمد لله رب العالمين.

الأهلة نظرة شمولية ودراسات فلكية

الأهلة نظرة شمولية ودراسات فلكية ¤عدنان عبدالمنعم قاضي£بدون¥الدار المصرية اللبنانية – مصر¨الأولى¢1426هـ€فقه¶مطالع الأهلة ومنازلها الخاتمة: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين لقد تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظ كتابه {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجرات: 9]، وأخبرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يسخر لدينه من يجدده على مر الزمن، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) رواه أبو داود. ولقد سجل التاريخ الإسلامي، بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكر وجهد أئمة وعلماء مجتهدين، ممن جددوا هذا الدين وأحدثوا ثورة في فقه العبادات والمناسك وعلوم الدين. وفي وقت كل منهم قوبل فكر واجتهاد بعضهم بعدم القبول تارة والعنف الرسمي و/أو الفردي تارة أخرى؛ وذهب الرجال وبقي الفكر. الآن، ومرة أخرى، تحتاج الأمة الإسلامية إلى كثير من التسامح، وتقديم فكر فقهي جديد واجتهاد إسلامي مبدع للشعوب الإسلامية (وحتى غيرها) في عصر متسارع يتصف بمعارف وفتوحات علمية وتكنولوجية مذهلة واكتشافات كونية هائلة واتصالات آنية متيسرة وشعوب وأعراق مختلفة وعقائد متفرقة ومفاهيم متضاربة وإمكانات متاحة وشهوات مستباحة. لمواجهة كل ذلك، لا أمان لرأي فقهي أحادي يصادر من يخالفه ويضطهد من يعارضه.

ما تحتاجه الشعوب الإسلامية هو: أن لا تعود الشعوب 1400 سنة إلى الإسلام، بل هو تقديم الإسلام 1400 سنة إلى الشعوب الإسلامية وغيرها في عصرها الحاضر بكل مشكلاته ومستحدثاته، وإيجاد حلول عصرية خلاقة لمشكلاتهم ومسائلهم. وسأعطي مثالين بسيطين على العودة والتقدم إلى الإسلام: تعامل بعضنا بزكاة الفطر والأضحية (ذبح أنعام في الحج). فهناك من يتشدد ويصر (أي يخطئ غيره إذا أخرج نقدا) على إخراج زكاة الفطر طعاماً كما ورد في الأحاديث النبوية الصحيحة، أي إخراج صاع من بر أو شعير أو تمر أو أقط أو زبيب (مع أنه يجيز إخراج رز والحديث لم يذكره، وهو تناقض ذاتي)؛ وهذا مثال فقه العودة 1400 سنة. على الجانب الآخر، الأضحية ورد أيضا فيها أحاديث نبوية صحيحة بأن يقوم المضحي بنفسه بشراء وذبح وتوزيع أضحيته وأكل ثلثها وإهداء أقارب والتصدق على فقراء. ولكن الآن هناك من يجيز توكيل حتى شخصيات اعتبارية لشراء وذبح (ليس بالضرورة في مكان المضحي) وتوزيع الأضاحي ودبغ واستعمال جلودها دون أن يرى أو يعلم المضحي مصير أضحيته أو يأخذ شيئا منها بل وحتى نقلها خارج المشاعر المقدسة؛ وهذا مثال على تقديم الإسلام 1400 سنة لمواجهة مسائل وحل مشكلات تعاني منها الشعوب الإسلامية في هذا العصر وليس شعوباً أخرى في أزمنة ماضية. ما أحوج الأمة الإسلامية إلى فقه الواقع الذي هو ببساطة شديدة (النزوع إلى واقع الناس لتعرف مشكلاتهم التي يعانون منها والبحث عن الأحكام التي تعالج هذه المشكلات في الواقع واستيعابه لهذه الأحكام. وأيضاً معرفة ما يمكن تطبيقه من هذه الأحكام وما لا يمكن نظراً للظروف المحيطة أو عدم الاستطاعة. وبعبارة مختصرة، هو الفهم العميق لمشكلات الناس وتنزيل الحكم الشرعي عليها بقدر استيعاب الواقع لهذا الحكم). إنه فقه يرتبط بالأصل ويتصل بالعصر، فقه التيسير والمستطاع وليس فقه الأمثل والعزائم لأننا في عهد استضعاف وتكوين لا في عهد استخلاف وتمكين. إنه فقه يواجه ويجيب بشكل معاصر عن أسئلة شبابنا وفتياتنا وليس فقط إعطاءهم أجوبة أجدادنا، الذين أبدعوا في زمانهم وأحدثوا ثورة في فقههم. إنه فقه يقنن علاقات المجتمع وسلوك الفرد بدلاً من أن يحجر على المجتمع ويلاحق الأفراد. إنه فقه يأخذ نظرة شمولية للدين (العلم الشرعي) ويتبنى معرفة عصرية للخلق (العلم الكوني). وقدوتنا في ذلك هو أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين قط في الإسلام إلا أخذ أيسرهما وذلك طيلة حياته وبالذات في حجة الوداع.

هذا الكتاب ناقش مسألة إسلامية بنظرة شمولية وبعلم عصري، وعرض حلا لها. إن المحور الرئيسي لهذا الكتاب هو كيف ينظر ويشرح فرد نصوصاً شرعية بنظرة شمولية، ذاتية التناسق، ومتكاملة مع ما خلق الله؟ إذا أخذ أحدنا نظرة شمولية لكل الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها في هذا الكون وذاتية التناسق، فشرحه لمسألة ما سيختلف عمن يبتسر نظرة انتقائية وأحادية وظاهرية لنص شرعي ودون مراعاة إلى ما خلق الله ويظن أنه خرج بحكم (شرعي). في النظرة الشمولية يتضح تناسق أحكام الشرع والصورة الكلية لمراد الشارع، وأيضا تناسق الشرع مع الخلق. أما من يبتسر نظرة انتقائية وأحادية وظاهرية لنص شرعي ودون مراعاة أيضا إلى ما خلق الله، فينشغل صاحبه بإظهار عدم التناقض الذي أنتجه فكره، وليس المبني في الشريعة، الإسلامية، وذهابه إلى أقصى حد لتركيب شرح أن الدين صالح لكل زمان ومكان بينما العلة فيما ارتأى والهفوة في حجره على من خالفه من الورى. بقي أن ندرك أن إظهار التناسق في الشريعة نفسها هو مسألة فقهية، بينما إظهار التناسق بين الشرع والخلق هو مسألة تجريبية empirical. هذه النظرة الشمولية، بشكلها الفقهي والتجريبي، هي النقطة المحورية في هذا الكتاب. قضية تؤكد النقطة المحورية في هذا الكتاب هي استخدام الشريعة الإسلامية لوسائل وأدوات طبيعية لتطبيق تعاليمها؛ ومن هذه الوسائل ركز هذا الكتاب على شرح دور ظواهر (وأدوات) طبيعية في تحديد بدء وإقامة تكاليف شرعية؛ بفرعيها العبادات والمعاملات. مرة أخرى، إن العبادة هي كيفية محددة في توقيت محدد وفي مكان محدد ولأفراد مكلفين. أي أن هناك ثلاثة عناصر: العبادة وهي ثابتة، والدالة على العبادة وهي أيضاً ثابتة، وطريقة تحديد تلك الدالة وهي متغيرة (مثلا، الصلاة والصوم والحج عبادة، والدالة عليها هي مواقع الشمس، وطريقة تحديد مواقع الشمس هو علم مكتسب متغير. مثال آخر، الصوم والحج عبادة، والدالة على بدء الشهر هو مواقع الهلال، وطريقة تحديد مواقع الهلال هو علم مكتسب متغير). ولا أجادل هنا في العبادة والدالة عليها (مثل أن نغير ميقات صلاة الظهر أو ألا نتبع الشهر القمري للصوم أو للحج)، لكنني أجادل أن وسائل تحديد بدء زمن العبادة ليست جزءا من العبادة. إن استخدام ظواهر وأدوات طبيعية وعرفية وبديلة إما أن يأتي عن طريق نص شرعي أو يستنبط قياساً. أما كونها تأتي عن طريق نص شرعي، فليست الظاهرة الطبيعية أو العرفية أو البديلة هي المقصودة شرعا بحد ذاتها كعبادة. وأما كونها قياسا، فالقياس قاعدة فقهية. في كلتا الحالتين، الأمر ما بين نص وقياس وكلاهما ترخيص للمسلمين كي يستخدموا ظواهر (أدوات) طبيعية و/أو عرفية أخرى كي يقيموا التكاليف الشرعية.

لقد أثبتنا أن الشرعية الإسلامية تستخدم وسائل عديدة لتحديده بدء زمن تكاليف شرعية. والحكم الفقهي هذه الوسائل لا يخرج عن ثلاث حالات: إما أن كل هذه الوسائل جزء من العبادة التالية وبالتالي يجب العمل بكل وسيلة أتى بها الشرع لأن الوسيلة أيضاً عبادة، أو أن كل هذه الوسائل ليست جزءا من العبادة التالية لأن الوسيلة ليست عبادة في ذاتها، أو أن لكل وسيلة حكما فقهيا مستقلا. الحالة الأولى فيها تناسق ذاتي ولكن تورطنا في جعل بعض الوسائل تعبدية بينما لا يمكن – وأحياناً يحرم – جعلها عبادة، كالبلوغ والحيض، كما أنها تؤدي إلى اختلافات تطبيقية شاسعة بين المسلمين. الحالة الثانية فيها أيضاً تناسق ذاتي، لا تورطنا في السقطة السابقة، تشرح لنا لماذا استخدم الإسلام ما خلق الله لتحديد بدء زمن ما شرع الله، تتنبأ ببعض ما أخبر به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تظهر الشريعة الإسلامية كنظام متماسك ومترابط وتظهر تناسقاً مع ما خلق الله سبحانه وتعالى. الحالة الثالثة تظهر تضاربا في الشريعة ذاتها، تنافرا مع العلم العصري (الكون)، انتقائية في النص وشرحه، تعطيلاً أو لي عنق لنصوص أخرى، وانشغال صاحبه لإثبات ما لم يكن ضرورياً لإثباته ولا يمكن إثباته – لا يمكن أن نظهر فقهياً انتقائياً أحادياً ثم نصرخ أن الشريعة الإسلامية نظام متناسق ومتماسك. إن دور ظواهر طبيعية في تحديد بدء زمن تكاليف شرعية هو في كونها وسائل لأن الأصل في التكليف الشرعي هو العبادة وليس الوسيلة لاستحالة أن يقام تكليف شرعي دون وسيلة، ولتغيير استخدام ظواهر (أدوات) طبيعية للتكليف الشرعي نفسه أو لتكليف آخر، ولوجود قيود طبيعية و/أو شرعية على هذه الوسائل. فوسيلة دخول رمضان هي رؤية الهلال (بمعنى العلم به، أي معرفة دخول الشهر) والشرع نفسه أتى ببديلين آخرين لرؤية الهلال وبالتالي دخول الشهر وهما إكمال عدة شعبان ثلاثين أو التقدير للهلال لوجود عائق طبيعي وهو الغيوم. كما استخدم ظهور الهلال لبدء شوال وذي الحجة ومحرم. أما من يقول بما يسمى اختلاف المطالع فعليه مواجهة حل مشاكل تطبيقية عديدة. وفي محاولته هذه فهو أمام أمرين: إما أن يكون انتقائيا أو متناسقاً مع نفسه أو أن يتشبث بالإنكار وبذلك يجعل الشرعية الإسلامية ذات بنيان غير متناسق في ذاتها ومع ما خلق الله. حتى القبلة التي يتعبد بها لأنها شرط من شروط الصلاة (وقد حلت البوصلة في عصرنا محل الاتجاه التقديري للقبلة، بل إن اتجاه القبلة يحسب الآن بأجهزة عصرية)، فيجوز للمسلم في حالة عدم معرفته لاتجاه القبلة أن يجتهد ويتجه إلى أي اتجاه يراه {ولله المشرق والمغرب فإينما تولوا فثم وجه الله ... } [البقرة: 115]، فالقبلة وسيلة والكعبة رمز والصلاة هي القصد وهي العبادة – والعبادة فقط لا تسقط. حتى الماء الذي لا يتم الوضوء والطهارة إلا به، له بدائل: التيمم والاستنجاء والاستجمار وغيره، فالقصد هو التطهر.

أما البلوغ وهو أم الوسائل لكل التكاليف الشرعية فيعتريه أولاً اختلال طبيعي (تفاوت سن البلوغ وفترة الحيض أو انقطاعه)، وعليه ثانياً قيد تكميلي (فليس كل من بلغ يكلف شرعاً: فيجب أن يكون مسلماً ثم عاقلاً ثم واعياً، فالمجنون والنائم ومن في غيبوبة ومن في حكمه يقف عنه التكليف حتى يستيقظ)، وله ثالثاً بديل عرفي (عمر محدد). ولكن ليس للعبادة بديل، فقد تقصر العبادة (الصلاة للمسافر) أو تسقط (الصلاة للحائض والنفساء) أو تقضى (الصيام للحائض والنفساء) ولكن لا تستبدل بغيرها. والشرع أتى باللفظ (أي النطق بالإيجاب والقبول) لانعقاد الزواج وإيقاع الطلاق وتنفيذ الرجعة، ولكن ينجز الآن الزواج والطلاق لفظاً وكتابة وإشارة، بل يجب على المرء في هذا العصر أن يسجل زواجه وطلاقه ويوثقه رسمياً. إن حقيقة كون بعض الظواهر الطبيعية لا تتحقق وأن العبادة المرتبطة بها ثابتة، يظهر بوضوح أن كل الظواهر الطبيعية التي استخدمها الشرع هي وسائل لا يتعبد بها، وأن القصد أو الهدف هو العبادة الثابتة. لقد رأينا في صفحات سابقة أنه من المستحيل أن تكون بعض الظواهر الطبيعية، أو غيرها من الوسائل، لإقامة تكاليف شرعية بحد ذاتها عبادة، كالحيض والاحتلام واللعان وشعر العانة وشراك النعل وغيرها. إن كل وظائف الظواهر الطبيعية محايدة بذاتها، ووجودها على وجه الأرض سابق للشريعة وللإنسان. فحينما تستخدم الشريعة الإسلامية ظواهر طبيعية كوسائل فإنها تقيم الحجة على البشر، لأن معرفة الظواهر الطبيعية لا تحتاج إلى علم مكتسب والإسلام لا يشترط الكتابة والقراءة لاعتناقه. فرسول الإسلام أمي وقومه أميون ويخلق الله كل البشر أميين، ولكن هذه ليست دعوة شرعية للأمية. كما لا يفهم من كل الآيات الواردة في القرآن أن السمع والبصر والفؤاد وسائل حصرية للتعلم؛ أي لا يجوز استخدام غيرها، وهكذا في استخدام معادن أو بقول أو حبوب أو أجرام سماوية أو المشي أو مقاييس طبيعية. وأخيراً ظهر لنا، أن التكليف الشرعي لا يسقط بعدم توفر ظاهرة شرعية طبيعية أو وسائلها؛ ولكن العكس غير صحيح، أي لا توجد ظاهرة (أداة) طبيعية شرعت وحدها كعبادة. لكن تيسيرا من المشرع الكريم يستعاض أحياناً بظاهرة طبيعية أخرى أو بأداة عرفية أخرى أو طريقتها لتحديد العبادة. كما لا يتعطل نص بتكليف شرعي باستخدام ظاهرة طبيعية أو عرفية بديلة لأن النص يبقى هو المرجع. الآن ماذا نستفيد من هذه النظرة الشمولية لدور ظواهر طبيعية في تحديد تكاليف شرعية؟ الجواب التالي: أولاً: على المسلم والمتخصص أيضاً في الشريعة الإسلامية أن يكون متناسقاً مع نفسه عندما ينظر إلى، ويتفقه في، أحكام الله وهدي رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. عدم حصول ذلك يظهر للغير أن أحكام الشريعة الإسلامية تناقض نفسها، بينما هو موقف فردي أو مذهبي. إن التناسق الفكري (أو عدمه) للفرد أو للاتجاه ليس له علاقة بأصل أحكام الشريعة الإسلامية. ومن التشطط والتسلط أن يجعل فرد من نسيج فكره وقدرة فهمه ومدى علمه حكراً لمراد الله سبحانه وتعالى وحكراً لمراد رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أي يخطئ غيره لأنهم اختلفوا معه ويصادر فكرهم لأنهم عارضوه. ثانياً: على المسلم أن يعلم أن شرع الله وحدة كلية متناسق في ذاته متناغم في خلقه – سبحانه فالتكاليف الشرعية شرع الله والظواهر الطبيعية خلق الله، والله هو الحق الحكيم. ثالثاً: أن الإسلام ليس فقط ديناً سماوياً بل ديناً طبيعياً أيضاً لاستخدامه الخلق في تحديد أمور الشرع. كما سيسهل شرح سلوك (مثلاً، السن المبكر للزواج والجهاد وضرب العنق لتنفيذ حكم الإعدام) للمتسائلين ولغير المسلمين.

ما النتيجة، إذا، لهذه النظرة الشمولية الجديدة؟ إذا سلمنا أن غرض استخدام الشرع لظواهر طبيعية هو كونها وسائل وليست عبادة، فسوف تتهاوى مشكلات ما فتئ مسلمون يجلبونها على أنفسم وعلى دينهم. سوف يتوحد توقيت أركان الإسلام (الصوم والحج)، ليس على أساس سيادة الدولة أو سياسة الجماعة أو جنوح الفرد، بل على أساس وحدة المصدر لخلق هذا الكون وقوانينه، وتشريع هذا الدين الإسلامي. سوف تتوحد أيضاً تقاويم وأعياد المسلمين على أساس أن كتاب الله المنظور متناسق بل متاطبق مع كتاب الله المسطور. وسوف تعرف ويعترف بمواقيت ظواهر كونية (كسوف الشمس وخسوف القمر وأوقات تساقط شهب وحتى ارتطام نيازك) وأعياد وأداء العبادات اللازمة لها ومواقيت مناسبات إسلامية مجيدة. لقد أنشأ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه تقويماً للمسلمين مبنياً على شرعهم تميزاً لهم عن غيرهم. بعد حوالي 1400 سنة من عدم اليقين يظل هذا التقويم الهجري غير مستخدم إلا من قلة وفي أرجاء أقل منها لأنه لا يخدم مصالحهم الآنية ولا المستقبلية. فالدول (بما في ذلك كل الدول الإسلامية) في ميزانياتها والمؤسسات والشركات في أعمالها المالية وأفراد عديدون لا يستخدمون إلا التقويم الميلادي الغربي (الشمسي) وإن سمي أحياناً بأسماء مختلفة. لقد آن الآوان للمسلمين لكي ينظروا نظرة شمولية لظاهرة الهلال الطبيعية وعلاقة ذلك بحياتهم اليومية والشرعية وعلى مدى طويل وذلك بتأسيس تقويم قمري منهجي، فالدافع موجود والمصلحة ملحة والقاعدة الآن ميسرة، والتعذر غير مقبول. إن الحقيقة، أن التقويم الهجري يحتضر، وعلى المسلمين أن يلوموا أنفسهم فقط لأنهم لم يطوروه. سوف تتوحد معاملات وأحوال مدنية وحقوقية لشؤون المسلمين اليومية في الإثبات والأدلة. لن تكون هناك ازدواجية أو نفور بين النص الشرعي في الشهادة الشخصية في عملية إثبات أحوال مدنية أو جنائية أو تعريف أشخاص، وبين الوسائل الحديثة والعلمية في التحقيق والإثبات. وقبل كل ذلك سوف ينشأ شباب مسلم لا يعاني من انفصام في شخصيته (إن لم يكن قد نشأ) محاولاً التوفيق بين دينه واعتزازه به وعلمه وارتباطه به، وبين أساتذة الفقه والتوحيد والتفسير من جهة وأساتذة العلوم والطبيعة والكيمياء والجغرافيا من جهة أخرى. وأخيرا، لن يكون هناك مجال لاتهام الإسلام بالتخلف وعدم قبول العلوم sciences. إن الله خالق الأكوان هو نفسه منزل الحكمة والقرآن وهو قطعاً الحق الحكيم الرحمن، وقول الله لا يناقض خلقه ولا خلقه يناقض قوله. وهو نفسه القائل {علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق: 5]. فهل علمنا حقا ما خلق ربنا وعلمنا أيضاً سننه الكونية وتفكرنا في ذلك؟ إن فهم فرد للكون وقوانينه يضفي بأثره، سلباً أو إيجاباً، على فهمه لشرع الله. إن فهم أحدهما لا يتم بسوء فهم الآخر. بل إن من عدم تنزيه الله في صفاته أن يجعل فرد من فهمه، غير العلمي non-scientific، أو العلم الخاطئ pseudo-science للكون وقوانينه أساس مراد الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم في شرعه، وصدق الحق القائل في كتابه المسطور:

{{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) اسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)} [آل عمران: 195]. صدق الله العظيم، صدق الخالق المبدع القيوم. ما أعظم هذه الآية، قدمت المادة وقوانينها والعقلاء على الذكر ولم يحدد الله سبحانه جنس الذاكر. وما أجمل هذا المزج بين ما خلق الله وشرع، والفكر والذكر. وما أجل الحق الذي لم يفرق بين الذكر والأنثى في الفكر والذكر والثواب. وما أروع هذا التناسق والتطابق بين كتاب الله المنظور وكتاب الله المسطور. وما أحسن الجزاء لمن علم وعمل بالفهم والدعاء. تم بحمد الله وفضله وبركته في يوم الاثنين 8 ربيع الآخر 1426 هجرية الموافق 16أيار/ مايو 2005 ميلادية (26 الثور 1383هـ ش). فإن أحسنت فمن الله وبتوفيقه وإن أخطأت أو قصرت فمن نفسي. أسأل الله الحليم الحكيم المغفرة والقبول لوالدي ولي، اللذين لهما الفضل والثواب، ولمشايخي العلماء العاملين المتسامحين الهينين اللينين رحمهم الله رحمة الأبرار وأجزل لهم الخير بما هو أهل له فهم الذين غرسوا في حب الله ورسوله وآل بيته وجميع أصحابه وقد كنت يافعاً أرتاد حلقاتهم في الحرم المكي (وأخص بالذكر سادتي وأحبائي الكرام: العلامة القطب السيد محمد أمين كتبي والعلامة الجليل السيد علوي عباس مالكي والعلامة الفاضل القاضي حسن مشاط والشيخ الحليم محمد نور سيف والشيخ الرباني محمد العربي التباني والشيخ عبد الله دردوم والعلامة الأستاذ الدكتور السيد محمد علوي مالكي) رحمهم الله جميعاً رحمة الأبرار وأسكنهم فسيح جناته وصحبة حبيبه سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم. وأسأل الله أن يجزي خيراً كل من ساهم في إخراج هذا الكتاب وقراءه الكرام. وهناك شكر خاص لمن علمنا (وأنا أحد طلبته) حب العلم وأصول الكتابة ومراعاة اللغة في سنوات الجامعة ليس في البحوث التي قدمناها له ولكن حتى في أوراق الاختبارات، بحسن خلقه وحسن معاملته وتقديره لكل واحد كإنسان له كيان. لقد أراد لنا الخير؛ فجزاك الله عنا (وأنا واثق من هذه) خير الجزاء. لقد بذرت يا سيدي وها أنا ذا أحصد فضلك.

الإجارة المنتهية بالتمليك في ضوء الفقه الإسلامي

الإجارة المنتهية بالتمليك في ضوء الفقه الإسلامي ¤خالد بن عبدالله الحافي£بدون¥بدون¨الثانية¢1421هـ€فقه¶عقود مالية - بيوع تقسيط وآجل الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والحمد لله الذي أعانني على إكمال هذا البحث وإتمامه، فما كان فيه من صواب فمن الله وما كان فيه من خطأ، أو نقص فهو مني، وأستغفر الله، وأتوب إليه. في نهاية بحثي المتواضع أريد تذييله بهذه الخاتمة وتعتبر خلاصة هذا البحث وقد جعلتها في ثلاثة أقسام: الأول منها يضم أهم النتائج التي توصلت إليها، والثاني يحتوي على نظام مقترح لعقد الإجارة المنتهية بالتمليك، والثالث يضم توصيات البحث، وهي كالآتي: القسم الأول: أهم النتائج. 1 - تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك هي: عقد بين طرفين يؤجر فيه أحدهما لآخر سلعة معينة مقابل أجرة معينة يدفعها المستأجر على أقساط خلال مدة محددة تنتقل بعدها ملكية السلعة للمستأجر عند سداده لآخر قسط بعقد جديد. 2 - الخطورة المترتبة على البيع التقسيط سبب في نشأة الإجارة المنتهية بالتمليك، مما حدا بالبائعين إلى ابتكار نوع مستحدث من العقود تجعلهم يحتفظون بملكية الشيء المبيع، وهو ما يسمى بالبيع الايجاري، أو الإجازة المنتهية بالتمليك. 3 - يرجع تاريخ الإجارة المنتهية بالتمليك إلى عام 1846م حيث ظهر هذا العقد لأول مرة في إنجلترا تحت اسم الهايربير شاس ( Hire -purchase ) وظهر هذا العقد في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1953م تحت اسم الليسنج ( Leasing ) ثم ظهر في فرنسا تحت تسمية ( Credit Bail ) عام 1962م. بعد ذلك انتقل هذا العقد إلى الدول الإسلامية، من خلال البنوك الإسلامية التي جعلت الإيجار المنتهي بالتمليك جزءا من العمليات الأساسية التي تقوم بها. 4 - صورة الإجارة المنتهية بالتمليك المطبقة في الوقت الحاضر تكون كالآتي: يتفق طرفان على أن يقوم أحدهما بتأجير الآخر سلعة معينة (عقار، آله، سيارة ... ) مقابل أجرة معينة تدفع على أقساط مفرقة في مدة محددة، وعند نهاية المدة وسداد جميع الأقساط المتفق عليها في عقد الإجارة، ينتهي عقد الإجارة بتملك المستأجر لتلك السلعة بناء على شرط اقترن بعقد الإجارة، وقد يكون هبة السلعة للمستأجر في نهاية المدة، أو ببيع السلعة له في نهاية المدة، أو الوعد ببيع، أو الوعد بهبة السلعة له في نهاية المدة. 5 - الحكم الشرعي لبيع التقسيط قائم على حكم أخذ الزيادة مقابل التأجيل، لأن المراد بحكم بيع التقسيط هو حكم أخذ الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال، وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة (الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة) على جواز زيادة الثمن المؤجل عن الثمن الحال، وبالتالي جواز بيع التقسيط. 6 - أن القول بجواز بيع التقسيط يستند إلى قاعدة شرعية من قواعد الفقه الإسلامي وهي: أن الأصل في المعاملات الحل حتى يقوم دليل على التحريم. 7 - ترجح لدي أن المقصود ببيعتين في بيعة هو ذكر ثمنين للسلعة دون الجزم بأحدهما، ومثال ذلك: أن يقول البائع للمشتري: بعتك هذه السلعة بعشرة نقدا، أو بخمسة عشر نسيئة، ثم يتفرقان على ذلك دون تحديد لأحد الثمنين. وهذا التفسير هو الذي عليه أكثر العلماء. 8 - ذهب رجال القانون إلى تخريج الإجارة المنتهية بالتمليك على بيع التقسيط مع شرط الاحتفاظ بالملكية -أي لا تنتقل ملكية السلعة المبيعة للمشتري إلا إذا تم سداد أقساط الثمن كاملة - وهذا الشرط لا تقره الشريعة الإسلامية، لأنه مخالف لمقتضى عقد البيع. 9 - إن شرط الاحتفاظ بملكية المبيع لا يصح، ولا يصح معه العقد، لأنه شرط مناف للمقصود الأساسي من العقد، وهو نقل الملك في الحال بمجرد العقد.

10 - أنه لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، لأن بيع التقسيط يجب أن يكون منجزا، ومعنى ذلك أن لا يعلق تمامه على أداء أقساط الثمن، فإذا تأخر المشتري عن سداد الثمن فللبائع حق المطالبة بالثمن في حال المماطلة، أما إذا كان المشتري معسرا، فيجب على البائع الانظار، لقوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون). وبذلك يتقرر أنه لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع. 11 - أن في الاحتفاظ بملكية المبيع غررا واضحا، لأن المشتري لو تخلف عن أداء قسط من أقساط الثمن ضاع عليه جميع ما دفعه من ثمن. 12 - أن الإجارة المنتهية بالتمليك عقد آخر ولا يمكن تخريجها على بيع التقسيط، لأن المؤجر في الإجارة المنتهية بالتمليك قد سلم المستأجر السلعة بمقتضى عقد الإجارة، وهو تمليك المنفعة، فمكن المستأجر من الانتفاع بالسلعة، وشرط في العقد عقدا آخر، وهو بيع السلعة بثمن متفق عليه، أو شرط هبة السلعة في نهاية المدة للمستأجر، إذا التزم بتسديد أقساط الإجارة في المدة المحددة، فإذا وفى المستأجر بأقساط الأجرة نقل له المؤجر ملكية السلعة وأصبح المستأجر مالكا لها بناء على عقد آخر هو الهبة، أو البيع. 13 - ترجح لدي: القول بصحة اشتراط أحد المتعاقدين على الآخر منفعة مباحة معلومة. 14 - يجوز اشتراط أحد العاقدين على العاقد الآخر عقدا آخر، إلا إذا كان العقد الآخر قرضا. 15 - أنه يجوز اجتماع عقود التبرع مع عقود المعاوضات المالية، لحديث بريرة، وحديث سفينة. 16 - أنه يجوز اجتماع عقد البيع مع عقد الإجارة، أو غيره من عقود المعاوضات بناء على ما ذهب إليه فقهاء الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وبعض فقهاء الشافعية في جواز اشتراط القيام بعمل في المعقود عليه، ومثال ذلك: أن يشتري نعلا على أن يحذوه البائع، أو كشرائه ثوبا بدراهم معلومة على أن يخيطه البائع، وهذه الأمثلة تدل على اجتماع عقد البيع مع عقد الإجارة، لأن العمل في المعقود عليه بمثابة الإجارة. 17 - ترجح لدي: جواز تعليق الهبة على شرط مستقبل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق إهداءه الحلة لأم سلمة على رجوعها إذا مات النجاشي فلما رجعت أعطاها لأم سلمة رضي الله عنها. 18 - أنه يجوز تخريج الإجارة المنتهية بالتمليك على أنها إجارة مع شرط الهبة إذا كانت الأجرة مثل أجرة المثل، وهذا يعني أن عقد الإجارة المنتهية بالتمليك هو عقد إجارة اقترن به اشتراط عقد آخر وهو عقد الهبة، والهبة هنا معلقة على شرط سداد الأقساط المتفق عليها في المدة المحددة. وتكون صيغتها: أجرتك هذه السلعة (عقار، سيارة، آلات، .. بأجرة تدفع على أقساط شهرية هي كذا لمدة كذا (ثلاث سنوات مثلا) على أنك إذا وفيت بهذه الأقساط في المدة المحددة وهبتك هذه السلعة المؤجرة لك، وقال الآخر قبلت. 19 - تبين لي أن البيع المعلق على شرط إذا لم يحدد له مدة معينة، فإنه لا يجوز بناء على ما قرره جمهور الفقهاء، أما إذا حددت فيه مدة معينة، فإنه يجوز أخذا برأ ي شيخ الإسلام ابن تيمية لأن عدم تحديد المدة يؤدي للجهالة المفضية للتنازع، وقد ورد عند الحنفية جواز تعليق البيع إذا وقت بمدة معينة. 20 - يجوز تخريج الإجارة المنتهية بالتمليك على أنها إجارة مع شرط البيع إذا كانت الأجرة مثل أجرة المثل، وهذا يعني أن عقد الإجارة المنتهية بالتمليك هو عقد إجارة اقتران به اشتراط عقد آخر وهو عقد البيع.

والبيع هنا معلق على شرط سداد الأقساط المتفق عليها في المدة المحددة. وتكون صيغة الإجارة المنتهية بالتمليك: أجرتك هذه السلعة لمدة هي كذا، بأجرة هي كذا، على أنك إذا وفيت بأقساط الإجارة في المدة المحددة بعتك هذه السلعة بثمن هو كذا، ويقول الآخر: قبلت. 21 - جواز الإجارة المنتهية بالتمليك إذا تم البيع في نهاية مدة الإجارة بثمن رمزي مادام أن المؤجر قد رضي بهذا الثمن لسلعته، لأن العبرة حصول التراضي على الثمن في عقد البيع. 22 - ترجح لدي: أن الوفاء بالوعد يلزم مطلقا (سواء كان على سبب أو لم يكن على سبب) ولا يجوز إخلافه للأدلة الصريحة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أقوال وأفعال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أقوال وقضاء بعض التابعين من سلفنا الصالح، وفي القول بذلك مصلحة كبرى لعموم المسلمين، وليس في ذلك ترتيب مضرة على الواعد، فهو الذي التزم على نفسه، ولغيره، بما لا يلزمه ابتداء طائعا مختارا. 23 - أنه يجوز تخريج عقد الإجارة المنتهية بالتمليك على الإجارة مع الوعد بالبيع، وهذا يعني أن عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، عقد إجارة مقرون بالوعد بالبيع، علما بأن الوعد معلق على شرط وهو سداد جميع أقساط الإجارة في المدة المحددة. ولا يلزم الوعد بالبيع، إلا إذا تحقق هذا الشرط، وتكون صيغة العقد: أجرتك هذه السلعة بأجرة تدفع على أقساط شهرية هي كذا، ولمدة كذا، وأعدك وعدا ملزما ببيعها لك بثمن هو كذا إذا تم سداد أقساط الإجارة في المدة المحددة ويقول الآخر: قبلت. 24 - أنه يجوز تخريج عقد الإجارة المنتهية بالتمليك على الإجارة مع الوعد بالهبة، وهذا يعني أن عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، عقد إجارة مقرون بالوعد بالهبة علما بأن الوعد معلق على شرط وهو سداد جميع أقساط الإجارة في المدة المحددة، ولا يلزم الوعد بالهبة، إلا إذا تحقق هذا الشرط، وتكون صيغة العقد: أجرتك هذه السلعة بأجرة هي كذا تدفع على أقساط هي كذا، ولمدة كذا، وأعدك بهبة السلعة لك إذا تم سداد جميع الأقساط الإيجارية في المدة المحددة، ويقول الآخر قبلت. 25 - إذا كان مصدر الوعد تبادليا أي صدر من المؤجر، والمستأجر فيتضح أن هناك وعدان: وعد بالشراء ووعد بالبيع، فالمؤجر التزم ببيع السلعة للمستأجر، والمستأجر التزم بشراء السلعة من المؤجر فالوعد في هذه الحالة يكون ملزما لكلا الطرفين، ويعتبر كالشرط وبذلك تتخرج الإجارة المنتهية بالتمليك في هذه الحالة إجارة مع شرط البيع والشراء. 26 - إن الوعد بالبيع، أو الوعد بالهبة المقترن بالإجارة المنتهية بالتمليك لا يمثل إيجابا، أو قبولا يعبر عن إرادة الطرفين، لذلك لا بد لإتمام العقد من صيغة لعقد البيع في حال الوعد بالبيع، وصيغة لعقد الهبة في حال الوعد الهبة، وذلك لعدم وجود صيغة له من قبل. 27 - إن الموعود له إذا لم يف له الواعد بما وعد به، فله مطالبة الواعد بتنفيذ وعده، والرفع بذلك للقاضي خصوصا إذا ترتب على ذلك ضرر. 28 - إن عقد الإجارة المنتهية بالتمليك ينتهي بالإقالة، أي إذا اتفقت إرادة الطرفين (المؤجر والمستأجر) في عقد الإجارة على فسخ العقد برضا واختيار منهما، فإن العقد ينفسخ، لأن الشرط هو الرضا، والفسخ في هذه الحالة صحيح، وبذلك ينتهي عقد الإجارة، ويترتب عليه إلغاء حكمه وآثاره من الوقت الذي تم فيه الاتفاق على إنهاء العقد.

29 - يجوز للمستأجر أن يتعجل في تملكه للعين المؤجرة له قبل انقضاء مدة الإجارة، إذا وافقه المؤجر على ذلك، وأنهما على حسب ما يتفقان عليه، إذا تراضيا على ذلك، فقد يتفقان على أن يدفع المستأجر جميع الأجرة قبل نهاية المدة المتفق عليها، وثمن بيع العين المؤجرة له الذي سبق الاتفاق عليه عند بداية العقد، فيتملك العين، فيستحق المؤجر الأجرة نتيجة لعقد الإجارة، وثمن العين المؤجرة نتيجة بيعها للمستأجر، وفي هذه الحالة لا تنفسخ الإجارة، وقد يتفقان على أن تحتسب أجرة المدة المتبقية ثمنا للعين المؤجرة مقابل تملك المستأجر لها، وفي هذه الحالة تنفسخ الإجارة فيما بقي من المدة. 30 - إذا اشترط أحد المتعاقدين (المؤجر، المستأجر) على العاقد الآخر شروطا لا تخالف الشرع، بل فيها مصلحة لأحدهما، فإن هذه الشروط تعتبر شروطا صحيحة يجب الوفاء بها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا) 31 - إذا اشترط المؤجر في الإجارة المنتهية بالتمليك دفع جزء الأجرة مقدم، وباقي الأجرة يكون مفرقا كل شهر مبلغ معين، فإن ذلك جائز. 32 - يجوز للمؤجر في الإجارة المنتهية بالتمليك اشتراط فسخ العقد إذا تأخر المستأجر عن سداد أقساط الأجرة في الوقت المحدد، وأرى عدم فسخ العقد مباشرة بمجرد التأخر، وإنما ينظر في سبب تأخر المستأجر عن دفع الأجرة في الوقت المتفق عليه، هل هو مماطل أو له عذر أجبره على التأخير؟ فإن كان مماطلا فللمؤجر فسخ مباشرة إذا أراد ذلك، أو إنذاراه بفسخ العقد إذا لم يلتزم بما اشترط عليه، أما كان له عذر أجبره على التأخر، فالواجب على المؤجر انظاره وقبول عذره، وعدم الاستعجال بفسخ العقد، 33 - إن اشتراط المؤجر على المستأجر صيانة العين المؤجرة، والقيام بتحمل نفقات الصيانة لا يجوز، لأن العين المؤجرة ملك للمؤجر ونفقتها أي صيانتها واجبة عليه، كما أن اشتراط صيانة العين المؤجرة على المستأجر يؤدي إلى جهالة الأجرة، بناء على أقوال الفقهاء التي توضح أن اشتراط صيانة العين المؤجرة على المستأجر شرط فاسد. 34 - إذا شرط المؤجر الصيانة على المستأجر، ولم يلتزم المستأجر بهذا الشرط، فلا يحق للمؤجر فسخ العقد، ولا تنتهي الإجارة بل العقد ماض إلى نهاية المدة. 35 - إذا لم يقم المؤجر بصيانة العين، فللمستأجر الحق في فسخ عقد الإجارة، حيث أكد ذلك الشافعية والحنابلة، فبينوا أن للمستأجر فسخ العقد، إذا لم يقم المؤجر بصيانة العين. 36 - إذا اشترط المؤجر على المستأجر التأمين على العين المؤجرة، فإن هذا الشرط لا يجوز بل هو شرط فاسد، لأن بقاء العين سالمة مدة عقد الإجارة هي مسئولية المؤجر كما أن العين المؤجرة أمانة في يد المستأجر، وإذا تلفت بغير تقصير وتعد من المستأجر، فإنه لا يضمنها. 37 - إذا شرط المؤجر التأمين على المستأجر، ولم يلتزم المستأجر بهذا الشرط فلا يحق للمؤجر فسخ العقد ولا تنتهي الإجارة بل العقد ماضي إلى نهاية المدة. 38 - إذا تلفت العين المؤجرة أثناء المدة بغير تعد ولا تقصير من المستأجر أو غصبها غاصب، فإنه يحق للمستأجر فسخ العقد وتسقط الأجرة فيما بقي من المدة. 39 - إن عقد الإجارة المنتهية بالتمليك لا ينتهي بجنون المؤجر، أو المستأجر، وإنما يتنقل العقد لوليه، فيقوم بالالتزام به حتى نهاية المدة. 40 - إن المؤجر في الإجارة المنتهية بالتمليك لا يحق له فسخ عقد الإجارة إذا أفلس المستأجر في أثناء المدة ومضى بعضها. أما إذا لم يمض شيء منها، فإن له حق فسخ العقد إذا أراد ذلك، وإذا أراد بقائه وعدم فسخه فإنه يكون أسوة بالغرماء. 41 - إن عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، لا ينفسخ بفلس المؤجر، بل يكون ماضيا حتى نهاية مدته. لأن حق المستأجر متعلق بالعين، والمنفعة مملوكة له في هذه المدة، وعقد الإجارة ارتبط به شرط انتقال ملكية العين للمستأجر في نهاية المدة بناء على عقد آخر، فلذلك يكون المستأجر أحق بالعين من الغرماء. 42 - ترجح لدي القول بعدم فسخ الإجارة بموت أحد المتعاقدين، وأن الورثة يقومون مقام مورثهم بإتمام العقد، إلا إذا لم يكن للمستأجر وارث، أو ترتب على بقاء عقد الإجارة ضرر بالورثة، فإنني أرى رفع الأمر إلى القاضي لكي يرفع الضرر عنهم بفسخ العقد، وفي ذلك إعمال قاعدة فقهية نص عليها الفقهاء، وهي أن الضرر يزال.

الإسلام والذمة (معاملة غير المسلمين في الإسلام)

الإسلام والذمة (معاملة غير المسلمين في الإسلام) ¤محمد الزحيلي£بدون¥المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية - الأردن¨بدون¢1989م€فقه¶معاملة غير المسلمين الخاتمة: ويظهر من خلال البحث سماحة الإسلام والمسلمين في التعاون مع غير المسلمين، وإقرارهم على دينهم وعقيدتهم، والارتباط معهم بعهد وعقد منسوب إلى الله والرسول، لأهميته والحرص على تطبيقه والحفاظ عليه، وأن الواقع العملي في رعاية غير المسلمين في الدولة والمجتمع الإسلامي كان يتفق - أو يفوق - الجانب النظري، ولذلك تم التعايش الكامل بين المسلمين وغير المسلمين طوال الحقبة التاريخية السابقة، وحافظ غير المسلمين على وجودهم وكيانهم ودينهم حتى الوقت الحاضر، مع قيام الارتباط الوثيق بينهم وبين المسلمين في جوانب الحياة المختلفة، دون التدخل في العقيدة والمسائل الدينية البحتة، التزاماً بقوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين}. كما أثبت التاريخ أن غير المسلمين تبوأوا مناصب عالية، ومراكز مرموقة، وأنهم كانوا في قصور الخلفاء، وأن الحكام والأمراء استعانوا بهم، وأسندوا إليهم الوظائف المختلفة، ولمع منهم عدد كبير، وهو ما لاحظه المستشرق آدم متز، فقال: " من الأمور التي نعجب لها كثرة عدد العمال والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الاسلامية "، وهذا ما أتاح لهم إبداء الرأي، وتقديم المشورة والخبرة في مختلف القضايا باستثناء الأمور الدينية، وهكذا نعم غير المسلمين بالإقامة بجوار المسلمين، متمتعين بالحقوق الكاملة، والكرامة والعيش الرغيد تحت مظلة الشريعة الإسلامية. لذلك نختم البحث بتوصية متواضعة، وهي أن الالتزام بشريعة الله تعالى هي الضمان الرئيسي لحفظ الحقوق لكل فئات المجتمع، دون أن نفسح المجال لدخيل فكري، أو تشريع مستورد، يمزق كيان الأمة، ويثير النعرات بينها، ويوقد الطائفية بين أبنائها، ويجب أن نحرص على التقيد بالشريعة الغراء، وندعو إلى تطبيقها، وتقنين أحكامها، ليسود العدل والإخاء في ربوع البلاد. والحمد لله رب العالمين

الإشارة وما يتعلق بها من أحكام في الفقه الإسلامي

الإشارة وما يتعلق بها من أحكام في الفقه الإسلامي ¤عبدالله بن محمد الطريقي£بدون¥بدون¨بدون¢1413هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة بعد أن استعرضنا موضوع الإشارة وما يتعلق بها من أحكام بالنسبة للأخرس، وبالنسبة للناطق، بقي أن نوضح أهمية هذه الإشارة وأنها قد تقدم على العبارة نظرا لتوغلها في التعريف فنقول: إذا اجتمعت الإشارة والعبارة واختلف موجبهما فأيهما يقدم؟ إذا اجتمعت الإشارة والتسمية (العبارة) هل تعتبر الإشارة أو التسمية؟ في ذلك كلام للفقهاء نفصله فيما يأتي: عند الحنفية يقول أبو حنيفة – رحمه الله -: إذا اجتمعت الإشارة والتسمية فتعتبر الإشارة لكونها أبلغ في المقصود وهو التعريف. ومحمد بن الحسن يقول: الأصل أن المسمى إن كان من جنس المشار إليه يتعلق بالمشار إليه، لأن المسمى موجود في المشار إليه ذاتا، والوصف يتبعه، وإن كان من خلاف جنسه يتعلق بالمسمى، لأن المسمى مثل للمشار إليه، وليس بتابع له، والتسمية أبلغ في التعريف من حيث أنها تعرف الماهية، والإشارة تعرف الذات، ألا ترى أن من اشترى فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج لا ينعقد العقد لاختلاف الجنس، ولو اشترى على أنه ياقوت أحمر فإذا هو أخضر ينعقد العقد لاتحاد الجنس. وقد أشكل على الحموي (ت 1098هـ) قوله: وإن كان من خلاف جنسه .. الخ فقال: يشكل على هذا ما في المحيط من باب ما يرجع به الوكيل على الموكل قال: بعت منك هذا الحمار بكذا وأشار إلى عبد قائم بين يديه جاز العقد على العبد، ولا عبرة بالتسمية لأن العقد تعلق بالمشار إليه، انتهى. قلت: وجه الإشكال أن المسمى في المسألة المذكورة من غير جنس المشار إليه وقد تعلق الحكم بالمشار إليه مع أنه على أصل محمد يتعلق بالمسمى لأنه من غير جنسه، فينصرف العقد إلى الحمار لأنه المسمى لا إلى العبد، والله أعلم. قال ابن نجيم معقبا على قول محمد: الأصل أن المسمى إن كان من جنس المشار إليه .. الخ: قال الشارحون: إن هذا الأصل متفق عليه في النكاح، والبيع، والإجارة، وسائر العقود، ولكن أبو حنيفة – رحمه الله – جعل الخمر والخل جنسا، والحر والعبد جنسا واحدا فتعلق بالمشار إليه، فوجب مهر المثل فيما لو تزوجها على هذا الدن من الخل وأشار إلى خمر، أو على هذا العبد وأشار إلى حر، ولو سمى حراما وأشار إلى حلال فلها الحلال في الأصح، ولو سمى في البيع شيئا وأشار إلى خلافه، فإن كان من خلاف جنسه بطل البيع، كما إذا سمى ياقوتا وأشار إلى زجاج لكونه بيع المعدوم، ولو سمى ثوبا هرويا وأشار إلى مروي اختلفوا في بطلانه أو فساده، هكذا في الخانية في البيع الباطل ذكر الاختلاف في الثوب دون الفص، انتهي كلام ابن نجيم. وجاء في الفتاوى الخانية في كتاب النكاح: رجل له ابنة واحدة اسمها عائشة فقال الأب وقت العقد: زوجت منك ابنتي فاطمة، لا ينعقد النكاح بينهما، ولو كانت المرأة حاضرة فقال الأب: زوجتك ابنتي فاطمة هذه وأشار إلى عائشة، وغلط في اسمها وقال الزوج قبلت جاز النكاح، انتهى. قلت: وهذا يعني أنه غلب الإشارة على العبارة لكون الابنة واحدة ليس له غيرها هي عائشة. قال ابن نجيم: بعد ذكره لكلام الخانية السابق: ومقتضاه أنه لو قال: زوجتك هذا الغلام وأشار إلى ابنته الصحة تعويلا على الإشارة، وكذا لو قال: زوجتك هذه العربية فكانت أعجمية، أو هذه العجوز فكانت شابة أو هذه البيضاء فكانت سوداء أو عكسه، انتهى. قلت: يظهر لي أن كلام ابن نجيم هذا أعم مما في الخانية السابق، والله أعلم. أقول: ومما سبق يظهر أن كلام الحنفية السابق يقتضي ترجيح تقديم الإشارة على العبارة إلا أنهم يختلفون في الإشارة هل تكون من جنس المسمى أو من غير جنسه كما سبق.

وظاهر كلام الشافعية تغليب الإشارة على العبارة إذا اجتمعتا واختلف موجبهما وحمل ذكر العبارة على الغلط. قال الزركشي: إذا اجتمعت الإشارة والعبارة واختلف موجبهما غلبت الإشارة ويحمل ذكر العبارة على الغلط، ووجه أن الإشارة هي الأصل في التعريف، إنما جعل الأسامي نائبة عنها في حالة الغيبة كما لو حلف لا يأكل من لحم هذه البقرة وأشار إلى سخلة، وأكل منها يحنث قطعا. وقال: لو أشار إلى ابنته وقال: زوجتك هذه فلانة وسماها بغير اسمها، أو أشار إليها وقال زوجتك هذا الغلام فحكى الروياني عن الأصحاب الصحة تعويلا على الإشارة. وقال أيضا: لو قال إن أعطيتني هذا الثوب الهروي فأنت طالق فأعطته فبان مرويا فالأصح نفوذه تغليبا للإشارة، ولو قال: أنت طالق في هذا اليوم إذا جاء الغد وقع في اليوم تغليبا للإشارة، وكذا لو قال للحائض: أنت طالق في هذا الوقت للسنة، طلقت في ظاهر المذهب تغليبا للإشارة، قاله القاضي حسين، انتهي كلام الزركشي. وقال السيوطي: إذا اجتمعت الإشارة والعبارة، واختلف موجبهما غلبت الإشارة، انتهى. ثم ذكر أمثلة على ذلك منها: لو قال: زوجتك فلانة هذه، وسماها بغير اسمها صح قطعا، وحكى فيه وجه. ولو قال: زوجتك هذا الغلام وأشار إلى ابنته نقل الروياني عن الأصحاب صحة النكاح تعويلا على الإشارة، انتهى. وجاء في شرح المنهاج في الأيمان: ولو حلف لا يدخل دار زيد، أو لا يكلم عبده أو زوجته فباعهما، أو طلقها فدخل وكلم لم يحنث لزوال الملك بالبيع والطلاق، إلا أن يقول داره هذه، أو زوجته هذه، أو عبده هذا فيحنث تغليبا للإشارة، إلا أن يريد ما دام ملكه فلا يحنث، انتهى. قلت: تغليب الإشارة على العبارة عند الشافعية يستثنى منه ما الملحوظ فيه اللفظ كالعقود، وذلك كما لو عقد على درهمين معينين فخرج أحدهما نحاسا له قمية، فالعقد باطل، لأنه بأن أنه غير ما عقد عليه، وقيل: إنه صحيح تغليبا للإشارة. قال النووي في الإيمان: إذا قال لا أدخل دار زيد هذه فباعها زيد ثم دخلها فيحنث على الصحيح، لأنه عقد اليمين على عين تلك الدار، ووصفها بإضافة قد تزول، فغلب التعيين كما لو قال: لا أكلم زوجة زيد هذه، أو عبده هذا، فكلمهما بعد الطلاق والعتق يحنث، ولو قال: لا آكل لحم هذه البقرة وأشار إلى شاة فإنه يحنث بأكل لحمها، فلا يجيء فيها الخلاف فيما لو قال: بعتك هذه البقرة، وهي شاة، لأن العقود يراعى فيها شروط وتعبدات لا يعتبر مثلها في الإيمان، انتهى. قلت: مما تقدم يظهر لنا أن الشافعية يقولون إن الأصل هو تغليب الإشارة على العبارة إذا اجتمعتا واختلف موجبهما إلا ما استثني، والله أعلم. وظاهر كلام الحنابلة تغليب الإشارة فقد جاء في كتاب المغني لابن قدامة في الصداق: وإن قال أصدقتك هذا الخمر وأشار إلى الخل، أو عبد فلان هذا، وأشار إلى عبده صحت التسمية، ولها المشار إليه، لأن المعقود عليه يصح العقد عليه، فلا يختلف حكمه باختلاف صفته، كما لو قال: بعتك هذا الأسود وأشار إلى أبيض، أو هذا الطويل وأشار إلى قصير، انتهى. وقال في الطلاق: وإن أشار إلى عمرة فقال: يا حفصة أنت طالق، وأراد طلاق عمرة فسبق لسانه إلى نداء حفصة طلقت عمرة وحدها، لأنه لم يرد بلفظه إلا طلاقها، وإنما سبق لسانه إلى غير ما أراده، فأشبه ما لو أراد أن يقول: أنت طاهر فسبق لسانه إلى أنت طالق، انتهى. قلت: قد ذكر ابن قدامة أن عمرة قد طلقت تغليبا للإشارة مع أنها المنوية، أما لو أشار إلى عمرة ونوى حفصة فقد ذكر أنهما تطلقان معا حيث قال: وإن أتى باللفظ مع علمه أن المشار إليها عمرة طلقتا معا عمرة بإشارته إليها، وإضافة الطلاق إليها، وحفصة بنيته، وبلفظه بها، وإن ظن أن المشار إليها حفصة طلقت حفصة، وفي عمرة روايتان كالتي قبلها، انتهى. قلت: يظهر مما تقدم أن جمهور أئمة المذاهب يرون تغليب الإشارة على العبارة إذا اجتمعتا واختلف موجبهما إلا أن لبعضهم خلاف في بعض التفاصيل سبق بيانها، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الإعادة في العبادات

الإعادة في العبادات ¤حسين بن عبدالله العبيدي£بدون¥دار السنة - الرياض¨الأولى¢1428هـ€فقه¶فقه عبادات منوعات الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبعد فإن لكل عمل آخرا وختاما وسأسطر خاتمة لهذا البحث تتضمن أهم النتائج التي ظهرت من هذا البحث وهي على النحو الآتي 1 - الإعادة تعني الفعل مرة أخرى سواء كانت الإعادة من أوله أو لجزء من أجزائه 2 - الإعادة قسم من أقسام الحكم الوضعي متميزة عن الأداء والقضاء 3 - الإعادة تنفرد عن كل من الأداء والقضاء فإن الأداء فعل العبادة في وقتها المحدد لها من قبل الشارع أولا بينما القضاء فعل العبادة بعد خروج وقتها المقدر من قبل الشارع أولا أما الإعادة فهي فعل العبادة ثانيا سواء كان في الوقت أو خارجه إلا أن الفعل الأول إذا كان صحيحا فإن الإعادة تكون محصورة في الوقت خاصة وإن كان الفعل الأول فاسدا فالإعادة تكون في الوقت وخارجه 4 - أن العبادة إذا وقعت بأركانها وشروطها وواجباتها على وجه الكمال فهي صحيحة لا تلزم إعادتها إلا من سبب يدعو لذلك كإعادة المنفرد صلاته مع الجماعة 5 - العبادة لا تعاد لفوات شيء من سننها كمن ترك التثليث في الوضوء مثلا 6 - للإعادة أسباب منها: أن يقع الفعل غير صحيح لعدم توفر شرط صحته فيعاد كمن صلى بدون طهارة إلا أن الإعادة تأخذ حكم ذلك الفعل في الشرع فإن كان ذلك الفعل واجبا وجبت الإعادة وإن كان مندوبا ندبت الإعادة ومنها لو شك في الفعل فإنه يعيد كما لو شك في النية مثلا في الطهارة ومنها إبطال الفعل بعد وقوعه كما لو ارتد المكلف بعد عبادته ومنها زوال المانع كما لو قدر المتيمم على الماء قبل صلاته ومنها الافتيات على صاحب الحق كمن غصب حق غيره وأخرجه عن الواجب عليه فإن ذمته لا تبرأ وعليه الإعادة 7 - النية شرط لصحة العبادة فلا تصح بدونها فمن تركها أعاد 8 - الشك في النية في أثناء العبادة مؤثر في صحتها بخلاف الشك فيها بعد انقضائها 9 - لا يصح التطهر بالماء المستعمل في رفع حدث ويصح التطهر بفضل طهور المرأة 10 - الشرع حرم اعتداء الناس بعضهم على حق بعض فحرم الغصب بكل صوره وأنواعه إلا أن هذا الغصب لا يؤثر على صحة العبادة لأن هذا النهي ليس متعلقا بذات العبادة بل ينهى عن الغصب فيها وخارجها وذلك كمن غصب آنية فتوضأ منها أو ماء فتوضأ به أو مكانا فصلى فيه أو سترة غصبها واستتر بها وكذا ما نهي عنه لذاته لا يؤثر على صحة العبادة كمن صلى بثوب الحرير 11 - المضمضة والاستنشاق والترتيب في غسل الأعضاء والموالاة في غسلها فروض للوضوء لا يصح مع الإخلال بشيء منها فمن أخل بها لا يصح وضوءه وعليه إعادته كما أن التسمية والدلك فيه سنن يستحب فعلها ولا يترتب على تركها إعادة الوضوء 12 - المضمضة والاستنشاق فرضان من فروض الغسل يترتب على تركهما عدم صحة الغسل فتلزم إعادته بينما الموالاة والدلك سنتان من سنن الغسل 13 - عناية الشريعة الإسلامية باليسر ورفع الحرج فقد جعل الله تعالى لهذه الأمة التراب مطهرا عند تعذر استعمال الماء بأي وجه من الوجوه 14 - يعاد التيمم لدخول وقت كل صلاة 15 - للتيمم فروض يلزم مسحها بالتراب وهما الوجه واليدان والترتيب في مسحهما وكذا الموالاة من شرطه فلا يصح مع الإخلال بهما إلا أن هذا الحكم في التيمم عن الحدث الأصغر بخلافه في التيمم عن الحدث الأكبر

16 - الأذان والإقامة من العبادات التي أمر بها الشرع فيعتبر لصحتهما شروط هي: أن يكون المؤذن أهلا للأذان بأن يكون مسلما عاقلا مميزا وأن يكون ذكرا فلا يصح أذان غير المسلم ولا غير العاقل ولا غير المميز ولا يصح أذان المرأة للرجال فيعاد ولا يلزم أن يكون المؤذن بالغا ولا عدلا بل يصح منهما فلا يعاد 17 - الأذان والإقامة يصحان من غير المتطهر مطلقا فلا يعادان 18 - الأذان عبادة مؤقتة بوقت فلا يصح قبل وقته إلا في صلاة الفجر خاصة فيؤذن لها قبل دخول وقتها وتستحب إعادته إذا دخل الوقت 19 - يشترط الترتيب في كلمات الأذان والإقامة كما وردا على الترتيب المعروف من الشارع ويضر في صحتهما التفريق الفاحش فيعادان 20 - للصلاة منزلة عظيمة في الإسلام فهي عموده وركنه المتين فتشترط لها الطهارة من الحدث والنجس فلا تصح من غير المتطهر إلا أن الله تعالى من رحمته بعباده وتيسيره عليهم أن خفف على الناس بأن من لم يستطع التطهر مطلقا أو لم يستطع اجتناب النجاسة صلى على حسب حاله وصحت صلاته فلا يعيدها 21 - يجوز لكل من خاف ضررا من استعمال الماء سواء كان في الحضر أو في السفر ويصلي وتصح صلاته فلا يعيدها 22 - من تيمم لصلاة ثم وجد الماء في أثنائها لزمه استعماله ولا يجوز له الاستمرار على تيممه فلو استمر لم تصح صلاته وعليه إعادتها بعد تطهره بالماء 23 - المكلف إذا أمر بفعل شيء ففعله حيث جاز له ذلك أجزأه فلا يكلف بفعله مرة أخرى لأن ذلك المكلف فعل ما أمر به وأبيح له فعله فأجزأه وبرئت ذمته منه فلا وجه للقول بإعادته وذلك كمن عدم السترة أو المطهر فصلى على حسب حاله ثم وجد السترة أو المطهر فإنه لا يعيد 24 - من وجد الماء يباع بثمن زائد على ثمن المثل زيادة يسيرة لزمه تحملها وشراؤه الماء للتطهر فلو تركه وصلى لم تصح صلاته وعليه إعادتها 25 - من نسي الماء الذي كان معه فتيمم وصلى ثم تذكر أن معه ماء يلزمه إعادة صلاة ولا يعذر بهذا النسيان 26 - للصلاة وقت لا تصح قبله مطلقا 27 - الصبي إذا صلى نفلا ثم بلغ في الوقت لزمته الفريضة 28 - عناية الشريعة المطهرة باليسر ورفع الحرج وقد ظهر هذا جليا فيما شرعه الله تعالى للمسافر من رخص للتيسير والتخفيف فإذا قصر المسافر أو جمع ثم قدم بلده في الوقت أجزأته صلاته وهو في السفر فلا يعيدها صلاة مقيم 29 - ثواب العمل يبطل بالردة ولكن العمل ذاته لا يبطل إلا بالموت مرتدا 30 - الترتيب شرط في الصلوات فلو أخل المصلي به لم يصح ولزمته الإعادة حتى يأتي بالصلاة على الترتيب كما وجبت 31 - ستر العورة شرط لصحة الصلاة فمن صلى مكشوف العورة لم تصح صلاته وعليه إعادتها وكذا من انكشفت عورته في أثناء صلاته إلا إذا استتر حالا بدون زمن طويل 32 - المعول عليه في صفة الساتر أن يكون صفيقا لا يصف ما تحته من لون البشرة بخلاف ما إذا وصف الحجم فلا يضر 33 - الله تعالى لم يكلف عباده فوق طاقتهم فالتكليف حسب الوسع والطاقة يظهر ذلك في أن من لم يجد إلا سترة نجسة فإنه يصلي بها وتصح صلاته فلا يعيدها وكذا لو صلى عاريا ولم يجد السترة إلا بعد الفراغ من صلاته فإنه لا يعيد وهذا بخلاف ما لو قدر على السترة في أثناء صلاته فإنه يستتر بها ويبني على ما تقدم من صلاته إن كان عمله يسيرا ولم يمض عليه زمن مكشوف العورة بعد تحصيلها وإلا فيستتر ويعيد صلاته 34 - استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة ولكنه يسقط في حال صلاة الخائف ومثله المعذور عموما أو المتنفل إذا كان مسافرا لجهة غير الكعبة 35 - من اجتهد في طلب القبلة أجزأته صلاته أصابها أو لم يصبها 36 الصلاة لا تصح مع ترك ركن من أركانها مطلقا أما الواجب فتصح معه الصلاة إذا ترك سهوا مع سجود السهو

37 - من شك في صلاته في عدد ركعاتها فإنه يبني على اليقين وهو الأقل مطلقا سواء كان إماما أو منفردا وسواء كان شكه لأول مرة أو تكرر 38 - الكلام في الصلاة مناف لصحتها إذا كان عمدا لغير مصلحتها وكذا لو كان سهوا يستوي قليله وكثيره فتعاد معه بخلاف ما إذا كان الكلام يسيرا لمصلحة الصلاة فلا تبطل به ولا تعاد 39 - وجود الحدث في الصلاة يبطلها ويلزم المصلي إعادة صلاته من أولها بعد التطهر ولا يبني على ما مضى منها 40 - صلا ة المأموم صحيحة إذا ظهر حدث إمامه بعد الفراغ من الصلاة فلا يعيد وكذا لو تبين حدثه في أثنائها بشرط أن ينوي مفارقته ولا يقتدي به بشيء من حين علمه 41 - الدين الإسلامي حث على صلاة الجماعة ورغب فيها فمن صلى منفردا ثم وجد جماعة تصلي هذه الصلاة في وقتها فإنه يستحب له إعادتها معهم أي صلاة كانت وكذا لو كان قد صلى في جماعة إذا أقيمت الصلاة وهو في المسجد أو دخل بعد ما أقيمت وإلا فلا 42 - الشرع المطهر جعل لكل مصل موقفا فمن وقف منفردا خلف الصف لم تصح صلاته وعليه إعادتها لما تقدم أما لو وقف عن يسار الإمام مع خلو يمينه فإنها تصح مع الكراهة فلا يعيدها 43 - إمامة الفاسق صحيحة فلا يعيد من صلى خلفه 44 - ينبغي ألاّ يتولى الإمامة في الصلاة إلا المتعلم فلو تقدم الإمام الأمي وصلى خلفه مثله صحت صلاة المأموم بخلاف ما لو صلى خلفه قارئ فلا يصح اقتداء القارئ بالأمي على ما تقدم بيانه 45 - لا يلزم اتفاق الإمام والمأموم بالنية في صلاة الفريضة فيصح اقتداء المفترض بالمنتفل وتصح صلاته فلا يعيدها 46 - صلاة الجمعة تنفرد عن غيرها من الصلوات بخصائص فلا تصح إلا مع توفر شروطها الخاصة بها وأن الجمعة لا تنعقد بمن لا تجب عليه فلا يحسب من العدد المشترط فيها 47 - يجوز تعدد إقامة الجمعة في البلد الواحد حسب الحاجة وتصح جميعا بخلاف ما إذا وجد التعدد لغير حاجة فلا يصح منها إلا ما دعت إليه الحاجة دون غيره 48 - الفرض يوم الجمعة هو صلاة الجمعة فلا يجوز لمن تجب عليه أن يصليها ظهرا قبل الفراغ منها فلو صلاها لم تجز عنه ولزمه إعادتها أما المعذور وهو من لا تجب عليه الجمعة فيجوز له أن يصليها ظهرا قبل فراغ الإمام من الجمعة فلا يعيدها ولو زال عذره بعد الفراغ من صلاته 49 - المعول عليه في صحة الإمامة توفر الشروط المعتبرة في الإمامة 50 - صلاة الجماعة مأمور بها في صلاة الخوف فيصلي الخائف على حسب حاله وما يستطيعه وصلاة الخوف تختلف عن صلاة الأمن فيغتفر فيها ما لا يغتفر في غيرها من القتال فيها أو حمل الشيء النجس لمن اضطر إليه أو بنوا على ظنهم لسواد حسبوه عدوا فصلوا صلاة الخوف أجزأتهم صلاتهم فلا يعيدونها 51 - إذا زال الخوف رجع الخائف آمنا فإذا كان غير مستقبل لزمه الاستقبال وهكذا وإذا حدث الخوف في صلاة الأمن ترخص المصلي برخص صلاة الخوف وتصح صلاته في الحالين فلا يعيد 52 - يعاد غسل الميت إذا خرجت منه نجاسة حتى يطهر 53 - من لم يصل على الميت يجوز له الصلاة عليه ولو صلى عليه غيره بخلاف ما إذا صلى عليه ذلك الشخص فلا يشرع له إعادتها 54 - تغسيل الميت شرط لصحة الصلاة عليه فلو صلي عليه قبل تغسيله أعيدت عليه بعد تغسيله 55 - الصلاة على الميت الغائب مشروعة ومن صلى عليه حال غيابه ثم أحضر ذلك الميت فإن من صلى عليه لا يشرع له إعادة الصلاة عليه مرة أخرى 56 - أن من اجتهد في إخراج زكاته فأخرجها حسب ما يظنه مجزئا ثم تبين خلاف ظنه أجزأته زكاته فلا يعيد إخراجها مرة أخرى 57 - لا يجوز للمزكي أن يسقط بالزكاة حقا واجبا عليه ولا يدفع زكاته لمن يرثه فلو فعل لم تجزه ولزمه إعادة إخراجها بصرفها لمستحقها شرعا

58 - تعجيل الزكاة جائز ويقع المعجل زكاة ولو تغير حال الآخذ لها فخرج عن كونه من أهل الزكاة فلا تعاد 59 - الزكاة لا تقبل ولا تجزئ إلا إذا أخرجت من مال حلال طيب 60 - من فرط في إخراج الزكاة بعد وجوبها عليه وتمكنه من إخراجها ثم تلفت فإنه يضمنها لأهلها ولا تسقط عنه 61 - انتظار مجيء الساعي إذا كان منتظم الخروج لقبض زكاة الأموال الظاهرة شرط لإجزاء الزكاة فلا تجزئ مخرجها إذا أخرجها قبل مجيئه فيعيدها إذا جاءه 62 - من اشتبهت عليه الأشهر ولم يميز شهر رمضان من غيره فإنه يتحرى ويجتهد شهرا يصومه فإن وافقه أو وقع بعده أو لم يتبين له الأمر فإن صيامه مجز له بخلاف ما إذا وقع قبله 63 - من شك في غروب الشمس فأفطر ولم يظهر له الصواب لم يجزه صيامه بخلاف ذلك فيما لو أكل يشك في طلوع الفجر ولم يتبين له الأمر 64 - من تناول المفطر ناسيا فصومه صحيح فلا يعيده 65 - الجماع مبطل للصيام سواء كان عمدا أو نسيانا وعلى المجامع إعادة صيام ذلك اليوم الذي حصل فيه الجماع ولو كفّر بالصيام 66 - من أفسد عبادته التطوع لا يلزمه إعادتها بعد ذلك 67 - الصيام لا يفسد بمجرد نية الخروج منه دون تناول المفطر حقيقة ولا يعاد 68 - من أغمي عليه بعد نيته الصيام صح صومه إن أفاق جزءا من النهار بخلاف ما لو استمر إغماؤه جميع النهار فلا يصح صومه وعليه إعادته 69 - من نذر صياما وقيده بالتتابع لزمه متتابعا بخلاف ما لو نذر صياما ولم يقيده بالتتابع فلا يلزمه 70 - من وجب عليه التكفير بصيام شهرين متتابعين فأفطر بعذر يبيح له الفطر لا ينقطع تتابعه بل يبني على ما مضى منه 71 - من أدرك الوقوف بعرفة وهو من أهل الكمال أجزأه حجه ولو كان حين إحرامه ليس من أهل أداء الحج فلا يعيده 72 - الحج لا يفسد إلا بالجماع ولا يفوت إلا بفوات وقت عرفة سواء كان فرضا أو نفلا ومن أفسده أو فاته فعليه إعادته 73 - أن العبادات المؤقتة من قبل الشارع لا تفعل قبل وقتها بل إن الفعل في الوقت شرط لصحتها فلا تصح قبله وذلك مع العلم بالوقت 74 - الشرع راعى خطأ الأمة عامة إذا وقفوا بعرفة قبل وقت الوقوف أو ذبحوا أضاحيهم قبل يوم النحر خطأ فلم يكلفهم إعادة حجهم ولا أضاحيهم بل أجرى عملهم مجرى الصحة والإجزاء فلا يعيدون حجهم ولا أضاحيهم 75 - الطواف ينزل منزلة الصلاة في اشتراط الطهارة والموالاة بين أفعاله فإن اختل شيء من شروطه لم يصح ويعاد 76 - العبادات مدارها ومبناها على التوقيف والاتباع فيما ورد به النص فيشترط تمام أشواط الطواف والسعي وأن يؤدي الحاج أو المعتمر طوافه وسعيه كما ورد بهيئته وصفته وقدره فمن أخل بذلك لزمه إعادته 77 - طواف الوداع يجب أن يكون عند إرادة الحاج الانصراف عن البيت فلو ودع ثم أقام أعاده عند إرادته الخروج 78 - رمي الجمرات عبادة يشترط لصحتها الترتيب في رميها وتدخلها النيابة وتبرأ ذمة المستنيب برمي النائب عنه فلا شيء عليه ولا يعيد على ما تقدم 79 - يحرم على الإنسان التعدي على حق إخوانه المسلمين فإذا أخرج الإنسان شيئا واجبا عليه من مال حرام لم يجزه عن الواجب عليه والمضمونات لا تملك بالضمان 80 - ذبح الأضاحي من أجل القرب المسنونة وهو من العبادات المربوطة بوقت فلا تجزئ قبله إلا ما كان خطأ الأمة فهو مغتفر دفعا للحرج والمشقة عن الأمة فلا يعيدون 81 - الأفضل أن يلي ذبح الأضحية المسلم وتجوز استنابة الكتابي في ذبحها وتجزئ أضحية فلا تعاد 82 - لا يشترط لإجزاء الأضحية إذن مالكها بالذبح فتجزئ عنه إذا ذبحها غيره بغير إذنه بعد أن عينها مالكها أضحية فلا يعيدها هذا ما ظهر لي من أهم النتائج في بحثي وهو جهد المقل فإن أصبت فيه – وهو المرجو والمؤمل – فذاك فضل من الله وتوفيق فأحمده عليه وأشكره وإن أخطأت فيه فهذا مني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ولكنه دأب البشر وطبعهم أنهم يخطئون والعصمة لم عصمه الله ولكن يشفع لي مما قد يحصل في هذا البحث من أخطاء وزلل قلة الزاد في هذا المجال فلست ممن يؤخذ عنهم هذا وطول الموضوع وكثرة مسائله وفروعه ... وفيه من التشابه الشيء الكثير فقد يحدث النقص ويفوت بعض الشيء قهرا ولكنه طبع البشر فمن ذا الذي عمل عملا لا يعاب فيه ولكن حسبي أني اجتهدت وبذلت جهدي ووسعي ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده الأمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الإعلام بتخيير المصلي بمكان وضع اليدين بعد تكبير الإحرام

الإعلام بتخيير المصلي بمكان وضع اليدين بعد تكبير الإحرام ¤خالد بن عبدالله الشايع£بدون¥بدون¨الأولى¢1422هـ€فقه¶صلاة - العمل فيها - المباح والمكروه والمحرم الخلاصة: بعد هذه الدراسة الشاملة لأدلة المسألة، يظهر لنا جلياً ضعف الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة في مكان وضع اليدين أثناء القيام في الصلاة. وما صح عن التابعين يستأنس به كما سبق إيضاحه. وما كان شأنه من المسائل هكذا، فإن ترك الأمر فيه واسعاً هو الأفضل. فالمصلي مخير بين وضعهما فوق سرته أو عليها أو تحتها. • أما وضعها على النحر أو عنده، فلم يرد القول بها عند السلف، وهي هيئة مخالفة لهيئات الصلاة، بل هي صفة المعذبين من أهل النار والعياذ بالله كما في قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ}. وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. انظر لا جديد في أحكام الصلاة ص34. فالمصلي مخير في ذلك كما قال الإمام أحمد رحمه الله: كل ذلك واسع عندي إن وضع فوق السرة أو عليها أو تحتها. وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 94): وقال قائل: ليس في المكان الذي يضع عليه اليد خبر يثبت عن صلى الله عليه وسلم، فإن شاء وضعهما تحت السرة وإن شاء فوقها. أ. هـ. وقال الإمام الترمذي رحمه الله في سننه (1/ 338) والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم: يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة، ورأى بعضهم أن يضعها فوق السرة ورأى بعضهم أن يضعها تحت السرة، وكل ذلك واسع عندهم. أ. هـ. • ولذلك ينبغي للمسلم ألا ينكر على أحد وضع يديه عند صدره أو على سرته أو تحتها أو فوقها، لأن الأمر واسع ولله الحمد، وأمثال هذه المسائل التي لا يثبت فيها الدليل ينبغي أن يترك الأمر فيها واسع، وهذه هي طريقة الإمام أحمد رحمه الله، كما في هذه المسألة، وكمسألة القبض بعد الرفع من الركوع، جعل الأمر فيها واسعاً والمصلي مخير بين القبض والإرسال. زرقنا الله وإياكم الفقه في الدين، والحمد لله أولاً وأخيراً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الإنصاف في نقص الإتحاف

الإنصاف في نقص الإتحاف ¤إسماعيل محمد ميقا£بدون¥مكتبة التوبة - الرياض¨الأولى¢1410هـ€فقه¶لباس وزينة - زينة الشعر الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها بعد استقراء ما ورد في موضوع الخضاب بالسواد من الأحاديث والآثار وما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن بعدهم من المحدثين والفقهاء من خضابهم به، ظهر لي ما يلي: 1 - أصح ما ورد في هذا الباب هو الأحاديث الدالة على إباحة الخضاب بالسواد، فمن خضب بالسواد عملاً بتلك الأحاديث الثابتة فقد عمل بأصح ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العادة المسنون جنسها. 2 - الأحاديث التي استدل بها من يرى كراهة الخضاب بالسواد ضعيفها لا يقيد به إطلاق تلك الأحاديث الصحيحة الثابتة لأن الحديث الضعيف لا يقيد إطلاق الحديث الصحيح عند أئمة العلم وصحيحها غير صريح. 3 - ثبوت حديث جابر في صحيح مسلم الذي ورد فيه الأمر بتغيير شيب أبي قحافة مطلقاً كما جاء من طريق زهير أبي خيثمة (غيروا هذا بشيء). 4 - تصريح أبي الزبير بأن زيادة (وجنبوه السواد) - يعني أبا قحافة – ليست مما روى عن جابر. كما جاء في مسانيد الأئمة: أحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانه وجزمه بنفي سماعه تلك الزيادة من جابر دليل على إدراجها من ابن جريج. 5 - عدم ثبوت تلك الزيادة من طريق ليث بن سعد. وليث الوارد في سند حديث جابر بتلك الزيادة: هو ليث بن أبي سليم الضعيف المتروك حديثه. كما جزم بذلك أئمة العلم الباجي والمزي والبوصيري، وتبعهم محمد فؤاد عبدالباقي. 6 - ثبوت الآثار الواردة عن الصحابة في خضابهم بالسواد ومن بعدهم من التابعين وعدم إنكار بعضهم على بعض ذلك. 7 - مذهب أئمة الحنفية والمالكية والمعتمد في مذهب الحنابلة وبعض أئمة الشافعية إباحة الخضاب بالسواد إذا خلا من الغش والخداع والتدليس. وبهذا أكون قد أنهيت ما قصدت بيانه من الحق بتوفيق الله وفضله والحمد لله رب العالمين وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعل عملي هذا وسائر أعمالي خالصة لوجهه الكريم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سلك منهجهم ودعا بدعوتهم إلى يوم القيامة.

الاحتكار في نظر الإسلام

الاحتكار في نظر الإسلام ¤صالح بن إبراهيم الشيبان£بدون¥دار المسلم - الرياض¨الأولى¢1416هـ€فقه¶احتكار وتسعير الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وفي نهاية هذا البحث المتواضع أقول رأيي فيه حيث رعى الإسلام شؤون المسلمين، خاصة في ناحية بيعهم وشرائهم، وأوجد للمشاكل حلولاً مناسبة، ذلك لشمول الإسلام وكماله وفعاليته وتوازنه. فالبون شاسع، والهوة سحيقة بينه وبين الأنظمة الوضعية. فليس هو كالشيوعية الملحدة التي سلبت الفرد حريته وتمنعه من التصرف فيما يملك، بل تقضي على الملكية الفردية التي هي من صميم فطرته، وتجعله عبداً ذليلاً للأنظمة والطغاة. وبعيداً كل البعد عن الرأسمالية الجائرة التي تمنح الفرد الحرية الكاملة على حساب المجتمع، فليس للمجتمع فيها حق أمام حقوق الأفراد. ولذلك يكون المال دولة بين الأغنياء، تستولي عليه فئة قليلة قد تتصرف باقتصاد العالم. الإسلام في شموله وتوازنه يقف موقف الوسط، فللفرد فيه حقوق، وللمجتمع حقوق أخرى لا انفصال بينها، بل تتداخل وتترابط. لا غرابة في شمول الإسلام وتوازنه، فهو أمر بديهي، لأنه صادر من عليم خبير، يعلم الظواهر والأسرار، وما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون. وإنه لأمر مضحك أن يتحاكم الناس إلى قوانين من صنع البشر، ويبحثوا عن حلول لمشاكلهم فيها. وهم الذين يسارعون – إذا ما فسدت آله أو حصل بها خلل – إلى المهندس المختص بها ليقوم بإصلاحها. فمثلا – ولله المثل الأعلى – إذا ما حصل خلل في سيارة (ما) فلو ذهب بها إلى نجار ليصلحها وهو غير عارف بها لأصبح هذا العمل أضحوكة يتندر به في المجلس. والإنسان أكثر تعقيداً من الآلاتِ، فإذا ما حصل له أي مشكلة أسرع إلى غير بارئه والخبير به سبحانه – ولله المثل الأعلى. إنه التيه والضلال والعمى عن الحق. وفي هذا البحث رأينا كيف حارب الإسلام الاحتكار وحاول القضاء عليه لما يترتب عليه من الأضرار البالغة بالناس سواء جماعة أو أفرادا. فمنع تلقي الركبان ووضع الخيار للمتلقي إذا وصل السوق. وكذلك منع البيع أو الشراء للبادي بحيث لا يجوز بيع الحاضر للباد ولا يشتري له لما فيها من الأضرار بأهل السوق. إلى جانب أن الإسلام جعل للجشعين حدوداً تضبطهم وتحد من جشعهم، فلولي الأمر أن يفرض سعراً عند الحاجة، أي عندما يتصرف التجار بأرزاق العباد على حسب أهوائهم فيمسكون السلع متى شاءوا، ويرفعون الأسعار متى أرادوا، ففي هذه الحالة للإمام أن يحدد سعراً معيناً للسلعة للطرفين، على الاختلاف السابق في التسعير. وكذلك يمنع الإسلام أخذ الامتياز المؤدي إلى الإضرار والظلم للناس والتصرف بأرزاقهم على حسب أهواء التجار. وهكذا للإمام أن يتخذ حدوداً وإجراءات متنوعة لدرء المفاسد ولإصلاح الأحوال، وذلك وفق الشرع والمصلحة لا وفق الهوى والشهوة، وأن يقف الموقف الحاسم إزاء المعاندين أصحاب النفوس اللئيمة الذين لا ينظرون إلا إلى ذواتهم ومصالحهم، فيتصرف الإمام التصرف الحكيم الذي يوقف كلاً عند حده. وفي النهاية أحمد الله سبحانه وتعالى وأسأله أن يلهمنا جميعاً السداد والتوفيق إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. تم بحمد الله

الاختيارات الفقهية للألباني من خلال كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

الاختيارات الفقهية للألباني من خلال كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ¤هند أكني£بدون¥دار ابن حزم – بيروت¨الأولى¢1430هـ€فقه¶صلاة - أعمال شاملة خاتمة: بعد هذه الدراسة المتعلقة باختيارات الشيخ محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله- في صفة الصلاة نخلص إلى النتائج الآتية: 1 - إن ما ذكره الألباني – رحمه الله – من أن الهدف من مشروعه في التصفية هو التقليص من الخلاف، وتوحيد الصفوف كلام نظري ظهر ضعفه عند عمله التبطيقي؛ إذ كان من الجدير به –رحمه الله- لتحقيق هذا الهدف أن يذكر في المسائل كل الأقوال المحتملة للصواب، القائمة على أدلة سليمة ومبررة، وهذا ما لم يكن منه –رحمه الله- حاش مسائل قليلة، إذ اقتصر على ذكر ما ترجح لديه فقط، مما يوهم أن الأقوال الأخرى التي أهملها ضعيفة، مخالفة لما عليه الكتاب والسنة، وبهذا يكون قد أحدث نتيجة عكسية، وهو التوسيع من دائرة الخلاف لا تقليصه. 2 - إن الأحكام التي خالف فيها الألباني ما عليه جماعات المسلمين، أو غالبيتهم ناتج عن تساهل منه – رحمه الله – في تصحيح أحاديث ضعيفة، أو أخذ بظواهر النصوص من غير مراعاة للواقع والملابسات المحيطة بها، مما أوقعه فيما حذرنا الله منه، وهو الخروج عن جماعة المسلمين وشق صفهم من غير مبرر معتبر يسوغ له هذه المخالفة. 3 - إن ما ذهب إليه الألباني –رحمه الله – من تعميم القول برد الحديث الضعيف، أدى به إلى إقصاء جزء من السنن؛ إذ من الحديث الضعيف ما يعضد بعمل الصحابة، فيرتقي إلى درجة الصحة، ومنه ما توفرت فيه الشروط التي تسوغ لنا العمل به في فضائل الأعمال أو غيرها. 4 - إن ما ذهب إليه الألباني –رحمه الله- من إطلاق القول بضرورة العمل بخبر الآحاد المعارض لبعض القواعد الأصولية ضعيف؛ إذ أن مرد ذلك إلى القرائن والملابسات المحيطة بكل مسألة، فلكل مسألة شخصيتها الخاصة بها. وأخيراً يمكن أن نقول: إن الفكرة التي دعا إليها الألباني في شكلها العام في مشروع التصفية والتربية فكرة في غاية الأهمية والجودة، فينبغي أن تعطى حقها من العناية والاهتمام، لذلك فإني اقترح: إنشاء موسوعة فقهية نسعى من خلالها إلى الحد من الخلاف قدر الإمكان، يقوم عليها خبراء مختصين حتى نضمن السلامة من أن يزاد في الدين ما ليس منه، أو ينقص منه، أو يضيق فيه ما هو واسع. ويسهل العمل في هذه الموسوعة في فقه العبادات خاصة، لأن المقصد الأساسي فيه هو التقليص من الخلاف، والعمل على القضاء عليه قدر الإمكان. ويكون العمل في هذه الموسوعة المقترحة انطلاقاً من النقطتين الآتيتين: - جمع الأقوال الواردة في كل مسألة مع ذكر أدلتها التي تقوم على أسس علمية سليمة، وبيان وجه الحق فيها بشكل لا يبقى معه لبس، حتى يدرك القارئ أن الخلاف في هذه المسائل من الخلاف المباح، الذي أقر مثله الصحابة رضي الله عنه لعدم وجود الدليل الفاصل فيها، مما يجعلها مرنة، أو يكون الخلاف فيها من خلاف التنوع، كالاختلاف في صيغ التشهد مثلاً، والاستغناء بذلك عن ترجيح قول على آخر. - تصفية الفقه من الأقوال الشاذة والضعيفة التي ظهر بطلانها لضعف الدليل فيها. وهذا من باب مراعاة الخلاف، والخروج منه، وهو أمر مقرر عند المذاهب الأربعة. وتهدف هذه الموسوعة إلى ما يلي: التكريس لفكرة التقريب بين المذاهب بالتقريب بين وجهات النظر، والتقليص من دائرة الخلاف قدر الإمكان، وهذا مقصد عظيم ينبغي أن نسعى لتحقيقه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، لأهميته الكبرى وخاصة في وقتنا هذا، الذي كثر فيه الخلاف والانشقاق في صفوف المسلمين.

إلباس الفقه الإسلامي ثوباً جديداً يناسب العصر الذي نعيشه، بإظهاره على أنه كل متكامل، وأن الاختلاف الوارد فيه يعكس مرونة الإسلام واستيعاب الشريعة لكل النفسيات المختلفة، مما يجعله مستساغاً، مفهوماً خاصة عند الأجانب المعتنقين للإسلام. الاستغناء عن الفكرة التي تقوم على دعوة الشباب المثقف بالالتزام بمرتبة الأتباع، وهي البحث باجتهاده الخاص عن القول الحق المبني على الكتاب والسنة، وقد يؤدي به ذلك – لأنه لم تكتمل لديه آلات الاجتهاد – لترك مذهبه الصحيح بدعوى أنه يقوم على دليل باطل، والتمسك بالقول الضعيف المتروك بدعوى أنه مبني على الكتاب والسنة، فتكون هذه الموسوعة بمثابة الحصن الحصين الذي يحمي الشباب من الوقوع في مثل هذه المطبات. وفيما يلي أعرض نموذجاً يتعلق بصفة الصلاة – بناء على ما سبق عرضه من أدلة موسعة في هذه المسائل – أوضح به صورة هذه الموسوعة المقترحة: 1 - يستقبل المصلي القبلة وجوباً بالاتفاق. 2 - ومن أخطأ فصلى لغير القبلة لم يُعِد على مذهب الحنفية، والحنابلة، ويعيد على ذهب الشافعية المالكية في قول لهم. 3 - ويجعل شيئاً بين يديه يستتر به استحباباً، ويترك قول الظاهرية بالوجوب مراعاة للخلاف. 4 - ويستحب أن لا يصمد للسترة، بل يجعلها جهة يمينه، أو يساره، اتفاقاً. 5 - ولا يترك أحداً يمر بين يديه استحباباً على مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وهو رخصة عند الحنفية، ويترك القول الظاهرية بالوجوب من باب مراعاة الخلاف. 6 - فإن أصر على المرور دفعه دفعاً شديداً على مذهب الظاهرية وبعض الحنابلة، ودفعاً خفيفاً على مذهب الجمهور. 7 - ولا تبطل الصلاة بمرور المرأة والكلب والحمار عند الجمهور، وتبطل على مذهب الظاهرية، وبعض الحنابلة. 8 - ويكبر تكبيرة الإحرام وهي ركن بالاتفاق. 9 - رافعاً يديه حذو المنكبين على مذهب الجمهور، وإلى الأذنين على مذهب الحنفية، ويخير بين ذلك وذاك عند الحنابلة. 10 - ويوجه نظره جهة قبلته على مذهب المالكية، وإلى موضع سجوده عند الجمهور. 11 - ويقبض يديه استحباباً عند الجمهور، ويترك قول الظاهرية بالوجوب، والمالكية بالكراهة من باب مراعاة الخلاف والخروج منه. 12 - ثم يقرأ دعاء الاستفتاح والاستعاذة استحباباً على مذهب الجمهور، ويترك القول بالوجوب والكراهة مراعاة للخلاف. 13 - ثم يقرأ البسملة ويجهر بها في الجهرية وجوباً؛ لأنها من الفاتحة على مذهب الشافعية، واستحباباً على مذهب الحنفية والحنابلة، ويترك قول المالكية بالكراهة خروجاً من الخلاف. 14 - ثم يقرأ الفاتحة وهي ركن عند الجمهور، واجب عند الحنفية. 15 - ويقرؤها في كل ركعة من ركعات الصلاة وجوباً عند الجمهور، واستحباباً عند الحنفية وفي قول للمالكية. 16 - ويكون تأمين الإمام والمأموم دفعة واحدة على مذهب الجمهور، ويترك مذهب الحنابلة – في قوله لهم – بأن تأمينه يكون عقيب تأمين الإمام. 17 - ثم يقرأ سورة استحباباً بالاتفاق. 18 - ثم يسكت سكتة خفيفة قبل ركوعه. 19 - ثم يكبر استحباباً ويترك قول الحنابلة بوجوب تكبير الانتقالات مراعاة للخلاف. 20 - رافعاً يديه استحباباً بالاتفاق ويكون هذا الرفع عند الركوع والرفع منه وعند القيام إلى السجدة الثانية عند الشافعية والحنابلة، وفي قول آخر للحنابلة عند كل خفض ورفع، ولا يسن ذلك عند المالكية والحنفية إلا عند تكبيرة الإحرام. 21 - ثم يركع وهو ركن اتفاقاً. 22 - واضعاً يديه على ركبتيه، باسطاً ظهره استحباباً، ويترك قول الظاهرية بالوجوب. 23 - مطمئناً وهو ركن عند الجمهور، واجب عند الحنفية. 24 - ثم يرفع رأسه معتدلاً، مطمئناً، وهو ركن عند الجمهور، واجب عند الحنفية.

25 - ويقنت في الركعة الأخيرة من ركعتي الصبح عند الشافعية والماليكة، ويكره ذلك عند الحنفية والحنابلة. 26 - ثم يخر ساجداً متلقياً الأرض بركبتيه على مذهب الحنفية والحنابلة، أو باليدين على مذهب الشافعية والمالكية، والأفضل أن لا يلزم نفسه بهيئة معينة، لأن كل ذلك واسع. 27 - ساجداً على أعضائه السبعة، وهو ركن عند الجمهور، واجب عند الحنفية، إذ لا يكون الفرض عندهم في حق السجود إلا على الجبهة. 28 - مطمئناً وهو ركن عند الجمهور، واجب عند الحنفية. 29 - ولا يبسط يديه بل يرفعهما عن الأرض استحباباً, ويترك قول الظاهرية بالوجوب مراعاة للخلاف. 30 - ثم يجلس مفترشاً، ويسن الإقعاء أيضاً عند الشافعية. 31 - مطمئناً وهو ركن عند الجمهور واجب عند الحنفية. 32 - ثم يسجد وهو ركن اتفاقاً. 33 - ثم يجلس جلسة الاستراحة عند الشافعية، ولا يجلسها على مذهب الجمهور. 34 - ثم يقوم إلى الركعة الثانية معتمداً على يديه على مذهب المالكية والشافعية، وعلى ركبتيه على مذهب الحنفية والحنابلة، والأفضل أن لا يلزم نفسه بهيئة معينة لأن كل ذلك واسع. 35 - ويجلس في التشهد الأول والثاني مفترشاً عند الحنفية، متوركاً عند المالكية، أما عند الشافعية فيجلس متوركاً ولا يفترش إلا في التشهد الثاني من الصلاة الثلاثية أو الرباعية، وعند الحنابلة يجلس مفترشاً ولا يتورك إلا في التشهد الأخير من الصلاة الرباعية. 36 - ويستحب التشهد الأول عند الجمهور، وهو واجب عند الحنابلة. 37 - ويحرك أصبعه عند المالكية، ولا يحركها عند الجمهور. 38 - ولا تستحب الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم فيه عند الجمهور، وهي مستحبة عند الشافعية. 39 - والدعاء عقب هذا التشهد لا يستحب، ويترك قول الظاهرية بوجوبه مراعاة للخلاف. 40 - أما التشهد الأخير، فهو ركن عند الجمهور، واجب عند الحنفية. 41 - ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير وجوباً عند الشافعية، واستحباباً عند الجمهور. 42 - ثم يستعيذ بالله من عذاب القبر، وعذاب جهنم ... استحباباً، ويترك قول الظاهرية بالوجوب مراعاة للخلاف. 43 - ثم يسلم وهو ركن عند الجمهور واجب عند الحنفية. 44 - والركن عندهم هو التسليمة الأولى فقط، ويترك القول بركنية التسليمة الثانية مراعاة للخلاف. 45 - وصلاة المرأة كصلاة الرجل، إلا أنها تترك الجهر والتجافي، ويترك قول المالكية – في قول لهم – أن صلاتها كصلاة الرجل. 46 - ويصلي المريض قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنبه، ويترك قول الحنفية بتقديم الاستلقاء على القفا على صلاته على جنبه مراعاة للخلاف.

الاستئجار على فعل القربات الشرعية

الاستئجار على فعل القربات الشرعية ¤علي عبدالله حسن أبو يحيى£بدون¥دار النفائس¨الأولى¢1418هـ€فقه¶إجارة الخاتمة نسأل الله تعالى حسن الخاتمة تم هذا البحث بعون الله وتوفيقه بعد رحلة طويلة من الجهد والتدقيق والتدوين، وقد انتهيت فيه إلى النتائج التالية: 1 - أن أخذ الأجرة على القربة غير أخذ الرزق عليها، فيجوز أخذ الرزق من بيت المال مطلقا، لمن يقوم بمصالح المسلمين التي يتعدى نفعها فاعلها إلى غيره؛ لأنه من باب الإعانة على الطاعة، بخلاف الإجارة على القربة. 2 - لا يشترط في جواز النيابة على القربة جواز الإجارة عليها – عند بعض الفقهاء – كصلاة النذر، والصوم عن الميت، والحج عن العاجز، والميت، فإن هذه القربات تقبل النيابة عندهم دون الإجارة عليها، وإن كان يوجد ترابط بين النيابة والإجارة. 3 - لا يجوز أخذ الأجرة على الصلاة مطلقا، سواء أكانت فريضة أم نافلة أم منذورة. 4 - يجوز قضاء صلاة النذر عن الميت من الولد خاصة؛ لأنه من كسبه وسعيه؛ ولأنها أخف حكما، إذ لم تجب بأصل الشرع، وإنما أوجبها الناذر على نفسه، دون الاستئجار عليها. 5 - إذا تعذر أو رفض الولي أن يقضي ما فات الميت من صوم رمضان أو النذر أو الكفارة الواجبة، فيجوز استئجار من يصوم عنه من تركته؛ لثبوت انتفاعه بالصوم عنه، وإبراء لذمته. 6 - يجوز توكيل صاحب المال من يقوم له بتفريق زكاته على مستحقيها نيابة عنه، واستئجاره في ذلك. 7 - إذا كان العبد عاجزا عن أداء الحج بنفسه، أو مات ولم يؤد الحج، فيجوز أن ينوب عنه آخر بنفقة أو أجرة في أداء الحج عنه، والأجرة أفضل؛ لأن عقد الإجارة أحوط للمستأجر. 8 - قسم المالكية الإجارة على الحج إلى نوعين: النوع الأول: إجارة الضمان وهي: أن يستأجره بأجرة معلومة، على حجة موصوفة، من مكان معلوم، فله الفضل وعليه النقص. وتنقسم إجارة الضمان إلى قسمين: القسم الأول: مضمونة بذمة الأجير: أي متعلقة بذمته، سواء أحج الأجير بنفسه، أم استأجر آخر ليحج، فالمراد تحصيل الحج. ويسميها الشافعية إجارة الذمة. القسم الثاني: مضمونة بعينه: كأن يقول الولي لشخص: استأجرتك على أن تحج أنت بنفسك عن فلان بكذا. ويسميها الشافعية: إجارة العين. 9 - إذا أطلق المحجوج عنه مكان خروج النائب أو الأجير، فإن الخروج يكون من ميقات بلد المحجوج عنه، وليس من بلده؛ لأن في ذلك تقليلا للنفقة أو الأجرة، وتخفيفا للمشقة بأن كان بلده بعيدا عن مكة المكرمة، فالمراد من الاحجاج عنه هو إبراء ذمته. 10 - إذا لم يكف المال للحج عن الميت من بلده أو ميقات بلده، فإنه يحج عنه من حيث أمكن، في حجة الإسلام أو التطوع بأن أوصى به إبراء لذمته، ولا أثر لعدم الحج عنه من بلده أو ميقات بلده في فساد الحج عنه. 11 - إذا عين المحجوج عنه مكان خروج النائب أو الأجير أو موضع إحرامه، فإنه يحج عنه من المكان الذي عينه، ويحرم عنه من موضع الإحرام الذي عينه، تنفيذا لما أمر، ووفاء بالشرط. 12 - وإذا أطلق ولم يعين الميقات، فيجوز للأجير أن يحرم من أي ميقات من المواقيت؛ لأن في ذلك تخفيفا وتيسيرا عليه. 13 - إذا خالف الأجير الإحرام من الميقات المشترط في العقد، فإن الإجارة تفسد، وله أجرة المثل دون الأجرة المسماة في العقد، ويقع الحج عن المستأجر؛ لوجود الإذن بالحج من المستأجر.

14 - إذا أفسد النائب أو الأجير الحج بالجماع، فإن الحج يفسد، ويقع عنه وينقلب إليه؛ لأن الحج الفاسد لا يجزئ عن المحجوج عنه، فينقلب إليه، ويمضي في حجه الفاسد؛ لأن فساد الحج يوجب المضي فيه، ويوجب عليه الدم، كسائر دماء الجنايات؛ ولأنه لم يؤذن له في الجناية، فكان موجبه عليه، ويقضي الحج الفاسد؛ لأن من أفسد حجه يلزمه قضاؤه، ويقع القضاء عن نفسه؛ لأنه لما خالف صار كأن الإحرام الأول عن نفسه؛ ولأن الأداء الفاسد وقع عنه، فكذا القضاء، ويضمن النفقة؛ لمخالفته، إذ أنه مأمور بانفاق المال على حجة صحيحة، أو يرد الأجرة؛ لأن الحجة لم تجزئ عن المستأجر لتفريطه وجنايته. 15 - إذا مات النائب أو الأجير، فله من الأجرة بمقدار عمله؛ لأن الأجرة مقسطة على أعمال الحج، كما لو استؤجر على بناء حائط، فمات بعد عمل بعضه، فله بمقدار عمله وكذا الحج، ولا يضمن ما أنفقه على نفسه؛ لأنه لم تقع منه مخالفة؛ ولأنه اتفاق بإذن صاحب المال. ويجوز البناء على عمل النائب أو الأجير الذي مات، ولا يجب استئناف الحج مرة أخرى، تيسيرا على المستأجر برفع الحرج عنه بإيجاب استئناف الحج مرة أخرى، وفي ذلك زيادة النفقة أو الأجرة عليه مرة أخرى، وقياسا على الاستخلاف في الإمامة بجامع أن كلا منهما عبادة. يجوز الاستئجار على الأذان والإمامة، وتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية النافعة من فقه وحديث ونحوهما، عند الحاجة والضرورة، وأن ما يؤخذ من أجرة مقابل ذلك، تكون في مقابل ملازمة المكان المعين، والقيام على المسجد، والاحتباس، والجلوس للتعليم، والانشغال عن الكسب. يجوز الاستئجار على تجهيز الميت بمعنى غسله وتكفينه، وحمله، ودفنه، دون الصلاة عليه، إذا كان تجهيزه فرض كفاية، ولا يجوز الاستئجار على التجهيز إذا تعين، بأن تعذر تحصيل نفقات تجهيزه أو لم يوجد غيره للقيام بالتجهيز، لتعين ذلك في حقه، قياسا على عدم جواز الاستئجار على فرض العين. لا يجوز الاستئجار على تلاوة القرآن الكريم مقابل إهداء ثواب قراءته إلى الميت مطلقا؛ للأدلة النقلية الصريحة والصحيحة في منع ذلك، ولم يعرف السلف الصالح ذلك، فهو من البدع؛ ولأنه ينافي الإخلاص، ولا ينفعه ثواب القراءة بأجرة، وما يرافق القراءة عند الاجتماع للعزاء من منكرات. يجوز للقاضي أخذ الرزق من بيت المال مطلقا، فإن تعذر إرزاقه منه، فله أخذ الرزق من أعيان الخصوم إن كان فقيرا، ومحتاجا، ويشغله القضاء عن الكسب، وبالشروط الثمانية التي اشترطها الإمام الماوردي – رحمه الله تعالى – للضرورة والحاجة، فإن تعذر إرزاقه من الخصوم، فله أخذ الأجرة من الخصوم حينئذ، بشرط أخذها قبل القضاء، وبالتساوي بينهما؛ لأن منعه من أخذ الأجرة حينئذ، يؤدي إلى ضياع، وتعطل الحقوق، وانتشار الظلم، والفساد، مما يلحق بعموم المسلمين الحرج والضيق. يجوز للمفتي أخذ الأجرة إذا تعذر إرزاقه من بيت مال المسلمين، أو أهل البلد عند الحاجة والضرورة إذا كان التفرغ للفتيا يشغله عن جل تكسبه، فيأخذ بقدر ضرورته، إذ الأجرة هنا تكون مقابل احتباسه واحتياجه إلى المال؛ للإنفاق على نفسه وعياله. ويجوز أخذ الأجرة على كتابة الفتيا، إذا كان في كتابتها كلفة ومشقة عليه، بحيث تستغرق وقته، وتشغله عن جل تكسبه. 21 – لا يجوز أخذ الأجرة على الشهادة تحملا أو أداء مطلقا؛ لما ذكر من أدلة نقلية؛ وليكون التحمل أو الأداء خالصا لوجه الله تعالى، إلا إذا شغله الأداء عن وقت كسبه، فله أخذ الأجرة على الأداء عند بعض المالكية وإن تعين عليه، أو أخذ الأجرة بمقدار مدة الأداء، لا بقدر كسبه عند الشافعية، بخلاف نفقة الطريق وأجرة الركوب، فيجوز له أخذها إذا كان في ذلك كلفة ومشقة عليه. 22 – لا يجوز الاستئجار على الجهاد، إذ لا ضرورة لأخذ الأجرة عليه، فإن كان محتاجا، فله أخذ الجعل عليه للتقوي، أو يأخذ من مصرف الزكاة على سبيل الإعانة، لا على سبيل الإجارة عليه. إلا إذا كانت هناك حاجة ومصلحة داعية إلى الاستئجار عليه، فيجوز الاستئجار حينئذ للإمام المسلم فقط دون آحاد الناس. وآخر دعوانا أن الحمد لله تعالى

الاستعانة بغير المسلمين في الفقه الإسلامي

الاستعانة بغير المسلمين في الفقه الإسلامي ¤عبدالله بن إبراهيم الطريقي£بدون¥بدون¨الأولى¢1409هـ€فقه¶جهاد - الاستعانة بغير المسلمين الخاتمة: وفي نهاية هذه الرحلة العلمية المباركة الشاقة يجدر بي – بعد حمد الله على توفيقه وتيسيره – أن أجمل باختصار شديد أهم النتائج التي انتهيت إليها في النقاط التالية: 1 - تقوم علاقة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم على الأمور التالية: أ- التسامح. ب- الإسلام هو الدين الخاتم وهو الدين الحق دون سواه. ج- العدل مع الكفار. د- الالتزام بالعهود والمواثيق التي تبرم بيننا وبينهم. هـ- تحريم الإفساد في الأرض. وتحريم موالاة الكفار. ز- جواز معاملة الكافر وأخذ رأيه وخبره في أمور الدنيا. 2 - وتبرز صور التسامح مع الكفار في أمور عديدة منها: أ- شمولهم بالرحمة العامة. ب- مشروعية البر والإحسان إلى المسالمين منهم. ج- جواز مخالطتهم عند الحاجة. د- عدم إكراههم في الدين وقبول الجزية منهم. هـ- حل طعام أهل الكتاب ونسائهم. 3 - والكفار كلهم يجب بغضهم ولا تجوز موادتهم وموالاتهم. لكن المحاربين منهم تجب محاربتهم، أما المسالمون فيبغضون بغضاً لا يهضمهم حقاً ولا يلحقهم أذى. 4 - وللموالاة صور عديدة، منها ما هو كفر، ومنها ما هو كبيرة من كبائر الذنوب، ومنها ما هو دون ذلك. ومنها ما هو مباح، وذكرنا من الأمور المباحة التي لا تدخل في الموالاة: أ- معاملة المسالمين بالحسنى – خاصة الأقارب -. ب- مهاداتهم. ج- معاملتهم في العقود المالية. د- السفر إلى ديارهم لأغراض صحيحة. هـ- الإقامة عندهم لغرض صحيح. وائتمان بعضهم في أمور الدنيا. 5 - والكفار إما محاربون فالعلاقة معهم تقوم على الحرب والمقاطعة، وإما معاهدون: فتقوم العلاقة بهم على السلم والمعاملة بالتي هي أحسن، والتعاون معهم في أمور الدنيا عند الاقتضاء مع عدم موالاتهم. وإما مسالمون "أي ليس لهم عهد ولكنهم لم يحاربوا" فتجوز إقامة علاقة سلمية معهم ما داموا كذلك. ويجوز للمسلمين أن يلزموهم بدفع الجزية أو بالإسلام، فإن رفضوا جاز للمسلمين قتالهم ولا يجب، لأن الكفر ليس بموجب للقتال بل مبيح فقط، وإنما يجب القتال بسبب المحاربة وعرقلة الدعوة ونحو ذلك. 6 - ولا تختلف أحكام معاملة الكفار باختلاف الدار، فما كان محظوراً أو صحيحاً أو لازماً في دار الإسلام فهو كذلك في دار الحرب. 7 - وإذا لجأ المسلم إلى دار الكفر مختاراً محارباً المسلمين فإنه يكون مرتداً عن الإسلام، فإن كان مكرهاً ولم يحارب المسلمين فلا شيء عليه. 8 - ويجوز للمسلم – المقيم في غير دار الإسلام – أن يستعين بالكفار في طلب العمل عندهم بقدر الحاجة أو نظراً لاقتضاء مصلحة الإسلام ذلك. أما بدونهما فلا. 9 - ويجوز للمسلم أن يستعين بالكفار عن طريق الاستئجار أو التوكيل في أمور الدنيا، أما في أمور الدين فالأصل عدم جواز ذلك، وقد يجوز في حالات استثنائية مثل بناء المساجد وذبح الهدي والأضحية، وقبض الزكاة وتوزيعها على الجهات المعينة، ونحو ذلك. 10 - كما يجوز للمسلم أن يأتمن الكافر على المال ونحوه أو يقترض منه أو يستعير أو يطلب منه أن يكفله عند الحاجة إذا لم يترتب عليه ذلة. 11 - كما يجوز أن يستطب المسلم الكافر وأن يتعلم على يده العلوم الدنيوية، إذا وثق به واحتاج إلى ذلك. 12 - أما الشهادة فالأصل عدم جواز شهادة الكافر على المسلم، لكنها تجوز في حال السفر عند الوصية إذا لم يوجد مسلم. وأما شهادة الذميين بعضهم على بعض فالصحيح جوازها للحاجة إليها. 13 - والكافر ليس له حق حضانة الطفل.

14 - ويجوز للمسلم أن يحتمي بالكافر عند الحاجة. كما يجوز أن يتحالف معه عند الحاجة الشديدة أيضاً بشرط ألا تكون قوة الكافر أقوى من المسلم وألا يتضمن الحلف أمراً محظوراً. 15 - ويجوز للدولة المسلمة أن تستعين بأفراد الكفار في الأمور الدنيوية بحسب الحاجة. أما الدينية فالأصل عدم جوازها. إلا في الجهاد فيجوز للدولة أن تستعين بالكفار بثلاثة شروط: 1 - وجود الحاجة. 2 - أمن الخيانة. 3 - ألا يكون لهم شوكة تنازع المسلمين. اللهم إلا في حال قتال أهل البغي فلا يجوز للدولة أن تستعين بالكفار مطلقاً. 16 - كما يجوز للدولة أن تستعين بالكافر لغرض التجسس على الكفار والدعاية لصالح الدولة الإسلامية إذا دعت الحاجة إلى ذلك. 17 - ولا يجوز للدولة أن تمكن المستأمنين من الولايات والوظائف مطلقاً إلا عند الحاجة الشديدة في الوظائف العادية. ومثل ذلك الاستشارة وأخذ الرأي. 18 - واستعانة الدولة المسلمة بالدول الكافرة تجوز في ما تدعو إليه الحاجة وتقتضيه المصلحة من أمور الدنيا، سواء أكانت الاستعانة بأموالهم أم برجالهم. 19 - ولا يجوز أن تلجأ الدولة المسلمة إلى دول الكفر لتطلب منها تأييدها في نصرة قضاياها المصرية. كما لا يجوز أن تدخل في الأحلاف الكافرة مثل حلف الأطلسي وحلف وارسو. 20 - أما التعاون المتبادل بين الدولة الإسلامية ودول الكفر فيجوز منه ما تدعو إليه الحاجة في أمور الدنيا كالتمثيل الدبلوماسي، وتبادل الأسرى، وتبادل المعلومات التي لا خطر فيها على مصلحة الأمة، والتعاون في مجال الاقتصاد وفي شؤون الدنيا المحضة وما إلى ذلك. 21 - ولا يكاد يوجد أحكام خاصة بالذميين في أحكام الاستعانة بل إن ما ينطبق على غير الذمي من المستأمنين وغيرهم ينطبق عليه. غير أن أهم ما يختلفون فيه عن غيرهم هو في تولية الوظائف فتجوز توليتهم في الأمور الدنيوية العادية عند الحاجة ويقدمون على المستأمنين. أما المستأمنون فلا تجوز إلا في حالات نادرة للغاية. 22 - وأهل الأهواء والبدع تختلف أحوالهم، فمن كانت بدعته كفرية رحمت الاستعانة به إجماعاً. وإن كانت دون ذلك فتجوز الاستعانة بمن يستتر ببدعته وكانت بدعته جزئية، أما الإمام في البدعة أو صاحب البدعة الكلية فالأصل عدم الاستعانة به. 23 - ولجزيرة العرب وهي الحجاز وما حوله حكم خاص فلا يجوز أن يقيم فيها الكفار إقامة طويلة أو دائمة، ولا أن يتملكوا فيها عقاراً أو يبنوا فيها معابد، أما ما كان بعيداً عن الحجاز فيجوز أن يقيم الكافر إقامة طويلة بشرط أن يكون ذلك بإذن الإمام وأن تدعو الحاجة أو المصلحة إلى ذلك. 24 - وقد لوحظ تساهل المسلمين وتهاونهم مع الكفار، وبدت مظاهر هذا التساهل في صور كثيرة لا حصر لها شملت جوانب الدين والحياة كلها دون استثناء. سواء في مجال العقيدة أم العبادة أم الأخلاق والأدب، أم جوانب التنظيم والتشريع والتعليم والاقتصاد وغيرها. مما نتج عنه آثار سيئة، ألحقت بالأمة الإسلامية الضرر البالغ في كل الجوانب السابقة وغيرها، وأصبحت عالة على غيرها من الأمم. ولهذا .. فإنه إن كان لي مجال لطرح الاقتراحات في نهاية هذا البحث المبارك من أجل وصف علاج ناجع لتلك الأدواء المزمنة التي حلت بالأمة، مما ألجأها إلى الأمم الكافرة تستعين بها في شتى ميادين الحياة وتقف وراءها موقف الذليل والحيران والمقلد دون وعي وبصيرة. إنه إن كان لي مجال فإنني أختصره في كلمة واحدة هي: "أن تعود الأمة الإسلامية إلى معدنها الأصيل "كتاب الله وسنة رسوله – وسيرة السلف الصالح". تصحيحاً للعقيدة وجمعاً للكلمة وتوحيداً للصف وتعاوناً على البر والتقوى، وأخذاً بأسباب الحياة التي شرعها الله تبارك وتعالى. فإذا فعلوا ذلك فستحصل لهم الغنية والاكتفاء عن الكفار، ولن يحتاجوا إليهم إلا في أمور صغيرة لا خطر فيها. {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 4 - 5]. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله صحبه أجمعين.

الانتخابات وأحكامها في الفقه الإسلامي

الانتخابات وأحكامها في الفقه الإسلامي ¤فهد صالح عبدالعزيز£بدون¥دار كنوز اشبيليا – الرياض¨الأولى¢1430هـ€فقه¶انتخابات الخاتمة: ومن أهم النتائج والتوصيات التي أرى أهميتها: أولا: نتائج البحث: • يراد بالانتخابات: الطريقة التي يختار فيها المواطنون أو بعضهم من يرضون ويتوصل من خلالها لتحديد المستحق للولاية أو المهمة لمنتخب فيها. • لم تكن الانتخابات مشهورة لدى الأنظمة الديمقراطية القديمة لأن تلك الأنظمة كانت تعمل بالديمقراطية المباشرة، غير أن استحالة تطبيق هذه الديمقراطية في العصر الحاضر جعل جميع الأنظمة الديمقراطية تلجأ إلى الانتخابات لتحقيق الديمقراطية بحيث لا يمكن قيام الديمقراطية المعاصرة من غير انتخابات. • الانتخابات بصورتها المعاصرة لم تكن موجودة في التاريخ الإسلامي، حيث لم يعرف التاريخ الإسلامي مشاركة جميع الناس في اختيار الرئيس، ولا إعطاء كل شخص صوتاً محدداً ليستخرج من مجموع الأصوات من يستحق الولاية، ولا كان ثمة أكثر من مرشح للولاية ليختاره الناس، وإنما الذي كان موجوداً في التاريخ الإسلامي هو وجوب الرضا والاختيار من الناس لمن يحكمهم، وأما عامة الناس فيرجع إليهم في بيعة الخليفة وإعلان طاعته، وأما الاختيار فلم يكن لعامة الناس وإنما لأهل الحل والعقد من الناس. • الراجح في تخريج الانتخاب في عملية الانتخابات شرعاً أنه تزيكة وشهادة إن كان من قبيل الانتخابات المقيدة التي يشارك فيها أهل الحل والعقد، وإن كان من قبيل الانتخابات العامة التي يشارك فيها عموم الناس فهي إرادة واختيار لمن يرضاه الناخب. • تتفق الانتخابات المعاصرة مع البيعة الشرعية في قيامها على الاختيار والرضا، وكلاهما يرجع فيه إلى رأي الأغلبية، وكلاهما يتوصل من خلاله لتحديد رئيس الدولة، وأما الفروق بينهما فالانتخابات تكون لعامة الناس بخلاف البيعة فإن بيعة الانعقاد خاصة بأهل الحل والعقد، والانتخابات تشمل جميع الولايات، بخلاف البيعة فهي خاصة بالرئاسة العامة، والانتخابات وسيلة تنافس وتزاحم يحدد من يكون بعدها الرئيس، بخلاف البيعة التي لا تكون إلا بعد اختيار الرئيس. • الانتخابات المعاصرة إن كانت ملتزمة بالضوابط الشرعية فهي داخلة في مفهوم الشورى، وهي تفترق عن الشورى في أمور منها: أن الانتخابات طريق من طرق الوصول إلى الولاية ينحصر رأي الناخب فيها على الاختيار بين المرشحين، بخلاف الشورى التي هي طريق لمعرفة الرأي الصواب تتسع للرفض والقبول والتعديل، وهي شاملة لكل شؤون الحياة، كما أن حكم الانتخابات ملازم لعدد الأصوات بخلاف الشورى التي تتبع الأدلة والبراهين. • الراجح في حكم الانتخابات في صورتها المعاصرة أنها طريقة من الطرائق الجائزة للوصول إلى الحكم شريطة أن تكون أفضل الطرق المحققة للمصلحة، وأن تكون مصالحها غالبة على مفاسدها. • الأصل في حكم مشاركة المسلم في الانتخابات الشرعية أنه أمر جائز ومباح، ويجب الانتخاب في حالة توقف ترشيح المؤهل على تصويت الناخب، ويستحب إن كان الناخب يريد بذلك أن يوصل أفضل المرشحين للولاية. • مشاركة المسلم في الانتخابات غير الشرعية الواقعة في بلاد المسلمين متعلقة بالمصالح والمفاسد المترتبة على هذه المشاركة، فإذا جاز للمسلم أن يشارك في أصل الولاية جاز للناس أن يشاركوا في انتخابه، وإلا فالأصل ترك المشاركة ما لم يكن ثم مصلحة وحاجة. • وأما الانتخابات غير الشرعية في غير بلاد المسلمين فهي جائزة لظهور المصلحة الشرعية في مشاركة المسلمين في تلك الانتخابات. • الراجح هو جواز مشاركة المرأة في الانتخابات ناخبة تدلي بصوتها لعدم الدليل المانع من ذلك.

• والأصل هو منع الكافر من المشاركة في الانتخابات مصوتاً وناخباً، لأن انتخابهم سيكون بعيداً عن تحقيق المصالح الشرعية لأنهم لا يؤمنون بها، وقد يستغلون أصواتهم في التمكين لهم ولأفكارهم، أما إن لم يكن في انتخابهم أي تأثير على الانتخابات لتفرقهم أو قلتهم فلا مانع من مشاركتهم في الانتخابات لظهور مصلحته وانتفاء مفسدته. • يجوز مشاركة أهل البدع والأهواء في الانتخابات لأن الانتخاب ليس بشهادة حتى يقال بمنعهم منها، وإنما يمنعون من الانتخاب في حال ظهور المفسدة في مشاركتهم. • العدالة ليست شرطاً من شروط الانتخاب، فيصح الانتخاب ولو لم يكن الناخب عدلاً، شريطة أن لا يغلب على الظن أن انتخابهم سيكون لهوى أو عصبية. • يشترط في الناخب أن يكون لديه علم بالولاية وبالمرشح الذي سيتولاها، ولا يشترط أن يكون من أهل العلم والاجتهاد. • يستخلص مما سبق أن شروط الناخب هي: أن يكون مسلماً، عاقلاً، عالماً بالولاية وبمن يترشح لها، في سن يقدر فيه على معرفة الولاية، متجنباً للأفعال التي تدل على استهتار صاحبها بالولاية، أو واقعاً فيما يغلب على الظن أنه سينتخب لهوى أو عصبية، مع أهمية اشتراط ما يحقق المصالح ويدفع المفاسد. • لا يجوز للمرأة أن تترشح لأي ولاية من الولايات العامة، سواء أكانت رئاسة أم قضاء أم وزارة أم غيرها لأنها ممنوعة من تولي الولايات فلا يجوز لها أن تترشح لما يحرم عليها توليه، ولا يجوز ترشيحها للمجالس البرلمانية لأنها من الولايات العامة. • لا يجوز لغير المسلم أن يترشح لأي ولاية من الولايات العامة لأن غير المسلم لا يؤتمن على مثل هذه الولايات وقد نهى الله تعالى عن اتخاذهم بطانة. • من كفر بسبب بدعته من أهل البدع والأهواء فلا يجوز أن يترشح لأي ولاية من الولايات العامة، وأما من لم تصل بدعته لحد الكفر فإن كان مجتهداً متأولاً أو مقلداً معذوراً جازت توليته وقبل منه الترشيح شريطة أن لا يكون في توليته جلباً للمفسدة كأن يكون داعية لبدعته، أو يكون في توليته دفع لمصالح هجره ومنعه المؤدي إلى حماية المسلمين من شرور البدعة. • طلب الترشيح في الانتخابات داخل طلب الولاية، وحكمه يختلف بحسب حال طلب الولاية. فإن لم يقدر على تحقيق مقاصد الولاية غيره فالترشيح في حقه واجب، وإن أراد بالترشيح الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو مستحب، وإلا كان الترشيح مكروهاً. • الأصل كراهية أن يأذن النظام لأحد بأن يطلب الولاية، إلا إن كان ثمة مصلحة أو حاجة لذلك فتزول الكراهة حينئذ مع أهمية الاقتصار فيه على قدر الحاجة ومراعاة حكم الأصل. • يجوز تولية المفضول وتقديمه على الفاضل في هذه الانتخابات في حالة ظهور مصلحة العمل بالانتخابات، وفي حالة عدم المصلحة فلا يجوز، وتنعقد الولاية في كلا الحالين. • لا يجوز الموافقة على ترشيح من فقد شرطاً من شروط الولاية التي يترشح لها، فيجب على النظام الإسلامي مراعاة شروط الولاية في كل مرشح، إلا في حالة الضرورة فيجوز للنظام أن يقر ترشيح غير المؤهل، مع وجوب أن يتحاشاه الناخبون إلا إن كان ثم ضرورة لترشيحه. • لا يكفي مجرد اجتماع الشروط في المرشح للولاية، بل يضاف إلى هذه الشروط شروط وأوصاف أخرى توصل إلى الولاية أمثل الناس وأقدرهم على تحقيق المصالح الشرعية للولايات. • طريق الوصول إلى الولاية من الطرق الاجتهادية التي تختلف باختلاف الزمان والمكان، ولا يشترط أن يلتزم المسلمون بالطرق التي وقعت في عصر الخلفاء الراشدين بدليل اختلاف طرق الولاية في عصر الخلفاء الراشدين من غير نكير.

• بيعة أهل الحل والعقد قد تكون لازمة وبيعة الناس تبع لها، وقد تكون بيعة أهل الحل والعقد مجرد ترشيح والناس يختارون بعد هذا، وقد يختار الناس مباشرة، وكل هذا من الطرق المباحة حين تحقق المصلحة الشرعية. • الأصل في ولاية الحاكم أن تكون مطلقة غير مقيدة بشرط ولا وقت، ويجوز في حالة الحاجة أو المصلحة الراجحة أن تقيد ولاية الحاكم بشرط أو مدة. • المجالس البرلمانية من الولايات العامة، ولا مانع من تسميتها بمجالس الشورى، وإن كانت في الحقيقة لا تقتصر على مجرد الشورى. • يجوز تحديد أعضاء المجالس البرلمانية عن طريق الانتخاب أو التعيين أو غير ذلك من الوسائل المباحة، ويختار الحاكم أفضل هذه الطرق. • لا يجوز إجراء الاستفتاء الشعبي على المسائل الشرعية القطعية أو الاجتهادية وكذا المسائل التي تحتاج إلى تخصص، ويجوز إجراء الاستفتاء على المسائل الدنيوية المتعلقة بمصالح الناس ومعاشهم مما يدركها عامة الناس. • ويجوز إجراء الاستفتاء إن كان استشارياً حول المسائل الشرعية الاجتهادية أو المتخصصة إن كان على جهة معرفة الواقع الذي سينزل عليه الحكم الشرعي أو يراد به الاستفادة منها في إدراك المصالح والمفاسد. • يجوز إجراء الانتخابات البلدية والانتخاب للوظائف في الدولة، وحكمها أخف من حكم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. • ما كان من المهمات لا يتعلق بالمصالح العامة، كالشركات والجمعيات الخاصة فيجوز إجراء الانتخابات فيها بلا إشكال. • النقابات والجمعيات والاتحادات الطلابية وغيرها إن كان شأنها لا يتعدى المطالبة بحقوق أفرادها فهي وكالة تجوز الانتخابات فيها، وإن كانت لها تعلق بالمصلحة العامة فحكمها كحكم الانتخابات للوظائف والمناصب في الدولة. • لابد لقيام الانتخابات فيما دون الرئاسة أن يأذن بها الإمام لأن هذه الولايات من اختصاص الإمام، وأما الرئاسة العامة فيرجع في العمل لأهل الحل والعقد من الناس سواء أكانوا أشخاصاً أم مجالس برلمانية أم غير ذلك. • تغيير نتائج الانتخابات إن كان عن طريق الغش والتزوير فهو حرام سواء أكان من قبل الإمام أم غيره، وأما إن كان من غير غش ولا تزوير وإنما أراد الإمام أن يغير نتائج الانتخابات فإن كان لهوى أو شهوة فهو حرام وإن كان لمصلحة فله ذلك ولا يلزمه الأخذ بما اختاره الناس إلا في حالة أن تكون بيعته مشترط فيها أن يلتزم بما يختاره الناس فلا يجوز له مخالفة الشرط. • وما سبق هو في تغيير نتائج الانتخابات فيما دون الرئاسة، أما الانتخابات الرئاسية فإن كان عرف الناس أن من يختاره الناس يكون رئيساً فلا يجوز تغيير نتائج الانتخابات بعد معرفة أصوات الناس، وإن كان عرفهم أن الأمر مجرد ترشيح فيجوز تغييره واستبداله بغيره إن كان أصلح. • يجوز إجراء الدعاية الانتخابية مع وجوب مراعاة ما يلي: أولاً: خلو الدعاية من الكذب في مدح النفس، أو مدح الآخرين، أو الطعن فيهم. ثانياً: خلو الدعاية من إنفاق الأموال بحيث يتميز أهل الثراء عن غيرهم. ثالثاً: خلو الدعاية من أي شراء للأصوات. رابعاً: خلو الدعاية من أي محرم آخر غير متعلق بالدعاية. خامساً: الاقتصاد في مدح النفس على قدر الحاجة، وأن لا يسمح بالمبالغة الدالة على استهتار بالولاية وانكباب عليها. • يترتب على تطبيق الانتخابات مجموعة من المصالح والمفاسد، والحكم في الانتخابات متعلق بالموازنة بين المصالح والمفاسد، فإن غلبت المصالح جازت الانتخابات وإلا حرمت، مع وجوب دفع المفاسد والتقليل منها قدر المستطاع.

• المصالح المترتبة على الانتخابات منها ما هو من قبيل الضروري الذي تكون الانتخابات فيه واجبة كالانتخابات في الفتنة حين تكون سبباً لإطفائها، وقد تكون مصلحة ظاهرة كالانتخابات في حال الاختلاف والنزاع وقد تكون دون ذلك، وبعض مصالح الانتخابات ظاهر، وبعضها أقل ظهوراً، ووجودها في الانتخابات يختلف باختلاف الزمان والمكان. • المفاسد المترتبة على الانتخابات منها ما يكون ملازماً للانتخابات، ومنها ما يكون موجوداً وقد يكثر فيها، ومن المفاسد ما يكون غير متعلق بالانتخابات، ومن المفاسد ما يكون من قبيل المفاسد الوهمية التي لا تقع إلا نادراً، فلا أثر لها على حكم الانتخابات. ثانياً: أهم التوصيات: أولاً: أهمية دراسة حال المجتمع لمعرفة المصالح والمفاسد قبل إجراء أي انتخابات، ويمكن إسناد ذلك للجنة رسمية مختصة، تقوم بإجراء البحوث والدراسات والإحصائيات التي يعتمد عليها في معرفة المصالح التي ستحققها هذه الانتخابات، والمفاسد التي ستجلبها، حتى يكون تطبيق الانتخابات قائماً على بينة، ولا يصح أن يحرص على تطبيق الانتخابات مطلقاً لمجرد الضغط العالمي والإعلامي المطالب بها. ثانياً: أهمية التوعية الدينية المصاحبة للانتخابات، والتي تهدف إلى توعية الناس بمقاصد الولاية، وما جاء فيها من ترغيب وترهيب، وما يتعلق بأحكام طلب الولايات، وتحذر من السلوكيات المنحرفة التي تصاحب كثير من الانتخابات المعاصرة. ثالثاً: أهمية التشديد في شروط قبول الترشيح للانتخابات، بحيث لا يكتفى بمجرد الجنسية وبلوغ سن معين ونحو ذلك، بل لابد من اشتراط جميع الشروط الشرعية لكل ولاية، مع اشتراط بعض المؤهلات والصفات التي تجعل الترشيح في حق فئة من المتميزين الذين يصلحون لأمثال هذه الولايات، وهذا التشديد في قبول الترشيح سيحقق ضمان وصول الأكفاء للولاية. رابعاً: ضرورة منع الدعايات والحملات الانتخابية بصورتها المعاصرة، والقائمة على عصب المال والإعلام، لما فيها من مفاسد عديدة تنافي الأخلاق الإسلامية، ويمكن الاستغناء عنها بطرق ووسائل كثيرة، منها تخصيص ساعات محددة للمرشحين في بعض وسائل الإعلام ليعرفوا بأنفسهم، ويوضحوا أهدافهم وبرامجهم، مما يعرف الناس بالمرشحين من غير وقوع في مفاسد تدخل العنصر المالي والإعلامي في الترشيح.

الانتفاع بالأعيان المحرمة

الانتفاع بالأعيان المحرمة ¤جمانة أبو زيد£بدون¥دار النفائس - عمان¨الأولى¢1425هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة: الحمد لله حمدا كثيراً أن منّ علي بإتمام هذا العمل وتفضل علي باختياره من قبل فلك الحمد يا مولاي في الأولى ولك الحمد في الآخرة ولك الحمد يا رب حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت. أما بعد: فقد توصلت بفضل الله عز وجل في ختام هذه الدراسة على مجموعه النتائج من أهمها: 1 - الانتفاع بالأعيان المحرمة مصطلح يراد به التصرف بما يمكن استغلاله واستخدامه من منافع الأشياء المحرمة. أو هو وصول الإنسان إلى بعض منافعه باستعمال المواد المحرمة أو استغلالها أو استهلاكها. 2 - الخنزير نجس نجاسته عينية حياً كان أم ميتاً وجلده لا يطهر بالدباغ. 3 - جلد الميتة وجلود ذوات الناب من السباع – إذ هي بعد الذبح في حكم الميتة – طاهرة بعد دباغها ويحل الانتفاع بها مطلقاً. 4 - لواحق الميتة من صوف الميتة وشعرها ووبرها وعظمها وقرنها وأنفحتها ... وغير ذلك طاهرة يحل الانتفاع بها. 5 - المصيد بذوات الناب من السباع وذوات المخلب من الطير المعلم كل منها حلال أكله. 6 - الأعيان المحرمة إن كانت لها أكثر من منفعة، وتوجهت الحرمة فيها إلى منفعة ما منها، لا يعني ذلك حرمة باقي منافعها. 7 - الخمر عين طاهرة وإن كانت محرمة، إذ لا تلازم بين الحل والطهارة وكذلك الكحول المستخلص منها طهر وإن كان محرماً. 8 - الأغراض التي تدخل الخمر في تصنيعها محرمه لا يجوز تناولها لبقاء أجزاء المسكر فيها وإن كانت ضئيلة. 9 - للكحول مصادر أخرى غير الخمر كالبترول وغازاته وكنشارة الخشب وغيرها، وللكحول المستخلص منها حكم الحل والطهارة إذ إن الصفة الغالبة عليه هي السمية وليست الإسكار واستخدامه لا يكون في إنتاج الخمور. 10 - الجوزة والزعفران من المخدرات لا المسكرات ويجوز الانتفاع بالقليل منها أن لم يكن فيه ضرر يلحق متناوله كان يغطي العقل ويتسبب بأحداث تسمم أو غير ذلك من الأضرار. 11 - الدخان مادة سامه خبيثة لا يحل الانتفاع بشربها. 12 - الحيوانات التي كامل أو غالب علفها النجاسة يكره أكل لحمها وشرب لبنها أو أكل بيضها كراهة تنزيهية. 13 - الحيوانات المتغذية على الأعلاف المصنعة والداخل في تركيبها بعضاً من المواد المحرمة والنجسة كالهرمونات ومخالفات المجازر والدماء المسفوحة إن ثبت أن لها ضرراً يلحق بمتناولها فإنه يحرم أكلها ومثلها النباتات المعالجة بالمواد الكيماوية. 14 - الانتفاع بالأعيان المشتراة بما لا يطيب من المال جائز، وتركه من الورع. 15 - لا يحل للرجال لبس الثوب المموه بالذهب ويحل لهم لبس ما موه بالفضة من الثياب ما لم تصل فيه الفضة لحد يمكن معه القول بأن فيه تشبهاً بالنساء. 16 - أن الأعيان المحرمة التي رجح جواز الانتفاع بإحدى وجوه منافعها التي لم تنصرف الحرمة إليها، يجوز بيع ما أجيز الانتفاع به منها وشراؤه وهبته وإجارته ونحو ذلك من التصرفات القولية. 17 - الأعيان المحرمة التي يمكن تحويلها إلى أعيان مباح الانتفاع بها شرعاً، يجوز بيعها وشرائها قبل التحول إن كان القصد منه – البيع والشراء – الانتفاع بها بعد تحويلها، إلا أن هذا لا ينساق على الخمر منها لتعارض بيعها وشرائها مع مقاصد الشريعة الإسلامية. 18 - أن ما كان محرماً من الأعيان في كل وجه من الوجوه دون أن يتم للعين أي تحول أو تبدل لأوصافها يجوز الانتفاع بها حال الاضطرار إن توفرت له – حال الاضطرار – شروط معينه لابد منها. 19 - الاستحالة في الاصطلاح الفقهي: لا يختلف معناها عن المعنى الاصطلاحي للاتحاد الكيميائي.

20 - أن كلاً من الاستهلاك والاستحالة لا يبقي أثراً من لون أو رائحة أو طعم للعين المحرمة المستهلكة فيما هو مباح وكذلك في العين المحرمة المستحلية، إلا أن هناك فروقاً بين الاستحالة والاستهلاك. 21 - أن الاستحالة يختلف معناها عن معنى الخلط وأن ثمة فروقاً بينهما. 22 - أن كلاً من الاستهلاك والاستحالة والخلط كمصطلح تشترك في معنى واحد هو الخلط الذي يتحقق في كل منها إلا أنه لا يلزم من الخلط استهلاك أو استحالة بينما يلزم من الاستهلاك والاستحالة وجود الخلط. 23 - أن الاستحالة تقوى على إثبات حكم الطهارة والإباحة للعين المحرمة إن كانت الاستحالة الحاصلة لها تامة. وفي الختام نوصي بالآتي: أولاً: ضرورة توفير وتكثيف دور أجهزة الرقابة المختصة بمراقبة المنتجات الزراعية والحيوانية للكشف عن طبيعة الأسمدة والمبيدات التي تعالج بها النباتات وبمراقبة الأعلاف المقدمة للحيوانات إن كان قد تسرب إلى بعضها شيء من المواد الكيماوية الممنوع استخدامها دولياً، وإيقاف ذلك بالطرق المناسبة. ثانياً: توفير الكوادر التوعوية لتقديم المعلومات الكافية حول الأضرار الناجمة عن بعض المواد الكيماوية المحظورة دولياً وبيان الطرق الصحيحة التي تستخدم فيها المواد الكيماوية غير المحظورة واستغلال وسائل الإعلام المختلفة بغية الوصول لهذا الغرض، كما نوصي الأجهزة المسؤولة في الدولة بضرورة وضع العقوبات المناسبة لردع كل من تسول له نفسه استخدام مثل تلك السموم المحظورة. ثالثاً: نوصي أصحاب الجهات المختصة بالإشراف على المنتجات الغذائية والدوائية ونحوها كجمعية حماية المستهلك وغيرها ضرورة الإشراف على المنتجات المستوردة، الداخلة إلى الأسواق، والتي هي في المحصلة تقع بين يدي المستهلك وذلك بتشكيل لجان مختصة ترسل إلى البلاد المنتجة والمصدرة لتلك المواد للإطلاع على حقيقة تصنيعها وطبيعة المواد الداخلة في تركيبها ومدى صلاحيتها للمستهلك. رابعاً: نوصي أهل الخبرة والاختصاص بحقيقة استحالة بعض المواد المحرمة أو بعض المواد المستخلصة منها والذين هم على علم ودراية بحقيقة التفاعلات الكيميائية الحاصلة لمثل تلك المواد، إمداد أهل العلم الشرعي بقوائم يبين فيها أسماء المواد التي تحققت لها استحالة تامة والتي لم تتحقق لها استحالة ليتمكنوا بدورهم من تقديم الفتوى للناس في حكم استغلالها واستخدامها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

البدع الحولية

البدع الحولية ¤عبدالله بن عبدالعزيز التويجري£بدون¥دار الفضيلة¨الأولى¢1421هـ€فقه¶إنكار البدع والخرافات والمعتقدات الخاطئة الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات الذي علم الإنسان مالم يعلم، أحمده وأشكره على توفيقه وإعانته على إتمام هذا الكتاب، وأسأله المزيد من فضله وإنعامه وأصلي وأسلم على خير الخلق نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبع هداه إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه أهم النتائج التي خرجت بها من خلال كتابي في موضوع (البدع الحولية). 1 - أن البدعة: هي كل ما خالف السنة، فليس في البدع محمود، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. 2 - أن من البدع ما يكون كفرا، ومنها ما هو مختلف فيه: هل هو كفر أم لا؟ ومنها ما هو معصية، ومنها ما هو مكروه. 3 - أن من أسباب انتشار البدع وشيوعها بين الناس: سكوت العلماء عن إنكار هذه البدع، وقول بعض الجهال في الدين بغير علم، واتباع الهوى، والجهل بالسنة. 4 - أن ما تفعله الرافضة في اليوم العاشر من شهر محرم من الحزن والنياحة: بدعة محرمة ومن أمور الجاهلية المنهي عنها. 5 - أن الفرح يوم عاشوراء، والتوسيع على الأهل في النفقة وغيرها، والاكتحال والاختضاب: بدعة محرمة ومن مقابلة الباطل بالباطل. 6 - أنه يستحب صيام يوم عاشوراء، وأن يصام معه اليوم التاسع. 7 - أن التشاؤم بشهر صفر: بدعة محرمة، بل هو من الطيرة الشركية. 8 - أن الاحتفال بالمولد النبوي: بدعة محرمة، ليس لها أي مستند أو أصل شرعي، وكذلك جميع الموالد. 9 - أن أول من ابتدع الاحتفال بالمولد النبوي هم العبيديون الذي يسمون بالفاطميين وذلك في أواخر القرن الرابع الهجري، والذي هم من أكفر الناس وأفسقهم وانتسابهم إلى آل البيت كذب ومحض افتراء، بل أصلهم من المجوس أو اليهود وهم من مؤسسي دعوة الباطنية. 10 - أن عتيرة رجب محل خلاف بين العلماء، والذي ترجح عندي - والله أعلم - أنها باطلة، وما ورد فيها منسوخ. 11 - أن تخصيص شهر رجب بالصوم ليس له أصل، بل هو محدث، وما ورد فيه من الأحاديث إما بضعيف لا يحتج به أو موضوع. 12 - أن تخصيص شهر رجب بالعمرة محل خلاف بين العلماء. والذي ترجح عندي والله أعلم أنه ليس له اصل. 13 - أن صلاة الرغائب وهي التي تكون في ليلة أول جمعة من رجب: بدعة منكرة، وحديثها موضوع، وأول ما حدثت بعد سنة 480هـ. 14 - أن الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج: بدعة منكرة، لاسيما أنه لم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها. 15 - أن ليلة النصف من شعبان قد يكون لها شيء من الفضل، ولكن تخصيصها بالقيام جماعة في المساجد: بدعة ليس لها أصل، وأما صلاة الإنسان فيها لخاصة نفسه، أو في جماعة قليلة، من غير مداومة على ذلك، فهو محل خلاف بين العلماء. والذي ترجح عندي والله أعلم أن هذا أيضا بدعة ليس لها مستند شرعي. 16 - أن قراءة سورة الأنعام جميعها في رمضان في ركعة واحدة، في التراويح، ليلة الجمعة، أو غيرها، بدعة ليس لها أصل. 17 - أن صلاة التراويح بعد المغرب بدعة أحدثتها الشيعة. 18 - أن صلاة القدر في رمضان: بدعة منكرة، وصفتها: أنهم يصلون بعد التراويح ركعتين في الجماعة، ثم في آخر الليل يصلون تمام مائة ركعة، وتكون في الليلة التي يظنون ظنا جازما أنها ليلة القدر. 19 - أن القيام عند ختم القرآن في رمضان بسجدات القرآن كلها في ركعة،: بدعة وكذلك سرد آيات الدعاء في آخر ركعة من التراويح بعد ختم القرآن. 20 - أن الاحتفال بذكرى غزوة بدر ليلة السابع عشر من رمضان: بدعة، ومن التشبه بالنصارى المنهي عنه أيضا. 21 - استحباب التزوج في شوال، وأن التشاؤم من الزواج فيه أمر باطل ليس له أصل.

22 - أن ما يسمى بعيد الأبرار - وهو اليوم الثامن من شهر شوال -: بدعة منكرة. 23 - أن التعريف - وهو اجتماع الناس يوم عرفة في المساجد للذكر والدعاء -: أمر محدث، وجمهور العلماء على أنه بدعة. 24 - أن عيد غدير خم - وهو في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة -: من الأعياد المبتدعة، التي ليس لها أصل، وأول من أحدثه - حسب ما اطلعت عليه - معز الدولة بن بويه سنة 352هـ. 25 - أن احتفال المسلمين بعيد ميلاد المسيح، أو بالنيروز، أو بأعياد الميلاد، أو ذكرى بعض العلماء والحكام، أو براس السنة الهجرية أو الميلادية، أو برأس القرن الهجري، أو ببعض الأعياد المحدثة، كالأعياد الوطنية ونحوها، كل ذلك من التشبه بأهل الكتاب المنهي عنه بالكتاب والسنة والآثار والاعتبار. بالإضافة إلى كونها محدثة لا أصل لها. 26 - مشروعية مخالفة أهل الكتاب وغيرهم في عاداتهم، وأعيادهم، وأخلاقهم وغير ذلك من أمورهم. وختاما نقول: اللهم اجعل خير أعمالنا آخرها، خير أيامنا يوم لقاك، ووفقنا لما تحبه وترضاه، وارزقنا السداد والرشاد، وأسبغ نعمتك الظاهرة والباطنة واجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم وارزقنا اللهم الفقه في الدين وعلمنا ما جهلنا، وانفعنا بما علمتنا، إنك ولي ذلك والقادر عليه، وصل اللهم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

البغية في أحكام الحلية

البغية في أحكام الحلية ¤زيد بن مرزوق بن عبدالمحسن£بدون¥مكتبة دار الأقصى - الكويت¨الأولى¢1407هـ€فقه¶لباس وزينة - حكم اللحية "خلاصة البحث" مما سبق يتبين لنا ما توصلنا إليه من خلال البحث في الفصلين السابقين تعرفنا على أحكام حلية الذهب وحرمته على الرجال إلا ما استثنى في قول بعض العلماء وأباحته مطلقة للنساء. وكذلك حلية الفضة وأباحتها للنساء مطلقا والخاتم للرجال وخلاف في غير الخاتم وذكرناه في موضعه وحرمة خاتم الحديد على الجميع وجواز غير الحديد لعدم ورود الحديث الصحيح في تحريمها. وتعرفنا على صفة نقش الخاتم وفصه واستحباب التختم باليمين وجواز شد الأسنان بالذهب والفضة للحاجة. هذا خلاصة الفصل الأول. وأما في الفصل الثاني فعرفنا ما اتفق عليه الفقهاء من وجوب الزكاة في الحلي المعطل والمحرم اتخاذه ولبسه وأنهم اختلفوا في الحلي المباح المستعمل على فريقين ذكرنا أقوالهم وأدلتهم وتعارضها ومناقشتها وتوصلنا إلى ترجيح القول بالوجوب للأدلة الصحيحة الصريحة من السنة والآثار واللغة والقياس. وذكرنا في آخر البحث فوائد تتعلق بباب زكاة الحلي حيث عرفنا أن الزكاة التي في الحلي هي في حلي الذهب والفضة فقط وأما ما عداها فلا زكاة فيها إلا إذا اتخذت للتجارة. وعرفنا أخيراً نصاب الذهب والفضة اللذين تجب فيهما الزكاة المفروضة. هذا آخر ما وفقنا الله تعالى إليه في هذا الموضوع ونسأله تعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

البنوك الحيوية البحثية ضوابطها الأخلاقية والشرعية (السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني – قضايا طبية معاصرة)

البنوك الحيوية البحثية ضوابطها الأخلاقية والشرعية (السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني – قضايا طبية معاصرة) ¤غياث الأحمد - محمد جمعه - عبدالعزيز السويلم£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - السعودية¨بدون¢1431هـ€فقه¶أحكام طبية خاتمة: بعد أن جمعت –بفضل الله وتوفيقه- ما تقدم ذكره في هذا البحث من الأحاديث الضعيفة والموضوعة المشتملة على عبادات لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرت ما وقفت عليه من كلام أهل العلم في بيان ضعف تلك الأحاديث ومخالفة ما اشتملت عليه للسنة الصحيحة؛ ألخص أبرز ما استفدته في هذا البحث من النتائج والفوائد في النقاط التالية: 1 - لقد قام أئمة الحديث ونقاده ببيان حال الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم صحة وضعفاً، ووضعوا قواعد وأصولاً تعرف بها درجة الحديث، كما ألفوا كتاباً خاصة في ذلك ككتب التخريج وكتب الأحاديث المشتهرة وكتب الموضوعات وغيرها، وذلك مصداقاً لقول الله جل وعلا: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. 2 - إن الأحاديث الضعيفة والموضوعة هي من أبرز أسباب حدوث البدع وانتشارها؛ لما تشتمل عليه من عبادات منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مما أدى إلى استحباب عبادات لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لاسيما أن القائل بها أو المتعبد بها قد يكون من أهل العلم الذين لم يقفوا على حال تلك الأحاديث، فيرتكبون البدعة وهم لا يشعرون. 3 - إن المتتبع لأصول البدع المنتشرة في عبادات كثير من الناس يجد أن كثيراً منها ناشئ عن العمل بحديث ضعيف أو موضوع. 4 - كثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة؛ إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لا يرد منها، وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم. 5 - فيما ثبت من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم غنية عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي لا تصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا التعبد بما جاء فيها مما لم يثبت في السنة الصحيحة. فإن العمر ينقضي والوقت ينفد قبل أن يغتنم المسلم جميع أبواب الخير والقربات والطاعات التي يجنيها باتباع ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في عباداته ومعاملاته وأخلاقه وسيرته. 6 - إن معرفة البدع التي أدخلت في الدين أمر هام جداً، لأنه لا يتم للمسلم التقرب إلى الله تعالى إلا باجتنابها. فلا يكفي في التعبد الاقتصار على معرفة السنة فقط، بل لابد من معرفة ما يناقضها من البدع. ولهذا كان من الضروري جداً تنبيه المسلمين على البدع التي دخلت في الدين. 7 - إن البدعة التي جاءت النصوص الشرعية بالنهي عنها وتكاثرت أقوال العلماء في التحذير منها هي ما أحدث في الدين على خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من عقيدة أو عمل. 8 - إن ما ورد عن جماعة من السلف من التسهيل في أحاديث الرقائق والمواعظ والترغيب والترهيب مُنصب في جواز سماع تلك الأحاديث من غير المتقنين، وروايتها وكتابتها والتساهل في أسانيدها، وقد اشترطوا فيما يتساهل في روايته ألا يتضمن سنة ولا حكماً شرعياً، أي فلا يجوز أن يؤخذ منه شرع ولا عمل لم يرد في غيره من رواية الأثبات، وإنما يروى من ذلك ما كان في ثواب وعقاب وأدب وموعظة وزهد ونحو ذلك. فما شاع عند كثير من المتأخرين من نسبة القول بجواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال إلى جماهير العلماء مجانب للصواب والله أعلم.

9 - إن الناظر في أقوال كثير من المتأخرين القائلين بجواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال يتبين له أنهم لا يعنون بفضائل الأعمال فضائل وردت في أحاديث ضعيفة لأعمال ثابتة أصلاً، بل يعنون بذلك أعمالاً زعموا فضلها بإدراجها تحت أدلة عامة، وجوزوا بل استحبوا العمل بها اعتماداً على ما ورد فيها من أحاديث ضعيفة. فقولهم: يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال؛ أي يعمل بالخصلة التي رغب فيها هذا الحديث الضعيف – ولو لم ترد من طريق ثابت – لثبوت أصلها في الجملة. 10 - لابد من التفريق بين الحكم على عمل ما بأنه بدعة وبين الحكم على فاعله، فيتعين النظر في حال من وقعت منه البدعة والحذر من التسرع في التبديع، فالحكم على مسألة ما بأنها بدعة لدلالة النصوص والقواعد الشرعية على ذلك لا يعني مطلقاً اتهام من يقول بها أو يفعلها بأنه مبتدع. 11 - بعض المسائل استدل لها بأحاديث ضعيفة، ولم أقف على دليل ثابت على مشروعيتها، لكني لم أجسر على الحكم عليها بأنها بدعة، إما لأنني لم أقف على من قال ببدعيتها من أهل العلم رغم اشتهارها، أو لكون أدلتها محتملة ولم يتبين لي القول الراجح فيها. ومن تلك المسائل: • قول: (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) بعد الخروج من الخلاء. • الاتكاء على الرجل اليسرى عند قضاء الحاجة. • اتخاذ المحراب في المسجد. 12 - ذكر بعض أهل العلم عدداً من المسائل على أنها من البدع، وقد تبين لي من خلال هذا البحث خلاف ذلك، إما لثبوتها في السنة أو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ومن ذلك: • صلاة ركعتين للحاجة دون تقييد بسور معينة أو دعاء مخصوص. • صلاة ركعتين عند دخول المنزل وعند الخروج منه. • قراءة القرآن على المحتضر. • توجيه المحتضر نحو القبلة. • حمل الجنازة من جوانبها الأربعة. • الإحرام من بيت المقدس. • مسح الوجه باليدين بعد استلام الحجر الأسود. • الدعاء عند رمي الجمرة: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً. 13 - بعض الأدعية المقيدة اشتهر العمل بها بين الناس مع أنها لم ترد إلا في أحاديث ضعيفة أو لا أصل لها، فلا يشرع اعتقاد سنيتها والمداومة عليها لأنها لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن تلك الأدعية: • اللهم إن هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي؛ عند سماع أذان المغرب. • أقامها الله وأدامها؛ عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة. • اللهم أجرني من النار سبع مرات؛ بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب. • اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت؛ عند الإفطار. • اللهم زد بيتك هذا تشريفاً وتعظيماً وتكريماً وبراً ومهابة ... ؛ عند رؤية الكعبة. • اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم؛ عند استلام الحجر الأسود. • اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً؛ في الطواف. 14 - الأدعية التي تقال على كل عضو من أعضاء الوضوء باطلة ومكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم. 15 - ما روي في رفع البصر إلى السماء عند ذكر الشهادتين بعد الوضوء لا يصح، فلا يشرع التعبد به. 16 - لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدخل الماء في عينيه في الوضوء، وقد نسب جماعة من أهل العلم إلى ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يفعل ذلك في الوضوء، والصواب أنه إنما كان يفعل ذلك في الغسل، ولم يكن يفعله في الوضوء كما أخبر بذلك نافع مولى ابن عمر. 17 - مسح الرقبة لم يثبت في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، فهو بدعة محدثة. 18 - ما روي في تقبيل الإبهامين مع السباحتين ومسح العينين بهما عند قول المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله؛ حديث باطل لا أصل له.

19 - قول: (صدقت وبررت) بعد قول المؤذن: (الصلاة خير من النوم) لا أصل له، وهو بدعة محدثة، والمشروع أن تقول كما يقول المؤذن: الصلاة خير من النوم. 20 - زيادة (الدرجة الرفيعة) في الذكر المشهور بعد الأذان لا أصل لها، وهي مدرجة من بعض نساخ الكتب. 21 - لا يشرع للإمام أن يسكت سكتة طويلة بعد فراغة من قراءة الفاتحة عند جماهير العلماء. 22 - القنوت في الصلوات المكتوبة إنما يشرع في النوازل، أما المداومة على القنوت في صلاة الفجر بصفة مستمرة فهو مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. 23 - ليس من السنة قراءة سورة الفاتحة بعد الفريضة، ولا يصح في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. 24 - التزام المصلين المصافحة وقول: (تقبل الله منا ومنكم) بعد الانصراف من الصلاة بدعة، والحديث الوارد في ذلك موضوع. 25 - كل ما روي في التسبيح بالحصى أو بالسبحة لا يصح، والثابت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعد الذكر بالأنامل، فعده بالحصى أو السبحة مخالف لهديه عليه الصلاة والسلام، كما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (التسبيح بالحصى بدعة). 26 - رفع الأيدي في الدعاء بعد الانصراف من الصلاة المكتوبة غير مشروع، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم أنهم كانوا يرفعون أيديهم بالدعاء بعد صلاة الفريضة، أما الدعاء بدون رفع اليدين وبدون استعماله جماعياً فلا حرج فيه لورود ما يدل عليه. 27 - لم يثبت تخصيص صلاة الضحى بقراءة سور معينة، فتقييدها بشيء من ذلك بدعة. 28 - ليس قبل الجمعة سنة راتبة مقدرة عند جماهير العلماء، وقد يكون ترك التطوع قبل الجمعة أفضل إذا كان الجهال يظنون أن هذه سنة راتبة أو أنها واجبة، لاسيما إذا داوم الناس عليها فينبغي تركها أحياناً حتى لا تشبه الفرض. وإن صلاها الرجل بين الأذانين أحياناً لأنها تطوع مطلق أو صلاة بين الأذانين كما يصلي قبل العصر والعشاء – لا لأنها سنة رابتة – فهذا جائز. وإن كان الرجل مع قوم يصلونها: فإن كان مطاعاً إذا تركها وبين لهم السنة لم ينكروا عليه بل عرفوا السنة؛ فتركها حسن. وإن لم يكن مطاعاً ورأى أن في صلاتها تأليفاً لقلوبهم إلى ما هو أنفع، أو دفعاً لخصام الشر لعدم التمكن من بيان الحق لهم وقبولهم له ونحو ذلك؛ فهذا أيضاً حسن. 29 - لا يشرع تخصيص صلاة العشاء ليلة الجمعة بقراءة سورتي الجمعة والمنافقون، وإنما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهاتين السورتين في صلاة الجمعة. 30 - النداء لصلاة العيد بقول: (الصلاة الجامعة) أو أي لفظ آخر بدعة. 31 - لا يجوز لمن فرغ من صلاة الفريضة أن يصلها بصلاة النافلة مباشرة حتى يتكلم أو يخرج من مكانه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وسواء في ذلك صلاة المغرب أوغيرها. 32 - التطوع المطلق بين المغرب والعشاء مستحب دون تقييد بعدد معين من الركعات، ولا بقراءة سور معينة، وتقييده بذلك من البدع المحدثة. وكل ما جاء من الأحاديث في الحض على ركعات معينة بين المغرب والعشاء لا يصح وبعضه أشد ضعفاً من بعض. 33 - صلوات الأيام والليالي كلها كذب موضوعة. 34 - الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء هو صيامه، أما تخصيصه بغير ذلك من العبادات كصلاة أو صدقة مختصة به، أو اتخاذ طعام خارج عن العادة إما حبوب أو غيرها، أو تجديد لباس أو توسيع نفقة فكل ذلك من البدع. 35 - كل ما ورد في إحياء ليلتي العيدين لا يصح، وتخصيصهما بالقيام بدعة. 36 - لا يجوز تخصيص شهر رجب بشيء من العبادات، وما ورد في فضل الصلاة فيه وقيام لياليه والصدقة فيه وصيام أيامه لا يصح منه شيء.

وصلاة الرغائب التي تصلى ليلة أول جمعة من رجب بدعة ضلالة، والحديث المروي فيها كذب باتفاق العلماء. وكذا صلاة ليلة النصف من رجب وليلة السابع والعشرين منه لا يصح فيها شيء. 37 - ورد في فضل ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث ولا تخلو أسانيدها من مقال، فذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن ليلة النصف من شعبان ليلة مفضلة، يستحب الاجتهاد فيها بالعبادة دون الاجتماع على ذلك، ولا تخصيصها بصلاة ركعات معينة أو بقراءة سور مخصوصة. وقالت طائفة من أهل العلم إنه لم يثبت شيء في فضل ليلة النصف من شعبان، فهي كسائر الليالي لا يشرع تخصيصها بالقيام، لأن ذلك تقييد لما أطلقه الشارع، فهو بدعة محدثة. وسائر أهل العلم متفقون على أنه لا يشرع تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة مخصوصة على صفة مخصوصة، والاجتماع على ذلك وإظهاره، وكل ما روي في ذلك لا يصح، لاسيما الصلاة الألفية وهي مائة ركعة بقراءة {قل هو الله أحد} ألف مرة، فالحديث المروي فيها كذب، وهي بدعة لم يستحبها أحد من الأئمة. 38 - كل صلاة مقيدة بزمان معين أو مكان معين أو سبب معين، ولم يثبت ذلك التقييد بالأدلة الصحيحة؛ فهي بدعة، كصلاة يوم عرفة، والصلاة عند آثار الأنبياء والصالحين، وصلاة الشكر، وصلاة حفظ القرآن، وصلاة قضاء الدين، والصلاة عند لبس الثوب الجديد، والصلاة المكفرة عن الصلوات الفوائت وغيرها. 39 - حديث صلاة التسبيح روي من عدة طرق لا تخلو من ضعف، ورغم اختلاف هيئة صلاة التسبيح عن سائر الصلوات وعظيم الأجر المذكور فيها لم تنقل إلينا بإسناد ثابت صالح للحجة. ولم يثبت عن أحد من الصحابة أو التابعين أنه صلى هذه الصلاة، كما لم يستحبها أحد من الأئمة الأربعة. ولتعدد طرق صلاة التسبيح وكون بعضها يسير الضعف فقد ذهبت طائفة من أهل العلم إلى ثبوت صلاة التسبيح والعمل بها. إلا أن جمعاً من الأئمة والعلماء ذهبوا إلى تضعيف حديث صلاة التسبيح، ورأوا أن جميع طرقه لا تثبت، وأن هذه الصلاة مخالفة لهيئة الصلوات الثابتة، (والقلب إلى قول المضعفين أميل لإتقانهم) كما قال الحافظ العراقي رحمه الله. 40 - ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مشروعية صلاة ركعتين عند التوبة، وعند الحاجة وعند السفر. أما ما روي في ذلك من الزيادة على ركعتين، أو قراءة سور معينة وأدعية مخصوصة في تلك الصلوات فلا يجوز العمل به لعدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم. 41 - التهليل أثناء تشييع الجنازة بدعة لاسيما إذا كان مع رفع الصوت. 42 - تلقين الميت المشروع إنما هو للمحتضر حتى يكون آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، أما تلقين الميت بعد موته ودفنه فهو بدعة، والحديث المروي فيه واه. 43 - زيارة القبور مشروعة في أي وقت، وأما تخصيص الزيارة بيوم معين كيوم الجمعة أو العيد فهو بدعة. 44 - المشروع بعد دفن الميت وعند زيارة قبره هو الدعاء للميت، أما قراءة القرآن عند القبور فهو خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم. 45 - التمسح بالقبور من وسائل الشرك، وهو من البدع الشنيعة. 46 - الدعاء المستحب المشروع عند الإفطار هو: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله). أما الدعاء المشهور على الألسنة: (اللهم لك صمت على رزقك أفطرت) فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. 47 - السنة للصائم أن يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد فعلى ماء، فإن لم يجد ماء فيفطر على ما أباحه الله تعالى من أي طعام كان. أما ما روي في استحباب الفطر على غير هذه الأصناف الثلاثة كاللبن أو الحلوى فلا يصح.

48 - صيام التطوع مستحب في سائر أشهر السنة وأيامها إلا ما نهي عنه، دون تخصيص يوم أو شهر لم يثبت في الشرع تخصيصه، ولا اعتقاد تفضيله على سائر الأشهر والأيام. وقد ثبت في السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم استحباب صيام أشهر وأيام معينة، كصيام شهر الله المحرم وشهر شعبان، وصيام يوم عرفة، ويوم عاشوراء، وصيام يومي الاثنين والخميس وغيرها. وما سوى ذلك مما لم يثبت في الشرع استحباب صيامه كالأشهر الحرم وشهر رجب ويوم النيروز وغيرها فلا يجوز تخصيصها بالصيام؛ لأن ذلك تقييد لما أطلقه الشارع، فهو ابتداع في دين الله. 49 - شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم مواقيت الحج والعمرة، وأحرم هو وأصحابه من ميقات أهل المدينة، فمن أحرم قبل الميقات فقد خالف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويستثنى من ذلك الإحرام من بيت المقدس، فقد ثبت عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم أحرموا بعمرة من بيت المقدس، أما ما روي في فضل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث ضعيف. 50 - لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مخصوص عند رؤية البيت الحرام، وإنما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول إذا رأى البيت: (اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام). 51 - كان النبي صلى الله عليه وسلم يستلم الركن اليماني في طوافه، ولم يثبت عنه أنه قبله أو قبل يده بعد استلامه، كما لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كبر عند استلام الركن اليماني أو دعا بدعاء مخصوص عنده. وإنما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول بين الركنين: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار). 52 - المشروع للمسلم أن يذكر الله تعالى ويدعوه في الطواف والسعي بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما تيسر له من الأذكار والأدعية المشروعة دون تخصيص ذكر أو دعاء معين لم يثبت في الشرع، وأما ما أحدثه بعض الناس من تخصيص كل شوط من الطواف أو السعي بأدعية وأذكار معينة فهو بدعة لا أصل لها. 53 - لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مخصوص عند مقام إبراهيم أو بعد ركعتي الطواف. 54 - المشروع في الطواف مسح الحجر الأسود والركن اليماني، أما باقي أركان الكعبة وجدرانها فلا يشرع مسحها. 55 - السعي بين الصفا والمروة لا يشرع منفرداً عن الحج أو العمرة، فليس هو عبادة مستقلة بخلاف الطواف. 56 - صلاة ركعتين بعد السعي بدعة محدثة. 57 - صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل ما قلت أنا والنبيون قبلي عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير). أما تخصيص أدعية أخرى بيوم عرفة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم واعتقاد سنية الإتيان بها في ذلك اليوم فهو تقييد لما أطلقه الشارع وزيادة في التشريع.

الجامع في أصول الربا

الجامع في أصول الربا ¤رفيق يونس المصري£بدون¥دار القلم - دمشق¨الأولى¢1412هـ€فقه¶ربا الخاتمة إنه لمن الصعب عليّ أن أضع خاتمة لهذا الكتاب، الذي احتوى على مباحث ربوية كثيرة، دون أن أتعرض لخطر التطويل والإملال، لاسيما وأن النتائج التي يمكن أن أختار بعضها، وفقا لوجهة نظري، قد تنطوي على ترك نتائج أخرى، لم أختر إثباتها في الخاتمة، وقد تكون ذات أهمية أكبر في نظر بعض القراء، فلاشك أن القراء في ذلك يختلف بعضهم عن بعض. غير أن هذه الصعوبة لن تمنعني من الإشارة إلى بعض النتائج التي أختارها على مسؤوليتي الخاصة، راجيا أن تفيد عددا من القراء، وأن تعطي مجموع القراء، فكرة ولو يسيرة، عن أهداف هذا الكتاب، وبعض المسائل المطروقة فيه. وبناء عليه، أذكر هذه المجموعة المختارة من النتائج: 1 - قوله تعالى في سورة البقرة: الآية 279: {لا تظلمون} معناه: لا تظلمون بالثواب، وليس المعنى: لا تظلمون بالنقصان، وقد أوردنا الأدلة على ذلك. 2 - قوله صلى الله عليه وسلم: ((مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد)) يعني التساوي (بين البدلين) في النوعية، والكمية، والزمن. 3 - الأصناف الستة الواردة في أحاديث الربا: الذهب، الفضة، القمح، الشعير، التمر، الملح، هي من أموال ربا القروض ومن أموال ربا البيوع، وهي أموال مثلية، الغرض من تحريم ربا النساء والفضل فيها هو سد الذريعة إلى ربا النسيئة (= ربا القروض). 4 - ربا الفضل هو زيادة بلا زمن، وربا النساء هو زمن بلا زيادة، وربا النسيئة هو زيادة مع زمن. 5 - للزمن قيمة، دليله أن ربا النساء حرام، وأن المقرض مثاب عند الله، وأن البائع بالأجل يجوز له أن يزيد لأجل الأجل .. 6 - الربا ربوان: ربا حرام وربا حلال، وقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] لا يفيد أن كل بيع حلال، ولا أن كل ربا حرام. والقرض فيه ربا نساء، ولكنه جاز إرفاقا بالمقترض. والقول بوجود ربا حلال يفيدنا في تقويم المشروعات، كما يفيدنا في تفسير الزيادة للأجل في البيع الآجل، مع ملاحظة أن الربا هو كل زيادة في مقابل الأجل. 7 - الحيوان بالحيوان، تفاضلا ونساء، عند من أجازه، يدخل في باب الربا الحلال. 8 - الزمن في القرض ليس مهدرا، كما قد يتوهم، ذلك بأن الله سبحانه وتعالى يثيب المقرض على قرضه. كذلك الجودة في الربويات ليست مهدرة، كما قد توهم عبارات بعض الفقهاء، ذلك بأن الله سبحانه يثيب صاحب التمر الجيد في مبادلة التمر الجيد بالتمر الرديء مع التساوي في المقدار. 9 - مبادلة الذهب بالذهب، أو التمر بالتمر، سواء بسواء، يدا بيد، مبادلة لها معنى، وقد يلجأ إليها العقلاء، خلافا لما ذكره البعض، وذلك عند مبادلة عملة ذهبية سورية بعملة ذهبية سعودية، أو تمر سوري بتمر جزائري، متشابهين في الجودة، مختلفين في الطعم. 10 - منع الذهب بالذهب، فضلا ونساء، لأن جوازه يعني جواز القرض الربوي. ومنع الذهب بالفضة، نساء، لأن جوازه يفتح الذريعة إلى قرض ربوي، يقرض بنقود الذهب ويسدد بنقود الفضة. 11 - قد تكون الحكمة من تحريم ربا الفضل أن ربا الفضل هذا محرم في كل مبادلة بين متماثلين، سواء كان فيها نساء أو لم يكن، وذلك مبالغة في سد الذريعة إلى ربا القرض. 12 - الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، لا مجال فيه لتحقيق ربح لدى الصيارفة، أما الذهب بالفضة، والعملة بعملة أخرى، ففيه مجال لتحقيق الربح، شريطة أن تتم العملية يدا بيد، ولا مانع أن يكون لدى الصيرفي سعر للشراء وسعر آخر للبيع. 13 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أن بيع حلي الذهب والفضة بالنقود لا يجوز نساء، وذهب ابن تيمية وابن القيم إلى جوازه، وكانت أقوى حجة لهما في ذلك أن علة الذهب والفضة ربويا أنهما أثمان، والحلي ليست أثمانا، بل هي مجرد سلعة من السلع، ولا ربا بين السلع والأثمان. 14 - إننا نتفق مع الحنفية في أنه لا ربا بين السيد وعبده، ولا ربا بين المتفاوضين (وقد ذكرنا إمكان وجود تطبيق معاصر لهذا الرأي). ولكننا لا نتفق مع بعض الفقهاء الذين قالوا بأنه لا ربا بين الوالد وولده، أو لا ربا بين الزوجين. 15 - ذكر بعض المعاصرين أن لا ربا بين الراعي ورعيته، ولم نجد سندا لهذا القول عند الفقهاء السابقين، كما لم نجد له وجها مقبولا حتى الآن. 16 - عرضنا في هذا الكتاب لمسائل شتى أعجز عن تلخيص كل منها، ولهذا أغتني عن الملخص بإحالة القارئ إليها مباشرة. وهذا الكتاب وصفته بالجامع، بمعنى نسبي، لا بمعنى مطلق، وعلى المجاز لا الحقيقة، وهو إلى حيث استطعته أقرب منه إلى حيث أردته. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الجنسية والتجنس وأحكامهما في الفقه الإسلامي

الجنسية والتجنس وأحكامهما في الفقه الإسلامي ¤سميح عواد الحسن£بدون¥دار النوادر – سوريا¨الأولى¢1429هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة خاتمة الرسالة: وفي ختام هذا البحث أود أن أسجل أهم النتائج التي توصلت إليها وهي: 1 - الجنسية مصطلح قانوني حديث وثيق الصلة بالدولة وما يرتبط بها من أنظمة وقوانين ويعود إلى القرن التاسع عشر. 2 - الجنسية حق من حقوق الإنسان، فالشخص الذي لا يحمل جنسية دولة ما، لا يستطيع ضمان حقه في التنقل والإقامة والعمل، بل قد يصعب عليه تأمين حقه في كسب رزقه وضمان بقائه. 3 - الجنسية هي الوسيلة الوحيدة لحماية الفرد في المجتمع الدولي، فتستطيع الدولة عن طريق ممثليها الدبلوماسيين في الخارج حماية الأفراد الذين يحملون جنسيتها والدفاع عن حقوقهم، أما عديم الجنسية فيظل دون حماية في هذا المجال الدولي. 4 - دار الإسلام هي الدار التي تسودها شريعة الإسلام، وتطبق فيها بقطع النظر عن سكانها. 5 - دار الكفر هي الدار التي لا تسودها شريعة الإسلام، وتظهر فيها أحكام الكفر. 6 - الإسلام دين وجنسية، وإن الجنسية الإسلامية تقوم على أساس الانتماء إلى الإسلام تديناً أو الانطواء تحت سلطان دولة إسلامية نظاماً. 7 - الجنسية ثلاثة أقسام، تأسيسية، وأصلية، ومكتسبة. 8 - الجنسية التأسيسية الإسلامية، ظهرت لأول مرة مع قيام الدولة الإسلامية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الوطنيين الأصول في الدولة الإسلامية، وهم المهاجرين والأنصار والمتبعين لهم من اليهود، فهؤلاء هم شعب الدولة الإسلامية. 9 - الشريعة الإسلامية لا تعتد بحق الإقليم في منح جنسيتها إلا في حالة واحدة وهي حالة اللقيط، فقد اتفق الفقهاء على أنه إذا وجد مسلم لقيطاً في دار الإسلام، وانعدم والداه فإنه يحكم بإسلامه تبعاً للدار. 10 - أما بالنسبة لحق الدم فإن الشريعة الإسلامية تعتد به وتمنح على أساسه جنسيتها لذلك الفرد منذ لحظة ولادته. 11 - تمنح الجنسية الإسلامية في ظل الدولة الإسلامية لكل من أعلن إسلامه، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بعد التحقق من صدق دعواه وإخلاص نيته. 12 - إقامة غير المسلمين في دار الإسلام على نوعين: مؤقتة وتنتهي بانقضاء الحاجة، وتكون بمقتضى عقد الأمان، ومؤبدة (التجنس) وتكون بالدخول بالإسلام أو بعقد الذمة. 13 - إن الجزية التي فرضها الإسلام على الذميين ليست غرامة مالية عليهم مقابل عدم إسلامهم، لكنها مقابل رعاية حقوقهم المدنية وحمايتهم وضمان الأمن لهم. 14 - منع الإسلام تولية الكافر على المسلمين ولاية عامة في الدولة الإسلامية، من أجل عدم تمكين الكفار فيها، وتفادياً لخضوع المسلمين لسلطانهم المتنافي مع قوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} [النساء: 141]. 15 - كفل الإسلام لغير المسلمين المقيمين على أرضه كافة الحقوق والحريات التي يحتاجها الإنسان في حياته، وألزمهم في مقابل ذلك بواجبات منها: الخضوع لأحكام الشرع الإسلامي فيما يتعلق بالمسؤولية المدنية والجنائية، دون ما يتعلق بالعقيدة. 16 - هدف الجهاد في الإسلام هو صد العدوان الواقع أو المتوقع على دار الإسلام ورعاياها في الداخل والخارج، لإعلاء كلمة الله ونصرة المظلوم. 17 - القضاء ولاية من الولايات العامة، ولا يتولاها إلا من يؤمن بهذا الدين ويلتزم شرائعه. 18 - كل من تجنس بجنسية دار الإسلام فهو من أهل دارها، له ما للمسلمين وعليه ما عليه، باستثناء ما كان قائماً على العقيدة والدين، فلكل معتقده وما يدين به.

19 - لا توجد في دار الإسلام حدود إقليمية أو سياسية تفصل بين الشعوب التي تدين بالإسلام، وذلك أن ولاية الإسلام واحدة، وهي تشمل الشعوب والأقاليم التي تنبسط عليها هذه الولاية. 20 - تجوز الإقامة في دار الكفر لمن أمن الفتنة على نفسه، وعلى من هم تحت رعايته، أما من خاف الفتنة فالهجرة واجبة عليه باتفاق العلماء. 21 - البر والتسامح المطلوب شرعاً من المسلمين للكفار لا يلزم منه موالاتهم ومودتهم، فالموالاة لا تكون إلا لله ولرسوله وللمؤمنين. 22 - التجنس بجنسية دولة غير إسلامية على نوعين: اختياري واضطراري، فالتجنس الاختياري حرام من كبائر الذنوب، لأنه يقوم على الولاء، وموالاة الكافرين حرام، وقد يوصل صاحبه إلى الردة والعياذ بالله إذا كان عن حب ورضا وتفضيل للكافرين على المسلمين. أما التجنس الاضطراري جائز، لأن الضرورات تبيح المحظورات ولكنها تقدر بقدرها، فإذا زال الضرر رجع الحظر. 23 - لا يجوز للمسلم المتجنس اضطراراً أن يشارك في الحروب التي تشنها دول الكفر ضد المسلمين، ولو أكره على ذلك بإجماع المسلمين. 24 - ينتج عن التجنس بجنسية دولة غير إسلامية آثار سيئة منها: الخضوع لقانون الدولة، الإقامة الدائمة بين ظهراني المشركين والكافرين، ثبوت موالاة المسلم لغير المسلمين سياسياً، تكثير سواد الكفار. 25 - إن حالة المسلم المتجنس بجنسية دولة غير إسلامية في البلاد الكافرة، حالة سيئة لأمور كثيرة منها: التعود على ترك فرائض الإسلام، التعود على عوائد الكفرة من الزنا وفجور وشرب الخمر، والمعاملة بالربا، التعود على نسيان النسب، واستبدال أسماء الأشخاص بأسماء أعجمية بدلاً من العربية. 26 - إن وضع المسلمين في دار الإسلام أنهم أهلها، وأصحاب السلطان فيها، ولهم كامل الحق في الاستمتاع بخيراتها وحماية مقدراتها، والدفاع عنها ضد أي عدو. 27 - الحربي لا عصمة له في نفسه ولا ماله بالنسبة لأهل دار الإسلام، والعصمة في الشريعة الإسلامية تكون بأحد أمرين، الإيمان أو الأمان، وليس للحربي واحد منهما.

الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته

الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته ¤عبدالله بن أحمد القادري£بدون¥دار المنارة - جدة¨الأولى¢1405هـ€فقه¶جهاد تلخيص نتائج البحث يتبين لقارئ هذا البحث أن هذا الدين أشد ضرورة للعالم كله من ضرورات الطعام والشراب والهواء التي لا حياة بدونها، لأن فقد هذه الضرورات غاية ما يصيب فاقدها من ضرر أن يموت، والموت حتم لا مفر منه وإن تعددت أسبابه، أما هذا الدين فإن فاقده ينزل به الشقاء في الدنيا والآخرة: {والعَصْرِ* إنَّ الإنسان لفي خُسْر} إلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (، ولأن هذا الدين هو الدين العالمي الحق الذي لم يبق في الأرض حق سواه وهو آخر الأديان الذي لا ينتظر بعده دين ولا نزول وحي ولا بعث رسول: ?ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم، ولكن رسولَ الله وخاتمَ النبيِّين (?تبارك الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً (?ومن يَبْتَغِ غيرَ الإسلام ديناً فلن يُقْبَلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين (. وتبين كذلك أنه لا قيام لهذا الدين إلا بالجهاد في سبيل الله فالجهاد في سبيل الله، كذلك ضرورة للعالم كضرورة هذا الدين. ومن هنا يظهر فضل الجهاد في سبيل الله وكونه رحمة للعالمين كالإسلام وأن الجهاد في سبيل الله يشمل نشاط الإسلام كله، فلا يخلو وقت المسلم كله من مشروعية الجهاد في سبيل الله إما واجباً عينياً وإما كفائياً وإما مسنوناً ـ على ما اختير من تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ وإن الجهاد بمفهومه الخاص ـ وهو قتال الكفار ـ يقوم على إعداد المجاهدين والمال والسلاح واستغلال جميع الطاقات المتاحة ولا يتحقق إلا لمن جاهد نفسه في ذات الله عز وجل. ويظهر من البحث أن للجهاد بواعث تدفع المؤمنين للقيام به ولا تقوم سوقه وتربح تجارته إلا بتلك البواعث، كما أن له معوقات تثبط عنه من تمكنت منه. وأن للمجاهدين ـ قادة وجنوداً، أفراداً وجيشاً ومجتمعاً ـ صفات لا بد من توافرها فيهم للقيام بالجهاد في سبيل الله. وأن للنصر أسباباً أناطه الله بها يجب علىالمجاهدين أن يسعوا لتحقيقها وأن للهزيمةـ كذلك ـ أسباباً علقها الله بها يجب علىالمجاهدين أن يبتعدوا عنها. ويظهر ـ كذلك ـ أن للجهاد في سبيل الله غاية عليا تشمل كل الغايات المتفرعة عنها، وتلك الغاية العليا هي إعلاء كلمة الله في الكون، وبها تتحقق كل الأهداف الفرعية للجهاد في سبيل الله من دفع العدوان ونشر العدل والسلام في العالم وغيرها. وأن الله سبحانه اقتضت حكمته أن يبتلي عباده بالجهاد في سبيل الله فيمحص المؤمنين الصادقين الذين يفوزون بتقواه ورضاه ونصره وبالانتقال السريع إلى الحياة الأبديةحياة الشهداء الذين يختارهم الله ويصطفيهم لها من بين خلقه. ويكشف سبحانه بالجهاد في سبيله المنافقين الذي يندسون في صفوف المؤمنين للمكر والكيد والخداع والتثبيط عن طاعته. ويبدو كذلك من البحث أن المسلمين ابتعدوا كثيراً عن دين الله حتى فقدوا روح الجهاد والتضحية بالنفس والمال في سبيل الله وأنه لا بد من إعادة هذه الروح إليهم بغرس الإيمان في قلوبهم وبث العزة في نفوسهم، وبناء نخبة منهم قوية تتحمل أعباء هذا الدين ومشقات الجهاد في سبيل الله، وإبعاد المسلمين عن الترف والاسترخاء المهلكين. وإن ابتعاد المسلمين عن دينهم كان سبباً في تفرقهم فلا بد من السعي المتواصل لجمع كلمتهم بتعميق معنى الولاء والبراء في نفوسهم وإعادة الخلافة الإسلامية المفقودة التي هي قمة وحدتهم، بل لا وحدة لهم بدونها. ويتبين ـ كذلك ـ أن للجهاد في سبيل الله ثمراته الطيبة العظيمة التي يعم نفعها المسلمين بتوحيد صفوفهم وتسديد خطاهم وحرصهم على حماية دينهم الذي لم يقم إلا بتضحيات منهم وكفاح، وإعزازهم وتبوئهم منصب قيادة البشرية الذي وعدها الله إياه: ?كنتم خير أمة أُخرجتْ للناس، تأمرون بالمعروف، وتنهَون عن المنكر، وتؤمنون بالله (كما يعم العالم أجمع بإبلاغ الدعوة إليه ودخوله في دين الله أفواجاً بعد أن يحقق الله لأهله النصر والتأييد والغلبة وبذلك تتحقق للناس السعادة الكاملة بإخراجهم من ظلمات الكفر إلىنور الإيمان، وبنشر العدل والسلام في الأرض. وللقعود عن الجهاد في سبيل الله أضرار خطيرة على المسلمين وعلى العالم كله، إذ تعلو بذلك كلمة الكفر ويهيمن قادة الكفر على الأرض، ويذل المسلمون ويستضعفون ويفتنون في دينهم ويفقدون حريتهم وعزتهم، ويشقى العالم كله بحرمانه تبيلغ هذا الدين قولاً وعملاً وهو قوي الجانب مهاب، ويفقده القيادة الهادية العادلة. وهذا هو واقع المسلمين والعالم اليوم، وهو يقتضي إثم كل مسلم على وجه الأرض لا يقوم بالجهاد في سبيل الله وهو قادر عليه، لعدم قيام طائفة أو طوائف به قياماً كافياً يعلي كلمة الله ويذل كلمة الكفر.

الجوهر في عدد درجات المنبر

الجوهر في عدد درجات المنبر ¤محمد بن عبدالوهاب الوصابي£بدون¥مكتبة الضياء - جدة¨الأولى¢1409هـ€فقه¶الجمعة - المنبر خلاصة البحث: والآن قد آن لي أن ألخص بحثي فأقول: وجدت عشرة أحاديث في عدد درجات المنبر بعد بحث واستقصاء فخرجتها تخريجاً كاملاً، وناقشت أسانيدها مناقشة علمية حديثية فكانت خلاصتها كما يلي: الحديث الأول: عن أنس بن مالك حسن لذاته. الحديث الثاني: عن ابن عباس حسن لذاته. الحديث الثالث: عن ابن عمر حسن لذاته. الحديث الرابع: عن سهل بن سعد حسن لغيره. الطريق 2 رقم 4 الحديث الخامس: عن أبي بن كعب حسن لغيره. الحديث السادس: عن عائشة ضعيف ومنقطع. الحديث السابع: عن باقوم مولى العاص ضعيف مرسل. الحديث الثامن: عن كعب بن عجرة ضعيف جدا. الحديث التاسع: عن مالك بن الحويرث منكر. الحديث العاشر: عن أبي هريرة موضوع. وبناء على هذا فالسنة في المنبر أن يكون ثلاث درجات لا غير يقف الخطيب على الثانية ويجلس على الثالثة.

الحجاب

الحجاب ¤أبو الأعلي المودودي£بدون¥مؤسسة الرسالة - بيروت¨بدون¢1398هـ€فقه¶حجاب وتبرج خاتمة القول هذه هي نقطة القصد والموقف الوسط الذي أشد ما تفتقر إليه الدنيا لرقيها وهنائها وصلاحها الخلقي. وهي – كما ذكرت في بدء هذا الكتاب – لا تزال تخبط خبط عشواء في تعيين منزلة المرأة – أي منزلة النصف الكامل من كيان العالم الإنساني – في التمدن، منذ آلاف من السنين. فتميل تارة إلى الإفراط وأخرى إلى التفريط. وقد أضرت بها هاتان النزعتان المتطرفتان ضرراً قد شهدت به التجارب والمشاهدات، أما ما بين هذين الطرفين المتناقضين من الموقف الوسط المعتدل الذي يوافق الفطرة والعقل؛ ويلائم المصالح الإنسانية كل الملاءمة، فهو الذي قد جاء به الإسلام. ولكن المؤسف أنه قد قامت في هذا العصر الأخير حواجز بعضها من وراء بعض، تحول دون فهم هذا الطريق المستقيم وتقديره حق قدره. أهم هذا الحواجز أن الإنسان في عصرنا هذا قد ابتلي في بصيرته بداء كاليرقان. وأصيب المستغربون من أهل الشرق بنوع أخوف من هذا الداء، أسميه اليرقان الأبيض. ومعذرة إلى الأخوان والأصدقاء لصراحتي هذه. ولكنها حقيقة لا تنكر، والحقيقة يجب ألا يمنع من إعلانها مداراة. إن من الحق الواقع أنه لم يأت الإسلام بحكم أو مسألة تخالف الحقائق العلمية الثابتة. بل الأصح أن كل ما هو حقيقة علمية في هذه الدنيا، هو عين الإسلام. ولكن هذا الواقع لا تبصره إلا عين مجردة ترى الأشياء بلونها الحقيقي، لا بلون المنظار، ولا تدركه إلا نظرة واسعة ترى كل أمر من جميع نواحيه لا من ناحية واحدة، ولا يقبله إلا قلب ربح وفطرة سليمة تسلم بالحقائق كما هي، وبدل أن تجعلها تابعة لأهواء النفس ونوازعها، تجعل أهواء النفس تابعة لها. وأما بدون هذه الصفات، فلا يفيد حتى العلم والعرفان مهما زخر عبابه واستفاض. ذلك بأن العين الملونة لن تبصر شيئاً إلا بلون المنظار الذي يغشاها، وأن النظرة المحدودة لن تنفذ من المسائل والشؤون إلا إلى النواحي التي تستقبل وجهتها. ثم إن الحقائق إن خلصت إلى باطن الإنسان في صورتها الحقيقية، على الرغم من تلك الموانع كلها، فهناك ضيق الذرع واعوجاج الطبع يعمل فيها عمله، ويكرهها على أن تخضع لدواعي النفس وتطاوع ميولها ونزعاتها. وإن هي لم تطاولها ولم تخضع لها، نبذها وراء ظهره، مع علمه بأنها حقائق، وراح يتبع هواه ومن البديهي أنه إذا ابتلي الإنسان بهذا الداء العياء، فلا يهديه شيء من العلم والتجربة والمشاهدة سواء السبيل، ومن غير الممكن أبداً لمثل هذا المريض أن يفهم حكماً من أحكام الإسلام فهماً صحيحاً. لأن الإسلام دين الفطرة. بل هو الفطرة بعينها. ولم يتعذر فهم الإسلام على دنيا الغرب إلا بسبب إصابتها بهذا الداء. فكل ما عندها من (العلم) [المراد بهذا العلم هو علم الحقيقة لا النتائج المستخرجة من النظريات والحقائق] هو برمته إسلام. ولكن بصرها متلوّن. وإن تلوّن.

الحدود في الإسلام ومقارنتها بالقوانين الوضعية

الحدود في الإسلام ومقارنتها بالقوانين الوضعية ¤محمد بن محمد أبو شهبة£بدون¥الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية¨بدون¢1394هـ€فقه¶حدود وعقوبات خلاصة البحث: وبعد هذا المطاف الطويل نستخلص هذه الحقائق الآتية: 1 - قد ظهر أن تشريعات الله تبارك وتعالى هي أعدل التشريعات، وأوفاها بحاجات الناس وتوفير السعادتين: الدنيوية والأخروية، وأنه لا يصلح البشرية إلا تطبيقها تطبيقا كليا، والعمل بها. وها هي ذي القوانين الوضعية قد ظهر فشلها في إصلاح أحوال المجتمعات ولاسيما الإسلامية منها، فلنجرب العمل بالشريعة الإسلامية الغراء، وسنرى إن شاء الله تعالى أنها ستؤمن الناس على دمائهم، وأعراضهم، وأموالهم، ولاسيما أنها قد أظهرت صلاحيتها وإصلاحها مدة ثلاثة عشر قرنا، قبل أن يدخل على المسلمين هذا البلاء، والشر المستطير. 2 - قد تبين لنا أن التشريعات الإسلامية في باب الحدود ليست قاسية، ولا عارية من الرحمة كما زعم الزاعمون، وتدعو بتساهلها إلى الفسق والفجور كما قال ذلك الكثيرون من رجال القضاة، وأن التشريعات الإسلامية مبنية على أساس قويم من العلم والخبرة بالنفوس، ولا كذلك القوانين الوضعية على نحو ما فصلنا سابقا. 3 - أن هذه الشريعة هي التي كونت خير أمة أخرجت للناس، في عقيدتها، وفي عباداتها، ومعاملاتها، وأخلاقها، وكونت أفضل مجتمع عرفته البشرية في تاريخها الطويل: مجتمع قائم على العدل، والرحمة، والإخاء، والمحبة والتكافل الاجتماعي، والتعاون على البر والخير. ولن تصلح هذه الأمة اليوم إلا بما صلح به أولها. فإذا أراد المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها أن يعود لهم مجدهم، وترجع لهم عزتهم، ويعود لهم مجتمعهم كما كان نقيا من الشوائب، حافلا بكل أنواع الفضائل فليعضوا على شريعتهم بالنواجذ، ويأخذوا بها في كل شئون حياتهم الدينية، والسياسية والأخلاقية، والاقتصادية. أما أن يأخذوا منها ببعضها، ويدعوا الجانب المهم منها، فذلك أمر يأباه التدين الصحيح، وتأباه العقول الصحيحة، والفطر السليمة، والمنطق القويم. 4 - أن هذه الشريعة هي التي تمخض عنها أعظم الحضارات الإنسانية، وهي حضارة الإسلام القائمة على الإيمان، والعلم، والتي جاءت كافية لمطالب الروح ومطالب الجسد، فلا هي روحانية صرفة معزولة عن الحياة، ومتطلباتها، لا يهمها إلا تعذيب الجسد، وإغفال مطالبه كبعض الملل والنحل؛ ولا هي مادية بحتة تغفل مطالب الروح، وتجعل من الإنسان مخلوقا حيوانيا، وآله صماء لا روح فيها، وبذلك كانت حضارة وسطا، وخير الأمور أوساطها، والفضيلة وسط بين رذيلتين كما قال الحكماء. 5 - قد يتعلل بعض المعوقين عن العمل بالشريعة الإسلام بأن في معظم الدول الإسلامية والعربية جماعات أخرى غير مسلمة. وهذا عذر غير مقبول فقد أصبحت الدول الإسلامية والعربية أمرها بيدها، وانقضى عهد الامتيازات، وعهد التسلط والاستعمار وأصبحت القوانين تسري على الجميع لا فرق بين مسلم، ومسيحي، ويهودي في شئون المعاملات والجنايات وغيرها، فلماذا لا تطبق الشريعة الإسلامية في مسائل الحدود على الجميع؟! ولاسيما أنها يقصد بها إصلاح المجتمعات، والقضاء على عوامل الإفساد بالتعدي على الدماء، والأعراض والأموال، والحفاظ على الأنساب، والعقول، والأجسام؟! هذا إلى أن الكثرة الكاثرة في كل بلد إسلامي، وعربي إنما هي للمسلمين، وغيرهم قليلون بالنسبة إليهم، فليسع غير المسلمين ما يسع المسلمين! على أن في بعض المذاهب الفقهية فيما ذكرنا ما فيه الخروج من بعض العقبات التي قد تصادفنا عند التنفيذ، والتطبيق العملي. 6 - وختاما ما أقول: أما أن نكون، وتكون لنا شخصيتنا الإسلامية المتميزة، ونحكم بشرع ربنا، أو لا نكون، ولا تكون لنا شخصية إسلامية مستقلة، ونعيش عالة على قوانين غيرنا المهلهلة المرقعة. فإذا كانت الأولى فقد أرضينا ربنا، واعتززنا بشريعتنا، وكان من وراء ذلك الخير كل الخير، والإصلاح كل الإصلاح لمجتمعاتنا، وكان الله معنا، وضمنا نصره "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز". وإن كانت الأخرى فقد أغضبنا ربنا، وضاعت شخصيتنا، واستمرت مجتمعاتنا في فسادها وتحللها، وكنا غير جديرين بنصر ربنا. فلتختاروا أيها المسلمون والعرب ما يحلوا لكم! اللهم إني قد بلغت "اللهم فاشهد"! والخير أردت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. والحمد لله في النهاية كما حمدنا في البداية، وصلى الله تبارك وتعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ومن تبعهم، واهتدى بهديهم إلى يوم يقوم الناس جميعا لرب العالمين، كتبه الراجي عفو ربه، وغفران ذنوبه د. محمد بن محمد أبو شهبه

الحصانات الدبلوماسية والقنصلية والمعاهدات في الفقه الإسلامي والقانون الدولي - دراسة مقارنة

الحصانات الدبلوماسية والقنصلية والمعاهدات في الفقه الإسلامي والقانون الدولي - دراسة مقارنة ¤علي مقبول£بدون¥مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث – صنعاء¨الأولى¢1421هـ€فقه¶علاقات عربية وإسلامية ودولية الخاتمة: أخي القارئ الكريم: أعتقد في نهاية هذا البحث أننا في حاجة إلى مزيد من الإطلاع والقراءة فيما دونه علماء الإسلام من الفقه المستنبط من الأدلة الشرعية ونصوص الكتاب والسنة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام؛ ذلك أننا مطالبون بإغاثة العالم من الكوارث والخطوب المحيطة به اليوم؛ لأن جميع النظم الوضعية قد فشلت في تسيير عجلة الحياة كما ينبغي لها وبما ينسجم مع حركة الكون المنتظمة. ولا يسعني في الختام إلا أن أؤكد على بعض النقاط المهمة والتي تمثل جزءا من نتائج البحث وهي على النحو التالي: 1 - سبق المسلمون غيرهم في تنظيم شئون العلاقات الخارجية لدولتهم منذ العهد الأول لنشأتها في المدينة، بل إن المسلمين أقاموا علاقات خارجية حتى قبل تكوين الدولة الإسلامية في المدينة، وذلك حين مارسوا ذلك مع دولة الحبشة – كجماعة – استقرت بها هروباً من اضطهاد أهل مكة. 2 - في العلاقات الخارجية يهتم النظام الإسلامي بالغايات الشرعية لهذه العلاقة، بينما نجد النظام الوضعي يهتم بتحقيق مصالح بشرية، ولذلك تتأثر هذه العلاقات في الأنظمة الوضعية بتحقيق مصالحها فقط وإن كانت الوسائل لتحقيقها غير شرعية كالظلم أو الخيانة. أما النظام الإسلامي فإنه يبقي على علاقاته الخارجية ولا يستعمل الحرب أو الغدر أو الخديعة لتحقيق مصالحة بعكس النظم الوضعية. 3 - الدولة الإسلامية لا تمانع في استعمال كل ما هو جديد وحديث في العلاقات الخارجية، فليس هناك نصوص تحدد صورة هذه العلاقات أو أساليبها، بل ترك ذلك لتصرف ولي الأمر وأهل الحل والعقد من المسلمين وفق ما تقتضيه ظروفهم وفي إطار الأصول العامة للشريعة الإسلامية. 4 - الهدف الأساسي لإقامة العلاقات بين الدولة الإسلامية والدول الأخرى هو نشر العقيدة الإسلامية والدعوة إليها، فإذا حقق هذا الهدف فإن الدولة الإسلامية تكون قد حققت نجاحاً كبيراً ومهماً، أما إذا لم يتحقق الهدف فإن الدولة الإسلامية تكون قاصرة أو ضعيفة مهما حصل عليه المسلمون من مكاسب اقتصادية أو سياسية أو عسكرية. 5 - السفير أو المبعوث من الدولة الإسلامية إلى الدول الأخرى لا يمثل نفسه أو النظام السياسي، وإنما يمثل العقيدة الإسلامية والسلوك الإسلامي فهو يعطي صورة صحيحة لدينه وعقيدته، وبقدر تمسكه بذلك يكون قد أعان على نشر دعوته ودينه، وهذا مسلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو المطبق الأول لتعاليم ربه حتى قالت عائشة رضي الله عنهما عندما سئلت عن خلقه: (كان خلقه القرآن). 6 - الإسلام، ونظامه السياسي، يحترم السفراء الذين يفدون إلى الدولة الإسلامية، ويوفر لهم الحماية والحرية والكرامة، حتى ولو أساءوا التصرف أو لم يحققوا نجاحاً أثناء أداء مهمتهم، ويؤمن سلامة وصولهم إلى دولهم آمنين مطمئنين. 7 - العلاقات الاقتصادية في الإسلام تقوم على مبادئ الإسلام، فيربط الإسلام نشاط الدولة الإسلامية بالعقيدة الدينية وينمي هذه العقيدة بتعاليمه ومبادئه في سائر فروع الاقتصاد، حتى تلتزم الدولة الإسلامية هذه التعاليم وتطبقها طواعية واختياراً لأنها مرتبطة بالعقيدة، ولذلك لو وجدت أي اتفاقية اقتصادية تخالف العقيدة يجب نبذها وعدم التعامل بها.

8 - تعد المعاهدات وسيلة مؤثرة ومهمة في العلاقات الخارجية وقد عرفت الدولة الإسلامية المعاهدات منذ العهد النبوي وطبقتها بما يحقق الخير للمسلمين ودولتهم، وهي وسيلة يمكن استعمالها في أي مكان أو زمان ضمن الضوابط الشرعية التي وضعها علماء المسلمين، وفي إطار الحدود العامة للشريعة الإسلامية. 9 - تقوم المعاهدات بين المسلمين وغيرهم على الوفاء والصدق وعدم الغدر ولم يذكر أن المسلمين غدروا بمعاهدة حتى ولو لم تتفق تلك المعاهدة ومصالحهم الاقتصادية أو السياسية؛ بل يفون بالمعاهدة حتى تنتهي مدتها، عكس المعاهدات في النظم الوضعية، فهي تقوم على أساس المصالح الذاتية، ولذلك تكثر أسباب نقض المعاهدات في النظم الوضعية بخلاف النظام الإسلامي. المقترحات: 1 - إن صياغة أهداف العلاقات الخارجية أثناء الحرب أو السلم يجب أن تتم في ضوء المنهج الإسلامي للعلاقات الخارجية الذي حددته الأحكام الشرعية، فلا ينبغي لأي دولة إسلامية أن تضع برامجها وأهدافها لهذه العلاقات في غياب المنهج الإسلامي بحيث تصبح كالأهداف التي تضعها أي دولة أخرى، فالله قد أكرمنا بالإسلام وجعله لنا منهجاً فمهما ابتغينا العزة في غيره، وطلبنا مناهج أخرى أذلنا الله. 2 - يجب إظهار التميز الإسلامي في علاقتنا مع الغير؛ لأن تميزنا هو الذي يبرزنا عن بقية الدول الأخرى، وإذا لم نتميز بما لدينا من عقيدة إسلامية أصبحنا نحن والدول الأخرى سواء، وربما تفوقوا علينا بما لديهم من تقدم علمي مادي. 3 - إن المصالح المشتركة لا تبرر التنازل عن حكم من أحكام الإسلام الواضحة، إذ أن هذه المصالح يجب أن تخضع لحكم الإسلام، ولذلك لا يقول قائل إن المصالح تجعل المسلمين يتنازلون عن مبادئهم، فالمبادئ أسمى وأعلى من كل مصلحة، ومصلحة الدين فوق كل مصلحة. 4 - يجب أن تهتم الدولة الإسلامية بوضع لجنة دائمة أو هيئة عليا من العلماء وأصحاب الفكر والخبرة والاختصاص وتستشير هذه اللجنة فيما يعرض لها في سياستها الخارجية، وتكون مهمة هذه اللجنة هي رسم سياسة الدولة الإسلامية، وتقديم المشورة والنصح لها والاستفادة من وسائل العلاقات الدولية لتعريف الدول الأخرى وشعوبها بالإسلام، حتى تصبح هذه الوسائل مسخرة لخدمة الدولة الإسلامية وعلاقاتها بالآخرين.

الحقوق المتعلقة بمتعة المطلقة

الحقوق المتعلقة بمتعة المطلقة ¤فيحان بن شالي المطيري£بدون¥دار العاصمة - الرياض¨الأولى¢1411هـ€فقه¶نكاح - طلاق وخلع وفسخ ونشوز الخاتمة وبعد هذا ما جاد به القلم ووسعه الجهد وسمح به الوقت فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن فيه نقص أو خطأ فمني ويكفيني أن الكمال لله وحده والنقص من طبيعة بني الإنسان وقد بذلت في إعداد هذا البحث وحل مشكله وتوضيح مجمله طاقتي واستفرغت فيه وسعي وحرصت على إخراجه بصورة مريضية يكون فيها نفع لنفسي أولاً ولطالب الفائدة ثانياً وأرجو ممن عثر فيه على ذلة لسان أو خطأ في العبارة أو قصور التعبير أن ينبه علي ذلك وله جزيل الشكر فسيجد أذناً صاغية وصدراً رحباً لتقبل الملاحظات الهادفة التي تؤدي إلى تقويم هذا البحث وتلافي ما قد يكون فيه من الثغرات ورغبة مني في طلب الكمال لهذه المسيرة المباركة أشير إلى بعض النتائج التي تضمنها هذا البحث وهي على النحو الآتي: 1 - متعة المطلقة ثابتة بالكتاب وإجماع الأمة إلا من شذ ومعلوم أن الشاذ لا يعتبر شذوذه خصوصاً إذا كان في شذوذه مخالفة للدليل المنصوص من الكتاب أو السنة وقد نقل عن الصحابة آثار صحيحة تدل على مشروعيتها كذلك وهم أعلم بالمقال وأقعد بالحال والخطأ منهم قليل لا يقاس بخطأ غيرهم. 2 - مشروعية المتعة للمطلقة قبل الدخول وقبل الفرض وهذا باتفاق أهل العلم إلا من شذ والجمهور على وجوبها لمن ذكرنا وهو الذي يدل له الدليل المنصوص من كتاب الله الكريم. 3 - المتعة مستحبة لجميع المطلقات عدا من ذكرنا على القول الراجح لما أسلفنا من القاعدة الشرعية وهي الجمع بين النصوص التي قد يظهر منها التعارض. 4 - إن المطلقات المنصوص عليهن في كتاب الله أربعة: أ- مطلقة قبل الدخول وقبل الفرض. ب- مطلقة قبل الدخول وبعد الفرض. جـ- مطلقة بعد الدخول وبعد الفرض. د- مطلقة بعد الدخول وقبل الفرض. وقد عرفت استحقاق كل واحدة منهن بالإضافة إلى المتعة. 5 - إن النكاح يصح عقده دون تسمية المهر وتسمى المرأة المعقود عليها دون تسمية المفوضة. 6 - إن المتعة خاصة بالمطلقة ومن في حكمها وليس للمفوضة المتوفى عنها قبل الدخول نصيب منها وإنما يجب لها مهر المثل والميراث. 7 - إن المطلقة لا تستحق المتعة إلا بشرط وهو أن يكون الطلاق بسبب منها وليس للزوج دخل في التسبب إليه إلا الإيقاع. 8 - إن المتعة واجبة على كل زوج ولكل مطلقة عند القائلين بها سواء إن كان الزوج حراً أو عبداً وسواء إن كانت المطلقة حرة أو أمة. 9 - إن المتعة من الأحكام التي يغفل عنها عامة الناس خصوصاً النساء فيتعين التعريف بها وتطبيقها والعمل بمقتضى أدلتها. 10 - المعتبر في تقدير المتعة حال الزوج على القول الراجح لدلالة الكتاب على ذلك. 11 - إن المتعة لم يأت تقديرها عن الشارع وقد نقل عن بعض الصحابة أقوال في تقديرها ولهذا اختلف علماء الإسلام في مقدارها اختلافاً كثيراً والأظهر عندي الرجوع في تقديرها إلى حال الزوج لما علمت من الأدلة. هذا ما أمكن تسطيره في هذا المقام وأشير هنا إلى أن متعة المطلقة من محاسن الدين الإسلامي إذ في تشريعها مراعاة لحق المطلقة وجبراً لما قد يعرض لها من الابتذال والامتهان بسبب الطلاق وفي هذا تنبيه للأزواج إلى احترام المرأة وأنها كائناً حي محترم إنسان له حقوق ولا يتوهموا أن لهم حق العبث بهن دون ما قيد أو شرط وهذا ليس بمستغرب على شريعة مبدأها العدل والمساواة بين أفرادها والمنتسبين إليها فكما أن الرجل له حقوق فكذلك المرأة لها حقوق يتعين على الرجل معرفتها والعلم بها، والله نسأل أن يوفقنا جميعاً إلى ما فيه خير ديننا ودنيانا وإلى ما فيه صلاح أمتنا في معاشها ومعادها وأن يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون. تم الفراغ من كتابة هذا البحث في مساء الأحد في الساعة السابعة الثالث من جمادى الآخر عام 1410هـ.

الحوافز التجارية التسويقية وأحكامها في الفقه الإسلامي

الحوافز التجارية التسويقية وأحكامها في الفقه الإسلامي ¤خالد بن عبدالله المصلح£بدون¥دار ابن الجوزي¨الأولى¢1420هـ€فقه¶مسابقات - جوائز الخاتمة الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد: فقد تناولت هذه الرسالة موضوع الحوافز المرغبة في الشراء في الفقه الإسلامي بالدراسة والبحث، وقد استفدت منها فوائد جمعة، وتوصلت إلى نتائج عدة. فمن أبرز النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث ما يلي: 1 - أن الحوافز المرغبة في الشراء هي ما يقوم به البائع أو المنتج من أعمال تعرف بالسلع أو الخدمات، وتحث عليها، وتدفع إلى اقتنائها، وتملكها من صاحبها بالثمن، سواء كانت تلك الأعمال قبل عقد البيع أو بعده. 2 - أن الحوافز المرغبة في الشراء كثيرة متنوعة، إلا أن من أبرزها الهدايا، والمسابقات، والتخفيضات، والإعلان والدعاية ورد السلعة، والضمان والصيانة، واستبدال الجديد بالقديم. 3 - أن الأصل في هذه الحوافز وغيرها من المعاملات الحل والإباحة، ما لم يقم دليل التحريم والمنع. 4 - أن أسباب التحريم في المعاملات أن يكون فيها ظلم، أو غرر، أوربا، أو ميسر، أو كذب وخيانة، أو كانت المعاملة تفضي إلى محرم. 5 - جواز الهدايا التذكارية، واستجاب قبولها ما لم يمنع من ذلك مانع، وعدم جواز الرجوع فيها بعد قبض المهدى إليه. 6 - أن الهدية الترويجية إذا كانت سلعة فلها ثلاثة أحوال: الحال الأولي: أن تكون الهدية موعوداً بها المشتري فأقرب ما تخرج عليه حينئذ أنها وعد بالهبة، يجب الوفاء به، ويثبت لها ما يثبت للهبة من أحكام. الحال الثانية: أن تكون الهدية غير موعود بها فأقرب ما تخرج عليه حينئذ أنها هبة محضة، يثبت لها جميع ما يثبت للهبة من أحكام. الحال الثالثة: أن يكون تحصيل الهدية مشرطاً بجمع أجزاء مفرقة في أفراد سلعة معينة، وما أشبه ذلك، فتخرج حينئذ على أنها هبة محرمة، لما تفضي إليه من الإسراف والتبذير وكونها من الميسر المحرم. 7 - أن الهدية الترويجية إذا كانت منفعة فلها حالان: الحال الأولى: أن تكون المنفعة موعوداً بها المشتري، فأقرب ما تخرج عليه أنها وعد بهبة المنفعة وهي جائزة. الحال الثانية: أن تكون المنفعة مبذولة دون وعد سابق، فتخرج حينئذ على أنها هبة محضة. 8 - أن الهدايا الإعلانية (العينات) يختلف حكمها باختلاف المقصود منها، فإن كان مقصودها التعريف بالسلعة وخصائصها وما إلى ذلك فإنها تكون هبة جائزة، يثبت لها ما يثبت للهبة من أحكام، أما أن كان مقصودها أن تكون نموذجاً لما يطلب في السلعة من مواصفات فإنها تكون حينئذ هبة جائزة يثبت لها ما يثبت للهبة من أحكام إلا أنه يجب أن تكون مطابقة للواقع في بيان حقيقة السلعة، وقد اختلف أهل العلم في جواز اعتماد هذه العينات عند إجراء العقود، والراجح جواز ذلك. 9 - أن للهدية النقدية الترغيبية صورتين: الصورة الأول: أن تكون الهدية النقدية في كل سلعة فأقرب ما تخرج عليه حينئذ مسألة مد عجوة ودرهم بدرهمين، فهي من الربا المحرم. الصورة الثانية: أن تكون الهدية النقدية في بعض أفراد سلعة معينة فهي حينئذ لا تجوز، لكونها نوعاً من الميسر، وتحمل على شراء مالا حاجة إليه طمعاً في تحصيل هذه الهدية. 10 - أن الهدايا الترغيبية إذا قدمت للشخصيات الاعتبارية فلها حالان: الحال الأولى: أن تقدم للجهة الاعتبارية نفسها فحكمها في هذه الحال يختلف باختلاف مقصودها، فإن كان غرضها التعريف بالسلعة فإنها تكون جائزة بذلاً وقبولاً، أما إن كان القصد تسهيل أعمال الجهة المهدية أو ما أشبه ذلك فإنها تكون حينئذ من الرشوة المحرمة.

الحال الثانية: أن تقدم لمنسوبي الجهات الاعتبارية فحكمها التحريم بذلاً وقبولاً. 11 - أن المسابقات من حيث بذل العوض ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما تجوز المسابقة فيه بعوض وبدون عوض، وهو المسابقة في السهام، والإبل والخيل. القسم الثاني: ما لا تجوز المسابقة فيه مطلقاً، وهو المسابقة في كل شيء أدخل في محرم أو ألهى عن واجب. القسم الثالث: ما تجوز المسابقة فيه بدون عوض، وهو المسابقة في كل ما فيه منفعة ولا مضرة فيه راجحة، وهذا القسم لا يجوز بذل العوض فيه مطلقاً، سواء كان المتسابقين، أو من أحدهما، أو من أجنبي. 12 - أن المسابقات الترغيبية نوعان. النوع الأول: ما فيه عمل من المتسابقين، وترجح تخريج هذا النوع على أنه مسابقة على عوض من غير المتسابقين، وعليه فإن هذا النوع المسابقات الترغيبية محرم. النوع الثاني: مالا عمل فيه من المتسابقين. وهذا النوع قسمان: القسم الأول: ما يشترط فيه الشراء، وهذا محرم، لكونه قماراً. القسم الثاني: ما لا يشترط فيه الشراء وهذا القسم يخرج على أنه هبة لمن تعينه القرعة، وهو جائز لا حرج فيه. 13 - أن التخفيض الترغيبي أنواع، أبرزها التخفيض العادي والتخفيض بالبطاقة، وأن الأصل في تجديد أسعار السلع والخدمات ارتباطه بقوى العرض والطلب، وأن الراجح جواز بيع السلع والخدمات بأقل من سعر السوق، وبناء على هاتين المقدمتين فإن التخفيض الترغيبي العادي جائز بجميع أنواعه. 14 - أن بطاقة التخفيض قسمان: القسم الأول: بطاقة مستقلة وهي نوعان: النوع الأول: بطاقات عامة، ولها ثلاثة أطراف: هي جهة الإصدار، وجهة التخفيض والمستهلك، وهذا القسم من البطاقات التخفيضية محرم، لما فيها من الجهالة والغرر الكبيرين، ولما فيها من أكل المال بالباطل والتغرير بالمستهلكين، وإفضائها إلى المنازعة، والإضرار بالتجار الذين لم يشاركوا فيها وغير ذلك من الأسباب. والنوع الثاني: بطاقات خاصة، ولها طرفان: هما جهة التخفيض والمستهلك وللحصول على هذه البطاقة طريقان: الأولى: الاشتراك وحكمها حكم النوع الأول. والثانية: الإهداء وحكمها الجواز. القسم الثاني: بطاقة تابعة، وهي نوعان: النوع الأول: بطاقة تابعة لها ثمن، وحكم هذه البطاقة كالبطاقة التخفيضية المستقلة العامة. النوع الثاني: بطاقة تابعة مجانية، وحكمها يتأثر بحكم البطاقة الأصلية. 15 - أن التخفيض الترغيبي المقدم للشخصيات الاعتبارية قسمان: القسم الأول: أن يكون للجهات الاعتبارية نفسها، وحكمه ينظر فيه إلى القصد من التخفيض وصلة جهة التخفيض بالشخصية الاعتبارية. القسم الثاني: أن يكون لمنسوبي الجهات الاعتبارية وحكمه يحتاج إلى نظر في صلة جهة التخفيض بالشخصية الاعتبارية، إلى نظر في علم الشخصية الاعتبارية بالتخفيض الممنوح لمنسوبيها. 16 - الإعلان والدعاية الترغيبية إن كانا مدحا وثناء على السلعة بحق فحكمهما الجواز والإباحة، وإن كانا بغير حق بأن كانا مشتملين على كذب وتغرير فحكمهما التحريم والمنع، ويترتب على ذلك ثبوت الخيار للمشري. 17 - أن البيع من العقود اللازمة للطرفين إلا إن تخلّف شرط من شروط العقد، أو وجد سبب من أسباب الفساد، أو اشترط الخيار. 18 - أن الرد الترغيبي الذي يستعمله الباعة نوعان: النوع الأول: رد السلعة وأخذ ثمنها، ويخرج هذا النوع على أنه شرط للخيار، وذلك جائز لا حرج فيه بشرط كون مدته معلومة للمتعاقدين، فلا يجوز أن تكون مدته مؤبدة ولا مطلقة، ويشترط أيضا ألا تكون السلع مما يجب فيه التقابض قبل التفرق. النوع الثاني: رد السلعة واستبدال غيرها بها أو تقييد ثمنها لحساب المشتري، وله صورتان:

الصورة الأولى: أن يكون ذلك مشروطا، والراجح تخريج هذه الصورة على أنها بيع بشرط صحيح، فهي صورة جائزة لا حرج فيها. الصورة الثانية: أن يكون ذلك غير مشروط، وتتخرج هذه الصورة على أنها إقالة شرط فيها أن يكون ثمن السلعة الأولى ثمنا في معاوضة جديدة. فتكون هذه الصورة جائزة لا حرج فيها. 19 - أن ضمان المبيع يتنقل بالبيع عن البائع إلى المشتري إلا في مسائل أبرزها، وألصقها بالبحث ضمان البائع عيب المبيع، وهو على ثلاث أحوال: الحال الأولى: أن يكون العيب حادثا قبل البيع فهذا من ضمان البائع بالاتفاق. الحال الثانية: أن يكون العيب حدث في المبيع بعد العقد وقبل قبض المشتري ففيه خلاف بين أهل العلم الحال الحال الثالثة: أن يكون العيب حدث بعد قبض المشتري فهذا ليس من ضمان البائع بالاتفاق إلا في مسائل وقع فيها الخلاف كعهدة الرقيق، والعيب المستند إلى سبب سابق على القبض، والجوائح. 20 - أن الضمان الترغيبي نوعان: النوع الأول: ضمان الأداء، وهو يتعلق بأمرين: فما كان منه متعلقا بسلامة المبيع من العيوب المصنعية والفنية، فإنه يتخرج على ضمان العيب الذي لا يعلم إلا بامتحان وتجربة واستعلام؛ وأما ما كان منه متعلقا بصلاحية المبيع وقيامه بالعمل فإنه يخرّج على ضمان العيب الحادث في المبيع عند المشتري والمستند إلى سبب سابق، والراجح جواز ضمان الأداء. النوع الثاني: ضمان معايير الجودة، وهو نوع توثيق جائز لا حرج فيه. 21 - أن الصيانة الترغيبية إما أن تكون وقائية، وإما أن تكون طارئة، وتخرج على أنها وعد بمنفعة البائع في المبيع، وهو جائزة لا حرج فيها. 22 - أن الاستبدال الترغيبي نوعان: النوع الأول: استبدال الذهب، وهو حالان: الحال الأولى: أن يستويا في الوزن، وهذه الحال قسمان: القسم الأول: ألا يدفع صاحب القديم ثمنا زائدا، وهذا القسم جائز بالإجماع. القسم الثاني: أن يدفع صاحب القديم ثمنا زائدا مقابل الجديد، وهذا بيع ذهب بذهب مع التفاضل، وذلك لا يجوز. الحال الثانية: ألا يستويا في الوزن وهذه الحال قسمان: القسم الأول: أن يكون القديم أكثر من الجديد، فهذا لا يجوز لعدم التساوي. القسم الثاني: أن يكون الجديد أكثر من القديم، وهذا القسم يتخرج على مسألة مد عجوة ودرهم بدرهمين، فهذا القسم من الربا المحرم. النوع الثاني: استبدال غير الذهب ويتخرج هذا النوع على أنه بيع، الثمن فيه هو السلعة القديمة، وما يدفع من الفرق بين سعري الجديد والقديم، وهذا جائز لا حرج فيه. ثم بعد هذا أحمد الله الولي الحميد، على نعمه الظاهرة والباطنة، فله الحمد أوله وآخره، ظاهره وباطنه، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الحيض والنفاس رواية ودراية دراسة حديثة فقهية مقارنة

الحيض والنفاس رواية ودراية دراسة حديثة فقهية مقارنة ¤دبيان بن محمد الدبيان£بدون¥دار أصداء المجتمع - السعودية¨الأولى¢1419هـ€فقه¶حيض ونفاس الحمد لله وحده الذي وفقني إلى إتمام هذا البحث، والذي أرجو أن يكون لبنة في بناء، حيث سبقني من كتب عن هذا الباب المهم من أمور الفقه، من العلماء والأساتذة في رسائل قد لا تكون كبيرة ولكنها مهمة في تغطية هذا الجانب، والذي أرجو أن أكون قد استفدت منهم، وأضفت ما يمكن إضافته، وقد يختلف معي القارئ، وقد يوافقني في ترجيح بعض المسائل، إلا أني في ترجيحي أرجو أن أكون طالب حق، وقد رجحت بعض المسائل في بداية بحثي، ثم أعلنت رجوعي عنها بعد المذاكرة مع بعض طلبة العلم دون أن أكتب البحث من جديد، ليتبين للقارئ عجز الإنسان وقصوره، وأنه في بحث مستمر طلبا للحق، ولا يضير طالب العلم أن يقول: كنت أرجح كذا، وقد تبين لي خطأ ذلك، ويعلن رجوعه عنه نصحا للأمة، وبراءة للذمة، وتعويدا للنفس في قبولها للحق، وأن يكون الإنسان مع الدليل، كالأعمى مع دليله، قد سلم له زمام نفسه يقوده حيث يشاء، وأن يكون عند بحثه خالي الذهن من اعتقاد سابق، حتى يكون متحررا من الهوى، ومن تأويل النصوص لتوافق ما استقر عنده، والله الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد. ومن خلال البحث قد تبين لي ما يلي: أولا: المرأة لا تحيض إلا في الشهر مرة واحدة، حيث تقرر طبيا أن الحيض يعقب بإذن الله إفراز البويضة فإذا لم تتم عملية إخصاب البويضة أعقب ذلك نزول الدم من رحم المرأة، والمرأة لا تفرز بويضة إلا في الشهر مرة واحدة وبالتالي لا يمكن أن تحيض إلا في الشهر مرة واحدة. يقول الدكتور دوجالد بيرد في كتابه (المرجع في أمراض النساء والولادة) (إن مدة الحيض ودورته لا تختلف من امرأة إلى أخرى فحسب، وإنما قد يختلف ذلك في المرأة ذاتها من حين لآخر في حياتها التناسلية .. إذ تختلف كمية الدم ومدته عند بداية البلوغ عما هو عليه عند تمام البلوغ، كما يقل دم الحيض ومدته عند قبل سن اليأس ... وما بين البلوغ وسن اليأس تكون العادة في أغلب النساء منتظمة، وهن يعرفن موعد حيضهن ومدته ومقداره .. . فإذا اختلف ذلك عرفته بسرعة .. وتستطيع معرفة ذلك أغلب النساء دون صعوبة، ومدة الحيض في الغالب ستة أيام، وتحتسب الدورة من بداية الحيض إلى بداية الحيضة التي تليها، ومدتها في أغلب النساء 28 يوما، وقد تزيد أو تنقص يوما أو يومين) وجاء في توصيات الندوة الثالثة للفقه الطبي المنعقدة في الكويت: مدة الدورة الحيضية فيما إذا كانت الدورة سوية في غالب النساء ثمانية وعشرين يوما، وأدناها ثلاثة أسابيع) ولا يمكن أن تحيض المرأة في الشهر أكثر من مرة لأنها لا يمكن أن تفرز أكثر من بويضة في الشهر الواحد. الثاني: أن الحامل لا يمكن أن تحيض، لأن الحيض هو انهدام جدار الرحم بعد موت البويضة، وحبس الغذاء عن الغشاء المبطن للرحم، وانهدام جدار الرحم لا يمكن أن يتم مع الحمل. وهذا ما قررته طبيا من كلام أهل الاختصاص. وقد كنت فيما مضى أرجح إمكان حيض الحامل، وقد تراجعت عن ذلك بعد ما تبين لي الحق. والحمد لله على توفيقه. الثالث: لا حد لأكثر الطهر، وهذا لا خلاف فيه بين الأطباء والفقهاء، فقد اتفق الأطباء والفقهاء على أنه لا حد لأكثر الطهر. الرابع: رجحت أن عادة المرأة ممكن أن تنقص وتزيد، وممكن أن تنتقل، ولا يشترط تكراره، بل إذا رأته المرأة كان حيضا.

الخامس: كما رجحت أن للحائض أن تقرأ القرآن، ولا حرج في ذلك ولكن لا تمسه إلا وهي على طهارة، أو بحائل، وقد كنت أميل إلى جواز مس الحائض المصحف، ومع المذاكرة مع بعض مشايخي، ذكر لي طريقا آخر لمرسل عمرو بن حزم، وهو ما رواه عبد الرزاق من طريق ابن المسيب عن عمر، وقد رجعت عن رأيي، وبينت ذلك من خلال البحث، فالحمد لله على توقيفه. السادس: كما رجحت بأن المرأة إذا حاضت أثناء وقت الصلاة لم يجب عليها قضاء تلك الصلاة إلا إذا حاضت ولم يبق من الوقت إلا وقتا لا يتسع لتلك الصلاة فيجب عليها القضاء. والله أعلم. السابع: إذا طهرت المرأة من الحيض في شهر رمضان في أثناء اليوم لم يجب عليها الإمساك بقية اليوم. الثامن: رجحت أن طلاق الحائض يقع، ولم ينشرح صدري، لقول ابن تيمية، مع أني تذاكرت في هذه المسألة مع بعض طلبة العلم ولم نتفق على شيء. التاسع: لا تجب الكفارة على من جامع امرأته وهي حائض ولو قيل بالاستحباب بناء على أنه ثابت هذا من قول ابن عباس فهو قول جيد. العاشر: لا أرى وجوب الوضوء على المرأة المستحاضة، لأن الأمر بالوضوء لم يتبين لي أنه مرفوع، والمرأة لا تكلف بشيء ليس من فعلها، ولم تقصده. الحادي عشر: النفاس أكثره أربعون يوما، فإذا زاد عن الأربعين فإن كان وقت عادة المرأة فهو حيض، وإلا استحاضة، ولا حد لأقله. الثاني عشر: إذا أسقطت المرأة جنينها، وقد تبين فيه خلق إنسان فهي نفساء، ولو لم تنفخ فيه الروح. الثالث عشر: لا يجوز إلقاء النطفة أو العلقة أو المضغة من غير ضرورة، ويجوز إسقاط الجنين ولو نفخت فيه الروح إذا قرر اثنان من الأطباء أنه لا سبيل إلى إنقاذ الأم مع جنينها، ولابد من التضحية بأحدهما. وهذا الباب ارتكاب أخف الضررين. والله أعلم. الرابع عشر: حكم النفاس حكم الحيض فيما يجب ويمنع ويسقط. إلا في مسائل معدودة ذكرتها في فصل خاص. هذه من أهم النتائج التي توصلت إليها خلال البحث، وأرجو من إخواني طلبة العلم أن يتواصلوا معي في كتابة ملاحظاتهم واستدراكاتهم، فإن الدين النصيحة، والإنسان يرجوا أن يكون طالب حق متى ما تبين له الحق، ومن شاء مراسلتي فالعنوان كالتالي دبيان بن محمد الدبيان

الخط المشير إلى الحجر الاسود في صحن المطاف ومدى مشروعيته

الخط المشير إلى الحجر الاسود في صحن المطاف ومدى مشروعيته ¤محمد بن عبدالله بن سبيل£بدون¥بدون¨الأولى¢1417هـ€فقه¶حج وعمرة - طواف الخاتمة خلاصة هذا البحث أننا نرى مشروعية وضع الخط المشير للحجر الأسود لما يأتي: أولا: أن ابتداء الطواف بالحجر الأسود، والانتهاء إليه، ومحاذاته فيهما واستيعاب البيت بالطواف به كله واجب من واجبات الطواف عند جمهور العلماء، لا تبرأ ذمة المكلف إلا بالإتيان بذلك على الوجه المشروع عن يقين، وأنه لا يكفي بناء ذلك على التحري وغلبة الظن. لذا فإن الخط المذكور مما يعين على تحقيق ذلك الواجب، وتيسيره على الطائفين، وفيه رفع للحرج والمشقة عنهم، لأنه قد يشق عليهم تحقيق ذلك في شدة الازدحام، لا سيما حالة البعد عن البيت كما يحصل في المواسم، أو ربما يحصل من بعضهم الإخلال بهذا الواجب مما قد يؤدي إلى بطلان الطواف، فيفسد بذلك النسك من حج أو عمرة، كما قال الإمام النووي رحمه الله فيما سبق إيراده في المبحث الثاني، ونصه: " ولو ابتدأ بغير الحجر الأسود، أو لم يمر عليه بجميع بدنه لم تحسب له تلك طوفة حتى ينتهي إلى محاذاة الحجر الأسود، فيجعل ذلك أول طوافه، ويلغي ما قبله، فافهم هذا، فإنه مما يغفل عنه، ويفسد بسبب إهماله حج كثير الناس .. ". ثانيا: أن هذا الخط وضع ليكون وسيلة لغاية مشروعة، وهي المحافظة على صحة العبادة، والإتيان بها على الوجه المشروع عن يقين، والوسائل لها حكم الغايات. ثالثا: أن ما في وضع هذا الخط من مفسدة مغمورة في جانب ما فيه من مصلحة عظيمة وهو الاستعانة به على حصول الاطمئنان على صحة أداء العبادة على الوجه المشروع عن يقين، والعبرة في المصالح والمفاسد إنما هو الأغلب الأعم منهما. وختاما نود أن نذكر بأن مجلس هيئة كبار العلماء سبق وأن أقر وضع هذا الخط بالأكثرية في جلسته رقم (19) وتاريخ 11 - 22/ 5/1402هـ على الرغم من أنه حين أقره كان قد وضع خطان مع ما فيهما من خطأ استدرك فيما بعد وجعلا خطا واحدا. هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

الخلاف بين أبي حنيفة وأصحابه وموقف الأئمة الآخرين من هذا الخلاف

الخلاف بين أبي حنيفة وأصحابه وموقف الأئمة الآخرين من هذا الخلاف ¤علي محمد العمري£بدون¥مكتبة العبيكان - الرياض¨الأولى¢1423هـ€فقه¶اختلاف فقهاء - أصول فقه الخاتمة ويتضمن هذه الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها أولا: لابد من الاجتهاد في الشريعة ز بيان أحكامها لأن النصوص متناهية, والحوادث غير متناهية. ثانيا: وإذا كان كذلك فلا مندوحة عن الخلاف , ما دامت الأدلة مختلفة ومتعددة والدلالات متباينة وطرق الجمع بين الأدلة متعددة والأفهام والمدارك مختلفة. ثالثا: لقد اختلف الصحابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم , وكان يقرهم مادام الأمر يحتمل الاجتهاد كما في اختلافهم في الجهة بعد تحريمهم القبلة وكما في اختلافهم في بعض مسائل التيمم وغير ذلك. رابعا: ليس الخلاف الفقهي في الفروع والمسائل عيبا في الإسلام وإنما هو علامة صحة وظاهرة قوة وحيوية. وقد أثنى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه على اختلاف الصحابة , وأشاد به الفقهاء. خامسا: إن الخلاف المذموم إنما هو إتباع الهوى والقول برغبات النفس وإن علم الفقه غير علم الخلاف , فالفقه هو استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها , وعلم الخلاف هو إيراد الحجج واتخاذ الوسائل لإبطال حجة الخصم. سادسا: أهم أسباب الخلاف: الجمع بين المختلف والمتعارض من الأدلة والوهم في فهم المراد من النص ونسيان دليل أو عدم وصوله إلى المجتهد أو عدم العلم بالناسخ. سابعا: ليس لأحد أن يدعي أنه يلم بجميع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو كان الحديث مدونا , لأنه ليس كل ما في الكتب يعلمه العالم. ثامنا: جميع أئمة الفقه – أصحاب المذاهب المشهورة – أصحاب علم في الحديث والاستنباط ولا يجوز الطعن بأحدهم وإن كانت أقوالهم ليست شرعا منزلا. وهم كذلك أصحاب نفوس كبيرة ومواقف شجاعة في وجه الظالمين والموجات المجانفة لروح الإسلام. وهذا سر خلود مذاهبهم رحمهم الله. تاسعا: ليس للمحدث إذا لم يكن فقيها أن يشرح ويعطي المعاني ويدون الأحكام , لأنه لا بد من الجمع بين الدراية والرواية ولذلك قالوا: الرياسة في الرواية دون العم بالدراية رياسة نذلة. عاشرا: جميع أئمة الفقه الحنفي في الطبقة الأولى هم من المحدثين بل هم أئمة في الحديث. لا كما يدس المغرضون م الذين في قلوبهم مرض. حتى انتصر إليهم أئمة من المذاهب الأخرى , فهبوا يدافعون عنهم. كابن حجر الهيتمي الحافظ الشهير. حادي عشر: محور الخلاف بين الحنفية وغيرهم النظر إلى عام الكتاب: فالحنفية يعتبرونه قطعيا في دلالته والجمهور يعتبرونه ظاهرا أو ظنيا. ثاني عشر: اتسعت دائرة الاجتهاد في الفقه الحنفي لكثرة ما جد من مسائل في العراق حيث الأجناس المختلفة والحوادث التي لم يعهد لها مثيل في بيئة الحجاز مهبط الوحي والإلهام. ثالث عشر: برز دليل الاستحسان عند الحنفية أكثر غيرهم وليس هو كما توحي العبارة اللغوية: استحسان الرأي والمزاج وإنما هو إعمال علة أقوى أو دليل آخر على سنن القياس أو نزولا عند ضرورة أو إجماع. رابع عشر: توسع المذهب المالكي في الأخذ بقاعدة المصالح المرسلة وعمل أهل المدينة واعتبار عمل الصحابي جزاءا من السنة ولذلك فعمل الصحابي يعارض الحديث الصحيح عندهم. خامس عشر: توسع المذهب الحنبلي في الأخذ بالشروط وامتاز في هذا الباب عن غيره من المذاهب. سادس عشر: عد الشافعي الكتاب والسنة مصدرا واحدا. ولذلك لم تثر في مذهبه قضية الزيادة على الكتاب هل هي نسخ أو بيان وهل التخصيص والبيان يشترط له المقارنة كما ثارت في الفقه الحنفي. سابع عشر: ولأن القرآن يختلف عن السنة في لغته ومرتبته فإن الشافعي قال: لا ينسخ القرآن بالسنة ولا السنة بالقرآن. ثامن عشر:

امتاز الفقه المالكي والحنبلي بالمبالغة في الأخذ بمبدأ سد الذرائع وبناء الأحكام الشريعة عليه حتى أبطلت كثير من العقود عندهم وهي جائزة عند الحنفية والشافعية وكان للاعتداد بالنوايا أثر كبير في هذين المذهبين – المالكية والحنابلة – حتى أنهم اعتبروا الظرف والباعث على الأيمان والعقود. تاسع عشر: المسائل الخلافية يعسر إحصاؤها ولذا لابد من حصرها تحت أصول أو قواعد عامة كما في الأصول المنثورة في المبسوط والبدائع ولتي جمعها الدبوسي في كتاب تأسيس النظر وكما في الفروق للقرافي المالكي والقواعد لابن رجب الحنبلي وكما في الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي والأشباه والنظائر للسيوطي الشافعي وهذه القواعد تقصر الطريق على الباحث وتحكم نظره وبصره بمظان المسائل المختلفة. عشرين: أستبعد أن تكون من الأئمة الأعلام مطاعن على بعضهم أو إزراء على آراء بعضهم. وأرجح أن ما نسب إليهم من الأقوال الجارحة في حق إخوانهم وأقرانهم إنما هو من دسائس الفئات المنحرفة من الشيعة وأصلها كتاب: روضات الحسان وهؤلاء لا هم لهم إلا الطعن على أهل السنة الشريفة فهم لم يوفروا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , والله أعلم لعلها نزعة ظاهرها الإسلام وباطنها الكفر والإلحاد. ثم إن أتباع المذاهب الذين قعدت بهم الهمم عن الاجتهاد ومعرفة الأدلة وقعوا في شرك تلك الافتراءات الشنيعة فانطلقوا يقلدون أئمتهم ولو ظهر لهم دليل صحيح مخالف ثم انطلقت ألسنتهم بالسوء والشتيمة على الأئمة الآخرين. حادي وعشرين: كثرت مخصصات العام عند المالكية والحنابلة لأنهم يقولون: إن العام ظاهر الدلالة. حتى عدوا العرف والمصلحة والنية والعقل والقياس والعادات والشروط والاستثناء من هذه المخصصات. ثاني وعشرين: لا تعد مخالفة المذاهب في بعض مسائلة لقوة دليل يظهر خروجا عن المذهب ولا يعد الأخذ بأقوال الأئمة الآخرين تلفيقا بل الأئمة أنفسهم يقولون بذلك وينهون عن الأخذ بأقوالهم إذا صح دليل مخالف. ثالث وعشرين: لا ينبغي التعصب لمذهب من المذاهب واعتقاد العصمة فيه لأن العصمة ليست لأحد من خلق الله سوى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. والأئمة المجتهدون سواسية في الاجتهاد وكلهم مأجورون ومحمودون عند الله تعالى وإن كان الحق واحدا لا يتعدد إلا أنه دائر بينهم. ومن اعتقد أن أحد المذاهب على حق وسائرها في ضلالة فقد وقع في حفرة الضلالة. وأستغفر الله العظيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخلاف في حكم تارك الصلاة

الخلاف في حكم تارك الصلاة ¤عبدالله بن إبراهيم الزاحم£بدون¥دار الفضيلة - الرياض¨الأولى¢1423هـ€فقه¶صلاة - حكم تركها الخاتمة: وبعد هذا التطواف بأقوال العلماء، والتعرف على آرائهم في هذه المسألة المهمة، وما استدلوا به من أدلة على تلك الأقوال، وما استندوا إليه من حجج تقوي مذاهبهم، وتدعم أقوالهم، سواء في ذلك تلك الأقوال المشهورة في المسألة، أم من رام التوفيق بين الأدلة وسعى إلى الجمع بينها، وما كان من مناقشتها. يمكن إبراز أهم تلك النتائج في الأمور التالية: 1 - إن الله جل وعلا وصف تارك الصلاة بأنه من المجرمين والخاسرين، والمكذبين، والكافرين، والمشركين، وهو وصف معرف بـ "ال" الدالة على الاستغراق والشمول، وأنه بلغ في ذلك الأمر غايته، وهو لا يكون إلا لمن استحق الخلود في النار. 2 - إن الله سبحانه وتعالى بين أن من أهم ما استحق به الكافرون العقوبة في الآخرة هو ترك الصلاة. 3 - إن أهم صفات المؤمنين هي الاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فمن ترك الصلاة، لم يحقق هذه الاستجابة، بل شابه الكافرين في الإعراض والتولي والاستكبار عن الطاعة. 4 - إن الله توعد تارك الصلاة بما توعد به الكافرين، من عظيم عقابه، وشديد عذابه. 5 - إن الله جل وعلا علق أخوة الدين على إقامة الصلاة، فلا يكون الإنسان مسلماً إلا بها. 6 - إن الله سبحانه وتعالى أوضح في كتابه العزيز أن أهم صفات المؤمنين التي يتميزون بها عن غيرهم هي: إقامة الصلاة، فمن لم يقمها فليس منهم، بل هو من المشركين الكافرين. 7 - إن السنة المطهرة جاءت منها نصوص صحيحة، صريحة في كفر تارك الصلاة، إذ جعلها عليه الصلاة والسلام هي الحد الفاصل بين الإيمان والإسلام، والشرك والكفر. فلا يقيمها بإخلاص إلا المسلم، ولا يتركها – من غير عذر – إلا الكافر. فهي أهم الشعائر الظاهرة التي يتميز بها المسلمون عن غيرهم. 8 - علقت السنة الصحيحة الصريحة، الكفر على مجرد ترك الصلاة، "فمن تركها فقد كفر" فتأويل ذلك بالجحود أو غير ذلك من التأويلات، صرف للنصوص عن ظواهرها، وتكلف في تأويلها، وهو مدعاة على ردها. 9 - أبطلت السنة تلك التأويلات، التي زعمت بأن مجرد الترك، ليس كفراً مخرجاً من الملة، مؤكدة بأن هذا الترك مخرج من الملة، وأن تارك الصلاة لا ذمة له. فهل بعد هذا يقال: بأنه كفر دون كفر؟!!. 10 - أكدت السنة أن الصلاة هي آخر ما يبقى من الدين، فإذا ترك العبد الصلاة، كان ذلك أكبر دليل على كفره، وذهاب ما بقي معه من إيمان، وأنه قد سقط بناء الإسلام لديه كسقوط الفسطاط بذهاب عموده. 11 - أوضحت السنة بأن الصلاة أهم الأعمال، وأول ما يسأل عنه الإنسان يوم القيامة، فإن صلحت وقبلت، فقد أفلح وأنجح، لأنه تجاوز مرحلة الخطورة العظمى، وهي الخلود في النار مع الكافرين ثم نظر بعد ذلك في سائر عمله. فهي رأس ماله، ومفتاح ديوانه، فهل يصح ربح إذا هلك رأس المال؟!. 12 - أكد إجماع الصحابة – رضي الله عنهم – ما دلت عليه ظواهر النصوص وأم المراد بالكافر، الكفر الأكبر المخرج من الملة. وهو إجماع صريح، لا يحتمل التأويل، نطق به الصحابة فيما بينهم ونقله التابعون عنهم وهو أقوى دليل في الرد على كل من أراد تأويل تلك النصوص، أو صرفها عن ظاهرها. 13 - أن هذا الإجماع أصرح دليل في المسألة، وهو أقوى دليل في رد كل قو مخالف له. 14 - أن هذا الإجماع يؤكد أن القول: بعدم كفر تارك الصلاة، قول حادث وأن من قال به من علماء، وإن كان مأجوراً على اجتهاده، فقد جانبه الحق والصواب، ولا يجوز لمن استبان له الحق، تقليده في ذلك. ورحم الله الشافعي إذ يقول: "لا يحل لمسلم علم كتاباً، ولا سنة، أن يقول بخلاف واحد منهما".

ثانياً: خاتمة الفصل الثاني: 15 - إن تارك الصلاة إن كان جاحداً لوجوبها، فالإجماع على كفره، ما لم يكن معذوراً بالجهل لحداثة إسلامه، أو كونه في مكان ناءٍ بعيد عن المسلمين. 16 - إن على المسلم العاقل، المحافظة على الصلاة، وأداؤها في أوقاتها على الهيأة التي يستطيعها، وأنه لا يجوز له تركها أو تأخيرها عن وقتها، إلا بعذر من نوم، أو نسيان أو نحو ذلك. 17 - أن تارك الصلاة بغير عذر، وإنما كسلاً وتهاوناً، كافر على الصحيح من أقوال العلماء وهو الذي عليه أكثر السلف، بل إجماع الصحابة رضي الله عنهم. 18 - إن القائلين بعدم كفر تارك الصلاة بغير عذر. لم يتفقوا على ما يستحقه من عقوبة فذهب بعضهم إلى وجوب قتله حداً، وذهب آخرون إلى تعزيره. 19 - إن من العلماء من لم يستطع دفع النصوص الصريحة، الصحيحة الدالة على كفر تارك الصلاة بغير عذر، فرام الجمع بينها وبين النصوص الأخرى، فقد كفر بأمور، وأحوال، وأزمان. 20 - إن من قيد كفر تارك الصلاة بغير عذر، بأمور، أو أحوال، أو أزمان فقد خالف ما عليه أكثر السلف، وإجماع الصحابة من القول بكفر تارك الصلاة، وإن اتفق معهم في الظاهر. 21 - إن تلك الأقوال على اختلافها، كان رائد أصحابها الحق، فاجتهدوا في إصابته، بما معهم من أدلة من الكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول تدل في ظاهرها إلى ما ذهبوا إليه. 22 - إن الاختلاف بين العلماء في المسائل، قد يكون مع توفر النصوص، وثبوت الأدلة فيكون سببه الاجتهاد في الاستنباط، والترجيح بينها. 23 - إن العلماء – رحمهم الله – قد اجتهدوا جميعاً في إصابة الحق، ولم يقصدوا رد النصوص، أو دفعها، فهم مأجورون على اجتهادهم، ومعذورون في خطأهم. 24 - إن تلك الأقوال على اختلافها، وما استدل به أصحابها من أدلة سواء كانت من الكتاب، أم السنة، أم الإجماع، أم المعقول، قد أمكن مناقشتها دليلاً دليلاً، وبيان شبهة أصحابها في استدلالهم بها على أقوالهم ولا حاجة إلى ذكر ذلك مفصلاً هنا. 25 - إن إمكانية مناقشة تلك الأقوال، وما استدل به أصحابه، يؤكد أن القول الراجح في هذه المسألة، هو القول: بكفر تارك الصلاة، بغير عذر. ثالثاً: خاتمة الفصل الثالث: 26 - إن الألباني رتب النجاة من النار، وعدم الخلود فيها، على مجرد الشهادة، ودون قيد، أو شرط. فلو مات المسلم تاركاً لأركان الإسلام كلها – عدا الشهادة – لا يسجد لله سجدة واحدة، فإنه داخل تحت المشيئة: إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ثم مصيره إلى الجنة، وهذا القول يلتقي مع لازم قول المرجئة. 27 - إنه حصر كفر تارك الصلاة في صورة واحدة، وهي إذا دعي إلى فعلها، وهدد بالقتل إن لم يستجب، فاختار القتل. وأن كفره في هذه الصورة ليس للترك، ولا للإصرار على الترك، وإنما للجحود، الذي دل عليه اختياره للقتل على الفعل. 28 - إن هذه الصورة التي أراد الألباني حصر الكفر فيها، وأن الأقوال والأدلة تجتمع عليها، هي عين الصورة التي أوردها الفقهاء، وذكروا الخلاف فيها!!. 29 - إن الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة، إنما ترتب الكفر على مجرد الترك، فتقييدها بغير مقيد، أو حملها على صورة مفترضة، تكلف ظاهر في رد النصوص، وعدم إعمالها. 30 - إن حصر الكفر في تلك الصورة وحدها، يقتضي ترتب الكفر على فعل الغير، وليس على فعل تارك الصلاة.!! 31 - إن حديث حذيفة بن اليمان المرفوع، ليس فيه دلالة على الموضوع، لا من قريب، ولا من بعيد. فالاستدلال به، فيه نوع من الإيهام. 32 - إن قول حذيفة إنما قاله في زمن خاص، دل الحديث عليه، فتعميم ذلك في كل زمان، والتكلف في صرف النصوص عن ظواهرها مجانب للصواب.

33 - إن المستقر عند عامة الصحابة، والتابعين، أن الشهادة وحدها، لا تغني صاحبها، إن لم يكن معها شيء من أعمال الجوارح. 34 - إن استدلال الألباني بحديث أبي سعيد الخدري، على عدم كفر تارك الصلاة دون النظر إلى الأحاديث الأخرى في بابه، خلاف المنهج العلمي. لأن نصوص الشرع ينبغي أن يحمل بعضها على بعض، وإلا أوقع ذلك في التناقض والتعارض. 35 - إن حديث أبي سعيد، لم يغفله العلماء، أو يغفلوا عنه، كما ظنه الألباني بل استغنوا عنه بأمثاله من الأحاديث الأخرى، إذ لا مزيد فيه على غيره، عند التحقيق. 36 - إن القول: بأن ابن القيم لا يرى كفر تارك الصلاة كسلا، إلا إذا اقترن مع تركه ما يدل على جحوده. مجانب للصواب جملة، وتفصيلاً، وكتابة أكبر شاهد على ذلك. 37 - إن وصف الألباني من قال: "إن الصلاة شرط لصحة الإيمان، وإن تاركها مخلد في النار" بأنه التقى مع الخوارج في بعضهم قولهم، خطأ فادح وزلة من عالم. 38 - إن دعوى الألباني بأن ابن تيمية من الموافقين له في الرأي، غير صحيحة، إذ ظهر الفرق بين القولين، والبعد بين الرأيين. 39 - إن محاولة الألباني لنسف قول الحنابلة المشهور في المسألة من أساسه، بأن الرواية عن الإمام أحمد فيها مضطربة ... ، قد تم إبطالها، وإظهار أنها الرواية الصحيحة. وأن الرواية الثانية إن لم توصف بالشذوذ، فلا أقل من وصفها بالضعف، وعدم الصحة في المذهب. 40 - إن دعوى الألباني بأن المرداوي والشيخ سليمان من علماء الحنابلة المحققين الموافقين له في الرأي، قد تبين بطلانها. 41 - إن ما أورده الألباني من نقولات مختلفة، قد تبين أنه في كثير منها حملها ما لا تحتمل. إلى غير ذلك من الفوائد والنتائج التي تم التوصل إليها من هذا البحث. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الدبلوماسية بين الفقه الإسلامي والقانون الدولي

الدبلوماسية بين الفقه الإسلامي والقانون الدولي ¤أحمد سالم باعمر£بدون¥دار النفائس - عمان¨الأولى¢1421هـ€فقه¶علاقات عربية وإسلامية ودولية الخاتمة وفي نهاية هذه الدراسة يمكن تسجيل هذه الملاحظات، وهي عبارة عن النتائج المستخلصة من البحث، والمقترحات والتوصيات بشأنها. النتائج: 1. حفظ التاريخ الدبلوماسي القديم للدبلوماسية الحديثة مجموعة نادرة من الوثائق التي سجلت تاريخ العلاقات الدبلوماسية في تلك العصور الغابرة، وتعد المدرسة الدبلوماسية الإغريقية قديماً أبرز المدارس الدبلوماسية، ويعود لها الفضل في إثراء الدبلوماسية الغربية بقواعد ونظم غنية استفادت منها المدرسة الدبلوماسية الغربية المعاصرة، كما أعطى الرومان من أرشيفهم الخاص للمؤرخين محفوظات ومخطوطات دبلوماسية تعد مرجعاً مهماً للتاريخ الدبلوماسي الحديث. 2. صورة الدبلوماسية في العصور القديمة وقبل البعثة النبوية هي البعثات المؤقتة التي تنتهي بمجرد أن يعود السفير إلى بلده الأصلي، ولم تكن قد عُرفت بعد آنذاك البعثات الدائمة. 3. مفهوم الحصانة الدبلوماسية لم يكن واضح المعالم والأسس في العصور القديمة والعصر الجاهلي واستمر على ذلك الحال حتى مطلع القرن السابع الميلادي. 4. أعطى الرسول ? قبل أربعة عشر قرناً الحصانة الدبلوماسية للرسل والسفراء، والتي صار معمولاً بها الآن في الدبلوماسية المعاصرة، والدراسة أوضحت المواقف الجليلة للمصطفى علية الصلاة والسلام في تعامله مع الرسل والسفراء القادمين من الدول الأجنبية. 5. لا يمانع الإسلام من إقامة علاقات وصلات دبلوماسية مع الدول غير الإسلامية لأنه دين السلام، فالمسلمون لهم في سيرة الرسول ? قدوة حسنة، وفي ممارسات الدولة الإسلامية سوابق كثيرة في إرسال الرسل والتعامل مع السفراء والمبعوثين. 6. إن مكانة الدين في الدبلوماسية الإسلامية واضحة، وهو يعد المحرك والدافع لتحقيق أهدافها، بينما ذلك غير واضح في الدبلوماسية المعاصرة، فهناك من يعزل الدين عن الدبلوماسية، وهناك من الأنظمة والدول والأحزاب الوضعية مَنْ تجعل من الدين قاعدة تنطلق منها، وهذا وذاك يفقد الدبلوماسية المعاصرة الثبات والاستقرار. 7. إن الإشارات والشواهد المتناثرة في مصادرنا التراثية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأن الدبلوماسية الإسلامية كانت تتمتع بقدر عال من الكفاءة والذكاء والقدرة على تصريف الأحوال وإدارة دفة العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية بكل نجاح. 8. إن وجه المقارنة بين الدبلوماسية الإسلامية والدبلوماسية المعاصرة هو قياس مع الفارق، حيث سبقت الدبلوماسية الإسلامية الدبلوماسيةَ المعاصرةَ بعشرة قرون تقريباً، وجسدت كل المفاهيم الأساسية للوظيفة الدبلوماسية، والمطَّلع على الدبلوماسية المعاصرة يلاحظ بوضوح أنها لم تتفوق على الدبلوماسية الإسلامية ولم تنفرد بمفاهيم جوهرية عن الذي تم إقراره منذ القرن السابع الميلادي، فكل الذي حدث أن القوانين الدبلوماسية السابقة وضعت في قالب قانوني منظم من حيث الشكل والمضمون وأصبحت الأمور واضحة وغير متناثرة بحيث يسهل الحصول عليها، وأوضحت الدراسة أن الدبلوماسية المعاصرة أخذت الكثير من الدبلوماسية الإسلامية. 9. إن فقهاء الإسلام قد اشترطوا شروطاً لابد من توفرها فيمن يتولى السفارة الإسلامية، وذلك لأن أهمية هذا المنصب توجب أن يكون شاغلة مستوفياً لصفات معتبرة خاصة تجعله أقرب إلى أن يؤدي عمله بكفاءة وحسن تصرف بما هو موكول إليه من مهام حساسة ومهمة.

10. على السفير المسلم من الواجبات ما يجعله ممثلاً للدولة الإسلامية، ومتحدثاً رسمياً عن كل شئونها السياسية الخارجية، وليس له من الحقوق ما يجعله بمعزل عن المساءلة والرقابة والمتابعة، فهو يتمتع بكافة الامتيازات والمكافآت من قبل دولته مقابل أن يؤدي عمله بمنأى عن الأهواء الشخصية، وبعيداً عن أنانية السلطة وعن العبث بالمهمة الموكلة إليه. 11. تملك الأمة الإسلامية دبلوماسيةً واعيةً وقادرةً على مواكبة التطور والمستجدات الدولية إذا أحسنت الاختيار، ووضعت الرجل المناسب في المكان المناسب، واقتدت بالسلف الصالح في هذا الجانب، هذا يدحض دعوة النظم الوضعية الغربية التي تقول إن الدبلوماسية في الإسلام بعيدة عن أحداث العالم، وغائبة عن الساحة الدولية. 12. إن الفقه الإسلامي بمصادره الأصلية والتكميلية تميز بالمرونة والتنوع، مما كتب له الدوام والاستمرار والتعميم، حيث أصّل فقهاء الإسلام اقتباساً من تلك المصادر العديد من الأحكام العملية المتعلقة بعلاقة المجتمع الإسلامي بالمجتمعات الإنسانية الأخرى، فالفقه الإسلامي نظم علاقة المسلمين مع الدولة الأجنبية على مبادئ الإسلام السمحة حيث وضع قواعد عدة في ترتيب هذه العلاقة منها: العقد شريعة المتعاقدين، والوفاء بالعهود، وقاعدة الأمان للمبعوثين والرسل. 13. إن الفقه الإسلامي ليس مجرد قواعد تنظيمية تعني بتنسيق العلاقات بين الدول والشعوب كما هو الحال في القوانين الوضعية الدبلوماسية، بل هو فقه تقويمي يعتمد في قواعده على مصادر سماوية تجعل للمثل العليا والكمالات الأخلاقية المقام الأول في تشريعاتها، فالفقه الإسلامي يتفوق على القانون الدولي في أنه يمزج بين قواعد الأخلاق والقانون عن طريق الجمع بين العدل والإحسان. 14. أوضحت الدراسة أن مهمة الدبلوماسية تختلف عن مهمة الجاسوسية، وأن لكل مهمة عملها واختصاصها ورجالها، إذ تعتبر المهمة الدبلوماسية عملاً مشروعاً فقهاً وقانوناً، والجاسوسية مشروعة في أوقات معينة. 15. يُعدّ كتاب "رسل الملوك ومن يصلح للرسالة والسفارة" لأبي علي الحسن المعروف بابن الفراء، أول كتاب تحدث عن النظام الدبلوماسي في الإسلام وتطرق إلى قضايا الرسل وابتعاثهم، وطريقة اختيارهم، وصفات الرسل، وشروط قبولهم .. 16. إن جمال اللغة الدبلوماسية في الإسلام لم تضاهيه أية لغة على الإطلاق، فكان الرسول ? في أسلوب رسائله ووثائقه الرسمية إلى أمراء وملوك زمانه دقيقاً وواضحاً. 17. أظهرت المقارنة بين الدبلوماسية في الإسلام والدبلوماسية في القانون الدولي في الجوانب الدبلوماسية أنه لا وجه للمقارنة البتة بين منهج قائم على مصدر إلهي وسنة نبوية وبين منهج بشري يعتريه الخطأ والانحراف واتباع الأهواء والمؤثرات الشخصية، والدراسة أتت بالرأي القانوني في تلك المسائل الدبلوماسية بجانب المنهج الإسلامي. 18. لقد استفاد القانون الدبلوماسي المعاصر من آراء أئمة الفقه الإسلامي من خلال مؤلفاتهم الزاخرة، التي أرست القواعد الفقهية للسياسة الخارجية للدولة الإسلامية فضلاً عن تأكيدها لمبدأ الحصانة الدبلوماسية. 19. أظهرت الدراسة أن فقهاء المسلمين مثل الإمام الشيباني والماوردي قد سبقوا في آراءهم القانونية مؤسس القانون الدولي الحديث جروسيوس الهولندي، مما يؤكد دور المسلمين في نشأة قواعد القانون الدولي والتأصيل للعلاقات الدولية الحديثة. 20. يعد السفير عامر بن شراحبيل الشعبي ويحيى الغزال أبرز السفراء في العصر الأموي، كما يصنف أبو بكر محمد الباقلاني ونصر بن الأزهر أفضل من كلفوا بالسفارة في العصر العباسي.

21. أوضحت الدراسة الصفات المعتبرة لحامل الرسالة إلى الملوك والرؤساء والأمراء، ويعد ابن الفراء أفضل وأبلغ من كتب في صفات من يصلح للسفارة وحمل الرسالة. 22. بينت الدراسة أن الدبلوماسي أينما وجد مطالب بمعرفة دقائق الأمور، وخصوصاً تاريخ الدبلوماسية وتطورها عبر الأزمنة المتعاقبة، ولا تكون المحصلة جادة ووافية إذا لم يجرِ الدبلوماسي موازنة بين التاريخ الدبلوماسي الإسلامي والتاريخ الدبلوماسي الغربي بشكل موضوعي. 23. اشترط فقهاء الإسلام شروطاً فيمن يختار للرسالة والسفارة، أما الشروط التي وضعتها الدبلوماسية المعاصرة فقد قام فقهاء الإسلام من قبل بتحصيلها واشتراطها لمن يقلد لمهمة السفارة. 24. لقد خلص عدد كبير من الباحثين إلى أن اليونانيين هم أول من استخدم مصطلح الدبلوماسية، التي تعني في أصلها اليوناني الوثائق التي تراسل بها الحكام في علاقاتهم الرسمية وعن طريقهم انتقلت إلى اللغات الأوروبية، ومن الإنجليزية والفرنسية استعار الكتاب والباحثون اللفظ والمصطلح إلى اللغة العربية. 25. إن الدبلوماسية الإسلامية هي تلك الأساليب التي كانت تتبع في تنظيم علاقات الدولة الإسلامية مع الدول الأخرى في حالتي السلم والحرب. 26. توصلت الدراسة إلى أن السفير أو الرسول شيء واحد وهو المصلح بين قومين والمفاوض على جمع شمل الطرفين. 27. إن التكييف القانوني للوظيفة الدبلوماسية وجد أساسه في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م، بينما التكييف الفقهي للوظيفة الدبلوماسية وجد أصوله وقواعده في الشريعة الإسلامية فشرعيته مستمدة من النص الإلهي والسنة النبوية الشريفة وممارسة الدول الإسلامية. 28. قدمت الدراسة العديد من الأدلة على سمو الدبلوماسية الإسلامية ومواكبتها لكل العصور والأزمنة وأنها كانت وما زالت معين لا ينضب للباحث في الدبلوماسية أياً كان جنس ولون ودين الباحث. المقترحات والتوصيات: 1. إن دراسة الدبلوماسية بشكل مقارن بين الفقه والقانون تبين للقارئ والباحث تميز الإسلام وفضله في العلاقات، وعلى ضوء ذلك فإنه لابد أن يخصص لمثل هذه الدراسات جانب من الاهتمام من قبل الدارسين والباحثين الذين يعنيهم إظهار فضل الإسلام على القوانين الوضعية. 2. هناك قضية اختيار المرأة المسلمة في العمل الدبلوماسي والدراسة لم تتطرق لها، فهذه القضية بحاجة إلى دراسة وتحليل من الناحية الفقهية الإسلامية وتأصيل شرعيتها، والوقوف على سلامة اختيار المرأة للوظيفة الدبلوماسية، فيتمنى الباحث أن يعالج هذا الموضوع من قبل المتخصصين في هذه القضايا تحت عنوان "المرأة المسلمة والدبلوماسية". 3. لقد أدهشني أن الدراسات الإسلامية لم تعالج بشكل مباشر موضوع الدبلوماسية بين الفقه والقانون، وأن الكتاب المسلمين لم يعتنوا بالدبلوماسية الإسلامية مقارنه بعناية الكتاب الغربيين بالمدرسة الدبلوماسية الغربية، فالباحث يرى وضع نموذج للمدرسة الدبلوماسية الإسلامية تتضمن ضوابطها ومعالمها وشروطها ومبادئها, حتى تكون واضحة أمام الدبلوماسي المسلم وغيره. 4. وإذا كان من الثابت أن كل محاولة جديدة تكون دائمة محفوفة بالمخاطر، فإن الباحث لا يدعي الكمال في العرض والتحليل، بقدر ما يدعي النزاهة، وأن هذه مجرد بداية لحركة فقهية قانونية تالية يخوضها المتخصصون في المستقبل. 5. يرى الباحث ضرورة وضع مقرر في المعاهد الدبلوماسية في الدول العربية والإسلامية تحت عنوان "أثر أئمة الفقه الإسلامي في الدبلوماسية" يبين أثر علماء وفقهاء المسلمين الأوائل والمعاصرين على الوظيفة الدبلوماسية وخصوصاً العلماء المسلمون البارزون.

6. ضرورة تنظيم دورات دبلوماسية عالية للسفراء والدبلوماسيين الذين يعينون أو ل مرة سفراءً للدولة الإسلامية في الخارج، لأن هذا المنصب هو أعلى المناصب في السلك الدبلوماسي، فإذا أحسن الاختيار فإن السفراء سيكونون على درجة من الفقه والعلم والإيمان وحسن التصرف مع الآخرين في الخارج، وكل ذلك يجعلهم يمثلون دولهم على الوجه الأكمل. وعمل دورات مكثفة لهم تدور حول الفقه الإسلامي، ودوره في تنشيط العمل الدبلوماسي المعاصر. 7. تَبَنِّي جائزة خاصة للبحوث المتعلقة بالدبلوماسية الإسلامية وتشجيع الكتابة في مثل هذه القضايا. 8. تبني كرسي للدبلوماسية الفقهية في الجامعات العربية والإسلامية يخدم الفكر الدبلوماسي الإسلامي. 9. إجراء ندوات دبلوماسية سنوية تتبناها جامعة الدول العربية والمنظمات الإقليمية العربية والإسلامية تخصص للدبلوماسية المقارنة وواجبها في تنشيط العمل الدبلوماسي. 10. إصدار نشرة دورية عن مآثر الدبلوماسية الإسلامية. 11. ضرورة إيجاد صفحة في الكمبيوتر تتعلق بأشهر أعلام الدبلوماسية الإسلامية، وذلك للتعريف بجهود علماء الإسلام في هذا الجانب. 12. ضرورة أن تتبنى الجامعات العربية والإسلامية مشروع ترجمة المصادر الإسلامية المتعلقة بالدبلوماسية إلى اللغات الأجنبية، وحصر تلك المصادر ليسهل الرجوع إليها. 13. استخدام المعاهد الدبلوماسية في الدول الإسلامية الدبلوماسيين المشهورين من ذوي الخبرات في مجال الدبلوماسية المقارنة. 14. إن تخصص وزارات الخارجية في الدول العربية والإسلامية كليات أو معاهد خاصة للدبلوماسية بحيث تكون جزءًا من الدراسة حول الدبلوماسية المقارنة والتي تبرز من خلالها مشاهير الدبلوماسيين في الإسلام على مر العصور، وإيجاد مصادر دبلوماسية إسلامية في مكتبات وزارات الخارجية تمكن الدبلوماسي من استخراج المعلومات بسهولة، والمقارنة بينها وبين الدبلوماسية المعاصرة. 15. توعية الدبلوماسيين بالمستجدات والندوات التي تعقد في الخارج حول الدبلوماسية المقارنة. 16. تشجيع السفراء المسلمين وحثهم على كتابة مواضيع تتعلق بالدبلوماسية المقارنة، لأنها ستكون ذات بعد نظري وعملي، لأن السفير وصل درجة من العلم والاطلاع تجعله يعطي وجهة نظره من خلال الممارسة والتطبيق. 17.ضرورة تفسير اتفاقية فيينا تفسيراً قانونياً وأدبياً للدبلوماسي حتى لا تكون الاتفاقية مجرد مواد جامدة تقرأ له بصورة شمولية، وإنما يجب أن تكون أمام الدبلوماسي سهلة مبسطة يستطيع أن يتفهم مضمونها دون تكلف أو عناء. 18. الدراسة تحاول أن تطرح سؤالاً تحتاج الإجابة عليه إلى دراسة فقهية متأنية وهو: هل هناك فقه خاص يحكم سلوك الدبلوماسي؟ وهل لديه بعض الرخص المرتبطة بطبيعة عمله مثل (المصافحة، اللباس، الاختلاط بالنساء، الحفلات ... إلخ) علماً بأن السفير الأموي يحيى الغزال أقام في بلاد النورمان وكانت له علاقات صداقة مع سيدات القصر تمكن من خلالها من إنقاذ السواحل الأندلسية من غارات النورمان.

الدعاء في خطبة الجمعة - حكمه وصوره

الدعاء في خطبة الجمعة - حكمه وصوره ¤سعود بن إبراهيم الشريم£بدون¥دار البشائر الإسلامية - بيروت¨الأولى¢1428هـ€فقه¶الجمعة - الخطبة الخاتمة: بعد جمع المادة العلمية لهذا البحث، وسرد أقوال العلماء وأدلتهم، يمكن لنا أن نصل إلى النتيجة التالية: 1 - أنه ليس هناك دليل صحيح صريح يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا في خطبة الجمعة بدعاء معين، سوى ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستسقاء وهو في خطبة الجمعة على المنبر، وما جاء من أنه صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات. وهو حديث ضعيف. 2 - أن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم بحسب فهمهم لبعض النصوص. 3 - أن من أهل العلم من فرق بين مشروعية الدعاء لعموم المؤمنين في خطبة الجمعة وبين تخصيص السلطان بالدعاء، وبين التعميم للولاة والسلاطين دون تعيين. 4 - أن الظاهر من حيث الصنعة الفقهية والدليلية أن الدعاء جائز في الخطبة، ويسن إذا كان للاستسقاء؛ لفعله صلى الله عليه وسلم. 5 - أن الدعاء للسلطان في الخطبة جائز أيضاً، وليس واجباً ولا محرماً، ولا من سنن الخطبة. ولكن يكره المبالغة فيه والإطراء المنهي عنه والمجازفة في الأوصاف والألقاب. 6 - أن مسألة الدعاء للسلطان بعينه في الخطبة مسألة اجتهادية لا يثرب فيها على من اختار أحد القولين في المسألة، ولا يعدو عن كونه في إطار أهل السنة والجماعة؛ لأنها مسألة فقهية وليست من مسائل الاعتقاد.

الدعاء وأحكامه الفقهية

الدعاء وأحكامه الفقهية ¤خلود بنت عبدالرحمن المهيزع£بدون¥دار الصميعي - الرياض¨الأولى¢1429هـ€فقه¶دعاء - صفته وآدابه الخاتمة: الحمد لله الذي من علي بإتمام البحث ووفقني لإكماله، وأشكره على جزيل نعمه وإحسانه. وأصلي وأسلم على خير خلقه المبعوث رحمة للعالمين. وبعد: فأهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث ما يلي: 1 - أن الدعاء هو التضرع إلى الله والافتقار إليه بطلب تحقيق المطلوب أو دفع المكروه بصيغ السؤال والخبر. 2 - أن الدعاء تدور عليه الأحكام التكليفية الخمسة، وإن كان الأصل فيه الندب. 3 - أن الدعاء يتنوع بعدة اعتبارات: أ- باعتبار معناه إلى دعاء عبادة ودعاء مسألة. ب- باعتبار صيغه إلى طلبية وخبرية. ج- باعتبار حكمه إلى دعاء مشروع وغير مشروع. هـ- باعتبار ما ورد إلى دعاء مأثور ودعاء غير مأثور. ووباعتبار الداعي إلى دعاء مسلم ودعاء فاسق ودعاء كافر. 4 - أن للدعاء فضائل عظيمة، ومناقب جليلة، وهو من أفضل الطاعات وأعظمها، وهو سرها وروحها. 5 - أن للدعاء شروطاً وأركاناً لا يصح الدعاء بدونها وله آداب ينبغي التحلي بها كالطهارة واستقبال القبلة، ورفع اليدين وغير ذلك. 6 - أنه يستحب للداعي أن يرفع يديه حال الدعاء إلا في المواطن التي لا يشرع رفع اليدين فيها كالدعاء في الطواف أو بعد الأكل أو عند النوم ونحو ذلك. 7 - إن الأصل الدعاء بباطن الكفين ولا يشرع الدعاء بظهور الكفين على القول المختار. 8 - أنه لا بأس للداعي أن يرفع يداً واحدة عند الدعاء إذا منع من رفع الأخرى عذر. 9 - أنه يستحب للداعي أن يشير بإصبعه حال الدعاء ويسمى الإخلاص أو التضرع. 10 - أنه يجوز للداعي أن يرفع بصره إلى السماء حال الدعاء، وإن كان الأولى التضرع والانكسار بين يدي الله، أما رفعه في حال الدعاء في الصلاة فحرام وكبيرة من الكبائر. 11 - الأولى للداعي ألا يمسح وجهه بعد الفراغ من الدعاء في غير الصلاة وإن فعله أحياناً من غير ملازمة له كان له وجه، أما مسح الوجه بعد الفراغ من الدعاء في الصلاة فبدعة مذمومة. 12 - أنه لا يشرع للداعي أن يجثو على ركبتيه حال الدعاء، لأن الأحاديث الواردة فيها ضعيفة. 13 - أنه لا يشرع الدعاء قبل أذان الفجر وهو من البدع المكروهة المذمومة. 14 - أنه يستحب لسامع الأذان وكذا الإقامة على القول المختار أن يقول مثل قولهم ثم يدعو بعدها. 15 - أنه يستحب للداخل لقضاء الحاجة والخارج منها أن يدعو بالدعاء المأثور باتفاق الفقهاء. 16 - أنه لا يصح دعاء يقال على أعضاء الوضوء على القول المختار. 17 - أنه يستحب قول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، بعد الفراغ من الوضوء لما ورد فيه. 18 - أنه لا يصح الدخول إلى الصلاة بصيغ الدعاء باتفاق الفقهاء. 19 - أن دعاء الاستفتاح سنة لكل مصل وأن محله بعد التكبير وقبل قراءة الفاتحة. 20 - أنه لا يشرع الدعاء بين آيات الفاتحة، ومن دعا بينها عامداً يلزمه أن يستأنفها. 21 - استحباب الدعاء عند آية الرحمة والاستعاذة عند آية الوعيد في صلاة النفل فقط دون الفرض، على القول المختار. 22 - يستحب الدعاء في الركوع في الفرض والنفل على القول المختار وكذا يستحب الدعاء في السجود لكل مصل للأدلة الواردة فيه. 23 - وجوب قول سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد عند الرفع من الركوع ويستحب الزيادة على التحميد بحسب ما ورد، والزيادة على الوارد بدعة محدثة. 24 - وجوب سؤال المغفرة في الجلوس بين السجدتين لصراحة فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكره الزيادة عليها بحسب الوارد عنه صلى الله عليه وسلم.

25 - أن الدعاء بعد التشهد الأول مكروه في الفرض والنفل، لعدم وروده، أما الدعاء بعد التشهد الثاني فمستحب خصوصاً الاستعاذة من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال. 26 - يشرع للداعي أن يشير بسبابة اليمنى عند دعائه في الصلاة في التشهد الثاني مع التحريك على القول المختار. 27 - لا يشرع زيادة اللهم ارحم محمداً في ألفاظ التشهد الثاني، أما الدعاء له بالرحمة مفرداً في غير الصلاة فجائر على القول المختار. 28 - يشرع للمصلي أن يدعو بجميع حوائجه في الصلاة للأحاديث الواردة في ذلك، وإن كان الأولى له أن يختار الأدعية الواردة في الكتاب والسنة أو الواردة عن السلف حتى لا يقع في الاعتداء المنهي عنه. 29 - يجوز الدعاء لمعين في الصلاة في الفرض والنفل على القول المختار. 30 - يجوز الدعاء بغير العربية في الصلاة للعاجز عنها ولا يجوز ذلك للقادر عليها على القول المختار. 31 - أنه يستحب أن يقول في سجود التلاوة ما يقوله في سجود الصلاة من التسبيح وإن زاد غيره مما ورد فحسن هذا في الفرض والنفل. 32 - أنه لا يشرع دعاء ختم القرآن في صلاة النفل والفرض؛ لعدم ورده عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما خارج الصلاة فمستحب لما ورد فيه من الأدلة. 33 - يشرع القنوت في الصلوات الخمس خلال الجمعة عند النوازل ويكره عند عدمها ويكون محله بعد الركوع على القول المختار. 34 - يستحب القنوت في كل نازلة بما يناسبها وليس فيه لفظ مؤقت، ويستحب الجهر به ورفع اليدين فيه على القول المختار. 35 - أن القنوت في النوازل خاص بالإمام الأعظم أو نائبه على القول المختار. 36 - يسن القنوت في الوتر في جميع أيام السنة وأنه مخير بين فعله قبل الركوع أو بعده. 37 - أصح ما ورد في الوتر الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن رضي الله عنه: (اللهم اهدني فيمن هديت ... ) وله أن يضم إليها السورتين اللتين قنت بهما عمر: (اللهم إياك نعدب، ولك نصلي) وله أن يزيد ما شاء من الأدعية المأثورة في القرآن والسنة، من غير إطالة تشق على المأمومين. 38 - أن الأولى في القنوت في الوتر ألا يبدأ فيه بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، لعدم الدليل الدال على مشروعيته، وأما ختمه بالصلاة والسلام على النبي فمستحب لما ورد فيه من الأدلة. 39 - يستحب الجهر بالقنوت في الوتر في حق الإمام والإسرار في حق المنفرد على القول المختار. 40 - يسن الاشتغال بدعاء الله وذكره والصلاة عند الكسوف حتى ينجلي باتفاق الفقهاء، ويكون محل الدعاء في نفس الصلاة، وإذا فرغ من الصلاة ولم ينجل الكسوف اشتغل بالدعاء والذكر حتى ينجلي ولا يعيد الصلاة. 41 - الاستسقاء بالدعاء مشروع ولا خلاف بين الأمة في جوازه، لكن الاستسقاء بالصلاة أفضل، ويكون محل الدعاء في الاستسقاء بعد الفراغ من الخطبة أو قبل الفراغ منها باتفاق الفقهاء، ويسن تحويل الرداء للإمام والمأموم عند الدعاء فيها. 42 - تستحب صلاة الاستخارة والدعاء عقيبها بما ورد باتفاق الفقهاء في جميع الأمور المباحة أو المستحبة، ولا تشرع في الأمور الواجبة أو المحرمة والمكروهة. 43 - يجب الدعاء للميت في صلاة الجنازة سراً ويكون محله في جميع التكبيرات، لأنه هو المقصود الأعظم وليس فيه دعاء مؤقت لكن ينبغي التزام ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يرفع يديه حال الدعاء. 44 - يشرع الدعاء للصغير ومن فيه حكمه بالمغفرة عند الصلاة عليه ولا يختص ذلك بالمكلف على القول المختار.

45 - يستحب للمصلي أن يشرك نفسه ووالديه والمسلمين عند الدعاء للميت في صلاة الجنازة مع تخصيص الميت سواء كان مكلفاً أو غير مكلف بالدعاء فيقول: اللهم اغفر له وارحمه ونحو ذلك. 46 - يستحب الذكر والدعاء بالأدعية الواردة بعد السلام للإمام والمأموم والمنفرد باتفاق الفقهاء، أما الدعاء بعد المكتوبة بغير ما ورد مع رفع اليدين فأمر محدث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. 47 - الدعاء جماعة بصوت واحد بعد التسليم من الصلاة من الإمام والمأمومين بدعة محدثة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه ولا التابعين ولم تنقل عمن يوثق به من الفقهاء، وكذا الدعاء من الإمام وتأمين المأمومين بدعة ولا يباح منه إلا ما كان لعارض كقنوت النازلة ونحو ذلك. 48 - يستحب الدعاء عند دخول المسجد أو الخروج منه بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم. 49 - يشرع الدعاء في خطبة الجمعة لولي الأمر بالصلاح والإعانة على الحق وللمسلمين بأمور الآخرة وهذا من مستحبات الخطبة ومكملاتها وليست من شروطها وأركانها على القول المختار، ولا يشرع رفع اليدين في حال الدعاء لا من الإمام ولا من المأمومين باتفاق الفقهاء. 50 - أن أرجى ساعات الإجابة يوم الجمعة هي آخر ساعة بعد العصر، لقوة الأدلة الواردة في ذلك، وإن دعا في الساعة التي بين جلوس الإمام إلى انقضاء صلاة الجمعة فذلك زيادة خير رجاء الإجابة. 51 - يستحب للمصلي أن يحمد الله تعالى ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بما شاء بين كل تكبيرتين من التكبيرات الزوائد في صلاة العيدين. 52 - لا بأس أن يدعو المسلم لغيره في يوم اليعد بقوله: تقبل الله منا ومنكم ونحو ذلك لما فيه من مصلحة شرعية وهي التآلف والتواد وسلام الناس بعضهم على بعض. 53 - استحباب الدعاء عند لبس الثوب وعند دخول المسكن والخروج منه بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم. 54 - يستحب لآخذ الزكاة سواء كان الساعي أو الفقير أو الحاكم أو غيره أن يدعو للمعطي فيقول: (آجرك الله فيما أعطيت، وبارك له فيما أنفقت، وجعله لك طهورا، وبارك الله فيما أبقيت) أو نحو ذلك وليس فيه دعاء مؤقت. 55 - أن الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً من غير أن يجعل ذلك شعاراً له لا بأس به. 56 - يستحب الإكثار من الدعاء وذكر الله وغير ذلك من العبادات المحضة في نهار رمضان ويتأكد في الأوقات الفاضلة كالعشر الأواخر وأوقات السحر وعند الإفطار ويستحب أن يدعو عنده بلفظ: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله). 57 - لا يشرع الدعاء عند الدخول في النسك بلفظ: (اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسره لي وتقبله مني ... ) ولا بعد التلبية لضعف الحديث الوارد في ذلك. 58 - يستحب الدعاء عند رؤية الكعبة بلفظ: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام) باتفاق الفقهاء مع رفع اليدين على القول المختار. 59 - يستحب الدعاء عند استلام الحجر بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم وفي أثناء الطواف وعلى الصفا والمروة وفي أثناء السعي وفي عرفة وعند المشعر الحرام وبعد الرمي باتفاق الفقهاء. 60 - عدم مشروعية التعريف بغير عرفة لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم. 61 - يشرع الدعاء عند الذبح بلفظ: (بسم الله اللهم منك وإليك اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم) على القول المختار. 62 - يستحب الدعاء بالشهادة في سبيل الله ويستحب الدعاء عند توديع الجيش وفي أثناء القتال وإذا انهزم العدو وانتصر المسلمون بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم.

63 - يستحب الدعاء عند الخروج إلى السفر وفي أثناء السفر وإذا أمسى أو أسحر أو أشرف على القرية أو البلد الذي يقصده بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم لا فرق في ذلك بين سفر الطاعة أو سفر المعصية. 64 - جواز بيع كتب الأدعية وإجارتها أو شرائها بالتقسيط على القول المختار. 65 - يستحب الدعاء عند عقد النكاح للزوجين بلفظ: (بارك الله لكما، أو بارك عليكما، وجمع بينكما في خير)، ويستحب للزوج أن يدعو عند دخول امرأته عليه بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم. 66 - يستحب الدعاء عند الجماع بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم وهو: (اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) باتفاق الفقهاء. 67 - يستحب أن يهنأ الوالد بالمولود سواء كان أماً أو أباً بأي بلفظ يحصل به المقصود، ومما ورد: (بورك لك في الموهوب، وشكرت الواهب، ورزقت بره وبلغ رشده). 68 - يستحب للمصلي سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً أن يؤمن على الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية ويجهر به الإمام والمأموم في الصلاة الجهرية على القول المختار. 69 - يستحب ختم الدعاء في غير الصلاة بالتأمين باتفاق الفقهاء. 70 - يستحب الدعاء طرفي النهار بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم والمحافظة على ذلك ومحل هذه الأدعية والأذكار قبل طلوع الشمس وقبل غروبها أو بعده والأمر في ذلك واسع. 71 - يستحب الدعاء عند النوم والاستيقاظ وعند الفزع والخوف بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم. 72 - يشرع تشميت العاطس إذا حمد الله بلفظ: يرحمك الله ويجيب العاطس، (يهديكم الله ويصلح بالكم) لما ورد فيه من الأحاديث، والتشميت فرض كفاية والرد واجب على العاطس. 73 - لا يشرع التشميت في حق من لم يحمد الله عند العطاس، أو أتى بلفظ غير الحمد، ولا المزكوم إذا تكرر منه العاطس، ولا في حق من يكره التشميت، ولا في حق من عطس داخل الصلاة أو وهو يستمع الخطبة يوم الجمعة، أو عطس عند امرأة أجنبية، أما الكافر فيشتمه بلفظ: يهديكم الله ولا يدعى له بالرحمة والمغفرة، على القول المختار. 74 - أن الدعاء إذا استجمع شروطه وآدابه مجاب كله، لكن الإجابة تتنوع كما جاءت بذلك النصوص. 75 - أن للدعاء أوقاتاً وأزمنة وأماكن فاضلة يرجى فيها إجابة الدعاء ينبغي معرفتها ليتعرض لها. 76 - أن للدعاء آثار عظيمة وفوائد جليلة ترجع على الداعي بالخير في الدنيا والآخرة فبه ترفع المحن وبه تستجلب النعم وبه يزيد الإيمان واليقين والعبودية لله رب العالمين.

الدفع بالتقسيط عن طريق البطاقات الائتمانية دراسة فقهية مقارنة

الدفع بالتقسيط عن طريق البطاقات الائتمانية دراسة فقهية مقارنة ¤عمر يوسف عبابنة£بدون¥دار النفائس – عمان¨الأولى¢1427هـ€فقه¶تقسيط وآجل النتائج والتوصيات: أولاً: النتائج: لقد أصبح من المسلم فيه وجود بطاقات الائتمان التي تقوم على مبدأ التسهيل على عملاء البنوك، وقد تضمنت بعض البطاقات الائتمانية صورة لتسديد ما يترتب على حامل البطاقة من أموال، ألا وهي الدفع بالتقسيط، حيث إن حامل البطاقة يستطيع أن يشتري السلعة ومن ثم يقوم بتسديد ثمنها للبنك (مصدر البطاقة) على شكل أقساط مريحة، وقد ساهمت هذه العملية في التخفيف من الأعباء الواقعة على كاهل حاملي هذه البطاقات. وقد قدمت هذه الدراسة المحاور الرئيسة والأسس التي تقوم عليها بطاقات الائتمان بشكل عام، وبطاقات الدفع بالتقسيط الائتمانية بشكل خاص، حيث تم تسليط الضوء على كافة جوانب عمل هذه البطاقات سواء من الناحية الاقتصادية، أو الناحية الشرعية، وقد توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج يمكن إجمالها بما يأتي: 1 - يعتبر الدفع بالتقسيط أثراً من آثار البيع، كما يمكن أن ينشأ عن أي عقد عوضي، وهو عبارة عن تسديد مبلغ من المال لجهة معينة على حصص معلومة المقدار، وآجال محددة، يتفق عليها كل من الأطراف المتعاقدة. 2 - إن الأصل في العقود التي تبنى على المعارضات المالية أن يكون الثمن فيها معجلاً، إلا إذا اتفق الطرفان على تأجيل الثمن، وتسديده على عدة أقساط. 3 - يشترط للدفع بالتقسيط أن يكون الثمن محدداً، وكذلك الأجل، وأن يبين مقدار كل قسط، والفترة الزمنية بين تلك الأقساط، دون زيادة على الثمن عند تأخر المدير عن التسديد، وعدم الإنقاص منه في حال تسديد المدين قبل حلول الأجل. 4 - من صور الدفع بالتقسيط المعاصرة، تلك الصورة التي تنتج عن استخدام البطاقات الائتمانية في الشراء، أو الحصول على الخدمات. 5 - إن بطاقة الائتمان هي عبارة عن اتفاقية بين طرفين، والغالب أن يكون أحد الطرفين مؤسسة مالية، ويكون الطرف الآخر شخصاً يطلب الحصول على هذه البطاقة، بحيث يتم لهذا الشخص الحصول على السلع والخدمات من الأماكن التجارية التي تقبل التعامل بهذه البطاقة, ثم تلتزم تلك المؤسسة المصدرة للبطاقة بإعطاء هذا الشخص ضماناً، تلتزم فيه بدفع ما يترتب على حامل البطاقة من مبالغ مالية لتلك الجهات التجارية، ثم تعود بعد ذلك عليه بما دفعته. 6 - تنقسم بطاقات الائتمان إلى قسمين: بطاقات الحسم الشهري ( Ghareg Card) وفيها يتم اقتطاع المبلغ المطلوب من حامل البطاقة مع نهاية كل شهر، وبطاقة الائتمان المتجدد ( Credit Card) لا يلتزم حاملها بتسديد الأموال التي ترتبت عليه عند نهاية كل شهر، وإنما يلتزم بدفع نسبة قليلة من هذه الأموال، ثم يتم تدوير ما تبقى من مبلغ إلى الشهر التالي، بحيث تترتب عليه فائدة يكون قد اتفق عليها مع البنك المصدر، وهذا القسم من البطاقات غير معمول به في المؤسسات والمصارف الإسلامية. 7 - هناك عوائد للبطاقات الائتمانية مشتركة بين البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية تتمثل في رسوم إصدار البطاقة وتجديدها، ورسوم إصدار بطاقة بدل فاقد، ورسوم التجديد المبكر، وكذلك الحصول على نسبة مئوية من المنظمة العالمية الراعية للبطاقات. 8 - يجوز أخذ الرسوم على إصدار البطاقات لأن المقصود منها تغطية الأعمال الإدارية والمراسلات، ولا مانع من اختلاف هذه الرسوم تبعاً لاختلاف الخدمات أو المزايا المقدمة لحامل البطاقة. 9 - إن التكييف الفقهي للعلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها لا تخرج عن كونها عقد قرض، وبين المصدر للبطاقة والتاجر عقد وكالة بأجر، وبين التاجر أو مقدم الخدمة وحامل البطاقة عقد بيع أو إجارة.

10 - إن النسبة التي يقتطعها مصدر البطاقة من التاجر الذي قبل التعامل بالبطاقة كُيفت عدة تكييفات فقهية وهي إما أجرة استحقها المصدر على تحصيل الدين من حامل البطاقة، أو أجرة سمسرة أو أجرة بدل خدمات أو أجرة مقابل الوكالة، أو من باب أخذ الأجرة على الحوالة، وأغلبها تصلح لتكييف هذه العَمَلية. 11 - هناك عدة بطاقات للدفع بالتقسيط في المصارف الإسلامية مثل بطاقة الشامل التي تصدر عن مصرف الشامل في مملكة البحرين، وبطاقة تيسير الأهلي التي تصدر عن البنك الأهلي التجاري السعودي، وبطاقة الخير السعودي التي تصدر عن بنك السعودي الأمريكي. 12 - العقد الشرعي الذي تقوم عليه آلية عمل بطاقة الشامل هو القرض الحسن، وتقوم بطاقة تيسير الأهلي على بيع الفضولي، وتشترك مع بطاقة الخير السعودي في عملية التورق المصرفي المنظم، وهاتان الأخيرتان تحتويان على محاذير ومخالفات شرعية تجعلهما غير جائزة شرعاً، بخلاف بطاقة الشامل التي تقوم على فكرة القرض الحسن. 13 - يعتبر التورق الفردي جائزاً، أما التورق المنظم (المصرفي) فغير جائز، لما يرد عليه من تحايل على الشريعة ومآله في نهاية الأمر إلى الربا. 14 - يجوز بيع الفضولي بشرط أن يكون موقوفاً على إجازة المالك، فإن أجازه نفذ، وإن رده بطل، لأن في ذلك إبقاء لإرادة المالك على سلعته. 15 - هناك آثار اقتصادية لبطاقات الائتمان تعود على جميع الأطراف المتعاملين فيها، فبالنسبة للمنظمة العالمية تنحصر منافعها في العمولات التي تحصلها من البنوك المصدرة للبطاقات، أما البنوك المصدرة فمنافعها تتمثل بالرسوم التي يقوم حامل البطاقة بدفعها، وحامل البطاقة يتمكن من شراء السلع والاستفادة من الخدمات أينما حل وارتحل، ويستفيد التاجر عن رواج سلعته وزيادة نسبة مبيعاته. 16 - يعتبر التعامل ببطاقة الائتمان وسيلة مأمونة للحفاظ على الأموال من الضياع أو السرقة. 17 - تمنح البطاقة حاملها قيمة أدبية واجتماعية، كما تعزز عنده النزعة الاستهلاكية، ولكنها قد تفقد أو تسرق أو تزيف، مما يعود بالخسارات المالية على حاملها والمنظمة العاملية الراعية لها. ثانياً: التوصيات: إسهاماً في تطوير عمل هذه البطاقات، ومحافظة على بقائها ضمن الضوابط الشرعية، يوصي الباحث بما يلي: 1 - تكثيف الجهود من قبل الباحثين في مجال الدراسات الاقتصادية الإسلامية في موضوع البطاقات الائتمانية، وما يستجد منها من أشكال. 2 - عدم الخروج عن الأطر الشرعية بحجة الإتيان ببديل شرعي لأي من المعاملات الاقتصادية المعاصرة. 3 - عدم التحايل على نصوص الشريعة في تكييف بعض المعاملات المالية المعاصرة. 4 - ضرورة توعية جمهور عملاء المصارف الإسلامية بالضوابط الشرعية عند استخدام بطاقات الائتمان المختلفة، عن طريق إصدار نشرات تعريفية توضح آلية عمل هذه البطاقات، والمحاذير المترتبة على مخالفة استخدام هذه البطاقات. 5 - تعميم فكرة البطاقات الائتمانية التي تمكن حاملها من دفع التزاماته على أقساط شهرية، كبديل عن البطاقات الربوية. 6 - دراسة النموذج المقترح لبطاقة التقسيط الائتمانية، وتبنى بعض المؤسسات المصرفية الإسلامية لهذا النموذج، ومحاولة الارتقاء به ليكون خالياً من أي مخالفة شرعية.

الديون المتعثرة والمشكوك في تحصيلها والتأمين التعاوني عليها

الديون المتعثرة والمشكوك في تحصيلها والتأمين التعاوني عليها ¤عبدالحميد محمود البعلي£بدون¥دار الراوي - الدمام¨الأولى¢1421هـ€فقه¶تأمين خلائص البحث وتوصياته نحن بحاجة ماسة إلى المؤسسة الفكرية والتنظير الواسع للعمل المصرفي والاستثماري الإسلامي، وقد قسمت البحث إلى أربعة مباحث: خصصت الأول: للدين وأسبابه ومصادره. وعقدت في الثاني: مناظرة بين التأمين التجاري والتعاوني أبرزتها في أربعة عناصر. وجعلت الثالث: للديون المتعثرة والمشكوك فيها كظاهرة عامة ومشكلة خطيرة في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أبرزتها في أربعة عناصر أيضاً، مصنفاً الديون المتعثرة بحسب أسبابها، ثم أردفت ذلك ببعض الوسائل العلاجية للتعثر المالي والديون المشكوك فيها وأبرزت أنه من الصعوبة بمكان التعميم بشأن وسائل علاج المشكلة. أما المبحث الرابع: فتناولت فيه التأمين التعاوني وخطر الديون المتعثرة في تسعة عناصر. وذلك كله على النحو التالي: الدين عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ما ثبت في الذمة من مال بسبب يقتضي ثبوته فتدخل فيه كل الديون المالية وتخرج عنه سائر الديون غير المالية. وأسباب ثبوت الدين في الذمة كثيرة منها: - الالتزام بالمال سواء أكان في عقد أو التزام بإرادة منفردة. - العمل غير المشروع المقتضي لثبوت دين على الفاعل. - هلاك المال في يد الحائز إذا كانت يد ضمان. - تحقق ما جعله الشارع مناظاّ لثبوت حق مالي كحولان الحول على النصاب في الزكاة. - إيجاب الإمام لبعض التكاليف المالية على القادرين عليها بشروطها الفقهية. - أداء واجب مالي يلزم الغير عنه بناء على طلبه. - الفعل المشروع حال الضرورة فالاضطرار لا يبطل حق الغير خلافاً لبعض المالكية. - العمل النافع للغير بغير إذنه. وفي المبحث الثاني عقدت مناظرة بين التأمين التجاري والتعاوني قامت على أربعة محاور هي: المحور الأول: ضرورة التفريق بين التأمين كفكرة والتأمين كعقد قانوني من العقود المسماة، فالتأمين كفكرة يمر على مجموعة من المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية والقانونية التي تعكس نفسها في عدد من التعاريف التي قيلت في التأمين وتنهض هذه المفاهيم المتعددة في نفس الوقت كمبررات لنظام التأمين أمام الانتقادات الموجهة إليه كعقد وليس كفكرة أو نظام. فالاقتصاديون والاكتورايون يركزون في تعريفاتهم للتأمين على الدخل والثروة وتأثير الأخطار والحوادث عليها. وكذلك الاكتواريون يهتمون بأساليب القياس فيما يتعلق باحتمال وقوع الحادث وتوقع الخسارة والمتخصصون والممارسون يركزون على تعريفاتهم على الصفة الاجتماعية. وفي القانون وعند القانونيين يتم التركيز على التأمين كعقد بين المؤمن والمؤمن له. وهو ما يقتصر عليه القانون، مما جعل القانونيين أنفسهم يتخذون من ذلك أساساً للقول بأن التأمين ينقلب من تأمين إلى رهان غير مشروع لأن الشخص الذي يأخذ على عاتقه ضمان الخطر يراهن على تحقق الخطر.

وأضيف هنا أنه لعل هذا المسلك القانوني في التركيز على العلاقة بين المؤمن والمؤمن له منفرداً في عقد معاوضة من الأسباب الرئيسة في تسميته بالتأمين التجاري إذ يكون الربح هو الهدف الوحيد والأول والأخير من عمليات التأمين. ولهذا تنص قوانين التجارة على أن التأمين بأنواعه من الأعمال التجارية فضلاً عما تجيزه قوانين التجارة من اقتضاء الفائدة ابتداء وانتهاء، ابتداء عند الاتفاق وانتهاء عند التأخير في الوفاء. ويظل هذا التفاوت في النظر إلى التأمين كفكرة تقوم على مجموعة من المفاهيم الاجتماعية والاقتصادية وكعقد ينظم علاقة بين طرفين هو المسؤول إلى حد كبير عن اختلاف الآراء والاتجاهات الفقهية في التأمين مما جعلنا نعرض لمعتصر من الآراء والاتجاهات الفقهية في التأمين التجاري بأدلتها مع مناقشة هذه الأدلة والمتتبع لهذه الأدلة يجد أن جانباً جوهرياً منها اعتمد في المحاججة على التأمين كفكرة مثلما قيل بأن عقد التأمين ليس من عقود المعاوضة المالية التجارية وإنما هي عقود تعاونية. ومما هو مقرر بل محل اتفاق أن عقود التأمين التي تبرمها شركات التأمين عقود معاوضات مالية كما يثبته قصد المتعاقدين في نصوص العقد. ومثلما قيل بأن الربا ليس في التأمين كنظام قانوني وإنما فيما تقوم به شركات التأمين من أعمال وعقود أخرى غير مشروعة. ومما هو مقرر لدى المتخصصين والممارسين أن الفائدة الربوية متضمنة دائماً في جوهر عقد التأمين لا يخلو منها وهي جزء من طبيعة العقد وحقيقته القانونية إذ إن سعر الفائدة أحد أربعة عناصر أساسية يتحدد على أساسها القسط الصافي وهي: الخطر، ومبلغ التأمين، ومدة التأمين، وسعر الفائدة. فالمادة 773 مدني كويتي تنص على أن: "التأمين عقد يلتزم المؤمن" بمقتضاه بأن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد مبلغاً من المال في نظير مقابل نقدي يؤديه المؤمن له للمؤمن". ومثلما قيل إن التأمين التجاري يحقق المصلحة وهي من مقاصد الشريعة فيكون جائزاً شرعاً ولكنها مصلحة لم تشهد لها الشريعة بالاعتبار فكانت ملغاة، ولذلك كان طبيعياً أن تصدر قرارات المجامع الفقهية الإسلامية بعدم جواز التأمين التجاري وحرمته وبجواز التأمين التعاوني وأنه البديل الشرعي الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي وأنه مرغوب فيه لأنه: أولاً: من قبيل التعاون على البر القائم على التبرع لا المعاوضة المالية بين قسط التأمين ومبلغ التأمين: فالتأمين التعاوني يحقق مصالح من طبيعة واحدة وليست مصالح متقابلة أو متعارضة كما هو الشأن في المعاوضات التي تبني على المشاحة والمكايسة، وما لنا ألا نؤمن بالأساس الذي يقوم عليه التأمين التعاوني وقد اتفق الفقهاء على أن نظرية التبرع لا يحكمها حكم تكليفي واحد وإنما التبرع تعتريه الأحكام الخمسة (الموسوعة الفقهية الكويتية 10/ 66) والمالكية يرون أن كل التزام فردي بهبة أو صدقة أو جنس أو جائزة على وجه البر وما أشبه ذلك من وجوه المعروف لازم لصاحبه لا يقبل منه الرجوع عنه بل نقل ابن رشد الاتفاق على لزوم الهبة بالقول وإن كان الملتزم له غير معين (دل على ذلك ما جاء في تحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطاب ج1، البهجة شرح التحفة ج2، والخرشي ج5، والزرقاني على خليل ج5، وحاشية الدسوقي ج4) ويترتب على هذا الأساس المكين في التأمين التعاوني أمران جوهريان هما: أ- انعدام الربا بنوعيه فيه. ب- تملك هيئة المشتركين في مجموعهم لأقساط التأمين المتبرع بها ومن ثم:

ج- اندماج شخصية المؤمن والمؤمن له، فكل عضو من أعضاء هيئة المشتركين يجمع بين صفتي المؤمن والمؤمن له في آن واحد فهم يمثلون المؤمن باعتبارهم مالكي أموال التأمين وهم في نفس الوقت مؤمن لهم باعتبارهم حملة وثائق التأمين. ألم نقل أن التأمين التعاوني يجمع بين مصالح أطراف من طبيعة واحدة على خلاف التأمين التجاري. د- ما يسمى بشرط التخصيص الذي يعطي شركة التأمين الحق في مالية حاملي الوثائق بمقدار نصيبهم في الزائد من الخسارة على الأقساط المدفوعة إذا لم تكف. ثانياً: الربح في التأمين التعاوني تبع لا قصد، ومما هو مسلم به في الفقه أنه: "يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها" فيغتفر في الشيء إذا كان تابعاً ما لا يغتفر إذا كان مقصوداً وعبر عنها ابن نجيم بقوله: يغتفر في الشيء ضمناً ما لا يغتفر قصداً وعليها نصت مجلة الأحكام العدلية في المادة 54 وكذلك المادة 55 التي نصت على قاعدة "يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء" والمادة 256 التي نصت على قاعدة "البقاء أسهل من الابتداء" فالذي لا يجوز ابتداء قد يجوز بقاء وذلك على خلاف التأمين التجاري. وفي المبحث الثالث تناولت ظاهرة الديون المتعثرة والمشكوك فيها وبيان مظاهرها وأعراضها التي إن بدت تدل عليها وتصنيف أسبابها وكيف أن هذه الظاهرة أصبحت تمثل خطراً على المؤسسات والشركات بل والدول أيضاً ومن هنا كانت هذه الظاهرة مثار البحث والاهتمام. وبالنسبة للمصارف والمؤسسات المالية فإن مشكلة الديون المتعثرة والمشكوك فيها تؤثر تأثيراً مباشراً على الأداء الحقيقي، أعني "الأداء المصرفي الفعال" فقوة الأداء المصرفي تقاس من جانبي الوجود والعدم أو من جانبيه السلبي والإيجابي. فالجانب السلبي تعبر عنه إحجام المعجوز عنه من الموارد والإمكانات المادية التي كان يمكن أن تؤثر في ربحية البنك. أما الجانب الإيجابي لقوة الأداء المصرفي فيتمثل في حجم استغلاله للفرص الاقتصادية السانحة ومن ثم حجم استثماراته ومشروعاته الإنتاجية. فالمال ليس قوة في ذاته بقدر ما هو قوة بحفظه والمحافظة عليه من جانبي الوجود والعدم وبذلك تتحقق "الثقة" المنشودة في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ومن هنا الأهمية البالغة لمشكلة الديون المتعثرة وضرورة معالجتها بأساليب وطرق علمية ناجعة. هذا ولقد تعددت مصطلحاتها وتسمياتها وكلها تعبر عن ظاهرة واحدة أكثر مصطلحاتها وتسمياتها ذيوعاً هو "الديون المتعثرة" عبر عنها بعض فقهاء الشريعة بقولهم. "بتعذر حصول الدين" (مغني المحتاج للشربيني ج2) وقولهم "العيب في الدين" (نظرية العقد لابن تيمية).

(من تسمياتها: الديون الحرجة – الديون الصعبة – الديون غير العاملة) وكلها تعبر عن ظاهرة واحدة ولكن بدرجات متفاوتة ويمكن أن يؤدي تحليل المركز المالي والنقدي للمدين إلى القول بوجود حالات يمكن معالجتها وهي حالات الإعسار أو العسر المالي وحالات ميؤوس من علاجها تقتضي اتخاذ الدائن الإجراءات اللازمة للمحافظة على حقوقه وإلى أن تنتهي تلك الإجراءات يعتبر الدين مشكوكاً فيه أي في تحصيله وتصبح الديون المعدومة هي التي أصبح من المستحيل استرجاعها. والمؤسسات المالية ككائن حي تتأثر تأثراً مباشراً بظروف المتعاملين معها وبظروف البيئة المحيطة بها ويجب أن تأخذ بكل أسباب الحيطة والحذر تجاه كل ذلك. ومن هنا كانت مشكلة الديون المتعثرة ذات شقين فتعثر المتعاملين مع المصارف سبب وعلة في تعثر هذه المؤسسات المالية والمصرفية ولا شك أن طبيعة عمل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وأساليب وأشكال صيغ التمويل فيها يضفي على المشكلة بعداً آخر جديراً بالبحث والتحليل إذ المصرفية الفقهية الشرعية (الإسلامية) لا تقوم على الإقراض والاقتراض بل تقوم في الأساس على الملكية والتملك مما يخرج بحثه من إطار هذه الدراسة. هذا ومظاهر التعثر المبكرة تختلف بالنسبة للمشروعات الفردية عنها بالنسبة للمؤسسات مما أوردنا جانباً مهما منه في هذا البحث وضرورة العناية بدراسة وتحليل هذه المظاهر أولاً بأول كي يمكن تحديد "مؤشرات الخطر" واتخاذ الإجراءات الشرعية المناسبة في الوقت المناسب لإصلاح مسار العمل ومعالجة أوجه القصور في "الأداء التشغيلي" ومن ثم حماية أموال البنك ومصالحه. وعلى ضوء ذلك نقول "بوجوب" تصنيف الديون المتعثرة بحسب أسبابها، فمما لا شك فيه أن ذلك يساعد كثيراً في عدالة الحكم وكيفية المعالجة الصحيحة والرشيدة للمشكلة ومن ثم التمكن من إنزال الحكم الشرعي الصحيح على المسألة. فليس من تعثر بسبب ضائقة مالية أو عسر بسبب عارض من ضيق ذات اليد كمن أعثر بسبب اللد والمماطل وسوء القصد أو كمن تعثر بسبب جائحة من الجوائح أو بسبب القوة القاهرة أو الظروف المحيطة والعامة وهكذا إلى غير ذلك. وفي هذا السياق صنفنا أسباب التعثر إلى أربعة مجموعات هي: 1 - مجموعة الأسباب التي ترجع إلى البنك نفسه وعلى رأسها الخلل في "الهيكل المالي" وعدم التناسب في "المزيج التمويلي" و"الانبعاج" فيه: كأن تمثل صيغة تمويلية معينة أغلب النشاط المالي والاستثماري على حساب سلة المزيج التمويلي المناسبة مما يزيد من نسبة احتمالات الخطر والمخاطرة وما يتطلبه تدارك ذلك من: نظام محكم للضمانات وحسابات دقيقة للمخاطرة ودراية تامة بأحوال السوق وأحوال المتعاملين فيه. 2 - مجموعة الأسباب التي ترجع إلى المدينين: يتعين على البنك ابتداء أن يتوقى أسباب التعثر التي ترجع إلى المدينين ببناء منظومة متكاملة من الدراسات الدقيقة للمتعاملين ومشروعاتهم وبخاصة ما يرجع إلى سلامة الإدارة المالية للمشروع وإدارة الإنتاج فيه. ومن أهم الأسباب التي ترجع إلى المدينين أوردنا أربعة أسباب منها هي: أ- الإعسار: بما يعنيه من عدم القدرة في الحال على أداء ما ترتب في الذمة من حقوق مالية، وآية الإعسار قال فريق من الفقهاء أنها عامة في كل من كان له قبل رجل معسر حق من أي وجه كان ذلك الحق، وأن المعسر الأخذ منه حلال والصدقة عليه أفضل والنظرة واجبة فالعاجز عن أداء المال لا يجوز تكليفه به وخير الله عز وجل الصدقة على النظرة. ب- الإفلاس: المفلس من كان دينه أكثر من ماله وخرجه أكثر من دخله. ج- المماطلة أو المطل: وهو تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر أو مع التمكن منه وهو ظلم موجب للعقوبة. د- جحود الدين وإنكاره:

فإذا جحد المدين الدين فقد تعذر حصول الدائن على دينه وكان المدين آثماً. 3 - مجموعة الأسباب التي ترجع إلى الظروف الطارئة والقوة القاهرة والجوائح: - الجائحة عرفها خليل بقوله: هي ما لا يستطاع دفعه. - والظروف الطارئة هي التي تؤدي إلى اختلاف التوازن الاقتصادي للعقد ولا تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً (كما هي القوة القاهرة) وفي نفس الوقت تجعل تنفيذ الالتزام يعود بخسارة على المدين تخرج عن الحد المألوف فلا ينقضي التزام المدين ولا يبقى كما هو لأنه مرهق فيرده القاضي إلى الحد المعقول. ونظرية الظروف الطارئة تناولها الفقهاء عندما تحدثوا عن الفسخ بالأعذار وعن الجوائح في بيع الثمار وعند تعديل العقد في حالة تقلب النقود ووضعوا ضابطاً للعذر الطارئ الذي يجيز فسخ عقد الإجارة مفاده أن: عجز العاقد عن المضي في موجب العقد إلا بتحمل ضرر زائد لم يلتزمه بموجب العقد وذكروا من جوائح القرض كساد النقود ورخصها وغلاؤها وانقطاعها (البحث القيم تغير قيمة العملة في الفقه الإسلامي). 4 - مجموعة الأسباب الاقتصادية العامة: وتتعلق هذه الأسباب بالعوامل السياسية والاقتصادية والتشريعية التي تؤثر على النشاط الائتماني بالمصارف وتزيد من ظروف "عدم التأكد" ومن ثم درجة المخاطر وقد ترجع هذه الأسباب إلى ظروف محلية إقليمية أو إلى ظروف عالمية دولية. ومن هذه الأسباب المحلية أو الإقليمية: - سياسة التسعير بغير ضوابط شرعية وما قد تؤدي إليه من عدم المقدرة على الوفاء بالالتزامات المالية. - سياسة الإغراق. - السياسة الضريبية المرهقة بغير ضوابط شرعية. - سياسة أسعار الصرف والسياسة الائتمانية والنقدية عموماً وعدم قدرتها على تحقيقها الاستقرار المنشود مما يؤثر سلباً على قدرة الأفراد والمشروعات على سداد ديونها وبخاصة إذا كانت بالعملات الأجنبية. ومن الأسباب الدولية والعالمية التي تؤدي إلى التعثر ما يلي: - سياسة الحروب الاقتصادية والحصار الاقتصادي الدولي. - سياسة التكتلات الاقتصادية الدولية. - ظاهرة الركود التضخمي وما تحمله من اتجاهات متناقضة في السوق. - أزمة الديون الدولية والتوقف عن الدفع في الديون الدولية يؤدي إلى مواجهة البلد المتوقف عن الدفع لاحتمالات تزايد إجراءات الحماية التجارية ضده وما يترتب على ذلك من انخفاض جوهري في حجم تجارته الخارجية وما يصاحب ذلك من زيادة أسباب التعثر المالي. - مجموع هذه الأسباب يشكل أخطاراً يجب العمل على تلافيها أو التقليل منها إلى أدنى حد ممكن في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وذلك يتوقف على: 1 - مدى الكفاءة في اختيار المزيج التمويلي الأمثل. 2 - نظام التوجيه المالي السليم والمتابعة والرقابة المالية مما يساعد على الاكتشاف المبكر للتعثر المالي.

3 - مدى تجنب المخالفات الشرعية بالترك أيضاً وليس بالفعل أو الإتيان فقط كعدم أخذ الضمانات العينية الكافية وعدم وجود نظام استعلام جيد عن المتعاملين، أما اللجوء إلى "الشرط الجزائي" و"اشتراط التعويض عن الضرر" بسبب تأخر المدين عند من يجيزه واشتراط "حلول باقي الأقساط" فقد لا تفيد إذا توقف المدين عن الدفع بالكلية وعدم وجود مال له إذ لا توفر هذه الاشتراطات مصدراً إضافياً للمال يمكن أن يستوفى منه الدين المتعثر فيه. كل ذلك كان مدعاة للتطرق لوسائل علاج مشكلة الديون المتعثرة، وبداءة نقول: إنه من الصعوبة بمكان التعميم بشأن وسائل العلاج فإذا ثبت لنا أن مشكلة الديون المتعثرة متشابكة الأسباب متداخلة النتائج فإنه يكون من الخلط التعميم بشأن وسائل العلاج، فقد يكون من الأسباب ما لا شأن للمدين به على نحو ما سبق وقد يشترك البنك مع المدين في حدوث المشكلة وقد تتواطأ عدة أسباب في إحداثها ولا شك أن تحديد الأسباب المؤثرة في حدوث المشكلة يترتب عليه إمكانية تحديد الالتزامات المترتبة على كل حالة بعينها. وعلى ضوء "تحليل المركز المالي" والنقدي للمدين يمكن تقسيم الديون المتعثرة إلى حالات يمكن معالجتها وحالات ميؤوس منها، والحالات التي يمكن معالجتها تمثل حالات العسر المالي المؤقت الذي يقوم فيها البنك بمد يد المساعدة للمدين مثل تأجيل سداد الديون الحالية أو تقديم مساعدة مالية وهذا كله عبرت عنه الآية الكريمة: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280] فالعسر هو ما يسفر عنه "تحليل المركز المالي" والنقدي للمدين وأنه يستوجب النظرة، وخيرية الصدقة على النظرة درءاً للآثار السيئة والضارة بكل من الدائن والمدين إذ قد يثير التشدد في اتخاذ الإجراءات إلى إثارة الرعب في نفوس المتعاملين مع البنك واختلاف ثقتهم فيه ومن ثم انحدار سمعته فضلاً عن أن البنك قد لا يحصل على كامل حقه إذ لم تكف أموال التصفية للمدين بل إنه يجوز للبنك أن يقدم قرضاً للمدين لما قاله ابن قدامة في المغني (4/ 213): "ولو أفلس غريمه فأقرضه ألفاً ليوفيه كل شهر شيئاً معلوماً جاز لأنه إنما انتفع باستيفاء ما هو مستحق له" وقال الحطاب (تحرير الكلام في مسائل الالتزام): "إذا قال له إن غرمائي يلزمونني بدين فأسلفني أقضيهم فقال نعم يلزمه ذلك ويحكم به عليه وهو جار على القول بلزوم إذا كانت على سبب وإن لم يدخل بسببها في شيء". المعالجة المحاسبية السائدة في هذا المقام تقوم على طريقتين هما: • طريقة تكوين مخصص للديون المقدر عدم تحصيلها مستقبلاً على أن تعتبر تلك الخسائر المتوقعة كمصروفات في الفترة التي يتم فيها البيع (باعتبار أن السياسة المتبعة هي البيع على الحساب) بما يترتب عليه قياس صافي الربح أو الخسارة بطريقة تعكس التوقعات عن الخسائر المحتملة. • طريقة الخصم المباشر من حساب العملاء. ومن الوسائل العلاجية والمقررة فقها: • في حالة المماطلة: قضاء الحاكم دين المدين من ماله جبراً. • في حالة البيع: تمكين الدائن من فسخ العقد واسترداد المبيع أو المشاركة في ملكية السلعة المبيعة على المدين بما يعادل الجزء المتبقي من ثمن السلعة ويكون البائع حينئذ شريكا للمشتري بحصته.

• تحليل المركز المالي للمدين: إذا ثبت إعساره "ينطر" ولا يحبس على رأي من قال من وجب عليه حق فذكر أنه معسر به حبس إلى أن يأتي ببينة تشهد بعسرته (ابن قدامة وغيره في المغني مسألة 3464 ج4) بل ذهب رأي إلى القول: ولو أفلس غريمه فأقرضه ألفا ليوفيه كل شهر شيئاً معلوماً جاز لأنه إنما انتفع باستيفاء ما هو مستحق له، والتأمين التعاوني من أهم الأدوات ووسائل العلاج لمشكلة الديون المتعثرة والمشكوك في تحصيلها بما يقوم عليه من أسس شرعية أقرتها المجامع الفقهية وذلك انطلاقا من الخطر الذي قد يصبح ضرراً مادياً واقعاً. • والخطر باعتباره جوهر عملية التأمين تعددت تعريفاته لدى كتاب التأمين والاقتصاديين والرياضيين والإحصائيين بل ولدى علماء النفس والاجتماع أيضاً. والخطر مؤثر في إسقاط العبادات أو تخفيفها ويتعلق به الرخص الشرعية. • وفي نطاق التأمين فالخطر: عبارة عن الخسارة المتوقعة المصاحبة لحالة عدم التأكد من الأحداث المستقبلية ويقصد به الضرر الناشئ عن الحادثة أو الكارثة. ويعرفه القانونية بأنه "حادثة احتمالية لا يتوقف تحققها على محض إرادة أحد الطرفين خاصة إرادة المؤمن له وعلى ذلك فلكي تعتبر حادثة ما خطراً يجب أن تكون احتمالية من حيث وقوعها أو عدم وقوعها وبالتالي يجب أن يكون مستقبلياً وممكناً وليس مستحيلاً وقوعه وألا يكون وقوعه معلقاً على محض إرادة أحد المتعاقدين لأنه في هذه الحالة سيكون مؤكداً وليس محتملاً. وإذا كان ذلك معنى الخطر فإنه يشترك مع الضرر بمعنى ما لا يدري أيحصل أم لا يحصل وهو رأي الكاساني وابن عابدين وابن تيمية والقاعدة العامة في الفقه الإسلامي أن الغرر يؤثر في سائر عقود "المعاوضات المالية" قياساً على عقد البيع حيث ورد النص بتأثير الغرر فيه والغرر المؤثر الذي يكون معه العقد غير صحيح هو الغرر الكثير في عقود المعاوضات المالية والكثير ما كان غالباً في العقد حتى صار العقد يوصف به وأن يكون الغرر في المعقود عليه أصالة أما عقود التبرعات فلا أثر للغرر فيها كقاعدة عامة عند المالكية وابن تيمية. والتوقف عن دفع الديون والتعثر فيها كارثة أو حادثة متوقعة تهدد بخسارة مالية ومن ثم يصح أن تدخل في نطاق التأمين التعاوني وتصبح وثيقة التأمين التعاوني عقد تبرع مقصود بها أصلاً التعاون على تفتيت الخطر والمشاركة في تحمل الضرر. و"نظرية التبرع" التي يقوم عليها التأمين التعاوني تقضي: أن تصرف الإنسان في خالص حقه دون مساس بحق أحد لا يتوقف على إرادة غيره، أي أن التصرف يتم بالإرادة المنفردة من ناحية نشأته، ولكن ظهور أثره يتوقف على قبول المتبرع له وذلك أمر آخر غير وجوده ونشأته وهذا ما عناه بعض الفقهاء "بالتبرع الذي يفيد تمليكاً" كالهبة والاعتداد بالإرادة المنفردة واعتبارها مصدراً للالتزام مبدأ قام عليه الفقه الإسلامي وتوسع فيه المالكية، ولا أدل على مخاطر الديون وبخاصة المتعثرة والمشكوك في تحصيلها من قيام المؤسسة العربية لضمان الاستثمار التي انضمت جميع الدول العربية إلى اتفاقية إنشائها واكتتبت في رأس مالها وتقوم المؤسسة بتوفير الضمان ضد المخاطر التجارية والمخاطر غير التجارية الموضحة في نظامها وتشتمل المخاطر التجارية على: - إفلاس المشتري (المستورد) أو إعساره أو تصفيته. - امتناع المشتري عن سداد ما استحق عليه للمصدر أو للمصرف المقرض. ومن أنواع عقود الضمان التي تمارسها المؤسسة "عقد ضمان قرض" ويغطي هذا العقد الأخطار غير التجارية التي قد يتعرض لها القرض ووفقاً لشروط، وتمارس المؤسسة نشاطها وفق قواعد التأمين التجاري التقليدية.

أضف إلى ذلك أن "الديون" كانت محلاً للتأمين في دولة الكويت حتى الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت. ومما يتصل بالتأمين التعاوني على الديون المتعثرة "إمكانية قياس الخطر المتوقع" فعلى ضوء ذلك تتحدد النتائج ولا شك أن قياس الخطر يتطلب معرفة بالأساليب الرياضية والإحصائية والتي شهدت في الآونة الأخيرة تطورات جعلت من "نظرية الاحتمالات" نظرية مستقلة تدرس ضمن فروع علم الإحصاء ومن هنا أصبحت عملية قياس الخطر تنصب على احتمال تحقق الخسارة في إطار توافر قانون الأعداد الكبيرة واتساع سوق التأمين. ولا شك أن هذه الحسابات تعكس أثرها على مكونات العملية التأمينية الأساسية من أقساط وتعويضات مما يعكس أثره على "الملاءة المالية" لشركات التأمين التعاوني، والملاءة المالية لشركة التأمين تعني توافر القدرة المالية للشركة على الوفاء بالتزاماتها قبل حملة الوثائق وإلا تعرضت الشركة نفسها لخطر "العسر المالي" الذي قد يؤثر على استمرارية النشاط التأميني ونجاحه. وكل ذلك يتطلب وعيا فقهياً بفنيات التأمين وإنشاء تخصص فقهي جديد يسمى "فقه التأمين" بعد كل ذلك نستطيع القول باطمئنان إن الحاجة إلى التأمين التجاري التقليدي لم تعد حاجة متعينة وسقطت بذلك آخر حجة كان يمكن أن يلوذ بها المدافعون عن التأمين التجاري بعد أن أصبح التأمين التعاوني نظاماً معمولاً به في كثير من بلدان العالم وإن كان الطريق أمامه ما زال طويلاً حتى يحقق الانتصار في حلبة المنافسة الشديدة والشرسة. (وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ويأبى الله إلا أن يتم نوره)

الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية

الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية ¤عمر بن عبدالعزيز المترك£بدون¥دار العاصمة - الرياض¨الأولى¢1414هـ€فقه¶ربا وبنوك ربوية نتيجة وخلاصة البحث استعرضت في المقدمة تاريخ الربا عند اليهود والنصارى والربا في نظر الفلاسفة، والربا في الجاهلية، ثم الربا في القرون الأخيرة، وتوصلت إلى النتائج التي أوضحتها ومنها: 1 - إن الإسلام لم يكن الدين الوحيد الذي حرم الربا، بل كان محرماً في الديانتين السابقتين على الإسلام. فهو محرم في التوراة، والإنجيل، والقرآن، ومنه يتضح أن موقف الإسلام من تحريم الربا: موقف التقرير والتأكيد. 2 - إن اليهود حرفوا الكلم عن مواضعه فجعلوا التحريم خاصاً بالإسرائيليين وحدهم وأباحوه مع غير الإسرائيليين وبذلك اندفعوا في أكل الربا مع غيرهم فأشاعوا الربا في العالم قديماً وحديثاً، ولقد عاقبهم الله وسجل ذلك عليهم في القرآن واعتبرهم أكلة ربا {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ}. 3 - إن النصارى حرموا الربا تحريماً قاطعاً لا فيما بينهم فقط بل بالنسبة لهم ولغيرهم وأجمعت على ذلك كنائسهم وشددوا في تحريم الربا حتى حرموا كثيراً من البيوع الجائزة في الشريعة الإسلامية كبيع السلم والبيع بالنسيئة وكل تجارة يمكن أن تستر من ورائها قرضاً بفائدة. 4 - إن من الربا الذي لا شك فيه في الديانتين السابقتين: اليهودية والنصرانية القرض بفائدة. 5 - إن نظرة الفلاسفة تتفق مع الأديان السماوية في تحريم الربا وأنه كسب غير طبيعي وآفة اجتماعية وخلقية واقتصادية. 6 - إن النصارى استمروا على تحريم الربا حتى القرون الأخيرة حيث طال عليهم الأمد فنسوا حظاً مما ذكروا به فبدؤا يتحللون منه شيئاً فشيئاً فأباحوا الفائدة على القرض. 7 - إن كثيراً من الاقتصاديين والمفكرين ظهرت لهم آثار الربا السيئة وبدؤا يحذرون من مغبته وينادون بحرمته. 8 - إنه نتج من إباحة الربا كثير من النظريات الهدامة كالشيوعية الملحدة والاشتراكية المتطرفة. ثم انتقلت إلى الباب الأول وتحته أربعة فصول: تحدثت في الفصل الأول عن معنى الربا لغة واصطلاحاً وذكرت بعض أقوال العلماء في تعريفه وبينت ما قد يرد عليها من اعتراضات. ثم بينت العلاقة بين المعنى اللغوي والشرعي. وبعد ذلك انتقلت إلى بيان الفرق بين البيع والربا وأوضحت ما بينهما من فروق أساسية، وأن قول الكفار {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} مغالطة منهم ظاهرة ومكابرة واضحة وأن هذا القياس كقياس إبليس لما أمره الله بالسجود لآدم {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}. ثم انتقلت إلى الفصل الثاني وفيه تحدثت عن ربا الفضل وآراء العلماء فيه ومخالفة ابن عباس في تحريمه وقد استعرضت أدلة كل من الطرفين وما أورد عليها من مناقشات وخلصت إلى ترجيح قول الجمهور للأسباب التي أوضحتها والتي منها: 1 - إن الأحاديث الدالة على تحريم ربا الفضل صريحة لا تحتمل التأويل. بخلاف الأدلة الدالة على جوازه فإن دلالتها بالمفهوم والمفهوم يتطرق إليه الاحتمال والمتحمل إذا عارضه النص وجب تأويله على الجهة التي يصح الجمع بينهما لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما. 2 - كثرة الطرق التي روت تحريم ربا الفضل حيث وردت في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة والمسانيد. ورويت عن عدد كبير من الصحابة وتلقته الأمة بالقبول حتى حكي بعضهم الإجماع على ذلك.

3 - ثبوت رجوع بعض القائلين بإباحة ربا الفضل كابن عمر – رضي الله عنهما -. وهذا يدل فيما يدل عليه على عدم بلوغهم أحاديث النهي عن التفاضل. فلما بلغتهم رجعوا إلى القول بتحريمه. 4 - رجحان القول برجوع ابن عباس – رضي الله عنهما – للأدلة التي أوضحناها وبينا رجحانها على الأدلة المستدل بها على عدم رجوعه للأمور التي ذكرناها هناك. ثم بينا رجحان قول الجمهور بأن الربا ليس مقصوراً على الأصناف الستة التي ورد النص بها كما ذهب إليه نفاة القياس وبعض من العلماء لأن تشريعاً جاء في معاملات الناس لابد وأن يكون فيه معنى ومغزى فمتى وجد هذا المعنى وهذا المغزى فالحكم يشمله لأن من قواعد الشريعة وأصولها العامة التسوية بين المتماثلين وإعطاء الشيء حكم نظيره والشارع لم يحصر الأموال التي يجري فيها الربا في الأصناف الستة التي ورد بها الحديث وأن القول بقصر الربا على الأصناف الستة نظرة ظاهرية وجمود على حرفية النص من غير نظر إلى روح الشريعة وحكمها. ثم تحدثت عن الحكمة في تحريم ربا الفضل وأوضحت أن الله عليم حكيم لا يشرع شيئاً إلا لحكمة سواء علمها البشر أم لم يعلموها وأنه ليس من شرط الانقياد والامتثال معرفة الحكمة فقد تظهر لبعض وتخفى على آخرين، وما لا تظهر حكمته اليوم قد تظهر غداً، وأن واجب العباد هو: الامتثال والتسليم بأمر خالقهم {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}. وبعد ذلك تكلمت عن آراء العلماء في علة الربا في الأصناف الستة وبينت أن العلماء اتفقوا على أن في الحديث جملتين كل واحدة تنفرد بعلتها الذهب والفضة جملة والأصناف الأربعة الباقية، وهي: البر، والشعير، والتمر، والملح جملة. فذكرت أولاً خلاف العلماء في علة الربا في النقدين وما استدل به لكل قول ورجحت القول القائل بأن العلة فيهما هي الثمنية وأن كل ما اتخذ الناس سكة بينهم فإنه يجري فيه الربا كما يجري في النقدين. ثم استعرضت الآراء في علة الأصناف الأربعة ورجحت القول القائل بأن العلة فيها هي الطعم مع الكيل أو الوزن لأن في هذا القول جمعا بين الآثار التي فيها الإشارة إلى التعليل بالكيل أو الوزن والأحاديث التي فيها ذكر الطعام كما أن في هذا التعليل معنى مقبولاً. وبعد ذلك انتقلت إلى الفصل الثالث وهو ربا النساء وذكرت آراء العلماء في تحديده وبينت أسباب التفاوت الكبير في تحديده وأن منشأ ذلك اختلافهم في علة ربا الفضل. ثم تناولت بالبحث حكم بيع الجنس بجنسه نساء وبينت أن الجنس إذا كان من الأموال الربوية فلا يجوز بيعه بجنسه نساء إجماعاً وأما إذا كان الجنسان ليسا من الأموال الربوية فقد أوضحت خلاف العلماء في ذلك ومنشأ الاختلاف ودليل كل، ورجحت القول بعدم جوازه للأدلة التي اقتضت ذلك والتي سبق بيانها في موضوعه. ثم بعد ذلك تناولت بالبحث حقيقة الربا الجاهلي وبينت أن العلماء اختلفوا فيه فمنهم من جعله خاصاً بالزيادة على الدين المستحق مقابل تأجيله ولا يشمل ما إذا كانت الزيادة في العقد الأول وهو القرض بفائدة ومنهم من ذهب إلى أن ربا الجاهلية له صورتان رئيسيتان.

الصورة الأولى هي التي تقدم ذكرها، والصورة الثانية: القرض بفائدة وانتهى البحث في هذا المقام بترجيح القول القائل بأن له صورتين هما: الربا في القروض، والربا في الديون؛ للأدلة التي أوضحناها. ثم أوضحت الحكمة في تحريم الربا وبينت أن له مضاراً خلقية واقتصادية واجتماعية أفردت كلا منها ببيان خاص. ثم بعد ذلك بينت الفرق بين الربا والقرض وأوضحت أن الفرق بينهما ناتج من طبيعة كل من العقدين. وأنه لا مبادلة في القرض في الحقيقة وإنما أساس الاتفاق فيه أن يأخذ المقترض مقداراً من المال على أن يثبت في ذمته يؤديه في ميسرته دون النظر إلى البدل وحين تشتغل ذمته يجب عليه مثله أو قيمته. عند تعذر المثل فالمعاوضة فيه وقت العقد متخفية لأن مبناه على الإرفاق والإحسان فهو في الحقيقة أشبه بالتبرع بالمنافع فهو من جنس العارية والمنيحة ولذا أسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- منيحة، إلا أنه أقيم تسليم المثل فيه مقام تسليم العين. أما البيع فإن مبناه فيه على المغابنة والمماكسة. كما بينت الفرق بين الربا والحوالة. ومن ذلك أن الحوالة ليست من جنس البيع وإنما هي من جنس إبقاء الحق. واختلاف الأسامي دليل على اختلاف المعاني في الأصل. ثم انتقلت إلى الفصل الرابع وهو القرض بفائدة. فعرفته وعرفت الفائدة وبينت أنها هي الربا في مفهوم القرون السابقة، وأن تسميته بفائدة لا يترتب عليها تحريم ولا تحليل وإنما يترتب على المعاني والحقائق التي في المسميات، ثم بينت دليل تحريم القرض بفائدة من الكتاب والسنة والإجماع وآثار الصحابة، ونظراً إلى أنه قد أثيرت شبهات لتحليل الفائدة فقد ذكرت نحواً من تسع شبهات وناقشتها وبينت بطلانها. وأوضحت أن الذي حرم الربا لم يترك أمر الناس سدى فإن الله تعالى لم يحرم شيئاً عوضهم عنه بما هو خير وأنفع وشرع لهم ما تدعو حاجتهم إليه ويغنيهم عن اللجوء إلى الحرام وما سد باباً إلا وفتح من الخير أبواباً فحرم الربا؛ لأن ضرره أكبر من نفعه لأن به يأكل القوي الضعيف ويستعبد الغني الفقير فيزداد الغني غنى والفقير فقراً.

وشرع لهم القرض الحسن فيما إذا لم تحضر النفوس الشح؛ لأن به تقوى الروابط ويحصل الأجر والمثوبة وبه تنمو الأموال {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}. وشرع القراض لأن فيه عدالة للطرفين لأن فيه تعاوناً بين المال والعمل بدون محاباة لأحدهما على الآخر. وشرع السلم وأباح البيع بالنسيئة وحث على التجارة والسعي في الأرض، لطلب الرزق وأباح الشركات بأنواعها، ولقد سار السلف الصالح على هذا النهج القويم، والطريق المستقيم، فالمضطر منهم لا يلبث أن يجاب. ومن نزلت به ضائقة بادر إخوانه من المسلمين بإسعافه. قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: أتي علينا زمان وما يرى أحد منا أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم وأن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: "إذا الناس تبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم". فقامت لهم حضارة ومدنية لم تشهد الدنيا لها نظيراً بلغت من الصين شرقاً، إلى الأندلس وشواطئ المحيط الأطلسي غرباً، واستمرت تلك الحضارة وتلك المدنية قروناً طويلة صيرت شئون الحياة الاقتصادية على وجه لم تشهد الدنيا له مثيلاً أصبحت مضرب الأمثال حيث كان التآخي والمحبة والتعاون من أسس الدعامة الكبرى لتلك الحضارة وتحقق وصف الله تعالى لها بأنها خير أمة أخرجت للناس قامت على أساس من الأخلاق الفاضلة والمبادئ السامية فكان الغني أمله إرضاء الفقير بأي صورة كانت من الصور كالتصدق عليه أو إقراضه وكانت نظرتهم إلى المادة على أنها وسيلة تقويهم على الكسب المشروع والعبادة الخالصة لله تعالى، فهل يأتي بعد هذا من يقول: إن الربا ركن من أركان المدنية لا غنى لها عنه، وضرورة من ضرورات الاقتصاد لابد منه حقاً إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. إذا لم يكن للمرء عين صحيحه فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر ولقد بين الله تعالى في كتابه العزيز أن الربا سبب للعقوبة وموجب لسخط رب العالمين وعذابه {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ} وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ}. وعن عمرو بن العاص –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب". وعنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله". وأن واجب المسلمين اليوم أن يتمسكوا بشريعة ربهم ومبادئ دينهم فإن فيها صلاحهم في دنياهم وأخراهم ومعاشهم ومعادهم ذلك أن قواعد المعاملات في الإسلام مبنية على العدالة في أدق صورها وعلى التعاون في أبهى مباهجه وهي الكفيلة بأن تعيد للأمة الإسلامية عزها ومجدها، وأن تنظم حياتهم في عمرانها، وفي صناعتها، وفي زراعتها، وفي أمنها، ورغدها.

وفي الباب الثاني تكلمت عن سبع مسائل هامة اختلف العلماء فيها بين الحظر والإباحة. المسألة الأولى: الربا بين المسلم والحربي وقد استعرضت فيها أدلة القائلين بالجواز وأدلة القائلين بعدم الجواز وتوصلت في النتيجة إلى اختيار رأي الجمهور بعدم الجواز ورددت أدلة القائلين بجواز ذلك للمبررات التي أوضحتها وبينت أن القول بهذا يؤدي إلى ضرر بالاقتصاد الإسلامي وأن أموال المسلمين ستتحول إلى المصارف الأجنبية وأن الحكمة في تحريم الربا بين المسلمين موجودة في تحريم الربا بين المسلم وغير المسلم. المسألة الثانية: مسألة الصلح عن المؤجل ببعضه حالاً. وفيها استعرضت أدلة المانعين وأدلة المجيزين، وناقشت أدلة كل منهم وما قد يورد عليها. ثم انتهيت إلى ترجيح القول القائل بجواز ذلك؛ للأسباب التي أوضحتها. ومنها أن هذا يعتبر من حسن الاقتضاء وأنه ضد الربا وأنه يغتفر في القضاء ما لا يغتفر ابتداء؛ لأن الإرفاق فيه أظهر من معنى المعاوضة. المسألة الثالثة: مسألة البيع لأجل مع زيادة الثمن تعرضت لآراء العلماء في هذه المسألة وأدلة كل ومناقشتها وانتهيت إلى القول بجواز ذلك إذا لم تكن الزيادة فاحشة ورأيت أن لولي الأمر أن يضع حداً لمقدار الزيادة حتى لا تستغل حاجة الفقير وإن طاعته في ذلك واجبة وأوضحت الفرق بين القول بجواز هذه المسألة وتحريم الربا وأن قياس المسألة الأولى على الثانية قياس مع الفارق، كما أن القول بعدم جواز ذلك يؤدي إلى الربا الصريح. وفي المسألة الرابعة: تحدثت عن العينة وبينت اختلاف العلماء في معناها وبالتالي اختلافهم في حكمها واستعرضت الآراء في ذلك وأدلة كل وانتهيت إلى القول بجوازها إذا لم يكن هناك مواطأة ملفوظة أو ملحوظة. وفي المسألة الخامسة: بحثت "بيع الوفاء": فعرفته، وبينت: متى حدث هذا البيع. واختلاف العلماء في تكييفه. وهل هو رهن، أو بيع صحيح، أو بيع فاسد؟ وانتهيت إلى القول بعدم جوازه؛ لأنه ما خرج في حقيقته عن كونه قرضاً بفائدة لقاء الأجل الذي يتفق عليه الطرفان وتسميته وفاء لا يخرجه عن حقيقته فالأحكام لا تتعلق بالأسماء وإنما تتعلق بالحقيقة. وفي المسألة السادسة: تناولت بالبحث: بيع السفتجة فذكرت خلاف العلماء في حكمها ودليل كل ومناقشته وانتهيت إلى ترجيح القول القائل بجوازها؛ لأن فيها مصلحة للطرفين فكل منهما له منفعة بدون مضرة لأحدهما على حساب الآخر والشارع لا ينهى عما فيه مصلحة ظاهرة وإنما ينهى عما فيه مضرة. وفي المسألة السادسة: تناولت بالبحث: بيع الدين فعرفته وذكرت خمس صور لبيع الدين وهي: 1 - بيع الدين لمن عليه بثمن حال. 2 - بيع الدين لمن عليه بثمن مؤجل. 3 - بيع الدين لغير المدين بثمن حال. 4 - بيع الدين لغير المدين بثمن مؤجل. 5 - بيع الدين بالدين ابتداء. وقد استعرضت في كل صورة: أقوال العلماء في حكمها، وأدلة كل، ورجحت منها ما ارتضيت به مدعوماً بالدليل الذي جعلني أختاره من غير تعصب. وفي الفصل الأول من الباب الثالث تكلمت عن نشأة المصارف وأنواعها وبينت معنى الصرف لغة وشرعاً، وشروط جوازه. ثم في الفصل الثاني تحدثت عن النقود الورقية وآراء العلماء فيها وانتهيت إلى ترجيح القول القائل بأنها نقد مستقل بنفسه يجري عليه حكم الذهب والفضة، وأنها أجناس تختلف باختلاف جهات إصدارها، وأن القول بغير هذا يؤدي إما إلى التضييق على الناس وإقفال باب التعامل بها كالقول القائل بأنها سندات بدين على جهة مصدريها. وإما إلى فتح باب الربا على مصراعيه وإباحته بنوعيه كالقول القائل بأنها عروض تجارة. وفي الفصل الثالث تحدثت عن الودائع المصرفية وأنواعها وبينت أنها ليست ودائع بالمعنى الفقهي وإنما هي في الحقيقة قروض.

وأوضحت أن الودائع بفائدة غير جائز شرعاً؛ لأنه ربا. ثم تحدثت عن حكم فوائد الودائع الإسلامية في المصارف الأجنبية وبينت أنه لا ينبغي أن توضع أموال في المصارف الأجنبية؛ لأن هذا يقوي نفوذها وتستخدم ضد مصالح الإسلام والمسلمين، ولكن إذا فرض أن الإنسان أودع ماله مصرفاً أجنبياً لضرورة اقتضت ذلك. فلا ينبغي أن نترك هذه الفوائد لهذه المصارف وإنما ينبغي أخذها لا على أنها ملك لرب المال فإنها مكسب خبيث ولكن تصرف في مصالح المسلمين وبينت أن هذا من باب ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما. ثم في الفصل الرابع تحدثت عن صندوق التوفير وأوضحت أن حكم أخذ فائدة محددة على القروض إنها من الربا المحرم. واستعرضت أهم الشبه التي أثيرت للقول بحل فائدة صندوق التوفير وبينت بطلانها. ومن تلك الشبه القول بأن الربا المحرم هو ما كان للاستهلاك لا للإنتاج. ومنها أن الفائدة التي تؤخذ من صندوق التوفير هي من قبيل المضاربة وأوضحت أننا لو أخذنا بهذا المبدأ وهذا التخريج العجيب لكان في إمكان كل إنسان أن يرد كل جزئيات الربا المحرم إلى المضاربة بربح معين فالذي يستدين ألف ريال مثلاً بفائدة سنوية يمكن أن يتأول هذا التأويل. ثم انتقلت إلى الفصل الخامس وفيه تحدثت عن بيع الأسهم والسندات وبينت الفرق بينهما، وبينت حكم كل منهما، وأن حكم بيع الأسهم جائز، ثم بينت ما قد يعترض على القول بجوازها وأجبت عنه. ومنها أن المشتري والبائع لأسهم الشركات لا يعلمان بجميع ممتلكات الشركة، وعلى هذا يكون فيها نوع من الجهالة والغرر، ومنه أن من موجودات الشركة نقوداً فإذا بيعت بنقود من جنسها يكون من باب بيع الربوي بجنسه ومع أحدهما من غير جنسه. أما بيع السندات فقد أوضحت أن السندات إذا كانت عبارة عن قروض بفائدة فإنه لا يجوز تداولها؛ لأن القرض بفائدة حرام "والله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه" فليس لصاحبه إلا رأس ماله لكن لو قدر أن هناك سندات بدين مشروع فإن هذا يكون من باب بيع الدين وقد أوضحنا حكمه في مسألة بيع الدين. وفي الفصل السادس تكلمت عن الحوالات المصرفية واستعرضت أنواعها وبينت حكم كل منها وذكرت حكم تحويل النقود من قطر إلى قطر عن طريق المصارف. وفي الفصل السابع تحدثت عن الضمان البنكي وعن آراء العلماء في أخذ الجعالة على الضمان وأدلتهم. واخترت القول بجواز أخذ الجعالة على الضمان إذا كان له غطاء كامل لدى الضامن، أما إذا لم يكن له غطاء فلا أرى جوازه؛ سداً لذريعة أن يستر من ورائه قرضاً بفائدة. وفي الفصل الثامن تحدثت عن الأوراق التجارية وعرفت الأوراق التجارية وأن من الأعمال المصرفية خصم الأوراق التجارية وبينت موقف الشريعة من خصم الأوراق التجارية وأن الحكم فيها يختلف باختلاف ما إذا كان المصرف هو المدين أو لا، فإذا كان المدين هو المصرف الخاصم فإن هذا جائز شرعاً؛ لأن هذا يعتبر من باب الصلح عن المؤجل ببعضه حالاً. وأما إذا كان الخاصم غير المدين فلا يظهر جوازه شرعاً ولا يمكن تخريجه على قاعدة صحيحة من قواعد الشرع. وفي الفصل التاسع: تحدثت عن الاعتماد المستندي وبينت فوائده وحكمه من الوجهة الشرعية وأنه جائز شرعاً؛ لأنه لا يعدو أن يكون ضماناً برهن وأن أخذ العمولة عليه جائز أيضاً إذا كانت هذه العمولة لا تستر من ورائها قرضاً بفائدة. ثم انتقلت إلى الفصل العاشر فتناولت آراء العلماء في التأمين ومستند كل منهم، وناقشتها وتوصلت إلى القول بجواز التأمين التعاوني. وأما التأمين التجاري سواء كان تأميناً على بضائع ونحوها، أم تأميناً على الحياة فلا يظهر لي جوازه؛ لأن قواعد الشريعة وأصولها الكلية تقتضي القول بمثل ذلك.

وفي الفصل الحادي عشر بحثت مشروع إنشاء مصرف إسلامي يقوم على أسس مستوحاة من أصول شريعتنا الغراء، ويسير على قواعد الشرع الحكيم وأوضحت الأسس الرئيسية التي ينبغي أن ينهجها وأنه بقيام هذا المصرف نكون تحررنا من التقيد بنظم لا تمت إلى الإسلام بصلة وتخلصنا من آفة الربا وآثامه اللعينة والتي روجها بيننا اليهود، والذين أشركوا؛ بأساليبهم الماكرة ووسائلهم المختلفة؛ لاستعبادنا واستغلالنا وإبعادنا عن أوامر ديننا. وبينت أنه بقيام هذه المصارف سيتحقق للأمة الإسلامية الخير، ويكون لها شخصية إسلامية متميزة وسمات مستقلة وأنه لن تتعطل أي مصالح تجارية، ولن يتوقف أي نشاط اقتصادي، بل بالعكس ستنمو البلاد وتزدهر، وتسير في معاملاتها وتجارتها على قواعد العدل والمساواة وإبعاد عنصر الظلم والاستغلال، والمخاطرة. هذا ما توصلت إليه بعد أن استعرضت في كل مسألة من مسائل هذا البحث أقوال العلماء في حكمها، وأدلة كل منهم. ودققت النظر في أدلة كل فريق: صحيحها وضعيفها، نَقْلِيِّها وعقليها، واخترت منها ما ترجح لدى مدعماً بالدليل الذي جعلني أختاره من غير تعصب فالحق أردته، وأرجو أن أكون وفقت في ذلك: فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي وأستغفر الله العظيم، ولا يسعني إلا أن أقول: هذا جهدي وطاقتي، والله حسبي ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الرسالة الفاصلة في تقدير غالب الموازين والمكاييل

الرسالة الفاصلة في تقدير غالب الموازين والمكاييل ¤عبدالرحيم إبراهيم الهاشم£بدون¥بدون¨بدون¢بدون€فقه¶فقه عبادات منوعات الخاتمة: الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على عبدالله ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى آثارهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين ... أما بعد: فإنه من خلال بحثي لهذا الموضوع في غالب كتب السلف الصالح رضي الله عنهم والاستفادة من أهل الخبرة أختم بحثي بالملاحظات التالية: 1 - ينبغي على كل باحث منصف أن يبحث عن الحق ولا يتعصب لرأي من الآراء. وأن يجتهد مهما استطاع في النقل عنهم بالأمانة العلمية والتحقيق من أقوالهم وعدم إمرارها دون نظر وتقليب وموازنة بين أقوالهم وتقديراتهم عموما، وتقديرات الواحد منهم خصوصا فيما يتعلق ببعض، مع عدم التعرض بذم المخالف للصواب إن ظهر. 2 - ينبغي (إن لم يجب) على كل من فتح الله عليه بشيء علمه، أن يحرص على تحقيقه وإفادة الآخرين به. وأرجو من الله أن يعينني على إضافة تقديرات المسافات الشرعية في غير هذه العجالة عند إعادة النظر فيها. ومن أراد ذلك فالبحث منتشر في بطون الكتب وفائدته بارزة والحاجة إليه موجودة. 3 - أرجو من المطلع على هذه الرسالة إن كان من أهل العلم المحققين أن يدقق فيها ويوافيني بالخطأ إن وجد. ما دمت حيا، وإن مت فهو في حل إذا تحقق ذلك وراجعه مع بعض أهل العلم الثقات. 4 - أرجو ممن يلي أمر المسلمين أن يحاول الدقة في تقدير ما يناط بالموازين والمكاييل الشرعية والعرفية مما ينتشر في عصره، ثم توزيعها على من يتعامل بذلك وأمرهم بذلك على وجه السلطة، وليحذر الحيف فيها أو الزيادة عليها فإنها تدخل في باب المظالم. والله أعلم .. وصلى الله على عبده ورسوله سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

الرضاع المحرم وبنك اللبن

الرضاع المحرم وبنك اللبن ¤حسين عبدالمجيد أبو العلا£بدون¥مكتبة البيان¨الأولى¢1414هـ€فقه¶رضاع الخاتمة "اللهم ارزقنا حسنها" في أهم نتائج البحث، وهي: 1 - يشترط في ثبوت التحريم بالرضاع أن يكون هذا الرضاع من امرأة بينة الأنوثة حية بالغة وأن يكون الرضيع في الحولين الأوليين من عمره وأن يكون قد رضع خمس رضعات متيقنات سواء كانت هذه الرضعات من الثدي مباشرة أو من إناء أو وجور أو سعوط وسواء كان اللبن خالصاً أو غالباً إن كان مخلوطاً بماء أو دواء وسواء كان سائلاً أو مطبوخاً أو مجبناً. 2 - أن العلة الظاهرة في التحريم بالرضاع هو حصول الجزئية للرضيع بالنسبة لمرضعته إذ بلبنها ينبت لحمه وينشز عظمه. 3 - أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ويدخل في هذا ثبوت الحرمة في المصاهرة بالرضاع. 4 - أنه يجوز بيع لبن الأمهات ولكن لا يجوز إنشاء بنوك لشرائه وبيعه. 5 - يثبت الرضاع بالإقرار من أحد الزوجين سواء قبل الزواج أو بعده، وكذا بشهادة رجل وامرأتين أو برجلين أو بشهادة النساء وحدهن. والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الرهن في الفقه الإسلامي

الرهن في الفقه الإسلامي ¤مبارك بن محمد الدعيلج£بدون¥بدون¨الأولى¢1420هـ€فقه¶ضمان وكفالة ورهن الخاتمة فيما يلي خلاصة لأهم موضوعات الكتاب، والنتائج التي توصلت إليها من خلال الكتاب. اشتمل الكتاب على خمسة أبواب: الباب الأول في مقدمات تخص عقد الرهن، بينت فيها تعريف الرهن وحكمه، وأركانه، والشروط فيه. والباب الأخير للأحكام التي تتعلق بالرهن، من ضمان، وانتفاع ونفقة، وتصرف، وغير ذلك. والأبواب الثلاثة بينهما خصصتها لبيان أركان الرهن: فكان الباب الثاني للمعقود به (الصيغة). والباب الثالث للمعقود عليه (المرهون والمرهون به). والباب الرابع للعاقدين (الراهن والمرتهن). هذا هو مجمل موضوعات الكتاب .. وفيما يلي تفصيل هذا الإجمال: 1 - اختلف فقهاء المذاهب الأربعة في تعريف الرهن بناء على اختلافهم في بعض الشروط في المرهون، أو المرهون به، أو العاقد، والراجح المختار من هذه التعريفات أن الرهن: (عقد من جائز التصرف يقتضي توثيق دين مالي لازم، أو عين مالية مضمنة، بدين مالي لازم – على من هو عليه – أو عين مالية مضمونة يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها – كله أو بعضه – عند تعذر الاستيفاء. 2 - ورد جواز الرهن في القرآن الكريم مقرونا بشرطين: السفر، وعدم وجود الكاتب، فقال – تعالى -: {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} فذهب بعض العلماء إلى أن هذين الشرطين يراد بهما التقييد والاحتراز، ومن ثم قيدوا جواز الرهن بالسفر وعدم وجود الكاتب أو السفر فقط. وذهب الجمهور إلى أن هذين الشرطين جاءا بناءً على الغالب من حياة الناس، وأنهم غالبا إنما يحتاجون إلى الرهن، أو الكتابة في السفر حيث لا شهود، وليسا للاحتراز والتقييد، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن في الحضر، ومن ثم جوزوا الرهن في الحضر، كما يجوز في السفر. والراجح رأي الجمهور. 3 - ذهب الجمهور إلى أن اشتراط غلق الرهن – بمعنى أن المرتهن يشترط على الراهن أنه إذا لم يأته بالدين في الوقت المحدد فإن الرهن يكون ملكا له – باطل مستندين إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يغلق الرهن). وخالف في ذلك ابن القيم فذهب إلى أن الشرط صحيح، وذكر أن الإمام أحمد فعله، وذهب في تفسير الحديث مذهبا يختلف عن مذهب الجمهور. والراجح رأي الجمهور. 4 - نص إمام الحرمين الجويني على أن شارب الخمر تعتريه ثلاثة أحوال: أحدها: هزة ونشاط، إذا دبت الخمر فيه ولم تستول عليه. الثانية: نهاية السكر، وهي أن يصير طافحا يسقط كالمغشي عليه لا يتكلم ولا يكاد يتحرك. الثالثة: متوسطة بينهما، وهي أن تختلط أحواله، فلا تنتظم أقواله وأفعاله ويبقى تمييز وكلام وفهم. وأن العلماء إنما اختلفوا في وقوع طلاقه في الثالثة، أما الأولى فينعقد فيها الطلاق قطعا لبقاء العقل، وأما الثانية فلا ينعقد إذ لا قصد له كالمغمى عليه. وقريب من هذا التفصيل للمالكية والحنفية والحنابلة. وقد اختلف العلماء في عقود السكران على ثلاثة مذاهب. والراجح أنه إذا كان بمحرم صحت عقوده وإلا فلا. 5 - اختلفوا في رهن الصبي المميز والسفيه. والراجح أنه إذا كان بإذن وليهما وكان مشروطا في عقد بيع أو قرص جاز، وإن كان تبرعا لا يجوز. 6 - اختلفوا في ارتهان السفيه. والراجح جوازه. 7 - اختلفوا في جواز رهن المفلس، والظاهر أنه لا يجوز مطلقا. 8 - اختلفوا في رهن المكره، والفضولي، والراجح عدم صحة رهنهما. 9 - اتفق الفقهاء على أن العين إذا كانت غير مضمونة – كمال المضاربة والشركة – فلا يجوز الرهن بها. 10 - اختلفوا في رهن العين المضمونة بنفسها على ثلاثة أقوال: ثالثها أنها إذا كانت غائبة يجوز، وإذا كانت حاضرة فلا. وهو الراجح.

11 - الراجح عدم جواز الرهن على الدين الموعود. 12 - هناك ضابط لما يجوز رهنه يمكن أن يكون متفقا عليه في الجملة وهو: أن كل ما يجوز بيعه يجوز رهنه، وذلك بأن يكون مالا، متقوما في الشرع، موجودا حال العقد، معلوما للعاقدين علما ينفي الجهالة، ويمنع التنازع، مقدورا على تسليمه وحيازته. 13 - توسع المالكية فاستثنوا من هذه القاعدة أشياء لا يجوز بيعها وأجازوا رهنها معللين ذلك بأن طبيعة عقد الرهن تختلف عن طبيعة عقد البيع، فالرهن تبرع وتوثق، وشيء في الجملة خير من لا شيء، بخلاف عقد البيع فإنه معاوضة. وشدد الحنفية فمنعوا رهن أشياء يجوز بيعها، وتوسط الشافعية والحنابلة. 14 - أجاز المالكية رهن ما فيه غرر يسير وجهالة، وإن كان لا يجوز بيعه. 15 - اتفقوا على صحة رهن الدين في غير الابتداء، وذلك بأن تؤول العين المرهونة بعد العقد إلى دين في ذمة متلفها. 16 - اختلفوا في رهن الدين في الابتداء، والراجح أنه يجوز إذا كان ممن هو عليه، لأنه يجوز بيعه منه. 17 - اختلفوا في رهن المصحف بناء على اختلافهم في بيعه. والظاهر أنه لا يجوز رهنه وإن جاز بيعه، لأنه إنما جاز البيع لأنه ضرورة لانتشاره وهذا غير موجود في الرهن. 18 - اشترط الحنفية في العين المراد رهنها أن تكون محوزة، فلا يجوز عندهم رهن الثمر بدون الشجر، ولا الشجر بدون الأرض، وخالفهم الأئمة الثلاثة فأجازوه. وهو الراجح. 19 - اشترط الحنفية في العين المراد رهنها أن تكون فارغة، فلا يجوز عندهم رهن الدار المشغولة بمتاع ما لم يخلها قبل قبضها، وخالفهم الأئمة الثلاثة فأجازوا رهنها. وهو الراجح. 20 - اشترط الحنفية في العين المراد رهنها أن تكون متميزة عما ليس بمرهون، فلم يجيزوا رهن المشاع، وخالفهم الأئمة الثلاثة فأجازوه وهو الراجح. 21 - اختلفوا في رهن المجهول – كأنه يرهنه ما في هذا الكيس – أو رهن غير المعين – كأن يرهنه أحد هذين الثوبين – والظاهر أنه إذا كان مشروطا في العقد فلا يصح إلا رهن المعلوم المعين، لأن المرتهن يترك جزءا من الثمن في مقابل الوثيقة، وكذا إذا كان متبرعا به لأن العقود إنما شرعت لتؤدي مقاصدها، ورهن المجهول أو غير المعين لا يؤدي المقصود من الرهن، ولأنه يفضي إلى النزاع. 22 - اتفقوا على جواز رهن المكيل والموزون والمعدود ولمذروع. 23 - اختلفوا في رهن المبيع قبل قبضه والراجح جوازه. 24 - الأرجح أن كيفية قبض المرهون مرجعها العرف، لعدم ورود نص من الشارع يبين كيفية القبض، وإنما الذي ورد هو القبض فقط. يقول الخطيب الشربيني: (والرجوع في حقيقته (يعني القبض) إلى العرف لعدم ما يضبطه شرعا، أو لغة، كالإجبار، والحرز في السرقة. ويقول ابن قدامة: (القبض مطلق من الشرع فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالإحراز والتفرق). 25 - اختلفوا في قبض المرتهن، أو العدل، العين المرهونة: هل هو شرط لزوم، أو صحة، أو تمام؟ والراجح أنه شرط لزوم. 26 - يشترط لصحة القبض إذن الراهن بالقبض، وبقاء أهليته وأهلية المأذون له إلى حين القبض. 27 - ذهب الجمهور إلى أن للعاقدين الاتفاق على وضع الرهن عند عدل أو عدلين وخالف في ذلك ابن حزم فمنعه. والراجح رأي الجمهور. 28 - العدل في عقد الرهن هو من رضي الراهن والمرتهن بوضع الرهن بيده ممن يقدر على البيع والإبقاء، سواء كان عدلا في الشهادة أم فاسقا، مسلما أم ذميا. 29 - ليس للعدل أن يدفع الرهن إلى أحد المتراهنين بدون إذن الآخر. 30 - ينعزل العدل بعزل المتراهنين. 31 - ليس للراهن أن ينفرد بعزل العدل مطلقا، أي سواء كانت وكالته في العقد أم بعده على الأرجح. 32 - ليس للمرتهن أن ينفرد بعزل العدل أيضا.

33 - تنتهي وكالة العدل بواحد من خمسة أمور: موت العدل، أو جنونه أو الإغماء عليه، أو موت الراهن، أو جنونه. 34 - اختلف العلماء في الاستدامة في القبض، هل هي شرط في صحة الرهن أو ليست شرطا؟ فذهب الشافعية إلى أنها ليست شرطا وخالفهم الجمهور. والراجح رأي الشافعية. 35 - اختلف العلماء فيما إذا تلف الرهن عند المرتهن من غير تعد ولا تقصير هل يضمن أو لا يضمن – على ثلاثة أقوال: أحدها: يضمن مطلقا. الثاني: يضمن إن كان هلاكه مما يخفى على الناس. الثالث: لا يضمن مطلقا. وهو الراجح. 36 - الذين قالوا بضمان المرهون على المرتهن اختلفوا فيما يضمن به على ثلاثة أقوال: أحدها: يضمن بالأقل من قيمته ومن الدين. ثانيها: يضمن بمقدار الدين قل أو كثر. ثالثها: يضمن بقيمته. 37 - اتفق الفقهاء على أن مؤونة المرهون على الراهن، إلا أن الحنفية استثنوا بعض وجوه الإنفاق مما يحتاج إليه لحفظ الرهن – مثل أجرة المسكن – أو لرده – مثل أجرة رد الآبق – أو لرد جزء منه، فجعلوها على المرتهن، والجمهور على خلافهم وهو الراجح. 38 - الأصح أنه يجوز للراهن أن يستوفي منافع رهنه، سواء أذن له المرتهن أم لم يأذن – لكن بشرط أن لا يضر بالمرتهن. 39 - خروج الرهن من يد المرتهن إلى الراهن توسع فيه الشافعية وشدد فيه المالكية، وتوسط الحنفية والحنابلة. فالشافعية يجيزونه ولا يترتب عليه أي أثر على عقد الرهن. والمالكية يبطلون به عقد الرهن. أما الحنفية فيترتب عندهم على خروج الرهن من يد المرتهن إلى الراهن خروجه من ضمان المرتهن فإذا عاد عاد الضمان. 40 - اتفق العلماء على أنه إذا لم يأذن الراهن للمرتهن بالانتفاع ولم يكن الرهن مما يركب، أو يحلب، أو يستخدم فليس له ذلك. واختلفوا في حالتين: الأولى: إذا لم يأذن الراهن بالانتفاع، وكان الرهن مما يركب أو يحلب أو يستخدم. اختلفوا في الحالة الأولى على أربعة أقوال، والراجح منها أن للمرتهن أن ينتفع بالمرهون ركوبا، أو حلبا، أو استخداما بقدر النفقة، إذا امتنع الراهن من الإنفاق فأنفق عليه. واختلفوا في الثانية – أيضا – والراجح أن الانتفاع – بدون مقابل – جائز إذا خلا عقد الرهن عن اشتراطه حقيقة، أو ضمان، ثم لم يكن من المرتهن بعد عقد الرهن أية مضايقة للراهن، أو إلجاء له، فإن وجد شيء من ذلك، فهو سحت لا مراء فيه. وأما الانتفاع بعوض فيجوز أيضا، شريطة أن تكون المدة والعوض معلومين وأن لا تكون هناك محاباة، فإن جهلت المدة، أو العوض لم يجز الانتفاع لأنه يؤدي إلى المنازعة، وإن وجدت محاباة فحكمها حكم الإذن مجانا. 41 - الأرجح أن تصرف الراهن – في الرهن قبل القبض – تصرفا ينشئ حقا لازما ينفذ ويبطل به الرهن، خلافا للمالكية. 42 - الراجح أنه يجوز للراهن أن يتصرف بالرهن بعد القبض تصرفا لا ينشئ حقا، ولا يؤدي إلى ضرر بالمرتهن. 43 - عقد الرهن وثيقة لدين في عين الرهن، تمنع الراهن من كل ما يقدح فيها، فهو ممنوع من كل تصرف قولي، يزيل الملك – كالبيع والهبة – أو يزاحم حقه – كالرهن من غيره – أو ينقص – كالتزويج – أو يقلل الرغبة فيه – كالإجارة التي لا تنقضي مدتها قبل حلول الدين، لأن الوثيقة إنما تحصل بالحجر على الراهن، وقطع سلطة كانت له ليتحرك للأداء. 44 - يجوز للراهن أن يبيع الرهن بإذن المرتهن قبل حلول أجل الدين اتفاقا، لكنهم اختلفوا هل يكون الثمن رهنا بدل العين، أو يبطل الرهن ويبقى الدين بلا وثيقة، أو يعجل الدين، إلا إذا اشترط كون الثمن بدلا عن الرهن؟ أقوال. 45 - اختلفوا في جواز الزيادة في الدين ليكون الرهن رهنا بالدينين والأصح جوازه. 46 - الجمهور على جواز الزيادة في الرهن، وخالف في ذلك زفر. والراجح قول الجمهور.

47 - أجاز الإمام مالك رهن الفضلة من قيمة الرهن، ومنعته المذاهب الثلاثة والراجح جوازه. 48 - اختلفوا في نماء الرهن المنفصل، هل يكون داخلا في الرهن فيأخذ حكمه، أولا؟ على خمسة أقوال. والراجح أن جميع نماء الرهن المنفصل وزوائده لا تدخل في الرهن، فلا تباع في الدين مع العين، بل تسلم للراهن. 49 - الراجح أن الدابة إذا كانت مع شخص مكلف، وأتلفت شيئا فإنه يضمن مطلقا، أي سواء مالكا، أم مستعيرا، أم مودعا، أم مرتهنا، وسواء وطأته برجلها، أم صدمته، أم خبطته برأسها، أم كدمته بفمها. 50 - الراجح أن ما تتلفه البهائم نهارا فلا ضمان على من هي تحت يده وإن أتلفت ليلا ضمن، خلافا للحنفية. 51 - إذا أتلف الراهن المرهون فإنه يضمنه، ويكون الضمان رهنا بدله. 52 - إذا اتحد العقد والعاقد فإن المرهون لا ينفك منه شيء بسداد بعض الدين، بل يظل مرهونا ما دام هناك شيء من الدين وإن كان يسيرا. 53 - مما ينفك به الرهن: البراءة من الدين، أو الإقالة، أو فسخ عقد الرهن أو الإبراء من الدين. 54 - إذا أراد الراهن قضاء الدين، فإنه يقضي الدين أولا، ثم يسلم المرتهن الرهن له. 55 - يجب على الراهن وفاء الدين عند حلول أجل الدين من الرهن أو من غيره. 56 - يجوز للحاكم أن يبيع الرهن أو غير الرهن من ملك الراهن، إذا كان الراهن غائبا أو ممتنعا عن البيع والوفاء، وللحاكم أن يفعل ما فيه المصلحة للطرفين. 57 - الذي يستحق بيع الرهن – عند حلول الأجل وعدم الوفاء – هو الراهن أو وكيله، لكن لابد من إذن المرتهن، لما له فيه من حق. 58 - للحاكم أن يبيع الرهن في حالتين: إذا امتنع الراهن عن البيع أو كان غائبا. 59 - إذا امتنع الراهن من البيع والوفاء، أجبره الحاكم، فإن امتنع عزره، فإن أصر باع عليه. 60 - بيع الوفاء هو أن يقول البائع للمشتري: بعت منك هذه العين لدين لك عليّ على أني متى قضيت الدين عاد المبيع لي. 61 - اختلف العلماء في تكييف (بيع الوفاء) الفقهي على أقوال كثيرة بلغت عند الحنفية – وحدهم – ثمانية أقوال خرجوا في بعضها عن مفهوم بيع الوفاء. والراجح: إنه إذا كان العاقدان يقصدان بهذا العقد الرهن، فإنه يكون رهنا صحيحا، لأنه – كما هو الراجح – ليس للرهن صيغة معينة لا يجوز تجاوزها، بل إن العقد يصح متى تم بصيغة مفهوم المعنى المراد منها، بغض النظر عن كون الصيغة بلفظ الرهن أو ما اشتق منه، أو بلفظ غيره. هذا من ناحية الصيغة. ومن الناحية العملية لهذا العقد، فإنه رهن اشترط فيه الانتفاع، ويأتي فيه خلاف العلماء في اشتراط الانتفاع، وإذا قد رجحنا أنه محرم، وباطل، كما رجحنا أنه لا يؤثر على العقد – فإن شرط الانتفاع الموجود ضمنا هنا ملغي ويكون حكمه حكم الرهن. 62 - الراجح أن الرهن الرسمي كما هو عند القانونيين غير جائز عندنا لما فيه من إباحة التصرف للراهن بما ينقل الملكية مما يضعف الوثيقة وأن ما تيسر عليه المصارف المتخصصة – في المملكة العربية السعودية وهي مصارف التنمية – من الاكتفاء بالتهميش على الصك عن القبض الحسي، ومنع الراهن من التصرفات التي تزيل الملك أو تنقصه جائز شرعا.

الزواج بنية الطلاق

الزواج بنية الطلاق ¤صالح آل منصور£بدون¥دار الكتاب والسنة - باكستان¨الأولى¢1415هـ€فقه¶نكاح - طلاق وخلع وفسخ ونشوز الخاتمة ولعل القارئ المنصف بعد هذه الجولة القصيرة تبين له أن الحق – والله أعلم – بجانب من رأى تحريم هذا النكاح وبطلانه لما قدمنا، وذلك: أولاً: أن الأصل في الإيضاح التحريم، وذلك بإجماع العلماء، فإذا كان الأمر كذلك؛ فإنها لا تستباح؛ إلا بما دل الدليل على حلها، وأين الدليل على إباحة الزواج بينه الطلاق؟! وكون هذا النكاح قد توفرت فيه الشروط والأركان؛ فهذا يجعله نكاحاً صحيحاً في الظاهر أمام الناس، يترتب عليه أحكام النكاح الصحيح، ولكن لا يلزم من كونه صحيحاً ظاهراً أن يكون مشروعاً حلالاً فيما بينه وبين الله؛ فمثل هذا النكاح لا يحبه الله ولا يرضاه – والله أعلم -؛ لمنافاته مقاصد الشريعة في النكاح، ولما فيه من الغش والخداع، ولما فيه من المفاسد العظيمة. ثانياً: في الشريعة فرق كبير وبون شاسع كما بين السماء والأرض والثرى والثريا بين النكاح بنية الدوام والنكاح بنية الطلاق؛ فالزواج بنية الدوام هو الأصل في مشروعية النكاح، وهو الذي فطر عليه البشر، وهو الذي يوافق مقاصد الشريعة، ولو ظن هذا المتزوج أن النكاح قد لا يستمر مع هذه الزوجة؛ لما أقدم عليه، ولبحث له عن أخرى يستمر معها. أما الزواج بنية الطلاق؛ فهو دخل معها من أول لحظة من لحظات بدء العقد على أنه لا يستمر معها، بل لا يريد ذلك ولا يرضى به، وربما يعمل الأسباب التي تمنع استمراره، وكون هذه النية قد تتغير لا تسوغ لنا القول بجواز مثل هذا النكاح، وإلا؛ لقلنا بجواز نكاح المحلل ونكاح المتعة؛ بحجة أن النية قد تتغير، والأحكام إنما تبنى على الظن الغالب. وقد علمنا الشارع أن اختلاف النية لها أعظم الأثر في بناء الأحكام الشرعية، وإن كانت صورة العمل واحدة. روى عمر بن الخطاب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". رابعاً: يكفي في قبح هذا الزواج والقول بتحريمه أنه غش وخديعة وظلم للمرأة وأوليائها، وقد حرم الله الخداع والغش والظلم. وإلى القارئ الكريم بعض ما ظهر لي من مفاسد هذا النكاح: 1 - أنه ذريعة إلى ترك الزواج الحقيقي الذي يراد به الدوام، حيث إن هذا ليس كالزواج بنية الدوام؛ فليس فيه التزامات ولا أعباء الزواج الحقيقي، والكثير من الشباب أو الرجال يريدون الحرية البهيمية وعدم التقيد بمسؤولية زوجية، يتزوج من شاء، فيقيم معها أو معهن فترة، ثم يطلق وينتقل إلى أخرى في أي بلد وفي أي مكان ... وهكذا. 2 - إنه ظلم للمرأة وعدوان وغش وخيانة لا يرضاه المتزوج بهذا الزواج لابنته ولا لموليته؛ فكيف يرضاه لغيره؟! 3 - ضياع الأولاد. أ- ربما ضاع الأولاد لعدم قدرة والدهم على أخذهم إلى بلده؛ لوجود بعض القوانين أو الأنظمة التي تمنع أخذهم أو إدخالهم إلى بلاده، أو لعدم القدرة على تربيتهم. ب- ربما أنكر بعض الآباء هؤلاء الأولاد أو أبغضهم، حيث إنهم وجدوا عن غير رغبة من أبيهم، ووجدوا من هذه الزوجة التي لا يريد البقاء معها. 4 - أنه ذريعة لاختلاف الأنساب وضياعها، وذلك ينتج عن كثرة الزواج بهذه الفتيات؛ فمثل هذا الزواج لسهولته؛ لا يكون فيه تقيد بأحكام الشرع. 5 - فتح هذا الباب يجعل كثيراً من النساء عاطلات من الأزواج، حيث وقعن في شرك مثل هؤلاء الأزواج، فسرحوهن سراحاً غير جميل؛ فهذا يشكل خطراً ويهددهن بالوقوع في الفاحشة والسقوط. 6 - زواج المرأة من عدة رجال يبيتون لها مثل هذه النية يهون عليها الوقوع في فاحشة الزنى كما قد يهون ذلك على الرجال.

7 - إباحة مثل هذا الزواج تشويه للإسلام وتنفير للناس منه، ونشأ عن ذلك أن ارتد كثير من المسلمات حديثات العهد بالإسلام أو المغتربات المسلمات اللاتي وجدن في بلاد الغرب، حيث تزوجهن بعض الشباب، وطلقوهن. 8 - إن كثيراً من هؤلاء المتزوجين بنية الطلاق لا يحرصون، وربما لا يفكرون في اختيار الزوجة الصالحة، وربما لا يهمه صلاحها ولا أسرتها ولا أصلها ولا شيء من الاعتبارات الأخرى التي تهم المتزوج بنية الدوام. 9 - مثل هذا الزواج قد يعطل كثيراً من النساء الشريفات عن الزواج، ذلك أن الرجل قد لا يقدم على تزوجهن وهو يريد الطلاق؛ لما يترتب على ذلك من تكاليف أو مسؤوليات اجتماعية أو مشاكل أسرية، فيتركهن، ويذهب إلى غيرهن أقل مستوى منهن في نظره، حتى يسلم من التبعة. 10 - إذا كان عنده ثلاث زوجات، فتزوج الرابعة بنية الطلاق، ثم طلقها؛ فقد يتزوج أخرى ومطلقته لم تزل في عدتها، ثم يطلقها ويتزوج أخرى ومطلقته الثانية لم تزل في عدتها، وربما تزوج ثالثة ورابعة وخامسة وأكثر من ذلك والمطلقات السابقات لا يزلن في عدتهن منه، وربما أنجبن أولاداً من هذا الوطء، وقد ذكرنا لك فيما سبق قصة الشاب الذي تزوج تسعين امرأة في فترة قصيرة. إلى غير ذلك من المساوئ والمفاسد التي لا تليق ولا تقرها العقول السليمة فضلاً عن شرع الله الحكيم. ولعلنا نخلص إلى خاتمة القول بأن النكاح بنية الطلاق حرام حسب ما ظهر لي من أدلة الشرع ومقاصده، والله أعلم، وأنه يتعارض مع مقاصد الشريعة في النكاح، وأنه غش وخديعة وظلم للمرأة وأوليائها، وأنه لا فرق بينه وبين نكاح المتعة ونكاح التحليل في التحريم؛ لتساويهما في نية عدم دوام النكاح واستمراره، وذلك يصادم مقاصد الشريعة في مشروعية النكاح، غاية ما في الأمر أن نكاح المتعة والتحليل وجد فيه التصريح بالنية، والنكاح بنية الطلاق لم يصرح فيه الزوج بنيته، بل خدع المرأة وأوليائها، وقد عزم على هذه النية، ووجدت الأسباب التي تؤيد هذه النية؛ كعدم استطاعته إخراجها من بلدها وإدخالها بلده، أو وجود بعض الفوارق الاجتماعية والموانع الأخلاقية، أو غير ذلك، بل ربما حرص على إيجاد الأسباب التي تجعل الزواج لا يستمر؛ كأسباب عدم الإنجاب وعدم إحسان العشرة وغير ذلك. لذا؛ فإنا نقول: إن نكاح المتعة باطل ظاهراً وباطناً، والنكاح بنية الطلاق صحيح في الظاهر؛ فنجري عليه الأحكام الشرعية حسب ما ظهر لنا من ثبوت نسب الأولاد ووجود النفقة والتوارث بينهما وغير ذلك من أحكام الزوجية. أما فيما بينه وبين الله تعالى؛ فالنكاح باطل، وإنما الأعمال بالنيات. وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم جعل نكاح الرجل الذي تزوج امرأة وهو ينوي أن لا يعطيها صداقها وربما يريد بزواجه الاستمرار معها، إذا كان الرسول جعل وطأه لها زنى يلقى الله يوم يلقاه وهو زان؛ فما تقول بالرجل الذي تزوج امرأة يظهر لها انه سيستمر معها وأنها تكون زوجته التي تشاركه الحياة ويبني بها بيته وسكنه وينجب منها الأولاد؛ فتنخدع له، وتعطيه أعز ما تملك، وهي بكارتها وجوهرتها الثمينة الغالية التي هي مطمع الرجال وفخر الفتيات وعزهن، فيدخل بها على هذه النية الباطلة، ثم لا يلبث أن يقسم ظهرها بالطلاق؛ أليس هذا أولى بالحكم عليه بالزنى ممن تزوج امرأة وهو ينوي أن لا يعطيها صادقها؟

وقد قال الشيخ رشيد رضا في "تفسيره": "هذا، وإن تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة يقتضي منع النكاح بنية الطلاق، وإن كان الفقهاء يقولون: إن عقد النكاح يكون صحيحاً إذا نوى الزوج التوقيت ولم يشترطه في صيغة العقد، ولكن كتمانه إياه يعد خداعاً وغشاً، وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت الذي يكون بالتراضي بين الزوج والمرأة ووليها، ولا يكون منه من المفسدة إلا العبث بهذه الرابطة العظيمة التي هي أعظم الروابط البشرية وإيثار التنقل في مراتع الشهوات بين الذواقين والذواقات وما يترتب على ذلك من المنكرات، وما لا يشترط فيه ذلك؛ يكون اشتماله على ذلك غشاً وخداعاً تترتب عليه مفاسد أخرى من العداوة والبغضاء، وذهاب الثقة حتى بالصادقين الذين يريدون بالزواج حقيقته، وهو إحصان كل من الزوجين للآخر، وإخلاصه له، وتعاونهما على تأسيس بيت صالح من بيوت الأمة" انتهى. وفي الختام؛ فإني أوصي كل من وقع في مثل هذا النكاح أن يتقي الله تعالى، ويحذر مثل هذا الزواج، ويقصد في زواجه الدوام والاستمرار، حتى يكون زواجه موافقاً لمقاصد شرع الله في النكاح، ويحذر الغش والخداع والظلم؛ فهل يرضى مثل هذا الزواج لابنته أو أخته أو موليته؟ كلا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". هذا؛ وإني أناشد الله كل طالب علم لا يرى ما أراه في هذا النكاح: أن لا يتعجل في إبداء رأيه؛ لئلا يحصل ما لا تحمد عقباه، وأن يكون موقفه موقف عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – من طلاق الثلاث بكلمة واحدة، حينما أمضاه عليهم، مع أن الأدلة الصريحة الصحيحة تخالف ما ذهب إليه؛ لما رأى من حصول المفسدة بتساهل الناس في الطلاق وتتابعهم عليه. ولا يخفى على طالب العلم أنه ليس كل ما كان مشروعاً في حال يكون مشروعاً في كل حال؛ فهذا حد السرقة أوقفه عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – عام المجاعة، كما أوقف تغريب الزاني البكر دفعاً للمفسدة، وأوقف سهم المؤلفة قلوبهم لعدم الحاجة إلى التأليف؛ لظهور المسلمين وقوتهم، وضعف مخالفيهم، وغير خاف على أحد ما جره، ويجره الزواج بنية الطلاق من المفاسد في هذا العصر، ولعل شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – لو رأى مثل هذه المفاسد التي حصلت، أو تحصل بالزواج بنية الطلاق؛ لرأى مثل ما رأيت؛ كما هو معلوم من أصوله وتقعيداته التي يبنى عليها كثيراً من الأحكام التي هي شبيهة بهذا – والله أعلم -. هذا ما ظهر لي في هذه المسألة، فإن كان صواباً؛ فمن الله، والحمد لله على التوفيق، وإن كان غير ذلك؛ فمن نفسي والشيطان، وشرع الله بريء من ذلك، والعصمة لمن عصمه الله تعالى. اللهم! يا حي! يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا رحمن! يا رحيم! يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعال لما يريد! أسألك بعزك الذي لا يرام، وبملكك الذي لا يضام، وبنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، أسألك أن تعلمني ما ينفعني، وتنفعني بما علمتني، وتجعل هذا العمل خالصا لوجهك الكريم، وتنفع به عبادك المسلمين، وأعوذ بك أن أقول عليك أو على رسولك أو على أحد من خلقك ما لا يرضيك؛ إنك سميع قريب مجيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد

الزواج بنية الطلاق حقيقته وحكمه وآثاره

الزواج بنية الطلاق حقيقته وحكمه وآثاره ¤أحمد بن موسى السهلي£بدون¥مكتبة دار البيان الحديثة - الطائف¨الأولى¢1422هـ€فقه¶نكاح - طلاق وخلع وفسخ ونشوز الخاتمة: لقد أرسلنا أشعة البيان على قضية "الزواج بنية الطلاق" وعرضنا في هذا البحث الآثار المدمرة التي تتمخض عن القول بجوازه، ودفعنا الرأي هذا ببراهين بينة لا تدفع، مكشوفة لم تتقنع. مشكاة التنزيل معتمدها، وهدي النبوة مصدرها، وآراء الأئمة تدعمها، ومقاصد الشرع تصدقها. ثم وضحنا ما آلت إليه فتوى الجواز من تذرع المترخصين بواسطتها إلى الاستمتاع الحرام، وانتهاك الأبضاع بدون ملام، وقد هز هؤلاء أركان الأسرة هزا عنيفاً ووأدوا في مستنقع الخديعة مقاصد نكاح الرغبة، الذي ارتضاه الله سبحانه لنا شرعاً ورتب عليه أحكاماً، واختار بناء الأسرة على هذا الأساس تحقيقاً للتكاثر، وتلخصت النقاط التي نتجت عن هذا البحث يما يلي: أولا: إن الزواج بنية الطلاق – هو نكاح المتعة ذاته، بل هو أسوأ منه من عدة نواحي. أما اعتباره نكاح متعة فلأن هذا النكاح الذي رخص فيه في أول الإسلام للضرورة مداره وعمدته توقيت النكاح، ثم حرمه الله تعالى إلى يوم القيامة، وسد هذا الباب ولا فرق بين التصريح بالتوقيت أو نيته من قبل الزوج، الذي بيده عقدة النكاح، ولذلك أطلق عليه أئمة متقدمون ومتأخرون بأنه نكاح متعة، وعابوه ونشروا مساوئه، وأعلنوا أضراره وتعدد مفاسده. وأما كونه أسوأ من نكاح المتعة، فلأنه بالإضافة إلى نية التوقيت فيه فقد دخله الغش والتدليس على المرأة وأسرتها، ونبذ مقاصد النكاح، وطرح تلك الأهداف السامية التي أراد الله تعالى تحقيقها عبر هذا الزواج الشرعي. ثانيا: تبين أن الإمام أحمد نص على أن هذا النكاح نكاح متعة وعليه جرى أصحابه كما أوضحنا ذلك، باستثناء الموفق أبي محمد صاحب المغني، وقد ناقشنا رأيه في موضعه، وقد قال في الإنصاف [الزركشي على مختصر الرخفي 5/ 229] بأن الأصحاب على خلافه. نعم للإمام أحمد نص في المسألة بأن الزواج بنية الطلاق شبيه بالمتعة. وهذا أيضاً يقتضي بطلانه وتحريمه. فقد قال الزركشي [الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 8/ 160 - 161]: "لأنه شبيه بالمتعة، والشبيه بالشيء يعطي حكمه، بيان الشبه أنه ألزم نفسه فراقها في وقت بعينه، والمتعة النكاح فيها يزول في وقت بعينه" اهـ. ثالثا: تبين أن شيخ الإسلام ابن تيمية في اختياراته جزم بتحريم هذا الضرب من النكاح وسوى بينه وبين نكاح التحليل، وفرع على هذا الأساس، وتعجب من جزم أبي محمد بصحته، وأما رأيه الأول الذي قال فيه بأن هذا العقد دائر بين الكراهة والتحريم فقد كان في حكمه متردداً غير جازم، وتابعاً فيه فيما يبدو لأبي محمد، ثم استبان له الأمر فجزم بحرمته. وقال الشيخ صالح اللحيدان [مقدمة الزواج بينة الطلاق ص 15]: "وكون شيخ الإسلام له رأيان في المسألة: رأي يؤيد صحة هذا النكاح، وآخر يبطله؛ يحملنا على أن نقول: الجدير بشيخ الإسلام أن يكون رأيه الخاص بإباحة هذا النكاح كان في أول أمره تبعاً للموفق، ومن كان على هذا القول، ثم استبان له الرأي بعد اتساع دائرة علمه، وإحاطته بالسنة ومقاصد الشريعة، وتعمقه في الغوص على مدلولات النصوص، وحكمة التشريع فصار إلى خلاف الرأي الأول، ولاشك أن كل إنسان يؤخذ من قوله ما وافق الدليل، ويستغني عما خالف الدليل بالدليل نفسه، أو ما فهم منه والواجب الأخذ بما اتفق مع حكمة التشريع، وانسجم مع أدلة الكتاب والسنة" اهـ. رابعاً: عرضنا قول أهل العلم أن علة تحريم المتعة هو التوقيت، وهو ينطبق على مسألتنا، وبناء على ذلك فإن أدلة تحريم المتعة تتناول "الزواج بنية الطلاق" لوجود التوقيت المنوي.

ولذلك عرضنا لأطوار تحريم نكاح المتعة في السنة، إذا عرضنا أحاديث المتعة التي تحكي الترخيص فيها والتحريم، وبعد تمحيصها والنظر في أسانيدها ومعرفة مراتبها من حيث القوة والضعف تبين لنا أنه لم يصح فيها إلا الترخيص فيها قبل غزوة خيبر، ثم تحريمها فيها، ثم الترخيص فيها ثانية في فتح مكة ثم لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة حتى نادى بتحريمها إلى يوم القيامة، وسد هذا الباب وما سوى ذلك من المواطن التي تحكي الترخيص فيها أو غيره فأحاديثه معلة لم تثبت كما فصلنا الكلام على ذلك في محله، اللهم إلا تحريمها في عام أوطاس فإنه ثابت ولكن مرجعه إلى تحريمها بمكة لأن الغزوتين متقاربتان زمناً، فأوطاس بعد الفتح بيسير، في عام واحد، فلا فرق بين أن ينسب التحريم إلى أيهما. خامساً: أثبتنا من أقوال أهل اللغة، وحملة الشريعة الذين أراد الله تعالى بهم خيرا ففقهم في الدين – أثبتنا أن النكاح المؤقت يطلق عليه شرعا ولغة بأنه نكاح متعة، وأن علة النهي عن نكاح المتعة هي التوقيت الذي يلغي كافة المقاصد الشرعية من القصد بالنكاح. سادسا: أوضحنا أن هذه المسألة داخلة في قواعد فقهية، وكلها يؤخذ منها منع هذا الزواج وتحريمه، كقاعدة "إذا اجتمع الحلال والحرام غلب جانب الحرام" والقاعدة الحديثية "لا ضرر ولا ضرار" وغيرهما كالأصل في الأبضاع التحريم. سابعاً: بينا انحراف الناس في هذه المسألة إذا ترخصوا في "الزواج بنية الطلاق" على النحو الذي لم يقل به المبيحون، فإن من أباح هذا الزواج أو رخص فيه فإنما رخص فيه لمن كان في سفر وليس معه زوجة تعفه، وخشي على نفسه الفتنة ولكن هؤلاء المترخصين فيها لم يأخذوا بأي قيد من قيودها، وكل الذي فهموه وطبقوه أن هذا النكاح جائز، فترى أحدهم يشد الرحال كلما عنَّ له أن يرحل من أجل المتعة، وهذا لم يقل به أحد من أهل العلم، بل مارسه بعضهم في نفس المدينة التي يسكنها وله زوجة أو زوجتان وإنما الغرض المتعة!! ثامناً: ناقشنا آراء الذين رخصوا فيها مناقشة علمية توصلنا فيها إلى رد هذه الفتوى، وسد الطريق على أولئك الذين يحملون كلام أهل العلم ما لم يحتمل، ويخرجون في التطبيق بشيء محرم عند أهل العلم جميعاً. يقول العلامة "ابن عثيمين" [فتاوى المرأة لابن عثيمين ص 48 - 49]: "ولأنني سمعت أن بعض الناس اتخذ من هذا القول ذريعة إلى أمر لا يقول به أحد، وهو أنهم يذهبون إلى البلاد للزواج فقط، يذهبون إلى هذه البلاد ليتزوجوا، ثم يبقوا مع هذه الزوجة ما شاء الله التي نوى أن زواجه منها مؤقت ثم يرجع، فهذا أيضاً محظور عظيم، في هذه المسألة فيكون سد الباب فيها أولى لما فيها من الغش والخداع والتغرير، ولأنها تفتح مثل هذا الباب، لأن الناس جهال، وأكثر الناس لا يمنعهم الهوى من تعدي محارم الله" أهـ. تاسعاً: عرضنا بعض الصور التي تحدث بها الثقات عن الآثار المفزعة التي تمخضت عن القول بحل "الزواج المؤقت" وما نجم عن ذلك من مآسي يندى لها جبين أولي المروءة والحياء، حتى وصل الأمر إلى أن بعض من أسلمن وتزوجن ممن نوى الطلاق وطلقن وامتطين مراكب الضياع هن وأولادهن؛ وصل بهن الأمر إلى الارتداد والخروج عن ملة الإسلام بعد أن اعتنقنه رغبة فيه، وفيما يدعو إليه من مكارم الأخلاق!. وما ذلك إلا بسبب أولئك المدلسين المخادعين، الذين استحلوا الفروج بكلمة الله تعالى، وما وفوا بمقتضى العقد، ولا أحسنوا الصحبة، ولا عاشروهن بالمعروف، بل ربما جعلوا الدعوة إلى الله وسيلة لإيقاعهن في حبائلهم.

عاشراً: استغل أصحاب الهوى والشهوات فتوى بقية السلف وفخر الخلف "ابن باز" فأثبتنا نص الفتوى، وعلقنا عليها، وهي واضحة بقيودها، وأنها تمثل الضرورة الشرعية، ولو علم – رحمه الله تعالى – بما فعله الناس لرجع عن هذه الفتوى لما فيها من إساءة للإسلام؛ فقد ارتد كثير في ديار الغرب عن الإسلام بسبب الزواج بنية الطلاق، مع كونها أصبحت متعة ظاهرة في حق من يسافر من أجل هذا الزواج. حادي عشر: كررت بعض الأدلة والنصوص والنقولات بحسب مناسباتها للحاجة إليها، والتكرار للحاجة وعند اللزوم من منهج القرآن كما هو معلوم من تكرار بعض القصص لمناسباتها، فلا ضير علينا أن كررنا بعض النقولات للحاجة. وأخيراً خصصنا آخر البحث لمناقشة علمية لأهم ما حوته رسالة مجيز معاصر لهذا الضرب من النكاح، واعتمدنا في مناقشة استدلالاته على المصدرين النيرين كتاب الله الفرقان، وسنة رسوله المأمور بالبيان صلى الله عليه وسلم، وما فهمه علماؤنا الأوائل والمعاصرون من المقاصد الشرعية. ثم إني على يقين بأن كل من نسب إليه الجواز، وصح ذلك عنه لو رأى هذه المآسي المخزية التي ولدها ممارسة هذا النكاح المؤقت، وما جره من ويلات، ومنافاة لمكارم الأخلاق، ودفن للمقاصد الشرعية، وما خلفه من تأيم للفتيات، وإهدار للحقوق، وضياع لمستقبل المطلقات، وتعد على أولياء أمورهن بالغش المتعمد؛ أنا على يقين بأنهم سيجزمون بتحريمه وبطلانه سداً للذريعة. لاسيما ونحن في عصر تكالبت فيه قوى الشر على الإسلام والمسلمين، وهم يحاولون بكل وسيلة النيل من تعاليم الإسلام العليا، وإلصاق التهم بديننا الحنيف، لاسيما فيما يتعلق بنظام بناء الأسرة، الذي ظل شامخاً طيلة أربعة عشر قرناً وسيظل بمشيئة الله تعالى. وعندما يجدون تلك الصور التي عرضنا نموذجاً منها، مثل إنسان يتزوج بتسعين امرأة بنية الطلاق، ويطلقهن كلهن، ثم يؤوب إلى بلاده، وآخر ينجب ويطلق، ويترك أولاده في مهام الأحزان وعواصف الضياع، لا رعاية ولا نفقة، ولا توجيه، ولا سؤال عنهم، مع أن ديننا الحنيف يقول: ((كفى بالمرء أثماً أن يضيع من يقوت)) رواه أبو داود، ولمسلم: ((كفى إثما أن تحبس عمن تملك قوته)). لا شك أن أعداء الإسلام حينما يرون هذه الصور القائمة التي لا تمثل تعاليم الدين تترآى في ديارهم يملؤون بذكرها مسامع الدنيا، ويقولون لأولئك الأغمار هذا هو دين الإسلام، وكفى خزياً وعاراً على هؤلاء المتمتعين أن بعض من دخلن في الإسلام ثم تزوجن على هذا النحو، وطلق الأزواج واختفوا – ارتددن عن الدين – وعزفن عن تعاليم تشرع مثل هذا الظلم، ولا تقيم لحقوق المرأة وزناً بحسب ما بدا لهن. فالله المستعان: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أحمد بن موسى السهلي. الطائف

الزينة مفهومها وأحكامها الدنيوية في القرآن

الزينة مفهومها وأحكامها الدنيوية في القرآن ¤وفاء محمد عزت الشريف£بدون¥دار عمار¨الأولى¢1423هـ€فقه¶لباس وزينة - أعمال شاملة الخاتمة في هذه الرسالة تناولت موضوع (الزينة ومفهومها وأحكامها الدنيوية في القرآن الكريم) التي قسمتها إلى ستة أبواب، خصصت الباب الأول في (الزينة ومعانيها) فجعلته في فصلين وكل فصل في ثلاثة مباحث. الفصل الأول منها: في توضيح معناها في اللغة العربية، ثم في القرآن الكريم فاستخرجت الآيات الخاصة بكلمة (زين) ووجدت أنها ما يقارب ستاً وأربعين آية، ثم معناها في السنة النبوية الشريفة من خلال استخراج بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي تتعلق بالزينة. ثم في الفصل الثاني فسرت الآيات التي وردت في موضوع الزينة من تفاسير عدة، فوجدت اختلاف أنواعها من خلال التفاسير، وبينت أنواعها من خلال الآيات، وبعدها أدرجت الخلاصة مما يؤخذ من أقوال المفسرين. فمن الزينة ما يختص بالكون مثل السماء والأرض والبحر والجبال، ومنها ما يختص بالمخلوقات كزينة الإنسان وزينة الحيوان والنبات، ووجدت أن الزينة مكملة بعضها بعضاً، فزينة الإنسان مستمدة من النبات والحيوان، وزينة الأرض من النبات والجبال والأنهار. وأما في الباب الثاني فعنونته (أنواع الزينة)، وفيه تمهيد وفصلان، الفصل الأول فيه ثلاثة مباحث، وجدت أن الزينة، منها الظاهرة ومنها الباطنة، فمن الزينة الظاهرة العين، ومن الزينة الباطنة القلب، وفرقت بين قلب المؤمن وقلب الكافر، ومن ثم أوضحت الزينة الباطنة الظاهرة منها زينة العقل واللسان. وفي الفصل الثاني بينت صور الزينة في ستة مباحث: منها: زينة السماء، فمن زينة السماء الشمس والقمر والنجوم والكواكب، التي جعلها الله زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وهداية يهتدي بها الساري في الليالي المظلمة، أما زينة الأرض ففي زرعها وخضرتها في جبالها وقممها، وفي أنهارها وجداولها، في كل ما على الأرض زينة أوجدها الله لا يلحظها إلا من آمن بالله حق الإيمان وتفكر في آلائه ومخلوقاته، وفي البحر زينة في زرقتها وفي السفن التي تجري عليها، وفي ما يستخرج منها وغيرها من البحر. وللحيوان زينة جمال في اقتنائها وفي أصوافها وأوبارها وفي حلها وترحالها، وللنبات زينة في نبتها وحركة ورقتها وتنوع ألوانها وأزهارها وأريجها. وللإنسان زينة في كل ما خلق الله وأبدع من تشكيل وتقويم جسده، وجعله خير مخلوقات الأرض قاطبة، وكلها مكملة بعضها البعض. فاستخلصت أن الزينة شاملة لكل شيء في هذا الكون، فما من شيء إلا وله زينة في خلقه، وفي إبداعه، وفي تناسقه، وكلها تدل على خالقها وبارئها ومصورها، الذي أحسن كل شيء خلقه. أما الباب الثالث فعنوانه (زينة الإنسان) فقد قسمته إلى ثلاثة فصول: الفصل الأول فيه خمسة مباحث وهذا الفصل خصصته بزينة الإنسان، استنتجت من خلال هذا الفصل أن الزينة لها غايات عدة منها ستر العورة والزينة والطاعة والعبادة عن طريق إظهار نعمة الله على الإنسان، وأن الزينة نشأت مع الإنسان منذ خلق مع سيدنا آدم، وأن الإنسان مأمور بها في كل وقت وكل حين وكل مكان، فزينة الحج تختلف عن زينة العيد وعن زينة الجمعة، وزينة الرجل تختلف عن زينة المرأة، وزينة الخلق تختلف عن زينة التخلق، ووجدت أن العورة جزء من الزينة لا يتجزأ عنه لأنها الأساس في اللباس ومن ثم الزينة التي يقصد بها طاعة الله وعدم عصيانه.

والباب الرابع جعلته (لأحكام الزينة) الخاصة بالإنسان وجعلته ثلاثة فصول، الفصل الأول قسمان: الزينة الباطنة والزينة الظاهرة للإنسان، ثم أحكام الزينة فوجدت أن للزينة أحكاماً مختلفة منها ما هو مفروض من الكتاب والسنة النبوية الشريفة، ومنها ما هو واجب ومنها ما هو مباح التزين به، ومنها ما هو مكروه أو محرم يجب الابتعاد عنه، حتى لا يؤدي التزين به إلى معصية الله، ولكل حكم منها ما يؤكده من الآيات القرآنية الكريمة أو من السنة النبوية الشريفة أو آراء الفقهاء المختلفة والمتعددة، وما كانت آراء الفقهاء واختلافاتهم إلا رحمة للعباد. أما الفصل الثالث منها فقد خصصته لآداب اللباس الخاصة بالرجل والمرأة وما المباح منها، وما المنهي عنه حتى لا تختلط الأمور على الناس فيتشبهون في لباسهم بالصنف الآخر، ثم أدرجت بعدها بيان حكم الذهب والفضة والحرير لباساً واستخداماً وزينة للرجل والمرأة، وما يباح منه وما يحرم، واعتمدت على الحكم ما كان منها حلالاً أو حراماً بدلائل من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وآراء الفقهاء واختلافاتهم. ومن ثم في الباب الخامس خصصته (لآثار الزينة)، وجعلته في فصلين: الفصل الأول لأثر الزينة، فوجدت أن الزينة لها أثر يظهر في سلوك المسلم وتصرفاته، وفي أثاث بيته وزخارفه، وفي المجتمع المسلم بعاداته وتقاليده الإسلامية وضبطه ومعاييره الربانية، فنجد المجتمع يحرص على النظافة لأنها من سلوكيات المسلم فتؤدي إلى مجتمع نظيف، وغيرها من السلوكيات التي تؤدي به إلى أن يكون خير مجتمع وخير أمة أخرجت للناس كما أمر الله سبحانه وتعالى، وفي المجتمع غير المسلم وما لهم من حقوق وواجبات في ظل الحكم الإسلامي. وأما الفصل الثاني فخصصته لآثار التبرج والاختلاط، وبينت الفرق بين الزينة الحسنة والزينة السيئة وأثر ذلك على سلوك الفرد والمجتمع، وخطر التبرج والاختلاط ولماذا نهي عنهما في المجتمع المسلم، لما لهما من آثار سلبية في المجتمع. وأما الباب السادس فجعلته خاصاً (بزينة الله وزينة الشيطان)، وفيه فصلان: الفصل الأول (زينة الله)، وزينة الله لها مطالب منها مطالب في العقائد، ومنها في العبادات، ومنها في الأخلاق، ومنها في المعاملات، وكل منها زينة يؤديها الإنسان طاعة لله سبحانه وتعالى، ومن خلالها يحاول الشيطان إضلال الناس عن طرائق عقائدهم وعبادتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم، فيزين لهم أعمالهم وأقوالهم، وهذا ما جعلته في الفصل الثاني وهو (زينة الشيطان). وموضوع الزينة ليس مخصصاً بجزء معين من الدين الإسلامي، فهو موضوع شامل للدين، فهو من العقائد ومن العبادات ومن الأخلاق ومن المعاملات، لذلك كان من الصعب إيجاد المواضيع الخاصة فيه، لذلك تحتم عليَّ البحث طويلاً لأجد بعض الموضوعات فآخذ من هذا المرجع ومن ذاك المصدر، لأجمع المعلومات الخاصة بالرسالة، وما قدمت هو القليل الذي استطعت البحث والخوض فيه، جمعته في هذه الورقات لتكون موضوعاً للرسالة، ولو أردت أن أوفيه حقه لاحتاج الأمر إلى زيادة عدد الصفحات والمواضيع لشمول الموضوع وتشعبه وتعدده، وحسبي أني لا أريد الإطالة. أسأل الله التوفيق والرضا وجزاكم الله عنا خير الجزاء.

السفر الذي يثبت به القصر

السفر الذي يثبت به القصر ¤عبدالعزيز بن محمد الريش£بدون¥بدون¨الأولى¢1422هـ€فقه¶صلاة - سفر ومسافر خاتمة البحث وبعد حمد الله وشكره الذي أمدني بعونه وتوفيقه حتى أنهيت مباحثه فإني أدون هنا أبرز النتائج التي توصلت إليها في البحث: 1 - أن الفقهاء اختلفوا في نوع السفر الذي تقصر فيه الصلاة إلى ثلاثة أقوال. 2 - أن أرجحها – والله أعلم – هو قول من قال أن المسافر يقصر في أي سفر كان سواء أكان سفر طاعة أو مباح أو معصية. 3 - أن الفقهاء اختلفوا في تحديد مسافة السفر التي يجوز فيها القصر إلى ثلاثة أقوال في الجملة. 4 - أن أرجحها – والله أعلم – قول من قال: إن السفر المبيح للقصر لا حد له في الشرع. 5 - أن بعض الناس اليوم لا يفهم هذا القول فهماً صحيحاً فيستدل به على أمور لا ينتهجا ولا يؤديها لكن هذا القول لا يعتبر السفر إلا ما عده الناس سفراً واحتاج إلى الزاد والراحلة ومؤونة السفر. 6 - أن طول الزمن وقصره في السفر غير معتبر حتى عند المحددين للمسافة. 7 - أن من لم ينو الإقامة وأقام لحاجة ينتظر قضاءها ولا يدري متى يخرج فإنه يقصر أبداً. 8 - واختلف الفقهاء في المدة التي إذا نوى المسافر الإقامة فيها لزمه الإتمام إلى خمسة أقوال في الجملة. 9 - أرجحها عندي – والله أعلم – أن يطبق ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بحجته فإذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أتم وإلا فيقصر لقوة دليله ولأن فيه خروجا من الخلاف والخروج من الخلاف مستحب وهو ما تطمئن إليه النفس.

الشروط في النكاح

الشروط في النكاح ¤صالح بن غانم السدلان£بدون¥دار معاذ¨الثانية¢1409هـ€فقه¶نكاح - شروط النكاح الخاتمة حيث أن الحديث عن الشروط في النكاح وما يتعلق بها من أبحاث فمن المناسب أن نختم البحث ببيان بعض الحقوق الزوجية لأن الشروط إما أن ترجع إلى ما يتعلق بحق الزوج أو بحق الزوجة أو بحق مشترك بينهما. والحديث مهما يتناول أموراً ثلاثة: 1 - حقوق الزوج على زوجته. 2 - حقوق الزوجة على زوجها. 3 - الحقوق المشتركة بين الزوجين. فصل: في حقوق الزوج على زوجته: الأصل الذي بنيت عليه حقوق الزوج على زوجته هو قوله تعالى في سورة النساء: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} أثبتت الآية للرجال حق القوامية على نسائهم بسبب ما فضل الله بعضهم على بعض وبسبب ما أنفقوا من أموالهم. ومن أبرز هذه الحقوق الطاعة: إذا أعد الزوج لزوجته السكن الشرعي المستكمل لحاجات معيشتها الذي تأمن فيه على نفسها ومالها يجب عليها أن تسلم نفسها إليه وأن تقيم معه في هذا المسكن، وعليها أن تمتثل أمره إلا فيما نهى الله عنه. {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ويلزمها القرار في بيته وألا تخرج إلا بإذنه. {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} في هذه الآية يأمر الله تعالى النساء أن يلزمن بيوتهن صيانة لهن وحفظاً لحق أزواجهن. ويلزمها المحافظة على نفسها ومالها وألا تأذن لأحد يكره دخوله في منزله إلا بإذنه {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}. ولا يجوز للمرأة أن تهجر فراش زوجها وعليها أن تمتثل أمره إذا دعاها لحاجته. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشها فأبت قلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح. وعليها أن تؤمن بوجوب حق زوجها عليها وأن له من الحق أعظم من ما لها عليه. {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ}. وعن قيس بن سعد في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق). إن المرأة إذا أقامت هذه الحقوق وغيرها مما لم تذكر لكفيل بأن تعيش في أكناف زوجها عيشة هادئة كريمة ملؤها المحبة والوئام. فصل في حقوق الزوجة على زوجها: الأصل في حق الزوجة على زوجها قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وحقوق الزوجة على زوجها كثيرة ومتعددة فمن هذه الحقوق: الصداق {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}. {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}. وإذا دخل الرجل بالمرأة استحقت عليه المهر كاملاً. وإن فارقها بعد العقد وقيل الدخول وكان قد سمي مهراً استحقت نصفه {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}.

وإن لم يسم شيء فلها على زوجها المتعة {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}. 2 - نفقة الزوجة وهي ما تحتاج إليه من طعام وكسوة ومسكن وفرش وخدمة وكل ما يلزم لمعيشتها حسب المعروف وهي حق لها على زوجها لقوله تعالى {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}. وروى مسلم في صحيحه اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. 3 - عدم الإضرار بالزوجة ومن حقوق الزوجة على زوجها أن لا يضارها بقول أو فعل أو خلق {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه} روى أبو داود في سننه عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال قلت يا رسول الله "ما حق زوجة أحدنا عليه" قال (تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت) وإذا قصر في شيء من نفقتها أو نالها منه أذى لها حق المطالبة بحقها والدفاع عن نفسها وإذا كان للزوج أكثر من زوجة وجب عليه العدل بينهن والتسوية في كل ما يملك بذله لهن. فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة. وقالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول اللهم هذا قسمي فما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. الحقوق المشتركة: هناك حقوق مشتركة بين الزوجين تجب لكل من الزوجين بسبب عقد الزواج فمنها: حل الاستمتاع إذا تم عقد النكاح بين الزوجين وتوفرت الشروط من تسليم زوجته وتأمين المسكن ونفقة. وانتفت الموانع من الحرام ونحوها أبيح الاستمتاع لكل من الزوجين بالآخر على الوجه الشرعي الذي قصد منه عقد النكاح {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} والمرأة سكن لزوجها وهو كذلك سكن لها. {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}. ومن هذه الحقوق أيضاً ثبوت التوارث بين الزوجين إذا تم عقد الزواج ثم مات أحد الزوجين قبل صاحبه ثبت حق التوارث بينهما ما لم يمنع من ذلك مانع. {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا}. ومنها المعاشرة بالمعروف على كل من الزوجين أن يعاشر زوجه بالمعروف كما أمر الله تعالى وعاشروهن بالمعروف. ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف.

وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم حجة الوداع: ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم لن تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيل، ألا إن لكم إلى نسائكم هذا ولنسائكم عليكم حقاً فلكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن). نتبين من هذه النصوص مشروعية المعاشرة بين الزوجين بالمعروف وأن لكل زوج على زوجه حقاً فعلى المرأة أن تقوم بالحقوق التي تناسبها وكذلك على الزوج أن يقوم بالحقوق التي تناسبه. ومن هذه الحقوق أيضاً ثبوت حرمة المصاهرة بين الزوجين فيحرم على الزوج نكاح أم زوجته وإن علت وبنتها كذلك يحرم عليه أن يجمع بين المرأة وأختها وعمتها وبين المرأة وخالتها ويحرم عليها هي نكاح أبي الزوج وابنه وإن نزل. هذه بعض الحقوق المشتركة التي تثبت لكل من الزوجين على الآخر بعقد الزواج وليس المقصود حصر جميع الحقوق التي من هذا النوع وإنما المراد بيان جنسها. فصل: وملاك الحقوق الزوجية والقيام بها الإيمان بالله وتتبع ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك من أقوال وأفعال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى في حسن الأخلاق وخاصة ما يتعلق بالمعاملات الزوجية عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). وعنها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قالت: (فسابقته على رجلي فسبقته فلما حملت اللحم سابقته فسبقني. قال هذه بتلك السبقة). رواه أبو داود وهذا منه صلى الله عليه وسلم يدل على عظيم خلقه وتواضعه وهو القدوة لأمته {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}. السنة الثابتة مستفيضة ببيان ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من حسن المعاشرة الزوجية. فما عرف أنه ضرب امرأة ولا عبداً بل حذر من ذلك أشد التحذير وهذا يوجب على كل مسلم أن يقتدي برسول الله عليه الصلاة والسلام فيما كل ما من شأنه الاقتداء به. مراتب الحقوق الزوجية: وما يتعامل به الزوجان واجب ومندوب كالمعاشرة الزوجية مثلا فإن منها الواجب والمندوب. والواجب في حد ذاته مراتب متفاوتة فبعض الواجبات آكد من بعض وألزم فتأمين النفقة الضرورية مثلا يختلف في وجوبه عن تأمين نفقة الكفاية. وكذلك المندوب مراتب يختلف بعضها عن بعض وهذا بين يتضح من استقراء الأوامر الشرعية في الحقوق الزوجية وغيرها. فصل: وما نهى أن يتعامل به الزوجان محرم ومكروه. والمحرم مراتب بعضها أشد من بعض فمنها ما يستوجب التأثيم مع العقوبة في الدنيا ومنها ما يستوجب التأثيم فقط والمكروه مراتب كذلك فمنه ما يستحق فاعله اللوم والعتاب ومنها ما يستحق لوماً دون ذلك فالإصرار على فعل المكروه والاستمرار عليه قد يصل إلى درجة التحريم فالذي يتخذ بذاءة اللسان خلقا له مع زوجته مع علمه بالنهي عن ذلك، فليس كمن تحصل منه البذاءة على فترات مختلفة. وبعد فهذا ما تيسر لي كتابته فإن كان صواباً فمن الله وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الشريعة الإسلامية والفنون (التصوير - الموسيقى 000)

الشريعة الإسلامية والفنون (التصوير - الموسيقى 000) ¤أحمد مصطفى علي القضاة£بدون¥دار الجيل - بيروت¨الأولى¢1408هـ€فقه¶تصوير ونحت تماثيل الخاتمة وأهم نتائج البحث: هذا غاية طاقتي وقصارى جهدي في معالجة قضية من قضايا الإنسان الأساسية، التي نالت حظاً عظيماً من حياة الناس القديمة والحديثة، وقد حرصت أن يكون الموضوع متناسقاً فيما بينه، ومتفقاً مع منهجيات الدراسات الحديثة، ومعطاءً في قضايا مستجدة. ولقد قررت هذه الجولة الطيبة في رياض الفقه الإسلامي في قضية إنسانية عصرية جملة من الأمور القيمة والحقائق العامة، التي أهمها: 1 - أن هذه الشريعة شريعة مستقلة متميزة ذاتية، لم تخضع للضغوطات الاجتماعية، ولا للصراعات الطبقية، ولا للاضطرابات الإنسانية، وتظهر استقلاليتها في أنها تطرح القضايا الإنسانية وتجيب على التساؤلات بصورة متميزة تختلف عن بقية المناهج والأنظمة، وأن تشريعاتها لم تكن في يوم من الأيام ولن تكون نتيجة ضغوطات أو صراعات أو اضطرابات، وإنما هي تشريعات ذاتية نابعة من مصادرها الثابتة المرنة الأصيلة. 2 - أن هذه الشريعة شريعة شاملة كاملة، قد أقامت توازناً رائعاً بين جانبي الحياة الإنسانية، وشملت تشريعاتها كل جوانب الحياة، ولم تعجز الشريعة من أن تعطي حكماً في القضايا الإنسانية الكبرى والصغرى، القديمة والحديثة منها، وهي تعطي تصوراً رائعاً كاملاً للكون والإنسان والحياة، التي تعد المجالات الحرة لكل أنواع الفنون على مر التاريخ البشري، وهي أيضاً تربط بين كل تشريعاتها من جانب وبين قضايا الإنسان من جانب آخر. 3 - حفظ الشريعة الإسلامية الإنسان من التخبط والاضطراب في معالجته لمشكلاته، وذلك في الوقت الذي اضطربت فيه الموازين، وانعدمت القيم، واختلت المقاييس، وأخذ الإنسان بعد أن ابتعد عن هدي السماء ينتقل من تقديس إلى تقديس، ومن قلق إلى قلق ومن اضطراب إلى اضطراب، وهو يحاول في كل مرة – ومن خلال الفنون – أن يطمئن ضميره، ويربح جسده، ويسلي نفسه، .... ولكن أني له؟. وأكثر ما برز هذا الاضطراب في المدرسة السيريالية التي قامت على نبذ الشعور والعقل والأديان، وعلى تقديس القمامة، ولذلك أخذ الإنسان في مراحل تاريخه يسلي نفسه بلوحة تصويرية، أو بلحن موسيقى، أو بمقطع غنائي، أو بمشهد تمثيلي، وسيبقى الإنسان المبتعد عن هدي السماء متشبثاً بالفنون دون أن يرى فيها راحة وأنساً. وأما النتائج التفصيلية للبحث حسب تسلسلها في الرسالة فهي: 1 - عرضت مقدمة الرسالة أهمية موضوع الفنون وضرورة دراسته دراسة مقارنة من الوجهة الشرعية، ولذلك لمعرفة آراء العلماء في قضايا الفنون القديمة والمستجدة، ثم تمحيصها واختيار الأرجح منها. 2 - وتكلمت في التمهيد عن تعريف الفن ونشأته وتطوره، وكيف اقتصرت كلمة الفنون على التصوير والموسيقى والغناء والتمثيل؟ ثم بينت أقسام الفنون المختلفة من حيث الموضوع والآلة والزمان والمكان، ومن حيث القبول أو الرفض، الذي أدى إلى ظهور المدارس الفنية عبر التاريخ الإنساني، وكذلك بينت وظائف الفنون العامة والخاصة، وكيف استغلت الحركات العالمية كالشيوعية والصهيونية وغيرهما الفنون استغلالاً مشيناً؟. وقد تكلمت في التمهيد أيضاً عن تعريف الفن الإسلامي، واخترت تعريفاً مناسباً، ثم عرضت منهج الفن الإسلامي وخصائصه، مبيناً موضع الطبيعة والإنسان فيه.

3 - وتحدثت في الفصل الأول من الباب الأول عن معنى التصوير في اللغة والقرآن الكريم والسنة النبوية، وذلك للاستعانة بتلك المعاني عند بيان أحكام التصوير والصور، ثم تحدثت عن أقسام التصوير حسب ذكرها في كتب فن التصوير، وقد نظرت في أقسام التصوير من حيث الموضوع والوسيلة وذات الصورة والمكان والزمان والقبول أو الرفض، ثم بينت معنى الكاريكاتير، وكيفية التصوير الفوتوغرافي والسينمائي، وختمت الفصل الأول ببيان أهمية التصوير وأثره في العصر الحديث ودخلوه في المجالات الإنسانية المختلفة. 4 - وفي الفصل الثاني من الباب الأول أوضحت أحكام التصوير المختلفة، ومذاهب العلماء وأدلتهم، وناقشت تلك المذاهب والأدلة، ثم رجحت بينها، وقد تناولت حكم تصوير لعب الأطفال، وتصوير الأشكال المعدة من الحلوى، واعتبرت النسج في الثوب تصويراً، ثم تناولت حكم تصوير الإنسان بآيات من القرآن، وحكم التصوير الساخر المسمى بالكاريكاتير، وحكم التصوير الفوتوغرافي والسينمائي وآراء العلماء وأدلتهم، وحكم التصوير في المجالات الإنسانية، وحكم تصوير الذات الإلهية والأنبياء والصحابة والمشاهد الغيبية، وحكم تحنيط الأجسام. وتكلمت في الشطر الثاني من هذا الفصل عن أحكام الصور في الشريعة، فتناولت حكم اتخاذ التماثيل الكاملة والناقصة والمشوهة والمعلقة والممتهنة وآراء العلماء وأدلتهم، وحكم اتخاذ لعب الأطفال والأشكال المعدة من الحلوى والأشكال المصنوعة من الثياب البالية الموضوعة في البساتين. ثم تناولت أحكام الصور في الصلاة فبينت حكم الصلاة بثوب فيه تصاوير، وحكم صلاة حامل الصور وحكم الصلاة بمكان فيه صور، وحكم الصلاة على سجاد فيه صور أيضاً، كما ذكرت حكم زخرفة المساجد والمقابر بالصور، وأحكام الصور في المعاملات كبيع الصورة وثمنها، واستئجار المصور وأجرته، وحكم الصورة في الأدلة القضائية وضمانها، وحكم اللباس الذي فيه تصاوير، وحكم دخول البيت الذي فيه صورة، وحكم إجابة الدعوة التي فيها صور، وحكم الشعارات التي تحمل صوراً كالعلم والطابع، وحكم النظر إلى الصورة. وقد ذكرت آراء العلماء الواردة عند حكم الصور السالفة الذكر وأدلتهم، ثم ناقشت تلك الآراء والأدلة، ورجحت بينها. 5 - وتكلمت في الفصل الأول من الباب الثاني عن تعريف الموسيقى في اللغة، وفي علم الموسيقي أيضاً، وكيف نشأت الآلات الموسيقية وتطورت، وذكرت الآلات الموسيقية الوترية والهوائية والإيقاعية المشتهرة عالمياً، ثم ذكرت النصوص الشرعية الواردة في الآلات الموسيقية، ومذاهب العلماء وأدلتهم مناقشاً ومرجحاً فيما بينهم. ثم تطرقت لأحكام الموسيقى المختلفة، كحكم الأجراس في الأنعام والبيوت والمدارس ومع النساء، وحكم الصفير والتصفيق والرقص، وحكم التداوي بالموسيقى، وحكم الأذان والقرآن على آلة موسيقية، وحكم بيع الآلات الموسيقية، واستئجارها، وأجرتها وإتلافها، وضمانها، والقطع فيها، والوصية بها، وحكم الآلات الموسيقية في الأعراس، وحكم شهادة الموسيقار. وقد أتيت بآراء العلماء الواردة عند كل حكم وأدلتهم، ثم ناقشت تلك الآراء والأدلة، ورجحت بينها. 6 - وفي الفصل الثاني من الباب الثاني تحدثت عن تعريف الغناء وأقسامه، ثم ذكرت مذاهب العلماء في الغناء وأدلتهم، ثم ناقشت المذاهب والأدلة، ورجحت بينها. ثم تحدثت عن أحكام الغناء المختلفة، كحكم التغني بالقرآن، وحكم التغني بالأذان، وحكم بيع المغنيات، وحكم إجارة الغناء، وحكم شهادة صاحب الغناء، وحكم الغناء؛ الأعراس؛ وحكم تعلم الغناء. وقد أتيت بآراء العلماء الواردة عند كل حكم وأدلتهم، ثم ناقشت تلك الآراء والأدلة، ورجحت بينها. 7 - وتكلمت في الفصل الأول من الباب الثالث عن تعريف التمثيل وطبيعته وعناصره وأقسامه وأهدافه ووظائفه، وأيضاً المدارس المسرحية، وقد ذكرت أضرار التمثيل وفوائده. 8 - وفي الفصل الثاني من الباب الثالث بينت رأي الشريعة في أصل فكرة التمثيل، وحكمها في جزئيات كثيرة في عملية التمثيل، فذكرت الأدلة المستند عليها في إباحة التمثيل، وأخرجت الجوانب التي لا تدخل تحت تلك الأدلة. وبينت في الفصل أيضاً حكم التمثيليات الأسطورية والخيالية، وحكم المسرحيات الكوميدية والتراجيدية، وحكم التمثيليات الإذاعية والمسرحية والتلفزيونية ونحو ذلك، وحكم تمثيل الذات الإلهية. وكذلك حكم تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال في التمثيل، وحكم التبني والطلاق في التمثيل، ثم ذكرت المحترزات الشرعية في أية تمثيلية. 9 - وتناولت في الفصل الثالث من الباب الثالث حكم تمثيل المرأة وحدها، وحكم تمثيلها مع الرجال، وحكم تمثيل والأنبياء والصحابة. وفي ختام هذه الرسالة أحمد الله سبحانه وأشكره، وأرجو منه أن يوفقنا إلى كل خير، وأن يجعل أعمالنا صالحة متقبلة عنده، وأن يرد هذه الأمة إلى دينها رداً جميلاً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

الشك في عدد الركعات في الصلاة حكمه - أسبابه - علاجه

الشك في عدد الركعات في الصلاة حكمه - أسبابه - علاجه ¤عبدالعزيز بن محمد الريش£بدون¥دار الفضيلة¨الأولى¢1422هـ€فقه¶صلاة - سجود السهو فوائد ونتائج البحث: وبعد الانتهاء من هذا البحث فإنه من المناسب أن أختمه بذكر أهم ما توصلت إليه من فوائد ونتائج: 1 - أن العلماء يفرقون بين الظن، وغلبة الظن. 2 - ولذلك يختلف اعتبارهما عند الفقهاء. 3 - فالظن عند الفقهاء ملحق بالشك فغالباً لا يفرقون بين الظن والشك. 4 - أما غالب الظن فإنهم يلحقونه باليقين. 5 - أن الوهم دون الظن والشك. 6 - أنه لا عبرة للتوهم عند الفقهاء. 7 - فلا يثبت حكم شرعي استناداً على وهم. 8 - أن هناك فرقاً بين الاشتباه والالتباس. 9 - فإن الاشتباه معه دليل يرجح أحد الاحتمالين، أما الالتباس فإنه لا دليل معه. 10 - إذا كان الشك الطارئ على الإنسان في عدد الركعات في الصلاة وهماً بأن طرأ على الذهن ولم يستقر فلا يلتفت إليه؛ لأن الإنسان لو طاوع التوهم لتعب تعباً عظيماً. 11 - إذا كثرت الشكوك مع الإنسان حتى أصبح ملازماً له في أكثر العبادات فإنه لا عبرة به؛ لأنه تحول إلى مرض وعلة ومثل هذا يعتبر ذهنه غير مستقر فلا عبرة به. 12 - أما إذا كان الشك خالياً من ذلك فشك في عدد الركعات فإن الفقهاء اختلفوا في هذه المسألة إلى سبعة أقوال. 13 - أن أرجح هذه الأقوال في نظري هو من جعل الحكم يدور مع وجود الظن الغالب وعدم وجوده عند الشك. 14 - فقال: إما أن يكون الشك عنده ظن غالب فيتحرى بأن يبني على غالب ظنه، ويحمل حديث "ابن مسعود" – رضي الله عنه – على ذلك. وإما أن لا يكون عنده ظن غالب يعمل عليه فيبني على اليقين – وهو الأقل – وتحمل أحاديث البناء على اليقين على ذلك. 15 - أن سبب ترجيحي لهذا القول: أن جميع الأحاديث الواردة في هذه المسألة تعتبر خطاب للشاك وتوجيهها بما تقدم فيه إعمال لجميع تلك الأحاديث وإعمالها والجمع بينها أولى من إعمال بعضها وإهمال البعض الآخر. 16 - أن ترجيح غيره من الأقوال في المسألة يؤدي إلى إعمال بعض الأحاديث وإهمال البعض الآخر وهذا غير جائز مع إمكانية الجمع. 17 - وهذا له نظائر في الفقه الإسلامي فإنه يقال للحاكم: احكم ببينة واحكم بالشهود ونحو ذلك فإن هذا مع الإمكان فإذا لم يمكن ذلك رجع إلى الاستصحاب وهو البراءة، كذلك المصلي الشك يعمل بما يتبين له الصواب فإن تعذر ذلك رجع إلى الاستصحاب. 18 - إذا شك المصلي في عدد الركعات في الصلاة فإنه يجب عليه أن يسجد سجدتين للسهو. 19 - وهل يكون سجوده قبل السلام أو بعده. 20 - اختلف الفقهاء في ذلك بناء على اختلافهم في أصل المسألة: وهو مكان وموضع سجود السهو عاماً في أي سهو يقع للمصلي. 21 - فإن الفقهاء اختلفوا في مسألة الأصل: إلى أربعة أقوال. 22 - فعلى هذا: يكون سجود السهو لمن شك في عدد الركعات في الصلاة عند أبي حنيفة والثوري بعد السلام. 23 - وعند الشافعية ورواية لأحمد: يكون قبل السلام. 24 - وعلى القول بالتحري في هذه المسألة عند الإمام أحمد يكون بعد السلام. 25 - أما المالكية فإنه يكون بعد السلام في المشهور وقيل: قبل السلام. 26 - أن وقوع الشك للمصلي في صلاته يرجع إلى عدة أسباب منها: أ- الشيطان. ب- عدم تسوية الصفوف ووجود الفرج في صلاة الجماعة. ج- الحضور المتأخر إلى صلاة الجماعة. د- أسباب أخرى كثيرة تختلف من شخص إلى آخر. 27 - أن هناك علاجاً لكل سبب من هذه الأسباب بينت ذلك مفصلاً في البحث.

الضوابط التي تحكم عقد صيانة الأعيان المؤجرة وتبعية ذلك على المؤجر والمستاجر (بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة)

الضوابط التي تحكم عقد صيانة الأعيان المؤجرة وتبعية ذلك على المؤجر والمستاجر (بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة) ¤محمد بن سليمان الأشقر£بدون¥دار النفائس¨الأولى¢1418هـ€فقه¶عقود مالية - منوعات خلاصة البحث: في ظل القواعد الشرعية: 1 - لا يلزم المؤجر القيام بشيء من الإصلاحات الإنشائية أو التحسينية إلا بشرط في العقد. 2 - يلزم المؤجر القيام بالإصلاحات الضرورية لحفظ العين من الهلاك، والإصلاحات الضرورية لتمكين المستأجر من الانتفاع، إذا حدث الخلل بعد التعاقد، أو كان موجوداً عند التعاقد ولم يطلع عليه المستأجر، أما ما كان موجوداً قبل التعاقد واطلع عليه المستأجر فلا يلزم المؤجر القيام بإصلاحه إلا بشرط في العقد. 3 - إذا قام المؤجر بالإصلاحات التي تلزمه بمقتضى البند السابق لم يكن للمستأجر فسخ العقد، أما إذا لم يقم بها فلا يجبر عليها بل يكون المستأجر فسخ العقد. 4 - لا يجوز أن يشترط المؤجر على المستأجر صيانة العين مما قد يحصل بها من الخلل، فإن وقع العقد بهذا الشرط فسد، للجهالة. 5 - يجوز أن يشترط المؤجر على المستأجر القيام بإصلاح عيوب معلومة مما كان موجوداً قبل التعاقد، وكذا يجوز أن يشترط إصلاحات لاحقة معلومة محددة بالوصف والمقدار، وسواء كانت الصيانة مجرد عمل أو مع استخدام مواد أو قطع غيار معلومة محددة. 6 - إن حصل اشتراط شيء من الإصلاحات المذكورة في البند السابق كان ذلك أجرة مضافة إلى الأجر النقدي، حتى لو لم يقم المستأجر بها كلا أو جزءاً كان للمؤجر مطالبته بقيمة الإصلاحات التي لم يقم بها. 7 - إن أذن المؤجر للمستأجر في العقد أو بعده أن يقوم بإصلاحات معينة في العين فله أن يفعل ذلك ثم يكون له أن يرجع بما أنفقه على المؤجر، ما لم يكن المؤجر قد اشترط أن لا رجوع عليه. 8 - إن قام المستأجر بعمل صيانة للمأجور بدون إذن المؤجر لم يكن له أن يرجع عليه بشيء بل يكون متبرعاً. والله أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

الطهارة لقراءة القرآن الكريم والطواف بالبيت الحرام

الطهارة لقراءة القرآن الكريم والطواف بالبيت الحرام ¤فيحان بن شالي المطيري£بدون¥مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة¨الأولى¢1407هـ€فقه¶طهارة - أعمال منوعة الخاتمة: هذا ما جاد به القلم وسمح به الوقت وأرجو ممن قرأه واطلع عليه أن ينبه على ما قد وقع فيه من سبقة قلم أو قصور في العبارة أو سقطة لسان أو فهم قاصر فسيجد أذناً صاغية وصدراً رحباً لتقبل ما يملى عليه فالحق ضالة المؤمن متى وجدها اهتدى ومتى فقدها أنشد والكمال لله والنقص والقصور لبني آدم وكل عمل عرضة للنقص مهما بلغ كاتبه من الحرص والاجتهاد ودقة الفهم وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ولم أدخر وسعاً في إعداد هذا الكتاب وإظهاره بالمظهر اللائق فقد بذلت جهدي واستفرغت وسعي في الجمع والاستدلال والترجيح والله أسأل أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه وأن يجنبنا الرياء ومواطن الزلل إنه خير مسؤول فهو سبحانه المطلع على خفايا النفوس وضمائر القلوب، هذا وقد تجلت لي بعض النتائج التي احتواها البحث ألخصها فيما يلي: 1 - إن الطهارة من الحدث الأصغر ليست شرطاً لقراءة القرآن بل تجوز القراءة عن ظهر قلب دون مس للمصحف بيد أن المستحب أن يكون القارئ متطهراً من الحدث الأصغر جمعياً بين النصوص الواردة في ذلك. 2 - إن الجنب ليس له أن يقرأ القرآن ولا آية وذلك بتكليف الشارع له بالطهارة والتي هي في مقدوره وتحت استطاعته. نعم حديث علي كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحجزه عن القرآن شيء إلا الجنابة. ضعيف كما قرر أهل الفن لكنه يتقوى بما ورد في مسند أحمد ((لا ولا حرفاً)) فيرتقي لدرجة الحسن لغيره ويصبح صالحاً للاستدلال. 3 - يجوز للحائض قراءة القرآن من غير مس للمصحف لأن حدثها لم يكن باختيارها والحديث الوارد في منعها لا تقوم به حجة لشدة ضعفه وقيده بعض أهل العلم بمن تحفظ القرآن لأنها إذا منعت من القراءة مدة الحيض نسيت ما حفظت فيفوتها خير كثير والذي يبدو لي هو أن من كانت محتاجة إلى القراءة تدخل في هذا المعنى كالمعلمة والطالبة وما إلى ذلك لعدم قيام الدليل على المنع وإنما قيدناه بالحاجة خروجاًَ من الخلاف. 4 - لا يجوز للمحدث مس المصحف سواء كان حدثه أكبر أو أصغر وعليه جماهير أهل العلم لوجود الدليل المانع على ما بينا ولا يدخل في المنع غير المصحف مما فيه قرآن ككتب الفقه والتفسير وألواح الصبيان والنقود المضروب عليها شيء من القرآن لأنها لا يطلق عليها اسم المصحف والنهي إنما هو عن المصحف كما يفيده ظاهر النصوص. 5 - إن الطهارة شرط لصحة الطواف على القول الراجح عند الجمهور ويرى الحنفية والحنابلة في إحدى الروايتين أنها ليست شرطاً فيصح بدونها ويجبره الدم عند الحنفية. والذي يفيده ظاهر النصوص هو اشتراطها وقيده بعضهم بعدم الضرورة ولهذا أجازوا طواف الحائض إذا لم يكن في مقدورها فعله في حال طهرها وقد عرفت هذا مفصلاً آنفاً وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ملحوظة: فرغت من إعداد هذا الكتاب في تمام الساعة الثامنة والربع مساء من ليلة الأحد العاشر من الشهر السابع لعام خمس وأربعمائة ألف من الهجرة.

الطهر في أداء فرض الظهر

الطهر في أداء فرض الظهر ¤عويد عياد المطرفي£بدون¥بدون¨الأولى¢1414هـ€فقه¶صلاة - ظهر خلاصة البحث والحاصل من هذا البحث أن حديث زيد بن أرقم الذي استدل به القائلون بجواز القعود عن حضور الجمعة لمن حضر العيد إذا اجتمع العيدان في يوم واحد لمن يشاء ذلك حديث صحيح الإسناد على ما بيناه من وجوه القول في تصحيحه، ونصر قول من حكموا بتصحيحه وصحته من أهل العلم بالحديث. وكذلك حديث أبي هريرة الذي استشهد له به الحاكم. وقد بان في هذا الحديث لكل ذي عينين من أهل الفكر، والدين، والنظر بطلان القول بسقوط فرض الظهر عمن قعد عن الجمعة لحضوره العيد في يوم اجتماع العيدين في يوم واحد؛ لأنه أحد الصلوات الخمس المفروضة، التي لا يسقط فرض منها عن المسلم المتأهل في حال من الأحوال على ما سبق أن بيناه في بحثنا هذا. والله الهادي إلى سواء السبيل

التأخير وأحكامه في الفقه الإسلامي

التأخير وأحكامه في الفقه الإسلامي ¤محمد بن عبدالكريم العيسى£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1424هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة: الحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، كما يحب ربنا ويرضى. أما بعد: فهذه خاتمة الرسالة معقودة في أهم وأبرز نتائجها التي توصلت إليها غب كل مسألة تكون بين يدي القارئ خلاصة معتصرة لها سلكت فيها مسلك السرد على نظام الفقرات ليسهل تناولها فدونكما: 1 - الموالاة في الوضوء والتيمم واجبة مع الذكر، والقدرة ساقطة مع النسيان، ومع الذكر عند العذر ما لم يتفاحش التفاوت. 2 - الأفضل تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن تيقن حصول الماء وقتئذ، أو غلب على ظنه. 3 - الأفضل تأخير التيمم إلى وسط الوقت لمن شك في حصوله على الماء. 4 - يجوز تأخير الغسل الواجب ما لم يفض إلى الإخلال بواجب لا تصح تأديته إلا بالغسل. 5 - يجوز للحائض تأخير غسل الجنابة حتى تطهر إلا أن تريد قراءة القرآن، فتغتسل ليرتفع حكم الجنابة وإن بقيت حائضاً. 6 - يستحب تأخير صلاة الظهر إلى الإبراد مطلقاً. 7 - يستحب تأخير صلاة الظهر للغيم. 8 - لا يستحب تأخير صلاة العصر عن أول وقتها بل المستحب تقديمها فيه. 9 - لا يجوز تأخير صلاة العصر إلى وقت الضرورة، وهو يبدأ من حين اصفرار الشمس. 10 - يجوز تأخير صلاة المغرب إلى غياب الشفق الأحمر. 11 - يستحب تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل وإلى نصفه ما لم يشق. 12 - لا يجوز تأخير صلاة العشاء إلى وقت الضرورة وهو يبدأ بمضي نصف الليل. 13 - يستحب الدخول في صلاة الفجر بغلس والخروج منها بإسفار. 14 - يكره تأخير صلاة الفجر بعد الإسفار. 15 - يجب تأخير صلاة الفجر للغيم حتى يعلم دخول وقتها إذا لم يتيسر معرفة الوقت. 16 - لا يستحب الإبراد بصلاة الجمعة. 17 - يجب تأخير صلاة الجمعة للغيم حتى يعلم دخول وقتها إذا لم يتيسر معرفة الوقت عند من يرى أن وقتها وقت الظهر، ولا تؤخر لذلك عند من يرى أن وقتها وقت صلاة العيد. 18 - لا يجوز تأخير الصلاة المفروضة عن وقتها بلا عذر، ومن فعله فقد أتى باباً من الكبائر. 19 - لا حرج على من أخر الصلاة المفروضة عن وقتها لعذر. 20 - لا يجوز تأخير قضاء فائتة الصلاة المفروضة "القضاء على الفور". 21 - يستحب تأخير الوتر إلى السحر لمن وثق بالقيام عنده. 22 - لا يجوز تأخير صلاة الوتر إلى طلوع الفجر ومن أخر ففعله قضاء لا أداء. 23 - لا يجوز تأخير سنة المكتوبة القبلية بعدها. 24 - المستحب فعل التراويح أول وقتها – بالعشاء أول الليل – ولا يستحب تأخيرها آخر الليل على أنه يجوز مدها وتأخيرها بعد نصف الليل إذا فعلت بالعشاء. 25 - يستحب تأخير صلاة عيد الفطر وقتاً يسع الناس فيه أن يؤدوا زكاة الفطر. 26 - لا يجوز تأخير دفن الميت – إذا تيقن موته – سواء كان التأخير من عدم البدار بتجهيزه أم الصلاة عليه، أم تركه وقتاً بعدها، أم عدم السرعة في حمله إلى قبره. 27 - تستحب تعزية الميت قبل الدفن وبعده حسب الحال والمصلحة، فإن اقتضيا التعزية قبل الدفن فالأفضلية في ذلك إلا كانت بعده. 28 - يجوز تأخير التعزية بعد ثلاثة أيام ولا حد لها على أن يتوخى أن المعزى لا يزال حزيناً. 29 - لا يجوز تأخير إخراج الزكاة عن وقت وجوبها لغير عذر. 30 - يجوز تأخير إخراج الزكاة لعذر كانتظار الأحوج، أو القريب المحتاج – عدا زكاة الفطر -. 31 - يحرم تأخير إخراج زكاة الفطر بعد صلاة العيد. 32 - يجوز تأخير زكاة الدين حتى القبض سواء رجي أداؤه أم لم يرج. 33 - لا يجوز تأخير نية صوم الفرض إلى طلوع الشمس. 34 - يجوز تأخير نية صوم التطوع إلى طلوع الفجر. 35 - يجوز تأخير نية صوم التطوع إلى الزوال.

36 - يستحب للمسافر أن يؤخر الصوم حيث كان أيسر له وإلا فلا. 37 - يحرم الفطر للمريض غير المتضرر بالصوم. 38 - يحرم الصوم لمن خشي به تلفاً. 39 - المرض المبيح للفطر الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه به. 40 - يلحق بالمريض ما في حكمه ممن يتضرر بالصوم فيترخص بتأخير الصوم كمن غلبه الجوع أو العطش فخاف على نفسه. 41 - يجب على الحامل والمرضع تأخير الصوم إذا خافتا على النفس أو الولد. 42 - يجوز للجنب أن يؤخر الغسل إلى فجر الصيام. 42 - يجوز للجنب أن يؤخر الغسل إلى فجر الصيام. 43 - يجوز للحائض والنفساء أن تؤخرا غسلهما إلى فجر الصيام. 44 - يجوز تأخير قضاء صوم رمضان ما لم يبلغ به رمضان آخر. 45 - لا يجوز تأخير قضاء صوم رمضان إلى رمضان آخر بلا عذر. 46 - يحرم تأخير السحور ما لم يخش طلوع الفجر. 48 - يستحب تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب. 49 - يكره الوصال إلا إلى السحر فيجوز. 50 - لا يجوز تأخير الحج بعد وجوبه. 51 - لا يجوز لمريد النسك أن يؤخر الإحرام عن الميقات، ومن أخر فعليه دم ويأثم إن تعمد. 52 - من أخر الوقوف بعرفة إلى الليل فقد ترك السنة ولا شيء عليه. 53 - يكره ترك تأخير صلاة المغرب ليلة عرفة إلى وقت صلاة العشاء، وتأخير أدائهما جميعاً إلى حين الوصول إلى المزدلفة. 54 - تجوز مخالفة الترتيب بين أعمال يوم النحر. 55 - يجوز تأخير رمي جمرة العقبة يوم النحر إلى الزوال وإن كان خلاف الأفضل. 56 - يجوز تأخير رمي الجمار إلى الليل في أيام منى الثلاثة لمن له عذر كالرعاة والسقاة ومن في حكمهم. 57 - لا يجوز تأخير رمي الجمار إلى ليل اليوم الرابع وهو آخر أيام التشريق. 58 - يجوز تأخير رمي الجمار إلى الليل بلا عذر. 59 - لا يجوز تأخير رمي يوم إلى ما بعده لغير عذر. 60 - تجب الموالاة بين رميات الجمرة الواحدة. 61 - تجب الموالاة بين رمي جمرات أيام التشريق. 62 - يجوز تأخير نحر الهدي إلى آخر أيام التشريق. 63 - يجوز تأخير نحر الهدي إلى الليل. 64 - لا يجوز تأخير صوم ما يجب في الحج من صيام بدل الهدي إلى أيام التشريق، وذلك بالنظر إلى النصوص الصريحة، وبالنظر إلى صناعة علم الحديث يجوز صومها. 65 - يجوز تأخير الحلق أو التقصير عن أيام منى وهو خلاف المستحب. 66 - يجوز تأخير بعض أشواط الطواف عن بعض تأخيراً يسيراً. 67 - لا يجوز تأخير بعض أشواط الطواف عن بعض كثيراً يخل بالموالاة عرفاً إلا لعذر، ومن أخر لغيره بطل طوافه واستأنف. 68 - يجوز تأخير طواف الإفاضة عن أيام التشريق ما لم ينسلخ شهر ذي الحجة. 69 - يجوز تأخير السعي عن الطواف تأخيراً يسيراً. 70 - لا يجوز تأخير السعي عن الطواف كثيراً. 71 - يجوز تأخير بعض أشواط السعي عن بعض تأخيراً يسيراً. 72 - لا يجوز تأخير بعض أشواط السعي عن بعض كثيراً يخل بالموالاة عرفاً. 73 - يجوز تأخير سعي الحج عن يوم النحر إلى أيام التشريق. 74 - يجوز تأخير سعي الحج عن أيام التشريق ما لم ينسلخ شهر ذي الحجة. 75 - يجوز تأخير النفر من منى إلى ثالث أيام التشريق وهو اليوم الرابع من أيام منى وهو الأفضل. 76 - يجب على الإمام المقيم للمناسك أن يتأخر في النفر من منى إلى ثالث أيام التشريق. 77 - لا يجب على أهل مكة أن يتأخروا في النفر من منى إلى ثالث أيام التشريق. 78 - لا يجوز تأخير النفر من منى بعد الغروب لمن أراد أن يتعجل. 79 - لا يجوز تأخير قضاء الحج والعمرة عن العام القابل. 80 - يجوز تأخير الأضحية إلى آخر أيام التشريق. 81 - يجوز تأخير الأضحية إلى الليل. 82 - يجوز تأخير العقيقة عن اليوم السابع بلا حد.

83 - لا يجوز تأخير الجهاد بعد قيام أسبابه سواء كان دفاعاً لمداهمة العدو ديار المسلمين أم ابتداء لإعلاء كلمة الله ونشر الإسلام. 84 - لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها للجهاد. 85 - يكره تأخير قسمة الغنائم إلى دار الإسلام. 86 - لا يجوز تأخير الاستثناء في اليمين أو النذر بل يجب أن يكون متصلاً بهما لا يفصله كلام أجنبي ولا يسكت سكوتاً يمكن الكلام فيه إلا إذا كان السكوت لانقطاع نفسه أو صوته أو أي عارض. 87 - لا يجوز تأخير الوفاء باليمين – إذا كان طاعة – أو النذر المقيدين عن وقتهما المحدد، ومن أخر قضى. 88 - يجوز تأخير الوفاء باليمين – إذا كان طاعة – أو النذر المطلقين مع استحباب المبادرة بهما. 89 - لا يجب تأخير كفارة اليمين عن الحنث ويجوز تقديمهما عليه. 90 - لا يجوز تأخير أداء الكفارات عن وقت وجوبها فتجب على الفور إلا لعذر ما عدا كفارة الظهار فتجب وجوباً موسعاً إلى أن يريد المظاهر العود فيكفر قبل أن يتماسا. 91 - يجوز تأخير القبول بعد الإيجاب ما دام العاقدان في المجلس وبمعنى آخر يجوز التراخي في القبول. 92 - لا يجوز اشتراط تأخير التسليم في بيوع الأعيان القائمة. 93 - يجوز التفرق للمتبايعين في غير الربوي دون تقابض بلا اشتراط. 94 - يجوز اشتراط تأخير تسليم الثمن في غير الربوي وبيع السلم. 95 - يجوز اشتراط تأخير تسليم المثمن غير الربوي وبيع السلم. 96 - يجوز اشتراط تأخير تسليم الثمن والمثمن في غير الربوي وبيع السلم. 97 - لا يجوز بيع ما يسمى بالبيوع الآجلة في السوق المالية "البورصة" على النحو الذي فيه بيع الإنسان ما ليس عنده ويتضمن غرراً. 98 - يجوز تأخير القبض في بيع الصفة المعين. 99 - لا يجوز تأخير القبض في بيع الصفة غير المعين. 100 - لا يجوز تأخير تسليم الثمن في الإقالة. 101 - يجوز اشتراط تأخير الخيار عن ثلاثة أيام إلى مدة معلومة. 102 - يجوز تسليم المشتري الثمن والبائع المثمن مدة الخيار وأن تأخير ذلك إلى انتهاء مدة الخيار ليس بلازم. 103 - لا يجب تأخير من له الخيار الفسخ إلى حضور صاحبه فله أن يفسخه في غيبته. 104 - يجوز تأخير الرد بالعيب في البيع فهو على التراخي لا الفور على أن يقيد ذلك بعدم تفاحش التراخي، وعدم التصرف في المبيع بما يدل على الرضا فإن كان ذلك بطل الخيار. 105 - يجوز تأخير الرد بالمصراة ثلاثة أيام فحسب. 106 - لا يجوز النسأ – التأخير – إذا اتحدت العلة والجنس في مثل بيع الذهب بالذهب، والبر بالبر. 107 - لا يجوز النسأ – التأخير – في بيع العرايا. 108 - يحرم النسأ – التأخير – إذا اتحدت العلة واختلف الجنس كبيع الذهب بالفضة، والبر بالشعير. 109 - يجوز النسأ – التأخير – إذا اختلفت العلة بأن كان أحد العوضين ثمناً والآخر مثمناً كبيع أحد النقدين بأحد الأصناف الأربعة. 110 - يجوز النسأ – التأخير – إذا لم يكن أحد العوضين ثمناً والآخر مثمناً كبيع اللحم بالبر. 111 - لا يجوز تأخير القبض في الربوي المعين مطلقاً. 112 - يجوز النسأ – التأخير – فيما انتفت عنه علة ربا الفضل سواء بيع بجنسه أم بغيره كالحيوان والثياب ونحو ذلك. 113 - لا يجوز تأخير قطع الثمرة المباعة قبل بدو صلاحها. 114 - يجوز اشتراط تأخير قطع الثمرة المباعة بعد بدو الصلاح إلى أوان الجذاذ. 115 - لا يجوز تأخير تسليم رأس مال السلم عن مجلس العقد. 116 - لا يجوز السلم في الحال بل يشترط أن يكون مؤخر التسليم بضرب الأجل. 117 - يجوز تأخير رأس المال في الاستصناع عن مجلس العقد، ويجوز تعجيله فلا يشترط حلول ولا تأخير عكس السلم. 118 - يجوز ضرب الأجل في المستصنع ويجوز عدمه عكس السلم.

119 - لا يجوز تأخير تسليم الأجرة؛ فالأجرة تستحق بنفس العقد فيملك المؤجر الأجرة كاملة في وقت العقد إلا أن يشترطا أجلاً. 120 - يجوز تأخير تسليم العين المؤجرة، وبمعنى آخر لا يشترط أن تلي مدة الإجارة العقد وإن أطلقت كانت حالة. 121 - لا يجوز اشتراط تقديم الجعل وإذا شرط فسد العقد واستحق العامل أجرة المثل ويجوز النقد بغير شرط. 122 - لا يجوز تأخير الأخذ بالشفعة فهي على الفور ومن أخر بطل حقه منها. 123 - لا يجب تأخير شفعة الصبي حتى بلوغه ولوليه اختيار الأصلح من الأخذ بها أو تركها. 124 - لا يجب تأخير ثمن المشفوع فيه فيما إذا اشترى رجل شقصاً بثمن مؤجل وحضر الشفيع مطالباً بالشفعة فللشفيع أن يأخذ الشقص بالأجل نفسه حالاً إذا كان مليئاً وإلا وثقه برهن، أو ضمان. 125 - يجوز تأخير القبول عن الإيجاب في النكاح ما دام العاقدان في المجلس فهو على التراخي لا الفور. 126 - لا يجوز تأخير النكاح لمن طاله وإن لم يخش العنت. 127 - لا يجوز للولي تأخير تزويج موليته إذا تيسر لها الكفء. 128 - يجوز للمرأة إذا عقد عليها أن تؤخر تسليم نفسها لزوجها حتى يعطيها صداقها المعجل. 129 - يجوز تأخير الرد بالعيب في النكاح فهو على التراخي لا الفور. 130 - لا يجوز تأخير تسليم الصداق للزوجة إذا تعين لها. 131 - يجوز أن يؤخر الصداق بشرط كله أو بعضه. 132 - لا يجوز تأخير الاستثناء والتعليق في الطلاق بل يجب أن يكون متصلاً بهما لا يفصله كلام أجنبي ولا يسكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه إلا إذا كان السكوت لانقطاع نفسه أو صوته أو أي عارض. 133 - لا يجوز تأخير نفقة الزوجة إذا وجبت لها. 134 - لا يجوز للزوجة المطالبة بالنفقة المؤخرة؛ إذ نفقتها تسقط بمرور الزمان إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة أو صالحت الزوجة على مقدار فيها. 135 - لا يجوز تأخير نفقة القريب. 136 - لا يجوز للقريب المطالبة بالنفقة المؤخرة؛ إذ نفقته تسقط بمرور الزمن. 137 - لا يجوز تأخير نفقة الرقيق عنه. 138 - لا يجوز تأخير نفقة البهائم عنها، وتسقط بمرور الزمان، فلا يرجع من أنفق عليها بها على صاحبها. 139 - يجب تأخير قسمة التركة للحقوق المتعلقة بها. 140 - يجب تأخير جميع الحقوق المتعلقة بالتركة حتى الانتهاء من مؤن التجهيز. 141 - يجب تأخير قسمة التركة حتى الانتهاء من سداد الديون وإنفاذ الوصية. 142 - يجب تأخير إنفاذ الوصية حتى الانتهاء من سداد الديون. 143 - يجب تأخير حق العبد حتى الانتهاء من حق الله تعالى. 144 - لا يجوز تأخير قسمة التركة لاتضاح حال الخنثى المشكل بل تقسم ويراعى الاحتياط. 145 - لا يجوز إلزام الورثة بتأخير قسمة التركة لوضع الحمل بل يمكنون من ذلك مع أخذ الاحتياط فيها وإن كان الأفضل تأخيرهم القسمة. 146 - يجب تأخير قسمة مال المفقود مدة أربع سنين منذ فقد سواء كان وارثاً أم مورثاً إذا كان غالب حاله الهلاك، أما إذا كان غالب حاله السلامة فتؤخر القسمة حتى يتيقن موته أو ينقضي عليه مدة لا يعيش في مثلها وذلك مردود إلى اجتهاد الحاكم. 147 - يجوز اشتراط تأخير تسليم القرض إلى أجل ويلزم المقرض به. 148 - يجوز اشتراط تأخير تسليم العارية إلى أجل وهو ملزم للمعير فلا يجوز أن يأخذها قبل مضي الأجل المضروب. 149 - لا يشترط القبول في الوقف فيصح ولو لم يكن، وعليه ينتفي القول بفورية القبول وعدم تأخيره من عدمه. 150 - لا يجوز تأخير الواقف شرطه عن إيقافه. 151 - يجوز تأخير قبول الهبة ما دام العاقدان في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه عرفاً. 152 - لا يجوز تأخير الوصية الواجبة وبخاصة إلى زمن المرض بل يجب المبادرة بها.

153 - يجب تأخير قبول الوصية بعد موت الموصي فلا اعتبار لقبول الموصى له ولا رده في حياة الموصي. 154 - لا يجب الفور في قبول الوصية بعد الموت فيجوز التراخي. 155 - لا يجوز تأخير القبول في الوكالة إذا مضى العرف بذلك، وإلا جاز. 156 - يجوز بيع الوكيل بالتأخير - النسأ – إذا مضى العرف بذلك أو قامت قرينة من قرائن الأحوال عليه وإلا فلا. 157 - إذا قيد الوكيل في الوكالة بالبيع بشيء تقيد به ومن ذلك المنع من البيع بالتأخير، وإذا سمح له به جاز له. 158 - لا يجوز شراء الوكيل بالتأخير – النسأ – إذا تضمن زيادة في الثمن لقاء الأجل. 159 - إذا قيد الوكيل في الوكالة بالشراء بشيء تقيد به ومن ذلك المنع من الشراء – بالتأخير – وإذا سمح له به جاز له. 160 - يجوز للوكيل أن يشتري بالتأخير – النسأ – بثمن الحال ولو لم يؤذن له. 161 - يجب تأخير فسخ الوكالة حتى إعلام الوكيل. 162 - يجب تأخير فسخ الوكالة حتى انتهاء تعلق حق الغير بها. 163 - يجب تأخير فسخ الوكالة حتى الانتهاء من مناشبة الخصوم إذا نوشبوا ثلاث مرات فأكثر. 164 - يجب تأخير فسخ الوكالة إذا كانت بأجرة. 165 - يجب تأخير فسخ الوكالة إذا لزم من ذلك ضياع المال. 166 - يجوز تأخير القبول في عقد الشركة بعد الإيجاب فهو على التراخي لا الفور. 167 - يجوز تأخير تسليم رأس مال الشركة عن مجلس العقد ولا يشترط إحضاره إلا عند الشراء. 168 - لا يجوز للشريك أن يبيع بالتأخير – النسأ – إذا مضى العرف بذلك أو قامت قرينة من قرائن الأحوال في الإذن على المنع وإلا جاز. 169 - إذا قيد الشريك في البيع بشيء تقيد به ومن ذلك المنع من البيع بالتأخير، وإذا سمح له به جاز له. 170 - لا يجوز للشريك أن يشتري بالنسأ إذا تضمن زيادة في الثمن لقاء الأجل بلا إذن. 171 - إذا قيد الشريك في الشراء بشيء تقيد به ومن ذلك المنع من البيع بالتأخير وإذا سمح له به جاز له. 172 - لا يجوز للشريك أن يشتري بالنسيئة عند إطلاق عقد الشركة. 173 - يجب تأخير فسخ الشركة إذا تضمن ضرراً حتى ينتفي على نحو ما هو مفصل في الوكالة قريباً. 174 - يلزم من تأخير الدين عن المكفول تأخيره عن كفيله. 175 - لا يلزم من تأخير الدين عن الكفيل تأخيره عن مكفوله. 176 - لا يجوز تأخير الدين عن المكفول إلا برضا الكفيل. 177 - لا يجوز تأخير أداء شهادة الحسبة فإن التقادم فيها مانع من سماعها ما لم يكن الباعث على التأخير عذر شرعي. 178 - لا يجوز تأخير أداء الشهادة في حق الآدمي عن طلبها إلا لعذر. 179 - لا يضر تأخير إحضار البينة بل لو حلف المدعي عليه على نفي الدعوى بعد العجز عن إحضار البيئة ففصل الحاكم فيها ثم أحضر المدعي بينة على صحة دعواه حكم بها ولا يضر هذا التأخير. 180 - يجوز إعطاء المدعي مهلة لتأخير إقامة بينته وأمدها عائد إلى الحاكم. 181 - تسمع بينة المدعي إذا أخرها عن طلبها ولو قال وقتئذ لا بينة لي. 182 - لا يجوز تمكين المدعي من طلب يمين المدعى عليه وتأخير بينته بعدها. 183 - تسمع بينة الدفع من المدعى عليه ولو أخرها بعد حلف المدعي بعد أن ردت اليمين عليه لنكوله. 184 - لا يجب تأخير القصاص حتى بلوغ الصغير إذا كان من أولياء الدم وللورثة المكلفين استيفاؤه دون انتظار الصغار. 185 - لا يجب تأخير القصاص حتى بلوغ الصغير إذا كان ولي الدم ولوليه أو وصيه المطالبة بالقصاص واستيفاؤه، أو العفو إلى الدية حسب ما يراه أصلح. 186 - لا يجب تأخير القصاص لانتظار إفاقة المجنون إذا كان من أولياء الدم وللورثة المكلفين استيفاء القصاص دونه.

187 - لا يجب تأخير القصاص لانتظار إفاقة المجنون إذا كان ولي الدم ولوليه أو وصيه أن يطالب بالقصاص ويستوفيه، أو يعفو إلى الدية حسب ما يراه أصلح. 188 - يجوز الاقتصاص من الجاني إذا جن، ولا يؤخر حتى إفاقته على أن يقيد هذا بقيدين: أ- ثبوت جنونه. ب- ألا يجن قبل الحكم. 189 - يجب تأخير القصاص لانتظار الغائب مطلقاً إذا كان غير مفقود ويظهر من غيبته عدم الطول أو تيسر الاتصال به. 190 - لا يجب تأخير القصاص لانتظار الغائب إذا كان من أولياء الدم سواء كان الغالب من فقده السلامة أم عدمها وللحاضرين القصاص. 191 - لا يجب تأخير القصاص لانتظار الغائب إذا كان ولي الدم بل إن الأمر راجع إلى الحاكم فيجتهد رأيه حسب ما يراه أصلح من الانتظار مدة يضربها أو القصاص فيكون ولي الدم عن الغائب. 192 - يجب تأخير القصاص لدخول الجاني الحرم إذا أتى الجناية خارجه. 193 - لا يجب تأخير القصاص لدخول الجاني إذا أتى الجناية داخله بل يقاد فيه بها. 194 - يجب تأخير إقامة الحدود والقصاص في دار الحرب حتى القفول إلى دار الإسلام سواء خشي اللحوق بدار الحرب أم لا. 195 - يجب تأخير القصاص احتياطاً للسرية. 196 - لا يجوز تأخير القصاص في النفس لمرض ولا حر ولا برد. 197 - يجب تأخير القصاص فيما دون النفس للمرض والحر والبرد الشديدين إذا تعذر الحصول على مصادر التدفئة أو التبريد. 198 - يجب تأخير القصاص سواء في النفس أم دونها على الحامل حتى تضع ولدها ثم ترضعه حتى تفطمه إلا إذا وجد من تكلفه ذلك. 199 - دية قتل العمد تجب حالة في مال الجاني ولا تؤخر. 200 - تجب دية قتل شبه العمد على العاقلة مؤخرة في ثلاث سنين. 201 - تجب دية قتل الخطأ على العاقلة مؤخرة في ثلاث سنين. 202 - يجب تأخير إقامة الحد للمرض والحر والبرد الشديدين إذا تعذر الحصول على مصادر التدفئة أو التبريد. 203 - يجب تأخير إقامة الحد على السكران حتى يصحو. 204 - يجب تأخير إقامة الحد على المرتد حتى استتابته عدا من تغلظت ردته فيجوز قتله من غير استتابة. 205 - لا حد لمدة استتابة المرتد ولو لزم من كشف شبهته تأخير الحد أيام طويلة. 206 - لا يجوز تأخير إقامة الدعوى بعد قيام المقتضى؛ إذ التقادم يمنع من سماعها وذلك قضاء فقط، أما الحق نفسه فإنه باق ديانة وهو قديم لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء فلا يكسب مضي الزمن ملكية ولا يسقط حقاً مشروعاً. 207 - يجوز تأخير الحكم في الدعوى لرجاء الصلح خاصة بين الأقارب وذلك مندوب. 208 - يجب تأخير الحكم في الدعوى إذا استمهل المدعي. 209 - يجب تأخير الحكم في الدعوى إذا كان عند القاضي ريبة حتى تكشف. 210 - يجب تأخير الحكم في الدعوى للأعذار والتأجيل والتعجيز. 211 - يجب تأخير يمين المستحلف إذا طلب ذلك للتحقق ومراجعة الحساب ونحو ذلك فيمهل له وهو على يمينه. 212 - لا يجوز تأخير بذل اليمين عن طلبها بلا عذر فإن أخر من توجهت عليه قضي عليه بالنكول ولا محل لليمين فيما بعد الحكم. 213 - يجب تأخير يمين الصبي حتى يبلغ.

الترجيح في مسائل الصوم والزكاة

الترجيح في مسائل الصوم والزكاة ¤محمد بن عمر بن سالم بازمول£بدون¥دار الهجرة - الخبر¨الأولى¢1415هـ€فقه¶فقه عبادات منوعات الخاتمة انتهيت من بحث المهمات من مسائل الصوم والزكاة، إلى النتائج التالية، التي تعتبر تلخيصاً للراجح فيها: بالنسبة لمسائل الصوم: - إنه لابد من شهادة اثنين من المسلمين العدول لإثبات رؤية هلال رمضان، كسائر الشهور. - فإن غم الهلال أكمل شهر شعبان ثلاثين يوماً. - ولا يجوز صيام يوم الشك مطلقاً؛ سواء غم الهلال آخر شعبان أم لا. - ولا عبرة في إثبات هلال الشهر بغير ذلك (أعني: الرؤية، أو إكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً)، فلا عبرة بالحساب الفلكي. - ولابد في صيام كل يوم من تبييت النية في ليلته قبل الفجر، ويكفي في تبييت النية أي شيء يفعله المسلم من أجل الصيام غداً، وهذا الحكم (أعني: تبييت النية) مطلق في صوم الفرض أو النفل. - والحيض والنفاس يمنعان المرأة من الصوم فلا يصح صومهما وعليهما القضاء. - والمرأة الحامل والمرضع لها أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليها. - ويجوز الصوم في السفر. - والأفضل الفطر في السفر، سواء في رمضان أم غيره، وسواء شق السفر أم لا، وسواء طال السفر أم قصر. ومن أفطر في السفر عليه القضاء. - وإذا مضى عام ودخل رمضان، ولم يتمكن المسلم من قضاء ما عليه، فإنه يصوم رمضان، فإذا أفطر أيام العيد يشرع في قضاء ما عليه ولا يلزمه غير ذلك. - ويجوز صيام التطوع لمن عليه قضاء، إذا لم يضيق عليه الوقت. - ويجوز صيام يوم السبت مقترناً بغيره، وعلى غير وجه التخصيص. - وإنزال المني عمداً يفطر ويوجب القضاء. وبالنسبة لمسائل الزكاة: - إن الزكاة المفروضة لا تجب في حلي المرأة المستعملة، وإنما يجب مطلق الصدقة، ولو بعاريتها. - وتجب الزكاة في عروض التجارة. - والأصل إخراج الزكاة من جنس ما وجبت فيه ويجوز إخراجها بالقيمة، للضرورة والمصلحة الراجحة. - ولا يجب استيعاب الأصناف الثمانية في مصارف الزكاة. - ويجوز إعطاء الزكاة المفروضة للأقارب المساكين والفقراء، بشرط: اتصافهم بذلك حتى بعد النفقة عليهم، وبشرط أن لا تحتسب من النفقة إذا وجبت نفقتهم على المزكي. - والراجح أن "الحج" يدخل في مصرف "سبيل الله" فيشمل: الغزاة والحجاج. - والأصل أنه لا يجوز نقل الزكاة من بلد المال إلا بعد اكتفائهم منها، فتنقل إلى الأدنى فالأدنى، وللإمام في ذلك العمل بحسب المصلحة في رعيته. - وزكاة الفطر تخرج قبل صلاة العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تقديمها على ذلك، ولا تأخيرها عن صلاة العيد. - مصرف زكاة الفطر هو مصرف الزكاة المفروضة، إلا إنها لا تصرف للمؤلفة قلوبهم لأن شأن هذا السهم للإمام، لا للأفراد من المسلمين، ولا تصرف للعاملين عليها لأن المسلم يصرف زكاة الفطر بنفسه أو من يوكله فلا عاملين عليها. هذه خلاصة نتائج المسائل المهمة في الصوم وفي الزكاة، التي بحثت في هذا الكتاب. وبها يتم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلى اللهم على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة

الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة ¤محمد بن عمر بن سالم بازمول£بدون¥دار الهجرة - السعودية¨الأولى¢1423هـ€فقه¶فقه عبادات منوعات الخاتمة أذكر فيها أهم النتائج التي انتهى إليها بحث المسائل التي هي موضوع الكتاب بالنسبة لمسائل الطهارة: انتهى البحث إلى أن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة فعندها يكون الماء نجسا، وأن هذا الحكم يشمل الماء الكثير والقليل إلا الماء القليل الذي ولغ فيه الكلب فإن له حكمه الخاص بالنص الثابت في ذلك. كما قرر أن عين الخمر طاهرة ليست بنجسة، وأنه لا دليل صحيح على الحكم بنجاسة الخمر عينا. وانتهى البحث إلى أن حكم الرجلين في الوضوء الغسل إذا لم يكن عليهما خفان أو جوربان، وأنه يمسح على الخفين والجوربين إذا لبسهما المسلم على طهارة. كما انتهى البحث إلى تقرير أن الترتيب بين أعضاء الوضوء المذكورة في الآية على الوجوب، لا الشرطية، ولا مجرد السنية. وقرر البحث أن مس الذكر يستحب معه الوضوء ولا يجب لأنه ليس بناقض على الأرجح. وقرر أن لمس المرأة باليد لا ينقض الوضوء مطلقا. وانتهى البحث إلى أن الطهارة لا تشترط في الطواف، وأن الطواف بدونها صحيح. وقرر وجوب الطهارة للمس المصحف. كما انتهى البحث إلى أنه لا يجوز للحائض ولا للجنب الجلوس في المسجد، إلا المرور فقط، ويجوز للجنب اللبث في المسجد بعد الوضوء ولو لم يغتسل. وقرر جواز جماع المرأة إذا انقطع دم الحيض وغسلت المحل. وبالنسبة لمسائل الصلاة: انتهى البحث إلى تقرير أن آخر وقت صلاة العشاء ما لم يدخل وقت الفجر. وقرر أن التثويب في الأذان للصبح إنما يكون في الأذان الذي تعقبه الإقامة. وانتهى إلى أن السترة من السنن المؤكدة في الصلاة، وأن من عبر من أهل العلم بالوجوب لم يرد الوجوب الاصطلاحي، الذي يلزم منه إثم أو عدم صحة العبادة عند من تعمد تركه. وقرر البحث أن التسوية والتراص في صف الصلاة من السنن المؤكدة، وأن الزاق القدم بالقدم والكتف بالكتف والكعب بالكعب والركبة بالركبة من سنن التراص إذا لزم فعلها من أجل حصوله، بدون ضرر أو إضرار. وقرر وجوب الفاتحة على الإمام والمأموم والمنفرد في السرية والجهرية. وانتهى إلى أن المأموم يقول آمين عقب بدء الإمام بقول آمين. وقرر البحث أن وضع اليدين في القيام بعد الركوع على الصدر غير مشروع. وأن الهوي إلى السجود يكون بتقديم اليدين على الركبتين. وأن من السنة رص العقبين في السجود. وقرر عدم مشروعية الإشارة بالإصبع بين السجدتين. ومشروعية الإشارة والحركة الخفيفة بالأصبع الشاهد في التشهد. وانتهى إلى مشروعية الإستواء قاعدا في الركعات الوتر من الصلاة مطلقا. وأن النهوض في الصلاة على هيئة العاجن من السنن الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم. وأن التورك في الصلاة ذات التشهد الواحد لم يأت دليل عليه. وأن إخراج القدم اليسرى من تحت الساق اليمنى في الجلوس للتشهد الثاني من السنن. وأن سجود السهو يكون عقب السلام إلا في موضعين انثين هما: عند حصول الشك الذي لم يترجح فيه أحد الطرفين، وعند القيام من التشهد الأوسط، وعدم الجلوس له. وقرر البحث أن الجماعة لا يشترط لها المسجد. وقرر البحث أن القنوت مشروع في صلاة الوتر طوال العام، وأنه يشرع ترك المداومة عليه في النصف الأول من رمضان أو تركه، كما يشرع المداومة على فعله في النصف الآخر من رمضان. وأن قنوت النازلة مشروع بعد الركوع من الركعة الأخيرة في الصلوات الخمس المكتوبة، إذا نزلت نازلة بالمسلمين، وأمرهم بذلك الإمام (الحاكم) أو نائبه. وقرر أن تارك الصلاة كسلا وتهاونا مع إقراره بها، وبوجوب التزامها غير كافر، وأن من ترك الصلاة جحودا وعنادا كافر، وأن من صوره من أصر على ترك الصلاة، وهو يعرض على السيف فأصر على الترك حتى قتل، ومن صوره من ترك الصلاة بالكلية، ومن صوره من لم يرى وجوب التزام الصلاة. وقرر البحث أن عقد اليد اليمنى بالتسبيح هو السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم. هذه أهم النتائج الكتاب ولله الحمد والمنة. اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. تم الكتاب والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

الظروف المشددة المحققة في عقوبة التعزير في الفقه الإسلامي

الظروف المشددة المحققة في عقوبة التعزير في الفقه الإسلامي ¤ناصر علي ناصر الخليفي£بدون¥مطبعة المدني - مصر¨الأولى¢1412هـ€فقه¶تعزير - أعمال شاملة ومنوعة الخاتمة: يمكن أن نحمل أهم نتائج هذا البحث فيما يلي: 1 - العقوبة علاج ضروري للجريمة، وليس الهدف منها مجرد الانتقام من المجرم، ولكن الهدف منها هو: حماية المجتمع من عدوان المعتدين، وتهذيب المعتدين أنفسهم، والحيلولة دون استمرار العدوان، فالعقوبة رحمة بالإنسان مطيعاً كان أو عاصيا، وهي من مقتضيات العدالة الإلهية، وهي من موانع الجريمة قبل وقوعها، ومن الزواجر عن تكرارها بعد وقوعها، أي إن لها دورا وقائياً ودورا علاجيا في وقت واحد. والإيمان بهذا الهدف الذي ترمي إليه العقوبة يجعلنا نسلم بما قضت به الشريعة من عقوبات على مختلف الجرائم، لأن الجرائم وزنت فيها بميزان قسط، فكان التشديد في محله، وكان التخفيف في محله، ولا مجال بعد ذلك لادعاء القسوة في العقوبات بالنسبة لبعض الجرائم، فالعقوبات مهما بلغت قسوتها ليست إلا رحمة في نهاية الأمر. 2 - بالنسبة لوسائل لتعزيز رجحنا أن عقوبة الجلد والنفي والحبس تعزيرا ليس لها حد مقدر لا تتعداه، بل هي تختلف تشديدا وتخفيفا باختلاف الظروف، وللقاضي سلطة واسعة في شأنها. وفي مسألة القتل تعزيرا رجحنا جواز العقوبة بالقتل في بعض الجرائم الخطيرة التي لا يحسمها إلا القتل، ولكننا لا نرى التوسع في إباحة هذه العقوبة الخطيرة. وفي العقوبات المالية توصلنا إلى وجوب التمييز بين التعزير بإتلاف المال، والتعزير بمصادرة المال الذي وقعت المعصية به أو فيه، وبين التعزير بأخذ المال (الغرامة)، فالأول والثاني جائزان عند كثير من الفقهاء، والثالث ممنوع عند جمهورهم، وقد رأينا جوازه في حدود ضيقة جدا، مع وجوب توفر شرطين لذلك: أحدهما: أن لا تمكن معاقبة الجاني بوسيلة أخرى غير الغرامة. وثانيهما: أن لا تكون الغرامة ذريعة لمصادرة أموال الناس، فأموال الناس محترمة، كدمائهم وأعراضهم، فلا تستباح إلا بمبيح قوي مأخوذ من الشرع. 3 - هناك علاقة قوية بين الظروف المشددة والمخففة وبين ما يسمى في الفقه الإسلامي بالسياسة الشرعية، وقد أثبتنا هذه العلاقة من خلال دراسة النصوص الفقهية الواردة في ذلك. 4 - أسباب تشديد العقوبة وتخفيفها متعددة. منها: ما يتعلق بالمجرم من حيث خطورته، وكونه قدوة في الإجرام والفساد، وكونه داعية مروجا للجريمة، وكونه مجاهرا بها أو مستديما لاقترافها. ومنها: ما يتعلق بالجريمة نفسها من حيث كثرتها وقلتها، وكبرها وصغرها، ومن حيث زمان ومكان وقوعها، ومن حيث أثرها. ومنها: ما يتعلق بمن ارتكبت الجريمة في حقه، وعلى القاضي أن يدرس هذه الأسباب بشكل منسق متكامل، فيقابل سببا من أسباب التشديد بوجه من أوجه التشديد، وسببا من أسباب التخفيف بوجه من أوجه التخفيف، ثم يصدر العقوبة التي تناسبها تشديدا أو تخفيفا، وبذلك يكون حكمه صائبا متفقا مع روح الشرع وقواعده. 5 - للقاضي في الفقه الإسلامي سلطة تقديرية واسعة في العقوبات التعزيرية، ولكن هذه السلطة ليست مطلقة من كل قيد، وليست تحكمية موكولة إلى ميول القاضي، بل لابد أن يخضع القاضي في ممارستها لضوابط، وإلا كان حكمه معيبا واجبا نقضه، وأهم هذه الضوابط. أ- الملاءمة بين العقوبة وبين الجرم. ب- الملاءمة بين الجريمة والعقوبة. ج- عدم المخالفة لنصوص الشريعة وقواعدها العامة. د- مراعاة المصلحة العامة ونظام الجماعة العام المؤسس على الشرع. هـ- التدرج في العقوبة.

6 - المقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي في شأن ظروف التشديد والتخفيف يجب أن تتم بحذر كبير، بل كل مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي يجب أن تتم بهذا الحذر، فكثير من المقارنات في هذا المجال غير دقيقة، وكثيرا ما تؤدي إلى استنتاجات وأحكام غير سليمة، وكثيرا ما تؤدي هذه المقارنات إلى سوء فهم للفقه الإسلامي، وإلى رميه أحيانا بالعجز ولو عن غير قصد، وسبب ذلك: إخضاعه لمصطلحات قانونية محدثة متغيرة، ولذلك فليس من الإنصاف أن نحاول صبغ الفقة الإسلامي بصبغة القانون الوضعي وإلباسه مصطلحاته، وليس من الإنصاف أن نضع أمامنا المصطلحات القانونية ثم نحاول البحث والتنقيب عن هذه المصطلحات نفسها في الفقه الإسلامي. 7 - القانون الوضعي لا يفرق بين الحدود والقصاص وبين التعزير، بل لا يعرف هذا التقسيم للجرائم، ولذلك فجميع الجرائم عنده تدخل فيها ظروف التشديد والتخفيف، خلاف للفقه الإسلامي الذي يفرق بين الحدود والقصاص وبين التعزير. فالمجال الواسع لظروف التشديد والتخفيف في الفقه الإسلامي هو مجال العقوبات التعزيرية، لأنه هو المجال الذي يستطيع القاضي بما له من سلطة تقديرية أن يشدد العقوبة فيه أو يخففها، أما الحدود والقصاص فإن التخفيف والتشديد فيهما موكول إلى الشارع وسلطة القاضي فيها محصورة في عرض الجريمة على النصوص وفي تطبيقها عليها. 8 - القصد الجنائي في الفقه الإسلامي قصد واحد، أما القانون فيجعل القصد قصدين: قصدا بسيطا، وقصدا موصوفا بأنه المقترن بسبق الإصرار أو الترصد، وهذا التنويع تنتج عنه مخالفات واضحة للفقه الإسلامي، ولذلك اعتبرناه تنويعا باطلا من وجهة نظر الفقه الإسلامي، رغم أن بعض الباحثين، حاولوا تأييد وجوده في الفقه الإسلامي، وهذه المحاولة ما هي إلا إخضاع للفقه الإسلامي لمصطلحات القانون الوضعي، وهو الأمر الذي حذرنا منه. وهذه هي أهم نتائج هذا البحث، وأرجو أن يكون خطوة أولى على درب البحث العلمي الدقيق الذي آمل أن أسير فيه موقفاً محفوظا من الزلل والهوى. والله أسأل أن يتقبل منا هذا العمل، وأن يوفقنا لمزيد من الأعمال الصالحة، وأن يرزقنا الإخلاص في كل ذلك لوجهه الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

التسبيح في الكتاب والسنة والرد على المفاهيم الخاطئة فيه

التسبيح في الكتاب والسنة والرد على المفاهيم الخاطئة فيه ¤محمد بن إسحاق كندو£بدون¥مكتبة دار المنهاج - الرياض¨الأولى¢1426هـ€فقه¶أذكار وأدعية - أعمال شاملة الخاتمة انتهى _بعون الله تعالى وتوفيقه_ البحث في موضوع (التسبيح في الكتاب والسنة والرد على المفاهيم الخاطئة فيه)، ومن المفيد الإشارة هنا إلى ملخص عام لهذا البحث: - فقد تناولت في مقدمته _ بعد الافتتاحية _ فكرة الموضوع، وأهميته، وأسباب اختياره، مع بيان خطته والمنهج المتبع في كتابته، والشكر والتقدير لمن يستحق ذلك. - وكان الباب الأول في معاني التسبيح وأنواعه، ففي معانيه بينت بناء لفظ (التسبيح)، ومعناه في اللغة، وأصله اللغوي، وطريقة تعديه، كما بينت ماهية (سبحان) في اللغة، وطريقة استعماله في الكلام، وإعرابه. - ثم بينت المعنى الأصلي للتسبيح في الشرع، ودلالته على التعظيم في حق الله تعالى، وأنه جاء في الشرع بمعنى الصلاة، وبمعنى الذكر عمومًا، وبمعنى الاستثناء وبمعنى العبادة، وأنه سمي دعاء مع بيان المناسبة لاستعماله في هذه المعاني كلها. - كما بينت الألفاظ التي ترادف التسبيح في الدلالة على تنزيه الله تعالى، وهي: التقديس _منه اسم الله (القدوس) _، والسلام من أسماء الله تعالى، وتعالى مسندًا إلى الله عز وجل_ وكلمة (حاش لله)، والنفي الوارد في حق الله تعالى في الكتاب والسنة. - وفي أنواع التسبيح بينت أنواعه باعتبار معناه، وأنه _بهذا الاعتبار _ نوعان: - أحدهما: تسبيح الله عن النقائص والعيوب. - والثاني: تسبيح الله عن التمثيل والتشبيه. - وبينت أن هذين النوعين متلازمان. - ثم بينت أنواعه باعتبار صيغه، وأنه _ بهذا الاعتبار_ نوعان أيضًا: - أحدهما: صيغة الإفراد. والثاني: صيغة القران. - وبينت _ في صيغة القرآن_ أنها تنوعت بحسب ما قرن به من لفظ التسبيح من الألفاظ الأخرى، إلى سبعة أنواع، وهي: - قرن التسبيح بالتحميد، وقرنه بالتهليل، وقرنه بالتكبير، وقرنه بأسماء الله وصفاته، وقرنه بالاستغفار، وقرنه بالدعاء، وقرنه بالسلام على المرسلين. - كما بينت أنواع التسبيح باعتبار فاعله، وأنه _ بهذا الاعتبار_ خمسة أنواع، وهي: 1 - تسبيح الله تعالى لنفسه المقدسة. 2 - وتسبيح الملائكة لله تعالى. 3 - وتسبيح صالحي البشر _ من الأنبياء وأتباعهم _ لله تعالى. 4 - وتسبيح الكائنات كلها لله تعالى. 5 - وتسبيح أهل الجنة فيها لله تعالى. - وكان الباب الثاني في حكم التسبيح وفضله ومنزلته في العقيدة، ففي حكمه بينت حكم تسبيح الله تعالى من حيث القول، وحكم تسبيحه من حيث الاعتقاد. كما بينت حكم تسبيح غير الله تعالى من حيث القول، ومن حيث الاعتقاد كذلك. - وفي فضل التسبيح بينت الفضل المختص به، ببيان ما ورد في ذلك في كتاب الله تعالى، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما بينت أفضل صيغ التسبيح. - ثم بينت الفضل المشترك للتسبيح، وهو ما ورد في الكتاب والسنة دالاً على فضل التسبيح مقرونًا مع التحميد، والتهليل، والتكبير، وغير ذلك من الذكر والدعاء. - ثم تكلمت على المفاضلة بين التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير في ضوء الأدلة الواردة في ذلك. - وفي منزلة التسبيح في العقيدة بينت أن التسبيح دال على وصف لله تعالى، وأنه قد اشتق منه اسم من أسماء الله الحسنى، وهو اسمه (السّبّوح)، وبينت أن التسبيح من شواهد الإيمان بالله تعالى، وأنه كذلك من أصول توحيد الله تعالى، كما أنه من دلائل حسن العقيدة الإسلامية. - وكان الباب الثالث في المواضع التي يشرع فيه التسبيح، وقد تضمن هذا الباب المواضع التي يشرع فيها التسبيح في الصلاة خاصة وهي ستة مواضع: 1 - التسبيح في افتتاح الصلاة.

2 - التسبيح عند قراءة آية فيها تنزيه الله تعالى. 3 - والتسبيح بدلاً من القراءة لمن لا يحسن شيئًا من القرآن. 4 - والتسبيح في الركوع والسجود. 5 - والتسبيح في الصلاة لأمر طارئ. 6 - والتسبيح في دبر الصلاة. كما تضمن هذا الباب المواضع التي يشرع فيها التسبيح مفردًا في غير الصلاة، وهي تسعة مواضع: 1 - التسبيح عند الهبوط في الأماكن المنخفضة. 2 - والتسبيح عند سماع الرعد. 3 - والتسبيح عند التعجب مما ينافي الاعتقاد الصحيح في الله تعالى. 4 - والتسبيح عند التعجب من المنكر. 5 - والتسبيح عند العجائب الدالة على عظمة الله تعالى. 6 - والتسبيح عند التعجب من الأشياء المهولة. 7 - والتسبيح عند مطلق التعجب. 8 - والتسبيح في الأوقات المخصوصة. 9 - والتسبيح مطلقًا في الأحوال والأوقات. 10 - وتضمن هذا الباب كذلك المواضع التي يشرع فيها التسبيح مقرونًا بغيره من ألفاظ الذكر والدعاء، وهي عشرة مواضع: 1 - عند النوم. 2 - عند الانتباه من النوم. 3 - عند الفراغ من الوضوء. 4 - عند الاستواء على المركوب. 5 - عند الإهلال بحج أو عمرة. 6 - في داخل الكعبة في نواحيها. 7 - قبل الدعاء. 8 - عند الكسوف. 9 - عند الكرب. 10 - في ختم المجلس. - وكان الباب الرابع في بيان المفهوم الصحيح في تسبيح الله تعالى، وقد تناولت فيه طريقة الكتاب والسنة في تسبيح الله تعالى، وبينت أن طريقتهما تتجلى في أربعة أمور: 1 - الإجمال في التنزيه غالبًا. 2 - والتفصيل في الإثبات، بذكر الأسماء والصفات الدالة على التنزيه. 3 - التفصيل في التنزيه _ أحيانًا _ لأسباب. 4 - إثبات المثل الأعلى لله تعالى. ثم تناولت تسبيح الله تعالى في أسمائه وصفاته، وبينت أن أسس هذا التسبيح هي: 1 - الإثبات مع التنزيه. 2 - النفي مع إثبات كمال الضد. 3 - والسكوت عما لم يعلم في الكتاب والسنة إثباته أو نفيه. 4 - ومراعاة ما يقتضي التنزيه مراعاته في حق الله تعالى إثباتًا ونفيًا، وهي: أ - التفريق بين ما تسمى الله به مفردًا، وما تسمى به مقرونًا بما يقابله. ب - والتفريق بين ما أطلق على الله تعالى في الكتاب والسنة مطلقًا وما أطلق عليه مقيدًا. ت - والتفريق بين ما يطلق على الله في باب الأسماء والصفات، وما يطلق عليه في باب الإخبار. ث - والتوقير والتعظيم لأسماء الله تعالى وصفاته لفظًا ومعنى، وظاهرًا وباطنًا. وتناولت _بعد ذلك_ تسبيح الله تعالى في أقواله وأفعاله، وبينت أن أسس هذا التسبيح ثلاثة، وهي: 1 - تسبيح الله تعالى عن العبث في أقواله وأفعاله باعتقاد أنها صادرة عن حكم عليا. 2 - تسبيح الله عن الظلم في أقواله وأفعاله. 3 - وتسبيح الله تعالى عن نسبة الشر إليه. - وكان الباب الخامس في الرد على المفاهيم الخاطئة في التسبيح، فذكرت فيها التسبيح الذي ادعاه المشركون بالله تعالى في العبادة، والتسبيح الذي ادعاه الممثلة، والمعطلة، والقدرية، والجبرية، والوعيدية، والصوفية. ورددت على هذه المفاهيم الخاطئة في التسبيح لدى هذه الفرق والطوائف في ضوء الكتاب والسنة واعتقاد أهل السنة والجماعة. - بهذا يكون هذا البحث قد استوفى الأبواب والفصول والمباحث التي وضعت في خطة البحث. - وأما الموضوع نفسه فأرجو أن أكون قد وفقت في عرضه وإخراجه على الوجه المطلوب، أما الوفاء بحقه من البحث والدراسة فمما يقصر عنه مثلي، لكن حسبي أني بذلت جهدي بحسب ما أتيح لي من الوقت لتناول هذا الموضوع، وأسأل الله تعالى أن يجعل فيما قدمته فائدة ونفعًا لي وللمسلمين، وأن يعفو عن زلاتي وأخطائي، وأن يلهمني الصواب، وأن يعينني على ذكره وشكره وحسن عبادته. - والحمد لله أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، و (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)

التشبه المنهي عنه في الفقه الإسلامي

التشبه المنهي عنه في الفقه الإسلامي ¤جميل بن حبيب اللويحق£بدون¥دار الأندلس الخضراء - جدة¨الأولى¢1419هـ€فقه¶تشبه بالكفار الخاتمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فأشير في خاتمة هذا البحث المبارك بإذن الله تعالى، إلى بعض النتائج العامة التي خرجت بها من هذه الجولة العلمية الطويلة مع موضوع (التشبه المنهي عنه في الفقه الإسلامي)، وأدع النتائج العلمية الدقيقة للبحث كالقواعد المستنبطة، والأحكام المستخرجة، والفوائد التي انتهيت إليها لقارئ البحث يطالعها مفصلة في ثنايا هذا الكتاب. ومن هذه النتائج العامة: - أن شريعة الإسلام جاءت تامة كاملة، تسير بأفرادها بأحسن السبل وتحملهم على أفضل الأحوال، لا تحتاج إلى تتميم ولا تعديل، ولذلك منعت المسلم من الانقياد الضعيف لذوي النقص الديني، والدنيوي بالتشبه بهم وتقليدهم، سواء كانوا من غير المسلمين كأنواع الكفار من أهل الكتاب، والجاهليين وغيرهم، أو كانوا من المسلمين الذين تلبسوا بما نزل برتبتهم وذلك كالمبتدعة والفساق وغيرهم. - أن موضوع التشبه لم يبحث من قبل بحثا فقهيا جامعا يستوفي جوانبه كلها، ويجمع مفرداته إلى بعضها بحيث يكون مرجعا يسد هذه الثغرة في قضية من أخطر القضايا، ولا يوجد بين أيدينا إلا أحكاما منثورة، تحتاج إلى جمع، وتقعيد وتأصيل. - أن موضوع التشبه المنهي عنه من أخطر القضايا في حياة المسلمين المعاصرة بكل تشعباتها واتساعها، وتمتد مسألة التشبه بطول حياة المسلمين في داخل مجتمعاتهم، وفي علاقتهم بغيرهم من الأمم، ولذلك فلابد من بيان صورته وحدوده، وإظهار ضوابطه، ونشر تطبيقات أحكامه في الناس، وعمت به البلوى، وهذا شأن البحوث العلمية، والدراسات الشرعية المتخصصة، وما هذه الدراسة العلمية إلا محاولة على هذا الطريق. - أن في الفقه الإسلامي – والحمد لله – من السعة والشمول ما يمنح الباحث وطالب العلم قدرة على بحث هذه المسألة وغيرها من خلال النصوص الشرعية، والاجتهادات الفقهية، وخصوصا من حيث التأصيل والتقعيد، واستخراج النظائر الفقهية المنثورة في مؤلفات العلماء، وقد لمست هذا حين اجتهدت في سلوك هذا السبيل خلال دراسة موضوع التشبه، وخصوصا عند بحث الفروع الفقهية في البابين الثاني والثالث، وردها إلى قواعدها، التي هي في حقيقة الأمر خلاصة الأدلة الشرعية، وحاصل استقراء مسالك العلماء في بناء الفروع عليها. - أن التشبه يمنع كما دل الاستقراء للفروع الفقهية المذكورة في البحث وغيرها كل ما تضمن مفسدة، وتكون قوة المنع بحسب عظم هذه المفسدة، وهذه المفاسد كثيرة ومتنوعة وتدور في مجملها على المفسدة الدينية من حيث أصل الإيمان أو كماله. وفي الختام أحمد الله تعالى على فضله، وأسأله مزيده، وأستغفر الله من كل ذنب، إنه رحيم غفور.

التعبير عن الرأي – ضوابطه ومجالاته في الشريعة الإسلامية

التعبير عن الرأي – ضوابطه ومجالاته في الشريعة الإسلامية ¤خالد بن عبدالله الشمراني£بدون¥مركز التأصيل للدراسات والبحوث- جده¨الأولى¢1430هـ€فقه¶دراسات فقهية الخاتمة: وبعد العرض السابق في مسائل هذا البحث ومواضيعه، يحسن بنا أن نختمه بخلاصة لنتائجه، وهي على سبيل الاختصار كما يلي: 1 - أن الإسلام قد أولى حقوق الإنسان على سبيل العموم، والتعبير عن الرأي المشروع على سبيل الخصوص عناية كبيرة، ويتجلى ذلك في تكريمه للإنسان وصيانته لحقوقه وحرياته، باعتبارها منحاً إلهية ليس من حق أحد من الناس مصادرتها، ولا الحرمان منها. 2 - أن الرأي الصادر عن الإنسان والذي هو نتاج تأمله وتفكيره، منه ما هو مشروع، ومنه ما هو غير مشروع، ومنه ما يسوغ عند الضرورة، فالرأي المشروع قد يكون واجباً وقد يكون مندوباً وقد يكون مباحاً، كما أن الرأي غير المشروع قد يكون محرماً وقد يكون مكروهاً. 3 - أن الرأي المشروع أنواع خمسة هي: آراء الصحابة رضوان الله عليهم، والرأي الذي يفسر النصوص، والإجماع المستند إلى الاجتهاد الجماعي، والاجتهاد في استنباط حكم الواقعة بعد البحث عن حكمها في الكتاب والسنة وآراء الصحابة، والرأي في مجال الأمور الدنيوية لأصحاب الخبرة والتجربة. 4 - كما أن الرأي غير المشروع أنواع خمسة هي: الرأي المخالف للنص، والكلام في الدين بالخرص والظن، والرأي المتضمن تعطيل أسماء الله وصفاته بالمقاييس الباطلة، والرأي الذي أحدثت به البدع، والقول في شرائع الدين بالاستحسان والظنون. 5 - أن هناك جملة من الضوابط التي لابد اجتماعها حتى يكون التعبير عن الرأي مشروعاً وهي: أولاً: مشروعية الرأي، ثانياً: مراعاة ما يؤول إليه التعبير عن الرأي من مصلحة أو مفسدة، ثالثاً: مشروعية الوسيلة. 6 - أن التعبير عن الرأي المشروع يستند على جملة من الأصول الشرعية وهي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشورى، وكون التعبير عن الرأي من المصالح الحاجية. 7 - أن التعبير عن الرأي في المسائل الشرعية لا يسوغ إلا لمن توفرت فيه جملة من الشروط هي: الإسلام، والتكليف، والعدالة، والاجتهاد، وجودة القريحة. 8 - كما أن التعبير عن الرأي في الأمور الدنيوية لا يسوغ إلا لأصحاب الخبرة والتجربة. 9 - أن الخلاف في المسائل الشرعية الفقهية من الأمور الطبيعية، وله أسباب علمية أدت إليه، أما الخلاف في المذاهب الاعتقادية فهو شر وبلاء ويجب على الأمة الإسلامية أن تجتمع على مذهب أهل السنة والجماعة. 10 - أن قاعدة (لا إنكار في مسائل الخلاف) ليست على إطلاقها، بل من المسائل ما يكون الخلاف فيها ضعيفاً، فهنا يتوجه الإنكار، ومن المسائل ما يكون الخلاف فيها قوياً، وهذه لا إنكار فيها. 11 - أن الشريعة الإسلامية جاءت بجلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها. 12 - أن مراعاة مآلات الأفعال معتبر في الشريعة، بوجه عام، وفي التعبير عن الرأي بوجه خاص. 13 - أن الوسائل لها أهمية بالغة في الشريعة الإسلامية، ولها ارتباط وثيق بالمقاصد. 14 - أن الوسائل لها أحكام المقاصد، كما أن الوسائل تسقط بسقوط المقاصد، أو بحصولها. 15 - أن المقاصد أشرف رتبة من الوسائل، ولذلك فإن مراعاة المقاصد أولى من مراعاة الوسائل. 16 - أن الأصل في العبادات التوقيف والحظر، وبالتالي فإن التقرب إلى الله بما لم يشرع بدعة. 17 - أن الأصل في العادات الإباحة، وليس للبدعة مدخل فيها إلا إذا قصد المكلف التقرب بذاتها لله تعالى. 18 - أن توظيف الوسائل العادية للتعبير عن الرأي المشروع أمر سائغ، وليس ببدعة مدخل في هذا الباب كما تقدم، بشرط أن تكون هذه الوسائل مشروعة في ذاتها، وألا يقصد المكلف التقرب بذاتها لله تعالى.

19 - المظاهرات أمر مباح بالنظر إلى ذاته، وحكمها الشرعي يتبع مقصدها، وما يمكن أن تؤول إليه من مصلحة أو مفسدة. 20 - أن طاعة ولاة الأمر واجبة إذا أمروا بطاعة، ومحرمة إذا أمروا بمعصية، كما تجب طاعتهم في تقييدهم للمباح إذا كان هذا التقييد مستنداً للمصلحة. 21 - أن إضراب الموظفين عن العمل لا يجوز شرعاً، إذا كان رب العمل ملتزماً بمقتضى العقد وشروطه. 22 - أن إضراب التجار وأصحاب الحرف عن العمل جائز بشرطين: الأول: أن يكون المقصد من الإضراب عن العمل؛ مشروعاً. والثاني: ألا يترتب على الإضراب عن العمل مفسدة راجحة تلحق الضرر بمصالح الناس الضرورية أو الحاجية. 23 - أن الإضراب الكلي عن الطعام، والذي يفضي إلى الموت محرم، وهو ضرب من ضروب الانتحار. 24 - أن الإضراب الرمزي عن الطعام، سائغ بشرط أن يكون المقصد منه مشروعاً. 25 - أن للرد على أصحاب الآراء غير المشروعة جملة من المقاصد الجليلة منها: إعلاء كلمة الحق وإزهاق كلمة الباطل، وهداية المخالف، وإقامة الحجة، وكف عدوان المبطلين. 27 - أن للرد على أصحاب الآراء غير المشروعة جملة من الشروط والآداب منها: الإخلاص والمتابعة، والأهلية، والإنصاف والعدل، وكشف شبهة المخالف وبيان زيفها. 28 - أن مجادلة أصحاب الآراء غير المشروعة منها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم، فإذا كانت المجادلة مستوفية لشروطها كانت محمودة، أما إذا تخلف شرط من الشروط السابقة فإنها تكون مذمومة. 29 - أن العقوبة شرعت في الإسلام، من أجل استصلاح الجاني وردعه وتأديبه، وزجر غيره عن سلوك سبيله. 30 - أن معاقبة أصحاب الآراء غير المشروعة الذين يجاهرون بها ويدعون الناس إليها أصل من أصول مذهب أهل السنة والجماعة. 31 - أن البدع والآراء غير المشروعة ليست على درجة واحدة من القبح والشناعة، بل منها بدع وآراء مكفرة وأخرى مفسقة، وهذه الأخيرة منها المغلظ ومنها ما هو دون ذلك. 32 - جاءت الشريعة الإسلامية بجملة من العقوبات والزواجر لمجابهة أصحاب الآراء المشروعة، وهذه العقوبات منها ما هو تعزيري؛ كالتوبيخ، والهجر، والتشهير، والنفي، والحبس، والجلد، والقتل. ومنها ما هو من قبيل الحدود؛ كحد الردة وذلك في حق من اعتقد شيئاً من الآراء الكفرية. 33 - من انتحل رأياً أو بدعة مفسقة مغلظة؛ كبدع الخوارج وغلاة الروافض، وكان داعية إلى بدعته ولم ينكف شره إلا بقتله، فإنه يقتل، وذلك بعد استتابته، مع ضرورة مراعاة ما يترتب على قتله من مصلحة أو مفسدة، وبشرط أن يكون الإمام الأعظم أو من يقوم مقامه عدلاً، حتى لا يتخذ حكام الجور هذا الأمر ذريعة لتصفية مخالفيهم والتنكيل بهم. 34 - الردة قد تكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد أو الشك، فمن ارتكب موجباً من موجبات الردة وكان عاقلاً بالغاً مختاراً، وثبت عليه ارتكاب هذا الفعل الكفري بإقراره أو بشهادة عدلين، بحيث تكون هذه الشهادة مفصلة، ولم يرجع من قارف هذا الفعل الكفري بعد استتابته، فإنه يقتل كفراً. 35 - أن أحكام الشريعة الإسلامية تنقسم إلى قسمين: أحكام تفصيلية مبنية على التوقيف والاتباع ولا مجال للرأي فيها؛ كالأحكام المتعلقة بالعقيدة والعبادات، وأحكام على شكل قواعد ومبادئ عامة؛ كمبدأ الشورى والعدل، وهذا النوع من الأحكام ترك الشارع كيفية تطبيقه لرأي الأفراد واجتهادهم. 36 - أن سلطة التشريع في الإسلام حق خالص لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم باعتباره مبلغاً عن الله، فلا شرع إلا ما شرعه الله ولا حلال إلا ما حلله ولا حرام إلا ما حرمه، ومن حاد عن ذلك أو نازع الله في شيء من ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين. 37 - أن الشورى واجبة على الحاكم، على الصحيح من قولي العلماء.

38 - أن أهل الشورى أصناف ثلاثة وهم: أهل الحل والعقد، ومن يحيط برئيس الدولة وكبار أهل السلطة والحكم، وأبناء الأمة من ذوي الأهلية والرشد، وكل صنف من الأصناف الثلاثة السابقة يستشار فيما يحسنه من أمور. 39 - أن الشورى تكون في كل ما لا نص فيه من الأمور الدينية والدنيوية. 40 - أن الشورى لها دور كبير في سن الأنظمة المرعية، بما لا يتصادم مع النصوص الشرعية، وبما يتفق مع قواعد الشريعة ومقاصدها العامة. 41 - الشورى ملزمة للحاكم في القرارات المهمة والأمور الخطيرة، وذلك حفظاً لمصالح الأمة ورعاية لها، ولا بأس بتفويض الحاكم في بعض المجالات الثانوية ليبت فيها بصورة نهائية، ويكون فيها صاحب قرار وسلطة. 42 - أن الديمقراطية لها جانبان: جانب تأباه الشريعة وتعتبره باباً من أبواب الشرك، وهي جعل السيادة وحق التشريع للشعب. وجانب يقره الإسلام ويزكيه، بل يحض عليه ويوجبه وهو: تمكين الأمة من تولية حكامها، والرقابة عليهم، وعزلهم عند الاقتضاء. 43 - أن المشاركة في عضوية المجالس التشريعية في ظل الأنظمة الديمقراطية الأصل فيه المنع، ولكن يتوجه القول بحله كوسيلة من وسائل التغيير، إذا غلب على ظن المتصدين لهذا الأمر أن هذه المشاركة تجلب مصلحة راجحة أو تدرأ مفسدة راجحة. 44 - هناك ارتباط قوي بين الفتيا والاجتهاد، حيث إن الفتيا ثمرة الاجتهاد ونتيجته. 45 - أن الفتيا يختلف حكمها التكليفي باختلاف متعلقها، وبالتالي فإنها تدور عليها الأحكام التكليفية الخمسة. 46 - أن هناك مجالين للاجتهاد بالرأي الأول: الاجتهاد في النص تفهماً واستنباطاً وتطبيقاً، والثاني الاجتهاد عند عدم النص استناداً إلى القياس أو الاستصحاب وما إلى ذلك من مصادر الفقه التبعية. 47 - أن للولاية السياسية الكبرى – كغيرها من الولايات – ركنين: الأول: القوة، والثاني: الأمانة، فلابد من توفر هذين الركنين في كل متول، هذا في حال السعة والاختيار، أما في حال الضيق والاضطرار فإنه يولي غير الأهل إذا كان أصلح الموجود، مع وجوب السعي في إصلاح الأحوال حتى يكمل في الناس ما لابد لهم منه من أمور الولايات والأمارات ونحوها. 48 - أن المقصد العام من الولاية السياسية الكبرى في الإسلام هو: إقامة الدين وسياسة الدنيا به. 49 - أن المراد بأهل الحل والعقد: أهل الشوكة من العلماء والرؤساء ووجوه الناس، الذين يحصل بهم مقصود الولاية وهو القدرة والتمكن. 50 - أن لأهل الحل والعقد جملة من الوظائف السياسية منها: تولية الخليفة، والاحتساب عليه، وعزله عند الضرورة. 51 - أن الأصل في مناصحة الحكام السرية، إلا إذا كان في إعلان النصيحة مصلحة راجحة فيسوغ إعلانها حينئذ. 52 - أن إقامة الأحزاب السياسية من أجل النصيحة والاحتساب على السلطة الحاكمة ضرب من ضروب التحالف المشروع، بشرط ألا يكون الاجتماع والتحزب على أصل بدعي يخالف أصول أهل السنة والجماعة، وألا يقصد من هذا التحزب منازعة السلطان المسلم إن وجد، وأن يكون معقد الولاء والبراء على أساس الكتاب والسنة على رسم منهاج النبوة، وأن يراعى في ذلك كله فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد. 53 - أن التعددية السياسية كصورة من صور تداول السلطة، غير سائغة على الراجح نظراً لما يترتب عليها من مفاسد تربوا على مصالحها. 54 - لما كانت المعارضة السياسية فرعاً للتعددية السياسية، فإنها غير سائغة كذلك لأنه إذا بطل الأصل بطل فرعه. 55 - أن جميع تصرفات الحاكم منوطة بمصلحة الأمة، ولذلك أثر كبير في ضمان حرية التعبير عن الرأي. 56 - أن العدل قيمة مطلقة ولا رخصة فيه أبداً، وهذا يعتبر ضمانة كبرى لحرية التعبير عن الرأي. 57 - أن لولاية الحسبة والمظالم والقضاء أثراً فعالاً في الرقابة على أعوان الحاكم ومحاسبتهم، مما يترتب عليه أثر كبير في حفظ الحريات العامة ومنها حرية التعبير عن الرأي.

التعزية حقيقتها والمسائل المتعلقة بها

التعزية حقيقتها والمسائل المتعلقة بها ¤خالد بن عبدالله بن دايل الشمراني£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1427هـ€فقه¶تعزية وعزاء الخاتمة وفي خاتمة هذا البحث وبعد استعراض ما سبق من مسائله ودراستها فإننا يمكن أن نخرج بالنتائج التالية 1 - أن التعزية في الإسلام قربة من القرب ولا خلاف بين العلماء في استحبابها وقد ثبت ذلك بالسنة القولية والعملية الصحيحة 2 - شرعت التعزية في الإسلام لجملة من المقاصد الجليلة منها: تهوين المصيبة على المصاب وحثه على إلتزام الصبر واحتساب الأجر والدعاء للمصاب بجبر المصيبة وللميت بالمغفرة وتوثيق عرى التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المسلم 3 - أن التعزية من حيث تكييفها الشرعي مترددة بين العبادة والعادة غالبة عليها وبالتالي فإن الأصل في كيفيتها وهيئتها هو الحل والإباحة حتى يرد دليل ناقل 4 - لا كراهة في التعزية قبل الدفن بل التعزية قبل الدفن أو بعده سواء في الاستحباب والأفضلية 5 - التعزية غير محدودة بمدة بل تشرع التعزية في كل وقت ما لم تنس المصيبة وغلب على ظن المعزي أن تعزيته لأهل المصيبة لن يجدد أحزانهم. 6 - التعزية مشروعة في المسجد. 7 - جلوس أهل المصيبة للتعزية مباح إذا استوفى ضوابطه المذكورة فيما سبق. 8 - التعزية عند القبر مباحة ولا حرج فيها وكذا الجلوس بقرب دار الميت وعلى باب داره من أجل التعزية 9 - ليس للتعزية ألفاظ محددة بل للإنسان أن يعزي أخاه بكل ما يغلب على ظنه أنه يحقق مقصود التعزية 10 - التعزية بالكتابة مباحة وكذلك نشر التعزية في وسائل الإعلام فإنه على أصل الإباحة بشرط ألا يكون في ذلك مشابهة لنعي الجاهلية كإظهار التسخط وتعديد المفاخر وأن يكون مجردا من كل ما يشعر بتزكية الميت أو الشهادة له بالجنة 11 - مصافحة أهل الميت عند التعزية لا بأس به وكذا تكرار التعزية ما لم تجدد حزنا 12 - صنع الطعام من قبل أهل الميت للناس مكروه إلا إذا دعت إليه الحاجة كما إذا جاء إلى أهل الميت من يحضر ميتهم من أهل القرى البعيدة 13 - صنع الطعام لأجل الميت وجمع الناس عليه مكروه إلا إذا كان ذلك من غير قصد للإجتماع أو لحاجة فإن الكراهة تزول حينئذ 14 - السفر من أجل التعزية مندوب وقربة من القرب 15 - اصطفاف أهل الميت في المقبرة ليعزيهم الناس مباح ولا حرج فيه 16 - التعزية تكون لجميع أهل المصيبة من أهل الميت وأقاربه وأصدقائه وجيرانه 17 - يبدأ في التعزية بخيار أهل المصيبة وصلحائهم بالضعيف منهم عن تحمل المصيبة 18 - تغيير المعزى لهيئته بدافع الحزن والجزع ممنوع لمنافاته للصبر الواجب 19 - وضع المعزى لعلامة عليه حتى يعرف فيعزى مكروه 20 - تعطيل المعزى لأعماله مباح من حيث الأصل بشرط ألا يترتب على ذلك إضرار بغيره وألا يكون ذلك بدافع الجزع المنافي للصبر وألا يقصد من ترك مزاولة عمله التقرب بذلك إلى الله 21 - تعزية الفاسق ترجع إلى مراعاة المصلحة ودرء المفسدة كهجره 22 - تعزية الكافر جائزة إذا ترتب عليها مصلحة كرجاء إسلامه 23 - التعزية في الزوجة والبنات والصديق مشروعة 24 - لا بأس بالتعزية فيمن مات على الفسق بل هي مستحبة 25 - تعزية المسلم في الكافر مشروعة بشرط عدم الدعاء للميت الكافر بالمغفرة 26 - تستحب التعزية في غير مصيبة الموت كذهاب المال أو شيء من الأعضاء أو الجوارح

التعزية وأحكامها في ضوء الكتاب والسنة

التعزية وأحكامها في ضوء الكتاب والسنة ¤ظافر بن حسن آل جبعان£بدون¥دار طيبة الخضراء - مكة المكرمة¨بدون¢بدون€فقه¶تعزية وعزاء الخاتمة توصلت من خلال هذا البحث _ بفضل الله تعالى _ إلى نتائج من أهمها: 1 - التعزية مستحبة بالاتفاق. 2 - التعزية لا وقت لها، بل يُعزي كل إنسان حسب علمه، فمتى عَلِمَ بالمصاب شُرع له التعزية لأهل المصاب، إلا أن يطول العهد فلا يشرع حتى لا يُفضي إلى تجديد الحزن، وما دامت المصيبة باقية في نفس المصاب فإنه يُعزَّى. 3 - لم يرد في التعزية لفظٌ محددٌ، بل تحصل بأي لفظٍ يؤدي المقصود، ولكن لو اقتصر على الوارد لكان ذلك حسنًا. 4 - تحصل التعزية بأي طريقة مشروعة، وبأي لفظ يحصل به تسلية المصاب ومواساته؛ فتحصل باللقاء، وبالمقابلة، وبالمكالمة الهاتفية، والرسائل البريدية، والإلكترونية، وتحصل أيضًا بالتوكيل. 5 - إن تحديد مدة للعزاء لا أصل له من السنة، فالسنة ليس فيها دليل صريح يدل على أن مدة العزاء محددة بمدة معينة، بل مدة العزاء بحسب من يأتي، فإذا كان الناس يأتون في يومٍ واحدٍ فينتهي العزاء بنهايته، وكذلك يومين أو ثلاثة أو أكثر وهكذا، وإذا كان غالب أحوال الناس أنهم في ثلاثة أيام ينتهون فعلى ما انتهوا إليه، ولمن لم يدرك تلك الأيام له أن يعزِّي ولو بعد ثلاثة أيام، إلا إذا حصل تجديد الحزن فيكره ذلك. 6 - ليس للتعزية مكان محدد، فللمعزي أن يعزي المصاب، في أي مكان كان. 7 - الجلوس للتعزية مباح ليس فيه بأس إذا خلا المجلس من المنكرات والبدع، ومن تجديد الحزن، ومن تكلفة المؤنة، وطول المكث عند أهل العزاء. 8 - جواز البكاء على الميت، بشرط ألا يكون في هذا البكاء نواحٌ، ولا جزعٌ، ولا تسخطٌ، ولا رفعُ صوتٍ، سواء قبل الدفن أو بعده. 9 - الصحيح أن الميت لا يُعذب ببكاء أهله عليه؛ إلا إذا كان ذلك وصيةً منه أن يناح عليه بعد موته، أما إذا لم يكن منه ذلك فلا يعذب لقوله تعالى: {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} [الأنعام: 164]. 10 - الأصل في أعمال العباد أن ثوابها لفاعلها أما إهداء ثوابها للميت قلا يخلو من ثلاث حالات: أ - أن يكون مما لا يصل إلى الميت بالاتفاق، كالإيمان، والتوحيد، والإجلال والتعظيم لله تعالى. ب - أن يكون مما يصل إلى الميت إجماعًا، كالعلم النافع، والصدقة الجارية، ودعاء الولد الصالح. ج- ما كان مختلفًا في وصول ثوابه للميت كإهداء بعض القرب، مثل قراءة القرآن وغيرها، فالراجح فيها الجواز والله تعالى أعلم. 11 - حكم النعي الجواز، إلا أن يشبه نعي الجاهلية فإنه لا يجوز، لما فيه من مشابهتهم، وقد نهينا عن مشابهتهم، وعلى هذا فلا حرج في الإخبار بموت الميت لكل غرض صحيح كما تقدم؛ وأما إعلام القرابة، والإخوان بموت الشخص فليس من النعي المنهي عنه، قال البيهقي: بلغني عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ((لا أحب الصياح لموت الرجل على أبواب المساجد، ولو وقف على حلق المساجد فأعلم الناس بموته لم يكن به بأس)) (). 12 - أن صنع الطعام من أهل الميت لمن يحضر إليهم بدعة ولا يجوز، لما فيها من مخالفة السنة، ولما فيها من التشبه بأعمال الجاهلية من العقر، والنحر عند موت كبارهم، وغير ذلك.

التعويض عن تفويت منفعة انعقد سبب وجودها

التعويض عن تفويت منفعة انعقد سبب وجودها ¤ناصر بن محمد الجوفان£بدون¥الرشد – الرياض¨الأولى¢1428هـ€فقه¶عقود مالية - ثمن وقيمة الخاتمة: وتمثل خلاصة للبحث، وما حصل فيه من نتائج: 1 - التعويض عن تفويت منفعة انعقد سبب وجودها، هو: المال الذي يحكم به على من تسبب في عدم إدراك إنسان مصلحة أو فائدة مشروعة له، تأكد حصولها. 2 - يجوز التعويض عن تفويت المنفعة التي انعقد سبب وجودها، وعندما يطالب بذلك المضرور يتعين الحكم له بذلك، استناداً إلى الآتي: أ- أن حقيقة تفويت المنفعة التي انعقد سبب وجودها، هو أنه نوع من أنواع الإتلاف والإتلاف سبب من أسباب التعويض التي جاءت الأدلة من الكتاب والسنة بمشروعيته. ب- أن تفويت المنفعة التي انعقد سبب وجودها، يترتب عليه ضرر، وقواعد الشريعة تقضي بالتعويض عن الضرر. ج- أن عدداً من الفقهاء المعتبرين نص على جواز التعويض عن تفويت المنفعة التي انعقد سبب وجودها بعينها. د- قياس هذه المسألة على بعض المسائل النظيرة والشبيهة لها، والتي قرر الفقهاء جواز التعويض عنها ويأتي في مقدمة ذلك التعويض عن تفويت منافع المغصوب. 3 - تحديد الجهة القضائية المختصة بنظر دعوى التعويض عن تفويت المنفعة التي انعقد سبب وجودها، يخضع لنوع هذه القضية، وعليه فإنه يطبق عليها الاختصاص النوعي المقرر في أنظمة القضاء. 4 - الأصل في تقدير التعويض، أن المثل يعوض عنه بالمثل، والمتقوم يعوض عنه بالقيمة. وعندما يتعذر الحكم بالمثل أو يتعذر الحكم بالقيمة، فإنه يصار إلى الحكم بالتعويض المبني على التقدير والخرص. ويجري على المسألة محل البحث، عند التقرير الخلاف المشهور في تحديد الوقت الذي يقدر فيه مقدار قيمة الضرر، هل ينظر في تقديره إلى قيمته وقت وقوع الضرر، أو قيمته وقت الحكم به؟ 5 - أبرز البحث بعض الأحكام القضائية الصادرة بالتعويض عن تفويت المنفعة انعقد سبب وجودها.

التقويم في الفقه الإسلامي

التقويم في الفقه الإسلامي ¤محمد بن عبدالعزيز الحضير£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود - الرياض¨بدون¢1423هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة خاتمة رسالة التقويم في الفقه الإسلامي الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد: فإنني أختم هذا البحث وفي النفس رغبة في الإضافة، ولكن يحول دون ذلك أمور، منها: مشارفة الوقت على الانتهاء، وخشية الإطالة، وخير الكلام ما قلّ ودلّ، فلعل فيما تيسرت كتابته من هذه الأوراق في موضوع البحث ما يكفي في إعطاء تصور كامل عنه، وإن لم يتم استقصاء جميع جزئياته، بل ربما كان الاستقصاء متعذراً. ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق. هذا، وإنني أوجز في هذه الخاتمة أهم نتائج هذا البحث، وهي على النحو الآتي: 1 - لفظ (التقويم): مصدر قياسي للفعل الرباعي: قوّم – على وزن: فعّل -؛ لأن الفعل صحيح اللام. 2 - للتقويم- في اللغة – معنيان بارزان، هما: الأول: التعديل. الثاني: تقدير السلعة أو المتاع بثمن يقوم مقامه، بمعنى أنه يعادله، ويساويه. وهذا المعنى هو المراد في هذا البحث. على أن بين المعنيين رابطة قوية؛ فكلاهما يدور على العدل؛ فإن القيمة يتحقق بها العدل والمساواة في المعاوضة بها عن الشيء. 3 - الإطلاق على الشائع للفظ (التقييم) بمعنى: تقدير القيمة على خلاف القياس؛ فإن الأصل في القيمة الواو؛ لأنها تقوم مقام الشيء، فأصلها: قِومة، فأبدلت الواو ياء، ولكن مجمع اللغة العربية بالقاهرة أقر استعمال لفظ (التقييم) بمعنى تقدير القيمة. 4 - يمكن تعريف التقويم اصطلاحاً بأنه: تقدير بدل نقدي لعين أو منفعة يعادلها في حال المعاوضة به عنها حقيقة، أو افتراضاً. 5 - الفرق بين القيمة والثمن من وجهين: الوجه الأول: أن الثمن هو العوض في عقد البيع خاصة، وأما القيمة فتكون عوضاً في البيع، وغيره. الوجه الثاني: أن الثمن يكون تحديد عائداً إلى اتفاق البائع والمشتري. وأما القيمة فهي ما يوافق مقدار مالية الشيء، ويعادله في الواقع – بحسب تقويم المقومين-. 6 - السعر هو معيار قيمة الشيء؛ لأنه عبارة عن مستوى أثمان الأشياء في الأسواق. ولهذا يطلق على القيمة أحياناً. 7 - التقويم مشروع بالنقل، والعقل. ويختلف حكمه بحسب اختلاف حكم الأمر المقصود منه؛ إذ هو وسيلة لغاية فيأخذ حكم تلك الغاية؛ لأن الوسائل تتبع المقاصد في أحكامها. 8 - من أبرز التقاويم ما يأتي: 1. أداء القيمة في المضمونات. 2. نزع الملكية. 3. التقويم لمعرفة مقدار الأرش. 4. التقويم في زكاة العروض؛ لمعرفة وجوب الزكاة، ومقدار الواجب. 5. تقويم المسروق؛ لمعرفة بلوغه النصاب من عدمه. 6. التقويم لإفراز بعض الحقوق عن بعض. 9 - الضمان - في اللغة – يرد بمعنيين: الأول: الكفالة. الثاني: الغرامة. وقد استعمل الفقهاء لفظ (الضمان) بكلا المعنيين. والمراد به في هذا البحث هو المعنى الثاني. وقد عرفوه – على هذا المعنى – بتعريفات؛ أدقها ما يأتي: "الضمان: لزوم إعطاء مثل الشيء، أو قيمته". على أنهم يتوسعون في مفهوم الضمان فيقصدون به المسؤولية عن الشيء، وتحمل تبعة هلاكه، وإن لم يلزم من ذلك غرامته بمثل، أو قيمة. وهذا المفهوم الواسع ليس هو المراد هنا، وإنما المراد المفهوم الأضيق (وهو أداء المثل، أو القيمة)؛ لأنه هو المناسب لموضوع البحث. 10 - ذكر الفقهاء عدة أسباب للضمان يمكن أن يستخلص منها خمسة، هي: 1. العقد 2. وضع اليد. 3. الإتلاف. 4. الحيلولة. 5. الغرور. 11 - الواجب قبل المصير إلى الضمان أن ترد الحقوق بأعيانها ما أمكن، هذا هو الأصل، وهو محل اتفاق.

12 - إذا تعذر رد عين الحق فإنه يصار إلى الضمان إذا توافرت شروط معينة، منها ما يتعلق بالشيء المراد ضمانه، ومنها ما يتعلق بغيره، والمراد هنا الشروط المتعلقة بالشيء المراد ضمانه، وهي ثلاثة: 1 - كونه مالاً. 2 - كونه متقوماً. 3 - كونه معصوماً شرعياً. 13 - المال شامل لكل ما يقع عليه الملك مما كان له قيمة بين الناس، وأبيح الانتفاع به مطلقاً، عيناً كان، أم منفعة. 14 - المتقوّم – بكسر الواو، ولا يصح فتحها- هو: ما ملك مما له قيمة بين الناس، وكان الانتفاع به مباحاً مطلقاً. وفي أحيان كثيرة يطلق الفقهاء لفظ (المتقوم) بمعنى القيمي (الذي هو قسيم المثلي). 15 - كون الشيء المراد ضمانه معصوماً شرعاً معناه أنه لا يحق لأحد التصرف فيه بدون رضا مالكه. 16 - المثلي هو: ما تماثلت أفراده بحيث يمكن أن يقوم بعضها مقام بعض دون فرق يعتد به. والقيمي هو: ما تفاوتت أفراده بحيث لا يقوم بعضها مقام بعض إلا بفرق يعتد به. 17 - يضمن كل شيء بمثله من جنسه ما أمكن، مع مراعاة التساوي في القيمة، أو التقارب بحيث لا يوجد فرق يعتد به. 18 - إذا تعذر المثل يصار إلى القيمة، والتعذر نوعان: الأول: تعذر حقيقي، مثل انقطاع المثل من الأسواق. الثاني: تعذر حكمي، مثل وجود المثل بأكثر من ثمن مثله. 19 - المنافع: أعراض مستفادة من الأعيان يمكن استيفاؤها منها. 20 - المنافع أموال. 21 - منافع المغصوب مضمونة على الغاصب، سواء استوفاها أم عطلها. 22 - إنما تضمن المنافع إذا كانت مباحة، ولها قيمة بين الناس. 23 - تضمن المنافع بأجور الأمثال، فإن أجر المثل هو قيمة المنفعة. 24 - الوقت المعتبر في قيمة عروض التجارة لاعتبار كما النصاب فيها هو جميع الحول، فلا ينعقد الحول حتى تبلغ النصاب ثم تستمر نصاباً إلى تمام الحول. 25 - الواجب في زكاة العروض يخرج من قيمتها لا من عينها. وعلى هذا فإن الوقت المعتبر في قيمتها لأداء زكاتها هو يوم الوجوب (وهو يوم تمام الحول)؛ لأن القيمة هي محل الوجوب، ووقت الوجوب هو يوم تمام الحول، فيكون يوم تمام الحول هو المعتبر في تحديد مقدارها. 26 - الوقت المعتبر في القيمة في جزاء قتل الصيد الذي لا مثل له هو وقت قتله. 27 - الوقت المعتبر في القيمة في جزاء قتل الصيد الذي له مثل – إذا اختار قاتله الإطعام، أو الصيام – هو يوم الانتقال إلى الطعام. 28 - الوقت المعتبر في القيمة في المغصوب إذا أتلفه الغاصب، أو تلف تحت يده هو أكثر الأوقات قيمة من وقت الغصب إلى وقت أداء القيمة للمالك، سواء كان المغصوب قيمياً، أم مثلياً تعذر مثله. 29 - نقص قيمة المغصوب لتغير السعر مضمون ولو في حال رده لمالكه. 30 - الوقت المعتبر في القيمة في المتلف هو أكثر الأوقات قيمة من وقت الإتلاف إلى وقت أداء القيمة للمالك، سواء كان المتلف قيمياً، أم مثلياً تعذر مثله. 31 - الوقت المعتبر في قيمة المسروق للتحقق من بلوغه النصاب هو وقت السرقة. 32 - المكان المعتبر في قيمة عروض التجارة لإخراج زكاتها هو المكان الذي تم الحول عليها فيه، إلا إذا لم يكن لها فيه قيمة – كما لو كان مفازة- فالمعتبر أقرب مكان إليه يكون لها فيه قيمة. 33 - المكان المعتبر في القيمة في جزاء قتل الصيد الذي لا مثل له هو مكان قتله، إلا إذا لم يكن للصيد قيمة فيه – كما لو كان براً – بالمعتبر أقرب مكان إليه يكون للصيد قيمة فيه. 34 - المكان المعتبر في القيمة في جزاء قتل الصيد الذي له مثل – إذا اختار قاتله الإطعام، أو الصيام- هو الحرم. وإذا اختلفت القيمة باختلاف بقاع الحرم فالمعتبر الوسط من القيم.

35 - المكان المعتبر في القيمة في المغصوب إذا أتلفه الغاصب، أو أتلف تحت يده هو مكان الغصب إن كان هو مكان التلف، فإن اختلفا فالمعتبر أكثرهما قيمة، سواء كان المغصوب قيمياً أم مثلياً تعذر مثله. 36 - المكان المعتبر في القيمة في المتلف هو مكان الإتلاف، إلا إذا كان لا يصلح لاعتباره في القيمة – كما لو كان مفازة – فالمعتبر أقرب مكان إليه يصلح أن يعتبر في القيمة، سواء كان المتلف قيمياً، أم مثلياً تعذر مثله. 37 - المكان المعتبر في قيمة المسروق للتحقق من بلوغه النصاب هو مكان السرقة، إلا إذا لم يكن بمكان السرقة نقد يقوم به المسروق فالمعتبر- في هذه الحالة- أقرب مكان إلى مكان السرقة يوجد فيه نقد. 38 - عند تقويم الأشياء لا يراعى فيها من صفات أو منافع محرمة، سواء كانت محرمة لذاتها، أم للغرض الذي تستعمل فيه. وأما الصفات والمنافع المباحة فإنها تراعى، سواء كانت ذاتية كحسن الصوت، أو مكتسبة بتعليم ونحوه كتعليم الطير نقل الرسائل من مكان إلى آخر. وإنما تراعى الصفات والمنافع إذا وجدت في الشيء المراد تقويمه في الوقت الذي تعتبر فيه قيمته. 39 - إذا كان الشيء المراد تقويمه صيداً في الحرم، أو حال الإحرام لم يراع عند تقويمه ما كان فيه من صفات وجدت بصنع العباد كالتعليم ونحوه. وذلك في حال تقويمه لإخراج جزائه كفارة لحق الله. فإن كان تقويمه لحق العباد لكونه مملوكاً فتراعى تلك الصفات. 40 - إذا أريد تقويم المنافع (أي تقدير أجر المثل) وكان أجر المثل في المدة التي يراد ضمان المنافع خلالها متفاوتاً فإنه يقدر الأجر في كل جزء من المدة مختلف عن الآخر بما تساويه المنفعة فيه. ولو كان ما يراد ضمان منافعه خلال مدةٍ ما إنساناً يتقن عدة صنائع روعي تقدير أجرة الصنعة الأعلى إذا لم يمكن جمعها، فإن أمكن جمعها قدرت أجرة الجميع. 41 - يضمن الشيء المتعدى عليه ضماناً عادلاً يعوض مالكه عنه، سواء كان من الأموال الربوية أم لا، وسواء ضمن بجنسه أم بغير جنسه، ساوت قيمته ووزنه أم خالفته؛ فلا يجري الربا في الغرامات. 42 - تقوم عروض التجارة بنقد البلد، فإن تعدد فبالأغلب، فإن وجد نقد أو أكثر سواء في الرواج فينظر: إن بلغت نصاباً بأحدهما دون الآخر قومت بما تبلغ به النصاب، فإن بلغت النصاب بكل منهما فيتخير المالك واحداً منهما يقومها به. وإن قوم المالك عروض تجارته بالأنفع للفقراء ابتداء فهذا أفضل. 43 - يقوم جزاء قتل الصيد بالطعام، أو بالنقد بالغالب. 44 - يقوم المتلف، والمغصوب التالف بنقد البلد الذي تعتبر فيه قيمته، فإن وجد فيه أكثر من نقد فبالأغلب، فإن غلب نقدان وتساويا فإن القاضي يعين واحداً يكون التقويم به. وهذا فيما إذا تشاح الغارم وصاحب الحق. فإن لم يتشاحا، وتراضيا على نقد معين كان ما تراضيا عليه هو المعتبر؛ لأن الحق لا يعدوهما. 45 - تقوم المنافع بالنقد على نحو ما تقدم في تقويم المتلف والمغصوب التالف. 46 - النقد هو الذهب والفضة، سواء كانا مسكوكين، أم غير مسكوكين. ولكن التقويم إنما يكون بالمسكوك منهما دون غير المسكوك. وهذا في الأزمنة السابقة عندما كان التعامل بالنقدين أثمانا للأشياء هو السائد. أما اليوم فقد أصبحت العملة الورقية هي أثمان الأشياء، حلت محل النقدين في ذلك، وانقطع التعامل بالنقدين كأثمان للأشياء. وعلى هذا فإن التقويم اليوم يكون بالعملة الورقية سواء كان التقويم لعين، أم منفعة. وكل بلد حسب عملته.

47 - نصب المقوم قد يكون من قبل الحاكم، وقد يكون من قبل غيره من الناس ممن له علاقة بالأمر كالمتنازعين، وقد يأتي المقومون من تلقاء أنفسهم إلى الحاكم، وقد يتولى الحاكم التقويم بنفسه، وقد يتولى الغارم نفسه التقويم في بعض الحالات إذا كان عدلاً خبيراً. ومن ذلك تقويم الشخص عروض تجارته لإخراج زكاتها، وتقويم قاتل الصيد في الحرم، أو حال الإحرام جزاء الصيد الذي قتل، إذا لم يتعمد قتله عالماً بتحريم ذلك عليه، دون حاجة إليه. 48 - يشترط في المقوم ما يأتي: 1. العدد: فلا بد من اثنين ولا يكفي واحد؛ لأن التقويم من قبيل الشهادة. إلا إذا كان الشيء المراد تقويمه ليس ذا شأن كبير في عرف الناس فلا بأس بالاكتفاء بمقوم واحد؛ لأن في اشتراط العدد في هذه الحالة نوعاً من الحرج. 2. الخبرة. 3. العدالة. 4. انتفاء الغرض. 49 - إذا اختلف المقومون فيما يتعلق بتقويمه حد؛ فقومه بعضهم بما يبلغ النصاب، وقومه البعض الآخر بما دونه لم يثبت الحد، سواء كان الاختلاف بين مقوم ومقوم، أم بين أكثر من ذلك؛ لأن اختلافهم هذا شبهة يدرأ بها الحد. 50 - إذا اختلف الغارم والمغروم له في قيمة الشيء المغروم ولا بينة لأحدهما فالقول قول الغارم بيمينه، لأن الأصل براءة ذمته، فلا يلزمه ما لم يقم عليه به حجة. وذلك بشرط أن يذكر قيمة لائقة بالمغروم يمكن أن تكون قيمة له في العرف، فإن ذكر قيمة غير لائقة فإنه يجعل القول في القيمة للمالك بيمينه بالشرط نفسه (وهو أن يذكر قيمة لائقة) فإن ذكر قيمة غير لائقة فإنه يجعل القول في القيمة للمقومين. 51 - إذا اختلف المقومون فيما لا يتعلق بتقويمه حد فينظر: إن كان الخلاف بين مقومين اثنين فإنه يؤخذ بالأقل. وأما الزيادة فلا يكتفي فيها بقول الواحد؛ لاشتراط العدد في المقوم. فإن أراد المالك أن يحلف عليها مع الشاهد بالأكثر فله ذلك، ويستحقها. وإن كان الخلاف بين مقومين اثنين، ومقوم واحد فإنه يؤخذ بقول الاثنين؛ لأنهما نصاب لا يعارض قول الواحد. أما إن كان الخلاف بين اثنين واثنين، أو ثلاثة وثلاثة ... إلخ فينظر: إن أمكن ترجيح فريق منهم على سواه بزيادة خبرة فيؤخذ بقول الأكثر خبرة، وإن لم يمكن ذلك فيؤخذ بقول الأكثر عدداً؛ فإن تساووا في العدد فإنه يؤخذ بقيمة وسط. والمراد بالوسط هنا ما يسمى بالمعدل؛ وهو ناتج قسمة مجموع الأعداد التي قيل بها على عدد الأقوال. وهذا الحكم شامل لاختلاف مقومي الأعيان، واختلاف مقومي المنافع. 52 - التقويم اجتهاد ظني، ولكنه من الظنيات التي دل الدليل على اعتبارها، وأذن الشرع بالعمل بها؛ لمسيس الحاجة إلى ذلك، وهو بدل في العلم كالقياس مع النص. 53 - إذا تم التقويم المعتبر فإنه يترتب عليه أحكام تختلف بحسب اختلاف الغرض المراد منه. فمثلاً: إذا كان المراد من التقويم معرفة وجوب الزكاة في عروض التجارة من عدمه، ومقدار الواجب – في حال الوجوب- فإنه يتبين بعد التقويم: إن كانت قيمة العروض قد بلغت النصاب فتجب فيها الزكاة، أو لم تبلغه فلا زكاة فيها. ثم إذا علم بالتقويم بلوغها النصاب، ووجوب الزكاة فيما يعلم به – أيضاً- مقدار ما يجب إخراجه بحسب النسبة المفروضة (وهي 2.5% من القيمة). وإذا كان المراد من التقويم معرفة الجزاء الواجب بقتل الصيد في الحرم، أو حال الإحرام؛ ليخرج جزاءه فإنه يتبين بعد التقويم مقدار القيمة، وحينئذٍ يجب إخراج الجزاء بهذه القيمة. وإذا كان المراد من التقويم معرفة قيمة شيء من أموال الآخرين قد استحق ضمانة بسبب إتلاف، أو نحوه فإنه بعد حصول التقويم المعتبر يستحق صاحب المال المتلف القيمة من متلفه، ويلزم المتلِف بدفعها إذا طلب صاحب المال المتلف ذلك.

54 - إذا حال الغاصب بين المال وصاحبه، ثم ضمنه له لم يملكه بذلك. بل متى ظهر المغصوب فللمغصوب منه حق استرداده، وإعادة القيمة. 55 - إذا أخذ المغصوب منه القيمة للحيلولة لم يملكها، ولكنه ينتفع بها وهي على ملك الغاصب في مقابل ما فاته من منافع العين المغصوبة. 56 - إذا أتلف شخص مالاً لآخر، أو تلف تحت يده العادية، وكان مما له مثلا، فتعذر المثل، فحكم الحاكم بأداء القيمة ثم وجد المثل فينظر: إن كان المتلف لم يغرم القيمة بعد للمتلف عليه فإنه يجب عليه أداء المثل، وإن كان قد غرم القيمة فإنه يستقر حكمها، ولا يجب على المتلِف أداء المثل. 57 - من الأحكام المترتبة على التقويم أنه لو ارتبط مالان لشخصين على وجه لا يمكن انفصالهما بغير وقوع ضرر على أحدهما فإنهما يقومان، ثم بعد التقويم ينظر: إن كانا في القيمة سواء فإن اصطلح مالكهما على شيء جاز ذلك، وإن تنازعا بيع المالان، وقسم الثمن بينهما. أما إن اختلف المالان في القيمة فإنه يغلب على جانب صاحب المال الأكثر قيمة على جانب صاحب المال الأقل قيمة. وذلك إذا كان ارتباط المالين ببعضهما قد وقع بدون قصد التعدي، فإن كان قد وقع تعدياً – كما لو كان غصباً- فإن المغلب هو جانب المتعدي عليه، سواء كان صاحب المال الأقل قيمة، أم صاحب الأكثر. وهذا نوع من التمليكات المشروعة لإزالة ضررٍ ما، أو تحصيل مصلحة عامة. 58 - ومما يتصل بهذا – وهو من الأحكام المترتبة على التقويم- أنه إذا قوم شيء بغرض تملكه من أجل دفع ضررٍ ما، أو جلب مصلحة عامة فإنه لا يتم تملكه إلا بعد أداء القيمة لمالكه. 59 - ومن الأحكام المترتبة على التقويم أنه إذا قوم المسروق لمعرفة بلوغه النصاب من عدمه فإنه بعد التقويم ينظر: إن كانت قيمته قد بلغت النصاب فإن الحد يجب – إذا توافرت سائر الشروط-، وإن كانت قيمته لم تبلغ النصاب لم يثبت الحد. 60 - ومن الأحكام المترتبة على التقويم أنه إذا كان المراد من التقويم التحقق من صدق دعوى غبن في عوض عين، أو منفعة فإنه يتبين بعد التقويم ما إذا كان قد وقع الغبن فيحكم للمغبون بما يقتضي رفع الغبن عنه، أو لم يقع غبن فتبطل الدعوى. 61 - إذا حصل التقويم ثم اعترض عليه فينظر: إن كان الاعتراض غير مستند إلى بينة لم يقبل، وإن كان مستنداً إلى بينة فينظر: إن وقع قبل أن يبنى على التقويم حكم فهو من قبيل اختلاف المقومين، فحكمه حكمه. وإن وقع بعد ما بني على التقويم حكم فينظر: إن كان التقويم الذي بني عليه الحكم واقعاً على الوجه المعتبر فيه فإنه ماضٍ، ولا يقدح فيه الاعتراض. وأما إذا لم يكن واقعاً على الوجه المعتبر فإنه يبطل، وينقض الحكم الذي بني عليه: لا بسبب الاعتراض، بل بسبب عدم حجية هذا التقويم من أصله. فالذي يملك حق الاعتراض على التقويم من كان معه بينة على اعتراضه، والوقت الذي يقبل فيه الاعتراض هو ما كان قبل الحكم بالتقويم، أما بعد الحكم فلا يؤثر الاعتراض ما لم يوجد في التقويم خلل فيبطل بسبب الخلل الاعتراض. 62 - إذا تم التقويم، ثم ظهر ما يقدح فيه؛ بأن تحقق وقوع الخطأ فيه، أو اطلع على صفة زيادة أو نقص، أو تبين وجود خلل فيه من حيث أهلية المقومين، أو مراعاة الوقت الواجب اعتبار قيمة الشيء المقوم فيه، أو من حيث ما يجب أن يكون به التقويم، ونحو ذلك فإن التقويم ينقض. 63 - إذا رجع المقومون عن تقويمهم فإنه يبطل، سواء بني عليه حكم، أم لا. أما إن رجع واحد فينظر: إن كان يتعلق بالتقويم حد فرجوعه كالاختلاف بين المقومين، فلا يستوفى الحد. وإن لم يتعلق بالتقويم حد فينظر: إن كان غير الراجع اثنين لم يقدح رجوع الراجع، وإن لم يبق بعد الرجوع إلا واحد فقط فلا اعتبار لهذا التقويم. 64 - إذا تم التقويم على الكيفية المعتبرة فيه، ثم تغيرت الأسعار بحيث لو أعيد التقويم لظهر فرق كبير بين التقويمين فلا يقدح هذا في صحة التقويم، سواء كان تقويماً لعين، أم لمنفعة. إلا إذا كان المراد من التقويم تملك الشيء المقوم من صاحبه لإزالة ضررٍ ما، أو جلب مصلحة عامة، وتأخر دفع القيمة حتى تغيرت فإن التقويم يبطل، وتجب إعادته.

التمثيل حقيقته - تاريخه - حكمه

التمثيل حقيقته - تاريخه - حكمه ¤بكر بن عبدالله أبو زيد£بدون¥دار الراية - الرياض¨الأولى¢1411هـ€فقه¶تمثيل - رقص الخاتمة: والخلاصة أن التمثيل: حرفة، وأداء، وتكسباً وعرضاً، ومشاهدةً، لا يجوز، لأنه إن كان تمثيلاً دينياً فهو بدعي: لوقف العبادات على النص ومورده، ولما علمت من أصله لدى النصارى واليونان. وإن كان غير ذلك فهو لهم محرم، لما فيه من التشبه، ولما رأيته من تفاريق الأدلة، وما يحتوي عليه، ويترتب عنه من الآثار المعارضة لآداب الشريعة، وناموس الترقي، وانحلال ربقة الأدب، وأن ما فيه من عظات، وفضائل مزعومة، فهي ضائعة مغمورة في حلبة تلك الملهيات التي توقظ نائم الأهواء، وتحرك ساكن الشهوات، كما ينطق به الواقع المرير، لتمرير الفحش، والخناء، والفسوق والعصيان، وتهديم البيوت داخل أسوارها، فهو يمثل مخاطر على العقائد، والأخلاق، والفضائل، والآداب. وبالجملة فإن انتشار التمثيل بصفته التي تشاهد وتسمع كل يوم وليل: يمثل ظاهرة اعتلال في الأمة، ونهم في اللهو واللعب، ووهن في الدين، وفراغ من العلم، وعجز عن تحصيله، وتحطيم للأمة في قوتها ووقتها، وتنمية طاقاتها ومواهبها، فما هي إلا وسيلة عدوان على الأمة، وتخطيط رهيب لتعيش سادرة، تخوض فيما لا ينفعها في دينها ولا في دنياها، بل هو ضرر محض عليها في الدين والدنيا. وإفساد الإنسان، وانهيار أخلاقه، بغرض السيطرة عليه: مخطط تخريبي، يهودي. وفي "بروتوكولات يهود": "يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان، فتسهل سيطرتنا إن "فرويد" منا، وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح همه الأكبر إرواء غرائزه الجنسية، وعندئذ تنهار أخلاقه" انتهى. والتاريخ يحفظ في سطوره أن الهيام في المضحكات والترفيهات من علائم الانحطاط وانقراض الدول. فهذا المستعصم آخر خلفاء بني العباس في بغداد كان مولعاً بالتفرج على "المساخرة" المضحكة، وكان يقضي أكثر زمانه معها، كما في "الفخري ص/144" وتاريخ أبي الفداء 3/ 176، وغيرها. وهكذا إذا ماتت السنن ظهرت البدع، وإذا ضعف الجد والعزم، تفشى في الأمة الهزل والضعف، لتصل إلى محطة الشيخوخة في دائرة قطيع يساوم، وسلع تساوم وإن الحياة لحادث جلل فما بمثل هذا تعمر الحياة، ويكون "التمثيل" ناموساً ورمزاً لمجدها. وبالجملة فالتمثيل يحوي مفاتيح هذه المقاصد الهابطة، ويتضمن "محاضن تفريخ لها". وهنا أذكر من ابتلي بشيء من أمر الفتيا، أن يبصر حال أمته ويبصر أوضاعها، وماذا يراد بها، ليتوقى عند إصدار الفتوى من فتيا تكون سلماً لتلك المآرب المهينة، ولا أرى الفتيا بالجواز المقيد بشروطه، إلا ومصدرها – مع التقدير – في غياب عن الساحة وما يجري فيها من توظيف "التمثيل" لهدم مقومات الأمة، فستكون الفتيا "تكأة" ينطلق منها الآثمون، مستبعدين لضوابطها الشرعية عند من أفتى بها – وقد فعلوا؟! وأقول أخيراً: إن التمثيل لو كان جائزاً بشروطه لوجب في هذا الزمان الإفتاء بمنعه وتحريمه لما يشاهد في بلاد المسلمين من زحم التمثيليات المهول التي تفرز خطورة على مقومات المسلمين كافة، ولا ينازع في الواقع هذا إلا جاهل به، أو ممالي. أيقظ الله المسلمين من غفلتهم، وهداهم، وأصلح بالهم، والله الموفق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. بكر أبو زيد.

العلاقات الجنسية غير الشرعية وعقوبتها في الشريعة

العلاقات الجنسية غير الشرعية وعقوبتها في الشريعة ¤عبدالملك بن عبدالرحمن السعدي£بدون¥دار البيان العربي - بيروت¨الثانية¢1405هـ€فقه¶حدود زنا خلاصة البحث يتخلص من كل ما تقدم ما يلي: 1 - إن العلاقة الجنسية، نشأت مع الإنسان وأخذت تتطور مع حياته جنبا إلى جنب وأن انحرافها عن هدفها وعن قواعد القوانين المنظمة لها ليس بعيدا عن أول نشأتها. فهي مشكلة ليست خاصة بأمة أو عصر بل هي مقارنة لجميع الأمم والعصور. 2 - اتضح لنا أن الزنا، واللواطة، والسحاق، والوطء البهيمي مما أجمع على تحريمها المسلمون بل اجتمعت على ذلك جميع الأمم السالفة والملل الغابرة. 3 - كما اتضح أن الراجح لدى علماء المسلمين جواز التزوج بالزانية والزاني لأنه عملية قد تؤدي إلى إعفافهما عن ارتكاب هذه الجريمة في المستقبل. 4 - تبين أن عملية التلقيح الاصطناعي تجري بين الحيوان والإنسان فاتفق على حلها مع الأول مطلقا واتصف بالحل والحرمة مع الثاني. فالحل إن أجريت العملية من الزوج إلى زوجته. والحرمة إن أدخل السائل المنوي من أجنبية إلى رحم المرأة. 5 - تبين لنا أن نكاح المتعة قد نسخه الإسلام وحرمه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبالتالي توصلنا إلى أنه يجتمع مع الزنى على أجر في طريق واحد من الرذيلة والعار وأنه عقد مناف لأهداف النكاح وتأباه المجتمعات الإنسانية فضلا عن الإسلامية. 6 - بينا أن الراجح حرمة إتيان الزوجة في دبرها لفقده الغاية من جعل المرأة حرثا للولد. ولكنه يؤدي إلى أضرار صحية واجتماعية تأباها قواعد التشريع الإسلامي. 7 - توصلنا إلى أن عملية إخراج المني باليد من غير جماع مباح إن حصلت ضرورة كان يخشى من تركها الوقوع في الزنى ومع التقليل منها وإلا فحرام. 8 - أثبتت الشريعة الإسلامية – وأيدها الواقع – أن للزنى مقدمات يؤدي ارتكابها إلى التوصل إليه وفي مقدمتها نظر الجنسين بعضهم إلى بعض بشكل لم يرد به إذن من المشرع ولم يقم على أسس من المصلحة والضرورة. كما أنها اعتبرت كشف العورة والتعري والخلاعة وتبرج المرأة وخروجها من البيت بدون حاجة مأذون بها وسفرها وحدها واختلاطها بالرجال الأجانب من العوامل الرئيسية للوصول إلى الاتصال الجنسي اللاشرعي ولإحداث الفوضى الجنسية في المجتمع الإسلامي. وعلى هذا الأساس سدت الشريعة الإسلامية هذه الأبواب وحرمت اقترابها مخافة التدخل إلى ما وراءها من مفاسد وتحلل في الأخلاق. 9 - اقتضت مصلحة حياة الإنسان أن يحرم الزنى ومقدماته وملحقاته كذلك ما يترتب عليه من أضرار في الصحة حيث تنشأ عنه أمراض جسمية ونفسية. ومن أضرار اجتماعية. من ذلك وجود أولاد فاقدين الأنساب ورعاية الأبوة وتربية الأسرة. ومن ذلك إحداث تفكك في الأسر التي منها قوام المجتمع وحصول كثير من الجرائم وهتك للأعراض. وإشاعة الفتن وإراقة الدماء. بالإضافة إلى حصول أموراً مخلة بالأخلاق والاقتصاد. 10 - ذكرنا أن تشريع العقوبة هو من أسمى ما جاء به الإسلام لزجر ضعفاء النفوس على ارتكاب الجرائم ومن أمن العقوبة أساء الأدب واعتدى. 11 - بينا أن جريمة الزنا متركبة من ثلاثة أركان: 1 - وطء. 2 - واطئ. 3 - موطوء. ولابد لتحقيق الجريمة من توفر الشروط الشرعية في كل ركن من هذه الأركان. 12 - اتضح لنا أن التشريعات الوضعية لم تضع قانون معاقبا عقوبة تقطع دابر هذه المفسدة كما وضع لها الإسلام.

فمع أن القانون لم يعاقب إلا في حالة فقدان الرضا أو حصول خيانة زوجية فإنه لم يجعل عقوبة أكثر من السجن أو الحبس أو الغرامة المالية. بينما الإسلام وضع العقوبة الجذرية لهذه المشكلة تتردد بين الإعدام – لتخليص المجتمع من عضو فاسد فيه وبين الجلد المؤلم ليتأدب الجاني فلا يعود إلى الجريمة بعد ذلك. 13 - وإلى جانب شدة العقوبة الإسلامية فإن الإسلام لم يوقعها على الشخص بمجرد إلقاء التهمة عليه أو الاكتفاء بأبسط الأدلة بل لابد من بينة أو إقرار مستكملين جميع الأوصاف التي وضعها القانون الإسلامي لقبولها والاعتداد بهما. 14 - قارنا نوعاً من العقوبات التي فرضتها الأديان السابقة والملل القديمة مع التشريعات الإسلامية فوجدناها غير كفيلة بضمان سلامة الأعراض والأرواح إذا ما قورنت بأنظمة الشريعة الإسلامية. اقتراحات لعلاج المشكلة الجنسية الذي نراه ويقره كل مفكر ونبيل أن مشكلة الجنس واختلال نظامها لا يمكن معالجته إلا من حيث أتى الخلل إلى نفوس أبناء هذا المجتمع النقي الذي ينبغي أن يتمثل بأسمى مبادئ الأخلاق والنزاهة ويتحلى بأبهى حلي الفضيلة والآداب فلابد من رجوع إلى المكارم وعودة إلى مفرق الطريق لنسلك السبيل الموصل للعزة والكرامة. السبيل الذي سلكه أمجاد هذه الأمة وسادتها ومفكروها، وسد لمنفذ الشر والفساد. فالذي أراه لحلها مراعاة ما يلي: 1 - أن أنجع دواء وأنفع علاج للقضاء على الميول الجنسي اللاشرعي هو الالتزام بآداب القرآن الكريم ومبادئ الإسلام الحنيف. وعلى رأس ذلك مخافة الله تعالى وخشية عقابه وانتقامه. والاعتزاز بالعادات الإنسانية .. عادات الرجولة والشرف. والتذكر أن الجزاء من جنس العمل – من يزني يزن به ولو بجداره ... وليتذكر الجاني عدم رضاه لو وقع الفعل على إحدى محارمه. فلا صارف للمرء عن ارتكاب الجريمة كاستحضاره لمراقبة المولى العليم الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. لاسيما إذا وضع نصب عينه {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}. وإذا خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت وقل عليّ رقيب 2 - الزواج المبكر: إذا جاوز الشاب مرحلة المراهقة ودخل سن الرجولية (البلوغ) ابتدأت نفسه تراوده وتطلب منه الوقوع في هوة الفساد وتستدعيه إلى مواضع الهلاك وأشدها مراودة إذا بلغ ما بين 18 - 25 سنة وبهذه المرحلة من عمره يفضل أن يسارع لاختيار شريكة لحياته يتحصن بها عن ارتكاب موبقة تخل بدينه وشرفه إن توفرت لديه الإمكانيات اللازمة هذا بالنسبة للرجل أما المرأة فالأولى المسارعة في تعجيل زواجها منذ بلوغها مبلغ النساء لأن خطرها أشد من الرجل. وهذا الأمر يتطلب حل مشكلة اجتماعية – في زماننا هذا – يمكننا أن نعدها في مقدمة أسباب تأخر زواج الشابات والشباب إلا وهي المبالغة في مبالغ المهور وفرض طلبات كثيرة على الراغبين في الزواج بحيث يعجز الرجل القيام بها ولاشك أنه مانع رئيسي من موانع الزواج لذلك حث الإسلام على تقليل المهور. فقد روى أبو داود عن أبي العجفاء السلمي قال: (خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ألا لا تغالوا بصدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عندالله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم. ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية) ويا حبذا لو شجعت الدولة الشباب على الإقدام على الزواج بالمساهمة المالية لإسعافهم ومد يد المساعدة في زواجهم وعلى الأقل لو قامت بتسليفهم مبالغ المهور خالية من أعباء الأرباح الربوية على أن تستردها منهم بعد مدة طويلة من الزمن وبدون التقيد بمبلغ راتب المستلف أو اشتراطه كونه موظفا.

3 - وعند تعذر ذلك فما على الشباب إلا أن يستعين بالصبر وضبط النفس بالسيطرة التامة على هيجانها ليثبت جدارته في تحمل المشاق والمتاعب متمثلا بقوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}. ومما يساعد على ذلك صحبة الأخيار والصالحين ومجالستهم والابتعاد عن أهل الفساد والرذيلة لأن صحبتهم سبب لتقوية الحواجز الداخلية وهي مخالفة الله تعالى والخوف من غضبه والإيمان بدار العقاب والجزاء. 4 - بالإمكان مقاومة طغيان هذه الشهوة بكسرها بالصوم كما يروي مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). ويقوم مقام الصوم التقليل من تناول الأطعمة المهيجة والمثيرة. ومما يساعد على مقاومة الثورة الجنسية ممارسة الألعاب الرياضية. والاشتغال بالكسب والعمل أو بالبحث والعلم لأن ذلك يقاوم قوته من ناحية ويضيق عليه أوقات التفكير والتخيل من ناحية أخرى فإن الراحة والخمول لهما الأثر البالغ في إثارة الشهوة. 5 - ومن أهم ما تعالج به: القضاء على الوسائل المثيرة والمهيجة للشهوة الجنسية. ويتحقق ذلك عن طريق منع التبرج، والخلاعة والاختلاط، والحفلات الساهرة، ومنع رواج الصور العارية والحد من تصرف الشباب والشابات، والسيطرة في إبعاد الجحيم عن وقودها. ومنع نشر الأفلام الماجنة في التلفزيون والسينمات. ومنع الصحف والمجلات الوافدة أو المحلية التي تدعو إلى الحب والغرام والتي تحمل في طياتها الدعوة إلى الفجور. ومنع إذاعة أو سماع الشباب أغاني الغزل والغرام. شريطة ألا يكتفي بذلك بكتابة المقالات أو القرارات والأنظمة لمنعه بل لابد من أن تتولى السلطة متابعة ذلك بجد وحزم وتوقع العقوبات المادية بحق المخالفين ولا يمكن ذلك إلا أن تجعلها في مقدمة شؤونها بحيث تعتبر ذلك من الأمور التي يؤدي الأمر في إهمالها إلى تسيب في الأمن والاستقرار. ولا تقل شأنا عن الحوادث التي تهدد سلامة الدولة ونظام الحكم. ونتيجة لتحسس ضمير الغرب في مخاطر الزنى (أصدرت الهيئة البريطانية) تقريرا خطيرا اهتزت له بريطانيا كلها. كما أشرنا إليه من ذي قبل. وقد ختمت اللجنة تقريرها برأي مناسب لحل هذه المشكلة فقالت:- والحل الذي نراه هو "إحداث تغيير جذري في المجتمع ذاته" وقد عدت الجمعية شرب الخمر وأندية (الجاز) والحفلات الساهرة من بين العوامل التي قادت إلى الفوضى الجنسية بين الشباب. والجمعية تؤكد أنه لا حل غير (العفة) إذ أن (العفة) وحدها هي الضمان ضد الأمراض التناسلية والحمل السفاحي – فإن ثلث الفتيات – اللاتي يتزوجن قبل العشرين يتزوجن وهن (حاملات) كما تقترح اللجنة على الحكومة تكوين لجنة للنظر في أمر الأدب المكشوف لصلته المباشرة بهذا الموضوع (). 6 - قيام السلطة بما يلي: أولا- السعي لتطهير الشباب وتنظفهم من الأوصاف الدنيئة والبطالة وذلك لا يتم إلا بإحداث جو مليء بالثقافة، والعمل وإشغال الناشئة بالبحث والفكر والمعرفة. وتنقية المجتمع من الكسل والبطالة والتسكع. ثانيا: تقوم بتشريع نظام صارم يحقق الغاية من التشريعات الجنائية ومن الواضح لكل منصف أن هذا لا يحقق إلا بتشريع مستمد من الشريعة الإسلامية. أما قانون العقوبات فبالرغم من كون عقوبته لا تتجاوز السجن أو الغرامة المالية – اللتين لا تكونان زاجرين لدى أغلب الأفراد – فإنه لا يعالج جميع القضايا الجنسية التي تحل الفساد في المجتمع كما علمت فيما سبق غير مرة.

العمل بالاحتياط في الفقه الإسلامي

العمل بالاحتياط في الفقه الإسلامي ¤منيب بن محمود شاكر£بدون¥دار النفائس - الرياض¨الأولى¢1418هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة بعد حمد الله تعالى على إتمام هذا البحث، وبعد أن انتهيت من دراسة موضوعاته أسجل هنا أهم ما ورد فيه من نتائج: 1ـ إن تقرير أحكام الشرع لا يكون إلا بالبناء على أصل شرعي، وإن الاجتهاد لا يكون إلا على أصول يضاف إليها التحليل والتحريم، وإنه لا يجتهد إلا عالم بها، وإن الأصل ألا تبنى الأحكام إلا على العلم، وأما البناء على الظن في بعض الأحكام فلكون الضرورة داعية إليه، لتعذّر العلم في أكثر الصور. 2ـ جاءت الشريعة مستوعبة لجميع الأحكام، فما ترك الله عزّ وجلّ ورسوله ? حلالاً إلا مُبيّناً، لكن بعضه كان أظهر بياناً من بعض، فمنه ما اشتهر بين حملة الشريعة خاصة، فأجمع العلماء على حلّه أو حرمته، ومنه ما يخفى على بعض من ليس منهم، ومنه ما لم يشتهر بين حملة الشريعة فاختلفوا في تحليله وتحريمه بسبب الاختلاف في المأخذ والمستمسك. 3ـ قد تعرض للمجتهد بعض الشبه، وهي قسمان: شبهة حكمية، وهي التي تقع في الحكم الشرعي، بمعنى أن حكم الشارع غير ظاهر من الدليل على وجه العلم أو الظن. وشبهة محلية، وهي التي ترد على المحكوم فيه الذي هو محل الحكم من حيث دخوله تحت حكم الشارع من حل أو حرمة أو غير ذلك. وذلك يعود على مناط الأدلة، وليس على الدليل. 4ـ الاحتياط في اللغة: افتعال من الحَوْط، وأما الحاء والياء والطاء فليس أصلاً لهذا الاسم. والاحتياط مصدر من الفعل احتاط، وما ذكره اللغويون عن معنى الاحتياط يدور حول الحفظ، والمنع، والأخذ في الأمور بالحزم والثقة. وأنه يستخدم ـ أحياناًـ في كتب الفقه مكان لفظة الاحتياط لفظ الأحوط، وهو لفظ شاذ لغة، لأن أفعل التقضيل لا يأتي من غير الثلاثي. والناظر في كتب الفقه يجد أن اللفظين كليهما مستعمل دون تفريق بينهما، ولكن التركيب اللغوي لهما مختلف، ولذلك وجب أن يكون بينهما اختلاف، إذ اختلاف المبنى يدلّ على اختلاف المعنى، فـ (الاحتياط) مصدر للفعل احتاط، و (الأحوط) أفعل تفضيل منه، وأفعل التفضيل يفيد زيادة على المصدرية، فالأحوط آكد من الاحتياط. وأما التعريف الاصطلاحي المناسب للاحتياط ـ في نظري ـ فهو: الاحتراز عن الوقوع في منهي أو ترك مأمور عند وجود الاشتباه. 5ـ هناك فرق بين الاحتياط والتوقف، فالاحتياط يكون نتيجة للتوقف، معنى أن الحكم بالعمل بالاحتياط لا يتمّ إلا بعد التوقف لعدم اتضاح الدليل أو عدم معرفة الحكم الشرعي في المسألة النازلة. 6ـ يظهر أن التحفّظ أعم من الاحتياط، إذ هو معنى لغوي لم يقيّد باصطلاح معيّن، وهو قريب من معنى الاحتياط اللغوي. 7ـ ينقسم الاحتياط من حيث مصدره إلى نوعين: احتياط عقلي، واحتياط شرعي. وينقسم من حيث الفعل والترك إلى ثلاثة أقسام: احتياط في الفعل، واحتياط في الترك، والجمع بين أمرين مع التكرار. ويكون الفعل لتحصيل منفعة، ويكون الترك لدفع مفسدة، والتوقف يكون لتساوي الأمرين معاً بالنسبة للمجتهد. 8ـ إن المجيزين للعمل بالاحتياط هم الجمهور، ويتبيّن ذلك من احتجاجهم به في مصنفاتهم وفتاويهم ومسائلهم. وهناك أدلة كثيرة يُستدلّ بها للعمل بالاحتياط، منها ما هو في ووجوب العمل بالاحتياط، ومنها ما يدلّ على أنه مندوب لا على أنه واجب. 9ـ أنكر ابن حزم قاعدة العمل بالاحتياط، ومردّ ذلك راجع إلى نزعته الظاهرية، وإبطاله للرأي والقياس والاستحسان. ولم أطلع على كلام أحد من العلماء ينكر فيه قاعدة الاحتياط بالكلية إنكاراً مطلقاً، وقد نجد من ينكر دخول الاحتياط في مسائل معينة. وقد ترجّح عندي حجية العمل بالاحتياط.

10ـ الأحكام التكليفية الخمسة تدور على العمل بالاحتياط ـ فقد يكون الاحتياط واجباً، وقد يكون مندوباً، وقد يكون محرّماً، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون مباحاً. 11ـ عند اختلاط المباح بالمحظور لا يخلو أن يكون المحظور محرماً لعينه، أو محرماً لكسبه. فإذا كان المحظور محرماً لعينه فإنه إذا خالط حلالاً وظهر أثر الحرام في الحلال فإنه يحرم تناول الحلال، لأن ما كان من ضرورات الحرام يكون حراماً، فيجب الاحتياط بالامتناع عن الخلط كله. وتغليب التحريم هو من باب الاحتياط، لأن العمل بمقتضاه يخلص عن المحذور يقيناً بخلاف العمل بالحل فإنه لا يخلّص لاحتمال المحذور في الواقع فيقع فيه. وإن لم يظهر أثر الحرام في الحلال فلا يحرم الخليط، فإن العين المنغمرة في غيرها إذا لم يظهر أثرها تكون كالمعدومة حكماً. ولا يظهر أثر الحرام المخالط للحلال في ثلاث حالات: استهلاك الحرام في الحلال، واستحالة المحظور لعينه، وإزالة المحظور. 12ـ يُعفَى عن يسير المحظور المختلط بالمباح الكثير. وقد استحبّ بعض العلماء ترك يسير المحرّم من باب الاستحباب. وتحديد يسير المحرّم يرجع فيه إلى العرف. وإذا كان المحظور محرماً لكسبه، فإن أمكن تمييزه وجب، وإن لم يمكن فيه التمييز فلا يخلو من أن يكون محصوراً أو غير محصور. فإذا اختلط حلال محصور بحرام محصور، أو حلال محصور بحرام غير محصور، فإن الاحتياط يُشرع فيهما. وأما إذا اختلط حرام محصور بحلال غير محصور، أو حرام غير محصور بحلال غير محصور فإنه لا يُشرع الاحتياط. ولكن يقال: كلما كثر الحرام تأكّد الورع، وكلما كثر الحلال خفّ الورع. وأما ما يمكن فيه التمييز فإنه يخرج عين الحرام. فإذا كان الحرام المختلط بالحلال غير مستهلك وأمكن تمييزه وجب. وإن كان مثلياً أخرج مثله. 13ـ إذا اشتبه المباح بالمحظور وجب اجتناب المشتبه، لأن الوصول إليه غير ممكن. فإن كان له بدل انتقل إلى البدل وترك المشتبه. وذلك أنه تعذّر الوصول إلى المباح فوجب الكفّ والاجتناب والعدول إلى ما لا ريبة فيه ولا شبهه، وهو مما لا تقتضي الضرورة تناوله لوجود بدله. 14ـ الاحتياط لأمور العبادة عند الاشتباه واجب، لأن يقين الأداء لا يتمّ إلا بالتأكد من تحقق جميع شروطها وأركانها. وإذا استطاع تحصيل اليقين ترك المشتبه. 15ـ ليس في الشريعة شيء مشكوك فيه البتة، وإنما يعرض الشكّ للمكلف. فإذا كان للمشكوك فيه حال قبل الشك فإن المكلف يستصحب ما كان قبل الشك ويبني عليه حتى يتيقن الانتقال عنه. فالشك لا يبنى عليه حكم شرعي إذا كان هناك أصل استصحب على خلافه، فإنه إذا وجد الأصل المستصحب فهو يقين لا يعدل عنه إلى العمل بالظن وجوباً، وإذا فُقد تعيّن العمل بالظن ندباً. والشك على ثلاثة أضرب: شك طرأ عل أصل حرام، وشك طرأ على أصل مباح، وشك لا يعرف أصله. فما لا يتحقق أصله، ويتردد بين الحظر والإباحة، فالأولى تركه. ويكون الاحتياط عند حصول الشك الموجب للشبهة، أما إذا حصل شك لا يوجب الشبهة فلا يعمل بالاحتياط. لأن الشك عبارة عن اعتقادين متقابلين نشآ عن سببين، هذا يعني أن ما لا سبب له لا يكون شكاً يوجب الشبهة التي يشرع الاحتياط لها. 16ـ إبراء الذمة واجب، فيكون الاحتياط لأجل إبراء الذمة واجب أيضاً، سواء كان ذلك في الإثبات أم في الإسقاط. 17ـ الشك في وجوب الشيء أو عدمه لا يوجب الفعل، لأن الأصل براءة ذمة المكلف من التكليف، ولكن يستحب فعل المشكوك في وجوبه. 18ـ الأصلان إذا تعارضا في لوازمهما قد يعطي كل أصل حكمه وإن تناقضا. وقد يعبر عن ذلك بأن اختلاف اللوازم قد لا يؤثر في اختلاف الملزومات.

19ـ نصّ الفقهاء على اشتراط الجزم والتنجيز وعدم التردد والتعليق في النية، والعمل بالاحتياط مع وجود الشك لا يتحقق فيه هذا الشرط الذي نصّوا عليه، فجعل بعض الفقهاء هذه المسألة داخلة تحت قاعدة إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب. ووضع بعضهم لها ضابطاً وهو أن ترديد النية إن استند إلى ظاهر أو أصل سابق لم يضرّ، وإن لم يستند لذلك بطل. 20ـ الورع مندوب إليه لما فيه من الاحتياط في العبادات والمعاملات، ومع كونه ليس واجباً إلا أنه أحد قواعد الدين. وقد يكون المراد من لفظ الورع المعنى الأشمل، المطلوب أن يتصف المكلف به في أدائه للعبادة فيوصف بالوجوب، ولكنه لا يكون كذلك اصطلاحاً. وقد يكون الورع بمعنى الاحتراز عن الحرام، فيكون حكمه الوجوب أيضاً، ولكن لا يدخل هذا المعنى في حقيقة الورع الاصطلاحي، وإن أطلقه بعض العلماء عليه. والورع كما يكون في الفعل يكون في الترك. والورع المستحبّ هو الذي يحقق الاحتياط في العبادات والمعاملات. أما ما لا يحقق ذلك فلا يكون مستحباً، بل هو وسوسة خارجة عن الورع. والورع عند بُعد الاحتمال ضرب من الوسواس، وكذلك لا ورع في الاحتمالات النادرة. وقد ذهب جماعة إلى أن المباحات لا يدخل الورع فيها، لأن الله تعالى سوى بين طرفيها، والورع مندوب إليه، والندب مع التسوية متعذر. وقال آخرون: يدخل الورع في المباحات، والحق أن القولين كليهما صحيح، إذ لم يتواردا على محل واحد في الكلام. والجمع بينهما أن المباحات لا زهد فيها ولا ورع فيها من حيث أنها مباحات، وفيها الزهد والورع من حيث أن الاستكثار من المباحات يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع في الشبهات، وقد يوقع في المحرمات. وكثرة المباحات ـ أيضاً ـ تفضي إلى بطر النفوس، فكان الزهد والورع في المباحات من هذا الوجه، لا من جهة أنها مباحات، فسبب الوقوع في الحرام هو كثرة الأخذ من المباح، وقلة الوقوع في الحرام هو الورع والإقلال من المباحات. وقد أنكر العلماء على من سدّ باب الورع، وهم المباحية الذين لا يميّزون بين الحلال والحرام، بل الحلال ما حلّ بأيديهم والحرام ما حّرموه، لأنهم ظنّوا أن الحرام قد طبق الأرض، ورأوا أنه لابدّ للإنسان من الطعام والكسوة، فصاروا يتناولون ذلك من حيث أمكن، وهذا الظنّ قد أورثهم الانحلال عن دين الإسلام. وترك المباح لا يعدّ من الورع مطلقاً، حيث ورد الإذن بتناوله، ومن ذلك مثلاً ترك الأعطيات التي لا شبهة فيها، إن كان القلب ليس مستشرفاً لها، وأما السؤال والاستشراف للمال فتركه مطلوب. ويدخل في باب الإفراط في الورع الممنوع: الورع في ترك ما فعله ?. 21ـ الاختلاف عند الأصوليين هو ما تعددت فيه آراء المجتهدين وأهل الرأي في المسائل التي لم يرد فيها دليل قطعي. والمراد من الخروج من الخلاف هو أن من اعتقد جواز شيء يترك فعله إذا وجد من أهل الاجتهاد من يعتقد كونه حراماً، أو اعتقد جواز الشيء يفعله إذا كان من أهل الاجتهاد من يرى وجوبه. وحاصل هذه القاعدة هو الجمع بين أقوال المجتهدين. وقد كثر نقل العلماء للعمل بهذه القاعدة وبيان فضلها، حتى حكى بعضهم الاتفاق على الحث على الخروج من الخلاف إذا تحققت شروطه. وهي أن لا يؤدي إلى محذور شرعي من ترك سنة ثابتة، أو اقتحام مكروه، وأن لا يكون دليل المخالف في غاية الضعف والبعد من الصواب، وأن لا يؤدي إلى الوقوع في خلاف آخر، وأن لا يكون مريد الخروج من الخلاف مجتهداً، فإن كان مجتهداً لم يجز له الاحتياط في المسائل التي يستطيع الاجتهاد فيها، وإنما ينبغي له الرجوع إلى النص الصحيح فيقف عنده.

وإذا تحققت شروط العمل بمراعاة الخلاف فقد عدّ بعض الأصوليين فعل المختلف فيه نوعاً من أنواع المكروه. والضابط هنا أن يقال في الفعل إنه مكروه إذا اختلف في تحليله وتحريمه اختلافاً حاصلاً مع عدم النص القاطع على أحد الأمرين، ووقع الخلاف فيه من جهة الاجتهاد وغلبة الظنّ. ومسائل الخلاف يدخلها الإنكار، فإذا كان القول أو العمل يخالف سنة أو جماعة وجب إنكاره. أما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع، وللاجتهاد فيها مساغ، فلا ينكر على من علم بها مجتهداً أو مقلداً، فمسائل الخلاف غير مسائل الاجتهاد. وقد نقل عن عدد من العلماء القول بعدم الإنكار على المخالف في المسائل الاجتهادية. 22ـ الفرق بين الاحتياط المشروع والوسوسة أن الاحتياط المشروع هو الاستقصاء والمبالغة في اتباع السنة وما كان عليه رسول الله ? وأصحابه من غير غلو ومجاوزة، ولا تقصير ولا تفريط. ويتضمن ذلك الحذر من الوقوع في الحرام أو المكروه أو ترك واجب أو مندوب. وأما الوسوسة فهي ابتداع ما لم تأت به السنة، ولم يفعله رسول الله ?ولا أحد من الصحابة زاعماً بذلك أنه يصل إلى تحصيل المشروع وضبطه. ويتضمن أن يتجاوز ما فعله ? من الأعمال. والوسوسة سببها إما جهله بالشرع، أو خبل في العقل. 23ـ حمل السؤال على الورع المحمود ليس على إطلاقه، فإن السؤال يختلف باختلاف المالك، فتارة يكون واجباً، وتارة يكون حراماً، وتارة يكون مندوباً، وأخرى يكون مكروهاً، وتارة يكون مباحاً، وذلك يختلف باختلاف المالك الذي يُتعامل معه. فإذا كان المالك معلوماً بنوع خبرة وممارسة، وعُلم أنه من أهل الصلاح والديانة والعدالة، فإن السؤال حينئذ يحرم، لأنه يكون من الظنّ الذي نُهي عنه، وإن عُلم أنه من أهل الظلم والتعدي وجب السؤال، لأن ما لا يتمّ الواجب إ لا به فهو واجب، فلا يتمّ طلب الحلال الواجب إلا بالسؤال والبحث عنه، لكونه موضع تهمة وريبة. وإذا كان المالك مجهولاً، والمجهول هو الذي ليس معه قرينة تدلّ على فساده وظلمه، ولا ما يدلّ على صلاحه، فإنه لا يجوز السؤال، فإن يد المجهول، وكونه مسلماً دلالتان كافيتان على جواز المعاملة معه. وإذا كان المالك مشكوكاً فيه بسبب دلالة أورثت ريبة، وذلك بأن تدلّ دلالة على ذلك، إما من خلقته، أو زيّه وثيابه، أو من فعله وقوله فإنه يجوز السؤال. 24ـ لا يصح من الأعمال إلا ما وافق قصد الشارع، والشارع لا يقصد العسر والمشقة، فإذا قصد المكلف المشقة نفسها، فإنه يكون حينئذ قد خالف قصد الشارع. أما ما ورد من الأحاديث الدالة على عظم الأجر مع عظم المشقة، فإنه لا دليل فيها على قصد المشقة، وإنما فيها قصد الدخول في عبادة يعظم أجرها لعظم مشقتها، فالمشقة تابعة لا متبوعة. وقد ورد النهي عن التشدد في العبادة. 25ـ إذا ثبتت الرخصة شرعاً، وعدل المكلف عنها وأخذ بالعزيمة على سبيل التنطع، وهو يعتقد أنه قد أتى باباً من أبواب الاحتياط، فقد عدل عن أمر يحبه الشارع. وأما عند عدم ثبوت الرخصة، أو الشك في وجودها، فإن الأخذ بالعزيمة يكون من باب الاحتياط وهو أولى.

26ـ الذين اعتبروا العمل بالاحتياط لم يقولوا بحجيته مطلقاً، وإنما جعلوا له شروطاً لا يتحقق إلا بوجودها. وعند العمل بتلك الشروط يتقارب كثيراً القول بحجية العلم بالاحتياط مع مذهب المانعين منه، ومن هذه الشروط أن لا يكون في المسألة نص من الكتاب أو السنة، وأن لا يوقع العمل بالاحتياط المستحب الناس في الحرج والمشقة، وأن لا يكون مأموراً بفعل غيره، وأن لا يخالف العمل بالاحتياط موضع الرخصة، وأن لا يكون العمل بالاحتياط قد انبنى على أصل غير صحيح، وأن لا يكون العمل بالاحتياط في مسألة من مسائل الاعتقاد، وأن لا يؤدي العمل بالاحتياط إلى محذور شرعي من ترك سنة ثابتة، أو اقتحام مكروه، وأن لا يكون الاحتياط مبنياً على شبهة غير مقطوع بها، وأن يحقق الاحتياط المقصود من وجوده، وهو العلم بإتيان الواجب، وأن يراعى عند الاحتياط مصلحة الأعلى فالأعلى، وأن لا يكون للأمر الوارد عليه العمل بالاحتياط أصل من الحل أو الحرمة يرجع إليه، وأن لا يصل العمل بالاحتياط إلى حدّ المبالغة والتنطع. 27ـ لقاعدة العمل بالاحتياط مدخل عريض في كثير من أبواب الفقه وأحكامه، ولها ارتباط واسع بكثير من الأصول والقواعد الفقهية. فيندرج تحت قاعدة العمل بالاحتياط قواعد أصولية وأخرى فقهية. ومن هذه القواعد المندرجة تحت قاعدة العمل بالاحتياط قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقاعدة ما لا يتمّ ترك الحرام إلا به فهو واجب، وقاعدة سدّ الذرائع، والقاعدة الفقهية إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام، وقاعدة الانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب، وأما الانتقال من الإباحة إلى الحرمة فيكفي فيها أيسر الأسباب، وقاعدة أن نجعل المعدوم كالموجود، والموهوم كالمحقق، وما يرى على بعض الوجوه لا يرى إلا على كلها. 28ـ يتعارض مع قاعدة العمل بالاحتياط قواعد أصولية وأخرى فقهية، ومن هذه القواعد المتعارضة قاعدة رفع الحرج، وقاعدة الاستصحاب، وقاعدة الأصل في الأشياء الإباحة، وقاعدة القول بأقل ما قيل، والقاعدة الفقهية الأصل براءة الذمة، والحرام لا يحرم الحلال، والمشقة تجلب التيسير. 29ـ من أوجه الترجيح بين النصوص عند تعارض بعضها مع بعض، أن يُرجَّح أحد النصين على الآخر من حيث أحوال الرواة، أو من حيث المتن، أو من حيث الحكم، وهذه الأوجه يدخل الاحتياط فيها كأحد المرجحات التي يذكرها الأصوليون. فيدخل الترجيح من حيث الرواة من طريقين، الطريق الأول: أن يكون أحد الراويين أشد احتياطاً وتحرياً فيما يروي من الراوي الآخر, والطريق الثاني: أن يكون أحد الراويين أشدّ احتياطاً وأكثر ورعاً من الراوي الآخر. ومن حيث المتن يدخل الاحتياط كمرجح من حيث كون متن أحد الخبرين يتضمن احتياطاً، والخبر الآخر لا يتضمنه، فإن الفقهاء يُقدّمون الخبر المتضمن للاحتياط على الذي ليس كذلك. ومن حيث الحكم الذي تضمنه النص يدخل الاحتياط كمرجح من حيث كون حكم أحد النصين المتعارضين أحوط من الآخر، أو أقرب إلى الاحتياط منه، فإنه في هذه الحال يرجّح ذلك الخبر على معارضه الذي ليس كذلك. ويندرج تحت قاعدة الترجيح بكون حكم أحد النصين أحوط من الآخر الصور التالية: ترجيح الخبر المفيد للحظر على الخبر المفيد للكراهة، وترجيح الدليل المفيد للحرمة عل الدليل المفيد للإباحة، وترجيح الخبر المحرِّم على الخبر المفيد للندب، وترجيح الخبر المحرِّم على الخبر المفيد للإيجاب، وترجيح الخبر المفيد للوجوب على الخبر المفيد للندب. 30ـ هناك مسائل فقهية انبنى الخلاف فيها على الخلاف بالعمل بالاحتياط، وإن كان المختلفون يقولون بحجية الاحتياط في الجملة. وهذه التطبيقات يتبيّن من خلالها أثر قاعدة العمل بالاحتياط في الفقه، فهي تحتلّ جزءاً كبيراً من الفقه، فقلما تجد باباً من أبواب الفقه إلا وللقاعدة أثر عليه، وذلك يعني أهمية هذه القاعدة.

العمليات الاستشهادية في الميزان الفقهي

العمليات الاستشهادية في الميزان الفقهي ¤نواف هايل تكروري£بدون¥دار الفكر - دمشق¨الثانية¢1418هـ€فقه¶جهاد - مواقف جهادية الخاتمة إن النتائج التي توصلنا إليها في هذا البحث، مهمة جداً، وجديرة بالاهتمام، والذي أظنه أن هذه النتائج ستكون محل اتفاق، ولا سيما عند أولئك الذين يبحثون عن الحقيقة ولا يتجاوزون حدودها بعد أن حرروا أنفسهم من أسر الهوى والعصبية، وحكموا الدليل واستعملوا النظر والقياس لا مجرد الظاهر. وربما يبدو للباحث في موضوع كهذا أنه موضوع خلاف بين العلماء قديماً وحديثاً ابتداء لاشتباه هذه العمليات بالممنوع المحرَّم (الانتحار) من جهة، ومن خلال شبهها بالمرغوب الواجب (الجهاد)، ولكن بعد البحث والتمحيص نجد أن القول بمشروعيتها أمر تقتضيه مقاصد الشريعة الإسلامية وتسانده الأدلة وتشهد له الآثار الواردة في ذلك. ولقد كان لوسائل الإعلام العالمية التي يسيطر عليها اليهود وبعض وسائل الإعلام العربية التي تأثرت بذلك أثراً كبيراً في تحريم هذه العمليات الاستشهادية، ووصفها بأنها غير شرعية، ومخالفة للقانون والأعراف الدولية، حيث نقل كذباً عن بعض العلماء القول بحرمتها، وتصدر أو صُدِّر للفتوى بعدم شرعيتها أناس لا يصلحون لذلك لقلة رأسمالهم العلمي، وجمود نظرتهم الفقهية. ولعل هذا سبب آخر يجعل المرء يميل إلى القول بأن هذه العمليات موضع خلاف بين العلماء أو يتشكك في مشروعيتها لأن من شأن الإنسان أن يتأثر بما يسمع أو يُكتب. لكن بعد البحث العلمي المجرد والعميق في فهم الأدلة من الكتاب والسنة والنظر في أقوال العلماء من السلف والخلف في تحديد معنى الانتحار الذي حرمته الشرعية، وإبراز معنى الجهاد الذي ندب الإسلام إليه ورغب فيه، وإلقاء الضوء على الشهادة وتكييفها، نصل إلى النتائج التالية: أ- العمليات الاستشهادية ليست أمراً محدثاً في عصرنا هذا بل أقدم عليها المجاهدون منذ فجر الإسلام الأول على مرأى ومشهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي مدح فعلهم وشجعهم عليها، وعلى مرأى الصحابة فلم ينكر منهم منكر بل أنكروا على من أنكر ذلك واستعظمه، وفي قول أبي أيوب الأنصاري مصداقية ما نقول. ب- اتفق العلماء على أن الاقتحام على الأعداء اقتحاماً لا ترجى معه نجاة مشروع ومندوب إذا كان فيه نكاية بالأعداء أو نفع للمسلمين، بل لقد أباح بعض العلماء الاقتحام المهلك بقصد الشهادة فقط وقد ضعفنا هذا القول لأن مظان الشهادة ليست بالاستسلام للموت أو القتل وإنما بإزهاق الأعداء ومقاومتهم. جـ- أن عامة العلماء قديما وحديثاً على أن هذه العمليات ليست من الانتحار في شيء لأن الانتحار قتل النفس جزعاً أو يأساً من أجل أمر دنيوي، أما العمليات الاستشهادية فتختلف كل الاختلاف عن الانتحار، حيث هي نوع من أنواع الشهادة في سبيل الله تعالى. د- ذهب عامة العلماء المعاصرين إلى إباحتها،، وما وقع بينهم من خلاف فهو حول شروط الإقدام على مثل هذه العمليات وهل هي منوطة بالضرورة أم لا، وبالتالي فإنه يزول هذا الخلاف عندما تستهدف هذه العمليات أعداء كاليهود اغتصبوا البلاد والمقدسات الإسلامية، وأصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم ضد اليهود، ولعل هذه العمليات هي الحل الأمثل والاختيار الأفضل لمحاربة اليهود في عصر تقاعس المسلمون فيه دولاً وشعوباً عن الجهاد.

هـ- أما فيما يتعلق بحكم قتل المدنيين من اليهود في هذه العمليات، فالأصل في الإسلام أن من لا يقدر على القتال لمانع مادي أو معنوي يعتبر مدنياً لا يجوز قصده بالقتل، وذلك يشمل الأطفال والنساء والشيخ الفاني، ورجل الدين المنقطع للعبادة، والمزارع في أرضه المشغول بلقمة عيشه ... إلخ، وكل هؤلاء لا يقصدون بالقتل إلا في حالتين: 1 - إذا شاركوا بالقتال فعلاً سواء كان ذلك بحمل السلاح، أم بالإعانة كتقديم الرأي والمال والتشجيع والتحريض وما شابه ذلك. 2 - إذا اختلطوا بالمحاربين ولم يتمكن المجاهد من ضرب المحاربين إلا بضربهم وهو ما يعرف عند الفقهاء بتترس الأعداء بمن لا يقتل منهم، وكذلك حال الإغارة على العدو وتبييته، فهنا يجوز رمي المقاتلين من الأعداء دون المدنيين، ولا ضير فيمن قتل منهم بغير قصد. ووبعرض هذه الأصناف من المدنيين اليهود – بناء على من الأصل فيهم أنهم مدنيون – على هذين الشرطين يتبين لنا: أن النساء من اليهود لم يعدن مدنيات فهن يتدربن على حمل السلاح ويقاتلن كالرجال وكذلك الأمر بالنسبة للشيوخ ورجال الدين .. ولم يبق من اليهود على أرض فلسطين إلا الطفل الذي لا يباشر القتال فلا يجوز قصده بالقتل وهو الأمر الذي لم يفعله المجاهدون في فلسطين حتى الآن، ولن يفعلوه قاصدين. ز- ولقد ترجح لدي بعد البحث أن هذه العمليات جائزة مشروعة، بل قد تكون واجبة إذا تعينت وسيلة لمواجهة العدو، وإرغامه على الخروج من بلاد المسلمين أو على الأقل إضعافه، وإدخال الرعب في قلوب مجنديه ومستوطنيه، حتى لا يشعروا بالأمن والاستقرار في بلادنا المغتصبة، والقول بخلاف ذلك قول يتيم الحجة والبرهان فضلاً عن أنه أجمل هدية نقدمها لليهود على طبق من ذهب حيث يعيشون مطمئنين لا يعكر صفو حياتهم معكر ولا ينازعهم على حقوقنا منازع بعد أن شيعنا كل شيء اسمه جهاد.

العمولات المصرفية حقيقتها وأحكامها الفقهية

العمولات المصرفية حقيقتها وأحكامها الفقهية ¤عبدالكريم بن محمد بن أحمد السماعيل£بدون¥دار كنوز أشبيليا- السعودية¨الأولى¢1430هـ€فقه¶بنوك إسلامية ومعاملات مصرفية منظمة الخاتمة: فلقد منَّ الله تعالى عليَّ بإتمام بحث مسائل الخطة التي تقدمتُ بها لنيل درجة الدكتوراه، والموسوم عنواها بـ (العمولات المصرفية .. حقيقتها وأحكامها الفقهية)، ولقد استفدت خلال دراستي وترقيمي لأحرف هذا البحث فوائد جمَّة، وتوصلت فيه إلى نتائج عديدة؛ كان أبرزها ما يأتي: 1 - أن لفظ العمولة مصدر لم يرد في المعاجم العربية المتقدمة؛ إلا أنه يمكن قبوله؛ توسعاً بالقياس على مصادر الأفعال التي جاءت عن العرب خاصة، وأن هذا المصدر قد أقرَّه مجمع اللغة العربية، وانتشر في كتب القانون والاقتصاد والفقه، وهو أدل من غيره في بيان المعنى المراد به؛ إذ لا يحتمل معنى آخر غير أجرة العمل. 2 - يقصد بالعمولات المصرفية في البحث: (العوض الذي يأخذه المصرف من العميل مقابل قيامه بخدمة مصرفية)، والبحث فيها من جهة حكم أخذ العوض على الخدمة المصرفية حال انفرادها، وحكم أخذه حال اجتماعه مع القرض أو الضمان أو الاستثمار. 3 - تنشأ العمولات المصرفية عن أسباب متعددة، يمكن إرجاعها إلى ثلاثة أسباب رئيسة: أ- العمل. ب- القرض. ج- الضمان. 4 - العمولة التي يأخذها المصرف مقابل العمل: إن استحقها بالبدء في العمل فهي أجر، وإن استحقها بإتمامه فهي جُعل، وإن استحقها بوجود نماء للمال فهي ربح، والأصل في أخذ العوض في هذه الأحوال الجواز متى ما خلا العقد من المحاذير الشرعية؛ وذلك لمشروعية عقد الإجارة والجَعالة والمضاربة. 5 - الأجر عند اجتماعه مع الربح لا يخلو من ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يكون عوضاً عن عمل المضارب الأصلي: فلا يجوز أخذه. الحالة الثانية: أن يكون عوضاً عن النفقات المبذولة في المضاربة: فينظر في النفقات التي أُخذ العوض في مقابلها، وهي على نوعين: النوع الأول: نفقات متعلقة بعمل المضارب، فهذا النوع إن كان مما يلزم المضارب فعله، وجرت العادة أن يقوم به بنفسه: لم يستحق عليه أجراً. وإن كان مما لا يلزم المضارب: فهذا النوع حكم أخذ الأجر عليه كحكمه في الحالة الثالثة. النوع الثاني: نفقات متعلقة بالمضارب، فهذه النفقات يجوز للمضارب أخذها إذا اشترط ذلك ولم يؤدِّ أخذها إلى قطع الاشتراك في الربح؛ بأن أمكن ضبطها وتحديدها في العقد. الحالة الثالثة: أن يكون الأجر مقابل خدمة تقدَّم مع المضاربة، ففي هذه الحالة إن كان الأجر يدفع لطرف ثالث: فلا إشكال في جواز تحميل الأجر على المضاربة، وإذا اشترط المضارب أن يتم تقديم الخدمة من خلاله: جاز له أخذ الأجر أيضاً على الخدمة، ولكن يقدَّر الأجر بأجر المثل. 6 - العمولات التي يأخذها المصرف مقابل القرض لها ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن تكون العمولة مقابل مبلغ القرض أو مدته: فلا يجوز أخذها. الحالة الثانية: أن تكون مقابل نفقات القرض وتكاليفه: فيجوز أخذها بقدر التكلفة الفعلية، ويشترط أن تكون هذه التكلفة حقيقية مباشرة لا ترتبط بمبلغ القرض، ولا يتكرر أخذها إلا إذا تكرر الإنفاق، ويتم تقديرها من قبل أهل الخبرة في المحاسبة والشريعة. الحالة الثالثة: أن تكون مقابل خدمة مقدمة مع القرض: فلا يخلو حال المصرف من أمرين: الأول: أن يكون المصرف مقرضاً فحينئذ إن كان تقديم الخدمة مشروطاً في القرض: لم يجز له أخذ زيادة عن التكلفة الفعلية للخدمة، وإن لم يكن تقديم الخدمة مشروطاً في القرض: جاز للمصرف أخذ أجرة المثل على الخدمة المقدمة.

الثاني: أن يكون المصرف مقترضاً، فحينئذ يجوز له أخذ العمولة مقابل الخدمة التي قدمها، أما تبرعه بالخدمة وتقديمها بدون عمولات في حال كونه مقرضاً، فإنه يفرق فيه بين نوعين من التبرع: النوع الاول: أن يكون التبرع مشروطاً في القرض، فحينئذ يجوز للمصرف التبرع بالخدمات المتعلقة بالوفاء والاستيفاء؛ ما لم تكن المنفعة في التبرع بها متمحِّضة للمقرض، أو يكن نفعه أقوى. ولا يجوز التبرع بالخدمات التي لا تتعلق بالوفاء والاستيفاء؛ إلا إذا كانت المنفعة في التبرع بها متمحِّضة للمقترض، أو كان نفعه أقوى. النوع الثاني: أن لا يكون التبرع مشروطاً في القرض، فإن كان بعد الوفاء: جاز، أما إن كان قبل الوفاء: فينظر إلى سبب التبرع، فإن كان سببه القرض: فحكم التبرع بها كحكمه في النوع الأول، وإن لم يكن سببه القرض فلا بأس بالتبرع بها. 7 - العمولات التي تؤخذ مقابل الضمان لا تخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن تكون مقابل دفع المبلغ للمستفيد: فلا يجوز أخذها. الحالة الثانية: أن تكون مقابل نفقات الضمان والخدمات المقدمة معه: فإن دفع المصرف مبلغ الضمان من ماله فاجتماع الأجر على الخدمة مع الضمان كاجتماع الإجارة مع القرض، فإن كانت الخدمة مشروطة في الضمان: لم تجز الزيادة في الأجر على التكلفة الفعلية للخدمة. أما إذا لم تكن مشروطة في الضمان، أو دفع المصرف مبلغ الضمان من مال العميل: فيجوز للمصرف حينئذ أن يتقاضى أجر المثل عن الخدمة التي يقدمها مع الضمان. 8 - يشترط في العمولة المصرفية ما يأتي: أ- أن تكون مالاً متقوماً، سواء كانت عيناً أو منفعة. ب- أن تكون مملوكة ملكاً تاماً لمن يدفعها أو مأذوناً له فيها. ج- أن تكون مقدوراً على تسليمها. د- أن تكون معلومة؛ فلا تصح أن تكون مجهولة، ويصح أن تكون مبهمة بحيث تحتمل زيادة الأجر أو نقصانه. هـ- أن تكون مقابل خدمة حقيقية يجوز تقديمها. وأن لا يترتب على أخذها فائدة ربوية، أو محذور شرعي. 9 - يصح تقدير العمولة بمبلغ مقطوع، كما يصح تقديرها بمبلغ نسبي إذا لم تكن العمولة مما يجب تقييدها بالتكلفة الفعلية. 10 - الأصل في التسعير هو الحرمة؛ إلا إذا وجد ما يستدعي للتسعير من وجود ضرر على الناس، أو تلاعب التجار بالأسعار، أو وقوعهم في الحرام، كما هو حال المصارف اليوم؛ لذا على الجهات المشرفة على المصارف السعي إلى تسعير الخدمات المصرفية على وجه التفصيل، والإلزام بتقديم الخدمة بأجر المثل عند اجتماعها مع القرض على غير سبيل المشارطة، أو مع المضارة على سبيل المشارطة. 11 - إذا لم يُسمِّ المصرف عمولة للخدمة التي نفذها؛ فإنه يستحق أجر المثل إذا جرت الشبكات المالية للمصارف. 13 - يُعدُّ المصرف في عقد فتح الوديعة الجارية مقترضاً، ويترتب عليه ما يأتي: أ- يجوز للمصرف أخذ العمولات عن أجور خدمات تلك الودائع. ب- كما له التبرع بتلك الخدمات لعموم العملاء، أو اشتراط وصول رصيد العميل لمبلغ معين للتبرع بالخدمة متى ما كان النفع في تقديم الخدمة متمحِّضاً للمصرف، أو كان انتفاعه أقوى من انتفاع العميل أو مساوياً له؛ كما في إصدار بطاقة الصراف الآلي، ودفتر الشيكات، وفتح الحساب، ونحو ذلك. ج- إذا كان النفع في تقديم الخدمة متمحِّضاً للعميل، أو كان نفعه أقوى، فينظر في هذا التبرع: فإن كان مشروطاً في العقد لم يجز، وإن لم يكن مشروطاً جاز إذا جرت عادة المصرف بالتبرع بالخدمة، ولم يكن التبرع من أجل القرض.

14 - تكيف الحوالات المصرفية على أنها سفتجة، فالمصرف في الحوالات يُعدُّ مقترضاً، ويجوز له أخذ العمولة عن إصدار أوامر الدفع، وتنفيذ أوامر التحويل المستديمة، وإيقاف الحوالات الصادرة، وصرف الحوالات الواردة؛ سواء قُدِّرت العمولة بمبلغ مقطوع أو نسبي، ولا يجب أن تقيد العمولة في تلك الصورة بالتكلفة الفعلية. كما يجوز أخذ العمولات عن استرداد الحوالات الصادرة، وفي حالة كون الاسترداد بنقد من جنس نقد الحوالة يجب أن لا يزاد في العمولة عن أجرة المثل. 15 - عقد تحصيل الأوراق التجارية عقد وكالة، والعوض الذي يأخذه المصرف في التحصيل إن كان مشروطاً بالمطالبة فهو أجر، وإن كان مشروطاً بالتحصيل فهو جُعل، ويجوز للمصرف أخذ العمولة عن تحصيل الأوراق التجارية في حال عدم إتاحة مبلغ الورقة للعميل مقابل المطالبة بقيمة الورقة التجارية وتحصيلها وتحرير احتجاج عدم الوفاء وإيقاف الأوراق المفقودة أو المسروقة ونحو ذلك؛ سواء قُدِّرت العمولة بمبلغ مقطوع أو نسبي. 16 - يُعدُّ حفظ الأوراق المالية عقد وكالة، والأوراق المالية إما أن تكون أسهماً أو سندات، فإن كانت أسهماً: فيجوز أخذ العمولة على حفظها وإدراتها، والتوسط في بيعها وشرائها متى ما كانت تلك الأسهم من الأسهم التي يجوز التعامل بها، وفي حالة إقراض الوسيط الأسهم للعميل فيجب أن يراعى عدم أخذ فائدة عن الإقراض، وعدم أخذ زيادة عن التكلفة الفعلية في حال اشتراط الوساطة في الإقراض، أما إذا لم تشترط الوساطة في الإقراض: فيجوز أخذ أجر المثل على الوساطة. وإن كانت الأوراق المالية سندات لم يجز أخذ العمولة على حفظها وإدارتها والتوسط فيها. 17 - العمولات التي تؤخذ عند بيع العملات وشرائها: إن كانت مقابل التحويل فحكمها حكم عمولات الحوالات المصرفية، وإن كانت مقابل توفير العملات فيجوز أخذها عند اختلاف جهة إصدارها، ويحرم أخذها عند اتحاد جهة الإصدار، وإن كانت مقابل الوساطة في بيع العملات: فيجوز أخذها إذا كان التوسط في البيع والشراء بالأسعار الحاضرة، وفي حال إقراض الوسيط العميل للعملات فإن حكمها يأخذ حكم إقراض الوسيط للأسهم، أما إذا كان التوسط بالأسعار الآجلة: لم يجز أخذ العمولة على تلك الوساطة. 18 - لا يجوز للمصرف أن يأخذ عمولات مقابل التمهيد للاكتتاب في الأوراق المالية المحرمة، ولا التوسط في الاكتتاب فيها، ويجوز له أخذ العمولات مقابل التمهيد للاكتتاب في الأوراق المالية المباحة والتوسط فيها؛ سواء قُدِّرت العمولة بمبلغ مقطوع أو نسبي. وفي حال كون الاكتتاب بضمان من المصرف فيجب مراعاة عدم كون المقابل للتعهد خصماً من القيمة الإسمية للسهم. 19 - يجوز للمصرف أخذ العمولات عن تأخير الصناديق الحديدية، كما يجوز له أخذها عن إدارة الممتلكات، وتحصيل فواتير الخدمات. 20 - يجوز أخذ العمولة مقابل الاستشارة الاستثمارية بشرط كون المشروع الذي تجري الاستشارة فيه مباحاً. 21 - عقد الاستثمار بين المصرف والعميل له حالتان: الحالة الأولى: أن يكون الاستثمار مع ضمان المصرف رأس المال والربح - كما في شهادات القيمة الإسمية -؛ ففي هذه الحالة لا يجوز للمصرف أن يتقاضي عمولات عن الخدمات المقدمة مع الاستثمار بهذه الصورة. الحالة الثانية: أن يكون الاستثمار بدون ضمان المصرف لرأس المال والربح، أو ضمان ذلك من طرف ثالث؛ ففي هذه الحالة ينظر في العائد الذي يتقاضاه المصرف على الاستثمار، وهو لا يخرج عن أحد شكلين:

أولهما: أن يكون العائد حصة من الأرباح: فالعقد يقوم على أساس المضاربة؛ كما في شهادات الوحدة الاستثمارية التي تدار بصيغة المضاربة، وكما في سندات المقارضة، والعوض الذي يؤخذ مقابل عقد المضاربة لا يخلو من أربع صور: الصورة الأولى: أن يكون العوض مقابل نفقات المضاربة. ففي هذه الصورة إن كانت النفقات مباشرة، وجرت العادة على لزوم قيام المصرف المستثمر بها، كحفظ المال المستثمر، ودفعه في أوجه النشاطات المختلفة ونحو ذلك: لم يجز أخذها. وإن جرت العادة على عدم لزوم قيام المصرف بهذه النفقات: فحكم أخذ العوض في هذه الحالة كحكمه في الصورة الثانية الآتية. أما النفقات غير المباشرة التي يتحملها المصرف للقيام بكافة أنشطته من أجهزة ومبانٍ مما هو داخل في عمل المضارب؛ فلا يجوز للمصرف تحميل هذه النفقات على وعاء المضاربة. الصورة الثانية: أن يكون العوض مقابل الخدمات المصاحبة للاستثمار. يجوز للمصرف أخذ أجور الخدمات المصاحبة للاستثمار الذي يدار بصيغة المضاربة بشرط كونها في حدود أجر المثل. الصورة الثالثة: أن يكون العوض مقابل إدارة الاستثمار. لا يجوز في هذه الصورة للمصرف - إذا كان مضارباً - أن يشترط أجراً ثابتاً يحصل عليه مع الأرباح. الصورة الرابعة: أن يكون العوض حافزاً تشجيعياً: يجوز في هذه الصورة أخذ العوض؛ سواء كان الحافز التشجيعي بجعل نسبة الربح تصاعدية تزيد كلما زادات الأرباح، أو بجعل الحافز التشجيعي مضافاً إلى الربح. ثانيهما: أن يكون العائد مبلغا مقطوعاً أو نسبة من أصل الوديعة الاستثمارية، فالعقد يقوم على أساس الوكالة، كما في شهادات الوحدة الاستثمارية التي تدار بصيغة الوكالة، وما يؤخذ ما قبل العقد لا يخرج عن الصور السابقة، وفي جميعها يجوز للمصرف أخذ المقابل؛ سواء كان عوضاً عن نفقات العقد، أم الخدمات المصاحبة له، أم عوضاً عن إدارة الاستثمار، أم حافزاً تشجيعياً عند زيادة الأرباح. 22 - لا يجوز للمصرف أن يأخذ عمولة ارتباط أو تسهيل مقابل استعداده التعاقد مع العميل أو مداينته، ولا يجوز له أخذ عمولة الدراسة الائتمانية إلا بقدر التكلفة الفعلية لتلك الدراسة. 23 - إذا أقرض المصرف العميل قرضاً مباشراً فيجوز له أخذ النفقات والتكاليف الفعلية للإقراض بشروطها المتقدمة، ولا يجوز أخذ فوائد ترتبط بمبلغ القرض أو مدته، أو فرض غرامات مالية في حالة تأخر العميل عن السداد باسم العمولة. 24 - لا يجوز للمصرف في خصم الأوراق التجارية أن يأخذ عمولات عن دفع مبلغ الورقة التجارية للعميل؛ سواء اشترط المصرف على العميل العود بقيمة الورقة التجارية في حال عدم الوفاء بها أم لم يشترط ذلك. وفي حالة اجتماع خدمة التحصيل مع إتاحة المبلغ للعميل، فيفرق في أخذ العمولة بين حالتين: الحالة الأولى: أن يكون التحصيل شرطاً لإتاحة المبلغ، ففي هذه الحالة لا يجوز للمصرف أن يأخذ في عوض الخدمة أكثر من التكلفة الفعلية. الحالة الثانية: أن لا يكون التحصيل شرطاً لإتاحة المبلغ، فيجوز في هذه الحالة للمصرف أن يأخذ عوض خدمة التحصيل بقدر أجر المثل. 25 - يقوم خطاب الضمان على أساس عقد الضمان، وعليه فلا يجوز للمصرف أن يأخذ مقابلاً عن التزامه بدفع المبلغ للمستفيد، وفي حالة إقراض العميل مبلغ الضمان لا يجوز للمصرف أخذ زيادة عن التكلفة الفعلية للإقراض. أما بالنسبة للخدمات المقدمة مع الضمان فيفرق في أخذ العمولة عليها بين حالتين: الحالة الأولى: أن يدفع المصرف مبلغ الضمان من مال العميل، فيجوز في هذه الحالة للمصرف أن يأخذ أجر المثل عن الخدمات المتعلقة بخطاب الضمان؛ سواء كان مبلغاً مقطوعاً أو نسبياً.

الحالة الثانية: أن يدفع المصرف مبلغ الضمان من أمواله، فلا يجوز للمصرف أن يأخذ سوى التكلفة الفعلية للخدمات التي يقدمها مع الضمان. 26 - عقد الاعتماد المستندي يقوم على أساس الضمان والوكالة، وأخذُ العمولات عن هذا العقد لا يخلو من الأحوال الآتية: أ- أن تكون العمولة مقابل الالتزام بدفع المبلغ عن المستفيد، فلا يجوز أخذها. ب- أن تكون مقابل إقراض العميل لمبلغ الاعتماد، فلا يجوز أخذها أيضاً. ج- أن تكون مقابل التكاليف والخدمات المتعلقة بالاعتماد المستندي، فحكمها حكم عمولات الخدمات المتعلقة بخطاب الضمان إن دفع المبلغ من مال العميل، فيجوز للمصرف أخذ أجرة المثل، وإن دفع المصرف مبلغ الاعتماد من أمواله فليس له أخذ سوى التكلفة الفعلية. د- أن تكون مقابل تعزيز الاعتماد، فإن أخذت العمولة في التعزيز مقابل الالتزام لم يجز، وإن أخذت مقابل الخدمات المصاحبة للتعزيز فحكمها حكم الحالة السابقة. هـ- أن تكون مقابل تحويل العملة، فيجوز أخذها متى ما تحققت شروط المصارفة؛ ما لم تكن المصارفة في الذمة. وأن تؤخذ عند فتح الاعتماد الممول بطريق المرابحة، فيجوز أخذها في حالة قيام المصرف بفتح الاعتماد لدى مصرف آخر باسمه ولحسابه، وقيامه بدفع عمولة فتح الاعتماد، أما إذا كان الاعتماد مفتوحاً لدى المصرف الممول بطريق المرابحة باسمه ولصالحه، أو مفتوحاً باسم العميل سواء فتحه المصرف الممول للمرابحة لديه، أو لدى مصرف آخر لم يجز أخذ العمولة. 27 - البطاقات المصرفية على نوعين. النوع الأول: بطاقات ائتمان، والعمولات التي تؤخذ في هذا النوع من البطاقات لها أحوال: الحالة الأولى: أن تؤخذ العمولة من حامل البطاقة: ففي هذه الحالة إن كانت العمولة مقابل الالتزام بدفع المبلغ، أو مقابل الإقراض لم يجز أخذها، وإن كانت مقابل الخدمات المقدمة مع البطاقة فيجوز أخذها بقدر التكلفة الفعلية، وإن كانت مقابل تحويل العملة لم يجز تحصيل فرق العملة باسم عموولة الصرف؛ لأن المصارفة تجري في الذمة. الحالة الثانية: أن تؤخذ العمولة من قابل البطاقة: ففي هذه الحالة إن كانت مقابل الالتزام بدفع المبلغ عن حامل البطاقة لم يجز أخذها، وإن كانت مقابل الخدمات المتعلقة بقبول التاجر للبطاقة، فما يؤخذ مقابل تلك الخدمات على نوعين: أ- عمولات تؤخذ مقابل خدمات تشترك فيها بطاقة الائتمان مع غيرها مثل: الاستفادة من نظام نقاط البيع ونحوه، ففي هذا النوع من الخدمات يجوز للمصرف أن يأخذ الأجر المتفق عليه بينه وبين التاجر، ولا يقيد ذلك الأجر بالتكلفة الفعلية أو أجر المثل. ب- خصم نسبة من قيمة البضاعة مقابل خدمات تختص بالبطاقة، مثل: التسويق للبطاقة ونحوه، فهذا الخصم على التاجر يجوز أخذه؛ سواء كان مبلغاً مقطوعاً أو نسبة من ثمن البضاعة، شريطة أن يقدر الخصم بأجر المثل عن الخدمات التي يقدمها المصرف. الحالة الثالثة: أن تؤخذ العمولة لصالح المنظمة الراعية للبطاقة. يجوز للمنظمة الراعية للبطاقة أن تتقاضى عمولات مقابل التفويض والمقاصة والإصدار والاستبدال، ونحو ذلك. ويجوز للمصارف أن تتعامل مع المنظمات الراعية للبطاقات، وتنضم إلى عضويتها؛ بشرط أن لا تشتمل تلك العضوية على فوائد ربوية. النوع الثاني: بطاقة الحسم من الحساب الجاري: هذا النوع من البطاقات يجوز للمصرف أن يتقاضى عمولات مقابل إصداره ومقابل الخدمات المصاحبة له، كما يجوز له أن يقدم هذه الخدمات بدون أخذ عمولات عليها، أو يأخذها في حال انخفاض الرصيد عن حد معين؛ متى ما كان انتفاعه بتقديم تلك الخدمات أقوى من انتفاع العميل أو مساوياً له. 28 - إذا فُسخ العقد المبرم بين المصرف والعميل لم يخلُ الأمر من حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون العقد من العقود التي يجوز التعامل بها، فإذا كان كذلك فالفسخ له صورتان: الصورة الأولى: أن يكون الفسخ قبل الشروع في الخدمة، وإذا فسخ العقد قبل الشروع في الخدمة فإن العمولة تأخذ أحد الشكلين الآتيين: 1 - أن تكون العمولة أجرة - وهذا هو الأصل -، ففي هذه الحالة يكون العقد لازماً؛ لا يحق لأحد من المتعاقدين فسخه ابتداء بعد مضي مدة الخيار إلا بالإقالة، فيستحق المصرف العمولة بالعقد، ويجب عليه إتمام العمل، وإذا لم يتمكن من القيام بالخدمة بسبب معتبر، فعليه أن يستأجر من يقوم بالخدمة بدلاً عنه، فإن تعذر ذلك فللعميل الانتظار حتى يتمكن المصرف من القيام بالخدمة، فيطالبه بها، أو يفسخ؛ فيرد المصرف العمولة التي أخذها منه. 2 - أن تكون العمولة جُعلاً، كما هو الحال في عمولة التوسط في بيع الأوراق المالية وشرائها، أو بيع العملات وشرائها، أو عمولة تحصيل الأوراق التجارية إذا كان العوض مشروطاً بالتحصيل ونحو ذلك، ففي هذه الحالة إذا فسخ العقد قبل الشروع في الخدمة لم يستحق أي من العاقدين شيئاً، فالمصرف لا يستحق العوض، والعميل لا يملك مطالبة المصرف بالشروع في الخدمة. الصورة الثانية: أن يكون الفسخ بعد الشروع في الخدمة، فإذا فسخ العقد بعد الشروع في الخدمة فالعمولة تأخذ نفس الشكلين السابقين، وهما كالآتي: 1 - أن تكون العمولة أجرة، فالفسخ لا يخلو من الثلاثة الأحوال الآتية: أولها: أن يكون الفسخ من المصرف، فليس له ذلك بعد الشروع في الخدمة إذا كانت العمولة أجرة؛ بل يلزم بإتمام العمل، فإن امتنع أو تعذر إجباره بعد شروعه في الخدمة لم يستحق شيئا عن عمله. ثانيها: أن يكون الفسخ من العميل، فيُلزم حينئذ بدفع العمولة ولو لم يستوف الخدمة. ثالثها: أن يكون الفسخ بسبب معتبر لا يرجع إلى أحد العاقدين. ففي هذه الحالة إن كان العميل قد استوفى شيئاً من المنافع لمثله أجرة لزمته عمولة ما استوفى، وإن لم يستوفِ شيئاً لم يستحق المصرف عمولة على عمله. 2 - أن تكون العمولة جُعلاً، فالفسخ لا يخلو من ثلاثة أحوال أيضاً: أولها: أن يكون الفسخ من المصرف، ففي هذه الحالة لا يلزم المصرف بإتمام العمل، ولا شيء له عما مضى من عمله؛ إلا إذا كان هناك شرط أو عرف يقضي بأن المصرف يستحق عمولة لما مضى عند فسخه، فإنه يعمل به. ثانيها: أن يكون الفسخ من العميل، فيلزمه أجرة المثل. ثالثها: أن يكون الفسخ بسبب معتبر لا يرجع لأحد المتعاقدين، ففي هذه الحالة إن كان العميل قد انتفع بشيء: فتلزمه العمولة بقدر ما انتفع، وإن لم ينتفع بشيء: لم يستحق المصرف شيئاً عما عمل. الحالة الثانية: أن يكون العقد أو الخدمة من العقود أو الخدمات المحرمة، فالفسخ لا يخرج عن الصورتين السابقتين فيما إذا كان العقد مباحاً، وهما كالآتي: الصورة الأولى: أن يكون الفسخ قبل الشروع في الخدمة، فلا يحق في هذه الحالة لأي من الطرفين المطالبة بالمضي في العقد؛ سواء كانت العمولة على الخدمة أجرة أو جُعلاً. الصورة الثانية: أن يكون الفسخ بعد الشروع في الخدمة. فإذا كان الفسخ للخدمة المحرمة بعد الشروع فيها: فالفسخ يأخذ أحد شكلين: 1 - أن يكون الفسخ بعد استيفاء العميل للخدمات أو بعضها. ففي هذه الحالة إن كان العقد مقطوعاً بحرمته: فيأخذ المصرف العمولة، وعليه التخلص منها بصرفها في وجوه البر وأغراض النفع، ولا يردها للعميل. وإن لم يكن العقد مقطوعاً بحرمته: فإن المصرف يأخذ العمولة، ويملكها كسائر أمواله، ولا يجب عليه التخلص منها. 2 - أن يكون الفسخ قبل استيفاء العميل للخدمات أو بعضها، ففي هذه الحالة ليس للمصرف المطالبة بالعمولة، كما لو فسخ العقد قبل الشروع في الخدمة.

العولمة وخصائص دار الإسلام ودار الكفر

العولمة وخصائص دار الإسلام ودار الكفر ¤عابد بن محمد السفياني£بدون¥دار الفضيلة¨الأولى¢1421هـ€فقه¶عولمة نتائج البحث 1ـ "العولمة" دعوة جديدة لإزالة مفهوم "الأمة" و "الدولة" وإلغاء الحدود بين "دار الإسلام" و "دار الكفر" وجمع الكفار والمسلمين تحت مفاهيم واحدة وراية واحدة تقودها "العلمانية" و "العالمية" لإطلاق الحريات، تحت شعارات "حقوق الإنسان" على الطريقة الغربية، ونشر الإباحية، وتثبيت جوهر المدنية الغربية، وهذه دعاوي الصليبية واليهودية، والإسلام يقاومها ويعارضها، ولا يقبل منها شيئاً، و "دار الإسلام" لها عقيدتها وشريعتها الإسلامية، و "دار الكفر" لها عقيدتها وشرائعها الكفرية، ولا يمكن دمج أهل الإسلام وأهل الكفر تحت شعار "العولمة" أو "وحدة الأديان" أو "السلام العالمي" أو "الديمقراطية" أو "العلمانية" لأن المسلمين أمة واحدة تميزهم ـ من دون الناس ـ عقيدة إسلامية صحيحة، وشريعة محكمة وثقافة وأخلاق مبنية على تلك العقيدة والشريعة. 2ـ إن المسلمين يستطيعون أن يستفيدوا من التطور المادي والتكنولوجيا، ويثبتون على خصوصيتهم العقدية والتشريعية والأخلاقية، دون أن ينساقوا مع انحرافات العولمة، وقد ثبت أنه لا تلازم بين إمكان الاستفادة من التطور والتقنية وبين انحرافات المناهج الغربية العلمانية والإباحية. 3ـ تنقسم الأمم إلى فريقين، أهل الإسلام ودارهم تسمى "دار الإسلام" وأهل الكفر ودارهم تسمى "دار الكفر"، ويتمايزون في العقيدة والشرائع والأحكام، كما ينقسم الأفراد إلى مسلم وكافر، والأمم والدور كالأفراد من حيث الوصف بالإسلام أو الكفر. 4ـ تقسيم العالم إلى قسمين أصليين: دار الإسلام ودار الكفر، تقسيم ثابت عند الفقهاء بسبب اختلاف الدين والشرائع، ولا يتغير هذا التقسيم بتغير ظروف السلم والحرب، وهذا محل اتفاق بينهم، بناءً على الأدلة الشرعية. 5ـ تنقسم "دار الكفر" إلى دار حرب ودار عهد، و "دار الحرب" هي دار الكفر التي بيننا وبين أهلها حرب، و "دار العهد" هي دار الكفر التي بيننا وبين أهلها عهد وسِلْم، وسبب هذا التقسيم الفرعي لدار الكفر هو تغيّر ظروف السلم والحرب، فإذا كانت الحالة حالة حرب فدارهم دار حرب، وإذا كانت الحالة حالة سلم فدارهم دار عهد، وأهلها كفار مباعدون للإسلام وأهله. 6ـ المعاهدات السلمية بين المسلمين والكفار مشروعة حسب ما ورد في الكتاب والسنة، ولا تُغيّر من صفات الدور الأصلية شيئاً، كما لا تلغي مفهوم "الأمة" و "الدولة" ولا تلغي الحدود بين "دار السلام" و "دار الكفر" كما يزعم دعاة العولمة، ولا يجوز أن تكون ستاراً لعولمة الانحراف والعقائد والشرائع الكفرية. 7ـ "دار الكفر" الأصلية هي الدار التي تغلب عليها أحكام الكفر ويكون أهلها كفاراً. 8ـ "دار الإسلام " هي الدار التي غلبت عليها أحكام الإسلام سواء كان سكانها مسلمين أو أهل "ذمة". 9ـ "دار الإسلام" التي استولى عليها الكفار أو ارتد القائمون عليها ولم يظهروا فيها أحكامهم ثم رحلوا عنها وعادت إلى أهل الإسلام فهي دار إسلام باقية على ما هي عليه. 10ـ "دار الإسلام" التي استولى عليها الكفار أو ارتد القائمون عليها، وتمت لهم الغلبة وزالت فيها المقاومة الإسلامية ولم يبق فيها وجود للإسلام "كالأندلس" مثلاً "أسبانيا" حالياً فهي دار كفر وأهلها كفار. 11ـ "دار الإسلام" التي استولى عليها الكفار أو ارتد القائمون عليها وأظهروا فيها أحكامهم لا تسمى "دار الإسلام" لأن أحكام الإسلام ليست غالبة عليها ولأن القائمين عليها كفار، ويجب مراعاة الأصل في الأحكام بالنسبة لسكانها من المسلمين، ولا يجوز إطلاق الكفر عليهم، ولا سبهم بالنفاق، بل السب والرمي بالنفاق يقع بحسب الصفات المذكورة في الكتاب والسنة، ويجب على المسلمين العمل لإعادة خصائص "دار الإسلام" إليها، وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عليها. 12ـ يجب على المسلمين أن يستردوا دورهم التي استلبها الكفار، وعليهم أن يأخذوا بجميع أسباب النصر ومن أعظمها أن يجتمعوا على كلمة سواء، وأن يكونوا أمة واحدة من دون الناس، وأن يصبروا على نشر الدعوة إلى الإسلام في جميع أنحاء العالم، وأن يكون اجتماعهم وتناصرهم على ما كان عليه سلف الأمة لأجل نشر التوحيد والتمكين للشريعة الإسلامية، وعليهم أن يستفيدوا من جميع الوسائل المشروعة لتحقيق تلك المقاصد العظيمة ولا يجوز لهم التنازل عن "ديار الإسلام" المغتصبة مثل "فلسطين" مسرى النبي ? بل يجب عليهم الاستعداد وبذل الغالي والنفيس لاسترداد تلك الديار، كما يجب عليهم التمكين لهذا الدين بقدر ما يستطيعون، ونشر الإسلام في العالم) حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةً وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ? والله هو مولاهم وناصرهم نِعْمَ المولى ونِعْم النصير، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى إخوانه من المرسلين وآله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة

الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة ¤الصديق محمد الأمين الضرير£بدون¥دار الجيل - بيروت¨الثانية¢1410هـ€فقه¶عقود مالية - منوعات الخاتمة وبعد، فقد فرغت بتوفيق الله وعونه مما أردت تفصيله، وبقي علي أن أختم الرسالة ببيان أهم ما جاء فيها من النقاط الموجزة الآتية: 1 - بحثت في التمهيد نصوص القرآن والسنة الواردة في حرية التعاقد، وانتهيت إلى أن حرية التعاقد هي الأصل في الشريعة الإسلامية، وإلى أن القيود التي تحد منها هي نواهي الشارع وحدها، وإلى أن الغرر أحد تلك القيود المتفق عليها، ثم بينت رأي ابن حزم القائل بأن الأصل في العقود والشروط المنع، إلا ما ورد نص بجوازه، ودفعت ما احتج به، واستعرضت بعد ذلك الأطوار التي مر بها مبدأ سلطان الإرادة في القانون، وانتهيت إلى أن ما استقر عليه المبدأ في القرن العشرين يتفق في جملته مع ما قرره القرآن والسنة في القرن السابع، غير أني رأيت أن أثر الغرر على سلطان الإرادة في الفقه الإسلامي أقوى بكثير من أثره عليه في القانون، لأن تحريم عقود الغرر من حق الله الذي لا يجوز للعبد إسقاطه في الفقه الإسلامي، أما في القانون فإن أكثر عقود الغرر تخرج عن دائرة النظام العام والآداب. فلا مانع في القانون من التعاقد على ما فيه غرر، ولو ورد نص يمنعه، إلا في مسائل قليلة اعتبرها القانون مخالفة للنظام العام والآداب. 2 - استعرضت في الباب الأول من القسم الأول من الرسالة تعريفات الغرر عند الفقهاء، واخترت من بينها التعريف الآتي: "الغرر ما كان مستور العاقبة"، ثم وضحت الفرق بين الغرر وثلاث كلمات تشتبه به هي: الغرور، والجهالة، والقمار، ونبهت إلى استعمال بعض الفقهاء كلمة الغرر مكان الغرور، وبينت أن الغرر أعم من الجهالة والقمار، وعارضت الرأي القائل بأن الغرر من القمار، ثم ذكرت تعريف عقد الغرر في القانون، وبينت أن تعريف فقهاء القانون للغرر أخص من التعريف الذي اخترته. 3 - في الباب الثاني المتعلق بالنصوص الواردة في الغرر بينت أن القرآن لم يرد فيه نص خاص في حكم الغرر، أو في حكم جزئية من جزئياته، ولكن ورد فيه حكم تدخل تحته جميع الأحكام الجزئية التي ذكرها الفقهاء في الغرر المنهي عنه هو: "تحريم أكل المال بالباطل" ومن ثم تعرضت للآيات التي تنهي عن أكل المال بالباطل وشرحتها شرحا لا يخلو من جديد، ثم بينت أن أحكام الغرر وضحتها السنة، وأن من الأحاديث ما تناول حكم الغرر بصفة عامة، ومنها ما تناول حكم بعض جزئياته، وبحثت أحاديث النوع الأول، فوجدتها كلها تتفق في قول الصحابي، راوي الحديث: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر" فبينت ما يدل عليه قول الصحابي: "نهى النبي عن كذا" هل يدل على العموم أم لا؟ كما بينت آراء الفقهاء في حكم العقد المنهي عنه، وانتهيت إلى أن الأحاديث تدل على تحريم بيع الغرر وفساده، وعلى شمول التحريم والفساد لكل بيوع الغرر. 4 - في القسم الثاني من الرسالة تكلمت عن أثر الغرر في العقود والشروط، ومهدت بتقسيم الغرر إلى أقسام، لتكون أصولا ترد إليها جميع فروع الغرر، ورأيت أن الغرر يكون إما في صيغة العقد، وإما في محله، وأن الغرر في الصيغة يشمل: 1 - بيعتين في بيعة، وصفقتين في صفقة. 2 - بيع العربان. 3 - بيع الحصاة. 4 - بيع المنابذة. 5 - بيع الملامسة. 6 - العقد المعلق، والعقد المضاف.

أما الغرر في محل العقد، وهو القسم الأكبر، فينحصر في تسعة أقسام هي: 1 - الجهل بذات المحل. 2 - الجهل بجنس المحل. 3 - الجهل بنوع المحل. 4 - الجهل بصفة المحل. 5 - الجهل بمقدار المحل. 6 - الجهل بأجل المحل. 7 - عدم القدرة على تسليم المحل. 8 - التعاقد على المعدوم. 9 - عدم رؤية المحل. 5 - في الباب الأول من هذا القسم تحدثت عن أثر الغرر في عقد البيع على أساس التقسيم السابق للغرر، وبحثت أهم ما يندرج تحت كل قسم من فروع، لاسيما الفروع التي وردت فيها نصوص من السنة ومن العناية بتحقيق الأحاديث. فتكلمت عن الغرر في صيغة عقد البيع، وبحثت أهم تطبيقاته، فتحدثت عن "بيعتين في بيعة"، وحققت معناها والفرق بينها وبين صفقتين في صفقة كما تحدثت عن تعدد الصفقة في القانون الروماني، وانتهيت إلى أن مسلك الفقه، الإسلامي في تقريره لمبدأ منع تعدد الصفقة، يحقق استقرار المعاملات، وهو في نفس الوقت، لا يحول دون التطور المنشود للمعاملات. ثم تحدثت عن بيع العربون، فحققت تكييف هذا البيع في الفقه الإسلامي وبينت الفرق بينه وبين التكييف القانوني، كما بينت حكم بيع العربون في الفقه الإسلامي، ورجحت الرأي القائل بالمنع، وقد اقتضاني البحث أن أحقق رواية عمرر بن شعيب عن أبيه عن جده، وهو راوي حديث النهي عن بيع العربون. وتناولت بالبحث بيع الحصاة، والملامسة، والمنابذة، وهي من بيوع الغرر التي كان الناس يتعاملون بها في الجاهلية، فنهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينت معناها، وحكمها عند المحدثين والفقهاء، ورأيت أن ما ذهب إليه الإمام مالك، من اعتبار بيع الثوب المدرج في جرابه من بيع الملامسة، لا ينطبق على بيع الثياب في زماننا، كما انتهيت إلى أن تحديد الصورة التي ورد النهي عنها في كل من هذه البيوع أمر غير ميسور، ثم بينت فائدة البحث عن هذه البيوع الجاهلية. وفي الكلام عن العقد المعلق المضاف حققت المعنى الاصطلاحي للتعليق وانتهيت إلى أن المدار في اعتبار العقد معلقا، عند أكثر الفقهاء، هو أن يربط بين المعلق والمعلق عليه بأداة من أدوات التعليق، من غير نظر إلى كون المعلق عليه محتمل الحصول، أو محقق الحصول، ثم حكم البيع المعلق عند الفقهاء، وانتهيت إلى منع تعليق البيع، إلا إذا كان هناك غرض صحيح من التعليق، ثم تحدثت عن العقد المضاف، وبينت أن الغالب في المضاف إليه أن يكون محقق الحصول وقد يكون محتمل الحصول أحيانا، على عكس المعلق عليه في التعليق، كما بينت أن الغرر في التعليق أظهر منه في الإضافة. 6 - ثم تكلمت عن الغرر في محل العقد، فبدأت بالجهل بذات المحل، وبحثت فيه خيار التعيين في المذاهب المختلفة، وفي القانون المصري، وبينت الفرق بينهما، ووضحت أن مسلك الفقه الإسلامي هو الذي يتفق مع الغالب في الحياة العملية. 7 - كما تكلمت عن الجهل بجنس المحل، وبينت فيه أن للمالكية رأيا بجواز بيع مجهول الجنس مع اشتراط خيار الرؤية، كما حققت ما ورد في بعض كتب الحنفية من جواز بيع المرء ما في كمه. 8 - وبعد ذلك تكلمت عن الجهل بنوع المحل، وبينت أن جهالة النوع تمنع صحة البيع كجهالة الجنس، ولاحظت فيه أن كتب الحنفية ليس فيها كلام صريح عن النوع، وأنهم كثيرا ما يستعملون الوصف مكان النوع.

9 - ثم بحثت الجهل بصفة المحل، وبينت فيه أن أكثر الفقهاء، يشترطون ذكر صفة المحل لصحة البيع، وحققت مذهب الحنفية في هذا الموضوع، ولخصت رأي الشرنبلالي من رسالته "نفيس المتجر بشراء الدرر"، ثم بحثت بعض البيوع الممنوعة للجهل بصفة المحل، فتكلمت عن بيع اللحم، وبيع المضامين، والملاقيح، والمجر، وعسب الفحل، وحررت معاني هذه الكلمات وحققت الأحاديث الواردة فيها، ثم تكلمت عن بيع ما يكمن في الأرض؛ وأيدت رأي من يجوزونه، كما تكلمت عن بيع ما يختفي في قشره، وبينت الآراء المختلفة في حكمه، وخرجت منها بقاعدة هي: أن ما يضره الكسر، وما تمكن معرفته من غير إزالة قشرة يجوز بيعه وهو في قشره، وما لا يضره الكسر، ولا تمكن معرفته وهو في قشره لا يجوز بيعه؛ لأن في ذلك غرراً من غير حاجة. 10 - تكلمت بعد ذلك عن الجهل بمقدار المحل، وبينت أن العلم بمقدار المحل شرط لصحة البيع عند جميع الفقهاء سوى الشرنبلالي من علماء الحنفية، كما بينت رأي القانون، ثم بحثت بعض البيوع التي فيها غرر من جهة الجهل بمقدار المبيع فتكلمت عن المزابنة، وبينت معناها من الأحاديث، ووضحت أن الفقهاء توسعوا في تفسيرها بأكثر مما تدل عليه الأحاديث، وأتبعت ذلك بالكلام عن العرايا مبينا معناها وحكمها من الأحاديث، ومن أقوال الفقهاء، وانتهيت إلى أن العرية هي النخلة الموهوب ثمرها، وإلى أن بيع العرية المرخص فيه هو: أن يبيع صاحب العرية ثمرها وهو على نخلته بخرصه تمراً أو رطباً على ألا يزيد على خمسة أوسق، يبيعه لمن يشاء، لمن يأكله رطباً ولغيره، ثم تكلمت عن المحاقلة، والجزاف، وبيع ضربة الغائض، وبيع الصوف على ظهر البهيمة، وبيع اللبن في الضرع، ووضحت مذهب المالكية في جواز بيع اللبن في الضرع، ورجحته على رأى الجمهور. ثم تكلمت عن جهالة مقدار الثمن، فبحثت البيع بغير ذكر ثمن، والبيع بسعر السوق، والبيع بحكم أحد المتعاقدين أو بحكم أجنبي، وبيع التولية، والمرابحة، والوضيعة، والبيع بربح نسبة في المائة، والبيع بسعر الوحدة، وبينت آراء الفقهاء في كل ذلك، وقارنته بالقانون الوضعي. 11 - ثم تكلمت عن الجهل بالأجل، وبحثت فيه بيع حبل الحبلة، وبينت أنه من البيوع الممنوعة لما فيها من الغرر الناشئ عن جهالة الأجل، ثم وضحت آراء الفقهاء في أثر جهالة الأجل على صحة البيع، وانتهيت إلى أن الفقهاء متفقون على أن الجهالة التي ترجع إلى وجود الأجل، وهي ما يسميها الحنفية بالجهالة الفاحشة مفسدة للبيع، أما الجهالة التي ترجع إلى وقت حصول الأجل وهي ما يسميها الحنفية بالجهالة اليسيرة، فأكثرهم على أنها مفسدة للبيع أيضا، وقال المالكية: لا تفسده، ورجحت رأي المالكية في هذا، كما رجحت رأي الظاهرية في جواز التأجيل إلى الميسرة. ثم بينت أن القانون لا يشترط العلم بالأجل لصحة البيع؛ وتكلمت عن التأجيل إلى الميسرة في القانون، وقارنته بمذهب الظاهرية.

12 - انتقلت بعد ذلك إلى الكلام عن عدم القدرة على تسليم المحل، فبينت رأي الجمهور في اشتراط القدرة على التسليم لصحة البيع، وخلاف الظاهرية في ذلك، ثم بحثت بعض البيوع التي فيها غرر ناشئ عن عدم القدرة على التسليم، فتكلمت عن بيع الآبق، وبيع السمك في الماء، والطير في الهواء، وبيع الدين، وبيع الإنسان ما ليس عنده، وبيع ما لم يقبض، وبيع المغصوب وانتهيت إلى أن الدين جائز، وإلى أن بيع السندات جائز أيضاً ما دام البيع خاليا عن الربا، كما انتهيت إلى أن عدم جواز بيع الإنسان ما ليس عنده خاص بالبيع المدخول فيه على تسليم المبيع في المحل، وعلى هذا فلا يدخل فيه بيع الاستيراد. وحققت أحاديث النهي عن بيع الطعام قبل قبضه، وبينت الأحكام التي تستفاد منها، ورأيت أن النهي يتناول الطعام وغيره، منقولا كان أو عقاراً، وأن النهي خاص فيما ملك بالشراء وحده، ولا يتناول ما ملك بأسباب التملك الأخرى. ثم استخلصت من بحث عدم القدرة على التسليم الحقائق الآتية: (1) ليس كل ما لا يقدر على تسليمه فيه غرر. (2) القدرة على التسليم عند الحنفية قد تكون شرط انعقاد، وقد تكون شرط صحة، وقد تكون شرط نفاذ. (3) الأصل أن تكون القدرة على التسليم متحققة عند العقد، ولكن قد يكفي إمكان تحققها بعد العقد أحيانا. (4) قدرة المشتري وحده على التسلم تكفي لصحة البيع، ولو كان البائع عاجزاً عن التسليم عند كثير من الفقهاء. (5) القدرة على التسليم في الفقه الإسلامي أعم من إمكان المحل في القانون. 13 - ثم تكلمت عن التعاقد على المعدوم، وبينت فيه أن الغرر يأتي من الجهل بوجود المحل لا من كونه معدوما، ودفعت حجج من يمنع بيع كل معدوم، ووضحت أنه ليس فيما استدلوا به ما يفيد أن بيع المعدوم لا يجوز على الإطلاق، وإن كان فيها النهي عن بيع بعض المعدوم، وانتهيت إلى أن القاعدة التي ينبغي اتباعها في بيع المعدوم هي: أن كل معدوم مجهول الوجود في المستقبل لا يجوز بيعه، وأن كل معدوم محقق الوجود في المستقبل بحسب العادة يجوز بيعه. ثم أوردت بعد ذلك تطبيقات لبيع المعدوم، فتكلمت بالتفصيل عن بيع الثمار، وحققت الأحاديث الواردة فيه، وأخذت منها أن بيع ثمر الشجرة، أو الحديقة لعام أو لأعوام مقبلة لا يجوز، وأن بيع الثمر قبل بدو صلاحه على أن يترك في الشجرة إلى أن ينضج لا يجوز أيضا، وأن علة النهي هي خوف هلاك الثمر بسبب العاهة، وما يترتب على الهلاك من خصومات وأكل للمال بالباطل وبينت على هذا التعليل أنه لو كان هناك نوع من الثمار لا تصيبه العاهة فلا بأس من بيعه قبل بدو صلاحه، وكذلك إذا كانت العاهة تندر في بلد من البلاد بسبب طبيعة ذلك البلد، أو بسبب التغلب على العاهات بالطرق العلمية، فلا حرج من بيع ثمار ذلك البلد قبل بدو صلاحها، كما أخذت من الأحاديث أن بيع الثمر بعد بدو صلاحه جائز سواء كان بشرط القطع أو بشرط الترك، أو على الإطلاق. ثم وضحت آراء الفقهاء في الموضوع وأشرت إلى أن ما نسب إلى عمر بن الخطاب من أنه يجيز بيع الثمار سنين غير مقبول، وإلى أن نسبه بعضهم إلى محمد بن الحسن من تجويز بيع الثمر قبل بدو صلاحه بشرط الترك، إذا تناهى عظمه، غير صحيح. ثم تكلمت عن بيع الثمر والزرع الذي يوجد بعضه بعد بعض، وبينت أن جمهور الفقهاء لا يجوز عندهم بيع ما لم يوجد من الثمر مع ما وجد وبدا صلاحه فلا يباع البطيخ ونحوه عندهم إلا لقطة لقطة، وأن المالكية والشيعة الإمامية وبعض مشايخ الحنفية يجوزون بيع ما لم يظهر من الثمر مع ما ظهر وبدا صلاحه وعرضت حجج كل فريق، وانتهيت إلى ترجيح رأى المجوزين.

تكلمت بعد ذلك عن بيع الأشياء المستقبلة في القانون وقارنته بالفقه وانتهيت إلى ترجيح رأي الفقه على القانون. 14 - وختمت الباب بالكلام عن الغرر الناشئ عن عدم رؤية المحل، وبحثت فيه بيع العين الغائبة، وبينت أن الأحاديث المروية في بيع الغائب لا تصلح حجة في الموضوع، ووضحت رأي المانعين لبيع الغائب، ونقضت أدلتهم. ثم فصلت آراء المجوزين، فتكلمت عن بيع العين الغائبة على الصفة، وبيعها على الرؤية المتقدمة، وبيعها من غير صفة، ولا رؤية متقدمة، ورجحت الرأي القائل بأن من اشترى عينا غائبة على الصفة، أو على الرؤية المتقدمة، فله الخيار إذا لم يجدها على ما رآها عليه، أو على ما وصفت له، أما لو وجدها على صفتها فلا خيار له، ثم قارنت بين الفقه الإسلامي والقانون، وبينت أن أهم ما يختلف فيه القانون عن الفقه هو أن القانون يجوز بيع العين الغائبة من غير رؤية، وما يقوم مقامها على اللزوم، في حين أن الفقهاء مجمعون على فساد هذا البيع لما فيه من الغرر الكثير. 15 - وفي الباب الثاني من القسم الثاني بحثت أثر الغرر في غير عقد البيع، فتكلمت عن أثر الغرر في عقود المعاوضات المالية، وبينت أنه يؤثر فيها كلها قياساً على عقد البيع، وأوردت تطبيقات لهذا، فتكلمت عن السلم، والاستصناع، والإجارة، والشركة، وبينت أن السلم عند الحنفية ليس من بيع المعدوم، وإنما هو من بيع ما ليس مملوكا للبائع، ورأيت جواز تأجيل رأس مال السلم، والاستصناع، والإجارة، والشركة، وبينت أن السلم عند الحنفية ليس من بيع المعدوم، وإنما هو من بيع ما ليس مملوكا للبائع، ورأيت جواز تأجيل رأس مال المسلم، ورجحت رأي الجمهور في اشتراط أن يكون المسلم فيه مؤجلا، ورددت رأي الشافعية في جواز السلم الحال، وبينت أن في اشتراط التأجيل تخفيفا للغرر. وفي الكلام عن الاستصناع بينت أنه لا غرر في أصل العقد، وإنما يدخله الغرر كما يدخل عقد البيع، ثم قارنت بين بعض أحكام عند الاستصناع في القانون، وفي الفقه الإسلامي. 16 - وفي مبحث الإجارة بينت أن الغرر يؤثر فيها كما يؤثر في البيع، ثم حققت آراء الفقهاء في حكم إجارة الأرض للزراعة، وانتهيت إلى أن إجارة الأرض جائزة سواء أكانت بالنقود أم بنسبة معينة مما يخرج منها، وهي المزارعة، وأن الإجارة الممنوعة هي ما كانت الأجرة فيها ما ينبته جزء معين من الأرض المستأجرة، أو كانت الأجرة فيها نسبة معينة على أن يكون لصاحب الأرض نصيب مستثنى لا يشاركه فيه المستأجر. وحققت آراء الفقهاء أيضا في حكم إجارة الأرض والشجر معا، ورأيت جواز ذلك إذا كان الشجر قليلا، أما إذا كان الشجر كثيراً فالأولى عندى المساقاة على الشجر والمزارعة في الأرض، كما حققت آراءهم في حكم الإجارة التي يكون المستحق فيها عينا، كإجارة الظئر، وإجارة الغنم للبن، ورأيت أن مالا يمكن التعاقد عليه من الأعيان التي ينتفع بها مع بقاء أصلها، بطريق البيع، يحلق بالمنافع وتصح إجارته، وذلك كلبن الظئر، أما ما يمكن بيعه من الأعيان التي ينتفع بها مع بقاء أصلها: كلبن الغنم، وصوفها، فلا يلحق بالمنافع، ولا تجوز إجارته. ثم تكلمت عن الجعالة، وفصلت مذاهب العلماء فيها، وبينت أن الذين يجوزونها يقولون إنها في القياس غرر؛ لما فيها من جهالة العمل، وجهالة الأجل، وإنما جازت استثناء للحاجة إليها، وقارنت بين الجعالة في الفقه الإسلامي، والوعد بجائزة في القانون.

17 - وفي الكلام عن الشركة بينت أنواع الشركات، وما يجوز منها وما لا يجوز، وفصلت القول في المضاربة، فبينت أنها تجوز عند جمهور الفقهاء استثناء، وتجوز عند ابن تيمية قياسا، ثم ذكرت الشروط التي اشترطها الفقهاء في المضاربة والتي من شأنها أن تباعد بين هذا العقد، وعقود الغرر. 18 - ثم تكلمت عن أثر الغرر في عقود التبرعات، وقررت أن جميع المذاهب تجعل للغرر أثراً على عقود التبرعات ماعدا المذهب المالكي، فإن الغرر فيه لا يؤثر على عقود التبرعات، وأيدت ذلك ببيان آراء الفقهاء في أثر الغرر على الهبة والوصية. وفي مبحث الهبة تكلمت عن رأى القانون في هبة المال المستقبل، وما ترتب عليه من عدم انسجام في أحكام القانون. وفي مبحث الوصية قررت أن جميع الفقهاء يغتفرون في الوصية من الغرر مالا يغتفرونه في البيع، وأن الإباضية أكثر الفقهاء تشدد في تأثير الغرر على الوصية، ونقضت ما قرره بعض الفقهاء من أن الغرر عند الشافعية يؤثر في عقود التبرعات كما يؤثر في عقود المعاوضات. 19 - وتكلمت بعد ذلك عن أثر الغرر في عقد الزواج، والرهن، والكفالة، والوكالة، وبينت أن المالكية وإن كانوا من أكثر الفقهاء تسامحا في تأثير الغرر على صحة المهر إلا أن قولهم بأن فساد المهر يفسد العقد يجعلهم من أكثرهم تشدداً في تأثيره على صحة الزواج، ورجحت الرأي القائل بأن فساد المهر لا يفسد عقد الزواج. وفي الرهن بينت أن القاعدة العامة عند أكثر الفقهاء هي أن ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه، وانتهيت إلى أن الغرر يؤثر في الرهن كما يؤثر في البيع عند جمهور الفقهاء، وأن تأثير الغرر على الرهن عند المالكية أخف كثيراً من تأثيره على البيع، ورجحت رأي المالكية على رأي الجمهور. وفي بحث الكفالة انتهيت إلى أن أكثر الفقهاء، وإن كانوا يجعلون الغرر تأثيراً عقد الكفالة إلا أنهم يغتفرون فيه من الغرر ما لا يغتفرونه في البيع. وفي الوكالة بينت أن أكثر الفقهاء يجوزون الوكالة العامة على اختلاف بينهم فيما تخوله هذه الوكالة للوكيل من التصرفات، كما بينت أن القانون يحصر الوكالة العامة في دائرة أضيق من الدائرة التي حصرها فيها الفقهاء. أما الوكالة الخاصة فقد اغتفر فيها الفقهاء من الغرر ما لا يغتفر في البيع. 20 - في الباب الثالث من القسم الثاني تكلمت عن أثر الغرر في الشروط فحصرت الغرر في الشروط في ثلاثة أقسام: (1) الشرط الذي في وجوده غرر. (2) الشرط الذي يحدث غررا في صيغة العقد أو محله. (3) الشرط الذي يزيد من الغرر الذي في العقد. وأوردت في كل قسم بعض الأمثلة التي تندرج تحته وتوضحه، واستنتجت منها أن تأثير الغرر على الشروط أخف من تأثيره في العقود. 21 - وفي القسم الثالث، حاولت أن أخرج بنظرية للغرر، فوضعت ضابطا للغرر المؤثر هو: "الغرر المؤثر هو الغرر الكثير، في عقود المعاوضات المالية، إذا كان في المعقود عليه أصالة، ولم تدع للعقد حاجة". ثم فصلت ذلك في أربعة فصول: بينت في الفصل الأول أن الغرر المؤثر هو ما كان في عقود المعاوضات المالية خاصة، لأنها هي وحدها التي يتحقق فيها المعنى الذي منع الشارع من أجله بيع الغرر. وبينت في الفصل الثاني أن الغرر لا يؤثر إلا إذا كان كثيراً وتحدثت عن ضابط الغرر الكثير، والغرر اليسير، وانتهيت إلى أن وضع ضابط للنوعين معاً أمر غير ميسور، ورأيت أن يترك هذان المعياران المرنان كما هما، تحددهما الظروف والبيئات، أو يكتفي بوضع ضابط للغرر الكثير وحده، واخترت أن يكون الضابط هو: "الغرر الكثير ما غلب على العقد حتى أصبح العقد يوصف به".

وفي الفصل الثالث بينت أن الغرر لا يؤثر إلا إذا كان في العقود عليه أصالة، وأن الغرر في التابع لا أثر له، ووضحت ذلك بالأمثلة. وبينت في الفصل الرابع أن العقد الذي تدعو الحاجة إليه لا يؤثر فيه الغرر، ووضحت المراد بالحاجة، وقيدت الحاجة المعتبرة بالحاجة العامة أو الخاصة، وبأنها لابد أن تكون متعينة، ثم تعرضت للصلة بين الحاجة والتعامل والاستحسان، وانتهيت إلى أن التعامل مظهر للحاجة، وإلى أن الاستحسان يستند إلى الحاجة أو التعامل. 22 - وفي القسم الرابع طبقت نظرية الغرر على بعض العقود المعاصرة، فتكلمت عن عقود الغرر في التقنين المصري في ثلاثة أبواب: تحدثت في الباب الأول عن المقامرة والرهان من وجهة نظر القانون، ثم من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، وانتهيت إلى أن المقامرة بجميع صورها ممنوعة في الفقه الإسلامي، وأن الرهان الممنوع هو ضرب من القمار، وأن الاستثناءات التي جاء بها القانون لا يقرها الفقه الإسلامي، فالرهان بين المتبارين في الألعاب الرياضية لا يجوز في الفقه الإسلامي، وأوراق النصيب للأعمال الخيرية لا تجوز أيضا، والمضاربة على فروق الأسعار في البورصة غير جائزة كذلك. وفي الباب الثاني تحدثت عن المرتب مدى الحياة، وأدانا تطبيق نظرية الغرر إلى الحكم بجواز المرتب مدى الحياة إذا كان مصدره عقد تبرع، وعدم جوازه إذا كان مصدره عقد معاوضة. وفي الباب الثالث تكلمت عن عقد التأمين، وانتهيت بعد تطبيق قاعدة الغرر عليه إلى أن التأمين التعاوني جائز شرعا؛ لأن الغرر الذي فيه غير مؤثر؛ لأنه يدخل في عقود التبرعات، أما التأمين بقسط ثابت، فقد بينت أنه من عقود الغرر، ودفعت حجة من ينفي عنه الغرر، كما بينت أن الغرر الذي فيه من الغرر الكثير، ودفعت أيضا حجة من يرى أن الغرر الذي في التأمين من الغرر اليسير غير المؤثر، ثم بينت أن الحاجة إلى التأمين، وإن كانت عامة إلا أنها غير متعينة، ومن ثم انتهيت إلى أن قواعد الفقه الإسلامي تقضي بمنع التأمين بقسط ثابت، واقترحت في كلمات موجزة البديل الذي يتفق مع قواعد الشريعة الإسلامية. اللهم كما هديتني إلى هذا العمل، ووفقتني إلى إتمامه، اجعله عملا خالصا لوجهك الكريم, ووفقني إلى مواصلة السير في طريق العاملين على خدمة كتابك وسنة نبيك الأمين، واهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الفصل المبين في مسألة الهجرة ومفارقة المشركين

الفصل المبين في مسألة الهجرة ومفارقة المشركين ¤حسين العوايشة£بدون¥دار أسيد¨الأولى¢1414هـ€فقه¶هجرة - أحكامها يلحظ القارئ من خلال هذا البحث تعظيم علماء الأمة لدين الله تعالى، وخوفهم أن يفتتن المسلمون في دينهم من قبل الأعداء. ويرون الهجرة من الأرض التي غلب عليها اليهود والنصارى، لا زهداً في ممتلكات المسلمين – إذ هم أحرص الناس على مصلحة الأمة – ولكن للحفاظ على دينهم وأعراضهم وأخلاقهم وسلوكهم ودمائهم. وهم يحذرون من أن يألف المسلمون الكفر ومظاهره، ويخشون أن يكادوا أو يقهروا أو يتطبّعوا. وهم يرون أن الهجرة طريق الجهاد وسبيل العزّة والمجد. وقد أوجب علماؤنا على كل مسلم خشي الفتنة، ولم يتمكن من أداء الطاعات أن يهاجر، واستحبّوها لمن أمنها وتمكّن من أداء الطاعات. وقد فصّل العلامة الونشريسي – رحمه الله – القول في أمر الفتنة في ضوء فقه الواقع وواقع الفقه، - كما تقدّم – فأثبت عدم جواز الإقامة، ببراهين ساطعات، وحجج باهرات، من خلال واقع الزوجات والأبناء والذريات. هذا آخر ما وفقني الله تعالى لكتبه، وأرجو الله تعالى أن يتقبله مني وأن ينفع به إخواني المسلمين، إنه سميع مجيب. حسين بن عودة العوايشة.

القديم والجديد في فقه الشافعي

القديم والجديد في فقه الشافعي ¤لمين الناجي£بدون¥دار ابن القيم – الرياض¨الأولى¢1428هـ€فقه¶فقه فروع عام شافعي أهم نتائج البحث: 1 - الأصول التي اعتمدها الشافعي في الفقه القديم هي نفسها المعتمدة في الجديد. والعامل المتحكم في الانتقال من قديم إلى جديد – عموما – هو: أصل الترجيح. 2 - ليس لظاهرة (القديم والجديد) ميزة خاصة تميزها عن فقه الشافعي العام، بل هي تندرج في إطار الظاهرة العامة في فقهه: وهي كثرة الأقوال في المسألة الواحدة؛ وعلة ذلك أن الشافعي: دائم الفحص في الأدلة، ودائم المناظرة، فإذا ظهر له الحق على خلاف ما كان يراه رجع عن رأيه الأول. 3 - لقد اكتملت للشافعي آله الاجتهاد بعد أخذه فقه الأحناف وقبل دخوله مصر. والأحاديث الأساسية التي بنى عليها مذهبه قد حصل عليها من غير مصر: بالحجاز والعراق واليمن. وأن مصادر مصر لم يكن لها تأثير ذو أهمية على فقهه الجديد. 4 - مقولة إن الشافعي انبهر بما رآه من حضارة إغريقية وقبطية ورومانية مما لم يكن معهودا لديه من قبل، فغير كثيرا من آرائه: لا أصل له. بل إن أصل العرف الذي يأخذ به بعض الفقهاء ويخصصون به بعض النصوص لا يعتبره الشافعي. بل المعتبر عنده: النص أو الحمل على النص. 5 - علاقة فقه الشافعي بفقه الليث ضعيفة جداً. 6 - القديم ما قاله الشافعي بمكة والعراق، قبل دخوله مصر، والجديد ما قاله بمصر. 7 - من أهم ما يميز الجديد: الاحتياط، ومن أهم ميزات القديم: مراعاة اليسر ورفع الحرج، وأكثره يوافق مالكاً، لا أنه مذهب مالك.

القضاء ونظامه في الكتاب والسنة

القضاء ونظامه في الكتاب والسنة ¤عبدالرحمن إبراهيم الحميضي£بدون¥جامعة أم القرى - مكة¨الأولى¢1409هـ€فقه¶قضاء وأقضية - أعمال شاملة ومنوعة الخاتمة النتائج: لقد ظهر لي من خلال دراستي لهذا الموضوع نتائج أذكر أهمها ثم أعقبها ببعض المقترحات فمن أهم تلك النتائج ما يلي: 1ـ أدَّى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية إلى البُعْد عن الحكم بما أَنزل الله تعالى، وإلى التقاضي بالقوانين الوضعية، وقد ترتب على ذلك الكثير من الوقوع في الجرائم والانحلال الخلقي والفساد الذي شاع في كل ناحية من نواحي المجتمع الإسلامي. 2ـ أن علم القضاء من العلوم الحيّة التي تحتاج إلى مزيد من الكتابات المفيدة سواء كانت الكتابة بشكل عام أو بشكل خاص كما أنه من العلوم القابلة للتطور، في وسائل الإثبات واستجلاء الأمور بمنتجات العلم الحديث. 3ـ أن القضاء من أهم الولايات التي تتعلق بحياة الناس فهو ذو مسئولية خطيرة تقتضي الكفاءة العلمية والخلقية فيمن يتولى القضاء. 4ـ أن القضاء والتقاضي من الأمور التي لا بد منها في حياة البشر في مختلف الأزمنة والأمكنة، وإن اختلفت وسائله وتعددت طرقه كما أن ممارسة ذلك مما تستدعيه الحاجة مهما بلغت الأمة في التطور أو الانحطاط. 5ـ أن القضاء الأكمل والأصلح للإنسانية هو القضاء الشرعي القائم على تطبيق أحكام الله تعالى في كتابه الكريم وسنة نبيه محمد ? وذلك لما فيه من القضاء والديانة ولخروجه عن وضع البشر وتقديرهم. أما القضاء الوضعي فهو ما يؤدي إلى فساد الأمور وتدمير الأمم وهو كفر وإشراك في الديانة ومناف للعدالة جملة وتفصيلاً. 6ـ القضاء الشرعي والقضاء الوضعي يمثلان الحق والباطل فهما على طرفي نقيض وفي صراع مستمر. 7ـ أهم ميزة في القضاء الشرعي مراقبة الله تعالى طلباً للثواب وخوفاً من العقاب، وهذا ما يفتقد في القضاء الوضعي والقوانين الوضعية. 8ـ توفر إمكانية القضاء الشرعي لمسايرة التطورات الحالية والمستقبلية متمثلاً في مصادر أحكامه القابلة للاجتهاد للإيفاء بحاجات البشر وحل مشكلاتهم. 9ـ القاضي شرعاً مؤاخذ قضاءاً وديانة بما يصدر عنه من تصرفات تخل بتحقيق العدالة. 10ـ للقضاء مبادئ وأصول وخطوات تسير فيها الدعوى كفيلة بتحقيق العدالة إذا ما رعوها القضاة حق رعايتها. 11ـ دَلَّ القرآن الكريم على آداب ومواعظ وأحكام في القضاء جديرة بالتدبر والاعتبار، وقد طبق الرسول ? أحكام القرآن أحسن تطبيق. 12ـ القضاء حكمة فيها الفهم والفطنة وسرعة البديهة، وهي آلة القضاء ومجهره التي تكشف الثغرات وتبين الدقائق.

القمار حقيقته وأحكامه

القمار حقيقته وأحكامه ¤سليمان بن أحمد الملحم£بدون¥كنوز إشبيليا – الرياض¨الأولى¢1429هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة: في نهاية هذا البحث العلمي أرى ألا يطوي القارئ صفحاته حتى يقف على خلاصة موجزة تجمع أطرافه، وتلم شتاته، وتذكر بكبار المسائله، وتبرز أهم نتائجه. وذلك في الآتي: 1 - يطلق لفظ الميسر في اللغة: على قمار أهل الجاهلية، وعلى القمار كله، وعلى الجزور التي يتقامرون عليها، وعلى السهام التي تقتسم بها، وعلى النرد. 2 - قيل هو مشتق من قولهم: يسر فلان الشيء: إذا جزأه، وقيل: مشتق من اليسر؛ لأن فيه تحصيلاً للمال بيسر وسهولة، وقيل: مشتق من اليسار، وقيل: من قولهم: يسر لي هذا الأمر: إذا وجب. 3 - الوقوف على مذاهب الجاهليين في الميسر ليس بالأمر السهل إذ هو أمر قد قطعه الإسلام، فلم يبق فعله على الوجه الذي كان يفعله أهل الجاهلية موجوداً. 4 - كان أصل الميسر في الجاهلية في المقامرة بالقداح لاقتسام الجزور، وربما قامروا على غير الإبل من الأموال، بل ربما بلغ الأمر بهم إلى أن يخاطر المرء على نفسه وأهله وولده حتى يصير رقيقاً لمن قمره. 5 - كان الميسر شائعاً في الجاهلية، وكانوا يفتخرون بذلك وينتقصون من لم يشاركهم فيه من أهل اليسار والغنى، وكان الشتاء هو وقت الميسر غالباً عند اشتداد البرد وتعذر الأقوات وشدة الحاجة، وكانوا يجعلون ما يفوزون به في الغالب لذوي الحاجة منهم والمسكنة. 6 - اختلف الواصفون لميسر العرب في تقرير بعض مسائله، والذي يدل عليه النظر الاستقرائي في هذا الموضوع أمران: أ- لا يبعد أن يقال بأن للعرب أكثر من طريقة في الميسر فوصف كل واحد من أهل العلم ما بلغه، وذلك أن الميسر متوغل في القدم ومنتشر في الأمم، فلا يبعد وقوع الاختلاف في بعض جزئياته من قوم إلى قوم، ومن بلد إلى آخر. ب- أن كل ما نقل في وصف ميسر العرب يدور على معنى المراهنة التي يكون كل داخل فيها عند بدء الميسر عرضة لأن يخرج منها غانماً أو غارماً، وقد أوضحت هذا في موضعه من البحث وبينت وجه المقامرة فيما نقل من صفات ميسر العرب. 7 - القمار في اللغة: الرهان، والمقامرة والتقامر بمعناه: أي المراهنة والتراهن. 8 - قيل: هو من القمر تشبيها لمال المقامر بالقمر من حيث الزيادة والنقصان، وقيل: من قولهم: تقمر فلان فلاناً: إذا خدعه وطلب غرته، وقيل: من قوله: قمر الرجل: إذا حار بصره. 9 - القمار المحرم في الشريعة هو: كل مراهنة يعلق تمييز مستحق الغنم والملزم بالغرم من جميع المشاركين فيها على أمر تخفى عاقبته فهو تحكيم للغرر في تمييز الغارم من مستحق الظفر. 10 - مناط الحكم في القمار ومتعلق التحريم فيه المخاطرة التي يعلق خروج كل داخل فيها غانماً أو غارماً على أمر تخفى عاقبته. 11 - تردد المقامر بين الغنم والغرم باعتبار حاله عند الدخول في المقامرة، واحتمال سلامته في المآل لا ينفي معنى القمار. 12 - المخاطرة الموجودة في القمار مخاطرة من نوع خاص يكون كل داخل فيها عند بدء المقامرة على احتمال أن يخرج منها غانماً أو غارماً، فكل مقامر يخاطر بشيء من ماله رجاء غنمه من مال غيره فهو على احتمال أن يغرم ما خاطر به، أو أن يغنم ما خاطر من أجله، وهي مخاطرة مقطوع بها ابتداء، وهي مخاطرة يلتزم كل داخل فيها بالخطر وهو المال الذي يوضع في السباق أو الرهان، فمن غلب أو صدق قوله أخذه، وهي مخاطرة يأخذ الغانم فيها المال بدون مقابل إذ لم يعمل لصاحبه عملاً حتى ينتفع به ولم يبذل له مالاً حتى يستحق عليه العوض ولم يجن جناية حتى يغرم ما وقع بسببها وهي مخاطرة يعلق انتقال الأملاك فيها على أمر لم يجعله الشارع سبباً لذلك.

13 - القمار باعتبار ما يقع فيها نوعان: نوع منه في المغالبات. نوع منه في المعاملات. وبهذا يعلم بأنه وإن غلب وقوعه في المغالبات والألعاب إلا أنه غير محصور فيها. 14 - التعليق على الأمور المستقبلية الاحتمالية ركن أساسي في القمار، فلا يتصور القمار في أمور منجزة لا تعليق فيها، ولا في تعليق على أمر محقق. 15 - توسع بعض العلماء في معنى القمار حتى أدخلوا فيه كل تعليق للتمليك أو الاستحقاق على الأخطار، فأنتج ذلك توسيع دائرة القمار وإدخال أمور ليست منه فيه. 16 - ثمة ألفاظ تطلق على الفعل الذي هو قمار ومنها: الميسر والقمار والرهان والمراهنة والمخاطرة والمخالعة والمناحبة والمغالقة والمجر. 17 - اتفقت كلمة العلماء من الصحابة فمن بعدهم على أن القمار كله بأي شيء كان داخل في الميسر ومشمول بحكمه في الشريعة. 18 - يفهم من كلام بعض السلف أن القمار مرادف للميسر، وصرح جماعة منهم بعدم اختصاص الميسر بما هو قمار, فجعله شاملاً للقمار ولكل لهو صد عن ذكر الله وعن الصلاة وأوقع في العداوة والبغضاء، وهو بهذا الاعتبار أعم من القمار، أما الميسر الجاهلي فهو أخص من القمار في الشريعة إذ هو قمار في شيء خاص فهو ضرب القداح على أجزاء الجزور قماراً. 19 - يطلق لفظ الرهان والمراهنة عند أهل اللغة وفي استعمال الشرع وحملة الشريعة على المسابقة على الخيل وغيرها مجاناً، وعلى مال, على أي وجه بذل، وعلى كل مخاطرة يلتزم كل مشارك فيها بمال لمن غلبه، وهذا الأخير هو المطابق للقمار. 20 - الاستقسام بالأزلام على الراجح: طلب معرفة الخير والشر بواسطة الأزلام، فهو غير الميسر وإن كان شبيها به من حيث التحاكم إلى ما تخفى عاقبته في تمييز الأمور. 21 - ما يترتب عليه إبطال حق صاحب الحق وجعله لمن لا حق له بمجرد القرعة فهو قمار، وأما تعيين المستحق غير المعين، أو تعيين الحق المبهم أو المشتبه مع تعذر الحجج بالقرعة فليس من القمار في شيء، إذ لا يستلزم إبطال حق ثابت وإثبات أحقية غير مالكه فيه. 22 - القمار من المحرمات المقطوع بحرمتها في الشريعة، وأكل المال به أكل له بالباطل، وإذا عدت المحرمات الظاهرة في الشريعة فهو معدود منها، ولهذا اجتمعت كلمة أهل العلم على تحريمه وتواترت حكاية الإجماع في كتبهم. 23 - تترتب على القمار مفاسد عظيمة، فهو يوقع العداوة والبغضاء، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويفضي إلى تعطيل ما يعود على الأمة بالنفع من الصناعات والتجارات والزراعات، ويعود النفوس على الكسل والبطالة والتعلق بالأوهام, والاسترسال مع الأماني، ويفضي إلى خراب البيوت العامرة, والعصف بالأسر الآمنة، وتضيع بسببه الثروات في لحظات، ويربي في النفوس الحسد والأثرة، ويزرع فيها الأحقاد والضغائن، ويعودها على المخادعة والتدليس، ويؤدي إلى إضاعة الأوقات وإفناء الأعمار بلهو ضرره أكثر من نفعه، ويؤدي إلى أن يكون المال دولة بين طائفة من الناس، ويؤثر على صحة القلب والعقل والبدن، ناهيك عما يصاحبه من القول الفاحش والكلام البذيء والاتهامات المتبادلة. 24 - جاء التشريع الإسلامي متدرجاً في مخاطبة الأمة بشأن الخمر والميسر، فمهد أولاً ببيان اشتمالهما على الإثم الكبير، وأنه غالب على النفع الموجود فيهما، فكشف لهم الحال على حقيقتها ولم يحتم عليها في طلب الترك، ففهم قوم طلب الكف فكفوا وغلب آخرون جانب الرخصة فترخصوا، بقي الأمر محتملاً عند آخرين فطلبوا زيادة البيان، ثم فطموا عن شرب الخمر وقتاً طويلاً من ساعات الليل والنهار، ثم جاء التحريم القطعي الذي لا مساغ للتأويل فيه.

25 - لا أعلم في الشريعة عقوبة مقدرة في حق المقامر إلا أن تعريف العلماء للتعزير وبيانهم لما يشرع فيه من المعاصي يدل دلالة واضحة, على أن القمار داخل في الذنوب التي يستحق فاعلها التعزير، وإن لم يكن متعيناً في حق كل مقامر، بل ينظر في إيقاعه وتقديره على ما كان محققاً للمقاصد الشرعية وتقدر كل حالة بحسبها. وإذا كان القمار بآلة محرمة فرأى ولي الأمر أو نائبه إفسادها على صاحبها بتغيير هيئتها أو إتلافها أو مصادرتها كان له ذلك. 26 - من طلب من غيره أن يقامره فهو مأمور بالصدقة بما تيسر مما يطلق عليه اسم الصدقة، وظاهر الأمر الوجوب حيث لم يثبت ما يصرفه عن مقتضاه. 27 - إذا اكتسب شخص مالاً بطريق القمار فإن علم صاحبه رده إليه، فإن تعذر فإلى وكيله، وإن كان ميتاً فإلى ورثته، فإن لم يكن ورثة قضى به ديناً عنه إن علم بذلك، وأما إذا جهل صاحب المال فإن غلب على ظنه العلم به حبس المال عنده وبحث عنه كما يفعل في اللقطة، وإن غلب على ظنه عدم العلم به تخلص منه بالصدقة به عن صاحبه أو بتسليمه إلى بيت المال ليصرف في مصالح المسلمين أي الأمرين كانت المصلحة فيه أرجح. 28 - المناضلة بالسهام والمسابقة على الخيل والإبل تأتي في المرتبة الأولى مما جاء في السنة من المغالبات المرغب فيها، وذلك لأنها عدة الجهاد عند القوم فكان إجراء السبق فيها إعداداً للقوة وتأهباً للعدو وترويضاً للنفوس على أمور الجهاد، وتدريباً لها على استخدام آلاته، وتمريناً للمركوبات المستخدمة فيه؛ لتسهل الاستفادة منها عند الاحتياج إليها، ولو لم يكن في ذلك إلا أن تكون نفوس أهل الإسلام متعلقة بأمور الجهاد متهيئة له مشغولة عند فراغها بوسائله لكان ذلك كافياً. ويلحق بها ما هو من آلات الجهاد في كل عصر بحسبه. وكما ثبت هذا في وسائل الجهاد الحسية فهو كذلك في الوسائل المعنوية التي ينتصر فيها للحق وترفع رايته وتعلن حججه وبراهينه، فإن قيام الدين بالسيف والسنان وبالحجة والبرهان. 29 - كل لهو ألهى عن واجب أو اشتمل على محرم أو غلب على الظن إفضاؤه إلى شيء من ذلك فهو حرام. وتبني على ذلك فروع كثيرة. منها: أنه يحرم كل لهو أفضى إلى تضييع الصلوات، أو ترك الجمع والجماعات، أو التفريط في حق من يعول من الأهل والولد والقرابات. ومنها: حرمة كل لهو اشتمل على القمار. ومنها: حرمة اللعب بالألعاب المشتملة على التماثيل والصور المحرمة. ومنها: حرمة الألعاب التي يصاحبها فحش من القول أو الفعل أو كثرة للخصومة والجدال. ومنها: حرمة الألعاب الخطرة من غير الحاذق بها. ومنها: تحريم المغالبات التي يترتب عليها إيذاء المعصومين من الآدميين والإضرار بهم، كالملاكمة والمصارعة الحرة التي تقوم على أساس استباحة إيذاء كل من المتغالبين للآخر إيذاء بالغاً، وكمصارعة الثيران وما أشبه ذلك. ومنها: تحريم ما يترتب عليه إيذاء البهائم والتحريش بينها. 30 - اتفق العلماء على تحريم اللعب بالنرد والشطرنج إذا كان ذلك على مال أو غلب على الظن إفضاؤهما إلى محرم أو تفويتهما لواجب، ونقل جماعة الاتفاق على تحريم اللعب بالنرد ولو بغير مال، وهو الصحيح قطعاً لصحة الأدلة على ذلك وتصريحها بحرمة اللعب نفسه وتقليب الكعاب من غير ذكر للعوض. وأما اللعب بالشطرنج على غير مال فالقول بمنعه قوي وظاهر؛ لأن جماعة من الصحابة أطلق عليه اسم الميسر، ولأن المفاسد الموجودة في النرد المنصوص على تحريمه موجودة في الشطرنج بل أكثر، ولأن الفوائد المذكورة موهومة لا حقيقية، ولو افترض وجود شيء منها فإنه معارض بمفاسد راجحة.

31 - القول بأن ما كان من الألعاب معتمداً على الحزر والتخمين حرام، وما كان معتمداً على الفكر والحساب حلال ليس بصحيح لفساد الأصل المبني عليه، ولما فيه من إهمال سائر المؤثرات الشرعية في كل لعبة بحسبها. 32 - لا يكفي في الحكم على المغالبة النظر إلى جنسها فقط، بل ينظر مع ذلك إلى القصد الباعث عليها ومآلها ووقتها وما اشتملت عليه ونحو ذلك من المؤثرات، وعليه فلربما كان جنس المغالبة مشروعاً أو مباحاً فتقع مع القصد الفاسد فتكون ممنوعة كالمسابقة على الخيل بقصد المباهاة والمفاخرة والرياء ومناوأة أهل الإسلام. ولربما كانت المغالبة مباحة فتقع مع النية الصالحة ويترتب عليها مآل مشروع فتكون محمودة. 33 - لقلة اللهو وكثرته أثر في الحكم فيرخص في بعض اللعب إذ كان يسيراً ما لا يرخص فيه مع المداومة والإدمان. 34 - يرخص للصغار في اللعب ما لا يرخص لغيرهم؛ لأن أوقاتهم غير مشغولة بالتكاليف الشرعية كما هو الشأن في حق المكلفين، ولأن اللهو مناف للجد فيستساغ منهم ما لا يستساغ من غيرهم، ولأن احتياجهم إليه أشد ورغبتهم فيه أكبر. 35 - يجوز بذل المال في المسابقة على الخيل والإبل والمناضلة بالسهام، وحكى جماعة من العلماء الإجماع عليه. 36 - الذي يظهر – والله أعلم – جواز بذل السبق فيما كان في معنى هذه الثلاثة وتحقق به مقصودها مما ينفع في الحرب ويحدث النكاية في العدو وهو ما كان عدة للقتال غالباً، وذلك لأن الأحكام الشرعية تدور مع علتها وجوداً وعدماً فينبغي أن تناط الأحكام بها لا بالألفاظ المجردة، ولأن عدة القتال تختلف من عصر إلى عصر وإذا لم نقل بجواز بذل السبق في المغالبات بآلات الجهاد المستحدثة بعد عصر النبوة أهملنا المعنى الذي قصد الشارع إلى تحقيقه. ويلحق بهذا فيما يترجح المسابقة في القرآن والعلوم النافعة التي بها إظهار للحق وإعلاء لكلمة الله في الأرض مع ملاحظة عدم التوسع في الإلحاق وألا يترتب على بذل السبق في ذلك مفسدة تفوق المصلحة المتوقعة أو تساويها. 37 - لا يجوز بذل السبق في مغالبة تعظم مفسدتها على مصلحتها، ويشمل ذلك كل مغالبة محرمة أو مكروهة، وهذا إجماع. 38 - ما كان جنسه مباحاً ولم يكن في أصل وضعه من عدة القتال، ووقع مجرداً عن نية حسنة يصير بها طاعة فلا إشكال في منع بذل السبق فيه، وإن وقع مع النية الصالحة فهو محل نظر، والأقوى منع بذل السبق فيه؛ للحديث، ومراعاة لأسباب التخصيص وحكم المنع. 39 - إذا أخرج السبق الإمام أو غيره من آحاد الناس ممن لم يشارك في السبق لا بنفسه ولا بمركوبه فهو جائز عند العلماء كافة، وقد حكى الإجماع عليه كثيرون، ومثله إذا بذله أحد المتسابقين دون الآخر. 40 - تبين بعد طول بحث ومناقشة رجحان مذهب جمهور العلماء في منع إخراج المال من جميع المتسابقين على أن من سبق أخذه، وقد حكى اتفاق العلماء على ذلك كثيرون. 41 - إذا عرضت لطالب العلم مغالبة فلينظر أولاً في جنس المغالبة وحكمها بذاتها، فإن كانت ممنوعة أو مكروهة فإن بذل المال فيها لا يزيدها إلا شرّاً، وإن كانت غير ممنوعة فلينظر هل هي داخلة فيما أجاز الشارع فيه بذل السبق أو لا؟ فإن كانت مما لا يجوز فيه بذل السبق استبعد إخراجه فيها على أي وجه كان، وإن كانت مما يجوز فيه بذل السبق نظر في كيفية بذله ومن المخرج له، وأجرى عليه الأحكام المذكورة قريباً. 42 - يرد القمار في المعاملات المالية بسبب المخاطرة على ما زاد أو نقص في أحد العوضين عن القيمة العادلة لما يقابله، وهو مقدار لا بدل يقابله في العوض الآخر، فأخذه بطريق المراهنة ظلم محض يخل بميزان العدل في المعاوضات.

43 - القمار وثيق الصلة بالغرر لما في كل واحد منهما من المخاطرة والإقدام على أمر تخفى عاقبته ويجهل المرء مآل حاله فيه، ولما يحصل بسببهما من العداوة والبغضاء والخصومة والجدال، إلا أن القمار أخص من الغرر؛ لأن من شرطه أن يكون كل داخل فيه على احتمال أن يخرج منه غانماً أو غارماً، وليس هذا الأمر مطرداً في الغرر. ثم إن معنى القمار في المغالبات أوضح من معنى الغرر غالباً، كما أن معنى الغرر في العقود أوضح من معنى القمار غالباً. 44 - ذكر جماعة من العلماء جملة غير قليلة من العقود يدخلها القمار، وقد تبين من خلال البحث أن معنى القمار في بعضها أوضح منه في بعضها الآخر، كما تبين أنه لم يكن مرادهم بهذا القول أن يكون العقد مطابقاً للقمار من كل وجه؛ بل اعتبروا اتحاد العلة ومناط الحكم حيناً، والمشابهة في العناصر الجوهرية والحكم المرعية حيناً آخر. 45 - القول بأن التأمين التجاري ضرب من ضروب القمار ظاهر الوجاهة؛ لما فيه من المخاطرة التي يعلق خروج كل طرف فيها غانماً أو غارماً على أمر تخفى عاقبته، ولما فيه من الغرم بلا جناية أو تسبب فيه، ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ، فهو إن لم يكن عين القمار فإن المعاني الجوهرية في القمار موجودة فيه، فهو غير خارج عن معناه. 46 - البورصة: اجتماع مالي يقام في أماكن معينة وفي أوقات دورية، وتعقد فيه صفقات البيع والشراء في الأوراق المالية والحاصلات الزراعية والمنتجات الصناعية وفق نظم معينة. 47 - تجرى في البورصة بيوع وهمية يبيع فيها الإنسان ما لا يملك، ويؤجل فيها تسلم الثمن والمثمن إلى موعد قادم يسمى بيوم التصفية، ثم يؤول الأمر في عامة هذه العقود إلى مجرد أخذ فروق الأسعار بين يوم البيع ويوم التصفية، إما لمصلحة البائع عند هبوط السعر، أو لمصلحة المشتري عند ارتفاعه دون تسلم ثمن أو تسليم مثمن. وهي عقود باطلة؛ لما فيها من بيع الإنسان ما لا يملك ومن بيع الدَّين بالدَّين، ولأنها تفضي إلى ربح ما لم يضمن، وتعلق فيها العقود على أمور مستقبلية، ولما فيها من المخاطرة الوهمية على ما سيؤول إليه الأمر من صعود السعر أو هبوطه دون معاوضة حقيقية، فهي في معنى القمار ولها حكمه. 48 - تجري في البورصة عقود على حق اختيار البيع والشراء؛ بحيث تثبت هذه العقود التزاماً من بائع الحق، يتعهد بموجبه مقابل ثمن معين أن يمكن المشتري من شراء السلعة في المدة المحددة بالثمن المحدد، ويمنعه من أن يبيعها على غيره ولو حصل له ما حصل من الربح، كما تثبت هذه العقود حقاً لمشتري الحق فله أن يأخذ السلعة بالثمن المحدد في أي وقت من المدة المحددة. وهي عقود باطلة لما فيها من الاعتياض عن حقوق مجردة محضة لم يعهد في الشريعة ما يدل على تقويمها وأخذ الأعواض عنها، ولما فيها من المخاطرة حيث يعلق إجراء البيع أو الشراء فيها بالثمن المحدد حالاً على ما لا يعلم مآله من ارتفاع الأسعار أو انخفاضها، فصارت في معنى القمار، ولما تجر إليه من المفاسد كحبس السلع وعدم تمكين أصحابها من التصرف فيها وتحويل الناس إلى معاملات صورية يربحون ويخسرون فيها من جراء تعاملات وهمية كالقمار سواء بسواء. 49 - المؤشر هو معدل أوسطي يستعمل للدلالة على حالة السوق وحجم التغير فيه. ولا يجوز بيعه وشراؤه لما في ذلك من المقامرة. 50 - اليانصيب ضرب من ضروب القمار؛ لأن حقيقته مخاطرة يسهم فيها عدد كبير من الناس في جمع مبلغ كبير من المال رجاء تحصيل قسط كبير منه، ويميز المستحق له من بين جميع المشاركين بواسطة القرعة أو أي طريقة تعتمد على الحظ والمصادفة وهذا، هو القمار بعينه. ولا يصح أن يجعل صرف بعض أمواله في وجوه الخير مسوغاً للترخيص فيه. 51 - الحوافز المالية في المحلات التجارية قسمان: أ- ما يعلق استحقاق جائزة معلومة فيه على الشراء لا على القرعة ونحوها مما يعتمد على الحظ والمصادفة. فهذا القسم ليس من القمار في شيء؛ لأن كل واحد من المتعاقدين قد دخل على بينة من أمره وعلم بمقدار ما سيأخذ وما سيعطي فلا مخاطرة ولا غرر. وإن كان الأولى بالباعة أن يجعلوا قيمة الجوائز تخفيضاً حقيقياً في سعر السلع لئلا يلجئوا الناس إلى شراء أشياء ليسوا بحاجة إليها، ولئلا يكون ذلك وسيلة إلى التخلص من البضائع الكاسدة بربطها بالبضائع الرائجة فيأخذها الناس على غضاضة. ب- ما يعلق استحقاق الجائزة فيه أو تحديدها على أمر احتمالي تجهل عاقبته، كالذي تخرجه القرعة ونحوها مع شرط الشراء لشيء معين أو بمقدار معين. فهذا القسم منه ما هو قمار محض، ومنه ما هو ذريعة ظاهرة إلى القمار.

القول الأخير في الحج والعمرة عن الغير

القول الأخير في الحج والعمرة عن الغير ¤حسن السيد زهرة£بدون¥بدون¨الأولى¢1417هـ€فقه¶حج وعمرة - أعمال منوعة خلاصة البحث - جواز الحج عن الوالد والوالدة من مالهما أو من غيره وذلك من برهما. - جواز الحج عن الغير مطلقاً في فرضه ونفله ونذره. - لا يحج عن غيره إلا إذا حج عن نفسه. - الحج دين لله حق له ودين الله أحق بالوفاء ... - من حج عن غيره فله مثل أجر صاحبه. - جواز الحج عن الغير أوصى أو لم يوص. - من حسن الصحبة وتمام البر تقديم الأم في الحج ثم الأب ثم غيرهما. - الإجارة في الحج جائزة ومن أطيب الكسب ما دامت عن طيب نفس وبعد عن الاستغلال. - خذ مالاً لتحج ولا تحج لتأخذ مالا. - الولد والعمل الصالح والصديق الوفي من كسب المسلم الذي ينفعه بعد موته. - لا يشترط الذهاب إلى بلد المنيب لتحج عنه بل تحج عنه من بلدك هذا وقد علمت أن جمهور السلف والخلف على جواز ذلك كله بل واستحبابه بل هناك من غالي وقال بفرض الحج عن الغير كابن حزم الأندلسي رحمه الله ونسأل الله عز وجل أن يتقبل منا حجنا وعمرتنا وأن يبصرنا بعيوبنا ونسأله أن يغفر لنا زلاتنا ويقيل عنا عثراتنا وأن يصفح عنا إن كنا أغلظنا القول في ردنا وأن يحبب الحق إلى قلبي وقلب أخي وقلوب المسلمين أجمعين إنه نعم المولي ونعم النصير. وبذلك قد تم البحث فما كان من حق وصواب فمن الله وله الحمد والمن وما كان من خطأ ونسيان فمن نفسي والشيطان "وما أبرئ نفسي" وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

القول الصائب في حكم صلاة الغائب

القول الصائب في حكم صلاة الغائب ¤سامي بن العربي الأثري£بدون¥دار الفضيلة - الرياض¨الأولى¢1420هـ€فقه¶صلاة التطوع - جنائز الخاتمة ـ نسأل الله حسنها ـ أوضح هذا البحث بجلاء: 1ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يصل على غائب إلا على النجاشي، وأما ما ورد في غير ذلك، فضعيف لا تقوم به حجة. 2ـ القول الصحيح في صلاة الغائب أنها لا تصلى إلا إذا علمنا أنه لم يصل عليه. 3ـ مات كثير من المسلمين؛ منهم الخلفاء الراشدون، بل منهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم ينقل أنهم صلي عليهم صلاة الغائب، ولو وقع هذا لتواتر النقل عنهم بذلك لتوفر الدواعي لنقله. 4ـ إذا صلي على جنازة ولم يصل الإمام عليها، جاز له أن يصلي عليها مع جمع من الناس، ولو كان الميت في قبره. 5ـ يجب على العلماء أن يتمسكوا بكتاب وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم. وأن يكون مستندهم في فتواهم الدليل الشرعي والأصول المرعية عند النظر في الأمور الشرعية، وألا يداهنوا أحدا أو يجاملوه على حساب الدين وألا يتعصبوا لمذهب أول لشيخ على حساب الدليل الشرعي. هذا ما أردت أن أختم به هذا البحث، والله الموفق. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

القول المعتبر في جمع الصلاتين للمطر

القول المعتبر في جمع الصلاتين للمطر ¤حماد بن عبدالله الحماد£بدون¥بدون¨الأولى¢1417هـ€فقه¶صلاة - الجمع بين الصلاتين خاتمة البحث وذكر بعض النتائج: 1 - إن الجمع بين العشاءين للمطر ثبت عن ابن عمر كما في الموطأ، ولم يُعلم له منكر في زمانه، ومعلوم من هو ابن عمر في روايته ودرايته. 2 - أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع للمطر ولا عن بقية الصحابة "غير ابن عمر". 3 - أن أقوى الأقوال في تخريج حديث ابن عباس وجمعه بالمدينة ... أنه جمع صوري، حيث صرح أبو الشعثاء راوي الحديث عن ابن عباس بهذا، بل جاء مصرحاً به عن ابن عباس في روايته عند النسائي "أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء". 4 - أنه يجب التثبت عند الجمع من وجود ما يُلجئ إلى الجمع من حصول البلل، ومشقة الخروج للمسجد، وأن التساهل في هذا الأمر يوقع في أداء الصلاة في غير وقتها من غير ضرورة لذلك، وقد أفتى مشايخنا بإعادة الصلاة لمن جمع من غير تثبت وفقه، راجع الفتاوى الملحقة بآخر البحث. 5 - أن مفهوم كلام الفقهاء في من له الترخص بالجمع، حصول البلل والمشقة في الخروج إلى المسجد، وأن من طريقه إلى المسجد مسقوف "في كُن" أو كان منزله بالمسجد أو ملاصق له، بحيث لا يُصيبه بلل أو مشقة في الخروج إليه، أنه لا يجمع لانتفاء المشقة في حقه وهذا وجه عند أحمد كما ذكر ابن قدامة وهو مذهب الشافعي في القديم ورجحه النووي في المجموع، ولعل البعض يستدل بما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع وليس بينه وبين المسجد شيء، قال الألباني الحديث ضعيف جداً، وقد ذكر سابقاً، أو يقول أن العلة في الجمع للسفر والمطر هي المشقة فلماذا أجزتم الجمع في السفر مع انتفاء المشقة بالمراكب الحديث؟ قلنا: لا نسلم لك أن العلة في السفر هي المشقة، بل ذكر الصنعاني أن العلة في السفر هي السفر [سبل السلام 2/ 74]. 6 - أن من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد وقع في أمر خطير، بل وقع في كبيرة من كبائر الذنوب كما ثبت عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وقد تقدم. 7 - قد يتوهم البعض أن قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ومن معه من أهل العلم الذين قالوا بجواز الجمع لعذر إذا لم يتخذ عادة استدلالاً بقول ابن عباس "أراد أن لا يحرج أمته" يوافق قول الرافضة، والحق أن هناك فرقاً جوهرياً بين القولين، فأهل السنة يرون أن الجمع رخصة عند وجود الحاجة، أما إذا لم توجد الحاجة والعذر فلا يشرع، أما الرافضة قبحهم الله فهم يرون مشروعية الجمع مطلقاً في الحضر والسفر عند وجود الحاجة وعدمها [ينظر الجمع بين الصلاتين لمشهور حسن سلمان ص89 ط دار عمان "عمان"]. 8 - إباحة الصلاة في الرحال عند نزول المطر، وثبوت الأمر بذلك حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤذن أن يقول صلوا في الرحال، وأنه من الأعذار المبيحة لترك الجماعة. هذا ما تيسر جمعه، وأسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع للسداد في القول والعمل، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم مقربة إليه سبحانه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

القول المنعوت بتفصيل البسملة والقنوت

القول المنعوت بتفصيل البسملة والقنوت ¤ناصر لازم£بدون¥مكتبة الصحوة - الكويت¨بدون¢بدون€فقه¶صلاة - البسملة الخاتمة وأخيرا نلخص لك أيها القارئ الكريم ما ورد في هذه الرسالة بصورة أسهل حتى تفهم الرسالة بصورة أسهل ويتسنى لك العمل بما توصلنا إليه من حق لأن العلم بلا عمل طامة كبرى، ولا خير في علم محمول وليس معمولا به: التلخيص أولا: القنوت الذي نحن في صدده في هذه الرسالة هو الدعاء في الصلاة في مكان مخصوص من القيام. ثانيا: إن قنوت النازلة جائز ويشرع عند النوازل وليس هو بدعة وليس هو سنة راتبة للفجر كما عند الشافعية بل الدوام على القنوت في الفجر بدعة وحديث أنس مازال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا ضعيف ولا يجوز الاحتجاج به. ويجوز ذكر أشخاص معينين بأسمائهم في الصلاة في قنوت النازلة وأما حديث ثم ترك الدعاء فمعناه ترك لعن أولئك القبائل المذكورة في الحديث وليس معناه ترك القنوت وقنوت الوتر سنة مشروعة وتستحب في السنة كلها وليس في تركه سجود سهو إذ إنه ليس بواجب. ثالثا: وصيغة دعاء قنوت النوازل تتم بدعاء يناسب سبب القنوت ولا يتعين فيه دعاء مخصوص كما قال النووي في شرح مسلم وابن تيمية في مجموع الفتاوى. وصيغة دعاء قنوت الوتر توقيفية ولا يزاد عليها شيء البتة وهي: " اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت لا منجا منك إلا إليك". وأما الصلاة على النبي فلم يصح حديثها. وإذا كان المسلمون في صلاة جماعة يجهر الإمام بالقنوت ويؤمن من خلفه وهذا يتحقق في قنوت النازلة أكثر من قنوت الوتر إذ إن الوتر يجوز للمسلم أن يقنت منفردا وله أن يجهر به ويسر. وينبغي للإمام إذا قنت للمأمومين أن يدعو بصيغة الجمع فيقول: " اللهم اهدنا .. " وبالنسبة لقنوت الوتر فهو يحتوي على دعاء وثناء فأما الدعاء فيؤمن المأموم فيه خلف الإمام وأما الثناء فالأولى السكوت فيه. ويرفع القانت يديه في القنوت إلى صدره، وله أن يرفعهما حتى يرى بياض إبطيه في قنوت النازلة. والقنوت للوتر في النصف الثاني من رمضان يكون ذا شبهين بمعنى أنه له شبه بالوتر فيجوز أن يكون كالقنوت العادي وله شبه بالنازلة فيجوز أن يكون كقنوت النازلة. وأما مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء فهو بدعة ولم يصح حديث فيه. ونص على بدعيتها العز بن عبد السلام وغيره. رابعا: ويكون القنوت في النازلة بعد الركوع وفي الوتر قبل الركوع. وهذا ما يسر الله – عز وجل – لي جمعه في رسالة القنوت فإن وفقت للصواب فالفضل لله وحده وإلا فمني ومن الشيطان. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله أجمعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اللباس والزينة في الشريعة الإسلامية

اللباس والزينة في الشريعة الإسلامية ¤محمد عبدالعزيز عمرو£بدون¥مؤسسة الرسالة - بيروت¨الأولى¢1403هـ€فقه¶لباس وزينة - أعمال شاملة الخاتمة بعد عون الله وتوفيقه، أرجو أن أكون قد استكملت في هذه الرسالة، بيان أحكام اللباس والزينة في الشريعة الإسلامية. وفي ختام هذا البحث لا بد من إبراز أهم المبادئ والأسس التي تقوم عليها فكرة اللباس والزينة في الإسلام، لأهميتها العظمى في واقعنا الإنساني الذي نعيشه ونحياه. وهذه المبادئ هي: 1 - إن اللباس من النعم الكبرى التي امتن الله به على عباده، شرعه لهم ليستر ما انكشف من عوراتهم، وليكون لهم – بهذا الستر – زينة وجمالاً بدلاً من قبح العري وشناعته. 2 - إن ستر الجسد من الحياء، وهو فطرة خلقها الله في الإنسان، فكل ذي فطرة سليمة يحرص على ستر عورته، وينفر من انكشافها وتعريها، إذن فستر الجسد ليس مجرد اصطلاح وعرف بيئي كما تزعم الأبواق المسلطة على حياء الناس وعفتهم، لتدمير إنسانيتهم وفق الخطة الصهيونية البشعة التي تتضمنها مقررات حكماء صهيون. ومن هنا يمكن الربط بين الحملة الضخمة الموجهة إلى حياء الناس وأخلاقهم، وبين الدعوة السافرة إلى العري الجسدي، باسم الزينة والحضارة، "والموضة"، وبين الخطة الصهيونية لتدمير إنسانية الإنسان والتعجيل بانحرافه، ليسهل استعباده والسيطرة عليه، فيصبح ألعوبة في أيديهم يسخرونه لخدمة مصالحهم الخاصة. 3 - إن قضية اللباس والزينة ليست منفصلة عن شرع الله ومنهجه للحياة، بل إنها ترتبط بالعقيدة والشريعة بأسباب شتى: أ- إنها تتعلق قبل كل شيء بالربوبية، وتحديد الجهة التي تشرع للناس في هذه الأمور ذات التأثير العميق في الأخلاق والاقتصاد، وشتى جوانب الحياة. ب- كذلك تتعلق بإبراز خصائص الإنسان في الجنس البشري، وتغليب الطابع الإنساني في هذا الجنس على الطابع الحيواني، الذي هو سمة بارزة للجاهلية التي تمسخ التصورات والأذواق والقيم والأخلاق، وتجعل العري الحيواني تقدماً ورقياً والستر الإنساني تأخراً ورجعية، وليس بعد ذلك مسخ لفطرة الإنسان وخصائصه. 4 - إن الزينة الإنسانية هي زينة الستر، وأما الزينة الحيوانية فهي زينة العري، وهذه الحقيقة ثابتة، لا يغيرها ولا ينقص من قدرها انقلاب الموازين في شتى الأماكن والعصور. 5 - إن اللباس ليس بأداة خارجية لستر بعض أعضاء الجسد، ووسيلة لحفظه من تقلبات الجو فقط، بل جذور متأصلة في نفسية كل أمة وحضارتها ومدنيتها، وتقاليدها وسائر شؤونها الاجتماعية، فهو في واقع الأمر مظهر لتلك الروح التي تعمل عملها في جسد تلك الأمة. 6 - الإسلام دين الفطرة فهو – لذلك – لا يسلك في كل شأن من شؤون الحياة إلا طريقاً يتفق مع العقل العام، ويتجاوب مع الفطرة السليمة فهو لم يقرر للإنسان نوعاً خاصاً من اللباس أو أسلوباً خاصاً للمعيشة، ما دام قد تطور وترقى بأسلوب فطري سليم، إلا أنه وضع مجموعة من المبادئ والقواعد الأساسية من الوجهة الخلقية والاجتماعية الخاصة، وهو يريد من كل أمة أن تتولى الإصلاح في لباسها وفي طريقها للمعيشة حسب هذه المبادئ والقواعد الأساسية لا غير. ومن قواعده في اللباس ما يلي: أ- ما يختص بملابس الرجال: 1 - أن تكون ساترة للعورة، وأن تكون نظيفة ومرتبة. 2 - أن يراعى فيها حد الاعتدال، فلا إسراف ولا تضييق، بحيث تتناسب ومقدار إنعام الله على عبده. 3 - أن لا تكون مما نهي الرجال عن لبسه كالحرير والذهب. 4 - أن لا يقصد بها الفخر والشهرة والكبر. 5 - أن لا تشبه ملابس النساء. ب- ما يختص بملابس النساء: - إن لملابس النساء من الأهمية ما يجعل الأمر بالنسبة لها أكثر دقة وأعمق تفصيلاً من ملابس الرجال.

- لقد كرم الإسلام المرأة وارتفع بها عن مستوى المهانة والازدراء، فهو يريدها أن تكون أداة تشييد وبناء في المجتمع الذي تعيش فيه، لا أداة تخريب وهدم، ولذلك ابتعد بها عن كل ما يثير غرائز الرجل ويهبط به إلى دركات البهيمية، ومن أجل هذا فقد اشترط في لباسها ما يلي: 1 - أن تكون ثيابها واسعة فضفاضة بحيث تستوعب جميع أجزاء البدن، وأن لا تبرز شيئاً منه أو تجسمه، وخاصة مواضع الفتنة منها. 2 - أن تكون سميكة صفيقة بحيث لا تشف، فيظهر ما تحتها من الأعضاء. 3 - أن لا تكون الملابس زينة في نفسها، كأن تكون ذات ألوان مثيرة تلفت إليها الأنظار، بل عليها أن تختار الألوان الهادئة التي تخلو من الإثارة والإغراء. 4 - أن لا تشبه ملابس الرجال لمنافاة ذلك لأنوثة المرأة ووظيفتها. 5 - إن الإسلام قد راعى في المرأة أنوثتها وحبها للزينة والجمال، فأباح لها ما يناسب هذه الأنوثة كالحرير والذهب، كما لم يحرم عليها اللباس الفاخر إذا كانت ممن أنعم الله عليها، بشرط عدم الإثارة والإغراء كما تقدم، وكذلك عدم تضييع أو تعطيل حق من الحقوق الشرعية. 6 - لقد حرص الإسلام على المرأة حرصاً شديداً فصانها، وحافظ عليها، ولم يسمح لأحد أن ينظر إلى أي جزء من جسمها، أو يكشف عنه إلا لضرورة أو حاجة اقتضتها مصلحتها الخاصة، أو المصلحة العامة للأمة، كمداواة أو خطبة، أو شهادة مثلاً. 7 - أن لا يكون لباسها لباس شهرة، وأن يخلو من الطيب عند الخروج من البيت، والخروج من البيت شرط في جميع ما تقدم. 8 - ترك الإسلام للمرأة حرية اللباس والزينة داخل البيت للزوج، حيث الفتنة نائمة، فلها أن تختار ما تشاء من أنواع الثياب وألوانها، وأن تتزين وتتجمل لزوجها كيفما تشاء، وبهذا تحافظ على زوجها مع بقائها بعيدة عن كل ما يعرضها ويعرض المجتمع معها إلى الانحراف. وبعد بيان مبادئ الإسلام في اللباس والزينة، لابد من كلمة نبين فيها مدى الخطر الناجم من الانحراف عن هذه المبادئ، لما نشاهده من الفساد الذي استشرى في جميع نواحي الحياة في هذا المجتمع، وذلك لابتعاد الناس عن منهج الله للحياة، وأتباعهم مناهج الشيطان، ولكي يعود لهذا المجتمع بهاؤه ورونقه، وبشره وسعادته، لابد من أن نضع أصبعنا على موطن الداء. وأن نحدد على من تقع المسؤولية في معالجة هذا الداء، وكيفية استعمال الدواء، ليتم الشفاء من جميع هذه الأمراض الخلقية الذميمة. تحديد الداء: إن الداء الأصيل هو البعد عن منهج الله للحياة في جميع نواحيها، وأما فيما يختص باللباس والزينة فهو ناتج عما يلي: 1 - عدم التزام المرأة بالمبادئ والأسس العامة التي وضعتها الشريعة الإسلامية للباسها وزينتها. 2 - خروج المرأة عن مجال وظيفتها الأساسية، وفشلها في هذا المجال مع إنكارها لذلك، وعدم رغبتها في العودة إلى الطريق السليم. 3 - تأثير وسائل الإعلام على المرأة، والتغرير بها، اتخاذها أداة إغراء وإغواء، مما دفعها للإنحدار إلى عالم الجنس، وهذا كان له أثر سيئ على الواقع الإنساني. 4 - أثر مستحضرات التجميل على أنوثة المرأة، فهي تفجر فيها طاقة أنثوية، وتشعل فيها نار الرغبة، بحيث تستدرجها إلى طريق الشيطان، وتخرج بها عن مجال أنوثتها الحقة. 5 - سيطرة الغرائز على سلوك المرأة، ودفعها إلى المبالغة في عمليات التزين والتجمل، مما كان له بالغ الأثر في انحلال المجتمع، وتدهوره نحو الدمار. 6 - تلاعب دكاكين الأزياء بعقل المرأة، مما جعلها حقلاً للتجارب وسوقا رائجة تدر أرباحاً طائلة. طريق النجاة:

إن طريق النجاة من الأوضاع المتردية التي وصلت إليها أخلاق الأمة نتيجة لما تقدم من أسباب، يكمن كما قلت في الرجوع إلى الله، والتزام منهجه الذي ارتضاه لنا دستوراً للحياة، فيلتزم كل فرد في المجتمع القيام بمسؤوليته، فيقوم بواجبه نحو الله أولاً ثم يؤدي واجبه كاملاً نحو أمته ووطنه، فالكل مسؤول عن رعيته، فالحاكم راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيتها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. مسؤولية الأفراد: فمسئولية كل فرد تنبع من شعوره بتقوى الله ومراقبته والشعور بأنه مسؤول أمامه. وكذلك من شعوره بأهمية التعاون مع الآخرين والحرص على المصلحة العامة للأمة، والبعد عن الأنانية، ومراعاة النفع الخاص. ومن هنا فمسؤولية الرجل، سواء كان أباً أو زوجاً، أو أخاً مسؤولاً، أن يبين لنساء بيته الأحكام التي تخصهن في أمور الزينة واللباس، بأسلوب لطيف لين بعيد عن القسوة والغلظة عملاً بقوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} وقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}. فإن هذا الأسلوب أقرب للقبول والامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى، لأن الطاعة عن طواعية وحب أضمن من دوام الاستمرار من أن تكون عن طريق الإكراه والعنف. والمرأة مسؤولة في هذا المجال، فيجب عليها أن تدرك بأن التزين وسيلة وليس غاية في ذاته، ولهذا فعليها أن تلتزم بشرع الله، ولا تبالغ في عمليات التزين حتى تكون قدوة صالحة لبناتها، وبنات جنسها من معارفها، بفضل التزامها بآداب الإسلام في كل شيء، وخاصة في مجال الزينة واللباس. ولتعلم أن رسالتها في هذه الحياة أكبر من أن تكون متعة للرجل يتلهى بها ثم يتركها، وأكبر من أن تكون أداة إغواء وسحر وجاذبية. إنها خلقت لتكون شريكة الرجل لا أن تكون لعبته. رفيقة دربه لا أداة تسليته، ولن يكون الطريق إلى ذلك إلا باحترامها لنفسها واتباعها آداب الإسلام في الملابس والتزين. مسؤولية العلماء: إن للعلماء في هذا المجال وكل مجال مسؤولية خطيرة، فهم ورثة الأنبياء كما أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتقدم عليه واجب، فأول واجباتهم أن يتقوا الله فيطبقوا شرع الله على أنفسهم وفي بيوتهم، وذلك بأن تلتزم زوجاتهم وبناتهم بتعاليم الإسلام في اللباس والزينة حتى يكون قدوة لغيرهن من النساء، لأن الناس ينظرون إليهن نظرة الاقتداء والاتباع. فإذا ما التزم العلماء بتعاليم الإسلام في أنفسهم وفي بيوتهم، كانت كلمتهم مسموعة ومؤثرة في من يقومون بوعظهم ونصحهم. ومن واجب العلماء أن يبصروا الحكام بمهام مسؤولياتهم، وأن يقدموا لهم النصح والإرشاد، ويوضحوا لهم عظم التبعة الملقاة على عاتقهم، وإن عذابهم يوم القيامة أليم شديد إذا ما قصروا فيما أسند إليهم من مسؤوليات وتهاونوا في تطبيق شرع الله في مجتمعهم الذي أسندت إليهم مقاليد الحكم فيه. ومن المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقهم في هذا المجال حسن التوجيه لوسائل الإعلام حتى تؤدي واجبها نحو الأمة على أحسن وجه يحقق لها الخير والفلاح. فمهمة الإعلام خطيرة. لأن للصورة المرئية، وللكلمة المسموعة أو المكتوبة أثراً سحرياً عجيباً، يسيطر على العقول والقلوب بسرعة البرق. وهذا يبين لنا ما لأجهزة الإعلام من كبير أثر على واقع المجتمعات البشرية.

ولذا فالاهتمام بها، وتوجيهها التوجيه الجاد من أهم الواجبات الملقاة على عاتق الحكام، نريدها وسائل تبني ولا تهدم، وتنقذ ولا تغرر. ولكن للأسف، فوسائل الإعلام في بلادنا قد لعبت دوراً كبيراً جداً في صنع هذا الواقع الفاسد، بانتهاجها غير طريق الإسلام في برامجها المتنوعة، ووسائلها المختلفة في الإثارة والإغراء، حتى أصبح المسلم الغيور يشعر بالغربة عند قراءة أو سماع أو رؤية شيء صادر عن هذه الوسائل. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبي للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس". إذن فواجب الإصلاح الأول يقع على عاتق العلماء، ببيان أحكام الإسلام من حلال وحرام، وبنصيحة الحكام ودعوتهم لتطبيق شريعة الله، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمعات التي غربت عنها شمس الإيمان، وفقدت فيها التقوى ومراقبة الله، يحتاج فوق قوة الحجة، والكلمة المؤثرة، إلى قوة مادية يستند إليها، كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن". فإذا تعاونت هاتان الفئتان، فبذل العلماء النصح، وقبل الحكام النصيحة، فقاموا بواجبهم بإصلاح ما فسد، وتقويم ما اعوج، صلح أمر الأمة، واستقامت مسيرتها، ووصلت إلى السعادة التي تنشدها، وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فئتان إذا صلحتا صلح الناس، وإذا فسدتا فسد الناس، العلماء والأمراء". فباستطاعة هؤلاء إذا أخلصوا النية لله، أن يعيدوا للمجتمع المسلم صبغته الصافية، وصورته الناصعة التي أرادها الله له، وأن يحافظوا على جوهر الحياة الإسلامية وشكلها وهيئاتها، والله المستعان. وفي الختام، فهذا جهدي الذي استطعت أن أقدمه، فإن أحسنت فمن الله وإن أسأت فمن نفسي ومن الشيطان، وأرجو الله أن يغفر لي ويهديني سواء السبيل. ويجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المال المأخوذ ظلما وما يجب فيه في الفقه الإسلامي

المال المأخوذ ظلماً وما يجب فيه في الفقه الإسلامي ¤طارق بن محمد الخويطر£بدون¥دار إشبيليا - الرياض¨الأولى¢1420هـ€فقه¶ضمان وغصب الخاتمة: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فأحمد الله تعالى أن وفقني لإتمام هذه الرسالة والتي أنفقت فيها جهدا ووقتا نفيسين، وأرى من المناسب أن أختم الحديث هنا بذكر أهم النتائج المستفادة من هذه الرسالة على النحو التالي: أولاً: 1 - المال كل شيء له قيمة بين الناس ويجوز الانتفاع به شرعاً في حالة الاختيار، وهو شامل للأعيان والمنافع. 2 - ينقسم المال باعتبارات متعددة، فينقسم باعتبار ماله حرمة وحماية إلى متقوم غير متقوم، وباعتبار الثبات وعدمه إلى عقار ومنقول، وباعتبار التماثل وعدمه إلى مثلي وقيمي، ويترتب على هذه الأقسام بعض الآثار. 3 - الظلم هو: الجور ومجاوزة الحد، ووضع الشيء في غير موضعه الأصلي. ثانياً: 1 - السرقة أخذ مكلف خفية مقدار نصاب فأكثر من حرز مثله بلا شبهة ولا تأويل. 2 - ركن السرقة أخذ المال خفية. 3 - طرق إثبات السرقة: البينة والإقرار. 4 - الشهادة هي إخبار عدل بحق للغير بلفظ خاص وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، ولا تقبل شهادة الشاهد إلا بتوافر شروط معينة. 5 - الإقرار هو: إظهار مكلف ما عليه لفظاً أو كتابة أو إشارة أخرس، أو على موكله أو موليه أو موروثة بما يمكن صدقه، وقد اتفق الفقهاء على أنه يشترط في المقر ثلاثة شروط هي: البلوغ والعقل والاختيار. ثالثاً: 1 - الحرابة: هي كل فعل يقصد به إخافة سبيل أو أخذ مال محترم أو قتل نفس أو غصب عرض بسلاح أو بغيره قهراً مجاهرة في أي مكان اعتماداً على القوة على وجه يتعذر معه الغوث سواء كان بمباشرة أو تسبب. 2 - ركن الحرابة هو: الخروج على الناس لأخذ المال على سبيل القهر والغلبة بحيث ينقطع الطريق ويعجز الناس عن المرور. 3 - أنوع الحرابة هي: أ - القتل بدون أخذ مال. ب - أخذ المال والقتل. ج _ أخذ المال بلا قتل. د- التخويف بلا قتل ولا أخذ مال 4 - تثبت الحرابة بالبينة والإقرار. رابعا: 1 - الاختلاس: خطف المال في حين غفلة صاحبه والاعتماد على الهرب. وركنه: أخذ المال عياناً على حين غفلة من مالكه. 2 - الانتهاب: أخذ المال عياناً قهراً اعتمادا على القوة والغلبة. وركنه: ـ خذ المال جهاراً. 4 - طرق إثبات الاختلاس والانتهاب: البينة والإقرار. خامساً: 1 - الغصب هو: الاستيلاء على حق الغير بغير حق جهراً بلا حرابة. وركنه: أخذ المال قهراً بلا حرابة. ويثبت الغصب بالبينة والإقرار. 2 - الرشوة هي: دفع مال أو منفعة لإبطال حق أو لإحقاق باطل. 3 - العارية هي: إباحة الانتفاع مدة، بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه بلا عوض. وركنها عند الحنفية هو: الإيجاب من المعير، وعند الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، لها أربعة أركان هي: المعير، والمستعير، والشيء المستعار، والصيغة. 4 - صور العارية: ا- أن تكون العارية مطلقة في الوقت والانتفاع. ب - أن تكون العارية مقيدة في الوقت والانتفاع. ج - أن تكون العارية مطلقة في الوقت مقيدة في الانتفاع. د - أن تكون العارية مقيدة في الوقت مطلقة في الانتفاع. 5 - الوديعة: هي المال الموضوع عن آخر ليحفظه تبرعا وهي أمانة في يد المودع لا يضمنها إذا تلفت إذا كان تلفها بغير تعد منه أو تفريط. وركنها عند الحنفية هو: الإيجاب والقبول، وعند الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة لها أربعة أركان هي: المودع، والمودع، والوديعة، والصيغة. 6 - تثبت العارية والوديعة بالبينة والإقرار.

7 - الاستيلاء هو: القهر والغلبة والسبق إلى الشيء بأي طريق كان ذلك. ويختلف حكم الاستيلاء بحسب الشيء المستولى عليه وأيضا بحسب كيفية الاستيلاء. 8 - اللقطة هي: مال أو اختصاص محترم وليس بمحرز، ضائع من ملكه بسقوط أو غفلة ونحوهما، في صحراء أو بنيان، سواء كان حيوانا أو جمادا، يلتقطه غير ربه على سبيل الحفظ لا التملك، ولا يعرف الواجد مستحقه، ولا امتنع بقوته. 9 - يجب على آخذ اللقطة أن يعرفها في الموضع الذي وجدها فيه، فإذا انقضت مدة التعريف كان للملتقط أن يأكل اللقطة إن كان فقيرا أو يتصدق بها إن كان غنيا، فإن جاء صاحبها كان مخيرا بين أن يجيز الصدقة أو يضمنه إياها. 10 - المعدن ما استخرج من الأرض مما خلق فيها من غير جنسها. ويطلق الفقهاء المعدن ويريدون به: أ - الركاز وهذا عند الحنفية. ب - مكان وجود المعدن. 11 - الكنز هو: دفين الجاهلية ودفين الإسلام، وأنواع الكنوز ثلاثة هي: ا- الكنز الجاهلي. ب - الكنز الإسلامي أو دفين الإسلام. ج- الكنز المجهول أو الكنز الخالي من العلامة أو المشكوك فيه. 12 - سبب اختلاف الفقهاء في الواجب في المعدن هو هل اسم الركاز يتناول المعدن أو لا. 13 - الكنز الجاهلي يجب فيه الخمس، وأما الكنز الإسلامي فيعتبر لقطة، ويرجع الكنز المجهول إلى أحدهما في الواجب فيه. سادسا: 1 - يشترط لوجوب حد السرقة شروط يجب أن تتوافر في: السارق، صفة السرقة، المسروق، المسروق منه، المسروق فيه. وإذا تخلف شرط من هذه الشروط فلا قطع، ويبقى التعزير الذي يراه ولي الأمر. 2 - وأول ما يقطع من السارق يده اليمنى من مفصل الكف، فإذا عادت قطعت رجله اليسرى في الثانية، ويده اليسرى في الثالثة، ورجله اليمنى في الرابعة، ثم إن سرق الخامسة عزر وحبس. 3 - إذا كان المسروق قائما وجب رده إلى صاحبه، سواء كان السارق غنيا أو فقيرا، وسواء قطع أو لم يقطع، وجد المتاع عنده أو وجد عند غيره. 4 - إذا تلف المسروق وقد قطع صاحبه فيجب ضمانه مطلقا، قطع السارق أو لم يقطع، معسرا كان أو موسرا. سابعا: 1 - يشترط لوجوب حد الحرابة شروط يجب توافرها في: القاطع، المقطوع عليه، في القاطع والمقطوع عليه، صفة الحرابة، المقطوع له، المقطوع فيه، وإذا تخلف شرط التعزير الذي يراه ولي الأمر. 2 - عقوبة المحاربين على التخيير: وسبب اختلاف العلماء في عقوبة الحرابة هل هي على الترتيب أو على التخيير هو: هل حرف (أو) في الآية للتخيير أو للتفصيل على حسب جنايات المحاربين. 3 - المقصود بالصلب في عقوبة جريمة الحرابة أن يوضع المصلوب على مكان بارز، سواء على خشبة أو معلقا أو غير ذلك، ومدة الصلب في الحرابة تتحدد بحصول الفائدة منه وانتفاء الضرر. 4 - إذا أخاف المحارب السبيل ولم يقتل أو يأخذ مالا فإنه ينفى إلى بلاد أخرى ويسجن فيها، ومدة النفي في عقوبة المحارب غير مقيدة بزمن وهي موقوفة على توبته. 5 - يجب على المحارب رد المال إن كان موجودا، وإذا تلف المال وقد أقيم عليه الحد فإنه يضمنه. ثامنا: 1 - التعزير هو: العقوبة المشروعة على معصية لا حد فيها ولا كفارة ويشترط لعقوبة التعزير ثلاثة شروط هي: العقل، والاختيار، والعلم بالتحريم. 2 - تتعدد العقوبات التعزيرية ويختلف تأثيرها، ولولي الأمر تقرير ما يراه من هذه العقوبات بشرط موافقته للمصلحة العامة. 3 - يشترط في المغصوب الذي يعزر فيه الغاصب تعزيرا ماليا ثلاثة شروط هي: ا- أن يكون المغصوب مالا. ب- أن يكون المغصوب محترما. ج- أن يكون المغصوب متقوما. ويجب على الغاصب رد المغصوب إن كان قائما ومؤنة الرد عليه، وإذا هلك المغصوب فإن الغاصب يضمن بالمثل إن كان مثليا وإن لم يكن مثليا فبالقيمة.

4 - شرط وجوب الضمان في الغصب هو تلف المغصوب أو عدم القدرة على تسليمه، والمعتبر في ضمان الغصب هو قيمة المغصوب يوم الغصب، سواء كان المغصوب مثليا أو قيميا. 5 - عقوبة جريمة الرشوة عقوبة تعزيرية يختارها ولي الأمر بما يوافق المصلحة. 6 - لا قطع على المختلس والمنتهب وجاحد العارية والوديعة والغاصب ويوقع عليهم التعزير الرادع لفعلهم 7 - يقطع النباس والطرار إذا بلغ ما أخذاه نصابا. 8 - إقامة العقوبات التعزيرية موكولة إلى أشخاص معينين هم: الإمام أو نائبة، والأب، وإن علا لابنه، والزوج لزوجته، والسيد لمولاه، والمعلم لتلميذه. 9 - لا تقام التعازير في المساجد. 10 - آلة الجلد: السوط المتوسط بين الجديد والخلق. 11 - يجلد الرجل قائما والمرأة قاعدة. وصفة الجلد وسط بين الشديد والضعيف. ويفرق الضرب على بدن الرجل والمرأة باستثناء المقاتل فتتقى. ولا يقام الجلد في أي حالة يكون الضرر غير مطلوب كالجلد في شدة الحر والبرد وكجلد الحامل والمريض ونحو ذلك. 12 - السجن عقوبة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع. 13 - ومدة السجن في التعزير راجعة إلى ولي الأمر يقدرها بناء على المصلحة. 14 - يعزل الرجل في السجن عن النساء اتقاء للفتنة. 15 - للمسجون بعض الحقوق التي لا تمنع عنه. 16 - دل على مشروعية النفي الكتاب والسنة والإجماع ومدة النفي في التعزير محددة بتوبة الجاني أو بانزجاره. 17 - يكون القتل بأي طريقة تريح المقتول وليس ذلك محصورا في السيف. 18 - لا يمنع المصلوب من الطعام والشراب، وكذا لا يمنع من الوضوء للصلاة. 19 - مدة الصلب في التعزير غير محددة بزمن وإنما يراعى فيها المصلحة. 20 - تسقط العقوبات التعزيرية بأمور وهي: العفو، والتوبة، والموت. هذه بعض النتائج التي توصلت إليها بعد البحث. أهم التوصيات: أوصي الباحثين بتأصيل بعض الموضوعات وتفصيلها وجمع كلام؟؟؟ المنثور عنها في أكثر من باب، وهذه الموضوعات مثل: ركن الاختلاس، وركن الانتهاب، وركن الغصب، وطرق إثبات الاختلاس، وطرق إثبات الانتهاب، وطرق إثبات العارية والوديعة، وغيرها مما قد توصلت إليه في ثنايا الرسالة، مما لم يفرد لها الفقهاء فصولا محددة، بل؟؟ في كتاباتهم بصورة موجزة تحتاج لجهد الباحثين في تأصيلها التأصيل؟؟ حتى تكون لدى كل قارئ وباحث سهلة ميسورة. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المحاماة تاريخها في النظم وموقف الشريعة الإسلامية

المحاماة تاريخها في النظم وموقف الشريعة الإسلامية ¤مشهور بن حسن آل سلمان£بدون¥دار الفيحاء¨الأولى¢1407هـ€فقه¶محاماة كلمة أخيرة للمحامين: 108 - يقول الله عز شأنه وتبارك اسمه:- {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}. أرشدتنا هذه الآيات من سورة النساء إلى (لون من ألوان التمرد على أحكام الله، مني به المسلمون كذلك في آخرهم ما منوا به في أولهم، ويرجع هذا اللون إلى استخدام القوى والمواهب والتدبير لإظهار الحق في صورة الباطل. والباطل في صورة الحق، خديعة للحاكم وتضليلاً للقضاء. عرضت هذه السورة إلى هؤلاء الذين يتخذون هذا اللون من التمرد لإدانة البرءاء سبيلاً إلى كسب خبيث، يحصلون عليه من الدفاع والمحاورة بالباطل ليخفوا به الحق. عرضت السورة لهذا الفريق من الناس، وحذرت الرسول أن يخدع بأساليبهم أو يتهاون في تحري الحق، اعتماداً على ظن الصدق فيهم، وعلى ظاهر حالهم في دعوى الإيمان والخوف من الله) (والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد الأمة لأن الخصام عن الخائنين لا يتوقع من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما المراد تحذير الذين دفعتهم الحمية إلى الانتصار لابن أبيرق). وفي قوله تعالى {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً}، التفات إلى أمته صلى الله عليه وسلم التفاتا ينطوي على التنديد والتثريب: فعلى فرض أنهم جادلوا عن الخائنين في الدنيا، فنجحوا ونجوا من العقوبة الدنيوية، فمن الذي يجادل الله عنهم يوم القيامة ويكون وكيلاً عليهم أمام الله عز وجل، وينقذهم من العقوبات الأخروية، وهو محيط بحقائق ما فعلوا، ولا تخفى عليه صغيرة ولا كبيرة. لأن المخاطب كل من يصلح للمخاطبة من المسلمين، والكلام مجرى الفرض والتقدير، أو مجرى التعريض ببعض بني ظفر الذين جادلوا عن ابن أبيرق. ونحب أن نقف بالمحامي عند هذه الآيات من سورة النساء لنضع بين يديه ما ترشد إليه أو تدل عليه من عبر وأحكام. ويتلخص ما يهمنا من ذلك فيما يأتي: 1 - على المحامي أن يتحرى الحق والعدل: تنبه الآيات إلى أن المهمة التي ألقاها الله على عاتق الرسول صلى الله عليه وسلم بإنزال الكتاب عليه. وبالطبع هي المهمة التي ألقيت على من بعده من خلفاء وقضاة ومحامين. هي تحري العدالة والحكم بين الناس بالحق الذي لا يجافي الواقع {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ}.

2 - تحذر الآيات من محاولات التلبيس، التي يقوم بها أصحاب الخصومة المزيفة، وتحث من أراد أن يخاصم عن آخر أن يمحص الحق، ويعرف واقع الخصومة التي يدافع فيها، لتتحقق بذلك العدالة المطلوبة من الله بين الناس، {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}. 3 - تلفت الآيات الأنظار إلى أن التساهل في تمحيص الأدلة والاندفاع مع تيار الخصوم الخائنين، والجدال عنهم وهم يخاصمون بالباطل، وينسجون التمويه على الحق، كل ذلك لا يغني عنهم من الله شيئا، ولا ينجيهم في الآخرة من العذاب الأليم، {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً}. 4 - وتصرح الآيات بأن عاقبة الذنوب وآثارها السيئة إنما تنزل وتحيق بمن اكتسبها وباشرها دون من ألصقت به وحكم بها عليه ظلماً وزوراً. وإن إثمها ليتضاعف على صاحبها إذا رمى بها بريئاً، وانتحل في خصومته الأكاذيب والتزوير حتى ضلل بها الحاكم وأوقعه في الخطأ، وهو يريد الصواب، وفي الباطل وهو يريد الحق {وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}. وأخيراً: لعل آذان الذين يتخذون أساليب الحيل والخداع من المحامين، طريقاً لصرف القضاة عن جهة الحق وموطن العدل، لعل آذانهم تصغي إلى هذه التحذيرات الشديدة، التي تضعهم في صفوف الخائنين الآثمين {وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}. وإلا يفعلوا فهم من الذين بين النبي صلى الله عليه وسلم حالهم في قوله: (سيكون قوم يأكلون بألسنتهم. كما تأكل البقرة من الأرض) وإن سبب إيراد الحديث يوضح معناه: كان لعمر بن سعد إلى أبيه حاجة، فقدم بين يدي حاجته كلاماً مما يحدث الناس به حتى يوصلون (إلى مآربهم) لم يكن يسمعه، فلما فرغ قال: يا بني قد فرغت من كلامك؟ قال: نعم. قال: ما كنت من حاجتك أبعد، ولا كنت فيك أزهد مني منذ سمعت كلامك هذا. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر الحديث. ففي هذا الحديث تحذير شديد من التفاصح، وتشقيق الكلام، والتشدق في الألفاظ والتحذلق والتفيهق واستعمال البيان بالباطل لكسب المال. وإن هذا الحديث يبين حال أناس منهم: المتشدقون في الإذاعات، والخطباء للمال والمظهر والسمعة، وكتاب الصحف فيما لا فائدة له والمراؤون للحكام والظلام. وقد ورد بهذا المعنى عدد من الأحاديث. منها قوله صلى الله عليه وسلم (إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان). رواه أحمد عن عمر مرفوعاً، والطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن عمران بن حصين.

المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية

المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية ¤عمر بن سليمان الأشقر£بدون¥دار النفائس¨الأولى¢1416هـ€فقه¶دراسات فقهية الخاتمة المذاهب الفقهية متقاربة فيما بينها تقربا كبيرا حتى أن الذي يطالع اجتهادات الفقهاء في مختلف مذاهبهم ما انقرض أتباعه منها وما لم ينقرضوا يجد كأنها مذهب واحد والأدلة على عمق التقارب بينها أكثر من أن تحصر منها: 1ـ كل الأئمة الفقهاء أبناء مدرسة واحدة هي مدرسة أهل السنة والجماعة عقيدتهم واحدة وقد كانوا يدا واحدة في مواجهة الانحرافات العقائدية من الخوارج والمعتزلة والشيعة وغيرهم. 2ـ الأصول الكبرى ذات الأثر الأهم والأكبر في الفقه لا اختلاف فيها عندهم وهي: الكتاب، والسنة والإجماع والقياس فكلهم يأخذ بها ويقيم بناءه الفقهي على أساسها ولا يعكر على هذا المأخذ اختلافهم في بعض الأصول الثانوية المنتزعة من الأصول الكبرى السابقة. 3ـ الأئمة أخذ بعضهم من بعض وتتلمذ بعضهم على بعض فتلامذة أبي حنيفة رحلوا إلى الإمام مالك وأخذوا عنه فأبو يوسف رحل إلى الإمام مالك واستفتاه وأخذ عنه والإمام محمد صاحب أبي حنيفة روى عن الإمام مالك موطأه. ورحل بعض تلامذة الإمام مالك منهم أسد بن الفرات إلى العراق وأخذ عن شيوخ الحنفية أمثال محمد بن الحسن وأسد هذا كان هو السبب في تأليف المدونة كما مر معنا عندما تحدثنا عن مؤلفات المالكية. والإمام الشافعي تتلمذ على الإمام مالك وفي رحلة الشافعي إلى العراق حاور مشايخ الحنفية تلامذة الإمام أبي حنيفة فاستفاد منهم واستفادوا منه وأخذ الإمام أحمد عن الشافعي رحمه الله. وإذا استعرضت سيرهم وجدت أن اللاحق منهم كان يثني على السابق ويدعوا له ويأخذ من علمه ولا يعكر على هذا تخطئة بعضهم لبعض فإن هذا يحدث في المذهب الواحد. 4ـ انتقل العلماء الأعلام من مذهب إلى مذهب من غير نكير من أهل العلم إلا إذا كان انتقالهم لغرض دنيوي أو اتباعا للهوى. يقول الشعراني " لم ينكر أكابر العلماء في كل عصر على من انتقل من مذهب إلى مذهب إلا من حيث ما يتبادر إلى الأذهان من توهم الطعن في ذلك الإمام الذي خرج من مذهبه لا غير بدليل تقريرهم لذلك المنتقل على المذهب الذي انتقل إليه" ونقل الشعراني عن القرافي قوله: " يجوز الانتقال من جميع المذاهب إلى بعضها بعضا في كل ما لا ينتقض فيه حكم حاكم" ونقل أيضا عن السيوطي أنه سمى عددا من الذين انتقلوا من مذهب إلى مذهب من غير نكير عليهم من علماء العصر كانوا الذي فيه، منهم الشيخ عبدالعزيز بن عمران الخزاعي كان من أكابر المالكية فلما قدم الشافعي من بغداد ترك مذهبه وتبعه، ومنهم أبو جعفر الطحاوي كان شافعيا وتفقه على خاله المزني ثم تحول حنفيا ومنهم الخطيب البغدادي الحافظ كان حنبليا ثم عمل شافعيا ومنهم ابن فارس صاحب كتاب المجمل في اللغة كان شافعيا تبعا لوالده ثم انتقل إلى مذهب مالك وذكر عددا من أهل العلم ممن تحول عن مذهبه من نقلته عنه 5ـ كان هدف الأئمة جميعا من وراء ما قرروه من أحكام هو الوصول إلى حكم الله في مسائل الفقه المختلف فيها وقد مر معنا أن مصادرهم الأصلية في ذلك واحدة ولذلك عندما كانوا يتحاورون ينزعون منزعا متقاربا فيما يعتمدون عليه ويأصلونه فلم يكونوا كما هو الحال عند فرق النصارى أو الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة. ولذلك فإننا عندما نرجع في المسألة الواحدة إلى اجتهاداتهم نرى أنه يقترب بعضها من بعض في الطريقة والمأخذ بل وفي النتائج والأحكام وقد يكون التقارب بين مذهبين أكثر من التقارب في المذهب الواحد أحيانا.

6ـ هذا التوجه هو مقتضى ما وصى به الأئمة أتباعهم وتلاميذهم فكلهم طالب أتباعه الحق وإن خالف قوله ولو قام الأئمة من قبورهم ورأوا ما عليه أتباعهم اليوم من مخالفتهم لما أمروا به لتبرؤوا من ذلك ونهوا عنه. 7ـ هذا التوجه هو منهج العلماء الأعلام من أصحاب المذاهب الذين عرضوا أقوال علماء المذهب وأقوال فقهاء الأمصار جنبا إلى جنب مع ذكر أدلة كل قول وذكر الراجح ومن خير من سار هذا المسار ابن قدامة في كتابه المغني والنووي في المجموع وابن عبد البر في الاستذكار وهو منهج الفقهاء الأعلام من أهل الحديث أمثال ابن حجر في كتابه القيم فتح الباري. رأينا كثيرا من الأعلام في كل مذهب من يترك مذهب إمامه في بعض المسائل ويأخذ بقول غيره إذا تبين له رجحان دليله وضعف دليل إمامه. ثمار هذا التوجه: وهذا التوجه في عد المذاهب الفقهية مذهبا واحدا أو كالمذهب الواحد له فوائده وثماره الخيرة ومن هذه الفوائد والثمار: 1ـ تحقيق الوحدة بين المسلمين فالمسلمون كما قرر كتابهم ودعا إليه رسولهم أخوة فيما بينهم والأئمة كما مر معنا كانوا أخوة يدعو بعضهم لبعض ويحب بعضهم بعضا وينصح بعضهم لبعض. 2ـ وهو ينزع فتيل العصبية المذهبية القائمة على تعظيم بعض أهل العلم والغض من شأن الآخرين وموالاة إمام والبحث عن عيوب الآخرين والتعصب لأقوال وفتاوى واجتهادات واحد من الأئمة ورمي أقوال غيره من الأئمة. وقد أدى كل هذا إلى البغضاء والاقتتال والخصام بين أبناء الدين الواحد والملة الواحدة من أهل السنة والجماعة. 3ـ هذا النهج يقلل الخلاف ولا يزيده ففي كل مذهب من الاختلاف بين أصحاب المذهب الواحد شيء كثير وفي كل مذهب من الأقوال الشاذة والوجوه والاختيارات الضعيفة ما جعل المحققين في كل مذهب يضجون بالشكوى وينادون بتصحيح المسار وتقويم الأخطاء. 4ـ هذا النهج يعيد للفقه اتساعه وشموله فقد رأينا كيف ضاق الحال بأتباع كل مذهب في بعض المسائل مما جعلهم يترخصون باتباع مذهب آخر لما يرونه من حرج في أتباعه مذهبهم. ليس هناك عالم واحد أحاط بالسنة كلها وبالدين كله ومع أن كل مذهب فيه خير كثير إلا أن أتباعه قد يجانبهم الصواب في بعض المسائل فجعل فقه الأئمة فقها للكتاب والسنة يوسع الدائرة ويجعل أنظار المجتهدين والعلماء تجول في تلك الدائرة الكبيرة والواسعة وبذلك يرتفع كثير من الحرج والمعاناة التي قد يجدها بعض أصحاب كل مذهب في بعض الأحيان. وهذا النهج يجعلنا أكثر قدرة على مواجهة المستجدات والمعضلات في أمر هذه الحياة التي أصبح التغير والتلون فيها هائلا سريعا في هذا العصر. كما أن متابعة هذا النهج يلقم حجرا أولئك الذين يزعمون أن الشريعة الإسلامية لا تسع الحياة ولذلك اتجهوا إلى الأخذ من القوانين الغربية إن الضيق الذي وجدوه في بعض الأحيان سببه الاقتصار على مذهب دون غيره ولو جعل فقه الأئمة مجالا للأخذ والنظر لما وجد هذا الإشكال. 5ـ ومن ثمار هذا المنهج الذي يقوم على إطلاق العقول من عقالها تربية الملكة الفقهية التي تتمرس بأقوال أهل العلم من مختلف المذاهب وتتعرف إلى استخلاص الاجتهاد وكيف استدل العلماء بالنصوص على الأحكام وكيف استخلص العلماء الأحكام من الأدلة وهذا هو النهد الذي تربى الأئمة عليه فتفتحت عقولهم ونمت مداركهم وتعمقت لديهم الملكة العلمية التي تفقه وتستوعب وتحلل المسائل وتحكم في ضوء النصوص. 6ـ وأخيرا فإن هذا النهج يحيي دراسة النصوص من الكتاب والسنة والعمل بها من غير إهدار لجهود الأئمة بل يجعل فقه الأئمة جهودا لفقه النصوص لا نصوصا تزاحم النصوص. وفي ختام هذه الخاتمة أود التنبيه إلى أنني لا أقصد بما أدعو إليه في هذه الخاتمة إلى جعل كل الآراء الفقهية في مختلف المذاهب على حد سواء فالاختيار من الأقوال والمذاهب محكوم بالدليل فالقول الأقوى والأصح ما قوي دليله أما التخير من الأصول بمجرد الترجيح الشخصي فإنه مرفوض وقد تحدثنا عن هذا فيما مضى من بحثنا هذا والله أعلم بالصواب والحمد لله رب العالمين.

المدرسة الظاهرية بالمغرب والأندلس

المدرسة الظاهرية بالمغرب والأندلس ¤توفيق بن أحمد الغلبزوري الإدريسي£بدون¥دار ابن حزم - الرياض¨الأولى¢1427هـ€فقه¶دراسات فقهية الخاتمة: لا أريد في هذه الخاتمة – كما جرت العادة – أن أعود إلى عرض ما عرضته، وإجمال ما فصلته، فذلك قد مضى بما له وما عليه، ولابد أن أعود إليه – إذا يسر الله ذلك – لتتميمه، وتهذيبه، وتشذيبه، وتصحيح أخطائه، وتقويم اعوجاجه. ولهذا فإني أقصر هذه الخاتمة على التذكير والتنبيه على آفاق هذا البحث من خلال بعض القضايا الكبرى التي أثارها، والتي تتطلب الكثير من الدراسة والتنقيب والنقر. أ- لقد كشف هذا البحث النقاب عن أعلام الظاهرية بالمغرب والأندلس، وأحصى منهم عدداً لم يتنبه له الكثيرون، ولكن مع ذلك ما يزال يظهر كل مرة جديد منهم، فلزم مواصلة البحث عنهم، وتقضي تراجمهم المتفرقة شذر مذر في كتب من العلم متنوعة، لنخلص بذلك إلى مصنف شامل في طبقات الظاهرية، يوفر علينا الجهد والوقت، ويغنينا عن البحث في مئات كتب الطبقات، والتراجم والفهارس، وكتب البرامج والتواريخ، كلما أردنا معرفة أحد منهم. ب- ظهر من خلال هذه الدراسة أن المذهب الظاهري بحاجة اليوم في عصرنا الحاضر إلى جمع شتاته ولم شعثه، فكراً وفقهاً وأصولاً، وعدم الاقتصار في ذلك على تراث الإمام ابن حزم وحده، وذلك عن طريق جمع واستخراج آراء الظاهرية المنثورة في كتب التفسير والحديث، والفقه والأصول، المطبوعة، وتحقيق ما يوجد من مؤلفاتهم التي ما تزال مخطوطة. ج- كما تناولت هذه الدراسة قضية جوهرية في مجال النظر والاجتهاد في عصرنا الحاضر، وهي مسألة التفاعل بين النصوص ونوازل العصور. فجمهور الفقهاء يكادون يجمعون على أن (النصوص متناهية والوقائع غير متناهية) أما الظاهرية فقد جاءوا أساسا لهدم هذه الفكرة الخطيرة، وكان لديهم منهج آخر في التعامل مع النص، فالنصوص عندهم غير متناهية أبداً، ووجود واقعة لا نص فيها معدوم، إذ الدين كله منصوص عليه، والنصوص محيطة بأحكام الحوادث إلى يوم القيامة، وأنها قادرة على مواجهة الوقائع مهما تعددت وكثرت، ولتبلغ الوقائع ما تشاء فإن النص قادر على شمولها بأحكامه، دونما حاجة إلى القياس أو التعليل، فالنصوص مطلقة والنوازل نسبية، والنص المطلق قادر على الهيمنة على الحوادث النسبية، إذا عرف المجتهد كيف يتعامل معه. هذه النظرة هي مركز الفكر الظاهري وقطب رحاه، وهي تحمل للأمة الكثير من الخير لو قدر لها الذيوع والانتشار بالقدر الذي ذاعت وانتشرت به غيرها من المناهج والمذاهب، ولكنها بحاجة إلى تعميق وتطوير، أرجو أن يسد ثغرته ويتم بناءه الباحثون والدارسون. د- أما معرفة آثار هذا الاتجاه الظاهري في تاريخنا الفكري والحضاري في القديم والحديث، وإيضاح وبيان الفروق بينه وبين غيره من الاتجاهات، فأرجو أن يكون هذا البحث فاتحة لدراسات معمقة في هذا المجال، والاستفادة من منهج الظاهرية النحوية في تيسير النحو العربي اليوم؛ مهمة أتركها للنحاة والأدباء واللغويين فلست من أهل هذا الشأن. هـ- ومما ظهر لي من خلال هذه الدراسة أن معنى الدليل عند الظاهرية، أصل ما يزال يحوطه الكثير من الغموض واللبس، ولذا اقترح على الباحثين الحزميين تعميق البحث في هذا الموضوع، وتجليته لتستفيد منه الدراسات الأصولية المعاصرة اليوم، لاسيما وأن الظاهرية قد استعاضوا بهذا الأصل عن القياس، فأغناهم.

ووأقترح في النهاية على المشتغلين بتاريخ التشريع الإسلامي، وحركة الفقه وأصوله ومدارسه، الكشف عن مناهج فقهاء الأمة في فهم النصوص من الكتاب والسنة، في عصر كثر فيه الحديث عن المناهج، فالتقطنا من قمامات المناهج الغربية كل شيء، وأغفلنا المنهج الإسلامي العظيم الذي يقف على قمته أئمة الأمصار المجتهدون، وذلك لفتح آفات جديدة للدراسات الفقهية في بلدنا؛ كي يتجدد للفقه الإسلامي المرتبط بالمنابيع ذكر، بدل الإعراض عن الأصول، والانصراف إلى فروع، الفروع والتقليدي الذي يميت ولا يحيي. ز- ومن المسائل الهامة التي ارتبطت بمنحى الظاهرية مسألة الثورة على القليد، وما حدث فيه من مغالات من جهتهم إذ لم يكفهم أن يجتهد العلماء بل أوجبوا الاجتهاد على العامة، واجتهادهم بمقدار طاقتهم، وهو أن يعرفوا من يفتيهم من أين قال ما يفتيهم به. هذه النقطة في فقه المدرسة الظاهرية أثارت الكثير من الجدل بين العلماء، وقد تكون فهمت على غير المراد منها، فاحتاجت إلى البحث المنصف والدراسة الموضوعية ليكشف عن حقيقتها. ك- وأرى أني فتحت بهذا البحث – إن شاء الله تعالى – مجالاً واسعاً أمام الباحثين للاشتغال بالمدرسة الظاهرية بالمغرب والأندلس، ذلك أن كل فصل أو باب من أبواب هذه الدراسة يمكن أن يكون بحثاً مستقلاً بعينه. تلك هي بعض القضايا التي قد تستهوي الباحث ليخوض غمارها، أردت التنبيه والحث عليها، إذ رغم ما بذل في هذا الموضوع من جهد، فلا يزال في حاجة إلى خدمة أعمق وأوسع، ولا يزال المجال فسيحاً لمن يبذل فيه جهداً أكبر.

المذهب عند الشافعية وذكر بعض علمائهم وكتبهم واصطلاحاتهم

المذهب عند الشافعية وذكر بعض علمائهم وكتبهم واصطلاحاتهم ¤محمد الطيب اليوسف£بدون¥دار البيان الحديثة - الطائف¨الأولى¢1421هـ€فقه¶فقه فروع عام شافعي الخاتمة إن اصطلاحات فقهاء الشافعية في التعبير عن اختلاف الأصحاب تنحصر فيما يأتي: أولا: أن الخلاف عند الشافعية إما أقوال وإما أوجه وإما طرق. 1ـ ففي الأقوال إما أن يقوى الخلاف وإما أن يضعف. فإن قوي الخلاف عبر عنه بالأظهر ومقابله غريب والعمل بالمشهور والغريب ليس ضعيفا بل لم يسبق إلى القول به أحد 2ـ وإما أن يكون الخلاف أوجها وهي إما مستنبطة من كلام الإمام الشافعي وإما مخرجة على القواعد التي أرساها الإمام الشافعي رحمه الله.

المسائل المشكلة من مناسك الحج والعمرة

المسائل المشكلة من مناسك الحج والعمرة ¤إبراهيم بن محمد الصبيحي£بدون¥بدون¨الأولى¢1418هـ€فقه¶حج وعمرة - أعمال شاملة الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى من سلك سبيله واتبع سنته إلى يوم الدين. أما بعد: فقد يسر الله سبحانه وتعالى القيام بدراسة المسائل السابقة دراسة متأنية، حاولت فيها الوصول إلى أرجح الآراء التي يعضدها الدليل من الكتاب والسنة والتي يشهد لها كلام سلف الأمة، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يثيبني على ما بذلته فيها من جهد، كما أسأله أن يعفو عن الخطأ والزلل. ثم إن اختياري لهذه المسائل المدروسة قد تم بناءً على ما توفر لدي من جواب، نتيجة المذاكرة والمشورة التي تمت مع بعض مشايخي وزملائي في مواسم الحج، فجزاهم الله عني خير ما يجزي عباده الصالحين. ومما يجدر ذكره أن هناك مسائل بحاجة إلى دراسة متأنية من أجل الوصول إلى أرجح الآراء وأصوبها، كطواف الحائض والنفساء. أسأل الله سبحانه أن ييسر القيام بدراسة مثل هذه المسألة التي كثر فيها الكلام كما أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمني وإخواني فقه قول الله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}. فهذه الآية ترسم لنا منهج الحوار، وأدب المناظرة، كما ترشدنا على أفضل السبل لاختيار الألفاظ، والتأدب مع أهل العلم وسلف الأمة، نسأل الله أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق. هذا وقد توصلت من خلال الدراسات السابقة إلى الأمور التالية: 1 - استحباب الإحرام عقب صلاة، فإن كان ثمت فرض أحرم عقبه، وإلا صلى ركعتين، ثم أحرم بعدهما. 2 - لا تجوز الإفاضة من عرفة قبل غروب الشمس وعلى من فعل ذلك دم. 3 - يستحب لمن وصل إلى المزدلفة قبل دخول وقت العشاء أن، يصلي المغرب بعد الأذان، ثم ينتظر حتى يدخل وقت العشاء، فيصلي من غير أذان، ولا يشرع التنفل قبلها. 4 - عدم صحة القول باشتراط الطواف في يوم النحر لمن أراد أن يمضي في تحلله لضعف الحديث الوارد في ذلك. 5 - عدم صحة القول بأن التحلل يحصل بمجرد الرمي، لمخالفته تحلل النبي -صلى الله عليه وسلم- 6 - عدم وجوب طواف الوداع على المعتمر. 7 - ترجيح القول بأن طواف الوداع من مناسك الحج. 8 - يجوز لمن طاف للوداع بعد العزم على النفر أن يتأخر لقضاء مصالحه، وانتظار رفقته، وإصلاح شأنه. 9 - استحباب فسخ الإفراد والقران إلى عمرة تمتع ما لم يكن ساق الهدي، وتضعيف القول بوجوب الفسخ وكذا القول بتحريمه. 10 - مشروعية الاعتمار لأهل مكة، وللقادمين إليها. من الحل، وتضعيف مذهب المانعين من ذلك. 11 - ترجيح القول بأن المراد بالمسجد الحرام: الحرم كله. 12 - ترجيح القول بأن المراد بحاضري المسجد الحرام. هم أهل الحرم، ومن كان بينه وبين مكة دون مسافة القصر. 13 - تصحيح الاحتجاج بأحاديث رمي الرعاة. 14 - بيان ضعف القول بأن جدة ميقات لمن قدم من أي الجهات. هذه أبرز النتائج العلمية التي توصلت إليها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

المسابقات وأحكامها في الشريعة الإسلامية - دراسة فقهية أصولية

المسابقات وأحكامها في الشريعة الإسلامية - دراسة فقهية أصولية ¤سعد بن ناصر الشثري£بدون¥دار العاصمة - الرياض¨الأولى¢1418هـ€فقه¶مسابقات - جوائز الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده على نعمه وأشكره على فضله، وأصلي وأسلم على نبيه محمد، وبعد: فقد تبين لنا من خلال هذا البحث شمولية الشريعة لجانب المسابقات، وأن علماء الشريعة قد اهتموا بهذا الجانب واجتهدوا في استخراج أحكام الشريعة في ذلك. كما تبين لنا معنى السبق بإسكان الباء: المسابقة، وبفتحها: العوض، وفي الاصطلاح عقد السبق: عقد بين متعاقدين على عمل يعملونه لمعرفة الأحذق منهم فيه. والأدلة من الكتاب والسنة والإجماع متضافرة على مشروعية المسابقات في الجملة. وكثير من العلماء يرون أن هذا العقد من عقود المعاوضات. ويتكون عقد المسابقة من متسابقين، وصيغة، ومكان، وزمان، وأداة للسباق. وهناك شروط عدة لمشروعية السباق، كما أن هناك شروطاً لجواز بذل العوض فيه. والإجماع منعقد على جواز بذل الإمام لعوض المسابقة، والجمهور على جوازه من أجنبي أو من أحد المتسابقين. أما إذا كان بذله من جميع المتسابقين، فالجمهور على منعه. وهناك قول بجوازه، ولكل قول دليله. وعقد المسابقة عقد غير لازم إن لم يكن بعوض بالاتفاق، وكذلك إن كان بعوض حسبما ترجح لدي. وما كان من المسابقات معيناً على الجهاد في سبيل الله أو الدعوة إليه كان مشروعاً؛ وجاز بذل العوض فيه، كالمسابقة على الحيوانات، أو بالأقدام، أو على أنواع المركوبات المختلفة .. ومثلها المصارعة، والكراتية، والسباحة، والمسابقات العلمية والثقافية. أما ما كان منها قائماً على الحظ والمصادفة، فإن الشريعة تمنع منه، ومن ذلك النرد "الطاولة"، ولعب الورق، ومن ذلك ما تفعله المحلات التجارية من توزيع أرقام على المشترين يتم السحب عليها فمن خرج رقمه أعطي جائزة. وكذلك ما كان فيه ضرر مؤكد مثل: الملائكة، ونقار الديكة. أما ما خلى من المصادفة، ومن الإعانة على نشر دين الله، ومن الضرر، فإن المسابقات حينئذ تكون جائزة مع تحريم بذل العوض فيها؛ ومن ذلك الشطرنج، ولعب الكرة، والألعاب الإلكترونية. والمناضلة هي المسابقة في الرمي بالسهام ونحوها. ويدخل فيها الرمي بالبنادق، والمسدسات، والرشاشات، والمدافع .. وما كان مماثلاً لها. وعقد المناضلة له شروط، وصفات، وأنواع، وأحكام مختلفة سبق توضيحها. وأوصي جميع المسلمين بالسير على أحكام الشريعة في مجال المسابقات، والحرص على تعلم أحكام الإسلام في ذلك، بإقامة الدورات العلمية فيه. وأسأل الله للجميع العلم النافع، والعمل الصالح، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المساجد السبعة تاريخا وأحكاما

المساجد السبعة تاريخاً وأحكاماً ¤عبدالله بن محمد الأنصاري£بدون¥الغرباء الأثرية - المدينة النبوية¨الأولى¢1427هـ€فقه¶مساجد - أحكام وفضائل خاتمة البحث ونتائجه وما أوصي به: لما كان الشيء ينسي بعضه بعضاً، وددت تلخيص هذا البحث وإطلاعك على نتائجه وما أوصي به: أولاً: قدمت لهذا الكتاب بمقدمة في فضل بناء المساجد وإعمارها حسياً أو معنوياً وفق ما شرع الله، وذكرت فيه الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك، وأن من بناها على خلاف ما شرع الله كان آثماً مأزوراً لا مأجوراً، وضربت مثلاً على ذلك بمن بنى مسجد ضرار أو صلى فيه وتردد عليه، وذكرت في هذه المقدمة أيضاً خطة البحث وتقسيم هذه الدراسة، والأسباب التي دعتني إليها. ثانياً: جعلت الفصل الأول في التعريف بالمساجد السبعة، وذكرت أسماءها فيه، والموجود منها اليوم، والسبب الذي جعل كثيراً من الناس يعتقد فضلها. ثالثاً: خرجت الأحاديث الواردة في هذه المساجد، وذلك في الفصل الثاني تخريجاً أراه مستقصياً طرقها وشواهدها، وأفرغت في ذلك وسعي، وتوصلت فيه إلى ضعف تلك الطرق والشواهد كلها سنداً، وبعضها سنداً ومتناً وفق قواعد مصطلح الحديث، مستعيناً بالله، ثم بكلام أهل الاختصاص بهذا الفن، ومن ثم توصلت إلى عدم ثبوت ما ينسب إليه عليه الصلاة والسلام من أنه صلى أو دعا في هذه المساجد، أو أنها مصليات الصحابة في غزوة الخندق. رابعاً: قمت بدراسة تاريخية عن هذه المساجد، وذكرت فيه تدرج بنائها على مر السنين والأيام، وأنها لم تكن سبعة في القرون الأولى، بل كانت اثنين إلى القرن السادس، ثم أصبحت ثلاثة في القرن السابع، ثم أصبحت سبعة في الثلث الأخير من القرن الرابع عشر الهجري. خامساً: عقدت الفصل الرابع في عدم ثبوت أسماء المساجد السبعة، وتعرضت لبعض أسمائها بالنقد رواية ودراية، إسناداً ومتناً، فقهاً ولغةً، وذكرت فيه كلام المؤرخين؛ الذي أفضى إلى عدم ثبوت أسمائها في الجملة، وهو مبحث طويل، ولكنه ممتع وجميل، ولا تغنيك عنه هذه الكلمات. سادساً: جئت بالفصل الخامس عقب الفصل الرابع؛ للترابط الوثيق بينهما؛ لأنها لم تثبت أسماؤها كان من الضروري معرفة ما إذا كانت مواقع هذه المساجد ثابتة المعالم أم لا، فجئت به في إثره، فكان كسابقه لم يثبت فيه شيء، وإنما هي تخمينات وظنون من المتأخرين في تحديد هذه المواقع جزافاً؛ لأنه لا عمدة لهم في معرفة أماكنها من المصادر المتقدمة، وأفدت أن وصف المصادر المتقدمة يتعارض مع وصف المصادر المتأخرة في تحديد هذه المواقع. سابعاً: كتبت الفصل السادس لبيان غلط من استدل أو يستدل على ثبوت نسبة هذه المساجد والمشاهد إلى من نسبت إليهم بالشهرة، وأنها طريقة لا يعول عليها، وضربت أمثلة على ذلك في القرون الأولى، فكيف بالقرون المتأخرة؟! ثامناً: فصلت في الفصل السابع بين الدراسة التاريخية لبناء هذه المساجد والأحكام المتعلقة بهذا البناء، ولذا تراه جاء في حكم بناء المساجد على الوضع الذي عليه بناء المساجد السبعة اليوم، وأنه لا يجوز بناء مسجد إلى جنب مسجد؛ لما ينجم عن ذلك من تفريق جمع المصلين، وغير ذلك من الأضرار التي تجعل المسجد الآخر في حكم مسجد الضرار. تاسعاً: ألحقت الفصل الثامن بالسابع؛ لأنه يلتحق به في الأحكام المتعلقة ببناء هذه المساجد، وهو كما تراه في حكم هدم هذه المساجد التي ضاهت في بنائها مسجد ضرار، عدا مسجد بني حرام منها؛ لأنه أحاط به العمران، واحتاج أهل ذلك الحي إلى الصلاة فيه، وأجبت وبينت أن هادمها لا يدخل في قوله تعالى: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها}.

عاشراً: ذكرت في الفصل التاسع كراهة السلف من أهل المدينة وغيرهم زيارة المزارات التي حول المدينة، ونقلت أقوال العلماء مدعمة بالأدلة على ذلك، وأن تتبع آثار الأنبياء غير مشروع. حادي عشر: بينت في الفصل العاشر عدم جواز الصلاة في أحد هذه المساجد عدا مسجد بني حرام منها، ونقلت أقوال العلماء في عدم جواز الصلاة في مسجد الضرار. ثاني عشر: أطلت الكلام في الفصل الحادي عشر في تقرير عدم جواز الدعاء في أحد هذه المساجد عدا مسجد بني حرام منها، وأنه لا فضيلة للدعاء فيه على غيره من المساجد، وأجبت عن قول جابر بأنه ليس فيه ما يدل على تحري الدعاء في مسجد الفتح؛ فضلاً عن غيره، كما أجبت عن العمل بالتجربة، ورددت فيه أيضاً على السمهودي، وبينت تدليسه فيما استشهد به على فضل مسجد الفتح. ثالث عشر: أوردت في الفصل الثاني عشر أقوال العلماء والمؤرخين في نقد هذه المساجد؛ ليعلم جاهل أني لم أنفرد بنقدها، وأن العلماء والمؤرخين متفقون على أنه لا أصل لهذه المساجد يعتمد عليه. رابع عشر: ختمت البحث بهذه الخاتمة، وأوصي فيها بثلاثة أمور: الأول: أن تهدم هذه المساجد كلها؛ لأنها مساجد ضرار عدا مسجد بني حرام منها. الثاني: أن لا يبنى في مكانها جامع، لأن مساجد الضرار تهدم ولا يبنى في مكانها مسجد، اللهم إلا إذا كان من باب أخف الضررين. الثالث: الحل السليم أن تباع هذه الأراضي وتسكن، أو يكون مجمع المدارس الذي في السيح محلها؛ بعداً عن التعقيد المروري الذي يصاب به المار من السيح؛ لزحام المنصرفين من مدارس البنات وهذا الموقع سهل وفسيح، وبعيد عن الشارع، فهو جدير بأن يستغل بما ينفع الناس.

المساجد بين الاتباع والابتداع

المساجد بين الاتباع والابتداع ¤محمد القيسي£بدون¥دار عمار - عمان¨الأولى¢1409هـ€فقه¶مساجد - بدعها كما ذكرت من جمعي في اللمحة التاريخية التي أثبت فيها ما يلي: أن عمارة المنارة والقباب والهلال والزخرفة من عمل غير المسلمين ونقلت عنهم، وفي فعلنا هذا مشابهة لهم في أصل أعمالهم ببناء أماكن عبادتهم، فصفة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت معروفة كما بينها الحافظ ابن كثير وابن جرير الطبري وغيرهم من الأئمة الأعلام، علما بأن الحضارة العربية البنائية كانت عظيمة الشأن كما أوضحت في اللمحة التاريخية إذ أنهم غير عاجزين عن البناء والزخرفة، بل كانوا ينهون عن هذا بصريح أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فخلف من بعدهم خير الناس وهم الخلفاء الراشدون، فأبو بكر كما هو مع قليل من الترميم، وعمر رضي الله عنه وسعه وأمر بعدم التزيين والزخرفة والبناء، وجاء عثمان وعلي رضي الله عنهما ولم يصنعا إلا توسعته وترميمه. فكان أول من بنى المآذن والقباب وزخرفها الوليد بن عبدالملك في مسجد دمشق الكبير ووسع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخل فيه القبر وكان لا يوصف مسجد دمشق المسجد النبوي لجماله ولدقة الفسيفساء المصنوعة والرخام والزجاج والأعمدة، وأقام المنارات مغيرا ما كان عليه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. وكما قد بينت قد عرف عن الوليد بن عبدالملك حبه للبناء والزخرفة والعمارة كما تقول الدراسات التاريخية، فما كان للعهود التي كانت بعده إلا أن تأثرت بفنون هذه العمارة فانتقلت إلى الأندلس وإفريقية وإلى جميع ديار المسلمين مقلدين غير متبعين. فلا بد من تذكرة بأن هذا التشبه منهي عنه وإن كان بالبناء والتشييد، لأن المشابهة في الظاهر تورث نوعا من المحبة والمودة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر. فما حكم مشابهتهم فيما ليس من شرعنا؟ وللإجابة على هذا التساؤل أنقل رأي شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة مشابهتهم فيما ليس من شرعنا بقوله: "مع العلم بأن هذا العمل هو من خصائص دينهم إما أن يفعل لمجرد موافقتهم وهو قليل. وإما لشبهة فيه تخيل أنه نافع في الدنيا والآخرة، وكل هذا لا شك في تحريمه، لكن يبلغ التحريم في بعضه أحيانا أن يكون من الكبائر. والشاهد من هذا أن هذه الأبنية إما أن تكون لشهوة تتعلق بهذا العمل مثل التباهي والمضاهاة والمفاخرة وحب ظهور هذا المسجد باسم فلان فلا بد من تشييده بكل أنواع الفنون المعمارية الدخيلة، والثاني: إما لشبهة فيه تخيل أنه نافع في الدنيا والآخرة. كقول بعضهم: إن زخرفة المساجد أولى من زخرفة البيوت، لأن البيوت والقصور أصبحت ذات زخرفة عظيمة ولا بد للمسجد أن يجاري العصر؛ فالجواب: "لو كان هذا لأحضر عمر رضي الله عنه وقد فتحت بلاد فارس وبلاد الشام وغيرها البنائين والزخارف؛ بل يستطيع أن يجعل من منبر وسقف - بل من جميع - مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذهبا وفضة وليس رخاما وفسيفساء، ويستطيع أن يضاهيهم بالأبنية والكنائس والقصور، لكنه عرف وعلم بأنه لا يجوز تشييد المساجد وأنه لا يجوز التشبه بالكافرين لا باللباس ولا بالبناء خاصة فيما يتعلق بأماكن عبادتهم، وكان على النهج نفسه عثمان وعلي رضوان الله عليهم جميعا، ولكن خلف من بعدهم خلف ابتدعوا وتشبهوا تاركين سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراء ظهورهم. فالواجب اليوم: ملقى على حكام هذه الأمة أن يوقفوا هذه البدع، وأن تصرف هذه الأموال لصالح شعوبهم في مجالات الخير من علاج وأبنية لهم، وتزويج شبانهم وغير ذلك. وكذلك واجب علماء هذه الأمة بيان ذلك وتحري الحق واتباع الدليل وعدم التقليد، بل يجب عليهم أن لا يدعوا إلى جمع الأموال لكي تشيد بها المساجد ذات البدع بل تنفق في محلها. وأعتقد أنه بدلا من الإنفاق على المئذنة والقبة والهلال والزخارف والرخام وغيره في المسجد، لو يلحق به مدرسة للتحفيظ ومركز صحي أو غير ذلك لكان خيرا من هذه البدع الناشئة الدخيلة علينا. وفي ختام رسالتي هذه أسأل الله أن يوفق المسلمين حكاما ومحكومين لفهم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يبتعدوا عن البدع والمخالفات الشرعية وأن يقيموا شرع الله سبحانه في سائر شئون حياتهم وإن كنت أخطأت فمني ومن الشيطان، وإن أصبت فمن الله وحده لا شريك له، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

المسعى وحكم زياداته الشرعية

المسعى وحكم زياداته الشرعية ¤سعود بن عبدالله الفنيسان£بدون¥دار أطلس الخضراء – الرياض¨الأولى¢1429هـ€فقه¶حج وعمرة - سعي الخلاصة: وتبين مما سبق أن عرض المسعى عند المؤرخين هو: - عند أبي الوليد الأزرقي (35.5) ذراعا ونصف ذراع. - وعند الفاكهي (35) ذراعا واثنا عشر إصبعا. وتبعه تقي الدين الفاسي. - وذكر باسلامه أن عرضه (36.5) ذراعا ونصفا. - وذكر الشيخ محمد كردي أن عرضه (20) مترا. أما عرضه عند الفقهاء: - فلم أجد من حدد عرضه بل كل العلماء اقتصر قولهم على وجوب استيعاب المسافة ما بين الصفا والمروة لا غير وبعضهم يذكر المسافة بين الجبلين الصفا والمروة. مع الاختلاف في تحديدها نتيجة للاختلاف في معنى الذراع هل هو ذراع يد الرجل المعروفة أو ذراع الحديد؟ ولاختلافهم أيضاً في نهاية السعي عند المروة لكثرة الدرج الموضوع عندها. والخلاف في تحديد طول المسعى لا ينبغي التعويل عليه لوجود النص القرآني القاطع بالسعي بين الصفا والمروة { ... فلا جناح عليه أن يطوف بهما} وقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله. فالبينة بين الصفا والمروة هي السعي الذي أمر الله به لا غير. - ذكر ابن أبي شيبة في مصنفه عن مجاهد بن جبر أن المسعى في زمنه أضيق مما كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد سبعمائة سنة تقريباً قال ابن كثير في (البداية) إن المسيل (بطن الوادي) هو أوسع مما كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا الاختلاف في عرض المسعى ضيقا وسعة عند المؤرخين وعدم تحديده عند الفقهاء يدل دلالة واضحة على أن المسعى لم يحدد عرضه بل كان داخلا في بناء المسجد الحرام في بعض الأزمان ولم يكن محاطا بجدران بل كان وادياً فيه أسواق للبيع والشراء وكان الناس يسعون خارجه وربما سعوا داخل المسجد ولم يقع من العلماء نكير لما يفعله الناس بل لم يكن المسعى محاطاً بجدران قبل التوسعة السعودية. - لقد شهد ثلاثون من الشهود العدول من أهل الخبرة وكبار السن لدى المحكمة الشرعية بمكة المكرمة على أن جبلي الصفا والمروة أعرض مما يشاهد من جهتي الشرق والغرب. وقال فضيلة الشيخ عبد الله عبد الرحمن بن جبرين – وفقه الله – أنه شاهد جبل الصفا ممتدا من الجهة الشرقية أكثر مما هو عليه الآن عند حجه سنة 1369هـ. - وإذا كان قد سمى الله السعي طوافا فقياس التوسعة فيه للناس على توسعة المطاف بالبيت ظاهر جلي للناظر المتأمل لو قيل بذلك. - ثم إن من القواعد الفقهية المعتبرة ما يقتضي جواز توسعة المسعى ومنها: • الزيادة لها حكم المزيد. • الزيادة المتصلة تتبع أصلها. • المشقة تجلب التيسير. • إذ ضاق الأمر اتسع. • الحاجة تنزل منزلة الضرورة خاصة أو عامة. ثم لو قيل إن توسعة المسعى من قبيل الضرورة لدفع الحرج عن الناس والسعي بالتوسعة الجديدة من باب الرخصة الشرعية – لو قيل بهذا لكان في ذلك وجه معتبر. وأنا في بحثي هذا لم انطلق من القياس ولا من هذه القواعد الشرعية وإن كان كل واحدة منها دليلا على الجواز – لم انطلق من ذلك اختصاراً للبحث وتأصيلاً في أصل المسألة من حيث وجود الدليل العزيمة لا الرخصة أو الضرورة.

المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي

المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي ¤محمد عثمان شبير£بدون¥دار النفائس¨الأولى¢1416هـ€فقه¶عقود مالية - منوعات الخاتمة بعد عرض الأحكام المتعلقة بالمعاملات المالية المعاصرة في ضوء الفقه الإسلامي نستطيع أن نوجز أهم ما انتهينا إليه في النقاط التالية: 1 - المعاملات المالية المعاصرة هي: (القضايا المالية التي استحدثها الناس في العصر الحديث، أو القضايا التي تحمل اسما جديدا، أو القضايا التي تتكون من عدة صور جديدة). 2 - الحقوق المعنوية: (حق التأليف، وحق براءة الاختراع، وحق الاسم التجاري) حقوق خاصة لأصحابها، لها قيمة مالية معتبرة شرعا، وعرفا، لا يجوز الاعتداء عليها. 3 - تختلف أحكام الخلوات باختلاف صورها وأسبابها، فيجوز للمالك أخذ بدل الخلو من المستأجر، في حين لا يجوز للمستأجر أخذ بدل الخلو من المالك أو المستأجر الجديد إلا إذا كان له حق في منفعة العين المؤجرة بإنشاء الخلو أو ببقاء مدة له في عقد الإجارة. 4 - إن عقد التأمين التجاري ذا القسط الثابت التي تتعامل به شركات التأمين التجارية عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد، ولهذا فهو حرام شرعا، وعلى المؤسسات الإسلامية إيجاد البديل الشرعي الذي يقوم على أساس التبرع والتعاون. 5 - إن النقود الورقية تأخذ صفة الثمنية، لأن العرف العام اعتبرها نقودا، فلا يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلة إذا كانت من جنس واحد، كما لا يجوز بيعها مع تأجيل القبض، ولو كانت من أجناس مختلفة. 6 - ينبغي العودة إلى نظام الذهب النقدي وجعله مقياسا للسلع والخدمات والحقوق والالتزامات المؤجلة لأن الذهب يتصف بالثبات النسبي على مر التاريخ. 7 - في حالة تدهور قيمة النقود، تدهورا ساحقا ينبغي معالجة المشاكل التي تنشأ عن ذلك كل مشكلة على حدة، بحيث يتوخى القاضي أو المفتي العدالة في حلها. 8 - التعامل بالأسهم جائز شرعا ما لم تكن صادرة عن شركات ذات أغراض غير مشروعة، كشركات إنتاج الخمور والبنوك الربوية، ولم تنطو الأسهم على غرر أو ربا، كالأسهم الممتازة وأسهم التمتع. 9 - التعامل بالسندات أو شهادات الاستثمار لا يجوز شرعا لأنها قروض ربوية، وعلى المؤسسات الإسلامية إيجاد البديل الشرعي الذي يقوم على أساس المشاركة في الربح والخسارة. 10 - التعامل بالأوراق التجارية (الكمبيالة، والسند الإذني، والشيك) يجوز من حيث تحصيلها ورهنها، ولا يجوز حسمها (خصمها) بأن يدفع البنك أقل من قيمتها قبل استحقاقها، لأن هذه المعاملة لا تخرج عن كونها قرضا ربويا. 11 - الودائع الجارية التي يتكفل البنك برد قيمتها دون زيادة أو نقصان جائزة شرعا، لأنها قرض مضمون القيمة. 12 - الودائع الاستثمارية والادخارية لا تجوز شرعا إذا أخذها المصرف على سبيل القرض مع زيادة، ويجوز إذا أخذها على أساس المشاركة في الربح والخسارة. 13 - الحوالات النقدية المصرفية جائزة شرعا، لأنها وكالة بأجرة إذا كانت داخلية، ووكالة بأجرة وصرف إذا كانت خارجية. 14 - الاعتمادات المستندية التي تجريها المصارف الإسلامية على أساس الوكالة بأجرة أو على أساس المرابحة للآمر بالشراء جائزة شرعا. 15 - خطاب الضمان الذي تجريه المصارف الإسلامية على أساس الوكالة بأجر إذا كان مغطى تغطية كاملة جائز شرعا. أما إذا كان بدون غطاء فهو كفالة، وهي لا يجوز أخذ الأجرة عليها، ويجوز للمصرف أخذ أجرة على الإصدار والأعمال الإدارية الفعلية، وهي لا ترتبط بالمدة والمبلغ، وإنما ترتبط بالعمل الإداري.

16 - بيع المرابحة للآمر بالشراء الذي تجريه بعض المصارف الإسلامية جائز شرعا شريطة أن تدخل السلعة المأمور بشرائها في ملكية المصرف وضمانه قبل انعقاد العقد الثاني، وأن لا يكون الثمن قابلا للزيادة في حالة عجز العميل عن السداد، وأن لا يكون ذريعة إلى الربا كما في بيع العينة. 17 - الإجارة المنتهية بالتمليك التي تجريها المصارف الإسلامية جائزة شرعا إذا كانت بعقدين مستقلين، عقد إجارة في أثناء مدة الإجارة، وتطبق على العين المؤجرة جميع أحكام الإجارة. وعقد بيع أو هبة بعد انتهاء مدة الإجارة. 18 - المشاركة المنتهية بالتمليك جائزة شرعا، لأنها تؤول إلى بيع حصة المصرف إلى الشريك، وهو جائز شرعا. 19 - المضاربة المشتركة التي تجمع بين ثلاثة أطراف: صاحب المال، والمصرف، والمضارب، جائزة شرعا، ويراعى عند توزيع الأرباح المدة التي يستثمر فيها المال. وعدم حرمان صاحب المال من الأرباح في حالة الانسحاب الجزئي قبل ظهور الربح. 20 - ينبغي أن تكون علاقة البنك المركزي بالمصرف الإسلامي علاقة توجيه وترشيد وإعانة وفق أحكام الشريعة الإسلامية دون أن يشوبها أي تعطيل أو إعاقة، ليقوم المصرف الإسلامي بتحقيق أهدافه العامة من اجتناب الربا والإسهام في التنمية الاقتصادية. 21 - علاقة المصرف الإسلامي بالبنوك التجارية تقوم على أساس دائن بمدين خالية من الربا، ويمكن أن تكون على أساس المشاركة في الربح والخسارة إذا كان المشروع حيويا، ويحتاج إلى رأس مال كبير. 22 - يوصي الباحث القائمين على المصارف الإسلامية بتقوى الله، ومراعاة الضوابط الشرعية عند تطبيق المعاملات التي تجريها تلك المصارف، فأغلب الشبهات التي تثار حول المصارف الإسلامية لم تأت من التأصيل والتنظير وإنما أتت من التطبيق والتنفيذ، يقترح لمعالجة الخلل في التطبيق والتنفيذ ما يلي: أ - إحكام الرقابة الشرعية على التطبيق والتنفيذ وذلك عن طريق وجود هيئة شرعية دائمة في المصرف الإسلامي تطلع على التطبيق والتنفيذ، تصوب المسار وتسدد الخطى. ب - توعية دائمة للموظفين في المصرف الإسلامي بأحكام الحلال والحرام والمعاملات الإسلامية وضوابطها. ج- عقد ندوات علمية متخصصة تجمع بين المتخصصين في الفقه الإسلامي والاقتصاد لتطوير العمل وتلافي التقصير.

المغامرة بالنفس في القتال وحكمها في الإسلام (العمليات الاستشهادية)

المغامرة بالنفس في القتال وحكمها في الإسلام (العمليات الاستشهادية) ¤محمد طعمة القضاة£بدون¥دار الفرقان – الأردن¨الثانية¢1422 هـ€فقه¶جهاد - مواقف جهادية الخاتمة: من خلال ما عرضت في ثنايا هذا البحث، استخلصت بعض النتائج في هذه المسألة من أهمها: 1 - أن المغامرة بالنفس في الحرب موجودة منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا عند المسلمين وعند غيرهم. 2 - هناك فرق كبير بين المغامرة بالنفس في سبيل الله وبين الانتحار من حيث الباعث والمآل فالمغامر هدفه إرضاء الله بينما المنتحر هدفه التخلص من الحياة لسبب دنيوي. 3 - اختلف الفقهاء في المغامرة بالنفس في القتال فمنهم من أجازه ومنهم من منعه، والراجح هو جواز لك. 4 - هناك أدلة كثيرة على جواز المغامرة بالنفس في القتال تدعم رأي القائلين بالجواز، بينما الأدلة التي استدل بها المانعون لا تقوى على الوقوف في وجه أدلة المجيزين. 5 - إن المغامرة بالنفس في الحرب تؤدي إلى إزهاق أرواح بعض المغامرين، لكنها من حيث المآل تؤدي إلى خروج الأعداء من ديار المسلمين. 6 - إن هذا البحث بحاجة إلى الأخذ برأي خبراء من الجيش لبيان أثر هذه العمليات على العدو أو على الجهة التي تقوم بهذه العمليات وبيان الإيجابيات والسلبيات التي تحصل بسببها.

المقاطعة الاقتصادية تأصيلها الشرعي – واقعها والمأمول لها

المقاطعة الاقتصادية تأصيلها الشرعي – واقعها والمأمول لها ¤عابد بن عبدالله السعدون£بدون¥دار التابعين – الرياض¨الأولى¢1429هـ€فقه¶اقتصاد - أعمال منوعة نتائج البحث: الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، وصلح شأن الأرض والسماوات، فقد أتم الله علي نعمة إكمال هذا البحث: (المقاطعة الاقتصادية – تأصيلها الشرعي، واقعها والمأمول لها-). ومن أهم النتائج التي تم التوصل إليها: 1 - مصطلح (المقاطعة الاقتصادية) يراد به: الامتناع عن معاملة الآخرين اقتصادياً. وقد اصطلحنا لتعريفها بأنها: إجراء، تلجأ إليه سلطات الدولة، أو هيئاتها، وأفرادها؛ لوقف العلاقات التجارية مع جهة أخرى، ومنع التعامل مع رعاياها؛ بقصد الضغط الاقتصادي عليها؛ رداً على ارتكابها لأعمال عدوانية. 2 - ترجع أسباب المقاطعة غالباً إلى أمرين: الأول: صد عدوان، أو تقليله، أو إنهائه. الثاني: عدم الانصياع للقوانين والاتفاقيات الدولية. 3 - تعتبر (المقاطعة الاقتصادية) عقوبة، تفرضها دولة، أو مجموعة من الدول، على دولة ارتكبت عملاً غير شرعي، كما أنها تدبير تأديبي، أو زجري من دولة ضد دولة أخرى ارتكبت ضدها عملاً منافياً للحق الدولي. وفي هاتين الحالتين تكون المقاطعة عملاً مشروعاً يقره القانون الدولي. أما الغاية من المقاطعة: تتردد بين الضغط حتى حصول النتيجة، أو الحصار حتى سقوط وانهيار الحكم المطلوب معاقبته أو تأديبه. 4 - يجب عند تطبيق المقاطعة الاقتصادية، أن تراعى المقاصد الشرعية، وأن تستصحب معها فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد؛ إذ قد يترتب على المقاطعة تفويت مصلحة أكبر من المصلحة التي يراد تحقيقها، أو ارتكاب مفسدة أكبر من المفسدة التي يراد دفعها. وهذا خلاف مقصود الشارع من جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها. 5 - تستمد أهمية المقاطعة الاقتصادية من أهمية الاقتصاد وأثره في حياة الشعوب، وبالتالي فإن محاولة إضعاف الاقتصاد أو زعزعته يعد اعتداءً خطيراً على الدولة من حيث قوتها واستقرارها؛ لذا كان سلاح المقاطعة من أمضى الأسلحة، وأشدها تأثيراً في هذا العصر، من أجل العامل الاقتصادي الذي يدفع الأمم إلى مكان الصدارة على الساحة الدولية. 6 - المقاطعون لا شك وأنهم يتأثرون بمقاطعتهم؛ ولكن الفوائد والآثار المترتبة على مقاطعتهم لعدوهم أكبر مما يتأثرون به من جراء تلك المقاطعة، فمن هذه الفوائد وتلك الآثار: أ- إثارة الشعور بالوحدة والاتحاد بين المسلمين. ب- إحياء التكاتف، والتعاون بينهم. ج- تجديد عقيدة الولاء والبراء. 7 - المقاطعة وإن كنت تبدو حادثة أو نازلة جديدة؛ إلا أنها وسيلة ثبت استخدامها قديماً من قبل الإسلام، – كقصة منع يوسف الكيل عن إخوته لجلب أخيهم – مروراً بعصر صدر الإسلام، كما في قصة ثمامة بن أثال، وانتهاءً بما يحصل في العصر الحديث من صور كثيرة للمقاطعة، ومنها مقاطعة العرب والمسلمين لإسرائيل. 8 - العلة التي تم تخريجها للمقاطعة الاقتصادية، هي: إيقاع الضرر بالعدو اقتصادياً، دون جلب مفسدة على المسلمين؛ وبناء عليه تم تكييف المقاطعة فقهياً على بابين هما: الأول: كونها ضرباً من ضروب الجهاد في سبيل الله. الثاني: كونها من المصالح المرسلة. 9 - يستوعب التشريع الإسلامي جميع المستجدات والحوادث، فما يطرأ على هذه البشرية من الحوادث والنوازل إلا ولهذا التشريع فيها حكم؛ فإن لم ينص عليها بدليل خاص جزئي نجد أنها لا تخرج عن القواعد الكلية والمقاصد الشرعية، وهذا ما دل عليه قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ... } [المائدة: 3].

10 - بوسع المصالح المرسلة أن تعالج كثيراً من القضايا التي تطرأ في حياة المسلمين؛ سواء كانت سياسية، أم اقتصادية، أم ثقافية، أم اجتماعية؛ ذلك أن مجالها النوازل التي لم يرد فيها نص خاص بالاعتبار، أو الإلغاء؛ فإن لاءمت مقصود الشارع وقواعده الكلية اعتبرتها، ودعت إليها، وإن خالفت ألغتها، وحذرت من شرها ومفاسدها، ومن هنا كانت تسعة أعشار العلم. 11 - الأصل في المقاطعة الاستحباب والندب، ويمكن أن يعتري هذا الحكم الأحكام الخمسة سوى الإباحة، فقد تنتقل إلى الوجوب عند توفر أحد سببين: أ- إذا أمر بها الإمام المسلم. ب- إذا أصبحت المقاطعة في حالة كحالة وجوب قتال الصائل بحيث لا يمكن النكاية في العدو إلا بالمقاطعة. 12 - علاقة ولي الأمر المسلم بالمقاطعة تتأكد عند القول بأن المقاطعة هي من صنوف الجهاد؛ فإذا أمر وجبت، وإذا نهى، وجب الامتثال، وإذا سكت بحيث لم يأمر ولم ينه، ترجع المقاطعة إلى نظر العلماء والمتخصصين في مدى تحقق المصلحة, ودفع المفسدة في ممارسة المقاطعة. 13 - الدعاوى والشبهات التي أثيرت حول المقاطعة الاقتصادية تم تفنيدها بالأدلة الشرعية؛ ودحضها بالوقائع العملية، والنماذج التاريخية، وبالنظر في هذه الشبهات وتلك الدعاوى نجد أنها ترهات تفوه بها العلمانيون، ودعا إليها المنتفعون، ليس لها أصل تقوم عليه، ولا سند تركن إليه؛ لذلك لم يبق لها أثر تحت مطرقة الدليل، ولم يعد لها صدى أمام الوقائع. 14 - (المقاطعة العكسية)، أو الحصار الاقتصادي ضد المسلمين من قبل عدوهم ينبغي أن يتم التعامل معه بحسب الموقف والظروف المواكبة، ولابد حينئذ النظر في أمرين مهمين: أ- الأسباب الدافعة للحصار، ومدى مشروعيته. ب- الآثار المترتبة على كسر الحصار ضد الدولة المسلمة. 15 - المقاطعة الاقتصادية وسيلة وليست غاية، فينبغي أن يتم استخدامها فقط وفق ما تقتضيه الدواعي والأسباب التي دعت لها. 16 - ينتهي أمد المقاطعة متى ما تحققت المصلحة، برجوع المعتدي عن غيه، وعودة الحقوق المسلوبة. 17 - واقع المقاطعة يشير إلى الجهد الذي لا يزال مبعثراً، وأن هذا السلاح لا يستغل بطريقة تضمن تحقيق النتائج المرجوة واستمراريتها. 18 - لابد من الاستفادة من أساليب الإدارة الحديثة في تطبيق تفعيل المقاطعة وترشيدها، وذلك من خلال: أ- تحديد الأهداف الإستراتيجية للمقاطعة. ب- وضع الخطط الإستراتيجية للمقاطعة. ج- وضع النظم التنفيذية (الإجراءات). د- تصميم الخطط والبرامج الضرورية. هـ- المتابعة والتوجيه والتطوي

المنفعة في القرض دراسة تأصيلية تطبيقية

المنفعة في القرض دراسة تأصيلية تطبيقية ¤عبدالله بن محمد العمراني£بدون¥دار ابن الجوزي - الدمام¨الأولى¢1424هـ€فقه¶عقود مالية - مداينة الخاتمة: الحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً ... وبعد: فها أنا ذا أصل إلى خاتمة هذا البحث الذي استفدت منه فوائد كثيرة، ومنافع وفيرة، فلله الحمد والمنة. وفيما يأتي أشير لأهم النتائج التي توصلت إليها في موضوع المنفعة في القرض: القرض هو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله، وقد دلت على فضله الأدلة من الكتاب والسنة والمعقول. الأصل في القرض أنه من عقود التبرعات لا المعاوضات. يمكن تعريف المنفعة في القرض بأنها الفائدة أو المصلحة التي تعود لأحد أطراف عقد القرض بسبب هذا العقد. المنفعة في القرض أنواع متعددة باعتبارات متعددة، ومن ذلك أن المنفعة في القرض باعتبار ذات المنفعة ثلاثة أنواع: عينية، وعرضية، ومعنوية. وباعتبار المنتفع بها أربعة أنواع، وهي: أن تكون للمقترض، أو للمقرض، أو لهما معاً، أو لطرف ثالث. وباعتبار الشرط وعدمه نوعان: مشروطة وغير مشروطة. إلى غير ذلك من الاعتبارات. الفائدة في اصطلاح الاقتصاديين هي: الثمن الذي يدفعه المقترض مقابل استخدام نقود المقرض. ولقد نشط الاقتصاديون الغربيون في ابتكار نظريات لتبريرها. اتفق العلماء على أنه لا يجوز اشتراط زيادة في بدل القرض للمقرض، وأن هذه الزيادة ربا وسواء أكانت الزيادة في الصفة أم في القدر، عيناً أم منفعة، ولم يفرقوا في الحكم بين اشتراط الزيادة في بداية العقد أو عند تأجيل الوفاء. تسمى الزيادة المشروطة في القرض ربا القرض، وهي من ربا الجاهلية. حديث "كل قرض جر منفعة فهو ربا"، إسناد المرفوع منه ضعيف جداً، والموقوف ضعيف، ولكن معناه صحيح إذا كان القرض مشروطاً فيه نفع للمقرض فقط أو ما كان في حكم المشروط؛ وذلك لتلقي كثير من العلماء له بالقبول، واعتضاده بالأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول الدالة على تحريم اشتراط المنفعة للمقرض. اختلف الفقهاء في حكم اشتراط وفاء القرض بالأقل، والراجح هو الجواز. محل الخلاف في مسألة اشتراط الوفاء في غير بلد القرض هو في المنفعة الإضافية إذا كان اشتراط الوفاء في غير بلد القرض لمنفعة المقترض والمقرض معاً، والراجح هو جواز اشتراط الوفاء في غير بلد القرض، بحيث يكون على وجه الإرفاق بالمقترض، سواء انتفع المقرض أو لا. اشتراط الأجل في القرض جائز، ويتأجل القرض بالتأجيل. اتفق العلماء في الجملة على أنه لا يجوز اشتراط عقد البيع في عقد القرض، وكذا لا يجوز اشتراط عقد معاوضة كالإجارة ونحوها في عقد القرض. ومما له علاقة بهذه المسألة اشتراط المقرض على المقترض أن يزكي القرض الذي عنده، فإن ذلك لا يجوز. اشتراط عقد قرض آخر من المقترض للمقرض في مقابل القرض الأول لا يجوز، وهذه المسألة تسمى "أسلفني وأسلفك". قرض المنافع جائز إذا كان على وجه المعروف والإرفاق. لا يجوز الجعل المشروط ثمناً للجاه والشفاعة فقط، بينما يجوز ذلك إذا كان الجعل مقابل ما يحتاج إليه من نفقة. فيما يتعلق بحكم عقد القرض مع اشتراط المنفعة للمقرض، فإن عقد القرض يبقى صحيحاً مع فساد الشرط. وأما حكمه مع اشتراط المنفعة للمقترض فإنه يصح، والشرط جائز، وكذلك حكم العقد عند من منع هذا الاشتراط من العلماء، فإن الشرط يلغو عندهم ويبقى العقد صحيحاً. وأما حكمه مع اشتراط المنفعة للمقترض والمقرض معاً بحيث يكون مصلحة للطرفين على وجه الإرفاق فإنه يصح؛ لأن الراجح أن هذا الاشتراط جائز. الزيادة عند الوفاء للمقرض من غير شرط جائزة، سواء كانت الزيادة في القدر أو في الصفة.

المنافع غير المشروطة للمقرض قبل الوفاء فيها تفصيل، فإن كانت من أجل القرض فإنها لا تجوز، وإن كانت هذه المنافع ليست من أجل القرض، مثل ما إذا كانت العادة جارية بين المقرض والمقترض بذلك قبل القرض، أو حدث سبب موجب لهذه المنافع بعد القرض فإن ذلك جائز، وإن جهل الحال فتمنع حتى يتبين أنها ليست لأجل القرض. شكر المقترض للمقرض ودعاؤه له مما يندب إليه؛ لأنه من باب مقابلة المعروف بالمعروف. منفعة المقرض بضمان ماله عند المقترض منفعة أصلية في القرض، ولكن إن قصد المقرض الإرفاق بالمقترض فإنه يثاب على قرضه، وهذا الأصل في مشروعية القرض، وأما إن كان المقرض يقصد نفع نفسه فقط بضمان المال لا الإرفاق بالمقترض فإنه لا يثاب على هذا القرض، ولكن القرض في هذه الحالة جائز. الإقراض بقصد الانتفاع بشفاعة المقترض وجاهه محرم إذا كان ذلك وسيلة لإحقاق باطل أو إبطال حق؛ لأنه بمثابة الرشوة للحصول على غرض ما. "كل قرض جر منفعة فهو ربا" ضابط يذكره الفقهاء، ويستدلون به، ويحيلون إليه فروعاً. وإيرادهم له جاء على عدة نواح، ففي بعض المواضع يسوقونه على أنه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأحياناً يسوقونه على أنه أثر عن الصحابة رضي الله عنهم، وفي بعض المواضع يستدلون به على أنه قاعدة أو ضابط، أو يجعلونه قاعدة أو ضابطاً ويحيلون إليه الفروع التي يرونها تدخل فيه. وبعد دراسة هذا الضابط تبين أنه ليس على عمومه، وإنما يخرج منه بعض المنافع الجائزة، ويمكن أن يكون الضابط على ما توصلت إليه: "كل قرض جر منفعة زائدة متمحضة مشروطة للمقرض على المقترض أو في حكم المشروطة فإن هذه المنفعة ربا". من الضوابط التي ذكرها بعض الفقهاء: "متى تمحضت المنفعة في القرض للمقترض جاز". وبعد دراسة هذا الضابط تبين أنه ليس على إطلاق، ويمكن أن يكون الضابط على ما توصلت إليه على النحو الآتي: "كل منفعة في القرض متمحضة للمقترض، وكل منفعة مشتركة بين المقترض والمقرض ومنفعة المقترض أقوى أو مساوية فإنها جائزة". من الضوابط التي ذكرها بعض الفقهاء: "القرض عقد إرفاق وقربة فمتى خرج عن باب المعروف امتنع". وبعد دراسة هذا الضابط تبين أنه غير مسلم، فموضوع القرض هو الإرفاق والمعروف، وهذا هو الأصل فيه، ولكنه ليس شرطاً لجواز القرض، وليس خروجه عن المعروف والإرفاق مناطاً للمنع. من الضوابط في هذا البحث: "المقاصد معتبرة في التصرفات من العقود وغيرها". ومما يترتب على اعتبار المقاصد في التصرفات إبطال الحيل التي يراد التوصل بها إلى المحرمات. ومن صور التحايل على أخذ المنفعة في القرض: البيع بشرط أن البائع متى ما رد الثمن فإن المشتري يعيد إليه المبيع، ومن الصور: البيع بشرط الخيار حيلة ليربح في قرض. من الضوابط في هذا البحث: "المنفعة المجمع على تحريمها هي المنفعة الزائدة المتمحضة المشروطة للمقرض على المقترض". ومفاد هذا الضابط بيان محل الإجماع في موضوع المنفعة المحرمة في القرض. من الضوابط في هذا البحث: "المنفعة المحرمة في القرض هي: 1 - المنفعة الزائدة المتمحضة المشروطة للمقرض على المقترض، أو ما كان في حكم المشروطة. 2 - المنفعة غير المشروطة التي يبذلها المقترض للمقرض من أجل القرض". الودائع المصرفية بنوعيها الحالة والآجلة قروض في الحقيقة لا ودائع، فهي من التطبيقات لموضوع المنفعة في القرض، وهي من أشكال الاقتراض المصرفي. إن ملكية أرصدة ودائع الحساب الجاري تنتقل إلى المصرف بموجب عقد القرض، فيجوز له التصرف فيها، وبالتالي يحل للمصرف العائد المترتب على استثمار هذه الأموال، إلا أنه لا بد أن يكون الاستثمار جائزاً شرعاً.

إن قدرة المصرف على توليد الائتمان بدرجة أكبر من كمية الودائع ناتج عن وظيفته كوسيط بين المدخرين والمستثمرين، وبما يصدره من وسائل الدفع النقدية الحديثة. وتوليد الائتمان من حيث الأصل جائز، إلا أن الحكم يختلف حسب نوع الاستثمار الذي يقوم به المصرف، وحسب الآثار المترتبة على ذلك. إن تقاضي المصرف أجراً في الحساب الجاري على الخدمات التي يقدمها جائز؛ لأنه يستحق هذا الأجر مقابل الأعمال التي يقوم بها. يجوز انتفاع صاحب الحساب الجاري بدفتر الشيكات وبطاقة الصراف الآلي دون مقابل؛ لأن المنفعة الإضافية هنا مشتركة للطرفين. الأسعار المميزة لصاحب الحساب الجاري إذا كانت للعميل دون غيره، ولم يكن للمصرف منفعة سوى القرض، فإن هذه منفعة في القرض محرمة ومثل ذلك الهدايا من المصرف للعميل. يحرم أخذ الفوائد وإعطاؤها على الودائع الحالة والآجلة؛ لأنها حينئذ قروض ربوية. إقراض المصرف غيره مقابل فوائد ربا محرم. القروض المتبادلة إذا كانت مشروطة فإنها محرمة، وأما إذا كانت غير مشروطة فإنها جائزة. الإيداع في الحساب الجاري في البنوك الربوية محرم؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، وفي الإيداع في البنك الربوي إعانة وتقوية له؛ حيث إن رأس مال المصرف لا يشكل إلا مبلغاً قليلاً لا يتجاوز 10% والباقي يعمل به من الأموال التي أودعت عنده، سواء كانت جارية أو غيرها، ومما يتولد عنها. وعلى هذا فلو لم يودع أحد في المصارف الربوية لتعطلت ولم تعمل في الربا، فيصدق على من يودع فيها أنه يعينها على الإثم والعدوان. إن إصدار سندات القرض بأنواعها محرم، ومن ثم يحرم التعامل بها شراء وتداولاً؛ لأنها قروض ربوية. وهي من أشكال الاقتراض المصرفي. الفوائد التي يأخذها مصرف البلد المستورد في الاعتماد المستندي – إذا كان الاعتماد غير مغطى من قبل المستورد أو كان مغطى جزئياً – فوائد ربوية محرمة. وكذلك الفوائد التي يأخذها المصرف إذا تأخر المستورد في الدفع، فإنها فوائد ربوية محرمة. وهذا من أشكال الإقراض المصرفي. إن تقاضي المصرف فوائد يقتطعها من قيمة الورقة التجارية، لا يجوز، وهو ربا محرم, وهذا من أشكال الإقراض المصرفي. الحالة الأولى لجمعيات الموظفين، وهي الحالة الخالية من الشروط الزائدة: جائزة. الصورة الأولى من الحالة الثانية لجمعيات الموظفين، وهي أن يشترط على جميع الراغبين في المشاركة الاستمرار حتى تستكمل دورة كاملة جائزة، والأولى عدم هذا الشرط. الصورة الثانية من الحالة الثانية لجمعيات الموظفين، وهي أن يشترط على جميع الراغبين في المشاركة الاستمرار حتى تدور دورة ثانية أو أكثر: لا تجوز. هذه أبرز النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث، وأسأل الله العظيم أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، اللهم فقهنا في الدين، واختم لنا بخير. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الموسوعة الشاملة في أعمال المصارف

الموسوعة الشاملة في أعمال المصارف ¤عبدالله بن عبدالعزيز بن ناصر الوسيدي التميمي£بدون¥بدون¨الأولى¢1430هـ€فقه¶بنوك إسلامية ومعاملات مصرفية منظمة الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. أما بعد: لا شك أن التعامل مع المصارف أمر ضروري، والناس في حاجة إليه، وهذا التعامل يترتب عليه أمور عديدة، وهي الأعمال المصرفية التي يقدمها لهم المصرف وحكمها الشرعي. فبعض هذه الأعمال مباح، وبعضها محرم، وبعضها مختلف بين إباحته وتحريمه، وبعضها متعددة، وبعضها تؤخذ مرة واحدة. فسنتكلم عن هذه الأعمال المصرفية وحكمها بإيجاز: 1 - الوديعة المصرفية: خلصنا إلى أنها تأخذ حكم القرض، وأخذ العمولة على الوديعة جائز؛ لأنها في مقابل خدمة، ودُفعت من قبل العميل (المقرض)، وأغلب البنوك لا تأخذ رسوماً عليها، وبعضها - وخاصة في الوقت الحاضر - تأخذ إذا قل رصيد الحساب عن مبلغ معين. 2 - الحساب الجاري: يختلف عن الوديعة الجارية؛ فجميع العمليات تندمج فيه اندماجاً تاماً، وليس فيه دائن ومدين إلا عند التصفية النهائية؛ بخلاف الوديعة، وقد يقع اللبس فيها لدى كثير من الناس، وأخذ العمولة عليه جائزة؛ شريطة أن يكون مقابل خدمة حقيقية لا تخالف العرف المصرفي، وإلا اعتبر من قبيل الفائدة المستترة وجاز تخفيضها أو إلغاؤها. 3 - خطاب الضمان: هو كفالة للعميل عند طرف ثالث، وما يأخذه المصرف من عمولة حكمه حكم الوكالة أو الجعل، وهي جائزة نظير تقديمه هذه لخدمة لعملائه؛ شريطة أن يكون ضمن القيمة الفعلية وأن لا تكون في مقابل الضمان. 4 - الاعتماد المستندي: رغبة العميل في شراء بضاعة من الخارج بدون سفره؛ بل عن طريق بنك محلي يوصله بالتاجر الذي في البلد الآخر عن طريق البنك المراسل، وجميع هذه العمليات تقدم بعمولة، عمولة فتح الاعتماد فقط إذا كان المبلغ مغطى بالكامل، أما في حالة عدم التغطية فالبنك المحلي هو الذي يغطي المتبقي، فالبنوك الربوية، تدفع هذه المبلغ وتأخذ على العميل فائدة ربوية؛ وهذا لا يجوز بخلاف البنوك والمصارف الإسلامية. 5 - القروض المصرفية: قل منا من يسلم من هذه العملية؛ بل النسبة الغالبية من الناس تأخذ قروضاً وتسهيلات من البنوك، وخاصة في الوقت الحاضر، وما يأخذ المصرف - في سبيل تقديمه هذا القرض للعميل - من عمولة جائزة، فهي في مقابل المصاريف الإدارية ودراسات وغيرها. 6 - البطاقات المصرفية: هي على نوعين: • بطاقة السحب الفوري ( A.T.M): وهي عند جميع الناس في الغالب، ويقدمها البنك لعميله في الغالب بالمجان؛ جذباً له وترغيباً في التعامل مع هذا المصرف، لكن إن أخذ المصرف عمولة على إصدار هذه البطاقة أو تجديدها فهذا جائز؛ لأنها في مقابل منفعة وخدمة، والمصرف في سبيل تقديمها لعميله يتحمل عبئاً كبيراً من المصاريف. • البطاقات الائتمانية بأنواعها: فتختلف استخداماتها والعمولات عليها، ففي بلادنا مثلاً غالبية البنوك إن لم يكن معظمها تقدمها بالمجان للسنة الأولى، وإن أخذ البنك عمولة عليها فهي جائزة؛ سواء كانت عمولة اشتراك أو تجديد أو استبدال، لكن ما يؤخذ على العميل عند تأخره في سداد المبلغ المترتب عليه من فائدة فهي محرمة ولا تجوز، والمعروف أن البطاقات الائتمانية لا تؤخذ رسوم عليها في المشتريات بواسطة نقاط البيع؛ وإنما تؤخذ على السحب النقدي، فالواجب أن تكون العمولة على السحب النقدي مبلغاً مقطوعاً وكامل إمكانية جهاز الصراف الآلي، وأن تكون هذه العمولة المفروضة في مقابل التكلفة الفعلية لهذه العملية. 7 - الشيكات المصرفية: وسيلة من وسائل التبادل التجاري، وأخذ عمولة على إصدار هذا الشيك جائزة مع العلم بأن غالبية البنوك تقدمه بدون مقابل. 8 - الأوامر المستديمة: العميل يطلب من البنك إجراء عملية له على الدوام؛ كالتحويل بين الحسابات مثلاً، وهذه العملية يأخذ عليها البنك عمولة وهي جائزة؛ لأنها في مقابل خدمة. 9 - الصناديق الاستثمارية: متنوعة، والعمولات عليها كثيرة، وهي جائزة؛ سواء كانت عمولة تأسيس (اشتراك) أو إدارية أو استرداد، فهي أشبه بالمضاربة. وهذه أهم العمليات المصرفية، التي يحتاجها الناس ويتعاملون بها. وفي نهاية هذه الرسالة أوصي نفسي وأوصيكم بتقوى الله سبحانه وتعالى ومراقبته في السر والعلن. وأوصي بالعناية بمثل هذه البحوث، التي تمس حاجات الناس وضرورياتهم؛ فالناس بحاجة لمثل هذه البحوث التي قل من بحثها وتوسع فيها، فالجهل بها كثير عند المتعلمين؛ ناهيك عن العامة وأوساط الناس. وأوصي الطلاب والدارسين على اختيار مثل هذه الموضوعات الجديدة، التي فيها الفائدة والمنفعة للناس. كما أوصي أصحاب الأموال والذين يتعاملون مع المصارف والبنوك بتحري الحلال، والبعد عن الربا والمعاملات الغير إسلامية.

النجاسات وأحكامها في الفقه الإسلامي

النجاسات وأحكامها في الفقه الإسلامي ¤عبدالرحيم إبراهيم الهاشم£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض¨بدون¢بدون€فقه¶طهارة - نجاسات الخاتمة الحمد لله الذي تتم به الصالحات، وأشكره سبحانه على إعانته لي بإتمام هذه الرسالة، وأسأله سبحانه أن يعظم لي الأجر فيما أصبت ويغفر لي الزلل فيما أخطأت، وأن يحسن لي ولوالدي ولمشايخي ولمحبي الخاتمة وبعد فإن من أسعد أيام حياتي التي قضيتها، تلك الأيام التي عشتها متجولا بها في مباحث النجاسات وأحكامها في الفقه الإسلامي، والحق أن المنصف يجد سلف فقهاء الأمة (عليهم رحمة الله تعالى) قد سبقوا من أتى بعدهم فيما يتعلق بموضوع النجاسات وأحكامها، وأثروه إثراءً عظيما، ولعل من ذلك ما ذكره المالكية في لعاب الكلب، بأن الأمر بغسله سبعا ليست لنجاسته، وإنما هو أمر تعبدي. فإن هذا كان مبلغ علمهم، وقد جاء في العلم الحديث ما لعله يشهد لصحة قولهم بأن لعاب الكلب فيه من الآفات مالا يقضى عليها إلا التراب. كما تكلم سلف الفقهاء على قضايا الأنافح واستخدامها في الأجبان، وعلى حكم الأجبان المستوردة المشكوك في استعمال شحم الخنزير فيها، وكذا غير الأجبان من الأطعمة والصابون ونحوها مما كثر الكلام حوله في هذا الزمن. وتكلموا أيضا عن حمل النجاسة بالقوارير في الصلاة، وصدقها واقعنا اليوم كما في التحاليل الطبية، ونصوا على حكم سقي العروق بالدم والتخييط بالخيوط النجسة، وقبول أقوال الأطباء في الضرورة المحتمة للعلاج بالنجاسات ولو كانوا كفارا إذا وثق منهم .... وكل هذا واقع اليوم، وهناك أمور غير ما ذكرت مما يتعلق بالنجاسات تكلم في أحكامها الفقهاء السابقون فذكروا حلولها شرعا. والحق أن البحث في موضوع النجاسات وأحكامها في الفقه الإسلامي، شيق وممتع ومفيد، لأن الباحث فيه يجد الحيوية التي يعايش بها العصر، كما أنه غني بالمادة العلمية الوافرة، التي دونها فقهاء الإسلام ومحدثوه عليهم رحمة الله ورضوانه، فلا يصعب على الباحث فيه شيء غير الجمع والتنسيق والعزو بالإحالة. أن موضوع النجاسات وأحكامها ذو أهمية واضحة في حياة المسلمين ليس لارتباطه بالصلاة فحسب، وإنما لتداخله في الغذاء والرداء وسائر الانتفاعات الأخرى، ومعرفة هذا لا يستغنى عنه مسلم حتى المرأة في بيتها، والصانع في مصنعه، والمخبري في مختبره، والطبيب في عيادته .... فهو موضوع ذو أهمية كبيرة، وفوائد عظيمة، حري بالباحثين أن يتولوه بالبحث ويهتموا به. وقد توصلت من خلال بحثي هذا الموضوع إلى نتائج عديدة، ولعل من أهمها ما يلي: (1) إن الأصل في الأشياء الطهارة، ولا موجب لتنجيس شيء إلا النصوص الشرعية. (2) إن جميع أجساد الحيوانات الحية طاهرة، وبه يعلم جواز استخدام الكفار، وطهارة ما يغسلوه من الثياب، والأواني، وغيرها، مما يحتاج المسلمون إليهم فيه، وأن ما يقع من تلك الحيوانات الحية في المائعات لا ينجسها، وإن ظهر في تلك المائعات آثار ما وقع فيها من حيوان، إلا أن يكون من الفضلات النجسة، ما لم يمت فيه حيوان ينجس بالموت به ذلك المائع. (3) إن جميع أجساد الحيوانات الميتة نجسة، إلا حسد الآدمي والسمك وما لا نفس له سائل. (4) إن جميع الأجزاء المنفصلة من الحيوانات الحية تتبع ميتتها في الطهارة والنجاسة، عدا الشعر والصوف والوبر والريش من الحيوانات المأكولة فهي طاهرة حينئذ بالإجماع. (5) إن جميع فضلات الحيوانات الحية طاهرة، عدا بول الآدمي ومذيه، ووديه، ورجيعه، ودم الحيض، والنفاس، فإنها نجسة.

(6) إن جميع فضلات الميتات تتبع ميتتها في الطهارة والنجاسة، عدا بول الآدمي ومذيه ووديه ورجيعه ودم الحيض والنفاس، فإنه نجس، وعدا اللبن والأنفحة والبيض فإنها طاهرة. وإن كانت من مباح الأكل جاز أكلها، وبه يعلم جواز أكل الجبن المصنع من أنفحة الميتات. (7) إن الخمر والكحول طاهران، وبه يعلم طهارة العطور وجميع المصنعات من الكحول. (8) إنه لا ينجس شيء من الأعيان الظاهرة المائعة إذا لاقتها نجاسة وإن كان ذلك المائع قليلا، إلا إذا ظهر فيه أثر النجاسة فتغيرت بها إحدى صفاته. (9) إن الأعيان الجامدة إذا لاقت النجاسة لا ينجس منها إلا المكان الذي أثرت فيه النجاسة بإحدى صفاتها. (10) إنه لا ينجس شيء طاهر بالشك. كما لا يظهر به شيء متنجس. (11) إن ما حصلت المشقة باجتنابه من النجاسات عفي عنه في اللباس والبدن ونحوهما. (12) إن الضرورة الداعية لأكل النجاسة مبيحة لذلك. (13) إن التطهير يحصل بأي شيء تزول به عين النجاسة سواء كانت في الجامدات أو المائعات، ويكفي الظن في الحكم بذلك كما لو كانت النجاسة مما لا علامة لها، وبهذا يعلم طهارة مياه المجاري إذا زالت عنها عين النجاسة، بأي طريقة كانت، وكذا طهارة وحل جلود الميتات إذا دبغت، والثياب النجسة إذا زالت النجاسة عنها بالريح ونحوها، والأعيان النجسة إذا تحولت إلى تراب ونحوه من الأعيان الطاهرة. (14) إن من كمال الصلاة إجماعا اجتناب النجاسة المعلوم فيها. (15) صحة صلاة من صلى بالنجاسة ناسيا لها، أو جاهلا ولو تذكرها في صلاته. (16) طهارة ما ينسجه الكفار من الثياب، وما يدبغونه من جميع الجلود، وبه يعلم حكم الثياب والأحذية الجلدية المستوردة منهم، وأنه يجوز استعمال جميع ذلك، ما لم يكن من جلود السباع، استعملت للافتراش. (17) طهارة وجواز أكل الأطعمة المستوردة، مما قيل: بأن فيها شحوم الخنزير ونحوه من النجاسات ولم يتحقق منه، فإن تحقق جاز إذا لم يظهر فيه أثر النجاسة، لأن النجاسة إذا استحالت في الشيء كأنها لم توجد فيه أصلا. (18) جواز الانتفاع بالنجاسات في إطعام البهائم، إلا أن البهائم المأكولة إذا ظهر عليها أثر تلك النجاسات، لا تؤكل حتى يذهب عنها ذلك الأثر لأنها تصبح كالجلالة. (19) جواز الانتفاع بالنجاسات في سقي النبات وتسميده. (20) لا يجوز التداوي بالنجاسات عن طريق التغذي بها، إلا إذا حصلت ضرورة بذلك وغلب على الظن الشفاء بها (بإذن الله تعالى) كما في سقي العروق الدم. (21) جواز استعمال الكحول في الأدوية، والتعقيم، والمواد الغذائية كمادة مذيبة وحافظة، إلا أنه لا يجوز تناول ما ظهر فيه أثر الكحول من تلك الأشياء، إلا في حالة الحاجة ما لم تكن (غداءً، أو ما يقوم مقامه) وذلك كالتعقيم وربط الجروح وتضميدها. (22) جواز استعمال الكحول، وما يدخل في تصنيعه الكحول، كالعطور والبويات ونحوها في المساجد وغيرها، وجواز الصلاة بها لكونها طاهرات. (23) جواز بيع النجاسات والمتنجسات التي ينتفع بها إلا ما خرج بالإجماع كالميتة, والخمر (المتفق على خمريتها) والدم.

بعد هذه النتائج، أوصي الباحثين بالاهتمام بمباحث النجاسات عموما، ومباحث استعمالها وبيعها خصوصا، فإنها جديرة بالبحث أكثر مما ذكرته فيها، وهي غنية بالمادة العلمية. وذلك لارتباطها بمباحث المحرمات، وهي عامة تشمل ما كان طاهرا ونجسا، وأنا إنما اقتصرت على ما يتعلق منها بالنجاسات في الجملة، لأن العلماء رحمهم الله تعالى لم يتفقوا على الأعيان النجسة والمتنجسة حتى يكون ما ذكرته من أحكام تشمل جميع النجاسات، ولعل من ذلك مثلا الخنزير، فإنه طاهر في الحياة عند المالكية (وهو ما رجحته) والحنفية يرون طهارة كل جلد إذا دبغ ما لم يكن جلد حيوان نجس في الحياة كالخنزير عندهم، فإنه حينئذ لو طبقت قاعدة أنه لا يطهر إلا جلد ما كان طاهرا في الحياة لقيل بأن جلد الخنزير يطهر إذا دبغ ويجوز استعماله، لأن الآية إنما جاءت في تحريم أكله، كما سبق في القول بجواز الانتفاع بما يمكن تطهيره، من النجاسات والمتنجسات، وجلد الخنزير قد أمكن تطهيره، وكذلك الكلب في حكم بيعه فإنه على قول الحنفية بجواز بيع ما يمكن الانتفاع به، يدخل فيه حكم بيع كلب الحراسة، والصيد، ونحوهما. ومعلوم كلام أهل العلم فيه، ولذا أمثاله لم أستطع التوسع في فرعيات استعمال النجاسات لأنها تطول جدا، لاختلاف العلماء في أعيان النجاسات واختلافهم في بيع المحرمات واستعمالها. وختاما أسأل الله تعالى أن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا آخرها، وخير أيامنا يوم لقائه. كما أسأله تعالى أن يعيد للأمة الإسلامية مجدها، وعزتها، وحياتها العلمية السابقة، التي سار فيها سلفنا الصالح بالبحث، والتحقيق، وإخلاص النية، والعمل بما علم، وسلامة الصدر، واحترام آراء الآخرين، والتيسير على المسلمين في عباداتهم ومعاملاتهم إلا فيما لا يمكن التيسير فيه لقطعية الدليل، أو سداً لذريعة تؤول بالفساد. كما أسأل الله تعالى أن يغفر لي ولوالدي ولمشايخي ومحبي. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على خير خلقه نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن أحبهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين ..

النسب ومدى تأثير المستجدات العلمية في إثباته - دراسة فقهية تحليلية

النسب ومدى تأثير المستجدات العلمية في إثباته - دراسة فقهية تحليلية ¤سفيان بن عمر بورقعة£بدون¥كنوز إشبيليا - الرياض¨الأولى¢1428هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة: لا يسع الباحث في خاتمة هذه الدراسة إلا أن يحمده سبحانه وتعالى على توفيقه، وما أمده به من عون ورعاية على إتمام هذه الرسالة على هذا الوجه المثبت، فله الحمد وله الشكر حتى يرضى. وبعد هذه الدراسة الشرعية للنسب ومدى تأثير المستجدات العلمية في إثباته، يسجل الباحث في خاتمتها أهم النتائج التي توصل إليها، والفوائد التي وقف عليها، وذلك فيما يلي: أولاً: تناول الباحث الحديث في الباب الأول من هذه الدراسة عن الجانب النظري المرتبط بالنسب، وقام بدراسة وتأصيل أهم القضايا المتعلقة به، وأهم النتائج التي يمكن الإشارة إليها في هذا الصدد كالآتي: 1) حاول الباحث تعريف النسب من خلال تتبع النصوص الشرعية التي وردت بشأنه، وخلص إلى تعريف يُلِمُّ بالمعاني التي دلت عليها تلك النصوص، ألا وهو: (العلاقة الاجتماعية التي تربط الفرد الإنساني بأبويه وأقاربه الذين يشتركون معه في ولادة قريبة أو بعيدة)، كما وضع له أنواعاً واصطلح عليها بأسماء تفيد في النظر في أحكامه ومسائله. 2) الأصل في ثبوت النسب في الشريعة هو كون المولود نشأ من اتصال جنسي بين الرجل والمرأة تحت مظلة الزواج؛ لكن إذا حصلت علاقة جنسية خارج إطار الزوجية استحقا العقوبة الشرعية اللازمة، وترتب عنه لحوق النسب، فالمولود هو ولدُ صاحب الماء وولد المرأة شرعاً؛ لأن النسب له حقيقة واحدة لا يختلف باختلاف المرأة والرجل، أو المسلم والكافر، فكل مولود يلده الإنسان فهو ابنه شرعاً ولغة وطِبّاً، وهذا أصل يقاس عليه كل علاقة جنسية محرمة بين الرجل والمرأة، أو أي ممارسة طبية لوسائل محرمة للإنجاب، فإذا نتج عن تلك العلاقة أو الممارسة أولاد وثبت لدينا مصدرهم؛ فقد تحقق مناط الانتساب، فيثبت لذلك نسبهم لآبائهم. 3) الوطء بشبهة النكاح – على اختلاف أنواع الشبهات التي ذكرها الفقهاء – يعود في جملته إلى اختلال شرط من شروط صحة النكاح، وهذا يجعله من قبيل النكاح الفاسد. لذا كان من الأولى – اعتباراً بهذا المعنى – أن تناقش مسائله مع مسائل النكاح الفاسد، ولم يكن من حاجة إلى جعل هذا الباب قسيماً للنكاح الفاسد، كما هو السائد في الكتابات الفقهية. 4) عرض الباحث لمسألة تنسب ابن الزنا من الزاني، وحرر فيها موطن الاتفاق والخلاف بين الفقهاء، وتوسع في مناقشة جوانب المسألة؛ نظراً لأهميتها من الناحية الاجتماعية، ولما قد ينبني عليها من المسائل النازلة التي تتصل بقيام علاقة للنسب، وقد توصل إلى صحة تنسيب ابن الزنا من أبيه الزاني ما لم ينازعه فيه صاحب فراش صحيح، وأن القول بذلك ليس فيه معارضة للنصوص الشرعية، فضلاً على انطوائه على مصالح داخلة في نطاق حفظ النفس والنسب، وحفظاً له من الضياع والانحراف والنقمة على المجتمع، وقد حقق الباحث مفهوم حديث (الولد للفراش)، وأنه لا يدل على نفي نسب ولد الزنا عن الزاني في فرض عدم الفراش، أو في فرض العلم بعدم كون الولد من ماء الزوج وحصول اليقين بكونه من ماء الزاني، كما أنه ليس في الحديث تعرض لنفي الولد عن المرأة الزانية، فهي أمه، فيكون الزاني أباه؛ لأنه أحد الزانيين، وهو مقتضى القياس الصحيح. 5) أن أدلة إثبات النسب أدلة معللة وليست تعبدية، وكل ما يمكننا الاستفادة منه في الوقت الحاضر من وسائل علمية، أو مكتشفات طبية في مجال إثبات النسب لا يعد خروجاً عن نصوص الشريعة أو معانيها؛ بل هو دائر في فلك تلك النصوص ومستند إليها.

ثانياً: أما الباب الثاني فقد جعله الباحث للجوانب التطبيقية المتعلقة بموضوع الدراسة؛ حيث تناول فيه الحديث عن المستجدات العلمية التي لها مساس بالنسب، وهي المبتكرات العلمية التي يمكن أن يستفاد منها في إثبات النسب ونفيه، أو التي من شأنها أن تفضي جراء العمل بها إلى الاختلاف أو الإخلال بعلاقة النسب، حيث سعى إلى التعرف على حقيقة تلك المستجدات، ثم أبرز أثرها على النسب إثباتاً ونفياً، أو سلباً وإيجاباً، كما عرض لمفهوم مثبتات النسب الشرعية في ضوء ما استجد من تقينات حديثة تساعد على التحقق من ثبوته أو نفيه، وبين منزلة هذه المستجدات بين أدلة النسب، وأهم النتائج التي يمكن الإشارة إليها بعد دراسة هذه القضايا: 1) البصمة الوراثية بعد ثبوت حقيقتها العلمية تعد دليلاً قاطعاً على تحديد الأبوة، وتعتبر ميزاناً لصحة الأخذ بأدلة إثبات النسب الأخرى، كالفراش أو الشهادة أو الإقرار؛ بحيث إذا تعارض دليل من أدلة إثبات النسب مع نتيجة البصمة القطعية كان هذا دليلاً على عدم صحة ذلك الدليل، فيكون ذلك مانعاً من العمل به. 2) لا يجوز شرعاً اللجوء إلى البصمة للتأكد من الأنساب المستقرة إذا لم يكن هناك ما يستدعيه؛ لما فيه من التشكيك في أنساب الناس وأعراضهم، ولكونه سبيلاً لإثارة الفتن وإشاعة الفواحش المنهي عنهما شرعاً، كما أنه في المقابل لا مانع من الأخذ بالبصمة وإشاعة العمل بها للتحقق من أنساب المواليد الجدد؛ كتثبيت بصمة الزوج والزوجة في عقد الزواج؛ لأن التيقن من النسب أصبح متاحاً في هذا العصر على خلاف الماضي، كما أن ذلك يتوافق مع ما اشترطه الفقهاء لإثبات النسب، وهو عدم معارضته لقرينة قطعية من الحس أو العقل. كما توصل إلى أنه لا حاجة إلى إجراء اللعان بين الزوجين بعد التيقن من نسب المولود بواسطة البصمة؛ لأن من شرط إجراء اللعان إمكان أن يكون الولد المراد نفيه من الزوج، أما إذا استحال ذلك انتفى عنه من غير لعان، وهو من نوع النسب الذي ينتفي بنفس النفي ودون الحاجة إلى لعان، ولما في إمضاء اللعان أيضاً من إلجاء أحد الزوجين على الحلف كاذباً. 3) ومن أهم النتائج المستخلصة من دراسة أثر استخدام البصمة على إثبات النسب أو نفيه، التأكيد على أن حقائق العلوم التجريبية حقائق شرعية، وأنه يتعين اعتبار الحقائق العلمية القاطعة من جملة الأدلة الشرعية حتى لا نقع في إشكالية الاعتقاد بأن الحقائق القطعية تتعارض، وأن ما يقرره الشرع قد يخالف ما يقطع به الحس أو العقل، وذلك لا يكون إلا باعتبار الحقيقة العلمية حقيقة شرعية، ومن ثم يتعامل معها وفق ما يتعامل مع الأدلة الشرعية؛ بحيث يتم تقديم المقطوع منها على المظنون عند التعارض. 4) إن جميع الصور المعمول بها حاليا للإنجاب بطريق (الأم البديلة) هي صور محرمة شرعاً؛ لعدم اتفاقها مع النصوص والقواعد الشرعية، ولما تنطوي عليه من المفاسد التي تخالف مقاصد الشريعة وأصولها العامة، وعلى هذا جرت الفتوى بين أهل العلم المعاصرين، وجاء النص عليه من بعض المجامع والمجالس الفقهية، لكن يستثنى مما ذكر طريق واحد؛ وهو أن تكون (الأم البديلة) ضرة لصاحبة البويضة، فقد حصل في هذا الطريق خلاف بين الإباحة والتحريم، وبناء على ذلك فإنه لا يجوز لأحد الإقدام على ممارسة أي طريق للإنجاب اتفقوا على منعه، ولا السعي إلى تحصيله. وأن هذا من قبيل التداوي بالمحرم والخبيث الذي نهى الشارع عنه، كما أنه لا يجوز لأحد الإعانة عليه، أو الدلالة إليه؛ لأن هذا من قبيل التعاون على الحرام. 5) إن كل طريق للإنجاب يستعمل فيه ماء الرجل وبويضة المرأة ورحمها يشترط للحكم بجوازه – كما رجحته – شرطان:

الشرط الأول: أن يكون الماءان من الزوجين (ماء الزوج مع بويضة الزوجة) حال حياتهما؛ بحيث لا يكون أحدهما أجنبياً عن الآخر، وأن لا تحصل المزاوجة بين الماءين بعد وفاة أحد الزوجين. الشرط الثاني: أن تكون صاحبة الرحم التي تحمل وتضع هي نفسها صاحبة البويضة. فكل طريق للإنجاب عُدل فيه عن هذين الشرطين أو أحدهما فهو طريق داخل في دائرة الحرام، ولا يجوز ممارسته والإعانة عليه، وإذا حصل الإنجاب به فنسب الولد يثبت لصاحب الماء من جهة الأبوة، ولصاحبة البويضة من جهة الأمومة، وتكون صاحبة الرحم أمّاً من الرضاع. 6) لا يجوز شرعاً استنبات الجنين المجمد الصادر عن الزوجين بعد وفاة الزوج وإن كان ذلك في رحم الزوجة؛ لأن الموت يفصم العلاقة الزوجية بين الزوجين، ولِما يفضي ذلك إلى مفاسد؛ حرص الشرع على منعها، كما لا يجوز استنباته إذا انفصم عقد الزوجية بطلاق بائن أو رجعي، ويثبت نسب المولود إذا تم القيام بذلك إلى أبويه اللذين حصل اللقاح منهما. 7) من الحلول الإسلامية البديلة عن (الأم البديلة)، أن يتزوج الرجل بأكثر من امرأة، وهذا الحل الذي يقدمه الإسلام يقلل كثيراً من المشاكل الأخلاقية الناجمة عن استعمال طرق العلاج الحديثة، كما أن هذا العلاج الإسلامي لا يشكل أعباء مالية كبيرة مقارنة مع الأموال الباهظة التي تنفق في سبيل إجراء عمليات التلقيح الصناعي خارج الجسد، هذا إذا كان المانع من الإنجاب هو الزوجة، أما إذا كان من الزوج فلا بأس حينئذ من استخدام التلقيح الصناعي الخارجي، مع أخذ الحيطة اللازمة التي تحفظ للأنساب والأعراض طهارتها ونقاءها. 8) لا يجوز شرعاً غرس الأعضاء التناسلية التي لها دور في نقل الصفات الوراثية للإنسان، وهي التي تعرف بالغدد التناسلية، كالمبيض عند المرأة والخصية عند الرجل؛ لما ثبت علمياً أن غرسها بمنزلة خلط مائين أجنبيين، وأن نسب المولود يتبع الشخص المتبرِّع لا الشخص المتلقي، وهذا سبيله أنه يفضي إلى مولود انعقد من وجه محرم. 9) إن تحليل الدم الذي يحدد فصيلته يصلح أن يكون - شرعاً - وسيلة لنفي النسب؛ لما تقرر علميا من أن اختلاف التراكيب الجينية بين المولود ومدعي الأبوة – بحسب تفصيله العلمي – يعد دليلاً قاطعاً على أن ادعاءه كان باطلاً. وأما في حال التشابه في التراكيب الجينية لفصائل الدم فذلك لا ينهض دليلاً قاطعاً على إثبات النسب؛ لوجود كثير من الأشخاص يحملون الفصيلة نفسها، كما أنه في الوقت نفسه لا يكون قاطعاً على نفي النسب؛ إذ من المحتمل أن يكون المدعي أباً للمولود، فوجود هذا الاحتمال كاف للحوق النسب؛ لأن الشرع يقبل في إثبات الأنساب بأيسر الأدلة، ولما ينطوي ذلك على مصالح تعود على المولود في نفسه ونسبه ما لم يثبت عكس ذلك بقرينة يقينية أخرى للإثبات - (كالبصمة الوراثية) - تدل على بطلان ذلك النسب. 10) من الفوائد المستخلصة من هذه الدراسة: التنبيه إلى أن الفقهاء السابقين – رحمهم الله – اجتهدوا في ضبط النسب والتحقق منه بحسب ما كان متاحاً في زمانهم من وسائل للضبط والتحقيق، فاستعانوا بقرينة الحساب في ضبط الحمل، واعتبروا بحال الزوج في قدرته على الإنجاب، ولجؤوا إلى ضبط تاريخ النكاح ... فهذا كله يدل على أنهم قصدوا الوصول إلى اليقين في التحقق من النسب، ونفي كل دخيل عنه لأجل ما يستتبع الانتساب من أحكام شرعية جليلة، وما يحصل عن اختراقه من مفاسد. وأما نحن اليوم فقد فتح الله علينا من أنواع العلوم ووسائل الإثبات ما يمكننا من الوصول إلى اليقين، فعلينا توظيف هذه النعمة في خدمة أحكام الشريعة، وتحقيق العدل بين الناس. 11) من الأفضل أن يكون الاجتهاد في مثل هذه القضايا النازلة - لاسيما التي يحتاج فيها إلى آراء الأطباء وتقاريرهم - أن يكون اجتهاداً جماعياً من قِبَل هيئة أو منظمة علمية تضطلع للنظر في هذه المستجدات، وتستجمع لها البحوث من المختصين على المستويين الطبي والشرعي؛ حتى تعرف ملابسات المسائل وصورها وأشكالها، وما قد يعتريها من استثناءات أو إشكالات، فتؤتى المسائل حقها من النظر الشرعي والعلمي، ويقل النزاع الدائر حول هذه المسائل، كما أنه يجعل المستفتي على اطمئنان بحكمها الشرعي، ولا يقع عرضة للالتباس أو التحير.

النقود وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية

النقود وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية ¤علاء الدين محمود زعتري£بدون¥دار قتيبة¨الأولى¢1417هـ€فقه¶نقود وعملات وأوراق تجارية الخاتمة تعد النقود الورقية من الأموال الممتازة في الوقت الحاضر، ولا يقل اكتشافها أهمية عن اكتشاف النقود بحد ذاتها، فقد سهلت على الناس أمور حياتهم وسبل معاشهم في مبادلاتهم وقياس قيم أشيائهم، ولقد أخذت مكانها، واحتلت مركز الصدارة بين النقود عامة، ونابت عن النقود الذهبية والفضية في الثمنية، وبالتالي فإن جميع الأحكام الشرعية التي اعتمدت لتلك النقود ينبغي اعتمادها للنقود الورقية، وهذه نتيجة عامة مستفادة من هذه الرسالة التخصصية. ولقد توصلت إلى هذه النتيجة عبر دراسة النقود ضمن ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الأول: وقد كان في دراسة النقود تاريخيا. الاتجاه الثاني: وقد كان في دراسة النقود اقتصاديا، من خلال بيان طبيعتها، وإبراز وظائفها الأساسية. الاتجاه الثالث: وقد كان في دراسة النقود من الناحية الشرعية. 1 - هذا، وقد بدأت دراستي بفصل تمهيدي عرفت فيه بمفهوم المال واشتماله لكل أنواع السلع المادية والخدمات المعنوية، ثم استعرضت الآيات القرآنية المبينة وجهة نظر الإسلام إلى المال، فتبين أنها نظرة تتجاوب مع الفطرة السليمة للفرد، وتنسجم مع مصالح المجتمع لتحقيق سعادته. 2 - وفي مبحث تعريف النقود بينت ضرورة إدخال عنصرين مهمين ليكون التعريف مقبولا من الناحية الشرعية، فتوصلت إلى أن النقود هي: [كل شيء طاهر منتفع به شرعا يحظى بقبول عام في تأدية الوظائف الأساسية للنقود]. 3 - ولدى استعراض النقود في الفكر الإسلامي، من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وعند بعض المفكرين الإسلاميين، تبين أن الاهتمام بالنقود سار بشكل متزايد، حيث بدأ بداية صغيرة ضمن إشارات لطيفة حتى وصل إلى درجة كتابة مؤلف خاص يتحدث عن النقود. 4 - ومن نتائج البحث لدى استعراض تاريخ النقود في ظل الحضارة الإسلامية: أن الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب كان أول من بدأ بجعل النقود إسلامية، من خلال التعديل الذي أجراه على النقود المتداولة بإضافة شعارات إسلامية عليها، وقد أكمل الخلفاء من بعده المسيرة، حتى وصل الأمر إلى زمن عبد الملك بن مروان الذي أحدث الثورة في النظام النقدي، وجعل النقود المتداولة عربية إسلامية. 5 - وفي إطار الحديث عن الوظيفة الاقتصادية للنقود: النقود مقياس القيم، اتضح: أن النقود لا تقوم بهذه الوظيفة بشكل كامل إلا إذا حافظت على استقرار قيمتها، وبينت أن أسباب تذبذب قيمة النقود يرجع إلى أحد ثلاثة أسباب: ضعف ثقة الناس بالنقود، وتغير أسعار السلع التي تقوم بها النقود، والحالة العامة للبلاد. وبينت أن من واجب الدولة أن تحافظ على استقرار قيمة النقود باتباع السياسة النقدية، وأشرت إلى أن الإسلام قد قدم الوسائل الكفيلة بتحقيق استقرار قيمة النقود، فقد حرم إغلاء الأسعار على المسلمين، وحضهم على الاعتدال في تقدير تكاليف منتوجاتهم ليتحقق التوازن بين عرض النقود والطلب عليها، كما أناط بولي الأمر مسؤولية التحكم بكمية النقود الواجب تداولها. 6 - وفي بيان الوظائف الأساسية للنقود، أضفت وظيفة جديدة لم أُسبق إليها، وهي أن النقود أداة دفع، لا ينتظر دافعها أي مقابل مادي محسوس. فالنقود في أدائها لهذه الوظيفة إما أن تدفع زكاة أو صدقة فطر ومثلها سائر الصدقات، وإما أن تدفع إيفاء للنذور، أو تكفيرا للذنوب.

7 - وبعد عرض آراء العلماء في مشروعية النقود الورقية تبين أنها ليست بسندات دين، ولا عرضا من عروض التجارة، وأنها تغاير الفلوس النحاسية، وأنها غير متفرعة من الذهب أو الفضة، بل هي نقد قائم بذاته اكتسب ثمنيته من ثقة الناس بالتعامل به، ومن قوة الدولة المصدرة له، اعتمادا على أن مرد النقود إلى العرف والاصطلاح. 8 - واستنادا إلى مشروعية النقود الورقية، فإنه يجوز أن تُبادل بالسلع والخدمات، وأن تبادل بمثلها أو بغيرها من الأثمان، وأن تكون أحد عناصر الإنتاج في عملية الاستثمار. فأما تبادل السلع بالنقود الورقية فإنه يقع ضمن ثلاثة أشكال: أ -وجود المبيع مع تقديم النقود الورقية أو تأجيلها، وهذا هو عقد البيع. ب -تأجيل تسليم المبيع – لعدم وجوده – مع اشتراط تقديم النقود الورقية، وهذا هو عقد السلم. جـ - تأجيل تسليم المبيع - لعدم وجوده أيضا – مع جواز تقديم النقود الورقية أو تأخيرها، وهذا هو عقد الاستصناع. وأما مبادلة المنافع بالنقود الورقية، فإنه يكون بعقد الإجارة والإيجار، وبعقد الجعالة وهو الوعد بالجائزة. وأما مبادلة الأثمان – والنقود الورقية منها – بمثلها حالا، فقد تبين أن نقود كل دولة جنس واحد تحته أنواع، وأن عملات الدول المختلفة أجناس مختلفة، وبالتالي فإنه: أ -يجب التماثل والتقابض في حال اتحاد الجنس. ب -يجب التقابض ولا يشترط التماثل في حال اختلال الجنس. وأما في مبادلة النقود الورقية بمثلها أو بغيرها من الأثمان آجلا، وهو القرض فإنها ترد بمثلها، وإن أي زيادة أو نقصان يعد ربا، كما أن: -الإيداع في المصارف التي تعطي فوائد على الودائع، -والإيداع في صندوق توفير البريد، -وشراء شهادات الاستثمار، يعد من القروض غير المشروعة، لعدم تحقق شرط رد النقود كما هي دون زيادة أو نقصان. واتضح من خلال بيان جواز الاستثمار أن النقود الورقية قادرة على أن تكون رأس المال في الشركات، وذلك جائز شرعا، وقد أوضحت أن شركة المضاربة هي البديل عن المصارف الربوية في عميلة الإقراض، وهي التي تنقل المصارف من التعامل بالحرام إلى التعامل بالحلال. 9 - وفي بيان كيفية تقدير الأجور والنفقات، توصلت إلى أن من الواجب ربطها بقائمة الأسعار، إنصافا للعامل والمنفق عليه، وتقليلا من المشاكل والاضطرابات والمرافعات للقضاء. أما في بيان كيفية تقدير الديون، فقد اتضح أن ربطها بقائمة الأسعار لا يجوز، وأن من الخطأ استخدام سعر الفائدة تعويضا عن انخفاض قيمة النقود، لأن من الواجب في الديون أن ترد بمثلها عددا وإن اختلفت القيمة. وأشرت إلى جواز ربط الديون بسلعة ما عند إنشاء العقد، أما بعد ذلك فلا. هذه هي أهم نتائج البحث، أما على صعيد التوصيات، فإني أوصي بما يلي: 1 - ضرورة تدريس مادة الاقتصاد الإسلامي في كلية الدعوة الإسلامية وفي كل كليات الشريعة والاقتصاد والحقوق، وذلك لما لها من أهمية في حياة الداعية لمعرفة بيئته، وتعريف المسلمين بنظام الإسلام المتكامل. 2 - ضرورة إقامة ندوة عالمية لمناقشة الفوضى النقدية، والخروج بمشروع نظام نقدي جديد يحقق الرفاء والازدهار، وهذه الندوة المقترحة مطلوبة من المنظمات الإسلامية لتقديم تصور عن نظام الإسلام الاقتصادي وشرحه للعالم من أجل اعتماده. وأشير أخيرا إلى أن المسلمين لو عرفوا إسلامهم حق المعرفة، وطبقوا دينهم حق التطبيق لتحققت لهم سعادة الدنيا، وسيادة العالم، فلا يوجد تشريع شمولي كتشريع الإسلام، ولا يوجد نظام متكامل كنظام الإسلام، إذ إنه قد أرسى القواعد الكلية لكل شؤون الحياة، وأهاب بالناس أن يدركوها ويترجموها سلوكا في واقع معاشهم ودنياهم. يقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ} [المائدة:3]. هذا ما وفقني الله إليه من إبراز جانب من جوانب الاقتصاد الإسلامي، فإن كان ما توصلت إليه صوابا فذلك بفضل الله، وإن كان خطأ فأستغفر الله منه. والله أسأل أن يوفقني لخدمة الإسلام والمسلمين، وأن يجعل عملي ذخرا لي ولوالدي يوم الدين. {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]. طرابلس 1 محرم الحرام 1414هـ 21 حزيران 1993م

النوازل في الحج

النوازل في الحج ¤علي بن ناصر الشلعان£بدون¥دار التوحيد- الرياض¨الأولى¢1431هـ€فقه¶حج وعمرة - أعمال منوعة الخاتمة: في ختام هذا البحث، أحمد الله على نعمه الظاهرة والباطنة، وأشكره على ما منَّ به عليَّ من إتمام هذا البحث، ثم يطيب لي أن أدوِّن –باختصار- أهم ما توصلتُ إليه من النتائج، وما قيَّدتُه من الفوائد، سائلاً الله أن يوفقني للعمل الصالح الذي يرضيه عني: 1 - أن تعريف النوازل بأنها: ما استدعى حكماً شرعياً من الوقائع المستجدة، هو التعريف المختار. 2 - التعريف المختار للحج هو: قصد مكة والمشاعر تعبداً لله؛ لأداء المناسك على وجه مخصوص. 3 - النوازل التي تدخل في هذا البحث على نوعين: الأول: نوازل ومسائل تقع لأول مرة في هذا العصر، وتمس حاجة الناس لمعرفة الحكم الشرعي فيها، ومن أمثلتها في هذا البحث: حكم تحديد نسب الحجاج من كل دولة، واشتراط تصريح الحج لمن أراده، والطواف على السير الكهربائي لغير العاجز، والسعي في الأدوار العليا .. ونحو ذلك. الثاني: مسائل تكلم عنها الفقهاء السابقون، ولكن طرأ عليها ما يستدعي إعادة النظر والاجتهاد فيها؛ نظراً لتغير الظروف والأحوال التي ترتب عليها تغير موجب الحكم السابق؛ مثل ما يعتبر طِيباً لا يجوز للمحرم مسُّه، وما لا يعتبر طِيباً فيجوز مسُّه، وطواف الحائض في البيت عند استحالة بقائها ورجوعها، وعدم جواز المبيت على أرصفة منى وطرقاتها. 4 - دلت أدلة الكتاب والسنة والمعقول على ثبات الأحكام المبنية على النصوص الشرعية. 5 - أن ثبات الأحكام بمثابة ضمانة لاستقرار أحوال الأمة، واستتباب أمنها، ومنع الظلم عنها. 6 - من ضوابط تغير الفتوى بتغير النازلة: أولاً: اختلاف العوائد والأعراف. ثانياً: انعدام سبب الحكم، أو تخلف شرطه، أو حصول مانعه. ثالثاً: الضرورة الملجئة، والضرر المحقَّق. رابعاً: تغير المصلحة. الخامس: تدافع المأمورات، أو المنهيات (ارتكاب أخف الضررين، وتحصيل أعظم المصلحتين). السادس: تغير الآلات، وتطور الخبرات الفنية والوسائل. 7 - إذا حدثت حادثة أو نزلت نازلة ليس فيها قول سابق لأهل العلم؛ فالراجح جواز الاجتهاد والحكم فيها مع اشتراط شرطين مهمين: الأول: أن تدعو الحاجة وتنزل النازلة. الثاني: أن يكون المجتهد أهلاً للحكم. 8 - أن حصول التأشيرة والتصريح للحج شرط وجوب وليس شرط لزوم أداء. 9 - لا يجوز لمن وجب عليه الحج أن ينيب غيره لعذر يرجى زواله. 10 - لا يجوز بيع تصاريح الحج أو تأشيراته على غير من أعطيت له. 11 - تحريم التحايل على أنظمة الحج بأي نوع من الحيل. 12 - استصدار الخطاب البنكي أو خطاب الضمان لحملات الحج لا بأس به إذا لم يأخذ البنك عليه أجرة إلا ما يوازي المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان فحسب. 13 - جواز إيداع المبلغ المطلوب للحج في البنك الربوي إذا كان لا يتمكن من الحج إلا بذلك، وترك الحج من أجل هذا الأمر لا يعتبر عذراً في تأخير الحج؛ إذا كان الشخص قادراً مستطيعاً لذلك. 14 - أن نقل الحجاج عمل تجاري محض، وبناء عليه: فإن الإعلان عنه حكمه حكم سائر الإعلانات عن السلع التجارية؛ لابد أن يراعى فيه الضوابط الشرعية للإعلانات التجارية. 15 - أخذ المال لمرافقة حملات الحج للدعوة والتوجيه لابد فيه من اعتبار الباعث للعمل والأغلب في القصد؛ توخياً للإخلاص، وبعداً عن مواطن الخلاف، ولأنه إذا غلب قصد الدنيا كان الإخلاص هزيلاً ضعيفاً، وتمكن قصد الدنيا من القلب.

16 - أن من كان متأكداً أن إحرامه بالحج لن يؤثر أدنى تأثير على عمله الموكول إليه، فيجوز له حج الفريضة دون إذن مرجعه، أما إذا كان سيؤثر أو يظن أنه سيؤثر ولو أدنى تأثير فلا يجوز له ذلك؛ لأن فيه تقديم مصلحة خاصة على مصلحة عامة، ولأن فيه منافاة لموجب وروح العقد الذي بينه وبين مَن وظَّفه. 17 - من أحرم بالحج وعمله مطلوب منه وقت الحج ولا يمكن تركه: فإن كان يترتب على غيابه فصل من عمله، وليس له مصدر كسب إلا هذا العمل، وكان هذا الأمر متيقناً؛ فهنا قد يعتبر له حكم المحصر، ويحِل بعد ذبح الهدي. 18 - المكث مع الحملات الحكومية - لمن لم يؤذن لهم - لا بأس به إذا كان المكان متسعاً، وأما الأكل والشرب: فإن كان زائداً فهم أحق به من غيرهم، وإن أُذن لهم فهم يستحقون ذلك بالإذن. 19 - الحج مع الحملات الباهظة الثمن لا ينبغي لعموم الناس، أما من كان يَحدث في حقه إسراف أو تبذير، أو تباه وتفاخر؛ فهو في حقه حرام. 20 - اشتراط المَحرم للمرأة في حج الفريضة، وأن الحج لا يجب بدونه، وأن المرأة إذا لم تجد ذا مَحرم فهي غير مستطيعة؛ فلا يجب عليها الحج. 21 - عدم جواز سفر المرأة بالطائرة إلا في حال الضرورة المُلحَّة؛ كعلاج لمرض لا يحصل إلا بالسفر ولا محرم لها، أو رجوعِها من بلاد سافرت له بمحرم فمات محرمها، أو رجع عنها ولا محرم يمكن أن يعيدها لامتناع حضوره؛ لما جَدَّ من إجراءات السفر والتأشيرات، أو أن حضور المحرم يكلِّفه ما لا يطيق من المبالغ .. ونحو ذلك من الضرورات الواضحة، والضرورة تُقدَّر بقدرها. 22 - الخادمة لا يجوز أن تحج مع كفيلها أو غيره بلا محرم؛ إذ هي امرأة كسائر النساء. 23 - يمنع الإحرام من جدة إلا للقادم من سواكن وبور سودان إذا لم يمر بميقات من المواقيت ولم يحاذه. 24 - عدم جواز تجاوز أول ميقات مر عليه إلى ميقات آخر على كل حال. 25 - أن من رجع إلى الميقات بعد إحرامه بعده لا يسقط عنه الدم. 26 - من تجاوز الميقات وأحرم بعده ولم يرجع لأنه لا يحمل تصريحاً؛ فحجه صحيح، وفعله حرام من وجهين: أحدهما: تعدي حدود الله سبحانه وتعالى بترك الإحرام من الميقات. الثاني: مخالفة أمر ولاة الأمور الذي أمرنا بطاعتهم في غير معصية الله. 27 - إن أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج لم يكن متمتعاً، سواء وقعت أفعالها في أشهر الحج أو قبلها. 28 - من لبس ثوبه لعدم حمله التصريح ليس بمكره، وذلك لأنه متاح له استخراج التصريح بأيسر السبل، ولا يفعل مثل هذه التصرفات إلا الذين يحجون النافلة في سنين متتابعة. 29 - أن الحصر يحصل بكل مانع أو حابس يحبس المحرم عن الحرم، وأنه كالمحصر بالعدو سواء بسواء. 30 - أن المحصر مطلقاً يحل حين يحصر بعد أن يذبح هديه. 31 - وجوب الفدية على من تعمد شم الطِّيب، ولكن يقيد هذا القصد بإرادة الاستمتاع بالطيب، أما إذا كان يريد التجربة واختباره هل هو جيد أم رديء: فلا فدية عليه. 32 - أن الصابون المطيَّب بالرياحين ونحوها مما لم يُتخذ للتطيب يجوز استعماله، أما إذا كان مطيباً بما يتخذ للتطيب كالمسك ونحوه فلا يجوز استعماله. 33 - أن الزعفران وغيره من الطيب إذا وضع في طعام أو شراب فذهب ريحه وطعمه جاز للمحرم تناوله سواء طبخ أم لا. 34 - أن من مس طيب الكعبة قاصداً فعلق به فعليه الفدية. 35 - من كرر لبس زيه من الجنود والأطباء وغيرهم، ولم يكن كفَّر عن اللبس السابق، لا تكرر عليه الكفارة؛ ولا يجب عليه إلا كفارة واحدة. 36 - أن الأحوط هو ترك لبس الكمامات للرجل خاصة إذا كان يغطي أكثر الوجه. 37 - عدم جواز لبس الإزار المخيط، مع القول بعدم منع وضع الحجزة في أعلى الإزار، ووضع التكة فيها ليربط بها الإزار.

38 - حرمة ما ظهر في العصور المتأخرة من وضع قطعة ثالثة تحت الفرج لتستر العورة وتربط الإحرام بكبسات معدنية. 39 - جواز الطواف في الدور الأول والسطح على كل حال، سواء كان زحاماً متصلاً أو غير متصل، وسواء كان مرتفعاً عن الكعبة أم لا. 40 - جواز الطواف على السير الكهربائي لو وجد حتى بغير عذر، أما إذا وجدت الحاجة الماسة واشتد الزحام فإن العذر في هذه الحالة واقع، والقول بالجواز متفق عليه. 41 - المسعى مشعر مستقل له أحكامه الخاصة، على أن هذا الاستقلال لا يمنع الطائف من المرور فيه أثناء طوافه في حال الحاجة الملحة والزحام الشديد، وعدم القدرة على إكمال الطواف إلا بالنزول فيه ثم العودة إلى المطاف مرة أخرى وذلك بقدر الحاجة، أما في حال عدم الحاجة فلا يجوز مرور الطائف فيه. 42 - جواز نقل المقام من موضعه إلى موضع مسامت لموضعه يحصل به التوسيع على الطائفين وراحة المصلين. 43 - جواز طواف الحائض إذا استحال بقاؤها وامتنع رجوعها لمكة بيسر وسهولة. 44 - توقف الدم بعد نزوله نتيجة أخذ دواء يرفعه لابد من النظر فيه من حيث علامات الطهر؛ فإن طهرت اعتبر طهراً مهما قل وقته، وإن لم تطهر فلا يعتبر طهراً ما دام في وقت إمكان نزول الحيض. 45 - من حمل النجاسة عالماً بها غير قادر على إزالتها لعذر؛ كمن يحمل قسطرة البول لمرض فيه، أو من أصابه سلس بول، أو المستحاضة ومن هذا حاله فقد جمع بين أمرين: وهما الحدث المستمر، وحمل النجاسة، وقد أجمع أهل العلم على عذرهم، وأن صلاتهم وطوافهم صحيحان. 46 - أن طواف النساء مع الرجال على حدة بغير اختلاط هو الفعل الجائز المشروع، وأما طوافهن منفردات عن الرجال بأن يخصص لهن وقت لطوافهن والرجال لهم وقت، وهذا وإن كان يزيل مفسدة الاختلاط بين الرجال والنساء؛ ولكن النصوص لم تدل عليه، ولم يكن من فعل السلف. 47 - وقوع الدعاء بصوت واحد مثل ما يقع في المطاف في هذه الأزمان؛ فهو بلا شك أمر منكر؛ لما فيه من الاجتماع على الدعاء بصوت واحد، وقد عده الشاطبي وغيره من أهل العلم مثالاً على الابتداع في هيئات العبادات وكيفياتها. ولما فيه من رفع الصوت بالدعاء، وفيه تشويش على الطائفين وإيذاء لهم. وأما تخصيص أشواط الطواف أو السعي بأدعية خاصة، وهذه الأدعية تقرأ من كتب قد خصَّصت كل شوط بدعاء معين، فهذا كما نص غير واحد من أهل العلم على أنه بدعة محدثة. 48 - لا شك أن هذه الدولة المباركة منذ عصرها الأول لم تخرج عن مشورة أهل العلم في أي شأن من شؤون المناسك، ولعل ما حصل من خلاف حول توسعة المسعى من الخلاف السائغ ولله الحمد، وأمر ولي الأمر يرفع الخلاف. وهاهنا بعض المقترحات التي قد تزيل الخلاف ويحصل بها التوضيح للعلماء: أولاً: تثبيت شهادة من شهد باتساع الصفا والمروة من الشهود في المحكمة الشرعية - مع اعتبار شروط الشهادة المعلومة - وإظهار هذه الشهادة لأهل العلم، وجمع الشهود بالعلماء من الموافقين والمعارضين؛ ليعلم مدى فهم الشهود لما شهدوا به، ويكون هناك زيارة ميدانية تطبيقية على أرض الواقع تجمع بين العلماء والشهود. ثانياً: عمل مجسات من المنطقة التي تنتهي إليها التوسعة الجديدة جهة الصفا، ومن المنطقة التي تنتهي إليها التوسعة الجديدة في جهة المروة، وعمل مجسات من جبل الصفا ومن جبل المروة ومقارنة العينات، وإظهار هذه الدراسة لأهل العلم والباحثين، ولاشك أن معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج لديه الآلية والأجهزة التي يمكن أن تقيس ذلك وتوضحه.

ثالثاً: دراسة المشاريع السابقة وخاصة التوسعة السعودية عام 1375هـ والتي أخذ فيها شيء من جبلي الصفا والمروة للتوسعة على الناس، والتي لا شك أن مخططاتها ودراساتها وما فعل فيها على وجه التحديد موجود أو جزء منها، وإبراز تلك الدراسات وبحثها من العلماء وإخبارهم بما تم فيها، واستدعاء المهندسين والمقاولين القائمين على تلك التوسعة الأولى، والذين لا زالوا موجودين أو بعضهم، وجمعهم بأهل العلم؛ ليتحقق أهل العلم من الجزء المزال من الجبلين. رابعاً: لاشك أن الخلاف في مثل هذه المسائل العلمية الشرعية سائغ، وللعامي أن يقلد من يرى أنه أعلم وأتقى؛ ولذا لا ينبغي إلزام الناس جميعاً باتباع أحد القولين في الخلافات المعتبرة القوية بطريقة أو بأخرى .. ولذا فإن من الحلول القائمة أن يبقى المسعى القديم على حاله - في كونه مسارين للذاهب من الصفا إلى المروة، وللقادم من المروة إلى الصفا وبينهما مسار للعربات بنفس التفصيل السابق - ويجعل في المسعى الجديد نفس التوزيع إلى ثلاثة أجزاء، ومن رأى جواز السعي في الجديد سعى فيه، ومن رأى عدم جواز السعي في المسعى الجديد سعى في القديم، ولا يُثَرِّب أحد على أحد، والظن في هذه الحكومة الرشيدة - التي ما فتئت تجمع الناس وتقرب قلوبهم - أن تأخذ بهذا الاقتراح أو ما شابهه؛ مما يجمع القلوب ويطمئنها لكمال عبادتها وأدائها على الوجه الأتم الأكمل، أقول هذا مع علمي بأن التوسعة قد قامت الآن؛ ولكن ذلك من باب النصيحة لولاة المسلمين وعامتهم، وليتضح لأهل العلم المناط الشرعي، ولكي تتحد الفتوى في ذلك، ولا يحصل ما حصل الآن من البلبلة في صفوف طلاب العلم والعلماء بين مجيز ومانع ومتوقف؛ مما ترتب عليه إفتاء البعض بعدم صحة عمرة المعتمرين أو حج الحجاج، وأمرهم بإعادة السعي مرة أخرى، والله المستعان. 49 - حدُّ المسعى العلوي: هو نهاية ممر العربات؛ فبه ينتهي ما بين الصفا والمروة؛ ولذا فالدوران على قبة الصفا وقبة المروة ليس واجباً ولا حتى مستحباً. 50 - أن مَن مر بعرفة بطائرة أو نحوها من المركبات - وهو يقصد الحج - من بعد زوال الشمس يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر؛ فقد أدرك الحج. 51 - في حال الازدحام لا يجوز الوقوف بعرنة؛ نظراً لورود النص بالنهي عن الوقوف فيها. 52 - لو وقف خارج حدود عرفة جهلاً - سواء في الجزء الخارج من عرفة من مسجد نمرة، أو غيره من الأماكن الخارجة عن عرفة - فلا حج له، وكذا من فاته الوقوف في عرفة لأي سبب من الأسباب؛ فقد فاته الحج. 53 - وقوف المغمى عليه في عرفة يختلف باختلاف حاله؛ فإن كان ممن يسهل رجوعه لأداء الحج مرة أخرى ولا يشق عليه ذلك؛ فلو قيل بقول: لا يجوز وقوفه، لكان سائغاً؛ أخذاً بالاحتياط للعبادة، وخروجاً من هذا الخلاف القوي، وإن كان ممن لا يمكن رجوعه، ويشق عليه ذلك فيمكن أن يقال في حقه بالجواز. 54 - أن من لم يستطع دخول المزدلفة حتى طلوع الشمس لتعطل حركة السير أو ازدحامه مع عدم قدرته على ترك وسيلة النقل – ومن ثم وصوله إلى مزدلفة – إما لخوفه على نفسه أو أهله أو ماله؛ فلا يجب عليه دم لوجود العذر. 55 - من مر بالمزدلفة فقط معذوراً بفعله؛ وذلك لعدم قدرته على التوقف لأنه منع منه، أو عدم قدرته على الرجوع بعد أن خرج منها، فالمعذور يكفيه المرور، ولا يجب عليه دم. 56 - من ترك المبيت بالمزدلفة أو منى للقيام على مصالح الحجاج؛ فلا يجب عليه بتركه دم.

57 - إذا وجد في السيارة العدد الكثير من الأقوياء وعدد من الضعفة؛ فلا يخلو الحال: إما أن ينتظر الضعفة حتى ينصرفوا مع الجميع، وهذا أفضل بلا شك، فإن كان الضعفة لا يستطيعون المكث؛ فإما أن يستطيع الأقوياء – ممن معهم في السيارة ولا يحتاج لهم الضعفة – البقاء في مزدلفة وينصرف الضعفة ومن يحتاجون؛ فهذا أولى – بلا شك -، أما إن لم يستطع باقي الأقوياء المكث خشية الضياع والإرهاق؛ فهنا يجوز انصرافهم جميعاً. 58 - جواز جمع التقديم في المزدلفة. 59 - إذا خشي الحاج أن يخرج وقت العشاء قبل أن يصل إلى المزدلفة؛ فإنه في هذا الحال يكون الواجب عليه أن يؤديها قبل أن يخرج وقتها. 60 - من لم يستطع النزول من السيارة ليصلي، ولم يبق من وقت العشاء إلا ما يكفي لأداء الصلاة؛ يصلي في سيارته على حاله، ويأتي بما يمكنه من الشروط والأركان والواجبات. 61 - الزحام الذي لا يغلب على الظن التضرر منه: لا يعتبر عذراً يبيح الانصراف من المزدلفة لغير الضعفة. 62 - أن الانصراف قبل نصف الليل لا يجوز للضعفة والمرضى ولا لغيرهم. 63 - الزحام الذي يعتبر عذراً يجيز الانصراف هو ما غلب على الظن وقوع الضرر منه، ولا شك أن اعتباره عذراً بهذا الوصف يستوي فيه الرجل والمرأة، والقوي وغيره، ولذلك نص بعض أهل العلم المعاصرون على جواز انصراف الرجال الأقوياء في هذا العصر في آخر الليل. 64 - عدم جواز البناء في منى، حتى ولو كان ذلك البناء من الأكشاك التي لها تصميمات فنية وأسس قوية؛ لأنها في حكم البناء، إذ لا فرق بين ما بني من خشب أو حجارة أو لبن إذا أقيمت على وجه من شأنه الثبات والدوام؛ لأنها قد تفضي مع طول العهد إلى بقائها، والطمع في تملُّكها، أو الاختصاص بها على الأقل، أما البناء على سفوح جبال منى مما لا يتمكن الحجاج من استغلاله فجائز إذا كان البناء من بيت المال. 65 - جواز تأجير الخيام في منى ولكن بضوابط مهمة: أ- يراعى في قيمة الإيجار أن تكون متناسبة مع قيمة هذه الخيام حتى تنتهي قيمة تكلفة تلك الخيام، ثم يكتفى في قيمة الإيجار بقيمة تكاليف الصيانة والخدمات فحسب. ب- في المساحة: يراعى أن لا يعطى الشخص أو الحملة أو المؤسسة أكثر من حاجتها، ويلزم من زاد لديه شيء من الخيام أن يرده إلى الجهة المختصة، واسترجاع المبلغ المخصص له، فإن لم يكن ذلك ممكناً فلا مانع أن يؤجر تلك الخيمة بنفس القيمة التي استأجرها بدون زيادة وما زاد فهو حرام أخذه وأكله، ومن تعمد الزيادة في المساحة ليؤجر فقد اغتصب المكان؛ لأنه لا حق له فيه، ولأنه أخذ قدراً زائداً عن حاجته، فإن زاد في الأجرة فقد جمع الإثمين. ج- في الموقع: لا يكون الموقع له تأثير في قيمة الإيجار؛ لأن الإيجار لتكلفة الخيام، وهي متساوية في أول منى وآخرها، ومن زاد الأجرة اعتباراً للموقع فمعنى ذلك أنه زاد من أجل الأرض التي لا يختص بها أحد دون أحد؛ فلا يحق له أن يزيد في أجرتها. د- في التوزيع: يكون بحسب الأسبقية، ولما كان ذلك متعذراً في الوقت الحالي جُعلت القرعة حلاً للمشاحَّة؛ فيكون التوزيع بالقرعة، وقد نص أهل العلم بأنه إذا سبق إلى شيء من المباحات اثنان فأكثر أُقرع بينهما، وقيل للإمام أن يقدم أحدَهما؛ لأن له نظراً واجتهاداً. 66 - من لم يجد مكاناً يبيت فيه بمنى إلا بأجرة: فهل يلزمه دفعها أم لا؟ لا يخلو من حالين: الحال الأول: أن تكون أجرة الخيمة بأجرة المثل، وكان قادراً على تلك الأجرة، غني عنها، فاضلة عن نفقته وقضاء دينه، ونفقة من يلزمه نفقته؛ فإن فضلت عن ذلك لزمه أن يدفعها في استئجار الخيمة.

الحال الثاني: أن تكون أجرة الخيمة بأكثر من أجرة المثل، فإذا زادت عن أجرة المثل زيادة فاحشة فلا يجب عليه أن يستأجر حين ذاك، أما إذا كانت الزيادة على ثمن المثل في إيجار خيام منى يسيرة؛ فلا تمنع من لزوم الاستئجار، ولكن يشترط أن يكون المؤجَّر هو الخيمة لا المكان. 67 - من لم يجد في منى مكاناً إلا بأجرة أعلى من أجرة المثل بكثير وهو قادر على بذلها؛ فلا يجب عليه بذلها، ولكن هل يجوز له بذلها مع كون طلبها غير مشروع؟ الصحيح جواز بذلها، وإثم طلب الأجرة الزائدة على من طلبها لا من دفعها. 68 - أن ما كان في منى طريقاً مطروقاً للسيارات أو المارة، أو موصلاً للمشعر كالجمرات مثلاً؛ فلا يكون مبيتاً لا هو ولا رصيفه، أما ما ليس طريقاً مطروقاً بأن كان مغلقاً مثلاً، أو بعيداً عن أماكن الزحام ولا يعتبر ممراً للمشاة؛ فيجوز المبيت فيه، أما ما كان خلاف ذلك فلا يجوز للحاج أن يبيت فيه؛ فيضر بنفسه أو بالمسلمين. 69 - جواز استغلال الأماكن الفارغة التي لا تمنع من الانتفاع بالمساحات التي سبق إليها، أو أجرت خيامها. 70 - من علم أن حملته أو رفقته لن يبيتوا بمنى، بأن تكون الرفقة أو الحملة قد عينت للحجاج مكاناً في مزدلفة؛ فإن كان يستطيع أن يحجز مع حملة أخرى تناسب قدرته المادية بمنى؛ فهذا يجب عليه تغيير حملته إلى الحملة الأخرى، أما إن كانت الحملات التي تناسب قدرته المادية على حد سواء كلها تبيت في المزدلفة ليالي التشريق، أو قد يحصل لهم المبيت بمنى وقد لا يحصل لهم، أو قد فات إمكان التسجيل مع الحملات التي تبيت بمنى ولم يتبق إلا هذه؛ فيجوز له والحال هذا التسجيل فيها. 71 - أن من لم يجد مكاناً في منى؛ يبيت حيث انتهى الناس، أو بعد آخر خيمة من خيام الحجاج. 72 - أن المعتبر في المبيت: أن يحصل في منى الليل كله، أو أكثره، أو معظمه. 73 - أن سائر أهل الأعذار يلحقون بأهل السقاية والرعاة؛ وبناء على ذلك فإن من ذهب للطواف أو نحوه ففاته أكثر الليل فلا يلزمه فدية، خاصة إذا كان طوافه للإفاضة. 74 - أن الضعفة يجوز لهم الرمي بمجرد وصولهم إلى منى ولو كان ذلك قبل الفجر؛ للإذن الذي ورد في حقهم، على أن يكون انصرافهم بعد ذهاب أكثر الليل وليس نصفه، وأما الأقوياء فلا يجوز لهم الرمي قبل طلوع الشمس. 75 - أن القول بالرمي بعد الزوال هو القول الأولى بالتقديم؛ خاصة إذا علمنا أن الناس إذا علموا بالرخصة ورموا قبل الزوال، فسيجتمعون بعد طلوع الفجر؛ ليرموا وينصرفوا، فيحصل ما حصل عند الزوال سواء بسواء، وكذلك يؤيد تقديم هذا القول في الترجيح ما رأينا في حج 1427هـ وما بعده من جهد رائع بذلته الدولة – وفقها الله – ممثلة بوزارة الداخلية، من حسن تنظيم منطقة الجمرات، ومنع الافتراش فيها، وجعل مسارات مستقلة لكل اتجاه؛ مما نتج عنه – ولله الحمد – حفظ الأرواح، وإذا أضيف إليه - بعون الله - الأدوار المتتابعة والتي ستجهز في سنوات قادمة؛ سيكون الرمي آمناً والحجاج آمنين، مما يدل على أن حسن التنظيم – هو بإذن الله – السبب الرئيس بعد الله في حفظ الأرواح، وليس للفتوى بالرمي بعد الزوال أثر فيما نراه من ذهاب الأرواح، والأثر الأكبر هو في حقيقة الأمر لحسن التنظيم، والتزام الناس به، واختيار الأوقات المناسبة للرمي. وإذا نظرنا في قوة القول القائل بجواز الرمي قبل الزوال فإنه لابد من اعتباره في حال وجود الحاجة له عند اشتداد الزحام وخوف الهلكة، أو ارتباط الحاج بموعد في رحلة أو حملة أو رفقة ونحو ذلك؛ ولعل ذلك يختص بيوم النفر الأول الذي هو محل الازدحام والحاجة إلى الانصراف.

76 - رجحان القول بجواز رمي الجمار ليلاً في جميع الأيام إلا المتعجل؛ فإنه يرميها قبل غروب الشمس يوم الثاني عشر. 77 - أن أيام التشريق كاليوم الواحد، ومن رمى عن يوم في الذي بعده لا شيء عليه، ولكن لا يجوز تأخيره يوم إلى يوم آخر إلا لعذر؛ فهو وقت له كالوقت الضروري. 78 - تفويج الحجاج أمر تنظيمي محمود؛ قد يكون مستحباً، وقد يكون واجباً بحسب القصد منه كما ذكر؛ بشرط أن يوافق ذلك التفويج وقتاً مشروعاً للرمي، فلا يجوز تفويج الحجاج لرمي اليوم التالي ابتداء من نصف الليل؛ إذ لا اعتبار لهذا الرمي، وفيه خداع وتغرير بالحجاج، وإنقاص لنسكهم بدون دليل، وبناء على ما ذكر فلا يجوز تفويج الحجاج لرمي اليوم الجديد قبل طلوع فجره. 79 - يجوز الرمي بما قد رمي به من الجمار، وإن كان الأصل والأفضل هو التقاط الجمار كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا المكان، لكن عند وجود الحاجة فلا بأس؛ خاصة في هذه الأزمان مع اشتداد الزحام وحصول الارتباط أثناء الرمي وسقوط الجمار من الرامي قبل الرمي، وعدم إمكان البحث عما سقط. 80 - يجوز الرمي من الأدوار العليا. 81 - رمي جمرة العقبة من خلفها لا يخلو من أحد حالين: الأول: أن يرمي جمرة العقبة من خلفها وتقع الجمار في المرمى القائم من الجهات الأخرى، وهذا جائز. الثاني: أن يرمي جمرة العقبة من خلفها بحيث تقع الجمار في الجهة الخلفية، أو يرميها من الجهات الأخرى، وتقع الجمار في الجهة الخلفية، وهذا غير جائز. 82 - إصابة الرامي للشاخص له أوجه منها: أن يرمي الشاخص قاصداً له بالرمي دون أن يقصد المرمى (الحوض): فإما أن تصيب الجمرة الشاخص ثم ترتد إلى المرمى؛ وهذا الفعل - في قول أكثر أهل العلم - يجزئه، أو أن يقصد الشاخص دون المرمى، وتقع الجمرة خارج المرمى؛ فهذا لا يجزئ رميه بالاتفاق، أو أن يقصد الشاخص دون المرمى، وتستقر الجمرة على الشاخص ولا تقع في المرمى؛ والظاهر في حكمها التفصيل: فإن وقعت على طرف الشاخص أجزأت، وإن وقعت على أعلاه لم تجزئه. أما أن يقصد برميه المرمى (الحوض) ولكن الحجارة أصابت الشاخص: فإما أن تصيب الشاخص ثم ترتد إلى المرمى؛ فاتفاق أهل العلم على إجزاء الرمي، أو أن يقصد المرمى فتضرب الشاخص وتخرج عن المرمى؛ فلا يجزئ رميه في هذه الحال، أو أن يقصد المرمى فتضرب بالشاخص وتستقر عليه؛ ففيها التفصيل السابق. 83 - وجوب الإنابة عند العجز عن الرمي، ولا يسقط الرمي بحال. 84 - المريض أو المعذور إذا كان مرضه يرجى برؤه قبل ذهاب أيام التشريق والعذر يرجى زواله قبل انقضائها؛ فالأفضل في هذه الحال هو تأخير الرمي وليس التوكيل، أما إذا كان المرض لا يرجى برؤه والعذر لا يرجى زواله قبل انقضاء أيام التشريق؛ ففي هذا الحال التوكيل والاستنابة أفضل من التأخير. 85 - شدة الزحام عند الجمرات ليست عذراً مبيحاً للاستنابة؛ سواء في حال الرجال القادرين أو النساء القادرات؛ وذلك لأن في اختيار الوقت المناسب للرمي أثراً في خفة الزحام. 86 - من وكل على الرمي وسافر قبل رمي الوكيل لا يخلو من حالين: الأول: أن يكون توكيله بلا عذر، بأن يكون قادراً على الرمي؛ فالتوكيل غير جائز. الثاني: أن يكون التوكيل بعذر، بأن يكون غير قادر على الرمي؛ فالتوكيل صحيح، ولكن طواف الوداع غير صحيح؛ فعليه دم من أجله، وإن ترك شيئاً من المبيت فعليه دم من أجله أيضاً. 87 - جواز توكيل الغير بذبح الهدي وتوزيعه، وإجزاء الهدي حتى لو ذبحه وتركه بدون توزيع، ولكن من تركه وعنده من يأخذه فهذا لا بأس به، وأما إذا تركه ولا أحد عنده يأخذه فذبحه مجزئ، وتركه للحم يفسد حرام؛ لما فيه من إضاعة المال، ومخالفة أمر الله بالإطعام منها والأكل.

88 - لا ينيب في ذبح الهدي إلا من يثق به أو يغلب على ظنه صدقه. 89 - لو وكل من يثق به على ذبح هديه وطاف للوداع وسافر قبل ذبح الوكيل للهدي فلا بأس؛ إذا كان الوكيل سيذبحه في وقته. 90 - لا يجوز ذبح الهدي في غير الحرم، وأن لا يذبحه خارجه حتى لو كان في فجاج مكة الخارجة عن الحرم؛ احتياطاً. 91 - جواز نقل لحوم هدي التمتع والقران خارج الحرم وإطعامه للمسلمين المحتاجين؛ الأشد حاجة فالأشد، أو الأقرب من المحتاجين، أما ما ذبح في الحرم من جزاء الصيد وفدية الأذى أو ارتكاب المحظور أو ترك واجب؛ فلا يجوز نقله خارج الحرم؛ للنص على أنه لفقراء الحرم، أما ما ذبح خارج الحرم من جزاء أو هدي إحصار - مما يجوز ذبحه خارج الحرم -؛ فهذا ينقل ويوزع في أي مكان. 92 - إن وجد من مكائن الحلاقة ما يزيل الشعر بحيث لا يُرى من الشعر شيء؛ فهذا يسمى حلقاً كحلاقة الموسى، وإلا فهو تقصير. 93 - إن من قصر أسفل الرأس على شكل دائرة مثلاً، فإن فعله لا يكفي في أصح قولي العلماء، وأن تقصير بعضه دون بعض لا يجزئ. 94 - من خرج من مكة بلا وداع عليه الرجوع إن كان قريباً، فإن بَعُد فلا يجب عليه الرجوع، وعليه الدم إن لم يرجع، فإن بلغ مسافة قصر لم يجب عليه الرجوع، ومن كان بعيداً ورجع ليأتي بطواف الوداع فلا دم عليه، وإن كان الأيسرُ في حقه أن يمضي فليمض، وعليه دم. 95 - كل من قال بوجوب طواف الوداع قال بوجوب أن يكون بعد نهاية النسك. 96 - من لم يستطع طواف الوداع بنفسه ولا محمولاً فقد يقال في حقه إنه معذور، فيقال بسقوطه عنه وعدم وجوب الدم، وإن فدى فهو أحوط. 97 - عدم جواز المكث بعد طواف الوداع على أن يستثنى من ذلك المكث للضرورة؛ كالبحث عن مفقود، أو انتظار الرفقة .. ونحو ذلك مما هو غير معتمد وضروري. 98 - لا ينبغي توسعة الممر لصعود جبل عرفة، ولا السعي في جعله طريقاً مسلوكاً؛ لما فيه من تقرير البدعة، وتسهيل الطريق لفاعليها. 99 - استحباب تكرار العمرة في العام الواحد مراراً، فأما إن كان تكرار العمرة في أيام التشريق: فإما أن يكون لحاج أو لغير حاج، فإن كان لحاج فهو محرم، وإن كان لغير الحاج فهو داخل في حكم العمرة المكية، والراجح عدم مشروعية أو استحباب تكرار العمرة المكية بصورة متوالية، وإن قيل بجواز التكرار لعذر كأهل الدول البعيدة الذين يحبون أن يعتمروا عن آبائهم الذين لم يعتمروا بعد، ويخص ذلك لمن يشق رجوعه للحرم مرة أخرى. 100 - أن الأصل تفضيل الحج على الصدقة؛ إلا أن تعرض حالة أعظم أهمية من الحج لا تندفع إلا ببذل نفقة الحج فيها؛ فتفضل الصدقة فيها عند ذلك؛ هذا بشكل عام، أما في هذا الزمان فالأظهر في حكم المسألة أن التصدق بنفقة الحج النافلة أولى من الحج نفسه. 101 - انتهاء وقت التعجل بغروب شمس أوسط أيام التشريق. أما من نوى التعجل فغربت عليه الشمس ولم يرمِ لشدة الزحام فلا يخلو حاله: إما أن يكون قد ارتحل؛ بأن يكون قد جمع أثاثه وحمله وسار به ليرمي؛ فهذا ممن ارتحل قبل الغروب ولكنه لم يخرج من منى لأنه عرض له ما يمنعه من الخروج، فإنه يستمر ولا شيء عليه. وأما لو غربت عليه الشمس وهو لم يرتحل بعد، وإنما هو عازم على الرحيل، وقد أخذ ببعض شغل الارتحال؛ فإنه يستمر ولا شيء عليه. 102 - حكم ما يسمى بالحج السريع – 24 ساعة – أنه قد يكون مجزياً – وهو بلا شك – ناقص نقصاً كبيراً، فإجزاؤه لأنه جاء بالأركان؛ فتبرأ به الذمة، وجبر الواجبات بالدم، ونقصُه لأنه لم يوافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته وسنته، وهو في حقيقته استهتار وتلاعب بشعائره وأحكامه، وخاصة لمن فعله تعمداً للبحث عن الراحة. 103 - زيارة أماكن المشاعر في غير وقت العبادة من باب التعبد - كمثل ما يفعله البعض من زيارة جبل عرفة لا للتعرف عليه؛ وإنما لنيل بركته، والصلاة عنده، والتصوير بين جنابته، وأخذ شيء من ترابه وأحجاره - لا شك أن هذه الزيارة التعبدية على هذا الوجه غير مشروعة، وهي من الإحداث في الدين.

النيابة في العبادات

النيابة في العبادات ¤حمد عقلة الإبراهيم£بدون¥دار الضياء¨الأولى¢1406هـ€فقه¶نيابة في العبادة الخلاصة بعد استعراض مسألة النيابة في العبادات بالقدر الذي يسمح به المقام، وتناول آراء الفقهاء في فروعها المختلفة نخلص إلى ما يأتي: 1 - أن العبادات البدنية من صلاة وصيام لا تقبل النيابة في حال الحياة سواء استطاع المسلم أن يؤديها بنفسه أو عجز عن ذلك، لأن المقصود منها لا يتأتى إلا مع المباشرة بالنفس وبالنيابة يفوت هذا المعنى ويصبح وجودها كعدمها. 2 - أن العبادات المالية من زكاة وصدقات وذبح هدي أو أضحية أو إيفاء نذر بمال .. مما يقبل النيابة، لأن الغاية منها إيصال الحقوق إلى أربابها، وهذا المعنى يستوي فيه مباشرة من لزمته أو أنابه غيره عنه. 3 - أن الحج يصح بالنيابة في حالة العجز البدني على الرأي الراجح من أقوال العلماء كما تقدم. 4 - أن الصلاة والصيام والزكاة والحج مما تصح فيه النيابة عن الميت بقضاء ما لزمه حال الحياة، وأنها لا تسقط بالموت بل تؤدى من رأس مال تركته إن كان للمال فيها مدخل كالزكاة والحج، ويصلى ويصام عنه من قبل أوليائه كما هو الراجح من أقوال العلماء. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

النية وأثرها في الأحكام الشرعية

النية وأثرها في الأحكام الشرعية ¤صالح بن غانم السدلان£بدون¥مكتبة الخريجي¨الأولى¢1404هـ€فقه¶نية الخاتمة: وتتضمن تمهيدا وسبع حقائق وثلاث توصيات: 1 - الحقيقة الأولى: لا عمل إلا بنية. 2 - الحقيقة الثانية: اعتبار القصد وترتب الأحكام عليه. 3 - الحقيقة الثالثة: الإيمان قول واعتقاد وعمل. 4 - الحقيقة الرابعة: القصد يستلزم العلم بالمقصود. 5 - الحقيقة الخامسة: بطلان عمل من أراد في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له. 6 - الحقيقة السادسة: النية يقصد منها تمييز العمل وتمييز المعمول له. 7 - الحقيقة السابعة: النية داخله تحت الاختيار. 1 - التوصية الأولى: صحة النسبة والأمانة في النقل. 2 - التوصية الثانية: لزوم الأدب وقصد بيان الحق. 3 - التوصية الثالثة: معرفة منزلة العلماء والاعتراف لهم بالفضل والابتعاد عن الغرور بالنفس. تمهيد: لا شك أن البحث الذي طرقته بحث مترامي الأطراف متعدد الأهداف داخل في كل غرض ومقصد وشامل لكل عمل قولي أو فعلي من أعمال القلوب أو الجوارح أو منهما جميعا وإذ كان الأمر كذلك. وقد بينت فيما مضى ما يتعلق بذلك من المباحث التي رأيت أن لها تعلقا بالمقصود وثيق. فأني في هذه الخاتمة استخلص الحقائق والنتائج وأكتب التوصيات التي أرى أن تدوينها وذكرها مما يكمل الموضوع ويوضح المقصود ويجمع المتفرق من هذا البحث وبيان ذلك في سبع حقائق وثلاث توصيات. الحقيقة الأولى: "لا عمل إلا بنية" يستدل لهذه الحقيقة بالنصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم واتفاق علماء الأمة. أ- نصوص الكتاب: من هذه النصوص قول الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. وقوله تعالى {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} [الزمر: 2] وقوله تعالى {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} [الزمر: 11 - 12] فهذه الآيات صريحة في الأمر بالإخلاص وأنه شرط لصحة العمل ومدار الإخلاص على النية "والمخلص هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله عز وجل ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله" [شرح حديث إنما الأعمال بالنيات لابن تيمية ص20] وحقيقة الإخلاص "تخليص القلب من شائبة الشوب المكدر لصفائه، وتحقيقه أن كل شيء يتصور أن يشوبه غيره فإذا صفا عن شوب وخلص عنه يسمى خالصا، ويسمى الفعل المخلص أخلاصا قال الله تعالى {مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا} [النحل: 66] وخلوص اللبن أن لا يكون فيه شوب من الرفث والدم" [أحياء علوم الدين ج4 ص367] وخلوص العمل أن يخلص من مبطل أو قادح أو منقص للثواب ومدار ذلك كله على النية وذلك يختلف في حق كل إنسان بحسب التقوى والطاعة والخشوع والخضوع والحضور أو بعكس ذلك من الفجور والمعصية والسخرية والكبر وتشتت القلب في أودية الدنيا ومتاهاتها التي تبعد بالقلب عن الإخلاص وصدق النية وصلاح العمل ولهذا جعل الله الإخلاص في مقدمة الأوامر التي كلف عباده بها قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. ب- نصوص السنة: ورد في السنة نصوص كثيرة تدل على ما دل عليه الكتاب من أن النية شرط لصحة: 1 - العمل وأنه لا عمل شرعي قولي أو فعلي إلا بالنية قال عليه الصلاة والسلام ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)).

2 - وفي حديث سعد بن أبي وقاص حيث زاره من مرض ألم به فقال له يا رسول الله ((بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال: لا، قلت: بالشطر، قال: لا، قلت: الثلث، قال: الثلث، والثلث كثير تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ولن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك)). 3 - حديث أبي كبشة الأنماري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة وما ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزاً، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقراً وكلمة نحوها، وأحدثكم حديثا فاحفظوه، قال إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيته فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فوزرهما سواء)). 4 - وفي الحديث ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم)). ج- وتكلم العلماء في بيان حقيقة النية وحكمها ومنزلتها من العمل وأنه لا ثواب إلا بالنية وأن ذلك شامل للأقوال والأفعال وما ركب منهما. 1 - أما حقيقة النية "فقيل هي الطلب وقيل الجد في الطلب ومنه قول ابن مسعود" من ينو الدنيا تعجزه "أي من يجد في طلبها وقيل القصد للشيء بالقلب وقيل عزيمة القلب وقيل هي من النوى بمعنى البعد فكأن الناوي للشيء يطلب بقصده وعزمه ما لم يصل إليه بجوارحه وحركاته الظاهرة لبعده عنه فجعلت النية وسيلة إلى بلوغه" والله أعلم [طرح التثريب ج2 ص7]. والنية شرعا قصد الطاعة والتقرب إلى الله تعالى في إيجاد الفعل، وأما أفعال الترك فلا يتقرب بها إلا إذا قصد تركها فتكون نية الترك فعلا حيث توجه إليه قصد القاصد بالرفض والاجتناب" [الأشباه والنظائر لابن نجيم ص29، القواعد والفوائد الأصولية ص62]. 2 - حكم النية "وأما حكم النية فإن العلماء مجمعون على اشتراط النية في جميع العبادات وخالف بعضهم في العبادة التي تكون وسيلة لا مقصدا كالوضوء [طرح التثريب ج2 ص11، وبداية المجتهد ج1 ص7، والإفصاح ج1 ص175]. وجميع الأعمال التي تشترط لها النية تترتب على النية صحة وفسادا أما الثواب والعقاب في الآخرة فإن العلماء قاطبة مجمعون على أنه لا ثواب ولا عقاب إلا بالنية يدل على ذلك قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} [البينة: 5] [الأشباه والنظائر لابن نجيم ص19]. "وأما الأمور العادية التي يمكن أن تكون في بعض أحوالها عبادية فلا تحصل الإثابة عليها إلا بالنية. إذا نوى بها العبادة كالأكل والشرب إذا نوى بهما التقوى على الطاعة والنوم إذا قصد به ترويح البدن للعبادة والوطء إذا أراد به التعفف عن الفاحشة. "قال عليه الصلاة والسلام" ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)). فيه تحقيق لاشتراط النية والإخلاص في الأعمال. ووجهه تكرار اللفظ في قوله صلى الله عليه وسلم ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) فلو اقتصر على اللفظ الأول لا تقضي صحة النية فلا تعيين فدل على أنه لابد من تعيين العمل بالنية وتحديد نوعه.

وأما الأعمال التي ظاهرها القربة وأن كان موضوع فعلها للعبادة إذا فعلها المكلف عادة لم يترتب على مجرد الفعل وأن كان الفعل صحيحاً حتى يقصد به العبادة" [طرح التثريب ج1 ص10 - 11]. وإذ تقرر وجوب النية في كل عمل فإن العلماء مختلفون هل هي شرط أو ركن والتحقيق أنها شرط لأن الشرط يوجد قبل العبادة ويستمر معها بخلاف الركن فأنه قد يكون في أول العبادة أو وسطها أو آخرها وهذا ما لا يتفق مع النية [طرح التثريب ج2 ص11، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص21، رحمه الأمة في اختلاف الأئمة ص14]. 3 - وأما منزلة النية فإنها عظيمة بل إن مدار العمل صحة وفسادا وقوة وضعفا على النية بل إن النية أصل عظيم من أصول الدين بل هي أصل كل عمل [شرح حديث إنما الأعمال بالنيات لابن تيمية ص10] ولهذا جعلها النبي صلى الله عليه وسلم شرطا لصحة العمل وحصر جميع الأعمال الصحيحة أو المقبولة بالنية فقال صلى الله عليه وسلم ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)). والأعمال تتنوع إلى فعل وقول وحركة وسكون وجلب ودفع وفكر وذكر وعادي وعبادي ولا يميز ذلك إلا النية [إحياء علوم الدين ج4 ص357] وأعظم ذلك الإخلاص الذي هو أصل الدين ومن أجله خلق الله الخلق وأرسل الرسل. "الحقيقة الثانية" "اعتبار القصد وترتب الأحكام عليه" "أن من عمل عملا ولم ينوه ولم يقصده لعارض كالنوم أو النسيان ونحو ذلك فإن هذا العمل لا يترتب عليه من الآثار والأحكام ما يترتب على من قصد العمل وأراده ولهذا فإنه لا يؤاخذ الناسي والمخطئ إذ أنه لم يقصد ما فعله ولكن ليس هذا على إطلاقه فإنه يفرق بين الخطأ في الأحكام وبين الإتلاف في الأموال والتعدي على الأنفس بقتل أو جرح، فإذا كان الخطأ أو النسيان في شيء من الأحكام التي لا تتضمن إتلافاً واعتداء فإنه معفو عن خطئه ونسيانه. وإنما تبقى عليه الإعادة. إذا كان النسيان حصل بسببه إتلاف مال لأحد لزمه ضمان فإن تعلق حكم الضمان بذات المال أقوى من تعلقه بالنية" [القواعد والأحكام الأصولية للبعلي ص15، الأحكام في أصول الأحكام للآمدي ج1 ص153]. "الحقيقة الثالثة" "الإيمان قول واعتقاد وعمل": الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح فلو حصل القول والعمل وتخلف الاعتقاد لم يكن الإيمان صحيحاً لقوله عليه الصلاة والسلام ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) ومحل النية القلب وعمل القلب الاعتقاد فإذا لم يعتقد القلب الإيمان بالله لم يكن هذا الإيمان صحيحاً ولو نطق بلسانه لقول الله تعالى {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] ذلك أنهم لم يعتقدوا بقلوبهم ما نطقت به ألسنتهم ولهذا يعد من ذهب إلى أن الإيمان قول باللسان وأن لم يحصل الاعتقاد بالقلب مبتدعا في الدين مخالفا لما دل عليه القرآن والسنة واعتقده سلف هذه الأمة [الملل والنحل ج1 ص145 - 154].

الحقيقة الرابعة "القصد يستلزم العلم بالمقصود" المراد من هذه الحقيقة أن من قصد إلى عمل وأراد القيام به فلابد أن يسبق ذلك العلم به سواء كان ذلك من أعمال القلوب أو أعمال الجوارح قال الله جل وعلا {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [محمد: 19] وذلك أن النية شرط في صحة العمل ولابد أن يسبق هذه النية العلم بالمنوي، وإلا كيف يتصور أن يكون عملا موافقا لمراد الشارع إذ أن التعبد على التوقيف فلابد أن يسبق العمل العلم قال الله تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] ميز الله بين من يعلم ومن لا يعلم بالحكم عليهم بأنهم لا يستوون ومن أبرز مظاهر التمييز بين العالم والجاهل صحة العمل الذي يوافق ما شرعه الله، وقال صلى الله عليه وسلم ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) وقال البخاري باب العلم قبل القول والعمل، وغير ذلك من الأدلة التي تقرر صحة هذه الحقيقة وأنها أصل أصيل في قواعد الدين. الحقيقة الخامسة: بطلان عمل من أراد بتكاليف الشريعة غير ما شرعت له". لا يجوز لأحد ممن يدين بالإسلام ويرضاه دينا أن يقصد إلى مخالفة ما أراد الشارع من شرع الأحكام وبهذا يغلق باب الحيل التي يقصد منها الاحتيال على أحكام الشرع [الموافقات في أصول الأحكام ج2 ص244] والتوصل بها لأغراض ومقاصد غير مشروعه سواء كانت هذه المقاصد تتناقض مع أصول الإيمان وقواعده أو تخالف المقصود من أحكامه وشرائعه فكل الحيل التي من هذا النوع صاحبها مذموم وقد يصل الذم به إلى أخراجه من دائرة الإسلام إذا كان احتياله على أصول الدين وأركانه الأساسية يدل لذلك نصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

1 - نصوص القرآن: قال الله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 8 - 9] فذمهم الله تعالى وتوعدهم وشنع عليهم مسلكهم الذي تظاهروا به وحقيقة أنهم أظهروا كلمة الإسلام إحرازا لدمائهم وأموالهم لا لما قصد له في الشرع من الدخول تحت طاعة الله على اختيار وتصديق قلبي. وبهذا المعنى كانوا في الدرك الأسفل من النار، وقال فيهم أنهم يخادعون الله والذين آمنوا وقالوا عن أنفسهم {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ} [البقرة: 14] لأنهم تحيلوا بملابسة الدين وأهله إلى أغراضهم الفاسدة، وقال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا} [البقرة: 228] إلى قوله {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أن الطلاق كان في أول الإسلام إلى غير عدد فكان الرجل يرتجع المرأة قبل أن تنقضي عدتها ثم يطلقها ثم يرتجعها كذلك قصدا فنزلت {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} ونزل مع ذلك {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229] الآية فيمن كان يضار المرأة حتى تفتدي منه، وهذه كلها حيل على بلوغ غرض لم يشرع ذلك الحكم لأجله [الموافقات ج2 ص281]، "وعذب الله أمة بحيلة أحتالوها فمسخهم قرده وسماهم معتدين وجعل ذلك نكالا وموعظة للمتقين ليتعظوا بهم ويمتنعوا من مثل فعلتهم" [المغني ج2 ص63]. قال الله تعالى {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163] فقوله تعالى: {كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}، أشارة إلى أن الله يبتلي المحتال على دينه وشرعه فيستدرجه من حيث لا يعلم ويزين له ما نهاه عنه أمعانا في تعزيره وابتلائه وهذا مثل قوله تعالى {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5] والمعنى لما مالوا عن الحق أمال الله قلوبهم عن الهدى [القرطبي ج7 ص305 ج18 ص82] وذلك أن الأعمال تابعة لمقاصدها ونياتها وأنه ليس للعبد من ظاهر قوله وعمله إلا ما نواه وأبطنه لا ما أعلنه وأظهره. 2 - النصوص من السنة: قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعها)). ((ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور)) ((ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)).

فهذه النصوص صريحة في تحريم الحيل ومنعها وأن فاعلها مستحق للعن لما يترتب عليها من المفاسد والمضار التي تتناقض مع ما قصده الشارع من مشروعية الحكم فآكل الربا ذمه الله لما يستحله بالتدليس والمخادعة فيظهر من عقد التبايع ما ليس له حقيقة، والواشمة والمستوشمة والمتشبهين من الرجال بالنساء والمشتبهات من النساء بالرجال لعنهم الله وذمهم لما ارتكبوه من التدليس والتلبيس وتغيير خلق الله. "وهذه الحيل تناقض سد الذرائع مناقضة ظاهره فأن الشارع يسد الطريق إلى المفاسد بكل ممكن، والمحتال يفتح الطريق إليها بحيله" [أعلام الموقعين ج3 ص171]. ومما تقدم تتقرر الحقيقة التي نحن بصددها وهي بطلان عمل من أراد في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له وهو أن يظهر عقدا حلالا يريد به محرما، مخادعة وتوسلا على فعل ما حرم الله واستباحة محظوراته أو إسقاط واجب أو دفع حق ونحو ذلك، فكل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة وكل من ناقضها فعمله باطل سواء كان ذلك يف الأمور الظاهرة كالصلاة والزكاة والصيام وسائر العقود أو الأمور الباطنة وهو ما يعود إلى النية والقصد وقد فصل القول في ذلك كله وأوضحه من أعطى جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا في قوله صلى الله عليه وسلم ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)). الحقيقة السادسة: "النية يقصد منها تمييز العمل وتمييز المعمول له" معنى هذه الحقيقة أن النية تتعلق بأمرين: 1 - تمييز العمل: أ- تمييز العادة من العبادة: كثير من العبادات تشبه العادات وتماثلها وذلك كالغسل للتبرد والغسل لرفع الحدث، ودفع المال أجرة أو صدقة أو زكاة، والسفر إما للجهاد أو السياحة أو طلب العلم وأمثال هذه كثير ولا يميز هذه الأمور ويفصل بعضها عن بعض إلا النية" [قواعد الأحكام ج1 ص207]. ب- تمييز رتب العبادات بعضها من بعض: العبادات متفاوتة في رتبها فمنها الفرض والنفل، والفرض منه ما يكون إيجابه من قبل الشارع ومنه ما يكون من قبل المكلف فما يكون قبل الشارع كالصلاة والزكاة، وما يكون من قبل المكلف كالنذر والكفارة. والنفل منه ما هو مقيد ومنه ما هو مطلق ولا يميز هذا التفاوت إلا النية فإذا قصد المكلف عبادة فلابد أن يميزها بالنية فرضا أو نفلا مطلقا أو مقيداً أو غير ذلك ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم وكل ذلك إلى النية فقال ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)). 2 - تمييز المعمول له: شرع الله من العبادات والتكاليف المالية والبدنية ما هو مركب في المال والبدن وهذه العبادات لا تكون قربه وعباده على الوجه الصحيح إلا إذا كانت خالصة موافقة لهدى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحقق هذا ويميزه إلا النية وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة وحمية ورياء فأي ذلك في سبيل الله:_ ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله))، تميز بهذا الحديث أهل الإخلاص من أهل الرياء وأصل ذلك النية فإذا نوى بعمله الله والدار الآخرة كان عمله صحيحا مثابا عليه لأنه قصد بالعبادة ما شرعت له وأن قصد بعمله الدنيا "مالا وجاها ومدحا وثناء وتعظيماً وغير ذلك" كان له ما نوى فبكذا يحصل التمييز بالنية بين عمل وعمل ومعمول له ومعمول له [انظر شرح حديث إنما الأعمال بالنيات لابن تيمية ص16، قواعد الأحكام ج1 ص207، الأشباه والنظائر للسيوطي ص8].

الحقيقة السابعة: "النية داخلة تحت الاختيار": وإذا كانت النية بهذه المنزلة التي مر إيضاحها في المباحث والحقائق السابقة وأن لها تأثيرا كبيرا في العمل فهو مرتبط بها صحة وفسادا فهل المكلف قادر على توجيه نيته وتحديدها أم أن النية أمر قهري لا سلطان للمكلف عليها ولا يستطيع التصرف فيها؟ فالجواب [الموافقات ج2 ص76] أن يقال بأن النية عمل القلب وعمل القلب مطاق للمكلف مقدور له داخل تحت الاختيار [إغاثة اللهفان ج1 ص156 - 159] فهو مأمور بإخلاص النية وتصفيتها وتحديد المقصود بها. ومنهي عن الاشتراك في النية وعدم تصفيتها وأن ينحرف بنيته إلى غير ما أمر به وهذه أمور باستطاعة المكلف وقدرته ولو لم يكن كذلك لكان الأمر بالإخلاص والنهي عن الإشراك تكليفا بما لا يطاق والله سبحانه وتعالى لم يكلفنا بما لا نطيق ولا نستطيع أن الله سبحانه يسر على خلقه فدفع عنهم ما فيه مشقة وحرج. قال تعالى {يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] وقال تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] [تفسير القرطبي ج5 ص148 - 149، ج12 ص100] وإذا فإن الإنسان قادر على تحدد نيته وتوجيهها وإخلاصها كما أنه قادر على صرف نيته عما لم يرد منه شرعا ذلك أن الله ركب في الإنسان العقل وجعل له أرادة واختيار وأبان له طريق الخير ووضحه له ودعاه إليه. ووعده على ذلك [تفسير النسفي ص693، 696] الأجر العظيم والثواب الجزيل كما أنبا له طريق الشر وحذره منه وتوعده على ارتكابه ورتب على ذلك العقوبة في الدنيا والعذاب في الآخرة وذلك بإرسال رسله وإنزال كتبه وبيان الحجة وأضاع المحجة قال تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] فالنية من أعمال المكلفين التي يطيقونها ويقدرون عليها وما على المكلف إلا الأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى أخلاص النية وذلك بالتعرف على الله في التأمل في بديع صنعه وعظيم نعمه وينظر في عظيم ثواب الطائع وعظيم عقوبة العاصي وينظر في الفوائد التي تعود عليه من الطاعات في الدنيا والآخرة فعند ذلك تنبعث النفس إلى القيام بطاعة الله صادقة مخلصة، وإذا كان الغالب على العبد أمر الآخرة وامتلأ قلبه بحب الله وخوفه ورجائه سهل عليه استحضار النية لأن قلبه مائل إلى الخير باستمرار. وإذا أخذ بالأسباب التي تصرفه عن طاعة الله فمال إليها وتعلق بها كان جزاؤه أن يحبها ويألفها فيصعب عليه أخلاص النية وترك المعصية قال تعالى {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: 5] وقال تعالى {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر: 8] فلا شك [إغاثة اللهفان ج1 ص83] إن الأخذ بأسباب المعاصي والذنوب يقسي القلوب ويضعف الإخلاص وكلما زادت المعاصي اشتدت قسوة القلب وابتعد عن طاعة الله ومما قيل في هذا المعنى: رأيت الذنوب تميت القلوب. وقد يورث الذل إدمانها. وترك الذنوب حياة القلوب. وخير لنفسك عصيانها [إعلام الموقعين] ً.

وإذا تقرر أن النية داخله تحت الاختيار وأن بإمكان العبد توجيه نيته إلى الخير أو الشر بمحض أرادته واختياره فليس في استحضارها مشقة ولا عنت كما يدعي ذلك بعض أرباب السلوك وقد نقل [إحياء علوم الدين ج4 ص362 - 364] الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين حكايات عن بعض السلف في تكلفهم النية وموقفهم عن العمل أيام حتى تحضرهم النية لذلك العمل فهذه الحكايات التي ذكرها أن صحت عمن نقلها عنهم فهي مجرد رأي خاص لا يعول عليه ولا يجعل قاعدة من قواعد الدين وهو تكلف [إغاثة اللهفان ج1 ص339، تفسير القرطبي ج15 ص231] لم يعرف مثله في استحضار النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد أصحابه ولم يكن معروفا ولا مشهورا بين السلف ولم يقم به أئمة هذه الأمة وعلماؤها المحققون فلا ينبغي أن يعول عليه ولا يلتفت إليه. وبعد ذكر هذه الحقائق السبع التي هي خلاصة ما مر في هذا البحث فمن المناسب ختمه بثلاث توصيات ينبغي أن يأخذ بها كل باحث وكاتب. التوصية الأولى: صحة النسبة والأمانة في النقل: لاشك أن كل باحث وكاتب بحاجة إلى الرجوع إلى كلام من سبقه والاستفادة ممن تقدمه من العلماء على اختلاف طبقاتهم الذين تزخر المكاتب الإسلامية بمفاخرهم ومآثرهم العظيمة وفي ثنايا البحث والتفتيش والتنقيب عن المسائل سيجد الباحث أمامه في المصادر التي يرجع إليها ما يشيع نهمته ويحقق رغبته فعليه حينئذ أن يعترف بالحق لأصحابه وأن ينسب الفضل لأهله قال تعالى في صفات عباده المؤمنين {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} الحشر: 10] [القرطبي ج8 ص31 - 32 - 33]. وعلى الباحث أذن أن يلتزم أمورا أهمها: 1 - دقة النقل: على الباحث أن يكون دقيقا فيما ينقله من كلام العلماء السابقين فإذا أراد أن يدلل على ما يقوله ويؤيده بكلام من سبقه فليكن دقيقا متفهما للكلام الذي يريد أن يؤيد به صحة ما يذهب إليه. 2 - صحة النسبة: وكما ينبغي على الباحث أن يكون دقيقا في نقله فإنه يتعين عليه أن يكن صادقا في نسبة الأقوال والمذاهب إلى أربابها وأن لا يكون متساهلا في ذلك فإن نسبة قول إلى غير قائله كذب وظلم والله سبحانه يقول {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ} [النحل: 105] فمن تعمد الكذب على أحد العلماء ليصحح قوله ويؤيد مذهبه فله نصيبه من هذه الآية. 3 - الأمانة في النقل: النقل إما أن يكون باللفظ أو أن يكون بالمعنى. وقد وضع لذلك اصطلاحات وقواعد يسلكها الباحثون في التمييز بين ما نقله باللفظ وبين ما نقله بالمعنى فعلى الباحث أن يكون عارفا بالقواعد والاصطلاحات التي تعينه على الأمانة في النقل. التوصية الثانية: لزوم الأدب وقصد بيان الحق: أن الباحث في أثناء البحث والتفتيش والتحقيق والموازنة وطلب الدليل سيجد أقوالا وآراء تخالف ما يذهب إليه وربما تكون في نظره مخالفة للدليل أو للقول الصحيح الذي يعلمه وهو لا ضير عليه أن يقول الحق ويبين الصواب ولكن يلزمه في أثناء الرد على القول المخالف: 1 - أن يلزم الأدب وأن يختار الأسلوب المناسب لمقام العلماء وأن يبتعد كل الابتعاد عن بذاءات اللسان وفحش القول وازدراء آراء الآخرين [تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم لابن جماعة الكناني ص41]. 2 - أن يحاول بيان الحق بدليله وأن لا يخفى شيئا من أدلة المخالف بل يعرضها بأمانة ونزاهة تامة ثم يرد عليها ردا يهدف فيه إلى قول الحق وبيانه [تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم ص30 و 42، وأخلاق العلماء لأبي بكر الآجري ص40 - 41 ط دار الكتاب العربي].

التوصية الثالثة: معرفة منزلة العلماء والاعتراف لهم بالفضل والابتعاد عن الغرور بالنفس على الباحث أن لا يلوم العلماء في اختلافهم وتعدد أقوالهم وتنوع اجتهاداتهم وأن يعلم أنهم خير الأمة [تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم لابن جماعة الكناني ص6 - 7 ط دار الكتب العلمية] وأفضلها قال تعالى {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ} [آل عمران: 18]. وقال تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28] وأن يعتقد أن العلماء العاملين المأمونين المقبولين عند الأمة لا يقصد أحد منهم مخالفة الدليل ولا يقول بخلافه ولكن هناك أسباب وأعذار جعلت علماء الأمة يختلفون في المسائل الفرعية. فقد يقول أحدهم قولا يخالف الدليل الثابت عن رسول الله أما: 1 - أن يرى أن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منسوخا. 2 - أن يعتقد أن قول الرسول ليس متناولا ولا داخلا في ما يقوله ويذهب إليه. 3 - أن لا يبلغه ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول بخلافه. وقد صنف شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك كتابا سماه "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" ضمنه الأسباب التي جعلت علماء هذه الأمة يختلفون في بعض المسائل الفرعية. وهو كتاب جليل نافع يكسب الناظر فيه علما بأسباب الخلاف. والحمد لله أولا وآخر وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الهجرة إلى بلاد غير المسلمين حكمها، ضوابطها وتطبيقاتها

الهجرة إلى بلاد غير المسلمين حكمها، ضوابطها وتطبيقاتها ¤عماد بن عامر£بدون¥دار ابن حزم - بيروت¨الأولى¢1425هـ€فقه¶هجرة - أحكامها بعد هذه الرحلة العلمية المباركة – إن شاء الله تعالى – وعقب هذا التجوال والتطواف الماتع بين فصول ومباحث المذكرة، والغوص في دقائقها، وعرض أقوال أهل العلم مؤصلة بأدلتها الشرعية، أكون قد وصلت إلى نهايتها وأجلها الذي قدر لها، ولم يبق لي إلا أن أسجل أهم النتائج التي توصلت إليها في أثناء البحث مقسمة بحسب موضوعاتها، وهاكم بيانها: في حقيقة الهجرة: 1. أن الهجرة تطلق لغة على الترك والانتقال ومجانبة الشيء، واصطلاحا يراد بها: (انتقال المسلم من بلد الفتنة والخوف على دينه إلى حيث يأمن على دينه). 2. أن الهجرة تنقسم إلى نوعين: هجرة معنوية: وتتمثل في اجتناب المحرمات – كترك الفحش من القول -، أو جفاء الإنسان لأخيه، أو ترك العمل بشرع الله – كجفاء القرآن وهجره -، أو الفرار إلى الله ... إلخ. وهجرة حسية: وتكون بمفارقة الأبدان تارة، وبمفارقة الأوطان تارة أخرى، ومثلنا لها بالهجرة إلى الحبشة والمدينة وهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الطائف. 3. من أهم الأحكام المستنبطة من الهجرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي: أ- مشروعية الفرار بالدين من أرض الظلم والفتنة. ب- جواز الاستجارة بالمشرك والدخول في حماه بشرط عدم الإخلال بأحكام الدين، أو إعطاء الدنية لهم. ج- أن المحافظة على الأديان مقدمة على المحافظة على الأبدان والأوطان ... إلخ. د- أن منزلة الهجرة في الإسلام عالية ورفيعة ... إلى غيرها من الأحكام. في تقسيم الدار: أولا: أن الدار تنقسم بحسب الاعتبارات إلى ما يلي: 1 - بحسب السلطة الحاكمة، والأحكام (القوانين) السائدة فيها: تنقسم إلى دار إسلام ودار كفر. أ- دار الإسلام: وهي نوعان: دار الإسلام حقيقة وحكما: وهي التي تخضع لسلطة المسلمين وتجري عليها أحكام الإسلام جريانا ظاهرا، ولا وجود لها الآن، إذ لم تتحقق إلا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين الأربعة وبعض الحقبات المتقطعة في تاريخنا الإسلامي. دار الإسلام حكما لا حقيقة: وهي التي تخضع لسلطة المسلمين وتجري عليها أغلب، أو بعض شعائر الدين، وتظهر فيها خصال كفرية أو فسقية، ما هو شأن أغلب الدول العربية اليوم، وهناك من يصطلح على تسميتها بدار الفسق أو دار الإسلام الفاسقة. ب- دار الكفر: وهي نوعان أيضا: دار الكفر حقيقة وحكما: وهي التي تخضع لسلطة الكفار، وتجري عليها أحكام الكفر جريانا ظاهرا، وانعدمت فيها مظاهر الدين الإسلامي تماما، وفقد فيها المسلمون صفة الأمان، كما هو شأن أغلب الدول الشيوعية سابقا، حيث بلغ انتهاك حرمات المسلمين فيها أوجه. دار الكفر حكما لا حقيقة: وهي دار الكفر الآمنة بالنسبة للمسلمين، كأغلب الدول الأوربية اليوم وهناك من يصطلح على تسميتها بدار الأمن أو دار العهد. 2 - بحسب قيام حالة الحرب أو الهدنة أو وجود الأمن وعدمه: فالدار تنقسم إلى دار سلم ودار حرب ودار عهد ودار حياد. ثانيا: أن دار الكفر ودار الحرب ودار الشرك ودار المخالفين تأتي بنفس المعنى عند القدامى، حيث كانوا لا يفرقون بينها. ثالثا: أن تقسيم الفقهاء للدنيا إلى دار إسلام ودار حرب ليس توقيفيا، وإنما هو وليد الواقع الذي عايشوه (حالة الحرب القائمة). في حكم الهجرة: 1. تحرم الهجرة إلى بلاد الكفر حقيقة وحكما إذا خشي المسلم على نفسه الفتنة في الدين أو النفس ... وتحمل جميع الأدلة التي يستفاد منها التحريم على هذه الحالة. 2. أن الأصل في التنقل والاستيطان الحل، وليس أرض بأفضل من أخرى في حق الإنسان، بل الأفضل له ما كان فيها أطوع لله ورسوله. 3. أن الهجرة تجري عليها الأحكام الفقهية الخمسة، وليس لها حكم واحد يعمم على جميع الناس، بل حكمها يختلف من شخص لآخر وبين ظرف وآخر: فتجب الهجرة من البلد غير الآمن، أو الذي فشت فيه المنكرات، أو لتعلم علم الشرع الضروري، أو لتحقيق مصالح للمسلمين، أو إذا طلبه الإمام ... ، وتحرم الهجرة إلى بلد الفتنة أو حيث ينتشر المنكر والفساد ... ، وتكره في حق من تحتف به الظروف أو ملابسات قد تؤثر سلبا على دينه أو ذريته كالزواج من غير مسلمة ... ، وتستحب في حق من يشتغل بالدعوة لدين الله، أو خدمة الجاليات المسلمة ... ، وتباح في حق من استوت عنده المفاسد والمصالح، كالهجرة للتكسب من الحلال - فوق الحاجة – أو السياحة ... ، ويشترط في حق من يهاجر لبلاد الكفر أن يحصن نفسه بالعلم الصحيح الذي يحجزه عن الشبهات، والدين الذي يمنعه من الشهوات.

الوساطة التجارية في المعاملات المالية

الوساطة التجارية في المعاملات المالية ¤عبدالرحمن بن صالح الأطرم£بدون¥مركز الدراسات والإعلام - دار إشبيليا¨الأولى¢1416هـ€فقه¶معاملات بنكية ومصرفية وتجارية الخاتمة وهي تلخيص لأبرز ما ورد في البحث، وذلك بما يلي: 1 - الأصل في المعاملات الجواز والصحة، ولا يحرم منها إلا ما ورد النص بتحريمه. 2 - الوساطة التجارية هي: عقد على عوض معلوم للوسيط، مقابل عمل يجريه بين طرفي، لا نيابة عن أحدهما. 3 - أبرز الألقاب المستعملة للوسيط: السمسار، والدلال، والمنادي، والصائح، والسفسير، والمبرطش أو المبرطس، والطواف، والنخاس، والبياع، والجلاس، والجليس، وأبرزها: لقب السمسار. 4 - أن وجه اختيار اسم (الوساطة التجارية): كونه شاملا لجميع الألقاب المذكورة، ولورود لفظ التجارة فيه، وهذا اللفظ له مزية لما ورد من تفضيل لفظ التجار على السمسار. 5 - مشروعية الوساطة مطلقا سواء قدرت بالزمن أو انتهاء العمل يسيرا كان أو كثيراً. 6 - الوساطة التجارية إذا قدرت بالزمن فهي إجارة لازمة لا يحق فسخها، ويصح حملها على الجعالة فتكون من باب العقود الجائزة. 7 - الوساطة المقدرة بالعمل عقد جائز يحق للطرفين فسخه. 8 - تفصيلات أحكام الوساطة لا تندرج تحت عقد واحد من عقود المعاملات بل تبنى على ما سبق في حالاتها وصفة العقد في كل حالة وعلى ما شابهها من الأحكام في أبواب الإجارة، والجعالة والوكالة. وبهذا ظهر أن الوساطة التجارية عقد مستقل في الجملة. 9 - أركان الوساطة هي: الصيغة، وعاقدا الوساطة (الموسط والوسيط)، والمتوسط فيه، والعمل، والأجرة. 10 - شروط الوساطة: - يشترط في الصيغة أن تكون مفهمة وأن يكون القبول على وفق الإيجاب وذلك في نوعي الوساطة، وأن يتصل الإيجاب بالقبول وذلك في الوساطة اللازمة. - يشترط في عاقدي الوساطة: التراضي: وأهلية الموسط والوسيط، والأهلية تكون بالعقل والتمييز. - يشترط في المتوسط فيه أن يكون مباحا، ومعينا، معلوما من بعض الوجوه وأن يكون العقد الذي تجري فيه الوساطة صحيحا. - يشترط في عمل الوسيط في الوساطة اللازمة أن يكون معلوما بتحديد الزمن أو انتهاء العمل. - يشترط في أجرة الوسيط ما اشترط في الثمن، بأن تكون مباحة معلومة مقدورا على تسليمها مملوكة للموسط. 11 - أن عقد الوساطة يصح بكل ما يدل عليه من دلالة لغوية أو عرفية استعملها الناس وأبانت عن مقصدهم سواء كان ذلك بلفظ أو إشارة أو إرسال أو معاطاة أو غير ذلك. 12 - لا تجوز وساطة الحاضر للبادي في البيع إذا قدم البادي لبيع سلعته بسعر يومها وكان جاهلا بالسعر فقصده الحاضر وكان بالناس حاجة إلى سلعته، ومثل ذلك بيع المقيم للقادم من أهل القرى والمدن الأخرى. وإذا تمت الوساطة بهذه الشروط فعقد البيع صحيح مع إثم الوسيط بذلك. ولا يستحق أجرا على وساطته. وأما الوساطة في الشراء فجائزة. 13 - يجوز للمسلم أن يكون وسيطا للكافر فيما كان مباحا، وكذا العكس. 14 - التصرف الذي يملكه الوسيط هو الدلالة والتقريب والإشهار للسلعة ولا يملك إمضاء العقد بمجرد عقد الوساطة إلا إذا كان وكيلا. 15 - حقوق العقد المتوسط فيه مثل استلام الثمن ومتابعة المستأجر ونحوها لا تلزم الوسيط إلا بدلالة عرف أو شرط. 16 - أن بيع المزايدة جائز، ويتولاه الوسيط غالبا، ولذا سمي عند بعضهم: بيع الدلال. 17 - يحرم النَّجْشُ، وهو زيادة من لا يريد الشراء لرفع ثمن السلعة. 18 - إذا حصل نجش، وتم البيع، فهو صحيح، وللمشتري الخيار. 19 - يجوز افتتاح المزايدة ممن لا يريد الشراء حسب العمل والعرف الجاري بما تقتضيه كلمة الافتتاح من البدء بالثمن. 20 - لا يجوز للوسيط أن يزيد لنفسه، ولا يكون شريكا لمن يزيد إلا بعلم الموسط.

21 - لا يجوز الاتفاق من جميع الحاضرين على ترك المزايدة، ويجوز من بعضهم. 22 - لا يلزم البيع من زاد إلا بعد التفرق. 23 - للمالك أن يفضل من شاء من الراغبين في بيع المزايدة ما لم يلزم البيع، أما الوسيط فلا يمضي العقد – إذا كان وكيلا – إلا لصاحب العطاء الأكثر. 24 - لا يضمن الوسيط في الوساطة المقدرة بالزمن، إذا اختص موسطه بمنافعه أثناء المدة. 25 - يضمن الوسيط في الوساطة المقدرة بالعمل، بشرط انفراده باليد، وألا يثبت بالبينة أن التلف بأمر غالب. 26 - إذا اختلف الموسط والوسيط في أصل عقد الوساطة، فالقول قول الموسط، 27 - إذا اختلفا في التلف فلا يقبل قول الوسيط. 28 - إذا اختلفا في دعوى التفريط والتعدي عمل بقول أهل البصر، وإلا لم يقبل قول الوسيط في نفيه. 29 - إذا اختلفا في دعوى الرد، فالقول قول الموسط. 30 - إذا اختلفا في مقدار الأجرة عمل بالعرف أو التسعير إن وجد، وإلا تحالفا. 31 - إذا اختلفا في دعوى التبرع، فالقول قول الوسيط، إذا كان معروفا أنه يعمل بالأجر. 32 - لا تسقط شفعة الوسيط فيما توسط فيه. 33 - تصح كفالة السمسار وضمانه لموسطه. 34 - يجوز للوسيط أن يستنيب غيره، إذا كان العقد واردا على ذمته، وانتفى قصد عينه، وإلا فلا. 35 - يجوز اشتراك الوسطاء فيما يكسبون، وهي من باب شركة الأبدان. 36 - تقبل شهادة الوسيط ما لم يشتهر بالحلف الكاذب، أو خلف الوعد. ولا تقبل شهادته فيما يتهم فيه. 37 - يصح تقدير عمل الوسيط بالزمن المحدد، أو بانتهاء العمل المعين. ويجوز الجمع بينهما في الوساطة الجائزة. 38 - أجرة الوسيط قد تكون عينا من نقد أو غيره، وقد تكون منفعة والعين قد تكون معينة، وقد تكون في الذمة. 39 - يحصل العلم بالأجرة برؤيتها، أو وصفها بما ينضبط. 40 - تجوز الأجرة بالنسبة، كالنسبة المئوية المعمول بها اليوم. 41 - لا تجوز أجرة الوسيط بما زاد عن المسمى للمتوسط فيه، ولا بجزء مما زاد، كأن يقول: بع بكذا فما زاد فلك، أو بيني وبينك. 42 - إذا ترك الأجر بدون تسمية، استحق الوسيط أجر المثل بشرط أن يكون عمله بإذن الموسط. 43 - يجب الأجر في الوساطة اللازمة بالعقد، ويستحق بتسليم الوسيط نفسه، ويستقر كاملا بمضي المدة. وفي الوساطة الجائزة: يجب بتمام العمل، تمام العمل يحصل بتمام العقد المتوسط فيه. 44 - إذا تم العمل عن طريق المالك أو عن طريق وسيط آخر، فإن الأول لا يستحق شيئا إلا إذا ظهر ما يدل على إرادة حرمانه. 45 - تكون أجرة الوسيط على من يحدده الشرط أو العرف، فإن لم يكن فهي على من وسطه، فإن وسطاه معا فهي بينهما. 46 - إذا باع الدلال شيئا من مال نفسه فإنه لا يستحق أجرة بمجرد كونه دلالا، إلا بشرط. 47 - لا يجوز للوسيط حبس العين التي عنده على استلام الأجرة، ولو حبسها فتلفت ضمنها، ويستحق الأجرة. 48 - إذا فسخ العقد المتوسط فيه فإن أجرة السمسار تسترد، بشرط ألا يدلس البائع، وأن يكون فسخ العقد بحكم حاكم، وأن يكون في الوساطة الجائزة. 49 - يستحق الوسيط في النكاح أجرا على وساطته، سواء كانت دلالة أو بحثا أو سعيا بين الطرفين. 50 - لا يصح فسخ الوساطة اللازمة ابتداء من أحد العاقدين، قبل تمام العمل، ويصح في الوساطة الجائزة، سواء قبل الشروع في العمل أو بعده وسواء فسخه الوسيط أم الموسط، ولا يستحق الوسيط شيئا ما دام أن العمل لم يتم. 51 - تفسخ الوساطة بسبب من الأسباب المعتبرة، كالموت، والعيب الذي يمنع الوسيط إتمام العمل، وتلف المتوسط فيه، والخوف العام، وبلوغ الوسيط إذا وقع العقد معه صغيراً. كما تفسخ الوساطة بفساد عقدها.

52 - اهتمام العلماء والمحتسبين بالحسبة على الدلالين تأليفا وتطبيقا، والعناية بتوجيههم وإرشادهم، والأخذ على أيديهم فيما يقعون فيه. 53 - انتشار تطبيقات الوساطة في شتى أنواع التعامل، كالتوسط في بيع السيارات، والعقارات، والأسهم، والاستيراد، وبيع الخضار والفواكه. وغير ذلك. 54 - أن أساس التعامل الواقع بين الناس اليوم في مزاولة الوساطة جار على أصول الشرع في مجمله، لكن يشوب ذلك منكرات وأخطاء تختلف قلة وكثرة من نوع إلى نوع. 55 - أهمية دراسة واقع المعاملات اليوم لربطها بالأحكام الفقهية، وبيان صحيحها من فاسدها، ولا يخفى أثر ذلك، في إرشاد الناس وتوجيههم، والعناية بأمرهم من قبل أهل العلم الذين تحملوا مسؤولية كبيرة في هذا الأمر. وفي ذلك أيضا تنبيه إلى ما يساور بعض المسلمين من شبهات بفصل أمور الدنيا عن الدين. وهي شبهات شيطانية كادها أعداء هذه الأمة، لإبعادها عن دينها، وقطع وشائجها بشريعة رب العالمين، فكان ما كان من هذا الانحراف والضلال الذي تشهده مجتمعات المسلمين اليوم إلا من رحم الله. والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا به. وبعد: فإني أرجو من الله التوفيق والتسديد فيما كتبت، وأسأله أن يرزقني حسن النية وإخلاص العمل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم إلى يوم الدين. تم بحمد الله

الوفاة وعلاماتها بين الفقهاء والأطباء

الوفاة وعلاماتها بين الفقهاء والأطباء ¤عبدالله بن صالح الحديثي£بدون¥دار المسلم - الرياض¨الأولى¢1418هـ€فقه¶موت - خاتمة - أعمال شاملة أو منوعة الخاتمة من خلال التتبع والدراسة للمراد بالوفاة وأماراتها، والموت ومتى يجزم بنزوله عند كل من المفسرين والمحدثين، وأهل اللغة والفقهاء، والأطباء؛ اتضح أن هناك قضايا ومسائل محل اتفاق بين الجميع. فهم يتفقون على التسليم بأن الوفاة هي: مفارقة الروح للبدن. وهم يتفقون – أيضا - على أن توقف القلب عن النبض، وتوقف النفس، وتوقف الدورة الدموية توقفا تاما لا رجعة فيه يقينا كاف للحكم بأن الشخص قد مات، لكنهم مختلفون في كيفية التوصل إلى هذه الحقيقة، وهذا اليقين. فقبل تقدم الطب وأبحاثه المتعلقة بالدماغ، ودقائق وظائفه، كان يكفي للحكم بالوفاة توقف القلب عن النبض، وتوقف التنفس. أما الآن: فإن مجرد حصول هذه الأمارات لا يكفي للحكم بالوفاة عند الأطباء. وعلى هذا فإن ما ذكره الفقهاء من أمارات وعلامات للوفاة أكثرها ظواهر تحدث للشخص بعد حصول وفاته وهي - في العادة – لا تحصل مع شخص بقي فيه حياة؛ خصوصا ما يذكرونه من علامات عند الشك في حصول الوفاة، كتغير الرائحة. وهذه الأمارات والعلامات أقوى دلالة على الوفاة، مما يذكره الأطباء من أمارات؛ لأن ما يذكره الفقهاء ما هو إلا ناتج عن أن الوفاة حصلت وتمت، وهي - في الغالب – أدلة وظواهر تدرك بالمشاهدة والحس، يشترك في معرفتها عموم الناس، فيجزم من يرى الشخص قد تغيرت رائحته بأنه ميت منذ فترة. ولعل الفارق بين الفقهاء والأطباء هنا: هو ما يجب أن ينتظر من الزمن. فمعلوم أن الأطباء يوافقون الفقهاء في التمييز بين الحي والميت بعد مرور زمن على حصول الوفاة، لكن الأطباء يحتاجون إلى معرفة اللحظة التي ينتقل فيه الإنسان من الحياة إلى ما بعدها. فيريدون معرفة اللحظة التي يفارق فيه الإنسان الحياة، ومتى يمكن تحديد إعلان الوفاة – ولا يزالون مختلفين في تحديد هذه اللحظة؛ خصوصا في بعض الحالات التي تستدعي استعمال أجهزة الإنعاش – وهذه اللحظة أقل أهمية عند الفقهاء فهم يعتبرون الشخص حيا – استصحابا للأصل – مهما حصل له من العوارض، حتى يحصل يقين بزوال حياته، وأن روحه فارقت جميع أجزاء بدنه. أما عن كيفية حصول مفارقة الروح للبدن، وعلاقة الروح بالبدن، فهذا سر من الأسرار، التي لا يعلمها إلا خالق الروح والبدن. {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85]. أسأل الله – عز وجل – أن يوفقني لحسن القول، وصالح العمل، فما ذكرته في ثنايا هذا البحث المقتضب، إنما أوردته على سبيل البحث والدراسة، لا على سبيل الجزم وتقرير الأحكام. والموضوع يحتاج إلى دراسة متعمقة، ومتابعة مستمرة من المختصين وطلبة العلم؛ لبيان الحكم الشرعي لما قد تتوصل إليه الأبحاث الطبية المتواصلة في هذا الموضوع وجوانبه. وإتماما للفائدة: ألحق بهذا البحث توصيات ندوة (الحياة الإنسانية، بدايتها ونهايتها) التي عقدت في الكويت في ربيع الآخر من عام 1405هـ. وقد اقتصرت في عرض تلك التوصيات على ما يتعلق بنهاية الحياة. والله من وراء القصد. وصلى الله على نبينا محمد

اليمين المشروعة واليمين الممنوعة

اليمين المشروعة واليمين الممنوعة ¤زاهر بن محمد الشهري£بدون¥دار إشبيليا¨الأولى¢1417هـ€فقه¶نذور وأيمان الخاتمة لقد تمت هذه الرسالة المختصرة، والتي يمكن تلخيص أهم نتائجها في النقاط التالية: أولا: خطر الشرك بقسميه الأكبر والأصغر، وأنه أعظم ذنب عصي الله - عز وجل - به {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. ثانيا: الحلف بغير الله - عز وجل - محرم وهو من الشرك الأصغر، وقد يكون من الشرك الأكبر إذا قام بقلب الحالف تعظيم المحلوف به كتعظيم الله تعالى. ثالثا: أن الشرك الأصغر أكبر من كبائر الذنوب كما أفتى بذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. رابعا: أن الألفاظ التي يحلف بها الناس منها ما هو جائز، ومنها ما هو محرم وشرك، ومنها ما يحتاج فيه إلى معرفة نية الحالف وقصده. خامسا: خطر الحلف بملة غير ملة الإسلام كاليهودية والنصرانية وغيرها. سادسا: كفارة من حلف بغير الله أن يقول: لا إله إلا الله وحده ثلاثا، ويتفل عن يساره ثلاثا، ويتعوذ بالله من الشيطان، ولا يعد إلى الحلف بغير الله. سابعا: أن من حلف له بالله - عز وجل - فيجب عليه أن يرضى، ومن لم يرض فليس من الله. ثامنا: التحذير من كثرة الحلف بالله - عز وجل - وأنه ينافي كمال التوحيد. تاسعا: خطر اليمين الغموس والتحذير من أخذها وسيلة لأكل الأموال وترويج السلع وكسب الخصومات والقضايا. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

اليمين والآثار المترتبة عليه

اليمين والآثار المترتبة عليه ¤عطية الجبوري£بدون¥دار الندوة الحديثة¨الثانية¢1406هـ€فقه¶نذور وأيمان خاتمة في نتائج البحث الذي يطالع هذا البحث يخرج بنتيجة هي أن اليمين لا يجوز بغير اسم الله سبحانه وتعالى أو بصفة من صفاته العلية وأن الحلف بسواه تعالى لا يجوز والشخص آثم مهما كان المحلوف فيه عظيما كالشرف والوطن وغيرهما. وكذلك اتضح أن اليمين تقسم إلى ثلاثة أقسام هي الغموس وتدعى بالفاجرة وهذه لا كفارة فيها وفيها المأثم وعلى الحالف أن يستغفر الله سبحانه وتعالى. والقسم الثاني هو اليمين اللاغية وهذه لا إثم فيها ولا كفارة. والثالث هو اليمين المنعقدة ولعل هذا هو المهم في البحث وأتضح أن الحالف إذا بر بها لا شيء عليه أما إذا حنث فيها فتلزمه الكفارة. وكذلك اتضح أن الكفارة في اليمين تختلف عن بقية الكفارات إذ الشخص مخير فيها ولا يلزمه الترتيب بل يخير بين الإطعام والإكساء أما الإعتاق فلا يوجد الآن وإذا تعذر عليه الأمر أن الأولان انتقل إلى الصوم. وكذلك اتضح لنا أن اليمين وسيلة من وسائل الإثبات وأنها تتوجه إلى المنكر وإذا نكل حكم عليه بالحق وأنه يجوز أن يقضي القاضي بشاهد ويمين وأن بعض الأمور المعتبر فيها قول المدعي مع يمينه وفي بعضها القول للمدعي عليه مع يمينه. أما القسامة فإنها أمر كان معروفا زمن الجاهلية ثم جاء الإسلام فأقرها. والحمد لله رب العالمين.

انتفاع الأموات من سعي الأحياء

انتفاع الأموات من سعي الأحياء ¤عامر عبدالله فالح£بدون¥دار ابن عفان - الخبر¨الأولى¢1418هـ€فقه¶وصول الثواب للميت الخاتمة: بعد أن تناولنا العبادات المالية والبدنية والتي ينتفع الميت بأدائها الأحياء له، هاهنا تنبيه هام يتعلق بهذا المبحث العام وهو أن تقرير هذا المذهب ملزم بالنسبة لأداء الكفارات والنذور والوصايا عن الأموات لهذه العبادات المالية والبدنية، وأما الإهداء فأقل ما فيه أنه جائز ولكنه ليس بمندوب كما قال ذلك الشيخ محمد بن صالح العثيمين في "المجموع الثمين" في إهداء قراءة القرآن للميت: لذلك ما نجده من عامة الناس من التفريط في أداء العبادات عن الأموات كالذبح والصلاة والصيام وغيرها من العبادات والتقليل من أهمية الدعاء للأموات فهذا خلاف هدي السلف رضوان الله عليهم، فهم لم يكثروا من أداء هذه العبادات عن الأموات بل كان أكثر ما يؤدونه عن أمواتهم هو الدعاء لهم والاستغفار كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف فهو أكمل وأفضل، هذا بالنسبة لإهداء هذه الطاعات للأموات أما الكفارات والنذور والوصايا والدين من العبادات فقد تقدم بيان مشروعيته وأنه تقرير لمذهب أهل السنة والجماعة. والحمد لله رب العالمين.

بدع القبور أنواعها وأحكامها

بدع القبور أنواعها وأحكامها ¤صالح بن مقبل العصيمي£بدون¥دار الفضيلة - الرياض¨الأولى¢1426هـ€فقه¶قبور - بدعها وما فيها من مخالفات الحمد لله أولا وآخرا ظاهرا وباطنا سرا وجهارا ليلا ونهارا، والصلاة والسلام على الرحمة المسداة والقدوة المهداة وعلى آله وصحبه وبعد: فقد يسر الله لي بحوله وطوله وجوده ولطفه ورحمته وكرمه وتفضله وإحسانه إتمام هذه الرسالة التي ما كانت لتتم لولا عطاؤه العظيم، وقد ظهر لي من خلالها بعض النتائج التي من أهمها: 1. خطورة البدعة على المسلم، وبأنها باب كل شر ومولج يخشى على صاحبه الخطر، وبأن البدعة يتفاوت حجمها، فكلما كبرت تعاظم شرها، وهي إما بدعة صغيرة أو بدع كبيرة، وبعضها قد أخرج صاحبها من الملة، وقذف به خارج حدود الديانة، وضمه إلى إبليس وحزبه، وبعضها أبقى صاحبها في دائرة الإسلام، وهو على خطر الانضمام إلى رجس الشيطان، كما ظهر لي الاختلاف في الحكم بين المبتدعة وبين متأول وعالم وجاهل، وكل يحكم عليه من خلال وصفه. 2. توصلت الرسالة إلى وجوب التفريق بين العمل والعامل، فقد يكون العمل شركيا وكفريا، لكن لا يحكم على صاحبه بالكفر والردة لوجود موانع ذلك كعدم قيام الحجة، فعلى طالب العلم ألا يتسرع في الحكم على ممارسي البدع، وإنما يحكم على أفعالهم، وإما على أشخاصهم فكل يحكم عليه بحسبه وبعينه. 3. ظهر من خلال هذه الرسالة أن بدع القبور من أخطر البدع التي ظهرت في التاريخ الإسلامي، بل وأثبتت الرسالة أن القبور ومظاهر تعظيمها في العالم الإسلامي ما هو إلا امتداد لجاهلية قديمة، وقد أوردت الرسالة نماذج هذا: كمسألة العكوف عند القبور والذبح لها ودعائها. وأثبتت بأنه امتداد لجاهلية ما قبل الإسلام. 4. توصلت الرسالة إلى الكيفية الشرعية للقبور التي جاء بها الإسلام، وظهر من خلالها بأن من تمسكوا بمنهجية الشريعة بصفات القبور في الإسلام قلة قليلة، وهكذا الإسلام لا يتمسك به إلا الصفوة. 5. توصلت الرسالة إلى أسباب افتتان الناس بالقبور، وظهر لها أسباب كثيرة، لعل من أخطرها دور وسائل الإعلام من صحافة وتلفاز في الترويج للبضاعة المزجاة، وهي عبادة القبور. وقد ورد في الرسالة نماذج من ذلك. 6. توصلت الرسالة إلى أهم البدع المنتشرة والمتفشية بالعالم الإسلامي وحذرت منها. 7. لعل أبرز ما في الرسالة أنها حاولت قدر المستطاع التعرض لشبه القبورية، وقامت بتفنيدها تفنيدا مدعوما بكلام أئمة السلف وعلى رأسهم شيخ الإسلام-قدس الله روحه-. 8. أثبتت الرسالة الجهود العظيمة التي بذلها شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله وقدس روحه-وجمعنا وإياه مع قدوتنا صلى الله عليه وسلم حيث ثبت كالجبل في وجوه أهل البدع، فلم تستطع أمواجهم وحيلهم وكيدهم ومكرهم أن تزعزعه أو أن تغيره عن موقفه، فوقف أمام جموعهم وأصناف بدعهم ينافح عن الوحيين ويذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، فعلى الأمة أن تنهل من معينه الصافي وعلمه المؤصل وعمله الدؤوب، ووسطيته. كما ظهر بالرسالة عظم ما قام به الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- والذي مازال خيره يعم وهداياه على الأمة تتجدد، ومنها كتبه العظيمة: كالتوحيد، وكشف الشبهات، كما ظهر من الرسالة الجهود المشكورة للعلماء والدعاة في شتى الصقاع والبقاع الذين بينوا خطورة البدع وعظيم شرها، كالإمام الصنعاني، والشوكاني وابن باز، وابن عثيمين، والكثير ممن لا أحصيهم، فجزاهم عن الإسلام خير الجزاء، وأجزل لهم من عظيم العطاء. وفي الختام هذا جهد مقل وعمل مقصر وجهد دخيل على العلم وأهله، يرجو نفعه ويؤمل حصول خيره ويعترف بضعفه وتقصيره، والله أعلم وأحكم. فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ وتقصير فمن نفسي والشيطان، فأستغفر الله وأستعيذ به من شر الشيطان ووساوسه إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. تمت هذه الرسالة في شهر شوال لعام 1423هـ.

بدل الخلو (بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة)

بدل الخلو (بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة) ¤محمد بن سليمان الأشقر£بدون¥دار النفائس¨الأولى¢1418هـ€فقه¶عقود مالية - خلو الرجل الخاتمة: 1 - للمالك أن يأخذ بدل الخلو إن أنشأ الخلو "أي بيع جزء من منفعة العقار" صريحاً، وذلك فيما جرى العرف بإنشاء الخلو فيه، وقد جرى العرف بإنشاء الخلو في الحوانيت دون المساكن. وينبغي في إنشاء الخلوات مراعاة شروط خاصة يرجع إليها في البحث. 2 - إذا اشترى المستأجر الخلو من المالك صريحاً ملكه، ويكون له حق القرار في العقار. ويدفع أجرة الجزء الآخر من المنفعة. ويجب تعديل تلك الأجرة بعد انتهاء مدة التعاقد الأصلية، لتلحق بأجرة المثل باستمرار، وللمستأجر بيع خلوه للمالك أو غيره، ويورث عنه. 3 - إذا أخذ مالك الحانوت من المستأجر مالاً سوى الأجرة لتمكينه من الحانوت دون تصريح بإنشاء حق الخلو، فهذا النوع مشتبه، والظاهر أن يكون خلواً يثبت به حق القرار. وللمستأجر حينئذ بيع الخلو، وأخذ بدله، ويورث عنه، ما لم يمنع من ذلك عرف أو قانون. 4 - في غير الصورتين المتقدمتين يجوز للمستأجر أخذ بدل خلو من المالك أو غيره إن كان ذلك أثناء المدة التعاقدية الأصلية. وأما بعد انتهائها فليس له أخذه، والحق للمالك في تجديد الإجارة أو استرجاع عقاره. فإن وجد قانون يمنعه من ذلك فالظاهر أن القانون لا يكون مشروعاً إلا في حالات الضرورة. وليس للمستأجر استغلال ذلك الوضع للحصول على بدل الخلو. 5 - الجدك "أو الأعيان الثابتة التي يضعها المستأجر متصلة بالعقار" لا تعطيه حق القرار في الوقف أو غيره، وبالتالي لا يحق له أخذ بدل الخلو بسبب جدكه، وله أن يبيعها للمالك أو المستأجر اللاحق بثمن المثل لا أكثر، لئلا يكون حيلة على أكل مال المالك بالباطل. والله أعلم.

بطاقة التخفيض حقيقتها التجارية وأحكامها الشرعية

بطاقة التخفيض حقيقتها التجارية وأحكامها الشرعية ¤بكر بن عبدالله أبو زيد£بدون¥مؤسسة الرسالة - بيروت¨الأولى¢1416هـ€فقه¶بطاقات بنكية - تجارية والخلاصة: أن "بطاقة التخفيض" المذكورة لا يجوز إصدارها، ولا حملها، ولا التعامل بها، وعلى كل مسلم ناصح لدينه، مشفق على نفسه والمسلمين أن يتقي الله – سبحانه – وأن يترك التعامل بها: إصداراً، أو اشتراكاً، وفي الحلال غنية عن الحرام، وقليل حلال خير من كثير حرام. ويجب على من بسط الله يده منعها من السوق حماية للمسلمين من التلاعب بعقولهم وأكل أموالهم بالباطل، وحماية لمكاسبهم مما حرمه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- والله أعلم.

بعض الأحكام المتعلقة بالحياة الزوجية

بعض الأحكام المتعلقة بالحياة الزوجية ¤عبدالعزيز بن محمد داود£بدون¥مجلة أضواء الشريعة¨العدد 12¢بدون€فقه¶حقوق الزوجين الخاتمة الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد: فهذه خاتمة نذكر فيها إن شاء الله تعالى موجزا لما تم بحثه في المواضيع السالفة الذكر نسأل الله تعالى أن يختم لنا بخير ويرزقنا حسن الخاتمة إنه على كل شيء قدير. فنقول وبالله التوفيق .. اشتمل هذا البحث على ما يأتي: أولا: أحكام النشوز- وتناولنا فيه هناك ما إذا كان النشوز من جانب المرأة وأنه يعالج أولا بالوعظ وذلك أن الزوج يخوفها بالله وبذكر ما أعد الله للزوجة المطيعة للزوج وما أعد للزوجة العاصية من أليم عقابه فإن صحت الأحوال واستقامت فالحمد لله وإن لم تستقم الأمور وأصرت المرأة على عصيانها وعدم القيام بحقوق زوجها انتقل إلى الهجر في المضجع فالهجر في المضجع له مغزاه وله أن يهجرها في الكلام ثلاثة أيام فإن استقامت الأمور فذلك. وإن لم ينجح هذا العلاج ارتقى بعده إلى الضرب غير الشديد وذكرنا أن يتجنب الوجه والمقاتل لأن المقصود منه التأديب والتوجيه لا الإيذاء والتشويه. وبهذا التدرج عرفنا كيف تدرج الإسلام في معالجة حال المرأة من الأسهل إلى الأصعب ولا شك أنه علاج ناجع إذا أراد الله التوفيق والسداد، قال تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}. وأما إذا كان الشقاق والنزاع من الزوج والزوجة وتبادل العصيان وعدم الانقياد وادعى كل واحد تقصير الآخر. فإن علاج القضية يتجاوز بيت الزوجية وينتقل إلى الحاكم، وذكرنا هنا أن الحاكم يبعث الحكمين واحداً من أقارب الزوج والآخر من أقارب الزوجة. قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا}. إما إذا كان النشوز من جانب الزوج وادعت المرأة تقصيره ذكرنا هناك أن الحاكم يلزمه بالقيام بحقوق الزوجة. كما ذكرنا هناك أن للمرأة أن تسقط بعض حقوقها نظير بقائها في ذمة الزوج متى رأت مصلحتها في ذلك. قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}. وذكرنا قصة سودة أم المؤمنين بالتفصيل وأنها وهبت يومها لعائشة رضي الله عن الجميع. ثانياً: الخلع – وبينا أنه من الأمور التي تعالج به حال المرأة الناشز وذكرنا هناك تعريفه وأدلة مشروعيته من الكتاب والسنة. وأن للمرأة أن تبذل ما أعطاها الزوج نظير فراقها وأنه يجوز لها أن تبذل أكثر مما أعطاها حلا للنزاع وقطعاً لدابر الخصومات. وذكرنا الخلاف في هذه المسألة والراجح. وبينا شروط الخلع وألفاظه أن المرأة تملك أمر نفسها بعد الخلع، بمعنى أنه لا يعود إليها الزوج مرة ثانية إلا برضاها وعقد جديد، إذا كان الخلع على طلاق دون الثلاث وكما بينا الخلاف في الخلع هل يعتبر طلاقا أو فسخا. وذكرنا الراجح وسبب الترجيح والنتيجة المترتبة على ذلك. وذكرنا أن الخلع يعتبر بينونة صغرى إذا كان على طلاق دون ثلاث. ثالثاً: الطلاق – وذكرنا تعريفه وأدلته من الكتاب والسنة، والحكمة من مشروعية وبينا سبب ذلك. ثم ذكرنا أن الطلاق تدور فيه الأحكام الخمسة، وتناولنا فيه كل واحد بالتفصيل مع ذكر الأدلة حسب الإمكان. وذكرنا الخلاف في وقوع طلاق السكران، وذكرنا أن الراجح عدم وقوعه، وذكرنا مستند ذلك، كما تناولنا الحديث عن طلاق الغضبان والتفصيل فيه. هذا وقد بسطنا القول في حكم طلاق المكره وذكرنا الخلاف فيما فيه من خلاف والراجح من الأقوال بدليله ثم تحدثنا عن طلاق السنة وطلاق البدعة وحكم وقوع الطلاق الثلاث بلفظ واحد والخلاف فيه مع ذكر الأدلة. كما تناولنا بالحديث ألفاظ طلاق الكناية والصريح والفرق بينهما وكذلك اليمين في الطلاق وفصلنا القول في ذلك وبينا حكم حل اليمين قبل وقوعه وأن ذلك ممكن على الراجح وبسطنا الأدلة في ذلك حسب الإمكان. رابعاً: الرجعة – وذكرنا تعريفها ودليلها من الكتاب ومن السنة، وأنها من محاسن الشريعة وأنواع المطلقات وشروط الرجعة كل ذلك بالتفصيل والدليل أو التعليل. وتحدثنا عن حكم الإشهاد على الرجعة والخلاف فيه وبينته وأن الراجح عدم وجوب الإشهاد وأنه يستحب وذكرنا ذلك. كما ذكرنا لمحة موجزة عن أنواع المعتدات لأن المقام يقتضيه إذ أن الزوجة الرجعية موضوع الحديث لابد وأن تكون في العدة. هذا عرض مجمل لأهم المواضيع التي تم مناقشتها في هذا البحث. مع أن هناك بعض المسائل التي لم نتعرض لذكرها في هذه الخاتمة وهي موجودة في البحث، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

بهجة الأسماع في أحكام السماع في الفقه الإسلامي

بهجة الأسماع في أحكام السماع في الفقه الإسلامي ¤علي بن ذريان بن فارس الحسن الجفري العنزي£بدون¥مكتبة المنار - الكويت¨الأولى¢1427هـ€فقه¶غناء ومعازف ونشيد الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد: من خلال بحثي لأحكام السماع في الفقه الإسلامي فإني – والحمد لله – توصلت إلى النتائج التالية التي استخلصتها من مادة هذا البحث وهي كالتالي: 1 - الاستماع للقرآن الكريم عبادة مستقلة يستحق بها المسلم الأجر والصواب. 2 - قراءة القرآن الكريم أفضل من الاستماع له في الأصل أما بالنسبة لحال القارئ أو المستمع فإن الاستماع أفضل من القراءة إذا كان حال المستمع باستماعه أفضل من حاله بقراءته. 3 - وجوب الاستماع والإنصات لقراءة الإمام في الصلاة على المأموم. 4 - سقوط قراءة الفاتحة عن المأموم بقراءة الإمام لها في الصلاة الجهرية ووجوب سماع المأموم لها وكراهة قراءته لها على الراجح. 5 - استحباب قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة السرية لعدم تحقق السماع في هذه الحالة على الراجح. 6 - استحباب قراءة الفاتحة للمأموم عند تعذر سماعها من الإمام لبعد أو غيره من الموانع على الراجح. 7 - جواز الفتح على الإمام من المأموم عند سماع الخطأ في قراءته على الراجح. 8 - عدم جواز فتح المأموم على غير إمامه عند سماع الخطأ في القراءة وبطلان الصلاة إن تكرر ذلك من المأموم على الراجح. 9 - عدم جواز فتح المأموم على من ليس في صلاة عند سماع الخطأ في قراءته وبطلان الصلاة بذلك على الراجح. 10 - جواز فتح من ليس في صلاة على المصلي عند سماع الخطأ في قراءته. 11 - الاستماع للقرآن الكريم خارج الصلاة حكمه الاستحباب على الراجح. 12 - استحباب سجود التلاوة للمستمع على الراجح. 13 - عدم سنية سجود التلاوة لسامع دون المستمع على الراجح. 14 - إذا سمع المأموم سجدة التلاوة من إمامه لبعد أو طرش وسجد الإمام وجب عليه متابعة الإمام في السجود. 15 - إذا سمع المأموم سجدة التلاوة من إمامه ولم يسجد الإمام لا يجوز سجود المأموم دون إمامه. 16 - إذا لم يسمع المأموم سجدة التلاوة من إمامه لبعد أو طرش وسجد الإمام وجب عليه متابعة الإمام في السجود. 17 - إذا سمع المأموم سجدة التلاوة من الإمام قبل الدخول معه في الصلاة ففيها حالتان: الأولى: إذا كان الإمام لم يسجدها بعد فإن المأموم يجب عليه السجود مع الإمام. الثانية: إذا كان الإمام سجدها قبل أن يدخل المأموم معه في الصلاة فلا يجوز له. 18 - جواز قراءة الإمام لآية السجود في الصلاة السرية على الراجح. 19 - إذا سجد الإمام في الصلاة السرية سجود التلاوة وجب على المأموم متابعته وإن لم يسمع على الراجح. 20 - إذا سمع المأموم سجدة التلاوة من غير إمامه فلا يجوز له السجود لها اتفاقا ولا يسجد لها بعد الصلاة على الراجح. 21 - إذا سمع المأموم سجود التلاوة من نفسه فلا يجوز له السجود لقراءة نفسه وتبطل صلاته بذلك. 22 - إذا سمع الإمام سجود التلاوة من المأموم فلا يجوز له السجود في الصلاة اتفاقا ولا بعد الفراغ منها على الراجح 23 - يشترط لصحة سجدة التلاوة من السامع والمستمع ما يشترط لصحة الصلاة. 24 - يشترط لصحة سجدة التلاوة من المستمع أن يكون التالي ممن تصلح إمامته للمستمع على الراجح. 25 - لا يسجد السامع بسماع سجدة التلاوة من غير الآدمي كالطيور المعلمة مثل الببغاء وكسماعها من الصدى. 26 - يتكرر سجود التلاوة على المستمع بتكرر سماعه لعدة آيات فيها سجدات مختلفة. 27 - إذا تكرر سماع سجدة التلاوة في المجلس الواحد واتحد المجلس فإن المستمع تكفيه سجدة واحدة على الراجح.

28 - إذا تكرر سماع سجدة التلاوة عند اختلاف المجلس حكما تكرر السجود لها. 29 - إذا تكرر سماع سجدة التلاوة عند اختلاف المجلس حقيقة تكرر السجود لها اتفاقا. 30 - استحباب ترديد السامع للأذان وعدم وجوبه على الراجح. 31 - قطع القراءة عند سماع الأذان لإجابته وكراهة الانشغال عنه بسواه. 32 - استحباب متابعة السامع للأذان وأن يقول كما يقول المؤذن إلا في الحيعلة فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله والتثويب فيقول: صدقت وبررت ـ على الراجح. 33 - تقديم سماع الأذان ومتابعة المؤذن على تحية المسجد عند دخول المسجد إلا الجمعة. 34 - حرمة الخروج من المسجد بعد سماع الأذان إلا لعذر على الراجح. 35 - استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد سماع الأذان. 36 - استحباب الدعاء بالدعاء المأثور بعد سماع الأذان وهو: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته). 37 - استحباب الدعاء بعد سماع الأذان. 38 - استحباب إجابة السامع للمقيم ومتابعته في الإقامة في قوله: (قد قامت الصلاة) فيقول: أقامها الله وأدامها. 39 - قيام المأموم للصلاة عند سماع الإقامة غير محدد بحد ومتروك لطاقة الناس ومقدرتهم على الراجح. 40 - استحباب المشي بسكينة ووقار عند سماع الإقامة ولا يسرع في المشي إلى الصلاة. 41 - إذا سمع الإقامة بعد شروعه في النافلة فهذه حالتان: الأولى: إذا لم يخش فوات الجماعة أتمها ولم يقطعها على الراجح. الثانية: إذا خشي فوات الجماعة قطعها ولحق بالجماعة على الراجح. 42 - وجوب الاستماع والإنصات لخطبة الجمعة وحرمة الكلام فيها إلا للإمام أو لمن كلمه الإمام على الراجح مع عدم بطلان الجمعة بخرق الاستماع فيها. 43 - استحباب تسكيت المتكلم في أثناء الخطبة بالإشارة لمن سمعه أثناء الخطبة. 44 - عدم جواز رد السلام وتشميت العاطس لمن سمعها في الخطبة على الراجح. 45 - عدم جواز الكلام في أثناء الخطبة عند تعذر السماع لها لبعد أو غيره إلا أن للعبد أن يشتغل بالذكر سرا لا جهرا على الراجح. 46 - جواز قطع الاستماع والإنصات للخطبة إذا كانت هناك ضرورة داعية لذلك كتحذير ضرير أو إرشاد مسلم. 47 - استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع ذكره في الخطبة في نفسه دون الجهر بذلك إدراكا للفضيلتين. 48 - استحباب الاستماع لخطبة العيدين وعدم وجوبه. 49 - استحباب الاستماع لخطبة الكسوف – عند من قال باستحباب خطبة الكسوف (الشافعية). 50 - استحباب الاستماع لخطبة الاستسقاء وعدم وجوبه عند من قال باستحباب الخطبة في الاستسقاء (الجمهور ما عدا أبا حنيفة) ز 51 - استحباب الاستماع لخطب الحج وعدم وجوبه وهي: - خطبة سابع ذي الحجة. - خطبة عرفة (تاسع ذي الحجة). - خطبة يوم النحر (عاشر ذي الحجة) - خطبة حادي عشر من ذي الحجة. - خطبة ثاني أيام التشريق. 52 - وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع ذكره على الراجح. 53 - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء وعند سماع ذكره يترتب عليها فضائل كثيرة منها: 1 - صلاة الله عشرا على من صلى عليه صلى الله عليه وسلم. 2 - رفع الدرجات وحط الخطيئات لمن صلى عليه صلى الله عليه وسلم. 3 - شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن صلى عليه صلى الله عليه وسلم. 4 - ذهاب الهموم ومغفرة الذنوب لمن صلى عليه صلى الله عليه وسلم. 54 - جواز الاستماع لصوت المرأة وأن صوت المرأة ليس بعورة مع مراعاة الضوابط التالية: 1 - عدم رفع صوتها بحضرة الرجال الأجانب لغير حاجة. 2 - عدم تليين صوتها والخضوع بالقول والتمايل في الحديث. 3 - عدم تنعيم صوتها وتلحينه بحضرة الأجانب.

55 - عدم جواز الأذان من المرأة وعدم جواز سماع الرجال لأذانها خشية الافتنان بها. 56 - كراهة رفع المرأة صوتها بالتلبية إلا بمقدار ما تسمع نفسها أو رفيقها. 57 - الاستماع لحديث الآخرين بغير رضاهم من التجسس المحرم. 58 - جواز قتل الجاسوس الحربي والجاسوس الذمي والمستأمن إذا رأى الإمام ذلك. وأما الجاسوس المسلم فإن كان تجسسه لحساب الكافرين فإن عقوبته التعزير ويترك تقديرها للإمام أو نائبه فيما يراه مصلحة للمسلمين فيجوز للإمام قتله سياسة وإن كان تجسسه على المسلمين في ديارهم وليس لأجل الكافرين فعقوبته التعزيز إما بحبسه أو ضربه أو تغريمه أو غيره مما يردعه عن مثل هذا الأمر ز 59 - جواز التجسس والتصنت على الكفار في الحرب لمعرفة عددهم وعتادهم وخططهم ومكائدهم. 60 - عدم جواز تجسس ولي الأمر على الرعية إلا إذا كان في ترك التجسس انتهاك حرمة يفوت استدراكها فيجوز له في هذه الحال التعسس والتنصت للمصلحة ويسمى في هذه الحالة تعسسا لا تجسسا. 61 - عدم جواز تجسس المحتسب إلا إذا كان ظهرت المحظورات أو كان في ترك التجسس انتهاك حرمة يفوت استدراكها. 62 - حرمة سماع الغيبة والجلوس غليها ويجب على المستمع الرد عن عرض أخيه مع إعراضه عن سماع الغيبة فإن لم يستطع خرج من مجلس الغيبة ولم يجلس فيه. 63 - يجوز سماع الغيبة في حالات وهي: 1 - التظلم 2 - الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب 3 - الاستفتاء 4 - استحباب تحذير المسلمين وفيه وجوه: - جرح المجروحين من الرواة للحديث والشهود. - الإخبار عن الغائبين عند المشاورة في الزواج وغيره. - النصح عند شراء سلعة فاسدة لا يعلمها المشتري - التردد على المبتدع والفاسق للتحذير من بدعته وفسقه - أن تكون له ولاية ولا يقوم بها على وجهها 5 - المجاهر بفسقه وبدعته 6 - التعريف كأن يكون معروفا بلقب كالأعمش والأعرج وغيره 64 - وجوب رد السلام على من سمعه وإن كان المستحقون جماعة كان الرد واجبا كفائيا يسقطه الرد أحدهم. 65 - رد السلام من الصبي غير واجب عليه إذا سمعه. 66 - إذا سلم على جماعة منهم صبي فرد الصبي السلام فلا يسقط فرض السلام عنهم على الراجح. 67 - إذا سلم الصبي وجب رد السلام على من سمعه على الراجح. 68 - وجوب رد السلام من المرأة على مثلها إذا سمعته. 69 - جواز رد السلام على المرأة إذا سمع سلامها إن كانت عجوزا لا يخشى الافتتان بها وكراهة ردها إذا سمعته. 70 - كراهة رد السلام على المرأة إذا سمع سلامها إذا كانت شابة يخشى الافتتان بها وكراهة ردها إذا سمعته. 71 - كراهة رد السلام على الفساق وأصحاب الكبائر والمجاهر بقصد زجرهم وتأديبهم. 72 - وجوب رد السلام على أهل الذمة ويقتصر في الرد عليهم بقول (وعليكم) أو (وعليك) – على الراجح. 73 - رد السلام لمن سمعه أقله أن يقول (وعليك السلام) أو (وعليكم السلام) والحد الواجب أن يرد عليه مثل تحيته والمستحب أن يزيد عليها (ورحمة الله وبركاته). 74 - كراهة رد السلام بالإشارة أو تحريك الرأس لمن سمعه مع قدرة السامع على الكلام. 75 - رد السلام على الأخرس يكون باللفظ وعلى الأصم يكون باللفظ والإشارة لإفهامه. 76 - يسقط رد السلام على من سمعه في الأحوال التالية: أ- عند قضاء الحاجة. ب- إذا كان نائما أو ناعسا ج- إذا كان مشغولا بأكل واللقمة في فمه د- إذا كان في صلاة أو أذان أو حال الخطبة. هـ إذا كان مشغولا بقراءة القرآن والدعاء والذكر والتلبية. وإذا كان مشغولا بالجماع. 77 - تشميت العاطس عند سماع عطاسه فرض على الكفاية على الراجح. 78 - إذا لم يسمع المشمت قول العاطس (الحمد لله) ففيها صور:

الأولى: إذا لم يحمد العاطس بعد عطاسه فلا يشمت ولا يستحق التشميت. الثانية: إذا حمد العاطس ولم يسمعه المشمت وإنما سمع من شمت عطاسه فإنه يشرع له التشميت ولا يجب على الراجح. الثالثة: إذا لم يسمع المشمت حمد العاطس ولم يسمع من يشمته استحب له أن يذكره الحمد على الراجح. الرابعة: إذا لم يحمد العاطس بعد عطاسه ولكن أتى بلفظ آخر غير الحمد فإنه لا يشمت ويذكر بما يقول. 79 - كراهية تشميت الرجل للمرأة الشابة التي يخشى الافتتان بها عند سماع عطاسها وكراهية تشميت المرأة الشابة للرجل إذا سمعت عطاسه وكراهية ردها على من شمتها. 80 - جواز تشميت الرجل للمرأة العجوز التي لا يخشى الافتتان بها وجواز تشميتها له وردها عليه. 81 - كراهية تشميت المسلم للكافر إذا سمع عطاسه وحمده وإنما يدعو لهم بالهداية يقول (يهديكم الله ويصلح بالكم). 82 - إذا تكرر العطاس وجب التشميت حتى بلوغ الثالثة فيدعو له بالشفاء. 83 - استحباب رد العاطس على التشميت بقوله (يهديكم الله ويصلح بالكم) أو (يغفر الله لنا ولكم) – على الراجح 84 - كراهية تشميت العاطس إذا سمع عطاسه وهو في الخلاء وكراهية الرد على المشمت وهو في الخلاء. 85 - استحباب التسبيح عند سماع الرعد وقوله (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته). 86 - استحباب سؤال الله من فضله عند سماع صياح الديك. 87 - استحباب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند سماع شهيق الحمار ونباح الكلب. 88 - استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الله عند طنين الأذن. 89 - كلمة (الموسيقى) كلمة عامة وليست مصطلحا شرعيا يتعلق به حل وحرمه وإنما يرجع إلى تكييفها والحل والحرمة يتعلقان بالآلة. 90 - تحريم سماع مطلق الآلات فيه نظر وإباحة سماع مطلق الآلات فيه نظر فالآلات منها المحرم ومنها المباح. 91 - تحريم سماع المعازف والمزامير (وكراهية مزمار الراعي) وطبل الكوبة على الراجح. 92 - إباحة ضرب الدف وسماعه وطبل الحرب ونحوهما وإطلاق الدف دون تقييده بنوع دون آخر. 93 - إطلاق جواز الدف في الأعراس وغيرها والأعياد وغيرها ومن النساء والجواري. 94 - جواز ضرب الرجال للدف لإطلاق النصوص وعدم ورود المنع مع كراهة مداومة الرجل عليه أو اتخاذه صنعة لأنه من عادة النساء وخواصهن. 95 - لا فرق بين إخراج صوت الدف من آلة أو غير هـ فالعبرة بصوت الدف. 96 - إقرار أن اليسير مغتفر من حرمة المعازف وما كان يصعب التحرز عنه ولم يكن مقصودا. 97 - إباحة سماع الأصوات الموسيقية الصادرة من غير الآلات والمعازف المحرمة كالتي تصدر من صوت الإنسان وغيره. 98 - التسامح في سماع الأطفال للآلات الموسيقية قياسا على لعبهم وأمنا عليهم من الفتنة وارتفاع التكليف عنهم. 99 - إباحة سماع بعض الأصوات المشابهة لبعض الآلات كمزمار السيارة وأجراس المدارس للحاجة إليهما في التنبيه. 100 - الحكم على مطلق الغناء بالحل أو الحرمة غير صحيح لأن الغناء أنواع وأبرزها: 1 - غناء المسافرين 2 - غناء المجاهدين 3 - غناء العمل 4 - غناء الأطفال 5 - غناء الأحزان والنياحة 6 - غناء الأعياد والأعراس. 101 - ينقسم الحكم على الغناء إلى ثلاثة أقسام: 1 - الغناء المتفق على جوازه وهو غناء الأعياد والأعراس. 2 - الغناء المتفق على حرمته وهو غناء النياحة إلا ما تناول محاسن الموتى دون تهييج للمصيبة ودون أن يؤدي إلى شق الجيوب ولطم الخدود. 3 - الغناء المختلف فيه هو غناء العشاق والمحبين وفيه النتائج التالية: • الاتفاق على حرمة الغناء الفاحش وهو المحتوي على الكلمات الفاحشة أو المهيجة للشهوات وكان الافتتان به ظاهرا بينا.

• ترجيح كلام الغزالي في هذا الشأن وهو أن الأصل في الغناء الجواز إلا أن له خمسة عوارض تمنع جوازه وهي: - عارض في (المسمع) أو المغني كالمرأة التي لا يحل النظر إليها ويخشى الفتنة من سماعها. - عارض في (الآلة) بأن تكون من شعارات أهل الباطل والشرب وهي الآلات المحرمة من الأوتار والمزامير وطبل الكوبة. - عارض في (المستمع) وهو أن تكون الشهوة غالبة عليه. - عارض في (الكلمة الملحنة) وهو الشعر فلا يكون فيه شيء من الفحش والهجو والكذب والخنا وما كان فيه وصف امرأة بعينها فلا يجوز وصف المرأة بين الرجال. - أن يكون الشخص من عوام الخلق ولم يغلب عليه حب الله تعالى فيكون السماع له محبوبا ولا غلبت عليه الشهوة فيكون السماع له محظورا ولكنه أبيح له كسائر أنواع اللذات المباحة إلا أنه إذا اتخذه ديدنه وقصر عليه أكثر أوقاته فهو السفيه الذي ترد شهادته. 102 - إن حكم الغناء المجرد عن الآلة متعلقة بالكلية المنقولة فيه وبالحالة التي يكون عليها فإن كانت الكلمة مباحة والحالة مباحة فيباح الغناء واستماعه وإن كانت الكلمة ممنوعة أو الحالة التي يكون عليها الغناء ممنوعة فيمنع الغناء واستماعه وعلى هذا تحمل أدلة المحرمين والمجوزين وتوجه. 103 - حكم سماع الشعر كحكم سماع الكلام والمنع والإباحة تتعلقان بحكم الكلام المنقول أو المسموع فما كان موافقا لقواعد الدين وأحكام الشريعة فهو مباح نظمه واستماعه وما كان مخالفا لقواعد الدين وأحكام الشريعة فهو ممنوع نظمه واستماعه. 104 - سماع الشعر في المسجد حكمه الجواز في الأصل إلا إذا كان مشتملا على هجاء أو سب أو وصف للنساء أو مدح ظالم أو افتخار منهي عنه فيمنع. 105 - كراهة الامتلاء والإكثار من الشعر ومن الاستماع إليه. وختاما .. أحمد الله تعالى حمدا كثيرا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ... وأسأله تعالى بفضله الكريم أن يتقبل مني هذا العمل المتواضع وأن ينفع به المسلمين وأن يغفر لي زلاتي ويجازيني بالإحسان إحسانا وبالخطأ والزلل عفوا وغفرانا .. فصوابي فضل من الله وحده ... وزللي مني ومن الشيطان ... إن تجد عيبا فسدا الخللا جل من لا عيب فيه وعلا وصدق من قال: من عاب عيبا له عذر فلا وزر ينجيه من عزمات اللوم متئرا وإنما هي أعمال بينتها خذ ما صفا واحتمل بالعفو ما كدرا وآخر دعوانا الحمد الله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

بيان الحجة في حكم استعمال الذهب والفضة

بيان الحجة في حكم استعمال الذهب والفضة ¤عبدالرحمن بن محمد الهرفي£بدون¥دار الذخائر¨الأولى¢1419هـ€فقه¶طهارة - آنية وجلود نتائج البحث 1ـ أن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة محرم لا يجوز البتة ولا يحل التحايل على الشرع المطهر. 2ـ أن لبس الذهب والفضة جائز للنساء مطلقا سواء كان محلقا أو غير محلق، ويحرم منه ما كان على شكل صنم أو به صورة منحوتة. 3ـ أن لبس الفضة جائز للرجال إلا ما كان على وجه التشبه بالنساء فهو محرم قطعا. 4ـ لا يجوز للرجال خاتم الذهب إجماعا. 5ـ المموه بالذهب والفضة جائز للرجال والنساء سواء لبسه أو أكل فيه أو شرب، لعدم تناول النهي له بشرط أن لا يخرج منه شيء إذا عرض على النار، والأفضل ألا يأكل ولا يشرب فيه. 6ـ أن لبس الرجال للذهب جائز إن كان يسيرا وهو أربعة أصابع أو دونه ولا يكون على وجه مشابهة النساء ويكون تابعا غير أصل. 7ـ كل ما يحتاج إليه من الذهب والفضة جائز وأجمع العلماء على الأنف والسن. 8ـ يجوز للرجال تحلية السيوف وآلات الحرب بالذهب والفضة لقهر عدو الله وبيان العزة والقوة. 9ـ يجوز تحلية كتب العلم والمصاحف من الخارج دون كلام الله حتى لا يشغل 10ـ يحرم بناء أبواب المساجد بالذهب وكذا تزيينها ويجب إزالته إلا إذا لم يكن جمع شيء منه لو أزيل والكعبة ـ شرفها الله ـ من باب أولى 11ـ يصح الوضوء من آنية الذهب والفضة ولا يحرم. 12ـ لا يصح التيمم بالذهب والفضة. 13ـ يجوز التداوي بالذهب والفضة إذا ثبت نفعها وعدم الضرر. 14ـ يجوز استعمال واتخاذ الذهب والفضة سواء على شكل آنية أو أقلام أو نحوها. 15ـ ويجوز استعمال واتخاذ الجواهر النفيسة للجنسين مطلقا إلا ما كان فيه تشبه من الرجال بالنساء وفي النفس من الأكل والشرب بها شيء ولو قيل بالمنع لكان أولى. هذا والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله وأصحابه وسلم.

بيع التقسيط تحليل فقهي واقتصادي

بيع التقسيط تحليل فقهي واقتصادي ¤رفيق يونس المصري£بدون¥دار القلم - دمشق¨الأولى¢1410هـ€فقه¶عقود مالية - بيوع تقسيط وآجل الخاتمة 1 - بيع التقسيط نوع من البيع المؤجل، يقسط فيه الثمن أقساطا متعددة، كل قسط وله أجل معلوم، وقد كثر انتشاره في عصرنا هذا. 2 - لم يفرد الفقهاء القدامى كتابا أو بابا لبيع التقسيط، لكنهم تكلموا عنه في ثنايا مباحثهم الفقهية. 3 - بيع التقسيط فيه فائدة لكل من البائع والمشتري، فالبائع يزداد في الثمن، والمشتري يحصل على المبيع قبل تمكنه من دفع الثمن كاملا. فهو بيع ائتماني (= تمويل)، والائتمان فيه هو نوع من الائتمان المباشر (لا وسيط فيه). 4 - يجب ألا يتجاوز المشتري قدرته على السداد في الآجال المضروبة للأقساط المختلفة، كي لا يعجز عن السداد، مع ما يؤدي إليه هذا من أوضاع غير مرغوب فيها، ولا سيما إذا كان الدائن غير مسلم. 5 - يجب ألا يشتري بالتقسيط إلا من كان عازما على السداد، بالإضافة إلى كونه قادرا عليه. وعلى البائع أن يتأكد من هذا، ما لم يقصد الإرفاق والمسامحة. 6 - يقوم المصرف المركزي بالرقابة الائتمانية على بيع التقسيط، وتشمل هذه الرقابة: الدفعة المعجلة، ومدة التقسيط، ومعدل زيادة الثمن لأجل التقسيط. 7 - ساعد على انتشار بيع التقسيط قيام منشآت وسيطة تدفع القيمة نقدا إلى البائع، وتقسطها على المشتري. 8 - يجب التفريق بين بيوع التقسيط (= بيوع الأجل) وبيوع الآجال (= بيوع العينة)، فالأولى جائزة والثانية ممنوعة، لأنها حيل ربوية محرمة، فلا يجوز اتخاذ الأولى ذريعة إلى الأخرى. 9 - لا يجوز اتخاذ بيع التقسيط ذريعة إلى التورق، ولا سيما إذا اتخذ هذا التورق شكل نظام معروف، بحيث يشتري المشتري بثمن مقسط، ليبيع، بثمن نقدي، ما اشتراه، إلى إحدى المنشآت التابعة للبائع. 10 - قد يتم التحايل على بيع التقسيط ببعض الحيل، مثل البيع الإيجاري (= الإيجار المنتهي بالتمليك) الذي يتحيل به البائع بغرض عدم نقل الملكية إلى المشتري إلا بعد سداد الأقساط كلها، أو مثل بيع التقسيط مع شرط الاحتفاظ بالملكية. وربما يخطر في البال أن بيع التقسيط يغني عن البيع الإيجاري (وعن بيع التقسيط مع شرط الاحتفاظ بالملكية) حيث يمكن رهن المبيع نفسه رهنا غير حيازي. لكن هذا البديل بالنسبة للباعة لا يشكل بديلا كاملا، فالبيع الإيجاري، وشرط الاحتفاظ بالملكية، يقدمان لهم ميزات لا تتوافر في الرهن المذكور. 11 - إذا جاز رهن المبيع نفسه، فمن الجائز كذلك أن يشترط البائع على المشتري، في بيع التقسيط، عدم التصرف بالمبيع إلا بعد استيفاء الأقساط كلها. 12 - ومن الحيل القريبة من البيع الإيجاري، ما يعرف اليوم بـ "التمويل الإيجاري "، وهو غير جائز أيضا، لما ذكرناه في البيع الإيجاري، ولسبب آخر هو أن السلعة يؤجرها المؤجر قبل أن تدخل في ملكه (= إيجار قبل الشراء). وإذا أجريت هذه العمليات على أساس المواعدة، وكانت المواعدة ملزمة، فالحكم لا يتغير، لأن الوعد بالبيع، إذا كان هذا الوعد ملزما، فهو بيع. وكذلك الحكم على بيع المرابحة للآمر بالشراء، إذا كانت المواعدة فيه ملزمة. 13 - تأجيل الثمن جائز إذا كان المبيع ليس ثمنا، فتبادل ثمن بثمن صرف لا يجوز فيه الأجل. 14 - بيع التقسيط مباح إذا عقد بزيادة في الثمن (= معاوضة كاملة)، ومستحب إذا عقد إرفاقا بالمدين بدون زيادة عليه في الثمن للأجل (= معاوضة ناقصة)، أو بدون طلب رهن أو كفالة. 15 - إذا لم يبع إلا بالتقسيط، فهو جائز، ما دام البائع لا يتخذ هذا ذريعة إلى بيوع العينة، أي بيوع الآجال (= الحيل الربوية).

16 - بيع التقسيط قد يشتبه بالربا المحرم، لما فيه من نساء (= أجل) وفضل (= زيادة)، وقد أزلنا هذا الاشتباه بأدلة متعددة تراجع في مواضعها. 17 - بيع التقسيط أثبتنا جوازه في السلع المثلية، فصار جوازه في السلع القيمية أولى. 18 - الزيادة في بيع التقسيط لأجل النساء جائزة عند جمهور الفقهاء، وقد نقلنا عددا من عباراتهم، مع بيان مصادرها من كتب الفقه على المذاهب المختلفة. 19 - إننا نميل، مع بعض العلماء، إلى جواز الحطيطة للتعجيل، ميلنا، مع جمهور العلماء، إلى جواز الزيادة للتأجيل، ما دام هذا بين البائع والشاري، بدون وسيط بينهما، كالمصرف في خصم الأوراق التجارية، أو في المرابحة ذات المواعدة الملزمة. 20 - دافعنا عن جواز الحطيطة للتعطيل بأدلة مختلفة عن أدلة ابن القيم، لما رأيناه من ضعف أدلته. 21 - وكذلك عرضنا لبعض الاستدلالات التي رأيناها خاطئة في إثبات جواز الزيادة في الثمن المقسط. 22 - الزيادة في الثمن لأجل الزمن، كما ذكرنا، جائزة. ولكن الزمن ليس إلا أحد مسوغات هذه الزيادة، فهناك مسوغان آخران: المخاطرة، والخدمة (=العمل). 23 - الزيادة لأجل الزمن تلحق البدل المؤجل في البيع: الثمن إذا كان البيع بيع نسيئة، والمبيع إذا كان البيع بيع سلم. وبيع السلم هو نظير بيع النسيئة. 24 - ثمة صور غير جائزة في بيع التقسيط، ذكرنا بعضها. 25 - لم يكتف بإثبات جواز الزيادة في بيع التقسيط بالأدلة. بل قمنا أيضا بالرد على الآراء المخالفة، لأجل المزيد من الاطمئنان. 26 - عرضنا لمسألة تأخر المشتري في سداد الأقساط، أولا إذا كان هذا التأخر عن عجز، وثانيا عن مماطلة. ونقلنا آراء بعض العلماء المعاصرين في الحكم على المدين المماطل، دون أن نرتضي حكمهم. 27 - بصدد الكلام عن المماطلة، تساءلنا عما إذا كان من الجائز التفرقة في الحكم بين مدين اشترى سلعة مثلية ومدين اشترى سلعة قيمية. 28 - إذا أفلس المشتري بالتقسيط، فقد منع الإسلام استرقاقه بالدين، كما منع التضييق على حوائجه الأصلية (= حاجاته الأساسية)، وأجاز للبائع استرداد المبيع، إذا كان هذا المبيع لا يزال بحاله عند المشتري، ولم يستوف البائع من ثمنه شيئا. 29 - كشف لنا بحث بيع التقسيط عن أربعة مبادئ مهمة في العلوم الحديثة: 1) مبدأ المعجل خير من المؤجل؛ 2) مبدأ التفضيل الزمني؛ 3) مبدأ القيمة المالية للزمن (= القيمة الزمنية للنقود)؛ 4) مبدأ الربا ربوان: حرام وحلال. وبينا أدلة " الربا الحلال "، وأهمية هذا المفهوم في كل من البيوع المؤجلة، وتقويم المشروعات. 30 - وأخيرا اتخذنا توصية بضرورة إعادة النظر في المناهج والكتب الدراسية المتعلقة بالموضوع، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بيع التقسيط وأحكامه

بيع التقسيط وأحكامه ¤سليمان بن تركي التركي£بدون¥دار إشبيليا - الرياض¨الأولى¢1424هـ€فقه¶عقود مالية - بيوع تقسيط وآجل أختم هذا البحث بتدوين أهم النتائج التي توصلت إليها وهي كالتالي: أولا: بيع التقسيط هو: (عقد على مبيع حال بثمن مؤجل يؤدى مفرقا على أجزاء معلومة في أوقات معلومة وبين التقسيط والتأجيل علاقة عموم وخصوص مطلق فكل تقسيط تأجيل وقد يكون التأجيل تقسيطا وقد لا يكون فالتأجيل هو الأعم مطلقا. ثانيا: يشترط لبيع التقسيط – فوق الشروط العامة للبيع – جملة من الشروط. هي كالتالي: الشرط الأول: أن يكون بيع التقسيط ذريعة إلى الربا. وأبرز الصور التي يتحقق فيها التذرع بالتقسيط إلى الربا: بيع العينة. الشرط الثاني: أن يكون البائع مالكا للسلعة فلا يجوز أن يقدم البائع على بيع سلعة ليست مملوكة له على نية إذا أتم العقد مع المشتري اشتراها وسلمها بعد ذلك. أما طلب شراء السلعة من شخص ليست عنده ليقوم بتمليكها ومن ثم بيعها على طالبها بربح فجائز إن كان المأمور يشتري لنفسه ويتملك ملكا حقيقيا ومن غير إلزام للآمر بتنفيذ ما وعد به من شراء السلعة. الشرط الثالث: أن تكون السلعة مقبوضة للبائع فلا يكفي تملك البائع للسلعة التي يرغب في بيعها بالتقسيط بل لابد من قبض السلعة المراد بيعها بالتقسيط القبض المعتبر لمثلها قبل التصرف فيها بالبيع أيا كانت تلك السلعة طعاما أو غيره الشرط الرابع: أن يكون العوضان مما لا يجري بينهما ربا النسيئة وذلك للتلازم بين بيع التقسيط وبين الأجل الموجب لانتفاء الاشتراك في علة الربا. الشرط الخامس: أن يكون الثمن في بيع التقسيط دينا لا عينا لأن الثمن في بيع التقسيط لا يكون إلا مؤجلا والأجل لا يصح دخوله إلا على الديون التي تقبل الثبوت في الذمة دون الأعيان. الشرط السادس: أن تكون السلعة المبيعة حالة لا مؤجلة لأن المبيع إذا أجل – مع أن الثمن مؤجل أصلا – فقد تحقق كون ذلك من بيع الكالئ بالكالئ. وهو منهي عنه. الشرط السابع: أن يكون الأجل معلوما فلابد من بيان عدد الأقساط ووقت أداء كل قسط ومدة التقسيط كاملة يحدد هذا تحديدا منضبطا لا يحصل معه نزاع بين الطرفين. الشرط الثامن: أن يكون بيع التقسيط منجزا فلا يصح تعليق عقد البيع على أداء جميع الأقساط بل لابد أن يتم البيع بصورة منجزة تترتب عليه جميع الآثار المترتبة على عقد البيع فور صدوره. ثالثا: تجوز زيادة الثمن المؤجل عن ثمن الحال في بيع التقسيط في قول جماهير أهل العلم من السلف والخلف ومن غير مخالف يعتد بخلافه بل قد حكى بعض أهل العلم الإجماع على جواز أن يكون الثمن أزيد من الثمن الحال. ومع ذلك فقد وجد من شذ في هذه المسألة ورأى تحريم زيادة الثمن المؤجل عن الثمن الحال لاشتباه هذه الزيادة عليه بالربا. تبين من خلال البحث شذوذ هذا الرأي وضعف أدلته. رابعا: يجوز الحط من الدين المؤجل مقابل تعجيل الأداء فيسوغ لمن أدى الأقساط قبل زمن حلولها أن يطلب بالحط عنه الثمن بقدر ما زيد أصلا مقابل تلك المدة الملغاة. خامسا: لا يجوز إلزام البائع بقبول الأقساط المعجلة التي سوف يترتب على قبولها حط من الثمن لأن في ذلك إضرار به فهو لم يقصد من البيع بالتقسيط إلا هذه المصلحة والأجل حق لهما فلا يستبد أحدهما بإسقاطه. سادسا: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من أقساط ومع ذلك فلا يجوز فرض تعويض مالي على المدين الموسر في أداء بعضها.

ثامنا: لا يجوز أن يتم العقد في بيع التقسيط على عدة آجال لكل أجل ثمنه كأن يتم التعاقد على بيع سيارة إلى سنة بمائة ألف وإلى سنتين بمائة وعشرين وإلى ثلاث بمائة وثلاثين بل لابد أن يكون الثمن والأجل واحدا باتا من أول العقد. تاسعا: لا يجوز للبائع المطالبة بالثمن قبل حلول الأجل كما لا يعد المشتري مماطلا لو امتنع من أداء الأقساط قبل حلولها ولا حق للبائع في المطالبة إلا بانقضاء الأجل وبلوغ غايته أو باتفاق المتعاقدين على إسقاطه. عاشرا: إذا مات المشتري بالتقسيط قبل أداء جميع الثمن فإن ديونه لا تحل بموته إذا وثق الورثة ذلك الدين برهن أو كفيل فإن حل الدين لعدم توثيقه فلابد من الحط منه بمقدار ما زيد فيه للمدة الباقية التي عجلت أقساطها. حادي عشر: لا تحل الديون المؤجلة والأقساط المتبقية لإفلاس المشتري وإنما يقسم مال المفلس بين أصحاب الديون الحالة وتبقى الديون المؤجلة في ذمة المدين إلى وقت حلولها. ثاني عشر: تنتقل ملكية المبيع للمشتري وملكية الثمن للبائع فور صدور عقد بيع التقسيط وبناء عليه فلا يجوز للبائع حبس السلعة لاستيفاء ثمنها المؤجل ولو اشترط البائع ذلك فإن العقد يكون فاسدا. ثالث عشر: إذا أفلس المشتري وفي يده عين مال ثمنها مؤجل فالبائع أحق بسلعته من بقية غرماء المشتري أصحاب الديون الحالة فتوفق السلعة المبيعة إلى حلول الدين وانقضاء الأجل ويخير البائع – أن ذلك بشرط أن لا يكون البائع قد قبض من ثمن السلعة شيئا وأن يكون المشتري حيا. رابع عشر: يجوز للبائع اشتراط رهن على ثمنه – رهنا حيازيا أو رسميا – لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة. خامس عشر: لا يجوز اشتراط كون المواعدة السابقة لعقد البيع بالتقسيط ملزمة للطرفين لأن الإلزام بالوعد يصيره عقدا ولأن الإلزام السابق يجعل العقد اللاحق عن غير تراض. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

بيع العينة أو (الأنموذج) في الشريعة والقانون

بيع العينة أو (الأنموذج) في الشريعة والقانون ¤محمد عقلة الإبراهيم£بدون¥دار الضياء¨الأولى¢1407هـ€فقه¶عقود مالية - بيوع منهي عنها الخلاصة بعد استعراض أقوال الفقهاء وأدلتهم ومناقشاتهم في موضوع بيع الأنموذج، وبعد النظر في نصوص القانون المتعلقة بهذا البيع أخلص إلى ما يأتي: أولاً: من الناحية الفقهية: (1) أن جمهور فقهاء المسلمين يرون صحة بيع الأنموذج، وجواز الاكتفاء برؤية بعض المبيع ما دام يدل بصورة كافية على بقيته، وأن أدلة القائلين بمنعه لا ينتهض بها حجة على ما قالوا، فالأولى المصير إلى مذهب الجمهور. (2) أن جميع من أجازوا بيع الأنموذج من الفقهاء متفقون على اشتراط أن يكون المعقود عليه من المثليات التي لا تتفاوت آحادها، ويبطلونه في غير المثلي كالعددي المتفاوت. (3) أن مذهب الشافعية قد انفرد باشتراط أن يرى المشتري النموذج بعيداً مستقلاً عن المبيع، وأن يدخل النموذج في العقد، وأن يخلط به في رأي بعضهم. (4) أن مذهب الحنفية أكثر المذاهب تفصيلاً في أحكام هذا البيع، ولاسيما ما يترتب عليه من ثبوت الخيار للمشتري عند رؤية سائر المبيع فلا يكون مطابقاً للأنموذج، وما يترتب على هذا الخيار من رد المبيع كله أو إمساكه كله، والتعرض لحالة اختلاف المشتري والبائع في المطابقة بين العينة وسائر المبيع. وهذه النقاط جميعاً لم يتعرض لها سائر الفقهاء كلية، أو بإيجاز لا يبلغ حد التوضيح والتفصيل الذي يظهر في فقه الحنفية. ثانياً: من الناحية القانونية: (1) أن القانون يلتقي مع الفقه في جواز بيع الأنموذج، وأن محله المثليات، حيث فيها وحدها يصلح النموذج للدلالة على سائر البيع. (2) أن القانون يشترط كالفقه مطابقة المبيع للعينة، ويعطي للمشتري الخيار في حالة اختلال هذا الشرط، وأن الحلول التي أعطاها للمشتري كأثر للخيار تتفق بقدر كبير مع رأي الفقه، غير أن المتقنن لم يبين كالفقه ما إذا كانت هذه الاحتمالات قبل قبض المبيع أوبعده نظراً لما يترتب على ذلك من تفريق الصفقة وهو ممنوع قبل القبض أو عدمه أو عدم الضرر وهو جائز بعد القبض. (3) أن القانون قد أولى جانب النزاع بين البائع والمشتري في مطابقة النموذج للمبيع جل اهتمامه وفصل في حلول هذا النزاع من حيث كون العينة موجودة أو هالكة، ومن حيث كونها في الحالتين في يد البائع أو المشتري أو طرف ثالث، وهو ما لم يصنعه الفقه. ويبدو أن ذلك راجع إلى روح العصر التي طغت عليها السمة المادية، وفقدان الثقة بين المتعاقدين نتيجة ضعف الوازع الإيماني، وتزعزع الضابط الديني، والله أعلم.

بيع العينة مع دراسة مداينات الأسواق

بيع العينة مع دراسة مداينات الأسواق ¤حمد بن عبدالعزيز الخضيري£بدون¥دار الراية - الرياض¨الأولى¢1410هـ€فقه¶عقود مالية - بيوع منهي عنها الخاتمة وفي ختام هذا البحث، نذكر أهم النتائج التي توصلت إليها من خلاله وهي كالتالي: البيع في اللغة يأتي لعدة معاني منها – بيع الشيء وهو ضد الشراء., 2) تعريف البيع اصطلاحاً هو: عقد معاوضة مالية يفيد ملك عين أو منفعة على التأييد. 3) لقد نهى الشارع الحكيم عن أنواع من البيوع وهي محصورة، وترجع أسباب النهي إلى ما يلي: أ) الجهالة والغرر. ب) الضرر. جـ) الربا. د) الذريعة إلى الربا. هـ) النجاسة. و) الوقت. 4) الحنفية يقسمون البيوع المنهي عنها إلى ثلاثة أقسام، ويدخلون الأسباب التي ذكرنا فيها وهي: أ) باطل. ب) فاسد. جـ) مكروه. 5) العينة في اللغة تأتي لعدة معاني منها – شراء الشيء نسيئة، وشراء ما باع مؤجلاً بأقل من ثمنه. 6) تعريف بيع العينة اصطلاحاً هو – تحيل في بيع دراهم بدراهم أكثر من إلى أجل بينهما سلعة محللة – 7) ذكرت جميع الصور التي أدخلها العلماء في العينة، وناقشت بعضها وتبين أن للعينة أربع صور. 8) توسع المالكية في صور العينة، وسبب ذلك: أن بعض علمائهم أدخل بيع ما ليس عند الإنسان في العينة. وبينت أن أكثر الصور التي ذكروها لا تدخل في حقيقة بيع العينة. 9) أن بيع العينة حرام. 10) أن العقد الثاني في بيع العينة باطل بالاتفاق. 11) أن العقد الأول في بيع العينة باطل على الراجح من أقوال أهل العلم. 12) أن شروط بيع العينة خمسة هي: أ) كون العقد الثاني قبل قبض الثمن الأول. ب) عدم تغير المبيع بنقص أو عيب. جـ) أن يكون المشتري هو البائع. د) كون الثمن من جنس الأول. هـ) أن يشتريها من المشتري أو وكيله. 13) لا يجوز كون المشتري وكيلاً أو قريباً أو وارثاً للبائع. 14) يجوز شراء السلعة بعرض إذا بيعت بنقد بالاتفاق. 15) لا يجوز شراء السلعة بجنس آخر. 16) لا يجوز شراء السلعة من وارث المشتري. 17) يجوز الشراء من الأجنبي إذا آلت إليه السلعة. 18) أن الحيل لاستباحة العينة محرمة. 19) لا تجوز مسألة عكس العينة. 20) التورق في اللغة يأتي لعدة معاني منها – الدراهم، والمال بجميع أنواعه. 21) تعريف بيع التورق اصطلاحاً هو: أن يشتري من يحتاج مالاً سلعة مؤجلة بأكثر من قيمتها حالة، ثم يبيعها على أجنبي نقداً. 22) أن التورق جائز، بشرط – أن يكون محتاجاً إلى الدراهم -. 23) ذكرت طريقة المداينات الموجودة في الأسواق، ونماذج منها. 24) أن هذا النوع من المداينة محرم لتضمنه الأمور الآتية: أ- بيع ما لا يملكه. ب- بيع السلعة قبل قبضها. جـ- الحيلة على الربا. د- بيع العينة (أحياناً). هـ- قلب الدين على المعسر – وهو ربا الجاهلية – (أحياناً). 25) لا يجوز بيع السلعة قبل ملكها. 26) لا يجوز بيع جميع السلع قبل قبضها. 27) يحرم التحايل على الربا. 28) يجوز بدون كراهة قولهم (العشرة أحد عشر ونحوها). 29) لا يجوز قلب الدين على المعسر، بل الواجب إمهاله. 30) أن هذا النوع من المداينة سبب لمفاسد كبيرة وأضرار جسيمة. والله أعلم، وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

بيع الكالئ بالكالئ (بيع الدين بالدين)

بيع الكالئ بالكالئ (بيع الدين بالدين) ¤نزيه كمال حماد£بدون¥جامعة الملك عبدالعزيز - جدة¨بدون¢بدون€فقه¶عقود مالية - بيوع منهي عنها الخاتمة 1 - لقد اتضح لنا من خلال هذه الراسة أن النهي عن بيع الكالئ بالكالئ قاعدة متفق عليها بين الفقهاء، وأن مقتضاه التحريم والفساد، وقد دل على ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه في حديث ضعيف السند في نظر علماء الحديث، غير أن تلقي الأمة له بالقبول رفعه إلى رتبة الحجية ووجوب العمل به، يضاف إلى ذلك إجماع الفقهاء على منع هذا البيع. 2 - كما تبين لنا أن معنى بيع الكالئ عند أئمة اللغة والفقهاء: بيع النسيئة بالنسيئة، أو الدين المؤخر بالدين المؤخر. وأنه يطلق عند الفقهاء على خمس صور: 3 - إحداها: بيع دين مؤخر لم يكن ثابتا في الذمة بدين مؤخر كذلك. وقد قصر ابن تيمية محل النهي والإجماع عليه، وسماه المالكية "ابتداء الدين بالدين". أما تعليل حظره فهو من خمسة وجوه: (أحدها): انتفاء الفائدة الشرعية منه فور صدوره. (والثاني): أنه ذريعة إلى ربا النسيئة. (والثالث): افضاؤه للخصومه والنزاع. (والرابع): افضاؤه إلى تعاظم الغرر في العقد. (والخامس): بلوغ الخطر فيه حد الغرر الممنوع شرعاً. 4 - والثانية: بيع دين مؤخر سابق التقرر في الذمة للمدين بما يصير دينا مؤجلاً من غير جنسه، وقد ذكر التقي السبكي أنه محل الإجماع على ما نهي عنه من بيع الكالئ بالكالئ، وسماه المالكية "فسخ الدين في الدين". أما علة منعه فهي أنه ذريعة إلى ربا النسيئة. 5 - والثالثة: بيع دين مؤخر سابق التقرر في الذمة للمدين إلى أجل آخر بزيادة عليه. وقد أدرجه المالكية تحت "فسخ الدين في الدين" والعلة في منعه تضمنه لربا النسيئة. 6 - والرابعة: بيع دين مؤخر سابق التقرر في الذمة لغير المدين بثمن موصوف في الذمة مؤجل. وقد حكاها مالك في الموطأ، وسماها المالكية "بيع الدين بالدين". وعلة النهي عنها الغرر الناشيء عن عدم قدرة البائع على تسليم الدين للمشتري. 7 - والخامسة: بيع دين مؤخر سابق التقرير في الذمة بدين مماثل لشخص آخر على نفس المدين. وعلة منعه هي الغرر الناشئ عن عدم قدرة كل من العاقدين على تسليم ما باعه للمشتري. 8 - وبعد التتبع والاستقصاء لمعنى بيع الكالئ بالكالئ لدى أئمة اللغة والفقهاء ونقلة الحديث وشراحه خلصنا إلى وضع ضابط ينتظم سائر صوره وحالاته، ويحدد مدلوله، وهو أنه "بيع دين مؤخر سابق التقرر في الذمة بدين مثله لشخص ثالث على نفس المدين – سواء اتحد أجل الدينين وجنسهما وقدرهما أو اختلف – أو بدين جديد مؤجل إلى أجل آخر – من غير جنسه أو من جنسه مع زيادة في القدر – للمدين نفسه أو لغيره – وكذا بيع دين مؤخر لم يكن ثابتاً في الذمة بدين مؤخر كذلك، سواء اتفق أجل الدينين وجنسهما وقدرهما أو اختلف". 9 - ثم بينا أن تسامح كثير من الفقهاء في تعريفه بأنه "بيع الدين بالدين" – مع أن قصدهم الدين المؤخر بالدين المؤخر – أوقع كثيراً من الفقهاء في لبس وخلط، فمنعوا من جواز صور يصدق عليها بيع الدين بالدين، ولكن ليس فيه نسيئة من الطرفين، والنهي إنما ورد عن بيع النسيئة باتفاق الفقهاء. 10 - ومن ذلك: نص الشافعية والحنابلة على عدم جواز تطارح الدينين – أو صرف ما في الذمة – بحجة أنه بيع دين بدين. ولا يخفى أنه رأي غير سديد، لانتفاء النسيئة بالنسيئة فيه. 11 - ومن ذلك أيضا: قول مالك والحنفية والشافعية والحنابلة وغيرهم بعدم جواز جعل مطلق الدين الذين على المسلم إليه رأس مال سلم، لافضائه إلى بيع الدين بالدين. وهو إطلاق غير وجيه، لعدم صدق محل النهي – وهو الدين المؤخر بالدين المؤخر – عليه فيما إذا كان الدين المجعول رأس مال سلم غير مؤجل في ذمة المدين. 12 - ومن ذلك أيضا: قول الشافعية في الأصح وأكثر المالكية أن حكم الحوالة في الأصل هو الحظر، لأنها بيع دين بدين، وإنما جازت استثناء للحاجة. وهو تخريج فقهي غير مسلم، لأنها ليست من قبيل بيع النسيئة بالنسيئة حتى يكون الأصل فيها المنع، بل هي من جنس إيفاء الحق، فافترقا ... 13 - ثم تناولنا مدى الحاجة في هذا العصر إلى بيع الكالئ بالكالئ، فبدا لنا قيام الحاجة الخاصة إليه – بالنسبة لطائفة التجار والصناعيين والمقاولين – في صورته الأولى فقط، وهي "ابتداء الدين بالدين" دون باقي صوره الأخرى. ولما كانت الحاجة الخاصة تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحظور، فإنه لا يكون هناك مانع شرعي من القول باباحته في تلك الصورة فقط لهذا الداعي مادام قائما بمعياره الشرعي، فإذا انتفى عاد الحكم الأصلي للعقد، وهو الحرمة والمنع. وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين

بيع المرابحة للواعد الملزم بالشراء والدور التنموي

بيع المرابحة للواعد الملزم بالشراء والدور التنموي ¤ربيع محمود الروبي£بدون¥جامعة أم القرى - مكة المكرمة¨بدون¢1411هـ€فقه¶مرابحة الخاتمة والتوصيات المرابحة الثنائية البسيطة التي أجازها جمهور الفقهاء لا تتماثل مع المرابحة الثلاثية للأمر بالشراء التي تمارس حاليا في المصارف الإسلامية، ومن ثم لا ينسحب عليها تلقائيا حكم الجواز بسبب ما يسبقها من مواعدة، فهي عند الشافعية لا تجوز إلا إذا كان وعدها غير ملزم، فإن ألزم به تحول البيع والوعد معاً إلى بيع مفسوخ، وهي عند المالكية – وهم الأكثر تقبلا لإلزام الوعد عموما – إما مكروهة أو محظورة، ومن ثم لا مجال عندهم للإلزام بمكروه أو محظور، أما إذا انتفت العلاقة بين المواعدة والمرابحة فهي جائزة. وبالنسبة للحنفية والحنابلة فقد أثر عن بعض علمائهم حيلة شرعية بشأنها لتفادي مضار نكول العميل فلم يفتوا بإلزام وعدها. بيد أن بعض العلماء المعاصرين طالعونا بفتوى تلفيقية تجيز المرابحة ذات المواعدة اعتمادا على الجزء الأول من رأي الشافعي مع بتر الجزء الثاني الذي يجعلها بيعا مفسوخا إذا اقترنت بمواعدة ملزمة، ثم أجازوا إلزام هذه المواعدة اعتمادا على بعض آراء المالكية في لزوم الوعد. وفضلا عن ما في هذا المنحى من مخالفة صريحة لنصوص حديثية وللرأي الراجح، فإن استنباط الحكم على هذا النحو يخالف منطق القياس؛ فالمسألة المفتى بشأنها هي مدى إلزام وعد المرابحة قضاء، وليست أي إلزام بأي وعد، وطالما أن الإلزام بالوعد في ذاته – حتى عند القائلين به – ليس مطلقا (لاستثناء ما أحل حراما وحرم حلالا) فإن وعد المرابحة قد يكون داخلا في هذا الاستثناء، وهذا ما رآه فعلا أئمة الفقه الذين تناولوا هذا الموضوع. إن حجة هؤلاء الذين أفتوا بالمرجوح وتركوا الراجح كانت التيسير أو ما تصوروه مصلحة، ولذلك انصب هذا البحث على دراسة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للمرابحة الملزمة، فتبين منها أن علة الفتوى انطوت في الواقع على محاباة للمصلحة الضيقة للمصرف على حساب مصلحة مجموع العملاء والاقتصاد القومي، أي أنها غلبت جانبا من المصلحة الخاصة على كل المصلحة العامة؛ إذ أفرغ الإلزام بيع المرابحة من محتواه الاقتصادي، فخلا من معظم المهم الإنتاجية للتجارة الحقيقية، وصار في التطبيق عملا مكتبيا لوساطة مالية لا تختلف في بعدها الاقتصادي عن الإقراض الربوي، وبذلك حرم المجتمع والعملاء من الدور الاقتصادي الذي تنطوي عليه المرابحة الحقيقية، وألقى بكل الأعباء والمسؤوليات والمخاطر على العميل وحده. وأكثر من ذلك أن السهولة التي أضفاها الإلزام على صفقات المرابحة شكلت إغراء انحرف بالمصرف عن مساره الأصلي ودوره الأساسي؛ إذ مكنته من جني كل مغانم التجارة دون التعرض لمغارمها، فلاذ بالمرابحة فرارا من أعباء الاستثمار المباشر والمشاركات والمضاربات والاستصناع والتأجير التمويلي وغيرها من صيغ الاستثمار الإسلامية، على الرغم من أنها أكثر من المرابحة قدرة على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعلى الرغم من أنها تمثل المهام الأساسية للمصرف الإسلامي، ليس أدل على ذلك من أن نصيب المرابحة من إجمالي استثمارات المصارف التي أخذت بإلزام وعدها وصل إلى 97.8% في بعض هذه المصارف، ولم يقل عن 75% في بقيتها.

ومن ثم لو أخذنا بالرأي الراجح الذي يعطي الخيار للطرفين فلن يتمكن المصرف من التهرب من الدور الاقتصادي الحقيقي للمرابحة الجادة، وذلك خشية نكول العميل ومواجهة السوق بصفقة لم تنل ما تستحقه من الدراسة والعناية. إن ربط الغنم بالغرم على هذا النحو فيه من الحوافز ما يشكل المصلحة الحقيقية للمصرف نفسه وللعملاء وللاقتصاد القومي، بل إن هذه المصلحة ستتضاعف أكثر بسبب أن المرابحة الجادة ستنطوي على أعباء ومخاطر، ومن ثم ستفقد الكثير من عوامل التشجيع على ترك وسائل التمويل الأخرى ذات الربحية الاجتماعية العالية. نعم إن الخيار سيزيد من مخاطر نكول العميل، لكن هذه المخاطر لن تنطوي في الغالب على أضرار محققه؛ إذ طالما أن الصفقة أخذت حظها من العناية، وحازت على أجود الأصناف وأقل الأسعار وأفضل الشروط فإن نكول العميل الأصلي لن يحول دون تهافت عشرات العملاء الجدد على شرائها، أما إذا واجه المصرف ظروفا غير عادية يمكن أن تتعرض معها الصفقة للخسارة عند النكول – وهذا أمر طبيعي يجب أخذه في الحسبان – فنوصي باتخاذ كل أو بعض هذه التوصيات: 1 - يجب أن يتحرز المصرف من التعامل في سلع ضيقة الاستعمال أو غير رائجة أو يجهل كافة أبعاد ظروف تسويقها، وأن يتجنب التعامل مع العملاء غير الجادين أو الذين ثبت عنهم عدم الوفاء بالتزاماتهم. 2 - يجب أن يتسلح المصرف بالإمكانيات المادية للتاجر وبالجهاز الفني الكفء القادر على دراسة جدوى الصفقات والمشروعات وعلى تصريف السلعة عند النكول. 3 - يمكن للمصرف أن يستفيد من الحيلة الشرعية التي أفتى بها كل من محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وابن قيم الجوزية – والتي أسماها البعض "بيع المخابرة" حيث يشتري السلعة من المورد مع شرط الخيار لمدة أسبوع مثلا، ثم يعرضها على العميل خلال هذه المهلة. فإن قبلها ألزم بها، وإن رفضها أعيدت للمورد. أما في المرابحات الخارجية فيمكن للعميل أو مندوبه معاينة البضاعة وقبولها أو رفضها قبل أن تشحن. 4 - يجب ألا يكتفي المصرف بالوساطة التجارية التي يكون فيها مأمورا بالشراء وإنما يتحول تدريجيا إلى منتج وتاجر ذي مهام متعددة ومتكاملة، فيمتلك أو يساهم في شركات إنتاجية، ويكون بائعا أصليا لسلع حصل عليها بالسلم أو الاستصناع، ووكيلا ومسوقاً لمنتجات شركات أخرى، عندئذ لن يبيع ما ليس عنده، ولا مجال للمواعدة أو أضرار النكول. نعم قد لا تسمح القوانين السائدة والإمكانيات المتاحة الآن أن يمارس المصرف كل هذه المهام بحرية، وقد لا تسمح موارده الذاتية الضئيلة بما تتطلبه من استثمارات طويلة الأجل، لكن في مقدوره أن ينشئ – ولو مستقبلا وتدريجيا – شركات متخصصة – مع المصارف الإسلامية الأخرى أو بمساهمة بعض العملاء – لتولي هذه المهام – (كما أن من مصلحته أن يتحول بعض المودعين إلى مساهمين حتى ينمي موارده الذاتية) وذلك من منطلق أن المصارف الإسلامية هي في الأصل مضارب بالعمل أو مستثمر وليست كالمصارف الربوية وسيطا ماليا. 5 - من الضروري أن تتعاون المصارف الإسلامية في إنشاء شركات تأمين تعاوني وفقا لأحكام الشريعة لمواجهة أخطار بعض الصفقات، وبقية الاستثمارات الأخرى، كما يجب أن تتعاون في تبادل فائض السيولة لديها حتى لا تعاني منه، أو تحجم عن بعض المشروعات لنقص السيولة.

وإذا جاز أن ندلي برأي في مجال الرقابة الشرعية فنوصي بأمرين: يتعلق أولهما ضوابط الأخذ بالسهل من كل مذهب؛ إن المذهب الفقهي الواحد عندما يتجاوز عن قيد معين قد يتمسك في مقابله بقيد آخر يحول دون الأضرار التي يمكن أن تنجم عن هذا التجاوز، وبالتالي لا يمكن الاستمرار في ترقيع الفتاوى والنظرة الجزئية لموضوع الفتوى، وإنما لابد أن يعاد النظر في مجمل الفتاوى الخاصة بالمعاملة الواحدة في نظرة شمولية تركز على مدى انسجام وانضباط تفاعل هذه الجزئيات، وإلا وقعنا في ممارسة عملية غير منضبطة؛ كما هو حال المرابحة الملزمة وبقية فتاويها. أما الأمر الثاني فيذهب إلى الفصل بين الفتاوى والرقابة الشرعية، إذ من المناسب أن يقتصر عمل هيئة الرقابة الشرعية بالمصرف على التأكد من مدى الالتزام بالقواعد الشرعية والفتاوى المعتمدة. أما الإفتاء فيستحسن أن يسند إلى لجنة متخصصة – مزودة بالمعلومات الاقتصادية الكافية – تنبثق عن مجالس البحوث والإفتاء في الدول الإسلامية، ويجب ألا يكافأ أعضاؤها من المصارف، ولا أن يكونوا مساهمين فيها، ولا يجتمعون في ضيافتها. ومعاذ الله أن نقصد بذلك تشكيكا في نزاهة علمائنا الأفاضل – أثابهم الله – ولكننا أردنا الاستفادة من المنهج الإسلامي في التشريع، فقد علمنا أنه كلما كان الفعل المحرم مغلظا اتسعت حوله – خشية الوقوع فيه – دوائر الخطر والكراهة التحريمية والتنزيهية. وأخيرا فإن تناولنا للمرابحة الملزمة بالنقد العلمي لا يعني تقليلا من شأن المصارف الإسلامية. فهي مازالت في بداية الطريق، وتحتاج إلى فترة طويلة نسبيا كي تتغلب على العقبات والتحديات التي تواجهها، وتتأهل أكثر لتحقيق الآمال الطموحة المعقودة عليها، ومع ذلك فقد حققت نجاحات طيبة؛ إذ يكفيها أن فتحت أبوابا واسعة للخلاص من المعاملات الربوية، وإنما قصدنا التوجيه إلى الأفضل. ولذلك لن نخشى الاتجاه الذي يجد في كل انتقاد لهذه المصارف هدما لها، فقد يكون الآباء من أشد المنتقدين لسلوكيات أبنائهم، ومع ذلك هم أبعد الناس عن تهمة هدمهم، جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

بيع المزاد

بيع المزاد ¤عبدالله بن محمد المطلق£بدون¥دار المسلم¨الأولى¢1414هـ€فقه¶عقود مالية - مزايدة ومناقصة خاتمة في خاتمة هذا البحث الذي تحدثت فيه عن أحكام بيع المزاد في الفقه الإسلامي أسجل النتائج التالية: 1 - إن بيع المزاد من البيوع الجائزة في الشريعة الإسلامية، وإن ما يذكره بعض العلماء من الخلاف فيه خلاف قد انتهى بما ذكره الموفق في المغني بأن جواز هذا البيع مما أجمع عليه المسلمون في أسواقهم. 2 - إن هذا النوع من البيوع قد تعددت أسواقه في هذا العصر وتخصص كل سوق منها بنوع من السلع وهذا يحملنا على المزيد من البحوث لإثراء هذا الجانب من التعامل وسد حاجة المتعاملين في هذه الأسواق لمعرفة الأحكام الشرعية في جميع ما يقع فيه من المعاملات. 3 - إن بعض الشروط التي يجعلها أحد العاقدين في هذا البيع لإلزام الآخر باطلة لأنها تخالف مقتضى العقد، فلا تؤتي ثمراتها ولا تترتب عليها آثارها مثل شرط البراءة من عيب يعلمه ويكتمه غشا وتدليسا. 4 - إن ما اعتاده بعض المتعاملين في هذه الأسواق من إبطال بعض الحقوق الشرعية وإضاعتها على أصحابها بدعوى مخالفتها لعرف التعامل كإسقاط خيار المجلس وخيار العيب عمل لا يقره الشرع ولا يعترف به القضاء في الإسلام. 5 - إن ما يأخذه الدلال مقابل عمله قد يكون أجرة في عقد إجارة وقد يكون جعلا في عقد جعالة وقد يكون نصيبا في عقد مشاركة ويحدد ذلك الاتفاق بينه وبين صاحب المبيع نطقا أو عرفا. 6 - إن كثرة المنكرات العلنية في هذه الأسواق قد يكون سببا في نزع البركة وتساهم في بناء جيل بعيد عن الحق والهدى فإن المال الحرام يؤثر في بركة الأعمار والأولاد ويساهم في جلب الشقاء وعدم إجابة الدعاء، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم (الرجل أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك). 7 - إن على مؤسسات الدعوة الاستفادة من الإمكانيات المتاحة لتوعية المتعاملين في هذه الأسواق بالنشرات الصغيرة وأشرطة التسجيل ونحوها مما يوصل إليهم الأحكام الفقهية لجميع المعاملات الواقعة في هذه الأسواق فيحصل بذلك العلم ويرتفع الجهل كما وأن عليها أن تساهم في التحذير من خداع الكاذبين وحيل الظالمين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل. 8 - إن على الجهات الحكومية التي تقوم بالاحتساب في أسواق المزاد أن تستفيد مما لها من السلطات في تنظيف أسواق المسلمين من الغش والخداع والحلف الكاذب، وغبن من لا يحسن المماكسة وأن تقصد بذلك وجه الله، ورفع الظلم والقضاء على حيل المخادعين قياما بالواجب وامتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).

بيع المزايدة المزاد العلني أحكامه وتطبيقاته المعاصرة دراسة فقهية معاصرة

بيع المزايدة المزاد العلني أحكامه وتطبيقاته المعاصرة دراسة فقهية معاصرة ¤نجاتي محمد إلياس قوقازي£بدون¥دار النفائس - الأردن¨الأولى¢1424هـ€فقه¶عقود مالية - مزايدة ومناقصة الخاتمة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد: النتائج والتوصيات: فقد وفقني الله عز وجل لإنهاء هذه الدراسة وأستطيع أن ألخص دراستي بالنتائج التالية: 1 - بيع المزايدة من العقود التي أباحتها الشريعة الإسلامية، وتكاد كلمة الفقهاء تتفق على أن هذا البيع من البيوع الجائزة شرعاً. 2 - إن هذا البيع يختلف عن بعض البيوع التي نهت الشريعة الغراء عنها كالنجش والسوم على السوم وإن كان الكل يشترك في عنصر المنافسة. 3 - إن من هذا البيع عقد يشبهه يسمى عقد المناقصة وقد ظهر في العصر الحديث، وهو وإن كان يعاكسه إلا أنه يشترك معه في كثير من الجزئيات. 4 - أن لبيع المزايدة ضوابط شرعية وقانونية، وأن له مسقطات كذلك. 5 - أن لبيع المزايدة تقسيمات منها الاختيارية والإجبارية والعلنية والسرية. 7 - لا يزال لهذا البيع أهمية في عصرنا هذا ومن صوره المعاصرة: أ- بيع السيارات (الحراج). ب- بيع الفواكه والخضار. جـ- الحراج الشعبي. د- بيع التحف واللوحات الفنية والنوادر. هـ- المزايدة في استثمار البنوك. وغيرها. 8 - إن للقانون المدني الأردني اهتماماً بهذا البيع مثله كمثل قوانين الدول العربية والإسلامية الأخرى. 9 - إن لبيع المزايدة اهتماماً ليس إسلامياً فحسب بل هو بيع عرفته البشرية جمعاء إلا أن الشريعة وضعت له ضوابط وشروط. التوصيات: في ضوء النتائج السابقة يوصي الباحث على بعض الأمور التي يرى أنها بحاجة إلى عناية أكثر: بيع المزايدة يحتاج إلى عناية أكثر في كتب الفقه حيث إن أكثر كتب الفقه لم تعطه الحيز الكافي في دراستها. يجب التنبيه إلى بعض أوجه التلاعب المعاصرة والحيل في بيوع المزايدة. أن يسد النقص الذي احتوته هذه الرسالة من بحوث ودراسات تخص بيع المزايدة ولكنها فاتت الباحث – إذ بحوثنا تبقى محضر جهود بشرية. مراقبة بعض البيوع المعاصرة التي تتولد في السوق والتي تشبه بيوع المزايدة.

ثلاث مسائل فقهية في الصلاة

ثلاث مسائل فقهية في الصلاة ¤نزار محمد عرعور£بدون¥دار الراية - الرياض¨الأولى¢1408هـ€فقه¶صلاة - أعمال منوعة الخلاصة: الأحاديث والآثار تدل على أنهم في حالة الاختيار كانوا يباشرون الأرض بالجباه، وعند الحاجة كالحر ونحوه، يتقون بما يتصل بهم من طرف ثوب وعمامة وقلنسوة. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 493): (وفيه – أي حديث أنس رضي الله عنه – إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هو الأصل لأنه علق بسط الثوب بعدم الاستطاعة). قال ابن تيمية: "لذلك كان أعدل الأقوال في هذه المسألة أن يرخص في ذلك عند الحاجة ويكره السجود على العمامة ونحوها عند عدم الحاجة". الفتاوى (22/ 172). من كل ذلك نخلص إلى أن وجوب الكشف لم يأت به دليل صريح، كما أن السجود على العمامة أو القلنسوة وما في معناهما لا يوجد ما ينهي عنه. لذلك لا نستطيع أن نقول بالكراهية لأن الكراهية ما كرهها الله ورسوله، ولكن نستطيع أن نقول هو من باب ترك الأولى والأفضل. قال الشوكاني (2/ 291): (القول بوجوب الكشف يحتاج إلى دليل إلا أن يقال أن الأمر بالسجود على الأعضاء المذكورة يقتضي أن لا يكون بينهما وبين الأرض حائل، وقد قدمنا أن مسمى السجود يحصل بوضعها دون كشفها) أ. هـ. وقال الصنعاني في "سبل السلام" (1/ 182): (والأحاديث من الجانبين غير ناهضة على الإيجاب وقوله: "سجد على جبهته" يصدق على الأمرين وإن كان مع عدم الحائل أظهر فالأصل جواز الأمرين) أ. هـ. [ويستأنس لهذا المذهب الصحيح بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم بالخفاف والجوارب: ولا يخفى أن الجورب والخف يمنع مس القدم الأرض، بل الجورب والخف أعظم حائلاً من العمامة والقلنسوة والثياب، والأعضاء السبعة التي أمرنا بالسجود عليها كلها ذو حكم واحد وعهدنا بالقوم أصحاب قياس .. فتأمل: وهذا من الأمثلة الكثيرة على أن كثيراً من آراء بعضهم لا السنة فيها اتبعوا، ولا القياس الصحيح سلكوا. (عدنان)] فائدة: وفي النهاية لا يفوتني وأنا أختم هذه الوريقات أن أنبه كما نبه غيري إلى أن هناك بعض الأحاديث وردت في أن الرسول صلى الله عليه وسلم "كان يسجد على كور عمامته" وهي ضعيفة لا تقوم بها حجة. وقد ذكرها البيهقي رحمه الله ثم قال: (أحاديث "كان يسجد على كور عمامته" لا يثبت فيها شيء يعن مرفوعاً). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

جامع المسائل في أحكام قنوت النوازل

جامع المسائل في أحكام قنوت النوازل ¤سعد بن صالح الزيد£بدون¥دار طيبة-الرياض¨الأولى¢1427هـ€فقه¶قنوت الخاتمة: نسأل الله حسن الخاتمة وتشتمل على أهم نتائج البحث: 1 - أكثر من تحدث عن قنوت النازلة من المذاهب الأربعة: الشافعية ثم الحنابلة، ثم الحنفية، ثم المالكية. 2 - أن العداء لهذا الدين له أسباب كثيرة في مقدمتها: بعد المسلمين عن دينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وغفلتهم عما يحاك لهم من المؤامرات من أعدائهم المتربصين. 3 - أن القنوت في اللغة يطلق على معان عدة منها: الطاعة، ودوامها، والصلاة، والقيام، والسكوت، والخضوع، والذكر، والتسبيح، ومن أعظمها الدعاء. 4 - أن المراد بقنوت النازلة: الدعاء في الصلاة الفريضة في محل مخصوص إذا نزلت بالمسلمين نازلة؛ كعدو، أو خوف، أو ضرر ظاهر بالمسلمين جماعات وأفراداً. 5 - أن القول الراجح في حكم القنوت في صلاة الفجر: عدم المشروعية إلا إذا نزلت النازلة. وهو اختيار جمع من المحققين منهم: شيخ الإسلام، وتلميذه، ومن المعاصرين: اللجنة الدائمة، وابن عثيمين. 6 - أن من صلى خلف من يقنت في صلاة الفجر في غير نازلة فإنه يتابعه ويؤمن على دعائه، ثبت ذلك عن الإمام أحمد، وقرره شيخ الإسلام، وصاحب الإنصاف، واللجنة الدائمة، وابن عثيمين. 7 - اتفق الفقهاء على أن قنوت النوازل غير واجب، وتركه لا يفسد الصلاة. حكاه الطبري إجماعاً، ونقل الإجماع أيضاً: الشوكاني، وابن عثيمين. 8 - أن لقنوت النوازل حكماً عظيمة من أهمها: مشاركة المأموم للإمام في الدعاء، ولو بالتأمين؛ وفي ذلك نصرة للمؤمنين وحرب على الكافرين، وفيه أيضاً: الاهتمام بأمر المسلمين والرغبة في حل مشاكلهم، والفرح لأفراحهم، والحزن لمصابهم وجراحهم. 9 - جواز القنوت إذا نزلت النازلة، وجواز الترك، في أي نازلة تنزل بالمسلمين مما يكون الضرر فيها ظاهراً شديداً؛ سواء كان على بلد مسلمة، أو جماعة مسلمة، أو أفراد مسلمين، ولا إنكار على من قنت أو ترك في نازلة. قرر ذلك ابن القيم في زاد المعاد. 10 - إذا نزلت بالكفار نازلة فذلك مما يشكر الله عليه وليس مما يدعي برفعه. 11 - أن القول الراجح فيمن يقنت للنوازل: أنه عام للإمام والمأموم والمنفرد، ولكن ينبغي مراجعة ولاة الأمر وهم العلماء لكي تنضبط الأمور. قرر ذلك ابن عثيمين في مجموع الفتاوى. 12 - أنه إذا نزلت بالسلمين نازلة فإنه يستحب لكل مؤمن أن يقنت لإخوانه لرفع تلك النازلة، ولا يختص القنوت لمن نزلت بهم النوازل فحسب على القول الصحيح؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في قصة دعائه للمستضعفين بمكة. 13 - أنه يستحب القنوت جهراً في الصلوات الخمس إذا نزلت بالمسلمين نازلة. قرر ذلك شيخ الإسلام، وتلميذه، وابن حزم، والشوكاني، واللجنة الدائمة، وابن عثيمين، وبكر أبو زيد. 14 - الراجح - والله أعلم - أنه لا يقنت في غير الفرائض الخمس، لا في الجمعة، ولا في السنن الرواتب، ونحوها. اختاره شيخ الإسلام، وابن قدامة. 15 - الصحيح أنه يجوز القنوت قبل الركوع وبعد الركوع؛ ثبت ذلك عن بعض الصحابة كعمر، وعثمان رضي الله عنهم، وإن كان الأكثر - خاصة في قنوت النوازل - أن يكون بعد الركوع. اختاره جمع من المحققين منهم: البخاري، وشيخ الإسلام، وابن حجر، وابن عثيمين، والألباني. 16 - الراجح - والله أعلم - أن القانت في النازلة - مأموماً أو إماماً - يرفع يديه، وهو رأي الجمهور، واختاره ابن باز، وابن عثيمين، والألباني. 17 - صفة رفع اليدين لا تخلو من أمرين: إما أن يرفع يديه حذو منكبيه أو نحوهما ضاماً لهما غير مفرقتين، باسطاً بطونهما نحو السماء، وظهورهما نحو الأرض، وإن شاء قنع بهما وجهه وظهورهما نحو القبلة.

وإما أن يرفع يديه نحو السماء، ويجعل بينهما فرجة حتى يرى بياض إبطيه من المبالغة في الرفع، وهذه الصفة أخص من سابقتها، وهي خاصة في حالة الشدة والرهبة؛ كما لو عظمت النازلة بتسلط الأعداء على المسلمين وعلى ديارهم. 18 - اتفق العلماء على أنه لا يستحب مسح غير الوجه كمسح الصدر ونحوه، واختلفوا في مسح الوجه على قولين، لا ينكر على من أخذ بأحدهما. والأقرب: عدم مشروعية المسح؛ اختاره شيخ الإسلام، وابن عثيمين، والألباني، وبكر وأبو زيد. 19 - ذكر بعض العلماء أنه إذا قنت قبل الركوع أنه يكبر قبل بدء القنوت؛ روي عن بعض الصحابة. 20 - الصحيح الذي قطع به الجمهور أنه لا يتعين دعاء مخصص في قنوت النوازل، بل يدعو بما يناسب تلك النازلة، ولا بأس أن يدعو بما دعا به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. 21 - أن قول الله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء} [آل عمران: 128] أكثر العلماء على أنها ليست ناسخة لقنوت النوازل، وإنما نزلت تأديباً للنبي صلى الله عليه وسلم، وعليه يجوز الدعاء على الكافرين ولعنتهم. والدعاء عليهم ينقسم إلى قسمين: 1 - الذين يحاربون المؤمنين، ويصدون عن الدين؛ فهؤلاء تجوز لعنتهم في قول أكثر العلماء. 2 - الذين لم ينتهكوا حرمة الدين ولم يقاتلوا المؤمنين، ويرجى تألفهم ودخولهم في الإسلام، فهؤلاء لا تجوز لعنتهم، وإنما يدعا لهم بالهداية والتوبة، وفي ذلك جمع بين الأدلة. 22 - القول الراجح أن المأموم يتابع الإمام فيؤمن عند دعائه، ويسكت عند ثنائه، وإن شاركه فلا بأس؛ كأن يقول: سبحانه، ونحو ذلك. ولا يقنت ويجهر مع إمامه، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز. 23 - الراجح: استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله كما ذهب إليه الجمهور، واختاره شيخ الإسلام، وأما المأموم عند صلاة القانت على النبي صلى الله عليه وسلم وآله هل يؤمن فيها أو يشارك؟ المعتمد هو الأول، ولو جمع بينهما لكان حسناً كما قرره بعض الشافعية، والأمر في ذلك واسع إن شاء الله. 24 - إذا لم يسمع المأموم قنوت الإمام لعارض، قنت سراً والحمد لله. 25 - الراجح والله أعلم أن سجود السهو لا يشرع لترك قنوت النوازل، ومن سجد فقد خالف السنة؛ لأن القنوت في الأصل سنة فلا تبطل الصلاة بتركه عمداً أو سهواً، اختاره ابن قدامة، وابن قاسم. 26 - أن من أدرك الركعة الأخيرة مع الإمام سواء قنت قبل الركوع أو بعده فإنه لا يعيد القنوت، وأما من لم يدرك الركعة الأخيرة بأن دخل مع الإمام بعد الركوع وهو يقنت فإنه يعيد إن شاء. أفتى به مالك. 27 - أنه يجب على الإمام أن يجتنب الإطالة في دعاء القنوت مما يشق على المأمومين ويضارهم، وإذا كان النهي عن إطالة القراءة في الصلاة فالدعاء من باب أولى. 28 - أن الإمام يقنت في الصلوات الخمس عند أول نزول النازلة، ثم إذا خفت النازلة قنت في الفجر والمغرب لكونهما طرفي النهار، ومظنة إجابة الدعاء فيهما، ثم إذا زالت ترك القنوت، وكل ذلك يخضع إلى مصلحة المسلمين وحاجتهم إلى الدعاء والاستنصار؛ لأنه قد تعود النازلة مرة أخرى فلا يمنع أن يعيد القنوت في الصلوات الخمس تبعاً لحال النازلة شدة أو استمراراً، أومأت إلى ذلك اللجنة. وختاماً: أعلم أيها الخِل المكافح، والمحب المصافح، أن أول ما تعتقده أن الخطأ والنسيان من أوصاف الإنسان، وإن كان في المعارف عظيم القدر رفيع الشأن، وله في الحفظ والذكاء والفهم باع مديد وعقل حديد، وقد وقع في ذلك الفحول والعلماء مع تبحرهم في المعقول والنقول، واطلاعهم على الروايات والمنقول. وقد قال إمام دار الهجرة سيد بني أصبح، مالك بن أنس: كل كلام فيه مقبول ومردود إلا كلام صاحب هذا القبر، ويشير إلى قبر هادي البشرية، ومنقذ الإنسانية، سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم. وكما يجوز الغلط والزلة على الإنسان كذلك لا نستبعد أن يهب الله لبعض عبيده ما نبا وشرد على عقول من تقدمه من فحول الأئمة، وكذلك قال الإمام النحوي اللغوي الأديب أبو عبد الله محمد بن مالك: (إذا كانت العلوم منحاً إلهية، ومواهب اختصاصية، فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين). ومن أمثلة العلماء السائرة: (يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر) قالوا: الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها. وورد أن الحجاج قال في بعض خطبه: إن الله تكفل لنا برزق الدنيا، ووكلنا إلى رزق الآخرة، فياليته تكفل لنا برزق الآخرة ووكلنا إلى رزق الدنيا. قال إمام الزاهدين الحسن البصري: كلمة حكمة صدرت من فاسق. وليس مثلي إلا كما قال الخليل بن أحمد: خذ العلوم ولا تعبأ بناقلها ... واقصد بذلك وجه الواحد الباري إن العلوم كما الأشجار مثمرة ... اجن الثمار وخل العود للنار اعمل بعلمي ولا تنظر إلى عملي ... ينفعك علمي ولا يضرك تقصاري

جدة داخل المواقيت ولن تكون ميقاتا لغير أهلها

جدة داخل المواقيت ولن تكون ميقاتا لغير أهلها ¤أبو بكر جابر الجزائري£بدون¥مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة¨الأولى¢1416هـ€فقه¶حج وعمرة - مواقيت الإحرام خاتمة القول وخلاصته إن جدة الواقعة بين ميقاتين وهما يلملم جنوباً، والجحفة "رابغ" شمالاً هي ميقات لأهلها ومن نزل بها وهو لا يريد حجاً أو عمرة لكن بدا له بعد ذلك أن يحج أو يعتمر فله أن يحرم منها لمحاذاتها لميقاتين، وقد أذن الشارع صلى الله عليه وسلم لمن حاذى ميقاتاً أن يحرم منه ولا حرج، وكذلك من أتاها من غربها من البحر الأحمر فإنه يحرم منها؛ إذ هي ميقاته لمحاذاتها لميقاتين شرعيين يلملم، والجحفة "رابغ" وكذلك هي ميقات لركاب الطائرات التي سلكت الخط الجوي الذي تقدم رسمه وهو خط يمر بعيداً عن المواقيت التي حددها الشارع صلى الله عليه وسلم، وينزل من غرب جدة حيث البحر الأحمر بمطار جدة الذي يتعين أن التزمت الخطوط الجوية بالسير على الخط الذي رسم لها بعيداً عن المواقيت. يتعين أن يبنى بجوار المطار عشرات بل مئات الحمامات في كل حمام كرسي للتغوط والتبول، حوض للاغتسال. فالحاج أو المعتمر إذا نزل من الطائرة يحمل إزاره ورداءه بيده ويدخل الحمام فيتبول ويغتسل ويتوضأ، ويركب السيارة إلى مكة وهو يلبي بحجته أو عمرته. بهذا أصبحت جدة ميقاتاً لأهلها ولمن أتى إليها وهو لا يريد حجاً ولا عمرة ثم بدا له أن يحج، أو يعتمر، وميقاتاً لمن أتاها من غربها راكباً باخرة أو طائرة مرت بالخط الجوي المرسوم في هذه الرسالة بحيث لم تمر الطائرة بالمواقيت وإنما تمر بعيدة عنها حتى تنزل جدة من غربها فوق البحر الأحمر. أما أن نقول جدة ميقاتاً كما قال: الدكتور عدنان عرعور في رسالة تحت عنوان: "أدلة إثبات، أن جدة ميقات". فهذا لا يقوله ذو علم وبصيرة بدين الله، ولا يحل الأخذ به أبداً، لأنه نسخ لما وقته النبي صلى الله عليه وسلم من مواقيت، وهل بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم نسخ وقد انقطع الوحي الذي ينزل بالنسخ وبالتثبيت والإقرار؟ اللهم لا، لا. وعليه فإني أدعو الدكتور إلى إبطال ما كتبه ونقضه كما أدعو الأمة إلى عدم الأخذ به، لأنه باطل والباطل يترك ولا يعمل به، ولا يلتفت إليه. وآخر قولي: الحمد لله رب العالمين.

جزء في مسح الوجه باليدين بعد رفعهما للدعاء

جزء في مسح الوجه باليدين بعد رفعهما للدعاء ¤بكر بن عبدالله أبو زيد£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨بدون¢بدون€فقه¶أذكار وأدعية - علم ومنوع خلاصة البحث في فصوله الأربعة: مما تقدم يعلم ما يلي: 1 - المسح في السنة النبوية على صاحبها الصلاة والتسليم. 2 - المسح عند الصحابة رضي الله عنهم. 3 - المسح عند من بعدهم من سلف الأمة رحمهم الله تعالى. 4 - المسح في علم الخلافيات الفقهية. 5 - محل المسح. وخلاصة البحث في كل منها على النحو الآتي: أما المسح في السنة النبوية الشريفة فجموع ما روي سبعة أحاديث وهي من حيث تقسيم السنن إلى قولية وفعلية تنقسم إلى قسمين: أحاديث مروية من فعله صلى الله عليه وسلم وهي أربعة: حديث ابن عمر عن أبيه عمر رضي الله عنهما، وحديث عمر في الاستسقاء، وحديث يزيد الكندي رضي الله عنه. ومرسل الزهري رحمه الله تعالى. وأن حديث عمر في رواية ابنه عبدالله عنه مدار أسانيده على حماد بن عيسى الجهني وهو ضعيف ضعف عدالة لا حفظ. وأن حديث يزيد فيه علتان عنعنة ابن لهيعة وهو مدلس وهو ضعيف من قبل حفظه ولم يتابع، وجهالة حفص بن هاشم، وأن مرسل الزهري من شر المراسيل كما ذكره القطان. وأن حديث عمر في الاستسقاء لم يكشف لنا عن إسناده حتى نعرف حاله. والله أعلم. وأحاديث مروية من قوله صلى الله عليه وسلم وهي ثلاثة: معضل ابن أبي مغيث، وحديث ابن عمر وفيه: الجارود وهو متروك الحديث. فهذان ليسا بحجة ولا في باب المتابعات والشواهد كما يعلم من فن الاصطلاح. وحديث ابن عباس رضي الله عنهما ومدار أسانيده مع تعدد مخارجها على صالح بن حسان وهو متروك وعيسى بن ميمون وهو ضعيف ضعف عدالة فلا تصلح متابعة أحدهما للأخر. ومن الطريف أن جميع رواة الحديث المذكورين لم يترجمه أحد منهم بما يفيد مشروعية المسح سوى المروزي في كتاب صلاة الوتر كما تقدم – ولعل هذا والله أعلم لأن الأحاديث لا تقوى على المشروعية للمسح بعد الرفع للدعاء، وعبدالرزاق ترجم بها لأثر معمر رحمه الله تعالى. والمتخلص أن: الأحاديث القولية هذه لا يقام بمثلها سنة تشريعية، وأن الأحاديث الفعلية قبلها لم يكشف لنا في حديث عمر في: الاستسقاء عن إسناده حتى نعلم ضمه إلى حديث يزيد فيقوى أحدهما الآخر أو يكون طرده على نحو أحاديث المسألة هذه فتعلم البراءة من تشريع المسح قطعا والله أعلم. المسح عند الصحابة رضي الله عنهم: وأما المسح في المأثور عنهم فلم نحس له بأثر ولا إثارة ويبعد انتشار سنة بينهم ثم لا يكون نقلها إلا سيما وهي من السنن الظاهرة. وهذا يقوي جانب البراءة وعدم المشروعية. المسح عند من بعدهم: وأن المسح صرح غير واحد من التابعين فمن بعدهم بعدم مشروعيته أو عدم ثبوت السنة به منهم: مالك، وابن المبارك، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، والعز بن عبدالسلام، والنووي في أحد قوليه وابن تيمية، وابن عرفة، وابن مرزوق، والفيروز آبادي، وابن عباس بل منهم من صرح بأنه بدعة والله أعلم. وفي مقابل هؤلاء جاءت رواية الفعل له عن بعض السلف منهم: الحسن وأبو كعب، ومعمر، وعبدالرزاق، وابن راهويه، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، والجويني أبو محمد، والله أعلم. ومعلوم أن هذه هيئة تشريعية الحاكم فيها نص المعصوم صلى الله عليه وسلم وحده والله أعلم. المسح في علم الخلافيات: وأن المسح عند المالكية غير مشروع. وكذا عند الشافعية في أصح الوجهين من مذهبهم. والحنابلة في الرواية عن أحمد من قوله وفعله والله أعلم. محل المسح: وأنه لا خلاف أن محل المسح على القول بمشروعيته هو الوجه لا غير ولا خلاف أن المسح على القول بمشروعيته إنما يكون بعد رفع اليدين للدعاء أم مسح لا يسبقه رفع الدعاء فليس محل خلاف من أنه لا يشرع. وأن النصوص الواردة في رفع الأيدي للدعاء كثيرة جدا ولم ترد واقعة المسح في شيء منها سوى ما تقدم وحالها كما علم. وأن المسح بعد الرفع للدعاء في القنوت داخل الصلاة لم يثبت به سنة نبوية ولا فعل صحابي له. وأما خارج الصلاة فثبوته من السنة النبوية محل نظر للوقف في حديث عمر في الاستسقاء، وعن الصحابة رضي الله عنهم لم يحصل الوقوف على ما يؤثر ومن بعدهم بين الفعل، والترك، والنهي. وعليه فلو فعله الداعي أحياناً خارج الصلاة من غير ملازمة لكان له وجه مما تقدم وبه نعلم أن ما قرره الإمام البيهقي رحمه الله تعالى في السنن الكبرى 2/ 212 هو كلام من درى السنن وخبر الأثر وقد تقدم سياقه بنصه في ثنايا الفصل الثالث من هذا الجزء المبارك فليرجع إليه فإنه مهم. وانتهى ما أردت تحريره في المدينة النبوية في عام أربع وتسعين بعد الثلاثمائة والألف من الهجرة النبوية ثم أعدت النظر فيه وتم نسخه صباح الإثنين الموافق لليوم السابع من الشهر الحادي عشر من عام ثلاثة بعد الأربعمائة والألف من الهجرة وذلك في منزلي العامر بحي الخادمية من بلد الطائف المحروس، وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه.

جمع الدرر في أحكام التصوير والصور

جمع الدرر في أحكام التصوير والصور ¤أحمد بن نصر الله المصري£بدون¥دار ابن القيم - الدمام¨بدون¢1412هـ€فقه¶تصوير ونحت تماثيل خلاصة البحث: 1 - مسألة التصاوير ذات فروع متشابكة، وفي نصوصها ما يحتاج إلى التوفيق والجمع؛ فلابد من عرضها مرتبة فروعها ليسهل على الناظر التوصل إلى أحكامها. 2 - لابد عند التعرف على الأحكام ودراسة المسألة من الفصل بين فعل التصوير وبين استعمال الصور، فلكل أحكامه الخاصة على الوجه التالي: 3 - التصوير على ثلاثة أنواع: الأول: باليد .. وينتج عن ذلك صور مجسمة لها ظل فهذه تحرم باتفاق، عدا لعب الأطفال فالجمهور على استثنائه. الثاني: باليد كذلك .. إلا أنه ينتج عنه صور غير مجسمة ولا ظل لها كالرسم على الورق ونحوه، فهذا محل نزاع بين العلماء سلفاً وخلفاً والراجح حرمته لانطباق فعل التصوير عليه بالمعنى الشرعي. الثالث: بالآلة .. وهو التقاط صور وإخراجها غير مجسمة ولا ظل لها .. وقد انقسم العلماء المعاصرون بشأن هذه المسألة على فريقين: أحدهما يرى إلحاقها بالتصوير المحرم. والآخر يرى جوازها وعدم انطباقها على التصوير المحرم. والراجح عدم إلحاق هذا النوع بالتصوير الذي تتحدث عنه النصوص، حيث لا ينطبق والمعنى الشرعي للتصوير والذي عبر عنه العلماء كالشيخ أحمد طاحون – في شرحه للأسماء الحسنى عند اسم المصور – قال: "ومعنى التصوير: التخطيط والتشكيل" فصاحب الآلة وكذا الآلة بريئان من التخطيط والتشكيل الذي هو رأس المعنى الشرعي للتصوير وعليه العمدة في التحريم، وإنما اقتصرت مهمتهما على التقاط نفس خلق الله دون الذهاب إلى إيجاد خلق لم يكن موجوداً، مما لا يدع مجالاً مطلقاً للمضاهاة. والمسألة كما ترى اجتهادية كغيرها من عشرات المسائل الفقهية التي اختلف فيها أهل العلم وكان فيها قولان أو أكثر، فلا ينكر فيها على المخالف لأن علماء الأصول متفقون على أن الإنكار في المتفق عليه لا المختلف فيه .. وإن كنا نتواصى بالخروج من الخلاف والتورع وحصر الأمر في الحاجة والمصلحة. هذا .. ومن الجدير بالذكر أنه قد وقع الإجماع من الفريقين على جواز استعمال مثل هذا النوع من الصور عند الضرورة كإثبات الشخصية والتعرف على الأحداث الهامة كوقائع السرقات والجرائم ... والقياس يقضي – من باب أولى – إلحاق حالات الجهاد بالجواز في كشف مخططات العدو وغير ذلك من الأهداف لأنه ليس على وجه الأرض جرائم أشد من اغتصاب سلطان الله والاعتداء على دينه وحرماته، لاسيما وقد أثبتنا – في بحث آخر – أن الجهاد يباح فيه ما لا يباح في غيره. هذه خلاصة القول في المسألة ومن أراد التفصيل فليرجع في البحث. 4 - في باب استعمال الصور يحرم تعظيمها أياً كان مخرجها باليد أو بالآلة سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة .. وهنا يتبين أهمية الفصل بين أحكام ذات التصوير وأحكام استعمال الصور؛ ففي حين ترجح عدم اعتبار الالتقاط بالآلة تصويراً بالمعنى الشرعي إلا أن الصورة إذا استعملت على وجه فيه تعظيم حرمت من جهة الاستعمال لا من جهة التقاطها .. والفارق كبير لا يخفى. أما ما عدا التعظيم فالأمر لا بد له من تفصيل: فالتماثيل المجسمة يحرم استعمالها على أي وجه ويستثنى من ذلك لعب الأطفال .. أما الصور التي لا ظل لها فيكره تعليقها على الحوائط أو الستائر ... أما إذا كانت الصور لا ظل لها وغيره معلقة فيباح استعمالها على وجه ممتهن كالبساط والوسادة ونحو ذلك، وأيضاً يدخل في الإباحة الصورة إذا كانت في الثوب أو في كتاب ما دامت لم تعظم أو تعلق ... والله تعالى أعلم. 5 - العلل الظاهرة لتحريم التصوير تدور حول مزاحمة الله عز وجل في إحدى صفاته؛ وهي ما تعبر عنه الأحاديث بالمضاهاة والذهاب لإيجاد خلق يشبه خلق الله .... أما علل تحريم الاستعمال تدور جلها حول شبهة التعظيم من دون الله ... والمسألة كلها من باب سد الذرائع إلى الشرك. 6 - لم يثبت نص قولي يفيد وجوب نقض الصور؛ وإنما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم، وهو أيضاً ليس على عمومه بل مخصص بما ثبتت فيه الكراهة أو الحرمة، أما الذي أجازت الشريعة استعماله فبديهي أنه لا يشمله النقض. 7 - حديث: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة" ثبت أنه ليس على عمومه من حيث الملائكة ومن حيث الصور؛ بل هو مقيد بنوع من الملائكة وبالصور التي يحظر استعمالها. 8 - المسائل الخلافية لا مجال فيها لإساءة الظن أو معاداة البعض، ولا تؤثر في الأخوة الإسلامية التي ينبغي أن ترتفع فوق الخلاف .. فلا يلومن أحد علينا إن نحا خلاف ما نحونا فوالله غير الحق ما ابتغينا .. وهذا هو بيت القصد وخلاصة الخلاصة حتى نلتقي جميعاً في صف متماسك كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. والله اسأل أن يجنبنا الزلل ويهدينا لأقرب من هذا رشداً ويستعملنا لدينه، ويجعلنا جنداً من جنوده. العبد الضعيف أبو إبراهيم المصري.

جمعية الموظفين (القرض التعاوني)

جمعية الموظفين (القرض التعاوني) ¤عبدالله بن عبدالعزيز الجبرين£بدون¥دار عالم الفوائد - مكة¨الأولى¢1999م€فقه¶عقود مالية - مداينة الخاتمة الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد: فمن خلال هذا البحث المتواضع عن (حكم الأجل في القرض) توصلت إلى النتائج الآتية: 1 - أهمية هذا الموضوع، وذلك أن في القول بثبوت الأجل تحقيقا للحكم والمصالح التي شرع القرض من أجلها. 2 - أن الصحيح هو القول بثبوت الأجل عند الاتفاق عليه. 3 - أن الصحيح أيضا القول بالتأجيل عند عدم الاتفاق عليه، متى لحق المقترض ضرر بتعجيل السداد، أو كان هناك قرينة تدل على الأجل أو عرف يقتضيه، فإن لم يكن هناك قرينة ولا عرف، ولا ضرر على المقترض في السداد، وجب عليه الوفاء عند طلب المقرض. وفي الختام أسأل الله أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به كاتبه وجميع المسلمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

حجر الكعبة المشرفة – تاريخه – فضائله – أحكامه الفقهية

حجر الكعبة المشرفة – تاريخه – فضائله – أحكامه الفقهية ¤سائد بكداش£بدون¥دار البشائر الإسلامية – بيروت¨الأولى¢1429هـ€فقه¶مكة المكرمة - تاريخ الخاتمة: • تم في هذه الدراسة الوافية – ولله الحمد – التعرف على حجر الكعبة المشرفة: حجر إسماعيل عليه الصلاة والسلام، والوقوف على أصله وتاريخه، وقصة بنائه في عدة مراحل زمنية، ومعرفة مقدار مقاساته، وكان هذا هو الفصل الأول من هذه الدراسة. • وأما الفصل الثاني: فجاء خاصاً ببيان فضل الحجر، وفضل الدخول إليه، والصلاة فيه. وقد تبين لنا الفضل العظيم للصلاة في المسجد الحرام، وأنها تضاعف بمائة ألف صلاة، وأن الصلاة داخل الكعبة المشرفة تزيد على ذلك فضلاً أعظم؛ لزيادة شرف المكان، ولما روي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: (من دخل البيت: دخل في حسنة، وخرج من سيئة، وخرج مغفوراً له). • كما ظهر لنا أن من صلى في مقدم الحجر في الأذرع السبعة منه –تقريبا- إلى جهة البيت فهو كمن صلى داخل البيت؛ إذ إن هذه البقعة من الحجر هي من الكعبة المشرفة، لكنها اقتطعت منها وضمت إليه. • ثم جاء الفصل الثالث – وهو أطولها – لبيان الأحكام الفقهية المتعلقة بالحجر بالتفصيل على المذاهب الفقهية الأربعة، مع ذكر أدلة كل قول، وما ذكر حولها من مناقشات وجوابات. وقد تضمن هذا الفصل ثلاثة مباحث: الأول منها: جاء لبيان الأحكام الفقهية المتعلقة بالصلاة في الحجر، وقد جاءت فيه مسائل أربع: • المسألة الأولى: لبيان حكم صلاة الفريضة في مقدم الحجر الذي هو قطعة من الكعبة المشرفة، ورأينا أن جمهور العلماء من الحنفية والشافعية وغيرهم يرون صحة الفريضة فيهما، وأما المالكية فيرون صحتها مع الكراهة التنزيهية، وأما الحنابلة فقالوا بعدم صحتها، وقد تم عرض أدلة كل قول، وما ذكر حولها من مناقشات وجوابات. • وأما المسألة الثانية: فجاءت لبيان حكم صلاة النافلة في مقدم الحجر المكرم، ورأينا أنها تصح فيه؛ بل مع الاستحباب، وهذا هو رأي جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة، وكذا المالكية في النافلة؛ من غير السنن المؤكدة، وأما المؤكدة كالوتر والضحى وأربع قبل الظهر ونحوها؛ فيرى المالكية صحتها، لكن مع الكراهة التنزيهية، وذلك كله مع عرض الأدلة، وما ذكر حولها من مناقشات. • وأما المسألة الثالثة: فجاءت لبيان حكم صلاة الفريضة، والنافلة داخل الحجر في البقعة التي ليست هي من الكعبة المشرفة، ورأينا أن من صلى الفريضة - وكذا النافلة مطلقاً - داخل الحجر في البقعة التي تلي الأذرع السبعة والتي هي ليست من الكعبة، أنها تصح، وحكمها كحكم من صلى في المسجد الحرام، من المضاعفة والثواب العظيم. • كما تبين لنا في المسألة الرابعة استحباب صلاة ركعتي الطواف في الحجر. • وعرفنا في المسألة الخامسة حكم صلاة النساء في الحجر، وأنه يستحب لهن ذلك؛ إلا إذا أدَّت صلاتهن فيه إلى مزاحمة الرجال وحصول الفتنة من جرَّاء ذلك. • ثم تبين لنا في المسألة السادسة حكم استقبال الحجر وهوائه في الصلاة، وأن الفقهاء اختلفوا في ذلك على قولين، الأول منهما: أنها لا تصح؛ وبه قال الحنفية والمالكية والشافعية، والقول الثاني: أنها تصح؛ وبه قال الحنابلة. • أما المبحث الثاني - من الفصل الثالث من هذه الدراسة - فجاء لبيان حكم الطواف داخل الحجر، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن الطواف من داخل الحجر لا يصح، ولابد من الطواف من وراء الحجر، وبهذا قال المالكية والشافعية والحنابلة.

القول الثاني: أن الطواف من وراء الأذرع السبعة في الحجر من الواجبات وليس من الفرائض، فمن طاف دون السبعة أذرع: صح طوافه، ووجب عليه الدم؛ لتركه الواجب، ويأثم إن كان معتمداً. ومن طاف في داخل الحجر من وراء السبعة أذرع: فطوافه صحيح، ولا شيء عليه، وبهذا قال الحنفية. القول الثالث: أن من طاف داخل الحجر وجعل بينه وبين البيت سبعة أذرع: صح طوافه مع الكراهة، ومن طاف داخل الحجر دون السبعة أذرع: لم يصح طوافه، وبهذا قال جماعة من كبار العلماء كالجويني وإمام الحرمين والبغوي واللخمي وغيرهم. • ثم عرفنا - في مسألة ملحقة بمسألة الطواف السابقة - حكم من طاف وهو ماد يده في هواء جدار الحجر، أو طاف فوق جداره، وأن الخلاف فيها مبني على الخلاف في المسألة السابقة، فصحَّح طوافه الحنفية دون غيرهم. • أما المبحث الثالث من الفصل الثالث من هذه الدراسة؛ فقد تضمن خمس مسائل: • الأولى: في استحباب دخول الحجر، وعلى ذلك نص فقهاء المذاهب الأربعة. • والثانية: في استحباب الجلوس في الحجر، وفيه أحاديث وآثار عديدة في جلوس النبي صلى الله عليه وسلم في الحجر، وجلوس أصحابه ومن بعدهم، وأن قلب النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم شق فيه، ومنه أسري به صلى الله عليه وسلم، وفيه حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم الكفار عن وصف بيت المقدس بعد عودته من رحلة الإسراء والمعراج. • والثالثة: في استحباب الدعاء في الحجر، وعلى هذا نص فقهاء المذاهب الأربعة. • والرابعة: في التزام الكعبة المشرفة واعتناقها من داخل الحجر تحت الميزاب، وفيها ذكر بعض الآثار عن السلف رضي الله عنهم في ذلك. • والخامسة: في حكم الشرب والاغتسال من ميزاب الكعبة المشرفة حال كونه مصنوعاً من الذهب، وحكم ذلك مطلقاً. وقبل بيان الحكم تم الإطلاع على تاريخ تصنيع ذهب الميزاب وإلباسه إياه. ثم عرفنا حكم الشرب منه، وأن القرآن الكريم جاء بالنص على بركة الماء النازل من السماء، وبركة بيت الله؛ فكان الماء النازل من الميزاب ماء مباركاً على مبارك.

حجية القرائن في الشريعة الإسلامية -البصمات / القيافة

حجية القرائن في الشريعة الإسلامية -البصمات / القيافة ¤عدنان حسن عزايزة£بدون¥دار عمار - عمان¨بدون¢بدون€فقه¶قضاء - طرق إثبات وشهادة (شهادة - قرينة - خط - يمين) الخاتمة: بعد هذه الجولة الطيبة في ظل الفقه الإسلامي وكتبه ومسائله وآراء علمائه وبعد التعريج على كتب علم البصمات وتحليل الدم والقرائن المستجدة الأخرى ومصاحبة أهلها في أبحاثهم ومختبراتهم توصلت بفضل الله عز وجل إلى النتائج التالية: 1 - أن القرائن القوية الظاهرة وسيلة معتبرة من وسائل الإثبات، سواء منها ما كان منصوصا عليه أو كان اجتهادا للقضاة من وقائع الدعوى وملابساتها اعتمادا على أمور ظاهرة بينة، أو اعتمادا على اكتشافات علمية وسنن كونية وصفات ومميزات وضعها الله عز وجل في مخلوقاته، وأن اعتبارها قد أجمع عليه عامة الفقهاء فمنهم من ذكر اعتبارها صراحة ومنهم من جعلها مستنده في بناء الأحكام. 2 - إن وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية ليست محصورة في عدد معين يجب الاقتصار عليه ولا نتجاوزه إلى غيره، وإنما هي وسائل لإثبات الحق وإظهاره، فكل ما يؤدي إلى معرفة الحق وإقامة العدل وإشاعة الأمن فهو معتبر في الإثبات ما دام يوافق روح الشريعة ويحقق مقاصدها، والقول بهذا يفتح ميادين واسعة للاستفادة من كل ما توصل إليه الفكر البشري من تجربة واختراع واكتشاف لسنن الله في كونه. 3 - إن القضاء في الشريعة الإسلامية مرتبط ارتباطا وثيقا بعقيدة المسلم وخلقه فالعقيدة تواكب القضاء ولا تفارقه، فمن وقت سماع الدعوى وأقوال الشهود وملابسات القضية حتى النطق بالحكم والقاضي لا يتصرف تصرفا ولا يتحرك حركة إلا وفق ما بينته الشريعة وحددته من آداب وتصرفات لا يجوز له الخروج عنها، لأنه يعلم أول ما يعلم أنه موقع عن رب العالمين وأن أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم أمانة في عنقه سوف يسأله عنها رب العالمين فلأجل هذا كان علماء المسلمين يهربون من تولي القضاء وينالهم في سبيل هذا العنت والأذى فهم يعلمون أن قاضيا في الجنة وقاضيان في النار، فكل هذا يجعل من يتولى القضاء يخشى الله ويتقه ويتحرى العدل والإنصاف فيقل بذلك الظلم والجور والفساد. 4 - أثناء دراستي عن القضاة وعدلهم وفطنتهم ومراقبتهم لله عز وجل علمت كم تخسر هذه الأمة المسلمة في هذا الزمان لما حالت بين العلماء الصادقين وبين القضاء في حين أباحته لمن لا يؤمن بالله واليوم الأخر، فضلا عن أكله للربا وشربه للخمر وفعله للفواحش، فكم أرواح ازهقت وكم أموال أكلت وكم أعراض انتهكت بغير حق لما أسند الأمر إلى غير أهله. 5 - إن الناس اليوم يشكون ويجأرون من كثرة الجرائم والمجرمين وقلة العدل وانعدام الأمن وما علموا أن ما أصابهم فمن عند أنفسهم، فإنه في ظل قوانين البشر ومناهجهم لا يحصدون إلا القلق والاضطراب وانعدام الأمن، وأما الأمن والاطمئنان فلا يوفره إلا شرع الله ومنهجه. قال الله تعالى {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} الأنعام 82. فهو وحده المنهج الكامل الشامل الذي يصلح الحياة ويواكب تطور الفكر البشري واحتياجات الناس ومطالبهم في كل عصر فمع وجوده وتطبيقه وهيمنته على واقع الحياة يأمن الناس ويزول الظلم وتنعدم الجرائم.

6 - إن هناك قرائن قوية قاطعة مستندها الاعتماد على سنن الله في الكون وخواص المواد ومميزاتها التي منحها الله عز وجل لهذه المواد، يجب الاعتماد عليها في الإثبات لأنها تحقق الحق وتظهره، وإن عدم اعتبارها فتح لباب الشر والفساد وإغراء للمجرمين وتسليطهم على أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم – بعد أن تقدمت الجريمة بما يناسب روح العصر – واتهام للشريعة بالتقصير وعدم مواكبة التقدم العلمي والفكري للبشر ويجعلها تعيش في عصر غير عصرها وأوان غير أوانها، ومن هذه القرائن البصمات وتحليل الدم. 7 - إذا تعارضت القرائن القوية القاطعة مع القواعد الشرعية الثابتة كالفراش وأيمان اللعان، فإن العمل يكون بحسب هذه القواعد وتلغى القرائن لأنها صارت مع هذه القواعد بمنزلة أضعف الدليلين مع أقواهما، وأما إذا خلت هذه القرائن عن المعارض القوي فتبقى على أصلها في العمل والاعتبار. 8 - إن القرائن الضعيفة لا يعمل بها ولا تعتبر حجة من حجج الشرع ولا وسيلة من وسائل الإثبات، وإن كان يمكن جعلها دليلاً أوليا يرجح بها جانب على جانب لا دليلا قويا مستقلا، فبناء على هذا لم نعتبر دلالة كلاب الأثر والتسجيل والتصوير حجة في الإثبات لأنها قرائن ضعيفة ترد عليها احتمالات كثيرة تضعف دلالتها وتوهي حجتها. 9 - إن الراجح اعتبار قرينة الحمل من غير زوج دليلا على الزنا تحد المرأة بموجبها إذا لم تدع إكراها وغصبا، وأن اللقطة تدفع إلى واصفها إذا أصاب حقيقة الصفة، وأن سكوت البكر علامة على رضاها وقبولها، وأن وجود المسروقات في حوزة شخص دليل على أنه السارق فيضمن المال وتقطع يده إذا لم تشهد له البينة أو القرائن بغير ذلك. وأن رائحة الخمر دليل قوي على شربها يحد بموجبها وخصوصا بعد أن أصبح سهلا ميسرا معرفة شربه للخمر بتحليل دمه والكشف عن الكحول فيه. وأن القيافة طريق معتبر لإلحاق النسب ويمكن التأكد من قول القائف بتحليل الدم ومعرفة فصيلة دم الأب والأم والولد، فإن وافق التحليل قول القائف فبها ونعمت وإلا قدمت نتيجة تحليل الدم المبنية على أسس علمية ثابتة أودعها الله الإنسان في حين أن القائف يعتمد على خبرته ونظره المجرد. 10 - إن أهل القانون يتميزون بالترتيب والتنظيم وهذا يدعو علماء المسلمين وفقهاءهم الذين هم أولى بهذا الترتيب والتنظيم وأحق إلى تكثيف جهودهم وصياغة أحكام الشريعة بما يناسب روح العصر ومقاصد الشريعة مستفيدين من الإمكانيات الهائلة المتوفرة من التقدم العلمي والتجربة التي توصل إليها الفكر البشري لتيسير تطبيق الشريعة وقطع الطريق على من يدعون أن العالق عن تطبيق الشريعة هو عدم وجود قوانين شرعية مصاغة صياغة عصرية تسهل على القاضي تطبيق الأحكام دون الرجوع إلى كتب الفقه والبحث عن الحكم الذي يكلف وقتا وجهداً. 11 - عند إعادة البحث لكثير من المسائل الفقهية التي جرى فيها خلاف بين الفقهاء ودراستها من جديد بروح هذا العصر ومعطياته في إطار روح الشريعة ومقاصدها سيستقر الأمر في معظمها على رأي واحد وخصوصا بعد أن دونت السنة وصنفت وعرف صحيحها من سقيمها، وقعدت القواعد وحررت الآراء وأسباب الخلاف، وتقدم الفكر البشري وظهرت الاكتشافات والتجارب التي توضح وتبين كثيرا من الغموض في كثير من المسائل وتقف بنا على عين الحقيقة، فمثلا جرى الخلاف بين العلماء في حد من شمت منه رائحة الخمر وتمسكوا بهذه الشبهة ودرأوا بسببها عنه الحد مع أن هذه الشبهة تتلاشى الآن لأنه أصبح بالإمكان معرفة هل الشخص قد شرب الخمر أم لا؟ سواء أخرجت منه رائحة الخمر أم لا، وذلك عن طريق تحليل دمه والكشف عن الكحول فيه، والنتيجة التي نحصل عليها دقيقة جدا، فيحلل دم هذا الذي شمت منه الرائحة فإن ظهر بعد التحليل أنه قد شرب الخمر فقد زال الشك باليقين ويحد بهذه القرائن القوية، الرائحة وتحليل الدم. فلذلك بقاء الخلاف في هذه المسألة لا مسوغ له بعد زوال الشبهة والتحقق من حقيقة الرائحة، وقل مثل هذا في مسائل كثيرة يستخدم العلم الحديث في إظهار حقيقتها وبيان الحق فيها، وهذا يؤدي كما أسلفنا إلى استقرار الأمر في كثير من المسائل التي جرى فيها الخلاف على رأي واحد يمكن اعتماده عند صياغة أحكام الشريعة على هيئة قوانين جاهزة للتطبيق. والله من وراء القصد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

حد الإقامة الذي تنتهي به أحكام السفر

حد الإقامة الذي تنتهي به أحكام السفر ¤سليمان بن عبدالله الماجد£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1421هـ€فقه¶سفر - أحكام خاتمة بأهم نتائج البحث 1 - لم يظهر – من خلال استقراء الإمام ابن تيمية وغيره – أن الشريعة دلت على اعتبار المدد التي ذكرها بعض الفقهاء – كالأربعة أيام أو الخمسة عشر يوماً أو العشرين – حداً فاصلاً بين السفر والإقامة. 2 - لم يظهر من هدي النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة تصحيح قول من قال بأن من قيد نزوله بوقت أو عمل فهو مسافر؛ فتثبت الرخصة – على هذا القول – للطلبة والموظفين والعمال الذين وجدت فيهم هذه الصفة؛ كما لم تظهر صحة قول من حدها بالاستيطان. 3 - ظهر أن الراجح في ضبط الإقامة هو العرف؛ فمن وصفه الناس بأنه مسافر أو مقيم فهو كذلك تبنى على حاله العرفية جميع أحكام السفر أو الإقامة. 4 - أن حقيقة الإقامة في العرف هي: وجود أسباب التعلق بمكان النزول، فمتى اكتملت هذه الأسباب أو كثرت أو قويت عد النازل من المقيمين، ومتى عدمت هذه الأسباب كلها أو قلت أو ضعفت فصاحبها مسافر، أو في حكم المسافرين. فمن هذه الأسباب نية الإقامة المستقرة ومدتها: فالطمأنينة لا تتحقق أصلا إلا بقصد المدة الطويلة بنية مستقرة لا تردد فيها، وحدها هو العرف. ومنها المكان: فالإقامة لا تكون إلا في مكانها المعتاد. ومنها المسكن: فمن نزل بلداً ولم يتخذ فيه سكن مثله لم يره الناس مقيماً. ومنها التأهل: وله أحوال فصلت في هذا البحث. 5 - أن الوصفين الرئيسين للسفر هما مجاوزة بنيان البلد وقطع المسافة الطويلة، وكلاهما أمر عرفي؛ فما دام الشخص على هذه الحال سائراً متنقلاً فهو في أعلى أحوال السفر. 6 - أن من أحوال النزول التابعة للسفر هي حال من نزل مكاناً لم ينو فيه المقام ولا قطع السفر؛ فبقى مضطرباً غير مستقر ينظر إلى مواصلة سيره، أو الرجوع إلى بلده في وقت يسير عادة؛ كعشرين يوماً أو ثلاثين ونحو ذلك، أو في وقت كثير لم توجد فيه بقية أسباب الإقامة الأخرى؛ كالمكان والمسكن، أو وجد مكان المثل وسكنه في هذه المدة الطويلة، ولكنه يتوقع خروجه كل حين في مثل ذلك الوقت القليل، وأمثلة هذه الأحوال في أسفار الناس كثيرة؛ فمنها: حال من نزل بلداً لجهاد أو إدارة تجارة عاجلة أو لأجل علاج أو مرافعة أو سؤال لأهل العلم أو زيارة أو نزهة، أو مراجعة لدائرة، في مدة قصيرة لا يعتبر معها المسافر مقيماً قاطعاً لسفره؛ كما لا يعد بلد نزوله هذا من دور إقامته، ولو سئل الناس عنه لقالوا بأنه غير مقيم فهو مسافر حقيقة، أو هو باق على حكم سفره؛ لعدم تحقق الإقامة بحدودها المعلومة عند الناس؛ إذ أن حكم السفر العرفي لا ينتهي إلا بإقامة عرفية. 7 - أن ما سوى هذه الأحوال هي أحوال إقامة لا سفر؛ كحال المستوطنين في بلدانهم والمغتربين من الموظفين والطلبة والعمال وأصحاب الدورات المطولة، ونحوهم، حيث ينزلون مكاناً صالحاً للإقامة، في سكن المثل، مع نية مستقرة للمكث مدة طويلة. 8 - أن أكثر أحوال الناس العرفية في السفر والإقامة واضحة بينة، وما قد يشكل من المدد والمسافات أو غيرها من الأسباب فهو قليل، ومع قلته فإنه لا يبنى على التحديد الدقيق وإنما يبنى على التقدير التقريبي، ونظير ذلك مما تعتبر فيه المدد والمسافات كثير. 9 - إذا أشكل على العبد شيء من المسائل العرفية هل يعتبر بها النازل مقيماً أو مسافراً استصحب في ذلك الحال السابقة للوصف الطارئ؛ فإن كان مقيماً وشك في قيام وصف السفر فهو مقيم، وإن كان مسافراً وشك في قيام وصف الإقامة فهو مسافر. 10 - عند تأمل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وآثار بعض الصحابة والتابعين المذكورة في هذا البحث وما جاء فيها من الترخص المدد الطويلة لا تجدها معارضة لاعتبار العرف في ضبط الإقامة؛ فليس فيها حال واحدة ثبتت فيها الإقامة بمعناها المعروف عند الناس، ولم تكن أحوالهم إلا كأحوال النزول المذكورة قريباً في الفقرة السادسة. 11 - لم يظهر أن ابن تيمية وابن القيم وعبدالله بن محمد بن عبدالوهاب وابن سعدي ورشيد رضا قد قالوا بتأثير تقييد النزول بوقت أو عمل في ثبوت الرخصة. 12 - ظهر من خلال هذا البحث أن ابن تيمية وعبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ورشيد رضا يعتبرون العرف في تحديد الإقامة. 13 - ظهر من كلامي ابن القيم وابن سعدي ما يدل على عدم مشروعية ترخص المغتربين وأمثالهم ممن عزموا على الإقامة مدة طويلة بنية مستقرة. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حدود الصفا والمروة (التوسعة الحديثة) دراسة تاريخية فقهية

حدود الصفا والمروة (التوسعة الحديثة) دراسة تاريخية فقهية ¤عبدالملك بن عبدالله بن دهيش£هشام بن عبدالملك بن دهيش¥مكتبة الأسدي – مكة¨الأولى¢1429هـ€فقه¶حج وعمرة - سعي الخلاصة: أن جبلي الصفا والمروة ممتدان بأكثر مما هو واقع اليوم، وقد شهدت ذلك بنفسي قبل التوسعة السعودية، كما أسلفت، وقد شهد بذلك أيضاً عدداً كبيراً من كبار السن من سكان الصفا والمروة، وقد صدق فيهم المثل القائل: (أهل مكة أخبر بشعابها). وقال العلامة الحنبلي الشيخ ابن سعيد رحمه الله: (فمنهم من قال بأن عرضه لا يحد بأذرع معينة، بل كل ما كان بين الصفا والمروة فإنه داخل في المسعى كما هو ظاهر النصوص من الكتاب والسنة، وكما هو ظاهر فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم ومنهم من قال يقتصر فيه على الموجود، لا يزاد فيه إلا زيادة يسيرة يعني في عرضه). فهذا الرأي هو الذي ترجح عندي بعد دراستي المتعمقة لهذا الموضوع، والوقوف على النصوص الشرعية، وأقوال أهل العلم من الفقهاء والمؤرخين، والرأي الثاني، هو الزيادة فيه زيادة يسيرة، فكلا الرأيين يجيز الزيادة. ويقول الأخ الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان: (أن النقول بالتوارث من طرق الإثبات، كما بينه العلماء، وحرره ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين، فقال: وأما نقل الأعيان وتعيين الأماكن، فكنقلهم الصاع والمد، وتعيين موضع المنبر، وموقفه للصلاة، والقبر، والحجرة، ومسجد قباء، وتعيين الروضة، والبقيع، والمصلى ونحو ذلك). ونقل هذا جار مجرى نقل مواضع المناسك كالصفا والمروة ومنى، ومزدلفة، ومواضع الجمرات، ومواضع الإحرام، كذي الحليفة، والجحفة، وغيرهما، وسنة متلقاة بالقبول. كما أيد العلم الحديث تلك الحقيقة، فقد قامت هيئة المساحة الجيولوجية، باستخدام آليات خاصة، وحفارات عملاقة، نزلت في أعماق الصخور الموجودة بالمنطقة التي أقيمت التوسعة عليها، فأخذت عينات من جبلي الصفا والمروة من مكانهما قبل التوسعة، ومن منطقة الامتداد الشرقي التي أقيمت عليها التوسعة، فتبين لها: • أن جبل الصفا لسان من جبل أبي قبيس، وأن لديه امتداداً سطحياً بالناحية الشرقية مسامتاً للمشعر الذي كان قائماً قبل توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بما يقارب (30 متراً). • أن جبل المروة يمتد امتداداً سطحياً مسامتاً للمشعر قبل توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بما يقارب (31 متراً). وذلك في تقرير أعد لمعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. كما لم يكن للمسعى في السابق بنيان يحده من الجهتين فكان الناس عند الزحام يسعون خارج نطاق البنيان لعدم وجود الجدران، ولوجود امتداد الجبلين قبل تكسيرهما لبناء المسمى، فالأصل أن المسعى، كان مفتوحاً وأن ما تم من بناء وتظليل جاء بقصد حماية الحجاج والمعتمرين خلال السعي من حرارة الشمس وإبعاد الباعة وغيرهم عن طريقهم، ومن البديهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان معه عشرة آلاف حاج يؤمهم وهو يسعى بين الصفا والمروة ويعلمهم النسك دون إلزامهم بحدود معينة، ولم يقل لا تتعدوا العرض المعين، أو قفوا عند هذا الحد، ولا تتجاوزوا عرضه، بل حج معه كل هذا العدد وكانوا يسيرون كلهم في المسعى، الأمر الذي يعني أن الأصل في الشرع السعي بين جبل الصفا وجبل المروة في كل شوط والرمل في منتصف الوادي بينهما، ولم يحدد المصطفى صلى الله عليه وسلم مساراً لهذا السعي كي لا يجهد أمته، وما سئل صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم عن شيء إلا قال: (افعل ولا حرج). كما أن المبنى الذي أزيل في توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله كان لابد من إزالته، وإعادة بناؤه بما يتلاءم مع الزيادة العددية الغفيرة من حجاج بيت الله ومعتمريه، حيث أن المبنى السابق كان مصمماً على قدرة تحمل محدودة، لا تتحمل تلك الأعداد، ويخشى من تهدمه وحدوث كارثة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى، فندعو الله لخادم الحرمين الشريفين بالتأييد والتمكين، والصحة والعافية، وأن يجزل له العطاء على ما متعه الله به من بعد نظر، وتفكير دائم في نفع المسلمين.

حقيقة الجندر وموقف الإسلام منه

حقيقة الجندر وموقف الإسلام منه ¤منى السروي£بدون¥مؤسسة الرشد الخيرية¨بدون¢2007م€فقه¶أسرة واجتماعيات الخاتمة: بعد حمد الله تعالى على توفيقه لي بإتمام هذا البحث، أبيِّن في خاتمته أهم ما توصلت إليه من نتائج: 1 - إن اشتراك اللغة العربية واللغة الإنجليزية في كلمة الجندر إنما هو اشتراك لفظي فقط، واستعمل بمعان واستعمالات أخرى؛ فليس له وجود عربي كمصطلح؛ ولذلك أوجدوا له تعريباً في اللغة العربية بـ (النوع الاجتماعي)، وهو في حقيقته مصطلح غامض وموهم وغير مفهوم، تندرج تحته معظم مصطلحات الأمم المتحدة، تدعو في الظاهر إلى مصطلحات برَّاقة، وهي تسعى في الحقيقة إلى هدم الأسرة، وهدم القيم الدينية ونشر الرذيلة. 2 - تعتمد فلسفة الجندر (النوع الاجتماعي) على أن المجتمع وثقافته هو الذي يصنع الفروق بين الرجل والمرأة، وأنه هو الذي قسم الأدوار بينهما، وبدوره جعل الأنثى تنظر لنفسها أنها أنثى والذكر أنه ذكر؛ بل تقول: إن الذكورة والأنوثة هي ما يشعر به الذكر والأنثى، وما يريده كل منهما لنفسه؛ ولو كان ذلك مخالفاً للواقع البيولوجي، أي أن هذه الفلسفة تسعى في جميع أفكارها إلى التماثل الكامل بين الذكر والأنثى. 3 - يحارِب الجندر جميع الأديان، وعلى رأسها الإسلام؛ لأنه يحارب الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فالأديان في الأصل تدعو إلى الخير والفضيلة، وهو يدعو إلى الشر والرذيلة. 4 - يرجع أصل نشأة فلسفة الجندر وأفكاره إلى علم الاجتماع، وإلى نظريات علم النفس الاجتماعي. 5 - مر الجندر بمراحل تطور مختلفة، حتى نشأ على صورته الحالية، ظهرت مع نهاية القرن التاسع عشر بمفهوم المساواة المنصفة، التي تمثلت بالمطالبة بتحسين واقع المرأة الاجتماعي والاقتصادي والأخذ بعين الاعتبار وظائف المرأة البيولوجية - من حمل وولادة ورضاعة وتربية الأولاد .. -، ثم تطور المفهوم إلى المساواة الكاملة أو المطلقة الذي بدأ منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، وانتهى هذا القرن بالمطالبة بالتماثل بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والخصائص والوظائف، وهو ما يسمى بالجندر؛ حيث تكفلت بمطالب المرحلتين الأخيرتين المواثيق الدولية التي أصبح لها منظمات خاصة، وأقيمت لها مؤتمرات عالمية تدعو إلى أفكارها. 6 - يدعو الجندر إلى إعادة صياغة اللغة؛ وذلك بوضع معجم أنثوي جديد، كما أنه يدعو إلى التماثل بين الرجل والمرأة؛ وذلك عن طريق المطالبة بضرورة المساواة بينهما في الحقوق والواجبات والخصائص والوظائف دون مراعاة لأي فوارق بينهما! ويدعو إلى نشر الأمية الفكرية، والتخلف والرذيلة، وإشاعة التثقيف الجنسي الشامل الذي يكون إلزامياً على المجتمعات؛ لاسيما من هم في سن المراهقة؛ وذلك عن طريق حرصهم على إيجاد فرص التعليم وتشجيعهم عليه. ويدعو إلى حرية الحياة غير المنطقية؛ وذلك عن طريق: أ) الدعوة إلى زواج المثلين: رجل برجل، وامرأة بامرأة، وإيجاد حلول لغريزة حب الإنجاب لهذا الزواج المثلي؛ عن طريق تأخير الأرحام أو التلقيح الصناعي. ب) تشجيع إنشاء العلاقات بين الخلان، والدعوة إلى الإجهاض وتحديد النسل، وينتج عن ذلك كله إلغاء الأسرة التقليدية، والدعوة إلى بناء الأسرة اللانمطية أو المتعددة الأسر، ورفض السلطة الأبوية، ورفض الزواج، أو أن يكون للزوج قوامة. كما يدعو إلى تحرير المرأة وسفورها، وضرورة إدماج المرأة في عملية التنمية، ويعتبر ذلك أسلوباً لتحقيق أهداف الجندر لا مطلباً في حد ذاته؛ حتى تتحقق دعوة التماثل بين الرجل والمرأة.

7 - تثبت الحقائق العلمية الحديثة وجود فروق أساسية جينية وجسدية ووظيفية بين الذكر والأنثى؛ وذلك منذ بدء خلق الجنين في بطن أمه، وتؤثر على سلوك كل منهما بعد الولادة، وتستمر في التأثير حتى البلوغ والشيخوخة، وليست الفروق قاصرة على البنية الجسدية الخارجية فحسب؛ بل إن الفروق بينهما كائنة في أجهزة الجسم ومكوناته؛ بل في كل خلية من خلايا جسم كل منهما. كما أنه يوجد اختلاف سيكولوجي (عقلي – نفسي – أخلاقي) في كل منهما، يرجع أصلها إلى اختلافات جينية وراثية خَلقية خاصة بكل جنس، ويتعدى ذلك إلى اختلاف في ميل كل من الجنسين لبعض الأمراض أكثر من الآخر، وذلك كله يُثبت الإعجاز العلمي في قوله تعالى: {وليس الذكر كالأنثى}، وهذا يدحض شبهة أن الاختلاف الكائن بين الذكر والأنثى أصله ومنبعه من المجتمع وثقافته، ويعني ذلك استحالة ما يدعو إليه الجندر من التماثل بين الذكر والأنثى. 8 - رفع الإسلام مكانة المرأة ومنزلتها، وجعلها شقيقة للرجل؛ فاعترف بها إنساناً بعد أن كانت مهانة في الأمم السابقة، وجعلها مساوية للرجل في التكاليف الربانية والجزاء الأخروي، واعترف بحقوقها الشخصية كاملة، وبحقوقها المدنية؛ ولكنه لم يهمل الفوارق الذهنية والنفسية والجسمية والتركيبية التي أودعها الله بين الجنسين؛ بل راعى هذه الفوارق في التشريع؛ ليكون بمثل ذلك دين الوسطية الذي يحمل السر في عظمة تشريعه. 9 - يركز دعاة الجندر في شبهاتهم على المرأة التي يحاربون بها الدين، وذلك عن طريق الآتي: أ- المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في الولاية، وهو أمر يردُّه الإسلام؛ لأن ذلك يقتضي مناقضة أوامر الشرع من كثرة خروج المرأة من البيت والظهور أمام الناس، والخلوة بالرجل، وهذا محرم، وهي مأمورة بالقرار في البيت، ولم يُوَلِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة، ولا فعل الصحابة رضي الله عنهم من بعده ذلك. ب- المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في القوامة، وهو أمر يرده الشرع؛ لأن الرجل أقدر من المرأة على صراع مشاكل الحياة وأقوى منها، وأقدر في احتمال أعصابه وتحمُّل التبعات والنتائج، ولأنه هو المكلف والملزم بالنفقة على الزوجة والأولاد والبيت. ج- المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في تعدد الأزواج، وهذا مردود في كل الشرائع والأعراف كذلك؛ فهو يدخل اضطراباً في عمود النسب، فلا يدري ابن من يكون المولود، وتنشأ الأمراض والعقد النفسية فيهم؛ ولأن ذلك يحطم كيان الأسرة والمجتمع. د- المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في الميراث، وهو أمر يردُّه الشرع، وحكمته في أن جعل للذكر مثل حظ الأنثيين كقاعدة عامة: أن الرجل مكلَّف بالإنفاق على البيت والزوجة والأولاد، وما يصل إليه من ميراث وغيره يستخدمه في النفقة له ولغيره (زوجته وأولاده ... )، بينما المرأة لا يلزمها أن تنفق شيئاً، فما يصل إليها من ميراث يبقى لها وحدها؛ ولذلك كان لها نصف ما للرجل. هـ- المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في الشهادة؛ سواء في المعاملات والتصرفات المالية، أو في الجنايات، وهذا مردود في الشريعة؛ فأما اعتبار الشرع شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل في المعاملات والتصرفات المالية فلقلِّة خبرة المرأة ومشاركتها في مثل هذه الأمور، عكس الرجل؛ الذي يلازم المعاملات المالية والشؤون التجارية، ولأن طبيعة المرأة انفعالية وتتأثر بالمواقف، ولأن تركيبة الذاكرة عندها لا تمنحها الأهلية الكاملة في الشهادة إلا بوجود امرأة أخرى معها؛ لذلك اعتبر الشارع شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل، فإذا شهدت إحداهما ذكَّرتها الأخرى إن ضلت أو نسيت.

وأما عن عدم اعتبار شهادة المرأة في الجنايات فلأنها لا تحضر مجالس الخصومات، وإذا حضرتها فإنها لا تستطيع البقاء حتى تشهد جريمة القتل مثلاً، وبالتالي فإنها لا تستطيع أن تصف الجريمة كما هي. والمطالبة بمساواة المرأة بالرجل في الدية، وهذا أمر يردُّه الشرع أيضاً؛ وذلك لأن الدية ليست للرجل أو للمرأة، وإنما هي للورثة، ولأنه عند قتل الرجل خطأً فإنه يترتب على ذلك خسارة مادية ومعنوية على من يعولهم؛ لأنه مكلف بالنفقة عليهم، على خلاف فقدهم للمرأة، أمّاً كانت أو بنتاً أو زوجة؛ فإنه لا يترتب على ذلك خسارة مادية وإنما معنوية. فالشرع لا يعتبر الدية تقديراً لقيمة الإنسان؛ وإنما هي تقدير لقيمة الخسارة المادية التي لحقت أسرته بفقده؛ ولذلك فإنه لا ينتقص من شأن المرأة ولا يحتقرها، ودليل ذلك: أن الرجل والمرأة متساويان في القصاص عند القتل العمد. 10 - حرم الإسلام الجندر، وتحريمه ثابت من القرآن الكريم والسنة النبوية، وذلك من خلال تحريم مبادئه وأفكاره، وأنه مخالف للفطرة التي فطر الله الناس عليها، ومناوئ لها، وقد أصدر العلماء فتاوى بتحريمه. 11 - يتجلى الموقف الإسلامي تجاه أفكار دعاة الجندر من خلال الآتي: أ- دحض دعوى التماثل بين الرجل والمرأة من خلال قوله تعالى: {وليس الذكر كالآنثى} [آل عمران: 36]. ب- تحريم دعوتهم إلى الصحة الإنجابية التي تدعو إلى الآتي: 1) تحديد النسل؛ لأنه يهدد بقاء الأمة. 2) التلقيح الصناعي وتأجير الأرحام، وهو محرم؛ لأنه يقع بغير ماء الزوج، ولأن ذلك يُعدُّ جريمة خُلقية واجتماعية، ولأن فيه اختلاطاً للأنساب. 3) الإجهاض، وقد حرمه الإسلام منذ نفخ الروح في الجنين؛ لأنه يعتبر قتلاً للنفس التي حرم الله بغير حق. 4) نقد الزواج المبكر، ومقابل ذلك فإن الإسلام يحبب التبكير بالزواج؛ لأن في تأخيره مضارّاً خُلقية ونفسية ومعنوية. ج- تحريم دعوتهم إلى حرية الحياة غير النمطية والتي تتمثل في الآتي: 1) الشذوذ الجنسي بجميع صوره: 1 - إتيان الذكور: حيث اعتبره الشرع من أكبر الجرائم؛ لما فيه من مفسدة للخلق والفطرة، وللحياة نفسها. 2 - السحاق: وهو علاقة محرمة شرعاً. 2) الزنا: وقد حرمه الشارع لما يترتب عليه من مضار عمرانية واجتماعية. 3) استبدال الأسرة التقليدية بالأسرة الجديدة المكونة من زواج رجل برجل، أو امرأة بامرأة؛ وهو ما يسمى بزواج المثلين، أو أن تتكون أسرة من التقاء رجل بامرأة خارج نطاق الزواج الشرعي، مع إلغائهم لسلطة الأب أو الزوج على الأسرة. وموقف الشرع من ذلك أنه يحرم هذه الأفكار ويحاربها، ويضع للأسرة اعتبارها؛ فهي تتكون تحت إطار الزواج الشرعي، كما أن الشرع حكيم في جعل قوامة الأب أو الزوج على الأسرة؛ وذلك لأن هذه المسؤولية قائمة على الرعاية الكاملة تجاه أفراد الأسرة. د- النهي عن تبرج المرأة، وقد حذر الشارع منه؛ لما يترتب عليه من أضرار خطيرة؛ تتمثل في جلب الخزي والعار، والدعوة إلى الفتنة والدمار. كما حرم الشرع سفور المرأة؛ لما يظهر من ذلك من مخالفات شرعية، منها: الخلوة المحرَّمة، والخضوع بالقول مع الرجال، وإطلاق البصر، وانتشار الزنا والسفاح، وذهاب الكثير من حياء المرأة .. وهذه جميعها محرمة. أما إذا كان خروج المرأة من البيت لضرورة مع التزامها بالشروط التي اشترطها الإسلام: فجوَّز الشرع ذلك، وهذه الشروط هي: 1) إذن الولي في الخروج. 2) عدم الاختلاط أو الخلوة بالأجنبي. 3) عدم التبرج وإظهار الزينة. 4) عدم التطيب عند الخروج. 5) الالتزام بالحجاب الشرعي. هـ- تحريم دعوة مؤسلمي الجندر؛ لأن أصحابها يُعتبرون دمى تحركها الأيدي الخفية - من دعاة الجندر الغربيين - لتنفيذ مخططاتهم.

حكم الأرجل في الوضوء

حكم الأرجل في الوضوء ¤جعفر السبحاني£بدون¥مؤسسة الإمام الصادق¨الأولى¢1417هـ€فقه¶طهارة - أعمال منوعة خاتمة المطاف: الآن حصحص الحق لقد بانت الحقيقة وظهرت بأجلى مظاهرها وذلك بالأمور التالية: 1ـ تصريح الكتاب بمسح الأرجل وأن غسلها لا يوافق القرآن الكريم. 2ـ إن هناك لفيفا من أعلام الصحابة وسنامها الذين هم عيبة السنة وحفظة الآثار كانوا يمسحون وينكرون الغسل أشد الإنكار وقد وقفت على رواياتهم الكثيرة الناهزة حد التضافر. 3ـ إن أئمة أهل البيت، وفيهم: الإمامان الباقر والصادق عليهم السلام بينوا وضوء رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأنه كان يمسح الأرجل بدل غسلها وقد مرت كلماتهم. 4ـ إن ما دل على غسل الأرجل وإن كان فيه الصحيح لكن فيه الضعيف أيضا، بل الضعاف أكثر من الصحاح، فعلى الفقيهة معالجة تعارض الروايات الدالة على الغسل، بالكتاب أولا وبالسنة الدالة على المسح ثانيا. 5ـ إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر المسلمين قاطبة بالأخذ بأقوال العترة حيث قال: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي " فالتمسك بأقوالهم وأحاديثهم تمسك بما ينقذه من الضلالة، ومن أخذ بواحد منهما فقد خالف الرسول. مضافا إلى أن عليا ـ باب علم النبي ـ هو المعروف بالقول بالمسح وقد قال الرازي في هذا الصدد " ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم أدر الحق مع علي حيث ما دار" 6ـ إذا كان الاجتهاد بمعنى بذل الجهد في استنباط الأحكام عن أدلتها الشرعية فماذا اختصت هذه النعمة الكبرى بالأئمة الأربعة دون سواهم وكيف صار السلف أولى بها من الخلف؟! هذا ونظيره يقتضي لزوم فتح باب الاجتهاد في أعصارنا هذه والإمعان في عطاء الكتاب والسنة في حكم هذه المسألة متجردا عن قول الأئمة الأربعة ونظرائهم. إن الاجتهاد رمز خلود الدين وصلاحيته للظروف والبيئات وليس من البدع المحدثة بل كان مفتوحا منذ زمن النبي وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم وقد أغلق لأمور سياسية عام 665هـ. قال المقريزي في بدء انحصار المذاهب في أربعة "فاستمرت ولاية القضاة الأربعة من سنة 556هـ حتى لم يبق في مجموع أقطار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب الإسلام غير هذه الأربعة وعودي من تمذهب بغيرها وأنكر عليه ولم يول قاض ولا قبلت شهادة أحد ما لم يكن مقلدا لأحد هذه المذاهب وأفتى فقهاؤهم في هذه الأمصار في طول هذه المدة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم عداها والعمل على هذا إلى اليوم

حكم الإضراب عن الطعام في الفقه الإسلامي

حكم الإضراب عن الطعام في الفقه الإسلامي ¤عبدالله بن مبارك بن عبدالله آل سيف£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - عمادة البحث العلمي¨الأولى¢1427هـ€فقه¶أطعمة وأشربة الخاتمة والتوصيات: وفي نهاية البحث نحمد الله أولاً وآخراً، على تيسيره وعونه، فهو صاحب الفضل والنعم والجود والكرم، كما نلخص أهم نتائج البحث فيما يلي: 1 - أن الإضراب عن الطعام من الأمور الجديدة التي لم تعرف في تاريخ الأمة وهو: الامتناع عن بعض أو كل أنواع الطعام أو الشراب أو هما معاً، مدة محددة أو مفتوحة للمطالبة بحقٍ ما لدى طرف ثان، وأن له أنواعاً عدة وصوراً متنوعة. 2 - أن الإضراب له شروط لنجاحه, وهي شروط مؤثرة في الحكم. 3 - أن الإضراب له مجالات كثيرة منها: الإضراب عن العمل، أو عن العلاج، أو عن الكلام وغيرها. 4 - أما حكمه فقد اختلف العلماء في حكمه على ثلاثة أقوال: القول الأول: التحريم المطلق، والثاني الجواز المطلق، والثالث التفصيل وهو قول جمهور العلماء المعاصرين: أنه يجوز ما لم يصل لمرحلة الخطر أو الموت. 5 - وعند الترجيح تبين رجحان القول الثالث القائل بالتفصيل. 6 - والترجيح في قضية التكييف أنه: • إن اقترن به نية صوم فهو وصال، ثم إن وصل للموت فهو انتحار محرم. • وإن لم يقترن به نية صوم، فهو نوع من أنواع رفع الظلم، فهو مباح بكل وسيلة ما لم يصل إلى درجة الموت فيحرم، ولا يصح تكييفه على أنه دفع للصائل؛ لأنه تعمد للموت في منأى عن العدو, ومدافعته المباشرة، والمقصود يحصل بالإضراب غير المفتوح أو غير الشامل. 7 - تبين أن الصيام للتضامن مع المضربين بدعة محدثة لم يرد بها الدليل، والله أعلم. أما أهم التوصيات فأقترح ما يلي: 1 - بحث مسألة الإضراب عن العمل؛ نظراً لأهميتها وتشعبها وانتشارها، وكون كثير من القوانين الدولية والمحلية تنص على أحقية العمال في الإضراب عن العمل وفق شروط معينة. 2 - بحث مسألة: الإضراب عن التعاون في مجالات معينة. 3 - بحث مسألة الأشياء المتزامنة مع الإضرابات مثل: الاعتصامات والمظاهرات والاحتجاجات والإثارة الإعلامية، وأحداث الشغب وغيرها.

حكم الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد

حكم الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد ¤محمد بن عبدالله بن سبيل£بدون¥بدون¨الأولى¢1417هـ€فقه¶جهاد - الاستعانة بغير المسلمين الخاتمة وبعد هذا الإيضاح لقولي العلماء في المسألة وأدلتهم يظهر لنا جواز الاستعانة بالكفار في القتال عند الحاجة المقتضية أو الضرورة الملحة، كما هو مذهب جمهور العلماء، للأدلة التي استدلوا بها على ما ذهبوا إليه. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

حكم الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد الإسلامي

حكم الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد الإسلامي ¤محمد عثمان شبير£بدون¥دار النفائس - الأردن¨الأولى¢1424هـ€فقه¶جهاد - الاستعانة بغير المسلمين الخاتمة هذه هي أحكام الاستعانة بغير المسلمين في مجالات الجهاد المختلفة حاولت جهدي ضبط مسائلها، وتحقيق أدلتها، وتحرير مواطن الاتفاق والاختلاف فيها وترجيح ما تؤيده الأدلة الثابتة القوية، وتحديد ضوابطها وقيودها التي تعصم الأمة من الوقوع في مكائد الأعداء. ويتضح من هذا البحث الأمور التالية: 1 - إن الاستعانة بغير المسلمين تعني الاستعانة بمطلق الكافرين من حربيين وذميين ومستأمنين، ولا يدخل فيها الاستعانة بالمنافقين والفاسقين وأهل الأهواء والبدع والبغاة الخارجين على الإمام؛ لأن الاستعانة بهؤلاء تدخل في الاستعانة بالمسلمين لا بالمشركين، وهي أمر واجب: فيجب على المسلمين أن يتعاونوا فيما بينهم لدفع الاعتداء على دار الإسلام قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]. 2 - إن الاستعانة بغير المسلمين في مجالات الجهاد السلمية من حماية الدعوة والداعية وحماية الدولة في بداية عهدها، والتجسس على الأعداء، وشراء السلاح والتخذيل عن المسلمين جائزة عند الحاجة، وبشروط منها الوثوق بالمستعان بهم، وعدم التنازل عن المبدأ والعقيدة وعما هو ثابت في الإسلام. 3 - إن الاستعانة بغير المسلمين في مجال الخدمة والهدم والتخريب جائزة باتفاق الفقهاء. 4 - إن الاستعانة بغير المسلمين في مجال القتال لا تجوز إلا للضرورة أو الحاجة، وبشروط منها الوثوق بالمستعان بهم، والقدرة على رد كيدهم، وألا يستعان بهم في قتال المسلمين، وألا يترتب على الاستعانة بهم التنازل عن المبدأ، أو المقاتلة تحت رايتهم، أو الموالاة لهم والتحسين لأفكارهم. 5 - إن الإسلام يوجب على المسلمين الوفاء بما التزموه من شروط وحقوق لغير المسلمين الذين استعانوا بهم في الجهاد. 6 - إن الإسلام يوجب على المسلمين الدفاع عن الذميين الذين يعيشون في دار الإسلام بعقد ذمة أو أمان، كما يوجب عليهم استنقاذ من وقع منهم أسيرا في يد الأعداء الحربيين. 7 - إن إعانة المسلمين لغيرهم بالرجال والسلاح غير جائزة إلا للضرورة خاصة إذا كانوا يقاتلون المسلمين، أما إذا كان القتال بينهم وبين كفار آخرين فلا تجوز أيضا إلا لحاجة. 8 - إن الذمي لا يجوز له أن يعقد عقد أمان لحربي ولو اشترك مع المسلمين في القتال. 9 - إن الذمي لا يطلق عليه شهيد ولو مات في معركة من معارك التحرير أو الدفاع عن دار الإسلام. 10 - وفي الختام يجب على المسلمين أن يعتمدوا على أنفسهم في تحقيق أهدافهم الجهادية، فيحرصوا على إيجاد ذوي الجاه والكلمة المسموعة من المسلمين ممن يقدرون على دفع الأذى عن المسلمين بالمداراة المشروعة والكلمة الطيبة، ويحرصوا على وجود متخصصين في الإعلام لنشر مآثر الإسلام ودفع الشبهات التي يطرحها الأعداء، ووجود مراكز متخصصة لجمع المعلومات والأسرار العسكرية عن الأعداء الحربيين، ووجود علماء متخصصين في علم النفس العسكري لتوظيف الإشاعة والأراجيف في خدمة المعارك الإسلامية، ويحرصوا على وجود علماء متخصصين في صناعة الأسلحة وتطويرها، ووجود خبراء عسكريين قادرين على تخريج جنود محترفين في القتال. والله أسأل أن يبرم لهذه الأمة أمرا رشيدا يعز فيه وليه ويذل فيه عدوه، ويعمل فيه بطاعته وينهي فيه عن معصيته. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

حكم البسملة في الصلاة

حكم البسملة في الصلاة ¤أحمد العالم£عبدالسلام محمد الشريف العالم¥دار الغرب الإسلامي - بيروت¨الأولى¢1993م€فقه¶صلاة - البسملة الخلاصة دائماً يكون الحكم على البحث والباحث من خلال المصادر والمراجع المستخدمة في البحث والشيخ صاحب الإجابة وكذلك المعقب قد استخدم كل منهما المراجع والمصادر المعتمدة في هذا المجال يظهر ذلك واضحاً للعيان من خلال مراجعة ثبوت الكتب الواردة في النص المحقق. وبذلك ابتعد المؤلف عن السرد العفوي للأحكام، وتجاوز العرض الأفقي، واستخدم المنهج التحليلي للغوص في الأعماق فضمن النص ما هو من صلب العلم موضوع السؤال والجواب، وما هو من ملحقه فتناول علم القراءات والفقه والأصول واللغة والمنطق وغيرها. والسائل والمجيب والمعقب كلهم من أهل العلم المشهود لهم بالكفاءة العلمية في عصرهم، وتوفرت فيهم شروطه وهي: أ- أن يكون عارفاً بأصوله وما ينبني عليه ذلك العلم. ب- أن يكون قادراً على التعبير عن مقصوده فيه. ج- أن يكون عارفاً بما يلزم منه. د- أن يكون قائماً على دفع الشبه الواردة عليه فيه. وإذا نظرنا في مضمون هذه الرسالة وما حوته من سؤال، وجواب وتعقيب وما عليه علماء السلف الصالح وجدناهم قد اتصفوا بوصف العالم العامل بعلمه. والعلم نور يهدي به الله من يشاء، ومن علاماته التجافي عن الغرور والإنابة إلى دار الخلود. ومسألة البسملة في الصلاة من المسائل التي يلزم الخروج فيها عن الخلاف، وذلك بالبسملة سراً في الصلاة الجهرية والسرية فرضاً أو نفلاً على حد سواء، والصلاة على هذا النحو صحيحة باتفاق العلماء لا خلاف فيها، والخروج من الخلاف إلى الإجماع والاتفاق مطلوب لأن الله لم يجعل علينا في الدين من حرج، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

حكم الشرع في لعب الورق "الشدة"

حكم الشرع في لعب الورق "الشدة" ¤مشهور بن حسن آل سلمان£بدون¥دار ابن حزم - بيروت¨الثالثة¢1419هـ€فقه¶ألعاب خاتمة تبين لنا حرمة (اللعب بالورق) من وجوه عديدة، وهو ما جزم بهم حققوا أهل هذا العصر من العلماء والفضلاء، وزيادة على ما قيل في مضار ومفاسد (اللعب بالورق) في المبحث الثاني، نضيف هنا: إن اللعب به فيه إضاعة للوقت، الذي هو أنفس ما يملك الإنسان، و"ترجع نفاسة الوقت إلى أنه وعاء لكل عمل وكل إنتاج، فهو في الواقع رأس المال الحقيقي للإنسان فرداً أو مجتمعاً. إن الوقت ليس من ذهب فقط كما يقول المثل الشائع، بل هو أغلى في حقيقة الأمر من الذهب واللؤلؤ والماس، ومن كل جوهر نفيس، وحجر كريم". فالوقت هو الحياة، فمن الواجب على المسلم أن يحافظ عليه، كما يحافظ على بدنه وماله، بل أكثر، وأن يحرص على الاستفادة منه فيما ينفعه في دينه ودنياه، وفيما يعود على أمته بالخير والسعادة والتقدم نحو الطاعة والفضيلة. فقد جاءت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، وأقوال السلف الكرام والعلماء والصالحين والزهاد والشعراء في المحافظة عليه والاستفادة منه، وإليك قطوفاً من ذلك، نجعلها خاتمة هذه الرسالة، التي نسأل الله رب العرش العظيم أن ينفع بها المسلمين. قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}. أي: جعل الليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل، ليتعظ المسلم ويعتبر باختلافهما، أو أراد شكر الله تعالى فيهما، فمن فاته عمل في أحدهما، حاول أن يتداركه في الآخر. • عن معاذ بن جبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن عمله ماذا عمل به". فالوقت خصَّه صلى الله عليه وسلم بسؤالين رئيسين من ضمن الأسئلة الأساسية الأربعة التي توجه إلى المكلف يوم الحساب، وبين صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يسأل "عن عمره عامة، وعن شبابه خاصة، والشباب جزء من العمر، ولكن له قيمة متميزة باعتباره سن الحيوية الدافقة، والعزيمة الماضية، ومرحلة القوة بين ضعفين، ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}. • وكان الحسن البصري يقول: "ما من يوم ينشق فجره، إلا وينادي: يا ابن آدم! أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة". • وكان يقول: "يا ابن آدم! إنما أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك! ". • وكان يقول أيضاً: "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم! ". • وكان عمر بن عبدالعزيز يقول: "إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما! ". • وكانوا يقولون: "من علامة المقت إضاعة الوقت". • ويقولون: "الوقت سيف إن لم تقتطعه قطعك". • وقال حكيم: "من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه، وظلم نفسه! ". • وقال الشاعر: وما المرء إلا راكب ظهر عمره على سفر يفنيه باليوم والشهر يبيت ويضحى كل يوم وليلة بعيداً عن الدنيا قريباً إلى القبر

فيا من تقبلون على (لعب الورق)! هذا هو حرص سلفكم الصالح على الوقت، فقدروا قيمته وخطره، فإن فعلكم هذا وهدركم لأنفس ما تملكون يمزق الكبد أسى وأسفاً، وتذكروا أن السفه في إنفاق الأوقات أشد خطراً من السفه في إنفاق الأموال، فإن المال إذا ضاع قد يعوض، والوقت إذا ضاع لا عوض له. واعلموا أن الفراغ نعمة عظيمة إن أحسنتم الاستفادة منها، وإليكم ما يدل على ذلك: • أخرج البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نعمتان من نعم الله مغبون فيهم كثير من الناس: الصحة، والفراغ". • وأخرج الحاكم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك". • وقال بعض الصالحين: فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى، وانجر في قياد الشهوات، شوش الله عليه نعمة قلبه، وسلبه ما كان يجده من صفاء قلبه. • فيا من تقضون أوقاتكم في اللهو والعبث! ألا تعلمون أنكم بفعلكم هذا تعملون على قتل أنفسكم؟! فإن قتل الوقت في الحقيقة قتل النفس، فهو جريمة انتحار بطيء ترتكب على مرأى ومسمع من الناس، ولا يعاقب أحد عليها! وكيف يعاقب عليها من لا يشعر بها، ولا يدري مدى خطرها؟! واعلموا – رحمكم الله – أن الفراغ لا يبقى فراغاً أبدا، فلابد أن يملأ بخير أو شر، ومن لم يشغل نفسه بالحق، شغلته نفسه بالباطل، فهيا أيها اللاهون! ... أيها العابثون ... ! يا من تلعبون بـ (الورق) وغيره مما لا يجدي ... املؤوا أوقاتكم بالخير والصلاح ... في أداء الصلوات جماعة في بيوت الله ... في الإقبال على القرآن الكريم: تلاوة وحفظاً وتفسيراً ... في مدارسة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ... في الجثو على الركب بين يدي العلماء ورثة الأنبياء ... ناهلين عن علمهم ... مستفيدين من هديهم وسمتهم ... وحينها فقط، إن فعلتم ذلك ... هنؤت لكم توبتكم ... وطوبى لكم ... وإلا فالويل عليكم ... والضلال مصيركم ... وابحثوا – إن استطعتم – عمن تبيعون له أوقاتكم ... فإنكم عناصر خمول وكسل ... ومعاول ... ولا فائدة من أوقاتكم ... ورحم الله جمال الدين القاسمي، فإنه لما كان يمر بـ (المقاهي) ويرى (لاعبي الورق) وغيرهم، كان رحمه الله تعالى يقول: "يا ليت الوقت يباع فأشتريه منهم". وأقول لكم ... أخيراً ... أيها العابثون! يا ليت أوقاتكم تباع، فيشتريها منكم الدعاة وطلبة العلم والمصلحون ... وحينها لأرحتمونا من رقم هذه الكلمات والسطور ... ولا حول ولا قوة إلا بالله ... نسأل الله لنا ولكم الهداية إلى سواء السبيل ... وفقنا الله وإياكم لفعل الطاعات ... وترك المنكرات ... وحب المساكين ... وجعلنا وإياكم مفاتيح خير ... مغاليق شر، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

حكم الشريعة الإسلامية في عقود التأمين

حكم الشريعة الإسلامية في عقود التأمين ¤حسين حامد حسان£بدون¥دار الاعتصام¨بدون¢بدون€فقه¶تأمين خاتمة: "نتائج البحث": وفي نهاية هذا البحث نعرض النتائج التي انتهينا إليها فيه على الوجه التالي: أولا: أن التأمين باعتباره نظرية ونظاما غير منظور فيه إلى الوسائل العلمية لتحقيق النظرية وتطبيق النظام، أمر يتفق مع مقاصد الشريعة العامة وتدعو إليه أدلتها الجزئية. ذلك أن نظرية التأمين كما يقول أحد شراح القانون "ليست إلا تعاونا منظما تنظيما دقيقا بين عدد كبير من الناس معرضين جميعا لخطر واحد، حتى إذا تحقق هذا الخطر بالنسبة إلى بعضهم، تعاون الجميع على مواجهته، بتضحية قليلة يبذلها كل منهم، يتلافون بها أضرار جسيمة تحيق بمن نزل به الخطر منهم، لولا هذا التعاون". ونحن لا نظن أنه قد ثار خلاف في جواز التأمين بهذا المعنى أعني التعاون والتضامن على تفتيت آثار المخاطر وتوزيعها على عدد من الناس، وإنما ثار الخلاف في بعض الوسائل العلمية التي ظهرت في العمل لتحقيق النظرية وتطبيق النظام، وأعني بذلك العقود التي تبرمها شركات التأمين التجارية. ثانيا: أن مشروعية الغاية والمقصد لا يلزم منها حتما جواز كل وسيلة تؤدي إلى هذه الغاية أو تحقق ذلك المقصد. فمن الأصول المسلمة في الشريعة الإسلامية أن الغايات والمقاصد الشرعية يجب الوصول إليها وتحقيقها بالوسائل الشرعية دون المحرمة، لأن الوسيلة المحرمة إذا حققت مقصدا شرعياً فوتت مقصدا شرعياً آخر، والشارع الحكيم قاصد بشرعه تحقيق جميع مقاصده كما قلنا. ولقد سن سبحانه من الأحكام وشرع من المعاملات ما يكفي لتحقيق جميع مقاصده، وإذا سدت الشريعة طريقا أو منعت وسيلة تؤدي لمقصد شرعي، فإنها تشرع وسائل وتفتح طرقا أخرى لتحقيق هذا المقصد دون تفويت لغيره. فجمع المدخرات واستثمارها مقصد شرعي ولكن يجب تحقيقه بوسائل مشروعة لا تقوم على نظرية الفائدة الربوية، وتبادل الأموال مقصد شرعي، ويجب تحقيقه بوسائل لا تنطوي على غرر أو قمار أو ربا. فالتعاون والتضامن على ترميم آثار الأخطار وجبر ما تجره على الناس من أضرار أمر يتفق مع مقاصد الشريعة، ولكن هذا الترميم وذلك الجبر يجب أن يكون بالوسائل المشروعة التي لا تنطوي على غرر وقمار وربا. ثالثا: أن الصيغة العملية التي شرعها الإسلام للتعاون والتضامن وبذل التضحيات هي عقود التبرع حيث لا يقصد المتعاون والمضحي فيها ربحا من تعاونه وتضامنه ولا يطلب عوضاً مالياً مقابلا لما بذل، ومن ثم جازت هذه العقود مع الجهالة والغرر، ولم يدخلها القمار والمراهنة والربا. ذلك أن محل التبرع إذا فات على من أحسن إليه به، بسبب هذه الأمور، لم يلحقه بفواته ضرر، لأنه لم يبذل في مقابل هذا الإحسان عوضا، بخلاف عقود المعاوضات، فإن محل المعاوضة إذا فات على من بذل فيه العوض، لحقه الضرر بضياع المال المبذول في مقابلته، وما قبل بشأن الجهالة والغدر والقمار والمراهنة يقال مثله في الربا، فالمرابي يعطي القليل ويأخذ الكثير بعد الأجل، والمتبرع يعطي ولا يأخذ، فلا يتحقق الربا في التبرع.

رابعا: أن كلا من التأمين التعاوني والتأمين الاجتماعي يحقق الصيغة العملية التي شرعها الإسلام للتعاون والتضامن وبذل التضحيات، فهذان النوعان من التأمين يقومان على قصد التعاون والتضامن والتبرع، دون الرغبة في استثمار الأموال، وطلب الربح، فيعدان تطبيقا سليما لنظرية التأمين في رأينا، لأنهما "ليسا إلا تعاونا منظما تنظيما دقيقاً بين عدد كبير من الناس معرضين جميعا لخطر واحد، حتى إذا تحقق الخطر بالنسبة إلى بعضهم، تعاون الجميع على مواجهته، بتضحية قليلة يبذلها كل منهم، يتلافون بها أضرارا جسيمة تحيق بمن نزل به الخطر منهم، لولا هذا التعاون". خامسا: أن التأمين بقسط ثابت، وهو الذي تقوم به شركات التأمين، لا يحقق الصيغة العملية التي شرعها الإسلام للتعاون والتضامن وبذل التضحيات، لأن العقود التي تبرمها هذه الشركات معاوضات مالية دخلها الغرر والقمار والربا وعقود المعاوضات إذا دخلتها هذه الأمور بطلت. ولقد بذلت محاولات كثيرة من بعض الباحثين لنفي هذه الحقيقة، تارة بإدخال التأمين في عقود التبرع، واعتباره تعاونا بين المستأمنين الذين يتعاملون مع شركة تأمين معينة، بدعوى أن هذا العقد ينشئ علاقة بين طائفة المستأمنين أساسها التعاون والتضامن ويكون دور شركة التأمين في هذا التعاون دور النائب والوسيط الذي ينظم تعاونهم، وتارة أخرى ينفي الغرر في جانب شركة التأمين بدعوى أن عقد التأمين ينشئ علاقة بين شركة التأمين ومجموع المؤمن لهم، وأن هذه الشركة تستطيع بواسطة حساب الاحتمالات وقانون الكثرة وقواعد الإحصاء، أن تحدد على وجه يقرب من الدقة مقدار ما تعطي لمجموع المؤمن لهم وما تأخذ منهم، وتارة ثالثة بدعوى انتفاء الغرر والقمار في جانب المستأمن، على أساس أن المعاوضة في عقد التأمين أنما هي بين الأقساط التي يدفعهما المستأمن والأمان الذي يحصل عليه. وأن المستأمن يحصل على هذا الأمان من وقت العقد دون توقف على وقوع الخطر، فلا يكون هناك غرر في جانبه لأنه يستوي لديه في هذه الحالة وقوع الخطر وعدم وقوعه، فهو إذا وقع حصل على الأمان بقيام مبلغ التأمين بإحياء ما هلك من أمواله وحقوقه ومصالحه، وإذا لم يقع فإنه يحصل على الأمان ببقاء أمواله وحقوقه ومصالحه سليمة. وهذه المحاولات جميعا لم تؤد الهدف المنشود، لأنها تقوم على مجرد الفرض والتقدير ولا تعتمد على واقع هذه العقود كما فصلنا. سادسا: أن التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية يحقق التعاون والتضامن والتكافل على أساس محكم لم يسبق له نظير، وأن توسع الدولة الإسلامية في التأمينات الاجتماعية حتى تشمل جميع طبقات الشعب التي تعجز مواردها عن مواجهة الأخطار أمر لازم لا بد منه، فإن الدولة الإسلامية، في نظر الإسلام، تلتزم بتأمين فرصة عمل لكل قادر على العمل، وبتأمين العاجز عن العمل بإعطائه ما يكفيه مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا كما يقول بعض الفقهاء، ولها في موارد الزكاة ما يقوم بذلك، وإلا كان لها أن تفرض من الضرائب على الأغنياء ما يسد حاجة الفقراء. سابعا: أن الصيغة المشروعة المتاحة للأفراد حتى الآن لتحقيق أهداف التأمين ومقاصده من التعاون والتضامن على توقي آثار المخاطر هي التأمين التبادلي الذي تقوم به الجمعيات التعاونية، إذا قامت دراسات جادة للتوسع في هذا النوع من التأمين واستخدام الوسائل العلمية لتنظيمه على الوجه الذي يحقق به هذه الغايات والمقاصد. وهناك تجارب مفيدة في هذا المجال قامت بها بعض الدول الإسلامية يمكن الاستفادة منها.

حكم التجنس بجنسية دولة غير إسلامية

حكم التجنس بجنسية دولة غير إسلامية ¤محمد بن عبدالله بن سبيل£بدون¥بدون¨الأولى¢1417هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة تقدم لنا ذكر الأدلة من القرآن والسنة وكلام العلماء وفتاواهم - رحمهم الله - حول موضوع المقام بين أظهر المشركين، ومحبتهم، ومودتهم، وموالاتهم، والركون والميل إليهم، والقعود معهم على مسمع من كفرهم بآيات الله والاستهزاء بها، وطاعتهم في بعض الأمر، والبقاء معهم مع القدرة على الهجرة إلى بلاد المسلمين، والتحاكم إليهم، والرضى بذلك، والاطمئنان لبعض أوامر الشريعة مما يوافق هواهم، وكراهيتهم لما لا يوافق هواهم، وعدم القيام به، ولحوقهم بالكفار بعدما عرفوا الإسلام ونشأوا بدار الإسلام، واتباعهم لما يسخط الله مما عليه أعداء الله، ووعدهم للكفار بأن يكونوا معهم ضد أعدائهم وأعداء بلادهم بدون استثناء، ومحبة الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والأموال والمكاسب التجارية والمساكن الملائمة لهم على محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم كل ذلك تقدم مفصلا. وبعد تأمل أقوال أئمة التفسير ومحققي العلماء على الآيات الكريمات في هذا الشأن، وما نقل عنهم مما يتعلق بهذا الموضوع كقول ابن جرير - رحمه الله - {فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ} أي فقد برئ من الله وبرئ منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر ". وقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " من جمز إلى معسكر التتر، ولحق بهم، ارتد وحل دمه وماله ". وتأمل حديث أبي بكرة في المسند في قصة بني قنطوراء: " وقوم أخذوا لأنفسهم - أي الأمان - وكفروا ". وقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة: 23] بعد كلامه على تلك الآيتين: " فكيف بمن اتخذ الكفار الأباعد أولياء وأصحابا، وأظهر لهم الموافقة على دينهم خوفا على بعض هذه الأمور، وهي الأموال والمساكن ونحوها، ومحبة لها ومن العجب استحسانهم لذلك، واستحلالهم له، فجمعوا مع الردة استحلال الحرام ". وقول الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله: " دل القرآن والسنة على أن المسلم إذا حصلت منه موالاة أهل الشرك بالانقياد لهم ارتد بذلك عن دينه ". وقول الإمام ابن جرير - رحمه الله - على قوله تعالى: {قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ}: " يوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر إلا المستضعفين ". وما نقله ابن كثير رحمه الله على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]: عن ابن سيرين قال: قال عبد الله بن عتيق: ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر، قال: فظنناه يريد هذه الآية ". وقصة بعض بني حنيفة حينما كانوا جالسين في المسجد بعد ما تابوا وهاجروا وسكنوا في الثغور للجهاد، لما قال أحدهم وهم في مسجدهم قد صلوا المغرب وينتظرون صلاة العشاء، قال شخص: إن مسيلمة على حق. أجمع الصحابة على كفرهم وردتهم، ولكن اختلفوا هل تقبل لهم توبة أو لا تقبل؟ فحكموا بردة كل من كان في المسجد، وليس المتكلم فحسب، بل الجميع لسكوتهم عن الباطل، وعدم إنكارهم.

وقول الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف والشيخ إبراهيم والشيخ ابن سحمان - رحمهم الله - بعد كلام طويل سبق إيراده: " وأما الدخول تحت حماية الكفار فهي ردة عن الإسلام ". وقول السيد محمد رشيد رضا - رحمه الله -: " وجملة القول إن المسلم الذي يقبل الانتظام في سلك الجنسية يستبدل أحكامها بأحكام القرآن فهو ممن يتبدل الكفر بالإيمان. فلا يعامل معاملة المسلمين ". وكذلك خلاصة فتوى لجنة الفتوى المصرية الذي وقع عنها رئيس اللجنة الشيخ على محفوظ وأمينها الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني، الحكم بردة من يقبل الجنسية الفرنسية. وكذلك أفتى بذلك الشيخ يوسف الدجوي من كبار العلماء بالأزهر .. إلى غير ذلك مما تقدم تفصيله. فإذا تأملت هذه الآيات وما دلت عليه، وكلام العلماء، وقارنت بينها وبين ما يفعله بعض الناس في هذه الأزمنة من طلب التجنس، الذي من لوازمه أن يصير المتجنس تابعا لقوانين وضعية نصوصها صريحة بالحكم بغير ما أنزل الله، وإباحة الزنا، وتعاطي الخمور، وارتكاب الفجور، وتحليل الربا، والاكتساب من طرق غير مشروعة، ومنع تعدد الزوجات، واعتبار ما زاد على الواحدة من قبيل الزنا المعاقب عليه، وإنكار نسب ما ولد له من زوجة أخرى حالة وجودها عنده، ولا حق له في نفقة ولا إرث، وفك العصمة من الزواج لا يتم إلا إذا كان لدى المحكمة الرسمية عندهم، وقسمة المواريث على طريقة مخالفة للفرائض الشرعية، وكون المتجنس مجبورا على الخدمة العسكرية في جيش الدولة التي انتمى إليها بهذه الجنسية، واستعداده للقتال في أي وقت الصلاة تقوم حرب على دولته، حتى ولو كان على دولة مسلمة. يتضح من ذلك أن من يطلب الجنسية أو الرعوة كما يعبر عنها البعض من دولة كافرة ميلا إليهم، ومحبة في القرب منهم، والانضمام إليهم، والدخول في سلكهم، والرضا بسيطرتهم عليه، وعلى ذريته، فإنه داخل تحت قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] وقوله: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51] {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى. ولكن نظرا إلى اختلاف أحوال المتجنسين بجنسية دولة كافرة فقد رأيت أن أقسمهم إلى ثلاثة أقسام، حسب ما فهمته من تتبع الأحوال، واستقراء لواقع الناس اليوم، وأنه ينبغي التفصيل في الحكم بالردة أو عدمها: القسم الأول: إذا أخذ الجنسية من يرغب بلاد الكفار، ويحبهم، ويحب البقاء بينهم، ويرى أن معاملتهم والانتماء إليهم أفضل من المسلمين، وأنه راض بإجراء أحكامهم عليه من الحكم بغير ما أنزل الله في الأحكام والنكاح والطلاق والميراث، فهذا لا شك في كفره، وهو مرتد عن دين الإسلام، ردة صريحة، حتى ولو قال: إنه مسلم، ولو شهد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وصلى وعمل ببعض شرائع الإسلام، لأن الله يقول: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ويقول: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ الْعَذَابِ} [البقرة: 85]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((المرء مع من أحب)).

القسم الثاني: راض بالانتماء إليهم لمصالحه الدنيوية ومعاملاتهم التجارية، فأخذ الجنسية منهم ليتم مقصوده من حصول الدنيا والتسهيلات التي تحصل للمنتمين إليهم، وهو مؤد لشرائع الإسلام، مظهر لدينه، ولا يترافع إليهم باختياره، فإذا صدر منهم الحكم له بما لا يخالف الشريعة قبله. وإن صدر بما يخالف الشريعة رفضه. فأرى أن مثل هذا على خطر عظيم من تناول بعض الآيات، حيث آثر دنياه على آخرته، وقد ارتكب منكرا عظيما، فهو على خطر من الردة عن دين الإسلام، لركونه إليهم، وبقائه بين أظهرهم، لكن لا أجزم بالحكم عليه بالردة، فأتوقف في ذلك، ولكنه بأخذه الجنسية أظهر الميل والمحبة لهم، وعرض نفسه للدخول تحت قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ} [التوبة: 24]، وقوله تعالى {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22]. القسم الثالث: من بلي بهم في بلاده وهو كاره لهم، ومبغض لدينهم، وحكموه بغير رضاه، وأرغموه على التجنس، أو مغادرة بلاده، وأهله وأولاده، فقبلها للبقاء في بلاده على ماله وأهله وولده، ومع ذلك مقيم لشرائع الدين، مظهر لدينه، معلنا العداء لهم، مصارحا لهم بكفرهم، وأنهم على باطل، وأن دينه هو الحق، فمثل هذا لا شك أنه على خطر في بقائه، عاص، وآثم بقبوله الجنسية، بمقدار ما ألزم نفسه فيها، لكن لا نحكم عليه بالكفر ما دام أنه عمل ما في وسعه من عدم اتباعهم وموافقتهم على باطلهم ومن إظهار دينه، ولكن بقاؤه بين أظهر الكفار فيه خطر عليه، وعلى أولاده، ومن تحت يده. أما البقاء بين أظهر الكفار بدون أخذ للجنسية أو طلب لها فهذا قد فصله العلماء رحمهم الله في كتبهم قديما وحديثا. وخلاصته أن من استطاع أن يظهر دينه بأن يعمل الواجبات الشرعية بدون تحفظ من أحد مع إعلانه لمن هو بين أظهرهم أن دين الإسلام هو الدين الصحيح، وهو دين الحق، وما سواه من الأديان فهو باطل، ولابد من التصريح لهم بأن ما هم عليه من الدين ليس بصحيح، وأنه يجب عليهم اعتناق دين الإسلام، والإيمان بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والعمل بشرائع الإسلام، فإذا فعل هذا، فإنه يجوز في حقه البقاء عندهم، وإذا لم يستطع فإنه يجب عليه الهجرة إلى بلاد الإسلام، ولا يجوز له البقاء بينهم، وهو لا يستطيع إظهار دينه. هذا وأسأل الله العفو عن زلة قلم، أو نبو فهم، كما أبتهل إلى الله جل شأنه أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه.

حكم التسعير في الإسلام (بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة)

حكم التسعير في الإسلام (بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة) ¤ماجد أبو رخية£بدون¥دار النفائس¨الأولى¢1418هـ€فقه¶احتكار وتسعير الرأي المختار: وبعد فهذا ما قدرني الله من الكتابة في موضوع التسعير وقد توصلت من خلاله إلى الأمور التالية: 1 - حرمة التسعير في الأحوال العادية التي تكون فيها الأسعار طبيعية، وقد قمت بتوضيح أدلة هذا الرأي من قبل. 2 - حرمة التسعير في الأحوال التي يكون فيها غلاء طبيعي وليس في مقدور التجار وغيرهم الحيلولة دونه أو الحد منه. 3 - جواز التسعير في الأحوال التي يكون فيها الغلاء بسبب مباشر أو غير مباشر يتبع إدارة الإنسان حيث تلعب الأهواء والشهوات والمطامع دورها في الموضوع. 4 - إن مسألة التسعير تتناول جميع الأشياء المعدة للتجارة دون التفريق بين متاع ومتاع. 5 - إن زيادة السعر زيادة متعمدة شأنها شأن الحط من السعر عمداً، فكما يطلب من الذي زاد في السعر أن يحط تلك الزيادة فإننا نطلب من الذي حط عن السعر المعتاد أن يرفع ذلك السعر بحيث يكون موازياً لسعر السوق. والحمد لله رب العالمين.

حكم التعاقد عبر أجهزة الاتصال الحديثة في الشريعة الإسلامية

حكم التعاقد عبر أجهزة الاتصال الحديثة في الشريعة الإسلامية ¤عبدالرزاق رحيم الهيتي£بدون¥دار البيارق - الأردن¨الأولى¢1421هـ€فقه¶عقود مالية - استعمال وسائل الاتصال الحديثة خلاصة البحث ونتائجه قمنا في بداية كتابنا هذا بتقسيم أجهزة الاتصال التي يمكن من خلالها إجراء العقود إلى قسمين: قسم خاص بنقل الأصوات فقط، ويشمل كلاً من: الهاتف "التلفون"، اللاسلكي، الراديو، التلفزيون، وأشرطة التسجيل الناقلة للأصوات فقط أولها وللصورة معاً. أما القسم الآخر فهو المعني بنقل الحروف فقط، ويشمل كلاً من: البرق "التلغراف"، التلكس، البريد المصور "الفاكس" الحاسب الآلي "الكمبيوتر". وقد توصلنا إلى أن جهاز الهاتف يقوم بنقل الكلام بين المتحدثين بدقة متناهية، وعليه فإن العقد فيه لا يختلف عن العقد بين الحاضرين إلا من حيث البعد المكاني بين المتعاقدين إذا كان ناقلاً للصورة والصوت معا، أو مضاف إليه عدم رؤية كلا المتعاقدين للآخر، إذا كان الجهاز نقلاً للصوت فقط. وبينا أن عدم تحقق الرؤية بين المتعاقدين لا يترتب عليها شيء في باب العقود لأن القاعدة الشرعية في العقود تقتضي فقط تحقق الرضا بين المتعاقدين بصورة واضحة ومفهومة، وإن المرجع في ذلك كله يعود إلى العرف، كما نص على ذلك جمهور الفقهاء وأما بالنسبة للبعد المكاني بين المتعاقدين من خلال جهاز الهاتف، فقد وجدت مسألة شبيهة بهذه الحالة يذكرها فقهاء الشافعية "وهي مسألة التعاقد بين المتباعدين" اعتمدت عليها في القول بجواز التعاقد من خلال هذا الجهاز وما شبهه. ونظراً لأن البعد المكاني تترتب عليه بعض المسائل المتعلقة بمجلس العقد؛ فلقد قمت ببحث ثلاث أنواع من الخيارات لها علاقة مباشرة بموضوعنا هذا، هي خيار الإيجاب وخيار القبول، وخيار المجلس بشكل مفصل. وقد توصلت إلى أنه يحق للموجب الرجوع عن إيجابه ما دام أن الطرف الآخر في العقد الموجه إليه الخطاب لم يغادر مجلس العقد، حتى ولو اقترن به قبول الطرف الثاني في العقد، معتمداً في ذلك على ما ذكره بعض فقهاء الشافعية من القول بامتداد خيار الموجب بطريق الكتابة إلى حين انقضاء مجلس وصول الخطاب "مجلس العقد". أما إذا كان الهاتف ناقلاً للصورة والصوت معاً، فإنه يحق للموجب الرجوع في إيجابه إضافة إلى ما سبق فيما لو شاهد من خلال هذا الجهاز ما يدل على إعراض الطرف الثاني عن العقد أو انشغاله عنه، أما بالنسبة لخيار القبول: فلقد توصلت إلى القول: بأنه لابد لمن وجه إليه الخطاب من إعلان قبوله مباشرة، وإنه لا يحق له التأخر في ذلك، قياساً على تعاقد الماشيين والراكبين، والتي يذكرها فقهاء الحنفية، رحمهم الله، نظراً لتجدد العقد وعدم استقراره في كلا الحالتين. وأما ما يتعلق بخيار المجلس: فإني لم أتفق مع ما ذهب إليه بعض الفقهاء والقائلين بخيار المجلس من القول بإسقاط هذا الخيار في حق المتبايعين المتباعدين، بل منحت هذا الحق للمتعاقدين من خلال جهاز الهاتف وألحقته بحكم المتعاقدين الحاضرين بخصوص هذه المسألة، لكنني حددته بفترة المكالمة الهاتفية، باعتبارها هي مجلس العقد بين المتعاقدين من خلال هذا الجهاز، فإذا ما أعلن من وجه إليه الخطاب قبوله مباشرة فقد انعقد العقد، لكنه يبقى لكلا المتعاقدين الحق في الرجوع عما صدر عنهما، ما دام أن مجلس العقد "فترة المكالمة الهاتفية" لا يزال قائماً بينهما، فإذا ما انتهت المكالمة أو قطع الخط، فقد انتهى مجلس العقد ذلك لأن المتعاقدين هما متفرقان من حيث الواقع ولا يربط بينهما سوى هذا الاتصال الهاتفي، فمجلس العقد بينهما قائم حكماً، فإذا ما انقطع الخط الهاتفي فقد انتهى ذلك المجلس في الحقيقة والحكم معاً.

وقد ألحقت جهاز اللاسلكي بجهاز الهاتف في جميع هذه الأحكام، سواء أكان نقله للصوت كما هو مباشرة أو عن طريق الشفرات، ما دام أن الطرف الآخر يفهم مضمونه. وفي نهاية المبحث الأول تطرقت لمسألتين مهمتين لهما علاقة بالتعاقد من خلال هذه الأجهزة. الأولى منهما هي: مسألة عقد النكاح من خلال هذه الأجهزة، وقد توصلت إلى القول: بإمكان إبرام هذا العقد من خلال الأجهزة الناقلة للصوت مباشرة، إذا تمكن من وجه إليه الخطاب إحضار شاهدين لمجلس العقد وإسماعهما الإيجاب الصادر من الموجب عبر هذه الأجهزة وقبوله له أمامها، قياساً على إبرام هذا العقد بطريق الكتابة والذي قال بجوازه فقهاء الحنفية، رحمهم الله. وأما المسألة الثانية فتتعلق بحكم التعاقد من خلال هذه الأجهزة إذا كان المتعاقد عليه مالاً ربوياً لابد من تحقق القبض فيه فوراً ومباشرة. وقد تمكنت من الوصول إلى حل شرعي لذلك، وفي حالة تمكن المتعاقدين تحقيق التقابض بينهما في مجلس العقد عن طريق وكيلهما في كلا البلدين. وقد استعرضت في بحثي لهذه المسألة عملية التحويل للأموال النقدية بين البلدان الإسلامية عبر هذه الأجهزة، وقد توصلت إلى القول بجواز ذلك مطلقاً سواء كان بأجر أو بدون أجر شريطة أن يتم التقابض بين المتصارفين "صاحب المبلغ، والناقل للمبلغ" في مجلس العقد مباشرة أو عن طريق وكيلهما أولاً، وشريطة أن يتم تسليم المبلغ المحول إلى صاحبه الشرعي أو من يوكله بنفس سعر الصرف الذي تم الاتفاق عليه بين المتعاقدين أو عن طريق القيام ببيع المبلغ المراد تحويله بشكل مُجزء، كما ألحقت بحكم هذه المسألة مسألة أخرى وهي عملية نقل المبالغ النقدية بين البلدان الإسلامية "الحوالة النقدية" وأعطيتها نفس الحكم، معتمداً في جميع ذلك على عدة آراء فقهية وردت عن أئمة المذاهب الفقهية الأربعة. وبعد أن انتقلت إلى بحث حكم التعاقد بالأجهزة الناقلة للحروف فقط، ألحقتها هي والأجهزة الناقلة للصوت نقلاً غير مباشر، بحكم التعاقد بطريق الكتابة التي قال بجوازها جمهور فقهاء الأمة. وقد حددت مجلس العقد المبرم بطريق الكتابة بشتى صورها وأشكالها برقاً كانت أم تلكساً، أم حاسباً آلياً "كمبيوتر" أم بريداً مصوراً "فاكس" بمجلس وصول الخطاب، كما نص على ذلك معظم الفقهاء رحمهم الله. وعليه فإنه لا يمكن للقابل إعلان قبوله بعد انتهاء هذا المجلس في جميع العقود باستثناء عقد النكاح – لخصوصية فيه – وبهذا الصدد قمت بالرد على رأي من يرى إلحاق بقية العقود بعقد النكاح بالنسبة لهذا. وأما وقت تمام العقد بالنسبة للمتعاقدين بطريق الكتابة: فقد استعرضت النظريات الأربع المطروحة حول هذه المسألة، ورجحت النظرية القائلة بإعلان القبول، والتي ترى أن العقد يكون تاماً وملزماً لكلا الطرفين بمجرد صدور القبول ممن وجه إليه الخطاب وإعلانه له وذلك لاتفاقها مع ما أجمع عليه فقهاء المذاهب الأربعة. وأما بالنسبة للخيارات المتعلقة بمجلس العقد المبرم من خلال مجموع الأجهزة الناقلة للحروف، فقد رجحت ما ذهب إليه الشافعية في منح الموجب حق الرجوع عن إيجابه ما دام أن مجلس العقد بين المتعاقدين وهو "مجلس وصول الخطاب" لا يزال قائماً، بحيث أنه لو قبل الطرف الموجه إليه الخطاب في ذلك المجلس دون أن يعلم برجوع الموجب عن إيجابه، لم يعتد بذلك القبول، لأن الأصل في الإيجاب هذا أن لا يكون ملزماً. وأما خيار القبول: فقد توصلت إلى القول، بأنه لا يجوز للطرف الثاني في العقد إعلان قبوله في أي وقت يرغب فيه إعلان ذلك ما دام أن مجلس وصول الخطاب لا يزال قائماً، معتمداً في ذلك على ما ذهب إليه فقهاء المذاهب الثلاثة: الأحناف، المالكية، الحنابلة. أما فقهاء الشافعية، فقد اشترطوا الفورية في ذلك، ولكنهم أعطوه حق الرجوع في قبوله ما دام أن مجلس العقد لا يزال قائماً. أما خيار المجلس: فقد توصلت إلى القول بأنه يحق لكلا المتعاقدين الرجوع عما صدر عنه ما دام مجلس العقد لا يزال قائماً بينهما، معتمداً في ذلك على ما ذهب إليه فقهاء الشافعية والحنابلة القائلين بخيار المجلس. أخيراً: استعرضت رأي فقهاء الحنفية القائلين بجواز إبرام عقد النكاح بطريق الكتابة، وأدلتهم في ذلك والتي اعتمدت عليه في القول بجواز إبرام هذا العقد بطريق أجهزة نقل الصوت المباشر، وبجميع الأجهزة الناقلة للحروف. في الختام أضرع إلى العلي القدير أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجنبني الزلل فيه، إنه سميع مجيب. .... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

حكم التعزير بأخذ المال في الإسلام

حكم التعزير بأخذ المال في الإسلام ¤ماجد أبو رخية£بدون¥مكتبة الأقصى - الأردن¨الأولى¢1407هـ€فقه¶تعزير - أعمال شاملة ومنوعة الخاتمة: وبعد: فهذا ما قدرني الله عليه من الكتابة في موضوع التعزير بأخذ المال وقد رجعت فيه لأكثر من أربعين كتاباً ما بين مصدر ومرجع وتوصلت فيه إلى ما يلي: 1 - إن أصحاب المذاهب الأربعة متفقون على عدم جواز التعزير بأخذ المال. 2 - إن الحنابلة قد استثنوا بعض المسائل، وذهبوا إلى جواز العقوبة فيها بأخذ المال مستندين في ذلك إلى بعض النصوص الواردة، وإنهم لم يعدوا حكم هذه المسائل إلى غيرها نظراً لورودها على خلاف الأصل. 3 - إن جمهور الفقهاء لم يتابعوا الحنابلة في حكم هذه المسائل بل قاموا بردها. 4 - إن موضوع التعزير بأخذ المال لم يفرد في بحث مستقل عند معظم الفقهاء قديماً وحديثاً، وإنما جاء ضمن بحثهم للتعزير المالي بشكل عام، ولذلك وجدنا الخلط واضحاً في كثير من الكتب بين ضمان المتلفات وإتلاف المال والتعزير بأخذ المال، وقد تبين هذا الخلط من خلال الأدلة التي كانت تذكر في سياق البحث. 5 - إن ما ذهب إليه ابن تيمية وابن قيم الجوزية وإسحق بن راهويه وغيرهم بشأن مانع الزكاة، وأنه يؤخذ منه شطر ماله زيادة على المقدار الواجب هو الصحيح، وذلك اعتماداً على ما توصلت إليه في الحديث بهز بن حكيم مع ملاحظة أنني أرى أنه ورد على خلاف الأصل، فلا يقاس غيره عليه. والحمد لله رب العالمين.

حكم التمثيل في الدعوة إلى الله

حكم التمثيل في الدعوة إلى الله ¤عبدالله بن محمد آل هادي£بدون¥بدون¨الأولى¢1410هـ€فقه¶تمثيل - رقص خاتمة: أحمد الله الذي أنعم علي بإتمام هذا البحث الذي ترددت فيه كثيراً، ولما كان الكلام فيه كثيراً، ومتداخلاً، وبعضه مكرر لضرورة التوضيح؛ فقد رأيت أن أجمع شمل ما تشتت في نقاط على وجه الاختصار: 1 - إن التمثيل وسيلة وليس غاية أو مقصداً. 2 - إن له أنواعاً وصوراً متعددة. 3 - إن أغلب الذين أفتوا بتحريمه عنوا نوعاً واحداً من أنواعه أو بعض صوره. 4 - إنه لمن الخطأ إباحة أو تحريم التمثيل على إطلاقه وبجميع صوره. 5 - إن الأولى عدم الإكثار مما هو جائز منه. 6 - إنه إن كان ولا بد منه؛ فيلزم مراعاة الضوابط والمحاذير التي ذكرت سابقاً. 7 - إنه لا ينبغي أن نفاضل من أجل مسألة فقهية اختلف فيها. 8 - إن على الدعاة إلى الله أن يتقوه، وأن يراقبوا أنفسهم وأعمالهم وإخوانهم، وأن يحذروا الوقوع في الحرام. هذا، وأسأل الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في إيصال ما أعتقد أنه الحق لشباب الدعوة؛ فإن أصبت؛ فمن الله، وإن أخطأت؛ فمن نفسي ومن الشيطان. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. المؤلف.

حكم التنفل إذا أقيمت الصلاة

حكم التنفل إذا أقيمت الصلاة ¤الأمين الحاج محمد أحمد£بدون¥الدار السلفية - مكة المكرمة¨الأولى¢1414هـ€فقه¶صلاة التطوع - أعمال شاملة ومنوعة الخلاصة:- والخلاصة في هذه المسألة – والذي نرجحه – أنه لا يجوز الشروع في نفل بعد أن يشرع المؤذن في إقامة الصلاة المكتوبة عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" سواء في ذلك ركعتي الفجر أو غيرهما. أما إذا دخل في النفل قبل أن يشرع المؤذن في الإقامة فله أن يتم ركع أم لم يركع، وعليه أن يتجوز فيه ليتمكن من إدراك أكبر قدر من الركعة الأولى، والله أعلم بالصواب وله المرجع والمآب وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعباد محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه الأخيار.

حكم العربون في الإسلام

حكم العربون في الإسلام ¤ماجد أبو رخية£بدون¥مكتبة الأقصى - عمان¨الأولى¢1407هـ€فقه¶عقود مالية - منوعات الخاتمة وبعد: فهذا ما قدر لي أن أكتبه في موضوع العربون وقد توصلت من خلاله إلى الأمور التالية: 1 - أن اشتراط العربون ليس مخالفاً لمقتضى العقد وإن جرى على خلاف الأصل. 2 - أن التعامل بالعربون جائز في عقود البيع والإجارة كما ذهب إلى ذلك الحنابلة، وإن كنت أرى أن الأولى هو رد العربون إقالة لعثرة صاحبه، كما بينت من قبل. 3 - أن، القانون لم يكن موفقاً حين عد بيع الأراضي ونحوها من العقود التي تحتاج إلى توثيق عقودا باطلة ما لم توثق في الدوائر المختصة، الأمر الذي ترتب عليه عدم اعتبار العربون في مثل هذه العقود. 4 - أن الحنابلة جعلوا الخيار في العقد للمشتري أو المستأجر وهو الذي يقوم بدفع العربون، وأن القانون جعل الخيار لكل من الطرفين بغض النظر عن دافع العربون. 5 - والذي أراه أن الخيار يكون لدافع العربون وهو عادة ما يكون المشتري أو المستأجر. 6 - أن عقد العربون يجب أن يكون ملزما في حق قابض العربون ذلك أن اشتراطه قد جرى على خلاف الأصل فينبغي أن لا يتوسع به حرصا على مبدأ استقرار المعاملات وهذا خلاف ما أخذ به القانون بموجب نص المادة (107). 7 - يجب أن يكون الاشتراط في بيع العربون أو إجارته محددا بوقت معين، لأن الإطلاق ينافي المصلحة ويحلق الضرر، فإن جاء دافع العربون في الوقت المحدد حسب له وإلا كان الطرف الآخر في حل من الالتزام إن شاء فسخ العقد وإن شاء أمضاه، وهذا ما بينه صاحب مطالب أولى النهي خلافاً للمشهور عند الحنابلة – كما بينا من قبل. وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين

حكم الكلام وما شابهه في الصلاة دراسة فقهية مقارنة

حكم الكلام وما شابهه في الصلاة دراسة فقهية مقارنة ¤عبدالسلام بن سالم السحيمي£بدون¥أضواء السلف - الرياض¨الأولى¢1422هـ€فقه¶صلاة - العمل فيها - المباح والمكروه والمحرم الخاتمة وتتضمن أهم النتائج التي توصلت إليها من هذا البحث، وأجملها في النقاط التالية: 1 - أن الكلام الأجنبي المعتمد في الصلاة يبطلها، سواء أكان لمصلحتها أم لا، وسواء أكان واجباً أم غير واجب. 2 - أن كلام الجاهل لا يبطل الصلاة. 3 - أن الأحوط للمكره على الكلام في الصلاة إعادة صلاته. 4 - أن الكلام في الصلاة سهواً لا يبطلها. 5 - جواز رد السلام في الصلاة بالإشارة. 6 - أن تحميد العاطس وتشميته يبطل الصلاة. 7 - أنه يجوز الفتح على الإمام إذا أرتج عليه، كما يجوز الرد عليه إذا غلط وأن ذلك لا يبطل الصلاة. 8 - أن التبسم في الصلاة لا يبطلها. 9 - أن الضحك قهقهة يبطل الصلاة. 10 - أن النحنحة والنفخ والبكاء والأنين والتأوه والعطاس وما في معناها لا يبطل الصلاة، وأن الأصوات الحلقية التي لا تدل بالوضع فيها نزاع بين العلماء، وأن الأظهر فيها جميعاً أنها لا تبطل الصلاة؛ فإن الأصوات من جنس الحركات، فكما أن العمل اليسير لا يبطل فالصوت اليسير لا يبطل.

حكم بيع الذهب القديم بالذهب الجديد وحكم بيع العملة الورقية بعملة أخرى

حكم بيع الذهب القديم بالذهب الجديد وحكم بيع العملة الورقية بعملة أخرى ¤صفوت الشوادفي£بدون¥دار الفضيلة¨الأولى¢1421هـ€فقه¶فقه معاملات - بيوع خاتمة الدراسة تبين لنا من خلال ما ذكرناه في هذه الرسالة من النصوص، وأقوال أهل العلم ما يلي: 1 - أن الربا من أكبر الكبائر، وله عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة. 2 - الربا قسمان: ربا الفضل، وهو الزيادة، وربا النسيئة، وهو التأجيل. 3 - ربا الفضل هو الربا الخفي، وربا النسيئة واضح جلي. 4 - لا يجوز بيع الحلي من الذهب، أو الفضة بجنسه بأكثر من وزنه مهما اختلفت الجودة أو القيمة، فلا يجوز – مثلاً – شراء مائه جرام ذهب جديد بمائة وخمسة جرامات ذهب قديم، أو مائة جرام عيار 24 بمائة وعشرة جرامات عيار 18. ويجب – كذلك – أن يكون بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة يداً بيد. 5 - الطريقة الشرعية لذلك هي: أن يبيع الذهب القديم، ويقبض، ثم يشتري ما أراد من الذهب الجديد من نفس الصائغ أو غيره بغير مشارطة. 6 - لا يجوز بيع نقد بنقد مثله إلا إذا كانا متساويين، وكانا يداً بيد، ويجوز بيع نقد بنقد آخر، أو عملة نقدية ورقية بعملة أخرى. بدون شرط التساوي، ولكن بشرط أن يكون ذلك يداً بيد أي في مجلس واحد قبل افتراقهما. 7 - القاعدة الفقهية المتبعة في الربويات هي: "إذا اتحد الجنسان حرم الزيادة والنسَّاء، وإذا اختلف الجنسان حل التفضل، وحرم النسَّاء. 8 - الشيك يقوم مقام العملة الغائبة، وله حكم القبض. أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يجزل المثوبة، ويحسن الخاتمة، لمن يقرأها، وعمل بما فيها، وأعان على نشرها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عن من سواك. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

حكم دخول غير المسلمين للمساجد في ضوء الآيات التي تحدثت عن ذلك

حكم دخول غير المسلمين للمساجد في ضوء الآيات التي تحدثت عن ذلك ¤عبدالله بن محمد الأمين الشنقيطي£بدون¥مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة¨الأولى¢1423هـ€فقه¶مساجد - أحكام وفضائل ومما تقدم يتضح أنه لا يجوز دخول المسجد الحرام لأي كافر، وأن الحرم كله حكمه حكم المسجد الحرام، بدليل قوله تعالى: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله}. وبوجود أدلة مصرحة بأن الحرم يسمى المسجد الحرام، لقوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}. وكان صلى الله عليه وسلم في بيت أم هانئ. كما اتضح أن حرم المدينة يجوز دخول الكفار فيه لحاجة، وأن النصوص لا منع فيها من ذلك. أما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلا أعرف فيه خصوصية تخصه بمنع خاص إلا ما ورد من الآيات والأحاديث العامة في تطهير بيوت الله تعالى من النجاسات. ويدخل في ذلك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وسائر المساجد، ولذلك لا ينبغي أن يمكن الكفار من دخول بيوت أذن الله أن يرفعها، وأن تطهر للعبادة، وقد حكم الله تعالى على الكفار بالنجاسة، وأمر بتطهير المساجد من النجاسات. ولكن الله تعالى جعل في ديننا فسحة، فإن اضطررنا لإدخال الكافر في المسجد، فإن الله تعالى أخبر بأنه لم يجعل لنا في الدين من حرج. وأنه فصل لنا ما حرم علينا إلا ما اضطررنا إليه، ولكن الضرورة تقدر بقدرها. والله يعلم المفسد من المصلح. أما ترك الكفار يدخلون بيوت الله المأمور بتطهيرها وعمارتها، وإبعاد المشركين عنها لأجل الفرجة والنزهة، فهذا الذي لا أراه. وينبغي أن يعمم على المراكز الإسلامية في جميع أنحاء الأرض، بعدم السماح للكفار بدخول المساجد إلا لضرورة تدعو إلى ذلك، أو لمصلحة تعود على الإسلام والمسلمين راجحة على مفسدة دخول الكفار للمساجد.

حكم رفع اليدين مع تكبيرات الجنازة

حكم رفع اليدين مع تكبيرات الجنازة ¤محمد العلاوي£بدون¥مكتبة الإيمان - المنصورة - مصر¨بدون¢بدون€فقه¶صلاة التطوع - جنائز الحاصل في المسألة الحمد لله على امتنانه وتوفيقه ورحمته فقد وسع كل شيء رحمة وعلماً، أما بعد. فبعد عرض هذه المسألة على النحو السابق تلخص لنا ما يلي: أولاً: من قال بالرفع بالأولى فقط استدل بحديثين: أولهما: حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة، ووضع اليمني على اليسرى. والثاني: حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود. وكلاهما ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإطباق أكثر أهل العلم على تضعيفه، بل لا نعلم من صححهما من أهل العلم المتقدمين والمتأخرين – ولا يثبت فيها شيء أيضاً، واستدلوا ببعض آثار التابعين، وقد ثبت بعضها وهم قلة في ذلك. وأخذ بهذا الرأي بعض أهل العلم منهم: سفيان الثوري والحنفية ورواية عن مالك، وتابعهم على ذلك الإمام ابن حزم والعلامة الشوكاني والعلامة الألباني: • وأما الرأي الثاني: وهو رفع اليدين في جميع التكبيرات: استدلوا كذلك بحديثين من طريق ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في كل تكبيرة: أحدهما تالف الإسناد، والآخر الصحيح فيه الوقف، ولا يثبت في ذلك شيء مرفوعاً كما قال العلامة المباركفوري، وقال: ولم أجد حديثاً صحيحاً في هذا الباب، واستدلوا أيضا ببعض آثار الصحابة، وسلم لهم أثر عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما -، وأثر ابن عباس – رضي الله عنهما – على ما صححه الحافظ ابن حجر وسوى ذلك متكلم فيه من ناحية الإسناد، واستدلوا ببعض آثار التابعين وسلم لهم الكثير، فإن أكثر التابعين على ذلك، وصح السند إليهم وأخذ بهذا أكثر أهل العلم، على ما ذكره الإمام الترمذي في "جامعه" وهي رواية عن الإمام أبي حنيفة ورواية عن الإمام مالك، وهو قول الإمام الشافعي، وهو قول الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق، وتابعهم على ذلك أكثر العلماء. ومن هنا يتضح أن المسألة خالية تماماً من حديث صحيح، ولذا قال الحافظ ابن حجر – بعد تضعيفه لحديثي أبي هريرة وابن عباس-: ولا يصح فيه شيء. وقال المباركفوري: ولا أعلم حديثاً صحيحاً في هذا الباب. ولذلك أصبحت المسألة قابلة للأخذ والرد، ووسع فيها الخلاف أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل لو قال قائل: إن الرأي الأوجه: الرأي الثاني لفعل ابن عمر، وهو من أفضل الصحابة تتبعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم وجود من يخالفه من الصحابة وأكثر التابعين على ذلك، وجمهور أهل العلم أخذوا بهذا؛ لكان رأيا وجيها، ولكن نقول: إنه ما دام لم يصح في الباب شيء فهذا مما يسع فيه الخلاف أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وندعو الله جل وعلا أن تتفق الأمة وتقوى شوكتها لتصمد أمام أعدائها في الداخل والخارج، وتنبذ كل المشاحنات والمشاجرات من أجل الغاية العظمى والفكرة الكبرى، وهي الائتلاف وعدم الاختلاف والاجتماع على الحق ونبذ الباطل والتمذهب الممقوت، واتباع سنة نبيها صلى الله عليه وسلم، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء

حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء ¤الأمين الحاج محمد أحمد£بدون¥دار المطبوعات الحديثة - جدة¨الأولى¢1410هـ€فقه¶فقه المرأة - أعمال منوعة خاتمة الحمد لله الكبير المتعال مكور الليل على النهار الفاعل لما يشاء ويختار القائل: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} والقائل: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} والقائل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}. فسبحان من فضل بعض مخلوقاته على بعض وخص بعض الناس بما لم يخص به الآخرين، فلا معقب لأمره ولا راد لفعله: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}. وبعد: ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قوله: "كمل من الرجال كثير ولم يكمُل من النساء غير مريم بنت عمران وآسيا امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام". الكمال المطلق لله سبحانه وتعالى، ولكن المراد هنا الكمال النسبي، فأكمل نوع الإنسان على الإطلاق الأنبياء ثم يليهم الأولياء من الصديقين والشهداء والصالحين مع هذا الكمال الذي أثبته صلى الله عليه وسلم لمريم بنت عمران وآسيا امرأة فرعون، وحصره صلى الله عليه وسلم للكمال فيهما، لم تكن واحدة منهن نبية، لأن أعلى مرتبة تصلها المرأة هي درجة الصديقية كما يقول العلماء المحققون وذلك لقوله عز وجل عن عيسى عليه السلام وأمه صديقة" فالنبوة مما خص الله به الرجال دون النساء لأن النبي قائد لأمته وإمام لها وداع، فهو يحتاج إلى مخاطبة النساء، وإلى الأسفار وإلى جهاد من عانده وكابره، وإلى عقد العهود والمواثيق، وكل هذا لا تصلح له امرأة: هذا مع علمنا أن النبي مؤيد بالوحي ومعصوم من الزلل والوقوع في الخطأ. فإذا لم تصلح للإمامة الكبرى والقيادة العليا، أمثال مريم، وآسيا، وخديجة، وعائشة، وفاطمة، مع كمالهن وفضلهن فكيف تصلح لها غيرهن من النساء مع ما هن فيه من قلة العلم والدين والفضل والعقل؟. وطالما أن نسبة الفضل والكمال النسبي في النساء بالنسبة للرجال لا تساوي شيئاً يذكر، فعلام يصر البعض على أن تكون إمامتهم امرأة مع وجود ملايين الرجال الأكفاء، الأخيار، العلماء، الذين يمتازون عليها بتوفر جميع شروط الإمامة الكبرى فيهم؟. قل لي بربك ما الذي دفع الأعداد الهائلة من المسلمين في جمهورية باكستان الإسلامية – حرسها الله وحفظها من كل سوء – لاختيار "بنازير بوتو" مثلا لتكون إمامة أو رئيسة وزراء لدولة تعد من أكبر الدول الإسلامية؟ أليس في باكستان العديد من العلماء والقواد والسياسيين، الأكفاء، المقتدرين على إدارة دفة الحكم في البلاد؟ ألا يوجد رجل واحد ولو في حزبها يصلح لهذا المنصب، هل عقرت النساء في باكستان أن تلدن ما يقارب "بنازير بوتو" مثلا على كل رجالات باكستان العاملين في السياسة؟.

دعك عن محادة تولي المرأة للإمامة الكبرى لله ورسوله، ومخالفة هذا الأمر لصريح القرآن والسنة وهتكه للإجماع. أليس من واجب الإمام والحاكم أن يؤم الناس في الصلاة المكتوبة وفي العيدين والكسوف ونحو ذلك؟ هذا بجانب قيادة الجيش وكثرة الأسفار وعقد العهود والمواثيق وحضور المؤتمرات والاختلاط بالرجال الأجانب وغير ذلك، من الأمور التي لا يأبه بها كثير ممن لا خلاق لهم من الرجال والنساء، والتي يخالفون فيها النصوص الشرعية الصريحة الصحيحة، فكيف يحق لها مثلاً أن تصلي إمامة ولو للنساء ولم يجز الأحناف إمامة المرأة للنساء ولو وقفت وسطهن لا في فريضة ولا نافلة؟. وكما قال العلامة ابن القيم فالعجب كل العجب لمن يمنع المرأة من أن تؤم النساء في الصلاة مع ورود النصوص بجواز ذلك، ويجوز لها تولي القضاء في الأموال مع ورود النهي عن ذلك، فأي الأمرين أكثر خطراً وضرراً؟ هذا بجانب المخالفة الصريحة للنصوص؟. وأحسن ما يقال لهؤلاء ما قاله الصحابي الجليل ابن عمر رضي الله عنهما لبعض من سأله من أهل العراق عن نجاسة دم البعوض!! فقال له عبدالله: عجبت لكم يا أهل العراق تقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتحرجون من دم البعوض؟!!. والخلاصة فإن مسألة تولي المرأة للإمامة الكبرى والقضاء والحكم ليس لها مستند شرعي ولا عقلي ولا عرفي، ولكن مستندها الأول والأخير هو تقليد الكفار والتشبه بهم والسير على طريقهم، طريق المغضوب عليهم والضالين الموصل إلى سواء الجحيم. وليتذكر المسلمون قبل غيرهم أن الله عز وجل لا تنفعه طاعة المؤمن كما لا تضره معصية الكافر كما جاء ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: " ... يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً .. يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله عز وجل ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه". وأخيراً أرجو أن أكون قد وفقت لبيان حكم الشرع في مسألة تولي المرأة الإمامة الكبرى، والحكم، والقضاء، وذلك بذكر الأدلة الشرعية وأقوال أئمة الفتوى سلفاً وخلفاً وبدحض بعض الشبه التي تثار في هذا الأمر {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} والله أسأل أن يوفق جميع المسلمين لما فيه خيرهم وصلاحهم في دينهم وأن يجنبنا وإياهم الزلل وأن يلهمنا وإياهم الرشاد وصلى الله وسلم وبارك على خير خلق الله أجمعين وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدين.

حكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية دراسة فقهية موازنة

حكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية دراسة فقهية موازنة ¤صالح بن أحمد الغزالي£بدون¥دار الوطن - الرياض¨الأولى¢1417هـ€فقه¶إسلام وفن - فنون إسلامية الخاتمة: أولا: نتائج البحث: أ - نتائج إجمالية: 1 - شمولية الشريعة الإسلامية للحكم والتوجيه في مجالات الفنون والترويح كغيرها من المجالات الخاصة والعامة، وتلاؤم أحكامها بما يحقق به المصلحة العامة والخاصة في الدنيا والآخرة، ويعد هذا من دلائل محاسن دين الله الحق - الإسلام - الذي ميزه الله بالكمال والثبات والخلود. 2 - إن مصطلح الفن - بممارسته الحديثة المتحللة - لا يتوافق مع الشريعة، لا في أحكامها العامة ومقاصدها، ولا في أحكامها الخاصة ونصوصها. وإنما يتلاءم مع المذاهب الغربية الحديثة القائمة على الإباحية باسم حرية الفنان وتقديس الفن، ومن أباح هذه الصفة من ممارسة الفنون ونسبها إلى الشرع - من المنتسبين إلى العلم أو غيرهم - فقد أباح الشرع المبدل الذي يكفر من أباحه متى قامت عليه الحجة يقول ابن تيمية رحمه الله: الشرع المبدل وهو الكذب على الله ورسوله أو على الناس بشهادات الزور ونحوها والظلم البين، فمن قال إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع، كمن قال: إن الدم والميتة حلال، ولو قال هذا مذهبي ونحو ذلك. 3 - إن الشرع لم يكن له حكم واحد، لا بالقبول المطلق، ولا بالرفض المطلق، فيما يطلق عليه اسم الفنون من جهة أصلها - لا من جهة ممارستها المتحللة - بل قبل النافع منها ومنع الضار، ووضع للنافع منها ضوابط وشروطا بحيث لا تطغى على ما هو أهم منها: 4 - إن قول بعض المنتسبين للعلم وغيرهم وفتواهم بأن الفن - بممارسته الحديثة المتحللة - سائغ في الشرع أو في بعض أقوال أهل العلم، قول باطل مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف ومن يعتد بهم من أهل العلم. نتائج تفصيلية: إن كلمة الفن في الاصطلاح العلمي من حيث الأصل تطلق على عدة أعمال مختلفة ومتباينة في حقيقتها تباينا كبيرا، فلا يسوغ من جهة الواجب الشرعي ومن جهة منهج البحث العلمي إطلاق الحكم على هذا المعنى المجمل، بل ينبغي التفصيل فيما تعود إليه كلمة الفن منها وعلى أي صفة ثم بيان الحكم. والذي انتهيت إليه في هذا البحث: التفصيل في حكم ممارسة الفنون على النحو التالي: أولا الشعر: 1 - إن الشعر من جهة كونه شعرا مباح بالإجماع. 2 - إن الشعر من جهة المعنى منقسم إلى حسن وهو المباح وقبيح وهو المحرم والمكروه. 3 - إن الشعر يتضمن أربعة أقسام: 1 - مباح وهو ما خلا عن محرم أو مكروه، ولم يشغل عما هو أولى منه. 2 - مكروه وهو الشعر الذي يشغل عما هو أولى منه. 3 - مندوب وهو ما ترتب عليه أمر مرغب إليه في الشرع. 4 - محرم: ما اشتمل على معنى محرم أو أدى إلى محرم. ثانيا: الغناء بدون آله: إن لفظ الغناء يطلق على عدة أعمال - من جهة الحقيقة والمقصد فلا بد من التفصيل في حكمه على النحو التالي: 1 - ما يطلق عليه اسم الحداء والنصب وما كان في معناهما فيباح بدون خلاف بين أهل العلم، بضوابطه الشرعية. 2 - الغناء بالألحان المطربة بدون آله وحكمه: ا- في الأصل الكراهة لكونه من اللهو. ب - يباح في المناسبات كالعيد والعرس والختان بشرط أن لا يكون على نسق غناء أهل المجون في التلحين أو الكلمات. ج) يحرم إذا اقترن به معازف، أو كلمات محرمة، أو أفعال محرمة كالخمر والاختلاط، أو كان بألحان ماجنة. 3 - ما قصد منه التعبد وهذا يطلق عليه السماع الصوفي، والقول الصحيح في حكمه كما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف هو القول ببدعيته وحرمته سواء كان بآله أو بدونها.

4 - ما يطلق عليه النشيد الإسلامي، وهذا ينبغي التفصيل في حكمه لتنوعه في الألحان والمقاصد والكلمات وكيفية الاستماع وهو أن: - يلحق بالحداء والنصب إذا كان على صفتهما، ويكون حينئذ مباحا. - ويلحق بالغناء بالألحان المطربة إذا كان على صفتهما ويكون حينئذ مكروها. - ويلحق بالسماع المحدث إذا كان على صفته ويكون حينئذ سماعا محدثا مذموما. وذلك بناء على قاعدة الفرع الذي يتنازعه أكثر من أصل يلحق بأكثرها شبها. ثالثا: المعازف والدف: ا- إن المعازف محرمة بأدلة الكتاب والسنة والمعقول والإجماع وليس للمخالف دليل سائغ على إباحتها، والقول بإباحتها أو بعض أنواعها عند بعض أهل العلم المعتبرين يعد من زلاتهم التي يعذرون فيها دون أن يقلدوا فيما أخطأوا فيه، كما قال عبد الله بن المبارك: رب رجل في الإسلام له قدم حسن وآثار صالحة كانت منه الهفوة والزلة لا يُقتدى به في هفوته وزلته. 2 - إن ما ينقل عن الصحابة أو بعض الأئمة الكبار من إباحة المعازف لم يثبت ولم يرو بإسناد صحيح، كالمنقول عن ابن عمرو وعبد الله بن جعفر ومالك بن أنس. 3 - إن تحريمها يشمل تحريم جميع أنواعها الحديثة والقديمة باستثناء الدف الذي وردت به الرخصة بقيود. 4 - إن تحريمها يشمل تحريم تعليمها أو تعلمها أو تأليف الكتب لها أو احترافها أو غير ذلك، وصاحبها المنتسب إليها فاسق ويعد مصرا على معصية. 5 - حكم التحريم يشمل سماعها في المناسبات وغيرها وبغناء وبدونه، وفي آلات التسجيل وغيرها. ب - الدف: 1 - إجماع العلماء دون خلاف بينهم على جوازه إذا كان بدون جلاجل وللنساء في الأعراس 2 - وعلى خلاف بينهم إذا كان بجلاجل وللرجال وفي غير العرس ويترجح: 1 - عدم جواز إدخال الجلاجل المطربة معه. 2 - جوازه في العرس والعيد وقدوم غائب والختان لورود النصوص بذلك. 3 - جواز سماعه للرجال في المناسبات لورود الرخصة بذلك. 4 - لم يرد عن السلف الذي يلزمنا اتباع جماعتهم أن يضرب الرجل بالدف، فيقتصر على ما ورد وهو السماع دون ما لم يرد وهو الضرب. والله تعالى أعلم. رابعا: الرقص: ينقسم حكم الرقص بحسب صفته والمقصد منه إلى ثلاثة أقسام متباينة وهي: أ - ما قصد به التعبد لغير الله وهذا يعد شركا أكبر، لتضمنه عبادة غير الله تعالى. ب - ما قصد به التعبد لله وهذا رقص المتصوفة، وهو بدعة محرمة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول. ج- الرقص الدنيوي وينقسم إلى أقسام ثلاثة: 1 - إن الأصل فيه إذا خلا من محرم الكراهة لكونه من اللهو. 2 - يباح فعله للرجال بما يليق بهم، وللنساء بما يليق بهن في المناسبات بشرط: أن لا يكون على هيئة محرمة، ولا يقصد به محرم، ولا يقترن به محرم. 3 - يحرم وهو غالب أنواع الرقص المطبقة، في صور كثيرة جدا تعود إلى ثلاثة صور رئيسية هي: ا- إذا فعل على وجه محرم كالتكسر والتميع. ب- إذا قصد به محرم. ج- إذا اقترن بمحرم كوجود آلات اللهو المحرمة أو الغناء المحرم أو الاختلاط. خامسا: التمثيل: يترجح أنه ثلاثة أنواع متباينة في الحقيقة والحكم: النوع الأول: التمثيل المتحلل من قيود الشرع المطبق عند عامة أهل الفن وهذا يعد محل اتفاق بين أهل العلم في تحريمه. النوع الثاني: التمثيل بمعناه الاصطلاحي المجرد، وهذا لا يجوز ولا يمكن تطبيقه بصورة شرعية صحيحة، لكونه مبنيا على أصول وقواعد مخالفة لقواعد الشرع ومن أعظمها وجود المرأة فيه. النوع الثالث: التمثيل بمعناه اللغوي أي المحاكاة، ويترجح إلحاقه بالمعاريض لكونهما يتضمنان معنى الصدق والكذب من جهات متنوعة، فيباح عند الحاجة بشروط خمسة، هي: 1 - فعله عند الحاجة إليه بحيث لا يمكن تحقيق مصلحة معتبرة أو دفع مفسدة إلا به،

2 - أن لا يمثل ما علمنا من أدلة الشرع النهي عن تمثيلهم. 3 - أن لا يقترن التمثيل بمحرم كالمعازف والمرأة. 4 - أن لا يدعو التمثيل إلى محرم. 5 - أن لا يؤدي إلى محرم أو مكروه. سادسا: التصوير: 1 - تصوير غير ذات الروح وهو مباح كما دل على ذلك الجمع بين نصوص النهي عن التصوير، ويستثنى من إباحة تصوير ما ليس له روح إذا قصد به أمر محرم، كمن يصور ما ليس له روح للعبادة أو التعظيم أو بقصد المضاهاة أو التعبير عن فكرة ومعنى منهي عنه، فيحرم تصوير ما ليس له روح في هذه المسائل بناء على قاعدة (الوسائل لها أحكام المقاصد). 2 - حرمة تصوير ماله روح، سواء كان له ظل أم لا بدلالة السنة المتواترة وعليه جماهير أهل العلم سلفا وخلفا. 3 - التصوير الفتوغرافي: ا- دخوله في عموم النهي عن التصوير من جهة الأصل لكونه تصويرا لغة وشرعا. ب - إباحته عند الحاجة إليه وهي وجود مصلحة أو دفع مفسدة لا تأتي إلا عن طريقه. ج- الصورة الفتوغرافية صورة من جهة الشرع يترتب عليها ما ورد عن الصور من إزالتها، والأمر بطمسها، وعدم دخول الملائكة بيتا هي فيه، مالا تكن ممتهنة، أو كانت من جنس الصور التي أبيحت للحاجة ولم تكن ظاهرة 4 - التصوير التلفزيوني: 1 - دخوله في عموم النهي عن التصوير. 2 - إباحته عند الحاجة. 3 - الصورة التلفزيونية لا تكون من جنس الصور المنهي عنها لكونها زائلة. 4 - حكم النظر إلى الصور التلفزيونية مرتبط بموضوع الصورة. سابعا: الزخرفة: ا - إن زخرفة المساجد بدعة محرمة بدلالة عموم الكتاب والسنة وأقوال الصحابة. ب - إن الزخرفة من الأمور المكروهة في الشرع، لأنه لا يترتب عليها مصلحة معتبرة في الأصل. ثامنا: العمارة: ا- إن الأصل في حكم العمارة الإباحة استصحابا، وفيها: 1 - ما هو محرم كعمارة دور العبادات الباطلة، وإيواء الأعمال المحرمة، والبناء في الأماكن التي نهى الشرع عن البناء فيها. 2 - ما هو مندوب، كالمساكن التي تؤوي أبناء السبيل والفقراء والمحتاجين وهو فرض كفاية في حق الجماعة. 3 - ما هو مكروه كالبناء فوق الحاجة. ب - إن ما يسمى بالعمارة الإسلامية -أو بتعبير أدق العمارة المباحة في الإسلام -لا يصح أن يؤخذ وصفها من فعل بعض المسلمين في العصور الإسلامية المختلفة؛ لأن فعل بعض المسلمين لم يكن من أدلة الشرع باتفاق أهل العلم، وإنما تؤخذ من نصوص الشرع ومقاصده بما يمكن أن يتحقق به أحكام الشرع في المسكن، وقد مضى بيان كثير منها في البحث.

خطبة الجمعة وأحكامها الفقهية

خطبة الجمعة وأحكامها الفقهية ¤عبدالعزيز بن محمد الحجيلان£بدون¥وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - الرياض¨الأولى¢1423هـ€فقه¶خطابة ومحاضرات الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده وأشكره على توفيقه في البدء والختام، وأصلي وأسلم على خير الأنام نبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام. أما بعد، فلا يخفى أن كل باحث يطرق موضوعا لابد أن يتوصل فيه إلى بعض النتائج، وقد توصلت في هذا البحث إلى نتائج كثيرة، منها ما هو عام، ومنها ما هو خاص، ومن أبرزها ما يلي: أولا: من أبرز النتائج العامة: 1 - أن أكثر الأدلة التي استدل بها الفقهاء على خطبة الجمعة وأحكامها أفعال مجردة، وأفعال النبي – صلى الله عليه وسلم – المجردة لا تدل على الوجوب، وإنما على الاستحباب كما هو معلوم في أصول الفقه، ولذلك ترجح في أكثر المسائل السنية، حتى فيما يعتبره كثير من الفقهاء شروطا وأركانا؛ لأن القول بالشرط والركن لابد أن يعتمد على أدلة صحيحة وصريحة؛ لما يترتب عليه من بطلان الخطبة بفقده، وبطلان الصلاة بناء عليه؛ لأن الخطبة شرط لصحتها. 2 - أن أعظم المقاصد الشرعية من خطبة الجمعة هو الوعظ والتذكير، بما فيه صلاح الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة، فيجب أن تدور حوله الخطبة. 3 - عند تطبيق هذه الأحكام على واقع كثير من الخطباء اليوم يتضح وجود تقصير واضح، وسنن مهجورة، وأخطاء ظاهرة. ثانيا: ومن أبرز النتائج الخاصة: 1 - أن خطبة الجمعة شرط لصحة الصلاة، وأن الشرط خطبتان، لا خطبة واحدة. 2 - أنه يشترط لخطبة الجمعة: النية، وحضور جماعة يتحقق بهم المقصود من الوعظ والتذكير – وإن لم يكونوا بالعدد الذي تنعقد به الجمعة – للقدر الواجب من الخطبة، وأن تكون بعد دخول وقت الجمعة وهو زوال الشمس إن لم تكن حاجة في بعض الأحيان وإلا جازت في الساعة الخامسة أو السادسة، وأن تقدم على الصلاة، والقيام مع القدرة، والجهر بها، وأن تكون باللغة العربية للقادر عليها ما لم يكن السامعون جميعاً غير عرب فتجزئ بلغتهم، والموالاة بين أجزائها، وبينها وبين الصلاة. 3 - أنه ليس لخطبة الجمعة أركان معينة بعينها، بل تحصل بما يطلق عليه خطبة في العرف، ويحصل به مقصودها الشرعي وهو الوعظ والتذكير، فلا يعد الحمد لله، والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – وقراءة شيء من القرآن أركانا، بل هي سنن، وأما الموعظة فهي ركن لكونها المقصود الشرعي الأعظم من الخطبة كما أسلفت. وأقل مقدار لقراءة القرآن هو ما يستقل بمعنى، سواء كان آية أو أقل، ويباح قراءة ما فيه آية سجود في الخطة. كما يسن ترتيب الأمور الأربعة المتقدمة، وهي أركان في كل من الخطبتين عند من قال بركنيتها. 4 - أنه لا يشترط لخطبة الجمعة الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، ولا ستر العورة وإزالة النجاسة، ولا الجلسة بين الخطبتين، بل يسن ذلك لها، ومقدار الجلسة بقدر قراءة سورة الإخلاص. كما يسن لها التجمل بلبس أحسن الثياب، والأفضل البياض، وأن تكون على منبر أو موضع عال، والسنة كون المنبر على يمين المحراب، ويقف الخطيب على الدرجة التي تلي المستراح، وأن يستقبل الخطيب الناس بوجهه، ويقصد تلقاء وجهه ولا يتلفت، وأن يستقبل الناس الخطيب ما لم يكن هناك حرج ومشقة، وأن يسلم على من حوله إذا دخل وقبل أن يصعد المنبر، ويسلم على الناس إذا صعد المنبر واستقبلهم، وأن يجلس على المنبر حتى يفرغ المؤذن، وأن يعتمد على قوس أو عصا ونحوهما، ولا يشرع الاعتماد على السيف، ويكون بما شاء من يديه، فإن لم يعتمد على شيء فهو بالخيار بين إمساك يده الشمال باليمين أو يرسلهما، وأن يرفع صوته بالخطبة زيادة على القدر والواجب وحسب الطاقة.

5 - أنه يسن في خطبة الجمعة التقصير، وتكون الثانية أقصر من الأولى، وأن تكون فصيحة بليغة مؤخرة مرتبة، وأن يقرأ فيها سورة {ق} في أكثر الأحيان، وأن يدعو للمسلمين في الثانية، وأن يدعو لولاة أمور المسلمين عامة، ولولي أمر البلد بعينه ما لم يأمر بذلك فيجب، وأن يختم الثانية بالاستغفار. 6 - أن على الخطيب في الجمعة الاعتناء بإعداد الخطبة وعدم الاعتماد على دواوين قديمة أو نحو ذلك، وألا يخرجها عن مقصودها الشرعي من الوعظ والتذكير والثناء على الله وتمجيده، والحث على طاعته والتحذير من معصيته إلى غير ذلك، ولا تشرع له تحية المسجد عند دخوله، ولا الدعاء عند صعود المنبر وقبل جلوسه للأذان بل هو بدعة، ولا يشرع له الخطبة من صحيفة إن أحسن بدونها. ولا يجوز للخطيب الكلام بغير الخطبة إلا لمصلحة، كما لا يجوز الكلام للحاضر إلا مخاطبة الإمام لحاجة سواء سمع الخطبة أم لا، حتى رد السلام وتشميت العاطس، وأما الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا ذكره الخطيب والتأمين على الدعاء فيجوز سراً، ويستثنى من التحريم ما كان لأمر واجب ناجز كتحذير ضرير ونحوه، ويجوز الكلام بعد دخول الخطيب وقبل الشروع في الخطبة، وبين الخطبتين وبعدها وقبل الصلاة، ولا يجوز حال التنفس والدعاء. ولا يشرع للخطيب الدق بالسيف على المنبر، ولا قصد الإشارة باليد أثناء الخطبة بل بالأصبع، ولا قصد الالتفات يميناً وشمالاً في أثنائها، ولا المداومة على قوله في آخر الأولى: "أدعو الله وأنتم موقنون الإجابة" ونحو ذلك، ولا المبالغة في الإسراع في الخطبة الثانية وخفض الصوت بها، كما لا يشرع رفع اليدين حال الدعاء في الخطبة إلا في الاستسقاء. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة

دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة ¤محمد مصطفى أبوه الشنقيطي£بدون¥مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة¨الثانية¢1422هـ€فقه¶عقيدة - أعمال منوعة الخاتمة ونتائج البحث: لقد أدى طول الصحبة لمسائل العقود المستحدثة إلى وضع اليد على جملة من القضايا والمسائل المستخلصة من معاني متفرقة تقع للناظر الممحص للجزئيات التي لا ينظمها ولا يجمعها إلا كونها عقوداً مالية. وأهم هذه القضايا أو النتائج: 1 - ضبط الله حياة البشر فأرسل لهم الرسل وأنزل الشرائع لتستقر أحوالهم وتجرى أمورهم على وتيرة واجدة قوامها العدل والقسط وجعل لذلك أعلاماً تبين ذلك تلك الأعلام هي الأوامر والنواهي وما يمكن أن يفهم منها أو يقاس عليها. 2 - لزوم النظر في العقود المستحدثة وبذل غاية الجهد في تخريجها لحمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي. 3 - لاشك في صلاحية الشريعة لعموم الزمان والمكان ويتضح ذلك من ابتناء الدين على الفطرة مما سهل جريان أحوال الناس وفقها لأنه مغروز في خلقتهم استحسان مسائل الفطرة على اختلاف الأجيال والعصور ولذا قامت الأحكام الشرعية على أدلة يستفاد منها العموم أو يتأسس عليها معنى كلي يعرف بالقاعدة الشرعية. وكل ذلك ممكن تطبيق الناس للأحكام الشرعية بلا حرج. 4 - أقر النبي صلى الله عليه وسلم جملة من العقود التي بعث والناس يتعاملون بها فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليتمم مكارم الأخلاق وإبقاء الصالح من أحوال الأمم وتقويم المعوج فالشريعة تتسم بالتقرير والتغيير. 5 - يلزم للناظر في العقود المستحدثات أن يلزم بجوانب العقد من الناحية القانونية والاقتصادية ولا بأس أن يتداعى لذلك طوائف من أهل الاختصاص في تلك الفنون ويقدموا دراسات يتأملها الفقهاء ويمعنوا النظر فيها. 6 - لا يصح أن تبني نتائج على مقدمات غير سليمة لكي يتأتى إصدار حكم شرعي يغلب على الظن أنه حكم الله في المسألة فكون العقد قد نشأ في بلاد الكفر أو تعوم لبه هناك لا يؤثر في الحكم الشرعي فذلك من الوهم الذي يقع فيه بعض الباحثين. 7 - يلزم التحرز والحيطة وبذل الوسع واستفراغ الجهد قبل أن يحكم على عقد بأنه حرام أو حلال وقد يستسهل وصف الشيء بكونه حراماً وحمل ذلك على أنه من التورع والشأن أن تحريم الحلال كتحليل الحرام قال تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116]. 8 - إن عدم بيان حكم العقود المستحدثة من الناحية الشرعية له أثر غير مرغوب فيه على مستقبل الدعوة الإسلامية حيث إن عدم ضبط ذلك على نحو سليم بإصدار الأحكام بلا روية يظهر الشريعة بمظهر النابذ لما أحدثه الإنسان من وسائل تحصيل المعاش والشرع حكم كله ومصلحه كله. 9 - الحرج مرفوع عن هذه الأمة رحمة بها وترد كثير من الأحكام الشرعية إلى هذا المعنى وذلك راجع إلى الفطرة. والفقهاء خرجوا كثيراً من الأحكام على الأصل الكلي وقعدوا القواعد وفقاً له. 10 - أسس الفقهاء وقرروا القواعد التي يبنى عليها العقود – والأحكام الشرعية الأخرى – وذلك استنتاجاً من الأدلة التفصيلية بعد استدامة النظر فيها وطول الدرس لها وذلك خلافاً لبعض الباحثين والمحدثين. 11 - الحاجة الشديدة إلى الاجتهاد في هذا الزمان لطروء نوازل عديدة توجب النظر فيها فيلزم بحث حكمها في الأدلة الشرعية فإن لم يظفر بنص هرع على القواعد والكليات والمقاصد. 12 - ليس في الشرع ما يمنع من تقبل مستحدثات العقود مع مراعاة عدم مخالفة مقصود الشارع. ويمكن تعديل العقود الفاسد بنبذ معاني الفاسد فيها وإصلاح الخلل الذي أدى إلى عدم اعتبارها شرعاً.

13 - يخطى من زعم أن باب الاجتهاد قد أغلق والظاهر أن من زعم ذلك قد ناقض نفسه لأنه بهذا القول يكون قد اجتهد وأعمل رأيه فيكون قد منع الناس ما لم يمنع منه نفسه. 14 - العقود لها سمات وخصائص كالرضا ومنع الغش والغرر واعتبار العرف ولزوم موافقة مقصود المكلف لمقصود الشارع والاستقرار والعدل والعفو وتحقيق الفائدة للعاقدين وهذه السمات تتواطأ جميعاً على جعل العقد موافقاً لمقصود الشارع من تحقيق المصلحة ودرء المفسدة. 15 - أن العقود تشمل جملة من التصرفات والالتزامات الناشئة بين شخصين وكل مجموعة من هذه التصرفات تنظمها أحكام متشابهة فبعضها يكون بعوض فتسمى معاوضة وبعضها لا يكون كذلك فتسمى تبرعاً وبعضها ظهر التعامل به في زمان التشريع فأقر كالمضاربة وبعضها استحدثته الحضارة وتشعب العلائق الاقتصادية بين الناس فكان محل نظر طائفة من الفقهاء كالتأمين وعقود المصارف والبورصة وبعض هذه العقود قابل لظهور أثره فهو العقد الصحيح وبعضها ليس كذلك فهو الفاسد ... وهكذا. 16 - أن العقود المنصوص عليها بلغت خمسة وعشرين عقداً ولا حصر لما يمكن أن يلحق بها ويتأسس على فقهها لأن ذلك رهين بما يحتاجه الناس ويتعارفوه من أنواع وسائل انتقال المنافع والأعيان بينهم ولهذا فإن المعتبر من أقوال العلماء هو أن الأصل في العقود الصحة إلا ما دل على ضدها وهذا دل عليه استقراء ما لا حصر له من الأدلة العامة المفيدة للتيسير على العباد وتحقيق مصالحهم بالإضافة إلى أدلة خاصة على عين هذه المسألة. بل إنه يتسامح عن يسير الخلل الذي قد يعتور العقد المستحدث تيسيراً على الناس وتحقيقاً لمقصودهم من العقد ما لم يناقض مقصود الشارع. 17 - لا دليل على التعقيدات التي لا دخل لها في تحقيق معنى العقد ومن ثم لزم العمل على نبذ ما قد يحدثه الناس من تعقيد وتشديد على أنفسهم في هذا الباب – وفي غيره – لئلا يكون ذلك سبباً في استثقال الناس ونفوهم من التكليف كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ولذلك رجحوا جانب المصلحة الظاهرة على ما قد يشوبها من مفسدة كالغرر والحرج مرفوع عن المكلفين. 18 - العقود تخالف العبادات من جهة لزوم النص على عين العبادة لئلا يعبد الله إلا بما شرع وأما المعاملات أو العادات فإنه لا يسأل عن دليل إباحتها لأن الأصل فيها أنها مباحة وإنما يسأل عن الدليل الناقل عن هذا الأصل فالمحرم لها يلزمه الدليل أما المبيح فلا. 19 - يتساهل الناس في تحريم الحلال فيسارعون إلى تحريم بعض العقود المستحدثة وهذا ليس من التورع إذ من المعلوم أن تحريم الحلال كتحليل الحرام والسلف كانوا شديدي التحرج من ذلك فكانوا لا يسارعون إلى التحريم فإذا رأى أحدهم شيئاً من ذلك قال: أكرهه ونحو ذلك. 20 - توسع الشارع في بيان العلل والمصالح في باب العادات والمعاملات فلذا يلزم الدوران مع هذه العلل وتلك المصالح للنظر في العقود المستحدثة. 21 - يجوز للمتعاقدين أن يشترطا ما يشاءان شريطة ألا يؤثر ذلك في مقتضى العقد أو مقصوده ولا يؤدى إلى محرم. 22 - تصح العقود بالصيغة المفهمة الدالة على المقصود سواء بالأقوال والأفعال وهو ما يسمى بالمعاطاة لأنها لو تصحح لفسدت عقود كثير من الناس وقد جرى العرف بذلك فكل ما عده الناس بيعاً فهو بيع، كما قال الإمام مالك. 23 - تصح المعاملة والتعاقد بالمراسلة أو الهاتف ولا يشترط في مجلس العقد أن يكون كلا المتعاقدين في مكان واحد بل هو زمن تبلغ القابل لإيجاب الموجب. وليس في الشرع حد لذلك بل يتنوع باختلاف اصطلاح الناس وأعرافهم.

24 - الشارع يحرص على رفع التنازع وقطع السبل المؤدية إليه ولذا يلزم أن يكون محل العقد معلوماً للمتعاقدين في العقد والأجل في عقود المعاوضات وكذلك يلزم أن يكون مملوكاً للبائع ومقدوراً على تسليمه وهذا ما يعبر عنه العلماء بعدم جواز عقود الغرر لأن فيها موجب الخصومة والنزاع بين أطراف التعاقد. 25 - مقصود العاقد من العقد يلزم أن يكون موافقاً لمقصود الشارع من التشريع فلا يصح أن يتعاقد الناس على ما يفضي إلى محرم ولهذا المعنى حرم كثير من العلماء العينة ونحوها من عقود الآجال المؤدية إلى معنى ربوي. 26 - ينبغي أن يكون مجتمع المسلمين مبنياً على الأخوة والمودة والأثرة وينتج ذلك أثره في العقود فيلزم تجنب الغش والخيانة والتدليس والغبن والتغرير. 27 - لما علم أن العقد ارتباطا قائم بين المتعاقدين يلزم أن يكون هناك وسيلة لفك هذه الرابطة فشرعت وسائل متعددة لفكها عند اقتضاء المصلحة ذلك كالخيار والإقالة والموت وعدم نفاذ العقد الموقوف وغير ذلك مما ينبغي أن يكون قاطعاً لاستمرار العقد. 28 - عند النظر في أعمال المصارف يلزم التمييز بين نوعين من الأعمال التي تمارسها حيث إن بعضها خدمات بحته تؤديها المصارف للأفراد والمؤسسات كفتح الحسابات وتأجير الخزائن ونحو ذلك مما لا إشكال في أخذ العوض عنه وبعض الخدمات محل نظر يلزم تمحيصها ومعرفة حقيقة أمرها كالأعمال المتصلة بالتسليف والاستثمار واختلاط الودائع الربوية بسواها وغير ذلك. 29 - انتفاع المصارف باستثمار ما تحت يديها من ودائع نقدية يمكن تصحيحه وأن الربح يطيب للبنك وذلك في مقابل الضمان لا البنك ضامن لما تحت يده من أموال المودعين ولكن لا يفهم من ذلك جواز ما يدفعه البنك لأصحاب الودائع لأن ذلك رباً واضح والله أعلم. 30 - يلزم التمييز في مسألة الاعتمادات المستندية بين ما هو مغطى وما هو مكشوف فالمغطى لا أشكال في أن ما يأخذه البنك من عمولة أن هو إلا نظير الخدمة التي يقدمها للعميل أما الجزء من عمولة أن هو إلا نظير الخدمة التي يقدمها للعميل أما الجزء غير المغطى فإن ابنك يعتبر مقرضاً للعميل بمقدار الغطاء الذي قدمه الغطاء الذي قدمه فيكون ما يأخذه من زيادة داخلاً في أدلة الربا والله أعلم. 31 - العمولة المصرفية وهي ما يأخذه البنك نظير خدماته "وليست التي يأخذها نظير قرض" تعتبر أجرة لهذه الخدمات لأن البنك بمثابة الأجير المشترك. أما الأعمال التي تتضمن إقراضا فإن الأمر مختلف تماماً لذا يلزم دراسة كل حالة يتلقى فيها البنك عمولة لمعرفة هل هي مقابل قرض أو خدمة مصرفية أخرى. ومن ثم فإن ما يأخذه البنك عند ابتداء العملية لا يكون من الربا لأن ذمة العميل خالية من القرض أما ما يأخذه بعد دفع أي شيء فيلزم تمحيصه. 32 - يصح أخذ الأجرة على خطاب الضمان لعدم وجود دليل تحرم ذلك فيما أعلم وقد أجاز العلماء هبة الثواب فإذا صح العوض لقاء تبرع محض وهو الهبة ففيما سوى ذلك أولى. 33 - القبول المصرفي لا يجوز أخذ الأجرة عليه لأنه يعتبر قرضاً جر نفعاً وقد ينتفع البنك من الغطاء الذي قدمه العميل والغطاء يعتبر رهناً لا يصح استعماله واستهلاكه. 34 - خصم الكمبيالات غير جائز لأنه من باب ربا الفضل لأنه بيع نقد بجنسه متفاضلاً كما يدخلها ربا النساء لأن المصرف يقرض صاحب الورقة التجارية بفائدة ربوية مخصومة من الأصل نظير الأجل.

35 - لا حرج في إصدار الشيكات ولا تحصيلها ولا الأجرة التي تؤخذ على ذلك لأنها نظير خدمة يقدمها البنك للعميل. 36 - المرابحة للآمر بالشراء جائزة على تخريج يتضمن جملة عقود لا يمنع اجتماع هذه العقود في معاملة واحدة لأنها لما جازت في حال الافتراق جازت في حال الاجتماع وهي ليست من باب بيع ليس عند البائع. 37 - المشاركة المتناقصة – أو المشاركة المنتهية بالتمليك – جائزة وهي من باب الشركة المعلقة على شرط مقترن بالعقد وهذا الشرط يقتضى ملك أحد الشريكين لمحل العقد والشرط لازم الوفاء به. 38 - أن المقصود بالقبض في الصرف هو إثبات اليد فإذا كان ذلك حاصلاً اكتفى به فلذا يصح التصارف على ما في الذمة كما نص على ذلك ابن عبدالبر وغيره. وإبراز للذمة فإذا توصل إلى ذلك الإبراء بدون أن يبرز كل طرف ما عليه من دين الآخر فإنه يجوز وليس من باب بيع غائب بغائب. 39 - أن الصرف الأجنبي العاجل وتحويل العملة من مكان إلى آخر بالبرق أو البريد أو أية وسيلة جائز وليس في قواعد الشرع ما يمنع من أخذ الأجرة على ما يتكلفه أحد العاقدين فيمكن أن يزيد على ثمن الصرف سواء كان ذلك نسبة من المبلغ أو ثمناً مقطوعاً عن كل عملية يقوم بها البنك. أما الصرف على أساس سعر الصرف الآجل فهي جائزة أيضاً ما لم يكن العوض الآخر مؤجلاً لئلا يكون ذلك من باب بيع الدين بالدين. وهي من باب المواعدة على الصرف وقد أجاز المواعدة عليه بعض العلماء منهم الشافعية وأهل الظاهر وغيرهم. 40 - الحوالة المصرفية جائز أخذ الأجرة عليها مهما يكن تخريجها إلا نوعاً من التحويلات تقوم بها البنوك لعملائها الذين تثق في ملاءتهم فتحول المبلغ دون أن يدفع العميل ذلك المبلغ فيكون قرضاً ومن ثم لا يصح الزيادة عليه لأن الزيادة على القرض رباً فلا يصح أخذ العمولة على هذا النوع. 41 - يجوز البيع بالتقسيط سواء كان إلى أجل واحد أو دفع المبلغ المؤجل منجماً بأن يجعل لكل قسط أجلاً معلوماً ولا مانع من زيادة الثمن لقاء ذلك وليست هي من الزيادة الربوية لأنه لابد من وجود علة الربا ولم توجد في هذه المسألة لأن الانتظار وحده ليس كافياً من المنع من الزيادة والأجل المعتبر هنا كل ما ينضبط به ذلك من تقويم هجري أو ميلادي. 42 - يصح أن يتعاقد مستأجر مع مالك على أن ينتفع المستأجر بمحل العقد بأجرة محددة بأقساط موزعة على مدد معلومة على أن ينتهي هذا العقد بملك المستأجر للمحل إذا كانت مدة الإجارة مضبوطة ومبلغ كل قسط معلوماً. 43 - سندات المقارضة التي تقوم بإصدارها بعض المؤسسات الإسلامية جائزة شرعاً وتقاس على المضاربة أو شركة العنان ليس هناك مانع فيما ظهر لي والله أعلم من إصدار هذه السندات أو تداولها ويصح العقد عليها – أي على السندات – بالبيع أو الرهن أو الهبة ... وغير ذلك. 44 - أن اختلاف فقهاء الوقت في بعض المسائل ناشئ عن عدم تحرير محل الخلاف ومن ذلك أنهم اختلفوا في مسألة التأمين وكل منهم نظر إليه من وجه فالمبيح نظراً إلى ناحية التعاون فيه "وهو معنى موجود" والمانع نظر لناحية الغرر والقمار والربا "وهي معاني موجودة أيضاً" فلزم تحرير محل الخلاف والاتفاق على صورة النزاع لكي يكون الحكم الذي يصدره كلا الطرفيان منصباً على ذات المسألة ومحل الخلاف الذي ينبغي أن يكون هو ما تقوم به شركات التأمين من جهة العاقة بين المستأمن الغرر والمؤمن أي شركة التأمين وهو عقد معاوضة بين هذين الطرفين وتستخدم الوسائل العلمية لمعرفة مقدار العوضين أما التأمين التعاوني والاجتماعي فليس محل البحث إذ لا خلاف في جوازه.

وقد كان أول من ناقش موضوع التأمين هو ابن عابدين في الخمسينات من المائة الثالثة عشرة وكان رأيه عدم جواز ذلك ونال هذا الموضوع حظا غير يسير من الدرس وأكثر العلماء على عدم جوازه. 45 - أن الذي بدا لي من استدلالات العلماء في موضوع التأمين رجحان أدلة من ذهبوا إلى التحريم لقوة استدلالهم وأبرزها ظهور عنصر الغرر الكثير الغالب على العقد بالإضافة إلى القمار والرهان أما المجيزون فكثير من أدلتهم غير متجه وبعضها ظاهر قوي ولكن أجوبة المانعين فندوا هذه الشبهة، ويؤيد ذلك صدور فتاوى عن جلة علماء هذا الزمان وقرارات من المجامع الفقهية التي تجمع هؤلاء العلماء. 46 - يخطئ كثير من تراجمة هذا الزمان عند نقل بعض الكلمات إلى اللغة العربية فيترجمون الكلمة الأجنبية إلى معنى لا يناسبها في اللغة العربية وخصوصاً إذا كان لذلك اللفظ اصطلاح عرفي فمثلاً كلمة مضاربة في اصطلاح أهل البورصة ترجمة عن كلمة في اللغة الإنجليزية فكان مناسباً أن تختار كلمة أخرى دفعاً للبس لأن المضاربة لها معنى في اللغة وفي الاصطلاح لا يشبه هذه الكلمة ولا يقاربها كما هو واضح ويحسن أن تسمى مسابقة ومثل ذلك ظاهر في كلمات تجارية عديدة منها العمولة والفائدة والبوليصة والائتمان. 47 - عند النظر في عقود البورصة يلزم التمييز بين العقود العاجلة والعقود الآجلة لأن كلا منها يختلف في طبيعته عن الآخر ففارقه في الحكم. فالعقود العاجلة على السلع الموجودة في حوزة البائع لا إشكال في جوازها أما إذا لم توجد في ملك البائع فإنه يمكن أن يطبق عليها شروط عقد السلم. هذا إذا كان محل العقد جائزاً في نفسه فلا يجوز العقد على الخمور أو الخنزير أو الكتب الضارة أو نحو ذلك من الأمور غير المباحة. أما العقود الآجلة التي تجرى في هذه السوق فإنه لا يجرى التقابض في العوضين ولا أحدهما والبائع غالباً يبيع ما لا يملك والمشتري يبيع ما اشتراه قيل أن يقبضه والآخر يبيعه لآخر أيضاً دون أن يتم القبض والتقابض إنما يتم في فرق السعر وفي هذا كله معنى المقامرة ولذلك لا تصح هذه العقود. 48 - تعتبر المنافع أموالاً لأنها مقصود الناس مع العقد على الأعيان ويتجه إليها قصد العقلاء جميعاً وجعلها غير أموال يؤدى إلى ضياع الحقوق لأن من يجعلها مالاً لم يقل بتضمين الغاصب منفعة المغصوب مثلاً وفي ذلك ضياع الحق على أهله. واشتراط الحيازة لاعتبار الشيء مالاً غير متجه لأن قبض كل شيء بحسبه والمنافع عرض يستحيل قبض عينها والشارع لا يشترط المستحيل. 49 - يصح الاعتياض عن الحقوق سواء كانت حقوقاً مجردة أو غير مجردة لأن الجميع مال وما كان مالاً يصح الاعتياض عنه. 50 - يصح انتقال الحقوق المالية بالميراث. 51 - تسقط الحقوق بالإسقاط ويستثنى من ذلك مسائل كحق الإرث وحق المستأجر في الانتفاع بالعين المؤجرة. أما حقوق الله تعالى فلا تسقط بالإسقاط. 52 - خلو العقارات جائز لأن ما يأخذه يعتبر جزءاً معجلاً من الأجرة المشروطة في العقد وكذلك ما يأخذه المستأجر من المال مقابل ترك العقار لشخص آخر يحل محله. 53 - لا يجوز الاعتياض عن خلو الوظائف العامة لعدم جريان عرف زماننا بالجواز لأن المستدلين بالعرف كابن عابدين وابن نجيم يقصدون عرف زمانهم فنحن نتمسك بنفس الدليل فعرف زماننا لا يجوز فيه ذلك. 54 - تظاهرت جملة من الأدلة على صحة عرف هذا الزمان بجواز الاعتياض عن حقوق المؤلف بشرط أن يكون الكتاب غير مشتمل على مخالفة شرعية. 55 - يصح انتقال حقوق التأليف بالإرث لأنه – أي حق المؤلف – من الحقوق المالية غير المجردة أي أنه حق متقرر في محله وله وجود في الخارج ومحله الكتاب وهذا النوع من الحقوق ينتقل بالإرث. 56 - أن العلاقة بين المؤلف والطابع دائرة بين الوكالة والإجارة فالطابع – أي الناشر – وكيلاً عن المؤلف في نشر الكتاب ويمكن أن يخرج على أن العقد بينهما إجارة بأجر المؤلف بموجبه الطابع على نشر كتابه وتوزيعه حسب تفاصيل العقد المبرم بينهما. 57 - يتحدد حق المؤلف في كتابه بعدد النسخ لأنها هي الوسيلة التي تعارف الناس على استعمالها في ضبط هذا الحق ويتحدد القدر الذي ينتفع به المشتري للكتاب بعدد النسخ التي اشتراها ولا يملك من المنفعة إلا المقدار الذي يحصل عليه من ذلك العدد من النسخ ولا يجوز له أن يطبع أو يصور نسخاً أخرى أما المؤلف فإنه يملك كل الحق فله أن يمنح ويمنع ذلك الحق لأنه ملك له. وبعد: فهذا ما يسر الله وكتب لي أن أجمعه في هذا الباب فإن كان صواباً فمن الله وأحمده على ذلك وأسأله المزيد من التوفيق والإرشاد. وإن كانت الأخرى فمني ومن الشيطان فأستغفر الله وأسأله أن يلهمني رشدي ويقيني شر نفسي والله المستعان وإليه المآب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ذبائح المسلمين والكتابيين بين الشك واليقين

ذبائح المسلمين والكتابيين بين الشك واليقين ¤علي محمد إسماعيل£بدون¥دار الهجرة - الخبر¨الأولى¢1413هـ€فقه¶أطعمة وأشربة الخاتمة إخوتي .. وبعد أن ذكرنا أقوال أهل العلم بشأن الذبائح التي تأتي من بلد حالها من حال بلادنا يجب أن نقف موقفا إيجابيا. فكفانا أكلا للميتة وتحليلا لما حرم الله و .. وكل جسم نبت من حرام فالنار أولى به – وإنما ينصرنا الله عز وجل على أعدائنا بالدعاء فكيف يستجيب الله لنا دعاء ونحن نأكل حراما؟ كيف بنا ندعي الإلتزام بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم نقع في أكل الميتة؟ وكيف بنا نتيقن بأنها ميتة ثم نضعف أمام تلك الميتة اتباعا لشهوة البطن؟ أين نحن من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما بأس به)) وأين نحن من النبي وصحابته الذين كانوا يعصبون بطونهم بالأحجار من شدة الجوع. فاتقوا الله إخواني وجاهدوا أنفسكم على ترك ما حرم الله. فعجبا لمن يريد أن يجاهد عدوه وقد هزمته نفسه التي بين جنبيه. إخواني .. هذه تذكرة لمن شاء أن يستقيم ويتبع الطريق القويم الذي رسمه لنا رسول الله محمد النبي الأمين صلى الله عليه وسلم الذي جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين وحرم علينا مناكحة وموارثة وأكل لحوم المرتدين وأخبرنا أن هذا هو الصراط المستقيم وأنه في مخالفة أصحاب الجحيم فأوجب علينا مخالفتهم وحرم علينا مشابهتهم ... صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والله من وراء القصد والله أكبر والعزة للمسلمين

رسائل فقهية

رسائل فقهية ¤محمد بن صالح العثيمين£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1404هـ€فقه¶مجموعة رسائل وبحوث خاتمة: ولنختم هذا البحث بما ورد في الكتاب والسنة من تحريم الربا والتشديد فيه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} ففي هذه الآية تهديد شديد ووعيد أكيد لمن لم يترك الربا وذلك بمحاربته لله ورسوله فأي ذنب في المعاملة أعظم من ذنب يكون فيه فاعله محاربا لله ورسوله. ولذلك قال بعض السلف: من كان مقيما على الربا لا يتوب منه كان حقا على إمام المسلمين أن يستتبه فإن نزع وإلا ضرب عنقه. وفي قوله تعالى: {وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} إشارة إلى أن: آكل الربا بأنه لو كان مؤمنا بالله ورسوله حق الإيمان راجيا ثواب الله في الآخرة خائفا من عقابه لما استمر على أكل الربا والعياذ بالله تعالى. وقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. ففي هذه الآية وصف آكلي الربا بأنهم يقومون من قبورهم يوم القيامة أمام العالم كلهم كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس يعني كالمصروعين الذين تصرعهم الشياطين وتخنقهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق. ثم يبين الله ما وقع لهم من الشبهة التي أعمت بصائرهم عن التمييز بين الحق والباطل فقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} وهذا يحتمل أنهم قالوه لشبهة وقعت لهم وتأويل فاسد لجأوا إليه كما يحتج أهل الحيل على الربا ويحتمل أنهم قالوا ذلك عنادا وجحودا. وعلى كلا الاحتمالين فإن هذا يدل على أنهم مستمرون في باطلهم، منهمكون في أكلهم الربا، مجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق. نعوذ بالله من ذلك. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ففي هاتين الآيتين: نهى الله عباده المؤمنين بوصفهم مؤمنين عن أكل الربا ثم حذرهم من نفسه في قوله {وَاتَّقُواْ اللهَ} ثم حذرهم النار التي أعدت للكافرين وبين أن تقواه وطاعته سبب للفلاح والرحمة {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

وهذا كله دليل على تعظيم شأن الربا وأنه سبب لعذاب الله تعالى ودخول النار والعياذ بالله تعالى من ذلك. وقال تعالى: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ}. {يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}. فالربا لا يربو عند الله ولا يزداد صاحبه به قربة عند ربه فإنه مال مكتسب بطريق حرام فلا خير فيه ولا بركة ولو أن صاحبه تصدق به لم يقبل منه إلا إذا كان تائباً إلى الله تعالى من ذلك الذنب الكبير فيصدق به للخروج من تبعته عند عدم معرفته لأصحابه وبذلك يكون بارئا منه. أما إن تصدق به لنفسه فإنه لا يقبل منه لأنه لا يرو عند الله بينما الصدقات المقبولة تربو عند الله، وإن أنفقه لم يبارك الله له فيه لأن الله يمحق بركته، فلا خير ولا بركة في الربا. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما أراد أن يخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان فقلت ما هذا الذي رأيته في النهر؟ قال: آكل الربا." "رواه البخاري". وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله ? آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء". رواه مسلم وغيره. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: "الربا اثنان وسبعون بابا أدناهما مثل إتيان الرجل أمه" رواه الطبراني وله شواهد. وقد وردت أحاديث كثيرة في التحذير من الربا وبيان تحريمه وأنه من كبائر الذنوب وعظائمها، فليحذر المؤمن الناصح لنفسه من هذا الأمر العظيم وليتب إلى الله تعالى قبل فوات الأوان وانتقاله عن المال، وانتقال المال إلى غيره فيكون عليه إثمه وغرمه ولغيره كسبه وغنمه وليحذر من التحايل عليه بأنواع الحيل لأنه إذا تحيل فإنما يتحيل على من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولن تفيده هذه الحيل، لأن الصور لا تغير الحقائق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب إبطال التحليل ص108: ... فيا سبحان الله العظيم أيعود الربا الذي قد عظم الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مستحله ولعن آكله وموكله وشاهديه وكاتبه، وجاء فيه من الوعيد ما لم يجئ في غيره إلى أن يستحل جميعه بأدنى سعي من غير كلفة أصلا إلا بصورة عقد هي عبث ولعب يضحك منها ويستهزئ بها ... أم يستحسن مؤمن أن ينسب نبيا من الأنبياء فضلا عن سيد المرسلين بل أن ينسب رب العالمين إلى أن يحرم هذه المحارم العظيمة ثم يبيحها بنوع من العبث والهزل الذي لم يقصد ولم يكن له حقيقة وليس فيه مقصود للمتعاقدين قط. وقال في ص137: ... وكلما كان المرء أفقه في الدين وأبصر بمحاسنه كان فراره من الحيل أشد. قال: وأظن كثيرا من الحيل إنما استحلها من لم يفقه حكمة الشارع ولم يكن له بد من التزام ظاهر الحكم، فأقام رسم الدين دون حقيقته، ولو هدي إلى رشده لسلم لله ورسوله وأطاع الله ظاهرا وباطنا في كل أمره. أسأل الله تعالى أن يوقظ بمنه وكرمه عباده المؤمنين من هذه الغفلة العظيمة، وأن يقيهم شح أنفسهم ويهديهم صراطه المستقيم إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رسالة في حكم تقديم السعي على الطواف

رسالة في حكم تقديم السعي على الطواف ¤إبراهيم بن عبدالله الجريسي£بدون¥بدون¨الأولى¢1431هـ€فقه¶حج وعمرة - سعي الخاتمة: الحمد لله أولاً وآخراً على ما يسره لي ربي من إتمام هذه الرسالة، فلك الحمد يا ربي حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا .. وقد عرضت في هذه الرسالة (حكم تقديم السعي على الطواف) أقوال أهل العلم، وبلغت خمسة أقوال كما تقدم، وهي على النحو التالي: القول الأول: عدم صحة تقديم السعي على الطواف مطلقاً. القول الثاني: صحة تقديم السعي على الطواف مطلقاً. القول الثالث: صحة تقديم السعي على الطواف في الحج والعمرة في حق الجاهل والناسي؛ دون العامد. القول الرابع: صحة تقديم السعي على الطواف في الحج والعمرة؛ مع وجوب الدم. القول الخامس: صحة تقديم السعي على الطواف في الحج، وجواز ذلك مقيداً بتقديمه على طواف الإفاضة يوم النحر وما بعده؛ فلا يصح تقديمه على طواف القدوم، أما العمرة فلا يصح تقديم السعي على طوافها مطلقاً. وقد قمت بجمع هذه الأقوال من مواطنها المتفرقة، وذلك من خلال عدد كبير من المراجع حتى يتمكن القارئ من معرفتها والاطلاع عليها، ثم قمت باستعراض أدلة الأقوال، وجعلت أدلة كل قول على حدة؛ مع مناقشتها وذكر الاعتراضات والأجوبة والردود – إن وجدت – عليها، كما قمت بحصر صور تقديم السعي على الطواف، وقد بلغت عشرين صورة، أهمها سبع عشرة صورة، وممن انفرد بالإفتاء بها - إما نصاً أو بقياس الأولى أو على سبيل العموم - سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله، وقد رجحت القول الثاني منها؛ نظراً لقوة ما استدلوا به، ولإجابتهم عما استدل به أصحاب الأقوال الأخرى، وذكرت أسباب الترجيح على شكل نقاط كما تقدم. ولا شك أن معرفة سبب الخلاف يعين على تصور المسألة، ومن أسباب الخلاف المهمة: هو فعله صلى الله عليه وسلم، فهل مجرد فعله صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة وغيرهما من العبادات يدل على الوجوب أم على الاستحباب؟! فمن قال بالأول منع تقديم السعي على الطواف، ومن قال بالثاني لم يمنع ذلك. وأما حديث أسامة بن شريك أن رجلاً قال: يا رسول الله، سعيت قبل أن أطوف؟ قال: (لا حرج)، فلا يدخل تصحيحه وتضعيفه في سبب الخلاف عند الجمهور؛ حيث إن أكثر أهل العلم قد صححوه، وقد سبق ذكر من صححه من أهل العلم، كما أن الحنفية الشافعية قد صححوه؛ ولكنهم تأولوه، فأما الحنفية: فقد أوَّلوه بأن هذا الترخيص كان في أول الإسلام؛ حيث لم تستقر شرائع الحج، أما اليوم فلا، وتقدم الجواب عن هذا التأويل. والشافعية أوَّلوه بأن مقصود السائل: سعيت عقب طواف القدوم وقبل أن أطوف للإفاضة. وقد ظهر ضعف هذا التأويل كما تقدم، كما أن بعض من أعله بالتفرد منهم لم يجزم بتضعيفه؛ حيث قال بعد ذكره لتفرد جرير عن الشيباني: فإن كان محفوظاً فمراده ... وذكر التأويل السابق. وأما المالكية؛ فلم يرد عن مالك في هذا الحديث شيء، ولم أجد له ذكراً فيما وقفت عليه من كتبهم؛ باستثناء الإمام ابن عبد البر؛ فقد ساقه بسنده من طريق أبي داود كما في التمهيد، والقاضي عياض في إكمال المعلم، ولم يذكرا شيئاً في تصحيحه أو تضعيفه، كما نقله الزرقاني في شرحه للموطأ، وقد نقله من كلام الحافظ في الفتح. وأما الحنابلة؛ فلم يرد عن أحمد في هذا الحديث شيء أيضاً؛ بل لم أجد له ذكراً فيما وقفت عليه من كتب مسائل الإمام أحمد وكتب المذهب؛ باستثناء الإمام ابن القيم؛ فقد ذكره في زاد المعاد وحكم عليه بالضعف، كما تقدم، وباستثناء علمائنا المعاصرين – أيضاً –؛ كسماحة مشايخنا: الباز والعثيمين والجبرين.

وفي الحقيقة إن حديث أسامة بن شريك كان ينبغي أن يكون دليلاً على الجواز لمن يرى صحته؛ لأنه نص صريح في مسألة جواز تقديم السعي على الطواف، ولم يكن كذلك عند الأحناف والشافعية؛ لأنهم تأوَّلوه. وأما من قال: إن حديث أسامة بن شريك مقيد بجوازه في حال الجهل أو النسيان دون العمد - كما في القول الثالث في المسألة - فقد أجيب عنه بأجوبة، منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن حال السائل، ولم يقل له: هل أنت عامد أو ناسٍ أو جاهل؟ فلمَّا لم يستفصل عليه الصلاة والسلام دل على جواز ذلك مطلقاً، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُسقط الحرج إلا وقد أجزأ الفعل؛ إذ لو لم يجزئ لأمره بالإعادة؛ لأن الجهل والنسيان لا يضعان عن المرء الحكم الذي يلزمه في الحج، كما لو ترك الرمي ونحوه فإنه لا يأثم بتركه جاهلاً أو ناسياً؛ لكن يجب عليه الإعادة. وأما من قال: إن حديث أسامة بن شريك مقيد في الحج دون العمرة، وجوازه في الحج مقيد بما بعد الوقوف وما بعده، وليس قبل الوقوف. كما هو القول الخامس، وقال به فضيلة الشيخ العثيمين، أما دليل منعه من العمرة: أن السؤال ورد في الحج دون العمرة، فأجبنا عنه بما تقدم. وأجبنا عنه من كلام الشيخ العثيمين رحمه الله؛ وأن ذلك معارَض بقول فضيلته: بأن كل ما يُفعل في الحج يُفعل في العمرة، وأن الأصل مشاركة العمرةِ الحج َّفي الأفعال والأحكام إلا ما استُثني، فإن قيل- كما تقدم -: يلزم من ذلك وجوب طواف الوداع في العمر، كما هو واجب في الحج وأنتم لا تقولون بذلك؟ فالجواب عنه بقول فضيلته أيضاً: فإن الأصل مشاركة العمرة الحج في الأفعال والأحكام إلا ما استُثني، وطواف الوداع مما استُثني بعدم وجوبه في العمرة؛ لوجود القرائن الدالة على ذلك والتي سبق بيانها، وأما قول فضيلته بأن الجواز مقيد بيوم العيد وليس قبل ذلك؛ لأن السؤال وقع يوم النحر ولم يسأل قبل ذلك، فأجبنا عنه أيضاً بقول فضيلته بما تقدم، ومن ذلك قول فضيلته: وإذا كان الحديث عامّاً فإنه لا فرق بين أن يأتي ذلك يوم العيد أو فيما بعده، كما أجبنا عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن حال نسك السائل أو وقت أدائه مع علمه صلى الله عليه وسلم بكل ذلك، وبيّنا أثر ما تقدم من التعارض، وأنه يضعف هذا القول؛ لأن عدم الاستمرار على طريقة واحدة من الاستدلال – بحيث يستعمل في مكان ما لا يستعمل في غيره – يحصل فيه انقلاب النظر. وأما خلاف العلماء في تقديم بعض الأمور على بعض في يوم النحر فلا يدخل أيضاً في سبب الخلاف في تقديم السعي على الطواف؛ لأن خلافهم - كما نصوا على ذلك - في غير تقديم السعي على الطواف كما تقدم. وأما القول بأن السعي تبع للطواف على سبيل الفرض؛ فقد أجيب عن ذلك بعدة أجوبة، كان من أهمها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رخّص في تقديم السعي على الطواف علمنا أن ذلك جائز، وأن تقديم الطواف هو الأفضل والأبر، فإن لم يسلَّم بذلك؛ فيقال: كيف يصح أن يكون السعي ركناً في الحج – كما هو قول الجمهور – مع أنه تبع للطواف؟! وكيف يصح – أيضاً – أن يقدم طواف القدوم عليه؛ مع أنه سنة عند الجمهور؟! وكيف يكون التابع أعلى من المتبوع؟! وأما العذر في ذلك - كما هو عند الأحناف - وهو أن الشرع أجاز له أداء السعي عقيب طواف هو سنة للتيسير؛ لأن الطواف الذي هو ركن لا يجوز قبل يوم النحر، وفي يوم النحر أعمال كثيرة، ولو وجب عليه السعي في هذا اليوم للحقته المشقة، فأجبنا عنه بأن ما ذكروه كلام لفظي لا يغير من حقيقة الأمر، وهو أن التابع تقدم على المتبوع، والله أعلم.

وبقي أن أذكر في هذه الخاتمة الكلام على حديث عائشة رضي الله عنها لما حاضت وقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (افعلي ما يفعل الحاج؛ غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)؛ فقد استدل به كلٌّ من أصحاب القول الأول والقول الثاني. أما أصحاب القول الأول - وبالأخص منهم أصحاب الشافعي - فقد استدلوا به على المنع بقولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج غير الطواف بالبيت، ولم تسعَ كما لم تطُف، فلو لم يكن السعي متوقفاً على تقدم الطواف عليه ما أخرته، واعتُرض عليه بأن السنة جاءت برفع الحرج عمن قدم السعي على الطواف، فإن لم يُسلَّم بذلك؛ فيمكن أن يقال كما تقدم: إن عائشة رضي الله عنها لم تفعل السعي كما فعلت غيره من المناسك – والله أعلم – لا لأجل أن تقديم الطواف عليه شرط؛ بل لأن الإتيان بالسعي بعد الطواف كمالٌ واتباع للسنة، وأن ما أباحه الله ورسوله ولم يُرَ فيه حرج فهو مشروع، ولكنه ترك الأفضل، كما أن فعلها رضي الله عنها لا يدل بنفسه على الوجوب ولا يخصص العموم، ومما أيَّد عدم ارتباط حكم المسألة بفعل عائشة رضي الله عنها ما ورد من الأحاديث الأخرى في ذلك؛ كحديث: (الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت)، وغيره من الأحاديث التي تقدم الكلام عليها، ثم ختمتُ مناقشة هذا الدليل بإلزام من استدل بهذا الحديث على المنع أن يقوم باشتراط الطهارة للسعي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج غير الطواف بالبيت، ولم تسعَ رضي الله عنها على غير طهارة كما لم تطُف، فلو لم يكن السعي متوقفاً على الطهارة لما أخرته؛ وهم لا يشترطون ذلك، ومعلوم أن جماهير الأمة – إلا من شذ – لا يشترطون الطهارة للسعي؛ أخذاً بعموم حديث عائشة: (افعلي ما يفعل الحاج) ويدخل فيه السعي، وهم بذلك قد استعملوا شيئاً في مكان وتركوه في آخر، كما فرقوا بين الفعل وأوصافه، والفعل لا ينفك عن أوصافه، فإذا جاء فعل عم أوصافه المقترنة به، فإذا جاز الاستدلال بحديث عائشة رضي الله عنها على عدم اشتراط الطهارة للسعي؛ كان فعل السعي نظيره، وإلا كان مخير أحدهما – إذا منع الآخر – متحكماً، والتحكم لا يعجز عنه أحد. ثم لا يتصور أن يُستدل بالحديث على جواز وصف الفعل دون أصله، فما لا يجوز أصله كيف يجوز وصفه؟ فكيف يستدل بالحديث على جواز السعي على غير طهارة ولا يستدل على جواز أصل السعي؟ والله أعلم. ولذلك حاول البعض أن يكون قوله مطَّرداً في ذلك؛ فمنع الاستدلال بحديث عائشة رضي الله عنها على عدم اشتراط الطهارة للسعي؛ لأنه يلزم منه تقديم السعي على الطواف. وأما توجيه الحافظ العراقي وابن رجب وأبي الوليد الباحي وغيرهم بأن السعي لم يدخل في عموم الحديث؛ لأنه تابع للطواف ولا يفعل إلا بعده، فأجبنا عنه بأن ما ذكروا مصادرة على المطلوب؛ لأن كون السعي لا يكون إلا بعد الطواف، وهو محل النزاع، والله أعلم. وأما أصحاب القول الثاني: فقد استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم على الجواز؛ مع ذكري لأحاديث أخرى في هذا الباب في معنى حديث عائشة رضي الله عنها، واجتهدت في ذكر وجوه الدلالة من هذه الأحاديث، وذكرت خمسة أوجه، ولم أجد ما يمكن أن يعترض به عليها؛ سوى ما تقدم من عدم التسليم بدخول السعي في عموم حديث: (افعلي ما يفعل الحاج)؛ لأنه تابع للطواف فلا يفعل إلا بعده. وتقدم الجواب عنه –أيضاً- وأنه استدلال في محل النزاع كما نبهت على رواية: (ولا بين الصفا والمروة)، وذكرت كلام أهل العلم في شذوذها وعدم الأخذ بها. وأنبِّه أيضاً إلى أنني لم أجد من استدل بحديث عائشة - المتقدم على الجواز - سوى الإمام ابن حزم، وهو ظاهر قول عكرمة كما تقدم، وظاهر النص موافق لما ذكروه، والله أعلم.

رفع العتاب والملام عمن قال: "العمل بالحديث الضعيف اختيارا حرام"

رفع العتاب والملام عمن قال: "العمل بالحديث الضعيف اختيارا حرام" ¤محمد بن قاسم الفاسي£محمد المعتصم بالله البغدادي¥دار الكتاب العربي - بيروت¨الأولى¢1406هـ€فقه¶العمل بالحديث الضعيف الخاتمة ختم الله لنا بالحسنى ومتعنا بالنظر لوجهه الكريم الذي لا يفنى اعلم أني لما وقفت على كلام سيدي عبدالرحمن الفاسي في تحفة الأكابر المتقدم بعضه في الفصل الثالث وكان متضمناً لما حاصله أنه يجب العمل بأحد القولين الذي هو أقوى من مقابله كما أنه يخير في العمل بأحد القولين المتساويين أردت أن أبسط ذلك بذكر الصور اللائقة بالمقام على جهة التفصيل والتمام وحاصل هذه الصور أنها عشرة: ستة فيها أحد القولين أقوى من مقابله فيجب العمل به ويحرم العمل بمقابله وأربعة القولان فيها متساويان في ترجيح كل منهما أو في عدم ترجيح كل واحد منهما. فالستة الأولى هي أن يكون أحد القولين مشهوراً ومقابله شاذ أو أحد القولين راجحاً ومقابله ضعيفاً أو أحد القولين راجحاً ومقابله مشهوراً أو أحد القولين مشهوراً أو راجحاً ومقابله شاذا أو ضعيفاً أو أحد القولين مشهوراً وراجحاً والآخر راجحاً فقط أو أحد القولين مشهوراً وراجحاً والآخر مشهوراً فقط فهذه ست صور يجب فيها العمل بالأقوى ويحرم العمل بمقابله إلا في الضرورة والقوة حصلت في الصورة الأولى بالمشهورية وفي الثانية بالراجحية وفي الثالثة بالراجحية أيضاً فإنها أقوى من المشهور كما تقدم ذلك عن الهلالي في الفصل الثاني وفي الرابعة باجتماع المشهورية والراجحية وفي الخامسة باجتماع ذلك أيضاً فإن اجتماع ذلك أقوى من انفراد الراجحية وفي السادسة باجتماع ذلك أيضاً فإن اجتماع ذلك أقوى من انفراد المشهورية وإلى القول الأقوى المذكور في هذه الست صور أشار خليل بقوله مبيناً لما به الفتوى أي مقتصراً على القول القوي الذي يجب الحكم والفتوى والعمل به في هذا المختصر غالباً وهو ما كان راجحاً ومشهوراً أو راجحاً فقط أو مشهوراً فقط. والصور الأربع الباقية التي فيها القولان متساويان تنقسم على قسمين الأول أن يكون القولان متساويين في التقوية وفيه ثلاث صور. أحدها أن يكون القولان مشهورين معاً. ثانيها أن يكون القولان راجحين معاً. ثالثها أن يكون كل من القولين راجحاً ومشهوراً بأن يكون كل منهما قالت به جماعة وكل منهما له دليل قوي وإلى هذه الصور الثلاث أشار خليل بقوله وحيث قلت خلاف فذلك للاختلاف في التشهير لأن مراده باختلاف التشهير الاختلاف في التقوية عبر المختلفون في ذلك بلفظ التشهير أو الترجيح كما يفيده الحطاب في الكلام على النص المذكور ونصه وسواء كان اختلافهم بلفظ التشهير أو بما يدل عليه كقولهم المذهب كذا أو الظاهر أو الراجح أو المفتي به كذا أو العمل على كذا أو نحو ذلك اهـ نقله بناني عند قول خليل في الظهار وهل هو العزم على الوطء الخ وسلمه وكذا نقله الرهوني ثمة وسلمه. والثاني من المتساويين أن يكون لا ترجيح في واحد من القولين وفيه صورة فقط وإلى هذه الصورة أشار خليل بقوله وحيث ذكرت قولين أو أقوالاً الخ وحكم هذه الصور الأربعة أن المكلف مخير فيما يعمل به من القولين كما نص عليه سيدي عبدالرحمن الفاسي وما ذكرناه عن سيدي عبدالرحمن الفاسي من أنه يعمل بالقولين في الست صور ويخير في الأربعة يؤخذ من كلام سيدي محمد الرهوني في غير ما موضع من حاشيته.

مثال الصورة الأولى وهي ما إذا كان أحد القولين مشهوراً والآخر شإذا كراء الأرض بما يخرج منها فإن المذهب أي المشهور كما قال الشيخ التاودي على التحفة المنع تبعاً لناظمها قال ابن رشد في المقدمات، مذهب مالك وأكثر أصحابه أنه يجوز كراؤها بالدنانير والدراهم والعروض والثياب والحيوان ما عدا كراءها بالطعام وإن لم تنبته كالسمن والزيت وبما تنبته ولو غير طعام كالقطن والكتان اهـ " وقال سحنون من اكترى أرضاً بما يخرج منها فذلك جرحة في حقه وتأوّله أبو محمد بما إذا كان عالماً بالمنع وهو مذهبه أو قلد مذهب المانع وإلا فلا على قول مالك وأكثر أصحابه عول خليل إذ قال عاطفاً على المنع ما نصه وكراء الأرض بطعام أو بما تنبته إلا كخشب الخ وقد سلم كلامه كل من شرحه أو حشي عليه والمقابل وهو الليث يقول بالجواز فلا يحل لعالم أن يفتي به لأحد وإنما يجوز له أن يعمل به في نفسه عند الضرورة فإن وقع ذلك الكراء المحرم على المشهور فإن اطلع عليه قبل حرثها فالفسخ ليس إلا وإلا فالزرع أو المقتاة كله للمكتري وعليه لربها كراء المثل عيناً هذا إن اكتراها لِسَنة واحدة فإن اكتراها بجزء مما تخرجه سنين واطلع على ذلك في أثنائها فالأعوام الباقية تفسخ فيها الكراء وما مضى يكون فيه كراء المثل. وكذا من ذبح ذبيحة وجعل الكرجمة كلها لجهة البدن فالمذهب أي المشهور أنها لا تؤكل وهو قول مالك وابن القاسم وأشهب وأصبغ وابن مزين قال التلمساني وهو المشهور وقال في الشامل ولو حاز الجوزة للبدن من غير قطع فمشهورها المنع وقال ابن الحرب لا تؤكل مطلقاً أي لا يأكلها غني ولا فقير وممن صرح بحرمتها السيوري، وكلامه محمول على عدم الصعوبة في الدين وكذا ذكر ابن رشد أن المشهور منع أكلها فعلى هذا القول وهو حرمتها على الفقير والغني لا بيع فيها ولا صدقة وإنما ترمى للكلاب قال ابن ناجي ويضمن الجزار قبعتها إن فرط كثقب اللؤلؤة ومن استؤجر على نقل زجاج فكسره أو أذن له في تقليب فخّار فكسره والبيطار في حال علاجه للدابّة والطبيب في حال طبه والمؤدب إذا ضرب ضرباً لا يجوز له أمّا ما يجوز له ونشأ منه فساد فلا شيء عليه والقاضي إذا حد حداً ونشأ منه فساد فلا ضمان عليه والمقابل القائل بجواز الأكل وهو ابن وهب، ومن تبعه وإن كان قوياً في نفسه فهو شاذ بالنسبة للقول بالحرمة.

وكذا من خشي باشتغاله بالوضوء أو بالغسل من الحدث الأكبر خروج الوقت فالمشهور أنه يتيمم مطلقاً كان يداوم على الصلاة في الوقت أم لا وهو قول مالك الذي رواه الأبهري عنه وهو مذهب ابن القصار وعبدالوهاب وغيرهما من العراقيين وهو الذي اختاره التونسي وابن يونس وصاحب التوضيح وأقامه اللخمي وعياض من المدونة وصرح ابن الحاجب بتشهيره والمراد بالوقت الذي هو فيه اختيارياً أو ضرورياً كما يؤخذ من سيدي محمد الرهوني والشاذ يقول أنه يتوضأ أو يغتسل ولو أدى ذلك للصلاة خارج الوقت ولم يطلع خليل على أن هذا الثاني شاذ بالنسبة إلى الأول فأشار إلى تشهيرهما معاً بقوله وهل إن خاف فواته باستعماله خلاف وكذا إزالة النجاسة عن ثوب المصلي وبدنه ومكانه فالمشهور فيها الوجوب والشاذ يقول بالاستحباب وقد صرح بشذوذ القول بالاستحباب شيخ الشيوخ سيدي عبدالقادر الفاسي في نوازله الكبرى قال ولا يعمل بهذا القول الشاذ إلا عند الضرورة وقد اعترض العارف بالله مولاي أحمد التجاني القول بالسنية ولم يَرْتض ِ إلا القول بالوجوب مستدلاً بقوله تعالى وثيابك فطهر قال لأن الأمر للوجوب حقيقة وإذا أبطل رضي الله عنه القول بالسنية فكيف يرتضي القول بالاستحباب ثم أن ما للحطاب وصدر به الزرقاني واختاره المسناوي فإنه قال والنفس لما يقوله الحطاب أميل نقل ذلك تلميذه جسوس في شرح الفقهية وكذا اختاره الشيخ بناني وسلمه الرهوني بسكوته عنه وكذا سلمه شيخنا في اختصاره من أن الخلاف بين السنية والوجوب لفظي هو الصواب خلافاً لمن جعله من الشراح حقيقياً كالشيخ الإمام أبي سالم العياشي، في ترجمة حكيم الإسلام الروداني فقد رد عليه العلامة الشريف الحسني سيدي أبو عبدالله محمد بن عبدالسلام القادري رحمه الله ورضي عنه في كتابه " نشر المثاني " في ترجمة حكيم الإسلام المذكور بأن كون الخلاف حقيقياً يفيد أنه على السنية تكون الإعادة وقتية مع أن الصواب أن الإعادة على السنية أبدية. فإن قلت: كيف تجعل الخلاف لفظياً وتجعل الإعادة على السنية أبدية وهم نسبوا لمالك وجميع أصحابه إلا ابن وهب وأبا الفرج أن الإعادة على القول بالسنية وقتية فقط قلت: مرادهم بجميع أصحابه من أدركه فقط لا كل من تمذهب بمذهبه ومعلوم أن أصحابه الذين لم يدركوه هم أكثر ممن أدركه وكلهم اختاروا أن الخلاف لفظي وانظر الحطاب وبهذا التحقيق تعلم ما وقع للشيخ سيدي علي الأجهوري في النظم الذي نسب إليه ونصه. فرضٌ إزالة ُ النجاسةِ وقيل ندب وقيل سنة خذ يا نبيل وكلها مشهر في المذهب من اقتدى بواحد لم يذنب وحاصل ما وقع له أمران. الأول أنه جعل القول بالسنية مقابلاً للقول بالوجوب وبنى عليه كما في نوازله أن من صلى بالنجاسة ذاكراً قادراً يعيد في الوقت فقط ولا يعيد أبداً إلا على القول بالوجوب وهذه وإن كانت طريقة منسوبة لمالك فهي ضعيفة بالنسبة للطريقة الأخرى القائلة بوجوب الإعادة أبداً ولو على السنية وقد رواها ابن وهب عن مالك فالصواب أنهما قول واحد وأن الخلاف لفظي.

والثاني أنه شهر القول بالاستحباب معتمدا ًعلى تشهير الفاكهاني والصواب أن القول بالاستحباب شاذ لأن تشهير القول بالاستحباب الذي عزاه سيدي علي الأجهوري للفاكهاني رده الشيخ مصطفي بأنه وقف على كلام الفاكهاني فوجده يدل على خلاف ذلك وكلام الأجهوري الروداني بأنه بحث عنه في كلام الفاكهاني فلم يجده وكلام الروداني صواب وأما رد أبي سالم العياشي على الروداني فباطل كما ذكره صاحب نشر المثاني فانظره وقول الشيخ علي الأجهوري في نظمه من اقتدى بواحد الخ يحمل الاقتداء في كل من الأقوال الثلاثة على ما يليق به ففي الاختيار يقتدي بالقول بالوجوب المرادف للسنية على الصواب وفي الضرورة يقتدي بالقول بالاستحباب أو بالسنية على كلامه من الغرق بينها وبين الوجوب والله تعالى أعلم وبهذا التأويل يسقط البحث معه بأن كلامه يوهم جواز الاقتداء بالقول بالاستحباب في الاختيار ولا قائل به وكذا يوهم جواز الاقتداء في الاختيار بالسنية على كلامه من مباينة القول بالسنية للوجوب وهو ليس بصواب لأن القول بالإعادة في الوقت المبني على السنية على تسليم مباينتها للوجوب لا يقوى قوّة القول بالإعادة على جهة الوجوب المبني على الوجوب وإذا كان لا يعمل في الاختيار بالاستحباب ولا بالسنية على القول بمباينتها للوجوب فلا يفتى بواحد منهما خلافاً لعلي الأجهوري في نوازله فإنه أفتى بالإعادة في الوقت على السنية وهذا على أن ما في نوازله أفتى هو به وقيل إن ما فيها إنما هو لبعض تلامذته وعليه فالاعتراض على ذلك البعض والله أعلم. ثم اعلم أن المشهور القائل بالوجوب مع الشرطية مطلقاً من غير تقييد بالذكر والقدرة. وقيل واجب غير شرط مطلقاً والأول من هذه الأقوال الثلاثة هو الصواب وعليه مشى الشيخ خليل فإنه ذكر الوجوب مع الذكر والقُدْرة في فصل إزالة النجاسة ثم بين أن هذا الوجوب على جهة الشرطية في قوله شرط لصلاة طهارة حدث وخبث وهذه الأقوال الثلاثة ذكرها ابن رشد في الأجوبة ونقلها الشيخ الرهوني عند قول الشيخ خليل في ستر العورة إن ذكر وكذا بيع الطعام لأهل الحرب المشهور منع ذلك ولو في زمن الهدنة والشاذ يقول بجواز ذلك في زمن الهدنة وهو لابن حبيب. وكذا استنشاق النفحة فإنه حرام على المشهور فقد صرح بحرمة ذلك الولي الصالح سيدي عبدالقادر الفاسي وتبعه ولده سيدي عبدالرحمن ونظم ذلك في العمليات بقوله. وحرَّمُوا طَابا للاستعمال وللتجارة على المنوال

وقد صرح بحرمة ذلك العلامة الزبادي ذكر ذلك في رحلته وكذا صرح بذلك الرهوني في حاشيته عند قول خليل وفي كره القرد الخ وكذا صرح بذلك سيدي الطالب بن الحاج في حاشيته على ميارة وكذا صرح بذلك سيدي بدر الدين الحموي في بعض أجوبته ناقلاً عن العلقمي أنه استدل على حرمة ذلك الاستنشاق بالحديث الذي رواه مسلم والسيوطي في الجامع الكبير عن أم هانئ أنها قالت نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر وهذا الحديث نبه السيوطي على صحته وروي عن أم سلمة أيضاً وكذا نص على حرمة ذلك الاستنشاق شيخنا العلامة المرنيسي في بعض أجوبته وكذا صرح بحرمة ذلك العلامة الزرهوني مستدلاً على ذلك بالحديث المتقدم قال ووجه الدليل منه أن القاعدة عند المحدثين أن النهي إذا ورد عن شيئين وقد علم حكم النهي عن أحدهما أعطي الآخر حكمه بدليل اقترانهما في الذكر اهـ أي فالمسكر حرام فكذا ما قارنه وهو المفتر ومنه النفحة المستنشقة ثم اعلم أنها حرام على المشهور سواء قلنا مفترة أم لا أما إذا قلنا أنها مفترة فعلة التحريم المأخوذ من الحديث المتقدم زوال العقل مع أن حفظه من الكليات الخمس المجمع عليها عند أهل الملل وهي العقل والدين والمال والعرض والدم قال صلى الله عليه وسلم " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " وقال صلى الله عليه وسلم " إن الله نهاكم عن قيل وقال وإضاعة المال أو كما قال وقالت أم هانئ نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر والله أعلم وأما إذا قلنا أنها غير مفترة فالعلة في ذلك أنها تخل بالمروءة كما صرح بذلك سيدي عبدالقادر الفاسي والله أعلم. والشاذ القائل بجواز ذلك مأخوذ من قول سيدي الطالب بن الحاج في حاشيته على ميارة في الكلام على الاستفاف وأفتى جمع من أئمة كل مذهب بالإباحة اهـ لأنهم إذا أباحوا الاستفاف فأحرى الاستنشاق وذكر أنه كما يحرم ما ذكر يحرم مسميتها بطابة لأن السفهاء الذين يستعملونها يسمونها بذلك.

ومثال ما إذا كان أحد القولين راجحاً والآخر ضعيفاً التفرقة بين الصبيان في المضاجع المذكورة في حديث أبي داود مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع فالتفرقة المذكورة مندوبة عند العشر سنين على الراجح وهي رواية عبدالوهاب عن مالك والضعيف هو قول ابن القاسم يقول أن التفرقة تستحب عند سبع سنين قال ابن رشد الصواب رواية ابن وهب لا قول ابن القاسم وكذا الوليمة مندوبة على الراجح واجبة على الضعيف وكذا إخراج الريح في المسجد حرام على الراجح جائز على الضعيف وهو قول ابن العربي وكذا غسل الرجلين في الوضوء من الجنابة في قولان الراجح تأخير غسلهما وهو الذي روته سيدتنا ميمونة رضي الله عنها فإنها ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر غسل رجليه والقول الضعيف يقول بتقديم غسلهما ولا دليل له فيما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الغسل توضأ وضوءه للصلاة لأن كلامها مطلق وكلام ميمونة مقيد والمطلق يحمل على المقيد فيحمل كلام عائشة على ما عدا الرجلين هذا حاصل ما للشيخ بناني وغيره ومثال الصورة الثالثة وهي ما إذا كان أحد القولين مشهوراً والآخر راجحاً تحلية الصبي بالذهب أو بالفضة أو لباس الحرير الخالص فإن الراجح الذي أخذه الفقهاء المجتهدون من قول النبي صلى الله عليه وسلم " من تحلى ذهباً أو حلى ولده مثل خربصيصة لم يدخل الجنة " هو التحريم في حق الصبي والمخاطب به وليه وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: لم يدخل الجنة المراد به أنه لا يدخل الجنة مع السابقين الأولين إلا أن يتوب أو يقابله الله بالفضل أو يشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم فسيدخل مع الأولين وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده والخربصيصة بفتح الخاء وسكون الراء وبفتح الباء الموحدة شيء من الحلي كما فسره الجوهري في الصِّحاح بذلك وفسره في القاموس بالخرزة محركة وفسر الخرزة بالجوهر والمشهور جواز تحلية الصبي بالفضة وكراهة تحليته بالذهب وكراهة إلباس الولي الحرير له فيجب تقديم الراجح على المشهور ولذلك قال خليل وحرم استعمال ذكر فعبر بذكر ليشمل الصبي ولم يعبر برجل القاصر على البالغ.

وكذا قراءة ركعتي الفجر فيها قولان الراجح منهما ندب قراءة قل ياأيها الكافرون في الركعة الأولى وقل هو الله أحد في الركعة الثانية فقد روي الإِمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر قل يا أيها الكافرون في الأولى وقل هو الله أحد في الثانية ومثل هذه الرواية رواية أبي داود عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم والمشهور في قراءة ركعتي الفجر ندب الاقتصار على الفاتحة عملاً بقول عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف قراءة ركعتي الفجر وعلى هذا المشهور مشى خليل إذ قال وندب الاقتصار على الفاتحة واعترضه الشيخ الرهوني بأن الراجح المقدم على المشهور هو قراءة قل ياأيها الكافرون وقل هو الله أحد ولا دليل للمشهور في قول عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف القراءة فيهما لأن التخفيف لا يستلزم ترك السورتين المذكورتين والله أعلم وقيدنا في الكلام على المحلى بالصبي لأن الخلاف في الجواز وعدمه قاصر عليه وأما الرجل فيحرم عليه الذهب والفضة من غير خلاف فالمجانة إذا كانت من الفضة الخالِصَة أو الذهب الخالص فهي حرام على الرجل محمولة كانت أو معلقة لقول خليل وحرم استعمال ذكر محلى كما أدخلها في كلامه العلامة الشيخ بناني فقد ذكر أنه أراد الخروج لزيارة الغوث الكامل مولانا عبدالسلام بن مشيش نفعنا الله به في الدارين واحتاج إلى مجانة ليعرف بها أوقات الصلاة فلم يجد إلا مستعملة من ذهب أو فضة فطلب النصوص التي تبيحها له فلم يجدها ونقل عنه أنه استدل على حرمتها بقول خليل وحرم الخ فسافر بلا مجانة ومن المتأخرين من أجازها معللاً ذلك بأنها تعين على الصلاة في وقتها وفي هذا التعليل بحث لعدم توقف معرفة الوقت على المجانة ولكثرة غير الخالصة في هذا الزمان ومنهم من فصل فأباح المجمولة دون المعلقة والاحتياط هو القول الأول إلا لضرورة فحينئذ يقلد الثالث والله أعلم وقولنا فهي حرام على الرجل مفهومه أنها جائزة للمرأة وهو كذلك لأن المحلى لا يحرم لباسه على المرأة وكذلك يجوز للمرأة المخايد التي فيها الصقلي الخالص لأن ذلك من قبيل المفروش الذي هو من اللباس وكذلك يجوز لها النطعة العمياء لأنها مفروشة فهي ملحقة باللباس أيضاً والله أعلم فكل لباس لها أو ما جرى مجرى لباسها كما إذا كان مفروشاً لها فهو جائز. قال الحطاب عند قول خليل وجاز للمرأة الخ ما نصه قال في الزاهي وما اتخذه النساء لشعورهن وأزرار جيوبهن وأقفال ثيابهن وما يجري مجرى لباسهن فجائز اهـ والمراد بقوله وما اتخذه النساء لشعورهن ما يلففن فيه شعورهن لا المشط من الذهب أو الفضة فإنه حرام كالمكحلة والمرآة والمدهن ومثل ما للحطاب للمواق وسيأتي نصه قريباً والله أعلم.

وأما الستور المفضضة أي المطرزة بالفضة الخالصة أو المذهبة كالحيطي المعروف عندنا بالزحاف وكالخامية المعروفة عندنا أيضاً بالحمقاء فإنهما محرمان على الرجل وكذا هما محرمان على الأنثى لأنهما ملبوسان للحائط لا للمرأة والشارع إنما أباح للمرأة الذهب والفضة إذا كان ملبوسين لها وقد نص على حرمة الستور المذكورة على الرجل والمرأة الحطاب والمواق عند قول خليل وجاز للمرأة إلى قوله لا كسرير ونص الحطاب قال في الجواهر وكذا المكاحل والمرايا المحلات وأقفال الصناديق والأسرة والمذاب والمقرمات وشبه ذلك لا يجوز اتخاذ شيء من ذلك من ذهب أو فضة ولا تحلية شيء منها لا للرجال ولا للنساء ثم قال والمرايا جمع مرآة بكسر الميم والمذاب جمع مذبة ما يطرد به الذباب والأسرة جمع سرير والمقرمات جمع مقرمة بكسر الميم والراء ستر فيه نقش وتصاوير قاله في الصحاح اهـ المقصود منه والشاهد في قوله والمقرمات فإنه لما ذكرها في سياق قول خليل لا كسرير وبعد قوله لا يجوز اتخاذ شيء من ذلك من ذهب أو فضة علمنا أن نقشها هو بالذهب أو بالفضة ولذلك حرمت عليهما والله أعلم ونص المواق وفي ابن يونس ما يتخذه النساء لشعورهن وأزرار جيوبهن وأقفال ثيابهن وما يجري مجرى لباسهن فلا زكاة فيه وليس كما يتخذنه للمرايا وأقفال الصناديق وتحلية المديات والأسرة والمقرمات وشبه ذلك اهـ. فإذا كانت المقرمات وهي الستور التي فيها نقش من الذهب أو الفضة تحرم على النساء كما هو صريح المواق عن ابن يونس فأحرى الرجال والله أعلم فأخذ حرمة الحيطي الزحاف والخامية الحمقاء من كلام الحطاب والمواق مسلم عند كل من له دراية بكلام الفقهاء والله أعلم وأما ما وقع في كلام العلامة الدسوقي من جواز الستور المذهبة والمفضضة فلا يعول عليه لأنه مخالف لكلام ابن يونس والجواهر والحطاب والمواق وغيرهم وكذا يحرم على الذكر والأنثى نقش الجدران والخشب بالذهب والفضة كما نص على ذلك العلامة الزرقاني ونصه لا كسرير ذهب أو فضة أو محلى بأحدهما ومرآة ومشط ومدية وقفل صندوق ومكحلة كمْروَد إلا لِتَداو ٍ وإن تعين طريقاً جاز لهما وإلا منع عليهما ودخل تحت الكاف مروحة محلاة بأحد النقدين وما اتخذ في جدران وسقوف وخشوب وأغشية لغير القرآن فلا يجوز شيء من ذلك لرجل ولا امرأة انظر الحطاب اهـ والشاهد في قوله وما اتخذ في جدران وسقوف وخشوب الخ وكلامه هذا سلمه الشيخ بناني والشيخ التاودي والشيخ الرهوني وكلام الحطاب الذي أشار إليه هو ما نصه وكذلك أي يحرم على الرجال والنساء ما يتخذ في الجدران والسقف والأخشاب كما في الطراز وغيره قال في الزاهي وكذلك ما جعل للزجاج وأزرار وأقفالاً لثياب الرجال وقصب للأطفال والكبار وأغشية لغير القرآن وما يجري مجرى الأحراز ثم قال والقصب بفتح القاف والصاد المهملة المجوف والله أعلم وبما ذكر تعلم أن قول العلامة الدسوقي عند قول خليل وجاز للمرأة الملبوس مطلقاً ما نصه واعلم أن تزويق الحيطان والسقف والخشب والساتر بالذهب والفضة جائز في البيوت وفي المساجد مكروه إذا كان يشغل المصلي وإلا فلا اهـ ليس بصواب.

واعلم أن من ملك شيئاً من الحلي وهو حرام عليه كالحيطي المذهب والخامية المذهبة فإنه تجب عليه الزكاة فيه كل سنة كما نص عليه الشيخ خليل في باب الزكاة بقوله إلا محرماً لأنه استثناه مما لا زكاة فيه وما ذكرناه من حرمة نقش الجدْران بالذهب والفضة هو في غير الكعبة المشرفة أما الكعبة وما ألحق بها من المسجد النبوي ومن أضرحة الأولياء فلا يحرم نقش ما ذكر فيها فقد ورد أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دخل الكعبة قال هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء أي عزمت أن لا أترك في الكعبة المشرفة أما الكعبة وما ألحق بها من المسجد النبوي ومن أضرحة الأولياء فلا يحرم نقش ما ذكر فيها فقد ورد أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دخل الكعبة قال هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء أي عزمت أن لا أترك في الكعبة ذهباً ولا فضة بل أتصدق على الفقراء بالجميع فقال له حاجب الكعبة لا تقدر أن تفعل ذلك قال ولم قال لأن صاحبيك يعني النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبا بكر رضي الله عنه لم يفعلا ذلك فقال عمر رضي الله عنه المرآن الكاملان اللذان يجب عليّ اتباعهما أو كلاماً هذا معناه وكذلك يجوز بيع الشيء القليل الذي ترجى بركته بما هو أكثر من ثمنه بأضعاف مضاعفة كبيع الشمعة التي تساوي مثقالاً بمائة وكبيع جزء قليل من الكسوة الذي لا يساوي مثقالاً واحداً بمائة ودليل إباحة ما ذكر كلامه جسوس على الشمائل فإنه قال في باب ما جاء في صفة مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نصه قال ابن حجر واشترى أي قدح مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان عند أنس بن مالك خديم مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ميراث النضر بن أنس بثمان مائة ألف أي من الدراهم الشرعية كما صرح بذلك الشيخ إبراهيم البيجوري في حاشيته على الشمائل فإذا كان السلف الصالح يشترون الشيء القليل بالثمن الكثير لرجاء بركته فكذلك يجوز لنا ذلك لرجاء بركة الصالحين وأهل العلم وأهل البيت. وقد كان الولي الصالح سيدي عبدالقادر الفاسي يستسقي بأهل البيت كما كان السلف يستسقون بجدهم صلى الله عليه وسلم فمن كانت عنده محبة في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان شراؤه لحاجة مملوكه لواحد من أهل البيت كشراء السلف الصالح حاجة من حوائج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال أبوبكر الصديق رضي الله عنه ارقبوا محمداً في أهل بيته أي من أراد أن ينظر إلى وجه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى واحد من أهل بيته كما فسره بذلك ابن وفا رحمه الله والله أعلم.

ومثال الرابع وهو ما إذا كان أحد القولين مشهوراً وراجحاً والآخر شإذا وضعيفاً الجلوس على الحرير الخالص للرجال فإنه حرام على المشهور لكثرة قائلة وحرام على الراجح أيضاً لقوة دليل التحريم وهو نهيه صلى الله عليه وسلم الرجال عن لباس الحرير فإن الجلوس عليه من جملة اللباس بدليل قول أنس بن مالك أن هذا الحصير قد اسود من طول ما لبس ومعلوم أن لباس الحصير هو الجلوس عليه وأما قول ابن الماجشون أن الجلوس ليس من اللباس في شيء فمَرْدود بكلام أنس المتقدم وأما تأويله كلام أنس بأنه كان يجعل حصيره غطاء فبعيد جداً وهذا على تسليم أن النهي إنما ورد عن اللباس فقط وليس كذلك بل ورد عن الجلوس أيضاً فيكون مقابله وهو الجواز شإذا وضعيفاً وهو لابن الماجشون وبعض الشافعية والكوفيين والمراد بالكوفيين الحنفية كما صرح به الأمير وكما يؤخذ ذلك من كلام القسطلاني في كتاب الشفعة وبيان وجه الأخذ منه أنه نسب القول بثبوت الشفعة للجار للحنفية فقط ثم بعد ذلك عبر عنهم بالكوفيين ونسبه لهم فقط والله أعلم ثم أن الجلوس عليه حرام على الرجل ولو بالتبعية للمرأة والقول بجوازه تبعاً لها ضعيف لا يعمل به إلا في الضرورة هذا حكم الجلوس عليه وأما لباسه فحرام على الرجال إجماعا وقد صرح العلامة الخرشي بالإجماع عند قول الشيخ خليل وعصى وصحت وكذا صرح به غير واحد ومستند الإجماع الحديث المتقدم قريباً وما أخرجه ابن حبان في صحيحه أن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار وأشهدكم أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من لبس الحرير في الدنيا حرمه في الآخرة وأما ما ذكره القلشاني في شرح الرسالة من الخلاف فقال بعض العلماء من الفاسيين أن ذلك الخلاف كان قبل انعقاد الإجماع وحينئذ فلا ينبغي أن لا يذكر هذا الخلاف لئلا يغتر به إلا بقصد التنبيه على أنه كان قبل انعقاد الإجماع هذا حكم لباسه وأما تعليقه فإن كان مع استناد الرجال عليه فهو حرام كالجلوس عليه وإن كان من دون استناد إليه فهو جائز قال العارف الفاسي رضي الله عنه في حاشيته على المختصر عند قول خليل في الوليمة كفرش حرير وقد ذكر ابن عرفة أن ما كان من ذلك أي من الحرير الخالص لمجرد الزينة بحيث لا يستند إليه ولا يجلس عليه إلا ظهر خفته قال ولا يصح كونه مانعاً من وجوب الإجابة للولائم وكذا قال ذلك التتائي اهـ منها وفي كتاب الجامع لجمل من الفوائد والمنافع للشيخ زروق رضي الله عنه ما نصه فأما فرش الحرير فلا يجوز الجلوس عليها ولا يمتنع من الإجابة لأجلها اهـ المقصود منه فقوله ولا يمتنع من الإجابة لأجلها أي إذا كان فرش الحرير لا يجلس عليها أحد بحضرته كما لا يجلس هو عليها وإلا فتحرم الإجابة كما يدل على ذلك قوله فلا يجوز الجلوس عليها ومثل جلوس الرجال على الحرير استنادهم إليه وقد نص الخرشي والزرقاني في باب الوليمة على أن تعليق الحرير من غير استناد رجل إليه لا يمنع من الإجابة للولائم وسلم كلامهما كل من حشى عليهما وهذا كله في الخالص بلا حائل فلو كان مع الحائل فقيل يحرم أيضاً وهو للمازري وعياض كما عند الزرقاني عند قول خ وعصى وصحت الخ وقيل يجوز وهو الذي صرح به العارف بالله الفاسي والبرزلي والبطريني والمرجاني ونقله الشيخ بناني في باب الوليمة ويلمه. فإن قلت: إن الشيخ بناني وغيره ذكرو أن جواز الجلوس على الحائل مقيس على الصلاة على الثوب الذي تحته نجاسة ومعلوم أن المنصوص وهو ما للمازري وعياض مقدم على المخرج.

قلت: كما تقوّى الأول بكونه منصوصاً تقوى الثاني بتلقي العلماء المذكورين آنفاً له بالقبول وبكونه مأخوذاً من المدونة كما ذكر ذلك العلامة الرهوني عند قول خ ولمريض بستر نجس إلى قوله وكذا الصحيح على الأرجح وباقتصار الشيخ بناني عليه في شرحه على المختصر فالقولان مرجحان معاً والله أعلم. هذا كله حكم الحرير الخالص ويلحق به كما ذكره الشيخ علي الأجهوري ما إذا كان الغالب فيه حريراً بأن كان سداه حريراً ولحمتُه من حرير وغيره أو العكس نقله الصعيدي على الرسالة وأما الخز ففيه طريقان مرجحان معاً الأولى أنه ما سداه حرير ولجمته صوف أو قطن أو كتان فهذا فيه أقوال ثلاثة فقيل جائز وعليه يحمل لباس الإمام مالك له وكذلك شيخه ربيعة وقيل حرام وقيل مكروه وهو أشهر الأقوال وأما إذا كان سداه من صوف ولحمته من حرير فهو حرام على هذه الطريقة وقد صرح بحرمته الخرشي في الكبير كما نقله عنه الصعيدي ويؤخذ هذا التحريم من تعريف الخز المذكور عند الزرقاني وقد سلم ذلك التعريف الشيخ بناني والتاودي والرهوني الثانية أن الخز هو ما سداه حرير ولحمته صوف أو بالعكس فكلا الصورتين من الخز مكروه على هذه الطريقة وعليها مشى الشيخ جسوس في شرح الشمائل والصعيدي على الرسالة والشيخ التاودي على البخاري ناقلاً ذلك عن ابن العربي والله أعلم وأما تغطية الُجدْران بالحرير الخالص فلا يحرم إلا استناد الرجال إليه نعم تغطية الجدران بالستر المذهَّبة أو المفضضة فذلك حرام ولو من غير استناد إليها والفرق بين ستر الحرير والستر المذهبة أن حرمة الحرير أخف من حرمة الذهب والفضة كما نص على ذلك غير واحد وممن نص على ذلك عز الدين ونصه بعد كلام لأن أمر الحرير وغيره إذا كان الحرير مغلوباً ولا يجوز مثل ذلك في الذهب والفضة نقله عنه البرزلي في مسائل الصلاة ونقل ذلك عن البزرلي شارح العمل وكذا نقل ذلك عن البرزلي الشيخ الطيب بن كيران في بعض تآليفه. ويدل أيضاً على أن الحرير أخف حرمة ستور الذهب والفضة على الرجل والأنثى كما مر بخلاف ستور الحرير فإنه يجوز للمرأة الاستناد إليها دون الرجل فمن نظر للستور المذهبة أو المفضضة على جهة الرضا باستعمالها فقد رضي بالمعصية والرضا بالمعصية معصية وأما قول الصعيدي وقد رأيت ما نصه ويجوز الجلوس تحت الستائر التي على الجدران وكذا تحت السقف المذهبة اهـ كلامه فهو إما ضعيف أو يحمل على الجلوس اضطراراً لا اختياراً والله أعلم. فإن قلت: إنا أدركنا جماعة من العلماء يحضرون الولائم وفيها سترٌ مذهبة ولا ينكرون شيئاً من ذلك. قلت: لا دليل في فعلهم على جواز ذلك لأنهم غير معصومين ولو سألتهم لصرحوا بالحرمة.

وكذا استعمال آلة اللهو فإنه حرام على المشهور لكثرة قائله وعلى الراجح لقوة دليله فقد سئل العلامة المحقق البركة أبو محمد سيدي عبدالسلام القادري الحسني عن مسئلة السماع والغناء لا يحل سماع شيء منه سواء كان بآلة أو غيرها على المذهب أي المشهور وكذا الملاهي الملهية وهي الآلة المطربة المعروفة حسبما نص عليه أصبغ وابن رشد والشيخ ابن أبي زيد وغيرهم ووجه المنع في ذلك أنه من اللهو وكل لهو باطل كما في الحديث إلا الثلاثة المستثنيات فيه والباطل خلاف الحق فهو ضلال كما في الآية والضلال محرم على المؤمنين وعلة تحريم المسؤول عنه كونه صارفاً عن الحق ملهياً عن الملك الحق مشغلاً عن التعلق بالرب مثيراً للهوى النفساني ومحركاً للباعث الشيطاني فإذا وجدو أنه يوجد من جمع قلبه على مولاه وملك زمام نفسه وهواه انتفت هذه العلة ولم يصادف النهي محله ولذلك لم يمنعوا في حق الصوفية وأمثالهم وإنما اختلف فيه قولهم بالنسبة إليهم بالكراهة والجواز وأكثرهم قولهم فيه بالجواز ثم جوازه لهم مشروط بأمور ذكرها الشيخ زروق في شرح الرسالة وهي السلامة من ممنوع شرعاً كحضور النساء والصبيان وكون المسموع مما يقع به تنبيه وإرشاد أو زيادة يقين وكونه لا ينكر فيه شيء معنى ولا لفظاً وكونه خالياً عن الآلات والكف. وليعلم أن موضوع المسئلة المتكلم عليها هو الغناء المشتمل على ما يسوغ التكلم به في الشرع لفظاً ومعنى كالغزل والنسيب والمدح لمن يحق أن يثنى عليه وشبه ذلك أمّا ما كان فاسد المعنى أو المبنى فمن الباطل الذي لا خلاف في تحريمه فلا يحل سماعه ولا التكلم به اتفاقاً فاعرف ذلك والله الموفق اهـ ولا يخفي أن مراده بالغناء الذي هو حرام على غير مذهب الصوفية ما فيه الخدود والقدود وتمطيط وتزويق في الكلام كما يؤخذ ذلك من قوله في الكلام على العلة مثيراً للهوى النفساني ومحركاً للباعث الشيطاني فيؤخذ منه أن السماع على غير هذا الوجه بأن كان فيه مدح الرسول عليه الصلاة والسلام من غير تمطيط وتزويق جائز ولو لغير الصوفية والله أعلم والشاهد في قوله وكذا الملاهي المهلية الخ فإنه يفيد حرمتها على المشهور وقوله إلا الثلاث المستثنيات الثلاثة المستثناة هي لعب الرجل مع زوجته والمسابقة والرمي بالنبل وقوله كما في الآية أشار به بقوله تعالى {فمإذا بعد الحق إلا الضلال} وقوله في الكلام على الصوفية نقلاً عن الشيخ زروق وكونه خالياً عن الآلات انظره مع ما صرح به غير واحد من جواز الآلة للصوفية قال الإمام السيوطي حين سئل عن الآلة (حرمها من عليهم المعّول في الأحكام) يعني وهم علماء الظاهر المقتدى بهم وسمعها من لا سبيل إلى الإنكار عليه يعني وهم الصوفية رضي الله عنهم اهـ وقال عبد الباقي الزرقاني عند قول خليل وبطلت بقهقهة ما نصه.

فائدة: القهقهة في غير الصلاة مكروهة عند الفقهاء وحرام عند الصوفية قاله الأقفَهْسِي كما في الشيخ أحمد ولعل المراد بالحرمة الكراهية الشديدة أو أنهم نظروا لمعنى يوجب التحريم عند الفقهاء لو اطلعوا عليه إذ الصوفية لا يخالفون الشرع ومن ذلك قول بعض الصوفية بجواز سماع آلة اللهو المحرمة عند الفقهاء لسماعهم منها ذكر الله دون اللهو فالجواز قاصر على من هو بتلك الصفة ومنه إتلاف الشبلي ما يلبسه بنحو حرقه مجيباً من قال له جاء النهي عن إضاعة المال بأن إضاعته لمداواة مرض بدني غير منهي عنه بل مطلوب فكيف بإضاعته لمداواة مرض ديني وأنا أفعله لذلك اهـ وسلمه محشوه والشاهد في قوله المحرمة عند الفقهاء أي جمهورهم فهذا يدل على جوازها للصوفية خلافاً للشيخ زروق وقد يجاب عنه بأنه لم يبحها جميعهم بل بعضهم فيكون هو ماشياً على قول من منعها منهم ويدل على أن منهم من منعها كلام الزرقاني المتقدم فإنه نسب الجواز لبعضهم لا لجميعهم. ويدل على ما ذكر أيضاً قول العارف الرباني سيدي عبدالوهاب الشعراني في كتابه لطائف المنن ما نصه ومما أنعم الله تبارك وتعالى به عليّ كراهة سماعي للغناء على الآلات المطربة من حين كنت صبياً عملاً بنهي الشارع صلى الله عليه وسلم عن ذلك فتحصل أنه كما اختلف فيها أهل الظاهر اختلف فيها أهل الباطن إلا أن الراجح مختلف فالراجح عند أهل الظاهر المنع والراجح عند الصوفية الجواز والله أعلم. ولنرجح لما نحن بصدده من النصوص الدالة على أن المشهور الحرمة فنقول وقال العلامة أبو عبدالله سيدي الطالب بن الحاج في حاشيته على المرشد المعين ما نصه الملاهي الملهية وهي العود وجميع ذوات الأوتار حرام في الأعراس وغيرها كما في باب الشهادة من التوضيح نقلاً عن المازري ونحوه لابن عرفة وصاحب المدخل وهو المشهور في مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد قال ولم أر من صرح بالخلاف في ذلك من المالكية إلا من عبر في كراء المعازف بالكراهية ومن عبر في العود والرباب بالكراهة كابن المواز وابن عبدالحكم قال وقد يريدون بالكراهة التحريم كما في التوضيح والعلة في ذلك شدة الإطراب المؤدي إلى الاستكثار المنبت للنفاق في القلب نقله في المدخل عن ابن عيينة اهـ منه وقوله ولم أر من صرح بالخلاف في ذلك من المالكية انظر مع ما نقله هو نفسه قريباً عن ابن العربي في العارضة من أن مذهبه الإباحة وهو من المالكية فلعله لم يطلع على كلامه أولاً فتحصل أن سماع الآلة جائز للصوفية حرام على غيرهم على المشهور كما صرح بذلك أصبغ وابن رشد والشيخ ابن أبي زيد والتوضيح والمازري وابن عرفة وهو المشهور أيضاً في مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد وأن علة التحريم كونه ملهياً عن الملك الحق لما فيه من شدة الإطراب وقد صرح بهذه العلة الإمام الساحلي والشيخ بناني والشيخ التاودي وابن حجر والحطاب وابن رشد وأنه لا فرق في التحريم بين الأعراس وغيرها خلافاً لتفصيل الزرقاني ونصه واعلم أن الغناء إما بآلة أو بغيرها وفي كل إما أن يحمل على تعلق بمحرم أو لا وفي كل إما أن يتكرر أو لا وفي كل إما فعلاً أو سماعاً وفي كل إما في عرس أو صنيع وإما في غير ذلك فمتى حمل على تعلق بمحرم حرم فعلاً وسماعاً تكرر أم لا بآلة أو لا في عرس أو صنيع أو نحوهما أو في غير ذلك ومتى لم يحمل على محرم جاز بعرس وصنيع فيمنع إن تكرر بآلة وغيرها فعلاً وسماعاً وإن لم يتكرر كره سماعاً وهل كذا فعلاً أو يمنع اختلاف اهـ كلامه بلفظه وقد رده العلامة الرهوني بأنه خلاف ما في المعيار عن المازري من أنه بالآلة حرام وبكلام ابن عرفة فإنه قال الظاهر عند العلماء حرمته اهـ.

ومن الأدلة على الحرمة قوله تعالى {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل .... أليم} فإن جمهور المفسرين على أن لهو الحديث الغناء والمزامير كما في القسطلاني. والحاصل أن الآلة فيها طرق ثلاثة. حرمتها على المشهور في المذاهب الأربعة وهي أقرب إلى الصواب. المحققين كالإمام الولي الصالح أبي عبدالله سيدي محمّد الأنصاري الساحلي في كتاب بغية السالك في أشرف المسالك والولي الصالح أبي محمد العبدري المعروف بابن الحاج في كتابه المدخل والشيخ يوسف بن عمر وابن حجر الهيتمي في الزواجر نقلاً عن القرطبي وصاحب المعيار والشيخ زروق في قواعده وصاحب روح البيان والشهاب الخفاجي على الشفاء وأبي بكر الطرطوشي وابن الصلاح. الطريقة الثالثة تحكي الاجماع على الاباحة حكاها ابن حجر في فتح الباري عن قوم وهي ضعيفة جداً وأغرب ابن حجر في ذلك فإنه يتوسع في حكاية الأقوال حتى يحكى أقوال الكفار وقد رد عليه جماعة من الفحول في هذا المعنى منهم الإمام العلامة المحقق أبو العباس سيدي أحمد بن مبارك اللمطي السجلماسي في كتابه ازالة اللبس فانظره هذا حكم السماع والآلات وأما حكم الرقص فحاصله أنه تعرض له أحكام أربعة الحرمة وهي لمن فعل ذلك رياء أو سمعة والكراهة وهي لمن فعل ذلك لأجل مساعفة الناس والوجوب وهو لمن فعل ذلك بقصد فك نفسه من الهلاك الذي يحصل له لو لم يرقص بأن كان من أهل الوجد والندب وهو لمن فعل ذلك بقصد التشبه بالصوفية أهل الحال والوجد والله أعلم. ومثال الخامس: وهو ما إذا كان أحد القولين راجحاً ومشهوراً والآخر راجحاً فقط الدلك في الغسل فإن القول بوجوبه لذاته مشهور وراجح أما كونه مشهوراً فلأنه صرح به جماعة من المالكية بل نسبوه لمالك وأتباعه وأما كونه راجحا ً فالأحاديث الدالة على وجوب الدلك والأصل أن وجوبه لذاته والقول بوجوبه لإيصال الماء للبشرة راجح فقط للدلالة المذكورة عند الشافعية. ومثال السادس: وهو ما إذا كان أحد القولين مشهوراً وراجحاً والآخر مشهوراً فقط وقت المغرب فالمشهور والراجح الامتداد ودليله ما في صحيح مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي في حديث السائل عن وقت الصلاة ظانه صلاها في اليوم الأول حين غابت الشمس وفي الثاني عند سقوط الشفق وفي رواية قبل أن يغيب الشفق وفي صحيح مسلم أيضاً إذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق والمشهور فقط هو الذي مشى عليه خ في قوله تقدر بفعلها بعد شروطها.

ومثال السابع: وهو ما إذا كان كل من القولين مشهوراً لستر العورة في الصلاة فإن القول باشتراطه للذاكر القادر شهره ابن عطاء الله قائلاً هو المعروف من المذهب والقول بعدم اشتراطه شهره ابن العربي وإليه أشار الشيخ خ بقوله هل ستر العورة إلى قوله خلاف وكذا نضح الجسد أو غسله لمن شك في إصابة النجاسة له فإن القول بالنضح شهره ابن شاس وابن الحاجب والمازري والثاني شهره ابن رشد وابن عرفة وإليه أشار خ بقوله وهل الجسد كالثوب أو يجب غسله خلاف وكذا من عجز عن الموالاة عجزاً حقيقياً فإنه اختلف فيه على قولين مشهورين هل يبني إن طال وهو الذي اختاره الحطاب وجزم به اللخمي وحكى ابن هارون الاتفاق عليه وصرح ابن بزيزة بأنه المشهور وكذا صرح ابن جزي في قوانينه بتشهيره والذي حرره الشيخ مصطفى أن العاجز عجزاً حقيقياً لا يبني مع الطول وهو ظاهر المدونة وعليه حملها الباجي وابن يونس وعبدالحق والونوغي والمشذالي وجزم به ابن الجلاب والقاضي عبدالوهاب في التلقين ورجحه الفاكهاني وابن العربي والعجز الحقيقي هو أن يكره على تفريق الطهارة بما يعد إكراهاً شرعاً أو بعروض مرض له في الأثناء منعه من إتمامها ولم يجد منا ولا أواعد من الماء ما جزم بأنه يكفيه فأهرق له أو غصب منه أو أهرقه هو من غير قصد وتبين أنه لا يكفيه فهذه الأمثلة كلها من العجز الحقيقي ومفهوم قولنا إن طال أنه إذا عجز عجزاً حقيقياً ولم يطل فإنه يبني اتفاقاً وأما غير الحقيقي فإنه يبني مع القرب دون الطول اتفاقاً والطول هو مقدار ما تجف به الأعضاء المعتدلة في الزمان المعتدل مثاله ما إذا أعد من الماء ما ظن أنه يكفيه فعجز ماؤه. ومثال الثامن: وهو ما فيه قولان راجحان تأخير الصلاة عن وقتها الاختياري إلى الضروري فقيل ذلك حرام وهو الذي مشى عليه خليل في قوله وأثم إلا لعذر وقيل مكروه فقط وهو مأخوذ من قول المصنف أيضاً والكل أداء فإن العلماء قالوا أن الأداء لا يجتمع مع الإثم ودليل الأول قوله صلى الله عليه وسلم " من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر " وقوله " من فاتته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله " ودليل الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " فإنه قد أخذ منه العلماء أن من أدرك ركعة في الوقت الضروري فكأنه أدرك جميع الصلاة في الوقت فلا إثم عليه حينئذ وإنما الإثم إذا أوقعها كلها خارجة الوقت وقد بسط الكلام على هذه المسئلة أبو حفص الفاسي في تقييد له فيها وانفصل على القول بالكراهة والله أعلم. ومثال التاسع: وهو ما إذا كان كل من القولين مشهوراً وراجحاً وقت صلاة الصبح فإن الذي مشى عليه خ أن مختارها من طلوع الفجر إلى الإسفار أي الضوء وضروريها من الإسفار إلى طلوع الشمس حيث قال وللصبح من الفجر الصادق وإلى الإسفار لا على قال الزرقاني وما اقتصر عليه المصنف هو رواية ابن القاسم وابن عبدالحكم ومذهب المدونة وقال ابن عبدالسلام أنه المشهور وقيل أن مختار الصبح يمتد من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وهو رواية ابن وهب في المدونة والأكثر وعزاه عياض لكافة العلماء وأئمة الفتوى قال وهو مشهور قول مالك وابن عبدالبر وعليه الناس وهو المتبادر من الرسالة وابن العربي ولا يصح عن مالك غيره فعلى هذا القول لا ضروري لها اهـ كلام الزرقاني.

فعلمت منه أن كلا ً من القولين مشهور لكثرة القائل بكل واحد منهما وكذا كل واحد راجح من جهة الدليل ففي الموطأ جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت صلاة الصبح فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من الغد بعد أن أسفر وفي رواية فصلاها من الغد أمام الشمس أي قدامها بحيث طلعت الشمس بعد سلامه منها ثم قال صلى الله عليه وسلم أين السائل عن وقت صلاة الغداة أي الصبح فقال السائل ها أنا ذا يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم ما بين هذين وقت يعني هذين وما بينهما وقت لصلاة الصبح فهذا الحديث الشريف يدل على امتداد وقت الصبح من الفجر إلى طلوع الشمس لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في اليوم الأول في أول وقتها الذي هو طلوع الفجر وفي اليوم الذي بعده صلاها قرب الشمس وقد حمل العلماء صلاته في اليوم الثاني على الوقت المختار كاليوم الأول وأما دليل القول الذي مشى عليه خ فحديث جبريل على نبينا وعليه الصلاة والسلام المذكور في أول الموطأ وفي الصحيح وغيرهما من إمامة جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الفجر قبل الإسفار فأخذ منه العلماء رضي الله عنهم عدم امتداد مختار الصبح إلى طلوع الشمس.

ومثال العاشر: وهو ما إذا كان كل من القولين لا ترجيح فيه ولا تشهير التطهير بالماء المجعول في الفم الذي أشار له خ بقوله وفي التطهير بماء جعل في الفم قولان ثم اعلم أن الخلاف إما يكون حقيقياً أو لفظياً أو في حال أو في شهادة أو معنوياً والفرق بينها أن الخلاف اللفظي هو الراجح إلى اللفظ والتسمية مع الاتفاق في المعنى كان يقول الشافعي الوتر مستحب ويقول مالك هو سنة لا مستحب مع اتفاقهما على أنه ليس بواجب وأنه مؤكد فوق غيره من المندوبات فهذا الخلاف إنما هو في تسمية الوتر مستحباً لأنه محبوب للشارع ويقول المالكي لا لمحبوبيته ولكني أميزه باسم السنة لأنها طريقة داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم فيقول الشافعي أنا أسلم لك أنه طريقة ولكن كل محبوب فهو طريقة مشروعة فالسنة والمستحب عندي مترادفان ويقول المالكي هما عندي متباينان يحصل التمييز بين أقسام المندوب وينعكس القولان في صلاة الضحى فالشافعي يسميه سنة والمالكي لا يسميه بها ومثاله في كلام المؤلف أي خ الخلاف الذي حكاه في إزالة النجاسة هل هي واجبة أو سنة فإن المعتمد كما في الحطاب أن الخلاف بين الوجوب والسنية لفظي ويقابل الخلاف اللفظي الخلاف المعنوي وهو الكثير وقوعاً عند الفقهاء وهو ما كان راجعاً إلى المعنى والحكم كالخلاف في جعل الموافق كالمخالف في حكمه وعدم جعله مثله فيه وأما الخلاف في حال فهو الذي يراعي فيه أحد القائلين أمراً يعتقد أنه الواقع في نفس الأمر ويراعي القائل الآخر ضده معتقداً أنه الواقع في نفس الأمر فينبني على ذلك اختلافهما في الحكم وذلك حيث يكون الحكم عليه محتملاً لوصفين متضادين يقتضي كل منهما حكماً يخالف ما يقتضيه الآخر كاختلاف العلماء في طهورية الماء الذي يسقط فيه عود صلب من الطيب فأخرج مكانه وتغير ريح الماء فرجعه كما نبه عليه المازري إلى حال العود هل يمكن عادة انفصال أجزاء منه تخالط الماء فيكون مضافاً أو لا يمكن انفصال أجزاء منه تخالط الماء فيكون تغييره بالمجاورة فقط فيكون غير مضاف والظاهر أن منه الخلاف في مسئلة دهن لاصق كما تقدم وكالاختلاف في مسئلة عدم صحة التطهير بماء جعل في الفم أو صحته فهو راجع إلى الاختلاف في حال هذا المحكوم عليه أعني الماء هل ينفصل عن الفم سالماً أو مغيراً بالريق فلو اتفقا على إحدى الحالتين بأن رأى أحدهما أن الواقع من حال الماء هو ما رآه مقابله لوافقه في الحكم. وكذلك الاختلاف في بعض البلدان هل يجوز بيع دورها أم لا فإنه راجع إلى الخلاف في حالة فتحها هل فتحت عنوة أو صلحاً وأما الخلاف في شهادة فهو الذي لا يتوارد فيه القولان على محل واحد كاختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما في البسملة أهي آية في أوائل السور أم لا فمالك يقول لا وذلك باعتبار ما شهره من قراءة شيخه نافع بدونها والشافعي يقول نعم هي آية وذلك باعتبار ما شهره من قراءة ابن كثير فكل منهما مصيب باعتبار ما ذكر هكذا قرر بعض العلماء هذا الخلاف في البسملة ذلك في الكلام عليها ومثاله في كلام المؤلف قوله في مفوتات البيع الفاسد وبطول زمان حيوان إلى قوله بل في شهادة بيانه أن المحل الذي قال فيه الشهر فوت هو باعتبار حيوان يتغير في تلك المدة كالجذاع والخرفان والمحل الذي قال فيه الشهران والثلاثة ليست بفوت هو باعتبار حيوان لا يتغير في تلك لمدة كالثيرة والبعران. وأما الخلاف الحقيقي فهو مقابل للخلاف اللفظي والخلاف في حال والخلاف في شهادة فإذا لم يرجع الخلاف إلى التسمية وإلى الخلاف في المحكوم عليه وتوارد على محل واحد فهو الحقيقي اهـ من العلامة الهلالي بمعناه وقوله كاختلاف مالك الخ ليس بصواب والصواب كما قال ابن عبدالسلام الفاسي وسيدي إدريس البدراوي نفعنا الله بهما أن الخلاف بين مالك والشافعي حقيقي نشأ عن الاجتهاد انظر بَسْط ذلك في حاشيتنا على شرح العلامة ابن كيران نجانا الله وإياه من النيران والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب اللهم إنا نسألك التوبة ودوامها ونعوذ بك من المعصية وأسبابها سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. حمداً لمن فقه في دينه من اصطفاه من عباده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الفائزين بامداده أما بعد فقد تم طبع هذه الرسالة الجميلة الحاوية للمحاسن الجليلة الموسومة برفع العتاب والملام عمن قال العمل بالضعيف اختياراً حراً تأليف خلاصة السادة الأشراف صفوة بني عبد مناف العلامة الأفضل والفهامة الأمثل فريد العصر ذي الفخر السني سيدي محمد بن قاسم القدري الحسني لازالت إطلال العلماء ببقائه معمورة وآمال الفضلاء على مكارمِهِ مقصورة وكان تمام طبعها الباهر وكما شكلها الزاهر بالمطبعة العامرة التي هي للقطب الدردير مجاورة المملوكة لذي المعارف والوفا حضرة محمد أفندي مصطفي في أواخر شهر شعبان سنة 1308من هجرة سيد ولد عدنان صلى الله وسلم عليه وعلى آله وكل منتسب إليه.

زكاة الأسهم والسندات

زكاة الأسهم والسندات ¤صالح بن غانم السدلان£بدون¥الدار العالمية للكتاب الإسلامي¨بدون¢1409هـ€فقه¶زكاة - الأموال غير النقدية - أسهم - استثمارات والخلاصة: أن الذين قالوا بإلحاق الأوراق النقدية بالفلوس أعطوا أحكامها أحكام الفلوس، وقد بحث الفقهاء – رحمهم الله أحكام الفلوس، واختلفوا في تكييفها، وانقسموا في ذلك الاختلاف قسمين: القول الأول: نظر إلى أصلها، ففرق بينها وبين النقدين في الربا والصرف والسلم والزكاة. وقال بهذا الحنابلة والشافعية والمالكية والحنفية. القسم الأول: نظر إلى واقعها بعد انتقالها عن أصلها، فاعتبرها أثماناً، وأثبت لها أحكام الأثمان في الربا والصرف والسلم والزكاة. وقال بهذا القول أبو الخطاب عند الحنابلة، وبعض المالكية والحنفية. القول الرابع: ويرى أصحاب هذا القول أن الأوراق النقدية بدل لما استعيض بها عنه، وهما النقدان الذهب والفضة، وللبدل حكم المبدل عنه مطلقاً. ويرى القائلون بهذا القول: أن الأوراق النقدية قائمة بذاتها في الثمنية مقام ما تفرعت عنه من ذهب أو فضة حالة محلها جارية مجراها، معتمدة على تغطيتها بما تفرعت عنه منها [والأمور الشرعية بمقاصدها ومعانيها، لا بألفاظها ومبانيها] وأنه إذا زالت عنها الثمنية أصبحت مجرد قصاصات من الورق لا تساوي بعد إبطالها شيئاً مما كانت تساوية من ذي قبل. فلهذا ثبت لها حكم النقدين مطلقاً، [لأن ما ثبت للمبدل يثبت للبدل]. ويترتب على القول بهذا: 1 - جريان الربا بنوعيه في الأوراق النقدية. 2 - ثبوت الزكاة فيها متى بلغت قيمتها نصاباً واستكملت شروط الزكاة. 3 - جواز السلم بها. 4 - ما كان له منها غطاء من ذهب له حكم الذهب، وما كان غطاؤه من فضة فله حكم الفضة عند الصرف. 5 - يشترط التساوي في القيمة عند اتفاق نوعين من الورق متفرعاً عن ذهب أو فضة كالريال السعودي والليرة اللبنانية مثلاً، ويمتنع التفاضل حينئذ بينهما. 6 - إذا اتفق جنسان من الورق النقدي، أحدهما متفرع عن ذهب، والآخر عن فضة جاز فيهما التفاضل إذا كان يداً بيد. وهذا القول لا يجد ما يسنده من دنيا الواقع بعد أن عرفنا أن غطاء الأوراق النقدية لا يلزم أن يكون ذهباً أو فضة، بل قد يكون عقاراً أو بترولاً، أو ما إلى ذلك، وهم يشترطون أن يكون الغطاء ذهباً أو فضة كي تتحقق البدلية. ومجمل القول: أن الأوراق النقدية تحصل من وجهة نظر الفقهاء فيها أربعة أقوال: القول الأول: أنها سندات ديون على جهة إصدارها. القول الثاني: أنها عرض من عروض التجارة. القول الثالث: أنها كالفلوس في طروء الثمنية عليها. القول الرابع: أنها بدل عما تفرعت عنه من النقدين: الذهب والفضة. وتقدم دليل كل قول وما يترتب عليه من الأحكام. والذي يظهر أن أقرب هذه الأقوال إلى الصحة وأوفقها بالدليل واعتبار الأحكام المتعلقة بالأوراق النقدية من حيث التعامل والزكاة وغير ذلك: هو أن الأوراق النقدية قائمة في الثمنية مقام ما تفرعت عنه، ويدل عما حلت محله من عملات الذهب والفضة، وما كان منها متفرعاً عن الفضة فله حكم الفضة، والأمور الشرعية بمقاصدها ومعانيها لا بألفاظها تساوي بعد إبطالها شيئاً مما كانت تساويه قبل إبطالها إذن: فلها حكم النقدين الذهب والفضة مطلقاً. لأن ما يثبت للمبدل عنه يثبت للبدل. وقد اعتبرت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية هذا القول ووافق عليه أكثرية الأعضاء، في مضمون قرارها رقم (10) بتاريخ 16/ 4/1393هـ في موضوع الأوراق النقدية. وكذلك اعتبره مجلس المجتمع الفقهي الإسلامي في دورته الخامسة المنعقدة في مقر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في ربيع الثاني سنة 1402هـ.

وجاءت القرارات الآتية موافقة لهذا القول، ومبنية عليه، وهاك البيان: أولاً أن العملة الورقية قد أصبحت ثمناً، وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها وتمولها وتداولها وحصول الثقة بها كوسيط للتداول بين الأفراد. لهذا فإن الورق النقدي قائم بذاته له حكم النقدين من الذهب والفضة فتجب الزكاة فيها إذا بلغت قيمتها، أو في النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة. وكذلك يجري الربا عليها بنوعيه فضلاً ونساء، كما يجري ذلك في النقدين الذهب والفضة تماماً، وتأخذ الأوراق النقدية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها، كما يعتبر الورق النقدي أجناساً مختلفة تتعدد بتعدد جبهات الإصدار في البلدان المختلفة، بمعنى أن الورق السعودي جنس، والورق الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، ولا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما نسيئة مطلقاً، متفاضلاً بدون تقابض. ولا يجوز – أيضاً – بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان نسيئة أو يداً بيد، ويجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقاً إذا كان ذلك يداً بيد. ويجوز جعل الأوراق النقدية رأس مال في بيع السلم والشركات. والله أعلم،،، تم الفراغ من كتابة هذا البحث غرة محرم الحرام سنة تسع وأربعمائة بعد الألف من هجرة النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. كتبه وأرخ له راجي عفو ربه المنان د. صالح بن غانم السدلان.

زكاة الحقوق المعنوية (ندوات قضايا الزكاة المعاصرة)

زكاة الحقوق المعنوية (ندوات قضايا الزكاة المعاصرة) ¤عبدالحميد البعلي£بدون¥بيت الزكاة - الكويت¨الأولى¢1415هـ€فقه¶زكاة - حقوق معنوية خلائص البحث في الفصل التمهيدي تناولنا: الزكاة في الاقتصاد الإسلامي ركن في منهج الإصلاح الاقتصادي بخصائصها ودورها في تحريك مكونات العملية الاقتصادية، بل إن الإنسان جزء من معناها وهو أساس وهدف عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، ولذلك نقول: أما آن الأوان لأن تأخذ موقعها الصحيح في ظل ظروف إعادة هيكلة النظم الاقتصادية التي يعيشها العالم العربي والإسلامي وتمويل برامجها. وفي زكاة عروض التجارة: فإن المتأمل لتعريفات الفقهاء للتجارة يجد أن منهم من غلب ربطها بالشخص التاجر وقال: التجارة محاولة الكسب ومن ثم قصد الاتجار عند اكتساب الملك، وتبع ذلك تفصيل القول في التاجر المدير والتاجر المحتكر كما ذهب المالكية، ولذا قيل: هي في الأصل مصدر دال على المهنة. ومنهم من غلب موضوع التجارة ونظراً إلى مال التجارة وقال: إن التجارة تقليب المال؛ أي البيع والشراء وما يعد لذلك من أجل الربح وقصد الاتجار به معاوضة. وكلا النظرين مهم في تأصيل نظريات الأعمال التجارية والتاجر والمتجر في النظم التجارية، والمالية المعاصرة. متي يصير المال من عروض التجارة؟ ويصير المال من عروض التجارة بثلاثة ضوابط فقهية مجتمعة هي: الأول: الإعداد للبيع بقصد التجارة والربح ومن ثم يتحقق في المال وصف النماء كشرط لخضوعه لزكاة التجارة، فالسلعة إذا مورس فيها النشاط لا بقصد الربح وإنما بقصد الاقتناء لا تعتبر من عروض التجارة. والأمر في هذا مداره إلى ظواهر عرفية، والبيع من الأضداد يقال باعه الشيء، وباعه منه، وبعت الشيء اشتريته وبعته، وشريت الشيء اشتريته وبعته. والإعداد للبيع وكينونته للتجارة فيما له قيمة مالية يثبته العرف التجاري أيضاً. والثاني: تشترط نية التجارة مما يصح فيه نية التجارة. والثالث: ولابد من اقتران عمل التجارة – (أي يملكها بفعله) – بنيتها (عند الشراء وحال التملك) حتى تعمل نيته لأن مجرد النية لا تعمل، فالأصل في العروض القنية لذا وجبت نية التجارة فيها، وإذا ثبت حكم التجارة فلا تحتاج كل معاملة إلى نية جديدة ويكفيه استصحاب حكمها بأن لا ينويها للقنية. وفي الفصل الثاني تناولنا: الحقوق المعنوية والزكاة: وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: المقصود بالحقوق المعنوية وأنواعها: مصطلح الحقوق المعنوية سليل القانون الوضعي والدراسات القانونية لقيام النظام القانوني على التفريق بين الأشياء والأموال. وقد غدت الحقوق المعنوية تتمتع بتنظيم قانوني وحماية إقليمية وعالمية منذ ما يزيد على قرن من الزمن واستقرت في العرف الخاص والعام العالمي والإقليمي، بل واستقرت في النفوس من جهة العقول وتلقتها الطباع السليمة بالقبول. فالحق المعنوي عند الأصوليين ليس بخال منه حكم شرعي بامتثال أوامر الله ونواهيه، والامتثال أمر معنوي باطني غير محسوس أخص من الفعل. وعند الفقهاء وعلى الأصح فهو علاقة شرعية تؤدي إلى الاختصاص بشيء مع امتثال شخص آخر وتخول صاحبه سلطة المطالبة به ومنعه من غيره والتنازل عنه، ومن ثم يطلق على المصالح والمنافع الاعتبارية الشرعية التي لا اعتبار لها إلا باعتبار الشارع والمنافع تدخل في زمن الحقوق المختلف في ماليتها. ومن ثم تندرج الحقوق المعنوية تحت طائفة الحقوق المالية وعلى الأخص المنافع. الحقوق المعنوية والمنافع:

والمنافع فيما نحن بصدده تشمل ما يقابل الأعيان وهو الأعراض وثمرات الأعيان سواء كانت متولدة منها أو غير متولدة منها والمنافع المختلف فيها هي المقابلة للأعيان، والمال عند المالكية يشمل المنافع والحقوق. والمنافع بحد ذاتها تعتبر أموالاً عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وأنها تحاز بحيازة أصلها ومصدرها. وسبب اختلاف الحنفية مع سائر الفقهاء في تعريف المال ثم في مالية المنافع اختلاف الأعراف فيما يعد مالاً وما لا يعد، فالمال ليس له حد في اللغة ولا في الشرع، فرجع في تحديده للعرف. ولا شك في ترجيح مذهب الجمهور لأنه هو المتفق مع عرف الناس والمتسق مع أغراضهم ومعاملاتهم؛ فاسم المال كما يقول السيوطي: "لا يقع إلا على ما له قيمة وما لا يطرحه الناس". والمنافع عند الحنفية لضرورة الحاجة أعطيت حكم الموجود وجوزوا أن تكون محلاً للعقد فأقاموا العين مقام المنفعة في العقود، وعلى ذلك تعتبر عندهم مالاً بورود العقد عليها مراعاة للمصلحة وإن لم تكن مالاً عندهم بحسب الأصل. بل إن المنافع المتوقعة يصح أن تكون محلاً للبيع كما يقول الرملي، وصرح بالتجارة في المنافع. وفي هذا يقول الدسوقي: المنافع المتمولة يعاوض عليها. والحقوق المعنوية بما ترد عليه من أشياء غير مادية لها قيمة مالية ومتمولة بتمول الناس لها وجريان أعرافهم العامة والخاصة بذلك لحاجة الانتفاع بها وحمايتها، ومن هنا تماثل المنافع في الاصطلاح الفقهي ومن ثم تجري فيها – أي الحقوق المعنوية – الحيازة الخاصة بها والمتمثلة في نسبتها إلى صاحبها وصدورها عنه. وأنها كذلك – أي الحقوق المعنوية – تكون محلاً للملك بمعنى الاختصاص والاستئثار ومن ثم الاستغلال المالي. وعلى هذا فالحقوق المعنوية تمثل منفعة معتبرة أو هي من قبيل المنافع المعتبرة في نظر الشارع، وليست في ذلك أقل شأناً من هبة الثواب على ما ذهب إليه بعض الفقهاء كالشاطبي من ماليتها وقابليتها للملك والتصرف ولا أقل شأناً من بيع حق التعلي عند المالكية حيث جاز فيه بيع الهواء. وقد أجاز الفقهاء إطلاق الحق على المنافع والمصالح سواء كان الحق مجرداً أو غير مجرد، أي مقرراً، وإذا أطلق الحق على المنافع فهو من المال عند جمهور الفقهاء عدا الحنفية إذا أريد به منفعة أو مصلحة مالية. والحقوق المعنوية تجمع بين صفتي الحق المجرد والمقرر معاً: فالجانب الأدبي المعنوي فيها متعلق برغبة ومشيئة صاحبها مملوكة له ومنسوبة إليه وصادرة عنه، إن رأى الخير في الانتفاع بها انتفع وإن رأى غير ذلك ترك. التعامل التجاري بيعاً وشراء، والحقوق المعنوية مناطها الفكر الابتكاري والجديد وهي أمور ذهنية لصيقة بالشخصية الطبيعية إن لم تكن منها، وهذا الشق لا ينفك عنه أي من الحقوق المعنوية بما يستطيعه صاحبه فيه من التغيير أو الإلغاء أو التجديد. ومن هذا الجانب أو الشق يصعب القول بأن الحق المعنوي يمكن إدخاله في "كينونة الإعداد للبيع" التي هي جوهر ضوابط عروض التجارة التي تخضع للزكاة، ومن ثم يصعب القول بأن هذه الحقوق أصبحت بمثابة السلع المعدة للبيع؛ فالشق المعنوي أو الأدبي كامن فيها يتمتع فيه صاحبه بإرادته وما يترتب على ذلك من سلطات حقوقية مالية له فيها. ولهذا يدخلها أهل المحاسبة ضمن الأصول الثابتة في المشاريع الاستثمارية المعاصرة لأنها لم تتخذ بقصد بيعها وإنما بقصد استغلالها في زيادة معدلات الربح للمشروع. هل الجانب المالي في الحقوق المعنوية من قبيل المستغلات؟ إذا اتخذ الحق المعنوي للاستغلال ومن ثم تتجدد منفعته فهو يدر على صاحبه كسباً ودخلاً، ولكن "عينه قد لا تبقى" فهي تدور مع رغبة صاحبه وتعديله أو تحسينه أو العدول عنه. والمستغلات تتفق مع الحق المعنوي من وجهة إدراره على صاحبه كسباً ودخلاً، وتختلف عنه في بقاء عينها ما أعدت للنماء أي في أصلها المادي البحث، فضلاً عن أن زكاة المستغلات إنما تجب على رأي الموسعين في إيجاب الزكاة لعموم الأدلة وقياس المال المستغل على المال المتجر فيه؛ وفي أن يصبح المقيس أي الفرع أصلاً أو في اعتبار المقيس أصلاً كلام ليس هنا بحاله. وعلى ذلك تزكى زكاة النقدية بشروطها، هذا والله أعلم.

زكاة النقود الورقية المعاصرة

زكاة النقود الورقية المعاصرة ¤محمود الخالدي£بدون¥مكتبة الرسالة الحديثة¨الأولى¢1405هـ€فقه¶زكاة - النقدين خاتمة البحث: إن ربط الشريعة الإسلامية لبعض الأحكام بالدينار والدرهم لم يكن عبثاً، ولا محض صدفة، لأنهما كانا النقد المتداول أيام النبوة. فإقرار رسول الله ? التعامل بالدينار البيزنطي والدرهم الفارسي هو تشريع من الله تعالى، الأمر الذي لا يترك لأهواء البشر. وهو التشريع الكامل الثابت الشامل الصالح لإصلاح واقع كل الناس في كل زمان ومكان. وهذا البحث وإن دل على شيء فإنما يدل على أن الأمة الإسلامية بحاجة إلى الفهم الصحيح للإسلام، ضمن بقاء باب الاجتهاد مفتوحاً بتبني الطرق الشرعية الصحيحة في الاستنباط دونما أي ارتباط بالهوى والمشاعر والوجدان. فالله تعالى يقول: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}. ورسول الله ? يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). ولتنظر الدول المنتجة والمصدرة للنفط القائمة في العالم الإسلامي، كم استنزف الدولار الأمريكي مخزونهم من النفط، وهو قائم قاعد في الهبوط والتذبذب في سعر صرفه مقابل الذهب والنقود الورقية المتداولة الأخرى. وليسأل وزراء النفط أنفسهم حول مقادير أرصدتهم في الاحتياطي النقدي لو أنهم باعوا نفطهم بالذهب أو بنقود ورقية نائبة مغطاة بالذهب؟ إن التبعية للدولار بعد إلغاء نيكسون لاتفاقية "بريتون وودز" جعلت الاقتصاد في العالم الإسلامي في فلك الجنرال، لذلك فإنه يترتب على عقلاء الأمة المبادرة إلى إصدار نقود ورقية معاصرة جديدة، تكون مغطاة بالكامل ذهباً. به نبيع نفطنا ومنه نزكي أموالنا، وبتداوله نحافظ على أرصدتنا من تآمر صندوق النقد الدولي، الذي يخطط لعودة الدول العربية النفطية إلى صحراء الفقر من جديد. وما الذي يحدث بين العراق وإيران ببعيد عن أصابع صندوق روبرت مكنمارا للنهب الدولي الذي يعلن الحرب على المسلمين بالجنرال دولار.

زكاة عروض التجارة

زكاة عروض التجارة ¤أمجد طلبة وسيد زيدان£بدون¥دار ماجد عسيري - جدة¨الأولى¢2000م€فقه¶زكاة - عروض التجارة الخلاصة بعد مراجعة هذه المسألة وأدلتها وجدنا أنه يوجد شبه إجماع بين العلماء على (وجوب زكاة عروض التجارة) فقد قال بذلك الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وأبو عبيد وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهم – رحمهم الله جميعاً-. واستدلوا على ذلك بعدة أدلة زكرنا منها: • قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ..... الآية}. • قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً .... الآية}. • وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً ... ). • وحديث: (كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع). وقد بينا ضعفه. • وحديث: (وفي البر صدقته .. ) وهو ضعيف أيضاً. • وأثر عمر ?: (ألا تؤدي زكاة مالك يا حماس؟) وعلمنا ضعفه. • وأثر ابن عمر ?: (ألا تؤدي زكاة مالك يا حماس؟) وعلمنا ضعفه. • وأثر ابن عمر ?: (ليس في العرض زكاة إلا أن يراد به التجارة). أما القائلون بـ (عدم وجوب زكاة عروض التجارة) فهم: عطاء وأهل الظاهر ومن المعاصرين الشيخ الألباني – رحم الله الجميع -. ومن أدلتهم على ذلك: • قوله تعالى: {لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ .... الآية}. • وحديث: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ... ) فاستدلوا بهذا الحديث مع الآية السابقة على حرمة المال الأصلية فلا يؤخذ منه شيء إلا بدليل صريح ولم يصح عندهم دليل على ذلك. كما استدلوا بأحاديث تسقط الزكاة عن بعض الأشياء منها: • حديث: (ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه). • حديث: (ليس فيما دون خمس أوق صدقة ... الحديث). • حديث: (أنه إنما أخذ الصدقة من الزبيب والحنطة والشعير والتمر). • حديث: (يا معشر التجار إن هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة)، واستدلوا به على الاستحباب ككفارة لما يحضر البيع من لغو وحلف ويكون بما تطيب به النفس. • واستدلوا بأثر عطاء حيث قال: (في الميزان إن كان يدار كهيئة الرقيق زكي ثمنه). وقال في العبد للتجارة: (ليس عليه زكاة إلا الفطر). كما استدلوا ببعض الآثار الأخرى. وهذا ملخص أدلة الفريقين: وثم فريق آخر نحا منحى الوسيطة بين الفريقين فقال: بـ (وجوب زكاة عروض التجارة في كل ما يتجر فيه إلا ما سماه الدليل) مثل العبد والفرس والخضروات وما دون الخمسة أوسق وما دون الخمسة ذود وغيرها من الأشياء فليس عليها زكاة؛ لأن الدليل جاء بإسقاط الزكاة عنها، ولم يأت دليل يستثني وجوب الزكاة عليها إن كانت للتجارة أو غيرها، وممن نحا هذا المنحى كما يظهر من تبويبه الإمام الدراقطني حيث بوب باباً قال فيه: (باب زكاة مال التجارة وسقوطها عن الخيل والرقيق). هذا والله أعلم بالصواب وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

زواج المسيار دراسة فقهية واجتماعية نقدية

زواج المسيار دراسة فقهية واجتماعية نقدية ¤عبدالملك بن يوسف المطلق£بدون¥دار ابن لعبون - الرياض¨بدون¢بدون€فقه¶نكاح - أعمال شاملة ومنوعة الخاتمة بعد حمد الله وشكره على توفيقه لي على إتمام هذا البحث: فإني وبعد هذه الدارسة والبحث المستفيض في زواج المسيار فقهياً واجتماعياً أخلص إلى النتائج التالية: 1) زواج المسيار زواج مستكمل للأركان والشروط المتعارف عليها عند جمهور الفقهاء، من تراضى الزوجين وحضور الولي والشهود، ونحو ذلك، ولكنه يتضمن تنازل الزوجة عن بعض حقوقها الشرعية باختيارها ورضاها مثل النفقة والقسم، والعقد فيه صحيح، ولكن هذا الزواج مخالف لكثير من الحكم والمقاصد التي أرادها الشارع من الزواج. ولذلك يجب عدم التشجيع على هذا الزواج واتخاذ الوسائل اللازمة لمنعة وعدم انتشاره في المجتمع والتوقف عن القول بإباحته بشكل عام. 2) جاءت تسمية هذا الزواج بالمسيار من باب كلام العامة، وتمييزاً له عما تعارف عليه الناس في الزواج العادي لأن الرجل في هذا الزواج يسير إلى زوجته في أوقات متفرقة ولا يستقر عندها طويلاً. 3) هذا الزوج بهذه الصورة حديث عهد بالمجتمع، فلم يظهر إلا منذ سنوات معدودة، ولكن الذي يبدو أن له صوراً مشابهة في الماضي القريب والبعيد فقد كان التجار قديماً في منطقة الخليج يتزوجون زواجاً قريباً من هذا خلال أسفارهم، كما أوردت بعض الكتب الفقهية القديمة حالات فيها بعض الشبه من هذا الزواج. 4) هناك أسباب كثيرة أدت إلى ظهور هذا الشكل من الزواج، منها ما يعود إلى النساء وعلى رأسها كثرة عدد العوانس والمطلقات والأرامل وصواحب الظروف الخاصة، وكذلك رفض كثير من الزوجات لفكرة التعدد. ومنها ما يعود للرجال وعلى رأسها رغبة بعض الرجال الإعفاف والحصول على المتعة الحلال مع ما يتوافق وظروفهم الخاصة، ومنها ما يعود للمجتمع وعلى رأسها الأعراف السائدة في بعض المجتمعات من مغالاة في المهور والنظر بشيء من الازدراء لمن يرغب في التعدد ونحو ذلك. 5) لزواج المسيار بعض الفوائد والمزايا تتمثل في إعفاف قدر كبير من نساء ورجال المجتمع اضطرتهم ظروفهم الشخصية أو الظروف المجتمعية إلى اللجوء إلى الزواج بهذه الصورة، بدلا من سلوك مسالك غير شرعية. 5) وكذلك فإن للزواج بهذه الصورة مساوئ ومفاسد كثيرة، فقد يتحول الزواج بهذه الصورة إلى سوق للمتعة وينتقل فيه الرجل من امرأة إلى أخرى، وكذلك المرأة تنتقل من رجل لآخر. كما يترتب عليه تهدم مفهوم الأسرة من حيث السكن الكامل والرحمة والود بين الزوجين، وقد تشعر المرأة فيه بالمهانة وعدم قوامة الرجل عليها مما يؤدي إلى سلوكها سلوكيات سيئة تضر بنفسها وبالمجتمع، كذلك قد يترتب عليه عدم إحكام تربية الأولاد وتنشئتهم تنشئة سوية متكاملة، ويؤثر سلبا في تكوين شخصيتهم. 7) زواج المسيار يختلف كليا وجزئيا عن زواج المتعة والمحلل، فهو زواج مستكمل الأركان والشروط وإن اختلف في الموازنة بين فوائده ومفاسده، أما زواج المتعة والمحلل فحرام باتفاق أهل السنة لأنه ليس مقصودا لذاته.

سجود السهو (رسائل فقهية)

سجود السهو (رسائل فقهية) ¤محمد بن صالح العثيمين£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1404هـ€فقه¶صلاة - سجود السهو والخلاصة يتبين لما مما سبق: أن سجود السهو تارة يكون قبل السلام، وتارة يكون بعده. فيكون قبل السلام في موضعين. الأول: إذا كان في نقص، لحديث عبدالله بن بحينة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد للسهو قبل السلام حين ترك التشهد الأول. وسبق ذكر الحديث بلفظه. الثاني: إذا كان عن شك لم يترجح فيه أحد الأمرين، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فيمن شك في صلاته فلم يدركه صلى ثلاثاً أم أربعاً؛ حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد سجدتين قبل أن يسلم، وسبق ذكر الحديث بلفظه. ويكون سجود السهو بعد السلام في موضعين. الأول: إذا كان عن زيادة لحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه حين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً فذكروه بعد السلام، فسجد سجدتين ثم سلم ولم يبين أن سجوده بعد السلام من أجل أنه لم يعلم بالزيادة إلا بعده، فدل على عموم الحكم وأن السجود عن الزيادة يكون بعد السلام سواء علم بالزيادة قبل الإسلام أم بعده. ومن ذلك: إذا سلم قبل إتمام صلاته ناسياً ثم ذكر فأتمها؛ فإنه زاد سلاماً في أثناء صلاته، فيسجد بعد السلام لحديث أبي هريرة رضي الله عنه حين سلم النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر أو العصر من ركعتين فذكروه فأتم صلاته وسلم ثم سجد للسهو وسلم ثم سجد للسهو وسلم وسبق ذكر الحديث بلفظه. الثاني: إذا كان عن شك ترجح فيه أحد الأمرين لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من شك في صلاته أن يتحرى الصواب، فيتم عليه ثم يسلم ويسجد. وسبق ذكر الحديث بلفظه. وإذا اجتمع عليه سهوان؛ موضع أحدهما قبل السلام، وموضع الثاني بعده فقد قال العلماء: يغلب ما قبل السلام فيسجد قبله. مثال ذلك: شخص يصلي الظهر فقام إلى الثالثة ولم يجلس للتشهد الأول وجلس في الثالثة يظنها الثانية ثم ذكر أنها الثالثة؛ فإنه يقوم ويأتي بركعة ويسجد للسهو ثم يسلم. فهذا الشخص ترك التشهد الأول؛ وسجوده قبل السلام وزاد جلوساً في الركعة الثالثة؛ وسجوده بعد السلام، فغلب ما قبل السلام. والله أعلم. والله أسأل أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لفهم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بهما ظاهراً وباطناً في العقيدة والعبادة والمعاملة وأن يحسن العاقبة لنا جميعاً إنه جواد كريم. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سلطة ولي الأمر في فرض وظائف مالية (الضرائب) دراسة فقهية مقارنة

سلطة ولي الأمر في فرض وظائف مالية (الضرائب) دراسة فقهية مقارنة ¤صلاح الدين عبدالحليم سلطان£بدون¥هجر - مصر¨الأولى¢1409هـ€فقه¶ضرائب ومكوس وجمارك نتائج البحث: من أهم النقاط التي انتهى إليها هذا البحث ما يلي: 1 - أن الدولة في النظام الإسلامي تراعى مصالح المحكومين في الدين والدينا والآخرة وهو بهذا يختلف تماما عن النظام الرأسمالي والاشتراكي اللذين يراعيان المصالح الدنيوية فقط مع جنوح الأول نحو خدمة أصحاب رؤوس الأموال على حساب العاملين والكادحين، وجنوح الثاني نحو إزهاق أصحاب رؤوس الأموال والمناداة بحقوق العاملين مع فشلها في ميدان الواقع في تحقيق ذلك، وبهذا تبين أن هذه الأنظمة لا تصلح للقيام بالمصالح العامة لأنها بشرية منحازة إلى فئة معينة ولا تراعي المصالح العامة كما يراعيها النظام الإسلامي في توازن دقيق ومراعاة للفطرة في إطار تحقيق العدل والخير. 2 - أن الزكاة كمورد مالي تقوم الدولة بجمعه يعد من أهم الموارد المالية الدورية، وقد جمع بين قواعد الضريبة التي فتن بها الدارسون وهي العدالة حيث تحققت في تقدير النصاب وتفاوت نسبة الزكاة وفقا للجهد المبذول في المال، وأخذ الوسط من المال ومنع الإعفاءات منها، كما أنها تحقق اليقين والملاءمة والاقتصاد، بل وتتميز بصفات لا توجد في أية فريضة مالية في النظم الوضعية مثل كونها عبادة روحية، وتؤدى عن طيب خاطر وحسن العلاقة بين المصدق وصاحب المال، والمسئولية الدينية في التهرب منها. 3 - تؤخذ العشور من المسلم بنفس طريقة الزكاة وتؤخذ من الذمي ضعف نسبة المسلم مع ضرورة إعفائه من العشور حتى يبلغ المال نصابا، أما الحربي فيعامل بالمثل. 4 - من موارد الدولة في النظام الإسلامي الأملاك العامة مثل الأرض التي تحجزها الدولة لمصلحة عامة أو الأرض المأخوذة من المشركين أو الموارد الطبيعية من باطن الأرض أو إيراد المشروعات التي يلزم قيام الدولة بها لمصلحة عامة. 5 - أن الفكر الإسلامي ثرى في أسس تقدير الفريضة المالية على الأراضي ونلحظ ذلك في أسس تقدير الخراج حيث روعي مدى جودة الأرض، واختلاف أنواع الحبوب والثمار، ومدى الجهد المبذول في السقي والقرب من العمران. 6 - تعد الأرض المفتوحة عنوة من الموارد المالية للدولة حيث إن للإمام الحق في التصرف فيها إن شاء قسمها بين القائمين أو حبسها لصالح المحكومين. 7 - أن الخراج والفيء والغنيمة والجزية سوف تعود موردا للدولة متى عادت إسلامية لأنها سوف تعيد فريضة الجهاد في سبيل الله ومن لوازم ذلك حدوث انتصارات وغيرها، وعند النصر تكون الأراضي الخراجية والغنائم في الأموال وتفرض الجزية على أهل الذمة، ومن ألحق بهم. 8 - أن المصلحة العامة الآن تقتضي قيام الدولة بإخراج المعادن الظاهرة والباطنة، مثل النفط والحديد والرصاص والنحاس والملح وغيرها، لأن لكل أحد قيد حقا، ويستحيل تحقق ذلك إلا بأن تأخذ الدولة هذه المعادن ثم تنفق العائد منها على مصالح المسلمين، وقد تعطي حق إخراج المعدن لشركة خاصة مع بقاء ملكية المعدن للمسلمين وليس لشركة بعينها. 9 - من موارد الدولة الإسلامية: الوظائف المالية والتبرعات وتركة من لا وارث له، ومال المرتد والأوقاف الخيرية. 10 - أن هناك عوامل مترابطة في النظام الإسلامي تؤدي حتما مع تطبيقها إلى وفرة الإيرادات العامة في الدولة الإسلامية مع التنبيه على أن الإسلام دين دعوة لا جباية.

11 - تعد الضرائب من أهم الموارد في جميع دول العالم الآن ومنها ضرائب على الأشخاص أو على الأموال، ومنها ضرائب واحدة وأخرى متعددة، ومنها ضرائب نسبية وأخرى تصاعدية، وتفرض الضريبة شخصية أي تراعي ظروف الممول الشخصية أو عينية بدون مراعاة ذلك، كما أنها تفرض بصورة مباشرة في المال أو غير مباشرة أي تختفي في السلع، وتفرض على رأس المال أو الدخل أو الإنفاق، وهو نظام ضريبي معقد يقوم على تسلط الدولة على أموال الأشخاص. 12 - يعد من موارد الدولة النظم الوضعية أيضا: الرسوم ومقابل التحسين والقروض العامة والإصدار النقدي والهدايا والهبات واليانصيب، وأن هذه النظم لا تتورع عن اعتماد مورد مالي مع ظهور وجه الضرر فيه مثل القروض والإصدار النقدي واليانصيب. 13 - أن النفقات العامة في الدولة الإسلامية تعنى بتحقيق التكافل الاجتماعي، ثم نفقات الجهاد في سبيل الله، وتحقيق الأمن الداخلي وتحقيق العدالة، ونفقات التربية والتعليم، وتحقيق التنمية الاقتصادية، ثم نفقات الجهاز الإداري في الدولة، كما أن هناك إدارتان في الإنفاق هي الإدارة المركزية والإدارية المحلية، وقد بدا مدى اعتدال النفقات العامة مع التزام بأحكام الإسلام. 14 - أن الأنظمة الوضعية لا تعطي نفقات الضمان الاجتماعي ما تستحقه، بل إن بعضها يرى ضرورة ترك المحتاجين حتى يهلكوا جميعا، كما أن هناك تزايدا مستمرا في النفقات العامة في النظم الوضعية. 15 - أنه بمقارنة الميزانية العامة في النظام الإسلامي مع النظم الوضعية تبين أن الإسلام قد حدد الأصول العامة للميزانية مثل مبدأ السنوية والتخصيص وأن الأنظمة الوضعية تطور ميزانياتها لتصل إلى ما أسسه الإسلام في ذلك. 16 - أن هناك آيات وأحاديث توجب حقوقا في المال غير الزكاة ويمكن أن يستدل بها على شرعية فرض وظائف مالية ووجه ذلك أنه لما كان حقا واجب الأداء، فمن امتنع عنه ألزمه الإمام به، وهذا هو التوظيف، ويؤكد شرعية التوظيف القواعد الفقهية التي تؤكد على رفع الضرر، وكذلك القياس على وجوب البذل للمضطر. 17 - أنه بعرض ما يشير إلى التوظيف عند الفقهاء سواء مباشرة أم بطريقة غير مباشرة تبين أن هذه القضية لم تأخذ حظها من البحث عند الفقهاء، ومع هذا فقد اجتهدوا لزمانهم وتحدثوا عن وجه المصلحة في فرض الوظائف وشروطها وكيفيتها بما يعد مدخلا جيدا للموضوع. 18 - أن هناك شروطا للتوظيف اشترطها الفقهاء وهي شروط تصح لزمانهم، أما في زماننا فقد وجد عليه ما يجعل من المصلحة عدم الأخذ ببعض هذه الشروط مثل شرط خلو بيت المال أو عدالة الإمام أو عدم إمكان الاستقراض، وقد صنفت شروط التوظيف إلى شروط في أصل فرض الوظائف وشروط في طريقة التوظيف. وأخرى في معرفة الوظائف. 19 - أن في تطبيق النظام الإسلامي في عصرنا يمكن الاستغناء عن كثير من الوظائف المالية حيث تكثر التبرعات، ويحافظ الأفراد على المال العام، ويكون المسئولون قدوة في المال العام، تشتد الرقابة عليهم بما يوفر كثيرا من الأموال، وهي نفس الأسباب التي أدت إلى الاستغناء عن التوظيف في صدر الإسلام. 20 - أن من دواعي التوظيف نرى أن الإسلام يرعى مصالح المحكومين في دينهم ودنياهم فيوظف لتحقيق التكافل الاجتماعي ودفع الأعداء وفداء الأسرى، ومواجهة الكوارث، وإنتاج السلع الضرورية، ودفع رواتب الأعمال العامة، ومن أجل الدعوة إلى الله، أو حماية السلع المحلية أو القيام بمشروعات عامة، وقد بدا لنا دقة النظام المالي الإسلامي، في التفريق بين المشروعات التي يستفيد منها جموع المسلمين، فيدفع الجميع الوظيفة، والمشروعات التي يفيد منها قوم دون غيرهم فيتحملون الإنفاق عليها ويوظف عليهم دون غيرهم.

21 - أن التوظيف ينبغي أن يكون على الأشخاص حتى لا تكون كجزية الرؤوس وتفرض على جميع أنواع المال حتى يتحقق التوازن وتقل نسبة الوظيفة المالية، كما يجب إعفاء حد النصاب الشرعي بما يوفر العيش الكريم لكل فرد مما يؤكد ضرورة مراعاة المصلحة الفردية، والجماعية في آن واحد، وأن الاختيار الصحيح في التوظيف أن يكون بنفس طريقة الزكاة لا الضرائب بمعنى أن تكون الوظائف مباشرة ونسبية وليست غير مباشرة أو تصاعدية ويجوز للدولة أن تفرض الوظائف عينية من العينيات ونقدا من النقود وبهما إذا شاءت على أن يكون ذلك في إطار تحقيق الرفق بالناس في تحصيل الوظائف المالية. 22 - انه لا يجوز أن تفرض وظيفة مالية بصفة مستمرة ودائمة لأن ذلك يخالف علة فرضها وهو وجود الحاجة العامة، فإن ارتفعت بالموارد العادية، أو انتهاء نفس الحاجة فينبغي إنهاء هذه الوظائف. 23 - إذا كان يصح للحكومة المصرية في وضعها الحالي فرض ضرائب مالية على رعاياها فإنه لا يجوز أن تفرضها بصورة غير مباشرة لأنها ظلم فادح على محدودي الدخل الذين يتحملون عبئها الأكبر كما لا يجوز فرضها بصورة تصاعدية لأنه ظلم للأغنياء، ويؤدي إلى تهريبهم لارتفاع سعرها أو نقل عبئها على الآخرين بما يؤكد أن الضرائب ترسو أخيرا على ذوي الدخل المحدود فهم يدفعون الضريبة المباشرة عند اقتطاعها من الدخل، ويدفعون الضرائب غير المباشرة عند إنفاق دخلهم. 24 - من أنواع الظلم الفادح في النظام الضريبي المصري ضريبة التركات التي تدل على استغلال سيء النفوذ، وتقطيع للأرحام، وأخذ المال بغير حق. 25 - أن مما يعد صحيحا في القانون الضريبي المصري إعفاء بعض المشروعات التي تفيد الصالح العام كاستصلاح الأراضي والمزارع ومشروعات تربية المواشي. وكذا إعفاء الأجانب بشرط المعاملة بالمثل، لكن الإعفاء لأعباء المعيشة مع صحته إلا أنه قليل بالإضافة إلى متطلبات العيش بما يدل بوضوح على أن الحكومة المصرية تجبى الضرائب من أناس يعتبرون فقراء بالمفهوم الشرعي وكان الواجب أن تعطيهم لا أن تأخذ منهم. 26 - أن حرمة المال الخاص ثابتة شرعاً، ولا يجوز فرض أية وظائف مالية إلا بحق وإلا عد من يفعل ذلك من أصحاب المكوس الجائرة. 27 - أن للمال الخاص حرمته، ولا يجوز انتهاكها أو أخذ شيء منها إلا بحق ثابت معروف وإلا عد ذلك من باب فرض المكوس الجائرة التي وردت النصوص بحرمتها وتأثيم فاعلها. 28 - أنه يصح للدولة شرعاً فرض وظائف مالية كسد حاجة عامة شرعية بشروط مخصوصة، وكيفية معينة، وعدم مراعاة شيء من ذلك يعد انتهاكاً لحرمة الأملاك الخاصة أو تعسفاً في استعمال الحق.

سلم الأماني في إجابة من يقول بالحجاب بقول الألباني: جواب عن حكم حجاب أجيب به عمن جرى في وجوههن ماء الشباب

سلم الأماني في إجابة من يقول بالحجاب بقول الألباني: جواب عن حكم حجاب أجيب به عمن جرى في وجوههن ماء الشباب ¤عقيل بن أحمد العقيلي£بدون¥دار الخضيري- المدينة النبوية¨الأولى¢1429هـ€فقه¶حجاب وتبرج الخاتمة: وبعد: فقد توصلت في هذا البحث إلى: 1 - أن الحجاب هو الذي دعت إليه الشريعة والفطرة. 2 - الإجماع على أن للمرأة أن تستر وجهها وهي محرمة عن نظر الرجال، مع أن الجمهور على وجوب كشفه للإحرام والواجب لا يترك إلا لواجب. 3 - الخبر المروي في أن المرأة عورة بالإجماع. 4 - أن التأويل معول هدم للنصوص الواضحة. 5 - القول الذي عليه الجمهور هو الحجاب في مناسبته كما نوه به الشيخ ابن باز وغيره. 6 - أن القول بجواز كشف المرأة وجهها أمام الأجانب ليس قولاً للجمهور فضلاً عما فوقه كما تبين من مذهب أحمد ومالك والشافعي، وجاء القول بوجوبه في غير كتاب من كتب الحنفية. وأما بالنسبة لأحمد فالأمر ظاهر، وأما بالنسبة لمالك فإن المرأة لا تكشف وجهها إلا عند الضرورة، كما قال ابن القطان. وكما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حين استعراضه لهذه المسألة. وأما الشافعية فعامة كتبهم على رجحان القول بوجوب الحجاب. 7 - أن الحجاب الذي أمر الله به فرض بالإجماع، فلا التفات إلى من لم يتلفت لهذا. 8 - ليس مع من نفى فرضيته دليل يوجب نسخ الفرضية. 9 - قد أجيب على أدلة المخالف سلفاً وخلفاً. 10 - الاحتجاج بالعادة لنفي وجوب الحجاب لا يعول عليه مع وجود نصوص شرعية جلية في الموضوع نقلت الناس من عادة الكشف إلى عادة الحجاب. 11 - استقرت القاعدة على أنه إذا تعارض حاظر ومبيح جعل الحاظر متأخراً كما في عمدة القاري وغيره. 12 - يتوجه إلى أدلة المخالف شبهة الاحتجاج بالشبه. 13 - الأمر بالحجاب أمر وسط بين الإفراط والتفريط على حد قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} فللمرأة الكشف عند الحاجة والضرورة وفي مناسبات الخطبة أو كونها من القواعد. 14 - ليست الأعمال التي تستدعي حركة مانعة من الحجاب. 15 - أن المراد بـ {ما ظهر منها}، ما ظهر عفواً من غير قصد عند حركة ومزاولة عمل لا حرج على المرأة فيه. 16 - أن الأدلة الآمرة بالحجاب أقوى وأظهر من أدلة المخالف. 17 - أن الألباني رحمه الله يقول بمشروعية الحجاب واستحبابه خلافاً للمتنطعين الذين لا يقولون باستحبابه فضلاً عن وجوبه وذلك منهم ورعاً من مخالفة الدين إذ القول بوجوبه أو استحبابه يؤدي عندهم إلى أن الشارع أقر الكاشفات على محرم أو مكروه!! فهم كما قيل: رام نفعاً فضر من غير قصد ... ومن البر ما يكون عقوقاً 18 - المثال الأعلى في أسلوب الأمر بالحجاب في قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على يجوبهن} وقوله: {يدنين عليهن من جلابيبهن} في مراعاة مشاعر المأمورات بالحجاب. 19 - فهم أمهات المؤمنين ومن سار على منهجهن من السلف والخلف هو الأسلم لتمكن أمهات المؤمنين من فهم القرآن واللغة سيما وأن الشأن شأنهن ومن على أثرهن. 20 - القول بعدم الحجاب مزاحمة لأمهات المؤمنين على منهجهن في هذا الفهم طال الزمان أم قصر. 21 - دعوى الخصوصية بالحجاب دعوى لا تقوم على رجلين وأبعد من أن تتوكأ على عودين. 22 - الألباني رحمه الله يقول بفريضة الجلباب على المرأة أمام الأجنبي داخل بيتها أو خارجه فهل الذين يقولون بقول الألباني يلتزمون بهذه الفريضة أم أنهم يأخذون بترك الحجاب ويخالفونه في هذه الفرضية؟ 23 - الذي يظهر لي من تحريرات شيخنا أنه يفسر فرضية الحجاب بفرضية الجلباب. 24 - كان الحجاب هو اللازم في العالم الإسلامي ثم انحسر في فئات منه. 25 - ليس الحجاب بتشريع من البشر وإنما هو من رب البشر. 26 - الحجاب هو الستر عن رؤية الأبصار، كما قال الشاعر: ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا ... أن السماء ترجى حين تحتجب 27 - إن الذي يأذن للنساء في كشف وجوههن أمام الأجانب ويحمل الجنسين إثم ما يترتب على ذلك هو كما قيل: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له ... إياك وإياك أن تبتل بالماء أو كمن يشمس قديده في طريق يمكن أن تمر معه السباع من غير ستر أو حفظ. 28 - الحجاب هو سنة المؤمنين منذ فرضيته إلى يومنا هذا. 29 - لم يقصر السلف في بيان حكمه وكيفيته. 30 - بمعرفة الأصل عند النساء قبل الحجاب يتبين حكم الحجاب. 31 - الأسلم عدم إثارة الخلاف في هذا الموضوع. 32 - من أراد إثارته فعليه أن ينظر إلى المكاسب التي تجتني من إثارته وما يحلقها من تبعات. 33 - إذا صح لدى القارئ ولو دليل واحد من هذا البحث المؤيد لوجوب الحجاب فهو كاف في قيام الحجة. 34 - أن الجمال في الوجه أظهر منه في غيره إن لم يتوحد الجمال فيه، بخلاف ما قد يفهم من قول المخالف إن الجمال الذي يتوجه إليه الأمر بالحجاب هو جمال شعر الرأس استناداً إلى: (كأن على رؤوسهن الغربان من أكسية سود يلبسنها)!! 35 - أن الهلكة في تتبع الرخص. 36 - أن هذا البحث يفتح آفاق الموضوع لمن أراد أن يكتب فيه كتابة أمكن.

سندات الإجارة والأعيان المؤجرة

سندات الإجارة والأعيان المؤجرة ¤منذر قحف£بدون¥البنك الإسلامي للتنمية¨الأولى¢1415هـ€فقه¶إجارة الخاتمة والنتائج درسنا في هذه الورقة إمكان استخدام عقد الإجارة بتعريفه، وشروطه، وأنواعه، المعروفة في الشريعة الإسلامية، أساسا لإصدار أدوات مالية قابلة للتداول. مما يعتبر أصلا رئيسيا من أصول إقامة سوق إسلامية مالية. وقد أسمينا هذه الأدوات المالية سندات الإجارة والأعيان المؤجرة مراعاة للتشابه فيما بينها وبين سندات القرض، من حيث الأغراض التي تحققها، والمنافع التي يحصل عليها حامل السند. وكذلك من حيث استقرار العائد، والعلم المسبق به، وإن كانت تختلف عنها، اختلافا كبيرا، من حيث ما يمثله السند من أعيان، أو خدمات، أو منافع موصوفة (بالنسبة لسندات الإجارة)، أو ديون (بالنسبة لسندات القرض). وقد استعرضنا الأنواع المتعددة لسندات الإجارة والأعيان المؤجرة، فلاحظنا أنها يمكن أن تصدر لتكون ممثلة لأعيان، معمرة، مرتبطة بعقود إجارة، وأن شروط عقود الإجارة هذه يمكن أن تختلف، من إصدار لآخر، مما يتيح الفرصة لوجود حالات مختلفة لكل من صور سندات الأعيان المؤجرة. ورأينا أيضا أن سندات الإجارة يمكن أن تصدر لتمثل خدمات موصوفة في الذمة، تستحق في زمن مستقبل. كما يمكن أن تمثل منافع أعيان، وهي منافع موصوفة في الذمة أيضا، ومعلقة على زمن مستقبل. ودرسنا خصائص سندات الإجارة والأعيان المؤجرة، من حيث تداولها في السوق، بسعر تحدده عوامل العرض والطلب، ومن حيث عوامل الأمان، والعائد، والسيولة. وكذلك خصائصها، من حيث المرونة في الإصدار، والتداول، والتنوع، وتلبية الحاجات التمويلية المتعددة. ولاحظنا أن المعوقات التطبيقية لإدخال سندات الإجارة والأعيان المؤجرة في التداول، في الأسواق القائمة في البلدان الإسلامية للأوراق المالية، ليست على درجة تجعلها صعبة التجاوز. كما أنه لا توجد معوقات شرعية، تحول دون وجود سندات إجارة، أو دون قيام بعض البنوك الإسلامية، بطرح سندات إجارة، وبيعها للمدخرين. ولقد استنتجنا، من مقارنة سندات الإجارة والأعيان المؤجرة مع غيرها من الأوراق المالية، أن معظم صور هذه السندات تتمتع بدرجة عالية من الاستقرار، والثبات في العائد، وبدرجة عالية أيضاً من العلم المسبق، بمقدار هذا العائد، بتاريخ شراء السند. كما أنها جميعا ترتبط – ارتباطا مباشرا – بالأعيان والمنافع والخدمات، أي بدورة الإنتاج، والتوزيع للسلع الاقتصادية. وذلك على الرغم من أن بعض أنواع سندات الإجارة، لديه من المرونة، ما يجعله مصدراً لتمويل الاحتياجات النقدية الآنية، مما يجعلها صالحة لتمويل رأس المال العامل في المشروعات التي تصدرها. إن جميع هذه الخصائص تجعل من سندات الإجارة والأعيان المؤجرة أدوات مالية متفوقة المزايا، وبخاصة، أنها يمكن أن تصدر – في معظم الأحيان – على أساس علاقة مباشرة بين مستعمل العين المعمرة، وحاملي السندات، دون الحاجة إلى وجود شخصية قانونية (أو معنوية)، يندرج تحت ظلها حاملوا السندات، كما هو الشأن في الأسهم، ورأس مال المضاربة، والوحدات الاستثمارية في مختلف أنواع صناديق الاستثمار. فسندات الإجارة – في هذا – تشبه سندات القرض، من حيث العلاقة المباشرة بين صاحب السند والمتمول بحصيلته. وهذا مما يقلل الكلفة الإدارية للسند بحيث يصبح إيراد حامل السند هو نفس ما يدفعه المتمول دون أن يقتطع منه حصة لإدارة وتكاليف الشخصية المعنوية الوسيطة [ومن الواضح أن ذلك لا يمنع الإفادة من خدمات الترويج والتعهد بالتسويق Underwriting عند الإصدار].

كل ذلك يؤهل سندات الإجارة لتكون أداة تمويلية إسلامية تقع في موضع متوسط بين الأسهم – وما تتضمنه من مخاطرة – من جهة، وسندات القرض – وما تتضمنه من مرونة وضمان – من جهة أخرى، وذلك دون أن تقع في وهدة الربا الذي حرمه رب العباد. ومن جهة أخرى، فإن اعتماد سندات الإجارة والأعيان المؤجرة كأداة لتمويل كثير من المشروعات الحكومية، سواء أكانت إنمائية، أم عادية، يضيف عنصرا آخر ينبغي أن يشار إليه. ذلك أن الربط المباشر بين المشروع الحكومي، وبين المدخرين الأفراد، يعتبر بمثابة إعطاء فرصة أخرى لجمهور الناس للتصويت على المشروع الحكومي. فإن نجحت الحكومة في اجتذاب أصحاب المدخرات لتمويل مشروعها، فإن ذلك يعتبر موافقة منهم على المشروع، وإذا لم يُقبل الناس على الاستثمار في المشروع المقترح تمويله، فإن ذلك يدل على عدم قناعتهم بجدواه الاقتصادية، أو بعدم قدرة المشروع على المنافسة مع البدائل الأخرى المتاحة لاستعمال المدخرات. لماذا لم تستعمل سندات الإجارة والأعيان المؤجرة حتى الآن؟ رغم المزايا الكثيرة التي تتمتع بها سندات الإجارة والأعيان المؤجرة، فإنه لم تقم الحكومات الإسلامية، أو غيرها، باستخدامها كأداة لتعبئة الموارد المالية اللازمة لمشروعاتها التنموية المختلفة، كما لم تقم البنوك الإسلامية باللجوء إليها، سواء في تجهيز السيولة النقدية اللازمة، أم في تمويل الاحتياجات المالية الكبرى، وبخاصة ذات الأجل الطويل. فلماذا لم تمارس الحكومات والبنوك عمليات التمويل عن طريق إصدار سندات إجارة؟ إن الإجابة على هذا السؤال تتضمن نقاطا عديدة نذكر أهمها فيما يلي: 1 - على الرغم من أن عقد الإجارة عقد قديم جدا، فقد ذكر في القرآن الكريم على عهد موسى، صلى الله عليه وسلم، فإن الإفادة من هذا العقد في العمليات التمويلية المنظمة، على مستوى الأسواق المالية، أمر حديث جدا، لدرجة أن دراسته لم تدخل الكتب المدرسية في التمويل إلا في السنوات الأخيرة فقط. وما زالت الإجارة التمويلية في أوائل طريقها، فهي تعتبر من الممارسات النامية في عالم التمويل المعاصر. 2 - إن عملية تحويل مجموعة من الموجودات إلى سندات Securitization هي أيضا عملية حديثة جداً. ففيما عدا الأسهم وسندات القرض المعروفة منذ زمن طويل في الغرب، والتي هي في الواقع عملية تجميع مدخرات للقيام بمشروع، وليست تحويل موجودات إلى سندات، فإن عملية التحويل إلى سندات Securitization لم يتم تنظيمها رسميا من قبل هيئة تبادل الأوراق المالية في أمريكا SEC إلا في عام 1992. لذلك يمكن القول، إن فكرة سندات الإجارة والأعيان المؤجرة، التي تستند إلى قضيتي الاستخدام المنظم للإجارة كوسيلة تمويلية، وتحويل الموجودات إلى سندات، هي مسألة حديثة تقترح للجهات المالية كأداة تمويلية جديدة. 3 - إن الفكر التمويلي الغربي، الذي يجد أمامه سعة كبيرة في مختلف أنواع سندات القرض الربوي، لا يوجد لديه الدافع القوي، أو الحافز الحاد، لابتكار أفكار تمويلية لا تستند إلى المديونية. ذلك لأن الأدوات المالية المستندة إلى المديونية قابلة للتداول عنده على أساس قيمتها الحالية، عند انتقالها من يد لأخرى. 4 - إن بعض القوانين الغربية تقيد تحويل الموجودات إلى سندات.

فالقانون البريطاني مثلاً يمنع إصدار سندات قابلة للتداول، إذا كانت تمثل أصلا ثابتا واحدا. ولعل هذا المنع ما أعاق التفكير في سندات للإجارة وللأعيان المؤجرة، وبخاصة أنه يقل في الدول الرأسمالية الغربية احتياج الحكومة إلى تمويل مشروعات كبيرة بالإجارة، لأسباب متعددة، من أهمها ضخامة دور القطاع الخاص، وقدرته على تبني المشروعات الاستثمارية الكبيرة، ودرجة النمو الاقتصادي التي وصلتها هذه البلدان، وعراقة السوق التمويلية، وقدرتها على تعبئة الموارد المالية بكميات كبيرة، من خلال الأدوات الربوية وغيرها. ولقد وجدت حاجة في بعض هذه البلدان، كبريطانيا مثلا، إلى تمويل بعض الموجودات الثابتة، عن طريق إصدار سندات، ولكن القيود القانونية اضطرت المنظرين والممارسين الماليين، معا، إلى اللجوء إلى أفكار أخرى، تتجنب إصدار سندات متداولة، تمثل أصلا واحدا. فظهرت في بريطانيا سندات داخل العقارات Property Income Certificates، وهي سندات تمويل مجرد ترتبط بدخل عمارة معينة، ولكنها لا تمثل – بحال من الأحوال – أي حق ملكية في العمارة. وتعمل هذه السندات من خلال وسيط مالي، وشركة مديرة للعقار. وقد ساعد على التفكير بهذا الأسلوب، كون العقار موزعا إلى وحدات استعمالية صغيرة، على شكل مكاتب تجارية، لابد لها من إدارة مباشرة، تهتم بشؤون عقود الإجارة الكثيرة مع الساكنين، وتتابع شؤون العمارة المتنوعة. في حين أن سندات الأعيان المؤجرة المقترحة في هذه الورقة تمثل عقد إجارة أحد مع مستأجر واحد، ولا تحتاج – بالضرورة – إلى وسيط مالي، ولا إلى شركة مديرة. 5 - الاعتبارات الضريبية المعقدة، التي تتعلق بالتمويل بالإجارة في الأنظمة الضريبية الغربية. وهذه الاعتبارات هي من أهم أسباب إعاقة استخدام الإجارة في العمليات التمويلية. ولا شك أن تحويل التمويل بالإجارة إلى سندات، في ظل الأنظمة الضريبية السائدة، في معظم الدول الغربية، يضيف تساؤلات ضريبية جديدة، مما يزيد في تعقيد التحليل الضريبي لسندات الإجارة في الغرب. 6 - تحريم الربا في الشريعة الإسلامية يجعل الحاجة كبيرة – في الفكر الاقتصادي والمالي الإسلامي – إلى التفكير في وسائل تمويلية، ترتبط ارتباطا محوريا بالتداول السلعي. الأمر الذي أدى إلى البحث عن وسائل للتمويل تعتمد على تملك السلع، والمنافع، وعلى انتقال الملكية من يد إلى يد، وربط العملية التمويلية دائماً بحق الملك وبانتقاله. يضاف إلى ذلك أن حرمة انتقال الدين، من يد إلى يد، بغير قيمته الأسمية – وهذا نفسه من مقتضيات تحريم الربا – دفع المنظرين والممارسين المسلمين، في عالم المال والاقتصاد، إلى التفكير في أدوات مالية، تقوم على تملك الأعيان، والمنافع، والخدمات، حتى يمكن لهذه الأدوات أن تتداول في السوق دون الوقوع في الممنوعات الشرعية. 7 - إن انشغال المفكرين الاقتصاديين المسلمين المعاصرين بالمضاربة والمرابحة، كأساسين للوسائل التمويلية الإسلامية، لم يترك لهم مجالا كثيرا للتفكير المنظم بالإجارة كوسيلة تمويلية إسلامية. ومن باب أولى، فقد قلل ذلك من النظر في تحويل الإجارة إلى سندات وبخاصة أن بعضهم يراها مفضولة بالمضاربة. ومع ذلك فقد ذكر بعضهم شهادات الإجارة، وإن لم يعرفها بشكل يقترب من تعريفنا لها، كما لم يتعرض أحد من الكتاب المسلمين إلى أنواع سندات الإجارة والأعيان المؤجرة، وصورها كما تم في هذا البحث. على أن عددا من الكتاب قد تعرض لإمكان استعمال الإجارة في تعبئة الموارد المالية لتمويل بعض أنواع المشروعات الحكومية والخاصة. آفاق المستقبل متقرحات لأبحاث جديدة:

يمكن لسندات الإجارة أن تقدم أداة تمويلية قادرة على تعبئة الموارد من صغار المدخرين، كما يمكن النظر إليها على أنها أداة استثمارية، سريعة التحويل إلى نقد بسبب سهولة تداولها. الأمر الذي يجعلها صالحة لاستيعاب الفوائض النقدية للبنوك الإسلامية، والاستثمارات القصيرة الأجل للأموال التي هي قيد الانتظار. وهي بنفس الوقت أداة تصلح لتمويل التنمية بكل قطاعاتها الرئيسية، سواء في ذلك مشروعات البنية التحتية، أم الخدمات العامة، من ماء، وكهرباء، ومواصلات سلكية أو لاسلكية، ونقل، وغيره، كما تصلح لتمويل المشاريع الإنتاجية الكبيرة. لذلك نرى أن تعميق وتوسيع البحث العلمي حول سندات الإجارة والأعيان المؤجرة يمكن أن يؤديا دور كبيرا، في إعادة هيكلة تمويل التنمية، في البلدان الإسلامية، وإعادة تشكيل سوق المال، بشكل يجعل منها وسيلة فعالة لدعم التنمية السلعية وتنمية الإنتاج الحقيقي للسلع والخدمات. ويتأتى على البنوك الإسلامية أن تدرس إمكان إصدار سندات إجارة وأعيان مؤجرة لتمويل كثير من المشروعات الإنمائية في البلدان الإسلامية. ولعله لن يكون بعيدا اليوم الذي نجد فيه شركات متخصصة، تتوسط في إصدار وترويج سندات الإجارة والأعيان المؤجرة، بكل أنواع صورها. بالإضافة إلى إنشاء هيئات حكومية متخصصة في تعبئة الموارد المالية اللازمة للمشروعات التنموية على أساس سندات الإجارة. وحتى يتسنى ذلك، نقترح أن تركز الأبحاث المستقبلية – في هذا المجال – على المسائل الإجرائية والقانونية اللازمة لإدخال أنواع من سندات الإجارة والأعيان المؤجرة، في أسواق الاستثمار، في البلدان الإسلامية، وأن تكون للبنوك الإسلامية مبادرة في هذا المجال. وذلك خدمة للمستثمر المسلم، ولأهداف التنمية في الدول الإسلامية، مع مراعاة التوجه الربحي للبنك الإسلامي. كما يقترح دراسة المشكلات الضريبية، التي تنشأ عن تطبيق كل من الإجارة، وسندات الإجارة والأعيان المؤجرة في ظل الأنظمة الضريبية، الموجودة في البلدان الإسلامية. وذلك إضافة إلى بعض المسائل الفقهية الجانبية، التي أشرت إليها في طيات البحث. يضاف إلى ذلك مسألة، تجنبها البحث الراهن، وهي الحصول على الأموال الجاهزة – بواسطة الإجارة – من خلال الإفادة من الموجودات الثابتة المملوكة للمتمول نفسه، سواء أكان حكومة، أم مؤسسة من مؤسسات القطاع الخاص. وهو ما يسمى بالبيع مع شرط الإجارة للبائع Sale and lease Back. والسبب في عدم بحثها هو أنها لا تعتمد على إنتاج عين، توضح في الدورة الاقتصادية، أو منفعة أو خدمة يبرمج إنتاجها، ويلتزم المنتج – من خلال سندات إجارة المنافع والخدمات – بتقديمها لحامل السند. بل إنها تقصد إلى إعادة تمويل Refinancing عين موجودة، بقصد استعمال الأموال الجاهزة لهدف آخر، قد يكون تنمويا، وقد لا يكون. يضاف إلي تلك، أن مسألة البيع مع شرط الإجارة للبائع تتضمن جوانب شرعية تحتاج إلى اجتهاد جديد، ليس الباحث مؤهلا له. ولكن الموضوع جدير بالاهتمام الشرعي والمالي، نظرا لما يمكن أن يكون له من تطبيقات كثيرة في أسواق التمويل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

شرح الصدور ببيان بدع الجنائز والقبور

شرح الصدور ببيان بدع الجنائز والقبور ¤عبدالله بن محمد الحمادي£بدون¥مكتبة الصحابة - الإمارات¨الأولى¢1420هـ€فقه¶قبور - بدعها وما فيها من مخالفات الخاتمة: هذا ما تيسر جمعه حول موضوعنا الشائك، والمترامي الأطراف، بعد يسر من الله وتوفيقه ولقد علمت - يا أخي في الله - من خلال ما قرأت كيف يتلاعب الشيطان بعقائد الناس فيرمي عليهم شبهة فيوقعهم في شباك الشبهات والشركيات، فيمرض قلوبهم بداء يصعب علاجه وذلك لأن أمراض القلوب أخطرها مرض الشهوة والشبهة، فأيهم أصاب القلب أعله، فأحلاهما مر. ثم الذي ساعد على نشر مثل هذه البدع والمحدثات وجود من يدعي العلم والفضل حيث روج لها في كثير من كتبه ومجالسه، وجاء بشبهه يزعم أنها أدلة، وهي -والله- كبيت العنكبوت وإن أوهى البيوت لبيت العنكبوت، فلا تغتر -يا رعاك الله- بمثل هذه الخدع فقد نسفها وأبطلها علماء سخرهم الله لخدمة هذا الدين وحمايته. أخلصوا لله في الدعوة والنصح فأعانهم ووفقهم، وكاد لهم أرباب البدع والقبور ولكن الله أبطل كيدهم. فعليك بأهل العقيدة الصحيحه الصافية من شوائب البدع والخرافات، أتباع السلف الصالح فهم يأخذون الدين من السنة الصحيحة المروية عن النبي -?- لا من القصص والخرافات والمنامات المكذوبات. ورحم الله محمد رشيد رضا يوم أن قال: "فمن أراد أن يتبع الهدى ويتقي جعل الدين تابعاً للهوى؛ فليقف عند النصوص الصحيحة ويتبع فيها سيرة السلف الصالح، ويعرض عن أقيسة بعض الخلف المروجة للبدع. وإذا زين لك الشيطان أنه يمكنك أن تكون أهدى وأكمل عملاً بالدين من الصحابة والتابعين فحاسب نفسك على الفرائض والفضائل المجمع عليها والصحيح التي يضعف الخلاف فيها وانظر أين مكانك فيها، فإن رأيت ولو بعين العجب والغرور أنك بلغت من أحدهم أو نصيفه من الكمال فيها، فعند ذلك تعذر في الزيادة عليها، وهيهات هيهات لا يدعي ذلك إلا جهول مفتون، أو من به مس من الجنون، وأن أكثر المتعذبين بالبدع، مقصرون في أداء الفرائض أو في المواظبة على السنن، ومنهم المصرون على الفواحش والمنكرات كإصرارهم على ما التزموا في المقابر من العبادات، كاتخاذها أعياداً تشد إليها الرحال ويجتمع لديها النساء والرجال والأطفال، ولاسيما في ليلتي العيدين وأول جمعة من رجب وتذبح عندها الذبائح، وتطبخ أنواع المآكل، فيأكلون ثم يشربون، ويبولون، ويغوطون ويلغون، ويصخبون ويقرأ لهم القرآن، من يستأجرون لذلك من العميان، ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون، وإذا كان ما يأتون من القراءة والذكر هناك من البدع المنكرة، وكان بعض المباحات يعد هنالك من الأمور المكروهه أو المحرمة، فما القول في سائر أفعالهم الظاهرة والباطنة؟ ولقد كان بعض الصحابة وغيرهم من علماء السلف يتركون بعض السنة أحياناً حتى لا يظن العوام أنها مفروضة بالتزامها تأسياً بالرسول ? في ترك المواظبة على بعض الفضائل خشية أن تصير من الفرائض، فخلف من بعدهم خلف قصدوا في الفرائض، وتركوا السنة والشعائر، وواظبو على هذه البدع، حتى أنهم ليتركون لأجلها الأعياد والجمع لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم." اهـ. وهذه وصية ناصح لك مسلم محب للخير، فرحم الله قائلها رحمة واسعة، فعليك يا أخي المسلم بالاجتهاد في السنة وإن كانت قليلة، ودع البدعة، وإن كانت في نظرك عظيمة، لأن السنة عليها أجر وثواب، وأما البدعة فلا.

وتذكر قول عبدالله بن مسعود ?: "الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة". ورحم الله سفيان الثوري القائل: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية". وهذا كلام فيه حكمة بليغة، لأن صاحب المعصية كالذي يشرب الخمر مثلاً، إن وجهت له نصيحة ورغبته في التوبة، وأخفته من عاقبة المعصية، غاية ما يعترف به أنه مقصر ومذنب، ويطلب منك أن تدعو له بالهداية، وأما صاحب البدعة إن بينت له أنه على خطأ، فغنه يعاديك، ويقاتلك من أجل بدعته لأنه يعتقد أنه على دين وصراط مستقيم، لذا قد يظل على بدعته إلى أن يموت. فالدين - بارك الله فيك - يثبت بالدليل لا بالتشهي والرغبات والأهواء، ورحم الله من قال: دين النبي محمد أخبار ... نعم المطية للفتى الآثار لا ترغبن عن الحديث ... فالرأي ليل والحديث نهار ولربما جهل الفتى أثر ... والشمس بازغة لها أنوار. وأختم نصيحتي لأحبتي، بوصية عظيمة وأوصى بها محمد ? أصحابه في آخر أيامه فعن العرباض بن سارية ? قال: "صلى بنا رسول الله ? ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟. فقال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". هذا ما نصحت به، وأدعو الله - سبحانه - الهداية والثبات على الحق لكل مسلم موحد، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وكتب أبو عمر عبدالله بن محمد الجونم الحمادي دولة الإمارات - الشارقة حرسها الله وانتهت المراجعة: غرة رجب 1420هـ الموافق: 10/ 10/1999م والحمد لله رب العالمين

صبغ اللحية بالسواد بين المانعين والمجيزين عرض ونقد على منهج المحدثين

صبغ اللحية بالسواد بين المانعين والمجيزين عرض ونقد على منهج المحدثين ¤خليل بن عثمان الجبور السبيعي£بدون¥دار أطلس الخضراء - الرياض¨الأولى¢1424هـ€فقه¶لباس وزينة - زينة الشعر خلاصة البحث والرأي الراجح يصعب على المرء وخصوصاً إذا كانت مسألة اختلف السلف والخلف فيها، وكل أدلى بحجة وبرهان – يعصب عليه – أن يختار أياً على الأخر وليس اختيار الرأي الأخر معناه ضعف الرأي الأول، لا .. بل قد يكون من باب صواب وأصوب، وقوي، وأقوى، وراجح، وأرجح. وقد مر في هذا البحث: الكلام على حديث جابر ? وفيه "جنبوه السواد" وهو عند مسلم وبينت أن هناك ثقتان ثبتان لم يذكرا هذه الزيادة وهما: أبو خيثمة زهير ابن معاوية، وروايته أخرجها مسلم وغيره، وبينت اتفاق سبعة من الرواة الثقات الأثبات على رواية زهير وأنه حفظها ولم يهم فيها. وتصريح ثلاثة من الثقات الأثبات (شبابة، الحسن بن موسى، وأحمد بن عبدالملك) أن زهيراً سأل أبا الزبير، أقال جابر "وجنبوه السواد؟ " قال: لا. مما يدل على ضبط زهير لروايته، دون ابن جريج الراوي للزيادة. وذكرت أن عزره بن ثابت وهو ثقة، ثبت لم يرو هذه الزيادة عن أبي الزبير، وأن إسنادها صحيح. وذكرت بعد ذلك الذين رووا الزيادة وهم: (أحمد القهستاني) من طريق أيوب، وبيان من أخرج روايته: وأنها رواية منكرة باطلة لا تصح فهي من رواية مجهول وصاحب مناكير). ومن الذين رووا الزيادة: ليث بن أبي سليم وبينت أنه ضعيف جداً وأن مخالفته تعد منكرة كما صرح بذلك أئمة الحديث. وذكرت من أخرج هذه الزيادة. وأثناء ذلك: بينت وهماً وقع للمباركفوري، والألباني وغيرهم. وأن ليثاً المذكور هو ابن سعد: رددت على ذلك من ثلاثة أوجه. ومن الذين روو الزيادة: شريك القاضي عن الأجلح وبينت نكارتها. وكلام أهل العلم فيها. وممن ذكر الزيادة: داود بن الزبرقان عن مطر الوراق وليث ابن أبي سليم عن أبي الزبير، وبينت أن هذا الطريق ضعيف جداً غير صالح؛ لحال المذكورين الثلاثة فهم ضعفاء جداً. بل داود: كذبه بعض أهل العلم ومن كان هذا حاله فلا تقبل روايته فضلاً عن مخالفته. ثم رواية ابن جريج عن أبي الزبير وهو في صحيح مسلم وغيره، ولم أجد تصريحاً لابن جريج في روايته عن أبي الزبير، ولا أبا الزبير كذلك – مع أنهما من الطبقة الثالثة من المدلسين. وقد بين الحافظ ابن حجر حالهم. وأعقب ذلك الروايات عن أبي الزبير وأنها على ثلاثة أقسام. بعد ذلك: ذكرت قواعد مهمة في علم المصطلح لأئمة هذا الفن في بيان: الشاذ، والمنكر، وزيادة الثقة، وانفراد الراوي بنقولات عزيزة عن ابن رجب، وابن حجر، والنووي، والذهبي، وغيرهم. ثم القول الفصل في أيهما أولى بالصواب أو أيهما أرجح؟ الذين ذكروا الزيادة، أو الذين لم يذكروها، بعد عرض للأدلة ومناقشتي لها تبين لي: أنها مدرجة، ومع ذلك فهي شاذة لمخالفة ابن جريج ثقتان اثنان أحدهما: أخرج روايته مسلم في صحيحه، وبينت رد هذه الزيادة بخمسة أدلة علمية وهي – باختصار: الأول: اتفاق ثلاثة من الثقات: أن زهيراً سأل أبا الزبير: أقال: "وجنبوه السواد؟ " قال: لا. الثاني: اتفاق سبعة في روايتهم على أبي خيثمة بلفظ حديث مسلم، مما يدل على ضبطه، وحفظه دون ابن جريج. فالحمل متعين عليه. الثالث: إذا لم نقل بالإدراج: فقد خالف ابن جريج ثقتان اثنان أحد هؤلاء أخرج روايته مسلم في صحيحه، فماذا يسمى المحدثون هذا؟. الرابع: نقل عزيز جداً عن الإمام الحافظ أبو الحسن بن القطان وتضعيفه لهذا الحديث بهذه الزيادة من أجل ابن جريج وتدليسه، وكذا أبا الزبير، وأعقبته بكلام أئمة الجرح والتعديل في تدليس أبي الزبير.

الخامس: وهو قرينة لرواية خيثمة وعزرة. حديث أسماء – رضي الله عنها – ومن خرجه وأنه حسن لذاته. فهذه خمسة أدلة: لرد هذه الزيادة. وذكر إجابات عدة على فرض الثبوت – عن هذه الزيادة -. وذكرت الحديث الثاني: حديث ابن عباس وصحته، والرد على ابن الجوزي في إدخاله في الموضوعات، وإجابات أهل العلم عنه. وأنه ليس صريحاً في الدلالة. وسقت الأدلة على التحريم بعد ذلك (أربعة عشرة حديثاً) وهي ما بين موضوع وضعيف جداً ومنكر لا يصح بعضها أن يشد بعضاً. وذكرت خلاصتها. ومن هم القائلون بالنهي من الصحابة فمن بعدهم حتى عصرنا الحاضر مع تخريج آثار الصحابة، وأن القائل بالنهي من الصحابة هو: أبو هريرة فقط. مع أن السند لا يصح إليه، وأما التابعون فبلغوا (خمسة) وهم قلة، ورأي أصحاب المذاهب الأربعة، وأن الجمهور على جوازه، وقلة منهم قال بالتحريم، وأن من مواطن الاتفاق: المجاهد، ومن صبغ للغش والخداع. فالأول: جائز. والثاني: محرم. وما عدا هاتين الحالتين: هي التي وقع فيها الخلاف. بعد ذلك سقت أدلة القائلين بالجواز، وأوجه استدلالهم وبلغت (عشر أحاديث) كلها صحيحة عدا (السابع والعاشر) وذكرت أن المانعين أجابوا بجوابين: النسخ، وقد رد هذا القول، والتقييد أو الخصوص. وذكرت من قال بالجواز من الصحابة فبلغوا (عشرة) صح منها (سبعة). وتوقفت في الحكم على أثر (عمر وعثمان – رضي الله عنهما-) لعدم اطلاعي على رجال إسنادهما. وذكرت (ثلاثة وثلاثين) من التابعين فمن بعدهم إلى وقتنا الحاضر، فمن قال بالجواز. ومن ألف في جواز ذلك. وبعد هذا العرض الموجز: الذي أدى إليه اجتهادي في هذه المسألة، بعد عرض أدلة الطرفين: أن الخضاب بالسواد جائز لا شيء فيه، وأن هذا ما دل عليه الدليل، وعضده أقوال الصحابة فمن بعدهم، غير أن الشيخ الكبير رأى – وهو مجرد رأي – أن لا يتصابى عملاً بقول ابن شهاب المتقدم، والقول بالتحريم صعب جداً. إذ التحريم أشد من التحليل، فالإباحة لا تحتاج إلى دليل في أمور المعاملات والعادات ونحوها، بخلاف التحريم. ولا يقولن قائل: الخروج من الخلاف أو الأحوط هو المنع. فهذه القاعدة ليست على إطلاقها، وليس كل من طلب العلم جاز له الفتوى بها والعمل، أو التلفظ، لا يقولها: إلا من أدرج السنة بين عينيه وأحاط بأقوال العلماء وأدلتهم، ومنزعهم في كل دليل. والأحوط والواجب في دين الله: ألا يقول أحد هذا حرام إلا بدليل صريح صحيح، غير معارض، وإلا فأين نحن من قوله: ( .. وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون). سقت هذا الكلام لأن بعضاً من طلبة العلم: يسوقون القول الآنف الذكر، أو القاعدة على أنه دليل قطعي، قاطع للنزاع، دون ذكر الدليل من الكتاب أو السنة، أو أقوال الصحابة أو التابعين، في أي مسألة كانت. أخي الكريم: هذا ما خطه القلم، وكتبته اليد، وإني لأرجو الله أن ينفع به من نالته يده، وإني لأسأل الله أن يغفر ما زل به القلم، أو طغى به الفكر، إنه حسبي نعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

صد عدوان الملحدين وحكم الاستعانة على قتالهم بغير المسلمين

صد عدوان الملحدين وحكم الاستعانة على قتالهم بغير المسلمين ¤ربيع بن هادي عمير المدخلي£بدون¥الفرقان - الرياض¨الأولى¢1411هـ€فقه¶جهاد - الاستعانة بغير المسلمين خاتمة البحث: وإنني ألفت النظر إلى ما يأتي: 1 - إن أدلة كثيرة من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من معاهداته مواقفه وتصرفاته وتقريراته تدل دلالة واضحة على جواز الاستعانة بالكفار عند الحاجة أو الضرورة. فلا ينبغي لمسلم يطلع على هذه الأدلة الكثيرة من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة وعلى أقوال أئمة الهدى، ثم يتبنى بعد ذلك رأيا مضاداً لهذا الهدي ويلجأ إلى التأويلات التي لا يقرها شرع ولا عقل. 2 - إنه يظهر من أقوال المانعين أمران: أ- إنهم لم يطلعوا على أكثر الأدلة الواردة في هذا الموضوع في كتب السنة والسيرة النبوية. ب- إن ما اطلعوا عليه من الأدلة لم يستقصوا طرقها. ولهذا نرى ابن المنذر يقول: "والذي ذكر أنه استعان بهم غير ثابت" فنقول لابن المنذر مع إكبارنا له: إن هناك أدلة كثيرة على الجواز قد ثبتت، ونقول لمن يتعلق بقوله: إن الإمام ابن المنذر لو وقف على هذه الأدلة لما تجاوزها ولسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأذعن له غاية التسليم والإذعان، ونقول لإخواننا المسلمين، وخاصة السلفيين منهم: نرجو منكم الانقياد لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته والتسليم له والاحتكام إليه. كما قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65]. ونذكرهم بأنهم ليسوا أشد غيرة على الإسلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من أئمة الإسلام. ونأمل من الشباب المسلم أن لا يفتح باب التأويلات المدمرة للسنة وللمنهج السلفي كما نأمل منهم الالتزام بقواعد وضوابط المنهج السلفي القائم على احترام سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمها وهيبتها وإجلالها. وإن التأويلات والإمعان فيها يسقط هذه المكانة العظيمة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب للتلاعب بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهجه. وأخيراً ننصح المسلمين عموماً والشباب منهم بالأخص: 1 - بأن يعتصموا بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم في عقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم وسائر شؤون حياتهم. 2 - أن يسعوا جادين لتوحيد المسلمين على التوحيد والسنة والحق والعدل. 3 - أن يخلصوا لله في عباداتهم وجهادهم وأعمالهم وعلومهم وسائر تصرفاتهم. 4 - أن يعدوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله، ولتكون كلمة الله هي العليا وأن يتجه شباب هذا البلد الذي أحدقت به الأخطار إلى ميادين التدريب العسكري فيتدربوا على فنون الحرب والقتال لإعلاء كلمة الله، ولحماية عقيدتهم ودينهم وأعراضهم وبلادهم التي هي معقل الإسلام ومأرزه. 5 - وأن يشيعوا فيما بينهم أسباب المحبة والأخوة والألفة، وأن يبتعدوا كل الابتعاد عن أسباب الخلاف والفرقة، فإن الفرقة والاختلاف أخطر سلاح وأفتكه بالأمة الإسلامية ووحدتها وأقوى عامل في ذهاب ريحها. 6 - وأن يحسنوا الظن بعلماء السنة والتوحيد، فإن سوء الظن بهم خطير جداً، وعدم الثقة بهم واحترامهم يقود الشباب إلى أن يسلموا زمامهم لأهل البدع والضلال وإلى الضياع والجهل والهلاك المدمر في الدنيا والدين. فإننا نلمس بوادر خطيرة من بعض الشباب فندعوهم بحرارة إلى تقوى الله ومراقبته والابتعاد عن الاندفاع العاطفي والاتجاه إلى حلقات العلماء ليتعلموا منهم العلم والأدب والتواضع ولين الجانب للمسلمين فيرحموا صغارهم ويوقروا كبارهم ويعرفوا لهم قدرهم ومنزلتهم ثم الاتجاه إلى ميادين الجهاد لصد عدوان المعتدين ودحر الطامعين وعدم الالتفات إلى المخذلين والمرجفين. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز به أهل طاعتك ويذل به أهل معصيتك وتعلو به كلمتك، وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

صكوك الإجارة – دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية

صكوك الإجارة – دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية ¤حامد بن حسن بن محمد علي ميرة£بدون¥الميمان – الرياض¨الأولى¢1429هـ€فقه¶إجارة الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمد الله سبحانه وتعالى على ما مَنَّ به علي من إتمام هذا البحث، فما كان فيه من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان. والله ورسوله منه بريئان. هذا وقد توصلت من خلال هذا البحث المتواضع إلى النتائج الآتية: - عقد الإجارة الأصل فيه أنه مشروع على سبيل الجواز، وقد ثبتت مشروعيته بالأدلة من الكتاب والسنة والإجماع المعقول. - الصكوك جمع صك، والصك عند أهل الاختصاص من القانونيين والاقتصاديين قريب من معناه اللغوي، حيث يطلق الصك عندهم على الوثيقة التي تتضمن إثباتاً لحق من الحقوق، أو الورقة التي تمثل حقاً من الحقوق، كما يطلق مصطلح الصك على الكتاب الذي تكتب فيه وقائع الدعوى وما يتعلق بها من الإقرارات وغيرها. - توصل الباحث إلى تعريف صكوك الإجارة بأنها: (وثائق متساوية القيمة عند إصدارها ولا تقبل التجزئة، ويمكن تداولها بالطرق التجارية، تمثل حصصاً شائعة في ملكية أعيان مؤجرة، أو ملكية منافع أو خدمات من عين معينة أو موصوفة في الذمة). - يمكن تعريف الصكوك المالية الإسلامية بأنها: (وثائق متساوية القيمة عند إصدارها تمثل حصصاً شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات، أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص). - هذا وقد تضمن تفصيل أحكام تأجير المستأجر للعين المستأجرة خمس مسائل هي: المسألة الأولى: حكم إجارة العين المستأجرة لغير المؤجر قبل قبضها. هذا وقد اختلف العلماء في حكم هذه المسألة على ثلاثة أقوال، الراجح منها القول بالجواز، وهو قول في مذهب الحنفية، والمذهب عند المالكية، وقول لبعض الشافعية، والراجح في مذهب الحنابلة، وقد استدلوا بأدلة منها: 1 - الأصل في المعاملات الحل والإباحة، ولا يوجد مانع شرعي من إجارة المستأجر للعين المؤجرة قبل قبضها. 2 - لما كان المعقود عليه في الإجارة هو منفعة العين المستأجرة لا ذاتها، ترتب على ذلك فروق مهمة بين أحكام البيع والإجارة منها: أن قبض العين المستأجرة لا ينتقل به الضمان إلى المتسأجر؛ وعليه فلم يقف جواز التصرف في العين المستأجرة على القبض، بخلاف بيع العين قبل قبضها. المسألة الثانية: حكم إجارة العين المستأجرة للمؤجر قبل قبضها. وقد اختلف العلماء في حكم هذه المسألة على قولين، الراجح منها القول بالجواز، وهو المذهب عند المالكية، والصحيح في مذهب الشافعية، والراجح في مذهب الحنابلة، وقد استدلوا بأدلة منها: 1 - الأصل في المعاملات الحل والإباحة، ولا يوجد مانع شرعي من إجارة العين المستأجرة للمؤجر قبل قبضها. 2 - ولأن كل عقد جاز مع غير العاقد جاز مع العاقد. كالبيع، إلا أنه يجب تقييد القول بالجواز بشرط ألا يكون ذلك حيلة على الربا – صورة العينة – مثال ذلك: أن يؤجر شخص عيناً لآخر لمدة عام بأجرة مقدارها ألف مقدارها ألف ريال مؤجلة إلى نهاية العام، ثم يستأجرها منه بثمانمائة حالة. المسألة الثالثة: حكم إجارة العين المستأجرة لغير المؤجر بعد قبضها. وقد اختلف العلماء في حكم هذه المسألة على قولين. الراجح منها: القول بالجواز. وهو مروي عن بعض التابعين، وهو المذهب عند الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وقد استدلوا بجملة من الأدلة أهمها. 1 - لأن قبض العين قام مقام قبض المنافع، بدليل أنه يجوز التصرف فيها؛ فجاز العقد عليها، كبيع الثمرة على الشجرة. 2 - لأن موجب عقد الإجارة ملك المنفعة، والتسلط على استيفائها بنفسه وبمن يقوم مقامه.

المسألة الرابعة: حكم إجارة العين المستأجرة للمؤجر بعد قبضها. اختلف أهل العلم في حكم هذه المسألة على قولين، الراجح منهما القول بالجواز، وهو قول عند الحنفية، والمذهب عند المالكية والشافعية والحنابلة، وقد استدلوا بأدلة أبرزها: 1 - أن كل عقد جاز مع غير العاقد جاز مع العاقد كالبيع. 2 - الأصل في المعاملات الحل والإباحة، ولا يوجد مانع شرعي من إجارة المستأجر للعين المؤجرة على مالكها. 3 - منفعة العين المستأجرة مملوكة للمستأجر ملكاً تاماً بعقد الإجارة المستوفي لشروطه؛ وعليه فيجوز له التصرف في ملكه بنفسه، أو بتأجيره على غيره سواء على مالك العين، أو على غيره. إلا أنه يجب تقييد القول بالجواز بشرط ألا يكون ذلك حيلة على الربا. المسألة الخامسة: حكم تأجير المستأجر للعين بأكثر مما استأجرها به. اختلف أهل العلم في حكم هذه المسألة على أربعة أقوال، الراجح منها القول بجواز أن يؤجر المستأجر العين المؤجرة بمثل ما استأجرها به وزيادة، وهو مروي عن بعض التابعين، وهو المذهب عند المالكية والشافعية والحنابلة، وقد استدلوا لجواز ذلك بجملة أدلة منها: 1 - المستأجر مالك للمنفعة بعقد صحيح؛ فجاز له التصرف في ملكه بنفسه وبغيره، بعوض وبغير عوض، بمثل ما استأجر به وبأقل أو أكثر، ولا يوجد مانع شرعي يمنع من ذلك. 2 - لأنه عقد يجوز برأس المال، فجاز بنقص وزيادة. 3 - أما جواز الإجارة فلا شك فيه؛ لأن الزيادة في عقد لا تعتبر فيه المساواة بين البلد والمبدل فلا تمنع صحة العقد. 4 - المنافع كالأعيان الموجودة حكماً، فتصير مملوكة له بالعقد مسلمة إليه بتسليم الدار فكان بمنزلة من اشترى شيئاً وقبضه ثم باعه وربح فيه، فالربح يطيب له؛ لأنه ربح على ملك حلال له. - اختلف الفقهاء في حكم إجارة العين الموصوفة في الذمة على قولين، الراجح منهما ما ذهب إليه الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة من القول بجواز إجارة العين الموصوفة في الذمة، وعدوها من باب السلم في المنافع؛ وعليه فإن جواز إجارة منافع الأعيان الموصوفة في الذمة منوط بتوفر شروط السلم فيها كما نص على ذلك الفقهاء، ومن أهم هذه الشروط: 1 - أن تكون العين المؤجرة مما ينضبط بالوصف. 2 - وصف العين المؤجرة وصفاً مجلياً يدفع الجهالة والغرر. 3 - تحديد موعد استيفاء العين المؤجرة. 4 - تعجيل تسليم الأجرة. إلا أنه ومع اتفاق الجمهور – في الجملة – على اشتراط تعجيل الأجرة في إجارة الأعيان الموصوفة في الذمة إلا أنهم قد اختلفوا في تفصيلات ذلك؛ بناء على خلافهم في تسليم رأس مال السلم في مجلس العقد. فقد ذهب المالكية إلى جواز تأخير تسليم أجرة العين الموصوفة في الذمة إلى ثلاثة أيام وأن ذلك في حكم التسليم في مجلس العقد، وأما الشافعية فإنهم يشترطون الحلول والتقابض في مجلس العقد، وبمثل رأي الشافعية قال الحنابلة إلا أنهم قصروا اشتراط الحلول والتقابض في تسليم الأجرة في مجلس العقد فيما إذا عقدت الإجارة على منافع الأعيان الموصوفة في الذمة بلفظ السلم، وأما إذا عقدت بلفظ الإجارة فلا يشترط لصحتها تسليم الأجرة في مجلس العقد بل يجوز تأجيلها مطلقاً. - فصل الباحث أحكام تصرفات المؤجر في العين المؤجرة على أربع مسائل هي: المسألة الأولى: حكم بيع العين المؤجرة لغير المستأجر.

اختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة على ثلاثة أقوال، الراجح منها القول بأن بيع المؤجر للعين المستأجرة لغير المستأجر بيع صحيح، ولا تنفسخ الإجارة به، وليس للمستأجر خيار، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، إلا أنهم قد أثبتوا للمشتري خيار العيب – بين فسخ البيع وإمضائه – فيما إذا لم يعلم بأن العين مؤجرة؛ ليكون مالكاً للعين دون منفعتها حتى انقضاء مدة الإجارة، هذا وقد استدلوا لذلك بأدلة منها: 1 - الإجارة إنما ترد على منفعة العين دون رقبتها، والبيع إنما يرد – في الأصل – على رقبة العين؛ وعليه فلا يمنع كون المنفعة مستحقة بعقد الإجارة من بيع الرقبة لاختلاف مورد العقدين، ولا تعارض. ولا تنفسخ الإجارة ببيع العين المؤجرة كما لا ينفسخ النكاح ببيع الأمة المزوجة. 2 - وأما الخيار للمشتري فلأن انشغال منفعة العين مدة بملك المستأجر عيب على المبيع، فكانت مثبتاً للخيار. المسألة الثانية: حكم بيع العين المؤجرة للمستأجر. اتفق العلماء في المذاهب الأربعة على صحة بيع العين المؤجرة لمستأجرها. وقد عللوا ذلك بتعليلات عدة، منها: 1 - إنما جاز بيع العين على مستأجرها لأن العين في يده ولا حائل دونها فصح بيعها، كما لو باع المغصوب من الغاصب، أو المرهون من المرتهن. 2 - ولأن المستأجر ملك المنفعة بعقد الإجارة، ثم ملك العين بعقد البيع فصح ذلك، كمن ملك الثمرة بعقد، ثم ملك العين بعقد آخر. المسألة الثالثة: حكم إجارة العين لغير المستأجر. صورة ذلك فيما لو أراد المالك أن يؤجر العين المؤجرة مدة أخرى تعقب المدة الأولى على غير المستأجر؛ وعليه فقد اختلف العلماء في حكم هذه المسألة على قولين، الراجح منهما ما ذهب إليه الحنفية والمالكية والحنابلة من صحة العقد الثاني، معللين ذلك بما يأتي: 1 - إن هذه المدة المستقبلة يجوز العقد عليها مع غيرها، فجاز العقد عليها مفردة مع عموم الناس، كالتي تلي العقد مباشرة. 2 - قياس الإجارة على السلم؛ وذلك لأن إجارة العين على غير المستأجر إنما يشترط فيها القدرة على التسليم عند وجوب التسليم لا حال العقد، فصحت كالسلم، فإن المسلم فيه لا يشترط وجوده، ولا القدرة عليه حال العقد. المسألة الرابعة: حكم إجارة العين للمستأجر. إذا أراد المالك إعادة تأجير العين المستأجرة على المستأجر مدة أخرى، فإنه لا يخلو، إما أن تكون مدة الإجارة الثانية تلي الأولى، أو لا: - فإن كانت المدة الثانية لا تلي المدة الأولى فإنه يجري فيها ما يجري في المسألة الأولى من خلاف. - وإن كانت مدة الإجارة الثانية تلي مدة العقد الأول فقد اختلف العلماء في حكمها على قولين، يترجح منهما القول بصحة العقد الثاني وجوازه، وهو ما ذهب إليه جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية، والصحيح في مذهب الشافعية، والحنابلة، وقد استدلوا للجواز بأدلة منها: 1 - إن ذلك جائز لاتصال المدتين مع اتحاد المستأجر، فصار كما لو أجره المدتين بعقد واحد. 2 - كما أن إعادة التأجير تصح مع غير المستأجر، فتصح مع المستأجر من باب أولى، وذلك بناء على أدلة القول الراجح في المسألة السابقة. خلاصة الحكم في هذه المسائل: من خلال تتبع كلام الفقهاء في هذا الموضع، وباستصحاب ما سبق بيانه وترجيحه في المسائل الآنفة الذكر فإنه يظهر للباحث أن المستأجر إنما استحق منفعة العين المؤجرة – لا عينها ورقبتها – مدة الإجارة، وعليه فإنه يصح أن يتصرف المؤجر في رقبة العين المستأجرة أو منفعتها، مع المستأجر أو غيره أي تصرف من بيع، أو إجارة، أو هبة، أو وصية، أو رهن، وغيرها، مادامت هذه التصرفات لا تتعارض، أو تمنع المستأجر من استيفاء منفعة العين المعقود عليها مدة الإجارة. • حكم إجارة المشاع.

لا يخلو تأجير الجزء المشاع من إحدى حالتين: الحالة الأولى: أن يقوم بتأجيره على شريكه. وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على جواز إجارة المشاع في هذه الحالة. الحالة الثانية: أن يؤجر ملكه المشاع على غير شريكه. وقد اختلف العلماء في حكم هذه الحالة على قولين، الراجح منها القول بتجويز إجارة المشاع، وإليه ذهب أبو يوسف ومحمد بن الحسن، والمالكية، والشافعية، وقول عند الحنابلة، مستدلين لصحة ما ذهبوا إليه بأدلة منها: 1 - أن المشاع يصح شراؤه فتصح إجارته. 2 - أن المشاع منفعة، وتسليمه للمستأجر ممكن، إما بالتخلية بينه وبين الشقص المشاع، وإما بالقسمة؛ فاستيفاء المنفعة غير متعذر من المشاع لكونه معلوم بالنسبة كنصف وثلث فتمكن قسمته وحيازته في أي وقت، فيكون لا فرق بينه وبين غير المشاع. 3 - إجارة المشاع عقد إجارة صحيح قد استكمل أركان الإجارة، واستجمع شروط صحتها، وانتفت عنه موانع انعقادها. • أحكام نفقة العين المستأجرة: 1 - يظهر لمن أمعن النظر في كلام الفقهاء – رحمهم الله – اتفاقهم على إلزام المؤجر بإصلاح وتهيئة العين المؤجرة بكل ما يتمكن به المستأجر من استيفاء منفعة العين المعقود عليها. 2 - كذلك من الأمور المقررة والتي هي محل اتفاق بين الفقهاء في هذا الباب أن المؤجر يلزمه كل ما جرى العرف واستقر عليه من الواجبات والحقوق. 3 - يلزم المؤجر أن يقوم بجميع النفقات والخدمات التي نص عليها العقد، سواء أجرى بها العرف أم لم يجر. 4 - وأما إذا حدث في العين المؤجرة خلل أو عيب يتطلب إصلاحاً وصيانة كانهدام بعض الدار، أو حاجة محركات السيارة إلى إصلاح، أو تلف إطارات السيارة، فهل يجبر المؤجر على إصلاحها؟ إذا كان الخلل، أو النقص كبيراً – كانهدام بعض غرف الدار المستأجرة – فلا يجبر المؤجر على إصلاحه باتفاق الفقهاء، وأما إن كان الإصلاح الذي تحتاج إليه العين يسيراً، فقد اختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة على قولين، الراجح منهما القول بأن المؤجر يجبر على إصلاحه، وهو قول عند المالكية، وقول عند الحنابلة ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية. هذا وقد عللوا ما ذهبوا إليه، بأن المستأجر قد استحق منفعة العين المعقود عليها بصفة السلامة والصحة؛ والوفاء بالعقد واجب، وعليه فيجبر المؤجر على إصلاح هذا الخلل، وخاصة مع كونه يسيراً لا مضرة فيه على المؤجر. • ضمان العين المستأجرة: لا خلاف بين العلماء في كون يد المستأجر على العين المؤجرة يد أمانة؛ وعليه فضمان العين المستأجرة على مالكها – المؤجر – ما لم يتعد المستأجر أو يفرط، إلا أن الفقهاء قد اختلفوا فيما لو اشترط المؤجر في عقد الإجارة أن تكون العين المؤجرة مضمونة على المستأجر مطلقاً – حتى وإن لم يتعد أو يفرط – على قولين. أرجحهما القول بأن اشتراط ضمان العين المؤجرة على المستأجر شرط باطل لا يصح وهو قول الجماهير من الحنفية والمالكية والشافعية، والمذهب عن الحنابلة، وقد استدل الجمهور بجملة أدلة منها: 1 - اشتراط الضمان على المستأجر غير مشروع لأنه ينافي مقتضى العقد؛ وذلك لأن مقتضى عقد الإجارة أن يد المستأجر يد أمانة لا تضمن إلا بتعد أو تفريط. وحتى لو رضي المستأجر بهذا الشرط فإنه لا يلزمه لأنه خلاف الشرع؛ ولأن رضا المتعاقدين لا يجعل الحلال حراماً ولا الحرام حلالاً. 2 - ما روي، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط، وعليه فلا يصح اشتراط الضمان على المستأجر لأن الإجارة بيع منافع، فلا يصح أن يجمع معها شرطاً، وهو الضمان على المستأجر.

3 - إن في اشتراط الضمان على المستأجر جهالة بالغة وغرراً، وذلك لدخول المستأجر على عقد في مخاطرة كبيرة قد يغنم فيها وقد يغرم، وقد يقتصر الأجرة على ما تم تسميته في العقد وقد تزيد زيادة كبيرة وأضعافاً مضاعفة عن المسمى في العقد، وقد تزيد زيادة يسيرة نتيجة ضمان العين المستأجرة. • حكم اجتماع عقدين في عقد: بعد تأمل الأحاديث الواردة في حكم اجتماع عقدين في عقد، وتتبع كلام أهل العلم حولها، وعرض خلافهم في تفسير بعض هذه النصوص؛ فقد ظهر للباحث ما يأتي: الأصل في العقود الإباحة والحل حتى يثبت المحرم والحاظر، وعليه فإن مجرد اجتماع عقدين فأكثر في عقد واحد جائز؛ إذ لا دليل على تحريمه إلا إذا انضم إلى ذلك علة أخرى تؤدي إلى جعله محرماً، وإن أبرز هذه العلل والضوابط التي إن وجدت في العقود المجتمعة فإنها تؤدي بها إلى الحظر والتحريم ما يأتي: 1 - اجتماع العقود على وجه فيه غرر فاحش، وجهالة. وإن أبرز ما ينطبق عليه الضابط السابق ما نص عليه السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من صورة مفادها أن يبيع السلعة بأحد ثمنين؛ أحدهما نقد، والآخر نسيئة، ثم يبرم المتعاقدان العقد على أن البيع قد لزم بأحد الثمنين، ثم يفترقان دون تعيينه. 2 - اجتماع العقود على وجه يصيرها ذريعة، أو حيلة، أو تؤول إلى الربا. ويعد هذا الضابط أو القيد من الأهمية بمكان؛ وذلك لأن اجتماع العقود في عقد يكون في حالات ليست بالقليلة حيلة وقنطرة إلى الربا المحرم؛ فيكون ظاهر هذا العقد فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، وإن من أبرز ما ينطبق عليه هذا الضابط من الصور بيع العينة، واشتراط عقد معاوضة في عقد القرض، أو العكس. 3 - اجتماع عقود متضادة. والمراد بالحظر هنا هو اجتماع عقود مختلفة في شروطها وأحكامها إذا ترتب على ذلك تضاد في الموجبات، والآثار، وهذا إنما يكون في حالة توارد عقدين – فأكثر – على محل واحد في وقت واحد وأحكامها مختلفة متضادة. • اشتراط الإجارة في عقد البيع: المراد به أن يشترط البائع على المشتري أن يؤجره العين المباعة، أو غيرها. هذا وقد اختلف أهل العلم في حكم اشتراط ذلك على قولين، الراجح منهما ما ذهب إليه المالكية في المشهور من المذهب، وهو قول في مذهب الشافعية، ورواية عند الحنابلة، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم من جواز اشتراط الإجارة في عقد البيع، وأن كلا العقدين صحيح مع لزوم الشرط. • حكم التأجير المنتهي بالتمليك: للتأجير المنتهي بالتمليك صور متنوعة، أهمها: 1 - التأجير المنتهي بالتمليك تلقائياً وبلا ثمن. والذي يظهر للباحث في تكييفها أنها عقد إجارة اقترن به عقد هبة معلق على تمام سداد أقساط الإجارة؛ وعليه فإن الراجح جواز هذه الصورة بالضوابط الآتية: أن يكون العقد الأول عقد إجارة حقيقي مستجمعاً لأركانه، وشروطه، وأن تترتب على عقد الإجارة جميع آثاره المقررة شرعاً للمؤجر والمستأجر، ومن أهم ما يجدر التأكيد عليه في هذا المقام أن تكون العين المؤجرة في ضمان المؤجر، وأن لا يقترن بالعقد شروط محرمة أو فاسدة، كاشتراط تأمين تجاري على العين المؤجرة أو غير ذلك. 2 - التأجير المنتهي بالتمليك بثمن. وذلك بأن يستأجر أحدهما عيناً من الآخر بأجرة معلومة مقسطة على آجال محددة معلومة، في مدة معلومة، وينص المؤجر في العقد على أنه قد باع هذه العين المؤجرة من المستأجر بيعاً باتاً معلقاً على تمام سداد جميع أقساط الإجارة. والذي يظهر للباحث تحريم هذه الصورة بالكيفية الآنفة الذكر.

3 - التأجير المقترن بوعد التمليك. فإن كان الوعد ملزماً فإن حكمها كحكم الصورة السابقة؛ لأن هذا الوعد الملزم في حقيقته عقد، وإن سمي وعداً، فإن تغيير الاسم لا يغير من حقيقته شيئاً؛ لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني. وأما إن كان الموعد غير ملزم فإن هذه الصورة جائزة لأنها عقد إجارة حقيقي، اقترن به وعد غير ملزم للطرفين؛ فإن تم البيع الموعود به كان بيعاً حقيقياً صحيحاً. • حكم بيع العينة: ذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف – وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة – إلى تحريم بيع العينة، واستدلوا لذلك بجملة من الأدلة. • خصائص صكوك الإجارة: لصكوك الإجارة خصائص كثيرة أهمها: 1 - صكوك الإجارة تتمتع بكثير من خصائص الأوراق المالية. ومن ذلك أن صكوك الإجارة لها قيمة اسمية محددة ومتساوية، كما أنها قابلة – إجمالاً – للتداول في الأسواق المالية بالطرق التجارية المتبعة، وكذلك عدم قابليتها للتجزئة في مواجهة المصدر. 2 - صكوك الإجارة ورقة مالية خاضعة لأحكام الإجارة في الفقه الإسلامي، وضوابطها الشرعية. ويعد ما ذكر خاصية، وميزة في آن واحد، ومن جهتين؛ الأولى منهما، كون صكوك الإجارة ورقة مالية منضبطة بضوابط الشرع وملتزمة بحدود المولى جل وعز، وثانيهما، ابتناء هذه الصكوك على عقد من أهم العقود في الشريعة الإسلامية وهو عقد الإجارة. 3 - المرونة والسعة. ومن أهم الجوانب التي تتجلى فيها مرونة صكوك الإجارة مرونتها من جهة مصدرها، والوساطة المالية التي تتضمنها، ومرونتها من جهة تعدد صورها. 4 - خضوعها لعوامل السوق. • صكوك ملكية الأصول المؤجرة: يمكن أن تعرف بأنها: وثائق متساوية القيمة عند إصدارها، ولا تقبل التجزئة، ويمكن تداولها بالطرق التجارية، تمثل حصصاً شائعة في ملكية أعيان مؤجرة، أو موعد باستئجارها؛ مما يخول ملاكها حقوق هذه الوثيقة، ويرتب عليهم مسؤولياتهم. والذي يظهر للباحث تكييفها بأنه عقد بيع لحصة شائعة، ويكون مصدر هذه الصكوك بائعاً لعين مؤجرة يملكها، والمكتتبون في هذه الصكوك هم المشترون لهذه العين، وما تمثله الصكوك هو السلعة المبيعة، وحصيلة الاكتتاب هي ثمن السلعة، وعليه فإن حملة الصكوك هم شركاء في ملكية العين المؤجرة على الشيوع شركة ملك, لهم غنمها, وعليهم غرمها. • صكوك ملكية المنافع: يمكن أن تعرف بأنها: وثائق متساوية القيمة عند إصدارها، ولا تقبل التجزئة، تمثل حصصاً شائعة في ملكية منافع أعيان معينة، أو موصوفة في الذمة؛ مما يخول ملاكها حقوق هذه الوثيقة، ويرتب عليهم مسؤولياتها. هذا ويندرج تحت هذا النوع من الصكوك قسمان رئيسان: - القسم الأول: صكوك ملكية منافع الأعيان المعينة. ويندرج تحت هذا القسم صور متعددة يمكن إجمال ما تؤول إليه في الأصل إلى صورتين: - الصورة الأولى: أن يقسم مالك عين، منفعة هذه العين إلى أجزاء متماثلة، ويمثل كل جزء من أجزاء هذه المنفعة بصك يفصل فيه أحكام تمليك هذه المنفعة – كمدة الانتفاع، وطريقته، وقيمته، وغيرها من الشروط والأحكام – ثم يطرح هذه الصكوك للاكتتاب. والذي يظهر للباحث جواز هذه الصورة؛ وذلك لأنها في حقيقتها عقد إجارة، إلا أن جواز هذه الصورة مرتبط باستكمال هذا العقد لشروط الإجارة المقررة شرعاً، وانتفاء ما يبطله. ويكون مصدر الصكوك هو المؤجر، والمكتتبون في هذه الصكوك هم المستأجرون لهذه العين، وحصيلة الاكتتاب هي الأجرة – ثمن المنفعة – وعليه فإن حملة الصكوك يملكون منافع هذه الأعيان المؤجرة على الشيوع، لهم غنمها وعليهم غرمها.

- الصورة الثانية: أن يقوم مستأجر – مالك لمنافع عين، أو أعيان معينة – بتقسيم المنافع التي ملكها بعقد الإجارة إلى صكوك متساوية القيمة، ثم يقوم بطرحها للاكتتاب العام، والذي يظهر للباحث جواز هذه الصورة وذلك لكونها في حقيقة الأمر عقد إجارة من مالك للمنفعة – المستأجر – وهو ما اصطلح على تسميته بالإجارة من الباطن. - القسم الثاني: صكوك ملكية منافع الأعيان الموصوفة في الذمة. مثال ذلك: أن تقوم جهة بطرح صكوك تمثل ملكية الانتفاع بأعيان موصوفة في الذمة، وتتبين في هذه الصكوك تفاصيل هذه المنفعة، والعين محل الانتفاع وصفاً دقيقاً، ومدة الانتفاع – بداية ونهاية – وشروط هذا الانتفاع. بعد تأمل هذه الصورة فإن الذي يظهر للباحث أن هذه الصورة من صور صكوك ملكية المنافع إنما هي في حقيقتها عقد إجارة عين موصوفة في الذمة، ويكون مصدر هذه الصكوك مؤجر – بائع منفعة – عين موصوفة في الذمة، والمكتتبون في الصكوك هم مستأجرون لمنافع هذه العين الموصوفة في الذمة، وحصيلة الاكتتاب هي الأجرة؛ وعليه فإن حملة الصكوك يملكون منافع هذه العيان الموصوفة في الذمة على الشيوع؛ لهم غنمها وعليهم غرمها، ولذلك فإنه يظهر جواز هذه الصورة شريطة استكمال شروط إجارة الموصوف في الذمة. • صكوك ملكية الخدمات: هي وثائق متساوية القيمة عند إصدارها، ولا تقبل التجزئة، تمثل حصصاً شائعة في ملكية خدمة – عمل – من جهة معينة أو موصوفة في الذمة. ولصكوك ملكية الخدمات نوعان: - النوع الأول: صكوك ملكية خدمات جهة معينة، وصورتها: أن تقوم جهة بتمثيل خدماتها على شكل صكوك فيها وصف دقيق محكم منضبط لحصة شائعة مقدرة في خدماتها، ثم تطرحها للاكتتاب العام؛ فيكون المكتتب في صك من هذه الصكوك مالكاً لحصة مشاعة من خدمات هذه الجهة. بعد تأمل الصورة السابقة فإن الذي يظهر للباحث أنها عقد إجارة، من قبيل إجارة الأشخاص – الأجير المشترك – ويكون مصدر هذه الصكوك هو الأجير المشترك – بائع منفعة أو خدمة (عمل) – والمكتتبون في الصكوك هم مستأجرون لهذه الخدمات، وحصيلة الاكتتاب هي الأجرة؛ وعليه فإن حملة الصكوك يملكون الخدمة المبينة في الصك بتفصيلاتها، وبالشروط المرفقة في العقد، إلا أن جواز هذه الصورة يشترط له أن توفر جميع شروط عقد الإجارة الواردة على عمل، من حيث تحديد نوع العمل، أو مدته، ومقدار الأجرة، ووقت دفعها، ونحو ذلك. - النوع الثاني: صكوك ملكية خدمات جهة موصوفة في الذمة. صورته: أن تقوم شركة بتحويل خدمات موصوفة وصفاً دقيقاً منضبطاً إلى صكوك متساوية القيمة، وتكون مستحقة الاستيفاء في مواعيد مستقبلية محددة، ثم تقوم بطرح هذه الصكوك للاكتتاب العام. وبعد تأمل هذا النوع من أنواع صكوك ملكية الخدمات، فإن الذي يظهر للباحث أن تكييفها لا يخرج عن تكييف صكوك ملكية منافع الأعيان الموصوفة في الذمة؛ وعليه فإن هذه الصورة من الصكوك إنما هي من قبيل إجارة منافع أعيان موصوفة في الذمة، وحكمها كحكمها. • عقد إصدار صكوك الإجارة: صكوك الإجارة بصورها المختلفة إنما هي صياغة معاصرة لعقد من العقود الشرعية المقررة في مدونات أهل العلم؛ وعليه فإنها تصدر على أساس عقد من هذه العقود، ويجب أن تتوفر فيها أركانه وشروطه وتنتفي عنها موانعه. • الشروط في عقد إصدار صكوك الإجارة:

المراد بالشروط في عقد إصدار صكوك الإجارة هي: الشروط التي يجب أن يتضمنها عقد إصدار الصكوك حتى يستوفي شروط الإيجاب الشرعي، والذي يترتب على تمام قبوله من الطرف الآخر صدور صكوك الإجارة على مقتضاه وأساسه، وهو ما تترتب عليه الآثار الشرعية للعقد؛ وعليه فإنه ومن الأهمية بمكان أن يراعى في عقد إصدار صكوك الإجارة مستوفياً لأركانه وشروطه، وأن لا يتضمن شرطاً ينافي مقتضاه، أو يخالف أحكامه، وأن تكون المعلومات المطلوبة شرعاً لتمام الأركان والشروط موضحة في عقد الإصدار، هذا ومن الأهمية بمكان أن ينص العاقدان على الشروط التي تتضمن منفعة مباحة للعاقدين، أو لأحدهما في عقد الإصدار؛ حتى يكون ذلك أبعد عن النزاع، ويتأكد أن ينص عقد الإصدار على أحكام تداول الصكوك محل العقد واستردادها وانتهائها، كما يحسن أن يكون في غرة عقد الإصدار بيان للمصطلحات والتعريفات الواردة في العقد؛ حتى تكون المرجع في تفسيرها، وهو ما ينفي ما قد ينشأ عن ذلك من خلاف. • تداول صكوك الإجارة: التداول مصطلح له مفهوم خاص فيها يتعلق بالأوراق المالية، ومفاده: هو نقل ملكية الورقة المالية من مالك لآخر بعقد من العقود الشرعية، عبر وسيلة من الوسائل التجارية المعتبرة. أولاً: حكم تداول صكوك ملكية المنافع: سبق تكييف هذه الصورة من صور صكوك الإجارة بأنها عقد بيع؛ وعليه فيجوز تداول هذا الصك منذ إصداره؛ وذلك لأن هذا النوع من الصكوك يمثل حصة شائعة في ملكية عين. ثانياً: حكم تداول صكوك ملكية منافع الأعيان المعينة: حكم تداول هذا النوع من الصكوك – بصورتيه على حد سواء – يختلف على حالين: الحال الأولى: أن يقوم مصدر الصكوك ببيع منافع – تأجير – العين محل العقد على المكتتبين، ولم تكن مؤجرة على غيرهم قبل، ففي هذه الحال يجوز تداول هذا النوع من الصكوك منذ تمام الاكتتاب فيها؛ وذلك لأنه يعد إعادة تأجير من مالك للمنفعة. الحال الثانية: أن يكون إصدار الصكوك بعد تأجير العين محل العقد، وتكون الصكوك بمثابة إعطاء المكتتب الحق في استيفاء أجرة العين المؤجرة طوال مدة الصك؛ ففي هذه الحال يمثل الصك قيمة الأجرة – وهي دين في ذمة المستأجر – وعليه فلا يصح تداولها إلا بضوابط التصرف في الديون. ثالثاً: حكم تداول صكوك ملكية منافع الأعيان الموصوفة في الذمة: اختلف المعاصرون في حكم تداول هذا النوع من الصكوك إلى قولين، الراجح منهما الجواز. رابعاً: حكم تداول صكوك ملكية خدمات جهة معينة: لا مانع شرعاً من تداول هذا النوع من الصكوك، وهو يأخذ حكم تداول صكوك ملكية منافع الأعيان المعينة، ولا فرق. خامساً: حكم تداول صكوك ملكية خدمات جهة موصوفة في الذمة: الحكم في تداول هذا النوع من صكوك الإجارة يجري فيه ما جرى من خلاف في حكم تداول صكوك ملكية منافع أعيان موصوفة في الذمة سواءً بسواء. • استرداد صكوك الإجارة: لما كان تداول الصك هو التصرف فيه – كبيعه – على غير مصدره، فإن الاسترداد هو التصرف فيه مع مصدره، ويتم ذلك بعد تمام الاكتتاب في الصكوك، وطرحها للتداول فقد يقوم مالك الصك بإعادته لمصدره إما بالقيمة السوقية للصك، أو بما يتفقان عليه، فهذه الصورة هي استرداد الصكوك. هذا وإن استرداد مصدر الصكوك لها إنما هو عقد جديد بينه وبين حامل الصك، وتفصيل ذلك في صكوك الإجارة على النحو الآتي: أولاً: استرداد صكوك ملكية الأصول المؤجرة جائز بالقيمة التي يتفق عليها الطرفان؛ وذلك لأن هذه الصورة في حقيقتها إنما هي بيع حصة مشاعة من مالكها؛ حامل الصك. ثانياً: استرداد صكوك ملكية المنافع، وصكوك ملكية الخدمات:

يجوز بما يتفق عليه الطرفان من أجرة، شريطة أن لا يكون ذلك حيلة على الربا، ويكيف ذلك فقهياً بأنه إعادة تأجير المستأجر للعين المؤجرة من مؤجرها، سواء أكان المؤجر مالكاً للعين أم مالكاً للمنفعة فقط. • انتهاء صكوك الإجارة: تأسيساً على ما سبق بيانه من كون صكوك الإجارة إنما هي ورقة مالية تمثل حصة مشاعة في ملك عين، أو منفعة شخص، أو عين معينة، أو موصوفة في الذمة، وأن كل صورة من صور صكوك الإجارة إنما هي في حقيقتها أحد العقود الشرعية المعروفة – كالبيع، وإجارة الأشخاص، وإجارة منافع أعيان معينة أو موصوفة في الذمة – فإن صكوك الإجارة تنتهي بانتهاء ما تمثله من عقود شرعية. - قام الباحث بضرب أمثلة يمكن تطبيقها على أرض الواقع للتمويل بالإجارة. • دراسة وتقويم لتجربة مملكة البحرين في تطبيقاتها لصكوك الإجارة: أصدرت حكومة البحرين عشرة إصدارات من صكوك الإجارة كان آخرها في يوليو من العام الجاري 2004م، وقد بلغ مقدار ما تم طرحه من خلال هذه الإصدارات ما يربو على العشرة مليار دولار. وقد قام الباحث بدراسة وتقويم آخر هذه الإصدارات، وهو الإصدار العاشر والذي تم طرحه للاكتتاب بقيمة إجمالية مقدارها 40 مليون دينار بحريني، ويبتدئ الإصدار من 20/ يوليو 2004م ولمدة عشرة سنوات حتى 20/ يوليو 2014م بمعدل تأجير سنوي ثابت مقداره (5.125%) تدفع كل ستة أشهر. الحكم الشرعي لهذا الإصدار: اختلف المعاصرون في حكم هذه الصيغة على قولين، الراجح منها القول بتحريمها ومنعها والحكم بإبطالها، وقد دل على ذلك جملة من الأدلة، ومجملها: 1 - إن صكوك الإجارة بالصيغة السابقة إنما هي ضرب من ضروب العينة المحرمة التي نص جمع من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريمها، وذهب جماهير أهل العلم إلى تحريمها ومنعها. 2 - تعد صكوك الإجارة صورة من صور معاملة نص جماهير أهل العلم على تحريمها وإبطالها، والتشنيع على مرتكبها، وهي ما يسميها الحنفية بيع الوفاء، والمالكية بيع الثنيا، والشافعية بيع العهدة، والحنابلة بيع الأمانة، وتسمى بأسماء أخرى كبيع الرجاء. 3 - صورية العقود، وكونها حيلة على الربا. كذلك استدل القائلون بالتحريم بأن صكوك الإجارة البحرينية – محل الدراسة – إنما هي صيغة مركبة من جملة من العقود والوعود الصورية المفرغة من محتواها، والمقصود بها أداء وظيفة تمويلية محددة. ما هي إلا سندات القرض الربوية المحرمة.

صناعة الصورة باليد مع بيان أحكام التصوير الفتوغرافي

صناعة الصورة باليد مع بيان أحكام التصوير الفتوغرافي ¤عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار£بدون¥دار ابن خزيمة - الرياض¨الأولى¢1427هـ€فقه¶تصوير ونحت تماثيل الخاتمة بعد عرض موضوعات البحث ظهر لي ما يلي: أولا: أن التصوير باليد وهو ما كانت اليد المباشرة فيه لعملية التصوير بنوعيه – أعني التصوير المسطح والتصوير المجسم – كلاهما حرام لوجود علة المضاهاة، وغيرها من العلل التي ذكرناها. ثانيا: أن النقش باليد لا يعدو كونه رسما، بل هو أعم منه من جهة التحسين والتجميل، ولذا كانت عقوبته أشد. ثالثا: أن النقش والرسم والتصوير كلها قد تكون مكروهة، وإن كان بعضها قد يكون أوسع من الآخر في بعض الأحيان. رابعا: أن هناك وعيدا شديدا لمرتكبي حرمة التصوير، لورود الأدلة الواردة في حقهم. خامسا: كثرة العلل الواردة في تحريم التصوير، فهي غير مقتصرة على المضاهاة في الخلق فقط كما يظن البعض. سادسا: أن الرسم باليد أو النقش بها فيما ليس ممتهنا، الصحيح أنه محرم، وهو قول الجمهور من الفقهاء بخلاف من قال بكراهيته. سابعا: أن الرسم باليد لما يعد ممتهنا هو كبيرة من كبائر الذنوب. ثامنا: أن هناك فرقا بين الرسم لما يعد ممتهنا، واستعمال ما يعد ممتهنا، ففيه خلاف، والصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا بأس باستعمال التصاوير الممتهنة، وإن تجنبها الإنسان فهو أولى. تاسعا: أن الصورة إذا كانت مقطوعة الرأس، فالصحيح أنه لا بأس بها. عاشرا: أنه يحرم رسم، أو نقش الرأس فقط، لقوة الأدلة الدالة على التحريم. أحد عشر: أن الرسم الكاريكاتوري أشد تحريما من الرسم العادي لأنه اشتمل على أمرين: 1 - مباشرة اليد في الرسم. 2 - السخرية الحاصلة به من خلال الرسوم. اثنا عشر: أن التصوير الفوتوغرافي لم يكن موجودا في العصور المتقدمة وإنما اكتشف في العصور المتأخرة. ثلاثة عشر: أن الذين قالوا بإباحة هذا النوع من التصوير اشترطوا له شروطا خاصة بأن لا تشتمل الصورة على محرم أو يكون فيها استهزاء في الدين والأخلاق والقيم. أربعة عشر: تبين لي رجحان تحريم التصوير بكل أشكاله وأنواعه إلا ما دعت إليه الضرورة أو الحاجة مع التأكيد على حرمة تصوير المرأة بكل حال إلا في حال الضرورة القصوى كمرض أو جناية أو إخلال بالأمن أو غير ذلك مما لا بد منه. خمسة عشر: تبين لنا أن شيخنا – رحمه الله – يرى جواز التصوير الفوتوغرافي ويقول أنه ليس تصويرا في واقع الأمر. ستة عشر: تبين أن شيخنا – رحمه الله – يقول إن التصوير الفوتوغرافي يأخذ حكم الغرض منه فإن كان الغرض محرما كان محرما وإن كان الغرض منه جائزا كان جائزا لأن الوسائل لها أحكام المقاصد. سبعة عشر أن التصوير الفوتوغرافي لغير غرض شرعي لا يجوز كمن يصور للذكرى أو يحتفظ بالصورة وهذا ما يراه شيخنا وبهذا يعلم أن رأي الشيخ لا يختلف عن غيره في مآل الصورة وإن كان نفس الفعل يتساهل فيه الشيخ. هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد ..

صوم الشيوخ المسنين

صوم الشيوخ المسنين ¤عبدالعزيز خليفة القصار£بدون¥دار ابن حزم - بيروت¨الأولى¢1420هـ€فقه¶صيام - أعمال منوعة الخاتمة وفي ختام بحثي هذا تبين لنا بجلاء أن علمائنا رحمهم الله تعالى قد ورثوا لنا ثروة فقهية ضخمة تناولت شتى الموضوعات وتطرقت لجميع الأمور التي يحتاج إليها الإنسان في حياته وحتى بعد مماته، كما يتضح لنا أهمية موضوع صوم الشيوخ المسنين وإن الحاجة ماسة لبحثه مع إرداف البحث الفقهي بنظرة طبية شاملة، تلم الموضوع وتجعله متكاملا من الناحية الفقيهة والطبية. وإليك أيها القارئ الكريم أهم النتائج التي توصلت إليها: 1ـ الشيخ المسن هو الذي انتهى شبابه وطعن في السن بحيث يعجز عن الأداء بسبب الكبر فلا يرجى له عودة القوة 2ـ اتفق الفقهاء على جواز الفطر للشيخ المسن إذا عجز عن الصيام عجزا مستمرا بحيث يلحقه بالصوم مشقة شديدة 3ـ المشقة الشديدة التي تبيح للشيخ المسن الفطر ترجع إلى العادة وإلى طبيعة الشخص، ولذا يترك في تقديرها للشيخ المسن نفسه ولا مانع من أن يحدد الطبيب المسلم الثقة إمكانية الصوم للشيخ المسن من عدمه عند دراسة حال جسم الشيخ المسن. 4ـ تجب الفدية على الشيخ المسن إذا عجز عن الصيام عجزا مستمرا 5ـ مقدار الفدية الواجبة هو مد من الطعام من جنس صدقة الفطر. 6ـ الشيخ المسن العاجز عن الصيام إذا قدر عليه وقد أخرج الفدية فلا يلزمه القضاء وإن لم يخرج فعليه القضاء 7ـ الصوم عن الشيخ المسن حال حياته لا يصح وأما بعد مماته فالمتجه هو عدم الصيام عنه لسقوط طلب الصيام عنه وإنما الواجب هو الفدية لا غير هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ضمان المنافع دارسة مقارنة في الفقه الإسلامي والقانون المدني

ضمان المنافع دارسة مقارنة في الفقه الإسلامي والقانون المدني ¤إبراهيم فاضل الدبو£بدون¥دار عمار - عمان¨الأولى¢1417هـ€فقه¶ضمان وكفالة ورهن الخاتمة ونتائج البحث في ختام بحثي لموضوع ضمان المنافع الذي أرجو الله عز وجل أن أكون قد وفقت في إيفائه حقه، أبين أهم النتائج التي توصلت إليها. 1 - إن الضمان يعني التزاماً ما بين اثنين يترتب على الملتزم حق مالي، وأسباب الضمان ثلاثة هي: ضمان عقد وضمان يد وضمان إتلاف. وأظهر ما تتمثل به يد الضمان هي يد الغاصب وإما تفضي إليه من الأيدي، ولهذا تناولنا الغصب بالبحث بالقدر الذي له صلة بموضوع الرسالة. 2 - وتبين لنا من خلال البحث أن الفقهاء اختلفوا في تضمين الأجير المشترك أو عدم تضمينه، وقد اخترنا الرأي الذي ألزمه بالضمان سواء كان مفرطا في عمله أو غير مفرط مع الأخذ بعين الاعتبار بتلك الشروط التي اشترطها أصحاب هذا الرأي. 3 - كما اتضح لنا أن للفقهاء رأيين في ضمان العارية، وقد أخذنا برأي القائلين بالضمان لقوة أدلتهم ولأن المصلحة تقضي بالضمان لخراب الذمم في العصر الحاضر. 4 - وظهر لنا أيضاً أن فريقاً من الفقهاء اعتبر الإخلال بالوعد إذا ترتب عليه ضرر للطرف المقابل سببا موجبا لتضمين الضار، ولم يشترط هؤلاء العلماء رحمهم الله تعالى للتعويض عن الضرر أن يكون مقابل مال تالف، وقد أيدنا وجهة نظر هذا الفريق من العلماء لوجاهة أدلتهم ولما فيه من المصلحة للآخرين. 5 - وبخصوص الضرر الأدبي فإن هناك من الفقهاء من ألزم الضار بتعويض المضرور عما لحق به من الضرر. ومن وجهة نظري أن ما أوجبته الشريعة الإسلامية من حدود وعقوبات تعزيرية وتعويضا عما أصاب المعتدي عليه من ضرر أدبي هي أولى بالأخذ من التعويض المالي لما فيه من ردع المعتدي وزجر للمجتمع. 6 - وعند الكلام عن تضمين الغاصب قيمة العين المغصوبة سواء كانت مثلية أو قيمية اختلف الفقهاء في الوقت الذي تحدد فيه القيمة، وقد اخترنا الرأي الذي يلزم الغاصب أقصى القيم للعين المغصوبة من يوم الغصب إلى حين فقدانها في الأسواق، لما فيه من إنصاف للمغصوب منه. وإذا لم تعد للمثلى قيمة نظرا لاختلاف المكان أو الزمان كالماء الذي يغصب في مفازة أو صحراء، فإن الغاصب يلزم في هذه الحالة بدفع قيمة الماء في مكان غصبه وفي زمان الغصب أيضاً، منعا من إلحاق الضرر بالمالك. 7 - وعند الكلام عن المغصوب إذا كان من العملة الورقية، ظهرت عدة اتجاهات بشأنها، حيث اعتبرها البعض من الفقهاء عروضا تجارية ومنهم من اعتبرها سندات بدين على جهة إصدارها ومنهم من ألحقها بالفلوس الكاسدة. وقد رجحنا الرأي الذي اعتبر العملة الورقية قائمة مقام الذهب والفضة، نظرا لتحقق الثمنية في هذه الأوراق ولأن تعامل الناس يجري بها في العصر الحاضر، كما أن الأخذ بهذا الرأي يبعدنا عن شبهة الربا والوقوع في المحظور الشرعي. 8 - واتضح لنا من خلال البحث أن هناك اتجاهين في اعتبار المنفعة مالا أو عدم اعتبارها. وقد أخذا برأي القائلين بماليتها وهم الجمهور لرجحان أدلتهم ووجاهتها، ولأن إهدار المنافع وعدم القول بماليتها يعد ضياعا للحقوق ومجافاة لعمل الناس وأعرافهم. 9 - وتبين لنا عند الكلام عن نقص العين المغصوبة بسبب هبوط الأسعار، أن الجمهور لم يعتبروا ذلك نقصا وألزموا المغصوب منه بقبول العين، وقد خالف أبو ثور وبعض أصحاب الشافعي وجهة نظر الجمهور هذه، حيث ألزموا الغاصب بتعويض المالك نقص قيمة العين المغصوبة. وقد أيدنا هذا الرأي، لأنه كما ذكرنا أن القيمة هي العيار المالي الحقيقي للسلعة، والقول بعدم اعتبارها، يلحق الضرر بصاحب العين المغصوبة، وذلك غير جائز.

10 - واتضح لنا من عرض آراء العلماء في الربح الحاصل من المال المغصوب، أن هناك ثلاثة آراء في مصير الربح: أحدها، يقضي برده مع الأصل لصاحب المال، والثاني، يعتبر الربح للغاصب، والرأي الثالث، يلزم الغاصب بالتصدق بالربح، لأنه كسب غير طيب. وقد اخترنا الرأي الأول، لأنه يحقق العدالة من وجهة نظرنا، إذ الربح هو نماء مال يعود لشخص استلب منه ظلما، فينبغي أن لا يحرم من فوائد ملكه. 11 - كما تبين لنا من خلال البحث اتفاق وجهة نظر الفقهاء في العين المغصوبة إذا كانت أرضا فاستغلها الغاصب، له زرعه وعليه أجرة الأرض إلى وقت التسليم، ويلزم بضمان نقصان الأرض وتسويتها. وفيما لو أراد تملك الزرع وتعويض صاحبه ما أنفقه عليه، اختلف الفقهاء في جواز ذلك. وقد أخذنا برأي المجوزين لأسباب ذكرناها في موضعها. 12 - كما ظهر لنا أثناء عرضنا لأراء الفقهاء رحمهم الله تعالى في مسألة تنازل الشخص عن حقوقه المجردة لقاء عوض، أنهم اتفقوا على عدم جواز بيع هذه الحقوق، واختلفوا في جواز التنازل عنها مقابل مال على عدة أقوال: رجحنا رأي المجيزين في الحقوق القوية، كحق المرأة في المصالحة عن حقها في المبيت مقابل مال، وأيدنا وجهة نظر الممانعين في الحقوق الضعيفة، مثل حق الشفعة. أما بخصوص الحقوق المتعلقة بمال كحقوق الارتفاق، فقد أخذنا برأي من يجيز بيع هذه الحقوق والتنازل عنها لقاء عوض بأي طريق كان. كما أيدنا وجهة نظر من يجيز للموظف التنازل عن وظيفته مقابل عوض إذا كانت الوظيفة إحدى الجهات الدينية، أما الوظائف العامة، فلا. 13 - واتضح لنا من خلال كلامنا عن موقف الشريعة من بدل الخلو (السرقفلية) أن لهذه المعاملة عدة صور ولكل صورة رأي لفقهاء المسلمين فيها أخذنا برأي المجوزين في بعض منها، واخترنا الرأي القائل بالحظر في البعض الآخر منها، وذلك توخيا لرفع الغبن والضرر عن الأطراف المتعاقدة من جهة لمحاربة الاستغلال والجشع من جهة أخرى. 14 - وعند بحثنا عن حقوق التأليف، وجدنا أن في الشريعة الإسلامية ما يجعل جهد المؤلف حقا خاصا به يحظر على غيره الإساءة إليه، وبالتالي يجوز له أخذ العوض مقابل تنازله عن هذا الحق. 15 - وأخيرا ظهر لنا عند الكلام عن موقف الفقه الإسلامي من حق براءة الاختراع أو الملكية الصناعية. أن هناك طريقتين لعملية شراء الاسم التجاري. ذهب مع من يجيز إحدى هاتين الطريقتين، نظرا لعدم وجود محظور شرعي يدعونا للقول بتحريم هذه المعاملة. وأيدنا وجهة نظر من يمنع الصورة الثانية لانطوائها على غرر فاحش وضرر بالغ بالمستهلك، مما لا ينسجم مع قواعد الشريعة الإسلامية. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ضوابط العقد في الفقه الإسلامي

ضوابط العقد في الفقه الإسلامي ¤عدنان خالد التركماني£بدون¥مكتبة دار المطبوعات الحديثة¨الثانية¢1413هـ€فقه¶عقود مالية - الشروط والخيارات الخاتمة لقد تبين لنا من غضون ما قد بحثناه في ضوابط العقد في الفقه الإسلامي ثراء ذلك الفقه الثراء العجيب الذي لا ينضب فيه معين الخير الذي يقدم للناس الأحكام لما قد يستجد بينهم من أحداث. ونحن في استعراضنا لأهم القواعد العامة في العقود في الفقه الإسلامي وجدنا سعة أفق هذه الضوابط وسعة الفقه الإسلامي وغناه في بيان أحكام العقود التي قد يحتاج إليها الناس في معاملاتهم وقد وضح لدينا أمر ذو أهمية كبرى في ميزان التشريع أن الفقه الإسلامي بمجموع اجتهاداته يكون لنا ثروة تشريعية هامة هي مصدر اعتزاز لذلك التراث الخالد الذي سكبت فيه أشرف عقول عملت جاهدة لبيان أحكام الله تعالى في معاملات وتصرفات الناس وبرزت في أثناء البحث لدينا نقطة لا تقل أهمية عن سابقتها وهي سبق التشريع الإسلامي لأحدث النظريات القانونية التي طالعتنا هذه الأيام معتزة بنفسها وبغناها وبتفوقها على الفقه الإسلامي حيث شده بها من شده من الذين لم يعرفوا الفقه ولم يدرسوه ولكنهم أناس مفتونون في كل جديد يأتينا من شرق أو غرب ولو كلفوا أنفسهم مشقة البحث في الفقه الإسلامي لوجدوا فيه سبق ذلك الفقه لأحدث النظريات الوضعية التي وفدت إلينا في الآونة الأخيرة حين غفلت الأمة عن إسلامها وأخذت بالقوانين الأجنبية تاركة الخير الأصيل الذي بين أيديها ولا أستطيع أن أضع تمثيلا لهؤلاء الضائعين من أمتنا إلا بأولئك الأطفال الذين يلعبون في مجاهل أفريقيا فيرمي بعضهم بعضا بالحجارة وهم لا يعرفون أن بين هذه الحجارة أحجارا من الماس ولو علموا بها لما زهدوا فيها. ونقطة أخرى بدت لنا من خلال بحث ضوابط العقد أن الاعتماد على مذهب من المذاهب الفقهية لا يغني ولا يفي بحاجة الأمة المتجددة فما لم نجده في مذهب قد نجده في مذهب آخر لو اقتصرنا على مذهب واحد لضيقنا على أنفسنا الخناق وقد جعل الله تعالى شريعته السمحة فرجا على الناس وليس سبيلا للتضييق أو الإحراج. وإن الاقتصار على مذهب واحد دون الأخذ من المذاهب الأخرى قد فتح المنفذ لأعداء الإسلام أن يدخلوا منه قوانينهم القائمة على تصوراتهم واعتقاداتهم الفاسدة وأن نظرة سريعة إلى الماضي القريب لنتخذ منه العبرة حتى لا نقع في الضيق مرة أخرى. وذلك ما حدث في الدولة العثمانية التي أقامت مجلتها المعروفة من الاجتهاد الحنفي فقط. ونتيجة لتشابك العلائق مع الدول الأخرى وخاصة التجارية منها حدثت أنماط من العقود لم تعرفها المجلة وبالتالي لم يعرفها أو لم يتسع لها الاجتهاد الحنفي مما اضطر حكام المسلمين آنذاك أن يأخذوا بتشريعات الدول الأجنبية. وكان الأفضل لهم ولأمتهم أن يأخذوا من الاجتهادات الأخرى غير الاجتهاد الحنفي حيث يجدوا الغناء لما يطلبون. وعلى سبيل المثال نذكر ناحيتين يتجلى لنا الأمر من خلالهما تماما. المثال الأول: هو الشروط العقدية التي ضيق فيها فقهاء الحنفية على أنفسهم وقد وجدنا سعة الأفق في الاجتهاد الحنبلي. المثال الثاني: ضمان العهدتين الذي اتسع له الاجتهاد المالكي دون الاجتهادات الأخرى وإذا علمنا أن هذا النوع من الضمان يعمل به المسلمون فيما بينهم لا على أساس أنه مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى بل على أساس ما اقتبسوه من القوانين الوضعية عن طريق الشركات الأجنبية التي جاءتنا بمثل هذا النوع من الضمان. ولو اتسع الأفق لدينا لوجدنا أن نأخذ عن الإمام مالك قوله خيرا لنا من الأخذ من القوانين الوضعية وعندنا الغناء والخير الكثير. المثال الثالث:

عقد الاستصناع الذي تفرد باعتباره المذهب الحنفي وعليه العمل في جميع بلاد المسلمين حتى في المناطق التي يسودها غير المذهب الحنفي. وليس هناك شيء أضر على الإنسان من زهده عما بيده ولو كان ذهبا والتلهف على ما في أيدي الغير ولو كان سكينا تغتال الدين والأنفس على حد سواء. وقد رأينا خلال عرضنا لضوابط العقد في الفقه الإسلامي سعة هذا الفقه الذي لا يضيق الفقه عن استيعاب أحدث النظريات بل فيه منها ما هو أدق تصورا وأصدق معالجة في إعطاء الحوادث أحكامها. وما علينا نحن الآن في هذا العصر إلا أن نعقد مجالس تضم كبار الفقهاء في العالم الإسلامي مع مجموعة من أصحاب الاختصاصات الأخرى كالاقتصاد والطب ممن عرفوا بالغيرة الدينية وصلاح السيرة وكمال الأخلاق ليكونوا خبراء في مجالس الفقهاء الذين يستنبطون من مصادر التشريع المختلفة أحكاما للحوادث الجديدة بدلا من المجهودات الفردية التي قد تخطئ وتصيب ويصبح إجماع هؤلاء العلماء ملزما لسائر المسلمين في شتى أقطارهم وبذلك نتخلص من فكرة الاقتباس والأخذ من القوانين الوضعية بحجة أن الفقه الإسلامي لا يوجد فيه حكمها وبذلك نسد الباب على هؤلاء المنهزمين نفسيا أمام بريق الحضارة الغربية ونخلص لأمتنا وديننا وتشريعنا وننال رضى ربنا سبحانه وتعالى بدلا من أن نبوء بغضبه من ترك تشريعنا والأخذ من غيرنا وبذلك نحقق الأصالة لأمتنا وتاريخنا بدلا من الظهور أمام الغير أننا أمة نعيش على فتات موائد الآخرين ونصبح تبعا لغيرنا بعد أن أراد الله لنا أن نكون إماما وقدوة للعالمين. فيا للعجب من أمة يريد لها ربها الصدارة وتريد لنفسها العيش على الأعتاب والأبواب ذليلة خانعة. ولقد قدمت في جهدي هذا المتواضع ما قد استطعت أن أفعله وسلكت طريقا لم أتعرض فيه لآراء ونظريات القوانين الوضعية رغبة مني في دفع اتهامات قد وجهت إلى بعض من سبقني حين تعرضوا لذكر الآراء القانونية بقصد مقارنتها وبيان فضل الشريعة السمحة على القوانين الوضعية، وفي مسلكي ومنهجي الذي سرت عليه لم أتعرض لشيء من الآراء القانونية بل اقتصرت في الرجوع على مصادر تراث الأمة الفقهي في مختلف مذاهبه التي أجمعت على قبولها الأمة الإسلامية لأدفع هذا النوع من التوهم عن هذه الدراسة الجديدة للفقه الإسلامي. وقد حاولت جاهدا أن أذكر آراء الفقهاء الأربعة ولم أقتصر على مذهب واحد إلا في المسائل التي تفرد بها هذا المذهب من المذاهب الأخرى، ولم أذكر كلمة أن هذا قول الفقهاء وأعني به مذهبا واحدا بل حين أذكر هذه الكلمة إنما أريد بها فقهاء الأمة الأربعة – رحمهم الله تعالى -. وإني لأرجو من الله تعالى في نهاية هذا البحث أن يكون عملي خالصا لوجهه وأن يكون ذخري وفي عداد حسناني يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وإني أعتذر عن أي خطأ صدر مني وأتمثل في ذلك قول الصديق رضي الله تعالى عنه حين قال: إن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تحقيق الصنعة في بيان أحكام القرعة

تحقيق الصنعة في بيان أحكام القرعة ¤صالح بن محمد المزيد£بدون¥بدون¨الأولى¢1413هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة من خلال جمع ودراسة المادة المتعلقة بالقرعة: تبين لي أنها أقرب إلى كونها حكم شرعي يركن إليه عندما يتعذر تمييز الحق من كونها وسيلة غير ملزمة يراد بها ترضية المشتركين في الحق المبهم، أو المجهول، أو المنسي، وأنه يصار إليها عند فقد الأدلة والبيانات المرجحة، وغموض الأمر، وحصول الإشكال في تعيين الحقوق. فبالقرعة يكون حال الناس عند التنازع أقر إلى الصلاح: لظهور أمارات العدل في استعمالها باعتبار أنها تجري في كل مشكل.، وهي حجة تفيد تعيين الحق ظاهراً: كالشهادة، والنكول ونحو ذلك مما لا يوقف معه على حقيقة الأمر، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أقرع في خمسة مواضع: أقرع بين الأعبد حين أعتقهم سيدهم عند موته فأعتق اثنين وهما الثلث من حق الميت، وأرق أربعة: وهم حق الورثة .. ، وأقرع بين الزوجات عند سفره بإحداهن .. ، وفي البدء باليمين إذا أكره الخصمان عليهما .. ، وعند تساوي حق الخصمين فيما تنازعوا فيه ولا بينة لأي منهما ترجح كفته على صاحبه .. ، وعند تساوي شهود الخصمين، وأرشد صلى الله عليه وسلم إلى الإسهام على من يؤذن بالناس عند المشاحة.، والحنابلة أكثر المذاهب أخذاً بالقرعة يحكمونها في أمور كثيرة غير ما ذكر من قبل، ومن ذلك: القسم بين الشركاء في الوزن والقيمة وإذا استويا ... ، وبين الخصوم إذا ازدحموا عند الحاكم أيهم يتقدم .. ، وإذا اجتمع عراة ومعهم ثوب ليس لواحد منهم أقرع بينهم فمن قرع أخذه .. ، وإذا استوى اثنان في أهلية الإمامة وتشاحا أقرع بينهما.، وإذا دفن اثنان في قبر واحد واستويا في الصفات فإنه يقدم أحدهما إلى القبلة بالقرعة كما فعل معاذ بن جبل في امرأتيه .. ، وإذا اجتمع ميتان وبذل لهما كفنان، وكان أحد الكفنين أجود من الآخر، ولم يعين الباذل ما لكل منهما يقرع بينهما .. ، ولو ادعى الوديعة اثنان فقال المودع: لا أعلم لمن هي منكما فإنه يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها. نص عليه أحمد .. ، ولو سبق اثنان إلى الجلوس بالإماكن المباحة: كالطرق الواسعة، ورحاب المساجد ونحوها لمعاش، أو غيره: يقدم أحدهما بالقرعة. وهذا هو المذهب .. ، ولو اجتمع اثنان بين نهر مباح، ولكل منهما أرض يحتاج إلى السقيا منه، وكانا متقابلين، ولم يمكن قسمة الماء بينهما: أقرع بينهما وقدم له القرعة .. ، وإذا مات عن زوجات، وقد طلق إحداهن طلاقاً يقطع الإرث، أو كان نكاح بعضهن فاسداً لا توارث فيه، وجهل عين المطلقة، وذات النكاح الفاسد: فإنها تعين بالقرعة والميراث للبواقي. نص عليه أحمد، والأولياء المستوون بالنكاح إذا تشاحوا: يقرع بينهم .. ، ولو زوج وليان من اثنين، وجهل أسبق العقدين: يميز الأسبق بالقرعة فمن خرجت له القرعة فهي زوجته، ولا يحتاج إلى تجديد عقد. هذا ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية حنبل، وإسحاق بن منصور .. ، لو زوج إحدى بناته من رجل، ثم مات الأب، ثم تبعه الزوج، ولو يعلم أين الزوجة: يقرع بينهن فأيتهن أصابتها القرعة: فهي التي ترثه. نص عليه أحمد في رواية حنبل وغيره .. ، ولو ادعى اثنان العقد على امرأة، وأنه السابق، ولم يقر أحدهما للآخر ثم ماتا: يقرع بينهما ويكون لها ميراث من تقع القرعة عليه .. ،

ولو أسلم على أكثر من أربع نسوة، ثم طلق الجميع ثلاثاً: فإنه يخرج منهن أربعاً بالقرعة، فيكن المختارات وله نكاح البواقي بعد عدة الأربع بناءاً على أن الطلاق اختيار، والقرعة ويحكم باختيارهن، وإن فسخ نكاح البواقي بغير طلاق، فيباح له نكاحهن بدون زوج وإصابة بعد انقطاع عدة البواقي .. ، وإذا دعاه اثنان إلى وليمة عرس واستويا في الصفات المرجحة: أقرع بينهما .. ، وإذا زفت إليه امرأتان معاً فإنه يقدم إحداهما بالقرعة .. ، وإذا بلغ الطفل سبع سنين: فإنه يخير بين أبيه وأمه في الحضانة على ظاهر المذهب، فإن لم يختر واحداً منهما، أو اختارهما جميعاً: أقرع بينهما على المشهور، وكذلك لو استوى شخصان في حضانته قبل السابعة فإنه يقرع بينهما .. ، ولو استحق القود جماعة وتشاحوا في مباشرة الاستيفاء ففيه وجهان: أشهرهما أنه يقدم أحدهما بالقرعة .. ، وإذا تناضلا حزبان، واقتسموا الرجال بالاختيار واختلفوا في البادي من كل حزب: أقرع بينهم في قياس المذهب .. ، وإذا تنازع الإمامة العظمى اثنان، وتكافئا في صفات الترجيح: قدم أحدهما بالقرعة وهو قياس المذهب كالأذان .. وإذا طلق واحدة مبهمة من زوجاته: منع من وطء الجميع حتى يميز المطلقة بالقرعة .. ، وإذا أعتق أمة من إمائه مبهمة: منع من وطء إمائه حتى يميز المعتقة بالقرعة .. ،، وإذا اشتبهت المطلقة ثلاثاً بزوجاته: منع من وطئهن جميعاً حتى تميز المطلقة بالقرعة .. ، ولو أعطى الأمان لواحد من أهل حصن، ثم تداعوا ففي رواية للإمام أحمد: يخرج واحد منهم بالقرعة، ويرق الباقون، ولو قال لعبيده: أيكم جاءني بخبر كذا وكذا، فأتاه به اثنان معاً أعتق واحد منهما بالقرعة نص عليه أحمد كما في رواية ابن أبي موسى .. ، ولو قال أول امرأة تطلع علي فهي طالق، فطلع نسائه كلهن: يطلق واحدة منهن بالقرعة نص عليه الإمام أحمد في رواية مهنا. كل هذه الوقائع إذا نزلت بالمسلم يحتاج إلى مخرج منها مبني على حكم شرعي، وهذا من لوازم التقوى، وإذا التمس ذلك فلم يجد نصاً بعينه يعالج مشكلته، فأيهما أبرأ للذمة: أن يعمل فكره، ويتبع هوى نفسه، أم يتحرى الحق، وما يقربه إلى مراد الشارع بأشبه الطرق المؤدية إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. لا شك أن الاقتداء بالهدي النبوي سواء كان الدليل ظاهراً بنص صريح، أو كان قياساً على نص، أو أخذ الحكم من مفهوم أدلة الكتاب والسنة، أو كان مندرجاً تحت قاعدة عامة من قواعد الشرع، هو الدين الذي يجب التمسك به، والعمل بمقتضاه. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.

تحقيق القول بالعمل بالحديث الضعيف

تحقيق القول بالعمل بالحديث الضعيف ¤عبدالعزيز العثيم£بدون¥دار الهجرة - الخبر¨الثانية¢1412هـ€فقه¶العمل بالحديث الضعيف الخاتمة هكذا تم بمنه وفضله البحث في هذا الموضوع وأصبح الحق فيه واضحاً لكل ذي عينين منصف إذا تدبر ما جاء فيه، لأنه هو الطريق الذي من سلكه نجا. ولأننا لسنا بحاجة إلى العمل بمثل تلك الأحاديث لأن فيما صح من الأحاديث المتضمنة لذلك كفاية لكل واقف، عند حدود الكتاب والسنة. ومن قال بأن الأخذ بالأحاديث الضعيفة ليس اختراع عبادة فعجب قولهم لأن من أمعن النظر بالأحاديث الضعيفة، وبما تدل عليه من الفضائل التي لم تكن مساوية في هذا الحكم لأصل آخر صحيح كما أسلفنا لوجد أن ما تدل عليه ما دامت بهذه الصفة اختراع عبادة لأنه لا معتمد له في العمل به إلا ذلك الحديث الضعيف كصيام السابع والعشرين من رجب وما ماثل ذلك. فصيام ثابت لكن ما الذي دل على فضله في هذا اليوم؟ أليس هو الحديث الضعيف؟ أليس الصائم في هذا اليوم يرجو الثواب الذي ورد ذكره في هذا الحديث؟ ومع ذلك فإننا نجد بعض الأعلام من العلماء لا يقفون عند فضائل الأعمال عند الأخذ بالحديث الضعيف فقد يتجاوزونه إلى الأحكام مثال ذلك ما قاله البيهقي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في سترة المصلي كما تقدم. والسيوطي إذ قال فيما تقدم ويعمل به أيضاً في الأحكام إذا كان فيه احتياط. وما ورد في الأئمة في هذا الموضوع كالإمام أحمد وغيره رحمهم الله فمحمول على رواية الحديث الضعيف لا على العمل به أو على العمل به لكن يعنون به الحسن لغيره لا الضعيف القريب ضعفه إذا تفرد أو أنهم يفضلونه على القياس الفاسد كما تقدم بسطه. وهناك فرق بين العمل بالحديث الضعيف وبين روايته وذلك إذا لم يشتد ضعفه وأما ما اشتد ضعفه فلا جدال فيه كما تقدم تفصيله في أبواب هذا البحث والله أعلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم بارك على عبده ورسوله محمد بن عبدالله وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

تحقيق وقت ساعة الإجابة من يوم الجمعة

تحقيق وقت ساعة الإجابة من يوم الجمعة ¤نزار محمد عرعور£بدون¥مكتبة المعارف - الرياض¨الأولى¢1422هـ€فقه¶الجمعة - فضلها آدابها خصائصها الخاتمة وبعد .. بعد هذا العرض الموجز، الجامع لأطراف الموضوع، أسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت لإعطائه حقه. ليقف القارئ على خلاصة الموضوع دون أن يبذل أي جهد في تتبع هذه المسألة في مظانها من كتب الفقه والحديث ويستطيع القارئ أن يخرج بعد ذلك بالنتيجة الآتية: 1 - إن الأحاديث الصحيحة تدل على أن الساعة المنصوص عليها هي آخر ساعة من يوم الجمعة، وهو أرجع الأقوال وإليه ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين. 2 - كونها آخر ساعة من يوم الجمعة، لا يعارض الأحاديث التي تنص أنها بعد العصر دون تعيين لأمرين: الأول: إن آخر ساعة من الجمعة تعتبر بعد العصر. الثاني: حمل المطلق على المقيد – وهذا مقرر في الأصول -. 3 - إن الأحاديث التي تنص على أن الساعة وقت الصلاة مرجوحة وهذا أقل ما يقال فيها. 4 - إن بقية الأقوال - في وقتها – لا دليل عليها، أو استند قائلها إلى حديث ضعيف الإسناد، أو إلى اجتهاد من غير نقل، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا للعمل الصالح، وأن يتقبل منا أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تذكرة الأنام في النهي عن القيام

تذكرة الأنام في النهي عن القيام ¤محمد بن أحمد الحدائي£بدون¥مكتبة ابن القيم¨الأولى¢1416هـ€فقه¶قيام للغير خلاصة البحث والذي يتلخص لي بعد دراسة الأحاديث وأقوال أهل العلم أن القياس ينقسم إلى قسمين: الأول: القيام إليه كالقيام لتوديع شخص محبوب إليك أو القيام لاستقبال ضيف أو تهنئته أو إنزاله فهذا جائز ولا بأس به ومثله قيام الأنصار لسعد بن معاذ وقيام طلحة بن عبيدالله لكعب بن مالك لتهنئته وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. الثاني: القيام له وهو ينقسم إلى قسمين: 1 - القيام على جهة التعظيم، فهذا محرم ومنكر ومن الكبائر للحديث الصحيح المتقدم: "من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار" ولما فيه من التشبه بأهل الكبر والجبابرة وهذا الذي يفعل عند الملوك والرؤساء. 2 - القيام على جهة البر والاحترام والإكرام فهذا هو المختلف فيه ولاشك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وهو عدم القيام وإذا كان عادة الناس إكرام القادم بالقيام له ولو ترك القيام له لاعتقد أن ذلك لترك حقه أو قصد خفضه أو عدم احترامه ولم يعلم العادة الموافقة للسنة فالأصلح أن يقام له لأن ذلك أصلح لذات البين وأجمع للكلمة وسداً للمفسدة وإزالة للتباغض والشحناء. وأما القيام للمدرس فهذا لا يجوز لأن عادة المدرسين أنهم يحبون قيام التلاميذ لهم ويضربونهم إذا لم يقوموا لهم. فهذا يدخل في الوعيد الشديد الذي تقدم وينبغي أن يبين هذا للمدرس حتى لا يقع في الإثم. وأما القيام للوالدين فالذي يظهر لي أن هذا جائر ولا حرج فيه والله أعلم. وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

ترتيب الموضوعات الفقهية ومناسباته في المذاهب الأربعة

ترتيب الموضوعات الفقهية ومناسباته في المذاهب الأربعة ¤عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان£بدون¥جامعة أم القرى - مكة المكرمة¨الأولى¢1408هـ€فقه¶فقه فروع عام موازن خاتمة البحث التحليل: لا شك أن فقهاء الحنفية أسهبوا في ذكر المناسبات بين الأبواب، واعتنوا بها عناية كبيرة، وندر أن يخلو منها مؤلف وبخاصة كتب الشروح. إن فقهاء الأحناف اتبعوا على الأرجح طريقة الإمام محمد بن الحسن الشيباني في ترتيب أبواب الفقه، والذي يؤيد هذا الاتجاه أمران: الأول: ارتباط كتب المذهب الحنفي بكتاب محمد بن الحسن الشيباني. يقول الدكتور محمد إبراهيم علي "ارتبط المذهب الحنفي بكتب محمد بن الحسن ارتباطاً وثيقاً يمكن معه القول: إن المذهب الحنفي هو كتب محمد بن الحسن ". " على أن المراد بظاهر الرواية. وبالأصول في قولهم: هذا ظاهر الرواية، وهو ظاهر المذهب، وهو موافق لرواية الأصول هو الكتب الستة المشهورة للإمام محمد: الجامع الصغير، والجامع الكبير، والسير الصغير، والسير الكبير، والمبسوط، والزيادات ". الثاني: أنه بالمقارنة بين التبويب الذي سلكه الأحناف في مدوناتهم الفقهية نجد تشابهاً كبيراً بينها وبين كتاب الجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني، وهذا ليس غريباً إذا علمنا أن هذا الكتاب بالذات بلغ شأواً كبيراً في الفقه الحنفي حتى " إن حفظه كان شرطاً لتولي القضاء في عهد أبي يوسف، ومن ثم كان هذا الكتاب - الذي جمعه محمد بن الحسن رواية عن أبي يوسف - مع أبي يوسف في السفر والحضر ". فمن ثم حاول الفقهاء الأحناف إيجاد مناسبات لهذا الترتيب فجاءت طبيعية ومعقولة أحياناً، ومتكلفة أحياناً أخرى. قريبة المأخذ حيناً، وبعيدته حيناً آخر. ولعل هذا هو الذي حدا بالدكتور عبد الرزاق السنهوري (ت 1391هـ) وهو أحد كبار القانونيين في العصر الحديث إلى اتهام الفقه الإسلامي بعدم مراعاة فكرة معينة في التقديم والتأخير بين أبواب الفقه الإسلامي، وهو حينما يوجه هذه التهمة لا شك أن نظره كان واقعاً على المذهب الحنفي بخاصة، كما أنه يركز نقده على قسم العقود والترتيب بين موضوعاتها؛ لأن هذا القسم هو الذي يهم القانوني من الفقه الإسلامي. " لم يضع فقهاء الشريعة الإسلامية تقسيماً للعقد في ذاته، بل تناولوا عقوداً أسموها عقداً عقداً، ولم يراعوا في ترتيبها فكرة معينة، أو صلة ظاهرة بين متقدم ومتأخر، ويكفي أن نورد على سبيل المثال كتاباً فقهياً يعتبر من أبرز كتب الفقه الإسلامي، وهو كتاب البدائع للكاساني في الفقه الحنفي، نراه قد تكلم في العقود على الترتيب الآتي: (1) الإجازة. (2) الاستصناع. (3) البيع. (4) الكفالة. (5) الحوالة. (6) الوكالة. (7) الصلح. (8) الشركة. (9) المضاربة. (10) الهبة. (11) الرهن. (12) المزارعة. (13) المعاملة. (14) (المساقاة). (15) الوديعة. (16) العارية. (17) القسمة. (18) الوصايا. (19) القرض. وإذا وقفنا عند هذه العقود التي أوردها الكاساني كان علينا أن نجيب على سؤالين: (السؤال الأول) كيف نرتب هذه العقود ترتيباً منطقياً نلتزمه في إيرادها عقداً بعد عقد؟ (السؤال الثاني) ألا يوجد في الفقه الإسلامي عقود أخرى غير هذه العقود؟ وبوجه عام هل عرف الفقه الإسلامي مبدأ حرية التعاقد فيجوز بإيجاب وقبول التعاقد على أي أمر لا يخالف النظام العام ولا الآداب ". لا شك أن النقد هنا متجه إلى الجانب المعنوي الموضوعي، وهذا له أثره الكبير على الناحية الشكلية ترتيباً ومناسبات.

والفقهاء المسلمون بعامة، والحنفية بخاصة لم يهملوا هذا الجانب من حسبانهم ابتداء وانتهاء، بل تأملوه ووضعوا في اعتبارهم معاني وأفكاراً ولكن بطرقهم الخاصة، وحسب وجهات نظرهم التي قد تكون ملائمة لعصورهم وأجيالهم، كما أن نظرتهم في الترتيب بين موضوعاته اتجهت إلى الفقه كلية، وليس إلى قسم دون قسم، يتضح هذا من المناسبات التي ذكرها الأحناف تفصيلاً عند كل موضوع, والتي يمكن تلخيصها وإجمالها في العناصر التالية: أولاً: الترابط الموضوعي بين بعض الأبواب، مثل موضوعات العبادات وأبوابها، وأبواب الرضاع والطلاق بالنسبة لكتاب النكاح. ثانياً: التماس علاقة معنوية بين الباب والآخر مثل التقابل كما ورد هذا في المناسبة بين كتاب المأذون، وكتاب الغصب، وبين الأخير وكتاب الشفعة. أو وجود معنى مشترك بين الباب السابق واللاحق مثل المناسبة بين باب الطلاق وباب الإعتاق، وبين الأخير وكتاب الأيمان وكتاب اللقيط، وكتاب الآبق، وكتاب المفقود مع بعضها جميعاً. أو حكم مشترك مثل الأيمان والحدود. أو صفة مشتركة مثل كتاب الحدود وكتاب السير، وكالعلاقة بين كتاب المفقود، وكتاب الشركة. أو بينها علاقة فيما يتصل بالحق: حق الله، أو حق العباد، أو ما اجتمعا فيه حق الله، أو حق العباد. فيتناسب الباب اللاحق في الذكر مع الباب السابق. أو تأمل علاقة السببية والمسببية بينها كما هو الأمر بين كتاب الوكالة وكتاب الدعوى، وبين كتاب المكاتب وكتاب الولاء. أو ملاحظة التدرج في الترقي من أدنى إلى أعلى من حيث قوة المعنى، مثل العلاقة بين كتاب الوديعة، والعارية، والهبة، والإجارة، أو العكس. أو الاشتراك في عارض طارئ كالعلاقة بين كتاب الإِكراه، وكتاب الحجر. أو معنى خارجي مستقل كما هو التعليل لإنهاء موضوعات الفقه وكتبه بكتاب الوصايا؛ " لأن آخر أحوال الآدمي في الدنيا الموت والوصية معاملة وقت الموت ". إلى غير ذلك مما يمكن تتبعه استقراء ً. لم يكن الترتيب بين أبواب الفقه وموضوعاته في المذاهب الثلاثة المالكية، والشافعية، والحنابلة ليحتاج إلى العناء والجهد الذي كلف فقهاء الحنفية لإيجاد المناسبات والعلاقات. فقد بدت الأبواب الفقهية منسجمة في الغالب تحت أقسامها، متلائمة معها في موضوعاتها، وما بدا منها غريباً في موضعه، شإذا في ترتيبه، فإنه ليس بالكثير، فمن ثم أوجدوا له العلة المناسبة وهذا ما لم يخل واحد منها، ولكن بنسبة محدودة. وهو خاص بوضع باب تحت قسم من الأقسام الرئيسية يبدو أنه غير منسجم ضمن موضوعاته. وذلك كوضع المالكية باب المسابقة في نهاية باب العبادات، وباب اللعان ضمن أبواب النكاح، وباب الإقرار والاستلحاق ضمن كتاب البيوع، وباب العتق بعد قسم القضاء. والشافعية في وضع كتاب الوديعة، وكتاب الصدقات بعد كتاب الفرائض والوصايا، وذكر هذين الكتابين بعد كتاب العبادات والمعاملات، ووضع كتاب السير تالياً لكتاب (الجنايات) وقسماً من أقسامه، وذكر كتاب العتق في نهاية الأقسام. والحنابلة في وضع باب الهبة والعطية، وكتاب الوصايا والفرائض ضمن قسم المعاملات، وذكر كتاب الأطعمة, والذكاة، والصيد، والأيمان، والنذور في قسم الجنايات. عدا الاختلاف في ترتيب الأقسام الرئيسية بين المذاهب، فقد وضع كل مذهب معنى وأسباباً لتقديم قسم على آخر. كما يكون السبب أحياناً في ترتيب الأبواب اتباع الأئمة، أو واحد من كبار أصحابهم في ترتيب التأليف كما هو موجود في ترتيب بعض الأبواب عند الحنفية، والشافعية.

والحل المقبول - ولا أدعي أنه المثالي - هو ذاك الذي يجمع بين الأصالة والجدة، يأخذ من القديم المعاني والمضامين، ويقتبس من الجديد الصياغة والتنظيم، فمن ثم يتحقق له عنصر الاستمرارية والبقاء، فيصبح مقبولاً مستساغاً من الأجيال الحاضرة والمستقبلة. الحل المقترح: يأخذ الحل الاتجاه في مسارين: الأول: حل في اتجاه المسار التقليدي الموروث. الثاني: حل في اتجاه التجديد في الصياغة والتنظيم. الأول: الحل في اتجاه المسار التقليدي الموروث: قبل طرحه وعرضه لابد من الوقوف على أسباب هذا التباين والاختلاف بين كتب المذاهب - وإن كان هذا يخضع لاتجاه أرباب كل مذهب، والجانب الفكري الملحوظ لدى مؤلفيهم - فإن للحصر الضيق المحدود لتقسيم الفقه الإسلامي إلى ثلاثة أقسام رئيسية أو أربعة تحت عناوين محدودة قد يكون من أهم الأسباب إن لم يكن أهمها مما أرغم الفقهاء أنفسهم إلى إيجاد بعض المناسبات المتكلفة، والمسوغات الضعيفة المنتحلة لإلحاقها بواحد من تلك الأقسام. فإذا صح هذا فالحل كله أو أعظمه يعتمد على توسيع التقسيم، بل إيجاد تقسيمات جديدة مستقلة تضاف إلى تلك الأقسام الرئيسية، وحينها تنعدم الحاجة إلى تلك المناسبات فيأخذ كل باب موضعه، والقسم المناسب له؛ إذ يبدو كل شيء طبيعياً منسجماً مع زمرته. أخذ المبادرة في هذا الاتجاه العلامة الفقيه محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي المالكي المتوفي سنة (741هـ) في كتابه المعروف (قوانين الأحكام الشرعية). الفقه عنده ينقسم تقسيماً موضوعياً إلى قسمين: العبادات والمعا ملات. وضمن كل قسم عشرة كتب وهذه هي بداية التقسيم الأساسي، يحتوي كل كتاب على عشرة أبواب فانحصر الفقه عنده في عشرين كتاباً، ومائتي باب. بهذا التقسيم الواسع الذي أعطاه فسحة في التنظيم استطاع أن يبتكر كتباً جديدة (وليست أبواباً) في التقسيم مكنته أن يضم كل موضوع إلى ما يجانسه، ويضع تحت عنوان كل (كتاب) الأبواب التي تنسجم معه، وبهذا خلص من تكلف وضع بعض الأبواب تحت كتب لا تتلاءم معها إلا بشيء من التكلف. كان ابن جزي رحمه الله تعالى واعياً لهذه المشكلة في كتب الفقه الإسلامي فمن ثم حاول تفاديها بقدر المستطاع. " ... وإنما حصرت الكتب والأبواب في هذا العدد لأنني ضممت كل شكل إلى شكله، وألحقت كل فرع إلى أصله، وربما جمعت في ترجمة واحدة ما يفرقه الناس في تراجم كثيرة، راعياً للمقاربة، والمشاكلة، ورغبة في الاختصار ". فمنهج الترتيب والتبويب بين أبواب الفقه عند ابن جزي يقوم على أسس: أولها: ضم كل شيء إلى شكله. ثانيها: إلحاق كل فرع بأصله. ثالثها: أن يجمع تحت العنوان الواحد (الكتاب) ما تفرقه الناس في تراجم كثيرة، وهذه هي المشكلة التي يتحدث عنها هذا البحث. فلا عجب - وقد نهج ابن جزي هذا المنهج، واتجه هذا الاتجاه في الترتيب والتبويب - أن تستجد عنده عناوين جديدة، نتيجة ضم الأبواب المتجانسة من الموضوعات الفقهية لتمثل كتاباً مستقلاً مجموعاً من أبواب متقاربة ومتناسبة، ويستقيم له بذلك المنهج. إذا ألقينا نظرة فاحصة على قائمة الموضوعات الفقهية في كتابه (القوانين) لحصر الجديد في التبويب نجد أول ما يصافح أنظارنا (القسم الأول في العبادات) وأبواب هذا القسم وموضوعاته هي تلك المألوفة في الكتب الفقهية في المذاهب الأربعة، بدءاً بباب الطهارة، وانتهاء بالجهاد. أما الإضافة الجديدة في هذا القسم فهو أنه خص الكتاب الثامن لـ (الأيمان والنذور). الكتاب التاسع: (في الأطعمة، والأشربة، والصيد، والذبائح). والكتاب العاشر: (في الضحايا، والعقيقة، والختان).

ضم هنا الموضوعات المتشابهة تحت كتاب واحد. فانتظمت ثلاثة كتب رئيسية متميزة عن بعضها البعض، منسجمة الموضوعات، تربط كل مجموعة منها علاقة فقهية واضحة بنظرة عابرة. ألحق هذه الكتب الثلاثة بالقسم الأول (العبادات) - كما هو منهج المالكية - لأن معنى العبادة فيها واضح، وجانب التعبد فيها أبين وأبرز من أي معنى آخر. في حين نرى موضوعات هذه الكتب مبعثرة أشتاتاً كلاً، أو بعضاً في مدونات المذاهب الأخرى، متنازعة بين الأقسام المختلفة. وفي القسم الثاني من تقسيمه للفقه (المعاملات) وهو يتوسع في مدلول هذه الكلمة بما هو أوسع مما عند الأحناف؛ إذ أن هذه الكلمة تشمل عنده كل موضوعات الفقه ما عدا العبادات، نقف في هذا القسم على عناوين كتب جديدة لا نعهدها في المدونات الفقهية مجتمعة كما تصورها بن جزي، هي: الكتاب الرابع (العقود المشاكلة للبيوع)، ويشرح مقصوده من هذه الكلمة (المشاكلة للبيوع) بقوله: " ووجه المشاكلة بينهما أنها تحتوي على متعاقدين بمنزلة المتبايعين، وعلى عوضين بمنزلة الثمن والمثمون ". الكتاب السادس (في الأبواب المشاكلة للأقضية). الكتاب الثامن (في الهبات والأحباس وما شاكلها). وغالباً ما يأتي اللبس والتداخل في موضوعات هذه الأبواب، إذ تختلف فيها أنظار المؤلفين، ويتباين تبويبهم لها. هذه العناوين الجديدة، بهذا الجمع والتمييز لم يتوافر بهذه الصورة الشاملة في المدونات الفقهية في مذهب من المذاهب المعروفة. فمن ثم لا يجد الباحث نفسه متطلعاً إلى البحث عن تعليل أو تبرير لوضع هذا الباب ضمن هذا القسم أو ذاك؛ لأنها أتت طبيعية متجانسة متناسبة فجاءت على الأصل، وما جاء على أصله لا يسأل عنه. الثاني: الحل في اتجاه التجديد في الصياغة والتنظيم: إن الفقهاء في العصر الحديث فتحوا أعينهم على مناهج جديدة في التأليف الفقهي، ونمط غير مألوف في كتب التراث هو (التنظير الفقهي) لموضوعات الفقه ومسائله؛ إذ تعتمد هذه الطريقة على الحصر الشامل لكليات الموضوع وجزئياته، أسبابه، وشروطه، وأركانه، وتقسيماته في تسلسل منطقي، تربط كافة أطرافه علاقة فقهية معينة يتوخاها الفقيه في دراسته. وفي تحليل المعنى المقصود من (النظريات الفقهية) يقول الأستاذ مصطفي الزرقا: " نريد من النظريات الفقهية الأساسية تلك الدساتير والمفاهيم الكبرى، التي يؤلف كل منها نظاماً حقوقياً، موضوعياً، منبثاً في تجاليد الفقه الإسلامي، كانبثاث أقسام الجملة العصبية في نواحي الجسم الإنساني، وتحكم عناصر ذلك النظام في كل ما يتصل بموضوعه من شعب الأحكام. وذلك كفكرة الملكية وأسبابها، وفكرة العقد وقواعده ونتائجه، وفكرة الأهلية وأنواعها، ومراحلها، وعوارضها، وفكرة النيابة وأقسامها، وفكرة البطلان والفساد والتوقف، وفكرة التعليق والتقييد والإضافة في التصرف القولي، وفكرة الضمان وأسبابه وأنواعه، وفكرة العرف وسلطانه على أساسها صرح الفقه بكامله، ويصادف الإنسان أثر سلطانها في حلول جميع المسائل والحوادث الفقهية .... ". وبعبارة أخرى مختصرة فالنظرية كما يذكر الدكتور محمد فوزي فيض الله في الاصطلاح الحقوقي المعاصر: " مفهوم حقوقي عام، يؤلف نظاماً موضوعياً تندرج تحته جزئيات، تتوزع في فروع القانون المختلفة: كنظرية الالتزام، ونظرية الحق، ونظرية الملكية، ونظرية العقد ".

ومما لا شك فيه أن التنظير لموضوعات الفقه الإسلامي بهذا المفهوم يمد الباحث والدارس بتصور واسع، وإدراك للعلاقة المشتركة في كافة الفروع الفقهية في عموم آفاقها وجوانبها، الأمر الذي يساعد على فهم الموضوع، أو النظرية في صورتها الشاملة، وليست أجزاء متفرقة منفصلة قد يستوعبها الدارس جزئية جزئية، ولكن يصعب عليه ربطها، أو إدراك العلاقة والصلة بينها، ولو أدرك هذا وتوصل له فإنما يدركه بعد فترة طويلة من الجهد والممارسة هذا إذا توجه إليها، وإلا فإنه لن يكون لها نصيب من اهتمامات التفكير عنده. وإيماناً بجدوى هذه الطريقة المنهجية، طريقة التنظير لموضوعات الفقه الإسلامي عكف كبار الفقهاء في العصر الحديث على التأليف حسب مناهجه وطرقه، ووضعوا لبناته الأولى في منهج سوي، وإن عدد المتبنين لهذه الطريقة بين الفقهاء المعاصرين يزداد ويتضاعف عن إيمان وقناعة، ومما تجدر الإشادة به أنه بالإضافة إلى جهود الفقهاء المسلمين المعاصرين في هذا المجال تساندهم مجموعة كبيرة من القانونيين أصحاب الدراسات الشرعية المتينة - والاطلاع الفقهي الواسع، تدفعهم قناعة عميقة بعظمة الفقه الإسلامي وصلاحيته، بل وتميزه على القوانين الأخرى - أسهموا ويسهمون بقدر كبير في هذا المجال مقابلة بين هذه النظريات في الفقه الأجنبي والفقه الإسلامي. وتزداد مؤلفات هؤلاء وأولئك يوماً بعد يوم، وتمتلىء بها رفوف المكتبات. والمهم في كل هذا أن تبدأ المؤسسات الجامعية، والمراكز العلمية بالتركيز على هذه الطريقة في مراحل الدراسات العليا ليستوعبها الباحثون الجدد، وتنصهر في أفكارهم حتى يأتي نتاجهم صورة لما قد تبلور لديهم من طرق مستقيمة، ومناهج علمية تتلاءم وأسلوب العصر، وتواكب تقدمه الفكري، كما يكون الاهتمام بكتب التراث الفقهي والعناية به إخراجاً ودراسة اهتماماً متساوياً مع ذلك المنهج الحديث فيجتمع للفقيه المعاصر متانة القديم وأصالته، وروعة الحديث وملاءمته. وفي ختام هذا العرض والدراسة لا بد من الاعتراف بالجهود المخلصة المبذولة لتيسير الفقه الإسلامي على مستوى الأفراد والجماعات، سواء بعمل الفهارس والكشافات، أو التقنين وإعادة الصياغة، أو التنظير، أو الترتيب، أو المعاجم الفقهية، أو الموسوعية، فكل هذه إسهامات تجلي الصدأ عن هذا التراث الهائل النفيس. وإن من هذه الجهود الرائدة في هذا المجال مشروع (الموسوعة الفقهية) الذي تتبناه وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت، إذ يجري العمل فيها بتصور علمي على مستوى الأعمال الموسوعية العالمية في العصر الحديث، عرضاً، وتنظيماً، وتوثيقاً، وما تقوم به أيضاً من عمل كشافات وفهارس تحليلية لمصادر الفقه الإسلامي. وإن الشعور بالمشكلة، وتوجه النوايا الصادقة، وتضافر الجهود المخلصة الواعية كفيلة أن تحقق الكثير بما يعيد للفقه الإسلامي مكانته، وتكشف للأجيال أصالته لتحقيق الاستفادة منه. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان

تسليح الشجعان بحكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان

تسليح الشجعان بحكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان ¤عقيل بن محمد المقطري£بدون¥دار ابن حزم - بيروت¨الأولى¢1416هـ€فقه¶ليلة النصف من شعبان الخلاصة مما تقدم يتبين لمن نظر بعين الإنصاف أن ما سقناه فيه الكفاية وفيه الإقناع لمن بقي في قلبه أدنى شك في عدم بدعية الاحتفال بهذه الليلة. وإذا كانت الأحاديث الواردة في فضل هذه الليلة كلها إما موضوعة أو ضعيفة جداً إضافة إلى أن علماءنا رحمهم الله قد بينوا بدعية الاحتفال بهذه الليلة، وبينوا خطأ من فسر قول الله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4]، بأنها ليلة النصف من شعبان، وبينوا أن هذه الليلة إنما هي ليلة القدر التي في العشر الأواخر من رمضان. فمن هنا علم أن إحياء هذه الليلة يعد من العبادات والتي هي توقيفية يحتاج فاعلها إلى دليل يدل عليها، فلما لم يوجد حكمنا ببدعية الاحتفال بهذه الليلة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يحتفل بها ولم يحتفل بها أصحابه، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وقد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام قال – كما في حديث عائشة المتفق عليه – (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لمسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذه الرواية علقها البخاري في صحيحه. فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبصرنا والمسلمين بديننا، وأن، يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وأن يجعلنا من المتبعين لكتابه ولسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يبغض إلينا البدع المحدثة في الدين، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل نفع هذه الرسالة في أوساط المسلمين عميماً، وأن يبصر بها أعينا عمياً، ويفتح بها قلوبا غلفاً، ويسمع بها آذان صماً. وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم إنه سميع مجيب. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

تسليم المطلوبين بين الدول وأحكامه في الفقه الإسلامي

تسليم المطلوبين بين الدول وأحكامه في الفقه الإسلامي ¤زياد بن عابد المشوخي£بدون¥كنوز إشبيليا - الرياض¨الأولى¢1427هـ€فقه¶علاقات عربية وإسلامية ودولية الخاتمة بعد حمد الله – عز وجل – وشكره سبحانه على نعمه، أعرض أهم النتائج والتوصيات التي انتهى إليها البحث، ومن أبرزها: 1 - أن التسليم يختلف عن غيره من الإجراءات التي تتفق معه في النتيجة النهائية كالإبعاد. 2 - أن اصطلاح التسليم المعاصر لم يذكره الفقهاء السابقون إنما ذكروا مسألة أخرى هي مسألة رد المسلم أو المسلمة. 3 - أن الفقهاء قصدوا بالرد معنى يختلف عن معنى التسليم المعاصر. 4 - يراد بالرد عند الفقهاء: التخلية بين المطلوب وطالبيه أو إرجاعه إليهم. 5 - أن مصطلح المطلوب أعم من مصطلح المجرم والمتهم. 6 - أن المحدث والمؤوي للمحدث في الإثم سواء. 7 - دار الإسلام هي الدار التي تجري فيها الأحكام الإسلامية وتحكم بسلطان المسلمين وتكون المنعة والقوة فيها للمسلمين. 8 - أن دار الحرب هي الدار التي تجري فيها الأحكام غير الإسلامية وتكون المنعة والقوة والأمن فيها للكفار، وبينها وبين المسلمين حالة حرب قائمة أو متوقعة، فإن لم تكن هناك حالة الحرب فهي دار كفر معاهدة. 9 - أن دار الكفر المعاهدة لا تخضع خضوعا تاما للمسلمين ولا تجري فيها الأحكام الإسلامية، إلا أنها تكف عن قتال المسلمين وبينها وبين الدولة الإسلامية معاهدة. 10 - تتولى الدولة الإسلامية عمن في إقليمها من المسلمين والذميين. 11 - لموضوع تسليم المطلوبين صلة بسيادة الدول؛ لأنه عمل من أعمال السيادة العامة كما هو مقرر قديما وحديثا. 12 - تكون السيادة في الدولة الإسلامية لله عز وجل، وهذه السيادة متمثلة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. 13 - أن كون السيادة لشريعة الله لا يسلب الأمة الحق في التخريج على أصول الشريعة والاجتهاد في تطبيق أحكامها على النوازل. 14 - أن للسيادة مظهرين هما: المظهر الداخلي والمظهر الخارجي، وكلاهما مرتبط بالآخر. 15 - يعد قدوم المطلوب المسلم للإقامة في الدولة الإسلامية حقا من حقوقه، ويحق لولي الأمر رد طلب إقامته لظرف خاص تمر به الدولة الإسلامية كما دل على هذا صلح الحديبية. 16 - المطلوب المعاهد إن كان خارجا من دولة إسلامية إلى دولة إسلامية أخرى فإن إقامته لا تزال تعتبر عهد ذمة. 17 - المطلوب المعاهد إن كان خارجا من دولة معاهدة فإقامته في الدولة الإسلامية تعد عقد أمان مؤقت وله ما لأهل الذمة إجمالا. 18 - المطلوب الحربي لا يجوز له دخول دار الإسلام إلا بإذن أو أمان خاص فيصير حينئذ مستأمنا. 19 - يجب شرعا إعطاء الأمان لمن طلبه ليتعرف على الإسلام وفضائله. 20 - يشترط لعقد الأمان تحقق المصلحة الدينية والدنيوية. 21 - بذل الأمان للمطلوبين ينبغي تقييده بموافقة السلطات المختصة لتدرس كل حالة بحسبها. 22 - الأساس الذي تستند عليه الدولة الإسلامية لإجراء تسليم المطلوبين ونحوهم هو: إما المعاهدات أو المعاملة بالمثل وكلا الأساسين له شروطه وضوابطه وأحكامه. 23 - لمبدأ المعاملة بالمثل بين الدولة الإسلامية والدول الأخرى أساس شرعي في الكتاب والسنة وعمل الصحابة رضي الله عنهم. 24 - يصح الاستناد للعرف الدولي كأساس لتسليم المطلوبين إذا لم يخالف أحكام الشريعة الإسلامية؛ لخصوصية موضوع التسليم وارتباطه بسيادة الدولة الإسلامية. 25 - تسليم المطلوبين في بعض الحالات يحقق الأهداف الشرعية منها: تحقيق العدالة، ورفع الظلم من خلال استعادة الحقوق، والقضاء على الجريمة أو الحد منها.

26 - تسليم المطلوبين بين الدول الإسلامية يشبه إلى حد كبير ما كان عليه العمل في العصور الماضية من كتابة القاضي إلى القاضي والذي انعقد الإجماع على مشروعيته. 27 - إن مسألة كتابة القاضي إلى القاضي لها شروطها الخاصة، التي تختلف عن شروط تسليم المطلوبين. 28 - ارتباط الدولة الإسلامية مع دولة إسلامية أخرى بمعاهدات أخرى بتسليم المطلوبين هو أمر مشروع تؤيده النصوص طالما أن كلا الدولتين تحكمان بالشريعة الإسلامية. 29 - يجوز تسليم المطلوبين لدولة إسلامية دون معاهدات سابقة استنادا إلى المعاملة بالمثل أو عملا بمبدأ التعاون الأمني بين الدول الإسلامية. 30 - إن لصلح الحديبية أهمية خاصة في دراسة مسألة تسليم المطلوبين. 31 - اختلف الفقهاء في مسألة رد الرجل المسلم إلى دولته الكافرة على أربعة أقوال، والراجح منها – والله أعلم – القول بعدم جواز شرط رد الرجل المسلم في المعاهدات؛ لما فيه من مراعاة عموم الأدلة التي أوجبت علو الإسلام وأهله وعزتهم. 32 - هناك فروق بين مسألة الرد ومسألة التسليم منها: أن الرد هو علاقة بين الدولة الإسلامية والمردود، وصورة ذلك التخلية بين الطالب والمطلوب مع التعريض للمطلوب بسبل الخلاص، وأما التسليم فهو علاقة بين الدولتين، وصورته أخذ المطلوب للطالب مقيدا. 33 - يحرم تسليم المطلوبين المسلمين ونحوهم إلى دولة محاربة، كما دل على هذا القرآن الكريم والسنة الشريفة وعمل الصحابة. 34 - يخضع تسليم المطلوبين الحربيين إلى دولهم إلى ولي الأمر وما يراه لمصلحة المسلمين. 35 - يحرم تسليم المطلوبين المسلمين ونحوهم لدولة معاهدة، كما دل على هذا القرآن الكريم والسنة الشريفة وعمل الصحابة. 36 - يجوز تسليم المطلوبين المعاهدين إلى دولهم على أن يشترط عليهم هذا في عقد الأمان، إلا أنه يمنع من ردهم ارتكابهم جرائم في الدولة الإسلامية إذ ينبغي محاكمتهم عليها فيها (على تفصيل عند الفقهاء بحسب نوع الجريمة). 37 - يجوز اشتراط المال في تسليم المطلوبين غير المسلمين إلى دولهم. 38 - لا يجوز دفع المسلمين المال للكفار مقابل عدم تسليمهم المطلوبين المسلمين في حالة قوة المسلمين، ويجوز ذلك في حال الضرورة وحال ضعف المسلمين. 39 - لا يجوز رد المسلمة أو الذمية المطلوبة إلى دولة غير إسلامية مهما كانت الأسباب وهذا محل اتفاق، إلا حال الضرورة. 40 - من موانع رد المطلوب المسلم – عند بعض الفقهاء – كونه عبدا أو صبيا أو مجنونا أو خنثى، أو ليس له عشيرة تمنعه، وعدم حاجة الدولة الإسلامية للرد. 41 - أن هناك بدائل شرعية عن تسليم المطلوبين المسلمين ونحوهم يستغنى بها عن تسليمهم منها: التعويض، وإعادة الحقوق، ومحاكمة الشخص المطلوب في محاكم الدولة الإسلامية وغيرها. التوصيات: من الأمور التي أشير لأهميتها: 1 - تحتاج بعض بدائل التسليم لمزيد من الدراسة والبحث الشرعي. 2 - لا تزال الجريمة السياسية بحاجة للمزيد من البحث والتأصيل لها من منظور شرعي. 3 - ينبغي عدم الخلط بين المصطلحات الفقهية والمصطلحات المعاصرة؛ لأن لكل منها مدلولها الخاص، وإن التعرف أكثر على حقيقة وصورة المصطلح يساعد على بيان الفرق والوصول إلى الحكم. 4 - استنباط الأحكام الفقهية من السيرة النبوية ينبغي أن لا ينفصل عن الأحداث التي اقترنت بها، وينبغي التأمل والنظر في أسباب الورود والروايات لما لها من أثر في توضيح الحكم. 5 - ينبغي على الباحث الاتصاف بالحياد والموضوعية، وألا يتأثر بالظروف الخاصة التي يمر بها المسلمون، ولا يتساهل في الحكم أو يتشدد، بل يعول على الدليل الشرعي. وفي الختام أسأل المولى عز وجل أن ينفعنا بما علمنا ويعلمنا ما جهلنا، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تعريف أهل الإسلام بأن نقل العضو حرام

تعريف أهل الإسلام بأن نقل العضو حرام ¤عبدالله بن محمد ابن الصديق الغماري£صفوت جودة أحمد¥مكتبة القاهرة - مصر¨الأولى¢1417هـ€فقه¶طب وصحة - الموت الدماغي وزراعة الأعضاء خلاصة البحث يتبين من خلال هذه الآراء أنه ليس هناك مانع من أن يتبرع إنسان حي بجزء من جسمه لشخص آخر، بحيث لا يؤثر ذلك على المتبرع، ولا يكون سبباً في تشويهه. والإسلام يحث أتباعه على التعاون في سبيل الخير، وبحيث لا يتقاضى أي مبالغ نتيجة لهذا التبرع، كما أنه لا يجوز بيع الدم. وإنما يجوز التبرع به لأن بيع الآدمي الحر باطل شرعاً لكرامته، حيث قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]. وإنما يجوز التبرع إذا رأى طبيب عادل أن التبرع بالعضو أو الدم لا يؤثر على السليم. كما يجوز نزع عضو من شخص حديث الوفاة ونقله إلى شخص آخر إذا كان قد أوصى بذلك أو رضي بذلك لأن المصلحة العامة مقدمة على كل شيء والحي أبقى من الميت كما يقولون. وقد يقول شخص: إن المستشفيات تبيع الدم أو تبيع عضواً محفوظاً لديها لآخر وتأخذ الثمن على ذلك. نقول: الذي يدفع المستشفى هو نظير أجر العاملين والحفظ في الثلاجات وشراء الكهرباء وما شاكل ذلك، فهي إذا تأخذ أجراً على ما تنفقه، لكن الذي يحرم هو أن يأخذ الشخص ثمناً لدمه أو لعضوه أو ما شاكل ذلك، وعند أخذ الأجر للمستشفى يراعى عدم المغالاة!

تنبيه أهل العصر بما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر

تنبيه أهل العصر بما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر ¤عقيل بن محمد المقطري£بدون¥دار الهجرة - صنعاء¨الأولى¢1410هـ€فقه¶صلاة - فجر خاتمة: وبعد ما قرأت هذا البحث تبين لك مشروعية الاضطجاع على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر ونلخص هنا هذا البحث كما يلي: 1 - أن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر مشروع. 2 - أن هذا الاضطجاع سنة وليس بواجب. 3 - شذوذ رواية مالك عن الزهري في رواية الاضطجاع بعد الوتر وهم يروونها بعد ركعتي الفجر. 4 - أنه كان للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضجعتان. الأولى بعد قيام الليل، والثانية بعد ركعتي الفجر، كما في حديث ابن عباس أو بعد الركعتين التي بعد قيام الليل كما في حديث عائشة لأنه كان يصليها أحياناً. 5 - أن الأمر بالاضطجاع شاذ غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل هو من رواية عبدالواحد بن زياد عن الأعمش وفيها مقال. 6 - أن الاضطجاع تابع لركعتي الفجر فإن صليت في البيت فيضطجع في البيت، وإن صليت في المسجد كانت فيه، وليست بدعة. 7 - أن الاضطجاع يكون على الشق الأيمن، وإن لم يستطع فيومئ إيماء. 8 - أن الكلام بعد ركعتي الفجر مباح، ولا دليل لمن منع ذلك. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتبه/ أبو عبدالرحمن عقيل بن محمد بن زيد اليمني الحجري المقطري.

تنبيه الصحب إلى مشروعية تسوية الصف بالمنكب والكعب

تنبيه الصحب إلى مشروعية تسوية الصف بالمنكب والكعب ¤علي بن عبدالعزيز موسى£بدون¥مكتبة السعيد - الرياض¨الأولى¢1422هـ€فقه¶صلاة - أعمال منوعة الخلاصة والترجيح • بعد سرد قولي العلماء في المسألة، وأدلة كل قوم، ووجه الاستشهاد منها، يتبين لك – أخي القارئ اللبيب – ما يلي: 1 - أدلة الفريقين واحدة، ولكن الخلاف من جهة الاستشهاد بها، ووجه الدلالة فيها. 2 - الاتفاق بين الفريقين على أن تسوية الصفوف سنة، وإنما وقع الخلاف في الوجوب. ومن خلال استقراء الأدلة، والنظر في أقوال أهل العلم والتأمل فيها، تطمئن النفس إلى القول بوجوب تسوية الصفوف في الصلاة، وذلك لعدة أمور: أ) ورود الأمر بذلك بعدة صيغ: "أقيموا صفوفكم"، و"أقيموا الصفوف"، و"سووا صفوفكم" وغيرها من صيغ الوجوب، مع عدم ورود ما يصرف هذا الأمر إلى الاستحباب، بل ما ورد يدل على القول بالوجوب، من اهتمام النبي – صلى الله عليه وسلم – بذلك، واهتمام الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم – به، بل وأمرهم من يسوي الصفوف، وضرب بعضهم على ذلك، وإنكارهم على من ترك تسوية الصفوف، كل هذه قرائن تدعم القول بالوجوب. ب) ورود الوعيد على من ترك تسوية الصفوف بالمخالفة بين الوجوه ووقوع الخلاف بينهم، وهذا لا يكون إلا على ترك واجب وفعل محرم. جـ) ضعف وجه الاستدلال عند من قال بالاستحباب حيث صرف هذه الأوامر عن وجهها، ولذلك تعقبت أقوالهم كما سبق بيان بعض ذلك. د) ما المانع من القول بالوجوب؟ وهو قول بعض جهابذة أهل العلم؟ وعلى رأسهم إمام المحدثين أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري – رحمه الله-، ومن بعده أبو محمد بن حزم – الذي أطال – رحمه الله – في سرد أدلة الوجوب والرد على من قال بالاستحباب كما مر بنا، وهو ظاهر اختيار شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية – طيب الله ثراه – من المحققين، وكذا قول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – وفقها الله – وهو قول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – إذاً ليس هو بدعاً من القول، بل هناك من السلف من قال به، وتبعهم عليه بعض أهل العلم الثقات الأثبات في عصرنا، هذا فضلاً عن وضوح الأدلة وقوتها في إثبات الوجوب. • وهذا الذي ذهبت إليه من ترجيح القول بالوجوب لا أدعي أنه الصواب المطلق، وإنما هو ما اطمأنت إليه النفس، وانشرح له الصدر، بعد النظر في أقوال العلماء في فقه الأدلة، مع احترامي وتقديري لمن قال بالاستحباب من علماء السلف والخلف، وأرجو الله تعالى أن أكون قد وفقت للصواب، هذا وإن أحسنت فإنما هو توفيق الله وفضله، وأسأله سبحانه المزيد من فضله، وما أخطأت فيه فمن نفسي، وأسأل الله أن يتقبل ما أحسنتُ فيه، وأن يجعله في صالح عملي، وأن يتجاوز عما أخطأت فيه إنه سبحانه أرحم الراحمين.

تنبيهات على محظورات - كرة القدم بين المصالح والمفاسد

تنبيهات على محظورات - كرة القدم بين المصالح والمفاسد ¤مشهور بن حسن آل سلمان£بدون¥بدون¨بدون¢بدون€فقه¶ألعاب ننبه أخيرا إلى أن "كرة القدم" لا ينبغي أن تتخذ وسيلة للدعوة إلى الله تعالى، كشأن من يجيز الكذب وهجر المسلمين، وإيذاءهم لمصلحة الدعوة – زعموا -!!؛ لأن الدين إن لم يقم بالجد، فمن الاستحالة بمكان أن يقوم باللعب، قال تعالى: {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} [البقرة: 63]. بل، وهل خلقنا الله – سبحانه وتعالى – من أجل الرياضة واللعب؟! أم إنه خلقنا عبثاً وباطلاً؟ سبحانه. وقد تقدم معك أضرار لعبة كرة القدم وشرورها، وأنها سلبت الأمة أموالها وطاقتها، وفرقتها شيعاً وأحزاباً، فكل ناد وكل لاعب له مؤيدوه ومناصروه ومحبوه وشانئوه، وصدق الله العظيم {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]. هذا؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تنظيم النسل وموقف الشريعة الإسلامية منه

تنظيم النسل وموقف الشريعة الإسلامية منه ¤عبدالله بن عبدالمحسن الطريقي£بدون¥بدون¨بدون¢1403هـ€فقه¶تحديد النسل وتنظيمه الخاتمة بيان لأبرز نتائج هذا البحث الإنسان ثروة من ثروات الأمم يكمن فيه سر قوتها وعظمتها ورفعة مجدها وعزتها. والأمة التي أرادت الخير لنفسها تعمل على توجيه هذا الإنسان وتربيته تربية صالحة تمكنه من أخذ مكانه فيها – عاملا ومهندساً وطبيباً وجنديا ومربيا ومدرسا وداعية ... ليسهم في بنائها ويعمل على رفع شأنها ليجعل لها مكانتها بين الأمم الأخرى. ولقد منحه الله عقلا يفكر ويدا تعمل فحقق الذي نراه ونشهده من تقدم علمي سخر له به أعماق الأرض وآفاق السماء. ومع هذا ظهرت نظريات وأفكار من غير المسلمين – هي أبعد ما تكون عن الإيمان بالله – ترى أن الإنسان هو مصدر جوع الإنسانية مما يؤكد وجوب الأخذ بتحديد النسل خاصة بين الدول النامية والتي غالبيتها من المسلمين. وبنوا تصوراتهم وتعليلاتهم الظاهرة على أسباب مادية متجاهلين حقيقة الإيمان بالله وأنه الرزاق ذو القوة المتين. وبذلوا لتحقيق ذلك الأموال العظيمة والجهود الكبيرة وأوجدوا لذلك منظمات ومؤسسات دعموها بالأموال ومكنوها من مباشرة أعمالها في غالبية بلاد المسلمين. وتمكنت من مخاطبة جمهور المسلمين والتعامل معهم في هذا الشأن. وسخرت لهم وسائل الإعلام المختلفة لتصل إلى من لا يستطيعون الوصول إليه لكي يتجاوب معهم .. وبالتالي يضعف شأن المسلمين وقوتهم والتي كانت وما تزال مصدر رعب وخوف لهؤلاء. في الوقت الذي يدعون وينادون بتكثير نسل شعوبهم وتوفير إمكانيات نموه وزيادته ... وذلك لرغبتهم في الحصول على ثروة عظيمة هي "الإنسان" وانخدع بهذه الآراء بعض المسلمين فرأوا تحديد النسل خوفا من قلة الرزق وهذا بحد ذاته نذير خطر عظيم لدينهم وإيمانهم يتضاءل أمامه كل خطر اقتصادي وأزمة معيشية لما فيه من سوء الاعتقاد بشمولية "رب العالمين" للرازقية التي لا ينضب معينها ولا ينقطع مددها إلا لأجل حكمة إلهية أرادت قلة الرزق وانتشار المجاعة لمصلحة العباد والبلاد. لهذا قامت الدعوة لتحديد النسل كعلاج لقلة الرزق على هدم الأساس الذي يقوم عليه ديننا وإيماننا مما يؤكد أهمية خطر هذا الجانب في حركة تحديد النسل. وإذا انطلقت هذه الفكرة عند المسلم إلى حيز التنفيذ والعمل فمعنى ذلك أن الإيمان انحسر وتلاشى في النفس، وحل محله فكر مادي ملحد ينادي بأن ليس هناك رب لهذا الكون، وإنما هو الإنسان وحوله الكون وحده، فلابد من أن يعتمد على الوسائل المادية الظاهرة في قضاء حياته ... وهذا حصل بسبب تيار الأجواء السامة للمدنية الغربية إلى الرجل المسلم الذي يعلن إيمانه، ويعيش مع المسلمين وفي محيطهم، ولكنه لا يفكر تفكير المسلمين في مشكلات الحياة وقضايا الساعة، وإنما يتجاوب فكره مع فكر الماديين الملحدين في أمور الحياة. لهذا نرى أن المخلصين من علماء هذه الأمة ومثقفيها أوضحوا أن حركة تحديد النسل إنما هي لخدمة أعداء الإسلام في كل مكان لإضعاف المسلمين وكسر شوكتهم. وبهذا أصدرت الأحكام الشرعية التي تحرم تحديد النسل والدعوة إليه من مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ومجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة. وأما وسائل الحد من النسل فقد خرجت من دراستها بالأمور الآتية: 1 - تحريم الإجهاض الاختياري منذ التقاء البويضة بالحيوان المنوي. 2 - تحريم العقم الدائم. 3 - الوسائل الأخرى المانعة للحمل جائزة بالشروط الآتية: الشرط الأول: رضا الزوجين. الشرط الثاني: انتفاء الضرر منها. الشرط الثالث: مراعاة حق المجتمع وانتفاء التأثير الحكومي أو الإعلامي. فلا يحق للزوجين أو أحدهما اتخاذ قرار في هذا الشأن إلا بعد الأخذ بهذه الشروط، والتي تحصر تنظيم النسل وتنظمه في أوجه شرعية داعية له كمرض الزوجة. وبهذا نكون قد انهينا ما رمنا إنهاءه وأتممنا ما وفقنا لإتمامه وهو بحث: "تنظيم النسل وموقف الشريعة الإسلامية منه". فأحمد العلي العظيم على نعمه التي لا تحصى وتوفيقه الذي لا ينسى، وأضرع إليه تبارك وتعالى أن يتجاوز عني إذا أخطأ رأيي وزل قلمي فما قصدت إلا الخير والإصلاح وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن سار على نهجه وحكم شرعه إلى يوم الدين.

توسيع وقت رمي الجمرات ضرورة شرعية معاصرة

توسيع وقت رمي الجمرات ضرورة شرعية معاصرة ¤صلاح الدين عبدالحليم سلطان£بدون¥سلطان - الولايات المتحدة الأمريكية¨الأولى¢1425هـ€فقه¶حج وعمرة - رمي الجمار 1 - هناك ضرورة شرعية لإعادة النظر في الفتاوى التي تختار من أقوال الفقهاء ما صح دليله لا يناسب الزحام الذي أدى قطعا إلى قتل الأبرياء بمدافعة إخوانهم وركلهم بأرجلهم لحساب فعل يمكن حمله على الأفضل ولا يجوز أن تضيع الفضائل الفرائض الخاصة برمي الجمرات فإن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة كما قال سيدنا أبو بكر الصديق والنافلة هي وقت الرمي والفريضة حفظ النفس. 2 - عند الاجتهاد في توسيع وقت رمي الجمرات نكون قد أعملنا النصوص العامة والقواعد الشرعية والمصالح الضرورية والحقائق العقلية. 3 - من مجموع النصوص الشرعية يتضح بخلاء أن منهجية النبي كانت تتجه بوضوح إلى توسيع وقت رمي الجمرات إلى ما قبل وقت الفضيلة مثل الإذن قبل طلوع شمس يوم العيد برمي جمرة العقبة الكبرى للضعفاء والنساء خشية الزحام عليهن والإذن لذوي السقاية ورعاة الإبل أن يرموا من الليل ونهى نهيا قاطعا عن الطرد والضرب ودفع الآخرين بقوة فإذا ظللنا نفتي بعدم جواز الرمي صباحا دفعا الناس إلى مخالفة هذه النصوص جميعا. 4 - استقر لدى فقهاء الأمة أن هناك وقت فضيلة لرمي جمرة العقبة الكبرى من طلوع الشمس يوم العيد إلى الزوال وفي الجمرات من الزوال إلى المغرب لكنهم لم يمنعوا الرمي في غير هذه الأوقات لضرورة والآن ضرورة الزحام الشديد أوجب من كل الضرورات ذكروها خاصة إذا كان اليقين أن هناك ضحايا كل عام في منى خاصة بسبب الزحام 5 - يبدو لي أن ضرورة الزحام وآثارها توجب توسعة الوقت من منتصف ليلة النحر إلى فجر اليوم التالي والجمرات من فجر كل يوم حتى قبل فجر اليوم التالي حتى غروب شمس الثالث عشر من ذي الحجة وذلك لما ثبت من أدلة توجب رفع الحرج ((ارم ولا حرج)) لمن رمى مساء بعد وقت الفضيلة وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما سئل عن شيء إلا قال: افعل ولا حرج وما صح عن طاووس وعطاء من جواز الرمي في آخر يوم بعد الفجر هذه شواهد قوية في صحة اختياري. 6 - الذين نفوا جواز الرمي قبل الزوال للجمرات أعملوا نصوصا وأهملوا أخرى والقاعدة الشرعية ((إعمال النص أولى من إهماله)) والأولى جمع النصوص كلها في كل قضية والإفتاء بالعزائم والرخص بما لا يفوت حكما شرعيا ولا يزهق نفوسا محرمة. 7 - فعل النبي دل على أنه وقت الفضيلة وإذنه لذوي الأعذار دل على الرخصة والتوسعة على الناس ونحن نفضل لذي العزائم حسن التأسي ولغيرهم حسن التوقي من المهالك والمخاطر ولا يدل مجرد فعل النبي صلى الله عليه وسلم على الوجوب إلا بقرينة أخرى. 8 - ادعاء أن الرمي عبادة نهارية مردود بالإذن للرعاة أن يرموا في الليل ولغيرهم أن يرموا مساء وهذا تكلف. 9 - ادعاء أن الرمي تحية دخول منى والحجاج يمرون عليها صباح يوم العيد مردود لأن الحجاج يردون إلى يوم التروية أول قدومها أو لمن أقام بها؟ 10 - الأولى أن يقاس رمي الجمرات على مناسك الحج حيث إن الإحرام من أول شوال إلى قبل فجر يوم العيد والوقوف بعرفة من فجر يوم التاسع أو الزوال إلى فجر يوم العيد وطواف الإفاضة يتسع وقته من فجر يوم العيد إلى آخر ذي الحجة وقيل إلى آخر العمر والسعي كذلك والحلق والذبح يصحان في كل أيام منى ليلا أو نهارا فلماذا نقصر الرمي فقط على أوقات رمى النبي مع أنه أحرم ووقف بعرفة وطاف في أوقات محددة وليست كل هذه الأوقات التي أجاز فيها الفقهاء ممارسة الشعائر.

11 - للزحام اعتباره في كثير من أحكام الحج عامة في النهي عن مزاحمة النساء للرجال في الطواف والسعي أو تقبيل الحجر الأسود والإذن للضعفاء في الرمي مبكرا فإن زاد بشكل يشكل خطرا حقيقيا فلماذا لا نؤول إلى التوسعة 12 - إذا كانت الأمة الإسلامية مليارا وثلث المليار فلو افترضنا أن ثلثها فقط يقدرون على الحج وهم 400 مليون فإننا نحتاج خلال أعوام البلوغ (وهي تقدر ب 50 سنة) إلى أن يحج كل عام ما يزيد عن 8 ملايين لأول مرة ويجب أن تتسع الفتوى والمكان لإتاحة ساعات من الزوال إلى المغرب يعني أنه يلزم كل دقيقة أن يرمي أربعون ألفا فأكثر وهو مستحيل عقلا وواقعا والتوسعة تجعل العدد سبعة آلاف مع دورين وقرابة ثلاثة آلاف لو وجدت خمسة طوابق لرمى الجمرات. 13 - أحب من علمائنا الأفذاذ الذين قد يخالفهم ما نختاره من حكم شرعي أن يتسع صدرهم لاجتهاد غيرهم – فنحن جميعا نتعلم منهم سعة الصدر قبل سعة العلم ولين الجانب واحترام الرأي الآخر إلا أن يخالف أمرا لا يختلف عليه اثنان من علماء الأمة ومسألتنا مما اختلف العلماء. ثانيا: أهم التوصيات: 1 - أرجو أن تحيل وزارة الحج والأوقاف بالمملكة العربية السعودية هذا البحث إلى هيئة علمية لمناقشته في إطار الحرص على حفظ أرواح المسلمين ثم يتخذوا القرار الذي يرونه أقوى حجة وأنسب لظروف العصر. 2 - أن يعاد النظر في تخطيط منى ويوسع مرمى الجمرات ((الحوض)) وتبنى أدوار عليا وتضبط حركة السير فيها والمباني الجديدة ووضع الخيام وأقترح أن يكون ذلك عن طريق هيئة تجمع إلى الفقهاء والعلماء مهندسين وأطباء وإداريين ورجال أمن من بلاد إسلامية عديدة لأن القتلى عادة يكونون من كل بلاد أمتنا الإسلامية. 3 - ألا يبادر الحجاج إلى الأخذ بالفتاوى دون تعرف الأدلة إن كانوا ممن يقدرون على فهم الأدلة الشرعية وهذه دراسة علمية أرجو أن تقرأ ليس على أنها الحق الذي غيره الباطل بل هي رؤية علمية قد تكون خطأ وقد تكون صوابا وأرجو في كل أجرا أو أجرين فإن أصاب عند أحد قبولا قلبيا وعقليا أخذ به وإلا فمن حقه أن يتبع ما يطمئن إليه فؤاده من بين الآراء الفقهية في القضية. 4 - أن يبادر الحجاج إلى سؤال العلماء وقراءة الكتب الموثوق بها قبل الخروج إلى الحج لأن العلم بالأحكام الشرعية يسهل على الحاج الاختيار بما يحقق التوازن بين أداء المناسك وحفظ النفوس.

توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال

توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال ¤عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه£بدون¥دار ابن حزم - بيروت¨الأولى¢1418هـ€فقه¶عقود مالية - منوعات خاتمة خلاصة البحث: لقد عرضنا في افتتاحية البحث إلى أهمية الموضوع وإلى منهجية البحث وأبوابه باختصار. - في مقدمة البحث استعرضنا المصطلحات المتعلقة بتغيير العملة من كساد وانقطاع ورخص (تضخم) فعرفناها لغة واصطلاحاً لنحدد من خلال التعريف إشكالية (التضخم) حيث التقطنا من الاقتصادية/ سوزان لي – أهم نتيجة من نتائج التضخم الذي يحول الدائنين إلى خاسرين تدفع لهم ديونهم بمال قلت قيمته. واعتبرنا أن هذه النتيجة هي: بيت القصيد بالنسبة للباحث الذي يحاول تخفيف هذه الخسارة لوضع ميزان قسط بين الدائن والمدين لاقتسام الغرم. أما الفصل الأول: فقد عرضنا في تصانيفه أقوال الفقهاء في تغيرات العملة من كساد وانقطاع ورخص فبينما سجلنا مواقف واضحة فيما يتعلق بالكساد والانقطاع بين قائل بفسخ البيع ومخير للبائع ومن يحكم على المشتري بمثل العملة المنقطعة ومن يقضي بالقيمة. إلا أن الذي لفت انتباهنا واستأثر باهتمامنا هو تغير قيمة العملة بالرخص (التضخم). فشورنا فيه أقوال الفقهاء واستنطقنا نصوصهم بين تصريح وتلويح حيث أثبتنا رأي الجمهور بأن الرخص لا يؤثر على مقدار ما في الذمة وإنه يجب قضاؤه بمثله في المثليات وقررنا رأي من يقول: بأن الرخص يؤثر مطلقاً مع تقييد بعضهم له بالفاحش. واعتبرنا أن هذا الرأي أقرب إلى العدل وأولى بالصواب في كوارث تغيرات قيمة العملات التي لا قيمة لها في نفسها. ورددنا الخلاف إلى أنه قد يكون خلافاً في حال وتحقيقاً لمناط. وفي الفصل الثاني: لخصنا موضوع البحث وأصلنا فقه المسألة بالإجابة على خمسة أسئلة تشكل العقد المستحكمة التي تشد أطرافه. إجابات مختصرة غير إنها وافية بالمقصود – إن شاء الله – بعد أن قررنا أنها مسألة اجتهادية لا نص بخصوصها من الكتاب والسنة وليست كذلك منصوصة بالنوع وإن كان لا يستبعد كونها منصوصة بالجنس وكان ذلك أساس قياسنا لها على الجائحة بجامع أخذ المال بغير حق أي: في غير مقابل. وقررنا في إجابتنا عن الزيادة التي قد يدفعها المدين إلى الدائن لجبر ضرره أنها زيادة صورية لأن العبرة بالقيمة التي أصبحت معياراً كمعيار العدد الذي قد يلغى من أجله الوزن في التقدين عند من يقول به أو معيار الوزن الذي قد يلغى له العدد كما فصلناه في ملحق الأعواض والمعايير. - ومن خلال جوابنا على مبنى هذا الرأي أوضحنا أنه يرجع إلى أصل عام هو: نفي الضرر وأنه مقيس على أصل خاص هو: الجائحة في الثمار التي هي: نص في الحديث الصحيح الذي يرويه مسلم وقد قال بها مالك وأحمد وافترضنا أن يكون تخريجاً عليها لو قال قائل: لا يحق لكم القياس وهو من اختصاص المجتهد المطلق ولكن البلاد إذا اقشعرت وصوح نبتها رعي الهشيم. وعرفنا التخريج بأنه: "القول في مسألة لا نص فيها للإمام بمثل قوله في مسألة تساويها". وانتقلنا إلى إمكان اعتبار هذه المسألة من المصالح المرسلة إذا اعتبرنا أن حكم الجوائح قاصر على الثمار فهو يدخل في حدها عند مالك. وتركنا تقدير المقدار الذي يعتبر فاحشاً إلى العرف والعادة مع ذكر مقادير كمؤشرات يلجأ إليها الحكم كالنصف والثلث والربع وبينا أن الصلح قد يلجأ إلا أن الحكم قد يتعين وإن تقدير الأضرار يجب أن يراعى فيه الطرفان كما أبرزنا أننا لا نرى الشرط المسبق بل نعالج واقعاً محققاً لا متوقعاً مرتقباً لأن الشرط قد يؤدي إلى الغرر والجهالة في العقد وشبهة الربا في القرض كل هذه التفاصيل كانت مؤيدة بالنصوص الأصلية وأقوال الفقهاء وسوابق الاجتهاد.

ثم وضعنا ثلاثة ملاحق هي: عبارة عن مستودع لنصوص مختارة تتعلق ببحثنا من شأنها أن تساعد من يود الاطلاع على النص كاملاً في الرجوع إليه بدلاً من الاكتفاء بالمقتطفات التي قد نقطفها من مكان إلى آخر من هذه الملاحق التي أعدت أيضاً لتوسيع دائرة التأصيل للنتائج التي توصلت إليها مع تعليق مختصر على كل ملحق يوضح مقصوده. في ملحق النقود: نلاحظ ميلاد النقود الشرعية التي هي: بلا خلاف ذهب وفضة وأنها بحكم نفاسة معدنها وندرة المتداول منها في مأمن من التقلبات العاصفة الأمر الذي لاحظه العلماء الأوائل في النقود التي سقناها عن ابن رجب في الذيل وعن ابن الطالباني عن الفلوس (أنها تختلف في نفاقها وكسادها باختلاف البلدان والأزمان بخلاف النقدين الذهب والفضة). الحطاب عن ابن القاسم (ومرة رأى أن الدنانير والدراهم هم: أثمان لا تكاد تختلف أسواقها وإن اختلفت رجعت) إنها عملات مستقرة فلما جاءت الفلوس صعب تقبلها واختلفوا فيها من ملحق بالنقدين ومن يجريها مجرى العروض. إنهم ما لاحظوا إثبات أسعار الذهب والفضة إلا تعليلاً لثمنيتها بالخلقة وتحذيراً من النقود المتذبذبة التي تجلب معها التضخم لقد كان لهم إحساس بالآثار السيئة للتضخم وقد عبر عن ذلك المقريزي وابن حجر مبرراً عيب الفلوس وسرعة تقلبها فإذا كان ذلك في الفلوس المساعدة للذهب فكان الخلاف فيها اختلافاً في حال فمن رأي ثمنيتها كنقود مساعدة للنقدين ألحق التابع بالمتبوع ومن لاحظ سرعة تقلبها وضعف تحملها طردها عن مجرى الأحكام الثابتة للذهب والفضة. إذا كان الأمر كذلك والفلوس لها قيمة معدنية فما ظنك بنقودنا الورقية التي لا قيمة لها في نفسها لا يتزين بها ولا تصنع منها سكين إنها حقاً نقود رديئة. وفي ملحق الأعواض والمعايير دفعنا المسترشد إلى أن يلاحظ بنفسه موقف الفقهاء في المماثلة ومعايير المبادلة من كيل ووزن وعدد وتحر وحرز ومعيار عرف وعادة ونوهنا بمعيار القيمة حيث سجلنا ومضات نيرة من كبار الفقهاء كابن القاسم وأشهب صاحبي مالك وابن تيمية وابن عتاب وابن دحون. وفي النهاية قدمنا استخلاصاً لرأينا بصفة مختصرة بحيثياته التي سبق بسطها متمثلاً في مراعاة التضخم وتقدير الأضرار وإنها يجب أن تجبرها بالصلح وإلا فبالحكم. وانتهينا إلى هذه الخلاصة التي وصفنا فيها رحلتنا مع هذا البحث ورسمنا تضاريس خريطته. وهكذا نكف شباة القلم اكتفاء بما حصل استغناء بالنهل عن العلل. ونستغفر الله العظيم ونتوب إليه من غوائل القول ومزاحل العمل. وهو المستعان. وحسبنا الله ونعم الوكيل ....

توضيح الرؤية القاصرة - زكاة الأثمان على النقدين بالعلة القاصرة

توضيح الرؤية القاصرة - زكاة الأثمان على النقدين بالعلة القاصرة ¤عبدالله بن عمر الشنقيطي£بدون¥دار البخاري - بريدة¨الأولى¢1414هـ€فقه¶زكاة - النقدين خاتمة: اللهم اختم لنا وللمسلمين بخير. الحمد لله رب العالمين أولا وأخيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كان ولا يزال لطيفا خبيراً. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله أرسله الله تعالى إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا وداعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا. أما بعد:- فقد منَّ الله تعالى علي بنعم لا تحصى فله الحمد وحده كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ومن هذه النعم الكثيرة عونه لي على أن أتممت هذا البحث – بحث العلة القاهرة – ولإن كنت في القلم والعمل ذا همة فاترة، فقد حصلت من هذا البحث بنتائج وافرة، أسأل الله تعالى أن يجعل وجهي يوم القيامة من وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة. فمن هذه النتائج: النتيجة الأولى: أن القياس، لا مانع من كونه مشتركا بين التقدير – أي تقدير المجهول بالمعلوم – والمساواة أي مساواة شيء بآخر يماثله، فالتقدير آيل إلى المساواة. النتيجة الثانية: أن تعاريف القياس – اصطلاحاً – دائرة حول أن حكم معلوم قدر به حكم مجهول فظن أنه يساويه، لما بينهما من أوجه الشبه والتضاهي في نظر المجتهد. النتيجة الثالثة: أن معنى القياس واضح ولا يحتاج الأمر فيه إلى كثير مما أطال به بعضهم ذيل مسألة تعريفه، ناهيك عمن استبعد حده بحد معين وقد قيل: توضيح الواضح يزيده إشكالا. النتيجة الرابعة: أن أدلة إثبات القياس واضحة بينة الدلالة على ثبوته كمصدر شرعي، لأن الحوادث غير متناهية ولا بد لها من أن تضع لحكم الله تعالى، والنصوص لم ترد دالة على كل حادث بعينه، فلابد من قياس ما جد على ما علم حكمه من مصادر الشرع قبله حتى لا تند شاردة ولا واردة عن حكم الله تعالى العزيز الحكيم. النتيجة الخامسة: أن كل ما ذكره نفاه القياس – رحمني الله وإياهم – من الأدلة على نفي القياس، إنما ينصب على القياس الفاسد الذي اختل فيه أحد شروط القياس الصحيح، أما القياس الصحيح، فقد كان معمولا به قبل وجود المعارض، فلا يلتفت إلى قوله فيما أقرته الأمة قبله. النتيجة السادسة: أن أركان القياس أربعة: الأصل والحكم والعلة والفرع. النتيجة السابعة: أن الخلاف في هل الأصل هو الدليل أو المحل الذي ثبت فيه الحكم؟ خلاف لفظي، وذلك لتلازم الدليل أو المحل الذي ثبت فيه الحكم، من حيث إفادة الحكم المطلوب إلحاق الفرع بالأصل فيه. النتيجة الثامنة: أن الخلاف لفظي أيضا في هل الفرع في الحكم الذي سيعطي للمحل المقيس، أهو نفس المحل المقيس، لفظي بنفس الصورة التي سبق التنويه عنها في هل الأصل هو الدليل، أو حكمه، فلا مشاحة في الاصطلاح. أما النتيجة فواحدة وهي معرفة حكم الله تعالى في المحل المتجدد. النتيجة التاسعة: أن تعريف العلة دائر على اختلاف عبارات على – أنها هي المعني الذي كان سببا في الحكم في الأصل ومراعى فيه، بحيث إذا وجد في الفرع أعطي نفس الحكم. النتيجة العاشرة: أن العلة هي قطب رحى القياس الذي يدور عليه. حتى إن بعضهم عبر بالقياس عن العلة ولذلك بذل العلماء رحمني الله وإياهم في تحديدها بالتعريف والشروط ما لم يبذلوا في غيرها من أركان القياس. النتيجة الحادية عشر: لا يبدو مانع من التعليل بالحكمة إذا أمكن ضبطها وتحديها، فإن لم يمكن ذلك بحث للتعليل عن وصف مناسب منضبط يناط الحكم به، وكذلك الشأن في الوصف العدمي، إن أمكن ضبطه، فلا أرى مانعا – أسأل الله تعالى رحمته – من إناطة الحكم به، فإن لن ينضبط فليس بمناط للحكم.

النتيجة الثانية عشرة: لا يظهر لي مانع – أسأل الله تعالى عفوه – من تعدد علل تنتج كل منها نفس المعلول، على معلل واحد كاجتماع ترك الصلاة، والقتل العمد والعدوان، على شخص واحد فإن كلا من العلتين تنتج القتل لصاحبها – عياذا بالله تعالى من كل سوء - ويبقى النزاع بعد ذلك في هل قتل بهذه العلة أو بتلك أو بهما معا، نزاعا لفظيا لا طائل وراءه. النتيجة الثالثة عشرة: أن مجال القياس هو ما لا نص فيه من كتاب أو سنة، ولا إجماع يدل على حكم الله تعالى فيه. النتيجة الرابعة عشرة: أن كثيرا من الأصوليين يستشهد عند الخلاف في التعليل بالعلة القاهرة ما إذا كانت مستنبطة، أما إذا كانت منصوصة فقد نقل الاتفاق على جواز التعليل بها، وليس كذلك فقد نقل السبكي الخلاف في التعليل بها حتى وإن كانت منصوصة. النتيجة الخامسة عشرة: أن عمدة حجة من لا يرى التعليل بالعلة القاصرة هو أنه لا فائدة فيها، من حيث تعدية الحكم إلى فرع آخر، ثم هي ليست كاشفة عن شيء من حيث كون معرفة الحكم في محلها ثابتة بالنص ونحوه، وليست بمظهرة حكما في غير محلها. النتيجة السادسة عشرة: أن في العلة القاصرة فوائد عدة عند من يرى التعليل بها، منها: - معرفة كونها باعثة على الحكم بما اشتملت عليه من المناسبة، فتكون النفس له أكثر قبولا، والصدر إليه أكثر انشراحا – شرح الله صدورنا للإسلام -. - إذا نازعت العلة القاهرة في محل الحكم، علة متعدية، لم يعمل بالمتعدية حتى يظهر رجحان العمل بها على العلة القاصرة. - أنه يمتنع تعدية الحكم من محل العلة القاصرة إلى فرع آخر إذا عرف قصور العلة على ذلك المحل. النتيجة السابعة عشرة: أن من أوضح الفوائد من التعليل بالعلة القاصرة، هو معرفة مناسبة الحكم للمعنى الظاهر من وصف منضبط في أصل محل الحكم، فإذا عرف ذلك فقد يلوح في مستقبل الأيام وجود ذلك المعنى في محل آخر جديد، فيكون سببا في تعديه حكم الأصل عليه، وقد نبه إلى هذا المعنى أبو إسحاق الشيرازي – رحمني الله وإياه -. وأوضح مثال له الآن هو قصور الثمنية على النقدين –الذهب والفضة – ردحا من الزمان، ثم وجود نفس المعنى – وإن كان بشكل أقل – في أنواع النقود الأخرى من ورق ونحاس وغيرها من المعادن فيتعدى حكم النقدين إليها. النتيجة الثامنة عشرة: يبدو أن الرأي القائل بكون العلة القاصرة صحيحة، هو الراجح لسعادته بالدليل أكثر ممن يقول بعدم فائدة فيها، وذلك لما تقدم ذكره من فوائد للتعليل بها، وبه يظهر أن الخلاف فيها قد يكون معنويا، بيد أن بعضهم – رحمني الله وإياهم – يرى أن الخلاف في التعليل بالعلة الواقفة لفظي، من حيث إن من لا يرى التعليل بها لا يرى علة إلا ما كان متعديا، ولا ينكر ظهور المعنى بالقاهرة، وإن لم يسمها علة، ومن يرى التعليل بها لا يدعي أنها تتعدى إلى فرع بحكم فيه بحكم محلها، فعاد الخلاف لفظيا. ولا يظهر له معنى إلا إن جد جديد يظهر فيه نفس المعنى الذي من أجله شرع الحكم في الأصل، فتتحول العلة فيه من كونها قاصرة إلى كونها متعدية. والله تعالى أعلم. النتيجة التاسعة عشر: أن التعليل بالعلة القاصرة له عدة صور، فقد يكون بوصف الحال الخاص به الحكم، وقد يكون بجزء المحل، وقد تكون المحل نفسه. النتيجة العشرون: قد تتعارض العلة القاصرة والعلة المتعدية في المحل الواحد، في ذهن المجتهد، وقد اختلف في العلم عندئذ على أيهما يكون، والراجح أن يكون العمل بما ترجح في ذهن المجتهد منهما أنه الأحق بالتقديم، شأنهما في ذلك شأن العمل بالراجح من الأدلة عند التعارض إذا لم يمكن الجمع بينهما.

النتيجة الواحدة والعشرون: أن النقدين اسم يطلق على الذهب والفضة، من حيث إن اسمهما مشتق من النقد وهو الفحص والتمحيص ليظهر حقيقة المنظور، أو من النقد بمعنى الدفع الحاضر – أسأل الله تعالى النظر إلى وجهه الكريم -. النتيجة الثانية والعشرون: أن اسم النقد يطلق على كل ما فيه خاصية الذهب والفضة من حيث إنهما وسط لتبادل المال، ومقياس للقيم، ومستودع للثروة، فما كان بهذه المثابة من ورق، أو معدن، فهو داخل في مسمى النقد، فلم تعد النقدية خاصة بالذهب والفضة وإن استقلا بخاصتها أزمانا متطاولة في الماضي، أسأل الله تعالى أن يختصنا برحمته إنه ذو الفضل العظيم. النتيجة الثالثة والعشرون: أن الثمنية ليست علة قاصرة على النقدين لا قديما ولا حديثا، فقد تقايض الناس السلع قديما وحديثا، واعتبروا أنواع النقود حديثا ذات قيمة ثمنية عالية بها أصبحت تلك النقود مستودعا للثروة، ومقياسا لقيمة الأشياء، وبكثرتها وقلتها عند الأشخاص يتميز الفقراء من الأغنياء. النتيجة الرابعة والعشرون: أن الخلاف في مسألة زكاة الأثمان من غير النقدين، خلاف طارئ شأنه في ذلك شأن الخلاف في جريان الربا فيها، فمسائل الخلاف فيها كلها طارئة بطروئها، ومبنى رأي كل فيما ذهب إليه من وجوب الزكاة وعدمه ونحو ذلك هو التخريج على قواعد المذهب الذي ينتمي إليه كل من المختلفين – رحمني الله وإياهم -. النتيجة الخامسة والعشرون: أن من العلماء المعاصرين من لا يرى الزكاة واجبة أصلا في النقود ما لم تكن ذهبا أو فضة. ومنهم من يفصل فلا يرى فيها الزكاة ما لم تقبض قيمتها، وقيمتها عنده ما هي مغطاة به من ذهب مخزون في خزانة مصدر النقد، ولازم هذا أنه لا زكاة فيها ما لم يكن لها غطاء من ذهب أو فضة. النتيجة السادسة والعشرون: أن عمدة حجج من لا يرون من العلماء – رحمني الله وإياهم – وجوب الزكاة من أثمان غير النقدين دائرة حول قصور الثمنية على النقدين وحرمة مال المسلم بغير حق شرعي، ولم يوجب ربنا تعالى على المسلم في ثمن زكاة إلا في النقدين. النتيجة السابعة والعشرون: أن الاحتجاج بقصور الثمنية على النقدين في عدم إيجاب الزكاة في الأثمان من نقود الورق وما يشبهها ساقط، لأن النقود الورقية مال مشاهد الانتفاع به في جميع مجالات الانتفاع من الأموال، فشابه النقدين من هذه الحيثية، فكيف يعطل عنه حكم النقدين وقد اشترك معهما في الثمنية؟ النتيجة الثامنة والعشرون: أن كون الثمنية هي علة تحريم الربا في النقدين غير مسلمة، بل خالف فيها بعض العلماء – رحمني الله وإياهم – ولو سلمت جدلا، فإنها لا تمنع الربوي من وجوب الزكاة فيه بشروطها. النتيجة التاسعة والعشرون: أن كون نصاب الزكاة من النقود من غير الذهب والفضة لا يقدر إلا بالذهب أو الفضة وكذلك المستحق في الزكاة، لا يمنع من وجوب الزكاة في تلك النقود، فلا يبعد أن يصل مال زكوي نصاب الزكاة مقدرا بمال زكوي آخر، كالحاصل في عروض التجارة، حيث يقدر نصابها بالنقدين. كما لا يبعد أن يخرج جنس زكوي، عن جنس آخر كذلك، كإخراج الغنم عن نصاب الإبل من بلوغه خمسا، حتى يصل عشرين. وكدفع صاحب الإبل سنا أكبر مما هو مطالب به لجابي الزكاة، ويرد إليه شاتين أو عشرين درهما، وبالعكس. النتيجة الثلاثون: أن نظر بعض الفقهاء المعاصرين بدأ يتجه إلى تحديد نصاب للأثمان مقدرا بقيمة نصاب من الإبل أو الغنم، أو نحو ذلك مما يرتبط بالواقع المعاش للأغنياء والفقراء، فيراعي فيه حق الفريقين على السواء، وذلك بعد ملاحظة تأثر النقدين برياح التغيرات الاقتصادية هبوطا ونزولا، الأمر الذي قد يجحف فيه – ربط نصاب الأثمان بالنقدين – بالفقير تارة، وبالغني أخرى. أسأل الله تعالى ربي رحمته ومغفرته وعفوه في الآخرة والأولى. سبحانك الله وبحمدك، أشهد إن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

تيسير العليم في أخذ الأجرة على القرآن والتعليم

تيسير العليم في أخذ الأجرة على القرآن والتعليم ¤عصام بن مرعي المصري£بدون¥مكتبة ابن كثير¨الأولى¢1413هـ€فقه¶إجارة خلاصة ما سبق ترجيحه في هذه الرسالة قد رأيت أيها القارئ الكريم أن أهل العلم قد اختلفوا في أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم والعلم الشرعي والقضاء وتأليف الكتب الشرعية والإفتاء وبيع المصاحف أو نسخها – ومن باب الأولى – كتب العلم الشرعي ونحو ذلك وقد رأيت أنا ذهبنا إلى الجواز في هذا كله إلا في الإفتاء فقد فصلنا فيه القول كما سبق آنفا، وقد أقمنا أدلتنا على ما ذهبنا إليه وذهب إليه جمهور العلماء في ذلك كله، لكن يجدر بي أن أنص هنا على ثلاثة أمور لا يكون هذا البحث وذاك الترجيح الذي ذهبنا إليه مباركاً إلا بذكرها، فأقول وبالله التوفيق هاكم هذه الأمور الثلاثة: 1 - أن هذا الجواز في ذلك كله مقيد بوجوب إخلاص النية لله عز وجل في ذلك كله وإن كانت النية مقترنة أيضاً بأخذ الأجرة أو العوض على هذه الأعمال الشريفة. وذلك لحديثه صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لن يجد عرف الجنة يوم القيامة" يعني ريحها –أهـ. فهذا الحديث نص صريح في وجوب إخلاص النية لله تعالى في تعلم العلم وتعليمه، ونص صريح أيضاً في بيان حرمة تعلم العلم وتعليمه ابتغاء العرض أو الأجر الدنيوي فقط، وهذا واضح لمن تأمل وتدبر، قال المناوي في فيض القدير [6/ 107 – 108]: " ... قال ابن عطاء الله: ... مثل من يتعلم العلم لاكتساب الدنيا والرفعة فيها كمن رفع العذرة بملعقة من الياقوت فما أشرف الوسيلة وما أخس المتوسل إليه، ... – ثم قال المناوي:- وليت شعري من شهد بقلبه أن الله هو الفعال وأنه لا نافع ولا ضار إلا هو وأن قلوب العباد بيده وأنه لا يناله من الدنيا إلا ما قسم له كيف يقصد بعلمه غير الله من جلب الدنيا، وقد مازج قلبه العلم فإنه لا يأتيه إلا ما قدر له منها وأن هذا القصد لا يفيده من الدنيا إلا الخسران". أهـ. قلت: وقد وردت أحاديث أخرى كثيرة تنص على ما ذكرنا، فانظرها أيها القارئ الكريم في صحيح الترغيب والترهيب للشيخ المحدث الألباني [1/ 46 – 47 – 48]، فالله تعالى نسأل أن يرزقنا الإخلاص في تعلم العلم وتعليمه ونشره. قال الإمام النووي في المجموع [15/ 31]: "أجمع أهل العلم على أن القارئ إذا قرأ ابتغاء المال وطلباً للنقود لاسيما في زماننا الذي عمَّت فيه حرفة القراءة، وصاروا يتقاولون على القراءة ويتزيدون كما يتزيد المتبذلون من أهل الغناء والفتنة فإنه لا ثواب له، وقد يكون مأزوراً آثماً لأنه لا يبتغي بالقرآن وجه الله، ولم يقف عند عجائبه فيحرك به قلبه .. ؟ " أهـ. 2 - أنه وإن كان الذي رجحناه في هذا كله الجواز إلا أننا نعتقد أن القيام بهذه الأعمال الصالحة الشريفة ابتغاء الثواب الأخروي فقط من أعظم القربات إلى الله عز وجل، وعلى هذا اتفقت الأمة سلفاً وخلفاً. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى [30/ 204 – 205]: " ... أما تعليم القرآن والعلم بغير أجرة فهو أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، ليس هذا مما يخفى على أحد ممن نشأ بديار الإسلام، والصحابة والتابعون وتابعوا التابعين وغيرهم من العلماء المشهورين عند الأمة بالقرآن والحديث والفقه، إنما كانوا يعلمون بغير أجرة، ولم يكن فيهم من يعلم بأجرة أصلاً، فإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذه بحظٍ وافر، والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنما كانوا يعلمون العلم بغير أجرة ... " أهـ.

قلت: والأمر كما قال شيخ الإسلام بيد أنه قد ورد عن بعض الأئمة المشهورين أنهم كانوا يأخذون الأجرة على التعليم أو الرواية، كما سبق في الباب السابق. وبناءً على هذا فمن أراد الدرجة العليا والثواب الأكمل فعليه – إن كان غير محتاج لهذه الأجرة وذاك العوض – أن يبتغي بهذه الأعمال الصالحة الثواب الأخروي فقط ما لم يدعوه ذلك إلى الانشغال – بسبب طلب المعاش والتكسب لكفاية وعول نفسه وعياله – عن القيام بهذه الأعمال الصالحة التي هي من فروض الكفاية والتي توانى عنها أكثر الخلق في الأزمان المتأخرة وخاصة في زماننا هذا، والله المستعان وعليه التكلان. 3 - أنه لابد أن يعلم أن المراد من جواز أخذ الأجرة على قراءة القرآن الكريم ليس المراد منها ما أحدثه القراء في الأزمان المتأخرة وخاصة في زماننا وإنما المراد منها القراءة على وجه التعليم أو العلاج الطبي لأن هذا هو المعنى الواضح المفهوم من قراءة القرآن في كل الأحاديث الثابتة التي احتججنا بها على جواز أخذ الأجرة، وأما هذا الذي أحدثه القراء في زماننا حيث يقرءون في المآتم والسرادقات البدعية وعلى القبور ونحو ذلك ويشترطون أخذ الأجرة على ذلك بل ويشترطون المبالغ العظيمة جعلاً وأجرة على تلك القراءة؟؟ فهذا الذي أحدثوه بدعة وزيغ وانحراف، ولم ترد به نصوص تدل عليه من الكتاب والسنة بل تشير النصوص إلى أنه أكل لأموال الناس بالباطل والبدعة، ولم يفعله سلفنا الصالح البتة، بل وأجمع المتأخرون من أهل العلم على ذمه وبدعيته وانحرافه حتى ولو كان بغير أجرة، فكيف لو كان بها؟؟ وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "أكثر منافقي أمتى قراؤها" أهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مختصر الفتاوى المصرية [ص/56]: "والقراءة على الجنازة مكروهة عند الأربعة، وأخذ الأجرة عليها أعظم كراهة، فإن الاستئجار على التلاوة لم يرخص فيه أحد من العلماء" أهـ. وقال ابن أبي العز في شرحه للعقيدة الطحاوية [ص/517]: " ... أما استئجار قوم يقرءون القرآن ويهدونه للميت؟؟ فهذا لم يفعله أحد من السلف، ولا أمر به أحد من أئمة الدين، ولا رخص فيه. والاستئجار على نفس التلاوة غير جائز بلا خلاف. وإنما اختلفوا في جواز الاستئجار على التعليم ونحوه ... " أهـ. وسئل العلامة الجهبذ عبدالعزيز بن باز فقيل له: "ما حكم قراءة القرآن للناس بأجرة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا"؟ فقال: " ... ، أما إن كان المراد أخذ الأجرة على مجرد التلاوة في أي مناسبة فهذا لا يجوز أخذ الأجرة عليه. وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يعلم نزاعاً بين أهل العلم في تحريم ذلك" أهـ. كذلك في كتاب: فتاوى وتنبيهات ونصائح [ص/513]، وانظر أيضاً [ص/515] إن شئت. هذا وبالله التوفيق والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وقد كان الفراغ من هذا الكتاب في ليلة الخميس الموافقة لـ: 7/ شوال / 1412هـ 8/إبريل/ 1992م والله تعالى أسأل أن ينفع بهذا الكتاب مؤلفه وناشره وقارئه، وأن يتجاوز عن سيئاتنا وأن يجعلنا من أوليائه المحفوظين. "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".

عقوبة الإعدام

عقوبة الإعدام ¤محمد بن سعد الغامدي£بدون¥مكتبة دار السلام¨بدون¢1413هـ€فقه¶حدود وعقوبات الخاتمة وفيها خلاصة بأهم نتائج البحث، وحكم التشريع إجمالا والرد على الشبه التي تثار حول العقوبة بالقتل بعد هذا العرض لآراء الفقهاء وأدلتهم في العقوبة بالقتل في الشريعة الإسلامية وبيان موجباتها، والأصل في ثبوت هذه العقوبة، وكيفية تنفيذها، وموانع التنفيذ ... إلى غير ذلك من المباحث التي ذكرت فيها آراء الفقهاء وأدلتهم، وبينت الرأي المختار في القضايا الخلافية مؤيدا بالدليل، أود أن أشير في هذه الخاتمة إلى أهم نتائج البحث بعيدا عن الدخول في التفصيلات التي سبق إيضاحها، ثم أبين بعد ذلك زيف الحجج الواهية التي يرددها بعض الناس – ومنهم بعض أبناء المسلمين الذين تأثروا بالثقافة والفكر الغربي – محاولين الطعن في العقوبة بالقتل، وصرف الناس عن تطبيقها فأقول وبالله التوفيق: 1 - بالإطلاع على النظام الجنائي الإسلامي وتفصيلاته يظهر جليا أن هذا النظام وضع في الاعتبار أن أي مجتمع إنساني لابد أن يظهر فيه بعض الصور والتصرفات الشاذة من السلوك الإنساني، وأن هذه التصرفات سيستفحل أمرها، ويستشري خطرها إذا لم توجد الوسائل الوقائية، والإجراءات العقابية لمكافحتها حتى لا تنتشر في المجتمع شيئا فشيئا، ويصبح مرتعا خصبا للشر والجريمة ولذلك وجد في الشريعة الإسلامية من الوسائل الوقائية من الجريمة والإجراءات العقابية ما هو كفيل بحماية المجتمع من شرور تلك التصرفات والأعمال الإجرامية، ومن الإجراءات العقابية قتل مرتكبي الجرائم الخطيرة، كجريمة القتل العمد العدوان، وجريمة الحرابة في بعض صورها وجريمة الزنى من المحصن .. الخ. 2 - ارتبط النظام الجنائي الإسلامي ارتباطا وثيقا بالمقاصد الرئيسة للشريعة الإسلامية، وسعى إلى حفظ الضروريات الخمس التي جاءت الشرائع جميعها بالمحافظة عليها، وهي حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، وجعل عقوبة الجرائم التي تخل بهذه الضروريات الخمس عقوبة رادعة تناسب مع فداحة الجريمة وبشاعتها، وقد تصل أحيانا إلى حد قتل المجرم. 3 - وضح أن العقوبة في الإسلام ذات نوعين رئيسين: أ -عقوبة أخروية، يعاقب بها المرء في الآخرة، على ما اقترفته يداه. ب -عقوبة دنيوية، يقيمها الحاكم المسلم تنفيذا لأمر الله، وأن المرء إن قدر له أن يفلت من العقوبة الدنيوية، فإنه سيسأل عما اقترفه من الذنوب والآثام في يوم لا ينفعه فيه مال ولا بنون. {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} وسيكون العقاب الأخروي بيد علام الغيوب، وبهذا وضع السياج القويم الذي به تحفظ الحقوق الظاهرة والباطنة، ويجعل من الإنسان رقيبا على نفسه وتصرفاته لعلمه بأنه محاسب عليها صغيرة وكبيرة. 4 - إن الغرض الرئيس من العقاب الدنيوي ليس مجرد إنزال الجزاء الأليم بالمجرم بعد ارتكابه للجريمة، وإنما هو في المقام الأول الحيلولة دون وقوع الجريمة مرة أخرى من المجرم أو من غيره، وكلما كان العقاب فعالا في تحقيق هذا الغرض كان ناجحا في مكافحة الإجرام، وهذا هو ما يبرر التشديد في العقاب كلما ازداد خطر الجريمة واستفحل أذاها حتى تكون شدة العقاب مانعة وحائلة من وقوع الجرائم بقدر الإمكان.

5 - وضح أن عقوبة القتل واحدة من أشد العقوبات التي عرفتها البشرية قسوة، وأن هذه العقوبة تارة تكون قصاصا كما في جريمة القتل العمد العدوان، وتارة تكون حدا كما في جريمة الحرابة والزنى من المحصن والردة، وتارة تكون تعزيرا كما في قتل الجاسوس، ومن تكرر منه شر الخمر على الرأي المختار من أقوال الفقهاء، وهي في كل ذلك إنما شرعت لمواجهة جرائم اتسمت بالخطورة البالغة على الفرد والأسرة والمجتمع والأمة بأسرها، مهددة الأمن والاستقرار، وقصد بتشريعها حماية الناس من الفوضى والاضطراب والتمزق، والحفاظ على وحدة الأمة وأمنها. ولقد أثبتت العقوبة بالقتل – قصاصا وحدا وتعزيرا – فاعليتها في مقاومة الجرائم الخطيرة المستنكرة، والحيلولة دون وقوعها، فإذا علم من يفكر في قتل النفس المعصومة ظلما وعدوانا أن جريمته سوف ترتد عليه وأنه سوف يقتل قصاصا إذا قتل، وأنه سييتم أولاده كما أيتم أولاد المجني عليه وسيرمل زوجه كما أرمل زوج المجني عليه إن هو أقدم على هذه الجريمة فإنه سيحسب ألف حساب قبل أن يقدم عليها، وبذلك تكون الرهبة من القصاص من أكبر وسائل الردع من الجريمة. ومثله المحصن إذا علم أنه سيرجم إذا ارتكب جريمة الزنى وبذلك يحرم من الحياة في سبيل قضاء لذة زائلة فإنه سيبتعد عن ارتكاب هذه الجريمة خوفا من العقاب الذي ينتظر من ارتكب جريمة الزنى وهكذا بقية الجرائم التي يعاقب عليها بالقتل، هذه العقوبة التي تعتبر سيفا مصلتا ترتعد لهوله فرائص المجرمين. وهذا بدوره يؤدي إلى عدم توقيع العقوبة بالقتل أو الرجم – لعدم وجود من يستحقها – إلا في حالات استثنائية نادرة، لأن الخوف من العقاب يمنع المرء من الإقدام على الجريمة. 6 - بين الشارع الحكيم الحكمة من تشريع القصاص في جريمة القتل العمد العدوان في عبارة هي غاية الإيجاز والإعجاز: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي إن في تشريع القصاص ما يقي المجتمع من العدوان على حياة أفراده، فيكون في تشريع هذه العقوبة استمرار الحياة الهادئة المطمئنة لأفراد الأمة، فيكون القصاص بهذا عقوبة عادلة رادعة تنتظر المجرم الذي أزهق نفسا بريئة بغير حق وروع بجريمته أولياء المجني عليه، بل والمجتمع الذي يعيش فيه. 7 - وضح أن القصاص ليس تشريعا خاصا بهذه الأمة، ولكنه كان مشروعا في الديانات السابقة على بعض الأمم: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} وأن هذه العقوبة ثابتة ومقررة في الشريعة الإسلامية، وقد دل على ثبوتها الكتاب والسنة والإجماع، فهي من شرع الله المحكم الواجب التطبيق في كل جريمة اعتداء عمدي عدواني على النفس البشرية متى توفرت أركانها وشروطها، وانتفت الموانع. على أن هناك بعض الحالات التي اختلف الفقهاء في وجوب القصاص فيها بناء على اختلافهم في فهم المراد من النصوص الشرعية الواردة فيها، واختلافهم في صحة تلك النصوص أو عدم صحتها، وكونها محكمة أو منسوخة، وقد استعرضت تلك الحالات مبينا آراء الفقهاء وأدلتهم والرأي المختار في كل مسألة بما يغني عن إعادته هنا.

8 - لا صحة لما يطعن به البعض في عقوبة القصاص من أن الغرض منها الانتقام من الجاني، بل إن الغرض الأساسي منها كما سبق بيانه هو المحافظة على استمرار البقاء والحياة على وجه البسيطة، وشتان ما بين شريعة القصاص وبين الانتقام، فالانتقام يدفع إليه الحقد، والبغض والكراهية، والقصاص يدفع إليه طلبا لعدل، والسعي إلى تحقيق الأمن، والانتقام يتولاه المعتدى عليه أو أقرب الناس إليه طلبا للثأر، والقصاص يتولاه الحاكم، ولا يكون إلا بإذنه، والانتقام يقوم على الشبه والظنون في كثير من حالاته، والقصاص لا يكون إلا بعد ثبوت الجريمة بالدليل الخالي من الشبه، والانتقام قد يكون فيه إسراف ومجازاة غير الجاني من أهله وذويه، والقصاص يلتزم فيه مبدأ العدل والإنصاف، وعدم الإسراف، والبعد عن معاقبة غير الجاني، فشتان ما بين الأمرين، أمر شرعه خالق الأرض والسماء، وأمر تدفع إليه الكراهية والحقد والبغضاء. 9 - اتضح من ثنايا البحث مدى تكريم الإسلام للإنسان، وإعلائه من شأنه وتشديده النكير على من يتعدى على حياته بغير حق، فقد جعل الله عز وجل قتل النفس الواحدة بمثابة قتل الناس جميعا، وإحياءها بمثابة إحياء الناس جميعا، قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}. وتوعد من اعتدى على النفس البشرية بغير حق بوعيد هو غاية الشدة، فلقد توعده بالخلود في نار جهنم، والغضب واللعن، والعذاب العظيم {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} حتى لقد ذهب بعض الفقهاء إلا أنه لا توبة لقاتل بناء على هذا الوعيد بالخلود في النار، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كرامة المرء المسلم ورفعة شأنه عند الله سبحانه وتعالى بقوله: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم). وقوله: (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار). 10 - اتضح من البحث أن الشريعة الإسلامية أعطت أولياء الدم، وهم ورثة المجني عليه أو عصبته الذكور وأقرباؤه عموما الوارثون منهم وغير الوارثين – على خلاف بين الفقهاء في ذلك سبق بيانه – الحق في طلب القصاص من الجاني أو العفو عنه مقابل الدية أو بلا مقابل، وفي إعطائهم هذا الحق إطفاء لغيظهم، وإزالة لآثار الحقد من قلوبهم، وتهدئة لثائرتهم، وانتزاع لعوامل الشر من نفوسهم، وبإعطائهم هذا الحق يكون لهم الخيار في طلب إيقاع العقوبة على الجاني جزاء له، أو العفو عنه، والعفو أفضل لقوله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {40} وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ} وقوله تعالى: {فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ} ولما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو. فإذا ما عفوا عن طواعية واختيار كان لذلك أثره البالغ في عودة الصفاء والوئام والمحبة بين الطرفين – الجاني وأولياء الدم -.

ولعفو أولياء الدم أثر بالغ على نفسية الجاني، ولا يمكن مقارنة هذا الأثر بالأثر الذي يحدثه حكم القضاء بالبراءة، أو حكمه بتخفيف العقوبة على الجاني لبعض الظروف، وذلك لأن تخفيف الحكم أو الحكم بالبراءة يصدر من سلطة لا علاقة للمجني عليه ولا لأوليائه بها، وقد يدفع ذلك الجاني إلى الشماتة بأولياء الدم، فإنه – رغم اعتدائه على المجني عليه وسفكه لدمه – لا يزال حرا طليقا يسرح ويمرح كيفما شاء وليس ذلك في حالة عفو أولياء الدم، فإنه لا مجال للشماتة بهم، وهم أرباب نعمته، حياته كانت بأيديهم وهم وهبوها له، بل إن ذلك يدعوه إلى الاعتراف بفضلهم ومودتهم، والتقرب إليهم. 11 - فإذا انتقلنا إلى جريمة الحرابة رأينا أن الأصل في مشروعية العقوبة على هذه الجريمة هو قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {33} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. وقد رجحت قول من قال: إن العقوبات التي تضمنتها هذه الآية على التخيير وليست على التعيين، فللإمام أن يوقع على المحارب أيها شاء، ووجهت ذلك فيما مضى، وبذلك تكون هذه العقوبة أكثر في الردع والزجر، ولأن من أراد أن يقدم على فعل المحاربة لا يعلم ما سوف يلحقه من العقاب، فقد يكون القتل أو القطع، أو القتل والصلب أو غير ذلك، وعندئذ يتصور أن ينفذ فيه أقسى هذه العقوبات فيرتدع عن الإقدام على هذه الجريمة بكافة صورها. وقد شرعت هذه العقوبة لحماية الأنفس، وحماية نظام الملكية من شر قطاع الطرق، ومغتصبي أموال الناس بقوة السلاح، ومن المخادعين المراوغين الذين يتحايلون على الأفراد، فيخلون بهم، وتحت وطأة السلاح يسلبون أموالهم، ويسفكون دماءهم، وبتطبيقها يضمن للناس أسباب المعيشة واستمرارها، وتعم أحكام الدين، ويقطع دابر العصابات المسلحة التي تهدد أمن المجتمعات، وتنشر الذعر في أطراف الديار. 12 - وتبين من البحث أن حد الردة ثبت بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، وأنه لا حجة معتبرة لمن أنكر وجوب قتل المرتد، بل إن قوله مخالف للسنة والإجماع، ذكر ذلك ابن قدامة رحمه الله تعالى. وقد عرضت وجهة نظر المشككين في ثبوت هذه العقوبة وفندتها أثناء الحديث عن الردة، ثم بينت أن عقوبة الردة لا تتنافى مع حرية العقيدة التي أقرها الإسلام، والتي دل عليها قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} وقوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} وذلك لأن الآيتين وردتا لبيان عدم جواز إكراه الناس على الدخول في الدين الإسلامي إذا لم يكن مقتنعا به وبتعاليمه، وهذا يتمشى مع مقتضيات الطبيعة البشرية، فإن العقيدة أمر قلبي، لا يمكن إكراه الإنسان عليه، وإجباره على اعتقاد صحته، ولذلك أعطي الإنسان ابتداء الحرية في اعتقاد هذا الدين أو عدم اعتقاده. أما بعد أن يعتنق المرء هذا الدين عن طواعية واختيار فليس له أن يتراجع عنه ويتخذه لعبا وهزوا، فإن صدر منه شيء من ذلك استحق العقاب، حماية للدين والنظام الاجتماعي الذي يقوم على أساس الدين، إذ لا يستقيم أمر الجماعة الإسلامية إذا ترك لكل من ينتسب إليها أن يطعن في دينها ودستور حياتها بما شاء من المطاعن بعد أن آمن به مختارا والتزم باحترامه والعمل به.

13 - وفيما يتعلق بقتال البغاة بينت أن الأصل في مشروعيته قول الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {9} إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. وإنما يقاتلون إذا ارتكبوا أمرا من أمور خمسة وهي: أولا: إذا تعرضوا لحريم أهل العدل. ثانيا: إذا كانوا سببا في عدم رفع راية الجهاد. ثالثا: إذا أخذوا من بيت مال المسلمين ما ليس لهم. رابعا: إذا امتنعوا من دفع ما وجب عليهم. خامسا: إذا تظاهروا على خلع الإمام الذي انعقدت له البيعة. ويخالف قتالهم قتال المشركين من أوجه متعددة منها: أولا: أن القصد من قتالهم ردعهم لا قتلهم، فإن لم يرتدعوا إلا بالقتل قتلوا. ثانيا: يجب الكف عن مدبرهم. ثالثا: لا يجهز على حريمهم. رابعا: لا يقتل أسيرهم. خامسا: لا تغنم أموالهم. سادسا: لا يوادعون على مال. وإنما شرع قتالهم لحماية الدين، ولحماية نظام الحكم القائم على أساس الدين، وللحفاظ على وحدة المسلمين التي بها عزهم وسؤددهم، ولوقاية الأمة من ويلات التفرق والتمزق والاقتتال، الذي ينهك اقتصادها ويزعزع أمنها، ويربك أفرادها، ويعطل مصالحهم، وبالتالي يؤدي إلى تعطيل شعائر الدين، ويجعل الأمة مرتعا خصبا للأفكار الهدامة والمبادئ الدخيلة. 14 - وفيما يتعلق بمحافظة الإسلام على النسل شرعت عقوبة القتل في حق الزاني المحصن رجما بالحجارة حتى الموت، وشرعت عقوبة الموت أيضا في حق الفاعل والمفعول به في جريمة اللواط، وفي حق من أتى بهيمة. وفي هذا الباب عرضت شبهة من أنكر عقوبة الرجم من الخوارج، وممن نحا نحوهم، وفندتها واحدة تلو الأخرى. وإنما شرعت العقوبة بالقتل في حق هؤلاء – الزاني المحصن، والفاعل والمفعول به في جريمة اللواط، ومن أتى بهيمة – حماية لنظام الأسرة ومحافظة على طهارة الأنساب، ومنعا للإباحية الجنسية، وما تجره على الأفراد والأسر والمجتمعات من فادح النكبات، فعن طريقها تنتشر الأمراض بين أفراد الأمة، وتنقطع الصلات، وتعم البغضاء والشحناء، وقد تؤدي هذه الأمور جميعا إلى الخصام والاقتتال. إن النظام الجنائي الإسلامي هو النظام الوحيد بين النظم المعروفة في العالم المعاصر الذي يسعى إلى المنع من الإباحية الجنسية، ويعاقب على الزنى واللواط مجردا من أي اعتبار آخر من إكراه أو اغتصاب وما أشبه ذلك، ولا يجعل لرضا الطرفين في هذه العلاقة المحرمة أي اعتبار، وذلك لأنه نظام قائم على أساس أخلاقي، يزن أعمال المرء وأقواله بميزان الأخلاق والقيم، فما كان منها منافيا للأخلاق الفاضلة فهو أمر سيء، لا ينبغي حدوثه ولا تقبله، ولذلك شرع العقاب على التصرفات المنافية للأخلاق ولو صدرت هذه التصرفات برضا المعنيين بها، فشرع عقاب الزانيين وإن كانا راضيين، وشرع عقاب الفاعل والمفعول به في جريمة اللواط وإن كانا راضيين، حماية للأخلاق، وصيانة للأمة من كل ما يؤدي إلى تدهورها وانحطاطها في أخلاقها واقتصادها، وصحة أفرادها.

15 - وشرعت عقوبة الساحر حماية للعقيدة من أدران الشرك، وحفاظا على الدين الذي هو أساس فلاح الأمة، وصيانة للعقل البشري من الخرافات والخزعبلات التي ما انتشرت في أمة من الأمم إلا دب بها الوهن والخوف والوجل بسبب اعتقادها حصول النفع والضرر من الجمادات وتلمسها أسباب الحياة من النجوم والكواكب والشياطين، وتقاعسها عنه .. السعي في الأرض، وعدم اتباعها الوسائل المشروعة والأسباب المعقولة التي جعلها الله علة لمسبباتها، وطريقا لعمارة الأرض وتحقيق معنى الخلافة فيها. 16 - ثم بينت بعد ذلك أهمية الصلاة في الإسلام وأنها عمود الدين، وهي الصلة بين العبد وربه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. وقد شرعت عقوبة تاركها عمدا، ورجحت قول من قال بأنه يقتل حدا لا كفرا، فباب التكفير باب خطير، وبينت أن الأحاديث والآثار التي دلت على كفر تارك الصلاة مراد بها كفر العمل لا كفر الاعتقاد، وذلك للجمع بين الأدلة الواردة في هذه المسألة. 17 - وكانت نهاية المطاف عقوبة من اعتاد شرب الخمر، وقد رجحت قول من قال بجواز قتل من اعتاد شرب الخمر في المرة الرابعة تعزيرا. للنصوص الواردة في ذلك. وإنما شرعت هذه العقوبة في حقه وجعلت من باب التعزير حماية لعقل الإنسان، الذي يعتبر أشرف ما ميز الله به الإنسان عن غيره من المخلوقات الأرضية، وبدونه تنحط مرتبته، ويصبح كالحيوان البهيم بل أقل شأنا، ولوقاية الفرد والأمة من مخاطر الخمر الفادحة، ومنها إيقاع العداوة والبغضاء بين أفراد الأمة وصرفهم عن ذكر الله وعن الصلاة، {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} فقد دلت الآية على أن شرب الخمر سبب من أسباب الفساد الديني وذلك لأنها تصد عن ذكر الله وعن إقام الصلاة، وسبب من أسباب الفساد الاجتماعي، وذلك لأنها تؤدي إلى العداوة والبغضاء. أضف إلى ذلك تأثيرها السيء على صحة شاربها العقلية والنفسية والجسدية، بسبب تأثيرها السام على الجسم، ثم هي أيضا سبب من أسباب انتشار الظاهرة الإجرامية، فقد تبين من بعض الإحصائيات التي قام بها المختصون في علم الإجرام أن الإدمان على الخمر تعزى إليه ما نسبته 66% من جنايات الاعتداء على الأشخاص، 6ر56% من الجنايات المخلة بالآداب، وأن نسبة المدمنين من مجرمي العنف 82%. كما تبين من بعض الإحصائيات الفرنسية أن الصلة وثيقة بين إدمان شرب الخمر وبين القتل والضرب والجرح والجرائم الجنسية والحرائق. وجاء في بيان تحذيري صادر عن منظمة الصحة العالمية أن الخمرة هي أصل كل الشرور حيث أن نحو 28% إلى 86% من حوادث القتل في العالم تعزى إليها، كما يعزى إليها من 24% إلى 72% من الجروح، ومن 13% إلى 50% من حوادث العنف والاغتصاب. وبناء عليه فإن عقاب معتادي الشرب بالقتل تعزيرا أو بغيره من أنواع العقاب الرادع يؤدي إلى التقليل من حدوث الجرائم في المجتمع، لما هو معروف من أن العقوبة الرادعة تمنع من الإقدام على الجريمة.

18 - إن الشارع الحكيم حينما شرع عقوبة القتل على الجرائم السابقة مراعاة لمصلحة الفرد والمجتمع لم يهمل مصلحة المتهم نفسه، فلقد وازن شدة العقوبة بالاحتياط في وسائل وطرق إثبات الجريمة، حتى يضمن ألا توقع العقوبة إلا حيث ثبت على وجه اليقين أو قريب منه ارتكاب الجاني للجريمة، ولذلك اشترط في الإقرار أن يكون صريحا لا شبهة فيه، واشترط في الشهادة على جريمة القتل أن تكون من شاهدين عدلين ذكرين غير متهمين في شهادتهما، وشرط في الشهادة على الزاني أن تكون من أربعة شهود تتوفر فيهم شروط خاصة مع وجودها تنتفي الشبهة والتهمة عن شهادتهم، وهذه الشروط وغيرها من الشروط التي قررها الشارع الحكيم كفيلة باستبعاد كل ادعاء أو خطأ يكون المتهم ضحية له، فهي إنما اشترطت مراعاة من الشارع الحكيم لحال المتهم، وضمانا له من أن يعاقب على جريمة هو بريء منها. ولم يكتف الإسلام بهذا الاحتياط في وسائل الإثبات، ولكنه فتح الباب لدرء العقوبة فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة). وبهذا تتحقق العدالة فلم تراع مصلحة المجتمع وتهمل مصلحة المتهم، ولم يكن العكس، بل نظر إلى المصلحتين جميعا بعين الاعتبار بما يحقق العدالة والأمن والاستقرار. 19 - بإمعان النظر في الحالات التي قرر الفقهاء استحقاقها عقوبة القتل تنفيذا لشرع الله، والنتائج التي تحققت بسبب تطبيق هذه العقوبة على تلك الجرائم ندرك: أولا: أن الحالات الموجبة لهذه العقوبة حالات قليلة جدا إذا قورنت بما كانت عليه بعض القوانين الوضعية التي كانت تحكم بالإعدام على جرائم عدة تتجاوز مائة جريمة، كالقانون الإنجليزي الذي كان حتى أواخر القرن الثامن عشر يعاقب بعقوبة الإعدام على مائتي جريمة، والقانون الفرنسي الذي كان يعاقب على ما يقارب مائة وخمس عشرة جريمة بعقوبة الإعدام. ثانيا: أن الجرائم الموجبة للعقوبة بالقتل في الشريعة الإسلامية جرائم خطرة، ذات أثر كبير على الفرد وعلى المجتمع وعلى الأمة بأسرها. ثالثا: أن الخوف من العقاب يدفع النفوس إلى الابتعاد عن الإجرام، ولذلك تحقق للأمة الإسلامية عبر التاريخ الأمن والاستقرار، بسبب تطبيقها لشرع الله، ونشأ عن ذلك وجود أفضل مجتمع عرفته البشرية عبر تاريخها الطويل، مجتمع قائم على العدل والرحمة والإخاء. ولقد أثبتت التجارب في العصر الحديث نجاح هذا التشريع في إقامة العدل وصيانة الأخلاق، والمنع من الجريمة. ولنأخذ مثلا على ذلك حال الجزيرة العربية قبيل دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب، وقيام الدولة السعودية، فلقد كانت مرتعا خصبا للفتن والقلاقل وتناحر القبائل. كانت القبيلة تغير على الأخرى، فتقتل الرجال، وتسبي النساء، وتستولي على الأموال، هذا في الفيافي والقفار، فأما في المدن والقرى، فقد تفشت فيها السرقات والغش والخيانة، والجرائم الخلقية بشتى صورها وأشكالها، وخيم الجهل على العقول والبصائر، انتشرت الخرافات وأعمال السحر والكهانة، وسادت شريعة الغاب، فأكل القوي الضعيف، ولم يعد المرء يأمن على نفسه أو ماله أو عرضه. وباختصار فلقد كان الفوضى الشاملة تهدد حياة المقيمين في هذه الجزيرة، بل والوافدين إليها من الحجاج والتجار وغيرهم، وكان الأمن يزداد اضطرابا في مواسم الحج فيرتفع معدل الجريمة من قتل ونهب وسرقة إذ تغير القبائل التي بعدت عن تعاليم الدين على قوافل الحجيج، فتقتل منهم من تقتل، وينهبون ما معهم من زاد ونقود ومؤونة، مع أمن المعتدي من العقاب، فلا سلطة تردعه، ولا وازع من دين أو ضمير يؤنبه.

هكذا كانت الحالة قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – وقيام الدولة السعودية، ولكنها تغيرت كثيرا بعد الدعوة، فاستقرت الأحوال الاجتماعية، واستتب الأمن حتى إن الرجل لينتقل من طرف البلاد إلى طرفها الآخر – مع اتساع رقعتها – دون أن يعترضه أحد. وحينما حصل بعض التساهل في تطبيق أحكام الشرع نتيجة لبعض الظروف التي مرت بها الجزيرة العربية في فترة متأخرة من ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – عادت الفوضى وعم الفساد إلى أن تولى المغفور له الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه – أمر هذه البلاد فأخذها على الجادة، وحكم فيها شرع الله، فاستقرت الأحوال مرة أخرى، واستتب الأمن، وعم الرخاء، وأمن الحجاج على أرواحهم وأموالهم في طريقهم إلى مكة، وأثناء أدائهم مناسك الحج، فلا قطاع طرق، ولا نهب، ولا سلب، وما ذلك إلا بفضل الله، ثم بفضل تطبيق الشريعة الإسلامية، قولا وعملا واعتقادا، حتى أصبحت هذه البلاد مضرب الأمثال في الأمن والاستقرار، وهكذا فإن تطبيق شريعة الله هو الحل الأمثل والطريق الأسلم، بل والوحيد لتحقيق الأمن في المجتمعات، وتقليص الجرائم والحد منها. 20 - ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أصوات الشعوب الإسلامية – في البلدان التي سيطر عليها الاستعمار، وفرض عليها القوانين الوضعية – بدأت تنادي مطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وتنفيذ أحكام الله في المجرمين بعد أن أثبت الواقع فشل القوانين الوضعية في الحد من الظاهرة الإجرامية، ونشر الأمن والاستقرار في ربوع تلك الديار إلا أن طائفة ممن تأثروا بالفكر الغربي، وكان لهم تأثير على مجريات الأمور في البلدان أيدوا بعض الشبه والتعليلات للإبقاء على القوانين الوضعية سارية في تلك البلدان، وهم بذلك يرددون ما أثاره ويثيره أسيادهم في الغرب من شبه يؤيدون بها إلغاء عقوبة الإعدام في بلدانهم، وقد صب هؤلاء المقلدون والمتأثرون بالثقافة الغربية جام غضبهم على عقوبة القتل، واعتبروا تطبيقها أو التفكير فيها ارتكاسا وعودة إلى الوحشية، ورغم أن تلك الشبه التي أوردوها لا تنطبق على المجتمعات الإسلامية إلا أنني أذكرها هنا لبيان زيفها وفسادها فمن تلك الشبه: أولا: أن المجتمع لم يهب الفرد الحياة حتى يملك الحق في حرمانه منها عقابا له على جريمة ارتكبها. وهذه شبهة واهية، لا ترد على العقوبة بالقتل في الشريعة الإسلامية، وذلك لأن المشرع في الدين الإسلامي هو الله وحده وليس المجتمع – كما ذكر في هذه الشبهة – فالله عز وجل هو الذي خلق الإنسان ومنحه السمع والبصر والحياة والعقل، وهو سبحانه العالم بما يصلحه، وقد شرع عقوبة القتل على جرائم خاصة، تحقيقا لمصلحة هذا الإنسان، ومحافظة على عمران هذا الكون، وما على المرء إلا الامتثال لأمر الله عز وجل، واهب الحياة لمن أراد، ومشرع هذه العقوبات، ومنها عقوبة القصاص، لما فيها من حياة بني الإنسان، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. ثانيا: أن هذه العقوبة عقوبة قاسية، وقد يحكم بها خطأ فتنفذ في شخص بريء خطأ، فلا يكون هناك سبيل إلى إصلاح هذا الخطأ وإزالة آثاره، وحينئذ تكون العقوبة جريمة، وبدلا من أن يقف الحاكم للمنع من وقوع الجريمة، يقف منفذا لها، وآمرا بها، وذلك أمر لا يستساغ، وضربوا على ذلك مثلا بأنه قد وجد في لاوس بين عام 1889 وعام 1927 أن خمسين شخصا من أربعمائة وستة أشخاص – ممن أرسلوا إلى سجن (سنج سنج) محكوما عليهم بالإعدام – تبين عند إعادة النظر في قضاياهم أنه قد حكم عليهم بالإعدام خطأ فلو نفذ الحكم في هؤلاء لما أمكن إصلاح الخطأ الذي ارتكب في حقهم.

وهذه الشبهة ليست أفضل من سابقتها، ذلك لأنه ليس هناك أي عمل يقوم به بنو الإنسان إلا وهو محتمل للخطأ ولذلك ورد في الأثر: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون). وبناء عليه فلا يعتبر احتمال الخطأ مبررا للمطالبة بالإلغاء، ولو اعتبرنا الخطأ مبررا للمطالبة بإلغاء عقوبة القتل لاعتبرناه أيضا مبررا للمطالبة بإلغاء غيرها من العقوبات البدنية كالسجن والجلد والتكليف بالقيام بالأعمال الشاقة، لاحتمال وقوع الخطأ فيها، مع عدم إمكانية تلافيه، ولم يقل أحد بذلك. على أن العقوبة بالقتل قد أحيطت بضمانات كثيرة تهدف إلى الحرص على ألا تنفذ هذه العقوبة إلا فيمن استحقها فعلا. ثالثا: أن هذه العقوبة غير مجدية فلم يقم دليل على أن تطبيقها يقلل من ارتكاب الجرائم في البلدان التي تنفذها. وهذه الشبهة مجرد دعوى خالية عن الدليل، والواقع يرفضها، فقد قرر كثير من المشتغلين بالقضاء والمحاماة أن الجناة لا يخشون أي عقوبة خشيتهم من الإعدام، ولذلك فهي عقوبة رادعة عن ارتكاب الجرائم بشهادة هؤلاء، ورحبت بعض المراجع القضائية الأمريكية بزيادة تنفيذ عقوبة الإعدام في الآونة الأخيرة في المجرمين الخطرين، لأنه ثبت في نظر المسؤولين أنه من شأن الجدية في تنفيذ عقوبة الإعدام أن تؤدي إلى تخفيف الجرائم، وإن كان المدعي العام في أطلنطا (مايكل باوز) يقول: إنه لا يستطيع أن يثبت هذا القول، ولكنه يصدقه على كل حال. وقد نشرت جريدة الرياض في عددها (5579) الصادر يوم الأحد 25 ذي الحجة عام 1403هـ تحت عنوان (بعد ازدياد معدل جرائم القتل، الفرنسيون يفضلون إعادة تطبيق عقوبة الإعدام) – نقلا عن وكالة رويتر – أن معظم الشعب الفرنسي يرغب إعادة المقصلة، ويعتقد الكثير منهم أن معدل جرائم القتل ارتفع بصورة مضطردة منذ إلغاء عقوبة الإعدام في فرنسا منذ عامين. رابعا: أن هذه العقوبة تتسبب في بطء وتأخر الفصل في الجرائم التي تستوجبها، لأن القضاة يتحرجون من الحكم بها، لفظاعة هذه العقوبة وقسوتها، ويتيحون بذلك الفرصة أمام الدفاع للأخذ والرد، والتحايل على الأنظمة والقوانين بشتى الوسائل والطرق، مع وجود الأذن الصاغية لما يقولون، رغبة في توصلهم إلى ما يبرئ المتهم ولو بدون حق، وذلك يؤدي إلى تعطيل سير العدالة، والتقليل من هيبة المحاكم والقضاة. وللإجابة على هذه الشبهة أقول بأن قيام القاضي بالتثبت والتأكد من استحقاق المتهم للعقاب أمر مطلوب في كافة الجرائم، ويتأكد ذلك في الجرائم التي يعاقب عليها بالقتل، ولا يعتبر ذلك عيبا في العقوبة، ولا مسوغا للمطالبة بإلغائها، وقيام القاضي بالتثبت أمر له حدود، فإذا بان له وجه الحق في القضية وجب عليه الحكم، ولم يجز له التأخير رأفة بالجاني على حساب مصلحة المجتمع، وعندئذ لا يكون هناك تأخير في الفصل وإصدار الأحكام لا في الجرائم الموجبة للقتل، ولا في غيرها من الجرائم. وبعد، فإن هذه الشبه جميعا لا ترد إطلاقا على العقوبة بالقتل في الشريعة الإسلامية، وذلك لأنه إذا وجد الدليل الصحيح الصريح على وجوب قتل شخص ما لارتكابه جريمة ورد الشرع الحنيف مرتبا العقوبة بالقتل على ارتكابها وجب التسليم والانقياد، وتطبيق ما ورد به الدليل، واعتباره جزءا من الدين، لا ينبغي للمسلم المراء ولا الجدال فيه، وإلا كان مخالفا لأمر الله ولشرعه، لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} وكان المخالف لمقتضى الدليل مستحقا للوعيد الذي ورد ذكره في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. والحمد لله أولا وآخرا والصلاة على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عقود المناقصات في الفقه الإسلامي

عقود المناقصات في الفقه الإسلامي ¤عاطف محمد حسين أبو هربيد£بدون¥دار النفائس- الأردن¨الأولى¢1426هـ€فقه¶عقود مالية - مزايدة ومناقصة خاتمة كتاب عقود المناقصات في الفقه الإسلامي في نهاية هذا البحث يمكن تلخيص أهم النتائج التي توصل إليها الباحث خلال دراسة مباحثه، وأهم التوصيات المقترحة، وذلك كما يلي: 1 - إن ما يستحدثه الناس من عقود وشروط الأصل فيها الجواز والصحة، ويجب الوفاء بها، ولا يحرم ولا يبطل منها إلا ما دل الشرع على تحريمه أو بطلانه، وتُعتبر المناقصة مما استحدثه الناس وهي عبارة عن: إجراء بمقتضاه تلتزم الجهة المعلنة عنه بالتعاقد مع صاحب عرض العوض الأقل من عروض المتنافسين للفوز فيه، نظير الوفاء بما التزم به مطابقاً للشروط والمواصفات المقررة. 2 - تتفق المناقصة والمزايدة في مجمل الإجراءات الحديثة المنظمة لهما، وتخالفها في اختيار مَنْ تتعاقد معه، فالمناقصة هدفها اختيار صاحب أقل عطاء، والمزايدة صاحب أعلى عطاء. 3 - يمكن اعتبار المناقصة من باب السوم على سوم الغير، مع فارق أنها تقع قبل الركون لا بعده، ولا تُعتبر من البيع على بيع الغير؛ لأن البيع يكون بعد الركون، أما المناقصة فلا تكون إلا قبله. 4 - تلتقي المناقصة مع المماكسة ومع الوضيعة في اعتبار النقص من العوض، وتخالفهما في أنها تقوم على التنافس، ويشترك فيها أكثر من طرفين، بينما المماكسة والوضيعة لا يقومان على التنافس، ولا يشترك فيهما أكثر من طرفين. 5 - المناقصات تنقسم إلى عدة أنواع: منها مناقصات عامة ومحدودة، ومناقصات علنية وسرية، ومناقصات خارجية وداخلية. 6 - تبدأ إجراءات المناقصات بمرحلة إعداد المستندات، ثم مرحلة الإعلان عنها، ثم مرحلة تقديم العطاءات، ثم مرحلة فتح المظاريف وإرساء المناقصة، وأخيراً مرحلة إبرام العقد. 7 - تُلغى المناقصة إذا اقتضت المصلحة ذلك، أو عند تقديم عطاء واحد فقط، أو بقي واحد بعد استبعاد العطاءات الأخرى، أو اقترنت كل العطاءات بتحفظات، ولم تُزل بالتفاوض، أو كانت قيمة العطاء الأقل أعلى من مستوى القيمة السائدة في السوق. 8 - يُعتبر السعر والجودة والكفاءة والزمن من الأمور المعتبرة في إرساء المناقصة. 9 - المناقصة منظومة عقود وليست عقداً واحداً، فتتكون من: عقد بيع دفتر الشروط، وعقد الضمان، والعقد المتعلق بموضوع المناقصة، واجتماع العقود السابقة في عقد واحد، وهذه العقود جائزة شرعاً، ويجوز اجتماعها في عقد واحد، ومن ثم فعقد المناقصة عقد جائز شرعاً. 10 - بيع دفتر الشروط لمن يطلبه أمر لا مانع منه؛ لأنه يوفر على المناقِص جهداً ووقتاً كثيراً، ويضبط حقوق كل طرف وواجباته، ويبيّن كل جزئيات العقد، فيحسم باب الخلاف والنزاع. 11 - يجوز طلب ضمان ابتدائي وضمان نهائي، أما الابتدائي فلضمان جدية المناقِصين، وتجوز مصادرته إذا انسحب صاحبه قبل البت في العطاءات، وأما النهائي فلضمان وفاء المناقِص بالتزاماته، ويُرد إليه بعد الوفاء بها، وتجوز مصادرته بالتخلف عنها بسبب منه لا بسبب قوة قاهرة أو ظروف طارئة. 12 - يجوز طلب ضمان عن دفعات مقدمة من قيمة العقد، وكذلك طلب ضمان حسن أداء المعقود عليه للغرض منه بعد التسليم خلال مدة معينة. 13 - يجوز تقديم الضمان الابتدائي أو النهائي أو غيره على شكل خطابات ضمان، ويجوز لطالب خطاب الضمان – إذا لم يجد متبرعاً يُقرضه- أن يدفع الأجر الذي يطلبه البنك نظير كفالته.

14 - عقود المناقصات قد تؤول إلى عقود توريد، أو إلى عقود مقاولة، وليس كل عقد توريد أو مقاولة يتم من خلال المناقصات، بل يمكن أن يُبرم بطريق مباشر بعيداً عن إجراءات المناقصة، ومناقصات التوريد هي: المناقصات التي يتعهد بمقتضاها أحد المتعاقدين تسليم الطرف الآخر أشياء منقولة بثمن معين، ومناقصات المقاولات هي: المناقصات التي يتعهد بمقتضاها أحد المتعاقدين أن يصنع شيئاً، أو أن يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر. 15 - إن عقود التوريد تتعدد أقسامها بحسب اعتبارات مختلفة، فهناك عقود توريد موحدة وحرة، وعقود توريد إدارية وخاصة، وعقود توريد عادية وصناعية. 16 - الغرر في عقود التوريد يسير، ولا يؤثر في صحة العقد، وعلى فرض وجوده فإنه يُغتفر؛ لأن الحاجة باتت ماسة وعامة فتُنزل منزلة الضرورة. 17 - مناقصات التوريد مشروعة، ولا تدخل في بيع الدين بالدين، ولا بيع ما ليس عندك، ويمكن إلحاقها بالصور الفقهية التي بحثها الفقهاء، كبيع الموصوف في الذمة غير المعين لا على وجه السلم، وكبيع الصفة عند المالكية التي يتأجل فيها البدلان، وكالشراء المستمر أو من دائم العمل. 18 - إن عقود مناقصات المقاولات تتنوع بحسب اعتبارات عديدة تتعلق بالعمل وطبيعته، فهناك مقاولات إجارة واستصناع، ومقاولات مادية وعقلية، ومقاولات عامة وخاصة. 19 - إن العقد في مناقصات التوريد والمقاولات يجب أن يكون لازماً إذا جاء المناقَص فيه موافقاً لوصفه؛ لأن في عدم لزومه تعطيلاً لعجلة الإنتاج، بالإضافة إلى أن هذه المناقصة اليوم دخلت مجالات ذات أهمية كبيرة، وتكاليف باهظة، والتخيير فيها يؤدي إلى ضرر كبير. 20 - السندات سواء كانت سندات خزينة أو شهادات استثمار هي وثائق دين، ودخولها في المناقصات باعتبارها المناقَص فيه، يجعل هذه المناقصات محرمة؛ لإفضائها إلى الربا المحرم. 21 - اشتراط ما يُعرف بالشرط الجزائي في عقود المناقصات أمر جائز شرعاً. 22 - إن إعمال نظرية الظروف الطارئة في عقود المناقصات ليس فيه حرج شرعي، لأن في إعمالها رفعاً للضرر عن المتضرر، وإعادة الموازنة بين طرفي العقد. 23 - في حالة تغير قيمة الأوراق النقدية ومن ثم تغير قوتها الشرائية يجب اعتبار قيمة النقود وقت إنشاء العقد؛ لأنه أقرب إلى تحقيق العدالة، وإعادة التوازن في المعاوضة التي قام عليها العقد. 24 - تنتهي الالتزامات في عقود المناقصات كباقي العقود، إما بالوفاء بها أو بالفسخ أو بالإقالة. توصيات واقتراحات: 25 - العمل على تحقيق مبدأ المساواة بين المناقِصين، بالإعلان عن المناقصة وشروطها على نطاق واسع، وفي صحف واسعة الانتشار، وإعطائهم فرصة كافية لتقديم العطاءات، ومنحهم نفس القدر من المعلومات، وعدم التحيز لأحدهم بإجراء تعديلات في الشروط لمصلحته، أو بالسماح له بالتسجيل بأكثر من اسم، وأن تُتخذ جميع التدابير اللازمة لضمان سرية العطاءات، وعدم تسريبها. 26 - عدم إرساء المناقصة على صاحب العطاء الأقل إلا إذا كانت سائر الشروط والمواصفات المقدمة من جميع المناقِصين متساوية، حتى لا يُفسح المجال للتلاعب والاحتيال. 27 - عدم العدول عن التعاقد في المناقِص صاحب العطاء الأقل إلا بإبداء سبب العدول. 28 - إيجاد رقابة فعالة؛ لمنع أي تجاوز أو محاباة أو رشوة أو تسريب للمعلومات المتعلقة بالمناقصة والعطاءات المقدمة. 29 - إيجاد مراقبة فنية مستمرة، عدا عن إشراف اللجان المختصة من مهندسين أو غيرهم. 30 - إشراك المهندسين المشرفين على مقاولات البناء والتشييد مع المقاولين في ضمان تلك الأبنية والمنشآت، من أجل تضييق الخناق على حالات الغش والخداع. 31 - إقرار عقوبة رادعة على من ثبت عليه الغش والاحتيال والتواطؤ، حتى لا تتعرض أرواح الناس للخطر، وحتى لا يتعرض المال العام للسلب والعبث. وفي نهاية الخاتمة لا أملك إلا أن أقول أنني اجتهدت في إخراج هذا البحث، الذي يتناول موضوعاً من أهم الموضوعات المعاصرة، وبذلت وسعي في بحث مسائله، والعمل على تأصيلها، بحسب قدرتي وإمكاناتي المتواضعة، ولا أدعي له الكمال، فما هو إلا جهد بشري، وصاحبه أحوج الناس إلى التوجيه والإرشاد إلى الحق، والدلالة إلى الصواب، فإن كنت قد أصبت فبفضل من الله وحده، له الحمد وله الشكر، وإن كنت قد أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، أعاذنا الله تعالى منه. أسأل الله تعالى أن ينفع المسلمين بهذا البحث، وأن يتقبله عملاً صالحاً، تثقل به موازيني يوم الدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على إمام البشرية نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

عمل المرأة ضوابطه - أحكامه - ثمراته دراسة فقهية مقارنة

عمل المرأة ضوابطه - أحكامه - ثمراته دراسة فقهية مقارنة ¤هند محمود الخولي£بدون¥دار الفارابي - دمشق¨الأولى¢1421هـ€فقه¶المرأة المسلمة - تعليمها وعملها الخاتمة وبعد، فهذا ما قد كنت أردت بيانه، من دراسة موضوع عمل المرأة متكاملا. وأحسب أن النتائج التي وصلت إليها في هذا البحث على جانب من الأهمية، سواء منها ما يتعلق بالأحكام الشرعية التي تعتري مسألة خروج المرأة إلى العمل وتوليها الأعمال الوظيفية أو شغلها الأعمال المهنية، المبنية على فهم النصوص الشرعية من القرآن والسنة، والقواعد الأصولية. أو ما يتعلق بالضوابط الشرعية التي ينبغي أن تراعيها المرأة حين خروجها العمل. أو ما يتعلق بالآثار المترتبة والناجمة عن خروج المرآة إلى العمل وشغلها العمال في ميادين الحياة المختلفة. فإن قيل: إن النتائج التي وصلت إليها من وراء دراسة هذا البحث قد سبقك إليها الكثيرون. قلت: صحيح أن كثيرين قد سبقوني إلى ذلك، ولكن لم أر في كل الكتب التي قد توفر لي الاطلاع عليها ممن بحث هذا الموضوع أنه درسه من جوانبه الثلاثة معا: الأحكام، والضوابط، والثمرات، بل إن كل كتاب منها قد اختص بدراسة جانب واحد، وربما تعرض إلى طرف من الجانب الآخر. كما أن المقارنة التي عقدتها بين نظرية النظام الإسلامي، والنظم الاجتماعية المختلفة إلى المرأة، والتي جعلت منها تمهيدا للوصول إلى صلب الموضوع قد أظهرت أهمية جديدة تتجلى في تعريف العالم أجمع أن الشريعة الإسلامية التي صاغها العليم الخبير هي التي أنصفت المرأة وحررتها من الظلم، وخصتها بمكانة رفيعة سامية لم تتغير ولم تتبدل من يوم نزلت هذه الشريعة إلى وقتنا الحالي. وتظهر أن تغير وتبدل نظرات المجتمعات الأخرى إلى المرأة ومكانتها – من فترة ما قبل الميلاد إلى العصر الحاضر – إنما يرجع إلى اختلاف القوانين التي كانت تحكم تلك المجتمعات. تلك القوانين التي وضعتها الجماعة البشرية ولونتها بعاداتها وتقاليدها التي هي عرضة للتغير والتبدل. ثم بالنسبة للقسم الرئيس من هذه الرسالة الذي يعتبر موضوع الأطروحة وهدفها الأول، والمتمثل في بيان حكم الشريعة الإسلامية في مسألة خروج المرأة إلى العمل وتوليها الأعمال الوظيفية أو المهنية، فإنني لم أر من بحثه على منهج الفقه المقارن من بيان مذاهب العلماء، وذكر دليل كل منهم ثم مناقشته، وإظهار الرأي الراجح، ذاك الفقه (أي المقارن) الذي يؤدي بنا إلى الاقتناع بأن جميع المسائل الظنية من أمور الفقه خاضعة للخلاف والنزاع، فلا مطمع في رفعها إلى مستوى اليقين والقطع، ومن ثم فلا مطمع في القضاء على الخلاف الذي تتسع رقعته أو تضيف حسب قوة الاحتمال أو ضعفه في الأدلة. وكذلك البحث في الضوابط الشرعية التي ينبغي أن تلتزمها المرأة في أثناء خروجها إلى العمل، ودراسة الآثار التي تترتب على خروج المرأة إلى العمل قد بينت عظم الشريعة الإسلامية الغراء في نظرتها السامية إلى تحريم كل ما من شأنه أن يؤدي إلى فساد المجتمع وضياعه، أو يعرقل ازدهاره وتطوره، وإن كان في أصله مباحا، وفي دعوتها غير المباشرة وتوجيهها إلى استخدام الطاقة البشرية التي تكون نصف المجتمع (أي المرأة) في العمل الذي يتناسب مع تكوينها وطبيعتها الأنثوية، ليخدم مصالح المسلمين ويسهم في تحقيق الرفاء والسعادة لهم دون أن يؤدي إلى وقوع أضرار خلقية أو اجتماعية. يظهر ذلك واضحا جليا من خلال الخلاصة التي وجدت من الملائم أن أذكرها في نهاية هذا المطاف، والمتضمنة لأبرز النتائج التي وصلت إليها في هذه الأطروحة:

1 - في التمهيد الذي اعتبرته بمثابة المدخل إلى دراسة موضوع الرسالة الأساسي عرضت في مباحثه الأربعة لمحة عن وضع المرأة ومكانتها في النظم الاجتماعية المختلفة وفي النظام الإسلامي، فبينت من خلال المبحث الأول منها أن دور المرأة وعملها في المجتمعات القديمة قد تباين تبعا لتباين القوانين التي كانت تحكم تلك المجتمعات، والتي تقوم على التفرقة والتمييز وعدم المساواة بين أفراد المجتمع، ونتيجة لذلك كانت النظرة السائدة إلى المرأة في أغلب تلك المجتمعات نظرة احتقار وذل ومهانة، كما كانت منزلتها دون منزلة الرجل، وهذا ما جعلهم في أكثر الأحيان يقررون حبسها في البيت وإلزامها بخدمة الزوج وإنجاب الأطفال وتدبير شؤون المنزل، ويقصرون عملها على ذلك. في حين أن بعض المجتمعات قد بالغت في احترامها إلى حد التعظيم، فولتها منصب الملكة، والكاهنة، والقاضية و ... . وفي المبحث الثاني بينت أن المرأة في ظل الديانتين اليهودية والمسيحية وكما تظهر كتبهم المقدسة لم تكن أسعد حظا ولا أحسن حالا من أترابها في المجتمعات القديمة؛ وما ذلك إلا لأن هذه الكتب قد حرفتها أيدي أحبار اليهود والنصارى الذين تولوا حفظها. وفي المبحث الثالث تحدثت عن مكانة المرأة في المجتمعات الغربية المعاصرة وأوضحت أن المرأة في تلك المجتمعات لم تحتل مكانة أحسن من تلك التي احتلتها في المجتمعات الوثنية القديمة، فقد انتقصت حضارة الشرك القديمة من قيمة المرأة من الناحيتين النظرية والعملية معا، بينما انتقصتها الحضارة الغربية من الناحية العملية، فقد ساوت هذه الحضارة بين الرجل والمرأة مساواة كاملة من ناحية القانون، ولكن هذه المساواة النظرية لم ترتق إلى درجة المساواة العلمية الحقيقة. ثم بينت أن الحضارة الغربية من خلال سعيها للمساواة بين الرجل والمرأة قد أوقعت المرأة في حالة دائمة من عدم المساواة وعللت ذلك بأن المجتمعات الغربية المعاصرة التي تحكمها القوانين الوضعية التي لا تقيم للأخلاق الفاضلة وزنا قد أعطت المرأة حرية واسعة في عمل ما تشاء وشجعتها على أن تحتل مكان الرجال، وتختلط بهم دون شرط أو قيد، فكانت النتيجة أن كثر الفجور وانتشر الزنا، والأبناء غير الشرعيين وعمت الأمراض الخطيرة كالإيدز الذي لم يكتشف له الدواء الناجح إلى الآن. على الرغم من وصول تلك المجتمعات إلى القمة في العلم والمعرفة. وفي المبحث الرابع تكلمت عن مكانة المرأة في النظام الإسلامي، وأوضحت من خلال ذلك أن الإسلام هو النظام الذي أنصف المرأة، وخصها بمكانة سامية حيث قرر لها من الحقوق ما لم يسبقه إليه شرع سماوي سابق أو قانون وضعي ثم بينت أن الإسلام قد ساوى بين الرجل والمرأة في هذه الحقوق التي تتقرر لها بمجرد الصفة الإنسانية. وعرضت بإيجاز أهم أوجه المساواة بين الرجل والمرأة. فذكرت المساواة في الحقوق المدنية، والحقوق السياسية وحرية إبداء الرأي والنقاش، والمساواة في شؤون الأسرة، وحق الميراث والشهادة، وفي حق العمل. فكان مما تقدم تمهيدا للوصول إلى صلب موضوع الرسالة الأساسي. 2 - وفي الباب الأول تناولت بالبحث الضوابط الشرعية لخروج المرأة من البيت لشغل الأعمال في الميادين المختلفة، وأحكامه الفقهية. وقد مهدت للبحث في حكمه بفصل بينت فيه أنواع العمل في عصرنا الحاضر، وأوضحت أن الأعمال مهما تعددت وتنوعت، فإنه يمكن حصرها في قسمين رئيسيين: القسم الأول: الأعمال الوظيفية: وتشمل الأعمال السياسية، والإدارية، والقضائية. القسم الثاني: الأعمال المهنية، وتشمل الأعمال الصناعية، والتجارية، والزراعية، والحرفية في القطاعين العام والخاص.

وقد عرضت بشكل موجز الاختصاصات الملقاة على عاتق أصحاب هذه الوظائف والأعمال من خلال مباحث أربعة. وبحثت في الفصل الثاني في الضوابط الشرعية لمسألة خروج المرأة إلى العمل وتوليها الأعمال الوظيفية وشغلها الأعمال المهنية، وأحكامها الفقهية من خلال خمسة مباحث: حررت في المبحث الأول منها محل النزاع فأوضحت في الفقرة الأولى من هذا المبحث أن الفقهاء اتفقوا على جواز خروج المرأة إلى العمل في حالة الضرورة، وعلى عدم جواز خروجها في حال عدم التزامها الضوابط الشرعية، واختلفوا في حكم خروجها إلى العمل وتوليها الأعمال الوظيفية واشتغالها بالأعمال المهنية، وفي الفقرة الثانية من هذا المبحث عرضت الضوابط الشرعية التي فرضها الشارع الحكيم على المرأة حين خروجها إلى العمل، وبينت أن هذه الضوابط قد شرعت لسد الذرائع إلى الفساد، وإغلاق الأبواب التي تهب منها رياح الفتنة، وأن في التزام المرأة العاملة تلك الضوابط صلاح الفرد وسعادة المجتمع التي هي الغاية السامية للشريعة الإسلامية. وقد أوضحت تلك الضوابط بشكل مفصل على النحو التالي: أ - بحثت في الضابط الأول " الحجاب ": المقصود من هذا الضابط لغة وشرعا، ومذاهب الفقهاء وأدلتهم في الحجاب وكيفيته، والرأي الراجح في ذلك. ثم ذكرت ما بدا لي أنه الحكمة من فرض الحجاب على المرآة: وأنه إكرام من الله تعالى للمرأة، ورفع لقدرها، وصيانة لها وللمجتمع من أن تدنسه الموبقات وتدمره الفواحش وليس تقييدا لحريتها وتضييقا عليها ومنعا لها من الخروج من البيت لعمل أو غيره كما يدعي أعداء الإسلام. ب - بحثت في الضابط الثاني " الإذن ": المقصود من هذا الضابط، والدليل على صحته. ج – بحثت في الضابط الثالث " عدم الاختلاط بالرجال الأجانب ": نظرة الإسلام إلى الاختلاط ين الجنسين، وحكم اختلاط المرأة بالرجال الأجانب في ميدان العمل، والدليل على ذلك، وحكم سفر المرأة العاملة، وحكم إلقاء المرأة الأجنبية السلام على الرجال الأجانب في ميدان العمل، وردها عليهم. د- بحثت في الضابط الرابع " عدم كون العمل معصية أو معيبا مزريا تعير به أسرة المرأة ": حكم اتخاذ المرأة الغناء حرفة، فبينت المقصود من كلمة (الغناء)، ومذهب الفقهاء في الغناء وأدلتهم على ذلك، وقد اقتضى البحث في هذا الضابط التعرض لحكم صوت المرأة. هـ - شرحت باقي الضوابط بشكل موجز، والتي هي: - الضابط الخامس: " عدم كون العمل الذي تزاوله المرأة مما لا يتفق مع تكوينها الجسماني، واستطاعتها الجسدية .. " - الضابط السادس: " ضرورة توفيق المرأة العاملة بين العمل الذي تمارسه خارج البيت، وبين واجباتها تجاه الزوج، والأولاد ". - الضابط السابع: " عدم كون العمل الذي تمارسه المرأة مما يستلزم قطع أو تضييق سبيل الاكتساب على الرجال، ونشر البطالة في صفوفهم ". وبعد ذلك أوضحت أن المرأة إذا خرجت من بيتها إلى العمل دون أن تلتزم هذه الضوابط، فسوف يصبح عملها محرما، وسيتعرض المجتمع لأخطار كثيرة تؤدي إلى دماره وانهياره ولن تلتزم المرأة العاملة هذه الضوابط إلا باستشعار مراقبة الله تعالى في السر والعلن، والخوف منه دائما، والطمع في ثوابه سبحانه وتعالى. وفي المبحث الثاني أوضحت أن للعلماء في مسألة خروج المرأة إلى العمل حال التزامها الضوابط الشرعية مذهبين: المذهب الأول: يرى أصحابه أن الإسلام لا يجيز للمرأة الخروج إلى العمل.

المذهب الثاني: يرى أصحابه أن الإسلام يجيز للمرأة الخروج إلى العمل، ويختلفون في نوعية الأعمال التي يجوز أن تشغلها، فيجيز لها فريق من هؤلاء العلماء أن تشغل الأعمال الوظيفية والمهنية كافة، ويستثني آخرون من الجواز وظيفة (الخلافة)، ويقصر فريق آخر منهم عملها على ما يناسب تكوين المرأة وطبيعتها الأنثوية. وفي المبحث الثالث ذكرت كل ما يتوقع أن يكون دليلا لأي من الفريقين من كتاب أو سنة، أو إجماع، أو قياس، وبذلت جهدا متميزا في صياغة وبيان وجه الاستدلال لكل الأدلة الواردة، وذلك بالرجوع إلى تفاسير الآيات القرآنية، وشروح الأحاديث النبوية، والكتب الفقهية القديمة والحديثة، والكتب المعاصرة عامة. ثم ذكرت في المبحث الرابع مناقشة كل فريق لأدلة الفريق الآخر. وفي المبحث الخامس بينت المذهب الراجح في مسألة خروج المرأة إلى العمل وتوليها الأعمال في ميادين الحياة المختلفة. والنتيجة التي وصلت إليها في ذلك: أن المذهب الصحيح الذي تؤيده الأدلة وتدعمه القواعد الفقهية هو جواز تولي المرأة للأعمال الوظيفية كافة إلا الإمامة العظمى أي (رئاسة الدولة)، وشغلها الأعمال المهنية التي تتناسب وطبيعتها الأنثوية وفق الضوابط الشرعية السابق ذكرها. ثم جعلت خلاصة لهذا الباب بينت من خلالها أن عمل المرأة تعتريه الأحكام الخمسة: الحرمة، الكراهة، الوجوب، الندب، الإباحة. 3 - وفي الباب الثاني والأخير عرضت في الفصل الأول الآثار التي تترتب عن خروج المرأة إلى العمل، وتوليها الأعمال في الميادين المختلفة، كما صورها علماء الشريعة، والطب، والاقتصاد، والاجتماع، وذلك في مبحثين: بينت في المبحث الأول الآثار الإيجابية (الثمرات) المترتبة عن خروج المرأة إلى العمل من خلال مطالب ثلاثة: ففي المطلب الأول: درست أثر العمل على المرأة العاملة نفسها. وفي المطلب الثاني: أثر عمل المرأة على الأسرة. وفي المطلب الثالث: أثر عمل المرأة على المجتمع. وفي المبحث الثاني بينت الآثار السلبية المترتبة عن خروج المرأة إلى العمل من خلال مطالب ثلاثة: عرضت في المطلب الأول: أثر العمل على التكوين النفسي والفسيولوجي والجسدي للمرأة. وفي المطلب الثاني: أثر عمل المرأة على النشاط الاقتصادي. وفي المطلب الثالث: أثر عمل المرأة على النشاط الاجتماعي. وخصصت الفصل الثاني من هذا الباب لبحث ميداني يهدف إلى إلقاء الأضواء على واقع عمل المرأة في مجتمعنا الذي نعيش فيه، ويعطي فكرة واضحة عن ضرورات عمل المرأة وسلبياته وإيجابياته، وذلك في مبحثين: بينت في المبحث الأول التطبيق الميداني، وإجراءاته، فتحدثت عن العينة التي طرحت عليها أسئلة البحث، وشرحت محتوى تلك الأسئلة بشكل مفصل. وفي المبحث الثاني ذكرت نتائج الدراسة الميدانية من خلال مطالب أربعة: ففي المطلب الأول: بينت إجابة العينة على استبانة الآثار الإيجابية. وفي المطلب الثاني: إجابة العينة على استبانة الآثار السلبية. وفي المطلب الثالث: إجابة العينة على استبانة آثار التدخين. وختمت هذا المبحث بالمطلب الرابع الذي ذكرت فيه تحليلا علميا لنتائج الدراسة الميدانية، وقدمت بعض المقترحات من أجل جعل عمل المرأة ينتج الآثار الإيجابية، وبينت أن السبيل إلى ذلك يكمن في التزام المرأة التي أرادت الخروج إلى العمل بالضوابط التي أوجبتها نصوص الشريعة الإسلامية والاجتهادات الصحيحة في فهم تلك النصوص. وفي جعل الشريعة الإسلامية بمبادئها، وأحكامها المصدر الأساسي للقوانين المطبقة في بلادنا: قانون العمل، وغيره ..

وفي الفصل الثالث: من هذا الباب عرضت أهم الشبهات التي أثيرت، وتثار في كل يوم عبر وسائل الإعلام المختلفة من قبل أعداء الإسلام حول الأحكام التي شرعها الإسلام في حق المرأة، والتي تتعلق بمسألة خروج المرأة إلى العمل وتوليها الأعمال الوظيفية وشغلها الأعمال المهنية، كحق الميراث، وحق القوامة وقد حاولت الرد على أصحاب تلك الشبهات بأسلوب علمي منهجي مقنع إن شاء الله تعالى، وذلك تتميما للقيمة العلمية للبحث، ولإظهاره واضحا متكاملا. وأخيرا: أكرر الحمد والشكر والثناء على الله سبحانه وتعالى الذي وفقني لإنجاز هذا البحث وأعانني على كتابته. فإن كنت قد أصبت فيه وبلغت الحق فبفضله سبحانه وتعالى وبإلهامه، وإن كنت قد أخطأت فذلك مني .. وأعترف بضعفي وعجزي. ولابد من أن أقر لأصحاب الفضل بفضلهم علي في كتابة هذا البحث وأتوجه إليهم بالشكر الجزيل، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيهم عني خير الجزاء. وأخص بالذكر أولا والدي اللذين جهدوا في حسن تربيتي، وشجعوني على سلوك درب العلم الشرعي. ثم أساتذتي الذين بذلوا الجهد والوقت في سبيل تعليمي شرعة الله تعالى وتسليكي طريق الهداية. وأعترف بالفضل الجزيل لأستاذي الجليل الدكتور مصطفي البغا وكيل الشؤون العلمية في كلية الشريعة الذي وجهني إلى طريق العلم والفضيلة منذ تتلمذت على يديه في كلية الشريعة، ثم توإلى فضله علي بعد ذلك، حتى توج فضله علي بتكرمه وتفضله بالإشراف على هذه الرسالة، وقد كان لتوجيهاته وملاحظاته ونصائحه القيمة أثر كبير علي في متابعة البحث وحسن تبويبه وصياغته كما وأعترف بالفضل لأستاذي الدكتور وهبة الزحيلي رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجامعة دمشق، الذي اقترح علي التخصص في قسم (النسائيات) للبحث في كل ما يتعلق بالمرأة، مما شجعني على الخوض في هذا البحث، ولأستاذي الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي – رئيس قسم العقائد والأديان – الذي تكرم وتفضل علي بمناقشة هذا البحث، ووضع ملاحظاته القيمة. وللأستاذ الدكتور بديع اللحام – وكيل الشؤون الإدارية – الذي أفادني بنصائحه وملاحظاته وإرشاداته القيمة، ثم تكرم علي بقبوله لمناقشة هذه الرسالة. ولكلية الشريعة في جامعة دمشق، ممثلة في جهازها العلمي والإداري فضل لا أنساه في قبولي في عداد طالباتها، وتوجيهي إلى البحث العلمي والمنهجي ولا سيما في قبولي في القضايا المعاصرة ومناقشتها على ضوء الشرع الإسلامي. وكذلك أقدم الشكر إلى رئيس قسم الشؤون الاجتماعية والقانونية في مكتبة الأسد التي ساعدتني في اختيار العينة التي أجريت عليها الدراسة الميدانية لهذا البحث، ولكل العاملين في مكتبة الأسد الذين يقدمون خدماتهم لتيسير البحث العلمي. ولكل من ساعدني في هذا البحث، أو أسدى إليَّ بنصائحه، أو دعا الله لي بالتيسير والتوفيق، أقدم الشكر الجزيل، والله تعالى أسأل أن يجزل لهم الأجر والمثوبة. هذا والحمد لله أولا وآخرا والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

غزو البحار فضله وأحكامه، وأشهر قادته المسلمين في القرن الهجري الأول

غزو البحار فضله وأحكامه، وأشهر قادته المسلمين في القرن الهجري الأول ¤سامي صالح القحطاني£بدون¥دار ابن الجوزي- السعودية¨الأولى¢1430هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة: فهذا ما وفقني الله إليه، ويسره لي في هذا البحث، (غزو البحار، فضله وأحكامه وأشهر قادته المسلمين في القرن الهجري الأول)، فلقد توصلت من خلال هذا البحث إلى نتائج من أهمها ما يأتي: 1 - البحر هو المجمع العظيم للماء المالح خلقة. 2 - التعريف العلمي للبحر: مقلوب عن الجزيرة فهو مسطح مائي محيط به اليابس من معظم جهاته، وأنه من ناحية الاتصال على صلة بالمحيط من خلال فتحات صغيرة عادة ما تكون هي المضائق المائية. 3 - جاء ذكر البحر في أكثر من أربعين موضعاً من القرآن الكريم بألفاظ متعددة كـ بحر، البحر، البحران، البحرين، البحار وأبحر. 4 - جاء ذكر البحر في السنة النبوية في مواضع كثيرة جداً ومتعددة لا يمكن حصرها، فجاء مرة في باب الطهارة وفي كتاب الزكاة والبيوع والكفالة وفي كتاب الفتن وأشراط الساعة وفي كتاب المناسك، وفي الصيد وفي كتاب صفة القيامة والجنة والنار وفي الجهاد والسير والمغازي وغير ذلك من مواضع لا يمكن حصرها الآن. 5 - جاء في فضل الغزو والجهاد عموماً أدلة كثيرة من الكتاب والسنة وجاء ما يخص البحر في السنة، مثل: حديث أنس رضي الله عنه عند البخاري قصة دخول النبي صلى الله عليه وسلم على أم حرام الأنصارية رضي الله عنها. 6 - الراجح جواز ركوب البحر للجهاد وغيره، دلت على ذلك آيات من الكتاب وأحاديث السنة وأقوال الصحابة والسلف وأفعالهم وعلماء وفقهاء الأمصار. 7 - يلتزم المجاهد في البحر بما يلتزم به المجاهدون عموماً ولا يستثنى من ذلك إلا ما كان له خصوصية بوضع الحرج ويدخل تحت عموم ما يحل ويحرم للمجاهدين، كمبايعة الأمير وبعث الطلائع والتجسس وخروج يوم الخميس أول النهار ودخول الحرب بتهيئة وتعبئة وغير ذلك. 8 - من أخلاق الإسلام العالية في الجهاد أنه دين سلام ومحبة ودعوة إلى الخير ليس الهدف قتل الناس من أجل القتل، وهذا مبثوث في وصايا النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الأربعة من بعده وأمراء الإسلام، ومن ذلك حرمة قتل المرأة والصبي إن لم يقاتلا، وكذلك الشيخ والضعيف والأعمى والمقعد والمقطوع اليد والرجل لكن إذا قاتلوا قتلوا. 9 - الغزو في البحار والجهاد فيه يعتبر سفراً، فله آداب كما هو لأي سفر من أسفار النبي صلى الله عليه وسلم، كالرفق بالضعيف والمشورة والإخلاص في النية وغير ذلك. 10 - في مجال الإعداد على المسلمين الأخذ بكل معنى من معاني الحذر وبكل وسيلة من وسائل القوة والاستعداد عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا، وكسلهم عن العمل ضرره كبير، وبذلك يكونون عالة على غيرهم، وهذا عنوان الذل، فإن لله سنناً كونية جعلها وسائل للعز والرقي من سلكها نجح، ودين الإسلام يحث عليها غاية الحث. 11 - الجهاد والغزو من أمور الرجال. 12 - النساء لسن من أهل الجهاد إلا في حالات خاصة كمداواة الجرحى وسقي الماء وغيره، أما تدريبهن على القتال وإنزالهن المعركة يقاتلن مع الرجال كما تفعل بعض الدول الإسلامية اليوم فهو بدعة عصرية وقرمطة شيوعية ومخالفة صريحة لما كان عليه سلفنا الصالح، وتكليف النساء بما لم يخلقن له وتعريض لهن لما لا يليق بهن إذا ما وقعن في الأسر بيد العدو والله المستعان. 13 - لم تتضح في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما الغزو البحري بمعنى الغزو وإعداد الجيش والأسطول البحري.

14 - معاوية رضي الله عنه هو أول من أجاز البحر، فله الفضل في إنشاء الأسطول البحري في عهد عثمان بعد أن منعه عمر رضي الله عنهم أجمعين. 15 - في عهد عثمان رضي الله عنه وعلى يد معاوية رضي الله عنه كان بداية إنشاء الأسطول البحري فكانت أول غزوة هي قبرص سنة 28هـ. 16 - غزوة ذات الصواري 34هـ هي التي انتصر فيها المسلمون نصراً عظيماً وبعدها بدأ الأسطول الإسلامي بالسيطرة على بحر الروم وأصبح هو الأقوى في المنطقة. 17 - في خلافة معاوية أول أيام الدولة الأموية زاد الاهتمام بالفتوحات البحرية حتى وصلت الجيوش إلى القسطنطينية وأصبح الأسطول البحري أقوى أسطول في المنطقة. 18 - استمرت الفتوحات في الدولة الأموية في السند وإفريقية والأندلس وغيرها عبر قواد البر والبحر. 19 - كان هناك ثلة من القادة البحريين, وكان عرفجة بن هرثمة البارقي أول قائد بمعنى القائد في غزوة بالبحر أيام العلاء بن الحضرمي حين بعثه إلى أسياف فارس يوم كان والياً لأبي بكر وعمر على البحرين. 20 - هؤلاء القادة ما هم إلا صحابة أو أبناء صحابة أو تابعين وتابعيهم فلهم فضلهم وحقهم معروف ومحفوظ عند أهل الأتباع للسنة ومعرفة قدرهم رضي الله عنهم وأرضاهم. 21 - كانت هناك بعض المحاولات لغزو البحر كما حصل مع العلاء بن الحضرمي والي البحرين في وقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكن عمر عاتب العلاء ولامه على ذلك الفعل. 22 - معاوية رضي الله عنه هو مؤسس الأسطول البحري الإسلامي بلا منازع. 23 - كان هناك قادة يشار إليهم بالبنان مثل عبد الله بن قيس الحارثي الذي غزا خمسين غزوة ما بين شاتية وصائفة ولم يغرق فيه أحد ولم ينكب رحمه الله رحمة واسعة. 24 - عبد الله بن سعد بن أبي السرح هو قائد غزوة ذات الصواري في البحر. 25 - يزيد بن أبي سفيان هو قائد الجيش الذي توجه إلى القسطنطينية ومعه كبار الصحابة كأبي أيوب الأنصاري الذي مات ودفن بالقسطنطينية رضي الله عنه. 26 - موسى بن نصير وطارق بن زياد أسماء لا يمكن أغفالها فهم أصحاب الفتح الإسلامي في إفريقية والأندلس رحمهم الله. 27 - عقبة بن نافع الفهري هو الذي وقف على جانب المحيط وقال قولته المشهورة رحمه الله. 28 - وبعد فإنه لا يزال هناك ما يكتب ويكتشف عن البحر، مثل: البحر في القرآن والبحر في السنة والقادة البحريين حتى العهد العثماني وغير ذلك من الدراسات التي تكتشف جوانب عديدة من البحر.

فصل الخطاب في مسألة الحجاب والنقاب

فصل الخطاب في مسألة الحجاب والنقاب ¤درويش مصطفى درويش£بدون¥دار الاعتصام¨بدون¢بدون€فقه¶حجاب وتبرج خاتمة لما كانت المرأة أعظم ابتلاء دنيوي على الإطلاق على نحو يرتبط به مصير هذه الأمة التي إن أطلقت فيها الفتنة اختلت وضلت، وإن منعت منها فقد فازت وتقدمت ونجت ما أشرنا إلى ذلك .. فقد بين الله لنا مدى هذه الفتنة في قوله تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} كما بينها رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله "ما تركت في أمتي فتنة أضرّ على الرجال من النساء". وحذرنا صلى الله عليه وسلم من هذه الفتنة فقال: " ... فاتقوا الدنيا واتقوا فتنة النساء" وعليه جاء أمر الحجاب تقية لنا من هذه الفتنة .. ومن ثم كان لابد من تناوله بالبحث الدقيق كما تناوله أعداؤنا بالتخطيط الماكر الحصيف، لبيان ومعرفة حكمته، والفصل في حكمه بما يقطع الشك، ويذهب الريب. وقد رأينا من خلال ذلك العرض السالف من هذا البحث أن الله تعالى قد أمر المؤمنات بالاحتجاب عن الرجال، وأن النقاب هو صورة من صور هذا الاحتجاب الذي قد يتم بمانع رؤية آخر كالحائط وغيرها .. وقد بينا الدلائل الكافية، والبراهين الشافية من القرآن والسنة وأقوال الصحابة وفقهاء المذاهب على وجوب الاحتجاب في الأصل، وتحريم إظهار الوجه والكفين، وتحريم النظر إليهما في جميع الأحوال .. ما لم يكن الكشف والنظر مباحا بنص شرعي كما في الإحرام، والخطبة وأمام المحارم، أو جائزاً لضرورة علاج، أو لأجل معاملة تقتضي الشهادة .. لها أو عليها، أو تعليم واجب عليها إذا تعذر ذلك من وراء حجاب، وأمنت الفتنة في هذه الأحوال على التفصيل الذي رأيناه. وقمنا بعد ذلك بعرض تلك الآراء التي ارتأت أن الحجاب هو اللباس الذي يستر الجسم فيما عدا الوجه والكفين، وهو اللباس الذي تصح به الصلاة، فسردنا أدلتهم وناقشناها معهم ثم انتهينا إلى أنه لا يوجد دليل شرعي صحيح يمكن الاستناد إليه لإطلاق الإباحة في إظهار الوجه والكفين في كل الأحوال .. لا عند خروجها على إطلاقه، ولا عند أمن الفتنة .. طالما ليست هناك حاجة تستدعي ذلك الكشف، وتجوز النظر كما بينه الفقهاء في سائر المذاهب وأوردنا أمثلة لذلك فيما سقناه .. كما أوضحنا بأن القول باستحباب النقاب دون وجوبه أمر يؤدي إلى تسوية النساء الشابات بالقواعد منهن في أفضلية النقاب .. مع أن الصحيح هو الوجوب للشابات منهن، والاستحباب للقواعد منهن كما رأينا، ويؤدي كذلك إلى التسوية بين الوضع في الإحرام والوضع في غيره وهذا وذاك يعد مخالفة صريحة للآية الخاصة بالقواعد، وأحاديث النهي عن الانتقاب في الإحرام، وجواز تغطية الوجه بغيره سدلاً عليه .. كل ذلك فوق مخالفته لما سقناه من آيات وأحاديث وتطبيقات قطعت بوجوبه واحتجاب المرأة عن الرجل على النحو الذي رأيناه في شريعة الله الغراء يعد أساساً لأغلى حقوق الإنسان في المجتمع الإسلامي الذي يقيد الشهوات .. ذلك لأنه يوجد جوا إيمانياً هادئاً مطمئناً تكون فيه المرأة أمينة على الرجل لا تثير غريزته، ولا تؤجج شهوته كي يطهر المجتمع من العبث، وينقى من الدنس .. ولكن هذا الجو الإيماني الهادئ افتقدته تلك المجتمعات الإسلامية المعاصرة ففقدت كل شيء .. فها هي لم تعمل عملا ترضى به نفسها كما فعلت تلك المجتمعات المغايرة، ولم تعمل عملاً ترضي به ربها، وصارت فريسة التدبير الصهيوني الماكر الذي جعل المرأة ملهية كاسية عارية، تحوز الإعجاب في أعين المسعورين، وتخر لها قلوب الملهوفين .. وهي لا تدري أن الله تعالى قد لعنها وأعد لها ما أعد من العذاب.

وعلى الرغم من أن الاحتجاب عن الرجال كان أمراً سائداً منذ وقت قليل قبل أن يطلع علينا الزعماء الوطنيون وعلى رأسهم سعد زغلول صاحب القول المشهور: "أما آن لهذا النقاب أن ينقشع؟ " بعد أن رفع بيده النقاب عن إحداهن في حفل عام وبعد أن أصبح زعيما وطنيا يقول فيطاع .. وبعدها بدأ النقاب في الانقراض .. وهؤلاء الوطنيون الذين تاجروا بالسياسة هم الذين ساقوا النساء إلى الوبال، ودفعوهن إلى الهلاك .. إلا أننا ما زلنا نرى زعماء آخرين يفزعوننا بين الحين والحين، يهاجمون النقاب، ويمنعونه بقوة القانون في دور العلم وفي غيرها .. مع أن جداتهم – إن لم تكن أمهاتهم – كن منتقبات قبل أن تدخل إلينا حضارة الغرب في أزياء النساء. ولا ندري .. لماذا يثير النقاب هذه البغضاء الكامنة في قلوب الزعماء فلا يطيقون رؤيته .. بل ويلاحقونه بأقوالهم ولو صدق هؤلاء في إسلامهم ما فعلوا ذلك .. وما حاربوا الستر والاحتشام .. وإذن فلماذا هم لا ينكرون دلال العري، وفجور الإنطلاق الذي يسود كافة الأوساط فيمنعونه مثل النقاب .. ولماذا لم يمنعوا تلك المنكرات التي تعرضها تلك الأجهزة في البيوتات طيلة الليل وفي أربعة النهار!! أجل .. فهؤلاء الزعماء وغيرهم من الكتاب والأدباء والمفكرين لابد أن ينطلقوا من قيود الإسلام إلى هوى الغرب وترف الحياة!!. اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم، ونجعلك اللهم في نحورهم إلى أن يأتي اليوم الذي يرجعون فيه إلى الله فيصعقون فيه، ثم يساقون إلى النار بين ذلك الحشد النسائي المديد .. فبئس الورد المورود، وبئس الرفد المرفود .. ويومئذ يؤتى بهؤلاء المؤمنات اللاتي كن يحتجبن عن الرجال .. وهن قليل وسط هذه الأمواج، ويغضضن من أبصارهن، ويتقين الله في كل أمر، ويحسن التبعل "العشرة الزوجية" مع أزواجهن، فيدخلن الجنة مع ذلك الركب الطاهر من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من نساء السلف الصالح ممن قدر الله لهن الجنة .. فيا نعم الجزاء، ويا نعم القرار [وهكذا فإن الأمر لا يتوقف على احتجاب المرأة عن الرجال فحسب، بل لابد من أن تكون المرأة المؤمنة – تحت نقابها – مثلاً يحتذى به بين بني جنسها في معاملتها معهم، واختلاطها بهم، ورفقها عليهم، وردها إليهم. وأن تكون في مظهرها العام، علامة على طهر الإسلام، ورمز صفائه ونقاوته، فهي تفضل كي ملابسها، ولا تفرط في تناسق ألوانها، وتلتزم شروط الحجاب ولا تخرج عليها، فإن ذلك يسكت ألسنة السوء عنها, ولا يجعل النفوس تشمئز منها، وهذا من أشد ما يغري المسلمات من بني جنسها بالفرار لدينهن، والانفلات من أحوالهن، ووبال غفلتهن ... ].

فضائل الجمعة أحكامها - خصائصها دراسة فقهية مقارنة في المذاهب الأربعة

فضائل الجمعة أحكامها - خصائصها دراسة فقهية مقارنة في المذاهب الأربعة ¤محمد ظاهر أسد الله£بدون¥مكتبة نزار مصطفى الباز - مكة المكرمة¨الأولى¢1419هـ€فقه¶صلاة الجمعة الخاتمة وفي ختام هذا البحث – بعد أن من الله علي بإتمامه، أسجل القول الراجح في أهم مواضع الخلاف بين العلماء، وذلك بعد أن تبين لي رجحانه في ضوء الأدلة الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنة المطهرة، واعتبر ذلك أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث، وهي: أولا: أجمعت الأمة على أن صلاة الجمعة فريضة محكمة بالكتاب والسنة، تجب إقامتها – على كل مكلف توفرت فيه شروط الوجوب – يوم الجمعة وقت الظهر، وأنها فرضت على القول الراجح في المدينة المنورة بعد الهجرة النبوية الشريفة إليها، وأنها من آكد فرائض الإسلام وأعظم شعائره. ثانيا: إن صلاة الجمعة تجب على جميع من توفرت فيه شروط الوجوب من أهل البلد، ولا يشترط سماع النداء لها عند الجمهور، وأما من كان خارج البلد فالعبرة بالنسبة له بسماع النداء؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص (الجمعة على من سمع النداء)، ويؤخذ في الاعتبار سماع النداء من مكبرات الصوت في الوقت الحاضر لإنعدام الهدوء، بسبب وجود وسائل الحياة الحاضرة من مواصلات ومصانع وغيرهما. ثالثا: وقت وجوب صلاة الجمعة هو وقت الظهر، أي بعد زوال الشمس وهو قول الجمهور، إلا أنها تصح قبل الزوال، لما صح من إقامتها قبل الزوال في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – ومن بعده وهو مذهب الحنابلة. رابعا: تبين لي من عرض أقوال العلماء في شرطية الخطبة أنها ليست شرطا لصلاة الجمعة خلافا للجمهور، إلا أن مواظبة الرسول – صلى الله عليه وسلم – لها مع إرادة الخطبة من الذكر في الآية تفيد وجوبها فقط. خامسا: أن اللغة العربية غير شرط في الخطبة خلافا للجمهور، إلا أن بعض أركانها وهو حمد وصلاة وقراءة القرآن يجب أن تكون باللغة العربية عند القدرة تأسيا واتباعا بالرسول – صلى الله عليه وسلم – ومن بعده من السلف الصالح، وأما موعظة الناس والوصية فيختار لها الخطيب اللغة التي يفهمها القوم. سادسا: ترجح لدى القول بمشروعية تحية المسجد للداخل أثناء الخطبة، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، خلافا للحنفية والمالكية، وذلك لظهور الأدلة القاضية بتحية المسجد، لاسيما الزيادة الصحيحة عند مسلم من رواية جابر بن عبد الله أنه قال: (إن النبي – صلى الله عليه وسلم – خطب فقال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام، فليصل ركعتين). سابعا: أن العدد المعين غير شرط في جماعة الجمعة، لأنه لم يثبت في شيء من الأحاديث تعيين عدد مخصوص، كما قال السيوطي، فالمشروط هو مطلق الجماعة؛ للإجماع، ولحديث طارق بن شهاب عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة .. ) الخ. وأقل الجماعة اثنان أحدهما الإمام في سائر الصلوات، ولا فرق بين جماعة الجمعة وغيرها، قال السيوطي: ودليل هذا القول قوي لا ينقضه إلا نص صريح، وهو شيء لا سبيل إليه. ثامنا: إن تعدد الجمع في بلد واحد جائز، إلا أن الأولى أن يختصر التعدد على الحاجة ولا يكون تابعا لهوى الناس؛ ذلك لأن جماعة الجمعة مهما تكبر وتزيد فهي أقرب إلى تحقيق حكمة مشروعية صلاة الجمعة؛ هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة التي لو عني بها لكانت سببا في إنقاذ الأمة لاسيما شبابها من السقوط في هاوية المبادئ الهدامة من الشيوعية والقومية والعلمانية وغيرها.

تاسعا: القول بصلاة أربع ركعات بعد الجمعة للاحتياط – الذي قال به متأخرو فقهاء الشافعية والحنفية – لا أصل له، بل هو من باب البدع المحدثات في الدين، نسأل الله الاستقامة على الحق وعلى هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – آمين. عاشرا: المصر الجامع غير شرط لصحة صلاة الجمعة خلافا للحنفية، بل تصح إقامتها في القرى، إلا أن الأولى والأنسب بروح هذه الشعيرة أن تقام في أكبر مساجد القرية الذي يسعهم جميعا، وهو القول المختار عند الحنفية، باعتبار تعريف المصر الجامع بموضوع إذا اجتمع أهله، في أكبر مساجدهم لم يسعهم. الحادي عشر: أن الأذان الثالث – الذي يرفع قبل صعود الإمام المنبر يوم الجمعة – من سنة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولم يكن في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر وعمر، وقد أمر به عثمان على الزوراء حين كثر الناس، فوافقه الصحابة بالسكوت وعدم الإنكار، فأصبح أذان عثمان للإعلام، والأذان الثاني – الذي يرفع عند صعود الإمام المنبر – للإنصات، كما قال الحافظ في الفتح. فأمر عثمان بذلك كان ناشئا عن حاجة إليه، وما دامت تلك الحاجة قائمة، فالأذان الثالث سنة، وبانتفائها تنتفى سنيته، والذي يلاحظ هو أن تلك الحاجة منتفية في بعض كبار المساجد في هذا العصر، لكن القائمين بها مازالوا متمسكين بأذان عثمان، فما أدري ما هو المبرر لهم مع العلم بأن أذانهم الأول لا تفصله عن الأذان الثاني إلا دقائق معدودة لا تتسع ولا لصلاة ركعتين. الثاني عشر: إذا اجتمع يوم الجمعة بيوم العيد تسقط صلاة الجمعة عمن صلى العيد مع الجماعة، سواء كان من أهل البلد أو ضواحيه في الراجح. الثالث عشر: اتضح لي من خلال عرض ودراسة الأقوال حول السنة قبل الجمعة، أنه لا سنة قبلها غير تحية المسجد للداخل؛ ذلك لأن السنة – كما هو معلوم – ما ثبت بقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – أو فعله، ولم يصح في السنة قبل الجمعة شيء من ذلك. الرابع عشر: أن الغسل يوم الجمعة مستحب عند الجمهور وهو أقرب إلى روح التشريع، إلا عند وجود رائحة كريهة. الخامس عشر: يوم الجمعة يمتاز بخصائص عظيمة عن غيره من أيام الأسبوع، ومن أعظم تلك الخصائص ساعة الإجابة فيه، حيث قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: (إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل فيها خيرا إلا أعطاه إياه، قال: وهي ساعة خفيفة). الحديث رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة. وتلك الساعة باقية – في الراجح – إلى يوم القيامة وتكون في كل جمعة، ووقتها في اليوم من حين صعود الإمام إلى فراغ الصلاة؛ لما صح من حديث مسلم عن أبي موسى في ذلك، وآخر ساعة بعد العصر لحديث عبد الله بن سلام وقد صححه العلماء، هذا إذا قلنا بالتنقل، وأما إن نفينا تنقلها في اليوم، فهي آخر ساعة بعد العصر في الراجح عند العلماء. وبعد هذا العرض الموجز – للقول الراجح في أهم نقاط الخلاف الذي يدور بين العلماء حول صلاة الجمعة وأحكامها – أتضرع إلى الله عز وجل أن يعفو عني زلاتي، وما لم يحالفني فيه الصواب، وأن يقبل عني هذا الجهد المتواضع قبولا حسنا وأن يريني الحق حقا ويرزقني اتباعه، والباطل باطلا ويرزقني اجتنابه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. آمين.

فقه الاعتكاف؟

فقه الاعتكاف؟ ¤خالد بن علي المشيقح£بدون¥دار أصداء المجتمع – القصيم¨بدون¢بدون€فقه¶اعتكاف الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، وأحمد الله أولاً وآخراً، وأشكره تعالى على من به من التوفيق في البدء والختام، وأصلي وأسلم على من بعثه الله رحمة للعالمين، وبعد: فلا يخفى أن كل باحث لابد أن يظهر له من خلال بحثه ثمار ونتائج، وإني خلال معايشتي لبحث الاعتكاف خرجت منه بنتائج، خرجت منها بهذه الضوابط: الضابط الأول: عناية الشارع الحكيم بأمر القلب؛ إذ مدار العمل عليه. الضابط الثاني: أن الاعتكاف شرعاً: (لزوم مسجد لعبادة الله عز وجل). الضابط الثالث: أن حكمته: (صلاح القلب واستقامته). الضابط الرابع: مشروعية الاعتكاف مطلقاً في رمضان وغيره، وفي العشر وغيرها. الضابط الخامس: أن أقله يوم، ولا حد لأكثره. الضابط السادس: أنه يتأكد اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، وأن زمن دخول المعتكف من غروب شمس أول ليلة منها. الضابط السابع: شرط صحة الاعتكاف أهلية المعتكف للعبادة والمسجد، مع إذن السيد للرقيق، والزوج للزوجة. الضابط الثامن: ما أقيمت فيه الجماعة من المساجد شرع الاعتكاف فيه لمن تجب عليه الجماعة. الضابط التاسع: من لا تجب عليه الجماعة يشرع له في كل مسجد سوى مسجد البيت. الضابط العاشر: كل ما اتصل بالمسجد ودخل في مسماه صح الاعتكاف فيه. الضابط الحادي عشر: يستحب الاعتكاف في المساجد الثلاثة، ثم ما كان أكثر جماعة، ثم ما لا يخل بركن الاعتكاف ومقصوده. الضابط الثاني عشر: ركن الاعتكاف: اللبث في المسجد. الضابط الثالث عشر: الخروج من المسجد بلا عذر بجميع البدن مبطل للاعتكاف. الضابط الرابع عشر: الخروج لعذر معتاد شرعاً أو طابعاً أو لعذر غير معتاد لا يبطل الاعتكاف. الضابط الخامس عشر: صحة الشرط في الاعتكاف سواء كان عاماً أو خاصاً بشرط عدم منافاته لأمر المسجد، أو الاعتكاف. الضابط السادس عشر: فائدة الاشتراط في العذر المعتاد عدم بطلان الاعتكاف التطوع، وسقوط القضاء في الاعتكاف الواجب. الضابط السابع عشر: يبطل الاعتكاف بالجماع ومقدماته، وبإنزال المني باستمناء أو تكرير نظر، وبالردة والسكر. الضابط الثامن عشر: لا يبطل الاعتكاف بطروء الحيض، أو النفاس، أو الجنون، والإغماء. الضابط التاسع عشر: يشرع للمعتكف سائر العبادات، وينهى عن كل ما يخل بالاعتكاف وحكمته. الضابط العشرون: يباح للمعتكف ما يحتاجه عادة كالأكل في المسجد ونحوه، وأخذ الزينة في البدن والثوب، ونحو ذلك، ما لم يلوث المسجد. الضابط الحادي والعشرون: يباح للمعتكف من العقود ما لا ينافي المسجد. الضابط الثاني والعشرون: للمعتكف فعل قربة خارج المسجد بلا شرط إذا كان في طريقه. الضابط الثالث والعشرون: ينهى المعتكف عن كل ما يؤدي إلى إبطال الاعتكاف، أو يخل بمقصوده. الضابط الرابع والعشرون: ينهى المعتكف عن كل ما ينافي المسجد من عقد معاوضة، أو حدث ونحو ذلك. الضابط الخامس والعشرون: يتقيد الاعتكاف المنذور بما قيد به من صفة شرعية، أو مكان له ميزة شرعية. الضابط السادس والعشرون: إذا قيد الناذر اعتكافه بزمن رجع إلى تحديده لغة ما لم يكن نية أو شرط. الضابط السابع والعشرون: يستحب قضاء الاعتكاف المسنون إذا بطل. الضابط الثامن والعشرون: يجب قضاء الاعتكاف الواجب إذا أبطله المعتكف بصفته مع وجوب كفارة إذا كان معيناً. الضابط التاسع والعشرون: يستحب قضاء الاعتكاف الواجب عن الميت.

فقه الشورى دراسة تأصيلية نقدية

فقه الشورى دراسة تأصيلية نقدية ¤علي بن سعيد الغامدي£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1422هـ€فقه¶شورى وديمقراطية الخاتمة أهم النتائج التي توصل إليها البحث: 1 - الشورى ضرورة بشرية وضرورة شرعية. 2 - لأهمية الشورى ذكرها الله في العهد المكي بين الصلاة والزكاة. 3 - كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثير المشاورة لأصحابه وكذلك كان خلفاؤه من بعده. 4 - من علامات المجتمع الناجح الأخذ بالمشاورة، ومن علامات الفشل ترك المشاورة. 5 - من علامات المجتمع الناجح الأخذ بالمشاورة، ومن علامات الفشل ترك المشاورة. 6 - بعد استعراض اتجاهات أهل العلم تبين لي أن الشورى واجبة وأن من تركها يأثم ويستحق أن يعزل إن كان والياً. 7 - الشورى في الإسلام تدخل جميع المجالات مما يحتاج إلى إعمال الفكر وإبداء الرأي. 8 - حفلت السنة المطهرة بنماذج عظيمة من الشورى متنوعة، منها ما يتعلق بأمور الدعوة ومنها ما يتعلق بالحرب، ومنها ما يتعلق بالحياة السياسية، ومنها ما يتعلق بالحياة الاجتماعية، ومنها ما يتعلق بأمور الاقتصاد والجوانب المالية والإدارية، وغير ذلك ما دخلته الشورى وجرت فيه، وقد اشتمل البحث على نماذج متنوعة تثبت صدق ما نقول. 9 - أعضاء الشورى نواب عن الأمة فلهم مدخل في وضع الأنظمة لما يستجد في إطار الشريعة الإسلامية، كم لهم مدخل في الرقابة على سير العمل، ولهم حق المشاركة في تبعات الحكم، وإلا تصبح الشورى عديمة الجدوى، وقد اشتمل البحث على إثبات هذه الدعوى وذكر لها نماذج متنوعة. 10 - الذي توصل إليه البحث بأن الشورى ملزمة في الجملة وليست معملة، وفي حال الاختلاف وبعد التوكل على الله واختيار أحد الآراء لم يخرج الأمر عن الإلزام بما توصل إليه المتشاورون، واختيار الحاكم يرفع الخلاف كما هو متقرر في أصول الفقه. 11 - أتخذ أسلوب إجراء الشورى صوراً متنوعة وذلك حسب أهمية الموضوع وحسب سعة الزمن وضيقه، وفي ذلك سعة على الأمة بعدم حصرها في قالب محدد بحيث لا تجري إلا في إطاره. 12 - على ضوء ما تقدم فلم يكن للرسول صلى الله عليه وآله وسلم مجلس خاص بالشورى ولكن له خلصاء يختلط بهم ما لا يختلط بغيرهم كذلك أبو بكر وعمر، فكان القراء أهل مشورته كهولاً أو شباناً. والمهم وجود الشورى في كل ما تحتاجه الأمة، ولا يمنع مانع إذا دعت الحاجة إلى أن يكون هناك مجلس شورى نظراً لكثرة الناس وللحاجة إلى أن يعمل فيما يخصه ولمجلس الشورى أن يستشير وأن يستعين بكل خبرة من خبرات أفراد المجتمع. 13 - لا تنمو الشورى إلا في مجتمع إيماني له خصائصه التي تميزه عن غيره. 14 - هناك فوائد عظيمة أثمرها الأخذ بمبدأ الشورى، منها إصابة الحق وقلة الخطأ وكسب الثقة بين الحاكم والمحكوم وتفجير الطاقات الكامنة في الأمة وتضييق هوة الخلاف، وتوحيد الصف. 15 - وهناك سلبيات نشأت من ابتعاد الأمة عن الأخذ بمبدأ الشورى أدت إلى اعتساف الأمور، وفقدان الثقة بين كل من الراعي والرعية وتنافر القلوب، وسيادة الاستبداد وإعجاب كل ذي رأي برأيه. 16 - النظام الديمقراطي نظام كفري لا يجوز ممارسته في بلاد المسلمين ولا الدخول مع الديمقراطيين ولا التلاقي معهم، ومن ظن من الدعاة أن الدخول في البرلمانات وأروقة الديمقراطيين يحقق مصلحة للمسلمين أو يدفع عنهم مفسدة، فهو إما جاهل وإما مكابر والتجربة أكبر برهان، وقد جربت الأمة الإسلامية سائر الأنظمة فلم يكن يصلح لها إلا الإسلام، والشورى من أعظم مبادئه ولها ضوابطها وشروطها وتكييفها المستقل الذي لا يمكن أن يلتقي مع نظام كفري بحال من الأحوال. فلا النظام الديمقراطي ولا النظام الدكتاتوري الاستبدادي، وإنما الدين عند الله الإسلام، وهو نظام متكامل فيه كل ما تحتاجه البشرية {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ}. {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}.

فقه الطفولة - أحكام النفس دراسة مقارنة

فقه الطفولة - أحكام النفس دراسة مقارنة ¤باسل محمود الحافي£بدون¥النوادر – سوريا¨الأولى¢1429هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة والتوصيات: أولا: الخاتمة ونتائج البحث: وفي ختام البحث أقول هذا ما استطعت أن أجمعه من أحكام، وفوائد تتعلق بمرحلة الطفولة من الولادة إلى البلوغ، فإن أصبت فمن الله تعالى وبفضل منه، وإن أخطأت في شيء فمن نفسي ومن الشيطان وأستغفر الله على ذلك، وأسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت لجمع ما هو نافع ومفيد لي ولأمتي، نه سميع قريب مجيب. وبعد: فهذا بيان لأهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث أذكرها ملخصة فيما يلي: 1 - يطلق على الإنسان في مرحلة الطفولة عدة تسميات منها: أ- الطفل: وهو يطلق عند بعض العلماء على من كان دون سن التمييز، ولم يطلع على عورات النساء، ويطلق بعض العلماء هذا الاسم على كل المرحلة، أي: من الولادة حتى البلوغ. ب- الصبي: ويطلقه أهل العلم تغليبا ليشمل الذكر والأنثى. ج- الغلام: وإن كان هذا الاسم من حيث الاشتقاق اللغوي يشير إلى مرحلة تحرك الشهوة الجنسية، فهو مرادف لتسمية المراهقة، ولكنهم يطلقونه على مرحلة الطفولة بأكملها. د- المراهقة: وهي مقاربة الحلم أو البلوغ، وقد اختلفت أقوال العلماء في تحديد سن ذلك، وتقديراتهم تتراوح ما بين سن العاشرة إلى الثالثة عشرة، والخلاف فيما يظهر راجع إلى اختلاف طبيعة البلاد، وطبيعة الأجسام، لأن ذلك ما يتفاوت فيه الناس بسبب اختلاف طبيعة أجسادهم وطبيعة بلادهم شأنه في ذلك شأن البلوغ. 2 - يثبت للطفل عند الحنفية في مرحلة ما قبل التمييز (وهي سن ما قبل السابعة على رأي جمهور الفقهاء) – ذمة صالحة لثبوت الحقوق والالتزامات له وعليه، وهذا ما اعتمده القانون، ويسمي الشافعية والحنبلية ذلك (أهلية ثبوت الأحكام في الذمة). 3 - يثبت للصغير في سن التمييز عند الحنفية أهلية أداء ناقصة، وتتفرع هذه الأهلية إلى فرعين: - الأول: أهلية التعبد: حيث يصير الصغير أهلا للتعبد، فيصح ما يفعله من عبادات ولكنها تقع نفلا بالاتفاق، كما يصح إسلامه على الرأي الراجح من أقوال أهل العلم. - الثاني: أهلية الأداء المدنية: حيث تصح منه بعض التصرفات، وهي التصرفات النافعة نفعا محضا، وكذا تصح منه التصرفات المترددة بين النفع والضرر بإذن وإشراف الولي، أو من يقوم مقامه، وهذا ما وافق به المالكية، والحنبلية الحنفية، مع خلاف في بعض الشروط والضوابط كما سبق بيانه في البحث. 4 - لقد رغب الشرع في إنجاب الأولاد، وتكثير النسل المسلم، وجعل ذلك فضيلة من أعظم الفضائل التي تكسب صاحبها الأجر العظيم فيما لو أحسن تربية هؤلاء الأولاد والتعامل معهم. 5 - رغب الشرع في جملة من الأفعال يسن (أو يجب) معاملة الصغير بها بعد ولادته هي: أ- الأذان في أذنه اليمنى، وزاد بعض أهل العلم الإقامة في اليسرى، وقراءة سورة الإخلاص وبعض الآيات الأخرى. ب- تحنيك الولد برطب، أو تمر، أو أي شيء حلو. ج- حلق شعر الذكر والتصدق بزنته ذهبا أو فضة، وكذا شعر الأنثى عند جماعة من أهل العلم. د- تسمية الولد باسم طيب جميل في سابعه لمن أراد أن يعق عنه، وإلا فله التسمية من يوم الولادة. هـ- العقيقة يوم سابعه، وهي شاة عن الجارية، وشاتان عن الغلام على الراجح من أقوال أهل العلم، وتتأتى السنة بشاة عن الغلام. خ- الختان: وهو واجب في حق الذكر على الراجح من أقوال العلماء، ويحصل الوجوب بالبلوغ، ويستحب في اليوم السابع إن أطاقه، وإلا أخر حتى يطيق الختان.

والختان مستحب في حق الأنثى على الراجح، ويقتصر في حقها على القدر المسنون، وهو قطع أقل وأدنى جزء من الجلدة التي هي فوق مخرج الإيلاج ولا يزاد على ذلك، وينبغي أن يتم ذلك بيد مختص خبير بذلك. 6 - يجوز استعمال الرقى، والتعويذات كشكل من أشكال العلاج المعنوي للصغير، ولكن بشروط، وضوابط تم بيانها في البحث. 7 - الصغير جدا لا عورة له عند الجمهور، وتتغلط عورة الصبي بدءا من العاشرة وعورة الجارية بدءا من التاسعة فتصبح عورتها كعورة الكبير. 8 - بول الصبي الذكر الذي لم يطعم إلا اللبن نجس نجاسة مخففة فيكفي في تطهيره النضح والتعميم بالماء على الراجح من أقوال أهل العلم، بل قال المالكية يعفى عنه إذا أصاب ثوب الأم أو المرضع بشرط أن تكون قد اجتهدت في درئه عن نفسها. 9 - يحرم (أو يكره تحريما) إلباس الصبي الذكر شيئا من الذهب أو الحرير الطبيعي لغير حاجة ضرورية، على الراجح من أقوال أهل العلم. 10 - قيء الصغير نجس عند الجمهور وهذا مشروط بأن يكون ملء الفم عند الحنفية، وأن لا يكون قد تغير إلى حموضة عند المالكية. 11 - يجوز حمل الصغير أثناء الصلاة بشرط الأمن من التنجيس، وعدم الإكثار من الحركة، كما يجوز إرضاعه في الصلاة عند الحاجة بشرط عدم كثرة الحركة، وعدم كشف العورة، وعدم خلو جزء من الصلاة عن قراءة أو ذكر. 12 - أثبت شرع الله – عز وجل – للولد جملة من الحقوق يجب مراعاتها وهي: أ- حق الحياة، فلا يجوز الاعتداء على حياته، ولو كان كافرا. ب- حق النسب: وهو أثر من آثار الجماع في عقد الزواج صحيحاً كان أم فاسدا، وكذا يلحق به وطء الشبهة لا الزنا. ج- حق الرضاعة والتغذية السليمة، وتأمين ذلك واجب على الولي، ويجب على الأم إرضاع ولدها عند الجمهور، وخص بعضهم ذلك باللبأ وهو اللبن النازل في الأيام الأولى التي تلي الولادة. د- حق الإشراف التربوي (الحضانة، والولاية). هـ- حقه في الاسم الجميل. وحقه في العقيقة. ز- حقه في الختان، والنظافة. 13 - من سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام، غمر الأولاد بالرأفة، والرحمة، وحملهم، وتقبيلهم، ومسح رؤوسهم، والسلام عليهم، ومداعبتهم وممازحتهم وملاعبتهم. 14 - اتخاذ الأسباب اللازمة للحفاظ على حياة الصغار، والعناية بصحتهم داخلة ضمن واجبات ومهمات الولي، أو من يقوم مقامه، ويلزمه عواقب وتبعات التقصير في ذلك. 15 - من الأساليب الناجحة التي ينبغي على المربي أن يتبعها أسلوب التعزيز بنوعيه الإيجابي، والسلبي. أي: أسلوب الثواب والعقاب، وهو أسلوب ومنهج القرآن التربوي. 16 - يجوز ضرب الصغير بقصد التأديب، حيث لم تجد أساليب العقاب الأخف، ولكن لذلك شروط: أ- عدم الضرب قبل سن العاشرة. ب- أن لا تزيد عدد الضربات على الثلاث أو العشر على خلاف بين أهل العلم في ذلك. ج- أن لا يكون الضرب مؤذيا، أو مبرحا إذ القصد هو التأديب لا الإيذاء. د- أن تكون الأداة المستخدمة غير مؤذية. هـ- أن لا يضرب المؤدب وهو غضبان. واجتناب الضرب على الوجه، والمناطق المؤذية. 17 - يجوز استئجار المعلمين لتعليم العلوم الشرعية وغيرها على المعتمد الراجح عند أهل العلم، وبشروط وضوابط مذكورة في موضعها. 18 - حتى ينجح المعلم أو المؤدب في عمله ينبغي أن يتحلى لصفات أهمها: التقوى، والإخلاص، والصبر، والتمكن من مادته العلمية، والرحمة، ومراعاة الفروق الفردية، واستخدام أساليب ووسائل التدريس المناسبة .. 19 - ليس الصغير أهلا لإيقاع العقوبات الجنائية (الحدود والقصاص) به، ولكنه أهل للعقوبات التأديبية، أو التعزيرية، ومنها الحبس، مع مراعاة الشروط الصحية والاجتماعية المناسبة التي تضمن تحقيق الغاية المرجوة من الحبس وهي التأديب.

20 - يصح الإسلام من الصغير المميز إذا أقر ونطق بالشهادتين على الراجح من أقوال الفقهاء، كما يحكم بإسلام المميز وغير المميز تبعا لوالديه أو أحدهما أو أحد أصوله، أو تبعا لصاحب اليد عليه، أو تبعا لدار الإسلام، بشروط وضوابط ذكرت في موضعها. 21 - تصح عبادات الصغير المميز (البدنية) لو أداها، ويثاب عليها (وتقع نفلا بالاتفاق)، وكذا يجوز للولي أن يحج عن غير المميز ويفعل عنه مناسك الحج غير أنه يحضره المشاهد، وأما المميز فيفعل ما يستطيع فعله، وما يعجز عنه يفعله عنه وليه، وينبغي أن يعلم الصغير شروط وضوابط العبادة حتى لا يفسدها. 22 - يصح أذان الصبي المميز الذي يضبط ألفاظ الأذان، ويجزأ أذانه على الراجح، ولكن البالغ أولى منه، والأفضل أن يعتمد في ضبط الوقت على بالغ، أو يكون أذان الصغير تبعا لغيره من مساجد المصر. 23 - يسقط فرض الكفاية بفعل الصغير المميز، إلا ما يشترط في صحته البلوغ كصلاة الجماعة، وإعمار الكعبة في كل عام بالحج والعمرة. 24 - تصح إمامه الصبي المميز لمثله، لأنه اقتداء متنفل بمتنفل. كما تصح إمامته للبالغين حيث كان هو أحفظهم، وأقرأهم للقرآن، على الراجح من أقوال أهل العلم. 25 - الصغير المميز العاقل يعد أهلا لتحمل الحديث بالاتفاق، لكن لا تقبل روايته لما تحمله حال صغره حتى يبلغ. 26 - يجوز للولي تزويج الصغير، والصغيرة البكر باتفاق المذاهب الأربعة، وفي غير البكر خلاف. وهذا مقيد بالكفاءة ومهر المثل عند أهل العلم، ولكن لا تسلم الزوجة لزوجها حتى تبلغ، أو تطيق الجماع،، وخالف القانون فلم يجز نكاحهما. 27 - لا يصح طلاق الصبي وخلعه عند جمهور أهل العلم، وكذا لم يجز القانون إلا طلاق من بلغ ثمانية عشر عاما. 28 - تجب العدة على زوجة الصبي لأنها من الأحكام التعبدية، وخالف المالكية في عدة الطلاق فلم يوجبوا عدة الطلاق على زوجة الصغير. وكذلك تلزم الصغيرة بالعدة إذا طلقت، أو توفي زوجها، والراجح اعتبار الأشهر في حساب العدة، كما يلزمها الإحداد مع عدة الوفاة على الراجح. 29 - لا تصح شهادة الصبي أمام القضاء، ولا تعد بينة صحيحة يحكم بها على الراجح، ويمكن أن تعد قرينة من قرائن الأحوال التي يستأنس بها في التحقيق والمحاكمة، وبه أخذ القانون مع تحديد سن قبول الشهادة بخمس عشرة سنة. 30 - لا يصح يمين الصغير المميز، وأجاز الحنفية يمين المميز المأذون بالتجارة في الأمور التي هي من لوازم التجارة. ثانيا: التوصيات والمقترحات: يقترح الباحث ما يلي: 1 - زيادة اهتمام العلماء، وطلاب العلم الشرعي بدراسة الجوانب المشرقة للتربية الإسلامية بشكل عام وتربية الصغار بشكل خاص والتعمق فيها بغية إظهار القاعدة الشرعية العامة لهذه التربية، التي ارتضاها الله عز وجل لعباده، والمستمدة من كتاب الله – تعالى – وسنة وسيرة نبيه العطرة، والتي نثر العلماء والفقهاء كثيرا منها في كتبهم، وكأن لسان حالهم يقول: اجمعوا ما كتبنا بِلُغَةِ عصرنا، وَخَرِّجوا وابنوا عليه من الأحكام والفوائد التي تتلاءم مع لغة ومتقضيات عصركم. 2 - توجيه اهتمام طلاب العلم إلى هذه الناحية المهمة في حياة المسلمين اليوم، لكتابة البحوث والدراسات الشرعية التربوية التي تفيد هذه الأمة. 3 - فتح اختصاص لدراسة النظم الاجتماعية، والنظريات التربوية، ليكون أحد أقسام الدراسات العليا في كلية الشريعة الغراء. 4 - مد جسور التعاون بين علماء المسلمين في جميع البلاد الإسلامية، وعقد المؤتمرات والندوات، من أجل مناقشة الطرق المثلى لإظهار المبادئ التربوية الإسلامية وصياغتها على شكل مناهج تربوية، وقواعد، وقوانين ليستفيد منها جميع المسلمين. 5 - مد جسور التعاون بين كلية الشريعة وكلية التربية، من أجل كتابة البحوث والدراسات، وخصوصا على مستوى الدراسات العليا، ليكون ذلك قاعدة لتخطيط وتأليف كتب ومناهج تربوية مستمدة من شريعتنا والمبادئ والقواعد العلمية التي وضعها علماء هذه الأمة، بدلا من استيراد مناهج وعلوما تربوية جاهزة من الغرب وتدريسها لإخوتنا وأبناءنا. 6 - وضع قانون خاص بمرحلة الطفولة مستمد من الشريعة الإسلامية يهتم بأحكام الأطفال، والطريقة المثلى للتعامل معهم.

قصر الصلاة للمغتربين

قصر الصلاة للمغتربين ¤إبراهيم بن محمد الصبيحي£بدون¥بدون¨الأولى¢1415هـ€فقه¶صلاة - سفر ومسافر الخاتمة من خلال الدراسة السابقة توصلت بعون الله إلى فوائد مهمة، من أبرزها ما يلي: 1 - إن الآيات الواردة بشأن قصر الصلاة، وإتمامها قد دلت بمنطوقها ومفهومها على مشروعية القصر لمن كان ضارباً في الأرض، ووجوب الإتمام لمن كان مطمئناً قد انقطع سفره. 2 - دلت السنة على مشروعية القصر، والفطر لما كان مسافراً، وعلى وجوب الإتمام على من انقطع سفره. 3 - إن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وفي تبوك كانت غير مقصودة لذاتها، بل إن متطلبات الجهاد دعت إليها، ولذا فهي في حكم السفر، فيشرع القصر لمن كانت حاله كحال رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4 - إن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كانت مقصودة لذاتها لا لمجرد إنجاز عمل أثناءها. 5 - إن مذهب ابن عمر وكذا ابن عباس وجوب الإتمام لمن قصد الإقامة. 6 - عدم صحة القول بمشروعية قصر الصلاة لمن أقام إقامة غير دائمة. 7 - عدم صحة القول بأن القياس دل على أن للمقيم غير المستوطن القصر والفطر. وكذا عدم صحة القول بأن النظر يقتضي ذلك. 8 - إن القياس الصحيح، والنظر السليم قد دلا على انقطاع السفر لمن قصد الإقامة. 9 - إن من قصد إقامة أكثر من ثلاثة أيام ما عدا يومي الدخول والخروج فقد انقطع سفره. أما من كانت إقامته ثلاثة فأقل فإنه يقصر، ولا يحسب في هذا يومي الدخول والخروج. 10 - مخالفة مذهب ابن القيم لمذهب شيخه شيخ الإسلام. 11 - إن من كانت إقامته غير مقصودة، وذلك أن تقتضيها الظروف المحيطة بالمسافر فإنه يعتبر مسافراً وإن طالت المدة. والله أعلم. هذا ما يسر الله تحريره والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى من تمسك بسنته إلى يوم الدين.

قضاء العبادات والنيابة فيها

قضاء العبادات والنيابة فيها ¤نوح علي سلمان£بدون¥مكتبة الرسالة الحديثة¨الأولى¢بدون€فقه¶نيابة في العبادة الخاتمة بعد أن وصلنا إلى نهاية المطاف في هذا البحث، أشير إلى بعض الأمور التي لاحظتها خلال إعدادي لهذه الرسالة، سواء ما يتعلق بجوهر الموضوع، أو بما له به علاقة: (1) أن الفقهاء منهم من يرى الواجبات الشرعية أعمالا معينة لها أركانها وشروطها التي لا تنفصل عنها ولا تتصور بدونها، وهذه الأعمال واجبة في ذمة المكلف يجب أن تؤدى كاملة أن عاجلا بالأداء، أو آجلا بالقضاء، بينما يرى فقهاء آخرون أنها وظيفة الوقت تؤدى بالممكن من شروطها وأركانها وتسقط بهذا المطالبة عن المكلف، وهذا سبب خلافهم في وجوب القضاء في كثير من المسائل التي تتعلق بالأعذار. (2) أما إذا لم يكن عذر فالمذاهب الأربعة ترى أن الواجبات تثبت في الذمة كاملة ولابد من إبرائها من هذه الواجبات بالأداء أو القضاء. (3) كل الفقهاء يرون أن النيابة في العبادات واردة على غير القياس، فالأصل أن يقوم بالعبادة من كلف بها، ولهذا فهم يقفون عند النص في أمر جوازها، بل بعضهم يحاول تأويل النص بما يلائم الأصل، وقد بينت أن النصوص هي الأصول ويجب فهمها على وجه لا تعارض فيه وذلك بتخصيص العام بالخاص وتقييد المطلق بالمقيد، كما هو مقرر في علم الأصول. (4) كل مذهب من المذاهب الأربعة – كما أشرت في المقدمة – ليس اجتهاد شخص واحد بل مجموعة من العلماء في عصور متعاقبة، اشتركوا في تنقيح المذهب، والتفريع على أصوله، ومعالجة ما جد على ضوء قواعده، وقد تفننوا في طرق تأليف كتبه وترتيب مسائله، ومع ذلك ظلوا ينتسبون إلى إمام المذهب، ويرون أنهم حسنة من حسناته، ولذا فقولنا: مذهب الحنفية، أو المالكية، أو الشافعية، أو الحنابلة، أدق من قولنا: مذهب أبي حنيفة، أو مالك، أو الشافعي، أو أحمد، لأن المذاهب تطورت من بعدهم، وإن كانت تتفاوت في مدى إمكان مخالفتها لقول الإمام، فالشافعية – مثلا – يرون أن قول الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي إجازة منه بأن ينسبوا إلى مذهبه كل ما أفاده الحديث الصحيح، سواء كان في مسألة لم يقل بها، أو في مسألة قال بها ثم صح الحديث بخلاف قوله، وعندئذ يكون ما ثبت بالحديث هو القول الآخر الراجح له، ومن هنا فالذين يدعون التجديد لو ساروا فيه على نهج علماء المذاهب لرزقوا القبول سيما وهم لم يأتوا بجديد، بل تبنوا أقوال بعض السابقين، وكان أسلوب عرضهم لآرائهم مصحوبا بحملة على علماء المذاهب، فحرموا التوفيق وجرءوا الجهلة على أئمة الإسلام، تحت شعار: هم رجال ونحن رجال، مع أن القضية قضية علم واختصاص، لا ذكورة وأنوثة، فإني يؤفكون. (5) أن من يتصور إمكانية إزالة الخلاف في كل المسائل الفقهية، ليس لديه تصور تام للخلاف وأسبابه، فليس لدينا حديث صحيح في كل مسألة، والاختلاف في فهم النصوص من طبيعة البشر، ثم أن الخلاف في أمور فرعية ووجوده من علامات الصحة في التفكير، والحرية في الرأي، ضمن حدود قواعد العلم. فلا ينبغي أن نضيق ذرعا بالخلاف وقد وقع في خير القرون، وعلى طالب العلم أن يعيد النظر في المسائل ليختار، بعد أن يكون مؤهلاً. (6) أن كتب الفقه الإسلامي تحتاج إلى خدمة جليلة وملحة وهي إعداد فهارس علمية لمسائلها، فهي لا تتفق في ترتيب المسائل ولا تتساوى في استيعابها، ثم المطبوع منها – فضلا عن المخطوط – يصعب على غير المتمرس استخراج ما فيه بسرعة، ولو عملت فهارس دقيقة لوفرت الوقت على الباحثين. وأني أتمنى على المؤسسات العلمية أن تعهد إلى الباحثين بذلك وتمنحهم عليه الدرجات العلمية، فلو أعد طالب فهرساً دقيقا لأحد المراجع الفقهية لاستفاد علميا وأفاد أكثر مما لو أعد رسالة في موضوع لأنه سيطلع على جميع المسائل ثم يكون عمله نورا للباحثين، ولو تبنت إحدى كليات الشريعة هذا المشروع لأخرجت خلال سنوات مجموعة من الفهارس تكون مفخرة من مفاخرها يعم نفعها المسلمين. وختاما فهذه ثمرة جهدي، فإن وفقت فبفضل الله تعالى ورحمته، وإن أخطأت أو قصرت فأسأل الله أن يتجاوز عني، ويرزقني من يسددني، وأدعو الله أن ينفعني بما علمني، أو يعلمني ما ينفعني، وأن يزيدني علما، وأن يغفر لي ولوالدي، ولمشايخي، وأساتذتي، ولأصحاب الحقوق علي، وللمؤمنين والمؤمنات. وأن يجزي عنا جميعا سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ما هو أهله وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

قضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية

قضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية ¤مادون رشيد£بدون¥دار طيبة - الرياض¨الأولى¢1419هـ€فقه¶سبق ولهو الخاتمة وتشتمل على أهم نتائج البحث وهي كالآتي: 1 - إن العواقب الوخيمة لوقت الفراغ في حياة المسلمين أخطر من نظيرتها في المجتمعات الغربية، بالنظر إلى موقع الأمة المهزوز سياسياً واقتصادياً في عقد المنظومة الدولية العالمية. 2 – إن ظاهرة تناول المخدرات لدليل قاطع على مدى خطورة نتائج غياب التخطيط الحكيم والمسؤول لوقت الفراغ في مجتمعاتنا التي ترفع شعار الإسلام وتنادي به ديناً وعقيدة. 3 – من نتائج اهتمامات العالم الغربي الجادة بوقت الفراغ ظهور علم اجتماع الفراغ الذي يعني بالأوقات الحرة للإنسان وكيفية التعامل معها ... 4 – إن العمر الإنساني ليس ملكاً للإنسان، وإنما هو ملك لله استخلف فيه الإنسان ليوظفه في النهج الذي أمر به وربطه بسر وجود هذا الكون. 5 – الإسلام يقوِّم عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا بأنه أسمى وأغلى من أن تضيع فقراته بين لهو عابث سخيف لا قيمة له، ولعب باطل لا يأتي من ورائه بمنفعة دنيوية طيبة ولا أخروية نبيلة. 6 – الإسلام يرفض المفاهيم الغربية لوقت الفراغ التي تقر للإنسان بملكية حقيقية لعمره؛ وبالتالي تمنحه حق تصريفه حسب رغبته وهواه. 7 – وقت الفراغ في المنظور الإسلامي هو الوقت الذي ينتهي فيه العبد من عمل الواجبات ويستعد فيه لمزاولة ما يختاره من ألوان المندوبات. 8 - حرص الإسلام على شغل أوقات الفراغ بالعمل النافع المثمر، الذي يعين الإنسان على الطريق إلى الله منذ استيقاظه إلى منامه. 9 - اللهو واللعب في سياقات القرآن والسنة يتردد معناهما بين العبث وغير الجد من جهة والأعمال التي تترتب عليها فوائد ومقاصد معتبرة – وإن كانت في صورتها وشكلها من المعنى الأول – من جهة أخرى، والذي يحدد المعنى المراد منهما القرائن الواردة في السياق المذكورين فيه. 10 - الترفيه والترويح يراد بهما لغة: (إدخال السرور على النفس والتنفيس عنها وتجديد نشاطها). 11 - حرصت القوى المناهضة للأمة الإسلامية على توظيف اللهو والترفيه في اتجاه تكريس هيمنتها وقطع الطريق على الصحوة الإسلامية في سعيها الحثيث لإنقاذ الشباب من براثن الانحراف ومخالب الضياع والتسيب. 12 - انطلاقاً من واقعيته وشموليته وتوازن أحكامه واعتدال تشريعاته، أقر الإسلام بحق النفس والبدن في أخذ نصيبهما من الراحة والاستجمام. 13 – ثبت ثبوتاً قطعياً أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين قد مارسوا ألواناً من الترويح واللهو البريء. 14 – اللهو المباح في الإسلام ما كان ملتزماً بالضوابط الآتية: أ – عدم ورود نص بتحريمه. ب – خلوه من المحرمات، وعدم إفضائه إليها. وفي مقدمتها: - الصد عن أداء الواجبات الشرعية. - الاعتداء على حرمة أو حق من حقوق الغير. - حدوث إسراف أو تبذير في أي مجال مالي. - لحوق تعذيب أو قسوة بالحيوان. - الإساءة إلى البيئة عموماً. - الكذب وتزييف الحقائق. - إشاعة المفاسد والمنكرات. - إثارة العداوة والبغضاء والصراعات. - إثارة العصبية لشعار أو بلدة أو منطقة أو نسب. ج – أن يزاول في ظروف وأجواء إسلامية: فيحرم في مثل الأجواء الآتية: الاختلاط المشبوه بين الجنسين. تناول المحرمات: دخان – ومخدرات – وخمور. ممارسته تحت وقع التقاسيم الموسيقية والأصوات الغنائية. في حالات عدم القدرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. د - بعده عن مجالات التخمين والحظ. 15 - اللهو المندوب والمستحب في الإسلام ما كان منضبطاً بالضوابط السابقة وحقق مقصداً من مقاصد الشريعة ومبدأ من مبادئها العامة، ومن قبيل ذلك: - تأليف قلوب الناس على الإٍسلام. - التلطف مع الناس في سبيل ربطهم بأعمال جادة وهادفة. - إعداد القوة والعدة لمواجهة التحديات عسكرية كانت أو مدنية. - تمتين العلاقات والروابط بين أفراد المجتمع الإسلامي. - إعلام الناس بسماحة الإسلام ويسر تكاليفه. - مضايقة الجاهلية ومحاصرتها بطرح البديل الإسلامي وإظهار سموه ورفعته عن المجتمع الجاهلي. - تجديد الإيمان وإحياؤه عن طريق العبرة والاتعاظ. - تقوية العلاقات الأسرية بين أفراد الأسرة. 16 - تجوز المسابقة بالمال في الإسلام في كل مجال يساهم في تعزيز الصرح الإسلامي عسكرياً وعلمياً وحضارياً. 17 - لا تجوز المسابقة بالمال في كل لهو أو رياضة لا تحقق الأهداف السابقة فيما يجوز فيه المسابقة بالمال. وأخيراً فلست أزعم الكمال والإحاطة بالموضوع بحثاً ودراسة ولكن حسبي أني بذلت جهداً يشهد له هذا الكتاب، وما كان فيه صواباً فهو من الله، وما كان خطأ فهو مني ومن الشيطان والله ورسوله براء. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قطف الزهو في أحكام سجود السهو

قطف الزهو في أحكام سجود السهو ¤محمد بن رزق الطرهوني£بدون¥دار فواز - الأحساء¨الثانية¢1412هـ€فقه¶صلاة - سجود السهو خاتمة البحث الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيد الأنام محمد بن عبدالله وعلى آله الطيبين الأطهار. أما بعد ....... فقد تم الانتهاء من هذا المبحث اللطيف بعون الله وتوفيقه، وأتمنى من الله أن ينفع به من يطلع عليه من الأخوة في الله الأحباء وقد بذلت فيه ما في وسعي وأرجو أن يكون قد حالفني فيه الصواب وها أنا أضع بين يديك أيها القارئ الكريم خلاصة هذا البحث والتي تتلخص في النقاط التالية: (1) سجود السهو دائماً يكون بعد السلام، إلا في حالات ثلاث: • البناء على الأقل إذا شك داخل الصلاة ولم يستطع الترجيح. • إذا ترك ركناً أو واجباً أو أكثر وعلم بذلك داخل الصلاة. • إذ تيقن داخل الصلاة أنه نسي ركعة أو أكثر. (2) التحري صحيح، وهو غير البناء على اليقين، وهذا هو الحق الذي تدل عليه ظواهر الأحاديث. (3) ما ورد فيه السجود بعد السلام؛ سجد له بعد السلام فقط، وما ورد فيه قبل السلام سجد له قبل السلام فقط، لورود الأمر بذلك في كل، ولأن السجود بعد السلام ليس من الصلاة ولا يجوز إدخال ما ليس من الصلاة فيها، وأن السجود قبل السلام منها فلا يجوز إخراج ما هو من الصلاة منها. ذلك هو الموجز لأهم نقاط البحث ونسأل الله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قنوت النوازل

قنوت النوازل ¤مصطفى مراد£بدون¥مكتبة الصحابة - الإمارات¨الأولى¢1420هـ€فقه¶قنوت الخاتمة أحمد الله – عز وجل - على ما من علي من إتمام هذا البحث في مدة لا تزيد عن أسبوع، وفي خاتمته أوجز نتائجه فيما يلي: 1 - القنوت لغة: الطاعة، السكوت، الدعاء، والعبادة، وطول القيام .. 2 - القنوت اصطلاحا: الدعاء في القيام من الركعة الأخيرة من الصلاة. 3 - القنوت ثلاثة أقسام: قنوت الوتر، قنوت الصبح، قنوت النوازل. 4 - وقع اتفاق العلماء على عدم القنوت في أربع صلوات من غير سبب: هي صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء. 5 - قنوت النوازل خاص بالصلوات المكتوبة (الخمس) ولا يتعلق بصلاة النفل كقيام الليل، والضحى والسنن الراتبة وغيرها، كما لا يتعلق بصلاة الجنازة أو الاستسقاء أو الكسوف أو الخسوف. 6 - قنوت النوازل سنة على الراجح، والقول بنسخه قول ضعيف. 7 - قنوت النوازل لا يكون إلا في صلاة الجماعة، ولا يكون من المنفرد. 8 - النازلة كل ما نزل بالمسلمين كعدو أو خوف أو قحط أو وباء أو ضر ظاهر. 9 - قنوت النوازل يكون في الصلوات الخمس على الراجح. 10 - دعاء قنوت النوازل (اللهم إنا نستعينك .. ) ويصح غيره إذا كان دعاء للمؤمنين، ودعاء على الكافرين. 11 - محل قنوت النوازل بعد الركوع. 12 - السنة الجهر في قنوت النوازل في الصلوات الجهرية والسرية. 13 - الإمام يدعو والمأموم يؤمن إلا أثناء الثناء فيسكت. 14 - السنة رفع اليد أثناء القنوت (للإمام والمأموم). 15 - يجوز للإمام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ختام الدعاء أو أثنائه. 16 - لا يجوز للإمام والمأموم مسح الوجه أو الصدر أو أي موضع من الجسد أثناء القنوت أو بعده. 17 - القنوت لخليفة المسلمين ولآحاد الناس كل في موضعه. 18 - ترك قنوت النوازل عند الحاجة إليه لا يوجب سجود السهو، حتى ولو تركه عمدا. 19 - أوصي المسلمين حكاما ومحكومين علماء ودعاة وأئمة أن يؤدوا سنة قنوت النوازل. 20 - إن حدث نزاع من أجل هذه السنة فلا تؤدى قال ابن تيمية: " ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف كان قد أحسن".

كشف الالتباس عن أحكام النفاس

كشف الالتباس عن أحكام النفاس ¤عبدالله بن يوسف الجديع£بدون¥مكتبة الصحابة الإسلامية¨الأولى¢1404هـ€فقه¶حيض ونفاس خاتمة فيها فروع نافعة مهمة 1 - ذهب جماعة من العلماء إلى تحديد أقل النفاس، والصحيح أنه لا حد له، وإنما تغتسل وتصلي متى رأت الطهر، لأن الحكم معلق بالعارض وهو نزول الدم، فإذا زال زال، ومن ذهب إلى التحديد لا بينة عنده على ما ذهب إليه إلا الظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً. 2 - إذا جاوزت النفساء الأربعين، فليس الخارج بدم نفاس، وإنما هو دم لا حكم له، للأدلة السابقة، فلا يمنع ما خرج بعد الأربعين من الصلاة والصيام والوطء وغير ذلك، مما تمنع منه الحائض والنفساء، إلا إن اتفقت أيام حيضتها المعتادة بعد الأربعين. قال الإمام أحمد – كما في مسائل ابن هانئ 1/ 35 - : "وأما ما كان بعد الأربعين، فإن كان في أيام قد كانت تعرفه من أيام حيضها فهو حيض، وإن لم تكن تعرفه في أيام من أيامها التي كانت تحيضها، فهي استحاضة، فهذه تصلي وتصوم فيه، ولا تعيد الصوم". 3 - التحقيق أن دم النفاس هو دم حيض مجتمع احتبس لأجل الحمل، ولذا يأخذ أحكامه، من ترك الصلاة والصيام، والوطء وغير ذلك مما يتعلق بالحائض، روى الدارمي رقم (958) عن عطاء بن أبي رباح قال: "النفاس حيض" وسنده صحيح. قال الإمام أبو محمد المقدسي رحمه الله في "المغني" 1/ 350 - 351: "وحكم النفساء حكم الحائض في جميع ما يحرم عليها، ويسقط عنها، لا نعلم في هذا خلافا، وكذلك تحريم وطئها، وحل مباشرتها والاستمتاع بما دون الفرج منها، والخلاف في الكفارة بوطئها، وذلك لأن دم النفاس هو دم الحيض، إنما امتنع خروجه مدة الحمل لكونه ينصرف إلى غذاء الحمل، فإذا وضع الحمل وانقطع العرق الذي كان مجرى الدم خرج من الفرج، فيثبت حكمه كما لو خرج من الحائض". 4 - ويفارق النفاس الحيض من وجوه ثلاثة: الأول: طول مدته، وقد سبق تحقيق ذلك. الثاني: لا يدل على البلوغ، لأن الحمل حصل قبله. الثالث: عدم حصول العدة به، لأن عدة الحامل وضع الحمل، لا انقطاع الدم، قال تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. 5 - إذا تيقنت الطهر قبل تمام الأربعين، واغتسلت جاز وطؤها، قال النووي رحمه الله: "إذا انقطع دم النفساء واغتسلت جاز وطؤها، كما تجوز الصلاة وغيرها، ولا كراهة في وطئها، هذا مذهبنا، وبه قال الجمهور" (المجموع 2/ 550). قلت: ذهب الإمام أحمد إلى كراهة ذلك قال: ما يعجبني أن يأتيها زوجها، على حديث عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين، فقال "لا تقربيني" (المغني 1/ 348). قلت: حديث عثمان هذا ضعيف، راجع تحقيقه برقم (4) وعلى هذا فإن هذا المذهب الذي ذهب إليه أحمد مذهب ضعيف، والحق ما ذهب إليه الجمهور. 6 - إن طهرت ثم عاد دمها دون الأربعين، ففيه نزاع، والصحيح أنه دم نفاس ما دام في الأربعين، وإن صامت في طهرها هذا فصومها صحيح، لأن عارض المنع وهو النفاس كان زائلا، وانظر "المغني" 1/ 348 - 349. هذا ما تيسر جمعه وبيانه، فإن كان صوابا فمن الله وإن كان غير ذلك فمن نفسي، وأستغفر الله من الزلل.

كشف الستور عن قطع المرأة للصلاة بالمرور

كشف الستور عن قطع المرأة للصلاة بالمرور ¤خالد بن أحمد بابطين£بدون¥دار الوطن - الرياض¨الأولى¢1417هـ€فقه¶فقه المرأة - أعمال منوعة الخاتمة وفي خاتمة هذا البحث – المتواضع – الذي أرجو أن يكون نافعا لي في الدارين، سأذكر الخلاصة منه، وذلك في ثمان نقاط مختصرة: 1 - أن السترة مستحبة عند جماهير العلماء؛ فينبغي للمصلي ألا يصلي إلا إلى سترة. 2 - على المصلي الذي اتخذ سترة أن يدنو منها، وألا يدع أحدا يمر بينه وبين سترته، فإن جاء مار فليقاتله، كما جاء في الأحاديث. 3 - أن المرأة تقطع الصلاة، إذا مرت بين يدي المصلي ولم تكن له سترة. 4 - أن قرن المرأة في الأحاديث مع الحيوانين النجسين (الحمار والكلب)، ليس لخستها: وإنما هو لمعنى آخر ترغب المرأة أن تكون متصفة به، لما فيها من الجاذبية، وميل القلوب اليها. 5 - أن القطع الوارد في الأحاديث معناه " الإبطال "، وعليه: تفسد الصلاة، ويجب أن يستأنف من جديد، ولا يجوز أن يستمر، حتى لو كانت الصلاة نفلا؛ لأنه استمر في عبادة فاسدة، والاستمرار في العبادات الفاسدة محرم [إلا ما خصه الدليل كالحج والعمرة، فإنه مع القول بفساد حج من جامع قبل التحلل الأول، أو قبل فراغه من سعي العمرة؛ فإنه يجب على الواطئ والموطوءة المضي في كل منهما، لعموم قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [البقرة: 196]]، ونوع من الاستهزاء بالله عز وجل؛ إذ كيف نتقرب إلى الله بما لا يرضاه. 6 - أن الجارية الصغيرة لا تقطع الصلاة إذا مرت بين يدي المصلي؛ لأن الوارد في الأحاديث " المرأة "، وهي لا تطلق إلا على البالغة التي بلغت سن التكليف والرشد، بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار "، وجاء في بعض روايات حديث ابن عباس " المرأة الحائض ". 7 - النساء لا يقطع مرور بعضهن صلاة بعض، وهو صريح في حديث أبي ذر رضي الله عنه: " يقطع صلاة الرجل المسلم "، فالقطع خاص بالرجال. 8 - استثنى الحنابلة في المشهور عنهم جواز المرور بين يدي المصلي إذا كان في مكة، وجعل بعضهم ذلك من خصائص مكة؛ لأنها بلد من شأنه الازدحام، وجمع الخلق الكثير. وبعد: فبهذه النقاط الثمان تم البحث، وبالله تعالى التوفيق، وعليه وحده التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كشف المبهم عن حكم سفر المرأة بدون زوج أو محرم

كشف المبهم عن حكم سفر المرأة بدون زوج أو محرم ¤مصطفى العدوي£بدون¥دار ابن القيم - الدمام¨الأولى¢1407هـ€فقه¶سفر المرأة خاتمة: نحمد الله سبحانه وتعالى الذي وفقنا لجمع هذه الرسالة الصغيرة السريعة، التي هي باب في كتابنا جامع أحكام النساء من الكتاب والسنة نسعى فيه إلى جمع كل ما يتعلق بالنساء مرتباً على أبواب الفقه، وفقنا الله لإتمامه. وبعد، فالواجب على أولياء الأمور وحكام المسلمين وكل من بيده سلطة لتغيير المنكر المبادرة إلى إزالته والامتثال لأوامر الله عز وجل وأوامر نبيه ? فإنهم مسؤولون أمام الله، حينما يقفوا بين يديه في يوم لا مرد له من الله، يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين، عما استرعاهم الله عز وجل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". وقال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}. ويمكن التوصل إلى نتائج طيبة نافعة – إن شاء الله – بمحافظة أولياء الأمور على أزواجهم وبناتهم فذلك خير لهم ولبناتهم. ويمكن التوصل إلى ذلك من قبل المسؤولين بالتحكم في وسائل المواصلات ووضع القيود لمنع سفر المرأة بدون محرم وكذلك بالتحكم والرقابة على الفنادق وأماكن المبيت وكذلك بث العلم بحدود الله من خلال أجهزة الإعلام إلى غير ذلك من الوسائل التي يراها أهل العلم مناسبة مشروعة عسى الله أن يرفع عنا معشر المسلمين ما حل بنا من بلاء ويكشف عن بلاد المسلمين كل كرب ويخذل عدوهم، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}. وإلى هنا تنتهي هذه الرسالة الصغيرة في حكم سفر المرأة، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. كتبه أبو عبدالله/ مصطفى بن العدوي مصر – منية سمنود

كتمان السر وإفشاؤه في الفقه الإسلامي

كتمان السر وإفشاؤه في الفقه الإسلامي ¤شريف بن أدول بن إدريس£بدون¥دار النفائس - الكويت¨الأولى¢1418هـ€فقه¶كتمان السر الخاتمة نستخلص من هذا البحث ما يلي: أولا: إن إفشاء السر هو (تعمد الإفضاء بسر شخص حقيقي أو معنوي من شخص ائتمن عليه في غير الأحوال التي توجب فيها الشريعة الإسلامية الإفضاء أو تجيزه). وأما مفهوم السر فهو شامل لكل (ما يقوم في الذهن مفيدا بوجوب الكتمان). ثانيا: الأصل في السر وجوب كتمانه وتحريم إفشائه سواء كانت هذه الأسرار متعلقة بالشخصية الحقيقية أم الاعتبارية، وسواء كانت هذه الأسرار من الأسرار الخاصة أو من الأسرار العامة، وسواء كانت هذه الأسرار وصلت إلى المؤتمن إليه عن طريق الزواج والعلاقة العائلية، أم عن طريق المهن، أم عن طريق العلاقة الاجتماعية. ثالثاً: قد احترم الإسلام سرية الحياة الخاصة، ونعني حق الفرد في إضفاء طابع السرية على الأخبار والمعلومات التي تتولد عن حريته في اختيار حياته الحاصلة داخل حدود الشريعة. كما أن الفرد مكلف بحفظ أسرار نفسه ولا تجوز إذاعتها إلا لضرورة. رابعاً: اهتمت الشريعة الإسلامية أشد الاهتمام بأسرار الدولة وإفشائها هو من أخطر الجنايات على أمن الدولة وسلامتها. وكما جاءت الشريعة الإسلامية ببيان الجزاء المناسب لمن يفشي أسرار الدولة. خامساً: الالتزام بكتمان الأسرار ينتهي وجوبه في بعض الأحوال التي قررتها الشريعة الإسلامية، كالشهادة وجرح الشهود والرواة والاستفتاء ... وغيرها من الأسباب المؤدية إلى انقضاء السرية. وهي الأمور الاستثنائية من قاعدتها الأصلية. سادساً: إفشاء السر يعتبر من الجرائم التعزيرية وعقوبته التعزير، وقد يصل العقاب فيه إلى القتل حال إفشاء أسرار الدولة الماسة بأمنها إلى العدو. وكسائر الجرائم التعزيرية، تفوض أمر تحديد عقوبتها إلى السلطة القضائية للدولة اعتمادا على النصوص الشرعية وروح التشريع. سابعاً: يشترط في القتل التعزير، أن يكون القرار فيه ليس قرار فرديا لرئيس الدولة بل القرار الجماعي الصادر من أهل الحل والعقد. ثامناً: وجوب التعويض المالي في الضرر المادي الذي يسببه المفشي في إفشاء السر، وأما في الضرر الأدبي يكتفي فيه بالتعزير بدون التعويض.

لباب النقول في طهارة العطور الممزوجة بالكحول

لباب النقول في طهارة العطور الممزوجة بالكحول ¤عيسى بن عبدالله بن مانع الحميري£بدون¥دار القلم¨الأولى¢1995م€فقه¶طهارة - نجاسات الخاتمة الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الكائنات، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد ... فبتوفيق الله ومنته فرغت من هذه الرسالة الصغيرة في مبناها، الكبيرة في فحواها التي استغرقت معي ست سنوات تقريبا أبحث عن مسألة الكحول من حيث الطهارة والنجاسة بين سؤال أهل العلم والاختصاص وبين البحث عن مظان هذه المسألة من مصادرها العلمية، وكان السبب الدافع إلى ذلك كثرة ما شاع بين أوساط طلبة العلم أن (الكولونيا) نجسة، وكنت – وقتها – مقتنعا بذلك تمام الاقتناع حتى تستبين فيه المحجة وتتضح فيه الحجة، ووضعت خطة البحث – كما تقدم – وبدأت أجمع المادة من الكتب الفقهية والعلمية وما يخدم المادة. وبعد أن جمعت المادة نظريا أردت أن أعضد ذلك علميا لكي يكون البحث متماسك العرى في طرح القضية للملأ، فقررت السفر إلى مدينة (كولون) بجمهورية ألمانيا، ومنها لفرنسا وسويسرا ثم إيطاليا. وقد تحصلت على معلومات طبية ومهمة، ووقفت على مراحل عملية التقطير والإنتاج في المصانع وتبين لي أن الحكول مادة خفيفة ودقيقة موجودة بقدرة الله تعالى فطريا وفي كثير من خلقه بنسب متفاوتة، وتدخل في تركيب معظم المواد الكيميائية وصناعة العطور ويتم استخلاصها من مواد البقليات وغيرها عن طريق التحويل والتبخير والتكثيف. ويمكن أن نلخص الموضوع في النقاط التالية: 1 - إن الكحول مادة خفيفة ودقيقة، موجودة في أغلب المواد بطبيعتها بنسب متفاوتة، وتدخل في تركيب معظم المواد الكيميائية وصناعة العطور. 2 - يتم استخلاصها من مواد البقليات وغيرها عن طريق التحويل والتبخير والتكثيف بحيث تستعمل في العملية الكائنات الحية الدقيقة بمساعدة التكنولوجيا الحديثة وبذلك يمكن تجنب التعفن، ثم تتم تنقيته من الرواسب. 3 - الكحول المستعمل في العطور والكولونيات إنما هو الكحول (الإيثيلي) النقي المستخلص عن طرق كيميائية وليس الكحول المستخرج من الخمر، وهو سائل سريع الاشتعال والتبخر أخف من الماء وليس له طعم ويتفاعل مع المادة المذابة فيه بسرعة، ولا يؤثر على الجلد بل يساعد على إظهار الشذى والروائح العطرة في الجسم. أما الكحولات الأخرى فمحظور استخدامها في المنتوجات المخصصة للاستعمال الآدمي، وتدخل بصورة رئيسية كمحلول في صناعات البلاستيك والمواد الكيميائية الأخرى. 4 - إن العجينة التي يستخلص منها الكحول في المصانع لا تقذف بالزبد وليس لها شدة مطربة بل تتحول إلى مادة قلوية حمضية تتطاير منها غازات سامة تمر بأطوار متعددة، بعد ذلك تتم عملية التبخير والتكثيف حتى يخرج الكحول مادة عديمة اللون كماء جوز الهند. 5 - والأصل في الأعيان الطهارة، فلا يحكم بنجاستها إلا بدليل شرعي يثبت ذلك، وإذا قلنا بنجاستها فقد اقترفنا إثما عظيما من حيث إن الله سبحانه وتعالى خلقها طاهرة، وأنها موجودة في كل حي وتدخل في صناعة معظم الأشياء من ملابس وفرش وأطعمة وأدوية فنكون قد حجرنا متسعا، وكما قيل: الأمر إذا ضاق اتسع، ولا يحل لأي مسلم أن يقول في شيء أحله الله حرام، أو يقول للطاهر نجس إلا بعد التحري والتأكد من الأدلة الصحيحة. فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، إنه الموفق للصواب. ولما كانت مادة الكحول تدخل في عديد من الأشياء وبالأخص المسكرات والمفترات وبعض الأطعمة (كالخل) الذي ورد النص في طهارته صراحة لقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري ((نعم الإدام الخل)) فتحت لكل ذلك بابا سردت فيه أقوال العلماء وختمته بخلاصة مفيدة.

فبالنسبة لنجاسة الخمر فالنجاسة معنوية لا حسية، والراجح في ورود كلمة (رجس) للخمر هو الرجس المعنوي وذلك للزجر والتغليظ، وليس المراد النجاسة الحسية كما قد يظن، فالآية واضحة المعنى في ذلك، حيث أن الضمير في (فاجتنبوه) يعود على الرجس الجامع للأربعة على الراجح عند الكثيرين، ولا تتصور النجاسة في جميعها ولا يستثنى بعضها بحكم لا يسري على غيرها، فهذا مخالف للقواعد العلمية المعروفة. ثم إن الإسكار ليس علة في النجاسة حيث لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم صريح ولا ضعيف في ذلك من الكتاب ولا من السنة، ولكن من قال بنجاسة غير الخمر بالقياس على الخمر، ولا وجه للقياس هنا، فلو صرحت الأحاديث بنجاسة غير الخمر من المسكرات لقسنا الخمر عليها ولا عكس، فتنبه لذلك. وإن قيل: إن الإسكار علة للنجاسة عند من علل القول بنجاسة الخمر، فما أفضى إلى المطلوب فهو مطلوب، فيكون التنجيس مطلوبا، وقد رد ذلك بأن تعليل النجاسة بالإسكار بعيد، ولكن يمكن أن تعلل الخمرية بالإسكار ويعني ذلك ثبوت اسم الخمرية وحكمها إذا كانت علة الإسكار موجودة، أما النجاسة فلا علاقة بينها وبين الإسكار كما وضحناه من قبل. وقد استدعى ذلك مني أن أفرد فصلا للمادة المسكرة غير الخمر، والتي لم يقل أحد بنجاستها، ألا وهي المخدرات والمفترات، فتناولت مطلبا في هذا الفصل في الطهارة والنجاسة لهذه المخدرات والتي بأنواعها وأشكالها طاهرة عند الجمهور مع اتفاقهم على حرمتها، فالحرمة شيء والنجاسة شيء آخر فلا يلزم من حرمة شيء نجاسته كالسم ولا تلازم بين الحكمين. هذا وقد بينت أن الكحول يستخلص من وجوده الطبيعي في البطاطس والحمضيات وغيرها بطريقة موضحة في بابها من هذا البحث، فلا دخل للنجاسة فيه من قريب ولا بعيد، وأوضح شيء في ذلك قول عامة الفقهاء: الخمرة نجسة وإن جمدت والحشيشة طاهرة وإن انماعت، فالخل طاهر وقد كان خمرا، وقد ثبت بالأدلة العلمية أن به نسبة يسيرة من الكحول كما أفادتنا به الأوساط العلمية، وحتى من قال بانعدام الكحول فيه فإن قلنا بنجاسة الكحول لا يعني ذلك طهارة الخل لأن النجاسة قد تحللت في مائع، فلا أحد من العلماء يقول بطهارة الشيء المائع إذا وقعت به نجاسة صلبة فضلا عن أنها مائعة. فما علينا إلا أن نقول، التخلل إنما هو نقل الخمر من الحرمة إلى الحل، وليس من النجاسة إلى الطهارة، فتدبر. وفي الختام أتوجه بالشكر إلى كل من ساهم في إنجاز هذا البحث من أفراد ومؤسسات وشركات، هذا وأسأل الله أن يتوج هذه الرسالة بالقبول إنه سميع قريب، ومن رأى فيها خللا أو إفراطا فالعبد لا يخلو من التقصير، والكمال للعلي القدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

لباس الرجل أحكامه وضوابطه

لباس الرجل أحكامه وضوابطه ¤ناصر بن محمد الغامدي£بدون¥دار طيبة الخضراء - مكة المكرمة¨الأولى¢1424هـ€فقه¶لباس وزينة - أعمال شاملة أهم نتائج البحث: بعد هذا العرض الفقهي في موضوع: "لباس الرجل؛ أحكامه وضوابطه في الفقه الإسلامي" ظهرت لي النتائج التالية: 1 - أن اللباس من أعظم وأجل نعم الله تعالى على عباده؛ شرعة سبحانه وتعالى ستراً للعورات، ومواراة للسوآت، وحفظاً من البرد ووقاية من الحر، وهو من أخطر المداخل التي قد يدخل منها دعاة الفساد والرذيلة، وعباد الشهوات بقصد إفساد الأخلاق، ونشر العري والفاحشة في الذين آمنوا، مما يوجب الحذر والاهتمام بأحكامه وضوابطه، وآدابه الشرعية؛ تعلماً وتطبيقاً. 2 - أن الإسلام أباح لأتباعه صنوفاً متعددة، وألواناً مختلفة من الألبسة المشروعة التي تغنيهم عن الحرام، وتسد حاجتهم عن التطلع إلى اللباس الممنوع. 3 - يباح للرجل لبس الملابس بشتى الألوان، إلا المعصفر والمزعفر؛ لأنهما من لباس الكفار؛ ويباح له لبس ثياب الخز، والمصنوعة من جلود الحيوانات المأكولة المذكاة، أو ميتتها إذا دبغت. 4 - العمائم من أشهر خصائص العرب التي تميزهم عن سائر الأمم، وستر الرأس بها من السنة، وليس من العرف الحسن خروج الرجل إلى الأسواق والطرقات والأماكن العامة حاسر الرأس. 5 - لا ينهى عن لبس العمامة على أي هيئة، ما لم يؤدي ذلك إلى التشبه بمن نهى عن التشبه بهم من الكفار والمشركين، ويحرم تغطية الرجل رأسه بالطيلسان، والبرنيطة، والشعر الصناعي "الباروكة"؛ لأن هذه جميعاً من زي العجم الذي نهى عنه الإسلام. 6 - يجوز المسح على العمامة المحنكة الساترة لجميع الرأس في الوضوء بدلاً من المسح على الرأس. 7 - النعال من خصائص الرجال ولباسهم، شرعها الإسلام، ودعى إلى الإكثار منها، وضبط لبسها بضوابط شرعية، وجعل الصلاة فيها عند أمن المفسدة من السنة ومظاهر المخالفة لأهل الكتاب. 8 - يباح للرجل لبس الخاتم من الفضة، والعقيق ونحوه من الجواهر والأحجار الكريمة، ولا فضل في لبسه. 9 - يحرم على الرجل لبس خاتم الذهب، وما فيه تشبه بخواتم الكفار والعجم والنساء، ويكره له التختم بالحديد والرصاص والنحاس والصفر؛ لثبوت النهي عن جميع ذلك. 10 - يجوز للرجل لبس الخاتم بفص وبدون فص، ويجعل فصه إلى ظاهر كفه أو باطنها من غير كراهة في ذلك كله. 11 - يجوز نقش الخاتم بالاسم والذكر ولفظ الجلالة من غير كراهة إذا أمن عليه من مس الجنب والحائض ودخول الخلاء والاستنجاء به. 12 - العبرة في مقدار خاتم الرجل ووزنه بعرف الناس الصحيح؛ لأنه لم يرد في تحديد ذلك نص صحيح يحتج به. 13 - إذا كان الخاتم ضيقاً لا يصل الماء إلى ما تحته في الوضوء وجب تحريكه فإن غلب على الظن أن الماء يصل إلى ما تحته سن تحريكه. 14 - يحرم على الرجل لبس الحرير والديباج والذهب الكثير، ويباح له من ذلك اليسير التابع، وما دعت إليه ضرورة أو حاجة لا تندفع إلا به، على أن الأولى بالرجل أن يبتعد عن جميع ذلك ما استطاع إلى البعد سبيلاً. 15 - الفضة مباحة للرجال مطلقاً، لا حد للمباح منها، بشرط ألا يكون في لبسها إسراف أو مخيلة أو خروج عن المعتاد، أو تشبه بحلية النساء أو المشركين. 16 - أغلب أحكام لباس الرجل وضوابطه شرعية، لا دخل للعرف فيها، ويضبط العرف الصحيح ما يتعلق بلباس الشهرة ومخالفة عرف أهل البدل الصحيح في اللباس. 17 - يحرم التشبه بالنساء أو الكفار والمشركين أو الفسقة والسفلة في اللباس الذي اختصوا به، وعرفوا بلبسه؛ ويعتبر التشبه في هذا من أعظم المحرمات.

18 - إسبال الرجل في الثياب محرم مطلقاً، سواء أكان للخيلاء أم كان لغيرها إلا لضرورة وحاجة تدعو إلى الإسبال، أو عارض غير معتاد. 19 - يباح للرجل لبس الملابس المشتملة على صور غير ذوات الأرواح كالشجر والحجر ونحوهما، ويحرم عليه لبس ما اشتمل على صور ذوات الأرواح، أو الصليب، أو شعارات الأمم الكافرة الدينية، أو الكتابات الرقيعة السافلة. 20 - عورة الرجل خارج الصلاة ما بين السرة والركبة، وليستا من عورته، وأما في الصلاة فهي قدر زائد على ذلك. وقد اهتم الإسلام اهتماماً عظيماً بستر العورة، وأمر بحفظها، وشرع من الوسائل والطرق ما يكفل تحقيق الستر لعباد الله تعالى، وأباح كشفها للحاجة والضرورة، مقدرة بقدرها. 21 - أدب الإسلام أتباعه في باب اللباس آداباً عظيمة؛ تتمثل في التواضع في اللباس، واستحباب الخشونة والزهد فيه، والبعد عن الإسراف، والمحافظة على الحياء المروءة فيه، وأن يكون لباس الرجل صالحاً لمثله، وأن يحافظ على أذكار اللباس وأدعيته ارتداء وخلعاً. 22 - للباس تأثير واضح على الصلاة صحة وعدماً، وحرمة وكراهة، ونقصاً في الأجر والكمال والفضيلة؛ فيشترط فيها ستر العورة، وستر أحد العاتقين، ويستحب فيها أخذ أكمل وأجمل الزينة من الثياب، تأدباً للوقوف بين يدي الله تعالى، ويحرم فيها كشف العورة، واشتمال الصماء، والسدل، والتلثم من غير حاجة، ولبس النجس من الثياب، ولبس المغصوب والحرير والذهب، وما فيه صورة ذات الروح، والإسبال. ويكره لبس ما اشتمل على صور غير ذوات الأرواح والصليب. 23 - يجوز للمسلم لبس ما نسجه الكفار ولم يلبسوه من الثياب، أو لبسوه وعلمت طهارته، أما ما لبسوه وجهلت طهارته، أو علمت نجاسته فالواجب تركه، إلا لمضطر إليه، فيغسله ويلبسه. 24 - الأفضل تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض من قطن ليس فيها قميص ولا عمامة، ويجزئ تكفينه في ثوب واحد يستر جميع بدنه، وهذا هو الواجب، فإن عدم ستر بما تيسر من ورق شجر ونحوه. ويستحب تحسين الأكفان قدر الطاقة، وتبخيرها ثلاثاً، وجعل أحسنها إلى الظاهر، ويجب البعد عن المغالاة في الأكفان والمخالفات الشرعية فيها. 25 - يكفن المحرم في ثوبيه، ولا يمس طيباً، ولا يخمر رأسه. ويكفن الشهيد في ثيابه التي قتل فيها، بعد نزع ما عليه من الحديد والجلود وآلة الحرب. 26 - يشرع لمن أراد الحج أو العمرة أن يتجرد من المخيط ويتنظف، ويحرم في إزار ورداء أبيضين نظيفين، ولا يلبس مخيطاً مفصلاً على قدر البدن أو عضو من أعضائه، ولا خفين ولا سراويل، إلا أن يضطر إلى لبس شيء من ذلك. ولا يرجع إلى لباسه المعتاد له قبل الإحرام إلا بعد التخلل من العمرة – إن كان معتمراً فقط – بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير. أما الحاج فيرجع للباسه المعتاد بعد التحلل الأول؛ يرمي جمرة العقبة يوم النحر. 27 - يحرم على المحرم لبس المخيط وتغطية رأسه ووجهه بملاصق ولبس ما مسه الطيب، فإن فعل شيئاً من ذلك عامداً مختاراً عالماً بالتحريم وجبت عليه الفدية؛ ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام. 28 - يباح للمحرم لبس السلاح للحاجة، وكذا الهميان والمنطقة، وله لبس الساعة والخاتم مطلقاً، وعقد الإزار دون الرداء. 29 - بيع اللباس وشراؤه وثمنه يتبع حكم الاستعمال جوازاً وعدماً؛ فإن كان اللباس مباحاً شرعاً؛ جاز بيعه وشراؤه، وحل ثمنه، وإن كان محرماً حرم جميع ذلك، وإن كان مكروها كره. وإن أبيح لباس معين للضرورة والحاجة جاز بيعه وشراؤه لها مقيداً بما تندفعان به، وحل ثمنه. 30 - باب الانتفاع أوسع من باب البيع واللبس؛ فليس كل ما حرم بيعه أو كره – لعلة ما – حرم الانتفاع به في غيرها مما هو جائز.

31 - اللباس المحرم إذا أمكن الاستفادة منه في غير اللبس، أو ما حرم لأجله فلا يجوز إتلافه، وعلى من أتلفه ضمان قيمته بالإتلاف؛ إن كان قيمياً، أو مثله؛ إن كان مثلياً. وإنما المشروع هو التغير وإزالة اللباس عن الصورة التي تجعله محرماً، ويترك يستفاد منه في غير اللبس. أما اللباس المكروه تنزيها فعلى متلفه ومغيره عن هيئته الصالحة للاستعمال الضمان؛ لأن الكراهة التنزيهية لا تسقط حرمة الشيء، ولا تهدر ماليته شرعاً. التوصيات: أولا: يجب أن يهتم المسلمون؛ دعاة وخطباء، وفقهاء وعلماء، ومربون وموجهون؛ بأحكام اللباس وضوابطه وآدابه الشرعية، توضيحاً وتوجيهاً، وإرشاداً وتطبيقاً، ودعوة وتعليماً وتأصيلاً؛ وأن يركزوا على قضية التغريب الكبرى في اللباس الإسلامي، والتشبه الطاغي من أبناء المسلمين بلباس الكفار والمشركين، وأهل الفن والمجون؛ لأن القضية قضية دين، وأخلاق، وضياع هوية، وذوبان بين الأمم الكافرة. ثانيا: ويجب على من بسط الله تعالى يده من المسلمين وأصحاب الولايات العامة والخاصة الاحتساب على أسواق المسلمين ومجتمعاتهم في باب اللباس، وإنكار المحرمات فيه؛ من صور، وشعارات وكتابات، وعري وتفسخ وانحلال من لباس الإسلام الرجولي المتفق مع بيئة المسلمين وعوائدهم العربية الأصيلة في باب اللباس. ثالثاً: يجب أن يطبق وينظم التأديب والتعزير الشرعي الرادع على المخالفات في اللباس، في المدارس والجامعات ودور العلم، والأماكن العامة والدوائر الحكومية، والأسواق؛ تباشره الهيئة "ولاية الحسبة"، أو إدارات المدارس والجامعات ودور التعليم أو حتى الإدارات الحكومية؛ بالمنع من دخولها مثلاً؛ لمن ارتكب محرماً في اللباس؛ لأن الأمر خطير، والوضع الحالي يؤذن بعواقب لا تحمد، إن لم يؤخذ على أيدي السفهاء، ويؤطروا على الحق أطراً، وينهوا عما هم عليه من مخالفات شرعية صريحة في باب اللباس. رابعاً: يجب أن تقوم الجهات المعنية بالتجارة والاستيراد والجمارك ومتابعة الواردات الأسواق بتطبيق أحكام الشريعة الغراء على اللباس، ومنع ما يخل بالدين أو الحياء أو يدعو إلى الفاحشة والتشبه بالكفار والمشركين، أو يتعارض مع الأعراف العربية الصحيحة الأصلية في باب اللباس، حتى لو أدى الأمر إلى معاقبة التجار والباعة، بتغريمهم – تعزيراً – أو مصادرة وإتلاف اللباس المحرم الذي يبيعونه. وفي الختام: أحمد الله تعالى على حسن توفيقه وعظيم امتنانه، وأسأله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يهدينا للتي هي أقوم، وأن يتجاوز عن تقصيرنا وتفريطنا وغفلتنا، وأن يمن على المسلمين بالهدى والتوفيق والرشاد والصلاح، والعزة والرفعة والتمكين في جميع الأمور والمجالات. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه أجمعين. والله أعلم.

مدى صحة تضمين يد الأمانة بالشرط في الفقه الإسلامي

مدى صحة تضمين يد الأمانة بالشرط في الفقه الإسلامي ¤نزيه كمال حماد£بدون¥البنك الإسلامي للتنمية¨الأولى¢1419هـ€فقه¶ضمان المتلفات فيما دون النفس الخاتمة لقد انتهينا بعد الدراسة الفقهية المقارنة لأقوال الفقهاء ومذاهبهم حول يد الأمانة وحكمها، وموجبات ضمانها، ومدى صحة اشتراط الضمان على الأمناء إلى ما يلي: 1 - أن اليد التي تعني في المصطلح الفقهي "الاستيلاء على الشيء بالحيازة" تسمى: يد ضمان، ويد أمانة. 2 - فأما يد الضمان: فهي يد الحائز للشيء بدون إذن مالكه – كالغاصب والسارق – أو بإذنه ولكن بقصد تملكه، كالقباض على سوم الشراء والملتقط بنية التملك. وأن حكمها الضمان مطلقاً، أي غرم ما يتلف تحتها من مال الغير، أياً كان سبب هلاكه. 3 - وأما يد الأمانة: فهي يد الحائز للشيء بإذن صاحبه، لا بقصد تملكه، لمصلحة تعود لمالكه (كالوديع والوكيل والولي والوصي والناظر) أو لمصلحة تعود للحائز (كالمستعير والمرتهن والمستأجر والقابض على سوم النظر) أو لمصلحة مشتركة بينهما (كالمضارب والشريك والمزارع والمساقي). وأن حكم هذه اليد في الأصل أنها لا تتحمل تبعة هلاك أو ضياع ما تحتها من مال الغير ما لم تتعد أو تفرط في المحافظة عليه. 4 - أما عن تحديد الأيدي الأمينة شرعاً، فقد اتفق الفقهاء على أن يد الوديع والمستأجر والمضارب والشريك والرسول والأجير الخاص والوكيل بغير أجر والولي والوصي على مال الصغير والمحجور والناظر على الوقف وبيت المال والملتقط بنية التعريف ومن ألقت الريح في بيته متاعاً لغيره .. كلها أيدي أمانة، وتسري عليها أحكامها ولكنهم اختلفوا في أيد أخرى، كيد المستعير والمرتهن والوكيل بأجر والأجير المشترك والصناع، فذهب بعضهم إلى أنها يد ضمان، وذهب غيرهم إلى أنها يد أمانة ويرجع اختلافهم في ذلك إلى عدة أسباب: أحدها: أن بعض هذه الأيدي يتنازعها شبهان، أحدهما: إلى الأيدي الأمينة والثاني: إلى الأيدي الضامنة والأنظار مختلف في ترجيح غلبة أحدهما. والثاني: استحسان بعض الفقهاء تضمين بعض الأمناء في الأصل لداعي التهمة، سداً لذريعة إتلاف الأموال وتضييعها. والثالث: اختلاف العلماء في ثبوت أو دلالة بعض الأحاديث المتعلقة بالموضوع. 5 - لم يثبت في شيء من نصوص الكتاب والسنة ما ينهض حجة على كون يد الأمانة لا تضمن ما يتلف بحوزتها من غير تعد أو تفريط. ولهذا انحصر استدلال الفقهاء على أصل عدم تضمينها بأمرين: أحدهما: اعتبار الحائز نائباً عن المالك في اليد والتصرف، وذلك يستوجب أن يكون هلاك العين في يده كهلاكها في يد مالكها. والثاني: استصحاب دليل البراءة الأصلية للحائز. وهذا يقتضي عدم جواز تضمين يد الأمانة إلا بموجب شرعي. 6 - أن هناك موجبات شرعية عديدة لانقلاب يد الأمانة إلى يد ضمان، منها ما هو متفق عليه بين الفقهاء، كالتعدي والتفريط، ومنها ما هو مختلف فيه، أو نص عليه بعض الفقهاء دون سائرهم: مثل التجهيل، والتهمة، والمصلحة العامة، والعرف، وتطوع الأمين بالتزام الضمان بعد العقد، واشتراط الضمان على الأمين. 7 - وأن الفقهاء اختلفوا فيما هو الأصل في حكم الشروط العقدية التي فيها مخالفة أو تعديل لمقتضيات العقد، وذلك على ثلاثة اتجاهات: أحدها: للحنفية؛ وهو أنها شروط فاسدة إلا إذا جرى بها العرف. والثاني: للشافعية والمالكية وبعض الحنابلة، وهو أنها شروط فاسدة في الجملة باستثناء بعض الشروط التي اقتضت ضرورة الجمع بين الأحاديث المتعارضة إباحتها، أو التي نازعوها في كونها مخالفة لمقتضى العقد.

والثالث: للإمام أحمد بن حنبل، كما جاء في جل أصوله المنصوصة عنه، وهو أنها صحيحة ملزمة إذا لم تخالف نصاً شرعياً، لأن الأصل في الشروط العقدية عموماً الجواز والصحة إلا ما دل الكتاب أو السنة أو القياس الصحيح على حظره أو إبطاله. وقد ترجح لدينا الاتجاه الأخير، وهو ما اختاره ورجحه وانتصر له شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم. 8 - أن مسألة اشتراط الضمان على الأمين ومدى صحته قضية فقهية خلافية تباينت فيها أنظار العلماء منذ القرن الهجري وحتى العصور المتأخرة، وللفقهاء فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أن هذا الشرط باطل، وهو اتجاه المذاهب الأربعة على المشهور المعتمد عندهم. والثاني: أنه صحيح ملزم، وهو قول قتادة وعثمان البتي وعبيدالله بن الحسن العنبري وداود الظاهري وأحمد في رواية عنه والمالكية في غير المشهور والحنفية في المرجوح. وقد رجح هذا القول وانتصر له الإمام الشوكاني من المتأخرين. والثالث: التفصيل في المسألة وهو قول مطرف من أصحاب مالك. وبعد النظر في أدلة الفقهاء ومناقشتها ظهر لنا رجحان القول بجواز اشتراط الضمان على الأمين، وأنه صحيح ملزم شرعاً ما لم يتخذ حيلة إلى قرض ربوي. 9 - أن المراد بتضمين الأمين بالشرط – في الاصطلاح الفقهي – منحصر في "ضمان المتلفات"، بمعنى جعله متحملاً لتبعة الهلاك الكلي أو الجزئي – مهما كان سببه – للمال الذي حازه في عقد الأمانة، بحيث يلتزم برد مثل التالف إن كان من المثليات وقيمته إن كان من القيميات. وعلى ذلك فلا يغرم المضارب شيئاً من الخسارة والنقصان في رأس مال المضاربة – بدون تعديله أو تفريطه – إذا اشترط عليه الضمان، لأن ذلك الغرم خارج عن موجبات ذلك الشرط أصلاً، بالإضافة إلى أنه غير سائغ شرعاً. والله تعالى أعلم.

مشكل المناسك – دراسة سبع عشرة مسألة من مسائل المناسك التي حصل فيها إشكال بين المعاصرين

مشكل المناسك – دراسة سبع عشرة مسألة من مسائل المناسك التي حصل فيها إشكال بين المعاصرين ¤إبراهيم بن محمد الصبيحي£بدون¥بدون¨الثانية¢1430هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى من سلك سبيله واتبع سنته إلى يوم الدين. أما بعد: فقد يسر الله سبحانه وتعالى القيام بدراسة المسائل السابقة دراسة متأنية، حاولت فيها الوصول إلى أرجح الآراء التي يعضدها الدليل من الكتاب والسنة والتي يشهد لها كلام سلف الأمة، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يثيبني على ما بذلته فيها من جهد، كما أسأله أن يعفو عن الخطأ والزلل. ثم إن اختياري لهذه المسائل المدروسة قد تم بناء على ما توفر لدي من جواب، نتيجة المذاكرة والمشورة التي تمت مع بعض مشايخي وزملائي في مواسم الحج، فجزاهم الله عني خير ما يجزي عباده الصالحين. ومما يجدر ذكره أن هناك مسائل بحاجة إلى دراسة متأنية من أجل الوصول إلى أرجح الآراء وأصوبها، كطواف الحائض والنفساء. أسأل الله سبحانه أن ييسر القيام بدراسة مثل هذه المسألة التي كثر فيها الكلام كما أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمني وإخواني فقه قول الله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا} [الإسراء: 53]. فهذه الآية ترسم لنا منهج الحوار، وأدب المناظرة، كما ترشدنا إلى أفضل السبل لاختيار الألفاظ، والتأدب مع أهل العلم وسلف الأمة، نسأل الله أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق، هذا وقد توصلت من خلال الدراسات السابقة إلى الأمور التالية: 1 - استحباب الإحرام عقب صلاة، فإن كان ثمت فرض أحرم عقبه، وإلا صلى ركعتين، ثم أحرم بعدهما. 2 - لا تجوز الإفاضة من عرفة قبل غروب الشمس وعلى من فعل ذلك دم. 3 - يستحب لمن وصل إلى المزدلفة قبل دخول وقت العشاء أن يصلي المغرب بعد الآذان، ثم ينتظر حتى يدخل وقت العشاء، فيصلي من غير آذان، ولا يشرع التنفل قبلها. 4 - عدم صحة القول باشتراط الطواف في يوم النحر لمن أراد أن يمضي في تحلله لضعف الحديث الوارد في ذلك. 5 - عدم صحة القول بأن التحلل يحصل بمجرد الرمي، لمخالفته تحلل النبي صلى الله عليه وسلم. 6 - عدم وجوب طواف الوداع على المعتمر. 7 - ترجيح القول بأن طواف الوداع من مناسك الحج. 8 - يجوز لمن طاف للوداع بعد العزم على النفر أن يتأخر لقضاء مصالحه، وانتظار رفقته، وإصلاح شأنه. 9 - استحباب فسخ الإفراد والقران إلى عمرة تمتع ما لم يكن ساق الهدي، وتضعيف القول بوجوب الفسخ وكذا القول بتحريمه. 10 - مشروعية الاعتمار لأهل مكة، وللقادمين إليها. من الحل، وتضعيف مذهب المانعين من ذلك. 11 - ترجيح القول بأن المراد بالمسجد الحرام: الحرم كله. 12 - ترجيح القول بأن المراد بحاضري المسجد الحرام. هم أهل الحرم، ومن كان بينه وبين مكة دون مسافة القصر. 13 - تصحيح الاحتجاج بأحاديث رمي الرعاة. 14 - يشترط تقدم الطواف على السعي. 15 - تشترط الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر لصحة الطواف. 16 - تحريم قص الشعر والأظفار أثناء الإحرام. 17 - بيان ضعف القول بأن جدة ميقات لمن قدم من أي الجهات.

مشكل لباس الإحرام – دراسة ست مسائل من أحكام لباس الإحرام مع تخريج الأحاديث والتعريف بأسماء الألبسة

مشكل لباس الإحرام – دراسة ست مسائل من أحكام لباس الإحرام مع تخريج الأحاديث والتعريف بأسماء الألبسة ¤إبراهيم بن محمد الصبيحي£بدون¥بدون¨الأولى¢1430هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وأشكره سبحانه وتعالى على ما من به من تحرير هذا البحث الذي تناولت فيه دراسة ستة أنواع من الألبسة المحظور لبسها في الإحرام. وهي: الإزار المخيط، والخفاف غير المقطوعة لمن لم يجد النعال، والخفاف المقطوعة لمن وجد النعال، وتغطية المحرم وجهه، وتشبيك الرداء. وحكم لبس الأقبية والبشوت. كما عقبت ببيان وصف النعال التي يجوز لبسها في الإحرام. فتناولت حكم لبس هذه الأنواع بالدراسة والتحليل لحجج المخالفين، كما تم الاحتكام فيها إلى القواعد الأصولية، ثم اعتنيت بدلالات الأحاديث التي عليها مدار الاستدلال لما يجوز لبسه، ولما لا يجوز لبسه. كل ذلك بعد تخريجها ودراسة أسانيدها. ولقد كان لي نصيب من الاحتجاج باللغة العربية التي على ضوئها تميز لنا ما هو من جنس المنهي عنه. مما هو باق على أصل الإباحة كما أوليت العلة التي يدور عليها حكم الألبسة المنهي عن لبسها، والألبسة المأذون بلبسها عناية تامة وقد أجبت عن الاعتراضات التي أحاطت بها حيث بينت مدى تظافر الأدلة جميعها واتفاقها على علة واحدة هي مدار حكم المنهيات وحكم المباحات على الرغم من اختلاف دلالات تلك الأدلة التي منها ما جاء على سبيل النهي، ومنها ما جاء على سبيل الأمر، ومنها ما كان فعلاً ومنها ما كان تقريراً. وهذه العلة قد حددها علماء الإسلام بأنها كل ما خيط على قدر البدن أو على قدر عضو من أعضاءه. فما كان بمثابة هذا الوصف فهو حرام، وما لم يكن كذلك فهو مباح، بغض النظر عن تغير الأسماء، والأوصاف بعد اكتمال التشريع؛ لأن تسمية المحظور بغير اسمه لا يجعله مباحاً. وإن من الجدير التنبه له كثرة الكتابات واختلاف الفتيا في عصرنا حتى فشت فيه مسائل الاختلاف أكثر من مسائل الاتفاق. مما أدى بالناشئة إلى النفرة من كتب المذاهب وأراء الفقهاء بحجة طلب الدليل والسلامة من التقليد فزهدوا بما عليه عمل الناس، ورغبوا في كل قول غريب فراراً من التعصب للمذاهب. ولقد رأيت من يأخذ بالمنسوخ بحجه إحياء سنة مهجورة. وما علم أنه بهذا هجر الناسخ من أجل العمل بالمنسوخ. كما أدى هذا ببعضهم إلى قصور الباع عن الاحتجاج بالقرآن العظيم الذي هو أصل العلم، قاصرين عنايتهم على ما جاء في السنة حيث عدوا مجرد العناية بالأحاديث الصحيحة، وتمييزها عن الأحاديث الضعيفة نهاية الفقه في الدين وأعرضوا عن الوصول إلى أصول التفقه بالدين ظناً منهم أنه مفسد للأذواق لما أشتمل عليه من علم الكلام الذي يجب تجنبه هكذا ظنوا. وما أدركوا أن واضعي هذا العلم هم أئمة السلف وكبار فقهاء الأمة. وهو العلم الذي بني عليه فقه الكتاب والسنة. فما من عالم مجتهد يعتد بقوله في مسائل الخلاف. إلا وله أصول بنى عليها مذهبه. فلم تكن آراؤهم مبنية على مجرد الميل النفسي والظن الذهني. ولذا فلا يكاد يضعف قول الإمام إلا لخفاء الدليل عليه. أو لمخالفته غيره في طريقة الاستنباط. فعلى من نظر في اجتهادات الأئمة أن يعرف كيف استنبطوا، ولماذا رجحوا حتى ينال الناظر اتباع الذين سبقونا إلى العلم والإيمان.

وحتى يسلم من الشذوذ في فهم الأدلة فلا يخالف الكتاب وهو يريد أتباعه، ومن أدرك نظام ورود الأدلة في الكتاب والسنة كان الصواب حليفه؛ لأن هذه الشريعة جاءت من لدن خبير عليم فلا نظن أننا سندرك المراد منها ما لم نتعلم الطريقة التي بنى عليها علماء الإسلام فقههم وفهمهم. وإن حاجة الفقيهة إليها أشد من حاجة الخطيب إلى علم النحو. والمحاسب إلى علم الحساب. ولقد رأيت من صغار السن من يتصدى للنظر في مسائل الخلاف والترجيح بين الأقوال، وهو ممن لا يدرك الأصول التي بنى عليها الأئمة مذاهبهم، كما لم تكن له عناية بطرق الترجيح والموازنة بين الأقوال. فجاءت ترجيحاته متناقضة من حيث التقعيد مختلفة من حيث التأصيل. بينما نجد فقه الأئمة رحمهم الله متميزاً بالانضباط والانسجام في التعامل مع أدلة الأحكام. فالقواعد التي بنوا عليها نظرهم في أدلة العبادات. هي القواعد التي مارسوها في فقه أدلة المعاملات وهكذا في بقية أحاديث الأحكام وآياته فرحمهم الله. وقد نوه الإمام ابن العربي رحمه الله بفقه الإمام أحمد حينما تعرض للترجيح في مسألة تقييد إطلاق حديث ابن عباس رضي الله عنهما بالقيد الوارد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما من الأمر بقطع الخفاف وكان أحمد رحمه الله لا يقول بهذا هو وعطاء. فشكك ابن العربي رحمه الله في صحة ورود هذا عن الإمام أحمد؛ لأنه يخالف أصله، وهو القول بتقييد المطلق بالمقيد، فقال: أما عطاء فيهم في الفتوى وأما أحمد فعلى صراط مستقيم. عارضة الأحوذي 4/ 55. ومراده بهذا أن عطاء لم يكن دقيقاً كدقة الإمام أحمد في التعامل مع أصول الفقه، فقد اعتبر أصول الفقه من الموازين التي يوزن بها فقه الرجال. وإن الهدف من هذا التنبيه طلب الأناة عند النظر في فقه نصوص الكتاب والسنة من أجل السلامة من الخطأ والبعد عن مخالفة أئمة العلم والدين الذين سبقونا بالإيمان والإسلام حيث أردنا متابعتهم. وقد يلحظ الناظر في بعض الفتاوى الميل إلى الأخذ بالرخص، ودعوة الناس إلى ذلك، أملاً في دفع المشقة عنهم. وفي نظري أن هذا خلاف السنة العملية والفتاوى النبوية؛ لأنها قسمت الأحكام إلى رخص وعزائم، فللرخص أحكامها, وللعزائم مثل ذلك. ثم إن الأصل في ذلك حمل الناس على العزائم ما لم يكونوا من أصحاب الأعذار؛ لأن هذا الصنف هم الذين شرعت من أجلهم الرخص، دفعاً للمشقة عنهم. ولو أخذ عموم الناس بالرخص دون العزائم أو بالعزائم دون الرخص، لوقعوا في المشقة والحرج، ثم لفاتت عليهم حكمة التنويع في الأحكام، مع ما يشتمل عليه هذا من مخالفة السنة. والخوف عليهم من الوقوع فيما توعد الله به الذين يخالفون أوامره صلى الله عليه وسلم والذي جاء التحذير منه في قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [سورة النور: 63]. ولنذكر هنا أمثلته من الاجتهاد والتعليلات التي أطلقها أصحابها وفقهم الله لكل خير، والتي قصدوا منها – أثابهم الله على حسن قصدهم -، رفع الحرج عن الناس وإقناعهم بقبول ما عللوا به من أحكام: أولاً: قالوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم حدد بداية الرمي ولم يحدد نهايته، وفي نظري أن هذا يتعارض مع إذنه صلى الله عليه وسلم للرعاة بأن يرموا ليلاً. فلو لم يكن وقت نهاية الرمي محدداً لم تظهر الحكمة من هذه الرخصة، بل لما احتاج الرعاة إلى طلبها؛ فهذا التعليل لا يتفق مع فقه الصحابة رضي الله عنهم. ولا مع فقه الأئمة الذين فرقوا بين حكم رمي النهار وحكم رمي الليل حيث اعتبروا الأول عزيمة والثاني رخصة.

وقد أدى هذا التعليل ببعض الناس إلى عدم التفريق بين وقت العزيمة للرمي ووقت الرخصة، فسووا بين الرمي بالليل والرمي بالنهار من غير حاجة. وهذا خلاف السنة. ثانياً: توسع بعض المعاصرين في دلالة الحكم المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا حرج) فجعل هذا قاعدة في أحكام الحج. حتى أفتى بعضهم بصحة طواف من أحدث في أثناء الطواف من شدة الزحام ولو لم يعد الوضوء؛ بحجة رفع الحرج. وفي نظري أن هذا خلاف ما عليه جماهير الأمة المبني على ما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف كما رواه البخاري في الصحيح. فحكايتها للأولية ثم ترتيب الطواف عليها دليل على أن هذا الوضوء مقصود به استباحة الشروع بالطواف المبني على طهارة. فمن خالفه فطوافه خلاف السنة، لحديث: (خذوا عني مناسككم). ثم إن هذه عبادات الواجب فيها الوقوف على ما ورد. ولا يصح حمل الوضوء على الاستحباب لأنه فعل لأداء أمر واجب ولا معارض لهذا الدليل الخاص. وقد ذكر الإمام النووي رحمه الله في المجموع 8/ 19: طريقة أهل العلم في الاستدلال بهذا الحديث على هذه المسألة. فيحسن مراجعته. ثالثاً: قال بعض المعاصرين بجواز الخروج من عرفة قبل غروب الشمس، بقصد التسهيل على الناس في أمر الإفاضة، ولو تأمل في انحباس النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة حتى غربت الشمس. وحبسه للناس معه حتى أدى بهم هذا إلى تأخير صلاة المغرب عن وقتها، مع قصده أن يصليها بالمزدلفة؛ وأن في هذا تأولاً لقوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص لأحد في ذلك. حيث لم يسهل في أمر الانصراف، وقد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر شفقة منا على أنفسنا. فليتهم وقفوا عند حدود دلالة فعله صلى الله عليه وسلم الذي قصد منه بيان النسك وإتمامه امتثالاً لما أمره الله به بقوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} [البقرة: 198] وقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196]. فالذين أجازوا خروج الناس من عرفة قبل غروب الشمس قد خالفوا دلالة الكتاب والسنة الصريحة لحديث قابل للتأويل. أما احتجاجهم بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه). ففيه نظر؛ لأن هذا الحديث مؤول بإجماع المسلمين. فلم يعمل أحد بهذا الظاهر فيما أعلم حتى من يحتج به على هذه المسألة. لأن الإجماع منعقد على أنه لا يجوز للحجاج الانتهاء من الحج بمجرد الوقوف بعرفة بل لابد من الرمي والحلق، ثم إن المبيت بالمزدلفة ومنى من واجبات الحج فلا فرق بين الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس، وهذه الواجبات، لأن دلالة الحديث تشمل هذه الواجبات جميعاً، فمن لم ير الوقوف حتى الغروب من الواجبات فقد فرق بين المتماثلات، حيث إنها ثبتت بالأفعال، وكلها تفعل بعد الوقوف لا قبله فظاهر الحديث يشملها على أنها لا تؤثر على تمام الحج وقضاء التفث. لكن الإجماع منعقد على خلاف هذا. وإن اختلفوا في بعضها فإن الإجماع منعقد على جملتها. فظهر بهذا وجوب تأويل الحديث، وذلك بحمله على أن المراد به إدراك الحج، لأن هذا هو المتفق مع حال السائل حيث سأل عن ذلك. كما أن هذا المعنى هو المتفق مع السنن النبوية الموجبة لكثير من أعمال الحج بعد الإفاضة من عرفة فهو كقوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة). إنني أدعو إخواني إلى أن يمعنوا النظر في مواطن الاستدلال من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، حتى لا يتسع الخلاف بين الناس في أمرٍ الأصل فيه الاجتماع لا الافتراق. تحقيقاً لأمره صلى الله عليه وسلم بأن نأخذ المناسك كما فعلها صلى الله عليه وسلم. والله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

مشكلة الاستثمار في البنوك الإسلامية وكيف عالجها الإسلام

مشكلة الاستثمار في البنوك الإسلامية وكيف عالجها الإسلام ¤محمد صلاح الصاوي£بدون¥دار المجتمع¨الأولى¢1410هـ€فقه¶بنوك إسلامية ومعاملات مصرفية منظمة الخاتمة لقد طوفنا مع هذا البحث بمجالات مختلفة من فقهية وقانونية وميدانية، وعشنا مع قضية الاستثمار بدءا من صيغها الشرعية، ومرورا بصياغاتها المصرفية، وانتهاء بتطبيقاتها العملية في أحد المصارف الإسلامية المعاصرة. وفي خلال ذلك كله لم نتعسف بحمد الله حكما من الأحكام، ولم نحرف نصا من النصوص عن مواضعه، وما كنا بحاجة إلى ذلك، وفي تراثنا الفقهي مناديح واسعة، وعطاء دائم متجدد بحيث لا يجد الباحث نفسه أسر أجواء خانقة، أو حبيس اجتهادات قاصرة، وإنما هي الإحاطة والخصوبة والشمول. عشنا في الباب الأول مع عقود الاستثمار الشرعية، كالمضاربة والمشاركة والمرابحة، وتعرفنا على أحكامها الشرعية، وعرضنا لصورة كلية لكل واحد منها، بدءا من التعريف والمشروعية، ثم مرورا بالأركان والشروط، وما يتعلق بكل واحد منها من أحكام، أو يرتبط به من مسائل، ثم انتهاء بتصفية هذا العقد، وما يتعلق بهذه التصفية من أحكام. وكانت الغاية من هذا الباب أن نبدأ عملنا بالتعرف على أحكام هذه العقود التي يراد إحلالها محل الأنظمة الربوية لتكون بديلا شرعيا في المصارف الإسلامية، وهذه في تقديرنا هي البداية الصحيحة في كل تطوير يراد به إحلال الإسلام محل نظام من النظم الوضعية، أن يبدأ بدراسة الإسلام أولا، ثم يدرس النظام القائم ليعرف مدى ما فيه من مصادمة لأحكام الإسلام، ليتم تعديله وتحريره بما يتفق مع الأحكام والقواعد الإسلامية. وإنها لخطورة بالغة أن يحدث العكس، وأن تكون البداية من التعرف على دقائق النظم الوضعية، ثم تتلمس لها المخارج والتبريرات الشرعية، فيؤدي ذلك عمليا إلى التصرف في الأحكام الشرعية تصرفا قد يخرج أحيانا إلى حد العبث، لكي نلتقي مع المقررات الوضعية التي تفضل ببيانها السادة الوضعيون، وبذلك نحكم الواقع في الإسلام بدلا من الأصل الحكم وهو تحكيم الإسلام في الواقع ليقر منه ما يشاء، ويستبدل منه ما يشاء، وفقا لأسسه ومبادئه. ثم عشنا في الباب الرابع مع ضوابط هذا الاستثمار، وكان الهدف من هذه الدراسة أن نستخلص المبادئ الكلية التي يجب أن تتم في إطارها العملية الاستثمارية، لتكون حرما أمام الباحثين والدارسين لا يحل لهم انتهاكه بحال من الأحوال، ثم هم بعد ذلك أحرار في ترتيب المعاملات وفقا لما يحقق المصلحة، ماداموا لم يخرجوا في الجملة عن هذه الإطارات العامة. ثم عشنا في الباب الثالث مع التخريجات الشرعية للاستثمارات المصرفية لكي نلحقها بعقودها الشرعية، تمهيدا للتعرف على مدى ما فيها من موافقة أو مخالفة للأحكام الشرعية، وقد كان هذا الباب مزلة أقدام، ومدحضة أفهام في تاريخ الكثيرين، وقد رأينا فيه عجبا! مثل من يحاولون تخريج الفائدة على أساس الجعالة! أو على أساس إلحاقها بربا الفضل ثم إخراجها بعد ذلك من نطاق التحريم المستيقن، وغير ذلك مما كشفت عنه الدراسة المتأنية في هذا الباب. ولقد كان رائدنا في دراسة هذا الباب ألا نفتعل المخارج، أو نختلق التبريرات لإضفاء الشرعية على عمل ما، وإن نضمن مصادمة جوهرية للمقاصد الشرعية – كما حدث ذلك من البعض – وإنما نسير مع هذه الأعمال سير طبيعيا غير متكلف، فنتعرف على حقيقتها ومقاصدها، ثم نردها بعد ذلك – وعلى هذا الأساس – إلى العقود الشرعية التي تناسبها، قاطعين النظر عما يترتب على هذا التخريج من حرمة أو حل، لأن هذه مرحلة لاحقة: مرحلة التصحيح أو المعالجة الإسلامية، وفيها يتم التقويم، ثم التحوير والملاءمة.

وإن افتقاد هذا المنهج يؤدي في تقديري إلى نتائج خطيرة، حيث تسيطر على ذهن الباحث فكرة تصحيح هذه الأعمال ما أمكن، وتلمس أوجه الشرعية لها بأي طريق وإن كان ذلك على حساب دقة النظر الفقهي، بل وإن أدى ذلك إلى إقامة تخريجاته على أساس التخيل والافتراضات، والخروج بها عن المعقول وطبائع الأشياء. وإن هذه الروح هي التي أدت ببعض الباحثين إلى محاولة تخريج الفائدة على أساس افتراض قيام شركة مضاربة بين المصرف وبين جماعة المودعين، ثم اضطروا بعد ذلك إلى الترخص في أحكام المضاربة الشرعية، حيث لم يروا بأسا بتثبيت العائد الذي يرجع إلى المودع، أو بتضمين المصرف لهذه الأموال المودعة لديه رغم أنه يقوم فيها – بناء على تخريجهم – بدور العامل، ومثله لا يضمن إلا بالتفريط أو العدوان لأن يده على المال يد أمانة. أجل! لقد اضطروا بناء على هذا التخريج إلى تجاوز أخطر حكمين من أحكام المضاربة، ليستقيم لهم الفائدة بناء على هذا التخريج ولو هدوا إلى الطيب من القول لفتحوا الطريق فعلا أمام هذا التخريج، ولكن بعد الاعتراف بأن الفائدة بصورتها الراهنة تلتحق بنظم القروض الربوية، ولكن إصلاح هذه المعاملة ميسور على أساس قيام شركة مضاربة فعلية بين المصرف وبين المودعين يتم فيها الالتزام بأحكام المضاربة الشرعية، فالربح جزء شائع، ولا ضمان على المصرف إلا بالتفريط أو التعدي، وبذلك نكون قد أحدثنا معالجة حقيقية لهذه النظم لتتفق مع الإسلام، بدلا من هذه التخريجات المجردة التي تعتمد على الافتراضات من ناحية، وعلى تحوير القواعد الشرعية لتتفق مع النظم الوضعية من ناحية أخرى، وفي ذلك ما فيه من شذوذ وتجاوز! ثم عشنا في الباب الرابع مع الصياغة المصرفية لعقود الاستثمار الشرعية فعرضنا لعقود الاستثمار التي سبق بيانها في الباب الأول، لنبين كيف يمكن الإفادة منها في ترتيب الأعمال المصرفية، آخذين في الاعتبار ما يحتاج إليه العمل المصرفي من وضعية خاصة. فكان حديثنا في الفصل الأول من هذا الباب عن المضاربة الشرعية، وكيف يمكن الإفادة منها في العمل المصرفي، وفي تنظيم العلاقة بين المصرف وبين جماعة المودعين من ناحية، وبينه وبين جماعة المستثمرين من ناحية أخرى ثم عرضنا لقضيتي الضمان وتثبيت العائد وهما من أخطر مسائل المضاربة في هذا العصر فأوسعناهما بحثا ومناقشة، وعرضنا للاجتهادات المعاصرة في هذين المجالين، فبينا كيف خرج القائلون بها على إجماع الأمة، ورددنا على ذلك بما فتح الله به، وبما نحسبه قولا شافيا كافيا بإذن الله. ثم تحدثنا في الفصل الثاني عن عقود الاستثمار المباشر، وكيفية الإفادة منها في الأعمال المصرفية، فتعرضنا للمشاركة وصورها المقترحة في العمل، ثم للمرابحة التي فصلنا فيها القول لما شابها في التطبيق من بعض التجاوزات التي قد تخرج بها إلى صورة العينة التي أفتى بحرمتها جمهور الفقهاء، وبينا أن الخلل لم يأت في الترتيب النظري لهذه المعاملة، لاسيما بعد تقرير الخيار للمشتري، وإنما جاء من تجاوزات الممارسة، بعد أن عقدنا مقارنة بين صورة المرابحة وبين صورة العينة، ثم ذكرنا طرفا من الأسباب التي قد تكون أدت من وجهة نظرنا إلى هذه التجاوزات، ثم قدمنا في النهاية بيانا بالخطوات التي يجب أن تسلك في ترتيب هذا العقد حتى يسلم من كل اعتراض. ثم كان حديثنا عن السلم وكيفية الإفادة منه في هذا المجال، ولا يزال النظر الفقهي المستبصر قادرا على أن يستخلص من هذه العقود الشرعية صورا، وأشكالا جديدة، تنطلق من إطاراتها الشرعية، وتفي بحاجات العمل المصرفي، وتحقق مصالح كل من المصرف وعملائه على حد سواء.

ثم عشنا في الباب الخامس مع المصرف الإسلامي للتنمية نعرف به، ونعرض لأنشطته الاستثمارية فنقومها الواحدة تلو الأخرى في ضوء القواعد الشرعية المقررة، ثم تنتهي إلى تقويم إجمالي للمصرف من الناحيتين الشرعية والاقتصادية. والحقيقة أنني عشت مع هذا البحث أياما ممتعة أرقب فيها عن كثب دقة الأحكام الشرعية، وعظمة ما تتسم به من شمول وخصوبة ومرونة وعدالة، وأستطيع أن أجمل المعالم الرئيسية لهذه الدراسة في النقاط الآتية: 1 - إن إجمال القول في الأعمال المصرفية التي تتم في المصارف الربوية أنها إما خدمة مقابل أجر، وإما إقراض نظير فائدة، وعوائدها إما عمولة وإما فائدة. والأولى لا بأس بها لأن الإجارة جائزة بالاتفاق على أن يكون الأجر مبلغا مقطوعا لا يتكرر إلا بتكرار الخدمة، حتى لا تخفي العمولة في طياتها مآرب ربوية. وأما الفائدة فهي صريح الربا الذي نزل القرآن بتحريمه، وقد رأينا تهافت جميع التخريجات التي حاول أصحابها تبرير الفائدة على وجه أو على آخر. 2 - وإن جماع القول في التطوير الإسلامي للعمل المصرفي أنه يبقي الخدمات المأجورة، ويضع لعمولتها من الضوابط ما ينفي عنها شبهة الربا، ويستعيض عن القروض الربوية بعقود الاستثمار الشرعية التي تقوم على فكرة التجربة والمشاركة، أو القرض الحسن الذي قد يرى المصرف الإسلامي تقديمه في بعض الحالات. 3 - إن عقد المضاربة الشرعية قادر بشيء من التوسع في أحكامه على الوفاء بحاجات العمل المصرفي، وإن جميع الدفوع التي طعن بها البعض في صلاحية هذا العقد للاستثمار الجماعي في المصارف فيها نظر. 4 - جواز المضاربة المؤقتة، والمضاربة بالدين إن كان على ملأ، والجميع بين الشركة والمضاربة، وإن المضاربة تلزم بالشروع في العمل إلى خلوص المال في إبانه. 5 - إن تثبيت العائد في عقد المضاربة يفسدها، لأن الأصل في ربح المضاربة أن يكون على الشيوع بين المضارب وبين رب المال، فإذا أضيف إلى تثبيت العائد الذي يناله رب المال فكرة تضمين المصرف لأموال المضاربة، فقد تحولت المعاملة إلى قرض ربوي في حقيقة الأمر، وإن استعيرت لها أسماء أخرى. 6 - إنه يمكن للمصرف الإسلامي أن يعتمد على بقية عقود الاستثمار كالمشاركة، والمرابحة، والسلم، في ترتيب أعماله الاستثمارية ولا وجه لاعتراض البعض بأن هذه عقود استثمار مباشر لا شأن لها بالأعمال المصرفية، وذلك لأن مفهوم الأعمال المصرفية لم يتفق عليه عالميا حتى هذه اللحظة، ومن ناحية أخرى فإن هذا التنظيم قد نشأ في ديار الحرب وبلاد الكفر، بعيدا عن الواقع الإسلامي، ومقتضيات المصلحة الإسلامية، فلا وجه للتقيد به. وإذا كنا نأخذ من كلام الفقهاء الأئمة ونرد عليهم بما يحقق المصلحة ويفي بالحاجة، أفلا نرد على الكفار أفكارا تعوقنا عن تحقيق مصالحنا، والتقيد بأحكام شريعتنا؟ إن على المصرف الإسلامي أن يرسم أهدافه، وأن يصل إليها بأي طريق أقره الله ورسوله، سواء اتفق ذلك الطريق مع نظم الكفار أو اختلف عنها، فنحن المسلمون أعلم الناس بمصالحنا وغاياتنا، وأقدر الناس على تحقيقها من خلال أحكام شريعتنا المباركة، وشاهت وجوه أهل الكفر جميعا! 7 - جواز السلم الحال كما هو مذهب الشافعي رحمه الله، وجواز الاستعاضة عن دين السلم قبل قبضه من المسلم إليه، شريطة ألا يرابح رب السلم مرتين، أي لا يستعيض عنه بما هو أكثر قيمة منه، كما أثر ذلك عن ابن عباس وغيره من أهل العلم، وأن هذا العمل من جنس الوفاء بالدين وليس من جنس البيع.

8 - أنه لا يجوز لمن اشترى شيئا أن يبيعه قبل قبضه وفقا للراجح من أقوال أهل العلم، وأن لهذا المبدأ دوره الهام في ترتيب العمل في المصرف الإسلامي، حيث يلزمه في عمليات المرابحة ونحوها أن يتولى فعلا شراء السلعة بنفسه، وأن يقبضها فعلا وفقا لما فصلناه من أحكام القبض حتى يتمكن من بيعها إلى الآمر بعد ذلك، وبذلك يغلق باب من أخطر أبواب التلاعب والغرر، وهو ما تقوم به البورصات العالمية من المضاربات الوهمية على صفقات وهمية معدومة، فيثرى بها فريق ويتحطم بها آخرون، واليهود من وراء الكواليس يوجهون المسار، ويجنون الثمار!! 9 - إن المرابحة المصرفية تختلف في جوهرها عن مسألة العينة التي ذهب إلى حرمتها جمهور الفقهاء، ولكن بشرط أن تتم وفقا للخطوات التي سبق بيانها في الفصل الثاني من الباب الرابع من هذا البحث، وموجزها أن يقوم المصرف بشراء السلعة المقصودة فإذا تم له قبضها، قام ببيعها بعد ذلك لعملية الآمر بالشراء الذي يكون له الحق في القبول أو الرد وفقا لما يحقق مصلحته، ولكن انحرافات التطبيق هي التي حادت بهذه المعاملة عن جادة المشروعية، ولكي يؤمن المصرف موقعه يمكن أن يشترط لنفسه الخيار عن شرائه للسلعة، حتى إذا نكل العميل عن الشراء، قام بردها إلى البائع ولم يخسر شيئا. 10 - إن النقود الورقية المتداولة اليوم تأخذ أحكام الذهب والفضة في وجوب الزكاة فيها، وفي جريان الربا فيما بينها، بحيث تعتبر عملة كل بلد من البلاد جنسا قائما بذاته، فإن بيعت بعملة من جنسها فقد وجب التماثل والتقابض، وإن بيعت بعملة أخرى لبلد آخر حرم النساء فقط، وحلت الزيادة، كما هي القاعدة في الذهب والفضة، وقد أفتى بذلك جمهور أهل العلم في هذا الزمان. 11 - إن الوفاء بالوعد واجب في باب الديانة وحسن الخلق، ولا يكون ملزما في باب القضاء إلا إذا أدخله بالوعد في ورطة فإنه حينئذ يجب الوفاء به دفعا للضرر الذي ينبني على عدم الوفاء. 12 - لا يجوز الإيداع في المصارف الربوية ولو كان بدون فائدة لما يتضمنه هذا العقد من الإعانة على المعصية، فالمصارف لا تحتفظ من هذه الودائع إلا بنسبة الاحتياطي المقررة، ثم تدفع بالباقي إلى قنوات الإقراض الربوي، وهي لا تقنع بالحجم الحقيقي لهذه الودائع، بل تشتق منها ما يزيد على حجمها أضعافا كثيرة، بواسطة ما يسمى بخلق النقود أو إحداث الائتمان. 13 - إن المصرف الإسلامي للتنمية محاولة على مستوى الحكومات الإسلامية لدعم البنيان الاجتماعي والاقتصادي للدول الإسلامية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، إلا أنه لم يمض في طريق الشريعة إلى النهاية، فرغم أنه قد أعلن التقيد بأحكام الإسلام في المادة الأولى من اتفاقية تأسيسه إلا أن تتبع النظم التي يرتب على أساسها أنشطته الاستثمارية يشير إلى دلائل خطيرة، فالمصرف يقرض الدول الإسلامية بفائدة قدرها 5ر2 إلى 3% سماها رسم خدمة، وهي تسمية لا تغير من الواقع شيئا، وهو يودع أمواله التي لا يحتاجها عاجلا لدى المصارف الأجنبية ويتقاضى عنها الفوائد الربوية، هذا فضلا عن بعض الأخطاء الثانوية في ترتيب بقية الأنشطة الاستثمارية، ولعل مما ساعد على بقاء هذه الانحرافات إلى اليوم رغم مضي حوالي تسع سنوات على افتتاح المصرف عدم وجود هيئة علمية متفرغة تقوم بأعمال الرقابة الشرعية على أنشطة المصرف، كما هو الحال في بقية المصارف الإسلامية. ولذلك فإننا نوصي بضرورة أن تتوافر لهذا المصرف الدولي لجنة متخصصة تضم كوكبة من علماء الشريعة من مختلف البلاد الإسلامية تقوم بواجب الرقابة الشرعية على أنشطته المختلفة وتقويمها أولا بأول.

14 - إن سائر الأحكام الفقهية التي رجحتها في هذا البحث انطلاقا من النظر والمصلحة والتي لم تكن موضعا لنص أو إجماع إنما تمثل رؤيتي الخاصة للمصالح وتقديري لها، وبالتالي فهي لا تلزم المشتغلين في هذا المجال إلا بقدر ما تحقق من المصلحة، ولا يزال الأمر فيها قابلا لكل مراجعة فقهية تستهدف المزيد من الملاءمة، وتحقق المزيد من المصلحة. وأخيرا فإنني أتوجه إلى المشتغلين بقضية المصارف الإسلامية بهذه التوصيات: أولا: يجب على من ينتصب للمعالجة الإسلامية للأعمال المصرفية أن يبدأ أولا بدراسة الأحكام الشرعية للعقود التي تنظم هذه الأعمال، حتى يمسك بيديه المشاعل المضيئة التي يشق بها طريقه إلى معالجة هذه الأعمال إسلاميا في ضوء ما تقرر عنده من الأحكام والقواعد الشرعية، وذلك حتى يكون المنطلق هو تقويم هذه الأعمال بالإسلام، وليس هو تطوير الأحكام بما يتفق مع هذه الأعمال. ثانيا: أن تكون الغاية من البحث هي إحقاق الحق وإبطال الباطل وليس توزيع صكوك الشرعية على أكبر قدر ممكن من هذه الأعمال مهما كان فيها من خلل وتجاوز، فلن يضير الإسلام أن يهدم تسعة أعشار هذه النظم ما دام يملك البديل الأقوم والسبيل الأهدى، ولم يترك الناس سدى أو يرهقهم من أمرهم عسرا، فالأصل هو اتباع الحق بالدليل، وليس الاعتذار عن هذا النظام أو ذاك، وتلمس المخارج له من أي وجه تحت ستار المرونة والتوسعية. ثالثا: أن نفرق في الأحكام الفقهية بين ما كان منها معتمدا على نص أو إجماع، وبين ما كان منها مراده المصلحة والأقيسة، فالأولى حرم مقدس ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم، والثانية موضع نظر واجتهاد يرجح فيها العلماء في كل عصر ما يرونه مناسبا لحاجاته ومصالحه. رابعا: أنه حيث يكون مرد الخلاف في مسألة ما إلى تعارض ظاهر بين النصوص، فلا تكفي المصلحة وحدها للترجيح، بل لابد من اعتبار الدليل الأقوى وفقا لضوابط الترجيح المقررة في علم الأصول. خامسا: إن في فقه أهل السنة غناء، ولسنا في حاجة إلى الاعتماد على فقه أهل البدع كالروافض وغيرهم الذي قد يجر معه ذيولا من بدعهم، فضلا عن اختلاف مناهج الاستنباط، وطرق توثيق النصوص وقبولها بينهم وبين أهل السنة، وإذا اضطررنا إلى الاقتباس من أقوالهم في مناسبة ما فتتعين الإشارة والتنبيه حتى لا تختلط الأمور، فقد لاحظت أن بعض الباحثين ينقل عن بعضهم، ويخلط كلامه بكلامهم، بغير تنبيه ولا بيان، ولهذا المسلك خطورته البالغة. سادسا: إننا في سعينا إلى تحقيق مركز تنافس متقدم للمصارف الإسلامية، لا ينبغي أن يحملنا الاندفاع والعجلة على التفلت والعدوان على حدود الله، فإن رسالة المصارف الإسلامية إلى أهل الأرض تتمثل في المقام الأول في حمل لواء التطبيق الشرعي والممارسة الإسلامية، والعودة بالاقتصاد الإسلامي إلى حظيرة الكتاب والسنة، فلا يجوز أن تحملها العجلة أو الرغبة في كسب جولة من الجولات على التفريط في هذه الرسالة المقدسة. سابعا: أنه لابد أن يعاد النظر فيما تروج له المصارف الربوية من نظم ومبادئ تقدمها باعتبارها مكاسب ومغانم، لأن بعضه هذه المكاسب المزعومة تعد في ميزان الإسلام إثما وخطيئة، وتصطدم مع كلياته ومبادئه الأساسية، فما لم يتفطن لذلك فقد يحملنا معترك المنافسة على تبني هذه الأفكار، ثم محاولة تطويع الأحكام الشرعية لإقرارها، فنفقد بذلك استقامة المنهج، ووضوح الهدف، ونكون كمن يدور في حلقة مفرغة.

والقصد أن تكون محاكاتنا بوعي وأن يكون اقتباسنا من تجارب الآخرين منوطا بالنظر الشرعي، الذي ينبغي أن تكون له الهيمنة المطلقة في كل شيء. ومن هنا كانت أهمية أن يواكب اليقظة الإسلامية في مجال المصارف يقظة إسلامية شاملة تهتم ببناء الفرد المسلم، وتصحيح مفاهيمه، وتنقيتها مما شابها من الدخن، لتتفاعل من الممارسة الإسلامية في شتى المجالات فلا يحاكمها إلى مقررات سابقة، ولا يزنها بموازين غريبة مما يؤدي إلى الريبة والتأرجح. ثامنا: أن يهتم القائمون على أمر المصارف الإسلامية بتوعية العاملين في هذا المجال بحقيقة رسالتهم، وبالدور الهام الذي يناط بهم أداؤه، ثم بالخطوات الشرعية اللازمة لصحة المعاملات التي يمارسها المصرف، مع بيان الغاية من كل هذه الخطوات والأدلة الشرعية على لزومها، وذلك حتى لا يحس العاملون في هذا المجال أنهم في تنفيذ هذه الخطوات أمام سلسلة من الإجراءات الإدارية العادية التي لا تفسير لها إلا البيروقراطية، والتعقيدات الشكلية التي تمليها عليهم الإجراءات الرسمية، ونحو ذلك مما قد يحملهم على التجاوز عن بعض هذه الخطوات، أو التقصير في القيام بها، وقد ينعكس ذلك على العملية كلها بالبطلان من الناحية الشرعية. وإني لأوصي بأن تفتح كافة المصارف الإسلامية مراكز لتدريب العاملين لديها، تقوم على تدريس التصور الإسلامي للعمل المصرفي، وتتولى شرح العقود الشرعية التي يتم ترتيب العمل على أساسها في المصارف الإسلامية، مع بيان صياغاتها المصرفية، والخطوات التنفيذية اللازمة لذلك، ثم يشترط فيمن يريدون الالتحاق بالعمل لدى المصارف الإسلامية أن يكون قد تخرج في هذه المراكز التي تكفل للمتخرجين فيها حد أدنى من المعرفة الإسلامية بهذا المجال، كما أوصي أن تختار هذه المصارف موظفيها ممن عرفوا بالصلاح والتقوى، فهؤلاء هم الضمان الحقيقي لدقة وأمانة التطبيق الإسلامي في هذا المجال. وأخيرا فإن النجاح الكبير الذي شهدته المصارف الإسلامية منذ اليوم الأول لافتتاحها إنما يحمل أصدق الأدلة على أن رصيد الفطرة من حب الحق والتطلع إليه لا يزال غضا طريا، وأن أمة الإسلام وإن تعاقبت عليها النظم الجائرة، والحكومات المستبدة فإنها ما فتئت تتطلع إلى ساعة الخلاص، وتنشد حياة الطهر في ظل الاعتصام بالكتاب والسنة، والاستقامة على أمر الله عز وجل، وإنها سوف تحفظ الجميل والنعمة لكل نظام يقودها بالإسلام، بل سوف تتحول بأسرها إلى جنود مخلصين بين يديه، بدلا من هذه الفتن المضطرمة الأوار، والقلاقل التي لا يستقر لها قرار! فيا حكام الأمة الإسلامية هل لكم في عز الدنيا والآخرة؟ هل لكم في أمر تملكون به العرب وتدين لكم به العجم وتكونون به ملوكا في الجنة؟ هل لكم في منهج يهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم؟ إنه الإسلام العظيم إن حفظتموه حفظكم، وإن أضعتموه أضاعكم، إنه كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إن أقمتموه في أمتكم أقام الله لكم ملككم وأصلح ما بينكم وبين رعيتكم، وفتح عليكم بركات من السماء والأرض، وإن اتخذتموه مهجورا، ولم تعرفوا له حقه، فليس إلا ما ترون من ضنك المعيشة، وخراب الذمم، والفتن التي تموج موج البحر! اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهي فيه عن المنكر، ويقام فيه كتابك، ويتفيأ الناس فيه ظلال شريعتك حتى يعود لأمة الإسلام مجدها الغابر، وعزتها السليبة. إنك ولي ذلك والقادر عليه .. آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مصارف الزكاة وتمليكها في ضوء الكتاب والسنة

مصارف الزكاة وتمليكها في ضوء الكتاب والسنة ¤خالد عبدالرزاق العاني£بدون¥دار أسامة - عمان¨الأولى¢1999م€فقه¶زكاة - مصارفها الخاتمة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد: ففي نهاية البحث أود أن أبين أهمية النتائج التي قدمها البحث ويمكن إيجازها كما يأتي: أولا: في الفصل الأول من الباب الأول: 1 – عرفت الزكاة بأنها حق يجب في جزء من مال خاص يملك لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص مع قطع المنفعة من كل وجه لله تعالى. 2 – أن التمليك شرط لصحة أداء الزكاة، وذلك بأن تعطى للمستحقين من الأصناف الثمانية المذكورين في آية الصدقات. وفي الفصل الثاني أوضح البحث أن: 3 – الزكاة ركن هام من أركان الإسلام الخمسة، وحكمها أنها فرض، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة. 4 – وأن الزكاة لا تجب على الأنبياء بالإجماع. 5 – وأنها لم تفرض إلا على المؤمنين في أواخر العهد المكي، وقد ذهب الجمهور إلى أن فرضيتها كانت بالمدينة المنورة بعد الهجرة وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة لكن الذي ظهر لي أنه لا يوجد دليل واضح في بيان تعيين السنة التي وقع فيها تحديد فرض الزكاة. 6 – وأن في الزكاة حكم كثيرة وجليلة لا تعد ولا تحصى وقد أثبت الحكمة الشرعية للزكاة في حق المال وفي حق الغني وفي حق الفقير وفي حق المجتمع سواء من الناحية الاقتصادية والسياسية والدعوية. 7 – وأن الزكاة تجب على الحر المسلم البالغ العاقل المالك للنصاب ملكا تاما. 8 – بيان حكم الشرع فيمن منع الزكاة جهلا ومن منعها جحودا لوجوبها ومن منعها بخلا بها ومنع الواحد والجماعة للزكاة. أما الفصل الثالث: فقد أفردناه ببحث بيت مال الزكاة: 9 – وأثبت البحث أنه كان قائما ضمن بيت المال في عهد الخلافة الإسلامية وأنه خاص بأموال الزكاة دون غيرها، وأن سلطة التصرف فيه مقصورة على الخليفة وحده أو من ينوب عنه أو من يسند إليه أمر ذلك. 10 – كما أكدت على أن بيت مال الزكاة من حقوقه زكاة السوائم وعشر الأراضي الزكوية والعشور التي تؤخذ من التجار المسلمين إذا مروا على العاشر ومصرف هذا النوع كالمصارف الثمانية التي نص عليها القرآن الكريم. وتكلمنا على تمليك حقوق بيت المال قبل توريدها إليه. ثانيا: وأبرز الباب الثاني: مصارف الزكاة الثمانية، وهم الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل. 11 – وتوصلت إلى أن هذه المصارف الثمانية ثلاثة أقسام: القسم الأول: تصرف لخمسة منهم للحاجة وهم: الفقير والمسكين والرقيق والغارم وابن السبيل. والقسم الثاني: تصرف لاثنين بقصد تأييد الدين ونصرة شرع الله في الأرض وهما: المجاهد في سبيل الله، والمؤلف قلبه. والقسم الثالث: فيعطي لتوفير الحافز المادي للقائم بأمر الزكاة (العاملون عليها). 12 – وقد رتبت هذه المصارف بحسب ما جاء في آية المصارف، وذكرت خلاف الفقهاء في الفرق بين الفقير والمسكين وتم التوصل إلى أن الفقير والمسكين إذا افترقا اجتمعا في الحكم، وإذا اجتمعا افترقا، فهما لفظان غير مترادفين كما هو الحال في الإٍسلام والإيمان، وقد أثبت ذلك في البحث. أما أيهما أسوأ حالا فالذي أثبته البحث أن الفقر والمسكنة عبارتان عن شدة الحاجة وضعف الحال، لاسيما أن جمهور العلماء يرون أنهما صنفان، وأن كلا منهما صنف غير الآخر فهما جنسان مختلفان لأن ظاهر اللفظ يدل على أن المسكين غير الفقير. 13 – وأن اللام في قوله تعالى: (للفقراء) هي لام الأجل وليس للتمليك فيه من أجل بيان المصارف المستحقة للزكاة لا لبيان المستحقين كما أفاده غير واحد من العلماء.

14 – وأثبت البحث أن الفقراء والمساكين أصناف، صنف قادر على الكسب بنفسه وصنف غير قادر على الكسب بنفسه وصنف متعطل عن الكسب مؤقتا، وأنه لا مانع شرعا من إعطاء الزكاة لفقراء المسلمين من العجزة واللقطاء والمساجين الفقراء. 15 – وأوضح البحث أن الفقراء والمساكين يعطون من أموال الزكاة كفايتهم وذلك مراعاة لمصلحة الفقير ومصلحة المجتمع، لما فيه من إغناء الفقير، فيعطى بعضهم سنة والبعض الآخر مدة العمر وهذا يختلف من شخص لآخر، وأن من الكفاية المعتبرة الزواج للفقير وكتب العلم وغير ذلك مما لا بد له منه على ما يليق بحاله. 16 – وتوصلت في مصرف العاملين إلى المراد بالعاملين عليها هم: السعاة ويدخل فيهم المستوفي والعاشر والجابي والجامع والمفرق والمحصل والمحاسب والحاسب والوازن والكيال والكاتب والموكل والمصدق والقاسم والحاشر والحافظ والعريف والجندي والقابض والعون والدافع والناقل والحامل والخازن والراعي وهم بذلك يكونون جهازا إداريا وماليا، وهؤلاء كلهم يستحقون أجورهم من مال الزكاة من سهم العاملين عليها. 17 – كما توصل البحث إلى أنهم يأخذون نصيبهم من مال الزكاة قدر عمالتهم ولو كانوا أغنياء لأنهم فرغوا أنفسهم لهذا العمل وكل من فرغ نفسه لعمل يستحق العاملة عليه وذلك إذا توفرت فيهم الشروط وهي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والأمانة، والكفاية. 18 – وقد أثبت البحث جواز إعطاء رواتب للموظفين الذين يحتاج إليهم المسلمون في أمورهم العامة من القضاة والمحتسبين ومن ينفذون الحدود والمفتين والمؤذنين والمدرسين ونحوهم، ممن فرغ نفسه لمصلحة المسلمين من أموال الزكاة وذلك إذا لم يكن له راتب فيجوز له الأخذ من سهم (وفي سبيل الله) لا من سهم (العاملين عليها) لأن سبيل الله يشمل كل قرية أو مصلحة على ما بيناه في موضعه. 19 - وتوصل البحث في مصرف (المؤلفة قلوبهم إلى أنهم مسلمون وكفار، وأن المسلمين أصناف يعطون بسبب احتياجنا إليهم وتثبيتا وهم ضعفاء النية في الإسلام وصنف من شرفاء القوم وساداتهم من المسلمين الذين يتوقع بإعطائهم من الزكاة إسلام نظرائهم. وصنف مقيمون في ثغر من ثغور المسلمين المجاورة للكفار فيعطون لما يرجى من دفاعهم عمن وراءهم من المسلمين إذا هاجمهم العدو ليكفو شر من يليهم من الكفار بالقتال أما الكفار فصنف يخاف شره وصنف يرجى خيره فيعطون دفعا لشرهم وتأليفا لهم على الإسلام، وتوصل البحث أيضا إلى أن سهم المؤلفة قلوبهم باق لم ينسخ وأنهم يعطون من الزكاة ما يحصل به تأليفهم على الإسلام ونصرته والدفاع عنه. 20 - وتبين لي في مصرف (الرقاب) أن المقصود بهم المكاتبون فيعانون من الزكاة وعتق العبيد فيشترى العبيد ويعتقون في سبيل الله من سهم الزكاة، وكذلك يشمل فك الأسرى من أسر العدو ويتشرط الإعطاء لسهم وفي الرقاب بعض الشروط ذكرتها في محلها. 21 - وذكرت في مصرف الغارمين: أنواعهم فالنوع الأول غارم استدان لمصلحة نفسه في مباح والغارم لمصلحة غيره ومن لزمه دين بطريق الضمان فهؤلاء يعطون ما يوفون ديونهم وذلك بشروط ذكرتها في محلها. أما من استدان بسبب الإشراف والتوسعة في النفقة فهذا لا يعطى شيء. وأن الغارم لمصلحة عامة يعطى من الزكاة ولو كان غنيا. ويعطى الغارم من مال الزكاة بقدر ما عليه من الدين إذا كان في طاعة وفي غير سرف بل في أمر ضروري، وأن الغارم الكافر لا يجوز أن يعطى من الزكاة شيء، وأن القرض الحسن داخل في صنف الغارمين قياسا بالأولى.

22 - وفي مصرف (وفي سبيل الله): بسطنا مذاهب العلماء وأقوالهم ونسبة كل قول لصاحبه من أن سبيل الله يشمل الغزو والجهاد في سبيل الله والحجاج والعمار وطلبة العلم وسائر وجوه الخير والبر وأثبتنا أن المراد به في الآية الغزو وهو قول الجمهور ورأينا أن من واجب الدولة المسلمة أن تنظر فيما تحتاجه من آلات الحرب بحيث لا يصرف كله في الجهاد ويبقى الفقراء والمساكين معوزين. ونرى أن هذا السهم يشمل المجاهدين في الدرجة الأولى ونرى كذلك أنه من أهم ما يجب أن يصرف فيه المسلمون في الوقت الحاضر زكاتهم ما يؤدي إلى إقامة دعوة الله والدعوة إليه وإقامة الجهاد في سبيله وذلك لإعادة حكم الله في الأرض وشمول تحكيم كتابه. كما أننا لا نرى التوسع في صرف الزكاة وتمليكها لسائر وجوه الخير والبر إلا بشروط. 23 – وقد توصلنا أيضا في هذا البحث إلى أن الزكاة تعطى للمجاهدين في سبيل الله مع كونهم أغنياء، وأنهم يعطون عطاء ما ينفقون به على نفقاتهم كتعليم الجنود وإنشاء مصانع الأسلحة وإقامة المعسكرات كل ذلك من أوجه الإنفاق في هذا المصرف. 24 – أما فيما يتعلق بالمصرف الثامن والأخير وهو مصرف ابن السبيل فقد ذكرت أن ابن السبيل هو الذي انقطعت به الأسباب في سفره عن بلده ومستقره وماله أو هو المسافر المنقطع عن ماله لبعده عنه. وأن الذي ينطبق عليه ابن السبيل هو المنقطع عن ماله سواء كان خارج وطنه أو بوطنه أو مارا به. ويشترط لإعطائه أن يكون محتاجا في المكان الذي هو فيه وأن يكون سفره في غير معصية، وأن لا يجد من يقرضه في الموضع الذي هو فيه وأن يكون مجتازا ويعطى من الزكاة حسب حاجته ويعطى ولو كان غنيا أو مكتسبا. ثالثا: أما الباب الثالث فقد تناولت فيه دراسة وبحث تمليك الزكاة: 25 – وقد عرفت فيه الملك والتمليك وبينت أنواع الملك وذكرت أن الفقير حينما يتملك الزكاة إنما يتملك باختياره لا يجبره على احتواء هذا المال وملكه بخلاف الإرث فإنه يتملكه بغير اختياره. وكان اختيارنا لتعريف الملك بأنه: اختصاص إنسان بشيء يخوله شرعا الانتفاع والتصرف فيه وحده ابتداء إلا لمانع. وبينا أن الملك حكم شرعي ويكون من خطاب الوضع من وجه ومن خطاب التكليف من وجه آخر وتكلمنا عن حكم تمليك الزكاة ومحل التمليك وأنه من الوسائل المشروعة للتملك وشروطه وأن من أسبابه ملك الصدقة وأثبتنا أن الصدقة لا تملك إلا بالقبض وأنه يصح تمليك الزكاة لجهة المملك فيه. 26 – ثم سجل البحث موضوع الإباحة لمقارنتها بموضوع التمليك وذلك نسبة لما يعطى للفقير هل هو على سبيل الإباحة أو التمليك؟ وقد قرر البحث معناها وأقسامها وبين البحث أن الإباحة في ذاتها لا تفيد تمليكا وإنما هي طريق إلى التمليك وقد أفضت الكلام في هل الإباحة تمليك؟ وذكرت أقوال العلماء في بعض الصور هل هي من قبيل الإباحة أم التمليك؟ فذكرت الضيافة والإطعام في الكفارة، ثم انتقل البحث ليسجل لنا الفرق بين الإباحة والتمليك وأوجه الاتفاق بينهما، وحكمة اشتراط التمليك في الزكاة. ثم اتجه البحث ليبين لنا هل تمليك الزكاة شرط في أدائها؟ وقد تناولت المصارف الثمانية، فتناولت أولا الفقراء والمساكين وبينت اشتراط تمليكهم، كما بينت أن الإباحة لا تغني عن التمليك في إخراج الزكاة الواجبة للفقير وإنما يأخذون الزكاة تمليكا فلا يجزئ الغداء والعشاء لأنه لا تمليك فيه. ثم تناولت حكم تمليك الزكاة للفقير الصغير الذي لم يأكل طعاما وتبين لي رجحان جواز دفع الزكاة له سواء أكل طعاما أو لم يأكل، كما توصلت إلى أن التمليك يتحقق بقبض الصدقة من الولي أو غيره. وأن التمليك لا يتناول الصدقة النافلة.

27 – وأثبت أن دفع الزكاة للعامل عليها تكون تمليكا له فهو يملك نصيبه من الزكاة بالظهور أو بالقسمة. 28 – ثم سجل البحث تمليك المكاتبين للزكاة وذلك بإعانتهم منها وتمليكها للمكاتب الصغير ونحوه وذكرت بعد ذلك الحكمة في العدول في آية المصارف عن (اللام) في الأربعة الأولى إلى (في) في الأربعة الأخيرة ما ذكره المفسرون من أن المذكورين بـ (في) أرسخ في استحقاق الصدقة عليهم ممن تقدمهم، وأن الأولين يملكونها حيث أثبتت لهم بـ (لام) الملاك والآخرون لا تصرف لهم وإنما تصرف في جهات الحاجات المقيدة في الصفات التي لأجلها استحقوا الزكاة. 29 – ثم انتقل البحث ليبين لنا تمليك الغارمين، فقد بينت أن الغارمين لا يشترط تمليكهم، وذكرت أن إسقاط الدين من مال الزكاة عن المعسر يجوز بشرطين. 30 – ثم اتجه البحث إلى الحديث عن مصرف وفي سبيل الله وتناولنا فيه من يعطى للغازي من مال الزكاة هل يعطى له تمليكا وأثبت البحث أنه يملكها، وأن ذلك يشمل المجاهدين الأغنياء والفقراء. وأنه يجوز تمليك المجاهد بشراء سلاح له أو آلات قتال ونحوهما. 31 – وأنه يجوز أن يستأجر له السلاح لكن لا يملكه وأنه يجوز شراء سفن حربية إذا رأى ذلك الإمام أو من ينوبه ونحو ذلك من السائل من مثل شراء خيل وتمليكه للمجاهد، كما رجحت جواز شراء المزكي عقارا يقفها على الغزاة في سبيل الله – وإن لم أكن ممن يملك الترجيح – بما استطعت الوصول إليه من مسوغات الترجيح، وكذلك إعطاءه نفقته ونفقة عياله وكسوته وتمليكه إياها. كما تبين لي رجحان ما ذهب إليه الجمهور من عدم وجوب استيعاب الأصناف الثمانية الصرف إليها ولكنه مستحب بحسب الحاجة والمصلحة، وبحسب ما يراه الإمام أو نائبه أو المزكي، كما توصلت إلى أن خمسة يأخذون من الزكاة مع الغني وهم العامل على الزكاة والمؤلف قلبه والمجاهد في سبيل الله والغارم لإصلاح ذات البين وابن السبيل الذي له مال في بلده وأن خمسة لا يعطون من الزكاة إلا مع الحاجة وهم الفقير والمسكين والمكاتب والغارم لمصلحة نفسه في أمر مباح وابن السبيل. 32 – ثم اتجه البحث ليحدثنا عن تمليك الزكاة وصرفها لغير الأصناف الثمانية وتناول البحث بناء المساجد وتعميرها من مال الزكاة وأجزنا بشروط وكذلك تكفين الموتى يجوز بشروط. ورجحت جواز قضاء دين الميت من الزكاة لأنه غارم تخليصا لذمته من حقوق الناس عليه فالغارم لا يشترط تمليكه، وعلى هذا يجوز الوفاء عنه لأن الله جعل الزكاة فيهم ولم يجعلها لهم. كما تبين لي جواز صرفها في بناء القناطر والسقايات والرباطات وحفر الآبار بالشروط المذكورة وكذلك صرفها في إصلاح الطرقات ونصب الجسور وقطع الصخور ونحوها بالشروط المذكورة في محلها. وقد رجح الباحث أيضا جواز صرف الزكاة في وجوه الخير والبر والمصالح العامة بالشروط التي ذكرناها في بناء المساجد وتكفين الموتى وغير ذلك. 33 – كما أفضت الكلام في استثمار أموال الزكاة في مشاريع استثمارية تجارية ذات ريع بدون تمليك فردي للمستحق وقد أجزنا ذلك بشروط وذكرت بعض المحاولات التطبيقية لذلك وأن ما اخترته هو فتوى مجمع الفقه الإسلامي. رابعا: أما الباب الرابع فقد تناولت فيه الأصناف الذين لا تصرف لهم الزكاة وهم: الأغنياء والأقوياء المكتسبون والمتفرغون للعبادة وأصول المزكي وفروعه وزوجته وغير المسلمين وآل النبي صلى الله عليه وسلم وتبين لي أن الغنى المانع من أخذ الزكاة هو ما تحصل به الكفاية قل أو كثر.

34 – وظهر لي رجحان ما اختاره بعض العلماء من جواز دفع الزكاة إلى الوالدين والأولاد إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم لعدم وجوبها عليه حينئذ. وتبين لي جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها الفقير لعدم الدليل المانع من ذلك. كما تبين لي جواز دفع الزكاة إلى سائر الأقارب سوى الأصول والفروع والزوجة إذا كانوا فقراء، وظهر لي جواز إعطاء الزكاة إلى بني هاشم إذا منعوا خمس الخمس من الغنائم والفيء أو كان معدوما وهم فقراء لأنه محل حاجة وضرورة، كما ظهر لي أنه لا مانع من إعطائها لفاسق له أسرة يعولها، كما رجحت أن مال الزكاة إذا أعطي من يستعين به على معصية أنه لا يملكه آخذه ولا يطيب له أخذه، ثم ذكرت عدم جواز دفعها لمن لا يصلي لأنه مستغرق في المعصية. 35 – وبينت أنه لا يجوز صرفها للكافر والملحد والمرتد ومن لهم شبهة كتاب كالمجوس وأنه لا يجوز صرفها للفرق المخالفة من أهل الإسلام ولا إلى أهل الأهواء ولا إلى الفرق الضالة. ثم بينت أن صدقات التطوع جائزة على الغني وأن الغني الذي أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة يملكها على ما قرره الفقهاء، وأنها جائزة على الأصول والفروع والزوجة وكذلك الآل ومواليهم وهو قول جمهور العلماء وكذلك تحل صدقة التطوع للفاسق وللكافر وله في ذلك أجر للخبر، ولأهل الذمة وأهل الحرب لكنها لا تحل للملحد. وبعد: فهذا بحثي أضعه بين يدي القارئ الكريم، فإن وجد فيه ما يمكن نسبته إلى الخطأ ولا أخال عملا يسلم من ذلك، فلي أمل أن يغفر لي ما بذلته من جهد وما كابدته من نصب وإن كان فيه ما يمكن نسبته إلى الصواب فذلك من نعم الله وتوفيقه، والحمد لله أولا وآخر، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على سيدنا وعلى آله وصحبه وسلم، وقد كان الانتهاء منه عشية يوم 31/ 12/1988م وكان الانتهاء من طباعته يوم 27/ 3/1989م. ثم أعدت طباعته وصفه وتصميمه لنشره يوم 25/ 6/1999م في دار أسامة للنشر والتوزيع في عمّان – الأردن.

مصطلحات المذاهب الفقهية وأسرار الفقه المرموز في الأعلام والكتب والآراء والترجيحات

مصطلحات المذاهب الفقهية وأسرار الفقه المرموز في الأعلام والكتب والآراء والترجيحات ¤مريم محمد صالح الظفيري£بدون¥دار ابن حزم - بيروت¨الأولى¢1422هـ€فقه¶مصطلحات وحدود وتعريفات ومداخل فنون وأصول بحث الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأصلي وأسلم على أشرف خلقه محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين. إن دراسة مصطلحات المذاهب الفقهية أوقفتني على كثير من الفوائد والنتائج التي سأذكر أهمها في هذه الخاتمة: أولاً: أن الفروق التي وجدت في اصطلاحات الحكم الشرعي بين الجمهور والحنفية أو بين الفقهاء والمتكلمين هي فروق في الألفاظ والمسميات لا يترتب عليها شيء في الفروع الفقهية ويبدو واضحاً ميل الحنفية إلى كثرة التقسيم وتخصيص كل حالة باصطلاح معين، وأيضاً نظرة الأصوليين إلى وصف الفعل قبل أدائه أما الفقهاء فإنهم ينظرون إلى واقع الفعل. ثانياً: جميع المذاهب اعتمدت الرمز عند العزو للعالم أو الكتاب لكن بتفاوت بين مقل ومكثر، ففي المذهب الحنفي نلاحظ غلبة النزعة العلمية التي قد تصل إلى درجة المبالغة أحياناً على اصطلاحاتهم، وعدم ميلهم للاختصار أو الرمز الحرفي الذي درجت عليه المذاهب الأخرى حيث يكتفون بحرف أو حرفين للإشارة إلى القائل أو الكتاب حتى وصلت درجة المبالغة في الرمز بالحروف إلى ظهور ما يسمى بالفقه المرموز، وربما كان ذلك تأثراً بعصور الضعف العلمي الذي اقتصرت جهود العلماء فيه على تأليف المتون والمختصرات بلغ بها حد الألغاز، حتى احتاجت إلى الشروح والحواشي والتعليقات، فكتاب مغني ذوي الأفهام، شرحه مصنفه في مائة وعشرين مجلداً، ولو كمل لبلغ ثلاثمائة مجلد. ثالثاً: تتجلى الأمانة العلمية في أعلى صورها، وتحري الصواب في أرقى مراتبه، ذلك عند التصدر للإفتاء، حيث تنتقى أدق ألفاظ الترجيح، لتوسم بها الفتوى، وفي هذا دلالة واضحة على نزاهة وورع سلفنا الصالح، الذين بهم ارتفع صرح الحضارة الإسلامية. رابعاً: تختلف ألفاظ التشهير أو علامات الإفتاء من مذهب إلى آخر سواء كان من حيث استعمال اللفظ أو من حيث معناه، فلفظ الصحيح يأتي في المذهب الشافعي للترجيح بين أوجه الأصحاب، بينما يقصد به في المذاهب الأخرى ما قوي دليله، ولفظ الظاهر يعني ما تبادر إلى ذهن المجتهد من الدليل في المذاهب الثلاثة، بينما في المذهب الشافعي هو ما قوي دليله، كذلك جميع المذاهب تعتمد القياس في الفتوى، فيقولون الأشبه كذا بينما يعبر الحنابلة عن ذلك بالأقيس. ولفظ المشهور هو ما كثر قائلوه عند الحنابلة والمالكية، أما عند عامة الشافعية فيستعمل للترجيح بين أقوال الشافعي فقط. خامساً: أن الشافعية يفرقون في الترجيح بين أقوال الإمام الشافعي وأوجه الأصحاب وطرق نقل المذهب فلكل منها ألفاظ خاصة، فيستعلمون للترجيح بين أقوال الإمام الشافعي: الأظهر، والمشهور، وللترجيح بين أوجه الأصحاب: الأصح، والمختار، والصحيح، والصواب، أما لطرق نقل المذهب والترجيح بينها فيستعملون لفظ المذهب. سادساً: بعد عصر الأئمة المجتهدين، وبعد الزمن بينهم وبين عصر المتأخرين، وبسبب تعدد الروايات عنهم، واختلاف طرق النقل، وتصدر للإفتاء من ليس أهلاً له، كثرت الفتاوى واختلط الصحيح بالضعيف، ظهرت الحاجة إلى تنقيح المذهب وتصحيحه وبيان الراجح من الخلاف وضبط الفتاوى بأصول المذهب، وقوة الدليل إلا ما ساغ عليه العمل مراعاة لظروف الناس وأعرافهم، كما أن رغبة بعض أمراء المسلمين لمعرفة الصحيح من السقيم ليحفظوا للناس دينهم، هبَّ من كل مذهب مخلصوه فعمدوا إلى الفتاوى، وبينوا الصحيح من المذهب والمشهور وما عليه أكثر الأصحاب، فكانت علامات الإفتاء والتشهير للدلالة على درجة الفتوى من حيث القبول أو الرد. سابعاً: ارتبطت نشأة كل مذهب بظروف خاصة أثرت على لغة المذهب واصطلاحات الفقهاء، فوجود الإمام مالك في المدينة وموقفه من علم أهلها كانت له اصطلاحاته الخاصة، وانتقال الإمام الشافعي من العراق إلى مصر له أثره على ألفاظ فقهاء المذهب، وعدم وجود مؤلف مستقل للإمام أحمد في الفقه وتوجه الأصحاب لنقل فتاواه وأقواله وكذلك زهد الإمام وورعه كل ذلك أثر في المذهب باصطلاحات ميزته عن بقية المذاهب.

مقام إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام هل يجوز تأخيره عن موضعه عند الحاجة لتوسيع المطاف

مقام إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام هل يجوز تأخيره عن موضعه عند الحاجة لتوسيع المطاف ¤عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني£بدون¥بدون¨بدون¢1378هـ€فقه¶مقام إبراهيم - الحجر الأسود تلخيص وتوضيح: يتلخص مما تقدم: أن الآيتين اللتين صدرت بهما الرسالة وغيرهما من الأدلة تأمر بتهيئة ما حول البيت للطائفين – مبدوءا بهم – وللعاكفين والمصلين، وأن المقصود من التهيئة لهذه الفرق: تمكينها من أداء تلك العبادات على وجهها بدون خلل ولا حرج. إن هذه التهيئة تختلف باختلاف قلة تلك الفرق وكثرتها. ففي يوم الفتح كان المهم إزالة الشرك وآثاره. وفي حجة أبي بكر رضي الله عنه، سنة تسع: كان الناس قليلاً يكفيهم المسجد القديم ولا يؤدي بقاء "المقام" في موضعه الأصلي بلصق الكعبة وصلاة من يصلي خلفه، إلى تضييق على الطائفين ولا خلل في العبادتين. وفي حجة النبي صلى الله عليه وسلم كثر الحاجون لأجل الحج معه صلى الله عليه وسلم. ولم يكن ينتظر أن تستمر تلك الكثرة في السنين التي تلي ذلك. وكان تأخير "المقام" حينئذ يستدعي توسعة المسجد ليتسع ما خلف "المقام" للعاكفين والمصلين؛ وكانت بيوت قريش ملاصقة للمسجد، وتوسعته تقتضي هدم بيوتهم. وعهدهم بالشرك قريب. تنفيرهم حينئذ يخشى منه مفسدة عظيمة لدنو وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك لم يوسع النبي صلى الله عليه وسلم المسجد، وخيم هو أصحابه بالأبطح، وكان يصلي هناك. فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه، كثر الناس كثرة يتوقع استمرارها في السنين المقبلة. وتمكن الإسلام من صدور الناس. ولم يبق خشية من نفرة من عساه أن ينفر ممن يهدم بيته. فهدم عمر ما احتاج إلى هدمه من بيوتهم، ووسع المسجد بقدر الحاجة حينئذ. وأخر "المقام" وزاد من بعده في توسعة المسجد ليخلوا المسجد القديم للطائفين. ثم لا نعلم كثر الحجاج والعمار بعد ذلك بقدر ما كثروا في هذه السنين. والنظر ينفي ذلك، كما تقدم أول الرسالة. وكانوا إذا كثروا في سنة لم ينتظر أن تستمر مثل تلك الكثرة فيما يليها من السنين. وكان "المقام" في القرون الأولى بارزاً، لم يكن عليه بناء، ولا بالقرب منه بناء. فكان من السهل على الطائفين عند الكثرة أن يطوفوا من ورائه. ويكف غيرهم في ذاك الوقت عن الصلاة خلفه. إذ كان يغلب على الناس معرفة أن إيذاء الطائف والمصلي خلف المقام لغيره حرام، وأن المندوب والمستحب إذا لزم من فعله مكروه: ذهب أجره. فكيف إذا لزم منه الحرام؟ وأن من ترك المندوب اجتناباً للمكروه أو الحرام: ثبت له أجر ذلك المندوب أو أعظم منه. وما نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما من المزاحمة على استلام الحجر الأسود، إنما معناه: أنه كان يتحمل إيذاء الناس له، إن آذاه أحد منهم. ولا يؤذيهم هو. بل كان ينتظر حتى يجد فرجة فيتقدم إليها فيرجمه الناس من خلفه، فيصبر حتى يجد فرجة أخرى فيتقدم، وهكذا. وكان جمهور الصحابة وأفاضل التابعين يتجنبون المزاحمة. إن الحجاج والعمار قد كثروا في عصرنا كثرة لا عهد بها. وينتظر استمرارها وازديادها عاماً فعاماً. وأصبح المطاف يضيق بالطائفين في موسم الحج ضيقاً شديداً، يؤدي إلى الحرج والخلل، كما أشرت إليه أول الرسالة ولا تتم التهيئة المأمور بها إلا بتأخير المقام، كما تقدم بيانه أيضاً فصارت الحال أشد مما كانت عليه حين أخر عمر رضي الله عنه المقام. إن الحكم المتعلق بالمقام – وهو اتخاذه مصلى، أي يصلى إليه – لو كان يختص بموضع لكان هو موضعه الأصلي الذي انتهى إليه إبراهيم في قيامه عليه لبناء الكعبة. وقام عليه فيه للأذان بالحج، ونزلت الآية {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] وهو فيه.

وصلى إليه النبي صلى الله عليه وسلم مراراً. تلا في بعضها الآية وهو فيه. فلما أجمع الصحابة رضي الله عنهم على تأخيره، وانتقال الحكم – وهو الصلاة إليه – معه. ثبت قطعاً أن الحكم يتعلق به، لا بالموضع، إلا أنه يراعى ما راعوه من بقائه على السمت الخاص في المسجد، قريباً من الكعبة القرب الذي لا يؤدي إلى ضيق ما أمامه على الطائفين. إنما نقطع بأن تأخير الصحابة للمقام كان عملا بكتاب الله تعالى الآمر بالتهيئة للطائفين أولاً، وللعاكفين والمصلين بعدهم، واتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الاتباع بالنظر إلى المقصود الشرعي الحقيقي. وإنه لا يخدش في ذلك: أن فيه مخالفة صورية. فكذلك إذا تحقق الآن مثل ذاك المقتضى فالعمل بمثل عمل الصحابة، مع رعاية ما راعوه – هو عمل بكتاب الله عز وجل، واتباع لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وإجماع المسلمين الإجماع المتيقن ولا يخدش في ذلك أن فيه مخالفة صورية. وكما يقول أهل العلم: إن الحكم يدور مع علته. وبعد، ففي علماء المسلمين – بحمد الله عز وجل – من هم أعلم مني وأعرف. ولا أكاد أكون – بالنسبة إليهم – طالب علم. ولاسيما سماحة المفتي الأكبر إمام العصر في العلم والتحقيق والمعرفة، الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ. مد الله تعالى في حياته. وهو المرجع الأخير في هذا الأمر وأمثاله. وإنما كتبت ما كتبت ليعرض على سماحته. فما رآه فهو الأولى بالحق، والحقيق بالقبول. وكما قلت في أول هذه الرسالة "ما كان فيها من صواب فمن الله عليَّ وعلى الناس. وما كان فيها من خطأ فمني. واسأل الله التوفيق والمغفرة". والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على خاتم المرسلين وإمام المهتدين محمد وعلى آله أجمعين.

مكانة الكتب وأحكامها في الفقه الإسلامي

مكانة الكتب وأحكامها في الفقه الإسلامي ¤خالد بن عبدالرحمن بن عيسى£بدون¥دار البشائر الإسلامية – بيروت¨الأولى¢1431هـ€فقه¶فقه - أحكام مسائل فقهية منوعة مفردة الخاتمة: فقد توصلت من خلال هذا البحث إلى نتائج أبرزها الآتي: 1 - ظل الكتاب محتفظاً بمكانته رغم تطور الوسائل المعلوماتية الحديثة التي تعتبر مصادر للمعرفة ونشر العلم والثقافة. 2 - إن كثرة ما ينشر في العالم ويطبع من الكتب ذات العناوين والموضوعات المختلفة – تدعو إلى الاعتناء بأحكام الكتب وإخضاعها للشرع الإسلامي. 3 - مدى اهتمام العلماء والمصنفين بالكتب، وهذا ظاهر من خلال أقوالهم وسلوكهم المنقول إلينا عبر مؤلفاتهم والمصنفات المهتمة بهذا المجال. 4 - إن التشريع الإسلام سبق التشريعات القانونية الحديثة في وضع أسس وضوابط حماية حقوق التأليف. 5 - نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث والعلم أول الأمر كان لئلا يختلط القرآن بغيره، أو لئلا يشتغل بها عن القرآن، أو حتى لا يترك الحفظ اتكالاً على الكتب، ثم استقر الأمر على الكتابة وأنها من وسائل حفظ العلم. 6 - يكره المحدث حدثاً أصغر أو أكبر مس كتب التفسير، ويجوز لهما مس الكتب الشرعية الأخرى وكتب أهل الكتاب بناء على ما ترجح لدي. 7 - يحرم الاستجمار بأي ورقة فيها ذكر الله تعالى، في أي كتاب ورد، وبأي موضوع أدرج، والأفضل في هذا المقام أيضاً ترك الاستجمار بأي ورقة مكتوبة وإن لم يكن فيها ذكر الله تعالى، خاصة مع وجود البدائل من المحارم الورقية ونحوها. 8 - يجوز إتلاف الكتب إذا لم يمكن الانتفاع بها بأي وسيلة ليس فيها امتهان لها، ومع وجود آلة تمزيق الأوراق الكهربائية أضحت العملية سهلة وبعيدة عن الامتهان:. 9 - عدم جواز تحلية أو تمويه الكتب بالذهب أو الفضة كما هو مذهب جمهور الفقهاء، وكذا لا يجوز تكسيتها بالحرير كما هو الأصح عند الحنابلة، لما في ذلك كله من السرف وإضاعة المال. 10 - ليس هناك زكاة في الكتب غير المحلاة بالذهب والفضة، بينما تزكى الكتب المحلاة بهما إذا توافرت فيها شروط الزكاة. 11 - تصرف الزكاة لمن يملك كتباً خاصة به إذا كان فقيراً، لتحقق وصف الفقر فيه. 12 - لا تحرق كتب العلم إذا كانت ضمن متاع الغالِّ من الغنيمة، لما فيه من الإضرار بدينه. 13 - لم يبق هناك خلاف حول جواز بيع الكتب المحترمة في الوقت الحاضر. 14 - الراجح في مسألة إجارة الكتب المحترمة هو جواز الإجارة، وهذا لا يتنافى مع احترامها وصيانتها عن الابتذال. 15 - القول باستحباب إعارة الكتب المحترمة هو الراجح، لكونها من الأعمال المستحسنة والمرغب فيها شرعاً. 16 - الراجح في مسألة وقف الكتب هو القول بالجواز، لجريان العرف وتعامل الناس بذلك. 17 - إذا بلغت الكتب المحترمة المسروقة نصاباً، فإنه يقطع بسرقتها على الراجح. 18 - تعد نازلة حق تأليف الكتب من النوازل المستجدة على الساحة، والرأي الراجح فيها أن حق التأليف حق مالي معتبر يجوز الاعتياض عنه بالمال، وبالتالي يجري التوارث فيه، ولا يجوز التعدي أو التصرف فيه إلا بإذن المؤلف أو ورثته.

من تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة - صلاة التراويح -

من تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة - صلاة التراويح - ¤محمد ناصر الدين الألباني£بدون¥بدون¨بدون¢بدون€فقه¶صلاة التطوع - وتر وقيام الليل وتراويح وتهجد ملخص الرسالة: لقد طالت بحوث هذه الرسالة فوق ما كنا نظن، ولكنه أمر لا مناص لنا منه لأنه الذي يقضيه النهج العلمي في التحقيق، فرأينا أخيراً أن نقدم إلى القراء الكرام ملخصاً عنها، لكي تكون ماثلة في ذهنه فيسهل عليه استيعابها والعمل بها إن شاء الله تعالى .. فأقول: يتلخص منها: أن الجماعة في صلاة التراويح سنة وليست بدعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي عديدة، وإن تركه لها بعد ذلك إنما كان خشية أن يظنها فريضة أحد من أمته إذا داوم عليها، وإن هذه الخشية زالت بتمام الشريعة بوفاته صلى الله عليه وآله وسلم. وأنه صلى الله عليه وسلم صلاها إحدى عشرة ركعة، وأن الحديث الذي يقول أنه صلاها عشرين، ضعيف جداً. وأنه لا يجوز الزيادة على الإحدى عشرة ركعة، لأن الزيادة عليها يلزم منه إلغاء فعله صلى الله عليه وسلم له وتعطيل لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ولذلك لا يجوز الزيادة على سنة الفجر وغيرها. وأننا لا نبدع ولا نضلل من يصليها بأكثر من هذا العدد، إذا لم تتبين ولم يتبع الهوى. وأنه لو قيل بجواز الزيادة عليه فلا شك أن الأفضل الوقوف عنده لقوله صلى الله عليه وسلم: ((خير الهدي هدي محمد)). وأن عمر رضي الله عنه لم يبتدع شيئاً في صلاة التراويح، وإنما أحيا سنة الاجتماع فيها، وحافظ على العدد المسنون فيها، وأن ما روي عنه أنه زاد عليه حتى جعلها عشرين ركعة لا يصح شيء من طرقه، وأن هذه الطرق من التي لا يقوي بعضها بعضاً وأشار الشافعي والترمذي إلى تضعيفها، وضعف بعضها النووي والزيلعي وغيرهم. وأن الزيادة المذكورة لو ثبتت، فلا يجب العمل بها اليوم لأنها كانت لعلة وقد زالت، والإصرار عليها أدى بأصحابها في الغالب إلى الاستعجال بالصلاة والذهاب بخشوعها بل وبصحتها أحياناً! وأن عدم أخذنا بالزيادة مثل عدم أخذ قضاة المحاكم الشرعية برأي عمر في إيقاع الطلاق الثلاث ثلاثاً ولا فرق، بل أخذنا أولى من أخذهم حتى في نظر المقلدين! وأنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه صلاها عشرين ركعة بل أشار الترمذي إلى تضعيف ذلك عن علي. وأنه لا إجماع على هذا العدد. وأنه يجب التزام العدد المسنون لأنه الثابت عنه صلى الله عليه وسلم وعن عمر وقد أمرنا باتباع سنته صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين. وأن الزيادة عليه أنكره مالك وابن العربي وغيرهما من العلماء. وإنه لا يلزم من إنكار هذه الزيادة الإنكار على الذين أخذوا بها من الأئمة والمجتهدين، كما لا يلزم من مخالفتهم الطعن في علمهم أو تفضيل المخالف عليهم في العلم والفهم. وأنه وإن لم تجز الزيادة على الإحدى عشرة ركعة، فالأقل منه جائز حتى الاقتصار على ركعة واحدة منها لثبوت ذلك في السنة، وقد فعله السلف. وأن الكيفيات التي صل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر كلها جائزة وأفضلها أكثرها والتسليم بين كل ركعتين. هذا آخر ما يسر الله تبارك وتعالى لي جمعه في "صلاة التراويح" فإذا وفقت فيها للصواب فالفضل لله تبارك وتعالى وله الفضل والمنة وإن كانت الأخرى فأنا أرجو كل من يقف فيها على ما هو خطأ أن يرشدنا إليه والله تبارك وتعالى يتولى جزاءه. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله على النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي

موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي ¤محمد نعيم محمد ساعي£بدون¥دار السلام - القاهرة¨الأولى¢1426هـ€فقه¶مسائل وسؤالات الخاتمة هذا الكتاب، وهذه الموسوعة: - هو أول جهد علمي امتد عبر نحو عقدين من الزمان ليجمع بين دفتيه مسائل الفقه الإسلامي التي ذهب إليها، أو قال بها جمهور العلماء وأئمة السلف وصالحي هذه الأمة في خير القرون كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم. - جمع هذا المصنف أمهات مسائل الفقه الإسلامي. لم يتخلف عنها إلا النذر اليسير. تلك الأمهات التي على أساسها قام صرح الفقه والتشريع الإسلامي. - يعتبر هذا الكتاب تأريخًا علميًا عمليًا لمدارس الفقه ومذاهبه في ظهورها الأول ابتداءً بعصر الصحابة والتابعين وانتهاءً بعصر آخر الأئمة المجتهدين أمثال الطبري، وابن المنذر. - هذه الموسوعة هي في حقيقتها امتثال علمي عملي لما أوصى به الأئمة الكبار من التابعين ومن بعدهم أمثال: عبيدة السلماني، وأبي الزناد، ومالك بن أنس، من العناية بمذاهب أكثر أهل العلم واتباع أقوال جمهورهم في المسائل المختلف فيها. - هذه الموسوعة ترجمة عملية لنلك الأخلاق العلمية الفذة التي تحلى بها علماء هذه الأمة وفقهاؤها في صدرها الأول. والتي كان من أبرزها تلك النزاهة والأمانة الفريدتان اللتان تحملان أمثال ابن عبد البر المالكي، وهو ينقل مذاهب الفقهاء ليقول: ((ولا نعلم أحدًا وافق مالكًا من فقهاء الأمصار في قوله هذا)). أو تحملان النووي لنحو هذا، وغيره كثير مما يراه القارئ في هذه الموسوعة المباركة إن شاء الله تعالى. - ضمت هذه الموسوعة إلى جانب أصل مسائلها كثيرًا من مسائل الإجماع أو الاتفاق التي لها تعلق بأبواب الكتاب ومسائله مما يجعل الفائدة مضاعفة. ولا شك أن من اجتمع عنده أمهات مسائل الفقه مضمومًا إليها ما تعلق بها من مسائل الاتفاق. فقد كاد أن يجتمع له أصل الفقه الإسلامي وأساسه. - لخصت هذه الموسوعة بأسلوب سهل موجز عيون مسائل الفقه الإسلامي من أهم وأكبر مصادره مما يجعلها خلاصة لثروة علمية فقهية فذة، ومرجعًا فقهيًا لا يستغنى عنه. - وهذه الموسوعة صلة وصل بين حاضر الأمة وماضيها، وبين سلفها وخلفها، إذ ليس في غالبها إلا أسماء الذهب والياقوت من أكابر علماء هذه الأمة المرضية، ولعل هذا يكون حافزًا لجيلنا المعاصر للعودة إلى تراث الماضين وأخلاق الغابرين. - استوعبت هذه الموسوعة مسائل الفقه الإسلامي بمختلف أبوابه. ورتبت ترتيبًا فقهيًا. ابتداءً بكتاب الطهارة وانتهاءً بكتاب عتق أمهات الأولاد. وهي بذا تقدم فائدة علمية سريعة لطلاب العلم وأهله خاصة، والمثقفين والباحثين عن المعرفة عامة. - سيجد المفتون وأئمة المساجد والمراكز الإسلامية إن شاء الله تعالى في هذه الموسوعة بغيةً عزيزة. وضالة منشودة؛ إذ أن الكتاب في جملته مسائل الفقه التي لا ينفك أحدٌ من العامة إلا وهو محتاجٌ لها، أو مستفتٍ أهل العلم عنها. - هذه الموسوعة تعتبر ردًا علميًا عمليًا على تلك الموجة الساذجة التي خرجت قبل نحو خمسين سنة، وإلى أيامنا هذه _ تنادي بالقضاء على الخلاف الفقهي، جاهلةً أو متجاهلة _ أن الخلاف في فروع الفقه مقصد رباني وغاية تشريعية، تعكس جمالاً في هذا الدين إذا صدر من أهله وأئمته بأخلاقياتهم العالية وأرواحهم السامية.

- هذه الموسوعة تأكيد علمي على أن مالكًا وأبا حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم من فقهاء هذه الأمة ليسوا إلا حلقة من الحلقات العلمية الفذة في سلسلة ذهبية من التلقي والتحصيل بدأت في عصر الكبار من فقهاء الصحابة والتابعين ومن بعدهم أمثال: عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري وابن سيرين وابن المبارك والنخعي وعلقمة ونافع والليث والأوزاعي وغيرهم رحمهم الله تعالى. - هذه الموسوعة حصن حصين لأهل الورع والاحتياط، وهي كذلك فسحة وبحبوحة لأهل المضايق والحاجات إذا عز عليهم أن يجدوا في قول المعاصرين رخصة تتسع لحاجاتهم أو تستوعب نازلتهم. - وإذا كانت هذه الموسوعة تُغني في أصل وضعها بالمسائل التي ذهب إليها جمهور العلماء والفقهاء، فإنها في الوقت نفسه موسوعة جمعت في كتاب واحد كل عجيب وغريب من الأقوال الشاذة، والتي انفرد بها بعض أئمة أهل العلم من السلف الصالح رحمهم الله تعالى وليجد القارئ فيها إن شاء الله تعالى كل شيق وممتع ومفيد. - كان من بين مقاصد هذه الموسوعة المباركة التخفيف من حدة التعصب للأقوال والمذاهب، وذلك إذا عُرف أن كثيرًا من المسائل التي يتحمس لها الجيل الجديد ويحسبها الصحيح الذي لا يصح غيرها، أو أنها الأصول التي لا يجوز فيها المسامحة والمجاملة، قد وجد من السلف من هم خير منا علمًا وعملاً من قالوا بخلافها أو نقيضها، ,لم يكن هذا ليفسد حال الأمة أو يعطل مسيرته أو ينغص على أهل الإسلام محبتهم ومودتهم. - وأخيرا وليس آخرًا، فإن أقوال الجمهور لها أهميتها الخاصة ومكانتها الرفيعة عند أهل العلم من الفقهاء والأصوليين والمحدثين وقد بينت بعضًا من ذلك في مقدمة الكتاب وبينت كذلك حرص الأئمة الكبار على تجنب مخالفة قول الجمهور وأكثر أهل العلم قدر المكنة والاستطاعة، ونبهت على أن الفوائد العلمية والإحصائية التي يمكن أن تستنبط أو تستخلص من هذا العمل الموسوعي أرضها رحبةٌ، وبابها واسع، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب والحمد لله أولاً وآخرًا.

موقف الشريعة الإسلامية من الرقص

موقف الشريعة الإسلامية من الرقص ¤عبدالفتاح محمود إدريس£بدون¥بدون¨الثانية¢1417هـ€فقه¶تمثيل - رقص خاتمة في حكم تعليم الرقص واحترافه والمعاوضة عليه رجحت فيما سبق أن الرقص يحرم إتيانه إلا إذا كان في موطن سرور مباح، فيباح للرجال الرقص بالرماح أو السيوف أو العصي أو ما شابهها فيه والرقص بها لا يفتقر إلى إنشاء معاهد لتعليم حركات الرقص، وذلك لأنها حركات بسيطة لا تحتاج إلى تفنن أو تأنق عند الإتيان بها، ولما كان الرقص محرما بحسب الأصل، كما رجحت من قبل – فإن إنشاء المعاهد لتعليمه يعد طريقاً إلى المحرم، فيحرم إنشاؤها لهذا الغرض، ويترتب على القوال بحرمته كذلك، حرمة احترافه واتخاذه وسيلة للكسب، ولهذا فلا تجوز الإجارة عليه، لأنه معصية، وهذه لا يتصور استحقاقها بعقد شرعي، وإلا كان ما يستحق به المرء العقاب مضافا إلي الشرع، وهذا لا يجوز بحال، ولأن المنفعة المتحصلة من هذه الإجارة منفعة محرمة، فلا تجوز الإجارة لاستيفائها ولا تقابل بعوض، ولا يجوز كذلك بيع الشرائط التي سجل عليها صور الرقص، إذا روعي في تقدير ثمنها ما صور عليها، ولا يجوز ابتياعها لمشاهدة ما عليها من صور الرقص، لأنه عقد على معصية الله تعالى، فلا يصح، شأنه في هذا شأن كل ما يقصد به الحرام.

موقف الشريعة الإسلامية من خلو الرجل (أو الفروغية)

موقف الشريعة الإسلامية من خلو الرجل (أو الفروغية) ¤مشهور بن حسن آل سلمان£بدون¥دار الفيحاء¨الأولى¢1407هـ€فقه¶عقود مالية - خلو الرجل تنبيهات: ومما تجدر الإشارة إليه في الختام: أولاً: إن الفقهاء قد قرروا أنه يشترط أن يكون أثر المستأجر الثاني على العقار ومالكه، مماثلاً لأثر المستأجر الأول أو أحسن، لئلا يتضرر المالك بذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا ضرر ولا ضرار)) إلا إذا رضي المالك بذلك، مثلاً: لا يجوز لمستأجر عقاراً ليعمل فيه خياطاً أن يخليه لمستأجر آخر، ليعمل فيه حداداً لأن الحدادة توهن البناء، وتضر به ضرراً أكبر من ضرر الخياطة، والمالك قد رضي بالضرر الناشئ عن الخياطة، فهو راض – حكما – بكل ضرر مماثل لضرر الخياطة للبناء، ولا يرضى – حكماً – بالضرر الزائد على ذلك إلا إذا أفصح عن رضاه، فيجوز. ثانياً: إننا إذ نقول بمشروعية "الخلو" على النحو الذي بسطناه، فإننا نقيد ذلك بالبدل العادل، وعلى الحكومات الإسلامية أن تصدر التشريعات العادلة، التي تضبط الأمر، وتمنع من استغلال أحكام الشريعة، لأغراض دنيئة. حكم بيع شهرة المحل: سبق وأن ذكرنا أن "الخلو" يختلف عن شهرة المحل، وبينا فيما سلف من مباحث ما يتعلق "بالخلو" من أحكام فقهية، ولم أقف على كلام للمحدثين من الفقهاء في حكم بيع شهرة المحل، إلا ما ذكره الشيخ محمد تقي العثماني في تكملة فتح الملهم بشرح صحيح مسلم "1/ 365" نقلاً عن حوادث الفتاوى "6/ 69" ففيه فتوى للشيخ أشرف علي التهانوي بالجواز. وإليك نص كلامه: "قد شاع في عصرنا، بيع الأسماء التجارية، فمن اشتهر اسم متجره، بأن المشترين يميلون إلى ذلك الاسم، يبيع اسم متجره فقط، وهو في الحقيقة: بيع لإحداث العقود مع المشترين، بهذا الاسم الخاص، وقد أفتى حكيم الأمة مولانا الشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله بأن في هذا البيع سعة، وقاسه على جواز النزول عن الوظائف بمال، وقد طبعت فتواه في حوادث الفتاوى".

نقض الأحكام القضائية في الفقه

نقض الأحكام القضائية في الفقه ¤عبدالكريم بن محمد اللاحم£بدون¥دار إشبيليا¨الأولى¢1419هـ€فقه¶قضاء وأقضية - أعمال شاملة ومنوعة الخاتمة مما تقدم يتضح لنا ما يلي: أولاً: نقض الحكم، ويتضمن فقرتين: الحالات التي ينقض فيها الحكم. الحالات التي لا ينقض فيها الحكم. الفقرة الأولى: الحالات التي ينقض فيها الحكم: إذا خالف دليلاً قاطعاً من كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو إجمال الأمة، وهذا باتفاق، سواء أكان القاضي مجتهداً أم مقلداً. إذا خالف قياساً جلياً، أو القواعد العامة، وهذا عند المالكية والشافعية. إذا كان القاضي مقلداً: مطلقاً عند الحنابلة، أي: سواء وافق مذهبه أم لا، كان حكمه صواباً أم لا. إذا خالف مذهبه مذهب الحنفية والشافعية. (ج) إذا كان حكمه خطأ أو لم يشاور فيه علماء مذهبه عند المالكية. (د) إذا كان حكمه خطأ ظاهراً، عند ابن قدامة ومن وافقه. الفقرة الثانية: الحالات التي لا ينقض فيها الحكم: إذا كان القاضي مجتهداً، ولم يخالف نصاً، ولا إجماعاً، ولا قياساً جلياً، وهذا بالاتفاق. إذا كان القاضي مجتهداً ولو خالف قياساً جلياً، وهذا عند غير المالكية، والشافعية. إذا كان القاضي مقلداً، ووافق مذهبه، وهذا عند الحنفية والشافعية. إذا كان القاضي مقلداً وكان حكمه صواباً، وقد شاور فيه أهل العلم، وهذا عند المالكية. إذا كان الحكم صواباً، سواء أكان القاضي مجتهداً أم مقلداً. وهذا ابن قدامة ومن وافقه. ثانياً: ولاية النقض، وتتضمن فقرتين: من يجوز له نقض الحكم. من لا يجوز له نقضه. الفقرة الأول: من يجوز له نقض الحكم، وهم كما يلي: الوالي (الحاكم) إذا توافرت فيه شروط القضاء. من يجعل لهم ولاية النقض، كقضاة التمييز، ودوائر التدقيق. القاضي الذي أصدر الحكم. القاضي الذي يطلع على الحكم، أو يرفع إليه في ولايته. الفقرة الثانية: من لا يجوز له نقض الحكم، وهم كما يلي: من لا يتصف بولاية القضاء. القاضي المعزول. القاضي الذي لا يطلع على الحكم ولا يرفع إليه. القاضي الذي يطلع على الحكم، أو يرفع إليه وهو في غير ولايته. ثالثاً: توقف النقض على الاعتراض على الحكم وطلب نقضه: وفي ذلك رأيان: أصحهما أنه لا يتوقف على الطلب، خصوصاً وأنه لا ينقض، إلا إذا كان خطأ واضحاً، ولصاحب الحق أن يطالب بحقه إذا نقض الحكم، أو يتركه. رابعاً: نقض الحكم بعد تنفيذه: وفيه فقرتان: إذا لم يمكن تداركه. إذا أمكن تداركه. نقض الحكم بعد التنفيذ إذا لم يمكن تداركه: إذا لم يمكن تدارك الحكم إذا نفذ، كالعقوبة البدنية، من حد، أو تعزير، أو قصاص، لم ينقض؛ لأنه لا فائدة من نقضه. الفقرة الثانية: نقض الحكم بعد التنفيذ إذا أمكن تداركه: إذا أمكن تدارك الحكم بعد التنفيذ، فقد اختلف في نقضه على أصولين: أرجحهما عدم نقضه، ويحمل المتسبب تبعاته من ضمان أو قصاص.

نهاية المطاف في تحقيق أحكام الطواف

نهاية المطاف في تحقيق أحكام الطواف ¤سليمان بن فهد العيسى£بدون¥بدون¨بدون¢بدون€فقه¶حج وعمرة - طواف الخاتمة لقد تبين بعد هذا العرض الفقهي المفصل لموضوع (نهاية المطاف في تحقيق أحكام الطواف) وبسط آراء العلماء في عموم مباحثه وأدلتهم ومناقشتها ما يلي: أولا: كيفية صفة الطواف وحكمة مشروعيته وفضله. ثانيا: أن جملة أنواع الطواف: ستة، منها ثلاثة في حج الأفراد والقران، وهي طواف القدوم، وطواف الإفاضة وطواف الوداع، واثنتان في العمرة وهما طواف الفرض وطواف الوداع لها إن جلس في مكة بعد طواف الفرض وهذا بالنسبة للآفاقي. ثالثا: رجحان القول بوجوب طواف القدوم لمن دخل مكة مفردا أو قارنا بينه وبين العمرة دون من لم يدخلها بأن توجه رأسا إلى منى أو عرفات. رابعا: طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يسقط بحال وهذا محل إجماع بين أهل العلم. خامسا: بعد عرض آراء العلماء وأدلتهم ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة تبين أن ابتداء وقت الإفاضة ينبني على ابتداء وقت جواز الدفع من مزدلفة ليلة النحر، وقد تبين من خلال الأدلة: أن ابتداءه يختلف باختلاف الحاج قوة وضعفا فالضعفة ومرافقوهم يبتدأ الطواف في حقهم بعد غيبوبة القمر ليلة النحر، والأقوياء: يبتدأ الطواف في حقهم بعد طلوع الشمس من يوم النحر. سادسا: لا نهاية لوقت طواف الإفاضة بل يبقى وقته ما دام صاحب النسك حيا، غير أن العلماء اختلفوا في وجوب الدم في تأخيره عن أيام التشريق، أو عن شهر ذي الحجة وتبين أن الراجح عدم وجوب الدم لأن آخر وقته غير محدود كما تقدم. سابعا: طواف العمرة ركن من أركانها لا تصح العمرة إلا به وهو محل إجماع بين العلماء. ثامنا: طواف الوداع للحج واجب لغير حاضري المسجد الحرام لا يسقط إلا عن الحائض، ووقته بعد أن يفرغ الحاج من جميع مناسك الحج ومن جميع أعماله عند إرادته السفر من مكة. تاسعا: يجزي طواف الإفاضة عن طواف الوداع إذا أخره فطافه عند الخروج ومن خرج قبل الوداع فعليه أن يرجع إن لم يتباعد، فإن تباعد لم يلزمه الرجوع وعليه دم، ومن وادع ثم أقام خارج مكة فلا يلزمه إعادة الوداع عند سفره. عاشرا: بعد عرض آراء العلماء وأدلتهم ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة تبين أن طواف الوداع للعمرة واجب لعدة وجوه ... الخ. حادي عشر: بيان فضل التطوع بالطواف وأنه أفضل للآفاقي من التطوع بنوافل الصلاة المطلقة، وأما نوافل الصلاة المقيدة كالرواتب، أو ما تشرع له الجماعة: كالتراويح فهي أفضل من الطواف لأنها محددة بزمن تفوت بفواته. ثاني عشر: يجوز في أي وقت من ليل أو نهار الطواف وكذا صلاة ركعتيه. ثالث عشر: بعد عرض آراء العلماء وأدلتهم ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة تبين جواز إهداء ثواب الأعمال البدينة والتي منها الطواف، ووصولها للمهدي إليهم، إلا أن الأفضل والأولى أن يجعل الإنسان العمل الصالح لنفسه من عمرة وحج وصدقة وصلاة وطواف وقراءة قرآن وغيرها لأنه محتاج إلى ذلك، وله أن يدعو لمن أحب أن ينفعه في أثناء عبادته أو بعدها فيدعو له في طوافه وفي سائر أعماله. رابع عشر: من خلال سياق الأقوال والأدلة فيما يجب على القارن من طواف تبين أن القول الراجح أنه لا يجب عليه إلا طواف واحد لحجة وعمرته لقوة وصحة أدلة هذا القول كما أن الراجح الذي تسانده الأدلة أن المتمتع يجب عليه طوافان: طواف لعمرته وطواف لحجه. خامس عشر: تبين أن الشروط المتفق عليها بين العلماء لصحة الطواف غير الشروط العامة لكل عبادة هي: أن يكون الطواف حول الكعبة المشرفة، وأن يكون داخل المسجد الحرام ولو بعيدا عن الكعبة، وأن يكون الطواف من وراء الحجر، كما يشترط دخول وقت الطواف إذا كان له وقت معين وذلك كطواف الإفاضة.

سادس عشر: لا يشترط تعيين النية عند الطواف فيما إذا كان الطواف طواف فرض لعمرة أو حج لأن نية الإحرام كافية ما لم ينو غير الفرض فإن نوى لم يصح عن الفرض لعموم حديث (إنما الأعمال بالنيات). سابع عشر: يشترط ستر العورة للطواف خلافا للحنفية، لقوله صلى الله عليه وسلم (وألا يطوف بالبيت عريان) ولأدلة أخرى تقدمت في موضعها. ثامن عشر: يشترط إكمال سبعة أشواط لصحة الطواف خلافا للحنفية الذين قالوا بأن القدر المفروض هو أكثر أشواطه، وذلك لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه طاف سبعا وقد قال: (لتأخذوا عني مناسككم). كما يشترط أيضا الابتداء بالحجر الأسود وجعل البيت عن يسار الطائف لما تقدم من الأدلة. تاسع عشر: المشروع هو الموالاة ما بين الأشواط، والفصل إذا كان لعذر أو كان يسيرا لا يضر الموالاة كما أن الأولى هو الطواف ماشيا مع عدم العذر أو الحاجة. العشرون: بعد عرض آراء العلماء وأدلتهم في حكم اشتراط الطهارة للطواف ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة تبين لي التفريق بين الحدث الأكبر والأصغر في الحكم فمن حدثه أكبر كالحائض والنفساء والجنب فالطهارة شرط، ما لم تكن هناك ضرورة قصوى للحائض أو النفساء. أما من حدثه أصغر أو طاف نجسا فالطهارة واجبة لا شرط فيصح طوافه وهل يجبره بدم؟ فيه تفصيل: فإن كان ترك الطهارة لعذر فلا شيء عليه، أما إن تركها لغير عذر فالقول بوجوب الدم عليه قوي متجه. الحادي والعشرون: طواف الحائض للضرورة القصوى جائز عند تعذر المقام، لكن أولى منه إن تيسر: أن تسافر وتعود مع زوج أو محرم لتطوف وهي متطهرة وأولى منهما استعمال دواء منع العادة الشهرية إذا تيقنت أو غلب على ظنها حصول الحيض قبل ليلة النحر بشرط أن لا يحدث لها ضررا. الثاني والعشرون: ركعتا الطواف من السنن المؤكدة وليست واجبة، هذا والأولى أن لا يكتفي الطائف بالصلاة المكتوبة عنها لأنها عبادة مستقلة شرعت من أجل الطواف، ثم إن المشروع صلاتها خلف المقام إن تيسر ذلك. الثالث والعشرون: يجوز جمع عدة أسابيع ثم الصلاة لكل منها لا سيما مع كثرة الطائفين. الرابع والعشرون: سنن الطواف كثيرة منها، التكبير عند الحجر الأسود، والدعاء والذكر في أثناء الطواف من غير تحديد إلا فيما بين الركنين (ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ومن سننه الإضطباع، والرمل للرجل في طواف القدوم خاصة، والرمل في الأشواط الثلاثة الأول، ومن السنن أيضاً استلام الحجر وتقبيله إن تيسر ذلك وكذا استلام الركن اليماني بدون تقبيل. الخامس والعشرون: لا بأس بالالتزام ما بين الركن الذي فيه الحجر الأسود والباب لورود أحاديث فيه يشدُّ بعضها بعضاً ويزيدها قوة وورود ذلك عن عدد من الصحابة. السادس والعشرون: دخول الكعبة حسن وليس بسنة وكذا دخول حِجر إسماعيل لأنه من الكعبة، والشرب من ماء زمزم مستحب وقد دل على فضله أحاديث كثيرة. السابع والعشرون: يكره للطائف التشبيك بين أصابعه أو الفرقعة بها، أو طوافه وهو يدافع البول أو الغائط أو الريح، أو أن يطوف وهو شيد التوقان إلى الأكل وما في معناه كما يكره الأكل فيه، ويكره الطواف في زمام ونحوه، ويكره كثرة الكلام إلا بخير، وكذا يكره الدعاء الجماعي وإنشاد الأشعار. الثامن والعشرون: يحرم الطواف بالبيت عرياناً وهو محل اتفاق بين أهل العلم كما يحرم أن تطوف المرأة وهي حائض من غير ضرورة قصوى، كما يحرم أيضاً إطلاق الرجل نظره إلى النساء الأجنبيات، وكذا المرأة إلى الرجال الأجانب، كما يحرم أيضاً إطلاق اللسان بالغيبة أو النميمة أو الشتم أو السب أو المجادلة وكافة أنواع الإيذاء بالقول أو الفعل في كل وقت لكنه في الطواف أشد تحريماً. التاسع والعشرون: الشك في الطواف إذا كان ممن عرُف بكثرة الوسواس فلا يلتفت إليه، وكذا الشك بعد نهاية الطواف. أما أن كان الشك في أثناء الطواف كأن يشك هل طاف ثلاثة أشواط أو أربعة مثلاً، فإن ترجح عنده أحد الأمرين عمل بالراجح، وإن لم يترجح عنده شئ عمل باليقين وهو الأقل. الثلاثون: لا تجوز النيابة في الطواف مطلقاً، ومن عجز عنه لمرض أو كبر أو صغر ونحو ذلك، يطوف راكباً على عربة ونحوها أو يُطاف به محمولاً على سرير ونحوه ويصح طوافه بلا خلاف بين أهل العلم، هذا وإذا نوى الحامل الطواف عنه وعن المحمول أجزأ ذلك عن كلٍ منهما في أصح قولي العلماء والله أعلم. هذه خلاصة موجزة لما أوردته في هذا الموضوع، سائلاً المولى سبحانه أن ينفع به، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

نوازل الزكاة

نوازل الزكاة ¤عبدالله بن منصور الغفيلي£بدون¥دار الميمان – الرياض¨الأولى¢1429هـ€فقه¶زكاة - أعمال منوعة الخاتمة: الحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، ذي الفضل والإنعام، الذي يسر وأعان على التمام، فها هو البحث قد كملت مسائله، وتذللت مصاعبه، فكان لابد من بيان أبرز النتائج والتوصيات التي توصلت إليها في هذا البحث، فأقول مستعيناً بالله متوكلاً عليه: 1 - النوازل في الزكاة: هي الحوادث الجديدة التي تحتاج لحكم شرعي. 2 - لا يخلو تأثير الديون الاستثمارية في بلوغ النصاب الزكوي من أقسام: أ- إذا كانت الديون لتمويل أصول ثابتة بقصد الاستثمار وزيادة الأرباح، وكانت زائدة عن الحاجات الأصلية للمدين، فإن هذه الديون تجعل في مقابل تلك الأصول، ولا تنقص من الأموال التي في يده والغلة المستفادة له. ب- إذا كانت الديون لتمويل أصول ثابتة ضرورية لا تزيد عن حاجة المدين الأصلية، فينقص الدين الحال، وهو القسط السنوي، من وعاء المدين الزكوي، ولا ينقص الدين المؤجل لما تقدم. وبذلك يتبين أثر هذه الديون على نصاب ما بيد المدين من أموال زكوية، وأن الديون تنقص من تلك الأموال، ثم ينظر ما بقي، فإن كان نصاباً زكي، وإلا فلا. ج- إذا كانت الديون لتمويل عمل تجاري، فينقص القسط السنوي عندئذ من قيمة العروض والأموال التي في يده، ويزكي ما تبقى، أما المؤجل من الأقساط فلا ينقص كما تقدم. 3 - إن تأثير الديون الإسكانية في بلوغ النصاب الزكوي لا يخلو من أحوال: الأول: أن تكون الديون الإسكانية لبناء بيت يسكنه المستدين بلا إسراف، ويكون الدين مقسطاً، فينقص القسط السنوي من الأموال الزكوية التي في يده، ويزكي ما بقي إن بلغ نصاباً، وبذلك يتبين أن لهذه الديون أثراً في النصاب، فقد يستغرق الدين الحال النصاب أو ينقص المال الزكوي عن بلوغ النصاب فتسقط الزكاة عنه. الثاني: أن تكون الديون الإسكانية المؤجلة، لبناء بيت يزيد عن حاجته أو فيه إسراف وتبذير، فإن هذا الدين يجعل في مقابل القسم الزائد عن حاجته من العقار، فإن استغرق الدين ما زاد من العقار السكني، ولم يفضل الدين على العقار فإنه يزكي ما بيده من أموال زكوية ولا يتأثر نصابها بالدين، وإن فضل الدين على العقار، فينقص القسط الحال في سنة الدين من أمواله الزكوية، ويزكي ما بقي إن بلغ ماله نصاباً. الثالث: أن تكون الديون الإسكانية المؤجلة لغرض استثماري، فإن الدين الإسكاني في هذه الحالة استثماري فينطبق عليه ما تقدم في القسم الثالث من المسألة السابقة، فينقص قسط الدين الحال من قيمة الوحدات السكنية، ولا ينقص مما بيده من أموال زكوية إلا إذا استغرق الأصول الثابتة (الوحدات السكنية)، أما الأقساط المؤجلة من الدين فلا تؤثر في نصاب المال الزكوي. 4 - لا أثر للتضخم النقدي، في المقدرات بالنص الشرعي من الأموال الزكوية، كالنقدين وسائمة الأنعام والحبوب والثمار، وكذا لا تأثير له في نصاب الأوراق النقدية إلا من جهة انخفاض قيمتها التبادلية وقوتها الشرائية، فيرتفع مقدار نصابها؛ لتغير قيمة النصاب الذي تعتبر به، وهو نصاب الذهب والفضة، فقد يصبح نصاب الأوراق النقدية الذي أوجبنا الزكاة عنه بلوغه قبل التضخم مما لا تجب الزكاة فيه؛ لانخفاض قيمة الأوراق النقدية بسبب التضخم. 5 - الأصل هو احتساب الزكاة وفق التاريخ الهجري، ولا ينبغي الاعتداد بالتاريخ الميلادي في ذلك إلا عند وجود المشقة المعتبرة بناءً على جواز تأخير إخراج الزكاة للحاجة، مع وجوب احتساب الفرق بين التاريخ الهجري والميلادي، فتصبح نهاية الحول الميلادي زمنا للإخراج وليست وقتاً للوجوب.

6 - أن مقدار نصاب الزروع والثمار، وهو خمسة أوسق، يساوي بالمقاييس الحديثة بوحدة قياس الحجم: ستمائة وعشرة كيلوات وخمسمائة جرام، ويساوي بوحدة قياس الثقل: سبعمائة وتسعة وعشرين لتراً. 7 - لا تأثير لنفقات الري بالوسائل الحديثة على القدر الواجب إخراجه زكاة لا زيادة ولا نقصاً، كما أنه لا تأثير لزيادة الأرباح باستخدام تلك الوسائل في زيادة القدر المخرج زكاة ورفعه عن نصف العشر. 8 - حكم الثمار المعدة للتجارة لا يخلو من حالين: أ- أن يكون مالكها يزرعها ثم يبيعها، فيترجح زكاتها، زكاة العين بإخراج العشر أو نصفه من الزروع والثمار، والمتعين غالباً في هذه الأزمان هو نصف العشر؛ لوجود الكلفة في الزراعة والتخزين ونحوها من متطلبات الزراعة الحديثة. ب- أن يكون مالكها يشتري المحصول بعد حصاده ليبيعه، فتجب فيها زكاة التجارة؛ لأنها عروض تجارية. 9 - لا تخلو الحيوانات المتخذة للاتجار بنتاجها كالألبان ونحوها من قسمين: الأول: أن تكون مما تجب الزكاة في عينه، كسائمة بهيمة الأنعام فلا يخلو الأمر من حالين: أ- أن تكون تلك الحيوانات سائمة – وهذا نادر في واقع الحال – فالأقرب هو القول الثاني، وهو إيجاب الزكاة فيها إذا بلغت نصاباً وحال حولها، ويعتبر إنتاجها من الألبان ونحوها مالاً آخر تجب الزكاة فيه إذا اتخذ للتجارة، وحال الحول عليه، وبلغ نصاباً، فيزكى زكاة التجارة، فإن بيع فيزكى ثمنه وأرباحه بعد حولان الحول على إنتاجه وبلوغه النصاب، فإن تعسر ذلك فيمكن تحديد يوم في السنة لتزكية جميع ما لدى المزكي من النصاب. ب- ألا يتحقق فيها وصف السوم – وهو الغالب – فالراجح هو القول الثالث، وهو تزكية غلتها بعد حولان حول عليها. القسم الثاني: أن تكون الحيوانات المنتجة مما لا تجب الزكاة في عينه كالغزلان والطيور والوحوش، فالراجح عدم إيجاب الزكاة في الأصل وهو الحيوان؛ لأنه مما لا تجب الزكاة في عينه، كما أنه ليس عرض تجارة يقلب في البيع والشراء، وإنما هو مال يستفاد من غلته لبيعها لغرض التجارة، فيترجح القول بزكاة الغلة زكاة عروض تجارة من عينها أو ثمنها عند حولان الحول على استفادتها وبلوغها النصاب. 10 - أن زكاة المصانع تكون بتزكية صافي غلالها بعد حولان الحول على بداية إنتاج المصنع. 11 - ما تم تصنيعه من بضائع معدة للبيع يجب تزكيتها زكاة التجارة، باحتساب قيمتها السوقية إذا استكملت حولان ونصاباً. 12 - وجوب الزكاة في المواد الخام المملوكة بنية التجارة إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول، فتقوم عندئذ وتخرج منها زكاة التجارة. 13 - ما لا يدخل في تركيب المصنوع مما يحتاج إليه في التصنيع كمواد التشغيل، والصيانة كالوقود والزيوت ونحوها لا تقوم ولا تجب زكاتها. 14 - إن نصاب الأوراق النقدية يكون ببلوغها أدنى نصابي الذهب أو الفضة. 15 - الأقرب تكييف المال المودع في الحساب الجاري بأنه قرض من مودع المال للمصرف، وهو في حكم المليء الباذل، فيكون الحكم في زكاته كالحكم في زكاة الدين إذا كان على مليء باذل، وهو وجوب الزكاة على المقترض (الدائن) كلما حال على المال حول ولو لم يقبضه، فإن تعسر ضبط هذا لكثرة حركة المال في الحساب الجاري على مدى العام، فإن المزكي يعين يوماً في السنة ويزكي فيه المال المودع في الحساب الجاري. 16 - لا تخلو زكاة الأسهم من حالين: الأولى: أن يكون المزكي هو المساهم – وهذا هو الأصل الواجب شرعاً – فإن الزكاة تكون بحسب نوع الشركة ونية المساهم مع ملاحظة ما يلي:

أ- بلوغ أسهم المزكي نصاباً بنفسها أو بضمها لأمواله الزكوية إذا كان له حكمها، ويراعى في ذلك حسم قيمة الأصول الثابتة والمصاريف الإدارية، والديون المستحقة الحالة على الشركة، وكذا على المساهم. ب- تطبيق زكاة النقود على الفوائض النقدية، وزكاة التجارة على البضائع التجارية الموجودة في الشركات الزراعية والصناعية. ج- في حال عدم تمكن المساهم من العلم بموجودات الشركة الزكوية لاحتساب زكاتها فإنه يخرج ربع عشر قيمة السهم الدفترية. الثانية: أن يكون المزكي هو الشركة المساهمة، كما لو نص في نظام الشركة الأساسي، أو صدر به قرار الجمعية العمومية للشركة، أو ألزم بذلك قانون الدولة، أو فوض المساهم الشركة بإخراج زكاة أسهمه، فإن حكم الزكاة عندئذ يكون باعتبار أموال المساهمين كمال الشخص الواحد، من جهة نوع المال وحوله ونصابه مع ملاحظة ما يلي: أ- عدم أخذ الزكاة على أموال غير المسلمين لفقدهم أهم شروط الزكاة، وهو الإسلام. ب- بالنسبة للمضارب بالأسهم، فإنه لا يكتفي بزكاة الشركة، بل يجب عليه إخراج الفرق بين زكاة الشركة بالقيمة الحقيقية للسهم وبين زكاته بالقيمة السوقية، كما أن الشركات الصناعية لا تزكي إلا ربع السهم الصافي، بينما يجب عليه أن يزكي كامل قيمته، مع حسم ما أخرجته الشركة إذا علم بمقداره، فإن شق معرفة ذلك على المضارب فإنه يخرج الزكاة بالنظر لقيمة الأسهم السوقية. 17 - تجب الزكاة في أصل السند الربوي مع عدم مشروعية زكاة الفوائد الربوية، بل يجب التخلص منها في مصارف خيرية مشروعة، وتكون زكاة مبلغ الدين كاملاً، وذلك بحسب قيمته الحقيقية. 18 - لا يخلو حكم الزكاة في الصناديق الاستثمارية من حالين: أ- أن تكون استثماراتها في نشاط معين، مثل: النشاط الصناعي أو الزراعي، فلها حكم زكاة هذا النشاط كما تقدم بيانه وتفصيله في زكاة الأسهم. ب- أن تكون استثماراتها في النشاط التجاري بتقليب المال بيعاً وشراء، وهو الغالب، فلا يخلو ذلك من أحد حالين: الحالة الأولى: أن تكون حقيقة العلاقة بين الطرفين المتعاقدين هي المضاربة التجارية، فلا تجب الزكاة على العامل – وهو الجهة الاستثمارية المديرة للصندوق – إلا بعد استحقاقه لنصيبه، ويكون ذلك بعد ثبوت الربح له بالقسمة، وحولان حول عليه إن كان نصاباً، أما رب المال فتجب الزكاة فيه عليه بعد حولان حول على نصابه، فيحتسب ماله وأرباحه، وتخرج زكاته للربح. الحالة الثانية: أن تكون حقيقة العلاقة بينهما هي الوكالة بأجر، فتكون زكاة الصندوق الاستثماري، بالنسبة لرب المال هي زكاة مال التجارة، فيحتسب رأس ماله وربحه، ويزكيه بإخراج ربع عشره، إن بلغ ماله نصاباً، وحال حول زكاته. وأما زكاة أجرة العامل في هذه الصورة، فحكمها كحكم زكاة المال المستفاد، إذا كان من جنس نصاب عنده، وليس من نمائه، فيشترط لإيجاب الزكاة فيه حولان الحول عليه بعد استفادته إن كان نصاباً. فيحسب العامل – وهو إدارة الصندوق الاستثماري – ماله، فإن كان نصاباً ابتدأ حوله من حين استحقاقه للمال. 19 - لا تجب الزكاة في المال العام، سواء كان مستثمراً أم غير مستثمر، ومن ذلك الشركات المملوكة للدولة، أو نصيب الدولة التي تملكه في بعض الشركات. 20 - وجوب زكاة قسط أو دفعة التأمين على المؤمن، وتكون صفة زكاة التأمين بالنسبة لشركات التأمين التجارية بأن تحسب الشركة رأس مالها وأرباحها، مع الديون المرجوة لها عند الغير، وتخصم الديون التي عليها، وقيمة أصول الشركة من الوعاء الزكوي، وتخرج قدر زكاة التجارة (ربع العشر) من المال المتبقي بعد ذلك.

21 - لا زكاة في أقساط التأمين التعاوني أو دفعاته التأمينية على المؤمن والمؤمن له، إلا في حالة انقضاء السنة المالية وزيادة مبالغ التأمين التعاوني بعد تغطيتها للأخطار المؤمن ضدها، فإن للمؤمنين الحق في استعادة الفائض المالي بالنسبة بين جميع الشركاء، ما لم يتفق على خلاف ذلك، كأن يكون هذا الفائض من نصيب شركة التأمين التعاوني لقاء إدارتها لأموال التأمين، فإنه والحالة هذه يجب تزكية المال الفائض وما نشأ عنه من أرباح بعد حول من تحققه لشركة التأمين؛ لكونها لم يستقر ملكها إياه قبل ذلك. 22 - عدم وجوب زكاة الراتب التقاعدي ومكافأة التقاعد على الموظف، لعدم تمام الملك، وأما الدولة فلا تجب زكاتها عليها كذلك؛ لأنها جهة عامة لا تملك. 23 - لا تجب الزكاة في مكافأة نهاية الخدمة قبل استحقاقها بنهاية الخدمة، وصدور قرار صرفها للموظف العامل، وتزكى بعد حولان حول من قبضها من مستحقها. 24 - يزكى الراتب الشهري زكاة المال المستفاد، فيحسب حول لكل راتب من حين تملكه، ويزكيه إن بلغ نصاباً، إلا أنه لما كان ضبط ذلك شاقاً، فإنه يشرع للمكلف تحديد يوم في السنة لزكاة رواتب السنة كلها، فينظر ما لديه من نصاب ويزكيه، فما كان منه قد حال عليه الحول فقد وجبت زكاته، وما لم يحل حوله فإن زكاته تكون زكاة معجلة. 25 - عدم وجوب الزكاة في حقوق التأليف والابتكار، ووجوبها في الاسم التجاري والترخيص والعلامة التجارية إذا تحققت فيها شروط زكاة عروض التجارة، لاسيما وأن بيع تلك الحقوق قد يكون بمعزل عن آثارها، ويتضح ذلك في الحقول التي ليس لها آثار، كالترخيص التجاري قبل استحداث المنشأة التجارية ونحو ذلك، فإنه متى أعد المال للتجارة حقاً كان أو عيناً وجبت زكاته بعد استيفاء شروط وجوبها. 26 - حكم زكاة العين المؤجرة إيجاراً منتهياً بالتمليك يتخرج على حكم زكاة المستغلات، فتجب الزكاة فيما غل منها بعد حولان الحول على الغلة، لا في كامل قيمة العين. فيجب على مالك العين المؤجرة – وهو المؤجر – زكاة أقساط الأجرة التي يستلمها إذا حال عليها الحول بعد قبضها، فإن شق ضبط حول كل قسط لها فيمكنه تحديد وقت معين يزكي فيه ما اجتمع له من مال زكوي من تلك الأقساط. 27 - وجوب زكاة الثمن على المستصنع ما لم يقبضه الصانع، أو يستحقه، كما يجب على الصانع زكاة المصنوع ما لم يقبضه المستصنع أو يستحق؛ وذلك لتحقق ملك المستصنع لثمن المصنوع، وتحقق ملك الصانع لعين المصنوع ومواده التي يتركب منها، مع عدم تحقق ملك الصانع للثمن ما لم يقبضه أو يستحقه، فإن قبضه فقد تملكه، وإن استحقه ولم يقبضه فتنطبق عليه أحكام زكاة الدين، وهي إنما تجب إن كان الدين على مليء باذل، كما أن ملك المستصنع للمصنوع لا يتحقق ما لم يقبضه أو يستحقه، فإن استحقه ولم يقبضه فتجري عليه أحكام زكاة الديون كما تقدم، إلا أن إيجاب الزكاة في المصنوع أو ثمنه، إنما يكون في حال وجودهما لدى مالكهما، وإعدادهما للتجارة. 28 - الغنى المانع من أخذ الزكاة، هو ما تحصل به الكفاية، فمن وجد من المال ما يكفيه ويكفي من يمونه، فهو غني لا تحل له الزكاة، ومن لم يجد ذلك حلت له الزكاة ولو كان يملك نصاباً، وأما تحديد الكفاية المعتبرة فإنه يرجع للعرف؛ لأنه ورد مطلقاً في الشرع فيضبط بالعرف. 29 - الأصل عدم مشروعية حفر بئر للفقراء من مال الزكاة لعدم تحقق التمليك لهم، لكن يجوز شرعاً تمليك مال الزكاة لأهل المنطقة الفقراء، ثم يوجهون إلى وضعه في حفر بئر يبيحون الانتفاع بها لهم ولغيرهم، فإن تعذر ذلك فيتوجه القول بالجواز بالضوابط التالية: أ- أن تكون الحاجة إلى حفر البئر ظاهرة.

ب- أن يغلب على الظن استسقاء الفقراء منه دون غيرهم، كما لو كان في منطقة تختص بهم. ج- أن يغلب على الظن أنه عند تمليكهم وتوجيهم بحفر البئر أن ذلك لن يتحقق. د- ألا يمكن حفر البئر من غير مال الزكاة. 30 - يشرع صرف الزكاة لبناء أو شراء بيت للفقراء والمساكين بالضوابط التالية: أ- ألا يكون الفقير قوياً مكتسباً، يسد كسبه حاجته لو اكتسب، وإنما تصرف حينئذ في شراء ما يحتاجه من أدوات الكسب إن احتاج. ب- أن تكون قيمة البيت مناسبة لحال الفقراء بلا إسراف ولا إقتار. ج- ألا توجد وجوه صرف ضرورية عاجلة تقتضي الصرف الفوري للأموال كالغذاء والكساء، فإن وجدت فإنها تقدم. د- فإن غلب على الظن تحصيلهم قيمة الإيجار كل سنة، فإن الأولى عندي هو عدم صرف مال الزكاة في شراء البيت، ليستفيد منها عدد أكبر من الفقراء في حاجاتهم المتكررة. 31 - يجوز صرف الزكاة في دفع قيمة التكاليف الدراسية للطلبة الفقراء للحاجة الكبيرة للدراسة، ولكن ينبغي أن يضبط جواز ذلك بما يلي: أ- أن يكون علماً مباحاً نافعاً لدارسه ومجتمعه. ب- أن تكون التكليف الدراسية المدفوعة من الزكاة بالمعروف، فلا تزيد عن القيمة المعتادة. 32 - جواز صرف الزكاة في تزويج الفقير العاجز عن تكاليف الزواج. 33 - تجويز صرف الزكاة لعلاج الفقراء لابد له من ضوابط، وهي على النحو التالي: أ- ألا يتوفر علاجه مجاناً، فإن توفر، فلا يجوز صرف الزكاة متى كان الاستطباب محققاً للمقصود من دفع المرض، مع عدم المنة في ذلك. ب- أن يكون العلاج لما تمس الحاجة لمعالجته من الأمراض. ج- أن يراعى في مقدار تكاليف العلاج عدم الإسراف والإقتار، فمتى تحقق المقصود من العلاج بتكاليف أقل لم يلجأ إلى ما هو أعلى من ذلك؛ لأن القصد هو دفع المرض، فمتى تحقق ذلك بمقدار كانت مجاوزته سرفاً، وهو محرم. 34 - العاملون على الزكاة، هم كل من يعينهم أهل الحل والعقد في الدول الإسلامية، أو يرخصون لهم، أو تختارهم الهيئات المعتبرة؛ للقيام بجمع الزكاة وتوزيعها وما يتعلق بذلك من توعية بأحكام الزكاة، وتعريف بأرباب الأموال وبالمستحقين، ونقل وتخزين وحفظ وتنمية واستثمار. 35 - ينقسم الموظفون في المؤسسات المختصة بجباية الزكاة وتوزيعها قسمين: القسم الأول منهم: من يتقاضى مرتباً دورياً من بيت المال (الدولة) كما هو الحال في أقسام جباية الزكاة الحكومية التي تديرها الدولة، فهؤلاء لا يستحقون الأخذ من هذا المصرف لأخذهم أجراً على عملهم. القسم الثاني: العاملون في المؤسسات والجهات الأهلية المستقلة عن الدوائر الحكومية في إدارتها المباشرة، والممولة من المحسنين، فهؤلاء ينطبق عليهم وصف العاملين في الزكاة ذكوراً كانوا أم إناثاً. ويراعى في إعطائهم الضوابط التالية: أ- أن يكون العمل الذي يقوم به الموظف مما يحتاج إليه في جمع الزكاة وتوزيعها، سواء كان من الأعمال المباشرة للجمع والتوزيع أو من الأعمال المساعدة في ذلك، كالذي يقوم به المحاسبون والباحثون الشرعيون، والإداريون، ونحوهم ممن يحتاج إليهم للقيام بمهمة العاملين في الزكاة، ولو كثروا. ب- أن يراعى في ذلك إعطاء العامل بقدر عمله، وهو موجب العدل معه، فلا ينقص من حقه، وموجب العدل مع غيره فلا يزاد في نصيب العامل، فيترتب على ذلك النقص على باقي المستحقين. 36 - لا يجوز الصرف من مصرف العاملين عليها للمؤسسات التي ترعى المسلمين الجدد إلا بشرط التمليك، فيجوز صرف الزكوات التي يتملكها أولئك المسلمون، أما ما لا يملك منها لمعين كالذي يصرف في شؤون المؤسسة الإدارية والوظيفية ونحو ذلك، فينظر في الصرف عليه مصرفاً أو مورداً غير الزكاة. 37 - أن المؤلفة قلوبهم صنفان: 1 - كفار. 2 - ومسملون.

فأما الصنف الأول: وهم الكفار، فينقسمون قسمين أيضاً: أ- من يرجى إسلامه فيعطى لترغيبه في الإسلام. ب- من يخشى شره فيعطي لكف شره. وأما الصنف الثاني: وهم المسلمون، فعلى أربعة أقسام: أ- من يرجى بعطائهم إسلام نظرائهم من الكفار. ب- من يرجى بعطائهم قوة إيمانهم. ج- من يرجى بعطائهم دفعهم عن المسلمين ونصرتهم لهم. د- من يرجى بعطائهم جبايتهم الزكاة ممن لا يعطيها. فكل هؤلاء يشملهم عموم قوله تعالى: {والمؤلفة قلوبهم}، فيجوز إعطاؤهم من الزكاة. 38 - مشروعية صرف الزكاة لرؤساء الدول الفقيرة والقبائل الكافرة إذا كان ذلك يؤلف قلوبهم للإسلام، لما فيه من استنقاذ لهم من النار، ودعوة لغيرهم للإيمان، وتقوية لدين الإسلام. 39 - المراد بمصرف الرقاب: إعتاق الأرقاء من المسلمين، كما يشمل المصرف المكاتبين، وفكاك أسرى المسلمين، ولا يشمل ذلك المصرف تحرير الشعوب الإسلامية من الكافرين. 40 - المراد بمصرف سبيل الله: نصرة الدين بالجهاد بالنفس والمال واللسان، فيشمل ذلك قتال الكفار والدعوة إلى الله، ومن الصور المعاصرة لهذا المصرف: أ- إنشاء وتمويل مصانع المسلمين الحربية وأسلحتهم ومعاهد التدريب العسكرية لديهم. ب- طبع الكتب والمجلات العسكرية، والتوجيهية للمقاتلين المسلمين مما يحتاجونه في جهادهم. ج- إنشاء مراكز دراسات لمواجهة خطط الأعداء. د- إنشاء مكاتب الدعوة والإرشاد، وتمويلها بما تحتاج إليه لتحقق مهمتها. هـ- طباعة الكتب والنشرات التي تهدف لنشر العلم الشرعي والدعوة إلى الله، ونسخ الأشرطة الإسلامية التي تعنى بذلك، لاسيما فيما يتعلق بدعوة غير المسلمين. ودعم حلقات تحفيظ القرآن وتمويلها بما تحتاج إليه. ز- إنشاء وتمويل المواقع الإسلامية في الشبكة العالمية المختصة ببيان الحق وهداية الخلق. ح- تأسيس القنوات الفضائية الإسلامية ودعمها لتحقيق المقصود من إنشائها. ط- إنشاء الإذاعات الإسلامية ودعمها؛ لكي يصل صوت الحق إلى أصقاع الأرض، ونحو ذلك من الوسائل الحديثة التي يتحقق بها المقصود من الدعوة إلى الله ببيان الهدى ودين الحق، فذلك من الجهاد بالبيان، وهو من أسباب نصرة الدين وهداية العالمين التي لم يشرع الجهاد إلا لها. 41 - ابن السبيل، هو: المسافر المنقطع في سفره عن ماله، فلا يستطيع العودة إلى بلده ولا الوصول لماله، فيعطى ما يوصله إلى بلده. 42 - لا يخلو حكم المبعدين عن بلادهم وأموالهم من المسلمين عن حالين: الحال الأولى: أن ترتجى عودتهم لبلادهم، فلهم حكم أبناء السبيل؛ لانطباق الوصف المقرر في حق أبناء السبيل، وهو سفرهم مع انقطاعهم عن أموالهم. الحال الثانية: ألا ترتجى عودتهم، أو يطول بهم المقام مع حاجتهم، فإنهم يعطون عندئذ بوصف الفقر لا بوصف أبناء السبيل؛ وذلك لأن حال الإقامة في حقهم أظهر من حال السفر، كما أن إعطاء ابن السبيل إنما يكون لإيصاله لبلده التي بها ماله، فإن كان ذلك متعذراً فإنه لا يتحقق فيه موجب الإعطاء المختص بابن السبيل. 43 - المسافر لطلب العلم أو العمل إن لم يستطع الوصول لماله في بلده فلا يخلو من حالين: أ- أن يكون قد أقام في البلد الذي سافر له واستقر فيه، فليس من أبناء السبيل. ب- فإن لم يقم أو يستقر بعد في تلك البلاد ويغلب على الظن رجوعه قريباً فيعطى من مصرف ابن السبيل ما يعينه للعودة إلى بلاده. 44 - لا يجوز استثمار الزكاة من قبل المالك أو وكيله؛ لما يؤدي إليه من تأخير إخراجها بلا عذر مع تعرضها للخسارة. 45 - جواز استثمار بعض أموال الزكاة من الإمام أو نائبه لصالح مستحقيها إذا دعت الحاجة لذلك بضوابط شرعية تتحقق فيها المصلحة من الاستثمار، أو تغلب على المفسدة إن وجدت. ومن تلك الضوابط:

أ- ألا تتوافر وجوه صرف عاجلة. ب- أن يتم استثمار أموال الزكاة – كغيرها – بالطرق المشروعة. ج- أن تتخذ الإجراءات الكفيلة ببقاء الأصول المستثمرة على أصل حكم الزكاة، وكذلك ريع تلك الأصول. د- المبادرة إلى تنضيض الأصول المستثمرة إذا اقتضت حاجة مستحقي الزكاة صرفها عليهم. هـ- بذل الجهد للتحقيق من كون الاستثمارات التي ستوضع فيها أموال الزكاة مجدية، ومأمونة، وقابلة للتنضيض عند الحاجة. وأن يتخذ قرار استثمار أموال الزكاة ممن عهد إليهم ولي الأمر بجمع الزكاة وتوزيعها مراعاة لمبدأ النيابة الشرعية، وأن يسند الإشراف على الاستثمار إلى ذوي الكفاية والخبرة والأمانة. 46 - جواز دفع زكاة الفطر قبل العيد ولو بمدة طويلة من المزكي إلى الوكيل إذا كانت الجمعية نائبة عن المزكي، وذلك هو الغالب في الجهات الخيرية التي لم تكلف من قبل الدولة أو يؤذن لها بجمع الزكاة وتوزيعها؛ لأنه ليس إخراجاً، وإنما الإخراج هو بإقباض الجمعية للفقير. وأما تأخير إخراجها عن يوم العيد فلا يجوز؛ لأن قبض الجمعية لها قبض للوكيل من الموكل، فهي لم تصل بعد للفقير. وأما المراكز الإسلامية في البلاد غير الإسلامية فيظهر لي أنها نائبة عن المزكي والفقير معا، وذلك إذا كانت جهة الزكاة حكومية أو مكلفة من الدولة بجمع الزكاة وتوزيعها، فتكون وكيلة عن الغني؛ لكونه دفع الزكاة لها، وطلب منها توزيعها على المستحقين، وتكون نائبة عن الفقير لكونها مكلفة من الإمام وهو نائب عن الفقراء، فتكون نائبة عن الإمام في القيام بجمع الزكاة وتفريقها على مستحقيها؛ لعدم وجود إمام للمسلمين في بلاد الكفار، والإمام نائب عن الفقراء، مع كونها نائبة عن المزكي أيضاً كما تقدم. 47 - جواز إخراج القيمة في الزكاة عند وجود الحاجة أو المصلحة. 48 - مشروعية توزيع الزكاة في البلد الذي جمعت فيه، ويجوز نقلها إلى بلد آخر وفق الضوابط التالية: أ- وجود مسوغ شرعي يقدره أهل الاجتهاد، كما تقدمت الإشارة لبعض صوره. ب- عدم نقل الزكاة كلها من البلد ما دام فيها مستحق، وإنما ينقل جزء منها؛ لأحقية أهل البلد بها، مع جواز نقل المالك لجميع زكاته عند وجود المقتضي؛ لأنها جزء من زكاة البلد. ج- كون الطريق مأموناً؛ لأن الزكاة مستحقة للغير، فلا يجوز المخاطرة في تضييعها، فإن خاطر بذلك وضاعت أو تلفت ضمنها. 49 - لا يجوز للمؤسسات الزكوية ولا غيرها دفع الزكاة للفقراء من أول شهر رمضان أو وسطه بالمبالغ المتوقعة؛ لاشتراط النية في زكاة الفطر من المزكي، وعدم جواز تعجيلها قبل العيد بأكثر من يومين. وأختم نتائج هذا البحث بالتوصيات التالية: • أهمية التوسع في بحث كثير من نوازل الزكاة؛ لتجدد صور الأموال المعاصرة ومصارفها، مما يتعذر معه استيعابها في بحوث محددة. • العناية بإيجاد البحوث المشتركة بين أهل التخصصات ذات العلاقة بالأموال الزكوية، من الفقهاء والاقتصاديين والمحاسبين؛ للخروج بنتائج تطبيقية متكاملة. • أهمية إبراز قواعد الزكاة وضوابطها وربطها بالتطبيقات الفقهية، وتأسيسها على الأدلة والمقاصد الشرعية. • أهيمة إنشاء موسوعة علمية للزكاة، تحتوي على المسائل التراثية والنوازل المعاصرة، مع اشتمالها على البحوث المحررة في فقه الزكاة في الماضي والحاضر، ونشرها ورقياً وفي أقراص مدمجة. • ضرورة تبسيط فقه الزكاة وتقديمه لعامة الناس من خلال وسائل متعددة منها: أ- إصدار دليل فقهي مبسط، يشتمل على أبرز مسائل الزكاة بأسلوب واضح، مع البعد عن الخلافات وكثرة التفصيلات. ب- إنشاء مراكز علمية أهلية غير ربحية لتعريف الناس بحساب أموالهم وتدريبهم على ذلك. ج- نشر ملخصات للبحوث المتميزة في الزكاة وتوزيعها على الأفراد والجهات ذات العلاقة. • إنشاء مواقع متميزة على الشبكة العالمية يعني بفقه الزكاة المعاصر، والإجابة على أسئلة الناس، وإرشادهم لحلول مشكلاتهم في إخراج الزكاة أو صرفها. وأخيراً – وهو من أهم التوصيات – تأسيس هيئات فقهية للزكاة تعني بتحقيق ما تقدم ذكره من وسائل خدمة فقه الزكاة، وتوعية الناس بهذه الفريضة، وتعمل على التنسيق بين الجهات المختلفة في الجهود المبذولة في إحياء فقه الزكاة المعاصر وتأصيله، وتبصير الناس بهذا الركن العظيم، وعقد المؤتمرات والندوات العلمية في سبيل ذلك.

هداية الحيران إلى حكم ليلة النصف من شعبان

هداية الحيران إلى حكم ليلة النصف من شعبان ¤محمد موسى نصر£بدون¥الدار السلفية¨الأولى¢1408هـ€فقه¶ليلة النصف من شعبان خاتمة نسأل الله تعالى حسن الخاتمة مما سبق بيانه تبين للقارئ الكريم أن شهر شعبان شهر مبارك كريم وإن ما ورد في فضله من الأحاديث عام لا يخول لأحدٍ استحباب إحياء ليلة من لياليه بشيء من القيام لخصوص ليلة من لياليه، وخصوصاً ليلة النصف من شعبان فإنه وإن كان قد ورد في فضلها بعض الأحاديث الصحيحة والحسنة، إلا أنها أحاديث عامة ليس فيها إشارة ولا عبارة إلى جواز إحيائها، يؤكد ذلك ويوضحه أن الصحابة رضي الله عنهم لم يخصوها بشيء من ذلك. وما ورد عن بعض التابعين في إحيائها فقد بينا أنهم اعتمدوا في ذلك إلى إسرائيليات وأحاديث واهيات، وأن جمهور التابعين من أهل المدينة والحجاز أنكروا ذلك وعدوه بدعة. ثم إنهم (أي الذين أحيوها من التابعين) اختلفوا في صفة الإحياء. فمن ذهب منهم إلى إحيائها جماعة في المساجد اعتمدوا على حديث موضوع ومعلوم أن الله لم يتعبدنا إلا بما صح في السنة النبوية المطهرة. ومن ذهب إلى إفرادها من التابعين، كالأوزاعي أنكروا على من أحياها جماعة وكرهوا ذلك. وبينا أقوال أهل العلم في بدعية إفرادها بالعبادة، ومخالفة ذلك لجمهور السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم، من أئمة الدين ومخالفة ذلك للقواعد الأصولية عند علماء الأصول، وإنها داخلة في باب البدع الإضافية، فوجب العدول عنها والتحذير من تخصيصها بالقيام وإفراد نهارها بالصيام. وأنه من كانت عادته الصيام والقيام من كل ليلة جاز له بناءً عليه قيامها على سبيل الانفراد شأنها شأن سائر ليالي العام. والله وحده المستعان وعليه التكلان. والحمد لله رب العالمين.

هل للقاضي الحكم على الغائب

هل للقاضي الحكم على الغائب ¤حسن عبدالغني أبو غدة£بدون¥مكتبة الرشد - الرياض¨الأولى¢1426هـ€فقه¶قضاء وأقضية - أعمال شاملة ومنوعة الخاتمة بيان أهم معالم ونتائج الموضوع جرياً على العادة الحسنة، ألخص أهم معالم ونتائج هذا البحث في النقاط التالية: أولاً: بيان أن القضاء في الفقه: إلزام القاضي المكلف بأحكام الشريعة في بدنه، أو ماله، أو حقوقه، أو علاقاته مع الآخرين، وأنه من أفضل القربات إلى الله تعالى، ولا تستغني عنه المجتمعات؛ لأهميته في فصل الخصومات بين الناس، حاضرين وغائبين. ثانياً: يقصد بالغائب – في هذا الكتاب-: الخصم المدعي عليه، حال وجوده في بلد "المحكمة" متوارياً أو ممتنعاً عن الحضور، ولا يقدر عليه، أو حال وجوده خارج بلد "المحكمة" بعيداً عنها، مسافة قصر الصلاة في الراجح من الأقوال. ثالثاً: القضاء على الغائب مختلف فيه بين فقهاء المسلمين، حيث تبين بعد التتبع والاستقراء أن لهم اتجاهين اثنين رئيسين: الاتجاه الرئيس الأول: تحريمه ومنعه مطلقاً، وبه قال الحنفية، وطائفة من فقهاء وقضاة السلف. الاتجاه الرئيس الثاني: إباحته وجوازه، ولهؤلاء ثلاثة اتجاهات فرعية: الأول: جوازه في حقوق الناس فقط دون حقوق الله تعالى وبه قال الجمهور من فقهاء الصحابة وقضاتهم ومن بعدهم، وهو مذهب المالكية والحنابلة، وهو الأظهر عند الشافعية. الثاني: جوازه في كافة الحقوق، التي هي لله تعالى أو للناس، وبه قال بعض الشافعية، وهو قول ابن حزم. الثالث: جوازه في حق الله تعالى أو في حق الناس، سوى العقوبة منهما، وهذا قول آخرين من الشافعية. رابعاً: ثم في البحث تتبع واستيفاء الأدلة التي احتج بها الفقهاء جميعاً في هذا الموضوع، كما تم بيان الاعتراضات والإجابات والمناقشات ذات الصلة به، وتصنيفها وترتيبها، والتعليق والزيادة عليها بحسب ما ظهر لي أثناء البحث. خامساً: جرى في هذا البحث اختيار وترجيح القول بجواز القضاء على الغائب، وهو الاتجاه الرئيسي الثاني، وقيد هذا الاختيار بما له علاقة بحقوق الناس فقط، دون حقوق الله تعالى. وهو ما اتجه إليه الجمهور من فقهاء وقضاة الصحابة ومن بعدهم، وفقهاء الأمصار سوى الحنفية. مع التأكيد على اتفاق وحرص جميع الفقهاء – مع تعدد اتجاهاتهم – على ضرورة حماية الحقوق، وتحقيق العدل، وإيجاد تكافؤ الفرص لجميع الناس، مدعين أو مدعي عليهم، حاضرين أو غائبين ... سادساً: تم التوصل في هذا البحث إلى جمع أقوال الفقهاء المختلفة في تحديد أنواع الدعاوى التي يجوز والتي لا يجوز إقامتها على الغائب. سابعاً: يؤكد البحث على ضرورة التقييد بالإجراءات والمرافعات المشروعة لإقامة الدعوى على الغائب، فضلاً عن الالتزام الكامل بالطرق الشرعية لإثبات الحقوق عليه. ثامناً: توضيح مواقف العلماء من قضية تحليف المدعي يميناً، بعد الحكم له باستحقاق المدعي به اعتماداً على البينة العادلة، وبيان الرأي الراجح، وبيان حقه في تسلم المحكوم به دون تأخير، سواء كان عيناً أو ديناً (نقداً). ولو ببيع عقار الغائب. تاسعاً: التعريف بما قررته الشريعة الإسلامية للغائب من حقوق، كدفعه الدعوى، واعتراضه عليها، وطعنه في أدلة الإثبات، وحقه في التعرف على الشهود، واسترجاع المحكوم به حال بطلان الدعوى ... هذا، وإن ما قررته الشريعة الإسلامية من جواز الحكم على الغائب، لا يراد به التجني عليه، أو الإضرار به، أو اتهامه زوراً وظلماً، بل يراد به تصحيح الانحراف في علاقات الناس بعضهم ببعض، وسد التحايل أو التقصير في أداء الواجبات والوفاء بالحقوق، أمام من يريدون أن يستغلوا التواري والغياب عن الأنظار، في التخلص من ملاحقة العدالة ...

وهذا ما تتجه إليه وتطبقه الاجتهادات والنظم القضائية المعاصرة في الدعاوى المدعي عليه إحدى جلسات المحكمة وتغيب بعد ذلك، أو لم يحضر أي جلسة، جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن، وتصدر الحكم في حق المدعي عليه غيابياً بمثابة الوجاهي. أي: وليس له حق الاعتراض على الحكم الغيابي أو الطعن فيه، سوى عن طريق درجة أعلى هي محكمة الاستئناف ... وأما في الدعاوى الجزائية: فقد ذكرت المراجع القانونية: أنه إذا حضر المدعي وتخلف المدعي عليه، ولم يرسل وكيلاً، ولم يبد عذراً مشروعاً، عد هذا المتخلف متمرداً، وإذا طلب المدعي الحاضر محاكمته غيابياً يجاب طلبه، بدون حاجة لدعوته ثانية، وتعتبر المحاكمة الغيابية بمثابة الوجاهي، وللمحكوم عليه غيابياً أن يعترض على الحكم في ميعاد خمسة أيام، تضاف إليها مهلة المسافة ابتداء من اليوم الذي يلي تبلغه الحكم، وذلك باستدعاء يرفعه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم. وللمحكوم عليه غيابياً أن يلجاً أيضاً للطعن في محكمة الاستئناف قبل الاعتراض عند المحكمة (الأدنى) المصدرة للحكم. وإذا قبل الاعتراف أو الاستئناف شكلاً، اعتبر الحكم الغيابي كأنه لم يكن ... هذا، وقد ذكرت الاتجاهات والنظم القضائية: أن مبدأ الحكم على الغائب في القضايا المدنية والجزائية هي الجاري والمعمول به عند جميع الدول المتمدنة، إذ ليس من الإنصاف أن يبقى حق المدعي رهناً على مشيئة المدعي عليه، ولا من الحكمة أن يجلب المدعي عليه إلى المحكمة بالقوة القاهرة، ويكفي أن تترك له حق الاعتراض على الحكم الغيابي إذا صدر عليه ()، بحسب نوع الدعوى ودرجة المحكمة كما تبين آنفاً. وصدق الله العظيم القائل: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}. والحمد لله رب العالمين.

ولاية المرأة في الفقه الإسلامي

ولاية المرأة في الفقه الإسلامي ¤حافظ محمد أنور£بدون¥دار بلنسية - الرياض¨الأولى¢1420هـ€فقه¶فقه المرأة - أعمال منوعة خلاصة وأهم نتائج البحث وفي نهاية هذه الرسالة العلمية التي تمت بتوفيق الله تعالى وفضله وكرمه - وله الحمد والشكر على ذلك - يجدر بي أن أقدم خلاصة هذا البحث، وألخص أهم ما وصلت إليه من نتائج، من خلال هذا الجهد العلمي المتواضع، وذلك كالتالي: 1 - إن الإسلام دين كامل، ونظام شامل لكل ما يحتاجه الإنسان في حياته الانفرادية والاجتماعية، وهو يهتم بالفرد أولا ويشرع له من الأحكام ما يناسب فطرته ونفسيته، وينظم علاقته بالخالق والمخلوق، ليعيش سعيدا في الحياة الدنيا، وليفوز بالجنة في الآخرة، وبتطبيق الفرد وعمله بهذا النظام في حياته ينشأ مجتمع صالح، لأن الفرد لبنة أولى في المجتمع، ثم يهتم بالحياة الاجتماعية ثانيا، ويقرر للناس ما يجعلهم قوما واحدا، ويأمرهم بأن يولوا عليهم رجلا منهم، ويجعلوا إليه أمورهم، حتى لا تكون حياتهم فوضى، وبهذه الولاية يقترب بعضهم من بعض، ويتناصرون ويجتمعون، ويكونون يدا واحدة. فالولاية - إذن - تطلق على القرابة والنصرة والخطة، والإمارة، والسلطان، والبلاد التي يتسلط عليها الوالي، وهذه الكلمة تشعر بالتدبير والقدرة والفعل وما لم يجتمع ذلك فيه لم ينطلق عليه اسم الوالي. وهذه الولاية في الاصطلاح: سلطة شرعية تمكن صاحبها من التصرف الصحيح النافذ لنفسه، أو لغيره، جبرا أو اختيارا. 2 - وتنقسم الولاية إلى عدة أقسام باعتبارات مختلفة: أ - فهي تنقسم باعتبار قوة الولي في صلاحيته لمباشرة شئونه وشئون غيره إلى: - ولاية قاصرة، وهي صلاحيته لمباشرة شئون نفسه وماله فقط. - وولاية متعدية، وهي صلاحيته وسلطته الشرعية تمكنه من التصرف الصحيح النافذ في حق غيره. ب - وهي تنقسم باعتبار سعة مجالها إلى: - ولاية عامة، وذلك كالسلطان والحاكم، فإن له سلطة وصلاحية في التصرف الصحيح النافذ في شأن من شئون المجتمع العامة. - وولاية خاصة، وهي التي يملك بها الولي التصرف في شأن من الشئون الخاصة للأشخاص المعينين، كالأب والجد على الصغار. ج- وهي تنقسم باعتبار موضوعها إلى: - ولاية على النفس، كولاية الحضانة، وولاية الكفالة، وولاية التزويج والنكاح. - وولاية على المال، وهي حق التصرف في إنشاء العقود والتصرفات الخاصة بالمال وتنفيذها. د- وهي تنقسم باعتبار مصدرها إلى: - ولاية ذاتية، التي تثبت للشخص ابتداء ولا تكون مستمدة من الغير. - وولاية مكتسبة، التي يستمدها صاحبها من الغير، بإقرار الشارع. 3 - الإمامة العظمى: هي رياسة البلد العليا، وهي خلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به، والقائم بها هو الإمام، ويطلق عليه لقب الخليفة، وأمير المؤمنين - كما يطلق عليه في العصور المتأخرة الملك والسلطان، والأمير ورئيس الجمهورية ونحو ذلك وهو أعلى منصب من مناصب الدولة. ويلحق به منصب رياسة الوزراء في بعض الأنظمة، لأن الرئيس يفوض جميع أمور الدولة، وقيادة الحكومة إلى رئيس الوزراء، فهو الذي يخطط ويدبر، ويعين الوزراء والقضاة ويعزلهم، ويوقع على المعاهدات وينقض وغير ذلك، فهو يعتبر حاكما للبلاد، فلذا يكون في حكم رئيس الجمهورية من حيث الشروط والصفات. 4 - ويشترط في الإمام الأعظم أن يكون سميعا بصيرا ناطقا ابتداء ودواما، أما تمتمة اللسان مع فهم الكلام، وثقل السمع مع إدراك الصوت وفهمه ولو بآله السماعة فلا يؤثر.

وتشترط فيه سلامة الأعضاء التي يؤثر فقدها في الرأي والعمل، ويعتبر نقصا يؤدي إلى العجز عن القيام بما يلزمه من حقوق، كاليدين والرجلين، وكذلك قطع الأذن أو الأنف ونحو ذلك مما يشين المنظر فيذهب بهيبته، هذا في ابتداء عقد الإمامة، أما لو انعقدت له وهو سليم ثم طرأ عليه شيء من ذلك فيمكن أن تشكل اللجنة الخاصة تنظر في أمره مع مراعاة التطور في الطب المعاصر، فإن رأت أنه يمكنه القيام بمهامه مع هذا الطارئ لاستخدام وسائل الطب المتطورة، ورأت عدم ضرورة عزله لم يعزل، وإن رأت عزله للنقص في مهامه عزل. ويشترط أن يكون قرشي النسب إن تيسر ذلك مع توفر الشروط الأخرى فيه. وأن يكون حرا، ذكرا، مكلفا، أي عاقلا بالغا، مسلما، مجتهدا ذا ثقافة عالية في علوم الدين والدنيا، وذا خبرة سياسية، إن أمكن، وإلا فأمثل الموجودين يقدم، وان يكون عدلا مرضيا عند قومه، ورعا أمينا، كما يشترط فيه الكفاية بأن يكون ذا الرأي والبصيرة والشجاعة والنجدة، وينبغي أن يكون أفضلهم. 5 - لا يجوز أن تسند إلى المرأة الولاية العامة، فلا يجوز أن تتولى الإمامة العظمى والخلافة، أو الرياسة، وعلى ذلك أجمع الأئمة والفقهاء والعلماء من السلف والخلف، لم يجز أحد للمرأة أن تتولى هذا المنصب، ولم يحصل تولي أية امرأة الولاية العامة في عصر النبوة والخلافة الراشدة، والعصور الأولى لهذه الأمة، وذلك للأدلة الصحيحة الظاهرة على منع تولي المرأة شيئا من الولاية العامة، ولا سيما منصب الإمامة العظمى، كقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم). ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة). والحديث صحيح من حيث الثبوت، صريح من حيث الدلالة، ويكفي في صحته وروده في صحيح الإمام البخاري، وقد أجمعت الأمة على صحة ما جاء فيه مرفوعا متصلا، كما شرط الإمام البخاري أنه لا يروي فيه إلا صحيحا، فلا شك في صحة هذا الحديث، وهو مروي أيضا في كتب الحديث الأخرى. فالاعتراض عليه بالوضع أو الضعف من دسائس المستشرقين في التشكيك في السنة النبوية المصدر الثاني للشريعة الإسلامية والنيل من شرفها، وإبعاد المسلمين عن دينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم. والحديث صريح واضح في دلالته على منع تولي المرأة منصب الولاية العامة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بعدم فلاح قوم الذين يولون أمرهم امرأة، وعدم الفلاح ضرر، بل أعظم الضرر، يجب على الأمة اجتناب هذا الضرر، وذلك باجتناب ولاية المرأة، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ثم الحديث عام في كل قوم وكل امرأة في أي زمن وفي أي مكان، والقول بأنه خاص بقوم فارس الذين ملكوا بنت كسرى - هذا قول ضعيف لا حجة فيه لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وينطبق هذا الحكم على رياسة الوزراء، فلا يجوز أن تتولاها المرأة، لأن مهام رئيس الوزراء كمهام رئيس الجمهورية. ولم يخالف في هذه المسألة أحد من العلماء السابقين، وإنما خالف فيها بعض المعاصرين فأجازوا أن تكون المرأة رئيسة الجمهورية أو رئيسة الوزراء، ومستندهم في ذلك: أن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة، وهذه المساواة تقتضي أن يكون للمرأة حق الولاية العامة وغيرها مثل الرجل. ولكن مستندهم غير صحيح لأن المساواة بين الجنسين في الإنسانية، وفي الثواب والعقاب لا تقتضي أن تعمل المرأة نفس الأعمال التي يعملها الرجل، لأن كلا منهما يختلف عن الآخر في خلقته ووضعه ونفسيته، فلذا شرع للرجل من الأعمال ما ليس بمشروع للمرأة كإمامة الصلاة للرجال، وخطبة الجمعة ونحو ذلك.

6 - ولا يجوز للمرأة أن تتولى إمارة جزء من البلد، كإمارة منطقة من المناطق أو إقليم من الأقاليم، لأن هذه الإمارة ولاية عامة، وهي ممنوعة على المرأة ولأنها صورة مصغرة للإمامة العظمى، لأن الأمير يتصرف في تلك المنطقة في أمور أهلها كتصرف الإمام في أمور جميع أهل البلد، وإن كان مراقبا من قبل الإمام. 7 - الوزارة في العصر الحاضر تطورت، فهي وزارة تفويض من جهة، ووزارة تنفيذ من جهة أخرى، لأن الوزير ينفذ ما يأمر به رئيسه، وله حق التصرف في بعض الشئون المتعلقة بهذه الوزارة، فيكون أصل الفكرة من رئيس الحكومة، والتخطيط المفصل من الوزير، وهو يتجول في البلاد للتعرف على أحوال الشعب وحل مشاكلهم في الشئون المتعلقة بهذه الوزارة، كما يحضر مجلس الوزراء، والمؤتمرات، وقد يخلو برئيس الحكومة، وهذا كله ممنوع على المرأة، فلذا لا يجوز أن تكون وزيرة، ولأن الوزارة من ولاية عامة، وليست للمرأة الولاية العامة. 8 - لو كانت الوزارة تتعلق بشئون النساء خاصة، بحيث لا تحتاج المرأة الوزيرة إلى الخروج إلى الرجال، والتكلم معهم، بل يكون تصرفها في بنات جنسها، وهي تلتزم بالأحكام الشرعية والآداب الإسلامية، فيمكن أن يسمح لها بتولي هذه الوزارة كمديرة مدرسة للبنات، حتى لا تضطر النساء إلى الاختلاط بالرجال الأجانب، وهذا النوع من عمل المرأة ما تقوم به المملكة العربية السعودية ممثلا في رياسة مدارس البنات، حيث يقوم بإدارة الكليات والثانويات والمتوسطة والابتدائي نساء. وكذلك وجود أسواق خاصة بالنساء في معظم مدن المملكة، ووجود فروع بنكية خاصة بهن. وأنا اقترح في هذا المقام وأدعو من خلال هذه الأسطر إلى توسيع هذه الدائرة بأن يوجد عيادة نسائية، ومستوصف نسائي، ومستشفى نسائي، ويكون جميع العاملات فيه نساء، وهكذا ينبغي أن ينجر الأمر إلى كل ما فيه مصلحة للمرأة ويمكن استقلالها عن الرجل، كالبنك والسوق ونحو ذلك، فإن الحاجة داعية في هذا الزمن إلى وجود مثل هذه المصالح، واستقلال المرأة بها. 9 - أذان المرأة وإقامتها: لا يشرع للمرأة الأذان والإقامة كما يشرعان للرجال، ولكن لو أذنت وأقامت فلها ثلاث أحوال: ا- أذانها وإقامتها لجماعة الرجال فقط أو للرجال والنساء معا، ولا يشرعان ولا يجوزان لها في هذه الحالة، ولا يجزئ أذانها أو إقامتها لجماعة الرجال. ب - لجماعة النساء وحدهن. ج-أو لنفسها منفردة، فيجوز لها أن تؤذن لجماعة النساء أو لنفسها، لكن ليس كالرجال، لأنه في حقهم آكد، والنساء لو أذن فجائز، ولو تركن فجائز، ولو أذنت المرأة وجب خفض الصوت، فلا ترفع فوق ما تسمع صواحبها. أما إقامتها لنفسها أو لجماعة النساء فإنها أولى وأقرب إلى الاستحباب ولكن لو لم تقم لصحت الصلاة. 10 - الإمامة الصغرى وهي إمامة الصلاة، ولتولي المرأة إمامة الصلاة صورتان من حيث الحكم: ا- إمامة المرأة للرجال، أو للرجال والنساء معا: فلا تصح إمامة المرأة للرجال في الصلاة مطلقا، سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا. ب - إمامة المرأة للنساء: فيستحب أن تصلي النساء جماعة إذا اجتمعن في مكان وتؤمهن امرأة منهن، ولكن تقف معهن في وسط الصف، فإمامة المرأة للنساء جائزة وصحيحة. 11 - القضاء والحسبة والإفتاء ثلاثة مناصب، يتولى صاحب كل منها بيان الحكم الشرعي وإظهاره، ولكن تختلف نوعية بيان كل من الآخر، فيبين القاضي الحكم مع الإلزام بتنفيذه على المقضي عليه، بينما المفتي يبين بدون إلزام، والفتوى حكم عام للمستفتي وغيره، أما القضاء فهو خاص بمن حكم عليه، كما أن الفتوى أكثر شمولا من القضاء فإن الفتوى تدخل في العبادات والجنايات والمعاملات، بينما القضاء لا يدخل في العبادات.

والفرق بين القضاء والحسبة: هو أن المحتسب يسمع الدعاوي المتعلقة بظواهر المنكرات وليس له سماع الدعاوي الخارجة عن ظواهر المنكرات كالدعاوي المتعلقة بالعقود والمعاملات والمطالبات، بينما القاضي له سماع هذه الدعاوي. وكذلك الدعاوي التي أبيح للمحتسب سماعها تقتصر على الحقوق المعترف بها، أو سبق بها الحكم، أما ما يدخله التجاحد والتناكر فلا يجوز له النظر فيه، بينما القاضي ينظر في هذه القضايا كلها. كما أن المحتسب لا يحتاج إلى متظلم أو رفع شكوى، بل له أن ينظر في أحوال الناس فيأمر بالمعروف المتروك، وينهى عن المنكر المعمول به، بينما القاضي لا يحكم ولا ينظر إلا بعد رفع الشكوى إليه. 12 - لا يجوز أن تتولى المرأة منصب القضاء، ولا يصح قضاؤها، ولو قضت لم ينفذ، لأن القضاء من أعظم المناصب وأخطرها، وهو من الولايات العامة، بل هو أعلى من كل منصب، لأن القاضي يحكم على الإمام أيضا، والمرأة لا تصلح للإمامة ولا للقضاء لأنها ناقصة العقل والدين، وهي مأمورة بالقرار في البيت، وعدم الاختلاط، والخلوة بالأجانب، والقاضي يحضره الخصوم من كل فئة، وفيهم صالح وطالح، وقد يفتتن بها بعض الخصوم أو تفتتن به، وقد يكون بعض الخصوم ألحن من الآخر في حجته، وعنده حيل لا ينتبه لها كثير من الرجال، فلذا ينبغي أن يكون القاضي فطنا ذا رأي وخبرة، والمرأة قليلة الخبرة بحكم عدم مخالطتها الرجال فلذا لا يجوز كونها قاضية، وعليه تدل الأدلة الصحيحة، وهو مذهب الجمهور، حتى وافقهم الأحناف، فهم لا يجيزون تولية المرأة منصب القضاء، ويقولون: لو وليت يأثم المولي، ولكن يخالفون الجمهور في أنها لو قضت في حكم ينفذ حكمها مع أثم المولي، بينما الجمهور يقولون: لا ينفذ. وكذلك لم يثبت ما نسب إلى ابن جرير الطبري وغيره من جواز ذلك، إلا ما قال به ابن حزم في المحلى، فله رأي خاص في هذا، فلذا قال بعض العلماء بأن عدم جواز تولي المرأة القضاء أمر مجمع عليه. 13 - من متعلقات القضاء الشهادة: والمرأة أهل للشهادة في الجملة، وهي تقبل منفردة في أمور، وتقبل مع الرجال في أمور، ولا تقبل مطلقا في أمور: فتقبل شهادة المرأة المنفردة في أمور خاصة بالنساء التي لا يطلع عليها الرجال كعيوب النساء والبكارة والثيوبة ونحو ذلك وتقبل شهادتها في الديون المؤجلة والمعاملات المالية مع الرجل وتكون شهادة المرأة الواحدة مثل نصف شهادة الرجل ولا تقبل شهادة النساء مطلقا _ لا منفردات ولا مع الرجال _ في غير الأموال وأمور النساء فلا تقبل في الحدود والقصاص والنكاح والطلاق والرجعة ونحو ذلك مما ليس بحد ولا قو د، ولا مال ويطلع عليه الرجال غالبا. ومن هنا يتبين أن المرأة فضلت على الرجل في أمور، وفضل الرجل عليها في أمور، وكل ذلك من شرع الله الحكيم، فقد جاء موافقا لطبيعة كل من الرجل والمرأة، ومعتبرا لتخصص كل منهما في مجاله، فالمرأة ناقصة العقل والدين، يطرأ عليها النسيان والغفلة وهي لا تعي ما ليس مناسبا لفطرتها، فهي لا تستطيع مشاهدة المواقف المخيفة من القتال والجدال والمضاربة، ولا تحضر مجالس النكاح ونحوها لأجل حيائها، فلا تدرك ولا تعيي ما يجري في مثل هذه المواقف فكيف تشهد، وتعتبر شهادتها في الأموال نصف شهادة الرجل لنسيانها حتى لو نسيت ذكرتها الأخرى، ولكن قبلت امرأة واحدة منفردة في أمور النساء لأنها أعرف لهذه الأمور وأحفظ لها من الرجل، فلكل مجال تخصصه. 14 - الحسبة نوعان: حسبة تطوع، وحسبة رسمية، ولا يشترط للمحتسب المتطوع أن يكون ذكرا، بل المرأة مطالبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين الناس، ولكن تكون حسبتها في مجالات مناسبة لها.

أما الحسبة الرسمية التي تتولاها المحتسب من قبل ولي الأمر ففيها قولان: المشهور عدم جواز تولي المرأة الحسبة مطلقا، والثاني جواز توليها هذه الحسبة، ولكن الذي يظهر من حقيقة أعمال الحسبة والأدلة والمناقشة أن المرأة لا تتولى أمر الحسبة من قبل الوالي في أمر السوق الذي يتعلق بالرجال، حتى لا يؤدي ذلك إلى محظور، ولكن يجوز لها أن تتولى أمر الحسبة فيما يتعلق بأمور النساء، ولا سيما في العصر الحاضر أصبحت المرافق النسائية وغيرها من أمر الجمارك ونقطة التفتيش للنساء، فإنه يجب تولي الحسبة في مثل هذا للمرأة. وأدعو من خلال هذه الأسطر من يتولى أمر المسلمين إلى أن يخصص فئة من النساء يقمن بالحسبة في مرافق النساء، فيأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر، ويدعون إلى الخير، لأن ترك أمر الحسبة في النساء يهدد المرأة بالوقوع في المنكرات وانتشار الفساد. 15 - يجوز للمرأة أن تكون مفتية إذا توفرت فيها شروط المفتي، ولا محذور في ذلك وذلك باتفاق العلماء، لما ثبت من إفتاء أمهات المؤمنين ونساء الصحابة وغيرهن، ولكن يراعي في ذلك آداب الإسلام، حيث لا يحصل الاختلاط المحرم، والخلوة بأجنبي ونحو ذلك. 16 - الشورى أساس من أسس نظام الحكم الإسلامي، فالإسلام نظام شوري، لا استبداد برأي أحد- ولقد أمر الله تعالي نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه ووصف المؤمنين بأن أمرهم شورى، ولقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم نظام الشورى واستشار أصحابه في قضايا عديدة، كما طبق الصحابة رضي الله عنهم نظام الشورى في حياتهم في أمور لم يرد في حكمها نص في الكتاب أو السنة. 17 - أهل الشورى هم أهل الحل والعقد وأهل الاختيار، وقادة الأمة من العلماء والفقهاء، وأصحاب الفكر والرأي والبصيرة، ورجال التخصص والفن، ورؤساء الجيش وزعماء الناس، ولا يعتبر رجل عامي جاهل من أهل الشورى لمالها من أهمية وخطورة، ولا يستشار إلا من لديه علم ومعرفة وخبرة حتى تكون مشورته مجدية، وعامة الناس لا يقدمون شيئاً في المشورة لقلة علمهم وذكائهم وعدم خبرتهم. 18 - أهل الحل والعقد ويطلق عليهم أيضاً أهل الاجتهاد والمراد من هذه التسمية في كتب الفقه هم الذين يرشحون الإمام ويختارونه، وبيعتهم للإمام توجب على الأمة الانقياد لهذا الإمام. وعرفهم العلماء بأنهم: العلماء والرؤساء وسائر وجوه الناس، والمراد بهم في كتب أصول الفقه هم أهل الإجماع من علماء المسلمين، ويكونون على درجة لاجتهاد، وهؤلاء يدخلون في أهل الشورى دخولا أوليا. 19 - ويطلق في النظم السياسية الحديثة الوضعية على مجلس الشورى أسماء أخرى كمجلس الشعب ومجلس النواب، ومجلس الشيوخ ن وهم يقولون أن هذه المجالس تقوم بنفس الأعمال التي يقوم بها مجالس الشورى أو مجلس أهل الحل والعقد من سن القوانين ومراقبه السلطة التنفيذية ونحو ذلك، ولكن الحقيقة أن هذه المجالس تختلف في وضعها من مجلس الشورى ومجلس أهل الحل والعقد، من حيث اختيار الأعضاء وصفاتهم، ثم مهمة مجلس الشورى أو العلماء: الاجتهاد والاستنباط للأحكام الطارئة من النصوص الشرعية، فلذا ينبغي الرجوع إلى مصطلحات إسلامية. 1 - ويشترط في أهل الحل والعقد وأهل الشورى، العقل والبلوغ والإسلام، والحرية والعلم الذي يجعله صالحا لتقديم المشورة، سواء كان العلم بالشريعة الإسلامية بالتخصص أو لفن من الفنون، كما تشترط العدالة، الرأي والتجربة والمواطنة والإقامة في دار الإسلام والذكورة.

2 - لا يجوز خوض المرأة في السياسية ودخولها في مجلس لشورى أو البرلمان كعضوه من أعضاءه، لأنه الولايات العامة، فلا تكون عضواً لمجلس الشورى، أو مجلس البرلمان، ولا تنتخب لذلك. نعم لا يرد رأي المرأة ومشورتها لكونها أنثى، بل يؤخذ رأيها إذا كان صوابا وللمرأة أن تقدم النصح والمشورة والرأي عن طريق ولي أمرها، أو بالكتابة أو نحو ذلك من وسائل الاتصال، دون أن تحضر مجالس الشورى أو تكون ركنا فيها. 3 - إن الإسلام يقرر المساواة بين الرجل والمرأة ويشرع لكل واحد من حقوق وواجبات، ولكنها مساواة في أصل الإنسانية، ثم تختلف نوعية الحقوق والواجبات، فالمرأة تساوي الرجل في أصل الخلقة، والقيم الإنسانية، ولها الحق بمطالبة ما تستحق، ولها أن ترفع حاجتها إلى الحاكم والقاضي كما يرفعها الرجل، ولها أجر ما عملت مثل ما للرجل، وعليها العقاب كالرجل، ولكن يختلف اختصاص كل منهما في وظائف الحياة، فالحمل والإرضاع وتربية النشء ونحو ذلك من خصائص المرأة، والتكسب والإنفاق من خصائص الرجل، وعلى حسب ذلك هيئ كل منهما في جسده وفطرته ونفسيته. 4 - ولا علاقة لدخول المرأة في السياسية ومجالس الشورى بكرامتها أو إنسانيتها، ولأن الإسلام أعلى من شأن المرأة، وأكرمها، وأخرجها من ظلم الجاهلية إلى نور الهداية، وأعطاها من الحقوق ما لم يعطها غيره من الديانات والحضارات حتى يومنا هذا، وكل مسلم مطالب بالحفاظ على الحق الثابت في الإسلام للمرأة، فلا تحتاج إلى دخول البرلمان لمطالبة حقها، ولكن الذي ليس بحق في الإسلام لا يعترف به المسلمون مهما طالبت به امرأة. 5 - الإسلام صان المرأة من كل شر وفساد، فشرع لها من الأحكام ما يحفظ عرضها وشرفها ويصون عصمتها، فأمرها بالحجاب، وحرم عليها الاختلاط والخلوة بالأجانب، وسفرها بدون محرم، ومنعها من التبرج والسفور وإظهار الزينة مما يؤدي إلى فساد عظيم في المجتمع. 6 - البيت هو مملكة المرأة المسلمة، وهي ملكته، وأمرها الله تعالى بالقرار في بيتها، فالمجال الأساسي لنشاطها في بيتها هو الأمومة وتربية الأجيال تلبية لفطرتها وسعادتها في القيام بحقوق الزوج والأسرة. 7 - قد ثبت أن تكوين المرأة يختلف عن تكوين الرجل، وهي ضعيفة من ناحية جسمية وعقلية لا تتحمل المشاق الكبيرة التي يتحملها الرجل بسهولة. 8 - أن المرأة لم تشارك في الحياة السياسية ولم تحضر المجالس الشورية مع الرجال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهديين مع توفر دواعي اشتراكها في مثل هذه المجالس وقد حدثت الأحداث العظام، وكانت فيهن نساء مثقفات فضليات حتى لم يحصل ذلك فترة طويلة وعصورا عديدة من تاريخ الأمة الإسلامية ولم يأت أمر سياسة المرأة في الأمة الإسلامية إلا بعد الغزو الفكري والاستعمار الأوروبي لبلاد المسلمين، حيث أردوا إفساد الأمة ودمارها. 9 - إن مهمة المجالس الشورية - المجالس النيابية - مهمة عظيمة، فهي التي تسير دفة سياسة البلاد، وتخطط وتدبر، وتناقش القضايا، فأهل هذا المجلس يجلسون في قاعة المجلس ساعات طويلة جنبا إلى جنب، يتحدثون، ويتصافحون وغير ذلك من الأمور التي لا يجوز للمرأة أن ترتكبها مع الرجال الأجانب. 10 - الانتخاب طريقة حديثة لاختيار شخص من الأشخاص لرياسة الجمهورية، أو عضو للمجلس النيابي، ولكن الطريق السائدة للانتخاب ليست بصحيحة، وهي تخالف الشريعة الإسلامية لأن المرشح يظهر نفسه بأنه هو الأصلح، وفي ذلك يكذب، وله في سبيل ذلك دعايات ونعرات باطلة، ويتهم المرشح الآخر الذي ينافسه، وهذا الأمر يجعل الناخبين في حيرة فلا يستطيعون الوصول إلى الأصلح والأكفأ.

والانتخاب ليس بوكالة ولا شهادة، وإنما هو أقرب إلى تزكية شخص وتعديله، فالناخب يزكي المرشح ويعدله على أن أصلح لمهمة مجلس البرلمان، وأقدر على أداء واجبه، والتزكية تكون من رجل عايش صاحب وجالسه وعامله فكان يعرف سره وعلانيته، ولذا لم يجز الجمهور تزكية المرأة، لأن المرأة لم تخالط الرجال ولم تجالسهم فلم تكن لديها معرفة وخبرة باطنية عن هذا الرجل، فعلى هذا لا يجوز اشتراك المرأة في الانتخاب كناخبة. نعم إذا كانت هناك امرأة أو نسوة يعرفن صلاحية شخص وكفايته، ولهن رأي في ذلك فيبدينه بصورة مسموحة لهن لاختيار هذا الشخص، فيكون كالترشيح منهن ثم ينتخبه الرجال، وذلك كاختيار المرأة للقاضي. 30 - الجهاد بالسيف والأسلحة ليس بواجب على المرأة، لأن الرجال مسئولون عن الدفاع عن النساء، فلذا تجنيدهن وتوظفهن في الجيش كالرجال غير جائز، لما يترتب على ذلك من محاذير، وعواقب وخيمة، وواقع البلاد التي سمحت بذلك دليل واضح على هذه المحاذير. إلا إذا احتاج الجيش إلى التمريض والتضميد ونحو ذلك وكان من النساء من يحسن ذلك فيمكن استخدامهن في هذا مع مراعاة الآداب الإسلامية. 31 - وكذلك توظيف المرأة في الشرطة والجهات الأمنية الأخرى ليس بجائز إذا كانت هذه الجهات تتعلق بالرجال، أما إذا كانت متعلقة بالنساء مثل قسم النساء في الشرطة للإشراف عليهن، والقيام بالتفتيش معهن في سجون النساء، أو التفتيش معهن في المطارات ونحو ذلك فهو جائز، بل قد تكون ضرورة، يجب توظيفهن في مثل هذه الحالة حتى لا تضطر النساء إلى الاختلاط بالرجال والكشف أمامهم. 32 - تولي المرأة الوظائف في الدوائر الحكومية وغير الحكومية ليس بعمل أساسي لها، ولا يجوز ذلك على الإطلاق، وإنما الوظيفة الأولى هي عملها في خدمة البيت ورعاية الزوج وتربية الأولاد، فلا تشتغل بما يعوقها عن أداء هذا الواجب، ولكن إذا دعت الضرورة أو الحاجة العامة أو الخاصة إلى الخروج للعمل جاز توليها الوظيفة، بشرط أن تكون مناسبة لطبيعتها وقدراتها الجسمية والعقلية، ذات المسئوليات المحدودة، كالعمل في المجالات النسائية من تعليم البنات وتمريض النساء وتطبيبهن، أو إرضاع الأطفال وتربيتهم، أو تولي الإدارة في هذه المجالات، مع الالتزام بالأحكام الشرعية أثناء العمل، فتكون في وقار وحشمة، بعيدة عن مظان الفتنة، وعن الاختلاط والخلوة ونحو ذلك. 33 - لأنه يطرأ على المرأة أحوال من الحيض والحمل والوحم والولادة والنفاس والإرضاع وتربية الطفل وغيرها، وهي تكون في هذه الحالات مريضة لا تستطيع أن تؤدي وظيفتها. 34 - ويترتب على اشتغالها في الوظائف العامة آثار ضارة في نفسيتها، وفي أسرتها وضياع أولادها، وخراب بيتها، وفوق هذا كله تتعرض للابتزاز الجنسي ممن يخالطها في العمل من الرجال. 35 - للمرأة أن تتعلم أمور دينها وما ينفعها في حياتها، ويعدها كزوجة سعيدة وأم مربية، ثم بعد ذلك لو وجدت في نفسها قدرة وكانت الظروف مهيأة فلها أن تتعلم العلوم الأخرى، ولا مانع أن تختار لنفسها مهنة التدريس، سواء في المدارس النسائية أو في بيتها. 36 - وللمرأة أن تتعلم الطب والتمريض ولا سيما في الأمراض النسائية، فتكون طبيبة نسائية، أو ممرضة نسائية حتى لا تضطر النساء الذهاب إلى الأطباء الرجال، ويجوز أن تعالج رجلا إذا دعت إليه الضرورة من غير أن تتعدى موضع الضرورة، كما كانت نساء الصحابة يمرضن المرضى ويداوين الجرحى.

37 - يجوز للمرأة أن تكون وكيلة عن غيرها في قضية ما، وعلى هذا يجوز أن تكون محامية، لأن المحاماة وكالة بالخصومة، وهي تجوز للمرأة، ولكن مهنة المحاماة في العصر الحاضر أخذت طريقا غير سديد، ثم يحتاج المحامي إلى الاختلاط بالخصوم، والحضور في مجلس القضاء ونحو ذلك من الأمور، والمرأة ممنوعة عن ذلك كله فلذا لا ينبغي أن تتخذ لها مهنة المحاماة ما دامت على هذه الصورة. 38 - أسباب ولاية النكاح خمسة: الملك والقرابة، والولاء، والإمامة، والوصاية. 39 - الولي شرط في صحة النكاح، ولا يجوز للمرأة أن تتولى نكاح نفسها أو غيرها بسبب من الأسباب، لا أصالة ولا نيابة ولا وكالة، لو باشرت العقد كان النكاح باطلا. 40 - للمرأة البالغة العاقلة الرشيدة أن تتولى مالها، وتتصرف فيه كما تشاء بعوض أو بغير عوض كبيع أو شراء، أو إجارة، أو قراض، أو تصدق أو هبة كله أو جزء منه، وليس لأحد أن يمنعها من ذلك، ولا تحتاج إلى إذن أحد، سواء كانت بكر ذات أب، أو غير ذات أب، أو ذات زوج. 41 - يجوز للمرأة أن تتصرف في مال أولادها من أكل وغيره، كما هو مسموح للرجل في مال أولاده، ويجوز لها أن تتصرف وتأكل من مال أبويها بما هو مباح لها. وللأم ولاية مال أولادها الصغار والمجنون، لأنها أشفق على ولدها من غيرها. 42 - ليس للمرأة أن تتصرف وتتصدق من مال زوجها إلا بإذنه، سواء كان الإذن صريحا أو مفهوما من العادة والعرف. 1 - ويجوز لها أن تكون وصية، فلها ولاية المال بالوصاية إذا توفر فيها شروط الوصي، سواء كانت أم الأطفال، أو أجنبية عنهم. 2 - يجوز للمرأة أن تكون ناظرة وقف، وتكون لها ولاية النظر على الوقف والتصرف فيه باتفاق. 3 - النساء أحق بحضانة الطفل من الرجال، وهن الأصل في ذلك، لأنهن أشفق وأرفق وأهدى إلى تربية الصغار، وأصبر على تحمل المشاق في هذا المجال، وأن الأم أحق بحضانة ولدها - ذكرا كان أو أنثى - مالم تنكح وتوفرت فيها شروط الحاضنة باتفاق. 4 - يشترط في الحاضن: التكليف، والحرية، والعدالة، والإسلام، إذا كان المحضون مسلما، والقدرة على القيام بواجبات المحضون، وأن لا تكون متزوجة بأجنبي من المحضون، وإذا فقد شرط من الشروط وطرأ المانع كالجنون أو الزواج ونحو ذلك سقط حق الحضانة، ثم إذا زال المانع رجع الحاضن في حقه، ولكن الأولى مراعاة مصلحة المحضون، لأن حقه مقدم. 5 - مدة الحضانة إلى سن التمييز والاستغناء، أي تستمر الحضانة إلى أن يميز المحضون ويستغني، بمعنى أن يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده، ويستنجي وحده ونحو ذلك، وإذا بلغ هذا الحد انتهت مدة الحضانة ذكرا كان أو أنثى، وذلك سن سبع سنين أو ثمان سنين. 6 - أثر السفر في انتقال الحضانة: إذا افترق الأبوان واختلفا في حضانة الولد فيكون لسفرهما صور: ا- إذا أراد أحد الأبوين السفر غير نقلة، بأنه يريد أن يرجع فالمقيم أحق بالولد. ب - وإذا أراد أحدهما سفرا لقصد الاستيطان والإقامة وكان البلد أو الطريق مخوفا فالمقيم أحق به. ج- وإذا أراد أحدهما سفرا للانتقال والإقامة في البلد، وكان البلد والطريق آمنين فالأب أولى به من الأم، سواء كان المنتقل أبا أو أما. د- وإذا أراد الأبوان السفر جميعا إلى بلدة واحدة فالأم باقية على حضانتها. هـ- لو كان السفر قريبا بحيث يراهم الأب ويرونه كل يوم فتكون الأم على حضانتها. 7 - عند بلوغ الولد حد الاستغناء تنتهي مدة الحضانة، وتبدأ مدة كفالة الصغار إلى أن يبلغ الحلم أو تحيض الجارية، فتنتهي مدة الكفالة، ويكون الولد حرا في تصرفه.

8 - حق المرأة في كفالة الصغار: يظهر من مذاهب الفقهاء أن للنساء حقا في كفالة الولد في الجملة، ولا سيما الأم والجدة، إلا أن الخلاف واقع بينهم فيمن هو أحق بالكفالة إذا تنازع الأبوان، وكانا أهلا للكفالة فيرى المالكية والظاهرية أن الأم أحق بكفالة الولد ذكرا أو أنثى، ويرى الشافعية، أنه ليس أحدهما أحق به، بل يخير سواء كان ذكرا أو أنثى، ويرى الحنابلة التخيير في الذكر، وأما الأنثى فالأب أحق بها، ويرى الحنفية أن الأب أحق بالغلام، والأم أحق بالجارية، ولعل الراجح هو: التخيير إذا تنازعا وتوفرت فيهما شروط الكفالة. 9 - وهكذا نرى أن الشريعة الإسلامية اهتمت بجميع جوانب الحياة، وجاءت بأعدل الأحكام، فلا يجوز الاتهام بأن الإسلام لم يلب حاجات الناس، أو أعطى الجنس حقوقا أكثر من الجنس الآخر، وإنما هو تقسيم الله العليم الخبير في وظائف الحياة، فلذا أدعو المسلمين إلى الرجوع إلى دينهم، وتعلم ما جاء في الكتاب والسنة، لأن العلم والبصيرة في دين الله يقيهم شر الأعداء وفساد المناهج الهدامة. كما أقترح أن يقوم المسلمون عامة، وأولياء الأمور خاصة بنشر الثقافة الإسلامية، وبالأخص في المجال النسائي، حتى تعرف النساء ما هي حقوقهن وما هي واجباتهن في الإسلام، فلا يخدعهن قول الزور المزين بالعبارات البراقة، ولا يطالبن ما لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وأخيرا أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل، وينفع به الكاتب والقارئ والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فكر إسلامي أو عربي

فكر إسلامي أو عربي

الأمة الإسلامية بين عوامل السقوط وعوامل الارتقاء (بحوث في مؤتمرات دعوية وعلمية)

الأمة الإسلامية بين عوامل السقوط وعوامل الارتقاء (بحوث في مؤتمرات دعوية وعلمية) ¤عمر بن سليمان الأشقر£بدون¥دار النفائس - الأردن¨الأولى¢1427هـ€فكر إسلامي أو عربي¶فكر إسلامي - دراسات شاملة ومنوعة الخاتمة الأمة الإسلامية بين عوامل السقوط وعوامل الارتقاء الأمة الإسلامية، وقد عرضت في هذا البحث إلى التعريف بالأمة في اللغة العربية، ثم في الاصطلاح القرآني، وكيف كانت أمم الرسل جميعا من جهة أمة واحدة، ولم كانت الأمة الإسلامية أمة عالمية؟ وكيف تصبح فعلا أمة واحدة في آخر الزمان بعد نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، فلا يقبل من أحد إلا الإسلام أو القتل. وقد تحدثت في آخر البحث عن المقياس الذي يقيس الفضل بين الأمم، وكيف اختل هذا المقياس خللا كبيرا في هذه الأمة، وقد تناولت في الخاتمة عوامل السقوط، وعوامل الارتقاء في هذه الأمة.

الإسلاميون الجدد والعلمانية الأصولية في تركيا ظلال الثورة الصامتة

الإسلاميون الجدد والعلمانية الأصولية في تركيا ظلال الثورة الصامتة ¤عبدالحليم غزالي£بدون¥مكتبة الشروق الدولية - القاهرة¨الأولى¢1428هـ€فكر إسلامي أو عربي¶العلمانية والعلمانيون الخاتمة تجربة لم تنضج بعد بعد كل ما سبق فإننا أمام تجربة جديدة من المبكر الحكم على نجاحها الكامل أو سقوطها في فخ الفشل، حيث لا تزال تواجه الكثير من العواصف الداخلية والخارجية، وإذا كنا قد وصفنا هذه التجربة بالثورة البيضاء، فإنها ليست في حالة مناعة من الثورة المضادة. وهناك عوامل عدة تحكم مدى اتجاهها إلى الرسوخ أو مدى التلاشي، أبرزها الاقتراب أكثر من الحكم الأوروبي أو الابتعاد عنه، وكيفية التصدي للمشكلة الكردية المزمنة، والأوضاع الاقتصادية، ونحسب أن هذه هي العوامل الثلاثة الأكثر تأثيراً في مستقبل تركيا بشكل عام. لكن لا يمكن تجاهل عوامل أخرى مثل احتمالات التقلب في مزاج الرأي العام، وقدرة المعارضة على إعادة رص صفوفها، وقضية الفساد في صفوف الحكومة، سواء بجانبها السلبي المتمثل في تكشف العديد من فضائحها مستقبلاً أو الإيجابي، ثانياً قدرة الحزب على مواصلة تمثل صورة النقاء السياسي في مواجهة الانهيار الذي لحق بالنخبة القديمة وأحزابها. وهناك أخيراً عامل الصراع مع الجيش الذي تظهر إشارات على ميله إلى التشدد بعد انتهاء حقبة قيادة الجنرال حلمي أوزكوت وتولي الجنرال يشار بويك أنت لها. ونحسب أن حزب العدالة والتنمية قد خلق قاعدة شعبية قوية سيحسب لها العسكر ألف حساب عند تفجر قضايا قد تقودهم إلى العودة لأساليب الصراع القديمة مع الإسلاميين القدامى، كما أن قيادة أردوغان للحزب عامل آخر مهم لاستمرار قوته على الساحة السياسية؛ حيث أثبت الرجل أنه قادر على النجاة من مخاطر عدة، ومواصلة حشد التأييد الجماهيري لمبادئ وأفكار الحزب، بما في ذلك اللعب على أوتار الجذور الإسلامية عند اللزوم، وتلبس الوجه الديمقراطي في ذات الوقت. غير أنه يخطئ من يتصور أن الحزب قادر على إخراج تركيا من مشاكلها المزمنة ذات الإطار الجغرافي والتاريخي والجيوبوليتكي المعقد خلال مدة قصيرة، خاصة أن هذه المشاكل هي التي أعطت تركيا خصوصيتها وتميزها. ويبقى أيضاً مدى محافظة هذه الثورة الصامتة البيضاء على أبنائها، وتجنب الآثار السلبية لهيمنة أردوغان على الحزب، وفي كل الأحوال لا توجد إجابات بسيطة على أسئلة شديدة التعقيد [والمشكلة الكردية تحمل في طياتها كل مشاكل تركيا]. والأهم أن الاتحاد الأوروبي يريد حلاً لهذه المشكلة، ويمارس ضغوطاً على أنقرة لدفعها لإعطاء الأكراد مزيداً من الحقوق؛ لأنه لن يقبل أن يركب التمييز العرقي والتخلف والفقر والجهل والمرض، أياً كان الأمر فعلينا أن ننظر أكثر لنرى تبلور تجربة الثورة الصامتة في تركيا التي يلتصق التناقض بكامل صوره في تفاعلاتها الداخلية والخارجية!!.

التغريب الثقافي في الإعلان التجاري

التغريب الثقافي في الإعلان التجاري ¤محمد بن علي السويد£بدون¥جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - السعودية¨الأولى¢1429هـ€فكر إسلامي أو عربي¶أثر وسائل الإعلام ونماذج للأخطاء الإعلامية خاتمة الدراسة التحليلية وتوصياتها: أولاً: الخاتمة: يضع الباحث رؤاه العامة المسختلصة من دراسة التغريب الثقافي في الإعلان التجاري، وفي سياق بعدين مهمين: الأول: يتعلق بالتعبيرات الثقافية والاجتماعية في المحتوى الإعلاني، والثاني: يخص المخاطر التغريبية المستوحاة من تلك التعبيرات، ومدلولاتها المباشرة أو الضمنية. أ) التعبيرات الثقافية: كشفت نتائج الدراسة عن كثافة التعبير الثقافي والاجتماعي في إعلانات العينة، وتكتمل الصورة بمراعاة نوع الوسيلة ومجالها، فقد ظهرت إعلانات القنوات التلفازية بصورة تعبيرية, تميزت عن إعلانات الإصدارات المطبوعة، وبالمثل فإن إعلانات الوسائل الفضائية والدولية جاءت بتنوع تعبيري أوضح من إعلانات الوسائل المحلية على ضوء المحددات التنظيمية الحاكمة لها. وبالتركيز على أهم التعبيرات الثقافية والاجتماعية في المحتوى الإعلاني فإن الحديث سيقتصر على أربع منها، هي: الرموز الثقافية، والنماذج الشخصية، والعادات والسلوكيات، وقيم أساليب الحياة. ويدرك الباحث أن الفصل بين هذه التعبيرات هو من قبيل الفصل الإجرائي، وإلا فإن التداخل بين مكوناتها أمر في غاية الوضوح، ويحقق تكامل التعبير الإعلاني المستهدف. كما أن غاية الباحث في هذه الخاتمة: النص على ما يشير إلى تعبير غربي بالدرجة الأولى، فالدراسة معنية بالتغريب الثقافي في الإعلان التجاري، وما إيراد الانتماءات المحلية المتعددة في الفئات التحليلية إلا بغرض المقارنة بينما هو محلي وأجنبي في المكون الثقافي الواحد. ولهذا الاستدراك دلالة خاصة في تفسير كثير من نتائج الدراسة، فالإشارة إلى وجود تعبير محلي لا يغير من دلالة التوجه التغريبي، فرؤية الباحث أن معالم التغريب الثقافي في المحتوى الإعلاني لا تقاس بأغلبيتها الساحقة فقط، وإنما يمكن تَلَمس حضورها, كذلك في القياسات النسبية الأقل في حدود الواضح منها. وعلى ضوء هذا التصور التقويمي لمعالم التغريب الثقافي في إعلانات الوسائل الثلاث, فإن النزعة التغريبية فيها ليست بمستوى نسبي واحد، وذلك على ضوء درجة وضوح أداء التعبيرات الإعلانية في نوع الوسيلة ومجالها المحلي أو الدولي، وبهذا يخلص الباحث إلى القول إن المعامل التغريبية عبر عنها بصورة أوضح في إعلانات التلفاز، وفي الإعلانات الفضائية على وجه الخصوص، كما أن الإعلانات المطبوعة التي شهدت تحجيماً للعديد من المعالم المرصودة في الإعلانات التلفازية اختلفت نزعتها التغريبية أيضاً فيما بينها حسب نشرها في إصدارات محلية أو دولية.

1 - الرموز الثقافية: تجسدت المعالم الغربية في رموز إعلامية عدة يستطيع الباحث أن يحصر أهمها في خمسة عناصر أولها: السلع الأجنبية: حيث وَضُح مدى ارتباط إعلانات العينة بالسلع الأجنبية، وشمل ذلك الوسائل المحلية أيضاً التي لم يتضح لديها المصدر الإنتاجي المحلي إلا بين إعلانات الإصدار الأسبوعي، وتنبع الدلالة الرمزية للسلعة الأجنبية من اكتسائها بعداً إيحائياً خاصاً عندما يبدو في إعلاناتها ما يشير إلى ارتباطها الغربي المباشر، سواء من حيث السبق الصناعي أو الإنتاجي أو الطباع الحياتي أو الاستهلاكي، وإذا كان استقاء الارتباط الأول بادياً من دلالة جهة مصدر الإنتاج، فإن إيحاءات الارتباط الآخر تتجاوز تلك المباشرة بالتصاق السلعة بطابع الحياة الغربية وتعبيرها عن قِيَمِهَا الخاصة، وأقرب مثال عليها سلع المشروبات الغازية بإعلاناتها الدولية التي لم تتأثر دلالاتها الثقافية الغربية بانتقال مواقع إنتاجها إلى داخل المحيط المحلي. وثاني العناصر الرمزية الغربية: اللغة الأجنبية، فمع أن اللغة العربية هي اللغة الإعلانية الأولى في إعلانات الوسائل الثلاث إلا أن اللغة الأجنبية جاءت بحضور لا يُبْخس، ويخص البحث هنا ظهور الرمز اللغوي الغربي في إعلانات الوسائل الدولية والفضائية التي عبرت عن اللغة الأجنبية بإعلانات خاصة أو مختلطة مع اللغة العربية، ورغم تفاوت هذا التعبير اللغوي بين الوسيلة المرئية والأخرى المقروءة فإن ما يهم الباحث هنا التأكيد على نقل بعض الإعلانات التجارية وخاصة الدولية -أحد أهم الرموز الصوتية- للثقافة الغربية، ولا يرى الباحث في الحضور المحدود لإعلانات الخاصة – دون مشاركة – تقليلاً من مدلول اتجاه إعلانات من العينة لعرض محتواها كاملاً بلغة إعلانية غربية، إضافة للكلمات الوارد منها في الإعلانات المختلطة لغوياً. وثالث رموز الثقافة العربية: أنواع الزي، فقد وصف الباحث استخدام اللبس الرجالي الغربي بالمستوى المرتفع بظهوره في أكثر من نصف إعلانات الشخصيات الرجالية في القنوات التلفازية, وقربه من هذا المعدل في إعلانات الوسيلتين المطبوعتين, ووجوده في المواقع المختلفة منافساً للزي المحلي، كما أن الوسائل الدولية أكدت ارتباطها بأنواع زي هي من خصائص المرأة الغربية ذات الطابع الإغرائي والمثير، وأتمت ملابس الأطفال حقيقة اتجاه أزياء الشخصيات الإعلانية إلى النمط الغربي من خلال تفوق حضور هذا الزي على النوع المحلي في إعلانات القنوات والصحف اليومية. ولم يجد الباحث صعوبة في إثبات النزعة الغربية للعنصر الرمزي الرابع المعني به الموسيقى المصاحبة للإعلانات التلفازية، سواء ما كان غربياً بالأصالة والمقصود بها الموسيقى الأجنبية، أو تابعاً لها وهي الموسيقى العربية المعاصرة، وقد شكل هذا الرمز الصوتي طابعاً لغالب إعلانات القنوات الثلاث بما فيها المحلية، ونظر الباحث إلى حصيلة التوجه الموسيقي السريع بنوعيه الغربي والعربي ... كدلالة على تفعيل بعض الإعلانات لمكوناتها الثقافية والفنية المختلفة، ومن بينها الموسيقى, لدعم بعض مظاهر الحياة الغربية وأجوائها المعروضة بإيقاعات راقصة أو سريعة جاذبةً السعادة والمرح والمتعة المقترنة بها.

ووصولاً إلى الرمز الثقافي الخامس: فقد مثلت البيئات الإعلانية أهم الرموز الجغرافية الغربية في الإعلانات التجارية، فتفوق الانتماء البيئي الأجنبي في الإعلانات التلفازية، وظهر بنسب جيدة في الإعلانات الصحفية، وتأخرت البيئة المحلية إلى الترتيب الثالث بعد البيئتين الأجنبية والعربية، وقد عبرت السمات البيئية الغربية عن أحد أشكال عرض الواقع الغربي في الوسائل الإعلانية بما يشمله من شخصيات، وملابس، وموسيقى، وسلع غربية تعرض في رسائل دولية أصلية أو معدلة، ويعتقد الباحث أن البيئات الإعلانية المذكورة قد جسدت بالفعل أحد أهم العناصر المهمة لعكس المعالم التغريبية، سواء الرمزي منها أو الحضاري أو الإنساني، أو ما يقدم في سياقها من قيم، وعادات، وتقاليد محسوبة على المجتمعات الغربية. ويختم الباحث رؤيته حول استخدام الرموز الإعلانية بالتأكيد على وضوح الترميز الثقافي في محتوى إعلانات العينة، من خلال العناصر الخمس السابقة وغيرها التي شكلت – مع تفاوت حضورها – ارتباطاً ملحوظاً ببعض معطيات الثقافة الغربية، وخصائصها المادية أو المعنوية. 2 - النماذج الشخصية: برهنت دراسة الشخصيات الإعلانية عن العلاقة الوثيقة بين المعالم التغريبية في المحتوى الإعلاني، والاستعانة بالشخصيات الغربية الظاهرة في الترتيب الثاني تلفازياً بعد الشخصيات العربية، والأولى في عينة الصحف والمجلات. ويرى الباحث أن الارتباط الإعلاني بالشخصية غير المحلية يؤكد على قصدية التعبير الثقافي المعتمد على وهج حضورها في الرسالة, من خلال بسط جاذبيات أذواقها، ومظاهرها، وعلاقاتها، وقد انعكس الاعتماد على الشخصية الغربية في عدة نقاط تخص ظهور المرأة تحديداً، ومنها: تعزيز استخدام المرأة مفردة أو مختلطة حيث تفوقت حالات ظهورها منفردة في إعلانات التلفاز على الرجل، كما أن إعلاناتها المختلطة جاءت في الترتيب الثالث، وعلاقتها ببعض الأدوار والسمات الإغرائية المرتبطة بظهورها في الوسائل الدولية بالذات، كمواقف العلاقة المباشرة بين الجنسين، أو المشتملة على مشاعر عاطفية بينهما، أو ما قد تبديه المرأة من حركات التمايل والتراقص والظهور غير اللائق، إضافة إلى ارتباط ظهور الشخصية النائية الغربية بكيفيات التكشف المتجاوزة حدد الوجه إلى أجزاء أخرى من الجسم. وفي هذا المقام لا يفرق الباحث كثيراً بين استخدام الشخصيات الغربية والعربية؛ حيث إن نقاط التلاقي بينهما متعددة الجوانب بما لايجعل هناك فارقاً (ثقافيا) دالاً بين بعض خصائص الانتماءين وسولكياتهما في استخدامات الرسائل الإعلانية، وأوضح مثال على ذلك اقتفاء الشخصيات العربية الأخرى الغربية في الرتداء ملابس الأخيرة للرجال والأطفال وبعض الملابس النوعية للمرأة، واتفاقها معها ببعض كيفيات الظهور النسائي السافر. والخلاصة التي يخرج الباحث بها من استخدام الشخصيات الغربية أو العربية في إعلانات العينة، هي ضعف الاعتماد على الشخصية المحلية؛ وبالتالي محدودية السمات والملامح المرتبطة بها، والتي تجعل لوجودها انعاكساً مظهرياً وذوقياً في المحتوى الإعلاني، وهو ما يلي يلحظه الباحث في الإعلانات التلفازية على وجه التحديد.

3 - العادات والسلوكيات: وجد الباحث في أداء الشخصيات ما ينم عن سلوكيات مخالفة تشيعها بعض الإعلانات التلفازية، والدولية منها بخاصة، كالأدوار المختلطة بين الجنسين، والأخرى المتضمنة للمواقف العاطفية بينهما، والتي لم تكتف باجتماع الطرفين في مشاهدة مشتركة، وإنما تعبيرها عن مدلول العلاقة القائمة بينهما في إطار غير رسمي واضح، وهي نوعية من الأدوار تلغي الفوارق بين الجنسين، إضافة إلى ما رصده الباحث من احتواء عينة من الإعلانات الفضائية على بعض الإيماءات والحركات التي تسيء إلى مكانة المرأة وقيمتها المكفولة لها في المجتمع المسلم اعتماداً على تأثير مفاتن جسدها وعرض مواصفاته، وانصراف التركيز الإعلاني عن بعض المواقف الممكنة لظهور المرأة في أشكال متزنة أو محتشمة لا تستغل جاذبياتها الجمالية من قريب أو بعيد، كما أن دراسة كيفيات ظهور المرأة كشفت عن أن الإعلانات الفضائية تنمط كيفيات ظهور متكشفة، ويعتقد الباحث أن مثل هذه الكيفيات تدعم بعض السلوكيات المخالفة للتعليمات الشرعية والقيم الأخلاقية المحلية، وخاصة عندما يكون عرضها في إطار بعض المشاهد الإعلانية المختلطة بين الجنسين، كما يرى الباحث أن المواقف المرتبطة بظهور المرأة تشكل مدخلاً تغريبياً مؤثراً حين تتخلى فيها عن قيم احتشامها المعهود لها في المجتمع المحافظ، ويتم عرضها بكيفيات سافرة وأدوار مخلة, أبانتها الإعلانات الفضائية، ونجحت القناة السعودية في تجنبها بفضل ما توفر لها من ضوابط موضوعة التزمت بها إعلاناتها إلى حد بعيد. ويلحق الباحث بالعادات السلبية التي يحث عليها المضمون الإعلاني ما دخل منها ضمن الجاذبيات الإعلانية التي تشكل تصوراً من جانبها للحياة، كما تلح عليها الأوتار الإعلانية، فبالإضافة إلى جانبي الاختلاط، وتعزيز قيمة الجسد، والإغراء بمقوماته, لوحظ تضمن بعض الإعلانات لاهتمامات دخيلة على المجتمع وقيمه وعاداته، ومثلها السلوكيات المرتبطة بالمبالغة في التعبير عن المشاعر في حالة الفرح، أو الفوز، أو تحقيق الهدف بما يتجاوز الحد الانفعالي الطبيعي. وأخيراً الإصرار المقصود على جعل الاهتمامات الترفيهية أحد النشاطات الإنسانية الرفيعة على ضوء كثافة توظيفها في إعلانات الوسائل الثلاث والتلفازية منها بالذات إلى درجة أنها قاربت أن تظهر في نصف إعلاناتها المنطبقة.

4 - قيم أساليب الحياة: يصف الباحث اهتمامات الجاذبيات الإعلانية بالسعي إلى تعزيز قيم غير ذات أولية على حساب قيم أصيلة كان يمكن أن تكون هي أوتار الإعلانات التجارية, ومحل عناية استمالاتها، ودليل الباحث على إمكانية تحقق ذلك أن الإعلانات الصحفية استعانت بجاذبية إعلانية ذات بعد إيجابي تعكس الالتزام الأخلاقي في الرسالة الصحفية، في حين أن الإعلانات التلفازية انصرفت إلى القيم العاطفية، والفردية والاجتماعية والمادية التي لم يلحظ الباحث فيها ما يشير إلى توجه تشكيل حياة, تأخذ في اعتبارها مصلحة الجماعة وصلاح المجتمع، فمن بين الاهتمامات العاطفية برزت قيمة الإغراء الجنسي، ومالت الاهتمامات الاجتماعية إلى إبراز سلوكيات الاختلاط والألعاب الرياضية (الوافدة)، والحث على اعتبارات المكانة، كما نزعت الاهتمامات الفردية إلى تضخيم مشاعر الإحساس بالراحة والمتعة واللذة، وتعميق التولع بجماليات الجسد، والتعبير المبالغ عن المشاعر ... ، وكلها قِيَمٌ تخاطب الفرد في إشباع ذاتيته، كما أن الاهتمامات المادية للسلع لم تبرز قيماً ملحوظة ذات ناتج سلوكي ترشيدي، وإنما توجهت إلى ما يحث على الشراء، وتوفير سبله كالبيع بالأقساط أو التخفيضات، إضافة إلى اهتمامها بقيم الأناقة الشكلية. كما يضيف الباحث إلى القيم السابقة ما يمكن استنتاجه من بعض الفئات التحليلية ذات المنحى السلوكي, من قيم تصب في تأكيد النزعات الفردية والمادية والجنسية، ومثال ذلك بعض كيفيات الظهور النسائي، وبعض الأدوار والسمات الإغرائية، واستخدام عارضات بقصد الجذب والإثارة، وكلها تؤكد للباحث أن قيم الإعلانات المدروسة لم تختلف عما رصد مثلها في بعض الدراسات الإعلانية حين أكدت نتائجها على كثافة استخدام المرأة، واستغلال المثيرات، وتأكيد قيم الذات، وتضخيم أهمية المظهر الشكلي للشخصيات، وهو ما يعني لدى الباحث تطلعاً لحياة غربية بمواصفاتها المتمحورة حول النزعة الاستهلاكية بما فيها من اهتمامات مادية أو فردية أو تسليع لجسد المرأة واستغلال جاذبيات ظهوره. وأخيراً فإن الباحث لا يجد غضاضة في الإشارة إلى تكامل بعض التعبيرات الثقافية في الارتباط بما يتصل بالحياة الغربية من مظاهر رمزية، أو نماذج شخصية، أو قيم معاشية ... ، وبالتالي تحول الرسالة الإعلانية إلى قناة ناقلة لكثير من التعبيرات الثقافية السائدة في المجتمعات الغربية، وسلوكيات أبنائها، وهو ما ينقل الحديث إلى المخاطر التغريبية المتوقعة, على ضوء كثافة التعبير الثقافي الغربي في معطياته وتشكيلاته الإعلانية المختلفة. (ب) المخاطر التغريبية: على ضوء ما خرج به الباحث من رؤى تتعلق بمستويات التعبير الإعلاني المحددة في الفقرة السابقة يمكن تلخيص أهم المخاطر التغريبية المستنتجة من تفحص إعلانات العينة في ثلاثة محاور رئيسة، وهي: المخاطر الفكرية، والمخاطر الثقافية، والمخاطر الاجتماعية، وتستوعب هذه التقسيمات كثيراً من الآثار التغريبية المحتملة في المحتويات الإعلانية حسب درجة ارتباطها ببعض رموز الثقافة الغربية، وسمات شخصياتها وقيم حياتها المعبرة في مجملها عن المكنون الثقافي والاجتماعي في رسائل العينة، كما يلي:

1 - المخاطر الفكرية: يخشى الباحث أن يقود اتجاه الإعلانات التجارية إلى إبراز النماذج الشخصية الغربية ومن في حكمها من شخصيات عربية مقتفية آثارها، وهيئاتها المختلفة ... إلى التشبه بها، ومحاكاتها في نمط زيها الظاهر وأذواقها الخاصة بما يعبر عن حالة من الانبهار بالغربيين، ومكتسباتهم وإفرازات ثقافتهم، والنظر إلى هذه الشخصيات الإعلانية على أنها النموذج والمثال باعتبارها تمثل واقع الحياة الغربية، وما يسود فيها من اتجاهات شكلية يتلقفها بعض أبناء المسلمين بشيء من الترحاب والقبول. ولهذا الناتج الإعلاني انعكاس سلوكي على المتلقي الآخر بحيث يمكن أن تتحول الرسالة الإعلانية إلى أداة تعليم وتوجيه وترغيب يتم من خلالها ترتيب أولوليات مظهرية، وذوقية تتبع من عمق الواقع الغربي، ومتطلبات ثقافته، وخصوصيات أفراده. ويتأتى الخطر الفكري هنا تحديداً من تقليد المسلم لخصوصيات غيره من المظهر والسلوك، كما يتبادر في إعلانات اليوم بحالة الزي الغربي للشخصيات الإعلانية على سبيل المثال، وللتشبه بغير المسلمين أصول في العقيدة الإسلامية تنطلق من قاعدة (تأثر المقلد بالمقلد)، خلاصتها: أن المشاركة في الهدى الظاهر – الشامل للزي – تورث تناسباً (ودياً) بين المتشابهين ... ، سواء ظل في نطاق اللاشعور، أو تطور إلى تشاكل ظاهري كما تعكسه سلوكيات التقليد والمحاكاة. والأثر الذي قد تحدثه المظاهر الغربية المعروضة في الرسائل الإعلانية قد يكون مرده الإعجاب بنماذجها البشرية، وأساليب حياتها، وقيمها الذوقية، ويتيح تضمن الإعلانات التجارية لبعض المظاهر التغريبية فرصاً مواتية للتأثير على خواص شخصية المسلم المميزة وتفرده في المظهر والجوهر. وبالتالي فإن إبراز الشخصيات الغربية في رسائل إعلانية تصدر من داخل المحيط المسلم أو تصل إليه، وتمرير خصوصياتها في ثناياها ... يمكن أن يجعل من هذه النماذج قوة تحتذى ومثالاً متاحاً للتقليد، وهذا يعني وشوك الوقوع في مخالفة أصل ديني أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بشيء من التفصيل، ويراه الباحث ماثلاً في عينة من إعلانات اليوم؛ في تطلعها للارتباط بكل ما هو غربي، وتكريس الإيحاء بتفوق رموزه وتميز شخصياته. 2 - المخاطر الثقافية: وجامعها دَوُر الرسائل الإعلانية في تحقيق التجانس الثقافي بين مجتمعات اليوم على النمط السائد في المجتمع الغربي، ويمكن استخلاص مثل هذا الاستنتاج بمؤشرات شيوع ملامح النماذج الغربية المؤدية، وتقليد غيرها لها في هيئاتها، والتركيز على السلع الأجنبية، وعرضها في رسائل متشابهة السمات، وتقارب قيم أساليب الحياة في جاذبيات الرسائل الإعلانية ... ، وتتسع محددات التجانس لتشمل استخدامات أنماط الموسيقى الأجنبية المصاحبة ولقطات الإطار البيئي الغربي الظاهر ... ، وكلها مظاهر ثقافية يسهم الإعلان التجاري من خلالها في ترسيخ عالمية الثقافة الغربية.، وقد أكدت نتائج الدراسة على مؤشرات سابقة في هذا الجانب بينت أن بين الرسائل الإعلانية المحلية والدولية اتفاق على تضمن بعض المكونات الثقافية؛ مما يعني وجود تجانس ثقافي نوعي في عرض المحتوى الإعلاني في الرسالتين.

وتزداد خطورة التجانس الثقافية في الرسائل الإعلانية عندما تحاكي الرسائل المصممة في مراكز الإنتاج العربي تلك الاتجاهات التصميمية، والعناصر الأساسية الموسومة بها الرسائل الدولية، وهنا تتحول الرسائل العربية والمحليةِ السمات إلى رديف للرسائل الدولية باستقطاب بعض من ملامحها الثقافية، وقيمها الحياتية المعبرة عن واقع المجتمعات الغربية، ونظرتها إلى الحياة، وماهية متطلباتها ودوافع اشباعاتها. كما أن من شأن هذا التجانس أن يقلل من فرص التنوع الثقافي العالمي، بما شكل حداً أدنى من الخصوصية الثقافية للمجتمعات المسلمة لتقف سداً منيعاً ضد تيارات عولمة الثقافة الغربية، وما يعبر عنها من رمز أو قيمة بين أبناء المجتمع المسلم. 3 - المخاطر الاجتماعية: ويلخصها الباحث بما يقع ضمن دائرة الأخلاقيات والسلوكيات المخالفة للقيم الإسلامية، والتقاليد الاجتماعية المحلية يجملها الباحث في تبعات استخدام المرأة في الرسالة الإعلانية، فقد انتهى الباحث إلى وجود قدر من المُوحِيَات الإباحية في الرسائل الإعلانية الفضائية في ظل غياب الضوابط الإعلانية الحازمة التي تحد من انحراف الرسالة عن الظهور النسائي المقبول، كما وضح ذلك في بعض الكيفيات السافرة، والتعريض بجماليات المرأة ومفاتن قوامها. ويخشى الباحث من أن تسهم مثل هذه المُوحِيَات غير الأخلاقية بسلوكياتها المتفسخة، ومثيراتها الإغرائية في تعميق ما يسمى بتحرير المرأة المسلمة، وذلك بحفزها على التحلل من كثير من قيم الاحتشام والالتزام، ومظاهر العفة والوقار بتأثير عامل التكرار الإعلاني المنسجم مع بعض اتجاهات المادة الإعلامية المرئية خصوصاً، وتعويد المجتمع المتلقي على التعامل معها وعدم استنكارها؛ مما يجعل لمثل تلك التوجهات الاستخدامية خطورة حقيقية على قناعات المرأة المسلمة، والتزامها الأخلاقي على المدى البعيد. وقد لاحظ الباحث أن هناك تكثيفاً إعلانياً في استخدام شخصية المرأة، وتجاوزاً للاستخدام المتكشف في الإعلانات الدولية والفضائية، فإن مجرد الاعتماد على المرأة في حد ذاته يعد خروجاً على المألوف الاجتماعي المحلي، ومخالفة للإطار الأخلاقي الذي يحكم التعامل معها أو يحدد كيفيات ظهورها، ويرتبط بهذا الجانب أن المواصفات الجمالية للمرأة الظاهرة في الرسائل الإعلانية يمكن أن تسهم في تشكيل مقاييس الذوق الجمالي النسائي، وتتدخل في رسم ملامح المظهر الأنيق من خلال أداء العارضات، وما ينجم عن أذواقهن المعروضة من (موضات) تتسرب بين نساء المجتمع المتلقي. ولذا نظر الباحث إلى المخالفات السلوكية والانحرافات الأخلاقية المستخلصة من السياق الإعلاني المرئي تحديداً بتقدير دورها في تغريب الحياة الاجتماعية، وتأثيرها على القيم البناءة والأخلاقيات الحميدة والسلوكيات المتزنة بين أفراد المجتمع المسلم كباراً وصغاراً، ذكوراً وأناثاً. ويبقى أن يشير الباحث إلى وضوح النزعة الاستهلاكية في الرسائل بتعميق مشاعر اللذة والمتعة، وتكثيف المشاهد الإغرائية، وتقديم القيم الفردية، وإعلاء العزة الذاتية ... بما يتسق مع الاتجاه الاستهلاكي للفرد الغربي في بيئته الخاصة، وتعامله مع أفراد مجتمعه المحيط، في حين أن مثل هذه الاتجاهات تتعارض مع كثير من سلوكيات المسلم المعتادة، وضوابط المتع المحللة، ومراعاة مصلحة العموم. ثانياً: التوصيات: يوزع الباحث توصيات الدراسة على ثلاثة اهتمامات هي: التوصيات المهنية، والتوصيات التنظيمية، والتوصيات العلمية، وذلك على النحو التالي: أ) التوصيات المهنية:

- بينت النتائج ارتفاع مستوى بث أو نشر الرسائل الدولية بنوعيها في وسائل العينة، وعلاقة مكوناتها وعناصرها بمظاهر التغريب بما يناسب مجتمعاتها الأصلية, التي صدرت عنها، ويرى الباحث ضرورة اهتمام الوسائل الإعلامية, والوكالات الإعلانية العربية, بإعداد الرسائل المحلية السمات، وتقليل الاعتماد على الرسائل الدولية لتلافي الكثير من الملحوظات التغريبية المرصودة في مضامينها الإعلانية. - توصلت الدراسة إلى ضآلة التمثيل البيئي المحلي مقابل ارتباط أوفر لإعلانات العينة بالبيئات الأجنبية، ولأن تلك البيئات أوعية حقيقية لتضمن رموز التغريب في الرسائل الإعلانية, يحث الباحث المصمم والمسؤول الإعلاني العربي على تقليص مستوى الجرعة البيئية الغربية في الرسائل الإعلانية، وإفساح مجال أوسع لعرض البيئات العربية والمحلية وما يعبر عنها أو يرمز إليها من معالم. - أكدت الدراسة وضوح استخدام الشخصيات الغربية في الرسائل الإعلانية على حساب ظهور الشخصيات المحلية، ولأهمية الشخصيات في عكس الشفرات الإعلانية، ونقل بعض المظاهر الثقافية، وتجسي بعض القيم الاجتماعية ... يوصي الباحث بأهمية تقديم الشخصيات المحلية المنضبطة في أدائها وسلوكياتها وتحركاتها، وعدم إخلاء الساحة الإعلانية للشخصيات الغربية أو من سار على نهجها من شخصيات عربية. - يعتقد الباحث أن مستوى تمثيل المرأة في الإعلانات التجارية عالمياً، مع تركزه على المرأة جميلة السمات، والظاهرة أحياناً بكيفيات مسيئة لمكانتها الاجتماعية وقيمتها الإنسانية، ويطالب الباحث – من حيث المبدأ – بتقليل مستوى الظهور النسائي، وتقنين حدود كيفياته بما لا تشكل فيه مداخل إثارة أو وسائل إغراء، والاتجاه إلى التعامل مع وجودها – عند الضرورة – كشخصية إعلانية غير رئيسة، وضمان احتشامها، وتصويرها من بعد. - ينبه الباحث إلى ضرورة الحيطة والحذر من بوادر النزعة الجنسية في بعض إعلانات العينة، وخاصة الدولية، ويرى أن على الرقيب الإعلاني مسؤولية مباشرة في منع مواقف الإثارة ونوازع الإغراء، ووضع الحلول اللازمة لتجنيب المجتمعات المسلمة من شيوع قيم الجنس بين أبنائها، وتعريض جسد المرأة للابتذال والتفسخ والاستهواء .. في رسائل مقصودة. - يوصى الباحث بالانتباه إلى تقدير اعتبارات العناصر الفنية في الرسائل الإعلانية من نمط زي، أو موسيقى، أو لغة مستخدمة بحيث لا تشكل رموزها ثقلاً غربياً كما في مدلولي العنصرين الأولين، وتحافظ على قيمة اللغة العربية, ومستواها الفصيح, كما في استخدامات العنصر اللغوي. ب) التوصيات التنظيمية: - يرى الباحث ضرورة أن يكون للوسائل الدولية ضوابط تنظيمية (داخلية) محدودة تحد من كثير من التجاوزات والمخالفات الأخلاقية والسلوكية في رسائلها الإعلانية، كما يأمل الباحث أن يوسع التلفاز السعودي من نطاق قواعده الإعلانية، بحيث تشمل استحضار الاعتبارات الثقافية المحلية في تصميم الرسائل المبثوثة، ويطالب في الوقت نفسه إقرار ضوابط تنظيمية خاصة للإعلان الصحفي، وفصلها عن عموميات تعليمات المادة الصحفية التي يشوبها نوع من الغموض فيما يصح نشره وما يمنع – بدليل صورة المرأة – والالتزام بها في كل الحالات والأوقات. - يقترح الباحث إيجاد مرجعية عامة لمتابعة شؤون القطاع الإعلاني المحلي، ويرى أن الوقت قد حان لتكوين إدارة مركزية إعلانية في وزارة الإعلام السعودية لرعاية النشاط الإعلاني في الوسائل المختلفة، وتفعيل دور لجان الإعلان في الغرف التجارية والصناعية.

- يوصي الباحث بتشجيع الصناعة الإعلانية المحلية، وذلك بإقرار مواد تنظيمية تشكل منطلقاً للبدء في توطين هذه الصناعة، وحمايتها من المنافسة الأجنبية، ومن ثم وضع الحوافز التشجيعية اللازمة لحث الهيئات والمؤسسات المهتمة على الإقدام والاستثمار في هذا المجال، والوصول في نهاية الأمر إلى صياغة إعلانية محلية، متميزة في سمات رسائلها واستخداماتها وأهدافها ... تتفق وخصوصية الإعلام السعودي ونهجه العام. ج) التوصيات العلمية: - تدفع مؤشرات الدراسة بوضوح بعض المعالم التغريبية في إعلانات العينة إلى جدوى تلمس انعكاس هذه المعالم على المتلقي، وفحص آثار تعرضه للمحتوى الإعلاني المحلي والدولي، وهذا يتطلب استقصاء درجة وضوح المعالم التغريبية في الرسائل الإعلانية, ومدلولاتها بين المشاهدين والقراء بإجراء دراسة ميدانية. - اعتماد نتائج معالم التغريب الثقافي في الدراسة على إعلانات وسائل محلية، وعربية دولية أو فضائية، ويمكن أن تكون هذه الدراسة منطلقاً لدراسات تحليلية أوسع مجتمعاً، بحيث تشمل –أيضاً- وسائل دولية غربية، ويوفر هذا التعدد النوعي فحص مكونات رسائل الوسائل المختلفة، وقياس الفروق الثقافية والتغريبية بينها على ضوء محددات نوع الوسيلة ومجالها وانتمائها. - أسهمت الدراسة بمجهود محدود في دراسة التنظيمات الإعلانية في الوسائل المحلية، كما أخضعت المضمون المحلي المبحوث لما تهيأ له من ضوابط موضوعة، ويعتقد الباحث أن الجانب التنظيمي للنشاط الإعلاني مجال بحثي يستحق الاهتمام، ويحتاج إلى مجهودات خاصة للتعرف على الطابع الثقافي والاجتماعي والأخلاقي لهذه التنظيمات في مواقع عدة من العالم، ومقارنة اهتماماتها المختلفة، ومدى علاقاتها بالواقع الإعلاني الممارس، وتطبيقاتها الفعلية. - يقر الباحث أن دراسة المعالم التغريبية في الإعلانات التجارية لا ينبغي أن تكتفي من المضمون الإعلاني بالجوانب الموضوعية فقط، وقد لاحظ الباحث أثناء إجراء دراسته أن هناك ارتباطاً بين موضوع الدراسة والأساليب الفنية والعمليات التقنية الداخلة في تصميم الرسائل الإعلانية وإخراجها، ويمكن أن يشكل ذلك مدار اهتمام موضوع بحث مستقل يرصد إسهام المؤثرات الفنية في إبراز معالم التغريب الثقافي وجعلها محل اهتمام المتلقي، ومدى وضوحها في ذهن المصمم والمنتج الإعلاني، وتبدو هذه التوصية أقرب إلى طبيعة الدراسات التلفازية. - بالنظر إلى حجم الرسائل الإعلانية العربية في القنوات التلفازية، وتبادلها المراتب الثلاث الأولى بينها, يرى الباحث أهمية الوقوف على طبيعة أداء الوكالات والمراكز الإنتاجية العربية، ومدى احتكامها إلى الاعتبارات الثقافية المحيطة بها، خاصة بعد أن أثبتت الدراسة أن هناك تشاكلاً بين الرسالتين العربية والدولية في عدد من الاستخدامات والمكونات والعناصر الإعلانية الألصق بمظاهر الثقافة الغربية ورموزها. - أثبتت الدراسة وجود مؤشرات فارقة بين مستوى وضوح المعالم التغربية من وسيلة إلى أخرى، ويعتقد الباحث أن التعمق في دراسة علاقة تلك المعالم بنوع الوسيلة، وتأثير الأخيرة على طبيعة التعبير عن المدلول التغريبي موضوع يستحق الدرس على ضوء اختلاف إمكانات الوسائل، وكيفيات تعاملاتها مع المكونات الثقافية في رسائلها الإعلانية. - دلت المقارنة بين الرسالتين المحلية والدولية على وجود درجة من التوافق في بعض مكوناتهما وأساليب تقديمهما، ويرى الباحث أن هذا المؤشر المبدئي دافع لتخصيص جهد علمي مستقل لدراسة ملامح التشابه بين الرسالتين، ومدى تأثير صناعة الإعلان الدولي على تشكيلات الرسائل المحلية، وسمات محتوياتها.

العصبية القبلية من المنظور الإسلامي الناس كلهم من آدم وآدم من تراب

العصبية القبلية من المنظور الإسلامي الناس كلهم من آدم وآدم من تراب ¤خالد بن عبدالرحمن الجريسي£بدون¥بدون¨الأولى¢1427هـ€فكر إسلامي أو عربي¶عصبية إقليمية أو عرقية أو حزبية الخاتمة إن الدراسة السابقة ما هي إلا خطوة متواضعة في تصحيح مفاهيم درج عليها المجتمع وترسخت في مسلماته لم يكن الإسلام ليرضى بها أو يقرها وقد توصلت من خلالها إلى النتائج الآتية أولا – أن الله عز وجل قد ساوى بين البشر جميعا فيما شاء وحكم بأن معيار التفاضل بين العباد هو التقوى والعمل الصالح وليس غير ذلك من أنساب وأحساب وأموال ومناصب أو أي معيار دنيوي آخر قال تعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ثانيا – أن تقسيم المجتمع إلى طبقات (سادة وقبائل وضعفة، أو قبيلي وخضيري) أمر ما أنزل الله به من سلطان ولا يؤيده عقل ولا منطق فإن الإسلام يدعو إلى وحدة الصف وتآلف القلوب واجتماع الكلمة ونبذ الفرقة والاختلاف والتمييز العنصري ثالثا – أن ديننا الحنيف لم يأمر ولم يدع إلى الفخر والتفاخر بالأحساب – كما يعتقده بعض الناس – بل نهى عن ذلك وحذر منه وبيه عواقبه الوخيمة رابعا – أن القرآن والسنة اعتبرا الدين في الكفاءة أصلا وكمالا ولم يعتبرا فيها أمرا وراء ذلك لا نسبا ولا صناعة ولا عنى ولا حرية وإذا سلم – جدلا باعتبار الكفاءة بالنسب فإنه لا يسلم أبدا لمن يتخذ نسبه وحسبه وسيلة للتعالي والتكبر على الآخرين وغمط الناس حقوقهم خامسا – أن كلمة " خضيري " ليس معناها المولى أو العبد وإنما تعني من انقطع نسبه عن قبيلته المعروفة لديه أو جهل أصله تماما لسبب أو لآخر وأنها كلمة مبتدعة لا يقرها الشرع المطهر بل هي وليدة عرف قبلي درج عليه بعض الناس عندما خرج بعض أفراد القبيلة على أعرافها وتقاليدها المتبعة سادسا – أظهرت نتائج سؤال الاستبانه الذي يقول " هل ترى أن عدم التزاوج بين القبيلي والخضيري هو أحد أسباب العنوسة؟ " أن ستة وعشرين مستهدفا من القبيليين وسبعة وأربعين من الخضيريين يرون أن ذلك هو أحد أسباب العنوسة فعلا سابعا – أن المحسوبية المبنية على العصبية والأغراض الدنيوية ما هي إلا خيانة للأمانة وخزي وندامة يوم القيامة لأنها إعطاء من لا يستحق لما لا يستحق على حساب من يستحق ثامنا – التخير للنطفة إنما نكون بتطبيق " فاظفر بذات الدين تربت يداك " وفي الختام – عزيزي القارئ – لا يسعني إلا أن أسطر بعض التوصيات أبدؤها بالأبيات المنسوبة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالا على النسب فقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك الشقي أبا لهب ثم أهمس في آذان إخواني وأخواتي الذين يتمسكون بما وجدوا عليه آباءهم من عادات وتقاليد تخالف صريح الأدلة الشرعية فيما يخص موضوعنا فأقول الكلمات 1 - لقد كان العرب في العصر الجاهلي أكثر تمسكا بمثل هذه العادات بل كان معظمهم يستميت في سبيلها فلما أكرمهم الله بالإسلام تخلى المؤمنون منهم عنها وضربوا أروع الأمثلة في التواضع وعدم التفاخر وقياس المسلم إنما يكون بدينه وأمانته وتقواه وليس بماله وجاهه ونسبه فهل يصعب علينا – وقد ولدنا في ظل الإسلام – أن نقتدي بهم وأن نبعد ما علق بنا من شوائب الجاهلية الأولى 2 - كم من نساء مسلمات ما زلن عوانس في البيوتات بسبب تمسك أولياء الأمور – وقد يفعل بعضهم ذلك خوفا من مجتمعه – بعادات العصبية القبلية التي تشترط أن يكون الزوج قبيليا!! وكأنهم نسوا أو تناسوا قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه) وفي الوقت نفسه لا يرون غضاضة في أن يتزوج أحدهم بامرأة أجنبية (من خارج الوطن) قد لا يعرف أصلها البتة {ما لكم كيف تحكمون} هناك من يقر بأن الأعراف القبلية تخالف تعاليم الدين – وبخاصة في مسألة الزواج – ومع ذلك تجده ينقاد لها خوفا من قومه وتجنبا للمشكلات الأسرية التي ستواجهه – حسب قول تفضهم – ولهؤلاء نقول ما قال الله معاتبا نبيه صلى الله عليه وسلم {وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} 3 - إنه بما أكرمنا الله به من كوننا مسلمين ومن أهل بلاد الحرمين الشريفين – ينبغي أن نكون قدوة لغيرنا من مسلمين وغير مسلمين في الالتزام بتطبيق تعاليم الدين وألا نكون من المخالفين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب

العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب ¤محمد حامد الناصر£بدون¥مكتبة الكوثر - الرياض¨الأولى¢1417هـ€فكر إسلامي أو عربي¶العلمانية والعلمانيون الخاتمة من خلال الأبواب السابقة تبين لنا أن الاتجاه المسمى (بالعصرانية) قد تبناه عدد من الكتاب المعاصرين، تستروا بالتجديد وفتح باب الاجتهاد لكل من هب ودب. وتبين لدينا أن هذا التجديد لديهم، يعني تطوير الدين على طريقة عصرنته عند الفرق المتحررة من اليهود والنصارى. وأن كتاباتهم جاءت حلقة من سلسلة طويلة في إثارة الشبهات والشكوك، منذ عصر المعتزلة وحتى العصر الحديث. وأنها صدى لما يدور في الدوائر الغربية المترصدة للإسلام وأهله، وهم في كثير من الجوانب امتداد (للحركة الإصلاحية) التي ظهرت في تركيا والهند ومصر، على يد جمال الدين الأفغاني، ومدحت باشا، والسيد أحمد خان وأضرابهم. وقد وجدنا أن التجديد عندهم يعني: - هدم العلوم المعيارية، أي علوم التفسير وأصوله، وعلم أصول الفقه، ومصطلح الحديث. - ويعني رفض الأحاديث الصحيحة جزئياً أو كلياً، بحجة المصلحة وظروف العصر الحاضر، ومن ثم الاستهانة بحملة السنة من الصحابة والتابعين. - ويعني الانعتاق من إسار الشريعة إلى حمأة القوانين الوضعية التي تحقق الحرية والتقدم كما يزعمون. ولذلك أصروا على أن الإسلام لا يوجد فيه فقه سياسي مجدد، وإنما ترك ذلك لرأي الأمة، ولذلك هاجموا الفقه والفقهاء بلا هوادة. - والتجديد عندهم يعني فتح باب الاجتهاد، بحيث يكون فيه لكل مسلم نصيب، أي أن يكون الفقه لديهم فقهاً شعبياً، فدعوا إلى اجتهاد جماعي شعبي، وليس من شروط المجتهد – عندهم – أن يكون له علم بالقرآن والسنة واللغة والأصول، لأن مجال الاجتهاد هو أمور الدنيا، وإنما يشترط أن يكون المرء (مستنيراً، عقلانياً تقدمياً ثورياً)، وذلك من أغرب الأقوال في الاجتهاد. - وقد دعوا إلى التقريب بين الأديان والمذاهب، وهونوا من شأن الجهاد، وقصروه على جهاد الدفاع فقط. - وتميزت العصرانية، بتتبع الآراء الشاذة، والأقوال الضعيفة واتخاذها أصولاً كلية، وروادها رغم اتفاقهم على هذه الأصول في الجملة، فإن آراءهم تختلف عند التطبيق، والهدف عندهم هدم القديم أكثر من بناء أي جديد. - ولذلك لجأوا إلى تزوير التاريخ الإسلامي، ومجدوا الشخصيات والأفكار المنحرفة. - ودأبوا على محاولاتهم لتطويع الإسلام بكل وسائل التحريف والتأويل والسفسطة، كي يساير الحضارة الغربية فكراً وتطبيقاً، ومن هنا كان ولاؤهم للغرب وليس للإسلام وأهله وتراثه الأصيل. - ومن أكبر ما يمتاز به فكر وكتابات وأحاديث العصرانيين، العمومات والغموض والتمويه المتعمد والتلبيس ... ولابد لدعاة التجديد العصرانيين، من وضع النقاط على الحروف، ولابد أن تكون لديهم الشجاعة الكافية، في إبداء ما يريدون تجديده وتغييره من أمر الدين، بدلاً من المراوغة والتلاعب بالألفاظ .. ). وما تقدم ليس اتهاماً وإنما تجده مبثوثاً في ثنايا هذا الكتاب، بنقول كثيرة من أقوال العصرانيين أنفسهم. اللهم ألهمنا الإخلاص والصواب، وجنبنا الزلل والخطأ إنك على كل شيء قدير. والحمد لله رب العالمين.

العلاقة بين العمليات الإرهابية والغلو التطرف

العلاقة بين العمليات الإرهابية والغلو التطرف ¤عفاف بنت حسن مختار الهاشمي£بدون¥دار العاصمة- الرياض¨الأولى¢1430هـ€فكر إسلامي أو عربي¶وسطية وغلو الخاتمة: أهم النتائج التي توصلت إليها: 1 - إن الغلو والتطرف بمعنى واحد وهو مجاوزة الحد. 2 - لقد ورد لفظ الغلو في النصوص الشرعية، أما التطرف فلفظ جاء في الغرب العلمانيين. 3 - هناك علاقة وثيقة بين الغلو والإرهاب. 4 - الغلو ينقسم إلى قسمين: أ- عملي وهو المتعلق بالأمور العملية التفصيلية. ب- اعتقادي وهو المتعلق بالكليات من الشريعة الإسلامية. 5 - أول من سنن سنة الغلو إبليس. 6 - ظاهرة الغلو قديمة قدم الرسالات. 7 - أول رسول أرسل بسبب الغلو في الصالحين. 8 - في صدر الرسالة الخاتمة ظهرت بعض صور الغلو، وقد عالجها الرسول صلى الله عليه وسلم. 9 - بذرة الغلو العقدي بدأت في الإسلام من ذي الخويصرة، الذي اعترض على قسمة الرسول صلى الله عليه وسلم. 10 - أسباب الغلو تنحصر في أسباب خارجية وداخلية ومنهجية. 11 - من أسباب العمليات الإرهابية المتعلقة بالمصدر والمنهج: أ- إن الاختلاف سنة من سنن الله تعالى التي قدرها على عباده. ب- الخلل في منهج التلقي، فالغلاة يتلقون العقيدة من غير الوحي، فيخالفون الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن ثم لا يتلقون العلم الشرعي عن العلماء الربانيين، فليتتلمذون على الأصاغر، فيصبح العلم عندهم ليس مبنيا على الأصول الشرعية، فلذا تجدهم يتبعون زلة العالم. ج- في منهج الاستدلال، وذلك بالاعتماد على العقول والآراء في الاستدلال فيؤدي ذلك إلى تحريف الأدلة وتأويلها وإلى الاستدلال بالمتشابه من الأدلة دون ردها إلى المحكم، مع قياس عالم الغيب على عالم الشهادة، مع التعلق بالآراء المجملة. د- الجدل والخصومات والمراء في الدين. هـ- ضعف اللسان العربي. والجهل، ومنه الجهل بمذهب السلف وبالوحي وبالعقل السليم وضعف العلم وقلة التفقه في الدين، والجهل بدلالات النصوص وأسباب النزول، فيكثر القراء الجهلة الذين يظنون أنهم على هدى، فيعرضون عن السنن والحسنات، فيحصل الإفراط والتفريط في الدين مع التناجي والسرية في أعمالهم. ز- أتباع الهوى والظن. ح- مخالطة أهل الأهواء والبدع والانحرافات. ط- كثرة الفتن. ي- التعصب للأشخاص والدين والمذهب. 12 - إن الإنسان أهم مخلوق في هذه الأرض، وقد كرمه وفضله الله على كثير ممن خلق تفضيلاً. 13 - كثرة النصوص المتواترة بالأمر بحفظ حقوق الإنسان واحترام سيادته وصيانة حياته. 14 - الأسرة هي المحضن الأول للإنسان، فيها يتعلم وفيها يتدرب وفيها يكتسب الأخلاق. 15 - الأسرة هي الحصن الحصين للفرد، فإذا نجحت فاز المجتمع، وإذا فشلت فشل المجتمع. 16 - الإهمال الاجتماعي من أهم الأسباب لتفريخ الإرهاب والإرهابيين. 17 - حث الإسلام على ما من شأنه أن يقوي صلة الناس بعضهم ببعض. 18 - أكثر من وقعوا في الغلو والتطرف قد فقدوا التوافق مع المجتمع. 19 - الإهمال العلمي من أكبر الأسباب المؤدية للغلو والتطرف. 20 - اجتهد المحتلون في استخدام العلم والتعلم لتحقيق مآربهم. 21 - الأمة الإسلامية أمة الوسط في كل الأمور والأحوال. 22 - التوسط يحمل معاني العزة والتفضيل. 23 - تطبع التعليم بالطبع الغربي في معظم بقاع العالم الإسلامي. 24 - على جميع المسؤولين القيام بواجبهم تجاه رعاياهم. 25 - للشخصية الإنسانية جملة من الحاجات الأساسية التي ينبغي إشباعها. 26 - لابد من اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب فيكون المسؤول متميزاً. 27 - إذا أهمل أرباب المسؤولية رعاياهم فذلك مفتاح الضياع وطريق المهالك.

28 - في الوقت الحاضر تقف أمام المرء كثير من العوائق مما يؤدي إلى رفع درجة التوتر عنده. 29 - السلوك الوسيلي ينقسم إلى سلوك مقبول، سلوك غير مقبول، سلوك دفاعي. 30 - لقد تأثرت بعض المجتمعات الإسلامية بمظاهر العلمانية والتغريب. 31 - لقد قامت بعض الدول الإسلامية باستمداد الأنظمة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية من الأنظمة الغربية. 32 - لم يخرج المحتلون من البلاد الإسلامية إلا بعد قطع ثمارها وخلفوا وراءهم تلاميذ أوفياء لهم. 33 - إن الغلو سيبقى بدرجات شتى ما بقيت هيمنة التغريب. 34 - إن أعمال العنف المتطرف ليس صراعاً في الحقيقة بين الدول والجماعات الإسلامية، ولكنه بين الإسلام والعلمانية. 35 - إن غياب الوعي الشرعي والفهم الفقهي يدفع بعض الغيورين على الدين إلى الغلو والتنطع. 36 - إن من أهم العوامل التي تؤدي إلى الغلو والتطرف الكبت السياسي مع وجود الفراغ والبطالة والتضييق في الرزق. 37 - التشدد والكبت والاضطهاد السياسي أنشأ جماعة التكفير والهجرة. 38 - من رحم الفراغ تولد الضلالة، وفي أحضانه تنشأ البطالة، وفي كنفه تعيش الشبه، ومن ثم امتهان الإرهاب والجريمة. 39 - الوساطة والرشوة وعدم تكافؤ الفرص بين المواطنين من الأسباب المؤدية للعمليات الإرهابية. 40 - المملكة العربية السعودية تأخذ بنظام الشورى والمجالس المفتوحة. 41 - إن الحوار النزيه الصادق المحتكم إلى مسلمات الشريعة من أكبر الأسباب لمحاربة الإرهاب. 42 - من أكبر النكايات التي أصابت الأمة الإسلامية في هذا العصر الفساد العقدي والانحراف الكبير في المنهج. 43 - انتشار الفكر الإرجائي والصوفي في بعض بقاع العالم الإسلامي. 44 - غياب الندوات العلمية يؤدي إلى توجيه الناشئة بأفكار دخيلة وآراء شاذة. 45 - الحداثة من أهم أسباب الغلو والانحراف حيث بلغ الفساد بها إلى درجة الاستهزاء بالله تعالى وبالرسول صلى الله عليه وسلم. 46 - انتشار الفساد العقدي في الديانات الأخرى غير الإسلامية. 47 - يشكل الإعلام بوسائله المختلفة أهمية كبرى في تثقيف الناس. 48 - أصبح التلفاز من أخطر وسائل الإعلام في عالم اليوم. 49 - الكاميرا عن الواقع، لكن لها قدرة على تضخيم الصورة وحذف مشاهد، مع المبالغة والتركيز على مشاهد بعينها، قد تثير الشعور بأن الإرهابي مظلوم يجب مناصرته، فقد يخدم الإعلام الإرهاب وينميه. 50 - تستخدم المنظمات الإرهابية الدوافع الإعلامية لجذب الانتباه. 51 - الإرهاب يعتمد لتحقيق أهدافه على عنصرين: هما إثارة الذعر ونشر القضية. 52 - إن المتابع للإعلام الغربي يجد العنف قد تبوأ مساحة كبيرة منه. 53 - المواد الإعلامية الغربية تغرس في أبناء المسلمين الاتجاه إلى العنف. 54 - التوافق النفسي هو إحساس الفرد بالرضا الذاتي نحو عمله وسلوكه المرغوب في المجتمع. 55 - الدوافع النفسية إذا طالت تؤدي إلى آثار سلبية على الفرد وعلى المجتمع. 56 - العنف أكثر شمولية من لفظ الإرهاب باعتباره شكلاً من أشكاله. 57 - الدين الإسلامي حارب التبتل والتشدد والمغالاة في أمور الدين. 58 - الأصل في نفسية الإنسان الاعتدال الوسطي بين الماديات والروحانيات. 59 - الإنسان الشرير ينزل منزلة الحيوانات في العدوانية ويتساوى معها في طرق الشر. 60 - شخصية الإرهابي شخصية عدوانية سريعة التأثر بالمؤثرات الخارجية تميل إلى الاعتداء بعشوائية. 61 - الإرهابيون يستخدمون أحياناً المواد الكيمائية السامة لتنفيذ أعمالهم. 62 - الجريمة السياسية معروفة من قديم الزمان في شكل خصومات تنشب بين الحكومات ومناوئيها.

63 - في الوقت المعاصر تشكلت المنظمات التي تدعو للتغير من خلال ممارسة العنف وكان الإرهاب أحد أهم أشكالها. 64 - اختطاف الطائرات واحتجاز ركابها أحد أهم أشكال العنف في الوقت الحاضر. 65 - من أهم المنظمات الإرهابية الدولية الجيش الجمهوري الأيرلندي في بريطانيا، والنمور السود في الولايات المتحدة، والألوية الحمراء في إيطاليا، والجيش الأحمر في اليابان، وجيش التحرير في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنظمة كاخ اليهودية في فلسطين. 66 - حادثة مقتل رفيق الحريري من أهم المظاهر التي توضح مدى سلطة الإرهاب السياسي وتأثيره على الأمة الإسلامية. 67 - مما يزيد في توهج الغلو وأفكار العنف مقابلة الأعمال الخاطئة بالعنف والقمع والتشدد. 68 - يجب الأخذ بقوة على أيدي المعتدين مع الأخذ بمبدأ المحاورة والمجادلة بالتي هي أحسن. 69 - التجربة أثبتت أن القمع فقط لا يفلح في اجتثاث الغلو والإرهاب. 70 - أصبحت التربية تعني البناء الجماعي الذي يوثق أو يقلص الصلات بين الشعوب. 71 - التربية الإسلامية لابد أن تسعى لتعد الأبناء ليكونوا حماة العقيدة. 72 - وجوب مطابقة العقوبة للغلاة والمتطرفين للشريعة المطهرة، مع اختلافها على حسب الذنوب. 73 - هجر الغلاة والمتطرفين من أفضل الوسائل لإطفاء شمعة غلوهم. 74 - في الوقت الحاضر يسعى العالم الغربي إلى مناصبة الإسلام وأهله العداء، فوظفوا كل إمكاناتهم للحيلولة بين الإسلام وبين إيقاظ أمته. 75 - من أهم مظاهر التآمر الغربي الغزو الفكري والعسكري. 76 - إن التآمر على الإسلام وأهله من أكبر الأسباب لظهور الغلو والغلاة. 77 - من صور التآمر على الدين الإسلامي إظهاره بأنه قاصر عن الوفاء بمتطلبات الحياة المعاصرة ومواكبة التطورات الحديثة. 78 - قيام الغرب بتعضيد الفكر المنحرف لغرس الخلافات في الأمة الإسلامية. 79 - وصف الغرب للعمليات الإرهابية بأوصاف تنسبها إلى الإسلام مثل الأصولية الإسلامية والتطرف الإسلامي، مع براءة الإسلام منها. 80 - استقطاب الغرب لبعض العناصر من البلدان الإسلامية لأعمال العنف ضد مجتمعاتها بهدف مبطن هو تغيير مسيرة هذه المجتمعات إلى الأفضل. 81 - انتشار العنف في جميع بقاع العالم واستخدامه في العلاقات الدولية. 82 - من أكبر مظاهر العنف على وجه الكرة الأرضية ما تستخدمه إسرائيل من السلاحين النووي والجرثومي لتهديد العرب والمسلمين. 83 - التقارير المنشورة تفيد فعلاً عن استخدام إسرائيل وبشكل متكرر لغازات وكيميائيات سامة ذات تأثير مدمر للإنسان والبيئة. 84 - الولايات المتحدة الأمريكية تصدر المواد السامة والمحظورة دولياً. 85 - المملكة العربية السعودية لا تقبل الإرهاب، وترفضه بكل الوسائل. 86 - السياسة الأمريكية الخارجية مسؤولة بنظر الكثيرين عن أحداث العنف والإرهاب في العالم. 87 - تواتر النصوص النقلية بلزوم الجماعة وعدم التفرق. 88 - من أشد أضرار الغلو ما يحدثه من فرقة في الجماعة. 89 - إن الغلو من أهم أسباب ظهور الفرق الأولى: كالخوارج. 90 - من أكبر أضرار الغلو ظهور البدع والشهوات والشبهات. 91 - الخروج عن طاعة ولاة الأمر من أكثر أضرار الغلو التطرف. 92 - الغلاة يبتدعون بدعاً ويؤصلونها، ثم يقاتلون الناس عليها. 93 - عدم الخروج على ولاة الأمر إلا بعد رؤية الكفر البواح عليه من الله برهان، وأنى للعبد من ذلك!! 94 - الأحاديث الواردة في صحة خلافة الصديق رضي الله عنه وبإجماع الصحابة وجمهور الأمة على الحق أكثر من أن تحصى. 95 - الغلو يؤدي إلى التفكك والتشرذم والعداوة والبغضاء. 96 - توعد الله المفترقين بالعذاب الأليم.

97 - الغلاة والمتطرفون يوالون من يأخذ بأصولهم، ويعادون من يخالف أصولهم، فالولاء والبراء عندهم يكون لأهوائهم وشهواتهم وهذا ديدن الفرق الضالة. 98 - الغلاة والمتطرفون لا يتحرون الأصول الصحيحة من الكتاب والسنة. 99 - الغلاة والمتطرفون يصفون أهل السنة والجماعة بأسماء شنيعة قبيحة، مع تسمية أنفسهم بأسماء وصفات توهم أنهم على الحق المبين. 100 - جميع فرق الخوارج يرون الخروج بالسيف على الحاكم والمحكوم لإزالة أئمة الجور في نظرهم. 101 - من آثار الغلو والتطرف تكفير واستحلال دماء المسلمين وأعراضهم والخروج على الجماعة والأئمة. 102 - إن منهج أهل السنة والجماعة عدم استباحة الدماء إلا بحقها. 103 - أول فتنة حصلت في الأمة الإسلامية – مقتل عثمان رضي الله عنه – سببها استحلال الخروج على الإمام. 104 - خروج الخوارج واعتزال المعتزلة بسبب الغلو والتطرف. 105 - من آثار الغلو التطرف وجود العنف والعدوان في المجتمع الإسلامي، فتذهب قوة المسلمين. 106 - في الوقت المعاصر تطاول الغلو، ليشمل مقومات حيوية مهمة فأصبح يضرب في عمق المصالح بعين عمياء حاقدة دون تفريق بين بريء ومحايد أو عاجز وأعزل. 107 - الغلو يطيح بصروح الأمم وأسس العيش، ويعطل المصالح، ويشل حركة الحياة، فيصاب الناس بالذهول والخوف والذعر. 108 - أصبح الغلو مسألة بالغة التعقيد بسبب تداخل مجموعة عوامل تغلفها برؤى عقدية واجتماعية واقتصادية وفكرية وغير ذلك. 109 - لابد من صحوة الفكر الإنساني وأهل الحل والعقد من غفوة المصالح الأحادية إلى عموم المصالح الجماعية المجردة من المطامع والأهواء. 110 - مع العنف والغلو ينتشر العدوان، ويقوم الغلاة بالتكفير والتفسيق مع أنه حكم من الأحكام الشرعية، لا دخل للعباد فيها. 111 - من منهج أهل السنة والجماعة عدم الشهادة على معين بعدم المغفرة، لأن هذا حكم من أحكام الله تعالى. 112 - الغلو يقضي على الأمن النفسي والجسدي والمالي والاقتصادي. 113 - الغلو إذا انتشر بين فئات الأمة فعندها تنشغل بتلك المشاكل فيتربص بها الأعداء. 114 - في العالم الإسلامي بدأت العمليات الإرهابية تتخذ من الصبغة الدينية طابعاً لها. 115 - وسائل الإعلام الغربية تربط بين الإرهاب والإسلام. 116 - حقيقة الماسونية اعتبار كل الفرائض الدينية أعمالاً حقيرة تنقص من كمال البشرية وعقلها. 117 - مدى خطورة الجمعيات والأندية الماسونية كالروتاري والليونز والبلاي بوي وغيرها. 118 - تكالب الأعداء من ماسونية وصهيونية وعلمانية وتغريب على إضعاف الإسلام والمسلمين. 119 - نظرة الغرب للعالم الإسلامي نظرة مشوهة وممسوخة من جميع النواحي. 120 - الغرب يختلق لنفسه أسباباً للتدخل في شؤون العالم الإسلامي. 121 - الحركات التي تمارس التطرف الديني هي في حقيقة الأمر تعمل خارج تعاليم الإسلام وهديه. 122 - كلمة الأصولية عند الغربيين تعتبر كلمة غير محببة للنفس، فهي عبارة ترتبط عادة بالعداء والازدراء، وتدل على ضيق الأفق والتعصب الأعمى والنزعة المناهضة للتقدم وانتشار العلم. 123 - إن التفريط في أمور الدين والتهاون في حق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم يؤدي إلى الأعمال الإرهابية. 124 - إن القوة والرفعة والمكانة هي في وحدة الصف وائتلاف القلوب وتكاتف المؤمنين. 125 - من منهج أهل السنة والجماعة السمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية الله تعالى وعدم الخروج عليهم. 126 - من آثار الغلو والتطرف الخروج عن السنة والوسطية والاعتدال. 127 - الفرق الضالة تتميز بالإفراط أو التفريط، بالغلو أو التقصير.

128 - أهل السنة والجماعة ينتمون للسنة والجماعة والغلاة ينتسبون إلى أهل البدع والضلال، فيصبحون متبعين لأصول بدعية لا سنية. 129 - من مميزات الغلاة تعدي حدود الله تعالى بعدم تحكيمهم الكتاب والسنة الصحيحة في قضايا العقيدة الإسلامية، فيؤدي ذلك بهم إلى العداوة والبغضاء والوقوع في القتل والتدمير. 130 - براءة الرسول صلى الله عليه وسلم من الفرقة والتفرق والبدع. 131 - الغلو يهلك صاحبه في الدنيا والآخرة. 132 - الغلو يعني الخروج عن قاعدة الوسط فيقع الغلاة إما في التفريط أو الإفراط، وكلاهما مرفوض. 133 - الغلاة في الغالب يعجزون عما كلفوا به أنفسهم من العبادة. 134 - الغلو منفر لا تحتمله طبيعة الشر العادية، ولا تصبر عليه. 135 - الغلاة لا يوفقون في مراعاة الحقوق والواجبات. 136 - الغلاة تحبط أعمالهم، لأنهم بغلوهم خرجوا عن السنة وأحدثوا في دين الله ما ليس منه. 137 - الغلاة يشذون عن الجماعة، وإذا ماتوا على غلوهم ماتوا على جاهلية. 138 - الخروج عن أهل السنة والجماعة ولو في أصل واحد من أصولهم الاعتقادية أو العملية المتعلقة بالعمليات يعتبر تفرقاً. 139 - إن الله عز وجل لا يجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة. 140 - الغلاة يبتعدون في الغالب عن التوبة، ويستدرجهم الغلو حتى يهلكوا. 141 - الغلاة يبتدئون غلوهم ببدعة صغيرة، ثم يتمادون في البدع الكبار. 142 - إن ما نراه من الحرائق والسطو على المحلات والهجوم على الأسواق وخطف الطائرات، ونسف المجمعات السكنية والكيانات العمرانية مع استخدام القنابل والمركبات المدججة ما هو إلا من باب الاستدراج في الغلو والإصرار على البدع. 143 - تسلط الشيطان وملازمته للغلاة المبتدعين، فعندها لا تقبل لهم عبادة ولا قربة، فيوكلون إلى أنفسهم. 144 - من فارق الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. 145 - ما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان، إما إلى تفريط، وإما إلى إفراط. 146 - الغلاة عليهم إثمهم وإثم من عمل بغلوهم وبدعهم. 147 - وجوب هجر مجالس الغلاة والمبتدعين وعدم مخاطبتهم. 148 - أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم، يقول الله تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين} [الزخرف: 36]. 149 - الغلاة في الغالب عرضة للتقلب والتغيير وعدم الثبات. 150 - من وسائل القضاء على الغلو والتطرف الاعتصام بالكتاب والسنة. 151 - على مبتغي الحق الصادق في ابتغائه أتباع سلف الأمة. 152 - الأعمال الصالحة شعب من شعب الإيمان. والذنوب والمعاصي شعب من شعب الكفر، فليس المعاصي جميعها مكفرة، بل منها مكفر، ومنها بخلاف ذلك. 153 - الالتزام بالنصوص المتشابهة فقط يؤدي إلى الزيغ والهلاك، ولذا حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من تلك الطريقة. 154 - أهل السنة والجماعة يعملون بالمحكم، ويؤمنون بالمتشابه، ويردون المتشابه إلى المحكم. 155 - النصيحة الصادقة تسهم في علاج الغلو التطرف. 156 - من أهم الوسائل للقضاء على التطرف والمتطرفين التفقه في العلم الشرعي، حتى ينضبط منهج الاستدلال عند الأمة. 157 - لم يتطرف المتطرفون إلا لعدم معرفتهم القواعد المتعلقة بالعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والناسخ والمنسوخ والاجتهاد والمجتهد. 158 - على المسلم التبرؤ من الأخذ من الجهال ورعاع الخلق، وأن ينصرف إلى أهل العلم الذين يستحقون التصدير. 159 - أهل السنة والجماعة يعرفون مراتب الناس على الإجمال، فلا يكفرون أحدا بكل ذنب أذنبه، ولم يخرجوا أحدا من الإسلام ما دام موحدا. 160 - المناظرة نوعان: محمودة ومذمومة، فالمحمودة لإحقاق الحق. والمذمومة لإبطاله وإظهار الباطل.

161 - السلف يمدحون الجدال الذي يفتح مجالات الدعوة والإصلاح. 162 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحقق الحصانة للمجتمع من مظاهر الانحراف الفكري، فإذا تعاون المجتمع على تحقيقه حوصرت الأفكار المنحرفة. 163 - التشديد في الدين المضاد لقصد الشارع من التخفيف المعلوم المقطوع به. 164 - الالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة في العمل والمقصد من أهم الوسائل المفيدة للقضاء على الغلو والانحراف والتطرف. 165 - الغلاة يعتمدون على أصلين؛ أتباع الأهواء والابتداع والإحداث في دين الله تعالى، وهما مناقضان للأصلين اللذين عليهما قيام الدين. 166 - التفاؤل وحسن الظن بالله مع الثقة به تعالى والأخذ بالأسباب مع عدم القنوط من الوسائل المفيدة لحصر الأفكار المنحرفة. 167 - شغل المجتمع بالأوامر الشرعية والأعمال النافعة كالتعلم والتعليم والدعوة والأعمال الاجتماعية النافعة، فلا يلتفت إلى تكفير الناس. 168 - العلماء هم صمام الأمان في الأمة فهم ورثة الأنبياء. 169 - الأخذ بالشورى يجعل للأمة عقلا جميعا، تنضم فيه خبرات وعلوم وآراء جمهرة من العقلاء، لتنتج رأيا سديداً، فيسلم المجتمع من الغلو. 170 - يجب على العلماء القيام بواجبهم مع استغلال المنابر المهمة لمعالجة الغلو من بذوره والقضاء عليه. 171 - ضرورة مواكبة الفتاوى للزمان والمكان في ضمن الثوابت الإسلامية. 172 - ضرورة تعاون جميع أجهزة ومؤسسات المجتمع والتنسيق فيما بينها للقضاء على الغلو في أساسه. 173 - لا يمكن مواجهة الغلو والقضاء عليه إلا بقوة العلم والعلماء، وبذلك نتمكن من هزيمة عناصر الغلو القيادية وتصفية هاماته الفكرية. 174 - معالجة مسببات الغلو ودوافعه وبيئته لابد وأن تبدأ منذ الصغر بتوعية الصغار فكريا وثقافيا وتحصينهم من جراثيم فكر الغلو. 175 - في المملكة العربية السعودية ثلاث عشر ألف مسجد تقام بها صلاة الجمعة، فلو قام كل إمام جمعة ووجه الناس التوجيه الصحيح لقضي على الغلو والغلاة. 176 - التوعية الدينية بمخاطر الغلو لابد أن تكون توعية نوعية وكمية، تنطلق من مسلمات علمية، وترتكز على العقل والتعقل والموضوعية ومن ثم المعلومة الصحيحة كي لا تترك مجالاً للشك أو التشكيك. 177 - على المؤسسات الاجتماعية توعية الجيل وتغذيته بمعاني الجماعة والألفة وحتمية الانتماء والطاعة والولاء للحكام والعلماء. 178 - على العلماء ألا يغيبوا عن الأعين، ولا أن يختفوا عن الأنظار، فلا يسمع صوتهم إلا عند وقوع الوقائع أو حدوث الفواجع. 179 - على العلماء القيام بمشروع إسلامي حضاري في شؤون الحياة المختلفة، يشمل الجانب الدعوي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي وعلاقة المسلمين بغيرهم. 180 - من المنابر المهمة للتوجيه الكليات الشرعية، فعليها دور كبير. 181 - وجوب هجرة الغلاة والمتطرفين وبغضهم، حتى لا يتأثر الفرد بأفكارهم. 182 - أهل السنة والجماعة لا يصحبون ولا يجالسون ولا يسمعون لأهل الأهواء. 183 - مجالسة أهل الأهواء والغلاة ممرضة للقلب والعقل. 184 - هجر العصاة سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم. 185 - الهجر يختلف باختلاف الغلاة وقوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم. 186 - التأليف لبعض الغلاة أنفع من الهجر، والهجر لبعضهم أنفع من التأليف، فلابد من مراعاة الأحوال. 187 - العقوبة قسمان: عقوبة مادية، وعقوبة معنوية. 188 - ينبغي لمن يعاقب الناس على الذنوب أن يقصد بذلك الإحسان بهم والرحمة لهم، كما يقصد الوالد تأديب ولده.

189 - من وسائل القضاء على الغلاة والمتطرفين الرد عليهم، والرد قسمان: رد مباشر ورد كتابي، فالرد المباشر يكون مزامناً لحدث أو واقعة معينة، فيعالج المعالج الغالي بالرد على قوله أو فعله، وأما الرد الكتابي فهو أقوى من الرد الشفهي من جهة تميز الكتابة بالتوسع والشرح ورد الشبهات ومناقشة الاستدلالات، وهو أضبط وأهدأ وأكثر أماناً من التحريف. 190 - لا يستخدم الرد الكتابي إلا حين اشتهار بدعة الغلاة، وهذا ما تقوم به حكومة المملكة العربية السعودية، فتستخدم الرد المباشر في الوقت المناسب، والرد الكتابي في الوقت الملائم. 191 - أكد صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية على مواجهة الإرهاب والقضاء عليه برجال العلم الشرعي، لأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر. 192 - تحريم التعصب للقبيلة أو الطائفة أو غيرهما. 193 - تقرب ولاة الأمر من الناس والاستماع إليهم من أهم الوسائل للقضاء على الغلو والغلاة. 194 - التلاحم بين الحاكم والمحكوم يؤدي إلى تفهم المطالب والآلام والآمال وإلى التآخي والتراحم والتلاحم والتلازم والتناصح، فتثمر الأفكار البناءة والجمعيات المتنوعة، ومن ثم القضاء على الفكر المنحرف. 195 - استماع ولاة الأمر للناس يؤدي إلى التعاون التام بين فئات المجتمع، فيقفون جميعاً صفا واحدا ضد التيارات الخاطئة. 196 - من أهم الاختيارات اختيار رجل الأمن ممن هم في الواجهة ومن المباشرين للنواحي الأمنية. 197 - على رجل الأمن أن يتميز بالعقل والنصح، والصدق مع الله أولاً، ثم مع الدولة والناس، ليكون خير ممثل للدولة وتوجهاتها. 198 - استخدام الألفاظ النابية والألقاب الاستفزازية يؤدي إلى توجع وتهيج الغلاة بدلا من إصلاحهم. 199 - وضع الرجل المناسب في المكان المناسب يؤدي إلى معالجة الظواهر الخاطئة. 200 - خلق العفو والتسامح والصفح الجميل لا يأتي إلا بخير، وتطبيق هذا المبدأ فيما يسوغ فيه يثمر خيرا كثيرا. 201 - إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود – قبل توليه الملك – العفو عن الغلاة وإعطائهم فترة زمنية لتسليم أنفسهم من أكبر الأدلة على سياسة المملكة العربية السعودية لتوحيد الصف والقضاء على الفرقة. 202 - اجتماع الرئيس بالمرؤوس يؤدي إلى إزالة الغموض والالتباس في كثير من الأمور الغامضة. 203 - علينا أن نتعاون ونتكاتف للقضاء على تلك الظاهرة الغريبة على مجتمعاتنا، وأن نأتي بالحلول من عند أنفسنا، لا أن نستوردها من هنا وهناك، ولا نجعل للآخرين سلطانا علينا. 204 - إن بعض أعداء الإسلام لا يستطيعون إظهار العداوة للإسلام، ولكنهم يظهرون العداوة للغلو والتطرف، فيتخذون من محاربتهما للتدخل في شؤوننا وثوابتنا. 205 - إن على العلماء والخطباء والدعاة والأسر والهيئات الشرعية وولاة الأمر ورجال الأمن والمثقفين والكتاب والنساء دوراً لجمع الشمل وتوحيد الصف وتأليف القلوب والنصر على الأعداء. 206 - إن كثيراً من أعمال العنف والإرهاب تأتي نتيجة لأفكار مندفعة، وردود فعل طائشة، فلابد من استعمال حلية العلم ووضاءة العقل وجلال الحكمة ومهابة الفقه، لسهولة إقناع من يقوم بها. إن الإرهاب صناعة غربية وملة أوربية ومهنة صليبية، وهندسة صهيونية.

الليبرالية في السعودية والخليج - دراسة وصفية نقدية

الليبرالية في السعودية والخليج - دراسة وصفية نقدية ¤وليد بن صالح الرميزان£بدون¥روافد - بيروت¨الأولى¢1430هـ€فكر إسلامي أو عربي¶نقد كتاب أو فكر الخاتمة: اتضح لنا مما سبق استعراضه في الفصول السابقة لهذا البحث أن الليبرالية مفهوم عائم وغامض، وتتعدد تعريفاته بتعدد الباحثين، وبحسب الزاوية التي ينظر منها كل باحث ومهتم بها؛ إلا أنه بالإمكان فهم الليبرالية كرؤية فلسفية من خلال تتبع تطورها التاريخي ودراستها أبستومولوجيا من خلال فهم المبادئ والقيم والأسس التي تشكل البناء الفلسفي لليبرالية، وبتتبع ظروف نشأتها التي كانت نتاجاً للتاريخ الغربي وظروفه السائدة في بدايات ما يسمى عصر النهضة، ويمكن القول إن الليبرالية تطورت في بعض الأحيان، وغيرت أطروحاتها حسب احتياجات المجتمع الغربي. واتضح أن الخطاب الليبرالي العربي يؤكد على أن روح المنهج الليبرالي الحضاري والمبادئ التي يقوم عليها ستقود بشكل تلقائي وحتمي إلى تطور المجتمع وتقدمه؛ بمعنى أن النهضة والتحديث والإصلاح وفقاً للنموذج الغربي تفضي حتماً إلى التقدم؛ ولذلك فقد بنى رؤيته النهضوية على افتراضات أوَّلية مطلقة، ترتكز على أن الواقع العربي المتَشكِّل ذاتياً من خلال التراث بواقع متخلِّف ومتأخر عن مسارات العصر الحديث؛ ولذلك فإن أخذ أسباب التقدم وتطوير الواقع يجب أن يرتكز على النموذج الغربي، ويستمد مقوماته الأساسية منه، لأن النموذج الغربي يتضمن جميع عناصر التقدم. وعلى الرغم من أن ملامح التيار الليبرالي في دول الخليج العربية - من ناحية تاريخية - موجودة منذ النصف الثاني من القرن العشرين من خلال بعض الجمعيات والتيارات السياسية، إلا أن التيار الليبرالي ظهر في دول الخليج العربية بوضوح خلال حقبة ما بعد حرب تحرير الكويت، كما مثَّلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر نقطة ارتكاز جديدة جعلت الخطاب الليبرالي في دول الخليج العربية يظهر بقوة، ويصبح صوته مسموعاً، كما استطاع التيار الليبرالي في دول الخليج توظيف الصحافة ووسائل الاتصال الحديثة - كالإنترنت - في عملية الاستقطاب الفكري، ونشر المبادئ والأفكار، والدفاع عن قضاياه. وقد اتضح من خلال تحليل مضمون الخطاب أن هناك مجموعة من المسلَّمات تحكم الخطاب الليبرالي الخليجي، أبرزها: 1 - أن الثقافة سبب جوهري للتخلُّف؛ فالنهضة لدى الخطاب الليبرالي الخليجي لا تتحدَّد بالظروف الموضوعية السياسية أو الاقتصادية أو القانونية فقط؛ فكل العوامل النابعة من خارج الذات لا قيمة لها، إن لم تتوفر إرادة النهوض والموقف الذهني الفردي أو الجماعي من قضية التغيير. فالثقافة السائدة ومفاهيمها المسيطرة على العقول تقف دون الاستفادة من العوامل الموضوعية المتاحة، وهي أن اللحظة الليبرالية حتمية، وإن لم تكن بسبب عوامل وتغيرات داخلية فإن الزحف الحتمي للعولمة قادر على فرضها في كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية. 2 - وأما المسلَّمة الأخرى - وإن كان يحاول أن يخفيها الخطاب الليبرالي الخليجي - فهي العلمانية، وهي في بنية الخطاب تشكل المقدمة الأولى للتقدم الذي لن يتم إلا بعزل السياسة عن الدين؛ فالعلمانية لدى الخطاب الليبرالي الخليجي هي أساس البناء الليبرالي. ويرتبط بالعلمانية مسلَّمة النسبية في بنية الخطاب الليبرالي الخليجي؛ حيث تمثِّل المدخل الوحيد الذي يمكن أن يجعلها قادرة على منح المفاهيم والقيم والفكر الليبرالي الشرعية في البيئة العربية الإسلامية، وتجعله قادراً على إعادة تفسير الإسلام بما يتوافق مع رؤيته الليبرالية.

3 - وأما المسلمَّة التي جعلت من الخطاب الليبرالي الخليجي منغلقاً غير قادر على الإبداع والتجديد فهي: اعتبار الغرب نموذجاً؛ حيث يسوق القيم الليبرالية من واقع التجربة الغربية والأوروبية بالتركيز على التاريخ بصورته المؤكدة للقيمة التي يريد تأكيدها، فنجده يعمل جاهداً على شرح دور القيمة التاريخية وفاعليتها المستمرة في إحداث النهوض والتقدم في بلاد الغرب وغيرها من البلدان التي تبنت النموذج الليبرالي. ويؤكد أن أسباب تخلُّف العرب يعود إلى غياب منظومة الفكر الغربية بصورتها الليبرالية عن الفكر التقليدي السائد في الخليج. وفيما يتعلق بأهم القضايا المسيطرة على الخطاب الليبرالي الخليجي هي قضايا الديمقراطية والإصلاح السياسي، والثقافة والدين والتراث، وقضية المرأة والمسألة التعليمية. نجد أن الخطاب الليبرالي الخليجي يفهم تلك القضايا من خلال المسلَّمات والقيم والمبادئ التي تحكم خطابه ورؤيته الفلسفية المؤسسة على الليبرالية من مصدرها الغربي. وقد توصلت إلى عدد من النتائج كالآتي: أولاً: أن الخطاب الليبرالي الخليجي يجعل من الليبرالية خطاباً إنسانياً عالمياً، يملك في ذاته القدرة على المواءمة مع أي مجتمع، وليس أمام الإنسان في أي مكان إلا أن يرضخ لهذا النموذج؛ باعتباره متعال عن المكان والزمان وصالح لكل الأمم. ثانياً: أن الخطاب الليبرالي الخليجي يقوم بوظيفة دعائية تبشيرية للمشروع الليبرالي الغربي؛ فالمقولات والمسلَّمات والقضايا في الخطاب تشكل بريراً فكرياً وعقائدياً لمقولات وسياسات القوى الغربية التي تسعى لجعل المنظور السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي للغرب سقفاً للعالم، عليه أن يسعى ليصل إليه. ثالثاً: أن الخطاب الليبرالي الخليجي يستبطن في مضمونه النظرة الخطية التصاعدية لمدرسة التحديث التي ترى المجتمعات محكومة بعملية تطوُّرية واحدة؛ تتجه نحو النموذج الغربي. رابعاً: أن الخطاب الليبرالي الخليجي متناقض مع نفسه في أمور عديدة؛ فهو على سبيل المثال يعلي من قيمة العقل ويركِّز على دوره في عملية النهوض والتقدم، ومع ذلك فإنه يحصر مهام العقل في استيعاب الحضارة الغربية ومنظومتها القيمية فقط! لا السعي في تطوير أو خَلْق قيَم وسبل جديدة للنهوض. خامساً: أن الخطاب الليبرالي الخليجي يقوم على نقد الواقع وتغيير خصائصه ومقوماته وأسسه؛ بهدف استيعاب النموذج الغربي فقط، دون نظرة علمية تقوم على أسس معرفية واضحة بيّنة لفهم الواقع وقضاياه واحتياجاته وإمكانياته؛ حيث يسقط الخطاب الليبرالي الخليجي قضايا الغرب التاريخية والحالية على المجتمعات الخليجية دون أن يكون لتلك القضايا حضور في الواقع الخليجي (مثل قضية الصراع بين الدين والعلم في أوروبا)، أو إعطاء أولوية لقضايا على حساب قضايا أخرى تُعدُّ أكبر وأهم للمجتمع الخليجي (مثل قضية حقوق المرأة في العمل - مثلاً - على حساب قضية حقوق المجتمع كله). سادساً: إغفال الخطاب الليبرالي الخليجي للواقع الاجتماعي والأخلاقي المنحط للمجتمعات الغربية؛ فتشابه المدخلات يعني تشابه المخرجات، وبالتالي فإن تطبيق الليبرالية في المجتمعات الخليجية سيؤدي إلى نفس الانحطاط الاجتماعي والأخلاقي للغرب.

سابعاً: يقوم الخطاب الليبرالي الخليجي بنقد التراث والتيارات الدينية ويحكمها بمعاييره؛ لتتحول الليبرالية إلى أداة مقدسة يتم بها الحكم على التراث؛ فيتم تحول الفكر الليبرالي وطريقة طرحه وفهمه للقضايا إلى رؤية مقدسة تحاكم التراث وتنفيه، وتحكم عليه بالتخلف، وتحمله كل مشاكلنا، وتبرئ ما عداه، فالغرب وسياساته - عبر تاريخه الحديث وسعيه للهيمنة واستغلال الشعوب - عملية يتم السكوت عنها؛ بل إن البعض لا يحاول أن يفهم طبيعة الغرب في سعيه لاستغلال الشعوب ويتم تبرير تدخله كسلوك حضاري، وأن مقاومته تخلف! وهذه الرؤية لا تستقيم مع أي منطق. وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول بأن انطلاق الخطاب الليبرالي الخليجي من خلال مفاهيم ومقاييس المنظور الليبرالي الغربي وتجربته، الذي أنتجته بيئة مغايرة - من حيث الزمان والمكان والمرجعية - جعلت من طرحه طرحاً يحمل رؤية مسبقة معزولة عن طبيعة الواقع وحاجاته، متجاهلاً الخصائص والظروف والإمكانات للواقع الخليجي العربي، ومن ثم فإنه لا يعبر عن واقع دول الخليج العربية؛ بل يعيش في واقع النموذج الأعلى له، وهو النموذج الغربي، كما أن فهمه للواقع الخليجي مرتبط بذلك النموذج؛ ولذلك فهو خطاب معزول عن واقعه ولا يعبر عن قضاياه؛ بل إنه يصادم ذلك الواقع بدلاً من تنميته. أخيراً، فإن الرؤية الليبرالية كما يطرحها الخطاب الليبرالي في دول الخليج العربية تؤكد على نفي التراث واحتقاره، والدعوة إلى تبني القيم الليبرالية الوافدة، والإعجاب بها، والترويج لها، وهذا ما يسهم بشكل كبير في إعاقة التجدد الداخلي والاستقلال الثقافي، وتشويه النسق الحضاري ومنظومة القيم السائدة في الواقع الخليجي العربي، مع تجاهلها لحقيقة إمكانية النهوض دون الوقوع في براثن التغريب والانسلاخ من القيم، وهو ما أثبتته تجارب النهضة في مجتمعات عريقة؛ كاليابان والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا.

ظاهرة التأويل الحديثة في الفكر العربي المعاصر – دراسة نقدية إسلامية

ظاهرة التأويل الحديثة في الفكر العربي المعاصر – دراسة نقدية إسلامية ¤خالد بن عبدالعزيز السيف£بدون¥مركز التأصيل للدراسات والبحوث- جده¨الأولى¢1431هـ€فكر إسلامي أو عربي¶فكر إسلامي - دراسات شاملة ومنوعة خاتمة البحث: بعد هذه الرحلة الطويلة والمتشعبة في دراسة ظاهرة التأويل الحديثة في الفكر العربي المعاصر، لا يمكن تسجيل كل أفكار البحث الأساسية، وإنما سأحاول تسجيل أهم النتائج التي توصل إليها البحث من خلال النقاط التالية: 1 - يجد المتابع لحركة دلالة مصطلح التأويل في الاستخدام الحديث أنها لا تخضع للصرامة الدلالية التي تتمتع بها سابقاً، بل تحول التأويل من كونه مصطلحاً متداولاً في مباحث النصوص الدينية إلى علم يبحث في آليات الفهم، سواء تعلق ذلك بالنصوص الدينية أو الحقول الإنسانية. 2 - تعد الثورة البروتستانتية التي قادها مارتن لوثر – وإن كانت بشكل متواضع – أهم حدث مهد للتأويل الحديث بالامتداد داخل حقل النقد الكتابي. حيث شرعت هذه الثورة للحرية في فهم وتأويل الكتاب المقدس لعامة طبقات الناس، وحدت من مصادرة الكنيسة لأحقية فهم وتأويل الكتاب المقدس، ثم كانت محاولة سبينوزا وكانت في استخدام المنهج التاريخي في تأويل الكتاب المقدس تتويجاً للنقد الكتابي. 3 - تعتبر الهرمنيوطيقا الرومانسية والهرمنيوطيقا الفلسفية أهم جذر ترجع إليه نظريات التأويل الحديثة وخصوصاً في تشريع تاريخية الفهم وتعدده اللانهائي، والمساواة بين النصوص المقدسة والنصوص البشرية، وانتهاء بالقول بالتناص وموت المؤلف. ويعتبر التأويل الماركسي والنيتشوي والفرويدي واللسانيات الحديثة أهم رافد شكل حضوره منعطفاً مهما في نظرية التأويل الحديثة، واصطبغ النقل العربي لهذه النظرية بذلك سواء على مستوى التنظير أو على مستوى الإعمال والاشتغال. 4 - إن الجهل بالشريعة وتهميش التراث الإسلامي – وخصوصاً المتماسك منه علمياً – كان وراء حمى التسارع إلى تجديد التراث، ليس بإرجاعه إلى نضارته في عصر الرسالة؛ وإنما من أجل اللحاق بالنموذج الغربي، ولذلك توسع بهذا المجال المنقود ليشمل حتى الثوابت والقطعيات الدينية. 5 - إن الملاحظة في حضور النظرية التأويلية في النقد العربي المعاصر وخصوصاً فيما يتعلق بمجال النصوص الدينية أنه أخذ منحى هابطاً في مجال الصرامة العلمية والقواعد المنهجية، وفي المقابل يأخذ منحى صاعداً في مجال الفوضوية المصطلحية، وتبدأ المنهجية الانتقائية والتوظيف الأيديولوجي بالظهور على حساب المبادئ الأساسية والأطر العلمية، حتى تحولت النظرية من كونها نظرية علمية إلى ظاهرة تفتقر إلى الكثير من المقومات العلمية. 6 - تعتبر النظريات النقدية الممارسة على النصوص الشريعة تطبيقاً عربياً للهرمنيوطيقا، وهي في العموم صورة طبق الأصل للنظريات التأويلية التي نشأت في الفكر الغربي وخصوصاً في مراحلها المتأخرة. وتعتبر النظرية التاريخية من أهم النظريات الحديثة في فهم النص وقد انطلقت هذه النظرية – مع ما تبنته من مباحث الهرمنيوطيقا – من منطلقات متعددة اتخذت أشكالاً عدة منها ما هو فلسفي غربي بحت كالنظرية الماركسية واللسانيات الحديثة، ومنها ما هو مستنجد به التراث؛ وهو أطروحة المعتزلة في خلق القرآن، وبعض مباحث علوم القرآن. ومن هذه المنطلقات الأربعة تم تدبيج نظرية تاريخية النص بوصفها مباحث علوم القرآن. ومن هذه المنطلقات الأربعة تم تدبيج نظرية تاريخية النص بوصفها حلاً علمياً لاستمرار عطاء النص مع تغير الظروف الزمانية والمكانية.

7 - تفرعت عن نظرية التاريخية نظريات أخرى كنظرية الأنسنة، ونظرية النسبية، وهما تلتقيان مع النظرية التاريخية في النتيجة، وتعتبران مداخل أخرى للنظرية التاريخية، وتنتهيان في النهاية إلى تساوي النصوص وتعدد تأويلاتها تعدداً لا نهائياً. والنظرية التاريخية بفروعها تتشابه من هذه الزاوية مع الفلسفات الصوفية الغالية والتوجهات الباطنية في تقريرها لفتح النص. 8 - تعتبر نظرية المقاصد كما في سياقها العلماني من أهم النظريات العاملة في قراءة النص الشرعي، والذي شجع على رواج هذا الاستخدام كون هذا المصطلح (مقاصد الشريعة) مصطلحاً متداولا في التراث الإسلامي، إلا أن المستخدم منه علمانياً مصطلح مجرد من بناه الأساسية والمنجزة في مباحث أصول الفقه. 9 - إن نظرية المقاصد التي نظر لها الشاطبي مبنية على ما أسسه الشافعي في الرسالة، وخصوصاً في موضع الأدلة الشرعية التي قرر حجيتها، وهذا ينفي أي قطيعة إبستمولوجية بين الشافعي والشاطبي خلافاً لما يدعيه كثير من المغالين في نظرية مقاصد الشاطبي. 10 - إن الفرق بين نظرية المقاصد كما طرحها الشاطبي ونظرية المقاصد كما تصورها الخطابات العلمانية؛ أن الإمام الشاطبي بنى نظريته في مقاصد الشريعة على مقررات أساسية منها: تأسيس المقاصد على المصالح، ومركزية النص، والاستقراء والتكامل لأصول الشريعة وفروعها، وثبات مقاصد الشريعة. أما نظرية المقاصد في الخطاب العلماني فهي تقوم على: التحسين والتقبيح العقلي، وسلطة المصلحة، وجدل الكلي والجزئي، وعدم ثبات أحكام الشريعة، وهذا يفصح على أن التأويل المقاصدي والذي اعتمد على نظرية الشاطبي المفرغة في المقاصد كما يتداولها الخطاب العلماني لا أساس لها في كلام الإمام الشاطبي. 11 - إن أهم أزمة يواجهها الخطاب العلماني هي ما يتعلق بدلالة النصوص الشريعة الصريحة على الأحكام، بناء على مقررات الأدلة ومناهج الاستدلال المنجزة في مباحث أصول الفقه، ولتجاوز هذه الأزمة في الخطاب العلماني كانت الدعوة إلى تجديد أصول الفقه، بناء على أن أصول الفقه بصيغته المنجزة تراثياً لا يحقق التفاعل الحضاري المنشود مع متغيرات الزمن. 12 - إن السبب في تحرك مدلولات الشريعة في المنظور العلماني؛ أن الشريعة تعتبر قيمة عليا وهي الروح أو الجوهر أو الرحمة، وأن هذه الأحكام إنما هي مظاهر أو تجليات لهذه الروح، وما دامت هذه التجليات تحقق القيمة العليا لهذه الروح أو الرحمة فهي المطلوبة، وكل حكم لا يحقق هذه القيمة فليس من الشريعة، وإن كان مورس تاريخياً باسم الشريعة. مع أن الخطاب العلماني يغفل في هذه الناحية أن ثبات المعاني المحكمة للنصوص الشرعية أحكامها على وجه الخصوص راجع بدرجة أساسية إلى صدور هذه الأحكام من الشارع وعدم نسخها، إضافة إلى تعلق الشريعة بالإنسان الذي هو محور التشريع وبالجانب الإنساني الثابت في كيانه وطبيعته مما لا يمكن أن يتغير حتى مع تطور المجتمعات في الأزمنة والأمكنة. 13 - إن النظريات التأويلية الحديثة تعمل بشكل أساسي في كليات العقائد على إجمال، كمفهوم الألوهية والنبوة والوحي والمعاد والأسماء والأحكام وغيرها، من حيث تحويل العقيدة من حقيقة موضوعية إلى تصور متغير، بناء على أن العقائد مجرد تصورات ذهنية وليس بالضرورة أن يكون لها وجود بالفعل، وهذه النظريات أيضاً عاملة بشكل أساسي في الأحكام كبعض أركان الإسلام والمسائل المتعلقة بالمرأة أو بالنظام السياسي وقضايا حقوق الإنسان وغيرها.

14 - إن المتابع لتطبيقات النظرية الحديثة للتأويل على النصوص الشرعية يجد أن المناهج النقدية العاملة في النصوص الشرعية قد أفرزت عدداً من المفاهيم التي صارت مع الممارسة والتنظير أشبه بالقوانين الحتمية في التعامل مع النصوص الشرعية – وإن كانت لم تبن على أساس علمي – كأسبقية العقل على النص أو سلطة الواقع وغيرها، وهذه المفاهيم أصبحت تحل بشكل تدريجي محل المفاهيم الشرعية المتفق عليها كحجية القرآن وسلامته من النقص وحقيقة أخباره عن الماضي أو المستقبل، وأن تعظيم القرآن ناشئ من كونه كلام الله سبحانه وتعالى وغير ذلك من المفاهيم الشرعية. 15 - إن النظرية التأويلية الحديثة باعتبارها حزمة من النظريات المتداخلة؛ هي نظرية غير مستقرة، وكثير من بناها الأساسية لم يحسم بعد، بل وجدت معارضة بعمومها من بعض النقاد الغربيين من حيث إنها شرعت للفوضوية في فهم النص ولم تقدم معايير منضبطة في الفهم والتأويل، وعموم مفردات النظرية كاللسانيات الحديثة والمنزع الماركسي والفرويدي خضعت لمحك النقد والمعارضة، ولم تؤخذ في النقد الغربي على وجه الإطلاق، بل إن بين هذه المدارس التأويلية صراع عنيف، وليس هناك اتفاق بقدر ما هنالك اختلاف، ومثل ذلك في المقولات التأويلية المشهورة كموت المؤلف أو لانهائية التأويل. 16 - إن عدم استيعاب الفكر العربي العاصر لعدم استقرار النظريات التأويلية الغربية؛ ولد بدوره التعامل غير العلمي مع هذه النظريات، بحيث كان التعامل معها تعاملاً مطلقاً غير مستوعب لما تواجه هذه النظرية من مآزق في النقد الغربي نفسه، ويأتي هذا الاستعمال العربي لنظرية التأويل كحقيقة مطلقة بدون تكليف العناء في البحث عن النزاعات التي أثيرت تجاه كثير من الأمور المفصلية في النظرية ذاتها. 17 - إن مفهوم النص في الثقافة الغربية يخالف مفهوم النص في الثقافة العربية والتي نزلت بها النصوص الشرعية، فإذا كان النص في الثقافة الغربية يدل على معنى النسيج المتشابك المتداخل؛ فإن النص في الثقافة العربية له مدلولات مغايرة لا تجتمع مع المدلول الغربي، وحمل مفهوم النص في الثقافة العربية على مفهوم النص في الثقافة الغربية وإعمال ذلك في النصوص الشرعية يعتبر خلطاً وتشويشاً من حيث إن مفهوم النص في الثقافة الغربية لا يمكن أن يتحرك بانسجام مع المناخ الذي تتحرك فيه النصوص في الثقافة العربية، ولا يمكن بهذا النقل المبسط تجاوز المشكلات التي تنجم عند نقل مفهوم مصطلح من حقل معرفي إلى حقل معرفي آخر. 18 - إن لنتيجة مساواة النظريات التأويلية الحديثة بين النصوص الدينية والبشرية أن حصل خلط في المناهج المستخدمة في التعامل مع هذه النصوص المتغايرة؛ حيث استبعدت خصائص النص الديني وخصوصاً ما يتعلق بمصدرية النص، ليبقى المنهج المستخدم في دراسة هذه النصوص أكثر حرية وانطلاقاً، ويرجع السبب في ذلك أيضاً إلى أن هذه النظريات والمناهج النقدية نشأت في بيئة مغرقة في الإنسية وتستبعد كون الوحي مصدراً للمعرفة، ولذلك فالمعرفة المفارقة ليس لها اعتبار مقارنة بالمعرفة المتولدة من الإنسان سواء كانت عقلية مجردة، أو ناتجة عن الحس أو التجربة. 19 - إن عدم اعتبار البنية المتكاملة للنص القرآني في الخطاب التأويلي الحديث تولد عنه عدم ضبط في موضوع الدلالات وفهم النصوص بشكل عام. حيث إن النص القرآني نص كلي متكامل؛ ولذلك فإن فهم وحدة نصية منه مشروط بتساوق الفهم العام للنص الكلي، هذا إلى جانب مراعاة السياق الخارجي للنص والمتمثل باعتبار استقبال المخاطبين الأوائل له.

20 - إن ما تفعله النظرية الحديثة للتأويل في نسختها العربية في قراءتها للنصوص الشرعية هي محاولة نقل الصراع التاريخي بين طريقة فهم الكنيسة للنصوص المقدسة وبين طريقة فهم عصر الأنوار، ونقل ذلك كله إلى ساحة النصوص الإسلامية، وهذا النقل هو في الحقيقة إسقاط للواقع الغربي على الواقع الإسلامي بدون مراعاة للظروف الدينية والاجتماعية الفاصلة بين ذلك، فالنقل المنهجي هنا نقل مع اختلاف الوضع والمبرر. 21 - إن التوظيف الإيديولوجي سواء على مستوى الانتقائية من بين المناهج أو على مستوى الانتقائية داخل المنهج الواحد كما هو معمول به في الخطاب العلماني؛ لا يمكن إلا أن يخلف تعصباً على المستوى العملي – وإن كان في التنظير قد يكون فيه شيء من تشريع للحيادية – ولذلك فإن الخطاب التأويلي الحديث وإن حارب التعصب على مستوى النظرية؛ إلا أنه مارسه على مستوى التطبيق. 22 - مع اعتماد الخطاب العلماني على مخرجات الهرمنيوطيقا كما هو في الفلسفة الغربية لصياغة النظريات بشكل عام؛ فقد أول أيضاً توظيف التراث بطريقة انتقائية، بحيث يتم استدعاء التراث عندما يكون في خدمة الفكرة، بينما يتم استبعاده عندما يناقض الفكرة المراد نصرتها، ويتهم التراث حينها بأنه قد خضع للأدلجة أو للتوظيف السياسي أو أنه يمثل الصراعات الداخلية التي نشأت في ظروف لم تكن العلمية أحد شروطها.

من معالم المنهجية الإسلامية للدراسات المستقبلية

من معالم المنهجية الإسلامية للدراسات المستقبلية ¤هاني بن عبدالله بن محمد الجبير£بدون¥كتاب البيان - السعودية¨بدون¢بدون€فكر إسلامي أو عربي¶منهجية وموضوعية وأسس تفكير وبعد؛ فهذه عجالة حاولت فيها أن أقدم تصورات ونظرات يسيرة لبعض ما يمكن أن يتنبه له من يعالج هذه الدراسات، راجيا أن يكون ما قمت به محاولة نظرية لتأصيله إسلامياً. ومتى توفرت الإرادة الجازمة والنية الحسنة فإن الأمة يمكنها - بتوفيق الله تعالى - مستعينة بدراسات مستقبلية مصوغة صياغة إسلامية، ومنضبطة بضوابط الشريعة وعلى أيدي قادة وناشطين ومفكرين؛ أن تندرج في الوصول إلى مستقبلها المرغوب مهما كان بينها وبينه. وقد اشتملت هذه العجالة على جملة من معلومات ومسائل ألخصها فيما يلي: 1 - استأثر الله - تعالى - بعلم الغيب فلا يعلم الغيب أحد سواه، مع أن الله أطلع بعض عباده على شيء من الغيب ليكون دليل نبوته. 2 - الغيب الذي استأثر الله - تعالى- بعلمه هو ما لا يمكن إدراكه بالحس، ولا بالتجربة والمقايسة. 3 - كل ما يقع في المستقبل مما لا يرتبط بالتجربة والمقايسة ونحوهما؛ فهو من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله. 4 - فطر الإنسان على التطلع إلى المجهول والاستعداد له ليكون مستقبله مناسباً له. 5 - من رحمة الله - تعالى- بعباده أن حجب عنهم معرفة ما يكون في المستقبل، لكن البشرية سلكت مسالك عدة لتحقق تشوفها لمعرفته. 6 - يمكن أن تفرز هذه الطرق باعتبار صحة الاستدلال بها وسلامة استعمالها لبلوغ المقصود منها؛ إلى قسمين: أ- الطريق المقطوع بصحته وهو ما جاء في كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة. ب- الطرق غير الصحيحة، وهي الطرق غير المشروعة، التي لا يظهر لها ارتباط بالإدراك المحسوس أو المعقول، ومنها: الاعتماد على الكتب السابقة، أو سير النجوم، أو الأحاديث والآثار الضعيفة، أو حساب الجمل، وهي مصادر لا تعتمد في معرفة المستقبل وإن كان لا يجزم بكذبها إلا إذا وجد ما يكذبها. 7 - إن الاعتماد على الطرق غير الصحيحة ينتج عنه كثير من الخرافات والأساطير والاعتقادات الفاسدة. 8 - الدراسات المستقبلية: هي مجموعة من الدراسات والبحوث التي تهدف إلى تحديد اتجاهات الأحداث, وتحليل مختلف المتغيرات التي يمكن أن تؤثر في إيجاد هذه الاتجاهات أو حركة مسارها. 9 - سميت هذه الدراسات بـ: استشراف المستقبل، ورؤية المستقبل، وارتياد المستقبل. 10 - يفرق الباحثون في مجال هذه الدراسات بين الدراسات الاستطلاعية التي تعني ببيان المستقبل المتوقع وهو ما يتوقع أن يؤول إليه واقع معين، وبيان المستقبل الممكن وهو البدائل التي يمكن حصولها في المستقبل في حال تدخل معين؛ وبين الدراسات المعيارية التي تعني ببيان المستقبل المرغوب فيه وهو المصير الذي تأمل الأمة أن تصير إليه بعد إحداث تغيرات في ظروف الواقع. 11 - أولى الإسلام عناية بارزة بالمستقبل بل تجاوز الدنيا لما بعدها، والأدلة على ذلك كثيرة تدل على مشروعية دراسة المستقبل. 12 - تبين أن الدراسات المستقبلية فرض كفاية، كسائر ما تحتاجه الأمة. 13 - لما كانت الدراسات المستقبلية تقع في ميدان الثقافة الاجتماعية؛ فإن دور الشرع فيها هو النقد والتهذيب, وبيان الضوابط. 14 - إن من الضوابط والموجهات للدراسات المستقبلية عموماً: - الانضباط بالكتاب والسنة. - ملاحظة السنن الكونية. - ملاحظة السنن الشرعية. - اختيار وحدات تحليل تمثل التوجه الإسلامي. - لابد أن تكون الدراسة مبنية على قرائن ودلائل يمكن الاعتماد عليها. - التعمق في فهم الواقع. - الحذر عند استعمال المصطلحات. - عدم الجزم بنتيجة الدراسة. - قد يلزم العمل بنتيجة الدراسة. - لا تترك الواجبات الشرعية ولو كان المستقبل سيئاً. - المعرفة بالطبيعة الإنسانية. - الإيمان بالقضاء والقدر. - أن يكون الدافع للدراسة رضى الله تعالى. - مراعاة أدبيات منهج البحث العلمي. 15 - من الضوابط الخاصة بالدراسات الاستطلاعية إضافة إلى ما سبق: التفاؤل. 16 - من الضوابط الخاصة بالدراسات المعيارية إضافة إلى ما سبق: العدل والإحسان، وعقلانية التعامل مع التحولات المستقبلية. ومما ينبغي أن يهتم به ويمكن أن يذكر في هذا الموضع: - ضرورة إنشاء مراكز للدراسات المستقبلية مبنية على قواعد شرعية على المستوى الرسمي والشعبي, تقوم بإعداد دراسات مستقبلية، ويجري تطبيق القواعد الشرعية عليها؛ لأن العلوم تترشد من خلال الممارسة العملية أكثر من الدراسات النظرية، ثم تولى هذه الدراسات النظرية الاهتمام المطلوب لتحقيق الغايات المنشودة منها. - ضرورة العناية بإعداد دراسات مستقبلية دعوية وفقهية، يطلع عليها القائمون بهذا المهام ليستفيدوا منها، ويبنوا عليها نشاطهم وتوجهاتهم.

فلسفة ومنطق وعلم نفس

فلسفة ومنطق وعلم نفس

التأصيل الإسلامي للدراسات النفسية - البحث في النفس الإنسانية والمنظور الإسلامي

التأصيل الإسلامي للدراسات النفسية - البحث في النفس الإنسانية والمنظور الإسلامي ¤محمد عز الدين توفيق£بدون¥دار السلام - القاهرة¨الأولى¢1418هـ€فلسفة ومنطق وعلم نفس¶دراسات توثيقية ومنهجية خاتمة لقد انتهينا في هذا البحث إلى عدة نتائج مبثوثة في فصوله ومباحثه وستطول هذه الخاتمة لو أردنا استعراض تلك النتائج، لذلك سنكتفي باستعراض جملة من المشاكل والعوائق التي تواجه هذا المشروع العلمي نسوقها لمن يريد المساهمة بالبحث فيه. إن من المفيد حقًّا بعد هذه الصفحات التي دافعنا فيها عن مشروعية علم النفس أولاً ومشروعية التأصيل الإسلامي لأبحاثه ثانياً وقدمنا ملامح الوجهة الإسلامية للبحث في النفس الإنسانية ... من المفيد بعد هذا أن نجرد من أنفسنا أنفساً أخرى تقف موقف المعارض للمشروع المنتقد لفكرته والمتتبع لكل العوائق الموجودة والمحتملة بقصد البحث عن حلول علمية ناجعة لها. إن قيام أبحاث ودراسات نفسية ذات توجه إسلامي ليس موقفاً سلبيًّا من علم النفس ولكنه موقف إيجابي يدعم مشروعية هذا العلم في البيئة الإسلامية ويوجهه الوجهة الملائمة لهذه البيئة. إن المنادين بهذا المشروع والعاملين له يتحدثون عن عمل علمي وحضاري ممكن التحقيق رغم الإشكالات المنهجية التي لا زالت موضع تداول ونقاش وقد جاءت الرسالة في ثلاثة أبواب كل واحد منها حاول أن يؤصل لجانب من ثلاثة جوانب لابد أن يشملها التأصيل الإسلامي لعلم النفس وللعلوم الاجتماعية بصفة عامة وهي التأصيل الشرعي والتأصيل العلمي والتأصيل التاريخي. ونعود إلى العوائق التي قلنا إنها تعترض هذا المشروع لنذكر منها: 1ـ إن المشاركة في إنجاز هذا المشروع العلمي يحتاج إلى أمور ثلاثة تقدمت معنا من قبل هي: أـ إلمام واسع بعلم النفس ودراسة متخصصة فيه، مع منهجية في التعامل مع أبحاثه، وقدرة على تكوين الرأي المستقل بعد الاطلاع والقراءة. ب ـ إطلاع وافٍ على الإسلام، وإدراك لخصائصه ومقاصده، ومعرفة الحدود الفاصلة بين ما يُعلَم من طريق الوحي وما يُعلم من طريق العقل. جـ قدرة على الإبداع والابتكار عند التحليل أو المقارنة أو إجراء التجارب، وموضوعية صارمة، وتمسك قوي بالمنهج العلمي في أساسياته المشتركة وخصوصياته داخل كل علم إلى جانب الأخلاق العلمية والأعراف الأكاديمية. وأسلوب التدريس في معظم الجامعات بالبلاد العربية والإسلامية لا ينمي هذه القدرات الثلاث خاصة القدرة على الابتكار والانتظام في سلك العلماء والباحثين فلا زال التلقين هو الأسلوب السائد في مختلف مراحل التعليم ولا زال الطالب يرتبط بالدراسة من خلال محاضرات الأساتذة وامتحانات آخر العام، مما يجعل ظهور باحثين مقتدرين محدوداً وقليلاً. 2ـ ضعف الحوار بين المشتغلين بالتأصيل الإسلامي وجمهور المشتغلين بعلم النفس. ولعل ذلك راجع إلى قلة الفريق الأول من جهة، وضعف أدوات التواصل من جهة ثانية، والمكانة الاجتماعية التي يشعر بها أساتذة علم النفس والأطباء والنفسانيون من جهة ثالثة وهي مكانة حشرتهم في داخل الوجه السائدة حالياً. ومن النقاط التي تحتاج إلى حوار بين الفريقين: أـ ما هي مآخذ المعارضين؟ وما هي تحفظاتهم؟ وإلى أي مدى يمكن القبول بالفكرة والعمل لها؟ ب ـ ما هي التصورات المختلفة للمشروع وكيف يراه كل واحد؟ ج ـ كيف يكون التنسيق بين الباحثين في المشروع؟ د ـ هل يمكن إجراء حوار موضوعي رغم الاختلاف في الموقف من المشروع؟ 3ـ ثقافة المجتمع واختياراته الاقتصادية والسياسية. فالمشاكل التي سيواجهها الباحثون في إطار هذا المشروع هي نفسها المشاكل التي يعاني منها البحث العلمي في بلاد المسلمين، فإزاء التسهيلات، والتقدير الاجتماعي والتمويل، والحرية التي يتمتع بها الباحثون في البلاد المتقدمة، نجد ظروفاً مختلفة تسود الوسط العلمي والأكاديمي في البلاد الإسلامية. البحث العلمي ـ حتى يتقدم ـ يحتاج إلى تخصص ومعامل وبحوث ووسائله هي الأستاذ والطالب وأدوات البحث، وكل ذلك غير متوفر بالشكل المطلوب في أكثر الجامعات العربية والإسلامية. ويبدو أن حل هذا المشكل مرتبط بتغيير اجتماعي شامل، بيد أن هذا يتجاوز. . .

فهارس

فهارس

فهارس كتب الحديث المطبوعة والآلية

فهارس كتب الحديث المطبوعة والآلية ¤ناصر بن محمد السويدان£بدون¥مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية-الرياض¨بدون¢1427هـ€فهارس¶فهارس كتب حديث وعلومها النتائج والتوصيات: هذه النتائج والتوصيات تتعلق بالفهارس المطبوعة. أما ما يتعلق منها بالفهارس الآلية فظهرت في الفصل الخامس مع التقويم العام لها. أولاً: النتائج: 1 - أكدت هذه الدراسة ما قاله الجيل الأول من المهتمين بفهرسة الحديث في هذا العصر من أن فهرسة الحديث لم تستقر قواعدها، وأن مصادر الحديث لم تجد حقها من الفهرسة المكتملة. أي أن الفهارس التي صدرت لا تعد كافية باحتياج الباحثين، ولا تتوافر فيها مناهج دقيقة أو طرق ثابتة. 2 - تبين أن فهارس الحديث التي تعتمد على البحث بواسطة أوائل الأحاديث أو أطرافها لا تعد بمفردها أداة كافية للوصول إلى الأحاديث في مصادرها من كتب الحديث، وذلك لأسباب عدة أهمها: أ- اختلاف ألفاظ الحديث من رواية إلى أخرى. ب- الاختلاف بين المفهرسين في تحديد أوائل الأحاديث أو أطرافها. ج- اشتراط أن يكون الباحث حافظاً للأحاديث التي يبحث عنها في الفهرس. د- التباين بين المفهرسين في طرق الإعداد والترتيب. هـ- تعدد الطبعات للمصدر الواحد، فقد لا يصلح الفهرس إلا لطبعة أو طبعات محددة. ولا تفيد هذه الفهارس في البحث عن الأحاديث حسب موضوعاتها. لذا فإنه لا يمكن الاعتماد كلياً على هذا النوع من الفهارس، بل تظل الحاجة قائمة إلى فهارس موضوعية، سواء منها فارس الألفاظ (كشافات النصوص) أو الفهارس الموضوعية المعتمدة على رؤوس موضوعات مرتبة هجائياً. والخلاصة أن فائدة هذا النوع من فهارس الحديث محدودة بالرغم من كثرتها مقارنة بفهارس الألفاظ والفهارس الموضوعية. 3 - لا يدل انتشار هذا النوع من الفهارس على أنها أفضل الأنواع من حيث حاجة الباحثين لها، ولكن من الواضح أن كثرتها ترجع إلى سهولة إعدادها مقارنة بالفهارس الموضوعية أو كشافات الألفاظ. فهي تعتمد بصورة أساسية على النقل من متن الحديث سواء كان أوله أو جملة مقتطعة من وسطه أو آخره، ثم سرد هذه الأقوال أو الأفعال مرتبة هجائياً. أي أن الفهارس الموضوعية، من جانب آخر، تعد أقل من غيرها؛ لأنها تتطلب جهداً كبيراً لتحديد كل الموضوعات الدقيقة التي وردت في الأحاديث. ومن متطلباتها أيضاً صياغة رؤوس موضوعات أو مصطلحات لجعلها مداخل يستدل بها في البحث مع ترتيبها هجائياً. وتجدر الإشارة إلى أن تسجيل عناوين الكتب والأبواب الفقهية ليست كافية للبحث الموضوعي الدقيق، بل إنها قد لا تعد من الفهارس الموضوعية؛ لأنها قائمة محتويات. 4 - مع أن هذا النوع من الفهارس يختص بأوائل الأحاديث وأطرافها، فإن تعريف وتحديد أول الحديث أو طرفه لم يكثر فيه الاختلاف بين المفهرسين، كما في الأوضاع التالية: أ- يأخذ بعض المفهرسين بالأقوال النبوية الشريفة فقط، حتى لو كانت في وسط الحديث أو آخره. ب- يأخذ مفهرسون آخرون بقول الراوي؛ إلا أن الأمر موضع خلاف وتفاوت إذ يتجاهل بعضهم حروفاً أو ألفاظاً، ومنهم من يثبتها. كما أن بعض المفهرسين لا يلتزم بكلمات الراوي، بل يتصرف في ألفاظه أو يقطع جزءاً من كلامه. ج- كان اختلاف المفهرسين أكثر في أحاديث الأفعال والشمائل والآثار؛ لأنها أكثر صعوبة في التحديد. وقد تأكد في هذه الدراسة أن مصطلح طرف الحديث لا يعني بالضرورة أوله، فقد أصبحت تعني أي جزء من متن الحديث، سواء من أوله أو وسطه أو أخره؛ خاصة مع الاتجاه إلى تجزئة الحديث الواحد أو تقطيعه عندما يتطلب الأمر ذلك، وأصبح كل جزء يسمى طرفاً.

5 - أظهرت الدراسة وجود تباين كبير بين الفهارس في شمول كل الأحاديث في المصدر الواحد، أي مدى حصر أو استيعاب كل الأحاديث الواردة في الكتاب وإبرازها في الفهرس. فالمقارنة التي قام بها الباحث بين الفهارس والطبعات وبين فهرس وآخر للمصدر نفسه أكدت وجود هذا التفاوت والنقص في التغطية. فقد أغفلت بعض الأحاديث ولم تذكر نهائياً في بعض الفهارس، كما اقتصرت فهارس أخرى على ذكر الأحاديث القولية، وأعمال أخرى ذكرت القولية والفعلية لكنها تركت الشمائل وأحاديث أخرى. ومن جانب آخر تتجه بعض الأعمال إلى تكرار الحديث الواحد مرات عدة حسب الأقوال أو الأفعال التي جاءت فيه. ومنها ما يقتصر على ذكر الحديث مرة واحدة ويختار لذلك طرفاً محدداً. ومما يزيد في صعوبة الاستفادة من هذه الأعمال عدم وضوح المنهج المستخدم في الإعداد الذي يبين حدود التغطية في الفهارس. 6 - ظهر اتجاه واضح إلى تقسيم محتويات الفهرس الواحد إلى فهارس عدة، بتخصيص أحدها مثلاً للأحاديث القولية وآخر للأحاديث الفعلية وثالث للآثار. وقد وجد في بعض الأعمال فهارس لمجموعات أخرى من الأحاديث مثل الموقوفات أو المعلقات. وعادة ما يكون لكل فهرس ترتيب خاص به يختلف عن الفهارس الأخرى في العمل الواحد، يرتب بعضها هجائياً وقد يكون لبعضها ترتيب آخر غير الهجائي، مثل الترتيب الموضوعي أو الترتيب حسب المسانيد. وقد تبين في هذه الدراسة عدم ملاءمة التجزيء في الفهرس الواحد لأسباب عدة، منها: صعوبة الاستخدام وإضاعة وقت الباحث وجهده في التنقل بين مجموعة الفهارس في العمل الواحد. 7 - من المعروف أن بعض كتب التراث التي حققت ونشرت بعد انتشار الطباعة العربية، ومنها بعض كتب الحديث، أعدت لها فهارس محلقة بها، إذ قام بعض المحققين بصنع فهارس نشرت في الصفحات الأخيرة أو وضع لها مجلد خاص بها، منها الأعمال التي حققها بعض العلماء مثل محمد فؤاد عبد الباقي وأحمد محمد شاكر؛ إلا أن هذه الدراسة بينت أن الاتجاه الغالب في هذا العصر هو نشر الفهارس منفصلة عن كتب الحديث، وعادة ما يقوم بها أشخاص آخرون غير المحقق أو الناشر. وقد تبين أن فصل الفهرس عن العمل يقلل من جدوى هذا النوع من الفهارس لأسباب عدة أهمها: عدم التطابق بين الفهرس والطبعات المتعددة للكتاب المفهرس. وبالرغم من انتشار الفهارس المنفصلة عن كتب الحديث، فقد وجد في السنوات القليلة الأخيرة اتجاه يغلب عليه الطابع التجاري في إعادة نشر المصادر، مع إعداد كشافات لها. لكن من خلال الفحص والمقارنة لعينات منها وجد أن الأخيرة أقل جودة أو دقة من الأعمال السابقة، خاصة أن بعض هذه الأعمال تظهر دون ذكر أسماء الأشخاص الذين قاموا بإعدادها، وإنما نجد اسم دار النشر أو عبارة مثل: (أعد الفهارس جماعة من الأساتذة)، فهذا قد يوحي بعدم الاطمئنان إلى دقة العمل وتكامله، إذ ربما يكون الدافع تسويق الكتاب بشكل أفضل مع وجود الكشاف. 8 - أظهرت الدراسة أن القائم بإعداد الفهرس يختار عادة طبعة معينة من كتاب الحديث، ولذا فإن جدوى هذا الفهرس أو فائدته تكون محدودة لهذه الطبعة فقط أو الطبعات الأخرى التي تماثلها في عدد الصفحات أو الأجزاء (وخاصة الطبعات المصورة عن الأصل). كما أن الفهرس قد يكون صالحاً لطبعات أخرى تختلف في عدد الصفحات والأجزاء ولكنها متفقة في الترقيم المسلسل للأحاديث، بشرط أن يشير الفهرس إلى رقم الحديث وليس إلى رقم الصفحة. وبالبحث والمقارنة وجدت طبعات لا يلائمها الفهرس أو الفهارس الموضوعة. وتزداد الصعوبة في استخدام هذا النوع من الفهارس عندما يتجاهل المفهرس ذكر الطبعة التي اعتمد عليها، فيضيع وقت الباحث في التحري عن الطبعة التي يلائمها الفهرس.

9 - يعد الترتيب الهجائي من أكبر المشكلات أو الصعوبات التي تواجه فهارس أوائل الحديث وأطرافه، وذلك لاعتمادها بصورة أساسية على الترتيب الهجائي. وقد وجد أن عدم الاتفاق على قواعد الترتيب أدى إلى صعوبات في الاستخدام، خاصة أن كثيراً من القائمين بالإعداد لا يهتمون بشرح طرق الإعداد والترتيب بشكل واضح وظاهر في المقدمة لبيان المنهج المتبع، بل يكتفي أكثرهم بعبارة (رتبته على حروف المعجم). ومن خلال فحص عينات من الفهارس لوحظ الافتقار إلى الدقة في الترتيب مع وجود تباين واختلاف، خاصة في المسائل التالية: - أكثر القائمين بإعداد الفهارس يفصلون الألفاظ المحلاة بأل في آخر كل حرف. ومنهم من لا يحتسبها فتكون الكلمات كلها مرتبة هجائياً دون احتساب الألف واللام في البداية. - بعض المفهرسين يفرقون بين الألفاظ المبدوءة بالهمزات، فيفصل همزة القطع عن همزة الوصل أو يقدم الألف الممدودة على الهمزة. وهناك من لا يعطي لهذه المسألة بالاً فيحصل بهذا تفاوت في ترتيب الأحاديث من فهرس لآخر. - يتجاهل بعضهم البوادئ التي تسبق النسب عند الترتيب حسب المسانيد مثل: أبو، أم، ابن، ... إلخ. فيرتب الاسم حسب الكلمة الثانية مثل (أبو هريرة) تسجل مع حرف الهاء .. بينما يثبتها آخرون فيسجل الاسم في حرف الألف. - لا يلتزم كثير منهم بالترتيب الكلمي، بل يكتفي بعضهم بأخذ الحرف الأول من الكلمة الأولى فقط متجاهلاً دقة الترتيب للحرف الثاني والثالث من الكلمة. - يوجد اختلاف في التعامل مع حرف (لا) فالجيل الأول من المفهرسين يعدها حرفاً مستقلاً ويتبعهم في ذلك آخرون من المحدثين، لكن ظهر في الجيل الجديد من يجعلها مع حرف اللام وهو الاتجاه الحديث في فهارس المكتبات، أي عدم جعلها حرفاً مستقلاً. 10 - تبين أن أكثر القائمين بهذه الأعمال هم من الأفراد، أي أن إسهام الهيئات العلمية والمنظمات الإسلامية محدود جداً. كما دخل في الميدان في السنوات الأخيرة الطابع التجاري، حيث تقوم بعض دور النشر بإعداد فهارس وكشافات تلحقها بكتب الحديث التي تنشرها، ربما بهدف تعزيز التسويق. أما فيما يخص مؤهلات القائمين بالإعداد؛ فإن منهم أساتذة جامعات ومجموعة من المتخصصين في علم الحديث، لكن هناك أيضاً مجمعة لم تذكر مؤهلاتهم وتخصصاتهم ولا يعرف مدى قدرتهم على القيام بهذه المهمة العلمية الدقيقة. ونجدد في الوقت نفسه ضعف إسهام المتخصصين في علم المكتبات والمعلومات في صنع الفهارس، أو بمعنى آخر ضعف التعاون بين المتخصصين في علم الحديث وغيرهم في تخصصات علمية أخرى في القيام بمشروعات علمية مشتركة بهدف رفع مستوى الإعداد في الجوانب العلمية والتنظيمية. 11 - من الواضح عدم وجود اتفاق أو توحيد لطرق العمل المتبعة في إعداد الفهارس، إذ يخضع الأمر لاجتهادات من الأفراد، وبعضهم يقع تحت تأثير التقليد والمحاكاة، فينظر إلى فهارس معينة سابقة ويقتبس بعضها أو كلها ويضيف لها. أي إنه يسلك طرق من جاء قبله حتى وإن كان فيها جوانب ضعف، أي أن التجديد والتطوير محدود. 12 - تعددت التسميات المستخدمة للعناوين، منها: معجم، دليل، فهرس، كشاف ... إلخ. لكن ظهر أن أكثر التسميات استخداماً هو (فهرس) وجمعها (فهارس)؛ إلا أن هذا المصطلح العام لا يعبر بدقة عن كل النشاطات المتعلقة بالتحليل الكامل لمحتويات الكتب، إذ لا تظهر بوضوح الفروق الدقيقة بين المصطلحات. فهذا اللفظ يطلق على ما جاء في الكتاب من فصول وأبواب، كما يطلق على تحليل محتوى كتاب أو أكثر مثل فهارس الألفاظ وفهارس الأطراف. لذا، فإن من الأفضل أن تحدد التسميات بدقة أكثر، بحيث يؤخذ بمصطلح (فهرسة) و (فهرس) عند الإشارة إلى الأعمال دون تحليل محتوياتها. أما عند القيام بتحليل مفصل لمحتوى كتاب أو أكثر، فإن هذا الإجراء يسمى (تكشيفاً) والعمل الناتج هو (الكشاف). 13 - بالرغم من وجود عدد قليل جداً من الفهارس التي صنعت باستخدام الحاسب، فإنه لم يكن هناك منهجية واضحة تجعل ما صنع بالحاسب يمتاز عن غيره بالدقة، كما هو متوقع من هذه التقنية الحديثة. وربما يكون من بين الأسباب عدم وضع قواعد دقيقة للعمل بما في ذلك قواعد الترتيب الهجائي ووضع برامج خاصة تصمم لفهرسة كتب الحديث وتكشيفها.

لغة عربية

لغة عربية

أل الزائدة اللازمة مواضعها وأحكامها

أل الزائدة اللازمة مواضعها وأحكامها ¤عبدالرحمن بن عبدالله الخضيري£بدون¥دار إشبيليا¨الأولى¢1418هـ€لغة عربية¶علوم لغة وآدابها - أعمال منوعة لقد عنيت في هذا العمل بجمع ما تفرق في كتب النحو من مواضع (أل) الزائدة اللازمة، بضم ما انتشر في المصادر من إشارات إلى هذه المواضع في الأبواب المختلفة، مثل: باب العلم، وباب الأسماء الموصولة، وغيرهما، مع الإشارة إلى ما كان لهم من خلاف في أكثر هذه المواضع، مبيناً درجة هذا الخلاف، والناحية التي اختلفوا فيها في كل موضع، مع العناية بالترجيح. كما حرصت على التقاط ما جاء في كلامهم من أحكام (أل) هذه، مما صرحوا به وبينوه، أو اكتفوا بالإشارة إليه، مضيفا إلى ذلك ما أمكنني استنتاجه مما يفهمه كلامهم من ذلك. واجتهدت أن يكون هذا العمل شاملا لك ما يتصل بمواضع (أل) هذه وافيا بأحكامها ما أمكن ذلك، بحيث يستغني الدارس به عن الرجوع إلى المصادر المختلفة والتنقيب في أبوابها ومباحثها المتعددة من أجل موضع، أو حكم، أو خلاف أو نحو ذلك. وأبرز ما وصلت إليه في هذا العمل ما يلي: 1 - بيان أن المراد بزيادة (أل) ينحصر في عدم إفادتها التعريف، لا أنها زائدة مطلقا، دخولها كخروجها، بل إن لها فوائد تشارك فيها المعرفة. 2 - أن المراد بلزومها أنها لا تفارق الاسم ولو لم تفده تعريفا؛ إما لأن العرب لم تستعمله إلا مقرونا بها، وإما لأن حذفها منه يفقده تعريفه ويعود به إلى التنكير. 3 - أن مجموع ما اتفق عليه وما اختلف فيه من المواضع التي حكم على (أل) فيها بأنها زائدة – أربعة مواضع، اثنان منها في الأعلام، هما: ما وجدت فيه (أل) مقارنة لوضعه علما، وما صار علما بالغلبة وهي فيه، واثنان في غير الأعلام، هما كلمة (الآن) من الظروف، وما صدر بـ (أل) من الأسماء الموصولة؛ نحو: (الذي) و (التي). 4 - أن للنحويين خلافا في عد (أل) زائدة في أكثر هذه المواضع؛ إذ لم ينج من هذا الخلاف إلا الموضع الأول من المواضع المذكورة آنفا؛ وهو: ما زيدت (أل) فيه مقارنة لوضعه علما، بل إن بعض الأسماء من هذا النوع نالها شيء من الخلاف. 5 - أن من النحويين من لا يرى أن (أل) التي في العلم بالغلبة، نحو: (النجم) و (الصعق) زائدة، بل هي عندهم معرفة، لأن هذا الفريق يرى أن هذا النوع ليس علما في الحقيقة، بل هو مما أجري مجرى العلم، و (أل) فيه هي المعرفة بعد الغلبة كما كانت معرفة قبلها، فليست بزائدة حينئذ. 6 - أن العلماء اختلفوا في أسماء النجوم مما دخلته (أل) هذه، نحو: (العيوق) و (الدبران) و (السماك) و (الثريا)، وأسماء الأيام، نحو: (الثلاثاء) و (الأربعاء) فجمهورهم يعدها من العلم الغلبة، وبعضهم يرى أنها مما دخلته (أل) مقارنة لوضعه، لكون هذه الأسماء لم تستعمل في غير هذه الأشياء، فلا يمكن جعلها عندهم من العلم بالغلبة. 7 - أن من النحويين من يرى أن نحو: (الحارث) و (العباس) و (الضحاك) من العلم الغلبة، فيفرقون بين نحو: (حارث) بدون (أل) و (الحارث) بـ (أل) ويقولون إن الأول سمي به ابتداءً فهو علم عليه بالوضع، أما الثاني فإنه كان في الأصل صفة للشخص، ثم كثر استعماله حتى غلب عليه، وعلى هذا تكون (أل) في هذا النوع من الأسماء لازمة عند هؤلاء وليست زائدة غير لازمة كما هو المشهور.

8 - أن القول بزيادة (أل) في (الآن) هو قول فريق من العلماء، هم الزجاج والفارسي ومن وافقهما، على خلاف بين هذين العالمين في علة زيادتها، وأن هذا القول قد اشتهر لدى كثير من النحويين كابن مالك وشراح الألفية، ولكنه ليس مجمعا عليه، فإن فريقا آخر من العلماء يرى أن (أل) في (الآن) معرفة لا زائدة، كالمبرد وابن يعيش بل إن أبا حيان جعله مذهب أصحابه ويريد بهم البصريين، وقد ملتُ إلى ترجيح هذا القول وبينت علة ذلك في موضعه. 9 - أن جعل (ال) في (الذي) وأخواتها، زائدة، هو رأي أبي علي الفارسي وهو المشهور بين النحويين وعلة ذلك عندهم أن تعرف الموصول إنما هو بصلته لا بـ (أل) وأن هناك رأيا آخر فيها، تنسبه المصادر إلى أبي الحسن الأخفش، وهو أن (أل) في الأسماء الموصولة هي المعرفة، وما لم تكن فيه مثل: (من) و (ما) فتعريفه بينتها، كما بُني (أمس) لتضمنه معنى (أل) وقد رجحتُ هذا الأخير مع قلة القائلين به، وذلك لقوة حجتهم كما بُيّن في موضعه. 10 - أن الخلاف في تعريف الموصول هل هو بالصلة أو بـ (أل) ينبني عليه خلاف آخر في النوع الذي تدخل تحته الموصولات من أنواع المعرفة؛ لأن متقدمي النحويين لم ينصُوا عليها عند ذكرهم للمعارف، فمن جعل تعريفها بالصلة دخلت عنده تحت المبهمات، ومن جعل تعريفها بـ (أل) لزم أن تكون عنده داخلة تحت المعرف بـ (أل). 11 - أن زيادة (أل) في هذه المواضع كلها ما اتفق عليها منها وما اختلف فيه، مقصورة على السماع، فينبغي الوقوف عندما سمعت زيادتها فيه من ألفاظ ومواضع ولا يجوز القياس عليها، وليس هذا خاصا بـ (أل) الزائدة اللازمة، بل إن غير اللازمة مثلها في ذلك. 12 - أنها مع كونها لم تفد الاسم تعريفا فإن حذفها مما دخلته من الأعلام يفقده تعريفه، ويؤدي إلى تنكيره، لكونها حينئذ صارت في الاسم كجزء منه، بل كحرف من حروفه. 13 - أن القول بلزومها للاسم ليس على إطلاقه، فإن من النوحيين من جعل ذلك هو الغالب الأكثر مع جواز حذفها على قلة، ومنهم من حصر جواز حذفها منه في صورتين هما: النداء، والإضافة، وجعل ما خرج عن ذلك شاذا أو ضرورة، ومنهم من جعل الحذف جائزا قياسا في أسماء النجوم فقط، كما أن منهم من يفرق في تجويز حذفها، فيقصر جواز الحذف على ما كان علما بالغلبة، ويمنعه فيما وجدت فيه (أل) مقارنة للتسمية به. 14 - أن (أل) المعرفة في كثير من أحكامها وفوائدها؛ من المشركون الاسم الذي تدخله أي واحدة منها لا ينون ولا يضاف ما دامت فيه، لكون كل واحدة منها لا تجامع التنوين والإضافة، ومن المشركون كل واحدة منهما لا ينادى الاسم وهي فيه، فلا يدخل عليه حرف النداء إلا بعد حذفها أو الإتيان بـ (أي) وصلة للنداء، ومن المشركون الاسم الذي يستحق الجر لكونه ممنوعا من الصرف، يجر بالكسرة إذا وجدت فيه (أل) معرفة كانت أم زائدة. تم بحمد الله وعونه وفضله.

إنكار المجاز عند ابن تيمية بين الدرس البلاغي واللغوي

إنكار المجاز عند ابن تيمية بين الدرس البلاغي واللغوي ¤إبراهيم بن منصور التركي£بدون¥دار المعراج الدولية - الرياض¨الأولى¢1419هـ€لغة عربية¶مجاز نتيجة قد يكون الكأس الزجاجي مملوءاً بالماء إلى منتصفه، ومع أن هذا المشهد واحد إلا أن محاولات وصفه قد تختلف باختلاف زاوية الرؤية. فقد يقول أحدهم عن الكأس: إن نصفه مملوء، وقد يقول آخر: إن نصفه فارغ. وهذا التعارض الظاهري بين الوصفين إنما نبع بسبب كون الشخص الأول نظر إلى الجزء الممتلئ فحكم بأن نصف الكأس مملوء، في حين نظر الآخر إلى الجزء الفارغ فحكم بأن نصف الكأس فارغ، وعلى هذا فالاختلاف الظاهري بين القولين هو خِلافٌ في زاوية الرؤية، الرؤية إلى أحد جزأي الكأس. ومثل هذا الاختلاف في الرؤية هو الذي دفع ببعض العلماء إلى إثبات المجاز، وببعضهم الآخر إلى إنكاره، أي بعبارةٍ واضحةٍ: يمكن الخلوص إلى أن القول بوجود المجاز، والقول بإنكاره هما فكرتان غير متضادتين، أو على الأقل يمكن أن تتعايشا جنباً إلى جنب وأن لا تتنافرا؛ لأن الفرق بين المنكرين والمجيزين هو فرق في رؤيتهم إلى دلالة اللفظ، فالحكم بأصالة دلالة اللفظ في موضع، وفرعيتها في موضعٍ آخر هو الأساس الذي قام عليه تصور القائلين بالمجاز، أما جعل جميع دلالات اللفظ ومعانيه على درجة المساواة، فكلها أصلية وأن السياق هو الذي يعين أي المعاني أريد باللفظ، هذه هي الرؤية التي حكمت أصول القائلين بإنكار المجاز. وهذه النتيجة توجب أن يحترم أنصار كلِّ رأيٍ رأيَ الفريق الآخر، فلا ينبغي التشنيع على القائلين بالمجاز، أو وصف رأيهم بالفساد والاضطراب، ولا ينبغي أن يكون القول بإنكار المجاز موضع استهجان أو تندر أو سخرية من بعض القائلين بوقوع المجاز، إذ الرأيان ليسا متعارضين، بل لكل منهما مسوغاته وحيثياته. والرأيان -على أية حال- ليسا على درجةٍ واحدةٍ من الشهرة والقبول، فالقول بوقوع المجاز أشهر من القول بإنكاره. بل ولعله أكثر اتساقاً وانضباطاً مع ما يقتضيه العُرف اللغوي، وما تمليه طبيعة الاستخدام الإنساني للغة، إذ يتصور الإنسان ارتباط بعض الألفاظ بمدلولات ملازمة، فإذا خرج اللفظ إلى مدلول آخر غير مدلوله الملازم له في العرف اللغوي –لعلاقة بين المدلولين- فقد وقع المجاز، ولهذا فلم يظهر تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز في التراث العربي فحسب، بل هو ظاهرة تطّرد في جميع اللغات تقريباً، فقد قال به أرسطو في الزمن الأول ولا زال كثيرٌ من الباحثين المعاصرين –عرباً وأجانب- يقررون وقوعه. وفي الأخير، أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا العمل، وأن يجعله في موازين حسنات كاتبه، كما أسأله تعالى حسن الختام، إنه بالإجابة جدير. وصلى الله على محمد.

القرارات النحوية والتصريفية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة جمعا ودراسة وتقويما

القرارات النحوية والتصريفية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة جمعاً ودراسة وتقويماً ¤خالد بن سعود العصيمي£بدون¥دار التدمرية - الرياض¨الأولى¢1423هـ€لغة عربية¶قواعد نحوية - إملاء - إعراب - تصريف الخاتمة بعد هذه الرحلة التي اطلعنا فيها على المجمع، فعرفناه من خلالها، وسبرنا غور قراراته النحوية والتصريفية، واستنبطنا منها منهجه في دراستها، يحق لنا أن نقف على أهم نتائج هذه الرحلة باقتضاب ثم أتبعها بثلاث من التوصيات التي رأيت أنه تفيد الدراسات النحوية في هذا العصر. أما أهم نتائج الدراسة، فهي: 1ـ أن الأصل البارز في قرارات المجمع هو القياس، وعليه اعتمد في قبول ألفاظ وتراكيب وقواعد توقف كثير من المتقدمين في قبولها، وهو في مده للقياس يجعل اللغة العربية تستوعب كثيراً مما جد على ألسنة المتكلمين وأقلام الكاتبين. 2ـ اعتداد المجمع بالقليل من المسموع في إثبات حكم أو في تخفف من شرط أخذاً بقول من يقول: "نتكلم بما تكلموا به، وواحدهم كالجميع، والنفر كالقبيلة، فإذا سمعنا من عربي كلمة اتبعناها"، ولهذا يمكن أن يعد المجمع من المعظمين للمسموع من هذه الجهة. 3ـ حرص المجمع على تيسير النحو العربي في قرارات كثيرة، وحداهم إلى هذا ما يواجهه المترجمون والكاتبون والمتكلمون من صعوبات في جعل ما يكتبونه أو يقولونه مطابقاً للقواعد النحوية، فقبل المجمع ما شاع على ألسنتهم، وما جرت به أقلامهم بإيجاد منفذٍ تنفذ منه إلى اللغة العربية، إلا أنه قد تجاوز في بعض قراراته حد القبول في تيسير بعض المسائل فأجازها من غير دليل معتد به أو علة موجبة. 4ـ أنه لم يُصدر قراراً يجوّز فيه الاحتجاج بكلام المولدين، ومع هذا لقد أقر مسائل استأنس لها بكلام مولد، وأيضاً كثر الداعون من أعضاء المجمع إلى الاحتجاج بكلام بعض المولدين، وعدم قصره على عصر دون عصر. 5ـ أنه لم يحفل بالعلة النحوية كثيراً لا في إقرار مسائل رآها، ولا في اعتراض لأقوال لم يرها. 6ـ أن الذي يعبر عن رأي المجمع في المسألة هو قراره الذي يصدر عن المؤتمر السنوي، أما بحوث الأعضاء ونتائجهم وتوصياتهم ومناقشاتهم فلا يصح أن تعد رأياً للمجمع، أو أن تنسب إليه غير مقيدة. 7ـ أن اختلاف أعضاء المجمع من زمن لآخر أدى إلى اختلاف رأي المجمع في المسألة الواحدة، والمنهج الذي يسلكه في دراستها، ومن ثم يمكن أن يقال إن المجمع قد مر بأطوار مختلفة. 8ـ إن قرارات المجمع في دوراته الأولى كانت أكثر دقة وإحكاماً وتحرٍ للوصول إلى رأي يوافق القواعد النحوية والتصريفية المقررة، ويؤدي إلى الإفادة من عناصر نمو اللغة، ومواكبتها ما جدَّ في الحياة الحديثة، مع شيء من الحيطة والحذر. 9ـ أنه قد ظهرت في السنوات الأخيرة صفة إمرار القرارات بالقبول في مؤتمر المجمع السنوي دون اعتراض، أو تعليق من الأعضاء، أو طلب إيضاح للمسألة. 10ـ أن كثيراً من المسائل النحوية والتصريفية تحتاج إلى إعادة نظر في حكامها المدونة في الكتب على ضوء البحوث والدراسات الحديثة، والكشف عن سبل جديدة للاحتجاج لها. 11ـ أن قرارات المجمع دلت على أن باب الاجتهاد مفتوح في علمي النحو والتصريف، إذ به تسد حاجات الناس في التعبير عن مراداتهم بلغتهم الأصلية دون حاجة إلى الألفاظ أو التراكيب الأعجمية أو ما يشبهها. وبه أيضاً تؤتي البحوث ثمرتها، لتكون علوماً تهيئ المجتمع لاستعمال اللغة العربية الفصحى في جميع شؤونه وتدعوه إليه. وأهم التوصيات ما يأتي:

أولاً: ألا يكون في أعضاء المجمع من ليس لغوياً أو نحوياً معروفاً بهذا العلم، لأن القرارات المعروضة على المجمع قرارات متعلقة باللغة العربية نحوها وصرفها ودلالتها وغير ذلك، والتصويت على رأي لغوي نحوياً كان أم تصريفياً ينبغي ألا يكون إلا ممن شُهد له بالتضلع فيها، ويمكن الإفادة من العلماء المتخصصين في العلوم الأخرى في اللجان الفرعية، كلجنة الرياضيات ولجنة الطب، ولجنة الفيزياء. ثانياً: أن مجمع اللغة العربية بالقاهرة يعد لبنة صالحة لأن يؤسس عليها مجمع يكون حاوياً لمجامع اللغة العربية كلها، ومن ثم لا يكون عندنا سوى مجمع واحد يضم أعضاء من البلاد العربية كلها، ويجتمع تحت مظلة جامعة الدول العربية، تكون مصروفاته منها، وأنظمته تحددها لجان فرعية في الجامعة، وترشيح الأعضاء يكون من المجمع نفسه من غير تدخل رسمي في اختيارهم، وذلك يسد باب الخلاف الحاصل من تعدد المجامع في البلاد العربية، إذ لا يُعقل أن يكون للمصطلح الواحد تعريفات بعدد الدول العربية، ولا يمكن أن يصبح النحو سهلاً إذا كان للمسألة آراء بعدد تلك المجامع. ثالثاً: أن يستفيد طلاب الدراسات العليا من أعمال المجمع التي يقوم بها، فهناك قرارات في المصطلحات كثيرة جداً، وقرارات في دلالات الألفاظ لا تقل عنها كثرة، وقرارات في تيسير تعليم النحو، وقرارات في تيسير الكتابة العربية، وأخرج المجمع المعجم الوسيط قبل قرابة خمسة وأربعين عاماً ولا أعلم أن هناك دراسة تقويمية له، وهذه كلها تستحق الدراسة والتقويم ولا يقوم بها إلا مختصون باللغة العربية.

مجاميع

مجاميع

وحي القلم

وحي القلم ¤مصطفى صادق الرافعي£بدون¥دار القلم – دمشق¨الأولى¢1430هـ€مجاميع¶مقالات خاتمة البحث: الحمد لله الذي منَّ علي بإتمام هذا البحث، والذي عشت معه قرابة خمس سنوات، جامعاً ودارساً لأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم التي وردت في تفسير كتاب الله تعالى وأوهم ظاهرها معنى مشكلاً، وقد خرجت بحمد الله تعالى بجملة من الفوائد والنتائج؛ رأيت أن أجملها في النقاط الآتية: 1 - يُعدُّ موضوع الأحاديث المشكلة الواردة في تفسير القرآن الكريم من الموضوعات المهمة التي لم تحظَ بعناية كبيرة في مجال الدراسات القرآنية؛ إذ لم يتطرق له الأوائل ولا الأواخر بتصنيف مستقل؛ على الرغم من عنايتهم واهتمامهم بمُشكِل القرآن ومُشكِل الحديث عامة، ومن خلال استقرائي لكتب مُشكِل القرآن ومُشكِل الحديث لاحظت أن المؤلفين في هذا المجال كان جل اهتمامهم هو التوفيق بين الآيات أو الأحاديث الموهمة الاختلاف فيما بينها، أو التي يوهِم ظاهرُها معنى مشكلاً، وأما الأحاديث المشكلة في التفسير بأنواعها الثلاثة فلم يتوسعوا في دراستها، بله إفرادها بالتصنيف؛ لذا فإن هذا البحث يُعدُّ نافذة جديدة في مجال الدراسات القرآنية، والذي أسأل الله تعالى بمنِّه وفضله أن ينفع به. 2 - في هذا البحث إضافة جديدة في مجال الدراسات القرآنية المتخصصة في رد الشبهات التي تثار ضد القرآن الكريم والسنة النبوية، ونحن في هذا العصر بأمسِّ الحاجة للدراسات الأكاديمية المتخصصة التي تعتني بالتصدي لكل ما يثار حول ديننا وثقافتنا الإسلامية، خاصة المصدرين الأساسيين، وهما: الكتاب والسنة. 3 - برز عدد من الصحابة في هذا الموضوع، وقد كان لبعضهم عناية كبيرة بأحاديث التفسير المُشكِلة، ومن أشهر هؤلاء: أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها وعن الصحابة أجمعين، وقد كان لها إسهامات مميزة في معالجة النصوص التي يوهم ظاهرها معنى مُشكِلاً، خاصة في مجال أحاديث التفسير. 4 - برز عدد من علماء التفسير والحديث في هذا الموضوع، وظهرت عنايتهم الكبيرة بدفع كل ما يوهم التعارض بين الكتاب والسنة، ومن أشهر من برز من المفسرين: الإمام الألوسي، وأبو عبد الله القرطبي صاحب التفسير، والحافظ ابن كثير، والقاضي ابن عطية، ومن المحدثين: الحافظ ابن حجر، والقاضي عياض، والإمام النووي. 5 - تميز هذا البحث بجدته وأصالته؛ حيث تناول غالب الأحاديث المشكلة في التفسير، وعمل على عرضها بطريقة علمية مؤصلة، وذلك بتحرير الإشكال فيها، وعرض مسالك ومذاهب العلماء في دفع الإشكال عنها، مع مناقشة تلك المذاهب بذكر الإيرادات والاعتراضات عليها، ومن ثم الترجيح وبيان الرأي الأقوى في دفع الإشكال، مع ذكر الحجة التي تسانده وتعضده. 6 - تميز هذا البحث ببعض الإضافات العلمية التي لا تكاد توجد محررة في موطن آخر، ومن هذه الإضافات: دفع الإشكال الوارد على حديث: (ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل)، وقد أشار الشنقيطي رحمه الله إلى أنه لم يقف على تحرير شاف للإشكال الوارد في الحديث؛ بحيث يمكن الرجوع إليه، ولعل في دراستي لهذا الحديث تحريراً وحلاً للإشكال الوارد فيه، والله المستعان. 7 - في أثناء دراستي لتعريف المشكل لم أقف على تعريف جامع مانع له؛ بحيث يمكن الرجوع إليه واعتماده في هذا الباب، وقد عملت – في محاولة متواضعة مني – على إيجاد تعريف جامع له، يشمل معناه في اصطلاح المفسرين والمحدِّثين والأصوليين.

8 - من خلال استقرائي لكتب مُشكِل القرآن ومُشكِل الحديث، ظهر لي أن الآيات أو الأحاديث التي يوهم ظاهرها معارضة أصل لغوي أو حقيقة علمية ثابتة أو حسن أو معقول لم تلقَ عناية كبيرة من العلماء، ولم يُفردْ من قبل بالتصنيف؛ لذا فإن هذا الموضوع يُعدُّ من الموضوعات الجديرة بالدراسة والتحقيق، وهو مكمل لما أُلِّف قديماً وحديثاً حول مشكل القرآن والحديث. 9 - في أثناء الدراسة، تبين لي أن من الأسباب التي توهم الإشكال في الأحاديث هو وقوع الخطأ من الرواة في نقل لفظ الحديث؛ فتجد أحدهم ينقل الحديث بغير لفظه الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيوهم معنى مشكلاً، أو يروي حديثاً مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث من الغرابة والإشكال ما يستحيل معه أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وعند التحقيق يتبين خطأ رفعه، وأن أصل الحديث يعود لرواية إسرائيلية، أو غير ذلك. 10 - معرفة سبب النزول وسبب ورود الحديث مهمَّان للغاية في دفع التعارض بين النصوص الشرعية؛ إذ معرفة السبب يعين على فهم الآية والحديث ومعرفة المراد منهما، وبالتالي يسهل التوفيق بينهما عند التعارض. 11 - أن إنكار المجاز – والقول بوجوب حمل النصوص الشرعية على الحقيقة في كل الأحوال، وإن كان هناك قرينة على إرادة المجاز – رأي ينبغي إعادة النظر فيه؛ إذ القول بهذا الرأي ينشأ عنه تناقض بين النصوص الشرعية لا يمكن التخلص منه إلا بتكلُّف، والواجب هو التعامل مع النصوص الشرعية حسب الأساليب المتعارف عليها عند العرب، حيث كان القرآن ينزل بلغتهم ويخاطبهم وفق الأساليب التي تعارفوا عليها. 12 - قد يتجاذب النصَّين دلالتان، وفي كل من الدلالتين ما يوهم معارضة الدلالة الأخرى؛ فيظن الناظر أنه ثمة تعارض بين النصوص الشرعية، لكن عند التحقيق يتبين ضعف إحدى الدلالتين؛ مما يؤكد أهمية معرفة دلالات النصوص الشرعية، وأهمية التفريق بينها. 13 - اشتهرت عند عامة المفسرين والفقهاء قاعدة: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، وهذه القاعدة في نظري ينبغي تقييدها فيقال بالعموم إلى أن يأتي دليل على التخصيص؛ وقد قرر ذلك بعض الأئمة بأنه لا مانع من قصر اللفظ العام على سببه لدليل يوجب ذلك. 14 - أن النص الشرعي قد يرد على سبب خاص، وقد يرد ابتداء من غير سبب، فإذا تعارضا في العموم؛ فإن عموم النص الوارد - ابتداءً من غير سبب - أقوى وأولى بالتقديم من عموم النص الوارد على سبب خاص. 15 - أن قصر بعض أفراد العام على سببه أولى من قصر جميع أفراده على سبب النزول؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. 16 - أن دعوى الإجماع لابد وأن يكون لها مستند من كتاب أو سنة، وأن لا تخالف شيئاً من النصوص، وغالباً ما يُحكى الإجماع ولا تجد له أصلاً، أو يكون أصله مختَلفاً في حجيته، وتحقق ثبوت الإجماع عزيز وقلَّ أن يثبت. 17 - أن الإمام مسلم قد يروي حديثاً في صحيحه، فيظن الناظر لأول وهلة أن الحديث صحيح؛ لكنه عند التحقيق يتبين أن الإمام مسلم رواه بالمتابعات لا في الأصول، وما رواه بالمتابعات ليس هو في درجة ما رواه في الأصول من حيث القوة؛ كما نص على ذلك الأئمة، وعليه فينبغي التفريق في العزو بين ما رواه في الأصول وما رواه بالمتابعات، ليتميز الحديث قوة وضعفاً.

18 - يُعدُّ موضوع فقه الخلاف ومنهج التعامل مع المخالف من الموضوعات التي لم تحظَ بعناية كبيرة من قِبَل العلماء من حيث الدراسة والتقعيد والتنظير، وهو جدير بالدراسة والتأصيل، وفي أثناء دراستي لبعض نقاشات الصحابة وتعقُّب بعضهم البعض رأيت دقة فهمهم، وسلامة صدورهم، واحترامهم للرأي الآخر .. فهذه عائشة رضي الله عنها حينما ذُكر عندها أن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الميت يعذَّب في قبره ببكاء أهله) قالت: وَهَلَ؛ إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليُعذب بخطيئته وذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن)، قالت: وذاك مثل قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب - وفيه قتلى بدر من المشركين - فقال لهم ما قال: (إنهم ليسمعون ما أقول)، إنما قال: (إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق)، ثم قرأتْ: {إنك لا تسمع الموتى} [النمل: 80] و: {وما أنت بمسمع من في القبور} [فاطر: 22]. فهذه عائشة قد أنكرت على ابن عمر قوله على علم ومسمع من الصحابة، ومع علمهم وسماعهم لحديث ابن عمر، ولم نجد أحداً منهم شنَّع على عائشة أو رماها بسوء، مما يؤكد تحلِّي الصحابة رضوان الله عليهم بالأدب الجم في التعامل مع المخالف، وسلامة صدورهم، واحترام بعضهم البعض، وإن مما بُليت به الأمة في هذه الأزمنة ضيق العَطَن وعدم قبول رأي الآخر، والتشنيع على المخالف وإن كان له مستند من دليل شرعي؛ مما أوغر الصدور، وزاد في الفرقة .. والله المستعان. 19 - من خلال الدراسة، لم أقف بحمد الله على نصين متعارضين استحال الجمع بينهما، أو نص مُشكِل استحال حل إشكاله، وهذا مما يؤكد قطعية النصوص الشرعية، وأنها حق من عند الله تعالى، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وإن رام الأعداء هدم هذا الدين، والنيل منه، إلا أن الله متم نوره ولو كره الكافرون. 20 - أن معرفة مقاصد الشريعة يُعدُّ من الأهمية بمكان؛ بل هو الفقه الحقيقي، وأما النظر المجرد في النصوص الشرعية دون إلمام بمقاصدها ففيه قصور يوقع الفقيه في حيرة وتناقضات، وربما قاده فهمه الخاطئ إلى انحراف في السلوك أو الاعتقاد. 21 - من خلال الدراسة، تبيّنت أهمية معرفة الأدوات والأساليب اللغوية التي كان العرب يتخاطبون بها، وقد نزل القرآن بلغتهم، وخاطبهم بالأساليب التي تعارفوا عليها، فيجب على الناظر في تفسير آيات القرآن الكريم أن يكون ملمّاً بهذه الأساليب حتى لا يعتقد معنى غير مراد في النص؛ فينشأ عنده إشكال بسبب فهمه لا بسبب النص. 22 - دخول الإسرائيليات في علم التفسير أثَّر سلباً على هذا العلم، فكان من نتائجه وقوع الغلط من بعض الرواة والمفسرين، حيث أدخلوا بعض الروايات الإسرائيلية في التفسير ظناً منهم أنها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون في بعض هذه الروايات من الغرابة والإشكال ما يستحيل معه أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مما يؤكد أهمية دراسة المَرويِّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير دراسة علمية تختص بنقد المتون أكثر منها في نقد الأسانيد؛ إذ الثاني قد أخذ حظه من الدراسة والتحقيق بخلاف الأول. 23 - يُعدُّ جمع روايات الحديث وألفاظه من أهم العوامل المساعدة في الكشف عن علل الحديث، وفي أثناء دراستي لعلل بعض أحاديث التفسير المشكلة تبين لي أن هذا اللون من التحقيق لم يلقَ عناية كبيرة من العلماء رحمهم الله تعالى، وقد تميَّز هذا البحث بالاستطراد في شرح علل الحديث وبيان مخارجه، ومن ثم معرفة الخلل ومنشأ الإشكال، والذي غالباً ما يكون بسبب وَهَم من أحد الرواة. 24 - بلغ مجموع الأحاديث المشكلة الواردة في تفسير القرآن الكريم – التي تمت دراستها – ستة وسبعين حديثاً، وهذه الأحاديث وقفتُ عليها - بعد طول استقراء - في كتب التفسير والحديث وغيرها، وقد اقتصرتُ على دراسة ما روي في الكتب التسعة فقط. 25 - بلغ مجموع أحاديث التفسير المشكلة الواردة في الصحيحين – التي تمت دراستها – سبعة وأربعين حديثاً. 26 - وبلغ مجموع أحاديث التفسير التي كان منشأ الإشكال فيها وَهَم من بعض الرواة أحد عشر حديثاً؛ عشرة منها جاءت في الصحيحين. 27 - وبلغ مجموع الأحاديث المشكلة – التي ثبت بعد الدراسة والتحقيق أنها ضعيفة – خمسة عشر حديثاً.

مخطوطات

مخطوطات

أنماط التوثيق بين المخطوط العربي في القرن التاسع الهجري

أنماط التوثيق بين المخطوط العربي في القرن التاسع الهجري ¤عابد سليمان المشوخي£بدون¥مكتبة الملك فهد الوطنية - الرياض¨بدون¢1414هـ€مخطوطات¶دراسات توثيقية ومنهجية أولاً نتائج الدراسة: الآن وقد مَنَّ الله بإتمام هذه الدراسة في أنماط التوثيق في المخطوط العربي في القرن التاسع الهجري يمكن تلخيص النتائج التي توصل إليها المؤلف فيما يلي: 1ـ أن القرن التاسع الهجري تميز عن غيره من القرون بضخامة المؤلفات والموسوعات العلمية مثل: كتاب صبح الأعشى في صناعة الإنشا، وخطط المقريزي، وتهذيب التهذيب، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ولسان الميزان، والإصابة في تمييز الصحابة، وفتح الباري في شرح صحيح البخاري. 2ـ أن الدقة والتثبت والتوثيق عن طريق المقابلات والتصحيحات وأنماط التوثيق الأخرى، لم تكن وليدة قرن واحد من الزمان، بل أخذت قروناً وكلّفت جهوداً حتى استقرت على ما نعرفه الآن، فإن ما وضعه علماء الحديث من ضوابط منذ القرن الأول للهجرة انتقل إلى غيره من العلو م الإسلامية، وكان نابعاً من التجربة الرائدة التي قام بها علماء الحديث. 3ـ أن النساخ ومعهم طلاب العلم كانوا يحرصون على مقابلة مخطوطاتهم التي نسخوها على شيوخهم، وتصحيحها على نسخ موثقة، فمنهم من قابل نسخته على نسخة المؤلف ومنهم من قابلها على مخطوطتين، أو ثلاث، أو أكثر، بل إن بعضهم قابل نسخته على مخطوط سبق أن قوبل على نحو عشر نسخ أخرى. 4ـ أنهم استخدموا في التصحيح الضرب على الخطأ أو الكلمة أو العبارة المكررة، وهو ما يعرف الآن بالشطب، وكانوا يكرهون الحك والبشر أو الكشط في التصحيح، لذلك كرهوا إحضار السكين أو أية آلة حادة عند التصحيح. وكانوا يضيفون الكلمات أو العبارات الساقطة نتيجة السهو في مواضعها إذا تمكنوا من ذلك، وإلا أثبتوها في الحاشية مع وضع رمز معين لربط الملحق بموقعة داخل النص. 5ـ أن السماعات والقرارات والإجازات التي ترد في المخطوطات العربية كمظهر من مظاهر التوفيق تعد تاريخية بما حوته من أسماء أعلام لا نجد لهم ذكراً في كتب التراجم والطبقات. مما يوجب علينا أن نلم شعثها صوناً لها من الضياع. 6ـ أن بيانات التوثيق التي ترد في المخطوطات العربية تعد دليلاً واضحاً على حجم النشاط العلمي كما أنها تبين مراكز هذا النشاط وعناية هذه الأمة بمصادرها، حيث توضح لنا مدى الدقة في نقلها، ومدى الصحة والضبط في نسخها. 7ـ أن هذه البيانات التوثيقية يمكن أن يستفاد بها في التعرف على طبقات الرواة والصلة فيما بينهم وفي تحديد أعمار بعض المثبتين فيها، وفي التعرف على انتقال المصنفات من بلد إلى آخر، وغير ذلك من الملامح العلمية والاجتماعية. 8ـ أن تلك البيانات التوثيقية تعين الباحثين والمفهرسين والمحققين على تحديد أعمار بعض المخطوطات، أو تقريب تاريخ نسخها في حال خلو المخطوطات من تاريخ النسخ. 9ـ أن بيانات التوثيق يرد فيها أسماء كثير من المخطوطات التي لا نجد لها ذكراً في المصادر الأخرى المعنية بحصر الكتب والمؤلفين. 10ـ أن النساخ والوراقين وطلاب العلم كانوا يحرصون على حفظ تسلسل النص عن طريق التعقيبات وترقيم الأوراق حتى لا تختلط ببعضها البعض، وبالرغم من أنه لا يوجد تاريخ محدد لبداية التعقيبات والترقيم في المخطوطات العربية، إلا أن مخطوطات القرن التاسع الهجري لا تكاد تخلو من هاتين الظاهرتين. 11ـ أن النساخ قد استخدموا الدوائر في الفصل بين عبارات النص، وبين الأحاديث النبوية، وفي نهاية كل فقرة، وإلى جانب الدائرة استخدموا الفصلة والفارزة أيضاً في مخطوطات القرن التاسع الهجري.

12ـ أن بعض المخطوطات العربية نسبت لغير مؤلفيها, وبعضها طمس أسماء مؤلفيها أو مالكيها، أو تاريخ نسخها، أو أسماء واقفيها، ومكان الوقف حتى لا يمكن التعرف عليه. وربما كان الحسد والحقد والضغينة والتعصب أو حب الشهرة والظهور أحياناً أو الدافع التجاري وراء اختلال التوثيق في المخطوط العربي. وقد يحدث الاختلال نتيجة السهو أو الخطأ أو جهل بعض النساخ والوراقين. وإلى جانب هذه العوامل البشرية كانت هناك عوامل طبيعية أسهمت في إتلاف المخطوطات كالرطوبة والأرضة والحرارة والغبار، وكلها تؤدي إلى تقصف أوراق المخطوطات، وتحجرها وضياع أجزاء كبيرة من نصوصها، وبالتالي تقل الإفادة منها. من أجل ذلك ينبغي على المحققين والمفهرسين وغيرهم ممن لهم اهتمام بالمخطوطات العربية أن يستوثقوا من صحة نسبة المخطوطات إلى مؤلفيها ومن سلامة نصوصها. ثانياً – التوصيات: بناءً على النتائج التي أسفرت عنها الدراسةُ يقترح المؤلف ما يلي: 1ـ العناية ببيانات التوثيق كالسماعات والقراءات والإجازات وجمعها ودراستها للإفادة منها. 2ـ حفظ وصيانة وترميم المخطوطات العربية لتلافي النتائج السلبية التي تؤدي إلى الإخلال بالتوثيق مثل: الرطوبة والحرارة وغيرها من العوامل الطبيعية والبشرية التي تؤدي إلى إتلاف المخطوطات. 3ـ العناية بفهرسة المخطوطات العربية فهرسةً علميةً دقيقةً ومفصلةً حتى لا تنسب الكتب إلى غير مؤلفيها وحتى لا تختلط بعض أوراق أو كراسات الكتب ببعضها البعض. وألا تقف عملية الفهرسة عند تلك الحدود الضيقة مثل: عنوان المخطوط واسم مؤلفة وعدد الأوراق والأسطر وتاريخ النسخ، بل يجب ذكر أنماط التوثيق التي ترد في المخطوط وإبرازها في حقول مستقلة. 4ـ توجيه القائمين على الفهرسة بأن يفحصوا أوراق المخطوط ورقةً ورقة، فقد لوحظ أن بعض المجلدين قديماً وحديثاً يجمعون أوراق المخطوط للتجليد دون أن يهتموا بتتابع الأوراق وتوالي نسق الكلام. 5ـ الحرص على استخراج نسخ بديلة للتعامل العادي كالمصورات بأنواعها حتى لا يتعرض المخطوط الأصلي أو علامات توثيقه للتلف، وألا يسمح باستعمال الأصل إلا في حدود معينة ولاستخدام بعض الباحثين ممن تقتضي أبحاثهم استعمال الأصل. 6ـ دراسة أنماط التوثيق في القرون الثمانية الأولى للهجرة لإظهار الروابط بينها واستخلاص نتائج شاملة. 7ـ توجيه معهد المخطوطات بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إلى عقد دورات خاصة لدراسة أنماط التوثيق في المخطوط العربي. 8ـ الاهتمام بتدريس مادة المخطوط العربي في المرحلة الجامعية والتركيز على منهج العلماء المسلمين في توثيق المخطوطات. وبعد: فقد بذلتُ في هذا الكتاب من الجهد ما وسعني وأنفقتُ فيه من الوقت ما وصلتُ فيه الليل بالنهار بحثاً وتنقيباً، ووصفاً وتحليلاً، ونظراً واستدلالاً، حتى استوى على ساقه، وأحسبُ أنه قد أثمر، فما كان فيه من ثمر يانع حلو مفيد فإنه عطاءٌ من الله وتوفيق منه سبحانه، وما كان فيه من ثمر فج مرّ لا فائدة فيه فمن نفسي، وحسبي أني اجتهدتُ ونويتُ الخير، ولعلَّ هذه الدراسة تكون فاتحة باب لأبحاث أخرى تكمل المسير في هذا الطريق، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. والحمد والشكر لله رب العالمين

متفرقات

متفرقات

ظاهرة الصراع في الفكر الغربي بين الفردية والجماعية

ظاهرة الصراع في الفكر الغربي بين الفردية والجماعية ¤أبو زيد بن محمد مكي£بدون¥مركز التأصيل للدراسات والبحوث- جده¨الأولى¢1429هـ€متفرقات¶فكر إسلامي - دراسات شاملة ومنوعة الخاتمة: وفيها أبرز النتائج: 1 - من أبرز الصفات في الإنسان التي تبدو في الظاهر متضادة متناقضة: إحساس الإنسان بفرديته، وإحساسه بالميل إلى الاجتماع بالآخرين. 2 - انقسمت المذاهب الفلسفية تجاه الفردية والجماعية إلى ثلاثة أقسام، وكلها ترى أن العلاقة بينهما علاقة صراع وتضاد. 3 - يقوم المذهب الفردي على تقديس الفرد، ويقوم المذهب الجماعي على تقديس المجتمع، ويحاول المذهب التلفيقي الجمع بينهما من ناحية المنفعة، فازداد التناقض والصراع عنده من ناحية التربية، فهو يربيه ليكون فرداً، وفي الوقت ذاته يفرض عليه آراء وقيود أرباب العمل دون قناعة منه بذلك، ويربيه على تقبلها دون تفكير. 4 - يتبنى المذهب الفردي: الرأسمالية، وعلماء النفس الفردي، والوجوديون، وأصحاب المدرسة التحليلية من أتباع فرويد. ويتبنى المذهب الجماعي: الشيوعية، ويعتبر هيجل وماركس ودوركايم من أبرز من دعا إليه. 5 - تنطلق الرؤية الإسلامية لحقيقة الفردية والجماعية من القرآن والسنة، ولذلك ترى أهمية الفردية وأهمية الجماعية، فتربيها جميعاً في الإنسان بتوازن وشمول وتكامل، فينتج عن ذلك الوفاء في داخل الإنسان، وبين الفرد ومجتمعه، ولا يطغى أحدهما على الآخر.

معاجم وموسوعات

معاجم وموسوعات

المعجم الصوفي

المعجم الصوفي ¤محمود عبدالرازق£بدون¥دار ماجد عسيري - جدة¨الأولى¢1425هـ€معاجم وموسوعات¶تصوف - صوفية نتائج البحث وأهم التوصيات أولا: نتائج البحث. من خلال ما ورد في هذه الرسالة بجانبيها النظري والمعجمي يمكن أن نصل إلى بعض النتائج الآتية: 1 - تبين لنا من خلال الدراسة الإحصائية التطبيقية للمصطلحات الصوفية أن الجانب الأصيل من حيث النسبة إلى القرآن والسنة أكبر بكثير من الجوانب الأخرى التي لحقت بالتصوف ولا أصل لها، فقد بلغ مجموع الاصطلاحات الصوفية ذات الأصول القرآنية والنبوية في هذه الرسالة مائة وأربعة وعشرين مصطلحا، من مصطلح الأبد إلى مصطلح اليقين، لها جميعها أصول قرآنية أو نبوية تؤيد المعنى الصوفي في مرحلته الأولى وجانبا من الثانية، كما بلغ عدد هذه المصطلحات مع مداخلها الفرعية والعامة ثلاثمائة وتسعة وثلاثين مصطلحا، في حين بلغ مجموع الاصطلاحات الصوفية ذات الألفاظ القرآنية والنبوية في هذه الرسالة من مصطلح الإحرام إلى مصطلح يوم الجمعة تسعة وتسعين مصطلحا، لهم أصول قرآنية أو نبوية من جهة اللفظ دون المعنى، كما بلغ عدد هذه المصطلحات مع مداخلها الفرعية والعامة مائة وثلاثة وستين مصطلحا، وهذا يعني أن جملة الاصطلاحات الصوفية التي وردت في هذه الرسالة وعلى منهج الإحصاء المتبع في المعاجم الأخرى، بالإضافة إلى مصطلح التصوف ذاته أربع مصطلحات وخمسمائة 2 - بلغ عدد الشواهد القرآنية في القسم المعجمي ما يقارب ثلاثة آلاف شاهد قرآني، كما بلغ عدد الشواهد الحديثية أكثر من ألفي حديث نبوي محكوم على درجتهم من حيث الصحة أو الضعف على منهج أهل الحديث، وهذا العدد يعتبر الأكبر عند المقارنة بالمعاجم القديمة والحديثة التي ظهرت حتى الآن. 3 - من النتائج الهامة أن السراج الطوسي يعتبر أول من نسب التصوف إلى الصوف، وعلل ذلك بأنه دأب الأنبياء والصديقين، وشعار المساكين المتنسكين، وقد تبين من البحث في الأصول النبوية أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يرغب في لبس الصوف، ولا يفضله، وأنه كان يلبسه عند الضرورة، وكان أحب الثياب إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ القطن، ولما أصل السراج الطوسي هذه النسبة وأظهر رأيه فيها بجرأة، تتابع المؤلفون من معاصريه ولاحقيه يوافقون رأيه أو يخالفون، يدققون ويبحثون عن اللوازم المترتبة على رد التصوف إلى الصوف، إما بإظهار نسبة أخرى تتآزر مع السابقة أو تنفرد دونها، فالقول بأن نسبة التصوف إلى الصوف فقط تركيز على المظهر دون الجوهر، والظاهر دون الباطن، ودعوتهم في حقيقتها تنصب على الباطن، وتدعو إلى النظر في أعماق الأمور وبلوغ الحقيقة، ومن ثم حاول الكلاباذي أن يستقصي كل الوجوه الممكنة، ثم تابعه الهجويري والقشيري، ثم الغزالي والسهروردي، وغيرهم من مؤرخي التصوف، فكانت أبرز الوجوه التي يرد إليها التصوف غير الصوف: القول بأنه من الصفاء أو الصفة أو الصف الأول، وهي مبررات لا تشهد لها سلامة الاشتقاقات اللغوية، وفضلا عن هذا فإن فيها نظرا، فالصفاء ليس وصفا للصوفية وحدهم، والصفة كانت منزلا مؤقتا وضروريا للفقراء من المهاجرين حتى يتأهلوا لحياتهم الخاصة. أما نسبة التصوف إلى الصف الأول فيكفي في ردها قول السراج الطوسي في وصف آداب الصوفية: (ومن آدابهم أيضا أنهم يكرهون الإمامة والصلاة في الصف الأول بمكة وغيرها.) وعلى ذلك فالرأي المعتبر هو ما ذكره القشيري (ت: 465هـ) حيث يقول: (ثم هذه التسمية غلبت على هذه الطائفة، فيقال: رجل صوفي، وللجماعة صوفية، ومن يتوصل إلى ذلك يقال له: متصوف، وللجماعة متصوفة.)

ثم علل ذلك بأنه لا يشهد للتسمية من حيث العربية قياس ولا اشتقاق، فالأظهر أنه كاللقب، فالذين قالوا: إنه من الصوف ولبسه، فذلك وجه، ولكنهم لا يختصون بلبس الصوف، والذين قالوا: يرد إلى الصفة التي في مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فالنسبة إلى الصفة لا تجيء على نحو الصوفي، ومن قال: إنه من الصف الأول، بعيد أيضا في مقتضى اللغة. 4 - دلت دراسة الأصول القرآنية للمصطلحات الصوفية على أن التصوف من حيث مبدأ الزهد أصيل المنشأ في البيئة الإسلامية، فلا مؤثرات أجنبية ملحوظة حتى منتصف القرن الثالث الهجري على الأقل، ومن الطبيعي أن الأمر طالما أنه اجتهاد لخدمة الدين وتطبيقه من الجانب العملي، وتجسيد لمذاقات العبودية في صورة نظرية، فمن المعقول أن يختلف الأمر من شخص إلى آخر، ومن مذاق إلى آخر، ومن ثم فسوف يؤخذ منه ويرد، وسوف يخضع لعوامل التطور واحتمال الخطأ والصواب، والنقد والمخالفة. 5 - إن التوحيد الصوفي عند أغلب أوائل الصوفية لا يجافي التوحيد السني، بل يتآزران في التعبير عن عقيدة الكتاب والسنة، فالتوحيد الصوفي لأوائل الصوفية شدد على ضرورة التخلص من خفايا الشرك والرياء والكبر وعبودية الدرهم والدينار، والنفس والشيطان. وجميع المصطلحات ذات الأصول القرآنية تشهد لذلك، ولم يثبت من خلالها جواز الأفعال التي تنسب إلى التصوف في هذا العصر، من عكوف على قبور الصالحين، ودعاء الأموات، وإقامة الموالد لهم، والاستعانة بهم، والتوكل عليهم، والنذر لهم أو شد الرحال إليهم، بل مصطلحاتهم في توحيد العبادة تدل على السمو في تحقيق الإيمان وتجسيده. 6 - إن بعض السلبيات الصوفية التي وجدت عند الأوائل وأثرت على الزيادة في زاوية الانحراف عبر القرون تتمثل في الغلو في الطاعة، والالتزام بما ليس بلازم من الأحكام، فكثير منهم نزل المندوب منزلة الوجوب، وشق على نفسه في كثير من النواحي التي جعل الشرع فيها مندوحة واسعة، فأصبحت هذه الالتزامات سنة عند المتأخرين لا يسعهم الخروج عنها، وكل طريقة شددت على المريدين في الالتزام بمنهجها الخاص، وإن لم ينسجم مع السنة في كثير من النواحي، مما فتح الباب للاجتهاد في التصور الخاطئ لعلاقة الحب بين العبد وربه، فظهرت آراء شاذة ألصقها الناس في أذهانهم بعامة الصوفية دون بعضهم، فآراء الحلاج، وشطحات أبي يزيد البسطامي والشبلي والنوري وغيرهم، جعلت الناس يرفعونها على حساب التصوف من ناحية، وإهمال الموقف الإيجابي للمشايخ في التبرؤ منها وتقبيحها من ناحية أخرى، ومما زاد في إلصاق هذه الأفكار بهم أنها وجدت فلسفة أخرى عند ابن عربي وابن الفارض وغيرهما، ساعدت على إظهار المزيد من التجاوزات، فأثمرت هذه الآراء علقما وحنظلا، تتجرع الأمة الإسلامية مرارته. 7 - الاستغلال السيئ لبعض المصطلحات الصوفية من قبل المرتسمين بالتصوف أو المعادين له أو للإسلام بصفة عامة، فمن خلال عرض أوائل الصوفية لأقوال المخطئين في فهم هذه المصطلحات، أو النظرة العامة للتطور الدلالي لكل مصطلح صوفي عبر مراحل التصوف المختلفة، يستطيع الباحث أن يرى مدى الجهد المبذول لكشف المقصود في استعمال المصطلح المعين من ناحية، وفهم الأثر السيئ لهذه المصطلحات والجهد المطلوب لرده من ناحية أخرى.

نحو موسوعة شرعية في علم الرقى - تأصيل وتقعيد

نحو موسوعة شرعية في علم الرقى - تأصيل وتقعيد ¤أسامة بن ياسين المعاني£محمد بن إبراهيم البريكان¥دار المعالي - عمان¨الأولى¢1420هـ€معاجم وموسوعات¶رقية شرعية الخاتمة فإني أحمد الله تعالى الذي من علي بإتمام هذا البحث، وهذه باكورة عمل ومحاولة جهد مقل، حقيقة لا تواضعا، وحسبه التنبيه على القواعد والأسس المتعلقة بالرقية وأهمية العلاج القرآني، وإني إذ أضعه بين أيديكم فإني أرجو أن يحظى بالقبول من الحق جل وعلا، وما قصدت من خلال ثنايا هذا البحث تجريحا أو طعنا لأحد بذاته وإنما ما اقتضته المصلحة الشرعية، وما أنتهجه السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، كما أرجو العذر عن التقصير، فما أصبت فمن الله سبحانه وتعالى وحده وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان، وأملي أن لا تتوانوا عن تقديم النصح والإرشاد فيما رأيتموه من تقصير أو زلات أو هفوات، وعلى الناصح الأمين أن يتقي الله تعالى في نصحه، وأن يعي الكلام على ما هو عليه وبمراد صاحبه قدر الطاقة، وأن يلتزم بأدب الإسلام في الخلاف، وأن يحتكم إلى الأصول والقواعد المقررة، لا إلى الأقوال المجردة عند الخلاف وليلتمس الأعذار، لأننا بشر نخطئ ونصيب، وقد قال الإمام مالك - رحمه الله -: (كل إنسان يؤخذ من كلامه ويترك إلا صاحب هذه السارية). ولا بد أن يتحلى القارئ بأدب المناظرة والمجادلة، وقد قال إمام الحرمين: (أول شيء فيه مما على الناظر: أن يقصد التقرب إلى الله سبحانه، وطلب مرضاته في امتثال أمره - سبحانه - فيما أمر به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعاء إلى الحق عن الباطل، وعما يخبر فيه، ويبالغ قدر طاقته في البيان والكشف عن تحقيق الحق، وتمحيق الباطل، ويتقي الله أن يقصد بنظره المباهاة، وطلب الجاه، والتكسب، والمماراة، والمحك، والرياء، ويحذر أليم عقاب الله - سبحانه -، ولا يكن قصده الظفر بالخصم والسرور بالغلبة والقهر). وأملي أن يقرأ الكتاب بتفحص وتأمل وتمعن وتدبر، ورد كل ما خالف الكتاب والسنة والأثر، والناس حال القراءة أصناف ثلاثة. قال الأخ يوسف بن محمد العتيق صاحب كتاب اتحاف الإخوة والأحباب: (والناس في حال القراءة أصناف ثلاثة: 1) فمنهم من يقرأ أي كتاب على أنه قرآن أو أحد الصحيحين فلا تثبت ولا مراجعة لما يمر به بل كل ما يمر به صواب وهذا مجانب للصواب. 2) ومنهم من يقرأ أي كتاب لكشف أخطاء المؤلف وكشف عواره - على حد زعمه - فهو يقرأ للنقد فقط وهذا كسابقه مجانب للصواب. 3) والقراءة الناجحة فيما أعلم لابد من أمرين فيها: 1 - طلب الفائدة. 2 - النقد لما تقرأ مما يقبل النقد. وهذا الذي أتوسمه في إخوتي من العلماء وطلبة العلم والناصحين المحبين، فالغاية من الدراسة والبحث هو تأصيل الرقية الشرعية وفق القواعد والأسس الموافقة للكتاب والسنة والأثر، وما دون ذلك فهو مردود قولاً وعملاً، وأقول ما قاله أحد أعلام الأمة الأجلاء: (ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وما خالفهما فاضربوا به عرض الحائط). مع حرصي الشديد في البحث والدراسة على تتبع منهج السلف الصالح وعلماء الأمة وأئمتها، وأقول ما قاله أحد الشعراء: بالله يا قارئ كتاب وسامعه ... واستر بلطفك ما تلقاه من خطأ فكلنا يا أخي خطاء ذو زلل ... أسبل عليه رداء الحكم والكرم أو أصلحنه تثبت إن كنت ذا فهم ... والعذر يقبله ذو الفضل والشيم وقد ثبت من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن مرآة المؤمن).

قال المناوي: (المؤمن مرآة المؤمن) أي يبصر من نفسه بما لا يراه بدونه ولا ينظر الإنسان في المرآة إلا وجهه ونفسه ولو أنه جهد كل الجهد أن يرى جرم المرآة لا يراه لأن صورة نفسه حاجبة له: وقال الطيبي: إن المؤمن في إراءة عيب أخيه إليه كالمرآة المجلوة التي تحكي كل ما ارتسم فيها من الصور ولو كان أدنى شيء فالمؤمن إذا نظر إلى أخيه يستسف من وراء حاله تعريفات وتلويحات فإذا ظهر له منه عيب قادح كافحه فإن رجع صادقه: وقال العامري: معناه كن لأخيك كالمرآة تريه محاسن أحواله وتبعثه على الشكر وتمنعه من الكبر وتريه قبائح أموره بلين في خفية تنصحه ولا تفضحه). وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة). قال المناوي: (أي عماده وقوامه النصيحة فبولغ في النصيحة حتى جعل الدين كله إياها، قال بعضهم: هذا الحديث ربع الإسلام أي أحد أحاديث أربعة يدور عليها، وقال النووي: بل المدار عليه وحده ولما نظر السلف إلى ذلك جعلوا النصيحة أعظم وصاياهم، والناصح في دين الله هو الذي يؤلف بين عباد الله وبين ما فيه سعادتهم عند الله وبين خلقه وقال القاضي: الدين في الأصل الطاعة والجزاء والمراد به الشريعة أطلق عليها لما فيها من الطاعة والانقياد). فالمسلم لا يقوم إلا بنصح أخيه، فهلا تفضلتم على بنصحكم وتوجيهكم مشافهة أو محادثة أو مكاتبة، وإن كنت قدمت ذلك العمل، فليس إلا بفضل الله أولا ثم التربية التي رباها بها علماء هذا البلد الطيب وطلبة العلم فيه، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيهم عني وعنكم خير الجزاء، ولن أنسى مع ذلك أن أقدم عرفاني وشكري وتقديري للدكتور الفاضل الشيخ إبراهيم بن محمد البريكان والدكتور الفاضل الشيخ عادل بن رشاد غنيم على تقريضهما وتقديمهما بعد دراستهما الوافية والمستفيضة لهذا البحث، كما أتقدم بشكري وتقديري للشيخ الفاضل (صالح بن حمود التويجري) على ما تكرم به من مراجعة ومدارسة لبعض فصول هذا البحث قبل أن يصل إلى أيديكم، ولن أوف الجميع حقه إلا أن أقول ما قاله أبو هريرة وابن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء). قال المناوي: (إذا قال الرجل) يعني الإنسان (لأخيه) أي في الإسلام الذي فعل معه معروفا (جزاك الله خيرا) أي قضى لك خيرا وأثابك عليه: يعني أطلب من الله أن يفعل ذلك بك (فقد أبلغ في الثناء) أي بالغ فيه وبذل جهده في مكافأته عليه بذكره بالجميل وطلبه له من الله تعالى الأجر الجزيل، فإن ضم لذلك معروفا من جنس المفعول معه كان أكمل هذا ما يقتضيه هذا الخبر، لكن يأتي في آخر ما يصرح بأن الاكتفاء بالدعاء إنما هو عند العجز عن مكافأته بمثل ما فعل معه من المعروف. ثم أن الدعاء المذكور إنما هو للمسلم كما تقرر، أما فعل الذمي بمسلم معروفا فيدعو له بتكثير المال والولد والصحة والعافية). وكذلك أعتذر لطلبة العلم عن عدم اكتمال تخريج بعض الأحاديث على الوجه الذي يجب أن تكون عليه، ولكني ما فعلت ذلك إلا حرصا أن يصدر الكتاب قريبا لما أراه وأسمعه من انحرافات وتجاوزات قد تمس صلب العقيدة، وإن شاء الله تعالى سوف أتدارك هذا في الطبعة القادمة، مع العلم بأنني لم أورد إلا الأحاديث الصحيحة والحسنة التي خرجت من علماء الحديث - حفظهم الله -، وقد وردت بعض الأحاديث الضعيفة القليلة من خلال بعض الفتاوى ونحوه، وقد تم الإشارة إليها والتنبيه عليها، وقد توخيت من خلال هذا البحث السهولة والبساطة، وعدم التعمق العلمي لغاية أن يصل البحث بشكله ومضمونه للعامة. سائلاً المولى عز وجل أن يرزقني وإياكم الإخلاص في العمل، والعمل الصالح، وحسن الخاتمة والفوز بالجنة والنجاة من النار إنه على كل شيء قدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

§1/1