ناسخ الحديث ومنسوخه للأثرم

أبو بكر الأثرم

الجزء الأول من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه

الجزء الأول من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه تأليف أبي بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الأثرم ما رواه عنه أبو الحسن علي بن يعقوب بن إبراهيم الكوسج رواية أبي الحسن علي بن محمد بن سعيد الموصلي الخفاف عنه رواية الشيخ أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة عن أبي الحسين محمد بن عبد الله بن أخي ميمي إجازة عنه. أخبرنا به بالإجازة له من ابن المسلمة أبو محمد طاهر بن سهل الإسفراييني، سماعٌ منه لعلي بن الحسن بن هبة الله الشافعي نفعه الله به.

بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الشيخ أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة قراءةً عليه قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله المعروف بابن أخي ميمي إجازةً قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سعيد الخفاف الموصلي، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن يعقوب الكوسج قال: قال أبو بكر الأثرم رحمه الله:

1 - باب فيمن نسي صلاة أو نام عنها فاستيقظ في وقت لا يصلى فيه

1 - باب فيمن نسي صلاة أو نام عنها فاستيقظ في وقت لا يصلى فيه روى همام وغيره عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نسي صلاة، فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)). وروى عبد الجبار بن عباس عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نام عن صلاة فليصل إذا استيقظ، ومن نسي صلاة فليصل إذا ذكر)). وعطاء بن السائب عن بريد بن أبي مريم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه أمره فأقام الصلاة حين استيقظ فتوضأ)). ومعمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكر)).

وكذلك أيضاً روى حريز بن عثمان عن يزيد بن صالح عن ذي مخمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وشعبة عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استيقظ قال: ((افعلوا كما كنتم تفعلون)). فهذه الأحاديث كلها بمعنىً واحد. وروى بشير أبو إسماعيل عن أبي حازم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم حين استيقظ أن يتنحوا عن ذلك المنزل قبل أن يصلوا. وروى مثل ذلك هشام عن الحسن عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يرتحلوا قبل أن يصلوا.

وروى حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً نحو هذا. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة وليست كذلك، ولكن الوجه في ذلك أن منها خاص ومنها عام، فأما العام؛ فالذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله؛ ((فليصل إذا ذكر وإذا استيقظ، لا كافرة لها إلا ذلك)) ولم يقل فليرتحل، ثم ليصل، ولم يرخص في التاخير بعد الذكر، فهذا هو الذي أمر به، وعلمه أمته، فهو العام المعمول به، وأما الخاص فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما ارتحل لعلةٍ قد فسرها، قال: ((إن هذا وادٍ به شيطان، فارتحلوا منه)) وهذا شيءٌ لا يعلمه إلا نبي فهو خاص.

2 - باب تأخير الصلاة عن وقتها في الحرب

2 - باب تأخير الصلاة عن وقتها في الحرب روى هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر يوم الخندق بعد غروب الشمس. وروى أبو الزبير عن نافع بن جبير عن أبي عبيدة عن عبد الله أن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن بعد ما ذهب من الليل ما شاء الله عز وجل. وروى بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن معاوية عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الخندق الظهر والعصر والمغرب والعشاء بعد ما غاب الشفق. وروى زياد بن عبد الله بن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر يوم الخندق

بعد غروب الشمس. فجاءت هذه الأحاديث بمعنىً واحد وخالفتها الأحاديث الباقية وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف في وقتها على ما استطاع، فهذا مخالف لذلك الفعل، فاختلفت هذه الأخبار، فبين ذلك حديث أبي سعيد. روى ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال: حبسنا يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كفينا ذلك، وذلك قول الله عز وجل: {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً}. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بلالاً فأقام الصلاة ثم صلى الظهر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام الصلاة فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك، قال: وذلك قبل أن تنزل: {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} فبين أن ذلك الفعل الذي كان يوم الخندق منسوخ.

3 - باب الفتح على الإمام

3 - باب الفتح على الإمام روى مروان بن معاوية عن يحيى بن كثير الكاهلي عن مسور بن يزيد الأسدي، قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر، فترك آية فلما فرغ قيل له: تركت آية كذا، فقال: ((فهلا أذكرتنيها إذاً))، يعني في الصلاة. وروى قيس عن الأغر عن خليفة بن حصين عن أبي نصر عن ابن عباس قال: تردد رسول الله صلى الله عليه وسلم في آية في صلاة الصبح، فلم يفتحوا عليه، فلما قضى الصلاة، نظر في وجوه القوم فقال: ((أما شهد الصلاة معكم أبي بن كعب)) قالوا: لا، فرأى القوم أنه إنما تفقده ليفتح عليه. وروى محمد بن إسحاق عن أبي إسحاق عن الحارث

عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تفتح على الإمام)). فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، والوجه فيها أن الحديثين الأولين أصح، وإن كانا ليسا بأقوى الأحاديث، لأن حديث الحارث عن علي قد ثبتت فيه علل توهنه، منها: أنه قد جاء عن علي من رواية من هو أوثق من الحارث خلاف ذلك: روي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال علي عليه السلام: إذا استطعمك الإمام فأطعمه، فهذه علة. ومن ذلك أن غير محمد بن إسحاق رواه عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه موقوفاً، فهذه علتان.

ومن ذلك أن أبا إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها، فهذه ثلاث. ومن ذلك أن الحارث متهم في الرواية، قد تكلم فيه نبلاء الناس: الشعبي فمن دونه.

4 - باب الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة

4 - باب الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة روى زيد بن أسلم عن ابن عمر عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم عليه وهو يصلي أشار بيده. وروى هشام بن سعد عن نافع عن ابن عمر عن بلال عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وروى إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن أبي الزيبير عن جابر أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فأشار إليه. وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد)). فهذا الحديث في ظاهره مخالف لتلك الأحاديث وفيه علتان:

إحداهما: أنه ليس بقوي الإسناد. والعلة الأخرى: أنه إن كان محفوظاً فقد يكون له وجه، أن تكون الكراهية في الإشارة في حوائج الدنيا من البيع والشراء والأمر والنهي فأما رد السلام فلا.

5 - باب النوم في المسجد

5 - باب النوم في المسجد روى الزهري عن سالم عن أبيه، وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كنا نبيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ونقيل فيه. ومن ذاك أيضاً اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ومبيته فيه، روي ذلك من وجوه. وروى ابن لهيعة عن عمرو بن الحارث عن ابن زياد عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على ناس من أصحابه وهم رقود في المسجد فقال: ((انقلبوا، فإن هذا ليس لكم بمرقد)). وروى داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن

عمه عن أبي ذر قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم نائماً في المسجد فضربني برجله، وقال: ألا أراك نائماً فيه))، قلت: يا نبي الله غلبتني عيني. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، والأولى أثبت التي جاءت بالرخصة، لأن حديث سعد إسناده مجهول منقطع، وحديث أبي ذر فيه رجل ليس بمعروف وهو عم أبي حرب، وليس فيه أيضاً بيان نهي.

6 - باب في الثلاثة يصلون جماعة كيف يقومون

6 - باب في الثلاثة يصلون جماعة كيف يقومون روى زيد بن الحباب عن أفلح بن سعيد عن بريدة بن سفيان عن غلام لجده يقال له: مسعود أنه قام مع النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر فجعلهما خلفه. وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً مثل هذا. وعن سمرة عن النبي أيضاً مثل هذا. وأما ابن مسعود فروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانوا ثلاثة أن يصفوا معاً، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره. فاختلفت هذه الأحاديث، فنرى أن حديث ابن مسعود هو المنسوخ، وبيان ذلك: أن ابن مسعود روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فذكر فيه التطبيق، وذكر فيه أن يكون أحدهما عن يمين الإمام والآخر عن يساره، فلما قال عمر وسعد وغيرهما

ما يدل على أن التطبيق منسوخ، علمنا أن ابن مسعود إنما حكى فعل النبي صلى الله عليه وسلم الأول، وعلمنا أن ابن مسعود هو أقدم إسلاماً وسناً من الذين رووا ما ذكرنا أن يكون الرجلان خلف الإمام مسعود وجابر وسمرة.

7 - باب الإيماء في الماء والطين

7 - باب الإيماء في الماء والطين روى هشام بن أبي عبد الله [عن] يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يسجد في ماءٍ وطين، قال: حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهته وأرنبته. وروى كثير بن زياد عن عمرو بن [عثمان] بن يعلى بن أمية عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه، والسماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فصلى بهم على رواحلهم يوميء إيماءً. فاختلف هاذان الخبران في ظاهرهما وإنما الوجه في ذلك أن يعمل بهما جميعاً، فحديث أبي سعيد فيما جف من

البلل والطين وأمكن السجود عليه، وإن علق بالوجه بلله. وحديث يعلى بن أمية فيما لم يمكن السجود عليه من كثرة الماء والطين.

8 - باب في الركعتين إذا جاء الإمام يخطب

8 - باب في الركعتين إذا جاء الإمام يخطب روى شعبة عن عمرو بن دينار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين)). وروى أبو الزبير عن جابر. والأعمش عن أبي سفيان عن جابر. والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سليكاً الغطفاني أن يصلي ركعتين حين دخل وهو يخطب)). وروى ابن عجلان عن عياض عن أبي سعيد: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً دخل المسجد في هيئة بذة، فأمره أن يصلي ركعتين، وقال: ((إنما أمرته أن يصلي ركعتين حتى تفطنوا له فتصدقوا عليه)).

فخالف هذا الحديث تلك الأحاديث في ظاهرها، لأن هذا كأنه خاص وتلك الأحاديث عامة، وكلها صحاح الخاص والعام لقوله: ((إذا جاء أحدكم)) فقد بين ها هنا أنه لم يرد بذلك رجلاً بعينه. ومما يبين ذلك أن أبا سعيد هو الذي روى الحديث الخاص ثم كان هو يستعمل ذلك إذا جاء والإمام يخطب يمنعه الأحراس فلا يمتنع، ويحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي رواه، فجعله عاماً كسائر الأحاديث.

9 - باب الصلاة بعد الجمعة

9 - باب الصلاة بعد الجمعة روى سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان منكم مصلياً، فليصل بعد الجمعة أربعاً)). روى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، والزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين. فهذان الحديثان في ظاهرهما مختلفان، وإنما الوجه في ذلك أنه كله جائز: أن يصلي ركعتين، وأن يصلي أربعاً، وأن يصلي أكثر من ذلك، يفصل بين كل ركعتين لقوله: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)). والدليل على ذلك أن ابن إدريس رواه عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان مصلياً، فليصل بعد الجمعة أربعاً، فإن عجل به أمر صلى

ركعتين في المسجد، وركعتين في أهله)). وروى شيخ بصري يقال له: محمد بن عبد الرحمن السهمي عن حصين عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة أربع ركعات فيسلم في آخرهن. وهذا حديثٌ واهٍ، لأن هذا الشيخ السهمي ليس بالمعروف بالعلم، ولأن هذا الحديث قد رواه شعبة وجماعة عن أبي إسحاق فلم يذكروا هذا فيه.

10 - باب الصلاة يوم الجمعة بنصف النهار

10 - باب الصلاة يوم الجمعة بنصف النهار روى موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر قال: ((ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف للغروب حتى تغرب)). وروى مثل هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن عبسة، والصنابحي، وأبو أمامة. وروى حسان بن إبراهيم عن ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم ((نهى عن الصلاة بنصف النهار إلا يوم الجمعة، فإن جهنم تسجر كل يوم نصف النهار، إلا يوم الجمعة)). وروى الواقدي عن سعيد بن مسلم بن بانك عن المقبري

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: ((نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة)). فخالف هذان الحديثان تلك الأحاديث، وأحاديث النهي عامة، أثبت، لأن حديث أبي قتادة فيه علل منها: أنه لم يروه غير حسان ومنها أنه من حديث ليث، ولقد أخبرت عن أبي عبد الله أنه قدم جابراً الجعفي على ليث في صحة الحديث، ومنها أن أبا الخليل لم يلق أبا قتادة، فهذه قصص حديث أبي قتادة. وأما حديث أبي هريرة: فإنما رواه الواقدي، وقد عرفت قصة الواقدي في روايته.

11 - باب ما يقرأ به في صلاة الجمعة

11 - باب ما يقرأ به في صلاة الجمعة روى إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يقرأ في الجمعة: {سبح اسم ربك الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية})). وكذلك روى معبد بن خالد عن زيد بن عقبة عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يقرأ في الجمعة سورة الجمعة وسورة المنافقين)). وروى مالك عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يقرأ يوم الجمعة سورة الجمعة و {هل أتاك حديث الغاشية}

)). فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، وإنما الوجه فيها أن الأمر في ذلك واسع كله.

12 - باب في الساعة التي ترجى يوم الجمعة

12 - باب في الساعة التي ترجى يوم الجمعة روى عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن الجلاح مولى عبد العزيز بن مروان عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الساعة التي في الجمعة، فقال: ((التمسوها آخر الساعات بعد العصر)). وروى سلم بن قتيبة عن الأصبغ بن زيد عن سعيد بن رافع عن زيد بن علي عن أبيه عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: ((إذا تدلى نصف عين الشمس للغروب)). وروى كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال: ((ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن تقضى الصلاة)).

وروى محمد بن أبي حميد عن موسى بن وردان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((التمسوها فيما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس)). وروى مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى قال: قال لي ابن عمر: أسمعت أباك يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة الجمعة، قال، فقلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)). فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها وفي أسانيدها، وإن أحسن ما يعمل به في ذلك أن تلتمس في جميع هذه الأوقات احتياطاً واستظهاراً. فأما وجه اختلاف الأحاديث، فلن تخلوا من وجهين: إما أن يكون بعضها أصح من بعض، وإما أن تكون هذه الساعة تتنقل في الأوقات كانتقال ليلة القدر في ليالي العشر.

13 - باب التكبير في العيدين

13 - باب التكبير في العيدين روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعمرو بن عوف المزني، وجابر، وأبي واقد الليثي، وعائشة، وابن عمر، كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه كبر في العيدين سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة)). وبعضها أقوى من بعض.

وروى عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحولٍ عن أبي عائشة عن أبي موسى الأشعري وحذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يكبر في العيدين أربعاً)). فخالف هذا الحديث تلك الأحاديث، وتلك أكثر وأثبت قال: وسمعت أبا عبد الله ذكر عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان فقال: أحاديثه مناكير. وروى هذا الحديث ابن عون عن مكحول فلم يرفعه كما رفعه ابن ثوبان.

14 - باب ما يقرأ به في العيدين

14 - باب ما يقرأ به في العيدين روى إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((قرأ في العيدين بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية})). وكذلك روى معبد بن خالد عن زيد بن عقبة عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: وكذلك روى موسى بن عبيدة عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى سفيان عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((قرأ في العيد بـ {ق} و {اقتربت}، وكذلك روى ابن

لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وإنما الوجه في ذلك أنه جائز كله.

15 - باب في الصلاة خلف الصف

15 - باب في الصلاة خلف الصف روى شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمر رجلاً صلى خلف الصف وحده أن يعيد))، وكذلك روى ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى موسى بن أنس عن أنس: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمه فجعله عن يمينه، وقامت أم سليم من ورائهم)). فهذا الحديث في ظاهره مخالف لحديث وابصة، وحديث علي بن شيبان، وليس كذلك، ولكن حديث وابصة وعلي بن شيبان في الرجال وهذا في النساء، لأن النساء لا سبيل لهن إلى أن يقمن مع الرجال في الصف.

16 - باب طول القراءة في ركعتين بعد المغرب

16 - باب طول القراءة في ركعتين بعد المغرب روى عاصم عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه كان يقرأ في الركعتين بعد المغرب بـ {قل يا أيها الكافرين} و {قل هو الله أحد})). وروى يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يصلي بعد المغرب ركعتين يطيل فيهما القراءة)). فاختلف هاذان الحديثان، والأول أثبتهما، لأن حديث يعقوب قد أفسدوه: رواه عدة فقالوا: عن سعيد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا ابن عباس وهذا مرسل.

وروى بقية عن عتبة بن أبي حكيم عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يقرأ في الركعتين بعد المغرب بـ {إذا زلزلت}. و {قل يا أيها الكافرون})). وهذا خلاف الحديث الأول، وإنما الوجه في ذلك أنه جائز كله، والأول أصح إسناداً.

17 - باب في الرجل يؤم في بيت غيره

17 - باب في الرجل يؤم في بيت غيره روى أبان بن يزيد عن بديل يعني: العقيلي، عن أبي عطية عن مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا زار أحدكم قوماً فلا يؤمهم)). وروى إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سليم فقال: ((قوموا فلأصل بكم، فأمهم)). وروى شعبة والأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤم الرجل في بيته إلا بإذنه)). فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وليست كذلك، ولكن لها وجوه: فأما حديث مالك بن الحويرث فإنه إنما

وجهه: أي لا يؤمهم في ناديهم وفي منازلهم حتى يستأذنهم، وبيان ذلك في حديث أبي مسعود، لقوله: ((إلا بإذنه)). وأما حديث أنس فإن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره، لأنه كان إذا كان مع قوم أمهم حيث كانوا.

18 - باب القراءة في ركعتي الفجر

18 - باب القراءة في ركعتي الفجر روى أبو إسحاق عن مجاهد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يقرأ في ركعتي الفجر بـ {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد})). وكذلك روى يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة، وموسى بن خلف عن قتادة عن أنس، وعاصم عن أبي وائل عن عبد الله، كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل الأول،

وهشام أيضاً عن محمد بن سيرين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عثمان بن حكيم عن سعيد بن يسار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه كان يقرأ فيها في الأولى {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} وفي الثانية {تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم})). وروى عبد العزيز بن محمد عن عثمان بن عمر وموسى عن أبي الغيث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يقرا فيهما {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} وفي الثانية {ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول} الآية)). فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة وليست كذلك، لأن الوجه فيها أن ذلك كله جائز، غير أنا نختار الأحاديث الأولى، لأنها هي أكثر، ومن استعمل هاذين الحديثين أيضاً فهو جائز.

19 - باب الركعتين بعد المغرب أين تصليان

19 - باب الركعتين بعد المغرب أين تصليان روى مالك وغيره عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلوا هاتين الركعتين في بيوتكم)). وكذلك روى سعد بن إسحاق عن أبيه عن جده كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((هذه صلاة البيوت)). ومحمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلوا هاتين الركعتين في بيوتكم)). وروى إسرائيل عن ميسرة عن المنهال بن عمرو عن زر عن حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم صلى إلى العشاء في المسجد. وروى يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير عن

ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يصلي بعد المغرب ركعتين حتى يتصدع أهل المسجد)). فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، والأولى أثبت، لأن حديث ابن عباس قد أفسده قومٌ رووه عن سعيد بن جبير مرسلاً في هذا. ففيه رخصة لمن عمل به، وتلك أوكد، لأنها أمر وهذا فعل، والأمر أوكد من الفعل، لأن الأمر لا يكون إلا عاماً، والفعل قد يكون خاصاً. وقد وكدت تلك الأحاديث الأولى أحاديث جاءت عن علية الصحابة.

20 - باب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر

20 - باب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر روى عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان إذا ركع ركعتي الفجر، اضطجع على شقه الأيمن)). وروى عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر، فليضطجع على شقه الأيمن)). وروى سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن زيد بن أبي عتاب عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان إذا صلى ركعتي الفجر، فإن كنت جالسة حدثني، وإن كنت نائمة اضطجع)). فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، فحديث عائشة هذا الآخر يبين لك أن اضطجاعه كان عن غير تعمدٍ للاضطجاع لأنه سنة أو فضيلة، إلا أن حديث أبي هريرة مؤكدٌ، ولم يثبته

أبو عبد الله. فالذي نختار من ذلك: استعمال حديث عائشة الآخر الذي دل على أن ذلك لا يجب، ومن أخذ بحديث أبي هريرة على ظاهره لم يعنف، وقد عمل به أيضاً أئمة: قد روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يفعله، وعن أبي موسى، وأبي سعيد، ورافع بن خديج، وأنس، وغيرهم.

21 - باب في الرجل يصلي الجماعة ثم يدرك أخرى

21 - باب في الرجل يصلي الجماعة ثم يدرك أخرى روى يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((صلى الفجر، فرأى رجلين لم يصليا مع الناس، فدعاهما فقال: ((ما لكما لم تصليا))، قالا: قد صلينا، قال: ((إذا صليتما في رحالكما، ثم أدركتما الناس يصلون، فصلوا معهم، فإنهما لكما نافلة)). فهذا في صلاة الفجر مبين. وروى زيد بن أسلم عن بشر بن محجن عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((مالك لم تصل مع الناس، ألست برجلٍ مسلم)) قلت: قد صليت، قال: ((فإذا جئت فصل مع الناس، وإن كنت قد صليت)).

وروى أسامة بن زيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عفيف بن عمرو عن سعيد بن المسيب أن رجلاً سأل أبا أيوب الأنصاري فقال: أحدنا يصلي ثم يخرج فيجد الناس يصلون فيصلي معهم، فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ((ذاك له سهمٌ جمع)). فهاذان الحديثان في سائر الصلوات. ثم جاءت أحاديث تنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة التطوع بعد الفجر وبعد العصر. وروى حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)). فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، وليست كذلك، ولكن لها وجوه:

فأما الأحاديث الأولى فإنما هي في هذا خاصة في الذي يصلي الفريضة ثم يدخل مسجداً وهو غير متعمد فيجدهم يصلون، أو تقام الصلاة، فأمر أن يصلي معهم. وأحاديث الكراهية للصلاة بعد العصر والفجر إنما هي على التعمد لذلك على غير هذه السنة في موضعها. وحديث ابن عمر الذي رواه عمرو بن شعيب قد طعن في إسناده، وله مع ذلك وجه أن يكون إنما نهى عن إعادة الصلاة أن يصلي الفريضة في يوم مرتين، فأما الذي ينوي بالثانية ما أمر به من النافلة، فليس بإعادةٍ للصلاة. ومما يوهن حديث ابن عمر هذا، أنه قد روي عن ابن عمر خلافه: روى عبيد الله ومالك عن نافع عن ابن عمر قال: إذا صلى في بيته ثم أدرك جماعة صلى معهم، إلا المغرب والفجر. فقد رأى أن يصلي الصلاة ثانية، فهذا خلاف ذلك.

22 - باب في السمر بعد صلاة العشاء

22 - باب في السمر بعد صلاة العشاء روى يحيى بن سليم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم نائماً قبل العشاء ولا متحدثاً بعدها. وروى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: ما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العشاء ولا سمر بعدها. وروى عوف عن أبي المنهال عن أبي برزة عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها. وروى منصور عن خيثمة عن رجل عن عبد الله عن النبي

صلى الله عليه وسلم: ((لا سمر إلا لمصل أو مسافر)). وروى عطاء بن السائب عن شقيق عن عبد الله قال: جدب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد صلاة العشاء. وروى مسلم الأعور عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((نهى عن النوم قبل العشاء والسمر بعدها)). وروى الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمر في بيت أبي بكر الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين وأنا معه. وروى هشام عن قتادة عن أبي حسان عن عبد الله بن

عمرو قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل عامة ليله –وقال بعضهم- حتى يصبح. فاختلفت هذه الأحاديث: فأما حديث يحيى بن سليم الأول فهو عندي حديث ضعيف لم يروه غيره، ومما يبين ضعفه أن حماد بن زيد روى عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كنت أسمر عند عائشة حتى تقول لي يا ابن أختي قد طلع الفجر، فأين هذا من ذاك، أليس هذا خلافه. وروى ابن إدريس أيضاً عن هشام بن عروة نحو ما رواه حماد بن زيد، فكلا هذين أثبت من يحيى بن سليم. وأما حديث عبد الرحمن بن القاسم الثاني فإنه ليس فيه ذكر النهي، إنما ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، وقد روى غيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله.

فالذي حفظ الشيء فأداه أصح من الذي لم يحفظه. وحديث أبي برزة جيد الإسناد. وحديث منصور ليس بالقوي لأن فيه رجلاً لم يسم. وحديث عطاء بن السائب خطأ، رواه منصور وأبو حصين والأعمش عن أبي وائل عن سلمان بن ربيعة قال: جدب لنا عمر السمر، فهذا هو الحديث، ثم خالفهم فيه عاصم بن بهدلة وعطاء بن السائب، فأين هاذين من هؤلاء. ثم اضطرب فيه هاذان لأنهما لم يحفظاه: فقال عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال: جدب لنا عمر، ولم يرفعه وترك سلمان بن ربيعة، وأما عطاء بن السائب فقال: عن أبي وائل عن عبد الله قال: جدب لنا رسول الله، أخطأ فيه. وأما حديث أنس ففي إسناده رجل متروك أو شبهه. وأما حديث عمر فإن علقمة أيضاً لم يسمعه من عمر. وحديث عبد الله بن عمرو جيد الإسناد.

فتكافأ في هذا الباب هاذان الحديثان: حديث أبي برزة في الكراهة، وحديث عبد الله بن عمرو في الرخصة. ثم اختلفت أيضاً الرواية عن الصحابة في هذا الباب: فروي عن عمر الكراهة، ورويت عنه الرخصة. وروي ( .. ... ) الكراهة، ورويت عنه الرخصة، وغيرهم أيضاً، فعلمنا بذلك أن للكراهة وجهاً، وللرخصة وجه على أصل حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه قال: ((كان يسمر في أمر المسلمين)) وفي حديث عبد الله بن عمرو: ((كان يحدثنا عن بني إسرائيل)). فإذا كان السمر في أمر منفعة للإسلام أو في مذهب علم، فهذا الذي فيه الرخصة وما كان من السمر فيما يكون تلذذاً وتلهياً فهو الذي فيه الكراهة.

23 - باب الوتر قبل النوم وبعده

23 - باب الوتر قبل النوم وبعده روى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)). وعن أبي هريرة من وجوه قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن لا أنام إلا على وتر. [وروى داود بن عبد الله بن حميد بن عبد الرحمن .. ... عبد الرحمن المسلي عن الأشعث بن (قيس) عن عمر رضي (الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تنم إلا (على وتر))).

وروى محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم [أمره بالوتر قبل النوم. وروى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم] قال: ((من خاف منكم أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل محضورة، وذلك أفضل)). وروى ابن عقيل عن جابر، ويحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، قالا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: ((متى توتر؟)). قال: أول الليل، فقال لعمر: ((متى توتر؟)) قال: آخر الليل، فقال لأبي بكر: ((أخذت بالحزم)) وقال لعمر: ((أخذت بالقوة)). فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وإنما أراد بقوله: (الوتر قبل النوم) توكيد الوتر، وبيان ذلك في حديث الأعمش

عن أبي سفيان عن جابر. وحديث ابن عمر الأول يبين لك أنه إنما أراد أن تكون آخر صلاته بالليل، فإن أراد القيام أخره، وإن لم يرد القيام عجله.

24 - باب الوتر بعد طلوع الفجر

24 - باب الوتر بعد طلوع الفجر روى معمر وغيره عن يحيى بن أبي كثير عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أوتروا قبل أن تصبحوا)). وروى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بادروا الصبح بالوتر)). ومن وجوه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا خشيت الصبح فأوتر)). وروى بن جريج عن سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب الوتر)). وروى ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني

عن أبي بصرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((هي فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح)). فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، ولها وجوه: فأما حديث أبي سعيد وأحاديث ابن عمر الأولى فهو الأمر الذي يعمل به، ويتحرى أن لا يكن الوتر بعد الصبح. وأما حديث ابن عمر: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب الوتر)) فإنما وجهه عندنا أنه قد ذهب وقت الوتر، وأنه إنما هذا بعد قضاء الوتر، بمنزلة الذي يترك الصلاة حتى يخرج وقتها ثم يقضيها، وكذلك حديث أبي بصرة أيضاً إلا أن في حديث أبي بصرة معنىً آخر أنه لا يقضيه بعد الفجر.

25 - باب الوتر بركعة وأكثر من ذلك

25 - باب الوتر بركعة وأكثر من ذلك روى مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بواحدة. وروى ابن أبي ذئب عن عروة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم في ركعتي الوتر. وروى مالك عن عبد الله بن أبي قطن عن أبيه عن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن زيد بن خالد الجهني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة. وروى شعبة وهمام عن قتادة عن أبي مجلز عن ابن عمر وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الوتر ركعة)). وروى زهير بن محمد عن شريك بن أبي نمر عن كريب

عن الفضل بن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة. وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((افصل بين الركعتين والركعة)). وروى أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة، فلما كبر وضعف أوتر بسبع. وأما ابن فضيل فقال عن الأعمش عن عمارة عن يحيى بن الجزار عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع فلما أسن وثقل أوتر بسبع. وروى الكوفيون عن شعبة عن قتادة عن سعد بن هشام عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر. وروى سفيان بن حسين عن الزهري عن عطاء بن يزيد

عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أوتر بخمس، فإن لم تستطع فبثلاث، فإن لم تستطع فبواحدة)). وروى السري بن إسماعيل عن الشعبي عن خيثمة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما صلاتك بالليل؟ فقال: ((ثماني ركعات، والوتر ثلاث ركعات)). وروى أبو عاصم عن ميمون أبي عبد الله عن ثابت عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث. وروى أبو بكر النهشلي عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن الجزار عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى سبعاً أو خمساً، أوتر بهن ثم سلم.

وروى حجاج بن أرطاة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث. وروى إسرائيل عن منصور عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بسبع أو خمس لا يفصل بينهن. وروى هشام عن أبيه عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس لا يسلم إلا في آخرهن، ولا يجلس إلا في آخرهن. وروى شعبة عن قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسعٍ لا يجلس إلا في آخرهن، ولا يسلم إلا في آخرهن. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، والأحاديث الأولى هي أثبت وأصح مخارجاً، وإياها يختار أهل المعرفة بالعلم وصحة الأسانيد، وأما حديث الأعمش فقد اضطرب فيه، فقال

مرة: عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن أم سلمة، وقال مرة: عن عمارة عن يحيى بن الجزار عن عائشة، وفي الكلام أيضاً اختلاف، وقد بينا ذلك، ويحيى بن الجزار لم يلق واحداً منهما. وأما حديث سعد بن هشام عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر، فإني سمعت أبا عبد الله رضي الله عنه يقول هو خطأ. وأما حديث أبي أيوب فإن الثقات رووه عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب موقوفاً غير مرفوع. وأما حديث خيثمة عن أبيه ففي إسناده رجل متروك. واختلفوا فيه أيضاً عن أبي عاصم فرفعه بعضهم ولم يرفعه بعضهم. وأما حديث يحيى بن الجزار عن ابن عباس فهو من أضعفها لأن ابن عباس قد اشتهرت عنه الرواية أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الوتر واحدة)) من وجوه صحاح، وكان هو يؤكد ذلك ويأمر به. وحديث يحيى بن الجزار عن ابن عباس عندنا غير متصل.

وكذلك حديث محمد بن قيس عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم هو عندي مدفوع بأنه قد روى شعبة عن قتادة عن أبي مجلز عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه، وهمام عن قتادة عن أبي مجلز عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك حديث عطاء أن ابن عباس قال له: ألا أعلمك الوتر؟ فصلى ركعة. ومن ذلك أنه ذكر له أن معاوية أوتر بركعة فقال: أصاب السنة. وأما حديث عمران بن حصين، فإن حجاجاً أخطأ فيه، وإنما الحديث عن قتادة عن زرارة عن ابن أبزى مرسلٌ، قال: وسمعت أبا عبد الله يذكر أنه خطأ. وأما حديث منصور عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن أم سلمة فإنه حديث مضطرب، مختلفٌ فيه، قد اختلف فيه عن منصور وخولف فيه أيضاً منصور، ولا أعلم أحداً ذكر فيه ابن عباس غير إسرائيل وبعضهم يجعله عن عائشة وميمونة،

وبعضهم يوقفه ولا يرفعه، فهو حديثٌ واهٍ. وأما حديث هشام عن أبيه عن عائشة، وحديث سعد بن هشام عن عائشة، فإن الزهري أثبت من روى عن عروة عن عائشة في هذا الباب، وهو الذي ذكرناه أول الباب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بواحدة، فهذا أصلح ما في ذلك، ولم يصح في الوتر بثلاثٍ فما زاد من غير تسليمٍ حديثٌ واحدٌ، ولا أكثر منه، وتلك الأحاديث أكثرها صحاح.

26 - باب الوتر، أواجب هو

26 - باب الوتر، أواجبٌ هو روى عبادة بن الصامت، وطلحة بن عبيد الله، وأنس، وابن عباس، وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الله تبارك وتعالى افترض على عباده خمس صلوات. وروى محمد بن إسحاق وليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد عن عبد الله بن أبي مرة، وقال ابن إسحاق ابن مرة، عن خارجة بن حذافة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل زادكم صلاة الوتر)). وروى ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن أبي تميم عن أبي بصرة

عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك. وروى حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك. وروى أبو المنيب عبيد الله بن عبد الله العتكي عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا)). وروى خليل بن مرة عن معاوية عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يوتر فليس منا)). فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وتلك الأحاديث الأولى أثبت، وأما حديث خارجة بن حذافة وأبي بصرة وعمرو بن شعيب فليست بالقوية. فإن كانت محفوظة، فليس الوجه فيها أنها فريضة، ولكن

على وجه التوكيد لها والأخذ بالعمل بها. وكذلك حديث بريدة وأبي هريرة ليسا بالقويين، ولكنهما في توكيد أمر الوتر. ولو كانت الوتر فريضة، كان تاركها كافراً كسائر الصلوات، ولو كانت أيضاً فريضة، لم يختلف العلماء فيه، فيزيد فيها بعضهم على بعض، لأن الفرض موقوف عليه، غير مختلف فيه. ومما يؤكد هذا المذهب: قول علي: إن الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة، وقول ابن عمر حين سئل، أسنةٌ هو؟ فقال: أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ولم يزد، ومن ذلك قول عبادة بن الصامت للذي قال الوتر واجب: كذب أبو محمد، ومن ذلك حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أوتروا يا أهل القرآن)) فقال أعرابي: ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ليست لك ولا لأصحابك.

27 - باب ما يقرأ به في الوتر

27 - باب ما يقرأ به في الوتر روى خصيف عن عبد العزيز بن جريج عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقرأ في الوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} والمعوذتين. وروى يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وروى زبيد عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد}. ولم يذكر المعوذتين.

وروى أبو إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وحجاج عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وأبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} و {إذا زلزلت الأرض زلزالها} و {ألهاكم التكاثر} و {والعصر} و {إذا جاء نصر الله والفتح} و {إنا أعطيناك الكوثر} و {قل يا أيها الكافرون} و {تبت} و {قل هو الله أحد}.

فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة وبعضها أثبت من بعضن وكلها أثبت من حديث الحارث عن علي رضي الله عنه، وأتمها حديث عائشة الأول، فمن أخذ به فقد أخذ بالأحاديث كلها إلا حديث الحارث عن علي. فأما حديث الحارث عن علي فهو حديث ضعيف، ولم يسمعه أبو إسحاق من الحارث، وفي الحارث أيضاً ما فيه، واختلفوا فيه أيضاً فأوقفه بعضهم.

28 - باب القنوت في الفجر

28 - باب القنوت في الفجر روى شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الفجر والمغرب. وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت حتى مات. وقال أبو حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا شهراً. وقال أبو مالك الأشجعي عن أبيه: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقنت. وقال: هو محدثٌ. وقال هشام عن قتادة عن أنس. والتيمي عن أبي مجلز عن أنس.

وعاصم عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً. وقال أبو بكر بن عياش عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا عشرين يوماً. فهذه الأحاديث مختلفةٌ، وأثبتها ما روى قتادة والتيمي وعاصم عن أنس أنه إنما قنت شهراً، ثم تركه. فأما حديث أنس الآخر أنه لم يزل يقنت حتى مات فإنه حديث ضعيف، مخالفٌ للأحاديث. وأما حديث أبي مالك عن أبيه فإنه أنكر القنوت، لأنه لم يشهده، وشهده غيره، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقنت إذا دعى لقومٍ، أو دعى على قومٍ، ولم يكن يديمه، وكذلك فعلت الأئمة بعده: قنت أبو بكر الصديق على أهل الردة، وعمر على أهل فارس، وعليٌ حين حارب، ولم يكونوا يفعلونه دائماً.

29 - باب القنوت قبل الركوع أو بعده

29 - باب القنوت قبل الركوع أو بعده روى أيوب عن محمد عن أنس، وهشام عن قتادة عن أنس، والتيمي عن أبي مجلز عن أنس، وحنظلة عن أنس، كلهم يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع. وخالفهم عاصم عن أنس فقال: قبل الركوع. ثم روى من وجوه أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع: هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعباد بن منصور عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ومحمد بن إسحاق عن عمران بن أبي أنس عن حنظلة بن علي عن خفاف بن إيماء عن النبي صلى الله عليه وسلم. فكل هؤلاء يقول بعد الركوع. وقد روى أبان بن أبي عياش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع. وهذا أضعف ما روي في هذا الباب، لأن أبان متروك. ومما يبين وهن هذا الحديث أن هشاماً رواه عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله موقوفاً. وروي عن ابن مسعود من وجوه موقوفاً. ومما يزيده وهناً أن أبان بصري، فلم يشاركه أحد من الكوفيين فيما روى عن إبراهيم، ولعله لم يرو عن إبراهيم غير هذا فتفرد به.

30 - باب القنوت في غير صلاة الفجر

30 - باب القنوت في غير صلاة الفجر روى شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الفجر والمغرب. وروى هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في العشاء الآخرة. وروى هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح. وسائر الأحاديث فإنما هي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الصبح، وكذلك الأحاديث عن الصحابة أكثرها وأعلاها إنما هي في الفجر.

31 - باب الصلاة بعد العصر

31 - باب الصلاة بعد العصر روى قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح. وروى إبراهيم بن سعد عن أبيه عن معاذ بن عبد الرحمن عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وشعبة عن سعد بن إبراهيم عن نصر بن عبد الرحمن عن معاذ القرشي عن معاذ بن عفراء عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وسفيان عن ضمرة بن سعيد عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وفي النهي أحاديث كثيرة. وروى هشام عن أبيه عن عائشة قالت: ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم

ركعتين بعد العصر في بيتي قط. وروى أبو الضحى عن مسروق عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد العصر. وروى إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدعهما. فاختلفت الرواية في هذا الباب، والرواية في النهي أكثر وأشهر وأثبت. فأما حديث عائشة فهو حديث مضطرب فيه، قد عارضه ما هو أقوى منه، فمن ذلك تظاهر الأحاديث وكثرتها عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الصلاة بعد العصر. ومن ذلك أن عائشة نفسها قد روي عنها أيضاً النهي عن الصلاة بعد العصر. ومن ذلك أن الأزرق بن قيس روى عن ذكوان عن عائشة أن أم سلمة أخبرتها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما. قالت: فسألت عن

ذلك، فقال: ((إني كنت أصلي بعد الظهر فجاءني مال فشغلني، فصليتهما الآن)). فقد ثبت ها هنا أنها إنما روت ذلك عن أم سلمة، وأنه إنما فعلهما قضاء لما كان بعد الظهر. والأحاديث في النهي هي التي يعمل بها وهي أوكد. وروى منصور عن هلال بن يساف عن وهب بن الأجدع عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة)). فهذا أيضاً مخالفٌ للأحاديث.

32 - باب الركعتين قبل المغرب

32 - باب الركعتين قبل المغرب روى حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء)). وروى سعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال: هذه صلاتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى المختار بن فلفل عن أنس قال: كنا نصليهما والنبي صلى الله عليه وسلم يرانا. وروى الجريري وكهمس عن ابن بريدة عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بين كل أذانين صلاة لمن شاء)).

وروى عبيد الله بن موسى عن حيان بن عبيد الله عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عند كل أذان صلاة، ما خلا المغرب)). فهذه الأحاديث مختلفة، وتلك الأحاديث الأولى أثبت وأكثر، فأما هذا الآخر فليس بشيء، قد رواه عن ابن بريدة ثلاثة ثقات: الجريري وكهمس وحسين المعلم على خلاف ما رواه هذا الشيخ الذي لا يعرف في الإسناد والكلام جميعاً.

33 - باب في الأمير يؤخر الصلاة عن الوقت

33 - باب في الأمير يؤخر الصلاة عن الوقت روى جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى عن أَبي أُبي ابن امرأة عبادة عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يكون أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة، فصلوا الصلاة لوقتها)). وكذلك روى أبو عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك روى عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن سعيد بن طهمان عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك روى قدامة بن موسى عن عمرو بن حسن بن حسن بن علي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى ابن جريج عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يكون أمراء يصلون

الصلاة، يؤخرونها عن وقتها، فإن أخروها عن وقتها فصليتموها معهم فلكم وعليهم، وإن صلوها لوقتها فلكم ولهم)). وروى أبو أيوب الإفريقي عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا أيضاً. وروى أبو هاشم صاحب الزعفراني عن صالح بن عبيد عن قبيصة بن وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يكون أمراء يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا بكم القبلة)). فهذه الثلاثة الأحاديث، خلاف الأولى، وتلك أثبت، وبها يعمل، لأن حديث عامر بن ربيعة في إسناده رجل ضعيف، وكذلك حديث أبي هريرة، وحديث قبيصة في إسناده رجل لا يعرف، وتلك أحاديث حسان وفيها ما يحتج به.

34 - باب الصلاة في ثياب النساء

34 - باب الصلاة في ثياب النساء روى أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن عبد الله بن شقيق: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في شعر نسائه. وروى طلحة بن يحيى عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرطٍ لها وهي إلى جنبه وهي حائض وعليها بعضه. وروى أبو حمزة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي، فوجد القر، فقال: ((يا عائشة: أرخي علي مرطك)) فقلت: إني حائض، فقال: ((أعلةً وبخلاً، إن حيضتك ليست في يديك)). وروى الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عن أم حبيبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان

يصلي في الثوب الذي يجامع فيه إذا لم ير فيه أذىً. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وأحاديث الرخصة أكثر وأشهر، وحديث الكراهية قد عارضته الأحاديث عن عائشة، ورواه الأشعث فلم يسنده. ولو فسد على الرجال الصلاة في شعر النساء، لفسدت الصلاة فيها على النساء.

35 - باب خروج النساء إلى المساجد

35 - باب خروج النساء إلى المساجد روى هشام عن حفصة عن أم عطية: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج يوم الفطر العواتق وذوات الخدور والحيض. وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماء الله عز وجل مساجد الله عز وجل)). ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وعبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن عمرو عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وروى يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد. وروى جرير بن أيوب عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن

النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأن تصلي المرأة في داخلها أعظم لأجرها من أن تصلي في بيتها، وأعظم لأجرها من أن تصلي في دارها، ولأن تصلي في دارها أعظم لأجرها من أن تصلي في مسجد قومها، ولأن تصلي في مسجد قومها أعظم لأجرها من أن تصلي في مسجد الجماعة)). وروى سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر عن يحيى بن جعفر بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه أيضاً. وروى عمرو بن الحارث عن دراج عن السائب مولى أم سلمة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير مساجد النساء قعر بيوتهن)). وروى همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في

حجرتها)). فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، فيرى أن الوجه فيها أن الفضل في صلاتها في بيتها، لما يجب عليها من الستر، وأن خروجها مباح لها ليس على وجه الفضيلة، وإنما الإباحة على وجه السلامة إذا لم تكن مخافة، لقوله: ((وليخرجن تفلات)).

36 - باب ما يجوز أن يصلى فيه من المواضع

36 - باب ما يجوز أن يصلى فيه من المواضع روى جماعة منهم أبو ذر، وحذيفة، وجابر، وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((جعلت لي الأرض كلها طهوراً ومساجد)). وروى عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الأرض كلها مسجد، إلا الحمام والمقبرة)). وروى زيد بن جبيرة عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في سبعة مواطن: المقبرة، والمجزرة، والحمام، ومحجة الطريق، وظهر بيت الله عز وجل، ومعاطن الإبل)).

وروى عدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في معاطن الإبل. وحديث أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى إلى القبور. فهذه الأحاديث جاءت في ظاهرها مختلفة، ولها وجوه: فأما قوله: ((جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً)) فإنما أراد الخلاف على أهل الكتاب، لأنهم لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم، فقال: فضلت على الناس بذلك وبغيره، ثم استثنى بعد الخلاف عليهم مواضع لمعانٍ غير معنى أهل الكتاب. فأما الحمام والمقبرة، فإن الحمام ليس من بيوت الطهارة، لأنه بمنزلة المراحيض التي يغتسل فيها من الجنابة والحيض. والمقبرة أيضاً إنما كرهت للتشبه بأهل الكتاب، لأنهم

يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. وسائر المواضع التي استثناها إنما كره نجاستها. ومعاطن الإبل قال: لأنها خلقت من الشياطين. فقد بين في كل شيءٍ معناه.

37 - باب صلاة الضحى

37 - باب صلاة الضحى روى شعبة عن الفضيل بن فضالة عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أنه رأى ناساً يصلون الضحى، فقال: إنكم لتصلون صلاة ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عامة أصحابه. وروى أبو تميلة يحيى بن واضح عن عبد المؤمن بن خالد عن الصلت بن إياس قال: قلت لابن عمر: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى، قال: لا. وروى مالك وابن جريج وابن أبي ذئب عن الزهري عن عروة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي الضحى. ثم اختلفت في ذلك الرواية عن عائشة:

فروى الزهري هذا، وهو أثبت ما روي في ذلك عنها. وروى معمر عن قتادة عن معاذة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يصلي الضحى. وروى يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وروى يوسف بن الماجشون عن أبيه عن عاصم بن عمر بن قتادة عن رميثة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. فأما حديث قتادة عن معاذة: فإن قتادة فيما يقال لم يسمع من معاذة. وأما حديث يزيد الرشك: فإني سمعت أبا عبد الله يضعفه. وأما حديث رميثة: فإن القعقاع بن حكيم رواه عن رميثة عن عائشة موقوفاً. وهذا أثبت من حديث يوسف بن

الماجشون. ثم جاءت في صلاة الضحى أحاديث كثيرة، منها: حديث النهاس بن قهم عن شداد أبي عمار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوب ولو كانت مثل زبد البحر)). وهذا حديث ليس بالقوي. وروى سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى إلا مرة. وروى كهمس عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أن يقدم من مغيبه. وروى أبو صخر عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بأسرع كرة وأعظم غنيمة: رجل توضأ في بيته، ثم عمد إلى مسجدٍ، فصلى فيه صلاة الغداة، ثم عقب

بصلاة الضحى)). وروى أبو عوانة عن حصين عن عمرو بن مرة عن عمار ابن عاصم عن نافع بن جبير عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى. وروى شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى. وروى الضحاك بن عثمان عن إبراهيم بن عبد الله بن حنيف عن أبي مرة عن أبي الدرداء قال: أوصاني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بركعتي الضحى. وفيها حديث كثير. فالوجه في هذه الأحاديث أنه كان يصليها ويتركها، وقد ذكر فضلها، فرآه قوم يصليها فحفظوا ذاك، ورآه قوم تركها

فحفظوا ذاك. آخر الجزء الأول، ويتلوه في الجزء الثاني باب كم ركعة تصلى الضحى والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً.

الجزء الثاني من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه

الجزء الثاني من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه تأليف أبي بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الأثرم مما رواه عنه أبو الحسن علي بن يعقوب بن إبراهيم الكوسج رواية أبي الحسن علي بن محمد بن سعيد الموصلي الخفاف عنه رواية الشيخ أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة عن أبي الحسين محمد بن عبد الله بن أخي ميمي إجازة عنه.

بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الشيخ أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة قراءةً عليه قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن أخي ميمي إجازةً قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سعيد الخفاف الموصلي، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن يعقوب الكوسج قال: قال أبو بكر الأثرم رحمه الله:

38 - باب كم ركعة تصلى الضحى

38 - باب كم ركعة تصلى الضحى روى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أم هانئ: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ثمان ركعات. وروى خالد عن حميد عن محمد بن قيس عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ست ركعات. وروى شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى أربعاً. وروى محمد بن إسحاق عن موسى بن أنس عن ثمامة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة)).

وروى أبو عوانة عن حصين عن عمرو بن مرة عن عمار بن عاصم عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ركعتين. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وإنما الوجه في ذلك أنه غير واجب، فمن شاء تركه أجمع ومن شاء استقل منه ومن شاء استكثر. وفي ذلك بيان في حديث رواه أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن حسين بن عطاء بن يسار عن زيد بن أسلم عن ابن عمر عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن صليت الضحى ركعتين لم تكتب من الغافلين، وإن صليت أربعاً كتبت من العابدين، وإن صليت ستاً لم يتبعك في ذلك اليوم ذنب، وإن صليت ثمانياً كتبت من القانتين، وإن صليت ثنتي عشرة بنى الله عز وجل لك بيتاً في الجنة)). فهذا حديث قد جمع تلك الأحاديث وبين المعنى فيها أنه إنما هو فضل، فمن شاء ازداد منه ومن شاء انتقص.

39 - باب في مسح الحصى في الصلاة

39 - باب في مسح الحصى في الصلاة روى الزهري عن أبي الأحوص عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا [يمسح] الحصى)). وروى يزيد بن عبد الملك عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تمسوا الحصى)). وروى هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن معيقيب أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مس الحصى، فقال: ((إن كنت لابد فاعلاً، فواحدة)). وروى ابن أبي ليلى عن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مسح الحصى: ((واحدة أو دع)).

وروى ابن أبي ذئب عن شرحبيل عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مسح الحصى: ((واحدة)). وفي هذا أحاديث. فاختلفت الرواية في هذا الباب، وأثبت ما في ذلك حديثان؛ حديث أبي ذر في الكراهة، وحديث معيقيب في الرخصة، ونرى أن الرخصة بعد الكراهية. ومما يدل على ذلك أن أبا ذر قد روى ذاك الحديث ثم صح عنه أنه رخص في ذلك: روى عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن ركانة عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال: قال لي أبو ذر: إن الأرض لا تمسح إلا واحدة. وقد ذكرنا أيضاً الكراهية عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم روي عنه أيضاً الرخصة: وروى الليث عن مجاهد عن أبي هريرة أنه رخص أن يسووا الحصى في الصلاة مرة

واحدة. وحديثه المرفوع ليس بالقوي، وهذا أيضاً ليس بالقوي. فقد صحت الرخصة في هذا الباب.

40 - باب في النعلين: أين يضعهما المصلي

40 - باب في النعلين: أين يضعهما المصلي روى حماد بن سلمة عن أبي نعامة عن أبي نضرة عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه وهو يصلي فوضعهما عن يساره. وروى ابن جريج عن محمد بن عباد عن عبد الله بن سفيان عن عبد الله بن السائب: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم يوم الفتح فجعل نعليه عن يساره. وروى ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا صلى أحدكم فليجعل نعليه بين رجليه)). فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وإنما الوجه فيها:

أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو للإمام؛ لأنه كان إماماً وليس عن يساره في إمامته أحد يشغله النعلان عن صلاته إذا جعلهما عن يساره. وحديث أبي هريرة هو لمن خلف الإمام؛ لأنه إن وضعهما عن يمينه أو عن يساره شغل بهما من يليه، وبيان ذلك في حديث رواه أبو عامر الخزاز عن عبد الرحمن بن فلان عن يوسف بن ماهك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه ولا عن يساره فتكون عن يمين غيره، إلا أن لا يكون عن يساره أحد)) فقد بين في هذا أنه إذا لم يكن عن يساره أحد جاز له أن يجعلهما عن يساره.

41 - باب الجهر بالتأمين

41 - باب الجهر بالتأمين روى الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أمن الإمام فأمنوا)). (ففي هذا الحديث بيان الجهر بالتأمين؛ لأنه قد قال: ((إذا أمن الإمام فأمنوا))) فقد بين أن تأمين الإمام يسمع، فيؤمن من خلفه بتأمينه، وفيه ما هو أبين من هذا: روى عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: ولا الضالين، جهر بآمين، ويأمرنا بذلك. وروي الجهر بالتأمين من وجوه: منها عن علي وعن عائشة رضي الله عنها، وعن وائل بن حجر،

وروى شعبة عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: ((ولا الضالين))، قال: ((آمين))، يخفيها [يمد] بها صوته. فاضطرب شعبة في هذا الحديث في إسناده، وفي كلامه: قال مرة: عن سلمة عن حجر عن وائل، وقال مرة: عن سلمة عن حجر بن عنبس عن علقمة بن وائل أو عن وائل، وقال مرة: عن سلمة عن حجر عن علقمة بن وائل عن أبيه. ورواه سفيان فلم يضطرب في إسناده ولا في الكلام، قال: عن (سلمة عن) حجر عن وائل عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يجهر بها. ثم روى ذلك عن وائل من وجه آخر.

حدثنا علي بن يعقوب قال: حدثنا أبو بكر الأثرم قال: حدثنا أبو عبد الله قال: حدثنا أبو بكر بن عياش قال: حدثنا أبو إسحاق عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: ((ولا الضالين))، قال: ((آمين))، يسمعناها)). فقد صح الجهر بالتأمين من وجوه، ولم يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيءٌ غيره.

42 - باب اختيار قصر الصلاة في السفر

42 - باب اختيار قصر الصلاة في السفر روى سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فرضت الصلاة ركعتين ثم زيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر. وروى سفيان بن سعيد عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر: صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم. وروى بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين. وروى أبو إسحاق عن أبي السفر عن سعيد بن شقيق عن ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر صلى ركعتين حتى

يرجع. والأحاديث في هذا الباب كثيرة. وروى مغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتم في السفر ويقصر. وروى عمران بن زيد التغلبي عن زيد العمي عن أنس: كنا نسافر، فمنا المتم ومنا المقصر، فلا يعيب بعضنا على بعض. وتلك الأحاديث الأولى هي أثبت، وليس هاذان بشيء.

43 - باب متى يتم المسافر الصلاة إذا قدم غير بلده

43 - باب متى يتم المسافر الصلاة إذا قدم غير بلده روى علي بن زيد عن أبي نضرة عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة أقام بها ثماني عشرة يقصر الصلاة. وروى يحيى بن أبي إسحاق عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في حجته عشراً يقصر الصلاة. وروى ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام حين فتح مكة خمس عشرة يقصر الصلاة. وأما عاصم عن عكرمة عن ابن عباس فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أقام سبع عشرة ليلة يقصر الصلاة. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة ولها معاني: فأما حديث ابن عباس وعمران بن حصين في إقامة النبي

بمكة في الفتح فإنه لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم عزيمةٌ تعلم. وكذلك السنة في من لم يعزم، أنه يقصر ما أقام، كما فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أقام عدة منهم سنتين يقصر الصلاة. وأما حديث أنس فإن حسب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ومنى كله، روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم لصبح رابعة من ذي الحجة، فحسب أنس اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع والثامن يوم التروية، والتاسع يوم عرفة، والعاشر يوم النحر، فهذه سبع من مقدمه، وثلاثة أيام التشريق، إلى أن نفر، فتلك عشرٌ، وإنما كانت عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم في الإقامة إلى يوم التروية؛ لأنه ابتدأ السفر من حين ظعن من مكة إلى منى وعرفة، وذلك أنه رجع إلى مكة فلم يقم بها، فقد صحت عزيمته على إقامة أيام يصلي فيها أربعاً وعشرين صلاة مكتوبة، فقصر فيها، فهذا أصل هذا الباب لمن عزم على أن يقيم بقدر ذلك، فإذا عزم على إقامة أكثر من ذلك، أتم للاختلاف فيحتاط.

44 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

44 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر روى الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في السفر. وروى أبو الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم،

وفيه أحاديث كثيرة. وروى الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لوقتها، إلا المغرب والعشاء بجمع. وروى معتمر عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من جمع بين صلاتين من غير عذر، فقد أتى باباً من أبواب الكبائر)). فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة وتلك الأولى أصح. فأما حديث ابن مسعود، فإنه لم يحفظ من ذلك ما حفظ غيره، والذي حفظ السنة، فأداها، أحج من الذي لم يحفظ، وإنما قال: ما رأيت، كما قال ابن عمر حين ذكر القنوت: ما رأيت ولا علمت، وأنكر المسح على الخفين، ومثل هذا كثير. ومثل ذلك أن أبا بكر في علمه بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف ميراث الجدة، حتى أخبره من ليس له مثل علمه: المغيرة بن شعبة، ووافقه محمد بن مسلمة، فأين هاذين من أبي بكر؟! ومن ذلك أنه لم يعلم دية الأذنين، وقد روى ذلك عن

النبي صلى الله عليه وسلم من هو دونه: عمرو بن حزم. ومن ذلك أن عمر لم يعلم دية الجنين، حتى حدثه حمل بن مالك بن النابغة، فأين هذا من عمر؟! ومن ذلك أنه لم يعلم حديث الاستئذان حتى حدثه أبو موسى وأبو سعيد الخدري. ومن ذلك أنه لم يعلم ميراث المرأة من دية زوجها حتى حدثه الضحاك بن سفيان. ومن ذلك أنه لم يعلم السنة في جزية المجوس حتى حدثه عبد الرحمن بن عوف.

45 - باب صلاة الاستسقاء والخطبة

45 - باب صلاة الاستسقاء والخطبة روى سفيان عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الاستسقاء ركعتين ولم يخطب خطبتكم هذه. وروى النعمان بن راشد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الاستسقاء ركعتين ثم خطب. فهذان الحديثان في ظاهرهما مختلفان، وليسا كذلك، وإنما الوجه في حديث ابن عباس أنه أنكر تطويل خطبهم في الاستسقاء، فقال: ولم يخطب خطبتكم هذه، ولم يقل: إنه لم يخطب.

46 - باب فضل الصلاة في الجماعة

46 - باب فضل الصلاة في الجماعة روى عطاء بن السائب عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فضل صلاة الجماعة بضع وعشرين درجة)). والزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خمس وعشرين درجة)). وهلال بن ميمون عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك أيضاً. وعبد الرحمن بن عمار عن القاسم بن محمد بن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وكذلك روي من وجوه. فأما عبيد الله ومالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((سبع وعشرين درجة)).

وفي بعض الحديث: ((أربع وعشرين درجة)). فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وإنما الوجه فيها عندي كنحو قوله: ((إن منكم من يصلي الصلاة وما له منها إلا عشرها أو تسعها)) حتى انتهى إلى آخر العدد، فهم يتفاضلون على معاني: إما على الخشوع وحسن القيام في الصلاة والاشتغال بها وحسن الركوع والسجود وإقامتها على فرضها وسنتها وعلى بعد المنازل من المساجد وكثرة الخطا وغير ذلك. وقد ذكر في فضل الجماعة أكثر من ذلك حتى قيل: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة مائة تترى)) رواه قباث بن أشيم عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً.

47 - باب رفع اليدين في الدعاء

47 - باب رفع اليدين في الدعاء روى شعبة عن قتادة عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في الدعاء [إلا] في الاستسقاء. وروى سليمان التيمي عن بركة عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الاستسقاء. وروى الجريري عن حيان بن عمير عن عبد الرحمن بن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الدعاء في الكسوف. وروى يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو عن أبي هلال عن أبي برزة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على رجلين فرفع يديه.

وروى خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع يديه. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وإنما الوجه في ذلك أن أنساً لم يحفظ ذلك منه إلا في الاستسقاء، وحفظه غيره من الاستسقاء وغيره من الدعاء. فالذي حفظ السنة فأداها أحج من الذي لم يحفظ.

48 - باب صلاة الليل كم هي ركعة

48 - باب صلاة الليل كم هي ركعة روى ابن عيينة عن ابن أبي لبيد عن [أبي سلمة عن] عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة منها ركعتي الفجر. وروى الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة. وروى شعبة عن أبي جمرة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة. وروى يحيى بن سعيد عن شرحبيل عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى من الليل ثلاث عشرة ركعة. وروى سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالليل ثلاث عشرة ركعة أو إحدى عشرة.

وروى فضيل بن مرزوق عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل ثمان ركعات. وروى الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل تسع ركعات. وروى عمارة بن زاذان عن أبي غالب عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل سبع ركعات. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وإنما الوجه فيها أن ذلك كله جائز وكلٌ كان يفعل.

49 - باب التطوع على الراحلة في السفر

49 - باب التطوع على الراحلة في السفر روى ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته نحو المشرق في غزوة أنمار. وروى هشام عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وروى سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وعمرو بن يحيى عن سعيد بن يسار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وسفيان عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وعبد الملك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم

نحوه. وهو أيضاً من وجوه سوى هذا. وروى ربعي بن عبد الله بن الجارود عن عمرو بن أبي الحجاج عن الجارود بن أبي سبرة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يتطوع على راحلته استقبل القبلة فكبر، ثم صلى حيث توجهت به. فهذا الحديث كأنه في الظاهر خلاف تلك الأحاديث وإنما الوجه في ذلك أن هذا مفسرٌ لتلك الأحاديث.

50 - باب القرآن في كم يختم

50 - باب القرآن في كم يختم روى شعبة وهمام عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يفقه من قرأ في أقل من ثلاث)). وروى عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((اقرأه في سبع، لا تزد على ذلك)). وروى ابن لهيعة عن حبان بن واسع عن أبيه عن سعد بن المنذر أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أقرأ القرآن في ثلاث، قال: ((إن استطعت)). وروى معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأه في أربعين، فلم يزل يناقصه حتى انتهى إلى

سبع. وروى أبان العطار عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأه في شهر، ثم لم يزل يناقصه حتى انتهى إلى سبع. وروى هشام الدستوائي عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأه في سبع، قال: فما زلت أناقصه حتى قال لي: ((اقرأه في يوم وليلة)). فهذه الأحاديث مختلفة في ظاهرها، وإنما الوجه فيها: أن ذلك على قدر الإطاقة، فمن أطاق: قرأ به في أدنى ما جاء من ذلك، ومن لم يطق: كانت الرخصة له إلى الأربعين.

51 - باب الصلاة الوسطى

51 - باب الصلاة الوسطى روى الأعمش عن أبي الضحى عن شتير بن شكل عن علي رضي الله عنه: أن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر، قال: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى)). وكذلك روى عاصم عن زر عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وشعبة عن قتادة عن أبي حسان عن عبيدة عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصلاة الوسطى صلاة العصر)). وروي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة. وروى مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن

أبي يونس عن عائشة رضي الله عنها أنها أمرته أن يكتب لها مصحفاً، فأمرته أن يكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) وقالت: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا الحديث في ظاهره كأنه مخالف لسائر الأحاديث، وليس كذلك، ولكن الوجه فيه: أن الله عز وجل إنما ذكر الصلاة الوسطى وأمر بالمحافظة عليه أمراً بعد أمر، فقال: {حافظوا على الصلوات}، فلا يشك أنه قد دخل في ذلك صلاة العصر لأنها من الصلوات، ثم قال: {والصلاة الوسطى}. فأمر بالمحافظة عليها أمراً ثانياً، ثم قال: (وصلاة العصر) توكيد بعد توكيد. والدليل على ذلك ظاهر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي العصر. ومما يبين ذلك أن عائشة نفسها قد قالت: إن الصلاة الوسطى هي العصر: كذلك روى محمد بن عمرو عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: صلاة الوسطى هي صلاة

العصر. وروى سليمان التيمي عن قتادة عن أبي أيوب عن عائشة قالت: صلاة الوسطى هي العصر. فهذا يبين لك أن تأويل الآية التي ذكرت عائشة أنها سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وصفنا.

52 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كيف هي

52 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كيف هي روى شعبة ومسعر عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: ((قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد)) وقال بعضهم: ((وعلى آل محمد))، ((كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد)) وقال بعضهم: ((وعلى آل محمد))، ((كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد)). وروى يزيد بن عبد الله بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم)). وروى داود بن قيس عن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين، إنك حميد

مجيد)). وروى معمر عن ابن طاووس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((اللهم صل على محمد (وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد [وبارك] على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد)). روى مجمع بن يحيى عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما

باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)). وروى محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد عن عقبة بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قولوا: اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)). وروى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرو بن سليم عن أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد)). وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي داود عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قالوا: اللهم [اجعل] صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وآل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد)).

فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وإنما الوجه في ذلك أنه كله جائز، فما كان منها صحيح الإسناد، فمن عمل بشيء مما صح منها جاز، وكل هذا الباب صحيح الإسناد، إلا حديث بريدة وحديث الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يسم. فأما حديث بريدة ففي إسناده رجل متروك. وأما الآخر فمرسل. ثم سائر الأحاديث حسان وبعضها أصح من بعض ونختار حديث كعب بن عجرة الأول لجودة إسناده.

53 - باب تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة))

53 - باب تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة)) روى أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل مولود يولد على الفطرة، حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه)). وروى همام عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن مطرف عن عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم)). وروى قتادة عن أبي حسان عن ناجية بن كعب عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد يولد مؤمناً، ويعيش مؤمناً، ويموت مؤمناً، والعبد يولد كافراً، ويعيش كافراً، ويموت كافراً)). وروى معتمر عن أبيه عن رقبة عن أبي إسحاق عن

سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو أدرك لأرهق أبويه طغياناً وكفراً)). فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها وليست كذلك لأن لها وجوهاً عند من فهمها، وليست هذه من الأحاديث التي تختلف؛ لأنها إنما هي أخبار مؤداة، وإنما تختلف الأحاديث في التحليل والتحريم للأمر يكون بعد الأمر، والرخصة بعد الشدة، فأما الأخبار المؤداة عن الله عز وجل فهي غير مختلفة، وإنما يؤتى بعض الناس فيها من قلة المعرفة بوجهها، إلا أنه ربما جاء الحديث الضعيف فذاك مما لا يعتد به. فأما قوله: ((كل مولود يولد على الفطرة)) فإن بيان وجه هذا الكلام في كتاب الله عز وجل، وفي الأحاديث بعد، وذلك قول الله عز وجل: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا}. ثم جاءت الأحاديث بتفسير ذلك: أن الله عز وجل أخذهم في صلب آدم كهيئة الذر، فأخذ عليهم جميعاً العهد والميثاق بأنه ربهم، فأقروا له بذلك أجمعون، ثم

[ردهم] في صلب آدم. وقال في آية أخرى: {فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله}، فكان بدو ما ابتدأ الله به فطرة الخلق أجمعين قبل أن يخلقهم على الإقرار به، وإنما معنى الفطرة ها هنا: ابتداء الخلق، ولا يعني بذلك فطرة الإسلام، ألا تراه يقول: {لا تبديل لخلق الله} مما يبين قوله: {الحمد لله فاطر السموات والأرض}. يعني أنه بدأ خلقها، ومما يبين ذلك حديث ابن عباس أنه اختصم إليه أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، يعني ابتدأتها. وقال: {قل الذي فطركم أول مرةٍ} يعني ابتدأ خلقهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللبن: الفطرة)) أي أنه ابتداء ما يغذى به الصبي، وقد قال: ((اعتبروا الرؤيا بأسمائها))، فلما

كان اللبن يبتدأ به الصبي، تأوله في فطرة الإسلام. وذلك أن الكلمة الواحدة من كلام العرب تستعمل في مواضع كثيرة، قال الله عز وجل: {وكذلك جعلناكم أمةً} فهذا له معنى، وقال: {إن إبراهيم كان أمةً}، فجعل في تلك الآية أهل الإسلام أجمعين أمة، وجعل في الآية الأخرى إبراهيم وحده أمة، فهذا له معنى آخر، وقال: {واذكر بعد أمةٍ} فهذا له معنى ثالث، يعني به بعد نسيان، وقال: {أخرنا عنهم العذاب إلى أمةٍ}، فهذا له معنى رابع [يعني] إلى أجل، ومما يبين ذلك أنه لم يعن بقوله: كل مولود يولد على الفطرة، كل مولود يولد على الإسلام: ما اجتمعت عليه الأمة على تأويل الكتاب والسنة أنه لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، ثم أجمعوا على أن اليهودي والنصراني والمجوسي إن مات وله ولد رضيع أو صغير، أنه يرثه، وأنه إن مات ولده الصغير أو أخوه ورثه الكافر الكبير؛ لأنه على دينه، فلو كان المولود على الفطرة معناه أنه ولد على الإسلام ما ورثه إلا المسلمون، ولما دفن إلا معهم، فهذا وجه قوله: ((كل مولود يولد على الفطرة))،

وإنما أراد أنهم كلهم يولدون على تلك البداية التي كانت في صلب آدم، فمنهم من جحدها بعد إقراره بها من الزنادقة الذين لا يعرفون الله عز وجل ولا يقرون به وغيرهم ممن لم يبلغه الإسلام في أقطار الأرض الذين لا يدينون ديناً، وسائر الناس بعد من أهل الملل مقرون بتلك الفطرة التي بدئ عليها خلقهم، فلست تلقى أحداً من أهل الملل وإن كان كافراً إلا وهو يقر بأن الله ربه، وهو في ذلك بالله كافرٌ حين خالف شريعة الإسلام. وأما حديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكر فيه أن الله قال: ((خلقت عبادي حنفاء)) فإنما هو شبيه بقوله: ((كل مولود يولد على الفطرة)) وهذا أيضاً يوضح لك أن الفطرة في ذلك الحديث إنما أراد بها الخلق، ألا تراه يقول: ((خلقت عبادي حنفاء)) وذلك أنه لم يدعهم يوم أخذهم في صلب آدم إلا إلى حرف واحد، فأجابوه، فلزمهم في ذلك الموقف اسم الطاعة والاستجابة؛ لأنه قال: {ألست بربكم قالوا بلى} وهذا يشبه تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)) فقال العلماء: إن هذا كان قبل نزول الفرائض، يقول: لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس في أول الأمر إلى

ترك الأوثان [] الأنداد، ورفض الأصنام، وأن يقروا بأنه لا إله إلا الله، ووعدهم على ذلك الجنة [فأ] جابه من أجابه، ثم فرض عليهم الصلاة، ولم يكونوا ملومين في ترك الصلاة [قبل أن تفرض] عليهم، فلما فرضت عليهم وجب عليهم الأخذ بها، وكانوا بتركها كفاراً. ثم كذلك شرائع الإسلام التي أمروا بها، فخلق الله عباده يوم أخذهم في صلب آدم كهيئة الذر على الإقرار به وعلى الطاعة فيما أمرهم به. وأما قوله: ((فإن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم)) فإن الشياطين أتتهم بتسليط الله عز وجل وإذنه، ولولا ذلك لم يطيعوهم؛ لأنه قال: {أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً} وقال لإبليس لعنه الله: {واستفزز من استعطت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم}، ثم قال: {وما يعدهم الشيطان إلا غروراً} فهو الذي أمره أن يعدهم ثم نسب ذلك إليه، فكذلك نسب الفعل إلى الشياطين.

ولولا إرادة فعلهم لم يكن؛ لأنه لا فعل في ملكه ولا يكون شيء في السموات ولا في الأرضين وما بينهن جميعاً إلا بمشيئته، فمن شك في ذلك طرفة عين من دهره فقد كفر بالله ووحيه. وأما قوله: ((إن العبد يولد مؤمناً .. .. والعبد يولد كافراً)). وهذا حديث ابن مسعود، فقد فسر هذا حديث ابن مسعود الآخر الذي [هو أصح]، إسناداً من حديث أبي حسان عن ناجية بن كعب عن عبد الله، وهو حديث سلمة بن كهيل والأعمش عن يزيد بن وهب عن عبد الله قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ((إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله عز وجل إليه الملك فيقال: اكتب أجله وعمله ورزقه وشقيٌّ أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح)) فهذا هو الذي يكون بعد ما يكون في بطن أمه أربعة أشهر مما يثبت الله عز وجل عند ذلك من الشقوة أو السعادة، ومن الكفر أو الإيمان، وذلك الذي كان فطره عليه في صلب آدم شيءٌ فقد مضى عليه أول الخلق.

وأما حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً)) فإن معناه شبيه بمعنى حديث أبي حسان؛ لأن الطبع عين الفطرة، فالطبع هو الذي يكون في بطن أمه من تمام خلقه وإحكام صورته ونفخ الروح فيه على ما قدر الله له من الهدى والضلالة. فهذه الأحاديث كلها يرجع معناها إلى أمرٍ واحدٍ على تأول أهل السنة والعلم.

54 - باب الصوم في السفر

54 - باب الصوم في السفر روى الزهري عن صفوان بن عبد الله عن أم الدرداء عن كعب بن عاصم عن النبي عليه السلام قال: ((ليس من البر الصيام في السفر)). وروي مثل هذا عن ابن عمر وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى يونس بن يزيد عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصائم في السفر كالمفطر في الحضر)). وحديث كعب بن عاصم قال فيه بعضهم: ((ليس البر أن تصوموا في السفر ولم يقل: ((من البر)) وحديث جابر أيضاً قال فيه بعضهم: ((ليس البر)). وروى عاصم الأحول عن مورق عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم

كان في سفر فمنهم صائم ومنهم مفطر، فقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ذهب المفطرون بالأجر)). وقال الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صام في السفر ثم أفطر. وروى سعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن كليب بن ذهل عن عبيد بن جبير عن أبي بصرة: أنه أنكر على من صام في السفر؛ وقال: أيرغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وروى ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن منصور الكلبي عن دحية الكلبي أنه أيضاً أنكر ذلك، وقال: إن قوماً رغبوا عن هدي محمد صلى الله عليه وسلم. والحديث في كراهة الصوم في السفر كثير. وروى هشام بن سعد عن عثمان بن حيان عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في يوم شديد

الحر، وما فينا صائم إلا النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة. وروى مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم [يصب] على رأسه الماء بالعرج وهو صائم. وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن حمزة الأسلمي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر، فقال: ((إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)). وروى حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم صام في السفر وأفطر. وروى ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم صام في السفر وأفطر. وروى سعيد بن أبي عروبة عن عبد السلام عن حماد عن

إبراهيم عن علقمة عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم صام في السفر وأفطر. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وإنما الوجه في ذلك أن أول الأمرين كان في اختيار الصوم في السفر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر ثم أفطر، فاختاروا الفطر لقوله: إنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما هذه الأحاديث التي ذكر [ .. ... ] أنه كان يصوم في السفر، فإن وجه ذلك أن يكون في أول الأمرين. وأما قوله لحمزة بن عمرو: ((إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)) فإنه مفسرٌ في حديث آخر: أن حمزة كان رجلاً يعالج الظهر فيكريه [ .. ... ] السفر [ .. ... ] مقامه بمنزلة الملاحين والمختلفين، فخيره لذلك.

وأما قوله: ((صائم رمضان في السفر، كمفطره في الحضر)) فهذا أغلظ ما جاء فيه، ولكنه لم يثبت؛ لأن أبا سلمة فيما يقال: لم يسمع من أبيه، وهذا الحديث أيضاً رواه عدة عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبيه موقوفاً ورفعه واحد، فالأمر في هذا الباب على اختيار الإفطار في السفر، وأنه من صام لم يصم يلتمس بذا [ .. ... ]، ومعنى ذلك: أن لا يقول: إن الصوم أبر الأمرين وأفضلهما، ولكن الفضل في اتباع السنة، والأخذ بالرخصة، لقوله: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدةٌ من أيامٍ أخر} ثم قال: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}. ثم جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل [يحب] أن يؤخذ برخصه، كما يحب أن يطاع في [ .. ... ])). وكذلك تقصير الصلاة في السفر، هي رخصة من الله عز وجل فالأخذ بها أحسن، فإن صام في السفر فقد أجزأه.

55 - باب صوم ثلاثة أيام من كل شهر

55 - باب صوم ثلاثة أيام من كل شهر روى حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي عثمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر فكأنما صام الدهر)). وروى عاصم عن أبي عثمان عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وروى شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((صوم ثلاثة أيام من كل شهر، صوم الدهر وإفطاره)). وروى يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثاً من كل شهر، قلت: من أية؟ قالت: لم يكن يبالي من أيه كان. وروى الأسود بن شيبان عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن

أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يصوم [ثلاثاً من] كل شهر. ثم جاءت أحاديث كثيرة مسندة صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بصيام البيض وذكر فضلها، وجاءت أحاديث بأنه كان يصوم شعبان. وجاءت أحاديث [ .. ... ] فيها: أنه كان يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وجاءت أحاديث أنه سئل: أي شهر أفضل بعد رمضان؟ فقال: ((المحرم))، وجاءت أحاديث أن أفضل الصيام، صوم داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً؛ وجاءت أحاديث: أن من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر، فكل هذه قد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم. فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، ولها وجوه ومعاني: وذلك أن أصل الفرض إنما هو الشهر المبارك الذي افترضه الله عز وجل، وأجمع أهل الإسلام على صومه، وكانت

الفسحة فيما بعده للأمة، وكان الصوم بعده تطوعاً، وكانت الفضائل في بعضه أكثر منها في بعض، وكان من شاء استكثر من تلك الفضائل، ومن شاء استقل، ومن شاء تركها إلى غير حرج. أما سمعت حديث طلحة بن عبيد الله في قول الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم حين سأله عن الصوم فذكر شهر رمضان، فقال: هل علي غيره، قال: ((لا، إلا أن تطوع)) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لئن صدق ليدخلن الجنة)) وذلك عند قوله: ((والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنتقص منه)). ومثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي قال: إني لأبغض فلاناً، فكان مما احتج به عليه: أنه لا يصوم إلا شهر رمضان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قم، إن أدري لعله خيرٌ منك)). في أشباهٍ لهذا كثيرة. وإنما يرى أنه كره أن يجعل شيئاً من هذه الفضائل في الصوم معلومة فيلم بها الناس، فتكون كالشيء المفترض عليهم، فأخذ ببعضها في وقت، وأخذ ببعضها في آخر، وذكر لكل شيء فضيلة؛ لئلا يلزم شيء واحد بعينه كأنه لا يجوز

غيره، فيكون بمنزله [ .. ... ] الواجب، ففي صوم ثلاثٍ من كل شهر فضلٌ، فإن تعمد به البيض كان أفضل، وإن صامهن في غير البيض فقد أخذ بفضلٍ دون فضل، وكذلك سائر ما ذكرناه.

56 - باب صيام العشر

56 - باب صيام العشر روى الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً العشر قط. وروى موسى بن علي عن أبيه عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يوم عرفة وأيام التشريق أيام أكل وشرب)). وروى مسعود بن واصل عن النهاس بن قهم عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صيام كل يوم من العشر يعدل صيام سنة)). وروى أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل صوم يوم عرفة أيضاً. ورويت أحاديث فضل صوم يوم عرفة. وروى حوشب بن عقيل عن مهدي عن عكرمة عن أبي

هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. وروت أم الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة. وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة. وابن عمر أيضاً. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، فأما حديث عائشة الأول: فإنه ليس فيه بيان مذهب، وذلك أنها لما حكت أنها لم تره صائم العشر، فقد يكون ذلك على أنها لم تره هي، ورآه غيرها، وذلك أنه إنما كان يكون عندها في الأيام يوماً، وقد يكون ذلك على أن يكون لم يصم العشر على أنه ليس بواجب ومن صامه فله فضل، فليس في هذا بيان. وأما حديث عقبة بن عامر فإنه حديث تفرد به موسى بن علي، وروى الناس هذا الحديث من وجوه كثيرة، فلم يدخلوا فيه صوم عرفة، غيره. وقد يكون من الحافظ الوهم أحياناً، فالأحاديث إذا تظاهرت فكثرت كانت أثبت من الواحد الشاذ، كما قال

إياس بن معاوية: إياك والشاذ من العلم، وقال إبراهيم بن أدهم: إنك إن حملت شاذ العلماء حملت شراً كثيراً. فالشاذ عندنا: هو الذي يجيء بخلاف ما جاء به غيره، وليس الشاذ الذي يجيء وحده بشيءٍ لم يجئ أحد بمثله ولم يخالفه غيره. ومما يؤكد صحة صوم يوم عرفة مع الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضله: أن الأئمة قد صاموه، قد روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يصومه ويذكر فضيلته، وعن عائشة أنها قالت: ما من السنة يوم أحب إلي أن أصومه من يوم عرفة. وعن ابن عمر أنه سئل عن صوم يوم عرفة فقال: أحق الأيام أن يصام. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان يصوم يوم عرفة. وعن عثمان بن أبي العاص أنه كان يصومه. وأما حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، فإن فيه بيان الكراهة [ .. ... ] وذلك أن الصوم

في غير يوم عرفة ممكن لمن أراده، ويوم عرفة يومٌ كافٍ بأجره، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأحبوا أن يتقووا على الدعاء والتضرع وأن يكون في ذلك جدهم ووقوفهم. ومما يبين ذلك أن ابن عمر كما قد ذكرنا، قال في صوم يوم عرفة: هو أحق الأيام أن يصام. ثم سئل عن صوم يوم عرفة بعرفة، فقال: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه، فأنا لا أصومه. فالأمر في هذا الباب على أن صوم يوم عرفة وسائر العشر قبل الأضحى حسنٌ، وأفضلها يوم عرفة، وأنه لا يصام يوم عرفة بعرفة للذي يحتاج إليه من القوة هناك، ولأنه صوم في سفر، وقد قيل فيه ما قيل إنه: ((ليس من البر الصوم في السفر)).

57 - باب صوم يوم الجمعة

57 - باب صوم يوم الجمعة روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده)). وفي النهي عن صوم يوم الجمعة، مفرداً أحاديث منها: حديث جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم جمعة وهي صائمة، فقال لها: ((أصمت أمس؟)) قالت: لا، قال: ((أفتريدين أن تصومي غداً؟)). قالت: لا، قال: ((فأفطري)). ومن ذلك حديث بشير بن الخصاصية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصوموا يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها أو في شهر)). وروى ليث عن عمير بن أبي عمير عن ابن عمر قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مفطراً يوم جمعة قط.

وروى الحسن بن أبي جعفر عن أيوب عن محمد عن ابن عمر قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة قط صائماً. فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها. ومع ذلك أيضاً ما ذكر من فضل يوم وإفطار يوم، فقد يصوم يوم الجمعة في ذلك مفرداً، إذا كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، لأنه ربما وقع فطره يوم الخميس وصومه يوم الجمعة. فوجه أحاديث النهي عن تفرد صوم يوم الجمعة إنما هو على التعمد لذلك، يريد أن تتعمد صوم الجمعة تلتمس فضيلته، فهذا هو المنهي عنه. فأما الذي يلتمس الفضيلة في صوم يوم وإفطار يوم، فيوافق ذلك صوم يوم الجمعة خاصة، فليس بالمنهي عنه. وأما الحديثان اللذان ذكرنا عن ابن عمر في هذا الباب فكلاهما واهٍ، وقد روي عن عدة من التابعين أنه لا بأس إذا كان يصوم يوماً ويفطر يوماً أن يصوم الجمعة وحده.

58 - باب في صوم يوم بعينه

58 - باب في صوم يوم بعينه روى سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: قلت لعائشة: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يختص من الأيام شيئاً؟ قالت: لا. وروى أبان بن يزيد عن عاصم عن معبد بن خالد عن سواءٍ الخزاعي عن حفصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الإثنين والخميس. وروى محمد بن رفاعة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعرض الأعمال على الله عز وجل يوم الإثنين ويوم الخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)). فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، ولها وجوه: فنرى أن حديث عائشة إنما وجهه أن ذلك لم يكن منه دائماً مخافة أن يوجبه، وأن سائر الأحاديث على أنه قد كان يفعله كثيراً ويتركه أحياناً.

59 - باب صوم يوم عاشورء

59 - باب صوم يوم عاشورء روى حصين عن الشعبي عن محمد بن صيفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم في يوم عاشوراء: ((صوموا هذا اليوم، فمن كان طعم فليتم بقية يومه)). ثم روي مثل هذا بعينه عن جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ابن عباس، وهند بن أسماء، وأسماء بن حارثة، وسلمة بن الأكوع، وغيرهم. وروي من أكثر من عشرين وجهاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصوم يوم عاشوراء. وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن أهل الجاهلية كانوا يصومون عاشوراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صامه قبل أن يفترض رمضان [وترك عاشوراء]، فلما فرض رمضان، قال: ((من شاء صامه ومن شاء تركه)). وروى هشام عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم

عاشوراء وأمر بصومه، فلما فرض رمضان ترك عاشوراء. وروى أشعث بن أبي الشعثاء عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصوم عاشوراء، فلما فرض رمضان لم يأمر به، ولم ينه عنه. وروى سلمة بن كهيل عن القاسم بن مخيمرة عن أبي عمار عن قيس بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا أيضاً. وروى الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان ترك. وروى الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في يوم عاشوراء: ((هذا يوم عاشوراء، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر)). فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، ولها معاني، وهذا عندنا من الناسخ والمنسوخ.

وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وكد صومه في أول الأمر قبل نزول شهر الصوم، حتى أمرهم بأن يتموا بقية يومهم وإن كانوا قد أكلوا، وإنما يفعل ذلك في الفريضة. ثم جاءت الأحاديث بما يبين أن ذلك كله كان قبل شهر رمضان، فلما فرض شهر رمضان كان ما سواه تطوعاً. ومما يؤكد ذلك أن معاوية إنما أسلم يوم الفتح، وقد فرض الله عز وجل صوم شهر رمضان قبل ذلك بسنين، ثم حكى معاوية أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخبر الناس بأنه صائم ويقول لهم: ((من شاء منكم فليصم)) ففي هذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث بيان نسخ إيجاب صوم عاشوراء، وفيه أيضاً بيان [لأن] النسخ لم يكن على تركه البتة، ولكن على أنه صار تطوعاً، فمن شاء فعله، ومن شاء تركه.

60 - باب في القبلة للصائم

60 - باب في القبلة للصائم روت عائشة وحفصة وأم سلمة وأم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم. إلا أن حديث أم حبيبة أضعفها. وروى الليث بن سعد عن بكير بن الأشج عن عبد الملك بن سعيد عن جابر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قبلت وأنا صائم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ((أرأيت لو تمضمضت بماءٍ وأنت صائم)) فرخص له. وروى معتمر بن سليمان عن حميد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في القبلة للصائم. وروى إسرائيل عن زيد بن جبير عن أبي يزيد عن ميمونة –مولاة للنبي صلى الله عليه وسلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن القبلة للصائم، فقال: ((قد أفطر)).

وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن قيصر التجيبي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص فيها للشيخ وكرهها للشاب. وروى أبان بن عبد الله البجلي عن أبي بكر بن حفص عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص فيها للشيخ وكرهها للشاب فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها والمعنى فيها واحد والكراهية فيها إنما هي لمن لا يملك أربه، وذلك أن ينتشر فيمذي، فيحرج صومه، فلذلك كرهها للشاب دون الشيخ. وقالت عائشة: وأيكم كان أملك لأربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإذا خاف الصائم أن ينتشر اجتنبها، وإذا أمن ذلك فلا بأس بها.

61 - باب المباشرة للصائم

61 - باب المباشرة للصائم روى الأعمش عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لأربه. وروى إسرائيل عن أبي العنبس عن الأغر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للشيخ أن يباشر وهو صائم، ونهى الشاب. وهذه المسألة أيضاً قصتها شبيهة بقصة القبلة للصائم.

62 - باب الوصال في الصيام

62 - باب الوصال في الصيام روى حميد عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال. والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وسلمة بن كهيل عن قزعة عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال. وروى ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل. وعن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل. وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم

واصل. وفي هذا الباب أحاديث، فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها وإنما الوجه فيها أن ذلك كان خاصاً للنبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه أصحابه، فقال: ((إني لست مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقين)). آخر الجزء الثاني ويتلوه في الثالث باب الهلال يرى ما يقول والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً.

الجزء الثالث من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه

الجزء الثالث من كتاب ناسخ الحديث ومنسوخه تأليف أبي بكر أحمد بن محمد بن هاني الطائي الأثرم مما رواه عنه أبو الحسن علي بن يعقوب بن إبراهيم الكوسج رواية أبي الحسين علي بن محمد بن سعيد الموصلي الخفاف عنه رواية الشيخ أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة عنه أبي الحسين محمد عبد الله بن أخي ميمي إجازة عنه

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الشيخ أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة قراءةً عليه قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله ابن أخي ميمي إجازةً قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سعيد الخفاف الموصلي، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن يعقوب الكوسج قال: قال أبو بكر الأثرم:

63 - باب الهلال يرى ما يقول

63 - باب الهلال يُرى ما يقول روى محمد بن بشر، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن رجل، عن عبادة بن الصامت، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: "الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أسألك خير هذا الشهر، وأعوذ بك من شر القدر، ومن شر يوم الحشر". وروى عبد العزيز بن حصين عن عبد الكريم عن أبي عبيدة بن رفاعة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: "الله أكبر، هلال خير ورشد آمنت بخالقه ثلاثاً، ثم يسأل لنفسه". وروى عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب عن أبيه وعمه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: "الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله". وروى أبو عامر عن سليمان بن سفيان عن بلال بن يحيى بن طلحة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: "اللهم أهله علينا باليمن والإيمان

والسلامة والإسلام ربي وربك الله". فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وكلها ليست بأقوى الأحاديث، وإنما الوجه أن ذلك ليس فيه شيء مؤقت، وأي ذلك قاله فهو جائز.

64 - باب صوم يوم السبت

64 - باب صوم يوم السبت روى ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم". فجاء هذا الحديث بما خالف الأحاديث كلها فمن ذلك حديث علي، وأبي هريرة، وجندب أن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر بصوم المحرم". ففي المحرم السبت، وليس مما افترض. ومن ذلك حديث أم سلمة وعائشة، وأسامة بن زيد وأبي

ثعلبة، وابن عمر أن النبي صلى الله عليه سلم كان يصوم شعبان. وفيه السبت. ومن حديث [ ...... ] وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر". وقد يكون فيه السبت. ومن ذلك الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء. وقد يكون يوم السبت.

ومن ذلك: الترغيب في صوم يوم عرفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً، وقد يكون يوم السبت، ومن ذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في صيام البيض، وقد يكون فيه السبت. وأشياء كثيرة توافق هذه الأحاديث.

65 - باب في المسكر

65 - باب في المسكر روى الزهري عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل شراب أسكر فهو حرام". وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وموسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومحمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل مسكر خمر". وروى محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعبيد الله بن عمر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام". وروى أبو عثمان الأنصاري- وكان ثقة- عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم "ما أسكر الفرق فالحسوة منه حرام ". وروى الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر ابن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره". وروى عمر بن الخطاب، وعلي، وابن مسعود، وجابر، وأبو هريرة، وميمونة، وأم حبيبة، وأنس، ومعاوية، وبريدة والأسلمي، وجماعة سواهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر حرام". وروى الديلم الحميري أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشراب

الذي يتخذونه بأرضهم فقال: " أيسكر؟ " فقال: نعم. قال: "فلا تشربه". قال: فإنهم لا يصبرون عنه، قال: "فإن لم يصبروا عنه فاقتلهم" وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل مسكر حرام". والذي نفسي بيده لمن شرب مسكراً إن حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة" وروى طلق بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المسكر: "لا يشربه رجل فيسقيه الله عز وجل الخمر يوم القيامة ". وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شرب مسكراً نجس، ونجست صلاته أربعين يوماً". فتواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم قليل المسكر وكثيره، وأنه خمر. ثم روى قوم يستحلون بعض ما حرم الله عز وجل أحاديث لا أصول لها فمنها حديث رواه أبو الأحوص عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة بن نيار،

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشربوا في الظروف ولا تسكروا". فتأولوا هذا الحديث على ما أحبوا فوافقوا أهل البدع في تأويلهم المتشابه وتركهم المحكم، قال الله عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران/7]. وهذا حديث له علل بينة، وقد طعن فيه أهل العلم قديماً فبلغني أن شعبة طعن فيه. وسمعتُ أبا عبد الله يذكر أن هذا الحديث إنما رواه سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نهيتكم عن ثلاث: عن الشرب في الأوعية، وعن زيارة القبور، وعن لحوم الأضاحي. فأما لحوم الأضاحي فكلوا وادخروا، وأما زيارة القبور فزوروها، وأشربوا في الأوعية ولا تشربوا مسكراً". قال: فدرس كتاب أبي الأحوص فلقنوه الإسناد والكلام، فقلب الإسناد والكلام، ولم يكن أبو الأحوص، يقول أبي بردة بن نيار: كان يقول أبو بردة، وإنما هو عن ابن بريدة فلقنوه أن أبا بردة إنما هو ابن نيار فقاله.

وقد سمعت سليمان بن داود الهاشمي يذكر أنه قال لأبي الأحوص من أبو بردة؟ فقال أظنه ثم قال: يقولون ابن نيار. وهذا حديث معروف، قد رواه غير واحد عن سماك عن القاسم عن ابن بريدة عن أبيه على ما وصفناه، ثم جاءت الأحاديث بمثل ذلك عن بريدة رواها علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه. ورواها محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه. ورواه أبو فروة الهمداني عن المغيرة بن سبيع عن ابن بريدة عن أبيه. فلو لم يجئ لهذا الحديث معاريض من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لم يكن هذا مما يصح به خبر لبيان ضعفه. واحتجوا أيضاً بحديث رواه يحيى بن اليمان، وعبد العزيز بن أبان عن سفيان عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وهو يطوف بالبيت فأتي بنبيذ من نبيذ السقاية، فقربه إلى فيه فقطّب فدعا بماء فصبه عليه، فقال رجل يا رسول الله أحرام هو؟ فقال:

لا. وهذا حديث يحتج به من لا فهم له في العلم ولا معرفة بأصوله. وقد سمعت من أبي عبد الله ومن غيره من أئمة أهل الحديث في هذا الحديث كلاماً كثيراً، وبعضهم يزيد على بعض في تفسير قصته. فقال بعضهم هذا حديث لا أصل له ولا فرع، وقال إنما أصل هذا الحديث الكلبي، والكلبي متروك عند أهل العلم، وكان يحيى بن اليمان عندهم ممن لا يحفظ الحديث، ولا يكتبه وكان يحدث من حفظه بأعاجيب وهذا من أنكر ما روى. وأما الذي روى عنه فإنه قد عثر عليه بما هو أعظم من الغلط مما قد كنّينا عنه لصعوبته وسماجة ذكره. وفي هذا الحديث بيان عند أهل المعرفة أجمعين، لأنه زعم أنه قد شرب من نبيذ السقاية نبيذاً شديداً فجعله حجة في تحليل المسكر، وتأولوا أنه لا يقطب إلا من شدة، وأنه لا يكون شديداً غير مسكر، فرجعوا أيضاً إلى الأخذ بالتأويل فيما تشابه، وتركوا ما قد كفوا مئونته وفسر لهم وجهه لقوله:

"ما أسكر كثيره فقليله حرام". فهل يحتاج هذا إلى تفسير؟ فيقال لهم أيكون من النقيع ما يشتد وهو حلو قبل غليانه؟ فيقولون لا. فيقال لهم: أرأيتم نبيذ السقاية أنقيع هو أو مطبوخ؟ فيقولون نقيع. فإذا هم قد تكلموا بالكفر أو شبهه حين زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم شربه نقيعاً شديداً، أو أنه لا يشتد حتى يغلي، وأنه إذا غلا النقيع فهو خمر. فهم يقرون بأنه خمر، وهم يزعمون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد شربه ثم يحتجون بذلك في غيره ولا يأخذون به فيه بعينه. وتفسير هذا الكلام أنهم احتجوا بشرب النبي صلى الله عليه وسلم زعموا النقيع الشديد في تحليل المسكر المطبوخ، ولا يرون شرب المسكر الشديد من النقيع، فأيّ معاندة للعلم أبين من هذه؟ وهذا كقولهم إذا قعد مقدار التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته. ويحتجون في ذلك بالحديث الضعيف: "إذا رفع رأسه من آخر سجدة ثم أحدث فقد تمت صلاته ". وهم لا يقولون به، لأنهم يقولون حتى تقعد مقدار التشهد. فهذان الحديثان هما حجة من أحل المسكر مما ادعوه على النبي صلى الله عليه وسلم وأن الله عز وجل قد حرم الخمر فلم يبين في كتابه ما تفسيرها فلجأ قوم إلى أن الخمر هي خمر العنب خاصة بغير حجة من كتاب ولا سنة، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم. أولى بتفسير ما حرم الله عز جل

على لسانه فقال صلى الله عليه وسلم: "الخمر من خمسة أشياء". وقال في حديث آخر" الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة". فبدأ بالنخلة. وقال الله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَنا}. فبدأ بالنخيل قبل الأعناب، فمن أين زعم هؤلاء أن الخمر من العنب خاصة؟. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر". وقال عمر رضي الله عنه: "الخمر ما خامر العقل "؟ وقال ابن مسعود وجماعة كثيرة: المسكر خمر. حتى قال سفيان بن سعيد: باخرة النادي خمر. فمن أين جاء هؤلاء بالتفصيل بين العنب وغيره. إذ لم ينزل تحريم الخمر على النبي صلى الله عليه وسلم وإنما شرابهم الفضيخ لا يعرفون غيره، فلما تليت عليهم الآية بالتحريم هراقوا آنيتهم، وكانت هي خمرهم، فقال قائلهم: أليس قد قال ابن عباس: "حرمت الخمر بعينها،

والسكر من كل شراب". وهذا حديث رووه عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس. فافهم بيان الحجة عليهم في هذا من وجوه منها: أن شعبة كان أعلم بأبي عون، وأروى عنه من مسعر، ولم يسمع شعبة هذا الحديث من أبي عون، فرواه عن مسعر، فشعبة كان أحرى أن يؤدي ما سمع من مسعر. قال شعبة فيه عن مسعر بهذا الإسناد: حرمت الخمر بعينها، والمسكر من كل شراب. وهم يتأولون، أن قوله "والسكر من كل شراب"تحليل لما دون السكر من الشراب، وقد جاء ما بيّن هذا حين تركوا ما بان تفسيره وأخذوا بما قد تشابه ذكره، لأن ابن عباس قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل مسكر حرام. وقال ابن عباس: من سرّه أن يحرم ما حرم الله ورسوله فليحرم بنبيذ الجر. وإنما كره نبيذ الجر لأنه يشتد في الجر

حتى يكون مسكراً ليس لأن الظروف تحرمه. وقال ابن عباس أيضاً: "ما أسكر كثيرة فقليله حرام ". فكفى هذا من تأويل. وقيل لابن عباس ما تقول في شراب يصنع من القمح؟ قال: "أيسكر؟ " قيل له: نعم. قال: "هو حرام ". قيل فما تقول في شراب يصنع من الشعير؟ حتى سأله عن أشربةٍ. فقال قد أكثرت عليّ. "اجتنب ما أسكره" فردوه إلى تحريم كل شيء يسكر منه. وقال ابن عباس: "ما أسكر فهو حرام". فأين هذا مما يتأولون عليه. فأما تمييزه بين الخمر والسكر فإن هذا كلام بين لمن فهمه، وذلك أن الخمر من خمسة أشياء خاصة، فما كان من تلك الخمسة الأشياء فهو خمر، وما سواهن فهو حلال ما لم يكن مسكراً، فإذا أسكر كثيره من سائر الأشياء فهو حرام.

فقال قائلهم أليس قد شرب عمر نبيذاً شديداً. وقال نشرب هذا النبيذ الشديد لنقطع لحوم الإِبل في بطوننا. فرجعوا أيضاً إلى المتشابه من الكلام الذي لا يصح مخرجه، ولا يثبت خبره ولا يوافق ما روى عن عمر من الوجوه الصحاح معناه. وذلك أن أبا حيان التيمي، وعبد الله بن أبي السفر وغيرهما رووه عن الشعبي عن ابن عمر عن عمر أنه قال: "الخمر ما خامر العقل ". فجعل كل شراب غيّر العقل خمراً. والخمر لا يحل منها قليل وإن لم يسكر إلا أن يدعوا أن هذه خمر غير تلك التي حرم قليلها. أفتزعمون أن عمر رضي الله عنه حرم خمراً، وحرم الله خمراً أخرى؟ فهذان إذاً خمران. أحدهما حرمها الله تعالى، والأخرى حرّمها عمر. أو ليس قد بيّن في حديثه فقال: "يا أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة. ثم قال: والخمر ما خامر العقل. فإن أقررتم فقلتم بلى". إنما أراد عمر رضي الله عنه ما حرم الله ففسره.

فقل أيحل ما حرم الله ما دون السكر؟ أو ليس إنما كان هذا قبل بيان تحريمها حين أباح لهم ما دون السكر منها، ونهاهم عن شربها في أوقات صلواتهم، ثم استأصل أمرها بالنهي عن قليلها وكثيرها حتى أوقعت العداوة والبغضاء، وصدت عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل ما بين ما أحللتموه وبين ما حرمتموه في المعنى الذي حرم الله له الخمر من فرق؟ أو لستم قد أحللتم ما كره الله شربه لما يوقع من الأسباب التي تجدونها واقعة بما أحللتموه. فلو لم يكن التحريم من الله عز وجل بالبيان إلا كما وصفتم أنه خمر العنب النقيع خاصة، ثم وجدتم ما سواها من الأشربة تدعوا إلى مثل ما كره الله عز وجل له تلك الخمر بعينها. ألم يكن ينبغي لكم أن تحرموا ما ضارع ما حرم الله عز وجل ودعا إلى مثل ما يدعوا إليه. أو ليس إنما حرم الله عز وجل الميسر الذي كانوا يتقامرون يومئذ في أشياء معروفة بأعيانها، فحرم المسلمون جميع القمار، حتى ألحقوا بذلك كلما حدث من هذا النحو إلى أن قالوا: لعب الصبيان بالجوز والكعاب. وحرم الله عز وجل على بني إسرائيل أكل الشحوم، فعابهم النبي صلى الله عليه وسلم بأكل أثمانها، ولو أن عمر رضي الله عنه أراد الذي ادعيتم ما كانت لكم فيه حجة، لأنا وجدناكم تتركون قول

عمر إذا شئتم، وتحتجون عليه بأثمة ضلالة، فكيف يلزمكم قوله فيما قد صح عن النبي صلى الله علي وسلم خلافه. هذا لو كان المذهب في قول عمركما ادعيتم، وقد صح لنا أن عمر قد حرم من المسكر مثل الذي حرمه الله ورسوله. فمن ذلك ما ذكرنا من قوله: "الخمر ما خامر العقل ". وقوله: "الخمر من خمسة". ومن ذلك أن عمر رضي الله عنه قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن كل مسكر حرام ". ومن ذلك حديث الزهري عن السائب بن يزيد قال سمعت عمر رضي الله عنه يقول: "ذكر لي أن عبيد الله بن عمر وأصحاباً له شربوا شراباً وأنا سائل عنه، فإن كان يسكر جلدتهم"، فجلدهم الحد ثمانين. فهو قد علم أنهم قد شربوا، وإنما قال أسأل عما شربوا، فإن كان يسكر ولم يقل أسأل عنهم هل سكروا. وقال: عبيد الله بن عمر العمري إنما كسر عمر النبيذ الذي شربه لشدة حلاوته، وكذلك قال الأوزاعي أيضاً.

وأهل العلم أولى بالتفسير وفي حديث محمد بن جحادة أن الشراب الذي أتى به عمر فكسره إنما كان خلاً، قد خرج من حد المسكر. فهذا أشبه أن يكون ما روى عن عمر متقارباً لا يخالف بعضه بعضاً. وقالوا إن عمر قال لعتبة بن فرقد "إنا ننحر كل يوم جزوراً، فأما أطايبها فللمسلمين، وأما العنق وكذا فلنا، نأكل هذا اللحم الغليظ ونشرب عليه هذا النبيذ الشديد يقطعه في بطوننا". وقد ذكروا في هذا الحديث أن عتبة بن فرقد قال: قدمت عليه بسلال من خبيص فأنكر عليه. وهذا حديث مدفوع عند أهل العلم بأشياء مفهومة منها: أن أبا عثمان النهدي قال: كنت مع عتبة بن فرقد بأذربيجان فبعث إلى عمر رضي الله عنه بسلال من خبيص فردها إليه وكتب إليه إنه ليس من كدّك، ولا من كدّ أبيك، ولا من كدّ أمك. فهذا عتبة قد أرسل إلى عمر بشيء فأغضبه، ورده.

أفيقدم به عليه ثانية، أو يقدم به عليه فيكرهه ويلومه ثم يوجه به إليه. هذا مالا يكون إلا على وجه المعاندة والمعصية، ولم يكن عتبة كذلك، وقد كانت له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً. ومما يدفع به هذا الحديث أيضاً قوله "إننا ننحر كل يوم جزوراً" وهذا محال أن يدّعى على عمر. أما سمعت ما قال أسلم مولى عمر: عميت ناقة فقلت لعمر قد عميت ناقة من الظهر. فقال: "أقطروها إلى الإبل" قال: فقلت فكيف ترعى من الأرض؟ فقال: "افعلوا بها كذا" يلتمس لها حيلة لبقائها. أفيفعل هذا من يحتاج إلى جزور كل يوم، فلما لم يجد لها حيلة قال: أردتم والله نحرها. قال: فنحرها. وكانت عنده صحاف تسع، فلا يكون عنده طريقةٌ إلا بعث إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم منها في تلك الصحاف، ويجعل آخر ذلك حظ حفصة، لأنها ابنته، ثم جمع على ما بقي منها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال له العباس: "لو صنعت هذا كل يوم اجتمعنا عندك؟ " فقال: "هيهات لا أعود لهذا أبداً إنه كان لي صاحبان سلكا طريقاً، وإني أخاف إن سلكت غير طريقهما أن يسلك بي غير سبيلهما". فعمر يتقي من أن يعود لنحر جزور مرة أخرى، وهذا

يدعى أنه قد كان ينحر كل يوم جزوراً. ثم رويت هذه القصة من وجوه، وهو يقول: "لتمرنّن أيها البطن على الخبز والزيت مادام السمن يباع بالأواق ". وقال حذيفة: انطلقت إلى عمر فإذا قوم بين أيديهم قصاع فيها خبز ولحم، فدعاني عمر إلى طعامه، فإذا خبز وزيت. فقلت: منعتني أن آكل مع القوم؟ فقال: "إنما أدعوك إلى طعامي، وأما ذاك فطعام المسلمين ". فهذه الأحاديث كلها مخالفة وبيان الحجج على من يستحل المسكر كثيرة قصرنا عنها لطولها. وذلك أنهم يحتجون بأحاديث وهذا الذي ذكرناه أرفع حججهم. وما بقي من حججهم من فعل ناس من الماضين فإن بيان الوهن فيه كنحو ما قد شرحنا. فإذا لم يبق لهم حجة من الأحاديث قالوا فقد شربه فلان وفلان وفلان، وذكروا ناساً قد كانوا يصيبون ويخطئون، وهؤلاء الذين يحتجون بهم فيما يهوون من تحليل المسكر، قد يخالفونهم كثيراً إذا هووا. وليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يؤخذ من قوله ويترك، وقد وجدنا ذلك في أفضل الأمة بعد النبي صلي الله عليه وسلم أما سمعت قول أبي بكر الصديق في الجد إنه بمنزلة

الأب، فلم يجعل للأخ معه ميراثاً. ثم قد وافقه على ذلك أيضاً جماعة، فلم تستوحش الأئمة فراق قوله لأنه لا ينكر أن يترك بعض قوله ويؤخذ ببعضه. وقال أبو بكر رضي الله عنه: "إنه ليس في الأذن إلا خمسة عشر بعيراً". فترك الناس قوله وأخذوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم "في الأذن نصف الدية". فلو قال قائل أنا آخذ بقول أبي بكر كان أبين حجة ممن أخذ بقول فلان وفلان في تحليل ما حرمه النبي صلى الله عليه وسلم من المسكر. أو ما سمعت قول عمر رضي الله عنه: "لا يتيمم الجنب، ولا يصلي حتى يجد الماء". وضمن أنس وديعة. وقال في المسح على الخفين: "أمسح إلا من جنابة". وعثمان رضي الله عنه قال في أخت، وأم، وجد، للأم الثلث، وللأخت الثلث، وللجد الثلث. وقال: "عدة المختلعة الحيضة". وعلي رضي الله عنه قال: "تعتد الحامل المتوفى عنها آخر الأجلين".

وأجاز بيع أمهات الأولاد. وقال في الربيبة قولاً عجيباً. وابن مسعود رضي الله عنه أفتى في الصرف بفتيا عجب. وأفتى في أم المرأة التي لم يدخل بها. وفي غير ذلك. فهؤلاء قد جاز أن يترك من قولهم ما خالف آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن دونهم أبعد.

66 - باب في الخليطين

66 - باب في الخليطين روى سليمان التيمي عن أنس، وسليمان عن أبي نضرة عن أبي سعيد: أن النبي صلي الله عليه وسلم "نهى عن الخليطين". وروى حبيب بن أبي ثابت، وحبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وهو من وجوه. فهذا ما صح في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما نهى عنه أيضاً لتوكيد تحريم المسكر، لأنه إذا خلط اشتد، وإذا اشتد أسكر. وروى عن- عائشة بإسناد ضعيف- حميد بن سليمان عن مجاهد عن عائشة- عن النبي صلى الله عليه وسلم رخصة فيه. وهذا خلاف الأحاديث القوية، ومثل هذا لا تصح به

حجة ولو لم يجئ خلافه. واحتجوا بأن ابن عباس رخص فيه. وقد صح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنه. أفتراه كان يحدث الناس بنهي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعمل بغيره؟ واحتجوا بأن ابن عمر قد رخص فيه، وذلك من وجه ضعيف. وقد روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخليطين.

67 - باب الشرب في الظروف

67 - باب الشرب في الظروف هذه المسألة قل ما يوجد في السنن مثلها، وذلك أنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الظروف التي ينتبذ فيها. والرخصة في الأسقية التي تلاث على أفواهها. ثم جاءت الرخصة فيها إذا لم يكن الشراب فيها مسكراً لقوله صلى الله علي وسلم "إني نهيتكم عن الظروف فاشربوا فيها، ولا تشربوا مسكراً". ثم جاء النهي عنها أيضاً بعد الرخصة. فرجع الأمر فيها إلى النهي. وبيان ذلك كله في الرواية. روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نهيتكم عن ثلاث. فذكر الأوعية. وقال اشربوا ولا تشربوا مسكراً". وروى إسماعيل بن سميع عن مالك بن عمير أن صعصعة بن صوحان قال لعلي رضي الله عنه: انهنا عما نهاك عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "نهى رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والمقير".

ثم روى مثل هذا عن علي رضي الله عنه أيضاً من وجوه. فقد جمع علي رضي الله عنه هذه الأخبار الثلاثة التي وصفناها لأنه حكى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نهيتكم عن الأوعية" فحكى إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر نهيه الأول ورخصته في ذلك الحديث. ثم استفتى بعد النبي صلى الله عليه وسلم فحكى النهي فدل ذلك على أنه لم يكن ليفتي بالمنسوخ، وإنما يكون الفتيا بآخر الأمور من السنة. وروى أنس بن مالك أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نهيتكم عن ثلاث، مثل ما قال علي رضي الله عنه. ثم روى محمد بن أبي إسماعيل عن عمارة بن عاصم قال: دخلت على أنس فسألته عن النبيذ؟ فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والمزفت فأعدت عليه فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والمزفت. فأفتى أنس أيضاً بالشدة والكراهة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقد جمع أنس أيضاً الأخبار الثلاثة التي وصفنا.

وروى المختار بن فلفل أيضاً قال: سألت أنساً عن الشرب في الأوعية فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوعية. فهذه كما قد رأيت فتيا وليست رواية. وقد روى الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت. فهذا منها، ولم يحتج به لأن هذه رواية، وقد يمكن أن يروي الأمر الأول ولكنه لما أفتى بالكراهة بعد أن سمع الرخصة علمنا أنه قد يحدث من النبي صلى الله عليه وسلم نهي بعد الإذن حين أفتوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي، وذكروا مع فتياهم قول النبي صلى الله عليه وسلم فيها. وكذلك عائشة أيضاً، وكذلك أبو سعيد أيضاً مثل هذه القصة سواء.

68 - باب في الشرب قائما

68 - باب في الشرب قائماً روى عاصم بن سليمان عن الشعبي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً. وروى عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً. وعطاء بن السائب عن ميسرة عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وحفص بن غياث عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر كنا نأكل ونحن نسعى ونشرب ونحن قيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعمران بن حدير عن يزيد بن عطارد عن ابن عمر مثله.

وروى معمر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لو يعلم الذي يشرب وهو قائم ما في بطنه لاستقاء". وروى هشام وغيره عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائماً. وروى هشام وغيره عن قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائماً. وروى شعبة عن أبي زياد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يشرب قائماً فقال له: "أتحب أن يشرب معك الهر؟ " قال: لا. فقال: "فقد شرب معك من هو شر منه. الشيطان ". فاختلفت الأحاديث في هذا الباب، وأحاديث الرخصة

أثبت لأن حديث أبي هريرة في الكراهة من وجهين: أحدهما: لم يروه غير معمر. وكان معمر مضطرباً في حديث الأعمش، ويخطئ فيه. والوجه الآخر: عن أبي زياد وليس بالمشهور بالحديث ولا أعرف له عن أبي هريرة غيره. ثم أبين ذلك في ضعفه أنه قد سئل أبو هريرة عن الشرب قائماً فقال: لا بأس به. فكان هذا خبر ساقط. وأما حديث أنس فهو حديث جيد الإسناد، إلا أنه قد جاء عن أنس خلافه. روى سفيان وزهير عن عبد الكريم الجزري عن البراء ابن بنت أنس عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب وهو قائمٌ. وحديث الكراهة عن أنس هو أثبت إلا أنه لما صحت أحاديث الرخصة فقد يمكن أن يكون هذا أصح الخبرين، وإن كان حديث الكراهة أثبت. أَلا ترى أنه ربما روى الثبت حديثاً فخالفه فيه من هو دونه، فيكون الذي هو دونه فيه أصوب،

وليس ذلك في كل شيء وسنفتح لك منها باباً. قد كان سالم بن عبد الله يقدم على نافع. وقد قدم نافع في أحاديث على سالم. فقيل نافع فيها أصوب. وكان سفيان بن سعيد يقدم على شريك في صحة الرواية تقديماً شديداً، ثم قضى لشريك على سفيان في حديثين. ومثل هذا كثير. وأما حديث أبي سعيد فإنه روى عن أبي عيسى الأسواري، وليس بالمشهور بالعلم، ولا نعرف له عن أبي سعيد غير هذا الحديث وآخر. ويرى مع هذا أنه إن كانت الكراهة بأصل ثابت، إن الرخصة بعدها، لأنا وجدنا العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على الرخصة، عمر، وعلي وسعد وعامر بن ربيعة وابن عمر وأبو هريرة وعائشة وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم. ثم أجازه التابعون: سالم بن عبد الله وطاووس وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم وغيرهم.

69 - باب الشرب من في السقاء.

69 - باب الشرب من في السقاء. روى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن الشرب من في السقاء". وروى أيوب عن عكرمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وروى قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وهو من وجوه. وروى يزيد بن يزيد بن جابر عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن جدته كبشة أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من فم قربةٍ. وروى سفيان عن عبد الكريم عن البراء عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من فم قربةٍ. وروى شريك عن حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

فاختلفت الأحاديث في هذا الباب. والاختيار عندنا فيه الكراهة لأنها أثبت، ولأن أحاديث الرخصة إن كان لها أصل فإنها لا تكون إلا قبل النهي. والنهي آخر الأمرين. فأما حديث شريك عن حميد عن أنس فهو عندنا خطأ، إنما أراد حديث عبد الكريم عن البراء عن أنس. وهذا إسناد ليس بالقوي. وبيان ما ذكرناه من النهي بعد الفعل فيما روى الزهري عن عبيد الله عن أبي سعيد قال: شرب رجل من سقاء فانساب في بطنه جان فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية. فهذا يدلك على أنهم كانوا يفعلونه حتى نهوا عنه.

70 - باب التنفس في الشراب

70 - باب التنفس في الشراب روى هشام الدستوائي وعبد الوارث بن سعيد عن أبي عصام عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثاً، ويقول "هو أهنا وأمرا وأبرأ". وروى عزرة بن ثابت عن ثمامة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا شرب تنفس ثلاثاً. وروى هشام عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يتنفس في الإناء". وروى عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يتنفس في الإناء". وروى رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب ماء فتنفس مرتين.

وروى مالك عن أيوب بن حبيب عن أبي المثنى الجهني عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجل: إني لا أروى بنفس واحدة؟ قال: فأبن الإناء عن فيك ثم تنفس. فدل ظاهر هذا الحديث على الرخصة في الشرب بنفس واحد. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة. والوجه فيها عندنا أنه يجوز الشرب بنفس واحد وبنفسين وبثلاثة أنفاس، وبأكثر منها، لأن اختلاف الرواية في ذلك يدل على التسهيل فيه وإن اختيار الثلاث لحسن. وأما حديث النهي عن التنفس في الإناء، فإنما ذلك أن يجعل نفسه في الإناء، فأما التنفس للراحة إذا أبانه عن فيه فليس من ذلك.

71 - باب الكراع في الشرب

71 - باب الكراع في الشرب روى فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث عن جابر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من الأنصار فقال: "هل عندك ماء بات في شنٍ وإلا كرعنا". وروى الليث عن سعيد بن عامر عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكرعوا". فاختلف هذان الحديثان. وحديث فليح أصحهما إسناداً.

72 - باب دعاء المشركين قبل القتال

72 - باب دعاء المشركين قبل القتال روى سفيان بن سعيد عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن ابن عباس قال: ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً قط إلا دعاهم. وروى سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر أمير جيوشه. يقول: "إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال، فأيهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم، وكف عنهم، وادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم" ثم قص الحديث. وروى عطاء بن السائب عن أبي البختري أن سلمان قال لأصحابه كفوا حتى أدعهم كما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم. ثم قص الحديث. فهذه الأحاديث توجب الدعاء قبل القتال. ثم جاءت أحاديث بغير ذلك. وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن

عباس عن الصعب بن جثامة قال: قلت يا رسول الله أهل الدار من العدو يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم؟ فقال: "هم منهم ". ولم يذكر في هذه الدعوة قبل القتال. وروى الزهري عن عروة عن أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "أغر على يُبْنى صباحاً". ولم يذكر الدعوة. وروى ابن عون عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارّون. وروى حميد عن أنسِ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أغار على قوم فإن سمع أذاناً أمسك، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم. وروى عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن ابن عصام المزني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا رأيتم مسجداً، أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحدا ". ومن ذاك أن النبي صلى الله عليه وسلم طرق أهل مكة بغتة فقاتلهم. فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها ولها وجوه، فأما

الأحاديث الأول فإنها فيمن لم تبلغه الدعوة، فأما إذا علم أن الدعوة قد انتهت إليهم فردوها فأولئك لا يدعون، وإن عاودوهم بالدعوة جاز، ألا ترى أن أهل مكة قد كان النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم وهو مقيم معهم قبل هجرته، ثم حاربوه مراراً فلذلك لم يدعهم، وكذلك أهل خيبر لم يدعهم لأنهم قد تقدمت عداوتهم، وبلغتهم دعوته، فتركوا أمره عامدين، وكذلك من سواهم. فعلى هذا يؤخذ هذا الباب، وكذلك جاءت الأحاديث عن العلماء بتصحيح هذا المذهب الذي اخترناه. روى شعبة عن قتادة عن الحسن قال: لا بأس أن لا يدعون. لأنهم قد عرفوا ما يدعوهم إليه. وقال سفيان عن منصور عن إبراهيم. قد علموا ما يدعون إليه.

73 - باب أي وقت يقاتل العدو

73 - باب أي وقت يقاتل العدو روى حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن علقمة بن عبد الله المزني عن معقل بن يسار عن النعمان بن مقرن قال: شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عند القتال ولم يقاتل أول النهار أخره إلى أن تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر. وعن ابن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا زالت الشمس نهد إلى عدوه. وروى حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغير حتى يصبح .. وروى الزهري عن عروة عن أسامة أن النبي صلى اله عليه وسلم قال له: " أغر على يُبنى صباحاً". وذكر الصعب بن جسامة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أجاز

أن يبيتوهم ليلاً. فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، وإنما الوجه في ذلك أنه جائز على قدر الحاجة إليه، فإن كان مطمئناً يقدر على تأخير قتالهم تحرى زوال الشمس، وإن كان لا يستطيع إلا مناجزتهم قاتلهم أي وقت كان.

74 - باب التحريق في أرض العدو

74 - باب التحريق في أرض العدو روى محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسارعن أبي إسحاق الدوسي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن ظفرتم بفلان وفلان فحرقوهما بالنار". ثم قال: "لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا الله عز وجل، فإن ظفرتم بهما فاقتلوهما". وروى أبو إسحاق الشيباني عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعذبوا بالنار فإنه لا يعذب بالنار إلا ربها". وروى أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعذبوا بعذاب الله عز وجل ". وروى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق.

وروى الزهري عن عروة عن أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أغر على يبنى صباحاً ثم حرق ". وروى إسماعيل عن قيس عن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا ترحني من ذي الخلصة؟ " قال: فحرقناها حتى جعلناها مثل الجمل الأجرب ثم بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فأخبره فبرك على أحمس. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة وإنما الوجه فيها أنه لا ينبغي أن تحرّق ذو روح بالنار، لأنه قال: "لا تعذبوا بعذاب الله عز وجل وإنما يعذب الله بالنار الإنس والجن خاصة". وإنما جاز التحريق في أرض العدو، وفي متاعهم ومنازلهم وكرومهم ونخيلهم يلتمس بذلك غيظهم

75 - باب سهم الفارس في العدو

75 - باب سهم الفارس في العدو روى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين، ولصاحبها سهماً. روى ابن فضيل عن الحجاج عن أبي صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للفارس ثلاثة أسهم. سهمه ولفرسه سهمان. وروى مجمع بن يعقوب عن أبيه عن عمه عبد الرحمن بن يزيد عن مجمع بن جارية أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للفارس سهمين. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، وأثبت ما روي في هذا الحديث الأول. أن يكون للفارس ثلاثة أسهم، سهم له، وسهمان لفرسه. وعلى ذلك فعل الأئمة عمر بن الخطاب وغيره.

76 - باب قبول هدية المشركين

76 - باب قبول هدية المشركين روى ابن عون عن الحسن عن عياض بن حمار. وعمران القطان عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حمار أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدية وهو مشرك فردها وقال: "لا نقبل زبد المشركين ". وروى أبوعون الثقفي عن أبي صالح عن علي رضي الله عنه أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه علياً رضي الله عنه .. وروى سفيان بن حسين عن علي بن زيد عن أنس أن المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم جرةً مِنْ مَنٍ فقسمها بين أصحابه. وروى أيضاً أن المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم فقبلها. فاختلفت هذه الأحاديث وهي تصرف على وجوه ثلاثة:

أحدها: أن يكون الحديث الذي ذكر فيه قبول هداياهم هو أثبت، وهو حديث علي رضي الله عنه، لأن حديث عياض بن حمار قد رواه غير واحد عن ابن عون عن الحسن مرسلاً. وحديث قتادة أيضاً هو عندنا مرسل، لأن يزيد بن عبد الله روى غير هذا الحديث عن أخيه مطرف عن عياض بن حمار، ومطرف أقدم من يزيد بعشر سنين، فلا نرى يزيد سمع من عياض. فهذا وجه من الثلاثة وهو أحسنها. والوجه الثاني. أن يكون أحد الحديثين ناسخ لصاحبه، وذلك أن عياض بن حمار كان يخالط النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، ثم أهدى له فكان هذا في أول الأمر، وكان حديث الأكيدر في آخر ذلك، لأنه كان قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بيسير .. والوجه الثالث: يكون قبول الهدية لأهل الكتاب، دون أهل الشرك، ألا ترى أن عياضاً لم يكن من أهل الكتاب، وأن الأكيدر كان في مملكة الروم وعلى دينها. والوجه الأول أحسنها أن يكون القبول هو أثبت الخبرين.

77 - باب في الضيافة

77 - باب في الضيافة روى منصور عن الشعبي عن المقدام بن معدي كرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليلة الضيف حق واجب ". وروى ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي شريح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الضيف جائزته يومه وليلته ". وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الضيافة ثلاثة أيام، فما زاد فهو صدقة ". وروى قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .. فهذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة. والوجه عندنا فيها أن لها وجوها: فأما قوله: يومه وليلته. فإن ذلك هو الحق الواجب الذي

لا يجوز تركه. وقوله: الضيافة ثلاثة أيام فهذا للضيف، ويقول إن أقام ثلاثاً فتلك ضيافة، وليست بصدقة فلا يتوقاها فإن زاد عليها فذلك الذي يتوقاها.

78 - باب من يجب عليه الحد

78 - باب من يجب عليه الحد روى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق، وهو ابن خمس عشرة فأجازه. وروى عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان أنبت فاقتلوه". وروى حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ". فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، ولها وجوه ولكل حديث منها موضع يعمل به فيه، وإنما هذه حدود ثلاثة فأيها سبق فهو إدراك لأنه قد يخفى معرفة سنّه فيؤخذ في احتلامه وقد يخفى احتلامه فيؤخذ بإنباته فكل ذلك علامة لبلوغ الحد الذي تجوز عليه الأحكام.

79 - باب طاعة الأئمة

79 - باب طاعة الأئمة روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أطاعني فقد أطاع الله عز وجل، ومن أطاع الإمام فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله عز وجل، ومن عصى الإمام فقد عصاني". وروى أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أطاعني فقد أطاع الله عز وجل، ومن أطاع أميري فقد أطاعني". وروى الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بايع إماماً فأعطاه ثمرة قلبه وصفقة يده فليطعه ما استطاع". وروى شعبة عن يحيى بن الحصين عن أم الحصين جدته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أمر عليكم عبد حبشي يقودكم بكتاب الله عز وجل فاسمعوا له وأطيعوا".

وروى شعبة عن قتادة عن أبي مراية عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة في معصية الله عز وجل ". وروى زبيد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف ". وروى عبد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فمن أُمِر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". وروى محمد بن عمرو عن عمر بن الحكم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أمركم بمعصية فلا تطيعوه ". وروى عبد الله بن عثمان بن خيثم عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة

لمن عصى الله عز وجل". وروى حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن عمرو بن زينب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة لمن عصى الله عز وجل ". فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، فتأول فيها أهل البدع. فأما أهل السنة: فقد وضعوها مواضعها، ومعانيها كلها متقاربة عندهم. فأما أهل البدع: فتأولوا في بعض هذه الأحاديث مفارقة الأئمة والخروج عليهم. والوجه فيها أن هذه الأحاديث يفسر بعضها بعضاً، ويصدق بعضها بعضاً. فأما حديث أبي هريرة الأول الذي ذكر فيها من أطاع الإِمام فقد فسره حديث أبي هريرة الثاني الذي قال فيه: من أطاع أميري ثم بين أنه أيضاً لم يخص أميره إذا أمر بغير طاعة الله، لأنه حين بعث عبد الله بن حذافة فأمرهم أن يقحموا النار

فرجعوا إليه فأخبروه فقال: من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوا. وأما حديث عبد الله بن عمرو فإنه قد قال فيه: فليطعه ما استطاع. فقد جعل له فيه ثنيا، وإنما يريد الطاعة في المعروف. وحديث أم الحصين قد اشترط فيه يقودكم بكتاب الله. وحديث علي رضي الله عنه قد فسره حين قال: إنما الطاعة في المعروف. وحديث ابن عمر أيضاً مفسر أنه إنما أوجب الطاعة ما لم يؤمر بمعصية. وكذلك حديث أبي سعيد. وأما حديث ابن مسعود، وأنس فهما اللذان تأولهما أهل البدع فقالوا: ألا تراه يقول لا طاعة لمن عصى الله عز وجل، فإذا عصى الله لم يطع في شيء، وإن دعا إلى طاعة. وإنما يرد المتشابه إلى المفسر، فما جعل هذا على ظاهره أولى بالاتباع من تلك الأحاديث بل إنما يرد هذا إلى ما بيّن معناه فقوله: "لا طاعة لمن عصى الله "، إنما يريد أنه لا يطاع في معصية. كسائر الأحاديث.

80 - باب كف الأيدي عن قتال الأئمة

80 - باب كف الأيدي عن قتال الأئمة روى الأعمش ومنصور عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإذا لم يستقيموا لكم فضعوا سيوفكم على عواتقكم ثم أبيدوا خضراءهم". وهذا حديث معضل مخالف للأحاديث كلها، وفيه علل واضحة عند أهل العلم. فمن ذلك أني سمعت عفان بن مسلم يقول: لم يسمعه الأعمش من سالم، ولم يسمعه سالم من ثوبان. ومن ذلك أن سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان شيئاً البتة، وقد أخبر عن ثوبان أنه كذبه. وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لثوبان حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كذبتم عليّ قلتم عليّ ما لم أقل". فلعله إنما أراد هذا الحديث بعينه، إنهم رووه عنه ولم يقله.

ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل قرشي صبرا". ومن ذلك قوله فيه: "أبيدوا خضراءهم". فهذا لا يكون إلا بقتل صغيرهم وكبيرهم. وهذا خلاف حكم الإسلام والقرآن. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "قريش ولاة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة". فكيف يكون هذا وقد أبيدت خضراؤهم؟. ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان". وقوله: "الناس تبع لقريش في الخير والشر". ومن ذلك قوله: "لا يحل دم أمرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث". وهذا يقول: فإن لم يستقيموا. وقد يكون من ذلك ما لا يبلغ تحليل الدماء. فهذا حديث ذاهب لا يحتج به عالم، وقد روى هذا الحديث أيضاً من وجوه كلها ضعيفة.

وروى عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن القاسم بن عوف عن علي بن حسين عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أتاكم المصدقون فسألوكم الصدقة فتعدوا عليكم فقاتلوهم". وشيئاً هذا هذا معناه. وهذا الحديث أيضاً مخالف للأحاديث، فمن ذلك: أن هشام بن حسان وقتادة رويا عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون بعدي أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد بريء، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع". قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا ما صلوا". فهذا عن أم سلمة، وذاك عن أم سلمة، وهذا أثبت الإسنادين، وهذا موافق للأحاديث، وذاك مخالف لها. وهذا ضبة بن محصن الذي وفد عمر يشكو أبا موسى حتى جمع بينه وبينه وكان له قدر عظيم. وذلك الإسناد ليس بثابت. ومما يخالفه أيضاً حديث جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتاكم المصدق فلا يفارقكم إلا عن رضى".

ومن ذلك حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم"سيأتيكم ركب مبغضون- يعنى المصدقين- فأدوا إليهم صدقاتكم وارضوهم فإن من تمام زكاتك مرضاهم". وروى عامر بن السمت عن معاوية بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون أمراء- فذكر من فعلهم ثم قال- فمن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن". وهذا أيضاً خلاف الأحاديث، وهو إسناد لم يسمع حديث عن ابن مسعود بهذا الإسناد غيره، وقد جاء الإسناد الواضح عن ابن مسعود بخلافه. روى الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سترون بعدي أثرة وفتناً وأموراً تنكرونها". قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله. قال: "تودون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم".

وهذا عن ابن مسعود، وذاك عن ابن مسعود، وهذا أثبت الإسنادين، وهو موافق للأحاديث، وذاك مخالف، ثم تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فكثرت عنه، وعن الصحابة والأئمة بعدهم- رضي الله عنهم- يأمرون بالكف، ويكرهون الخروج، وينسبون من خالفهم في ذلك إلى فراق الجماعة، ومذهب الحرورية وترك السنة.

81 - باب الانتفاع بالغنائم

81 - باب الانتفاع بالغنائم روى محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق مولى تجيب عن رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركبن دابة من فيء المسلمين فإذا أعجفها ردها فيه ولا يلبس ثوباً من فئ المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه". وروى سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله أنه قال: أنتهيت إلى أبي جهل فضربته بسيفي فلم يغن شيئاً فأخذت سيف أبي جهل فضربته حتى قتلته". فهذان الحديثان في ظاهرهما مختلفان، وإنما الوجه فيهما أن يوضع كل واحد منهما موضعه، فإذا كان في موضع الضرورة يستعين به على النكاية فيهم مثل صنيع ابن مسعود فذلك لا يدفع، وما كان يريد به أن يبقى على دابته، ويركب دابة من المغنم، أو يبقي على ثوبه، أو سلاحه أو العمل بالشيء على غير ذلك الوجه فهو المنهي عنه.

82 - باب في آنية المشركين

82 - باب في آنية المشركين حديث أبي ثعلبة هو من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله عن آنية العدو. فقال: "استغنوا عنها ما استطعتم فإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها واشربوا". فقال هاهنا: استغنوا عنها وإن احتجتم فاغسلوها، وسائر الأحاديث وظاهر القرآن على الرخصة في طعامهم وأكل جبنهم وخبزهم، وهم يصنعون ذلك في آنيتهم. وروى عطاء عن جابر كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يمتنع أن يأكل في آنيتهم، ونشرب في أسقيتهم ". وروى سماك عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن طعام النصارى فقال: "لا يتحلّجن في صدرك طعام ضارعت فيه النصرانية". ومن ذلك ما لا يدفع من أكل خلهم وألبانهم وغير ذلك من أشربتها وأطعمتهم، وإنما هي في آنيتهم.

فالوجه في ذلك أن يوضع كل شيء في موضعه، فإن كان من طعامهم معمولاً في شيء من آنيتهم فلا بأس بأكله وشربه كما جاء الحديث، وإذا كان شيء من الآنية فارغاً فاحتيج إليه غسل واستعمل كما جاء الحديث.

83 - باب في الركاز يوجد

83 - باب في الركاز يوجد روى الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الركاز الخمس ". وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. ومجالد عن الشعبي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .. وروى عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال: "في الركاز العشور". فهذا مخالف لتلك الأحاديث، وتلك الأحاديث أثبت وهي التي يعتمد عليه.

84 - باب المرتد ما يصنع به

84 - باب المرتد ما يصنع به روى أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بدل دينه فاقتلوه". وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أنس. وأبو رجاء مولى أبي قلابة عن أنس. وسماك عن معاوية بن قرة عن أنس. وقتادة عن أنس. وحميد عن أنس. وعبد العزيز بن صهيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع أيدي أولئك الذين قدموا عليه فأسلموا فبعث بهم إلى إبله ليشربوا من ألبانها فقتلوا الراعي، واستاقوا النعم وارتدوا فقطع أيديهم

وأرجلهم، وسمر أعينهم، تم تركهم في الشمس حتى ماتوا. فاختلف هذان الخبران، وإنما الحكم في المرتد أن يقتل. وأما حديث أنس هذا فقد تأوله الناس على وجهين: أحدهما: أحسن من الآخر. فأما ابن سيرين فقال: كان هذا قبل أن تحد الحدود. وأما أبو قلابة فذهب إلى أن هؤلاء محاربين يريد قول الله عز وجل {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ}. وهذا أحسن الوجهين عندنا، وأبين ذلك عندنا أن يكون هذا في مثل جرم أولئك خاصة، ولا يكون هذا في غيره، وذلك لأنهم قد سمر أعينهم. وقال بعضهم: سمل أعينهم. وكل ذلك لا يفعل بالمحارب، فقد بين هذا أن سنة هؤلاء غير سنة المحاربين، ولكن يكون في مثل فعل هؤلاء خاصة أن يفعل بمن فعل مثل فعلهم مثل الذي فعلوا، ولهذا أشباه في العلم أن يعمل بالشيء في موضعه مثل الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الذي وقع على امرأته في شهر رمضان فلم يجد ما

يكفر فأعطاه ما يكفر به عن نفسه فأخبره بضرورته فرخص له في أكله، فلا يكون هذا في غير ذلك من الكفارات أن يأكل الرجل ما يكفر به ولا يطعمه عياله.

85 - باب في البداوة

85 - باب في البداوة روى شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع. وروى إسماعيل بن زكريا عن الحسن بن الحكم عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من بدا جفا. وروى سفيان عن أبي موسى اليماني عن وهب بن منبه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بدا جفا". واختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها ولها وجوه، فأما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنما وجهه أن يبرز إلى بعض التلاع الساعة من النهار أو اليوم أو شبهه، وأما الكراهة فإنها لمن لزم البادية وترك الأمصار والجماعات.

86 - باب الكفارة قبل الحنث

86 - باب الكفارة قبل الحنث روى أبو بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حلف على يمين فرأى خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه". فجعل الكفارة في هذا بعد الحنث. وروى الأعمش عن عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر يمينه، ويأتي الذي هو خير". فجعل الكفارة قبل الحنث. وروى هشام عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إذا حلفت على يمين فرأيت خيراً منها فكفر عن يمينك، وات الذي هو خير". فبدأ هذا أيضاً بالكفارة قبل الحنث.

وروى .. .. .. عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إذا حلفت على يمين فرأيت خيراً منها، فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك". فجعل هذا الكفارة بعد الحنث. روى سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بيمين فرأى خيراً منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير". فجعل الكفارة قبل الحنث. وروى أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن أُذينة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من حلف على يمين فرأى ما هو خير منها فليأتِ الذي هو خير، وليكفر عن يمينه". وروى الهيثم بن حميد عن زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله عن ابن عائذ عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا

حلفت فرأيت أن غير ذلك أفضل كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو أفضل". فجعل هذا الكفارة قبل الحنث. فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، وإنما الوجه في ذلك أنه جائز كله أن يكفر قبل أو بعد. وبيان ذلك في كتاب الله عز وجل حين فرض كفارة الظهار قبل أن يتماسا، فهذه كفارة قبل وجوبها، لأنه لو طلقها بعد أن ظاهر منهالم يلزمه كفارة وإنما كفر للذي أراد من الفعل فكذلك الذي يكفر يمينه قبلاً خشية هو أن ينوي أن يحنث. وقد اختلفت الأحاديث في ذلك عن الصحابة فما الوجه في ذلك إلا أنهم كانوا يجعلون ذلك معنى واحداً قدم الكفارة أم أخرها فسموا وأبين ذلك في الرواية. روي عن سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: "لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير. فبدأ بالكفارة قبل الحنث. ورواه وكيع عن هشام عن أبيه عن عائشة عن أبي بكر

رضي الله عنه قال: "لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني". فبدأ هذا بالحنث قبل الكفارة. وكذلك أيضاً عن عمر حدثني أبو الطباع عن شريك عن أبي حصين عن قبيصة بن جابر عن عمر رضي الله عنه قال: "إذا حلفت على يمين فرأيت خيراً منها كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير معناه". فبدأ بالكفارة. ورواه أبو نعيم عن شريك عن أبي حصين عن قبيصة بن جابر عن عمر فذكر فيه أن يبدأ بالحنث قبل الكفارة. آخر كتاب الناسخ والمنسوخ

§1/1